حياة الصحابة

محمد يوسف الكاندهلوي

الآيات القرآنية في طاعة الله سبحانه وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم

{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} 1 - الآيات القرآنية في طاعة الله سبحانه وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ للَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ الرحمن الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا الصّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّآلّينَ} . قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ رَبّى وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِراطٌ مُّسْتَقِيمٌ} (آل عمران: 51) . وقال الله تعالى: {قُلْ إِنَّنِى هَدَانِى رَبّى إِلَى صِراطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى للَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذالِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (الأنعام: 161 - 163) . وقال تعالى: {قُلْ ياأَيُّهَا النَّاسُ إِنّى رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِى لَهُ مُلْكُ السَّمَاواتِ وَالاْرْضِ لآ اله إِلاَّ هُوَ يُحْىِ وَيُمِيتُ فَئَامِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِىّ الأمّىّ الَّذِى يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} «ـ (الأعراف: 158) . وقال تعالى: {وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآءوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللَّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً} (النساء: 64) . وقال: {يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْاْ عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ} (الأنفال: 20) . وقال:

{وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (آل عمران: 132) . وقال: {وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (الأنفال: 46) . وقال: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِى الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِى شَىْء فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} ( النساء: 59) . وقال تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُواْ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَآئِزُون} (النور: 51، 52) . وقال تعالى: {قُلْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمّلَ وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِى ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدّلَنَّهُمْ مّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِى لاَ يُشْرِكُونَ بِى شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذالِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ وَأَقِيمُواْ الصلاةَ وَآتُواْ الزكاةَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مُعْجِزِينَ فِى الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُواْ الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ مّن قَبْلِ صلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صلاةِ الْعِشَآء ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوفُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ وَإِذَا بَلَغَ الاْطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُواْ كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذالِكَ يُبَيّنُ اللَّهُ لَكُمْ ءايَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النّسَآء الَّلَاتِى لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرّجَاتِ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عِلِيمٌ لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ ءابَآئِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلّمُواْ عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيّبَةً كَذَلِكَ يُبَيّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ ءامَنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُواْ حَتَّى يَسْتَذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَآء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَآء بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ أَلآ إِنَّ للَّهِ مَا فِى السَّمَاواتِ وَالاْرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبّئُهُمْ بِمَا عَمِلُواْ وَاللَّهُ بِكُلّ شَىْء عَلِيمُ} ( النور: 54 - 70) . وقال: {فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسَانٌ فَبِأَىّ ءالآء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} (الأحزاب: 70، 71) . وقال: {يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْء وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} (الأنفال: 24) . وقال: {قُلْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللَّهَ

لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} (آل عمران: 32) . وقال تعالى: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً} (النساء: 80) . وقال تعالى: {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مّنَ النَّبِيّينَ وَالصّدّيقِينَ وَالشُّهَدَآء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً ذالِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيماً} (النساء: 69، 70) . وقال تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الاْنْهَرُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذالِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} (النساء: 13، 14) . وقال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الانفَالِ قُلِ الانفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءايَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ أُوْلئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} (الأنفال: 1 - 4) . وقال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصلاةَ وَيُؤْتُونَ الزكاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (التوبة: 71) . وقال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (آل عمران: 31) . وقال تعالى: {فَبِأَىّ ءالآء رَبّكُمَا تِكَذّبَانِ} (الأحزاب: 21) . وقال تعالى: {مَّآ أَفَآء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَى لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الاْغْنِيَآء مِنكُمْ وَمَآ ءاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (الحشر: 7) .

الأحاديث في طاعة النبي صلى الله عليه وسلم

2 - الأحاديث في طاعة النبي صلى الله عليه وسلم واتِّباعه واتِّباع خلفائه رضي الله عنهم: أخرج البخاري عن أَبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: «كل أُمتي يدخلون الجنة إلا من أَبى، قالوا يا رسول الله ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أَبى» كذا في «الجامع» . وأخرج البخاري أيضاً عن جابر رضي الله عنه قال: جاءت ملائكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم فقالوا: إنَّ لصاحبكم هذا مثلاً فاضربوا له مثلاً. قال بعضهم: إِنَّه نائم، وقال بعضهم: إنَّ العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: مَثَلُه كمثل رجل بنى داراً وجعل فيها مأدُبة وبعث داعياً؛ فمن أَجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدُبة، ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأَكل من المأدُبة. فقالوا: أَوِّلُوها له يفقَهْها، قال بعضهم: إِنَّه نائم، وقال بعضهم: إِنَّ العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: الدار الجنة، والداعي محمد، فمن أَطاع محمداً فقد أطاع الله، ومن عصى محمداً فقد عصى الله، ومحمد فَرْقٌ بين الناس. وأخرج الدارمي عن ربيعة الجَرَشي رضي الله عنه بمعناه، كما في «المشكاة» (ص 21) .

وأَخرج الشيخان عن أبي موسى رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنَّما مثلي مثل ما بعثني الله به كمثل رجل أَتى قوماً فقال: يا قوم، إِنِّي رأَيت الجيش بعيني، وإِني أَنا النذير العُريان، فالنَّجاءَ، فالنَّجاءَ فأَطاعه طائفة من قومه فأَدلجوا فانطلقوا على مهلهم فنَجَوا، وكذّبت طائفة منهم فأَصبحوا مكانهم فصبَّحهم الجيش فأَهلكهم واجتاحهم؛ فذلك مثل من أطاعني فاتبع ما جئت به ومثل من عصاني وكذَّب ما جئب به من الحق» . وأخرج الترمذي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ليأتين على أمتي كما أَتى على بني إِسرائيل حَذْوَ النَّعْلِ بالنَّعْلِ» ؛ حتى إِنْ كان منهم من أَتى أمه علانية لكان في أَمتي من يصنع ذلك، وإِنَّ بني إِسرائيل تفرَّقت على ثنتين وسبعين ملَّة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملَّة، كلُّهم في النار إِلا ملَّة واحدة. قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: «ما أَنا عليه وأصحابي» . وأخرج الترمذي وأبو داود - واللفظ له - عن العِرْباض بن سارية رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ثم أَقبل علينا بوجهه؛ فوعظنا

موعظة بليغة ذرفت منها العين ووجلت منها القلوب، فقال رجل: يا رسول الله، كأَنَّ هذه موعظة مودِّع فماذا تعهد إلينا: قال: «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإِن عبداً حبشياً؛ فإِنَّه من يَعِشْ منكم بعدي فسيرى إختلافاً كثيراً، فعليكم بسنَّتي وسنَّة الخلفاء الراشدين المهديِّين، تمسّكوا بها وعضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدَثات الأمور فإِنَّ كل مُحْدَثة بدعة وكل بدعة ضلالة» . وأَخرج رَزِين عن عمر رضي الله عنه مرفوعاً: سأَلت ربِّي عن إختلاف أَصحابي من بعدي، فأوحى إليّ: يا محمد، إِنَّ أَصحابك عندي بمنزلة النجوم من السماء بعضها أَقوى من بعض ولكلِّ نور، فمن أَخذ بشيء ممن هم عليه من إختلافهم فهو عندي على هدى» ، وقال: «أصحابي كالنجوم بأَيهم اقتديتم اهتديتم» ، كذا في جمع الفوائد. وأخرج الترمذي عن حُذيفة رضي الله عنه مرفوعاً: «إنِّي لا أدري قَدْر بقائي فيكم فاقتدوا باللَّذْين من بعدي - وأَشار إِلى أَبي بكر وعمر رضي الله عنهما - واهتدوا بِهَدْي عمَّار، وما حدَّثكم ابن مسعود فصدِّقوه» . وأخرج أيضاً عن بلال بن الحارث المُزَني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من أَحيا سنّة من سنّتي قد أُميتت بعدي فإن له من الأجر مثل أجور من عمل به من غير أَن ينقص ذلك من أجورهم شيئاً. ومن ابتدع بدعة ضلالة لا يرضاها الله ورسوله كان عليه من الإِثم مثل آثام من عمل بها لا ينقص

ذلك من أوزارهم شيئاً» . وأَخرج ابن ماجه أيضاً نحوَه عن كَثير بن عبد الله بن عمرو عن أَبيه عن جده. وأَخرج الترمذي أَيضاً عن عمرو بن عوف رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إِنَّ الدين ليأرِز إلى الحجاز كما تأرِز الحيّة إلى حُجْرها، وليَعْقِلَنَّ الدين من الحجاز مَعْقِل الأُرْوِيَّة من رأس الجبل. إِنَّ الدين بدأَ غريباً وسيعود غريباً كما بدأَ، طوبى للغرباء وهم الذين يُصلحون ما أَفسد الناس من بعدي من سنّتي» . وأخرج أَيضاً عن أَنس رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا بني، إِن قَدرْتَ أَن تصبح وتمسي وليس في قلبك غُشُّ لأحد فافعل، ثم قال: يا بني، وذلك من سنَّتي، ومن أَحب سنّتي فقد أحبني، ومن أَحبني، كان معي في الجنة» . وأَخرج البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنه ما مرفوعاً: «من تمسك بسنَّتي عند فساد أمتي فله أجر مائة شهيد» . رواه الطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه إِلا أَنه قال: «فله أجر شهيد» ، كذا في الترغيب. وأَخرج الطبراني وأبو نُعَيْم في الحِلية عن أبي هريرة رضي الله عنه: «المتمسك بسنَّتي عند فساد أمتي له أجر شهيد» .

الآيات القرآنية في النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم

وأخرج الحكيم عنه: «المتمسك بسنَّتي عند اختلاف أُمتي كالقابض على الجمر» كذا في كنز العمال. وأخرج مسلم عن أنس رضي الله عنه مرفوعاً: «من رغب عن سنَّتي فليس مني» . وأخرجه ابن عساكر عن ابن عمر وزاد في أوله: «من أخذ بسنّتي فهو مني» . وأَخرج الدارقطني عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً: من تمسك بالسنَّة دخل الجنَّة» . وأخرج السَّجْزي عن أنس رضي الله عنه مرفوعاً: «من أَحيا سنَّتي فقد أحبَّني ومن أحبَّني كان معي في الجنة» . 3 - الآيات القرآنية في النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم: قال الله تعالى: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مّن رّجَالِكُمْ وَلَاكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلّ شَىْء عَلِيماً} (الأحزاب: 40) . وقال تعالى: {ياأَيُّهَا النَّبِىُّ إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشّراً وَنَذِيراً وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً} (الأحزاب: 45، 46) . وقال تعالى: {إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشّراً وَنَذِيراً لّتُؤْمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزّرُوهُ وَتُوَقّرُوهُ وَتُسَبّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} (الفتح: 8، 9) . وقال تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلاَ تُسْئَلُ عَنْ

أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} (البقرة: 119) . وقال تعالى: {إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِن مّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ} (فاطر: 24) . وقال تعالى: {وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَآفَّةً لّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} (سبأ: 28) . وقال تعالى: {وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشّراً وَنَذِيراً} (الفرقان: 56) . وقال تعالى: {وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لّلْعَالَمِينَ} (الأنبياء: 107) . وقال تعالى: {هُوَ الَّذِى أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} (الصف: 9) . وقال تعالى: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِى كُلّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلآء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لّكُلّ شَىْء وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} (النحل: 89) . وقال تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَآء مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِى كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِى مَن يَشَآء إِلَى صِراطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (البقرة: 142) . وقال تعالى: {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فَاتَّقُواْ اللَّهَ ياأُوْلِى الالْبَابِ الَّذِينَ ءامَنُواْ قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَّسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ ءايَاتِ اللَّهِ مُبَيّنَاتٍ لّيُخْرِجَ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الاْنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً} ( الطلاق: 10، 11) . وقال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءايَاتِهِ وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَالٍ مُّبِينٍ} (آل عمران: 164) . وقال تعالى: {كَمَآ أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مّنْكُمْ يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِيكُمْ وَيُعَلّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ فَاذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ

تَكْفُرُونِ} (البقرة: 151، 152) . وقال تعالى: {لَقَدْ جَآءكُمْ رَسُولٌ مّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءوفٌ رَّحِيمٌ} ـ (التوبة: 128) . وقال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِى الاْمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكّلِينَ} (آل عمران: 159) . وقال تعالى: {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِى الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِىَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (التوبة: 40) . وقال تعالى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَآء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِى وُجُوهِهِمْ مّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِى التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِى الإنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} (الفتح: 29) . قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِىَّ الامّىَّ الَّذِى يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِى التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالاْغْلَالَ الَّتِى كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ ءامَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِى أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الأعراف: 157) .

قوله تعالى في أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام

4 - قوله تعالى في أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام: {لَقَدْ تَابَ الله عَلَى النَّبِىّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالاْنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِى سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءوفٌ رَّحِيمٌ وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الارْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (التوبة: 117، 118) . وقال تعالى: {لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِى قُلُوبِهِمْ فَأنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً} ـ وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَان اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (الفتح: 18، 19) . وقال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الاْوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالانْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِىَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الانْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (التوبة: 100) . وقال تعالى: {لِلْفُقَرَآء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْواناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ وَالَّذِينَ تَبَوَّءوا الدَّارَ وَالإيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِى صُدُورِهِمْ حَاجَةً مّمَّآ أُوتُواْ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الحشر: 8، 9) . وقال تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِى بِهِ مَن يَشَآء وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} (الزمر: 23) . وقال تعالى: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِئَايَاتِنَا

ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم في الكتب المتقدمة على القرآن

الَّذِينَ إِذَا ذُكّرُواْ بِهَا خَرُّواْ سُجَّداً وَسَبَّحُواْ بِحَمْدِ رَبّهِمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِىَ لَهُم مّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَآء بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (السجدة: 15 - 17) . وقال تعالى: {وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِن فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِى الاْرْضِ وَلَاكِن يُنَزّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَآء إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرُ بَصِيرٌ وَهُوَ الَّذِى يُنَزّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِىُّ الْحَمِيدُ وَمِنْ ءايَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاواتِ وَالاْرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَآبَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَآء قَدِيرٌ} (الشورى: 26 - 29) . وقال تعالى: {مّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً لّيَجْزِىَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُفعَذّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَآء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً} (الأحزاب: 23، 24) . وقال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ ءانَآء الَّيْلِ سَاجِداً وَقَآئِماً يَحْذَرُ الاْخِرَةَ وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُو الاْلْبَابِ} (الزمر: 9) . 5 - ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم في الكتب المتقدمة على القرآن:. أَخرج أحمد عن عطاء بن يَسَار قال: لقيتُ عبد الله بن عمرو ابن العاص رضي الله عنهما فقلت: أَخبرني عن صفاتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة، فقال: أجلْ. الله إِنه لموصوفٌ في التوراة بصفته في القرآن: (يا أَيها النبيُّ إِنَّا أَرسلناك

شاهداً، ومبشِّراً، ونذيراً، وحِراً للأمِّيين، أنت عبدي ورسولي، سميتُك المتوكِّل، لا فَظٌ ولا غليظٌ ولا صخَّابٌ في الأَسواق، لا يدفُع بالسيئةِ السيئةَ ولكن يعفو ويغفرُ، ولن يقبضه الله حتى يقيموا الملّة العوجاءَ بأَن يقولوا لا إله إِلا الله، يفتحُ به أَعيناً عُمْياً، وآذاناً صُمّاً، وقلوباً غُلْفاً) . وأَخرجه البخاري نحوه عن عبد الله، البيهقي عن ابن سَلام، وفي رواية: «حتى يقيم به الملّة العوجاء» . وأَخرجه ابن إِسحاق عن كعب الأَحبار بمعناه. وأَخرجه البيهقي عن عائشة رضي الله عنها مختصراً؛ وذكر وَهْب بن مُنَبِّه أَن الله تعالى أوحى إلى داود في الزبور: «يا داود، إِنَّه سيأتي من بعدك نبيٌّ إسمه أحمد ومحمد، صادقاً سيّداً، لا أغضب عليه أبداً، وقد غفرت له قبل أَن يعصيني ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، وأمته مرحومة؛ أعطيتهم من النوافل مثل ما أعطيت الأنبياء، وفرضت عليهم الفرائض التي افترضت على الأَنبياء والرسل، حتى يأتوني يوم القيامة ونورهم مثل نور الأنبياء.. إلى أن قال: يا داود، إنّي فضلت محمداً وأمته على الأمم كلِّها» . كذا في البداية. أخرج أبو نُعَيم في الحلية عن سعيد بن أبي هلال أنَّ عبد الله بن عمرو قال لكعب أَخبرني عن صفة محمد صلى الله عليه وسلم وأمته، قال: أجدُهم في كتاب الله تعالى: {إن أحمد وأمته حمادون يحمدون اعز وجل على كل خير وشر يكبرون اعلى كل شرف ويسبحون افي كل منزل نداؤهم في جو السماء لهم دوي في صلاتهم كدوي النحل على الصخر يصفون في الصلاة كصفوف الملائكة ويصفون في القتال كصفوفهم في الصلاة إذا غزوا في سبيل اكانت الملائكة بين أيديهم ومن خلفهم برماح شداد إذا حضروا

الأحاديث في صفة النبي صلى الله عليه وسلم

الصف في سبيل اكان اعليهم مظلا وأشار بيده كما تظل النسور على وكورها لا يتأخرن زحفا أبدا} . وأخرجه أيضاً بإِسناد آخر عن كعب بنحوه وفيه: «وأمته الحمَّادون يحمدون الله على كل حال ويكبِّرونه على كل شَرَف، رُعاة الشمس، يصلُّون الصلوات الخمس لوقتهن ولو على كُناسة، يأتزرون على أَوساطهم ويوضِّئون أطرافهم» . وأُخرج أيضاً بإِسناد آخر عن كعب مطوَّلاً. 6 - الأحاديث في صفة النبي صلى الله عليه وسلم أخرج يعقوب بن سفيان الفَسَوي الحافظ عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: سألت خالي هند بن أبي هالة - وكان وصَّافاً - عن حِلْية رسول الله صلى الله عليه وسلم وأَنا أشتهي أَن يصف لي منها شيئاً أَتعلَّق به، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فَخْماً مُفَخَّماً، يتلألأُ وجهه تلألؤَ القمر ليلة البدر. أطولَ من المربوع وأَقصر من المشذَّب عظيم الهامة. رَجْل الشعر، إِذا تفرقت عقيصته فَرَق، وإِلا فلا يجاوز شعرُه شحمةَ أذنيه إذا وفَّره. أزهر اللون. واسع الجبين. أَزجَّ الحواجب، سوابغ في غير قَرَن، بينهما عِرْق

يُدِرُّه الغضب. أَقنى العِرنين، له نور يعلوه، يحسبه من لم يتأَمله أَشمّ. كَثَّ اللحية. أَدعج. سهل الخدين. ضليع الفم. أَشنب، مُفَلَّجَ الأَسنان. دقيق المَسربة. كأَن عنقه جيد دُمية في صفاء الفضة، معتدلَ الخَلْق. بادناً متماسكاً. سَوَاء البطن والصدر. عريض الصدر. بعيدَ ما بين المنكبين. ضخم الكراديس. أنورَ المتجرد. موصولَ ما بين اللبة والسُّرَّة بشعر يجري كالخط. عاري الثديَيْن والبطن مما سوى ذلك. أَشعرَ الذراعين والمنكبين وأَعالي الصدر. طويلَ الزندين. رَحْبَ الرَّاحة. سبط القصب. شثن الكفَّين والقدمين. سائل الأطراف. خُمْصن الأخْمَصين.

مسيح القدمين، ينبو عنهما الماءُ. إِذا زال زال قَلْعاً يخطو تكفُّؤاً ويمشي هوناً. ذَرِيع المِشية، إذا مشى كأَنما ينحطُّ من صبب. وإِذا التفت التفت جميعاً، خافض الطرف، نظرُه إِلى الأرض أَطول من نظره إِلى السماء، جُلُّ نظره الملاحظة، يسوق أصحابه، ويبدأ من لقيه بالسلام» . قلت: صفْ لي منطقه، قال: «كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم متواصِلَ الأَحزان. دائمَ الفكرة. ليست له راحة. لا يتكلَّم في غير حاجة. طويلَ السكوت. يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه. يتكلم بجامع الكلم. كلامه فَصْل لا فضول لا تقصير، دَمِث. ليس بالجافي ولا المَهين، يعظِّم النِّعمة وإِن دقَّت، لا يذم منها شيئاً ولا يمدحه. ولا يقوم لغضبه - إِذا تُعرِّض للحق - شيءٌ حتى ينتصر له. وفي رواية: لا تغضبه الدنيا ما كان لها، فإِذا تُعرِّض للحق لم يعرفه أَحد ولم يقم لغضبه شيءٌ حتى ينتصر له. لا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها، إِذا أَشار أَشار بكفِّه كلِّها، وإِذا تعجَّب قَلَبها، وإِذا تحدَّث يصل بها يضرب براحته اليمنى باطن إِبهامه اليسرى. وإِذا غضب أَعرض وأشاح. وإذا فرح غضَّ

طرفه، جُلُّ ضحك التبسُّم يفترُّ عن مِثْل حبِّ الغَمام. قال الحسن: فكتمتُها الحسنَ بن علي زماناً ثم حدَّثته فوجدته قد سبقني إِليه، فسأَله عما سأَلتُه عنه ووجدتُه قد سأل أَباه عن مَدْخله ومَخْرجه ومجلسه ومَخْرجه ومجلسه وشكله فلم يدعْ منه شيئاً. قال الحسين: سأَلت أبي عن دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «كان دخولُه لنفسه مأذوناً له في ذلك، وكان إِذا أَوى إلى منزله جزَّأَ دخولَه ثلاثة أَجزاء: جزءاً لله، وجزءاً لأهله، وجزءاً لنفسه، ثم جزَّأَ جزأه بينه وبين الناس فردَّ ذلك على العامة والخاصَّة لا يدَّخر عنهم شيئاً. وكان من سيرته في جزء الأمّة إيثار أَهل الفضل بإِذنه وقَسْمه على قدر فضلهم في الدين، فمن هم ذو الحاجة ومنهم ذو الحاجتين، ومنهم ذو الحوائج، فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما يصلحهم والأمة من مسأَلته عنهم وإِخبارهم بالذي ينبغي لهم ويقول: «ليبلِّغ الشاهدُ الغائبَ، وأبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغي حاجته؛ فإِنه من أبلغ سلطاناً حاجة من لا يستطيع إِبلاغها إِياه ثبَّت الله قدميه يوم القيامة» ، لا يُذكر عنده إلا ذلك، ولا يقبل من أحد غيرَهُ، يدخلون عليه رُوّاداً ولا يفترقون إلا عن ذَواق - وفي رواية: ولا يفترقون إلا عن ذوق - ويخرجون أدلّة - يعني على الخير -. قال: وسأَلته عن مخرجه كيف كان يصنع فيه؟ فقال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخزُن لسانه إِلا بما يعنيه. ويؤلِّفهم ولا ينفِّرهم. ويكرم كريم كل قوم ويولِّيه عليهم. ويحذر الناس ويحترس منهم من غير أَن يطوي على أَحد منهم بِشْرَه

ولا خُلُقَه. يتفقَّد أَصحابه، ويسأَل الناس عمَّا في الناس، ويحسِّن الحسن ويقوِّيه، ويقبِّح القبيح ويُوَهِّيه. معتدل الأمر غير مختلف. لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يميلوا. لكلِّ حال عنده عتاد. ولا يقصِّر عن الحق ولا يحوزه. الذين يلونه من الناس خيارهم، أَفضلهم عنده أعمهم نصيحة، وأَعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة وموازرة. قال: فسأَلته عن مجلسه كيف كان؟ فقال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر ولا يُوطن الأَماكن وينهى عن إِيطانها. وإِذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ويأمر بذلك. يعطي كل جلسائه نصيبه، لا يحسب جليسه أَنَّ أحداً أكرم عليه منه، من جالسه أَو قومه في حاجة صابره حتى يكون هو المنصرف عنه، ومن سأَله حاجة لم يردّه إِلا بها أو بميسور من القول. قد وسع الناسَ منه بَسطُه وخلقُه فسار لهم أباً وصاروا عنده في الحق سوء، مجلسُهُ مجلسُ حلم وحياءٍ وصبر وأمانة، لا تُرفع فيه الأصوات، ولا تُؤْبن فيه الحرم، ولا تُنثَى فلتاته. متعادلين يتفاضلون فيه بالتقوى، متواضعين يوقِّرون فيه الكبير ويرحمون فيه الصغير، ويؤثرون ذا الحاجة، ويحفظون الغريب» . قال: فسأَلته عن سيرته في جلسائه فقال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائم

البِشْر، سهل الخُلُق، لين الجانب، ليس بفظ، ولا غليظ، ولا سخَّاب، ولا فاش، ولا عيّاب، ولا مزَّاح. يتغافل عما لا يشتهي، ولا يُؤْيس منه راجيَه، ولا يخيب فيه. قد ترك نفسه من ثلاث: المراء. والإِكثار، وما لا يعنيه. وترك الناس من ثلاث: كان لا يذم أَحداً ولا يعيِّره، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إِلا فيما يرجو ثوابه. إِذا تكلم أطرق جلساؤه كأَنما على رؤوسهم الطير، فإِذا تكلم سكتوا وإِذا سكت تكلموا، ولا يتنازعون عنده. يضحك ما يضحكن منه، ويتعجب مما يتعجبون من. ويصبر للغريب على الجفْوة في منطقه ومسأَلته حتى إِن كان أَصحابه ليستحلبونه في المنطق، ويقول: إِذا رأَيتم صاحب حاجة فأَرْفدوه. ولا يقبل الثناء إِلا من مكافىء ولا يقطع على أَحد حديثه حتى يَجُور فيقطعه بنهي أَو قيام» . قال: فسأَلته كيف كان سكوته؟ قال «كان سكوته على أربع: الحلم، والحذر، التقدير، والتفكر؛ فأَما تقديره ففي تسويته النظر والإستماع بين الناس، وأمَّا تذكُّره - أو قال: تفكُّره - ففيما يبقى ويفنى. وجُمع له صلى الله عليه وسلم الحلم والصبر فكان لا يغضبه شيء ولا يستفزّه. وجُمَع له الحذر في أربع: أَخذه بالحسنى، والقيامُ لهم فيما جمع لهم الدنيا الآخرة صلى الله عليه وسلم وقد روى هذا الحديث بطوله الترمذي في الشمائل عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: سأَلتُ خالي.. فذكَره، وفيه حديثه عن أخيه

الآثار في صفة الصحابة الكرام رضي الله عنهم

الحسين عن أَبيه علي بن أبي طالب. وقد رواه البيهقي في الدلائل عن الحاكم بإِسناده عن الحسن قال: سألتُ خالي هند بن أبي هالة.. فذكره، كذا ذكر الحافظ ابن كثير في البداية قلت: وساق إِسناد هذا الحديث الحاكم في المستدرك ثم قال.. فذكر الحديث بطوله. وأَخرجه أَيضاً الرُوياني والطبراني وابن عساكر كما في كنز العمال والبغوي كما في الإصابة، وفيما ذكر في الكنز في آخره: وجُمع له الحذر في أربع: أخْذُه بالحسنى ليُقْتَدَى به، وتَرْكُ القبيح ليُتناهى عنه، واجتهاده الرأي فيما أَصلَح أمته، والقيام فيما جمع لهم الدنيا والآخرة. وهكذا ذكره في المجمع عن الطبراني. 7 - الآثار في صفة الصحابة الكرام رضي الله عنهم: أَخرج ابن جريج وابن أَبي حاتم عن السُّدِّي في قوله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ ءامَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ مّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} (آل عمران: 110) قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لو شاء الله لقال: «أنتم» فكنَّا كلُّنا ولكن قال: «كنتم» خاصّة في أَصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ومَنْ صنع مثل صنيعهم، كانوا خيرَ أمّة أُخرجَتْ للنَّاس) . وعند ابن جرير عن قَتَادة رضي الله عنه قال: ذُكرَ لنا أَن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأَ هذه الآية: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ ءامَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ مّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} (آل عمران: 110) - الآية، ثم قال: (يا أيَّها الناس، من

سرَّه أَن يكون من تِلْكم الآية فليؤدّ شرط الله منها) . كذا في كنز العمال. وأَخرج أَبو نُعيم في الحلية عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (إِنَّ الله نظر في قلوب العباد فاختار محمداً صلى الله عليه وسلم فبعثه برسالته وانتخبه بعلمه. ثم نظر في قلوب الناس بعده فاختار الله له أصحاباً، فجعلَهم أَنصارَ دينه ووزراءَ نبيِّه صلى الله عليه وسلم فما رآه المؤمنون حسناً فهو حسنٌ وما رآه المؤمنون قبيحاً فهو عند الله قبيحٌ) . وأخرجه ابن عبد البر في الإستيعاب عن ابن مسعود رضي الله عنه بمعناه ولم يذكُر: (فما رآه المؤمنون - إلى آخره) وأخرجه الطَّيالسي (ص 33) أيضاً نحو حديث أبي نُعيم. وأَخرج أبو نُعيم أَيضاً عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (من كان مُستنّاً فليستنَّ بمن قد مات، أولئك أَصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا خير هذه الأمّة، أبرَّها قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلَّها تكلُّفاً، قوم اختارهم الله لصحبة نبيِّه صلى الله عليه وسلم ونقل دينه، فتشبَّهوا بأَخلاقهم وطرائقهم؛ فهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا على الهدى المستقيم والله ربِّ الكعبة: كذا في الحلية وأَخرج أَيضاً عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (أنتم أَكثرُ صياماً وأَكثرُ صلاةً وأَكثرُ اجتهاداً من أَصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم كانوا خيراً منكم قالوا: لِمَ يا أبا عبد الرحمن، قال: هم كانوا أزهد في الدنيا وأَرغب في الآخرة) كذا في الحلية. وأخرج أيضاً عن أَبي وائل قال: سمع عبد الله رجلاً يقول: أين الزاهدون في الدنيا الراغبون في الآخرة؟ فقال عبد الله: (أولئك أَصحاب الجابية، اشترط خمسُ

مائة من المسلمين أن لا يرجعوا حتى يُقتلوا، فحلقوا رؤوسهم ولقُوا العدو فقُتلوا إِلا مخبرٌ عنهم) كذا في حلية الأَولياء. وأَخرج أيضاً عن ابن عمر رضي الله عنهما أَنه سمع رجلاً يقول: أَين الزاهدون في الدنيا الراغبون في الآخرة؟ فأَراه قبرَ النبي صلى الله عليه وسلم وأَبي بكر وعمر رضي الله عنهما فقال: (عن هؤلاء تسأَل) كذا في الحلية. وأَخرج ابن أَبي الدنيا عن أَبي أَراكة يقول: صليتُ مع علي رضي الله عنه صلاة الفجر، فلما انفَتَلَ عن يمينه مكث كأَنَّ عليه كآبةً، حتى إِذا كنت الشمس على حائِط المسجد قِيدَ رُمْح صلَّى ركعتين ثم قَلَب يده فقال: (والله لقد رأَيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فما أرى اليوم شيئاً يُشبههم لقد كانوا يُصبحون صُفْراً شُعْثاً غُبْراً بين أعينهم كأَمثال رُكَب المِعزى، قد باتوا لله سُجّداً وقياماً، يتلُون كتاب الله، يتراوحون بين جباهم وأقدامهم، فإِذا أَصبحوا فذكروا الله مادُوا كما يميد الشجر في يوم الريح وهملت أعينهم حتى تنبل ثيابهم، والله لكأَنّ القومَ باتوا غافلين) ثم نهض فما رُئِيَ بعد ذلك مفترَّاً يضحك حتى قتله ابن مُلْجَم عدوُّ الله الفاسق، كذا في البداية. وأخرجه أيضاً أبو نُعيم في الحلية والدينَوَرِي والعسكري وابن عساكر كما في الكنز. وأَخرج أبو نعيم أَيضاً عن أبي صالح قال: دخل ضرار بن ضمرة الكِناني

على معاوية فقال له: صِفْ لي علياً، فقال: أَوَ تُعْفيني يا أمير المؤمنين؟ قال لا أُعفيك، قال: (أما إِذْ لا بدَّ؛ فإنَّه كان - والله - بعيد المدى، شديد القوى، يقول فَصْلاً ويحكم عدلاً، يتفجَّرُ العلمُ من جوانبه، وتنطِق الحكمةُ من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنسُ بالليل وظلمته، كان - والله - غزير العَبْرة، طويل الفكرة، يقلِّبُ كفّه ويخاطب نفسه، يُعجبه من اللباس ما قَصُر. ومن الطعام ما جَشُب، كان - والله - كأَحدنا يُدنينا إِذا أتيناه، ويُجيبنا إِذا سأَلناه، وكان مع تقرُّبِه إِلينا وقربهِ منا لا نكلمه هيبة له، فإِن تبسم فَعَنْ مثل اللؤلؤ المنظوم، يُعَظِّمُ أَهل الدين، ويُحبُّ المساكين، لا يطمعُ القويُّ في باطله، ولا ييأَسُ الضعيف من عدله، فأَشْهدُ بالله لقد رأيتُه في بعض مواقفه - وقد أَرخى الليل سدوله وغارت نجومه - يميلُ في محرابه قابضاً على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، فكأَني أسمعه الآن وهو يقول: يا ربنا، يا ربنا: يتضرع إِليه ثم يقول للدنيا: إِليَّ تَغَرَّرْتِ؟ إِليَّ تشوَّفتِ؟ هيهات هيهات، غُرِّي غيري، قد بتَتُّكَ ثلاثاً. فعرُك قصيرٌ، ومجلسُك حقيرٌ، وخطرُك يسير، آه، آه، من قلة الزاد وبعد السفر ووحشةِ الطريق) فَوَكَفَتْ دموع معاوية على لحيتها يملكها وجعل ينشفها بكمه - وقد اختنق القوم بالبكاء - فقال: (كذا كان أبو الحسن رحمه الله، كيف وَجْدُك عليه يا ضرار) ؟ قال: «وَجْد مَنْ ذُبح واحدها في حِجْرها، لا ترقأُ دمعتها، ولا يسكن حزنها) ثم قام فخرج. وأَخرجه أيضاً ابن عبد البر في الإستيعاب عن الحِرماني - رجل من همْدان - عن ضِرار الصُدَائي بمعناه. وأخرج أبو نُعيم عن قتادة قال: سُئل ابن عمر رضي الله عنهما هل كان أَصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يضحكون قال: (نعم والإِيمانُ في قلوبهم أعظمُ من

الجبال) كذا في الحلية. وأَخرج هنَّاد عن سعيد بن عمر القرشي أنَّ عمر رضي الله عنه رأى رُفْقة من أهل اليمن رحالهم الأَدَمُ فقال: (من أحبَّ أن ينظر إلى شَبَهٍ كانوا بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلينظر إلى هؤلاء) كذا في كنز العمال. وأَخرج الحاكم في المستدرك عن أَبي سعيد المَقْبُري قال: لما طُعن أبو عبيدة رضي الله عنه قال: يا معاذُ صلِّ بالناس، فصلى معاذ بالناس، ثم مات أبو عبيدة بن الجراح، فقام معاذ في الناس فقال: (يا أيّها الناس، توبوا إلى الله من ذنوبكم توبة نصوحاً فإِن عبد الله لا يلقى الله تائباً من ذنبه إلا كان حقاً على الله أَن يغفر له. ثم قال: إنكم أيها الناس، قد فُجِعتم برجل - والله - ما أَزعم أَني رأيت من عباد الله عبداً قطُّ أَقل غِمْراً، ولا أبرأ صدراً، ولا أَبعد غائلة، ولا أَشد حباً للعاقبة، ولا أَنصح للعامة منه، فترحَّموا عليه ثم أَصْحِروا للصلاة عليه، فوالله لا يلي عليكم مثله أبداً) . فاجتمع الناس وأُخرج أَبو عبيدة رضي الله عنه وتقدَّم معاذ رضي الله عنه فصلّى عليه، حتى إذا أُتي به قبره دخل قبره معاذ بن جبل وعمرو ابن العاص والضحَّاك بن قيس، فلما وضعوه في لحده وخرجوا فشنّوا عليه التراب، فقال معاذ بن جبل: (يا أبا عبيدة،

لأثنِيَنَّ عليك ولا أقول باطلاً أَخاف أَن يلحقني بها من الله مَقْتٌ: كنتَ - والله - ما علمتُ من الذاكرين الله كثيراً، ومن الذين يمشون على الأَرض هَوْناً وإِذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً، ومن الذين إِذا أَنفقوا لم يُسرفوا ولم يقتُروا وكان بين ذلك قواماً، وكنت والله من المُخبتين، المتواضعين، الذين يرحمون اليتيم والمسكين ويُبغضون الخائنين المتكبرين) . وأخرج الطبراني عن رِبْعي بن حِرَاش قال استأذن عبد الله ابن عباس على معاوية رضي الله عنهم وقد عَلِقت عنده بطون قريش وسعيد ابن العاص جالس عن يمينه، فلما رآه معاوية مقبلاً قال: يا سعيد، والله لأُلقِيَنَّ على ابن عباس مسائل يعيَى بجوابها، فقال له سعيد: ليس مثل ابن عباس يعيى بمسائلك، فلما جلس قال له معاوية: ما تقول في أَبي بكر؟ قال: (رحم الله أبا بكر، كان - والله للقرآن تالياً، وعن المَيْل نائياً، وعن الفحشاء ساهياً، وعن المنكر ناهياً، وبدينه عارفاً، ومن الله خائفاً. وبالليل قائماً، وبالنهار صائماً، ومن دنياه سالماً وعلى عدل البرية عازماً، وبالمعروف آمراً وإِليه صائراً، وفي الأحوال شاكراً، ولله في الغدو والرواح ذاكراً، ولنفسه بالمصالح قاهراً. فاق أَصحابه ورعاً وكفافاً وزهداً وعفافاً وبرّاً وحِياطة زهادة وكفاءة، فأعقبَ الله مَنْ ثَلَبه اللعائن إِلى يوم القيامة) . قال معاوية: فما تقول في عمر بن الخطاب؟ قال: (رحم الله أبا حفص، كان - والله - حليف الإسلام، ومأوى الأيتام، ومحلَّ الإيمان، ومعاذَ الضعفاء، ومعقلَ الحنفاء، للخَلْق حصناً، وللناس عوناً، قام بحق الله صابراً محتسباً حتى أَظهر الله الدين وفتح الديار، وذُكِر الله في الأقطار والمناهل وعلى التلال وفي

الضواحي والبقاع، وعند الخَنى وقوراً، وفي الشّدة والرخاء شكوراً، ولله في كل وقت وأَوان ذكوراً، فأَعقب الله من يبغضه اللعنة إِلى يوم الحسرة) . قال معاوية رضي الله عنه: فما تقول في عثمان بن عفان؟ قال: (رحم الله أبا عمرو، كان - والله - أَكرم الحَفَدة، وأَوصلَ البررة، وأَصبرَ الغزاة، هجّاداً بالأَسحار. كثيرَ الدموع عند ذكر الله، دائمَ الفكر فيما يعنيه الليلَ والنهارَ، ناهضاً إِلى كل مكرمة، يسعى إلى كل منجية، فرّاراً من كل مُوبقة، وصاحب الجيش والبئر، وخَتَن المصطفى على ابنتيه، فأعقب الله من سبَّه الندامة إلى يوم القيامة) . قال معاوية: فما تقول في علي بن أبي طالب؟ قال: (رحم الله أَبا الحسن كان - والله - علمَ الهدى، وكهفَ التقى، ومحل الحجى، وطَوْدَ البهاء، ونور السُّرَى في ظلم الدُّجَى، داعياً إلى المَحَجَّة العظمى، عالماً بما في الصحف الأُولى، وقائماً بالتأويل والذكرى، متعلِّقاً بأسباب الهدى، وتاركاً للجَوْر والأَذى. وحائداً عن طرقات الرَّدَى، وخيرَ من آمن واتقى، وسيِّدَ من تقمَّص وارتدى، وأَفضلَ من حجَّ وسعى، وأسمحَ من عدل وسوَّى، وأَخطبَ أَهل الدنيا إِلا الأنبياء والنبي المصطفى، وصاحب القبلتين، فهل يوازيه موحِّدٌ؟ وزوج خير النساء، وأبو السبطين، لم تَرَ عيني مثله ولا ترى إِلى يوم القيامة واللقاء، من لعنه فعليه لعنةُ الله والعباد إِلى يوم القيامة) . قال: فما تقول في طلحةَ والزبير؟ قال: (رحمة الله عليهما، كانا - والله - عفيفَين، برّين، مسلمَين، طاهرَين، متطهِّرَين، شهيدَين، عالَمَين، زَلا زلَّة

والله غافرٌ لهما إِن شاء الله بالنُّصرة القديمة والصُّحبة القديمة والأفعال الجميلة) . قال معاوية: فما تقول في العبَّاس؟ قال: (رحم الله أَبا الفضل كان - والله - صِنوَ أَبي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرَّة عين صفيِّ الله، كهف الأقوام، وسيّد الأعمام، وقد عَلا بصراً بالأمور ونظراً بالعواقب. قد زانَه علمٌ، قد تلاشت الأحساب عند ذكر فضيلته، وتباعدت الأسباب عند فخر عشيرته، ولم لا يكون كذلك وقد ساسه أكرم من دبَّ وهب عبدُ المطلب، أفخر من مشى من قريش وركب) ؟ ... فذكر الحديث. قال الهيثمي: رواه الطبراني، وفيه من لم أعرفهم.

الباب الأول باب الدعوة إلى الله وإلى رسوله

الباب الأول باب الدعوة إلى الله وإلى رسوله كيف كانت الدعوةُ إلى الله وإِلى رسوله صلى الله عليه وسلم أحَبَّ إلى النبي عليه السلام وإلى الصحابة رضي الله عنهم من كل شيء وكيف كانوا حريصين على أَن يهتديَ الناس ويدخلوا في دين الله وينْغَمسوا في رحمة الله وكيف كان سعيهم في ذلك لإيصال الخلق إِلى الحق.

باب الدعوة إلى الله وإلى رسوله

باب الدعوة إلى الله وإلى رسوله حب الدعوة والشغف بها حرص النبي صلى الله عليه وسلم على إيمان جميع الناس أخرج الطبرني عن ابن عباس في قوله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِىٌّ وَسَعِيدٌ} (هود: 105) ونحو هذا من القرآن قال: (إِن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحرص أَن يؤمن جميع الناس ويبايعوه على الهدى، فأَخبره الله عزّ وجلّ أنّه لا يؤمن إِلا من سبق له من الله السعادةُ في الذِّكْر الأَول، ولا يضلُّ إِلا من سبق له من الله الشقاء في الذِّكْر الأَول، ثم قال الله عزّ وجلّ لنبيه صلى الله عليه وسلم {طسم تِلْكَ ءايَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ إِن نَّشَأْ نُنَزّلْ عَلَيْهِمْ مّنَ السَّمَآء ءايَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} (الشعراء: 1 - 4) . قال الهيثمي رجاله وُثِّقوا إِلا أَنَّ عليَّ بن أَبي طلحة قيل لم يسمع من ابن عباس. انتهى.

عرضه صلى الله عليه وسلم الدعوة على قومه عند وفاة أبي طالب وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال لمّا مرض أبو طالب دخل عليه رَهْط من قريش فيهم أَبو جهل فقالوا: إِنَّ ابن أخيك يشتم آلهتنا ويفعل ويفعل ويقول ويقول، فلو بعثتَ إِليه فنهيتَ. فبعث إِليه فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فدخل البيت وبينهم وبين أَبي طالب قَدْرُ مجلسِ رجلٍ، قال: فخشي أبو جهل - لعنهُ الله - إِنْ جلس إِلى جنب أبي طالب أَنْ يكون أَرقَّ له عليه؛ فوثب فجلس في ذلك المجلس، ولم يجدْ رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلساً قربَ عمِّه فجلس عند الباب، فقال له أبو طالب: أيْ ابن أخي، ما بال قومك يشكونك ويزعمون أَنك تشتم آلهتهم وتقول وتقول؟ قال: وأَكثروا عليه من القول. وتكلَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا عمّ إِنِّي أريدهم على كلمة واحدة يقولونها؛ تَدينُ لهم بها العرب وتُؤدِّي إِليهم بها العجمُ الجزيةَ» ففزعوا لكلمته ولقوله، فقال القوم: كلمة واحدة نعمْ وأَبيكَ عشراً، فقالوا: وما هي؟ وقال أَبو طالب: وأَيُّ كلمة هي يا ابن أخي؟ قال صلى الله عليه وسلم «لا إِله إِلا الله» ، فقاموا فَزِعين ينفِضُون ثيابهم وهم يقولون: {أَجَعَلَ الاْلِهَةَ الهاً واحِداً إِنَّ هَاذَا لَشَىْء عُجَابٌ} (ص: 5) ، قال: ونزلت من هذا الموضع - إِلى قوله: {بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ} (ص: 8) . وهكذا رواه الإِمام أحمد والنِّسائي وابن أَبي حاتم وابن جرير كلهم في تفاسيرهم، ورواه الترمذي وقال: حسن، كذا في التفسير لابن كثير؛ وأَخرجه البيهقي أَيضاً والحاكم بمعناه وقال: حديث صحيح الإِسناد ولم يخرِّجاه، وقال الذهبي: صحيح اهـ.

عرضه صلى الله عليه وسلم الكلمة على أبي طلب عند وفاته وعند ابن إسحاق عن ابن عباس رضي الله عنهما - كما في البداية - قال: لمّا مَشوا إِلى أَبي طالب وكلَّموه وهم أَشراف قومه: عُتبةُ بن ربيعة، وشَيْبة بن ربيعة، وأَبو جهل بن هشام، وأُميةُ بن خَلَف، وأبو سفيان بن حَرب، في رجال من أشرافهم، فقالوا: يا أبا طالب، إِنَّك منَّ حيث قد علمتَ، وقد حضرك ما ترى، وتخوَّفنا عليك، قد علمتَ الذي بيننا وبين ابن أخيك، فادْعه فخذْ لنا منه وخذْ له منّا ليكفَّ عنا ولنكفَّ عنه ولْيدَعْنا وديننا ولْنَدَعه ودينه. فبعث إِليه أَبو طالب فجاءه، فقال: يا ابن أخي، هؤلاء أَشراف قومك قد اجتمعوا إِليك ليعطوك وليأَخذوا منك، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «نعم كلمة واحدة تعطونها تملكون به العرب وتَدين لكم بها العجم» ، فقال أبو جهل: نعم وأَبيك وعشر كلمات، قال: «تقولون: لا إِله إلا الله، وتخلَعون ما تعبدون من دونه» فصفَّقوا بأَيديهم، ثم قالوا: يا محمد، أَتريد أَن تجعلَ الآلهة إِلهاً واحداً؟ إِنَّ أمرك لعجبٌ قال ثم قال بعضهم لبعض: إِنَّه - والله - ما هذا الرجل بمعطيكُم شيئاً مما تريدون، فانطلِقُوا وامضُوا على دين آبائكم حتى يحكُم الله بينكم وبينه، ثم تفرَّقوا. قال: فقال أبو طالب: الله يا ابن أخي، ما رأيتك سألتهم شططاً، قال: فطمع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه، فجعل يقول له: أَيْ عم، فأنت فقُلْها إستحلُّ لك بها الشفاعة يوم القيامة» فلما رأى حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا ابن أخي. والله لولا مخافةُ السُبَّة عليك وعلى بني أبيك من بعدي، وأَن تظنَّ قريش أني إِنما قلتها جَزَعاً من الموت لقلتها، لا أقلها إلا لأسرَّكَ بها.. فذكر الحديث.. وفيه راوٍ مبهم لا يُعرف حالُه. وعند البخاري عن ابن المسيِّب عن أبيه أنَّ أبا طالب لما حضرته الوفاة

دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل فقال: «أيْ عم، قل: لا إله إلا الله كلمةً أحاجُّ بها عند الله» ، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب، أترغب عن ملَّة عبد الطلب؟ فلم يزالا يكلِّمانه حتى قال آخر ما كلَّمهم به: على ملَّةِ عبد المطلب؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم «لأستغفرنَّ لك ما لم أُنَه عنك» فنزلت: {مَا كَانَ لِلنَّبِىّ وَالَّذِينَ ءامَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِى قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} (التوبة: 113) ونزلت: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَاكِنَّ اللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَآء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (القصص: 56) ، ورواه مسلمك. وأخرجاه أيضاً من طريق آخرَ عنه بنَحْوِه وقال فيه فلم يزلْ رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعودان له بتلك المقالة حتى قال آخر ما قال: على ملَّة عبد المطَّلب، وأبى أن يقول: «لا إله إلا الله» فقال النبي صلى الله عليه وسلم «أمَا لأستغفرنَّ لك ما لم أُنْهَ عنك» ، فأنزلَ الله - يعني بعد ذلك - فذكر الآيتين. وهكذا روى الإمام أحمد ومسلم والنِّسائي والترمذي عن أَبي هريرة رضي الله عنه قال: لم حضرتْ وفاةُ أبي طالب أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا عمَّاه قُلْ: لا إِله إِلا الله أشهدْ لك بها يوم القيامة» ، فقال: لولا أنْ تعيِّرني قريش يقولون: ما حمله عليه إِلا فزعُ الموت لأقررتُ بها عينك، ولا أقولها إِلا لأُقرَّ بها عينك؛ فأنزل الله عزّ وجلّ: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ

وَلَاكِنَّ اللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَآء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (القصص: 56) ، كذا في البداية. إنكاره صلى الله عليه وسلم أن تترك الدعوة إلى الله وأخرج الطبراني والبخاري في التاريخ عن عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه قال: جاءت قريش إلى أبي طالب ... فذكر الحديث كما سيأتي في باب تحمُّل الشدائد وفيه: فقال له أبو طالب: يا ابن أخي، والله ما علمتُ إِنْ كنت لي لمطاعاً، وقد جاء قومك يزعمون أنَّك تأتيهم في كعبتهم وفي ناديهم تسمعهم ما يؤذيهم فإنْ رأيت أن تكفَّ عنهم. فحلَّق ببصره إلى السماء فقال: «والله ما أنا بأقدرَ أنْ أدَع بعثتُ به مِنْ أن يشعل أحدكم من هذه الشمس شعلة من نار» . وعند البيهقي أنَّ أبا طالب قال له صلى الله عليه وسلم يا ابن أخي، إِنَّ قومك قد جاؤوني وقالوا كذا وكذا، فأَبْقِ عليَّ وعلى نفسك ولا تحمِّلْني مِنَ الأمر ما لا أطيق أنا ولا أنت، فاكففْ عن قومك ما يكرهون من قولك، فظنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنْ قد بَدَا لعمه فيه، وأنَّه خاذلُه ومسلمُه وضَعفُ عن القيام معه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا عمّ، لو وُضعت الشمسُ عن يميني والقمرُ في يساري ما تركت هذا الأمر حتى يُظهرَهُ الله أو أهلِكَ في طلبه» ؛ ثم استعبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى - فذكر الحديث كما سيأتي. وأخرج عبد بن حُمَيد في مسنده عن ابن أبي شيبة بإسناده عن جابر

بن عبد الله رضي الله عنهما قال: اجتمع قريش يوماً فقالوا: أنظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر فليأت هذا الرجل الذي فرَّق جماعتنا وشتَّت أمرنا وعاب ديننا، فليُكلمْهُ، وينظر ماذا يرد عليه، فقالوا: ما نعلم أحداً غيرَ عُتبة بن ربيعة؛ قالوا: إئتهِ يا أبا الوليد، فأتاه عتبة فقال: يا محمد، أنت خير أم عبد الله؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أنت خير أم عبد المطلب؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فإن كنتَ تزعم أنَّ هؤلاء خير منك فقد عبدوا الآلهة التي عِبْتَ، وإن كنت تزعم أنك خير منهم فتكلم حتى نسمع قولك إنَّا - والله - ما رأينا سَخْلة قط أشأم على قومه منك، فرقتَ جماعتنا، وشتَّت أمرنا، وعِبتَ ديننا، وفضحتَنا في العرب، حتى لقد طار فيهم أنَّ في قريش ساحراً وأنَّ في قريش كاهناً والله ما ننتظر إِلا مثلَ صيحة الحبلى أنْ يقوم بعضنا إلى بعض بالسيوف حتى نتفانى أيها الرجل، إن كان إنما بك الحاجة جمعنا لك حتى تكون أغنى قريش رجلاً، وإنْ كان إنما بك الباه فاختر أيَّ نساء قريش شئت فلنزوجكَ عشراً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «فَرغت؟» نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «بسم الله الرحمن الرحيم، حم. تنزيلٌ من الرحمن الرحيم. كتابٌ فُصِّلَتْ آياتُه قرآناً عربياً لقوم يعلمون. - إلى أنْ بلغ - فإن أعرضوا فقل أنذرتكُم صاعقةَ مثلَ صاعقةِ عادٍ وثمود» ، فقال عتبة: حسْبُك ما عندك غير هذا؟ قال: «لا» ؛ فرجع إلى قريش فقالوا: ما وراءَك؟ قال: ما تركت شيئاً أرى أنكم تكلِّمونه إلا كلّمته، قالوا: فهل أجابك؟ فقال: نعم، ثم قال: لا والذي نَصَبَها بَنِيَّة ما فهمتُ شيئاً ممَّا قال غير أنَّه أنذركم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود قالوا: ويلك يكلمك الرجل بالعربية لا تدري ما قال؟ قال: لا والله ما فهمت شيئاً

ما قال غير ذكر الصاعقة. وقد رواه البيهقي وغيره عن الحاكم وزاد: وإِن كنتَ إنما بك الرئاسة عقدنا ألويتنا لك فكنت رأساً ما بقيت. وعنده: أنَّه لما قال: «فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود» أمسك عتبة على فيهِ وناشده الرَّحِم أن يكفَّ عنه ولم يخرج إلى أهله واحتبس عنهم، فقال أبو جهل: والله يا معشر قريش، ما نرى عتبة إلا صبأ إلى محمد وأعجبه طعامه، وما ذاك إلا من حاجة أصابته، إنطلقوا بنا إليه. فأتَوه، فقال أبو جهل: والله يا عتبة، ما جئنا إلا أنك صبوْتَ إلى محمد وأعجبك أمره، فإن كان بك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك ن طعام محمد، فغضب وأقسم بالله لا يُكلِّم محمداً أبداً، وقال لقد علمتُم أني من أكثر قريش مالاً ولكنِّي أتيته - وقصَّ عليهم القصة - فأجابني بشيء والله ما هو بسحر ولا بشعر ولا كِهانة، قرأ «بسم الله الرحمن الرحيم. حم. تنزيل من الرحمن الرحيم - حتى بلغ - فإنْ أعرضوا فَقُلْ أنذرتكُم صاعقةً مثل صاعقة عاد وثمود» ؛ فأمسكت بفيهِ وناشدته الرَّحِم أنْ يكفَّ، وقد علمتم أنَّ محمداً إذا قال شيئاً لم يكذب فخفت أن ينزل عليكم العذاب، كذا في البداية. وأخرجه أبو يَعْلَى عن جابر رضي الله عنه مثل حديث عبد بن حُمَيد. وأخرجه أبو نُعيم في الدلائل (ص 75) بنحوه، قال الهيثمي: وفيه الأجلحُ الكِندي وثَّقه ابن مَعِين وغيره وضعفَّه النِّسائي وغيره، وبقية رجاله ثقات. انتهى. وأخرج أبو نُعيم في دلائل النبوة (ص 76) عن ابن عمر رضي الله عنهما أن قريشاً

إجتمعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد، فقال عتبة بن ربيعة لهم: دعوني حتى أقومَ إليه أُكلمه فإني عسى أن أكون أرفقَ به منكم، فقام عتبة حتى جلس إليه فقال: يا ابن أخي، أراكَ أوسطنا بيتاً، وأفضلنا مكاناً، وقد أدخلت على قومك ما لم يُدخل رجل على قومه مثله فإنْ كنت تطلب بهذا الحديث مالاً فذلك لك على قومك أنْ يُجمع لك حتى تكون أكثرنا مالاً. وإن كنت تطلب شَرَفاً فنحن نشرِّفك حتى لا يكون أحد من قومك أشرف منك ولا نقطع أمراً دونك. وإن كان هذا عن ملمَ يصيبك فلا تقدر على النزوع منه بذلنا لك خزائننا حتى نُعْذَر في طلب الطبِّ لذلك منك. وإن كنت تريد ملكاً ملَّكناك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أَفرغت يا أبا الوليد؟» قال: نعم. قال: فقرأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حم السَّجْدة، حتى مرَّ بالسجدة، فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعتبة مُلْقٍ يده خَلْف ظهره حتى فرغ من قراءتها، ثم قام عتبة ما يدري ما يرجع به إلى نادي قومه، فلما رأوه مقبلاً قالوا: لقد رجع إليكم بوجه غير ما قام من عندكم، فجلس إليهم فقال: يا معشر قريش، قد كلمته بالذي أمرتموني به حتى إذ فرغت كلمني بكلام لا والله ما سمعت أذناي مثله قط وما دريت ما أقول له يا معشر قريش، فأطيعوني اليوم واعصوني فيما بعده واتركوا الرجل واعتزلوه، فوالله ما هو بتارك ما هو عليه، وخلُّوا بينه وبين سائر العرب، فإن يظهر عليكم يكن شرفه شرفكم وعزه عزكم، وإن يظهروا عليه تكونوا قد كُفيتموه بغيركم. قالوا: صبأت يا أبا الوليد. وهكذا ذكره ابن إسحاق بطوله كما ذكر في البداية، وأخرجه البيهقي أيضاً من حديث عمر مختصراً، قال ابن كثير في البداية: وهذا حديث غريب جداً من هذا الوجه.

إصراره صلى الله عليه وسلم على الجهاد بما بعثه الله من الدعوة إلى الله وأخرج البخاري عن المِسْور بن مَخْرَمة ومروان قالا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية - فذكر الحديث بطوله كما سيأتي في هذا الباب في الأخلاق المُفضية إلى هداية الناس، فيه: فبينما هم كذلك إذ جاء بُدَيل بن وَرْقاء الخُزاعي في نفر من قومه من خُزاعة - وكانوا عَيْبَةَ نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل تِهامة - فقال: إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي نزلوا أعداد مياه الحديبية ومعهم العوذ المطافيل، وهم مقاتلوك وصادُّوك عن البيت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنا لم نجىء لقتال أحد، ولكنَّا جئنا معتمرين، وإن نَهكَتْهُم الحرب وأضرت بهم فإن شاؤوا مادَدْتهم مدة ويخلُّوا بيني وبين الناس، فإن أظهر فإن شاؤوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا وإلا فقد جَمُّوا، وإن هم أبَوا فوالذي نفسي بيده وقاتلنَّهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي، ولينفذنَّ أمر الله» . وعندي الطبراني عن المِسْور ومروان مرفوعاً: «يا ويح قريش لقد أكلتهم الحرب، فماذا عليهم لو خلُّوا بيني وبين سائر العرب، فإن أصابوني كان الذي أرادوا، وإن الله أظهرني عليهم دخلوا في الإسلام وافرين، وإن لم يقبلوا قاتلوا وبهم قوة، فما تظن قريش؟ فوالله لا أزال أُجاهدهم على الذي بعثني الله حتى يظهرني الله أو تنفرد هذه السالفة» كذا في كنز العمال. وهكذا أخرجه ابن

أمره صلى الله عليه وسلم عليا في غزوة خيبر بالدعوة إلى الإسلام

إِسحاق من طريق الزُّهْري، وفي حديثه: «فما تظن قريش؟ فوالله لا أزال أُجاهد على هذا الذي بعثني الله به حتى يظهرَه الله أو تنفرد هذه السالفة» ، كذا في البداية. أمره صلى الله عليه وسلم علياً في غزوة خيبر بالدعوة إلى الإِسلام وأخرج البخاري عن سهل بن سعد رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: «لأُعطِيَنَّ هذه الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه، يحب الله ورسولَه ويحبه الله ورسولُه» قال: فبات الناس يدوكون ليلتهم أيُّهم يُعطاها، فلما أصبح الناس غَدَوا على النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يُعطاها، فقال: «أين عليّ بن أبي طالب؟» فقالوا: هو يا رسول الله يشتكي عينيه، قال: فأرسل إليه فأتى فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية، فقال علي: يا رسول الله، أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنفُذ على رِسْلَك حتى تنزل بساحتهم، ثم أدعهُم إِلى الإسلام؛ وأخبرهم بما يجب عليهم من حقِّ الله تعالى فيه؛ فوالله لئن يهديَ الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حُمْر النَّعَم» . وأخرجه أيضاً مسلم نحوه. صبره عليه السلام في دعوة الحَكَم بن كَيْسان إلى الإِسلام وأخرج ابن سعد عن المقداد بن عمرو قال: أنا أسرت الحَكَم بن كَيْسان، أراد أميرنا ضرب عنقه، فقلت: دَعْهُ نَقْدَمْ به على رسول الله صلى الله عليه وسلم قدمنا، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الإِسلام فأطالَ، فقال عمر: علام تكلِّم هذا يا رسول الله؟ والله لا يسلم هذا «آخر الأبد، دَعْني أضربْ عنقه وَيَقْدَم

قصة إسلام وحشي بن حرب

إلى أُمه الهاوية، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم لا يُقبل على عمر حتى أسلم الحكم، فقال عمر: فما هو إلا أن رأيته قد أسلم حتى أخذني ما تقدَّم وما تأخَّر، وقلت: كيف أردُّ على النبي صلى الله عليه وسلم أمراً هو أعلم به مني؟ ثم أقول: إنما أردت بذلك النصيحة لله ولرسوله، فقال عمر: فأسلم والله فحسن إسلامه وجهد في الله حتى قتل شهيداً ببئر معونة ورسول الله صلى الله عليه وسلم راضٍ عنه ودخل الجنان. وعنده أيضاً عن الزهري قال: قال الحكم: وما الإِسلام؟ قال: «تعبد الله وحده لا شريك له وتشهد أن محمداً عبده ورسوله» ، فقال: قد أسلمت، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه فقال: «لو أطعتكم فيه آنفاً فقتلتُه دخل النار» . قصة إسلام وَحْشيّ بن حرب وأخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إِليّ وحشيِّ بن حرب قاتل حمزة يدعوه إلى الإِسلام، فأرسل إليه؛ يا محمد، كيف تدعوني وأنت عزعم أن من قتل أو أشرك أو زنى يلقَ أثاماً، يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مُهاناً؛ وأنا صنعت ذلك؟ فهل تجد لي من رخصة؟ فأنزل الله عزّ وجلّ: {إِلاَّ مَن تَابَ وَءامَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدّلُ اللَّهُ سَيّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} (الفرقان: 70) . فقال وحشي: يا محمد، هذا شرط شديد «إلا من تاب وآمن عمل عملاً صالحاً» فلعلِّي لا أقدر على هذا، فأنزل الله عزّ وجلّ: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآء وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً} (النساء: 48) ، فقال وحشي: يا محمد، هذا أرى بعد مشيئة، فلا أدري هل يغفر لي أم لا فهل غير هذا؟ فأنزل الله عزّ وجلّ: {قُلْ ياعِبَادِىَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ

بكاء فاطمة على تغير لونه صلى الله عليه وسلم من أجل المجاهدة

هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (الزمر: 53) ، قال وحشي: هذا نعم، فأسلم؛ فقال الناس: يا رسول الله، إنا أصبنا ما أصاب وحشي، قال: «هي للمسلمين عامّة» . قال الهيثمي: وفيه أبْينُ بن سفيان ضعَّفه الذهبي. وعند البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن ناساً من أهل الشرك كانوا قد قتلوا فأكثروا وزنَوا فأكثروا، فأتوا محمداً صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن الذي تقول وتدعو إليه لحسنٌ لو تخبرنا أنَّ لما عملنا كفارة، فنزل: {وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ الها ءاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذالِكَ يَلْقَ أَثَاماً} (الفرقان: 68) ، ونزل: {قُلْ ياعِبَادِىَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ} . وأخرجه أيضاً مسلم وأبو داود والنِّسائي، كما في العيني وأخرجه البيهقي بنحوه. بكاء فاطمة على تغير لونه صلى الله عليه وسلم من أجل المجاهدة على ما بعثه الله وأخرج الطبراني وأبو نُعيم في الحلية والحاكم عن أبي ثعلبة الخُشَني قل: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غَزاة له، فدخل المسجد فصلى فيه ركعتين وكان يعجبه إذا قدم من سفر أن يدخل المسجد فيصلي فيه ركعتين يُثَنِّي بفاطمة ثم أزواجه - فقدم من سفره مرة فأتى فاطمة فبدأ بها قبل بيوت أزواجه، فاستقبلته على باب البيت فاطمة فجعلت تقبل وجهه - وفي لفظ: فاه -

وعينيه وتبكي، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما يبكيك؟» قالت: أراك يا رسول الله، قد شحب لونك، واخلولقت ثيابك، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا فاطمة لا تبك فإنَّ الله بعث أباك بأمر لا يبقى على ظهر الأرض بيت مَدَر ولا وبر ولا شَعَر إلا أدخله الله به عزاً أو ذلاً حتى يبلغَ حيث يبلغ الليل» كذا في كنز العمال. وقال الهيثمي: رواه الطبراني، وفيه يزيد بن سِنان أبو فَرْوة وهو مقارب الحديث مع ضعف كثير - إنتهى، وقال الحاكم: هذا حدث صحيح الإسناد ولم يخرِّجاه، وتعقبه الذهبي فقال: يزيد بن سنان هو الرّهاوي ضعفَّه أحمد وغيره، وعُقْبة (أي شيخه) نَكِرة لا تعرف - إنتهى، وذكر عُقْبة في

حرص عمر على رجوع المرتدين إلى الإسلام

اللسان فقال: قال البخاري في صحته نظر، وذكره ابن حِبَّان في الثقات. إنتهى. حديث تميم الداريّ في انتشار دعوة الإِسلام وأخرج أحمد والطبراني عن تميم الداريِّ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ليبلغنَّ هذا الأمر ما بلغ الليلُ والنهارُ، ولا يترك الله بيت مَدَر ولا وَبَر إِلا أدخله الله هذا الدين بعزِّ عزيز أو بذلِّ ذليل، غزّاً يعز الله به الإِسلام وأهله وذلا يذل الله به الكفر» ، وكان تميم الداري يقول: عرفت ذلك من أهل بيتي، لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعزّ، ولقد أصاب من كان منهم كافراً الذلَّ والصَّغَار والجزية. كذا في المجمع و. قال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح. إنتهى. وأخرح الطبراني نحوه عن المقداد أيضاً. حرص عمر على رجوع المرتدين إلى الإِسلام وأخرج عبد الرزاق عن أنس رضي الله عنه قال: بعثني أبو موسى بفتح تُسْتَر إلى عمر، فسأَلني عمر - وكان ستة نفر من بكر بن وائل قد ارتدا عن الإِسلام ولحقوا بالمشركين فقال: ما فعل النفر من بكر بن وائل؟ قلت: يا أمير المؤمنين، قوم قد ارتدُّوا عن الإِسلام ولحقوا بالمشركين ما سبيلهم إلا القتل، فقال عمر: لأن أكون أخذتُهم سِلْماً أحبّ إليَّ مما طلعت عليه الشمس من صفراء وبيضاء، قلت: يا أمير المؤمنين، وما كنت صانعاً بهم لو أخذتهم، قال

لي: كنت عارضاً عليهم الباب الذي خرجوا منه أن يدخلوا فيه، فإن فعلوا ذلك قبلت منهم وإلا استودعتهم السجن. كذا في الكنز. وأخرجه البيهقي أيضاً بمعناه. وعند ملك والشافعي وعبد الرزاق وأبي عُبَيد في الغريب والبيهقي (ص 207) عن عبد الرحمن القاريِّ قال: قدم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجل من قِبَل أبي موسى رضي الله عنه، فسأله عن الناس فأخبره، ثم قال: هل كان فيكم من مُغَرِّبَة خبر؟ فقال: نعم، رجل كفر بعد إسلامه، قال فما فعلتم به؟ قال: قرَّبناه فضربنا عنقه، قال عمر: فهلا حبستموه ثلاثاً، وأطعمتموه كل يوم رغيفاً، واستتبتموه لعله يتوب ويراجع أمر الله؟ اللهمَّ، إنِّي لم أحضر، ولم آمر، ولم أرض إذا بلغني. وعند مُسَدّد وابن عبد الحكم عن عمرو بن شُعَيب عن أبيه عن جدِّه قال: كتب عمرو بن العاص رضي الله عنه إلى عمر رضي الله عنه يسأله عن رجل أسلم ثم كفر، ثم أسلم ثم كفر، حتى فعل ذلك مراراً، أَيَقبلُ منه الإِسلام؟ فكتب إليه عمر أن أقبل منه الإِسلام ما قبل الله منهم، أعرض عليه الإِسلام فإن قبل فاتركه وإلا فاضرب عنقه، كذا في الكنز.

بكاء عمر على مجاهدة راهب

بكاء عمر على مجاهدة راهب وأخرج البيهقي وابن المنذر والحاكم عن أبي عمران الجوني قال: مرّ عمر رضي الله عنه براهب فوقف ونودي بالراهب فقيل له: هذا أمير المؤمنين، فاطَّلَع فإذا إنسان به من الضر والاجتهاد وترْكِ الدنيا، فلما رآه عمر بكى، فقيل له: إنه نصراني، فقال عمر: قد علمت ولكني رحمته، ذكرت قول الله عزّ وجلّ: {عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً} (الغاشية: 3، 4) رحمتُ نصبَه واجتهاده وهو في النار، كذا في كنز العمال. الدعوة للأفراد والأشخاص دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وبي بكر رضي الله عنه أخرج الحافظ أبو الحسن الأطرابلسي عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرج أبو بكر يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وكان له صديقاً في الجاهلية - فلقيه فقال: يا أبا القاسم، فُقدْتَ من مجالس قومك واتَّهموك بالعيب لآبائها وأُمهاتها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إني رسول الله أدعوك إلى الله» ، فلما فرغ من كلامه أسلم أبو بكر، فانطلق عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وما بين الأخشَبَيْن أحد أكثر سروراً منه بإسلام أبي بكر؛ مضى أبو بكر فراح لعثمان بن عفان وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص فأسلموا، ثم جاء الغد بعثمان بن مظعون وأبي عبيدة بن الجراح وعبد الرحمن بن عوف وأبي سَلَمة بن عبد الأسد والأرقم بن أبي الأرقم، فأسلموا رضي الله عنهم، كذا في البداية.

وذكر ابن إسحاق أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أحقٌ ما تقول قريش يا محمد من تَرْكِ آلهتنا، وتسفيهك عقولنا، وتكفيرك آباءنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «بلى، إنِّي رسول الله ونبيُّه، بعثني لأُبلِّغ رسالته، وأدعوك إلى الله بالحق فوالله إنه للحق، أدعوك يا أبا بكر إلى الله وحده لا شريك له، ولا تعبد غيره، والموالاة على طاعته» وقرأ عليه القرآن، فلم يقرَّ ولم ينكر، فأسلم وكفر بالأصنام، وخلع الأنداد، وأقر بحق الإسلام، ورجع أبو بكر وهو مؤمن مصدِّق. قال ابن إسحاق: حدَّثني محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحُصين التميمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما دعوتُ أحداً إلى الإِسلام إِلا كانت عنده كَبْوة وتردّد ونظر إلا أبا بكر، ما عَكَم عنه حين ذكرته ولا تردد فيه» - عكم: أي تلبَّث. وهذا الذي ذكره ابن إسحاق في قوله: «فلم يقر ولم ينكر» مُنْكَرٌ، فإن ابن إسحاق وغيره ذكروا أنه كان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل لبَعْثة، كان يعلم من صدقه وأمانته وحسن سجيته وكرم أخلاقه ما يمنعه من الكذب على الخلق فكيف يكذب على الله؟ ولهذا بمجرد ما ذكر له أنَّ الله أرسله بادر إلى تصديق. ولم يتلعثم ولا عَكَم. وقد ثبت في صحيح البخاري عن أبي الدرداء رضي الله عنه في حديث ما كان بين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في الخصومة وفيه: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إِنَّ الله بعثني إليكم فقلتم: كذبتَ، وقال أبو بكر: صدق، وواساني بنفسه وماله؛ فهل أنتم تاركون لي صاحبي؟» مرَّتين؛ فما أُوذي بعدها. وهذا كالنص على أنَّه أول من أسلم، كذا في البداية (326 و 27) . دعوته صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه أخرج الطبراني عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اللَّهمَّ أعزَّ الإِسلام بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن هشام» ،

دعوته صلى الله عليه وسلم لعثمان بن عفان رضي الله عنه

فجعل الله دعوة رسوله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب، فبنى عليه الإِسلام وهدم به الأوثان. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير مجالِد بن سعيد وقد وُثِّق - انتهى. وعند الطبراني من حديث ثَوْبان - فذكر الحديث كما سيأتي في باب تحمّل الصحابة الشدائد في سعيد بن زيد وزوجته فاطمة أخت عمر، وفيه: وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بضَبْعَيه وهزه وقال: «ما الذي تريد؟ وما الذي جئت؟» فقال له عمر: اعرض عليَّ الذي تدعو إليه، فقال: «تشهد أن لا أله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله» ، فأسلم عمر مكانه وقال: أخرج. وعند أبي نعيم في الحلية عن أَسْلَمَ قال: قال لنا عمر رضي الله عنه: أتحبُّون أن أعلمكم أول إسلامي؟ قلنا: نعم، قال: كنت من أشد الناس عداوة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم في دار عند الصَّفا، أهدِه» ، قال: فقلت: أشد أن لا إله إلا الله وأشهد أنَّك رسول الله، قال: فكبَّر المسلمون تكبيرة سُمعت في طرق مكة - فذكر الحديث. وأخرجه البزار أيضاً بسياقٍ آخر كما سيأتي. دعوته صلى الله عليه وسلم لعثمان بن عفان رضي الله عنه أخرج المدائني عن عمرو بن عثمان قال: قال عثمان دخلت على خالتي أعودها - أَرْوَى بنت عبد المطلب - فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلت أنظر إليه - وقد ظهر من شأنه يومئذٍ شيء -، فأقبل عليَّ فقال: «مالك يا عثمان؟» قلت: أعجب منك ومن مكانك فينا وما يقال عليك، قال عثمان: فقال: «لا

دعوته صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه

إله إلا الله» - فالله يعلم لقد اقشعررت - ثم قال: «وفي السماءِ رزقُكم وما تُوعدونَ. فَوَرَبِّ السماءِ والأرضِ إِنَّهُ لَحَقٌ مثلَ ما أنَّكُم تَنْطِقُونَ» ، ثم قام فخرج فخرجت خلفه فأسلمت، كذا في الإستيعاب. دعوته صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ذكر ابن إسحاق أنَّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه جاء وهما - أي النبي صلى الله عليه وسلم وخديجة رضي الله عنها - يصلِّين، فقل علي: يا محمد، ما هذا؟ قال: «دين الله الذي اصطفَى لنفسه وبعث به رسله، فأدعوك إلى الله وحده لا شريك له، وإلى عبادته، وأن تكفر اللات والعُزَّى» ، فقال علي: هذا أمر لم أسمع به قبل اليوم، فلست بقاض أمراً حتى أُحدِّث به أبا طالب؛ فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفشيَ عليه سرَّه قبل أن يستعلن أمره، فقال له: يا علي، إذ لم تسلم فاكتم، فمكث عليٌّ تلك الليلة، ثم إنَّ الله أوقع في قلب عليَ الإِسلام فأصبح غادياً إلى رسول الله حتى جاءه، فقال: ماذا عرضت عليَّ يا محمد؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وتكفر باللات والعزَّى، وتبرأ من الأنداد» ، ففعل عليٌّ وأسلم، ومكث يأتيه على خوف من أبي طالب، وكتم عليٌّ إسلامَه ولم يظهره، كذا في البداية. عند أحمد وغيره عن حَبَّة العُرَني قال: رأيت علياً يضحك على المنبر، ولم أره ضحك ضحكاً أكثر منه حتى بدت نواجذه، ثم قال: ذكرت قول أبي طالب، ظهر علينا أبو طالب وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نصلِّي ببطن نَخْلة فقال: ماذا تصنعان يا ابن أخي؟ فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإِسلام

دعوته صلى الله عليه وسلم لعمرو بن عبسة رضي الله عنه

فقال: ما بالذي تصنعان بأس ولكن لا تعلوني إستي أبداً، فضحك تعجباً لقول أبيه ثم قال: اللَّهمَّ لا أعترف عبداً من هذه الأمة عَبَدَكَ قبلي غير نبيك - ثلاث مرات - لقد صلّيت قبل أن يصلِّي الناس سبعاً. قال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلى باختصار، والبزار والطبراني في الأوسط وإسناده حسن. انتهى. دعوته صلى الله عليه وسلم لعمرو بن عَبَسة رضي الله عنه أخرج أحمد عن شدّاد بن عبد الله قال: قال أبو أمامة: يا عمرو بن عَبَسَة، بأيِّ شيء تَدَّعي أنك رُبْعُ الإِسلام؟ قال: إني كنت في الجاهلية أرى الناس على ضلالة ولا أرى الأوثان شيئاً، ثم سمعت عن رجل يخبِّر أخباراً بمكَّة ويحدِّث أحاديث، فركبت راحلتي حتى قدمت مكة فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم مستَخْفِياً، وإذا قومه عليه جُرَآء، تلطَّفت له فدخلت عليه فقلت: ما أنت؟ قال «أنا نبي الله» ، فقلت: وما نبي الله؟ قال: «رسول الله» قال: قلت: آلله أرسلك؟ قال: «نعم» قلت: بأي شيء أرسلك؟ قال: «بأن يوحَّد الله ولا يشرك به شيء، وكسر الأوثان، وصلة الرحم» ، فقلت له: من معك على هذا؟ قال: «حرٌّ وعبد» - أو عبد وحر - وإذا معه أبو بكر ابن أبي قُحافة وبلال مولى أبي بكر، قلت: إنِّي متبعك، قال: «إنك لا تستطيع ذلك يومك هذا، ولكن إرجع إلى أهلك فإذا سمعت بي قد ظهرت فالحق بي» ، قال فرجعت إلى أهلي وقد أسلمت. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجراً إلى المدينة، فعلت أتخبَّر الأخبار حتى جاءَ رَكَبَة من يثرب، فقلت: ما هذا المكِّي الذي أتاكم؟ قالوا: أراد قومه قتله فلم يستطيعوا ذلك وحِيل بينهم وبينه، وتركْنا الناسَ إليه سراعاً، قال عمرو بن

دعوته صلى الله عليه وسلم لخالد بن سعيد بن العاص رضي الله عنه

عبسة: فركبت راحلتي حتى قدمت عليه المدينة فدخلت عليه فقلت: يا رسول الله، أتعرفني؟ قال: «نعم، ألستَ أنت الذي أتيتني بمكة؟» قال قلت: بلى، فقلت: يا رسول الله، علمني ممَّا علمك الله وأجهل - فذكر الحديث بطوله. وهكذا أخرجه ابن سعد عن عمرو بن عبسة مطوّلاً، وأخرجه أيضاً أحمد عن أبي أُمامة عن عمرو بن عبسة - فذكر الحديث وفيه: قلت: بماذا أرسلك؟ فقال: «بأن تُوصل الأرحام، وتُحقَن الدماء، وتُؤمَن السبل، وتُكسر الأوثان، ويُعبد الله وحده لا يشرك به شيء» . قلت نِعْمَ ما أرسلك به وأُشهدُك أني قد آمنت بك وصدَّقتك، أفأمكث معك أم ما ترى؟ فقال: «قد ترى كراهة الناس لما جئتُ به فامكث في أهلك، فإذا سمعت بي قد خرجت مخرجي فائتني» . وأخرجه أيضاً مسلم والطبراني وأبو نُعيم كما في الإصابة وبن عبد البَرِّ في الإستيعاب من طريق أبي أُمامة بطوله، وأبو نُعيم في دلائل النبوة (ص 86) . دعوته صلى الله عليه وسلم لخالد بن سعيد بن العاص رضي الله عنه أخرج البَيْهقي عن جعفر بن محمد بن خالد بن الزُبير عن أبيه - أو عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان - قال: كان إسلام خالد بن سعيد ابن العاص قديماً وكان أول إخوته أسلم. وكان بَدْء إسلامه أنه رأى في المنام أنه وُقِفَ به على شفير النار ... فذكر من سَعَتها ما الله أعلم به - ويرى في النوم كأنَّ أباه يدفعه فيها، ويرى رسول الله صلى الله عليه وسلم آخذاً بحَقْوَيه لئلا يقع، ففزع من

نومه فقال: أحلف بالله إنَّ هذه لرؤيا حق. فلقي أبا بكر بن أبي قحافة فذكر ذلك له، فقال: أُريد بك خيرٌ، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم اتْبَعْهُ فإنك ستتبعه وتدخل معه في الإِسلام، والإِسلام يحجُزُك أن تدخل فيها، وأبوك واقع فيها، فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بأجْياد، فقال: يا محمد، إلامَ تدعو؟ قال: «أدعوك إلى الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، وتخلع ما أنت عليه من عبادة حجر لا يسمع ولا يضر ولا يبصر، ولا ينفع ولا يدري مَنْ عَبدَه ممن لا يعبده» . قال خالد: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، فسُرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بإِسلامه. وتغيّب خالد وعلم أبوه بإسلامه، فأرسل في طلبه فأُتي به فأنَّبه وضربه بمَقْرعة في يده حتى كسرها على رأسه، وقال: والله لأمنعنَّك القوت، فقال خالد: إن منعتني فإن الله يرزقني ما أعيش به، وانصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يلزمه ويكون معه؛ كذا في البداية. وأخرجه الحاكم في المستدرك من طريق الواقدي عن جعفر بن محمد بن خالد بن الزبير عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان - فذكره وفي حديثه: وأرسل أبوه في طلبه من بقي من ولده ممن لم يسلم ورافعاً مولاه فوجدوه، فأتوا به أباه - أبا أُحَيْحة - فأنَّبه وبكَّته وضربه بمقرعة في يده حتى كسرها على رأسه، ثم قال: أتبعتَ محمداً وأنت ترى خلافَه قومه وما جاء به من عيب آلهتهم وعيبهم من مضى من آبائهم؟ فقال خالد: قد صدق - والله - واتبعته، فغضب أبوه - أبو أحيحة - ونال منه وشتمه، ثم قال: إذهب يا لُكَعُ حيث شئت والله لأمنعنَّك القوت، قال خالد: فإن منعتني فإنَّ الله عزّ وجلّ يرزقني ما أعيش به. فأخرجه وقال لبنيه: لا يكلّمه أحدُ منكم إلا صنعت به

ما صنعت به، فانصرف خالد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يلزمه، ويكون معه. وأخرجه ابن سعد عن الواقدي عن جعفر بن محمد عن محمد بن عبد الله نحوه مطولاً. وهكذا ذكره في الإستيعاب من طريق الواقدي: وزاد: وتغيّب عن أبيه في نواحي مكَّة حتى خرج أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية، فكان خالد أول من هاجر إليه. وأخرج الحاكم أيضاً عن خالد بن سعيد أنَّ سعيد ابن العاص بن أمية مرض فقال: لئن رفعني الله من مرضي هذا لا يعبد إله ابن أبي كبشة ببطن مكة أبداً، فقال خالد بن سعيد عند ذلك: اللَّهمّ لا ترفعه، فتوفي في مرضه ذلك. وهكذا أخرجه ابن سعد. دعوته صلى الله عليه وسلم لِضماد رضي الله عنه أخرج مسلم والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم ضِماد مكة - وهو رجل من أزْدِشَنوءَة - وكان يرقي من هذه الرياح، فسمع سفهاء من أهل مكة يقولون: إنَّ محمداً مجنون فقال: أين هذا الرجل؟ لعلَّ الله أن يشفيَه على يديَّ، فلقيت محمداً فقلت: إني أرقي من هذه الرياح وإنَّ الله يشفي على يديَّ من شاء فهلمَّ؛ فقال محمد: «إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه، من يهدِه الله فلا مضلَّ له ومن يُضْلِلْ فلا هادي له، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له» - ثلاث مرات -، فقال: والله لقد سمعتُ قول الكهنة وقول السحرة وقول الشعراء، فما سمعت مثل هؤلاء الكلمات، فهلُمَّ يدك

أبايِعْك على الإِسلام. فبايعه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال له: وعلى قومك، فقال: وعلى قومي. فبعث النبي صلى الله عليه وسلم جيشاً فمرُّوا بقوم ضِمَاد، فقال: صاحب الجيش للسريَّة: هل أصبتم من هؤلاء القوم شيئاً؟ فقال رجل منهم: أصبت منهم مَطْهَرَة، فقال: ردَّها عليهم فإنهم قوم ضِمَاد. وفي رواية. فقال له ضماد: أعِدْ عليّ كلماتُك هؤلاء، فلقد بلغنَ قاموس البحر. كذا في البداية. وأخرجه أيضاً النِّسائي والبَغَوي ومُسَدِّد في مسنده كما في الإِصابة. وأخرجه أبو نعيم في دلائل النبوّة (ص 77) من طريق الواقدي قال: حدّثني محمد بن سُلَيط عن أبيه عن عبد الرحمن العدوي قال: قال ضِمَاد: قدمت مكة معتمراً فجلست مجلساً فيه أبو جهل وعتبة بن ربيعة وأُميّة بن خَلَف، فقال أبو جهل: هذا الرجل الذي فرَّق جماعتنا، وسفَّه أحلامنا، وأضلَّ من مات، منا، وعاب آلهتنا؛ فقال أُمية: الرجل مجنون غير شكَ. قال ضماد: فوقعتْ في نفسي كلمتُه وقلت: إني رجل أعالج من الريح، فقمت من ذلك المجلس وأطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أُصادفه ذلك اليوم حتى كان الغد، فجئته فوجدته جالساً خلف المَقَام يصلِّي، فجلست حتى فرغ ثم جلست إليه فقلت: يا ابن عبد المطلب، فأقبل عليّ فقال: ما تشاء؟ فقلت: إنِّي أعالج من الريح، فإن أحببت عالجتك ولا تُكبِرنَّ ما بك فقد عالجت من كان به أشدّ مما بك فبرأ، وسمعت قومك يذكرون فيك خصالاً سيئة: من تسفيه أحلامهم، وتفريق جماعتهم، وتضليل من مات منهم، وعيب آلهتهم، فقلت: ما فعل هذا إلا

رجل به جِنَّة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الحمد لله أحمده وأستعينه وأؤمن به وأتوكل عليه، من يهده الله فلا مضلَّ له ومن يضلله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله» . قال ضماد: فسمعت كلاماً لم أسمع كلاماً قطُّ أحسن منه فاستعدته الكلام فأعاد عليّ، فقلت: إلامَ تدعو؟ قال: «إلى أن تؤمن بالله وحده لا شريك له، وتخلع الأوثان من رقبتك، وتشهد أنِّي رسول الله» . فقلت: فماذا لي إن فعلت؟ قال: «لك الجنة» ، قلت: فإنِّي أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأخلع الأوثان من رقبتي وأبرأ منها، وأشهد أنَّك عبد الله ورسوله. فأقمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى عُلِّمت سوراً كثيرة من القرآن، ثم رجعت إلى قومي. قال عبد الله بن عبد الرحمن العدوي: فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه في سريّة وأصابوا عشرين بعيراً بموضع واستاقوها، وبلغ عليَّ بن أبي طالب أنَّهم قوم ضِمَاد فقال: ردّوها إليهم، فرُدَّت. دعوته صلى الله عليه وسلم لُحُصَين والد عمران رضي الله عنهما أخرج بن خُزَيْمةَ عن عِمران بن خالد بن طُلَيق بن محمد بن عمران بن حصين قال: حدثني أبي عن أبيه عن حهد: أن قريشاً جاءت إلى الحُصَين - وكانت تعظِّمه - فقالوا له: كلِّم لنا هذا الرجل فإنَّه يذكر آلهتنا ويسبُّهم، فجاؤوا معه حتى جلسوا قريباً من باب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أوسعوا للشيخ - وعمران وأصحابه متوافرون - فقال حُصين: ما هذا الذي بلغنا عنك أنك تشتم آلهتنا وتذكرهم، وقد كان أبوك حصينة وخيراً؟ فقال: «يا حُصَين، إنَّ أبي وأباك في

دعوته صلى الله عليه وسلم لرجل لم يسم

النار؛ يا حصين، كم تعبد من إله» ؟ قال: سبعاً في الأرض وواحداً في السماء، قال: «فإذا أصابك الضرّ من تدعو؟» قال: الذي في السماء، قال: «فيستجيب لك وحده وتشركهم معه، أَرضيته في الشكر أم تخاف أن يغلب عليك؟» قال: ولا واحدة من هاتين؛ قال: وعلمت أنِّي لم أكلم مثله، قال: «يا حُصَين، أسلم تسلم» ، قال: إنَّ لي قوماً وعشيرةً فماذا أقول؟ قال: «قل: اللَّهمَّ، أستهديك لأرشد أمري وزدني علماً ينفعني» فقالها حصين فلم يقم حتى أسلم. فقام إليه عِمْران فقبَّل رأسه ويديه ورجليه، فلما رأى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بكى، وقال: «بكيت من صنيع عمران، دخل حصين وهو كافر فلم يقم إليه عمران ولم يلتفت ناحيته، فلمَّا أسلم قضَى حقَّه فدخلني من ذلك الرِّقَّة» . فلما أراد حصين أن يخرج قال لأصحابه: «قوموا فشيِّعوه إلى منزله» ، فلما خرج من سُدَّة الباب رأته قريش فقالوا: صبأ وتفرقوا عنه كذا في الإصابة. دعوته صلى الله عليه وسلم لرجل لم يسم أخرج أحمد عن أبي تميمة الهجيمي عن رجل من قومه أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ أو قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وأتاه رجل فقال: أنت رسول الله؟ - أو قال أنت محمد -؟ فقال: «نعم» ، قال: ما تدعو؟ قال: «أدعو الله عزّ وجلّ وحده، مَنْ إذا كان لك ضُرٌّ فدعوته كشفه عنك، ومن إذا أصابك عام فدعوته أنبتَ لك، ومن إذا كنت في أرض قفر فأضللتَ فدعوته ردَّ عليك» . فأسلم الرجل ثم قال: أوصني يا رسول الله، فقال: «ولا تسبنَّ شيئاً» - أو قال: «أحداً» ، شكَّ الحكم - قال: فما سببتُ بعيراً ولا شاة منذ أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال

دعوته صلى الله عليه وسلم لمعاوية بن حيدة رضي الله عنه

الهيثمي: وفيه الحكم بن فُضَيل وثَّقه أبو داود وغيره وضعَّفه أبو زُرعة وغيره، وبقية رجاله رجال الصحيح اهـ. دعوته صلى الله عليه وسلم لمعاوية بن حَيْدة رضي الله عنه أخرج ابن عبد البَرّ في الإستيعاب - وصحّه - عن معاوية بن حَيْدة القُشَيري قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، ما أتيتك حتى حلفت أكثر من عدد الأنامل - وطبَّق بين كفَّيه إحداهما على الأخرى - أن لا آتيك ولا آتي دينك فقد أتيتك أمرأً لا أعقل شيئاً إلا ما علمني الله، وإنِّي أسألك بوجه الله العظيم بِم بعثك ربُّنا إلينا؟ قال: «بدين الإِسلام» ، قال: وما دين الإِسلام؟ قال: «أن تقول: أسلمت وجهي لله وتخلَّيت، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وكلُّ مسلم على كلِّ مسلم محرّم، أخوان نصيران، لا يقبل الله ممَّن أشرك بعد ما أسلم عملاً حتى يفارق المشركين. ما لي أمسك بحُجَزِكم عن النَّار؟ ألا وإِنَّ ربي داعيّ وإِنَّه سائلي هل بلَّغت عبادي؟ فأقول: ربِّ قد بلَّغت. ألا فليبلِّغْ شاهُدكم غائِبَكم. ألا ثم إنَّكم تُدعَون مُفْدَمةً أفواهُكم بالفِدام، ثم إنَّ أول شيء ينبىء عن أحدكم لَفَخِذُه وكفُّه» . قال: قلت: يا رسول الله، هذا ديننا؟ قال: «هذا دينك وأينا تُحْسنْ يَكْفِك» - وذكر تمام الحديث. فهذا هو

الحديث الصحيح بالإِسناد الثابت المعروف، وإنما هو لمعاوية بن حيدة لا لحكيم أبي معاوية، وقد أخرج قبله حديث حكيم هذا أنه قال: يا رسول الله؟ ربنا بِمَ أرسلك؟ قال: «تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وكلُّ مسلم على كلِّ مسلم محرَّم، هذا دينك وأينما تكن يكفك» ، هكذا ذكره ابن أبي خيثمة، وعلى هذا الإِسناد عوَّل فيه وهو إسناد ضعيف، كذا في الإستيعاب. وقال الحافظ في الإِصابة: ولكن يحتمل أن يكون هذا آخر ولا بُعد في أن يتوارد إثنان على سؤال واحد، ولا سيما مع تباين المخرِّج، وقد ذكره ابن أبي عاصم في الوحدان، وأخرج الحديث عن عبد الوهاب بن نجدة وهو الحوطي شيخ ابن أبي خيثة فيه. انتهى. دعوته صلى الله عليه وسلم لعديِّ بن حاتم رضي الله عنه أخرج أحمد عن عديِّ بن حاتم قال: لمَّا بلغني خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم كرهت خروجه كراهية شديدة، فخرجت حتى وقعت ناحية الروم - وفي رواية:

حتى قدمت على قيصر - قال: فكرهت مكاني ذلك أشدّ من كراهتي لخروجه، قال: قلت: والله لولا أتيت هذا الرجل فإن كان كاذباً لم يضرني وإن كان صادقاً علمت، قال: فقدت فأتيته. فلما قدمت قال الناس: عديُّ بن حاتم، عدي بن حاتم قال: فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: «يا عديُّ بن حاتم، أسلم تسلم - ثلاثاً - قال: قلت: إنِّي على دين. قال: «أنا أعلم بدينك منك» فقلت: أنت أعلم بديني مني؟ قال: نعم، ألستَ من الرَّكوسِيَّة وأنت تأكل مِرْباع قومك؟» قلت: بلى، قال: «هذا لا يحل لك في دينك» ، قال: فلم يَعْدُ أن قالها فتواضعتُ لها، فقال: أما إنِّي أعلم الذي يمنعك من الإِسلام. تقول: إنَّما أتَّبعه ضَعَفَةُ الناس ومن لا قوة لهم وقد رمتهم العرب. أتعرفُ الحيرة؟» قلت: لم أرها وقد سمعت بها. قال: «فوالذي نفسي بيده ليُتِمَّنَّ الله هذا الأمر حتى تخرج الظَّعينة من الحيرة حتى تطوف بالبيت في غير جوار أحد، وَلَيُفْتَحَنَّ كنوز كسرى بن هُرْمُز» ، قال: قلت: كسرى بن هُرْمُز؟ قال: «نعم كسرى بن هرمز، ولَيُبذَلَنَّ المال حتى لا يقبله أحد» . قال عديُّ بن حاتم: فهذه الظعينة تأتي من الحيرة فتطوف بالبيت في غير جوار، ولقد كنت فيمن فتح كنوز كسرى، والذي نفسي بيده لتكونَّن الثالثة، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قالها، كذا في البداية وأخرجه البغوي أيضاً في معجمه بمعناه، كما في الإِصابة. وأخرج أحمد أيضاً عن عديِّ بن حاتم، قال: جاءت خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا بعقرب فأخذوا عمَّتي وناساً فلما أتَوا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فصُفُّوا

له. قالت: يا رسول الله، بانَ الوافد، وانقطع الولد، وأنا عجوز كبيرة ما بي من خِدْمة، فَمُنَّ عليَّ مَنَّ الله عليك، فقال: «ومن وافدك؟» قالت: عديُّ بن حاتم، قال: «الذي فرَّ من الله ورسوله؟» قالت: فَمُنَّ عليَّ، فلما رجعَ ورجُلٌ إلى جنبه نرى أنه علي - قال: سَلِيه حُمْلاناً، قال: فسألتْه فأمَر لها. قال عديّ: فأتتني فقالت: لقد فعلتَ فعلةً ما كان أبوك يفعلها وقالت: إِيته راغباً أو راهباً، فقد أتاه فلان فأصاب منه وأتاه فلان فأصاب منه، قال: فأتيته فإذا عنده امرأة وصبيان - أو صبي -، فذكر قربهم منه -، فعرفت أنه ليس ملك كسرى ولا قيصر. فقال له: «يا عديُّ بن حاتم، ما أفرَّك؟ أفرَّك أن يقال: لا إله إلا الله فهل من إله إلا الله؟. ما أفرك؟ أفرك أن يقال: الله أكبر. فهل شيء هو أكبر من الله عزّ وجلّ؟» قال: فأَسلمت فرأيت وجهه استبشر وقال: «إِنَّ المغضوب عليهم اليهود، وإنَّ الضالين النَّصارى. قال: ثم سألوه: فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «أما بعد فلكم أيُّها الناس أن ترضخوا من الفضل، ارتضخ امرؤ بصاع، ببعض صاع، بقبضة، ببعض قبضة» - قال شعبة: «وأكثر علمي أنه قال «بتمرة، بشقِّ تمرة» وإنَّ أحدكم لاقى الله فقائل ما أقول: ألم أجعلك سميعاً بصيراً؟ ألم أجعل لك مالاً وولداً؟ فماذا قدَّمت؟ فينظر من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله، فلا يجد شيئاً، فما يتَّقي النار إلا بوجهه، فاتقوا النَّار ولو بشقِّ تمرة، فإِن لم

دعوته صلى الله عليه وسلم لذي الجوشن الضبابي رضي الله عنه

تجدوه فبكلمة ليِّنة، إني لا أخشى عليكم الفاقة؛ لينصرنَّكم الله وليعطينَّكم - أو ليفتحنَّ عليكم - حتى تسير الظَّعينة بين الحيرة ويثرب، أو أكثر. ما تخاف السَرَق على ظعينتها» . وقد رواه الترمذي وقال: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث سماك. وأخرج البيهقي شيئاً منه من آخره، وهكذا أخرجه البخاري مختصراً كما في البداية. دعوته صلى الله عليه وسلم لذي الجَوْشَن الضبابي رضي الله عنه أخرج الطبراني عن ذي الجَوْشَن الضبابي قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن فرغ من أهل بدر بابن فرس لي يقال لها «القَرْحاء» ، فقلت: يا محمد، قد جئتك بابن القرحاء لتتخذه، قال: «لا حاجة لي فيه وإن أردتَ أقيضك بها المختار من دروع بدر فعلتُ» . فقلت: ما كنت لأقيضه اليوم بغُرة، قال: «لا حاجة لي فيه» ثم قال: «يا ذا الجوشن، ألا تسلم فتكون من أول أهل هذا الأمر؟» فقالت: لا، قال: «لم؟» قال: قلتُ رأيتُ قومك قد وَلِعوا بك. قال: «فكيف بلغك عن مصارعهم ببدر؟» قلت: قد بلغني، قال: «فإنا نُهدي لك» ، قلت: إِن تغلب على الكعبة وتقطنها، قال: «لعلك إن عشت ترى ذلك، ثم قال: «يا بلال، خذ حقيبة الرجل فزوده من العجوة» ، فلما أدبرت قال: «أما إِنَّه من خير فرسان بني عامر» . قال: فوالله إنِّي بأهلي بالغور إذ أقبل راكب، فقلت: ما فعل الناس؟ قال: والله قد غلب محمد على الكعبة وقطنها، فقلت:

هَبِلَتْني أمي ولو أسلمت يومئذٍ ثم أسأله الحير لأقطعنيها. وفي رواية: فقال له النبي صلى الله عليه وسلم «ما يمنعك من ذلك؟» قال: رأيت قومك قد كذَّبوك وأخرجوك وقاتلوك فانظر ماذا تصنع؟ فإن ظهرتَ عليهم آمنت بك واتبعتك، وإن ظهروا عليك لم أتبعك. قال الهيثمي: رواه عبد الله بن أحمد وأبوه - ولم يسق المتن - والطبراني، ورجالهما رجال الصحيح، وروى أبو داود بعضه. انتهى. دعوته صلى الله عليه وسلم لبشير بن الخَصَاصِيَة رضي الله عنه أخرج ابن عساكر عن بشير بن الخَصاصِيَة قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاني إلى الإسلام، ثم قال لي: «ما اسمك؟» قلت: نذير، قال: «بل أنت بشير» فأنزلني بالصُّفَّة، فكان إذا أتته هديّة أشركنا فيها وإذا أتته صدقة صرفها إلينا، فخرج ذات ليلة فتبعته فأتى البقيع فقال: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنَّا بكم لاحقون، وإنَّا لله وإِنَّا إِليه راجعون. لقد أصبتم خيراً بجيلاً، وسبقتم

دعوته صلى الله عليه وسلم لرجل لم يسم

شرّاً طويلاً» . ثم التفت إليَّ فقال: «من هذا؟» فقلت: بشير، فقال: «أما ترضَى أن أخذ الله سمعَك وقلبَك وبصرك إِلى الإِسلام من بين ربيعة الفَرَس الذين يقولون: أن لولاهم لائتفكت الأرض بأهلها» ، قلت: بلى، يا رسول الله، قال: «ما جاء بك؟» قلت: خفتُ أن تُنكب أو تصيبك هامةٌ من هوامِّ الأرض. وعنده أيضاً والطبراني والبيهقي: «يا بشير، ألا تحمد الله الذي أخذ بناصيتك إلى الإِسلام من بين ربيعة؛ قوم يرَون أن لولاهم لائتفكتِ الأرضُ بمن عليها» . كذا في المنتخب. دعوته صلى الله عليه وسلم لرجل لم يسم أخرج أبو يَعْلى عن حرب بن سُريج قال: حدثني رجل من بلْعَدَوِيَّة، قال: حدثني جدِّي قال: انطلقت إلى المدينة فنزلت عند الوادي، فإذا رجلان بينهما عنز واحدة وإِذا المشتري يقول للبائع؛ أحسن مبايعتي، قال: فقلت في نفسي: هذا الهاشمي الذي قد أضلَّ الناس أهو هو؟ قال: فنظرت فإذا رجل حسن الجسم عظيم الجبهة، دقيق الأنف، دقيق الحاجبين، وإذا من ثُعْرة نحره إلى سُرّته مثل الخيط الأسود شعر أسود، وإِذ هو بين طِمْرين قال: فدنا منا فقال: السلام عليكم، فرددنا عليه، فلم ألبث أن دعا المشتري فقال: يا رسول الله، قل له: يحسن مبايعتي، فمدَّ يده وقال: «أموالكم تملكون، إنِّي أرجو أن ألقى الله عزّ وجلّ يوم القيامة لا يطلبني أحد منكم بشيء ظلمته في مال ولا في دم ولا عرض إلا بحقه. رحم الله أمرأ سهل البيع، سهل الشراء، سهل الأخذ، سهل العطاء، سهل القضاء، سهل التقاضي» ، ثم مضى.

فقلت: والله لأقضينَّ هذا فإنه حسن القول، فتبعته فقلت: يا محمد، فالتفت إليَّ بجميعه فقال: «ما تشاء؟» فقلت: أنت الذي أضللتَ الناس وأهلكتَهم وصدَدتهم عمَّا كان يعبد آباؤهم؟ قال: «ذاك الله» . قال: ما تدعو إليه؟ قال: «أدو عباد الله إلى الله» قال: قلت: ما تقول؟ قال: «أشهد أن لا إله إلا الله وأنِّي محمد رسول الله، وتؤمن بما أنزله عليَّ، وتفكر باللات والعُزَّى، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة» . قال: قلت: وما الزكاة؟ قال: «يردّ غنينا على فقيرنا» ؛ قال: قلت: نِعمَ الشيء تدعو إليه. قال: فلقد كان وما في الأرض أحد يتنفس أبغض إليّ منه، فما برح حتى كان أحب إليّ من ولدي ووالديَّ ومن الناس أجمعين. قال: فقلت: قد عرفتُ؛ قال «قد عرفتَ؟» قلت نعم؛ قال: «تشهد أن لا إِله إِلا الله وأنِّي محمد رسول الله، وتؤمن بما أُنزل عليّ» ، قال: قلت: نعم، يا رسول الله، إنِّي أرد ماءً عليه كثير من الناس فأدعوهم إلى ما دعوتني إليه، فإنِّي أرجو أن يتَّبعوك، قال: نعم، فادعهم» ؛ فأسلم أهل ذلك الماء رجالهم ونساؤهم، فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه. قال الهيثمي وفيه: راوٍ لم يسمَّ، وبقية رجاله وُثِّقوا. انتهى. وأخرج أحمد عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على رجل من بني النجار يعوده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا خال، قل: (لا إله إلا الله) » ، فقال: خالٌ أنا أو عمٌّ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم «لا، بل خال» ؛ فقال: قل: (لا إله إلا الله) » ، قال: هو خيرٌ لي؟ قال: «نعم» . قال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.

دعوته صلى الله عليه وسلم لأبي قحافة رضي الله عنه

وأخرج البخاري وأبو داود عن أنس رضي الله عنه أن غلاماً من اليهود كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض، فأتاه يعوده، ففقعد عند رأسه فقال له: «أسلم» فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال: أطِعْ أبا القاسم؛ فأسلم. فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: «الحمد لله الذي أنقذه بي من النار» . كذا في جمع الفوائد. وأخرج أحمد وأبو يعلى عن أنس أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل: «أسلم تسلم» ، قال: إني أجدني كارهاً، قال: «إن كنت كارهاً» . قال الهيثمي: رجالهما رجال الصحيح. دعوته صلى الله عليه وسلم لأبي قحافة رضي الله عنه أخرج الطبراني عن أسماء بنت أبي بكر قالت: لما كان يوم الفتح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي قُحافة: «أسلم تسلم» . قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. انتهى. وعند ابن سعد: عن أسماء قالت: لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة واطمأنَّ وجلس في المسجد أتاه أبو بكر بأبي قحافة، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا أبا بكر، ألا تركتَ الشيخ حتى أكون أنا الذي أمشي إليه؟» قال يا رسول الله، هو أحقُّ أن يمشي إِليك من أن تمشي إليه. فأجلسه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه ووضع يده على قلبه ثم قال: «يا أبا قحافة، أسلم تسلم» ؛ قال: فأسلم

دعوته عليه السلام للوليد بن الغيرة

وشهد شهادة الحق. قال: وأُدخل عليه ورأسه لحيته كأنَّهما ثُغامة، فقالت: غيِّروا هذا الشيب وجنِّبوه السواد» . دعوته صلى الله عليه وسلم لأفراد المشركين ممَّن لم سلم دعوته عليه السلام لأبي جهل أخرج البيهقي عن الميغرة بن شعبة قال: إِنَّ أول يوم عرفت فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أمشي أنا وأبو جهل بن هشام في بعض أزقة مكة، إذ لقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي جهل: «يا أبا الحَكَم، هَلُمَّ إلى الله وإلى رسوله، أدعوك إلى الله» ، فقال أبو جهل: يا محمد، هل أنت مُنتهٍ عن سب آلهتنا؟ هل تريد إلا أن نشهد أنَّك قد بلّغت؟ فنحن نشهد أن قد بلغت، وفوالله لو أنِّي أعلم أنَّ ما تقول حقٌّ لاتبعتك. فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبل عليَّ فقال: والله إني لأعلم أنّ ما يقول حقٌّ، ولكن يمنعني شيء: أنَّ بني قُصَيّ قالوا: فينا الحجابة فقلنا: نعم، ثم قالوا: فينا السِّقاية، فقلنا نعم؛ ثمَّ قالوا: فينا النَّدوة، فقلنا: نعم، ثم قالوا: فينا اللِّواء فقلنا: نعم، ثم أطعموا وأطعمنا، حتى إذا تحاكَّت الرُّكَب قالوا: منا نبي، والله لا أفعل. كذا في البداية. وأخرجه أيضاً بن أبي شيبة بنحوه، كما في الكنز وفي حديثه: «يا أبا الحَكَم هَلُمَّ إلى الله وإلى رسوله وإلى كتابه، أدعوك إلى الله» . دعوته عليه السلام للوليد بن الغيرة وأخرج إسحاق بن راهَوَيْه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ الوليد بن

المغيرة جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه القرآن، فكأنه رَقَّ له، فبلغ ذلك أبا جهل فأتاه فقال: يا عمّ، إنَّ قومك يريدون أن يجمعوا لك مالاً، قال: لِمَ؟ قال: ليعطوكَهُ، فإنَّك أتيت محمداً لتعرِضَ ما قِبَلَه، قال: قد عَلِمت قريش أني من أكثرها مالاً. قال: فقل فيه قولاً يبلغ قومك أنَّك مُنكر له، قال: وماذا أقول؟ فوالله ما منكم رجل أعرف بالأشعار مني، ولا أعلم برجزه لا بقصيده من لا بأشعار الجن، والله ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا، ووالله إنَّ لقوله الذي يقول حلاوة، وإنَّ عليه لطلاوة، وإنَّه لمثمرٌ أعلاه، مُغْدِقٌ أسفله، وإنه لَيَعلُو ولا يُعلى، وإنه ليحطِم ما تحته. قال: لا رضى عنك قومك حتى تقول فيه، قال: قف عني حتى أفكر فيه، فلما فكَّر قال: إنْ هذا إلا سحر يُؤثر، يأثره عن غيره، فنزلت: «ذَرْني ومَنْ خَلَقْتُ وحيداً. وجعلتُ له مالاً ممدوداً. وبنين شهوداً» - الآيات. هكذا رواه البيهقي عن الحاكم عن عبد الله بن محمد الصنعاني بمكة عن إسحاق. وقد رواه حمَّاد بن زيد عن أيوب عن عِكرمة - مرسلاً - فيه أنّه قرأ عليه: «إنَّ الله يأمرُ بالعدلِ والإِحسانِ وإيتاءِ ذي القُربَى، وينهى عن الفَحْشاءِ والمنكرِ والبَغْي، يَعِظُكُم لعلَّكُم تَذكَّرون» . كذا في البداية. وأخرجه ابن جرير عن عكرمة كما في التفسير لابن كثير.

دعوته صلى الله عليه وسلم الإثنين دعوته عليه السلام لأبي سفيان وهند

دعوته صلى الله عليه وسلم الإثنين دعوته عليه السلام لأبي سفيان وهند أخرج ابن عساكر عن معاوية رضي الله عنه قال: خرج أبو سفيان إلى بادية له مردفاً هنداً، وخرجت أسير أمامهما وأنا غلام على حمارة لي إذ سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو سفيان: أنزل يا معاوية حتى يركب محمد، فنزلت عن الحمارة وركبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسار أمامنا هنيهة، ثم التفت إِلينا فقال: «يا أبا سفيان بن حرب، ويا هند بنت عُتبة، والله لتموتنَّن ثم لتبعثنَّ، ثم ليدخلنَّ المحسن الجنة والمسيء النار، وأنا أقول لكم بحقَ وإنَّكم لأولُ من أُنذرتم» ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {حم تَنزِيلٌ مّنَ الرحمن الرَّحِيمِ} (فصلت: 1، 2) - حتى بلغ - قالتا أَتَيْنا طائعين» ، فقال له أبو سفيان: أفَرَغْت يا محمد؟ قال: نعم، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمارة وركبتها، وأقبلت هند على أبي سفيان فقالت: ألهذا الساحر أنزلتَ إبني؟ قال: لا والله ما هو بساحر، ولا كذَّاب؛ كذا في الكنز. وأخرجه الطبراني أيضاً مثله. قال الهيثمي: حُمَيد بن مُنْهب لم أعرفه، وبقية رجاله ثقات. دعوته عليه السلام لعثان وطلحة وأخرج ابن سعد عن يزيد بن رومان قال: خرج عثمان بن عفان وطلحة بن عُبيد الله رضي الله عنهما على إثر الزبير بن العوام رضي الله عنه، فدخلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض عليهما الإسلام، وقرأ عليهما القرآن،

دعوته عليه السلام وسعد بن زرارة وذكوان بن عبد قيس

وأنبأهما بحقوق الإِسلام، ووعدهما الكرامة من الله. فآمَنَا وصدّقا، فقال عثمان يا رسول الله، قدمتُ حديثاً من الشام، فلما كنا بين مَعَان والزرقاء فنحن كالنيام إِذا منادٍ ينادينا أيُّها النيام. هُبوا فإن أحمدَ قد خرج بمكة، فقدنا فسمعنا بك. وكان إسلام عثمان قديمً قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم. دعوته عليه السلام لعمار وصهيب وأخرج ابن سعد عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار قال: قال عمار بن ياسر رضي الله عنه: لقيت صهيب بن سنان رضي الله عنه على باب دار الأرقم ورسول الله فيها فقلت له: ما تريد، قال لي: ما تريد أنت، فقلت: أردت أن أدخل على محمد فأسمعَ كلامه، قال: وأنا أريد ذلك، فدخلنا عليه فعرض علينا الإِسلام فأسلمنا، ثم مكثنا يومنا على ذلك حتى أمسينا، ثم خرجنا ونحن مُسْتَخْفُون؛ فكان إِسلام عمار وصهيب بعد بضعة وثلاثين رجلاً. رضي الله عنهم. دعوته عليه السلام وسعد بن زُرَارة وذَكْوان بن عبد قيس وأخرج ابن سعد عن خُبَيب بن عبد الرحمن قال: خرج أسعد بن زُرَارة وذَكْوان بن عبد قيس إلى مكة يتنافران إلى عُتبة بن ربيعة، فسمعا برسول الله صلى الله عليه وسلم فأتياه، فعرض عليهما السلام وقرأ عليهما القرآن، فأسلما ولم يقربا عتبة بن ربيعة، ورجعا إلى المدينة؛ فكانا أول من قدم بالإِسلام بالدينة. عرضه صلى الله عليه وسلم الدعوة على الجماعة مخاصمة رؤساء قريش النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته لهم وما أجابهم

أخرح بن جرير عن ابن عباس أن عتبة وشيبة ابني ربيعة، وأبا سفيان بن حرب، ورجلاً من بني عبد الدار، وأبا البَخْتري أخا بني الأسد، والأسود بن عبد المطَّلب بن أسد، وزَمْعة بن الأسود، والوليد بن المغيرة، وأبا جهل بن هشام، وعبد الله بن أبي أُمية، وأميةَ بن خلف، والعاص بن وائل، ونبيها ومُنَبَّها ابني الحجَّاج السَّهُمِيَيْن، اجتمعوا - أو من اجتمع منهم - بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة، فقال بعضهم لبعض: ابعثوا إلى محمد فكلِّموه وخاصموه حتى تُعذروا فيه، فبعثوا إليه أنَّ أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلِّموك، فجاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعاً وهو يظنُّ أنَّه قد بَدَا في أمره بَدَاء - وكان عليهم حرصاً يحب رُشدهم ويَعزُّ عليه عَنَتُهم - حتى جلس إليهم. فقالوا: يا محمد، إنَّا قد بعثنا إليك لنُعذِر فيك، وإِنَّا - والله - ما نعلم رجلاً من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك لقد شتمتَ الآباء، وعبتَ الدين، وسفَّهت الأحلام، وشتمتَ الآلهة، وفرّقتَ الجماعة، فما بقي من قبيح إلا وقد جئته فيما بيننا وبينك. فإنْ كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب به مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً. وإنْ كنت إنَّما تطلب الشرف فينا سوَّدْناك علينا. وإنْ كنت تريد ملكاً ملَّكناك علينا. وإِن كان هذا الذي يأتيك بما يأتيك رَئِيَّاً تراه قد غلب عليك - وكانوا يسمُون التابع من الجنِّ «الرَئيّ» - فربما كان ذلك، وبذلنا أموالنا في طلب الطبِّ حتى نبرئك منه أو نُعذر فيك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما بي ما تقولون، ما جئتكم بما جئتكم به أطلب أموالكم، ولا الشرف فيكم، ولا الملك عليكم، ولكنَّ الله بعثني إليكم رسولاً، وأنزل عليَّ كتاباً، وأمرني أنْ أكون لكم بشيراً ونذيراً، فبلَّغتكم رسالاتِ ربي،

ونصحتُ لكم، فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظُّكم من الدنيا والآخرة، وإنْ تردُّوه عليَّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم» - أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد، فإنْ كنت غير قابل منَّا ما عرضنا عليك فقد علمتَ أنه ليس أحدٌ من الناس أضيقَ بلاداً، ولا أقلَّ مالاً، ولا أشد عيشاً منا؛ فاسأل لنا ربك الذي بعثك بما بعثك به فلْيُسيِّر عنا هذه الجبال التي قد ضيَّقت علينا، وليبسط لنا بلادَنا، وليُفَجِّر فيها أنهاراً كأنهار الشام والعراق، وليبعثْ لنا من مضى من آبائنا، وليكنْ فيمن يبعث لنا منهم قصيُّ بن كلاب فإنه كان شيخاً صدوقاً؛ فنسألهم عمَّا تقول أحقٌ هو أم باطل؟ فإن صنعت ما سألناك وصدَّقوك صدَّقناك، وعرفنا به منزلتك عند الله وأنَّه بعثك رسولاً كما تقول. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما بهذا بعثت، إِنَّما جئتكم من عند الله با بعثني به، فقد بلغتكم ما أُرسلت به إِليكم؛ فإن تقبلوه فهو حظُّكم في الدنيا والآخرة، وإن تردُّوه عليَّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم» . قالوا فإن لم تفعل لنا هذا فخذ لنفسك، فسَلْ ربك أن يبعث مَلَكاً يصدقك بما تقول ويراجعنا عنك، وتسأله فيجعل لك جناتٍ وكنوزاً وقصرواً من ذهب وفضة، ويغنيك به عما نراك تبتغي - فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمسه - حتى نعرف فضل منزلتك من ربك إن كنت رسولاً كما تزعم. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما أنا بفاعل، ما أنا بالذي يسأل ربَّه هذا، وما بعثت إليكم بهذا، ولكنَّ الله بعثني بشيراً ونذيراً؛ فإن تقبلوا ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإنْ تردوه عليّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم» . قالوا: فأسقط السماء كما زعمت أنَّ ربك إن شاء فعل ذلك، فإنَّا لن نُؤمن لك إلا أن تفعل. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم «ذلك إلى الله إنْ شاء فعل بكم ذلك» . فقالوا: يا محمد، أمَا علم ربك أنَّا سنجلس معك ونسألك عمَّا سألناك عنه ونطلب منك ما نطلب؟ فيقدم إليك ويعلمك ما تُرجعنا به، ويخبرك

دعوته صلى الله عليه وسلم لأبي الحيسم وفتية من بني عبد الأشهل

ما هو صانع في ذلك بنا إذا لم نقبل منك ما جئتنا به، فقد بلغنا أنَّه إنَّما يعلمك هذا رجل باليمامة يقال له «الرحمن» وإِنَّا - والله - لا نؤمن بالرحمن أبداً، فقد أعذرنا إليك يا محمد أَما الله لا نتركك وما فعلت بنا حتى نهلكك أو تُهلكنا، وقال قائلهم: نحن نعبد الملائكة وهي بنات الله. وقال قائلهم: لن نؤمن لك حتى تأتي بالله والملائكة قبيلاً. فلما قالوا ذلك قام رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم، وقام معه عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم - وهو ابن عمته عاتكة ابنة عبد المطَّلب - فقال: يا محمد، عرض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبله منه، ثم سألوك لأنفسهم أُموراً ليعرفوا بها منزلتك من الله فلم تفعل ذلك، ثم سألوك أنْ تُعجِّل لهم ما تُخوِّفهم به من العذاب؛ فالله لا أؤمن بك أبداً حتى تتخذ إلى السماء سُلَّماً، ثم ترقى به وأنا أنظر حتى تأتيها وتأتي معك بصحيفة منشورة ومعك أربعةٌ من الملائكة يشهدون لك أنَّك كما تقول، وايْمُ الله لو فعلتَ ذلك لظننتُ أنِّي لا أُصدقك. ثم انصرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله حزيناً أسفاً لما فاتَه ممَّا كان طمع فيه من قومه حين دَعوه، ولمَا رأى من مباعدتهم إيَّاه. وهكذا رواه زياد بن عبد الله البَكَّائي عن ابن إسحاق عن بعض أهل العلم عن سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما - فذكر مثله سواء؛ كذا في التفسير لابن كثير والبداية. دعوته صلى الله عليه وسلم لأبي الحَيْسم وفتية من بني عبد الأشهل وأخرج أبو نُعيم عن محمود بن لبيد أخي بني الأشهل قال: لمَّا قدم

أبو الحَيْسم أنس بن رافع مكة - ومعه فتيةٌ من بني عبد الأشهل فيهم إياس بن مُعاذ يلتمسون الحلف من قريش على قومهم من الخزرج - سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم، فأتاهم فجلس إليهم فقال لهم: «هل لكم إلى خير مما جئتم له؟» فقالوا: ما ذاك؟ قال: «أنا رسول الله بعثني الله إلى العباد أدعوهم إلى الله أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئاً، ونزَّل عليَّ الكتاب» . ثم ذكر الإِسلام، وتلا عليهم القرآن. فقال إياس بن معاذ - وكان غلاماً حَدَثاً -: أيْ قوم، هذا - والله - خير مما جئتم له. فأخذ أبو الحيسم أنس بن رافع حفنة من البطحاء وضرب بها وجه إياس بن معاذ، وقال: دعنا منك، فلعمري لقد جئنا لغير هذا، فصمت إياس وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وانصرفوا إلى المدينة، فكانت وقعة «بُعاث» بين الأوس والخزرج، ثم لم يبث إياس بن معاذ أنْ هَلَك. قال محمود بن لبيد: فأخبرني مَنْ حضره من قومي عند موته: أنَّهم لم يزالوا يسمعونه يهلِّل الله، ويكبِّره، ويسبِّحه، حتى مات، فما يشكُّون أنْ قد مات مسلماً، لقد كان استشعر الإِسلام في ذلك المجلس حين سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سمع؛ كذا في كنز العمال. وأخرجه أيضاً أحمد والطبراني، ورجاله ثقات، كما قال الهيثمي. وأسنده أيضاً ابن إسحاق في المغازي عن محمود بن لبيد بنحوه، رواه جماعة عن ابن إسحاق وهو من صحيح حديثه كما قال في

عرضه ت الدعوة على المجامع دعوته عليه السلام لعشيرته الأقربين وبطون قريش عند نزول الآية

الإِصابة. عرضه ت الدعوة على المجامع دعوته عليه السلام لعشيرته الأقربين وبطون قريش عند نزول الآية أخرح ابن سعد عن بن عباس رضي الله عنهما قال: لما أنزل الله: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاْقْرَبِينَ} (الشعراء: 214) ؛ خرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى علا المَرْوة ثم قال: «يا آل فِهر» فجاءته قريش، فقال أبو لهب بن عبد المطلب: هذه فهر عندك فقُلْ. فقال «يا آل غالب» ، فرجع بنو محارب وبنو الحارث إبنا فهر، فقال: يا آل لؤي بن غالب» ، فرجع بنو تَيْم الأدرم بن غالب، فقال: يا آل كعب بن لؤي» ، فرجع بنو عامر بن لُؤي، فقال: «يا آل مُرَّة بن كعب» ، فرجع بنو عَدِيّ بن كعب وبنو سَهْم وبنو جُمَح بن عمر وبن هُصَيص بن كعب بن لؤي، فقال: «يا آل كلاب بن مرة» ، فرجع بنو مخزوم بن يقظة بن مُرَّة وبنو تَيْم بن مرة، فقال: «يا آل قصي» ، فرجع بنو زُهْرة بن كلاب، فقال: «يا آل عبد مناف» فرجع بنو عبد الدار بن قُصَي وبنو أسد بن عبد العزى بن قصي وبنو عبد بن قصي. فقال أبو لهب: هذه بنو عبد مناف عندك فقل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنَّ الله أمرني أن أُنذر عشيرتي الأقربين وأنتُم الأقربون من قريش، وإِني لا أملك لكم من الله حظاً ولا من الآخرة نصيباً إلا أن تقولوا: «لا إله إلا الله» فإِشهد بها لكم عند ربكم وتدين لكم العرب وتذلُّ لكم بها العجم» . فقال أبو لهب: تبّاً لك فلهذا دعوتنا؟ فأنزل الله: {تَبَّتْ يَدَآ أَبِى لَهَبٍ وَتَبَّ} (المسد: 1) ، يقول: خَسرتْ يدا أبي لهب. كذا في الكنز.

وأخرج أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما أنزل الله: «وأنذر عشيرتك الأقربين» أتى النبي صلى الله عليه وسلم الصَّفَا فصعد عليه، ثم نادى: «يا صباحاه» ، فاجتمع الناس إليه بين رجل يجيء إليه وبين رجل يبعث رسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا بني عبد المطلب، يا بني فهر، يا بني كعب، أرأيتم لو أخبرتكم أنَّ خيلاً بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم صدقتموني؟» قالوا: نعم، قال: «فإنِّي نذيرٌ لكم بين يدي عذاب شديد» ، فقال أبو لهب: تبّاً لك سائر اليوم أما دعوتَنا إلا لهذا؟ وأنزل الله عزّ وجلّ: {تَبَّتْ يَدَآ أَبِى لَهَبٍ وَتَبَّ} ، وأخرجه الشيخان نحوه كافي البداية. عرضه صلى الله عليه وسلم الدعوة في مواسم الحج وعلى قبائل العرب عرضه عليه السلام الدعوة على بني عامر وبني محارب أخرج أبو نعيم في دلائل النبوة (ص 101) عن عبد الله بن كعب بن مالك رضي الله عنهما قال: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين من نبوته مستخفياً، ثم أعلن في الرابعة، فدعا عشر سنين يوافي الموسم، يتَّبع الحاجَّ في منازلهم: بعُكاظ ومَجَنَّة، وذي المجاز، يدعوهم إلى أنْ يمنعوه حتى يبِّغَ رسالة ربه عزّ وجلّ ولهم الجنّة، فلا يجد أحداً ينصره، حتى إنَّه يسأل عن القبائل ومنازلهم قبيلةً قبيلةً،

عرضه عليه السلام الدعوة على بني عبس

حتى انتهى إلى بني عامر بن صَعْصَعة فلم يلق من أحد من الأذى قط ما لقي منهم، حتى خرج من عنده وإنَّهم ليرمونه من ورائه، حتى انتهى إلى بني مُحارب بن خَصَفَة، فوجد فيهم شيخاً ابن مائة سنة وعشرين سنة، فكلَّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاه إلى الإِسلام وأنْ يمنعه حتى يبلِّغ رسالة ربه، فقال الشيخ: أيُّها الرجل، قومك أعلم بنبأك، والله لا يؤوب بك رجل إلى أهله إلا آب بشرِّ ما يؤوب به أهل الموسم، فأغنِ عنا نفسك، وإنَّ أبا لهب لقائم يسمع كلام المحاربي. ثم وقف أبو لهب على المحاربي فقال: لو كان أهل الموسم كلُّهم مثلك لترك هذا الدِينَ الذي هو عليه، إنَّه صابيءٌ كذابٌ. قال المحاربي: أنت - والله - أعرف به، هو ابنَ أخيك ولحمتك ثم قال المحاربي: لعلَّ به - يا أبا عتبة - لَمَمَاً؟ فإنَّ معنا رجلاً من الحي يهتدي لعلاجه. فلم يرجع أبو لهب بشيء، غير أنه إذا رآه وقف على حيَ من أحياء العرب صاحبه أبو لهب إنَّه صابىء كذاب؛ وفي إسناده الواقدي. عرضه عليه السلام الدعوة على بني عبس وأخرج أبو نعيم (ص 102) أيضاً من طريق الواقدي عن عبد الله بن وابصة العبسي عن أبيه عن جده قال: جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في منازلنا بمنى - ونحن نازلون بالجَمْرة الأولى التي تلي مسجد الخَيْف وهو على راحلته مُرْدِفاً خلفه زيد بن حارثة - فدعانا، فوالله ما استجبنا له ولا خير لنا، قال: وقد كنّا سمعنا به وبدعائه في الموسم، فوقف علينا يدعونا فلم نستجب له. وكان معنا مَيْسرة بن مسروق العبسي، فقال: أحلف بالله لو صدَّقنا هذا الرجل وحلمناه حتى نحُل به وسط رحالنا لكان الرأي، فأحلف بالله ليظهرنَّ أمره حتى يبلغ كلَّ مبلغ. فقال له القوم. دَعْنا عنك لا تعرِّضنا لما لا قِبَلَ لنا به، فطمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مَيْسرة فكلَّمه. فقال مَيْسرة: ما أحسن كلامك وأنوره ولكنَّ قومي يخالفونني، وإنَّا

عرضه عليه السلام الدعوة على كندة

الرجل بقومه فإن لم يعضدوه فالعِداء أبعد. فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج القوم صادرين إلى أهليهم. فقال لهم ميسرة: ميلوا بنا إلى فَدَك فإنَّ بها يهودَ نسائلهم عن هذا الرجل. فمالوا إلى يهود فأخرجوا سِفْراً لهم فوضعوه ثم درسوا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم النبي الأمي العربي، يركب الجمل، ويجتزىء بالكِسْرة وليس بالطويل ولا بالقصير ولا بالجعد ولا بالسبط، في عينه حُمْرة، مُشَرَّب اللون. فإنْ كان هذا هو الذي دعاكم فأجيبوه وادخلوا في دينه، فإِنَّا نحسده فلا نتبعه، ولنا منه في مواطن بلاء عظيم ولا يبقى أحد من العرب إلا اتَّبعه أو قاتله، فكونوا ممّن يتّبعه. فقال مَيْسرة: يا قوم، إنّ هذا الأمر بيِّنٌ، قال القوم: نرجع إلى الموسم فنلقاه. فرجعوا إلى بلادهم وأبى ذلك عليهم رجالهم فلم يتبعه أحد منهم. فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وحجَّ حِجّة الوداع لقيه مَيْسرة فعرفه. فقال يا رسول الله، والله ما زلبت حريصاً على اتِّباعك من يوم أنختَ بنا حتى كان ما كان، وأبى الله إلا ما ترى من تأخير إسلامي، وقد مات عامة النَّفر الذين كانوا معي فأين مدخلهم يا نبي الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «كل من مات على غير دين الإِسلام فهو في النار» ، فقال: الحمد لله الذي أنقذني، فأسلم فحسن إسلامه، وكان له عند أبي بكر رضي الله عنه مكان. وذكره في البداية عن الواقدي بإسناده مثله. عرضه عليه السلام الدعوة على كِنْدة وأخرج أبو نُعيم في الدلائل (ص 103) أيضاً من طريق الواقدي حدثني

عرضه عليه السلام الدعوة على بني كعب

محمد بن عبد الله بن كَثِير بن الصَّلْت عن ابن رومان وعبد الله بن أبي بكر وغيرهما رضي الله عنهم قالوا: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم كِندة في منازلهم بعُكاظ، فلم يأتِ حيّاً من العرب كان ألين منهم، فلمَّا رأى لينهم وقوة جَبْههم له جعل يكلمهم ويقول «أدعوكم إلى الله وحده لا شريك له، وأن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم، فإنْ أظهرْ فأنتم بالخيار» . فقال عامتهم ما أحسن هذا القول ولكنَّا نعبد ما كان يعبد آباؤنا. قال أصغر القوم: يا قوم، اسبقوا إلى هذا الرجل قبل أن تُسبقوا إليه، فوالله إنَّ أهل الكتاب ليُحدِّثون أنَّ نبياً يخرج من الحَرَم قد أظلَّ زمانُه. وكان في القوم إنسان أعور فقال: أمسكوا عليَّ، أخرجته عشيرته وتؤونه؟ أنتم تحملون حرب العرب قاطبة؟ لا، م لا. فنصرف عنهم حزيناً، فانصرف القوم إلى قومهم فخبروهم. فقال رجل من اليهود: والله إنَّكم مخطئون بخطئكم، لو سبقتم إلى هذا الرجل لسدتُم العرب، ونحن نجد صفته في كتابنا. فوصفه القوم الذين رأَوه كل ذلك يصدقونه بما يصف من صفته، ثم قال: نجد مخرجه بمكة ودر هجرته يثرب. فأجمع القوم ليوافوه في الموسم قابل، فحبسهم سيد لهم عن حج تلك السنة فلم يوافِ أحد منهم. فمات اليهوديُّ فسُمِعَ عند موته يُصدِّق بمحمد صلى الله عليه وسلم ويؤمن به. عرضه عليه السلام الدعوة على بني كعب وأخرج أبو نعيم في دلائل النبوة (ص 100) عن عبد الرحمن العامري عن أشياخ من قومه قالوا: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بسوق عُكاظ، فقال: «مِمَّن القوم؟» قلنا من بني عامر بن صَعْصَعة. قال: «من أيِّ بني عامر؟» قلنا: بنو كعب بن ربيعة. قال: «كيف المَنَعَةُ فيكم؟» قلنا: لا يُرام ما قِبَلنا، ولا يُصطلى بنارنا. قال: فقال لهم: «إنِّي رسول الله، فإنْ أتيتكم تمنعوني حتى أُبلِّغ رسالة ربي؟

ولم أُكره أحداً منكم على شيء» . قالوا: ومِنْ أيِّ قريش أنت؟ قال: «من بني عبد المطلب» . قالوا: فأين أنت من بني عبد مناف؟ قال: «هم أول من كذَّبني وطردني» . قالوا: ولكنَّا لا نطردك ولا نُؤمن بك، ونمنعك حتى تبلغ رسالة ربك. قال: فنزل إليهم والقوم يتسوقون إذ أتاهم بُجْرة بن قيس القُشَيري فقال، من هذا الذي أراه عندكم؟ أُنْكرُه. قالوا: محمد بن عبد الله القرشي. قال: مالكم وله؟ قالوا: زعم لنا أنَّه رسول الله، يطلب إلينا أنْ نمنعه حتى يبلِّغَ رسالة ربه. قال: فماذا رددتم عليه؟ قالوا: قلنا في الرَّحب والسَّعة، نُخرجكم إلى بلادنا ونمنعك مما نمنع به أنفسنا. قال بُجْرة: ما أعلم أحداً من أهل هذه السوق يرجع بشيء أشرَّ من شيء ترجعون به. بدأتم لتنابذ الناس، وترميكم العرب عن قوس واحدة، قومه أعلم به، لو آنسوا منه خيراً لكانوا أسعد الناس به، تعمدون إلى رَهيق قوم قد طرده قومه وكذَّبوه فتؤوونه وتنصرونه، فبئس الرأي رأيتم ثم أقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ثُم فالحق بقومك، فوالله لولا أنَّك عند قومي لضربت عنقك. قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ناقته فركبها، فغمز الخبيثُ بُجْرة شكلتها فقمصت برسول الله صلى الله عليه وسلم فألقته. وعند بني عامر يومئذٍ ضُباعة بنت عامر بن قُرط - كانت من النسوة اللاتي أسلمن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة - جاءت زائرة إلى بني عمها، فقالت: يا آل عامر، - ولا عامر لي - أيُصنع هذا برسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهركم لا يمنعه أحدٌ منكم؟ فقام ثلاثة نفر من بني عمِّها إلى بُجرة واثنين أعاناه، فأخذ كل رجل منهم رجلاً فجلد به الأرض، ثم جلس على صدره ثم علَوا وجوههم لطماً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اللَّهم بارك على هؤلاء، والعن هؤلاء» . قال: فأسلم الثلاثة الذين نصروه فقتلوا شهداء؛ وهلك الآخرون لعناً. واسم الإثنين اللَّذين نصرا بُجْرة ابن فِراس؛ حزن بن عبد الله، ومعاوية بن عبادة، وأما الثلاثة الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فغِطريف، وغَطَفان، إبنا سهل، وعُروة بن عبد الله. وأخرجه الحافظ سعيد بن يحيى بن

سعيد الأموي في مغازيه عن أبيه به، كما في البداية. وعند ابن إسحاق عن الزُّهْري أنَّه أتى بني عمر بن صَعْصَعة، فدعاهم إلى الله وعرض عليهم نفسه. فقال له رجل منهم - يقال له بَحيرة ابن فراس -: والله لو أني أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب، ثم قال له: أَرأيت إنْ نحن تابعناك على أمرك ثم أظهرك الله على من يخالفك أيكون لنا الأمر من بعدك؟ قال: «الأمر لله يضعه حيث يشاء» . قال: فقال له: أفنهدُف نحورنا للعرب دونك فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا؟ لا حاجة لنا بأمرك؛ فأبَوا عليه. فلما صَدَر الناس رجعت بنو عامر إلى شيخ لهم قد كان أدركه السن حتى لا يقدر أن يوافي معهم المواسم، فكانوا إذا رجعوا إليه حدَّثوه بما يكون في ذلك الموسم. فلما قدمونا عليه ذلك العام سألهم عما كان في موسمهم فقالوا: جاءنا فتى من قريش ثم أحد بني عبد المطلب يزعم أنه نبي، يدعونا إلى أن نمنعه ونقوم معه ونخرج به إلى بلادنا. قال: فوضع الشيخ يده على رأسه ثم قال: يا بني عامر، هل لها من تلاف؟ هل لذُناباها من مطلب؟ والذي نفسُ فلان بيده ما تقوَّلها إسماعيلي قط، وإنَّها لحق فأين رأيكم كان عنكم؟. كذا في البداية. وذكره الحافظ أبو نعيم (ص 100) عن ابن إسحاق عن الزُّهْري من قوله: فلما صدر الناس رجعت بنو عمر إلى شيخ لهم. إلى آخره. وأخرج ابن إسحاق أيضاً عن الزهري: أنَّه عليه السلام أتى كندة في

عرضه عليه السلام الدعوة على بني كلب

منازلهم وفيهم سيد لهم يقال له مُلَيح، فدعاهم إلى الله عزّ وجلّ وعرض عليهم نفسه، فأبَوا. عرضه عليه السلام الدعوة على بني كَلْب وعن محمد بن عبد الرحمن بن حُصَين: أنَّه أتى كَلْباً في منازلهم إلى بطن منهم يقال لهم بنو عبد الله، فدعاهم إلى الله وعرض عليهم نفسه، حتى إنَّه ليقول: يا بني عبد الله، إنَّ الله قد أحسن إسم أبيكم فلم يقبلوا منه ما عرض عليهم. عرضه عليه السلام الدعوة على بني حنيفة وعن عبد الله بن كعب بن مالك رضي الله عنهما: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بني حنيفة في منازلهم، فدعاهم إلى لله، وعرض عليهم نفسه، فلم يك أحدٌ من العرب أقبحَ رداً عليه منهم. كذا في البداية. عرضه عليه السلام الدعوة على بكر وأخرج الحافظ أبو نُعَيم عن العباس رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا أرى لي عندك ولا عند أخيك مَنَعَة، فهل أنت مخرجي إلى السوق غداً حتى نقرَّ في منازل قبائل الناس» ، وكانت مجمع العرب. قال فقلت: هذه كِنْدة ولِفُّها وهي أفضل من يحج البيت من اليمن، وهذه منازل بكر بن وائل، وهذه منازل بني عامر بن صَعْصَعة، فاختر لنفسك؟ قال فبدأ بكِنْدة فأتاهم فقال: «مِمَّن القوم؟» قالوا: من أهل اليمن. قال: «من أيِّ اليمن؟» قالوا: من كِنْدة قال: «من أيِّ كِنْدة؟» قالوا: من بني عمرو بن معاوية، قال:

عرضه عليه السلام الدعوة على قبائل بمنى

«فهل لكم إلى خير؟» قالوا: وما هو؟ قال: «تشهدون أنْ لا إله إلا الله، وتقيمون الصلاة، وتؤمنون بما جاء من عند الله» . قال عبد الله بن الأجلح: وحدَّثني أبي عن أشياخ قومه أنَّ كندة قالت له: إِن ظفرتَ تجعلْ لنا الملك من بعدك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إِنَّ الملك لله يجعله حيث يشاء» . فقالوا: لا حاجة لنا فيما جئتنا به. وقال الكلبي: فقالوا: أجئتنا لتصدَّنا عن آلهتنا وننابذ العرب، إلحق بقومك فلا حاجة لنا بك. فانصرف من عندهم فأتى بكر بن وائل فقال: «مِمَّن القوم؟» قالوا: من بكر بن وائل. فقال: «من أيِّ بكر بن وائل؟» قالوا: من بني قيس بن ثعلبة. قال: «كيف العدد؟» قالوا: كثير مثل الثرى. قال: «فكيف المنعة؟» قالوا: لا مَنَعة، جاورنا فارس فنحن لا نمتنع منهم ولا نُجير عليهم. قال: «فتجعلون لله عليكم إنْ هو أبقاكم حتى تنزلوا منازلهم، وتستنكحوا نساءهم، وتستعبدوا أبناءهَم أنْ تسبِّحوا الله ثلاثاً وثلاثين، وتحمدوه ثلاثاً وثلاثين، وتكبِّروه أربعاً وثلاثين» . قالوا: ومن أنت؟ قال: «أنا رسول الله» . ثم انطلق فلمّا ولَّى عنهم قال الكلبي: وكان عمَّه أبو لهب يتبعه فيقول للناس: لا تقبلوا قوله، ثم مرَّ أبو لهب فقالوا: هل تعرف هذا الرجل؟ قال: نعم هذا في الذروة منا، فعن أيِّ شأنه تسألون؟ فأخبروه بما دعاهم إليه وقالوا: زعم أنه «رسول الله» ، قال: ألا لا ترفعوا برأسه قولاً، فإنَّه مجنون يهذي من أُمِّ رأسه. قالوا: قد رأينا ذلك حين ذكر من أمر فارس ما ذكر. كذا في البداية. عرضه عليه السلام الدعوة على قبائل بمنى وأخرج ابن إسخاق عن ربيعة بن عبَّاد رضي الله عنه قال: إني لغلام شاب مع أبي بمنى، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقف على منازل القبائل من العرب فيقول: «يا بني فلان، إني رسول الله إليكم، آمركم أنْ تعبدوا الله ولا تشركوا

به شيئاً، وأن تخلعوا ما تعبدن من دونه من هذه الأنداد، وأن تؤمنوا بي، وتصدِّقوا بي، وتمنعوني حتى أُبَيِّن عن الله ما بعثني به» . قال: وخلفه رجل أحول وضيء، له غديرتان، عليه حُلَّة عدنيّة. فإذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله وما دعا إليه قال ذلك الرجل: يا بني فلان، إِنَّ هذا إنما يدعوكم إلى أنْ تسلخوا اللات والعُزَّى من أعناقكم، وحلفاءكم من الجن من بني مالك بن أُقيْش إلى ما جاء به من البدعة والضلالة فلا تطيعوه، ولا تسمعوا منه. قال: فقلت لأبي: يا أبت، من هذا الرجل الذي يتبعه ويردّ عليه ما يقول؟ قال: هذا عمه عبد العُزَّى بن عبد المطلب أبو لهب. كذا في البداية. وأخرجه أيضاً عبد الله بن أحمد والطبراني عن ربيعة بمعناه، قال الهيثمي. وفيه: حسين بن عبد الله بن عبيد الله وهو ضعيف ووثَّقه ابن مَعِين في رواية. انتهى. قلت: وفي رواية ابن إسحاق رجل لم يُسمَّ. عرضه عليه السلام الدعوة على الجماعة بمنى وأخرج الطبراني عن مُدْرك قال: حججت مع أبي، فلما نزلنا منى

عرضه عليه السلام الدعوة على بني شيبان

إذا نحن بجماعة فقلت لأبي: ما هذه الجماعة؟ قال: هذا الصابىء فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يا أيُّها الناس، قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا» . قال الهيثمي: ورجاله ثقات. وأخرج البخاري في التاريخ أبو زُرعة والبغوي وابن أبي عاصم والطبراني عن الحارث بن الحارث الغامدي رضي الله عنه قال: قلت لأبي ونحن بمنى: ما هذه الجماعة؟ قال: هؤلاء اجتمعوا على صابىء لهم. قال: فتشرَّفتُ، فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى توحيد الله، وهم يردون عليه الحديث. كذا في الإِصابة. وأخرج الواقدي عن حسانَ بن ثابت رضي الله عنه قال: حججت والنبي صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى الإِسلام وأصحابه يعذّبون، فوقفت على عمرَ يعذب جارية بني عمرو بن المؤمَّل، ثم ثبت على زِنِّيرة فيفعل بها ذلك؛ كذا في الإِصابة. عرضه عليه السلام الدعوة على بني شَيْبان وأخرج أبو نعيم في الدلائل (ص 96) عن ابن عباس عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لما أمر الله عزّ وجلّ نبيه صلى الله عليه وسلم أنْ يعرض نفسه على قبائل العرب خرج وأنا معه وأبو بكر إلى منًى حتى دَفَعْنا إلى مجلس من مجالس

العرب، فتقدَّم أبو بكر فسلَّم - وكان أبو بكر مقدَّماً في كل حين وكان رجلاً نسّابه - فقال: ممَّن القوم؟ قالوا: من ربيعة. قال: وأيُّ ربيعة أنتم؟ ... فذكر الحديث بطوله؛ وفيه قال: ثم انتهينا إلى مجلس عليه السكينةُ والوقارُ، وإِذا مشايخُ لهم أقدار وهيئات، فتقدَّم: أبو بكر فسلم - قال علي: وكان مقدَّماً في كل حين فقال لهم أبو بكر: ممَّن القوم؟ قالوا: نحن بنو شَيْبان بن ثعلبة. فالتفت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بأبي أنت وأُمي ليس بعد هؤلاء من عزَ في قومه، وكان في القوم: مفروق بن عمرو، وهانىء بن قَبيصة، والمثنَّى بن حارثة، والنعمان بن شَريك. وكان أقرب القوم إلى أبي بكر مفروق بن عمرو، وكان مفروق قد غلب عليهم بياناً ولساناً، وكانت له غديرتان تسقطان على صدره. وكان أدنى القوم مجلساً من أبي بكر، فقال له أبو بكر: كيف العدد فيكم؟ فقال له: إنَّا لنزيد على الألف ولن يُغلب ألف من قلة. قال: فكيف المنعَة فيكم؟ قال: علينا الجُهد ولكل قوم جَدّ. قال أبو بكر: فكيف الحرب بينكم وبين عدوِّكم؟ قال مفروق: إنَّا أشدُّ ما نكون غضباً حين نَلْقَى، وإِنَّا أشدُّ ما نكون لقاءً إذا غضبنا، وإنا لنؤثر الجياد على الأولاد، والسلاح على اللِقَاح، والنصرُ من عند الله، يُديلنا مرة ويُديل علينا مرة؛ لعلك أخو قريش؟ قال أبو بكر: إنْ كان بلغكم أنَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم فها هوذا. فقال مفروق: قد بلغنا أنَّهُ يذكر. ثم التفت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إلامَ تدعو يا أخا قريش؟ فتقدّم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس، وقام أبو بكر يظلِّله بثوبه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أدعوكم إلى شهادة أنْ لا إله إلا الله وحده، وأني رسول الله، وأنْ تؤوني. تمنعوني، وتنصروني حتى أؤدي عن الله تعالى ما أمرني به، فإنَّ قريشاً قد تظاهرت على أمر الله، وكذَّبت رسوله، واستغنت بالباطل عن الحق والله هو الغني الحميد» . قال له: وإِلامَ تدعو أيضاً يا أخا قريش؟ فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ

مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسَاناً} - إلى قوله تعالى - {فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذالِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (الأنعام: 151 - 153) فقال له مفروق: وإلامَ تدعو أيضاً يا أخا قريش؟ فوالله ما هذا من كلام أهل الأرض ولو كن من كلامه م لعَرفناه، فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإْحْسَانِ} - إلى قوله تعالى - {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (النحل: 90) . فقال له مفروق: دعوتَ - والله - يا قرشي إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، ولقد أفِك قوم كذَّبوك وظاهروا عليك. وكأنه أحبَّ أنْ يَشركه في الكلام هانىء بن قبيصة فقال: وهذا هانىء بن قبيصة شيخنا وصاحب ديننا. فقال له هانىء: قد سمعت مقالتك يا أخا قريش، وصدَّقت قولك، وإِني أرى أنَّ تركَنا ديننا واتِّباعنا إياك على دينك لمجلس جلستَه إلينا ليس له أول ولا آخر لم نتفكر في أمرك، وننظر في عاقبة ما تدعونا إليه - زلّةٌ في الرأي، وطَيْشة في العقل، وقلة نظر في العاقبة، وإِنَّما تكون الزلَّة مع العَجَلة، وإِنَّ مِنْ ورائنا قوماً نكره أنْ نعقد عليهم عقداً. ولكن ترجع ونرجع وتنظر وننظر. وكأنَّه أحب أنْ يشركه في الكلام المثنى بن حارثة فقال: وهذا المثنى شيخنا وصاحب حربنا. فقال المثنى: قد سمعت مقالتك، واستحسنت قولك يا أخا قريش، وأعجبني ما تكلمت به، والجواب هو جواب هانىء بن قبيصة، إِنَّما نزلنا بين صِيرَين: أحدهما اليمامة، والأخرى السَّماوة. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم وما هذان الصِّيران؟ فقال له: أما أحدهما فطُفوف البر وأرض العرب، وأما الآخر فأرض فارس وأنهار كسرى، وإِنما نزلنا على عهدٍ أخذه علينا كسرى أنْ

لا نُحدث حدثاً، ولا نؤويَ مُحدِثاً. ولعل هذا الأمر الذي تدعونا إليه ممَّا تكرهه الملوك، فأمَّا ما كان مما يلي بلاد العرب فذنب صاحبه مغفور وعذره مقبول، وأما ما كان مما يلي بلاد فارس فذنب صاحبه غير مغفور، وعذره غير مقبول. فإن أردت أن ننصرك مما يلي العرب فعَلْنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما أسأتم الردَّ إذْ أفصحتم بالصدق، إِنه لا يقوم بدين الله إلا مَنْ حاطه من جميع جوانبه» . ثم نهضت قابضاً على يد أبي بكر، ثم دفعنا إِلى مجلس الأوس والخزرج، فما نهضنا حتى بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال علي رضي الله عنه: وكان صدُقاً صُبُراً - رضوان الله عليهم أجمعين -. كذا في دلائل النبوة لأبي نُعيم. وقال في البداية: رواه أبو نُعيم والحاكم والبيهقي، والسِّياق لأبي نُعيم - فذكر الحديث وفيه بعد قوله: «إنَّه لا يقوم بدين الله إلا مَنْ حاطه من جميع جوانبه» ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أرأيتم؟ إِن لم تلبثوا إلا يسيراً حتى يمنحكم الله بلادهم وأموالهم، ويُفرشَكم بناتِهم، أتسبِّحون الله وتقدِّسونه؟» فقال له النعمان بن شريك: اللَّهمَّ وإِنَّ ذلك لك يا أخا قريش، فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم {ياأَيُّهَا النَّبِىُّ إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشّراً وَنَذِيراً وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً} (الأحزاب: 45، 46) ثم نهض رسول الله صلى الله عليه وسلم قابضاً على يدي أبي بكر رضي الله عنه. قال علي رضي الله عنه: ثم التفت إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا عليٌّ أيّةُ أخلاقٍ للعرب كانت في الجاهلية - ما أشرفها؟ - بها يتحاجزون في الحياة الدنيا» . قال: ثم دفعنا إلى مجلس الأوس والخزرج؛ فما نهضنا حتى بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم قال علي: وكانوا صُدَقاء صُبَراء، فسُرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم من معرفة أبي بكر بأنسابهم. قال فلم يلبث رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلا يسيراً حتى خرج إلى أصحابه فقال لهم: «احمدوا الله كثيراً» فقد ظفرت اليوم بناء ربيعة

الأخلاق، ومكارم الشيم، وفصاحة العرب.

بأهل فارس، قتلوا ملوكهم، واستباحوا عسكره، وبي نُصروا» . قال ابن كثير في البداية: هذا حديث غريب جداً، كتبناه لما فيه من دلائل النبوة، ومحاسن الأخلاق، ومكارم الشِّيَم، وفصاحة العرب. وقد ورد هذا من طريق أخرى وفيه أنَّهم لما تحاربوا هُمْ وفارس والتقَوْا معهم بقُراقِر - مكان قريب من الفرات - جعلوا شعارهم إسم محمد صلى الله عليه وسلم فنُصروا على فارس بذلك، وقد دخلوا بعد ذلك في الإِسلام. انتهى. وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: أخرج الحاكم وأبو نُعيم والبيهقي في الدلائل بإسناد حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما: حدثني علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فذكر شيئاً من هذا الحديث. عرضه عليه السلام الدعوة على الأوس والخزرج وأخرج أبو نُعيم في الدلائل (ص 105) من طريق الواقدي عن إسحاق بن حباب عن يحيى بن يعلى قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوماً - وهو يذكر الأنصار وفضلهم وسابقتهم - ثم قال: إنّه ليس بمؤمن من لم يحبَّ الأنصار ويعرف لهم حقوقهم، هم - والله - ربَّوا الإِسلام كما يُربى الفَلُوُّ في غنائهم بأسيافهم وطول ألسنتهم وسخاء أنفسهم. لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج في المواسم فيدعو القبائل، ما أحدٌ من الناس يستجيب له ويقبل منه دعاءه. فقد كان يأتي القبائل بمجنَّة وعُكاظ وبمنى حتى يستقبل القبائل يعود إليهم سنة بعد سنة، حتى إنَّ القبائل منهم من قال: ما آن لك أنْ تيأس منا؟ من طول ما يعرض نفسه عليهم، حتى أراد الله عزّ وجلّ ما أراد بهذا الحيِّ من الأنصار

فأعرض عليهم الإِسلام، فاستجابوا وأسرعوا وآوَوا ونصروا وواسوا - فجزاهم الله خيراً - قدمنا عليهم، فنزلنا معهم في منازلهم، ولقد تشاحُّوا فينا، حتى إن كانوا ليقترعون علينا، ثم كنَّا في أموالهم أحقَّ بها منهم طيبة بذلك أنفسهم؛ ثم بذلوا مهج أنفسهم دون نبيهم صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين. وأخرج أبو نُعيم أيضاً في الدلائل (ص 105) عن أمِّ سعد بنت سعد بن الربيع رضي الله عنهما قالت: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ما أقام يدعو القبائل إلى الله عزّ وجلّ يؤُذى ويُشتم، حتى أراد الله عزّ وجلّ بهذا الحيِّ من الأنصار ما أراد من الكرامة، فانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نفر منهم عند العقبة وهم يحلِقون رؤوسهم. قلت: من هم يا أمَّه؟ قالت: ستة نفر أو سبعة، منهم من بني النجار ثلاثة: أسعد بن زُرارة وابنا عفراء، ولم تُسمِّ لي من بقي. قالت: فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فدعاهم إلى الله عزّ وجلّ، فقرأ عليهم القرآن، فاستجابوا لله ولرسوله، وفوافَوا قابل وهي العقبة الأولى؛ ثم كانت العقبة الآخرة. قلت لأمِّ سعد: وكم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة؟ قالت: أما سمعت قول أبي صِرْمَة قيسِ بن أبي أنس؟ قلت: لا أدري ما قال، فأنشدتني قوله: ثَوَى في قريشٍ بِضْعَ عشْرَة حَجَّة يُذكِّرُ لو لاقَى صديقاً مواتيا وذكر الأبيات كما سيأتي في باب النُصرة من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. وأخرج أبو نُعيم أيضاً في الدلائل (ص 105) عن عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه، والزُّهري رضي الله عنه قال: لمَّا اشتد المشركون على رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال لعمِّه العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه: «يا عم، إنَّ الله عزّ وجلّ ناصر دينه بقوم يهون عليهم رَغْمُ قريش عزاً في ذات الله تعالى فامضِ بي إلى عُكاظ، فأرني منازل أحياء العرب حتى أدعوهم إلى الله عزّ وجلّ، لأأن يمنعوني ويؤووني حتى أُبلِّغ عن الله عزّ وجلّ ما أرسلني به» ، قال: فقال العباس: يا ابن أخي، إمضِ إلى عُكاظ فأنا ماضٍ معك حتى أدلَّك على منازل الأحياء. فبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بثَقيف، ثم استقرى القبائل في سنّته. فلما كان العام المقبل - وذلك حين أمر الله تعالى أن يعلن الدعاء - لقي الستة نفرٍ الخزرجيين والأوسيين: أسعد بن زُرارة، وأبو الهيثم بن التَّيِّهان، وعبد الله بن رواحة، وسعد بن الربيع، والنعمان بن حارثة، وعُبادة بن الصامت. فلقيهم النبي صلى الله عليه وسلم في أيام مِنًى عنه جَمرة العقَبَة ليلاً، فجلس إليهم فدعاهم إلى الله عزّ وجلّ، وإلى عبادته، والموازرة على دينه الذي بعث به أنبياءه ورسله، فسألوه أنْ يَعرِض عليهم ما أُوحي إليه، فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة إبراهيم: {وَإِذْ قَالَ إِبْراهِيمُ رَبّ اجْعَلْ هَاذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِى وَبَنِىَّ أَن نَّعْبُدَ الاْصْنَامَ} (إبراهيم: 35) . - إلى آخر السورة، فرقَّ القوم وأخبتوا حين سمعوا وأجابوه. فمرَّ العباس بن عبد المطلب وهو يكلِّمهم ويكلِّمونه، فعرف صوت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ابن أخي، من هؤلاء الذين عندك؟ قال: يا عمّ، سكان يثرب: الأوس والخزرج قد دعوتهم ما دعوت إليه مَنْ قبلَهم من الأحياء فأجابوني وصدقوني، وذكروا أنَّهم يخرجونني إلى بلادهم. فنزل العباس بن عبد المطلب وعقل راحلته ثم قال لهم: يا معشر الأوس والخزرج، هذا ابن أخي - وهو أحبُّ الناس إِليّ - فإن كنتم صدَّقتموه وآمنتم به وأردتم إِخراجه معكم فإني أريد أن آخذ عليكم موثقاً تطمئنُ به نفسي ولا تخذلوه ولا تغرُّوه فإنَّ جيرانكم اليهودُ، واليهودُ له عدوٌ، ولا آمن مكرهم عليه. فقال أسعد بن زرارة - وشقَّ عليه قول

العباس حين اتَّهم عليه سعداً وأصحابه - قال: يا رسول الله إئذن لنا فلنجبْهُ غير مُخُشِنين بصدرك ولا متعرِّضين لشيء مما تكره إلا تصديقاً لإِجابتنا إيام، وإيماناً بك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أجيبوه غيرع مُتَّهمين» . فقال أسعد بن زُرارة - وأقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه - فقال: يا رسول الله، إنَّ لكل دعوة سبيلاً، إنْ لينٌ وإنْ شدةٌ، وقد دعوتَ اليوم إلى دعوة متجهِّمة للناس متوعِّرة عليهم، دعوتنا إلى ترك ديننا واتباعك على دينك وتلك رتبة صعبة فأجبناك إلى ذلك، ودعوتنا إلى قطع ما بيننا وبين الناس من الجوار والأرحام القريب والبعيد وتلك رتبة صعبة فأجبناك إلى ذلك، ودعوتنا ونحن جماعة في دار عز ومَنَعَة لا يطمع فيها أحد أن يرأس علينا رجل من غيرنا قد أفرده قومه وأسلمه أعمامه وتلك رتبة صعبة فأجبناك إلى ذلك، وكل هؤلاء الرتب مكروهة عند الناس إلا من عزم الله على رشده والتمس الخير في عواقبها وقد أجبناك إلى ذلك بألسنتنا وصدورنا، وأيدينا، إيماناً بما جئت به، وتصديقاً بمعرفة ثبتت في قلوبنا، نبايعك على ذلك ونبايع ربَّنا وربَّك، يد الله فوق أيدينا، ودماؤنا دون دمك، وأيدينا دون يدك، نمنعك مما نمنع منه أنفسنا وأبناءنا ونساءنا، فإنْ نفي بذلك فلِلَّهِ نَفي، وإنْ نغدر فبالله نغدر ونحن به أشقياء، هذا الصدق منا يا رسول الله: والله المستعان. ثم أقبل على العباس بن عبد المطلب بوجهه فقال: وأما أنت أيُّها المعترض لنا بالقول دون النبي صلى الله عليه وسلم ـ والله أعلم ما أردت بذلك؟ - ذكرت أنَّه ابنُ أخيك وأحبُّ الناس إليك، فنحن قد قطعنا القريب إِلينا والبعيد وذا الرحم، ونشهد أنه رسول الله، الله أرسله من عنده، ليس بكذاب، وأنَّ ما جاء به لا يشبه كلام البشر، وأما ما ذكرت أنَّك لا تطمئن إلينا في أمره حتى تأخذ مواثيقنا فهذه خصلة لا نردّها على أحد أرادها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فخذ ما شئت، ثم التفت إِلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، خذ لنفسك ما شئت، واشترط لربك ما شئت. فذكر الحديث بطوله في بَيْعهم. وستأتي أحاديث البَيْعة في البيعة على النُّصْرة، وأحاديث الباب في باب النُّصْرة في ابتداء أمر الأنصار إن شاء الله تعالى.

عرضه صلى الله عليه وسلم الدعوة في السوق عرضه عليه السلام الدعوة في سوق ذي المجاز أخرج أحمد عن ربيعة بن عبَّاد من بني الدِّيل - وكان جاهلياً فأسلم - قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية في سوق ذي المَجاز وهو يقول: «يا أيَّها الناس، قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا» ، والناس مجتمعون عليه، وراءه رجل وضيء الوجه، أحول، ذو غديرتين يقول: إِنَّه صابىء كاذب، يتَّبعه حيث ذهب، سألت عنه فقالوا: هذا عمُّه أبو لهب. وأخرجه البيهقي بنحوه كذا في البداية وقال الهيثمي: رواه أحمد وابنه والطبراني في الكبير بنحوه والأوسط باختصار بأسانيد، وأحد أسانيد عبد الله بن أحمد ثقات الرجال. انتهى. وعَزَاه الحافظ في الفتح إلى البيهقي وأحمد، وقال: صحَّحه ابن حبان. انتهى. قال الهيثمي: وفي رواية: ورسول الله صلى الله عليه وسلم يفرّ منه وهو يتبعه. وفي رواية: والناس منقصفون عليه، فما رأيت أحداً يقول شيئاً وهو لا يسكت. انتهى. وقد تقدم له طريق في عرضه صلى الله عليه وسلم الدعوة على القبائل. وأخرج الطبراني عن طارق بن عبد الله قال: إنِّي بسوق ذي المجاز إذْ مرّ رجل شاب عليه حُلَّة من برد أحمر وهو يقول: «يا أيها الناس، قولوا: لا إله إلا الله تُفِلحوا» ، ورجل خلفه قد أدمى عرقوبيه وساقيه يقول: يا أيُّها الناس، إنَّه كذاب فلا تطيعوه. فقلت: من هذا؟ قال: غلام بني هاشم الذي يزعم أنَّه «رسول الله» وهذا عمه عبد العُزَّى. فذكر الحديث. قال الهيثمي وفيه: أبو حباب الكلبي وهو مدلِّس، وقد وثَّقه ابن حِبَّان، وبقية رجاله رجال الصحيح. انتهى. وأخرج أحمد عن رجل من بني مالك بن كِنانة قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوق ذي المجاز يتخلَّلها يقول: «يا أيها الناس، قولوا: لا

إله إلا الله تفلحوا» . قال: وأبو جهل يَحثي عليه التراب ويقول: لا يُغوينَّكم هذا عن دينكم، فإنما يريد لتتركوا آلهتكم وتتركوا اللات والعُزَّى؛ وا يلتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: انْعَتْ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بين بُردين أحمرين، مربوعٌ، كثير اللحم، حسن الوجه، شديد سواد الشَّعر، أبيض شديد البياض، سابغ الشَّعَر. قال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. انتهى. وأخرجه البيهقي أيضاً بمعناه إلا أنه لم يذكر نعته صلى الله عليه وسلم كما في البداية، وقال: كذا قال في هذا السياق أبو جهل. وقد يكون وهماً، ويحتمل أن يكون تارة يكون ذا وتارة يكون ذا، وأنهما كانا يتناوبان على أذاته صلى الله عليه وسلم انتهى. وقد تقدَّم عرضه صلى الله عليه وسلم الدعوة في سوق عكاظ في عرضه الدعو على القبائل.

عرضه صلى الله عليه وسلم الدعوة على عشيرته الأقربين ما قاله عليه السلام لفاطمة وصفيّة وغيرهما وأخرج أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: لمّا نزلت: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاْقْرَبِينَ} (الشعراء: 214) قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا فاطمة ابنة محمد، يا صفية ابنة عبد المطلب يا بني عبد المطلب، لا أملك لكم من الله شيئاً، سلوني من مالي ما شئتم» . إنفرد بإخراجه مسلم. جمعه عليه السلام عشيرته وأهل بيته على الطعام للدعوة إلى الله وأخرج أحمد أيضاً عن علي رضي الله عنه قال: لمّا نزلت هذه الآية: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاْقْرَبِينَ} جمع النبي صلى الله عليه وسلم من أهل بيته فاجتمع ثلاثون، فأكلوا وشربوا. قال: وقال لهم: «من يضمن عني دَيْني ومواعيدي، ويكون معي في الجنة، يكون خليفتي في أهلي؟» فقال رجل: يا رسول الله، أنت كنت بحراً من يقوم بهذا؟ قال: ثم قال الآخر - ثلاثاً - قال: فعرض ذلك على أهل بيته، فقال علي رضي الله عنه: أنا. وأخرج أحمد أيضاً عن علي رضي الله عنه قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ أو دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ بني عبد المطلب وهم رَهْط، وكلُّهم يأكل الجَذَعة ويشرب الفَرَق. فصنع لهم مدّاً من طعام فأكلوا حتى شبعوا وبقي الطعام كما

هو كأنه لم يُمسّ. ثم دعا بغُمَر فشربوا حتى روُوا وبقي الشراب كأنه لم يُمسّ أو لم يُشرب، وقال: «يا بني عبد المطلب، إني بُعثت إليكم خاصة وإلى الناس عامّة فقد رأيتم من هذه الآية ما أيتم، فأيُّكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي؟» فلم يقم إليه أحد. قال: فقمت إليه - وكنت أصغر القوم - قال: فقال: إجلس، ثم قال - ثلاث مرات - كل ذلك أقوم إليه فيقول: إجلس، حتى كان في الثالثة ضرب بيده على يدي. كذا في التفسير لابن كثير. وأخرج البزّار عن علي رضي الله عنه قال: لمّا نزلت: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاْقْرَبِينَ} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا علي، إصنع رِجل شاة بصاع من طعم، واجمع لي بني هاشم» - وهم يومئذٍ أربعون رجلاً، أبو أربعون غير رجل - قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطعام، فوضعه بينه. فأكلوا حتى شبعوا، وإِنَّ منهم من يأكل الجذعة بإدامها؛ ثم تناول القدح فشربوا منه حتى رُووا - يعني من اللَّبن -، فقال بعضهم: ما رأينا كالسِّحر - يروون أنه أبو لهب الذي قاله - فقال: «يا علي، إصنع رجل شاة بصاع من طعام، وأعدد قَعْباً من لبن. قال: ففعلت. فأكلوا كما أكلوا في اليوم الأول، وشربوا كما شربوا في المرة الأولى، وفضل كما فضل في المرة الأولى. فقال: ما رأينا كاليوم في السحر. فقال: «يا علي، إصنع رجل شاة بصاع من طعام، وأعدد قعباً من لبن» ففعلت. فقال: «يا علي إجمع لي بني هاشم» ، فجمعتهم فأكلوا وشربوا، فبدرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أيكم يقضي عني دَيْني؟» قال: فسكتُّ وسكت القوم. فأعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنطق، فقلت: أنا يا رسول الله، فقال: «أنت يا علي، أنت يا علي» قال الهيثمي: رواه البزَّار واللفظ له؛ وأحمد باختصار، والطبراني في الأوسط باختصار أيضاً،

عرضه صلى الله عليه وسلم الدعوة في السفر

ورجال أحمد وأحد إسنادي البزّار رجال الصحيح غير شَرِيكٍ، وهو ثقة. انتهى. وأخرجه أيضاً ابن أبي حاتم بمعناه وفي حديثه: فقال: «أيُّكم يقضي عني دَيْني، ويكون خليفتي في أهلي؟» قال: فسكتوا وسكت العباس خشية أن يحيط ذلك بماله. قال: وسكتُّ أنا لسنِّ العباس، ثم قاله مرة أُخرى فسكت العباس، فلمَّا رأيت ذلك قلت: أنا يا رسول الله، قال: وإِنِّي يومئذٍ لأسوأهم هيئة، وإِني لأعمش العينين، ضخم البطن، خَمْش الساقين. كذا في التفسير لابن كثير. وأخرجه البيهقي في الدلائل وابن جرير بأبسط من هذا السياق بزيادات أُخر بإسناد ضعيف، كما في التفسير لابن كثير؛ والبداية. وقد تقدّم الحديث بسياق آخر عن ابن عباس رضي الله عنهما في عرض الدعوة على المجامع (ص 90) . عرضه صلى الله عليه وسلم الدعوة في السفر دعوته عليه السلام في سفر الهجرة أخرج أحمد عن ابن سعد رضي الله عنهما - وسعد الذي دل رسول الله صلى الله عليه وسلم على طريق رَكوبَة - قال ابن سعد: حدَّثني أبي أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم

أتاهم ومعه أبو بكر رضي الله عنه - وكانت لأبي بكر عندنا بنت مسترضعة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد الإختصار في الطريق إِلى المدينة - فقال له سعد: هذا الغائر من رَكوبة وبه لِصَّان من أسلَم يقال لهما: المُهانان، فإن شئت أخذنا عليهما. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «خُذْ بنا عليهما» . قال سعد: فخرجنا حتى أشرفنا إِذا أحدهما يقول لصاحبه: هذا اليماني: فدعاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض عليهما الإِسلام، فأسلما. ثم سألهما عن أسمائهما فقالا: نحن المهانان. فقال: «بل أنتما المكرمان» . وأمرهما أن يَقدَما عليه المدينة. فذكر الحديث. قال الهيثمي:: رواه عبد الله بن أحمد. وابن سعد اسمه: عبد الله، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات. دعوته عليه السلام للأعرابي في سفر وأخرج الحاكم أبو عبد الله النَّيْسابوري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فأقبل أعرابي، فلما دنا منه قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «أين تريد؟» قال: إلى أهلي، قال: «هل لك إلى خير؟» قال: ما هو؟ قال: «تشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله» . قال: هل من شاهد على ما تقول قال: «هذه الشجرة» . فدعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي على شاطىء الوادي، فأقبلت تَخُذُّ الأرض خذَّاً فقامت بين يديه، فاستشهدها ثلاثاً فشهدت أنه كما قال. ثم إنها رجعت إلى منبتها، ورجع الأعرابي إلى قومه فقال: إِن يتَّبعوني أتيتك بهم وإِلا رجعت إليك وكنت معك. وهذا إسناد جيِّد ولم يُخرِّجوه ولا رواه الإِمام أحمد. كذا في البداية. وقال

دعوته عليه السلام لبريدة بن الحصيب ومن معه في سفر الهجرة

الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح، ورواه أبو يَعْلى أيضاً والبزار. انتهى. دعوته عليه السلام لبُرَيدة بن الحُصَيب ومن معه في سفر الهجرة وأخرج ابن سعد عن عاصم الأسلمي قال: لمّا هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة فانتهى إلى الغَمِيم أتاه بُرَيْدة ابن الحُصيْب، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإِسلام فأسلم هو ومن معه - وكانوا زُهاء ثمانين بيتاً -، فصلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء فصلَّوا خلفه. مشيه صلى الله عليه وسلم على القدمين للدعوة خروجه عليه السلام ماشياً إلى الطائف أخرج الطبراني عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال: لمَّا توفي أبو طالب خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ماشياً على قدميه يدعوهم إلى الإِسلام، فلم يجيبوه، فانصرف، فأتى ظلَّ شجرة فصلَّى ركعتين ثم قال: «اللَّهم إنِّي أشكو إِليك ضعف قوتي، وهواني على الناس، أرحم الراحمين، أنت أرحم الراحمين، إلى مَنْ تكلني؟ إلى عدو يتجهمني أم إِلى قريب ملَّكتَه أمري؟ إِن لم تكن غضبان عليّ فلا أُبالي، غير أن عافيتك أوسع لي. أعوذ بوجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصَلُح عليه أمر الدنيا والآخرة - أن ينزل بي

الدعوة إلى الله تعالى في القتال ما قاتل عليه السلام قوما حتى دعاهم

غضبُك، أو يحل بي سخطُك، لك العُتَبى حتى ترضى لا قوة إِلا بالله» . قال الهيثمي وفيه: ابن إِسحاق وهو مدلِّس ثقة، وبقية رجاله ثقات. انتهى. وسيأتي الحديث من طريق الزُّهري وغيره مطوّلاً في تحمُّل الشدائد والأذايا في الدعوة إلى الله. الدعوة إلى الله تعالى في القتال ما قاتل عليه السلام قوماً حتى دعاهم أخرج عبد الرزاق عن ابن عباس رضي الله عنهما: ما قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم قوماً حتى دعاهم. وكذلك رواه الحاكم في المستدرك وقال: حديث صحيح الإِسناد ولم يخرِّجاه؛ ورواه أحمد في مسنده، والطبراني في معجمه. كذا في نصب الراية. وقال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يَعْلى والطبراني بأسانيد، ورجال أحدها رجال الصحيح. إنتهى. وأخرجه أيضاً ابن النجار كما في كنز العمال؛ والبيهقي في سننه.

أمره عليه السلام البعوث بتأليف الناس ودعوتهم

أمره عليه السلام البعوث بتأليف الناس ودعوتهم وأخرج بن مَنْده وابن عساكر عن عبد الرحمن بن عائذ رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث بَعْثاً قال: «تألَّفوا الناس ولا تُغيروا عليهم حتى تدعوهم فما على الأرض من أهل بيتِ مر ولا وَبَر إلا تأتوني بهم مسلمين أحبّ إليّ من أن تأتوني بنسائهم وأولادهم وتقتلوا رجالهم» . كذا في الكنز. وأخرجه أيضاً ابن شاهين والبغوي كما في الإِصابة، والترمذي. أمره عليه السلام أمير السرية بالدعوة وأخرج أبو داود (ص 358) واللفظ له: ومسلم وابن ماجه (ص 210) والبيهقي عن بُرَيدة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث أميراً على سَرِيّة أو جيش أوصاه بتقوى الله في خاصّة نفسه وبمن معه من المسلمين خيراً، وقال: «إذ لقيت عدوِّك من المشركين فادعهم إلى أحد ثلاث خصال - أو خلال - فأيتها أجابوك إليها فأقبل منهم وكف عنهم: ادعهم إلى الإِسلام، فإن أجابوا فأقبل منهم وكف عنهم. ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأعلمهم أنهم إن فعلوا ذلك أنَّ لهم ما

أمره عليه السلام عليا بأن لا يقاتل قوما حتى يدعوهم إلى الإسلام

للمهاجرين، فإن أبَوا واختاروا دارهم فأعلمهم أنَّهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي كان يجري على المؤمنين، ولا يكون لهم في الفيء والغنيمة نصيب إلا أن يجاهدوا مع المسلمين. فإن هم أبَوا فادعهم إلى إعطاء الجزية، فإن أجابوا فأقبل منهم وكف عنهم، فإن أبَا فاستعن بالله وقاتلهم. وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تُنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم، فإنَّكم لا تدرون ما يحكم الله فيهم، ولكن أنزلوهم على حكمكم ثم اقضوا فيهم بعدُ ما شئتم» . قال الترمذي: حديث بريدة حديث حسن صحيح. وأخرجه أيضا أحمد، والشافعي، والدارمي، والطحاوي، وابن حِبّان، وابن الجارود، وابن أبي شيبة وغيرهم كما في كنز العمال. أمره عليه السلام علياً بأن لا يقاتل قوماً حتى يدعوهم إلى الإِسلام وأخرج الطبراني في الأوسط عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى قوم يقاتلهم، ثم بعد إليه رجلاً فقال: «لا تدعه من خلفه وقل له: لا تقاتلهم حتى تدعوهم» . قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير عثمان ابن يحيى القرقساني وهو

ثقة اهـ. وأخرج ابن راهَوِيه عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه وجهاً ثم قال لرجل: «الحق ولا تَدْعُه من خلفه، فقل: إن النبي صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تنتظره، وقل له: لا تقاتل قوماً حتى تدعوهم» . كذا في كنز العمال. وعند عبد الرزاق عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له حين بعثه: «لا تقاتل قوماً حتى تدعوهم» ؛ كذا في نصب الراية. وقد تقدَّم (ص 62) في حديث سهل بن سعد رضي الله عنه عند البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي رضي الله عنه يوم خيبر: «أنفُذ على رِسْلِك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإِسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حقِّ الله تعالى فيه، فوالله، لأن يهديَ الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لم حُمْر النَّعَم» . أمره عليه السلام فروة القطيعي بالدعوة في القتال وأخرج بن سعد، وأحمد، وأبو داود، والترمذي وحسَّنه، والطبراني، والحاكم عن فروة بن مُسَيك القطيعي رضي الله عنه قال: أتيت رسول

الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، ألا أقاتل من أدبر من قومي بمن أقبل منهم؟ فقال: «بلى» ؛ ثم بدا لي فقلت: يا رسول الله، لا، بل هم أهل سبأ، هم أعزُّ وأشدُّ قوة. فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأذن لي في قتال سبأ. فلما خرجت من عنده أنزل الله في سبأ ما أنزل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما فعل القطيعي؟» فأرسل إلى منزلي فوجدني قد سرت فردَّني. فلما أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجدته قاعداً وحوله أصحابه فقال: «أدعُ القوم، فمن أجاب منهم فأقبل ومن أبى فلا تعجل عليه حتى يُحدَث إليّ» . فقال رجل من القوم يا رسول الله، ما سبأ أرض أو إمرأة؟ قال: «ليست بأرض ولا إمرأة، ولكن رجل ولد عشرة من العرب. فأما ستة فتيامنوا وأما أربعة فتشاءموا. فأما الذين تشاءموا: فلَخْم، وجُذام، وغسّان، وعمِلة، وأما الذين تيامنوا: فالأزْد، كِنْدة، وحِمْيَر، والأشعريون، والأنْمار، ومَذْحج» . فقال: يا رسول الله، وما أنمار؟ قال: «هم الذين منهم: خَثْعَم، وبَجِيلة» . كذا في كنز العمال. وعند أحمد أيضاً وعبد بن حُمَيد عن فروة رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، أقاتل بمُقبل قومي مُدبرهم؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «نعم، فقاتلْ بمقبل قومك مدبرهم، فلما ولَّيت دعاني فقال: لا تقاتلهم حتى تدعوهم إلى الإِسلام» . فقلت: يا رسول الله، أرأيت بسبأ؟ أوادٍ هو أم جبل أو ما هو؟ قال: «لا، بل هو رجل من العرب وُلد له عشرة» - فذكر الحديث. وهذا إِسناد حسن وإن كان فيه أبو حباب الكلبي وقد تكلَّموا فيه،

أمره عليه السلام خالد بن سعيد بالدعوة حين بعثه إلى اليمن

لكن رواه ابن جرير عن أبي كريب عن العبقري عن أسباط - ابن نصر عن يحيى بن هانيء المرادي عن عمه أو عن أبيه - شك أسبط - قال: قدم فروة بن مُسَيك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره؛ كذا في التفسير لابن كثير. أمره عليه السلام خالد بن سعيد بالدعوة حين بعثه إلى اليمن وأخرج الطبراني عن خالد بن سعيد رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فقال: «من لقيت من العرب فسمعت فيهم الأذن فلا تعرِض لهم، ومن لم تسمع فيهم الأذان فادعهُم إلى الإِسلام» . قال الهيثمي وفيه: يحيى بن عبد الحميد الحِمَّاني وهو ضعيف. ردَّه عليه السلام الذين سبُوا في القتال بغير الدعوة إلى مأمنهم وأخرج البيهقي عن أُبي بن كعب رضي الله عنه قال: أَتِيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسارى من اللات والعزَّى، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «هل دعوتموهم إلى الإِسلام؟» فقالوا: لا. فقال لهم: هل دعوكم إلى الإِسلام؟» فقالوا: لا. قال: «خلُّوا سبيلهم حتى يبلغوا مأمنهم» ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هاتين الآيتين:

{وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً وَبَشّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مّنَ اللَّهِ فَضْلاً كِبِيراً} (الأحزاب: 46/ 47) . {قُلْ أَىُّ شَىْء أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللَّهِ شَهِيدٌ بِيْنِى وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِىَ إِلَىَّ هَاذَا الْقُرْءانُ لاِنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ ءالِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ اله واحِدٌ وَإِنَّنِى بَرِىء مّمَّا تُشْرِكُونَ} (الأنعام: 19) إلى آخر الآية. قال البيهقي: رَوْح بن مسافر ضعيف. وعند الحارث من طريق الواقدي كما في الكنز، قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى اللات والعزَّى بَعْثاً، فأغاروا على حيَ من العرب فسبَوا مقاتلتهم وذريتهم، فقالوا يا رسول الله أغاروا علينا بغير دُعَاء، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم أهل السَّرِيَة فصدَّقوهم. قال النبي صلى الله عليه وسلم «ردّوهم إلى مأمنهم ثم ادعوهم» . إرساله صلى الله عليه وسلم الأفراد للدعوة إلى الله وإلى رسوله بعثه عليه السلام مصعباً إلى المدينة أخرج أبو نعيم في الحلية عن عُروة بن الزبير رضي الله عنهما: أنَّ الأنصار لما سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله، وأيقنوا واطمأنَّت أنفسهم إلى دعوته، فصدَّقوه وآمنوا به - كانوا من أسباب الخير، وواعدوه الموسم من العام القابل فرجعوا إلى قومهم - بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أبعث إلينا رجلاً من قِبَلِك فيدعو الناس إلى كتاب الله فإنه أدنى أن يُتبع. فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مُصْعَب بن عُمير رضي الله عنه أخا بني عبد الدار، فنزل في بني غَنْم على أسعد بن زُرارة يحدِّثهم ويقصُّ عليهم القرآن. فلم يزل مصعب عند سعد بن معاذ يدعو ويهدي الله على يديه حتى قلّ دار مندور الأنصار إلا أسلم فيه ناس ولا محالة، وأسلم أشرافهم، وأسلم عمرو بن الجَموح، وكُسرت أصنامهم، ورجع مصعب بن عمير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يُدعى المُقرىء.

وأخرجه الطبراني عن عروة رضي الله عنه طوَّلاً، فذكر عرضه صلى الله عليه وسلم الدعوة على الأنصار كما سيأتي في ابتداء أمر الأنصار - رضي الله عنهم - وفيه: فرجعوا إلى قومهم فدعَوْهم سرّاً، وأخبروهم برسول الله صلى الله عليه وسلم والذي بعثه الله به (ودعا عليه بالقرآن) حتى قلّ دار من دور الأنصار إِلا أسلم فيها ناس لا محالة. ثم بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أبعث إِلينا رجلاً من قِبَلك، فيدعو الناس بكتاب الله، فإنَّه أدنى أن يُتبع. فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مُصْعب بن عمر أخا بني عبد الدار. فنزل في بني غَنْم على أسعد بن زرارة، فجعل يدعو الناس، ويفشو الإِسلام، ويكثر أهله، وهم في ذلك مستخْفون، بدعائهم. ثم ذكر دعوة مصعب لسعد بن معاذ وإسلامه وإسلام بني عبد الأشهل كما سيأتي في دعوة مصعب. ثم قال: ثم إِنَّ بني النجار أخرجوا مصعب بن عمير واشتدوا على أسعد بن زرارة، فانتقل مصعب بن عمير إلى سعد بن معاذ، فلم يزل يدعو ويهدي (الله) على يديه حتى قلّ دار من دور الأنصار إلا أسلم فيها ناس لا محالة، وأسلم أشرافهم، وأسلم عمرو بن الجموح، وكُسرت أصنامهم. فكان المسلمون أعزَّ أهلها، وصلح أمرهم. ورجع مصعب بن عمير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يُدعى المُقرىء. قال الهيثمي وفيه: ابن لَهيعة وفيه ضعف، وهو حسن الحديث، وبقية رجاله ثقات. انتهى. وهكذا أخرجه أبو نُعيم في الدلائل (ص 108) بطوله، وقد أخرجه أبو نُعيم في

بعثه عليه السلام أبا أمامة إلى قومه باهلة

الحلية عن الزُّهري بمعنى حديث عروة عنده مختصراً، وفي حديثه: أنهم بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مُعاذ بن عَفْراء ورافع بن مالك أنِ أبعث إلينا رجلاً من قِبَلكَ فليدُع الناس بكتاب الله، فإنه قَمِنَّ - أي حقيق - أن يُتبع. فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير رضي الله عنه - فذكر مثله. بعثه عليه السلام أبا أمامة إلى قومه باهلة أَخرج الطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومي أدعوهم إلى الله عزّ وجلّ، وأعرض عليهم شرائع الإِسلام، فأتيتهم وقد سقَوا إبلهم وحلبوها وشربوا، فلما رأوني قالوا: مرحباً بالصُّدَيّ ابن عَجْلان. قالوا: بلغنا أنك صبوت إلى هذا الرجل. قلت: لا، ولكن آمنت بالله ورسوله، وبعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم أعرض عليكم الإِسلام وشرائعه. فبينا نحن كذلك إذ جاؤوا بقصعتهم فوضعوها واجتمعوا حولها فأكلوا بها. قالوا: هَلُم يا صُديّ، قلت ويحكم إنما أتيتكم من عند من يُحرِّم هذا عليكم إلا ما ذكَّيتُم كما أنزل الله. قالوا: وما قال؟ قلت: نزلت هذه الآية: «حُرِّمت عليكم الميتةُ والدَّمُ ولحمُ الخنزير - إلى قوله - وأن تستقسموا بالأزلام» ، فجعلت أدعوهم إلى الإِسلام ويأبَون. قلت لهم: ويحكم، إيتوني بشَرْبة من ماء فإنِّي شديد العطش، قال: وعليَّ عِمامةٌ. قالوا: لا. ولكن ندعك تموت عطشاً. قال: فاعتممت وضربت برأسي في العمامة ونمت في الرمضاء في حرَ شديد، فأتاني آتٍ في منامي بقدح زجاج لم يَرَ الناس أحسن منه، وفيه شراب لم يَرَ الناس آلف منه، فأمكنني منها فشربتها، فحيث فرغت من شرابي إستيقظت، ولا والله ما عطشت لا عرفت عطشاً بعد تيك الشربة. قال

بعثه عليه السلام رجلا إلى بني سعد

الهيثمي وفيه: بشير بن شريح وهو ضعيف - اهـ. وأخرجه ابن عساكر أيضاً بطوله مثله كما في كنز العمال. وأخرجه أبو يعلى مختصراً وزاد في آخره: ثم قال لهم رجل منهم: أتاكم رجل من سَرَاة قومكم فلم تتحفوه؟ فأتَوني بلبن. فقلت: لا حاجة لي به، وأريتهم بطني فأسلموا عن آخرهم. ورواه البيهقي في الدلائل وزاد فيه: أنه أرسله إلى قومه باهلة، كذا في الإِصابة. وأخرجه الطبراني بإسنادين؛ وإسناد الأولى حسن، فيها: أبو غالب وقد وُثِّق - انتهى. وأخرجه الحاكم في المستدرك. وقال الذهبي: وصدقة ضعِّفه ابن مَعِين. بعثه عليه السلام رجلاً إلى بني سعد وأخرج ابن أبي عاصم عن الأحنف بن قيس رضي الله عنه قال: بينما أنا أطوف بالبيت في زمن عثمان رضي الله عنه إِذ أخذ رجل من بني ليث بيدي، فقال: أَلا أُبشِّرك؟ قلت: بلى. قال: أتذكر إذ بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومك

بعثه عليه السلام رجلا إلى رجل من عظاء الجاهلية

فجعلت أعرض عليهم الإِسلام وأدعوهم إليه فقلتَ أنت: إنك لتدعونا إلى خير وتأمر به، وإنه ليدعو إِلى الخير؟ فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «اللهم إغفر للأحنف» . فكان الأحنف يقول: فما شيء من عملي أرْجَى عندي من ذلك - يعني دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم ـ تفرَّد به علي بن زيد وفيه ضعف، كذا في الإِصابة. وأخرجه الحاكم في المستدرك بنحوه. وأخرجه أيضاً أحمد والطبراني وفي حديثهما: إذ بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومك من بني سعد أدعوهم إلى الإِسلام فقلتَ: والله، ما قال إلا خيراً. - أو لا أسمع إلا حسناً - فإني رجعت وأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم مقالتك، فقال: «اللَّهم أغفر للأحنف. قال: فما أنا لشيء أرْجَى مني لها. قال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح غير علي بن زيد وهو حسن الحديث. بعثه عليه السلام رجلاً إلى رجل من عظاء الجاهلية وأخرج أبو يَعْلَى عن أنس رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من أصحابه إلى رجل من عظماء الجاهلية يدعوه إلى الله تبارك وتعالى، فقال: إيش ربُّك الذي تدعوني؟ من حديد هو؟ من نحاس هو؟ من فضّة هو؟ من ذهب هو؟ فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأرسله إليه الثالثة، فقال مثل ذلك.

فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم {إن الله تبارك وتعالى قد أنزل على صاحبك صاعقة فأحرقته} فنزلت هذه الآية: {وَيُسَبّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلْائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآء وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِى اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} (الرعد: 13) . قال الهيثمي: رواه أبو يعلى والبزَّار بنحوه إلا أنه قال: إلى رجل من فراعنه العرب، وقال الصحابي فيه: يا رسول الله، إِنَّه أعتَى من ذلك. وقال: فرجع إليه الثالث. قال: فأعاد عليه ذلك الكلام. فبينا هو يكلمه إذ بعث الله سحابةً حِيَالَ رأسه، فرعدت، فوقعت منها صاعقة فذهبت بقِحف رأسه. وبنحو هذا رواه الطبراني في الأوسط، وقال: فرعدت وأبرقت. ورجال البزَّار رجال الصحيح، غير ديلم بن غزوان وهو ثقة. وفي رجال أبي يَعْلَى والطبراني: علي بن أبي شارة، وهو ضعيف - انتهى. وقد تقدّم حديث خالد بن سعيد رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فقال: من لقيت من العرب فسمعت فيهم الأذان فلا تعرِض لهم، ومن لم تسمع فيهم الأذان فادعهُم إلى الإِسلام -. في الدعوة إلى الله تعالى في القتال (ص 115) ، وسيأتي بَعْثُه صلى الله عليه وسلم عمرو بن مرّة الجُهَني إلى قومه.

إرساله صلى الله عليه وسلم السرايا للدعوة إلى الله تعالى

إرساله صلى الله عليه وسلم السرايا للدعوة إلى الله تعالى بعثه عليه السلام عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل للدعوة أخرج الدارقطني عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: دعا النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، فقال: «تجهَّز فإنِّي باعثك في سريّة» - فذكر الحديث، وفيه: فخرج عبد الرحمن حتى لحق بأصحابه فسار حتى قدم دومة الجندل. فلما دخلها دعاهم إلى الإِسلام ثلاثة أيام، فلما كان اليوم الثالث أسلم الأصْبَغ بن عمرو الكلبي رضي الله عنه وكان نصرانياً وكان رأسَهم. فكتب عبد الرحمن - مع رجل من جهينة، يقال له: رافع بن مَكِيث - إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخبره، فكتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن تزوَّج ابنة الأصبغ، فتزوَّجها؛ وهي تُماضِر التي ولدت له بعد ذلك أبا سَلمَة بن عبد الرحمن. كذا في الإِصابة. بعثه عليه السلام عمرو بن العاص إلى بَلِيّ يستنفرهم إلى الإِسلام وأخرج ابن إسحاق عن محمد بن عبد الرحمن التميمي رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص يستنفر العرب إلى الإِسلام، وذلك أن أُم العاص بن وائل كانت من بني بَلِيَّ، فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم يتألّفهم بذلك، حتى إِذا كان على ماء بأرض جُذام يقال له السلاسل - وبه سُمِّيت تلك الغزوة ذات السلاسل - قال: فلمَّا كان عليه وخاف؛ بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمده، فبعث إليه أبا عبيدة بن الجراح في المهاجرين الأولين فيهم أبو بكر، وعمر رضي الله عنهما - فذكر الحديث كما سيأتي في باب الإِمارة. كذا في البداية.

بعثه عليه السلام خالد بن الوليد إلى اليمن

بعثه عليه السلام خالد بن الوليد إلى اليمن وأخرج البيهقي عن البَرَاء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث خالد بن الوليد إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الإِسلام. قال البراء: فكنت فيمن خرج مع خالدِ بن الوليد، فأقمنا ستة أشهر يدعوهم إلى الإِسلام فلم يجيبوه، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث علي بن أبي طالب وأمره أن يقفل خالداً إِلا رجلاً كان ممَّن مع خالد فأحب أن يَعِقِب مع علي فليَعقبْ معه. قال البراء: فكنت فيمن عَقَب مع علي. فلما دَنوْنا من القوم خرجوا إِلينا، ثم تقدَّم فصلَّى بنا علي، ثم صفَّنا صفاً واحداً ثم تقدم بين أيدينا وقرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت همْدان جميعاً، فكتب علي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامهم. فلما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب خرّ ساجداً ثم رفع رأسه فقال: «السلام على هَمْدان. السلام على هَمْدان» . ورواه البخاري مختصراً. كذا في البداية. بعثه عليه السلام خالد بن الوليد إلى نجران وذكر ابن إسحاق: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى بني الحارث بن كعب بنجران، وأمره أن يدعوَهم إلى الإِسلام قبل أن يقاتلهم ثلاثاً، فإن استجابوا فأقبل منهم وإن لم يفعلوا فقاتلهم. فخرج خالدٌ حتى قدم عليهم، فبعث الركبان يضربون في كل وجه ويدعون إلى الإِسلام ويقولون: «أيها الناس، أسلموا تسلموا» فأسلم الناس؛ ودخلوا فيما دُعُوا إِليه. فأقام فيهم خالد يعلمهم الإِسلام كتابَ الله وسنّة نبيه صلى الله عليه وسلم كما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم إن هم أسلموا ولم يقاتلوا. ثم كتب خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

كتاب خالد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

كتاب خالد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم «بسم الله الرحمن الرحيم. لمحمد النبي رسول الله من خالد بن الوليد: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، فإني أحمد إِليك الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد: يا رسول الله - صلى الله عليك - فإنك بعثتني إِلى بني الحارث بن كعب وأمرتني إذا أتيتهم أن لا أُقاتلهم ثلاثة أيام وأن أدعهم إِلى الإِسلام، فإن أسلموا قبلتُ منهم، وعلمتهم معالم الإِسلام وكتاب الله وسنّة نبيه، وإن لم يسلموا قاتلتهم. وإِني قدمتُ عليهم فدعوتهم إلى الإِسلام ثلاثة أيام كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعثت فيهم ركباناً: يا بني الحارث، أسلموا تسلموا. فأسلموا ولم يقاتلوا، وأنا مقيم بين أظهرهم آمرهم بما أمرهم الله به، وأنهاهم عما نهاهم الله عنه، وأعلمهم معالم الإِسلام وسنّة النبي صلى الله عليه وسلم حتى يكتب إِليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلام عليك - يا رسول الله - ورحمة الله وبركاته» . كتاب الرسول عليه السلام إلى خالد فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم «بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد النبي رسول الله إِلى خالد بن الوليد: سلام عليك، فإني أحمد إِليك الله لله الذي لا إله إِلا هو. أما بعد: فإن كتابك جاءني مع رسولك يخبر أنَّ بني الحارث بن كعب قد أسلموا قبل أن تقاتلهم، وأجابوا إلى ما دعوتهم إِليه من الإِسلام، وشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وأن قد هداهم الله بهداه، فبشرِّهم وأنذرهم وأَقْبِلْ، وليُقْبِلْ معك وفدهم. والسلام عليك ورحمة الله وبركاته» . رجوع خالد إلى النبي عليه السلام مع وفد بني الحارث فأقبل خالد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبل معه وفد بني الحارث بن كعب، فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورآهم قال: «من هؤلاء القوم الذين كأنهم رجال الهند؟» قيل: يا رسول الله، هؤلاء بنو الحارث بن كعب. فلما وقفوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم سلَّموا عليه. وقالوا: نشهد أنَّك رسول الله وأنه لا إله إلا الله. فقال

الدعوة إلى الفرائض

رسول الله صلى الله عليه وسلم «وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنِّي رسول الله» . ثم قال: «أنتم الذين إذا زُجروا استقدَموا» . فسكتوا فلم يراجعه منهم أحد، ثم أعادها الثانية ثم الثالثة، فلم يراجعه منهم أحد، ثم أعادها الرابعة. قال يزيد بن عبد المَدَان: نعم يا رسول الله، نحن الذين إِذا زُجِروا استَقْدَموا - قالها أربع مرات - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لو أنَّ خالداً لم يكتب إليّ أنكم أسلمتم ولم تقاتلوا لألقيت رؤوسكم تحت أقدامكم» . فقال يزيد بن عبد المَدَان: أما - والله - ما حمِدناك ولا حمِدنا خالداً. قال: «فمن حمِدتم؟» قالوا: حمدنا الله الذي هدانا بك يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «صدقتم» . ثم قال: «بِمَ كنتم تغلبون من قاتلكم في الجاهلية؟» قالوا: لم نك نغلب أحداً. قال: «بلى قد كنتم تغلبون من قاتلكم» . قالوا: كنا نغلب من قاتلنا - يا رسول الله - أنَّا كنَّا نجتمع ولا نتفرَّق، ولا نبدأ أحداً بظلم، قال: «صدقتم» . ثم أمرَّ عليهم قيس بن الحصين. كذا في البداية. وقد أسندها الواقدي من طريق عكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث كما في الإِصابة. الدعوة إلى الفرائض دعوته عليه السلام جريراً إلى الشهادتين والإِيمان والفرائض أخرج البيهقي عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: بعث إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا جرير، لأيِّ شيء جئت؟» قلت: أسلم على يديك يا رسول الله. قال: فألقى عليَّ كساءً ثم أقبل على أصحابه فقال: إِذا أتاكم كريم قوم فأكرموه» . ثم قال: «يا جرير، أدعوك إلى شهادة أن لا إله إِلا الله وأنِّي رسول الله، وأن تؤمن بالله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وتصلِّي الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة» ، ففعلت ذلك. فكان بعد ذلك لا يراني إلا

دعوته عليه السلام حوشب ذي ظليم إلى فرائض الإسلام

تبسَّم في وجهي. كذا في البداية. وأخرجه أيضاً الطبراني وأبو نُعيم عن جرير بنحوه كما في كنز العمال. تعليمه عليه السلام معاذاً كيف يدعو إلى فرائض الإِسلام في اليمن وأخرج البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه - حين بعثه إلى اليمن - «إنَّك ستأتي قوماً أهل كتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أنَّ الله فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتَّق دعوة المظلوم فإِنه ليس بينها وبين الله حجاب» . وقد أخرجه بقية الجماعة. كذا في البداية. دعوته عليه السلام حَوْشَب ذي ظُلَيم إلى فرائض الإِسلام وأخرج أبو نعيم عن حَوْشب ذي ظُلَيْم قال: لما أن أظهر الله محمداً صلى الله عليه وسلم انتدَبتُ إليه من الناس في أربعين فارساً مع عبد شر. فقدموا عليه المدينة بكتابي فقال (عبد شر) : أيُّكم محمد؟ قالوا: هذا. قال: ما الذي جئتنا به؟ فإن يك حقاً اتَّبعناك. قال: «تقيموا الصلاة، وتعطوا الزكاة، وتحقنوا الدماء، وتأمروا بالمعروف، وتنهوا عن المنكر. فقال عبد شر: إنَّ هذا لحسن مدّ يدك أبايعك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم «ما اسمك؟» قال: عبد شر، قال: «لا، بل أنت عبد

دعوته عليه السلام وفد عبد القيس إلى فرائض الإسلام

خير» . (فبايعه على الإِسلام) وكتب معه الجواب (إلى) حَوْشَب ذي ظُلَيم فآمن كذا في كنز العمال. وأخرجه أيضاً ابن منده وابن عساكر كما في الكنز أيضاً. وأخرجه أيضاً ابن السَّكَن بنحوه كما في الإِصابة. دعوته عليه السلام وفد عبد القيس إلى فرائض الإِسلام وأخرج البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: مرحباً بالقوم غير خزايا ولا ندامى. فقالوا: يا رسول الله، إنّ بيننا وبينك المشركين من مُضَر، وإِنَّا لا نصل إليك إِلا في الشهر الحرام، فحدِّثنا بجميل من الأمر إن عملنا به دخلنا الجنة وندعو (إليه) مَنْ وراءنا. قال: آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع: الإِيمان بالله شهادة أن لا إله إلا الله، وإِقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وأن تعطوا من الغنائم الخُمس. وأنهاكم عن أربع: ما يُنتبذ في الدُّبَّاء والنَّثر، والحنتَم، والمزفّت. وعند الطيالسي بنحوه بزيادات منها في آخره: فاحفظوهنَّ وادعوا إليهنَّ مَنْ وراءكم. كذا في البداية.

حديث علقمة في حقيقة الإيمان والدعوة إلى الإيمان والفرائض

حديث علقمة في حقيقة الإِيمان والدعوة إلى الإِيمان والفرائض وأخرج الحاكم عن علقمة بن الحارث رضي الله عنه يقول: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وأنا سابع من قومي - فسلَّمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فردَّ علينا؛ فكلَّمناه فأعجبه كلامنا. وقال: «ما أنتم؟» قلنا؛ مؤمنون. قال «لكل قول حقيقة فما حقيقة إيمانكم؟» قلنا: خمس عشرة خصلة: خمس أمرتَنا بها، وخمس أمرَتْنا بها رسلك، وخمس تخلقنا بها في الجاهلية ونحن عليها إلى الآن إلا أن تنهانا يا رسول الله. قال: «وما الخمس التي أمرتكم بها؟» قلنا: أمرتَنا أن نؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والقدر خيره وشره. قال: «وما الخمس التي أمرتكم بها رسلي؟» قلنا: أمرتنا رسلك أن نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنك عبده ورسوله، ونقيم الصلاة المكتوبة، نؤدي الزكاة المفروضة، ونصوم شهر رمضان، ونحجّ البيت إن استطعنا إليه السبيل. قال: «وما الخصال التي تخلَّقتم بها في الجاهلية؟» قلنا: الشكر عند الرَّخاء، والصبر عند البلاء، والصدق في مواطن اللقاء، والرضا بمرّ القضاء، وترك الشماتة بالمصيبة إذا حلَّت بالأعداء. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «فقهاء أُدباء، كادوا أن يكونو اأنبياء من خصال ما أشرفها» وتبسَّم إِلينا. ثم قال: «أنا أوصيكم بخمس خصال ليكمل الله لكم خصال الخير: لا تجمعوا ما لا تأكلون، ولا تبنوا ما لا تسكنون، ولا تنافَسُوا فيما غدا عنه تزولون، واتقوا الله الذي إليه تحشرون وعليه تقدَمون، وارغبوا فيما إليه تصيرون وفيه تخلدون» كذا في الكنز. وأخرجه أيضاً أبو سعيد النَّيسابوري في شرف المصطفى عن علقمة بن الحارث رضي الله عنه. وأخرجه العسكري والرشاطي وابن عساكر عن سويد بن الحارث - فذكر الحديث بطوله؛ وهذا أشهر كما في الإِصابة. وأخرجه أبو

نعيم في الحلية عن سويد بن الحارث رضي الله عنه قال: وفدتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة من قومي، فلما دخلنا عليه وكلمناه فأعجبه ما رأى من سمْتِنا وزيِّنا. فقال: «ما أنتم؟» قلنا: مؤمنين. فتبسَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «إنَّ لكل قول حقيقة، فما حقيقة قولكم وإيمانكم؟» قال سويد: فقلنا خمس عشرة خصلة: خمس منها أمَرتنا رسلك أن نؤمن بها، وخمس منها أمَرَتْنا رسلك أن نعمل بها، وخمس منها تخلَّقنا بها في الجاهلية فنحن عليها إلا أن تكره منها شيئاً - فذكره بمعناه إلا أنه ذكر: والبعث بعد الموت - بدل: القدر خيره وشره. وذكر: الصبر عند شماتة الأعداء - بدل: وترك الشماتة. وقد تقدم حديث رجل من بَلْعَدَوِيَّة عن جده - فذكر الحديث، وفيه: قال: ما تدعو إليه؟ قال: «أدعو عباد الله إلى الله» . قال قلت: ما تقول؟ قال: «أشهد أن لا إِله إلا الله وأنِّي محمد رسول الله، وتؤمن بما أنزله عليّ، وتكفر باللات والعزَّى، وتقيم الصلاة وتؤتى الزكاة» .. - في دعوته صلى الله عليه وسلم لرجل لم يسمَّ (ص 81 - 82) . إرساله صلى الله عليه وسلم الكتب مع أصحابه إلى ملوك الآفاق وغيرهم يدعوهم إلى الله عزّ وجلّ وإلى الدخول في الإِسلام تحريضه صلى الله عليه وسلم أصحابه على أداء دعوته، وعدم الإختلاف في ذلك، وبعثهم إلى الآفاق أخرج الطبراني عن المِسْوَر بن مَخْرمة رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه فقال: «إِنَّ الله بعثني رحمة للناس كافة، فأدُّوا عني

- رحمكم الله - ولا تختلفوا كما اختلف الحواريّون على عيسى عليه السلام، فإنه دعاهم إلى مثل ما أدعوكم إليه. فأما من بَعُدَ مكانة فكرهه، فشكا عيسى بن مريم ذلك إلى الله عزَّ وجلَّ، فأصبحوا كلُّ رجل منهم يتكلم بكلام القوم الذي وُجِّه إليهم. فقال لهم عيسى: هذا أمر قد عزم الله لكم عليه فافعلوا» . فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن - يا رسول الله - نؤدي إليك فابعثنا حيث شئت. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن حُذَافة رضي الله عنه إلى كسرى، وبعث سَلِيط بن عمرو رضي الله عنه إلى هَوْذَة بن علي صاحب اليمامة، وبعث العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه إلى المنذر بن ساوَى صاحب هَجَر، وبعث عمرو بن العاص رضي الله عنه إله جَيْفَر عبَّاد ابني الجُلَنْدي مَلِكي عُمَان، وبعث دِحْيَة الكلبي رضي الله عنه إِلى قيصر، وبعث شُجاع بن وَهْب الأسديّ رضي الله عنه إلى المُنذر بن الحارث بن أبي شِمْر الغسَّاني، وبعث عمرو بن أُمية الضَّمْري رضي الله عنه إلى النجاشي. فرجعوا جميعاً قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم غير العلاء بن الحضرمي، فإنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو بالبحرين. قال الهيثمي وفيه: محمد بن إسماعيل بن عيّاش وهو ضعيف. كذا في المجمع. قال الحافظ في الفتح - وزاد صحاب السِّيَر: أنه بعث المهاجر بن أبي أُمية إلى الحارث بن عبد الكُلال، وجريراً رضي الله عنهما إلى ذي الكَلاع، والسائب رضي الله عنه إلى مُسَيْلَمة، وحاطب بن أبي بَلْتعة رضي الله عنه إلى المُقَوقس - اهـ. وأخرج مسلم عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب قبل موته إلى كسرى، وقيصر، وإِلى النَّجاشي، وإِلى كلِّ جبَّار عنيد يدعوهم إلى الله عزّ وجلّ، وليس بالنجاشي الذي صلَّى عليه. كذا في البداية.

كتابه صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي ملك الحبشة

وأخرجه أحمد، والطبراني عن جابر رضي الله عنه قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت إلى كسرى وقيصر وإِلى كلِّ جبار. قال الهيثمي وفيه: ابن لهيعة وحديثه حسن، وبقية رجاله رجال الصحيح. كتابه صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي ملك الحبشة أخرج البيهقي عن بن إسحاق قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضَّمْري رضي الله عنه إلى النجاشي في شأن جعفر بن أبي طالب وأصحابه رضي الله عنهم، وكتب معه كتاباً. «بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد رسول الله إِلى النجاشي الأصحم ملك الحبشة: سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الملك القدّوس المؤمن المهيمن، وأشهد أن عيسى روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطاهرة الطيِّبة الحصينة، فحملت بعيسى فخلقه من روحه ونفخته كما خلق آدم بيده ونفخه، وإِني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له، والوالاة على طاعته، وأن تتبعني فتؤمن بي وبالذي جاءني، فإنِّي رسول الله. وقد بعثت إِليك ابن عمي جعفراً ومعه نفر من المسلمين، فإذا جاؤوك فأقرَّهم ودَعِ التجبُّر، فإني أدعوك وجنودك إلى الله عزّ وجلّ؛ وقد بلَّغتُ ونَصحتُ فاقبلوا نصيحتي. والسلام على من اتبع الهدى» . كتاب النجاشي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكتب النجاشي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم «بسم الله الرحمن الرحيم، إِلى محمد رسول الله من النجاشي الأصحَم

كتابه صلى الله عليه وسلم إلى قيصر ملك الروم

بن أبجر: سلام عليك يا نبي الله من الله ورحمة الله وبركاته، لا إِله إِلا هو الذي هداني إِلى الإِسلام. فقد بلغني كتابك يا رسول الله فيما ذكرت من أمر عيسى، فوربِّ السماء والأرض إِنَّ عيسى ما يزيد على ما ذكرت. وقد عرفنا ما بَعثت به إِلينا؛ وقَرَبنا ابن عمك وأصحابه، فأشهد أنك رسول الله صدقاً ومصدِّقاً، وقد بايعتك وبايعت ابن عمك وأسلمت على يديه لله رب العالمين. وقد بعثت إِليك - يا نبي الله - بأريحاً بن الأصحم بن أبجر، فإني لا أملك إِلا نفسي، وإِن شئت أن آتيك فعلت يا رسول الله، فإني أشهد أن ما تقول حق» . كذا في البداية. كتابه صلى الله عليه وسلم إلى قيصر ملك الروم أخرج البزّار عن دِحْيَة الكلبي رضي الله عنه أنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب إلى قيصر، فقدمت عليه فأعطيته الكتاب وعنده ابن أخ له أحمر أزرق سبط الرأس. فلما قرأ الكتاب كان فيه. من محمد رسول الله إِلى هرقل صاحب الروم قال: فنخر ابن أخيه نخرة وقال: لا يُقرأ هذا اليوم. فقال له قيصر: لِمَ؟ قال: إنّه بدأ بنفسه وكتب «صاحب الروم» ولم يكتب «ملك الروم» . فقال قيصر: لتقرأنَّه. فلما قرأ الكتاب وخرجوا من عنده أدخلني عليه وأرسل إلى الأسقُف - وهو صاحب أمرهم - فأخبروه وأخبره وأقرأه الكتاب. فقال له الأسقف: هو الذي كنا ننتظر وبشَّرنا به عيسى عليه السلام. قال له قيصر: كيف تأمرني؟ قال له الأسقف: أمَّا أنا فمصدّقة ومتبعة. فقال له قيصر: أمّا أنا إن

فعلت ذلك ذهب ملكي. ثم خرجنا من عنده، فأرسل قيصر إِلى أبي سفيان وهو يومئذٍ عنده قال: حدثني عن هذا الذي خرج بأرضكم ما هو؟ قال: شاب. قال: فكيف حَسَبُه فيكم؟ قال: هو في حسب منا لا يفضل عليه أحد. قال: هذه آية النبوة. قال: كيف صدقه؟ قال: ما كذب قط. قال: هذه آية النبوة. قال: أرأيت من خرح من أصحابكم إليه هل يرجع إليكم؟ قال: قد قاتله قوم فهزمهم وهزموه. قال: هذه آية النبوة. قال ثم دعاني فقال: أبلغ صاحبك أني أعلم أنه نبي ولكن لا أترك ملكي. قال: وأما الأسقُف فإنَّه كانوا يجتمعون إِليه في كل أحد، يخرج إليهم ويحدِّثهم ويذكِّرهم، فلما كان يوم الأحد لم يخرج إليهم وقعد إلى يوم الأحد الآخر، فكنت أدخل إليه فيكلمني ويسألني. فلما جاء الأحد الآخر إنتظروه ليخرح إليه، فلم يخرج إِليهم واعتلَّ عليهم بالمرض وفعل ذلك مراراً. وبعثوا إليه لتخرجنَّ إلينا أو لندخلنَّ عليك فنقتلك، فإنا قد أنكرناك منذ قدم هذا العربي. فقال الأسقف: خذ هذا الكتاب واذهب إلى صاحبك فاقرأ عليه السلام، وأخبره أنِّي أشهد أن لا إله إِلا الله وأن محمداً رسول الله، وأني قد آمنت به، وصدَّقته، واتبعته، وأنهم قد أنكروا عليّ ذلك، فبلِّغه ما ترى. ثم خرج إليهم فقتلوه - فذكر الحديث. قال الهيثمي (8236 - 237) وفيه إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى وهو ضعيف. انتهى. وأخرجه أيضاً الطبراني من حديث دِخْية رضي الله عنه مختصراً، وفيه: يحيى بن عبد الحميد الحِمَّاني وهو ضعيف كما قال الهيمثي: وهكذا أخرجه أبو نعيم في الدلائل (ص 121) بمعناه مختصراً. وأخرجه أيضاً عبدان بن محمد

المِرْوَزي عن عبد الله بن شدّاد نحوه وأتم منه. وأخرج عبدان عن ابن إسحاق عن بعض أهل العلم أن هرقل قال لدحية رضي الله عنه: ويحك إنِّي - والله - لأعلم أن صاحبك نبيٌّ مرسل وأنه للذي كنا ننتظر ونجده في كتابنا، ولكني أخاف الروم على نفسي، ولولا ذلك لاتَّبعته؛ فاذهب إِلى ضغاطر الأسقُف فاذكر له أمر صاحبكم فهو أعظم في الروم مني وأجوز قولاً. فجاءه دِحْية فأخبره. فقال له: صاحبك - والله - نبي مرسل، نعرفه بصفته واسمه. ثم دخل فألقى ثيابه وليس ثياباً بيضاء، وخرج على الروح فشهد شهادة الحق فوثبوا عليه فقتلوه. وهكذا ذكره يحيى بن سعيد الأموي في المغازي والطبري عن ابن إِسحاق؛ كذا في الإِصابة. وأخرج عبد الله بن أحمد وأبو يَعْلَى عن سعيد بنت أبي راشد قال: رأيت التنوخي - رسول هرقل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ بحمص وكان جاراً لي شيخاً كبيراً قد بلغ الفناء - أو قَرُب - فقلت: ألا تخبرني عن رسالة هرقل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل؟ قال: بلى. وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك وبعث دِحْية الكِلبي إلى هرقل، فلمّا أن جاء كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا قسيسي الروم وبطارقتها ثم غلَق عليه وعليهم الدار. قال: نزل هذا الرجل حيث رأيتم وقد أرسل إليّ يدعوني إلى ثلاث خصال: يدعوني أن أتبعه على دينه، أو أن نعطيه مالنا على أرضنا والأرض أرضنا، أو نلقي إليه الحرب. والله لقد عرفتم فيما تقرؤون من الكتب لتؤخذنَّ ما تحت قدميّ فهلمَّ نتبعه على دينه أو نعطيه مالنا على أرضنا. فنخروا نخرة رجل واحد حتى خرجوا من برانسهم وقالوا: تدعونا إلى أن نذر النصرانية أو نكون عبيداً لأعرابي جاء من الحجاز؟ فلمَّا ظنَّ أنَّهم إن خرجوا أفسدوا عليه رفاقهم وملكه، قال: إنما قلت ذلك لكم لأعلم صلابتكم على أمركم.

ثم دعا رجلاً من عرب «تُجيب» كان على نصارى العرب قال: أُدُع لي رجلاً حافظاً للحديث عربي اللسان أبعثه إلى هذا الرجل بجواب كتابه. فجاءني فدفع إليّ هرقل كتاباً باني فقال: إذهب بكتابي إلى هذا الرجل، فما صَغِيتَ من حديثه فاحفظ منه ثلاث خصال: أنظر هل يذكر صحيفته التي كتب إليّ بشيء؟ وانظر إذا قرأ كتابي هل يذكر الليل؟ وانظر في ظهره هل به من شيء يريبك؟ فانطلقتُ بكتابه حتى جئت تبوك فإذا هو جالس بين أصحابه على الماء، فقلت: أين صاحبكم؟ قي: ها هوذا. فأقبلت أمشي حتى جلست بين يديه. فناولته كتابي فوضعه في حِجْره ثم قال: «ممَّن أنت؟» قلت: أنا أحد تنوخ. فقال: «هل لك في الحنيفية ملّة أبيكم إبراهيم؟» قلت: إني رسول قوم وعلى دين قوم، لا أرجع عنه حتى أرجع إليهم. قال: «إنَّك لا تهدي من أحببت ولكنَّ الله يهدي من يشاء، وهو أعلم بالمهتدين. يا أخا تنوخ إني كتبت بكتابي إلى النجاشي فخرقها والله مُخرِّقهُ ومُخَرِّقُ ملكه. وكتب إلى صاحبكم بصحيفة فأمسكها فلن يزال الناس يجدون منه بأساً ما دام في العيش خير» . قلت: هذه إحدى الثلاثة التي أوصاني بها، وأخذت سهماً من جعبتي فكتبتها في جلد سيفي. ثم إنَّه ناول الصحيفة رجلاً عن يساره فقلت: من صاحب كتابكم الذي يقرأ لكم؟ قالوا: معاوية. فإذا في كتاب صاحبي: يدعوني إلى جنة عرضها السماوات والأرض أُعدّت للمتقين. فأين النار؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «سبحان الله فأين الليل إِذا جاء النهار؟» فأخذت سهماً من جعبتي فكتبته في جلد سيفي. فلما فرغ من قراءة كتابي قال: «إنَّ لك حقاً وإنك

خبر أبي سفيان مع هرقل ملك الروم

لرسول، فلو وجدت عندنا جائزة جوَّزناك بها، إنا سَفْر مُرْمِلون» . قال: فناداه رجل من طائفة الناس أن أجوزه، ففتح رَحْله، فإذا هو يأتي بحلَّة؟ قيل: عثمان. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من ينزل هذا الرجل؟» فقال فتى من الأنصار: أنا. فقام الأنصاري وقمت معه. فلما خرجت من طائفة المجلس ناداني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا أخا تنوخ» ، فأقبلت أهوي حتى كنت قائماً في مجلسي الذي كنت فيه بين يديه، فحلَّ حبوته عن ظهره فقال: «ها هنا أمضِ لما أُمرت به» ، فجُلْتُ في ظهره، فإذ أنا بخاتم في موضع غضروف الكتف مثل الحجمة، قال الهيثمي (8235 - 236) رجال أبي يعلى ثقات، ورجال عبد الله بن أحمد كذلك. انتهى. وأخرجه أيضاً الإِمام أحمد كما في البداية، وقال: هذا حديث غريب وإسناده لا بأس به، تفرّد به الإِمام أحمد. انتهى. وأخرجه أيضاً يعقوب بن سفيان، ما في البداية أيضاً. خبر أبي سفيان مع هرقل ملك الروم وأخرج البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن أبا سفيان أخبره: أنَّ هرقل أرسل إليه في ركب من قريش - وكانوا تجّاراً بالشام - في المدة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مادَّ فيها أبا سفيان وكفار قريش، فأتَوه وهم بإيلياء.

فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الروم ثم دعاهم ودعا بالترجمان فقال: أيُّكم أقرب نسباً بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ قال: أبو سفيان: فقلت: أنا أقربهم نسباً، قال: أدنُوه مني وقرِّبوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره. ثم قال لترجمانه قل لهم: إني سائل هذا عن هذا الرجل فإن كذبني فكذِّبوه، فوالله لولا أن يؤثروا عني كذباً لكذبتُ عنه. ثم كان أول ما سألني عنه أن قال: كيف نسبه فيكم؟ قلت: هو فينا ذو نسب. قال: فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله؟ قلت: لا. قال: فهل كان من آبائه من مَلِكٍ؟ قلت: لا. قال: فأشراف الناس اتَّبعوه أم

ضعفاؤهم؟ قلت: بل ضعفاؤهم. قال: أيزيدون أم ينقصون؟ قلت: بل يزيدون. قال: فهل يرتد أحد منهم سَخْطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قلت: لا. قال: فهل يغدر؟ قلت: لا، ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها - قال: ولم يُمكنِّي كلمة أدخل فيها شيئاً غير هذه الكلمة - قال: فهل قاتلتموه؟ قلت: نعم. قال: فكيف كان قتالكم إياه؟ قلت: الحرب بيننا وبينه سِجَال، ينال منا وننال منه. قال: ماذا يأمركم؟ قلت: يقول: اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئاً، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصِّلَة. فقال الترجمان: قل له سألتك عن نسبه فزعمتَ أنه فيكم ذو نسب، وكذلك الرسل فتبعث في نسب قومها. وسألتك: هل قال أحد منكم هذا القول قبله، فذكرت أن لا، فقلت: لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلتُ رجل يتأسَّى بقول قيل قبله وسألتم: هل كان من آبائه من مَلِك، فذكرت أن لا، فلو كان من آبائه نمَلِك، قلت: رجل يطلب ملك أبيه. وسألتك: هل كنتم تتَّهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال، فذكرت أن لا، قد أعرف أنه لم يكن ليذَر الكذب على الناس ويكذب على الله. وسألتك: أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم، فذكرت أنَّ ضعفاءهم اتبعوه وهم أتباع الرسل. وسألتك: أيزيدون أم ينقصون، فذكرت أنَّهم يزيدون، وكذلك أمر الإِيمان حتى يتمّ. وسألتك: أيرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه، فذكرت أن لا، وكذلك الإِيمان حين تخالط بشاشتُه القلوبَ. وسألتك: هل يغدر، فذكرت أن لا، وكذلك الرسل لا تغدر. وسألتك: بمَ يأمركم، فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، وينهاكم عن عبادة الأوثان، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف، فإن كان ما تقول حقّاً فسيملك موضع قدميَّ هاتين. وقد كنت أعلم أنه خارج لم أكن أظن أنه منكم، فلو أعلم أني أخلص إليه لتجشَّمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه. ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بعث به مع دِحْية رضي الله عنه إلى عظيم بصرى. فدفعه إلى هرقل فإذا فيه. «بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلامٌ على من اتّبَع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإِسلام، أسلم تسلم يؤتكَ الله أجرك مرتين. فإن تولَّيت فإنّ عليك إِثم الأريسيِّين. و {قُلْ ياأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلِمَةٍ سَوَآء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (آل عمران: 64) » . قال أبو سفيان: فلما قال ما قال وفرغ من قراءة الكتاب كثر عنده الصَّخَب، وارتفعت الأصوات وأُخرجنا فقلت لأصحابي - حين خرجنا -: لقد أمِرَ أمر ابن أبي كبشة، إنه يخاف مَلِكُ بني الأصفر. فما زلت موقناً أنه

سيظهر حتى أدخل الله عليَّ الإِسلام. قال: وكان ابن الناطور صاحبَ إيلياء وهرقَل أُسْقُفَ على نصارى الشام يحدِّث أنّ هرقل حين قدم إيلياء أصبح يوماً خبيث النفس، فقال بعض بطارقته: قد استنكرنا هيئتك. قال ابن الناطور: وكان هرقل حزّاء ينظر في النجوم. فقال لهم حين سألوه: إني رأيت حين نظرت في النجوم مَلِكَ الخِتان قد ظهر فمن يختتن من هذه الأمم؟ قالوا: ليس يختتن إلا اليهود ولا يهمنَّك شأنهم، واكتب إلى مدائن ملكك فليقتلوا من فيهم من اليهود. فبينما هم على أمرهم أُتِيَ هرقل برجل أرسل به ملك غسّان فخبَّرهم عن خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما استخبره هرقل قال: إذهبا فانظروا أمختتن هو أم لا؟ فنظروا إليه فحدَّثوه أنه مختتن، وسأله عن العرب فقال هم يختتنون. فقال هرقل: هذا مَلِك هذه الأمة قد ظهر. ثم كتب إلى صاحب له برومية - وكان نظيره في العلم - وسار هرقل إلى حمص فلم يَرِم بحمص حتى أتاه كتاب من صاحبه يوافق رأي هرقل على خروج النبي صلى الله عليه وسلم وهو نبي. فأذن هرقل لعظماء الروم في دَسْكرة له بحمص، ثم أمر بأبوابها فغلِّقت، ثم اطَّلع فقال: يا معشر الروم، هل لكم في الفلاح والرشد وأن يثبَّت لكم ملككم، فتتابعوا لهذا النبي؟ فحاصوا حَيْصة حُمُرِ الوحش إلى الأبواب فوجدوها قد غُلِّقت. فلما رأى هرقل نفرتهم وأيس من الإِيمان قال: ردُّوهم عليَّ. وقال: إنِّي إنَّما قلت مقالتي آنفاً أختبر بها شدَّتكم على دينكم؛ فقد رأيت، فسجدوا له ورَضُوا عنه. فكان ذلك آخر شأن هرقل. وقد رواه البخاري في مواضع كثيرة في صحيحه بألفاظ

كتابه صلى الله عليه وسلم إلى كسرى ملك فارس

يطول استقصاؤها؛ وأخرجه بقية الجماعة إِلا ابن ماجه من طرق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس رضي الله عنهما. كذا في البداية. وأخرجه أيضاً ابن إِسحاق عن الزُّهري بطوله كما ذكر في البداية. وأخرجه أبو نعيم في دلائل النبوة (ص 119) من طريق الزُّهْري بنحوه مطولاً، والبيهقي بهذا الإِسناد بنحوه مطوّلاً. كتابه صلى الله عليه وسلم إلى كسرى ملك فارس أخرج البخاري من حديث اللَّيث عن يونس عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بكتابه مع رجل إلى كسرى وأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين، فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى، فلما قرأه كسرى مزّقه، قال: فحسبت أنَّ ابن المسيِّب قال: فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُمزقوا كلَّ مُمزَّق. وقال عبد الله بن وَهْب عن يونس عن الزُّهْري: حدثني عبد الرحمن بن عبد القاري رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قام ذات يوم على المنبر خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه وتشهد، ثم قال: أما بعد: فإنِّي أريد أن أبعث بعضكم إلى ملوك الأعاجم فلا تختلفوا عليَّ كما اختلفت بنو إسرائيل على عيسى بن مريم. فقال المهاجرون: يا رسول الله، إِنّا لا نختلف عليك في شيء أبداً، فمُرنا وابعثنا. فبعث شجاع بن وَهْب إلى كسرى. فأمر كسرى بإيوانه أن يُزيَّن،

ثم أذن لعظماء فارس، ثم أذن لشجاع بن وَهْب. فلما أن دخل عليه أمر كسرى بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُقبض منه. فقال شجاع بن وهب: لا، حتى أدفعه أنا إليك كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كسرى: ادّنه، فدنا فناوله الكتاب، ثم دعا كاتباً له من أهل الحيرة فقرأه فإذا فيه: من محمد بن عبد الله ورسوله إلى كسرى عظيم فارس قال: فأغضبه حين بدا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه وصاح وغضب ومزَّق الكتاب قبل أن يعلم ما فيه، وأمر بشجاع بن وَهْب فأُخرج. فلمّا رأى ذلك قعد على راحلته ثم سار ثم قال: والله، ما أبالي على أي الطريقين أكون إِذْ أدّيت كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ولما ذهب عن كسرى سَوْرَة غضبه بعث إلى شجاع ليدخل عليه، فالتُمس فلم يوجد، فطُلب إِلى الحيرة فَسَبَق. فلما قدم شجاع على النبي صلى الله عليه وسلم أخبره بما كان من أمر كسرى وتمزيقه لكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «مزّق كسرى ملكه» . كذا في البداية. وأخرج أبو سعيد النَّيْسابوري في كتاب شَرَف المصطفى من طريق ابن إِسحاق عن الزهري عن أبي سَلَمة بن عبد الرحمن رضي الله عنه قال: لمَّا قُدِّم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقرأه ومزَّقه كتب إلى باذان - وهو عامله باليمن - أن أبعث إلى هذا الرجل الذي بالحجاز رجلَين جَلْدين من عندك فلْيأتياني به. فبعث باذان قهرمانه - وهو أبانوه وكان كاتباً حاسباً بكتاب فارس - وبعث معه رجلاً من الفرس يقال له: «جد جميرة» وكتب معهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمره أن يتوجَّه معهما إلى كسرى، وقال لقهرانه: أنظر إلى الرجل وما هو وكلِّمه وائتني بخبره. فخرجا حتى قدما الطائف، فوجدا رجالاً

من قريش تجّاراً فسألاهم عنه. فقالوا: هو بيثرب واستبشروا. فقالوا: قد نَصب له كسرى. كُفيتم الرجل فخرجا حتى قدما المدينة، فكلّمه أبانوه، فقال: إنَّ كسرى كتب إلى باذان أن يبعث إليك من يأتيه بك، وقد بعثني لتنطلق معي. فقال: «إرجعا حتى تأتياني غداً» ، فلما غدَوا عليه أخبرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الله قتل كسرى وسلّط عليه ابنه «شيرَوَيْه» في ليلة كذا من شهر كذا. فقالا: أتدري ما تقول؟ أنكتب بهذا إلى باذان؟ قال: «نعم» . وقولا له: «إن أسلمتَ أعطيتُك ما تحت يديك» ثم أعطى «جد جميرة» مِنْطَقة كانت أُهديت له فيها ذهب وفضة. فقدما على باذان فأخبراه. فقال: ما هذا بكلام ملك ولننظرن ما قال. فلم يلبث أن قدم عليه كتاب (شيرَوَيْه) : أما بعد: فإنِّي قتلت كسرى غضباً لفارس لما كان يستحلُّ من قتل أشرافها؛ فخُذْ لي الطاعة ممن قِبَلك ولا تُهَجِّنِ الرجل الذي كتب لك كسرى بسببه بشيء، فلما قرأه قال: إن هذا الرجل لنبي مرسل، فأسلم وأسلمت الأبناء من آل فارس من كان منهم باليمن جميعاً. وهكذا حكاه أبو نعيم الأصبهاني في الدلائل عن ابن إِسحاق بلا إسناد، لكن سماه خرخسرة ووافق على تسمية رفيقه أبانوه. كذا في الإِصابة. وأخرجه أيضاً ابن أبي الدنيا في دلائل النبوة عن ابن إسحاق قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن حُذافة رضي الله عنه إلى كسرى بكتابه يدعوه إلى الإِسلام. فلما قرأه شقَّق كتابه ثم كتب إلى عامله على اليمن باذان - فذكر بمعناه - وفيه: ثم قدما المدينة فكلَّمه بابويه: إن شاهنشاه كسرى كتب إلى الملك باذان يأمره أن يبعث إليه من يأتيه بك. فإن أجبتَ كتبتُ معك ما ينفعك عنده، وإِن أبيتَ فإنه مهلكك ومهلك قومك ومخرِّب بلادك. فقال لهما: إرجعا

حتى تأتياني غداً - فذكر نحوه. وأخرج ابن أبي الدنيا عن سعيد المقبري مختصراً جداً. كذا في الإِصابة. وأخرجه ابن جرير من طريق ابن إسحاق عن زيد بن أبي حبيب قال: وبعث عبد الله بن حذافة رضي الله عنه إلى كسرى بن هرمز ملك فارس وكتب معه. «بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس. سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله، وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله؛ وأدعوك بدعاء الله، فإنِّي أنا رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين. فإن تُسْلِم تَسلَم، وإن أبيت فإن إثم المجوس عليك» . قال: فلما قرأه شقَّه وقال: يكتب إليّ بهذا وهو عبدي. قال: ثم كتب كسرى إلى باذام - فذكر ما تقدَّم عن ابن إسحاق، وفيه: ودخلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد حلقا لحاهما وأعفيا شواربهما، فكره النظر إليهما وقال: «ويلكما من أمركما بهذا؟» قالا: أمرنا ربنا - يعنيان كسرى - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ولكنَّ ربي أمرني بإعفاء لحيتي وقص شاربي» كذا في البداية. وأخرج الطبراني عن أبي بَكْرة رضي الله عنه قال: لما بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث كسرى إلى عامله على أرض اليمن ومن يليه من العرب - وكان يقال له بادام - إِنه بلغني أنه خرج رجل قِبلك يزعم أنه نبي فقل له: فلْيكفَّ عن

ذلك أو لأبعثنَّ إليه من يقتله أو يقتل قومه. قال: فجاء رسول بادام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له هذا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لو كان شيء فعلته من قبلي كففت ولكن الله عزّ وجلّ بعثني» . فأقام الرسول عنده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ربي قتل كسرى ولا كسرى بعد اليوم؛ وقتل قيصر ولا قيصر بعد اليوم. قال فكتب قوله في الساعة التي حدَّثه واليوم الذي حدَّثه والشهر الذي حدَّثه فيه. ثم رجع إلى بادام فإذا كسرى قد مات، وإذا قيصر قد قتل. وقال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح غير كثير بن زياد وهو ثقة؛ وعند أحمد طرَقٌ منه، وكذلك البزار. انتهى. وأخرج البزّار عن دِحْية الكلبي رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب إلى قيصر - فذكر الحديث كما تقدّم في كتابه صلى الله عليه وسلم إلى قيصر (ص 128) ؛ وفي آخره: ثم خرج دِحْية إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعنده رُسُلُ عمالِ كسرى على صنعاء، بعثهم إليه وكتب إلى صاحب صنعاء يتوعّده يقول: لتكفينِّي رجلا خرج من أرضك يدعوني إلى دينه، أو أؤدي الجزية، أو لأقتلنَّك، أو لأفعلنَّ بك. فبعث صاحب صنعاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة وعشرين رجلاً فوجدهم دحية عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قرأ صاحبهم تركهم خمس عشرة ليلة، فلما مضت خمس عشرة ليلة تعرَّضوا له. فلما رآهم دعاهم فقال: «إذهبوا إلى صاحبكم فقولوا له: إِنَّ ربِّي قتل ربه الليلة» . فانطلقوا فأخبروه بالذي صنع. فقال: إحصُوا هذه الليلة. قال: أخبروني كيف رأيتموه؟ قالوا: ما رأينا ملكاً أهنأ منه يمشي فيهم لا يخاف شيئاً، مبتذلاً لا يُحرس، لا يرفعون أصوَاتهم عنده. قال دحية: ثم جاء الخبر أن كسرى قُتل تلك الليلة. قال الهيثمي فيه: إبراهيم بن إسماعيل عن أبيه وكلاهما ضعيف. انتهى.

كتابه صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس ملك الإِسكندرية أخرج البيهقي عن عبد الله بن عبد القارىء رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث حاطب بن أبي بَلْتَعة رضي الله عنه إلى المُقَوْقِس صاحب الإِسكندرية، فمضى بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه. فقَبَّل الكتاب، وأكرم حاطباً وأحسن نُزُله، وسَرَّحه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأهدى له مع حاطب كِسوة وبغلة بِسَرْجها وجاريتين: إحداهما أُمّ إبراهيم، وأما الأخرى فوهبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لمحمد بن قيس العبدي. وأخرج البيهقي أيضاً عن حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس ملك الإِسكندرية، قال: فجئته بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزلني في منزله وأقمت عنده، ثم بعث إليّ وقد جمع بطارِقَته وقال: إنِّي سائلك عن كلام فأحبُّ أن تفهم عني، قال قلت: هلُمَّ؛ قال: أخبرني عن صاحبك ألي هو نبي؟ قلت: بل هو رسول الله قال: فما له حيث كان هكذا لم يدعُ على قومه حيث أخرجوه من بلده إلى غيرها؟ قال قلت: عيسى بن مريم أليس تشهد أنه رسول الله؟ قال: بلى. قلت: فما له حيث أخذه قومه فأرادوا أن يصلبوه ألا يكون دعا عليهم بأن يهلكه الله حيث رفعه الله إلى السماء الدنيا؟ فقال لي: أنت حكيم قد جاء من عند حكيم. هذه هدايا أبعث بها معك إلى محمد، وأرسل معك ببَذْرَقة يبذرقونك إلى مأمنك. قال: فأِدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث جوارٍ منهن أُم إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدةً وهبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت الأنصاري، وأرسل إليه بطُرَف من

كتابه صلى الله عليه وسلم إلى أهل نجران

طُرَفهم. كذا البداية. وأخرج حديث حاطب أيضاً ابن شاهين كما في الإِصابة. كتابه صلى الله عليه وسلم إلى أهل نجران أخرج البيهقي عن يونس بن بُكَير عن سَلَمة بن عبد يسوع عن أبيه عن جده - قال يونس: وكان نصراياً فأسلم - إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل نجرن قبل أن ينزل عليه: طاسَ سليمان. «باسم إِله إبراهيم وإسحاق، ويعقوب. من محمد النبي رسول الله إلى أسقف نجران وأهل نجران: سَلْم أنتم، فإنِّي أحمد إليكم إله إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب. أما بعد: فإني أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد، وأدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد؛ فإن أبيتم فالجزية، فإن أبيتم فقد آذنتكم بحرب. والسلام» . فلما أتى الأسقُفَ الكتابُ وقرأه فَظِعَ به وذعر به ذعراً شديداً، وبعث إِلى رجل من أهل نجران يقال له شُرحَبيل بن وَدَاعة - وكان من هَمْدان ولم يكن أحد يُدعى إِذا نزلت مُعْضلة قبله، لا الأيهم ولا السيد، ولا العاقب - فدفع الأسقفُّ كتابت إلى شرحبيل فقرأه. فقال الأسقف: يا أبا مريم، ما رأيك؟ فقال شرحبيل: قد علمتَ ما وعد الله إبراهيم في ذرية إسماعيل من النّبوة، فما يُؤمن أن يكون هذا هو ذاك الرجل، ليس لي في أمر النبوة رأي، ولو كان في أمر من أمور الدنيا لأشرتُ عليك فيه برأي واجتهدت لك، فقال له الأسقف: تنحَّ

فاجلس، فتنحَّى شرحبيل فجلس ناحية. فبعث الأسقفُّ إلى رجل من أهل نجران يقال له عبد الله بن شرحبيل وهو من ذي أصبح من حِمْير، فأقرأه الكتاب وسأله عن الرأي فيه، فقال مثل قول شرحبيل، فقال الأسقفُّ: تنحَّ فاجلس، فتنحَّى عبد الله فجلس ناحية. فبعث الأسقف إلى رجل من أهل نجران يقال له جبَّار بن فيض من بني الحارث بن كعب أحد بني الحماس، فأقرأه الكتاب وسأله عن الرأي فيه، فقال له مثل قول شرحبيل وعبد الله، فأمره الأسقفُّ فتنحَّى فجلس ناحية. فلما اجتمع الرأي منهم على تلك المقالة جميعاً أمر الأسقف بالناقوس فضُرب به ورُفعت النيران والمسوح في الصوامع، وكذلك كانوا يفعلون إذا فزعوا بالنهار، وإِذا كان فزعهم ليلاً ضربوا بالناقوس، ورفعت النيران في الصوامع، فاجتمعوا حين ضرب بالناقوس ورُفعت المسوح أهل الوادي أعلاه وأسفله، وطول الوادي مسيرة يوم للراكب السريع، وفيه ثلاث وسبعون قرية وعشرون ومائة ألف مقاتل. فقرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألهم عن الرأي فيه. فاجتمع رأي أهل الرأي منهم على أن يبعثوا شرحبيل بن وداعة الهمْداني وعبد الله بن شرحبيل الأصبحي وجَبَّار بن فيض الحارثي فيأتونهم بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق الوفد حتى إذا كانوا بالمدينة وضعوا ثياب السفر عنهم ولبسوا حُلُلاً لهم يجرونها من حِبَرة وخواتيم الذهب. ثم انطلقوا حتى أتَوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلَّموا عليه فلم يردَّ عليهم، وتصدَّوا لكلامه نهاراً طويلاً فلم يكلمهم وعليهم تلك الحلل وخواتيم الذهب. فانطلقوا يتبعون عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وكانا معرفة لهم - فوجدوهما في ناس من المهاجرين والأنصار في مجلس فقالوا: يا عثمان، ويا عبد الرحمن، إن نبيكم كتب إلينا كتاباً فأقبلنا مجيبين له،

فأتيناه فسلَّمنا عليه فلم يردَّ سلامنا، وتصدينا لكلامه نهاراً طويلاً فأعيانا أن يكلمنا؟ فما الرأي منكما؟ أترون أن نرجع؟ فقالا لعلي بن أبي طالب - وهو في القوم - ما ترى يا أبا الحسن في هؤلاء القوم؟ فقال علي لعثمان وعبد الرحمن: أرى أن يضعوا حللهم هذه وخواتيمهم هذه ويلبسوا ثياب سفرهم ثم يعودوا إِليه. ففعلوا فسلَّموا عليه فردَّ سلامهم، ثم قال: «والذي بعثني بالحق لقد أتوني المرة الأولى وإنَّ إِبليس لمعهم» . ثم سألهم وسألوه، فلم تزل به وبهم المسألة حتى قالوا له: ما تقول في عيسى؟ فإنَّا نرجع إِلى قومنا ونحن نصارى يسرُّنا - إن كنت نبياً - أن نسمع ما تقول فيه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما عندي فيه شيء يومي هذا فأقيموا حتى أخبركم بما يقول لي ربي في عيسى» . فأصبح الغد وقد أنزل الله هذه الآية: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ ءادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ الْحَقُّ مِن رَّبّكَ فَلاَ تَكُنْ مّن الْمُمْتَرِينَ فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَآءنَا وَأَبْنَآءكُمْ وَنِسَآءنَا وَنِسَآءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتُ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} (آل عمران: 59 - 61) . فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم الغد بعدما أخبرهم الخبر أقبل مشتملاً على الحسن والحسين في خَميل له وفاطمة تمشي عند ظهره للملاعنة، وله يومئذٍ عدة نسوة. فقال شرحبيل لصاحبيه: لقد علمتما أنَّ الوادي إذا اجتمع أعلاه وأسفله لم يَرِدوا ولم يصدُرُوا إلا عن رأيي، وإنِّي - والله - أرى أمراً ثقيلاً، والله لئن كن هذا الرجل مبعوثاً فكنَّا أول العرب طعناً في عينيه وردّاً عليه أمره لا يذهب لنا من صدوره ولا من صدور أصحابه حتى يصيبونا بجائحة؛ وإنا لأدنى العرب منهم جواراً. ولئن كان هذا الرجل نبياً مرسلاً فلاعنّاه لا يبقى منا على وجه الأرض شَعَر ولا ظِفْر إلا هلك. فقال صاحباه: فما الرأي يا أبا مريم؟ فقال: أرى أن أكلِّمه، فإنِّي أرى رجلاً لا يحكم شططاً أبداً. فقالا له: أنت وذاك. قال: فتلقَّى شرحبيلُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: إنِّي قد رأيت خيراً من ملاعنتك. فقال: وما هو؟ فقال: حكمك اليوم إلى الليل وليلتك إلى الصباح فمهما حكمتَ فينا فهو جائز. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لعل وراءك أحداً يُثَرِّبُ

عليك» . فقال شرحبيل: سل صاحبيَّ، فسألها فقالا: ما يَرِدُ الوادي ولا يصدُر إِلا عن رأي شرحبيل. فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يلاعنهم، حتى إذا كان من الغد أَتوه: فكتب لهم هذا الكتاب: «بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما كتب النبي محمد رسول الله لنجران: - إِن كان عليهم حكمه - في كل ثمرة وكل صفراء وبيضاء وسوداء ورقيق فاضل عليهم، وترك ذلك كله لهم على ألفي حلة: في كل رجب ألف حلة، وفي كل صفر ألف حلة» . وذكر تمام الشروط. كذا في التفسير لابن كثير. وزاد في البداية بعد قوله - وذكر تمام الشروط: إلى أن شهد أبو سفيان بن حرب، وغيلان بن عمرو، ومالك بن عوف من بني نصر، والأقرع بن حابس الحنظلي، والمغيرة، وكتب. حتى إذا قبضوا كتابهم إنصرفوا إلى نجران ومع الأسقُفِّ أخ له من أُمِّه وهو ابن عمِّه من النسب يقال له بِشْر بن معاوية وكنيته أبو علقمة. فدفع الوفدُ كتابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الأسقُفِّ، فبينما هو يقرأه وأبو علقمة معه وهما يسيران إذ كَبَت ببشر ناقتُه، فَتَعَّسَ بشر غير أنه لا يكني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له الأسقُف عند ذلك: قد - والله - تعَّسْتَ نبياً مرسلاً. فقال له بِشْر: لا جَرَم - والله - لا أحلُّ عنها عقداً حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فصرف وجه ناقته نحو المدينة وثَنى الأسقف ناقته عليه فقال له: أفهم عني إنَّما قلت هذا ليبلغ عني العرب مخافة أن يروا أنَّا أخذنا حقه أو رضينا بصوته أو بخعنا لهذا الرجل بما لم تبخع به العرب، ونحن أعزهم وأجمعهم داراً. فقال له بشر: لا والله لا أقبل ما خرج من رأسك أبداً، فضرب بشر ناقته - وهو مولِّي الأسقف ظهره - وارتجز

يقول: إليكَ تغدو قَلِقاً وضينها معترضاً في بطنها جنينُها مخالفاً دين النصارى دينُها حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم، ولم يزل معه حتى قتل بعد ذلك. قال: ودخل الوفد نجران. فأتى الراهبَ ابن أبي شمر الزبيدي وهو في رأس صومعته. فقل له: إِنَّ نبياً بُعث بتهامة - فذكر ما كان من وفد نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه عرض عليهم الملاعنة فأبَوا، وأنَّ بشر بن معاوية دفع إليه فأسلم - فقال الراهب: أنزلوني، وإلا ألقيت نفسي من هذه الصومعة. قال: فأنزلوه، فأخذ معه هدية وذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منها هذا البُرْد الذي يلبسه الخلفاء، وقَعْبُ، وعصا. فأقام مدّة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع الوحي، ثم رجع إلى قومه ولم يُقدِّر له الإِسلام ووعد أنه سيعود فل يُقدَّر له حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن الأسقُف أبا الحارث أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه السيد والعاقب ووجوه قومه، فأقاموا عنده يسمعون ما ينزل الله عليه، وكتب للأسقفِّ هذا الكتاب ولأساقفة نجران بعده. كتابه عليه السلام إلى الأسقف أبي الحارث «بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد النبي للأسقف أبي الحارث، وأساقفة نجران، وكهنتهم، ورهبانهم، وكل ما تحت أيديهم من قليل كثير: جوار الله ورسوله، لا يُغَيِر أسقفُّ من أسقفته ولا راهب من رهبانيته ولا كاهن من كهانته ولا يغيّر حق من حقوقهم، ولا سلطانهم ولا ما كانوا عليه من ذلك. جوار الله ورسوله أبداً ما أصلحوا ونصحوا عليهم غير مبتلين بظلم ولا ظالمين» .

كتابه صلى الله عليه وسلم إلى بكر بن وائل

وكتب المغيرة بن شعبة. انتهى ما في البداية. كتابه صلى الله عليه وسلم إلى بكر بن وائل أخرج أحمد عن مَرْثَد بن ظبيان رضي الله عنه قال: جاءنا كتاب من رسول الله صلى الله عليه وسلم فما وجدنا له قارئاً يقرأ علينا حتى قرأه رجل من ضَبِيعة: «من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بكر بن وائل: أسلموا تسلموا» قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح - انتهى. وأخرجه أيضاً البزَّار وأبو يَعْلَى والطبراني في الصغير عن أنس رضي الله عنه بمعناه، قال الهيثمي: رجال الأوَّلين رجال الصحيح. كتابه صلى الله عليه وسلم إلى بني جذامة أخرج الطبراني عن عُمير بن مقبل الجُذامي عن أبيه قال: وفد رِفاعة بن زيد الجُذامي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتب له كتاباً، وفيه: «من محمد رسول الله لرفاعة بن زيد: إني بعثته إلى قومه عامة ومن دخل

فيهم، يدعوهم إِلى الله وإلى رسوله: فمن آمن ففي حزب الله وحزب رسوله، ومن أدبر فله أمان شهرين» . فلما قدم على قومه أجابوه - فذكر الحديث. قال الهيثمي: رواه الطبراني متصلاً هكذا، ومنقطعاً مختصراً عن ابن إسحاق، وفي المتصل جماعة لم أعرفهم، وإسنادهما إلى ابن إِسحاق جيد. انتهى. وأخرجه الأمويُّ في المغازي من طريق ابن إِسحاق من رواية عُمير بن معبد بن فلان الجذامي عن أبيه نحوه كما في الإِصابة. قصصه صلى الله عليه وسلم في الأخلاق والأعمال المفضية إلى هداية الناس إسلام زيد بن سُعْنة الحبر الإِسرائيلي رضي الله عنه أخرج الطبراني عن عبد الله بن سَلام رضي الله عنه قال: إنَّ الله عزَّ وجلَّ لمَّا أراد هُدى زيد بن سُعنَة قال زيد بن سُعْنَة: ما من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفتها في وجه محمد صلى الله عليه وسلم حين نظرت إِليه إلا اثنتين لم أخبُرهما منه: يسبق حلمُه جهلَه، ولا تزيد شدة الجهل عليه إلا حلماً. قال زيد بن سُعْنة: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً من الحُجْرات - ومعه علي بن أبي طالب - فأتاه رجل على راحلته كالبدوي، فقال: يا رسول الله، لي نفر في قرية بني فلان قد أسلموا ودخلوا في الإِسلام، وكنت حدَّثتهم إِن أسلموا أتاهم الرزق رَغَداً.

وقد أصابتهم سَنَة وشدّة وقحط من الغيث، فأنا أخشى - يا رسول الله - أن يخرجوا من الإِسلام طمعاً كما دخلوا فيه طمعاً؛ فإن رأيتَ أن ترسل إليهم بشيء تغيثهم به فعلتَ. فنظر إلى رجل إِلى جانبه - أُراه علياً - فقال: يا رسول الله ما بقي منه شيء. قال زيد بن سُعْنة: فدنوت إليه فقلت: يا محمد، هل لك أن تبيعني تمراً معلوماً في حائط بني فلان إلى أجل معلوم، إلى أجل كذا وكذا. قال: «لا تُسمِّ حائط بني فلان» قلت: نعم، فبايَعَني، فأطلقت هِمْياني فأعطيته ثمانين مثقالاً من ذهب في تمر معلوم إلى أجل كذا وكذا، فأعطاه الرجل وقال: «إعدل عليهم وأغثهم» . قال زيد بن سُعْنة: فلما كان قبل مَحِلِّ الأجل بيومين أو ثلاثة خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر، وعمر، وعثمان رضي الله عنهم في نفر من أصحابه، فلم صلّى على الجنازة ودنا إلى الجدار ليجلس إليه أتيته، فأخذته بمجامع قميصه وردائه ونظرت إليه بوجه غليظ، وقلت له: يا محمد، ألا تقضيني حقِّي؟ فوالله، ما عُلِمْتُم بني عبد المطلب إلا مُطْلاً، ولقد كان بمخالطتكم علم. ونظرت إلى عمر وعيناه تدوران في وجهه كالفِلك المستدير، ثم رماني ببصر فقال: يا عدو الله، أتقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسمع؟ وتصنع به ما أرى؟ فوالذي نفسي بيده لولا ما أحاذر فَوْته لضربت بسيفي رأسك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليَّ في سكون وتُؤدة. فقال: «يا عمر، أنا وهو كنا أحوج إلى غير هذا؛ أن تأمرني بحسن الأداء، وتأمره بحسن أتباعه. إذهب به يا عمر، فأعطه حقَّه وزِدْه عشرين صاعاً من تمر مكان ما رْعْته» .

قال زيد: فذهب بي عمر فأعطاني حقِّي وزادني عشرين صاعاً من تمر. فقلت: ما هذه الزيادة يا عمر؟ قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أزيدك مكان ما رُعتك. قال: قلت: وتعرفني يا عمر؟ قال: لا. قلت: أنا زيد بن سُعْنة. قال: الحَبْرُ؟ قلت: الحَبْرُ. قال: فما دعاك إلى أن فعلتَ برسول الله ما فعلت، وقلت له ما قلت؟ قلت: يا عمر، لم يكن من علامات النبوّة شيء إِلا وقد عرفت في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نظرت إِليه إِلا اثنتين، لم أخبُرهما منه: يسبق حلمه جهله، ولا تزيده شدة الجهل عليه إِلا حلماً. وقد اختبرتهما، فأشهدك - يا عمر - أنِّي قد رضيتُ بالله رباً، وبالإِسلام ديناً وبمحمد نبياً، وأشهدك أنَّ شطر مالي - فإني أكثرها مالاً - صدقةٌ على أُمة محمد صلى الله عليه وسلم قال عمر: أو على بعضهم فإنَّك لا تسعهم، قلت: أو على بعضهم. فرجع عمر، وزيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال زيد: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. وآمن به وصدَّقه وبايعه، وشهد معه مشاهد كثيرة؛ ثم توفي في غزوة تبوك مقبلاً غير مدبر. رحم الله زيداً. قال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات؛ وروى ابن ماجه منه طرفاً: انتهى. وأخرجه أيضاً ابن حِبَّان، والحاكم، وأبو الشيخ في كتاب أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم كما في الإِصابة وقال: ورجال الإِسناد مُوثّقون، وقد صرّح

قصة صلح الحديبية ذكر ما كان من قرش وصدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن زيارة البيت

الوليد فيه بالتحديث، ومداره على محمد بن أبي السَرِي الراوي له عن الوليد. وثَّقه ابن مَعِين، وليَّنه أبو حاتم. وقال ابن عدي: محمد كثير الغلط. والله أعلم. ووجدت لقصَّته شاهداً من وجه آخر لكن لم يُسمَّ فيه، قال ابن سعد: حدثنا يزيد، حدثنا جرير بن حازم، حدثني من سمع الزهري يحدث أن يهودياً قال: ما كان بقي شيء من نَعْت محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة إلا رأيته؛ إِلا الحلم ... فذكر القصة. انتهى. وأخرجه أبو نُعَيم في الدلائل (ص 23) . قصة صلح الحديبية ذكر ما كان من قرش وصدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن زيارة البيت أخرج البخاري عن المِسْوَر بن مخرمة ومروان قالا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحُدَيْبية، حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال النبي صلى الله عليه وسلم «إنَّ خالد بن الوليد بالغَمِيم في خيل لقريش طَليعة، فخذوا ذات اليمين» . فوالله ما شعر بهم خالد حتى إذا هم بفترة الجيش، فانطلق يركض نذيراً لقريش. وسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بالثَنِيَّة التي هبط عليهم منها بركت به راحلته. فقال

خبر بديل معه عليه السلام

الناس: حَلَّ، حلّ، فألَّحت. فقالوا: خلأت القصْواء خلأت القَصْواء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما خلأت القصواء، وما ذاك لها بخُلُق، ولكن حبسها حابس الفيل» . ثم قال: «والذي نفسي بيده، لا يسألوني خُطَّة يعظِّمون فيها حُرُماتِ الله إلا أعطيتهم إِياها» ثم زجرها فوثبت، فعدل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثَمَد قليل الماء ... يتبرضه تبرضاً؛ فلم يُلْبِثْه الناس حتى نزحوه. وشُكيَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العطش فانتزع سَهْماً من كِنَانته ثم أمرهم أن يجعلوه فيه، فوالله، ما زال يجيش لهم بالريّ حتى صَدَروا عنه. خبر بُدَيْل معه عليه السلام فبينما هم كذلك إذ جاء بُدَيل بن ورْقاء الخُزاعي في نفر من قومه من خُزاعة - وكانوا عَيْبة نُصْح رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل تِهامة - فقال: إِني تركت كعب بن لؤي، عامر بن لؤي نزلوا أعداد مياه الحديبية، معهم العوذ المطافيل، وهم مقاتلوك وصادُّوك عن البيت. فقال النبي صلى الله عليه وسلم «إنا لم نجيء لقتال أحد، ولكن جئنا معتمرين؛ وإنَّ قريشاً قد نَهَكتهم الحرب وأضرَّت بهم، فإن شاؤوا ماددتهم مدة ويخلُّوا بيني وبين الناس، فإن أظهر فإن شاؤوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا، وإِلا فقد جَمُّوا، وإن هم أبَوا فوالذي

خبر عروة بن مسعود معه عليه السلام

نفسي بيده لأقاتلنَّهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي ولينفذنَّ أمر الله» . قال بُدَيل: سأبلغهم ما تقول: فانطلق حتى أتى قريشاً فقال: إِنَّا قد جئناك من عند هذا الرجل وسمعناه يقول قولاً، فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا. فقال سفهاؤهم: لا حجة لنا أن تخبرنا عنه بشيء. وقال ذوو الرأي منهم: هاتِ ما سمعته يقول: قال: سمعته يقول كذا وكذا، فحدَّثهم بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر عروة بن مسعود معه عليه السلام فقام عُروة بن مسعود فقال: أيْ قوم، ألستم بالولد؟ قالوا: بلى. قال: ألست بالولد؟ قالوا: بلى. قال: فهل تتهموني؟ قالوا: لا. قال: ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عُكَاظ، فلما بلَّحوا عليَّ جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني. قالوا: بلى. قال: فإنَّ هذا عرض لكم خُطَّة رشدٍ إقبلوها ودعوني آتيه. فقالوا ائته. فأتاه، فجعل يكلِّم النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم نحواً من قوله لبُدَيل. فقال عُروة عند ذلك: أيْ محمد، أرأيت إن استأصلتَ أمر قومك هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله قبلك؟ وإن تكن الأخرى فإني - والله - لا أرى وجوهاً، وإني لأرى أشواباً من الناس خليقاً أن يفروا وَيَدعُوك. فقال له أبو بكر رضي الله عنه: إمصَصْ بَظْر اللات، أنحنُ نفرُّ عنه وندعه؟ قال: من ذا؟ قال: أبو بكر. قال: أما والذي نفسي بيده، لولا يَدٌ كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك. قال وجعل يكلِّم النبي صلى الله عليه وسلم فكلَّما تكلم أخذ بلحيته - والمغيرة بن شعبة قائم على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه السيف وعليه المغفر - فكلَّما أهوى عُروة بيده إلى لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب يده بنعل السيف وقال له: أخِّر يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع عُروة رأسه فقال: من هذا؟ قالوا: المغيرة بن شعبة فقال: أيْ غُدَر ألست أسعى في غِدْرتك؟ - كان

المغيرة بن شعبة صحب قوماً في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم ثم جاء فأسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «أما الإِسلام فأقبل، وأما المال فلست منه في شيء» - ثم إِنَّ عروة جعل يَرْمُق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعينيه. قال - فوالله - ما تنخَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة إِلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإِذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وَضوه، وإذا تكلَّم خفضوا أصواتهم عنده، وما يُحدُّون إليه النظر تعظيماً له. فرجع عروة إلى أصحابه فقال: أيْ قوم، والله لقد وفدت على الملوك، وفدت على قيصر وكسرى، والنجاشي، والله إنْ رأيت مَلِكاً قط يعظِّمه أصحابه ما يعظِّم أصحاب محمد محمداً. والله إنْ تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فذلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وَضوئه، وإذ تكلَّم خفضوا أصواتهم عنده، وما يُحدُّثون النظر إليه تعظيماً له؛ وإنه قد عرض عليكم خُطة رشد فاقبلوها. خبر رجل من بني كِنانة معه عليه السلام فقال رجل من بني كِنانة دعوني آتيه. فقالوا: ائته. فلما أشرف على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «هذا فلان وهو من قوم يعظِّمون البُدْن فابعثوها له» فبُعثت له واستقبله الناس يُلَبُّون. فلما رأى ذلك قال: سبحان الله، ما ينبغي لهؤلاء أن يُصدوا عن البيت فلما رجع إلى أصحابه قال: رأيت البُدْن قد قُلِّدَت وأشْعِرَت، فما أرى أن يُصدُّوا عن البيت. فقام رجل منهم - يقال له مِكْرَز بن حفص - فقال: دعوني آتيه. قالوا: ائته، فلما أشرف عليهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «هذا مِكْرَز وهو رجل فاجر» ، فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم فبينما هو يكلمه إِذ جاء سهيل بن عمرو.

قصة أبي جندل رضي الله عنه

خبر سُهيل بن عمرو معه عليه السلام وشروط صلح الحديبية قال مَعْمر: فأخبرني أيوب عن عِكرمة: أنه لما جاء سُهَيل بن عمرو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لقد سُهّل لكم من أمركم» . قال معمر: قال الزُّهْري في حديثه: فجاء سهيل فقال: هاتِ فاكتب بيننا وبينكم كتاباً. فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الكاتب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أكتب: «بسم الله الرحمن الرحيم» . فقال سهيل: أما الرحمن فوالله ما أدري ما هو؟ ولكن أكتب: باسمك اللهم كما كنت تكتب. فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلا باسم الله الرحمن الرحيم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم أكتب: «باسمك اللَّهم» ، ثم قال: «هذا ما قاضَى عليه محمد رسول الله» . فقال سهيل: والله لو كنَّا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن أكتب: محمد بن عبد الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «والله إنِّي لرسول الله وإن كذبتموني، أكتب: محمد بن عبد الله» . - قال الزُهري: وذلك لقوله لا يسألوني خطَّة يعظِّمون فيه حرمت الله إلا أعطيتهم إياها -. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم «على أن تُخلُّوا بيننا وبين البيت فنطوف به» . قال سهيل: والله لا تتحدَّث العرب أنا أُخِذنا ضَغْطة، لكنَّ ذلك من العام المقبل، فكتب. فقال سهيل: وعلى أنه لا يأتيك منَّا رجل وإن كان على دينك إلاَّ رددته إلينا. قال المسلمون: سبحان الله، كيف يُردُّ إلى المشركين وقد جاء مسلماً؟. قصة أبي جَنْدل رضي الله عنه فبينما هم كذلك إذ جاء أبو جَنْدل بن سهيل بن عمرو رضي الله عنه يرسُف في قيوده، وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين. فقال سهيل: هذا يا محمد - أول من أُقاضيك عليه أن ترده إليّ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنَّا لم نَقْصِ الكتاب بَعْدُ» . قال: فوالله إذاً لم أصالحك على شيء أبداً. قال النبي صلى الله عليه وسلم فأجزه لي. قال: ما أنا بمجيزه لك. قال: بلى فافعل. قال: ما أنا بفاعل. قال مِكْرَز: بلى قد أجزناه لك. قال أبو جندل: أي معشر المسلمين، أردُّ إلى المشركين وقد جئت مسلماً؟ ألا تَروْن ما قد لقيت - وكان قد عُذِّب عذاباً شديداً في الله - فقال عمر: فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: ألست نبي الله

حقاً قال: بلى. قلت: ألسنا على الحقِّ وعدونا على الباطل؟ قال: بلى. قلت: فلِم نُعطي الدَّنِيّة في ديننا إذن؟ قال: «إنّي رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري» . قلت: أولستَ كنت تحدِّثنا أنَّا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال «بلى، فأخبرتك أنا نأتيه العام؟» قال: قلت: لا. قال: «فإنك آتيه ومُطَّوَّفٌ به» . قال: فأتيت أبا بكر فقلت: يا أبا بكر، أليس هذا نبي الله حقّا؟ قال: بلى. قلت: ألسنا على الحقِّ وعدونا على الباطل؟ قال: بلى قال قلت: فلِمَ نعطي الدنية في ديننا إِذن؟ قال: أيُّها الرجل، إِنَّه لرسول الله، وليس يعصي ربه، وهو ناصره فاستمسك بغَرْزه، فالله إنَّه على الحق. قلت: أليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: بلى. أفأخبرك أنك تأتيه العام؟ فقلت: لا. قال: فإنك آتيه ومُطَّوَّفٌ به. قال عمر: فعملتُ لذلك أعمالاً. قال: فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «قوموا فانحروا ثم احلقوا» . قال: فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات. فلمَّا لم يقم منهم أحد دخل على أمِّ سَلَمة رضي الله عنها، فذكر لها ما لقي من الناس. فقالت أمُّ سلمة: يا نبي الله، أتحبُّ ذلك؟ أخرج، ثم لا تكلِّم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بُدْنك وتدعو حالقك فيحلقك. فخرج فلم يكلِّم أحداً منهم حتى فعل ذلك، نحر بُدْنه، ودعا حالقه فحلقه. فلمَّا رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضاً، حتى كان بعضهم يقتل بعضاً غمَّاً. ثم جاءه نسوة مؤمنات فأنزل الله تعالى: {ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا جَآءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَءاتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْ وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَآ ءاتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْئَلُواْ مَآ أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُواْ مَآ أَنفَقُواْ ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (الممتحنة: 10) فطلَّق عمر يومئذٍ إمرأتين كانتا له في الشرك، فتزوّج

خبر أبي بصير مع الرجلين اللذين أرسلا في طلبه

إحداهما معاوية بن أبي سفيان والأخرى صفوان بن أمية. خبر أبي بصير مع الرجلين اللذين أرسلا في طلبه ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فجاءه أبو بصير رضي الله عنه - رجل من قريش وهو مسلم - فأرسلوا في طلبه رجلَين، فقالوا: العَهْدَ الذي جعلت لنا. فدفعه إلى الرجلين، فخرجا به حتى بلغا ذا الحُليفة فنزلوا يأكلون من تمر لهم. فقال أبو بصير لأحد الرجلين: والله إنِّي لأرى سيفك هذا يا فلان جيداً فاستلّه الآخر فقال: أجل - والله - إنه لجيدٌ، لقد جرّبت به ثم جرّبت. فقال أبو بصير: أرني أنظرْ إليه. فأمكنه منه، فضربه حتى بَرَد، وفرّ الآخر حتى أتى المدينة فدخل المسجد يعدو، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه: «لقد رأى هذا ذُعْراً» . فلما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قُتل - والله - صاحبي وإني لمقتول، فجاء أبو بصير فقال: يا نبي الله قد - والله - أوفى الله ذمتك، قد رددتني إليهم ثم أنجاني الله منهم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم «ويْلُ أُمِّهِ مِسْعَر حرب لو كان له أحد» . فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم، فخرج حتى أتى سِيف البحر. لحوق أبي جندل بأبي بصير واعتراضهما لعير قريش قال: وينفلت منهم أبو جندل بن سهيل بن عمرو رضي الله عنه فلحق بأبي بصير، فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير حتى اجتمعت منهم عصابة، فوالله ما يسمعون بعِير خرجت؛ لقريش إلى الشام إلا اعترضوا لها فقتلوهم وأخذوا أموالهم. فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم تناشده بالله والرّحِمِ لمَّا أرسل إِليهم فمن أتاه فهو آمن. فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليم فأنزل الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِى كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ

إرساله صلى الله عليه وسلم عثمان إلى مكة بعد النزول بالحديبية

أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً هُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْىَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآء مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكمْ مّنْهُمْ مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لّيُدْخِلَ اللَّهُ فِى رَحْمَتِهِ مَن يَشَآء لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِى قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُواْ أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلّ شَىْء عَلِيماً} (الفتح: 24 - 26) وكانت حمّيتهم أنَّهم لم يقروا أنَّه نبي الله، ولم يقروا ببسم الله الرحمن الرحيم، وحالوا بينهم وبين البيت. قال ابن كثير في البداية: هذا سياق فيه زيادات وفوائد حسنة ليست في رواية ابن إسحاق عن الزهري. انتهى. وأخرجه البيهقي أيضاً بطوله. إرساله صلى الله عليه وسلم عثمان إلى مكة بعد النزول بالحديبية وأخرج ابن عساكر، وابن أبي شَيْبة عن عُروة رضي الله عنه في نزول النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية قال: وفزعت قريش لنزوله عليهم، وأحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليهم رجلاً من أصحابه، فدعا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليبعثه إليه. فقال: يا رسول الله، إنِّي لألعنهم وليس أحد بمكة من بني كعب يغضب لي إِن أُوذيت، فأرسِلْ عثمان فإنَّ عشيرته بها وإِنهُ يُبَلِّغ لك ما أردت. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان فأرسله إلى قريش، وقال: «أخبرهم أنَّا لم نأتِ لقتال وإنما جئنا عُمَّاراً وأدعهم إلى الإِسلام» . وأمره أن يأتي رجالاً بمكة من المؤمنين وسناءً مؤمنات، فيدخل عليهم ويبشِّرهم بالفتح، ويخبرهم أنَّ الله جلَّ ثناؤه يوكش أنْ يُظْهر دنيه بمكة حتى لا يُستخفى فيها بالإِيمان تثبيتاً يُثبِّته. قال: فانطلق عثمان فمرّ على قريش ببلدح. فقالت قريش: أين؟ قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إِليكم لأدعوَكم إلى الله عزّ وجلّ وإلى الإِسلام، ونخبرك أنَّا لم نأتِ لقتال أحد وإنما جئنا عُمَّاراً. فدعاهم عثمان كما أمره صلى الله عليه وسلم فقالوا: قد سمعنا ما تقول فانفُذْ لحاجتك. وقام إليه أبَانُ بن سعيد بن العاص فرحب به وسْرَج فرسه، فحمل عثمانَ على الفرس فأجاره، وردفه أبَانُ حتى جاء مكة.

قول عمر في صلح الحديبية

ثم إنَّ قريشاً بعثوا بُدَيل بن ورقاء الخزاعي وأخا بني كنانة ثم جاء عروة بن مسعود الثقفي - فذكر الحديث؛ كما في كنز العمال. وأخرجه أيضاً ابن أبي شيبة من وجه آخر بطوله - عن عروة، كما في كنز العمال أيضاً. وأخرجه البيهقي عن موسى بن عقبة بنحوه. قول عمر في صلح الحديبية وأخرج ابن سعد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لقد صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مكة على صلح وأعطاهم شيئاً، لو أنَّ نبي الله صلى الله عليه وسلم أمَّر عليَّ أميراً فصنع الذي صنع نبيُّ الله ما سمعت ولا أطعت، وكان الذي جعل لهم أنَّ من لحق من الكفَّار بالمسلمين ردُّوه، ومن لحق بالكفَّار لم يردُّوه. كذا في كنز العمال وقال: سنده صحيح. قول أبي بكر في صلح الحديبية وأخرج ابن عساكر عن الواقدي قال: كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول: ما كان فَتْح أعظم في الإِسلام من فتح الحديبية، ولكن الناس يومئذٍ قَصُرَ رأيهم عمَّا كان بين محمد وربه، والعباد يَعْجَلون والله لا يعجل كعجلة العباد حتى يُبلِغ الأمور ما أراد. لقد نظرتُ إلى سُهيل بن عمرو في حِجّة الوداع قائماً عند المنحر يقرِّب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بُدْنة ورسول الله صلى الله عليه وسلم نحرا بيده، ودعا الحلاق فحلق رأسه؛ وأنظر إلى سهيل يلتقط من شَعَره وأراه يضعه على عينيه، وأذكر إِباءه أن يُقرَّ يوم الحديبية بأن يكتب: بسم الله الرحمن الرحيم يأبى أن يكتب: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمدت الله الذي هداه للإِسلام. كذا

في كنز العمال. قصة إسلام عمرو بن العاص رضي الله عنه أخرج ابن إسحاق عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: لم انصرفنا يوم الأحزاب عن الخندق جمعت رجالاً من قريش كانوا يرون رأيي ويسمعون مني، فقلت لهم: تعلمون - والله - إِنِّي أرى أمر محمد يعلو الأمور علوّاً منكراً، وإنِّي لقد رأيت أمراً فما تَرَون فيه؟ قالوا: وما رأيت؟ قال: رأيت أن نَلحَق بالنجاشي فنكون عنده، فإن ظهر محمد على قومنا كنَّا عند النجاشي، فإنا أن نكون تحت يديه أحبُّ إلينا من أن نكون تحت يدي محمد؛ وإِن ظهر قومنا فنحن من قد عرفوا فلن يأتينا منهم إلا خير. قالوا: إِنَّ هذا لرأي. قلت: فاجمعوا لنا ما نهدي له، فكان أحبَّ ما يُهدى إليه من أرضنا الأَدَمُ، فجمعنا له أدَماً كثيراً ثم خرجنا حتى قدمنا عليه. فوالله إنَّا لعنده إذ جاءه عمرو بن أمية الضَّمْري وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعثه إِليه في شأن جعفر وأصحابه. قال: فدخل عليه ثم خرج من عنده. قال: فقلت لأصحابي: هذا عمرو بن أمية لو قد دخلت على النجاشي فسألته إِياه فأعطانيه فضربت عنقه، فإذا فعلتُ رأتْ قريش أني قد أجزأت عنها حين قتلتُ رسول محمد. قال: فدخلت عليه فسجدت له كما كنت أصنع. فقال: مرحباً بصديقي هل أهديت لي من بلادك شيئاً قال: قلت: نعم، أيها الملك، قد أهديت لك أدَماً كثيراً. قال ثم قرّبته إليه فأعجبه واشتهاه. ثم قلت له: أيها الملك، إنِّي قد رأيت رجلاً خرج من عندك وهو رسول رجل عدوَ لنا؛ فأعطنيه لأقتله فإنه قد أصاب من أشرافنا وخيارنا. قال: فغضب، ثم مد يده فضرب بها أنفه ضربة ظننت أنه قد كسره؛ فلو انشقَّت الأرض لدخلت فيها فَرَقاً. ثم قلت: أيها الملك، والله لو ظننت

أنك تكره هذا ما سألتُكَه. قال: أتسألني أن أعطيك رسول رجل يأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى فتقتله؟ قال قلت: أيها الملك، أكذاك هو؟ قال: ويحك يا عمرو، أطعني واتَّبعه فإنه - والله - لَعَلى الحقِّ، وليظهرنَّ على من خالفه كما ظهر موسى بن عمران على فرعون وجنوده. قال: قلت: أفتبايعني له على الإِسلام؟ قال: نعم. فبسط يده فبايعته على الإِسلام. ثم خرجت على أصحابي وقد حال رأيي عما كان عليه وكتمت أصحابي إِسلامي. ثم خرجت عامداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسلم، فلقيت خالد بن الوليد ذلك قبيل الفتح وهو مقبل من مكة. فقلت: أين يا أبا سليمان؟ فقال: والله، لقد استقام المِيسَم، وإنَّ الرجل لنبي، إذهب - والله - أسلم فحتى متى؟ قال: قلت: والله جئت إلا وسلم. قال: فقدمنا المدينة على النبي صلى الله عليه وسلم فتقدّم، خالد بن الوليد فأسلم وبايع، ثم دنوت فقلت: يا رسول الله، إنِّي أبايعك على أن تغفر لي ما تقدَّم من ذنبي ولا أذكر ما تأخَّر. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا عمرو، بايع فإنَّ الإِسلام يجبُّ ما كان قبله، وإن الهجرة تجبُّ ما كان قبله» . قال: فبايعته ثم انصرفت. كذا في البداية. وأخرجه أيضاً أحمد، والطبراني عن عمرو نحوه - مطوّلاً. قال الهيثمي: ورجالها ثقات. انتهى. وأخرج البيهقي من طريق الواقدي بأبسط منه وأحسن، وفي حديثه: ثم مضيت حتى إذا كنت بالهدة، فإذا رجلان قد سبقاني بغير كثير يريدان منزلاً،

قصة إسلام خالد بن الوليد رضي الله عنه

وأحدهما داخل في الخيمة والآخر يمسك الرحلتين. قال: فنظرت فإذا خالد بن الوليد. قال قلت: أين تريد؟ قال: محمداً، دخل الناس في الإِسلام فلم يبقَ أحد به طعم، والله، لو أقمت لأخذ برقابنا كما يؤخذ برقبة الضُّبُع في مغارتها. قلت: وأنا - والله - قد أردت محمداً وأردت الإِسلام. فخرج عثمان بن طلحة فرحَّب بي، فنزلنا جميعاً في المنزل ثم اتفقنا حتى أتينا المدينة، فما أنسَى قول رجل لقيناه ببئر أبي عتبة يصيح: يا رباح، يا رباح، يا رباح فتفاءلنا بقوله وسرَّنا، ثم نظر إلينا فأسمعه يقول: قد أعطت مكة المقادة بعد هذين، وظننت أنه يعنيني ويعني خالد بن الوليد، وولَّى مدبراً إلى المسجد سريعاً. فظننت أنه بشَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدومنا، فكان كما ظننت، وأنخنا بالحرَّة فلبسنا من صالح ثيابنا، ثم نُوديَ بالعصر فانطلقنا حتى اطَّلعنا عليه وإِن لوجهه تهللاً والمسلمون حوله قد سُرُّوا بإسلامنا، فتقدَّم خالد بن الوليد فبايع، ثم تقدَّم عثمان بن طلحة فبايع، ثم تقدَّمت، فوالله، ما هو إلا أن جلست بين يديه فما استطعت أن أرفع طَرْفي حياءً منه. قال: فبايعته على أن يغفر لي ما تقدَّم من ذنبي ولم يحضرني ما تأخر. فقال: «إن الإِسلام يجبُّ ما كن قبله، والهجرة تجبّ ما كان قبلها» . قال: فوالله، ما عَدَلَ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبخالد بن الوليد أحداً من أصحابه في أمر حَزَبه منذ أسلمنا. كذا في البداية. قصة إسلام خالد بن الوليد رضي الله عنه أخرج الواقدي عن خالد رضي الله عنه قال: لمّا أراد الله بي ما أراد من الخير قذف في قلبي الإِسلام وحضرني رُشدي، فقلت: قد شهدت هذه المواطن كلَّها على محمد صلى الله عليه وسلم فليس في موطن أشهده إلا أنصرفُ وأنا أرى في نفسي أني مُوضِعٌ في غير شيء وأنَّ محمداً سيظهره. فلم اخرج رسول

الله صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية خرجت في خيل من المشركين فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه بعُسْفان، فقمت بإزائه وتعرَّضت له. فصلّى بأصحابه الظهر أمامنا فهممنا أن نُغير عليهم ثم لم يُعم لنا - وكانت فيه خِيرة، فاطَّلع على ما في أنفسنا من الهمِّ به. فصلَّى بأصحابه صلاة العصر: صلاة الخوف. فوقع ذلك منَّا موقعاً، وقلت: الرجل ممنوع، فاعتزَلَنا وعَدَل عن سير خيلنا وأخذ ذات اليمين. فلما صالح قريشاً بالحديبية ودافعته قريش بالرواح قلت في نفسي: أيُّ شيء بقي؟ أين أذهب؟: إلى الن جاشي؛ فقد اتبع محمداً وأصحابه عنده آمنون فأخرج إِلى هرقل، فأخرج من ديني إلى نصرانية أو يهودية، فأقيمُ في عجم، أفأقيم في داري بمن بقي؟. فأنا في ذلك إذ دخلت مكّة في عمرة القضيّة، فغيَّبت ولم أشهد دخوله، وكان أخي الوليد بن الوليد قد دخل مع النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة القضيّة، فطلبني فلم يجدني، فكتب إِليَّ كتاباً فإذا فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم: أما بعد: فإني لم أرَ أَجب من ذهاب رأيك عن الإِسلام، وعقلك عقلك ومثل الإِسلام جهله أحد؟ وقد سألني رسول الله صلى الله عليه وسلم عنك، وقال: أين خالد؟ فقلت: يأتي الله به. فقال: «مثله جهل الإِسلام؟ ولو كان جعل نكايته وجِدِّه مع المسلمين كان خيراً له، ولقدّمناه على غيره» فاستدرك يا أخي ما قد فاتك من مواطن صالحة» . قال: فلما جاءني كتابه نشطت للخروج، وزادني رغبة في الإِسلام، وسرني سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم عني، وأرى في النوم كأنِّي في بلاد ضيِّقة مجدبة، فخرجت في بلاد خضراء واسعة، فقلت: إِنَّ هذه لرؤيا. فلما أن قدمت المدينة قلت: وذكرنّها لأبي بكر فقال: مَخْرجُك الذي هداك الله للإِسلام، والضيق الذي كنت فيه من الشرك.

قال: فلما أجمعت الخروج إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: من أصاحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقيت صفوان بن أُمية، فقلت: يا أبا وَهْب، أما ترى ما نحن فيه؟ إنما نحن كأضراس، وقد ظهر محمد على العرب والعجم. فلو قدمنا على محمد واتبعناه فإنَّ شرف محمد لنا شرف. فأبى أشدَّ الإِباء، فقال: لو لم يبق غيري ما اتبعته أبداً، فافترقنا. وقلت: هذا رجل قُتل أخوه وأبوه ببدر. فلقيت عِكْرمة بن أبي جهل، فقلت له مثل ما قلت لصفوان بن أُمية، فقال لي مثل ما قال صفوان بن أُمية. قلت: فاكتم عليَّ. قال: لا أذكره، فخرجت إلى منزلي فأمرت براحلتين فخرجت بها إلى أن لقيت عثمان بن طلحة. فقلت؛ إنَّ هذا لي صديق فلو ذكرت له ما أرجو. ثم ذكرت من قُتل من آبائه فكرهت أن أذكِّره. ثم قلت: وما عليَّ؟ وأنا راحل من ساعتي. فذكرت له ما صار الأمرُ إليه، فقلت: إنما نحن بمنزلة ثعلب في جحر لو صُبَّ فيه ذَنُوبٌ من ماء لخرج، وقلت له نحواً ممّا قلت لصاحبيَّ، فأسرع الإِجابة. وقلت له: إني غدوت اليوم وأنا أريد أن أغدو وهذه راحلتي بفجِّ مَنَاخة. قال: فاتعدت أنا وهو يأجُجَ إن سبقني أقام وإن سبقته أقمت عليه. قال: فأدلجنا سَحَراً فلم يطلع الفجر حتى التقينا بيأجج. فغدونا حتى انتهينا إلى الهدّة، فنجد عمرو بن العاص بها. قال: مرحباً بالقوم، فقلنا: وبك. فقال إلى أين مسيركم؟ فقلنا: وما أخرجك؟ فقال: وما أخرجكم؟ قلنا: الدخول في الإِسلام واتباع محمد صلى الله عليه وسلم قال: وذاك الذي أقدمني. فاصطحبنا جميعاً حتى دخلنا المدينة فأنخنا بظهر الحرَّة ركابنا. فأُخبر بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسُرَّ بنا. فلبست من صالح ثيابي ثم عمدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقيني أخي فقال: أسرع فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أُخبر بك

قصة فتح مكة زادها الله تشريفا

فسُرَّ بقدومك وهو ينتظركم. فأسرعنا المشي فاطَّلعت عليه فما زال يتبسَّم إليّ حتى وقفت عليه، فسلمت عليه بالنبوة فرد عليّ السلام بوجه طَلْق. فقلت: إني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. فقال: «تعال» ثم قال صلى الله عليه وسلم «الحمد لله الذي هداك، قد كنت أرى لك عقلاً رجوت أن لا يُسلمك إلا إلى خير» . قلت: يا رسول الله، إنِّي قد رأيتُ ما كنت أشهد من تلك المواطن عليك معانداً للحق، فدعُ الله أن يغفرها لي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الإِسلام يجبّ ما كان قبله» . قلت: يا رسول الله على ذلك. قال: «اللهم إغفر لخالد بن الوليد كل ما أوضع فيه من صدَ عن سبيل الله» . قال خالد: وتقدم عثمان، وعمرو فبايعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وكان قدومنا في صفر سنة ثمان؛ قال: والله ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَعْدِل بي أحداً من أصحابه فيما خَزَبه. كذا في البداية. وأخرجه أيضاً ابن عساكر نحوه - مطولاً، كما في كنز العمال. قصة فتح مكة زادها الله تشريفاً خروجه عليه السلام لفتح مكة ونزوله بمرِّ الظهران وأخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم واستعمل على المدينة أبا رُهْم كلثوم بنَ الحُصين الغِفاري، وخرج لعشر مَضَين من رمضان، فصام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصام الناس معه، حتى إذا كان بالكُدَيْد - ماء بين عُسْفان وأَمج - أفطر، ثم مضى حتى نزل مَرّ الظهران في عشرة آلاف من المسلمين، لأألف من مُزينة وسُلَيم، وفي كل القبائل عدد

تجسس رؤساء قريش الأخبار

وسلاح، وأوعبَ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجرون والأنصار لم يتخلف منهم أحد. تجسس رؤساء قريش الأخبار فلمّا نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ الظهران - وقد عُمِّيتالأخبار على قريش، فلم يأتهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ولم يدروا ما هو فاعل -. خرج في تلك الليلة: أبو سفيان بن حرب، وحكيم بن حِزام، وبُدَيل بن وَرْقاء يتجسَّسُون، وينظرون هل يجدون خبراً أو يسمعون به؟ وقد كان العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه تَلقَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الطريق، وقد كان أبو سفيان بنُ الحارث بن عبد المطَّلب وعبد الله بنُ أبي أُمية بنِ المغيرة قد لقيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بين المدينة، ومكة والتمسا الدخول عليه، فكلمته أم سَلَمة فيهما فقالت: يا رسول الله ابن عمك، وابن عمتك وصِهرك. قال: «لا حاجة لي بهما. أما ابن عمي فهتك عرضي بمكة، وأما ابن عمتي وصِهْري فهو الذي قال لي بمكة ما قال» . فلما خرج إليهما بذلك - ومع أبي سفيان بُنَيٌّ له - فقال: والله لتأذننَّ لي أو لآخذنَّ بيدي بُنَيِّي هذا ثم لنذهبنَّ بالأرض حتى نموت عطشاً وجوعاً، فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم رقَّ لهما ثم أذن لها فدخلا فأسلما. ترغيب العباس قريشاً أن يستأمنوه صلى الله عليه وسلم فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمَرِّ الظهران قال العباس: واصباح قريش والله لئن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكَّة غَنْوَةً قبل أن يستأمنوه إِنَّه لهلاك قريش آخر

خبر أبي سفيان مع العباس، وعمر رضي الله عنهم

الدهر. قال: فجلست على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاءِ فخرجت عليها حتى جئت الأرَاك، فقلت لعلِّي ألقَى بعض الحطَّابة أو صاحب لَبَن أو ذا حاجة يأتي مكة، فيخبرهم بمك ن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيستأمنوه قبل أن يدخلها عَنْوَة. خبر أبي سفيان مع العباس، وعمر رضي الله عنهم قال: فوالله إني لأسير عليها وألتمس ما خرجت له إِذ سمعت كلام أبي سفيان وبديل بن ورقاء وهما يتراجعان، وأبو سفيان يقول: ما رأيت كاليوم قط نيراناً ولا عسكر قال يقول بديل: هذه والله - نيران خُزاعة حَمَشَتها الحرب. قال يقول أبو سفيان: خزاعة - والله - أذلّ وألأم من أن تكون هذه نيرانَها وعسكرَها. قال: فعرفت صوته فقلت: يا أبا حنظلة، فعرف صوتي فقال: أبو الفضل؟ فقلت: نعم. فقال: مالك - فداك أبي وأمي - فقلت: ويحكم يا أبا سفيان، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس، واصباح قريش والله. قال: فما الحيلة - فداك أبي وأمي - قال قلت: لئن ظفر بك ليضرِبَن عنقك، فاركب معي هذه البغلة حتى آتيَ بك رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأمنَه لك. قال: فركب خلفي ورجع صاحباه وحَرَّكْتُ به. فكلَّما مررتُ بنار من نيران المسلمين قالوا: من هذا؟ فإذا رأوا بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: عمُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته، حتى مررت بنار عمرَ بنِ الخطاب فقال: من هذا؟ وقام إِليَّ. فلما رأى أبا سفيان على عَجُز البغلة قال: أبو سفيان، عدو الله الحمد لله الذي أمكن الله منك بغير عَقْد ولا عَهْد. ثم خرج يشتدُّ نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم وركضت البغلة فسبقته بما تسبق الدابة الرجل البطيء، فاقتحمتُ عن البغلة. فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل عمر فقال: يا رسول الله، هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه بغير عقد ولا عهد، فدَعْني فلأضربْ عنقه. فقلت: يا رسول الله، إِني أجرته، ثم جلست إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: لا والله، لا يناجيه الليلة رجل دوني، قال:

شهادة أبي سفيان بكمال خلقه عليه السلام ودخوله في الإسلام

فلمَّا أكثر عمر في شأنه قلت: مهلاً يا عمر، أمَا - والله - إن لو كان من رجال بني عديَ بن كعب ما قلت هذا ولكنك عرفت أنَّه من رجال بني عبد مناف. فقال: مهلاً يا عباس والله، لإِسلامك يوم أسلمتَ أحبُّ إليَّ من إسلام أبي لو أسلم، وما بي إِلا أني قد عرفت أنَّ إسلامك كان أحبَّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطّاب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذهب به إلى رَحْلك يا عبَّاس، فإذا أصبحت فائتني به» ، فذهبت به إلى رَحْلي فبات عندي. فلما أصبح غدوت به على رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادة أبي سفيان بكمال خلقه عليه السلام ودخوله في الإِسلام فلمّا رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ويحك يا أبا سفيان، ألم يأنِ لك أن تشهد أن لا إله إلا الله؟» قال: بأبي أنت وأمي، ما أكرمك وأحلمك وأوصلك لقد ظننتُ أن لو كان مع الله غيره لقد أغنى عني شيئاً. قال: ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم أنِّي رسول الله؟» قال: بأبي أنت وأمي، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك هذه - والله - كان في لنفس منها شيء حتى الآن. قال العباس: ويحكم يا أبا سفيان، أسلم وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله قبل أن يُضرب عُنُقك. قال: فشهد شهادة الحق وأسلم. الذين جعلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم آمنين يوم الفتح قلت: يا رسول الله، إنَّ أبا سفيان يحب هذا الفخر فاجعل له شيئاً، قال: «نعم. من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن» . فلما ذهب لينصرف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا عبَّاس، إحبسه بالوادي عند خَطْم الجبل حتى تمر به جنود الله فيراها» . قال فخرجت به حتى حبسته بمضيق الوادي حيث أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أحبسه. قال: ومرَّت به القبائل على راياتها فكلَّما مرّت قبيلة قال: من هؤلاء يا عباس فيقول بنو سُلَيم. فيقول: ما لي ولسُلَيم؟ قال: ثم تمر القبيلة فيقول: من

صفة دخوله عليه السلام مكة

هؤلاء؟ فقول: مُزَيْنة. فيقول: ما لي ولمزينة؟ حتى نفدت القبائل - يعني جاوزت - لا تمر قبيلة إلا قال: من هؤلاء؟ فأقول: بنو فلان، فيقول: ما لي ولبني فلان؟ حتى مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخضراء فيها المهاجرون والأنصار لا يُرى منهم سوى الحَدَق قال: سبحان الله من هؤلاء يا عباس؟ قلت: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين والأنصار. قال: ما لأحد بهؤلاء قِبَل ولا طاقةٌ، - والله - يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابنِ أخيك الغداة عظيماً. قلت: يا أبا سفيان، إنّها النبوّة. قال: فنعم إِذاً. قلت: إلتجىء إلى قومك. قال: فخرج حتى جاءهم صرخ بأعلى صوته: يا قريش، هذا محمد قد جاءكم بما لا قِبَل لكم به، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن. فقامت إليه إمرأته هند بنت عتبة فأخذت بشاربه فقالت: أقتلوا الدَّسِم الأحمش فبئس طليعة قوم. قال: ويحكم، لا تغرَّنَّكُم هذه من أنفسكم فإنه قد جاء بما لا قِبَل لكم به، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن. قالوا: ويحك وما تغني عنا دارك؟ قال: ومن أغلق بابه فهو آمن. ومن دخل المسجد فهو آمن. فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد. قال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. انتهى. صفة دخوله عليه السلام مكة وأخرجه أيضا البيهقي بطوله كما في البداية، وأخرجه ابن عساكر أيضاً

من طريق الواقدي عن ابن عباس رضي الله عنهما كما في كنز العمال - فذكر نحو ما تقدَّم من رواية الطبراني، وفي سياقه: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس بعدما خرج: «إحبسه بمضيق الوادي إِلى خَطْم الجبل حتى تمرَّ به جنود الله فيراها» قال العباس: فعدلت به في مضيق الوادي إلى خَطْم الجبل، فلمّا حبست أبا سفيان قال: غَدْراً يا بني هاشم؟ فقال العباس: إنَّ أهل النبوّة لا يغدرون، ولكن لي إِليك حاجة. فقال أبو سفيان: فهلا بدأت بها أولاً فقلت: إنَّ لي إليك حاجة فكان أفرغ لروعي. قال العباس: لم أكن أراك تذهب هذا المذهب. وعبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، ومرَّت القبائل على قادتها والكتائب على راياتها. فكان أول من قدَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في بني سُلَيم وهم ألف، فيهم لواء يحمله عباس بن مِرداس، ولواء يحمله خُفَاف بن نُدبة، وراية يحملها الحجّاج بن عِلاط. قال أبو سفيان: من هؤلاء؟ قال العباس: خالد بن الوليد. قال: الغلام، قال: نعم. فلما حاذى خالد بالعباس وإلى جنبه أبو سفيان كبَّرا ثلاثاً ثم مَضَوا، ثم مرَّ على إِثره الزبير بن العوّام في خمس مائة منهم مهاجرون وأفناء الناس ومعه راية سوداء. فلما حاذى أبا سفيان كبَّر ثلاثاً كبَّر أصحابه، فقال: من هذا؟ قال: الزبير بن العوام. قال: ابن أختك، قال: نعم. ومرَّت نفر من غِفار في ثلاث مائة يحمل رايتهم أبو ذرٍ الغفاري ويقال إيماء بن رَحْضَة: فلما حَاذَوه كبَّروا ثلاثاً. قال: يا أبا الفضل، من هؤلاء؟ قال: بنو غِفار. قال: وما لي ولبني غفار. ثم مضت أسْلَم في أربع مائة فيها لواءان: يحمل أحدها بُرَيدة بن الحُصَيب، والآخر ناجِية بن الأعجم: فلما حاذَوْه كبَّرا ثلاثاً. فقال: من هؤلاء؟ قال: أسلم. قال: يا أبا

الفضل: ما لي ولأسْلَم. ما كان بيننا وبينها تِرَة قط. قال العباس هم قوم مسلمون دخلوا في الإِسلام. ثم مرَّت بنو كعب بن عمرو في خمس مائة يحمل رايتهم بِشر بن شيبان. قال: من هؤلاء؟ قال: هم كعب بن عمرو. قال: نعم، هؤلاء حلفاء محمد؛ فلما حاذَوْه كبَّروا ثلاثاً. ثم مرّت مُزَينة في ألف فيها ثلاثة ألوية وفيها مائة فرس، يحمل ألويتها: النعمان بن مقرِّن، وبلال بن الحارث وعبد الله بن عمرو؛ فلما حاذَوه كبَّروا. فقال: من هؤلاء؟ قال: مُزَينة. قال يا أبا الفضل، ما لي ولمُزينة قد جاءتني تقعقع من شواهقها. ثم مرت جُهَينة في ثمان مائة مع قادتها فيها أربعة ألوية: لواء مع أبي زُرعة معْبد بن خالد، ولواء مع سُويد بن صخر، ولواء مع رافع بن مكيث، ولواء مع عبد الله بن بدر؛ فلما حاذَوّه كبَّروا ثلاثاً. ثم مرَّت كِنَانة: بنو ليث، وضمرة، وسعد بن كبر، في مائتين يحمل لواءهم أبو واقد الليثي؛ فلما حاذَوْه كبّروا ثلاثاً. فقال: من هؤلاء؟ قال: بنو بكر. قال: نعم، أهل شؤم والله، هؤلاء الذين غزانا محمد بسببهم، أما - والله - ما شُوِورتُ فيه ولا علمته، ولقد كنت له كارهاً حيث

بلغني، لكنه أمر حُمَّ. قال العباس: قد خارَ الله لك في غزوة محمد صلى الله عليه وسلم لكم ودخلتم في الإِسلام كافة. قال الواقدي: حدثني عبد الله بن عامر عن أبي عمرو بن حماس قال: مرت بنو ليث وحدها وهم مائتان وخمسون يحمل لواءها الصَّعْب بن جُثامة؛ فلما مرَّ كبَّروا ثلاثاً. فقال: من هؤلاء؟ قال: بنو ليث. ثم مرت أشجع وهم آخر من مرَّ وهم في ثلاث مائة معه لواء يحمله مَعْقِل بن سنان، ولواء مع نُعَيم بن مسعود. فقال أبو سفيان: هؤلاء كانوا أشد العرب على محمد صلى الله عليه وسلم فقال العباس: أدخل الله الإِسلامَ قلوبَهم، فهذا من فضل الله. فسكت؛ ثم قال: ما مضى بعد محمد؟ قال العباس: لك يمضِ بعد. لو رأيت الكتيبة التي فيها محمد صلى الله عليه وسلم رأيت الحديد، والخيل، والرجال وما ليس لأحد به طاقة قال: أظن - والله - يا أبا الفضل ومن له بهؤلاء طاقة؟ فلما طلعت كتيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم الخضراء طلع سواد وغبرة من سنابك الخيل وجعل الناس يمرُّون كل ذلك يقول: ما مرَّ محمد؟ فيقول العباس: لا، حتى مرَّ يسير على ناقته القصواء بين أبي بكر وأُسَيد بن خُضَير وهو يحدّثهما. فقال العباس: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء، فيها المهاجرون والأنصار، فيها الرايات والألوية، مع كل بطل من الأنصار راية ولواء في الحديد لا يُرى فيه إلا الحَدَق، ولعمر بن الخطاب فيها زَجَل، عليه الحديد بصوت عالٍ وهو يزَعها، فقال أبو سفيان: يا أبا الفضل، من هذا المتكلم؟ قال: عمر ابن

الخطاب، قال: لقد أمِرَ أمْرُ بني عدي بعد - والله - قلّة وذلّة. فقال العباس يا أبا سفيان، إن الله يرفع ما يشاء بما يشاء، وإن عمر ممن رفعه الإِسلام. وقال: في الكتيبة ألفا درع. وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم رايته سعد بن عبادة فهو أمام الكتيبة. فلمَّا مرَّ سعد براية النبي صلى الله عليه وسلم نادى أبا سفيان، اليوم يوم الملحمة، اليوم تُستحلُّ الحرمة، اليوم أذلّ الله قريشاً. فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا حاذى بأبي سفيان ناداه: يا رسول الله، أمرتَ بقتل قومك؟ زعم سعد ومن معه حين مرَّ بنا، فقال: يا أبا سفيان، اليوم يوم الملحمة، اليوم تُستحلُّ الحرمة، اليوم أذلّ الله قريشاً، وإني أنْشدُكَ الله في قومك، فأنت أبرُّ الناس. قال عبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن عفان: يا رسول الله، ما نأمن سعداً أن يكون منه في قريش صَوْلة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا أبا سفيان، اليوم يوم المرحمة، اليوم أعزَّ الله فيه قريشاً» . قال: وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد فعزله وجعل اللواء إلى قيس. ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّ اللواء لم يخرج من سعد حين صار لابنه، فأبى سعد أن يسلِّم اللواء إلا بالأمارة من النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه بعمامته فعرفها سعد، فدفع اللواء إلى ابنه قيس. وأخرجه الطبراني عن أبي ليلى رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبا سفيان في الأرَاك فدخلنا فأخذناه، فجعل المسلمون يَحْوُونه بجفون سيوفهم حتى جاؤوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: «ويحك يا أبا سفيان قد جئتكم بالدنيا والآخرة، فأسلموا تسلموا» ، وكان العباس له صديقاً، فقال له العباس رضي الله عنه: يا رسول الله، إن أبا سفيان يحب الصوت.

فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم منادياً ينادي بمكة «من أغلق بابه فهو آمن، من ألقى سلاحه فهو آمن. من دخل دار أبي سفيان فهو آمن» . ثم بعث معه العباس حتى جلسا على عقبة الثنيّة. فأَقبلت بنو سليم فقال: يا عباس، من هؤلاء؟ قال: هذه بنو سُلَيم. فقال: وما أنا وسُلَيم. ثم أقبل علي بن أبي طالب رضي الله عنه في المهاجرين. ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأنصار فقال: يا عباس، من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الموت الأحمر هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأنصار. فقال أبو سفيان: لقد رأيت ملك كسرى، وقيصر فما رأيت مثل ملك ابن أخيك فقال العباس: إنما هي النبوة. قال الهيثمي: رواه الطبراني، وفيه: حر بن الحسن الطّحان وهو ضعيف وقد وُثِّق. انتهى. وأخرج الطبراني عن عروة رضي الله عنه مرسلاً قال: ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في إثني عشر ألفاً: من المهاجرين، والأنصار، وأسْلَم، وغِفار، وجُهينة، وبني سُلَيم، وقادوا الخيول حتى نزلوا بمرِّ الظهران ولم تعلم بهم قريش، وبعثوا بحكيم بن حِزام وأبي سفيان إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: خذ لنا منه جواراً أو آذنوه بالحرب. فخرج أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام فلقيا بُدَيل بن ورقاء فاسْتَصْحَبَاه، حتى إذا كانا بالأراك من مكة - وذلك عشاء - رأوا الفساطيط والعسكر، وسمعوا صهيل الخيل، فراعهم وفزعوا منه وقالوا: هؤلاء بنو كعب حاشتها الحرب. فقال بُديل: هؤلاء أكبر من بني كعب ما بلغ تأليبها هذا، أفتنتجع هوازن أرضنا؟ والله ما نعرف هذا أيضاً، إنَّ هذا لمثل حاج الناس. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعث بين يديه خيلاً تقبض العيون، وخزاعة على الطريق لا يتركون أحداً يمضي. فلما دخل أبو سفيان وأصحابه عسكر المسلمين أخذهم الخيل تحت

الليل وأتَوا بهم خائفين القتل. فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي سفيان فوجأ في عنقه، والتزمه القوم وخرجوا به ليدخلوه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فخاف القتل - وكان العباس بن عبد المطَّلب رضي الله عنه خالصة له في الجاهلية - فصاح بأعلى صوته: ألا تأمروا لي إلى عباس؟ فأتاه عباس فدفع عنه، وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقبضه إليه ومشى في القوم مكانه. فركب به عباس تحت الليل فسار به في عسكر القوم حتى أبصروه أجمع، وقد كان عمر قد قال لأبي سفيان حين وجأ عنقه: والله لا تدنو من رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تموت. فاستغاث بعباس فقال: إني مقتول، فمنعه من الناس أن ينتهبوه. فلما رأى كثرة الناس وطاعتهم قال: لم أرَ كالليلة جمعاً لقوم. فخلَّصه العباس من أيديهم وقال: إِنك مقتول إِن لم تسلم وتشهد أن محمداً رسول الله. فجعل يريد يقول الذي يأمره العباس فلا ينطلق لسانه فبات مع عباس. وأما حَكيم بن حِزَام وبُدَيل بن ورقاء فدخلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلما وجعل يستخبرهما عن أهل مكة. فلما نُودي بالصلاة صلاة الصبح تحيَّن القوم، ففزع أبو سفيان فقال: يا عباس، ماذا تريدون؟ قال: هم المسلمون يتيسرون بحضور رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج بن عباس. فلما أبصرهم أبو سفيان قال: يا عباس، أما يأمرهم بشيء إلا فعلوه؟ فقال عباس: لو نهاهم عن الطعام والشراب لأطاعوه. قال عباس: فكلِّمه في قومك هل عنده من عفو عنه. فأتى العباس بأبي سفيان حتى أدخله على النبي صلى الله عليه وسلم فقال عباس: يا رسول الله، هذا أبو سفيان، فقال أبو سفيان: يا محمد، إني قد استنصرت إلهي واستنصرت إلهك، فوالله ما رأيتك إلا قد ظهرت عليّ فلو كان إلهي محقّاً وإِلهك مبطلاً لظهرتُ عليك فشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فقال عباس:

يا رسول الله، إني أحب أن تأذن لي آتي قومك فأنذرهم ما نزل وأدعوهم إلى الله ورسوله. فأذن له، فقال عباس: كيف أقول لهم يا رسول الله؟ بيِّن لي من ذلك أماناً يطمئنون إليه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تقول لهم: من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله فهو آمن. ومن جلس عند الكعبة فوضع سلاحه فهو آمن. ومن أغلق عليه بابه فهو آمن: فقال عباس: يا رسول الله، أبو سفيان ابن عمنا وأحبَّ أن يرجع معي، فلو اختصصته بمعروف. فقال النبي صلى الله عليه وسلم «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن» . فجعل أبو سفيان يستفقه ودار أبي سفيان بأعلى مكة، ومن دخل دار حكيم بن حزام وكف يده فهو آمن، ودار حكيم بأسفل مكة. وحمل النبي صلى الله عليه وسلم عباساً على بغلته البيضاء التي كان أهداها إِليه دِحْية الكلبي رضي الله عنه. فانطلق عباس بأبي سفيان قد أردفه، فلما سار عباس بعث النبي صلى الله عليه وسلم في إثره فقال: أدركوا عباساً فردوه عليّ، وحدَّثهم بالذي خاف عليه، فأدركه الرسول، فكره عباس الرجوع وقال: أيرهب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرجع أبو سفيان راغباً في قلّة الناس فيكفر بعد إِسلامه؟ فقال: إحبسه فحبسه. فقال أبو سفيان: أغدراً يا بني هاشم؟ فقال عباس: إنا لسنا نغدر، ولكن لي إليك بعض الحاجة. قال: وما هي؟ أقضيها لك. قال: تُفادها حين يقدم عليك خالد بن الوليد، والزبير بن العوام. فوقف عباس بالمضيق دون الأراك من مرّ، وقد وعى أبو سفيان منه حديثه. ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الخيل بعضها على إثر بعض، وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم الخيل شطرين: فبعث الزبير، وردفه خيل بالجيش من أسْلَم وغفار وقضاعة. فقال أبو سفيان: رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا يا عباس؟ قال: لا ولكن خالد بن الوليد. وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن عبادة رضي الله عنه بين يديه في كتيبة الأنصار. فقال: اليوم يوم الملحمة، اليوم تُستحلُّ الحرمة. ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبة الإِيمان: المهاجرين والأنصار. فلما رأى أبو سفيان وجوهاً كثيرة لا يعرفها فقال: يا رسول الله، أكثرت أو اخترت هذه الوجوه على قومك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم

«أنت فعلتَ ذلك وقومُك، إنَّ هؤلاء صدّقوني إذ كذبتموني، ونصروني إذ أخرجتموني» - ومع النبي صلى الله عليه وسلم يومئذٍ الأقرع بن حابس، وعباس بن مرداس، وعُيينة بن حصن بن الفَزاري - فلما أبصرهم حول النبي صلى الله عليه وسلم قال: من هؤلاء يا عباس؟ قال: هذه كتيبة النبي صلى الله عليه وسلم ومع هذه الموت الأحمر هؤلاء المهاجرون والأنصار. قال: إمضِ يا عباس، فلم أرَ كاليوم جنوداً قطُّ ولا جماعة. فسار الزبير في الناس حتى وقف بالحَجُون، واندفع خالد حتى دخل من أسفل مكة فلقيه أوباش بني بكر فقاتلوهم، فهزمهم الله عزّ وجلّ، وقُتلوا بالحَزْوَرة حتى دخلوا الدور، وارتفع طائفة منهم على الخيل على الخَنْدَمة، واتبعه المسلمون، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم في أخريات الناس، ونادى منادٍ: من أغلق عليه داره وكف يده فإنه آمن، ونادى أبو سفيان بمكة: أسلموا تسلموا، وكفَّهم الله عزّ وجلّ عن عباس: وأقبلت هند بنت عتبة فأخذت بحلية أبي سفيان ثم نادت: يا آل غالب اقتلوا هذا الشيخ الأحمق. قال: فأرسلي لحيتي، فأقسم بالله إن أنت لم تسلمي لتضربنَّ عنقك. ويلكِ جاء بالحق فادخلي أريكتك، - أحسَبُهُ قال -: واسكتي. قال الهيثمي: رواه الطبراني مرسلاً وفيه: ابن لِهيعة وحديثه حسن وفيه ضعف. انتهى. وأخرجه أيضاً ابن عائذ في مغازي عروة بطوله كما في الفتح، وأخرجه البخاري عن عروة مختصراً؛ والبيهقي كذلك.

قوله عليه السلام لأهل مكة يوم الفتح

إسلام سهيل بن عمرو وشهادته بدماثة أخلاقه صلى الله عليه وسلم وأخرج الواقدي، وابن عساكر، وابن سعد عن سهيل بن عمرو رضي الله عنه قال: لمَّا دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وظهر اقتحمت بيتي، وأغلقت عليَّ بابي، وأرسلت ابني عبد الله بن سهيل أنِ أطلبْ لي جِواراً من محمد صلى الله عليه وسلم فإني لا آمن أن أُقتل. فذهب عبد الله بن سهيل فقال: يا رسول الله، أبي تُؤمنه؟ قال: نعم، هو آمن بأمان الله فليظهرْ. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن حوله: «من لقي منكم سهيلاً له عقل، وشرف وما مثل سهيل جهل الإِسلام، والقدر أيّ ما كان يوضع فيه إنه لم يكن له بنافع» . فخرج عبد الله إلى أبيه فأخبره بمقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سهيل: كان - والله - براً صغيراً وكبيراً. فكان سهيل يقبل ويدبر، وخرج إلى حُنَين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على شركه حتى أسلم بالجِعْرانة، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ من غنائم حُنَين مائة من الإِبل. كذا في كنز العمال؛ وأخرجه أيضاً الحاكم في المستدرك مثله. قوله عليه السلام لأهل مكة يوم الفتح وأخرج ابن عساكر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: لمَّا كان يوم الفتح ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة أرسل إلى صفوان بن أمية وإلى أبي سفيان بن حرب وإلى الحارث بن هشام - قال عمر: فقلت: قد أمكن الله منهم لأعرفنَّهم بما صنعوا - حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «مَثَلي ومثلكم كما قال يوسف لإِخوته: لا تَثْريبَ عليكم اليومَ، يغفِرُ الله لكم، وهو أرحمُ الراحمينَ» . قال عمر:

قصة إسلام عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه أمان عكرمة حين استأمنت له زوجته أم حكيم

فافتضحت حياءً من رسول الله صلى الله عليه وسلم كراهية أن يكون بدر مني، وقد قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال: كذا في الكنز. وعند ابن زنجويه في كتاب الأموال من طريق ابن أبي حسين: قال: لمَّا فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة دخل البيت ثم خرح فوضع يده على عضادتي الباب فقال: «ماذا تقولون؟» فقال سهيل بن عمرو: نقول ونظنُّ خيراً، أخ كريم، وابن أخ كريم، وقد قَدْرتَ. فقال: «أقول كما قال أخي يوسف: لا تَثْريبَ عليكم اليومَ» . كذا في الإِصابة. وأخرجه البيهقي من طريق القاسم بن سلام بن مسكين عن أبيه، عن ثابت البُنَاني عن عبد الله بن رَبَاح عن أبي هريرة رضي الله عنه - فذكر الحديث، وفيه: قال: ثم أتى الكعبة فأخذ بعضادتي الباب فقال: «ما تقولون؟ وما تظنون؟» قالوا نقول: ابن أخ، وابن عم حليم رحيم. قال: وقالوا ذلك ثلاثاً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أقول كما قال يوسف: لا تَثْريبَ عليكم اليومَ، يغفرُ الله لكم، وهو أرحمُ الراحمينَ» . قال: فخرجوا كأنما نُشِروا من القبور، فدخلوا في الإِسلام. قال البيهقي: وفيما حكى الشافعي عن أبي يوسف في هذه القصَّة: أنه قال لم حين اجتمعوا في المسجد: «ما ترون أني صانع بكم؟ قالوا: خيراً، أخ كريم، وابن أخ كريم قال: «إذهبوا فأنتم الطلقاء» . انتهى. قصة إسلام عِكْرمة بن أبي جهل رضي الله عنه أمان عكرمة حين استأمنت له زوجته أم حكيم أخرج الواقدي وابن عساكر عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال:

إسلام عكرمة وشهادته بكمال بره عليه السلام

لمَّا كان يوم الفتح أسلمت أُم حكيم: يا رسول الله، قد هرب عِكْرمة منك إلى اليمن وخاف أن تقتله فآمنْه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «هو آمن» . فخرجَتْ في طلبه ومعها غلام لها رومي، فراودها عن نفسها، فجعلت تمنِّيه حتى قدمت على حيّ من عَكّ، فاستعانتهم عليه فأوثقوه رباطاً، وأدركت عِكرمة وقد انتهى إلى ساحل من سواحل تهامة، فركب البحر، فجعل نوتيُّ السفينة يقول له: يخلِص. قال: أي شيء أقول؟ قال: قل لا إله إلا الله. قال عكرمة: ما هربت إلا من هذا، فجاءت أم حكيم على هذا من الأمر فجعلت تليح إليه وتقول: يا ابن عم، جئتك من عند أوصل الناس، وأبرِّ الناس، وخير الناس؛ لا تُهلك نفسك. فوقف له حتى أدركته، فقال: إني قد استأمنت لك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أنت فعلت؟ قالت: نعم. أنا كلمته فآمنك. فرجع معها، وقالت ما لقيتُ من غلامك الرومي؟ وخبَّرته خبره، فقتله عكرمة وهو يومئذٍ لم يسلم. إسلام عكرمة وشهادته بكمال برِّه عليه السلام فلما دنا من مكة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «يأتيكم عِكْرمة بن أبي جهل مؤمناً مهاجراً فلا تسبُّوا أباه، فإنَّ سبَّ الميت يؤذي الحي ولا يبلغ الميت» . قال: وجعل عكرمة يطلب إمرأته يجامعها فتأبى عليه وتقول: إنك كفر أنا مسلمة. فيقول: إِنَّ أمراً منعك مني لأمرٌ كبير. فلم رأى النبي صلى الله عليه وسلم عِكرمة وثب إليه وما على النبي صلى الله عليه وسلم رداء فرحاً بعِكْرمة. ثم جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقف بين يديه ومعه زوجتُه متَنَقِّبَة فقال: يا محمد، إنَّ هذه أخبرتني أنك آمنتني. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «صَدَقَتْ، فأنت آمن» ، قال عكرمة: فإلامَ تدعو يا محمد؟ قال: «أدعوك إلى أن تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، وأن تقيم الصلاة، وتؤتيَ الزكاة، وتفعل وتفعل» حتى عدَّ خصال الإِسلام. فقال عكرمة: والله، ما

دعاؤه صلى الله عليه وسلم لعكرمة

دعوت إلا إلى الحق وأمر حسن جميل، قد كنت - والله - فينا قبل أن تدعو إلى ما دعوت إليه وأنت أصدقنا حديثاً، وأبرُّنا براً. ثم قال عكرمة: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. فسُرَّ بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: يا رسول الله، علِّمني خيرَ شيء أقوله. فقال: تقول: «أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله» . فقال عكرمة: ثم ماذا؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تقول «أشهد الله، وأشهد من حضر أني مسلم مجاهد مهاجر» . فقال عكرمة ذلك. دعاؤه صلى الله عليه وسلم لعكرمة فقال رسول الله: «لا تسألني اليوم شيئاً أعطيه أحداً إلا أعطيتُكَه» . قال عكرمة: فإني أسألك أن تستغفر لي كل عداوة عاديتُكَها، أو مسير أوْضَعْتُ فيه، أو مقام لقيتك فيه، أو كلام قلته في وجهك، أو أنت غائب عنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اللَّهمَّ إغفر له كل عداوة عادانيها، وكل مسير سار فيه إلى موضع يريد بذلك المسير إطفاء نورك، واغفر له ما نال مني من عرض في وجهي أو أنا غائب عنه» . فقال عكرمة: رضيتُ يا رسول الله. ثم قال عكرمة: أما - والله - يا رسول الله لا أدُع نفقة كنت أنفقتها في صدَ عن سبيل الله إلا أنفقت ضعفها في سبيل الله، ولا قتالاً كنت أقاتل في صدَ عن سبيل الله إلا أبليت ضعفه في سبيل الله. ثم اجتهد في القتال حتى قُتل شهيداً. فردَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إمرأته بذلك النكاح الأول. قال الواقدي عن رجاله؛ وقال سهيل بن عمرو يوم حُنين: لا يختبرهما محمد وأصحابه. قال يقول له عكرمة: إن هذا ليس يقول إنما الأمر بيد الله وليس إلى محمد من الأمر شيء، إِنْ أُديل عليه اليوم فإنَّ له العاقبة غداً. قال يقول سهيل: والله إنَّ عهدك بخلافه لحديث، قال: يا أبا يزيد، إنَّا كنَّا - والله -

إجتهاد عكرمة في القتال واستشهاده رضي الله عنه

نوضع في غير شيء وعقولنا عقولنا، نعبد حجراً لا يضر ولا ينفع. كذا في كنز العمال. وأخرجه أيضاً الحاكم من حديث عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، ولكنه اقتصر فيه إلى قوله: فلمَّا بلغ باب رسول الله صلى الله عليه وسلم استبشر، ووثب له رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً على رجليه فرحاً بقدومه. ثم أخرج عن عروة بن الزبير رضي الله عنهما قال: قال عكرمة بن أبي جهل: لمَّا انتهيت إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: يا محمد، إِنَّ هذه أخبرتني أنَّك آمنْتني. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنت آمن» . فقلت: أشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنت عبد الله ورسوله، وأنت أبرُّ الناس، وأصدق الناس، وأوفى الناس. قال عكرمة: أقول ذلك وإني لمطأطىء رأسي إستحياءً منه، ثم قلت: يا رسول الله، إستغفر لي كل عداوة عاديتكَها، أو مَرْكب أوضعت فيه أُريد فيه إظهار الشرك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اللَّهمَّ إغفر لعكرمة كل عداوة عادانيها، أو مَرْكب أوضع فيه ييد أن يصدَّ عن سبيلك» . قلت: يا رسول الله، مُرني بخير ما تعلم فأعلمهُ. قال: «قل: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وتجاهد في سبيله» . ثم قال عكرمة: أما - والله - يا رسول الله، لا أدع نفقة كنت أنفقتها في الصدِّ عن سبيل الله إلا أنفقت ضعفها في سبيل الله، ولا قاتلت قتالاً في الصدِّ عن سبيل الله إلا أبليت ضعفه في سبيل الله. إجتهاد عكرمة في القتال واستشهاده رضي الله عنه ثم اجتهد في القتال حتى قتل يوم أُجْنَادين شهيداً في خلافة أبي بكر

رضي الله عنه. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمله عام حجته على هوازن يُصدِّقها؛ فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعكرمة يومئذٍ بتَبالة. وقد أخرج الطبراني أيضاً عن عروة رضي الله عنه قصَّة إسلامه مختصراً كما في المجمع. قصة إسلام صفوان بن أمية رضي الله عنه أمان صفوان حين استأمن له عُمَير بن وَهْب أخرج الواقدي وابن عساكر عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: لما كان يوم الفتح أسلمت إمرأة صفوان بن أُمية - البَغوم بنت المعدَّل من كِنَانة - وأما صفوان بن أُمية فهرب حتى أتى الشِّعْب وجعل يقول لغلامه يَسار - وليس معه غيره -: ويحك، أنظر من ترى؟ قال: هذا عمير بن وَهْب قال صفوان: ما أصنع بعمير؟ والله، ما جاء إلا يريد قتلي، قد ظاهر محمداً عليّ، فلحقه فقال: يا عمير، ما كفاك ما صنعت بي؟ حمَّلْتني دَيْنك، وعيالك، ثم جئت تريد قتلي قال: أبا وَهْب، جُعِلتُ فداك، جئتك من عند أبرِّ الناس وأوصل الناس، وقد كان عُمَير قال: لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله، سيد قومي خرج هارباً ليقذف نفسه في البحر وخاف أن لا تؤمِّنه، فآمنْه فداك أبي وأمِّي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «قد آمنته» فخرج في أثره فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد آمنك.

إرساله صلى الله عليه وسلم عمامته إلى صفوان علامة أمنه

إرساله صلى الله عليه وسلم عمامته إلى صفوان علامة أمنه فقال صفوان: لا والله لا أرجع معك حتى تأتيني بعلامة أعرفها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خُذْ عِمامتي» ، فرجع عمير إليه بها وهو البُرد الذي دخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ معتجراً به بُرْد حِبرَة. فخرج عمير في طلبه الثانية حتى جاء بالبُرْد فقال: أبا وَهْب، جئتك من عند خير الناس، وأوصل الناس، وأبرِّ الناس، وأحلم الناس. مجده مجدك وعزُّه عزك، وملكه ملكك، ابن أمك وأبيك وأُذكِّرُكَ الله في نفسك. قال له: أخاف أنْ أُقتل. قال: قد دعاك إلى أن تدخل في الإِسلام، فإن يَسرُّكَ، وإلا سيَّرك شهرين، فهو أوفى الناس وأبرهم وقد بعث إليك ببُرْده الذي دخل به مُعتَجراً، فعرفه. قال: نعم. فأخرجه فقال: نعم، هو، هو. فرجع صفوان حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي بالناس العصر في المسجد، فوقفا. فقال صفوان: كم يصلُّون في اليوم والليلة؟ قال: خمس صلوات. قال: يصلِّي بهم محمد؟ قال: نعم. فلما سلَّم صاح صفوان: يا محمد، إنَّ عُمَير بن وَهْب جاءني ببُرْدك وزعم أنك دعوتني إلى القدوم عليك، فإن رضيتُ أمراً وإلا سيَّرتني شهرين؟ قال: «إنزل أبا وَهْب» . قال: لا والله حتى تُبيِّن لي. قال: «بل لك تسيّر أربعة أشهر» ، فنزل صفوان. خروج صفوان معه عليه السلام إلى هوازن وإسلامه وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قِبَل هوازن وخرج؛ معه صفوان وهو كافر، وأرسل إليه يستعيره سلاحَه فأعاره سلاحه مائة درع بأداتها. فقال صفوان طوْعاً أو كَرْهاً؟. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عارية رادَّة فأعاره، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فحملها إلى حنين فشهد حنيناً والطائف، ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى

قصة إسلام حويطب بن عبد العزى رضي الله عنه

الجَعرَّانة. فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في الغنائم ينظر إليها - ومعه صفوان بن أمية - فجعل صفوان بن أمية - فجعل صفوان بن أمية ينظر إلى شِعْب ملاء نَعَماً وشاءً ورِعاء، فأدام النظر إِليه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يرمقه فقال: «أبا وَهْب، يعجبك هذه الشِّعْب؟» قال: نعم. قال: «هُو لك وما فيه» . فقال صفوان عند ذلك: ما طابت نفسُ أحد بمثل هذا إلا نفس نبي؛ أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله. وأسلم مكانه. كذا في الكنز. وأخرجه ابن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة عن عائشة رضي الله عنها مختصراً؛ كما في البداية. وأخرج الإِمام أحد عن أمية بن صفوان بن أمية عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعار منه يوم حنين أدراعاً، فقال: أغَصْباً يا محمد؟ قال: «بل عارية مضمونة» قال: فضاع بعضها، فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنْ يضمنها له. قال: أنا اليوم - يا رسول الله - في الإِسلام أَرْغَبُ. انتهى. قصة إسلام حُوَيطب بن عبد العزى رضي الله عنه دعوة أبي ذر لحويطب ودخوله في الإِسلام أخرج الحاكم عن المنذر بن جَهْم قال: قال حوَيطب بن عبد العُزَّى: لمَّا دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عام الفتح خفت خوفاً شديداً، فخرجت من بيتي

وفرَّقت عيالي في مواضع يأمنون فيها، فانتهيت إلى حائط عوف فكنت فيه، فإذنا أنا بأبي ذرَ الغفاري وكانت بيني وبينه خُلَّة - والخُلة أبداً مانعةٌ - فلما رأيت هربت منه. فقال: أبا محمد، فقلت: لبيك، قال: ما لك؟ قلت: الخوف، قال: لا خوف عليك، أنت آمن بأمان الله عزّ وجلّ. فرجعت إليه فسلَّمت عليه، فقال: إذهب إلى منزلك، قلت: هل لي سبيل إلى منزلي؟ والله ما أُراني أصل إلى بيتي حيّاً حتى أُلفى فأقتلع أو يُدخل عليَّ منزلي فأُقتل، وإنَّ عيالي لفي مواضع شتى. قال: فاجمع عيالك في موضع وأنا أبلغ مك إلى منزلك، فبلغ معي وحعل ينادي عليَّ: إنَّ حويطباً آمن فلا يُهج. ثم انصرف أبو ذرَ رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: أَوليس قد أمن الناسُ كلهم إلا من أمرت بقتلهم؟ قال: فاطمأننتُ ورددتُ عيالي إلى منازلهم وعاد إليَّ أبو ذرَ، فقال لي: يا أبا محمد، حتى متى؟ وإلى متى؟ قد سُبقت في المواطن كلِّها، وفاتك خير كثير وبقي خير كثير، فأْتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم تسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أبرُّ الناس، وأوصل الناس، وأحلم الناس، شرفه شرفك، وعزُّه عزك. قال قلت: فأن أخرج معك فآتيه، فخرجت معه حتى أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبطحاء وعنده أبو بكر، وعمر، فوقفت على رأسه وسألت أبا ذر: كيف يقال إِذا سُلِّم عليه؟ قال: قل: السلام عليك أيُّها النبيُّ ورحمة الله وبركاته، فقلتها، فقال: «وعليك السلام حُوَيطب» . فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأنَّك رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الحمد لله الذي هداك» . قال: وسُرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامي، واستقرضني مالاً فأقرضته أربعين ألف درهم، وشهدت معه حُنَيناً والطائف وأعطاني من غنائم حُنَين مائة بعير. وأخرجه أيضاً بن سعد في الطبقات من طريق المنذر بن جَهْم وغيره عن حويطب نحوه؛ كما في الإِصابة. وأخرج الحاكم أيضاً عن إبراهيم بن جعفر

قصة إسلام الحارث بن هشام رضي الله عنه

بن محمود بن محمد بن سلمة الأشهلي عن أبيه - فذكر الحديث، وفيه: ثم قال حويطب: ما كان في قريش أحد من كبرائها الذين بَقُوا على دين قومهم إلى أن فُتحت مكة أكرهَ لما فتحت عليه مني، ولكنَّ المقادير.. ولقد شهدت بدراً مع المشركين فرأيت عِبَراً، فرأيت الملائكة تقتل وتأسر بين السماء والأرض، فقلت: هذا رجل ممنوع، ولم أذكر ما رأيت لأحدٍ، فانهزمنا راجعين إلى مكة، فأقمنا بمكَّة وقريش تُسلم رجلاً رجلاً. فلمَّا كان يوم الحديبية حضرت وشهدت الصلح ومشيت فيه حتى تمَّ، وكل ذلك يزيد الإِسلامَ ويأبى الله عزّ وجلّ إلا ما يريد. فلما كتبنا صلح الحديبية كنت آخر شهوده، وقلت: لا ترى قريش من محمد إلا ما يسؤوها، قد رضيت إن دافعته بالرماح. ولمَّا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرة القضاء وخرجت قريش من مكة، كنت فيمن تخلَّف بمكة أنا وسهيل بن عمرو لأن نُخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ مضى الوقت، فلما انقضت الثلاث أقبلتُ أنا وسُهيل بن عمرو فقلنا: قد مضى شرطُك فأخرج من بلدنا، فصاح: «يا بلال لا تَغِبِ الشمس وواحدٌ من المسلمين بمكة ممَّن قد معنا» . قصة إسلام الحارث بن هشام رضي الله عنه أخرج الحاكم عن عبد الله بن عكرمة قال: لما كان يوم الفتح دخل الحارث بن هشام وعبد الله بن أبي ربيعة على أمِّ هانىء بنت أبي طالب رضي الله عنها فاستجارا بها، فقالا: نحن في جوارك، فأجارتهما. فدخل عليهما علي بن أبي طالب فنظر إليها، فشهر عليها السيف، فتفلَّت عليهما، واعتنقتْه وقالت: تصنع بي هذا من بين الناس؟ لَتَبدأنَّ بي قبلها. فقال: تُجيرين المشركين، فخرج. قالت أمُّ هانىء فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت؛ يا رسول الله، ما لقيت من ابن أمي عليَ؟ ما كدت أفلت منه أجرت حَمَوَين لي من المشركين فانفلت عليهما ليقتلهما. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما كان ذلك له، قد

قصة إسلام النضير بن الحارث العبدري رضي الله عنه

أجرنا من أجرتِ، وآمنَّا من آمنتِ» . فرجعت إليهما فأخبرتهما فانصرفا إلى منازلهما. فقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم الحارث بن هشام وعبد الله بن أبي ربيعة جالسان في ناديهما متنضِّلين في المِلاء المزعفرة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا سبيل إليهما قد أمنَّاهما» . قال الحارث بن هشام: وجعلت أستحيي أن يراني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأذكر رؤيته إياي في كل موطن من المشركين، ثم أذكر برَّه ورحمته فألقاه وهو داخل المسجد فتلقَّاني بالبشر، ووقف حتى جئته فسلَّمت عليه وشهدت شهادة الحق. فقال: «الحمد لله الذي هداك، ما كان مثلك يجهل الإِسلام» . قال الحارث: فوالله ما رأيت مثل الإِسلام جُهِلَ. قصة إسلام النضير بن الحارث العبدري رضي الله عنه أخرج الواقدي عن إبراهيم بن محمد بن شُرحبيل العبدري عن أبيه قال: كان النُضير بن الحارث من أعلم الناس، وكان يقول: الحمد لله الذي أكرمنا بالإِسلام، ومنَّ علينا بمحمد صلى الله عليه وسلم لم نَمُتْ على ما مات عليه الآباء، لقد كنت أوضعُ مع قريش في كل وجهة، حتى كان عام الفتح وخرج إلى حنين، فخرجنا معه ونحن نريد إِن كانت دَبْرة على محمد أن نُعين عليه فلم يمكنّا ذلك. فلما صار بالجِعرَّانة فوالله إني لعلَى ما أنا عليه إنْ شعرتُ إلا برسول الله صلى الله عليه وسلم تلقَّاني بفرحة، فقال: «النضير؟» قلت: لبيك. قال: «هذا خيرٌ ممَّا أردت يوم حنين» قال: فأقبلت إليه سريعاً فقال: «قد آن لك أن تبصر ما أنت فيه» . فقلت: قد أرى فقال: «اللهم زده ثباتاً» قال: فوالذي بعثه بالحق لكان قلبي حجراً ثباتاً في الدين ونصرة في الحق. ثم رجعت إلى منزلي فلم أشعر إِلا برجل من بني الدُّؤَل يقول: يا أبا الحارث قد أمر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم بمائة بعير، فأجِزْ لي منها فإنَّ عليَّ ديناً قال: فأردت أن لا آخذها وقلت: ما هذا منه إِلا تألُّف، ما أُريد أن أرتشي على الإِسلام، ثم قلت: والله ما طلبتها ولا سألتها،

دعوة عروة لقومه إلى الإسلام واستشهاده في الله

فقبضتها وأعطيت الدُّؤَلي منها عشراً. كذا في الإِصابة. قصة إسلام ثقيف أهل الطائف إنصرافه صلى الله عليه وسلم عن ثقيف وإسلام عروة بن مسعود ذكر ابن إسحق أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف عن ثقيف اتَّبع أثره عروة بن مسعود حتى أدركه قبل أن يصل إلى المدينة، فأسلم وسأله أن يرجع إلى قومه بالإِسلام. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنَّهم قاتلوك» - وعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ فيهم نخوة الامتناع للذي كان منهم - فقال عروة: يا رسول الله، أنا أحب إليهم من أبكارهم، وكان فيهم كذلك محبَّباً مطاعاً. دعوة عروة لقومه إلى الإِسلام واستشهاده في الله فخرج يدعو قومه إلى الإِسلام رجاء أن لا يخالفوه بمنزلته فيهم، فلما أشرف على عُلِّيَّة له - وقد دعاهم إلى الإِسلام وأظهر لهم دينه - رمَوْه بالنبل من كل وجه، فأصابه سهم فقتله. فقيل لعروة ما ترى في دمك؟ قال: كرامة أكرمني الله بها، وشهادة ساقها الله إليَّ. فليس فيَّ إلا ما في الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يرتحل عنكم، فادفنوني معهم، فدفنوه معهم. فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيه: «إن مَثَلَهُ في قومه كمثل صاحب ياسين في قومه» . إرسال ثقيف عبد يا ليل بن عمرو وفداً إليه عليه السلام وخبرهم معه ثم أقامت ثقيف بعد قتل عرة أشهراً، ثم إنَّهم ائتمروا بينهم ورأوا أنه

لا طاقة لهم بحرب من حولهم من العرب وقد بايعوا وأسلموا، ثم أجمعوا على أن يرسلوا رجلاً منهم، فأرسلوا عبد يا ليل بن عمرو ومعه إثنان من الأحلاف وثلاثة من بني مالك. فلما دنَوا من المدينة ونزلوا قناة ألفَوا المغيرة بن شعبة يرعى في نَوْبته ركاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلمَّا رآهم ذهب يشتدُّ ليبشِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدومهم، فلقيه أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه، فأخبره عن ركب ثقيف أن قدموا يريدون البَيْعة والإِسلام إن شرط لهم رسول الله شروطاً، ويكتبوا كتاباً إلى قومهم. فقال أبو بكر للمغيرة: أقسمتُ عليك لا تسبقني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أكون أنا أحدّثه، ففعل المغيرة، فدخل أبو بكر فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدومه. ثم خرج المغيرة إلى أصحابه فروَّح الظَّهر معه، وعلمهم كيف يُحيُّون رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يفعلوا إلا بتحية الجاهلية. ولمَّا قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ضربت عليه قُبة في المسجد، وكان خالد بن سعيد بن العاص هو الذي يمشي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان إِذا جاءهم بطعام من عنده لم يأكلوا منه حتى يأكل خالد بن سعيد قبلهم، وهو الذي كتب لهم كتابه. قال: وكان ممّا اشترطوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدع لهم الطاغية ثلاث سنين. فما برحوا يسألونه سنة سنة ويأبى عليه، حتى سألوه شهراً واحداً بعد مقدمهم ليتألَّفوا سفهاءه، فأبى عليهم أن يدعها شيئاً مسمَّى؛ إلا أن يبعث معهم أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة ليهدماها، وسأله مع ذلك أن لا يصلُّوا وأن لا يكسروا أصنامهم بأيديهم. فقال: «أما كسر أصنامكم بأيديكم فسنُعفيكم، وأما الصلاة فلا خير في دين لا صلاة فيه» . فقالوا: سنؤتيكها وإن كانت دناءة. وقد أخرج أحمد عن عثمان بن أبي العاص أن وفد ثقيف قدموا على

رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزلهم المسجد ليكون أرقَّ لقلوبهم، فاشترطوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يحشروا ولا يعشّروا، ولا يُجبَوا، ولا يستعمل عليهم غيرهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لكم أنْ لا تُحشروا، ولا تجبوا، ولا يستعمل عليكم غيركم، ولا خير في دين لا ركوع فيه» . وقال عثمان بن أبي العاص: يا رسول الله، علِّمني القرآن واجعلني إمام قومي. وقد رواه أبو داود أيضاً. وأخرج أبو داود أيضاً عن وَهْب سألت جابراً رضي الله عنه عن شأن ثقيف إذ بايعتْ، قال: اشترطتْ على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا صدقة عليها ولا جهاد، وأنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بعد ذلك: «سيتصدَّقون ويجاهدون إذا أسلموا» - انتهى من البداية مختصراً. وأخرج أحمد وأبو داود، وابن ماجه عن أوس بن حذيفة رضي الله عنه قال: قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد ثقيف، قال: فنزلت الأحلاف على المغير بن شعبة رضي الله عنه، وأنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بني مالك في قبة له، كل ليلة يأتينا بعد العشاء يحدِّثنا قائماً على رجليه حتى يراوح بين رجليه من طول القيام. فأكثر ما يحدثنا ما لقي من قومه من قريش، ثم يقول: «لا آسى، وكنَّا مستضعفين مستذلِّين بمكة. فلما خرجنا إلى المدينة كانت سجال الحرب بيننا وبينهم نُدال عليهم ويُدالون علينا» فلما كا نت ليلة أبطأ عنا الوقت

دعوة الصحابة رضي الله عنهم للأفراد والأشخاص

الذي كان يأتينا فيه فقلنا: لقد أبطأت علينا الليلة؟ فقال: «إنه طرأ على جزئي من القرآن فكرهت أن أجيء حتى أُتِمَّه» كذا في البداية، وأخرجه ابن سعد عن أوس رضي الله عنه بنحوه. دعوة الصحابة رضي الله عنهم للأفراد والأشخاص دعوة أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال ابن إِسحاق: فلمَّا أسلم أبو بكر رضي الله عنه وأظهر إِسلامه دعا إلى الله عزّ وجلّ، وكان أبو بكر رجلاً مأْلَفاً لقومه ومحبَّباً سَهْلاً، وكان أنسب قريش لقريش، وأعلم قريش بما كان فيها من خير وشر. وكان رجلاً تاجراً ذا خُلُق ومعروف، وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر: لعله، وتجارته، وحسن مجالسته. فجعل يدعو إلى الله وإلى الإِسلام من وثق به من قومه ممَّن يَغْشاه ويجلس إِليه. فأسلم على يديه فيما بلغني: الزبير بن العوام، وعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، رضي الله عنهم، فانطلقوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعهم أبو بكر فعرض عليهم الإِسلام، وقرأ عليهم القرآن، وأنبأهم بحقِّ الإِسلام فآمنوا، وكان هؤلاء النفر الثمانية الذين سبقوا في الإِسلام صدّقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمنوا بما جاء من عند الله، كذا في البداية.

دعوة عمر بن الخطاب رضي الله عنه

دعوة عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخرج ابن سعد عن أستق قال: كنت مملوكاً لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وأنا نصراني. فكان يعرض عليَّ الإِسلام ويقول: إِنَّك إن أسلمت إستعنت بك على أمانتي، فإنه لا يحلُّ لي أن أستعين بك على أمانة المسلمين ولست على دينهم، فأبيت عليه، فقال: لا إِكراه في الدين. فلما حضرته الوفاة، أعتقني وأنا نصراني، وقال: إذهب حيث شئت. وأخرجه أيضاً سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم بنحوه مختصراً. كذا في الكنز وأخرجه أبو نعيم في الحلية عن وسق الرومي مثله، إلا أنّ في روايته: على أمانة المسلمين فإنه لا ينبغي لي أن أستعين على أمانتهم بمن ليس منهم. وأخرج الدارقطني، وابن عساكر عن أسلم قال: لمَّا كنَّا بالشام أتيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه بماء توضأ منه. فقال: من أين جئت بهذا الماء؟ فما رأيت ماء عذباً ولا ماء السماء أطيب منه. قلت: جئت به من بيت هذه العجوز النصرانية. فلما توضأ أتاها فقال: أيتها العجوز، أسلمي، بعث الله تعالى محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق، فكشفت عن رأسها فإذا مثل الثغامة، فقالت: عجوز كبيرة وإنما أموت الآن. فقال عمر: اللَّهم أشهد. كذا في الكنز.

دعوة مصعب لأسيد بن حضير وإسلامه

دعوة مصعب بن عمير رضي الله عنه دعوة مصعب لأسيد بن حُضَير وإسلامه أخرج ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وغيره أن أسعد بن زُرارة خرج بمصعب بن عمير يريد به دار بني ظَفَر - وكان سعد بن معاذ ابنَ خالة أسعد بن زرارة - فدخل به حائطاً من حوائط بني ظَفَر على بئر يقال له بئر مَرَق. فجلسا في الحائط واجتمع إليهما رجال ممَّن أسلم - وسعد بن معاذ وأُسَيد بن حُضَير يومئذٍ سيِّدا قومهما من بني عبد الأشهل وكلاهما مشرك على دين قومه - فلمَّا سمعا به قال سعد لأُسَيد: لا أبا لك، انطلق إلى هذين الرجلين اللَّذين قد أتيا دارَيْنا ليسفِّها ضعفاءنا فازجرهما وانهَهُما أن يأتيا دارَيْنا، فإنَّه لولا أسعد بنت زرارة مني حيث قد علمت كفيتُك ذلك، هو ابن خالتي ولا أجد عليه مقدَّماً. قال: فأخذ أسيد بن حُضَير حربته ثم أقبل إليهما. فلمَّا رآه أسعد بن زرارة قال لمصعب: هذا سيِّد قومه وقد جاءك فأصدق الله فيه. قال مصعب: إن يجلس أكلمه. قال فوقف عليهما مُتَشَتِّماً فقال: ما جاء بكما إلينا تسفِّهان ضعفاءنا؟ اعتزلانا إن كانت لكما بأنفسكما حاجة. فقال له مصعب: أوَ تجلس فتسمع، فإن رضيت أمراً قبلته، وإن كرهتَه كُفّ عنك ما تكره. قال: أنصفتَ، قل ثم ركز حربته وجلس إليهما، فكلَّمه مصعب بالإِسلام، وقرأ عليه القرآن. فقالا فيما يُذكر عنهما: والله لَعَرفنا في وجهه الإِسلام قبل أن يتكلَّم في إشراقه وتسهُّل، ثم قال؛ ما أحسن هذا وأجمله كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين؟ قالا له: تغتسل فتطَّهَّر وتُطهِّر ثوبَيْك، ثم تشهد شهادة الحق ثم تصلِّي. فقام فاغتسل وطهَّر ثوبيه وتشهَّد شهادة الحق ثم قام فركع ركعتين ثم قال لهما: إنَّ

دعوة مصعب لسعد بن معاذ وإسلامه

ورائي رجلاً إن اتَّبَعكما لم يتخلَّف عنه أحد من قومه، وسأرسله إليكما الآن: سعدَ بن معاذ. دعوة مصعب لسعد بن معاذ وإسلامه ثم أخذ حربته وانصرف إلى سعد وقومه وهم جلوس في ناديهم، فلما نظر إليه سعد بن معاذ مقبلاً قال: أحلف بالله لقد جاءكم أُسَيْد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم. فلما وقف على النادي قال له سعد: ما فعلت؟ قال: كلَّمت الرجلين، فوالله مارأيت بهما بأساً، وقد نهيتهما فقالا: نفعل ما أحببت، وقد حُدِّثت أنَّ بني حارثة خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه، وذلك أنهم عرفوا أنَّه ابن خالتك ليَحْقِروك. قال: فقام سعد بن معاذُ مُغْضَباً مبادراً تَخوُّفاً للذي ذُكر له من بني حارثة، وأخذ الحربة في يده ثم قال: والله ما أراك أغنيت شيئاً. ثم خرج إليهما سعد فلما رآها مطمئنين عرف أن أسَيْداً إنما أراد أن يسمع منهما، فوقف مُتَشَمِّتاً، ثم قال لأسعد بن زرارة: يا أبا أُمامة أمَا والله لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رُمْتَ هذا منِّي، أتَغْشانا في دارنا بما نكره؟ قال: وقد قال أسعد لمصعب: أيْ مصعب جاءك - والله - سيِّدُ مَنْ وراءَه من قومه، إِن يتبعك لا يتخلَّف عنك منهم إثنان - قال فقال له مصعب: أوَ تقعد فتسمع، فإن رضيت أمراً ورغبت فيه قَبلْتَه، وإن كرهته عزلنا عنك ما تكره؟؟ قال سعد: أنصفت. ثم ركز الحربة وجلس، فعرض عليه الإِسلام، وقرأ عليه القرآن - وذكر موسى بن عقبة أنَّه قرأ عليه أول الزخرف -، قالا: فعرفنا - والله - في وجهه الإِسلام قبل أن يتكلَّم في إشراقه وتسهُّله، ثم قال لهما: كيف تصنعون إذا أنتم أسلمتم ودخلتم في هذا الدين؟ قالا: تغتسل فتطَّهَّر، وتُطَهِّر ثوبيك، ثم تشهد شهادة الحق، ثم تصلِّي ركعتين. قال: فقام فاغتسل وطهَّر ثوبيه وشهد شهادة الحق، ثم ركع ركعتين، ثم أخذ حربته فأقبل عائداً إلى نادي قومه ومعهم أُسَيْد بن حضير.

دعوة سعد بن معاذ لبني عبد الأشهل وخبر إسلامهم

دعوة سعد بن معاذ لبني عبد الأشهل وخبر إسلامهم فلمَّا رآه قومه مقبلاً قالوا؛ نحلف بالله لقد رجع إليكم سعد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم. فلمَّا وقف عليهم قال: يا بني عبد الأشهل: كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا: سيدنا وأفضلنا رأياً وأيمننا نقيبة. قال: فإنَّ كلام رجالكم ونسائكم عليَّ حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله، قال: فوالله ما أمسى في دار بني عبد الأشهل رجل ولا إمرأة إلا مسلماً أو مسلمة. ورجع أسعد ومصعب إلى منزل أسعد بن زُرارة فأقام عنده يدعو الناس إلى الإِسلام، حتى لم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون؛ إلا ما كان من دار بني أُمية بن زيد، وخَطْمة؛ ووائل، وواقف، وتلك أوس. كذا في البداية. وأخرجه الطبراني أيضاً وأبو نُعَيم في دلائل النبوة عن عروة مطوَّلاً - فذكر عرضه صلى الله عليه وسلم الدعوة على الأنصار وإِيمانهم بذلك ما سيأتي في ابتداء أمر الأنصار؛ ثم ذكر دعوتهم قومهم سراً وطلبهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث مَن يدعو الناس؛ فبعث إليهم مُصعَباً كما تقدم في: - إِرساله صلى الله عليه وسلم الأفراد للدعوة إلى الله وإلى رسوله (ص 116) - ثم قال: ثم إِنَّ سعد بن زُرارة أقبل هو ومصعب بن عمير حتى أتيا بئر مَرَق أو قريباً منها. فجلسوا هنالك وبعثوا إلى رَهْط من أهل الأرض فأتَوهم مستخفين، فبينما مصعب بن عمير يحدِّثهم ويقصُّ عليهم القرآن أُخبر بهم سعدُ بن معاذ، فأتاهم في لأمته ومعه الرمح حتى وقف عليه. فقال: علامَ يأتينا في دورنا بهذا الوحيد الفريد الطريح الغريب، يسفّه ضعفاءنا بالباطل

دعوة طليب لأمه أروى بنت عبد المطلب

ويدعوهم، لا أراكما بعد هذا بشيء من جوارنا. فرجعوا، ثم إِنهم عادوا الثانية ببئر مَرَق أو قريباً منها، فأُخبر بهم سعدُ بن معاذ الثانية؛ فواعدهم بوعيد دون الوعيد الأول. فلما رأى أسعد منه ليناً قال: يا ابن خالة أسمع من قوله، فإن سمعت منه منكراً فاردده يا هذا منه، وإن سمعت خيراً فأجب الله. فقال: ماذا يقول؟ فقرأ عليهم مصعب بن عمير: {حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْءاناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (الزخرف: 1 - 3) . فقال سعد: وما أسمع إلا ما أعرف. فرجع وقد هداه الله تعالى ولم يُظهر أمر الإِسلام حتى رجع. فرجع إلى قومه، فدعا بني عبد الأشهل إلى الإِسلام وأظهر إسلامه. وقال فيه: من شَكَّ من صغير أو كبير أو ذكر أو أنثى فليأتنا بأهدى منه نأخذ به. فالله لقد جاء أمر لتُحزَّنَّ فيه الرقاب. فأسلمت بنو عبد الأشهل عند إسلام سعد ودعائه إلا من لا يُذكر. فكانت أول دور من دور الأنصار أسلمت بأسرْها - فذكر الحديث كما تقدم في إرساله صلى الله عليه وسلم الأفراد للدعوة إلى الله وإلى رسوله (ص 116) وفي آخره؛ ورجع مصعب بن عمير رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ أي إلى مكة. دعوة طليب بن عمير رضي الله عنه دعوة طليب لأمه أروى بنت عبد المطلب أخرج الواقدي عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التَّيْمي قال: لمَّا أسلم طُليب بن عمير رضي الله عنه ودخل على أمِّه أَرْوى بنت عبد المطلب قال لها: قد أسلمت وتبعت محمداً صلى الله عليه وسلم ـ وذكر الخبر وفيه أنَّه قال لها: ما يمنعك أن تُسلمي وتتَّبعيه؟ فقد أسلم أخوك حمزة، فقالت: أنتظِرُ ما تصنع

أخواتي؟ ثم أكون إحداهنَّ. قال فقلت فإني أسألك بالله إلا أتيته وسلَّمتِ عليه، وصدَّقته، وشهدت أن لا إله إلا الله وأشهد أنَّ محمداً رسول الله. ثم كانت بعد تعضد النبي صلى الله عليه وسلم بلسانها تحضَّ ابنها على نصرته والقيام بأمره. كذا في الإستيعاب. وأخرجه العُقَيلي من طريق الواقدي بمثله كما في الإِصابة. وأخرجه الحاكم في المستدرك من طريق إسحاق بن محمد الفروي عن موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التَّيْمي عن أبيه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: أسلم طُليب بن عمير رضي الله عنه في دار الأرقم، ثم خرج فدخل على أمه وهي أرْوى بنت عبد المطلب. فقال: تبعتُ محمداً وأسلمت لله ربِّ العالمين جلَّ ذكره. فقالت أمه: إنَّ أحقَّ من وازرت ومن عاضدت ابنُ خالك. والله لو كنَّا نقدر على ما يقدر عليه الرجال لتبعناه ولذَبَبْنا عنه. قال فقلت: يا أُماه وما يمنعك؟ فذكر مثلما تقدَّم. وأخرجه ابن سعد في الطبقات عن محمد بن إبراهيم التَّيْمي عن أبيه بمثله. قال الحاكم: صحيح غريب على شرط البخاري ولم يخرِّجاه وتعقبه الحافظ في الإِصابة فقال: وليس كما قال، فإن موسى ضعيف، ورواية أبي سَلَمة عنه مرسلة وهي قوله: قال: فقلت يا أماه - إلى آخره. انتهى.

خبر عمير مع النبي صلى الله عليه وسلم

دعوة عُمَير بن وهب الجمحي وقصة إسلامه خبر عُمَير بن وَهْب مع صفوان بن أمية أخرج ابن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير رضي الله عنهما قال: جلس عُمير بن وَهْب الجُمْحي مع صَفوان بن أمية في الحِجْر بعد مصاب أهل بدر بيَسير - وكان عمير بن وَهب شيطاناً من شياطين قريش، وممَّن كان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ويلقَون منه عناءً وهو بمكة وكان ابنه وَهْب بن عُمير في أسارى بدر - فذكر أصحاب القَليب ومُصابهم. فقال صَفوان: والله ما إنْ في العيش بعدهم خير. قال له عمير: صدقتَ، أما - والله - لولا دَيْنٌ عليَّ ليس عندي قضاؤه وعيالٌ أخشَى عليهم الضَّيْعة بعدي لركبتُ إلى محمد حتى أقتله، فإنَّ لي فيهم عِلَّة ابني أسيرٌ في أيديهم. قال: فاغتنمها صفوان بن أمية: فقال: عليَّ دَيْنك أنا أقضيه عنك، وعيالك مع عيالي أواسيهم ما بقُوا لا يَسَعني شيء ويعجز عنه. فقال له عمير: فاكتم عليَّ شأني وشأنك. قال: سأفعل. قال: ثم أمر عمير بسيفه فشُحِذ له وسُمَّ، ثم انطلق حتى قدم المدينة. فبينما عمر بن الخطاب رضي الله عنه في نفر من المسلمين يتحدّثون عن يوم بدر ويذكرون ما أكرمهم الله به وما أراهم في عدوِّهم؛ إذ نظر عمر إلى عمير بن وَهْب وقد أناخ على باب المسجد متوشِّحاً السيف. فقال: هذا الكلب عدوُّ الله عمير بن وهب ما جاء إلا لشر، وهو الذي حرَّش بيننا، وحزرنا للقوم يوم بدر. خبر عمير مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله، هذا عدوُّ الله عُمَير بن وَهْب قد جاء متوشِّحاً سيفه. قال: «فأدْخله عليَّ» . قال: فأقبل عمر حتى أخذ

إسلام عمير ودعوته لأهل مكة

بحِمالة سيفه في عنقه فلبَّبه بها، وقال لمن كان معه من الأنصار: أدخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلسوا عنده، واحذروا عليه من هذا الخبيث فإنه غير مأمون. ثم دخل به على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلمَّا رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر آخذ بحِمالة سيفه في عنقه. قال: «أرسله يا عمر. إدنُ يا عمير فدنا ثم قال: أَنْعِم صباحاً - وكانت تحيَّة أهل الجاهلية بينهم - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيَّتك يا عمير، بالسلام تحيَّةُ أهل الجنة» . قال: أما - والله - يا محمد إنْ كنتُ بها لحديث عهد. قال: «فما جاء بك يا عمير؟» قال: جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم فأحسنوا فيه. قال: «فما بال السيف في عُنقك؟» قال: قبَّحها الله من سيوف وهل أغنت عنَّا شيئاً؟ قال: «أصدقني ما الذي جئت له؟» قال: ما جئت إلا لذلك. قال: «بل قعدت أنت وصفوان بن أُمية في الحِجْر، فذكرتما أصحاب القليب من قريش، ثم قلتَ: لولا دَيْن عليّ وعيالٌ عندي لخرجتُ حتى أقتل محمداً؛ فتحمَّل لك صفوان بن أُمية بدَيْنك وعيالك على أن تقتلني له، والله حائل بينك وبين ذلك» . إسلام عمير ودعوته لأهل مكة فقال عمير: أشهد أنَّك رسول الله، قد كنَّا يا رسول الله نكذبك بما كنت تأتينا به من خبر السماء وما ينزل عليك من الوحي، وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان؛ فوالله إنِّي لأعلم ما أتاك به إلا الله، فالحمد لله الذي هداني للإِسلام وساقني هذا المَساق، ثم شهد شهادة الحق. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «فقِّهوا أخاكم في دينه، وعلِّموه القرآن، وأطلقوا أسيره» ففعلوا. ثم قال: يا رسول الله، إِني كنت جاهداً على إطفاء نور الله، شديد الأذى لمن كان على دين الله، وأنا أحب أن تأذن لي فأقدَمَ مكة أدعوهم إلى الله وإلى رسوله وإلى الإِسلام، لعلَّ الله يهديهم، وإِلا آذيته في دينهم كما كنت أُوذي أصحابك في دينهم، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم قلحق بمكة. وكان صفوان حين خرج عمير بن وَهْب يقول: أبشروا بوَقْعة تأتيكم الآن في أيام تُنسيكم وقعة بدر. وكان صفوان يسأل عنه الرُّكبان حتى قدم راكب فأخبره عن إسلامه، فحلف أنْ لا

إسلام أناس كثير على يد عمر

يكلِّمه أبداً ولا ينفعه بنفع أبداً. كذا في البداية. إسلام أناس كثير على يد عمر هكذا أخرجه ابن جرير عن عُروة رضي الله عنه بطوله، كما في كنز العمال، وزاد: فلما قدم عمير رضي الله عنه مكة أقام بها يدعو إلى الإِسلام ويُؤذي من خالفه أذى شديداً، فأسلم على يديه ناس كثير. وهكذا أخرجه الطبراني عن محمد بن جعفر بن الزبير رضي الله عنهم - نحوه. قال الهيثمي: وإسناده جيِّد. قول عمر في عمير بن وَهْب بعد أن أسلم وروي عن عروة بن الزبير نحوه مرسلاً، وقال فيه: ففرح المسلمون حين هداه الله، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لخنزيرٌ كن أحبّ إليّ منه حين اطَّلع، وهو اليوم أحبُّ إليَّ من بعض بنيّ؛ وإِسناده حسن. انتهى. وأخرجه الطبراني أيضاً عن أنس رضي الله عنه موصولاً عن

دعوة أبي هريرة رضي الله عنه لأمه وإسلامها

أنس رضي الله عنه وقال: غريب، لا نعرفه عن أبي عمران إِلا من هذا الوجه، كما في الإِصابة. وأخرج الواقدي عن عبد الله بن عمرو بن أمية عن أبيه قال: لما قدم عمير بن وَهْب رضي الله عنه مكة بعد أن أسلم نزل بأهله، ولم يتفق بصفوان بن أميَّة، فأظهر الإِسلام ودعا إليه، فبلغ ذلك صفوان فقال: قد عرفت حين لم يبدأ بي قبل منزله أنَّه قد ارتكس وصبا، فلا أكلِّمه أبداً ولا أنفعه ولا عياله بنافعة، فوقف ليه عمير وهو في الحِجْر وناداه، فأعرض عنه، فقال له عمير: أنت سيد من ساداتنا، أرأيتَ الذي كنا عليه من عبادة حجر وذبح له، أهذا دين؟ أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله. فلم يجبه صفوان بكلمة. كذا في الإستيعاب2486) . وقد تقدَّم سَعْيُ عمير في إسلام صفوان بن أُمية (ص 178) . دعوة أبي هريرة رضي الله عنه لأمه وإسلامها أخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أدعو أُمي إلى الإِسلام وهي مشركة، فدعوتها يوماً فأسمعتني في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكره. فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي فقلت: يا رسول الله، إني كنت أدعو أمي إلى الإِسلام فتأبى عليَّ، وإني دعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فدعُ الله أن يهديَ أُمَّ أبي هريرة: فقال: «اللَّهم أهدِ أُمَّ أبي هريرة» .

فخرجت مستبشراً بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما جئت قصدت إلى الباب فإذا هو مُجاف، فسمعت أُمِّي حسَّ قدمي، فقالت: مكانك يا أبا هريرة. وسمعتُ حَصْحَصَة الماء، قال: ولبست دِرْعها، وأعجَلَت عن خمارها، ففتحتْ الباب وقالت: يا أبا هريرة، أشهد أن لا آله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله. قال فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فحمد الله وقال: خيراً. وأخرجه أحمد أيضاً بنحوه. كذا في الإِصابة. وأخرجه ابن سعد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّه قال: والله لا يسمع بي مؤمن ولا مؤمنة إلا أحبَّني. قال قلت: وما يُعلمك ذاك؟ قال: فقال: إني كنت أدعو أُمِّي - فذكر نحوه. وزاد في آخره: فجئت أسعى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبكي من الفرح كما بكيت من الحزن، فقلت: أبشر يا رسول الله فقد أجاب الله دعوتك، قد هدى الله أُمَّ أبي هريرة إلى الإِسلام. ثم قلت: يا رسول الله، أدعُ الله أن يحببني وأُمي إلى المؤمنين والمؤمنات وإلى كل مؤمن ومؤمنة. فقال: «اللهمَّ حبب عُبَيْدك هذا وأُمَّه إلى كل مؤمن ومؤمنة» فليس يسمع بي مؤمن ولا مؤمنة إلا أحبَّني.

دعوة الصحابة في القبائل وأقوام العرب

دعوة أم سليم رضي الله عنها دعوة أم سليم لأبي طلحة إلى الإِسلام حين خطبها ودخوله في الإِسلام أخرج أحمد عن أنس رضي الله عنه أنَّ أبا طلحة خطب أُمَّ سُلَيم - يعني قبل أن يُسلم - فقالت: يا أبا طلحة، ألستَ تعلم أنَّ إلهك الذي تعبد نَبَت من الأرض؟ قال: بلى قالت: أفلا تستحي تعبد شجرة؟ إن أسلمتَ فإنِّي لا أُريد منك صَداقاً غيره. قال: حتى أنظر في أمري. فذهب ثم جاء فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنَّ محمداً رسول الله. فقالت: يا أنس زوِّجْ أبا طلحة، فزوَّجها. وأخرجه أيضاً ابن سعد بمعناه. كذا في الإِصابة. دعوة الصحابة في القبائل وأقوام العرب دعوة ضِمام بن ثعلبة في بني سعد بن بكر وفود ضمام على النبي صلى الله عليه وسلم وخبره معه ودخوله في الإِسلام أخرج ابن إسحاق عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بعث بنو سعد بن بكر ضِمامَ بن ثعلبة وافداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم إليه وأناخ بعيره على باب المسجد ثم عقله، ثم دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في أصحابه؛ وكان ضِمام رجلاً جَلْداً أشعرَ ذا غديرتين، فأقبل حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه. فقال: أيُّكُم ابن عبد المطلب؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنا ابن عبد المطلب» . فقال: أمحمد؟ قال: «نعم» . قال: يا ابن عبد المطلب، إنِّي سائلك ومُغَلِّظ عليك في المسألة فلا تَجدنَّ في نفسك. قال: لا أجد في

إسلام بني سعد وقول ابن عباس في ضمام

نفسي فسَلْ عمَّا بدا لك» فقال: أنشدك الله الهك وإلَه من كان قبلك واله من هو كائن بعدك: آلله بعثك إلينا رسولاً؟ قال: «اللَّهمَّ نعم» قال: فأنشدك الله الهك واله من كان قبلك واله من هو كائن بعدك؛ آلله آمرك أن تأمرنا أن نعبده وحده ولا نشرك به شيئاً، وأن نخلع هذه الأنداد التي كان آباؤنا يعبدون؟ قال: «اللَّهمَّ نعم» . قال: فأنشدك الله الهكَ واله من كان قبلك واله من هو كائن بعدك: آلله أمرك أن نصلي هذه الصلوات الخمس؟ قال: «اللهم نعم» قال: ثم جعل يذكر فرائض الإِسلام فريضة فريضة: الزكاة، والصيام، والحج، وشرائع الإِسلام كلّها، ينشده عند كل فريضة منها كم ينشده في التي قبلها، حتى إذا فرغ قال: فإنِّي أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنَّ محمداً رسول الله، وسأؤدي هذه الفرائض وأجتنب ما نهيتني عنه، ثم لا أزيد ولا أنقص؛ ثم انصرف إلى بعيره راجعاً. قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنْ صدق ذو العقيصتين دخل الجنة» . إسلام بني سعد وقول ابن عباس في ضمام قال: فأتى بعيره فأطلق عِقاله ثم خرج حتى قدم على قومه، فاجتمعوا إليه، فكان أوَّل ما تكلم أنْ قال: بئست اللات والعزَّى. فقالوا: مَهْ يا ضمام، إتَّقِ البرص، إتَّقِ الجُذام، اتَّقِ الجنون فقال: ويلكم إنَّهما - والله - لا يضران ولا ينفعان. إنَّ الله قد بعث رسولاً، وأنزل عليه كتاباً إستنقذكم به مما كنتم فيه، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، وقد جئتكم من عنده بما أمركم به ما نهاكم عن. قال فوالله، ما أمسى من ذلك اليوم وفي حاضره رجل ولا امرأة إلا مسلماً. قال يقول ابن عباس رضي الله عنهما: فلما سمعنا بوافدِ قومٍ كان أفضل من ضِمام بن ثعلبة، وهكذا رواه

الإِمام أحمد من طريق ابن إسحاق وأبو داود نحوه من طريقه؛ وعند الواقدي: فما أمسى في ذلك اليوم في حاضره رجل ولا امرأة إلا مسلماً، وبنَوا المساجد، وأذّنوا بالصلاة. كذا في البداية. وأخرجه الحاكم أيضاً في المستدرك من طريق ابن إسحاق بنحوه ثم قال: قد اتفق الشيخان على إخراج ورود ضمام المدينة ولم يسق واحد منهما الحديث بطوله، وهذا صحيح. انتهى؛ ووافقه الذهبي فقال: صحيح. دعوة عمرو بن مرة الجهني رضي الله عنه في قومه رؤيا عمرو في أمر بعثته عليه السلام أخرج الرُوياني وابن عساكر عن عمرو بن مُرَّة الجُهني رضي الله عنه قال: خرجنا حجّاجاً في الجاهلية في جماعة من قومي، فرأيت في المنام وأنا بمكَّة نوراً ساطعاً من الكعبة حتى أضاء لي جبل يثرب وأشعر جهينة، وسمعت صوتاً في النور وهو يقول: إنقشعت الظلماء، وسطع الضِّياء، وبُعث خاتم الأنبياء. ثم أضاء لي إضاءة أُخرى حتى نظرت إلى قصور الحيرة، وأبيضِ المدائن، وسمعت صوتاً في النّور وهو يقول: ظهر الإِسلام، وكسرت الأصنام، ووُصلت

دخول عمرو على النبي صلى الله عليه وسلم وقصة إسلامه

الأرحام. فانتبهت فزعاً فقلت لقومي: والله ليحدُثنَّ في هذا الحيِّ من قريش حَدَث، فأخبرتهم بما رأيت. دخول عمرو على النبي صلى الله عليه وسلم وقصة إسلامه فلما انتهيت إلى بلادنا جاء الخبر أنَّ رجلاً يقال له أحمد قد بُعث، فخرجت حتى أتيته وأخبرته بما رأيت، فقال: «يا عمرو بن مرَّة، أنا النبيّ المرسل إلى العباد كافّة، أدعوهم إلى الإِسلام، وآمرهم بحقن الدماء، وصِلَة الأرحام، وعبادة الله وحده، ورفض الأصنام، وبحجِّ البيت، وصيام شهر رمضان - شهر من إثني عشر شهراً -، فمن أجاب فله الجنة، ومن عصى فله النَّار، فآمن يا عمرو يؤمنك الله من هول جهنم» . فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأنَّك رسول الله، آمنت بكل ما جئتَ به من حلال وحرام، وإنْ رَغِم ذلك كثير من الأقوام. ثم أنشدته أبياتاً قلتها حين سمعت به - وكان لنا صنم وكان أبي سادنَه، فقمت إليه فكسرته ثم لحقت بالنبي صلى الله عليه وسلم وأنا أقول -: شهدتُ بأن الله حق وإنني لآلهة الأحجار أول تارك وشمَّرت عن ساقي الإِزار مهاجراً أجوب إليك الوَعْثَ بعد الدَّكادك لأصحبَ خير النَّاس نفساً ووالداً رسول مليك النَّاس فوق الحبائك فقال النبي صلى الله عليه وسلم «مرحباً بك يا عمرو» . بعثه عليه السلام عَمْراً للدعوة إلى قومه ووصيته له فقلت: بأبي أنت وأمي أبعث بي إلى قومي لعلَّ الله أن يمنَّ بي عليهم كما منَّ بك عليَّ، فبعثني فقال: «عليك بالرِّفق والقول السديد، ولا تكنْ فظَّاً، ولا متكبِّراً، ولا حسوداً» . فأتيت قومي فقلت: يا بني رِفاعة، بل يا معشر جُهينة،

قدوم عمرو مع من أسلم من قومه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكتابه لهم

إنِّي رسولُ رسولِ الله إليكم، أدعوكم إلى الإِسلام، وآمركم بحقن الدماء، وصِلَة الأرحام، عبادة الله وحده، ورفض الأصنام، وبحجِّ البيت، وصيام شهر رمضان - شهر من إثني عشر شهراً - فمن أجاب فله الجنَّة، ومن عصى فله النَّار. يا معشر جُهينة، إنَّ الله جعلكم خيار من أنتم منه، وبغَّض إليكم في جاهليكم ما حبِّب إلى غيركم من العرب، فإنهم كانوا يجمعون بين الأختين والغزاة في الشهر الحرام، ويخلُف الرجل على إمرأة أبيه، فأجيبوا هذا النبي المرسل من بني لؤي بن غالب تنالوا شرف الدنيا وكرامة الآخرة. فما جاءني إلا رجل منهم فقال: يا عمرو بن مرَّة، أمرَّ الله عيشَك، أتأمرنا برفض آلهتنا، وأن نفرِّق جمعنا، وأن نخالف دين آبائنا الشيم العلى إلى ما يدعونا إليه هذا القرشي من أهل تِهامة؟ لا حبّاً ولا كرامة. ثم أنشأ الخبيث يقول: إنَّ ابن مرَّة قد أتى بمقالة ليست مقالة من يريد صلاحاً إنِّي لأحسب قولَه وفِعالَه يوماً وإن طال الزمان ذُباحا ليسفِّه الأشياخ ممن قد مضى مَنْ رامَ ذلك لا أصاب فلاحا فقال عمرو: الكاذب مني ومنك أمرَّ الله عيشه، وأبكم لسانه، وأكمه إنسانه، قال فوالله ما مات حتى سقط فوه، وعمي، وخرف، وكان لا يجد طعم الطَّعام. قدوم عمرو مع من أسلم من قومه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكتابه لهم فخرج عمرو بمن أسلم من قومه حتى أتَوا النبي صلى الله عليه وسلم فحيَّاهم ورحبَّ بهم، وكتب لهم كتاباً هذه نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب من الله العزيز، على لسان رسوله، بحقَ صادق وكتاب ناطق مع عمرو بن مرة لجهينة بن زيد: إن لكم بطون

الأرض وسهولها، وتِلاع الأودية وظهورها، على أن ترعوا نباتها وتشربوا ماءها، على أن تؤدوا الخُمس، وتصلوا الخَمس، وفي الغنيمة والصريمة شاتان إِذا اجتمعتا فإن فرقتا فشاة شاة. ليس على أهل المثيرة صدقة، ولا على الواردة لبقة، والله شهيد على ما بيننا ومن حضر من المسلمين. كتاب قيس بن شمّاس» . كذا في كنز العمال: وأخرجه أيضاً أبو نُعيم بطوله؛ كما في البداية والطبراني بطوله كما في المجمع. دعوة عروة بن مسعود رضي الله عنه في ثقيف إسلام عروة ودعوته لقومه إلى الإِسلام وقتلهم إياه شهيدا أخرج الطبراني عن عروة بن الزبير رضي الله عنه قال: لما أنشأ النَّاس الحج سنة تسعٍ قدم عروة بن مسعود رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلماً، فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرجع إلى قومه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إني أخاف أن يقتلوك» ، قال لو وجدوني نائماً ما أيقظوني. فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع إلى قومه مسلماً، فرجع عشاء فجاء ثقيف يحيُّونه فدعاهم إلى الإِسلام، فاتَّهموه وأغضبه وأسمعوه فقتلوه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «مَثَلُ عروة مَثَلُ صاحب ياسين

دعا قومه إلى الله فقتلوه» قال الهيثمي بمعناه. فرح عروة بقتله في سبيل الله ووصيته لقومه أخرجه ابن سعد عن الواقدي عن عبد الله بن يحيى عن غير واحد من أهل العلم، فذكره مطوَّلاً وفيه: فقدم الطائف عشاء، فدخل منزله، فأتته ثقيف تسلِّم عليه بتحية الجاهلية فأنكرها عليهم وقال: عليكم بتحية أهل الجنَّة: السلام، فآذَوه، ونالوا منه، فحلم عنهم وخرجوا من عنده، فجعلوا أتمرون به، وطلع الفجر فأوفَى على غرفة له، فأذَّن بالصلاة. فخرجت إليه ثقيف من كل ناحية، فرماه رجل من بني مالك يقال له: أوس بن عوف فأصاب أكحَلَه ولم يَرْقَ دمه. فقام غَيْلان بن سلمة، وكنانة بن عبد ياليل، والحكم بن عمرو ووجوه الأخلاف فلبسوا السلاح وحشدوا، وقالوا: نموت عن آخرنا أو نثأر به عشرة من رؤساء بني مالك. فلما رأى عروة بن مسعود ما يصنعون قال: لا تقتتلوا فيَّ قد تصدَّقت بدمي على صاحبه لأصلح بذلك بينكم، فهي كرامة أكرمني الله بها، وشهادة ساقها الله إليَّ، وأشهد أنَّ محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد أخبرني بهذا أنَّكم تقتلوني ثم دعا رهطة فقال: إذا متُّ فادفنوني مع الشهداء الذين قَتلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يرتحل عنكم، فمات فدفنوه معهم. وبلغ النبي صلى الله عليه وسلم مقتله فقال: مثل عروة.. فذكره؛ وقد تقدَّمت قصة إسلام ثقيف في - قصصه صلى الله عليه وسلم في الأخلاق والأعمال المفضية إلى هداية الناس (ص 183) .

دعوة الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه في قومه

دعوة الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه في قومه قدوم طفيل بن عمرو مكة وخبره مع قريش أخرج أبو نُعيم في الدلائل (ص 8،) عن محمد بن إسحاق قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما يرى من قومه يبذل لهم النصيحة، ويدعوهم إلى النجاة مما هم فيه، وجعلت قريش حين منعه الله منهم يحذِّرونه النَّاس ومن قدم عليهم من العرب، وكان طُفيل بن عمرو الدَّوْسي يحدِّث أنه قدم مكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بها، فمشى إليه رجال من قريش - وكان الطفيل رجلاً شريفاً شاعراً لبيباً - فقالوا له: يا طُفيل، إنَّك قدمت بلادنا، وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا، فرّق جماعتنا، وإنّما قوله كالسحر، يفرِّق بين المرء وبين أبيه، وبين الرجل وبين أخيه، وبين الرجل وبين زوجته، وإنما نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا، فلا تكلِّمْه ولا تسمع منه. قال: فوالله ما زالوا بي حتى أجمعت على أن لا أسمع منه شيئاً ولا أكلِّمه، حتى حشوت أذنيَّ حين غدوت إلى المسجد كُرْسُفاً فَرَقاً من أن يبلغني من قوله وأنا لا أريد أن أسمعه. إسلام طفيل بن عمرو قال: فغدوت إلى المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي عند الكعبة، قال: فقمت قريباً منه، فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله. قال: فسمعت كلاماً حسناً، قال فقلت في نفسي: واثُكلَ أمِّي، إِني لرجل لبيب شاعر ما يخفى عليَّ الحسن من القبيح، فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول؟ فإن كان الذي يأتي به حسناً قبلته، وإن كان قبيحاً تركته. فمكثت حتى انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته، فاتَّبعته حتى إذا دخل بيته دخلت عليه، فقلت: يا محمد، إنَّ قومك قالوا لي كذا وكذا - للذي قالوا لي -

رجوع طفيل إلى قومه داعيا لهم إلى الإسلام وتأييد الله له بآية

فوالله ما بَرحوا يخوِّفونني أمرك حتى سددتُ أذنيَّ بكُرسُف لئلا أسمعَ قولك، ثم أبى الله إلا أن يسمعنيه، فسمعت قلاً حسناً، فاعرضْ عليَّ أمرك. فعرض عليَّ الإِسلام، وتلا عليّ القرآن. قال: فوالله ما سمعت قولاً قط أحسن، ولا أمراً أعدل منه. قال: فأسلمت وشهدت شهادة الحق، وقلت: يا نبي الله، إنِّي امرؤ مطاع في قومي وأنا راجع إليهم وداعيهم إلى الإِسلام، فادعُ الله لي أن يجعل لي آية تكون لي عوناً عليهم فيما أدعوهم إليه. قال فقال: «اللهمَّ إجعل له آية» . رجوع طفيل إلى قومه داعياً لهم إلى الإِسلام وتأييد الله له بآية قال: فخرجت إلى قومي حتى إذا كنت بثَنِيَّة تُطلعني على الحاضر وقع نور بين عينيَّ مثل المصباح، قال: فقلت: اللَّهمَّ في غير وهي، فإني أخشى أن يظنُّوا أنَّها مُثْلَة وقعت في وجهي لفراق دينهم. قال: فتحوَّل فوقع في رأس سَوْطي، فجعل الحاضر يتراؤون ذلك النور في سوطي كالقنديل المعلَّق وأنا هابط إليهم من الثَنِيَّة، حتى جئتهم فأصبحت فيهم. دعوة طفيل لأيه وصاحبته وإسلامهما فلما نزلت أتاني أبي - وكان شيخاً كبيراً - قال: فقلت: إليكَ عنِّي يا أبت، فلستَ منِّي ولستُ منك. قال: ولمَ أيْ بُني؟ قال قلت: أسلمت وتابعت دين محمد صلى الله عليه وسلم قال أبي: ديني دينك، فاغتسل وطهَّر ثيابه، ثم جاء فعرضت عليه الإِسلام فأسلم. قال ثم أتتني صاحبتي فقلت لها: إليك عني فلستُ منك ولستِ منِّي، قالت: لِمَ بأبي أنت وأُمي؟ قال قلت: فرَّق بيني وبينك الإِسلام، فأسلمتْ، ودعوت دَوْساً إِلى الإِسلام فأبطأوا عليَّ. دعاؤه عليه السلام لدَوْس وإسلامهم وقدومهم مع طفيل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فقلت: يا نبي الله، إنَّه قد غلبني دَوْسٌ فدع الله عليهم فقال: «اللَّهم اهدِ دَوْساً، أرجع إلى قومك فادعهم وارفق

بهم» . قال: فرجعت فلم أزل بأرض دَوْس أدعوهم إلى الإِسلام حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وقضى بدراً وأُحداً والخندق. ثم قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن أسلم معي من قومي ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر، حتى نزلت المدينة بسبعين أو ثمانين بيتاً من دَوْس. وذكره في البداية عن ابن إسحاق مع زيادة يسيرة. قال في الإِصابة: ذكرها ابن إسحاق في سائر النسخ بلا إسناد؛ وروى في نسخة من المغازي من طريق صالح بن كَيْسانُ عن الطفيل بن عمرو في قصة إسلامه خبراً طويلاً. وأخرجه ابن سعد أيضاً مطوَّلاً من وجه آخر، وكذلك الأموي عن ابن الكلبي بإسناد آخر. انتهى مختصراً. وقد ساق ابن عبد البرِّ في الإستيعاب طريق الأموي عن ابن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس عن الطُفيل بن عمرو، فذكر قصّة إسلامه ودعوته لأبيه وزوجته وقومه وقدومه مكة بمعنى ما تقدّم، وزاد بعده: بعثه لتحريق صنم «ذي الكفَّين» ثم خروجه إلى اليمامة وما وقع له من الرؤيا في ذلك وقتله يوم اليمامة شهيداً. قال: في الإِصابة وذكر أبن الفرج الأصبهاني من طريق ابن الكلبي أيضاً أنَّ الطفيل لما قدم مكة ذكر له ناس من قريش أمر النبي صلى الله عليه وسلم وسأله أن يختبر حاله، فأتاه فأنشده من شعره، فتلا النبي صلى الله عليه وسلم الإِخلاص والمعوّذتين، فأسلم في الحال، وعاد إلى قومه، وذكر قصة سَوْطه ونُورِه. قال: فدعا أبويه إلى الإِسلام فأسلم أبوه، ولم تسلم أمه، ودعا قومه فأجابه أبو هريرة رضي الله عنه وحده. ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هل لك في حِصْن حصين وَمَنَعة؟ يعني أرض دَوْس. قال: ولما دعا النبي صلى الله عليه وسلم لهم قال له الطفيل: ما كنت أحبُّ هذا، فقال: «إنَّ فيهم مثلك كثيراً» . قال وكان جندب بن عمرو بن حممة بن عوف الدَّوْسي

إرسال الصحابة الأفراد والجماعة للدعوة

يقول في الجاهلية: إنَّ للخلق خالقاً لكني لا أدري من هو؟ فلما سمع بخبر النبي صلى الله عليه وسلم خرج ومعه خمسة وسبعون رجلاً من قومه فأسلم وأسلموا. قال أبو هريرة: فكان جندب يقدِّمهم رجلاً رجلاً - إنتهى. وقد تقدَّمت دعوة علي رضي الله عنه في قبيلة هَمْدان (ص 121) ، ودعوة خالد بن الوليد رضي الله عنه في بني الحارث بن كعب (ص 121) ، ودعوة أبي أُمامة رضي الله عنه في قومه (ص 117) . إرسال الصحابة الأفراد والجماعة للدعوة بعث هشام بن العاص وغيره إلى هرقل أخرج البيهقي في الدلائل عن أبي أُمامة الباهلي عن هشام بن العاص الأموي رضي الله عنهما قال: بُعثت أنا ورجل آخر إلى هرقل - صاحب الروم - بدعوة إلى الإِسلام، فخرجنا حتى قدمنا الغوطة - يعني: دمشق - فنزلنا على جَبَلَة بن الأيهم الغساني، فدخلنا عليه فإذا هو على سرير له. فأرسل ألينا برسول نكلِّمه، فقلنا: والله لا نكلِّم رسولاً، وإنما بُعثنا إلى الملك، فإن أذن لنا كلَّمناه، وإلا لم نكلِّم الرسول، فرجع إليه الرسول فأخبره بذلك. قال: فأذن لنا فقال: تكلَّموا، فكلمه هشام بن العاص ودعاه إلى الإِسلام، فإذا عليه ثياب سود. فقال له هشام: وما هذه التي عليك؟ فقال: لبستها وحلفت أن لا أنزعها حتى أخرجكم من الشام. قلنا: ومجلسك هذا فوالله لنأخذنَّه منك ولنأخذنَّ ملك الملك الأعظم إن شاء الله أخبرنا بذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قال: لستم بهم، بل هم قوم يصومون بالنهار ويقومون بالليل - فذكر الحديث بطوله كما سيأتي في باب التأييدات الغيبية. وأخرجه الحاكم أيضاً بطوله كما في التفسير لابن كثير بنحوه.

كتاب زياد بن الحارث الصدائي إلى قومه

وأخرج أبو نعيم في الدلائل (ص 9) عن موسى بن عُقبة القرشي) أن هشام بن العاص، ونُعيم بن عبد الله، ورجلاً آخر قد سماه، بُعثوا إلى ملك الروم زمن أبي بكر رضي الله عنه، قال: فدخلنا على جَبَلَة بن الأيهم وهو بالغوطة، فإذا عليه ثياب سود، وإذا كل شيء حوله أسود، فقال: يا هشام كلِّمْه، فكلَّمه ودعاه إلى الله تعالى - فذكر الحديث بطوله كما سيأتي. إرسال الصحابة الكتب للدعوة إلى الله والدخول في الإِسلام كتاب زياد بن الحارث الصُّدَائي إلى قومه أخرج البيهقي عن زياد بن الحارث الصُّدائي رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعته على الإِسلام، فأُخبرت أنَّه قدْ بعث جيشاً إلى قومي، فقلت: يا رسول الله، أردُدِ الجيش وأنا لك بإسلام قومي وطاعتهم. فقال لي: «إذهب فردَّهم» فقلت: يا رسول الله، إنَّ راحلتي قد كلَّت، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً فردَّهم. قال الصُّدائي: وكتبت إليهم كتاباً فقدم وفدهم بإسلامهم، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا أخا صُداء، إنَّك لمُطاع في قومك فقلت: بل الله هداهم للإِسلام. فقال: «أفَلا أُؤمرك عليهم؟» قلت: بلى يا رسول الله، قال: فكتب لي كتاباً أمَّرني. فقلت: يا رسول الله، مُرْ لي بشيء من صدقاتهم. قال: «نعم» فكتب لي كتاب آخر. قال الصُّدائي - وكان ذلك في بعض أسفاره - فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلاً فأتاه أهل ذلك المنزل يشكون عاملهم ويقولون: أَخَذَنا بشيء كان بيننا وبين قومه في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أوَ فعل ذلك؟» قالوا: نعم. فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلى أصحابه وأنا فيهم فقال: «لا خير في الإِمارة لرجل مؤمن» .

قال الصُّدائي: فدخل قوله في نفسي. ثم أتاه آخر فقال يا رسول الله، أعطني. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من سأل الناس عن ظهر غِنًى فصُداع في الرأس وداء في البطن» . فقال السائل: أعطني من الصدقة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنَّ الله لم يرضَ في الصدقات بحكم نبي ولا غيره حتى حكم هو فيها، فجزَّأها ثمانية أجزاء، فإِن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك» . قال الصُّدائي فدخل ذلك في نفسي أنِّي غني وأني سألته من الصدقة - فذكر الحديث، وفيه: فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة أتيته بالكتابين فقلت: يا رسول الله أعفني من هذين، فقال: «ما بدا لك» ، فقلت: سمعتك يا رسول الله تقول: لا خير في الإِمارة لرجل مؤمن» وأنا أؤمن بالله وبرسوله: وسمعتك تقول للسائل: «من سأل الناس عن ظهر غنًى فهو صُداع في الرأس وداء في البطن» ؛ وسألتك وأنا غني فقال: «هو ذاك، فإن شئت فاقبل وإن شئت فدَعْ» . فقلت: أدَعُ. فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم «فدُلَّني على رجل أؤمره عليكم» ، فدللته على رجل من الوفد الذين قدموا عليه فأمَّره عليه. كذا في البداية، وأخرجه أيضاً بطوله البغوي وابن عساكر؛ وقال: هذا حديث حسن؛ كما في الكنز. وأخرجه أحمد أيضاً بطوله، كما في الإِصابة، وأخرجه الطبراني أيضاً بطوله. قال الهيثمي: وفيه عبد الرحمن بن زياد بن أنْعم وهو ضعيف،

كتاب بجير بن زهير بن أبي سلمى رضي الله عنه إلى أخيه كعب

وقد وثَّقه أحمد بن صالح ورد على من تكلَّم فيه وبقية رجاله ثقات. كتاب بُجَير بن زهير بن أبي سُلمى رضي الله عنه إلى أخيه كعب أخرج الحاكم عن إبراهيم بن المنذر الحِزامي، عن الحجَّاج بن ذي الرُّقَيبة بن عبد الرحمن بن كعب بن زهير بن أبي سُلمى المُزَني، عن أبيه عن جدّه قال: خرج كعب وبُجَير إبنا زهير حتى أتيا أبرق العزّاف. فقال بجَير لكعب: أثبت في عجل هذا المكان حتى آتي هذا الرجل - يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ فأسمع ما يقول. فثبت كعب وخرج بُجَير فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض عليه الإِسلام فأسلم، فبلغ ذلك كعباً فقال: ألا أبلغا عني بُجيراً رسالةً على أيِّ شيء وَيْب غيرك دلَّكا على خُلُقٍ لم تُلفِ أماً ولا أباً عليه ولم تدرك عليه أخاً لكا سقاك أبو بكر بكأس روية وأنهلك المأمون منه وعلَّكا فلما بلغت الأبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدر دمه فقال: «من لقي كعباً فليقتلْه» . فكتب بذلك بُجَير إلى أخيه يذكر له أنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أهدر دمه ويقول له: النجاءَ وما أراكَ تُفلت. ثم كتب إِليه بعد ذلك: اعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأتيه أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله إِلا قبل ذلك. فإذا جاءك كتابي هذا فأسلم

وأقْبِل. فأسلم كعب وقال قصيدته التي يمدح فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أقبل حتى أناخ راحلته بباب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه مكان المائدة من القوم متحلِّقون معه حلقة دون حلقة، يلتفت إلى هؤلاء مرَّة فيحدثهم، وإلى هؤلاء مرة فيحدثهم. قال كعب: فأنخت راحلتي بباب المسجد فعرفت رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفة، فتخطَّيت حتى جلست إِليه فأسلمت فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأنَّك رسول الله، الأمانَ يا رسول الله. قال: «ومن أنت» قلت: أنا كعب بن زهير قال: «أنت الذي تقول» ثم التفت إلى أبي بكر، فقال: «كيف قال يا أبا بكر؟» فأنشده أبو بكر رضي الله عنه: سقاك أبو بكر بكأس رويّة وأنهلك المأمور منها وعلَّكا قال: يا رسول الله، ما قلت هكذا. قال: «وكيف قلت؟» قال: إنما قلت: سقاك أبو بكر بكأس روية وأنهلك المأمون منها وعلَّكا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «مأمون والله» ثم أنشده القصيدة كلَّها حتى أتى على آخرها - فذكر القصيدة. وأخرج الحاكم أيضاً عن إبراهيم بن المنذر عن محمد بن فليح عن موسى بن عقبة قال: أنشد النبي صلى الله عليه وسلم كعبُ بن زهير «بانت سعاد» في مسجده بالمدينة فلما بلغ قوله: إنَّ الرسول لَسَيْفٌ يُستضاء به وصارم من سيوف الله مسلول في فتية من قريش قال قائلهم ببطن مكة لما أسلموا زُولوا

أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بكمه إِلى أُخخيه كعب بن زهير بن أبي سلمى يخوِّفه ويدعوه إلى الإِسلام وقال فيها أبياتاً: من مبلغٌ كعباً؟ فهل لك في التي تلوم عليها باطلاً؟ وهي أحزم إلى الله لا العزَّى ولا اللات وحدَه فتنجو إذا كان النَّجاء وتسلم لدى يومِ لا ينجو وليس بمفلتٍ من النار إلا طاهرُ القلب مسلم فدين زهيرٍ وهو لا شيء باطلٌ ودين أبي سُلمى عليَّ محرّم قال الحاكم هذا حديث له أسانيد قد جمعها إبراهيم بن المنذر الحزامي. فأما حديث محمد بن فليح عن موسى بن عقبة، وحديث الحجاج بن ذي الرقيبة فإنهما صحيحان، وقد ذكرهما محمد بن إسحاق القرشي في المغازي مختصراً - فذكره بإسناده إلى ابن إسحاق. وأخرجه الطبراني أيضاً عن ابن إسحاق، قال الهيثمي: ورجاله إِلى ابن إسحاق ثقات. انتهى. وأخرجه أيضاً ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني عن يحيى بن عمرو بن جريج عن إبراهيم بن المنذر عن الحجَّاج - فذكره بمعنى ما تقدم - كما في الإِصابة. وأخرجه أيضاً البيهقي عن ابن المنذر بإسناده مثله؛ كما في البداية.

كتاب خالد بن الوليد إلى أهل فارس

كتاب خالد بن الوليد إلى أهل فارس أخرج الطبراني عن أبي وائل رضي الله عنه قال: كتب خالد بن الوليد رضي الله عنه إِلى أهل فارس يدعوهم إِلى الإِسلام: «بسم الله الرحمن الرحيم. من خالد بن الوليد إِلى رستم ومهران وملأ فارس، سلام على من اتَّبع الهدى. أما بعد: فإنَّا ندعوكم إِلى الإِسلام، فإن أبيتم فأعطوا الجزية عن يد وأنتم صاغرون، فإن أبيتم فإن معي قوماً يحبُّون القتل في سبيل الله كما تحب فارس الخمر. والسلام على من اتبع الهدى» . قال الهيثمي: رواه الطبراني وإسناده حسن أو صحيح. انتهى. كتاب خالد بن الوليد إلى أهل المدائن وأخرجه الحكم أيضاً في المستدرك عن أبي وائل بنحوه؛ وأخرج ابن جرير عن مجالد عن الشعبي قال: أقرأني بنو بُقَيلة كتاب خالد بن الوليد إِلى أهل المدائن: «من خالد بن الوليد إِلى مرازبة أهل فارس. سلام على من اتَّبع الهدى. أما بعد: فالحمد لله الذي فَضَّ خَدَمتكم، وسلب ملككم، ووهّن كيدكم، وإنه من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم الذي له ما لنا وعليه ما علينا. أما بعد: فإذا جاءكم كتابي فابعثوا إِليّ بالرُّهُن، واعتقدوا مني الذمَّة، وإلا فوالذي لا إِله غيره لأبعثن إِليكم قوماً يحبون الموت كما

كتاب خالد بن الوليد إلى هرمز

تحبون الحياة» . فلما قرأوا الكتاب أخذوا يتعجبون وذلك سنة إثنتي عشرة. كتاب خالد بن الوليد إِلى هُرْمز وأخرج ابن جرير في تاريخه أيضاً عن المجالد عن الشعْبي قال: كتب خالد رضي الله عنه إلى هُرْمز قبل روجه مع أزاذِبَة أبي الزياذبة الذين باليمامة، وهرمز صاحب الثغر يومئذٍ: «أما بعد: فأسلم تسلم، أو أعتقد لنفسك وقومك الذمة، وأقرر بالجزية، وإلا فلا تلومنَّ إِلا نفسك، فقد جئتك بقوم يحبون الموت كما تحبون الحياة» . وذكر ابن جرير أيضاً بإسناده أنَّ خالداً لما غلب على أحد جانبي السَّواد دعا من أهل الحيرة برجل، وكتب معه إلى أهل فارس وهم بالمدائن مختلفون متساندون لموت أردشير؛ إلا أنَّهم قد أنزلوا بَهْمَن جاذَوَيه ببَهُرسِير وكأنه على المقدمة، ومع بَهْمن جاذويه الأزاذبة في أشباه له، ودعا صلوباً برجل وكتب معهما بكتابين: فأما أحدهما فإلى الخاصة، وأما الآخر فإلى العامة، أحدهما حِيرِي والآخر نَبَطي. ولما قال خالد لرسول أهل الحيرة: ما اسمك؟ قال: مُرَّة. قال خذ الكتاب فأتِ به أهل فارس لعل الله أن يُمرَّ عليهم عيشهم أو يسلموا أو يُنيبوا. وقال لرسول أهل الحيرة: ما اسمك؟ قال: مخرَّة. قال خذ الكتاب فأتِ به أهل فارس لعل الله أن يُمرَّ عليهم عيشهم أو يسلموا أو يُنيبوا. وقال لرسول صلوبا: ما اسمك؟ قال: هِزْقيل. قال: فخذ الكتاب، وقال: اللَّهمَّ أزهق نفوسهم. قال ابن جرير: والكتابان. «بسم الله الرحمن الرحيم. من خالد بن الوليد إِلى ملوك فارس. أما بعد: فالحمد لله الذي حلَّ نظامكم، ووهَّن كيدكم، وفرَّق كلمتكم، ولو لم

دعوة الصحابة رضي الله عنهم في القتال في عهد النبي صلى الله عليه وسلم

يفعل ذلك بكم كان شرّاً لكم، فادخلوا في أمرنا نَدَعْكم وأرضكم ونجوزكم إلى غيركم، وإلا كان ذلك وأنتم كارهون على غَلَب، على أيدي قوم يحبّون الموت كما تحبون الحياة» . «بسم الله الرحمن الرحيم. من خالد بن الوليد إِلى مرازبة فارس. أما بعد: فأسلموا تسلموا، وإلا فاعتقدوا مني الذمّة، وأدُّوا الجزية، وإِلا فقد جئتكم بقوم يحبُّون الموت كما تحبُّون شرب الخمر. انتهى» . دعوة الصحابة رضي الله عنهم في القتال في عهد النبي صلى الله عليه وسلم دعوة الحارث بن مسلم التميمي أخرج الحسن بن سفيان وأبو نُعَيم عن عبد الرحمن بن حسان الكِتَاني: حدثني مسلم بن الحارث بن مسلم التميمي، أنَّ أباه حدَّثه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلهم في سريَّة. قال: فلما بلغنا المُغار استحثثتُ فرسي، وتبعت أصحابي، واستقبلنا الحيَّ بالرنين. فقلت لهم: وقولوا: لا إله إلا الله تُحرِزُوا، فقالوها: وجاء أصحابي فلاموني وقالوا: حرمتنا الغنية بعد أن بردت في أيدينا فلما قفلنا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاني فحسَّن ما صنعت، وقال: «أما إنَّ الله قد كتب لك من كل إنسان منهم كذا وكذا» . قال عبد الرحمن: فأنا سبب ذلك، قال: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أما إنِّي سأكتب لك كتاباً وأوصي بك من يكون بعدي من أئمة المسلمين» ففعل وختم عليه ودفعه إِليَّ وقال لي: «إذ صلَّيت الغَداة فقل قبل أن تكلِّم أحداً: اللَّهمَّ أجرني من النار سبع

دعوة كعب بن عمير الغفاري

مرات، فإنك إن متَّ من يومك ذلك كتب الله لك جواراً من النَّار» . فلما قبض الله رسوله صلى الله عليه وسلم أتيت أبا بكر رضي الله عنه ففضَّه فقرأه وأمر لي وختم عليه. ثم أتيت به عمر رضي الله عنه ففعل مثل ذلك. ثم أتيت عثمان رضي الله عنه ففعل مثل ذلك. قال مسلم بن الحارث فتوفي الحارث في خلافة عثمان رضي الله عنه، فكان الكتاب عندنا حتى ولي عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، فكتب إلى عامل قِبَلنا أنْ أشْحِص لي مسلم بن الحارث بن مسلم التميمي بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كتبه لأبيه. فشخصت به إليه فقرأه وأمر لي وختم عليه؛ كذا في كنز العمال؛ والمنتخب. دعوة كعب بن عمير الغفاري وأخرج الواقدي عن محمد بن عبد الله الزُّهْري قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم كعب بن عُمير الغِفاري رضي الله عنه في خمسةَ عشرَ رجلاً حتى انتهوا إلى ذات أطْلاح من الشام، فوجدوا جمعاً من جمعهم كثيراً، فدَعوهم إلى الإِسلام لم يستجيبوا لهم ورشقوهم بالنبل. فلما رأى ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلوهم أشدَّ القتال حتى قُتلوا، فارْتُثَّ منهم رجل جريج في القتلى، فلما أن بَرَد عليه الليل تحامل حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهمَّ بالبَعْثة إِليهم، فبلغه أنَّهم ساروا إلى موضع آخر. كذا في البداية وأخرجه ابن سعد في الطبقات عن الواقدي عن محمد بن عبد الله عن

دعوة ابن أبي العوجاء

الزهري بمثله، وهكذا ذكره ابن إسحاق عن عبدا لله بن أبي بكر وأن كعب بن عمير قتل يومئذٍ، وذكره أيضاً موسى بن عقبة عن ابن شهاب، وأبو الأسود عن عروة؛ كما في الإِصابة وقال ذكره ابن سعد في الطبقة الثالثة أنَّ قصته كانت في ربيع الأول سنة ثمان. دعوة ابن أبي العوجاء وأخرج البيهقي من طريق الواقدي عن محمد بن عبد الله بن مسلم عن الزُّهري قال: لمَّا رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمرة القضيَّة رجع في ذي الحِجَّة من سنة سبع، فبعث ابن أبي العَوْجاء السُّلمي رضي الله عنه في خمسين فارساً، فخرج العين إلى قومه فحذَّرهم وأخبرهم، فجمعوا جمعاً كثيراً، وجاءهم ابن أبي العَوْجاء والقوم مُعِدُّون. فلما أن رأوهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأوا جمعهم دعَوْهم إلى الإِسلام، فرشقوهم بالنبل ولم يسمعوا قولهم، وقالوا: لا حاجة لنا إلى ما دعوتم إليه فرمَوهم ساعة، وجعلت الأمداد تأتي حتى أحدقوا بهم من كل جانب؛ فقاتل القوم قتالاً شديداً حتى قُتل عامتهم، وأصيب بن أبي العَوْجاء بجراحات كثيرة، فتحامل حتى رجع إِلى

بعث الجنود نحو الشام

المدينة بمن بقي معه من أصحابه في أول يوم من شهر صفر سنة ثمان. كذا في البداية؛ وذكره ابن سعد في الطبقات بمثله بلا إِسناد. دعوة الصحابة إلى الله ورسوله في القتال في عهد أبي بكر، ووصية أبي بكر الأمراء بذلك أمر أبي بكر أمراءه بالدعوة حين بعث الجنود نحو الشام أخرج البيهقي وابن عساكر عن سعيد بن المسيِّب: أنَّ أبا بكر رضي الله عنه لما بعث الجنود نحو الشام أمَّر يزيد بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، وشرحبيل بن حسنة، ولما ركبوا مشى أبو بكر مع أمراء جنوده يودِّعهم حتى بلغ ثَنِيَّة الوداع، فقالوا: يا خليفة رسول الله، تمشي ونحن ركبان؟ فقال: إِني أحتسب خطاي هذه في سبيل الله. ثم جعل يوصيهم فقال: «أوصيكم بتقوى الله، أغزُوا في سبيل الله، فقاتلوا من كفر بالله، فإنَّ الله ناصرٌ دينَه، ولا تَغُلُّوا، ولا تغدِروا، ولا تجبنوا، ولا تُفسدوا في الأرض، ولا تعصوا ما تؤمرون. فإذا لقيتم العدو من المشركين - إن شاء الله - فادعوهم إلى ثلاث؛ فإن هم أجابوكم فاقبلوا منهم وكفُّوا عنهم: أدعوهم إلى الإِسلام، فإن هم أجابوكم فاقبلوا منهم وكفُّوا عنهم: أدعوهم إلى الإِسلام، فإن هم أجابوكم فاقبلوا منهم وكفُّوا عنهم. ثم أدعوهم إلى التحوُّل من دارهم إلى دار المهاجرين، فإن هم فعلوا فأخبروهم أن لهم مثل ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، وإن هم دخلوا في الإِسلام واختاروا دارهم على دار المهاجرين، فأخبروهم أنَّهم كأعراب المسلمين، يجري عليهم حكم الله الذي فرض على المؤمنين، وليس لهم في الفيء والغنائم شيء حتى يجاهدوا مع

المسلمين. فإن هم أبَوا أن يدخلوا في الإِسلام فادعوهم إلى الجزية، فإن هم فعلوا فاقبلوا منهم وكفُّوا عنهم، وإن هم أبَوا فاستعينوا بالله عليهم فقاتلوهم إن شاء الله. ولا تُعرقُنَّ نخلاً، ولا تحرقُنَّها، ولا تعقروا البهيمة ولا شجرة ثمر، لا تهدموا بِيْعة، ولا تقتلوا الولدان ولا الشيوخ ولا النساء. وستجدون أقواماً حبسوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما حبسوا أنفسهم له، وستجدون آخرين اتخذوا للشيطان في أوساط رؤوسهم أفحاصاً، فإذا وجدتم أولئك فاضربوا أعناقهم إن شاء الله» . كذا في كنز العمال. وأخرجه مالك وعبد الرزاق والبيهقي وابن أبي شيبة عن يحيى بن سعيد، والبيهقي عن صالح بن كيسان، وابن زَنْجويه عن ابن عمر رضي الله عنهما مختصراً. كما في الكنز (2295 و 296) .

أمر أبي بكر خالدا حين بعثه إلى المرتدين

أمر أبي بكر خالداً حين بعثه إِلى المرتدين وأخرج البيهقي عن عروة أنَّ أبا بكر الصدِّيق رضي الله عنه أمر خالد بن الوليد رضي الله عنه حين بعثه إلى من ارتدَّ من العرب أن يدعوهم بدعاية الإِسلام، ويبينهم بالذي لهم فيه وعليهم ويحرص على هُداهم، فمن أجابه من النَّاس كلِّهم أحمرهم وأسودهم كان يقبل ذلك منه، بأنه إنما يقاتل من كفر بالله على الإِيمان بالله، فإذا أَجاب المدعو إلى الإِسلام وصدق إيمانه لم يكن عليه سبيل وكان الله هو حسيبه، ومن لم يجبه إلى ما دعاه إِليه من الإِسلام ممَّن يرجع عنه أن يقتله. كذا في الكنز. دعوة خالد بن الوليد لأهل الحيرة وأخرج ابن جرير الطبري عن ابن حُمَيد، عن سلمة، عن ابن إسحاق، عن صالح بن كيسان: أنَّ خالداً نزل الحيرة فخرج إليه أشرافها مع قبيصة بن إياس بن حيَّة الطائي - وكان أمَّره عليه كسرى بعد النعمان بن المنذر - فقال له خالد ولأصحابه: أدعوكم إِلى الله وإلى الإِسلام، فإن أجبتم إِليه فأنتم من المسلمين لكم ما لهم وعليكم ما عليهم، فإن أبيتم فالجزية، فإن أبيتم فالجزية فقد أتيتكم بأقوام هم أحرص على الموت منكم على الحياة؛ جاهدناكم حتى يحكم الله بيننا وبينكم. فقال له قبيصة: ما لنا بحربك من حاجة، بل نقيم على ديننا ونعطيكم الجزية. فصالحهم على تسعين ألف درهم.

دعوة خالد للأمير الرومي جرجة يوم اليرموك وقصة إسلامه

وأخرجه البيهقي من طريق يونس بن بُكَير عن ابن إسحاق وفيه: فقال خالد: أدعوكم إلى الإِسلام، وإلى أن تشهدوا أن لا إله إلا الله وحده وأن محمداً عبده ورسوله، وتُقيموا الصلاة، وتُؤتوا الزكاة، وتقرُّوا بأحكام المسلمين، على أنَّ لكم مثلَ ما لهم وعليكم مثل ما عليهم. فقال هانىء: وإن لم أشأ ذلك فَمَه؟ قال: فإن أبيتم ذلك أديتم الجزية عن يدٍ. قال: فإن أبينا ذلك؟ قال: فإن أبيتم ذلك وطئتكم بقوم الموت أحب إليهم من الحياة إليكم. فقال هانىء: أجِّلنا ليلتنا هذه فننظر في أمرنا، قال: قد فعلت. فلما أصبح القوم غدا هانىء فقال: إنه قد أجمع أمرنا على أن نؤدِّي الجزية، فهلمَّ فلأصالحك - فذكر القصة. وقال في البداية أيضاً: لمَّا تقارب الناس يوم اليرموك تقدّم أبو عبيدة ويزيد بن أبي سفيان ومعهما ضرار بن الأزور، والحارث بن هشام وأبو جندل بن سهيل ونادوا: إنَّما نريد أميركم لنجتمع به، فأُذن لهم للدخول على تذارق، وإِذا هو جالس في خيمة من حرير، فقال الصحابة: لا نستحلُّ دخولها. فأمر لهم بفرش بسط من حرير، فقالوا: ولا نجلس على هذه، فجلس معهم حيث أحبُّوا، وتراضوا على الصلح، ورجع عنهم الصحابة بعدما دعوهم إلى الله عزّ وجلّ فلم يتمَّ ذلك. دعوة خالد للأمير الرومي جَرجَة يوم اليرموك وقصة إسلامه وذكر في البداية عن الواقدي وغيره قالوا: خرج جَرَجَة - أحد الأمراء

الكبار - من الصفِّ - أي يوم اليرموك - واستدعَى خالد بن الوليد، فجاء إليه حتى اختلفت أعناق فرسيهما، فقال جَرَجَة: يا خالد، أخبرني فاصدقني ولا تَكذبني، فإن الحرّ لا يكذب، ولا تخادعني فإن الكريم لا يخادع المسترسل بالله: هل أنزل الله على نبيِّكم سيفاً من السماء فأعطاكَه فلا تسلَّه على أحد إلا هزمتهم؟ قال: لا، قال فبِمَ سُمِّيت سيف الله؟ قال: إنَّ الله بعث فينا نبيَّه فدعانا فنفرنا منه ونأينا عنه جميعاً، ثم إنَّ بعضنا صدَّقه وتابعه وبعضنا كذَّبه وباعده، فكنت فيمن كذَّبه وباعده. ثم إنَّ الله أخذ بقلوبنا ونواصينا فهدانا به وبايعناه. فقال لي: «أنت سيف من سيوف الله سلَّه الله على المشركين» ودعا لي بالنَّصر، فسُمِّيتُ سيف الله بذلك، فأنا من أشد المسلمين على المشركين. فقال جَرَجَة: يا خالد إِلامَ تدعون؟ قال: إلى شهادة أن لا إِله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، والإِقرار بما جاء به من عند الله عزّ وجلّ. قال: فمن لم يجبكم؟ قال: فالجزية ونمنعهم. قال: فإن لم يعطِها قال: نُؤذِنُه بالحرب ثم نقاتله. قال: فما منزلة من يجيبكم ويدخل في هذا الأمر اليوم؟ قال: منزلتنا واحدة فيما افترض الله علينا شريفنا ووضيعنا وأولنا وآخرنا قال جَرَجَة: فلِمَنْ دخل فيكم اليوم من الأجر مثل ما لكم من الأجر والذُّخر؟ قال: نعم وأفضل. قال: وكيف يساويكم وقد سبقتموه؟ فقال خالد: إِنَّا قبلنا هذا الأمر عَنْوة وبايعنا نبينا وهو حيٌّ بين أظهرنا تأتيه أخبار السماء يخبرنا بالكتاب ويرينا الآيات؛ وحقٌّ لمن رأى ما رينا وسمع ما سمعنا أن يسلم ويبايع؛ وإنَّكم أنتم لم تروا ما رأينا ولم تسمعوا ما سمعنا من العجائب والحجج؛ فمن دخل في هذا الأمر منكم بحقيقة ونيّة كان أفضل منّا. فقال جَرَجَة: بالله لقد صدقتني ولم تخادعني؟ قال: تالله لقد صدقتك، وإنَّ الله وليّ ما سألت عنه. فعند ذلك قَلَبَ جَرَجَة الترس ومال مع خالد وقال: علّمني الإِسلام. فمال به خالد إلى فسطاطه فشنّ عليه قِربةً من ماء ثم صلَّى به ركعتين. وحملت الروم مع إنقلابه إلى خالد وهم يَرَون أنَّها منه حملة، فأزالوا المسلمين عن مواقفهم إِلا المُحامية عليهم عِكرمة بن أبي جهل والحارث بن هشام.

دعوة الصحابة إلى الله ورسوله في القتال في عهد عمر رضي الله عنه

فركب خالد وجَرَجَة معه والروم خلال المسلمين، فتنادَى الناس وثابوا، وتراجعت الروم إلى مواقفهم، وزحف خالد بالمسلمين حتى تصافحوا بالسيوف، فضرب فيهم خالد وجَرَجَة من لدن ارتفاع النهار إلى جنوح الشمس للغروب، وصلَّى المسلمون صلاة الظهر وصلاة العصر إيماءً، وأصيب جَرَجَة - رحمه الله - ولم يصلِّ لله إلا تلك الركعتين مع خالد رضي الله عنهما. وقال الحافظ في الإِصابة: ذكره ابن يونس الأزدي في فتوح الشام، ومن طريق أبي نُعَيم في الدلائل وقال: جرجير، وقال سَيْف بن عمر في الفتوح: جَرَجَة، وذكر أنه أسلم على يدي خالد بن الوليد واستشهد باليرموك؛ وذكر قصته أبو حذيفة إسحاق بن بشر في الفتوح أيضاً لكن لم يسمِّه. انتهى. وذكر في البداية عن خالد رضي الله عنه أنَّه قام في الناس خطيباً، فرغَّبهم في بلاد الأعاجم، وزهدهم في بلاد العرب، وقال: ألا تَرون ما ها هنا من الأطعمات، وبالله لو لم يلزمْنا الجهاد في سبيل الله والدعاء إِلى الإِسلام ولم يكن إلا المعاش - لكان رأيٌ أن نقاتل على هذا الريف حتى نكون أولى به، ونُولي الجوع والإِقلال من تولاه ممن أثَّاقل عما أنتم عليه - انتهى. وأسنده ابن جرير في تاريخه من طريق سَيْف عن محمد بن أبي عثمان بنحوه. دعوة الصحابة إلى الله ورسوله في القتال في عهد عمر رضي الله عنه ووصيته الأمراء بذلك كتاب عمر إلى سعد لدعوة الناس إلى الإِسلام ثلاثة أيام أخرج أبو عُبَيْد عن يزيدَ بن أبي حبيب قال: كتب عمر بن الخطاب

دعوة سلمان الفارسي يوم القصر الأبيض ثلاثة أيام

إلى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما: أني قد كنت كتبت إليك أن تدعو الناس إلى الإِسلام ثلاثة أيام، فمن استجاب لك قبل القتال فهو رجل من المسلمين، له ما للمسلمين وله سهم في الإسلام، ومن استجاب لك بعد القتال أو بعد الهزيمة فمالُه فيء للمسلمين لأنَّهم كانوا قد أحرزوه قبل إسلامه. فهذا أمري وكتابي إليك؛ كذا في الكنز. دعوة سلمان الفارسي يوم القصر الأبيض ثلاثة أيام وأخرج أبو نعيم في الحلية عن أبي البَختري: أنَّ جيشاً من جيوش المسلمين كان أميرهم سلمان الفارسي رضي الله عنه، فحاصروا قصراً من قصور فارس، فقالوا: يا أبا عبد الله، ألا نَنْهد إليهم؟ قال: دعوني أدعوهم كما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم، فقال لهم: أنا رجل منكم فارسي أَتَرَون العرب تطيعني، فإن أسلمتم فلكم مثل الذي لنا وعليكم مثل الذي علينا، وإن أبيتم إلا دينَكم تركناكم عليه وأعطيتمونا الجزية عن يَدٍ وأنتم صاغرون - قال ورطَنَ إليهم بالفارسية وأنتم غير محمودين - وإن أبيتم نابذناكم على سواء. فقالوا: ما نحن بالذي نؤمن، وما نحن بالذي نعطي الجزية، ولكنا نقاتلكم. قالوا: يا أبا عبد الله، ألا ننهد إليهم؟ قال: لا، فدعاهم ثلاثة أيام إلى مثل هذا. ثم قال: انهدوا إليهم فنهدوا إليهم. قال ففتحوا ذلك الحصن. وأخرجه أيضاً أحمد في مسنده والحاكم في المستدرك كما في نَصْب الراية بمعناه وفيه: فلما كان في اليوم الرابع أمر الناس فغدَوا إليها ففتحوها.

دعوة المغيرة بن شعبة لرستم

وأخرجه ابن أبي شيبة كما في الكنز. وأخرجه أيضاً ابن جرير عن أبي البَختري قال: كان رائدَ المسلمين سلمانُ الفارسي، وكان المسلمون قد جعلوه داعيةَ أهل فارس. قال عطية: وقد كانوا أمروه بدعاء أهل بَهُرَسير، وأمَّروه يوم القصر الأبيض، فدعاهم ثلاثاً - فذكر الحديث في دعوة سلمان رضي الله عنه بمعناه. دعوة النعمان بن مقرِّن وأصحابه لرستم يوم القادسية وذكر ابن كثير في البداية أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه بعث جماعة من السادات منهم: النُّعمان بن مُقرِّن، وفُرَات بن حيَّان، وحنظلة بن الربيع التميمي، وعُطارد بن حاجب، والأشعث بن قيس، والمغيرة بن شعبة. وعمرو بن معدِ يكَرِب، رضي الله عنهم، يدعون رُستم إلى الله عزّ وجلّ. فقال لهم رُستم: ما أقدمكم؟ فقالوا: جئنا لموعود الله إيانا أخذ بلادكم، وسبي نسائكم وأبنائكم، وأخذ أموالكم، فنحن على يقين من ذلك. وقد رأى رُستم في منامه كأن مَلَكاً نزل من السماء فختم على سلاح الفرس كلِّه، ودفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمر رضي الله عنه. دعوة المغيرة بن شعبة لرستم وقال سيف عن شيوخه: ولمَّا تواجه الجيشان بعث رُستم إلى سعد رضي الله عنه عنه أن يبعث إليه برجل عاقل عالم بما أسأله عنه، فبعث إليه المغيرةَ بن شعبة. فلما قدم إليه جعل رُستم يقول له: إنكم جيرانُنا وكنا نحسن إليكم ونكف الأذى عنكم، فارجعوا إِلى بلادكم لا نمنع تجارتكم من الدخول إلى

دعوة ربعي بن عامر لرستم

بلادنا. فقال له المغيرة: إنا ليس طلبنا الدنيا وإِنما همنا وطلبنا الآخرة، وقد بعث الله إلينا رسولاً، قال له: إنِّي قد سلطت هذه الطائفة على من لم يَدنِ بديني، فأنا منتقم بهم منهم، وأجعل لهم الغلبة ما داموا مُقرِّين به، وهو دين الحق لا يرغب عنه أحد إلا ذلّ، ولا يعتصم به إلا عزّ. فقال له رُستم: فما هو؟ فقال: أما عموده الذي لا يصلح شيء منه إلا به فشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والإِقرار بما جاء من عند الله. فقال: ما أحسن هذا وأي شيء أيضاً؟ قال: وإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله، قال: وحَسَنٌ أيضاً. وأي شيء أيضاً؟ قال: والناس بنو آدم فهم أخوة لأب وأم. قال: وحسن أيضاً. قال: ولما خرج المغيرة من عنده ذكرَ رستم رؤساء قومه في الإِسلام، فأنفوا ذلك وأبَوا أن يدخلوا فيه، قبَّحهم الله وأخزاهم وقد فعل. دعوة رِبْعي بن عامر لرستم قالوا: ثم بعث إليه سعد رضي الله عنه رسولاً آخر بطلبه وهو ربعي بن عامر، فدخل عليه وقد زيَّنوا مجلسه بالنَّمارق المذهَّبة، والزَّرابي الحرير، وأظهر اليواقيت واللآلىء الثمينة والزينة العظيمة، وعليه تاجه وغير ذلك من الأمتعة الثمينة، وقد جلس على سرير من ذهب. ودخل ربعي بثياب صفيقة وسيف وترس وفرس قصيرة، ولم يزل راكبَها حتى داس بها على طرف البساط، ثم نزل وربطها ببعض تلك الوسائد، وأقبل وعليه سلاحُه ودرعه وبيضتُه على رأسه. فقالوا له: ضع سلاحك فقال: إني لم آتِكم وإِنّم جئتكم حين دعوتموني، فإنما تركتموني هكذا وإِلا رجعت. فقال رستم: إئذنوا له، فأقبل يتوكأ على رمحه فوق النَّمارق فخرَّق عامتها، فقالوا له: ما جاء بكم؟ فقال: الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضِيق الدنيا إلى

سعَتَها، ومن جَوْر الأديان إلى عدل الإِسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه؛ فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه، ومن أبى قاتلناه أبداً حتى نفضيَ إلى موعود الله، قالوا: وما موعودُ الله؟ قال: الجنة لمن مات على قتال من أبى، والظفر لمن بقي. فقال رستم: لقد سمعت مقالتكم فهل لكم أن تؤخروا هذا الأمر حتى ننظر فيه وتنظروا؟ قال: نعم، كم أحبُّ إليكم؟ يوماً أو يومين، قال: لا بل حتى نكاتب أهل رأينا ورؤساء قومنا. فقال: ما سنَّ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نؤخِّر الأعداء عند اللقاء أكثر من ثلاث، فانظر في أمرك وأمرهم، واختر واحدة من ثلاث بعد الأجل. فقال: أسيِّدهم أنت؟ قال: لا، ولكن المسلمون كالجسد الواحد يُجير أدناهم على أعلاهم. فاجتمع رستم برؤساء قومه فقال: هل رأيتم قط أعزَّ وأرجح من كلام هذا الرجل؟ فقالوا: معاذ الله أن تميل إِلى شيء من هذا وتدع دينك إلى هذا الكلب أما ترى إلى ثيابه؟ فقال: ويلَكم لا تنظروا إلى الثياب، وانظروا إلى الرأي والكلام والسيرة، إن العرب يستخفُّون بالثياب والمأكل ويصونون الأحساب. دعوة حذيفة بن محصن والمغيرة بن شعبة لرستم في اليوم الثاني والثالث ثم بعثوا في اليوم الثاني رجلاً، فبعث إليهم حذيفة بن محصَنَ فتكلم نحو ما قال رِبعي، وفي اليوم الثالث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه فتكلم بكلام حسن طويل، قال فيه رُستم للمغيرة: إنَّما مثلكم في دخولكم أرضنا كمثل الذباب رأى العسل، فقال: من يوصلني إِليه وله درهمان؟ فلما سقط عليه غرق فيه، فجعل يطلب الخلاص فلا يجده، وجعل يقول من يخلِّصني وله أربعة دراهم؟ ومثلكم كمثل ثعلب ضعيف دخل جُحْراً في كرم، فلما رآه صاحب الكرم ضعيفاً رحمه فتركه، فلما سمِن أفسد شيئاً كثيراً، فجاء بخشبة واستعان عليه بغلمانه، فذهب ليخرج فلم يستطع لِسَمْنه فضربه حتى

بعث سعد طائفة من أصحابه إلى كسرى للدعوة قبل الوقعة

قلته، فهكذا تخرجون من بلادنا. ثم استشاط غضباً، وأقسم بالشمس لأقتلَّنكم غداً. فقال المغيرة: ستعلم. ثم قال رستم للمغيرة: قد أمرت لكم بكسوة ولأميركم بألف دينار وكسوة ومركوب وتنصرفون عنا. فقال المغيرة أبعدَ أن أوهنَّا مُلْككم وضعَّفنا عزَّكم؟ ولنا مدة نحو بلادكم ونأخذ الجزية منكم عن يد وأنتم صاغرون وستصيرون لنا عبيداً علىء رَغْمِكم. فلما قال ذلك استشاط غضباً - انتهى في البداية. وأخرجه الطبري عن ابن الرُّفَيْل عن أبيه وعن أبي عثمان النَّهدي وغيرهما - فذكر دعوة زُهْرة والمغيرة ورِبْعي وحذيفة - رضي الله عنهم بطوله بمعنى ما تقدم. بعث سعد طائفة من أصحابه إلى كسرى للدعوة قبل الوقعة وأخرج ابن جرير عن حسين بن عبد الرحمن قال: قال أبو وائل: جاء سعد رضي الله عنه حتى نزل القادسية ومعه الناس قال: لا أدري لعلَّنا لا نزيد على سبعة آلاف أو ثمانية آلاف والمشركون ثلاثون ألفاً - كذا في هذه الرواية؛ وذكر في البداية عن سَيْف وغيره أنهم كانوا ثمانين ألفاً. وفي رواية: كان رُستم في مائة ألف وعشرين ألف يتبعها ثمانون ألفاً، وكان معه ثلاثة وثلاثون فيلاً منها فيل أبيض كان لسابور فهو أعظمها وأقدمها، وكانت الفيلة تألفه. انتهى؛ ونحو ذلك. فقالوا: لا يَدَ لكم ولا قوة ولا سلاح ما جاء بكم؟ إرجعوا. قال قلنا:

ما نحن براجعين. فكانوا يضحكون من نبلنا ويقولون: «دُوك دُوك» ويشبهونها بالمغازل. فلمَّا أبينا عليهم أن نرجع قالوا: إبعثوا إلينا رجلاً من عقلائكم يبين لنا ما جاء بكم؟ فقال المغيرة بن شعبة: أن، فعبر إليهم فقعد مع رُستم على السرير، فنخروا وصاحوا. فقال: إِنَّ هذا لم يزدني رفعة ولم ينقص صاحبكم. فقال رستم: صدقتَ، ما جاء بكم؟ فقال: إنا كنا قوماً في شر وضلالة فبعث الله إلينا نبياً فهدانا الله به ورزقنا على يديه، فكان فيما رزقنا حبّةٌ تنبت في هذا البلد، فلما يكلناها وأطعمناها أهلينا قالوا: لا صبر لنا عنها، أنزلونا هذه الأرض حتى نأكل من هذه الحبّة. فقال رستم: إذاً نقتلكم. قال: إن قتلتمونا دخلنا الجنة وإن قتلناكم دخلتم النار وأدَّيتم الجزية. قال: فلما قال وأدّيتم الجزية نخروا وصاحوا، وقالوا: لا صلح بيننا وبينكم. فقال المغيرة؛ تعبرون إلينا أو نعبر إليكم؟ فاستأخر المسلمون حتى عبروا فحملوا عليهم فهزموهم؛ كذا في البداية. وأخرجه الحاكم من طريق حصين بن عبد الرحمن عن أبي وائل قال: شهدت القادسية فانطلق المغيرة بن شعبة رضي الله عنه - فذكره مختصراً. وأخرج الحاكم أيضاً عن معاوية بن قُرَّة رضي الله عنه قال: لما كان يوم القادسية بُعث بالمغيرة بن شعبة رضي الله عنه إلى صاحب فارس. فقال: إبعثوا معي عشرة. فبعثوا فشدَّ عليه ثيابه ثم أخذ حَجَفة ثم انطلق حتى أتَوه، فقال: ألقوا لي ترساً فجلس عليه، فقال العِلْج: إنكم - معاشر العرب - قد

عرفت الذي حملكم على المجيء إلينا، أنتم قوم لا تجدون في بلادكم من الطعام ما تشبعون منه، فخذوا نعطيكم من الطعام حاجتكم، فإنَّا قوم مجوس وإِنَّا نكره قتلكم، إنكم تنجِّسون علينا أرضنا. فقال المغيرة: والله ما ذاك جاء بنا، ولكنّا كنا قوماً نعبد الحجارة والأوثان، فإذا رأينا حجراً أحسن من حجر ألقيناه وأخذنا غيره، ولا نعرف ربّاً حتى بعث الله إلينا رسولاً من أنفسنا فدعانا إلى الإِسلام، فاتَّبعناه ولم نجيء للطعام، إنَّا أُمرنا بقتال عدوّنا ممَّن ترك الإِسلام، ولم نجيء للطعام لكنا جئنا لنقتل مقاتلتكم ونسبي ذراريكم. وأما ما ذكرت من الطعام فإنا لعمري ما نجد من الطعام ما نشبع منه، وربما لم نجد ريّاً من الماء أحياناً، فجئنا إلى أرضكم هذه فوجدنا فيها طعاماً كثيراً وماءً كثيراً، فوالله لا نبرحها حتى تكون لنا أو لكم؛ فقال العِلْج بالفارسية: صدق. قال وأنت تُفقأ عينك غداً ففقئت عينه من الغد، أصابته نُشَّابة - غريب. قال الحاكم: صحيح الإِسناد ولم يخرِّجاه، وقال الذهبي: صحيح، وأخرجه الطبراني عن معاوية رضي الله عنه مثله. قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح. وذكر في البداية عن سَيْف أنَّ سعداً رضي الله عنه كان قد بعث طائفة من أصحابه إلى كسرى يدعونه إلى الله قبل الوقعة، فاستأذنوا على كسرى فأذن لهم، وخرج أهل البلد ينظرون إلى أشكالهم وأرديتُهم على عواتقهم، وسياطهم بأيديهم، والنِّعال في أرجلهم، وخيولهم الضعيفة، وخبطِها الأرض بأرجلها؛ وجعلوا يتعجَّبون منها غاية العجب؛ كيف مثل هؤلاء يقهَرون جيوشهم مع كثرة عَدَدها وعُدَدها. ولما استأذنوا على الملك يَزْدَجِرد أذن لهم وأجلسهم بين يديه - وكان مكبِّرا قليل الأدب - ثم جعل يسألهم عن ملابسهم هذه ما اسمها، عن الأردية والنِّعال والسِّياط. ثم كلَّما قالوا له شيئاً من ذلك تفاءل،

فرد الله فأله عى رأسه. ثم قال لهم: ما الذي أقدمكم هذه البلاد؟ أظننتم أنّا لما تشاغلنا بأنفسنا اجترأتم علينا فقال له النعمان بن مقرن رضي الله عنه: إِن الله رحمنا فأرسل إلينا رسولاً يدلنا على الخير ويأمرنا به، ويعرِّفنا الشر وينهانا عنه، ووعدنا على إجابته خير الدنيا والآخرة. فلم يَدْعُ إلى ذلك قبيلة إلا وصاروا فرقتين: فرقة تقاربه، وفرقة تباعده؛ ولا يدخل معه في دينه إلا الخواص، فمكث كذلك ما شاء الله أن يمكث. ثم أُمر أن ينهد إلى من خالفه من العرب ويبدأ بهم، ففعل فدخلوا معه جميعاً على وجهين: مكروه عليه فاغتبط، وطائع إياه فازداد؛ فعرفنا جميعاً فضل ما جاء به على الذي كنا عليه من العداوة والضيق، وأمرنا أن نبدأ بمن يلينا من الأمم فندعوهم إلى الإِنصاف، فنحن ندعوكم إِلى ديننا، وهو دين الإِسلام، حسَّن الحَسَن وقبَّح القبيح كله. فإن أبيتم فأمر من الشر هو أهون من آخر شر منه الجزاء، فإن أبيتم فالمناجزة. وإِن أجبتم إِلى ديننا، خلَّفنا فيكم كتاب الله، وأَقمناكم عليه على أن تحكموا بأحكامه، ونرجع عنكم وشأنكم وبلادكم، وإن أتيتمونا بالجِزَى قبلنا ومنعناكم، وإِلا قاتلناكم. قال: فتكلم يزدجرد، فقال: إنِّي لا أعلم في الأرض أمة كانت أشقى ولا أقل عدداً ولا أسوأ ذات بَيْن منكم؛ وقد كنَّا نوكل بكم قرى الضواحي ليكفوناكم، لا تغزوكم فارس ولا تطمعون أن تقوموا لهم، فإن كان عددكم كثر فلا يغرَّنكم منا، وإن كان الجهد دعاكم؛ فرضنا لكم قوتاً إلى خِصبكم، وأكرمنا وجوهكم وكسوناكم، وملَّكنا عليكم ملكاً يرفق بكم. فأسكت القوم، فقام المغيرة بن شعبة رضي الله عنه فقال: أيها الملك؛ إنَّ هؤلاء رؤوس

العرب ووجوههم، وهم أشرافٌ يستحيُون من الأشراف، وإنما يكرم الأشرافَ الأشرافُ، ويعظِّم حقوق الأشرافِ الأشرافُ، وليس كل ما أُرسلوا له جمعوه لك، ولا كل ما تكلَّمت به أجابوك عليه، وقد أحسنوا ولا يحسن بمثلهم إلا ذلك فجاوبني، فأكون أنا الذي أبلِّغك ويشهدون على ذلك. إنَّك قد وصفتنا صفة لم تكن بها عالماً. فأمَّا ما ذكرت من سوء الحال فما كان أسوأ حالاً منا، وأما جوعنا فلم يكن يشبه الجوع. كنا نأكل الخنافس والجِعلان، والعقارب والحيات، ونرى ذلك طعامنا. وأما المنازل فإنما هي ظهر الأرض، ولا نلبس إلا ما غزلنا من أوبار الإِبل وأشعار الغنم؛ ديننا أن يقتل بعضنا بعضاً، وأن يبغي بعضنا على بعض، وإِنْ كان أحدنا ليدفن إبنته وهي حيّة كراهية أن تأكل من طعامه. وكانت حالنا قبل اليوم على ما ذكرت لك. فبعث الله إلينا رجلاً معروفاً نعرف نسبه، ونعرف وجهه ومولده، فأرضه خير أرضنا، وحسبه خير أحسابنا، وبيته خير بيوتنا، وقبيلته خير قبائلنا، وهو نفسه كان خيرَنا في الحال التي كان فيها أصدَقَنا وأحلَمنا. فدعانا إلى أمر فلم يجبه أحد أول من تِرْبٍ كان له وكان الخليفة من بعده. فقال وقلنا، وصدَّق وكذَّبنا، وزاد ونقصنا، فلم يقل شيئاً إلا كان، فقذف الله في قلوبنا التصديق له وأتباعه؛ فصار فيما بيننا وبين رب العالمين. فما قال لنا فهو قول الله، وما أمرنا فهو أمر الله. فقال لنا إنَّ ربَّكم يقول: أنا الله وحدي لا شريك لي، كنت إذ لم يكن شيء وكلُّ شيء هالك إلا وجهي، وأنا خلقت كلَّ شيء، وإِليَّ يصير كلُّ شيء، وإنَّ رحمتي أدركتكم. فبعثت إليكم هذا الرجل لأدلَّكم على السبيل التي أُنجيكم بها بعد الموت من عذابي، ولأحلكم داري دار السلام. فنشهد عليه أنَّه جاء بالحق من عند الحق. وقال: من تابعكم على هذا فله ما لكم وعليه ما عليكم، ومن أبَى فأعرضوا عليه الجِزْية ثم امنعوه مما تمنعون منه أنفسكم، ومن أبى فقاتلوه؛ فأنا الحكم بينكم، فمن قَتل منكم أدخلته جنتي، من بقي منكم أعقبته النصر

دعوة عبد الله بن المعتم لبني تغلب وغيرهم يوم تكريت

على من ناوأه؛ فاختر إن شئت الجِزْية وأنت صاغر، وإِن شئت فالسيف، أو تسلم فتنجي نفسك. فقال يزدجرد: أتستقبلني بمثل هذا؟ فقال: ما استقبلت إلا من كلمني، ولو كملني غيرك لم أستقبلك به. فقال: لولا أن الرسل لا تُقتل لقتلتكم لا شيء لكم عندي، وقال: إئتوني بوِقْر من تراب فاحملوه على أشرف هؤلاء، ثم سوقوه حتى يخرج من أبيات المدائن. إرجعوا إلى صاحبكم فأعلموه أنِّي مرسل إِليه رستم حتى يدفنه وجنده في خندق القادسية وينِّكل به وبكم من بعد، ثم أورده بلادكم حتى أشغلكم في أنفسكم بأشدّ مما نالكم من سابور. ثم قال: ن أشرفكم؟ فسكت القوم، فقال: عاصم بن عمرو رضي الله عنه: وافتات ليأخذ التراب، أنا أشرفهم، أنا سيد هؤلاء فحمِّلْنيه. فقال: أكذلك؟ قالوا: نعم. فحمله على عنقه فخرج به من الإِيوان والدار حتى أتى راحلته فحمله عليها، ثم انجذب في السير ليأتوا به سعداً وسبقهم عاصم فمرَّ بباب قُدَيْس فطواه، وقال: بشِّروا الأمر بالظَّفَر، ظفرنا إن شاء الله تعالى. ثم مضى حتى جعل التراب في الحَجَر، ثم رجع فدخل على سعد رضي الله عنه فأخبره الخبر. فقال: أبشروا فقد - والله - أعطانا الله أقاليد مُلْكِهم؛ وتفاءلوا بذلك أخذ بلادهم. انتهى. وأخرجه ابن جرير، الطبري عن شيب عن سيف عن عمرو عن الشَّعْبي بمثله. دعوة عبد الله بن المُعْتَم لبني تغلب وغيرهم يوم تكريت وأخرج ابن جرير أيضاً من طريق سَيْف عن محمد، وطلحة وغيرهما

دعوة عمرو بن العاص في وقعة مصر

قالوا: لمَّا رأت الروم - أي يوم وقعة تكريت - أنهم لا يخرجون خرجة إلا كانت عليهم ويُهزَمون في كل ما زاحفوهم؛ تركوا أمراءهم، ونقلوا متاعهم إلى السفن، وأقبلت العيون من تغلب وإياد والنَّمِر إلى عبد الله بن المُعْتَم بالخبر، وسألوه للعرب السِلم، وأخبروه قد استجابوا له، فأرسل إليهم إن كنتم صادقين بذلك فاشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأقروا بما جاء من عند الله، ثم أعلمونا رأيكم، فرجعوا إليهم بذلك، فردوهم إليه بالإِسلام. فذكر القصة. دعوة عمرو بن العاص في وقعة مصر وأخرج ابن جرير من طريق سيف عن أبي عثمان عن خالد وعبادةَ رضي الله عنهما، قالا: خرج عمرو بن العاص رضي الله عنه إلى مصر بعدما رجع عمر إلى المدينة، حتى انتهى إلى باب ألْيُون وأتبعه الزبير فاجتمعا رضي الله عنهما، فلقيهم هنالك أبو مريم - جاثِليق مصر - ومعه الأسقُف في أهل النيّات، بعثه المَقوقِس لمنع بلادهم. فلمّا نزل بهم عمرو رضي الله عنه قاتلوه، فأرسل إليهم: لا تعجلون لنعذِر إليكم وتَرْون رأيكم بعد؛ فكَفُّوا أصحابهم لأرسل إليهم عمرو: إنِّي بارز فليبرز إليّ أبو مريم وأبو مريام، فأجابوه إلى ذلك، وامن بعضهم بعضاً. فقال لهما عمرو: أنتما راهبا هذه البلدة فاسمعا: إنَّ الله عزّ وجلّ بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق وأمره به، وأمرنا به محمد صلى الله عليه وسلم وأدّى إلينا كل الذي أُمر به. ثم مضى - صلوات الله عليه ورحمته - وقد قضى الذي عليه وتركنا على الواضحة. وكان مما أمرنا به الإِعذارُ إلى الناس، فنحن ندعوكم إلى الإِسلام، فمن أجابنا إليه فمثلنا، ومن لم يجبنا عرضنا عليه الجزية، وبذلنا له

المَنعَة، وقد أعلمنا أنا مفتتحوكم، وأوصانا بكم حفظاً لرَحِمنا فيكم، لأإن لكم إِن أجبتمونا بذلك ذِمةً إلى ذمة. ومما عهد إلينا أميرنا: إستوصوا بالقبطيين خيراً، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصنا بالقطيين خيراً، لأن لهم رَحِماً وذمة. فقالوا: قرابة بعيدة لا يَصِلُ مثلَها إلا الأنبياء، معروفة شريفة كانت إبنةَ ملكنا وكانت من أهل مَنْف والملك فيهم؛ فأُديل عليهم أهل عين شمس فقتلوهم وسلبوا ملكهم واغتربوا؛ فلذلك صارت إلى إبراهيم عليه السلام، مرحباً به وأهلاً، آمِنَّا حتى نرجع إليك. فقال عمرو: إنَّ مثلي لا يُخدع ولكني أؤجلكما ثلاثاً لتنظرا ولتُناظِرا قومكما، وإلا ناجزتكم. قالا: زِدْنا. فزادهم يوماً. فقالا: زِدْنا فزادهم يوماً. فرجعا إلى المقوقِس فهمَّ، فأبى أرطبون أن يجيبهما وأمر بمناهدتهم، فقالا لأهل مصر: أمَّ نحن فسنجهد أن ندفع عنكم ولا نرجع إليه، وقد بقيت أربعة أيام فلا تصابون فيها بشيء إلا رجَونا أن يكون له أمان. فلم يفجأ عَمْراً والزبير إلا البياتُ من فَرقَبْ، وعمرو على عُدَّة، فلقوه فقتل ومن معه ثم ركبوا أكساءهم، وقصد عمرو، والزبير رضي الله عنهما لعين شمس. وأخرج الطبري أيضاً عن أبي حارثة، وأبي عثمان قالا: لمَّا نزل عمرو رضي الله عنه على القوم بعين شمس قال أهل مصر لملكهم: ما تريد إلى قوم فَلُّوا كسرى وقيصر وغلبوهم على بلادهم؟ صالحِ القوم واعتقد منهم، ولا تعرض لهم ولا تعرِّضنا لهم، وذلك في اليوم الرابع، فأبى وناهدوهم، فقاتلوهم وارتقى الزبير سورها، فلما أحسُّوه فتحوا الباب لعمرو رضي الله عنه وخرجوا إليه مصالحين. فقبل منهم ونزل عليهم الزبير رضي الله عنه عَنْوة.

دعوة الصحابة في إمارة سلمة بن قيس الأشجعي في القتال

دعوة الصحابة في إمارة سَلَمة بن قيس الأشجعي في القتال وأخرج الطبري أيضاً عن سليمان بن بُرَيدة أن أمير المؤمنين عمر - رضي الله عنه - كان إذ اجتمع إليه جيش من أهل الإِيمان أمَّر عليهم رجلاً من أهل العلم والفقه، فاجتمع إليه جيش، فبعث عليهم سَلَمة بن قيس الأشجعي رضي الله عنه، فقال سِرْ باسم الله، قاتل في سبيل الله من كفر بالله. فإذا لقيتم عدوَّكم، من المشركين فادعوهم إلى ثلاث خصال: أدعوهم إلى الإِسلام، فإن أسلموا فاختاروا دارهم فعليهم في أموالهم الزكاة وليس لهم في فيء المسلمين نصيب، وإن اختاروا أن يكونوا معكم فلهم مثل الذي لكم وعليهم مثل الذي عليكم. فإن أبَو فادعوهم إلى الخراج، فإن أقرّوا بالخراج فقاتلوا عدوهم من ورائهم، وفرِّغوهم لخراجهم ولا تكلفوهم فوق طاقتهم. فإن أبَوا فقاتلوهم فإنَّ الله ناصرُكم عليهم، فإن تحصَّنوا منكم في حصن فسألوكم أن ينزلوا على حكم الله وحكم رسوله فلا تنزلوهم على حكم الله، فإنكم لا تدرون ما حكم الله ورسوله فيهم، وإِن سألوكم أن ينزلوا على ذمة الله وذمة رسوله (فلا تعطوهم ذمّة الله وذمة رسوله) وأعطوهم ذمم أنفسكم، فإن قاتلوكم فلا تغُلُّوا، ولا تغدروا، ولا تمثِّلوا، ولا تقتلوا وليداً. قال سلمة: فسرنا حتى لقينا عدوَّنا من المشركين، فدعوناهم إلى ما أمر به أمير المؤمنين، فأبَوا أن يسلموا، فدعوناهم إلى الخراج فأبَوا أن يقرّوا، فقاتلناهم فنصرنا الله عليهم، فقتلنا المقاتلة، وسبينا الذرية، وجمعنا الرِّثَّة - فذكر الحديث بطوله جداً.

دعوة أبي موسى الأشعري لأهل أصبهان قبل القتال

دعوة أبي موسى الأشعري لأهل أصبهان قبل القتال وأخرج ابن سعد عن بشير بن أبي أمية عن أبيه أن الأشعري نزل بأصبهان فعرض عليهم الإِسلام فأبَوا؛ فعرض عليهم الجزية، فصالحوه على ذلك فباتوا على صلح، حتى إذا أصبحوا أصبحوا على غدر، فبادرهم القتال فلم يكن أسرع من أن أظهره الله عليهم. قصص الصحابة في الأعمال والأخلاق المفضية إلى هداية الناس قصة إسلام عمرو بن الجموح وما فعل إبنه ومعاذ بن جبل لإِسلامه أخرج أبو نعيم في الدلائل (ص 109) عن ابن إسحاق قال: لمّا قدم الأنصار المدينة بعدما بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهر الإِسلام بها، وفي قومهم بقايا عل دينهم من أهل الشرك منهم عمرو بن الجَموح، وكان إبنه معاذ قد شهد العَقَبة وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بها. وكان عمرو بن الجموح سيداً من سادات بني سَلِمة وشريفاً من أشرافهم، وكان قد اتخذ في داره صنماً من خشب يقال له «مَنَاة» كما كانت الأشراف يصنعون، يتخذه إلهاً ويطهِّره. فلما أسلم فتيان بني سَلِمة؛ معاذ بن جبل، وابنه معاذ بن عمرو بن الجموح، في فتيان منهم ممّن أسلم وشهد العقبة - كانوا يُدلجون بالليل على صنم عمرو ذلك فيحملونه فيطرحونه في بعض حُفَر بني سَلِمة وفيها عِذَرُ الناس منكَّساً على رأسه. فإذا أصبح عمرو قال: ويلكم من عَدَا على إلهنا في هذه الليلة؟ قال: ثم يغدو يلتمسه حتى إذا وجده غسله وطهَّره وطيَّبه، ثم قال: وايْمُ لله، لو أني أعلم من صنع بك هذا لأخزيَّنه. فإذا أمسى عمرو ونام عَدَوا عليه ففعلوا به مثل ذلك. فلما أكثروا عليه إستخرجه من حيث ألقَوه يوماً، فغسله وطهَّره وطيَّبه، ثم

جاء بسيفه فعلَّقه عليه ثم قال: إنِّي والله ما أعلم من يفعل بك ما ترى فإن كان فيك خير فامتنع فهذا السيف معك. فلما أمسى ونام عدَوا عليه فأخذوا السيف من عنقه، ثم أخذوا كلباً ميتاً فقرنوه معه بحبل، ثم ألقَوه في بئر من أبيار بني سَلِمة فيها عَذِرَة من عِذَر الناس. وغدا عمرو بن الجموح فلم يجده مكانه الذي كان فيه، فخرج في طلبه حتى وجده في تلك البئر منكَّساً مقروناً بكلب ميت. فلما رآه وأبصر شأنه وكلَّمه مَنْ أسلم من قومه، أسلم - يرحمه الله - وحسن إسلامه. وزاد منجاب عن زياد في حديثه عن ابن إسحاق قال: وحدثني إِسحاق بن يَسَار عن رجل من بني سَلِمة قال: لما أسلم فتيان بني سَلِمة أسلمت إمرأة عمرو بن الجموح وولده، قال لامرأته: لا تدَعي أحداً من عيالك في أهلك حتى ننظر ما يصنع هؤلاء، قالت: أفعل، ولكن هل لك أن تسمع من إبنك فلان ما روى عنه؟ قال: فلعله صبأ. قالت: لا، ولكن كان مع القوم فأرسل إليه فقال: أخبرني ما سمعت من كلام هذا الرجل فقرأ عليه: «الحمد لله رب العالمين - إلى قوله تعالى - الصراط المستقيم» . فقال: ما أحسن هذا وأجمله، كل كلامه مثل هذا؟ فقال: يا أبتاه، وأحسن من هذا. قال: فهل لك أن تبايعه؟ قد صنع ذلك عامة قومك قال: لست فعلاً حتى أوامر مَنَاة، فأنظر ما يقول. قال: وكانوا إِذا أرادوا كلام مَنَاة جاءت عجوز فقامت خلفه فأجابت عنه. قال: فأتاه وغُيِّبت العجوز وأقام عنده فتشكَّر له. وقال: يا مناة، تشعر أنه قد سئل بك وأنت غافل جاء رجل ينهانا عن عبادتك ويأمرنا بتعطيلك، فكرهت أن أبايعه حتى أوامرك. وخاطبه طويلاً فلم يردّ عليه. فقال: أظنك قد غضبت ولم أصنع بعد شيئاً، فقام إليه فكسره. وزاد إبراهيم بن سلمة في حديثه عن ابن إسحاق: قال عمرو بن الجموح حين أسلم وعرف من الله ما عرف، وهو يذكر صنمه وما أبصر من أمره، ويتشكَّر الله الذي أنقذه مما كان فيه من العمى والضلالة:

قصة إسلام أبي الدرداء وما فعله ابن رواحة لإسلامه

أتوبُ إِلى الله ممَّا مضى وأستنقذ الله من ناره وأُثني عليه بنعمائه إلهِ الحرام وأستاره فسبحانه عدد الخاطئين وقطر السماء ومدراره هداني وقد كنت في ظلمة حليفَ مَنَاة وأحجاره وأنقذني بعد شيب القَذَالمن شين ذاك ومن عاره فقد كدت أهلِك في ظلمة تدارك ذاك بمقداره فحمداً وشكراً له ما بقيت إله الأنام وجبَّاره أريد بذلك إذ قلته مجاورة الله في داره وقال أيضاً يذم صنمه: تالله لو كنت إلهاً لم تكن أنت وكَلْبٌ وسْطَ بئر في قَرَن أفَ لملقاك إلهاً مُستدن الآن فتَّشناك عن سوء الغبن الحمد لله العليّ ذي المنن الواهب الرزّاق ديّان الدِّيَن هو الذي أنقذني من قبل أن أكون في ظلمة قبر مرتهن قصة إسلام أبي الدرداء وما فعله ابن رواحة لإِسلامه وأخرج الحاكم في المستدرك عن الواقدي قال: كان أبو الدرداء رضي الله عنه فيما ذُكر - آخر داره سلاماً، لم يزل متعلَّقاً بصنم له وقد وضع عليه منديلاً، وكان عبد الله بن رواحة رضي الله عنه يدعوه إلى الإِسلام فيأبى؛ فيجيئه عبد الله بن رواحة وكان له أخاً في الجاهلية قبل الإِسلام. فلما رآه قد خرج من بيته خالفه فدخل بيته، وأعجل إمرأته وإِنها لتمشط رأسها. فقال: أين أبو الدرداء؟ فقالت: خرج أخوك آنفاً. فدخل بيته الذي كان فيه الصنم ومعه

القَدُوم فأنزله وجعل يقدده فِلْذاً فِلْذاً وهو يترجز سرّاً من أسماء الشياطين كلها، ألا كل ما يُدعى مع الله باطل. ثم خرج وسمعت المرأة صوت القَدُوم وهو يضرب ذلك الصنم، فقالت: أهلكتني يا ابن رواحة فخرج على ذلك فلم يكن شيء حتى أقبل أبو الدرداء إلى منزله، فدخل فوجد المرأة قاعدة تبكي شفقاً منه. فقال: ما شأنك؟ قلت: أخوك عبد الله بن رواحة دخل عليّ فصنع ما ترى. فغضب غضباً شديداً، ثم فكَّر في نفسه فقال: لو كان عند هذا خير لدفع عن نفسه. فانطلق حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه ابن رواحة فأسلم. كتاب عمر إلى عمرو بن العاص في أمر الجزية والسبايا وأخرج ابن جرير الطبري عن زياد بن جَزْء الزُّبيدي قل: إفتتحنا الإِسكندرية في خلافة عمر رضي الله عنه - فذكر الحديث، وفيه: ثم وقفنا بِبَلْهيب وأقمنا ننتظر كتاب عمر حتى جاءنا، فقرأه علينا عمرو رضي الله عنه وفيه: أما بعد: فإِنَّه جاءني كتابك تذكر أن صاحب الإِسكندرية عرض أن يعطيك الجزية على أن ترد عليه ما أُصيب من سبايا أرضه، ولعمري، لجزية قائمة تكون لنا ولمن بعدنا من المسلمين أحبُّ إِليَّ من فيء يُقسَم ثم كأنه لم يكن، فأعرض على صاحب الإِسكندرية أن يعطيك الجزية؛ على أن تخيِّروا مَنْ في أيديكم من سبيهم بين الإِسلام وبين دين قومهم؛ فمن اختار منهم

ذكر ما وقع للصحابة في فتح الإسكندرية

الإِسلام فهو من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم؛ ومن اختار دين قومه وخضع عليه من الجزية ما يوضع على أهل دينه، فأمّا من تفرّق من سبيهم بأرض العرب فبلغ مكة - والمدينة واليمن فإنا لا نقدر على ردِّه، ولا نحب أن نصالحه على أمر لا نفي له به. ذكر ما وقع للصحابة في فتح الإِسكندرية قال: بعث عمرو إلى صاحب الإِسكندرية يُعلمه الذي كتب به أمير المؤمنين. قال: فقال: قد فعلت. قال: فجمعنا ما في أيدينا من السبايا، واجتمعت النصارى، فجعلنا نأتي بالرجل ممن في أيدينا من السبايا، واجتمعت النصارى، فجعلنا نأتي بالرجل ممن في أيدينا ثم نخيّره بين الإِسلام وبين النصرانية، فإذا اختار الإِسلام كبّرنا تكبيرة هي أشد من تكبيرنا حين تفتح القرية. قال: ثم نحوزه إِلينا. وإذا اختار النصرانية نَخَرت النصارى ثم حازوه إليهم، ووضعنا عليه الجزية، وجزعنا من ذلك جزعاً شديداً حتى كأنه رجل خرج منا إليهم. قال: فكان ذلك الدأب حتى فرغنا منهم. وقد أُتي فيمن أتينا به بأبي مريم عبد الله بن عبد الرحمن. - قال القاسم: قد أدركته وهو عريف بني زُبيد - قال: فوقفناه فعرضنا عليه الإِسلام والنصرانية - وأبوه وأمه وإخوته في النّصارى - فاختار الإِسلام فحزْناه إلينا، ووثب عليه أبوه وأمه وإخوته يجاذبوننا حتى شقَّقوا عليه ثيابه، ثم هو اليوم عريفنا كما ترى - فذكر الحديث. قصة درع علي وما وقع له مع نصراني ودخوله في الإِسلام وأخرج الترمذي والحاكم عن الشَّعْبي قال: خرج علي بن أبي طالب

رضي الله عنه إلى السوق فإذا هو بنصراني يبيع درعاً، فعرف علي رضي الله عنه الدرع، فقال: هذه درعي، بيني وبينك قاضي المسلمين، - وكان قاضي المسلمين شُرَيحاً؛ وكان علي إستقضاه - فلما رأى شريح أمير المؤمنين قام من مجلس قضائه وأجلس علياً في مجلسه وجلس شريح قدامه إلى جنب النصراني. فقال علي: أمَا - يا شريح - لو كان خصمي مسلماً لقعدت معه، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تصافحوهم، ولا تبدؤوهم بالسلام، ولا تعودوا مرضاهم، ولا تصلُّوا عليهم، وألجئوهم إلى مضايق الطريق، وصغِّروهم كما صغَّرهم الله» ؛ إقضِ بيني وبينه يا شُرَيح. فقال شُرَيح: ما تقول يا أمير المؤمنين؟ فقال علي: هذه درعي وقعت مني منذ زمان. فقال شريح: ما تقول يا نصراني؟ فقال النصراني: ما أكذِّب أمير المؤمنين الدرع درعي. فقال شريح: ما أرى أن تخرج من يده فهل من بيِّنة؟ فقال علي: صدق شريح. فقال النصراني: أما أنا فأشهد أن هذه أحكام الأنبياء، وأمير المؤمنين يجيء إلى قاضيه وقاضيه يقضي عليه، هي - والله يا أمير المؤمنين - درعك. إتَّبعتك وقد زالت عن جملك الأورق، فأخذتها، فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. فقال علي: أمَا إذا أسلمت فهي لك، وحمله على فرس. وعند الحاكم على الشَّعْبي قال: ضاع درع لعلي رضي الله عنه يوم الجمل، فأصابه رجل فباعها، فعُرفت عند رجل من اليهود، فخاصمه إلى شريح، فشهد لعلي الحسن ومولاه قَنْبر. فقال شريح: زدني شاهداً مكان الحسن، فقال: أترد شهادة الحسن؟ قال: لا، ولكن حفظت عنك أنه لا تجوز شهادة الولد لوالده. وأخرج الحكم في الكُنى وأبو نُعيم في الحلية من طريق إبراهيم بن

يزيد التيمي عن أبيه - مطوّلاً، وفي حديثه: فقال شريح: أمَّا شهادة مولاك فقد أجزناها وأمَّا شهادة إبنك لك فلا نجيزها. فقال علي رضي الله عنه: ثكلتك أمك أما سمعت عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة» . ثم قال لليهودي: خذ الدرع. فقال اليهودي: أمير المؤمنين جاء معي إلى قاضي المسلمين فقضى عليه ورضي؛ صدقت - والله يا أمير المؤمنين - إنَّها لدرعك سقطت عن جمل لك التقطتها، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. فوهبها له عليّ وأجازه بسبع مائة، ولم يزل معه حتى قتل يوم صِفِّين. كذا في كنز العمال.

الباب الثاني باب البيعة

الباب الثاني باب البيعة كيف كانت الصحابة رضي الله عنهم يبايعون النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاءَ بعدَه، وعلى أيِّ أمورٍ وقعت البَيْعةُ.

باب البيعة البيعة على الإِسلام حديث جرير في هذا الباب أخرج الطبراين عن جرير رضي الله عنه قال: بايعنا النبي صلى الله عليه وسلم على مثل ما بايع عليه النساء، من مات منا ولم يأت شيئاً منهن ضمن له الجنَّة، ومن مات منا وقد أتى شيئاً منهن وقد أُقيم عليه الحد فهو كفّارة، ومن مات منا وقد أتى شيئاً منهنَّ فستر عليه فعلى الله حسابه؛ قال الهيثمي في مجمع الزوائد وفيه؛ سيف بن هارون وثَّقه وأبو نُعيم وضعَّفه جماعة؛ وبقية رجاله رجال الصحيح. انتهى وأخرجه أيضاً ابن جرير كما في الكنز؛ وسيأتي الحديث في بَيْعة النساء. بيعة الكبار والصغار والرجال والنساء والشهادة يوم الفتح وأخرج أحمد عن عبد الله بن عثمان بن خَيْثم أنَّ محمد بن الأسود بن خلف

بيعة مجاشع وأخيه على الإسلام والجهاد

أخبره: أنَّ أباه الأسود رضي الله عنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايع الناس يوم الفتح. قال: جلس عند قَرْن مستقبله، فبايع الناس على الإِسلام والشهادة. قلت: وما الشهادة؟ قال: أخبرني محمد بن الأسود بن خَلَف أنه بايعهم على الإِيمان بالله وشهادة أن لا إِله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله. كذا في البداية؛ وقال تفرّد به أحمد. وقال الهيثمي: ورجاله ثقات: وعند البيهقي: فجاءه الناس الكبار والصغار والرجال والنساء فبايعهم على الإِسلام والشهادة. كذا في البداية. وبهذا السياق أخرجه الطبراني في الكبير والصغير كما في مجمع الزوائد؛ وكذا أخرجه البغوي وابن السَّكَن والحاكم وأبو نُعيم، كما في الكنز. بَيْعة مجاشع وأخيه على الإِسلام والجهاد وأخرج الشيخان عن مجاشع بن مسعود رضي الله عنه قال: أتيت

بيعة جرير بن عبد الله على الإسلام

النبي صلى الله عليه وسلم أنا وأخي، فقلت: بايْعنا على الهجرة، فقال: «مَضَتِ الهجرة لأهلها» ، فقلت: علامَ تبايعنا؟ قال: «على الإِسلام والجهاد» . كذا في العيني. وأخرجه أيضاً ابن أبي شَيْبة وزاد: قال: فلقيت أخاه فسألته فقال: صدق مجاشع. كذا في كنز العمال (126/ 83) . بَيْعة جرير بن عبد الله على الإِسلام وأخرج أبو عَوَانة في مسنده عن زياد بن عِلاقة قا: سمعت جرير بن عبد الله يحدِّث حين مات المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، خطب الناس فقال: أُوصيكم بتقوى الله وحده لا شريك له، والوقار والسكينة، فإني بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي هذه على الإِسلام واشترط عليَّ النُّصح لكل مسلم، فَوَرَبّ الكعبة، إنِّي لكم نصح أجمعين، واستغفر؛ ونزل. وأخرج البخاري أتم منه؛ وأخرج البيهقي وغيره عن زياد بن الحارث الصُّدائي رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعته على الإِسلام - فذكر الحديث بطوله، كما تقدم في باب الدعوة (ص 205) . البيعة على أعمال الإِسلام بيعة بشير بن الخصاصية على أركان الإِسلام وعلى الصدقة والجهاد أخرج الحسن بن سفيان، والطبراني في الأوسط، وأبو نُعيم، والحاكم، والبيهقي، وابن عساكر، عن بشير بن الخصاصِيَة رضي الله

عنه، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبايعه، فقلت: علامَ تبايعني يا رسول الله؟ فمدَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يده قال: «تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنَّ محمداً عبده ورسوله، وتصلي الصلوات الخمس لوقتها، وتؤدِّي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، وتجاهد في سبيل الله» . قلت: يا رسول الله، كُلا نطيق إلا اثنتين فلا أطيقهما: الزكاة، والله ما لي إلا عشر ذَوْد هُنّ رِسْل أهلي وحَمولتهن. وأما الجهاد فإني رجل جبان، ويزعمون أنَّه من ولَّى فقد باء بغضب من الله، وأخاف إن حضر القتال أن أخشع بنفسي فأفرَّ فأبوء بغضب من الله. فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يده ثم حرَّكها، ثم قال: «يا بشير، لا صدقة ولا جاد فَبِمَ إذن تدخل الجنة؟» قلت: يا رسول الله، أبسط يدك أُبايعك، فبسط يده فبايعته عليهن كلَّهن. كذا في كنز العمال. وأخرجه أخمد، ورجاله موثَّقون كما قال الهيثمي. بيعة جرير بن عبد الله على أركان الإِسلام والنصيحة لكل مسلم وأخرج أحمد عن جرير رضي الله عنه قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إِقام الصلاة، وإِيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم. وأخرجه أيضاً ابن جرير مثله كما في كنز العمال، والشيخان والترمذي كما في الترغيب،

بيعة عوف بن مالك وأصحابه على أركان الإسلام وعدم السؤال من الناس

وأخرج أحمد أيضاً من وجه آخر عنه: قال قلت: يا رسول الله، إشترط عليَّ فأنت أعلم بالشرط. قال: «أبايعك على أن تعبد الله وحده لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتنصح لكل مسلم، وتبرأ من الشرك» . ورواه النِّسائي كما في البداية؛ وأخرجه ابن جرير مثله إلا أنه قال: «وتنصح المسلمين وتفارق الشرك» ، كما في الكنز، وأخرج الطبراني عنه قال: أتى جرير رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «مدَّ يدك يا جرير» ، فقال: على مَهْ؟» قال: «أن تسلم وجهك لله، والنصيحة لكل مسلم» ؛ فأذن لها - وكان رجلاً عاقلاً - فقال: يا رسول الله، فيما استطعت؟ فكانت رخصة للناس بعده. كذا في الكنز. بيعة عوف بن مالك وأصحابه على أركان الإِسلام وعدم السؤال من الناس وأخرج الرُياني، وابن جرير، وابن عساكر عن عوف بن مالك الأجشعي رضي الله عنه قال: كنّا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة أو ثمانية أو سبعة، فقال: «ألا تبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم» فردَّدها ثلاث مرات. فقدَّمنا أيدينا فبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: يا رسول الله قد بايعناك فعلى أي شيء نبايعك؟ فقال: «على أن تعبدوا الله، ولا تشركوا به شيئاً، والصلوات الخمس، - وسرَّ كلمة خفيّة -: أن لا تسألوا الناس شيئاً» . قال: فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوطه فما

يقول لأحد يناوله إياه. كذا في الكنز. وأخرجه أيضاً مسلم، والترمذي، والنِّسائي كما في الترغيب. بيعة ثوبان على أن لا يسأل أحداً شيئا وأخرج الطبراني في الكبير عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ومن يبايع؟» فقال ثوبان رضي الله عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم بايعنا رسول الله، قال: «على أن لا تسأل أحداً شيئاً» . فقال ثوبان: فما له يا رسول الله؟ قال: «الجنة» . فبايعه ثوبان. قال أبو أمامة: فلقد رأيته بمكة في أجمع ما يكون من الناس يسقط سوطه وهو راكب، فربما وقع على عاتق رجل، فيأخذه الرجل فيناوله، فما يأخذه حتى يكون هو ينزل فيأخذه. كذا في الترغيب. وأخرجه أيضاً أحمد، والنسائي وغيرهما عن ثوبان مختصراً، وذكرا

بيعة أبي ذر على أمور خمسة

قصة السَّوْط لأبي بكر رضي الله عنه، كما في الترغيب (299/ 101) . بيعة أبي ذرٍ على أمور خمسة وأخرج أحمد عن أبي ذرِ رضي الله عنه قال: بايعني رسول الله خمساً، وأوثقني سبعاً، وأشهد الله عليَّ سبعاً: أن لا أخاف في الله لومة لائم. قال أبو المُثَنى: قال أبو ذر: فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «هل لك إلى البَيْعة ولك الجنة؟» قلت: نعم، وبسطت يدي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وهو يشترط عليَّ - أن لا أسأل الناس شيئاً قلت: نعم. قال: «ولا سوطك إِن سقط منك حتى تنزل فتأخذه» . وفي رواية: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ستة أيام ثم أعقل يا أبا ذر ما يقال لك بعد» . فلما كان اليوم السابع قال: «أوصيك بتقوى الله في سرِّ أمرك وعلانيته، وإذا أسأت فأحسن، ولا تسألنَّ أحداً شيئاً وإن سقط سوطك، ولا تقبضنَّ أمانة» . كذا في الترغيب. بيعة سهل بن سعد وغيره على أعمال الإِسلام وأخرج الشاشي وابن عساكر عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال:

بيعة عبادة بن الصامت وغيره من الأصحاب في العقبة الأولى

بايعت النبي صلى الله عليه وسلم أن وأبو ذر وعبادة بن الصامت وأبو سعيد الخدري محمد بن مسلمة وسادس، على أن لا تأخذنا في الله لومة لائم: وأما السادس فاستقاله فأقاله. كذا في الكنز. وأخرجه أيضاً الطبراني بنحوه. قال الهيثمي وفيه: عبد المهيمن بن عيَّاش وهو ضعيف. وأخرج مسلم عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه: أنا من النقباء الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: بايَعنا على أن لا نشرك بالله شيئاً، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل النفس التي حرَّم الله إلا بالحق، ولا ننهب، ولا نعصي، بالجنة؛ إن فعلنا ذلك؛ فإن غَشِينا من ذلك شيئاً كان قضاؤه إلى الله. وعند ابن جرير عنه - رضي الله عنه - قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تسرقوا، ولا تزنوا. فمن وفَى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئاً فستره الله كان إِلى الله، إن شاء عذَّبه وإن شاء غفر له» . كذا في الكنز. بيعة عبادة بن الصامت وغيره من الأصحاب في العقبة الأولى وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن عساكر عن عبادة بن الصامت

رضي الله عنه قال: كنا أحد عشر رجلاً في العقبة الأولى، فبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة النساء قبل أن يفرض علينا الحرب، بايعناه على أن لا نشرك بالله شيئاً، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نقتل أولادنا، ولا نعصيه في معروف؛ فمن وفَى فله الجنة، ومن غَشيَ شيئاً فأمره إِلى الله، إن شاء الله عذَّبه وإن شاء غفر له. ثم انصرفوا العام المقبل عن بيعتهم، كذا في الكنز. وأخرجه الشيخان نحوه كما في البداية. البيعة على الهجرة بيعة يَعْلى بن مُنْية عن أبيه أخرج البيهقي عن يعلى بن مُنْيَة رضي الله عنه قال: جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثاني يوم الفتح فقلت: يا رسول الله، بايع أبي على الهجرة؛ قال: «بل أبايعه على الجهاد، وقد انقطعت الهجرة يوم الفتح» . وقد تقدم حديث مجاشع رضي الله عنه (ص 240) : فقلت: يا رسول الله، بايعنا على الهجرة؛ قال: «مضت الهجرة لأهلها» . وحديث جرير (ص 241) : «وتفارق الشرك» . وعند البيهقي في حديث جرير رضي الله عنه: «وتناصح المؤمن وتفارق المشرك» .

بيعة الناس على الهجرة يوم الخندق

بيعة الناس على الهجرة يوم الخندق وأخرج أحمد، والبخاري في التاريخ، وابن أبي خَيْثَمة، وأبو عَوانة، والبَغَوي، وأبو نُعيم، والطبراني عن الحارث بن زياد الساعدي رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق وهو يبايع الناس على الهجرة، فظنَّنا أنهم يدعون إلى البيعة، فقلت: يا رسول الله، بايع هذا على الهجرة. فقل: «ومن هذا؟» فقلت: هذا ابن عمي حَوْط بن يزيد - أو يزيد بن حَوْط - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا أبايعكم، إنَّ الناس يهاجرون إليكم ولا تهاجرون إِليهم. والذي نفسي بيده، لا يحب الأنصارَ رجل حتى يلقى الله إلا لقي الله وهو يحبُّه، ولا يُبغض الأنصار رجل حتى يلقى الله إِلا لقي الله وهو يبغضه» . كذا في الكنز. وأخرجه أيضاً أبو داود كما في الإِصابة؛ وقال الهيثمي: رواه أحمد، والطبراني بأسانيد، ورجال بعضها رجال الصحيح غير محمد بن عمرو، وهو حسن الحديث. انتهى. وأخرج الطبراني عن أبي أُسيد الساعدي رضي الله عنه: أن الناس جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم لحفر الخندق يبايعونه على الهجرة. فلما فرغ قال: «يا معشر الأنصار، لا تبايعوا على الهجرة إِنما يهاجر الناس إِليكم، من لقي الله وهو يحبّ الأنصار لقي الله وهو يحبُّه، ومن لقي الله هو يُبغض الأنصار

البيعة على النصرة

لقي الله وهو يُبغضه. قال الهيثمي وفيه: عبد الحميد بن سهيل ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات. البَيْعة على النصرة بَيْعة سبعين رجلاً من الأنصار عند شِعْب العقبة على النُّصْرة أخرج أحمد عن جابر رضي الله عنه قال: مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين يتَّبع لنسا في منازلهم: عكاظ ومَجَنَّة، في المواسم يقول: «من يؤويني؟ من ينصرني؟ حتى أبلِّغ رسالة ربي وله الجنة» ، فلا يجد أحداً يؤويه ولا ينصره، حتى إنَّ الرجل ليخرج من اليمن أو من مُضرَ فيأتيه قومه وذوو رحمة فيقولون: إحذر غلام قريش لا يفتنك، ويمضي بين رحالهم هم يشيرون إليه بالأصابع. حتى بعثنا الله إليه من يَثْرب فآويناه وصدَّقنا، فيخرج الرجل منّا فيؤمن به ويقرئه القرآن، فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه، حتى لم تبقَ دار من دور الأنصار إلا وفيها رهط من المسلمين يظهرون الإِسلام. ثم ائتمروا جمياً، فقلنا: حتى متى نترك رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف ويُطَّرد في جبال مكة ويخاف؟ فرحل إليه منا سبعون رجلاً حتى قدموا عليه في الموسم، فواعدناه شِعْب العَقَبة، فاجتمعنا عندها من رجل ورجلين حتى توافينا، فقلنا: يا رسول الله علام نبايعك؟ قال: «تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط

والكسل، والنفقة في العُسْر واليُسْر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن تقولوا في الله لا تخافوا في الله لومة لائم، وعلى أن تنصروني فتمنعوني إِذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم، ولكم الجنة» . فقمنا إليه وأخذ بيده أسعد بن زرارة وهو من أصغرهم - وفي رواية البيهقي: وهو أصغر السبعين - إلا أنا، فقال: رويداً يا أهل يثرب، فإنّا لم نضرب إليه أكباد الإِبل إلا ونحن نعلم أنَّه رسول الله، وإن إخراجه اليوم مناوأة للعرب كافّة، وقتلُ خياركم، وتعضُّكم السيوف. فإمّا أنتم قوم تصبرون على ذلك فخذوه وأجركم على الله، وإما أنتم قوم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه، فبيّنوا ذلك فهو أعذر لكم عند الله. قالوا: أبط عنا يا أسعد فوالله لا ندعُ هذه البَيْعة ولا نُسلَبها أبداً قال فقمنا إليه فبايعناه، وأخذ علينا وشرط، ويعطينا على ذلك الجنة. وقد رواه أحمد أيضاً والبيهقي من غير هذا الطريق أيضاً، وهذا إسناد جيِّد على شرط مسلم، ولم يخرِّجوه. كذا في البداية. وقال الحافظ في فتح الباري: إسناده حسن، وصحَّحه الحاكم وابن حبان اهـ؛ وقال الهيثمي: ورجال أحمد رجال الصحيح، وقال: ورواه البزّار وقال في حديثه: فوالله لا نذَرَ هذه البَيْعة ولا نستقيلها. وأخرج ابن إسحاق عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: فلما

اجتمعنا في الشِّعْب ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءنا ومعه العباس بن عبد المطلب وهو يومئذٍ على دين قومه، إِلا أنّه أحبّ أن يحضر أمر ابن أخيه ويتوثَّق له. فلما جلس كان أولَ متكلم العباسُ بن عبد المطلب، فقال: يا معشر الخزرج، إنَّ محمداً منَّا حيث قد علمتم وقد منعناه من قومنا ممن هو على مثل رأينا فيه، فهو في عزّة من قومه ومَنَعة في بلده، وإنه قد أبى إلا الإنحياز إليكم واللحوق بكم، فإن كنتم تَرون أنكم وافون له با دعوتموه إِليه ومانعوه ممَّن خالفه فأنتم وما تحمَّلتم من ذلك، وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذِلوه بعد الخروج إليكم فمن الآن فدعوه فإنَّه في عزّة ومَنعَة من قومه وبلده. قال فقلنا له: قد سمعنا ما قلتَ، فتكلم يا رسول الله، فخذ لنفسك ولربِّك ما أحببت. قال: فتكلَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلا القرآن، ودعا إلى الله، ورغَّب في الإِسلام. قال: «أُبايعكم على أن تمنعوني مِمَّا تمنعون منه نساءكم وأبناءكم» . قال: فأخذ البراء بن معرور بيده وقال: نعم، فوالذي بعثك بالحق لنمنعنَّك مما نمنع منه أُزُرَنا. فبايِعْنا يا رسول الله، فنحن - والله أبناء الحروب ورثناها كابراً عن كابر قال: فاعترض القول - والبراء يكلِّم رضي الله عنه - أبو الهيثم بن التَّيِّهان، فقال: يا رسول الله، إنَّ بيننا وبين الرجال حبالاً وإنَّا قاطعوها - يعني - اليهود -؛ فهل عسيتَ إن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ قال: فتبسَّم رضي الله عنه ثم قال: «بل الدمُ الدمُ، الهَدْم الهَدْم، أنا منكم وأنتم مني؛ أحارب من حاربتم وأسلم من سالمتم» .

إخراج الأنصار إثني عشر نقيبا

إخراج الأنصار إثني عشر نقيبا قال كعب رضي الله عنه: وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أخرجوا إليَّ منكم إثني عشر نقيباً يكونون على قومهم بما فيهم» . فأخرجوا منهم إثني عشر نقيباً: تسعة من الخزرج، وثلاثة من الأوس. كذا في البداية. والحديث أخرجه أيضاً أحمد والطبراني مطوَّلاً كما في مجمع الزوائد، وقد ساقه بطوله. قال الهيثمي: ورجال أحمد رجال الصحيح غير ابن إسحاق، وقد صرَّح بالسماع. انتهى. وقال الحافظ: أخرجه ابن إسحاق، وصحَّحه ابن حِبّان من طريقه بطوله اهـ. بَيْعة أبي الهيثم وما قاله لأصحابه وأخرج الطبراني عن عروة رضي الله عنه مرسلاً قال: كان أول من بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو الهيثم التَّيِّهان رضي الله عنه، وقال: يا رسول الله وإنَّ بيننا وبين الناس حبالاً - والحبال الحِلْف والمواثيق - فلعلنا نقطعها ثم ترجع إلى قومك وقد قطعنا الحبال وحاربنا الناس؟ فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله وقال: «الدمُ الدمُ، الهدم الهدم» . فلما رضي أبو الهيثم بما رجع إِليه رسول

الله صلى الله عليه وسلم من قوله أقبل على قومه فقال: يا قوم، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم أشهد إِنّه لصادق، وإنَّه اليوم في حرم الله وأمنه وبين ظهري قومه وعشيرته، فاعلموا أنَّه إن تخرجوه رمتكم العرب عن قَوْس واحدة، فإن كانت طابت أنفسكم بالقتال في سبيل الله وذهاب الأموال والأولاد فادعوه إلى أرضكم، فإنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حقاً. وإن خفتم خذلاناً فمن الآن. فقالوا عند ذلك: قبلنا عن الله وعن رسوله ما أعطيانا، وقد أعطينا من أنفسنا الذي سألتنا يا رسول الله؛ فخلِّ بيننا - يا أبا الهيثم - وبين رسول الله فلْنبايعه. فقال أبو الهيثم: أنا أول من بايع، ثم تتابعوا كلهم. فذكر الحديث. قال الهيثمي وفيه: ابن لِهَيعة، وحديثه حسن وفيه ضعف. انتهى. قول العباس بن عبادة عند البَيْعة وعند ابن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة رضي الله عنه: أن القوم لما اجتمعوا لبَيْعة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العباس بن عبادة بن نَضْلة - أخو بني سالم بن عوف -: يا معشر الخزرج، هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل؟ قالوا: نعم، قال: إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس، فإن كنتم ترون أنكم إذا أُنهكت أموالكم مصيبة، وأشرافكم قتلاً أسلمتموه، فمن الآن؟ فهو - والله إنْ فعلتم - خزْيُ الدنيا والآخرة، وإن كنتم ترون أنكم وافون بما دعوتموه إليه على نَهْكُةِ الأموال، وقَتْل الأشراف فخذوه، فهو - والله - خير الدنيا والآخرة؟ قالوا: فإنَّا نأخذه على مصيبة الأموال، وقتل الأشراف، فما لنا بذلك - يا رسول الله - إن نحن وَفَينا؟ قال: «الجنة» . قالوا: إبسط يدك؛ فبسط يده فبايعوه - كذا في البداية. وأخرج ابن إسحاق أيضاً عن معبد بن كعب عن أخيه عبد الله: ثم

البيعة على الجهاد

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أرفَضُّوا إلى رحالكم» . قال فقال العباس بن عبادة: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق إِن شئت لنميلنَّ على أهل مِنى غداً بأسيافنا قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لم نُؤْمر بذلك، ولكن إرجعوا إِلى رحالكم» . كذا في البداية. البَيْعة على الجهاد أخرج البخاري (ص 397) عن أنس رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق، فإذا المهاجرون والأنصار يحفِرون في غَداة باردة، فلم يكن لهم عبيد يعملون بذلك لهم، فلما رأى ما بهم من النَّصَب والجوع قال صلى الله عليه وسلم اللَّهم إنَّ العيش عيشُ الآخرة فاغفرِ الأنصارَ والمهاجرة فقالوا مجيبين له: نحن الذين بايعوا محمداً على الجهاد ما بقينا أبداً وأخرجه أيضاً مسلم والترمذي كما في جمع الزوائد. وقد تقدم حديث مجاشع رضي الله عنه (ص 240) : فقلت: علامَ تبايعنا؟ قال: «على الإِسلام والجهاد» . وحديث بشير بن الخصاصِيَة رضي الله عنه (ص 241) : «يا بشير، لا صدقة ولا جهاد، فبمَ إذن تدخل الجنة؟» قلت: أبسط يدك أبايعك، فبسط يده فبايعته، وحديث يَعْلى بن مُنْية (ص 244) فقلت: يا رسول الله، بايع أبي على الهجرة قال: «بل أبايعه على الجهاد» .

البيعة على الموت

البَيْعة على الموت بَيْعة سلمة بن الأكوع على الموت أخرج البخاري (ص 415) عن سَلَمة رضي الله عنه قال: بايعت النبي صلى الله عليه وسلم ثم عدلت إلى ظلِّ الشجرة. فلمَّا خفَّ الناس قال: «يا ابن الأكوع ألا تبايع؟» قال: قلت: قد بايعت يا رسول الله. قال: «أيضاً» فبايعته الثانية، فقلت له: يا أبا مسلم على أي شيء كنتم تبايعون يومئذٍ؟ قال: على الموت. وأخرجه أيضاً مسلم، والترمذي، والنسائي كما في العيني، والبيهقي، وابن سعد. وأخرج البخاري (ص 415) أيضاً عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه قال: لما كان زمن الحرَّة أتاه آتٍ فقال له: إنَّ ابن حنظلة يبايع الناس على الموت. فقال: لا أبايع على هذا أحداً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرجه أيضاً مسلم كما في العيني، والبيهقي.

بيعة جرير بن عبد الله على السمع والطاعة والنصح للمسلمين

البَيْعة على السمع والطاعة قول عبادة بن الصامت في هذا الباب أخرج البيهقي عن عبيد الله بن رافع رضي الله عنه قال: قدمتْ روايا خمر، فأتاها عبادة بن الصامت رضي الله عنه فخرَّقها وقال: إنا بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في النشاط والكسل، والنفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن نقول في الله، لا تأخذنا فيه لومة لائم، وعلى أن ننصر رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذا قدم علينا يثرب مما نمنع منه أنفسنا وأزواجنا وأبناءنا، ولنا الجنة؛ فهذه بيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي بايعناه عليها. وهذا إسناد جيِّد قوي، ولم يخرِّجوه. وقد روى يونس عن ابن إسحاق: حدثني عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن أبيه عنده عبادة رضي الله عنه قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بَيْعة الحرب على السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا، ومنشطنا ومكرهنا، وأثَرَة» علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، وأن نقول بالحق أينما كُنَّا لا نخاف في الله لومة لائم. كذا في البداية. وأخرج الشيخان بمعناه كما في الترغيب. بيعة جرير بن عبد الله على السمع والطاعة والنصح للمسلمين وأخرج ابن جرير عن جرير رضي الله عنه قال: بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على

بيعة عتبة بن عبد وقوله صلى الله عليه وسلم «فيما استطعت» عند البيعة

السمع والطاعة، والنصح للمسلمين. وأخرج أيضاً من حديثه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: أبايعك على السمع والطاعة فيما أحببت وفيما كرهت. فقال النبي صلى الله عليه وسلم «أتستطيع ذلك، أو تطيق ذلك؟ فاحترز، قل فيما استطعت» ؛ فقلت: فيما استطعت، فبايَعني والنصح للمسلمين. كذا في كنز العمال. وعند أبي داود، والنِّسائي من حديثه: قال: فبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة، وأن أنصح لكل مسلم، وكان إذا باع الشيء أو اشترى، قال: أمَا إنَّ الذي أخذنا منك أحبُّ إلينا ممّا أعطيناك فاختر. كذا في الترغيب. بيعة عتبة بن عبد وقوله صلى الله عليه وسلم «فيما استطعت» عند البيعة وأخرج البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا إذا بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة يقول لنا: «فيما استطعت» ، وأخرجه النِّسائي، وابن جرير بمعناه كما في الكنز. وأخرج البغوي، وأبو نُعَيم، وابن عساكر عن عتبة بن عبد رضي الله عنه قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع بيعات: خمساً على الطاعة، واثنتين على المحبة. كذا في الكنز.

بيعة النساء

وأخرج ابن جرير عن أنس رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بايعت النبي صلى الله عليه وسلم بيدي هذه على السمع والطاعة فيما استطعت - كذا في الكنز. بَيْعة النساء قصة بَيْعة نساء الأنصار عند قدومه صلى الله عليه وسلم المدينة أخرج أحمد، وأبو يعلى، والطبراني - ورجاله ثقات - كما قال الهيثمي: عن أم عطيّة رضي الله عنها قالت: لمَّا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة جمع نساء الأنصار في بيت، ثم أرسل إليهن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقام على الباب فسلَّم عليهن فرددن السلام. فقال: أنا رسولُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إليكنّ. فقلنا: مرحباً برسول الله صلى الله عليه وسلم وبرسولِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فقال: تبايعنَ على أن لا تشركنَ بالله شيئاً، ولا تسرقنَ، ولا تزنينَ، ولا تقتلن أولادكن، ولا تأتين ببهتان تفترينه بين أيديكنَّ وأرجلكنَّ، ولا تعصينَ في معروف. قلن: نعم؛ فمدّ عمر يده من خارج الباب، ومددنَ أيديهن من داخل، ثم قال: اللهم أشهد. وأمرنا أن نُخرج في العيدين الحُيَّضَ والعُتَّق، ونُهينا على إتِّباع الجنائز، ولا جمعة علينا. فسألته عن البهتان وعن قوله: ولا يعصينك في معروف؛ قال: هي النِياحة. ورواه أبو داود باختصار كثير. كذا في مجمع الزوائد.

قلت: وأخرجه البخاري أيضاً باختصار، وقد أخرجه بطوله ابن سعد، وعبد بن حُمَيد كما في الكنز. أخرج أحمد وأبو يَعْلى، والطبراني - ورجاله ثقات - كما قال الهيثمي: عن سلمى بنت قيس رضي الله عنها - وكانت إحدى خالات رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صلَّت معه القبلتين، وكانت إِحدى نساء بني عديِّ بن النجار - قالت: جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعته في نِسْوة من الأنصار، فلما شرط علينا أن لا نشرك بالله شيئا، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيه في معروف؛ قال: «ولا تغشَشْن أزواجكن» . قالت: فبايعناه. ثم انصرفنا، فقلت لامرأة منهن: إرجعي فسَلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما غِشُّ أزواجنا؟ قالت: فسألته. قال: «تأخذ ماله فتحابي به غيره» . وأخرج الإِمام أحمد عن عائشة بنت قُدَامة رضي الله عنها بمعناه في البَيْعة على وفْق الآية كما في ابن كثير.

وأخرج الطبراني في الكبير والأوسط عن غفيلة بنت عبيد بن الحارث رضي الله عنهما قالت: جئت أنا وأمي قريرة بنت الحارث العنوارية في نساء من المهاجرات، فبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ضارب عليه قبة بالأبْطَح، فأخذ علينا أن لا نشرك بالله شيئاً - الآية كلَّها. فلما أقررنا وبسطنا أيدينا لنبايعه قال: «إنِّي لا أمسُّ أيدي النساء» ، فاستغفر لنا، وكانت تلك بيعتَنا. قال الهيثمي: وفيه: موسى بن عبيدة وهو ضعيف. انتهى. وأخرج مالك وصحَّحه ابن حِبَّان عن أُميمة بنت رُقَيْقة قالت: أتيت

بيعة أميمة بنت رقيقة على الإسلام

رسول الله صلى الله عليه وسلم في نِسْوة يبايعنه فقلنا: نبايعك - يا رسول الله - على أن لا نشرك بالله شيئاً، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيك في معروف. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «فيما استطعتُنَّ وأطقتنَّ» . فقلنا: الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا. هلمَّ نبايعْك يا رسول الله، قال: «إني لا أصافح النساء، إنما قولي لمائة إمرأة كقولي لامرأة واحدة» . وأخرجه الترمذي وغيره مختصراً كما في الإِصابة. بَيْعة أُميمة بنت رُقَيقة على الإِسلام وأخرجه الطبراني - ورجاله ثقات - عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: جاءت أمية بنت رُقَيْقَة رضي الله عنها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تبايعه على الإِسلام. فقال: «أبايعك على أن لا تشركي بالله شيئاً، ولا تسرقي، ولا تزني، ولا تقتلي ولدك، ولا تأتي ببهتان تفترينه بين يديك ورجليك، ولا تنوحي، ولا تبرَّجي تبرج الجاهلية الأولى» . كذا في المجمع. وأخرجه أيضاً النِّسائي وابن ماجه، والإِمام أحمد، وصحَّحه الترمذي كما في التفسير لابن كثير.

بيعة فاطمة بنت عتبة

بَيْعة فاطمة بنت عُتْبة وأخرج أحمد، والبّزار - ورجاله رجال الصحيح - عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت فاطمة بنت عتبة بن ربيعة رضي الله عنها تبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ عليها: «أن لا يشركن، ولا يزنين» - الآية. قالت: فوضعت يدها على رأسه حياءً فأعجبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأى منها؛ فقالت عائشة رضي الله عنها: أقرّي أيتها المرأة فوالله ما بايعنا إلا على هذا. قالت: فنعم إذاً، فبايعها بالآية. كذا في مجمع الزوائد. بَيْعة عزَّة بنت خايل النبي صلى الله عليه وسلم وأخرج الطبراني عن عَزّة بنت خايل رضي الله عنها: أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم فبايعها أن «لا تزنين، ولا تسرقين، ولا تئدين فتبدين أو تخفين» . قلت: أما الوأد المبدي فقد عرفته، وأما الوأد الخفي فلم أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يخبرني، وقد وقع في نفسي أنه إِفساد الولد، فوالله لا أفسد لي ولداً أبداً. قال

بيعة فاطمة بنت عتبة وأختها هند زوج أبي سفيان

الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط والكبير بنحوه عن عطاء بن مسعود الكعبي عن أبيه عنها، ولم أعرف مسعوداً، وبقية رجاله ثقات. انتهى. بيعة فاطمة بنت عتبة وأختها هند زوج أبي سفيان وأخرج الحاكم عن فاطمة بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس - رضي الله عنها - أن أبا حُذَيفة بن عتبة رضي الله عنه أتى به وبهند إبنة عتبة رسول الله صلى الله عليه وسلم تبايعه. فقالت: أخذَ علينا فشرط علينا. قالت: قلت له: يا ابن عم، هل علمت في قومك من هذه العاهات أو الهَنات شيئاً؟ قال أبو حذيفة: إيهاً فبايعيه فإنَّ بهذا يُبايع وهكذا يشترط. فقالت هند: لا أُبايعك على السرقة، إِنِّي أسرق من مال زوجي، فكف النبي صلى الله عليه وسلم يده وكفت يدها، حتى أرسل إلى أبي سفيان فتحلَّل لها منه. فقال أبو سفيان: أما الرُّطَب فنعم، وأما اليابس فلا، ولا نعمة. قالت: فبايعناه. ثم قالت فاطمة: ما كانت قبةٌ أبغضَ إليَّ من قبتك ولا أحبَّ أن يبيحها الله وما فيها، ووالله ما من قبة أحبّ إِليَّ أن يعمرها الله ويبارك فيها من قبتك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «وأيضاً - والله - لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده» . قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإِسناد، ولم يخرِّجاه؛ ووافقه الذهبي فقال: صحيح. وعند أبي يَعْلى عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت هند بنت عتبة بن ربيعة - رضي الله عنها - إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لتبايعه، فنظر إلى ييها فقال: «إذهبي فغيِّري يديك» . قال: فذهبت فغيَّرتهما بحنَّاء، ثم جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أُبايعك على أن لا تشركي بالله شيئاً، ولا تسرقي، ولا تزني» .

قالت: أوَ تزني الحرة؟ قال: «ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق» . قالت: وهل تركت لنا أولاداً نقتلهم؟. قال: فبايعته، ثم قالت له - وعليها سواران من ذهب -: ما تقول في هذين السوارين؟ قال: «جمرتان من جمر جهنم» . قال الهيثمي: وفيه: من لم أعرفهن. وأخرجه ابن أبي حاتم مختصراً كما في ابن كثير. وقال في الإِصابة وقصَّتها - في قولها عند بَيْعة النساء: «وأن لا يسرقن ولا يزنين» . فقالت: وهل تزني الحرة؟، وعند قوله: «ولا يقتلنَ أولادهنَّ» وقد ربيناهم صغاراً وقتلتهم كباراً - مشهورةٌ. ومن طرقه ما أخرجه ابن سعد بسند صحيح مرسلٌ عن الشَّعْبي وعن ميمون بن مِهْران، ففي رواية الشَّعْبي: «ولا يزنين» . فقالت هند: وهل تزني الحرة؟ «ولا تقتلن أولادكنَّ» ، قالت: أنت قتلتهم. وفي رواية نحوه، لكن قالت: وهل تركت لنا ولداً يوم بدر؟. وأخرح ابن مَنْدَه وفي أوله: إني أريد أن أبيع محمداً. قال: قد رأيتك تكفرين. قالت: إي والله، والله ما رأيت الله تعالى عُبِد حقَّ عبادته في هذا المسجد قبل الليلة، والله: إن باتوا إلا مصلين قياماً وركوعاً وسجوداً. قال: فإنك قد فعلت ما فعلت، فاذهبي برجل من قومك معك. فذهبت إلى عمر رضي الله عنه، فذهب معها فاستأذن لها، فدخلت وهي مُتنقِّبة - فذكر قصة البَيْعة. وفيه عن مرسل الشَّعبي المذكور: قالت هند: قد كنت أفنيت من مال أبي سفيان. فقال أبو سفيان: ما أخذت من مالي فهو حلال. انتهى مختصراً.

بيعة من لم يحتلم

وقد أخرجه ابن جرير من حديث ابن عباس رضي الله عنهما بطوله كما ذكر ابن كثير في تفسيره، وفيه: قال أبو سفيان: ما أصبتِ من شيء مضى أو قد بقي فهو لك حلال. فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفها فدعاها، فأخذت بيده وعاذرته؛ فقال: «أنت هند» . قالت: عفا الله عما سلف. فصرف عنها رسول الله، فقال: «ولا يزنين» . فقالت: يا رسول الله، وهل تزني إمرأة حرة؟ قال: «لا والله ما تزني الحرة» . قال: «ولا يقتلن أولادهن» . قالت هند: أنت تقتلهم يوم بدر؛ فأنت وهم أبصر. قال: «ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن» . قال: «ولا يعصينك في معروف» . قال: منعهن أن ينحنَ وكان أهل الجاهلية يمزقنَ الثياب، ويخدشنَ الوجوه، ويقطعنَ الشعور، ويدعون بالويل والثبور. قال ابن كثير: وهذا أثر غريب. وأخرج ابن أبي حاتم عن أسيد بن أبي أسيد البزار عن إمرأة من المبايعات قالت: كان فيما أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا نعصيَه في معروف، وأن لا نخمش وجهاً، ولا ننشر شَعَراً، ولا نشقّ جَيْباً، ولا ندعو وَيْلاً، كذا في التفسير لابن كثير. بيعة من لم يحتلم بَيْعة الحسنين وابن عباس وابن جعفر أخرج الطبراني عن محمد بن علي بن الحسين رضي الله عنهم: أن

بيعة ابن الزبير، وابن جعفر

النبي صلى الله عليه وسلم بايع الحسن، والحسين، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن جعفر وهم صغار، ولم يبقلوا، ولم يبلغوا، ولم يبايع صغيراً إلا منَّا. قال الهيثمي: وهو مرسل، ورجاله ثقات. بَيْعة ابن الزبير، وابن جعفر وأخرج الطبراني أيضاً عن عبد الله بن الزبير، عبد الله بن جعفر رضي الله عنهم أنهما بايعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما إبنا سبع سنين. فلما رآهما رسول الله صلى الله عليه وسلم تبسَّم وبسط يده، فبايعهما. قال الهيثمي: وفيه إسماعيل بن عيَّاش وفيه خلاف، وبقية رجاله رجال الصحيح، وأخرجه أيضاً أبو نعيم، وابن عساكر عن عروة: أن عبد الله بن الزبير، عبد الله بن جعفر - وفي لفظ: جعفر بن الزبير - بايعا النبي صلى الله عليه وسلم وهما إبنا سبعِ سنين - فذكر نحوه كما في المنتخب. وأخرح النِّسائي عن الهِرْماس بن زياد رضي الله عنه قال: مددت يدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا غلام ليبايعني، فلم يبايعني. كذا في جمع الفوائد. بَيْعة الصحابة على يد أبي بكر رضي الله عنه أخرج ابن شاهين في الصحابة عن إبراهيم بن المنتشر، عن أبيه، عن جده، قال: كانت بيعة النبي صلى الله عليه وسلم حين أنزل الله عليه: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} (الفتح: 10) التي بايع الناس عليها - البيعةَ لله والطاعة للحق، وكانت

بيعة الصحابة على يد عمر رضي الله عنه

بيعة أبي بكر رضي الله عنه: تبايعوني ما أطعتُ الله، وكانت بيعة عمر رضي الله عنه. ومن بعده كبيعة النبي صلى الله عليه وسلم كذا في الإِصابة. وأخرج البيهقي عن ابن العفيف رضي الله عنه قال: رأيت أبا بكر رضي الله عنه وهو يبايع الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجتمع إِليه العِصابة فيقول: تبايعوني على السمع والطاعة لله ولكتابه ثم للأمير؟ فيقولون: نعم، فيبايعهم. فقمت عنده ساعة - وأنا يومئذٍ المحتلم أو فوقه - فتعلمتُ شرطَه الذي شَرَط على الناس، ثم أتيته فقلت وبدأته، قلت: أنا أبايعك على السمع والطاعة لله ولكتابه ثم للأمير، فصعَّد فيَّ البصر ثم صوَّبه، ورأيت أبي أعجبته - رحمه الله -. وأخرج مُسَدَّد عن أبي السَّفَر رضي الله عنه قال: كان أبو بكر رضي الله عنه إذا بعث إلى الشام بايعهم على الطَّعْن والطاعون. كذا في الكنز. بَيْعة الصحابة على يد عمر رضي الله عنه وأخرج ابن سعد، بن أبي شيبة والطيالسي عن أنس رضي الله عنه

بيعة وفد الحمراء على يد عثمان رضي الله عنه

قال: قدمت المدينة وقد مات أبو بكر رضي الله عنه واستُخلف عمر رضي الله عنه، فقلت لعمر: إرفع يدك أبايْعك على ما بايعت عليه صاحبك قبلك؛ على السمع والطاعة فيما استطعت. كذا في الكنز. وأخرج ابن سعد عن عُمَير بن عطية اللَّيثي رضي الله عنه: أتيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقلت: يا أمير المؤمنين إرفع يدك - رفعها الله - أُبايعْك على سنّة الله وسنّة رسوله. فرفع يده وضحك: هي لنا عليكم ولكم علينا. وعن عبد الله بن حكيم رضي الله عنه قال: بايعت عمر رضي الله عنه بيدي هذه على السمع والطاعة. كذا في الكنز. بَيْعة وفد الحمراء على يد عثمان رضي الله عنه وأخرج أحمد في السُّنَّة عن سليم أبي عامر رضي الله عنه: أن وفد الحمراء أتَوا عثمان رضي الله عنه فبايعوه على أن لا يشركوا بالله شيئاً، ويُقيموا الصلاة، ويُؤتوا الزكاة، ويصوموا رمضان، ويَدَعوا عيد المجوس. فلما قالوا: نعم، بايَعهم. كذا في كنز العمال. بَيْعة المسلمين لعثمان رضي الله عنه بالخلافة وأخرج البخاري عن المِسْوَر بن مَخْرمة رضي الله عنه أن الرَّهْط الذين

ولاهم عمر رضي الله عنه إجتمعوا فتشاوروا، فقال لهم عبد الرحمن رضي الله عنه: لست بالذي أنافسكم على هذا الأمر، ولكنَّكم إِن شئتم إخترت لكم منكم، فجعلوا ذلك إلى عبد الرحمن. فلمّا ولَّوْا عبد الرحمن أمْرَهم، فمال الناس على عبد الرحمن حتى ما أرى أحداً من الناس يتبع أولئك الرهط لا يطأ عقبه. ومال الناس على عبد الرحمن يشاورونه تلك الليالي، حتى إذا كانت الليلة التي أصبحنا منها فبايعنا عثمان رضي الله عنه. قال المِسْوَر: طرقني عبد الرحمن بعد هِجْع من الليل، فضرب الباب حتى استيقظت، فقال: أراك نائماً - فوالله - ما اكتحلتُ هذه الليلة بكثير نوم، إنطلق فادعُ الزبير وسعداً، فدعوتهما له فشاورهما؛ ثم دعاني فقال: إدع لي علياً فدعوته، فناجاه حتى ابهارَّ الليل. ثم قام علي من عنده وهو على طمع - وقد كان عبد الرحمن يخشى من علي شيئاً - ثم قال لي: أدعُ لي عثمان فدعوته، فناجاه حتى فرَّق بينهما المؤذن بالصبح. فلمَّا صلَّى الناس الصبح واجتمع أولئك الرهط عند المنبر، فأرسل عبد الرحمن إلى من كان حاضراً من المهاجرين والأنصار، وأرسل إلى أمراء الأجناد - وكانوا قد وافَوا تلك الحجَّة مع عمر رضي الله عنه - فلما اجتمعوا تشهَّد عبد الرحمن ثم قال: أما بعد يا علي، إِنِّي قد نظرت في أمر الناس، فلم أرَهم يعدلون بعثمان، فلا تجعلنَّ على نفسك سبيلاً، وأخذ بيد عثمان رضي الله عنه وقال: أبايعك على سنّة الله وسنّة رسوله والخليفتين من بعده. فبايعه عبد الرحمن وبايعه الناس: المهاجرون والأنصار وأمراء الأجناد والمسلمون. وأخرجه البيهقي أيضاً بنحوه.

الباب الثالث باب تحمل الشدائد في الله

الباب الثالث باب تحمل الشدائد في الله كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم يتحمّلون الشدائد والأذى، والجوع والعطش، إِظهاراً للدين المتين. وكيف هانت عليهم نفوسهم في الله لإِعلاء كلمته.

باب تحمل الشدائد في الله قول المقداد في الحال التي بعث عليها النبي عليه السلام

باب تحمل الشدائد في الله قول المقداد في الحال التي بعث عليها النبي عليه السلام أخرج أبو نعيم في الحلية عن جبير بن نُفَير، عن أبيه قال: جلسنا إلى المقداد بن الأسود رضي الله عنه يوماً، فمرَّ به رجل، فقال: طُوبى لهاتين العينين اللتين رأتا رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لودِدنا أنا رأينا ما رأيت، وشهدنا ما شهدت فاستمعت، فجعلت أعجب، ما قال إلا خيراً. ثم أقبل عليه، فقال: ما يحمل أحدَكم على أن يتمنى محضراً غيّبه الله عزّ وجلّ عنه، لا يدري لو شهده كيف كان يكون فيه؟ والله، لقد حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم أقوام - كبَّهم الله عزّ وجلّ على مناخرهم في جهنم - لم يجيبوه ولم يصدِّقوه ولا تحمدون الله إذ أخرجكم الله عزّ وجلّ لا تعرفون إِلا ربَّكم مصدِّقين بما جاء به نبيكم عليه السلام وقد كُفيتم البلاءَ بغيركم؟ والله، لقد بُعث النبي صلى الله عليه وسلم على أشدّ حال بعث عليه نبي من الأنبياءِ، في فترة وجاهليْة، ما يرون ديناً أفضل من عبادة الأوثان. فجاء بفُرقان فرَّق به بين الحق والباطل، وفرّق بين الوالد وولده، حتى إنّ الرجل ليرى والده أو ولده أو أخاه كافراً وقد فتح الله تعالى قفل قلبه للإِيمان، فيعلم أنّه قد هلك من دخل النار فلا تقر عينه وهو يعلم أن حميمه في النار، وإِنّها للتي قال الله عزّ وجلّ: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْواجِنَا

قول حذيفة في هذا الباب

وَذُرّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} (الفرقان: 74) . وأخرجه الطبراني أيضاً بمعناه بأسانيد في أحدها يحيى بن صالح وثَّقه الذهبي، وقد تكلَّموا فيه، وبقية رجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمي في المجمع. قول حذيفة في هذا الباب وأخرج ابن إسحاق عن محمد بن كعب القُرَظي قال: قال رجل من أهل الكوفة لحذيفة بن اليمان رضي الله عنه: يا أبا عبد الله، رأيتم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبتموه؟ قال: نعم يا ابن أخي. قال: فكيف كنتم تصنعون؟ قال: والله لقد كنا نجتهد. قال: والله لو أدركناه ما تركناه يمشي على الأرض، ولحملناه على أعناقنا. قال؛ فقال حذيفة: يا ابن أخي - والله - لقد رأيتُنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخندق - فذكر الحديث في تحمُّلهم شدّة الخوف وشدة الجع والبرد. وعند مسلم: فقال له حذيفة: أنت كنت تفعل ذلك؟ لقد رأيتُنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب في ليلة ذات ريح شديدة وقرّ - فذكره. وعند الحاكم والبيهقي: فقال حذيفة: لا تمنَّوا ذلك - فذكره كما سيأتي في تحمُّل

ما قاله صلى الله عليه وسلم لعمه حين ظن ضعفه عن نصرته

الخوف. تحمل النبي صلى الله عليه وسلم الشدائد والأذى في الدعوة إلى الله قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب أخرج أحمد عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله: «لقد أُوذيتُ في الله وما يُؤذى أحد، وأُخفتُ في الله وما يُخاف أحد، ولقد أتت عليّ ثلاثون من بين يوم وليلة وما لي ولبلال ما يأكله ذو كَبِد؛ إلا ما يُواري إبْط بلال» . كذا في البداية. وأخرجه أيضاً الترمذي وابن حِبّان في صحيحه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. كذا في الترغيب. وأخرجه أيضاً ابن ماجَهْ، وأبو نُعيم. ما قاله صلى الله عليه وسلم لعمِّه حين ظنَّ ضعفه عن نُصرْته وأخرج الطبراني في الأوسط والكبير عن عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه قال: جاءت قريش إِلى أبي طالب فقالوا: يا أبا طالب، إنَّ ابن أخيك يأتينا في أفنيتنا وفي نادينا فيسمعنا ما يؤذينا به، فإن رأيت أن تكفَّه عنا فافعل.

فقال لي: يا عقيل، إلتمس لي ابن عمك. فأخرجته من كِبس من أكباس أبي طالب، فأقبل يمشي معي يطلب الفيء يمشي فيه فلا يقدر عليه حتى انتهى إِلى أبي طالب. فقال له أبو طالب: يا ابن أخي، والله ما علمت أن كنت لي لمطاعاً، وقد جاء قومك يزعمون أنك تأتيهم في كعبتهم وفي ناديهم تسمعهم ما يؤذيهم فإن رأيت أن تكفَّ عنهم؟ فحلَّق ببصره إلى السماءِ فقال: «والله، ما أنا بأقدرَ أن أدعَ ما بُعثت به من أن يُشعِلَ أحدكم من هذه الشمس شعلة من نار» . فقال أبو طالب: والله ما كذب ابن أخي قط إرجعوا راشدين. قال الهيثمي: رواه الطبراني، وأبو يَعْلَى باختصار يسير من أوله، ورجال أبي يَعْلَى رجال الصحيح. إنتهى. وأخرجه البخاري في التاريخ بنحوه كما في البداية. وعند البيهقي أن أبا طالب قال له صلى الله عليه وسلم يا ابن أخي، إنّ قومك قد جاؤوني وقالوا كذا كذا، فأبق عليَّ وعلى نفسك، ولا تحمِّلني من الأمر ما لا أطيق أنا ولا أنت، فاكفف عن قومك ما يكرهون من قولك. فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قد بَدَا لعمه فيه، وأنه خاذله ومُسْلمة، وضعف عن القيام معه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا عم، لو وُضعت الشمس في يميني، والقمر في يساري؛ ما تركت هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك في طلبه» ؛ ثم استعبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى. فلما ولَّى قال له - حين رأى ما بلغ الأمر برسول الله صلى الله عليه وسلم ـ: يا ابن أخي، فأقبل عليه، فقال: إمضِ على أمرك وافعل ما أحببت، فواا لا أسلمك لشيء أبداً. كذا في البداية.

ما تحمله عليه السلام من الأذى بعد موت عمه

ما تحمَّله عليه السلام من الأذى بعد موت عمه وأخرج البيهقي عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال: لمَّا مات أبو طالب عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم سفيه من سفهاء قريش فألقى عليه تراباً، فرجع إلى بيته فأتت إمرأة من بناته تمسح عن وجهه التراب وتبكي، فجعل يقول: «أي بنية، لا تبكي، فإن الله مانعٌ أباك» ويقول ما بين ذلك: «ما نالت قريش شيئاً أكرهه حتى مات أبو طالب، ثم شرعوا» . كذا في البداية. وأخرج أبو نعيم في الحلية: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال: لما مات أبو طالب تجهَّموا بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ي عمّ، أسرع ما وجدت فقدك» . ما لقيه عليه السلام من الأذى من قريش ما أجابهم به وأخرج الطبراني عن الحارث بن الحارث قال: قلت لأبي: ما هذه الجماعة؟ قال: هؤلاء القوم الذين اجتمعوا على صابىء لهم. قال: فنزلنا فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى توحيد الله عزَّ وجلَّ والإِيمان، وهم يردُّون عيه ويؤذونه، حتى انتصف النهار وانصدع الناس عنه، أقبلت إمرأة قد بدا نحرها تحمل قَدَحاً ومِنديلاً، فتناوله منها فشرب وتوضأ ثم رفع رأسه فقال: «يا بنية، خِّمري عليك نحرك، ولا تخافي على أبيك» . قلنا من هذه؟ قالوا: هذه زينب إبنتُه. قال الهيثمي: رجله ثقات،

وعنده أيضاً عن مَنبِت الأزدي قل: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية وهو يقول: «يا أيها الناس، قولوا لا إله إلا الله تفلحوا» فمنهم من تفل في وجهه، ومنهم من حثا عليه التراث، ومنهم من سبَّه، حتى انتصف النهار، فأقبلت جارية بِعُسّ من ماء، فغسل وجهه ويديه وقال: «يا بنية، لا تخشيَ على أبيك غِيلَة، ولا ذلّة» . فقلت: من هذه؟ قالوا: زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي جارية وضيئة. قال الهيثمي: وفيه مَنبِت بن مُدْرك، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات. وأخرج البخاري عن عروة رضي الله عنه قال: سألت ابن العاص رضي الله عنه فقلت: أخرني بأشدِّ شيء صنعه المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في حِجْر الكعبة؛ إذ أقبل عليه عقبة بن أبي مُعَيط فوضع ثوبه على

عنقه خنقه خنقاً شديداً، فأقبل أبو بكر رضي الله عنه حتى أخذ بمنكبه ودفعه عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال: {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِى نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (المؤمنون: 28) . الآية؛ كذا في البداية. وعند ابن أبي شَيْبة عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: ما رأيت قريشاً أرادوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم إلا يوماً ائتمروا به وهم جلوس في ظل الكعبة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي عند المقام، فقام إليه عقبة بن أبي مُعَط، فجعل رداءه في عنقه ثم جذبه حتى وجب لركبتيه ساقطاً، وتصايح الناس، فظنوا أنه مقتول. فأقبل أبو بكر رضي الله عنه يشتد حتى أخذ بِضَبُعَي رسول الله صلى الله عليه وسلم من ورائه ويقول: «أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله؟» ثم انصرفوا عن النبي صلى الله عليه وسلم فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلّى فلما قضى صلاته مرَّ بهم - وهم جلوس في ظلِّ الكعبة - فقال: يا معشر قريش، أما والذي نفس محمد بيده، ما أرسلت إليك إلا بالذبح» وأشار بيده إلى حَلْقه. فقال له أبو جهل: ما كنت جهولاً. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنت منهم» - كذا في كنز العمال. وأخرجه أيضاً أبو يَعْلى والطبراني بنحوه، قال الهيثمي: وفيه محمد بن عمرو بن علقمة، وحديثه حسن، وبقية رجال الطبراني رجال الصحيح. انتهى. وأخرجه أيضاً أبو نُعيم في دلائل النبوة (ص 67) .

وأخرج أحمد عن عروة بن الزبير عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قلت له: ما أكثرَ ما رأيتَ قريشاً أصبت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما كانت تظهر من عداوته؟ قال: حضرتهم - وقد اجتمع أشرافهم في الحِجْر - فقالوا: ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من هذا الرجل قط سفّه أحلامنا، وشتم آباءنا، وعاب ديننا، وفرَّق جماعتنا، وسبّ آلهتنا. لقد صبرنا منه على أمر عظيم - أو كما قالوا -. قال: فبينما هم في ذلك إذ طلع عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل يمشي حتى استقبل الركن، ثم مرّ بهم طائفاً بالبيت. فلما مرَّ بهم غمزوه ببعض ما يقول. قال: فعرفت ذلك في وجهه، ثم مضى. فلما مر بهم الثانية غمزوه بمثلها، فعرفت ذلك في وجهه، ثم مضى. فل مرَّ بهم الثالثة فغمزوه بمثلها، فقال: «أتسمعون يا معشر قريش؟ أما والذي نفس محمد بيده، لقد جئتكم بالذَّبح» . فأخذتِ القومَ كلمتُه حتى ما منهم رجل إلا على رأسه طائر واقع، حتى إنَّ أشدهم فيه وضاءة قبل ذلك ليرفؤه بأحسن ما يجد من القول، حتى إنَّه ليقول: إنصرف يا أبا القاسم، إنصرف راشداً. فوالله ما كنت جهولاً. فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان الغد إجتمعوا لي الحِجْر - وأنا معهم - فقال بعضهم لبعض؛ ذكرتم ما بلغ منكم وما بلغكم منه، حتى إذا باداكم بما تكرهون تركتموه؟ فبينما هم في ذلك إذ طلع عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فوثبوا إليه وثبة رجل واحد، فأطافوا به يقولون: أنت الذي تقول كذا وكذا؟ - لما كان

يبلغهم من عيب آلهتهم ودينهم - قال فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «نعم، أنا الذي أقول ذلك» قال: فلقد رأيت رجلاً منهم أخذ بمجمع ردائه، وقام أبو بكر رضي الله عنه دونه يقول وهو يبكي: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله؟ ثم انصرفوا عنه، فإن ذلك لأشدُّ ما رأيت قريشاً بلغت منه قط. قال الهيثمي: وقد صرَّح ابن إسحاق بالسَّمع، وبقية رجاله رجال الصحيح انتهى. وأخرجه أيضاً البيهقي عن عروة رضي الله عنه قال: قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: ما أكثر ما رأيتَ قريشاً - فذكر الحديث بطوله نحوه كما ذكر في البداية. وأخرج أبو يَعْلى عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنهم قالوا لها: ما أشد ما رأيت من المشركين بلغوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: كان المشركون قعدوا في المسجد يتذاكرون رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يقول في آلهتهم، فبينما هم كذلك إِذ أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاموا إِليه فأجمعهم، فأتى الصريخ إلى أبي بكر رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه، فقالوا: أدرك صاحبك. فخرج من عندنا وإنَّ له لغدائرَ أربع، وهو يقول: ويلكم/ «أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءك بالبينات من ربكم؟» . فَلَهوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبلوا على أبي بكر. قالت: فرجع إِلينا أبو بكر فجعل لا يمسُّ شيئاً من غدائره إِلا جاء معه، وهو يقول: تباركتَ يا ذا الجلال والإِكرام. قال الهيثمي وفيه: تَدْروس جدّ أبي

الزبير، ولم أعرفه؛ وبقية رجاله ثقات. انتهى. وذكره ابن عبد البر في الإستيعاب عن ابن عيينة، عن الوليد بن كثير، عن ابن عبدوس، عن أسماء رضي الله عنها - فذكره بنحوه، وبهذا الإِسناد أخرجه أبو نعيم في الحِلْية - مختصراً، وفيه: ابن تدروس عن أسماء. وأخرج أبو يعلى عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لقد ضربوا

قول علي في شجاعة أبي بكر رضي الله عنهما في خطبة له

رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة حتى غُشي عليه، فقام أبو بكر رضي الله عنه فجعل ينادي: ويلكم/ «أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله؟» . فقالوا: من هذا فقالوا: أبو بكر المجنون. وأخرجه أيضاً البزّار - وزاد: فتركوه وأقبلوا على أبي بكر، ورجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمي. وأخرجه أيضاً الحاكم. وقال: حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرِّجاه. قول علي في شجاعة أبي بكر رضي الله عنهما في خطبة له وأخرج البزّار في مسنده عن محمد بن عقيل عن علي رضي الله عنه أنه خطبهم فقال: يا أيها الناس: من أشجع الناس؟ فقالوا: أنت يا أمير المؤمنين. فقال: أمَا إنِّي ما بارزني أحد إلا انتصفتُ منه، ولكن هو أبو بكر؛ إنا جعلنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريشاً، فقلنا: من يكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لئلا يهوي إليه أحد من المشركين؟ فوالله، ما دنا منا أحد إلا أبو بكر شاهراً بالسيف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يهوي إليه أحد إلا أهوى إليه؛ فهذا أشجع الناس. قال: ولقد رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذته قريش، فهذا يحادُّه وهذا يُتَلتله ويقولون: أنتَ جعلت الآلهة إلهاً وحداً؟ فوالله، ما دنا منا أحد إلا أبو بكر، يضرب هذا، ويجاهد هذا، ويتلتل هذا، وهو يقول: ويلكم، أتقتلون رجلاً

طرح رؤساء قريش الفرث عليه صلى الله عليه وسلم وانتصار أبي البختري له

أن يقول ربي الله؟. ثم رفع علي بُرْدة كانت عليه فبكى حتى اخضلَّت لِحيته، ثم قال: أنشدكم الله، أمؤمن آل فرعون خير أم هو؟ فسكت القوم. فقال علي رضي الله عنه: فوالله، لساعة من أبي بكر خير من ملء الأرض من مؤمن آل فرعون، ذاك رجل يكتم إيمانه وهذا رجل أعلن إيمانه ثم قال البزار: لا نعلمه يُروى إلا من هذا الوجه. كذا في البداية. وقال الهيثمي: وفيه من لم أعرفه. طرح رؤساء قريش الفَرْث عليه صلى الله عليه وسلم وانتصار أبي البختري له وأخرج البزّار والطبراني عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، وأبو جهل بن هشام، وشيبة وعتبة إبنا ربيعة، وعُقبة بن أبي معيط، وأمية بن خلف، ورجلان آخران كانوا سبعة وهم في الحِجر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي، فلما سجد أطال السجود. فقال أبو جهل: أيُّكم يأتي جزور بني فلان فيأتينا بفَرْثها، فنكفؤه على محمد؟ فانطلق أشقاهم عقبة بن أبي معيط فأتى به فألقاه على كتفيه ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد. قال ابن مسعود: وأنا قائم لا أستطيع أن أتكلم ليس عندي مَنَعة تمنعني، فأنا أذهب إذ سمعتْ فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبلت حتى ألقت ذلك عن عاتقه، ثم استقبلت قريشاً تسبُّهم، فلم يرجعوا إليها شيئاً. ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه كما كان يرفع عند تمام السجود. فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قال: «اللَّهمَّ عليك بقريش - ثلاثاً عليك بعتبة، وعقبة، وأبي جهل، وشيبة» . ثم خرج من المسجد فلقيه أبو البختري بسوط يتخصّر به، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم أنكر وجهه،

فقال: ما لك؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم «خلّ عني» . قال: علما لله لا أُخلِّي عنك أو تخبرني ما شأنك، فلقد أصابك شيء؟. فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم أنه غير خلَ عنه أخبره، فقال: «إنَّ أبا جهل أمر فطُرح عليَّ فرثٌ» ، فقال أبو البَختري: هلمَّ إلى المسجد، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وأبو البختري فدخلا المسجد؛ ثم أقبل أبو البختري إلى أبي جهل فقال: يا أبا الحكم، أنت الذي أمرتَ بمحمد فطُرح عليه الفرث؟ قال: نعم. فقال: فرفع السوط فضرب به رأسه. قال: فثار الرجال بعضها إلى بعض، قال: وصاح أبو جهل: ويحكم، هي له، إنما أراد محمد أن يُلقي بيننا العداوة وينجو هو وأصحابه. قال الهيثمي: وفيه: الأجلح بن عبد الله الكندي وهو ثقة عند ابن معين وغيره، وضعَّفه النسائي وغيره. انتهى. وأخرجه أيضا أبو نُعيم في دلائل النبوة (ص 90) نحو رواية البزار، والطبراني. وأخرجه أيضاً الشيخان، والترمذي وغيرهم باختصارِ قصة أبي البختري. وفي ألفاظ الصحيح: أنهم لما فعلوا ذلك استضحكوا حتى جعل يميل بعضهم إلى بعض أي من شدة الضحك. وعند أحمد: وقال عبد الله: فلقد رأيتهم قُتلوا يوم بدر جميعاً. كذا في البداية.

إيذء أبي جهل رسول الله صلى الله عليه وسلم وغضب حمزة على أبي جهل وأخرج الطبراني عن يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس بن شريق حليف بني زُهرة مرسلاً: أن أبا جهل إعترض لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالصَّفا، فآذاه. وكان حمزة رضي الله عنه صاحب قَنْص وصيد، وكان يومئذٍ في قَنْصه. فلما رجع قالت له إمرأته - وكانت قد رأت ما صنع أبو جهل برسول الله صلى الله عليه وسلم ـ: يا أبا عُمرة، لو رأيت ما صنع - تعني أبا جهل - بابن أخيك؟ فغضب حمزة رضي الله عنه، ومضى كما هو قبل أن يدخل بيته وهو معلّق قوسه في عنقه حتى دخل المسجد، فوجد أبا جهل في مجلس من مجالس قريش، فلم يكلِّمه حتى علا رأسه بقوسه فشجِّه. فقام رجال من قريش إلى حمزة يمسكونه عنه، فقال حمزة: ديني دين محمد، - أشهد أنه رسول الله، فوالله، لا أنثني عن ذلك فامنعوني من ذلك إن كنتم صادقين فلما أسلم حمزة رضي الله عنه عزّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون، وثبت لهم بعض أمرهم، وهابت قريش، وعلموا أن حمزة رضي الله عنه سيمنعه. قال الهيثمي: ورجاله ثقات. وأخرجه الطبراني أيضاً عن محمد بن كعب القرظي مرسلاً، وفي حديثه: فأقبل من رَمْيه ذات يوم فلقيته إمرأة، فقالت: يا أبا عمارة، ماذا لقي ابن أخيك من أبي جهل بن هشام شتمه، وتناوله، وفعل وفعل. فقال: هل رآه أحد؟ قالت: إي واا، لقد رآه ناس. فأقبل حتى انتهى إلى ذلك المجلس عند الصَّفا والمروة، فإذا هم جلوس وأبو جهل فيهم، فاتكأ على قوسه وقال: رميتُ كذا وكذا وفعلت كذا وكذا؟ ثم جمع يديه بالقوس فضرب بها بين أذني أبي جهل، فدقَّ سِيَتَها، ثم قال: خُذْها بالقوس وأخرى بالسيف، أشهد أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه جاء بالحق من عند الله. قالوا: يا أبا عمارة، إنه سبَّ آلهتنا، وإِن كنت أنت - وأنت أفضل منه - ما أقررناك. وذاك وما كنت يا أبا

عزم أبي جله على إيذائه صلى الله عليه وسلم وكيف أخزاه الله

عمارة فحشاً. قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح. انتهى وأخرجه الحاكم في المسترك: عن ابن إسحاق عن رجل عن أسلم - فذكره مطولاً. عزم أبي جله على إيذائه صلى الله عليه وسلم وكيف أخزاه الله وأخرج البيهقي عن العباس رضي الله عنه قال: كنت يوماً في المسجد فأقبل أبو جهل، فقال: إِنَّ لله عليَّ إن رأيت محمداً ساجداً أن أطأ على رقبته، فخرجت على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخلت عليه فأخبرته بقول أبي جهل. فخرج غضبانَ حتى جاء المسجد فعجَّل أن يدخل من الباب فاقتحم الحائط. فقلت: هذا يوم شر، فاتَّزرت ثم اتَّبعته، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبّكَ الَّذِى خَلَقَ خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ} (العلق: 1، 2) . فلما بلغ شأن أبي جهل: {كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى أَن رَّءاهُ اسْتَغْنَى} (العلق: 6، 7) ، فقال إنسان لأبي جهل: يا أبا الحكم، هذا محمد. فقال أبو جهل: ألا ترون ما أرى؟ والله، لقد سُدَّ أفقُ السماء عليّ. فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر السورة سجد. كذا في البداية وأخرجه أيضاً الطبراني في الكبير والأوسط، قال الهيثمي وفيه: إِسحاق بن أُبي فَرْوة وهو متروك. انتهى؛ وأخرجه الحاكم بمثله، وقال: صحيح الإِسناد، ولم يخرِّجاه، وتعقَّبه الذهبي، فقال: فيه عبد الله بن صالح وليس بعُمْدة، وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة وهو متروك.

إيذاء أبي جهل للنبي صلى الله عليه وسلم وانتصار طليب بن عمير له

إيذاء أبي جهل للنبي صلى الله عليه وسلم وانتصار طليب بن عمير له وأخرج ابن سعد عن الواقدي بسند له إبى بَرَّة بنت أبي تَجْراة قالت: عرض أبو جهل وعدّةٌ معه للنبي صلى الله عليه وسلم فآذوه، فعمد طُليب بن عمير إلى أبي جهل فضربه فشجَّه، فأخذوه، فقام أبو لهب في نصرته. وبلغ أرْوَى فقالت: إنَّ خيرَ أيامه يوم نصر ابن خاله، فقيل لأبي لهب: إن أرْوَى صَبَتْ، فدخل عليها يعاتبها، فقالت: قم دون ابن أخيك، فإنه إن يظهر كنتَ بالخيار، ولا كنتَ قد أعذرتَ في ابن أخيك. فقال أبو لهب: ولنا طاقة بالعرب قاطبة؟ إنه جاء بدين مُحدَث. كذا في الإِصابة. دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على عُتيبة بن أبي لهب حين آذاه وخبر هلاكه وأخرج الطبراني عن قتادة مرسلاً قال: تزوج أمَّ كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم عتيبةُ بن أبي لهب، وكانت رقية عند أخيه عتبة بن أبي لهب، فلم يَبْنِ به حتى بُعث النبي صلى الله عليه وسلم فلما نزل قوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَآ أَبِى لَهَبٍ} قال أبو لهب لابنيه عتبة وعتيبة: رأسي في رؤوسكما حرم إن لم تطلِّقا إبنتي محمد، وقالت أمهما بنت حرب بن أمية - وهي حمَّالة الحطب -: طلِّقاهما يا بَني، فإنهما صَبَأتا. فطلَّقاهما. ولما طلَّق عتيبة أم كلثوم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين فارقها، فقال: كفرت بدينك أو فارقت إبنتك، لا تجيئني ولا أجيئك، ثم سطا عليه، فشقَّ قميص النبي صلى الله عليه وسلم وهو خارج نحو الشام تاجراً. فقال النبي صلى الله عليه وسلم «أما إنِّي أسأل الله أن يُسلِّط عليك كلبه» . فخرج في تَجْر من قريش

إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم من جاريه: أبي لهب، وعقبة بن أبي معيط

حتى نزلوا بمكان يقال له «الزرقاء» ليلاً فأطاف بهم الأسد تلك الليلة، فجعل عتيبة يقول: وَيْلُ أمي، هذا - والله - آكلي كما قال محمد، قاتلي ابن أبي كبشة، وهو بمكة وأنا بالشام. فلقد غدا عليه الأسد من بين القوم، فضغمه ضغمة فقتله. قال زهير بن العلاء: فحدَّثنا هشام بن عروة عن أبيه: أن الأسد لمَّا أطاف بهم تلك الليلة إنصرف، فناموا، وجُعل عتيبة وسطهم. فأقبل السبع يتخطّاهم حتى أخذ برأس عتيبة ففدغه، وخَلَف عثمانُ بن عفان بعد رقية على أم كلثوم - رضي الله عنهما: قال الهيثمي: وفيه زهير بن العلاء وهو ضعيف. إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم من جارَيه: أبي لهب، وعقبة بن أبي معيط وأخرج الطبراني في الأوسط عن ربيعة بن عُبيد الدِيلي قال: ما أسمعكم تقولون إن قريشاً كانت تنال من رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنِّي أكثر ما رأيت أنَّ منزله كان بين منزل أبي لهب وعُقبة بن أبي مُعَيط؛ وكان ينقلب إلى بيته فيجد الأرحام والدِّماء والأنحات قد نصبت على بابه، فيُنحِّي ذلك بسِيَة قوسه، ويقول: «بئس الجوار هذا يا معشر قريش» قال الهيثمي: وفيه إبراهيم بن علي بن الحسين الرافقي، وهو ضعيف. انتهى. ما تحمّله عليه السلام من الأذى في الطائف وأخرج البخاري: عن عروة أن عائشة رضي الله عنها زوجَ النبي صلى الله عليه وسلم

حدَّثته أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم هل أتى عليكَ يوم كان أشدَّ عليك من يوم أحد؟ قال: «لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشدّ ما لقيت منهم يوم العَقَبَة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كُلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقَرْن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلَّتني، فنظرت فإذا فيه جبرائيل عليه السلام فناداني فقال: إنَّ الله قد سمع قول قومك لك وما ردُّوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. فناداني ملك الجبال فسلَّم عليَّ ثم قال: يا محمد، فما شئت؟ إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين؟. قال النبي صلى الله عليه وسلم بل أرجو أن يُخرج الله عزّ وجلّ من أصلابهم من يعبد الله عزّ وجلّ وحده لا يشرك به شيئاً» . وأخرجه أيضاً مسلم، والنسائي. وذكر موسى بن عقبة في المغازي عن ابن شهاب: أنّه صلى الله عليه وسلم لمّا مات أبو طالب توجه إلى الطائف رجاء أن يؤووه، فعمد إلى ثلاثة نفر من ثقيف وهم سادتهم، وهم إِخوة: عبد ياليل، وحبيب، ومسعود بنو عمرو؛ فعرض عليهم نفسه، وشكا إليهم ما انتهَكَ منه قومه فردُّوا عليه أقبح ردَ. وكذا ذكره ابن إسحاق بغير إِسناد مطوَّلاً. كذا في فتح الباري. وأخرج أبو نُعَيم في دلائل النبوة (ص 103) : عن عروة بن الزبير رضي الله عنهما قال: ومات أبو طالب، وازداد من البلاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم شدة، فعمد إلى

ثقيف يرجو أن يؤووه وينصروه، فوجد ثلاثة نفر منهم سادة ثقيف وهم إخوة: عبد ياليل بن عمرو، وخبيب بن عمرو، ومسعود بن عمرو. فعرض عليهم نفسه، وشكا إِليهم البلاء وما انتهك قومه منه. فقال أحدهم: أنا أسرق ثياب الكعبة إن كان الله بعثك بشيء قط. وقال الآخر: والله، لا أكلمك بعد مجلسك هذا كلمة واحدة أبداً، لئن كنت رسولاً لأنت أعظم شرفاً وحقاً من أن أكلمك. وقال الآخر: أعَجَزَ الله أن يرسل غيرك؟ وأفشَوا ذلك في ثقيف - الذي قال لهم - واجتمعوا يستهزئون برسول الله صلى الله عليه وسلم وقعدوا له صفَين على طريقه، فأخذوا بأيديهم الحجارة، فجعل لا يرفع رجله ولا يضعها إلا رضخوها بالحجارة، وهم في ذلك يستهزئون ويسخرون. فلما خلص من صفَّيْهم وقدماه تسيلان الداء عمد إلى حائط من كرومه، فأتى ظلَّ حُبْلة من الكرم فجلس في أصلها مكروباً موجعاً تسيل قدماه الدماء، فإذا في الكرم عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة، فلما أبصرهما كره أن يأتيهما لما يعلم من عداوتهم الله ولرسوله وبه الذي به، فأرسلا إليه غلامهما عدَّاساً بعنب - وهو نصارني من أهل نِينَوى - فلمَّا أتاه وضع العنب بين يديه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «بسم الله» ، فعجب عدّاس، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «من أي أرض أنت يا عدّاس؟» قال: أنا من أهل نِينَوى. فقال النبي صلى الله عليه وسلم «من أهل مدينة الرجل الصالح يونس بن متَّى؟» فقال له عدّاس: وما يدريك مَنْ يونس بن متَّى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم من شأن يونس ما عرف، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحقر أحداً، يبلِّغه رسالات الله تعالى. قال: يا رسول الله، أخبرني خبر يونس بن متَّى. فلمَّا أخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم من شأن يونس بن متى ما أُوحي إليه من شأنه خرّ ساجداً للرسول صلى الله عليه وسلم ثم جعل يقبِّل قدميه وهما تسيلان الدماء. فلما أبصر عتبة وأخوه شيبة ما فعل غلامهما سكتا. فلما أتاهما قالا له: ما شأنك سجدت لمحمد وقبّلت قدميه ولم نرك

دعاؤه صلى الله عليه وسلم عند الرجوع من الطائف

فعلت هذا بأحد منا؟ قال: هذا رجل صالح، حدثني عن أشياء عرفته من شأن رسول بعثه الله تعالى إلينا يُدعى يونس بن متى، فأخبرني أنَّه رسول الله، فضحكا وقالا: لا يفتنْك عن نصرانيتك، إنه رجل يَخدع، ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة. انتهى. وذكر في البداية عن موسى بن عقبة: وقعد له أهل الطائف صفَّيْن على طريقه، فلمّا مرّ جعلوا لا يرفع رجليه ولا يضعهما إِلا رضخوهما بالحجارة حتى أدمَوه، فخلَص منهم وهما يسيلان الدماء. وفيما ذكر ابن إسحاق: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من عندهم وقد يئس من خير ثقيف، وقد قال لهم - فيما ذُكر لي -: «إن فعلتم ما فعلتم فكتموا عليَّ» ، وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ قومه عنه فيُذْئِرهم ذلك عليه. فلم يفعلوا، وأغرَوا به سفهاءهم وعيدهم يسبونه ويصيحون به، حتى اجتمع عليه الناس وألجؤوه إِلى حائط لعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وهما فيه، ورجع عنه من سفهاء ثقيف من كان يتبعه. فعَمِد إلى ظل حُبْلة من عنب فجلس فيه وابنا ربيعة ينظران إليه ويريان ما يلقى نن سفهاء أهل الطائف، وقد لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ فيما ذُكر لي - المرأة التي من بني جمح، فقال لها: «ماذا لقينا من أحمائك» . دعاؤه صلى الله عليه وسلم عند الرجوع من الطائف فلما اطمأن، قال - فيما ذُكر لي -: «اللَّهمَّ إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس. يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني، أم إلى عدو ملكتَه أمري؟ إِن

لم يكن بك غضب عليَّ فلا أبالي، ولكنَّ عافيتك هي أوسع لي. أعوذ بنور وجهك الذي أشرقتْ له الظلماتُ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، منْ أن ينزل بي غضبك، أو يَحلَّ عليَّ سَخطُك. لك العُتبى حتى ترضى، لا حول ولا قوة إلا بك» . إسلام عدَّاس - وكان نصرانياً - وشهادته بأنه عليه السلام نبي حق قال: فلما رآه إبنا ربيعة: عتبة، وشيبة وما لقي تحركت له رحِمُهما، فدَعَوا غلاماً لهما نصرانياً يقال له عدَّاس، وقالا له: خذ قِطْفاً من هذا العنب فضه في هذا الطبق، ثم إذهب به إلى ذلك الرجل فقل له يأكل منه. ففعل عداس، ثم ذهب به حتى وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال له: كل، فلما وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فيه قال: «بسم الله» ثم أكل، ثم نظر عدَّاس في وجهه ثم قال: والله، إنَّ هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «ومن أهل أيّ بلاد أنت يا عدَّاس؟ وما دينك؟» قال: نصراني، وأنا رجل من أهل نِينَوى. فقال رسول الله: «من قرية الرجل الصالح يونس بن متْى؟» فقال له عدَّاس: وما يدريك ما يونس بن متَّى؟ فقال رسول الله: «ذلك أخي، كان نبياً وأنا نبي» . فأكبَّ عدَّاس على رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه يقبّل رأسه ويديه وقدميه. قال: يقول إبنا ربيعة أحدهما لصاحبه: أما غلامك فقد أفسده عليك فلما جاء عدَّاس قالا له: ويلك يا عدَّاس، مالك تقبِّل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه؟ قال: يا سيدي، ما في الأرض شيء خير من هذا، لقد أخبرني بأمر ما يعلمه إِلا نبي. قالا له: ويحك يا عدَّاس لا يصرفنَّك عن دينك، فإنَّ دينك خير من دينه. كذا في البداية وذكر سليمان التَيْمي في السيرة له: أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم أشهد أنك عبد الله ورسوله. كذا في الإِصابة. وقد ذكره في الصحابة.

ما لقيه عليه السلام من الأذى يوم أحد

وأخرج ابن مَردويه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال أبو بكر: لو رأيتني ورسول الله صلى الله عليه وسلم إِذ صعدنا الغار، فأمّا قدما رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقطّرتا دماً، وأما قدماي فعادت كأنهما صَفْوان. قالت عائشة رضي الله عنها: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتعوّد الحِفْية. كذا في كنز العمال. ما لقيه عليه السلام من الأذى يوم أُحد وأخرج الشيخان، والترمذي عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كُسرت رَباعِيته يوم أُحد وشُجَّ في رأسه، فجعل يَسلِتُ الدمَ عن وجهه ويقول: «كيف يُفلح قوم شَجُّوا نبيهم، وكسروا رباعيته، وهو يدعوهم إلى الله؟» فنزل: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الاْمْرِ شَىْء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} ـ (آل عمران: 128) - الآية. وعند الطبراني في الكبير عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: أُصيب وجه النبي صلى الله عليه وسلم يوم أُحد، فاستقبله مالك بن سنان فمصَّ جرحه، ثم ازدرده فقال صلى الله عليه وسلم «من أحب أن ينظر إلى من خالط دمي دمه؛ فلينظر إلى مالك بن سنان» . كذا في جمع الفوائد.

وأخرج الطيالسي عن عائشة رضي الله عنها قالت: كن أبو بكر رضي الله عنه إذا ذكر يوم أُحد قال: ذاك يوم كله لطلحة، ثم أنشأ يحدِّث قال: كنت أول من فاء يوم أُحد، فرأيت رجلاً يقاتل في سبيل الله دونه، وأُراه قال: حميَّة، قال فقلت: كُنْ طلحة، حيث فاتني ما فاتني، فقلت: يكون رجلاً من قومي أحب إليَّ. وبيني وبين المشركين رجل لا أعرفه، وأنا أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه، وهو يخطَف المشي خطفاً لا أخطفه، فإذا هو أبو عبيدة بن الجراح، فانتهينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كُسرت رَباعِيتَه، وشُجَّ في وجهه، وقد دخل في وجنته حلقتان من حَلَق المِغْفَر. قالت: «عليكما صاحبكما» - يريد طلحة وقد نَزَف - فلم نلتفت إلى قوله، قال: وذهبت لأنزع ذلك من وجهه، فقال: أقسم عليك بحقِّي لمَّا تركتني، فتركته، فكره تناولها بيده فيؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأزَم عليها بفِيه فاستخرج إِحدى الحلقتين، ووقعت ثنيّته مع الحَلْقة. وذهبت لأصنع ما صنع فقال: أقسمت عليك بحقِّي لمَّا تركتني. قال: ففعل مثل ما فعل في المرة الأولى، فوقعت ثنيّته الأخرى مع الحلقة؛ فكان أبو عبيدة من أحسن الناس هَتَماً. فأصلحنا من شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أتينا طلحة في بعض تلك الجفار فإذا به بضع وسبعون طعنة ورمية وضربة، وإِذا قد قطعت إصبعه، فأصلحنا من شأنه. كذا في البداية. وأخرجه أيضاً ابن سعد (3298، وابن لسُّنِّي، والشاشي، والبزار، والطبراني في

تحمل الصحابة رضي الله عنهم الشدائد والأذى في الدعوة إلى الله

الأوسط، وابن حِبَّان، والدارقطني في الأفراد، وأبو نُعيم في المعرفة، وابن عساكر كما في الكنز. تحمل الصحابة رضي الله عنهم الشدائد والأذى في الدعوة إلى الله تحمل أبي بكر الصديق رضي الله عنه الشدائد إلحاح أبي بكر عليه صلى الله عليه وسلم بالظهور وخطبته حينئذٍ ما لقي من الأذى أخرج الحافظ أبو الحسن الأطرابلسي عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما اجتمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ـ وكانوا ثمانية وثلاثين رجلاً - ألحّ أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهور، فقال: «يا أبا بكر إنَّا قليل» . فلم يزل أبو بكر يلحّ حتى ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرق المسلمون في نواحي المسجد كل رجل في عشيرته. وقام أبو بكر في الناس خطيباً ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، فكان أول خطيب دعا إلى الله وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وثار المشركون على أبي بكر وعلى المسلمين، فضُربوا في نواحي المسجد ضرباً شديداً، ووطىء أب بكر وضُرب ضرباً شديداً، ودنا منه الفاسق عتبة بن ربيعة فجعل يضربه بنعلين مخصوفتين ويحرِّفهما لوجهه، ونزا على بطن أبي بكر حتى ما يعرف وجهه من أنفه. وجاء بنو تَيْم يتعادَون فأجلَت المشركين عن أبي بكر، وحملت بنو تَيْم أبا بكر في

ثوب حتى أدخلوه، منزله ولا يشكُّون في دموته. ثم رجعت بنو تَيْم فدخلوا المسجد وقالوا: والله لئن مات أبو بكر لنقتلنَّ عتبة بن ربيعة، فرجعوا إلى أبي بكر فجعل أبو قحافة وبنو تَيم يكلِّمون أبا بكر حتى أجاب، فتكلَّم آخر النهار فقال: ما فعل رسول الله؟ فمسُّوا منه بألسنتهم وعَذَلوه، ثم قاموا لأمه أم الخير: أنظري أن تطعميه شيئاً أو تسقيه إياه، فلما خلت به ألحَّت عليه، وجعل يقول: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: والله مالي علمٌ بصاحبك. فقال: إذهبي إلى أمِّ جميل بنت الخطّاب فاسأليها عنه، فخرجت حتى جاءت أم جميل فقالت: إن أبا بكر يسألك عن محمد بن عبد الله فقالت: ما أعرف أبا بكر ولا محمد بن عبد الله، وإِن كنت تحبين أن أذهب معك إلى إبنك. قالت: نعم؛ فمضيت معها حتى وجدت أبا بكر صريعاً دَنِفاً؛ فدنت أم جميل وأعلنت بالصياح وقالت: والله إِنَّ قوماً نالوا هذا منك لأهل فسق وكفر، وإني لأرجو أن ينتقم الله لك منهم. قال: فما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: هذه أمك تسمع. قال: فلا شيء عليك منها. قالت: سالم صالح. قال: أين هو؟ قالت: في دار ابن الأرقم. قال: فإن الله عليَّ أن لا أذوق طعاماً ولا أشرب شراباً أو آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمهلتا حتى إذا هدأت الرجل وسكن الناس، خرجتا به يتكىء عليهما حتى أدخلتاه على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فأكبَّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله، وأكب عليه المسلمون، ورقَّ له رسول الله صلى الله عليه وسلم رقَّة شديدة. فقال أبو بكر: بأبي وأمي يا رسول الله، ليس بي بأس إِلا ما نال الفاسق من وجهي، وهذه أمي بَرَّة بولدها، وأنت مبارك فادعُها إلى الله وادعُ لها عسى الله أن يستنقذها بك من النار. قال: فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاها إلى الله فأسلمت. وأقاموا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدار شهراً، وهم تسعة وثلاثون رجلا، وقد كان حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه أسلم يوم ضرب أبو بكر رضي الله عنه.

دعاؤه عليه السلام لعمر بن الخطاب وإسلامه ودعا رسول الله لعمر بن الخطاب رضي الله عنه - أو لأبي جهل بن هشام - فأصبح عمر، وكانت الدعوة يوم الأربعاء فأسلم مر يوم الخميس، فكبَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل البيت تكبيرة سمعت بأعلى مكة؛ وخرج أبو الأرقم - وهو أعمى كافر -، وهو يقول: اللَّهمَّ: إغفر لبنيَّ عبيد الأرقم فإنه كفر، فقام عمر فقال: يا رسول الله، علامَ نخفي ديننا ونحن على الحق؟ ويظهر دينهم وهم على الباطل؟ قال: «يا عمر، إنّا قليل قد رأيت ما لقينا» فقال عمر: فوالذي بعثك بالحق، لا يبقى مجلس جلس فيه بالكفر إِلا أظهرت فيه الإِيمان، ثم خرج فطاف بالبيت، مرّ بقريش وهي تنتظره، فقال أبو جهل بن هشام: يزعم فلان أنك صبوت؟ فقال عمر: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله. فوثب المشركون إليه ووثب على عتبة فبرك عليه وجعل يضربه وأدخل أصبعه في عينيه، فجعل عتبة يصيح، فتنحَّى الناس فقام عمر، فجعل لا يدنو منه أحد إلا أخذ بشريف ممن دنا منه حتى أعجز الناس. واتبع المجالس التي كان يُجالس فيها فيظهر الإِيمان، ثم انصرف إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو ظاهر عليهم. قال: ما عليك بأبي وأمي، والله ما بقي مجلس كنت أجلس فيه بالكفر إلا أظهرت فيه الإِيمان غير هائب ولا خائف؛ فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج عمر أمامه وحمزة بن عبد المطلب حتى طاف بالبيت وصلَّى الظهر مؤمناً، ثم انصرف إلى دار الأرقم ومعه عمر، ثم انصرف عمر وحده، ثم نصرف النبي صلى الله عليه وسلم والصحيح: أن عمر إنما أسلم بعد خروج المهاجرين إِلى أرض الحبشة، وذلك في السنة السادسة من البعثة. كذا في البداية. وذكره الحافظ في الإِصابة عن ابن أبي عاصم.

إبتلاء المسلمين وخروج أبي بكر إلى الحبشة مهاجرا وقصته مع ابن الدغنة

إبتلاء المسلمين وخروج أبي بكر إلى الحبشة مهاجراً وقصته مع ابن الدغنة وأخرج البخاري (ص 552) عن عائشة رضي الله عنها قالت: لم أعقل أبويَّ قط إلا وهما يدينان الدين، ولم يمرّ علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طَرَفي النهار: بُكرة، وعَشيَّة. فلما ابتُليَ المسلمون خرج أبو بكر مهاجراً نحو أرض الحبشة، حتى إذا بلغ بَرْكَ الغماد لقيه ابن الدُّغُنَّةِ وهو سيد القارة. قال: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر: أخرجَني قومي فأريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربي. قال ابن الدُّغُنَّةِ: فإنَّ مثلك يا أبا بكر لا يَخرج ولا يُخرج إنك تكسب المعدوم، وتصل الرَّحِم، وتحمل الكَلَّ، وتَقري الضيف، وتعين على نوائب الحق؛ فأنا لك جار، إرجع واعبد ربك ببلدك. فرجع وارتحل معه ابن الدُّغُنَّة، فطاف ابن الدُّغُنَّة عشية في أشراف قريش، فقال لهم: إن أبا بكر لا يَخرج مثله ولا يُخرج، أتُخرجون رجلاً يكسب المعدوم، ويصل الرَّحِم، ويحمل لكلَّ، ويقري الضَّيف، ويعين على نوائب الحق. فلم تكذِّب قريش بجوار ابن الدغنة، وقالوا لابن الدُّغُنَّة: مُرْ أبا بكر فليعبدْ ربَّه في داره، فليصلِّ فيه وليقرأ ما شاء. ولا يؤذينا بذلك ولا يستعلن به، فإنَّا نخشى أن يفتن نساءنا وأبناءنا؛ فقال ذلك ابن الدُّغُنَّة لأبي بكر. فابتنى مسجداً بِفناء داره، وكان يصلِّي فيه ويقرأ القرآن، فيتقذَّف عليه نساء المشركين وأبناؤهم وهم يعجبون منه وينظرون إليه، وكان

أبو بكر رجلاً بكَّاءً، لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن. وأفزع ذلك أشرافَ قريش من المشركين. فأرسلوا إلى ابن الدُّغُنَّة فقدم عليهم، فقالوا: إنا كنا أجرنا أبا بكر بجوارك على أن يعبد ربه في داره، فقد جاوز ذلك فابتنى مسجداً بفِناء داره فأعلن بالصلاة والقراءة فيه وإنا قد خشينا أن يَفتن نساءنا وأبناءنا فانْهه، فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربَّه في داره فعل، وإن أبى إلا أن يعلن ذلك فسَلْه أن يردَّ إِليك ذمتك، فإنا قد كرهنا أن نخفِرَك، ولسنا مقرين لأبي بكر الإستعلان. قالت عائشة رضي الله عنها: فأتى ابن الدُّغُنَّة إلى أبي بكر فقال: قد علمتَ الذي عاقدتُ لك عليه، فإما أن تقتصر على ذلك، وإِما أن تُرجع إليَّ ذمتي فإني لا أُحب أن تسمع العرب أني أُخفرتُ في رجل عقدت له. فقال أبو بكر: فإني أردُّ إليك جوارَك وأرضى بجوار الله عزَّ وجلَّ - فذكر الحديث بطوله في الهجرة. وأخرج أيضاً ابن إسحاق بنحوه، وفي سياقه: فخرج أبو بكر مهاجراً، حتى إِذا سار من مكة يوماً أو يومين لقيه ابن الدُّغُنَّة - وهو يومئذٍ سيد الأحابيش -، فقال: إِلى أين يا أبا بكر؟ قال: أخرجني قومي وآذَوْني وضيَّقوا عليَّ. قال: ولم؟ فوالله إنك لتزيِّن العشيرة، وتعين على النوائب، وتفعل المعروف، وتكسب المعدوم؛ إرجع إنَّك في جواري. فرجع معه حتى إذ دخل مكة قام معه ابن الدُّغُنَّة فقال: يا معشر قريش. إنِّي قد أجرت ابن أبي قحفة فلا يُعرض له أحد إلا بخير. قال: فكفُّوا عنه، وفي آخره فقال: يا أبا بكر، إِني لم أُجرك لتؤذيَ قومك، وقد كرهوا مكانك الذي أنت به وتأذَّوا بذلك منك، فأدخل بيتك فصنع فيها أحببت. قال: أو أردُّ عليك جوارك وأرضى بجوار الله؟. قال: فارددْ عليّ جواري. قال: قد رددته عليك. قال: فقام ابن الدُّغُنَّة فقال: يا معشر قريش، إن ابن أبي قحافة قد ردّ عليَّ جواري، فشأنكم بصاحبك، كذا في البداية.

تحمل عمر بن الخطاب رضي الله عنه الشدائد

وأخرج ابن إسحاق أيضاً عن القاسم قال: لقيه - يعني أبا بكر الصديق رضي الله عنه حين خرج من جوار ابن الدُّغُنَّة - سفيهٌ من سفهاء قريش وهو عامد إلى الكعبة، فحثا على رأسه تراباً، فمر بأبي بكر الوليد بن المغيرة - أو العاص بن وائل - فقال له أبو بكر رضي الله عنه: ألا ترى ما يصنع هذا السفيه؟ فقال: أنت فعلت ذلك بنفسك. وهو يقول: أي رب ما أحلمك؟ أي رب ما أحلمك؟ أي رب ما أحلمك كذا في البداية. وقد تقدم في حديث أسماء رضي الله عنها (ص 268) عند أبي يَعْلى وغيره قالت: فأتى الصريخ إِلى أبي بكر، فقالوا: أدرك صاحبك. فخرج من عندنا وإِن له لغدائرَ أربع؛ وهو يقول: ويلكم «أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم؟» فَلَهوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبلوا على أبي بكر. قالت: فرجع إِلينا أبو بكر فجعل لا يمسُّ شيئاً من غدائره إلا جاء معه وهو يقول: تباركت يا ذا الجلال والإِكرام. تحمل عمر بن الخطاب رضي الله عنه الشدائد أخرج ابن إسحاق عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لمّا أسلم عمر رضي الله عنه قال: أيُّ قريش أنقل للحديث؟ فقيل له جميل بن معمر الجمحي، فغدا عليه - قال عبد الله: وغدوت أتبع أثره وأنظر ما يفعل وأنا غلام أعقل كلَّ ما رأيت - حتى جاءه، فقال له: أعلمت يا جميل أني أسلمت ودخلت في دين محمد صلى الله عليه وسلم قال: فوالله، ما راجعه حتى قام يجر رداءه واتَّبعه عمر واتبعته أنا، حتى قام على باب المسجد صرخ بأعلى صوته: يا معشر

قريش، - وهم في أنديتهم حول الكعبة - أَلا إنَّ ابن الخطاب قد صبأ. قال يقول عمر من خلفه: كذب، ولكني قد أسلمت وشهدت أن لا إِله إلا الله وأن محمداً رسول الله. وثاروا إليه فما برح يقاتلهم ويقاتلونه حتى قامت الشمس على رؤوسهم. قال: وطَلح فقعد، وقاموا على رأسه وهو يقول: إفعلوا ما بدا لكم، فأحلف بالله، أن لو قد كنا ثلاثمائة رجل لقد تركناها لكم أو تركتموها لنا. قال: فبينما هم على ذلك إذ أقبل شيخ من قريش عليه حلة حِبَرة وقميص مُوَشَّى حتى وقف عليهم فقال: ما شأنكم، فقالوا صبأ عمر. قال: فمَهْ رجل اختار لنفسه أمراً فماذا تريدون، أترون بني عديّ يسلمون لكم صاحبهم هكذا؟ خلُّوا عن الرجل. قال: فوالله لك أنما كانوا ثوباً كُشط عنه. قال فقلت لأبي - بعد أن هاجر إلى المدينة - يا أبت، من الرجل الذي زجر القوم عنك بمكة يوم أسلمت وهم يقاتلونك؟ قال: ذاك - أيْ بنيَّ - العاص بن وائل السهمي. وهذا إِسناد جيد قوي. كذا في البداية. وعند البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: بينما هو في الدار خائفاً إذ جاءه العاص بن وائل السهمي أبو عمرو - وعليه حُلة حِبَرة وقميص مكفوف بحرير - وهو من بني سَهْم وهم حلفاؤنا في الجاهلية. فقال له: ما بالك؟ قال: زعم قومك أنهم سيقتلونني أنْ أسلمتُ. قال لا سبيل إليك. بعد أن قالها أمِنتُ. فخرج العاص فلقي الناس قد سال بهم الوادي؛ فقال: أين تريدون، فقالوا: نريد هذا ابن الخطاب الذي صبأ. قال: لا سبيل إليه فكرّ الناس.

تحمل عثمان بن عفان رضي الله عنه الشدائد

تحمل عثمان بن عفان رضي الله عنه الشدائد أخرج ابن سعد عن محمد بن إبراهيم التَيْمي قال: لما أسلم عثمان بن عفان رضي الله عنه أخذه عمه الحكم بن أبي العاص بن أمية فأوثقه رباطاً، وقال: أترغب عن ملَّة آبائك إلى دين مُحْدَث؟ والله لا أحلّك أبداً حتى تدع ما أنت عليه من هذا الدين. فقال عثمان: والله لا أدعه أبداً ولا أُفارقه. فلما رأى الحَكَم صلابته في دينه تركه. تحمل طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه الشدائد أخرج البخاري في التاريخ عن مسعود بن خِراش رضي الله عنه قال: بينا نحن نطوف بين الصَّفا والمروة إذا أُناس كثير يتبعون فتى شاباً مُوثقاً بيده في عنقه. قلت: ما شأنه؟ قالوا: هذا طلحة بن عبيد الله صبأ؛ وامرأةٌ وراءه تدمدم وتسبّه. قلت من هذه، قالوا: الصعبة بنت الحضرمي أمه. كذا في الإِصابة. وأخرج الحاكم في المستدرك عن إبراهيم بن محمد بن طلحة قال: قال لي طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه: حضرت سوق بصرى، فإذا راهب في صومعته يقول: سَلُوا أهل هذا الموسم، أفيهم أحد من أهل الحرم؟ قال طلحة رضي الله عنه: قلت: نعم؛ أنا. فقال: هل ظهر أحمد بعد، قال قلت: ومن أحمد؟ قال: ابن عبد الله بن عبد المطلب، هذا شهره الذي يخرج فيه وهو آخر الأنبياء، مخرجه من الحرم ومهاجره إِلى نخل وحَرَّة وسِباخ فإياك أن تُسبق إليه. قال طلحة: فوقع في قلبي ما قال، فخرجت سريعاً حتى قدمت

تحمل الزبير بن العوام رضي الله عنه الشدائد

مكة فقلت: هل كان من حَدَث؟ قالوا: نعم، محمد بن عبد الله الأمين تنبّأ، وقد تبعه ابن أبي قحافة. قال: فخرجت حتى دخلت على أبي بكر رضي الله عنه فقلت: أتبعت هذا الرجل؟ قال: نعم، فانطلق إليه فادخل عليه فاتبعه فإنه يدعو إلى الحق؛ فأخبره طلحة بما قال الراهب. فخرج أبو بكر بطلحة فدخل به على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم طلحة، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال الراهب؛ فسُرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أسلم أبو بكر، وطلحة أخذهما نوفل بن خويلد بن العدويَّة فشدهما في حبل واحد ولم يمنعهما بنو تَيْم، وكان نوفل بن يلد يدعى «أسد قريش» ، فلذلك سُمي أبو بكر، وطلحة القرينين - فذكر الحديث. وأخرجه البيهقي أيضاً، وفي حديثه: وقال النبي صلى الله عليه وسلم «اللَّهمَّ أكفنا شرَّ ابن العدويّة» . كذا في البداية. تحمل الزبير بن العوام رضي الله عنه الشدائد أخرج أبو نُعيم في الحلية عن أبي اوسود قال: أسلم الزبير بن العوام رضي الله عنه وهو ابن ثمان سنين وهاجر وهو ابن ثماني عشرة سنة، وكان عم الزبير يعلِّق الزبير في حصير ويدخِّن عليه بالنار وهو يقول: إرجع إلى الكفر. فيقول الزبير: لا أكفر أبداً. وأخرجه الطبراني أيضاً ورجاله ثقات إلا أنه مرسل - قال الهيثمي في مجمع الزوائد. وأخرجه الحاكم عن أبي الأسود عن عروة رضي الله عنه.

وأخرج أبو نُعيم عن حفص بن خالد قال: حدثني شيخ قدم علينا من المَوْصل قال: صحبت الزبير بن العوام رضي الله عنه في بعض أسفاره، فأصابته جنابة بأرض قفر، فقال: إسترني فسترته، فحانت مني إليه التفاتة فرأيته مجدَّعاً بالسيوف. قلت: والله لقد رأيت بك آثاراً ما رأيتها بأحد قط. قال: وقد رأيت ذلك؟ قلت: نعم، قال: أما والله، ما منها جراحة إلا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي سبيل الله. وأخرجه الطبراني، والحاكم نحوه ابن عساكر كما في المنتخب أيضاً. قال الهيثمي والشيخ المَوْصلي لم أعرفه؛ وبقية رجاله ثقات. انتهى، وعند أبي نُعيم أيضاً عن علي بن زيد قال: أخبرني من رأى الزبير: وإن في صدره لأمثال العيون من الطَّعن والرمي. كذا في الحلية. تحمل بلال بن رباح المؤذن رضي الله عنه الشدائد من أظهر إسلامه أولاً معه عليه السلام أخرج الإِمام أحمد، ابن ماجه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: أول من أظهر الإِسلام سبعة: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وعمَّار وأمه سُميَّة، وصهيب، وبلال؛ والمقداد، رضي الله عنهم. فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله بعمِّه. وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه. وأما سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم أدْرُع الحديد وصهروهم في الشمس، فما منهم من أحد إلا وقد آتاهم على

ما أرادوا إلا بلالاً، فإنه هانت عليه نفسه في الله. وهان على قومه، فأخذوه فأعطَوه الولدان، فجعلوا يطوفون به في شِعاب مكة، وهو يقول: أحد، أحد - كذا في البداية. وأخرجه أيضاً الحاكم وقال: صحيح الإِسناد ولم يخرِّجاه. وقال الذهبي: صحيح، وأخرجه أبو نُعيم في الحلية، وابن أبي شيبة كما في الكنز، وابن عبد البَرّ في الإستيعاب من حديث بن مسعود بمثله. ما لقي بلال من الأذى في الله وأخرجه أبو نُعيم أيضاً في الحلية من حديث مجاهد، وفي حديثه: وأما الآخرون فألبسوهم أدراع الحديد ثم صهروهم في الشمس، فبلغ منهم الجَهد ما شاء الله أن يبلغ من حر الحديد والشمس. فلما كان من العشي أتاهم أبو جهل - ومعه حربته، فجعل يشتمهم ويوبخهم. وقال ابن عبد البر في حديث مجاهد - وزاد في خبر بلال -: أنهم كانوا يطوفون به والحبل في عنقه بين أخشبي مكة. وأخرجه ابن سعد عن مجاهد بنحوه. وأخرج الزبير بن بكار عن عُروة بن الزبير رضي الله عنهما قال: كان بلال لجارية من

بني جُمَح، وكانوا يعذبونه برَمْضاء مكة، يلصقون ظهره بالرمضاء لكي يشرك، فقول: أُحد أُحد، فيمر به وَرَقَة - وهو على تلك الحال - فيقول: أُحد، أُحد، يا بلال. والله، لئن قتلتموه لأتخذنَّه حناناً، وهذا مرسل جيد. كذا في الإِصابة. وأخرج أبو نعيم في الحلية عن هشام بن عروة عن أبيه قال: كان ورقة بن نوفل يمرُّ ببلال وهو وهو يعذِّب، وهو يقول أُحد، فيقول: أُحد، أُحد الله يا بلال. ثم يقبل ورقة بن نوفل على أمية بن خَلَف وهو يصنع ذلك ببلال، فيقول: أحلف بالله عزّ وجلّ لئن قتلتموه على هذا لأتخذنَّه حناناً، حتى مرَّ به أبو بكر الصدِّيق يوماً وهم يصنعون ذلك، فقل لأمية: ألا تتقي الله في هذا المسكين حتى متى؟ قال: أنت أفسدته فأنقذه ممَّا ترى. فقال أبو بكر: أفعل، عندي غلام أسود أجلَدُ منه وأقوى على دينك، أعطيكه به. قال: قد قبلت، قال: هو لك. فأعطاه أبو بكر غلامه ذلك، وأخذ بلالاً فأعتقه، ثم أعتق معه على الإِسلام - قبل أن يهاجر من مكة - ست رقاب بلال سابعهم. وذكر أبو نُعيم في الحِلْية عن ابن إسحاق: كان أمية يخرجه إذا حميت الظهيرة فيطرحه على ظهره في بطحاء مكة؛ ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع

تحمل عمار بن ياسر وأهل بيته رضي الله عنهم الشدائد ما بشرا عمارا وأهل بيته حين رآهم يعذبون في الله

على صدره، ثم يقول له: لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد، وتعبد اللات والعزّى. فيقول: - وهو في ذلك البلاء - أُحد، أُحد. قال عمار بن ياسر - وهو يذكر بلالاً وأصحبه وما كانوا فيه من البلاء، وإِعتاق أبي بكر إياه، وكان إسم أبي بكر عتيقاً رضي الله عنه -: جزى الله خيراً ن بلالٍ وصَحْبه عتيقاً وأخزى فاكهاً وأبا جهلِ عشية همَّا في بلال بِسَوْأةٍ ولم يحذرا ما يحذر المرء ذو العقلِ بتوحيده ربَّ الأنامِ وقولِه شهدتُ بأنَّ الله ربي على مَهْلِ فإن يقتلوني يقتلوني فلم أكن لأشركَ بالرحمنِ من خيفة القتلِ فيا ربَّ إبراهيم والعبدَ يونُسٍ وموسى وعيسى نجني ثم لا تُبْلِ لمن ظلَّ يهوي الغيَّ من آل غالبٍ على غير برَ كان منه ولا عدلِ تحمل عمّار بن ياسر وأهل بيته رضي الله عنهم الشدائد ما بشَّرا عمّاراً وأهل بيته حين رآهم يُعذّبون في الله أخرج الطبراني، والحاكم، والبيهقي، وابن عساكر عن جابر رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ بعمَّار وأهله وهم يعذَّبون، فقال: «أبشروا آل ياسر فإنَّ موعدكم الجنة» . قال الهيثمي: رجال الطبراني رجال الصحيح غير إبراهيم بن عبد العزيز المقوّم وهو ثقة اهـ. وعند الحاكم في الكُنَى وابن عساكر عن عثمان رضي الله عنه قال: بينما أنا أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبطحاء إِذ بعمّار وأبيه وأمه يعذبون في

إشتداد الأذى على عمار حتى أكره على قول الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان

الشمس ليرتدّوا عن الإِسلام. فقال أبو عمّار. يا رسول الله، الدهرَ هكذا؟ فقال: «صبراً يا آل ياسر. اللَّهمَّ إغفر لآل ياسر، وقد فعلت» . وأخرجه أيضاً أحمد، والبيهقي، والبغوي، والعُقيلي، وابن مَنْده، وأبو نُعَيم، وغيرهم بمعناه عن عثمان رضي الله عنه كما في الكنز. وأخرجه ابن سعد عن عثمان رضي الله عنه بنحوه. سمية أم عمّار أول شهيد في الإِسلام وأخرج أبو أحمد الحكم عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال: مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بياسر وعمّار وأم عمّار وهو يؤذَون في الله تعالى، فقال لهم: «صبراً يا آل ياسر، صبراً يا آل ياسر؛ فإنَّ موعدكم الجنة» . ورواه ابن الكلبي عن ابن عباس رضي الله عنهما نحوه - وزاد: وعبد الله بن ياسر؛ وزاد: وطعن أبو جهل سميَّة في قُبُلها فماتت، ومات ياسر في العذاب، ورمي عبد الله فسقط - كذا في الإِصابة. وعند أحمد عن مجاهد قال: أول شهيد كان في أول الإِسلام إستشهد أم عمار سميَّة، طعنها أبو جهل بحربة في قبلها. كذا في البداية. إشتداد الأذى على عمَّار حتى أكره على قول الكفر وقلبه مطمئن بالإِيمان

وأخرج أبو نُعَيم في الحلية عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار قال: أخذ المشركون عمّاراً رضي الله عنه فلم يتركوه حتى سبَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر آلهتهم بخير. فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما وراءك؟» قال: شرّ يا رسول الله، ما تركت حتى نلتُ منك وذكرت آلهتهم بخير. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «فكيف تجد قلبك؟» قال: أجد قلبي مطمئناً بالإِيمان. قال: «فإن عادا فَعُد» . وأخرجه ابن سعد عن أبي عبيدة نحوه. وأخرج أيضاً عن محمد: أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي عماراً وهو يبكي، فجعل يمسح عن عينيه وهو يقول: «أخذك الكفار فغطُّوك في الماء؛ فقلت كذا وكذا، فإن عادوا فقل ذاك لهم» . وأخرج أيضاً عن عمرو بن ميمون قال: أحرق المشركون عمار بن ياسر بالنار. قال فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمرّ به ويمر يده على رأسه فيقول: «يا نارُ كوني برداً وسلاماً على عمار كما كنت على إبراهيم عليه السلام، تقتلك الفئة الباغية» . تحمل خبّاب بن الأرتّ رضي الله عنه الشدائد خبر خبّاب مع عمر رضي الله عنهما أخرج ابن سعد عن الشَّعْبي قال: دخل خبَّاب بن الأرتْ رضي الله عنه على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأجلسه على متكئه وقال: ما على الأرض أحد أحق بهذا المجلس من هذا إلا رجل واحد. قال له خباب: من هو يا أمير المؤمنين؟ قال: بلال. فقال خباب: ما هو بأحق مني، إنَّ بلالاً كان له في المشركين من يمنعه الله به، ولم يكن لي أحد يمنعني، فلقد رأيتني يوماً

ذكر ما لقي خباب من الأذى في الله

أخذوني فأوقدوا لي ناراً ثم سلقوني فيها، ثم وضع رجلٌ رجله لعى صدري فما اتقيت الأرض - أو قال: برد الأرض - إلا بظهري؛ قال: ثم كشف عن ظهره فإذا هو قد برص. كذا كنز العمال. ذكر ما لقي خباب من الأذى في الله وعند أبي نُعيم في الحلية عن الشَّعْبي قال: سأل عمر رضي الله عنه بلالاً عما لقي من المشركين؟ فقال: خباب: يا أمير المؤمنين، أنظر إلى ظهري، فقال عمر: ما رأيت كاليوم. قال: أوقدوا لي ناراً فما أطفأها إلا وَدَكُ ظهري وعنده أيضاً، وابن سعد، وابن أبي شَيْبة كما في كنز العمال عن أبي ليلى الكندي قال: جاء خبَّاب بن الأرت إِلى عمر - رضي الله عنهما - فقال: أدنُه، فلما أحد أحق بهذا المجلس منك إلا عمار بن ياسر؛ فجعل خباب يريه آثاراً في ظهره ممَّا عذّبه المشركون. وأخرج أحمد عن خبَّاب رضي الله عنه قال: كنت رجلاً قَيْناً وكان لي على العاص بن وائل دَيْن، فأتيته أتقاضاه. فقال: لا والله لا أقضيك حتى تكفرَ بمحمد. فقلت: لا والله لا أكفر بمحمد حتى تموتَ ثم تُبعث. قال: فإني إذا مت ثم بُعثت جئتني ولي ثَمَّ مال وولد فأعطيك. فأنزل الله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِى كَفَرَ بِئَايَاتِنَا وَقَالَ لاَوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرحمن عَهْداً كَلاَّ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدّاً وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً} (مريم: 77 - 80) - كذا في

تحمل أبي ذر الغفاري رضي الله عنه الشدائد

البداية. وأخرجه ابن سعد عن خباب بنحوه. وأخرج البخاري عن خبّاب رضي الله عنه يقول: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسِّد ببردةٍ وهو في ظل الكعبة وقد لقينا من المشركين شدة، فقلت: ألا تدعو الله؟ فقعد - وهو محمرٌّ وجهه - فقال: «لقد كان مَنْ قبلكم ليُمشط بأمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب، ما يصرفه ذلك عن دينه وليتمنَّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله عزّ وجلّ - زاد بيان: والذئب على غنمه -، ولكنكم تستعجلون» . وأخرجن أيضاً أبو داود، والنِّسائي كما في العيني، والحاكم بمعناه. تحمل أبي ذر الغفاري رضي الله عنه الشدائد إرسال أبي ذر أخاه لمَّا بلغه خبر بعثته عليه السلام أخرج البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لمَّا بلغ أبا ذرَ مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأخيه: إركب إلى هذا الوادي، فاعلم لي علم هذا

الرجل الذي يزعم أنه نبي يأتيه الخبر من السماء، واسمع من قوله ثم إئتني. فانطلق الأخ حتى قدمه وسمع من قوله، ثم رجع إلى أبي ذرَ فقال له: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق وكلاماً ما هو بالشعر. فقال: ما شفيتني ممَّا أردت. قدوم أبي ذر إلى مكة وقصّة إسلامه وما لقي من الأذى في الله فتزود وحمل شَنّة فيها ماء حتى قدم مكة، فأتى المسجد فالتمس ولا يعرفه، وكره أن يسأل عنه حتى أدركه بعض الليل إضطجع، فرآه علي رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرف أنه غريب. فلما رآه تبعه فلم يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء حتى أصبح، ثم احتمل قربته وزاده إلى المسجد وظل ذلك اليوم ولا يراه النبي صلى الله عليه وسلم حتى أمسى، فعاد إلى مضجعه، فمر به علي فقال: أما آن للرجل أن يعلم منزله، فأقامه فذهب به معه لا يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء، حتى إذا كان يوم الثالث، فعاد علي مثل ذلك فأقم معه. ثم قال ألا تحدثني ما الذي أقدمك؟ قال: إن أعطيتني عهداً وميثاقاً لترشدنَّني فعلت، ففعل، فأخبره. قال: فإنَّه حقٌ وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أصبحت فاتَّبعني فإني إن رأيت شيئاً أخاف عليك، قمت كأني أريق الماء، فإن مضيتُ فاتَّبعني حتى تدخل مدخلي. ففعل فانطلق يقفوه حتى دخل على النبي صلى الله عليه وسلم ودخل معه، فسمع من قوله وأسلم مكانه. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم «إرجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري» . قال: والذي نفسي بيده لأصرخنَّ بها بين ظهرانيهم، فخرج حتى أتى المسجد فنادى بأعلى صوته: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ثم قام القوم فضربوه حتى أضجعوه، وأتى العباس فأكبَّ عليه، فقال: ويلكم، ألستم تعلمون أنه من غِفار وأن طريق تُجَّاركم إِلى الشام؟ فأنقذه منهم. ثم عاد من الغد بمثله فضربوه وثاروا إليه فأكب العباس عليه.

أبو ذر أول من حيا رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحية الإسلام

وعند البخاري أيضاً من حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: يا معشر قريش، إنِّي أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. فقالوا: قوموا إِلى هذا الصابىء، فقاموا فضربت لأموت، فأدركني العباس فأكب عليَّ ثم أقبل عليهم فقال: ويلكم، تقتلون رجلاً من غفار ومتجركم وممرّكم على غفار؟ فأقلعوا عني. فلما أن أصبحت الغد رجعت فقلت مثل ما قلت بالأمس. فقالوا: قوموا إلى هذا الصابىء فصُنع بي مثل ما صُنع بالأمس، فأدركني العباس فأكبَّ عليَّ وقال مثل مقالته بالأمس. أبو ذر أول من حيّا رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحية الإِسلام وأخرجه مسلم من طريق عبد الله بن الصامت عن أبي ذر - رضي الله عنهما - فذكر قصة إسلامه بصفة أخرى، وفي حديثه: فانطلق أخي فأتى مكة ثم قال لي: أتيت مكة فرأيت رجلاً يسمِّيه الناس الصابىء هو أشبه الناس بك. قال: فأتيت مكة فرأيت رجلاً يسمِّيه، فقلت؛ أين الصابىء؟ فرفع صوته عليَّ فقال: صابىء، صابىء فرماني الناس حتى كأني نُصُبٌ أحمر، فاختبأت بين الكعبة وأستارها، ولبثت فيها بين خمس عشرة من يوم وليلة، وما لي طعام ولا شراب إلا ماء زمزم. قال: ولقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه وقد دخلا المسجد، فوالله إِنِّي لأول الناس حيَّاه بتحية الإِسلام، فقلت: السلام عليك يا رسول الله. فقال: «وعليك السلام ورحمة الله، من أنت؟» فقلت: رجل من بني غِفار. فقال صاحبه: إئذن لي يا رسول الله في ضيافته الليلة، فانطلق بي إلى دار في أسفل مكة فقبض لي قَبَضات من زبيب. قال: فقدمت على أخي فأخبرته أني أسلمت. قال: فإني على دينك، فانطلقنا إلى أمِّنا؛ فقالت: إني على دينكما. قال: وأتيت قومي فدعوتهم فتبعني بعضهم.

شجاعة أبي ذر في قصة إعلان إسلامه وما لقيه من الأذى في ذلك

شجاعة أبي ذر في قصة إعلان إسلامه وما لقيه من الأذى في ذلك وأخرجه الطبراني نحو هذا مطوَّلاً، وأبو نعيم في الحلية من طريق ابن عباس رضي الله عنهما عن أبي ذر رضي الله عنه قال: أقمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فعلمني الإِسلام، وقرأت من القرآن شيئاً. فقلت: يا رسول الله، إني أريد أن أظهر ديني. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إني أخاف عليك أن تُقتل» . قلت: لا بدَّ منه وإن قتلت. قال: فسكت عني. فجئت - وقريش حِلَقاً يتحدّثون في المسجد - فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. فنتقضت الحِلَق، فقاموا فضربوني حتى تركوني كأني نُصُب أحمر، وكانوا يرون أنهم قد قتلوني؛ فأفقت فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى ما بي من الحال، فقال لي: «ألم أنهك؟» ، فقلت: يا رسول الله، كانت حاجة في نفسي فقضيتها. فأقمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «الحق بقومك، فإذا بلغك ظهوري فأْتني» ، وأخرج أبو نعيم أيضاً عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر - رضي الله عنهما - قال: أتيت مكة فمال عليَّ أهل الوادي بكل مَدَرة وعَظْم، فخررت مغشياً عليَّ، فارتفعت حين ارتفعت كأني نُصُب أحمر. كذا الحلية وأخرجه الحاكم أيضاً بطرق مختلفة. تحمل سعيد بن زيد وزوجته فاطمة أخت عمر رضي الله عنهما الشدائد إيذاء عمر لسعيد زوجته فاطة وقصة إسلام عمر بفضل دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له

أخرج البخاري عن قيس قال: سمعت سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل رضي الله عنه في مسجد الكوفة يقول: والله، لقد رأيتني وإن عمر لَمُوثقي على الإِسلام، فذكر الحديث. وفي رواية أخرى عنه عنده: لو رأيتني موثقي عمر على الإِسلام أنا وأخته وما أسلم. وأخرج ابن سعد عن أنس رضي الله عنه قال: خرج عمر رضي الله عنه متقلداً السيف فلقيه رجل من بني زُهْرة قال: أين تعمد يا عمر؟ فقال: أريد أن أقتل محمداً. فقال: وكيف تأمن من بني هاشم وبني زُهْرة إذا قتلت محمداً؟ قال: فقال له عمر: ما أراك إلا قد صبأت وتركت دينك الذي كنت عليه فقال أفلا أدلك على ما هو أعجب من ذلك؟ قال: وما هو؟ قال: أختك وخَتنُك قد صَبَوا وتركا دينك الذي أنت عليه. قال: فمشى عمر ذامراً حتى أتاهما وعندما رجل من المهاجرين يقال له خبَّاب قال: فلما سمع خباب حِسَّ عمر توارى في لبيت، فدخل عليهما فقال: ما هذه الهَيْنَمة التي سمعتها عندكم؟ قال: وكانوا يقرؤون: «طه» ، فقالا: ما عدا حديثاً تحدَّثناه بيننا، قال: فلعلكما قد صبوتما قال: فقال له ختنة: أرأيت يا عمر إن كان الحق في غير دينك؟ فوثب عمر على خَتَنة فوطأه وطأً شديداً، فجاءت أخته فدفعته عن زوجها فنفحها بيده نفحة فدمَّى وجهها. فقالت - وهي غضبَى -: يا عمر، إن كان الحق في غير دينك أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما يئس عمر قال: أعطوني هذا الكتاب الذي عندكم فأقرأه. قال: - وكان عمر يقرأ الكتب - فقالت أخته؛ إنك رِجْس ولا يمسه إلا المطهَّرون، فقم فاغتسل أو توضأ. قال: قام عمر فتوضأ، ثم أخذ الكتاب

فقرأ «طه» حتى انتهى - إلى قوله -: {إِنَّنِى أَنَا اللَّهُ لآ اله إِلآ أَنَاْ فَاعْبُدْنِى وَأَقِمِ الصلاةَ لِذِكْرِى} (طه: 14) قال فقال عمر: دلُّوني على محمد. فلما سمع خبّاب قول عمر خرج من البيت فقال: أبشر يا عمر، فإني أرجو أن تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لك ليلة الخميس: «اللَّهمَّ أعز الإِسلام بعمر بن الخطاب أو بعمرو بن هشام» . قال: «ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الدار التي في أصل الصف، فانطلق عمر حتى أتى الدار. قال: وعلى باب الدار حمزة، وطلحة رضي الله عنهما وأناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأى حمزة وَجَلَ القوم من عمر، قال حمزة: نعم، فهذا عمر، فإن يرد الله بعمر خيراً يسلم ويتبع النبي صلى الله عليه وسلم وإن يرد غير ذلك يكن قتله علينا هيِّناً. قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم داخلٌ يُوحَى إليه. قال: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عمر فأخذ بمجامع ثوبه وحمائل السيف وقال: «أما أنت بمنتهٍ يا عمر حتى ينزل الله بك من الخزي والنكال ما أنزل بالوليد بن المغيرة؟ اللهمَّ هذا عمر بن الخطاب، اللَّهمَّ أعزَّ الدين بعمر بن الخطاب» . قال فقال عمر: أشهد أنك رسول الله، فأسلم وقال: أخرج يا رسول الله. كذا في العيني. وذكره ابن إسحاق بهذا السياق مطوَّلاً كما في البداية. وعند الطبراني ن ثَوْبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اللَّهمَّ أعز الإِسلام بعمر بن الخطاب» ، وقد ضرب أخته أول الليل وهي تقرأ: {إقرأ باسم ربك الذي خلق} حتى ظنَّ أنه قتلها، ثم قام في السَحَر فسمع صوتها تقرأ: {إقرأ باسم ربك الذي خلق} فقال: والله ما هذا بشعر ولا همهمته. فذهب حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد بلالاً على الباب بدفع الباب؛

فقال بلال: من هذا؟ فقال: عمر بن الخطاب. فقال حتى أستأذن لك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بلال: يا رسول الله، عمر بالباب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن يرد الله بعمر خيراً يدخله في الدين» ، فقال لبلال: إفتح، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بضَبُعَيه وهزّه، وقال: ما الذي؟ وما الذي جئت؟» فقال له عمر: أعرض عليَّ الذي تدعو إليه. فقال: «تشهد أن لا إِله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله» . فأسلم عمر مكانه، وقال: أخرج. قال الهيثمي وفيه: يزيد بن ربيعة وهو متروك؛ وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به، وبقية رجاله ثقات. انتهى. وأخرج البزار عن أسْلَم مولى عمر رضي الله عنهما قال: قال عمر بن الخطاب: أتحبون أن أعلمكم أول إسلامي؟ قال قلنا: نعم. قال: كنت أشدَّ الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينا أنا في يوم شديد الحر في بعض طرق مكة إِذ رآني رجل من قريش فقال: أين تذهب يا ابن الخطاب؟ قلت: أريد هذا الرجل. قال: يا ابن الخطاب قد دخل هذا الأمر في منزلك وأنت تقول هذا؟ قلت: وما ذاك فقال: إن أختك قد ذهبت إليه. قال: فرجعت مُغْضباً حتى قرعت عليها الباب؛ - وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذا أسلم بعض من لا شيء له ضم الرجل والرجلين إلى الرجل ينفق عليه -. قال: وكان ضم رجلين من أصحابه إلى زوج أختي. قال: فقرعت الباب. فقيل لي: من هذا قلت: عمر بن الخطاب - وقد كانوا يقرأون كتاباً في أيديهم -. فلما سمعوا صوتي قاموا حتى اختبأوا في مكان وتركوا الكتاب. فلمَّا فتحت لي أختي الباب قلت: أيا عدوة نفسها صَبَوتِ؟ قال: وأرفع شيئاً فأضرب به على رأسها، فبكت المرأة، وقالت: يا ابن الخطاب، أصنع ما كنت صانعاً فقد أسلمت. فذهبتْ، وجلست عى السرير فإذا بصحيفة وسط الباب، فقلت: ما هذه الصحيفة ها هنا؟ فقالت

تحمل عثمان بن مظعون رضي الله عنه الشدائد

لي: دعنا عنك يا ابن الخطاب، فإِنك لا تغتسل من الجنابة ولا تتطهَّر، وهذا لا يمسه إلا المطهّرون؛ فما زلت به حتى أعطتنيها. فذكر الحديث بطوله في إسلام عمر رضي الله عنه وما وقع له بعده. قال الهيثمي: وفيه أُسامة بن زيد بن أسلم وهو ضعيف - انتهى. تحمل عثمان بن مظعون رضي الله عنه الشدائد أخرج أبو نُعيم الحلية عن عثمان قال: لما رأى عثمان بن مظعون رضي الله عنه ما فيه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من البلاء - وهو يغدو ويروح في أمان من الوليد بن المغيرة - قال: والله إن غُدوِّي ورواحي آمناً بجوار رجل من أهل الشرك، وأصحابي وأهل ديني يلقَون من الأذى والبلاء ما لا يصيبني لنقصٌ كبير في نفسي فمشى إلى الوليد بن المغيرة فقال له: يا أبا عبد شمس، وفّنتْ ذمتك، قد رددت إِليك جوارك. قال: لم يا ابن أخي، لعله آذاك أحد من قومي؟ قال: لا، ولكني أرضى بجوار الله عزّ وجلّ، لا أُريد أن أستجير بغيره. قال: فانطلق إلى المسجد فاردد عليَّ جواري علانية كما أجرتك علانية. قال: فانطلق ثم خرجا حتى أتيا المسجد، فقال لهم الوليد: هذا عثمان قد جاء يرد عليَّ جاري. قال لهم: قد صدق قد وجدته وفيّاً كريم الجوار، ولكني قد أحببت أن لا أستجير بغير الله فقد رددت عليه جواره. ثم انصرف عثمان ولبيدُ بن ربيعة بن مالك بن كلاب القيسي في المجلس من قريش ينشدهم، فجلس معهم عثمان. فقال لبيد - وهو ينشدهم -: ألا كلُّ شيء ما خلا الله باطلٌ فقال عثمان: صدقت، فقال: وكلُّ نعيمٍ لا محالة زائلُ

فقال عثمان: كذبت، نعيم أهل الجنة لا يزول. قال لبيد بن ربيعة، يا معشر قريش، والله ما كان يؤذى جليسُكم، فمتى حدث فيكم هذا؟ فقال رجل من القوم: إِنَّ هذا سفيه في سفهاء معه قد فارقوا ديننا، فلا تجدنَّ في نفسك من قوله، فردَّ عليه عثمان حتى سَرِي - أي عظم - أمرهما. فقام إليه ذَلك الرجل فلطم عينه فخضرَّها، والوليد بن المغيرة قريب يرى ما بلغ من عثمان. فقال: أما - والله - يا ابن أخي إن كانت عينك عما أصابها لَغنيةٌ، لقد كنت في ذمة منيعة. فقال عثمان: بلى - والله - إنّ عيني الصحيحة لفقيرة إلى ما أصاب أختها في الله، وإني لفي جوار من هو أعزّ منك وأقدر يا أب عبد شمس فقال عثمان بن مظعون رضي الله عنه فيما أُصيب من عينه: فإنْ تَكُ عيني في رضى لربِّ نالها يدا مُلْحدٍ في الدين ليس بمهتدِ فقد عوْض الرحمن منها ثوابه ومن يُرضه الرحمن يا يقوم يسعدِ فإني - وإنْ قلتم غَوِيٌ مُضلَّلٌ سفيهٌ - على دين الرسول محمدِ أريد بذاك الله والحقّ ديننا على رغم من يبغي علينا ويعتدي وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه فيما أصيب من عين عثمان بن مظعون: أمِنْ تذكُّر دَهْر غير مأمون أصبحت مكتئباً تبكي كمحزونِ أمِنْ تذكُّر أقوام ذوي سَفَهٍ يغشون بالظلم مَنْ يدعو إلى الدين لا ينتهون عن الفحشاء ما سلوا والغدرُ فيهم سبيل غير مأمون ألا تَرُون - أقلَّ الله خيرهم - أنّا غضِبنا لعثمانَ بن مظعون إذ يلطِمون - ولا يخشَون مُقْلَتَه طَعْناً دِراكا وضرباً غيرَ مأفونِ فسوف يجزيهم إن لم يمت عجلاً كيلاً بكيلٍ جزاً غير مغبونِ وذكر في البداية: قصة ابن مظعون عن ابن إسحاق بلا إسناد، وزاد:

تحمل مصعب بن عمير رضي الله عنه الشدائد

فقال له الوليد: هَلُمَّ - يا ابن أخي - إلى جوارك فَعُدْ. قال: لا. وأخرجه الطبراني عن عروة مرسلاً. قال الهيثمي: وفيه: ابن لهيعة. تحمل مصعب بن عمير رضي الله عنه الشدائد أخرج ابن سعد عن محمد العبدَري عن أبيه قال كان مصعب بن عمير فتى مكة شباباً وجمالاً وسبيباً، وكان أبواه يحبَّانه، وكانت أمه مليئة كثيرة المال تكسوه أحسن ما يكون من الثياب وأرقّه، وكان أعطر أهل مكة، يلبس الحضرمي من النعال. فكنت يذكره ويقول: «ما رأيت بمكة أحداً أحسنَ لِة. ولا أرقَّ حُلَّة، ولا أنعمَ نعمة من مصعب بن عمير» فبلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الإِسلام في دار أرقم بن أبي الأرقم فدخل عليه فأسلم وصدَّق به، وخرج فكتم إسلامه خوفاً من أمه وقومه. فكان يختلف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سراً، فبصرُ به عثمان بن طلحة يصلِّي فأخبر أمه وقومه. فأخذوه فحبسوه فلم يزل محبوساً حتى خرج إلى أرض الحبشة في الهجرة الأولى، ثم رجع مع المسلمين حين رجعوا، فرجع متغيِّر الحال قد حرج - يعني غَلُظَ - فكفَّت أمه عنه من العذل. تحمل عبد الله بن حذافة السهمي رضي الله عنه الشدائد ما لقي عبد الله من الأذى من ملك الروم وتقبيل عمر لرأسه حين قدم عليه أخرج البيهقي، وابن عساكر عن أبي رافع قال: وجّه عمر بن الخطاب

رضي الله عنه جيشاً إلى الروم وفيهم رجل يقال له عبد الله بن حذافة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأسره الروم، فذهبوا به إلى ملكهم، فقالوا له: إنَّ هذا من أصحاب محمد. فقال له الطاغية: هل لك أن تَنصرَّ وأشرِكَك في ملكي وسلطاني؟ فقال له عبد الله: لو أعطيتني ما تملك وجميع ما ملكته العرب، على أن أرجع عن دين محمد صلى الله عليه وسلم طَرْفة عين ما فعلت. قال: إذاً أقتلك. قال: أنت وذاك. فأَمر به فصُلب، وقال للرماة: أرموه قريباً من يديه، قريباً من رجليه، وهو يعرض عليه وهو يأبى. ثم أمر به فأنزل، ثم دعا بقدر فصبَّ فيه ماء حتى احترقت، ثم دعا بأسيرين من المسلمين فأمر بأحدهما فألقي فيه وهو يعرض عليه النصرانية وهو يأبى، ثم أمر به أن يُلقى فيها. فلما ذُهب به بكى، فقيل له: إنه قد بكى، فظنَّ أنه جزع فقال: ردّوه فعرض عليه النصرانية؛ فأبى. فقال: ما أباك إذاً؟ قال: أبكاني أني قلت في نفسي تُلقى الساعةَ في هذه القدر فتذهب، فكنت أشتهي أن يكون بعدد كل شعرة في جسدي نَفْس تُلقى في الله. قال له الطاغية: هل لك أن تقبّل رأسي وأخلّي عنك؟ قال له عبد الله: وعن جميع أُسارى المسلمين؟ قال: وعن جميع أسارى المسلمين. قال عبد الله: فقلت في نفسي: عدوٌّ من أعداء الله، أقبّل رأسه يخلِّي عني وعن أسارى المسلمين لا أُبالي. فدنا منه فقبّل رأسه، فدفع إليه الأسارى. فقدم بهم على عمر رضي الله عنه، فأُخبر عمر بخبره؛ فقال عمر: حقٌّ على كل مسلم أن يقبّل رأس عبد الله بن حذافة وأنا أبدأ، فقام عمر فقبّل رأسه. كذا في كنز العمال. قال في الإِصابة: وأخرج ابن عساكر لهذه القصة شاهداً من حديث ابن عباس رضي الله عنهما موصولاً، وآخر من فوائد، هشام بن عثمان من مرسل الزهري. انتهى.

تحمل عامة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الشدائد

تحمل عامة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الشدائد ما لقي الصحابة من الأذى من المشركين أخرج ابن إِسحاق عن حكيم عن سعيد بن جبير قال: قلت عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أكان المشركون يبلغون من أصحاب رسول الله من العذاب ما يُعذَرون به في ترك دينهم؟ قال: نعم، والله، إنْ كانوا ليضربون أحدهم، ويُجيعون، ويُعطِّشونه، حتى ما يقدر أن يستويَ جالساً من شدة الضُّرّ الذي به، حتى يعطيهم ما سألوه من الفتنة حتى يقولوا له: اللات والعزَّى إِلهان من دون الله؟ فيقولَ: نعم، (حتى إنَّ الجُعَل ليمر بهم، فيقولون له: أهذا الجُعَل إِلك من دون الله؟ فيقول: نعم: افتداءً منهم بما يبلغون من جَهده - كذا في البداية. خبره عليه السلام وأصحابه في المدينة بعد الهجرة وأخرج ابن المنذر، والطبراني، والحاكم، وابن مَرْدويه، والبيهقي في الدلائل، وسعيد بن منصور عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة وآوتهم الأنصار، رمتهم العرب عن قوس واحدة، فكانوا لا يبيتون إلا في السلاح ولا يصبحون إلا فيه. فقالوا: تَروْن أنّا نعيش

غزوة ذات الرقاع

حتى نبيت آمنين مطمئنين لا نخاف إلا الله؛ فنزلت: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الاْرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِى ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدّلَنَّهُمْ مّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِى لاَ يُشْرِكُونَ بِى شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذالِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (النور: 55) . كذا في الكنز. ولفظ الطبراني: عن أبيّ بن كعب قال: لمّا قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة، وآوتهم الأنصار، رمتهم العرب عن قوس واحدة؛ فنزلت: {لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الاْرْضِ} . قال الهيثمي: ورجاله ثقات. غزوة ذات الرِّقاع وما لقيه عليه السلام وأصحابه من الأذى وأخرح ابن عساكر، وأبو يَعْلى عن أبي موسى رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة ونحن ستة نفر بيننا بعير نَعْتَقِبُه فَنقِبَت أقدامنا (ونقبت قدماي) وسقطت أظفاري، فكنّا نلفُّ على أرجلنا الخِرَق، فسميت الغزوة «ذاتَ الرقاع» لما كنّا نعصِب على أرجلنا من الخِرَق. كذا في الكنز. وأخرجه أيضاً أبو نُعيم في الحلية بنحوه، وزاد: قال أبو بُرْدة: فحدَّث أبو موسى بهذا الحديث ثم ذكر ذلك فقال: ما كنت أصنع أن أذكر هذا الحديث كأنه كره أن يكون شيء من عمله أفشاه. وقال: الله يجزي به. تحمل الجوع في الدعوة إلى الله ورسوله تحمل محمد صلى الله عليه وسلم الجوع

أخرج مسلم، والترمذي عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: ألستم في طعام وشراب ما شئتم؟ لقد رأيت نبيكم صلى الله عليه وسلم وما يجد من الدَّقَل ما يملأ بطنه. وفي رواية لمسلم عن النعمان رضي الله عنه قال: ذكر عمر رضي الله عنه ما أصاب الناسُ من الدنيا، فقال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يظل اليوم يلتوي ما يجد من الدَّقَل ما يملأ بطنه - كذا في الترغيب. وأخرجه أيضاً الإِمام أحمد، والطيالسي، وابن سعد، وابن ماجه، وأبو عَوانة وغيرهم كما في الكنز. شدة الحساب لا تصيب الجائع وأخرج أبو نُعيم في الحلية، والخطيب، وابن عساكر، وابن النجّار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلِّي جالساً. فقلت: يا رسول الله، أراك تصلِّي جالساً فما أصابك؟ قال: «الجوع، يا أبا هريرة» فبكيت. فقال: «لا تبكِ يا أبا هريرة، فإنَّ شدة الحساب يوم القيامة

لا تصيب الجائع إِذا احتسب في دار الدنيا» . كذا في الكنز. بيوت النبي صلى الله عليه وسلم لا تُسرج ولا يوقد فيها النار وأخرج أحمد - ورواته رواة الصحيح - عن عائشة رضي الله عنها قالت: أرسل إلينا آل أبي بكر بقائمة شاة ليلاً، فأمسكتُ وقطع النبي صلى الله عليه وسلم ـ أو قالت: فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقطعتُ -. قال: فتقول للذي تحدثه هذا على غير مصباح. وأخرجه الطبراني أيضاً - وزاد: فقلت: يا أمَّ المؤمنين، على مصباح؟ قالت: لو كان عندنا دهن غير مصباح لأكلناه - كذا في الترغيب. قال الهيثمي: رواه أبو يَعْلى، وفيه: عثمان بن عطاء الخراساني وهو ضعيف، وقد وثَّقه دحيم، وبقية رجاله ثقات. وعند أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان يمر بآل رسول

الله صلى الله عليه وسلم هلال ثم هلال لا يوقد في بيوتهم شيء من النار، لا لخبز ولا لطبيخ. قالوا: بأيِّ شيء كانوا يعيشون يا أبا هريرة؟ قال: الأسودان: التمر والماء. وكان لهم جيران من الأنصار - جزاهم الله خيراً - لهم منائح، ويرسلون إليهم شيئاً من لبن. قال الهيثمي: إسناده حسن. ورواه البزار كذلك. انتهى. وأخرج الشيخان عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها كنت تقول: والله يا ابن أختي، إنْ كنَّا لننظر إلى الهلال ثم الهلال ثم الهلال، ثلاثة أهلَّة في شهرين، وما أُوقدَ في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار. قلت: يا خالة، فما كان يُعيِّشكم؟ قالت الأسودان: التمر والماء، إلا أنّه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار وكانت لهم منائح، فكانوا يرسلون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألبانها فيسقيناه. كذا في الترغيب. وأخرجه أيضاً ابن جرير نحوه، وأخرجه أحمد بإسناد حسن، والبزار عن أبي هريرة رضي الله عنه بمعناه كما في المجمع. وأخرج بن جرير أيضاً عن عائشة رضي الله عنها قالت: إنْ كنَّا لنمكث أربعين لا نوقد في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ناراً ولا غيره. قلت: بأي شيء كنتم تعيشون؟ قالت: بالأسودين: بالتمر والماء إذا وجدنا. كذا في الكنز.

ما أصابه عليه السلام من شدة العيش

وأخرج الترمذي عن مسروق قال: دخلت على عائشة رضي الله عنها، فدعت لي بطعام فقالت: ما أشبع فأشاء أن أبكي إِلا بكيت. قلت لم؟ قالت: أذكر الحال التي فارق عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم الدنيا، والله ما شبع من خبز ولحم ومرتين في يوم. كذا في الترغيب. وعند ابن جرير عنها قالت: ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خبز بُرَ ثلاثة أيام تباعاً منذ قدم المدينة حتى مضى لسبيله، وعنده أيضاً عنها قالت: ما شبع آل محمد من خبز الشعير يومين متتابعين حتى قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده أيضاً عنها قالت: قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وما شبع من الأسودين - التمر والماء - كما في الكنز. وفي رواية للبيهقي قالت: ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام متوالية ولو شئنا شبعنا، ولكنه كان يؤثر على نفسه. كذا في الترغيب. ما أصابه عليه السلام من شدّة العيش وأخرج ابن أبي الدنيا عن الحسن رضي الله عنه مرسلاً قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يواسي الناس بنفسه حتى جعل يرقَع إزاره بالأدَم وما جمع بين غداء وعشاء ثلاثة أيام ولاءً حتى لحق بالله عزّ وجلّ. وعند البخاري عن أنس رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لم يأكل النبي صلى الله عليه وسلم على خُوان ولم يأكل خبزاً مرقَّقاً حتى مات. وفي رواية: ولا رأى شاة سميطاً بعينه

قط. كذا في الترغيب. وأخرج الترمذي - وصحّه - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبيت الليالي المتتابعة وأهله طاوِين لا يجدون عشاء، وإنَّما كان أكثر خبزهم الشعير. عنده أيضاً البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه مرَّ بقوم بين أيديهم شاة مصّلِيَّة، فدعَوه فأبى أن يأكل، وقال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير. كذا في الترغيب (5148/ 151) . وأخرج أحمد عن أنس رضي الله عنه قال: إنَّ فاطمة رضي الله عنها ناولت النبي صلى الله عليه وسلم كِسرة من خبز الشعير، فقال لها: «هذا أول طعام أكله أبوك منذ ثلاثة أيام» . وأخرجه الطبراني، وزاد فقال: «ما هذه؟» فقالت: قرص خبزته فلم تطلب نفسي حتى أتيتك بهذه الكِسرة. فقال: فذكره قال الهيثمي - بعد ما ذكره عن أحمد والطبراني -: ورجالهم ثقات. وعند ابن ماجه بإسناد حسن. والبيهقي بإسناد صحيح عن أبي

وضعه عليه السلام والصحابة الحجر على بطونهم من الجوع

هريرة رضي الله عنه قال: أُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعام سُخْن، فأكل. فلما فرغ قال: «الحمد لله؛ ما دخل بطني طعام سخن منذ كذا وكذا» . كذا في الترغيب. وأخرج البخاري عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم النقيَّ من حين ابتعثه الله حتى قبضه الله. فقيل: هل كان لكم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مُنخُل؟ قال: ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم منخلاً من حين ابتعثه الله حتى قبضه الله. فقيل: كيف كنتم تأكلون الشعير غير منخول؟ قال: كنا نطحنه وننفخه فيطير ما طار وما بقي ثرَّيْنَاه. كذا في الترغيب. وأخرج الطبراني بإسناد حسن عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما كان يبقى على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيز الشعير قليل ولا كثير. وفي رواية له: ما رفعت مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها فَضْلة من طعام قط. كذا في الترغيب. قال الهيثمي: وروى البزَّار بعضه. وضعه عليه السلام والصحابة الحجر على بطونهم من الجوع وأخرج الترمذي عن أبي طلحة رضي الله عنه قال: شكونا إلى رسول

قول عائشة رضي الله عنها في الشبع

الله صلى الله عليه وسلم الجوع، ورفعنا ثيابنا عن حَجَرٍ حَجَرٍ على بطوننا؛ فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حجرين. كذا في الترغيب. وأخرج ابن أبي الدنيا عن ابن بُجير رضي الله عنه - وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: أصاب النبي صلى الله عليه وسلم جوع يوماً، فعمد إلى حجر فوضعه على بطنه ثم قال: «ألا ربَّ نفس طاعمة ناعمة في الدنيا جائعةٌ عاريةٌ يوم القيامة. ألا ربَّ مُكْرم لنفسه وهو له مهين. ألا ربَّ مُهين لنفسه وهو له مكرم» . كذا في الترغيب. وأخرجه أيضاً الخطيب، وابن مَنْده كما في الإِصابة. قول عائشة رضي الله عنها في الشبع وأخرج البخاري في كتاب الضعفاء وابن أبي الدنيا في كتاب الجوع عن عائشة رضي الله عنها قالت: أول بلاء حدث في هذه الأمة بعد نبيها الشِّبع، فإن القوم لما شبعت بطونهم سمنت أبدانهم، فضَعُفت قلوبهم، وجَمحت شهواتهم، كذا في الترغيب. جوعه صلى الله عليه وسلم وجوع أهل بيته وأبي بكر، وعمر رضي الله عنهم جوعه عليه السلام وأبي بكر، وعمر وخبرهم مع أبي أيوب أخرج الطبراني، وابن حبان في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرج أبو بكر رضي الله عنهما بالهاجرة إلى المسجد، فسمع عمر

رضي الله عنه فقال: يا أبا بكر، ما أخرجك هذه الساعة؟ قال: ما أخرجني إلا ما أجد من حاقِّ الجوع. قال: وأنا - والله - ما أخرجني غيره. فبينما هم كذلك إذ خرج عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ما أخرجكما هذه الساعة؟» قالا: والله ما أخرجنا إلا ما نجده في بطوننا من حاقّ الجوع قال: «وأنا - والذي نفسي بيده - ما أخرجني غيره فقوما» ، فانطلقوا فأتَوا باب أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، وكان أبوي أيوب يدَّخر لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً كان أو لبناً، فأبطأ عليه يومئذٍ فلم يأت لحينه، فأطعمه لأهله، وانطلق إلى نخله يعمل فيه. فلما انتَهوا إلى الباب خرجت إمرأته فقالت: مرحباً بنبي الله وبمن معه. قال لها نبي الله صلى الله عليه وسلم «أين أبو أيوب؟» فسمعه - وهو يعلم في نخل له - فجاء يشتد فقال: «مرحباً بنبي الله وبمن معه. يا نبي الله، ليس بالحين الذي كنت تجيء فيه؟ فقال صلى الله عليه وسلم «صدقت» . قال: فانطلق فقطع عِذْقاً من النخل فيه كلٌّ من التمر والرُّطَب والبُسْر. فقال صلى الله عليه وسلم «ما أردت إلى هذه، ألا جَنَيت لنا من تمره؟» قال: يا رسول الله أحببت أن تأكل من تمره وخطَبه وبُسْره، ولأذبحنّ لك مع هذا. قال: «إن ذبحتَ فلا تذبحنَّ ذاتَ دَرّ» . فأخذ عَناقاً أو جدياً فذبحه، وقال لامرأته: أخبُزي واعجِني لنا وأنت أعلم بالخبز. فأخذ نصف الجدي فطبخه وشوَى نصفه. فلما أدرك الطعام ووُضع بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ أخذ من الجَدي فجعله في رغيف وقال: «يا أبا أيوب: أبلغ بهذا فاطمة فإنها لم تُصِب مثل هذا منذ أيام» . فذهب أبو أيوب إلى فاطمة. فلما أكلوا وشبعوا قال النبي صلى الله عليه وسلم «خبز، ولحم، وتمر، وبُسْر، ورُطَب، - ودمعت عيناه -، والذي نفسي بيده، إنَّ هذا هو النعيم الذي تسألون عنه يوم القيامة» .

فكَبُر ذلك على أصحابه فقال: «بل إذا أصبتم مثل هذا فضربتم بأيديكم، فقولوا: بسم الله، فإذا شبعتم فقولوا: الحمد لله الذي هو أشبعنا وأنعم علينا فأفضل؛ فإن هذا كفاف بهذا» . فلما نهض قال لأبي أيوب: «ائتنا غداً» وكان لا يأتي أحد إِليه معروفاً إِلا أحبَّ أن يجازيه. قال: وإن أبا أيوب لم يسمع ذلك؛ فقال عمر رضي الله عنه: إِن النبي صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تأتيه غداً. فأتاه من الغد فأعطاه وليدته؛ فقال: «يا أبا أيوب استوصِ بها خيراً فإنَّا لم نرَ إِلا خيراً ما دامت عندنا» . فلما جاء أبو أيوب من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا أجد لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم خيراً له من أن أعتقها فأعتقها. كذا في الترغيب. وأخرجه البزار، وأبو يعلى، والعُقَيْلي، وابن مردَوَيه، والبيهقي في الدلائل، وسعيد بن منصور عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الظهيرة فوجد أبا بكر رضي الله عنه في المسجد فقال: «ما أخرجك في هذه الساعة؟» فقال: أخرجني الذي أخرجك يا رسول الله. وجاء عمر بن الخطاب فقال: «ما أخرجك يا ابن الخطاب؟» قال: أخرجني الذي أخرجكما. فقعد عمر، وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثهما، ثم قال: «هل بكما قوة تنطلقان إلى النَّخْل فتصيبان طعاماً وشراباً وظلاً؟» قال: «سيروا بنا إلى منزل أبي الهيثم بن التيِّهان الأنصاري فذكر الحديث بطوله كما في كنز العمال.

جوع علي، وفاطمة رضي الله عنهما

وأخرجه مسلم مختصراً ولم يُسمِّ الرجل الأنصاري؛ وهكذا رواه مالك بلاغاً باختصار. قال الحافظ المنذري:: والظاهر أن هذه القصة اتفقت مرة مع أبي الهيثم ومرة مع أبي أيوب. اهـ. جوع علي، وفاطمة رضي الله عنهما وأخرج الطبراني - بإسناد حسن - عن فاطمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاها يوماً، فقال: «أين إبناي؟» - يعني حسناً وحسيناً - قالت: أصبحنا وليس في بيتنا شيء يذوقه ذائق، فقال علي: أذهبُ بهما فإني أتخوَّف أن يبكيا عليك وليس عندك شيء، فذهب إلى فلان اليهودي. فتوجه إليه النبي صلى الله عليه وسلم فوجدهما يلعبان في شَرَبة، وبين أيديهما فضل من تمر. فقال: «يا علي، ألا تُقْلِب إبنيَّ قبل أن يشتد الحر؟» قال: أصبحنا وليس في بيتنا شيء، فلو جلست يا رسول الله حتى أجمعَ لفاطمة فَضْلَ تمرات. فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اجتمع لفاطمة فَضْل من تمر، فجعله في خِرْقة ثم أقبل، فحمل النبي صلى الله عليه وسلم أحدهما وعلي الآخر حتى أقلباهما. كذا في الترغيب. وقال الهيثمي: إسناده حسن.

وأخرج هَنَّاد عن عطاء رضي الله عنه قال: نُبِّئت أن علياً رضي الله عنه قال: مكثنا أياماً ليس عندنا شيء ولا عند النبي صلى الله عليه وسلم فخرجت فإذا أنا بدينار مطروح على الطريق، فمكثت هنيهة أوامر نفسي في أخذه أو تركه، ثم أخذته لما بنا من الجَهْد. فأتيت به الضَفاطين فاشتريت به دقيقاً، ثم أتيت به فاطمة فقلت: إعجني واخبُزي. فجعلت تعجن - وإن قُصَّتها لتضرب حرف الجَفنة من الجَهْد الذي بها - ثم خبزت. فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته. فقال: «كلوه فإنه رزق رزقكموه الله عزّ وجلّ» . وأخرجه العدني عن محمد بن كعب القرظي مطولاً. كذا في الكنز. وأخرجه أبو داود عن سهل بن سعد رضي الله عنه مطوَّلاً. وأخرج أحمد عن محمد بن كعب القرظي أن علياً رضي الله عنه قال: لقد رأيتُني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإني لأربط الحجر على بطني من الجوع، وإن صدقة مالي لتبلغ أربعين ألف دينار - وفي رواية: وإن صدقتي اليوم لأربعون ألفاً -. ورجال الروايتين رجال الصحيح غير شَريك بن عبد الله النَخَعي وهو حسن الحديث، ولكن اختلف في سماع محمد بن كعب من علي رضي الله عنه. كذا في مجمع الزوائد للهيثمي. أمره عليه السلام أمَّ سليم بالصبر على الجوع وأخرج الطبراني عن أم سُلَيم رضي الله عنها: قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم

جوع سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

«إصبري - فوالله - ما في آل محمد شيء منذ سبع، ولا أوقد تحت بُرْمة لهم منذ ثلاث. والله، لو سألتُ الله يجعل جبال تِهامة كلّها ذهباً لفعل» . كذا في الكنز. جوع سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قصة سعد في هذا الباب وذكر أنه أول العرب رمَى بسهم في سبيل وأخرج أبو نعيم في الحلية عن سعد رضي الله عنه قال: كنا قوماً يُصيبنا ظَلَف العيش بمكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشدته؛ فلما أصابنا البلاء اعترفنا لذلك ومَرَنَّا عليه وصبرنا له. ولقد رأيتُني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة خرجت من الليل أبول، وإذا أنا أسمع بقعقعة شيء تحت بَوْلي، فإذا قطعة جلد بعير، فأخذتها فغسلتها ثم أحرقتها فوضعتها بين حجرين، ثم استفهاً وشربت عليها من الماء فقويت عليها ثلاثاً. وأخرج الشيخان عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: إنِّي لأول العرب رمى بسهم في سبيل الله. ولقد كنّا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لنا طعام إِلا ورق الحُبْلة وهذا السَّمر، حتى إن كان أحدنا ليضع كما تضع الشاة ماله خلط. كذا في الترغيب. وأخرجه أبو نعيم في الحلية، وابن سعد

جوع المقداد بن الأسود وصاحبيه رضي الله عنهم

بنحوه. جوع المقداد بن الأسود وصاحبيه رضي الله عنهم أخرج أبو نعيم في الحلية عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال: جئت أنا وصاحبان لي قد كادت تذهب أسماعنا وأبصارنا من الجَهْد، فجعلنا نعرض أنفسنا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فما يقبلنا أحد، حتى انطلق بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رَحْله - ولآل محمد ثلاث أعنُز يحتلبونها -. فكان النبي صلى الله عليه وسلم يوزع اللبن بيننا، وكنا نرفع لرسول الله صلى الله عليه وسلم نصيبه. فيجيء فيسلِّم تسليماً يُسمع اليقظان ولا يوقظ النائم. فقال لي الشيطان: لو شربت هذه الجُرعة، فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم يأتي الأنصار فيتحفونه، فما زال بي حتى شربتها. فلما شربتها ندّمني وقال: ما صنعت يجيء محمد صلى الله عليه وسلم فلا يجد شرابه فيدعو عليك فتهلِك. وأما صاحباي فشربا شرابهما وناما، وأما أنا فلم يأخذني النوم وعليّ شَمْلة لي إذا وضعتها على رأسي بدت منها قدماي، وإِذا وضعتها على قدمي بدا رأسي. وجاء النبي صلى الله عليه وسلم كما كان يجيء فصلَّى ما شاء الله أن يصلِّي، ثم نظر إلى شرابه فلم يرَ شيئاً فرفع يده، فقلت: يدعو عليَّ الآن فأهلِك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اللَّهمّ أطعم من أطعمني، واسقِ من سقاني» . فأخذت الشفرة وأخذت الشَّمْلة وانطلقت إلى الأعنْز أجسّهن أيتهن أسمن كي أذبحه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا حُفَّل كلُّهن أخذت إناء لآل محمد صلى الله عليه وسلم كانوا يطمعون أن يجتلبوا فيه، فحلبته حتى عَلَتْه الرَّغْوة. ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فشرب، ثم ناولني فشربت، ثم ناولته فشرب، ثم ناولني فشربت، ثم ضحكت حتى أُلقيت إلى الأرض. فقال

لي: «إِحدى سوءاتِك يا مقداد» فأنشأت أحدِّثه بما صنعت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما كانت إلا رحمة من الله عزّ وجلّ، لو كنتَ أيقظت صاحبيك فأصابا منها» . قلت: والذي بعثك بالحق، ما أبالي إذا أصبتَها أنت وأصبتُ فضلتك من أخطأتُ من الناس. وأخرج أيضاً من طريق طارق عن المقداد رضي الله عنه قال: لما نزلنا المدينة عشَّرَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة عشرة - يعني في كل بيت -. قال: فكنت في العشرة الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم فيهم. قال: ولم يكن لنا إلا شاة نتجزَّأ لبنها. كذا في الحلية. جوع أبي هريرة رضي الله عنه شدّ أبي هريرة الحجر على بطنه من الجوع أخرج أحمد عن مجاهد أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يقول: والله إنْ كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنت لأشدُّ الحجر على بطني من الجوع. ولقد قعدت يوماً على طريقهم الذي يخرجون منه، فمرَّ أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلا ليستتبعني فلم يفعل، فمر أبو القاسم صلى الله عليه وسلم فعرف ما في وجهي وما في نفسي، فقال: «أبا هريرة» قلت له: لبيك يا رسول الله، فقال: «الحِقْ» ، واستأذنت فأذن لي؛ فوجدت لبناً في قَدَح. قال: «من أين لكم هذا اللبن؟» فقالوا: أهداه لنا فلان - أو آل فلان -. قال: «أبا هرّ» قلت: لبيك يا رسول الله، قال: «إنطلق إلى أهل الصُّفَّة فأدعُهم

ما أصاب أبا هريرة من شدة الجوع

لي» . قال: - وأهل الصفة أضيافُ الإِسلام، لم يأووا إلى أهل ولا مال، إذا جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم هديةٌ أصاب منها وبعث إليهم منها، وإذا جاءته الصدقةُ أرسل بها إليهم ولم يصب منها -. قال: وأحزنني ذلك وكنت أرجو أن أصيب من اللبن شربة أتقوى به بقية يومي وليلتي. وقلت: أنا الرسول، فإذا جاء القوم كنت أنا الذي أعطيهم؛ وقلت: ما يبقى لي من هذا اللبن؟ ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله بدّ. فانطلقت فدعوتهم، فأقبلوا فاستأذنوا، فأذن لهم، فأخذوا مجالسهم من البيت. ثم قال: «أبا هرّ، خُذْ فأعطهم» فأخذت القَدَحُ فجعلت أعطيهم، فيأخذ الرجل القدح فيشرب حتى يروَى ثم يرد القدح، حتى أتيت على آخرهم، ودفعتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ القدح فوضعه في يده بقي فيه فضلة ثم رفع رأسه ونظر إليّ وتبسم وقال: «أبا هرّ» قلت: لبيك رسول الله، قال: «بقيت أنا وأنت» . فقلت؛ صدقت يا رسول الله، قال: «فاقعد فاشرب» قال: فقعدت فشربت، ثم قال لي: «شرب» ، فشربت؛ فما زال يقول لي: «إشرب» ، فأشرب حتى قلت: لا والذي بعثك بالحق، ما أجد له فيّ مسلكاً قال: «ناولني القدح» ، فرددت إليه القدح فشرب من الفَضْلة، وأخرجه أيضاً البخاري؛ والترمذي وقال: صحيح كذا في البداية. وأخرجه الحاكم وقال: صحيح عى شرطهما. ما أصاب أبا هريرة من شدة الجوع وأخرج ابن حِبَان في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتت

عليَّ ثلاثة أيام لم أطعَم، فجئت أريد الصُّفَّة فجعلت سقط. فجعل الصبيان يقولون: جُنّ أبو هريرة. قال: فجعلت أناديهم وأقول: بل أنتم المجانين، حتى انتهينا إلى الصُّفَّة. فوافقت رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتيَ بقصعتين من ثريد. فدعا عليها أهل الصفة وهم يأكلون منها، فجعلت أتطاول كي يدعوني، حتى قام القوم وليس في القصعة إِلا شيء في نواحي القصعة. فجمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فصارت لقمة، فوضعه على أصابعه فقال لي: «كُلْ، بسم الله» ، فوالذي نفسي بيده، ما زلت آكل منها حتى شبعت. كذا في الترغيب. وأخرج البخاري، والترمذي عن ابن سِيرين قال: كنا عند أبي هريرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه ثوبان مُمَشَّقان من كتَّان. فمخط في أحدهما ثم قال: بَخٍ، بَخٍ بمتخط أبو هريرة في الكَتان، لقد رأيتُني وإني لأخرّ فيما بين منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وحجرة عائشة مغشياً عليَّ، فيجيء الجائي فيضع رجله على عنقي يرى أن بي الجنون وما هو إلا الجوع. كذا في الترغيب. وأخرجه أيضاً أبو نُعيم في الحلية، وعبد الرزاق بنحوه؛ وابن سعد نحوه، وزاد: ولقد رأيتُني وإني لأجيرٌ لابن عفان وابنة غزوان بطعام بطني وعُقبة رِجلي، أسوق بهم إِذا ركبوا وأخدمهم إذا نزلوا. فقالت لي يوماً: لَترِدَنّه حافياً ولتركبنّه قائماً. قال: فزوَّجنيها الله بعد ذلك. فقلت لها: لترِدَّنه حافية ولتركبِنَّه قائمة. وفي رواية لابن سعد قبلها: عن سليم بن حَيَّان قال: سمعت أبي

جوع أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما

يقول: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: نشأت يتيماً، وهاجرت مسكيناً، وكنت أجيراً لبُسْرة بنت غزوان بطعام بطني وعُقْبة رجلي، فكنت أخدم إذا نزلوا وأحدُوا إذا ركبوا، فزوّجنيها الله؛ فالحمد لله الذي جعل الدين قِواماً وجعل أبا هريرة إماماً. وأخرج أحمد - ورواته رواة الصحيح - عن عبد الله بن شقيق قال: أقمت مع أبي هريرة رضي الله عنه بالمدينة سنة. فقال لي ذات يوم - ونحن عند حجرة عائشة رضي الله عنها -: لقد رأيتُنا وما لنا ثياب إلا الأبرادُ الخشنة، وإنه ليأتي على أحدنا الأيام ما يجد طعاماً يقيم به صلبه، حتى إنْ كان أحدنا ليأخذ الحجر فيشدّ به على أخمص بطنه، ثم يشدّه بثوبه ليقيم صلبه. كذا في الترغيب. وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح، وعند أحمد أيضاً عنه قال: إنما كان طعامنا مع نبي الله صلى الله عليه وسلم التمر والماء. والله ما كنا نرى سمراءكم هذه، ولا ندري ما هي؟ وإنما كان لباسنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم النِّمار - يعن بُرَد الأعراب -. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. ورواه البزار باختصار. انتهى. جوع أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما أخرج الطبراني عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: كنت

جوع عامة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم

مرة في أرض أقطعها النبي صلى الله عليه وسلم لأبي سَلَمة، والزبير في أرض بني النضير. فخرج الزبير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولنا جار من اليهود، فذبح شاة فطُبخت، فوجدت ريحها فدخلني ما لم يدخلني من شيء قط، وأنا حامل بابنتي خديجة فلم أصبر. فانطلقت فدخلت على إمرأة اليهودي أقتبس منها ناراً لعلها تطعمني، وما بي من حاجة إلى النار. فلما شمِمتُ الريح ورأيته ازددت شرهاً فأطفأته، ثم جئت ثانياً أقتبس؛ ثم ثالثه؛ ثم قعدت أبكي وأدعو الله. فجاء زوج اليهودي فقال: أدخل عليكم أحد؟ قالت: العربية تقتبس ناراً قال: فلا آكل منها أبداً أو ترسلي إليها منها. فأرسل إليَّ بقَدحة - يعني غَرْفة -، لم يكن شيء في الأرض أعجب إليَّ من تلك الأُكلة كذا في الإِصابة. [قال الهيثمي: وفيه: ابن لهيعة، وحديثه حسن؛ وبقية رجاله رجال الصحيح - انتهى. جوع عامة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم ما أصاب الصحابة من الجوع والقرّ ليلة الخندق أخرج أبو نُعيم عن أبي جهاد رضي الله عنه - وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ـ فقال له ابنه: يا أبتاه، رأيتم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبتموه والله، لو رأيته لفعلت وفعلت. فقال له أبوه: إتَّق الله وسدِّد، فوالذي نفسي بيده، لقد رأيتُنا معه ليلة الخندق وهو يقول: «من يذهب فيأتيَنا بخبرهم - جعله الله رفيقي يوم القيامة -؟» فما قام من الناس أحد من صميم ما بهم من الجوع والقر، حتى نادى في الثالثة: يا حذيفة. وأخرجه الدَوْلابي من هذا الوجه. كذا في الإِصابة. وسيأتي حديث حذيفة رضي الله عنه بطوله في تحمُّل القرِّ بمعناه.

وقوع بعض الصحابة من قيامهم في الصلاة في الجوع والضعف

وأخرج البزار - بإسناد جيد - عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الجوع في وجوه أصحابه فقال: «أبشروا فإنه سيأتي عليكم زمان يُغدَى على أحدكم بالقصعة من الثريد ويُراح عليه بمثلها» . قالوا: يا رسول الله، نحن يومئذٍ خبر. قال: «بل أنتم اليوم خير منكم يومئذٍ. كذا في الترغيب. وأخرج ابن أبي الدنيا - بإسناد جيد - عن محمد بن سيرين رضي الله عنه قال: إن كان الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يأتي عليه ثلاثة أيام لا يجد، شيئاً يأكله، فيأخذ الجلدة فيشويها فيأكلها، فإذا لم يجد شيئاً أخذ حجراً فشدَّ صُلبه. كذا في الترغيب. وقوع بعض الصحابة من قيامهم في الصلاة في الجوع والضعف وأخرج الترمذي - وصححه - وابن حِبَّان في صحيحه عن فَضلة بن عبيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلَّى بالناس يخرُّ رجال من قامتهم في الصلاة من الخَصَاصة - وهم أصحاب الصُّفَّة - حتى يقول الأعراب: هؤلاء مجانين - أو مجانون -. فإذا صلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنصرف إليهم، فقال: «لو تعلمون ما لكم عند الله لأحببتم أن تزدادوا فاقة وحاجة» . كذا في الترغيب. وأخرجه أبو نُعيم في الحلية مختصراً.

أكل الصحابة الورق في سبيل الله وبعض قصصهم في تحمل الجوع

أكل الصحابة الورق في سبيل الله وبعض قصصهم في تحمل الجوع وأخرج الطبراني عن أنس رضي الله عنه قال: إن كان السبعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليَمصّون التمرة الواحدة، وأكلوا الخَبَط حتى ورمت أشداقهم. قال الهيثمي: وفيه خُلَيد بن دعلج وهو ضعيف. اهـ. وأخرج ابن ماجه - بإسناد صحيح - عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه أصابهم جوع وهم سبعة. قال: فأعطاني النبي صلى الله عليه وسلم سبع تمرات، لكل إِنسان تمرة. كذا في الترغيب. وعند ابن سعد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: خرجت يوماً من بيتي إلى المسجد لم يخرجني إلا الجوع، فوجدت نفراً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا هريرة ما أخرجك هذه الساعة؟ فقلت: ما أخرجني إلا الجوع. فقالوا: نحن - والله - ما أخرجنا إلا الجوع. فقمنا فدخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما جاء بك هذه الساعة؟» فقلنا: يا رسول الله جاء بنا الجوع قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بطبق فيه تمر فأعطى كل رجل منا تمرتين، فقال: «كلوا هاتين التمرتين واشربوا عليهما من الماء، فإنهما ستجزيانكم يومكم هذا» . قال أبو هريرة: فأكلت تمرة وجعلت تمرة في حُجْرتي. فقال رسول

الله صلى الله عليه وسلم «يا أبا هريرة، لِمَ رفعت هذه التمرة؟» . فقلت: رفعتها لأمي. فقال: كُلْها، فإنا سنعطيك لها تمرتين» ؛ فأعطاني لها تمرتين. وأخرج البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غَدَاة باردة، ولم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم. فلما رأى ما بهم ما النصب والجوع قال: اللهمَّ إِنَّ العيشَ عَيْش الآخرهْ فاغفرِ الأنصارَ والمهاجرهْ فقالوا - مجيبين له -: نحن الذين بايعوا محمداً على الجهاد ما بقينا أبداً وعنده أيضاً عن أنس رضي الله عنه قال: جعل المهاجرون والأنصار يحفرون الخندق حول المدينة وينقلون التراب على متونهم، ويقولون: نحن الذين بايعوا محمداً على الإِسلام ما بقينا أبداً قال: يقول النبي صلى الله عليه وسلم ـ مجيباً لهم النبي: اللهمَّ إنّه لا خيرَ إلا خيرَ الآخرهْ فبارك في الأنصار والمهاجرهْ قال: يؤتون بملء كفيَّ من الشعير، فيُصنع لهم بإهالة سَنِخَة توضع بين يدي القوم، والقوم جياع وهي بشعة في الحلق ولها ريح منتن. كذا في البداية.

وأخرج البخاري أيضاً عن جابر رضي الله عنه قال: إنا يوم الخندق نحفر، فعرضت كُدْية شديدة، فجاؤوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: هذه كُدْية عرضت في الخندق. فقال: «أنا نازل» ثم قام وبطنه معصوب بحجر ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقاً. فذكر الحديث بطوله. كذا في البداية وعند الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إحتفر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق وأصحابه قد شدُّوا الحجارة على بطونهم - من الجوع، فذكر الحديث. كذا في البداية وسنذكرهما في «باب كيف أُيِّدت الصحابة بالتأييدات الغيبية» . وحديث جابر رضي الله عنه أخرجه ابن أبي شيبة. وقال في آخره: وأخبرني أنهم كانوا ثمان مائة. كذا في البداية. أخرج أبو نعيم في الحلية عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه رضي الله عنه قال: إنْ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبعثنا في السرية ما لنا زاد إلا السَّلْف -

تحمل أبي عبيدة وأصحابه الجوع في السفر

يعني الجرب من التمر - فيقسمه صاحبه بيننا قبضة قبضة حتى يصير إِلى تمرة، قال: فقلت: وما كان يبلغ من التمرة؟ قال: لا تقل ذلك يا بني، ولَبعد أن فقدناها فاختلطنا إِليها. وأخرجه أيضاً أحمد، والبزار، والطبراني، قال الهيثمي: وفيه: المسعودي وقد اختلط، وكان ثقة. تحمل أبي عبيدة وأصحابه الجوع في السفر وأخرج البيهقي عن جابر رضي الله عنه قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمَّر علينا أبا عبيدة نتلَّقى عيراً لقريش، وزودنا جراباً من تمر لم يجدلنا غيره، فكان أبو عبيدة يعطينا تمرة تمرة. قال: فقلت: كيف كنتم تصنعون بها؟ قال: كنا نَمصّها كما يَمصّ الصبي، ثم نشرب عليها الماء فتكفينا يومنا إلى الليل. وكنا نضرب بعصِيِّنا الخَبَط ثم نبلُّه بالماء، فنأكله. فذكر الحديث. كذا في البداية. وكما سيأتي في باب «كيف أُيِّدت الصحابة» . وقد أخرجه مالك والشيخان وغيرهم، وفي روايتهم: أنهم كانوا ثلاث مائة. وأخرجه

تحمله عليه السلام والصحابة الجوع في غزوة تهامة

الطبراني، وفيه: أنهم كانوا ست مائة وبضعة عشر قال الهيثمي: وفيه: زَمْعَة بن صالح وهو ضعيف وعند مالك قال: فقلت: وما تغني تمرة؟ فقال: لقد وجدنا فقدها حين فنيت. تحمله عليه السلام والصحابة الجوع في غزوة تِهامة وأخرج البزار، والطبراني - ورجاله ثقات - عن أبي حُبَيش الغِفاري رضي الله عنه: أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تِهامة، حتى إِذا كنا بفسطاط جاءه الصحابة فقالوا: يا رسول الله، جَهَدنَا الجوع، فأذن لنا في الظَّهر نأكله. قال: «نعم» . فأُخبر بذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله، ماذا صنعت؟ أمرت الناس أن ينحروا الظَّهر فعلامَ يركبون؟ قال: «فما ترى يا ابن الخطاب» قال: أرى أن تأمرهم أن يأتوا بفَضْل أزوادهم فتجمعه في تَوْر، ثم تدعو الله لهم. فأمرهم، فجعلوا فَضْل أزوادهم في تَوْر؛ ثم دعا لهم ثم قال: «ائتوا بأوعيتكم» . فملأ كل إنسان منهم وعاءه. فذكر الحديث كذا في الهيثمي.

قصة المرأة التي كانت تطعم بعض الصحابة يوم الجمعة

وعند أبي يَعْلى عن عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كنّا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غَزَاة، فقلنا: يا رسول الله، إنّ العدو قد حضر، وهم شباع والناس جياع، فقالت الأنصار: ألا ننحر نواضحَنَا فنطعمها الناس؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم «من كان عنده فَضْل طعام فليجىء به» . فجعل الرجل يجيء بالمدّ والصاع وأكثر وأقلّ، فكان جميع ما في الجيش بضعة وعشرين صاعاً. فجلس النبي صلى الله عليه وسلم إلى جنبه ودعا بالبركة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم «خُذوا ولا تنتهبوا» . فجعل الرجل يأخذ في جرابه وفي غِرارته، وأخذوا أوعيته حتى إِنَّ الرجل ليربِط كمّ قميصه فيملؤه، ففرغوا والطعام كم هو. ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم «أشهد أن لا إله إلا الله وأنِّي رسول الله، لا يأتي به عبد محقٌ إلا وقاه الله حرَّ النار» . قال الهيثمي: وفيه: عاصم بن عبيد الله العمري وثَّقه العِجْلي، وضعَّفه جماعة: وبقية رجاله ثقات. انتهى. قصة المرأة التي كانت تطعم بعض الصحابة يوم الجمعة وأخرج البخاري عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: كانت منا إمرأة تجعل في مزرعة لها سِلْقا. فكانت إذا كان يوم الجمعة تنزع أصول السِلق فتجعله في قِدْر، ثم تجعل قبضة من شعير تطحنه، فتكون أصول السلق عَرْقَة. قال سهل: كنا ننصرف أُليها من صلاة الجمعة فنسلِّم عليها، فتقرِّب

ذلك الطعام إلينا، فكنا نتمنَّى يوم الجمعة لطعامها ذلك - وفي رواية: ليس فيها شحم ولا وَدَك، وكنا نفرح بيوم الجمعة. كذا في الترغيب. أكل الصحابة الجراد، وكيف أنَّهم لم يكونوا في الجاهلية يأكلون خبز القمح وأخرج ابن سعد عن ابن أبي أوفَى رضي الله عنه قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل فيهن الجراد. وأخرجه أبو نعيم في الحلية عن ابن أبي أوفَى رضي الله عنه - نحوه. وأخرج الطبراني - ورواته رواة الصحيح - عن أبي بَرْزة رضي الله عنه قال: كنا في غَزَاة لنا، فلقينا أناساً من المشركين، فأجهضناهم عن مَلَّة لهم. فوقعنا فيها فجعلنا نأكل منها؛ وكنا نسمع في الجاهلية أنه من أكل الخبز سَمِن. فلما أكلنا ذلك الخبز جعل أحدنا ينظر في عِطفيه هل سمن؟ - كذا في الترغيب. قال الهيثمي: وفي رواية كنا يوم خيبر مع رسول الله فأجهضناهم عن خبزة لهم من نَقيَ. رواه كله الطبراني، ورجاله رجال الصحيح. انتهى. وعند أبي نُعيم في الحلية عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما

تحمل شدة العطش في الدعوة إلى الله

افتتحنا خيبر مررنا بناس يهود يخبزون مَلَّة لهم فطردنناهم عنها. ثم اقتسمنا، فأصابتني كسرة إنَّ بعضها ليحترق. قال وقد كان بلغني أنه من أكل الخبز سمن، فأكلتها، ثم نظرت في عِطفيَّ هل سمنت؟ تحمُّل شدة العطش في الدعوة إلى الله ما أصاب الصحابة رضي الله عنهم من شدّة العطش في غزوة تبوك أسند ابن وهْب عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قيل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: حدثنا عن شأن ساعة العُسْرة، فقال عمر: خرجنا إلى تبوك في قَيْظ شديد، فنزلنا منزلاً وأصابنا فيه عطش حتى ظننا أنَّ رقابنا ستنقطع، حتى إنْ كان أحدنا ليذهب فيلتمس الرَّحْل فلا يرجع حتى يظن أنَّ رقبته ستنقطع، حتى إنَّ الرجل لينحر بعيره فيعتصر فَرْثَه فيشربه ثم يجعل ما بقي على كبده. فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: يا رسول الله، إن الله قد عوَّدك في الدعاء خيراً فادعُ الله لنا. فقال: «أو تحبّ ذلك؟» قال: نعم. قال: فرفع يديه نحو السماء فلم يرجعهما حتى قالت السماء فأطلّت ثم سكبت. فملأوا ما معهم، ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر. إسناده جيد، ولم يخرِّجوه. كذا في البداية. وأخرجه ابن جرير عن يونس عن ابن وهب بإسناده مثله، كما في التفسير لابن كثير. وأخرجه البزّار، والطبراني في الأوسط. ورجال البزار ثقات. قال الهيثمي.

تحمل الحارث، وعكرمة، وعياش العطش يوم اليرموك

تحمُّل الحارث، وعكرمة، وعيّاش العطش يوم اليرموك وأخرج أبو نُعيم، وابن عساكر عن حبيب بن أبي ثابت رضي الله عنه: أن الحارث بن هشام، وعكرمة بن أبي جهل، وعيَّاش بن أبي ربيعة - رضي الله عنهم - جُرحوا يوم اليرموك حتى أُثبتوا. فدعا الحارث بن هشام بماء ليشربه، فنظر إليه عكرمة، فقال: إدفعه إلى عكرمة، فلما أخذه عكرمة نظر إليه عيَّاش، قال: إدفعه إلى عيَّاش. فما وصل إلى عيَّاش حتى مات، وما وصل إلى أحد منهم حتى ماتوا. كذا في كنز العمال. وأخرجه الحاكم في المستدرك بنحوه. وأخرجه الزبير عن عمه عن جده عبد الله بن مصعب رضي الله عنه. فذكره بمعناه إلا أنه جعل مكان عيَّاش: سهيل بن عمرو. وأخرجه ابن سعد عن حبيب عن حبيب نحو رواية أبي نُعيم. كذا في الإستيعاب. تحمُّل أبي عمرو الأنصاري العطش في سبيل الله وأخرج الطبراني عن محمد بن حنفيَّة رضي الله عنه قال: رأيت أبا عمرو الأنصاري - وكان بَدْرِياً، عَقَبِياً، أُحُدِياً، وهو صائم - يتلوَّى من العطش وهو يقول لغلامه: ويحك، ترّسني، فترَّسه الغلام حتى نزع بسهم نزعاً ضعيفاً حتى رمى بثلاثة أسهم، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من رمى بسهم في سبيل الله قَصرُ - أو بلغ - كان له نوراً يوم القيامة» . فقُتل قبل غروب

تحمل شدة البرد في الدعوة إلى الله

الشمس. كذا في الترغيب. وأخرجه الحاكم، وفي رواية: ويحك، رُشَّني، فرشه الغلام. حفر الصحابة الحفرة للبرد الشديد في غزوة أخرج أحد، والنسائي، والطبراني عن أبي ريحانة رضي الله عنه أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في غوة. قال: تحمل شدة البرد في الدعوة إلى اللهفأوينا ذات ليلة إلى شَرَفٍ، فأصابنا برد شديد حتى رأيت الرجال يحفر أحدهم الحفرة فيدخل فيه ويلقي عليه حجَفَتَه. فلمَّا رأى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من يحرسنا الليلة فأدعو له بدعاء يصيب فضله؟» فقام رجل من الأنصار فقال: أنا يا رسول الله. قال: «من أنت؟» قال: فلان. قال: «إدْنُهُ» ، فدنا فأخذ ببعض ثيابه ثم استفتح الدعاء. فلما سمعت: قلت: أنا رجل. قال: «من أنت؟» قال: أبو ريحانة. قال: فدعا لي دون ما دعا لصاحبي، ثم قال: «حُرِّمت النار على عين حرست في سبيل الله» . الحديث. كذا في الإِصابة. قال الهيثمي: رجال أحمد

ثقات. وأخرجه البيهقي أيضاً بنحوه. وفي الباب حديث حذيفة رضي الله عنه كما سيأتي. تحمل قلة الثياب في الدعوة إلى الله تكفين حمزة رضي الله عنه أخرج الطبراني عن خبّاب بن الأرتّ رضي الله عنه: لقد رأيت حمزة وما وجدنا له ثوباً نكفِّنه فيه غير بُرْدة، إِذا غطَّينا بها رجله خرج رأسه، وإذا غطَّينا بها رأسه خرجت رجلاه؛ فغطَّينا رأسه ووضعنا على رجليه الإِذْخِر. كذا في المنتخب. قصة شرحبيل بن حسنة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب أخرج الطبراني، والبيهقي عن الشَّفَّاء بنت عبد الله رضي الله عنها قالت: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله، فجعل يعتذر إليَّ وأنا ألومه. فحضرت الصلاة فخرجت، فدخلت على إبنتي وهي تحت شرحبيل بن حسنة، فوجدت شرحبيل في البيت، فقلت: قد حضرت الصلاة وأنت في البيت؟ وجعلت ألومه. فقال: يا خالة، لا تلوميني فإنَّه كان لي ثوب فاستعاره النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: بأبي وأمي، كنت ألومه منذ اليوم وهذه حاله وأنا لا أشعر فقال شرحبيل: ما كان إلا دِرْعاً رقعناه. كذا في الترغيب. وأخرجه أيضاً ابن عساكر كما في الكنز؛

تحمل أبي بكر قلة الثياب وبشارة جبريل عمر بن الخطاب له على ذلك

وابن أبي عاصم ومن طريقه أبو نُعيم كما في الإِصابة، وقال: وفي سنده: عبد الوهاب بن الضحّاك وهو واهٍ. وأخرجه أيضاً ابن منده كما في الإِصابة؛ والحاكم في المستدرك. تحمّل أبي بكر قلّة الثياب وبشارة جبريل عمر بن الخطاب له على ذلك وأخرج أبو نُعَيم في الحلية عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: بينا النبي صلى الله عليه وسلم جالس وعنده أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه - وعليه عبادة قد جلّلها في صدره بجلال - إِذ نزل عليه جبريل عليه السلام، فأقرأه من الله السلام، وقال: يا رسول الله؛ ما لي أرى أبا بكر عليه عباءة قد جلله على صدره بجلال. قال: «يا جبريل، أنفق ماله عليّ قبل الفتح» . قال: فأقرأه من الله السلام وقل له: يقول لك ربك: أراضٍ أنت عني في فقرك هذا أم ساخط؟ فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر فقال: «يا أبا بكر: هذا جبريل يقرئك السلام من الله ويقول: أراضٍ أنت عني في فقرك هذا أم ساخط؟» فبكى أبو بكر وقال؛ أعلى ربي أغضب؟ أن عن ربي راضٍ، أنا عن ربي راضٍ، وأخرجه أيضاً أبو نُعيم في فضائل الصحابة عن أبي هريرة رضي الله عنه بمعناه، قال ابن كثير: فيه غرابة شديدة، وشيخ الطبراني عبد الرحمن بن معاوية العُتْبي، وشيخه محمد بن نصر الفارسي لا أعرفهما، ولم أرَ أحداً ذكرهما. كذا في

تحمل علي، وفاطمة قلة الثياب

منتخب كنز العمال. تحمل علي، وفاطمة قلة الثياب وأخرج هَنَّاد الدينَوَري عن الشَّعْبي قال: قال علي رضي الله عنه: لقد تزوجت فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم وما لي ولها فراش غيرُ جلد كَبْش ننام عليه بالليل ونعلف عليه ناضحنا بالنهار، وما لي خادم غيرها. كذا في الكنز. تحمّل الصحابة لباس الصوف والمداومة على تناول التمر والماء وأخرج أبو داود، والترمذي - وصحَّحه - وابن ماجه عن ابن أبي بريدة رضي الله عنه قال: قال لي أبي: لو رأيتُنا ونحن مع نبينا وقد أصابتنا السماء؛ حسبت أنَّ ريحَنا ريحُ الضأن. كذا في الترغيب. وأخرجه ابن سعد عن سعيد ابن أبي بردة عن أبيه قال: قال لي أبي - يعني أبا موسى رضي الله عنه -: يا بني، لو رأيتنا ونحن مع نبينا صلى الله عليه وسلم إِذا أصابتنا السماء وجدت منا ريح الضأن من لباسنا الصوف. وهكذا أخرجه الطبراني عن أبي موسى، وزاد: إنما لباسنا الصوف، وطعامنا الأسودان: التمر والماء. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح، ورواه

تحمل أصحاب الصفة قلة الثياب

أبو داود باختصار. اهـ. تحمل أصحاب الصفة قلة الثياب وأخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لقد رأيت سبعين من أهل الصُّفَّة، ما منهم رجل عليه رداء، إمّا إزار وإِما كساء قد ربطا في أعناقهم، فمنها ما يبلغ نصف السَّاقَين، ومنها ما يبلغ الكعبين، فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته. كذا في الترغيب. وأخرجه أيضاً أبو نُعيم في الحلية. وعند أبي نُعيم أيضاً عن واثِلة بن الأسقَع رضي الله عنه قال: كنت من أصحاب الصُّفَّة، وما منا أحد عليه ثوب تامّ، قد اتخذ العَرَق في جلودنا طوقاً من الوسخ والغبار. وأخرج البخاري عن عائشة رضي الله عنها: أن رجلاً دخل عليها وعندها جارية لها، عليها دِرْع ثمنه خمسة دراهم، فقالت: إرفع بصرك إلى جاريتي، أنظر إليها فإنها تزهو على أن تلبسه في البيت. وقد كان لي منهن درع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فما كانت إمرأة تُقينَّ بالمدينة إلا أرسلت إليَّ تستعيره. كذا في الترغيب. تحمّل شدة الخوف في الدعوة إلى الله تحمّل الصحابة شدة الخوف والجوع والبرد في ليلة الأحزاب

أخرج الحاكم، والبيهقي عن عبد العزيز ابن أخي حذيفة رضي الله عنه قال: ذكر حذيفة رضي الله عنه مشاهدهم مع رسول الله فقال جلساؤه: أما - والله - لو كنا شهدنا ذلك لكنّا فعلنا وفعلنا. فقال حذيفة: لا تمنَّوا ذلك، لقد رأيتُنا ليلة الأحزاب ونحن صافُّون قعود، وأبو سفيان ومَنْ معه فوقَنا، وقريظة اليهود أسفل منا نخافهم على ذرارينا، وما أتت علينا ليلة قطُّ أشد ظلمة ولا أشد ريحاً منها. في أصوات رِيحها أمثالُ الصاعق، وهي ظلمة ما يرى أحدنا أصبعه، فجعل المنافقون يستأذنون النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون: إنَّ بيوتنا عورة وما هي بعورة، فما يستأذنه أحد منهم إلا أذن له، ويأذن لهم ويتسللون ونحن ثلاث مائة ونحو ذلك. إذ استقبلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً رجلاً، حتى أتى عليّ وما عليَّ جُنَّة من العدو ولا من البرد إلا مِرْط لامرأتي ما يجوز ركبتي. قال: فأتاني وأنا جاثٍ على ركبتي. فقال: من هذا؟» فقلت حذيفة. فقال: «حذيفة» ، فتقاصرت للأرض، فقلت: بلى يا رسول الله - كراهية أن أقوم -، فقمت.

فقال: «إنه كائن في القوم خبر فائتني بخبر القوم» . قال: وأنا من أشدِّ الناس فزعاً وأشدهم قرّاً. قال: فخرجت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اللَّهمَّ إحفظه من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله، ومن فوقه ومن تحته» . قال: فوالله، ما خلق الله فزعاً، ولا قرّاً في جوفي إلا خرج من جوفي، فما أجد فيه شيئاً. قال: فلما ولَّيت قال: «يا حذيفة لا تُحدِثنَّ في القوم شيئاً حتى تأتيني» . قال: فخرجت حتى إذا دنوت من عسكر القوم نظرت ضوء نار لهم تُوقد، وإذا رجل أدهم ضخم - يقول بيديه على النار ويمسح خاصرته ويقول: الرحيلَ، الرحيلَ، - ولم أكن أعرف أبا سفيان قبل ذلك -. فانتزعت سهماً من كنانتي أبيض الريش فأضعه في كبد قوسي لأرميه به في ضوء النار. فذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تُحدِثنّ فيهم شيئاً حتى تأتيني» ، فأمسكت ورددت سهمي إلى كنانتي، ثم إني شجَّعت نفسي حتى دخلت العسكر، فإذا أدنى الناس مني بنو عامر يقولون: يا آل عامر، الرحيلَ، الرحيلَ، لا مُقام لكم. وإِذا الرحي في عسكرهم ما تجاوز عسكرهم شبراً، فوالله، إني لأسمع صوت الحجارة في رحالهم وفرشهم، الريح تضرب بها، ثم إني خرجت نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما انتصفتْ بي الطريق - أو نحو من ذلك - إذا أنا بنحو من عشرين فارساً - أو نحو ذلك - مُعْتمِّين فقالوا: أخبر صاحبك أنَّ الله قد كفاه. فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مشتمل في شَمْلة يصلِّي؛ فالله ما عدا أن رجعت راجعني القرّ وجعلت أقرقف. فأومأ إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وهو يصلِّي؛ فدنَوتُ منه فأسبل عليّ شملته - وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حَزَبه أمر صلَّى - فأخبرته خبر القوم، أخبرته أني تركتهم وهم يرحلون. قال: وأنزل الله تعالى: {ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَآءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ

تَرَوْهَا} (الأحزاب: 9) إلى قوله: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً} (الأحزاب: 25) . كذا في البداية، وأخرجه أبو داود، وابن عساكر بسياق آخر مطوَّلاً كما في كنز العمال. وأخرجه مسلم عن يزيد التَيْمي قال: كنا عند حذيفة رضي الله عنه فقال له رجل: لو أدركتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلتُ معه وأبليتُ. فقال له حذيفة: أنت كنت تفعل ذلك؟ لقد رأيتُنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب في ليلة ذات ريح شديدة وقرّ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ألا رجل يأتيني بخبر القوم يكون معي يوم القيامة؟» فذكر الحديث نحو حديث عبد العزيز باختصار، وفي حديثه: فأتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصابني البرد حين رجعت وقرِرْت، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم وألبسني من فَضْل عباءة كانت عليه يصلِّي فيها، فلم أبرح نائماً حتى الصبح. فلما أن أصبحت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «قم يا نَوْمان» . وأخرجه ابن إسحاق عن محمد بن كعب القُرَظي رضي الله عنه منقطعاً، وفي حديثه: فقال: من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع؟» فشرط له رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجعة؛ «أسأل الله أن يكون رفيقي في الجنة» . فما قام رجل من شدة الخوف وشدة الجوع والبرد.

تحمل الجراح والأمراض في الدعوة إلى الله

تحمُّل الجراح والأمراض في الدعوة إلى الله قصة رجلين من بني عبد الأشهل يوم أُحد أسند ابن إسحاق عن أبي السائب رضي الله عنه: أن رجلاً من بني عبد الأشهل قال: شهدت أُحداً أنا وأخ لي، فرجعنا جريحين، فلما أذَّن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج في طلب العدو قلت لأخي - أو قال لي -: أتفوتنا غزوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والله، ما لنا من دابة نركبها وما منا إلا جريح ثقيل. فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت أيسر جرحاً منه، فكان إذا غلب حملته عُقبة ومشى عُقبة حتى انتهينا إلى ما انتهى إليه المسلمون. كذا في البداية. وذكر ابن سعد عن الواقدي: أن عبد الله بن سهل وأخاه رافع بن سهل رضي الله عنهما هما اللذان خرجا إلى حمراء الأسَد وما جريحان، يحمل أحدهما صاحبه ولم يكن لها ظَهْر. قصة عمرو بن الجَمُوح وشهادته يوم أُحد وأسند ابن إسحاق عن أشيخ من بني سَلِمة قالوا: كان عمرو بن الجموح رضي الله عنه رجلاً أعرج شديد العَرَج، وكان له بنون أربعة مثل الأُسد يشهدون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد. فلما كان يوم أُحد أرادوا حبسه، وقالوا: إنَّ الله قد عَذَرك. فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إن بَنيَّ يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه، والخروج معك فيه، فوالله، إنّي لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه الجنة. فقالت: «أما أنت فقد عذرك الله فلا جهاد عليك» . وقال لبنيه:

قصة رافع بن خديج

«ما عليكم أن لا تمنعوه لعلَّ الله أن يرزقه الشهادة» . فخرج معه فقتل يوم أُحد. كذا في البداية. وأخرج أحمد عن أبي قتادة رضي الله عنه: أنه حضر ذلك قال: أتى عمرو بن الجموح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا رسول الله، أرأيت إن قاتلتُ في سبيل الله حتى أقتل، أمشي برجلي هذه صحيحة في الجنة؟ - وكانت رجله عرجاء - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «نعم» : فقتلوه يوم أُحد هو وابن أخيه ومولىً لم. فمرّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «كأني أنظر إليه يمشي برجله هذه صحيحة في الجنة» . فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بها وبمولاهما، فجُعلوا في قبر واحد. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير يحيى بن نصر الأنصاري وهو ثقة. انتهى. وأخرجه البيهقي من طريق ابن إسحاق بنحوه. قصة رافع بن خديج وأخرج البيهقي عن يحيى بن عبد الحميد عن جدته: أن رافع بن خديج رضي الله عنه رُمِيَ - قال عمر بن مرزوق: لا أدري أيُّهم اقال: يوم أُحد أو يوم

حُنَين - سهم في ثُنْدُوَته. فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إنزع لي السهم. فقال له: «يا رافع، إن شئتَ نزعتُ السهم والقُطْبة جميعاً، وإن شئت نزعت السهم وتركت القُطْبة، وشهدت لك يوم القيامة أنَّك شهيد» . فقال: يا رسول الله، إنزع السهم واترك القُطْبة، وأشهد لي يوم أنِّي شهيد. قال: فعاش به حتى كانت خلافة معاوية رضي الله عنه إنتقض به الجرح، فمات بعد العصر. هكذا وقع في هذه الرواية. والصحيح: أنه مات بعد خلافة معاوية. كذا في البداية. قال في الإِصابة: ويحتمل أن يكون بين الإنتقاض والموت مدة. وأخرجه أيضاً الباوَرْدي وابن مَنْدَه، والطبراني كما في الإِصابة، وابن شاهين كما في الإِصابة. وستأتي الأحاديث في باب الصبر.

الباب الرابع باب الهجرة

الباب الرابع باب الهجرة كيف تركت الصحابة أوطانهم العزيزة مع أن فراق الوطن شديد على النفوس، بحيث أنّهم لم يرجعوا إلى أوطانهم إلى الموت؟ وكيف كان ذلك أحبَّ إليهم من الدنيا ومتاعها؟ وكيف قدَّموا الدِّين على الدنيا، فلم يبالوا بضياعها ولم يلتفتوا إلى فنائها؟ وكيف يفرُّون من بلاد إلى بلاد إحتفاظاً لدينهم من الفتنة، فكأنهم كانوا قد خُلقوا للآخر وكانوا من أبنائها فصارت الدنيا كأنها خُلقت لهم.

باب الهجرة هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر

باب الهجرة هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه إجماع أمراء قريش على المكر به عليه السلام أخرج الطبراني عن عروة رضي الله عنه - مرسلاً - قال: ومكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الحج بقيّة ذي الحِجَّة والمحرَّم وصَفَر، ثم إِنَّ مشركي قريش أجمعوا أمرهم ومكرهم حين ظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خارج، وعلموا أن الله قد جعل له بالمدينة مأوى ومَنَعة، وبلغهم إسلام الأنصار ومن خرج إليهم من المهاجرين، فأجمعوا أمرهم على أن يأخذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإما أن يقتلوه، وإما أن يسجنوه - أو يسحبوه، شك عمرو بن خالد - وإما أن يخرجوه، وإما أن يوثقوه؛ فأخبره الله عزّ وجلّ بمكرهم. فقال تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} (الأنفال: 30) . وبلغه ذلك اليوم الذي أتى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم دار أبي بكر رضي الله عنه أنَّهم مُبَيِّتوه إذا أمسى على فراشه. خروجه عليه السلام من مكة مهاجراً مع أبي بكر واختباؤهما بغار ثَوْر وخرج من تحت الليل هو وأبو بكر قِبَل الغار بثَوْر - وهو الغار الذي ذكره الله عزّ وجلّ في القرآن - وعَمَد علي بن أبي طالب رضي الله عنه فرقد على فراشه يواري عنه العيون. وبات المشركون من قريش يختلفون ويأتمرون إن

نَجْثِم على صاحب الفراش فنوثقه، فكان ذلك حديثهم حتى أصبحوا. فإذا عليٌّ رضي الله عنه يقوم عن الفراش، فسألوه عن النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرهم أنه لا علم له به، فعلموا عند ذلك أنه خرج. فركبوا في كل وجه يطلبونه، وبعثوا إلى أهل المياه يأمرونهم، ويجعلون لهم الجُعْل العظيم؛ وأتَوا على ثَوْر الذي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه حتى طلعوا فوقه. وسمع النبي صلى الله عليه وسلم أصواتهم، فأشفق أبو بكر عند ذلك وأقبل على الهمِّ والخوف، فعند ذلك قال له النبي صلى الله عليه وسلم «لا تحزن إن الله معنا» ودعا فنزلت عليه سكينة من عزّ وجلّ: {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِى الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِىَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (التوبة: 40) . وكانت لأبي بكر مِنْحة تروح عليه وعلى أهله بمكة، فأرسل أبو بكر عامر بن فُهيرة مولى أبي بكر أميناً مؤتمناً حسن الإِسلام، فاستأجر رجلاً من بني عبد بن عدي يقال له: «ابن الأيقط» ، كن حليفاً لقريش في بني سَهْم من بني العاص بن وائل، وذلك يومئذٍ العدويُّ مشرك وهو هادي بالطريق. فخبا

ما أعده أبو بكر رضي الله عنه لسفر الهجرة

بأظهرنا تلك الليالي، كان يأتيهما عبد الله بن أبي بكر حين يمسي بكل خبر يكون في مكة، ويُريح عليهما عامر بن فُهيرة الغنم في كل ليلة، فيحلبان ويذبحان، ثم يسرح بكرة فيصبح في رُعيان الناس ولا يُفطن له، حتى إذا هَدَت عنهم الأصوات، وأتاهما أن قد سُكت عنهما جاءا صاحبهما ببعيريهما وقد مكثا في الغار يومين وليلتين؛ ثم انطلقا وانطلقا معهما بعامر بن فُهيرة يحدوهما ويخدمهما ويعينهما، يردفه أبو بكر ويعقُبه على راحلته ليس معه أحد من الناس غير عامر بن فهيرة وغير أخي بني عديّ يهديهم الطريق. قال الهيثمي: وفيه: ابن لهيعة، وفيه كلام؛ وحديثه حسن. اهـ. ما أعده أبو بكر رضي الله عنه لسفر الهجرة وأخرج ابن إسحاق عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان لا يخطىء رسول الله أن يأتي بيت أبي بكر أحد طرفي النهار: إما بُكرة، وإِما عشيَّة، حتى إذا كان اليوم الذي أذن الله فيه لرسوله صلى الله عليه وسلم في الهجرة والخروج من مكة من بين ظهرَي قومِه، أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجرة في ساعة كان لا

يأتي فيها. قالت: فلما رآه أبو بكر قال: ما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الساعة إِلا لأمرٍ حدث. قالت: فلما دخل تأخَّر له أبو بكر عن سريره، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس عند أبي بكر أحد إلا أنا وأختي أسماء بنت أبي بكر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أخرجْ عني من عندك» . قال: يا رسول الله، إنما هُما إبنتاي، وما ذاك فداك أبي وأمي؟ قال: «إنَّ الله قد أذن لي في الخروج والهجرة» . قالت: فقال أبو بكر: الصحبة يا رسول الله قال: «الصحبة» فوالله ما شعرت قطُّ قبل ذلك اليوم أن أحداً يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يومئذٍ يبكي، ثم قال: يا نبي الله، إِنَّ هاتين راحلتان قد كنت أعددتهما لهذا، فاستأجَرا عبد الله بن أرقط رجلاً من بني الدُئِل بن بكر وكانت أمه من بني سَهْم بن عمرو - وكان مشركاً - يدلهما على الطريق، ودفعا إليه راحلَتيْهما، فكانتا عنده يرعاهما لميعادهما. وأخرج البغوي بإسناد حسن عن عائشة رضي الله عنها شيئاً منه، وفي حديثه: قال أبو بكر: الصحابةَ قال: «الصحابةَ» . قال أبو بكر: إن عندي راحلتين قد علفتهما من ستة أشهر لهذا، فخذ إِحداهما، فقال: بل أشتريها، فاشتراها منه فخرجا فكانا في الغار. فذكر الحديث كما في كنز العمال. وأخرج الطبراني عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتينا بمكة كل يوم مرتين، فلما كان يوم من ذلك جاءنا في الظهيرة، فقالت: يا أبت، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي وأمي، ما جاء به هذه الساعة إلا أمر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «هل شعرتَ أنَّ الله قد أذن لي في الخروج؟» فقال أبو بكر رضي الله عنه: فالصحابَة يا رسول الله. قال: «الصحابةَ» . قال: إنَّ عندي راحلتين قد علفتهما منذ كذا وكذا إنتظاراً لهذا اليوم، فخذ إحداهما،

خروجه عليه السلام من الغار للمدينة

فقال: «بثمنها يا أبا بكر» ، فقال: بثمنها - بأبي وأمي - إن شئت. قالت: فهيّأنا لهم سُفْرة، ثم قطعت نِطاقها فربطتها ببعضه. فخرجا فمكثا في الغار في جبل ثور. فلما انتهيا إليه دخل أبو بكر الغار قبله، فلم يترك فيه جُحْراً إلا أدخل فيه أصبعه مخافة أن يكون فيه همَّة. وخرجت قريش حين فقدوهما في بُغائهما، وجعلوا في النبي صلى الله عليه وسلم مائة ناقة، وخرجوا يطوفون في جبال مكة حتى انتهَوا إلى الجبل الذي هما فيه. فقال أبو بكر - لرجل مواجه الغار -: يا رسول الله، إنَّه ليرانا، فقال: «كلا إنَّ ملائكة تسترنا بأجنحتها» . فجلس ذلك الرجل فبال مواجه الغار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لو كان يرانا ما فعل هذا» . فمكثا ثلاث ليالٍ، يُرَوِّحُ عليهما عامر بن فُهَيرة مولى أبي بكر غنماً لأبي بكر، ويُدلج من عندهما، فيصبح مع الرعاة في مراعيها، ويُرَوِّحُ معهم ويبطىء في المشي، حتى إذا أظلم لليل إنصرف بغنمه إليهما؛ فتظن الرعاة أنه معهم. وعبد الله بن أبي بكر يظلّ بمكة يتطلَّب الأخبار، ثم يأتيهما إذا أظلم الليل فيخبرهما، ثم يُدلج من عندهما فيصبح بمكة. خروجه عليه السلام من الغار للمدينة ثم خرجا من الغار فأخذا على الساحل، فجعل أبو بكر يسير أمامه، فإذا خشي أن يُؤتى من خلفه سار خلفه، فلم يزل كذلك مسيره. وكان أبو بكر رجلاً معروفاً في الناس، فإذا لقيه لاقٍ فيقول لأبي بكر: من هذا معك؟ فيقول: هادٍ يهديني - يريد الهدى في الدِّين - ويحسب الآخر دليلاً، حتى إذا كان بأبيات قُدَيد - وكان على طريقِهِما - جاء إِنسان إلى بني مُدْلج فقال: قد رأيت راكبين

نحو الساحل، فإنِّي لأجدها لصاحب قريش الذي تبغون. فقال سراقة بن مالك: ذانك راكبان ممن بعثنا في طَلِبَة القوم، ثم دعا جاريته فسارَّها، فأمرها أن تخرج فرسه ثم خرج في آثارهما. قال سراقة: فدنوت منهما - فذكر قصته كما ستأتي. قال الهيثمي: وفيه: يعقوب بن حُمَيد بن كاسب وثَّقه ابن حِبَّان وغيره، وضعَّفه أبو حاتم وغيره؛ وبقية رجاله رجال الصحيح. اهـ. ثناء عمر على أبي بكر وذكره خوف أبي بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما ذهبا للغار وأخرج البيهقي عن ابن سِيرين قال: ذكر رجال على عهد عمر رضي الله عنه فكأنهم فضَّلوا عمر على أبي بكر، فبلغ ذلك عمر فقال: والله لليلةٌ من أبي بكر خيرٌ من آل عمر، وليومٌ من أبي بكر خيرٌ من آل عمر. لقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة إنطلق إلى الغار ومعه أبو بكر، فجعل يمشي ساعة بين يديه وساعة خلفه، حتى فطن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا أبا بكر، مالك تمشي ساعة خلفي وساعة بين يدي؟» فقال: يا رسول الله، أذكر الطَلَب فأمشي خلفك، ثم أذكر الرَّصَد، فأمشي بين يديك. فقال: «يا أبا بكر، لو كان شيء لأحببتَ أن يكون بك دوني؟» قال: نعم، والذي بعثك بالحق. فلما انتهيا إلى الغار قال أبو بكر: مكانك - يا رسول الله - حتى استبرىء لك الغار. فدخل فاستبرأه، حتى إذا كان ذكر أنه لم يستبرىء الجِحَرَةَ، فقال: مكانك - يا رسول الله - حتى أستبرأ، فدخل فاستبرأ، ثم قال: إنزل يا رسول الله، فنزل. ثم قال عمر: والذي نفسي بيده، لتلك الليلة خيرٌ من آل عمر. كذا

خوف أبي بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما في الغار

في البداية. وأخرجه الحاكم أيضاً كما في منتخب كنز العمال. وأخرجه البغوي عن ابن مُلَيكة مرسلاً بمعناه. قال ابن كثير: هذا مرسل حسن كما في كنز العمال. خوف أبي بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما في الغار وأخرج الحافظ أبو بكر القاضي عن الحسن البصري قال: إنطلق النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه إِلى الغار، وجاءت قريش يطلبون النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا إِذا رأوا على باب الغار نسج العنكبوت قالوا: لم يدخل أحد. وكان النبي صلى الله عليه وسلم قائماً يصلي وأبو بكر يرتقب، فقال أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء قومك يطلبونك، أما - والله - ما على نفسي أُئِلُّ، ولكن مخافة أن أرى فيك ما أكره. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم «يا أبا بكر، لا تخف إن الله معنا» . وعند أحمد عن أنس رضي الله عنه أن أبا بكر رضي الله عنه حدّثه قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم ـ ونحن في الغار - لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه، فقال: «يا أبا بكر، ما ظنك بإثنين الله ثالثهما» . كذا في البداية (3181، 182) . وأخرجه أيضاً الشيخان، والترمذي، وابن سعد، وابن أبي شيبة، وغيرهم كما في الكنز.

حديث أبي بكر عن هجرته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقصة سراقة معهما

حديث أبي بكر عن هجرته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقصة سراقة معهما وأخرج أحمد عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: إشترى أبو بكر من عازب سَرْجاً بثلاثة عشر درهماً، فقال أبو بكر لعازب: مُرِ البراءَ فليحملْه إلى منزلي. فقال: لا، حتى تحدِّثنا كيف صنعتَ حين خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت معه؟ فقال أبو بكر: خرجنا فأدلجنا فأحثثنا يومنا وليلتنا حتى أظهرنا وقام قائم الظهيرة، فضربت بصري هل أرى ظلاً نأوي إِليه، فإذا أنا بصخرة فأهويتُ إليها، فإذا بقية ظلّه، فسويته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفرشت له فروة، وقلت: إضطجع يا رسول الله، فاضطجع. ثم خرجت أنظر هل أرى أحداً من الطَلَب؟ فإذا أنا براعي غنم فقلت: لمن أنت يا غلام؟ فقال: لرجل من قريش - فسمَّاه فعرفته - فقلت: هل في غنمك من لبن؟ قال: نعم. قلت: هل أنت حالب لي؟ قال: نعم. فأمرته فاعتقل شاة منها، ثم أمرته فنفض ضِرْعها من الغبار، ثم أمرته فنفض كفَّيه من الغبار، ومعي إداوةٌ على فمها خِرقة، فحلب لي كُثْبة من اللبن، فصببت على القدح حتى برد أسفله؛ ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوافيته وقد استيقظ، فقلت: إشرب يا رسول الله، فشرب حتى رضيت، ثم قلت: هل آن الرحيل؟ فارتحلنا والقوم يطلبوننا فلم يدركنا أحد منهم إلا سراقة بن مالك بن جُعْشُم على فرس له. فقلت: يا رسول الله، هذا الطلب قد لحقنا. قال: «لا تحزن إن الله معنا» ، حتى إذا دنا منا فكان بيننا وبينه قدر رمح أو رمحين، - أو قال: رمحين أو ثلاثة - قلت: يا رسول الله، هذا الطلب قد لحقنا وبكَيت. قال: «لِمَ تبكي؟» قلت: أما - والله - ما على نفسي أبكي، ولكن أبكي عليك. فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «اللهم أكفناه بما شئت»

قدومه عليه السلام المدينة ونزوله بقباء وفرح أهل المدينة بقدومه

فساخت قوائم فرسه إلى بطنها في أرض صَلْد، ووثب عنها وقال: يا محمد قد علمت أن هذا عملك، فادعُ الله أن ينجيني ما أنا فيه، فوالله لأعمينَّ على من ورائي من الطلب. وهذه كنانتي فخذ منها سهماً، فإنك ستمر بإبلي وغنمي بموضع كذا وكذا، فخذ منها حاجتك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا حاجة لي فيها» ، ودعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطلق ورجع إلى أصحابه. ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه حتى قدمنا المدينة وتلقَّاه الناس، فخرجا في الطرق على الأناجير، واشتد الخدم والصبيان في الطريق يقولون: الله أكبر جاء رسول الله جاء محمد صلى الله عليه وسلم.. قال: وتنازع القوم: أيُّهم ينزل عليه قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنزل الليلةَ على بني النجار أخوال عبد المطلب لأكرمهم بذلك» . فلما أصبح غدا حيث أُمر وأخرجه الشيخان في الصحيحين كما في البداية (3187، 188) . وأخرجه أيضاً ابن أبي شَيْبة، وابن سعد بنحوه مطوَّلاً مع زيادة، وابن خُزَيمة وغيرهم كما في الكنز. قدومه عليه السلام المدينة ونزوله بقُباء وفرح أهل المدينة بقدومه وأخرج البخاري عن عروة بن الزبير رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي الزبير في ركب من المسلمين - كانوا تجاراً قافلين من الشام - فكسا الزبيرُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رضي الله عنه ثياب بياض. وسمع المسلمون بالمدينة بمخرج

رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة، فكانوا يغدون كل غَداة إلى الحرَّة فينتظرونه حتى يردَّهم حرُّ الظهيرة، فانقلبوا يوماً بعدما أطالوا انتظارهم. فلما آوَوا إلى بيوتهم أوفى رجل من اليهود على أُطُم من آطامهم لأمر ينظر إليه، فبصر برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابِه مُبَيِّضين يزول بهم السراب؛ فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته: يا معشر العرب، هذا جَدُّكم الذي تنتظرون. فثار المسلمون إلى السلاح، فتعلقَّوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهر الحرَّة، فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم في بني عمرو بن عوف، وذلك يوم الإثنين من شهر ربيع الأول. فقام أبو بكر للناس وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم صامتاً، فطفق من جاء من الأنصار ممَّن لم يَرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يحيِّي أبا بكر، حتى أصابت الشمس رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل أبو بكر حتى ظلَّل عليه بردائه، فعرف الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك. فلبث رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة، وأسس المسجد الذي أُسس على التقوى، وصلّى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ركب راحلته وسار يمشي معه الناس حتى بركت عند مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهو يصلي فيه يومئذٍ رجال من المسلمين؛ وكان مِرْبداً للتمر لسهيل وسهل غلامين يتيمين في في حِجْر أسعدَ بن زُرارة رضي الله عنه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بركت به راحلته: «هذا - إِن شاء الله - المنزل» ، ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الغلامين فساومهما بالمربد ليتخذه مسجداً. فقالا: بل نهبه لك يا رسول الله، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقبله منها هبة، حتى ابتاعه منهما، ثم بناه مسجداً. فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل معهم اللَبِن في بنيانه، وهو يقول - حين ينقل اللَبِن -: هذا الحِمالُ لا حِمَال خيبرْ هذا أبرّ ربَّنا وأطهرْ

ويقول: لا هُمَّ إن الأجرَ أجرُ الآخره فارحمِ الأنصار والمهاجره فتمثل بشعر رجل من المسلمين لم يُسمَّ لي. قال ابن شهاب: ولم يبلغنا في الأحاديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تمثل ببيت شعر تام غير هذه الأبيات - هذا لفظ البخاري. وقد تفرّد بروايته دون مسلم، وله شواهد من وجوه أُخر. كذا في البداية. وأخرجه أحمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: إِني لأسعى في الغِلْمان يقولون: جاء محمد، فأسعى ولا أرى شيئاً. ثم يقولون: جاء محمد، فأسعى ولا أرى شيئاً؛ قال: حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبو بكر رضي الله عنه، فَكَمَنَّا في بعض خِرَاب المدينة. ثم بعثا رجلاً من أهل البادية يؤذِن بهما الأنصار، فاستقبلهما زُهَاء خمس مائة من الأنصار حتى انتهوا إليهما، فقالت الأنصار: إنطلقا آمنين مطاعَين، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه بين أظهرهم. فخرج أهل المدينة حتى إنَّ العواتق لفوق البيوت يتراأينه يقلن: أيهم هو؟ أيهم هو؟ فما رأينا منظراً شبيهاً به. قال أنس: فلقد رأيته يوم دخل علينا ويوم قُبض؛ فلم أرَ يومين شبيهاً بهما. ورواه البيهقي. بنحوه. كذا في البداية. وأخرج البيهقي عن بن عائشة رضي الله عنهما يقول: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة

جعل النساء والصبيان يَقُلْنَ: طلع البدر علينا من ثَنيَّات الوداعِ وجب الشكرُ علينا ما دعا لله داعِ كذا في البداية. هجرة عمر بن الخطاب والصحابة رضي الله عنهم أول من هاجر من مكة إلى المدينة أخرج ابن شيبة عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: أول من قدم علينا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مُصعب بن عمير وابن أمِّ مكتوم رضي الله عنهما، فجعلا بقرآنِنا القرآن. ثم جاء عمار، وبلال، وسعد رضي الله عنهم. ثم جاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه في عشرين. ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم به، فما قدم حتى قرأتُ {سَبِّحِ اسْمَ رَبّكَ الاَعْلَى} (الأعلى: 1) في سورٍ من المفصَّل. كذا في كنز العمال. وعند أحمد في حيث البراء عن أبي بكر رضي الله عنها في الهجرة؛ قال البراء: أول من قدم علينا من المهاجرين مصعب بن عمير أخو بني عبد الدار. ثم قدم علينا ابن أمِّ مكتوم الأعمى رضي الله عنه أحد بني فِهْر. ثم قدم علينا عمر بن

هجرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وصاحبيه

الخطاب رضي الله عنه في عشرين راكباً. فقلنا: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هو على إثْري، ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه معه. قال البراء: ولم يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قرأت سوراً من المفصَّل. وأخرجه أيضاً البخاري، ومسلم. كذا في البداية. هجرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وصاحبيه وأخرح ابن إسحاق عن نافع عن ابن عمر عن عمر رضي الله عنهما قال: إتَّعدنا لمّا أردت الهجرة إلى المدينة أنا وعيَّاش بن أبي ربيعة وهشام ابن العاص التناضب من أضاة بني غفار فوق سَرِف وقلنا: أيُّنا لم يصبح عندها فقد حُبس، فليمضِ صاحباه. قال فأصبحت أنا وعيَّاش عند التناضِب وحبس عنا هشام وفتن فافتتن. فلما قدمنا المدينة نزلنا في بني عمرو بن عوف بقُباء. وخرج أبو جهل بن هشام والحارث بن هشام إِلى عياش - وكان ابنَ عنهما وأخاهما لأمهما - حتى قدما المدينة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فكلَّماه وقال له: إنَّ أمك قد نذرت أن لا يمس رأسها مُشط حتى تراك ولا تستظلَّ من شمس حتى تراك. فرقَّ لها، فقلت له: إنه - الله - إنْ يريدك القوم إلا ليفتنوك عن دينك فاحذرهم، فوالله لو قد آذى أمك القمل لامتشطت، ولو قد اشتد عليها حرّ مكة لاستظلَّت. قال: فقال: أبرّ قَسَمَ أمي ولي هنالك مال فآخذه. قال قلت: والله إنك لتعلم أنِّي لمن أكثر قريش مالاً، فلك نصف مالي، ولا تذهب معهما.

قال: فأبى عليَّ إلا أن يخرج معهما. فلما أبَى إلا ذلك قلت: أمَا إذا قد فعلت ما فعلت، فخذ ناقتي هذه فإنها ناقة نجيبة ذَلول، فالزم ظهره، فإن رابك من أمر القوم رَيب فانجُ عليها. فخرج عليها معهما حتى إذا كان ببعض الطريق، قال له أبو جهل: يا أخي - والله - لقد استغلظت بعيري هذا، أفلا تُعقِبُني على ناقتك هذه؟ قال: بلى. فأناخ وأناخا ليتحوَّل عليها، فلما استَوَوْا بالأرض عَدَوَ عليه فأوثقاه رباطاً، ثم دخلا به مكة وفتناه فافتتن. قال عمر رضي الله عنه: فكنا نقول: لا يقبل الله ممن افتَتَن توبة، وكانوا يقولون ذلك لأنفسهم، حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأنزل الله: {أَوَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرّزْقَ لِمَن يَشَآء وَيَقْدِرُ إِنَّ فِى ذَلِكَ لاَيَاتٍ لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ قُلْ ياعِبَادِىَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُواْ إِلَى رَبّكُمْ وَأَسْلِمُواْ لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ وَاتَّبِعُواْ أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مّن رَّبّكُمْ مّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ} (الزمر: 52 - 55) . قال عمر: فكتبتها وبعثت بها إِلى هشام بن العاص. قال هشام: فلما أتتني جعلت أقرؤها بذي طُوى أصعِّد به وأُصوِّب ولا أفهمها، حتى قلت: اللَّهمَّ فهِّمْنيها، فألقى الله في قلبي أنها إنما أُنزلت فينا وفيما كنا نقول في أنفسنا، ويقال فينا: قال: فرجعت إلى بعيري فجلست عليه فلحقت برسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة. كذا في البداية. وأخرجه أيضاً ابن السَكَن بسند صحيح عن ابن إسحاق بإسناده مطوَّلاً كما أشار إليه الحافظ في الإِصابة، والبزار بطوله نحوه؛ قال الهيثمي ورجاله ثقات. وأخرجه البيهقي، وابن سعد، وابن مردويهْ،

والبزار عن عمر رضي الله عنه مختصراً كما في كنز العمال. وأخرج الطبراني عن عروة مرسلاً: وفيه ابن لَهيعة، وفيه ضعف. وعن ابن شهاب مرسلاً، ورجاله ثقات. كذا في المجمع. هجرة عثمان بن عفان رضي الله عنه هجرته إلى الحبشة وذكر أنه أول من هاجر بأهله إلى الله بعد لوط عليه السلام أخرج البيهقي عن قتادة رضي الله عنه قال: أول من هاجر إلى الله تعالى بأهله عثمان بن عفان رضي الله عنه. سمعت النضر بن أنس يقول: سمعت أبا حمزة - يعني أنساً رضي الله عنه - يقول: خرج عثمان بن عفن ومعه إمرأته رقية رضي الله عنهما بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض الحبشة، فأبطأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرهما، فقدمت إمرأة من قريش فقالت: يا محمد، قد رأيت خَتَنَك ومعه إمرأته. قال: «على أيِّ حال رأيتهما؟» قالت: رأيته قد حمل إمرأته على حمار من هذه الدَّبَّابة وهو يسوقها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «صحبهما الله. إنَّ عثمان أول من هاجر بعد لوط عليه السلام» . كذا في البداية. وأخرجه أيضاً ابن المبارك عن أنس رضي الله عنه بمعناه كما في الإِصابة؛ والطبراني عن

هجرة علي بن أبي طالب رضي الله عنه

أنس بمعناه، وفي حديثه: واحتبس على النبي صلى الله عليه وسلم خبرهم، فكان يخرج يتوكف عنهم الخبر. فجاءته إمرأة فأخبرته. قال الهيثمي: وفيه الحسن بن زياد البُرجُمي ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات. انتهى. هجرة علي بن أبي طالب رضي الله عنه أخرج ابن سعد عن علي رضي الله عنه قال: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة في الهجرة أمرني أن أقيم بعده حتى أؤدّي ودائع كانت عنده للناس؛ ولذا كان يسمى الأمين. فأقمت ثلاثاً، فكنت أظهر ما تغيّبتُ يوماً واحداً. ثم خرجت فجعلت أتبع طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قدمت بني عمرو بن عوف ورسول الله صلى الله عليه وسلم مقيم، فنزلت على كُلثوم بن الهِدْم وهنالك منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا في كنز العمال. هجرة جعفر بن أبي طالب والصحابة رضي الله عنهم إلى الحبشة ثم إلى المدينة إذنه عليه السلام لأصحابه بالهجرة إلى الحبشة وهجرة حاطب وجعفر إليها أخرج أحمد، والطبراني - ورجاله رجال الصحيح - عن محمد بن حاطب رضي الله عنهما، قال: قالت: «إنِّي رأيت أرضاً ذات نخل فأخرجوا» . قال: فخرج حاطب وجعفر رضي الله عنهما في البحر. قال: فولدت أنا في تلك السفينة. كذا في مجمع الزوائد للهيثمي. وأخرج الطبراني

والبزار عن عُمير بن إسحاق قال: قال جعفر رضي الله عنه: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إئذن لي أن آتي أرضاً أعبد الله فيها لا أخاف أحداً، قال: قال فأذن له فيه، فأتى النجاشي - فذكر الحديث بطوله كما سيأتي. قال الهيثمي: وعمير بن إسحاق وثَّقه ابن حِبّان وغيره، وفيه كلام لا يضرّ، وبقية رجاله رجال الصحيح. انتهى. إرسال قريش عمرو بن العاص إلى النجاشي ليرد الصحابة إليهم وأخرج ابن إسحاق عن أُم سَلَمة رضي الله عنها أنها قالت: لما ضاقت مكة، وأُذي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفُتنوا، ورأَوا ما يُصيبهم من البلاء والفتنة في دينهم، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يستطيع دفع ذلك عنهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في مَنَعَةٍ من قومه ومن عمِّه لا يصل إليه شيء ممّا يكره ومّا ينال أصحابَه - فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنَّ بأرض الحبشة ملكاً لا يُظلم أحد عنده، فألحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجاً ومخرجاً ممَّا أنتم فيه» فخرجنا إليها أرسالاً حتى اجتمعنا بها، فنزلنا بخير دار إلى خير جار آمنين على ديننا، ولم نخش فيها ظلماً. فلمّا رأت قريش أنّا قد أصبنا داراً وأمناً، غارُوا منا، فاجتمعوا على أن يبعثوا إلى النجاشي فينا ليخرجونا من بلاده وليردّنا عليهم. فبعثوا عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة، فجمعوا له هدايا ولبطارقته، فلم يدَعُوا منهم رجلاً إلا هيؤوا له هدية على حدة، وقالوا لهما: إدفعوا إلى كل بطريق هديته قبل أن تتكلّموا فيهم، ثم إدفعوا إليه هداياه، فإن استطعتم أن يردّهم عليكم قبل أن تتكلّموا فافعلوا. فقدما إِليه فلم يبقَ بِطْريق من بطارقته إلا قدَّموا إِليه هديته،

فكلَّموه فقالوا له: إنما قدمنا على هذا الملك في سفهائنا، فارقوا أقوامهم في دينهم ولم يدلوا في دينكم. فبعثَنا قومُهم ليردّهم الملك عليهم، فإذا نحن كلمناه فأشيروا عليه بأن يفعل، فقالوا: نفعل. ثم قدّموا إلى النجاشي هداياه، وكان من أحبِّ ما يُهدون إليه من مكة الأدَم. فلما أدخلوا عليه هداياه قالوا له: أيها الملك، إنَّ فتيةً منا سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك، وجاؤوا بدين مبتدع لا نعرفه، وقد لجؤوا إلى بلادك، وقد بعثَنا إليك فيهم عشائرهُم، آباؤهم وأعمامهم وقومهم لتردّهم عليهم، فإنهم أعلى بهم عيناً، فإنهم لن يدخلوا في دينك فتمنعهم لذلك. فغضب ثم قال: لا، لعمر الله، لا أردّهم عليهم حتى أدعوهم، فأكلمهم وأنظُرَ ما أمرُهم؛ قوم لجؤوا إلى بلادي واختاروا جواري على جوار غيري، فإن كانوا كما يقولون رددتم عليه، وإن كانوا على غير ذلك منعتهم، ولم أدخل بينهم وبينهم، ولم أنعم عيناً. خبر الصحابة مع النجاشي وقوله في الإِسلام وفي عيسى بن مريم عليهما السلام فلما دخلوا عليه سلّموا ولم يسجدوا له. فقال: أيها الرهْطُ، ألا تُحدُثُوني ما لكم لا تحيوني كما يحييني من أتانا من قومكم؟ فأخبروني ماذا تقولون في عيسى؟ وما دينكم؟ أنصاري أنتم؟ قالوا؛ لا. قال: أفيهود أنتم؟ قالوا: لا. قال: فعلى دين قومكم؟ قالوا: لا. قال: فما دينكم؟ قالوا: الإِسلام. قال: ما الإِسلام؟ قالوا: نعبد الله، لا نشرك به شيئاً. قال: من جاءكم بهذا؟ قالوا: جاءنا به رجل من أنفسنا، قد عرفنا وجهه ونسبه، بعثه الله إلينا كما بعث الرسل إلى من قبلَنا، فأمرنا بالبر، والصدقة، والوفاء، وأداء الأمانة؛ ونهانا أن نعبد

الأوثان، وأمرنا بعبادة الله وحده لا شريك له، فصدَّقناه، وعرفنا كلام الله، وعلمنا أنَّ الذي جاء به من عند الله. فلما فعلنا ذلك عادانا قومنا وعادوا النبيَّ الصادقَ وكذَّبوه وأرادوا قتله، وأرادونا على عبادة الأوثان، ففررنا إليك بديننا ودمائنا من قومنا. قال: والله، إنَّ هذا لمن المشكاة التي خرج منها أمر موسى. قال جعفر رضي الله عنه: وأما التحية، فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن تحية أهل الجنة: السلام، وأمرَنا بذلك، فحيّيناك بالذي يحيّي بعضنا بعضاً. وأما عيسى بن مريم عليهما السلام: فعبد الله، ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروحٌ منه، وابن العذراء البتول. فأخذ عوداً وقال: والله، ما زاد ابن مريم على هذا وزن هذا العود. فقال عظماء الحبشة: والله، لئن سمعتِ الحبشة لتخلعنّك. فقال: والله، لا أقول في عيسى عليه السلام غير هذا أبداً، وما أطاع الله الناسَ فيَّ حين ردَّ علي ملكي فأطيع الناس في دين الله معاذ الله من ذلك. كذا في البداية. وأخرجه أيضاً أحمد عن أُم سلمة - زوج النبي صلى الله عليه وسلم ـ بطوله، وفي حديثه: قالت: ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم. فلما جاءهم رسوله إجتمعوا، فقال بعضهم لبعض: ما تقولون في الرجل إذا جئتموه؟ قالوا: نقول - والله - ما علمنا ما أمرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم كائناً في ذلك ما هو كائن. فلما جاؤوه - وقد دعا النجاشي أساقفته فنشروا مصاحفهم حوله - سألهم فقال: ما هذا الدين الذي قد فارقتم فيه قومكم، ولم تدخلوا في ديني ولا في دين أحد من هذه الأمم؟ - قالت: وكان الذي كلّمه جعفر بن أبي طالب قال: أيها الملك، كنّا قوماً أهل جاهليّة، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القويُّ منا الضعيف، فكنَّا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منّا نعرف نسبه، وصدقه، وأمانته، وعفافه. فدعانا إلى الله - عزّ وجلّ - لنوحده، ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دون

الله من الحجارة والأوثان. وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصِلَة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء. ونهانا عن الفواحش، وشهادة الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة. وأمرنا أن نعبد الله، لا نشرك به شيئاً، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة. - قالت: فعدّد عليه أُمور الإِسلام - فصدّقناه، وآمنا به واتّبعناه على ما جاء به، فعبدنا الله وحده لا نشرك به شيئاً، وحرّمنا ما حرم الله علينا، وأحللنا ما أحلَّ لنا، فعدا علينا قومنا، فعذّبونا، وفتنونا عن ديننا ليردّونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله عزّ وجلّ، وأن نستحلّ ما كنا نستحلُّ من الخبائث. فلمَّا قهرونا وظلمونا وشقُّوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا؛ خرجنا إِلى بلدك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك. قالت: فقل النجاشي: هل معك ما جاء به عن الله من شيء؟ قالت: فقال له جعفر رضي الله عنه: نعم. قالت: فقال له النجاشي: فاقرأه. فقرأ عليه صدراً من «كَهاياعص» . قالت: فبكى النجاشي حتى أَخْضَلَ لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تُلي عليهم. ثم قال النجاشي: إنَّ هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة، إنطلقا، فوالله لا أسلمهم إليكم أبداً ولا أكاد. قالت أم سلمة: فلمَّا خرجا من عنده قال عمرو بن العاص: والله لآتينّهم غداً أُعيِّبهم عنده بما استأصل به خضراءهم، فقال له عبد الله بن أبي ربيعة - وكان أتقى الرجلين فينا -: لا تفعل، فإن لهم أرحاماً وإِن كانوا قد خالفنا. قال: والله لأخبرنَّه أنهم يزعمون أن عيسى بن مريم عَبْدٌ. قالت: ثم غدا عليه، فقال: يا أيها الملك، إنهم يقولون في عيسى بن مريم قولاً عظيماً فأرسل إليهم فسلهم عما يقولون فيه. قالت: فأرسل إليهم يسألهم عنه. قالت: ولم ينزل بنا مثلُها؛ واجتمع القوم فقال بعضهم لبعض: ما تقولون في عيسى بن مريم؟

فقال له جعفر بن أبي طالب: نقول فيه الذي جاء به نبينا صلى الله عليه وسلم هو عبد الله، ورسوله، وروحه، وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول. قالت: فضرب النجاشي يده إلى الأرض فأخذ منها عوداً ثم قال: (والله) ما عَدَا عيسى بن مريم ما قلت هذا العود فتناخرت بطارقة حوله حين قال ما قال، (فقال) : وإن نخرتم والله إذهبوا فأنتم سيوم بأرضي - والسيوم الآمنون -؛ من سبَّكم غرم، ثم (قال) : من سبَّكم غَرِم، ثم (قال) من سبَّكم غَرِم، ما أحبُّ أن لي دَبْراً ذهباً وأني آذيت رجلاً منكم - والدَّبْر بلسان الحبشة: الجبل - رُدّوا عليهما هداياهما فلا حاجة لي بها، فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين ردّ عليّ ملكي فآخذ فيه الرشوة، وما أطاع الناس فيّ فأطيعهم فيه. فخرجا من عنده مقبوحَيْن مردوداً عليهما ما جاءا به. وأقمنا عنده في خير دار مع خير جار، فوالله إنه لَعَلى ذلك إذ نزل به مَنْ ينازعه في ملكه. قالت: والله ما علمتنا حَزِنَّا (حزناً) قط كان أشد من حزن حزّناه عند ذلك؛ تخوفاً أن يظهر ذلك (الرجل) على النجاشي؛ فيأتي رجل لا يعرف من حقِّنا ما كان النجاشي يعرف. قالت: وسار النجاشي وبينهما عرضُ النِّيل. قالت: فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مَنْ رجلٌ خرج حتى يحضر وقيعة القوم، ثم يأتينا (بالخبر) ؟ قالت: فقال الزبير بن العوام: أنا. (قالوا: فأنت) قالت: وكان من أحدث القوم سنّاً. قالت: فنفخوا له قِربة فجعلها في صدره، فَسَبح عليها حتى خرج إلى ناحية النيل التي بها ملتقى القوم، ثم انطلق حتى حضرهم. قالت: ودعونا الله عزّ وجلّ للنجاشي بالظهور على عدوّه والتمكين له في بلاده (قالت: فوالله إن لَعَلَى ذلك متوقعون لما هو كائن إذ طلع الزبير وهو يسعى فلمع بثوبه،

وهو يقول: ألا أبشروا فقد ظفر النجاشي، وأهلك الله عدوه، ومكّن له في بلاده، قالت: فوالله ما علمتنا فرحنا فرحة قطّ مثلها. قالت ورجع النجاشي وقد أهلك الله عدوه ومكن له في بلاده: واستوسق عليه أمر الحبشة فكنّا عنده، في خير منزل حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة. قال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير إسحاق، وقد صرّح بالسماع. انتهى. كذا في الأصل، والظاهر أنه ابن إسحاق، وقد تقدّم الحديث من طريقه. وأخرجه أيضاً أبو نُعيم في الحلية من طريق ابن إسحاق نحوه مطوّلاً؛ والبيهقي ذكر صدر الحديث من طريق ابن إِسحاق بسياقه، ثم قال وذكر الحديث بطوله، وذكر الحديث في السِيَر. وأخرج الإِمام أحمد عن غبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي - ونحن نحوٌ من ثمانين رجلاً - فيهم: عبد الله بن مسعود، وجعفر، وعبد الله بن عُرْفُطَة، وعثمان بن مظعون، وأبو موسى، فأتَوا

النجاشي، وبعثت قريش عمرو بن العصا، وعُمارة بن الوليد بهدية، فلما دخلا على النجاشي سجداً له، ثم ابتدراه عن يمينه وعن شماله، ثم قالا له: إنَّ نفراً من بني عمنا نزلوا أرضك ورغبوا عنا وعن ملّتنا. قال: فأين هم؟ قالا: في أرضك فابعث إليهم؛ فبعث إليه. فقال جعفر رضي الله عنه: أن خطيبكم اليوم، فاتّبعوه، فسلّم ولم يسجد. فقالوا له: ما لك لا تسجد للملك؟ قال: إنا لا نسجد إلا الله عزّ وجلّ. قال: وما ذاك؟ قال: إنَّ الله بعث إلينا رسولاً، ثم أمرنا أن لا نسجد لأحد إِلا لله عزّ وجلّ، وأمرنا بالصلاة والزكاة. قال عمرو: فإنهم يخالفونك في عيسى بن مريم. قال: فما تقولون في عيسى بن مريم وأمه؟ قال: نقول كما قال الله: هو كلمته، وروحه، ألقاها إلى العذراء البتول التي لم يمسها بشر لم يفرضها ولد. قال: فرفع عوداً من الأرض ثم قال: يا معشر الحبشة والقسّيسين والرهبان والله ما يُزيدون على الذي نقول فيه ما سوى هذا، مرحباً بكم وبمن جئتم من عنده أشهد أنه رسول الله، وأنه الذي نجد في الإِنجيل، وأنه الرسول الذي بشَّر به عيسى بن مريم. أنزلوا حيث شئتم، والله لولا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتى أكون أنا الذي أحمل نعليه؛ وأمر بهدية الآخرين فردّت إليهما. ثم تعجّل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حتى أدرك بدراً. وهذا إسناد جيد قوي، وسياق حسن - قاله ابن كثير في البداية. وحسَّن إسناده الحافظ ابن حجر في فتح الباري. وقال الهيثمي - بعدما ذكر الحديث -: رواه الطبراني وفيه حديج بن معاوية، وثَّقه أبو حاتم، وقال في بعض أحاديثه ضعف، وضعَّفه ابن مَعِين وغيره؛ وبقية رجاله ثقات.e وأخرجه الطبراني أيضاً عن أبي موسى رضي الله عنه قال: أمرنا رسول

الله صلى الله عليه وسلم أن ننطلق مع جعفر بن أبي طالب إلى النجاشي، فبلغ ذلك قريشاً، فبعثوا عمرو بن العاص، وعُمارة بن الوليد - فذكره بمعنى حديث ابن مسعود، وفي حديثه: ولولا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتى أقبّل نعليه، أمكثوا في أرضي ما شئتم، وأمر لنا بطعام وكسوة. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. اهـ. وأخرج حديث أبي موسى أيضاً أبو نُعيم في الحلية، والبيهقي قال: هذا إسناد صحيح - كما في البداية. وأخرج ابن عساكر عن جعفر بن أبي طلب رضي الله عنه قال: بعثت قريش عمرو بن العاص، وعمارة بن الوليد بهدية من أبي سفيان إِلى النجاشي. فقالوا له - ونحن عنده -: قد صار إليك ناس من سَفِلتنا وسفهائنا، فادفعهم إلينا. قال: لا، حتى أسمع كلامهم. قال: فبعث إلينا. فقال: ما يقول هؤلاء؟ قال قلنا: هؤلاء قوم يعبدون الأوثان، وإن الله بعث إلينا رسولاً فآمنا به وصدَّقناه. فقال لهم النجاشي؛ أَعبيدٌ هُمْ لكم؟ قالوا: لا. فقال: فلكم عليهم دَيْن؟ قالوا: لا. قال: فخلُّوا سبيلهم. قال: فخرجنا من عنده. فقال عمرو بن العاص: إن هؤلاء يقولون في عيسى غير ما تقول. قال: إن لم يقولوا في عيسى مثل قولي لم أدعهم في أرضي ساعة من نهار. فأرسل إلينا، فكانت الدعوة الثانية أشدّ علينا من الأولى. قال: ما يقول صاحبكم في عيسى بن مريم؟ قلنا: يقول: هو روح الله، وكلمته ألقاها إلى عذراء بتول. قال: فأرسل، فقال: أدعوا لي فلان القَسّ، فلان الراهب. فأتاه ناس منهم فقال: ما تقولون في عيسى بن مريم؟ فقالوا: أنت أعلمنا، فما تقول؟ قال النجاشي - وأخذ شيئاً من الأرض - قال: ما عدا عيسى ما قال هؤلاء مثل هذا، ثم قال: أيؤذيكم أحد؟

رجوع الصحابة إلى المدينة وإسلام النجاشي واستغفاره صلى الله عليه وسلم له

قالوا: نعم. فنادى منادٍ. من ذى أحداً منهم فأغرموه أربعة دراهم، ثم قال؛ أيكفيكم؟ قلنا: لا، فأضْعَفَها. رجوع الصحابة إلى المدينة وإسلام النجاشي واستغفاره صلى الله عليه وسلم له قال: فلما هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وظهر بها قلنا له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ظهر وهاجر إلى المدينة، وقتل الذين كنا حدَّثناك عنهم، وقد أردنا الرحيل إِليه، فرُدّنا. قال: نعم: فحمّلنا وزوّدنا. ثم قال: أخبر صاحبك بما صنعت إِليكم، وهكذا صاحبي معكم، أشهد أن لا اله إلا الله وأنه رسول الله، وقل له: يستغفر لي. قال جعفر: فخرجنا حتى أتينا المدينة فتلقّاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعتنقني، ثم قال: «ما أدري أنا بفتح خيبر أفرح أم بقدوم جعفر» ووافق ذلك فتحَ خيبر، ثم جلس، فقال رسول النجاشي: هذا جعفر، فسَلْه ما صنع به صاحبنا؟ فقال: نعم، فعل بنا كذا وكذا وحملنا وزوّدا، وشهد أن لا اله إلا الله وأنك رسول الله. وقال لي: قل له يستغفر لي. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوضأ، ثم دعا ثلاث مرات: «اللهم إغفر للنجاشي» . فقال المسلمون: آمين. ثم قال جعفر: فقلت للرسول: إنطلق فأخبر صاحبك بما رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن عساكر: حسن غريب. كذا في البداية. وأخرجه الطبراني من طريق أسد بن عمرو عن مُجالد وكلاهما ضعيف، وقد وُثِّقا - قاله الهيثمي. فضيلة من هجر إلى الحبشة ثم إليه صلى الله عليه وسلم وأخرج ابن إسحاق عن عبد العزيز بن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أمه أم عبد الله بنت أبي حَثْمة رضي الله عنها قالت: والله إنا لنترحَّل إلى أرض الحبشة وقد ذهب عامر في بعض حاجتنا، إذ أقبل عمر فوقف عليَّ وهو على

شركه فقالت: - وكنّا نلقَى منه أذى لنا وشدَّه علينا - قالت: فقال: إنه الإنطلاق يا أم عبد الله؟ قلت: نعم، والله لنخرجنَّ في أرض من أرض الله إذ آذيتمونا وقهرتمونا حتى يجعل الله لنا مخرجاً. قالت: فقال: صحبكم الله ورأيت له رقّة لم أكن أراها، ثم انصرف وقد أحزنه فيما أرى خروجنا. قالت: فجاء عامر بحاجتنا تلك. فقلت له: يا أبا عبد الله، لو رأيت عمر آنفاً ورقَّته وحزنه علينا. قال: أطمعت في إسلامه؟ قالت: قلت: نعم. قال: لا يُسلم الذي رأيتِ حتى يسلمَ حمارُ الخطّاب. قالت: يأساً منه لما كان يرى من غلظته وقسوته على الإِسلام. كذا في البداية. وإسم أم عبد الله: ليلى؛ كما في الإِصابة. وأخرجه أيضاً الطبراني؛ وقد صرح ابن إسحاق بالسماع فهو صحيح. قال الهيثمي. وأخرجه الحاكم في المستدرك بسياق ابن إسحاق من طريقه إلا أنه وقع في الإِسناد عن عبد العزيز بن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه عن أمه أم عبد الله، وهذا هو الظاهر - والله أعلم. وفي آخره: قال: يأساً منه. وأخرج ابن مَنْده وابن عساكر عن خالد بن سعيد بن العاص - وكان من مهاجرة الحبشة هو وأخوه عمرو -: ولمَّا قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم تلقّاهم حين دنوا منه وذلك بعد بدر بعام، فحزنوا أن لا يكونوا شهدوا بدراً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «وما تحزنون؟ إنَّ للناس هجرة واحدة ولكم هجرتان، هاجرتم حين خرجتم إلى صاحب الحبشة، ثم جئتم من عند صاحب الحبشة مهاجرين إِليّ» . كذا في

كنز العمال. وأخرج البخاري عن أبي موسى رضي الله عنه قال: بلغنا مخرج النبي صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن، فخرجنا مهاجرين إِليه أن وأخوان لي أنا أصغرهم، أحدهم أبو بُردة، والآخر أبو رُهم - إِمّا قال في بضع وإِما قال في ثلاثة وخمسين أو إثنين وخمسين رجلاً من قومي -، فركبنا سفينة فألقتنا سفينتنا إِلى النجاشي بالحبشة، فوافقنا جعفر بن أبي طالب فأقمنا معه حتى قدمنا جميعاً. فوافقنا النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر. فكان أناس من الناس يقولون لنا - يعني لأهل السفينة -: سبقناكم بالهجرة. ودخلت أسماء بنت عُميس وهي ممّن قدم معنا على أمّ المؤمنين حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم زائرة، وقد كانت هجرت إِلى النجاشي فيمن هاجر. فدخل عمر رضي الله عنه على حفصة وأسماء عندها، فقال - حين رأى أسماء -: من هذه؟ قلت: أسماء إبنة عُميس. قال عمر: الحبشية هذه؟ البحرية هذه؟ قالت أسماء: نعم. قال: سبقناكم بالهجرة، فنحن أحقُّ برسول الله صلى الله عليه وسلم منكم. فغضبت وقالت: كلا. والله كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم؛ وكنا في دار - أو في أرض - البعداء والبغضاء بالحبشة، وذلك في الله وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأيْمُ الله، لا أطعم طعاماً لا أشرب شراباً حتى أذكرَ ما قلتَ للنبي صلى الله عليه وسلم وأسأله، ووالله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد عليه. فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم قالت: يا نبي الله، إِن عمر قال كذا وكذا. قالت قال: «فما قلتِ له؟» قالت قلت: كذا وكذا. قال: «ليس بأحق بي منكم وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان» . قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأهل السفينة يأتوني أرسالاً يسألوني عن هذا الحديث: ما من الدنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو بُردة قالت أسماء: فلقد رأيت أبا موسى وإنه ليستعيد هذا الحديث مني. وقال أبو بُردة عن أبي موسى:

قال النبي صلى الله عليه وسلم «إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالقرآن حين يدخلون بالليل، وأعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن بالليل، وإن كنت لم أرَ منازلهم حين نزلوا بالنهار، ومنهم حكيم: إذا لقي العدو - أو قال: الخيل - قال لهم: إن أصحابي يأمرونكم أن تنظروهم» . وهكذا رواه مسلم. كذا في البداية. عند ابن سعد بإسناد صحيح عن الشَّعْبي قال: قالت أسماء إبنة عُميس رضي الله عنها: يا رسول الله، إِنَّ رجالاً يفخرون علينا ويزعمون أنا لسنا من المهاجرين الأوّلين، فقال: بل لك هجرتان: هاجرتم إلى أرض الحبشة، ثم هاجرتم بعد ذلك» . كذا في فتح الباري. وأخرج هذا الأثر ابن أبي شيبة أيضاً أطول منه كما في كنز العمال. وأخرج حديث أبي موسى أيضاً الحسن بن سفيان، وأبو نُعيم مختصراً كما في الكنز أيضاً. هجرة أبي سلمة وأم سَلَمة رضي الله عنهما إلى المدينة أخرج ابن إسحاق عن أم سَلَمة رضي الله عنها قالت: لما أجمع أبو سلمة الخروج إلى المدينة رحّل لي بعيره، ثم حملني عليه، وجعل معي إبني سلمة بن أبي سلمة في حِجري، ثم خرج يقول بي بعيره. فلما رأته رجال بني المغيرة قاموا إليه فقلوا: هذه نفسك غلبْتَنا عليها، أرأيت صاحبتنا هذه، علام نتركك تسير بها في البلاد؟ قالت: فنزعوا خطام البعير من يده وأخذوني منه. قالت: وغضب عند ذلك بنو عبد الأسود رهط أبي سَلَمة وقالوا: والله لا نترك إبننا

عندها إذ نزعتموها من صاحبنا. قالت: فتجاذبا بني سَلَمة بينهم حتى خلعوا يده، وانطلق به بنو عبد الأسد وحبسني بنو المغيرة عندهم، وانطلق زوج أبو سلمة إلى المدينة؛ قالت: ففُرّق بيني وبين إبني وبين زوجي. قالت: فكنت أخرج كل غداة فأجلس في الأبطح، فما أزال أبكي حتى أمسي سنة أو قريباً منها؛ حتى مرّ بي رجل من بني عمي أحد بني المغيرة، فرأى ما بي فرحمني. فقال لبني المغيرة: ألا تخرجون هذه المسكينة، فرّقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها؟ قالت: فقالوا لي: إلحقي بزوجك إِن شئت. قالت فردّ بنو عبد الأسد إليّ عند ذلك إبني. قالت: فارتحلت بعيري، ثم أخذت إبني فوضعته في حجْري، ثم خرجت أريد زوجي بالمدينة. قالت: وما معي أحد من خلق الله. حتى إذا كنت بالتنعيم لقيت عثمان بن طلحة ابن أبي طلحة أخا بني عبد الدار. فقال: إلى أين يا إبنة أبي أُمية؟ قلت: أُريد زوجي بالمدينة. قال: أو ما معك أحد؟ قلت: ما معي أحد إلا الله وبُنيّ هذا. فقال: والله مالك من مترك، فأخذ بخطام البعير فانطلق معي يهوي بي؛ فوالله ما صحبت رجلاً من العرب قطُّ أرى أنه كان أكرم من. كان إِذا بلغ المنزل أناخ بي ثم استأخر عني حتى إذا نزلت إستأخر ببعيري فحطَّ عنه، ثم قيّده في الشجر، ثم تنحَّى إلى شجرة فاضطجع تحتها. فإذا دنا الرواح قام إلى بعيري فقدمه فرحَّله، ثم استأخر عني وقال: إركبي، فإذا ركبت فاستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه فقادني حتى ينزل بي، فلم يزل يصنع ذلك بي حتى أقدمني المدينة. فلما نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقُباء قال: زوجك في هذه القرية - وكان أبو سلمة بها نازلاً - فادخليها على بركة الله. ثم انصرف راجعاً إلى مكة. فكانت تقول: ما أعلم أهل بيت في الإِسلام أصابهم ما أصاب آل أبي سَلَمة؛ وما رأيت صاحباً قط كان أكرم من عثمان بن طلحة. أسلم عثمان بن طلحة بن أبي طلحة العبدري هذا بعد الحديبية، وهاجر هو وخالد بن الوليد رضي الله عنه معاً.

كذا في البداية. هجرة صهيب بن سنان رضي الله عنه خروج صهيب من مكة مهاجراً وخبره مع فتيان قريش أخرج البيهقي عن صهيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أُريت دار هجرتكم سَبْخَة بين ظهراني حرّتين، فإما أن تكون هَجَر أو تكون يثرب» . قال: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وخرج معه أبو بكر رضي الله عنه، وكنت قد هممت معه بالخروج فصدني فتيان من قريش، فجعلت ليلتي تلك أقوم لا أقعد، فقالوا: قد شغله الله عنكم ببطنه - ولم أكن شاكياً - فناموا. فخرجت ولحقني منهم ناس بعدما سرت يريدوا ليردوني، فقلت لهم: إن أعطيتكم أواقيِّ من ذهب وتخلوا سبيلي وتوفون لي؟ ففعلوا، فتبعتهم إلى مكة فقلت: إحفروا تحت أُسْكُفَّة الباب فإن بها أواقيَّ؛ واذهبوا إلى فلانة فخذوا الحُلَّتَين. وخرجت حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بقُباء قبل أن يتحوّل منها. فلما رآني قال: «يا أبا يحيى ربح البيع» فقلت: يا رسول الله، ما سبقني إليك أحد، وما أخبرك إلا جبرائيل عليه السلام. كذا في البداية. وأخرجه الطبراني أيضاً نحوه - قال الهيثمي: وفيه جماعة لم أعرفهم. إنتهى. وأخرجه أيضاً أبو نُعيم في الحلية.

قدوم صهيب عليه صلى الله عليه وسلم بقباء

قدوم صهيب عليه صلى الله عليه وسلم بقباء وبشارته عليه السلام له ما أنزل الله في صهيب وأخرج أيضاً هو وابن سعد، والحارث، وابن المنذر، وابن عساكر، وابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيِّب أنَّ صهيباً رضي الله عنه أقبل مهاجراً نحو النبي صلى الله عليه وسلم فتبعه نفر من قريش مشركون، فنزل فانتثل كنانته فقال: قد علمتم يا معشر قريش أني أرماكم رجلاً بسهم، وايْمُ الله لا تصلون إليَّ حتى أرميكم بكل سهم في كنانتي، ثم أضربكم بسيفي ما بقي في يدي منه (شي) ، ثم شأنكم بعد ذلك. وإن شئتم دللتكم على مالي بمكة وتخلُّوا سبيلي. قالوا: نعم، فتعاهدوا على ذلك فدلَّهم. فأنزل الله على رسوله القرآن: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَآء مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءوفٌ بِالْعِبَادِ} (البقرة: 207) - حتى فرغ من الآية. فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم صهيباً قال: «ربح البيع يا أبا يحيى ربح البيع يا أبا يحيى» وقرأ عليه القرآن. كذا في كنز العمال. وأخرجه أيضاً ابن عبد البرّ في الإستيعاب عن سعيد نحوه. وأخرج الحاكم في المستدرك من طريق سليمان بن حرب عن حمّاد بن زيد عن أيوب عن عكرمة قال: لما خرج صهيب رضي الله عنه مهاجراً تبعه أهل مكة، فنثل كنانته فأخرج منها أربعين سهماً، فقال: لا تصلون إِليّ حتى أضع في كل رجل منكم سهماً، ثم أصير بعد إلى السيف فتعلمون أني رجل، وقد خلَّفت بمكة قينتين فهما لكم. قال: وحدثنا حماد بن سلمة

عن ثابت عن أنس رضي الله عنه - نحوه: ونزلت على النبي صلى الله عليه وسلم {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَآء مَرْضَاتِ اللَّهِ} - الآية. فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أبا يحيى ربح البيع. قال: وتلا عليه الآية. قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرِّجاه. وأخرجه أيضاً ابن أبي خَيْثمة بمعناه كما في الإِصابة، وقال: ورواه ابن سعد أيضاً من وجه آخر عن أبي عثمان النَّهْدي، ورواه الكلبي في تفسيره عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما، وله طريق أخرى. انتهى. وأخرجه ابن مَرْدَويه من طريق أبي عثمان النَّهدي عن صهيب رضي الله عنه قال: لمَّا أردت الهجرة من مكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم قالت لي قريش: يا صهيب، قدمتَ إلينا ولا مال لك، وتخرج أنت ومالك، والله لا يكون ذلك أبداً. فقلت لهم: أرأيتم إن دفعت إِليكم مالي تخلّون عني؟ قالوا: نعم. فدفعت إليهم مالي، فخلُّوا عني؛ فخرجت حتى قدمت المدينة. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ربح صهيب، ربح صهيب» مرتين. كذا في التفسير لابن كثير. وأخرجه ابن سعد من طريق أبي عثمان - نحوه. هجرة عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أخرج أبو نعيم في الحلية عن عمر بن محمد بن زيد عن أبيه قال: كان ابن عمر رضي الله عنهما إذ مرّ برَبْعهم - وقد هاجر منه - غمَّض عينيه ولم ينظر إِليه ولم ينزله قط. وعند البيهقي في الزهد بسند صحيح عن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر يقول: ما ذكر ابن عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بكى، لا

هجرة عبد بن جحش رضي الله عنه

مرّ على رَبْعهم إلا غمَّض عينيه. كذا في الإِصابة. هجرة عبد بن جحش رضي الله عنه أخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن عبد الله بن جحش رضي الله عنه، وكان آخر من بقي ممّن هاجر، وكان قد كُفَّ بصره؛ فلما أجمع على الهجرة كرهت إمرأته ذلك بنت (أبي سفيان بن حرب بن أُمية) ، وجعلت تشير عليه أن يهاجر إلى غيره، فهاجر بأهله وماله مكتتماً من قريش حتى قدم المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوثب أبو سفيان بن حرب فباع داره بمكة، فمرّ بها بعد ذلك أبو جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والعباس بن عبد لمطلب، وحويطب بن عبد العزى وفيها أُهُبٌ معْطُونة، فذرفت عينا عتبة وتمثل ببيت من شعر: وكلُّ دار وإن طالت سلامتها يوماً ستدركها النكباء والحوب قال أبو جهل - وأقبل على العباس - فقال: هذا ما أدخلتم علينا. فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح قام أبو أحمد يَنشُد داره. فأمر النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان، فقام إلى أبي أحمد فانتحاه، فسكت أبو أحمد عن نشيد داره. قال ابن عباس رضي الله عنهما: وكان أبو أحمد يقول - والنبي صلى الله عليه وسلم متكىء على يده يوم الفتح -:

حبذا مكة من وادي بها أمشي بلا هادي بها يكثر عُوَّادي بها تركز أوتادي قال الهيثمي: وفيه عبد الله بن شبيب وهو ضعيف اهـ. قال ابن إسحاق: كان أول من قدم المدينة من المهاجرين بعد أبي سلمة عامر بن ربيعة، وعبد الله بن جحش رضي الله عنهما، احتمل بأهله وبأخيه عبد أبي أحمد. وكان أبو أحمد رجلاً ضرير البصر، وكان يطوف مكة أعلاها وأسفلها بغير قائد، وكان شاعراً وكانت عنده الفارعة بنت أبي سفيان بن حرب، وكانت أُمه أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم رضي الله عنها فخلِّقت دار بني جحش هجرة، فمرّ بها عتبة فذكر قصتهم بمعنى ما تقدم كما في البداية. فالظاهر أنه سقط ذكر أبي أحمد في الحديث، أو عبد الله تصحيفاً. والصحيح عبد بن جحش فإنه كان ضرير البصر، لا أخو. عبد الله بن جحش وقال: أبو أحمد بن جحش هذا في هجرتهم كما ذكر ابن كثير في البداية عن ابن إسحاق: ولمَّا رأتني أم أحمدَ غادياً بذمّة من أخشى بغيب وأرهَبُ تقول فإِمّا كنت لا بدَّ فاعلاً فيمّم بنا البلدان ولتنأ يثربُ (فقلت لها ما يثرب بمظِنّة) وما يشأ الرحمن فالعبد يركب إلى الله وجهي والرسول ومن يُقم إلى الله يوماً وجهه لا يُخَيَّب فكم قد تركنا من حميم مناصح وناصحة تبكي بدمع وتندُب ترى أنّ وِتْرا نأيُنا عن بلادنا ونحن نرى أن الرغائب نَطْلُب

هجرة ضمرة بن أبي العيص أو ابن العيص

دعوت بني غَنْم لحِقن دمائهم وللحق لما لاح للناس مَلْحَب أجابوا بحمد الله لمّا دعاهم إلى الحق داعٍ والنجاحِ فأوْعبوا وكنا وأصحاباً لنا فارقوا الهدى أعانوا علينا بالسلام وأجلبوا كفَوجين أما منهما فموفَّق على الحق مهدي وفوج معذّب طَغَوا وتمنَوا كذبة وأزلهم عن الحق إبليس فخابوا وخيّبوا ورِعنا إلى قول النبي محمدٍ فطاب ولاة الحق منا وطيبوا نَمُتُّ بأرحام إليهم قريبةٍ ولا قرب بالأرحام إذ لا تُقَرِّب فأيّ ابن أخت بعدنا يأمننكم وأية صِهْر بعد صهريَ ترقب فأيّ ابن أخت بعدنا يأمننكم وأية صِهْر بعد صهيَ ترقب ستعلم يوماً أيُّنا إذ تزايلوا وزُيِّل أمر الناس للحق أصوب هجرة ضمرة بن أبي العيص أو ابن العيص أخرج الفهريابي عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال: لما أنزلت: {لاَّ يَسْتَوِى الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِى الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً} (النساء: 95) - الآية. ثم ترخَّص عنها أناس من المساكين ممّن بمكة حتى نزلت: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَئِكَةُ ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى الاْرْضِ قَالْواْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءتْ مَصِيراً} (النساء: 97) - الآية. فقالوا: هذه مُرْجفة حتى نزلت: {إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرّجَالِ وَالنّسَآء وَالْوِلْدانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً} (النساء: 98) ، فقال ضمرة بن العيص - أحد بني لَيْث وكان مُصاب البصر، وكن موسِراً. لئن كان ذهاب

هجرة واثلة بن الأسقع رضي الله عنه

بصري إني لأستطيع الحيلة، لي مال ورقيق، إحملوني، فحُمل ودَبَّ وهو مريض، فأدركه الموت وهو عند التَنْعيم؛ فدفن عند مسجد التَنْعيم. فنزلت فيه خاصة: {وَمَن يُهَاجِرْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِى الاْرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} (النساء: 100) - الآية. وعلّقهُ ابن مَنْده لهُشَيم عن سالم. وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق إسرائيل عن سالم الأفطس، فقال: عن سعيد بن جبير عن أبي ضمرة بن العيص الزُرَقي رضي الله عنه. كذا في الإِصابة . وأخرجه أبو يعلى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرج ضمرة بن جندب من بيته مهاجراً فقال لأهله: إحملوني فأخرجوني من أرض المشركين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمات في الطريق قبل أن يصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنزل الوحي: {ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى اورسوله ثم يدركه الموت حتى بلغ وكان اغفوراً رحيماً} . قال الهيثمي في المجمع: ورجاله ثقات. هجرة واثلة بن الأسقع رضي الله عنه أخرج ابن جرير عن خالد بن الوليد عن واثلة بن الأسقَع رضي الله عنهما قال: خرجت من أهلي وأريد الإِسلام، قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة، فصففت في آخر الصفوف فصلَّيت بصلاتهم. فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة انتهى إِليَّ وأنا في آخر الصفوف. فقال: «ما حاجتك؟ قلت: الإِسلام. قال: «هو خير لك» . قال: «وتهاجر؟» قلت: نعم. قال: «هجرةَ البادي أو هجرة الباتي؟» قلت: أيتها خبر؟ قال: «هجرة الباتي» . قال: «وهجرة الباتي أن تثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهجرة البادي أن يرجع إلى باديته» .

قال: «وعليك الطاعة في عسرك ويسرحك ومنشطك ومكرهك وأَثرَة عليك» . قلت: نعم. فقدَّم يده وقدمت يدي. فلما رآني لا أستثني لنفسي شيئاً قال: «فيما استطعت» . فقلت: فيما استطعت. فضرب على يدي. كذا في كنز العمال. هجرة بني سليم أخرج أبو نُعيم عن إِياس بن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: أصاب أسَلَم وجعٌ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا أسلمُ أبدوا» . قالوا: يا رسول الله نكره أن نرتد، ونرجع على أعقابنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنتم باديتنا ونحن حاضرتكم، إذا دعوتمونا أجبناكم وإِذا دعوناكم أجبتمونا؛ أنتم المهاجرون حيث كنتم» . كذا في كنز العمال. هجرة جنادة بن أبي أمية رضي الله عنه أخرج أبو نُعيم والحسن بن سفيان عن جنادة بن أبي أمية الأزدي رضي الله عنه قال: هاجرنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فاختلفنا في الهجرة، فقال بعضنا: لم تنقطع. فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك. فقال: «لا تنقطع الهجرة، ما قوتل الكفار» . كذا في الكنز.

ما قيل لصفوان بن أمية وغيره في الهجرة

وعند ابن مندهْ. وابن عساكر عن عبد الله بن السعدي رضي الله عنه قال: وفدت في نفر من بني سعد بن بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة أو ثمانية وأنا من أحدثهم سناً، فأتَوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضوا حوائجهم وخلّفوني في رَحْل لهم. فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، أخبرني عن حاجتي. فقال: «وما حاجتك؟» قلت: رجال يقولون: قد انقطعت الهجرة. فقال: «أنت خيرهم حاجة - أو حاجاتهم - لا تنقطع الهجرة، ما قوتل الكفار» . كذا في الكنز. وأخرجه أيضاً أبو حاتم، وابن حِبْان، والنّسائي. وقال أبو زُرعة: حديث صحيح متقن، رواه الأثْبات عنه كما في الإِصابة. ما قيل لصفوان بن أمية وغيره في الهجرة أخرج ابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قيل لصفوان بن أمية - وهو بأعلى مكة -: إنه لا دين لمن لم يهاجر. فقال: لا أصل إلى بيتي حتى أقدَم المدينة، فقدم المدينة فنزل على العباس بن عبد المطلب، ثم أتى

النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ما جاء بك يا أبا وَهْب؟» قال: قيل: إنه لا دِين لمن لم يهاجر. فقال النبي صلى الله عليه وسلم «إرجع أبا وَهْب إلى أباطح مكة، فقرّوا على مسكنكم، فقد انقطعت الهجرة، ولكن جهاد ونية فإن استُنفرتم فانفروا» . كذا في كنز العمال. وأخرجه البيهقي أيضاً بلفظه. وعند عبد الرزاق عن طاووس قال: قيل لصفوان بن أمية: هلك من نُفيَت له هجرة، فحلف أن لا يغسل رأسه حتى يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فركب راحلته ثم انطلق، فصادف النبي صلى الله عليه وسلم عند باب المسجد، فقال: يا رسول الله، إنه قيل لي: هلك من لا هجرة له، فآليتُ بيمين لا أغسل رأسي حتى آتيك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم «إنَّ صفوان سمع بالإِسلام فرضي به ديناً، إِن الهجرة قد انقطعت بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، وإِذا

هجرة النساء والصبيان

استُنفرتم فنفروا» كذا في الكنز. وأخرج البغوي، وابن مَنْده، وأبو نُعيم عن صالح بن بشير ابن فُدَيك: أن جده فُديكاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إنهم يزعمون أن من لم يهاجر هلك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم «يا فُدَيك، أقم الصلاة، وآتِ الزكاة، واهجر السوء، واسكن من أرض قومك حيث شئت تكن مهاجراً» . كذا في الكنز. وأخرجه البيهقي. وأخرج البخاري عن عطاء بن أبي رباح قال: زُرت عائشة رضي الله عنها مع عبيد بن عمير الليثي فسألناها عن الهجرة. فقالت: لا هجرة اليوم، كان المؤمنون يفر أحدهم بدينه إلى الله تعالى وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم مخافة أن يُفتن عليه. فأما اليوم فقد أظهر الله الإِسلام واليوم يعبد ربه حيث شاء، ولكن جهاد ونية. وأخرجه البيهقي أيضاً. هجرة النساء والصبيان هجرة أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنهم أخرج ابن عبد البَرّ عن عائشة رضي الله عنها قالت: لمّا هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم خلَّفنا وخلَّف بناته، فلما استقر بعث زيد بن حارثة وبعث معه أبا رافع

مولاه، وأعطاهما بعيرين وخمس مائة درهم أخذاها من أبي رضي الله عنه يشترين بها ما يحتاجان إليه من الظَّهْر، وبعث أبو بكر معهم عبد الله بن أريقط ببعيرين أو ثلاثة، وكتب إلى عبد الله بن أبي بكر أن يحمل أمّي أم رومان وأنا وأختي أسماء إمرأة الزبير، فخرجوا مصطحبين. فلما انتهَوا إِلى قُدَيد إشترى زيد بن حارثة بتلك الخمس مائة درهم ثلاثة أبْعِرة، ثم دخلوا مكة جميعاً، فصادفوا طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه يريد الهجرة، فخرجوا جميعاً، وخرج زيد وأبو رافع بفاطمة وأم كلثوم وسَوْدة بنت زمْعة، وحمل زيد أم أيمن وأسامة، حتى إذا كنا بالبيداء نَفَر بعيري وأنا في مِحفَّة معي فيه أمي، فجعلت تقول: وابنتاه، واعروساه، حتى أدرك بعيرنا وقد هبط الثنية ثنية هَرْشى فسلَّم الله. ثم إِنَّا قدمنا المدينة، فنزلت مع آل أبي بكر، ونزل آل النبي صلى الله عليه وسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبني مسجده وأبياتاً حول المسجد، فأنزل فيها أهله، فمكثنا أياماً - فذكر الحديث بطوله في تزويج عائشة. كذا في الإستيعاب. وأخرجه الزبير أيضاً كما في الإِصابة. وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد - إلا أنه سقط عنه ذكر مخرِّجه - وقال: وفيه محمد بن الحسن بن زُبالة وهو ضعيف. ثم ذكر عن عائشة رضي الله عنها قالت: قدمنا مهاجرين، فسلكنا في ثنّية ضعينة فنفر

هجرة بنت إبنته صلى الله عليه وسلم وقوله فيها

جمل كنت عليه نفوراً منكراً، فوالله ما أنسى قول أمي: يا عُرَيِّسة فركب بي رأسه، فسمعت قائلاً يقول: ألقي خطامه، فألقيته، فقام يستدير كأنما إِنسان قائم تحته. ثم قال: رواه الطبراني وإسناده حسن. انتهى. وأخرجه الحاكم في المستدرك بطوله. هجرة بنت إبنته صلى الله عليه وسلم وقوله فيها بسبب ما أصابها من الأذى في الطريق وأخرج ابن إسحاق عن زينب رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّها قالت: بينا أنا أتجهّز لقيتني هند بنت عتبة فقالت: يا ابنة محمد، ألم يبلغني أنك تريدين اللحوق بأبيك. قالت: فقلت: ما أردت ذلك. فقال: أيّ إبنةَ عم لا تفعلي، إن كان لك حاجة بمتاع مما يرفق بك في سفرك أو بمال تتبلغين به إلى أبيك فإن عندي حاجتك، فلا تضْطَبني مني، فإنه لا يدخل بين النساء ما بين الرجال. قالت: والله ما أُراها قالت ذلك إلا لتفعل. قالت: ولكني خِفتها فأنكرت أن أكون أريد ذلك. قال ابن إسحاق: فتجهَّزتْ، فلما فرغت من جهازها قدّم إليها أخو زوجها كنانة بن الربيع بعيراً فركبته، وأخذ قوسه وكنانته، ثم خرج بها نهاراً يقود به وهي في هودج لها، وتحدّث بذلك رجال من قريش، فخرجوا في طلبها حتى أدركوها بذي طُوىً، وكان أول من سبق إليها هَبَّر بن الأسود الفِهْري، فروَّعها هبّار بالرمح وهي في الهودج، وكانت حاملاً - فيما يزعمون - فطَرَحت، وبرك حَموها كِنانة ونثر كنانته ثم قال: والله لا يدنو مني رجل إلا وضعت فيه سهماً، فَتَكرْكر الناس عنه، وأتى أبو سفيان في جهلَّة من

قريش، فقال: يا أيها الرجل، كفّ عنا نبلك حتى نكلمك، فكفَّ. فأقبل أبو سفيان حتى وقف عليه فقال: إنك لم تُصِب، خرجت بالمرأة على رؤوس الناس علانية، وقد عرفت مصيبتنا ونكبتنا وما دخل علينا من محمد، فيظن الناس إذا خرجت بابنته إليه علانيةً على رؤوس الناس من بين أظهرنا أنَّ ذلك عن ذلّ أصابنا وأن ذلك ضعف منا وَوَهن، ولعمري، ما لنا بحبسها من أبيها حاجةً وما لنا من ثؤرة، ولكن أرجع بالمرأة حتى إذا هدأتِ الأصوات وتحدَّث الناس أن قد رددناها؛ فَسُلَّها سِراً وألحقها بأبيها. قال ففعل. كذا في البداية. وعند الطبراني عن عروة بن الزبير رضي الله عنهما: أن رجلاً أقبل بزينب رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلحقه رجلان من قريش فقاتلاه حتى غلباه عليها فدفعاها، فوقعت على صخرة فأسقطت وهُريقت دماً، فذهبوا بها إلى أبي سفيان، فجاءته نساء بني هاشم فدفعها إِليهن. ثم جاءت بعد ذلك مهاجرة، فلم تزل وجعة حتى ماتت من ذلك الوجع؛ فكانوا يرون أنها شهيدة. قال الهيثمي: وهو مرسل، ورجاله رجال الصحيح اهـ. وعند الطبراني في الكبير عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم من مكة خرجت إبنته زينب رضي الله عنها من مكة مع كِنانة - أو ابن كِنانة - فخرجوا في طلبها، فأدركها هَبَّار بن الأسود، فلم يزل يطعن بعيرها برمحه حتى صرعها وألقت ما في بطنها، فتحملت؛ واشتجر فيها بنو هاشم وبنو أُمية. فقال بنو أُمية: نحن أحقّ بها وكانت تحت ابن عمهم أبي

هجرة درة بنت أبي لهب رضي الله عنها

العاص؛ وكانت عند هند بنت عتبة بن ربيعة، وكانت تقول: هذا في سبب أبيك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة؛ «ألا تنطلق فتجيء بزينب؟» قال: بلى يا رسول الله، قال: فخذ خاتمي فأعطِها إِيَّاه. فانطلق زيد فلم يزل يتلطف، فلقي راعياً فقال: لمن ترعى؟ فقال لأبي العاص. فقال: لمن هذه الغنم؟ فقال: لزينب بنت محمد، فسار معه شيئاً ثم قال: هل لك أن أعطيك شيئاً تعطيها إياه ولا تذكره لأحد؟ قال: نعم. فأعطاه الخاتم، فعرفته. فقالت: من أعطاك هذا؟ قال: رجل. قالت: فأين تركته؟ قال: بمكان كذا وكذا. فسكتت حتى إذا كان الليل خرجت إِليه فلما جاءته قال لها: إركبي بين يدي - على بعيره -. قالت: لا، ولكن إركب أنت بين يدي، فركب وركبت وراءه حتى أتت، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «هي خير بناتي أُصيبت فيّ» فبلغ ذلك علي بن حسين رضي الله عنهما، فانطلق إلى عروة فقال: ما حديث بلغني عنك أنك تحدثه تنتقص حقَّ فاطمة؟ فقال عروة: والله ما أحب أن لي ما بين المشرق والمغرب وأني أنتقص فاطمة حقاً لها، وأما بعد ذلك إِني لا أحدّث به أبداً. قال الهيثمي: روه الطبراني في الكبير والأوسط بعضه؛ ورواه البزار؛ ورجاله رجال الصحيح. انتهى. هجرة درّة بنت أبي لهب رضي الله عنها أخرج الطبراني عن ابن عمر، وأبي هريرة، وعمار بن ياسر رضي الله عنهم قالوا: قدمت درَّة بنت أبي لهب رضي الله عنها مهاجرة، فنزلت دار رافع بن المُعلَّى الزُّرقي رضي الله عنه. فقال لها نسوة جلسن إِليها من بني زُرَيق: أَنت بنت أبي لهب الذي قال الله فيه: {تَبَّتْ يَدَآ أَبِى لَهَبٍ وَتَبَّ} {مَآ أَغْنَى

هجرة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وغيره من الصبيان

عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} ؛ ما يغني عنك مهاجَرُك. فأتت درّة النبي صلى الله عليه وسلم فشكت إليه ما قُلنَ لها. فسكّنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إجلسي. ثم صلّى بالناس الظهر وجلس على المنبر ساعة وقال: «يا أيها الناس، ما لي أؤذي في أهلي، فوالله إِن شفاعتي لتناحيَّ حا، وحَكَم، وصُدا، وسَهلب يوم القيامة. قال الهيثمي: وفيه عبد الرحمن بن بشير الدمشقي وثَّقه ابن حِبَّان، وضعْفه أبو حاتم؛ وبقية رجاله ثقات. وقد تقدّمت هجرة أُم سَلَمة في هجرة أبي سلمة رضي الله عنهما (ص 358) ؛ وهجرة أسماء بنت عُميس وأُم عبد الله ليلى إبنة أبي حَثْمة رضي الله عنهما في هجرة جعفر بن أبي طالب والصحابة رضي الله عنهم إلى الحبشة (ص 347) . هجرة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وغيره من الصبيان أخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان قدومنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم الخمس من الهجرة. خرجنا متوصِّلين مع قريش عام الأحزاب، وأنا مع أخي الفضل، ومعنا غلامنا أبو رافع، حتى انتهينا إلى العَرْج فضلّ لنا في الطريق رَكوبة، وأخذنا في ذلك الطريق على الجثجاثة حتى خرجنا على بني عمرو بن عوف حتى دخلنا المدينة، فوجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخندق وأنا يومئذٍ ابن ثمان سنين، وأخي ابن ثلاث عشرة سنة. قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط من طريق عبد الله بن محمد بن عمارة الأنصاري عن سليمان بن داود بن الحصين، وكلاهما لم يوثّق ولم يضعَّف، وبقية رجاله ثقات. انتهى.

كيف كانت نصرة الدين القويم والصراط المستقيم أحب إليهم من كل شيء؟

الباب الخامس باب النصرة كيف كانت نُصْرة الدين القويم والصراط المستقيم أحبَّ إليهم من كل شيء؟ وكيف كانوا يتفخرون بذلك ما لم يفتخر أحد منهم بالعزَّة الدنيوية؟ وكيف صبروا مع ذلك عن لذّاتها؟ فكأنهم فعلوا كلَّ ذلك إبتغاء مرضاة الله عزّ وجلّ، واتِّباعاً لما أمرهم رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه، وبارك، وسلَّم.

باب النصرة إبتداء أمر الأنصار رضي الله عنهم حديث عائشة رضي الله عنها في هذا الباب أخرج الطبراني في الأوسط عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه في كل سنة على قبائل من العرب؛ أن يؤووه إلى قومهم حتى يبلّغَ كلام الله ورسالاته ولهم الجنّة. فليست قبيلة من العرب تستجيب له، حتى أراد الله إِظهار دينه، ونصر نبيه، وإنجاز ما وعده - ساقه الله إلى هذا الحي من الأنصار، فاستجابوا له، وجعل الله لنبيّه صلى الله عليه وسلم دار هجرة. قال الهيثمي: وفيه عبد الله بن عمر العُمَري، وثَّقه أحمد وجماعة، وضعَّفه النِّسائي وغيره؛ وبقية رجاله ثقات. اهـ. حديث عمر رضي الله عنه في الباب وقوله فيهم وأخرج البزار - وحسّنه - عن عمر رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة يعرض نفسه على قبائل العرب قبيلة قبيلة في الموسم، ما يجد أحداً يجيبه حتى جاء الله بهذا الحيّ من الأنصار، لِمَا أسعدهم الله وساق لهم من الكرامة، فآوَوا ونصروا، فجزاهم الله عن نبيهم خيراً. كذا في كنز العمال. وزاد

في جمع الفوائد في حديث عمر رضي الله عنه هذا: والله ما وفينا لهم كما عاهدناهم عليه، إِن قلنا لهم؛ نحن الأمراء وأنتم الوزراء، ولئن بقيت إلى رأس لا يبقى لي عامل إِلا أنصاري. وقال: للبزّار بضعف، وهكذا ذكره في مجمع الزوائد عن البزار بتمامه، وقال: رواه البزار وحسَّن إسناده، وفيه ابن شبيب وهو ضعيف. حديث جابر رضي الله عنه في الباب وأخرج الإِمام أحمد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنها قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على الناس بالموقف فيقول: «هل من رجل يحملني إِلى قومه، فإنَّ قريشاً قد منعوني أن أبلِّغ كلام ربي عزّ وجلّ؟» فأتاه رجل من هَمْدان. فقال: ممن أنت؟ فقال الرجل: من هَمْدان. فقال: هل عند قومك من مَنَعة؟ قال: نعم. ثم إنّ الرجل خشي أن يُخفِره قومه، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: آتيهم أخبرهم، ثم آتيك من قابل. قال: نعم. فانطلق وجاء وفد الأنصار في رجب. قال الهيثمي: رجاله ثقت. وعزاه الحافظ في الفتح إلى أصحاب السُّنَن، والإِمام أحمد، وقال: صحَّحه الحاكم. وقد تقدم (ص 245) في «البَيْعة على النُّصرة» من حديث جابر رضي الله عنه عند الإِمام أحمد قال: مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين يتبع الناس في منازلهم عُكاظ ومِجَنَّة وفي المواسم، يقول: «من يؤويني، من ينصرني، حتى أبلغ رسالة ربي وله

حديث عروة رضي الله عنه في الباب

الجنة؟» فلا يجد أحداً يؤويه ولا ينصره، حتى إنَّ الرجل ليخرج من اليمن أو من مضر فيأتيه قومه وذو رحمة فيقولون: إحذر غلام قريش، لا يفتنكْ ويمضي بين رحالهم وهم يشيرون إليه بالأصابع. حتى بعثنا الله إليه من يقرب، فآويناه وصدَّقناه، فيخرج الرجل منا فيؤمن به ويُقرئه القرآن، فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه، حتى لم تبقَ در من دور الأنصار إلا وفيه رَهْط من المسلمين يظهرون الإِسلام ثم ائتمروا جميعاً فقلنا، حتى متى نترك رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف ويطرد في جبال مكة ويخاف؟ فرحل إليه منا سبعون رجلاً حتى قدمنا عليه في الموسم، فواعدناه شِعْب العَقَبة، فاجتمعنا عندها من رجل ورجلين حتى توافينا، فقلنا: يا رسول الله علام نبايعك؟ - فذكر الحديث. وأخرجه الحاكم وقال: صحيح الإِسناد. حديث عروة رضي الله عنه في الباب وأخرج الطبراني عن عروة رضي الله عنه مرسلاً قال: لما حضر الموسم حجَّ نفر من الأنصار من بني مازن بن النجار، منهم: معاذ بن عفراء، وأسعد بن زُرارة؛ ومن بني زُرَيق: رافع بن مالك، وذَكوان بن عبد القيس؛ ومن بني عبد الأشهل: أبو الهيثم بن التَّيِّهان، من بني عمرو بن عوف: عُويم بن ساعدة - رضون الله عليهم أمعين -. وأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرهم خبر الذي اصطفاه الله من نبوته وكرامته، وقرأ عليهم القرآن. فلما سمعوا قوله، أنصتوا واطمأنت أنفسهم إلى دعوته، وعرفوا ما كانوا يسمعون من أهل الكتاب من ذكرهم إيّاه بصفته وما يدعوهم إليه، فصدَّقوه وآمنوا به، وكانوا من أسباب الخير. ثم قالوا له: قد علمتَ الذي بين الأوس والخزرج من الدماء، ونحن نحبّ ما أرشد الله به أمرك، ونحن لله ولك مجتهدون، وإنا نشير عليك بما ترى، فامكث على إسم الله حتى نرجع إلى قومنا فنخبرَهم بشأنك وندعوَهم إلى الله ورسوله، فلعلّ الله

أبيات لصرمة بن قيس في الباب

يصلح بيننا ويجمع أمرنا، فإنا اليوم متباعدون متباغضون، فإن تَقْدَمْ علينا اليوم ولم نصطلح لم يكن لنا جماعة عليك، ونحن نواعدك الموسم من العام القابل. فرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قالوا. فرجعو اإلى قومهم فدعَوهم سِرّاً، وأخبروهم برسول الله صلى الله عليه وسلم والذي بعثه الله به، ودعا عليه بالقرآن، حتى قلّ دار من دور الأنصار إلا أسلم فيها ناس لا محالة - فذكر الحديث كما تقدم (ص 187) في «دعوة مصعب بن عمير رضي الله عنه» . قال الهيثمي: فيه ابن لَهِيعة وفيه ضعف، وهو حسن الحديث؛ وبقية رجاله ثقات. انتهى. أبيات لصِرْمة بن قيس في الباب وأخرج الحاكم: عن يحيى بن سعيد قال: سمعت عجوزاً من الأنصار تقول: رأيت ابن عباس رضي الله عنهما يختلف إلى صِرْمة بن قيس يتعلم منه هذه الأبيات: ثَوَى في قريشٍ بِضْع عَشْرة حَجة يذكِّر لو ألفى صديقاً مواتيا ويعرض في أهل المواسم نفسه فلم يرَ من يُؤوي ولم يرَ داعيا فلما أتانا واستقرّت به النَوَى وأصبح مسروراً بطَيْبة راضيا وأصبح ما يخشى ظُلامَة ظالمٍ بعيدٍ، وما يخشى من الناس باغيا بذلنا له الأموال من جُلِّ مالنا وأنفسنا عند الوغى والتآسيا نعادي الذي عادَى من الناس كلِّهم بحق وإن كان الحبيبَ المواتيا ونعلم أنَّ الله لا شيءَ غيره وأن كتاب الله أصبح هادي المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم قصة عبد الرحمن بن عوف مع سعد بن الربيع

أخرج الإِمام أحمد عن أنس أن عبد الرحمن بن عوف قدم المدينة، فآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري رضي الله عنه، فقال له سعد: أيْ أخي، أنا أكثر أهل المدينة مالاً، فانظر شَطْر مالي فُخْذه؛ وتحتي إمرأتان فانظر أيتهما أعجب إليك حتى أطلِّقَها. فقال عبد الرحمن: بارك الله لك في أهلك ومالك، دلُّوني على السوق، فدلّوه، فذهب فاشترى وباع فربح، فجاء بشيء من أقِطٍ وسمن، ثم لبث ما شاء الله أن يلبث، فجاء وعليه رَدْع زعفران. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «مَهْيَمْ» ؟ فقال: يا رسول الله، تزوجت إمرأة. قال: «ما أصدقتها» ؟ قال: وَزْنَ نَواة من ذهب. قال: «أوْلم ولو بشاة» . قال عبد الرحمن: فلقد رأيتُني ولو رفعتُ حَجَراً لرجوتُ أن أصيب ذهباً وفضة. كذا في البداية. وأخرجه أيضاً الشيخان عن أنس رضي الله عنه، والبخاري من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه - كما في الإِصابة؛ وابن سعد عن أنس رضي الله عنه. التوارث بين المهاجرين والأنصاري وأخرج البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان

مأاساة الأنصار المهاجرين بأموالهم قسم الثمر ورد الأنصار معاوضة ما أنفقوا

المهاجرون لما قدموا بالمدنية يرث المهاجري الأنصاري دون ذوي رَحِمِهِ للأخوّة التي آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينهم. فلما نزلت: {وَلِكُلٍ جَعَلْنَا مَوَالِىَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالاْقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَئَاتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلّ شَىْء شَهِيداً} (النساء: 33) نُسخت. هكذا وقع في هذه الرواية أنَّ ناسخَ ميراث الحليف هذه الآية، وفي اللاحقة أنَّ الناسخ هو نزول: {وَالَّذِينَ ءامَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَئِكَ مِنكُمْ وَأُوْلُواْ الارْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلّ شَىْء عَلِيمٌ} (الأنفال: 75) - الآية، فصاروا جميعاً يرثون. وعلى هذا يُنَزَّل حديث ابن عباس رضي الله عنهما، ثم نسخ ذلك آية الأحزاب وخُصّ الميراث بالعَصَبة، وبقي للمعاقد النصر والإِرفاد ونحوهما؛ وعلى هذا تنزيل بقية الآثار اهـ. وعند أحمد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه نحوه كما في فتح الباري. وذكر ابن سعد بأسانيد الواقدي إلى جماعة من التابعين قالوا: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة آخَى بين المهاجرين، وآخى بين المهاجرين والأنصار على المؤاساة، وكانوا يتوارثون، وكانوا تسعين نفساً بعضهم من المهاجرين وبعضهم من الأنصار - وقيل: كانوا مائة -. فلمّا نزل: {وَأُوْلُواْ الارْحَامِ} بطلت الموارث بينهم بتلك المؤاخاة. كذا في الفتح. مأاساة الأنصار المهاجرين بأموالهم قسم الثمر ورد الأنصار معاوضةً ما أنفقوا

أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالت الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم أقسم بيننا وبين إخواننا النخيل. قال: «لا» . فقالوا: أفتكفوننا المؤونة ونشرككم في الثمرة؟ قالوا: سمعنا وأطعنا. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصار: «إنَّ إخوانكم قد تركوا الأموال والأولاد وخرجوا إِليكم» ، فقالوا: أموالنا بيننا قطائع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أَوَ غير ذلك؟» قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: «هم قوم لا يعرفون العمل فتكفونهم وتقاسمونهم الثمر» . قالوا: نعم. كذا في البداية. وأخرج الإِمام أحمد عن يزيد عن حميد عن أنس رضي الله عنه قال: قال المهاجرون: يا رسول الله، ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم أحسنُ مواساةً في قليل، ولا أحسن بذلاً من كثير، لقد كَفَونا المؤونة وأشركونا في المهنأ، حتى لقد خشينا أن يذهبوا بالأجر كلِّه. قال: «لا، ما أثنيتم عليهم ودعوتم الله لهم» . هذا حديث ثلاثيُّ الإِسناد على شرط الصحيحين، ولم يخرِّجه أحد من أصحاب الكتب الستة من هذا الوجه. كذا في البداية. أخرجه أيضاً ابن جرير، والحاكم، والبيهقي كما في كنز العمال.

وأخرج البزار عن جابر رضي الله عنه قال: كانت الأنصار إذا جزّوا نخلهم قسم الرجل تمرة قسمين أحدُهما أقل من الآخر، ثم يجعلون السَّعَف مع أقلهما، ثم يخيِّرون المسلمين، فيأخذون أكثرهما، ويأخذ الأنصار أقلهما من أجل السَّعَف حتى فُتحت خيبر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «قد وفَّيتم لنا بالذي كان عليكم، فإن شئتم أن تطيب أنفسكم بنصيبكم من خيبر ويطيب ثماركم فعلتم» . قالوا: إنَّه قد كان لك علينا شروط ولنا عليك شرط بأن لنا الجنة، فقد فعلنا الذي سألتنا بأنَّ لنا شرطنا. قال: «فذاكم لكم» قال الهيثمي رواه البزّار من طريقين وفيهما مجالِد وفيه خلاف، وبقية رجال إحداهما رجال الصحيح. انتهى. وأخرج البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: دعا النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار أن يُقطع لهم البحرين. قالوا: لا، إلا أن تقطع لإِخواننا من المهاجرين مثلها. قال: «أمّا لا، فاصبروا حتى تلقَوني، فإنه سيصيبكم أَثَرَةٌ» . كيف قطعت الأنصار رضي الله عنهم حبال الجاهلية لتشييد حبال الإِسلام قتل كعب بن الأشرف اليهودي أخرج البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: قال رسول

الله صلى الله عليه وسلم «من لكعب بن الأشرف فإنّه قد آذى الله ورسوله؟» فقام محمد بن مَسْلَمة رضي الله عنه فقال: يا رسول الله، أتحب أن أقتله قال: «نعم» . قال: فأذنْ لي أن أقول شيئاً. قال: «قل» . فأتاه محمد بن مَسْلَمة فقال: إنّ هذا الرجل قد سألَنا صدقة، وإنّه قد عنَّانا، وإني قد أتيتك أستسلفك. قال: وأيضاً - والله - لتَمَلُّنَّه قال: إنَّا قد اتّبعناه فلا نحب أن ندعه حتى ننظر إلى أي شيء يصير شأنه. وقد أردنا أن تُسلِفَنا وسقاً أو وَسْقين، فقال: نعم، إرهنوني، قالوا: أي شيء تريد؟. قال: إرهنوني نساءكم، قالوا: كيف نرهنك نساءنا وأنت أجمل العرب؟ قال: فارهنوني أبناءكم. قالوا: كيف نرهنك أبناءنا؟. فيُسَبّ أحدهم فيقال رهن بوسق أو وسْقين، هذا عار علينا ولكن نرهنك اللأَمة - يعني السلاح - فواعده أن يأتيه ليلاً. فجاءه ليلاً ومعه أبو نائلة وهو أخو كعب من الرضاعة، فدعاهم إلى الحصن فنزل إليهم. فقالت له إمرأته: أين تخرج هذه الساعة؟ فقال: إنَّما هو محمد بن مسلمة وأخي أبو نائلة - وفي رواية: قالت: أسمع صوتاً كأنه يقطر منه الدم. قال: إنما هو أخي محمد بن مسلمة ورضيعي أبو نائلة، إن الكريم لو دُعي إلى طعنة بليل لأجاب - قال: ويُدخل محمد بن مسلمة معه رجلين، فقال: إذا ما جاء فإنِّي قائل بشعره فأشَمُّهُ، فإذا رأيتموني إستمكنت من رأسه فدونكم فاضربوه. فنزل إليهم توشحاً وهو ينفخ منه ريح الطِّيب. فقال: ما رأيت كاليوم ريحاً - أي أطيب - قال: عندي أعطر نساء العرب وأكمل العرب فقال:

أتأذن لي أن أشمَّ رأسك؟ قال: نعم. فشمّه ثم أشَمَّ أصحابه. ثم قال: أتأذن لي قال: نعم. فلمّا استمكن منه قال: دونكم، فقتلوه، ثم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه. وفي رواية عروة: فأخبروا النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله تعالى. وفي رواية ابن سعد: فلما بلغوا بَقيع الغَرْقد كبّروا، وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة يصلِّي. فلما سمع تكبيرهم كبَّر، وعرف أن قد قتلوه، ثم انتَهوا إِليه. فقال: «أفلحت الوجوه» فقالوا: ووجهك يا رسول الله. ورمَوا رأسه بين يديه، فحمد الله على قتله. وفي مرسل عكرمة: فأصبحت يهودُ مذعورين، فأتَوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: قُتل سيدنا غِيلَة. فذكَّرهم النبي صلى الله عليه وسلم صنيعه وما كان يحرِّض عليه ويؤذي المسلمين. زاد ابن سعد: فخافوا فلم ينطقوا. كذا في فتح الباري. وعند ابن إسحاق: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «مَنْ لي بابن الأشرف؟» فقال محمد بن مسلمة رضي الله عنه: أنا لك به يا رسول الله، أنا أقتله. قال: «فافعل إن قدرتَ على ذلك» . قال: فرجع محمد بن مسلمة فمكث ثلاثاً لا يأكل ولا يشرب إلا ما يُعْلِق به نفسَه. فذُكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فدعه فقال له: «لم تركتَ الطعام والشراب؟» فقال: يا رسول الله، قلت لك قولاً لا أدري هل أفي لك به أم لا. قال: «إنما عليك الجُهد» . وعنده أيضاً من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: مشى معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بقيع الغرقد، ثم وجَّههم وقال: «إنطلقوا على إسم الله اللَّهمَّ أعنهم» . كذا في البداية. وحسَّن الحافظ ابن حجر إسناد حديث ابن عباس رضي الله عنهما. كذا في

قتل أبي رافع سلام ابن أبي الحقيق

فتح الباري. قتل أبي رافع سَلام ابن أبي الحُقَيق أخرج ابن إسحاق عن عبد الله بن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: وكان مما صنع الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أن هذين الحيَّين من الأنصار: الأوس والخزرج كانا يتصاولان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تصاولَ الفحلين، لا تصنع الأوس شيئاً فيه غَنَاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وقالت الخزرج: والله لا تذهبون بهذه فضلاً علينا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينتهون حتى يُوقعوا مثلَها. وإذا فعلت الخزرج شيئاً قالت الأوس مثل ذلك. قال: ولما أصابت الأوس كعبَ بن الأشرف في عداوته لرسول الله صلى الله عليه وسلم قالت الخزرج: والله لا تذهبون بها فضلاً علينا أبداً. قال: فتذاكروا مَنْ رجلٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في العداوة كابن الأشرف، فذكرا ابن أبي الحُقَيق وهو بخيبر، فاستأذنوا الرسول صلى الله عليه وسلم في قلته، فأذن لهم. فخرج من الخزرج من بني سَلِمة خمسة نفر: عبد الله بن عَتِيك، ومسعود بن سِنان، وعبد الله بن أُنيْس، وأبو قتادة الحارث بن رِبعي، وخُزاعي بن الأسود - حليف لهم من أسلَم - فخرجوا، وأمّر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عتيك، ونهاهم أن يقتلوا وليداً أو إمرأة. فخرجوا حتى إذا قدموا خيبر أتَوا دار ابن أبي الحُقَيق ليلاً، فلم يَدَعوا بيتاً في الدار حتى أغلقوه على أهله. قال: وكان عِلَّية له إليها عَجَلة. قال: فأسندوه إليها حتى قاموا على بابه فاستأذنوا. فخرجت إليهم إمرأته

فقالت: من أنتم؟ قالوا: أناس من العرب نلتمس المِيرَة. قالت: ذاكم صاحبكم، فادخلوا عليه. فلما دخلنا أغلقنا علينا وعليه الحجرة تَخَوّفاً أن يكن دونه مجاولة تحول بيننا وبينه. قال: فصاحت إمرأته فنوَّهت بنا فابتدرناه - وهو على فراشه - بأسيافنا، فوالله ما يدلنا عليه في سواد الليل إلا بياضه، كأنه قُبْطيّة ملقاة. قال: فلما صاحت بنا إمرأته جعل الرجل منا يرفع عليها سيفه ثم يذكر نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكفّ يده، ولولا ذلك لفرغنا منها بليل. قال: فلما ضربناه بأسيافنا تحمل عليه عبد الله بن أُنيس بسيفه في بطنه حتى أنفذه وهو يقول: قَطْني قَطْني - أي حَسْبي حَسْبي -. قال: وخرجنا - وكان عبد الله بن عتيك سيّىء البصر - فوقع من الدرجة، فوئئت يده وئئاً شديداً، وحملناه حتى نأتي به مَنْهَراً من عيونهم فندخل فيه. قال: فأوقدوا النيران واشتدوا في كل وجه يطلبوننا، حتى إذا يئسوا رجعوا إليه فاكتنفوه، وهو يقضي بينهم. قال: فقلنا: كيف لنا بأن نعلم أن عدوَّ الله قد مات؟ قال: فقال رجل منا: أنا أذهب فأنظر لكم، فانطلق حتى دخل في الناس. قال: فوجدتها - يعني إمرأته - ورجال يهود حوله وفي يدها المصباح تنظر في وجهه وتحدِّثهم، وتقول: أما - والله - لقد سمعت صوت ابن عتيك ثم أكذبت نفسي وقلت: أنَّى ابن عتيك بهذه البلاد؟ ثم أقبلت عليه تنظر في وجهه فقالت: فاظَ، وإله يهود فما سمعت كلمة كانت ألذّ على نفسي منها. قال: ثم جاءنا فأخبرنا، فاحتملنا صاحبنا وقدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه بقتل عدو الله، واختلفنا عنده في

قتله، كلنا يدّعيه. قال: فقال: «هاتوا أسيافكم» فجئنا به فنظر إِليها فقال لسيف عبد الله بن أُنيس: «هذا قتله، أرى فيه أثر الطعام» . كذا في البداية، وسيرة ابن هشام. وعند البخاري عن البراء رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي رافع اليهودي رجالاً من الأنصار، وأمّر عليهم عبد الله بن عتِيك رضي الله عنه، وكان أبو رافع يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويُعين عليه، وكان في حصن له بأرض الحجاز. فلما دَنوا منه - وقد غربت الشمس وراح الناس بسَرْحهم - قال عبد الله: إجلسوا مكانكم، فإني منطلق ومتلطِّف للبواب لعلِّي أن أدخل، فأقبل حتى دنا من الباب، ثم تقنع بثوبه، كأنه يقضي حاجته وقد دخل الناس؛ فهتف به البواب: يا عبد الله، إن كنت تريد أن تدخل فادخل، فإني أريد أن أغلق الباب، فدخلتُ فكمنتُ. فلمَّا دخل الناس أغلق الباب، ثم علَّق الأغاليق على ودّ. قال: فقمت إلى الأقاليد وأخذتها وفتحت الباب. وكان أبو رافع يُسمَر عنده، وكان في عَلاليَّ له. فلما ذهب عنه أهل سَمَره صعدت إليه، فجعلت كلما فتحت باباً أغلَقت عليّ من داخل فقلت: إِن القومُ نذروا بي لم يخلُصوا إليّ حتى أقتله، فانتهيت إِليه فإذا هو في بيت مظلم - وَسْطَ عياله -، لا أدري أين هو من البيت. قلت: أبا رافع، قال: من هذا؟ فأهويت نحو الصوت فأضربه بالسيف ضربة وأنا دهش فما أغنيت شيئاً، وصاح فخرجت من البيت، فأمكث غير بعيد، ثم دخلت إليه فقلت: ما هذا الصوت يا أبا رافع؟

فقال: لأمِّك الويل إنَّ رجلاً في البيت ضربني قَبْلُ بالسيف. قال: فأضربه ضربة أثخنته ولم أقتله، ثم وضعت ظُبَةَ السيف في بطنه حتى أخذ في ظهره فعرفت أني قتلته، فجعلت أفتح الأبواب باباً باباً حتى انتهيت إلى درجة له، فوضعت رجلي وأنا أرى أني قد انتهيت إِلى الأرض، فوقعت في ليلة مقمرة، فانكسرت ساقي، فعصبته بعمامة ثمَّ انطلقت، حتى جلست على الباب، فقلت: لا أخرج الليلة حتى أعلم أقتلته. فلما صاح الديك قام الناعي على السور، فقال: أنعي أبا رافع تاجر أهل الحجاز؛ فانطلقت إلى أصحابي فقلت: النجاءَ، فقد قتل الله أبا رافع. فانتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحدَّثته. فقال: «أبسط رجلك» فبسطت رجلي فمسحها فكأنما لم أشتكِها قط. وأخرجه البخاري أيضاً بسياق آخر، تفرّد به البخاري بهذه السياقات من بين أصحاب الكتب الستة، ثم قال: قال الزهري: قال أُبيّ بن كعب: فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر فقال: «أفلحت الوجوه» . قالوا: أفلح وجهك يا رسول الله. قال: «أفتكتموه؟» قالوا: نعم. قال: «ناولني السيف» ، فسلَّه فقال: «أجل، هذا طعامه في ذُباب السيف» . كذا في البداية. قتل ابن شيبة اليهودي أخرج أبو نُعيم عن بنت مُحَيِّصة عن أبيها رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه» . فوثب مُحيّصة على ابن شيبة - رجل من تجار يهود وكان يلابسهم ويبايعهم - فقتله؛ وكان حُويّصة إذ ذاك لم يسلم وكان أسنَّ من محيِّصة. فلما قتله جعل حويّصة يضربه ويقول: أي عدو الله، قتلته؟ أما - والله - لربَّ شحم في بطنك من ماله فقلت: والله، لو

غزوات بني قينقاع وبني النضير وقريظة

أمرني بقتلك لضربت عنقك قال: فوالله إنْ كان لأول إسلام حويِّصة. قال: والله إن أمرك محمد بقتلي لتقتلني؟ قال محيِّصة: نعم والله قال حويصة: فوالله إن دينا بلغ بك هذا إنه لعجب. كذا في كنز العمال. وأخرجه أيضاً ابن إسحاق نحوه، وفي حديثه: قال محيِّصة فقلت: والله لقد أمرني بقتله من لو أمرني بقتلك لضربت عنقك وزاد في آخره: فأسلم حويِّصة. وأخرجه أيضاً أبو داود من طريقه إلا أنه اقتصر إلى قوله: «في بطنك من ماله» ؛ ولم يذكر ما بعده. غزوات بني قينقاع وبني النضير وقريظة وما وقع من الأنصار في ذلك حديث بني قَيْنُقاع أخرج ابن إسحاق بإسناد حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً يوم بدر مع يهود في سوق بني قينقاع، فقال: «يا يهود، أسلموا قبل أن يصيبكم ما أصاب قريشاً يوم بدر» . فقالوا: إنَّهم كانوا لا يعرفون القتال، ولو قاتلتَنا لعرفتَ أنّا الرجل. فأنزل الله تعالى: {قُلْ لّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ} - إلى قوله - {لاِوْلِى الاْبْصَارِ} (آل عمران: 12، 13) . كذا في فتح الباري. وأخرجه أيضاً أبو داود من طريق ابن إسحاق بمعناه، وفي حديثه: قالوا: يا محمد، لا يغرَّنَّك من نفسك أنك قتلت نفراً من قريش كانوا أغماراً

لا يغرفون القتال؛ إنَّك لو قاتلتَنا لعرفتَ أنّا نحن الناس، وأنك لم تَلْقَ مثلنا. وعند ابن جرير كما في التفسير لابن كثير عن الزُّهري قال: لمّا انهزم أهل بدر قال المسلمون لأوليائهم من اليهود: أسلموا قبل أن يصيبكم الله بيوم مثل يوم بدر. فقال مالك بن الصَّيف: أغرّكم أن أصبتم رهطاً من قريش لا عِلم لهم بالقتال، أما لو أسررنا العزيمة أن نستجمع عليكم لم يكن لكم يَدٌ أن تقاتلونا. فقال عبادة بن الصامت رضي الله عنه: يا رسول الله، إنَّ أوليائي من اليهود كانت شديدةً أنفسهم، كثيراً سلاحهم، شديدةً شوكتهم، وإني أبرأ إلى الله ورسوله من ولاية يهود، ولا مولى لي إلا الله ورسوله. فقال عبد الله بن أبيّ: لكني لا أبرأ من ولاية يهود، إني رجل لا بدّ لي منهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا أبا الحُباب، أرأيتَ الذي نَفِسْت به من ولاية يهود على عبادة بن الصامت فهو لك دونه» . فقال: إذاً أقبل. قال: فأنزل الله: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَآء} - إلى قوله تعالى - {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} (المائدة: 15 - 67) . وعند ابن إسحاق عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه كما في البداية: قال: لما حاربت بنو قينقاع رسول الله صلى الله عليه وسلم تشبّث بأمرهم عبد الله بن أبيّ بن سلول وقام دونهم، ومشى عبادة بن الصامت رضي الله عنه إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من بني عوف له من حلفهم مثل الذي لهم من عبد الله بن أبيّ، فخلعهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ إلى الله وإلى رسوله من حلفهم، قال: يا رسول الله، أتولَّى الله ورسوله والمؤمنين، وأبرأ من حلف هؤلاء الكفار

حديث بني النضير

وولايتهم. قال: وفيه وفي عبد الله نزلت الآيات من «المائدة» : {يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَآء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآء بَعْضٍ} - إلى قوله - {وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ ءامَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} (المائدة: 51 - 56) . حديث بني النَّضِير أخرج ابن مردويه بإسناد صحيح إلى مَعْمَر عن الزُّهري: أخبرني عبد الله بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: كتب كفار قريش إِلى عبد الله بن أُبيّ وغيره ممن يعبد الأوثان قبل بدر يهدّدونهم بإيوائهم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ويتوعَّدونهم أن يغزوهم بجميع العرب، فهمّ ابن أبيّ ومن معه بقتال المسلمين، فأتاهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ما كادكم أحد بمثل ما كادتكم قريش، يريدون أين تُلقوا بأسكم بينكم» فلما سمعوا ذلك عرفوا الحق فتفرَّقوا. فلما كانت وقعة بدر كتبت كفار قريش بعدها إِلى اليهود: إِنكم أهل الحَلْقة والحصون، يتهدّدونهم، فأجمع بنو النضير على الغدر، فأرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أخرج إِلينا في ثلاثة من أصحابك ويلقاك ثلاثة من علمائنا، فإن آمنوا بك اتَّبعناك؛ ففعل. فاشتمل اليهود الثلاثة على الخناجر، فأرسلت إمرأة من بني النضير إلى أخ لها من الأنصار مسلم تخبره بأمر بني النضير، فأخبر أخوها النبي صلى الله عليه وسلم قبيل أن يصل إليهم، فرجع وصبّحهم بالكتائب فحصرهم يومه، ثم غدا على بني قريظة فحاصرهم فعاهدوه، فانصرف عنهم إلى بني النضير فقاتلهم حتى نزلوا على الجلاء، وعلى أنَّ لهم ما أقلَّت الإبل إِلا السلاح، فحتملوا حتى أبواب بيوتهم، فكانوا يخربون بيوتهم بأيديهم فيهدمونها ويحملون ما يوافقهم من خشبها، وكان جلاؤهم ذلك أول حشر الناس إلى الشام. وكذا

أخرجه عَبْدُ بن حُمَيد في تفسيره عن عبد الرزاق، وفي ذلك ردَّ على ابن التين في زعمه أنه ليس في هذه القصة حديث بإسناد. كذا في فتح الباري. وأخرجه أيضاً أبو داود من طريق عبد الرزاق عن مَعْمَر بطوله مع زيادة؛ وعبد الرزاق، وابن منذر، والبيهقي في الدلائل كما في بذل المجهود عن الدر المنثور. وأخرج البيهقي أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم قد حاصرهم حتى بلغ منهم كل مبلغ، فأعطوه ما أراد منهم، فصالحهم على أن يحقن لهم دماءهم، وأن يخرجهم من أرضهم ومن ديارهم وأوطانهم، وأن يُسيِّرهم إلى أذْرِعات الشام، وجعل لكل ثلاثة منهم: بعيراً وسِقاء. وأخرج أيضاً عن محمد بن مسلمة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى بني النَّضير وأمره أن يؤجلهم في الجلاء ثلاثة أيام. كذا في التفسير لابن كثير. وعند ابن سعد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إليهم محمد ابن مسلمة رضي الله عنه: «أن أخرجوا من بلدي، فلا تساكنوني بعد أن هممتم بما هممتم به من الغدر، وقد أجلتكم عشراً» . كذا في الفتح.

حديث بني قريظة وأخرج الإِمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرجت يوم الخندق أقفوا الناس، فسمعت وئيد الأرض ورائي، فإذا أنا بسعد بن معاذ ومعه ابن أخيه الحارث بن أوس يحمل مِجَنَّة. قالت: فجلست إِلى الأرض، فمرَّ سعد وعليه دِرْعٌ من حديث قد خرجت منها أطرافه، فأنا أتخوف على أطراف سعد. قالت: وكان سعد من أعظم الناس وأطولهم، فمرّ وهو يرتجز ويقول: لبّثْ قليلاً يدرك الهيجا جَمَلْ ما يحسن الموت إذا حان الأجلْ قالت: فقمت فاقتحمت حديقة، فإذا نفر من المسلمين، فإذا فيها عمر بن الخطاب وفيهم رجل عليه سَبْغة له - تعني المِغْفر - فقال عمر: ما جاء بك؟ والله إنك لجريئة، وما يؤمنك أن يكون بلاء أو تَحوُّز، فما زال يلومني حتى تمنّيت أن الأرض فتحت ساعتئذٍ فدخلت فيها. فرفع الرجل السبغة عن وجهه فإذا هو طلحة بن عبيد الله: فقال: يا عمر، ويحكم إنك قد أكثرتَ منذ اليوم، وأين التحوّز أو الفرار إلا إلى الله عزّ وجلّ. قالت: ويرمي سعداً رجل من قريش يقال له ابن العَرِقة وقال: خذها وأنا ابن العرقة، فأصاب أكْحَلة فقطعه؛ فدعا الله سعدٌ فقال: اللَّهمَّ لا تمتني حتى تقرّ عيني من بني قريظة. قالت: وكانوا حلفاءه ومواليه في الجاهلية. قالت: فرقأ كَلْمة، وبعث الله الريح على المشركين وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قوياً عزيزاً. فلحق أبو سفيان ومن معه بتِهامة، ولحق عُيَينة بن بدر ومن معه بنجد، ورجعت بنو قريظة فتحصّنوا في صاصيهم، ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلى المدينة، وأمر بقبة من أدَم فضُربت على سعد في المسجد. قالت: فجاء جبريل عليه السلام وإن على ثناياه لَنَقْعُ الغبار فقال: (أقد وضعتَ السلاح؟

لا، والله ما وضعت الملائكة السلاح، بعد، أخرج إلى بني قريظة فقاتلهم) قالت: فلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم لأُمَتَه، وأذَّن في الناس بالرحيل أن يخرجوا؛ فمرّ على بني غَنْم - وهم جيران المسجد حوله - فقال: «من مرّ بكم؟» قالوا: مرّ بنا دحية الكلبي - وكان دحية الكلبي تشبه لحيته وسنّه ووجهه جبرائيل عليه السلام - فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاصرهم خمساً وعشرين ليلة. فلما اشتد حَصْرُهم واشتد البلاء قيل لهم: أنزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستشاروا أبا لُبابة بن عبد المنذر، فأشار إليهم إنَّه الذَّبْح. قالوا: ننزل على حكم سعد بن معاذ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنزلوا على حكم سعد بن معاذ» . فأُتِيَ به على حمار عليه إكاف من ليف، قد حُمل عليه وحفَّ به قومه. فقالوا: يا أبَا عمرو، حلفاؤك ومواليك وأهل النِكاية ومن قد علمت. قالت: ولا يَرجِع إليهم شيئاً، ولا يلتفت إليهم، حتى إذا دنا من دورهم التفت إلى قومه، فقال: قد آن لي أن لا أبالي في الله لومة لائم. قالت: قال أبو سعيد رضي الله عنه: فلما طلع قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم «قوموا إِلى سيِّدكم فأنزلوه» . قال عمر: سيدنا الله. قال: «أنزِلوه» ، فأنزَلوه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أحكم فيهم» . قال سعد: فإني أحكم فيهم أن تُقتل مقاتِلَتُهم. وتُسبى ذراريهم، وتُقسم أموالهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لقد حكمت فيهم بحكم الله وحكم رسوله» . ثم دعا سعد فقال: اللَّهمَّ إِن كنت أبقيتَ على نبيك من حرب قريش شيئاً فأبقني لها. وإن كنتَ قطعتَ الحرب بينه وبينهم فأقبضني إليك. قالت: فانفجر كَلْمه، وكان قد برىء حتى لا يُرى منه إلا مثلُ الخُرْص، ورجع إلى قبّته التي ضرب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت عائشة: فحضره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وعمر. قالت: فوالذي نفس محمد بيده، إني لأعرف بكاء عمر من بكاء أبي بكر وأنا في حُجْرتي، وكانوا كما قال الله: {رُحَمَآء بَيْنَهُمْ} (الفتح: 29) . قال علقمة فقلت: يا أُمَّهْ، فكيف كان

رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع؟ قالت: كانت عينه لا تدمع على أحد ولكنه كان إذا وجِدَ، فإنما هو آخذ بلحيته. وهذا الحديث إسناده جيد، وله شواهد من وجوه كثير. كذا في البداية. وأخرجه ابن سعد عن عائشة رضي الله عنها مثله. وقال الهيثمي رواه أحمد وفيه: محمد بن عمرو بن علقمة وهو حسن الحديث، بقية رجاله ثقات. انتهى. وقال الحافظ في الإِصابة: حديث صحيح، صحّحه ابن حبان. انتهى. وأخرجه أيضاً أبو نعيم بطوله كما في الكنز. وقد زاد بعد هذا الحديث عدة أحاديث من طريق محمد بن عمرو، وهذا في فضائل سعد بن معاذ رضي الله عنه. وعند ابن جرير في تهذيبه كما في كنز العمال عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم بكى وبكى أصحابه حين توفي سعد بن معاذ رضي الله عنه. قلت: وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اشتد وَجْده فإنَّما هو آخذ بلحيته. قالت عائشة رضي الله عنها: وكنت أعرف بكاء أبي من بكاء عمر. وعند الطبراني عن عائشة رضي الله عنها قالت: رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من جنازة سعد بن معاذ ودموعه تَحَادَر على لحيته. قال الهيثمي: وسهل أبو حريز ضعيف.

فخر الأنصار رضي الله عنهم بالعزة الدينية

فخر الأنصار رضي الله عنهم بالعزة الدينيّة أخرج أبو يَعلى، والبزار، والطبراني: - ورجالهم رجال الصحيح - كما قال الهيثمي عن أنس رضي الله عنه قال: افتخر الحيّان الأوس والخزرج. فقالت الأوس: منا غسيل الملائكة حنظلة بن الراهب، ومنا من اهتز له العرش سعد بن معاذ، منا من حمته الدَّبْر عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، ومنا من أجيزت شهادته بشهادة رجلين خُزيمة بن ثابت رضوان الله عليهم أجمعين. وقالت الخزرجيون: منا أربعة جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجمعه غيرهم؛ زيد بن ثابت، وأُبيّ بن كعب، معاذ بن جبل، وأبو زيد، رضوان الله عليهم أجمعين. وأخرجه أيضاً أبو عَوانة، وابن عساكر وقال: هذا حديث حسن صحيح كما في المنتخب. صبر الأنصار عن اللّذات الدنيوية والأمتعة الفانية والرضاء بالله تعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم قصة الأنصار في فتح مكة أخرج الإِمام أحمد عن عبد الله بن رَبَاح رضي الله عنه قال: وفدت وفود إلى معاوية أنا فيهم وأبو هريرة ذلك في رمضان: فجعل بعضنا يصنع لبعض الطعام. قال: وكان أبو هريرة يكثر ما يدعونا. قال هاشم: يكثر أن يدعونا إلى رحله. قال: فقلت؛ ألا أصنع طعاماً فأدعوهم إلى رَحْلي؟ قال: فأمرتُ بطعام يُصنع،

فلقيت أبا هريرة من العِشاء؛ قال: قلت: يا أبا هريرة الدعوة عندي الليلة. قال: أسبقتني قال هاشم: قلت: نعم. فدعوتهم فهم عندي. فقال أبو هريرة: ألا أعلمكم بحديث من حديثكم يا معشر الأنصار؟ قال: فذكر فتح مكة. قال: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل مكة. قال: فبعث الزبير على أحد المجنَّبَتَيْن، وبعث خالد على المجنَّبة الأخرى، وبعث أبا عبيدة على الحُسَّر، وأخذوا بطن الوادي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبته؛ وقد وبَّشَت قريش أوباشها. قال: قالوا: نُقدِّم هؤلاء، فإن كان لهم شيء كنّا معهم، وإن أصيبوا أعطيناه الذي سَأَلَنا. قال أبو هريرة: فنظر، فرآني فقال: «يا أبا هريرة» : فقلت: لبيك رسول الله، فقال: «إهتفْ لي بالأنصار، ولا يأتيني إِلا أنصاري» . فهتفت بهم، فجاؤوا فأطافوا برسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أترون إِلى أوباش قريش وأتباعهم؟» ثم قال بيديه إحداها على الأخرى: «إحصدوهم حصداً حتى توافوني بالصَّفا. قال: فقال أبو هريرة: فانطلقنا فما يشاء واحد منا أن يقتل منهم ما شاء، وما أحد منهم يوجِّه إلينا منهم شيئاً. قال: فقال أبو سفيان: يا رسول الله، أبيحت خضراء قريش، لا قريش بعد اليوم. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من أغلق بابه فهو آمن، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن» . قال: فغلَّق الناس أبوابهم. قال: وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحَجَر فاستلمه، ثم طاف بالبيت. قال: وفي يده قوس آخذ بسِيَة القوس. قال: فأتى في طوافه على صنم إلى جنب البيت يعبدونه. قال: فجعل يطعن بها في عينه ويقول: {وَقُلْ جَآء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} (الإسراء: 81) قال: ثم أتى الصَّفا فعلاه

قصة الأنصار في غزوة حنين وما قاله صلى الله عليه وسلم في صفتهم

حيث ينظر إلى البيت، فرفع يديه فجعل يذكر الله بما شاء أن يذكره ويدعوه. قال: والأنصار تحت. قال: يقول بعضهم لبعض: أمَّا الرجل فأدركته رغبة في قريته ورأفة بعشيرته. قال أبو هريرة: وجاء الوحي، وكان إذا جاء لم يخفَ علينا، فليس أحد من الناس يرفع طَرْفة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يقضي. قال هاشم: فلما قضى الوحيُ رفع رأسه، ثم قال: «يا معشر الأنصار، أقلتم أما الرجل فأدركته رغبة في قريته ورأفة بعشيرته؟» قالوا: قلنا ذلك يا رسول الله، قال: «فما إسمي إذاً، كلا إني عبد الله ورسوله، هاجرت إلى الله وإليكم، فالمحيا محياكم والممات مماتكم» . قال: فأقبلوا إليه يبكون ويقولون: والله ما قلنا الذي قلنا إلا الضنَّ بالله ورسوله. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله ورسوله يصدِّقانِكم ويَعذِرانِكم» . وقد رواه مسلم، والنسائي من حيث أبي هريرة. نحوه. كذا في البداية. وأخرجه ابن أبي شيبة مختصراً كما في الكنز. قصة الأنصار في غزوة حنين وما قاله صلى الله عليه وسلم في صِفَتهم وأخرج البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: لما كان يوم حُنين أقبلت هوازن وغَطفان وغيره بنَعَمهم وذراريهم، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف والطلقاء، فأدبروا عنه حتى بقي وحده. فنادى يومئذٍ ندائَين لم يخلط بينها،

إلتفت عن يمينه فقال: «يا معشر الأنصار» قالوا: لبيك يا رسول الله، إبشر نحن معك، ثم التفت عن يساره فقال: «يا معشر الأنصار» فقالوا: لبيك يا رسول الله، أبشر نحن معك - وهو على بغلة بيضاء - فنزل، فقال: «أنا عبد الله ورسوله» ، فانهزم المشركون، وصاب يومئذٍ مغانم كثيرة، فقسم بين المهاجرين والطلقاء ولم يعطِ الأنصار شيئاً. فقالت الأنصار: إذا كانت شديدة فنحن نُدعى، ويُعطي الغنيمة غيرنا. فبلغه ذلك فجمعهم في قبة فقال: «يا معشر الأنصار، ما حديث بلغني؟ فسكتوا. فقال: يا معشر الأنصار، ألا ترضونَ أن يذهب الناس بالدنيا، وتذهبون برسول الله تحوزونه إلى بيوتكم» . قالوا؛ بلى. فقال: «لو سلك الناس وادياً وسلكت الأنصار شِعباً لسلكت شِعْب الأنصار» . قال هشام: قلت: يا أبا حمزة وأنت شاهد ذلك. قال: وأين أغيب عنه. كذا في البداية. وأخرجه أيضاً ابن أبي شيبة، وابن عساكر بنحوه كما في الكنز. وعند ابن إسحاق من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم النائم يوم حُنين، وقسم للمتألِّفين من قريش وسائل العرب ما قسم، ولم يكن في الأنصار منها شيء قليل ولا كثير - وجَدَ هذا الحيُّ من الأنصار في أنفسهم حتى قال قائلهم: لقي - والله - رسول الله صلى الله عليه وسلم قومَه. فمشى سعد بن عبادة رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن هذا الحي من الأنصار قد وَجَدوا عليك في أنفسهم. فقال: «فيم؟» قال: فيما كان من قَسْمك هذه الغنائم في قومك وفي سائر العرب، لم يكن فيهم

من ذلك شيء. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «فأين أنت من ذلك يا سعد؟» قال: ما أنا إلا أمرؤ من قومي. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة، فإذا اجتمعوا فأعلمني» . فخرج سعد فصرخ فيه، فجمعهم يتلك الحظيرة. فجاء رجال من المهاجرين فأذن لهم، فدخلوا، وجاء آخرون فردّهم، حتى إذا لم يبقَ من الأنصار أحد إلا اجتمع له أتاه فقال: يا رسول الله، قد اجتمع لك هذا الحيُّ من الأنصار حيث أمرتني أن أجمعهم. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام فيهم خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: يا معشر الأنصار، ألم آتكم ضُلالاً فهداكم الله؛ وعالة فأغناكم الله، وأعداء فألَّف الله بين قلوبكم؟» قالوا: بلى. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ألا تجيبون يا معشر الأنصار؟» قالوا: وما نقول يا رسول الله؟ وبماذا نجيبك؟ المنّ لله ولرسوله. قال: «والله، لو شئتم لقلتُم فصدَقْتُم وصُدِّقْتُم: جئتنا طريداً فآويناك، وعائلاً فآسيناك، خائفاً فأمنّاك، مخذولاً فنصرناك» . فقالوا: المنّ لله ولرسوله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أَوَجَدتم في نفوسكم يا معشر الأنصار في لُعاعة من الدنيا تألَّفت بها قوماً أسلموا، ووكلتكم إلى ما قسم الله لكم من الإِسلام؟ أفلا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس إلى رحالهم بالشاء والبعير، وتذهبون برسول الله إلى رحالكم؟ فوالذي نفسي بيده، لو أن الناس سلكوا شِعباً، وسلكت الأنصار شِعباً لسلكتُ شِعْب الأنصار، ولولا الهجرة لكنت أمرأَ من الأنصار، اللَّهمّ إرحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار» . قال: فبكى القوم حتى أخْضَلوا لحاهم، وقالوا: رضينا بالله رباً، ورسوله قِسْماً، ثم انصرف وتفرّقوا. وهكذا رواه الإِمام أحمد من حديث ابن إسحاق ولم يروه أحد من أصحاب الكتب من هذا الوجه وهو صحيح. كذا في البداية. وقال

الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح غير محمد بن إسحاق، وقد صرح بالسماع - انتهى. وأخرجه أيضاً ابن أبي شيبة من حديث أبي سعيد رضي الله عنه - بطوله بمعناه كما في الكنز. وأخرج البخاري شيئا من هذا السياق من حديث عبد الله بن زيد بن عاصم رضي الله عنه كما في البداية؛ وبن أبي شيبة أيضاً كما في الكنز. وأخرج الطبرني من حديث السائب بن يزيد رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم الفيء الذي أفاء الله بحُنين من غنائم هوازن، فأحسن، فأفشى في أهل من قريش وغيرهم، فغضبت الأنصار. فلما سمع بذلك النبي صلى الله عليه وسلم أتاهم في منازلهم، ثم قال: «من كان ها هنا من الأنصار فليخرج إلى رحله» . ثم تشهَّد رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله عزّ وجلّ، ثم قال: «يا معشر الأنصار: قد بلغني من حديثكم في هذه المغانم التي آثرت بها أُناساً أتألّفهم على الإِسلام لعلهم أن يشهدوا بعد اليوم، وقد أدخل الله قلوبهم الإِسلام، ثم قال: يا معشر الأنصار، ألم يمنّ الله عليكم بالإِيمان، وخصَّكم بالكرامة، وسماكم بأحسن الأسماء أنصارَ الله وأنصارَ رسوله؟ ولولا الهجرة لكنت أمرأً من الأنصار، ولو سلك الناس وادياً وسلكتم وادياً لسلكت واديكم؛ أفلا ترضَوْن أن يذهب الناس بالشاء والنعم والبعير، وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما سمعت الأنصار قول رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: رضينا. قال: أجيبوني فيما قلت. قالت

الأنصار: يا رسول الله، وجدتَنا في ظلمة فأخرجنا الله بك إلى النور، ووجدتنا على شَفا حفرة من النار فأنقذنا الله بك، ووجدتنا ضُلالاً فهدانا الله بك؛ قد رضينا بالله رباً، وبالإِسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً، فاصنع يا رسول الله ما شئت في أوسع الحِلِّ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «والله لو أجبتموني بغير هذا القول لقلت: صدقتم. لو قلتم: ألم تأتنا طريداً فآويناك، ومكذَّباً فصدَّقناك، وقبلنا ما ردَّ الناس عليك؟ لو قلتم هذا لصُدِّقْتُم» . فقال الأنصار: بل لله ولرسوله المنّ، ولرسوله المنّ والفضل علينا وعلى غيرنا. ثم بكوا، فكثر بكاؤهم وبكى النبي صلى الله عليه وسلم معهم. قال الهيثمي: وفيه رُشْدِين بن سعد، وحديثه في الرِقاق ونحوها حسن، وبقية رجاله ثقات. انتهى. وأخرج البخاري أيضاً من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال ناس من الأنصار حين أفاء الله على رسوله ما أفاء من أموال هوازن، فطفق النبي صلى الله عليه وسلم يعطي رجالاً المائة من الإِبل. فقالوا: يغفرُ لله لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي قريشاً ويتركنا، وسيوفنا تقطُر من دمائهم؟ قال أنس بن مالك: فحُدِّث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمقالتهم، فأرسل إلى الأنصار فجمعهم في قُبة أَدَم لم يَدْع معهم غيرهم. فلما اجتمعوا قام النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ما حديث بلغني عنكم؟» فقال فقهاء الأنصار: أما رؤساؤنا - يا رسول الله - فلم يقولوا شيئاً، وأما ناس منا حديثة أسنانهم فقالوا: يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي قريشاً ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «فإني لأعطي رجالاً حديثي عهد بكفر أتألَّفهم، أما ترضون أن يذهب لنس بالأموال، وتذهبون بالنبي إِلى رحالكم؟ فوالله لَمَا تنقلبون به خير مما ينقلبون به» . قالوا: يا رسول الله، قد رضينا. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم «فستجدون أَثَرَة شديدة، فاصبروا حتى تلقَوا الله ورسولَه، فإنِّي على الحوض. قال أنس: فلم يصبروا. وعند أحمد أيضاً من حديث أنس:

صفة الأنصار رضي الله عنهم

قال: «أنتم الشِّعار والناس الدِّثار. أما ترضَوْن أن يذهب الناس بالشاء والبعير وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى دياركم؟» قالو: بلى. قال: «الأنصار كَرِشي وعَيْبتي، لو سلك الناس وادياً وسلكتِ الأنصار شِعباً لسلكتُ شعبهم، ولولا الهجرة لكنت أمرأً من الأنصار» . كذا في البداية. صفة الأنصار رضي الله عنهم أخرج العسكري في الأمثال عن أنس رضي الله عنه قال: قُدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمال من البحرين، فتسامعت به المهاجرون والأنصار. فغَدو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر حديثاً طويلاً، وفيه: وقال للأنصار: «إنكم - ما علمتُ - تكثرون عند الفزع، وتقلّون عند الطمع» . كذا في كنز العمال. وأخر البزار عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة رسول الله صلى الله عليه وسلم «إقرأ قومك السلام، وأخبرهم أنهم ما علمتهم أعِفَّةٌ صُبُرٌ» : قال الهيثمي وفيه محمد بن ثابت البُناني وهو ضعيف. وسيأتي ذلك من وجه آخر عن أنس. وأخرجه أبو نُعيم عن أنس رضي الله عنه كما في الكنز. قال دخل أبو طلحة رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم في شكواه الذي قُبض فيه. فقال: «إقرأ قومك السلام، فإنهم أعِفَّةٌ صُبُرٌ» . وأخرج الحاكم وقال: صحيح الإِسناد، ولم يخرِّجاه. ووفقه الذهبي فقال: صحيح.

إكرام الأنصار رضي الله عنهم وخدمتهم

ما قاله صلى الله عليه وسلم لسعد بن معاذ عند موته وأخرج ابن سعد عن عبد الله بن شدّاد رضي الله عنه يقول: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على سعد بن معاذ رضي الله عنه - وهو يكيد بنَفْسه - فقال: «جزاك الله خيراً من سيد قوم، فقد أنجزت الله ما وعدته، وليُنْجِزَنَّك الله ما وعدك» . وأخرج الإِمام أحمد، والبزار عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما يضر إمرأةً نزلت بين بيتين من الأنصار، أو نزلت بين أبويها» . قال الهيثمي: رجالهما رجال الصحيح. إكرام الأنصار رضي الله عنهم وخدمتهم إكرامه صلى الله عليه وسلم الأنصار وقصة أسيد بن حضير معه أخرج ابن عدي، والبيهقي، وابن عساكر عن أنس رضي الله عنه قال: جاء أُسيد بن حضير رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد كان قسم طعاماً، فذكر له أهل بيت من الأنصار من بني ظَفَر فيهم حاجة، وجُلّ أهل ذلك البيت نِسوة. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم «تركتنا - يا أُسيد - حتى ذهب ما في أيدينا، فإذا سمعت بشيء قد جاءنا، فاذكر لي أهل ذلك البيت» . فجاءه بعد ذلك طعام من خيبر شعيراً وتمراً، فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس، وقسم في الأنصار وأجزل، وقسم في أهل ذلك البيت فأجزل. فقال أُسيد بن حضير متشكِّراً: جزاك الله أيْ نبي الله أطيب الجزاء - أو قال: خيراً - فقال النبي صلى الله عليه وسلم «وأنتم معشر الأنصار، فجزاكم الله أطيب الجزاء - أو قال: خيراً، فإنكم ما علمت أعِفَّة صُبُرٌ، وسترون بعدي أَثَرَة في الأمر والقَسْم، فاصبروا حتى تلقَوني على الحوض» . كذا في

كنز العمال. وأخرجه الحاكم أيضاً في المستدرك، وقال: هذا حديث صحيح الإِسناد، ولم يخرِّجاه. وقال الذهبي: صحيح اهـ. وعند الإِمام أحد عن أُسيد بن حضير رضي الله عنه قال: أتاني أهل بيتين من قومي أهل بيت من ظَفَر وأهل بيت من بني معاوية، فقالوا: كلِّم لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقسم لنا أو يُعطينا أو نحو هذا، فكلمته، فقال: «نعم، أقسم لكل واحد منهم شطراً، فإن عاد الله علينا عدنا عليه» . قال: قلت: جزاك الله خيراً يا رسول الله. قال: «وأنتم فجزاكم الله خيراً؛ فإنكم ما علمتكم أعِفَّةٌ صُبُرٌ، إنكم ستلقون أَثَرَة بعدي» . فلما كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قسم بين الناس فبعث إِليّ منها بحُلّة، فاستصغرتها. فبينا أنا أصلي إذ مرّ بي شاب من قريش عليه حُلَّة من تلك الحلل يجرّها، فذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنكم ستلقَون أَثَرَةً بعدي» فقلت: صدق الله ورسوله؛ فانطلق رجل إلى عمر رضي الله عنه فأخبره. فجاء وأنا أصلِّي فقال: صلِّ يا أسيد. فلما قضيت صلاتي قال: كيف قلت؟ فأخبرته. فقال: تلك حُلَّة بعثت بها إلى فلان وهو بدريّ أحديّ عَقَبيّ، فأتاه هذا الفتى فابتاعها منه، فلبسها، فظننت أن ذلك يكون في زماني؟ قال قلت: قد - والله - يا أمير المؤمنين، ظننت أن ذلك لا يكون في زمانك. قال الهيثمي: رواه الإِمام أحمد، ورجاله ثقات إلا أن ابن إسحاق مدلِّس وهو ثقة اهـ.

قصة محمد بن مسلمة مع عمر رضي الله عنهما

قصة محمد بن مسلمة مع عمر رضي الله عنهما وأخرج ابن عساكر عن محمد بن مسلمة رضي الله عنه قال: توجَّهت إلى المسجد فرأيت رجلاً من قريش عليه حُلّة، فقلت: من كساك هذه؟ قال: أمير المؤمنين. قال: فجاوزت فرأيت رجلاً من قريش عليه حُلَّة، فقلت: من كساك هذه؟ قال: أمير المؤمنين. قال: فدخل المسجد فرفع صوته بالتكبير، فقال: الله أكبر، صدق الله ورسوله الله أكبر، صدق الله ورسوله قال: فسمع عمر رضي الله عنه صوته، فبعث إليه أن إئتني. فقال: حتى أصلِّي ركعتين، فردَّ عليه الرسول يعزم عليه لمَّا جاء. فقال محمد بن مسلمة رضي الله عنه: وأنا أعزم على نفسي أن لا آتيه حتى أصلِّي ركعتين، فدل في الصلاة. وجاء عمر رضي الله عنه فقعد إلى جنبه. فلما قضى صلاته قال: أخبرني عن رفعك صوتَك في مصلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكبير، وقولك: صدق الله ورسوله ما هذا؟ قال: يا أمير المؤمنين، أقبلتُ أريد المسجد فاستقبلني فلان بن فلان القرشي عليه حُلّة؛ قلت: من كساك هذه؟ قال: أمير المؤمنين. فجاوزت فاستقبلني فلان بن فلان القرشي عليه حُلّة قلت: من كساك هذه؟ قال: أمير المؤمنين، فجاوزت فاستقبلني فلان بن فلان الأنصاري عليه حُلَّة دون الحلتين فقلت من كساك هذه؟ قال: أمير المؤمنين. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أما إنكم سترون بعدي أثرة» ، وإني لم أحَبَّ أن تكون على يديك يا أمير المؤمنين: قال: فبكى عمر رضي الله عنه ثم قال أستغفر الله ولا أعود. قال: فما رُؤي بعد ذلك اليوم فَضَّلَ رجلاً من قريش على رجل من الأنصار. كذا في كنز العمال. إكرامه عليه السلام لسعد بن عبادة رضي الله عنه وأخرج ابن عساكر عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: دخل سعد بن عبادة رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم معه إبنه فسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ها هنا وها هنا» ، وأجلسه عن يمينه، وقال: «مرحباً بالأنصار، مرحباً

خدمة جرير أنسا رضي الله عنهما

بالأنصار» وأقام إبنه بين يديه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إجلس» فجلس فقال: «إدنُ» فدنا فقبَّل يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلَه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم «وأنا من الأنصار وأن من فراخ الأنصار» . فقال سعد رضي الله عنه: أكرمك الله كما أكرمتنا. فقال: «إنَّ الله أكرمكم قبل كرامتي، إنكم ستلقَون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تلقَوني على الحوض» . وفيه عاصم بن عبد العزيز الأشجعي. قال الخطيب: ليس بالقوي: كذا في كنز العمال. وكذا قال النِّسائي؛ والدارقطني. وقال البخاري: فيه نظر، قلت: روى عنه علي بن المديني، ووثَّقه معن القزّاز. كذا في الميزان. خدمة جرير أنساً رضي الله عنهما وأخرج البغوي، والبيهقي، وابن عساكر، عن أنس رضي الله عنه قال: كان جرير معي في سفر، فكان يخدمني، فقال: إني رأيت الأنصار تصنع برسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً، فلا أرى أحداً منهم إلا خدمته. كذا في كنز العمال. نزول أبي أيوب الأنصاري على ابن عباس وخدمته له وأخرج الرُوياني، وابن عساكر عن حبيب بن أبي ثابت أن أبا أيوب أتى معاوية فشكا عليه أن عليه ديناً، فلم يرَ منه ما يحبُّ ورأى ما يكرهه. فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنكم سترون بعدي أثَرة» . قال: فأيُّ شيء قال لكم؟ قال: «أصبروا» قال: فاصبروا، فقال: والله لا أسألك شيئاً أبداً. فقدم البصرة فنزل على ابن عباس رضي الله عنهما ففرّغ له بيته وقال: لأصنعنّ بك كما صنعتَ برسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر أهله فخرجوا، وقال: لك ما في البيت كلُّه

وأعطاه أربعين ألفاً. وعشرين مملوكاً. كذا في كنز العمال. وأخرجه أيضاً الحاكم من طريق مُقَسِّم - فذكره بمعناه، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإِسناد، لم يخرِّجاه. قال الذهبي: صحيح. وأخرجه الطبراني أيضاً كما في المجمع، وفي حديثه: فأتى عبدَ الله بن عباس رضي الله عنها بالبصرة، وقد أمَّره عليها عليّ رضي الله عنه. فقال: يا أبا أيوب، إني أريد أن أخرج لك عن مسكني كما خرجت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر أهله فخرجوا، وأعطاه كل شيء أغلق عليه الدار. فلما كان إنطلاقه قال: حاجتَك. قال: حاجتي عطائي وثمانية أعبد يعملون في أرضي، وكان عطاؤه أربعة آلاف فأضعفها له خمس مرات فأعطاه عشرين ألفاً، وأربعين عبداً. قال الهيثمي: ذكر الحديث - أي الطبراني - بإسنادين، ورجال أحدهما رجال الصحيح، إلا أن حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من أبي أيوب رضي الله عنه. قلت: وأخرجه الحاكم أيضاً من طريق حبيب بن أبي ثابت هذا، فزاد بعده: عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما - فذكر الحديث بسياق الطبراني بطوله، ثم قال قد تقدَّم هذا الحديث بإسناد متصل صحيح، وأعدتُه للزيادات فيه بهذا الإِسناد. انتهى. سعي ابن عباس في قضاء حاجة الأنصار عند الوالي وأخرج الحاكم: عن عبد الرحمن بن أبي الزِّناد عن أبيه وعبد الله بن

فضل بن عباس بن أبي ربيعة بن الحارث أن حسان بن ثابت رضي الله عنه قال: إنا معشر الأنصار طلبنا إِلى عمر أو إلى عثمان - شك ابن أبي الزِّناد - فمشينا بعبد الله بن عباس رضي الله عنهما وبنفر معه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلّم ابن عباس وتكلّموا، وذكروا الأنصار ومناقبهم، فاعتلَّ لوالي. قال حسان: وكان أمراً شديداً طلبناه. قال: فما زال يراجعهم حتى قاموا وعذَروه إلا عبد الله بن عباس فإنه قال: لا والله، ما للأنصار من منزل، لقد نصروا وآوَوا وذكر من فضلهم وقال: إنَّ هذا لشاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم والمنافح عنه، فلم يزل يراجعه عبد الله بكلام جامع يسدّ عليه كل حاجة، فلم يجد بداً من أن قضى حاجتنا. قال: فخرجنا وقد قضى الله عزّ وجلّ حجتنا بكلامه، فأنا آخذ بيد عبد الله أُثني عليه وأدعو له، فمررت في المسجد بالنفر الذين كانوا معه فلم يبلغوا ما بلغ، فقلت حيث يسمعون: إنّه كان أولاكم بنا قالوا: أجل. فقلت لعبد الله؛ إنها - والله - صُبابة النبوّة، ووراثة أحمد صلى الله عليه وسلم كان أحقكم بها. قال حسان - وأنا أشير إلى عبد الله -: إذا قال لم يترك مقالاً لقائل بملتفظات لا يُرى بينها فصلا كفى وشفى ما في الصدور فلم يدع لذي إربة في القول جداً ولا هزلا سموتَ إلى العليا بغير مشقَّة فنلت ذراها لا دَنِيا لا وَعْلا وأخرجه أيضاً الطبراني عن حسان بن ثابت رضي الله عنه كما في مجمع الزوائد بنحوه، وفي حديثه: إنه - والله - كان أولادكم بها، إنَّها - والله - صُبابة النبوة، ووراثة أحمد صلى الله عليه وسلم ويهديه أعراقه وانتزاع شِبه طباعه. فقال القوم؛ أجمِلْ يا حسان، فقال ابن عباس رضي الله عنهما صدقوا، فأنشأ يمدح ابن عباس رضي الله عنهما فقال:

الدعاء للأنصار رضي الله عنهم

إذا ما ابن عباس بدا لك وجهه رأيتَ له في كل مجمعة فضلاً ثم ذكر الأشعار الثلاثة المذكورة، ثم زاد بعدها: خُلقت حليفاً للمروءة والنَّدَى بليغاً ولم تخلق كَهاماً ولا حَلا فقال الوالي: والله ما أراد بالكهام غيري، والله بيني وبينه. الدعاء للأنصار رضي الله عنهم دعاء النبي عليه السلام للأنصار وما قاله فيهم أبو بكر في بعض خطبه أخرج الإِمام أحمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: شقّ على الأنصار النواضح، فاجتمعوا عند النبي صلى الله عليه وسلم يسألونه أن يكري لم نهراً سَحّاً، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم «مرحباً بالأنصار، مرحباً بالأنصار، مرحباً بالأنصار. لا تسلوني اليوم شيئاً إلا أعطيتكموه؛ ولا أسأل الله لكم شيئاً إلا أعطانيه» فقال بعضهم لبعض: إغتنموها وسلوه المغفرة؛ قالوا: يا رسول الله إدع لنا بالمغفرة. فقال: «اللَّهمّ إغفر للأنصار ولأبناء الأنصار ولأبناء أبناء الأنصار» . وفي رواية: «ولأزواج الأنصار» . قال الهيثمي: رواه الإِمام أحمد، والبزار بنحوه، وقال: «مرحباً بالأنصار» ثلاثاً. والطبراني في الأوسط والصغير والكبير بنحوه، وقال: «وللكنائن» . وأحد أسانيد أحمد رجاله رجال الصحيح. انتهى.

عند البزّار، والطبراني عن رفاعة بن رافع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اللَّهمَّ إغفر للأنصار ولذراري الأنصار، ولذراري ذراريهم وجيرانهم» . قال الهيثمي: ورجالهما رجال الصحيح غير هشام بن هارون وهو ثقة. انتهى. وعند الطبراني عن عوف الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اللَّهمَّ إغفر للأنصار ولأبناء الأنصار ولموالي الأنصار» . قال الهيثمي: وفيه من لم أعرفهم. انتهى. وعند البزّار عن عثمان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قول: «الإِيمان يمان، الإِيمان في قحطان، والقسوة في ولد عدنان، حِمْيَر رأس العرب ونابُها، ومَذْحِج همتها وعِصمتها، والأزد كاهلها وجمجمتها، وهَمْدان غاربها وذِروتها اللَّهمَّ أعزُّ الأنصار الذين أقام الله الدين بهم، الذين آوَوْني، ونصروني، وحَمَوني، وهم أصحابي في الدنيا وشيعتي في الآخرة، وأول من يدخل الجنة من أمتي» قال الهيثمي: وإسناده حسن. انتهى. وأخرج ابن أبي الدنيا في الأشراف كما في الكنز عن عثمان بن محمد بن الزبيري قال: قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه في بعض خطبه: نحن - والله - والأنصار كما قال: جزى الله عنا جعفراً حين أشرقت بنا نعلنا للواطئين فزَّلتِ أبَوا يملُّونا ولو أن أمَّنا تُلاقي الذي يلْقَون منَّا لمَلَّتِ

إيثار الأنصار رضي الله عنهم في أمر الخلافة قوله عليه السلام في قريش

إيثار الأنصار رضي الله عنهم في أمر الخلافة قوله عليه السلام في قريش أخرج الإِمام أحمد، وابن جرير بإسناد حسن عن حُميد بن عبد الرحمن الحِميري قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه في طائفة المدينة، فجاء فكشف عن وجهه، فقال: فدىً لك أبي وأمي ما أطيبك حيّاً وميّتاً مات محمد وربِّ الكعبة. وانطلق أبو بكر، وعمر رضي الله عنهما يتقاودان حتى أتوهم. فتكلم أبو بكر فلم يترك أبو بكر شيئاً فأُنزل في الأنصار، ولا ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأنهم إلا ذكره. وقال: لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو سلك الناس وادياً وسلكت الأنصار وادياً لسلكت وادي الأنصار» ولقد علمتَ - يا سعد - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال - وأنت قاعد -: «قريش ولاة هذا الأمر، فبَرُّ الناس تبعٌ لبَرِّهم، وفاجرهم تبع لفاجرهم» . فقال له سعد رضي الله عنه: صدقت. نحن الوزراء وأنتم الأمراء. كذا في الكنز. وقال الهيثمي: رواه الإِمام أحمد - وفي الصحيح طرف من أوله -، ورجاله ثقات إلا أنَّ حُميد بن عبد الرحمن لم يدرك أبا بكر. انتهى.

قصة سقيفة بني ساعدة وأخرج الطيالسي، وابن سعد وابن أبي شيبة، والبيهقي وغيرهم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قام خطباء الأنصار، فجعل الرجل منهم يقول: يا معشر المهاجرين إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذ استعمل رجلاً منكم قرن معه رجلاً منا، فنرى أن يلي هذا الأمر رجلان أحدهما منكم والآخر منا؛ فتتابعت خطباء الأنصار على ذلك. فقام زيد بن ثابت رضي الله عنه فقال: إِن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من المهاجرين وإن الإِمام يكون من المهاجرين، ونحن أنصاره كما كنّا أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام أبو بكر رضي الله عنه فقال: جزاكم الله يا معشر الأنصار خيراً، وثبّت قائلكم؛ ثم قال: أما - والله - لو فعلتم غير ذلك لما صالحناكم. ثم أخذ زيد بن ثابت بيد أبي بكر فقال: هذا صاحبكم فبايعوه. فذكر الحديث كما في كنز العمال. وقال الهيثمي: رواه الطبراني، وأحمد ورجاله رجال الصحيح. انتهى. وأخرجه الطبراني عن أبي طلحة رضي الله عنه - بنحوه كما في الكنز. وأخرج ابن سعد، وابن جرير عن القاسم بن محمد أن النبي صلى الله عليه وسلم لما توفي اجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة رضي الله عنه. فأتاهم أبو بكر، وعمر، وأبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم، فقام حُباب بن المنذر رضي الله عنه

- وكان بدرياً - فقال: منَّا أمير ومنكم أمير، فإنّا - والله - ما نَنْفَس هذا الأمر عليكم أيها الرهط، ولكنّا نخاف أن يليه أقوام قتلنا آباءهم وإخوتهم. فقال له عمر رضي الله عنه: إِذا كان ذلك فمُتْ إن استطعت؛ فتكلم أبو بكر رضي الله عنه فقال: نحن الأمراء وأنتم الوزراء، وهذا الأمر بيننا وبينكم نصفين كقدِّ الأُبْلُمة - يعني الخوصة - فبايع أولُ الناس بشيرُ بن سعد أبو النعمان رضي الله عنه. فلما اجتمع الناس على أبي بكر قسم بين الناس قَسْماً، فبعث إلى عجوز من بني عدي بن النجار قَسْمها مع زيد بن ثابت رضي الله عنه، فقالت: ما هذا؟ قال: قَسْم قسمه أبو بكر للنساء. فقال أتراشوني عن ديني. فقالوا: لا. فقالت: أتخافون أن أدَعَ ما أنا عليه؟ فقالوا: لا. فقالت: فوالله لا آخذ منه شيئاً أبداً. فرجع زيد إلى أبي بكر فأخبره بما قالت: فقال أبو بكر: ونحن لا نأخذ مما أعطيناها شيئاً أبداً. كذا في كنز العمال.

باب الجهاد

باب الجهاد تحريض النبي صلى الله عليه وسلم وترغيبه على الجهاد وإنفاق الأموال خروج النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر واستشارته الصحابة وأقوالهم رضي الله عنهم أخرج بن أبي حاتم، وابن مردويه - واللفظ له - عن أبي عمران أنه سمع أبا أيوب الأنصاري رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ ونحن بالمدينة -: «إني أُخبرت عن عِير أبي سفيان أنَّها مقبلة؛ فهل لكم أن نخرج قِبَل هذه العير لعلّ الله يُغَنِّمنَاها؟» فقلنا: نعم. فخرج وخرجنا. فلما سرنا يوماً أو يومين قال لنا: «ما ترون في القوم فإنهم قد أُخبروا بمخرجكم؟» فلنا: لا - والله - ما لنا طاقة بقتال القوم، ولكنا أردنا العير. ثم قال: «ما ترون في قتال القوم؟» فقلنا مثل ذلك. فقام المقداد بن عمرو رضي الله عنه فقال: إذاً لا نقول لك - يا رسول الله - كما قال قوم وموسى لموسى عليه السلام: {فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلآ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} (المائدة: 24) . قال: فتمنّينا - معشر الأنصار - لو أنّا قلنا مثل ما قال المقداد أحبّ إِلينا من أن يكون لنا مال عظيم فأنزل الله عزّ وجلّ على رسوله: {كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقّ وَإِنَّ فَرِيقاً مّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَِّرِهُونَ} (الأنفال: 5) - وذكر تمام الحديث. كذا في البداية وقد ذكره بتمامه في مجمع الزوائد؛ ثم قال:: رواه البزّار بتمامه، والطبراني ببعضه وفيه: عبد العزيز

بن عمران وهو متروك. انتهى. وقد أخرج الإِمام أحمد كما في البداية عن أنس رضي الله عنه قال: إستشار النبي صلى الله عليه وسلم مَخْرَجه إِلى بدر، فأشار عليه أبو بكر رضي الله عنه، ثم استشارهم فأشار عليه عمر رضي الله عنه، ثم استشارهم فقال بعض الأنصار: إياكم يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم يا معشر الأنصار، فقال بعض الأنصار: يا رسول الله، إذاً لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى عليه السلام: «إذهب أنت وربك فقاتلا إِنا ها هنا قاعدون» ، ولكن - والذي بعثك بالحق - لو ضربت أكبادها إلى برك الغِماد لاتَّبعناك. قال ابن كثير: هذا إسناد ثلاثي صحيح على شرط الصحيح. وعند الإِمام أحمد أيضاً من حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان. قال: فتكلّم أبو بكر رضي الله عنه فأعرض عنه، ثم تكلّم عمر رضي الله عنه فأعرض عنه. فقال سعد بن عبادة رضي الله عنه: إيّانا يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم «والذي نفسي بيده، لو أمرتنا أن نخيضها البحار لأخضناها، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا» ، فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس. كذا في البداية. وأخرجه ابن عساكر أيضاً عن أنس بنحوه كما في كنز العمال. وأخرج ابن مَرْدَويْه عن علقمة بن وقَّاص الليثي رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر حتى إذا كان بالرَّوْحاء خطب الناس فقال: «كيف ترون؟» فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله، بَلَغنا أنهم بكذا وكذا. قال ثم خطب الناس فقال: «كيف ترون؟» فقال عمر رضي الله عنه مثل قول أبي

بكر. ثم خطب الناس فقال: «كيف ترون؟» فقال سعد بن معاذ رضي الله عنه: يا رسول الله إيانا تريد، فوالذي أكرمك وأنزل عليك الكتاب ما سلكتها قط، ولا لي بها علم، ولئن سرت حتى تأتي بَرك الغِماد من ذي يَمَنٍ لنسيرن معك، ولا نكون كالذين قالوا لموسى عليه السلام: «إذهب أنت وربك فقاتلا إِنّا ها هنا قاعدون» ولكن إذهب أنت وربك فقاتلا إنّا معكم متَّبعون، ولعلَّ أن تكون خرجت لأمر وأحدث الله إليك غيره، فانظر الذي أحدث الله إليك فامضِ، فصِلْ حبالَ من شئتَ، واقطع حبال من شئتَ، وعاد من شئتَ، وسالم من شئتَ؛ وخذ من أموالنا ما شئت. فنزل القرآن على قول سعد رضي الله عنه: {كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقّ وَإِنَّ فَرِيقاً مّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَِّرِهُونَ} (الأنفال: 5) - الآيات. وذكر الأمويُّ في مغازيه، وزاد بعد قوله: وخذ من أموالنا ما شئت، وأعطنا ما شئت، وما أخذت منَّا كان أحب إِلينا ممّا تركت، وما أمرت به من أمر فأمرنا تبع لأمرك، فوالله لئن سرت حتى تبلغ البرك من غُمْدان لنسيرن معك. كذا في البداية. وذكره ابن إسحاق وفي سياقه: قال سعد بن معاذ رضي الله عنه: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله، قال: «أجل» . قال: فقد آمنّا بك، وصدَّقناك، وشهدنا أنَّ ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة لك، فامضِ - يا رسول الله - لما أردت فنحن معك، فالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا البحر فخضتَه لخضناه معك، ما تخلّف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقَى بنا عدونا غداً. إنا لصُبُرٌ في الحرب، صُدْقٌ عند اللقاء، لعل الله يُرِيك منا ما تقرُّ به عينك، فسِرْ على بركة الله. فسُرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد ونشّطه، ثم قال: «سيروا وأبشروا؛ فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين، والله، لكأنِّي الآن أنظر إلى مصارع القوم» كذا في البداية.

ترغيبه صلى الله عليه وسلم في الجهاد قبل المعركة وقول عمير بن الحمام رضي الله عنه وأخرج الإِمام أحمد عن أنس رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بُسْبُساً عيناً ينظر ما صنعتْ عير أبي سفيان، فجاء وما في البيت أحد غيري وغير النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: لا أدري ما استثني من بعض نسائه - قال فحدّثه الحديث. قال: فخرج رسول الله فتكلّم فقال: «إنَّ لن طَلِبَة، فمن كان ظَهْره حاضراً فليركب معنا» . فجعل رجال يستأذنونه في ظهورهم في عُلْو المدينة. قال: «لا، إلا من كان ظهره حاضراً» . وانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى سبقوا المشركين إِلى بدر، وجاء المشركون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يتقدمّنّ أحد منكم إلى شيء حتى أكون أنا دونه» ، فدنا المشركون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض» . قال: يقول عُمير بن الحُمام والأنصاري رضي الله عنه: يا رسول الله، جنة عرضها السموات والأرض؟ قال: «نعم» . قال: بَخٍ بَخٍ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما يحملك على قول: بَخٍ بَخٍ؟» قال: لا والله يا رسول الله، إلا رجاءَ أن أكون من أهلها قال: فإنَّك من أهلها. قال فأخرج تمرات من قَرْنه، فجعل يأكل منهن، ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه، إنها حياة طويلة. قال: فرمى ما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قُتل - رحمه الله -. ورواه مسلم أيضاً كذا في البداية. وأخرجه البيهقي أيضاً بطوله: والحاكم مختصراً. وعند ابن إسحاق: ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس فحرَّضهم وقال:

قصة تبوك وما أنفق الصحابة في ذلك من والأموال

«والذي نفس محمد بيده، لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابراً محتسباً، مقبلاً غير مدبر؛ إلا أدخله الله الجنة» . قال عمير بن الحُمام رضي الله عنه - أخو بني سَلِمة وفي يده تمرات يأكلهنَّ -: بَخٍ، بَخٍ أفما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء؟ قال: ثم قذف التمرات من يده، وأخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل. وقد ذكر ابن جرير: أن عميراً قاتل وهو يقول: رَكْضاً إلى الله بغير زادِ إلا التُقى وعملِ المعادِ والصبرِ في الله على الجهاد وكلّ زادٍ عُرضةُ النفاد غيرُ التقى والبرّ والرشادِ كذا في البداية. قصة تبوك وما أنفق الصحابة في ذلك من والأموال وأخرح ابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد خروجه من الطائف بستة أشهر، ثم أمره الله بغزوة تبوك، وهي التي ذكر الله في ساعة العسرة، وذلك في حرّ شديد، وقد كثر النفاق كثر أصحاب الصُّفَّة - والصُّفَّة بيت كان لأهل الفاقة يجتمعون فيه، فتأتيهم صدقة النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين. وإذا حضر غزو عمد المسلمون إليهم فاحتمل الرجلُ الرجلَ أو ما شاء الله بشبعه؛ فجهزوهم وغزَوا معهم واحتسبوا عليهم - فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين بالنفقة في سبيل الله والحِسبة؛ فأنفقوا إحتساباً. وأنفق رجال غير محتسبين، وحُمل رجال من فقراء المسلمين وبقي أُناس، وأفضل ما تصدّق به يومئذٍ أُحد عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه. تصدّق بمائتين أوقية، وتصدّق عمر بن الخطاب رضي الله عنه بمائة أوقية، وتصدقّ عامر الأنصاري رضي الله عنه بتسعين وَسْقاً من تمر. وقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله، إني لا أرى عبد الرحمن إلا قد احْتَوَب ما ترك لأهله شيئاً. فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم «هل

تركت لأهلك شيئاً؟» قال: نعم، أكثر ممّا أنفقت وأطيب. قال: «كم؟» قال: ما وعد الله ورسوله من الرزق والخير. وجاء رجل من الأنصار يقال له أبو عقيل رضي الله عنه بصاع من تمر فتصدّق به. وعمد المنافقون حين رأَوا الصدقات يتغامزون، فإذا كنت صدقة الرجل كثيرة تغامزوا به وقالوا: مرائي. وإذا تصدّق رجل بيسير تمر من طاقته قالوا: هذا أحوج إلى ما جاء به. فلما جاء أبو عقيل بصاع من تمر قال: بِتُّ ليلتي أجرُّ بالجرير على صاعَين، والله ما كان عندي من شيء غيره - وهو يعتذر وهو يستحيي -، فأتيت بأحدهما وتركت الآخر لأهلي. فقال المنافقون: هذا أفقر إلى صاعه من غيره، وهم في ذلك ينتظرون أن يُصيبوا من الصدقات غنيهم وفقيرهم. فلما أزف خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثروا الإستئذان، وشكَوا الحرّ، وخافوا - زعموا - الفتنة إِن غزَو ويحلفون بالله على الكذب. فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يأذن لهم لا يدري ما في أنفسهم، وبنى طائفة منهم مسجد النفاق يرصدون به الفاسق أبا عامر - وهو عند هرقل قد لحق به وكنانة بن عبد ياليل، وعلقمة بن عُلاثة العامري - وسورة «براءة» تنزل في ذلك أرسالاً، ونزلت فيها آية ليست فيها رخصة لقاعد. فلما أنزل الله عزّ وجلّ: {انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً} (براءة: 41) ، إشتكى الضعيف الناصح لله ولرسوله والمريض والفقير إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: هذا الأمر لا رخصة فيه. وفي المنافقين ذنوب مستورة لم تظهر حتى كان بعد ذلك، وتخلَّف رجال غير مستيقنين ولا ذوي علَّة. ونزلت هذه السورة بالبيان والتفصيل في شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم تخبر بنبأ من اتَّبعه حتى بلغ تبوك. فبعث منها علقمة بن مُجَزِّر المُدْلجي رضي الله عنه إلى فلسطين، وبعث خالد بن الوليد إلى دُومة الجندل: فقال: أسرعْ لعلَّك أن تجده خارجاً يتقنَّص، فتأخذه؛

إستئذان الجد بن قيس عن الغزو وما قاله عليه السلام له وما نزل فيه من القرآن

فوجده فأخذه. وأرجف المنافقون في المدينة بكل خبر سوء، فإذا بلغهم أنَّ المسلمين أصابهم جَهْد وبلاء تباشروا به وفرحوا وقالوا: قد كنَّا نعلم ذلك ونحذر منه، وإذا أُخبروا بسلامة منهم وخير حزنوا. وعرف ذلك منهم فيهم كل عدو لهم بالمدينة، فلم يبقَ أحد من المنافقين أعرابي ولا غيره إلا استخفى بعمل خبيث ومنزلة خبيثة، واستعلن، ولم يبق ذو علَّة إلا وهو ينظر الفَرَج فيما ينزل الله في كتابه، ولم تزل سورة «براءة» تنزل حتى ظنَّ الناس بالمؤمنين الظنون، وأشفقوا أن لا ينفلت منهم كبير ولا صغير أذنب في شأن التوبة قط ذنباً إلا أُنزل فيه أمر بلاء حتى انقضت. وقد وقع بكل عامل تبيان منزلته من الهدى والضلالة. انتهى. وذكره في كنز العمال عن ابن عساكر وابن عابد - بطوله. إستئذان الجدّ بن قيس عن الغزو وما قاله عليه السلام له وما نزل فيه من القرآن وأخرج البيهقي من طريق ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم أنه قال: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج في وجه من مغازيه إلا أظهر أنه يريد غيره؛ غير أنه في غزوة تبوك قال: «يا أيها الناس، إنِّي أريد الروم، فأعلمهم، وذلك في زمان من البأس، وشدة الحرّ، وجدب من البلاد، وحين كانت الثمار، والناس يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم ويكرهون الشخوص عنها. فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم في جَهازه ذلك قال للجَدّ بن قيس: «يا جدّ، هل لك في جِلاد بني الأصفر؟» فقال: يا رسول الله، إئذن لي ولا تفتنِّي، لقد علم

قومي أنَّه ليس من أحد أشدّ عجباً بالنساء مني، وإني أخاف إن رأيت نساء بني الأصفر أن يَفْتِنَّني، فأْذن لي يا رسول الله، فأعرض عنه وقال: «قد أذنت لك» . فأنزل الله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ ائْذَن لّي وَلاَ تَفْتِنّى أَلا فِى الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ} (التوبة: 49) ، يقول ما وقع فيه من الفتنة بتخلّفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورغبته بنفسه عن نفسه (أعظم) ما يخاف من فتنة نساء بني الأصفر: «وإن جهنم لمحيطة بالكافرين» يقول لِمَنْ ورائه. وقال رجل من جملة المنافقين: لا تنفروا في الحر، فأنزل الله تعالى: {قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} (التوبة: 81) . قال: ثم إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم جدّ في سفره، وأمر الناس بالجهاد، وحضّ أهل الغنى على النفقة والحُملان في سبيل الله. فحمل رجال من أهل الغنى وأحسنوا؛ وأنفق عثمان رضي الله عنه في ذلك نفقة عظيمة لم ينفق أحد أعظم منها، وحمل على مائتي بعير. كذا في التاريخ لابن عساكر وأخرجه البيهقي السِيَر عن عروة رضي الله عنه مختصراً. وذكره في البداية عن ابن إسحاق عن الزُّهري ويزيد ابن رومان، وعبد الله بن أبي بكر، وعاصم بن عمر - بنحوه. وأخرجه الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرج إلى غزوة تبوك قال للجدّ بن قيس: «ما تقول في مجاهدة بني الأصفر؟» قال: يا رسول الله، إِنِّي أمرؤ صاحب نساء، ومتى أرى نساء بني الأصفر أفتتن، أفتأذن لي في الجلوس ولا تَفْتِنِّي؟ فأنزل الله: {وَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ ائْذَن لّي وَلاَ تَفْتِنّى أَلا فِى الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ} (التوبة: 49) . قال الهيثمي: وفيه يحيى

إنفاق الصحابة رضي الله عنهم المال في غزوة تبوك

الحِمَّاني وهو ضعيف. بَعْثه عليه السلام الصحابة للإستنفار في سبيل الله إلى القبائل وإلى مكة وذكر ابن عساكر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إِلى القبائل وإلى مكة يستنفرهم إلى عدوّهم، فبعث بُرَيدة بن الحُصَيب رضي الله عنه إلى أسْلَمَ وأمره أن يَبْلغ الفُرْع، وبعث أبا رُهْم الغِفاري رضي الله عنه إلى قومه وأمره أن يطلبهم ببلادهم، وخرج أبو واقد الليثي رضي الله عنه في قومه، وخرج أبو جعد الضَّمري رضي الله عنه في قومه بالساحل، وبعث رافع بن مَكِيث وجند بنَ مكِيث رضي الله عنهما إلى جُهَينة، وبعث نُعَيم بن مسعود رضي الله عنه إلى أشْجَعَ، وبعث في بني كعب بن عمرو عِدَّةً، وهم: بُدَيل بن ورقاء، وعمرو بن سالم، وبِشر بن سفيان رضي الله عنهم، وبعث في سُلَيم عهدْةً، منهم العباس بن مرداس رضي الله عنه. إنفاق الصحابة رضي الله عنهم المال في غزوة تبوك وحضَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين على الجهاد ورغَّبهم فيه، وأمرهم بالصدقة. فحملوا صدقات كثيرة، وكان أولَ من حمل أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فجاء بماله كله؛ أربعة آلاف درهم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «هل أبقيت لأهلك شيئاً؟» فقال: الله ورسوله أعلم. ثم جاء عمر رضي الله عنه بنصف ماله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل أبقيت لأهلك شيئاً؟ قال: نعم، نصف ما جئت به. وبلغ عمر ما جاء به أبو بكر الصديق، فقال: ما استبقنا

إلى خير قط إلا سبقني إليه. وحمل العباس بن عبد المطلب، وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم مالاً، وحمل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه إليه مائتي أوقية، وحمل سعد بن عُبادة رضي الله عنه إِليه مالاً، وكذلك محمد بن مَسْلمة رضي الله عنه، وتصدَّق عاصم بن عدي رضي الله عنه بتسعين وَسْقاً تمراً، وجهّز عثمان بن عفّان رضي الله عنه ثلث ذلك الجيش، وكان من أكثرهم نفقة حتى كفى ثلث ذلك الجيش مؤونتهم؛ حتى إِنْ كان ليُقال ما بقيت لهم حاجة، حتى كفاهم إِشفي أسقيتهم؛ فيقال إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يومئذٍ: «ما يضر عثمانَ ما فعل بعد هذا» . ورغب أهل الغنى في الخير والمعروف واحتسبوا في ذلك الخير، وقوي ناس دون هؤلاء من هو أضعف منهم، حتى إنَّ الرجل ليأتي بالبعير إلى الرجل والرجلين فيقول: هذا البعير بينكما تعتقبانه، ويأتي الرجل بالنفقة فيعطيها بعض من يخرج، حتى إنْ كنّ النساءُ ليُعِنَّ بكل ما قَدَرْن عليه. لقد قالت أم سِنَان الأسلمية رضي الله عنها: لقد رأيت ثوباً مبسوطاً بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة رضي الله عنها فيه؛ مَسَكٌ، ومعاضِدُ، وخلاخلُ، وأقُرِطةٌ، وخواتيمُ، وقد مُلىء ممَّا بعث من النساء يُعِنَّ به المسلمين في جهَازهم، والناس في عُسْرة شديدة وحين طابت الثمار وأُحبّت الظِّلال، فالناس يحبُّون المقام ويكرهون الشخوص عنها على الحال من الزمان الذي هم عليه. وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإنكماش والجدِّ، وضرب رسول الله عسكره بثَنِيَّة الوَداع، والناس كثير لا يجمعهم كتاب؛ قلَّ رجل يريد أن يتغيّب إلا ظَنَّ أن ذلك سيخفَى له ما لم ينزل فيه وحيٌ من الله.

إهتمامه صلى الله عليه وسلم ببعث أسامة رضي الله عنه في مرض وفاته

فلما استمرّ برسول الله صلى الله عليه وسلم سفره وأجمع السير، إستخلف على المدينة سِباع بن عُرْفُطة الغِفاري - ويقال محمد بن مَسْلمة رضي الله عنهما - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أستكثروا من النِّعال، فإنَّ الرجل لا يزال راكباً ما دام متنعِّلاً» . فلمَّا سار رسول الله صلى الله عليه وسلم تخلَّف ابن أُبيّ عنه فيمن تخلَّف من المنافقين، وقال: يغزو محمد بني الأصفر مع جَهْد الحال والحرّ والبلد البعيد إلى ما لا قبل له به يحسب محمد أن قتال بني الأصفر اللعب؟ ونافق من هو معه على مثل رأيه. ثم قال ابن أُبيّ: والله، لكأنِّي أنظر إلى أصحابه غداً مُقَرَّنين في الحبال - إِرجافاً برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه -. فلمَّا رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثنيّة الوَداع إِلى تبوك وعقد الألوية والرايات دفع لواءه الأعظم إلى أبي بكر، ورايته العظمى إلى الزبير، ودفع راية الأوس إِلى أُسَيد بن الحُضَير؛ ولواء الخزرج إلى أبي دُجَانة ويقال إلى الحُباب بن المنذر رضوان الله عليهم أجمعين. وكان الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثين ألفاً، ومن الخيل عشرة آلاف فرس، وأمر كل بَطْن من الأنصار أن يتَّخذ لواءه ورايته، والقبائل من العرب فيها الراياتُ والألوية. انتهى بحذف يسير. إهتمامه صلى الله عليه وسلم ببَعْث أسامة رضي الله عنه في مرض وفاته وشدة إهتمام أبي بكر رضي الله عنه بذلك في أول خلافته بَعْث أسامة وانتداب الأوّلين فيه وإنكاره صلى الله عليه وسلم على من طعن في تأميره أسامة أخرج ابن عساكر من طريق الزُّهري عن عُرْوة عن أسامة بن زيد رضي

الله عنهما: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يُغير على أهل أُبْنَى صباحاً وأن يحرِّق. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسامة: «إمضِ على إسم الله» . فخرج بلوائه معقوداً، فدفعه إلى بُرَيدة بن الحُصَيب الأسلمي، فخرج به إلى بيت أُسامة. وأمرت أُسامة فعسكر بالجُرف، وضرب عسكره في موضع سقاية سليمان اليوم. وجعل الناس يأخذون بالخروج؛ فيخرج من فرغ من حاجته إلى معسكره، ومن لم يقضِ حاجته فهو على فراغ. ولم يبق أحد من المهاجرين الأوَّلين إلا انتُدب في تلك الغزوة: عمر بن الخطاب، وأبو عبيدة، وسعد بن أبي وقاص، وأبو الأعور سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، في رجال المهاجرين. والأنصار عِدَّة: قتادة بن النعمان، وسَلَمة بن أسلم بن حريش رضي الله عنهم. فقال رجال من المهاجرين - وكان أشدهم في ذلك قولاً عيَّاش بن أبي ربيعة -: يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين فكثرت القالة في ذلك. فسمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعض ذلك القول، فردَّه على من تكلم به، وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بقول من قال، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً - وقد عصب على رأسه بعصابة وعليه قطيفة - ثم صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «أما بعد أيها الناس: فما مقالةٌ بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة؟ فوالله لئن طَعَنتم في إمارتي أسامة، لقد طعنتم في إمارتي أباه من قبله. وايْمُ الله، إنْ كان للإِمارة لخَليق، وإنَّ ابنه من بعده لخليق بالإِمارة. وإِنْ كان لأحبَّ الناس إِليّ، وإِنَّ هذا لمن أحب الناس إليّ، وإنهما لمخيَّلان لكل خير، فاستوصوا به خيراً، فإنه من خياركم. ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل بيته وذلك يوم السبت لعشر ليالٍ خَلَون من ربيع الأول.

وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ودخول الصحابة المدينة

وجاء المسلمون الذين سيخرجون مع أسامة رضي الله عنه يودّعون رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أنْفِذوا بَعْث أُسامة» . ودخلت أم أيمن رضي الله عنها فقالت: أيْ رسول الله، لو تركتَ أُسامة يقيم في معسكره حتى تَماثل، فإن أُسامة إن خرج على حاله هذه لم ينتفع بنفسه. فقالت: «أَنفِذُوا بَعْثَ أُسامة» . فمضى الناس إلى المعسكر فباتوا ليلة الأحد، ونزل أُسامة يوم الأحد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ثقيل مَغْمور وهو اليوم الذي لَدُّوه فيه، فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعيناه تهملان وعنده العباس والنساء حوله، فطأطأ عليه أُسامة فقبَّله - ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتكلّم -، فجعل يرفع يديه إلى السماء، ويصبُّهما على أُسامة. قال أُسامة: فأعرف أنَّه كان يدعو لي. قال أُسامة: فرجعت إلى معسكري. فلما أصبح يوم الإِثنين غدا من معسكره وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم مُفيقاً، فجاءه أُسامة، فقال: «أُغْدُ على بركة الله» فودّعه أُسامة ورسول الله صلى الله عليه وسلم مفيق، وجعل نساؤه يتماشطن سروراً براحته. ودخل أبو بكر رضي الله عنه، فقال: يا رسول الله، أصبحت مُفيقاً بحمد الله، واليومُ يوم إبنة خارجة، فأُذنْ لي، فأذن له، فذهب إلى السُّنْح وركب أُسامة إلى معسكره، وصاح في أصحابه باللحوق إلى العسكر، فانتهى إلى معسكره، ونزل وأمر الناس بالرحيل وقد مَتَع النهار. وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ودخول الصحابة المدينة فبينا أُسمة يريد أن يركب من الجُرف أتاه رسول أُم أيمن رضي الله عنها - وهي أُمه - تخبره أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يموت، فأقبل أُسامة إلى المدينة ومعه عمر، وأبو عبيدة، فانتهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يموت، فتوفي عليه السلام حين زاغت الشمس يوم الإِثنين لإثنتي عشرة ليلةً خَلَت من ربيع الأول. ودخل

المسلمون الذين عسكروا بالجُرْف إلى المدينة، ودخل بُرَيدة بن الحُصَيب رضي الله عنه بلواء أُسامة معقوداً حتى أتى به باب رسول الله صلى الله عليه وسلم فغرزه عنده. فلمَّا بُويع لأبي بكر أمر بُرَيدة أن يذهب باللواء إلى بيت أُسامة ولا يَحُلّه أبداً حتى يغزو بهم أُسامة. قال بريدة: فخرجت باللواء حتى انتهيت به إلى بيت أُسامة، ثم خرحت به إلى الشام معقوداً مع أُسامة، ثم رجعت به إلى بيت أُسامة، فما زال معقوداً في بيته حتى توفي. إصرار أبي بكر رضي الله عنه على بَعْث أسامة إمتثالاً لأمره عليه السلام فلما بلغ العربَ وفاةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتد من ارتد منها عن الإِسلام؛ قال أبو بكر لأسامة: (انفُذ في وجهك الذي وجَّهك فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ الناس بالخروج وعسكروا في موضعهم الأول، وخرج بُرَيدة باللواء حتى انتهى إلى معسكرهم الأول. فشقَّ ذلك على كبار المهاجرين الأوَّلين، ودخل على أبي بكر، عمر، وعثمان، وأبو عبيدة، وسعد بن أبي وقاص، سعيد بن زيد رضي الله عنهم، فقالوا: يا خليفة رسول الله، إنّ العرب قد انتقضت عليك من كل جانب، وإنَّك لا تصنع بتفريق هذا الجيش المنتشر شيئاً، إجعلهم عدّة لأهل الردّة ترمي بهم في نحورهم، وأُخرى: لا نأمن على أهل المدينة أن يُغار عليها وفيها الذراري والنساء، ولو تأخرت لغزو الروم حتى يضرب الإِسلام بجِرَانه، ويعود أهل الرّدة إلى ما خرجوا منه أو يُفنيهم السيف، ثم تبعث أسامة حينئذٍ فنحن نأمن الروم أن تزحف إلينا. فلما استوعب أبو بكر كلامهم قال: هل منكم أحد يريد أن يقول شيئاً؟ قالوا: لا، قد سمعتَ مقالتنا. فقال: والذي نفسي بيده، لو ظننتُ أنَّ السِباع تأكلني بالمدينة لأنفذت هذا البَعْث، ولا بد أن يؤوب منه، كيف ورسول الله

صلى الله عليه وسلم ينزل عليه الوحي من السماء يقول: أنفِذوا حيش أسامة ولكن خصلة أكلّم بها أسامة، أكلِّمه في عمر يقيم عندنا فإنّه لا غنى بنا عنه؛ والله ما أدري يفعل أسامة أم لا، والله إن أبى لا أكرهه. فعرف القوم أن أبا بكر قد عزم على إِنفاذ بعث أسامة. ومشى أبو بكر إلى أسامة في بيته وكلّمه في أن يترك عمر، ففعل، وجعل يقول له؛ أذنتَ ونفسك طيبة؟ فقال أسامة: نعم. قال: فخرج، وأمر مناديه ينادي: عَزْمةٌ مني أن لا يتخلَّف عن أسامة مِنْ بَعْثه مَنْ كان انتدب معه في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنِّي لن أُوتي بأحد أبطأ عن الخروج معه إلا ألحقته به ماشياً. وأرسل إلى النَّفر من المهاجرين الذين كانوا تكلموا في إِمارة أسامة، فغلَّظ عليهم وأخذهم بالخروج، فلم يتخلَّف إنسان واحد. وخرج أبو بكر يُشيِّعُ أسامة والمسلمين، فلما ركب من الجُرف في أصحابه وهم ثلاثة آلاف رجل، وفيهم ألف فرس، فسار أبو بكر إلى جنب أسامة ساعة ثم قال: (أستودُع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصاك، فانفُذ لأمر لأمر رسول الله، فإني ليست آمرك ولا أنهاك عنه، إنا أن مُنَفِّذ لأمْر أمَر به رسول الله صلى الله عليه وسلم. فخرج سريعاً فوطىء بلاداً هادئة لم يرجعوا عن الإِسلام مثل جُهَينة وغيرها من قُضاعة. فلما نزل وادي القُرى قدَّم عيناً له من بني عُذْرة يدعى حُرَيثاً، فخرج على صدر رحلته أمامه فغزا حتى انتهى إلى أبنى، فنظر إلى ما هناك وارتاد الطريق، ثم رجع سريعاً حتى لقي أسامة على مسيرة ليلتين من أُبْنى، فأخبره أنَّ الناس غارُّون ولا جموع لهم، وأمره أن يسرع السير قبل أن تجتمع الجموع، وأن يشنّها غارة. كذا في مختصر

ابن عساكر. وقد ذكره في كنز العمال عن ابن عساكر من طريق الواقدي عن أسامة رضي الله عنه. وأشار إليه الحافظ في فتح الباري. إستئذان أسامة للرجوع إلى المدينة وإنكار أبي بكر عليه وقصته مع عمر في هذا وأخرج بن عساكر أيضاً عن الحسن بن أبي الحسن قال: ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بَعْثاً قبل وفاته على أهل المدينة ومن حولهم، وفيهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأمَّر عليهم أسامة بن زيد رضي الله عنه، فلم يجاوز آخرهم الخندق حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقف أسامة بالناس، ثم قال لعمر: إرجع إلى خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنه؛ يأذن لي فليرجع الناس، فإنَّ معي وجوههم وحدَّهم، ولا آمن على خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وَثَقَل رسول الله وأثقال المسلمين أن يتخطفهم المشركون. وقالت الأنصار: فإن أبى إلا أن نمضي فأبلغه عنَّا واطلب إليه أن يولِّي أمرنا رجلاً أقدم سِنّاً من أسامة. فخرج عمر بأمر أسامة، فأتى أبا بكر فأخبره بما قال أسامة. فقال أبو بكر: لو اختطفتني الكلاب والذئاب لم أردَّ قضاءً قضاه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فإن الأنصار أمروني أن أبْلِغك أنهم يطلبون إليك أن تولِّي أمرهم رجلاً أقدم سنّاً من أسامة، فوثب أبو بكر - وكان جالساً - فأخذ بلحية عمرَ وقال: ثكلتك أمك وعدمتك يا ابن الخطاب إستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم وتأمرني أن أنزِعه؟ فخرج عمر إلى الناس؛ فقالوا له: ما صنعت؟ فقال: أمضوا ثكلتكم أمهاتكم، ما لقيت في سببكم اليوم من خليفة رسول الله.

مشايعة أبي بكر جيش أسامة

مشايعة أبي بكر جيش أسامة ثم خرج أبو بكر حتى أتاهم فأشجعهم وشيّعهم، وهو ماش وأسامة راكب، وعبدا لرحمن بن عوف يقود دابة أبي بكر رضي الله عنهم، فقال له أسامة: يا خليفة رسول الله، لتركبنّ أو لأنزلنّ، فقال: والله لا تنزل، ووالله لا أركب؛ وما عليّ أن أغبِّر قدميَّ ساعة في سبيل الله، فإنَّ للغازي بكل خطوة يخطوها سبع مائة حسنة تكتب له، وسبع مائة درجة ترفع له، وتُمحى عنه سبع مائة خطيئة حتى إذا انتهى. قال له: إنْ رأيت أن تعينني بعمر بن الخطاب فافعل، فأذن له. كذا في مختصر ابن عساكر، وكنز العمال. وذكره في البداية عن سَيْف عن الحسن مختصراً. إنكار أبي بكر على المهاجرين والأنصار إذ كلموه في إمساك جيش أسامة وأخرج ابن عساكر أيضاً عن عروة قال: لما فرغوا من البَيْعة واطمأن الناس، قال أبو بكر لأسامة: (إمضِ لوجهك الذي بعثك له رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكلَّمه رجال من المهاجرين والأنصار وقالوا: أمسك أسامة وبَعْثه، فإنَّ نخشى أن تميل علينا العرب إِذا سمعوا بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر - وكان أحزمَهم أمراً -: أنا أحبس جيشاً بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد اجترأت على أمر عظيم والذي نفسي بيده، لأن تميل عليّ العرب أحبُّ إليَّ من أن أحبس جيشاً بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إمضِ يا أسامة في جيشك للوجه الذي أمرت به، ثم أغزُ حيث أمرك رسول الله صلى الله عليه وسلم من ناحية فلسطين، وعلى أهل مؤتة، فإنَّ الله سيكفي ما تركت، ولكن إنْ رأيتَ أن تأذن لعمر بن الخطاب فأستشيره وأستعين به، فإنه ذو رأي ومناصح للإِسلام، فافعل، ففعل أُسامة. ورجع عامة العرب عن دينهم، وعامة أهل المشرق وغَطَفان وبنو أسد، وعامة أشْجَع،

وتمسك طيّء بالإِسلام. وقال عامة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أمسك أُسامة وجيشه، ووجّهْهم إلى من ارتد عن الإِسلام من غَطَفان وسائر العرب. فأبى أبو بكر أن يحبس أسامة وجيشه، وقال: إنكم قد علمتم أنه قد كان من عَهْد رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم في المشورة، فيما لم يمضِ من نبيكم فيه سنة، ولم ينزل عليكم به كتاب، وقد أشرتم وسأشير عليكم فانظروا أرشدَ ذلك فأتمروا به، فإن الله لن يجمعكم على ضلالة؛ والذي نفسي بيده، ما أرى من أمر أفضل في نفسي من جهاد مَنْ منع منا عِقالاً كان يأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فانقاد المسلمون لرأي أبي بكر، ورأوا أنَّه أفضل من رأيهم. فبعث أبو بكر حينئذٍ أسامة بن زيد لوجهه الذي أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصيب في الغزو مصيبة عظيمة، وسلَّمه الله وغنَّمه هو وجيشه وردّهم صالحين. وخرج أبو بكر رضي الله عنه في المهاجرين والأنصار حين خرج أسامة، وهربت الأعراب بذراريهم. فلما بلغ المسلمين هربُ الأعراب بذراريهم، كلّموا أبا بكر وقالوا: إرجع إلى المدينة وإلى الذراري والنساء، وأمِّرْ رجلاً من أصحابك على الجيش وعهد إليه بأمرك، فلم يزل المسلمون بأبي بكر حتى رجع، وأمّر خالد بن الوليد رضي الله عنه على الجيش، فقال له: إذا أسلموا وأعطَوا الصدقة؛ فمن شاء منكم أن يرجع فليرجع؛ ورجع أبو بكر إلى المدينة. كذا في مختصر ابن عساكر. وذكره في الكنز. وقد ذكره في البداية عن سيف بن عمر عن هشام بن عروة عن أبيه رضي الله عنهما، قال: لما بويع أبو بكر وجمع الأنصار في الأمر الذي افترقوا فيه وقال: ليتمّ بعث

أسامة، وقد ارتدّت العرب إمّا عامة وإمّا خاصة في كل قبيلة، ونجم النفاق واشرأبت اليهودية والنصرانية، والمسلمون كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية لفقد نبيِّهم صلى الله عليه وسلم وقلّتهم وكثرة عدوّهم. فقال له الناس: إن هؤلاء جلّ المسلمين، والعرب على ما ترى قد انتقضت بك، وليس ينبغي لك أن تفرِّق عنك جماعة المسلمين. فقال: (والذي نفس أبي بكر بيده، لو ظننتُ أنَّ السبع تخطَفني لأنفذت بعث أسامة كما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو لم يبقَ في القرى غيري لأنفذته) قال ابن كثير: وقد رُوي هذا عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها. ومن حديث القاسم وعَمْرة عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب قاطبة واشرأبَّ النفاق، والله لقد نزل بأبي ما لو نزل بالجبال الراسيات لهاضها، وصار أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كأنهم مِعزى مطيرة في حش في ليلة مطيرة بأرض مُسْبِعة، فوالله ما اختلفوا في نقطة إلا طار أبي بخَطَلِها وعِنانها وفَصْلها. انتهى. وقد أخرجه الطبراني عن عائشة رضي الله عنها - بنحوه. قال الهيثمي رواه الطبراني من طرق، ورجال أحدها ثقات. وأخرج البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: والله الذي لا إله إلا هو لولا أنَّ أبا بكر رضي الله عنه أستُخلف ما عُبد الله ثم قال الثانية، ثم قال الثالثة. فقيل له: مَهْ يا أبا هريرة. فقال: إِن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجَّه أسامة بن

قول أبي بكر عند وفاته لعمر رضي الله عنهما

زيد في سبع مائة إلى الشام. فلمَّا نزل بذي خُشُب قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتدت العرب حول المدينة. فاجتمع إليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا بكر رُدّ: هؤلاء، توجه هؤلاء إلى الروم وقد ارتدت العرب حول المدينة؟ فقال: والذي لا إله غيره لو جرّت الكلابُ بأرجلِ أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ردَدْتُ جيشاً وجَّهه رسول الله ولا حللتُ لواءً عقده رسول الله. فوجَّه أسامة، فجعل لا يمرُّ بقبيل يريدون الإرتداد إِلا قالوا: لولا أنَّ لهؤلاء قوة ما خرج مثل هؤلاء من عندهم، ولكن ندعهم حتى يلقَوا الروم، فلقَوا الروم فهزموهم وقتلوهم ورجعوا سالمين، فثبتوا على الإِسلام. كذا في البداية. وأخرجه أيضاً الصابوني في المائتين كما في الكنز، وابن عساكر كما في المختصر عن أبي هريرة رضي الله عنه - بنحوه. قال ابن كثير: عبَّاد بن كثير - أي قي إسناده - هذا أظنه البرمكي لرواية الفِرْيابي عنه، وهو متقارب الحديث، فأما البَصْري الثَّقَفي فمتروك الحديث. انتهى. وقال في كنز العمال: وسنده - أي حديث أبي هريرة - حسن. انتهى. قول أبي بكر عند وفاته لعمر رضي الله عنهما وأخرج ابن جرير الطبري من طريق سيف: أنَّ أبا بكر مرض بعد مخرج خالد إلى الشام مرضته التي مات فيها بأشهر. فقدم المثنَّى رضي الله عنه وقد أشْفى وعقد لعمر رضي الله عنه فأخبره الخبر. فقال؛ عليّ بعمر. فجاء فقال له: إسمع يا عمر ما أقول لك ثم إعمل به، إنِّي لأرجو أن أموت من يومي هذا - وذلك يوم الإِثنين -، فإن أنا متُّ فلا تمسينّ حتى تندب الناس مع

المثنَّى، وإن تأخّرتُ إلى الليل فلا تصبحنّ حتى تندب الناس مع المثنَّى، ولا يشغلنَّكم مصيبة وإن عظمت عن أمر دينكم ووصية ربكم، وقد رأيتني مُتَوفَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم وما صنعتُ ولم يُصعب الخلق بمثله، وبالله لو أنّي أَني عن أمر الله وأمر رسوله لخَذَلنا ولعاقَبَنا، فاضطرمت المدينة ناراً. انتهى. إهتمام أبي بكر الصديق رضي الله عنه لقتال أهل الردة ومانعي الزكاة مشاورة أبي بكر المهاجرين والأنصار في القتال وخطبته في هذا الشأن أخرج الخطيب في رواة مالك عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم إشرأبَّ النفاق بالمدينة، وارتد العرب وارتدت العجم، وأبرقت وتواعدوا نهاوند، وقالوا: قد مات هذا الرجل الذي كانت العرب تُنصر به. فجمع أبو بكر رضي الله عنه المهاجرين والأنصار وقال: إنَّ هذه العرب قد منعوا شاتهم وبعيرهم ورجعوا عن دينهم، وإِنَّ هذه العجم قد تواعدوا نهاوند ليجمعوا لقتالكم، وزعموا أنَّ هذا الرجل الذي كنتم تُنصرون به قد مات، فأشيروا عليّ فما أنا إلا رجلٌ منك، وإنِّي أثقلكم حِملاً لهذه البليّة فأَطرقوا طويلاً، ثم تكلّم عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: أرى - والله - يا خليفة رسول الله أن تقبل من العرب الصلاة وتدع لهم الزكاة، فإنَّهم حديثو عهد بجاهلية لم يُعدَّهم الإِسلام، فإمَّا أن يردَّهم الله عنه إِلى خير، وإما أن يعزّ الله الإِسلام فنقوى على قتالهم، فما لبقية المهاجرين والأنصار يَدان للعرب والعجم قاطبة. فالتفت إلى عثمان رضي الله عنه فقال مثل ذلك، وقال علي رضي الله عنه مثل ذلك، وتابعهم المهاجرون. ثم التفت إِلى الأنصار فتابعوهم. فلما رأى ذلك صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:

أما بعد: فإنَّ الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم والحقُّ قُلٌّ شريد، والإِسلام غريبٌ طريد، قد رَثَّ حبلُه، وقلّ أهلُه، فجمعهم الله بمحمد صلى الله عليه وسلم وجعلهم الأمة الباقية الوُسْطى، والله لا أبرح أقوم بأمر الله وأجاهد في سبيل الله حتى ينجز الله لنا ويفي لنا عهده، فيقتل من قُتل منَّا شهيداً في الجنة، ويبقى من بقي منا خليفة الله في أرضه ووارث عباده. قضى الله الحقَّ؛ فإن الله تعالى قال - وليس لقوله خُلْف -: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الاْرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} (النور: 55) والله لو منعوني عِقالاً ممّا كانوا يُعطون رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أقبل معهم الشجر والمَدَر والجن والإِنس لجاهدتهم حتى تلحق روحي بالله إنَّ الله لم يفرِّق بين الصلاة والزكاة ثم جمعهما. فكبَّر عمر وقال: والله قد علمت - والله حين عزم الله لأبي بكر على قتالهم - أنَّه الحق. كذا في كنز العمال. وأخرج ابن عساكر عن صالح بن كَيْسان قال: لما كانت الردّة قام أبو بكر رضي الله عنه فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: (الحمد لله الذي هدى فكفى، وأعطى فأغنى، إن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم شريداً، والإِسلام غريباً (طريداً) ، قد رث حبلُه، وخَلَق عهدُه، وضلّ أهله عنه، ومَقَتَ الله أهل الكتاب فلم يعطهم خيراً لخير عندهم، ولا يصرف عنهم شراً لشر عندهم، وقد غيّروا كتابهم وألحقوا فيه ما ليس فيه، والعرب الأميون صِفْر من الله لا يعبدونه ولا يدعونه، أجهدُهم عيشاً، وأضلُّهم ديناً، في ظَلَف من الأرض، معه فئة الصحابة؛ فجمعهم الله بمحمد صلى الله عليه وسلم وجعلهم الأمة الوسطى، نصرهم بمن اتبعهم ونصرهم على غيرهم حتى قبض الله نبيه صلى الله عليه وسلم فركب منهم الشيطان مركبه الذي أنزله الله عنه، وأخذ بأيديهم وبغَى هُلْكهم/ {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ

عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِى اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} (آل عمران: 144) ، إِنَّ مَنْ حولكم من العرب منعوا شاتهم وبعيرهم، ولم يكونوا في دينهم؛ - وإن رجعوا إليه - أزهدَ منهم يومهم هذا، ولم تكونوا في دينكم أقوى منكم يومكم هذا على ما فقدتم من بركة نبيكم صلى الله عليه وسلم ولقد وَكَلَكُم إلى الكافي الأول الذي جده ضالاً فهداه، عائلاً فأغناه، وكنتم على شَفَا حُفْرة من النار فأنقذكم منها، والله لا أدع أن أقاتل على أمر الله حتى ينجزَ الله وعده، ويوفيَ لنا عهده؛ ويُقتلَ من قُتل شهيداً من أهل الجنة، ويبقى من بقي منا خليفته وارثَه في أرضه، قضى الله الحق؛ وقوله الذي - لا خُلْف فيه -: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الاْرْضِ} ، ثم نزل. قال ابن كثير: فيه انقطاع بين صالح بن كَيْسان والصدِّيق، لكنه يشهد لنفسه بالصِّحَّة لجزالة ألفاظه وكثرة ما له من الشواهد. كذا في الكنز. وقد ذكره في البداية عن ابن عساكر بنحوه. إنكار أبي بكر رضي الله عنه على من توقف أو أراد الإِمهال في القتال وأخرج العدني عن عمر رضي الله عنه قال: لما اجتمع رأي المهاجرين - وأنا فيهم - حين ارتدت العرب، فقلنا: يا خليفة رسول الله، إترك الناس يُصلُّون ولا يُؤدّون الزكاة، فإنَّهم لو قد دخل الإِيمان في قلوبهم وقرّوا بها. فقال أبو بكر رضي الله عنه: والذي نفسي بيده لأن أقعَ من السماء أحبُّ إليَّ من أن أترك شيئاً قاتل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أقاتل عليه. فقاتل العرب حتى رجعوا إلى الإِسلام، فقال عمر: والذي نفسي بيده، لذلك اليوم خير من آل عمر.

كذا في الكنز. وعند الإسماعيلي عن عمر رضي الله عنه قال: لما قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتد من ارتد من الرب، وقالوا: نصلِّي ولا نزكِّي. فأتيت أبا بكر رضي الله عنه، فقلت: يا خليفة رسول الله، تألَّفه الناس وارفِق بهم، فإنَّهم بمنزلة الوحش. فقال: رجوتُ نصرتك، وجئتني بخذلانك جباراً في الجاهلية، خواراً في الإِسلام؟ ماذا عسيت أن أتألّفهم؟ بشعر مفتعل، أو بسحر مفترى؟ هيهات، هيهات مضى النبي صلى الله عليه وسلم انقطع الوحي، والله لأجاهدنَّهم ما استمسك السيف في يدي وإن منعوني عقالاً. قال عمر رضي الله عنه: فوجده في ذلك أمضَى مني وأعزم مني، وأدَّب الناس على أمور هان عليَّ كثير من مؤونتهم حين وُلِّيتُهم. كذا في الكنز. وأخرج الدِينَوري في المجالسة، وأبو الحسن بن بِشْران في فوائده، والبيهقي في الدلائل، واللألكائي في السُّنَّة عن ضَبَّة بن المحصن العَنَزي قال: قلت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنت خير من أبي بكر؟ فبكى وقال: والله، لليلةٌ من أبي بكر ويوم خير من عمر وآل عمر: هل لك أن أحدثك بليلته ويومه؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين. قال: أما ليلته: فلمّا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم هارباً من أهل مكة، خرج ليلاً فتبعه أبو بكر - فذكر الحديث في الهجرة كما تقدم (ص 339) ؛ قال: وأما يومه: فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتدت العرب فقال بعضهم: نصلِّي ولا نزكِّي، وقال بعضهم: لا نصلِّي ولا نزكِّي. فأتيته - ولا آلو نصحاً -، فقلت يا خليفة رسول الله تألَّفِ الناسَ - فذكره بنحوه كما في

منتخب كنز العمال. وعند الإِمام أحمد والشيخين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو بكر بعده، وكفر من كفر من العرب قال عمر رضي الله عنه: يا أبا بكر، كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله؟» . قال أبو بكر رضي الله عنه: والله لأقاتلنَّ من فرَّق بين الصلاة والزكاة، فإنَّ الزكاة حق المال. والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدُّونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه قال عمر: فوالله ما هو إلا أن رأيت أن الله شرح صدر أبي بكر للقتال، فعرفت أنَّه الحق. وأخرجه أيضاً الأربعة إلا ابن ماجه، وبن حِبَّان، والبيهقي كما في الكنز. إهتمام أبي بكر الصديق رضي الله عنه بإرسال الجيوش في سبيل الله، وترغيبه على الجهاد، ومشاورته للصحابة في جهاد الروم ترغيب أبي بكر على الجهاد في سبيل الله في خطبة له أخرج ابن عساكر عن القاسم بن محمد - فذكر الحديث، وفيه: وقام أبو بكر رضي الله عنه في الناس خطيباً، فحمد الله وصلَّى على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إنَّ لكل أمر جوامعَ، فمن بلغها فهو حَسْبه، ومن عمل لله عزّ وجلّ كفاه

الله. عليكم بالجدِّ والقصد، فإنَّ القصد أبلَغ. ألا إنه لا دين لأحد لا إيمان له، ولا أجر لمن لا حِسْبة له، ولا عمل لمن لا نيَّة له. ألا وإِنَّ في كتاب الله من الثواب على الجهاد في سبيل الله، لَمَا ينبغي للمسلم أن يحب أن يُخصَّ به، هي النجاة التي دل الله عليها ونجَّى بها من الخِزْي، وألحق بها الكرامة في الدنيا والآخرة. كذا في المختصر. وذكره في الكنز مثله. وأخرجه ابن جرير الطبري عن القاسم بن محمد بمثله. كتاب أبي بكر إلى خالد ومن معه من الصحابة للجهاد في سبيل الله وأخرج البيهقي في سننه عن ابن إسحاق بن يَسار في قصة خالد بن الوليد رضي الله عنه حين فرغ من اليمامة. قال: فكتب أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى خالد بن الوليد - وهو باليمامة -: من عبد الله أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خالد بن الوليد والذين معه من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان: سلام عليكم. فإني أحمد إِليكم الله الذي لا إِله إلا هو. أَما بعد: فالحمد لله الذي أنجز وعده، ونصر عبده، وأعزَّ ولِيَّه، وأذلَّ عدوَّه، وغلب الأحزاب فرداً. فإن الله الذي لا إله إِلا هو قال: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الاْرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِى ارْتَضَى لَهُمْ} (النور: 55) - وكتب الآية كلَّها وقرأ الآية - وعداً منه لا خُلْف له، ومقالاً لا ريب فيه. وفرض الجهاد على المؤمنين، فقال: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ} (البقرة: 216) - حتى فرغ

مشاورة أبي بكر أكابر الصحابة في غزو الروم وخطبته في ذلك

من الآيات؛ فاستتِمُّوا بوعد الله إِيَّاكم، وأطيعوه فيما فرض عليكم وإِن عظمت فيه المؤونة، واستبدت الرزيّة، وبعدت المشقة، وفُجعتم في ذلك بالأموال والأنفس، فإن ذلك يسير في عظيم ثواب الله. فاغزوا - رحمكم الله - في سبيل الله {خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ} (التوبة: 41) - كتب الآية - ألا وقد أمرت خالد بن الوليد بالمسير إِلى العراق؛ فلا يبرحها حتى يأتيه أمري، فسيروا معه ولا تتثاقلوا عنه؛ فإنه سبيل يعظِّم الله فيه الأجر لمن حسنت فيه نيته، وعظمت في الخير رغبته. فإذا وقعتم العراق فكونوا بها حتى يأتيكم أمري. كفانا الله وإِياكم مهمات الدنيا والآخرة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته» - انتهى. مشاورة أبي بكر أكابر الصحابة في غزو الروم وخطبته في ذلك أخرج ابن عساكر عن الزُّهري عن عبد الله بن أبي أوفَى الخُزاعي رضي الله عنه أنه قال: لما أراد أبو بكر رضي الله عنه غزو الروم دعا عليّاً، وعمر، وعثمان، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، وأبا عبيدة بن الجراح، ووجوه المهاجرين، والأنصار من أهل بدر وغيرهم، فدخلوا عليه - قال عبد الله بن أبي أوفى: وأنا فيهم -. فقال أبو بكر رضي الله عنه: إنَّ الله عزّ وجلّ لا تُحصى نعماؤه، لا تبلغ جزاءَها الأعمالُ، فله الحمد؛ قد جمع الله كلمتكم، وأصلح ذات بينكم، وهداكم إلى الإِسلام، ونفَى عنكم الشيطان، فليس يطمع أن تُشركوا به، ولا تتخذوا إلهاً غيره؛ فالعرب اليوم بنو أم وأب. وقد رأيت أن أستنفر المسلمين إِلى جهاد الروم بالشام ليؤيّد الله المسلمين، ويجعل الله كلمته العليا، مع أن للمسلمين في ذلك الحظ الأوفر، لأنه من هلك منهم هلك شهيداً، وما عند الله خير للأبرار؛ ومن عاش عاش مدافعاً عن الدين مستوجباً على الله ثواب المجاهدين. وهذا رأيي الذي رأيته، فلْيُشِر امرؤ عليّ برأيه.

خطبة عمر ومتابعته في إمضاء رأي أبي بكر في الجهاد

خطبة عمر ومتابعته في إمضاء رأي أبي بكر في الجهاد فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: الحمد لله الذي يخصّ بالخير من شاء من خلقه، والله ما استبقنا إلى شيء من الخير قط إِلا سبقتنا إليه؛ وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم. قد - والله - أردتُ لقاءك بهذا الرأي الذي رأيتَ فيما قُضي أن يكون حتى ذكرتَه، فقد أصبتَ - أصاب الله بك سبيل الرشاد - سرِّبْ إليهم الخيل في إثر الخيل، وابعث الرجال بعد الرجال والجنود تتبعها الجنود؛ فإنَّ الله ناصرٌ دينَه ومعزٌ الإِسلامَ وأهله. رأي عبد الرحمن بن عوف في نوعية الجهاد بالنظر إلى نوعية الروم ثم إن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قام فقال: يا خليفة رسول الله، إِنَّها الروم وبنو الأصفر حدٌّ حديد وركن شديد، ما أرى أن نقتحم عليهم إقتحاماً، ولكن نبعث الخيل فتُغير في قواصي أرضهم ثم ترجع إِليك، وإِذا فعلوا ذلك بهم مراراً أضرُّوا بهم، وغنموا من أداني أرضهم فقعدوا بذلك عن عدوهم؛ ثم تبعث إلى أراضي اليمن وأقاصي ربيعة ومضر، ثم تجمعهم جميعاً إِليك. ثم إن شئت بعد ذلك غزوتهم بنفسك وإن شئت أغزيتهم، ثم سكت وسكت الناس. رأي ثمان في إمضاء ما رآه أبو بكر وموافقة بقية الصحابة رأي عثمان ثم قال لهم أبو بكر: ما ترون؟ فقال عثمان بن عفان رضي الله عنه: إني أرى أنك ناصح لأهل هذا الدين، شفيق عليهم، فإذا رأيت رأياً تراه لعامتهم صلاحاً، فاعزم على إمضائه فإنك غيرُ ظَنين. فقال طلحة، والزبير،

تبشير علي أبا بكر وسروره بما قال علي وخطبته في استنفار الصحابة

وسعد وأبو عبيدة، وسعيد بن زيد ومن حضر ذلك المجلس من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم: صَدَقَ عثمان، ما رأيتَ من رأي فأمْضِه، فإنَّا لا نخالفك ولا نتهمك، وذكروا هذا وأشباهه؛ وعليّ رضي الله عنه في القوم لم يتكلَّم. تبشير علي أبا بكر وسروره بما قال علي وخطبته في استنفار الصحابة فقال أبو بكر: ماذا ترى يا أبا الحسن؟ فقال: أرى أنك إن سرتَ إليهم بنفسك أو بعثتَ إِليهم نُصرت عليه إن شاء الله. فقال: بشّرك الله بخير ومن أين علمت ذلك؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يزال هذا الدين ظاهراً على كل من ناوأه حتى يقوم الدين وأهله ظاهرون» . فقال: سبحان الله، ما أحسن هذا الحديث لقد سررتني به سرَّك الله. ثم إِن أبا بكر رضي الله عنه قام في الناس فذكر الله بما هو أهله، وصلَّى على نبيِّه صلى الله عليه وسلم ثم قال: أيها الناس، إِنَّ الله قد أنعم عليكم بالإِسلام، وأكرمكم بالجهاد، وفضَّلكم بهذا الدين على كل دين، فتجهّزوا عباد الله إلى غزو الروم بالشام، فإني مُؤمِّر عليكم أمراء، وعاقد لكم ألوية، فأطيعوا ربَّكم ولا تخالفوا أمراءكم لِتَحْسُنْ نيتكم وأشربتكم وأطعمتكم، فإنَّ الله مع الذين اتَّقوا والذين هم محسنون. ما جرى بين عمر، وعمرو بن سعيد وخطبة خالد أخيه في تأييد أبي بكر قال: فسكت القوم، فوالله ما أجابوا. فقال عمر رضي الله عنه: يا معشر المسلمين، مالكم لا تجيبون خليفة رسول الله وقد دعاكم لما يحييكم؟ أمَا إنه لو كان عَرَضاً قريباً أو سفراً قاصداً لابتدرتموه. فقام عمرو بن سعيد رضي الله عنه فقال: يا ابن الخطاب، ألنا تضرب الأمثال أمثال المنافقين؟ فما منعك مما عبت علينا فيه أن تبدأ به؟ فقال عمر رضي الله عنه: إِنَّه يعلم أني أجيبه لو يدعوني، وأغزو لو يُغزيني. فقال عمرو بن سعيد رضي الله عنه: ولكن نحن لا نغزو لكم إن غزونا، إنما نغزو لله. فقال عمر: وفقك الله، فقد أحسنت فقال أبو بكر لعمرو: إجلس - رحمك الله - فإن عمر لم يُرد بما سمعت أذى

مسلم ولا تأنيبه، إنما أراد بما سمعت أن ينبعث المتثاقلون إلى الأرض إِلى الجهاد. فقام خالد بن سعيد رضي الله عنه فقال: صدق خليفة رسول الله، إجلس أيْ أخي، فجلس. وقال خالد: الحمد لله الذي لا إله إلا هو، الذي بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ليظهرَه على الدين كلّه ولو كره المشركون، فالحمد لله منجزِ وعدِه، ومظهرِ وعدهِ، ومهلِك عدوِّه، ونحن غير مخالفين ولا مختلفين، وأنت الوالي الناصح الشفيق، ننفر إذا استنفرتنا، ونطيعك إذا أمرتنا. ففرح بمقالته أبو بكر رضي الله عنه وقال له: جزاك الله خيراً من أخ وخليل؛ فقد كنت أسلمت مرتغِباً، وهاجرت محتسباً، قد كنت هربت بدينك من الكفر لكيما ترضي الله ورسوله وتعلو كلمته، وأنت أمير الناس فسِرْ يرحمك الله. ثم إنه نزل. ورجع خالد بن سعيد رضي الله عنه فتجهّز. وأمر أبو بكر بلالاً فأذَّن في الناس أنِ انفِرُوا أيَّها الناس إلى جهاد الروم بالشام، والناس يَرَوْنَ أن أميرهم خالد بن سعيد، وكان الناس لا يشكُّون أن خالد بن سعيد أميرهم؛ وكان قد عسكر قبل كل أحد، ثم إن الناس خرجوا إلى معسكرهم من عشرة، وعشرين، وثلاثين، وأربعين، وخمسين، مائة كل يوم حتى اجتمع أناس كثيرون. فخرج أبو بكر رضي الله عنه ذات يوم ومعه رجال من الصحابة حتى انتهى إلى عسكرهم، فرأى عدّة حسنة لم يرضَ عدّتها للروم؛ فقال لأصحابه: ما ترون في هؤلاء إن أرسلتهم إلى الشام في هذه العِدّة؟ فقال عمر رضي الله عنه: ما أرضى هذه العِدة لجموع بني الأصفر. فقال لأصحابه: ماذا ترون أنتم؟ فقالوا: نحن نرى ما رأى عمر، فقال: لا أكتب كتاباً إلى أهل اليمن ندعوهم به إلى

كتاب أبي بكر رضي الله عنه إلى أهل اليمن للجهاد في سبيل الله

الجهاد ونرغِّبهم في ثوابه؟ فرأى ذلك جميع أصحابه فقالوا: نِعْمَ ما رأيت، أفعل. فكتب: كتاب أبي بكر رضي الله عنه إلى أهل اليمن للجهاد في سبيل الله «بسم الله الرحمن الرحيم. من خليفة رسول الله إِلى من قُرىء عليه كتابي هذا من المؤمنين والمسلمين من أهل اليمن. سلام عليكم. فإني أحمد إِليكم الله الذي لا إِله إلا هو، أما بعد: فإنَّ الله تعالى كتب على المؤمنين الجهاد، وأمرهم أن ينفروا خفافاً وثقالاً ويجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، والجهاد فريضة مفروضة، والثواب عند الله عظيم. وقد استنفرنا المسلمين إِلى جهاد الروم بالشام، وقد سارعوا إِلى ذلك وقد حسنت بذلك نيَّتهم، وعظمت حسبتهم؛ فسارعوا عباد الله إِلى ما سارعوا إِليه، ولتحسنْ نيتكم فيه؛ فإِنكم إِلى إِحدى الحُسْنَيَيْن: إِما الشهادة، وإِما الفتح والغنيمة، فإن الله تبارك وتعالى لم يرضَ لعباده بالقول دون العمل، ولا يزال الجهاد لأهل عداوته حتى يدينوا بدين الحق، ويقرُّوا لحكم الكتاب. حفظ الله لكم دينكم، وهدى قلوبكم، وزكَّى أعمالكم، ورزقكم أجر المجاهدين الصابرين» . وبعث بهذا الكتاب مع أنس بن مالك رضي الله عنه. كذا في المختصر؛ والكنز. خطبة أبي بكر عند مسيرهم إلى الشام وأخرج ابن عساكر عن عبد الرحمن بن جبير أن أبا بكر لمَّا وجّه (الجيش) قام فيهم فحمد الله وأثنى عليه، ثم أمرهم بالمسير إلى الشام وبشرّهم بفتح الله إياها حتى يبنوا فيها المساجد، فلا يعلم أنكم إنما تأتونا تلّهياً، فالشام

شبيعة يكثر لكم فيها من الطعام؛ فإياي والأشر. أما وربِّ الكعبة لتأشرُنْ ولتبطرُنّ، وإني موصيكم بعشر كلمات فاحفظوهن: لا تقتُلنَّ شيخاً فانياً - فذكر الحديث؛ كما في الكنز. تحريض عمر بن الخطاب رضي الله عنه على الجهاد النَّفر في سبيل الله ومشاورته للصحابة فيما وقع له تحريض عمر على الجهاد وتأميره من انتدب أولا أخرج ابن جرير الطبري عن القاسم بن محمد قال: وتكلم المثنَّى بن حارثة فقال: يا أيها الناس، لا يعظمنَّ عليكم هذا الوجه، فإنَّا قد تبحبحنا رِيف فارس وغلبناهم على خير شِقَّي السواد، وشاطرناهم، ونلنا منهم، واجترأ مَنْ قِبَلَنا عليهم، ولها إن شاء الله ما بعدها. وقام عمر رضي الله عنه في الناس فقال: إنَّ الحجاز ليس لكم ب دار إلا على النُّجعة، ولا يقوَى عليه أهلُه إلا بذلك، أين الطُّراء المهاجرون عن موعود الله؟ سيروا في الأرض التي وعدكم الله في الكتاب أن يورثَكُموها، فإنه قال: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلّهِ} (الفتح: 28) والله مظهرُ دينه، ومعزّ ناصرِه، ومُولي أهلِه مواريث الأمم، أين عبادُ الله

الصالحون؟. فكان أول منتدب أبو عُبيد بنُ مسعود، ثم ثنّى سعد بن عبيد - أو سَلِيط بن قيس - رضي الله عنهم. فلما اجتمع ذلك البَعْث قيل لعمر: أمِّرْ عليهم رجلاً من السابقين من المهاجرين والأنصار. قال: لا والله لا أفعل، إِن الله إنَّما رفعكم بسبقكم وسرعتكم إلى العدوّ، فإذا جبنتم وكرهتم اللقاء فأولى بالرياسة منكم مَنْ سبق إلى الدَّفْع وأجاب إِلى الدعاء. والله لا أؤمر عليهم إلا أوّلهم إنتداباً؛ ثم دعا أبا عُبيد وسَلِيطا وسعداً، فقال: أما إِنكما لو سبقتماه لولّيتكا ولأدركتما بها إلى ما لَكما من القِدْمة؛ فأمَّر أبا عُبيدٍ على الجيش وقال لأبي عُبيد: إسمع من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأشرِكهم في الأمر، ولا تجتهد مسرعاً حتى تتبين؛ فإنَّها الحرب، والحرب لا يُصلحها إلا الرجل المكِيث الذي يعرف الفرصة والكفَّ. وأخرجه الطبري أيضاً من طريق الشَّعْبي، وفي حديثه: فقيل لعمر رضي الله عنه: أمِّر عليهم رجلاً له صحبة. فقال عمر: إنما فَضلَ الصحابة بسرعتهم إلى العدوّ وكفايتهم مَن أبَى؛ فإذا فعل فِعْلهم قومٌ واثّاقلوا كان الذين ينفِرون خفافاً وثقالا ف أولى بها منهم، والله لا أبعث عليهم إلا أولَهم إنتداباً، فأمّر أبا عُبَيد، وأوصاه بجنده. انتهى. مشاورة عمر الصحابة في الخروج إلى فارس أخرج الطبري أيضاً عن عمر بن عبد العزيز قال: لما انتهى قتل أبي عُبيد بن مسعود إلى عمر واجتماع أهل فارس على رجل من آل كسرى، نادى في المهاجرين والأنصار، وخرج حتى أتى صِرَاراً. وقدَّم طلحة بن عبيد الله حتى يأتي الأعوَص، وسمَّى لميمنته عبد الرحمن بن عوف ولميسرته الزبير بن

رغيب عثمان بن عفان رضي الله عنه على الجهاد

العوام رضي الله عنهم، واستخلف علياً رضي الله عنه على المدينة، واستشار الناس، فكلّهم أشار عليه بالسَّير إلى فارس، ولم يكن إستشار في الذي كان حتى نزل بِصرَار ورجع طلحة، فاستشار ذوي الرأي فكان طلحة ممَّن تابع الناس، وكان عبد الرحمن بن عوف من نهاه. فقال عبد الرحمن: فما فَدَيْتُ أحداً بأبي وأمي بعد النبي صلى الله عليه وسلم قبل يومئذٍ ولا بعده فقلت: يا بأبي وأمي، إجعل عَجْزها بي، وأقِم وابعثْ جنداً، فقد رأيت قضاء الله لك في جنودك قبلُ وبعدُ، فإنه إن يُهزم جيشك ليس كهزيمتك، وإِنك إن تُقتل أو تُهزم في أَنْف الأمر، خشيتُ أن لا يكبِّر المسلمون وأن لا يشهدوا أن لا إله إلا الله أبداً، وهو في ارتيادٍ مِنْ رجل؛ وأتى كتاب سعد على حَفَف مشورتهم وهو على بعض صدقات نجد. فقال عمر: فأشيروا عليّ برجل. فقال عبد الرحمن: وجدتَه. قال: من هو؟. قال: الأسدُ في براثنه؛ سعد بن مالك، ومالأه أولو الرأي. انتهى. ترغيب عثمان بن عفان رضي الله عنه على الجهاد أخرج الإِمام أحمد عن أبي صالح مولى عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت عثمان يقول على المنبر: أيها الناس إِنِّي كتمتكم حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم كراهةَ تفُّرقِكم عنِّي، ثم بدا لي أن أحدثَكُموه ليختار

تحريض علي رضي الله عنه يوم صفين

أمرؤ لنفسه ما بدا له؛ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «رباط يوم في سبيل الله تعالى خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل» . وأخرجه الإِمام أحمد أيضاً عن مُصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: قال عثمان بن عفان رضي الله عنه - وهو يخطب على منبره -: إنِّي محدِّثكم حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يمنعني أن أحدثكم إلا الضنّ عليكم، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «حرسُ ليلة في سبيل الله تعالى أفضل من ألف ليلة يقام ليلها ويصام نهارها» . ترغيب علي بن أبي طالب رضي الله عنه على الجهاد أخرج الطبراني عن زيد بن وَهْب: أن علياً رضي الله عنه قام في الناس فقام: الحمد لله الذي لا يُبرم ما نقض، وما أبرَم لا ينقضه الناقضون، لو شاء ما اختلف إثنان من خلقه، ولا تنازعت الأمة في شيء من أمره، ولا جَحَد المفضول ذا الفضل فضله. وقد ساقتنا وهؤلاء القومَ الأقدار فلفَّت بيننا في هذا المكان، فنحن من ربنا بمرأى ومسمع، فلو شاء عجَّل النِقْمة وكان منه التغيير حتى يكذِّب الله الظالمَ، ويعلم الحق أين مصيره؛ ولكنّه جعل الدنيا دار الأعمال، وجعل الآخرة عنده هي دار القرار؛ {لِيَجْزِىَ الَّذِينَ أَسَاءواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيِجْزِى الَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِالْحُسْنَى} (النجم: 31) ، ألا إنكم لاقو القوم غداً، فأطيلوا الليلة القيام، وأكثروا تلاوة القرآن، وسلُوا الله عزّ وجلّ النصر والصبر، وألقَوهم بالجدّ والحزم وكونوا صادقين ثم انصرف. انتهى. تحريض علي رضي الله عنه يوم صفِّين وأخرج أيضاً عن أبي عَمْرة الأنصاري وغيره: أن علياً رضي الله عنه

حرّض الناس يوم صِفِّين، فقال: إنَّ الله عزّ وجلّ قد دلّكم على تجارة تُنجيك من عذاب أليم، تُشفي بكم على الخير: الإِيمان بالله عزّ وجلّ ورسوله صلى الله عليه وسلم والجهادِ في سبيل الله تعالى ذكره، وجعل ثوابه مغفرة الذنب ومساكن طيبةً في جنّات عدن؛ ثم أخبركم أنه يحب الذين يقاتلون في سبيله صفّاً كأنَّهم بنيان مرصوص، فسوّوا صفوفكم كالبنيان المرصوص، وقدّموا الدارع وأخرّوا الحاسر، وعضّوا على الأضراس - فذكر الخطبة بطولها. تحريض علي رضي الله عنه على قتال الخوارج وأخرج أيضاً عن أبي الوَدّاك الهمْداني: أنَّ علياً رضي الله عنه لما نزل بالنُّخَيلة وأيِسَ من الخوارج قام، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد: فإنه من ترك الجهاد في الله وأدْهَن في أمره كان على شفا هُلْكِهِ؛ إلا أن يتداركه الله بنعمة، فاتقوا الله وقاتلوا من حادّ الله، حاول أن يطفىء نور الله الخاطئين الضالّين القاسطين المجرمين، الذين ليسوا بقرّاء للقرآن، ولا فقهاءَ في الدين، ولا علماءَ في التأويل، ولا لهذا الأمر بأهل في سابقة الإِسلام، والله لو وُلُّوا عليكم لعملوا فيكم بأعمال كِسْرى وهِرَقْل. تيسَّروا وتهيَّؤوا للمسير إلى عدوِّكم من أهل المغرب، وقد بعثنا إِلى إخوانكم من أهل البصرة ليقدَموا عليكم، فإذا قدموا فاجتمعتم شَخَصْنا إن شاء الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله. انتهى.

خطبة علي على تثاقلهم في النفر

خطبة علي على تثاقلهم في النَّفْر وأخرج أيضاً من طريق أبي مِخْنَف عن زيد بن وَهْب، أن عليّاً رضي الله عنه قال للناس - وهو أول كلام قال لهم بعد النهر -: أيها الناس، إستعدوا للمسير إِلى عدو في جهاده القُربة إلى الله، ودَرْك الوسيلة عنده، حيارى في الحق، جُفاة عن الكتاب نُكْبٌ عن الدين، يعمهون في الطغيان، ويُعكَسون في غمرة الضلال، فأعدُّوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل، وتوكَّلوا على الله وكفى بالله وكيلاً، وكفى بالله نصيراً. قال: فلا هم نفروا ولا تيسَّروا، فتركهم أياماً حتى إذا أيسَ من أن يفعلوا، دعا رؤساءهم ووجوههم، فسألهم عن رأيهم، وما الذي يُنْظرهم؛ فمنهم المعتلّ، ومنهم المُكرِّه، وأقلهم من نَشِط، فقام فيهم خطيباً فقال: عباد الله، ما لكم إذا أمرتكم أن تنفِروا أثّاقلتم إلى الأرض؟ أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة؟ وبالذل والهوان من العزّ؟ أوَ كلما ندبتكم إلى الجهاد دارت أعينكم كأنكم من الموت في سَكْرة، وكأن قلوبكم مألوسة، فأنتم لا تعقلون، وكأن أبصاركم كُمْه فأنتم لا تبصرون، لله أنتم ما أنتم إلا أسودُ الشرى في الدَّعة. وثعالبُ روَّاغة حين تُدْعَون إلى البأس، ما أنتم لي بثقة سجيسَ الليالي، ما أنتم بركب يُصال بكم ولا ذي عِزَ يعتصم إليه، لعمر الله لبئس حُشاش الحرب أنتم، إِنكم تُكادون ولا تَكِيدون، ويُتنقَّص أطرافكم ولا

ترغيب سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه على الجهاد خطبة سعد يوم القادسية

تتحاشَوْن، ولا يُنام عنكم وأنتم في غفلة ساهون، إنَّ أخا الحرب اليقظان ذو عقل، وبات لذلٍ مَنْ وادَع، وغُلب المتجادلون، والمغلوب مقهور ومسلوب. ثم قال: أما بعد: فإنَّ لي عليكم حقاً وإنّ لك عليَّ حقاً؛ فأما حقُّكم عليَّ فالنصيحة لكم ما صحبتكم، وتوفير فَيْئكم عليكم، وتعليمكم كيما لا تجهلوا، وتأديبكم كي تعلَّموا.n وأما حقِّي عليكم فالوفاء بالبَيْعة، والنصح لي في الغيب والمشهد، والإِجابة حين أدعوكم، والطاعة حين آمركم، فإنْ يُرِدِ الله بكم خيراً انتَزِعُوا عما أكرَه وتَراجَعوا إلى ما أحب؛ تنالوا ما تَطلُبون وتُدرِكوا ما تأمُلون. انتهى. نداء حَوْشَب الحميري علياً يوم صفِّين وجواب علي له وأخرج ابن عبد البرِّ في الإستيعاب عن عبد الواحد الدمشقي قال: نادى حوشي الحِمْيري علياً رضي الله عنه يوم صفِّين، فقال: إنصرف عنا يا ابن أبي طالب، فإنَّا ننشدك الله في دمائنا ودمك، ونخلّي بينك وبين عِراقك، وتخلِّي بيننا وبين شامنا؛ وتحقن دماء المسلمين. قال علي رضي الله عنه: هيهات يا ابن أم ظُلَيم والله لو علمتُ أنَّ المداهنة تسعني في دين الله لفعلت، وكان أهون عليّ في المؤونة، ولكن الله لم يرضَ من أهل القرآن بالسكوت والإِدْهان، إذا كان الله يُعصَى وهم يُطيقون الدفاع والجهاد حتى يظهر أم رالله. انتهى. وأخرجه أبو نعيم في الحلية مثله. ترغيب سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه على الجهاد خطبة سعد يوم القادسية

خطبة عاصم بن عمرو يوم القادسية

أخرج ابن جرير الطبري من طريق سيف عن محمد، وطلحة، وزياد بإسنادهم، قالوا: خطب سعد - أي يوم القادسية - فحمد الله وأثنى عليه وقال: إن الله هو الحق لا شريك له في الملك وليس لقوله خُلْف؛ قال الله جلّ ثناؤه: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِى الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذّكْرِ أَنَّ الاْرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِىَ الصَّالِحُونَ} (الأنبياء: 105) إِنَّ هذا ميراثُكم وموعودُ ربكم، وقد أباحها لكم منذ ثلاث حِجَج، فأنتم تطعَمون نها وتأكلون منها، وتقتلون أهلها وتَجْبونهم وتسبونهم إلى هذا اليوم بما نال منهم أصحاب الأيام منكم، وقد جاءكم منهم هذا الجمع، وأنتم وجوه العرب وأعيانهم وخيار كل قبيلة وعزّ مَنْ وراءكم، فإن تزهدوا في الدنيا وترغبوا في الآخرة جمع الله لكم الدنيا والآخرة ولا يقرِّبُ ذلك أحداً إِلى أجله، وإِن تفشلوا وتَهنوا وتضعفوا تذهبْ ريحكم وتوبقوا آخرتكم. خطبة عاصم بن عمرو يوم القادسية وقام عاصم بن عمرو رضي الله عنه فقال: إن هذه بلاد قد أحلَّ الله لكم أهلها، وأنتم تنالون منهم منذ ثلاث سنين ما لا ينالون منكم، وأنتم الأعلَون، والله معكم إن صبرتم وصدقتموهم الضرب والطعن، فلكم أموالهم ونساؤهم وأبناؤهم بلادهم، وإِن خرتم وفشِلتم - والله لكم من ذلك جار وحافظ - لم يبقِ هذا الجمع منكم باقية؛ مخافة أن تعودوا عليهم بعائدة هلاك؛ الله الله، أذكروا الأيام وما منحكم الله فيها، أوَ لا ترون أنَّ الأرض وراءكم بسابسُ قفار ليس فيها خَمْر ولا وَزَر يُعقل إليه ولا يُمتنع به؟ إجعلوا همَّكم الآخرة. انتهى.

رغبة عمر في السير في سبيل الله وقوله: إن الجهاد أفضل من الحج

رغبة الصحابة رضي الله عنه وشوقهم إلى الجهاد والنفر في سبيل الله رغبة أبي أمامة في الجهاد أخرج أبو نُعيم في الحلِية عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: (لما) همّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروح إلى بدر. أجمع الخروج معه، فقال له (خاله) أبو بردة بن نيار: أقم على أمك. قال: بل أنت فأقم على أختك. فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر أبا أمامة بالمُقام (على أمه) . وخرج أبو بردة؛ فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد توفيت فصلَّى عليها. رغبة عمر في السير في سبيل الله وقوله: إن الجهاد أفضل من الحج وأخرج الإِمام أحمد في الزهد، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة وغيرهم عن عمر رضي الله عنه قال: لولا ثلاثٌ لأحببت أن أكون لحقت بالله: لولا أن أسير في سبيل الله، أو أضع جبهتي لله في التراب ساجداً، وأجالس قوماً يلتقطون طيِّل الكلام كما يلتقط طيب التمر. كذا في الكنز. وأخرج ابن أبي شيبة عن عمر رضي الله عنه قال: عليكم بالحج، فإنه عمل صالح أمر الله به، والجهاد أفضل منه. كذا في الكنز. رغبة ابن عمر رضي الله عنهما في الجهاد وأخرج ابن عساكر عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: عُرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر فاستصغرني فلم يقبلني، فما أتت عليَّ ليلة قط مثلُها

قول عمر في فضيلة من يخرج ويحرس في سبيل الله

من السهر والحزن والبكاء إذ لم يقبلني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كان من العام المقبل عُرضت عليه فقبلني، فحمدت الله على ذلك. قال رجل: يا أبا عبد الرحمن، تولّيتم يوم التقى الجمعان، قال: نعم، فعفا الله عنا جميعاً، فله الحمد كثيراً. كذا في منتخب الكنز. قصة عمر مع رجل أراد الجهاد وأخرج هنَّاد عن أنس رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى عمر رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمين، إحملني فإني أريد الجهاد، فقال عمر رضي الله عنه لرجل: خذ بيده، فأدخله بيت المال يأخذ ما شاء. فدخل فإذا بيضاء وصفراء، فقال: ما هذا؟ ما لي في هذا حاجة، إِما أردت زاداً وراحلة. فردّوه إلى عمر فأخبروه بما قال، فأمر له بزادٍ وراحلة، وجعل عمر يُرَحِّل له بيده، فلما ركب رفع يده فحمد الله وأثنى عليه بما صنع به وأعطاه، ومر يمشي خلفه يتمنى أن يدعو له. فلما فرغ قال: اللهمّ، وعمر فأجْزِه خيراً كذا في الكنز. قول عمر في فضيلة من يخرج ويحرس في سبيل الله وأخرج ابن عساكر عن أرطاة بن منذر أن عمر رضي الله عنه قال لجلسائه: أي الناس أعظم أجراً؟ فجعلوا يذكرون له الصوم والصلاة، ويقولون: فلان وفلان بعد أمير المؤمنين. فقال: ألا أخبركم بأعظم الناس أجراً ممّن ذكرتم ومن أمير المؤمنين؟ قالوا: بلى. قال: رُويجل بالشام آخذ بلجام فرسه يكلأ مِنْ وراء بيضة المسلمين، لا يدري أسبع يفترسه، أم هامَّة تلدغه، أو عدوّ يغشاه؟ فذلك أعظم أجراً ممن ذكرتم ومن أمير المؤمين. كذا في كنز

قصة عمر ومعاذ في الخروج مع أبي بكر

العمال. قصة عمر ومعاذ في الخروج مع أبي بكر أخرج ابن سعد من طريق الواقدي عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: كان عمر بن الخطاب يقول: خرج معاذ إِلى الشام لقد أخلّ خروجه بالمدينة وأهلها في الفقه، وما كان يفتيهم به، ولقد كنت كلمت أبا بكر رحمه الله أن يحبسه لحاجة الناس إليه، فأبى ليّ وقال: رجل أراد وجهاً يريد الشهادة فلا أحبسه. فقلت: والله إنَّ الرجل ليرزق الشهادة وهو على فراشه وفي بيته عظيم الغنى عن مِصره. قال كعب بن مالك: وكان معاذ بن جبل يفتي الناس بالدينة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر. كذا في الكنز. ترجيح عمر للمهاجرين الأولين على رؤساء القوم في المجلس وأخرج ابن عساكر عن نوفل بن عمارة قال: جاء الحارث بن هشام، وسهيل بن عمرو إلى عمر بن الخطاب فجلسا عنده وهو بينهما، فجعل المهاجرون الأولون يأتون عمر فيقول: ها هنا يا سهيل، ها هنا يا حارث، فينحيهما عنهم. فجعل الأنصار يأتون عمر فينحيهما عنهم كذلك حتى صارا في آخر الناس. فلما خرجا من عند عمر قال الحارث بن هشام لسهيل بن عمرو: ألم ترَ ما صنع بنا فقال له سهيل: أيها الرجل لا لوم عليه، ينبغي أن نرجع باللوم على أنفسنا، دُعِيَ القوم فأسرعوا ودُعينا فأبطأنا. فلما قاموا من عند عمر أتياه فقالا له: يا أمير المؤمنين قد رأينا ما فعلتَ اليوم وعلمنا أنا أُتينا من (قِبَلِ) أنفسنا، فهل (من) شيء نستدرك به (ما فاتنا من الفضل؟) فقال لها: لا أعلمه إلا هذا الوجه، وأشار

قول سهيل بن عمرو للرؤساء الذين قدم عمر المهاجرين عليهم

لهما إلى ثغر الروم. فخرجا إلى الشام فماتا بها. كذا في كنز العمال. وأخرجه أيضاً الزبير عن عمه مصعب عن نوفل بن عمارة بنحوه؛ كما ذكره ابن عبد البر في الإستيعاب. قول سهيل بن عمرو للرؤساء الذين قدَّم عمر المهاجرين عليهم وأخرجه الحاكم من طريق ابن المبارك عن جرير بن حازم عن الحسن يقول: حضر أناس باب عمر وفيهم: سهيل بن عمرو، وأبو سفيان بن حرب، والشيوخ من قريش رضي الله عنهم. فخرج آذنه فجعل يأذن لأهل بدر كصهيب، وبلال، وعمار رضي الله عنهم - وقال: وكان والله بدرياً، وكان يحبهم وكان قد أوصى بهم - فقال أبو سفيان: ما رأيت كاليوم قط إنه يأذن لهذه العبيد ونحن جلوس لا يلتفت إلينا. فقال سهيل بن عمرو - ويا له من رجل ما كان أعقله - أيها القوم، إِني - والله - قد أرى الذي في وجوهكم، فإن كنتم غضاباً فاغضبوا على أنفسكم، دُعِيَ القوم ودُعيتم؛ فأسرعوا وأبطأتم، أما والله لَمَا سبقوكم به من الفضل فيما يرون أشد عليكم فوتاً من بابكم هذا الذي تَنافَسون عليه، ثم قال: إن هؤلاء القوم قد سبقوكم بما ترون ولا سبيل لكم - والله - إلى ما سبقوكم إليه، فانظروا هذا الجهاد فالزموه، عسى الله عزّ وجلّ أن يرزقكم الجهاد والشهادة، ثم نفض ثوبه فقام فلحق بالشام. قال الحسن: صدق والله، لا يجعل الله عبداً أسرع إليه معبد أبطأ عنه. وهكذا ذكره في الإستيعاب وأخرجه الطبراني أيضاً عن الحسن بمعناه - مطولاً. قال الهيثمي رجاله رجال

الصحيح، إلا أن الحسن لم يسمع من عمر. انتهى. وأخرجه البخاري في تاريخه، والباوَرْدي من طريق حُميد عن الحسن بمعناه مختصراً، كما في الإِصابة. خروج سهيل ومقامه في سبيل الله حتى الموت وأخرج ابن سعد عن أبي سعيد بن فُضالة - وكانت له صحبة - قال: إصطحبت أنا وسهيل بن عمرو إلى الشام فسمعته يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مُقام أحدكم في سبيل الله ساعة من عمره خير من عمله عمره في أهله» . قال سهيل: فإنما أرابط حتى أموت، ولا أرجع إِلى مكة. قال: فلم يزل مقيماً بالشام حتى مات في طاعون عَمَواس. كذا في الإِصابة. وأخرجه الحاكم عن أبي سعيد رضي الله عنه. مثله. خروج الحارث بن هشام إلى الجهاد مع جزع أهل مكة عليه وأخرج ابن المبارك عن الأسود بن شيبان عن أبي نوفل بن أبي عقرب قال: خرج الحارث بن هشام رضي الله عنه من مكة فجزع أهل مكة جزعاً شديداً، فلم يبق أحد يطعَم إلا خرج معهُ يشيِّعه، حتى إذا كان بأعلى البطحاء أو حيث شاء الله من ذلك، وقف ووقف الناس حوله يبكون. فلما رأى جزع الناس قال: يا أيها الناس، إني - والله - ما خرجت رغبة بنفسي عن أنفسكم، ولا اختيار بلد عن بلدكم، ولكن كان هذا الأمر، فخرجت فيه رجال من قريش - والله - ولو أن جبال

رغبة خالد بن الوليد في الجهاد وطلبه القتل في سبيل الله

مكة ذهباً أنفقناها في سبيل الله؛ اأدركن يوماً من أيامهم، والله لئن فأتونا به في الدنيا لنلتمس أن نشاركهم في الآخرة، فاتَّقى الله أمرؤ فعل. فتوجّه إِلى الشام واتَّبَعه ثَقَله، فأصيب شهيداً رحمه الله. كذا في الإستيعاب. وأخرجه الحاكم. من طريق ابن المبارك. نحوه. رغبة خالد بن الوليد في الجهاد وطلبه القتل في سبيل الله وأخرج ابن سعد عن زياد مولى آل خالد قال: قال خالد رضي الله عنه عند موته: ما كان في الأرض من ليلة أحب إليّ من ليلة شديدة الجليد في سريّة من المهاجرين، أصبِّح بهم العدوّ؛ فعليكم بالجهاد. كذا في الإِصابة. وأخرجه أبو يَعْلى عن قيس بن أبي حازم قال: قال خالد بن الوليد رضي الله عنه: ما ليلة تُهدى إلى بيتي فيها عروس أنا لها محب، أو أُبشَّر فيها بغلام، بأحبّ إليّ من ليلة شديدة الجليد في سريّة من المهاجرين أصَبِّح بها العدوّ. كذا في المجمع وقال: رجاله رجال الصحيح. وأخرج أبو يَعْلى أيضاً عن قيس بن أبي حازم قال: قال خالد بن الوليد رضي الله عنه: لقد منعني كثيراً من القراءة الجهادُ في سبيل الله. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. وذكره في الإِصابة عن أبي يَعْلى عن خالد رضي الله عنه: لقد شغلني الجهاد عن تعلّم كثير من القرآن.

رغبة بلال في الخروج في سبيل الله

وأخرج ابن المبارك في كتاب الجهاد عن عاصم بن بَهْدَلة عن أبي وائل قال: لما حضرتْ خالداً رضي الله عنه الوفاةُ قال: لقد طلبت القتل مظانّه فلم يُقدَّر لي إلا أن أموت على فراشي. وما من عملي شيءٌ أرجى عندي بعد أن لا إله إلا الله من ليلة بِتُّها وأنا متترِّس، والسماء تُهلُّني تمطر إلى الصبح حتى نُغير على الكفار. ثم قال: إِذا أن متّ فانظروا في سلاحي وفرسي فاجعلوه عُدّةً في سبيل الله. فلما توفي خرج عمر رضي الله عنه إلى جنازته فقال: ما على نساء آل الوليد أن يسفحن على خالد دموعهن ما لم يكن نقعاً أو لقلقة. كذا في الإِصابة، وقال: فهذا يدلُّ على أنه مات بالمدينة ولكن الأكثر على أنه مات بحِمص. انتهى. وأخرجه الطبراني أيضاً عن أبي وائل - بنحوه مختصراً. قال الهيثمي: وإِسناده حسن. انتهى. رغبة بلال في الخروج في سبيل الله وأخرح الطبراني عن عبد الله بن محمد، وعمر، وعمار إبني حفص عن آبائهم عن أجدادهم قالوا: جاء بلال إلى أبي بكر رضي الله عنهما، فقال: يا خليفة رسول الله، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أفضل عمل المؤمنين جهاد في سبيل الله» . وقد أردت أن أرابط في سبيل الله حتى أموت. فقال أبو بكر رضي الله عنه: أنا أنشدك بالله يا بلال، وحُرمتي وحقِّي، لقد كبرت سنّي وضعفت قوتي واقترب أجلي، فأقام بلال معه، فلما توفي أبو بكر جاء عمر فقال له: مثل مقالة أبي بكر؛ فأبى بلال عليه. فقال عمر: فمن يا بلال؟ قال: إلى سعد، فإنه قد أذَّن بقُباء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل

إنكار المقداد على القعود عن الجهاد لآية النفر

عمر الأذان إلى عقبة وسعد. قال الهيثمي: وفيه عبد الرحمن بن سهل بن عمار وهو ضعيف. انتهى. وأخرجه ابن سعد أيضاً بهذا الإِسناد بنحوه. وأخرج عن موسى بن محمد بن إِبراهيم التَّيْمي عن أبيه قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أذّن بلال رضي الله عنه ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقبر، فكان إذا قال: أشهد أنَّ محمداً رسول الله إنتحب الناس في المسجد. قال: فلما دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له أبو بكر رضي الله عنه: أذّن. فقال: إن كنتَ إنما أعتقتني لأن أكون معك فسبيل ذلك، وإن كنت أعتقتني لله فخلّني ومن أعتقتني له. فقال: ما أعتقتك إلا لله. قال: فإني لا أؤذّن لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذاك إليك. قال: فأقام حتى خرجت بعوث الشام فسار معهم حتى انتهى إليها. وعن سعيد بن المسيّب: أن أبا بكر لما قعد على المنبر يوم الجمعة قال له بلال: يا أبا بكر، قال: لبيك. قال: أعتقتني لله أو لنفسك؟ قال: لله. قال: فأخذن لي حتى أغزو في سبيل الله، أذن له. فذهب إلى الشام فمات ثَمَّ. وأخرجه أبو نُعيم في الحِلية عن سعيد - بنحوه. إنكار المقداد على القعود عن الجهاد لآية النَفْر وأخرج أبو نُعيم في الحلية عن أبي يزيد المكي قال: كن أبو أيوب والمقداد رضي الله عنهما يقولان: أُمرنا أن ننفِر على كل حال، ويتأوَّلان هذه الآية: {انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً} (التوبة: 41) . وأخرج أبو نعيم في الحلية عن أبي راشد الحَبْراني قال: وافيت

صة أبي طلحة في ذلك

المقداد بن الأسود رضي الله عنه فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً على تابوت من تابوت الصيارفة بحمص، قد فَضَل عنها من عِظَمِه، يريد الغزو؛ فقلت له: لقد أعذَر إِليك. قال: أتت علينا سورة البعوث: {انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً} . وأخرجه الطبراني عن أبي راشد - بنحوه؛ قال: الهيثمي: وفيه بقيّة بن الوليد وفيه ضعف، وقد وُثِّق؛ وبقية رجاله ثقات. انتهى. وأخرجه الحاكم، وابن سعد عن أبي راشد - بنحوه. وقال الحاكم: هذا حيث صحيح الإِسناد، لم يخرِّجاه. انتهى. وأخرجه البيهقي عن جُبير بن نُفير قال: جلسنا إلى المقداد بن الأسود رضي الله عنه بدمشق وهو على تابوت ما به عنه فَضْل. فقال له رجل: لو قعدت العام عن الغزو. قال: أتت علينا سورة البعوث يعني سورة التوبة؛ قال الله تبارك وتعالى: {انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً} فلا أجدني إِلا خفيفاً. قصة أبي طلحة في ذلك وذكر ابن عبد البر في الإستيعاب عن حمَّاد بن سلمة عن ثابت البُناني، وعلي بن زيد عن أنس: أن أبا طلحة رضي الله عنه قرأ سورة براءة؛ أتى على قوله تعالى: {انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً} . فقال: لا أرى ربَّنا إلا يستنفرنا شباباً

قصة أبي أيوب في ذلك

وشيوخاً؛ يا بَنيَّ، جهّزوني جهّزوني. فقالوا له: يرحمك الله قد غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات، ومع أبي بكر رضي الله عنه حتى مات، ومع عمر رضي الله عنه حتى مات؛ فدعنا نغزُ عنك. قال: لا، جهزوني، فغزا البحر فمات في البحر، فلم يجدوا له جزيرة يدفنونه فيها إلا بعد سبعة أيام، فدفنوه بها وهو لم يتغير. انتهى. وأخرجه ابن سعد من طريق ثابت، وعلي عن أنس - بنحوه مطوّلاً. وقد أخرجه البيهقي: والحاكم من طريق حماد عن ثابت وعلي عن أنس بمعناه مختصراً، قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرِّجاه. وأخرجه أيضاً أبو يعلى كما في المجمع مختصراً، وقال: رجاله رجال الصحيح. قصة أبي أيوب في ذلك وأخرج الحاكم عن محمد بن سِيرين قال: شهد أبو أيوب رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدراً، ثم لم يتخلَّف عن غزاة إلا عاماً واحداً؛ فإنه أستُعمل على الجيش رجلٌ شاب فقعد ذلك العام؛ فجعل بعد ذلك (العام) يتلهّف ويقول: ما عليّ من أستُعمل (عليَّ - ثلاثاً - قال) ، فمرض وعلى الجيش يزيد بن معاوية. فدخل عليه يعوده فقال: ما حاجتك؟ فقال: حاجتي إذا أنا متّ، فاركب بي ثم سُغْ بي في أرض العدوّ ما وجدت مساغاً، فإذا لم تجد مساغاً فادفني، ثم إرجع (فلما مات ركب به ثم سار به في أرض العدو وما وجد مساغاً ثم دفنه ثم رجع) . قال: وكان أبو أيوب رضي الله عنه يقول: قال الله عزّ وجلّ: {انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً} فلا أجدُني إلا خفيفاً أو ثقيلاً.

قصة أبي خيثمة في ترك نعيم الدنيا والخروج في سبيل الله

وأخرجه أيضاً ابن سعد عن محمد - بنحوه، كما في الإِصابة. وقال: ورواه ابن إسحاق الفَزَاري عن محمد، وسمّى الشاب: عبد الملك بن مروان - انتهى. وأخرج ابن عبد البرّ في الإستيعاب عن أبي ظَبْيان عن أشياخه عن أبي أيوب رضي الله عنه: أنه خرج غازياً في زمن معاوية رضي الله عنه فمرض. فلما ثَقُل قال لأصحابه: إِذا أنا متّ فاحملوني؛ فإذا صاففتم العدو فادفنوني تحت أقدامكم؛ ففعلوا - وذكر تمام الحديث. انتهى. وأخرجه الإِمام أحمد كما في البداية عن أبي ظَبْيان قال: غزا أبو أيوب رضي الله عنه مع يزيدَ بن معاوية. قال فقال: إِذا متّ فأدخلوني في أرض العدو، فادفنوني تحت أقدامكم حيث تلقَون العدوّ. قال: ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة» . وأخرجه ابن سعد نحو سياق ابن عبد البرّ. قصة أبي خيثمة في ترك نعيم الدنيا والخروج في سبيل الله وذكر ابن إسحاق أن أب خيثمة رجع - بعدما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم أياماً - إلى أهله في يوم حار، فوجد إمرأتين له في عريشين لهما في

حائطه، قد رشَّت كل واحدة منها عريشها وبرَّدت (له) فيه ماء وهيأت له فيه طعاماً. فلما دخل قام على باب العريش فنظر إلى إمرأتيه وما صنعتا له. فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضحِّ والريح والحرّ، وأبو خيثمة في ظلّ بارد وطعام مهيّأ وامرأة حسناء (مقيم) في ماله، ما هذا بالنَّصَف (ثم قال) الله، لا أدخل عريش وحدة منكما حتى ألحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فهيِّئا (لي) زاداً، ففعلتا. ثم قدّم ناضحه فارتحله، ثم خرج في طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أدركه حين نزل تبوك، وقد كان أدرك أبا خيثمة عميرُ بن وهْب الجمحي في الطريق يطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فترافقا حتى إذا دَنَا من تبوك. قال أبو خيثمة لعُمير بن وهْب: إنَّ لي ذنباً فلا عليك أن تتخلَّف عني حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعل حتى إذا دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم (وهو نازل بتبوك) قال الناس: هذا راكب على الطريق مقبل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «كُنْ أبا خيثمة» . فقالوا: يا رسول الله هو - والله - أبو خيثمة فلما أناخ) أقبل فسلَّم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: (رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أولى لك يا أبا خيثمة» : خيراً، ودعا له بخير. وقد ذكر عُروة بن الزبير، وموسى بن عُقبة بن قصَّة أبي خيثمة بنحو من سياق ابن إسحاق وأبسط، وذكر أن خروجه إلى تبوك كان في زمن الخريف. كذا في البداية. وأخرج الطبراني كما في المجمع عن سعد بن خيثمة رضي الله

حزن الصحابة رضي الله عنهم على عدم القدرة على الخروج

عنه قال: تخلّفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلت حائطاً، فرأيت عريشاً قد رُش بالماء، ورأيت زوجتي، فقلت: ما هذا بالإِنصاف، إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في السَّموم والحميم وأنا في الظلّ والنعيم فقمت إلى ناضح فاحتقبته، وإِلى تمرات فتزوَّدتها، فنادت زوجتي: إلى أين يا أبا خيثمة؟ فخرجت أُريد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنت ببعض الطريق لقيني عُمير بن وهب، فقلت: إنك رجل جريء وإني أعرف جئت رضي الله عنه، وإني أمرؤ مذنب، فتخلّف عني حتى أخلوَ برسول الله صلى الله عليه وسلم فتخلف عني عمير. فلما طلعت على العسكر فرآني الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «كُنْ أبا خيثمة» .d فجئت فقلت: كدتُ أهلِك يا رسول الله فحدثته حديثي. فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم خيراً، ودعا لي. قال الهيثمي: وفيه يعقوب بن محمد الزهري، وهو ضعيف. انتهى. حزن الصحابة رضي الله عنهم على عدم القدرة على الخروج والإِنفاق في سبيل الله قصة أبي ليلى وعبد الله بن مُغَفَّل قال ابن إسحاق: بلغني أن ابن يامين النَّضْري لقي أبا ليلى وعبد الله بن مُغَفَّل رضي الله عنهما وهما يبكيان. فقال: ما يبكيكما؟ قالا: جئنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحملَنا، فلم نجد عنده ما يحملنا عليه، وليس عندنا ما نتقوّى به على

الخروج معه. فأعطاهما ناضحاً له، فارتحلاه وزوّدهما شيئاً من تمر، فخرجا مع رضي الله عنه. زاد يونس بن بكير عن ابن إسحاق: وأما عُلْبة بن زيد رضي الله عنه فخرج من الليل فصلَّى من ليلته ما شاء الله ثم بكى وقال: اللهمّ إنك أمرتَ بالجهاد ورغَّبتَ فيه، ثم لم تجعل عندي ما أتقوّى به، ولم تجعل في يد رسولك ما يحملني عليه، وإني أتصدّق على كل مسلم بكل مظلِمة أصابني (بها) في مال أو جسد أو عرض، ثم أصبح مع الناس. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أين المتصدّق هذه الليلة؟» فلم يقم أحد، ثم قال: «أين المتصدّق، فلْيقم؟» فقام إليه فأخبره. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أبشر، فوالذي نفسي بيده لقد كُتبت في الزكاة المتقبّلة» .. كذا في البداية. قال في الإِصابة: ذكر ابن إسحاق الحديث بغير إسناد، وقد ورد مسنداً موصولاً من حديث مجمع بن جارية، ومن حديث عمرو بن عوف وأبي عبس بن جَبْر، من حديث عُلْبة بن زيد وقتيبة. فقد روى ذلك ابن مردويه عن مجمع بن حارثة. قصة علبة بن زيد رضي الله عنه وروى ابن منده عن أبي عَبْس بن جَبْر قال: كان عُلبة بن زيد بن حارثة رضي الله عنه رجلاً من أصحاب رضي الله عنه. فلما حضّ على الصدقة جاء كل رجل منهم بطاقته وما عنده. فقال عُلبة بن زيد: اللهمَّ إنَّه ليس عندي ما أتصدّق بن. اللهمَّ إنِّي أتصدّق بعِرضي على من ناله من خلقك. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم منادياً، فنادى: «أين المتصدِّق بعرضه البارحة؟» . فقام علبة فقال: «قد قُبلت صدقتك» .

الإنكار على من أخر الخروج في سبيل الله

وروى البزار عن لُبة بن زيد رضي الله عنه نفسِه قال: حثّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصدقة - فذكر الحديث. قال البزّار: عُلبة هذا رجل مشهور من الأنصار، ولا نعلم له غير هذا الحديث. وروى ابن أبي الدنيا، وابن شاهين من طريق كَثِير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده نحوه - انتهى مختصراً. وأخرجه ابن النجار عن عُلبة بن زيد - مختصراً؛ كما في كنز العمال. الإِنكار على من أخّر الخروج في سبيل الله إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على ابن رواحة أخرج الإِمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى مؤتة، فاستعمل زيداً، فإنْ قتل زيد فجعفر، فإنْ قتل جعفر فابن رواحة؛ فتخلّف ابن رواحة. فجمَّع مع النبي صلى الله عليه وسلم فرآه فقال: ما خلَّفك؟ فقال: أجمِّع معك. قال: لَغَدوة أو رَوْحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها» - كذا في البداية. وأخرجه أيضاً ابن أبي شيبة عن ابن عباس - نحوه؛ كما في الكنز. وأخرج الإِمام أحمد أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة رضي الله عنه في سريّة، فوافق ذلك يوم

الجمعة. قال: فقدَّم أصحابه وقال: أتخلَّف فأصلِّي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة، ثم ألحقهم. قال: فلما صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه، فقال: «ما منك أن تغدوَ مع أصحابك؟» فقال: أردتُ أن أصلِّي معك الجمعة ثم ألحقَهم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لو أنفقتَ ما في الأرض جميعاً ما أدركت غَدْوتهم» . وهذا الحديث قد رواه الترمذي ثم علَّله بما حكاه عن شُعبة أنه قال: لم يسمع الحكم عن مُقَسِّم إلا خمسةَ أحاديث، وليس هذا منها. كذا في البداية. إنكاره صلى الله عليه وسلم على رجل من أصحابه تأخيره الخروج وأخرج الإِمام أمد أيضاً عن معاذ بن أنس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر أصحابه بالغزو. فقال رجل لأهله: أتخلّف حتى أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أسلِّم عليه وأودّعه، فيدعو لي بدعوة تكون سابقة يوم القيامة. فلما صلَّى النبي صلى الله عليه وسلم أقبل الرجل مسلِّماً عليه. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «أتدري بكم سبقك أصحابك؟» قال: نعم، سبقوني اليوم بغدوتهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «والذي نفسي بيده لقد سبقوك بأبعدَ ممّا بين المشرقين والمغربين في الفضيلة» . قال الهيثمي: وفيه زَبَّان بن فائد وثَّقه أبو حاتم، وضعَّفه جماعة؛ وبقية رجاله ثقات. انتهى. أمره عليه السلام سرية بالخروج في الليل وأخرج البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسرّية تخرج. فقالوا: يا رسول الله، أنخرج الليلة أم نمكث حتى نصبِّح؟ فقال:

إنكار عمر على معاذ بن جبل تأخيره الخروج

«أوَ لا تحبون أن تبيتوا في خريف من خرائف الجنة؟» - والخريف: الحديقة - وأخرجه الطبراني أيضاً عن أبي هريرة - بنحوه: قال الهيثمي: وشيخه بكر بن سهل الدِمياطي؛ قال الذهبي: مقارب الحديث؛ وقال النِّسائي: ضعيف، وفيه ابن لهيعة أيضاً. انتهى. إنكار عمر على معاذ بن جبل تأخيره الخروج أخرج ابن راهَوَيْهِ، والبيهقي عن أبي زُرعة بن عمر بن جرير قال: بعث عمر بن الخطاب جيشاً وفيهم معاذ بن جبل رضي الله عنهما، فلما ساروا رأى معاذاً، فقال: ما حبسك؟ قال: أردت أن أصلِّي الجمعة ثم أخرج. فقال عمر: أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الغَدْوة والرَّوْحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها؟» كذا في كنز العمال. العتاب على من تخلَّف عن سبيل الله وقصَّر فيه قصة كعب بن مالك الأنصاري أخرج البخاري عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: لم أتخلّف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها إلا في غزوة تبوك، غير أني كنت تخلّفت في غزوة بدر ولم يعاتِب أحداً تخلّف عنها؛ إِنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد عِيَ قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوّهم على غير ميعاد. ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة حين تواثقنا على الإِسلام، وما أحبّ أن لي بها مشهد بدر؛ وإن كانت بدر أذكَرَ في الناس منها. وكان من خبري: أني لم أكن قطُّ

أقوى ولا أيسر حين تخلَّفت عنه في تلك الغزوة، والله ما اجتمعت عندي قبله راحلتان قطّ حتى جمعتهما في تلك الغزوة، ولم يكن رسول الله يريد غزوة إلا ورّى بغيرها، حتى كانت تلك الغزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حرّ شديد، واستقبل سفراً بعيد ومفازاً وعدوّاً كثيراً، فجلَّى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم، فأخبرهم بوجهه الذي يريد. والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير ولا يجمعهم كتاب حافظ - يريد الديوان -. قال كعب: فما رجل يريد أن يتغيب إلا ظنّ أنْ سيخفى له ما لم ينزل فيه وحي الله. وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال، وتجهّز رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه. فطفقت أغدو لكي أتجهَّز معهم فأرجع ولم أقضِ شيئاً، فأقول في نفسي: أنا قادر عليه، فلم يزل يتمادَى بي حتى اشتد بالناس الجدّ، فأصبح رسول الله والمسلمون معه، لم أقضِ من جَهازي شيئاً، فقلت: أتجهز بعد يوم أو يومين، ثم ألحقهم؛ فغدوت بعد أن فَصَلوا لأتجهّز، فرجعت ولم أقضِ شيئاً. ثم غدوت، ثم رجعت ولم أقضِ شيئاً. فلم يزل بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو، وهممت أن أرتحل فأدركهم، - وليتني فعلت - فلم يقدَّر لي ذلك. فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفت فيهم، أحزنني أني لا أرى إِلا رجلاً مغموصاً عليه النفاق، أو رجلاً ممن عذر الله من الضعفاء. ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك. فقال - وهو جالس في القوم بتبوك -: «ما فعل كعب؟» فقال رجل من بني سِلمة؛ يا رسول الله، حبسه بُراده ونَظَرُه في عِطْفيه، فقال معاذ بن جبل: بئس ما قلت، والله يا رسول الله، ما علمنا عليه إِلا خيراً، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال كعب بن مالك: فلما بلغني أنه توجه قافلاً حضرني همِّي، وطفقت أتذكَّر الكذب وأقول: بماذا أخرج من سخطه غداً؟ واستعنتُ على ذلك بكل ذي رأيٍ من أهلي. فلما قيل: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظلَّ قادماً زاح عني الباطل، وعرفت أنِّي لن أخرج منه أبداً بشيء فيه كذب، فأجمعت صدقه. وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قادماً، فكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين، ثم جلس للناس. فلما فعل ذلك جاءه المخلَّفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له - وكانوا بضعةً وثمانين رجلاً - فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم، وبايعهم واستغفر لهم، ووكَل سرائرهم إلى الله عزّ وجلّ. فجئته، فلما سلّمت عليه تَبَسَّم تَبَسُّمِ المُغْضَب، ثم قال: «تعالَ» . فجئت أمشي حتى جلست بين يديه. فقال لي: «ما خلّفك؟ ألم تكن قد ابتعتَ ظَهْرك؟» فقلت: بلى، إني - والله - لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيتُ أن سأخرج من سخطه بعذر، ولقد أُعطيتُ جدلاً، ولكني - والله - لقد علمتُ لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضَى به عني ليوشِكَنَّ الله أنْ سخطك عليّ، ولئن حدثتك حديث صدق تجد عليّ فيه إني لأرجو فيه عفو الله، لا والله ما كان لي من عذر، ووالله ما كنت قطُّ أقوى ولا أيسر مني حين تخلّفت عنك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أمّا هذا فقد صدق، فقم حتى يقضيَ الله فيك» . فقمت. فثار رجال من بني سَلِمة فاتَّبعوني فقالوا لي: والله ما علمناك كنت أذنبت ذنباً قبل هذا؟ ولقد عَجزَت أن لا تكون اعتذرتَ إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر إليه المخلّفون، وقد كان كافيكَ ذنبَكَ إستغفارُ رسول الله صلى الله عليه وسلم لك. فوالله ما زالوا يؤنّبونني حتى هممت أن أرجع فأكذِّب نفسي، ثم قلت لهم: هل لقي هذا معي أحد؟ قالوا: نعم، رجلان. قالا مثل ما قلت، وقيل لهما: مثل ما قيل لك. فقلت: من هما؟ قالوا: مُرارة بن الربيع العَمْري، وهِلال بن أمية الواقفي، فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدراً فيهما أُسوة، فمضيت حين ذكروهما لي. ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا أيُّها الثلاثة من بين من تخلّف

عنه، فاجْتنبَنَا الناس وتغيّروا لنا حتى تنكرت في نفسي الأرضُ، فما هي التي أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة، فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأما أنا فكنت أشَبَّ القوم وأجلَدهم؛ فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين، وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أحد، وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلّمُ عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة، وأقول في نفسي: هل حرَّك شفتيه بردّ السلام عليّ أم لا؟ ثم أصلِّي قريباً منه فأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي أقبل إليّ، وإِذا التفتّ نحوه أعرض عني. حتى إذا طال عليّ ذلك من جَفْوة الناس مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة - وهو ابن عمِّي وأحبُّ الناس إليّ - فسلَّمت عليه، فوالله ما رد عليّ السلام؛ فقلت: يا أبا قتادة، أنشدك بالله هل تعلمني أحبّ الله ورسوله؟ فسكت. فعدت له فنَشَدته، فسكت. فعدت له فنَشَدته، فقال: الله ورسوله أعلم. ففاضت عيناي وتولّيت حتى تسوَّرتُ الجدار. قال: وبينا أنا أمشي بسوق المدينة إذا نَبَطيٌ من أنباط أهل الشام ممّن قدم بطعام يبيعه بالمدينة يقول: من يدلّني على كعب بن مالك؟ فطفق الناس يشيرون له، حتى إِذا جاءني دفع إليّ كتاباً من ملك غسان (في سَرَقة من حرير) فإذا فيه: ب>2 «أما بعد: فإنه قد بلغني أنَّ صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هَوانٍ ولا مَضْيَعة، فالحقْ بنا نواسِك» . فقلت لما قرأتها وهذا أيضاً من البلاء، فتيممت بها التنور فسجرته بها. (فأقمنا على ذلك) ، حتى إذا مضَت أربعون ليلة من الخمسين، إِذا رسولُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يأتيني، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل إمرأتك. فقلت: أطلّقها أم ماذا أفعل؟ قال: «لا، بل إعتزلها ولا تقربها» ، وأرسل إلى

صاحبيّ بمثل ذلك. فقلت لامرأتي: إلحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر. قال كعب: فجاءت إمرأة هلال بن أُمية إلى رسول الله فقالت: يا رسول الله إنَّ هلال بن أُمية شيخ ضائع، ليس له خادم، فهل تكره أن أخدمه؟ قال: «لا، ولكن لا يقربْك» . قالت: إنه - والله - ما به حركة إلى شيء، والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إِلى يومه هذا. فقال لي بعض أهلي: لو استأذنتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في إمرأتك كما استأذن هلال بن أُميّة أن تخدمه. فقلت: والله لا أستأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يُدريني ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذا استأذنته فيها، وأنا رجل شاب؟. قال: فلبثت بعد ذلك عشر ليالٍ حتى كملت لن خمسون ليلة من حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا. فلما صليت الفجر صبح خمسين ليلة وأنا على ظهر بيت من بيوتنا، فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله عزّ وجلّ قد ضاقت عليَّ نفسي، وضاقت عليَّ الأرض بما رحبت - سمعت صوت صارخ أوفى على جبل سَلْع يقول بأعلى صوته: يا كعب أبشر، فخررت ساجداً، وعرفت أن قد جاء فرج. وآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بتوبة الله علينا حين صلَّى صلاة الفجر. فذهب الناس يبشِّروننا، وذهب قَبِل صاحبيَّ مبشرون، وركض رجل إليّ فرساً، وسعى ساعٍ من أسلَم فأوفى على الجبل فكان الصوت أسرع من الفرس. فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبيَّ فكسوته إياهما ببشراه، ووالله ما أملك غيرهما يومئذٍ، واستعرت ثوبين فلبستهما، وانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلقاني الناس فوجاً فوجاً يهنئونني بالتوبة يقولون: لتهنِكَ توبة الله عليك. قال كعب: حتى دخلت المسجد فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم جالس حولَه الناس؛ فقام إليّ طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه يهرول حتى صافحني وهنّأني، والله ما قام إليّ رجل من المهاجرين غيرُه؛ ولا أنساها لطلحة. قال كعب: فلما سلّمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وهو

يبرق وجهه من السرور - «أبشر بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمك» قال قلت: أمِنْ عندك يا رسول الله أم من عند الله؟ قال: «لا، بل من عند الله» ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سُرّ استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر؛ وكنا نعرف ذلك منه. فلما جلست بين يديه قلت: يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي صَدَقةً إلى الله وإِلى رسوله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك. قلت: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر، وقلت: يا رسول الله إنَّ الله إنما نجّاني بالصدق، وإِن من توبتي، ألا أُحدِّث إلا صدقاً ما بقيت؛ فوالله ما أعلم أحداً من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن مما أبلاني، ما تعمدت منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا كذباً، وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقيت وأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم {لَقَدْ تَابَ الله عَلَى النَّبِىّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالاْنصَارِ} - إلى قوله - {وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} (التوبة: 117 - 119) ، فوالله ما أنعم الله عليّ من نعمة قط بعد أن هداني للإِسلام أعظم من نفسي من صدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أكون كذبته، فأهلِك كما هلَك الذين كذبوا؛ فإن الله تعالى قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي شرّ ما قال لأحد؛ قال الله تعالى: {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَآء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} (التوبة: 95/ 96) . قال كعب: وكنا خُلِّفنا - أيها الثلاثة - عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حلفوا له فبايعهم واستغفر لهم، وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا حتى قضى الله فيه. فبذلك قال الله تعالى: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الارْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (التوبة: 118) ، ليس الذي ذكر الله مما خُلِّفنا من الغزو، وإنما هو تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا عمن

حلف له، واعتذر إليه، فقبل منهم. وهكذا رواه مسلم، وابن إسحاق. رواه الإِمام أحمد بزيادات يسيرة. كذا في الإِصابة. وأخرجه أيضاً أبو داود، والنِّسائي بنحوه مفرقاً مختصراً. وروى الترمذي قطعة من أوله، ثم قال: وذكر الحدث. كذا في الترغيب. وأخرجه البيهقي بطوله. التهديد على من أقام في الأهل والمال وترك الجهاد تحقيق أبي أيوب في مراد آية {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} أخرج البيهقي عن أبي عمران رضي الله عنه قال: كنا بالقسطنطينية، وعلى أهل مصر عُقبة بن عامر، وعلى أهل الشام رجل - يريد فَضالة بن عبيد - رضي الله عنهما، فخرج من المدينة صف عظيم من الروم، فصففنا لهم، فحمل رجل من المسلمين على الروم حتى دخل فيهم ثم خرج علينا، فصاح الناس إِليه فقالوا: سبحان الله ألقى بيده إلى التهلكة. فقام أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه - صاحبُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ فقال: يا أيها الناس، إِنكم لتأوِّلون هذه الآية على هذا التأويل، إنما أنزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار، إِنَّا لما أعزّ الله دينه وكَثُر ناصروه فقلنا - فيما بيننا بعضنا لبعض سراً من رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ: إِنَّ أموالنا قد ضاعت، فلو أقمنا فيها فأصلحنا ما ضاع منها. فأنزل

الله عزّ وجلّ - يردّ علينا ما هممنا به - فقال: {وَأَنفِقُواْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُواْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (البقرة: 195) ، فكانت التهلكة في الإِقامة التي أردنا أن نقيم في أموالنا نصلحها. فأمرنا بالغزو فما زال أبو أيوب رضي الله عنه غازياً في سبيل الله حتى قبضه الله عزّ وجلّ. وأخرجه أيضاً البيهقي من وجه آخر عن أبي عمران رضي الله عنه قال: غزونا المدينة - يريد القُسطنطينية -، وعلى الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، والروم ملصقو ظهورهم بحائط المدينة. فحمل رجل على العدوّ. فقال الناس: مَهْ مَهْ لا إله إلا الله يلقي بيده إلى لتهلكة. فقال أبو أيوب رضي الله عنه: إنما أُنزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار؛ لمّا نصر الله نبيه وأظهر الإِسلام. قلنا: هَلُمَّ نقيم في أموالنا ونصلحها. فأنزل الله تعالى: {وَأَنفِقُواْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} ، فالإِلقاء بأيدينا إلى التهلكة أن نقيم في أموالنا ونصلحَها وندعَ الجهاد. قال أبو عمران: فلم يزل أبو أيوب يجاهد في سبيل الله حتى دفن بالقُسطنطينية. وأخرج أبو داود، والترمذي، والنِّسائي عنأ بي عمران رضي الله عنه قال: حمل رجل من المهاجرين بالقُسطنطينية على صفِّ العدوّ حتى خرقه؛ ومعنا أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه. فقال ناس: ألقَى بيده إلى التهلكة. فقال أبو أيوب: نحن أعلم بهذه الآية، إنما نزلت فينا. صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهدنا معه المشاهد ونصرناه، فلما فشا الإِسلام وظهر اجتمعنا معشر الأنصار تحبّباً، فقلنا: قد أكرمنا الله بصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونصره حتى فشا الإِسلام وكثر

إنكار عبد الله بن عمرو بن العاص على رجل ترك الجهاد

أهله، وكنا قد آثرناه على الأهلين والأموال والأولاد، وقد وضعت الحرب أوزارها، فنرجع إلى أهلينا وأولادنا فنقيم فيهما؛ فنزل فينا {وَأَنفِقُواْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} ، فكانت التهلكة في الإِقامة في الأهل والمال وترك الجهاد. وأخرجه أيضاً عبد بن حُميد في تفسيره، وابن أبي حاتم، وابن جرير، وابن مَرْدَوَيْه، وأبو يَعْلى في مسنده، وابن حِبَّان في صحيحه، والحاكم في مستدركه. وقال الترمذي: حسن صحيح غريب. وقال الحاكم: على شرط الشيخين، ولم يخرِّجاه. كذا في تفسير لابن كثير. التهديد والترهيب لمن اشتغل بالزراعة وترك الجهاد إنكار عمر على عبد الله العنسي أخرج ابن عائذ في المغازي عن يزيد بن أبي حبيب قال: بلغ عمر بن الخطاب أنَّ عبد الله بن الحرّ العنسي رضي الله عنهما زرع أرضاً بالشام، فأنهب زرعه وقال: إنطلقت إلى ذلَ وصَغار في أعناق الكبار، فجعلته في عنقك. كذا في الإِصابة. إنكار عبد الله بن عمرو بن العاص على رجل ترك الجهاد وأخرج أبو نعيم في الحلية عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني قال: مرّ

بعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما نفر من أهل اليمن، فقالوا له: ما تقول في رجل أسلم فحسن إسلامه، وهاجر فحسنت هجرته، وجاهد فحسن جهاده، ثم رجع إلى أبويه باليمن فبرّهما ورحمهما؟ قال: ما تقولون أنتم؟ قالوا نقول: قد ارتدّ على عقبيه.d قال: بل هو في الجنة؛ ولكن سأخبركم بالمرتد على عقبيه: رجل أسلم فحسن إسلامه، وهاجر فحسنت هجرته، وجاهد فحسن جهاده، ثم عَمَدَ إلى أرض نَبَطيّ فأخذها منه بجزيتها ورزقها، ثم أقبل عليها يعمّرها وترك جهاده، فذلك المرتد على عقبيه. السرعة في السير في النفر في سبيل الله لاستئصال الفتنة قصة غزوة المُرَيْسيع أخرج البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: كنا في غزاة - قال سفيان مرة: في جيش - فكسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار؛ فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين: فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ما بال دعوى جاهلية؟» قالوا: يا رسول الله كسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال: «دعوها فإنَّه منتنة» . فسمع بذلك عبد الله بن أبيّ فقال: فَعَلوها؟؛ - والله - لئن رجعنا إلى المدينة ليخرِجنّ الأعزّ منها الأذلّ. فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقام عمر رضي الله عنه فقال: يا رسول الله دَعْني أضربْ عنق هذا المنافق. فقال النبي صلى الله عليه وسلم «دَعْه، لا يتحدّث الناس أنَّ محمداً يقتل أصحابه» . كانت الأنصار أكثر من المهاجرين حين قدموا المدينة، ثم إن المهاجرين كثروا بعد. وأخرجه أيضاً مسلم، والإِمام أحمد، والبيهقي عن

جابر رضي الله عنه - بنحوه؛ كما في التفسير لابن كثير. وأخرج ابن أبي حاتم عن عروة بن الزبير، وعمرو بن ثابت الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا غزوة المُرَيْسيع، - وهي التي هدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها مناة الطاغية التي كانت بين قفا المشلَّل وبين البحر - فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد رضي الله عنه فكسر مَناة، فاقتتل رجلان في غزوة رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك، أحدهما من المهاجرين والآخر من بَهْز - وهم حلفاء الأنصار - فاستعلى الرجل الذي من المهاجرين على البهزيّ، فقال: يا معشر الأنصار، فنصره رجال من المهاجرين، حتى كان بين أولئك الرجال من المهاجرين والرجال من الأنصار شيء من القتال. ثم حُجز بينهم، فانكفأ كل منافق أو رجل في قلبه مرض إلى عبد الله بن أبيّ بن سلول. فقال: قد كنت تُرجى وتَدفع فأصبحت لا تضرّ ولا تنفع، قد تناصرت علينا الجلابيب - وكانوا يَدْعون كل حديثِ الهجرة الجلابيب - فقال عبد الله بن أُبيّ - عدو الله - والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ. قال مالك بن الدُّخشْن - وكان من المنافقين -: ألم أقل لكم لا تنفقوا على من عندَ رسول الله حتى ينفَضُّوا؟ فسمع بذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأقبل حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إئذن لي في هذا الرجل الذي قد أفتن الناس أضربْ عنقه - يريد عمر رضي الله عنه عبد الله بن أُبيّ -. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: «أوَ قاتله أنت إن أمرتك بقتله؟» فقال: عمر: نعم - والله - لئن أمرتني بقتله لأضربنَّ عنقه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إجلس. فأقبل أُسَيد بن حُضَير رضي الله عنه وهو أحد الأنصار ثم أحد بني عبيد الأشهل حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إئذن لي في هذا الرجل الذي قد أفتن الناس أضربْ عنقه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أوَ قاتله أنت إن أمرتك بقتله؟ قل: نعم - والله - لئن أمرتني بقتله لأضربنّ بالسيف

الإنكار على من لم يتم الأربعين في سبيل الله

تحت قُرْط أُذنيه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إجلس؛ ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «آذنوا بالرحيل» ، فهجَّر بالناس، فسار يومه وليلته والغد حتى متع النهار؛ ثم نزل ثم هجَّر بالناس مثلها حتى صبَّح في ثلاث سارها من قفا المشلّل. فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أرسل إلى عمر فدعاه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أيْ عمر، أكنت قاتله لو أمرتك بقتله؟» فقال عمر: نعم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لو قتلته يومئذٍ لأرغمت أنوف رجال، لو أمرتهم اليوم بقتله لقتلوه، فيتحدّث الناس أنِّي قد وقعت على أصحابي فأقتلهم صَبْراً وأنزل الله عزّ وجلّ: {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لاَ تُنفِقُواْ عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّواْ} - إلى قوله تعالى - {يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى الْمَدِينَةِ} (المنافقون: 7، 8) - الآية. قال ابن كثير في تفسيره: هذا سياق غريب، وفيه أشياء نفيسة لا توجد إلا فيه، انتهى. وقال ابن حجر في فتح الباري: وهو مرسل جيد. انتهى. وقد ذكر ابن إسحاق القصة بطولها كما في الإِصابة، وفي سياقه: ثم مشى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس يومهم ذلك حتى أمسى، وليلتهم حتى أصبح، وصَدْرَ يومهم ذلك حتى آذتهم الشمس، ثم نزل بالناس فلم يلبثوا أن وجدا مَسَّ الأرض فوقعوا نياماً، وإنما فعل ذلك ليشغل الناس عن الحديث الذي كان بالأمس من حديث عبد الله بن أُبيّ. الإِنكار على من لم يتم الأربعين في سبيل الله أخرج عبد الرزاق عن زيد بن أبي حبيب قال: جاء رجل إِلى عمر

الخروج لثلاثة أربعينات في سبيل الله

بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: أينت كنت؟ قال: كنت في الرب اط. قال: كم رابطت قال: ثلاثين. قال: فهلا أتممت أربعين. كذا في كنز العمال. الخروج لثلاثة أربعينات في سبيل الله قصة إمرأة وما قضى عمر في الخروج في سبيل الله أخرج عبد الرزاق عن ابن جُريج قال: أخبرني من أصدِّق أن عمر رضي الله عنه بينا هو يطوف سمع إمرأة تقول: تطاول هذا الليلُ واسودَّ جانبهْ وأرَّقني أن لا حبيبَ ألاعبُهْ فلولا حِذارُ الله لا شيءَ مثلُه لزُعزع من هذا السرير جوانبُهْ فقال عمر رضي الله عنه: مالك؟ قالت: أغرَبْت زوجي منذ أشهر، وقد اشتقت إليه. قال: أردتِ سوءاً. قالت: معاذ الله قال: فاملكي عليك نفسك، فإنما هو البريد إليه. فبعث إِليه، ثم دخل على حفصة رضي الله عنها فقال: إني سائلك عن أمر قد أهمّني فأفرجيه عني، في كم تشتاق المرأة إلى زوجها؟ فخفَضَت رأسها واستحيت. قال: فإن الله لا يستحيي من الحق. فأشارت بيدها ثلاثة أشهر، وإلا فأربعة أشهر. فكتب عمر رضي الله عنه أن لا تُحبس الجيوش فوق أربعة أشهر. كذا في الكنز. وأخرجه البيهقي من طريق مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه من الليل فسمع إمرأة تقول: تطاول هذا الليل واسود جانبه وأرَّقني أنْ لا حبيبَ ألاعبُهْ

فقال عمر بن الخطاب لحفصة بنت عمر رضي الله عنهما: كم أكثرَ ما تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت: ستةَ أو أربعةَ أشهر. فقال عمر: لا أحبس الجيش أكثر من هذا. رغبة الصحابة في تحمُّل الغبار في سبيل الله إنكاره عليه السلام على كراهية الغبار في سبيل الله أخرج الطبراني عن ربيعِ بن زيد قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير معتدلاً إذ أبصر شاباً من قريش يسير معتزلاً (عن الطريق) . فقال: «أليس ذاك فلاناً؟» قالوا نعم. قال: «فادعوه» ، فجاء فقال له النبي صلى الله عليه وسلم «مالك اعتزلت عن الطريق؟» قال: كرهت الغبار. قال: «فلا تعتزله، فوالذي نفسي بيده إِنه لذريرة الجنة» . قال الهيثمي: رواه الطبراني، ورجاله ثقات. انتهى. قصة جابر بن عبد الله في الباب وأخرج ابن حِبَّان في صحيحه عن أبي المُصبِّح المُقْرائي قال: بينما نحن نسير بأرض الروم في طائفة عليها مالك بن عبد الله الخثعمي، إذ مرّ مالك بجابر بن عبد الله رضي الله عنهما وهو يقود بغلاً له، فقال له مالك: أيْ أبا عبد الله إركب فقد حملك الله. فقال جابر: أصلح دابتي، وأستغني عن قومي، وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من اغبرت قدماه في سبيل الله حرَّمه الله على النار» . فسار حتى إذا كان حيث يسمعه الصوت نادى بأعلى صوته: يا أبا عبد الله إركب فقد حملك الله، فعرف جابر الذي يريد، فقال أصلح

الخدمة في الجهاد في سبيل الله خدمة المفطرين للصائمين في سبيل الله

دابتي، وأستغني عن قومي، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من اغبرت قدماه في سبيل الله حرّمه الله على النار. فتواثب الناس عن دوابهم، فما رأيت يوماً أكثر ماشياً منه. ورواه أبو يَعْلى بإسناد جيِّد إلا أنه قال: عن سليمان بن موسى قال: بينما نحن نسير - فذكره بنحوه؛ وقال فيه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما اغبرت قدما عبد في سبيل الله إلا حرّم الله عليهما النار» ؛ فنزل مالك ونزل الناس يمشون، فما رئي يومُ أكثر ماشياً منه. كذا في الترغيب. قال الهيثمي: رواه أبو يَعلى، ورجاله ثقات. انتهى. وقال في الإِصابة: وهذا الحديث قد أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده بسنده المذكور - أي عن أبي المُصَبِّح - فقال فيه: إذ مرّ جابر بن عبد الله. وكذا أخرجه ابن المبارك في كتاب الجهاد؛ وهو في مسند الإِمام أحمد؛ وصحيح ابن حِبَّان من طريق ابن المبارك. انتهى. وأخرجه البيهقي من طريق أبي المُصَبِّح - بنحوه. الخدمة في الجهاد في سبيل الله خدمة المفطرين للصائمين في سبيل الله أخرج مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: كنَّا مع النبي صلى الله عليه وسلم في السفر، فمنّا الصائم، ومنَّا المفطر. قال: فنزلنا منزلاً في يوم حار أكثرنا ظلاً

خدمة الصحابة لرجل يشتغل بالقرآن والصلاة

صاحب الكِساء؛ ومنَّا من يتقي الشمس بيده. قال: فسقط الصُوَّام وقام المفطرون فضربوا الأبنية، وسقَوا الركاب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ذهب المفطرون اليوم بالأجر» . وأخرجه البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم أكثرنا ظلا من يستظل بكِسائه؛ وأما الذين صاموا فلم يعملوا شيئاً، وأما الذين أفطروا فبعثوا الركاب، وامتهنوا، وعالجوا فقال النبي صلى الله عليه وسلم «ذهب المفطرون اليوم بالأجر» . خدمة الصحابة لرجل يشتغل بالقرآن والصلاة وأخرج أبو داود في مراسيله عن أبي قِلابة رضي الله عنه: أن ناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قدموا يُثْنون على صاحب لهم خيراً. قالوا: ما رأينا مثل فلان قط، ما كان في مسير إلا كان في قراءة، ولا نزلنا في منزل إلا كان في صلاة. قال: «فمن كان يكفيه ضيعته» - حتى ذكر -: ومن كان يعلف جمله أو دابته؟» قالوا: نحن. قالوا: «فكلّكم خير منه» . كذا في الترغيب. حمل سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم متاع الصحابة وأخرج أبو نعيم في الحلية عن سعيد بن جَمْهان قال: سألت سفينة عن إسمه. فقال: إني مخبرك باسمي: سمّاني رسول الله صلى الله عليه وسلم سفينة. قلت: لِمَ سماك سفينة؟ قال: خرج ومعه أصحابه، فثقل عليه متاعهم. فقال:

الصوم في سبيل الله

«إبسط كساءك» . فبسطته، فجعل فيه متاعهم ثم حَملَه عليّ. فقال: «إحمل ما أنت إلا سفينة» قال: فلو حملت يومئذٍ وقْرَ بعير أو بعيرين أو خمسة أو ستة ما ثقل عليَّ. قصة أحمر مولى أم سلمة ومجاهد مع ابن عمر وأخرج الحسن بن سفيان، وابن مَنْدَه، والمالِيني، وأبو نُعيم عن أحمرَ مولى أم سَلَمة رضي الله عنهما قال: كنَّا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غَزَاة، فمررنا بوادٍ فجعلت أعبِّرُ الناس. فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم «ما كنت في هذا اليوم إلا سفينة» . كذا في المنتخب. وأخرج أبو نُعيم في الحلية عن مجاهد قال: كنت أصحب ابن عمر رضي الله عنهم في السفر، فإن أردت أن أركب يأتيني فيمسك ركابي، وإِذا ركبت سوّى ثيابي. قال مجاهد: فجاءني مرة فكأني كرهت ذلك. فقال: يا مجاهد إنَّك ضيِّق الخُلُق. الصوم في سبيل الله صوم النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة في سبيل الله مع شدة الحر أخرج مسلم عن أم الدَرْداء قالت: قال أبو الدَرْداء: لقد رأيتُنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره في يوم شديد الحرّ، حتى إِن الرجل ليضع يده على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائم إِلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة. وفي رواية أخرى له له عن أم الدرداء عن أبي الدرداء رضي الله عنهما قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان في حرّ شديد - فذكره. وأخرج مسلم أياً عن أبي سعيد الخِدري رضي الله عنه قال: كنا نغزو مع رسول الله

صوم عبد الله بن مخرمة يوم اليمامة

صلى الله عليه وسلم في رمضان، فنّا الصائم ومنّا المفطر، فلا يجد، الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم، يَروْن أنّ من وَجَد قوة فصام فإن ذلك حسن، ويرون أنَّ من وجد ضعفاً فأفطر فإن ذلك حسن. صوم عبد الله بن مخرمة يوم اليمامة وأخرج ابن عبد البَرِّ في الإستيعاب عن ابن عمر رضي الله عنها قال: أتيت على عبد الله بن مَخْرَمة رضي الله عنه صريعاً يوم اليمامة فوقفت عليه. فقال: يا عبد الله بن عمر هل أفطر الصائم؟ قلت: نعم. قال: فاجعل في هذا المِجَنِّ ماءً لعلِّي أفطر عليه. قال: فأتيت الحوض وهو مملوء ماء فضربته بحَجَفة معي، ثم اغترفت فيه؛ فأتيت به فوجدته قد قضى نحبه. وأخرجه أيضاً ابن أبي شَيْبة، والبخاري في التاريخ؛ كما في الإِصابة، قال: وأخرجه ابن المبارك في الجهاد من وجه آخر عن ابن عمر أتم منه. صوم عوف بن أبي حيَّة وقول عمر فيه وأخرج ابن أبي شيبة في مصنَّفه بسند صحيح عن قيس بن أبي حازم عن مُدْرِك بن عوف الأحْمسي قال: بينما أنا عند عمر رضي الله عنه إذ أتاه رسول النعمان بن مقرِّن، فسأله عمر عن الناس. فذكر من أصيب من المسلمين وقال: قتل فلان وفلان، وآخرون لا نعرفهم، فقال عمر: لكنَّ الله يعرفهم. قالوا: ورجل اشترى نفسه - يعنون عوف بن أبي حيَّة الأحمسي أبا

الصلاة في سبيل الله

شَبِيل - قال مدرك بن عوف: يا أمير المؤمنين، والله خالي يزعم الناس أنه ألقى بيده إلى التهلكة. فقال عمر: كذب أولئك، ولكنه اشترى الآخرة بالدنيا. قال: وكان أصيب وهو صائم، فاحتُمل وبه رمق، فأبى أن يشرب حتى مات. كذا في الإِصابة. صوم أبي عمرو الأنصاري وقد تقدم (ص 324) حديث محمد بن حنفية في «تحمُّل شدّة العطش» قال: رأيت أبا عمرو الأنصاري رضي الله عنه - وكان بَدْرِياً عَقَبِياً أُحُدِياً - وهو صائم يتلوّى من العطش، وهو يقول لغلامه: ويحك تَرَّسيْني، فترسه الغلام حتى نزع بسهم نزعاً ضعيفاً - فذكر الحديث، وفيه: فقتل قبل غروب الشمس: أخرجه الطبراني، والحاكم. الصلاة في سبيل الله صلاة النبي عليه السلام يوم بدر أخرج ابن خُزيمة عن علي رضي الله عنه قال: ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد، ولقد رأيتُنا وما فينا إلا نائم؛ إلا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة يصلي ويبكي حتى أصبح. كذا في الترغيب. صلاة النبي عليه السلام في عسفان وأخرج الإِمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنَّا مع رسول

الله صلى الله عليه وسلم بعُسْفان؛ فاستقبلنا المشركون عليهم خالد بن الوليد وهم بيننا وبين القبلة؛ فصلَّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر. فقالوا: قد كانوا على حال لو أصبنا غِرَّتهم، ثم قالوا: تأتي الآن عليهم صلاة هي أحب إليهم من أبنائهم وأنفسهم. قال: فنزل جبريل عليه السلام بهذه الآيات بين الظهر والعصر: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصلاةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مّنْهُمْ مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَّيْلَةً واحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً} (النساء: 102) - فذكر صلاة الخوف. وعند مسلم عن جابر رضي الله عنه قالوا: إِنه ستأتيهم صلاة هي أحب إليهم من الأولاد. كذا في البداية. صلاة عباد بن بشر الأنصاري في سبيل الله وأخرج ابن إسحاق عن جابر رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات الرِقاع من نخل، فأصاب رجل إمرأة رجل من المشركين. فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلاً أتى زوجُها - وكان غائباً - فلما أُخبر الخبر حلف لا ينتهي حتى يُهَرِيقَ في أصحاب محمد دماً. فخرج يتبع أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلاً فقال: «من (رجل) يكلؤنا ليلتَنا؟» فانتدب رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار فقالا: نحن يا رسول الله. قال: «فكونا بفم الشِّعب من الوادي» وهما: عمار بن ياسر وعبَّاد بن بشر. فلما خرجا إلى فم الشِّعب قال الأنصاري للمهاجري: أيُّ الليل تحب أن أكفيكَهُ أولَه أم آخرَه؟ قال: بل أكفني أوّلَه، فاضطجع المهاجري فنام؛ وقام

الأنصاري يصلِّي. قال: وأتى الرجل: فلما رأى شخص الرجل عرف أنه ربيئةُ القوم، فرمى بهم فوضعه فيه، فانتزعه ووضعه وثبت قائماً. قال: ثم رمى بسهم آخر فوضعه فيه، فنزعه فوضعه وثبت قائماً. قال: ثم عاد له بالثالث، فوضعه فيه، فنزعه فوضعه، ثم ركع وسجد، ثم أهبَّ صاحبه، فقال: إجلس فقد أُثْبِتُّ. قال: فوثب الرجل، فلما رآهما عرف أنه قد نذِرا به، فهرب. قال: ولما رأى المهاجري ما بالأنصاري من الدماء قال: سبحان الله أفلا أهببتني أول ما رماك؟ قال: كنت في سورة أقرؤها، فلم أحبَّ أن أقطعها حتى أنفذها. فلما تابع عليَّ الرمي ركعت فآذنتك، وايْمُ الله، لولا أن أضيِّع ثغراً أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظه لقَطَع نفسي قبل أن أقطعها أو أنفذها. ورواه أبو داود من طريقه - كذا في البداية. وأخرجه أيضاً ابن حِبَّان في صحيحه، والحاكم في المستدرك - وصححه - والدارقطني، والبيهقي في سننهما؛ وعلقه البخاري في صحيحه كما في نصب الراية. ورواه البيهقي في دلائل النبوة وقال فيه: فنام عمار بن ياسر، وقام عبَّاد بن بشر رضي الله عنهما يصلي، وقال: كنت أصلي بسورة وهي الكهف، فلم أحب أن أقطعها اهـ.

صلاة عبد الله بن أنيس في سبيل الله وأخرج الإِمام أحمد عن عبد الله بن أُنَيس رضي الله عنه قال: دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إنه قد بلغني أن خالد بن سفيان بن نُبَيح الهُذلي يجمع لي الناس ليغزوَني وهو بعُرنة فأْتِهِ فاقتله» . قال قلت: يا رسول الله، إنعته لي حتى أعرفَه. قال: «إذا رأيتَه وجدتَ له قُشعريرة» . قال: فخرجت متوشِّحاً بسيفي حتى وقعت عليه وهو بعُرنَة مع ظُعُن يرتاد لهنَّ منزلاً وحين كان وقت العصر. فلما رأيتُه وجدتُ ما وصف لي رسول الله صلى الله عليه وسلم من القُشعريرة، فأقبلت نحوه، وخشيتُ أن يكون بيني وبينه مجاولة تشغلني عن الصلاة، فصلّيت وأنا أمشي نحوه أُومىء برأسي للركوع والسجود. فلما انتهيت إليه قال: مَنِ الرجل؟ قلت: رجل من العرب، سمع بك وبجمعك لهذا الرجل فجاءك لذلك. قال: أجلْ، أنا في ذلك. قال: فمشيت معه شيئاً حتى إذا أمكنني حملت عليه السيف حتى قتلته، ثم خرجت وتركت ظعائنه مُكِبَّات عليه. فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآني قال: «أفلح الوجه» . قال: قلت: قتلته يا رسول الله. قال: «صدقت» . قال: ثم قام معي رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل في بيته فأعطاني عصاً، فقال: «أمسك هذه عندك يا عبد الله بن أُنَيس» . قال: فخرجت بها على الناس، فقالوا: ما هذه العصا؟ قال: قلت: أعطانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمرني أن أمسكَها. قالوا: أوَ لا ترجع إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتسأله عن ذلك؟ قال: فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله لم أعطيتني هذه العصا؟ قال: «آية بيني وبينك يوم القيامة، إن أقلَّ الناس المتخصِّرون يومئذٍ» . قال: فقرنها عبد الله بسيفه، فلم تزل معه حتى إذا مات أمر بها فضمت في كفنه، ثم دُفِنا جميعاً. كذا في

قيام الليل في سبيل الله

البداية. قيام الليل في سبيل الله وأخرج الطبري عن عروة رضي الله عنه قال: لما تدانى العسكران يوم اليرموك بعث القُبُقْلار رجلاً عربياً - فذكر الحديث؛ وفيه: فقال له: ما وراءك؟ قال: بالليل رهبان وبالنهار فرسان. وأخرج أحمد بن مروان المالكي عن أبي إسحاق - فذكر الحديث، وفيه: قال هِرَقل: فمال بالكم تنهزمون؟ فقال شيخ من عظمائهم: من أجل أنهم يقومون الليل ويصومون النهار. وأخرجه ابن عساكر عن ابن إسحاق. وستأتي تلك الأحاديث في «أسباب التأييدات الإلهية» . وقد تقدم (ص 255) حديث هند بنت عتبة عند ابن منده في «بيعة النساء» ، قالت هند: إني أريد أن أبايع محمداً. قال أبو سفيان: قد رأيتك تكفرين. قالت: إِي والله. والله ما رأيت الله تعالى عُبد حق عبادته في هذا المسجد قبل الليلة، والله إِنْ باتوا إلا مصلِّين قياماً وركوعاً وسجوداً. الذكر في سبيل الله ذكر الصحابة في ليلة الفتح أخرج البيهقي عن سعيد بن المسيِّب قال: لمَّا كان ليلةُ دخل الناس مكة ليلةُ الفتح: لم يزالوا في تكبير وتهليل وطواف بالبيت حتى أصبحوا. فقال أبو سفيان لهند: أَتَرين هذا من الله؟ قالت: نعم، هذا من الله.s قال: ثم أصبح

أبو سفيان فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «قلتَ لهند: أتَرين هذا من الله؟ قالت: نعم، هذا من الله» . فقال أبو سفيان: أشهد أنك عبد الله ورسوله؛ والذي يَحلِف به (أبو سفيان) ما سمع قولي هذا أحد من الناس غير هند. كذا في البداية. وأخرجه ابن عساكر عن سعيد مثله، كما في الكنز: وقال: سنده صحيح. ذكر الصحابة عند الإِشراف على وادٍ بغزوة خيبر وأخرج البخاري عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر - أو قال: لما توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر - أشرف الناس على وادٍ فرفعوا أصواتهم بالتكبير: الله أكبر، لا إله إلا الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أرْبِعوا على أنفسكم، إنكم لا تدعُون أصمّ ولا غائباً، إنكم تدعون سمعياً قريباً وهو معكم» . وأنا خلف دابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعني، وأنا أقول: لا حول ولا قوة إلا بالله: فقال: «يا عبد الله بن قيس» قلت: لبيك يا رسول الله قال: «ألا أدلك على كلمة من كنز الجنة» . قلت: بلى، يا رسول الله فِداك أبي وأمي. قال: «لا حول ولا قوة إلا بالله» . وقد رواه بقية الجماعة. والصواب أنه كان مرجعَهم من خيبر، فإن أبا موسى إنما قدم بعد فتح خيبر. كذا في البداية.

تكبير الصحابة وتسبيحهم عند الصعود والنزول

تكبير الصحابة وتسبيحهم عند الصعود والنزول وأخرج البخاري عن جابر رضي الله عنه قال: كنا إِذا صَعِدنا كبَّرنا، وإذا نزلنا سبّحنا. وفي رواية أخرى عنده عنه: قال: كنا إذا صعِدنا كبّرنا، وإِذا تصوّبنا سبّحنا، وأخرجه أيضاً النسائي في «اليوم والليلة عن جابر - نحوه؛ كما في العيني. قول ابن عمر في أنَّ الغزو جزءان وأخرج بن عساكر عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: الناس في الغزو جزءان: فجزء خرجوا يكثرون ذكر الله والتذكير به، ويجتنبون الفساد في السير، ويواسون الصاحب، وينفقون كرائم أموالهم، فهم أشدّ اغتباطاً بما أنفقوا من أموالهم منهم بما استفادوا من دنياهم، فإذا كانوا في مواطن القتال استحيَوا من الله في تلك المواطن أن يطّلع على ريبة في قلوبهم أو خذلانٍ للمسلمين، فإذا قدروا على الغلول طهَّروا منه قلوبهم وأعمالهم؛ فلم يستطع الشيطان أن يفتنهم ولا يُكلِّم قلوبهم؛ فبهم يعزّ الله دينه ويَكبت عدوّه. وأما الجزء الآخر: فخرجوا فلم يكثروا ذكر الله ولا التذكير به، ولم يجتنبوا الفساد، ولم ينفقوا أموالهم إلا وهم كارهون، وما أنفقوا من أموالهم رأوه مَغْرَماً وحدَّثهم به الشيطان، فإذا كانوا عند مواطن القتال كانوا مع آخرِ الآخرِ والخاذل الخاذل، واعتصموا برؤوس الجبال ينظرون ما يصنع الناس؛ فإذا فتح الله كانوا أشدهم تخاطباً بالكذب؛ فإذا قدروا على الغلول إجترؤوا فيه على الله، وحدثهم الشيطان أنها غنيمة؛ وإِن أصابهم رَخاء بطِروا، وإن أصابهم حَبْس فتنهم الشيطان بالعَرَض؛ فليس

الدعاء عند الإشراف على القرية

لهم من أجر المؤمنين شيء غير أن أجسادهم مع أجسامهم، وسَيْرهم مع سيرهم، ونياتهم وأعمالهم شتى حتى يجمعهم الله يوم القيامة ثم يفرق بينهم. كذا في الكنز. الإهتمام بالدعوات في الجهاد في سبيل الله الدعاء عند الخروج من قريته دعاؤه عليه السلام عند الخروج من مكة وقت الهجرة أخرج أبو نُعيم من طريق إِبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم خرج من مكة مهاجراً إلى الله يريد المدينة قال: «الحمد لله الذي خلقني ولم أكُ شيئاً. اللهمّ أعنّي على هول الدنيا، وبوائق الدهر، ومصائب الليالي والأيام. اللهم أصحبني في سفري، وأخلفني في أهلي، وبارك لي فيما رزقتني، ولك فذلِّلْني، وعلى صالح خُلُقي فقوّمني، وإليك رب فحبّبني، وإِلى الناس فلا تكلني. ربَّ المستضعفين وأنت ربي، أعوذ بوجهك الكريم الذي أشرقت له السماوات والأرض وكُشفت به الظلمات، وصَلَح عليه أمر الأوَّلين أن تُحلَّ عليّ غضبك، وتُنزل بي سخطك. أعوذ بك من زوال نعمتك، وفجاءة نقمتك، وتحول عافيتك، وجميع سَخَطك. لك العُتْبى عندي خير ما استطعت، ولا حول ولا قوة إلا بك» . كذا في البداية. الدعاء عند الإِشراف على القرية دعاؤه عليه السلام عند الإِشراف على خيبر أخرج البيهقي عن أبي مروان الأسلمي عن أبيه عن جده قال:

الدعاء عند افتتاح الجهاد

خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر؛ حتى إذا كنا قريباً وأشرفنا عليها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس: «قفوا» . فوقف الناس، فقال: «اللهمَّ ربَّ السماوات السبع وما أظللنَ، وربَّ الأرضين السبع وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، (وربَّ الرياح وما أَذْرَيْن) ، فإنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها وخير ما فيها، ونعوذ بك من شرّ هذه القرية وشرّ أهلها وشرّ ما فيها. أقدِموا بسم الله الرحمن الرحيم» . وأخرجه ابن إسحاق من طريق أبي مروان عن أبي مُعَتِّب. كما في البداية. وأخرجه الطبراني عن أبي معتِّب بن عمرو - نحوه؛ وزاد في آخره: وكان يقولها لكل قرية يريد يدخلها. قال الهيثمي: وفيه راوٍ لم يُسمَّ، وبقية رجاله ثقات. الدعاء عند افتتاح الجهاد دعاؤه عليه السلام في وقعة بدر أخرج الإِمام أحمد عن عمر رضي الله عنه قال: لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وهم ثلاث مائة ونيِّف، ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف وزيادة، فاستقبل النبي صلى الله عليه وسلم القبلة وعليه رداؤه وإزارُه، ثم قال: «اللهمَّ أنجز لي ما وعدتني. اللهمَّ إن تهلك هذه العِصابة من أهل الإِسلام فلا تعبد بعد في الأرض أبداً» ، فما زال يستغيث بربه ويدعوه حتى سقط رداؤه. فأتاه أبو بكر

رضي الله عنه فأخذ رداءه فرده، ثم التزمه من ورائه، ثم قال: يا رسول الله، كفاك مناشدَتُك ربَّك، فإنه سينجز لك ما وعدك. فأنزل الله: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مّنَ الْمَلَئِكَةِ مُرْدِفِينَ} (الأنفال: 9) - وذكر تمام الحديث. وقد رواه مسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن جرير وغيرهم؛ وصحَّحه علي بن المديني، والترمذي. كذا في البداية. وأخرجه أيضاً ابن أبي شيبة. وأبو عَوانة، وابن حِبَّان، وأبو نعيم، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، وابن مَرْدَوَيْه، والبيهقي؛ كما في الكنز. وأخرج أبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم بدر في ثلاث مائة وخمسة عشر رجلاً، فلما انتهى إليها قال: «اللهم إنَّهم حُفاةٌ فاحملهم. اللهمَّ إنهم عراةٌ فاكسهم. اللهمَّ إنهم جياعٌ فأشبعهم» . ففتح الله بهم يوم بدر، فانقلبوا ما منهم رجل إلا وقد رجع بجمل أو جملين، واكتسَوا وشبعوا كذا في جمع الفوائد. وأخرجه البيهقي مثله،

دعاؤه عليه السلام في وقعة أحد والخندق

وابن سعد بنحوه. وأخرج النِّسائي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ما سمعت مناشداً ينشد أشدّ من مناشدة محمد صلى الله عليه وسلم يوم بدر، جعل يقول: «اللهمَّ إني أنشدك عهدك ووعدك. اللهمّ إن تَهّلِك هذه العصابة لا تعبد» ، ثم التفت وكأن شِقَّ وجهه القمرُ، وقال: «كأني أنظر إلى مصارع القوم عشيّة» . كذا في البداية. وأخرجه الطبراني بنحوه؛ قال الهيثمي: ورجاله ثقات إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه. دعاؤه عليه السلام في وقعة أُحد والخندق وأخرج الإِمام أحمد عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول يوم أُحد: «اللهمَّ إنك إن تشأ لا تعبد في الأرض» . ورواه مسلم. كذا في البداية. وأخرج الإِمام أحمد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قلنا يوم الخندق: يا رسول الله، هل من شيء نقوله فقد بلغت القلوب الخناجر؟ قال: «نعم. اللهمّ إستر عوراتِنا، وآمن رَوْعاتنا» . قال: فضرب الله وجوه أعدائه (بالريح) . وأخرجه ابن أبي حاتم. وأخرج الإِمام أحمد عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى مسجد

الدعاء عند الجهاد

الأحزاب، فوضع رداءه وقام ورفع يديه مدّاً يدعو عليهم ولم يصلِّ. قال: ثم جاء ودعا عليهم وصلَّى. وثبت في الصحيحين عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأحزاب فقال: «اللهمَّ مُنزل الكتاب، سريع الحساب، إهزِم الأحزاب. اللهمَّ إهزِمهم وزلزلهم» . وفي رواية: «اللهمَّ إهزِمهم وانصرنا عليهم» . وعند البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «لا إله إلا الله وحده، أعزّ جنده، ونصر عبده، وغلب الأحزاب وحده، فلا شيء بعده» . كذا في البداية. الدعاء عند الجهاد دعاؤه عليه السلام في وقعة بدر عند اشتغالهم في القتال أخرج البيهقي عن علي رضي الله عنه قال: لما كان يوم بدر قاتلت شيئاً من قتال، ثم جئت مسرعاً لأنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعل. قال: فجئت فإذ هو ساجد يقول: «يا حيٌّ يا قيّوم، يا حيٌّ يا قيُّوم» ، لا يزيد عليه. رجعت إلى القتال، ثم جئت وهو ساجد يقول ذلك أيضاً. فذهبت إلى القتال، ثم جئت وهو ساجد يقول ذلك حتى فتح الله على يديه. وقد رواه النسائي في

«اليوم والليلة» . كذا في البداية. وأخرجه أيضاً البزّار، وأبو يَعْلى، والفِرئْيابي، والحاكم بمثله؛ كما في كنز العمال. الدعاء في الليل دعاؤه عليه السلام في ليلة بدر أخرج ابن مَرْدَوَيْه، وسعيد بن منصور علي علي رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي تلك الليلة: ليلة بدر وهو يقول: «اللهمَّ إِن تَهْلِك هذه العصابة لا تعبد» ، وأصابهم تلك لليلة مطر. وعند أبي يَعْلى، وابن حِبَّان عنه قال: لما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم ببدر من الغد أحيا تلك الليلة كلَّها وهو مسافر. كذا في كنز العمال. الدعاء بعد الفراغ دعاؤه عليه السلام حين فرغ من وقعة أُحد أخرج الإِمام أحمد عن رِفاعة الزُّرَقين قال: لما كان يوم أُحد وانكفأ المشركون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إستووا حتى أُثني على ربي عزّ وجلّ» : فصاروا خلفه صفوفاً. فقال: «اللهم لك الحمد كلُّه، اللهم لا

قبضت لما بسطت، ولا باسط لما قبضت، ولا هادي لمن أضللت، ولا مضلّ لمن هديت، ولا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت، لا مقرّب لما باعدت، ولا مبعِّد لما قرَّبت. اللهمَّ إبسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك. اللهمَّ إنِّي أسألك النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول. اللهمَّ إني أسألك النعيم يوم العَيْلة والأمن يوم الخوف. اللهمَّ إني عائذ بك من شرّ ما أعطيتنا وشر ما منعتنا. اللهمَّ حبِّبْ إلينا الإِيمان وزيِّنه في قلوبنا، وكرّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين. اللهمَّ توفنا مسلمين، وأحينا مسلمين، وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين. اللهمَّ قاتل الكفرة الذين يكذّبون رسلك، ويصدّون عن سبيلك، واجعل عليهم رِجْزك وعذابك. اللهمَّ قاتل الكفرة الذين أُوتوا الكتاب، إله الحق» . ورواه النسائي في «اليوم والليلة» . كذا في البداية. وأخرجه أيضاً البخاري في «الأدب» ، والطبراني، والبغوي، والباوَرْدي، وأبو نُعيم في «الحلية» ، الحاكم، والبيهقي. قال الذهبي: الحديث مع نظافة إسناده منكر أخاف أن يكون موضوعاً. كذا في كنز العمال. وقال الهيثمي بعدما ذكر الحديث: رواه الإِمام أحمد،

الإهتمام بالتعليم في الجهاد

والبزار؛ ورجال أحمد رجال الصحيح. انتهى. وقد تقدم (ص 277) دعاؤه صلى الله عليه وسلم بعد فراغه من عرض الدعوة على أهل الطائف في «تحمُّل النبي صلى الله عليه وسلم الشدائد والأذى في الدعوة إلى اا» . الإهتمام بالتعليم في الجهاد في سبيل الله قول ابن عباس في معنى الآية {وما كان المؤمنون لينفروا كافة} أخرج البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال الله تبارك وتعالى: {خذوا حذركم فانفروا ثبات أو أنفروا جميعا} وقال: {أنفروا خفافا وثقالا} وقال: {إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} ، ثم نسخ هذه الآيات

جلوس الصحابة حلقا في السفر

فقال: {وما كان المؤمنون لينفرا كافة} . قال: فتغزو طائفة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقيم طائفة. قال: فالماكثون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هم الذين يتفقون في الدين، وينذرون قومهم إذا رجعوا إليهم من الغزو، لعلَّهم يحذرون ما نزَّل الله من كتابه وفرائضه وحدوده. كتاب عمر إلى الأمراء للتفقه في الدين وأخرج آدم بن أبي إياس في «العلم» عن الأحوص بن حكيم بن عمير العبسي قال: كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أمراء الأجناد: تفقَّهوا في الدين فإنه لا يُعذر أحد باتباع باطل وهو يرى أنه حق، ولا بترك حق وهو يرى أنه باطل. كذا في كنز العمال. جلوس الصحابة حِلَقاً في السفر وأخرج عبد الرزاق عن حِطَّان بن عبد الله الرَقَاشي قال: كنا مع أبي موسى الأشعري رضي الله عنه في جيش على ساحل دِجلة، إذ حضرت الصلاة فنادى منادِيه للظهر؛ فقام الناس إِلى الوضوء فتوضأ، ثم صلّى بهم، ثم جلسوا حِلَقاً. فلما حضرت العصر نادى منادِي العصر، فهبَّ الناس للوضوء أيضاً. فأمر مناديَه: ألا لا وضوء إِلا على من أحدث. قال أوشك العلم أن يذهب، ويظهر الجهل حتى يضرب الرجل أمه بالسيف من الجهل. كذا في الكنز. وأخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار مختصراً.

النفقة في الجهاد في سبيل الله إنفاق بعض الصحابة في سبيل الله أخرج مسلم عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: جاء رجل بناقة مخطومة. فقال: هذه في سبيل الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لك بها يومَ القيامة سبع مائة ناقة. كلُّها مخطومة» . وأخرجه أيضاً النِّسائي، كما في جمع الفوائد. وأخرج الإِمام أحمد - ورجاله رجال الصحيح - عن عبد الله بن الصامت قال: كنت مع أبي ذرّ رضي الله عنه فخرج عطاؤه ومعه جارية له. قال: فحعلت تقضي حوائجه، ففضل معها سبعة، فأمرها أن تشتري به فلوساً، قال قلت: لو أخَّرتَه للحاجة تنوبك أو للضيف ينزل بك. قال: إنَّ خليلي عهد إليّ أنْ «أيّما ذهبٍ أو فضةٍ أوكِيَ عليه فهو جَمْر على صاحبه حتى يفرغَه في سبيل الله عزّ وجلّ» . وعند أحمد أيضاً والطبراني - واللفظ له -: «من أوكَى على ذهب أو فضة ولم ينفقه في سبيل الله كان جمراً يوم القيامة يكوى به» . كذا في الترغيب. وأخرج الطبراني في الأوسط عن قيس بن سَلْع الأنصاري رضي الله عنه

ثواب الإنفاق في الجهاد

أن إخوته شكَوه إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنه يبذِّر ماله، وينبسط فيه. قلت: يا رسول الله، آخذ نصيبي من التمر، فأنفقه في سبيل الله وعلى من صحبني. فضرب رسول الله صدره وقال: «أنفق ينفقِ الله عليك» ثلاث مرات. فلما كان بعد ذلك خرجت في سبيل الله ومعي راحلة، وأنا أكثر أهل بيتي اليوم وأيسره. كذا في الترغيب. وأخرجه أيضاً ابن مَنْده. وهو عند البخاري من هذا الوجه باختصار، كما في الإِصابة. ثواب الإِنفاق في الجهاد وأخرج الطبراني عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قالت: «طوبى لمن أكثر في الجهاد في سبيل الله من ذكر الله تعالى، فإنَّ له بكل كلمة سبعين ألف حسنة، كل حسنة منها عشرة أضعاف مع الذي له عند الله من المزيد» . قيل: يا رسول الله النفقة؟ قال: «النفقة على قدر ذلك» . قال بعد الرحمن: فقلت لمعاذ رضي الله عنه: إنّما النفقة بسبع مائة ضعف. فقال معاذ: قلّ فهمك إنما ذاك إذا أنفقوها وهم مقيمون بين أهليهم غير غُزاة. فإذا غزوا وأنفقوا خبَّأ الله لهم من خزائن رحمته ما ينقطع عنه علم العباد ووصفهم، فأولئك حزب الله، وحزب الله هم الغالبون. قال الهيثمي وفيه رجل لم يسمَّ. انتهى. وقد أخرجه القزويني بمجهول وإرسال، كما في جمع الفوائد عن

إخلاص النية في الجهاد في سبيل الله

الحسن عن علي، وأبي الدرداء، وأبي هريرة، وأبي أمامة، وابن عمرو بن العاص، وجابر، وعمران بن حصين رضي الله عنهم رَفَعوه: «من أرسل نفقة في سبيل الله وأقام في بيته فله بكل درهم سبع مائة درهم. ومن غزا بنفسه في سبيل الله وأنفق في وجهه ذلك فله بكل درهم سبعُ مائة ألف درهم» ثم تلا هذه الآية: {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآء} . وقد تقدم (ص 421) ما أنفق أبو بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة، وعبد الرحمن بن عوف، والعباس، وسعد بن عبادة، ومحمد بن مسلمة، وعاصم بن عدي رضوان الله تعالى عليهم أجمعين في «تحريض النبي صلى الله عليه وسلم على الجهاد وإنفاق الأموال» . وسيأتي التفصيل في تلك القصص وغير ذلك في «نفقات الصحابة رضي الله عنهم أجمعين» . إخلاص النية في الجهاد في سبيل الله لا أجر لمن يريد الدنيا والذكر أخرج أبو داود، وابن حِبَّان في صحيحه، والحاكم باختصار، - وصححه - عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه رجلاً قال: يا رسول الله؛ رجل يريد الجهاد وهو يريد عرضاً من الدنيا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا أجر له» . فأعظمَ ذلك الناس، فقالوا للرجل عُدْ لرسول الله صلى الله عليه وسلم لعلَّك لم تُفهمه. فقال الرجل: يا رسول الله رجل يريد الجهاد في سبيل الله وهو يبتغي عرض الدنيا. فقال: «ولا أجر له» . فأعظمَ ذلك الناس، وقالوا عُدْ لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له الثالثة: رجل يريد الجهاد وهو يبتغي عرضاً في الدنيا. فقال: «لا أجر له» كذا في الترغيب.

وعند أبي داود، والنِّسائي عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: جاء إجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أرأيت رجلاً غزا يلتمس الأجر ولذِكْر، ما له؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا شيء له» . فأعادها ثلاث مرات، يقول رسول الله: «لا شيء له» ؛ ثم قال: «إنَّ الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً وابتُغي به وجهُه» . كذا في الترغيب. قصة قزمان وأُرج ابن إسحاق عن عاصم بن عرم بن قتادة رضي الله عنه قال: كان فينا رجل أَتِيّ لا يُدرى من هو يقال له «قُزْمان» ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا ذكر: «إنه لمن أهل النار» . قال: فلما كان يوم أُحد قاتل قتالاً شديداً، فقتل هو وحده ثمانية أو سبعة من المشركين، وكان ذا بأس، فأثبتته الجراحة، فاحتُمل إلى دار بني ظَفَر قال: فجعل رجال من المسلمين يقولون له: والله لقد أبليت اليوم يا قُزْمان فأبشر. قال: بماذا أبشر؟ فوالله إنْ قاتلت إلا عن أحساب قومي، ولولا ذلك ما قاتلت. قال: فلما اشتدّت عليه جراحته أخذ سهماً من كِنانته فقتل به نفسه. كذا في البداية. قصة الأصيرم وأخرج ابن إسحاق عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّه كان يقول:

حدِّثوني عن رجل دخل الجنة لم يصلّ قط، فإذا لم يعرفه الناس سألوه من هو؟ فيقول: أُصَيْرم بني عبد الأشهل: عمرو بن ثابت بن وَقْش. قال الحصين: فقلت لمحمود بن أسد: كيف كان شأن الأصيرم؟ قال: كان يأبى الإِسلام على قومه. فلما كان يوم أُحد بَدَا له فأسلم، ثم أخذ سيفه فغدا حتى دخل في عُرْض الناس فقاتل حتى أثبتته الجراحة. قال: فبينما رجال من بني عبد الأشهل يلتمسون قتلاهم في المعركة إذا هم به، فقالوا: والله إنَّ هذا للأُصَيْرم ما جاء به؟ لقد تركناه؛ وإنه لمنكر لهذا الحديث. فسألوه فقالوا: ما جاء بك يا عمرو؟ أَحَدَب على قومك أم رغبة في الإِسلام؟ فقال: بل رغبة في الإِسلام، آمنت بالله وبرسوله، وأسلمت؛ ثم أخذت سيفي وغدوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاتلت حتى أصابني ما أصابني. فلم يلبث أن مات في أيديهم. فذكروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إنَّه من أهل الجنة» . كذا في البداية. قال في الإِصابة: هذا إسناد حسن، رواه جماعة من طريق ابن إسحاق. انتهى. وأخرجه أيضاً أبو نعيم في «المعرفة» بمثله، كما في الكنز؛ والإِمام أحمد بمثله، كما في المجمع؛ وقال: ورجاله ثقات. وأخرجه أبو داود، والحاكم من وجه آخر عن أبي هريرة رضي الله

عنه: أن عمرو بن أُقيش كان له رِبا في الجاهلية فكره أن يسلم، حتى يأخذه؛ فجاء يوم أُحد فقال: أين بنو عمي؟ قالوا: بأُحُد. قال: بأُحُد؛ فلبس لأمته، وركب فرسه؛ ثم توجه قِبَلهم. فلما رآه المسلمون قالوا: إليك عنّا يا عمرو، قال: إني قد آمنت، فقاتل قتالاً حتى جرح فحمل إلى أهله جريحاً. فجاءه سعد بن معاذ رضي الله عنه فقال لأخيه سلَمة: حمية لقومه أو غضباً لله ورسوله؟ قال: بل غضباً لله ورسوله. فمات فدخل الجنة؛ وما صلى لله صلاة. قال في الإِصابة: هذا إسناد حسن. وأخرجه البيهقي بهذا السياق - بنحوه. قصة رجل من الأعراب وأخرج البيهقي في شدّاد بن الهادِ: أن رجلاً من الأعراب جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فآمن به واتّبعه، فقال: أهاجر معك، فأوصى به النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه. فلما كانت غزوة خيبر غنم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسمه، وقسم له، فأعطى أصحابه ما قسم له؛ وكان يرعى ظَهْرهم. فلما جاء دفعوه إليه؛ فقال: ما هذا؟ قالوا: قسم قسمه لك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما على هذا اتّبعتك، ولكني اتّبعتك على أن أُرمى ها هنا - وأشار إِلى حلقه - بسهم فأموت؛ فأدخل الجنة. فقال: «إن تصدِق الله يَصْدُقُك» . ثم نهضوا إلى قتال العدوّ. فأُتِيَ به رسول الله صلى الله عليه وسلم يُحمل، وقد أصابه سهم حيث أشار. فقال النبي صلى الله عليه وسلم «هُوَ هُوَ» قالوا: نعم. قال: صدق الله، فصدقه» ؛ وكفَّنه النبي صلى الله عليه وسلم في جبة النبي صلى الله عليه وسلم ثم قدَّمه فصلَّى عليه؛ وكان ممّا ظهر من صلاته: «اللهمّ هذا عبدك خرج مهاجراً في سبيلك، قتل شهيداً؛ وأنا عليه شهيد» . وقد رواه النسائي - نحوه. كذا في

البداية. وأخرجه الحاكم بنحوه. قصة رجل أسود وأخرج البيهقي عن أنس رضي الله عنه أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني رجل أسود اللون، قبيح الوجه، لا مالَ لي، فإن قاتلت هؤلاء حتى أقتل، أدخل الجنة؟ قال: «نعم» . فتقدّم فقاتل حتى قتل. فأتى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مقتول. فقال: «لقد حسّن الله وجهك، وطيّب ريحك، وكثّر مالك» ؛ وقال: «لقد رأيتُ زوجتيه من الحور العين يتنازعان جبته عليه يدخلان فيما بين جلده وجبته» . كذا في البداية. وأخرجه الحاكم أيضاً - بنحوه، وقال: صحيح على شرط مسلم، كما في الترغيب. قصة عمرو بن العاص وأخرج الإِمام أحمد - بسند حسن - عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: بعث إليّ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «خذ عليك ثيابك وسلاحك، ثم ائتني» . فأتيته فقال: «إني أريد أن أبعثك على جيش فيسلِّمَك الله ويُغْنِمَك، وأرغب لك من المال رغبة صالحة» . فقلت؛ يا رسول الله ما أسلمت من أجل المال، بل أسلمت رغبة في الإِسلام. قال: «يا عمرو، نِعمَّا المال الصالح للمرء الصالح» . كذا في الإِصابة.

أقوال عمر في الشهداء

وأخرجه الطبراني في الأوسط والكبير، وقال فيه: ولكن أسلمت رغبة في الإِسلام، وأكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: نعم؛ ونِعمَّا المال الصالح للمرء الصالح. كذا في المجمع، وقال: رجال أحمد، وأبي بَعلى رجال الصحيح. انتهى. أقوال عمر في الشهداء وأخرج الحارث عن أبي البَخْتري الطائي: أن ناساً كانوا بالكوفة مع أبي المختار يعني: والد المختار بن أبي عُبيد حيث قتل بحسر أبي عُبيد. قال: فقتلوا إِلا رجلين حملا على العدوّ بأسيافهما فأفرجوا لهما فنجيا - أو ثلاثة -، فأتَوا المدينة. فخرج عمر رضي الله عنه وهم قعود يذكرونهم، فقال عمر: عمّ قلتم لهم؟. قالوا: إستغفرنا لهم ودعونا لهم. قال: لتحدثُنِّي بما قلتم لهم أو لتلقون مني بَرْحاً. قالوا: إِنا قلنا إِنهم شهداء. قالوا: والذي لا إله غيره، والذي بعث محمداً بالحق، لا تقوم الساعة إلا بإذنه، لا تعلم نفس حيّة ماذا عند الله لنفس ميتة إلا نبي الله، فإن الله غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخَّر. والذي لا إله غيره والذي بعث محمداً بالحق والهدى، لا تقوم الساعة إلا بإذنه. إن الرجل يقاتل رياءً، ويقاتل حمية، ويقاتل يريد الدنيا، ويقاتل يريد المال؛ وما للذين يقاتلون عند الله إلا ما في أنفسهم. كذا في كنز العمال، وقال: قال الحافظ ابن حجر: رجاله ثقات إلا أنه منقطع. انتهى. وأخرج تَمَّام عن مالك بن أوس بن الحَدَثان رضي الله عنه قال: تحدثنا بيننا عن سرية أصيبت في سبيل الله على عهد عمر رضي الله عنه. فقال قائلنا؛

عمل الله، في سبيل الله، وقع أجرهم على الله. وقال قائلنا: يبعثهم الله على ما أماتهم عليه. فقال عمر: أجل - والذي نفسي بيده - ليبعثم الله على ما أماتهم عليه؛ إنَّ مِنَ الناس من يقاتل رياءً وسمعة، ومنهم من يقاتل ينوي الدنيا؛ ومنهم من يلحمه القتال فلا يجد من ذلك بُدّاً. ومنهم من يقاتل صابراً محتسباً فأولئك هم الشهداء، مع أني لا أدري ما هو مفعول بي ولا بكم؛ غير أني أعلم أن صاحب هذا القبر - يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ قد غُفر له ما تقدم من ذنبه. وعند ابن شيبة عن مسروق قال: إِن الشهداء ذكروا عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ فقال عمر للقوم: ما ترون الشهداء؟ قال: القوم: يا أمير المؤمنين هم من يقتل في هذه المغازي. فقال عند ذلك: إن شهداؤكم إذاً لكثير، إني أخبركم عن ذلك: إن الشجاعة والجبن غرائز في الناس يضعها الله حيث يشاء، فالشجاع يقاتل من وراء لا يبالي أن يؤوب إلى أهله. والجبان فارّ عن حليلته، ولكن الشهيد من احتسب بنفسه، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده. كذا في كنز العمال. قصة عبد الله بن الزبير وأمه وأخرج نعيم بن حمّاد في «الفتن «عن ضِمام: أن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما أرسل إلى أمه أن الناس قد انفضُّوا عني وقد دعاني هؤلاء إلى الأمان. فقالت: إن خرجت لإِحياء كتاب الله وسنّة نبيه صلى الله عليه وسلم فَمُتْ على الحق، وإن كنت إنما خرجت على طلب الدنيا فلا خير فيك حيّاً ولا ميِّتاً. كذا في الكنز.

إمتثال أمر ومير في الجهاد والنَّفْر في سبيل الله إنكار أبي موسى الأشعري على رجل لم يمتثل أمره وقوله له أخرج ابن عساكر عن أبي مالك الأشعري قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية، وأمّر علينا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. فسرنا حتى نزلنا منزلاً، فقام رجل فأسرج دابته، فقلت له: أين تريد؟ فقال: أريد العلف، فقلت له: لا تفعل حتى نسأل صاحبنا، فأتينا أبا موسى الأشعري، فذكرنا ذلك له. فقال: لعلك تريد أن ترجع إلى أهلك، قال: لا، قال: أنظر ما تقول، قال: لا. قال: فامضِ راشداً. فانطلق فبات مليّاً، ثم جاء، فقال له أبو موسى: لعلك أتيت أهلك. قال لا، قال: فانظر ما تقول. قال: نعم. قال أبو موسى: فإنك سرت في النار إلى أهلك، وقعدت في النار، وأقبلت في النار، واستقبلْ. كذا في الكنز. إنضمام بعضهم إلى بعض في النَّفْر والجهاد في سبيل الله إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على التفرق في الجهادت والأودية وإنكاره على تضييق المنازل أخرج أبو داود، والنِّسائي عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال: كان الناس إذا نزلوا تفرّقوا في الشِّعاب والأودية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن تفرقكم في الشِّعاب والأودية إنما ذلكم من الشيطان» ؛ فلم ينزلوا بعد ذلك منزلاً إلا انضم بعضهم إلى بعض. كذا في الترغيب. وأخرجه البيهقي

الحراسة في سبيل الله

نحوه، وزاد: حتى يقال: لو بُسط عليهم ثوب لعمّهم. وهكذا أخرجه ابن عساكر، كما في الكنز، ولفظه: حتى لو بسط عليهم ثوب لوسعهم. وأخرجه البيهقي أيضاً عن سهل بن معاذ الجهني عن أبي رضي الله عنه قال: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة كذا وكذا، فضيّق الناس المنازل وقطعوا الطريق. فبعث نبي الله صلى الله عليه وسلم منادياً ينادي في الناس: «إن من ضيّق منزلاً أو قطع طريقاً فلا جهاد له» . وأخرجه أيضاً أبو داود بمثله؛ كما في المشكاة (ص 332) . الحراسة في سبيل الله حراسة أنس بن أبي مرثد أخرج أبو داود عن سهل بن الحنظليَّة رضي الله عنه أنهم ساروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حُنَين، فأطنبوا السير حتى كانت عشيّة؛ فحضرتُ صلاة (الظهر مع) رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل فارس فقال: يا رسول الله إِني انطلقت بين أيديكم حتى طلعت (على) جبل كذا وكذا، فإذا أنا بهوازن على بكرة أبيهم بظُعنِهم ونَعَمهم وشاءَهم إجتمعوا إلى حنين. فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «تلك غنيمة المسلمين غداً إن شاء الله» ، (ثم) قال: «من يحرسنا الليلة؟» قال أنس بن (أبي) : مرثد الغنوي رضي الله عنه: أنا يا رسول الله؟ قال: «فراكب» ، فركب فرساً له، وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «إستقبل هذا

الشِّعْب حتى تكون في أعلاه، ولا نُغْرر من قِبَلك الليلة» . فلما أصبحنا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مصلاه فركع ركعتين، ثم قال: «هل أحسستم فارسكم؟» قالوا: يا رسول الله ما أحسسناه. فثُوِّب بالصلاة؛ فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وهو يصلي - يلتفت إلى الشِّعب، حتى إذا قضى (رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته وسلَّم. فقال: «أبشروا فقد جاءكم فارسكم» . فجعلنا ننظر إِلى خلال الشجر في الشِّعب، فإذا هو قد جاء حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلّم وقال: إني إنطلقت حتى كنت في أعلى هذا الشِّعب حيث أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبحت إطَّلعت الشِّعبين كليهما، فنظرت فلم أرَ أحداً. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «هل نزلت الليلة؟» قال: لا، إلا مصلياً أو قاضياً حاجة. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «قد أوجبتَ، فلا عليك أن لا تعمل بعدها» . وأخرجه البيهقي أيضاً بمثله. وأخرجه أبو نعيم عن سهل بن الحنظلية - نحوه؛ كما في المنتخب. حراسة رجل في هذا الباب وأخرج الطبراني عن أبي عطية رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس فحُدِّث أن رجلاً توفي، فقال: «هل رآه أحد منكم على عمل من أعمال الخير؟» فقال رجل: نعم، حرست معه ليلة في سبيل الله. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه، فصلى عليه. فلما أُدخل القبر حثا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده من التراب، ثم قال: «إن أصحابك يظنون أنك من أهل النار، وأنا أشهد أنك من أهل الجنة» ؛ ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: «لا تسأل عن

أعمال الناس، لكن سل عن الفِطرة» . قال الهيثمي: إبراهيم بن محمد بن عِرق الحمصي شيخ الطبراني ضعفه الذهبي اهـ. وأخرجه أيضاً ابن عساكر عن أبي عطية رضي الله عنه أن رجلاً توفي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم: يا رسول الله لا تصلِّ عليه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «هل رآه؟» فذكره؛ كما في الكنز. وأخرجه البيهقي في «شُعَب الإِيمان» عن ابن عائذ رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل. فلما وُضع قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا تصلِّ عليه يا رسول الله فإنه رجل فاجر. فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس فقال: «هل رآه؟» فذكره - بنحوه؛ كما في المشكاة (ص 328) . حراسة أبي ريحانة وعمّار وعبَّاد رضي الله عنهم وقد تقدم (ص 325) حديث أبي رَيْحانة رضي الله عنه في «تحمُّل شدة البرد» ، وفيه: قال: «من يحرسنا الليلة فأدعو له بدعاء يصيب فضله؟» فقام رجل من الأنصار فقال: أنا يا رسول الله، قال: «من أنت؟» قال: فلان، قال: «إدنْه» ، فدنا، فأخذ ببعض ثيابه ثم استفتح الدعاء. فلما سمعت قلت: أنا رجل. قال: «من أنت؟» قال: أبو ريحانة، قال: فدعة لي دون ما دعا لصاحبي ثم قال: حرّمت النار على عين حرست في سبيل الله» . أخرجه الإِمام أحمد، والنِّسائي، والطبراني، والبيهقي. وحديث جابر رضي الله عنه في الصلاة

تحمل الأمراض في الجهاد

في سبيل الله، وفيه: فقال: من يكلؤنا ليلنا؟ فانتدب رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار، قال: فكونا بفم الشِّعب من الوادي؛ وها عمار بن ياسر، وعباد بن بشر - فذكر الحديث بطوله. أخرجه ابن إسحاق. تحمل الأمراض في الجهاد والنفر في سبيل الله قصة أبيّ بن كعب ودعاؤه لتحمل الحمَّى أخرج ابن عساكر عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من شيء يصيب المؤمن في جسده إلا كفّر الله عنه به من الذنوب» . فقال أُبيّ بن كعب رضي الله عنه: اللهمَّ إني أسألك أن لا تزال الحمَّى مصارعة لجسد أُبيّ بن كعب حتى يلقاك؛ لا تمنعه من صلاة، ولا صيام، ولا حجٍ، ولا عُمْرة، ولا جهاد في سبيلك. فارتكبته الحمَّى مكانه، فلم تفارقه حتى مات. وكان في ذلك يشهد الصلاة، ويصوم، ويحج، ويعتمر، ويغزو. وعنده أيضاً، وعند الإِمام أحمد، وأبي يَعلى من حديث أبي سعيد رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رجل: يا رسول الله، أرأيت هذه الأمراض التي تصيبنا، ما لنا بها؟ قال: «كفَّارات» قال له أُبيّ: وإنْ قلَّت؟ قال: «وإنْ شوكة فما فوقَها» . قال: فدعا أبيّ على نفسه أن لا يفارقه الوعك حتى يموت، وأن لا يشغله عن حج، ولا عمرة، ولا جهاد في سبيل الله، ولا صلاة مكتوبة في جماعة. فما مسَّه إنسان إلا وجد حرّه حتى مات. كذا في الكنز. قال في الإِصابة: رواه الإِمام أحمد، وأبو يَعلى، وابن أبي الدنيا؛ وصحَّحه ابن

جراحة طلحة بن عبيد الله وعبد الرحمن بن عوف

حِبّان؛ ورواه الطبراني من حديث أبيّ بن كعب بمعناه، وإِسناده حسن. انتهى. وأخرجه ابن عساكر كما في الكنز؛ وأبو نُعيم في «الحلية» عن أبيّ بن كعب بمعناه. الطعن والجراحة في الجهاد في سبيل الله جراحة النبي عليه السلام أخرج البخاري (ص 98) عن جندب بن سفيان رضي الله عنه قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم يمشي إِذ أصابه حجر فعثر، فدَميت أصبُعه. فقال: هل أنتِ إلا أصبعٌ دَمِيتِ وفي سبيل الله ما لقيت وقد تقدم (ص 278) في ذكر «تحمل النبي صلى الله عليه وسلم الشدائد والأذى» من حديث أنس رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كُسرت رَباعِيَتُه يوم أُحد، وشُجَّ في رأسه - فذكر الحديث. أخرجه الشيخان وغيرهما. جراحة طلحة بن عُبيد الله وعبد الرحمن بن عوف وقد تقدم (ص 279) من حديث عائشة رضي الله عنها عند الطيالسي قالت: كان أبو بكر رضي الله عنه إِذا ذكر يوم أُحد قال: ذاك يوم كله لطلحة ثم أنشأ يحدّث - فذكر الحديث، وفيه: فانتهينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كُسرت رباعيته،

وشُجَّ في وجهه، وقد دخل في وجنته حَلقتان من حِلق المِغفر. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «عليكما صاحبكما» - يريد طلحة رضي الله عنه - وقد نزف، فذكر الحديث وفيه: ثم أتينا طلحة في بعض تلك الجفار، فإذا به بضع وسبعون بين طعنة ورمية وضربة، وإذا قد قطعت أصبعه؛ فأصلحنا من شأنه. وأخرج أبو نُعيم عن إبراهيم بن سعد قال: بلغني أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه جرح يوم أُحد إحدى وعشرين جراحة، وجرح في رجله فكان يعرج منها. كذا في المنتخب. جراحة أنس بن النضر وأخرج البخاري - واللفظ له - ومسلم والنِّسائي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر، فقال: يا رسول الله، غبتُ عن أول قتال قاتلت المشركين، لئن الله أشهدني قتال المشركين ليَرَيَنَّ الله ما أصنع فلما كان يوم أُحد وانكشف المسلمون فقال: اللهمَّ إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء - يعني أصحابه -؛ وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء - يعني المشركين -، ثم تقدم، فاستقبله سعد بن معاذ فقال: يا سعد بن معاذ، الجنة وربِّ النضر إِني أجد ريحها (من) دون أحد. قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع. قال أنس: فوجدنا به بضعاً وثمانين ضربة بالسيف، أو طعنة برمح، أو رمية بسهم؛ ووجدناه قد قُتل، وقد مثّل به المشركون، فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه. فقال أنس: كنا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه: {يانِسَآء النَّبِىّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مّنَ النّسَآء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِى فِى قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً} (الأحزاب: 32) -

إلى آخر الآية. كذا في الترغيب. وأخرجه أيضاً الإِمام أحمد، والترمذي عن أنس رضي الله عنه بنحوه. وعند الإِمام أحمد أيضاً من وجه آخر عن أنس رضي الله عنه قال: عمي سُمِّيتُ به ولم يشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر. قال: فشقِّ عليه، وقال: أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم غبت عنه، ولئن أراني الله مشهداً فيما بعد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليَرَينَّ الله ما أصنع قال: فهاب أن يقول غيرها، فشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أُحد. قال: فاستقبل سعدَ بن معاذ، فقال له أنس: يا أبا عمرو أين؟ واهاً لريح الجنة أجده دون أحد. قال: فقاتلهم حتى قتل، فوجد في جسده بضع وثمانون من ضربة وطعنة ورمية. قال فقالت أخته: عمتي الرُّبَيِّعُ بنت النضر: فما عرفت أخي إلا ببنانه: ونزلت هذه الآية: {مّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً} ، قال: فكانوا يَرَوْن أنها نزلت فيه وفي أصحابه. ورواه الترمذي، والنِّسائي؛ وقال الترمذي: حسن صحيح. كذا في البداية. وأخرجه أيضاً الطيالسي، وابن سعد، وابن أبي شيبة، والحارث، وابن

جراحة جعفر بن أبي طالب

جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، كما في الكنز. وأبو نعيم في الحلية: والبيهقي. جراحة جعفر بن أبي طالب وأخرج البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أمَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة مؤتة زيد بن حارثة رضي الله عنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن قتل زيد فجعفر؛ وإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة» . قال عبد الله: كنت فيهم في تلك الغزوة، فالتمسنا جعفر بن أبي طالب فوجدناه في القتلى؛ ووجدنا في جسده بضعاً وتسعين من ضربة ورمية. وزاد في أخرى عنه: ليس منها شيء في دُبُرِه. كذا في البداية. وأخرجه الطبراني أيضاً عن ابن عمر - نحوه؛ كما في الإِصابة. وأبو نعيم في الحلية؛ وابن سعد. جراحة سعد بن معاذ وأخرج ابن أبي شيبة عن عمرو بن شرحبيل رضي الله عنه قال: لما أُصيب سعد بن معاذ رضي الله عنه بالرَّمية يوم الخندق جعل دمه يسيل على

النبي صلى الله عليه وسلم فجاء أبو بكر رضي الله عنه فجعل يقول: وانقطاعَ ظهراه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ـ «مَهْ يا أبا بكر» ، فجاء عمر رضي الله عنه فقال: إنا لله وإِنا إليه راجعون. كذا في الكنز. إصابة عين أبي سفيان يوم الطائف وأخرج ابن عساكر عن سعيد بن عبيد الثقفي رضي الله عنه قال: رأيت أبا سفيان بن حرب رضي الله عنه يوم الطائف قاعداً في حائط أبي يعلى يأكل، فرميته فأصيبت عينه. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هذه عيني أصيبت في سبيل الله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم «إن شئت دعوتُ الله فرُدّت عليك، وإن شئت فالجنة» . قال: فالجنة. كذا في الكنز. وأخرجه أيضاً الزبير بن بكّار - نحوه؛ كما في الكنز. إصابة عين قتادة بن النعمان ورفاعة بن رافع يوم بدر وأخرج البغوي، وأبو يعلى عن عاصم بن عمر بن قتادة عن قتادة بن النعمان رضي الله عنه أنه أصيبت عينه يوم بدر، فسالت حدقته على وجنته؛ فأرادوا أن يقطعوها - فذكر الحديث؛ كما سيأتي في «باب كيف أُيِّدت الصحابة» . وأخرج البزار، والطبراني عن رفاعة بن رافع رضي الله عنه، قال: لما

صة رافع بن خديج ورجلين من بني عبد الأشهل

كان يوم بدر تجمع الناس على أمية بن خَلَف؛ فأقبلنا إليه. فنظرت إلى قطعة من درعه قد انقطعت من تحت إبطه، فأطعنه بالسيف طعنة، ورُميت يوم بدر بسهم، ففقئت عيني؛ وبصق فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا لي فيها، فما آذاني شء. قال الهيثمي: وفيه عبد العزيز بن عمران وهو ضعيف. انتهى. قصة رافع بن خديج ورجلين من بني عبد الأشهل وقد تقدم (ص 493) حديث يحيى بن عبد الحميد عن جدته: أن رافع بن خديج رضي الله عنه رُمي بسهم في ثُندُوَته. وحديث أبي السائب رضي الله عنه في احتمال والأمراض (ص 32) : أن رجلاً من بني عبد الأشهل قال: شهدت أُحُداً أنا وأخ لي، فرجعنا جريحين - فذكر الحديث، وفيه: والله ما لنا من دابة نركبها، وما منا إلا جريح ثقيل، فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت أيسر جرحاً منه؛ فكان إذا غُلب حملته عُقبة ومشى عُقبة حتى انتهينا إلى ما انتهى إليه المسلمون. جراحة البراء بن مالك وذهاب لحم عظامه وأخرج خليفة عن أنس رضي الله عنه قال: رمى البراء رضي الله عنه بنفسه عليهم - أي على أهل الحديقة يوم قتال مسَيْلِمَة -، فقاتلهم حتى فتح الباب؛ وبه بضع وثمانون جراحة من بني رمية بسهم وضربة. فحمل إلى رَحْله يُداوَى، وأقام عليه خالد رضي الله عنه شهراً. وأخرجه أيضاً بقيّ بن مَخْلَد في مسنده عن خليفة بإسناده مثله؛ كما في الإِصابة.

تمني الشهادة والدعاء لها

وأخرج الطبراني عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة رضي الله عنه قال: بينما أنس بن مالك وأخوه عند حصن من حصون العدوّ يعني بالحريق - بالعراق -، كانوا يلقون كلاليب في سلاسل محمَّاة، فتعلق بالإِنسان فيرفعون إليهم؛ ففعلوا ذلك بأنس. فأقبل البراء حتى تراءى في الجدار، ثم قبض يده على السلسلة؛ فما برح حتى قطع الحبل. ثم نظر إلى يده، فإذا عظامها تلوح، قد ذهب ما عليها من اللحم. وأنجى الله أنس بن مالك بذلك. كذا في الإِصابة. وذكره في المجمع عن الطبراني، وفيه: فعَلِق بعض تلك الكلاليب بأنس بن مالكن، فرفعوه حتى أقلّوه من اورض؛ فأُتي أخوه البراء فقيل له؛ أدرك أخاك - وهو يقاتل الناس -، فأقبل يسعى حتى نزا في الجدار؛ ثم قبض بيده على السلسلة وهي تُدار، فما برح يجرّهم ويداه تُدَخِّنان حتى قطع الحبل. ثم نظر إلى يديه - فذكره؛ قال الهيثمي: وإسناده حسن. انتهى. تمني الشهادة والدعاء لها تمني لنبي عليه السلام القتل في سبيل الله أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «والذي نفسي بيده، لولا أنَّ رجالاً من المؤمنين لا تطيب أنفسهم أن يتخلّفوا عني، ولا أجد ما أحملهم عليه؛ ما تخلَّفت عن سريّة تغزو في سبيل الله. والذي نفسي بيده، لوددتُ أنِّي أُقتل في سبيل الله ثم أُحيا، ثم أُقتل ثم أُحيا، ثم أُقتل ثم أُحيا. ثم أُقتل» .

وأخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «تضمّن الله لمن خرج في سبيله؛ لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي، وإيمانٌ بي، وتصديقٌ برسلي، فهو عليّ ضامن أن أدخله الجنة، أو أَرْجِعَهُ إلى مسكنه الذي خرج منه نائلاً ما نال من أجر أو غنيمة. والذي نفس محمد بيده، ما نكَلْم يُكْلَم في سبيل الله تعالى إلا جاء يوم القيامة كَهَيْأتِهِ ين كُلِم، لونه لون الدم وريحه ريح مسك. والذي نفس محمد بيده، لولا أن أشقَّ على المسلمين ما قعدت خِلاف سَريّة تغزو في سبيل الله أبداً، ولكن لا أجد سعة فأحملهم، ولا يجدون سَعَة ويشق عليهم أن يتخلفوا عني. والذي نفس محمد بيده لوددتُ أن أغزو في سبيل الله فأقتل، ثم أغزو فأقتل، ثم أغزو فأقتل» . وأخرج الحديث أيضاً الإِمام أحمد، والنِّسائي، كما في كنز العمال. تمني عمر الشهادة وأخرج الطبراني، ابن عساكر عن قيس بن أبي حازم قال: خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه الناس ذات يوم فقال في خطبته: إنَّ في جنات عَدْن قصراً له خمس مائة باب، على كل باب خمسة آلاف من الحور العين، لا يدخله إلا نبي. ثم التفت إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هنيئاً لك يا صاحب القبر. ثم قال: أو صدِّيق، ثم التفت إلى قبر أبي بكر رضي الله عنه فقال: هنيئاً لك يا أبا بكر. ثم قال: أو شهيد، ثم أقبل على نفسه فقال: وأنَّى لك الشهادةُ يا عمر؟ ثم قال: إنَّ الذي أخرجني من مكة إِلى هجرة المدينة قادر أن يسوق إليّ الشهادة. كذا في كنز العمال. وزاد في مجمع الزوائد عن

الطبراني: قال ابن مسعود رضي الله عنه: فساقها الله إليه على يد شرّ خلقه عبد مملوك للمغيرة. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير شَرِيك النَخَعي وهو ثقة، وفيه خلاف اهـ. وأخرج البخاري عن أسْلَم عن عمر رضي الله عنه: اللهم إرزقني شهادة في سبيلك، واجعل موتي في بلد رسولك صلى الله عليه وسلم وأخرجه الإِسماعيلي عن حَفْصَة رضي الله عنها قالت: سمعت عمر رضي الله عنه يقول: اللهم قتلاً في سبيلك، ووفاةً ببلد نبيك صلى الله عليه وسلم قالت: فقلت: وأنّى يكون هذا؟ قال: يأتي به الله إذا شاء. كذا في فتح الباري. تمني عبد الله بن جحش الشهادة وأخرج الطبراني عن سعد بن أبي وقاص أن عبد الله بن جحش قل له يوم أُحد: ألا تدعو الله؟ فَخَلَوا في ناحية، فدعا سعد فقال: يا رب، إِذا لقيت العدوّ فلقّني رجلاً شديداً بأسُه، شديداً حَرَدُه، أقاتله ويقاتلني، ثم إرزقني الظفر عليه، حتى أقتله وآخذ سَلَبه؛ فأمَّن عبد الله بن جحش. ثم قال: اللهم، إرزقني رجلاً شديداً حَرَدُه، شديداً بأسه، أقاتله فيك ويقاتلني، ثم يأخذني فيجدع أنفي وأذني، فإذا لقيتك غداً قلتَ: من جدع أنفك وأذنك؟ فأقول: فيك وفي رسولك صلى الله عليه وسلم فتقول: صدقتَ. قال سعد: يا بُنيّ، كنت دعوة عبد الله بن جحش خيراً من دعوتي، لقد رأيته آخر النهار، وإن أنفه وأذنه لمعلَّقان في خيط. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح اهـ وهكذا أخرجه البغوي كما في الإِصابة، وابن وَهْب كما في الإستيعاب؛ والبيهقي - مثله: وهكذا

أخرجه أبو نعيم في الحلية، إلا أنه لم يذكر دعاء سعد، واقتصر على دعاء عبد الله. وأخرجه الحاكم عن سعيد بن المسيِّب قل: قال عبد الله بن جحش رضي الله عنه: اللهم إِنِّي أُقسم عليك أن ألقى العدوّ غداً، فيقتلوني ثم يبقروا بطني، ويجدعوا أنفي وأذني، ثم تسألني بمَ ذاك؟ فأقول: فيك. قال سعيد بن المسيِّب: إني لأرجو أن يبرّ الله آخر قسمه كما برّ أوله. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين لولا إرسال فيه. وقال الذهبي: مرسل صحيح - اهـ. وهكذا أخرجه ابن شاهين، وابن المبارك في الجهاد، كما في الإِصابة، وأبو نُعَيم في الحلية، وابن سعد. تمني البراء بن مالك الشهادة وأخرج أبو نعيم عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ربّ ذي طِمْرَين لا يؤبه له، لو أقسم على الله لأبّره، منهم البراء بن مالك» رضي الله عنه: فلما كان يومُ تُسْتَر إنكشف الناس فقالوا: يا براء، أقسمْ على ربك. فقال: لما منحتنا أكتافهم وألحقتني بنبيك صلى الله عليه وسلم

فاستُشهد. كذا في الكنز. وأخرجه الترمذي - نحوه؛ كما في الإِصابة. وأخرجه الحاكم عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «كم من ضعيف متضعّف ذي طِمْرين، لو أقسم على الله لأبرّ قسمه، منهم البراء بن مالك» رضي الله عنه؛ فإن البراء لقي زحفاً من المشركين - وقد أوجع المشركون في المسلمين - فقالوا: يا براء، إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنك لو أقسمت على الله لأبّرك» . فأقسم على ربك. فقال: أقسمت عليك يا ربّ لَمَّا منحتنا أكتافَهم، ثم التقوا على قنطرة السوس، فأوجعوا في المسلمين.. فقالوا له: يا براء أقسمْ على ربك. فقال: أقسمت عليك يا رب لَمَّا منحتنا أكتافهم، وألحقتني بنبيك صلى الله عليه وسلم فمُنحوا أكتافهم، وقتل البراء شهيداً. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإِسناد، ولم يخرِّجاه. وقال الذهبي: صحيح. وأخرجه أبو نعيم في الحلية (1 - 7) - نحوه. تمني حممة الشهادة وأخرج أبو داود، ومُسدِّد، الحارث، وابن أبي شيبة، وابن المبارك من طريق حميد بن عبد الرحمن الحميري: أن رجلاً يقال له حُمَمة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم غزا إصبهان زمن عمر رضي الله عنه، فقال: اللهمَّ إنَّ حُمَمة يزعم

أنه يحب لقاءك. اللهم إن كان صادقاً فاعزم له بصدقه، وإن كان كاذباً فاحمل عليه وإن كره - الحديث، وفيه: أنه استشهد، وأن أبا موسى قال: إنه شهيد. كذا في الإِصابة. وأخرجه أيضاً الإِمام أحمد، وزاد: وإن كان كارهاً فاعزم له وإنكره. اللهم لا يرجع حُمَمة من سفره هذا، فأخذه الموت - قال عفان مرة: البطن - فمات بأصبهان. قال: فقام أبو موسى رضي الله عنه فقال: يا أيها الناس، والله ما سمعنا فيما سمعنا من نبيكم صلى الله عليه وسلم وما بلغ علمنا إلا أنَّ حُمَمة شهيد. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح، غير داود بن عبد الله الأودي، وهو ثقة؛ وفيه خلاف. انتهى. وأخرجه أيضاً أبو نُعيم - نحوه؛ كما في المنتخب. تمني النعمان بن مقرِّن الشهادة وأخرج الطبري عن مَعْقِل بن يَسَار أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه شاور الهُرْمُززان. فقال: ما ترى، أبدأ بفارس، أو بأذْرَبيجان، أم بأصبهان؟ فقال: إنّ فارس وأذربيجان: الجناحان، وأصبهان: الرأس؛ فإن قطعت أحد الجناحين قام الجناح الآخر؛ فإن قطعت الرأس وقع الجناحان؛ فأبدأ بالرأس.

فدخل عمر رضي الله عنه المسجد والنعمانُ بن مقرِّن رضي الله عنه يصلِّي، فقعد إلى جنبه فلما قضى صلاته قال: إِني أريد أن أستعملك. قال: جابياً، فلا؛ ولكن غازياً. قال: فأنت غاز. فوجّهه إلى أصبهان - فذكر الحديث، وفيه: فقال المغيرة للنعمان: يرحمك الله، إنه قد أسرع في الناس، فاحمل. فقال: والله إنك لذو مناقب، لقد شهدتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم القتال، وكان إذا لم يقاتل أول النهار أخَّر القتال حتى تزول الشمس، وتهب الرياح، وينزل النصر. قال: ثم قال: إني هازٌّ لوائي ثلاث مرات: فأما الهزة الأولى فقَضَى رجل حاجته وتوضأ، وأما الثانية فنظر رجل في سلاحه، وفي شِسْعة فأصلحه، وأما الثالثة فاحملوا ولا يلوِينّ أحد على أحد، وإن قُتل النعمان فلا يَلْو عليه أحد، فإني أدعو الله عزّ وجلّ بدعوة، فعزمت على كل امرىء منكم لَمَّا أمّن عليها: اللهم أعطِ اليوم النعمان الشهادة في نصر المسلمين، وافتح عليهم. وهز لواءه أول مرة، ثم هزّ الثانية؛ ثم هزَّ الثالثة، ثم شل درعه؛ ثم حمل فكان أول صريع. فقال معقِل: فأتيت عليه، فذكرت عزمته، فجعلت عليه علماً، ثم ذهبت - وكنا إِذا قتلنا رجلاً شَغَل عنا أصحابه - ووقع ذو الحاجبين عن بغلته، فانشقَّ بطنه، فهزمهم الله. ثم جئت إِلى النعمان ومعي إداوة فيها ماء، فغسلت عن وجهه التراب. فقال: من أنت؟ قلت: معقِل بن يَسَار. قال: ما فعل الناس؟ فقلت: فتح الله عليهم. قال: الحمد لله. أكتبوا

بذلك إلى عمر، وفاضت نفسه. وعند الطبري أيضاً عن زياد بن جبير عن أبيه رضي الله عنه - فذكر الحديث بطوله في وقعة نهاوند، وفيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا غزا فلم يقاتل أول النهار لم يعجِّل حتى تحضر الصلاة، وتهب الأرواح، ويطيب القتال فما منعني إلا ذلك. اللهمَّ إني أسألك أن تقرّ عيني اليوم بفتح يكون فيه عزّ الإِسلام، وذلّ يذِلّ به الكفار؛ ثم إقبضني إليك بعد ذلك على الشهادة. أمِّنوا - يرحمكم الله - فأمّنّا وبكينا. وقد أخرج الطبراني حديث معقِل بن يسار رضي الله عنه - بطوله مثل ما روى الطبري. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير علقمة بن عبد الله المُزَني، وهو ثقة. انتهى. وأخرجه الحاكم أيضاً عن معقل - بطوله. رغبة الصحابة في الموت والقتل في سبيل الله يوم بدر قصة خيثمة وابنه سعد في إستهامهما الخروج أخرجح الحاكم عن سليمان بن بلال رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لمَّا خرج إلى بدر أراد سعد بن خيثمة وأبوه جميعاً الخروج معه، فذُكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأمر أن يخرج أحدهما. فإسْتَهما، فقال خيثمة بن الحارث لابنه سعد - رضي الله عنهما -: إنه لا بدّ لأحدنا من أن يقيم، فأقمْ مع نسائك، فقال سعد: لو كان غيرَ الجنة لآثرتك به، إنِّي أرجو الشهادة في وجهي هذا، فإستهما، فخرج سهم سعد؛ فخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر. فقتله عمرو

بن عبد ودّ، وأخرجه أيضاً ابن المبارك عن سليمان، وموسى بن عقبة عن الزهري؛ كما في الإِصابة. قصة شهادة عبيدة بن الحارث وأخرج ابن عساكر عن محمد بن علي بن الحسين قال: لما كان يوم بدر فدعا عتبة إلى البراز؛ قام علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى الوليد بن عتبة، وكانا مشَتَبِهَيْن حَدثين، وقال بيده، فجعل باطنها إلى الأرض فقتله. ثم قام شيبة بن ربيعة، فقام إليه حمزة رضي الله عنه، وكانا (مشتبِهين) ، وأشر بيده فوق ذلك فقتله. ثم قام عتبة بن ربيعة، فقام إليه عبيدة بن الحارث رضي الله عنه وكانا مثل هاتين الأسطوانتين، فاختلفا ضربتين، فضربه عبيدة ضربة أرخت عاتقه الأيسر؛ فأسفَّ عتبة لرجل عبيدة، فضربها بالسيف فقطع ساقه؛ ورجع حمزة، علي رضي الله عنهما على عتبة، فأجهزا عليه، وحملا عبيدة إلى النبي صلى الله عليه وسلم في العريش، فأدخلاه عليه فأضجعه رضي الله عنه، ووسَّدَه رجله وجعل يمسح الغبار عن وجهه. فقال عبيدة: أما - والله - يا رسول الله، لو رآني أبو طالب لعلم أنِّي أحقُّ بقوله منه حين يقول: ونُسلِمُه حتى نُصرَّعَ حوله ونَذْهَلَ عن أبنائِنا والحلائلِ ألستُ شهيداً؟ قال: «بلى، وأنا الشاهد عليك» ، ثم مات. فدفنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصَّفْراء، ونزل في قبره وما نزل في قبر أحد غيره. كذا في كنز العمال.

وأخرجه الحاكم عن الزهري قال؛ إختلف عتبة وعبيدة رضي الله عنه بينهما ضربتين، كلاهما أثبت صاحبه، وكرّ حمزة، وعلي رضي الله عنهما على عتبة، فقتلاه، واحتملا صاحبهما رضي الله عنه، فجاءا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد قطعت رجله، ومخُّها يسيل، فلما أتَوا بعبيدة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألستُ شهيداً يا رسول الله؟ قال: بلى. فقال عبيدة: لو كان أبو طالب حياً لعلم أنَّا أحق بما قال منه حيث يقول: ونُسِلمُهُ حتى نُصَرَّعَ حوله ونَذهلَ عن أبنائنا والحلائل يوم أُحد قصة عمر وأخيه زيد في ترك الدرع لإِرادة الشهادة أخرج الطبراني عن ابن عمر أن مر رضي الله عنه قال يوم أُحد لأخيه: خذ درعي يا أخي. قال أريد من الشهادة مثل الذي تريد، فتركاها جميعاً. فقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. انتهى. وأخرجه ابن سعد، أبو نعيم في الحلية - نحوه. قصة حملة علي بن أبي طالب للقتل في سبيل الله وأخرج أبو يَعلى، وابن أبي عاصم، والبورَقي، وسعيد بن منصور عن

قصة ثابت بن الدحداحة

علي رضي الله عنه قال: لما انجالى الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أُحد نظرت في القتلى، فلم أرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: والله ما كان يفرّ، وما أراه في القتلى، ولكن أرى الله غضب علينا بما صنعنا؛ فرفع نبيه، فما (فيَّ) خير من أن أقاتل حتى أقتل؛ فكسرت جفن سيفي ثم حملت على القوم، فأفرجوا لي، فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم. كذا في كنز العمال. قال الهيثمي: رواه أبو يَعلى، وفيه محمد بن مروان العُقَيلي وثَّقه أبو داود، وابن حِبّان، وضعّفه أبو زُرْعة وغيره وبقية رجاله رجال الصحيح. انتهى. قصة أنس بن النضر وأخرج ابن إسحاق عن القاسم بن عبد الرحمن بن رافع أخي بني عديِّ بن النجار قال: انتهى أنس بن النضر عم أنس بن مالك إلى عمر بن الخطاب، وطلحة بن عبيد الله في رجال من المهاجرين، والأنصار رضي الله عنهم - وقد ألقَوا بأيديهم - فقال: فما يجلسكم؟ قالوا: قُتل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فما تصنعون بالحياة بعده، قوموا، فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استقبل القوم، فقاتل حتى قتل. كذا في البداية. قصة ثابت بن الدحداحة وأخرج الواقدي عن عبد الله بن عمّار الخَطْمي قال: أقبل ثابت ابن الدَحْداحة رضي الله عنه يوم أُحد والمسلمون أوزاع، قد سقِط في أيديهم،

فجعل يصيح: يا معشر الأنصار، إليّ إليّ. أنا ثابت بن الدحداحة، إن كان محمد صلى الله عليه وسلم قد قتل، فإنَّ الله حيّ لا يموت؛ فقاتلوا عن دينكم فإنَّ الله مظهركم وناصركم. فنهض إِليه نفر من الأنصار فجعل يحمل بمن معه من المسلمين، وقد وقفت له كتيبة خَشْناء فيها رؤساؤهم: خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعكرمة بن أبي حهل، وضرار بن الخطاب، فجعلوا يناشدونهم، وحمل عليه خالد بن الوليد بالرمح فطعنه فأنفذه، فوقع فيها، وقتل من كان معه من الأنصار. فيقال: إن هؤلاء آخر من قتل من المسلمين كذا في الإِستيعاب. قصة رجل من الأنصار مع رجل من المهاجرين ووصيته له وأخرج البيهقي في «دلائل النبوة» من طريق ابن أبي نَجيح عن أبيه رضي الله عنه قال: مرّ رجل من المهاجرين يوم أُحد على رجل من الأنصار وهو يتشحَّط في دمه، فقال له: يا فلان، أشعرت أن محمداً صلى الله عليه وسلم قد قُتل؟ فقال الأنصاري: إن كان محمد صلى الله عليه وسلم قد قتل فقد بلَّغ الرسالة، فقاتلوا عن دينكم. فنزل: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ} (آل عمران: 144) . كذا في البداية. قصة سعد بن الربيع وأخرج الحاكم عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أُحد لطلب سعد بن الربيع رضي الله عنه، وقال لي: «إن رأيته

فأقرأه مني السلام، وقل له: يقول لك رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ: «كيف تجدك؟» قال: فجعلت أطوف بين القتلى، فأصبته وهو في آخر رمق، وبه سبعون ضربة ما بين طعنة برمح، وضربة بسيف، ورمية بسهم. فقلت له: يا سعد، إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام، ويقول لك: «أخبرني كيف تجدك؟» قال: على رسول الله السلام، وعليك السلام، قل له: يا رسول الله أجدني أجد ريح الجنة؛ وقل لقومي الأنصار: لا عذر لكم عند الله أن يُخْلَصَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيكم شُفْر يطرِف. قال: وفاضت نفسه - رحمه الله -. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإِسناد، لم يخرِّجاه. وقال الذهبي. صحيح. ثم أخرج الحاكم من طريق ابن إسحاق أن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة حدَّثه عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع؟» فذكر الحديث بنحو منه. وقال: فقال سعد: أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أني في الأموات؛ وأقرأه السلام، وقل له: يقول سعد: جزاك الله عنا وعن جميع الأمة خيراً. قال الذهبي: مرسل - اهـ. وقد ذكر في البداية رواية ابن إسحاق بتمامها. وذكره مالك في الموطأ (ص 175) عن يحيى بن سعيد بمعناه مختصراً. وهكذا أخرجه ابن سعد عن معن عن مالك عن يحيى - مختصراً. قصة سبعة من الأنصار قتلوا يوم أُحد وأخرج الإِمام أحمد عن أنس رضي الله عنه عنه أن المشركين لمّا رَهِقوا

النبي صلى الله عليه وسلم يوم أُحد - وهو في سبعة من الأنصار، ورجل من قريش - قال: «مَنْ يردهم عنا وهو رفيقي في الجنة؟» فجاء رجل من الأنصار، فقاتل حتى قتل. فلما رهقوه أيضاً قال: «من يردهم عنا وهو رفيقي في الجنة؟» حتى قتل السبعة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما أنصفْنا أصحابَنا» . ورواه مسلم أيضاً. وعند البيهقي عن جابر رضي الله عنه قال: إنهزم الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أُحد وبقي معه أحد عشر رجلاً من الأنصار، وطلحة بن عبيد وهو يصعد في الجبل، فلحقهم المشركون. فقال: «ألا أحد لهؤلاء؟» فقال طلحة: أنا يا رسول الله، فقال: «كما أنت يا طلحة» فقال رجل من الأنصار: أنا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاتل عنه؛ وصعِد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بقي معه، ثم قتل الأنصاري، فلحقوه. فقال: «ألا رجل لهؤلاء؟» فقال طلحة مثل قوله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل قوله. فقال رجل من الأنصار: فأنا يا رسول الله، فقاتل، وأصحابه يصعدون؛ ثم قتل فلحقه، فلم يزل يقول مثل قوله الأول، ويقول طلحة أنا يا رسول الله، فيحبسه، فيستأذنه رجل من الأنصار للقتال، فيأذن له، فيقاتل مثل ما كان قبله؛ حتى لم يبق معه إلا طلحة؛ فغشُوهما. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من لهؤلاء؟» فقال طلحة: أنا، فقاتل مثل قتال جميع من كان قبله، وأصيبت أنمله، فقال حَسِّ. فقال: «لو قلت: بسم الله، لرفعتك الملائكة، والناس ينظرون إِليك حتى تلج بك في جوّ السماء» ؛ ثم صعِد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وهم مجمعون. كذا في البداية.

يوم الرجيع قصة قتل عاصم وخبيب وأصحابهما

قصة شهادة اليمان وثابت بن وقش وأخرج الحاكم عن محمود بن لبيد قال: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أُحد رُفع اليمان بن جابر أبو حذيفة، وثابت بن وَقْش بن زعوراء في الآطام مع النساء والصبيان، فقال أحدهما لصاحبه وهما شيخان كبيران؛ لا أبا لك ما ننتظر؟ فوالله، ما بقي لواحد منا من عمره إلا ظِمْءُ حمار، إنا نحن هامَة اليوم ألا نأخذ أسيافنا؟ ثم نلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلا في المسلمين ولا يعلمون بهما. فأما ثابت بن وقش فقتله المشركون. وأما أبو حذيفة فاختلفت عليه أسياف المسلمين فقتلوه ولا يعرفونه. فقال حذيفة: أبي أبي فقالوا: والله ما عرفناه وصَدَقوا. فقال حذيفة: يغفر الله لكم، وهو أرحم الراحمين، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يَدِيَه؛ فتصدَّق به حذيفة على المسلمين؛ فزاده ذلك عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرِّجاه. انتهى. وأخرجه أبو نُعيم عن محمود - نحوه كما في المنتخب، وزاد: ثم نلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم لعلَّ الله أن يرزقنا الشهادة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذا أسيافهما حتى دخلا في الناس، ولا يُعلم بهما. وفي آخره: فزاده عند رسول الله صلى الله عليه وسلم خيراً. يوم الرَّجيع قصة قتل عاصم وخبيب وأصحابهما

أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية عيناً، وأمَّر عليهم عاصم بن ثابت رضي الله عنه - وهو جدّ عاصم بن عمر بن الخطاب - فانطلقوا حتى إذا كانوا بين عُسْفان ومكة، ذُكروا الحيَ من هُذَيل يقال لهم بنو لِحْيان، فتبعوهم بقريب من مائة رام، فاقتصُّوا آثارهم حتى أتَوا منزلاً نزلوه، فوجدوا فيه نَوى تمر تزوَّدوه من المدينة. فقالوا: هذا تمر يثرب؛ فتبعوا آثارهم حتى لحقوه. فلما انتهى عاصم وأصحابه لجأوا إلى فَدْفَد، وجاء القوم فأحاطوا بهم، فقالوا: لكم العهد والميثاق إن نزلتم إلينا أن لا نقتل منكم رجلاً. فقال عاصم: أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر. اللهمّ أخبر عنا نبيك، فقاتلوهم حتى قتل عاصماً في سبعة نفر بالنبل. وبقي خُبِيب وزيد ورجل آخر رضي الله عنهم، فأعطَوهم العهد والميثاق، فلما أعطوهم العهد والميثاق، نزلوا إليهم، فلما استمكنوا منهم حلُّوا أوتار قسيّهم فربطوهم بها. فقال الرجل الثالث الذي معهما: هذا أول الغَدر، فأبى أن يصحبهم، فجرَّروه وعالجوه على أن يصحبهم فلم يفعل فقتلوه. وانطلقوا بخُبَيب وزيد حتى باعوهما بمكة، فاشترى خبيباً بنو الحارث بن عامر بن نوفل - وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر يوم بدر -، فمكث عندهم أسيراً، حتى إذا أجمعوا قتله استعار موسَى من بعض بنات الحارث ليستحدّ بها، فأعارته.m قالت: فغفلت عن صبيَ لي، فدَرَج إليه حتى أتاه فوضعه على فخذه، فلما رأيته فزعتُ فَزْعةً، عرف ذاك مني وفي يده لموسى. فقال: أتخشَين أن أقتله ما كنت لأفعل ذلك - إن شاء الله تعالى -. وكانت تقول: ما رأيتُ أسيراً قطُّ خيراً من خُبَيب، لقد رأيته يأكل من قِطْف عنب وما بمكة يومئذٍ ثمرةٌ، وإنه لَمُوثق في الحديد، وما كان إلا رزق رزقه الله. فخرجوا به

من الحَرَم ليقتلوه. فقال: دعوني أصلِّ ركعتين، ثم أنصرف إليهم. فقال: لولا أن تَروا أنَّ ما بي جزع من الموت لزدت، فكان أول من سنّ الركعتين عند القتل هو؛ ثم قال: اللهمَّ أحصهم عدداً ثم قال: وما إن أبالي حين أُقتل مسلماً على أيّ شِقَ كان لله مصرعي وذلك في ذات الإِله وإِن يشأ يباركْ على أوصال شِلْو ممزّع ثم قام إليه عقبة بن الحارث فقتله. وبعثت قريش إلى عاصم ليُؤتوا بشيء من جسده يعرفونه - وكان عاصم قتل عظيماً من عظمائهم يوم بد - فبعث الله عليه مثل الظُلَّة من الدَّبْر، فحمته من رسلهم، فلم يقدروا منه على شيء. وأخرجه البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه - نحن. وهكذا أخرجه عبد الرزاق عن أبي هريرة رضي الله عنه كما في الإستيعاب، وقال: أحسن أسانيد خبره في ذلك ما ذكره عبد الرزاق - فذكره. وأبو نُعيم في الحلية - نحوه. وأخرج ابن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أُحد رهط من عَضَل والقارَة، فقالوا: يا رسول الله إِن فينا إِسلاماً، فابعث معنا نفراً من أصحابك يفقِّهوننا في الدين، ويقرؤوننا القرآن، ويعلِّموننا شرائع الإِسلام. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم نفراً ستة من أصحابه - فذكرهم. فخرجوا مع القوم حتى إِذا كانوا على الرَّجِيع - ماءٌ لِهُديل بناحية الحجاز على صدور الهَدْأة - غدروا بهم، فاستصرخوا عليهم هذيلاً، فلم يَرُع القوم وهم

في رحالهم إلا الرجال بأيديهم السيوف فقد غَشُوهم، فأخذوا أسيافهم ليقاتلوا القوم، فقالوا لهم: إنا - والله - ما نريد قتلكم ولكنَّنا نريد أن نصيب بكم شيئاً من أهل مكة، ولكم عهد الله وميثاقه أن لا نقتلكم؛ فأمّا مرثد وخالد بن لبُكير وعاصم بن ثابت رضي الله عنهم فقالوا: والله لا نقبل من مشرك عهداً ولا عقداً أبداً. أبيات عاصم حين قتله وحفاظ جسده عن المشركين وقال عاصم بن ثابت: ما عِلَّتي وأن جَلْدٌ نابِلُ والقَوسُ فيها وترٌ عنابلُ تزلُّ عن صفحتها المَعابلُ الموت حقٌّ والحياة باطلُ وكل ما حَمَّ الإِلهُ نازل بالمرء والمرء إليه آيل إن لم أقاتلكم فأمِّي هابل وقال أيضاً: أبو سليمان وريشُ المُقْعَدِ وضالَةٌ مثل الجحيم الموقدِ

إذا النواجي افتُرشت لم أُرعَدِ ومُجْنا من جلد ثور أجرَدِ ومؤمن بما على محمدِ وقال أيضاً: أبو سليمان ومِثلي رامَى وكان قومي معشراً كراما قال: ثم قاتل حتى قتل؛ وقتل صاحباه. فلما قتل عاصم أرادت هُذَيل أخذ رأسه ليبيعوه من سُلافة بنت سعد بن (شُهيد) ، وكانت قد نَذَرت حين أصاب إبنها يوم أُحد: لئن قَدَرت على رأس عاصم لتشربنّ في قِحْفه الخمر؛ فمنعته الدَّبْر. فلما حالت بينهم وبينه قالوا: دعُوه حتى يمسي فيذهب عن، فنأخذه. فبعث الله الوادي فاحتمل عاصماً فذهب به. وقد كان عاصم قد أعطى الله عهداً أن لا يمسَّه مشرك ولا يمسَّ مشركاً أبداً تنجُّساً فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول - حين بلغه: أن الدَّبْر منعته -: يحفظ الله العبد المؤمن، كان عاصم نذر أن لا يمسه مشرك ولا يمسّ مشركاً أبداً في حياته، فمنعه الله بعد وفاته كما امتنع منه في حياته. قصة زيد بن الدَّثِنة وما قاله في حب النبي صلى الله عليه وسلم وأما خُبَيب، وزيد بن الدَّثِنة، وعبد الله بن طارق - رضي الله عنهم -، فلانوا ورقُّوا ورغبوا في الحياة، وأعطَوا بأيديهم فأسروهم. ثم خرجوا بهم إلى مكة ليبيعوهم بها، حتى إذا كانوا بالظَّهران إنتزع عبد الله بن طارق يده من القِرَان، ثم أخذ سيفه واستأخر عنه القوم، فرمَوه بالحجارة حتى قتلوه: فقبره

بالظهران. وأما خُبَيب بن عدّي، وزيد بن الدَثِنة فقدموا بهما مكة، فباعوهما من قريش بأسيرين من هُذَيل كانا بمكة، فابتاع خبيباً حُجَيرُ بن أبي إهاب التميمي. وأما زيد بن الدَّثِنة فابتاعه صفوان بن أمية ليقتله بأبيه؛ فبعثه مع مولى له يقال له نِسْطاس إلى التَّنْعيم، وأخرجه من الحرم ليقتله. واجتمع رهط من قريش فيهم أبو سفيان بن حرب، فقال له أبو سفيان - حين قُدِّم ليقتل - أنشدك بالله - يا زيد - أتحبُّ أن محمداً الآن عندنا مكانك نضرب عنقه، وأنك في أهلك قال: والله ما أحب أنَّ محمداً الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأني جالس في أهلي قال: يقول أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحداً يحبُّ أحداً كحبِّ أصحاب محمدٍ محمداً. قال: ثم قتله نِسْطاس. قصة حبس خبيب بمكة وقصة صلاته عند القتل قال: وأم خُبَيب بن عديّ فحدثني عبد الله بن أبي نَجِيح أنه حُدِّث عن ماوِيَّة مولاة حجير بن أبي إهاب - وكانت قد أسلمت -، قالت: كان عندي خبيب حبس في بيتي، فلقد اطَّلعت عليه يوماً وإن في يده لقِطْفاً من عنب مثل رأس الرجل يأكل منه؛ وما أعلم في أرض الله عنباً يؤكل. قال ابن إسحاق وحدّثني عاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي نَجِيح أنهما قالا: قالت: قال لي حين حضره القتل: إبعثي إليّ بحديدة أتطهَّر بنا للقتل. قالت: فأعطيت غلاماً من الحيِّ الموسى، فقلت: أدخلْ بها على هذا الرجل البيت. فقالت: فوالله إنْ هو إلا أن ولَّى الغلام بها إليه، فقلت: ماذا صنعتُ؟ أصاب - والله - الرجل ثأره؛ يقتل هذا الغلام؛ فيكون رجلاً برجل. فلما ناوله الحديدة أخذها من يده، ثم قال: لعمرك، ما خافت أمك غدري حين بعثتك بهذه الحديدة إليَّ؟ ثم خلَّى سبيله. قال ابن هشام؛ ويقال إنَّ الغلام ابنها.

قال ابن إسحاق: قال عاصم: ثم خرجوا بخُبَيب رضي الله عنه حتى إذا جاؤوا به إلى التَّنعيم ليصلبوه قال لهم: إن رأيتم أن تَدَعوني حتى أركع ركعتين، فافعلوا. قالوا: دونك فاركع. فركع ركعتين أتمهما وأحسنهما، ثم أقبل على القوم فقال: أما والله، لولا أن تظنوا أنِّي إنما طوَّلت جزعاً من القتل لاستكثرت من الصلاة. قال: فكان خُبَيب رضي الله عنه أول من سنّ هاتين الركعتين عند القتل للمسلمين. قال: ثم رفعوه على خشبة، فلمّا أوثقوه قال: اللهم إِنا قد بلّغنا رسالة رسولك، فبلِّغه الغداةَ ما يُصنع بنا. ثم قال: اللهمّ أحصِهم عَدَداً، واقتلهم بِدَداً، ولا تغادر منهم أحداً. ثم قتلوه. وكان معاوية بن أبي سفيان يقول: حضرته يومئذٍ مع مَنْ حضره مع أبي سفيان، فلقد رأيته يلقيني إلى الأرض فَرَقاً من دعوة خُبَيب، وكانوا يقولون: إِنَّ الرجل إذا دُعِيَ عليه فاضطجع لجنبه زلَّت عنه. وفي مغازي موسى بن عقبة؛ أن خبيباً وزيد بن الدّثِنَة - رضي الله عنهما - قُتلاً في يوم واحد، وأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سُمع يوم قُتلا وهو يقول: «وعليكما - أو عليك - السلام. خُبَيب قتلته قريش» . وذُكر أنَّهم لما صلبوا زيد بن الدَّثِنَة رمَوه بالنبل ليفتنوه عن دينه، فما زاده إلا إِيماناً وتسليماً. وذكر عروة وموسى بن عقبة رضي الله عنهما: أنهم لما رفعوا خُبَيباً على الخشبة نادَوه يناشدونه: أتحب أنَّ محمداً مكانك؟ قال: لا والله العظيم ما أحب أن يفديني بشوكة يُشاكها في قدمه، فضحكوا منه. وهذا ذكره ابن إسحاق في قصة زيد بن الدَّثِنَة - فالله أعلم. كذا في البداية. ما قاله خبيب في حب النبي صلى الله عليه وسلم وأشعاره عند القتل وقد أخرج الطبراني حديث عروة بن الزبير بطوله، وفيه؛ وقتَل خبيباً رضي

الله عنه أبناءُ المشركين الذين قُتلوا يوم بدر. فلما وضعوا فيه السلاح وهو مصلوب نادَوه وناشدوه: أتحب أن محمداً مكانك؟ فقال: لا والله العظيم ما أحب أن يفديني بشوكة يُشاكها في قدمه؛ فضحكوا، وقال خبيب رضي الله عنه حين رفعوه إلى الخشبة: لقد جَمَّع الأحزاب حولي وألّبوا قبائلهم واستجمعوا كل مَجْمع وقد جمَّعوا أبناءهم ونساءهم وقُرِّبتُ من جِذْع طويل مُمنَّعِ إلى الله أشكو غربتي ثم كُربتي وما أرصد الأحزاب لي عند مصرعي فذا العرش صبِّرني على ما يُراد بي فقد بضَّعوا لحمي وقَدْ بان مطمعي وذلك في ذات الإِله وإن يشأ يبارك على أوصال شِلْوٍ ممزَّع لعمري ما أحفِلْ إذا متّ مسلماً على أيّ حال كان لله مضجعي قال الهيثمي: رواه الطبراني، وفيه ابن لَهيعة وحديثه حسن، وفيه ضعف. انتهى. وقد ذكر الأبيات ابن إسحاق؛ كما في البداية، فزاد بعد البيت الأول: وكلُّهم مُبدي العداوةِ جاهدٌ عليّ لأني في وثاق بمَضْيَع وزاد بعد البيت الخامس: وقد خيَّروني الكفر والموتُ دونَه وقد هَمَلت عيناي من غير مجزع وما بي حِذارُ الموت إِنِّي لميتٌ ولكن حِذاري جحم نار مُلَفَّع

فوالله ما أرجو إذا متُّ مسلماً على أيّ جنب كان في الله مضجعي فلست بمُبْدٍ للعدوّ تخشُّعاً ولا جَزَعاً إِنِّي إلى الله مرجعي يوم بئر معونة قصة أصحاب بئر معونة رضي الله عنهم أخرج ابن إسحاق عن المغيرة بن عبد الرحمن وعبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وغيرهما من أهل العلم قالوا: قدم أبو بَراء عامرُ بن مالك بن جعفر مُلاعبُ الأسنَّة على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة. فعرض عليه الإِسلام ودعاه إليه؛ فلم يسلم ولم يَبْعُد (من الإِسلام) وقال: يا محمد، لو بعثتَ رجالاً من أصحابك إِلى أهل نَجْد، فدعوهم إلى أمرك رجوتُ أن يستجيبوا لك. فقال رضي الله عنه: «إني أخشى عليهم أهل نَجّد» . فقال أبو بَراء: أنا لهم جارٌ، (فابعثهم فلْيدعوا الناس إلى أمرك) . فعبث رسول الله صلى الله عليه وسلم المنذر بن عمرو أخا بني ساعدة - المعْنِق ليموت - في أربعين رجلاً من أصحابه من خيار المسلمين؛ الحارث بن الصِّمَّة، وحَرام بن مِلْحان أخو بني عدي بن النجار، وعُروة بن أسماء بن الصَّلت السُّلَمي، ونافع بن بُدَيل بن ورقاءَ الخزاعي، وعامر بن فُهَيرة مولى أبي بكر - رضي الله عنهم - في رجالٍ من خيار المسلمين. فساروا حتى نزلوا بئر معونة - وهي بين

أرض بني عامر وحَرَّة بني سُلَيم -. فلما نزلوها بعثوا حَرام بن مِلحان رضي الله عنه بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلى عامر بن الطُّفيل، فلما أتاه لم ينظر في كتابه حتى عدا على الرجل فقتله، ثم استصرخ عليهم بني عامر؛ فأبوا أن يجيبوه إِلى ما دعاهم (إِليه) وقالوا: لن نخفر أبا براء وقد عقد لهم عقداً وجواراً، فاستصرخ عليهم قبائل من بني سُلَيم: عُصَيَّة ورِعْلاً وذَكْوان، فأجابوه إِلى ذلك. فخرجوا حتى غَشُوا القوم فأحاطوا بهم في رحالهم، فلما رأوهم أخذوا أسيافهم، ثم قاتلوا القوم حتى قُتلوا عن آخرهم - يرحمهم الله -، إلا كعب بن زيد أخا بني دينار ابن النجار فإنهم تركوه وبه رَمَق، فارتُثَّ من بين القتلى، فعاش حتى قُتل يوم الخندق. وكان في سَرْح القوم عمرو بن أُمية الضَّمْري ورجل من الأنصار من بني عمرو بن عوف، فلم ينبئهما بمُصاب القوم إلا الطير تحوم على العسكر. فقالا: والله إنَّ لهذه الطير لشأناً، فأقبلا لينظرا، فإذا القوم في دمائهم، وإذا الخيل التي أصابتهم واقفة. فقال الأنصاري لعمرو بن أُمية: ماذا ترى؟ فقال: يرى أن نلحَق برسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره الخبر. فقال الأنصاري: لكني ما كنت لأغرب بنفسي عن موطن قُتل فيه المنذرُ بن عمرو، وما كنتُ لتخبرني عنه الرجال، فقاتل القوم حتى قُتل، وأخذوا عَمْراً أسيراً. فلما أخبرهم أنه من مُضرَ أطلقه عامر بن الطّفيل، وجزَّ ناصيته، وأعتقه عن رَقَبة كنت على أُمه فيما زعم. كذا في البداية. وأخرجه الطبراني أيضاً من طريق ابن إسحاق. قال الهيثمي:

ورجاله ثقات إِلى ابن إسحاق. انتهى. قول حَرَام عند القتل وإسلام قاتله على قوله وأخرج البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث حراماً - أخاً لأم سُلَيم - في سبعين راكباً، وكان رئيس المشركين عامر بن الطفيل خَيَّرَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بين ثلاث خصال، فقال: يكون لك أهل السهل ولي أهل المَدَر، أو أكون خليفتك، أو أغزوك بأهل غطفان بألف وألف. فطُعن عامر في بيت أم فلان، فقال: غُدّة كغُدّة البَكْر في بيت إمرأة من آل فلان، ائتوني بفرسي؛ فمات على ظهر فرسه. فإنطلق حَرام - أخو أم سُلَيم - وهو رجل أعرج ورجل من بني فلان، وقال: كونا قريباً حتى آتيهم، فإن آمنوني كنتم قريباً، وإِن قتلوني أتيتم أصحابكم. فقال: أتُؤمنونني حتى أبلِّغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يحدِّثهم، وأومأوا إلى رجل، فأتاه نخلفه فطعنه. - قال همَّام: أحسبه حتى أنفذه بالرمح - فقال: الله أكبر فزت وربِّ الكعبة فلُحِقَ الرجل، فقتلوا كلهم غير الأعرج، - وكان في رأس جبل -، فأنزل الله تعالى علينا، ثم كان من المنسوخ: «إنا لقد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا» . فدعا النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثين صباحاً على رِعْل، وذَكْوان، وبني لحيان، وعُصَيَّة الذين عصوا الله وسوله صلى الله عليه وسلم وعند البخاري أيضاً عن أنس رضي الله عنه قال: لما طعن حَرَام بن مِلْحان

يوم مؤتة بكاء ابن رواحة عند الخروج وأبياته في سؤال الشهادة

- وكان خاله - يوم «بئر معونة» قال بالدم هكذا، فنضحه على وجهه ورأسه؛ ثم قال: فُزْت وربِّ الكعبة. وعند الواقدي أن الذي قتله جبّار بن سَلْمى الكِلابي. قال: ولما طعنه بالرمح قال: فُزْتُ وربِّ الكعبة ثم سأل جبار بعد ذلك ما معنى قوله: «فزت» . قالوا: يعني بالجنة. فقال: صدق والله ثم أسلم جبَّار بعد ذلك لذلك. كذا في البداية. يوم مؤتة بكاء ابن رواحة عند الخروج وأبياته في سؤال الشهادة أخرج ابن إسحاق عن عروة بن الزبير رضي الله عنهما قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثة إلى مؤتة في جمادى الأولى من سنة ثمان، واستعمل عليهم زيد بن حارثة وقال: «إِن أُصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس، فإن أُصيب جعفر فعبد الله بن رواحة على الناس» ، فتجهَّز الناس ثم تهيأوا للخروج؛ وهم ثلاثة آلاف. فلمّا حضر خروجهم ودَّع الناسُ أمراءَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلَّموا عليهم، فلمّا وُدِّع عبد الله بن رواحة مع من وُدِّع بكى، فقالوا: ما يُبكيك يا ابن رواحة؟ فقال: - والله - ما بي حبُّ الدنيا ولا صَبَابة بكم، ولكنِّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ آية من كتاب الله يذكر فيها النار: {وَإِن مّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً} فلست أدري كيف لي بالصَّدَر بعد الورود؟ فقال المسلمون: صحبكم الله، ودفع عنكم وردَّكم إلينا صالحين. فقال عبد الله بن رواحة رضي الله عنه:

تشجيع ابن رواحة الناس على الشهادة

لكنني أَسأل الرحمن مغفرة وضَرْبةً ذات فَرْغٍ تقذف الزَّبدا أو طعنةً بيدَيْ حرّان مُجْهِزة بحربة تُنْفِذ الأحشاء والكبدا حتى يقال إذا مرُّوا على جَدَثي أرشَدَه الله من غازٍ وقد رَشَدا ثم إنَّ القوم تهيأوا للخروج، فأتى عبد الله بن رواحة رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فودّعه، ثم قال: فثبّت الله ما أتاك حَسَن تَثْبيتَ موسى ونصراً كالذي نُصرا إنّي تفرستُ فيك الخير نافلةً الله يعلم أني ثابت البصر أنت الرسول فمن يُحرم نوافلَه والوجهَ منه فقد أزرى به القدر ثم خرج القوم، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يشيّعهم حتى إذا ودَّعهم وانصرف. قال عبد الله بن رواحة رضي الله عنه: خَلَف السَّلامُ على امرىء ودْعتُهُ في النَّخل خيرَ مُشَيِّع وخليل تشجيع ابن رواحة الناس على الشهادة ثم مضَوا حتى نزلوا «معاناً» من أرض الشام، فبلغ الناس أن هِرَقْل قد نزل مآب من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم، وانضم إليه من لَخْم وجُذام والقَيْن وبَهْراء وَبَليّ مائة ألف منهم، عليهم رجل من بَليّ، ثم أحد إراشة يقال له مالك بن زافلة. فلما بلغ ذلك المسلمين أقاموا على «مَعان» ليلتين ينظرون في أمرهم؛ وقالوا: نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره بعدد عدونا، فإما أن يمُدَّنا بالرجال، وإما أن يأمرنا بأمره فنمضي له. فشجع الناسَ عبد الله بن رواحة رضي الله عنه وقال: يا قوم، - والله - إنَّ التي تكرهون لَلَّتي خرجتم تطلبون: الشهادة.

وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به؛ فانطلِقوا فإنَّما هي إِحدى الحُسْنَيَين: إما ظهور وإما شهادة. فقال الناس: قد - والله - صدق ابن رواحة. فمضى الناس حتى إِذا كانوا بتُخوم البلقاء لقيتهم جموع هرقل من الروم والعرب بقرية من قرى البلقاء يقال لها «مَشارف» ، ثم دنا العدوّ، وانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها: «مُؤتةَ» ، فلتقى الناس عندها. فتعبَّى لهم المسلمون، فجعلوا على ميمنتهم رجلاً من بني عُذْرة يقال له قُطْبَة بن قَتادة رضي الله عنه، وعلى ميسرتهم رجلاً من الأنصار يقال له عَباية بن مالك رضي الله عنه، ثم التقى الناس فاقتتلوا، فقاتل زيد بن حارثة رضي الله عنه براية رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شاط في رماح القوم، ثم أخذها جعفر رضي الله عنه فقاتل القوم حتى قُتل، فكان جعفر أول المسلمين عَقَر في الإِسلام. كذا في البداية. وأخرجه الطبراني عن عروة بن الزبير رضي الله عنهما - مثله، وفيه: ثم أخذها جعفر رضي الله عنه فقاتل به حتى إِذا ألحَمه القتال إقتحم عن فرس له «شقراء» فعقرها، فقاتل القوم حتى قتل، وكان جعفر أول رجل من المسلمين عَقَر في الإِسلام. قال الهيثمي: رواه الطبراني، ورجاله ثقات إِلى عروة. انتهى. وأخرجه أبو نعيم في الحِلية عن عروة رضي الله عنه - مختصراً.

أبيات ابن رواحة في مسيره في الشوق إلى الشهادة وأخرج ابن إسحاق عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: كنت يتيماً لعبد الله بن رواحة رضي الله عنه في حِجْره، فخرج بي في سفره ذلك مُرْدِفي على حقيبة رَحْله، فوالله إنه ليسير ليلتئذٍ وهو يُنْشِد أبياته: إذا أدنيتِني وحملت رَحْلي مسيرة أربع بعد الحِساء فشأنك أنعمٌ وخلاك ذمٌ ولا أرجعْ إِلى أهلي ورائي وجاء المسلمون وغادروني بأرض الشام مستنهى الثواء وردَّك كل ذي نَسَب قريب إلى الرحمن منقطعَ الإِخاء هنالك لا أُبالي طلع بَعْل ولا نخل أسافلها رِواء قال: فلما سمعتُهن منه بكيت، فخفقني بالدِّرة وقال: ما عليك يا لُكع أن يرزقني الله الشهادة؟ وترجع بين شعبتي الرَّحْل. كذا في البداية وأخرجه أيضاً أبو نعيم في الحلية، والطبراني من طريق ابن إسحاق عن زيد كما في المجمع. أبيات ابن رواحة عند القتال وأخرج ابن إسحاق عن عبَّاد بن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: حدثني أبي

الذي أرضعني - وكان أحد بني مرة بن عوف - قال: فلما قتل جعفر رضي الله عنه أخذ عبد الله بن رواحة رضي الله عنه الراية، ثم تقدَّم بها وهو على فرسه، فجعل يستنزل نفسه ويتردد بعض التردّد ويقول: أقسمت يا نفسُ لتنزِلنَّهْ لتنزِلِنَّ أو لتُكْرِهِنَّهْ إن أجلبَ الناس وشدُّوا الرَّنَّة ما لي أراك تكرهين الجنَّة؟ قد طال ما قد كنتِ مطمئنة هل أنت إلا نُطفة في شَنَّة وقال أيضاً: يا نفسُ إن لا تُقتلي تموتي هذا حِمامُ الموت قد صُلِيتِ وما تمنيتِ فقد أعطيتِ إن تفعلي فعلهما هُدِيتِ يريد صاحبيه زيداً وجعفراً رضي الله عنهما، ثم نزل. فلما نزل أتاه ابن عمّ له بعَرْق من لحم، فقال: شُدّ بهذا صلبك، فإنك قد لقيت في أيامك هذه ما لقيت.k فأخذه من يده فانتهس منه نَهْسة، ثم سمع الحَطْمة في ناحية الناس. فقال: وأنت في الدنيا؟ ثم ألقاه من يده، ثم أخذ سيفه، ثم تقدم فقاتل حتى قتل. كذا في البداية. وأخرجه أيضاً أبو نعيم في الحلية؛ والطبراني: ورجاله ثقات. كما قال الهيثمي.

عقر جعفر فرسه وما قال من الأشعار عند القتل وأخرج ابن إسحاق عن عبَّاد بن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: حدثني أبي الذي أرضعني - وكان أحد بني مرة بن عوف - وكان في تلك الغزوة «غزوة مؤتة» قال: والله لكأنِّي أنظر إلى جعفر رضي الله عنه حين اقتحم عن فرس له «شقراء» ثم عقرها، ثم قاتل القوم حتى قتل؛ وهو يقول: يا حبَّذا الجنّة واقترابُها طيبةٌ وباردٌ شرابُها والرومُ رومٌ قد دنا عذابها كافرةٌ بعيدةٌ أنسابها عليَّ إِذ لاقيتها ضِرابُها يوم القيامة تشجيع زيد بن الخطاب وأصحابه على الثبات واستشهاده رضي الله عنه أخرج الحاكم عن عمر بن عبد الرحمن - من ولد زيد بن الخطاب - عن أبيه رضي الله عنه قال: كان زيد بن الخطاب يحمل راية المسلمين يوم اليمامة، وقد انكشف المسلمون حتى ظهرت خيفة على الرجال، فجعل زيد بن الخطاب يقول: أما الرحال فلا رحال، وأما الرجال فلا رجال؛ ثم جعل يصيح بأعلى صوته: اللهمَّ إني أعتذر إليك من فرار أصحابي، وأبرأ إليك مما جاء به مُسَيلِمة ومُحَكَّم

بن الطُّفَيل، وجعل يشدّ بالراية يتقدم بها في نحر العدوّ، ثم ضارب بسيفه حتى قتل رحمة الله عليه، ووقعت الراية فأخذها سالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنه، فقال المسلمون: يا سالم إنا نخاف أن نُؤتى من قِبَلك فقال: بئس حامل القرآن أنا إن أتيتم من قِبَلي وقُتل زيد بن الخطاب سنة إثنتي عشر من الهجرة. وأخرجه ابن سعد عن عبد الرحمن رضي الله عنه - مثله. حفر ثابت وسالم حفرة للثبات في المعركة واستشهادهما وأخرج الطبراني عن إبنة ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه - فذكرت الحديث، وفيه: فلما استنفر أبو بكر رضي الله عنه المسلمين إِلى قتال أهل الردة: اليمامة ومسيلمة الكذاب، سار ثابت بن قيس رضي الله عنه فيمن سار، فلما لَقُوا مسيلمة وبني حنيفة هزموا المسلمين - ثلاث مرّات. فقال ثابت وسالم مولى أبي حذيفة - رضي الله عنهم -: ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلا لأنفسهما حفرة فدخلا فيه، فقاتلا حتى قتلا. قال الهيثمي: وبنت ثابت بن قيس لم أعرفها، وبقية رجاله رجال الصحيح. والظاهر أن بنت ثابت بن قيس صحابية فإنها قالت؛ سمعت أبي. انتهى. وأخرجه ابن عبد البرّ في الإستيعاب - نحوه. وأخرجه البغوي أيضاً بهذا الإِسناد، كما في الإِصابة. وأخرج ابن سعد عن محمد بن ثابت بن قيس بن شمّاس رضي الله عنه قال: لمَّ انكشف المسلمون يوم اليمامة قال سالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنهما: ما هكذا كنا نفعل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فحفر لنفسه حفرة وقام فيها، ومعه راية

المهاجرين يومئذٍ، فقاتل حتى قتل - رحمه الله - يوم اليمامة شهيداً سنة إثنتي عشرة؛ وذلك في خلافة أبي بكر رضي الله عنه. نداء عبّاد بن بشر للأنصار في المعركة وقت الشهادة وأخرج أيضاً عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت عبَّاد بن بِشر رضي الله عنه يقول: يا أبا سعيد، رأيت الليلة كأن السماء قد فُرِجَت لي، ثم أطْبقت عليّ؛ فهي - إن شاء الله - الشهادة. قال: قلت: خيراً - والله - رأيت. قال: فأَنْظُر إليه يوم اليمامة وإِنه ليصيح بالأنصار: أحطِموا جفون السيوف، وتميَّزوا من الناس، وجعل يقول: أخْلِصونا، أخلصونا، فأخلصوا أربع مائةِ رجل من الأنصار ما يخالطهم أحد، يقدمهم عبَّاد بن بشر، وأبو دُجانة، والبراء بن مالك رضي الله عنهم حتى انتهوا إِلى باب الحديقة، فقاتلوا أشدَّ القتال؛ وقُتل عباد بن بشر رحمه الله، فرأيت بوجهه ضرباً كثيراً ما عرفه إِلا بعلامة كانت في جسده. نداء أبي عقيل للأنصار في المعركة وقت الشهادة وأخرج أيضاً عن جعفر بن عبد الله بن أسلم الهمْداني رضي الله عنه قال: لما كان يوم اليمامة كان أول الناس جرح أبو عقيل الأُنَيْفي رضي الله عنه؛ رُمِيَ بسهم فوقع بين منكبيه وفؤاده، فشَطَبَ في غير مقتل، فأُخرج السهمُ - ووهن له شقه الأيسر - لِمَا كان فيه، وهذا أول النهار، وجُرّ إِلى الرَّحْل - فلما حمي القتال وانهزم المسلمون وجازوا رحالهم - وأبو عقيل واهن من جرحه - سمع مَعْنَ بن

عدي رضي الله عنه يصيح بالأنصار: الله الله والكرّةَ على عدوّكم، وأعنق مَعْن يَقْدَم القوم، وذلك حني صاحت الأنصار: أَخلصونا، أخلصونا، فأخلَصوا رجلاً رجلاً يُمَيَّزون. قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: فنهض أبو عَقيل يريد قومه، فقلت: ما تريد يا أبا عَقِيل، ما فيك قتال؟ قال: قد نوَّه المنادي باسمي. قال ابن عمر: فقلت؛ إنما يقول: يا للأَنصار، لا يعني الجَرْحى قال أبو عَقِيل: أنا رجل من الأنصار، وأنا أجيبه ولو حَبْواً قال ابن عمر: فتحزمَّ أبو عقيل وأخذ السيف بيده اليمنى مجرداً، ثم جعل ينادي: يا للأنصار، كرّة كيوم حُنَين، فاجتمعوا - رحمهم الله - جميعاً يقدمُون المسلمين دُرْبة دون عدوْهم حتى أقحموا عدوَّهم الحديفة، فاختلطوا واختلفت السيوف بيننا وبينهم. قال ابن عمر: فنظرت إلى أبي عقيل وقد قطعت يده المجروحة من المنكب، فوقعت الأرض وبه من الجراح أربعة عشر جرحاً كلها قد خَلَصت إلى مقتل، وقُتل عدوّ الله مسيلمة. قال ابن عمر فوقعتُ على أبي عقيل وهو صريع بآخر رمق، فقلت: أبا عقيل، فقال: لبيك - بلسان ملتاث - لِمَن الدَّبْرة؟ قال: قلت: أبشر، ورفعت صوتي: قد قُتل عدوّ الله، فرفع أصبعه إلى السماء يحمد الله، ومات - يرحمه الله -. قال ابن عمر: فأخبرت عمر بعد أن قدمت خبره كلَّه. فقال: رحمه الله، ما زال يسأل الشهادة ويطلبها، وإِنْ كان ما علمت من خيار أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم وقديمَ إِسلام. إستشهاد ثابت بن قيس وأخرج الطبراني عن أنس رضي الله عنه قال: لما انكشف الناس يوم

يوم اليرموك قتل عكرمة بن أبي جهل في أربعمائة من المسلمين

اليمامة قلت لثابت بن قيس رضي الله عنه: ألا ترى يا عمّ؟ ووجدته يتحنَّط. فقال: ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بئس ما عوَّدتم أقرانكم: اللهمَّ إِنِّي أبرأ إِليك مما جاء به هؤلاء، ومما صنع هؤلاء، ثم قاتل حتى قتل. - فذكر الحديث؛ كما في الإِصابة، قال: وهو في البخاري - مختصراً. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح اهـ. وأخرجه الحاكم: وصحَّحه على شرط مسلم. وفي مرسل عكرمة عن ابن سعد بإسناد صحيح؛ كما في فتح الباري: فلما كان يوم اليمامة إنهزم المسلمون. فقال ثابت رضي الله عنه: أُفٍ لهؤلاء ولما يعبدون، وأُفٍ لهؤلاء ولما يصنعون. وقال: ورجل قائم على ثُلْمة فقتله وقُتِل. وأخرجه البيهقي عن أنس رضي الله عنه - بمعناه. يوم اليرموك قتل عكرمة بن أبي جهل في أربعمائة من المسلمين أخرج يعقوب بن أبي سفيان، وابن عساكر عن ثابت البُناني رضي الله عنه: أن عكرمة بن

أبي جهل رضي الله عنه ترجَّل يوم كذا وكذا، فقال له خالد بن الوليد رضي الله عنه: لا تفعل، فإنَّ قَتْلَكَ عى المسلمين شديدٌ. فقال: خلِّ عني يا خالد؛ فإنَّه قد كان لك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سابقة، وإني وأبي كنا من أشدّ الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فمشى حتى قتل. كذا في الكنز. وأخرجه البيهقي عن ثابت رضي الله عنه - نحوه. وعند سَيْف بن عمر عن أبي عثمان الغسَّاني عن أبيه رضي الله عنه قال: قال عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه يوم اليرموك: قاتلت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواطن، وأفرّ منكم اليوم؟ ثم نادى. من يبايع على الموت؟ فبايعه عمُّه الحارث بن هشام وضرار بن الأزور رضي الله عنهما في أربع مائة من وجوه المسلمين وفرسانهم، فقاتلوا قُدَّامَ فسطاط خالد رضي الله عنه حتى أُثبِتوا جميعاً جراحاً، وقتل منهم خلق. منهم: ضرار بن الأزور رضي الله عنهم كذا في البداية. وقد أخرجه الطبري عن السَّرِي عن شعيب عن سيف بإسناده - نحو، إلا أنه قال: وقتلوا إلا من برأ، ومنهم ضرار بن الأزور رضي الله عنه، قال: وأُتي خالد رضي الله عنه بعدما أصبحوا بعكرمة رضي الله عنه جريحاً، فوضع رأسه على فخذه وبعمرو بن عكرمة، فوضع رأسه على ساقه، وجعل يمسح عن وجوههما، ويقطر في حلوقهما الماء، ويقول: كلا، زعم ابن الحنتمة، أنا لا نُستَشهد.

بقية قصص الصحابة رضي الله عنهم في رغبتهم في القتل في سبيل الله

بقية قصص الصحابة رضي الله عنهم في رغبتهم في القتل في سبيل الله رغبة عمّار بن ياسر في القتل أخرج الطبراني وأبو يعلى عن أبي البَخْتَري ومَيْسَرة؛ أن عمَّار بن ياسر رضي الله عنه يوم صِفِّين كان يقاتل فلا يقتل، فيجيء إلى علي رضي الله عنه فيقول: يا أمير المؤمنين، يوم كذا وكذا هذا؟ فيقول: أذهب عنك. قال: ذلك ثلاث مرات، ثم أُتيَ بلبن فشربه، ثم قال: إِن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ هذا آخر شَرْبة أشربها من الدنيا، ثم قام فقاتل حتى قُتل. قال الهيثمي: رواه الطبراني، وأبو يَعْلى بأسانيد؛ وفي بعضها عطاء بن السائب وقد تَغَيَّر، وبقية رجاله ثقات، وبقية الأسانيد ضعيفة. انتهى. وعند الطبراني عن أبي سنان الدؤلي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رأيت عمَّار بن ياسر رضي الله عنه دعا غلاماً له بشراب، فأتاه بقَدَح من لبن فشربه، ثم قال: صدق الله ورسوله، اليوم ألقى الأحبة محمداً وحزبه - فذكر الحديث. قال الهيثمي: وإسناده حسن. وعند الطبراني عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: سمعت عمار بن ياسر رضي الله عنه بصِفِّين في اليوم الذي مات فيه وهو ينادي: إني لقيت الجبار، وتزوجت الحور العين، اليوم نلقى الأحبة محمداً وحزبه، عهد إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ آخر زادِك من الدنيا ضَياح من لبن. قال الهيثمي: رواه

إستشهاد البراء بن مالك يوم العقبة بفارس

الطبراني في الأوسط، والإِمام أحمد باختصار؛ ورجالهما رجال الصحيح. ورواه البزَّار بنحوه بإسناد ضعيف. وفي رواية عند الإِمام أحمد: أنه لما أُتِيَ باللبن ضحك. انتهى. إستشهاد البراء بن مالك يوم العقبة بفارس وأخرج البغوي - بإسناد صحيح - عن أنس رضي الله عنه: دلت على البراء بن مالك وهو يتغنّى، فقلت: قد أبدلك الله ما هو خير منه. فقال: أترهب أن أموت على فراشي؟ لا والله ما كان ليحرمني ذلك، وقد قتلت مائة منفرداً سوى من شاركت فيه. كذا في الإِصابة وأخرجه الطبراني بمعناه. قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح - اهـ. وأخرحه الحاكم أيضاً - بمعناه، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرِّجاه. وأخرجه أبو نعيم في الحلية - نحوه. وأخرج الحاكم أيضاً عن أنس رضي الله عنه، قال: لمّا كان يوم العقبة بفارس - وقد زَوَى الناس - قام البراء رضي الله عنه فركب فرسه وهي تُزْجى، ثم قال لأصحابه: بئس ما عوَّدتم أقرانكم عليكم فحمل على العدوّ، ففتح الله على المسلمين، واستُشهد البراء رضي الله عنه يومئذٍ.

ما ظنَّ عمر بعثمان بن مظعون حين مات ولم يقتل أخرج ابن سعد، وأبو عُبَيد في الغريب عن عبيد بن عبد الله بن عتبة رضي الله عنه أنَّه بلغه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لمَّا توفي عثمان بن مظعون رضي الله عنه وفاة لم يُقتل، هبط من نفسي هبطةً ضخمة، فقلت: أنظروا إلى هذا الذي كان أشدّ تخلياً من الدنيا، ثم مات ولم يقتل؛ فلم يزل عثمان بتلك المنزلة من نفسي حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: وَيْك إنَّ خيارنا يموتون ثم توفي أبو بكر رضي الله عنه فقلت: ويك، إن خيارنا يموتون فرجع عثمان رضي الله عنه في نفسي إلى المنزلة التي كان بها قبل ذلك. كذا في المنتخب. شجاعة الصحابة رضي الله تعالى عنهم شجاعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه أخرج البزّار عن علي رضي الله عنه أنه قال: أيها الناس أخبروني من أشجع الناس؟ قالوا: أنت يا أمير المؤمنين. قال: أمَا إنِّي ما بارزت أحداً إلا انتصفت منه، ولكن أخبروني بأشجع الناس. قالوا: لا نعلم، فمن؟ قال: أبو بكر. إنَّه لا كان يوم بدر جعلنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريشاً. فقلنا: من يكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لئلا يهوي إليه أحد من المشركين؟ فوالله ادنا منه أحد إلا أبو

بكر شاهراً بالسيف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يهوي إليه أحد إلا أهوى إليه؛ فهذا أشجع الناس - فذكر الحديث كذا في المجمع. شجاعة عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخرج ابن عساكر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: ما علمت أحداً هاجر إلا مختفياً إلا عمرَ بن الخطاب فإنه لما همّ بالهجرة تقلّد سيفه، وتنكّب قوسه، وانتضى في يده أسهُماً، وأتى الكعبة - وأشراف قريش بفِنائها - فطاف سبعاً، ثم صلَّى ركعتين عند المَقام، ثم أتى حِلَقهم واحدة واحدة فقال: شاهت الوجوه. من أراد أن تثكله أمه، ويُؤتَم ولده، وتَرْمُل زوجته؛ فليقني وراء هذا الوادي. فما تبعه منهم أحد. كذا في منتخب كنز العمال. شجاعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه شعر علي بعد وقعة أُحد أخرج البزار عن جابر رضي الله عنه قال: دخل علي على فاطمة رضي الله عنهما يوم أُحد، فقال: أفاطمُ هاكِ السيفَ غيرَ ذَميمِ فلستُ برعديدٍ ولا بلئيم لعمري لقد أبليت في نصر أحمدٍ ومرضاة رب بالعباد عليمِ لقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إِن كنت أحسنت القتال فقد أحسنه سهل بن حُنَيف وابن الصِّمَّة» - وذكر آخر فنسيه مُعلَّى -. فقال جبريل عليه السلام: يا محمد هذا - وأبيك - المواساة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا جبريل إنَّه منِّي» . فقال جبريل عليه السلام: وأنا منكما. قال الهيثمي: وفيه مُعَلَّى بن

عبد الرحمن الواسطي وهو ضعيف جدّاً. وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به. انتهى. وعند الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: دخل علي بن أبي طالب رضي الله عنه على فاطمة رضي الله عنها يوم أُحد فقال: خذي هذا السيف غير ذميم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم «لئن كنت أحسنت القتال لقد أحسنه سهل بن حُنَيْف وأبو دُجانة سِماك بن حَرَشَة» قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. انتهى. قتله عمرو بن عبد ود وأخرج ابن جرير من طريق ابن إسحاق عن يزيدَ بن رومان عن عروة وعبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري رضي الله عنهما قالا: لما كان يوم الخندق خرج عمرو بن عبد وعدّ مُعْلَماً ليُرى مشهدُه، فلما وقف هو وخيله قال له علي: يا عمرو، إنَّك قد كنت تعاهد الله لقريش ألا يدعوك رجل إلى خَلَّتين إلا اخترت إحداهما. قال: أجَل. قال فإني أدعوك إلى الله وإلى رسوله وإلى الإِسلام. قال لا حاجة لي في ذلك، قال: فإني أدعوك إلى المبارزة. قال: لم يا ابن أخي؟ فوالله ما أحب أن أقتلك. قال علي رضي الله عنه: ولكني - والله أ- أحب أن أقتلك. فحمي عمرو عند ذلك، وأقبل إلى علي رضي الله عنه فتنازلا، فتجاولا، فقتله علي رضي الله عنه. كذا في الكنز.

أشعار علي عند قتل عمرو بن عبد ود وذكره في البداية من طريق البيهقي عن ابن إسحاق قال: خرج عمرو بن عبد وعدّ وهو مقنَّع بالحديد، فنادى من يبارز؟ فقام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال: أنا لها يا نبي الله، فقال: «إنه عمرو، إجلس» . ثم نادى عمرو: ألا رجل يبرز؟ فجعل يؤنّبهم، ويقول: أين جنتكم التي تزعمون أنه من قتل منكم دخلها؟ أفلا تُبرزون إِليّ رجلاً؟ فقام علي رضي الله عنه فقال: أنا يا رسول الله، فقال: «إجلس» . ثم نادى الثالثة. فقال: فذكر شعره. قال: فقام علي رضي الله عنه فقال: يا رسول الله أنا. فقال: «إنه عمرو» . فقال: «وإن كان عَمْراً. فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فمشى إليه حتى أتى وهو يقول: لا تعجلنَّ فقد أتاكْ مجيبُ صوتك غير عاجزْ في نية وبصيرة والصدق مَنْجَى كلِّ فائزْ إني لأرجو أن أقيم عليك نائحة الجنائزْ من ضربة نَجْلاء يبقى ذكرها عند الهزاهزْ فقال له عمرو: من أنت؟ قال: أنا علي، قال: ابن عبد مناف؟ قال: أنا علي بن أبي طالب، فقال: يا ابن أخي مِنْ أعمامك من هو أسنّ منك؛ فإني أكره أن أُهَريق دمك، فقال له علي رضي الله عنه: لكني - والله - لا أكره أن أهَريق دمك. فغضب فنزل وسلَّ سيفه كأنه شعلة نار، ثم أقبل نحو علي رضي الله عنه مُغضَباً، واستقبله علي بدَرَقَته؛ فضربه عمرو في دَرَقَته، وأثبت فيها السيف وأصاب رأسه فشجّه. وضربه علي رضي الله عنه

على حبل عاتقه فسقط، وثار العَجاج؛ وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم التكبير، فعرفنا أن علياً رضي الله عنه قد قتله؛ فثَمَّ يقول علي رضي الله عنه: أعليَّ تقتحم الفوارسُ هكذا عني وعنهم أخِّروا أصحابي اليوم يمنعني الفرارَ حفيظتي ومُصَمِّمٌ في الرأس ليس بنابي إلى أن قال: عبد الحجارة من سفاهة رأيه وعبدتُ ربَّ محمدٍ بصوابي فصدرت حين تركته متجدلاً كالجِذْع بين دكادكٍ وروابي وعففت عن أثوابه ولو أنني كنت المَقَطَّر بزّني أثوابي لا تحسبُنَّ الله خاذلَ دينه ونبيِّه يا معشرَ الأحزابِ قال: ثم أقبل علي رضي الله عنه نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجهه يتهلّل، فقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه: هلا إستلبته درعه؟ فإنه ليس للعرب درع خير منها، فقال: ضربته فأقتاني بسوأته، فاستحييت ابن عمي أن أسلبه. انتهى. قتله مرحب اليهودي وبطولته يوم خيبر وأخرج مسلم، والبيهقي - واللفظ له - عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه - فذكر حديثاً طويلاً، وذكر فيه رجوعهم من غزوة بني فَزارة. قال: فلم نمكث إلا ثلاثاً حتى خرجنا إلى خيبر. قال: وخرج عامر رضي الله عنه فجعل يقول:

والله لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدَّقنا ولا صلَّينا ونحن من فضلك ما استغنينا فأنزلنْ سكينةً علينا وثبِّتِ الأقدامِ إِن لاقينا قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من هذا القائل؟» فقالوا: عامر فقال: «غفر لك ربك» . قال: ما خصّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قطُّ أحداً به إِلا استشهد -. فقال عمر رضي الله عنه - وهو على جمل -: لولا متَّعْتَنا بعامر. قال: فقدمنا خيبر، فخرج مرحب وهو يخطِر بسيفه ويقول: قد علمت خيبر أني مَرْحَبْ شاكي السلاحِ بطل مُجَرّبْ إذا الحروب أقبلت تَلَهَّبْ قال: فبرز له عامر رضي الله عنه وهو يقول: قد علمت خيبر أني عامر شاكي السلاحِ بطل مغامر قال: فاختلفنا ضربتين، فوقع سيف مرحب في ترس عامر رضي الله عنه، فذهب يسعل له، فرجع على نفسه فقطع أكْحَله فكانت فيها نَفْسهُ. قال سلمة رضي الله عنه: فخرجت فإذا نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: بَطَل عَملُ عامر، قَتَلَ نفسَه. قال: فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي. فقال: «ما لك؟» فقلت: قالوا: إن عامراً بطل عمله فقال: «من قال ذلك؟» فقلت: نفر من أصحابك. فقال: «كذب أولئك، بل له الأجر مرّتين» . قال: وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي يدعو وهو أرمد؛ وقال: «لأُعْطِيَنَّ الراية اليوم رجلاً يحبُّ الله ورسولَه» . قال: فجئت به أقوده. قال: فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينه فبرأ؛

فأعطاه الراية. فبرز مرحب وهو يقول: قد علمت خيبر أني مرحبْ شاكي السلاحِ بطل مجرّبْ إذا الحروب أقبلت تَلَهَّبْ قال فبرز له رضي الله عنه وهو يقول: أنا الذي سمتني أمي حَيْدَرَة كَلَيْثِ غاباتٍ كريهِ المنظرهْ أُوفيهم بالصاع كيل السَّنْدَره قال فضرب مرحباً ففلق رأسه فقلته، وكان الفتح. هكذا وقع في هذا السياق: أنّ علياً هو الذي قتل مرحباً اليهودي - لعنه الله -. وهكذا أخرجه الإِمام أحمد عن علي رضي الله عنه قال: لمّا قتلتُ مرحباً جئت برأسه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد روى موسى بن عقبة عن الزهري أن الذي قتل مرحباً وهو محمد بن مسلمة رضي الله عنه. وكذلك أخرج محمد بن إسحاق، والواقدي عن جابر رضي الله عنه وغيره من السلف. كذا في البداية. وأخرج ابن إسحاق عن بعض أهله عن أبي رافع رضي الله عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خرجنا مع علي رضي الله عنه إِلى

خيبر، فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم برايته. فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم، فضربه رجل منهم من يهود فطرح ترسه من يده، فتناول علي رضي الله عنه باب الحصن فترَّس به عن نفسه، فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه، ثم ألقاه من يده، فلقد رأيتُني في نفر معي سبعة أنا ثامنهم نجهد على أن نقلب ذلك الباب، فما استطعنا أن نقلبه. وفي هذا الخبر جهالة وانقطاع ظاهر؛ ولكن روى الحافظ البيهقي، والحاكم من طريق أبي جعفر الباقر عن جابر أن علياً - رضي الله عنهما - حمل الباب يوم خيبر حتى صعد المسلمون عليه، فافتتحوها؛ وأنه جُرّب بعد ذلك فلم يحمله أربعون رجلاً، وفيه ضعف أيضاً. وفي رواية ضعيفة عن جابر رضي الله عنه: ثم اجتمع عليه سبعون رجلاً وكان جهدهم أن أعادوا الباب. كذا في البداية. وقد أخرج ابن أبي شيبة عن جابر بن سَمُرة أن علياً - رضي الله عنهما - حمل الباب يوم خيبر حتى صعد المسلمون ففتحوها؛ وأنه جُرب فلم يحمله إلا أربعون رجلاً. كذا في منتخب كنز العمال، وقال: حسن. انتهى. شجاعة طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه أخرج ابن عساكر عن طلحة رضي الله عنه قال: لما كان يوم أُحد

قتال طلحة يوم أحد.

إرتجزت بهذا الشعر: نحن حماة غالب ومالكِ نذبّ عن رسولنا المبارك نضرب عنه القوم في المعارك ضرب صفاح الكُوم في المبارك وما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أُحد حتى قال لحسان رضي الله عنه: «قل في طلحة» : قال: وطلحة يوم الشِّعب آسى محمداً على ساعة ضاقت عليه وشقَّتِ يقيه بكفَّيه الرماح وأسلمت أشاجِعُه تحت السيوف فشُلَّتِ وكان أمامَ الناس إلا محمداً أقام رحى الإِسلام حتى استقلَّتِ وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: حمى نبيَّ الهدى والخيلُ تتبعه حتى إذا ما لقوا حامَى عن الدين صبراً على الطعن إذ ولَّت حماتُهم والناس من بين مهديَ ومفتون يا طلحةُ بن عُبيد الله قد وجبت لك الجنان وزُوِّجتَ المها العِينِ وقال عمر رضي الله عنه: حمى نبيَّ الهدى بالسيف منصلتاً لمَّا تولّى جميع الناس وانكشفوا قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم «صدقت يا عمر» قال: في منتخب الكنز: وفيه سليمان بن أيوب الطَّلْحي. اهـ قال ابن عدي: عامة أحاديث. لا يتابع عليها؛ وذكره ابن حِبَّان في الثقات كما في اللسان. وقد تقدم (ص 518) قتال طلحة يوم أُحد.

شجاعة الزبير بن العوام رضي الله عنه خروج الزبير بالسيف متجرِّداً في مكة قبل الهجرة أخرج ابن عساكر عن سعيد بن المسيِّب قال: إن أول من سلّ سيفاً في الله الزبير بن العوام رضي الله عنه، بين هو ذات يوم قائل إذ سمع نغمةً: قُتِلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج متجِّداً بالسيف صلتاً، فلقيها كُنَةً كَنَةً قال: «مالك يا زبير» فقال: سمعت أنك قُتلت. قال: «فما أردت أن تصنع؟» قال: أردت - والله - أستعرض أهل مكة. فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم بخير، وفي ذلك يقول الأسَديّ: هاذاك أول سيف سُلّ في غضب لله سيف الزبير المرتَضى أنَفَا حميَّةٌ سبقت من فضل نجدته قد يحبس النجدات المحبس الأرفا وعند ابن عساكر أيضاً وأبي نعيم في الحلية عن عروة أن الزبير بن العوَّام رضي الله عنهما سمع نفخة من الشيطان أن محمداً صلى الله عليه وسلم أُخذ، بعدما أسلم، وهو ابن إثنتي عشرة سنة؛ فسلّ سيفه، وخرج يشتدّ في الأزقة حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم ـ وهو بأعلى مكة - والسيف في يده. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم «ما

قتله طلحة العبدري يوم أحد

شأنك؟» قال: سمعت أنك قد أخذت. فقال النبي صلى الله عليه وسلم «ما كنت تصنع؟» قال: كنت أضرب بسيفي هذا من أخذك. فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم ولسيفه، وقال: «إنصرف» . وكان أول سيف سُلّ في سبيل الله. كذا في منتخب كنز العمال. وأخرجه الزبير بن بكار، كما في الإِصابة. وأخرجه أبو نُعيم في الدلائل (ص 226) عن سعيد بن المسيِّب - بمعناه. قتله طلحة العبدري يوم أُحد وذكر يونس عن ابن إسحاق أن طلحة بن أبي طلحة العبدري حاملَ لواء المشركين يوم أُحد دعا إلى البراز، فأحجم عنه الناس؛ فبرز إليه الزبير بن العوام رضي الله عنه. فوثب حتى صار معه على جمله، ثم اقتحم به الأرض، فألقاه عنه، وذبحه بسيفه، فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «إنَّ لكل نبي حوارِيّاً، وحوارِيّ الزبير» ، وقال: «لو لم يبرز إِليه لبرزت أنا إليه، لِمَا رأيت من إحجام الناس عنه» . كذا في البداية. قتله نوفل المخزومي وقصته في قتل رجل آخر وذكر يونس عن ابن إسحاق قال: خرج نوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزومي - أي يوم الخندق -، فسأل المبارزة. فخرج إليه الزبير بن العوام رضي الله عنه فضربه، فشقّه باثنتين حتى فلّ في سيفه فلا؛ وانصرف وهو يقول:

إني أمرؤ أُحمي وأحتمي عن النبي المصطفى الأمي كذا في البداية. وقد أخرج ابن جرير عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت؛ أقبل رجل من المشركين وعليه السلاح، حتى صعد على مكان مرتفع من الأرض فقال: من يبارز؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل من القوم: «أتقوم إليه؟» فقال له الرجل: إن شئت يا رسول الله. فأخذ الزبير رضي الله عنه يتطلَّع، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «قم يا ابن صفية» فانطلق إِليه حتى استوى معه، فاضطربا ثم عانق أحدهما الآخر، ثم تدحرجا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أيهما وقع الحضيض أول فهو المقتول» ، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم ودعا الناس فوقع الكافر، ووقع الزبير رضي الله عنه على صدره فقتله. كذا في منتخب الكنز. حملة الزبير يوم الخندق ويوم اليرموك وأخرج البيهقي عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: جُعلت يوم الخندق مع النساء والصبيان في الأُطُم، ومعي عمر بن أبي سلمة، فجعل يطأطىء لي، فأصعد على ظهره، فأنظر. قال: فنظرت إلى أبي وهو يحمل مرة ها هنا، ومرة ها هنا، فما يرتفع له شيء إلا أتاه. فلما أمسى جاءنا إلى الأُطُم قلت: يا أبت رأيتك اليوم وما تصنع. قال: ورأيتني يا بني؟ قلت: نعم. قال: فدىً لك أبي وأمي. كذا في البداية. وأخرج البخاري عن عروة رضي الله عنه أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا للزبير

رضي الله عنه يوم اليرموك: لا تشدّ فنشدّ معك؟ فقال: إني إن شددت كذبتم. فقالوا: لا نفعل. فحمل عليهم حتى شقّ صفوفهم فجاوزهم، وما معه أحد، ثم رجع مقبلاً، فأخذوا بلجامه، فضربوه ضربتين على عاتقه، بينهما ضربة ضُربها يوم بدر. قال عروة رضي الله عنه: كنت أدخل أصابعي في تلك الضربات، ألعب وأنا صغير. قال عروة رضي الله عنه: وكان معه عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما يومئذٍ، وهو ابن عشر سنين؛ فحمله على فرس ووكّل به رجلاً. وذكره في البداية - بمعناه وزاد: ثم جاؤوا إليه مرّة ثانية، ففعل كما فعل في المرة الأولى. شجاعة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه سعد أول من رمى في سبيل الله وشِعْره في ذلك أخرج ابن عساكر عن الزهري قال: بعث رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم سريّة فيها سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه إلى جانب من الحجاز يدعى رابغ، فانكفأ المشركون على المسلمين، فجاءهم سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يومئذٍ بسهامه، وكان أول من رمى في سبيل الله، وكان هذا أول قتال في الإِسلام. وقال سعد رضي الله عنه في رميه: ألا هل أتى رسولَ الله أتي حَمَيْت صحابتي بصدور نبلي أذود بها أوائلَهم ذياداً بكل حزونة بكل سهلِ فما يَعْتَدُّ رامٍ في عدو بسهم يا رسول الله قبلي كذا في المنتخب عن ابن عساكر. قتله ثلاثة بسهم واحد يوم أُحد وأخرج ابن عساكر عن ابن شهاب قال: قَتلَ سعد رضي الله عنه يوم

أُحد بسهم واحد ثلاثة، رمى به؛ فردّ عليهم فرموا به، فأخذه فرمى به سعد رضي الله عنه الثانية، فَقَتَل؛ فردّ عليهم، فرمى به الثالثة، فَقَتَل، فعجب الناس مما فعل سعد رضي الله عنه، فقال: إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أنبلنيه. قال: وجمع له رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه. كذا في منتخب الكنز. وأخرج البزَّار عن ابن مسعود رضي الله عنه قل: كان سعد رضي الله عنه يقتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر قتال الفارس والراجل. قال الهيثمي: رواه البزَّار بإسنادين: أحدهما متصل، والآخر مرسل، ورجالهما ثقات. انتهى. شجاعة حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه شجاعته يوم بدر وقول أمية بن خَلَف في ذلك أخرج الطبراني عن الحارث التيمي قال: كن حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه يوم بدر مُعْلَماً بريشة نعامة، فقال رجل من المشركين: من رجلٌ أُعْلِم بريشة نعامة؟ فقيل: حمزة بن عبد لمطلب. قال: ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل قال الهيثمي: وإسناده منقطع. وعند البزَّار عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: قال لي أمية بن خلف: يا عبد الإِله، مَنِ الرجل المعلم بريشة نعامة في صدره يوم بدر؟

بكاء النبي عليه السلام عندما رآه مقتولا

قلت: ذاك عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه. قال: ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل. قال الهيثمي: رواه البزَّار من طريقين في إحداهما شيخه علي بن الفضل الكرابيسي ولم أعرفه، وبقية رجالهما رجال الصحيح، والأخرى ضعيفة اهـ. بُكاءُ النبي عليه السلام عندما رآه مقتولا وأخرج الحاكم: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: فَقَدَت يوم أُحد حمزة رضي الله عنه حين فاء الناس من القتال. قال: فقال رجل: رأيته عند تلك الشجرة، وهو يقول: أنا أسد الله وأسد رسوله: اللهم إني أبرأَ إليك مما جاء به هؤلاء - لأبي سفيان وأصحابه -، وأعتذر إِليك مما صنع هؤلاء - من إنهزامهم -، فسارت نحوه. فلما رأى جبهته بكى، ولما رأى ما مُثِّلَ به شَهِق، ثم قال: «ألا كفَنٌ؟» فقام رجل من الأنصار فرمى بثوب. قال جابر رضي الله عنه: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «سيد الشهداء عند الله تعالى يوم القيامة حمزة» . قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإِسناد، لم يخرِّجاه. وقال الذهبي: صحيح. قصة قتله ومثلته رضي الله عنه وأخرج ابن إسحاق كما في البداية: عن جعفر بن عمرو بن أمية الضَّمري قال: خرجت أنا وعبد الله بن عديّ بن الخِير في زمان معاوية رضي الله عنه، فذكر الحديث، حتى جلسنا إليه - أي إِلى وحشي - فقلنا: جئناك لتحدثنا عن قتل حمزة كيف قتلته؟ فقال: أما إنِّي سأحدثكما كما حدَّثتُ

رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سألني عن ذلك: كنت غلاماً لجبير بن مُطْعِم وكان عمه طُعَيمة بن عديّ وقد أُصيب يوم بدر. فلما سارت قريش إلى أُحد قال لي جبير: إن قتلت حمزة عمّ محمد بعمّي فأنت عتيق. قال: فخرجت مع الناس وكنت رجلاً حبشياً أقذف بالحربة قذف الحبشة قلّ ما أُخطىء بها شيئاً. فلما التقى النس خرجت أنظر حمزة وأتبصرَّه حتى رأيته في عُرْض الناس كأنه الجمل الأورق يهدُّ الناس بسيفه هدّاً ما يقوم له شيء، فوالله إِني لأتهيأ له أريده، وأستتر منه بشجرة أو بحجر ليدنو مني، إذ تقدَّمني إليه سِباع بن عبد العُزَّى. فلما رآه حمزة رضي الله عنه قال: هلمَّ إِليَّ يا ابن مقطِّعة البُظُور. قال: فضربه ضربة كأنما أخطأ رأسه. قال: وهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه، فوقعت في ثُنَّته حتى خرجت من بين رجليه، وذهب لينوء نحوي فغُلب؛ وتركته وإياها حتى مات، ثم أتيته فأخذت حربتي ثم رجعت إلى العسكر، وقعدت فيه ولم يكن لي بغيره حاجة، إنما قتلته لأعتَق. فلما قدمت مكة عُتقت، ثم أقمتُ حتى إذا افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة هربت إلى الطائف فمكثت بها. فلما خرج وفد الطائف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسلموا تعيَّت عليَّ الذاهب، فقلت: ألحق بالشام أو بالين أو ببعض البلا، فوالله إنِّي لفي ذلك من همّي، إذ قال لي رجل: ويحك إنه - والله - لا يقتل أحداً من الناس دخل في دينه، وشهد شهادة الحق. قال: فلما قال لي ذلك: خرجت حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فلم يَرُعه إلا بي قائماً على رأسه؛ أشهد شهادة الحق. فلما رآني قال لي: «أوحشي أنت؟»

شجاعة العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه

قلت: نعم يا رسول الله قال: «أقعُد، فحدثني كيف قتلت حمزة» قال: فحدثته كما حدثتكما، فلما فرغت من حديثي قال: «ويحك يجب عني وجهك فلا أُرَينّك» . قال: فكنت أتنكب رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كان لئلا يراني حتى قبضه الله عزّ وجلّ. فلما خرج المسلمون إِلى مُسَيْلمة الكذاب صاحبِ اليمامة خرجت معهم، وأخذت حربتي التي قتلت بها حمزة، فلما التقى الناس رأيت مُسَيْلمة قائماً وبيده لسيف - وما أعرفه - فتهيأت له، وتهيأ له رجل من الأنصار من الناحية الأخرى كلانا يريده، فهززتُ حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه، فوقعت فيه؛ وشدّ عليه الأنصاري (فضربه) بالسيف، فربُّك أعلم أيُّنا قتله، فإِن كنت قتلته قلت خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قتلت شر الناس. وأخرجه البخاري عن جعفر بن عمرو - نحوه، وفي سياقه: فلما أن صف الناس للقتال خرج سِباع فقال: هل من مبارز؟ فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، فقال له؛ يا سباع، يا ابن أم أنمار مقطِّعةِ البظور أتحادُّ الله ورسوله؟ ثم شدَّ عليه، فكان كأمس الذاهب. شجاعة العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه إختطاف العباس حنظلة من أيدي المشركين وقصة شجاعته أخرج ابن عساكر عن جابر رضي الله عنه قال: لقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الطائف حنظلة بن الربيع رضي الله عنه إلى أهل الطائف، فكلمهم، فاحتملوه ليدخلون حصنهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من لهؤلاء؟ وله مثل أجر غزاتنا هذه؟» ، فلم يقم إلا العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه حتى أدركه في أيديهم، قد كادوا أن يدخلوه في الحصن، فاحتضنه العباس رضي الله عنه

- وكان رجلاً شديداً - فاختطفه من أيديهم؛ وأمطروا على العباس رضي الله عنه الحجارة من الحصن. فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يدعو له حتى انتهى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم كذا في الكنز. شجاعة معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء رضي الله عنهما قصة قتلهما أبا جهل يوم بدر أخرج الشيخان عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: إنِّي لواقف يوم بدر في الصف، فنظرت عن يميني وشمالي فإذا أنا بين غلامين من الأنصار حديثةٍ أسنانهما، تمنيت أن أكون بين أضلع منهما، فغمزني أحدهما فقال: يا عماه، أتعرف أبا جهل؟ فقلت: نعم، وما حاجتك إليه؟ قال: أُخبرت أنه يسبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده، لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا، فتعجَّبت لذلك. فغمزني الآخر فقال لي أيضاً مثلها، فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل وهو يجول في الناس، فقلت: ألا تريان؟ هذا صاحبُكما الذي تسألاني عنه، فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبراه. قال: «أيكما قتله؟» قال كل منهما: أنا قتلته، قال: «هل مسحتما سيفيكما؟» قالا: لا. قال: فنظر النبي صلى الله عليه وسلم في السيفين فقال: «كلاكما قتله» ، وقضى بسَلَبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح، والآخرِ معاذ بن عفراء رضي الله عنهما. وأخرجه الحاكم؛ والبيهقي عن

عبد الرحمن رضي الله عنه - بنحوه. وعند البخاري أيضاً قال عبد الرحمن رضي الله عنه: إني لفي الصف يوم بدر، إِذا التفت فإذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السنّ، فكأني لم آمن بمكانهما، إذ قال لي أحدهما سِرّاً من صاحبه: يا عمّ، أرني أبا جهل، فقلت: يا ابن أخي ما تصنع به؟ قال: عاهدت الله إن رأيته أن أقتله، أو أموت دونه. فقال لي الآخر: سرّاً من صاحبه مثله. قال: فما سرني أنني بين رجلين مكانهما، فأشرت لهما إليه، فشدّا عليه مثلَ الصَّقْرين حتى ضرباه. وهما إبنا عفراء. وعند ابن إسحاق عن ابن عباس وعبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهم قالا: قال معاذ بن عمرو بن الجموح أخو بني سَلِمة: سمعت القوم وأبو جهل في مثل الحَرَجَة، وهم يقولون: أبو الحكم لا يُخْلَصُ إليه، فلما سمعتها جعلته من شأني فصمدت نحوه، فلمَّا أمكنني حملت عليه، فضربته ضربة أطنّت قدمه بنصف ساقه، فوالله ما شبَّهتها حين طاحت إلا بالنَّوة تطيح من تحت مِرْضخة النوى حين يُضرب بها. قال: وضربني إبنه عِكرمة على عاتقي، فطرح يدي فتعلَّقَت بجلدة من جنبي، وأجهضني القتال عنه، فلقد قاتلت عمّة يومي، وإني لأسحبها خلفي. آذتني وضعت عليها قدمي، ثم تمطّيت بها عليها حتى طرحتها. كذا في البداية.

شجاعة أبي دجانة سماك بن خرشة الأنصاري

شجاعة أبي دُجانة سِماك بن خَرَشة الأنصاري رضي الله عنه قصة أخذه سيفن عليه السلام وأداء حقه يوم أُحد أخرج الإِمام أحد عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ سيفاً يوم أُحد فقال: «من يأخذ هذا السيف؟» فأخذ قوم؛ فجعلوا ينظرون إليه، فقال: «من يأخذه بحقه» ، فأحجم القوم. فقال أبو دجانة سِمَاك رضي الله عنه: أنا آخذه بحقه، ففلق به هم المشركين. وأخرجه مسلم. كذا في البداية، وابن سعد عن أنس رضي الله عنه بمعناه. وأخرج البزَّار عن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفاً يوم أُحد فقال: من يأخذ هذا السيف بحقه؟» ، فقام أبو دجاجة سِمَاك بن خَرَشة رضي الله عنه فقال: يا رسول الله - أنا آخذه بحقِّه، فما حقُّه؟ قال: فأعطاه إياه. فخرج واتبعته؛ فجعل لا يمرّ بشيء إلا أفراه وهتكه، حتى أتى نسوة في سَفح الجبل ومعهن هند وهي تقول: نحن بنات طرقْ نمشي على النمارقْ والمسك في المفارقْ إن تُقبلوا نعانقْ أو تدبروا نفارقْ فراق غير وامقْ

قال: فحملت عليها، فنادت بالصحراء فلم يجبها أحد، فانصرفت عنها. فقلت له: كل صنيعك رأيته فأعجبني؛ غير أنك لم تقتل المرأة. قال: فإنها نادت فلم يجبها أحد، فكرهت أن أضرب سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم إمرأة لا ناصر لها. قال الهيثمي: رجاله ثقات. انتهى. وأخرجه الحكم عن الزبير رضي الله عنه قال: عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفاً يوم أُحد فقال: «من يأخذ هذا السيف بحقِّه» ؟ (فقمت) فقلت: أنا يا رسول الله فأعرض عني. ثم قال: من يأخذ هذا السيف بحقِّه؟ فقام أبو دجانة سِمَاك بن خَرَشَة رضي الله عنه فقال: أنا آخذه يا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحقِّه، فما حقُّه؟ قال: «أن لا تقتل به مسلماً، ولا تفرّ به عن كافر» . قال: فدفعه إليه، وكان إذا أراد القتال أعْلَم بعصابة. قال: قلت: لأنظرنَّ إليه اليوم كيف يصنع؟ قال: فجعل لا يرتفع له شيء إلا هتكه وأفراه - فذكره بمعناه. قال الحاكم: صحيح الإِسناد، ولم يخرِّجاه. وقال الذهبي: صحيح. وعند ابن هشام كما في البداية: قال حدثني غير واحد من أهل العلم أن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: وَجَدْتُ في نفسي حين سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم السيف، فَمنَعنيه، وأعطاه أبا دجانة رضي الله عنه، وقلت: أنا ابن صفيَّة عمته ومن قريش، وقد قمت إليه فسألته إياه قبله؛ فأعطاه أبا دجانة وتركني والله لأنظرنَّ ما يصنع؟ فاتبعته. فأخرج عصابة له حمراء. فعَصَب بها رأسه. فقالت الأنصار: أخرج أبو دجانة عِصابة الموت - وهكذا كنت تقول له إذا تعصب (بها) - فخرج وهو يقول:

أنا الذي عاهدني خليلي ونحن بالسَّفْح لدى النخيلِ أن لا أقوم الدهر في الكَيُّول أضرب بسيف الله والرسولِ فجعل لا يلقى أحداً إِلا قتله. وكان من المشركين رجل لا يدع (لنا) جريحاً إلا ذفَّف عليه؛ فجعل كل (واحد) منهما يدنو من صاحبه، فدعوت الله أن يجمع بينهما، فالتقيا فاختلفا ضربتين فضرب المشركُ أبا دُجانة فاتَّقاه بدَرَقَته؛ فعضّت بسيفه، وضربه أبو دجانة فقتله. ثم رأيته قد حمل السيف على مَفْرِق رأس هند بنت عتبة، ثم عدل السيف عنها (قال الزبير) ؛ فقلت: الله ورسوله أعلم. وعند موسى بن عقبة، كما في البداية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عرضه طلبه منه عمر رضي الله عنه، فأعرض عنه. ثم طلبه منه الزبير رضي الله عنه، فأعرض عنه؛ فوجَدا في أنفسهما من ذلك. ثم عرضه الثالثة، فطلبة أبو دجانة رضي الله عنه، فدفعه إليه؛ فأعطى السيف حقَّه.. قال: فزعموا أن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: كنت فيمن خرج من المسلمين، فلما رأيتُ مُثَلَ المشركين بقتلى المسلمين قمت فتجاوَرْتُ، فإذا رجل من المشركين جمع اللأمة يجوز المسلمين وهو يقول: إسْتَوْسِقوا كما استوسقت جزر الغنم. قال: وإذا رجل من المسلمين ينتظره وعليه لأمته، فمضيت حتى كنت من ورائه. ثم قمت أُقدِّر المسلم والكافر ببصري؛ فإذا الكافر أفضلهما عدّة وهيأة. قال: فلم أزل أنتظرهما حتى التقيا، فضرب المسلم الكافر على حبل

شجاعة قتادة بن النعمان

عاتقه ضربة بالسيف فبلغت وِرْكه وتفرق فرقتين، ثم كشف المسلم عن وجهه وقال: كيف ترى يا كعب؟ أنا أبو دجانة. شجاعة قتادة بن النعمان رضي الله عنه حفاظته النبي عليه السلام عن السهام يوم أُحد بوجهه أخرج الطبراني عن قتادة بن النعمان رضي الله عنه قال: أُهدِي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قوس، فدفعها إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أُحد، فرميت بها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اندقَّت سِيَتُها ولم أزل على مقامي نُصْب وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ألقى السهام بوجهي، كلما مال سهم منها إِلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ميَّلت رأسي لأقي وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا رمي أرميه، فكان آخرُها سهماً ندرت منها حَدَقَتي بكفي، فسعَيت بها في كفِّي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم في كفِّي دمعت عيناه، فقال: «اللهم إنَّ قتادة قد وقى نبيك بوجهه، فاجعلها أحسن عينيه وأحدّهما نظراً» ، فكانت أحسن عينيه وأحدّهما نظراً،. قال الهيثمي: وفيه من لم أعرفه. وعنده أيضاً عنه قال: كنت نصب وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أُحد أقي وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهي، كان أبو دجانة سِمَاك بن خَرَشة رضي الله عنه موقياً لظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهره حتى امتلأ ظهره سِهماً، وكان ذلك يوم أُحد. قال الهيثمي: وفيه من لم أعرفه.

شجاعة سلمة بن الأكوع

شجاعة سَلَمة بن الأكوع رضي الله عنه قصة شجاعته في غزوة ذي قَرَد أخرج الإِمام أحمد عن سَلَمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: قدمنا المدينة زمن الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجت أنا وربَاح غلامُ النبي صلى الله عليه وسلم ـ (بظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرجت بفرس لطحلة بن عبيد الله أريد أن أُنَدِّيه مع الإِبل. فلم اكان بغَلَس أغار عبد الرحمن بن عيينة على إبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتل راعيها، وخرج يطردها هو وأناس معه في خيل. فقلت: يا رباح أقعد على هذا فألْحقهُ بطلحة، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد أُغير على سَرْحه. قال: وقمت على قِلْ، فجعلت وجهي من قِبل المدينة، ثم ناديت - ثلاث مرات -: يا صباحاه. قال: ثم اتَّبعت القوم معي سيفي ونبلي، فجعلت أرميهم وأعقِر بهم، وذلك حين يكثر الشجر، فإذا رجع إِليّ فارس جلست له في أصل شجرة ثم رميت، فلا يُقبل إليّ فارس إلا عقرت به، فجعلت أرميهم وأنا أقول: أنا ابن الأكوعِ واليومُ يومُ الرُّضَّع قال: فألحق برجل منهم فأرميه وهو على راحلة، فيقع سهمي في الرجل حتى أنتظم كتفه فقلت خذها وأنا ابن الأكوعِ واليوم يوم الرُّضَّعِ

فإذا كنت في الشجر أحرقتهم بالنبل، فإذا تضايقت الثنايا عَلَوت الجبل فردَّيتهم بالحجارة. فما زال ذلك شأني وشأنهم أتبعهم، وأرتجز حتى ما خلق الله شيئاً من ظَهْر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا خلَّفته وراء ظهري، فاستنقذته من أيديهم، ثم لم أزل أرميهم حتى ألقَوا أكثر من ثلاثين رمحاً وأكثر من ثلاثين رمحاً وأكثر من ثلاثين بُرْدة يَستخِفُّون منها، ولا يُلْقون من ذلك شيئاً إلا جعلت عليه حجارة، وجمعته على طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا امتدّ الضحى أتاهم عُيَينة بن بدر الفَزاري مَدداً لهم وهم في ثنيَّة ضيِّقة، ثم علَوت الجبل فأنا فوقهم، فقال عيينة: ما هذا الذي أرى؟ قالوا: لقينا من هذا البُرَح ما فارقنا بسَحَر حتى الآن، وأخذ كلَّ شيء بأيدينا وجعلته وراء ظهره. فقال عيينة لولا أنَّ هذا يرى أن وراءه طلباً لقد ترككم، ليَقُم إِليه نفر منكم. فقام إليه نفر منهم أربعة فصعدوا في الجبل. فلما أسمعتهم الصوت قلت: أتعرفونني؟ قالوا: ومن أنت؟ قلت: أنا ابن الأكوع، والذي كرّم وجه محمد لا يطلبني رجل منكم فيدركني، ولا أطلبه فيفوتني. فقال رجل منهم إنّ أظنّ. قال: فما برحت مقعدي ذلك حتى نظرت إلى فوارس رسول الله صلى الله عليه وسلم يخلّلون الشجر، وإِذ أولهم الأخرم الأسديّ، وعلى أثره أبو قتادة فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أثره المقداد بن الأسود الكِندي، فولّى المشركون مدبرين، وأنزِل من الجبل فآخذ عِنان فرسه، فقلت: يا أخرم إئذن القوم - يعني إحذرهم - فإني لا آمن أن يقتطعوك فاتئد حتى يلحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه. قال: يا سلمة إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر، وتعلم أنَّ الجنة حق والنار حق فلا تَحُل بيني وبين الشهادة. قال: فخلّيت عنان فرسه، فيلحق

أبو قتادة على فرس الأخرم.

بعبد الرحمن بن عيينة، ويعطف عليه عبد الرحمن فاختلفا طعنتين، فعقر الأخرم بعبد الرحمن، وطعنه عبد الرحمن فقتله؛ فتحول عبد الرحمن على فرس الأخرم، فيلحق أبو قتادة بعبد الرحمن، فاختلف طعنتين فعقر بأبي قتادة وقتله أبو قتادة، وتحول أبو قتادة على فرس الأخرم. ثم إنِّي خرجت أعدو في أثر القوم حتى ما أرى من غبار صحابة النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً، ويعرضون قبل غيبوبة الشمس إلى شِعْب فيه ماء يقال له «ذو قَرَد» . فأرادوا أن يشربوا منه فأبصروني أعدو وراءهم فعطفوا عنه، وأسندوا في الثنيّة ثنيّة ذي بئر» وغربت الشمس وألحق رجلاً فأرميه فقلت: خذها وأنا ابن الأكوعِ واليوم يوم الرضّعِ قال: فقال: يا ثُكَلْ أمِّ أكوع بكرة فقلت: نعم، أي عدوَّ نفسه - وكان الذي رميته بكرة -، وأتبعته سهماً آخر، فعلق به سهمان، ويخلِّفون فرسين فجئت بهما أسوقهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على الماء الذي أجليتهم عنه - ذي قَرَد -. وإذا بنبي الله صلى الله عليه وسلم في خمس مائة، وإِذا بلال قد نحر جزوراً ممَّا خلَّفت فهو يشوي لرسول الله صلى الله عليه وسلم من كبدها وسنامها، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله خلِّني فأنتخب من أصحابك مائة، فآخذ على الكفار بالعَشوة فلا يبقى منهم مُخْبر إلا قتلته. فقال: «أكنت فاعلاً ذلك يا سلَمة؟» قال: قلت: نعم، والذي أكرمك. فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأيت نواجذه في ضوء (النار) ، ثم قال: «إنهم يُقْرَون الآن بأرض غطفان» فجاء من غطفان فقال: «مرّوا على فلان الغطفاني، فنحر لهم جزوراً، فلما أخذوا يكشِطون جلدها رأوا غَبَرة فتركوها وخرجوا هراباً.

شجاعة أبي حدرد أبو عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي رضي الله عنه

فلما أصبحنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «خير فرساننا أبو قتادة وخير رجَّالتِنا سلمة» . فأعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم سَهْمَ الفارس والراجل جميعاً، ثم أردفني وراءه على العَضْباء راجعين إلى المدينة. فلما كان بيننا وبينها قريبٌ من ضحوة - وفي القوم رجل من الأنصار كان لا يُسبق - جعل ينادي: هل من مسبق؟ ألا رجل يسابق إِلى المدينة؟ فأعاد ذلك مراراً وأنا وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم مُرْدِفي، فقلت له: أما تُكرم كريماً، ولا تهاب شريفاً؟ قال: لا، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قلت: يا رسول الله - بأبي أنت وأمِّي - خلّني فلأسبق الرجل. قال: «إن شئت» . قلت: إذهب إِليك. فطفر عن راحلته، وثنيت رجلي فطفرت عن الناقة، ثم إنِّي ربطت عليه شَرَفاً أو شَرَفين - يعني استبقيت من نَفَسي -، ثم إن عدوت حتى ألحقه فأصكَّ بين كتفيه بيدي، قلت: سبقتك والله أو كلمة نحوها. قال: فضحك، قال: إِن أظنُّ، حتى قدمنا المدينة. وهكذا رواه مسلم؛ عنده: فسبقته إلى المدينة، فلم نلبث إلا ثلاثاً حتى خرجنا إلى خيبر. كذا في البداية. شجاعة أبي حدرد أبو عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي رضي الله عنه قتاله مع رجلين والظفر عليهما أسند ابن إسحاق عن أبي حدرد رضي الله عنه قال: تزوجت إمرأة

من قومي فأصدقتها مائتي درهم، قال: فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أستعينه على نِكاحي. فقال: «كم أصدقت؟» فقلت: مائتي درهم. فقال: «سبحان الله والله لو كنتم تأخذونها من وادٍ ما زدتم والله ما عندي ما أعينك به» . فلبثت أياماً؛ ثم أقبل رجل من جُشَم بن معاوية يقال له رِفاعة بن قيس - أو قيس بن رفاعة - في بطن عظيم من جُشَم حتى نزل بقومه ومن معه بالغابة؛ يريد أن يجمع قيساً على محاربة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ذا إسم وشَرَف في جُشَم. قال: فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلين من المسلمين، فقال: «أخرجوا إلى هذا الرجل حتى تأتوا منه بخبر وعلم» ، وقدَّم لنا شارفاً عجفاء، فحُمِلَ عليها أحدنا، فوالله ما قامت به ضعفاً حتى دَعَمها الرجال من خلفها بأيديهم حتى استقلَّت وما كادت؛ وقال: «تبلَّغوا على هذه» . فخرجنا ومعنا سلاحنا من النبل والسيوف حتى إذا جئنا قريباً من الحاضر مع غروب الشمس، فكَمَنت في ناحية، وأمرت صاحبيَّ فَكَمَنا في ناحية أخرى من حاضر القوم، وقلت لهما: إذا سمعتماني قد كبّرت وشددت في العسكر فكبّرا وشدّا معي، فوالله إنا كذلك ننتظر أن نرى غِرَّة أو نرى شيئاً، وقد غَشِينَا الليل حتى ذهبت فحمة العشاء؛ وقد كان له راعٍ قد سرح في ذلك البلد فأبطأ عليهم، وتخوّفوا عليه. فقام صاحبهم رفاعة بن قيس، فأخذ سيفه فجعله في عنقه، فقال: والله لأتيقنَنّ أمر راعينا ولقد أصابه شرّ. فقال نفر ممَّن معه: والله لا تذهب، نحن نَكْفيك. فقال: لا، إلا أنا. قالوا: نحن معك. فقال: والله

شجاعة خالد بن الوليد رضي الله

لا يتبعني منكم أحد، وخرج حتى مرّ بي. فلما أمكنني نفحته بسهم فوضعته في فؤاده، فوالله ما تكلّم فوثبت إِليه، فاحتززت رأسه، ثم شددت ناحية العسكر وكبّرت، وشدّ صاحباي وكبّرا، فوالله ما كان إلا النجاء ممّن كان فيه. عندك عندك، بكل ما قدروا عليه من نسائهم، وأبنائهم، وما خفّ معهم من أموالهم، واستَقنا إبلاً عظيمة وغنماً كثيرة؛ فجئنا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجئت برأسه أحمله معي، فأعطاني من تلك الإِبل ثلاثة عشر بعيراً في صَداقي؛ فجمعت إِليَّ أهلي. كذا في البداية. وأخرجه أيضاً الإِمام أحمد وغيره؛ إِلا أن عنده عبد الله بن أبي حدرد رضي الله عنه؛ كما في الإِصابة. شجاعة خالد بن الوليد رضي الله عنه كسره رضي الله عنه تسعة أسياف في يوم مؤتة أخرج البخاري عن خالد بن الوليد رضي الله عنه يقول: لقد دُقَّ في يدي يوم مؤتة تسعةُ أسياف، فما بقي في يدي إلا صفيحة يمانية. وأخرجه ابن أبي شيبة، كما في الاستيعاب؛ والحاكم وابن سعد.

قتله هرمز وأخرج الحاكم عن أوس بن حارثة بن لام رضي الله عنه قال: لم يكن أحد أعدى للعرب من هُرْمز، فلما فرغنا من مُسَيْلَمة وأصحابه أقبلنا إلى ناحية البصرة، فلقينا هُرمُز بكاظِمة في جمع عظيم. فبرز له خالد ودعاه للبراز، فبرز له هُرمُز؛ فقتله خالد بن الوليد رضي الله عنه؛ وكتب بذلك إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فَنَفَله سَلَبه، فبلغت قلنسوته مائةَ ألف درهم، وكانت الفرس إذا شَرُف الرجل جعلوا قلنسوته مائةَ ألف درهم. بكاء خالد على موته على الفراش وأخرج الواقدي عن أبي الزناد قال: لما حضرت خالداً الوفاةُ بكى ثم قال: لقد حضرتُ كذا وكذا زحفاً، وما في جسدي شبر إلا وفيه ضربة سيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم، وها أنا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت البعير؛ فلا نامت أعين الجبناء، كذا في البداية. شجاعة البراء بن مالك رضي الله عنه تشجيعه الناس يوم اليمامة وضربه بالسيف حتى انقطع السيف أخرج السَّرّاج في تاريخه عن أنس: أنّ خالد بن الوليد قال للبراء يوم اليمامة: قم يا براء. قال: فركب فرسه، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا أهل المدينة، لا مدينة لكم اليوم، وإنما هو الله وحدَه والجنة؛ ثم حمل وحمل الناس معه، فانهزم أهل اليمامة. فلقي البراء رضي الله عنه مُحَكَّم اليمامة،

إقتحامه الحديقة من الجدار وقتاله مع القوم وحده

فضربه البراء وصرعه، فأخذ سيف مُحَكَّم اليمامة فضرب به حتى انقطع. وعند البغوي عن البراء رضي الله عنه قال: لقيت يوم مسيلمة رجلاً يقال له «حمار اليمامة» رجلاً جسيماً بيده السيف أبيض، فضربت رجليه فكأنما أخطأته وانقعر، فوقع على قفاه، فأخذت سيفه وأغمدت سيفي، فما ضربت به ضربة حتى انقطع. كذا في الإِصابة. إقتحامه الحديقة من الجدار وقتاله مع القوم وحده وعند ابن عبد البرّ في الاستيعاب عن ابن إسحاق قال: زحف المسلمون إلى المشركين (- في اليمامة -) حتى ألجأوهم إلى الحديقة وفيها عدوّ الله مسيلمة. فقال (البراء) : يا معشر المسلمين ألقوني عليهم، فاحتمل حتى إذا أشرف على الجدار إقتحم، فقاتلهم على الحديقة حتى فتحها على المسلمين، ودخل عليهم المسلمون، فقتل الله مسيلمة. وأخرجه البيهقي عن محمد بن سيرين: أن المسلمين انتهَوا إلى حائط قد أُغلق بابه فيه رجال من المشركين. فجلس البراء بن مالك رضي الله عنه على ترس فقال: إرفعوني برماحكم، فألقوني إِليهم. فرفعوه برماحهم، فألقَوه من وراء الحائط، فأدركوه قد قتل منهم عشرة. وأخرج ابن سعد كما في منتخب الكنز عن ابن سيرين قال: كتب

عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن لا تستعملوا البراء بن مالك (على جيش من جيوش المسلمين) فإنه مَهلكة من (المهالك يقدم به) . شجاعة أبي مِحْجن الثقفي رضي الله عنه قتاله يوم القادسية حتى ظنُّوا أنه ملك أخرج عبد الرزاق عن ابن سيرين قال: كان أبو مِحْجَن الثقفي رضي الله عنه لا يزال يُجلد في الخمر، فلما أكثر عليهم سجنوه وأوثقوه. فلما كان يوم القادسية رآهم يقتتلون، فكأنه رأى أن المشركين قد أصابوا من المسلمين، فأرسل إلى أم ولد سعد أو إلى إمرأة سعد يقول لها: إن أبا مِحَجن يقول لك: إن خلّيت سبيله وحملته على هذا الفرس ودفعت إِليه سلاحاً؛ ليكونَنّ أول من يرجع إليك إلا أن يُقتل، وأنشأ يقول: كفى حَزَناً أن تلتقي الخيل بالقنا وأُترك مشدوداً عليَّ وثاقيا إِذا قمت عنَّاني الحديدُ وغُلِّقت مصارعُ دوني قد تُصمُّ المناديا فذهبت الأخرى، فقلت ذلك لامرأة سعد، فحلّت عنه قيوده، وحُمل على فرس كان في الدار وأُعطي سلاحاً. ثم خرج يركض حتى لحق بالقوم، فجعل لا يزال يحمل على رجل فيقتله ويدقّ صلبه. فنظر إليه (سعد) فجعل يتعجَّب منه ويقول: من ذلك الفارس؟ فلم يلبثوا إلا يسيراً حتى هزمهم الله. ورجع أبو مِحجَن رضي الله عنه، وردّ السلاح، وجعل رجليه في القيود كما كان. فجاء سعد رضي الله عنه فقالت له إمرأته أو أم ولده: كيف كان قتالكم؟ فجعل يخبرها ويقول: لقينا ولقينا حتى بعث الله رجلاً على فرس أبلق، لولا

أنِّي تركت أبا مِحجَن في القيود لظننتُ أنها بعض شمائل أبي مِحجَن، فقلت: والله إنه لأبو مِحجَن، كان من أمره كذا وكذا؛ فقصّت عليه قصّته. فدعا به وحلَّ قيوده. وقال: والله لا نجلدك على الخمر أبداً. قال أبو محجن رضي الله عنه: وأن والله لا أشربها أبداً، كنت آنف أن أعدها من أجل جَلْدكم. قال: فلم يشربها بعد ذلك. كذا في الاستيعاب، وسنده صحيح؛ كما في الإِصابة. وأخرجه أيضاً أبو أحمد الحاكم عن محمد بن سعد - بطوله، وفي حديثه: وانطلق حتى أتى الناس، فجعل لا يحمل في ناحية إلا هزمهم الله. فجعل الناس يقولون: هذا مَلَكٌ وسعد رضي الله عنه ينظر. فجعل يقول: الضبر ضبر البلقاء، والطفْر طفْر أبي محجن، وأبو مِحْجَن في القَيْد فلما هزم العدوّ رجع أبو مِحْجَن حتى وضع رجله في القيد. أخبرت بنتُ خَصَفَة سعداً بالذي كان من أمره؟ فقال: لا والله لا أحدُّ اليوم رجلاً أبلى الله المسلمين على (يده) ما أبلاهم. قال: فخلّى سبيله. فقال أبو محجن رضي الله عنه: لقد كنت أشربها إذ كان يقام عليّ الحدّ وأطهَّر منها؛ فأما إذ بَهْرَجتني فوالله لا أشربها (أبداً) . وأخرجه أيضاً ابن أبي شيبة بهذا المسند، وفيها: أنهم ظنّوه مَلَكاً من الملائكة. ومن طريقه أخرجه ابن عبد البر في الاستيعاب.

وذكره سيف في الفتوح وساق القصة مطوَّله، وزاد في الشعر أبياتاً أخرى؛ وفي القصة: فقاتل قتالاً عظيماً، وكان يُكبِّر ويحمل فلا يقف بين يديه أحد، وكان يقصِف الناس قصفاً منكراً؛ فعجب الناس منه وهم لا يعرفونه. كذا في الإِصابة. شجاعة عمّار بن ياسر رضي الله عنه تشجيعه يوم اليمامة وقتاله أخرج الحاكم، وأخرجه أيضاً ابن سعد مثله عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: رأيت عمَّار بن ياسر رضي الله عنه يوم اليمامة على صخرة، وقد أشرف يصيح؛ يا معشر المسلمين، أمِنَ الجنة تفرُّون؟ أنا عمار بن ياسر أمِن الجنة تفرون؟ أنا عمار بن ياسر؛ هلمّ إليّ. وأنا أنظر إلى أُذنه قد قطعت فهي تذبذب وهو يقاتل أشدّ القتال. شوقه إلى الجنة عند القتال وأخرج أيضاً عن أبي عبد الرحمن السُّلَمي رضي الله عنه قال: شهدنا صِفّين مع علي رضي الله عنه وقد وَكَلنا (به) رجلين. فإذا كان من القوم غفلة حمل عليهم، فلا يرجع حتى يخضب سيفَه دماً؛ فقال: أعذروني، فوالله ما رجعت حتى نبا عليَّ سيفي. قال: ورأيت عمَّاراً وهاشم بن عتبة رضي الله عنهما وهو يسعى بين الصفَّين. فقال عمار رضي الله عنه: يا هاشم، هذا والله

ليخلفنّ أمره وليخذلنّ جنده. ثم قال: يا هاشم الجنة تحت الأبارقة، اليوم ألقى الأحبَّة: محمداً وحزبه. يا هاشم أعور، ولا خير في أعور لا يغشى البأس. قال: فهزّ هاشم رضي الله عنه الراية وقال: أعور يبغي أهله مَحلا قد عالج الحياة حتى ملا لا بدّ أن يَفلّ أو يُفَلا قال ثم أخذ في وادٍ من أودية صِفِّين. قال أبو عبد الرحمن: ورأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يتبعون عماراً رضي الله عنه كأنه لهم عَلَمٌ. وأخرجه ابن جرير أيضاً، كما في البداية، وفي حديثه قال؛ ورأيت عماراً رضي الله عنه لا يأخذ وادياً من أودية صِفِّين إلا اتَّبعه من كان هناك من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأيته جاء إِلى هاشم بن عتبة - وهو صاحب راية علي رضي الله عنه - فقال: يا هاشم تقدَّم، الجنة تحت ظلال السيوف، والموت في أطراف الأسنّة، وقد فتحت أبواب الجنة، وتزيّنت الحور العين، اليوم ألقى الأحبّة، محمداً وحزبه. ثم حملا هو وهاشم، فقُتلا - رحمهما الله تعالى -. قال: وحمل حينئذٍ علي وأصحابه رضي الله عنهم على أهل الشام حملة رجل واحد، كأنهما كانا - يعني عماراً وهاشماً رضي الله عنهما - علماً لهم. وأخرجه أيضاً الطبراني، وأبو يعلى - بطوله؛ الإِمام أحمد باختصار. قال الهيثمي: رجال أحمد، وأبي يَعْلى ثقات.

شجاعة عمرو بن معدِ يكرب الزبيدي رضي الله تعالى عنه قتاله يوم اليرموك أخرج ابن عائذ في المغازي عن مالك بن عبد الله الخثعمي رضي الله عنه قال: ما رأيت أشرف من رجل برز يوم اليرموك، فخرج إلي عِلْج، فقتله. ثم آخر، فقتله. ثم آخر، فقتله. ثم انهزموا وتبعهم. ثم انصرف إلى خِباء له عظيم، فنزل ودعا بالجِفان، ودعا من حوله فقلت: من هذا قال: عمرو بن معدِ يكرب رضي الله عنه. قتاله يوم القادسية وحملته فيه وحده وأخرج ابن أبي شيبة، وابن عائذ، وابن السَّكَن، وسيف بن عمر، والطبراني وغيرهم - بسند صحيح - عن قيس بن أبي حازم رضي الله عنه قال: شهدت القادسية فكان سعد رضي الله عنه على الناس، فجعل عمرو بن معدِ يكرب يمرّ على الصفوف ويقول: يا معشر المهاجرين، كونوا أسوداً أشدّاء، فإن الفارسيَّ إذا ألقى رمحه يئس، فرماه أُسْوار من الأساورة بنُشّابة، فأصب سِيَة قوسه فحمل عليه عمرو فطعنه فدقَّ صُلبه، ونزل إِليه أخذ سَلَبه.

وأخرجه ابن عساكر من وجه آخر أطول من هذا، وفي آخرها: إذا جاءته نُشّابة فأصابت قَرَبوس سرجه، فحمل على صاحبها فأخذه كما تؤخذ الجارية، فوضعه بين الصفَّين، ثم احتزّ رأسه وقال: إصنعوا هكذا. وروى الواقدي من طريق عيسى الخياط قال: حمل عمرو بن معدِ يكرب رضي الله عنه يوم القادسية وحده، فضرب فيهم، ثم لحقه المسلمون، وقد أحدقوا به وهو يضرب فيهم بسيفه، فنَحّوْهم عنه. وأخرج الطبراني عن محمد بن سلام الجمحي رضي الله عنه قال: كتب عمر إلى سعد - رضي الله عنهما -: إني أمددتك بألفَي رجل: عمرِو بن معدِ يكرب، وطليحةَ بن خويلد. وأخرج الدَّوْلابي، عن أبي صالح بن الوجيه رضي الله عنه قال: في سنة إحدى وعشرين كانت وقعة نهاوند، فقتل النعمان بن مُقَرِّن، ثم انهزم المسلمون، وقاتل عمرو بن معدِ يكرب رضي الله عنه يومئذٍ حتى كان الفتح، فأثبتته الجراحة، فمات بقرية روذة.Y كذا في الإِصابة. شجاعة عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قتاله مع الحجّاج وشهادته أخرج الطبراني عن عروة بن الزبير رضي الله عنهما قال: لما مات معاوية رضي الله عنه تثاقل عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما عن طاعة يزيدَ بن معاوية، وأظهر

شتمه، فبلغ ذلك يزيد، فأقسم لا يُؤتى به إلا مغلولاً وإلا أرسل إليه. فقيل لابن الزبير؛ ألا نصنع لك أغلالاً من فضة تلبس عليها الثوب، وتُبِرّ قَسَمه؛ فالصلح أجمل بك. قال: فلا أبرَّ الله قَسَمه، ثم قال: ولا ألينُ لغير الحقِّ أسألُه حتى يلينَ لضرسِ الماضغِ الحجرُ ثم قال: والله لضربةٌ بسيف في عز أحب إليّ من ضربة بسَوْط في ذل، ثم دعا إلى نفسه وأظهر الخلاف يزيد بن معاوية. فوجَّه إليه يزيد بن معاوية مُسْلِم بن عُقبة المُرِّي في جيش أهل الشام، وأمره بقتال أهل المدينة، فإذا فرغ من ذلك سار إلى مكة. قال: فدخل مسلم بن عقبة المدينة، وهرب منه يومئذٍ بقايا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعَبَث فيها وأسرف في القتل، ثم خرج منها. فلما كان ببعض الطريق مات، واستخلف حُصَين بن نُمير الكندي وقال: يا ابن بَرْذَعة الحمار أحذر خدائع قريش، ولا تعاملهم إلا بالثِّقاف ثم بالقطاف. فمضى حصين حتى ورد مكة، فقاتل بها ابن الزبير رضي الله عنهما أياماً - فذكر الحديث، وفيه: قال: وبلغ حصين بن نمير موتُ يزيدَ بن معاوية، فهرب حُصَين بن نمير. فلما مات يزيد بن معاوية دعا مروان بن الحكم إلى نفسه - فذكر الحديث، وفيه: ثم مات مروان ودعا عبد الملك لنفسه، وقام فأجابه أهل الشام، فخطب على المنبر وقال: من لابن الزبير منكم؟ فقال الحجاج: أنا يا أمير المؤمين، فأسكته، ثم عاد فأسكته، ثم عاد فقال: أنا يا أمير المؤمنين (فإني) رأيت في النوم أني انتزعت جبته فلبستها. فعقد له (ووجهه) في الجيش إلى مكة حتى قدمها على ابن الزبير رضي الله عنهما، فقاتله بها. فقال ابن الزبير رضي الله عنهما لأهل مكة: إحفظوا هذين الجبلين فإنكم لن تزالوا بخير أعزّة ما لم يظهروا عليهما، فلم يلبثوا أن ظهر الحجّاج ومن معه على «أبي قُبَيس» ، ونصب عليه

المنجنيق؛ فكان يرمي به ابن الزبير ومن معه - رضي الله عنهم - في المسجد. فلما كان الغداة - التي قُتل فيها ابن لزبير - دخل ابن الزبير على أمه أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنها -، وهي يومئذٍ إبنة مائة سنة لم يسقط لها سن ولم يفقد لها بصر - فقالت لابنها: - يا عبد الله ما فعلت في حربك؟ قال: بلغوا مكان كذا وكذا. وضحك ابن الزبير رضي الله عنهما فقال: إِن في الموت لراحة. قالت: يا بني لعلَّك تتمنّاه لي؟ ما أحبّ أن أموت حتى آتي على أحد طرفيك، إمّا أن تملك فتَقَرّ بذلك عيني، وإما أن تقتل فأحتسبَك. قال: ثم ودَّعها، قالت له: يا بني إياك أن تُعطي خصلة من دينك مخافة القتل. وخرج عنها ودخل المسجد، وقد جعل مصراعين على الحجر الأسود يتقي بهما أن يصيبه المنجنيق، وأتى ابن لزبير رضي الله عنهما آتٍ وهو جالس عند الحجر الأسود، فقال (له) : ألا نفتح لك باب الكعبة فتصعد فيها؟ فنظر إليه عبد الله ثم قال له: من كل شيء تحفظ أخاك إلا من نفسه - يعني أجله -، وهل للكعبة حرمة ليست لهذا المكان؟ والله لو وجدوكم متعلِّقين بأسْتار الكعبة لقتلوكم. فقيل له: ألا تكلِّمهم في الصلح؟ قال: أَوَحين صُلْحٍ هذا؟ والله لو وجدوكم فيه لذبحوكم جميعاً، وأنشد يقول: ولستُ بمبتاعِ الحياةِ بسُبَّةٍ ولا مُرْتَقٍ مِنْ خشية الموت سُلّما أنافس سهماً إنه غير بارحٍ ملاقي المنايا أيَّ حرف تيمَّما ثم أقبل على آل الزبير يعظهم ويقول: ليُكِنَّ أحدكم سيفه كما يُكِنُّ وجهه، لا ينكسر (سيفه) فيدفع عن نفسه بيده كأنه إمرأة، والله ما لقيت زحفاً قط إِلا في الرعيل الأول، ولا أَلِمتُ جرحاً قط إلا أنْ آلم الدواء. قال: فبينما هم كذلك إذ دخل عليهم (قوم) من باب بني جُمَح فيهم أسْوَد. قال: من هؤلاء؟ قيل: أهل حمص، فحمل عليهم ومعه سيفان، فأول من لقيه الأسود، فضربه بسيفه حتى أطنّ رجله، فقال له الأسود: أخْ يا ابن الزانية؟ فقال له ابن الزبير رضي الله

عنهما: إخسأ يا ابن حام، أسماء زانية؟ ثم أخرجهم من المسجد، وانصرف. فإذا قوم قد دخلوا من باب بني سَهْم، فقال: من هؤلاء قيل: أهل الأردن، فحمل عليهم وهو يقول: لا عهد لي بغارة مثلِ السَّيْلْ لا ينجلي غبارها حتى الليل فأخرجهم من المسجد، فإذا بقوم قد دخلوا من باب بني مخزوم، فحمل عليهم وهو يقول: لو كان قِرْني واحداً كفيته. قال: وعلى ظهر المسجد من أعوانه من يرمي عدوّه بالآجر وغيره، فحمل عليه، فأصابته آجرة في فرقه حتى فَلَقت رأسه: فوقف وهو يقول: ولسنا على الأعقاب تُدمى كلومنا ولكن على أقدامنا تقطر الدِّما قال: ثم وقع فأكبّ عليه مَوْلَيان له، وهما يقولان: العبد يحمي ربَّه ويحتمي قال: ثم سِير إِليه، فحُزّ رأسه. قال الهيثمي رواه الطبراني وفيه: عبد الملك بن عبد الرحمن الذماري وثَّقه ابن حِبَّان وغيره، وضعفّه أبو زُرعة وغيره. انتهى. وأخرجه أيضاً ابن عبد البرّ في الاستيعاب - مطوّلاً؛ وأبو نُعيم في الحلية - بنحوه مختصراً؛ (والحاكم في المستدرك - قطعة من أوله.

وأخرج أبو نعيم، والطبراني أيضاً عن (إسحاق بن) أبي إسحاق قال: أنا حاضر قتل ابنِ الزبير رضي الله عنهما يوم قتل في المسجد الحرام، جعلت الجيوش تدخل من باب المسجد، فكلما دخل قوم من باب حمل عليهم وحده حتى يخرجهم، فبينا هو على تلك الحال إِذ جاءت شُرفة من شرفات المسجد فوقعت على رأسه فصرعته، وهو يتمثل بهذه الأبيات: أسماءُ إِن قُتلتُ لا تبكيني لم يبقَ إلا حَسَبي وديني وصارم لانت به يميني الإِنكار على من فرّ في سبيل الله إنكار الصحابة على سَلَمة بن هشام أخرج الحاكم عن أم سَلَمة رضي الله عنها أنها قالت لامرأة سَلَمة بن هشام بن المغيرة: ما لي لا أرى سلمة يحضر الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع المسلمين؟ قالت: والله ما يستطيع أن يخرج، كلما خرج صاح به الناس: يا فُرّار، أفررتم في سبيل الله عزّ وجلّ؟ حتى قعد في بيته فما يخرج، وكان في غزوة مؤتة مع خالد بن الوليد رضي الله عنه. قال الحاكم - ووافقه الذهبي - هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرِّجاه. وأخرجه ابن إسحاق مثله؛ كما في البداية.

الندامة والجزع من الفرار

إِنكار رجل على أبي هريرة وأخرج الحاكم من طريق الواقدي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لقد كان بيني وبين ابن عم لي كلام، فقال: ألا فرارك يوم مؤتة، فما دَرَيت أيّ شيء أقول له. الندامة والجزع من الفرار ندامة ابن عمر وأصحابه على الفرار يوم مؤتة وقوله عليه السلام لهم أخرج الإِمام أحمد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كنت في سريّة من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاص الناس حَيْصة، وكنت فيمن حاص، فقلنا: كيف نصنع؛ وقد فررنا من الزحف وبؤنا بالغضب؟ ثم قلنا: لو دخلنا المدينة ثم بتنا. ثم قلنا: لو عرضنا أنفسنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كانت لنا توبة وإلا ذهبنا، فأتيناه قبل صلاة الغداة؛ فخرج، فقال: من القوم؟ قال: قلنا: نحن فرّارون. فقال: «لا، بل أنتم الكرّارون، أنا فئتكم وأنا فئة المسلمين» . قال: أتيناه حتى قبَّلنا يده. وعنده أيضاً عنه قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سريّة. فلما لقينا العدوّ إنهزمنا في أول غادِية، فقدمنا المدينة في نفر ليلاً فاختفينا، ثم قلنا: لو خرجنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واعتذرنا إليه، فخرجنا إليه ثم التقيناه، فقلنا: نحن الفرّارون

جزع المهاجرين والأنصار على الفرار يوم الجسر

يا رسول الله، فقال: «بل أنتم العكّارون وأنا فئتكم» . قال الأسود: «وأنا فئة كل مسلم» . كذا في البداية. وأخرجه البيهقي عن ابن عمر - رضي الله عنهما - بمعناه، وفي حديثه: فقلنا: نحن الفرّارون يا رسول الله فقال: «بل أنتم العكّارون» . فقلنا: يا نبي الله، أردنا أن لا ندخل المدينة، وأن نركب البحر. قال: «لا تفعلوا، فإني فئة كل مسلم» . وأخرجه أيضاً أبو داود، والترمذي: وحسّنه، وابن ماجه - بنحو رواية الإِمام أحمد، كما في التفسير لابن كثير؛ وابن سعد بنحوه. جزع المهاجرين والأنصار على الفرار يوم الجسر وقول عمر لهم وأخرج ابن جرير عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين قدم عبد الله بن زيد رضي الله عنه، فنادى: الخبر يا عبد الله بن زيد؟ وهو داخل المسجد، وهو يمرّ على باب حجرتي، فقال: ما عندك يا عبد الله بن زيد؟ قال: أتاك الخبر يا أمير المؤمنين. فلما انتهى إليه أخبره خبر الناس، فما سمعت برجل حضر أمراً فحدَّث عنه كان أثبت خبراً منه. فلما قدم فَلُّ الناس. ورأى عمر رضي الله عنه جزع المسلمين من المهاجرين

والأنصار من الفِرار، قال: لا تجزعوا يا معشر المسلمين، أنا فئتكم إنما انحزتم إليّ. جزع معاذ القاري عن الفرار يوم الجسر وقول عمر له وأخرج ابن جرير أيضاً: عن محمد بن عبد الرحمن بن الحصين وغيره: أنَّ معاذ القاري رضي الله عنه أخا بني النجار كان ممن شهدها ففرّ يومئذٍ - أي يوم وقعة جسر أبي عبيد -، فكان إذا قرأ هذه الآية: {وَمَن يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرّفاً لّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَآء بِغَضَبٍ مّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (الأنفال: 16) ؛ بكى. فيقول له عمر رضي الله عنه: لا تبكِ يا معاذ، أنا فئتك، وإنما انحَزت إِليّ. ذهاب سعد بن عبيد القاري لغسل ما وقع عنه إِلى الأرض التي فرّ منها وأخرج ابن سعد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى رضي الله عنه قال: قال عمر بن الخطاب لسعد بن عبيد رضي الله عنهما - قال وكان رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان إنهزم يوم أصيب أبو عبيد، وكان يسمى «القاري» ولم يكن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسمّى القاري غيره - قال: فقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه: هل لك في الشام؟ فإن المسلمين قد نزفوا به، وإِن العدوّ قد ذئروا عليهم، ولعلك تغسل عنك الهنيهة. قال: لا، إلا الأرض التي فررت منها، والعدوّ الذين صنعوا بي ما صنعوا. قال: فجاء إلى القادسية فقُتل.

الدلالة على من يعين الخارج في سبيل الله

تجهيز من خرج في سبيل الله وإعانته إعطاؤه عمر بن الخطاب سلاحه لأسامة أو علي حين لم يغز أخرج الإِمام أحمد والطبراني عن جبلة - يعني ابن حارثة رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إِذا لم يغزُ أعطى سلاحه علياً أو أُسامة رضي الله عنهما. قال الهيثمي: ورجال أحمد ثقات. إعطاء رجال من الأنصار جهازه رجلاً آخر حين مرض وأخرج أبو داود عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن فتى من أسْلَمَ قال: يا رسول الله إني أُريد الجهاد، وليس لي مال أتجهْز به. قال: «إذهب إلى فلان الأنصاري، فإنه قد تجهّز فرض، فقُلْ له: إن رسول الله يقرئك السلام، وقل له: إدفع ليّ ما تجهْزتَ به» . فأتاه فقال له ذلك، فقال لامرأته: يا فلانة إدفعي إِليه، ما جهّزتني به ولا تحبسي منه شيئاً، فالله لا تحبسين منه شيئاً؛ فيبارَكَ لك فيه. وأخرجه مسلم، والبيهقي أيضاً عن أنس رضي الله عنه - بنحوه. الدلالة على من يعين الخارج في سبيل الله وأخرج مسلم عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: جاء رجل

إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أُبْدِع بي فاحملني. فقال: «ما عندي» . فقال رجل: يا رسول الله، أنا أدلّه على من يحمله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من دلّ على خير فله مثل أجر فاعله» . وأخرجه البيهقي عن أبي مسعود رضي الله عنه - بنحوه. تحريضه صلى الله عليه وسلم الصحابة على إعانة الخارجين وأخرج البيهقي؛ والحاكم وصحّحه، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أراد أن يغزو: فقال: «يا معشر المهاجرين والأنصار، إن من إخوانكم قوماً ليس لهم مال ولا عشيرة فَلْيَضُمَّ أحدكم إِليه الرجلين أو الثلاثة» (قال) : فما لأحدنا من ظهر (جمله) إلا عُقبة كعقبة أحدهم. قال: فضممت إِليّ إثنين أو ثلاثة ما لي عُقْبة إلا كعقبة أحدهم. إِعانة رجل من الأنصار واثلة بن الأسقع وأخرج البيهقي أيضاً عن واثِلة بن الأَسْقَع رضي الله عنه قال: نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فخرجت إلى أهلي وأقبلت؛ وقد خرج أول صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفقت في المدينة أنادي: ألا من يحمل رجلاً له سهمه؟ فنادى شيخ من الأنصار قال: لنا سهمه على أن نحمله عقبة وطعامه معنا.

قلت: نعم. قال: فسِرْ على بركة الله. فخرجت مع خير صاحب حتى أفاء الله علينا، فأصابني قلائص فسقتهن حتى أتيته. فخرج فقعد على حقيبة من حقائب إبله، ثم قال: سقهن مُدْبرات، ثم قال: سقهن مُقْبلات. فقال: ما أرى قلائصَك إلا كراماً قال؛ إنما هي غنيمتك التي شرطت. قال: خذ قلائصك ابن أخي فغيرَ سهمك أردنا. قال البيهقي: يشبه أن يكون أراد أنا لم نقصد بما فعلنا الإِجارة، وإنما قصدنا الإشتراك في لأجر والثواب. قول عبد الله في الإِعانة في سبيل الله وأخرج الطبراني عن عبد الله رضي الله عنه قال: أن أمتِّعَ بسوط في سبيل الله أحبّ إليّ من أن أحج حَجّه بعد حَجّة. قال الهيثمي: رواه الطبراني، ورجاله ثقات. الجهاد بالأجر قصة رجل مع عوف بن ملك أخرج الطبراني عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في سريَّة، فقال رجل: أخرج معك على أن تجعل لي سهماً من المغنم، ثم قال: والله ما أدري أتغنمون أم لا؟ ولن أجعل لي سهماً معلوماً. فجعلت له ثلاثة دنانير، فغزونا، فأصبنا مغنماً، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم «ما أجد له في الدنيا والآخرة إلا دنانيره هذه الثلاثة التي

أخذها» . قال الهيثمي: وفيه بقيَّة، وقد صرح بالسماع. انتهى. قصة رجل مع يعلى بن منية وأخرج البيهقي عن عبد الله بن الديلمي: أن يعلى بن مُنْيَة رضي الله عنه قال: أذَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغزو - وأنا شيخ كبير ليس لي خادم -، فالتمست أجيراً وأُجري له سهمه؛ فوجدت رجلاً. فلما دنا الرحيل أتاني فقال: ما أدري ما السُّهمان؟ وما يبلغ سهمي؟ فسمِّ لي شيئاً كان السهم أو لم يكن، فسمّيت له ثلاثة دنانير. فلما حضرت غنيمة أردت أن أُجري له سهمه؛ فذكرت الدنانير؛ فجئت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له أمره. فقال: «ما أجد له في غزوته هذه في الدنيا - أظنّه قال: والآخرة إلا دنانيره التي سَمَّى» . فيمن يغزو بمال غيره سؤال ميمونة بنت سعد النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وجوابه أخرج الطبراني عن ميمونة بنت سعد رضي الله عنهما أنها قالت: أفتنا يا رسول الله عمَّن لم يغزُ وأعطى ماله يُغْزَى وأعطى ماله يُغْزَى عليه، فله أجر أم للمنطلق؟ قال: له أجر مالِه وللمنطلق أجر ما احتسب من ذلك» . قال: الهيثمي: وفيه من لم أعرفهم..

البدل في البعث

البدل في البعث قصة رجل مع علي أخرج البيهقي وغيره عن علي بن أبي ربيعة الأسديّ رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه بابن له بدلاً من بعث، فقال علي رضي الله عنه: لَرَأيُ شيخ أحب إِليّ من مشهد شاب. كذا في الكنز. الإِنكار على من سأل الناس للخروج في سبيل الله إنكار عمر على شاب سأل الناس للخروج في سبيل الله أخرج البيهقي عن ناقع قال: دخل شب قويّ في المسجد وفي يده مشاقص، وهو يقول: من يعينني في سبيل الله؟ فدعا به عمر رضي الله عنه، فأُتِي به. فقال: من يستأجر مني هذا يعمل في أرضه؟ فقال رجل من الأنصار: أنا يا أمير المؤمنين، بكم تأجره كل شهر؟ قال: بكذا وكذا. قال: خذه فانطلق به. فعمل في أرض الرجل أشهراً، ثم قال عمر رضي الله عنه للرجل: ما فعل أجيرنا؟ قال: صالحٌ يا أمير المؤمنين، قال: ائتني به وبما اجتمع له من الأجر. فجاء به وبصُرّة من دراهم. فقال: خذ هذه، فإن شئت فالآن أغزُ وإن شئت فاجلس. كذا في الكنز. القرض للجهاد سؤال الصحابة النبي عليه السلام عنه وجوابه أخرج أبو يعلى عن عبيد الله بن عبد الله (عن) ابن مسعود رضي الله

تشييع المجاهد في سبيل الله وتوديعه

عنه قال: جاء رجل فقال: هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الخيل شيئاً؟ قال: نعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة. اشتروا على الله واستقرضوا على الله» . قيل: يا رسول الله، كيف نشتري على الله ونستقرض على الله؟ قال: «قولوا: أقرضنا إِلى مقاسمنا، وبِعْنا إِلى أن يفتح الله (لنا) ، لا تزالون بخير ما دام جهادكم خَضِراً، وسيكون في آخر الزمان قوم يشكّون في الجهاد؛ فجاهدوا في زمانهم، ثم اغزوا فإن الغزو يومئذٍ خَضِر» . قال الهيثمي: وفيه بَقِيَّة وهو مدلِّس، وبقية رجاله ثقات. انتهى. تشييع المجاهد في سبيل الله وتوديعه مشيه عليه السلام مع المجاهدين وما كان يقول لهم أخرج الحاكم ن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مشى معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بقيع الغَرْقد حين وجههم، ثم قال: «انطلقوا على إسم الله، اللهمَّ أعنهم» . قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. وأخرج أيضاً عن محمد بن كعب القرظي رضي الله عنه قال: دُعي عبد الله بن يزيد إلى طعام، فلما جاء قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذا ودّع جيشاً قال: «أستودعُ الله دينكم وأمانتكم وخواتيم أعمالكم» .

تشييع أبي بكر جيش أسامة

تشييع أبي بكر جيش أسامة وأخرج ابن عساكر من طريق سيف عن الحسن رضي الله عنه - فذكر الحديث في تنفيذ جيش أسامة رضي الله عنه، وفيه: ثم خرج أبو بكر رضي الله عنه حتى أتاهم، فأشخصهم وشيّعهم وهو ماشٍ، وأسامة راكب، وعبد الرحمن بن عوف يقود دابة أبي بكر - رضي الله عنهم -، فقال له أسامة: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم لتركبن أو لأنزلنّ. فقال: والله لا تنزل، ووالله لا أركب، وما عليّ أن أغبر قدميّ ساعة في سبيل الله فإن للغازي بكل خطوة يخطوها سبع مائة حسنة تكتب له، وسبع مائة درجة ترفع له، وتمحى عنه سبع مائة خطيئة. حتى إذا انتهى قال له: إن رأيتَ أن تعينني بعمر بن الخطاب فافعل؟ فأذن له. كذا في كنز العمال. وأخرج مالك عن يحيى بن سعيد أن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - بعث جيوشاً إلى الشام، فخرج يمشي مع يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه، وكان أمير رُبْع من تلك الأرباع، فزعموا أنّ يزيد قال لأبي بكر: إما أن تركب وإما أن أنزل، فقال أبو بكر: ما أنت بنازل وما أنا براكب، إِنِّي أحتسب خطاي هذه في سبيل الله - فذكر الحديث. وأخرجه البيهقي عن صالح بن كَيْسان - بنحوه، كما في الكنز. وأخرج البيهقي: عن جابر البرعيني أن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - شيّع جيشاً، فمشى معهم فقال: الحمد لله الذي اغبرت أقدامنا في سبيل الله فقيل له: وكيف اغبرت وإِنما شيّعناهم؟ فقال: إنما جهْزناهم وشيّعناهم

تشييع ابن عمر للغزاة وما قال لهم

ودَعَوْنا لهم. وأخرجه ابن أبي شيبة - بنحوه، كما في الكنز. وأخرجه ابن أبي شيبة عن قيس نحو حديث مالك مختصراً. تشييع ابن عمر للغزاة وما قال لهم وأخرج البيهقي عن مجاهد قال: خرجت إلى الغزو فشيَّعنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فلما أراد فراقنا قال: إنه ليس معي ما أعطيكماه، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله إِذا استُودع شيئاً حفظه، وأنا أستودع الله دينكما وأمانتكما وخواتيم أعمالكما» . إستقبال الغزاة خروج الناس من المدينة عندما رجع الصحابة من تبوك أخرج أبو داود عن السائب بن يزيد رضي الله عنه قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة من غزوة تبوك تلقّاه الناس، فلقيته مع الصبيان على ثنيَّة الوداع. وأخرجه البيهقي عن السائب رضي الله عنه قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك خرج الناس يلتقّونه إِلى ثنيَّة الوداع. فخرجت مع الناس وأنا غلام، فتلقّيناه. الخروج في سبيل الله في رمضان خروجه عليه السلام في رمضان لبدر وغزوة الفتح أخرج الترمذي عن عمر رضي الله عنه قال: غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم في

رمضان يوم بدر، ويوم الفتح - الحديث. كذا في الفتح. وأخرجه أيضاً ابن سعد، والإِمام أحمد عن عمر رضي الله عنه قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوتين في رمضان: يوم بدر، ويوم الفتح، فأفطرنا فيهما.j وهو حسن. كذا في الكنز. وعند الإِمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر، وكان المهاجرون يوم بدر ستة وسبعين، وكان هزيمة أهل بدر لسبع عشرة مضين من شهر رمضان يوم الجمعة. كذا في البداية. وأخرجه البزّار أيضاً إلا أنه قال: ثلاث مائة وبضعة عشر؛ وقال: وكانت الأنصار مائتين وستاً وثلاثين، وكان لواء المهاجرين مع علي رضي الله عنه. قال الهيثمي: رواه الطبراني كذلك، وفيه الحجَّاج بن أرْطأة وهو مدلِّس. انتهى. وأخرج ابن إسحاق عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ثم رسول الله صلى الله عليه وسلم لسفره، واستخلف على المدينة أبا رُهْمٍ كلثومَ بن حُصَين بن عتبة بنِ خَلَف الغِفاري رضي الله عنه، وخرج لعشر مَضين من شهر رمضان، فصام وصام الناس معه حتى إذا كان بالكُدَيد - (ماء) بين عُسْفان وأمَج - أفطر، ثم مضى حتى نزل مَرّ الظهران في عشرة آلاف من المسلمين. وروى البخاري -

كتابة إسم من خرج في سبيل الله

نحوه. كذا في البداية. وأخرجه الطبراني - مثله في حديث طويل. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. انتهى. وعند عبد الرزاق، وابن أبي شَيْبة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح في شهر رمضان، فصام حتى بلغ الكُدَيد. وعند عبد الرزاق أيضاً عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح في شهر رمضان، فصام حتى مرّ بقُدَيد في الطريق، وذلك في نحو الظهيرة، فعطش الناس، وجعلوا يمدّون أعناقهم وتتوق أنفسهم إليه. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقَدَح فيه ماء، فأمسكه على يده حتى رآه الناس، ثم شرب فشرب الناس. كذا في كنز العمال. وأخرج الحديث أيضاً مسلم، والترمذي، والنسائي، ومالك من طرق عن ابن عباس رضي الله عنهما، كما في جمع الفوائد. كتابة إسم من خرج في سبيل الله قصة رجل في هذا الباب

الصلاة والطعام عند القدوم

أخرج البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يخلونَّ رجل بامرأة، ولا تسافرنَّ إمرأة إلا ومعها مَحْرم» . فقام رجل فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم اكتتبت في غزوة كذا وكذا، وخرجت إمرأتي حاجَّة. قال: «إذهب فاحجُجْ مع إمرأتك» . الصلاة والطعام عند القدوم صلاته عليه السلام عند القدوم أخرج البخاري عن كعب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قدم من سفر ضُحًى دخل المسجد، فصلّى ركعتين قبل أن يجلس. وأخرج أيضاً عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فلما قدمنا المدينة قال لي: «أدخل المسجد فصلّ ركعتين» . ذبح البقرة عند القدوم لأكل الناس وأخرج أيضاً عنه قال: إن رسول الله لما قدم المدينة نحر جزوراً أو بقرة. زاد مُعاذ عن شعبة عن محارب سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: إشترى منِّي النبي صلى الله عليه وسلم بعيراً بأُوقيتين ودرهم أو درهمين، فلما قدم صِراراً أمر ببقرة فذُبحت، فأكلوا منها. فلما قدم المدينة أمرني أن آتي المسجد فأصلِّي ركعتين، ووزن لي ثمن البعير.

خروج النساء في الجهاد في سبيل الله خروج عائشة في غزوة بني المصطلق أخرج ابن إسحاق عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذا أراد سفراً أقرَع بين نسائه، فأيتهنّ خرج سهمها خرج بها معه. فلما كان غزوة بني المُصطَلِق أقرع بين نسائه، كما (كان) يصنع، فخرج سهمي عليهنَّ معه؛ فخرج بي رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: وكان النساء إِذ ذاك (إِنَّما) يأكلن العُلَق لم يُهَبِجْهنَّ اللحم فيَثْقُلْن؛ وكنت إذ رُحل (لي) بعيري جلست في هودجي؛ ثم يأتي القوم الذين كانوا يُرَحِّلون لي فيحملونني ويأخذون بأسفل الهودج، فيرفعونه فيضعونه على ظهر البعير فيشدُّون بحباله، ثم يأخذون برأس البعير فينطلقون به. قالت: فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفره ذلك وجَّه قافلاً، حتى إذا كان قريباً من المدينة نزل منزلاً فبات به بعض الليل، ثم أذَّن مؤذن في الناس بالرحيل، فارتحل الناس، وخرجت لبعض حاجتي وفي عنقي عِقْدٌ لي فيه جَزْع ظفار. فلما فرغت انسلَّ من عنقي ولا أدري. فلما رجعت إلى الرَّحْل ذهبت ألتمسه في عنقي فلم أجده - وقد أخذ الناس في الرحيل -، فرجعت إلى مكاني الذي ذهبت إليه فالتمسته حتى وجدته، وجاء القوم خِلافي الذين كانوا يُرَحِّلون

لي البعير، وقد كانوا فرغوا من رَحْلته، فأخذوا الهودج وهم يظنُّون أنِّي فيه كما كنت أصنع، فاحتملوه فشدّوه على البعير ولم يشكُّوا أنِّي فيه، ثم أخذوا برأسه البعير فانطلقوا به؛ فرجعت إلى العسكر وما فيه (من) داع لا مجيب، قد انطلق الناس. قالت: فتلفَّفت بجلبابي، ثم اضطجعت في مكاني، وعرفت أن لو افتُقدت لرجع الناس إِليّ. قالت: فوالله لمضطجعة إذ مرَّ بي صفوان بن المُعَطَّل السُّلَميّ، وكان قد تخلَّف عن العسكر لبعض حاجاته، فلم يبت مع الناس، فرأى سوادي، فأقبل حتى وقف عليَّ - وقد كان يراني قبل أن يُضرب علينا الحجاب - فلما رآني قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، ظعينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا متلفِّفة في ثيابي. قال: ما خلّفك - يرحمك الله؟ - قالت: فما كلمته، ثم قرَّب إليَّ البعير، فقال: إركبي واستأخر عني. قالت: فركبت، وأخذ برأس البعير فانطلق سريعاً يطلب الناس، فوالله ما أدركنا الناس وما افتُقدت حتى أصبحت، ونزل الناس، فلما اطمأنوا طلع الرجل يقود بي، فقال: أهل الإِفك ما قالوا، فارتعج السكر، ووالله ما أعلم بشيء من ذلك. ثم قدمنا المدينة فلم ألبث أن اشتكيت شكوى شديدة لا يبلغني من ذلك شيء؛ وقد انتهى الحديث إلىصلى الله عليه وسلم وإلى أبويَّ لا يذكرون لي منه قليلاً ولا كثيراً؛ إلا أنِّي قد أنكرت من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض لطفه بي، كنت إِذ اشتكيت رحمني ولطف بي، فلم يفعل ذلك بي في شكواي تلك، فأنكرت ذلك منه. كان إِذ دخل (عليَّ) وعندي أُمي تمرضني. قال: «كيف تيكم؟» لا يزيد على ذلك. قالت: حتى وجدت في نفسي فقلت: يا رسول الله - حين رأيت ما رأيت من جَفائه لي - لو أذنتَ لي فانتقلت إِلى أُمي فمرضتين. قال: «لا عليك» . قالت: فانقلبت إلى أُمي، ولا عِلْم لي بشيء مما كان، حتى نَقِهت

من وجعي بعد بضع وعشرين ليلة. وكنا قوماً عَرَباً لا نتخذ في بيوتنا هذه الكُنُف التي تتخذها الأعاجم نعافها ونكرهها، إِنما كنا نخرج في فُسَح المدينة، وإنما كانت النساء يخرجن في كل ليلة في حوائجهن. فخرجت ليلة لبعض حاجتي ومعي أم مِسْطَح ابنة أبي رُهْم بن المطَّلب. قالت: فوالله إِنها لتمشي معي إذ عثرت في مِرْطها، فقالت: تعس مِسْطَح، قالت: فقلت: بئس - لعمر الله - ما قلت لرجل من المهاجرين وقد شهد بدراً قلت: أوَما بلغك الخبر يا بنت أبي بكر؟ قالت: قلت: وما الخبر؟ فأخبرتني بالذي كان من قول أهل الإِفك. قلت: أوَقد كان هذا؟ قالت: نعم - والله - لقد كان. قال: فوالله ما قدرت على أن أقضيَ حاجتي، ورجعت؛ فوالله ما زلت أبكي حتى ظننتُ أنَّ البكاء سيصدع كبدي. قالت: وقلت لأمِّي: يغفر الله لك تحدَّث الناس بما تحدثوا به، ولا تذكرين لي من ذلك شيئاً؟ قالت: أي بنية، خفِّفي عليك الشأن، فوالله لقلَّما كانت إمرأة حسناء عند رجل يحبُّها لها ضرائر إِلا كَثَّرن وكثّر الناس عليها. قالت: وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطبهم - ولا أعلم بذلك - فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «أيها الناس، ما بال رجال يؤذونني في أهلي ويقولون عليهم غير الحق، والله ما علمتُ منهم إِلا خيراً، ويقولون ذلك لرجل - والله - ما علمت منه إلا خيراً، ولا يدخل بيتاً من بيوتي إِلا وهو معي» . قالت: وكان كِبْر ذلك عند عبد الله بن أبيّ بن سلول في رجال من الخزرج مع الذي قال مِسْطح وحَمْنة بنت جحش، وذلك أن أختها زينب بنت جحش كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تكن إمرأة من نسائه تناصيني في المنزلة عنده غيرها. فأما زينب فعصمها الله بدينها، فلم تقل إِلا خيراً، وأما حمنة فأشاعت من ذلك ما أشاعت تضادّني لأختها، فَشَقِيَتْ بذلك. فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك المقالة قال أسيد بن حضير رضي الله عنه: يا رسول الله إِن يكونوا من الأوس نكفِكَهم، وإن يكونوا من أخواننا من الخزرج فمرنا أمرك، فوالله إِنهم أن تضرب أعناقهم. قالت: فقام سعد بن عبادة - وكان قبل ذلك يرى رجلاً صالحاً - فقال: كذبت - لعمر الله - ما تُضرب أعناقهم، أما والله ما قلت هذه المقالة إلا أنك قد عرفت أنهم من الخزرج، ولو كانوا من قومك ما قلت هذا. فقال أسَيد

بن حُضَير رضي الله عنه: كذبت - لعمر الله - ولكنَّك منافق تجادل عن المنافقين. قالت: وتساوَرَ الناس حتى كاد يكون بين هذين الحيَّين من الأوس والخزرج شر. ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليَّ، فدعا علي بن أبي طالب، وأسامة بن زيد فاستشارهما، فأما أسامة فأثنى خيراً وقاله، ثم قال: يا رسول الله أهلك وما نعلم منهم إلا خيراً، وهذا الكذب والباطل. وأما علي فإنه قال: يا رسول الله إنَّ النساء لكثير، وإنَّك لقادر على أن تستخلف، وسَلِ الجارية فإنها ستصدقُك. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بَرِيرَة يسألها. قالت: فقام إِليها علي رضي الله عنه فضربها ضرباً شديداً، ويقول: إصدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: فتقول: والله ما أعلم إلا خيراً، وما كنت أعيب على عائشة شيئاً إلا أني كنت أعجن عجيني فآمرها أن تحفظه فتنام منه، فتأتي الشاة فتأكله. قالت: ثم دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم - وعندي أبواي، وعندي إمرأة من الأنصار وأنا أبكي وهي تبكي - فجلس فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «يا عائشة، إنه قد كان ما بلغك من قول الناس، فاتَّقي الله، وإِن كنت قد قرفت سوءاً مما يقول الناس فتوبي إِلى الله، فإن الله يقبل التوبة عن عباده» . قالت: فوالله إِنْ هو إلا أن قال لي ذلك، فقَلَص دمعي حتى ما أحسُّ منه شيئاً، وانتظرت أبويّ أي يجيبا عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يتكلّما. قالت: وايْمُ

الله، لأنا كنت أحقرَ في نفسي وأصغرَ شأناً من أن يُنزِّل الله فيَّ قرآناً يُقرأ به ويُصلَّى به، ولكني كنت أرجو أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم في نومه شيئاً يكذِّب الله به عنِّي، لما يعلم من براءتي، ويخبر خبراً؛ وأما قرآناً يُنزَّل فيّ فوالله لنفسي كانت أحقرَ عندي من ذلك. قالت: فلما لم أرَ أبويَّ يتكلمان قلت لهما: ألا تجيبان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا: والله ما ندري بما نجيبه. قالت: ووالله ما أعلم أهل بيت دخل عليهم ما دخل على آل أبي بكر رضي الله عنه في تلك الأيام. قالت: فلما استعجما عليّ إستعبرت فبكيتُ، ثم قلت: والله لا أتوب إِلى الله مما ذكرت أبداً. والله إني لأعلم لئن أقررت بما يقول الناس، - والله يعلم أنِّي منه بريئة -، لأقولنّ ما لم يكن، ولئن أنا أنكرت ما يقولون لا تصدِّقونني قالت: ثم التمست إسم يعقوب فما أذكره. فقلت: ولكن سأقول كما قال يوسف: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} (يوسف: 18) . قالت: فوالله ما برح رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه حتى تَغَشَّاه من الله ما كان يتغشَّاه، فسُجِّي بثوبه، ووضعت وسادة من أَدَمٍ تحت رأسه، فأما أنا حين رأيت من ذلك ما رأيت فوالله ما فزعت وما باليت، قد عرفت أني بريئة، وأن الله غيرُ ظالمي، وأما أبواي فوالذي نفس عائشة بيده ما سُرِّي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننت لتخرجنَّ أنفسُهُما فرقاً من أن يأتي من الله تحقيق ما قال الناس. قالت: ثم سُرِّيَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس وإنه ليتحدَّر من وجهه مثل الجُمان في يوم شاتٍ، فجعل يمسح العراق عن وجهه ويقول: «أبشري

خروج إمرأة من بني غفار معه عليه السلام

يا عائشة قد أنزل الله عزّ وجلّ براءتك» . قالت: قلت: الحمد لله. ثم خرج إلى الناس، فخطبهم وتلا عليهم ما أنزل الله عزّ وجلّ من القرآن في ذلك، ثم أمر بمسطح بن أُثاثة، وحسان بن ثابت، وحمنة بنت جحش - وكانوا ممن أفصح بالفاحشة - فضرُبوا حدّهم. وهذا الحديث مخرَّج في الصحيحين عن الزُّهري، وهذا السياق فيه فوائد جمة. كذا في البداية. وأخرجه أيضاً الإِمام أحمد - بطوله، وفي سياقه: قالت: فقالت لي أمي: قومي إليه، فقلت: والله لا أقوم إِليه، ولا أحمد إلا الله عزّ وجلّ، هو الذي أنزل براءتي. وأنزل الله عزّ وجلّ: {إِنَّ الَّذِينَ جَآءوا بِالإفْكِ عُصْبَةٌ مّنْكُمْ} (النور: 11) - العشر الآيات كلّها. فلما أنزل الله هذا في براءتي قال أبو بكر - وكان ينفق على مِسْطَح لقرابته منه وفقره -: والله لا أنفق عليه شيئاً أبداً بعد الذي قال لعائشة. فأنزل الله تعالى: {وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُواْ أُوْلِى الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُواْ وَلْيَصْفَحُواْ أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (النور: 22) . فقال أبو بكر رضي الله عنه: بلى - والله - إنِّي لأحبّ أن يغفر الله لي. فرجع إلى مِسْطح النفقة التي كان ينفق عليه؛ وقال: والله لا أنزعها نه أبداً. كذا في التفسير لابن كثير. وأخرجه أيضاً الطبراني - مطوّلاً جداً؛ كما في المجمع. خروج إمرأة من بني غِفَار معه عليه السلام

وأخرج ابن إسحاق عن إمرأة من بني غِفَار قالت: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نِسوة من بني غِفَار، فقلنا: يا رسول الله قد أردنا أن نخرج معك إلى وجهك هذا - وهو يسير إِلى خيبر -، فنداوي الجرحى، ونعين المسلمين بما استطعنا. فقال: على بركة الله. قالت: فخرجنا معه. قالت: وكنت جارية حديثة السنّ، فأردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم (على) حقيبة رَحْله. قالت: فوالله لَنَزَل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصبح (وأناخ) ونزلت عن حقيبة رَحْله. قالت: وإذا به دَمٌ مني، وكانت أولَ حَيْضةٍ حِضْتها. قالت: فتقبَّضْتُ إلى الناقة واستحيَيْت، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بي، ورأى الدم قال: « (مالك) لعلَّك نفِست؟» قالت: قلت: نعم. قال: «فأصلحي من نفسك، ثم خذي إِناء من ماء، فاطرحي فيه مِلْحاً، ثم اغسلي ما أصاب الحقيبة من الدم، ثم عودي لمركبك» . قالت: فلما فتح الله خيبر رضخ لنا من الفيء، وأخذ هذه القِلادة التي تَرَيْن في عنقي، فأعطانيها وعلّقها بيده في عنقي، فوالله لا تُفارقني أبداً؛ وكانت في عنقها حتى ماتت؛ ثم أوصت أن تُدفن معها. قالت: وكانت لا تَطَّهَّر من حيضها إلا جعلت في طهورها مِلْحاً، وأوصت به أن يجعل في غُسلها حين ماتت. وهكذا رواه الإِمام أحمد، وأبو داود من حديث ابن إسحاق. ورواه الواقدي بإسناده عن أمية بنت أبي الصّلْت رضي الله عنها. كذا في البداية.

خروج أم حرام بنت ملحان خالة أنس

خروج إمرأة وقصة عنزتها وأخرج الإِمام أحمد عن حُمَيد بن هلال قال: كان رجل من الطُّفاوَة طريقه علينا يأتي على الحيّ فيحدثهم. قال: أتيت المدينة في عِير لنا، فبعنا بضاعتنا، ثم قلت: لأنطلقنَّ إلى هذا الرجل فلآتين مَنْ بعدي بخبره، فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يريني بيتاً. قال: «إنَّ إمرأة كانت فيه، فخرجت في سريّة من المسلمين وتركت إثنتي عشرة عنزة، وصيصتَها التي تنسج بها. قال: ففقدت عنزاً من غنمها وصيصتها. قالت: يا رب، قد ضَمِنتَ لمن خرج في سبيلك أن تحفظ عليه، وإنِّي قد فقدت عنزاً من غنمي وصيصتي، وإني أنشدك عنزي وصيصتي» . قال: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر له شدَّة مناشدته لربها تبارك وتعالى. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «فأصبحت عنزها ومثلها وصيصتها ومثلها، وهاتيك فأتها، فاسألها إن شئت» . قال قلت: بل أصدّقك. قال الهيثمي: رواه الإِمام أحمد، ورجاله رجال الصحيح. انتهى. خروج أم حَرَام بنت ملحان خالة أنس وأخرج البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على إبنة مِلحان، فاتَّكأ عندها ثم ضحك. فقالت: لم تضحك يا رسول الله؟ فقال: «ناس من أمتي يركبون البحر الأخضر في سبيل الله، مَثَلُهم مَثَلُ الملوك على الأسرة» . فقالت: يا رسول الله، أدعُ الله أن يجعلني منهم. فقال: «اللهمَّ

خدمة الربيع بنت معوذ وأم عطية وليلى الغفارية في الجهاد

إجعلها منهم» ، ثم عاد فضحك. فقالت له مثل ذلك - أم ممَّ ذلك؟ - فقال لها: مثل ذلك. فقالت: إدع الله أن يجعلني منهم: «قال أنت من الأوَّلين، ولستِ من الآخرين» . قال: قال أنس رضي الله عنه: فتزوَّجت عبادة بن الصامت، فركبت البحر مع بنت قَرَظَة. فلما قَفَلت ركبت دابتها، فوقصت بها فسقطت عنه فماتت. خدمة النساء في الجهاد في سبيل الله خروج النساء مع النبي صلى الله عليه وسلم لسقي المرضى ومداواة الجرحى أخرج الطبراني عن أُم سُلَيم رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يغزو معه نسوة من الأنصار، فتسقي المرضى وتداوي الجرحى. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. وأخرجه مسلم، والترمذي: وصحَّحه، عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بأُم سُلَيم رضي الله عنها ونِسوة معها من الأنصار، يسقين الماء، ويداوين الجرحى. خدمة الرِّبِّيع بنت مُعَوِّذ وأم عطية وليلى الغفارية في الجهاد وأخرج البخاري عن الرَّبِّيع بنت معوِّذ رضي الله عنها قالت: كنا مع

النبي صلى الله عليه وسلم نسقي، ونداوي الجرجى، ونرد القتلى. وعنده أيضاً عنها قالت: كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم فنسقي القوم، ونخدمهم، ونردّ القتلى الجرحى إلى المدينة، وأخرجه أيضاً الإِمام أحمد كما في المنتقى. وأخرج الإِمام أحمد، ومسلم وابن ماجه عن أمِّ عطيّة الأنصارية رضي الله عنها قالت: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات، أخلُفهم في رحالهم، وأصنع لهم الطعام، وأداوي الجرحى، وأقوم على الزَمْنى. كذا في المنتقى. وأخرج الطبراني عن ليلى الغِفارية رضي الله عنها قالت: كنت أخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أداوي الجرحى. قال الهيثمي: وفيه القاسم ابن محمد بن أبي شيبة وهو ضعيف. انتهى. خدمة عائشة وأم سُليم وأم سَلِيط الأنصارية يوم أُحد وأخرج البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: لما كان يوم أُحد إنهزم الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأمُ سُلَيم رضي الله عنهما وإنهما لمشمِّرتان، أرى خدم سوقهما، تنقزان القرب. وقال غيره: تنقلان القرب على متونهما ثم تُفرغانه في أفواه القوم، ثم ترجعان

خروج النساء للخدمة يوم خيبر

فتملآنها، ثم تجيئان فتفرغانها في أفواه القوم. وأخرجه أيضاً مسلم، والبيهقي: عن أنس رضي الله عنه - بنحوه. وأخرج البخاري عن ثعلبة بن أبي مليك رضي الله عنه: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قسم مروطاً بني نساء من نساء المدينة، فبقي مِرْط جيّد، فقال له بعض من عندَه: يا أمير المؤمنين، أعطِ هذا إبنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي عندك - يريدون أم كلثوم بنت علي رضي الله عنهما -، فقال عمر رضي الله عنه: أمُّ سَلِيط أحق - وأمُّ سَلِيط من (نساء) الأنصار ممّن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ قال عمر رضي الله عنه: فإنَّها كانت تزفر لنا القِرَب يوم أُحد (قال أبو عبد الله - أي البخاري -: تزفر: تخيط) وأخرجه أيضاً أبو نُعَيم وأبو عبيد؛ كما في الكنز. خروج النساء للخدمة يوم خيبر وأخرج أبو داود من طريق حَشْرج بن زياد عن جدته (- أم أبيه -) رضي الله عنها: أنهنَّ خرجنَ مع النبي صلى الله عليه وسلم في خيبر، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم سألهن عن ذلك؛ فقلن خرجنا نغزل الشعَرَ، فنعين به في سبيل الله، ونداوي الجرحى، ونناول السِّهام، ونسقي السَّويق. وعند عبد الرزاق عن الزُّهري قال: كان النساء يشهدن مع النبي صلى الله عليه وسلم

المشاهد، ويَسقين المقاتِلة، ويداوين الجرحى. كذا في فتح الباري. قتال النساء في الجهاد في سبيل الله قتال أم عمارة يوم أُحد ذكر ابن هشام عن سعيد بن أبي زيد الأنصاري رضي الله عنه: أن أم سعد بنت سعد بن الربيع رضي الله عنهما كانت تقول: دخلت عليّ أم عُمارة رضي الله عنها، فقلت لها: يا خالة أخبريني خبرك؟ فقالت: خرجت أول النهار أنظر ما يصنع الناس، ومعي سقاء فيه ماء، فانتهيت إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أصحابه والدولة والريح للمسلمين. فلما انهزم المسلمون انحَزْت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت أباشر القتال، وأذبُّ عنه بالسيف، وأرمي عن القوس، حتى خَلَصت الجرحُ إليّ، قالت: فرأيت على عاتقها جرحاً أجْوَف له غور فقلت لها: من أصابك بهذا؟ قالت: ابن قَمِئَة، أقمأه الله. لما ولَّى الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل يقول: دلّوني على محمد، لا نجوتُ إن نجا، فاعترضت له أنا ومُصْعَب بن عُمير وأناس ممن ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربني هذه الضربة، ولقد ضربته على ذلك ضربات، ولكن عدوَّ الله كان عليه دِرْعان. كذا في البداية. وأخرجه أيضاً الواقدي من طريق ابن أبي صَعْصَعة عن أم سعد بنت سعد بن الربيع رضي الله عنها، كما في الإِصابة.d

قتال صفية يوم أحد ويوم الخندق

وأخرج الواقدي بسند آخر إلى عُمارة بن عَرَبة رضي الله عنهما أنها قتلتْ يومئذٍ فارساً من المشركين. ومن وجه آخر عن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما التفت يوم أُحد يميناً ولا شمالاً إلا وأراها تقاتل دوني» . كذا في الإِصابة. وأخرج ابن سعد من طريق الواقدي عن ضَمْرة بن سعيد رضي الله عنه قال: أُتيَ عمر بن الخطاب رضي الله عنه بمُروط، وكان فيها مِرْط جيِّد واسع. فقال بعضهم؛ إنَّ هذا المِرْط لثمن كذا وكذا، فلو أرسلت به إِلى زوجة عبد الله بن عمر صفيّة بنت أبي عبيد - وذلك حِدْثان ما دخلت على ابن عمر رضي الله عنهما - فقال: أبعثُ به إلى من هو أحقُّ به منها؛ أم عُمارة نُسَيبة بنت كعب، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما التفتّ يميناً ولا شمالاً إلا وأنا أراها تقاتل دوني» . كذا في كنز العمال. قتال صفية يوم أُحد ويوم الخندق وأخرج ابن سعد عن هشام عن أبيه أن صفيَّة رضي الله عنها جاءت يوم أُحد وقد انهزم الناس وبيدها رمح تضرب في وجوهه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم

«يا زبير المرأة» . كذا في الإِصابة. وأخرح ابن إسحاق عن عبَّاد قال: كانت صفيّة بنت عبد المطلب رضي الله عنها في فارع - حصن حسان بن ثابت رضي الله عنه -، قالت؛ وكان حسان معنا فيه مع النساء والصبيان؛ فمرّ بنا رجل من يهود فجعل يُطِيف بالحِصْن، قد حاربتْ بنو قريظة وقطعت ما بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس بيننا وبينهم أحد من يدفع عنا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون في نحور عدوّهم لا يستطيعون أن ينصرفوا عنهم إلينا، إذ أتانا آتٍ، فقلت: يا حسان إنَّ هذا اليهودي - كما ترى - يُطِيف بالحصن، وإِني - والله - ما آمنه أن يدلّ على عورتنا مَن وراءنا من يهود؛ وقد شُغِل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فإنزل إليه فاقتله. قال: يغفر الله لك يا بنت عبد المطلب والله لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا. قالت: فلما قال لي ذلك ولم أرَ عنده شيئاً احتجزتُ، ثم أخذت عموداً، ثم نزلت من الحصن إليه، فضربته بالعود حتى قتلته. فلما فرغت منه رجعت إِلى الحصن، فقلت: يا حسان أنزل فاستلبه فإنَّه لم يمنعني من سَلبه إلا أنه رجل. قال: ما لي بسَلبه حاجة يا ابنة عبد المطلب. كذا في البداية. وأخرجه البيهقي من طريق ابن إسحاق عن يحيى بن عبّاد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه رضي الله عنهما - بنحوه؛ ثم أخرج من طريق هشام

إتخاذ أم سليم خنجرا للقتال يوم حنين

بن عروة عن أبيه عن صفية - رضي الله عنهم - مثله، وزاد فيه: قال: هي أول إمرأة قتلت رجلاً من المشركين. وأخرجه أيضاً ابن أبي خيثمة، وابن مَنْدَه من رواية أم عروة بنت جعفر بن الزبير عن أبيها عن جدتها صفيَّة رضي الله عنها؛ وابن سعد من طريق هشام عن أبيه، كما في الإِصابة. وأخرجه ابن عساكر من حديث صفيَّة والزبير رضي الله عنهما - بمعناه، كما في الكنز. وأخرجه أيضاً الطبراني؛ عن عروة) وأبو يَعْلى، والبزار عن الزبير رضي الله عنه (وإسنادهما ضعيف) ؛ كما في مجمع الزوائد. إتخاذ أُم سُلَيم خنجراً للقتال يوم حُنَين وأخرج ابن أبي شيبة عن أنس قال: جاء أبو طلحة يوم حنين يضحك (إلى) رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: ألم تر إلى أمّ سُلَيم معها خنجر؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا أمّ سُلَيم: ما أردت إِليه؟» قالت: أردت إِن دنا ليّ أحد منهم طعنته به. كذا في كنز العمال. وأخرجه أيضاً ابن سعد بسند صحيح، كما في الإِصابة. وعند مسلم عن أنس رضي الله عنه أنّ أمَّ سُلَيم رضي

الله عنها إتَّخذت يوم حُنَين خنجراً، فكان معها فرآها أبو طلحة، فقال يا رسول الله: هذه أم سُلَيم معها خنجر، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما هذا الخنجر؟» فقالت: إتخذته إنْ دنا مني أحد من المشركين بَقَرتُ به بطنه، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك. قتل أسماء بنت يزيد تسعة يوم اليرموك وأخرج الطبراني عن مهاجر: أن أساء بنت يزيد بن السَّكَن بنت عمّ معاذ بن جبل رضي الله عنهما قتلت يوم اليرموك تسعة من الروم بعمود فسطاط. قال الهيثمي: ورجاله ثقات: انتهى. الإِنكار على خروج النساء في الجهاد إنكاره عليه السلام على أم كبشة أخرج الطبراني عن أمّ كبشة رضي الله عنها - إمرأة من عذرة: عذرة بني قضاعة - أنها قالت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أتأذن أن أخرج في جيش كذا وكذا. قال: لا. قالت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه ليس أريد أن أقاتل، إنما أريد أداوي الجرحى والمرضى، أو أسقي المرضى. قال: لولا أن تكون سنّة ويقال: فلانة خرجت لأذنت لك، ولكن إجلسي. قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير والأوسط، ورجالهما رجال الصحيح. انتهى.

خروح الصبيان وقتالهم في الجهاد

ذكر أن طاعة الأزواج والاعتراف بحقهم يعدل الجهاد وأخرج البزار عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاءت إمرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، أنا وافدة النساء إليك: هذا الحهاد، كتبه الله على الرجال، فإن يصيبوا أُجِروا، إن قُتلوا كانوا أحياء عند ربهم يُرزقون؛ ونحن معشر النساء نقوم عليهم، فما لنا من ذلك؟ قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أبلغي من لقيت من النساء: أنَّ طاعة الزوج واعترافاً بحقّه يعدل ذلك، وقليل منكنّ من يفعله» . وهكذا رواه البزار - مختصراً. والطبراني في حديث، قال في آخره: ثم جاءته - يعني النبي صلى الله عليه وسلم ـ إمرأة، فقالت: إني رسول النساء إليك، وما منهن إمرأة علمت أو لم تعلم إلا وهي تهوَى مخرجي إليك، الله ربُّ الرجال والنساء وإلههنّ، وأنت رسول الله إلى الرجال والنساء، كتب الله الجهاد على الرجال، فإن أصابوا أثْرَوا، وإن استشهدوا كانوا أحياء عند ربهم يُرزقون؛ فما يعدل ذلك من أعمالهم من الطاعة؟ قال: «طاعة أزواجهن، والمعرفة بحقوقهن، وقليل منكنّ من يفعله» كذا في الترغيب. خروح الصبيان وقتالهم في الجهاد قتال صبي يوم أُحد وجراحته أخرح بن أبي شَيْبة عن الشعْبي: أن إمرأة دفعت إلى إبنها يوم أُحد السيف فلم يُطِق حمله، فشدّته على ساعده بِنسْعة، ثم أتت به النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله هذا إبني يقاتل عنك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم «أيْ بنيّ، إحمل

شهادة عمير

ها هنا. أيْ بنيّ، إحمل ها هنا» . فأصابته جراحة؛ فصُرِع؛ فأُتيَ به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أيْ بنيّ، لعلك جزعت» . قال: لا، يا رسول الله. كذا في كنز العمال. بكاء عمير بن أبي وقاص وإِجازته وأخرج ابن عساكر عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: ردَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عُمَير بن أبي وقاص عن مَخْرجه إلى بدر، واستصغره. فبكى عُمَير، فأجازه. قال سعد رضي الله عنه: فعقدت عليه حِمَالَة سيفه، ولقد شهدت بدراً، وما في وجهي إلا شعرة واحدة أمسحها بيدي. كذا الكنز. وأخرجه أيضاً الحاكم، والبغوي - بمعناه. شهادة عمير بن أبي وقاص وأخرجه ابن سعد عن سعد رضي الله عنه قال: رأيت أخي عُمَير بن أبي وقاص قبل أن يعرضنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر يتوارى، فقلت: ما لك يا أخي؟ قال: إني أخاف أن يراني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيستصغرني فيردّني، وأنا أحب الخروج لعلّ الله أن يرزقني الشهادة. قال: فعُرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم فردَّه، فبكى فأجازه. فكان سعد رضي الله عنه يقول: فكنت أعقِد حَمائل سيفه من صِغره فقتل وهو ابن ست عشرة سنة. كذا في الإِصابة، وأخرجه البزار، ورجاله ثقات؛ كما في المجمع.

الباب السابع باب إهتمام الصحابة باجتماع الكلمة كيف كان إهتمام الصحابة رضي الله عنهم باجتماع الكلمة، واتَّحاد الأحكام، والتحرُّز عن الإختلاف والتنازع فيما بينهم في الدعوة إلى الله ورسوله والجهاد في سبيله.

باب إهتمام الصحابة باجتماع الكلمة أقوال الصحابة رضي الله عنهم في كراهية الاختلاف قول أبي بكر رضي الله عنه في الخلاف أخرج البيهقي عن ابن إسحاق في خطبة أبي بكر الصديق رضي الله عنه يومئذٍ (أي يوم سقيفة بني ساعِدَة) قال: وإنَّه لا يحل أن يكون للمسلمين أميران، فإنّه مهما يكنْ ذلك يختلفْ أمرهم وأحكامهم، وتتفرقْ جماعتهم، ويتنازعوا فيما بينهم. هنالك تُتْرك السُّنة، وتظهر البِدعة، وتعظم الفتنة، وليس لأحد على ذلك صلاح. قول عمر رضي الله عنه في الخلاف وأخرج أيضاً عن سالم بن عُبَيد - فذكر الحديث في بَيْعة أبي بكر رضي الله عنه، وفيه: فقال رجل من الأنصار: منَّا رجل ومنكم رجل. فقال عمر رضي الله عنه: سَيْفان في غمد واحد؟ إذاً لا يصطلحان. خطبة ابن مسعود رضي الله عنه في التحذير من الخلاف وأخرج الطبراني عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: يا أيها الناس عليكم بالطاعة والجماعة فإنَّها حبل الله الذي أمر به، وإنّ ما تكرهون في

قول أبي ذر رضي الله عنه في الخلاف

الجماعة خيرٌ ممَّا تحبون في الفُرقة؛ فإن الله عزّ وجلّ لم يخلُق شيئاً إلا خلق له نهاية ينتهي إليها، وإن الإِسلام قد أقبل له ثبات، وإنه يوشك أن يبلغ نهايته، ثم يزيد وينقص إلى يوم القيامة، وآية ذلك الفاقة وتفظُع حتى لا يجد الفقير من يعود عليه، وحتى يرى الغني أنه لا يكفيه ما عنده، حتى إنَّ الرجل يشكو إلى أخيه وابن عمه فلا يعود عليه بشيء، وحتى إنَّ السائل ليمشي بين الجمعتين فلا يوضع في يده شيء حتى إذا كان ذلك خارت الأرض خَوْرة لا يرى أهل كل ساحة إلا أنها خارت بساحتهم، ثم تهدأ عليهم ما شاء الله، ثم تتقاحم الأرض تقيء أفلاذ كبدها. قيل: يا أبا عبد الرحمن، ما أفلاذ كبدها؟ قال: أساطين ذهب وفضة، فمِن يومئذٍ لا يُنْتَفَع بذهب ولا فضة إلى يوم القيامة. قال الهيثمي: رواه الطبراني بأسانيد، وفيه مجالد وقد وُثِّق وفيه خلاف؛ وبقية رجال إحدى الطرق ثقات. انتهى. وأخرجه أبو نُعَيم في الحِلية من غير طريق مجالد وفي روايته: وتُقطع الأرحام حتى لا يخاف الغنيُّ إلا الفقر، وحتى لا يجد الفقير من يعطف عليه، وحتى إنَّ الرجل ليشتكي الحاجة - وابن عمه غني - ما يعطف عليه بشيء - ولم يذكر ما بعده. قول أبي ذر رضي الله عنه في الخلاف وأخرج أحمد عن رجل قال: كنَّا قد حملنا لأبي ذر رضي الله عنه شيئاً

نريد أن نعطيَه إياه، فأتينا الرَّبَذَة فسألنا عنه فلم نجده. قيل: إستأذن في الحج فأُذِن له، فأتيناه بالبلدة وهي مِنَى. فبينا نحن عنده إذ قيل له: إنَّ عثمان صلَّى أربعاً. فاشتدَّ ذلك عليه وقال قولاً شديداً، وقال: صلَّيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلَّى ركعتين، وصلَّيت مع أبي بكر، وعمر. ثم قام أبو ذر رضي الله عنه فصلَّى أربعاً. فقيل له: عِبْتَ على أمير المؤمنين شيئاً ثم تصنعه؟ قال: الخلاف أشد، إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبنا فقال: إنه كائن بعدي سلطان فلا تذلُّه، فمن أراد أن يذلَّه فقد خلع رِبقة الإِسلام من عنقه، وليس بمقبول منه توبةٌ حتى يسدَّ ثُلْمَتَه وليس بفاعل، ثم يعود فيكون فيمن يعزُّه، أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يغلبونا على ثلاث: (أن) نأمر بالمعروف، وننهي عن المنكر، ونُعلِّم الناس السُنن. قال الهيثمي: وفيه راوٍ لم يُسمَّ، وبقية رجاله ثقات. قول ابن مسعود رضي الله عنه إِن الخلاف شر وأخرح عبد الرزاق عن قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر، وعمر، وعثمان - صَدْراً من خلافته - كانوا يصلُّون بمكة ومِنى ركعتين، ثم إن عثمان صلاها أربعاً، فبلغ ذلك ابن مسعود، فاسترجع ثم قام فصلَّى أربعاً. فقيل له: إسترجعت ثم صليت أربعاً؟ قال: الخلاف شر. كذا في الكنز.

قول علي رضي الله عنه في الخلاف، وقوله في البدعة والجماعة والفرقة وأخرج البخاري، وأبو عُبَيد في كتاب الأموال، والأصبهاني في الحجَّة عن علي رضي الله عنه قال: إقْضُوا كما كنتم تَقْضُون فإني أكره الإختلاف، حتى يكون للناس جماعة أو أموت كما مات أصحابي، فكان ابن سيرين يرى أن عامة ما يروون عن علي كذب. كذا في المنتخب. وأخرج العسكري عن سليم بن قيس العامري قال: سأل ابن الكوَّاء علياً رضي الله عنه عن السُّنة، والبِدعة، وعن الجماعة، والفُرقة. فقال: يا ابن الكواء، حفظت المسألة فأفهم الجواب: السنة - والله - سنّة محمد صلى الله عليه وسلم البدعة ما فارقها، والجماعة - والله - مجامعة أهل الحق وإِنْ قلّوا، والفُرقة مجامعة أهل الباطل وإِن كثروا. كذا في الكنز. موقف الصحابة من الخلافة بعد وفاة النبي عليه السلام إجتماع الصحابة رضي الله عنهم على أبي بكر الصديق رضي الله عنه حديث وفاته عليه السلام وخطبة أبي بكر أخرج البيهقي عن عُروة بن الزبير رضي الله عنهما قال: وأقبل أبو بكر رضي الله عنه من السُّنُح على دابته حتى نزل بباب المسجد، وأقبل مكروباً حزيناً فاستأذن

في بيت إبنته عائشة رضي الله عنها فأذنت له. فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توفي على الفراش والنِّسوة حوله، فخمَّرن وجوههن واستترن من أبي بكر لا ما كان من عائشة، فكشف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فجثى عليه يقبِّله ويبكي ويقول: ليس ما يقول ابن الخطاب شيئاً، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده رحمة الله عليك يا رسول الله، ما أطيبك حياً وميتاً. ثم غشَّاه بالثوب، ثم خرج سريعاً إِلى المسجد يتحطَّى رقاب الناس حتى أتى المنبر، وجلس عمر رضي الله عنه حين رأى أبا بكر رضي الله عنه مقبلاً إِليه. وقام أبو بكر إلى جانب المنبر ونادى الناس، فجلسوا وأنصتوا، فتشهَّد أبو بكر بما عَلِمه من التشهد، وقال: إن الله عزّ وجلّ نَعَى نبيَّه إلى نفسه وهو حيُّ بين أظهركم ونعاكم إلى أنفسكم، وهو الموت حتى لا يُبقي منكم أحد إلا الله عزّ وجلّ. قال تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ} (آل عمران: 144) - الآية -. فقال عمر: هذه الآية في القرآن؟ والله ما علمت أن هذه الآية أُنزلت قبل اليوم - وقد قال الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم {إِنَّكَ مَيّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيّتُونَ} (الزمر: 30) ؛ وقال الله تعالى: {كُلُّ شَىْء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (القصص: 88) ؛ وقال تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبّكَ ذُو الْجَلْالِ وَالإكْرَامِ} (الرحمن: 26، 27) ؛ وقال: {كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (آل عمران: 185) . وقال: إن الله عمَّر محمداً صلى الله عليه وسلم وأبقاه حتى أقام دين الله، وأظهر أمر الله، وبلَّغ رسالة الله، وجاهد في سبيل الله، ثم توفَّاه الله على ذلك، وفد، ترككم على الطريقة فلن يَهلك هالك إلا من بعد البيِّنة والشِّفاء. فمن كان الله ربَّه

خطبة عمر والبيعة العامة على يد أبي بكر

فإنَّ الله حيّ لا يموت، ومن كان يعبد محمداً ويُنْزِله إلهاً فقد هلك إلهة. فاتقوا الله أيها الناس، واعتصموا بدينكم، وتوكلوا على ربك، فإن دين الله قائم، وإن كلمة الله تامّة، وإِنَّ الله ناصرٌ من نصره ومعزُّ دينه، وإِنَّ كتاب الله بين أظهرنا وهو النور والشفاء، وبه هدى الله محمداً صلى الله عليه وسلم وفيه حلال الله وحرامه. والله لا نبالي من أجلب علينا من خلق الله؛ إِنَّ سيوف الله لمسلولة ما وضعناها بعد، ولنجاهدنَّ من خالفنا كا جاهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يبغِينَّ أحد إلا على نفسه. ثم انصرف معه المهاجرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا في البداية. خطبة عمر والبيعة العامة على يد أبي بكر وأخرج البخاري عن أنس رضي الله عنه أنه سمع خطبة عمر رضي الله عنه الأخيرة حين جلس على المنبر، وذلك الغد من يوم توفي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ـ وأبو بكر رضي الله عنه صامت لا يتكلم -. قال: كنت أرجو أن يعيش رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يدبِّرَنا - يريد بذلك أن يكون آخرهم - فإن يكُ محمد قد مات فإن الله قد جعل بين أظهركم نوراً تهتدون به، هدى الله محمداً صلى الله عليه وسلم وإن أبا بكر صاحبُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وثاني إثنين، وإنَّه أولى المسلمين بأموركم، فقوموا فبايعوه. وكانت طائفة قد بايعوه قبل ذلك في سقيفة بني ساعدة، وكانت بيعة العامة على المنبر. قال الزهري عن أنس: سمعت عمر يقول يومئذٍ لأبي بكر - رضي الله عنهم: إصعد المنبر، فلم يزل به حتى صعد المنبر، فبايعه عامة الناس.

الناس أبا بكر بيعة

بيعة أبي بكر في السقيفة وعند ابن إسحاق عن الزُّهري عن أنس رضي الله عنه قال: لما بُويع أبو بكر رضي الله عنه في السقيفة وكان الغد؛ جلس أبو بكر على المنبر فقال عمر رضي الله عنه فتكلم قبل أبي بكر، فحمد الله وثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: أيها الناس، إني قد كنتُ قلتُ لكم بالأمس مقالة ما كانت، وما وجدتها في كتاب الله، ولا كانت عهداً عهدها إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكني (قد) كنت أرى أنَّ رسول الله سيدبر أمرنا - يقول: يكون آخرنا - وإنَّ الله قد أبقى فيكم كتابه الذي هدى به رسول الله، فإن اعتصمتم به هداكم الله لما كان هداه الله له، وإن الله قد جمع أمركم على خيركم: صاحبِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وثاني إثنين إذ هما في الغار، فقوموا فبايعوه. فبايع الناس أبا بكر بَيْعة العامة بعد بَيْعة السقيفة. ثم تكلم أبو بكر، فحمد الله وأثنى عليه با هو أهله، ثم قال: أما بعد أيها الناس: فإني قد وُلِّيت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوّموني. الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أزيح علته إن شاء الله، والقويّ فيكم ضعيف (عندي) حتى آخذ منه الحق إن شاء الله، لا يَدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا يُشيع قوم قط الفاحشة إلا عمهم الله بالبلاء؛ أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله. كذا في البداية وقال: هذا إسناد صحيح.

قول رجل في خلافة أبي بكر وخطبة عمر في ذلك وفي قصة سقيفة بني ساعدة وأخرج أحمد عن ابن عباس أن عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - رجع إلى رحله - قال ابن عباس: وكنت أقرىء عبد الرحمن بن عوف - فوجدني وأنا أنتظره، وذلك بمنى في آخر حِجّة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فقال عبد الرحمن بن عوف: إِن رجلاً أتى عمر بن الخطاب فقال: إن فلاناً يقول: لو قد مات عمر بايعت فلاناً (والله ما كانت بَيْعة أبي بكر إلا فَلْتة فتمَّت) . فقال عمر: إِني قائم العشية إن شاء الله في الناس فمحذِّرهم هؤلاء الرهط الذين يريدون أن يَغْصِبوهم أمرهم. قال عبد الرحمن فقلت: يا أمير المؤمنين لا تفعل، فإن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم، وإنهم الذين يغلبون على مجلسك إذا قمت في الناس، فأخشى أن تقول مقالة يَطير بها أولئك فلا يَعوها لا يضعوها مواضعها، ولكن حتى تَقْدَم المدينة فإنها دار الهجرة والسنة، وتخلص بعلماء الناس وأشرافهم فتقول ما قلت متمكناً فيعُون مقالتك ويضعونها مواضعها. قال عمر رضي الله عنه: لئن قدمتُ المدينة صالحاً لأكلمنَّ بها الناس في أول مقام أقومه. فلما قدمنا المدينة في عقب ذي الحجَّة - وكان يوم الجمعة - عجَّلت الروح صكَّة الأعمى. - قلتُ لمالك: وما صكَّة الأعمى؟ قال: إنه لا يبالي أي ساعة خرج لا يعرف الحرّ والبرد أو نحو هذا -. فوجدت سعيد بن زيد عند ركن المنبر الأيمن قد سبقني، فجلست حذاءه تحكُّ ركبتي ركبته. فلم أنشَب أن طلع عمر، فلما رأيته قلت: ليقولنَّ العشيّة على هذا المنبر مقالة ما قالها عليه أحد قبله. قال: فأنكر سعيد بن زيد ذلك، وقال: ما عسيت أن يقول ما لم يقل أحد. فجلس عمر على المنبر، فلما سكت المؤذن قام فأثنى على الله

بما هو أهله، ثم قال: أما بعد أيها الناس، فإنِّي قائل مقالة وقد قُدِّر لي أن أقولها لا أدري لعلَّها بين يدي أجلي، فمن وعاها وعَقلَها فليحدِّث به حيث انتهت به راحلته، ومن لم يعها فلا أُحلُّ له أن يكذب عليَّ: إن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب، فكان فيما أنزل عليه آية الرَّجْم، فقرأناها ووعيناها وعقلناها ورجَم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: لا نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضلُّوا بترك فريضة قد أنزلها الله عزّ وجلّ؛ فالرجم في كتاب الله حقٌّ على من زنى إذا أحْصَن من الرجال والنساء إذ قامت البينة، أو كان الحَبَل، أو الإعتراف. ألا وإنَّا قد كنا نقرأ: «لا ترغبوا عن آبائكم فإنَّ كُفْراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم» ألا وإِنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تطروني كما أُطْرِيَ عيسى بن مريم - عليهما الصلاة والسلام - فإنما أنا عبدٌ، فقولوا: عبد الله ورسوله» . وقد بلغني أن قائلاً منكم يقول: لو قد مات عمر بايعت فلاناً، فلا يغترَّن أمرؤ أن يقول: إنَّ بيعة أبي بكر رضي الله عنه كانت فلتة فتمَّت. ألا وإنها كانت كذلك؛ إلا أن الله وَقَى شرها، وليس فيكم اليوم من تَقَطَّعُ إليه الأعناق مثل أبي بكر، وإنه كان من خبرنا حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن علياً، والزبير ومن كان معهما تخلَّفوا في بيت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وتخلَّف عنها الأنصار بأجمعها في سقيفة بني ساعدة، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر، فقلت له: يا أبا بكر، إنطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار، فانطلقنا نؤمهم حتى لقيَنا رجلان صالحان فذَكَرا لنا الذي صنع القوم، فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ فقلت: نريد إخواننا من الأنصار، فقالا: لا عليكم أن لا تقربوهم واقضُوا أمركم يا معشر المهاجرين. فقلت: والله لنأتينّهم. فانطلقنا حتى جئناهم

في سقيفة بني ساعدة فإذا هم مجتمعون، وإذا بين ظهرانيهم رجل مُزَمَّل، فقلت: من هذا؟ قالوا: سعد بن عُبادة، فقلت: ما له؟ قالوا: وَجِعٌ. فلما جلسنا قام خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله، وقال: أما بعد: فنحن أنصار الله وكتيبة الإِسلام، وأنتم يا معشر المهاجرين رهط نبينا، وقد دَفَت دافَّة منكم (قال وإذا هم يريدون أن يجتازونا من أصلنا ويغصبونا الأمر) ، فلما سكت أردت أن أتكلم - وكنت قد زودت مقالة أعجبتني أردت أن أقولها بين يدي أبي بكر وكنت أداري منه بعض الحد -. (فقال أو بكر: على رِسْلك يا عمر، فكرهت أن أغضبه فتكلم) - وهو كان أحكم مني وأوقر - فوالله ما ترك من كلمة أعجبتني من تزويري إلا قالها في بديهته (أو مثلها) أو أفضل (حتى) سكت. فقال: أما بعد: فما ذكرتم من خير فأنتم أهله، وما تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسباً وداراً، وقد رضيتُ لكم أحد هذين الرجلين (فبايعوا) أيهما شئتم؛ وأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح، فلم أكره (شيئاً) مما قال غيرها. كان - والله - أن أُقدَّم فتُضرب عنقي لا يقرِّبُني ذلك إلى إثم أحبَّ إليّ أن أتأمَّر على قوم فيهم أبو بكر إلا (أن تغير نفسي عند الموت) . فقال قائل من الأنصار: أن جُذَيْلها المحكَّك، وعُذَيْقُها المرجّب. منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش

- فقلت لمالك: ما يعني وأنا جذيلها المحكك (وعذيقها المرجب) ، قال: كأنه يقول: أنا داهيتها. قال فكثر اللغط، وارتفعت الأصوات حتى خشينا الإختلاف. فقلت: إبسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون، ثم بايعه الأنصار، ونزونا على سعد بن عبادة، فقال قائل منهم قتلتم سعداً، فقلت: قتل الله سعداً، قال عمر: أما والله ما وجدنا فيما حضرنا أمراً هو أرفق من مبايعة أبي بكر، خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بَيْعة أن يُحدثوا بعدنا بَيْعة، فإما (أن) نبايعهم على ما لا نرضى، وإما أن نخالفهم فيكون فساد، فمن بايَع أميراً من غير مشورة المسلمين فلا بَيْعة له، ولا بَيْعة للذي بايعه تَغِرَّة أن يقتلا. وذكر الزهري عن عروة رضي الله عنه أن الرجلين اللذين لقياهما: عُويم بن ساعدة، ومعن بن عدي. وعن سعيد بن المسيب رضي الله عنه أن الذي قال: أنا جُذَيلها المحكك (وعذيقها المرجب) هو الحباب بن المنذر. رواه مالك ومن طريقه أخرج هذا الحديث

الجماعة - كذا في البداية -. وأخرجه أيضاً البخاري، وأبو عبيد في الغرائب، والبيهقي، وابن أبي شيبة بنحوه مطوّلاً - كما في كنز العمال (3138 و 139) . حديث ابن عباس فيما وقع في السقيفة من الكلام في الخلافة وعند ابن أبي شيبة في حديث ابن عباس عن عمر رضي الله عنهم: أنه كان من شأن الناس أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي، فأُتينا فقيل لنا إِنّ الأنصار قد اجتمعت في سقيفة بني ساعدة مع سعد بن عبادة يبايعون، فقمت وقام أبو بكر، وأبو عبيدة بن الجراح نحوهم فَزِعين أن يُحدِثوا في الإِسلام. فلقينا رجلَين من الأنصار، رجلاً صدق: - عُويم بن ساعدة، ومعن بن عدي

- فقالا: ين تريدون؟ قلنا: قومكم لِمَا بلغنا من أمرهم. فقالا: إرجعوا فإنَّكم لن تُخالفوا ولن يُؤتى بشيء تكرهونه. فأبينا إلا أن نمضي - وأنا أزوي كلاماً أن أُكلِّم به - حتى انتهينا إلى القوم، وإذا هم عكوف هنالك على سعد بن عبادة وهو على سرير له مريض. فلما غشِيناهم تكلَّموا فقالوا: يا معشر قريش، منا أمير ومنك أمير. فقال حُبَاب بن المنذر: أنا جُذَيلها المحكَّك وعُذَيقها المرجَّب، إن شئتم - والله - رددناها جَذَعة. فقال أبو بكر: على رِسْلكم، فذهبت لأتكلَّم، فقال: أنصت يا عمر. فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا معشر الأنصار، إِنا - والله - ما نُنكر فضلكم، ولا بلاغَكم في الإِسلام، ولا حقَّكم الواجب علينا، ولكنَّكم قد عرفتم أنَّ هذا الحي من قريش بمنزلة من العرب فليس بها غيرهم. وأن العرب لن تجتمع إلا على رجل منهم؛ فنحن الأمراء وأنتم الوزراء، فاتقوا الله ولا تصدَعوا الإِسلام، ولا تكونوا أول من أحدث في الإِسلام. ألا وقد رضيت لكم أحد، هذين الرجلين - لي ولأبي عبيدة بن الجراح - فأيهما بايعتم فهو لكم ثقة. قال: فوالله، لئن أُقتل ثم أُحيى، ثم أُقتل ثم أحيى في غير معصية أحبُّ إليَّ من أن أكون أميراً على قوم فيهم أبو بكر. ثم قلت: يا معشر الأنصار، يا معشر المسلمين، إنَّ أولى الناس بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعده ثاني إثنين إذ هما في الغار - أبو بكر السبَّاق المبين. ثم أخذت بيده وبادرني رجل من الأنصار فضرب على يده قبل أن أضرب على يده. فتتابع الناس ومِيل عن سعد بن عبادة. كذا في كنز العمال.

حديث ابن سيرين فيما وقع في السقيفة في أمر الخلافة وعند ابن أبي شيبة أيضاً عن ابن سيرين رحمه الله أن رجلاً من زُرَيق قال: لمَّا كان ذلك اليوم خرج أبو بكر، وعمر - رضي الله عنهما - حتى أتَوا الأنصار. فقال يا معشر الأنصار، إنا لا ننكر حقكم ولا ينكر حقكم مؤمن، وإنا - والله - ما أصبنا خيراً إلا شركتمونا فيه، ولكن لا ترضى العرب ولا تقرّ إلا على رجل من قريش لأنهم أفصح الناس ألسنة، وأحسن الناس وجوهاً، وأوسط العرب داراً، وأكثر الناس شحمة في العرب، فهلمُّوا إلى عمر فبايعوه. فقالوا: لا. فقال عمر: فلم؟ فقالوا: نخاف الأَثَرة. فقال: أمَّا ما عشت فلا، بايعوا أبا بكر. فقال أبو بكر لعمر: أنت أقوى مني؛ فقال عمر: أنت أفضل مني. فقالها الثانية. فلما كانت الثالثة قال له عمر: إن قوي لك مع فضلك؛ فبايَعوا أبي بكر رضي الله عنه. وأتى الناس عند بَيْعة أبي بكر أبا عبيدة بن الجراح فقال: تأتوني وفيكم ثاني إثنين. كذا في الكنز. تقديم الصحابة أبا بكر في الخلافة ورضاهم به والرد على من أراد شق عصاهم حديث ابن عساكر وقول أبي عبيدة في خلافة الصديق رضي الله عنه أخرج ابن عساكر عن مسلم قال: بعث أبو بكر إلى أبي عبيدة - رضي الله عنهما - هلمَّ حتى أستخلفَك؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ لكل

أمة أميناً، وأنت أمين هذه الأمة» . فقال أبو عبيدة: ما كنت وقدم رجلاً أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤمَّنا. كذا في الكنز. وأخرجه الحاكم عن مسلم البَطِين عن أبي البختري بنحوه وقال: صحيح الإِسناد ولم يخرِّجاه، وقال الذهبي: منقطع. اهـ. وأخرجه ابن عساكر، وابن شاهين وغيرهما عن علي بن كثير بنحوه - كما في كنز العمال. حديث الإِمام أحمد وما قال أبو عبيدة وعثمان في خلافة الصدِّيق وأخرج أحمد عن أبي البختري قال: قال عمر لأبي عبيدة - رضي الله عنهما - إبسط يدك حتى أبايعك، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أنت أمين هذه الأمة» . فقال أبو عبيدة؛ ما كنت لأتقدَّم بين يدي رجل أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤمَّنا فأمنا حتى مات. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح إِلا أن أبا البختري لم يسمع من عمر اهـ، وأخرجه ابن عساكر أيضاً بنحوه - كما في الكنز. وأخرجه ابن سعد، وابن جرير عن إبراهيم التيمي بنحوه - كما في الكنز، وفي حديثه: فقال أبو عبيدة؛ ما رأيت لك فهَّة (قبلها) منذ أسلمت أتبايعني؟ وفيكم الصدِّيق، وثاني إثنين. وعند خيثمة الأطرابلسي عن حُمران قال عثمان بن عفان: إن أبا بكر الصديق أحقُّ الناس بها - يعني الخلافة - إِنَّه

لصدِّيق، وثاني إثنين، وصاحبُ رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا في كنز العمال. إعتذار أبي بكر لقبول الخلافة وقول علي والزبير إِنه أحق الناس بالخلافة وأخرج الحاكم والبيهقي عن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: أن عبد الرحمن بن عوف كان مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأن محمد بن مسلمة كسَرَ سيف الزبير رضي الله عنه، ثم قام أبو بكر رضي الله عنه فخطب الناس واعتذر إليهم وقال: والله ما كنت حريصاً على الإِمارة يوماً ولا ليلة قط، ولا كنت فيها راغباً ولا سألتها الله في سرّ ولا علانية، ولكني أشفقت من الفتنة، وما لي في الإِمارة من راحة؛ ولكني قلِّدتُ أمراً عظيماً ما لي به طاقة ولا يدٌ إلا بتقوية الله عزّ وجلّ، ولوددتُ أنَّ أقوى الناس عليها مكاني اليوم. فقبل المهاجرون منه ما قال وما اعتذر به. وقال علي، والزبير - رضي الله عنهما -: وما غضبنا إلا لأنَّا أُخِّرنا عن المشاورة، وإنَّا نرى أبا بكر أحق الناس بها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إنَّه لصاحب الغار، وثاني إثنين، وإنا لنعرف شرفه وكِبَره، ولقد أمرَه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة بالناس وهو حيّ. حديث ابن عساكر فيما وقع بين علي وأبي سفيان في شأن خلافة الصدِّيق وأخرج ابن عساكر عن سُوَيد بن غَفْلة قال: دخل أبو سفيان على علي، والعباس - رضي الله عنهما - فقال: يا علي وأنت يا عباس، ما بال هذا الأمر

في أذلّ قبيلة من قريش وأقلّها، والله لئن شئت لأملأنَّها عليه خيلاً ورجالاً. فقال له علي: لا والله ما أريد أن تملأها عليه خيلا ورجالاً، ولولا أنَّا رأينا أبا بكر لذلك أهلاً ما خلَّيناه وإياها. يا أبا سُفيان إن المؤمنين قومٌ نَصَحَة بعضهم لبعض، متوادّون وإن بعدت ديارهم وأبدانهم. وإن المنافقين قوم غَشَشَة بعضهم لبعض. كذا في الكنز. وهكذا أخرجه أبو أحمد الدِّهْقان بمعناه وزاد في المنافقين: وإن قربت ديارهم وأبدانهم قوم غششة بعضهم لبعض، وإنّا قد بايعنا أبا بكر وكان لذلك أهلاً. كذا في الكنز. حديث عبد الرزاق والحاكم فيما جرى بين علي وأبي سفيان وأخرج عبد الرزاق عن ابن أبجر قال: لما بُيع لأبي بكر الصديق جاء أبو سفيان إلى علي فقال: أغلبكم على هذا الأمر أقلُّ بيت في قريش؟ أمَا والله لأملأنها خيلاً ورجالاً (إن شئت) . فقال علي: ما زلت عدوّاً للإِسلام وأهله فما ضرَّ ذلك الإِسلام وأهله شيئاً، إنا رأينا أبا بكر لها أهلاً. كذا في الإستيعاب. وأخرجه الحاكم عن مُرَّة الطيِّب قال: جاء أبو سفيان بن حرب إلى علي بن أبي طالب فقال: ما بال هذا الأمر في أقل قريش قلَّة، وأذلها ذلَّة - يعني أبا بكر - والله لئن شئت لأملأنَّها عليه خيلاً ورجالاً. فقال علي: لطال ما عاديت الإِسلام وأهله يا أبا سفيان فلم يضرَّه ذلك شيئاً؛ إنا وجدنا أبا بكر لها أهلاً.

ما وقع بين عمر بن الخطاب وخالد بن سعيد في شأن خلافة الصدِّيق وأخرج الطبري عن صخر حارس النبي صلى الله عليه وسلم قال: كان خالد بن سعيد بن العاص باليمن زمن النبي صلى الله عليه وسلم وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو بها، وقدم بعد وفاته بشهر وعليه جبّة ديباج، فلقي عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب - رضي الله عنهما -، فصاح عمر بمن يليه؛ مزِّقوا عليه جبته أيلبس الحرير وهو في رجالنا في السِّلْم مهجور؟، فمزقوا جبته. فقال خالد: يا أبا الحسن، يا بني عبد مناف، أغُلِبتم عليها؟ فقال علي: أمغالبة ترى أم خلافة قال: لا يغالِب على هذا الأمر أولى منكم يا بني عبد مناف. وقال عمر لخالد: فضَّ الله فاك والله لا يزال كاذب يخوض فيما قلت ثم لا يضر إلا نفسه - الحديث. وأخرجه سيف، وابن عساكر عن صخر مختصراً - كما في الكنز. حديث أم خالد وما وقع بين أبي بكر وخالد بن سعيد وأخرج ابن سعد عن أم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص قالت: قدم أبي من اليمن إلى المدينة بعد أن بويع لأبي بكر، فقال لعلي، وعثمان - رضي الله عنهما -: أرضيتم بني عبد مناف أن يلي هذا الأمر عليكم غيركم؟ فنقلها عمر إلى أبي بكر فلم يحملها أبو بكر على خالد وحملها عمر عليه، وأقام خالد ثلاثة أشهر لم يبايع أبا بكر. ثم مرّ عليه أبو بكر بعد ذلك مُظْهِراً وهو في داره فسلَّم عليه، فقال له خالد: أتحب أن أبايعك؟ فقال أبو بكر: أحبُّ أن تدخل في صُلحِ ما دخل فيه المسلمون. فقال: موعدك العشيّة

خروج أبي بكر للجهاد وحيدا وقول علي في ذلك

أبايعك، فجاء وأبو بكر على المنبر فبايعه. وكان رأي أبي بكر فيه حسناً، كان معظِّماً له؛ فلما بعث أبو بكر الجنود على الشام عقد له على المسلمين، وجاء باللواء إلى بيته، فكلم عمر أبا بكر فقال: تولِّي خالداً وهو القائل ما قال فلم يزل به حتى أرسل أبا أرْوى الدَّوْسي فقال: إن خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك: أردد إلينا لواءنا، فأخرجه فدفعه إليه، وقال: والله ما سرتنا ولا يتكم، ولا ساءنا عزلكم، وإن المليم لغيرك، فما شعرت إلا بأبي بكر داخل على أبي يتعذر إليه، ويعزم عليه أن لا يذكر عمر بحرف. فوالله ما زال أبي يترحم على عمر حتى مات. خروج أبي بكر للجهاد وحيداً وقول علي في ذلك وأخرج السَّاجي عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرج أبي شاهراً سيفه راكباً راحلته إلى ذي القَصَّة، فجاء علي بن أبي طالب فأخذ بزمام راحلته وقال: إلى أين يا خليفة رسول الله؟ أقول لك ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أُحد: شِمْ سيفك ولا تفجعنا بنفسك» فوالله لئن أصبنا بك لا يكون للإِسلام بعدك نظام أبداً؛ فرجع وأمضى الجيش. كذا في الكنز. وأخرجه الدارقطني أيضاً بنحوه - كما في الإِصابة. رد الخلافة على الناس خطبة أبي بكر في الخلافة وقوله: ولا حرصت عليها ليلة ولا يوماً قط أخرج أبو نُعيم في فضائل الصحابة عن أبي بكر رضي الله عنه أنه

قال: يا أيها الناس، إن كنتم ظننتم أني أخذت خلافتكم رغبة فيها أو إرادة إستئثار عليكم وعلى المسلمين، فلا والذي نفسي بيده ما أخذتها رغبة فيها ولا إستئثاراً عليكم ولا على أحد من المسلمين، ولا حرصت عليها ليلة ولا يوماً قط، ولا سألت الله سراً ولا علانية، ولقد تقلَّدت أمراً عظيماً لا طاقة لي به إلا أن يُعين الله؛ ولوددت أنَّها إلى أيِّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يعدل فيها. فهي إليكم ردّ، ولا بَيْعة لكم عندي، فادفعوا لمن أحببتم فإنما أنا رجل منكم. كذا في الكنز. جواب الصحابة على أبي بكر وقولهم: أنت - والله - خيرنا وعند الطبراني عن عيسى بن عطية قال: قام أبو بكر رضي الله عنه الغد حين بويع فخطب الناس، فقال: يا أيها الناس، إني قد أَقَلْتُكم رأيكم، إني لست بخيركم فبايعوا خيركم، فقاموا إليه فقالوا: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت - والله - خيرنا. فقال: يا أيها الناس، إنَّ الناس قد دخلوا في الإِسلام طَوْعاً كَرْهاً، فهم عُوَّاذ وجيران الله، فإن استطعتم أن لا يطلُبَنَّكم الله بشيء من ذمته فافعلوا، إن لي شيطاناً يحضرني، فإذا رأيتموني قد غضبت فاجتنبوني لا أُمَثِّل بأشعاركم وأبشاركم. يا أيها الناس، تفقَّدوا ضرائب غِلمانكم، إنَّه لا ينبغي للحم نبت من سُحْتٍ، أن يدخل الجنة، ألا وراعوني بأبصاركم فإن استقمت فأعينوني، وإن زُغْت فأقيموني، وإن أطعت الله فأطيعوني، وإن عصيت الله فاعصوني، كذا في الكنز. قال الهيثمي: في عيسى بن سليمان وهو

ضعيف، وعيسى بن عطية لم أعرفه. انتهى. جواب عليّ على أبي بكر وقوله له: لا نقيلك ولا نستقيلك وعند العُشّاري عن أبي الجحَّاف قال: لما بُويع أبو بكر رضي الله عنه أغلق بابه ثلاثة أيام يخرج إليهم في كل يوم فيقول: أيها الناس، قد أقلتكم بيعتكم فبايعوا من أحببتم. وكل ذلك يقوم إليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه فيقول: لا نُقيلك ولا نستقيلك وقد قدّمك رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن ذا يؤخرك؟ كذا في الكنز. وأخرجه ابن النجار عن زيد بن علي عن آبائه رضي الله عنهم قال: قام أبو بكر رضي الله عنه على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هل من كاره فأقيله؟ - ثلاثاً يقول ذلك - فعند ذلك يقوم علي بن أبي طالب فيقول: لا والله لا نُقيلك ولا نستقيلك، من ذا الذي يؤخرك وقد قدّمك رسول الله صلى الله عليه وسلم. كذا في الكنز. قبول الخلافة لمصلحة دينية حديث ابن أبي رافع في الخلافة وما وقع بينه وبين أبي بكر فيها أخرج ابن راهَوَيْه، والعدَني، والبَغَوي، وابن خُزيمة عن رافع بن أبي رافع قال: لما استخلف الناس أبا بكر رضي الله عنه قلت: يا صاحبي الذي

قول أبي بكر عند وفاته لعبد الرحمن بن عوف

أمرني أن لا أتأمر على رجلين، فارتحلت فانتهيت إلى المدينة فتعرَّضت لأبي بكر فقلت له: يا أبا بكر أتعرفني؟ قال: نعم. قلت: أتذكر شيئاً قلته لي؛ أن لا أتأمَّر على رجلين وقد وَلِيتَ أمر الأمة؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قُبض والناس حديثو عهد بكفر، فخفت عليهم أن يرتدوا وأن يختلفوا؛ فدخلت فيها وأنا كاره، ولم يزل بي أصحابي. فلم يزل يعتذر حتى عذرته. كذا في الكنز. الحزن على قبول الخلافة قول أبي بكر لعمر: أنت كلفتني هذا الأمر أخرج ابن راهَوَيْه، وخيثمة في فضائل الصحابة وغيرهُما عن رجل من آل ربيعة أنه بلغه: أن أبا بكر رضي الله عنه حين استُخلف قعد في بيته حزيناً، فدخل عليه عمر رضي الله عنه، فأقبل عليه يلومه وقال: أنت كلّفتني هذا الأمر، وشكا إليه الحُكْمَ بين الناس. فقال له عمر: أوَ اعلمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الوالي إذا اجتهد فأصاب الحق فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ الحق فله أجر واحد» ؛ فكأنه سهَّل على أبي بكر رضي الله عنه، كذا في الكنز. قول أبي بكر عند وفاته لعبد الرحمن بن عوف وأخرج أبو عُبيد، والعُقَيلي، والطبراني، وابن عساكر، وسعيد بن منصور، وغيرهم عن عبد الرحمن بن عوف أن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - قال له في مرض وفاته: إني لا آسى على شيء إلا على ثلاث فعلتهن ووددت

أني لم أفعلهن. وثلاث لم أفعلهن ووددت أني فعلتهن. وثلاث وددت أني سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهن - فذكر الحديث. وفيه: ووددت أني يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين: أبي عبيدة بن الجراح أو عمر، فكان أميراً وكنت وزيراً - وذكر: ووددت أني حين وجهت خالداً إلى الشام كنت وجهت عمر إلى العراق، فأكون قد بسطت يديَّ يميناً وشمالاً في سبيل الله. وأما الثلاث التي وددت أني سألت عنهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فوددت أني سألته فيمن هذا الأمر فلا يُنازَعُه أهله، وددت أني كنت سألته هل للأنصار في هذا الأمر شيء؟ كذا في الكنز. قال الهيثمي: وفيه علوان بن داود البجلي، وهو ضعيف وهذا الأثر مما أُنكر عليه. الإستخلاف مشاورة أبي بكر في شأن الخلافة أصحابه عند الوفاة أخرج ابن سعد عن أبي سَلَمة بن عبد الرحمن وغيره أن أبا بكر الصدِّيق رضي الله عنه لما استُعِزَّ به دعا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وقال: أخبرني عن عمر بن الخطاب؟ فقال عبد الرحمن: ما تسألني عن أمر إلا وأنت أعلم به مني. فقل أبو بكر: وإنْ. فقال عبد الرحمن: هو - والله - أفضل مَنْ رأيُك فيه. ثم دعا عثمان بن عفان رضي الله عنه فقال: أخبرني عن عمر؟ فقال: أنت أخبرنا به. فقال: على ذلك يا أبا عبد الله فقال عثمان بن عفان:

كتاب أبي بكر رضي الله عنه في إستخلاف عمر ووصيته له وللناس

اللهمَّ علمي به أنّ سريرته خير من علانيته، وأنه ليس فينا مثله. فقال أبو بكر: يرحمك الله، والله لو تركتُه ما عدوتك؛ وشاور معهما سعيد بن زيد أبا الأعور، وأسَيْد بن الحُضَير وغيرهما من المهاجرين والأنصار. فقال أُسَيد: اللهمّ أعلمه الخَيْرة بعدك يرضى للرضى، ويسخط للسخط. الذي يُسرُّ خيرٌ من الذي يُعلِن، ولم يَلِ هذا الأمر أحد أقوى عليه منه. ما وقع بين أبي بكر وبين عبد الرحمن وعثمان في إستخلاف عمر وسمع بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بدخول عبد الرحمن، وعثمان على أبي بكر - رضي الله عنهم - وخَلْوتهما به، فدخلوا على أبي بكر فقال له قائل منهم: ما أنت قائل لربك إذا سألك عن إستخلافك عمر علينا وقد ترى غِلظته؟ فقال أبو بكر: أجلسوني، أبالله تُخوِّقوني، خاب من تزوَّد من أمركم بظلم أقول: اللهم إستخلفت عليهم خير أهلك.e أبلغ عني ما قلت لك مَنْ وراءك، ثم اضطجع ودعا عثمان بن عفان، فقال أكتب: كتاب أبي بكر رضي الله عنه في إستخلاف عمر ووصيته له وللناس بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده من الدنيا خارجاً منها، وعند أول عهده بالآخرة داخلاً فيها، حيث يؤمن الكافر، ويوقن الفاجر، ويصدُق الكاذب: إني استخلفت عليكم بعدي عمر بن الخطاب، فاسمعوا له وأطيعوا وإِني لم آلُ الله ورسولَ ودينَه ونفسي وإِياكم خيراً، فإن عدل فذلك ظنِّي به، وعلمي فيه؛ وإن بدّل فلكل امرىء ما اكتسب (من الإِثم) . الخيرَ أردتُ، ولا أعلم الغيب {ظُلِمُواْ وَسَيَعْلَمْ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَىَّ مُنقَلَبٍ} (الشعراء: 227) والسلام عليكم ورحمة الله.

ثم أمر بالكتاب فختمه. ثم قال بعضهم: لما أملَى أبو بكر رضي الله عنه صَدْر هذا الكتاب بقي ذِكْرُ عمر، فذُهب به قبل أن يُسمّي أحداً. فكتب عثمان رضي الله عنه: إني قد استخلفت عليكم عمر بن الخطاب. ثم أفاق أبو بكر فقال: إقرأ عليّ ما كتبت. فقرأ عليه ذكر عمر، فكبَّر أبو بكر وقال: أراك خفت إن أقبلت نفسي في غشيتي تلك فتختلف، فجزاك الله عن الإِسلام وأهله خيراً، والله إِنْ كنت لها لأهلاً. ثم أمره فخرج بالكتاب مختوماً ومعه عمر بن الخطاب وأُسَيد بن سعيد القرظي، فقال عثمان للناس: أتبايعون لمن في هذا الكتاب؟ فقالوا: نعم. وقال بعضهم: قد علمنا به - قال ابن سعد: عليٌّ القائل - وهو عمر. فأقرُّوا بذلك جميعاً. ورضوا به وبايعوا. ثم دعا أبو بكر عمر خالياً وأوصى به بما أوصاه به، ثم خرج من عنده فرفع أبو بكر يديه مدّاً فقال؛ اللهمَّ إني لم أُرِدْ بذلك إلا صلاحهم، وخفت عليهم الفتنة، فعملت فيهم بما أنت أعلم به واجتهدت لهم رأيي، فولَّيت عليهم خيرهم، وأقواهم عليهم، وأحصرهم على ما أرشدهم، وقد حضرني من أمرك ما حضر فأخلفني فيهم، فهم عبادك ونواصيهم بيدك أصلِحْ لهم وإليَهم، واجعله من خلفائك الراشدين يتبع هَدْي نبي الرحمة وهَدْي الصالحينَ بعده، وأصلح له رعيته. وكذا في الكنز. وعند ابن عساكر سويف عن الحسن رضي الله عنه قال: لما ثَقُل أبو بكر رضي الله عنه إستبان له في نفسه جمع الناس إليه فقال لهم: إِنه قد نزل بي ما قد ترون، ولا أظنني إِلّ لِمماتي، وقد أطلق الله تعالى أيْمانكم من

جواب أبي بكر لطلحة إذ خالفه في استخلاف عمر

بَيْعتي، وحلَّ عنكم عَقْدي، وردَّ عليكم أمركم: فأمِّروا عليكم من أحببتم، فإنَّكم إن أمَّرتم في حياةٍ مني كان أجدر أن لا تختلفوا بعدي. فقاموا في ذلك وخَلَّوه تخلية فلم تستقم لهم، فرجعوا إليه فقالوا: رَهْ لنا يا خليفة رسول الله. قال: فلعلكم تختلفون. قالوا: لا. فقال: فعليكم عهد الله على الرضا. قالوا: نعم. قال: فأمهلوني أنظر لله ولدينه ولعباده. فأرسل أبو بكر إلى عثمان فقال: أشر عليَّ برجل، فواا إنك عندي لها لأهل وموضع، فقال: عمر (فقال) : أكتب فكتب حتى انتهى إلى الإِسم فغُشي عليه فأفاق، فقال: أكتب عمر. جواب أبي بكر لطلحة إذ خالفه في استخلاف عمر وعند الّلأَلكائي عن عثمان بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهم - قال: لما حضرت أبا بكر الصديق الوفاةُ دعا عثمان بن عفان - رضي الله عنه - فأملى عليه عهده، ثم أُغمِي على أبي بكر قبل أن يملي أحداً، فكتب عثمان: عمر بن الخطاب، فأفاق أبو بكر فقال لعثمان: كتبتَ أحداً؟ فقال: ظننتك لمآبك وخشيت الفُرقة فكتبت عمر بن الخطاب. فقال: يرحمك الله أما لو كتبت نفسك لكنت لها أهلاً. فدخل عليه طلحة بن عبيد الله فقال: أنا رسول مَنْ ورائي إليك، يقولون: قد علمت غِلظة عمر علينا في حياتك فكيف بعد وفاتك إذا أفضيت إليه أُمورنا؟ والله سائلك عنه، فانظر ما أنت قائل. فقال: أجلسوني. أبالله تخوِّقوني، قد خاب أمرؤ ظنَّ من أمركم وهماً، إذا سألني الله قلت: إستخلفت على أهلك خيرهم لهم، فأبلْغهم هذا عنِّي.

حديث أم المؤمنين عائشة في هذا الأمر وعند ابن سعد عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما حضر أبا بكر الوفاة إستخلف عمر، فدخل عليه علي، وطلحة - رضي الله عنهما - فقالا: من إستخلفت؟ قال: عمر. قالا: فماذا أنت قائل لربك؟ قال: أبالله تُفْرِقاني، لأنا أعلم بالله وبعمر منكما، أقول: إستخلفت عليهم خير أهلك. كذا في الكنز. وأخرجه البيهقي بنحوه عن عائشة رضي الله عنها، وابن جرير بمعناه عن أسماء بنت عُمَيس رضي الله عنها. حديث زيد بن الحارث في هذا الأمر وأخرج ابن أبي شيبة عن زيد بن الحارث أن أبا بكر رضي الله عنه حين حضرهُ الموتُ أرسل إلى عمر يستخلفه، فقال الناس: تستخلف علينا عمر فظاً غليظاً؟ فلو قد وعلينَا كان أفظّ وأغلظ، فا تقول لربك إذا لقيته وقد استخلفت علينا عمر؟ فقال أبو بكر: أبربِّي تخوِّفوني؟ أقول: اللهمّ إستخلفت عليهم خير أهلك. كذا في الكنز. جعل الأمر شورى بين المستصلحين له حديث مقتل عمر وجعله الأمر في النفر الستة وثناء ابن عباس عليه أخرج الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما طعن أبو لؤلؤة

عمر رضي الله عنه طعنه طعنتين، فظن عمر أنَّ له ذنباً في الناس لا يعلمه، فدعا ابن عباس رضي الله عنهما - وكان يحبه ويدنيه ويسمع منه - فقال: أحب أن نعلم: عن ملأ من الناس كان هذا؟ فخرج ابن عباس فكان لا يمر بملأ من الناس إلا وهم يبكون، فرجع إلى عمر فقال: يا أمير المؤمنين، ما مررتُ على ملأ إلا رأيتهم يبكون، كأنهم فقدوا اليوم أبكار أولادهم. فقال من قتلني؟ فقال: أبو لؤلؤة المجوسي عبد المغيرة بن شعبة. قال ابن عباس: فرأيت البشْر في وجهه، فقال: الحمد لله الذي لم يبتلني أحد يحاجّني بقول لا إله إلا الله. أما إِني قد نهيتكم أن تجلبوا إلينا من العلوج أحداً فعصيتموني. ثم قال: أدعوا لي إِخواني. قالوا: ومن؟ قال: عثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص - رضي الله عنهم - فأرسل إليهم، ثم وضع رأسه في حِجْري. فلما جاؤوا قلت: هؤلاء قد حضروا، قال: نعم، نظرت في أمر المسلمين فوجدتكم - أيها الستة - رؤوس الناس وقادتهم، ولا يكون هذا الأمر إِلا فيكم، ما استقمتم يستقم أمر الناس، وإن يكن إختلاف يكن فيكم - فما سمعته ذكر الإختلاف والشقاق وإِن يكن؛ ظننت أنَّه كائن، لأنه قلَّما قال شيئاً إلا رأيتُه ثم نزفه الدم، فهمسوا بينهم حتى خشيت أن يبايعوا رجلاً منهم، فقلت: إِن أمير المؤمنين حيّ بعد ولا يكون خليفتان ينظر أحدهما إلى الآخر. فقال: إحملوني فحملناه، فقال: تشاوروا ثلاثاً، ويصلِّي بالناس صُهَيب. قالوا: من نشاور يا أمير المؤمنين؟ قال: شاوروا المهاجرين والأنصار وسَرَاة من هنا من الأجناد. ثم دعا بشَرْبة من لبن فشرب، فخرج بياض اللبن من الجرحين، فعرف أنَّه الموت، فقال: الآن لو أنَّ لي الدنيا كلَّها لافتديت بها من هول المُطَّلَع، وما ذاك - والحمد لله - أن أكون رأيت إلا خيراً. فقال (ابن عباس) وإن قلت

فجزاك الله خيراً، أليس قد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعزَّ الله بك الدين والمسلمين إِذ يخافون بمكة، فلما أسلمت كان إِسلامك عزَّاً، وظهر بك الإِسلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهاجرت إلى المدينة فكانت هجرتك فتحاً، ثم لم تَغِب عن مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتال المشركين من يوم كذا ويوم كذا. ثم قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنك راضٍ، فوازرت الخليفة بعده على منهاج رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربت بمن أقبل على من أدبر حتى دخل الناس في الإِسلام طوعاً وكرهاً. ثم قُبض الخليفة وهو عنك راضٍ. ثم وَلِيت بخير ما وليَ الناس، مصَّرَ الله بك الأمصار، وجبى بك الأموال، ونفى بك العدو، وأدخل الله بك على كل أهل بيت من توسِعتهم في دينهم وتوسِعتهم في أرزاقهم؛ ثم ختم لك بالشهادة؛ فهنيئاً لك. فقال: والله إنّ المغرور من تَغرونه، ثم قال: أتشهد لي يا عبد الله عند الله يوم القيامة؟ فقال: نعم، فقال: اللهمَّ لك الحمد، ألصِق خدي بالأرض يا عبد الله بن عمر فوضعته من فخذي على ساقي فقال: ألصق خدي بالأرض، فترك لحيته وخدَّه حتى وقع بالأرض، فقال: ويلك وويلَ أمك يا عمر إن لم يغفر الله لك يا عمر ثم قُبض رحمه الله. فلما قُبض أرسلوا إلى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فقال: لا آتيكم إن لم تفعلوا ما أمرك به من مشاورة المهاجرين والأنصار وسَراة من هنا من الأجناد. قال لحسن - وذُكر له فعل عمر رضي الله عنه عند موته وخشيته من ربه - فقال: هكذا المؤمن جمع إحساناً وشفقة، والمنافق جمع إساءة وغرَّة، والله ما وجدت فيما مضى ولا فيما بقي عبداً إزداد إساءة إلا إزداد غرَّة. قال الهيثمي: وإسناده حسن.

حديث ابن سعد في دَيْن عمر ودفنه مع صاحبيه واستخلافه النفر الستة وأخرج بن سعد، وأبو عبيد، وابن أبي شيبة، والبخاري، والنِّسائي وغيرهم عن عمرو بن ميمون - فذكر الحديث في قصة شهادة عمر رضي الله عنه - وفيه: فقال لعبد الله بن عمر: أنظر ما عليَّ من الدَّين فأحسبه، فقال: ستة وثمانون ألفاً. فقال: إِن وفَى بها مال آل عمر فأدِّها عني من أموالهم، وإلا فسَلْ بني عدي بن كعب، فإن تفِ أموالهم وإِلا فسَلْ قريشاً، ولا تعْدُهم إلى غيرهم فأدِّها عني. إذهب إلى عائشة أم المؤمنين فسلِّم وقل: يستأذن عمر بن الخطاب - ولا تقل: أمير المؤمنين فإني لست اليوم بأمير المؤمنين - أن يدفن مع (صاحبيه) . فأتاها عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فوجدها قاعدة تبكي فسلَّم ثم قال: يستأذن عمر بن الخطاب أن يُدفن مع (صاحبيه) . قالت: قد كنت - والله - أريده لنفسي، ولأوثرنَّه اليوم على نفسي. فلما جاء قال: ما لديك؟ قال: أذنت لك. فقال عمر: ما كان شيء بأهمَّ عندي من ذلك، ثم قال؛ إذا أنا متُّ فاحملوني على سريري، ثم استأذن فقل: يستأذن عمر بن الخطاب، فإن أذنت لك فأدخلني وإن لم تأذن فردَّني إلى مقابر المسلمين. فلا حُمل كأنَّ الناس لم تصبهم مصيبة إلا يومئذٍ، فسلَّم عبد الله بن عمر، فقال: يستأذن عمر بن الخطاب فأذنت له (فدفن رحمه الله) حيث أكرمه (الله مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر) . فقالوا له حين حضره الموت: إستخلف،

فقال: لا أجد أحداً أحقّ بهذا الأمر من هؤلاء النفر الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ، فأيهم إستخلفوا فهو الخليفة بعدي، فسمَّى علياً، وعثمان، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعداً - رضي الله عنهم - فإن أصابت الإِمرة سعداً فذاك، وإلا فأيُّهم إستخلف فليستعن به، فإني لم أنزعه عن عجز ولا خيانة، وجعل عبد الله يشاورونه معهم وليس له من الأمر شيء. إجتمعوا قال عبد الرحمن بن عوف: إجعلوا أمركم إلى ثلاثة نفر، فجعل الزبير أمره إلى عليٌّ، وجعل طلحة أمره إلى عثمان، جعل سعد أمره إلى عبد الرحمن. فأتمر أولئك الثلاثة حين جُعل الأمر لهم. فقال عبد الرحمن: أيكم يتبرأ من الأمر، ويجعل الأمر ليّ؟ ولكم الله عليَّ أن لا آلو عن أفضلكم وخيركم للمسلمين. قالا: نعم، فخَلا بعليِّ فقال: إن لك من القرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم والتقدم، ولي الله عليك لئن أستُخلف لتعدلنَّ ولئن إستخلفتُ عثمان لتسمعنَّ ولتطيعنَّ. قال: نعم. وخلا بعثمان فقال له مثل ذلك، فقال عثمان؛ نعم. ثم قال لعثمان: إبسط يدك يا عثمان، فبسط يده، فبايعه وبايعه عليٌّ والناس. حديث ابن أبي شيبة وابن سعد في هذا الشأن أيضا وعند ابن أبي شيبة، وابن سعد عن عمرو أيضاً أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما حُضر قال: أدعو لي علياً، وطلحة، والزبير، وعثمان، وعبد الرحمن بن عوف، وسعداً - رضي الله عنهم - فلم يكلَّمأحداً منهم إلا علياً، وعثمان. فقال لعلي: يا علي، لعلَّ هؤلاء النفر يعرفون لك قرابتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم وما آتاك الله من العلم والفقه، فاتَّقِ الله إن وليت هذا الأمر، فلا ترفعنَّ بني فلان على رقاب الناس. وقال لعثمان: يا عثمان، لعلَّ هؤلاء القوم

من يتحمل الخلافة

يعرفون لك صهرك من رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنَّك وشرفك، فإن أنت ولِّيت هذا الأمر فاتَّقِ الله ولا ترفع بني فلان على رقاب الناس. وقال: أدعو لي صُهَيباً، فقال: صلِّ بالناس ثلاثاً، وليجتمع هؤلاء الرهط في بيت، فإن اجتمعوا على رجل فاضربوا رأس من خالفهم. وعند ابن سعد عن أبي جعفر قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأصحاب الشورى: تشاوروا في أمركم، فإن كان إثنان، وإثنان، وإثنان فارجعوا في الشورى، وإن كان أربعة وإثنان فخذوا صنف الأكثر. وعن أَسْلمَ عن عمر قال: وإن اجتمع رأي ثلاثة وثلاثة فاتبعوا صنف عبد الرحمن واسمعوا وأطيعوا. وعن أنس رضي الله عنه قال: أرسل عمر بن الخطاب إلى أبي طلحة - رضي الله عنه - قبل أن يموت بساعة، فقال: يا أبا طلحة، كن في خمسين من قومك من الأنصار مع هؤلاء النفر أصحاب الشورى، فإنهم فيما أحسب سيجتمعون في بيت أحدهما، فقم على ذلك الباب بأصحابك، فلا تترك أحداً يدخل عليهم، ولا تتركم يمضي اليوم الثالث حتى يؤمِّروا أحدهم، اللهمَّ أنت خليفتي (عليهم) . كذا في الكنز (3156 - 157) . من يتحمل الخلافة خطبة أبي بكر رضي الله عنه في ذلك أخرج بن عساكر عن عاصم قال: جمع أبو بكر رضي الله عنه الناس

صفات الخليفة كما يراها عمر رضي الله عنه

وهو مريض فأمر من يحمله إلى المنبر، فكانت آخرَ خطبة خطب بها، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أيها الناس، إحذروا الدنيا ولا تثقوا بها (فإنها) غرَّارة، وآثروا الآخرة على الدنيا فأحبوها، فبحب كل واحدة منهما تبغض الأخرى؛ وإِن هذا الأمر الذي هو أملك بنا لا يصلح آخره إِلا بما صلح به أوله، فلا سيحمله إِلا أفضلكم مقدرة، وأملككم لنفسه، أشدكم في حال الشدة، وأسلسكم في حال اللين، وأعلمكم برأي ذوي الرأي، لا يتشاغل بما لا يعنيه، ولا يحزن بما لا ينزل به، ولا يستحيي من التعلم، لا يتحير عند البديهة، قوي على الأموال، ولا يخون بشيء منها حدّة بعدوان ولا يقصِّر، يرصد لما هو آتٍ، عتاده من الحذر والطاعة - وهو عمر بن الخطاب. ثم نزل كذا في كنز العمال. صفات الخليفة كما يراها عمر رضي الله عنه وأخرج ابن سعد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خدمت عمر رضي الله عنه خدمة لم يخدمها أحد من أهل بيته، ولطفت به لطفاً لم يلطفه أحد من أهله؛ فخلَت به ذات يوم في بيته - وكان يجلسني ويكرمني - فشهق شهقة ظننت أنَّ نفسه سوف تخرج منها، فقلت: أمن جزع يا أمير المؤمنين؟ قال: من جزع. قلت: وماذا؟ فقال: إقتربْ، فاقتربت. فقال: لا أجد لهذا الأمر أحداً فقلت: وأين أنت عن فلان، وفلان، وفلان، وفلان، وفلان، وفلان - فسمَّى له الستة أهل الشورى - فأجابه في كل واحد منهم بقولٍ، ثم قال: إنه لا يصلح لهذا الأمر لا قويّ في غير عنف، ليِّن في غير ضعف، جواد من غير سرف، ممسك في غير بخل.

وعند أبي عُبيد في الغريب، والخطيب في رواة مالك قال: إني لجالس مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذات يوم إذ تنفَّس نفسة ظننت أنَّ إضلاعه قد تفرَّجت. فقلت: يا أمير المؤمنين ما أخرج هذا عنك إلا شرّ. قال: شر، إِني لا أدري إلى من أجعل هذا الأمر بعدي. ثم التفت إليّ فقال: لعلك ترى صاحبك لها أهلاً. قلت: إنه لأهل ذلك في سابقته فضله. قال: إنه لكما قلت، ولكنه امرؤ فيه دُعابة - فذكره إلى أن قال: إنَّ هذا الأمر لا يصلحه إلا الشديد في غير عنف، الليِّن في غير ضعف، الجواد في غير سرف، الممسك في غير بخل. فكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول: ما اجتمعت هذه الخصال إلا في عمر رضي الله عنه. وعند ابن عساكر قال: خدمت عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكنت له هائباً ومعظِّماً، فدخلت عليه ذات يوم في بيته وقد خلا بنفسه، فتنفَّس نفساً ظننت أنّ نفسه خرجت، ثم رفع رأسه إلى السماء فتنفَّس الصُعَداء. قال: فتحاملت وتشدّدت وقلت: والله لأسألنَّه فقلت: والله ما أخرج هذا منك إلا همٌّ يا أمير المؤمنين. قال: هم رضي الله عنه - والله - هم شديد هذا الأمر لم أجد له موضعاً - يعني الخلافة -. ثم قال: لعلَّك تقول: إن صاحبك لها - يعني علياً رضي الله عنه - قال قلت: يا أمير المؤمنين، أليس هو أهلَها في هجرته، وأهلها في صحبته، وأهلها في قرابته؟ قال: هو كما ذكرت، لكن رجل فيه دعابة - فذكره إلى أن قال: إن هذا الأمر لا يحمله إلا الليِّن في غير ضعف، والقويّ في غير عنف، والجواد في غير سَرَف، والممسك في غير بخل. قال: وقال عمر رضي الله عنه: لا يطيق هذا الأمر إلا رجل لا يصانع ولا يضارع، ولا يتَّبع المطامع؛ لا يطيق أمر الله إلا رجل لا يتكلم بلسانه كلمة لا ينتقض عزمه، ويحكم بالحق على حزبه - وفي الأصل - على وجوبه. كذا في

الكنز (3158 - 159) . وعند عبد الرزاق عن عمر رضي الله عنه قال: لا ينبغي أن يلي هذا الأمر إلا رجل فيه أربع خصال: اللين في غير ضعف، والشدَّة في غير عنف، والإِمساك في غير بخل، والسماحة في غير سَرَف؛ فإن سقطت واحدة منهم فسَدَت الثلاث. وعنده أيضاً وابن عساكر وغيرهما عن عمر رضي الله عنه قال: لا يقيم أمر الله إلا من لا يصانع، ولا يضارع، ولا يتبع المطامع، يكف عن عزته، ولا يكتم في الحق على حدَّته. كذا في كنز العمال. وأخرج ابن سعد عن سُفيان بن أبي العوجاء قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: والله ما أدري خليفة أنا أم ملك؟ فإن كنت ملكاً فهذا أمر عظيم. قال قائل: يا أمير المؤمنين، إن بينهما فرقاً، فإن الخليفة لا يأخذ إلا حقاً، ولا يضعه إلا في حق، وأنت بحمد الله كذلك؛ والملك يعسِف الناس فيأخذ من هذا ويُعطي هذا، فسكت عمر. وعنده أيضاً عن سلمان أن عمر - رضي الله عنه - قال له: أملك أنا أم خليفة؟ فقال له سلمان: إن أنت جبيت من أرض المسلمين درهماً أو أقل أو أكثر ثم وضعته في غير حقه فأنت ملك غير خليفة، فاستعبر عمر - كذا في منتخب كنز العمال. وعند نُعيم بن حماد في الفتن عن رجل من بني أسد أنه شهد عمر بن

لين الخليفة وشدته

الخطاب - رضي الله عنه - سأل أصحابه وفيهم طلحة، وسلم ان، والزبير، وكعب - رضي الله عنهم - فقال: إني سائلكم عن شيء فإياكم أن تكذبوني فتهلكوني وتهلكوا أنفسكم، أنشدكم بالله، أخليفة أنا أم ملك؟ فقال طلحة، والزبير: إنك لتسألنا عن أمر ما نعرفه ما ندري ما الخليفة من الملك. فقال سلمان: - يشهد بلحمه ودمه - إنك خليفة ولست بملك. فقال عمر: إن تقل فقد كنت تدخل فتجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال سلمان: وذلك أنك تعدل في الرعية، وتقسم بينهم بالسويّة، وتشفق عليهم شفقة الرجل على أهله، وتقضي بكتاب الله تعالى. فقال كعب: ما كنت أحسب أنّ في المجلس أحداً يعرف الخليفة من الملك غيري، ولكن الله ملأ سلمان حكماً وعلماً، ثم قال كعب: أشهد أنك خليفة ولست بملك. فقال له عمر - رضي الله عنه - وكيف ذاك؟ قال: أجدك في كتاب الله. قال عمر: تجدني باسمي؟ قال: لا، ولكن بنعِتك أجد: نبوة، ثم خلافة ورحمة على منهاج نبوة، ثم خلافة ورحمة على منهاج نبوة، ثم ملكاً عضوضاً. كذا في منتخب الكنز. لين الخليفة وشدته أخرج الحاكم واللأَلَكائي وغيرهما عن سعيد بن المسيِّب رضي الله عنه قال: لما وَلي عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - خطب الناس على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أيها الناس، إِني قد علمت أنكم تؤنسون مني شدة وغلظة، وذلك أني كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت عبده وخادمه، وكان كما قال الله تعالى:

{بِالْمُؤْمِنِينَ رَءوفٌ رَّحِيمٌ} (التوبة: 128) . فكنت بين يديه كالسيف المسلول إلا أن يغمدني أو ينهاني عن أمر فأكفَّ، وإلا قدمت على الناس لمكان لينه، فلم أزل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك حتى توفاه الله وهو عني راضٍ، والحمد لله على ذلك كثيراً، وأنا به أسعد. ثم قمت ذلك المقام مع أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده. وكان قد علمتم في كرمه، ودَعته ولينه، فكنت خادمه كالسيف بين يديه أخلط شدتي بلينه؛ إِلا أن يتقدم إليّ فأكف وإِلا قدمت. فلم أزل على ذلك حتى توفاه الله وهو عني راضٍ، والحمد لله على ذلك كثيراً، وأنا به أسعد. ثم صر أمركم إِليَّ اليوم، وأنا أعلم فسيقول قائل: كان يشتد علينا والأمر إِلى غيره فكيف به إِذا صار إليه؟ واعلموا أنكم لا تسألون عني أحداً، قد عرفتموني، وجربتموني، وعرفتم من سنّة نبيكم ما عرفت، وما أصبحت نادماً على شيء أكون أحب أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه إلا وقد سألته. " فاعلموا أن شدَّتي التي كنتم ترون قد ازدادت أضعافاً إِذا صار الأمر إليّ على الظالم، والمعتدي، والأخذ للمسلمين لضعيفهم من قويهم، وإني بعد شدتي تلك واضع خدِّي بالأرض لأهل العفاف والكفّ منكم والتسليم، وإني لا آبى إن كان بيني وبين أحد منكم شيء من أحكامكم أن أمشي معه إلى من أحببتم منكم، فلينظر فيما بيني وبينه أحد منكم. فاتَّقوا الله عباد الله، وأعينوني على أنفسكم بكفّها عني، وأعينوني على نفسي (بالأمر) بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإحضاري النصيحة فيما ولاني الله من أمركم. ثم نزل كذا في كنز العمال. وأخرج ابن سعد وابن عساكر عن محمد بن زيد رضي الله عنه قال:

حصر من يقع منه الإنتشار في الأمة

إجتمع عليّ، وعثمان، والزبير، وطلحة، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد - رضي الله عنهم - وكان أجرأهم على عمر عبدُ الرحمن بن عوف قالوا: يا عبد الرحمن، لو كلمتَ أمير المؤمنين للناس فإنَّه يأتي الرجل طالب الحاجة فتمنعه هيبتك أن يكلمك في حاجته حتى يرجع ولم يقضِ حاجته، فدخل عليه فكلَّمه. فقال: يا أمير المؤمنين، لِنْ للناس فإنه يقدم القادم فتمنعه هيبتك أن يكلمك (في حاجته حتى يرجع ولم يكلمك) . قال: يا عبد الرحن، أنشدك الله أعلي، وعثمان، وطلحة، والزبير، وسعد أمروك بهذا؟ قال: اللهمّ نعم. قال: يا عبد الرحمن، والله لقد لنت للناس حتى خشيت الله في اللِّين، ثم اشتددت عليهم حتى خشيت الله في الشدّة، فأين المخرج؟ فقام عبد الرحمن يبكي يجرّ رداءه يقول بيده: أفَ لهم بعدك (أفَ لهم بعدك) . وعند أبي نُعيم في الحِلية عن الشَّعْبي قال: قال عمر رضي الله عنه: والله لقد لانَ قلبي في اا حتى لهو ألين من الزُّبْد، واشتد قلبي في الله حتى لهو أشد من الحجر. وعند ابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما ولِيَ عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال له رجل: لقد كاد بعض الناس أن يحيد هذا الأمر عنك. قال عمر: وما ذاك؟ قال: يزعمون أنك فظ. قال عمر: الحمد لله (الذي) ملأ قلبي لهم رُحْماً، وملأ قلوبهم لي رُعْباً. كذا في منتخب الكنز. حصر من يقع منه الإنتشار في الأمة أخرج سيف، وابن عساكر عن الشَّعْبي قل: لم يمت عمر رضي الله عنه حتى ملَّته قريش، وقد كان حَصَرهم بالمدينة وأسبغ عليهم وقال: إنَّ

أخوف ما أخاف على هذه الأمة إنتشاركم في البلاد، فإن كان الرجل يستأذنه في الغزو وهو ممن حُصِر في المدينة من المهاجرين - ولم يكن فعل ذلك بغيرهم من أهل مكة - فيقول: قد كان لك في غزوك مع النبي صلى الله عليه وسلم ما يبلغك، وخير لك من الغزو اليوم أن لا ترى الدنيا، و (لا) تراك. فلما وُلِيَ عثمان رضي الله عنه خلَّى عنهم فاضطربوا في البلاد وانقطع إليهم الناس. قال محمد، وطلحة: فكان ذلك أول وَهْن دخل في الإِسلام، وأول فتنة كانت في العامّة ليس إلا ذلك. كذا في الكنز. وأخرجه الطبري من طريق سيف بنحوه. وعند الحاكم عن قيس بن أبي حازم قال: جاء الزبير إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يستأذنه في الغزو، فقال عمر: إجلس في بيتك فقد غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فردَّد ذلك عليه، فقال له عمر في الثالثة أو التي تليه؛ إقعد في بيتك، فوالله إني لأجد بطرف المدينة منك ومن أصحابك أن تخرجوا فتفسدوا على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قال الذهبي: صحيح. مشاورة أهل الرأي مشاورة النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه مشاورة النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في شأن عير أبي سفيان وفي أسارى بدر أخرج أحمد عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شاور حين بلغه

إقبال أبي سفيان. قال: فتكلم أو بكر رضي الله عنه فأعرض عنه، ثم تكلم عمر رضي الله عنه فأعرض عنه - فذكر الحديث كم ات قدم في أول باب الجهاد. وأخرج أحمد، ومسلم من حديث عمر رضي الله عنه في قصة بدر وفيه: واستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر، وعلياً، وعمر - رضي الله عنهم - فقال أبو بكر: يا رسول الله، هؤلاء بنو العم والعشيرة (الإِخوان) ، وإنِّي أرى أن تأخذ منهم الفدية، فيكون ما أخذناه (منهم) قوة (لنا) على الكفار، وعسى أن يهديهم الله فيكونوا لنا عضداً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما ترى يا ابن الخطاب؟» قال: قلت: والله ما أرى ما رأى أبو بكر، ولكن أرى أن تمكنني من فلان - قريب لعمر - فأضرب عنقه، وتمكن علياً من عَقِيل فيضرب عنقه، تمكن حمزة من فلان - أخيه - فيضرب عنقه، حتى يعلم الله أنه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين، وهؤلاء صناديدهم وأمتهم وقادتهم. فَهوِيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهوَ ما قلت وأخذ منهم الفداء. فلما كان من الغد قال عمر: فغدوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وهما يبكيان، فقلت: يا رسول الله، أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاءً بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أبكي) للذي عَرَضَ عليّ أصحابك من أخذهم الفداء، لقد عُرِض ليَّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة - لشجرة قريبة - وأنزل الله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} (الأنفال: 67) - الآية -؛ وأخرجه أيضاً أبو داود، والترمذي، وابن أبي شيبة

وأبو عَوانة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن حِبَّان، وأبو الشيخ، وابن مردويه، وأبو نُعيم، والبيهقي؛ كما في الكنز. رواية أنس في مشاورة النبي صلى الله عليه وسلم في أسارى بدر وعند أحمد عن أنس رضي الله عنه قال: إستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس في الأسارى يوم بدر فقال: «إن الله قد أمكنكم منهم» ، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا رسول الله، إضربْ أعناقهم. قال: فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عاد عليه السلام فقال: «يا أيها الناس، إنّ الله قد أمكنكم منهم، وإنما هم إخوانكم بالأمس» . فقال عمر مثل ذلك فأعرض عنه عليه السلام. ثم عاد عليه السلام فقال مثل ذلك. فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله، نرى أن تعفو عنهم وأن تقبل منهم الفداء. قال: فذهب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان من الغم، ثم عفا عنهم وقبل منهم الفداء، وأنزل الله: {لَّوْلاَ كِتَابٌ مّنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَآ أَخَذْتُمْ} (الأنفال: 68) - الآية -. كذا في نَصْب الراية. قال الهيثمي: رواه أحمد عن شيخه علي بن عاصم بن صهيب وهو كثير الغلط والخطأ، لا يرجع إِذا قيل له الصواب، وبقية رجال أحمد رجال الصحيح. انتهى.

رواية ابن مسعود وعند أحمد عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: لما كان يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما تقولون في هؤلاء الأسرى؟» قال: فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله، قومك وأهلك إستبقهم واستأنِ بهم لعل الله أن يتوب عليهم. قال: وقال عمر: يا رسول الله، أخرجوك وكذّبوك قرّبهم فاضربْ أعناقهم. قال: وقال عبد الله بن رواحة رضي الله عنه: يا رسول الله، أنظر وادياً كثير الحطب فأدخلهم فيه، ثم أضرمه عليهم ناراً. قال: فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يردّ عليهم شيئاً. فقال ناس: يأخذ بقول أبي بكر، وقال ناس: يأخذ بقول عمر، وقال ناس: يأخذ بقول عبد الله بن رواحة. فخرج عليهم. فقال: «إنَّ الله ليلينِّ قلوب رجال فيه حتى تكون ألين من اللبن، وإن الله ليشدّ قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجار. وإنَّ مَثَلَك يا أبا بكر كمثل إِبراهيم قال: {فَمَن تَبِعَنِى فَإِنَّهُ مِنّى وَمَنْ عَصَانِى فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (إبراهيم: 36) ؛ ومثلك يا أبا بكر كمثل عيسى قال: {إِن تُعَذّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (المائدة: 118) ؛ وإن مَثَلَك يا عمر كمثل نوح قال: {رَّبّ لاَ تَذَرْ عَلَى الاْرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً} (نوح: 26) ؛ وإن مَثَلَك يا عمر كمثل موسى قال: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الاْلِيمَ} (يونس: 88) . أنتم عَالَة فلا ينفلتنَّ أحد إلا بِفداء أو ضربة عنق» . قال

عبد الله فقلت: يا رسول الله، إلا سهل بن بيضاء فإني قد سمعته يذكر الإِسلام. قال: فسكت. قال: فما رأيتني في يوم أخوف أن تقع عليّ حجارة من السماء (مني) (في) ذلك اليوم، حتى قال: «إلا سهل بن بيضاء. قال: فأنزل الله: {مَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} - إلى آخر الآيتين -. وهكذا رواه الترمذي، والحاكم - وقال الحاكم صحيح الإِسناد ولم يخرِّجاه - ورواه ابن مَرْدَويه من طريق عبد الله بن عمر وأبي هريرة - رضي الله عنهم - بنحو ذلك، وقد رُوِيَ عن أبي أيوبَ الأنصاري رضي الله عنه بنحوه. كذا في الإِصابة. مشاورة النبي صلى الله عليه وسلم عد بن عبادة وسعد بن معاذ في ثمار المدينة وأخرج ابن إسحاق عن الزهري قال لما اشتد على الناس البلاء بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عُيَيْنَة بن حصن، والحارث بن عوف المرِّي هما قائدا غطفان، وأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بن معهما عنه وعن أصحابه. فجرى بينه وبينهما الصلح حتى كتبوا الكِتاب، ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح إلا المراوضة (في ذلك) . فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل ذلك بعث

إلى السَّعْدَين، فذكر لهما ذلك واستشارهما فيه، فقالا؛ ي رسول الله أمراً تحبه فنصنعه أم شيئاً أمرك الله به لا بدّ لنا من العمل به، أم شيئاً تصنعه لنا؟ فقال: «بل شيء أصنعه لكم؛ والله ما أصنع ذلك إلا لأني رأيت العرب رمتكم عن قَوس واحدة وكالبوكم من كل جانب، فأردت أن أكْسِر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما» . فقال له سعد بن معاذ رضي الله عنه: يا رسول الله، قد كنا (نحن) وهؤلاء على الشرك بالله وعبادة الأوثان، لا نعبد الله ولا نعرفه وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها تمرة واحدة إلا قِرىً أو بيعاً، أفحين أكرمنا الله بالإِسلام، وهدانا له، وأعزنا بك وبه، نعطيهم أموالنا (والله) ما لنا بهذا من حاجة؛ والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم «أنت وذاك» . فتناول سعد بن معاذ رضي الله عنه الصحيفة فمحا ما فيها من الكتاب ثم قال: ليَجْهدوا علينا. كذا في البداية. رواية أبي هريرة في شأن هذه المشاورة وأخرجه البزار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء الحارث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ناصِفْنا تمر المدينة وإِلا ملأتها عليك خيلاً ورجالاً، فقال: حتى استأمر السعود سعد بن عبادة، وسعد بن معاذ - رضي الله عنهما -» ، يعني يشاورهما. فقالا: لا والله ما أعطينا (الدنية) من أنفسنا في الجاهلية؛ فكيف وقد جاء الله بالإِسلام. فرجع إلى الحارث فأبره، فقال: غدرت يا محمد. وعند الطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء

الحارث الغطفاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، شاطرنا تمر المدينة، فقال: حتى استأمر السعود، فبعث إلى: سعد بن معاذ، سعد بن عبادة، سعد بن الربيع، وسعد بن خيثمة، سعد بن مسعود - رضي الله عنهم -، فقال: «إني قد علمت أن العرب قد رمتكم عن قوس واحدة، وإن الحارث سألكم تشاطروه تمر المدينة، فإن أردتم أن تدفعوه عامكم هذا في أمركم بعد» . فقالوا: يا رسول الله، أوَحيٌ من السماء فالتسليم لأمر الله، أو عن رأيك وهواك؛ فرأينا تَبَعُ هواك ورأيك، فإن كنت إنما تريد الإِبقاء علينا فوالله لقد رأيتنا وإياهم على سواء، ما ينالون منا تمرة إلا شراءً أو قِرىً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «هوذا، تسمعون ما يقولون، قالوا: غدرت يا محمد» . قال الهيثمي: رجال البزار، والطبراني فيهما محمد بن عمرو وحديثه حسن وبقية رجاله ثقات. وأخرج مسدَّد - وهو صحيح - عن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسمرُ عند أبي بكر رضي الله عنه الليلة كذلك في الأمر من أمور المسلمين وأنا معه. كذلك في كنز العمال. مشاورة أبي بكر رضي الله عنه أهل الرأي مشاورته أهل الرأي والفقه، ومن هم أصحاب الشورى في عهده وفي عهد الفاروق أخرج ابن سعد عن القاسم أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان إذا

نزل به أمر يريد فيه مشاورة أهل الرأي وأهل الفقه دعا رجالاً من المهاجرين والأنصار، ودعا عمر، وعثمان، علياً، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاذ بن جبل، وأبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت - رضي الله عنهم -؛ وكل هؤلاء كان يفتي في خلافته وإنما يصير فتوى الناس إلى هؤلاء. فمضى أبو بكر على ذلك، ثم وُلي عمر فكان يدعو هؤلاء النَّفَر، كان الفتوى تصير وهو خليفة إلى عثمان، وأبيّ وزيد. كذا الكنز. ما وقع بين أبي بكر وعمر في إقطاع أرض لبعض الصحابة وأخرج بن أبي شيبة، والبخاري في تاريخه، وابن عساكر، والبيهقي، ويعقوب بن سفيان عن عَبِيدة قال: اء عيينة بن حصين، والأقرع بن حابس إلى أبي بكر رضي الله عنهم فقال: يا خليفة رسول الله، إنَّ عندنا أرضاً سَبْخة ليس فيها كلأ، ولا منفعة؛ فإذا رأيت أن تُقْطِعنَاها لعلنا نحرثها ونزرعها؛ فأقطعها إياها وكتب لهما عليه كتاباً وأشهد فيه عمر رضي الله عن - وليس في القوم -، فانطلقا إلى عمر ليُشهداه (فيه) . فلما سمع عمر ما في الكتاب تناوله من أيديهما ثم تفل فيه ومحاه، فتذمرا (له) وقالا (له) مقالة سيئة. قال عمر: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتألفكما والإِسلام يومئذٍ ذليل (قليل) وإن الله قد أعزَّ الإِسلام فاذهبا فاجهدا (عليَّ) جهدكما، لا رعى الله عليكما إن رَعَيتما.

مسألة خراج البحرين

فأقبلا إلى أبي بكر وهما يتذمَّران فقالا: والله ما ندري أنت الخليفة أم عمر؟ فقال: بل هو ولو شاء كان. فجاء عمر مُغْضباً حتى وقف على أبي بكر فقال: أخبرني عن هذه الأرض التي أقطعتها هذين الرجلين، أرض هي لك خاصّة أم هي بين المسلمين عامة؟ قال: بل هي بين المسلمين عامة. قال: فما حملك أن تخصَّ هذين بها دون جماعة المسلمين؟ قال: إستشرت هؤلاء الذين حولي، فأشاروا عليَّ بذلك. قال: فإذا استشرت هؤلاء الذين حولك أوَكلَّ المسلمين أوْسَعْت مشورة ورضًى؟. فقال أبو بكر: قد كنتُ قلت لك: إنك أقوى على هذا مني ولكنك غلبتني. كذا في الكنز، وعزاه في الإِصابة وإلى البخاري في تاريخه الصغير، ويعقوب بن سفيان وقال بإسناد صحيح؛ وذكر عن علي بن المديني: هذا منقطع لأن عَبِيدة لم يدرك القصة، ولا رُوي عن عمر أنه سمع منه. قال: ولا يُروى عن عمر بأحسن من هذا الإِسناد. انتهى. وأخرجه عبد الرزاق عن طاووس مختصراً، كما في الكنز. مسألة خراج البحرين وأخرج سيف، وابن عساكر عن الصعب بن عطية بن بلال عن أبيه وعن سهم بن منجاب قالا: خرج الأقرع، والزبرقان إلى أبي بكر - رضي الله عنهم - فقالا: إجعل لنا خراج البحرين ونضمن لك أن لا يرجع من قومنا أحد، ففعل وكتب الكتاب. وكان الذي يختلف بينهم طلحة بن عبيد الله، وأشهدوا شهوداً منهم عمر رضي الله عنه. فلما أُتيَ عمر بالكتاب ونظر فيه لم يشهد ثم قال: ولا كرامة، ثم مزق الكتاب ومحاه. فغضب طلحة وأتى أبا بكر فقال: أنت

الأمير أم عمر؟ فقال: عمر غير أن الطاعة لي، فسكت. كذا في منتخب الكنز. مشاورة أبي بكر الصحابة في الغزوات وأخرج الطبراني عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: كنت أبو بكر إلى عمرو بن العاص أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم شاور في الحرب فعليك به. قال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله قد وُثِّقوا. انتهى؛ وأخرجه أيضاً البزار، والعُقَيلي وسنده حسن، كما في الكنز. وقد تقدَّم مشاورة أبي بكر رضي الله عنهم أهل الرأي في غزو الروم من حديث عبد الله بن أبي أوفى مطوَّلاً. مشورة عمر بن الخطاب أهل الرأي خطبة عمر إبنة علي وإِخباره أهل مشورته في هذا الأمر أخرح ابن سعد، وسعيد بن منصور عن أبي جعفر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب إلى علي بن أبي طالب إبنته أم كلثوم - رضي الله عنهما -، فقال علي: إنما حبست بناتي على بني جعفر، فقال عمر: أنكحنيها يا علي، فوالله ما على ظهر الأرض رجل يَرْصُد من حسن صحابتها ما أرصُد فقال علي: قد فعلت. فجاء عمر إلى مجلس المهاجرين بين القبر والمنبر وكانوا يجلسون: علي، وعثمان، والزبير، وطلحة، وعبد الرحمن بن عوف - رضي الله

إستشارة عمر وعثمان عبد الله بن عباس

عنهم -. فإذا كان الشيء يأتي عمر بن الخطاب من الآفاق جاءهم فأخبرهم بذلك فاستشارهم فيه. فجاء عمر فقال: زفُّوني، فزفُّوه، وقالوا: بمن يا أمير المؤمنين؟ قال: بابنة علي بن أبي طالب، ثم أنشأ يخبرهم فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كلُّ سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي» ، وكنت قد صحبته فأحببت أن يكن هذا أيضا. ورواه ابن راهَوَيْه مختصراً. كذا في الكنز. وأخرجه الحاكم أيضاً مختصراً وقال: هذا حدث صحيح الإِسناد ولم يخرِّجاه. وقال الذهبي: منقطع. إستشارة عمر وعثمان عبد الله بن عباس وقول عمر وسعد فيه وأخرج ابن سعد عن عطاء بن يَسَار رضي الله عنه: أن عمر، وعثمان رضي الله عنهما كانا يدعوان ابن عباس رضي الله عنهما فيشير مع أهل بدر، ويفتي في عهد عمر، وعثمان إلى يوم مات. وعن يعقوب بن يزيد قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستشير عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في الأمر إذا أهمه ويقول: غُصْ غوَّاص وعن سعد بن أبي قَّاص رضي الله عنه قال: ما رأَيت أحداً أحضر فهماً، ولا ألبَّ لباً، ولا أكثر علماً، ولا أوسع حلماً من ابن عباس، ولقد رأيت

خطبة بليغة لعمر في المشاورة

عمر بن الخطاب يدعوه للمعضلات ثم يقول: قد جاءتك معضلة، ثم لا يجاوز قوله فإنَّ حوله لأهل بدر من المهاجرين والأنصار. وأخرج البيهقي، وابن السِمعاني عن ابن شهاب قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا نزل الأمر المعضِل دعا الفتيان فاستشارهم يقتفي حدَّة عقولهم. وعند البيهقي عن ابن سيرين قال: إِنْ كان عمر بن الخطاب ليستشير حتى إِن كان ليستشير المرأة، فربما أبصر في قوله الشيء يستحسنه فيأخذ به. كذا في الكنز. خطبة بليغة لعمر في المشاورة وأخرج ابن جرير من طريق سيف عن محمد، وطلحة، وزياد بإسنادهم قالوا: خرج عمر حتى نزل على ماء يدعى صِراراً فعسكر به، ولا يدري الناس ما يريد أيسير أم يقيم؟ وكانوا إذا أرادوا أن يسألوه عن شيء رمَوه بعثمان أو بعبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنهما - وكان عثمان يُدعى في إمارة عمر رديفاً - قالوا: والرديف بلسان العرب الذي بعد الرجل، العرب تقول ذلك للرجل الذي يرجونه بعد رئيسهم - وكانوا إذا لم يقدر هذان على علم شيء مما يريدون ثلَّثوا بالعباس رضي الله عنه. فقال عثمان لعمر: ما بلغك؟ ما الذي تريد؟ فنادى الصلاة جامعة. فاجتمع الناس إليه فأخبرهم الخبر ثم نظر ما يقول الناس، فقال العامة: سِرْ وسِرْ بنا معك، فدخل معهم في رأيهم وكره أن يدَعَهم حتى يُخرجهم منه في رِفْق. فقال: استعدُّوا وأعدُّوا فإني سائر إِلا أن يجيء رأي هو أمثل من ذلك. ثم بعث إلى أهل الرأي فاجتمع إليه وجوه أصحاب النبي

صلى الله عليه وسلم وأعلام العرب، فقال: أحضروني الرأي فإني سائر. فاجتمعوا جميعاً وأجمع مَلَؤهم على أن يبعث رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقيم ويرميه بالجنود؛ فإن كان الذي يشتهي من الفتح فهو الذي يريد ويريدون، وإلا أعاد رجلاً وندب جنداً آخر، وفي ذلك ما يغيظ العدو ويرعَوي المسلمون، ويجيء نصر الله بإنجاز موعود الله. فنادى عمر: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس إليه وأرسل إلى علي وقد استخلفه على المدينة فأتاه، وإلى طلحة وقد بعثه على المقدمة فرجع إليه (وجعل) على المجنَّبتين: الزبير، وعبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنهما - فقام في الناس فقال: «إِنَّ الله عزّ وجلّ قد جمع على الإِسلام أهله، فألف بين القلوب وجعلهم فيه إخواناً، والمسلمون فيما بينهم كالجسد لا يخلو منه شيء من شيء أصاب غيره، وكذلك يحق على المسلمين أن يكونوا أمرهم شورى بينهم بين ذوي الرأي منهم، فالناس تبع لمن قام بهذا الأمر، ما اجتمعوا عليه ورضوا به لزم الناس وكانوا فيه تبعاً لهم؛ ومن قام بهذا الأمر تبع لأولي رأيهم؛ ما رأوا لهم ورضوا به لهم من مكيدة في حرب كانوا فيه تبعاً هلم. يا أيها الناس، إِني إِنما كنت كرجل منكم حتى صرفني ذوو الرأي منكم عن الخروج، فقد رأيت أن أقيم وأبعث رجلاً، وقد أحضرت هذا الأمر من قدَّمت ومن خلَّفت» . وكان علي رضي الله عنه خليفته على المدينة وطلحة رضي الله عنه على مقدمته بالأعوص فأحضرهما ذلك. وقد أخرجه أيضاً ابن جرير عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه قال: لما انتهى قتل أبي عبيد بن مسعود إلى عمر رضي الله عنه واجتماع أهل فارس على رجل من آل كسرى نادى في المهاجرين والأنصار، وخرج حتى أتى صِراراً

كتاب عمر إلى سعد في الحرب

- فذكر الحديث مختصراً كما تقدم -. كتاب عمر إلى سعد في الحرب وأخرج الطبراني عن محمد بن سلام يعني البيكندي قال: عمرو بن معدِ يكرب له في الجاهلية وقائع، وقد أدرك الإِسلام، قدم على النبي صلى الله عليه وسلم ووجَّهه عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنهما - إلى القادسية وكان له هناك بلاء حسن، كتب عمر إلى سعد: قد وجَّهت إليك أو أمددتك بألفيْ رجل: عمرو بن معدِ يكرب وطُلَيحة بن خُوَيْلِد - رضي الله عنهما - وهو طُلَيحة بن خُوَيلد الأسديّ، فشاوِرْهما في الحرب ولا تولِّهما شيئاً. قال الهيثمي: رواه الطبراني هكذا منقطع الإِسناد. تأمير الأمراء أول أمير أمِّر في الإِسلام أخرج أحمد عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة جاءته جهينة فقالوا: إِنك قد نزلت بين أظهرنا فأوثق لنا حتى نأتيك وقومنا، فأوثق لهم فسألموا. قال: فبعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجب - ولا نكون مائة - وأمرنا أن نُغير على حيّ من بني كِنانة إلى جنب جُهَينة، فأغرنا عليهم وكانوا كثيراً، فلجأنا إلى جُهَينة فمنعونا وقالوا: لِمَ تقاتلون في الشهر الحرام؟ فقلنا إنما نقاتل من أخرجنا من البلد الحرام في الشهر الحرام فقال بعضنا لبعض: ما ترون؟ فقال بعضنا: نأتي نبيّ الله صلى الله عليه وسلم فنخبره،

وقال قوم: لا، بل نقيم ها هنا، وقلت أنا في أناس معي: لا، بل نأتي عير قريش فنقتطعها، وكان الفيء إذ ذاك من أخذ شيئاً فهو له، فانطلقنا إلى العير وانطلق أصحابنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه الخبر، فقام غضبان محمّر الوجه فقال: «أذهبتم من عندي جميعاً ورجعتم متفرقين إنما أهلك من كان قبلكم الفُرقة، لأبعثنَّ عليكم رجلاً ليس بخيركم أصبركم على الجوع والعطش» . فبعث علينا عبد الله بن جحش الأسدي، فكان أول أمير (أُمِّرَ) في الإِسلام. وأخرجه أيضاً ابن أبي شيبة كما في الكنز والبغوي كما في الإِصابة. وأخرجه أيضاً البيهقي في الدلائل وزاد بعد لم تقاتلون في الشهر الحرام؟ فقالوا: نقاتل في الشهر الحرام من أخرجنا من البلد الحرام (كما في الإِصابة. قال الهيثمي: وفيه المجالد بن سعيد وهو ضعيف عند الجمهور، ووثَّقه النِّسائي في رواية، وبقية رجال أحمد رجال الصحيح. انتهى. التأمير على عشرة أخرج ابن أبي شيبة - وإسناده صحيح - عن شهاب العنبري والد حبيب قال: كنت أول من أوقد في باب تُسْتَر، ورُمِي الأشعري فصُرع، فلما فتحوها أمَّرني على عشرة من قومي. كذا في الإِصابة.

التأمير في السفر

التأمير في السفر أخرج البزار، وابن خزيمة، والدارقطني، والحاكم عن عمر رضي الله عنه قال: إذا كانوا ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم، ذاك أمير أمَّره رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا في الكنز. من يتحمل الإِمارة أعظم الحماعة بالقرآن يليق بالإِمارة أخرج الترمذي - وحسَّنه - وابن ماجه، وابن حبَّان - واللفظ للترمذي - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بَعْثاً وهم ذوو عدد، فاستقرأهم، فاستقرأ كل رجل منهم - يعني ما معه من القرآن -. (قال) فأتى على رجل من أحدثهم سناً فقال: ما معك يا فلان؟ قال: معي كذا وكذا وسورة البقرة. فقال: «أمعك سورة البقرة؟» قال: نعم. قال: «إذهب فأنت أميرهم» . فقال رجل من أشرافهم: والله ما نعني أن أتعلم البقرة إلا خشية ألا أقومَ بها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «تعلَّموا القرآن واقرأوه، فإن مَثَلَ القرآن لمن تعلمه فقرأه كمثل جِراب محشو مِسكاً يفوح ريحه في كل مكان، ومن تعلَّمه

فيرقد وهو في جوفه فمثله كمثل جِراب أوكىء على مسك» . كذا في الترغيب. رواية عثمان في تحميل الإمارة أعظمهم بالقرآن وأخرج الطبراني عن عثمان رضي الله عنه قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم وفداً إلى اليمن فأمَّر عليهم أميراً منهم وهو أصغرهم، فمكث أياماً لم يسر، فلقي النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً منهم فقال: «يا فلان، ما لك أما انطلقت؟» ، قال: يا رسول الله، أميرنا يشتكي رجله؛ فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم ونفث عليه: «بسم الله، وبالله، أعوذ بالله وقدرته من شر ما فيها» - سبع مرات - فبرأ الرجل. فقال له شيخ: يا رسول الله، أتؤمره علينا وهو أصرنا؟ فذكر النبي صلى الله عليه وسلم قراءته القرآن. قال الشيخ: يا رسول الله، لولا أني أخاف أن أتوسّد فلا أقومَ به لتعلَّمته. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «فإنما مثل القرآن كجراب ملأته مسكاً موضوعاً، كذلك مثل القرآن إذا قرأته وكان في صدرك» . قال الهيثمي: وفيه يحيى بن سلمة بن كُهيل ضعَّفه الجمهور، ووثَّقه ابن حِبَّان وقال: في أحاديث إبنه عنه مناكير؛ قلت: ليس هذا من رواية إبنه عنه. انتهى. إنكار أبي بكر لتأمير أصحاب بدر وقول عمر في هذا الأمر وأخرج أبو نُعيم في الحِلية، وابن عساكر عن أبي بكر بن محمد الأنصاري أن أبا بكر رضي الله عنه قيل له: يا خليفة رسول الله، ألا تستعمل أهل بدر؟ قال: إني أرى مكانهم، ولكني أكره أن أدنسهم بالدنيا. كذا في

كتاب عمر في تأمير الأمراء

الكنز. وأخرج ابن سعد عن عِمران بن عبد الله قال: قال أبيّ بن كعب لعمر بن الخطاب رضي الله عنهم: ما لك لا تستعملني؟ قال: أكره أن يُدنَّس دينك. كتاب عمر في تأمير الأمراء وقوله في صفات الأمير وأخرح بن سعد، والحاكم، وسعيد بن منصور عن حارثة بن مُضَرِّب قال: كتب إِلينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «أما بعد: فإني قد بعثت إليكم عمار بن ياسر أميراً، وعبد الله بن مسعود معلِّماً ووزيراً، وهما من النجباء من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من أهل بدر، فتعلَّموا منهما، واقتدوا بهما؛ وإِني قد آثرتكم بعبد الله على نفسي. وبعثت عثمان بن حُنَيف على السواد (ورزقتهم) كل يوم شاة، فأجعل شطرها وبطنها لعمار بن ياسر والشطر الثاني بين هؤلاء الثلاثة» . كذا في الكنز؛ وأخرجه الطبراني مثله إلا أنه لم يذكر: وبعثت عثمان - إلى آخره. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير حارثة وهو ثقة. انتهى. وأخرجه البيهقي

أيضاً بسياق آخر مطوّلاً. وأخرج الحاكم في الكُنَى عن الشعبي قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: دلُّوني على رجل أستعمله على أمر قد أهمَّني من أمر المسلمين. قالوا: عبد الرحمن بن عوف. قال: ضعيف. قالوا: فلان. قال: لا حاجة لي فيه. قالوا: من تريد؟ قال: رجل إذا كان أميرهم كان كأنه رجل منهم، وإذا لم يكن أميرهم كأنه أميرهم. قالوا: ما نعلمه إلا الربيع بن زياد الحارثي. قال: صدقتم. كذا في الكنز. من ينجو في الإمارة أخرج الطبراني عن أبي وائل شقيق بن سلمة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استعمل بِشْر بن عاصم رضي الله عنه على صدقات هوازن، فتخلَّف بِشْر فلقيه عمر، فقال: ما خلفك؟ أما لنا سمع وطاعة؟ قال: بلى، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من وُلِّي شيئاً من أمر المسلمين أُتيَ به يوم القيامة حتى يوقف على جسر جهنم، فإن كان محسناً نجا، وإن كان مسيئاً أنخرق به الجسر فهوى فيه سبعين خريفاً» . قال: فخرج عمر رضي الله عنه كئيباً حزيناً؟ فقال: ما لي لا أكون كئيباً وحزيناً وقد سمعت بشْر بن عاصم يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من وُلّيَ شيئاً من أمر المسلمين أُتيَ به يوم القيامة حتى يوقف على جسر جهنم، فإن كان محسناً نجا، وإن كان مسيئاً إنخرق به الجسر فهوى فيه سبعين خريفاً؟» فقال أبو ذر رضي الله عنه: أو ما سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا. قال: أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من وَلَّى أحداً من المسلمين أُتي به يوم القيامة حتى يوقف على جسر جهنم، فإن كان محسناً

الإنكار عن قبول الإمارة

نجا، وإن كان مسيئاً إنخرق به الجسر فهوى فيه سبعين خريفاً، وهي سوداء مظلمة» ؛ فأيُّ الحديثين أوجع لقلبك. قال: كلاهما قد أوجع قلبي فمن يأخذها بما فيها؟ فقال أبو ذر رضي الله عنه: من سَلَتَ الله أنفه، وألصق خدّه بالأرض؛ أما إنا لا نعلم إِلا خيراً، وعسى إن ولَّيتها من لا يعدل فيها أن لا تنجو من إِثمها. كذا في الترغيب. قال الهيثمي: رواه الطبراني وفيه سويد بن عبد العزيز وهو متروك. انتهى وأخرجه أيضاً عبد الرزاق، وأبو نعيم، وأبو سعيد النقَّاش، والبغوي، والدارَقُطْني في المِتفق من طريق سويد؛ كما في الكنز. وأخرجه ابن أبي شيبة، وابن مَنْدَه من غير طريق سويد؛ كما في الإِصابة. الإِنكار عن قبول الإِمارة قصة المقداد بن الأسود في إنكار الإمارة وقوله وقول أنس في ذلك أخرج البزار عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إستعمل المقداد بن الأسود رضي الله عنه على حريدة (؟) جبل. فلما قدم قال: كيف رأيت؟ فلما:

رأيتهم يرفعون ويضعون حتى ظننت أني ليس ذلك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم «هو ذاك» . فقال المقداد: والذي بعثك بالحق لا أعلم على عمل أبداً، فكانوا يقولون له: تقدم فصلِّ بنا فيأبى. قال الهيثمي: وفيه سوار بن داود أبو حمزة وثَّقه أحمد، وابن حبان، وابن معين وفيه ضعف، وبقية رجاله رجال الصحيح. وأخرجه أبو نعيم في الحلية عن أنس رضي الله عنه بنحوه؛ وفي رواية قال: كنت أُحمل وأُوضع حتى رأيت بأنَّ لي على القوم فضلاً. قال: «هو ذاك فخذ أو دع» . قال: والذي بعثك بالحق لا أتأمر على إثنين أبداً: وأخرجه أيضاً عن المقداد مختصراً. رواية الطبراني قصة المقداد وعند الطبراني عن المقدد بن اوسود رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم مبعثاً، فلما رجعت قال لي: كيف تجد نفسك؟ قلت: ما زلت حتى ظننت أن معي حولاً لي، وايْمُ الله، لا ألي على رجلين بعدها أبداً. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح خَلا عُمَير بن إِسحاق وثقه ابن حبان وغيره، وضعَّفه ابن مَعِين وغيره، وعبد الله بن أحمد ثقة مأمون. وعند الطبراني عن رجل قال: إستعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً على سرية، فلما مضى ورجع إليه قال له: «كيف وجدت الإِمارة؟» قال: كنت كبعض القوم، إذا ركبت ركبوا، وإذا نزلت نزلوا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم «إن السلطان على باب عَتَب إلا من عصم الله عزّ وجلّ» . فقال الرجل: والله لا أعمل لك،

وصية أبي بكر لرافع الطائي في أمر الإمارة

ولا لغيرك أبداً. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجِذُه. قال الهيثمي: وفيه عطاء بن السائب وقد اختلط وبقية رجاله ثقات. انتهى. وصية أبي بكر لرافع الطائي في أمر الإِمارة وأخرج ابن المبارك في الزهد عن رافع الطائي قال: صحبت أبا بكر رضي الله عنه في غزوة، فلما قفلنا قلت: يا أبا بكر أوصني. قال: أقم الصلاة المكتوبة لوقتها، وأدِّ زكاة مالك طيبة بها نفسك، وصم رمضان، واحجج البيت، واعلم أن الهجرة في الإسلام حسن، وأن الجهاد في الهجرة حسن، ولا تكن أميراً. ثم قال: هذه الإمارة التي ترى اليوم سَبْرة قد أوشكت أن تفشو وتكثر حتى ينالها من ليس لها بأهل، وإنه من يكن أميراً فإنه من أطول الناس حساباً، وأغلظه عذاباً؛ ومن لا يكون أميراً فإنه من أيسر الناس حساباً، وأهونه عذاباً؛ لأن الأمراء أقرب الناس من ظلم المؤمنين ومن يظلم المؤمنين فإنما يخفر الله، هم جيران الله وهم عباد الله؛ والله إن أحدكم لتصاب شاة جاره أو بعير جاره فيبيت وارم العَضَل، يقول: شاة جاري أو بعير جاري، فإن الله أحق أن يَغْضَبَ لجاره. كذا في الكنز. ما وقع بين أبي بكر ورافع في الإِمارة وأخرج الطبراني عن رافع قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص رضي الله عنه على جيش ذات السلاسل، فبعث معه مع ذلك الجيش أبا بكر،

وعمر، وسراة أصحابه - رضي الله عنه -. فانطلقوا حتى نزلوا جبلي طيِّء. فقال عمر رضي الله عنه؛ أنظروا إلى رجل دليل بالطريق. فقالوا: ما نعلمه إلا رافع بن عمرو فإنه كان ربيلاً. فسألت طارقاً: ما الربيل؟ قال: اللص الذي يغزو القوم وحده فيسرق. قال رافع: فلما قضينا غَزاتنا وانتهيت إلى المكان الذي كنا خرجنا منه توسمت أبا بكر رضي الله عنه فأتيته فقلت: يا صاحب الحلال، إِني توسمتك من بين أصحابك فائتني بشيء إِذا حفظته كنت منكم ومثلكم. فقال: أتحفظ أصابعك الخمس؟ قلت: نعم. قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة إن كان لك مال، وتحج البيت وتصوم رمضان؛ حفظت؟ فقلت: نعم. قال وأخرى: لا تَأمَّرَنَّ على إثنين. قلت: وهل تكون الإِمرة إلا فيكم أهل بدر؟ قال: يوشك أن تفشو حتى تبلغك ومن هو دونك. إن الله عزّ وجلّ لما بعث نبيه صلى الله عليه وسلم دخل الناس في الإِسلام، فمنهم من دخل فهداه الله، ومنهم من أكرهه السيف، فهم عوّاذ الله عزّ وجلّ وجيران الله في خفارة الله. إنَّ الرجل إذا كان أميراً فتظالم الناس بينهم فلم يأخذ لبعضهم من بعض إنتقم الله منه. إنَّ الرجل منكم لتؤخذ شاة جاره فيظل نأتيَ عضلته غضباً لجاره، والله من وراء جاره. قال رافع: فمكثت سنة ثم إن أبا بكر رضي الله عنه أستُخلِف فركبت إليه. قلت: أنا رافع، كنت نقيبك بمكان كذا وكذا. قال: عرفت قال: كنت نهيتني عن الإِمارة ثم ركبت أعظم من ذلك: أمة محمد صلى الله عليه وسلم قال: نعم، فمن لم يقم فيهم كتاب الله فعليه بَهْلة الله - يعني لعنة الله -. قال الهيثمي: رجاله ثقات. انتهى.

إيثار الصحابة الغزو على الإمارة

إِيثار الصحابة الغزو على الإِمارة وأخرج الحاكم، وأبو نُعَيم، وابن عساكر عن سعيد بن عمر بن سعيد بن العاص أنَّ أعمامه: خالداً، وأباناً، وعمرو بن سعيد بن العاص - رضي الله عنهم - رجعوا عن أعمالهم حين بلغهم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر رضي الله عنه: ما أحد أحقُّ بالعلم من عمال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: لا نعمل لأحد. فخرجوا إلى الشام فقُتلوا عن آخرهم. كذا في الكنز. ما وقع بين عمر وأبن بن سعيد في الإِمارة وبعثه العلاء بن الحضرمي إلى البحرين وعند ابن سعد عن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأبان بن سعيد رضي الله عنه حين قدم المدينة: ما كان حقك أن تقدم وتترك عملك بغير إذن إِمامك ثم على هذه الحالة ولكنك آمنته. فقال أبان: أما إني - والله - ما كنت لأعمل لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كنت عاملاً لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت عاملاً لأبي بكر رضي الله عنه لفَضْله، وسابقته، وقديم إسلامه؛ ولكن لا أعمل لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وشاور أبو بكر رضي الله عنه أصحابه فيمن يبعث إلى البحرين، فقال له عثمان بن عفان رضي الله عنه: إبعث رجلاً قد بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم. فقدم عليهم بإسلامهم، وطاعتهم وقد عرفوه وعرفهم، وعرف بلادهم - يعني: العلاء بن الحَضْرمي رضي الله عن -. فأبى ذلك عمر رضي الله عنه عليه وقال: أكره أبان

إنكار ابن عمر على القضاء بين الناس

بن سعيد بن العاص فإنه رجل قد خالفهم. فأبى أبو بكر رضي الله عنه أن يكرهه وقال: لا أفعل، لا أكره رجلاً يقول لا أعمل لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجمع أبو بكر بَعْثَة العلاء بن الحضرمي - رضي الله عنهما - إلى البحرين. كذا في الكنز. إنكار أبي هريرة على قبول الإِمارة وأخرج أبو نُعيم في الحلية عن أبي هريرة أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - دعاه ليستعمله فأبى أن يعلم له. فقال: أتكره العلم وقد طلبه من كان خيراً منك؟ قال: من؟ قال: يوسف بن يعقوب عليه السلام. فقال أبو هريرة رضي الله عنه: يوسف نبي الله ابن نبي الله، وأنا أبو هريرة بن (أميمة) ، فأخشى ثلاثاً واثنتين. فقال عمر رضي الله عنه: أفلا قلت خمساً؟ قال: أخشى أن أقول بغير علم، وأقضيَ بغير حكم، وأن يُضرب ظهري، وينتزع مالي، ويُشتم عرضي. وأخرجه أيضاً أبو موسى في الذَّيْل؛ قال في الإِصابة: وسنده ضعيف جداً، ولكن أخرجه عبد الزرق عن معمر عن أيوب، فقَوِيَ. انتهى. وأخرجه ابن سعد عن ابن سيرين عن أبي هريرة بمعناه مع زيادة في أوله. إنكار ابن عمر على القضاء بين الناس وأخرج الطبراني في الكبير والأوسط عن عبد الله بن مَوْهَب أن عثمان قال لابن عمر - رضي الله عنهما -: إذهب فقضِ بين الناس. قال: أوَ تُعفيني

ما وقع بين ابن عمر وأم المؤمنين حفصة بشأن دومة الجندل

يا أمير المؤمنين؟ قال: لا، عزمت عليك إلا ذهبت فقضيت. قال: لا تعْجَل، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من عاذ بالله فقد عاد بمَعاذ» . قال: نعم. قال: فإني أعوذ بالله أن أكون قاضياً. قال: وما يمنعك وقد كان أبوك يقضي؟ قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من كان قاضياً، قضى بجهل كان من أهل النار؛ ومن كان قاضياً عالماً فقضى بحق - أو بعدل - سأل التقلب كفافاً» ، فما أرجو بعد هذا؟ قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير والأوسط، والبزَّار، وأحمد وكلاهما باختصار، ورجاله ثقات؛ وزاد أحمد: فأعفاه وقال: لا تجبرن أحداً. وعند الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أراده عثمان رضي الله عنه على القضاء فأبى وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «القضاة ثلاثة: واحد ناجِ، واثنان في النار، من قضى بالجور أو بالهوى هلك، ومن قضى بالحق نجا» . قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط والكبير، ورجال الكبير ثقات. ورواه أبو يَعْلى بنحوه. انتهى. وأخرجه ابن سعد عن عبد الله بن مَوْهَب بمعناه مطولاً. ما وقع بين ابن عمر وأم المؤمنين حفصة بشأن دومة الجندل وأخرج الطبراني في الكبير عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما كان اليوم الذي اجتمع فيه علي ومعاوية رضي الله عنهما بدومة الجندل؛ قالت لي

إنكار عمران بن حصين على قبول الإمارة

أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها: إنه لا يجمُل بك أن تتخلف عن صلح يصلح الله به بين أمة محمد صلى الله عليه وسلم أنت صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمر بن الخطاب. فأقبل معاية يومئذٍ على بُخْتي عظيم فقال: من يطمع في هذا الأمر ويرجوه أو يمد له عنقه؟ قال ابن عمر: فما حدثت نفسي بالدنيا قبل يومئذٍ، ذهبت أن أقول يطمع فيه من ضربك وأباك على الإِسلام حتى أدخلكما فيه، فذكرت الجنة ونعيمها فأعرضت عنه. قال الهيثمي: رجاله ثقات؛ والظاهر أنه أراد صلح الحسن بن علي رضي الله عنهما ووهم الراوي. انتهى. وأخرجه ابن سعد عن ابن عمر نحوه. وأخرج أيضاً عن أبي حُصَين أن معاوية قال: ومن أحقُّ بهذا الأمر منا؟ فقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: فأردت أن أقول: أحق منك من ضربك وأباك عليه، ثم ذكرت ما في الجنان فخشيت أن يكون في ذلك فساد. وعن الزُّهري قال: لما اجتمع علي، ومعاوية فقال: من كان أحقَّ بهذا الأمر مني؟ قال ابن عمر: فتهيأت أن أقوم فأقول: أحق به من ضربك وأباك على الكفر فخشيت أن يُظن بي غير الذي بي. إنكار عمران بن حصين على قبول الإِمارة وأخرج أحد عن عبد الله بن الصامت رضي الله عنه قال: أراد زياد أن يبعث عمران بن حصين رضي الله عنهما على خراسان، فأبى عليه، فقال له أصحابه: أتركت خراسان أن تكون عليها؟ قال: فقال: إني والله ما يسرني أن أَصْلَي بحرّها ويُصْلَون ببردها، إني أخاف إذا كنت في نحر العدو أن يأتيني بكتاب من زياد فإن أنا مضيت هلكت، وإن رجعت ضُربت عنقي. قال: فأراد الحكم بن عمرو

إحترام الخلفاء والأمراء وطاعة أوامرهم

الغفاري عليها فانقاد لأمره. قال: فقال عمران: ألا أحد يدعو لي الحكم؟ قال: فانطلق الرسول، قال: فأقبل الحكم إليه. قال: فدخل عليه فقال عمران للحكم: أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا طاعة لأحد في معصية الله تبارك وتعالى» . قال: نعم. فقال عمران: الحمد صلى الله عليه وسلم ـ أو - الله أكبر. وفي رواية عن الحسن أن زياداً إستعمل الغِفاري على جيش، فأتاه عمران بن حُصَين رضي الله عنها فلقيه بين الناس فقال: أتدري لم جئتك؟ فقال له: لِمَ؟ فقال: أتذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجل الذي قال له أميره: أرمِ نفسك في النار فأُدْرِك فاحتُبِس، فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «لو وقع فيها لدخلا النار جميعاً، لا طاعة في معصية الله تبارك وتعالى» . قال: نعم. قال: إنما أردت أن أذكرك هذا الحديث. قال الهيثمي: رواه أحمد بألفاظ، والطبراني باختصار (وفي بعض طرقه «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» ) ؛ ورجال أحمد رجال الصحيح. انتهى. إحترام الخلفاء والأمراء وطاعة أوامرهم ما وقع بين خالد عمار رضي الله عنهما في سرية أخرج ابن جرير، وابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي على سرية ومعه في السرية عمار بن ياسر - رضي الله عنهما - قال: فخرجوا حتى أتَوا قريباً من القوم الذين يريدون أن يصبِّحوهم نزلوا في بعض الليل. قال: وجاء القوم النذيرُ فهربوا حيث بلغوا، فأقام رجل منهم كان قد أسلم هو وأهل بيته، فأمر أهله فتحمَّلو، وقال: قفوا حتى آتيكم، ثم جاء حتى دخل على عمار رضي الله

عنه، فقال: يا أبا اليقظان، إني قد أسلمت وأهل بيتي، فهل ذلك نافعي إن أنا أقمت، فإن قومي قد هربوا حيث سمعوا بكم؟ قال: فقال له عمار: فأقم فأنت آمن.k فانصرف الرجل هو وأهله. قال: فصيَّح خالد القوم فوجدهم قد ذهبوا فأخذ الرجل هو وأهله. فقال له عمار: إنه لا سبيل لك على الرجل قد أسلم. قال: وما أنت وذاك؟ أتجير عليّ وأنا الأمير؟ قال: نعم أجير عليك وأنت الأمير، إن الرجل قد آمن لو شاء لذهب كما ذهب أصحابه؛ فأمرته بالمقام لإِسلامه فتنازعا في ذلك حتى تشاتما. فلما قدما المدينة إجتمعا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر عمار الرجل وما صنع، فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم أمان عمار ونهى يومئذٍ أن يجير أحد على الأمير. فتشاتما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال خالد: يا رسول الله، أيشتمني هذا العبد عندك؟ أما - والله - لولاك ما شتمني. فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم «كفَّ يا خالد عن عمار، فإنه من يبغض عماراً يبغضه الله عزّ وجلّ، ومن يلعن عماراً يلعنه الله عزّ وجلّ» . ثم قام عمّار فولى واتبعه خالد بن الوليد حتى أخذ بثوبه فلم يزل يترضّاه حتى رضي الله عنه - وفي رواية أخرى: رضي عنه - ونزلت هذه الآية: {أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِى الاْمْرِ مِنْكُمْ} (النساء: 59) أمراء السرايا {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِى شَىْء فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} فيكون الله ورسوله هو الذي يحكم فيه/ {ذالِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} يقول خير عاقبة. كذا في الكنز. وأخرجه أيضاً أبو يَعْلى، وابن عساكر، والنِّسائي، والطبراني، والحاكم من حديث خالد رضي الله عنه بمعناه

ما وقع بين عوف

مطوّلاً؛ وابن أبي شيبة، وأحمد، والنسائي مختصراً؛ كما في الكنز. قال الحاكم: صحيح الإِسناد ولم يخرِّجاه: وقال الذهبي: صحيح؛ وقال الهيثمي: رواه الطبراني مطولاً، ومختصراً منها ما وافق أحمد ورجاله ثقات. ما وقع بين عوف بن مالك وخالد رضي الله عنهما وأخرج أحمد عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: خرجت مع من خرج مع زيد بن حارثة رضي الله عنه من المسلمين في غزوة مؤتة و (رافقني) مَدَدي من اليمن ليس معه غير سيفه، فنحر رجل من المسلمين جزوراً، فسأله المددي طائفة من جلده فأعطاه إياه، فاتخذه كهيئة الدَّرَقة؛ ومضينا فلقينا جموع الروم، وفيهم رجل على فرس له أشقر عليه سرج مذهِّب وسلاح مُذهَّب. فجعل الرومي يفري بالمسلمين، وقعد له المَدَدي خلف صخرة، فمر به الرومي (فعرقب فرسه) فخر وعلاه فقتله وحاز فرسه وسلاحه. فلما فتح الله للمسلمين بعث إليه خالد بن الوليد رضي الله عنه (فأخذ منه السلب) قال عوف: فأتيته فقلت: يا خالد، أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسَّلَب للقاتل؟ قال: بلى؛ ولكني أستكثر به. فقلت: لتردنَّه إليه أو لأعرفنَّكَها عند

رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى أن يردّ عليه. قال عوف: فاجتمعنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقصصت عليه قصة المَدَدي وما فعل خالد. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا خالد ما حملك على ما صنعت؟» قلا: يا رسول الله إستكثرته. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا خالد، ردّ عليه ما أخذت منه» . قال عوف فقلت: دونك يا خالد ألم أفِ لك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «وما ذاك؟» فأخبرته. فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «يا خلاد، لا ترده عليه، هل أنتم تاركون لي أُمرائي؟ لكم صفوة أمرهم وعليهم كدْرُهُ» ورواه مسلم، وأبو داود نحوه. كذا في الإِصابة؛ وأخرجه البيهقي بنحوه. ما وقع بين عمر وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما في احترام الوالي وأخرج ابن سعد عن راشد بن سعد أنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه أُتِيَ بمال فجعل يقسمه بين الناس فازدحموا عليه، فأقبل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يزاحم الناس حتى خَلَص إليه، فعلاه عمر رضي الله عنه بالدِّرة وقال: إنك أقبلت لا تهاب سلطان الله في الأرض فأحببت أن أعلِّمك أن سلطان الله لن يهابك. ما وقع بين عمرو بن العاص وعمر بن الخطاب في سرية وأخرج البيهقي عن عبد الله بن يزيد قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص في سرية فيهم أبو بكر، وعمر - رضي الله عنهما -. فلما انتهوا إلى

مكان الحرب أمرهم عمرو أن ينوِّروا ناراً؛ فغضب عمر وهمَّ أن يأتيه، فنهاه أبو بكر وأخبره أنه لم يستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم عليك إلا لعله بالحرب، فهدأ عنه عمر رضي الله عنه. وأخرجه الحاكم عن عبد الله بن بُرَيْدة عن أبيه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص رضي الله عنه في غزوة ذات السلاسل - فذكره بنحوه، وقال: هذا حديث صحيح الإِسناد ولم يخرجاه. وقال الذهبي: صحيح. حديث عياض بن غنم في احترام الأمير وأخرج الحاكم عن جُبَير بن نُفَير أنَّ عياض بن غُنْم الأشعري وقع على صاحبِ دارا حين فتحت، فأتاه هشام بن حكيم فأغلظ له القول، ومكث هشام ليالي، فأتاه معتذراً فقال لعياض ألم تعلم أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة أشدُّ الناس عذاباً للناس في الدنيا» . فقال له عياش: يا هشام، إنا قد سمعنا الذي قد سمعت، ورأينا الذي قد رأيت، وصحبنا من صحبت؛ ألم تسمع يا هشام رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من كانت عنده نصيحة لذي سلطان فلا يكلّمْه بها علانية، وليأخذ بيده، وليخْلُ به؛ فإنْ قبلها قبلها، وإِلا كان قد أدَّى الذي عليه والذي له» . وإنك يا هشام، لأنت المجترىء أن تجترىء على سلطان الله، فهلا خشيت أن يقتلك سلطان الله فتكون قتيل سلطان الله؟ قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإِسناد لم يخرِّجاه. وقال الذهبي: فيه ابن زريق واهٍ. وأخرجه البيهقي بهذا الإِسناد

مثله. وذكره في مجمع الزوائد بدون ذكر مخرِّجه، ثم قال: رجاله ثقات وإِسناده متصل. وأخرجه أحمد عن شُرَيح بن عبيد وغيره، قال: جلد عياضُ بن غنم صاحبَ دارا حين فُتحت، فأغلظ له هشام - فذكر الحديث بنحوه -. قال الهيثمي: رجاله ثقات إِلا أني لم أجد لشريح من عياض وهشام سماعاً وإن كان تابعياً. قول حذيفة في شهر السلاح على الأمير وأخرح البزَّار عن زيد بن وهْب قال: أنكر الناس على أمير في زمن حذيفة رضي الله عنه شيئاً، فأقبل رجل في المسجد - المسجد الأعظم - يتخلَّل الناس حتى انتهى إلى حذيفة وهو قاعد في حَلْقة، فقام على رأسه فقال: يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه، ألا تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فرفع حذيفة رضي الله عنه رأسه فعرف ما أراد، فقال له حذيفة؛ إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لَحَسن، وليس من السنة أن تُشهر السلاح على أميرك. قال الهيثمي: وفيه حبيب بن خالد وثَّقه ابن حِبّان، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي. انتهى. حديث أبي بَكْرة في احترام الأمير وأخرج البيهقي عن زياد بن كسيب العدوي قال: كان عبد الله بن عامر يخطب الناس، عليه ثياب رقاق مُرَجِّل شَعرَه. قال: فصلَّى يوماً ثم دخل. قال: وأبو بَكرة جالس إلى جنب المنبر، فقال مِرداس أبو بلال: ألا ترَوْن إلى أمير

طاعة الأمير إنما تكون في المعروف

الناس وسيدهم يلبس الرقاق ويتشبه بالفُسّاق؟ فسمعه أبو بَكْرة فقال لابنه الأُصَيْلع: أدعُ لي أبا بلال، فدعاه له. فقال أبو بَكْرة: أما إني قد سمعت مقالتك للأمير آنفاً، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من أكرم سلطان الله أكرمه الله، من أهان سلطان الله أهانه الله» . طاعة الأمير إنما تكون في المعروف وأخرج الشيخان عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: إستعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من الأنصار على سرية؛ بعثهم وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا؟ قال: فأغضبوه في شيء فقال: أجمعوا لي حطباً، فجمعوا، فقال: أوقدوا ناراً، فأوقدوا، ثم قال: ألم يأمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسمعوا لي وتطيعوا؟ قالوا: بلى. قال: فادخلوها. قال: فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا: إنما فررنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النار. قال: فسكن غضبه وطفئت النار. فلما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم ذكروا ذلك له، فقال: «لو دخلوها ما خرجوا منها، إنما الطاعة في المعروف» . وهذه القصة ثابتة أيضاً في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما، كذا في البداية. وأخرجه ابن جرير عن ابن عباس، وابن أبي شَيْبة عن أبي سعيد بمعناه. وسمَّى أبو سعيد الرجل الأنصاري عبد الله بن حذافة السهمي؛ كما في الكنز، وهكذا سمّاه في البخاري عن ابن عباس، كما في الإِصابة.

وصيته صلى الله عليه وسلم لأبي ذر في احترام الأمير

حديث ابن عمر في احترام الأمير وأخرج أبو يَعْلى، وابن عساكر - ورجاله ثقات - عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت في نفر من أصحابه فأقبل عليهم فقال: «ألستم تعلمون أنِّي رسول الله إِليكم؟» قالوا: بلى، نشهد أنَّك رسول الله. قال: «ألستم تعلمون أنه من أطاعني فقد أطاع الله، ومن طاعة الله طاعتي؟» قالوا: بلى، نشهد أنه من أطاعتك فقد أطاع الله، ومن طاعة الله طاعتك. قال: «فإن من طاعة الله أن تطيعوني، ومن طاعتي أن تطيعوا أُمراءكم، وإن صلَّوا قعوداً فصلوا قعوداً» . كذا في الكنز. وصيته صلى الله عليه وسلم لأبي ذر في احترام الأمير وأخرج ابن جرير عن أسماء بنت يزيد أنَّ أبا ذر الغفاري رضي الله عنه كان يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فرغ من خدمته أوى إلى المسجد، فكان هو بيته يضطجع فيه؛ فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة إِلى المسجد فوجد أبا ذر نائماً منجدلاً في المسجد، فركله رسول الله صلى الله عليه وسلم برجله حتى استوى قاعداً. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «ألا أراك نائماً فيه؟» فقال أبو ذر: أين أنام يا رسول الله؟ ما لي من بيت غيره. فجلس إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «فكيف أنت إذا أخرجوك منه؟» فقال: إذاً ألحق بالشام فإن الشام أرض الهجرة، والمحشر، والأنبياء، فأكون رجلاً من أهلها. قال: «فكيف أنت إذا أخرجوك من الشام؟» قال: إذاً أرجع إليه، فيكون بيتي ومنزلي. قال: «فكيف أنت إذا أخرجوك منه ثانياً؟» قال: آخذ سيفي فأقاتل حتى أموت. فشكر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأثبته بيده فقال: «أدلّك على ما هو خير من ذلك؟» قال: بلى - بأبي وأُمي يا رسول الله -

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «تنقاد لهم حيث قادوك، وتنساق لهم حيث ساقوك؛ حتى تلقاني وأنت على ذلك» . كذا في الكنز. وأخرجه أيضاً أحمد عن أسماء نحوه. قال الهيثمي: وفيه شَهْرُ بن حَوْشَب، وهو ضعيف وقد وُثِّق. انتهى. وأخرجه ابن جرير أيضاً عن أبي ذر رضي الله عنه بنحوه، وفي حديثه قال: «فكيف تصنع إذا أخرجت منها؟» قلت: آخذ سيفي فأضرب به من يخرجني. فضرب بيده على منكبي ثم قال: «غَفْراً يا أبا ذر، تنقاد معهم حيث قادوك، وتنساق معهم حيث ساقوك ولو لعبد أسود» . قال: فلما أُنزلت الرَّبَذَة أُقيمت الصلاة فتقدم رجل أسود على بعض صدقاتها. فلما رآني أخذ ليرجع ويقدِّمني فقلت: كما أنت، بل أنقاد لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخرجه أيضاً عبد الرزاق عن طاووس، وفي حديثه: فلما خرج أبو ذرّ رضي الله عنه إلى الرَّبَذَة فوجد بها غلاماً لعثمان رضي الله عنه أسود، فأذَّن وأقام ثم قال: تقدم يا أبا ذر. قال: لا، إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أسمع وأطيع وإن كان عبداً أسود. فتقدَّم فصلَّى خلفه. كذا في الكنز. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، والبيهقي، ونُعَيم بن حَمَّاد وغيرهم عن عمر رضي الله عنه قال: «إسمع وأطع وإن أُمِّر عليك عبد حبشي مُجَدَّع،

إن ضرك فاصبر، وإن أمرك بأمر فائتمر، وإن حرمك فاصبر، وإن ظلمك فاصبر، وأن أراد أن ينقص من دينك فقل: دمي دون ديني ولا تفارق الجماعة» . كذا في كنز العمال. حديث عمر رضي الله عنه في احترام الأمير وقصته مع علقمة في ذلك وأخرج يعقوب بن سفيان بإسناد صحيح إلى الحسن قال: لقي عمر رضي الله عنه علقمة بن علاثَة في جوف الليل - وكان عمر يُشَبَّه بخالد بن الوليد رضي الله عنه - فقال له علقمة: يا خالد، عزلك هذا الرجل لقد أبَى إلا شُحّاً، حتى لقد جئتُ إليه وابن عم لي نسأله شيئاً، فأما إذا فعل فلن أسأله شيئاً. فقال له عمر: هيه فما عندك فقال: هم قوم لهم علينا حق فنؤدِّي لهم حقهم وأجرُنا على الله. فلما أصبحوا قال عمر لخالد: ماذا قال لك علقمة منذ الليلة؟ قال: والله ما قال لي شيئاً. قال: وتحلف أيضاً. ومن طريق أبي نَضْرة نحوه وزاد: فجعل علقمة يقول لخالد: مَهْ يا خالد، ورواه سيف بن عمر من وجه آخر عن الحسن وزاد في آخره: فقال عمر: كلاهما قد صدقا. وكذا رواه ابن عائد وزاد: فأجاز علقمة وقضى حاجته. وروى الزبير بن بكار عن محمد بن سلمة عن مالك - فذكر نحوه مختصراً جداً، وقال فيه: فقال: ماذا عندك؟ قال: ما عندي إلا سمع وطاعة،

قصة إمرأة مجذومة في احترام الأمير

وزاد: فقال عمر رضي الله عنه: لأن يكون مَنْ ورائي على مثل رأيك أحبَّ إليّ من كذا وكذا. كذا في الإِصابة. قصة إمرأة مجذومة في احترام الأمير وأخرج مالك عن ابن أبي مُلَيكة قال: إنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرَّ بامرأة مجذومة وهي تطوف بالبيت، فقال لها: يا أمَةَ الله لا تؤذي الناس، لو جلست في بيتك، فجلست. فمر بها رجل بعد ذلك، فقال: إن الذي كان نهاك قد مات فاخرجي. قالت ما كنت لأطيعه حياً وأعصيَه ميتاً. كذا في كنز العمال. خطورة عصيان الأمير وأخرج بن أبي شيبة عن شَمِر عن رجل قال: كنت عريفاً في زمن علي رضي الله عنه، فأمرنا بأمر فقال: أفعلتم ما أمرتكم؟ قلنا: لا، قال: والله لتفعَلُنَّ ما تؤمرون به أو لتركبَنَّ أعناقكم اليهود والنصارى. كذا في الكنز. تطاوع الأمراء قصة عمرو بن العاص وأبي عبيدة وعمر رضي الله عنهم في هذا الأمر أخرج البيهقي عن عروة بن الزبير رضي الله عنهما قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن

العاص رضي الله عنه إلى ذات السلاسل من مشارف الشام من بَليَ وعبد الله ومن يليهم من قضاعة - وبنو بليَ أخوال العاص بن وائل -. فلمّا صار إلى هناك خاف من كثرة عدوه فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمده. فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجرين الأولين، فانتدب أبو بكر، وعمر من سراة المهاجرين - رضي الله عنهم أجمعين - وأمَّر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه. فلما قدموا على عمرو قال: أنا أميركم وأنا أرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أستمده بكم، فقال المهاجرون: بل أنت أمير أصحابك، وأبو عبيدة أمير المهاجرين. فقال عمرو: إنما أنتم مدد أُمددته. فلما رأى ذلك أبو عبيدة - وكان رجلاً حسن الخلق لين الشِّيمة - قال: تعلم يا عمرو، أنَّ آخر ما عهد إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال: إذا قدمت على صاحبك فتطاوعا» وإنك إن عصيتني لأطيعنَّك. فسلَّم أبو عبيدة الإِمارة لعمرو بن العاص. كذا في البداية. وهكذا أخرجه ابن عساكر عن عروة، كما في الكنز، وفيه مشارق بدل مشارف. وأخرج أيضاً عن الزهري قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بَعْثَين إلى كلب، وغسّان، وكفار العرب الذين كانوا بمشارف الشام، وأمَّر على أحد البَعْثَين أبا عبيدة بن الجراح، وأمَّر على البعث الآخر عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - فانتدب في بعث أبي عبيدة أبو بكر، وعمر - رضي الله عنهما - فلما كان عند خروج البعث دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة، وعَمْراً وقال: «لا تعاصَيا» . فلما فصلا

حق الأمير على الرعية

من المدينة خلا أبو عبيدة بعمرو فقال له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إليَّ وإليك أن لا تعاصيا، فإما أن تطيعني وإما أن أطيعك. قال: لا، بل أطعني. فأطاع أبو عبيدة وكان عمرو أميراً على البَعْثين كليهما. فوَجَد عمر رضي الله عنه من ذلك قال: أتطيع ابن النابغة وتؤمره على نفسك وعلى أبي بكر وعلينا؟ ما هذا الرأي فقال أبو عبيدة لعمر: يا ابن أم، إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إليّ وإليه أن لا تتعاصَيا فخشيت إن لم أُطعه أن أعصيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدخل بيني وبين الناس، وإني - والله - لأطيعنَّه حتى قفُل. فلما قفلوا كلَّم عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وشكا إليه ذلك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لن أُؤمر عليكم بعد هذا إلا منكم» - يريد المهاجرين -. كذا في الكنز. حق الأمير على الرعية قول عمر رضي الله عنه في هذا الأمر أخرج هَنَّاد، عن سَلَمة بن شهاب العبدي قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أيتها الرعية إنَّ لنا عليكم حقاً: النصيحة بالغيب، والمعاونة على الخير؛ وإنه ليش شيء أحبَّ إلى الله وأعمَّ نفعاً من حلم إمام ورِفْقه، وليش شيء أبغض إلى الله من جهل إمام وخُرْقه. كذا في الكنز. وأخرجه الطبري عن سلمة بن كُهَيل بمعناه. وأخرج هَنّاد أيضاً عن عبد الله بن عكيم قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنه لا حِلْمَ أحب إلى الله من حلم إمام ورفقه، ولا جهل أبغض

إلى الله من جهل إِمام وخُرْقه، ومن يعمل بالعفو فيما يظهر به تأتيه العافية، ومن ينصف الناس من نفسه يُعطى الظفر في أمره، والذل في الطاعة أقرب إلى البر من التعزّز بالمعصية، كذا في الكنز. النهي عن سب الأمراء حديث أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك أخرج ابن جرير عن أنس رضي الله عنه قال: نهانا كبراؤنا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قال: لا تسبُّوا أُمراءكم، ولا تَغَشُّوهم، ولا تعصوهم، واتقوا الله واصبروا فإن الأمر قريب. كذا في الكنز. السكوت عن قول الحق عند الأمراء قول ابن عمر لعروة في هذا الأمر: كنا نعد ذلك نفاقا أخرج البيهقي عن عروة قال: أتيت عبد الله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - فقلت له: يا أبا عبد الرحمن، إنا نجلس إلى أئمتنا هؤلاء فيتكلَّمون بالكلام نحن نعلم أن الحق غيره فنصدقهم، ويقضون بالجَوْر فنقوِّيهم ونحسِّنه لهم، فكيف ترى في ذلك؟ فقال: يا ابن أخي، كنَّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نعدّ هذا نفاقاً فلا أدري كيف هو عندكم؟. وأخرج أيضاً عن عاصم بن محمد عن أبيه قال: قال رجل لابن عمر رضي الله عنهما: إنا ندخل على سلطاننا فنقول ما نتكلم بخلافه إذا خرجنا من عندهم، قال: كنا نَعُدّ هذا نفاقاً. وأخرجه البخاري عن محمد بن زيد

بنحوه وزاد: كنا نعدّ هذا نفاقاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا في الترغيب. وأخرج ابن عساكر عن مجاهد أنَّ رجلاً قدم على ابن عمر رضي الله عنهما فقال له: كيف أنتم وأبو أنيس؟ قال: نحن وهو إذا لقيناه قلنا له ما يحب، وإذا ولَّينا عنه قلنا غير ذلك. قال: ذلك ما كنا نَعُدّ - ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ من النفاق. كذا في كنز العمال. وأخرجه أبو نُعيم في الحِلية عن الشَّعْبي قال: قلنا لابن عمر رضي الله عنهما: إذا دخلنا على هؤلاء نقول ما يشتهون، فإذا خرجنا من عندهم قلنا خلاف ذاك. قال: كنا نَعُدّ ذلك نفاقاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث علقمة بن وقَّاص في منع اللهو والضحك عند الأمراء وأخرج البيهقي عن علقمة بن وقَّاص قال: كان رجل بَطَّال يدخل على الأمراء فيضحكهم فقال له جدِّي: ويحك يا فلان، لمَ تدخل على هؤلاء فتضحكهم؟ فإني سمعت بلال بن الحارث المزني رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدِّث أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ العبد ليتكلّم بالكلمة من رضوان الله ما يظنُّ أن تبلغ ما بلغت فيرضى الله بها عنه إلى يوم يلقاه، وإنَّ العبد ليتكلّم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيسخط الله بها إلى يوم يلقاه» . وأخرج أيضاً عن علقمة أنَّ بلال بن الحارث المزني رضي الله عنه قال

نصيحة العباس لابنه في هذا الأمر

له: إني رأيتك تدخل على هؤلاء لأمراء وتَغْشاهم، فانظر ماذا تحاضرهم به، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ الرجل ليتكلّم» . فذكر نحوه. قول حذيفة: إن أبواب الأمراء مواقف الفتن وأخرج أبو نعيم في الحلية عن حذيفة رضي الله عنه قال: إياكم ومواقف الفتن. قيل: وما مواقف الفتن يا أبا عبد الله؟ قال: أبواب الأمراء، يدخل أحدكم على الأمير فيصدِّقه بالكذب، ويقول ما ليس فيه. نصيحة العباس لابنه في هذا الأمر وأخرج أبو نعيم في الحلية عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال لي أبي: أي بنيّ، إني أرى أمير المؤمنين يدعوك ويقرِّبك ويستشيرك مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحفظ عني ثلاث خصال: إتق الله لا يجربنَّ عليك كَذِبة، ولا تُفشينَّ له سراً، ولا تغتابنَّ عنده أحداً. قال عامر: فقلت لابن عباس رضي الله عنهما: كل واحدة خير من ألف. قال: كل واحدة خير من عشرة آلاف. ورواه الطبراني نحوه. قال الهيثمي: وفيه مجالد بن سعيد وثَّقه النِّسائي وغيره وضعفه جماعة. وأخرجه البيهقي عن الشَّعْبي أنَّ العباس قال لابنه عبد الله - رضي الله

عنهما -: إني أرى هذا الرجل قد أكرمك - يعني عمر بن الخطاب رضي الله عنه - وأدنى مجلسك، وألحقك بقوم لست مثلهم، فاحفظ عني ثلاثاً: لا يجربنَّ عليك كذباً، ولا تُفْشِ عليه سرّاً، ولا تغتابنَّ عنده أحداً.h قول الحق عند الأمير وردُّ أمره إذا خالف أمر الله ما وقع بين عمر وأبيّ، وقول عمر: لا خير في أمير لا يقال عنده الحق أخرج ابن راهَوَيْه عن الحسن أنَّ عمر بن الخطاب ردّ عن أُبيّ بن كعب - رضي الله عنهما - قراءة آية، فقال أبيّ: لقد سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت يلهيك - يا عمر - الصَّفْق بالبقيع. فقال عمر رضي الله عنه: صدقت إنما أردت أن أجربكم هل منكم من يقول الحق؟ فلا خير في أمير لا يُقال عنده الحق ولا يقوله. كذا في كنز العمال. وعند عبد بن حُمَيد، وابن جرير، وابن عديّ عن أبي مِجْلَزم أن أُبي بن كعب قرأ: {مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الاْوْلَيَانِ} (المائدة: 107) فقال عمر رضي الله عنه: كذبت. قال: أنت أكذب. فقال رجل: تكذِّب أمير المؤمنين؟ قال: أنا أشد تعظيماً لحقِّ أمير المؤمنين منك، ولكن كذَّبه في تصديق كتاب الله، ولم أُصدِّق أمير المؤمنين في تكذيب كتاب الله. فقال عمر: صدق. كذا في الكنز. قول بشير بن سعد لعمر: لو فعلت ذلك قوَّمناك تقويم القدح وأخرج ابن عساكر، وأبو ذر الهَرَوِي في الجامع عن النعمان بن بشير أن

عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال في مجلس وحوله المهاجرين والأنصار: أرأيتم لو ترخصت في بعض الأمور ما كنتم فاعلين؟ فسكتوا. فقال ذلك مرتين وثلاثاً، فقال بشير بن سعد: لو فعلت ذلك قوَّمناك تقويم القِدْح. فقال عمر: أنتم إذاً، أنتم إذاً كذا في الكنز. قصة عمر ومحمد بن مسلمة في ذلك وعند ابن المبارك عن موسى بن أبي عيسى قال: أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه مَشْرَبة بني حارثة فوجد محمد بن مسلمة، فقال عمر: كيف تراني يا محمد؟ قال: أراك - والله - كما أحب وكما يحب من يحب لك الخير، أراك قوياً على جمع المال، عفيفاً عنه، عَدْلاً في قَسْمه، ولو مِلْتَ عدَّلْناك كما يعدل السهم في الثِّقاب. فقال عمر رضي الله عنه: هاه وقال: لو ملت عدَّلناك كما يعدل السهم في الثقاب. فقال: الحمد لله الذي جعلني في قوم إذا مِلْت عدَّلوني. كذا في منتخب كنز العمال. قول معاوية لرجل رد عليه: إِنَّ هذا أحياني أحياه الله وأخرج الطبراني، وأبو يعلى عن أبي فنيل عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما أنه صعد المنبر يوم القمامة، فقال عند خطبته: إنما المال

ما لنا، والفيء فيئنا، فمن شئنا أعطيناه ومن شئنا منعناه؛ فلم يجبه أحد. فلما كان في الجمعة الثانية قال مثل ذلك، فلم يجبه أحد. فلما كان في الجمعة الثالثة قال مثل مقالته، فقام إِليه رجل ممَّن حضر المسجد فقال: كلا، إنما المال مالنا، والفيء فيئنا، فمن حال بيننا وبينه حاكمناه إلى الله بأسيافنا، فنزل معاوية رضي الله عنه فأرسل إِلى الرجل فأدخله. فقال القوم: هلك الرجل. ثم دخل الناس فوجدوا الرجل معه على السرير. فقال معاوية للناس: إنَّ هذا أحياني، أحياه الله. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «سيكون بعدي أمراء يقولون ولا يُردّ عليهم، يتقاحمون في النار كما تتقاحم القردة» ، وإنِّي تكلَّمت أول جمعة فلم يردّ عليّ أحد، فخشيت أن أكون منهم. ثم تكلَّمت في الجمعة الثانية فلم يردّ عليّ أحد فقلت في نفسي: إِني من القوم. ثم تكلَّمت في الجمعة الثالثة فقام هذا الرجل فردّ عليّ، فأحياني أحياه الله. قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، والأوسط، وأبو يعلى ورجاله ثقات. انتهى. قصة أبي عبيدة وخالد في هذا الأمر وأخرج ابن أبي عاصم، والبغَوي عن خالد بن حكيم بن حزام قال: كان أبو عبيدة - رضي الله عنه - أميراً بالشام، فتناول بعض أهل الأرض، فقام

إليه خالد رضي الله عنه؛ فكلَّمه. فقالوا: أغضبت الأمير؟ فقال: أما إني لم أرد أن أغضبه، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ أشدّ الناس عذاباً يوم القيامة أشدُّهم عذاباً للناس في الدنيا» . وأخرجه أيضاً أحمد، والبخاري في تاريخه، والطبراني؛ وأخرجه الباوَرْدي وزاد فيه: وهو يعذّب الناس في الجزية. كذا في الإِصابة. قال الهيثمي: رواه أحمد، والطبراني وقال: فقيل له: أغضبت الأمير؟ وزاد: إذهب فخلِّ سبيلهم. ورجاله رجال الصحيح خلا خالد بن حكيم وهو ثقة. انتهى. رواية الحسن من هذا الأمر وأخرج الحاكم عن الحسن قال: بعث زيادٌ الحَكَم بن عمرو الغفاري على خراسان فأصابوا غنائم كثيرة، فكتب إليه زياد: أما بعد، فإن أمير المؤمنين كتب أن يُصطفى له البيضاء والصفراء ولا تقسم بين المسلمين ذهباً ولا فضة. فكتب إِليه الحَكَم: أما بعد؛ فإنك كتبت تذكر كتاب أمير المؤمنين، وإني وجدت كتاب الله قبل كتاب أمير المؤمينين، وإني أُقسم بالله لو كانت السماوات والأرض رَتْقَاً على عبد فاتَّقى الله لجعل له من بينهم مخرجاً والسلام وأمر الحكم منادياً فنادى أن أغدوا على فَيْئكم، فقسمه بينهم؛ وإِنَّ معاوية رضي الله عنه لما فعل الحكم في قسمة الفيء ما فعل وجَّه إليه مَنْ قيَّده وحبسه، فمات في قيوده ودفن فيها وقال: إِني مخاصم.

عمل عمران بن حصين في الأموال

وأخرجه ابن عبد البرّ في الإستيعاب - فذكر نحوه إلا أنه قال في حديثه: فقسمه بينهم وقال الحكم: اللهمَّ إن كان لي عندك خيراً فأقبضني إِليك. فمات بخراسان بمرو. قال في الإِصابة والصحيح: أنه لما ورد عليه كتاب زياد بالعتاب دعا على نفسه فمات. انتهى. عمل عمران بن حصين في الأموال وأخرج الحاكم عن إبراهيم بن عطاء عن أبيه أنّ زياداً أو ابن زياد بعث عمران بن حصين رضي الله عنهما ساعياً فجاء ولم يرجع معه درهمٌ. فقال له: أين المال؟ فقال: وللمال أرسلتني؟ أخذناها كما كنا نأخذها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضعناها في الموضع الذي كنا نضعها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإِسناد، وقال الذهبي: صحيح. حق الرعية على الأمير سؤال عر الوفود عن خصال الأمير أخرج البيهقي عن الأسود (بن يزيد) قال: كان عمر رضي الله عنه إذا قدم عليه الوفد سألهم عن أميرهم: أيعود المريض؟ أيجيب العبد؟ كيف صنيعه؟ من يقوم على بابه؟، (فإن قالوا لخصلةٍ منها لا؛ عزله) . كذا في الكنز. وأخرجه الطبري عن الأسود بمعناه.

شرائط عمر على العمال

وعند هَنَّاد عن إبراهيم قال: كان عمر رضي الله عنه إذا استعمل عاملاً فقدم إِليه الوفد من تلك البلاد قال: كيف أميركم؟ أيعود المملوك؟ أيتبع الجنازة؟ كيف بابه؟ ألَينٌ هو؟ فإن قالوا: بابه لين، ويعود المملوك، تركه، وإلا بعث إليه بنزعه. كذا في كنز العمال. شرائط عمر على العمال وأخرج البيهقي عن عاصم بن أبي النُّجُود أنِّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا بعث عماله شرط عليهم أن لا تركبوا بِرْذوناً، ولا تأكلوا نقيّاً، ولا تلبسوا رقيقاً، ولا تغلقوا أبوابكم دون حوائج الناس، فإن فعلتم شيئاً من ذلك فقد حلّت بكم العقوبة؛ ثم يُشيِّعهم. فإذا أراد أن يرجع قال: إني لم أسلطكم على دماء المسلمين، ولا على أبشارهم، ولا على أعراضهم، ولا على أموالهم، ولكني بعثتكم لتقيموا بهم الصلاة، وتقسموا فيهم فَيْئهم، وتحكموا بينهم بالعدل، فإذا أشكل عليكم شيء فارفعوه إليّ. ألا فلا تضربوا العرب فتذلّوها، ولا تحمِّروها فتفتنوا، ولا تَعْتَلوا عليها فتُحرَموها، جرِّدوا القرآن. كذا في الكنز. وأخرجه الطبري عن أبي حُصَين بمعناه مختصراً، وزاد: جرِّدوا القرآن، وأقلِّوا الرواية عن محمد صلى الله عليه وسلم وأنا شريككم، وكان يُقِصُّ من عماله، وإذا شُكِي

إِليه عامل له جمع بينه وبين من شكاه، فإن صحَّ عليه أمرٌ يجب أخذُه به أخذه به. وأخرج أيضاً ابن أبي شيبة، وابن عساكر عن أبي خُزيمة بن ثابت قال: كان عمر رضي الله عنه إذا استعمل رجلاً أشهد عليه رهطاً من الأنصار وغيرهم يقول: إِني لم أستعملك على دماء المسلمين - فذكر بمعناه، كما في الكنز. قول عمر في فرائض الأمير وأخرج ابن سعد، وابن عساكر عن عبد الرحمن بن سابط قال: أرسل عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى سعيد بن عامر الجمحي فقال: إِنا مستعملوك على هؤلاء تسير بهم إلى أرض العدو فتجاهد بهم، فقال: يا عمر لا تفتيِّ. فقال عمر: والله لا أدعكم، جعلتموها في عنقي ثم تخلَّيتم عني، إِنا أبعثك على قوم لست أفضلهم، ولست أبعثك لتضرب أبشارهم، ولتنتهك أعراضهم؛ ولكن تجاهد بهم عدوهم، وتقسم بينهم فيْئَهم. كذا في الكنز. قول أبي موسى في هذا الأمر وأخرج ابن عساكر؛ وأبو نُعيم في الحِلْية عن أبي موسى رضي الله عنه قال: إنَّ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعثني (إليكم) أعلمكم

كتاب عمر إلى عمرو بن العاص في كسر المنبر

كتاب ربكم، وسنّة نبيكم، وأنظف طرقكم. كذا في الكنز. وأخرجه الطبراني بنحوه. قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح. انتهى. الإِنكار على ترفع الأمير واحتجابه عن ذوي الحاجة ما وقع بين عمر بن الخطاب وعمرو بن العاص في هذا الأمر أخرج ابن عبد الحكم عن أبي صالح الغِفاري قال: كتب عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: إنا قد خَططْنا لك داراً عند المسجد الجامع. فكتب إليه عمر: إنَّى لرجل من الحجاز تكون له دار بمصر، وأمره أن يجعلها سوقاً للمسلمين. كذا في الكنز. كتاب عمر إِلى عمرو بن العاص في كسر المنبر وأخرج ابن عبد الحكم عن أبي تميم الجيشاني رضي الله عنه قال: كتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص - رضي الله عنه -: «أما بعد: فإنه بلغني أنك اتخذت منبراً ترقى به على رقاب الناس، أو ما بحسبك أن تقوم قائماً والمسلمون تحت عقبيك. فعزمت عليك لما كسرته» . كذا في الكنز. كتاب عمر إِلى عتبة بن فرقد في أن لا يترفع عن الرعية وأخرج مسلم عن أبي عثمان رضي الله عنه قال؛ كتب إِلينا عمر رضي الله عنه

مؤاخذة عمر أمير حمص على بنائه العلية

ونحن بأذربيجان: «يا عتبة بن فرقد، إنَّه ليس من كدِّك ولا من كدِّ أبيك ولا من كدِّ أمك، فأشبع المسلمين في رحالهم مما تشبع منه في رَحْلك؛ وإياكم والتنعّم وزيّ أهل الشرك ولبوس الحرير» . مؤاخذة عمر أمير حمص على بنائه العِلَيَّة وأخرج ابن عساكر عن عروة بن رُوَيم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه تصفَّح الناس، فمر به أهل حمص، فقال: كيف أميركم؟ قالوا: خير أمير إلا أنّه بني عِلِيَّة يكون فيها. فكتب كتاباً وأرسل بريداً، وأمره أن يحرقها. فلما جاءها جمع حطباً وحرق بابها. فأخبر بذلك فقال: دعوه فإنه رسول؛ ثم ناوله الكتاب، فلم يضعه من يده حتى ركب إِليه. فلما رآه عمر رضي الله عنه قال: إلحقني إلى الحرَّة - وفيها إبل الصدقة -. قال: إنزع ثيابك، فألقى إِليه نمرة من أوبار الإِبل، ثم قال: إفتح واسق هذه الإِبل، فلم يزل ينزل حتى تعب، ثم قال: متى عهدك بهذا؟ قال: قريب يا أمير المؤمنين، قال: فلذلك بنيت العِلِّيَّة وارتفعت بها على المسكين، والأرملة، واليتيم. إرجع إلى عملك لا تَعُدْ. كذا في كنز العمال. مؤاخذة عمر سعداً إذا اتخذ قصرا وأخرج ابن المبارك، وابن راهَوَيْه، ومسدَّد عن عَتّاب بن رِفاعة قال:

بلغ عمر بن الخطاب أنَّ سعداً - رضي الله عنه - إتخذ قصراً وجعل عليه باباً، وقال: إنقطع الصوت. فأرسل عر محمد بن مسلمة رضي الله عن - وكان عمر إذا أحب أن يُؤتى بالأمر كما يريد بعثه - فقال: إئتِ سَعْداً وأحرق عليه بابه. فقدم الكوفة، فلما أتى الباب أخرج زَنْده فاستورَى ناراً ثم أحرق الباب، فأُتي سعدٌ فأُخبر، ثم وُصِف له صفته، فعرفه. فخرج إليه سعد، فقال محمد: إنه بلغ أمير المؤمنين عنك أنك قلت: إنقطع الصوت. فحلف سعد بالله ما قال ذلك، فقال محمد: نفعل الذي أمرنا ونؤدِّي عنك ما تقول. وأقبل يعرض عليه أن يزوّده فأى، ثم ركب راحلته حتى قدم المدينة. فلما أبصره عمر رضي الله عنه قال: لولا حسن الظن بك ما رأينا أنك أدَّيت، وذكر أنه أسرع السير، وقال: قد فعلتُ، وهو يعتذر ويحلف بالله ما قال فقال عمر: هل أمر لك بشيء؟ قال: (ما كرهت من ذلك إنَّ أرض العراق أرض رقيقة، وإنَّ أهل المدينة يموتون حولي من الجوع، فخشيت أن آمر لك فيكون لك البارد ولي الحار) أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يشبع المؤمن دون جاره» . كذا في الكنز؛ وقد ذكره في الإِصابة بتمامه إلا أنه قال عن عباية بن رفاعة. وهكذا ذكره الهيثمي عن عباية بطوله ثم قال: رواه أحمد، وأبو

يَعْلى ببعضه، ورجاله رجال الصحيح إلا أن عباية بن رفاعة لم يسمع من عمر. انتهى. وأخرجه الطبراني عن أبي بَكْرة وأبي هريرة - رضي الله عنهما - مختصراً إلا أنه وقع في حديثه: فبلغ عمر رضي الله عنه أنه يحتجب عنه، ويغلق الباب دونهم. فبعث عمار بن ياسر رضي الله عنه وأمره إن قدم - والباب مغلق - أن يشعله ناراً. قال الهيثمي: وفيه عطاء بن السائب وقد اختلط. ما وقع بين عمر بن الخطاب وجماعة من الصحابة في الشام وأخرج ابن عساكر، واليشكري عن جُوَيرية رضي الله عنها - قال بعضه عن نافع، وبعضه عن رجل من ولد أبي الدرداء - قال: إستأذن أبو الدرداء عمرَ في أن يأتي الشام. فقال: لا آذن لك إلا أن تعمل. قال: فإني لا أعمل. قال: فإني لا آذن لك. قال: فأنطلقُ، فأُعلّمُ الناس سنّة نبيهم صلى الله عليه وسلم وأصلِّي بهم، فأذن له. فخرج عمر رضي الله عنه إلى الشام، فلما كان قريباً منهم أقام حتى أمسى. فلما جنّه الليل قال: يا يرفأ إنطلق إلى يزيد ابن (أبي) سفيان، أبصره عنده سُمَّار، ومصباح، مفترشاً ديباجاً، وحريراً من فيء المسلمين، فتسلِّم عليه فيرد عليك السلام، وتستأذن فلا يأذن لك حتى يعلم من أنت. فانطلقنا حتى انتهينا إلى بابه فقال: السلام عليكم. فقال: وعليكم السلام. قال: أدخل؟ قال: ومن أنت؟ قال يرفأ: هذا من يسوءك، هذا أمير المؤمنين. ففتح الباب. فإذا سمّار، ومصباح، وإذا هو مفترش ديباجاً وحريراً. فقال: يا يرفأ، الباب، الباب. ثم وضع الدِّرَّة بين أذنيه ضرباً، وكوَّر المتاع فوضعه وسط البيت، ثم قال للقوم: لا يبرح منكم أحد حتى أرجع إليكم. ثم خرجا من عنده ثم قال: يا يرفأ إنطلق بنا إلى عمرو بن العاص أبصر عنده سمّار، ومصباح، مفترش ديباجاً من فيء المسلمين، فتسلِّم عليه فيرد عليك، وتستأذن عليه فلا يأذن لك حتى يعلم من أنت. فانتهينا إلى بابه، فقال عمر: السلام عليكم. قال: وعليكم السلام. قال: أدخل؟ قال: ومن أنت؟ قال يرفأ: هذا من يسوءك، هذا أمير المؤمنين. ففتح الباب. فإذا سُمّار ومصباح، وإذا هو مفترش ديباجاً وحريراً. قال: يا يرفأ، الباب،

الباب. ثم وضع الدِّرَّة بين أذنيه ضرباً، ثم كوَّر المتاع فوضعه في وسط البيت. ثم قال للقوم: لا تبرحُنَّ حتى أعود إِليكم. فخرجا من عنده فقال: يا يرفأ إنطلق بنا إلى أبي موسى أبصره عنده سُمّار، ومصباح، مفترشاً صوفاً من مال فيء المسلمين، فتستأذن عليه، فلا يأذن لك حتى يعلم من أنت. فانطلقنا إليه وعنده سُمَّار ومصباح مفترشاً صوفاً، فوضع الدِّرَّة بين أذنيه ضرباً وقال: أنت أيضاً يا أبا موسى؟ فقال: يا أمير المؤمنين هذا وقد رأيت ما صنع أصحابي، أما والله لقد أصبت مثل ما أصابوا. قال: فما هذا؟ قال: زعم أهل البلد أنه لا يصلح إلا هذا. فكوَّر المتاع فوضعه في وسط البيت وقال للقوم: لا يخرجنَّ منكم أحد حتى أعود إليكم. فلما خرجنا من عنده قال: يا يرفأ إنطلق بنا إلى أخي لنبصرنه، ليس عنده سمّار، ولا مصباح، وليس لبابه غَلَق، فتسلِّم عليه فيرد عليك السلام، وتستأذن فيأذن لك من قبل أن يعلم من أنت. فانطلقنا حتى إذا قمنا على بابه قال: السلام عليكم. قال: وعليك السلام. قال: أأدخل؟ قال: أدخل. فدفع الباب فإذا ليس له غَلَق. فدخلنا إلى بيت مظلم، فجعل عمر رضي الله عنه يلمسه حتى وقع عليه، فجسّ وساده فإذا برذعة، وجسّ فراشه فإذا بطحاء، وجسّ دثاره فإذا كساء رقيق. فقال أبو الدرداء رضي الله عنه: من هذا أمير المؤمنين؟ قال:

نعم. قال: أما - والله - لقد إستبطأتك منذ العام. قال عمر رضي الله عنه: رحمك الله، ألم أوسع عليك؟ ألم أفعل بك؟ فقال له أبو الدرداء رضي الله عنه: أتذكر حديثاً حدَّثناه رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عمر؟ قال: أيّ حديث؟ قال: «لِيَكُنْ بَلاغُ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب» . قال: نعم. قال: فماذا فعلنا بعده يا عمر؟ قال: فما زالا يتجاوبان بالبكاء حتى أصبحا. كذا في كنز العمال. تفقد الأحوال (قصة عمر وأبي بكر رضي الله عنهما في ذلك) أخرج الخطيب عن أبي صالح الغِفاري أنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يتعاهد عجوزاً كبيرة عمياء في حواشي المدينة من الليل، فيستسقي لها ويقوم بأمرها، وكان إذا جاءها وجد غيره قد سبقه إليها فأصلح ما أرادت. فجاءها غير مرّة فلا يُسبق إليها، فرصده عمر فإذا هو بأبي بكر الصديق - رضي الله عنهما - الذي يأتيها وهو خليفة. فقال لعمر: أنت لعمري كذا في منتخب الكنز. وأخرج أبو نعيم في الحلية عن الأوزاعي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج في سواد الليل فرآه طلحة، فذهب عمر فدخل بيتاً ثم دخل بيتاً آخر. فلما أصبح طلحة ذهب إِلى ذلك البيت فإذا بعجوز عمياء مقعدة، فقال: (لها) ما بال هذا الرجل يأتيك؟ قالت: إنه يتعاهدني منذ كذا وكذا، يأتيني بما يصلحني ويخرج عني الأذى؛ فقال طلحة: ثكلتك أمك يا طلحة، أعثَرات عمر تتبع؟.

الأخذ بظاهر الأعمال (قول عمر رضي الله عنه في ذلك) أخرج عبد الرزاق عن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال: سمعت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: إن ناساً كانوا يُؤخذون بالوحي في عهد رسول الله، وإنَّ الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيراً أمِنَّاه وقربناه، وليس إلينا من سريرته شيء، الله يحاسبه في سريرته؛ ومن أظهر لنا شراً لم نأمنه ولم نصدِّقه وإِن قال: إن سريرته حسنة. كذا في الكنز. وأخرجه البيهقي عن عبد الله مثله وقال: رواه البخاري في الصحيح. وأخرج ابن سعد والبيهقي عن الحسن قال: إن أول خطبة خطبها عمر رضي الله عنه حمد الله وأثنى عليه ثم قال: «أما بعد: فقد ابتليت بكم، وابتليتم بي، وخلفت فيكم بعد صاحبيَّ؛ فمن كان بحضرتنا باشرناه بأنفسنا؛ ومهما غاب عنا ولّيناه أهل القوة والأمانة. فمن يحسن نزده حسناً، ومن يسيء نعاقبه؛ ويغفر الله لنا ولكم» . كذا في الكنز.

النظر في العمل (قول عمر رضي الله عنه في ذلك) أخرج البيهقي، وابن عساكر عن طاووس أنَّ عمر رضي الله عنه قال: أرأيتم إن استعملت عليكم خير من أعلم ثم أمرته بالعدل، أقضيت ما غليَّ؟ قالوا: نعم. قال: لا، حتى أنظر في عمله أَعمِل بما أمرته أم لا؟ كذا في الكنز. تعقيب الجيوش (حديث عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري في ذلك) أخرج أبو داود، والبيهقي عن عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري - رضي الله عنه - أنَّ جيشاً من الأنصار كانوابأرض فارس مع أميرهم، وكان عمر رضي الله عنه يُعَقِّب الجيوش في كل عام، فشُغل عنهم عمر. فلما مرّ الأجل قفل أهل ذلك الثغر، فاشتد عليه، وأوعدهم وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يا عمر إنك غفلت عنا، وتركت فينا ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من إعقاب بعض الغزيَّة بعضاً. كذا في كنز العمال. رعاية الأمير المسلمين فيما نزل بهم قصة عمر وأبي عبيدة في ذلك في طاعون عَمَواس أخرج ابن عساكر عن طارق بن شهاب عن أبي موسى أن أمير المؤمنين

كتب إلى أبي عبيدة بن الجراح - رضي الله عنه - حيث سمع بالطاعون الذي أخذ الناس بالشام: إنِّي بدت لي حاجة إليك فلا غنى لي عنك فيها، فإن أتاك كتابي ليلاً فإني أعزم عليك أن تصبح حتى تركب إليّ، وإِن أتاك نهاراً فإِني أعزم عليك أن تمسي حتى تركب إليّ. فقال أبو عبيدة رضي الله عنه: قد علمت حاجة أمير المؤمنين التي عرضت، وإنه يريد أن يستبقي من ليس بباقٍ. فكتب إِليه: إِني في جند من المسلمين لن أرغب بنفسي عنهم، وإِني قد علمت حاجتك التي عرضت لك، وإنك تستبقي من ليس بباقٍ، فإذا أتاك كتابي هذا فحلِّلني من عزمك، وائذن لي في الجلوس.d فلما قرأ عمر رضي الله عنه كتابه فاضت عيناه وبكى. فقال له من عنده: يا أمير المؤمنين، مات أبو عبيدة؟ قال: لا، وكأنْ قد. فكتب إِليه عمر رضي الله عنه أن الأردن أرض وبئة وكان قد كتب عمقه، وأن الجابية أرض نَزِهة، فاظهرْ بالمهاجرين إليها. قال أبو عبيدة حين قرأ الكتاب: أمّا هذا فنسمع فيه أمر أمير المؤمنين ونطيعه، فأمرني أن أركب وأبوّىء الناس منازلهم. فطُعنت إمرأتي، فجئت أبا عبيدة فانطلق أبو عبيدة يبوىء الناس منازلهم، فطُعن فتوفي، وانكشف الطاعون. قال أبو الموجِّه: زعموا أن أبا عبيدة كان في ستة وثلاثين ألفاً من الجند، فماتوا فلم يبقَ إلا ستة آلاف رجل. وروى سفيان بن عيينة أخصر منه. كذا في الكنز. وأخرجه الحاكم من طريق سفيان وفي سياقه: فقال أبو عبيدة رضي الله عنه: يرحم الله أمير المؤمنين يريد بقاء قوم ليسوا بباقين. قال: ثم كتب إليه أبو عبيدة: إِني في جيش من جيوش المسلمين لست أرغب بنفسي عن الذي

أصابهم. قال الحاكم: رواة هذا الحديث كلهم ثقات وهو عجيب بمرة؛ وقال الذهبي: على شرط البخاري، ومسلم. وأخرجه ابن إسحاق من طريق طارق بطوله، كما في الإِصابة، وفي سياقه: يا أمير المؤمنين، إني قد عرفت حاجتك إليّ، وإني في جند من المسلمين لا أجد بنفسي رغبة عنهم، فلست أريد فراقهم حتى يقضي الله فيّ وفيهم أمره وقضاءه، فخلِّني من عزمتك يا أمير المؤمنين ودعني في جندي. وأخرجه الطبري أيضاً بطوله عن طارق. رحمة الأمير حديث أبي أسيد رضي الله عنه في ذلك أخرج ابن أبي شيبة عن أبي جعفر أن أبا أُسَيد جاء النبي صلى الله عليه وسلم بسَبْي من البحرين، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى إمرأة منهنَّ تبكي. فقال: «ما شأنك؟» فقالت: باع إبني. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي أسيد: «أبعت إبنها؟» قال: نعم. قال: «فيمن؟» قال: في بني عبس. فقال النبي صلى الله عليه وسلم «إركب أنت بنفسك فائت به» . كذا في الكنز. خطبة عمر في هذا الأمر وأخرج ابن المنذر، والحاكم، والبيهقي عن بُرَيدة قال: كنت جالساً عند عمر رضي الله عنه إِذ سمع صائحة، فقال: يا يَرْفأ أنظر ما هذا الصوت؟ فنظر ثم جاء فقال: جارية من قريش تبع أمها. فقال عمر رضي الله عنه: أدع لي المهاجرين والأنصار، فلم يمكث إلا ساعة حتى امتلأ الدار والحجرة. فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:

قصة المرأة المخزومية

«أما بعد: فهل تعلمونه كان فيما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم القطيعة؟ قالوا: لا. فإنها أصبحت فيكم فاشية ثم قرأ: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِى الاْرْضِ وَتُقَطّعُواْ أَرْحَامَكُمْ} (محمد: 22) ثم قال: وأي قطيعة أقطع من أن تباع أم إمرأة فيكم وقد أوسع الله لكم؟. قالوا: فاصنع ما بدا لك. فكتب في الآفاق أن لا تباع أمُّ حرَ فأنها قطيعة رحم وإنه لا يحل» . كذا في كنز العمال. حديث أبي عثمان النَّهدي في ذلك وأخرج البيهقي وهَنَّاد عن أبي عثمان النَّهْدي قال: إستعمل عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلاً من بني أسد على عمل، فجاء يأخذ عهده، (قال فأُتي عمرُ ببعض ولده فقبّله. فقال الأسديّ: أتقبل هذا يا أمير المؤمنين؟ والله ما قبّلت ولداً قط قال عمر رضي الله عنه: فأنت - والله - بالناس أقل رحمة، هاتِ عهدنا، لا تعمل لي عملاً أبداً، فردّ عهده. كذا في الكنز. وأخرجه الدِّينَوَري عن محمد بن سلام وفي حديثه؛ قال عمر: فما ذنبي إن كان نزع من قلبك الرحمة، إنَّ الله لا يرحم من عباده إلا الرحماء، ونزعه عن عمله فقال: أنت لا ترحم ولدك فكيف ترحم الناس. كذا في الكنز. عدل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عدل النبي صلى الله عليه وسلم قصة المرأة المخزومية وخطبة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أخرج البخاري عن عروة أن إمرأة سرقت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في

غزوة الفتح، ففزع قومها إلى أسامة بن زيد رضي الله عنه يستشفعونه. قال عروة: فلما كلّمه أسامة فيها تلوّن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «أتكلّمني في حدَ من حدود الله تعالى؟» فقال أسامة؛ إستغفر لي يا رسول الله. فلما كان العشيّ قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: «أما بعد: فإنَّما هلك الناس (قبلكم) أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد. والذي نفس محمد بيده لو أنَّ فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» . ثم أمر رسول الله بتلك المرأة، فقُطعت يدها، فحسنت توبتها بعد ذلك وتزوجت. قالت عائشة رضي الله عنها: كانت أتي بعد ذلك فأرفع حاجتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رواه البخاري في موضع آخر ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها. كذا في البداية. وأخرجه أيضاً الأربعة عن عائشة كما في الترغيب. حديث أبي قتادة رضي الله عنه في ذلك وأخرج البخاري عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حُنَين. فلما التقينا كانت للمسلمين جَوْلة، فرأيت رجلاً من

المشركين قد علا رجلاً من المسلمين فضربته من ورائه على حبلِ عاتقه بالسيف فقطعت الدرع، وأقبل عليّ فضمني ضمَّة وجدت منها ريح الموت، ثم أدركه الموت فأرسلني، فلحقت عمر رضي الله عنه فقلت: ما بال الناس؟ فقال: أمر الله. ثم رجعوا وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «من قتل قتيلاً له عليه بيِّنة فله سَلَبه» . فقمت فقلت: من يشهد لي؟ ثم جلست. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله. فقلت: من يشهد لي؟ ثم جلست. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله. فقلت: من يشهد لي؟ ثم جلست. ثم قالت مثله. فقمت فقال: «مالك يا أبا قتادة؟» فأخبرته، فقال رجل: صَدَق، وسَلَبُه عندي فأرضِه عنِّي. فقال أبو بكر رضي الله عنه: لا ها الله، إِذاً يعمِدُ إلى أسَدٍ من أُسْدِ الله يقاتل عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فيعطيك سَلَبه فقال النبي صلى الله عليه وسلم «صدق فأعطه» فأعطانيه، فابتعتُ به مَخْرَفاً في بني سَلِمة، فإنَّه لأول مال تَأثَّلْتُه في الإِسلام. وأخرجه أيضاً مسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه (ص 209) والبيهقي. قصة عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي مع يهودي وأخرج ابن عساكر عن عبد الله بن أبي حَدْرَد الأسلمي رضي الله عنه أنه كان ليهودي عليه أربعة دراهم فاستعدى عليه. فقال: يا محمد، إِنَّ لي على هذا أربعة دراهم وقد غلبني عليها. قال: «أعطه حقَّه» . قال: والذي بعثك

قصة رجلين من الأنصار في هذا الأمر

بالحق ما أقدر عليها. قال: «أعطه حقَّه» . قال: والذي نفسي بيده ما أقدر عليها، قد أخبرته أنك تبعثنا إلى خيبر فأرجو أن تُغَنِّمنا شيئاً فأرجع فأقضيه. قال: «أعطه حقَّه» . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال ثلاثاً لم يراجَع. فخرج ابن أبي حَدْرَد إلى السوق وعلى رأسه عصابة وهو متَّزر ببردة، فنزع العمامة عن رأسه فاتَّزر بها ونزع البُردة فقال: إشترِ مني هذه البردة، فباعها منه بأربعة دراهم. فمرّت عجوز فقالت: ما لك يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرها، فقالت: ها دونك هذا البُرد - لبردٍ عليها طرحته عليه - كذا في الكنز. وأخرجه أحمد أيضا كما في الإِصابة. قصة رجلين من الأنصار في هذا الأمر وأخرج ابن أبي شيبة، وأبو سعيد النقَّاش عن أم سَلَمة رضي الله عنها قالت: جاء رجلان من الأنصار يختصمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواريث قد دَرَست ليس لها بيِّنة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم «إنكم تختصمون إليّ وإنما أقضي برأيي فيما لم ينزل عليّ فيه، فمن قضيت له فيه بحجته يقتطع بها شيئاً من حق أخيه فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار، يأتي يوم القيامة إنتظاماً في عنقه» . فبكى الرجلان وقال كل واحد منهما: يا رسول الله حقِّي له. فقال النبي صلى الله عليه وسلم «أما إذا فعلتما ما فعلتما فاذهبا، وتوخَّيا الحقِّ، واقتسما، واستهما، وليحلِّل كل واحد منكما صاحبه. كذا في الكنز.

قصة أعرابي في هذا الأمر وأخرج ابن ماجه عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يتقاضاه دَيْناً كان عليه، فاشتد عليه حتى قال: أحرِّجُ عليك إلا قضيتني، فانتهره أصحابه، فقالوا: ويحك، تدري من تكلّم؟ فقال: إِني أطلب حقِّي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم «هلا مع صاحب الحق كنتم؟» ثم أرسل إِلى خَوْلة بنت قيس فقال لها: إن كان عندك تمر فاقرضينا حتى يأتينا تمر فنقضيَك. فقالت: نعم بأبي أنت وأمي يا رسول الله. فأقرضته، فقضى الأعرابيَّ وأطعمه. فقال: أوفيتَ أوفى الله لك فقال: «أولئك خيار الناس إنه لا قدِّست أمة لا يأخذ الضعيف فيها حقه غير متعتع» ، ورواه البزار من حديث عائشة رضي الله عنها مختصراً، والطبراني من حديث ابن مسعود رضي الله عنه بإسناد جيد. كذا في الترغيب. حديث خولة بنت قيس في ذلك وأخرج الطبراني عن خولة بنت قيس - إمرأة حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنهما - قالت: كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم وَسْق من تمر لرجل من بني ساعدة، فأتاه يقتضيه، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من الأنصار أن يقضيه، فقضاه تمراً دون تمره فأبى أن يقبله، فقال: أتردُّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم ومن

عدل أبي بكر الصديق رضي الله عنه

أحق بالعدل من رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتحلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدموعه ثم قال: «صدق، ومن أحق بالعدل مني؟ لا قدّس الله أمةً لا يأخذ ضعيفها حقّه من شديدها، ولا يتعتعه» ثم قال: «يا خولة، عِدِيه واقضيه، فإنه ليس من غريم يخرج من غريمة راضياً إلا صلَّتْ عليه دوابّ الأرض ونون البحار. وليس من عبد يلوي غريمة وهو يجد إِلا كتب الله عليه في كل يوم وليلة إِثماً» . رواه أحمد بنحوه عن عائشة رضي الله عنها بإسناد جيد قوي. كذا في الترغيب. عدل أبي بكر الصديق رضي الله عنه حديث عبد الله بن عمرو في هذا وقول الصديق: فمن لي من الله يوم القيامة أخرج البيهقي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - قام يوم جمعة فقال: إذا كان بالغداة فأحضروا صدقات الإِبل نقسم، ولا يدخل علينا أحد إلا بإذن. فقالت إمرأة لزوجها: خذ هذا الخِطام لعل الله يرزقنا جملاً. أتى الرجل فوجد أبا بكر، وعمر - رضي الله عنهما - قد دخلا إلى الإِبل فدخل معهما. فالتفت أبو بكر فقال: ما أدخلك علينا؟ ثم أخذ منه الخطام فضربه. فلما فرغ أبو بكر من قَسْم الإِبل دعا بالرجل فأعطاه الخِطام، وقال: إستَقِد. قال له عمر: والله لا يستقيد، لا تجعلْها سُنّة. قال أبو بكر: فمن لي من الله يوم القيامة؟ فقال عمر: أرضِهِ؛ فأمر أبو بكر غلامه أن يأتيه براحلة ورحْلِها وقطيفة، وخمسة دنانير فأرضاه بها. كذا في كنز العمال.

عدل عمر الفاروق رضي الله عنه

عدل عمر الفاروق رضي الله عنه قصة عمر وأُبي بن كعب أخرج ابن عساكر، وسعيد بن منصور، والبيهقي عن الشَّعْبي قال: كان بين عمر وبين أُبيّ بن كعب - رضي الله عنهما - خصومة. فقال عمر: أجلع بيني وبينك رجلاً، فجعلا بينهما زيد بن ثابت رضي الله عنه. فأتياه فقال عمر: أتيناك لتحكم بيننا وفي بيته يُؤتى الحَكَمُ. فلما دخلا عليه وسَّع له زيد عن صدر فراشه فقال: ها هنا أمير المؤمنين. فقال له عمر: هذا أول جَوْر جُرْت في حكمك، ولكن أجلس مع خصمي، فجلسا بين يديه. فادّعى أُبيّ وأنكر عمر، فقال زيد لأُبيّ: أعفِ أمير المؤمنين من اليمين وما كنت لأسألها لأحد غيره، فحلف عمر، ثم أقسم: لا يدرك زيدٌ القضاءَ حتى يكون عمرُ ورجلٌ من عُرْض المسلمين عنده سواء. وعند ابن عساكر عن الشَّعْبي قال: تنازع في جعذاذ نخل أبيّ بن كعب، وعمر بن الخطاب - رضي الله عنهما -، فبكى أبيّ ثم قال: أفي سلطانك يا عمر؟ فقال عمر: إجعل بيني وبينك رجلاً من المسلمين. قال أبيّ: زيد، قال: رِضًى، فانطلقا حتى دخلا على زيد - فذكر الحديث كما في كنز العمال و. قصة العباس وعمر في توسيع المسجد النبوي وأخرج عبد الرزاق عن زيد بن أسلم قال: كان للعباس بن عبد المطلب - رضي الله عنه - دار إلى جنب مسجد المدينة، فقال له عمر رضي الله عنه:

بِعْنيها، فأراد عمر أن يزيدها في المسجد، فأبى العباس أن يبيعها إِيّاه. فقال عمر: فهَبْها لي، فأبى. فقال: فوسِّعْها أنت في المسجد، فأبى. فقال عمر: لا بدّ لك من إِحداهنّ، فأبى عليه. فقال: خذ بيني وبينك رجلاً، فأخذ أبيّ بن كعب رضي الله عنه، فاختصما إليه. فقال أبيّ لعمر: ما أرى أن تخرجه من داره حتى ترضيَه. فقال له عمر: أرأيت قضاءك هذا في كتاب الله وجدته أم سنّةً من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبيّ: بل سنّة من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر: وما ذاك؟ فقال: إِني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن سليمان بن داود - عليهما الصلاة والسلام - لما بنى بيت المقدس جعل كلّما بني حائطاً أصبح منهدماً، فأوحى الله إليه أن لا تبني في حقِّ رجل حتى ترضيَه» . فتركه عمر، فوسَّعها العباس بعد ذلك في المسجد. حديث سعيد بن المسيِّب في ذلك وأخرج عبد الرزاق أيضاً عن سعيد بن المسيِّب قال: أراد عمر رضي الله عنه أن يأخذ دار العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه فيزيدها في المسجد، فأبى العباس أن يعطيه إياه. فقال عمر: لآخذنَّها. قال: فاجعل بيني وبينك أبيّ بن كعب. قال: نعم: فأتيا أبيَّاً، فذكرا له. فقال أبيّ: أوحى الله إلى سليمان بن داود - عليهما الصلاة والسلام - أن يبني بيت المقدس، وكانت أرضاً لرجل فاشترى منه الأرض، فلما أعطاه الثمن قال: الذي أعطيتني خير أم الذي أخذت مني؟ قال: بل الذي أخذت منك. قال: فإني لا أجيز. ثم اشتراها منه بشيء أكثر من ذلك، فصنع الرجل مثل ذلك مرتين أو ثلاثاً، فاشترط عليه سليمان - عليه الصلاة والسلام - أني أبتاعها منكم على حكمك فلا تسألني أيهما خير. قال: فاشتراها منه بحكمه، فاحتكم إثني عشر ألف قنطارٍ ذهباً. فتعاظم ذلك سليمان - عليه الصلاة والسلام - أن يعطيه، فأوحى الله إليه إن كنت تعطيه من شيء هو لك فأنت أعلم، وإن كنت تعطيه من رزقنا فأعطِه حتى يرضى، ففعل. قال: وأنا أرى أن عباساً أحقُّ بداره حتى يرضَى. قال العباس:

فإذا قضيت لي فإني أجعلها صدقة للمسلمين. كذا في كنز العمال. وأخرجه ابن سعد، وابن عساكر عن سالم أبي النَّضر مطوَّلاً جداً، وسنده صحيح إلا أن سالماً لم يدرك عمر. وأخرجاه أيضاً، والبيهقي، ويعقوب بن سفيان عن ابن عباس رضي الله عنهما مختصراً، وسنده حسن؛ كما في الكنز. وأخرجه الحاكم، وابن عساكر من طريق أسْلَمَ من وجه آخر مطوَّلاً؛ كما في الكنز، وفي حديثه حذيفة بدل أُبيّ بن كعب رضي الله عنهما. قصة عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب وأبي سَرْوعة وأخرج عبد الرزاق، والبيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: شرب أخي عبد الرحمن، وشرب معه أبو سَرْوَعة عُقْبة بن الحارث - وهما بمصر - في خلافة عمر رضي الله عنه، فسكرا. فلما أصبحا إنطلقا إلى عمرو بن العاص رضي الله عنه - وهو أمير مصر - فقالا: طهِّرنا، فإن قد سكرنا من شرب شربناه. قال عبد الله؛ فذكر لي أخي أنه سكر، فقلت: أدخل الدار أطهرك لم أشعر أنها قد أتيا عَمْراً، فأخبرني أخي أنه قد أخبر أمير المؤمنين بذلك. فقلت لا تُحلق اليوم على رؤوس الناس، أدخل الدار أحلقك، وكانوا إِذْ ذاك يحلقون مع الحد، فدخلا الدار. قال عبد الله فحلقت أخي بيدي ثم جلدهم عمرو. فسمع بذلك عمر فكتب إِلى عمرو رضي الله عنهما: أن أبعث

إليّ بعبد الرحمن على قَتَب، ففعل ذلك. فلما قدم على عمر رضي الله عنه جلده وعاقبه لمكانه منه. ثم أرسله فلبث شهراً صحيحاً ثم أصابه قدره فمات، فيحسب عامة الناس إنما مات من جلد عمر، ولم يمت من جلد عمر. قال في منتخب كنز العمال: وسنده صحيح. وأخرجه ابن سعد عن أسْلم عن عمرو بن العاص رضي الله عنه بطوله؛ كما في منتخب الكنز. حديث عمر وامرأة مغيبة وأخرج عبد الرزاق، والبيهقي عن الحسن قال: أرسل عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى إمرأة مُغَيِّبة كان يُدخل عليها، فأنكر ذلك، فأرسل إليها فقيل له: أجيبي عمر؛ فقالت: يا ويلها ما لها ولعمر فبينما هي في الطرق فزعت فضربها الطَّلْق، فدخلت داراً؛ فألقت ولدها؛ فصاح الصبي صيحتين ثم مات: فاستشار عمر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأشار عليه بعضهم أن ليس عليك شيء، إنما أنت والٍ ومؤدب؛ وصمت علي رضي الله عنه، فأقبل على علي فقال: ما تقول؟ قال: إن كانوا قالوا برأيهم فقد أخطأ رأيهم، وإن كانوا قالوا في هواك فلم ينصحوا لك، أرى أنَّ ديته عليك فإنك أنت أفزعتها، وألقت ولدها في سببك؛ فأمر علياً رضي الله عنه أن يقسم عَقْله على قريش

ما كان يعمله عمر رضي الله عنه في الموسم للعدل بين الناس

يعني يأخذ عقله من قريش لأنه خطأ كذا في كنز العمال. ما كان يعمله عمر رضي الله عنه في الموسم للعدل بين الناس وأخرج ابن سعد عن عطاء: قال كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يأمر عماله أن يوافوه بالمَوْسم، فإذا اجتمعوا قال: «يا أيها الناس، إني لم أبعث عمالي عليكم ليصيبوا من أبشاركم، ولا من أموالكم، (ولا من أعراضكم) إِنما بعثتهم ليحجزوا بينكم، وليقسموا فيئكم بينكم، فمن فعل به غير ذلك فليقم» . فما قام أحد إلا رجل، قام فقال: يا أمير المؤمنين إِنَّ عاملك فلاناً ضربني مائة سوط. قال: فيم ضربته؟ قم فاقتص منه. فقام عمرو بن العاص رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين إنك إن فعلت هذا يكثر عليك، وتكن سنّة يأخذ بها مَنْ بعدك. فقال: أنا لا أُقيد وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقيد في نفسه؟ قال: فدعنا لنرضيه. قال: دونكم فأرضوه، فافتدى منه بمائتي دينار عن كل سَوْط بدينارين. وأخرجه أيضاً ابن راهويه؛ كما في منتخب الكنز. قصة مصري وابن عمرو بن العاص وأخرج ابن عبد الحكم عن أنس رضي الله عنه أن رجلاً من أهل مصر أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: يا أمير المؤمنين عائذ بك من الظلم. قال: عذتَ معَاذاً. قال: سابقت ابن عمرو بن العاص فسبقته،

مؤاخذة عمر عامله على البحرين

فجعل يضربني بالسوط ويقول: أنا ابن الأكرمين. فكتب عمر إلى عمرو - رضي الله عنهما - يأمره بالقدوم ويقدَم بابنه معه. فقدم فقال عمر: أين المصري؟ خذ السوط ضرب. فجعل يضربه بالسوط ويقول عمر: إضرب ابن الألأمَينْ. قال أنس: فضرب والله لقد ضربه ونحن نحب ضربه؛ فلما أقلع عنه حتى تمنينا أنه يرفع عنه. ثم قال للمصري: ضَعْ على صلعة عمرو. فقال: يا أمير المؤمنين إِنّما ابنه الذي ضربني وقد استَقَدْت منه. فقال عمر لعمرو؛ مذ كم تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟ قال: يا أمير المؤمنين لم أعلم ولم يأتني. كذا في منتخب كنز العمال. مؤاخذة عمر عامله على البحرين أخرج ابنجري رعن يزيد بن أبي منصور قال: بلغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن عامله على البحرين ابن الجارود أو ابن أبي الجارود أتِيَ برجل يقال له أدِرْياس قامت عليه بينة بمكاتبة عدو المسلمين، وأنه قد همَّ أن يلحق بهم، فضرب عنقه وهو يقول: يا عُمَرَاه، يا عمراه فكتب عمر رضي الله عنه إلى عامله ذلك فأمره بالقدوم عليه؛ فقدم فجلس له عمر وبيده حربة. فدخل على عمر فعَلا عمر لحيته بالحربة وهو يقول: أدرياس لبيك، أدرياس لبيك وجعل الجارود يقول: يا أمير المؤمنين إنه كاتبهم بعورة المسلمين وهمّ أن يلحَق بهم. فقال عمر: قتلته على همِّه وأيّنا لم يهمه، لولا أن تكون سُنَّة لقتلتك به. كذا في الكنز. حديث زيد بن وهب في ذلك وأخرج البيهقي عن زيد بن وَهْب قال: خرج عمر - رضي الله عنه - ويداه

في أخذنه - وهو يقول: يا لَبيْكاه، يا لَبيْكاه قال الناس: ما له؟ قال: جاءه بريد من بعض أمرائه أن نَهَراً حال بينهم وبين العبور ولم يجدوا سفناً، فقال أميرهم: أطلبوا لنا رجلاً يعلم غَوْر النهر، فأُتي بشيخ فقال: إِني أخاف البرد - وذلك في البرد - فأكرهه فأدخله، فلم يُلْبِثْه البرد، فجعل ينادي: يا عُمَراه فغرق. فكتب إِليه، فأقبل، فمكث أياماً معرضاً عنه، وكان إذا وجد على أحد منهم فعل به ذلك. ثم قال: ما فعل الرجل الذي قتلته؟ قال: يا أمير المؤمنين ما تعمدت قتله، لم نجد شيئاً يُعبر فيه، وأردنا أن نعلم غَوْر الماء، ففتحنا كذا وكذا. فقال عمر: لَرَجلٌ مسلم أحبُّ إليّ من كل شيء جئت به، لولا أن تكون سنّةً لضربت عنقك، فأعطِ أهلَ ديته، واخرج فلا أراك. كذا في الكنز. قصة أبي موسى ورجل وكتاب عمر في ذلك وأخرج البيهقي عن جرير أنَّ رجلاً كان مع أبي موسى - رضي الله عنه - فغنموا مغنماً، فأعطاه أبو موسى نصيبه ولم يُوَفِّه، فأبى أن يأخذه إلا جميعه، فضربه أبو موسى عشرين سوطاً وحلق رأسه.f فجمع شعره وذهب به إلى عمر رضي الله عنه. فأخرج شَعَراً من جيبه فضرب به صدر عمر. قال: ما لك؟ فذكر قصته. فكتب عمر إلى أبي موسى: «سلام عليك، أما بعد، فإن فلان بن فلان أخبرني بكذا وكذا، وإني أقسم عليك إن كنت فعلت ما فعلت في ملأ من الناس (إلا) جلست له في ملأ فاقتصَّ منك، وإِن كنت فعلت ما فعلت في خلأ فاقعد له في خلأ فليقتص منك» . فلما دُفع إليه الكتاب قعد للقصاص. فقال الرجل: قد عفوت عنه صلى الله عليه وسلم كذا في كنز العمال.

قصة فيروز الديلمي مع فتى من قريش وأخرج ابن عساكر عن الحرماوي قال: كتب عمر بن الخطاب إلى فيروز الديلمي - رضي الله عنهما -: «أما بعد: فقد بلغني أنه قد شغلك أكل اللباب بالعسل، فإذا أتاك كتابي هذا فأقدَم على بكرة الله، فأغزُ في سبيل الله» . فقدم فيروز فاستأذن على عمر - رضي الله عنه - فأذن له، فزاحمه فتى من قريش، فرفع فيروز يده فلطم أنف القرشي، فدخل القرشي على عمر مستدمي. فقال له عمر: من فعل بك؟ قال: فيروز، وهو على الباب، فأذن لفيروز بالدخول فدخل. فقال: ما هذا يا فيروز؟ قال: يا أمير المؤمنين، إنا كنا حديثي عهد بملك، وإنك كتبت إهليّ ولم تكتب إِليه، وأذنت لي بالدخول ولم تأذن له، فأراد أن يدخل في إذني قبلي، فكان مني ما قد أخبرك. قل عمر رضي الله عنه: القِصاص. قال فيروز: لا بدَّ؟ قال: لا بد. فجثى فيروز على ركبتيه وقام الفتى ليقتص منه. فقال له عمر رضي الله عنه: على رِسْلك أيها الفتى حتى أخبرك بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة وهو يقول: «قُتل الليلة الأسود العنسي الكذّاب، قتله العبد الصالح فيروز الديلمي؟» أفتراك مقتصاً منه بعد إِذ سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الفتى: قد عفوت عنه بعد إذ أخبرتني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا. فقال فيروز لعمر: أفترى هذا مُخرجي مما صنعت إِقراري له وعفوه غير مستكره؟ قال: نعم. قال فيروز: فأشهدك أن سيفي، وفرسي، وثلاثين ألفاً من مالي هبة له.

قصة جارية وعدل عمر رضي الله عنه

قال عفوت مأجوراً يا أخا قريش، وأخذت مالاً. كذا في الكنز. قصة جارية وعدل عمر رضي الله عنه وأخرج الطبراني في الأوسط، وابن عساكر، والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاءت جارية إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقالت إن سيدي إتهمني فأقعدني على النار حتى احترق فرجي. فقال لها عمر: هل رأى ذلك عليك؟ قالت: لا. قال: فهل اعترفت له بشيء؟ قالت: لا. فقال عمر: عليَّ به. فلما رأى عمر الرجل قال: أتعذِّب بعذاب الله؟ قال: يا أمير المؤمنين إتهمتها في نفسها. قال: أرأيت ذلك عليها؟ قال: لا. قال: فاعترفت لك به؟؟ قال: لا. قال: والذي نفسي بيده لو لم أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يُقاد مملوك من مالكه، ولا ولد من والده» لأقدتها منك، وضربه مائة سوط، وقال للجارية: إذهبي فأنت حرة لوجه الله، وأنت مولاة الله ورسوله؛ أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من حُرِق بالنار أو مُثِّل به فهو حرٌّ، وهو مولى الله ورسوله» . كذا في الكنز. قصة نبطي مع عبادة بن الصامت وعدل عمر رضي الله عنه وأخرج البيهقي عن مَكْحول أنَّ عبادة بن الصامت رضي الله عنه دعا نَبَطِياً يمسك له دابته عند بيت المقدس فأبى، فضربه فشجَّه، فاستعدَى عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال له: ما دعاك إلى ما صنعت بهذا؟ فقال: يا أمير المؤمنين، أمرته أن يمسك دابتي فأبى، وأنا رجل فيّ حدّة فضربته.

فقال: إجلس للقِصاص. فقال زيد بن ثابت رضي الله عنه: أتُقيد عبدك من أخيك؟ فترك عمر رضي الله عنه القَوَد وقضى عليه بالدِّيَة. كذا في الكنز. قصة عوف بن مالك الأشجعي مع يهودي وعدل عمر رضي الله عنه وأخرج أبو عُبيد، والبيهقي، وابن عساكر عن سُوَيد بن غَفْلة رضي الله عنه قال: لما قدم عمر رضي الله عنه الشام قام إليه رجل من أهل الكتاب فقال: يا أمير المؤمنين، إنَّ رجلاً من المؤمنين صنع بي ما ترى، فقال: - وهو مشجوج مضروب -. فغضب عمر رضي الله عنه غضباً شديداً، ثم قال لصهيب رضي الله عنه: إنطلق وانظر مَنْ صاحبه فأتني به. فانطلق صهيب فإذا هو عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه، فقال: إن أمير المؤمنين قد غضب عليك غضباً شديداً فأتِ معاذ بن جبل فلْيكلِّمْه، فإنِّي أخاف أن يَعْجَل إليك. فلما قضى عمر الصلاة قال: أين صهيب؟ أجئت بالرجل؟ قال: نعم. وقد كان عوف أتى معاذاً فأخبره بقصته، فقام معاذ فقال: يا أمير المؤمنين، إنه عوف بن مالك فاسمع منه ولا تَعْجَل إليه. فقال له عمر: ما لك ولهذا؟ قال: يا أمير المؤمنين، رأيت هذا يسوق بامرأة مسلمة على حمار، فنخس بها ليصرع بها، فلم يصرع بها، فدفعها فصُرِعت فغَشِيَها أو أكب عليها. فقال له: إئتني بالمرأة فلتصدِّق ما قلت. فأتاها عوف فقال له أبوها وزوجها: ما أردت إلى صاحبتنا قد فضحتنا. فقالت: والله لأذهبنَّ معه، فقال أبوها وزوجها: نحن نذهب فنبلِّغ عنك. فأتيا عمر رضي الله عنه فأخبراه بمثل قول عوف، وأمر عمر باليهودي فصُلِب. وقال: ما على هذا صالحناكم، ثم قال: أيها الناس، اتقوا الله في ذمَّة محمد، فمن فعل منهم هذا فلا ذمَّة له. قال سويد: فذلك اليهودي

قصة بكر بن شذاخ مع يهودي

أول مصلوب رأيته في الإِسلام. كذا في الكنز. وأخرجه الطبراني عن عوف بن مالك رضي الله عنه مختصراً. قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح. انتهى. قصة بكر بن شذَّاخ مع يهودي وعدل عمر رضي الله عنه وأخرج ابن مَنْده، وأبو نُعيم عن عبد الملك بن يَعلى الليثي أنَّ بكر بن شَدَّاخ الليثي رضي الله عنه - وكان ممن يخدم النبي صلى الله عليه وسلم وهو غلام - فلما احتلم جاء إِلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني كنت أدخل على أهلك وقد بلغت مبلغ الرجال. فقال النبي صلى الله عليه وسلم «اللهَّم صدِّق قوله، ولقِّه الظفر» . فلما كان في ولاية عمر رضي الله عنه وُجِد يهوديٌ قتيلاً، فأعظم ذلك عمر وجزع وصعد على المنبر فقال: أفيما ولاني الله واستخلفني يُفتك بالرجال، أذكِّرُ الله رجلاً كان عنده علم إِلا أعلمني. فقام إِليه بكر بن شدَّاخ قال: أنا به. فقال: الله أكبر بُؤْتَ بدمه. فهاتِ المخرج. فقال: بلى، خرج فلان غازياً ووكّلني بأهله، فجئت فوجدت هذا اليهودي في منزله وهو يقول: وأشعث غرّه الإِسلام حتى خَلَوْتُ بعُرْسه ليلَ التمام أبيت على ترائبها ويُمسي على جرداء لاحقة الحزام كأنَّ مجامع الربلات منها فئام ينهضون إلى فئام

كتاب عمر إلى أمير جيش في منع قتل المشركين

فصدَّق عمر رضي الله عنه قوله، وأبطل دمه بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم كذا في الكنز. وأخرجه ابن أبي شيبة عن الشَّعْبي بمعناه كما في الإِصابة. كتاب عمر إلى أبي عبيدة في قتل يهودي وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عن القاسم بن أبي بزة أن رجلاً مسلماً قتل رجلاً من أهل الذمة بالشام، فرُفع إلى أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، فكتب فيه إِلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فكتب عمر إن كان ذاك فيه خُلُقاً فقدِّمه فاضرب عنقه، وإن كان هي طِيرة طارها فأغرمه دية أربعة آلاف. كذا في كنز العمال. كتاب عمر إلى أمير جيش في منع قتل المشركين وأخرج مالك عن رجل من أهل الكوفة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى عامل جيش كان بعثه: أنَّه بلغني أنَّ رجالاً منكم يطلبون العِلْج، حتى إذا اشتد في الجبل وامتنع، فقال الرجل: - مترس -، يقول: لا تخف؛ فإذا أدركه قتله، وإني - والذي نفسي بيده - لا يبلغني أنَّ أحداً فعل ذلك إلا ضربت عنقه. وعند ابن صاعد، واللألكائي عن أبي سَلَمة قال: قال: «والذي

نفسي بيده لو أنَّ أحدكم أشار إلى السماء بأصبعه إلى مشرك، ثم نزل إليه على ذلك ثم قتله لقتلته» . كذا في كنز العمال. قصة الهرمزان مع عمر رضي الله عنه وأخرج البيهقي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: حاصرنا تُستَر، فنزل الهُرْمُزان على حكم عمر رضي الله عنه، فقدمت به على عمر، فلما انتهينا إليه قال له عمر رضي الله عنه: تكلَّم. قال: كلام حيَ أو كلام ميِّت؟ قال: تكلَّم لا بأس. قال: إنا وإياكم معاشر العرب؛ ما خلَّى الله بيننا وبينكم، كنا نتعبدكم، ونقتلكم، ونغصبكم. فلما كان الله معكم لم يكن لنا يدان. فقال عمر رضي الله عنه: ما تقول؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، تركت بعدي عدواً كثيراً، وشوكة شديدة، فإن قتلته ييأس القوم من الحياة ويكون أشد لشوكتهم. فقال عمر رضي الله عنه: إستحيي من قاتل براء بن مالك، ومجْزأة بن ثور؟ فلما خشيت أن يقتله قلت: ليس إلى قتله سبيل قد قلت له: تكلم لا بأس. فقال عمر رضي الله عنه: إرتشيت وأصبت منه؟ فقال: والله ما ارتشيت ولا أصبت منه. قال: لتأتِيَني على ما شهدت به بغيرك أَو لأبْدَأنّ بعقوبتك. قال: فخرجت فلقيت الزبير بن العوام، فشهد معي، وأمسك عمر رضي الله عنه، وأسلم - يعني الهرمزان - وفرض له. وأخرجه أيضاً الشافعي أيضاً بمعناه مختصراً. كما في الكنز. وأخرجه البيهقي أيضاً من طريق جبير بن حيَّة

إجراء عمر من بيت المال على شيخ من أهل الذمة

سياق آخر بطوله. وذكره في البداية مطوّلاً جداً. إجراء عمر من بيت المال على شيخ من أهل الذمة وأخرج ابن عساكر، والواقدي عن عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي رضي الله عنهما قال: لما قدمنا مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه الجابية؛ إِذا هو بشيخ من أهل الذمة يستطعم، فسأل عنه فقال: هذا رجل من أهل الذمة كبر وضعف. فوضع عنه عمر رضي الله عنه الجزية التي في رقبته، وقال: كلّفتموه الجزية حتى إذا ضعف تركتموه يستطعم؟؟ فأجرى عليه من بيت المال عشرة دراهم وكان له عيال. وعند أبي عُبيد، وابن زنجويه، والعُقَيلي عن عمر رضي الله عنه أنه مرَّ بشيخ من أهل الذمة يسأل على أبواب المساجد. فقال: ما أنصفناك. كنا أخذنا منك الجزية في شبيبتك ثم ضيعناك في كبرك، ثم أجرى عليه من بيت المال ما يصلحه. كذا في الكنز (2301 - 302) . قصة رجل من أهل الذمة مع عمر رضي الله عنه وأخرج أبو عبيد عن يزيد بن أبي مالك قال: كان المسلمون بالجابية وفيهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأتاه رجل من أهل الذمة يخبره أنَّ الناس قد أسرعوا في عنبه. فخرج عمر رضي الله عنه حتى لقي رجلاً من أصحابه يحلم ترساً عليه عنب، فقال عمر: وأنت أيضاً؟ فقال: يا أمير المؤمنين أصابتنا مجاعة، فانصرف عمر رضي الله عنه وأمر لصاحب الكرم بقيمة عنبه. كذا في كنز العمال.

قصة قضائه رضي الله عنه ليهودي خلاف مسلم وأخرج مالك عن سعيد بن المسيِّب أنَّ مسلماً ويهودياً إختصما إلى عمر رضي الله عنه، فرأى الحق لليهودي فقضى له مر به. فقال له اليهودي: والله لقد قضيت بالحق، فضربه عمر بالدِّرة وقال: وما يدريك؟ فقال اليهودي: والله إنا نجد في التوراة: ليس قاض يقضي بالحق إلا كان عن يمينه مَلَك وعن شماله ملك يسدِّدانه ويوفقانه ما دام مع الحق، فإذا ترك الحق عرجا وتركاه. كذا في الترغيب. قصة عمر وإياس بن سلمة وأخرج الطبري عن إياس بن سلمة عن أبيه قال: مر عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في السوق ومعه الدِّرَّة، فخفقني بها خفقة فأصاب طرف ثوبي فقال: أمط عن الطريق. فلما كان في العام المقبل لقيني فقال: يا سلمة تريد الحج؟ فقلت: نعم. فأخذ بيدي فانطلق بي إلى منزله فأعطاني ست مائة درهم وقال: إستعن بها على حجَّك، واعلم أنها بالخفقة التي خفقتك. قلت: يا أمير المؤمنين ما ذكرتها. قال: وأنا ما نسيتها. عدل عثمان ذي النورين رضي الله عنه ذكر ما كان بينه وبين عبده في ذلك أخرج السمَّان في الموافقة عن أبي الفرات قال: كان لعثمان رضي الله عنه عبد، فقال له: إني كنت عركت أُذنك فاقتصَّ مني، أخذ بأذنه ثم قال عثمان رضي الله عنه: أشدد، يا حبذا قصص في الدنيا، لا قصاص

عدل علي رضي الله عنه

في الآخرة. كذا في الرياض النضرة في مناقب العشرة للمحب الطبري. قصة عدله رضي الله عنه في طائر أخرج الإِمام الشافعي في مسنده (ص 47) عن نافع بن عبد الحارث قال: قدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه مكة، فدخل دار النَّدْوة في يوم الجمعة، وأراد أن يستقرب منها الرواح إِلى المسجد، فألقى رداءه على واقف في البيت، فنقع عليه طير من هذا الحمام فأطاره، فانتهزته حيّة فقتلته. فلما صلَّى الجمعة دخلت عليه أنا وعثمان بن عفان رضي الله عنه فقال: إحكما عليّ في شيء صنعته اليوم: إني دخلت هذه الدار وأردت أن أستقرب منها الرواح إلى المسجد، فألقيت ردائي على هذا الواقف، فوقع عليه طير من هذا الحمام، فخشيت أن يطلخه بسَلْحه فأَطرته عنه، فوقع على (ظهر) هذا الواقف الآخر، فانتهزته حيّة فقتلته. فوجدت في نفسي أني أطرته من م نزل كان فيه آمناً إِلى موقعة كان فيها حتفه. فقلت لعثمان بن عفان رضي الله عنه: كيف ترى في عنزٍ ثنيةٍ عفراء تحكم بها على أمير المؤمنين؟ فقال: إني أرى ذلك، فأمر بها عمر رضي الله عنه. عدل علي رضي الله عنه قسمة علي رضي الله عنه مال أصبهان أخرج البيهقي وابن عساكر عن كليب قال: قدم على علي رضي

الله عنه مال من أصبهان، فقسمه عى سبعة أسهم، فوجد فيه رغيفاً فكسره على سبعة وجعل على كل قسم منها كِسرة، ثم دعا الأمراء الأسباع فأقرع بينهم لينظر أيهم يعطي أولاً. كذا في الكنز وأخرجه ابن عبد البرّ في الإستيعاب. قصته رضي الله عنه مع عربية ومولاة لها وأخرج البيهقي عن عيسى بن عبد الله الهاشمي عن أبيه عن جده قال: أتت علياً رضي الله عنه إمرأتان تسألانه عربية ومولاة لها، فأمر لكل واحدة منهما بُكُرَ من طعام، وأربعين درهماً، أربعين درهماً. فأخذت المولاة الذي أعطيت وذهبت. وقالت العربية: يا أمير المؤمنين تعطيني مثل الذي أعطيت هذه وأنا عربية وهي مولاة؟ قال لها علي رضي الله عنه: إِني نظرت في كتاب الله عزَّ وجلَّ فلم أرَ فيه فضلاً لولد إِسماعيل على ولد إِسحاق - عليهما الصلاة والسلام -. ما وقع بين علي وجعدة بن هبيرة في ذلك وأخرج ابن عساكر عن علي بن ربيعة قال: جاء جَعْدة بن هُبَيرة إلى علي - رضي الله عنه - فقال: يا أمير المؤمنين، يأتيك الرجلان أنت أحبُّ إلى

أحدهما من نفسه، أو قال: من أهله وماله، والآخر لو يستطيع أن يذبحك لذبحك، فتقضي لهذا على هذا قال: فلهزه عليٌ رضي الله عنه وقال: إِنَّ هذا شيء لو كان لي فعلت، ولكن إِنما ذا شيء لله. كذا في الكنز. حديث الأصبغ بن نباتة في هذا وأخرج أبو عُبَيد في الأموال عن الأصبغ بن نباتة قال: خرجت مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى السوق، فرأى أهل السوق قد جاوزوا أمكنتهم. فقال: ما هذا؟ قالوا: أهل السوق قد جاوزوا أمكنتهم. فقال: أليس ذلك إليهم، سوق المسلمين كمصلَّى المصلين؟ من سبق إلى شيء فهو له يومه حتى يدعه. كذا في الكنز: وقد تقدَّم قصة علي رضي الله عنه مع اليهودي في قصص الصحابة في الأعمال والأخلاق المفضية إلى هداية الناس. عدل عبد لله بن رواحة رضي الله عنه قصة خيبر وعدله مع يهودها وقولهم: بهذا قامت السموات والأرض أخرج البيهقي عن ابن عمر - رضي الله عنهما - فذكر الحديث بطوله في قصة خيبر، وفيه: كان عبد الله بن رواحة رضي الله عنه يأتيهم كل عام، فيَخْرِصُها عليهم ثم يُضَمِّنهم الشطر. فشكَوا إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شدَّة خَرْصه وأرادوا أن يرشوه. فقال: يا أعداء الله، تطعموني السحت؟ والله لقد جئتكم

خوف الخلفاء رضي الله عنهم

من عند أحب الناس إليّ، ولأنتم أبغض إليّ من عِدَّتكم من القردة والخنازير، ولا يحملني بغضي إياكم، وحبي إياه على أن لا أعدل عليكم. فقالوا: بهذا قامت السماوات والأرض. كذا في البداية. عدل المقداد بن الأسود رضي الله عنه حديث حارث بن سويد في ذلك وقول المقداد: لأموتن والإِسلام عزيز أخرج أبو نُعيم في الحلية عن الحارث بن سويد قال: كان المقداد بن الأسود - رضي الله عنه - في سرية، فحصرهم (العدو) ، فعزم الأمير أن لا يجْشُر أحد دابته، فجشر رجل دابته لم تبلغه العزيمة، فضربه؛ فرجع الرجل وهو يقول: ما رأيت كما لقيت اليوم قطّ. فمرّ المقداد، فقال: ما شأنك؟ فذكر له قصته، فتقلَّد السيف وانطلق معه حتى انتهى إلى الأمير فقال: أقده من نفسك. فأقاده فعفا الرجل، فرجع المقداد وهو يقول: لأموتَنَّ والإِسلام عزيز. خوف الخلفاء رضي الله عنهم حديث الضحاك في خوف الصدِّيق رضي الله عنه أخرج ابن أبي شيبة، وهنَّاد، والبيهقي عن الضحاك قال: رأى أبو بكر الصديق رضي الله عنه طيراً واقفاً على شجرة فقال: طوبى لكَ يا طير والله لوددتُ أني كنت مثلك، تقع على الشجر، وتأكل من الثمر، ثم تطير وليس عليك حساب ولا عذاب والله لوددت أنِّي كنت شجرة إلى جانب الطريق مرّ

عليَّ جمل فأخذني، فأدخلني فاه، فلاكني ثم ازدردني، ثم أخرجني بعراً ولم أكُ بشراً. وعند ابن فَتْحَويه في الوَجَل عن الضحَّاك بن مزاحم قال: قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه - ونظر إلى عصفور -: طوبى لك يا عصفور تأكل من الثمار، وتطير في الأشجار، لا حساب عليك ولا عذاب والله لوددتُ أني كبش يسمِّنني أهلي، فإذا كنت أعظم ما كنت وأسمنه يذبحوني، فيجعلون بعضي شواء، وبعضي قديداً، ثم أكلوني، ثم ألقوني عَذِرَةً في الحش، وأني لم أكن خُلقت بشراً. وعند أحمد في الزهد عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: وددت أني شعرة في جنب عبد مؤمن. كذا في منتخب الكنز. حديث الضحاك في خوف عمر رضي الله عنه وأخرج هنَّاد، وأبو نُعيم في الحلية، والبيهقي عن الضحاك قال: قال عمر رضي الله عنه: يا ليتني كنت كبش أهلي، يسمِّنوني ما بدا لهم، حتى إذا كنت أسمن ما أكون زارهم بعض من يحبون، فجعلوا بعضي شِواء،

وبعضي قديداً، ثم أكلوني، فأخرجوني عَذِرَةً، ولم أكن بشراً. حديث ابن عساكر وأبي نعيم في خوف عمر رضي الله عنه وعند ابن المبارك، وابن سعد، وابن أبي شيبة، ومسدِّد، وابن عساكر عن عامر بن ربيعة قال: رأيت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أخذ تبنة من الأرض فقال: يا ليتني كنت هذه التبنة، ليتني لم أُخلق، ليتني لم أكن شيئاً، ليت أُمي لم تلدني، ليتني كنت نَسْياً مَنْسياً. وعند أبي نُعيم في الحلية عن عمر رضي الله عنه قال: لو نادى منادٍ من السماء: يا أيها الناس، إنكم داخلون الجنة كلكم إلا رجلاً واحداً لخفتُ أن أكون أنا هو. ولو نادى منادٍ: أيها الناس، إِنكم داخلون النار إلا رجلاً واحداً لرجوت أن أكون أن هو. وقع بين عمر وأبي موسى الأشعري وعند ابن عساكر عن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر لقي أبا موسى الأشعري رضي الله عنه، فقال له: يا أبا موسى، أيسرك أنَّ عملك الذي كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خَلَص لك، وأنك خرجت من عملك كفافاً، خيره بشره، وشره بخيره كفافاً، لا لك، ولا عليك؟ قال: لا يا أمير المؤمنين. والله قدمت البصرة وإن الجفاء فيهم لفاشٍ، فعلَّمتهم القرآن والسنّة، وغزوت بهم في سبيل الله، وإني لأرجو بذلك فضله. قال عمر رضي الله عنه: لكن وددتُ أني خرجت من عملي خيره بشره، وشره بخيره كفافاً، لا علي ولا لي، وخَلَص لي

عملي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المخلص. كذا في منتخب الكنز. حديث ابن عباس في خوف عمر عند موته وأخرج أبو نُعيم في الحلية عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما طُعن مر رضي الله عنه دخلت عليه فقلت له: أبشر يا، فإن الله قد مصَّر بك الأمصار، ودفع بك النفاق، وأفشَى بك الرزق. قال: أفي الإِمارة تثني عليّ يا ابن عباس؟ فقلت: وفي غيرها. قال: والذي نفسي بيده، لوددت أني خرجت منها كما دخلت فيها، لا أجر ولا وزر. وأخرجه الطبراني من حديث ابن عمر رضي الله عنهما في حديث طويل، وأبو يَعْلى كذلك عن أبي رافع كما في المجمع. وأخرجه ابن سعد عن ابن عباس رضي الله عنهما بنحوه. وأخرج أيضاً من طريق آخر عنه - فذكر الحديث، وفيه: فقلت: أبشر بالجنة. صاحبت رسول الله فأطلت صحبته؛ ووُلِّيتَ أمر المؤمنين فقويت، وأديت الأمانة. فقال: أما تبشيرك إياي بالجنة فوالله الذي لا إِله إلا هو، لو أنّ لي الدنيا وما فيها لافتديت به من هول ما أمامي قبل أن أعلم الخبر.v وأما قولك في بإمرة المؤمنين، فوالله لوددتُ أن ذلك كفاف لا لي ولا عليَّ. وأما ما ذكرت من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فذاك. وأخرجه أيضاً من حديث عبد الله بن عبيد بن عُمَير مطوَّلاً، وزاد فيه: فقال عمر رضي الله عنه: أجلسوني. فلما جلس قال لابن عباس رضي الله عنه: أعد عليَّ كلامك، فلما أعاد عليه قال: أتشهد

بذلك عند الله يوم تلقه؟ فقال ابن عباس رضي الله عنه: نعم. قال: ففرح عمر رضي الله عنه بذلك وأعجبه. حديث ابن عمر، والمسور في خوف عمر عند موته وعند أبي نعيم في الحلية عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان رأس عمر على فخذي في مرضه الذي مات فيه. فقال لي: ضَعْ رأسي على الأرض. قال: فقلت: وما عليك، كان على فخذي أم على الأرض؟ قال: ضعه على الأرض. قال: فوضعته على الأرض، فقال: ويلي وويلَ أمي إن لم يرحمني ربي. وعن المِسْوَر قال: لما طُعن مر رضي الله عنه قال: والله لو أنَّ لي طِلاعَ الأرض ذهباً لافتديت به من عذاب الله من قبل أن أراه. هل يخاف الأمير لومة لائم حديث السائب بن يزيد في هذا أخرج البيهقي عن السائب بن يزيد رضي الله عنه أن رجلاً قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: لأن أخاف في الله لومة لائمك خيرٌ لي أم أُقْبِل على نفسي؟ فقال: أمَّا من ولي من أمر المسلمين شيئاً فلا يخاف في الله لومة لائم، من كان خِلْواً فليقبل على نفسه، ولينصح لوليِّ أمره. كذا في الكنز.

وصية أبي بكر عند الوفاة في استخلاف عمر ووصيته لعمر

وصايا الخلفاء للخلفاء والأمراء وصايا أبي بكر لعمر رضي الله عنهما وصيته لعمر رضي الله عنهما إِذ أراد استخلافه أخرج الطبراني عن الأغرّ - أغرِّ بني مالك - قال: لما أراد أبو بكر أن يستخلف عمر - رضي الله عنه - بعث إليه فدعاه فأتاه، فقال: «إني أدعوك إِلى أمر متعب لمن وليه، فاتَّقِ الله يا عمر بطاعته، وأطعه بتقواه، فإن التقي (آمن) محفوظ، ثم إنَّ الأمر معروض لا يستوجبه إِلا من عمل به؛ فمن يمر بالحق وعمل بالباطل، وأمر بالمعروف وعمل بالمنكر يوشك أن تنقطع أمنيته وأن يحبط به عمله. فإن أنت وليت عليهم أمرهم فإن استطعت أن تجف يديك من دمائهم، وأن تضمر بطنك من أموالهم، وأن تجف لسانك عن أعراضهم، فافعل ولا قوة إلا بالله» . قال الهيثمي: والأغرّ لم يدرك أبا بكر رضي الله عنه، وبقية رجاله ثقات. انتهى. وقال الحافظ المنذري في الترغيب: ورواته ثقات إلا أن فيه إنقطاعاً. انتهى. وصية أبي بكر عند الوفاة في استخلاف عمر ووصيته لعمر وأخرج ابن عساكر عن سالم بن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهم - قال: لما حضر أبا بكر

رضي الله عنه الموتُ أوصى: «بسم الله الرحمن الرحيم. هذا عهد من أبي بكر الصدِّيق، عند آخر عهده بالدنيا، خارجاً منها، وأول عهده بالآخرة داخلاً فيها، حيث يؤمن الكافر، ويتَّقي الفاجر، ويصدّق الكاذب: إني استخلفت من بعدي عمر بن الخطاب. فإن عدل فذلك ظنِّي فيه، وإِن جار وبدَّل فالخيرَ أردت، ولا أعلم الغيب. ثم بعث إلى عمر رضي الله عنه فدعاه فقال: «يا عمر، أبغضك مبغض، وأحبك محب، وقِدْماً يُبغض الخير ويُحب الشر - قال: فلا حاجة لي فيها - قال: لكن لها بك حاجة، وقد رأيتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبتَه، ورأيت أثرته أنفسنا على نفسه، حتى إِن كنا لنهدي لأهله فضل ما يأتينا منه، ورأيتني وصحبتني وإِنما اتبعت أثر من كان قبلي، والله ما نمت فحلمت، ولا شهدت فتوهَّمت، وإِني لعلى طريق ما زغت، تَعَلَّم يا عمر، إِنَّ لله حقاً في الليل لا يقبله بالنهار، وحقاً بالنهار لا يقبله بالليل، وإِنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتَّباعهم الحق، وحُقَّ الميزان أن يثقل لا يكون فيه إِلا الحق، وإِنما خفَّت موازين من خفَّت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل، وحُقَّ لميزان أن يخفَّ لا يكون فيه إلا الباطل. إنَّ أول ما أحذرك نفسك، وأحذرك الناس فإنَّهم قد طمحت أبصارهم، وانتفخت أهواؤهم، وأن لهم الخيرة عن زلّة تكون، فإياه تكونه، فإنهم لن يزالوا خائفين لك فرقين منك ما خفت الله وفرقته. وهذه وصيتي، وأقرأُ عليك السلام» . كذا في الكنز.

حديث عبد الرحمن بن سابط وغيره في قول أبي بكر لعمر عند الموت وعند ابن المبارك، وابن أبي شيبة، وهَنَّاد، وابن جرير، وأبي نُعَيم في الحلية عن عبد الرحمن بن سابط، وزيد بن زبيد بن الحارث، ومجاهد قالوا: لما حضر أبا بكر الموتُ دعا عمر - رضي الله عنه - وقال له: «إتَّق الله يا عمر، واعلم أن لله عملاً بالنهار لا يقبله بالليل، وعملاً بالليل لا يقبله بالنهار، وأنه لا يقبل نافلة حتى تُؤدى الفريضة، وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق في دار الدنيا وثقله عليهم، وحُقّ لميزان يوضع فيه الحق غداً أن يكون ثقيلاً، وإنما خفَّت موازين من خفَّت موازينه يوم القيامة باتَّباعهم الباطل في الدنيا وخفَّته عليهم، وحُقّ لميزان يوضع فيه الباطل غداً أن يكون خفيفاً. وأن الله تعالى ذكر أهل الجنة فذكرهم بأحسن أعمالهم، وتجاوز عن سيئته، فإذا ذكرتهم قلت: إِني لأخاف أن لا ألحق بهم؛ وأن الله تعالى ذكر أهل النار فذكرهم بأسوأ أعمالهم، وردَّ عليهم أحسنه؛ فإذا ذكرتهم قلت: إِني أخاف أن أكون مع هؤلاء - وذكر آية الرحمة وآية العذاب - فيكون العبد راغباً راهباً، ولا يتمنَّى على الله غير الحق، ولا يقنط من رحمته، ولا يُلقي بيديه إلى الهلكة. فإن أنت حفظت وصيتي فلا يكُ غائب أحب إليك من الموت وهو آتيك وإن أنت ضيَّعت وصيتي فلا يكُ. غائب أبغض إليك من الموت، ولست بمعجِزِه» . كذا في منتخب الكنز. وصايا أبي بكر لعمرو بن العاص وغيره رضي الله عنهم وصية أبي بكر لعمرو إذ استعمله على الجيوش إلى الشام أخرج ابن سعد عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال: أجمع أبو بكر رضي الله عنه أن يجمع الجيوش إِلى الشام. كان أول من

كتابه رضي الله عنه إلى عمرو والوليد بن عقبة

سار من عماله عمرو بن العاص رضي الله عنه، وأمره أن يسلك على أيْلَة عامداً لفلسطين. وكان جند عمرو الذين خرجوا من المدينة ثلاثة آلاف، فيهم ناس كثير من المهاجرين والأنصار، وخرج أبو بكر الصديق رضي الله عنه يمشي إلى جنب راحلة عمرو بن العاص رضي الله عنه وهو يوصيه ويقول: «يا عمرو، إتَّق الله في سرائرك وعلانيتك واستحِيه، فإنه يراك ويرى عملك؛ وقد رأيتَ تقديمي إِياك على من هم أقدم سابقة منك، ومن كان أعظمَ غِنًى عن الإِسلام وأهله منك. فكن من عمَّال الآخرة، وأرد بما تعمل وجه الله، وكن والداً لمن معك، ولا تكشفنَّ الناس عن أستارهم، واكتف بعلانيتهم، وكن مجدّاً في أمرك، واصدق اللقاء إِذا لقيت ولا تجبُن، وتَقدَّم في الغُلول وعاقب عليه، وإذا وعظت أصحابك فأوجز، وأصلح نفسك تصلح لك رعيتكم» . كذا في كنز العمال. وأخرجه أيضاً ابن عساكر بنحوه. كتابه رضي الله عنه إِلى عمرو والوليد بن عقبة وأخرج ابن جرير الطبري عن القاسم بن محمد قال: كتب أبو بكر إِلى عمرو وإِلى الوليد بن عقبة - رضي الله عنهما - وكان على النِّصف من صدقات قُضاعة، وقد كان أبو بكر شيَّعهما مَبْعَثهما على الصدقة، وأوصى كل واحد منهما بوصية واحدة فقال: «إتَّق الله في السرِّ والعلانية، فإنه مَنْ يَتَّق الله يَجْعَلْ لهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ، وَمَنْ يَتَّقِ الله يُكفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أجْراً فإنَّ تقوى

الله خيرُ ما تَواصَى به عباد الله. إنَّك في سبيل من سُبُل الله، لا يسعُك فيه الإِدْهان والتفريط، ولا الغفلة عما فيه قِوام دينكم وعِصمة أمركم، فلا تَنِ ولا تفتر» . وأخرجه أيضاً ابن عساكر عن القاسم بنحوه. كتابه رضي الله عنه إِلى عمرو بن العاص في خالد بن الوليد وأخرج ابن سعد عن الطَّلب بن السائب بن أبي وَدَاعة رضي الله عنه قال: كتب أبو بكر الصديق إلى عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -: «إني كتبت إلى خالد بن الوليد ليسير إِليك مدداً لك، فإذا قدم عليك فأحسن مصاحبتك، ولا تَطاوَلْ عليه، ولا تقطع الأمور دونه لتقديمي إِياك عليه وعلى غيره، شاورهم ولا تخالفهم» . كذا في كنز العمال. حديث ابن سعد في كتاب أبي بكر إِلى عمرو وأخرج بن سعد عن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه أنَّ أبا بكر قال لعمرو بن العاص - رضي الله عنهما -: «إني قد استعملتك على من مررت به: بَليّ، وعُذْرة، وسائر قُضاعة، ومن سقط هناك من العرب، فادنبهم إلى الجهاد في سبيل الله ورغِّبهم فيه،

وصية أبي بكر الصديق لشرحبيل بن حسنة رضي الله عنهما

فمن تبعك منهم فاحمله، وزوِّده ووافق بينهم، واجعل كل قبيلة على حدَّتها ومنزلها» . كذا في الكنز، وأخرجه ابن عساكر. وصية أبي بكر الصديق لشرحبيل بن حسنة رضي الله عنهما أخرج ابن سعد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التَّيْمي رضي الله عنه قال: لما عزل أبو بكر خالد بن سعيد أوصى به شرحبيل بن حسنة - رضي الله عنهم - وكان أحد الأمراء قال: أنظر خالد بن سعيد، فاعرف له من الحق عليك مثل ما كنت تحب أن يعرفه لك من الحق عليه لو خرج والياً عليك، وقد عرفتَ مكانه من الإِسلام، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو له والٍ، وقد كنتُ ولَّيته، ثم رأيت عزله، وعسى أن يكون ذلك خيراً له في دينه، ما أغبط أحداً بالإِمارة، قد خيَّرته في أمراء الأجناد فاختارك على غيرك وعلى ابن عمه. فإذا نزل بك أمر تحتاج فيه إلى رأي التقيِّ الناصح فليكن أول من تبدأ به، أبو عبيدة بن الجراح، ومعاذُ بن جبل، ولْيَكُ ثالثاً خالُد بن سعيد، فإنك واجد عندهم نصحاً وخيراً، وإياك واستبداد الرأي عنهم أو تطوي عنهم بعض الخبر» . كذا في الكنز. وصية أبي بكر الصديق ليزيد بن أبي سفيان رضي الله عنهما أخرج ابن سعد عن الحارث بن الفضل قال: لما قعد أبو بكر ليزيد بن أبي سفيان رضي الله عنهما، فقال:

«يا يزيد، إِنك شاب تُذْكر بخير قد رُئِي منك، وذلك لشيء خلوت به في نفسك، وقد أردتُ أن أبلوك وأستخرجك من أهلك، فأنظرُ كيف أنت؟ وكيف ولايتك؟ وأخبُرُك. فإن أحسنتَ زدتُك، وإن أسأتَ عزلتُك، وقد وليتُك عمل خالد بن سعيد» . ثم أصاه بما أوصاه يعلم به في وجهه وقال له: «أوصيك بأبي عبيدة بن الجراح خيراً، فقد عرفتَ مكانه من الإِسلام وأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لكلِّ أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح» ؛ فاعرف له فضله وسابقته؛ وانظر معاذ بن جبل، فقد عرفت مشاهدة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يأتي أمام العلماء برتوة» ، فلا تقطع أمراً دونهما وإنهما لن يألوَا بك خيراً. قال يزيد: يا خليفة رسول الله، أوصهما بي كما أوصيتني بهما. قال أبو بكر: لن أدع أن أوصيَهما بك. فقال يزيد: يرحمك الله وجزاك الله عن الإِسلام خيراً. كذا في الكنز. وأخرج أحمد، والحاكم، ومنصور بن شعبة البغدادي في الأربعين - وقال: حسن المتن غريب الإِسناد - عن يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه قال: أبو بكر رضي الله عنه لمَّا بعثني إلى الشام: «يا يزيد، إِنّ لك قرابة عسيتَ تؤثرهم بالإِمارة، وذلك أكبر ما أخاف عليك، فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من وُلِّي من أمور المسلمين شيئاً فأمَّر عليهم أحداً محاباة له بغير حق فعليه لعنة الله، لا يقبل الله منه صَرْفاً ولا عَدْلاً حتى يدخله

وصايا عمر رضي الله عنه

جهنَّم. ومن أعطى أحداً من مال أيه محاباة له فعليه لعنة الله - أو قال - برئت منه ذمة الله» . إِنَّ الله دعا الناس إِلى أن يؤمنوا بالله فيكونوا حمى الله، فمن انتهك في حمى الله شيئاً بغير حقَ فعليه لعنة الله - أو قال - برئت منه ذمة الله عزّ وجلّ» . قال ابن كثير: ليس هذا الحديث في شيء نالكتب الستة، وكأنهم أعرضوا عنه لجهالة شيخ لقيه، قال: والذي يقع في القلب صحّة هذا الحديث؛ فإنَّ الصدِّيق رضي الله عنه كذلك فعل، ولّى على المسلمين خيرهم بعده. كذا في كنز العمال. وقال الهيثمي: رواه أحمد، وفيه رجل لم يُسمَّ. انتهى. وصايا عمر رضي الله عنه وصية عمر بن الخطاب رضي الله عنه لولي الأمر من بعده أخرج ابن أبي شيبة، وأبو عُبَيد في الأموال، أبو يَعْلى،

والنِّسائي، وابن حِبّان، والبيهقي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: «أُوصي الخليفة بعدي بالمهاجرين الأوَّلين أن يعلم لهم حقَّهم، ويحفظ لهم حرمتهم. وأوصيه بالأنصار الذين تبوؤا الدار والإِيمان من قبلهم؛ أن يقبل من محسنهم، وأن يعفو عن مسيئهم. وأوصيه بأهل الأمصار خيراً، فإنَّهم رِدْء الإِسلام، وجُباة الأموال، وغَيْظ العدو، وأن يأخذ منهم إلا فضلهم عن رضاهم، وأوصيه بالأعراب خيراً فإنهم أصل العرب ومادة الإِسلام؛ أن يأخذ من حواشي أموالهم فيرد على فقرائهم. وأوصيه بذمّة الله وذمّة رسوله أن يوفي لهم بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم، ولا يكلَّفهم إلا طاقتهم» . كذا في المنتخب. وأخرج ابن سعد، وابن عساكر عن القاسم بن محمد قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «ليَعْلم من وُلِّيَ هذا الأمر من بعدي أنْ سَيريدُه عنه القريبُ والبعيدُ، إني لأقاتل الناس عن نفسي قتالاً، ولو علمتُ أنَّ أحداً من الناس أقوى عليه مني لكنت أُقدَّمُ فتُضربُ عنقي أَحبُّ إليَّ من أن أَليَه» . كذا في الكنز. وصية عمر بن الخطاب لأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهما أخرج ابن جرير عن صالح بن كَيسان قال: كان أولُ كتاب كتبه عمر

حين وُلِّي إلى أبي عبيدة يولِّيه على جند خالد رضي الله عنهم: «أوصيك بتقوى الله الذي يبقى ويفنى ما سواه، الذي هدانا من الضلالة، وأخرجنا من الظلمات إلى النور. وقد استعملتك على جُنْد ابن الوليد، فقم بأمرهم الذي يحق عليك، لا تقدِّم المسلمين إلى هَلَكَة رجاءَ غنيمة، ولا تُنزلهم منزلاً قبل أن تستريده لهم، وتعلم كيف مأتاه، ولا تبعث سرية إلا في كثف من الناس، وإياك وإلقاء المسلمين في الهلكة، وقد أبلاك الله بي وأبلاني بك، فغمِّض بصرك عن الدنيا وإلْهِ قلبك عنها، وإياك أن تهلِكَك كما أهلكتْ من كان قبلك، فقد رأيت مصارعَهم» . وصية عمر بن الخطاب لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما أخرج ابن جرير من طريق سيف عن محمد، وطلحة بإسنادهما أن عمر أرسل إلى سعد - رضي الله عنهما - فقد عليه، فأمَّره على حرب العراق وأوصاه فقال: «يا سعدُ سعد بني وُهَيْب، لا يغرنَّك من الله أن قيل خال رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحب رسول الله، فإن الله عزّ وجلّ لا يمحو السيء بالسيء، ولكنه يمحو السيء بالحسن، فإنَّ الله ليس بينه وبين أحد نسب إلا طاعته، فالناس شريفُهم ووضيعهم في ذات الله سواءٌ، الله ربُّهم وهم عباده يتفاضلون بالعافية ويدركون ما عنده بالطاعة، فانظر الأمر الذي رأيتَ النبي صلى الله عليه وسلم منذ بعث إلى أن فارقنا، فالزمه فإنَّه الأمر. هذه عظتي إياك إن تركتَها ورغبتَ عنها حَبِط عملك وكنت من الخاسرين» . ولما أراد أن يسرِّحه دعاه فقال:

«إن قد وليتك حرب العراق فاحفظ وصيتي، فإنك تَقْدَم على أمر شديد كريه لا يخلِّص منه إلا الحقُّ، فعوِّد نفسك ومن معك الخير، واستفتح به، وعلم أنَّ لكل عادة عتاداً، فعتاد الخير الصبر، فالصبرَ الصبرَ على ما أصابك أو نابك، يجتمع لك خشية الله، واعلم أنَّ خشية الله تجتمع في أمرين: في طاعته واجتناب معصيته، وإنما أطاعه من أطاعه ببغض الدنيا وحب الآخرة، وعصاه من عصاه بحب الدنيا وبغض الآخرة، وللقلوب حقائق ينشئها الله إنشاءً، منها السر، ومنها العلانية. فأما العلانية فأن يكون حامدُه وذامُّه في الحق سواء، وأما السر فيُعرف بظهور الحكمة من قلبه على لسانه وبمحبة الناس، فلا تزهد في التحبُّب فإنّ النبيين قد سألوا محبّتهم، وإِنَّ الله إذا أحب عبداً حبَّبه، وإذا أبغض عبداً بغَّضه؛ فاعتبر منزلتك عند الله تعالى بمنزلتك عند الناس ممَّن يشرع معك في أمرك» . وصية عمر بن الخطاب لعتبة بن غزوان رضي الله عنهما أخرج ابن جرير عن عبد الملك بن عمير قال: إنَّ عمر قال لعتبة بن غزوان رضي الله عنهما إذ وجَّهه إلى البصرة: «يا عتبة، إني قد استعملتك على أرض الهند وهي حَوْمة من حَوْمة العدو، وأرجو أن يكفيك الله ما حولها وأن يعينك عليها، وقد كتبت إلى العلاء بن الحضرمي أن يمدك بعرْفَجَةَ بن هَرْثَمة وهو ذو مجاهدة العدو ومكايدته؛ فإذا قدم عليك فاستشره وقرِّبه، وادعُ إِلى الله، فمن أجابك فاقبل منه، ومن أبَى فالجزية عن صَغار وذلَّة، وإلا فالسيف في غير هوادة. واتق الله فيما وُلِّيت، وإياك أن تنازعك نفسك إلى كِبْر يفسد عليك آخرتك، وقد صحبتَ رسول

وصية عمر بن الخطاب للعلاء بن الحضرمي رضي الله عنهما

الله صلى الله عليه وسلم فعززتَ به بعد الذلَّة، وقويتَ به بعد الضعف حتى صرت أميراً مُسَلَّطاً، وَمَلِكاً مُطاعاً، تقول فيُسمع منك، فيُطاع أمرُك، فيا لها نعمةٌ إن لم ترفعك فوق قدرك وتُبطرك على من دونك، إحتفظ من النعمة إحتفاظك من المعصية، ولهي أخوفهما عندي عليك أن تستدرجك وتخدعك فتسقط سقطة تصير بها إلى جهنم، أعيذك بالله ونفسي من ذلك. إِنَّ الناس أسرعوا إلى الله حين رُفعت لم الدنيا فأرادوها، فأرِد الله ولا تُرِد الدنيا، واتَّق مصارع الظالمين» . ورواه علي بن محمد المدائني أيضاً مثله كما في البداية. وصية عمر بن الخطاب للعلاء بن الحضرمي رضي الله عنهما أخرج بن سعد عن الشَّعْبي قال: كتب عمر بن الخطاب إلى العلاء بن الحضرمي رضي الله عنهما وهو بالبحرين أن: «سِرْ إلى عتبة بن غزوان فقد وليتك عمله، واعلم أنك تقدم على رجل من المهاجرين الأوَّلين الذين قد سبقت لهم ن الله الحسنى؛ لم أعزله ألا يكون عفيفاً صليباً، شديد البأس؛ ولكنني ظننت أنك أغنى عن المسلمين في تلك الناحية منه، فاعرف له حقَّه؛ وقد ولَّيت قبلك رجلاً فمات قبل أن يصل، فإني رد الله تعالى أن تلي وُلِّيت، وإن يرد أن يلي عتبة، فالخلق والأمر لله رب العالمين. واعلم أن أمر الله محفوظ بحفظه الذي أنزله، فانظر الذي خلقت له، فاكدَحْ له ودَعْ ما سواه فإنَّ الدنيا أمد، والآخرة أبد، فلا يشغلنَّك شيء مدبر خيره عن شيء باقٍ شره، واهرب إلى الله من سخطه، فإنَّ الله يجمع لمن يشاء الفضيلة في حكمه وعلمه. نسأل الله لنا ولك العون على طاعته والنجاة من عذابه» .

وصية عمر بن الخطاب لأبي موسى الأشعري رضي الله عنهما

وصية عمر بن الخطاب لأبي موسى الأشعري رضي الله عنهما أخرج الدينوري عن ضبَّة بن مِحْصَن قال: كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما: «أما بعد: فإنَّ للناس نفرة من سلطانهم فأعوذ بالله أن تدركني وإياك، فأقم الحدود ولو ساعة من النهار، وإذا حضر أمران أحدهما لله والآخر للدنيا فآثر نصيبك من الله، فإنَّ الدنيا تنفد والآخرة تبقى، وأخفِ الفُسَّاق، واجعلهم يداً يداً ورجلا رجلاً، عُدْ مريض المسلمين، واحضر جنائزهم، وافتح بابك، وباشر أمورهم بنفسك، فإنما أنت رجل منهم غير أنَّ الله جعلك أثقلهم حملاً. وقد بلغني أنه نشأ لك ولأهل بيتك هيئة في لباسك، ومطعمك، ومركبك ليس للمسلمين مثلها. فإياك يا عبد الله أن تكون بمنزلة البهيمة مرَّت بوادٍ خِصْب فلم يكن لها هم إِلا التسَمُّن، وإنما حَتْفها في السِمَن. واعلم أن العامل إذا زاغ زاغت رعيته، وأشقَى الناس من شَقِيت به رعيته» . كذا في الكنز. وأخرجه ابن أبي شيبة، وأبو نعيم في الحِلْية عن سعيد بن أبي بردة مختصراً كما في الكنز. وأخرج ابن أبي شيبة عن الضحَّاك قال كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما:

«أما بعد: فإنَّ القوة في العمل أن لا تؤخروا عمل اليوم لغد، فإنكم إذا فعلتم ذلك تداركت عليكم الأعمال فلا تدرون أيُّها تأخذون فأضعتم؛ فإن خُيِّرتم بين أمرين أحدهما للدنيا والآخر للآخرة، فاختاروا أمر الآخرة على أمر الدنيا، فإنَّ الدنيا تفنى والآخرة تبقى. كونوا من الله على وَجَل، وتعلَّموا كتاب الله فإنه ينابيع العلوم، وربيع القلوب» . وصية عثمان ذي النورين رضي الله عنه أخرح الفضائلي الرازي عن العلاء بن الفضل عن أمه قال: لما قُتل عثمان رضي الله عنه فتَّشوا خزانته، فوجدوا فيها صندوقاً مقفلاً، ففتحوه فوجدوا فيه ورقة مكتوب فيها: g «هذه وصية عثمان: بسم الله الرحمن الرحيم. عثمان بن عفان يشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنَّ محمداً عبده ورسوله، وأنَّ الجنة حق، وأنَّ النار حق، وأنَّ الله يبعث من في القبور ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد، عليها يحيي، وعليها يموت وعليها يُبعث إن شاء الله» . وأخرجه أيضاً نظام المُلْك وزاد: ووجدوا في ظهرها مكتوباً: غنى النفس يُغني النفس حتى يُجلَّها وإِن غضَّها حتى يَضُرَّ بها الفقرُ وما عُسرة فاصبر لها إِن لقيتها بكائنة إِلا سيتبعها يُسْرُ ومن لم يقاسِ الدهر لم يعرف الأسَى وفي غَيَر الأيام ما وعد الدهرُ ذكر ما وقع بين علي وعثمان رضي الله عنهما يوم الدار وأخرج أبو أحمد عن شدَّاد بن أوس رضي الله عنه قال: لما اشتد الحصار بعثمان رضي الله عنه يوم الدار أشرف على الناس فقال: يا عباد الله،

قال: فرأيت علي بن أبي طالب رضي الله عنه خارجاً من منزله، معتماً بعمامة رسول الله، متقلداً سيفه، أمامه الحسن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهم - في نفر من المهاجرين والأنصار حتى حملوا على الناس وفرقوهم. ثم دخلوا على عثمان رضي الله عنه فقال له عليٌّ رضي الله عنه: السلام عليك يا أمير المؤمنين، إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يَلْحَق هذا الأمر حتى ضرب بالمقبل المدبر، وإني - والله - لا أرى القوم إلا قاتليك، فمرنا فلنقاتل. فقال عثمان رضي الله عنه: «أنشد الله رجلاً رأى لله حقاً، وأقر أنَّ لي عليه حقاً؛ أن يُهريق في سببي ملء حجمة من دم، أو يهريق دمه فيَّ» . فأعاد عليٌّ رضي الله عنه عليه القول. فأجابه بمثل ما أجابه. قال: فرأيت علياً خارجاً من الباب وهو يقول: اللهمَّ إِنَّك تعلم أنا بذلنا المجهود. ثم دخل المسجد وحضرت الصلاة. فقالوا له: يا أبا الحسن، تقدَّم فصلِّ بالناس. فقال: لا أصلِّي بكم والإِمام محصور، ولكن أصلِّي وحدي، فصلّى وحده وانصرف إلى منزله، فلحقه إبنه وقال: والله يا أبت قد اقتحموا عليه الدار. قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، هم والله قاتلوه. قالو: أين هو يا أبا الحسن؟ قال: في الجنة - والله - زلفى. قالوا: وأين هم يا أبا الحسن؟ قال: في النار والله - ثلاثاً -. كذا في الرياض النضرة في مناقب العشرة. حديث أبي سَلَمة بن عبد الرحمن في ذلك وأخرح أبو أحمد عن أبي سَلَمة بن عبد الرحمن قال: دخل أبو قَتادة ورجل آخر على عثمان - رضي الله عنهم - وهو محصور، فاستأذناه في الحج فأذن لهم. فقالا له: إن غلب هؤلاء القوم مع من نكون؟ قال: عليكم بالجماعة. قال: فإن كانت الجماعة هي التي تغلب عليك مع من نكون؟ قال:

فالجماعة حيث كانت، فخرجنا فاستقبلنا الحسن بن علي رضي الله عنهما عند باب الدار داخلاً على عثمان رضي الله عنه، فرجعنا معه لنسمع ما يقول: فسلَّم على عثمان ثم قال: يا أمير المؤمنين مرني بما شئت، فقال عثمان: «يا ابن أخي، إرجع واجلس حتى يأتي الله بأمره» . فخرج وخرجنا عنه، فاستقبلنا ابن عمر رضي الله عنهما داخلاً إلى عثمان رضي الله عنه، فرجعنا معه نسمع ما يقول، فسلَّم على عثمان رضي الله عنه ثم قال: يا أمير المؤمنين، صحبتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعتُ وأطعتُ، ثم صحبتُ أبا بكر رضي الله عنه فسمعتُ وأطعتُ، ثم صحبتُ عمر رضي الله عنه فسمعتُ وأطعتُ ورأيتُ له حقَّ الوالد وحقَّ الخلافة، وها أنا طوع يديك يا، فمرني بما شئت، فقال عثمان رضي الله عنه: «جزاكم الله يا آل عمر خيراً - مرتين - لا حاجة لي في إِراقة الدم. كذا في الرياض النضرة في مناقب العشرة. حديث أبي هريرة رضي الله عنه في ذلك وأخرج أبو عمر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إِني لمحصور مع عثمان رضي الله عنه في الدار. قال: فرُمِيَ رجل منَّا، فقلت: يا أمير المؤمنين الآن طاب الضِّراب، قتلوا منا رجلاً. قال: «عزمتُ عليك يا أبا هريرة إِلا رميتَ سيفك، فإنما تُراد نفسي وسَأقِي المؤمنين بنفسي» . قال أبو هريرة رضي الله عنه: فرميت سيفي لا أدري أين هو حتى

وصايا علي بن أبي طالب رضي الله عنه لأمرائه

الساعة. كذا في الرياض النضرة في مناقب العشرة. وصايا علي بن أبي طالب رضي الله عنه لأمرائه كتابه رضي الله عنه لبعض عماله أخرج الدِينَوَري، وابن عساكر عن معاجر العارمي قال: كتب علي بن أبي طالب رضي الله عنه عهداً لبعض أصحابه على بلد فيه: «أما بعد: فلا تُطوِّلن حجابك على رعيتك، فإن احتجاب الولاة عن الرعية شُعْبة عن الضِّيق، وقلّة علم من الأمور، والاحتجاب يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه، فيُصغَّر عندهم الكبير، ويعظَّم الصغير، ويُقبَّح الحسن، ويحسَّن القبيح، ويُشاب الحق بالباطل؛ وإِنما الولي بعشَرٌ لا يعرف ما توارى عنه الناس به من الأمور، وليست على القول سمات يعرف بها صروفُ الصدق من الكذب، فيحصن من الإِدخال في حقوق بلين الحجاب. فإنا أنت أحد رجلين: إِما أمرؤ سخت نفسك بالبذل في الحق فتقيم إحتجابك من حق تعطيه أو خلق كريم تسْديه، وإِما مبتلى بالمنع، فما أسرع كف الناس عنك وعن مسائلتك إذا يئسوا عن ذلك؛ مع أن أكثر حاجات الناس إليك لا مؤنة

فيه عليك من مشكاة مظلمة أو طلب إنصاف. فانتفع بما وصفت، واقتصر على حظك ورشدك إن شاء الله» . كذا في منتخب الكنز. كتابه أيضاً رضي الله عنه لبعض عماله وأخرج الدينوري، وابن عساكر عن المدائني قال: كتب علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى بعض عماله: «رويداً، فكأن قد بلغت المدى، وعُرضتْ عليك أعمالك بالمحلِّ الذي ينادي المغتر بالحسرة، ويتمنى المضيِّع التوبة، والظالم الرجعة» . كذا في منتخب الكنز. وصيته رضي الله عنه لعامل عكبرا وأخرج ابن زنجويه عن رجل من ثقيف قال: إستعملني علي بن أبي طالب رضي الله عنه على عُكْبَرا، فقال لي وأهل الأرض عندي: «إنَّ أهل السواد قوم خُدَّع فلا يخدعنَّك، فاستوفِ ما عليهم» . ثم قال لي: رُحْ إليّ. فلما رجعت إليه قال لي: «إنما قلت لك الذي قلت وسمعهم، لا تضربنَّ رجلاً منهم بسَوْط في طلب درهم، ولا تُقِمْه قائماً، ولا تأخذنَّ منهم شاة ولا بقرة، إنما أُمرنا أن نأخذ منهم العفْوَ، أتدري ما العفو؟ الطاقة» . كذا في الكنز.

نصيحة الرعية الإمام

وأخرجه البيهقي أيضاً، وفي حديثه: ولا تبيعنَّ لهم رزقاً ولا كسوة شتاء ولا صيف ولا دابة يعتملون عليها، ولا تُقِم رجلاً قائماً في طلب درهم. قال: قتل: يا، إذاً أرجع إليك كما ذهبت من عندك؟ قال: وإن رجعت كما ذهبت، ويحك إنما أمرنا أن نأخذ منهم العفو - يعني الفَضْل -. نصيحة الرعية الإِمام نصيحة سعيد بن عامر لأمير المؤمنين عمر أخرج ابن سعد، وابن عساكر عن مكحول أنَّ سعيد بن عامر بن جِذْيم الجُمحي من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: إِني أريد أن أوصيك يا عمر، قال: أجل فأوصني، قال: «أوصيك أن تخشى الله في الناس، ولا تخشَ الناس في الله، ولا يختلف قولك وفعلك، فإن خير القول ما صدَّقه الفعل، لا تقض في أمر واحد بقضاءين فيختلف عليك أمرك وتزيغ عن الحق، وخُذْ بالأمر ذي الحجة تأخذ بالفَلْج، ويعينك الله ويصلح رعيتك على يديك، وأقم وجهك وقضاءك لمن ولاك الله أمره من بعيد المسلمين وقريبهم، وأحبّ لهم ما تحب لنفسك وأهل بيتك، واكره لهم ما تكره لنفسك وأهل بيتك، وخُضْ الغمراتِ إلى الحق، ولا تخف في الله لومة لائم» . فقال عمر: من يستطيع ذلك؟ فقال سعيد: مثلك، من ولاه الله أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم ثم لم يحل بينه وبين الله أحد. كذا في منتخب الكنز.

حديث عبد الله بن بريدة في هذا الأمر وأخرج ابن راهَوَيْه، والحارث، ومسدَّد، وأبو يعلى - وصحّح - عن عبد الله بن بريدة أنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه جمع الناس لقدوم الوفد فقال لازنة بن أرقم: أنظر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فأذن لهم أول الناس، ثم القَرَن الذين يلونهم. فدخلوا فصُفُّوا قدَّامه فنظر، فإذا رجل ضخم عليه مُقَطَّعة برود، فأومأ إِليه عمر رضي الله عنه فأتاه. فقال عمر: إيهِ - ثلاث مرات - فقال الرجل: إِيهِ - ثلاث مرات - فقال عمر: أفّ، قُمّ، فقام فنظر فإذا الأشعري - رجل أبيض، خفيف الجسم، قصير ثَبْط - فأومأ إليه فأتاه فقال عمر؛ إِيه، فقال الأشعري: إِيهِ، قال عمر: إِيهِ، فقال: يا أمير المؤمنين إفتح حديثاً فنحدثك. فقال عمر: أفّ، قم، فإنه لن ينفعك راعي ضأن. فنظر فإذا رجل أبيض، خفيف الجسم، فأومأ إليه فأتاه، فقال عمر: إِيهِ، فوثب فحمد الله، وأثنى عليه، ووعظ بالله ثم قال: «إنكَ وَلِيت أمر هذه الأمة، فاتَّق الله فيما وَلِيت من أمر هذه الأمة وأهل رعيتك في نفسك خاصّة، فإنك محاسب ومسؤول، وإِنما أنت أمين، وعليك أن تؤدِّي ما عليك من الأمانة فتعطى أجرك على قدر عملك» . فقال: ما صدقني رجل منذ استخلفت غيرك. من أنت؟ قال: أنا ربيع

كتاب أبي عبيدة ومعاذ إلى عمر وكتابه إليهما

بن زياد. فقال: أخو المهاجر بن زياد؟ قال: نعم. فجهَّز عمر جيشاً واستعمل عليه الأشعري، ثم قال: أنظر ربيع بن زياد فإن يَكُ صادقاً فيما قال فإنَّ عنده عوناً على هذا الأمر فاستعمله، ثم لا يأتين عليكم عَشَرَة إلا تعاهدت منه عمله، وكتبت إِليّ بسيرته في عمله حتى كأني أنا الذي استعملته، ثم قال عمر: عهد إلينا نبينا صلى الله عليه وسلم فقال: «إِنَّ أخوف ما أخشى عليكم بعدي منافق عليم اللسان» . كذا في كنز العمال. كتاب أبي عبيدة ومعاذ إلى عمر وكتابه إليهما وأخرح أبو نعيم في الحلية عن محمد بن سُوقة قال: أتيت نُعيم بن أبي هند فأخرج إليّ صحيفة فإذا فيها: من أبي عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل إِلى عمر بن الخطاب: سلام عليك، أما بعد: فإن عهدناك وأمر نفسك لك مهمٌّ، فأصبحت قد وُليت أمر هذه الأمة أحمرها وأسودها، يجلس بين يديك الشريف والوضيع، العدو والصديق، ولكل حصتُه من العدل، فانظر كيف أنت عند ذلك يا عمر. فإنا نحذِّرك يوماً تَعْنا فيه الوجوه، وتجفّ فيه القلب، وتنقطع فيه الحجج لحجة ملك قهرهم بجبروته؛ فالخلق داخرون له، يرجون رحمته، ويخافون عقابه. وإِنّا نُحدَّث أنَّ أمر هذه الأمة سيرجع في آخر زمانها إِلى أن يكونوا إِخوان العلانية، أعداء السريرة؛ وإنا نعوذ بالله أن ينزل كتابنا إِليك سوى المنزل الذي نزل من قلوبنا، فإنما كتبنا به نصيحة لك، والسلام عليك» .

فكتب إِليهما عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: «من عمر بن الخطاب إِلى أبي عبيدة، ومعاذ، سلام عليكما. أما بعد: أتاني كتابما، تَذْكران أنكما عهدتماني وأمر نفسي لي مهم، فأصبحت قد وُلِّيت أمر هذه الأمة أحمرها وأسودها، يجلس بين يديَّ الشريف والوضيع، والعدو والصديق، ولكل حصته من العدل؛ كتبتما: فانظر كيف أنت عند ذلك يا عمر. وإنَّه لا حول ولا قوة لعمر عند ذلك إلا بالله عزّ وجلّ. وكتبتما تحذِّراني ما حُذِّرت منه الأمم قبلنا، وقديماً كان إختلاف الليل والنهار بآجال الناس يقرِّبان كل بعيد، ويبليان كل جديد، ويأتيان بكل موعود حتى يصير الناس إلى منازلهم من الجنة والنار. كتبتما تحذراني: أنَّ أمر هذه الأمة سيرجع في آخر زمانها إلى أن يكونوا إِخوان العلانية أعداء السريرة، ولستم بأولئك، وليس هذا بزمان ذاك، وذلك زمان تظهر فيه الرغبة والرهبة، تكون رغبة الناس بعضهم إلى بعض لصلاح دنياهم. كتبتما تعوذاني بالله أن أُنزل كتابكما سوى المنزل الذي نزل من قلوبكما؛ وإنكما كتبتما به نصيحة لي وقد صدَقتُما، فلا تَدَعا الكتاب إِليَّ فإنه لا غنى بي عنكما، والسلام عليكما» . وصية أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه وصيته رضي الله عنه للمسلمين عند وفاته بالأردن

سيرة الخلفاء والأمراء

عن سعيد بن المسيِّب قال: لما طُعِن أبو عبيدة رضي الله عنه بالأردن دعا من حضره من المسلمين وقال: «إنِّي موصيكم بوصية إن قبلتموها لن تزالوا بخير: أقيموا الصلاة، وصوموا شهر رمضان، وتصدَّقوا، وحجُّوا، واعتمروا، وتواصَوا، وانصحوا لأمرائكم ولا تَغَشوهم؛ ولا تلهكمم الدنيا، فإنَّ أمرأ لو عُمِّر ألف حول ما كان له بدٌّ من أن يصير إلى مصرعي هذا الذي ترون، إن الله تعالى كتب الموت على بني آدم فهم ميتون، فأكْيَسهم أطوعهم لربه، وأعملهم ليوم معاده. والسلام عليكم ورحمة الله. يا معاذ بن جبل صلِّ بالناس» . ومات رحمه الله. فقام معاذ رضي الله عنه في الناس فقال: «أيها الناس، توبوا إلى الله من ذنموبكم، فأيُّما عبدٍ يلقى الله تعالى تائباً من ذنبه إلا كان على الله حقاً أن يغفر له. من كان عليه دَيْن فليقضِه، فإنَّ العبد مُرْتَهنٌ بدَيْنه. ومن أصبح منكم مهاجراً أخاه فليلقه فليصالحه، ولا ينبغي لمسلم أن يهجر أخاه أكثر من ثلاثة أيام. أيها المسلمون، قد فُجعتم برجل ما أزعم أني رأيت بعداً أبرَّ صدراً لا أبعد من الغائلة ولا أشد حباً للعامة ولا أنصح منه. فترحَّموا عليه. واحضروا الصلاة عليه» . كذا في الرياض النضرة في مناقب العشرة للمحب الطبري. سيرة الخلفاء والأمراء سيرة أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه سيرته رضي الله عنه قبل تولِّي الخلافة وبعدها أخرج ابن سعد عن ابن عمر، وعائشة، وابن المسيِّب وغيرهم رضي الله عنهم - دخل

حديث بعضهم في حديث بعض - قالوا: بويع أبو بكر الصديق رضي الله عنه يوم قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الإِثنين لاثنتي عشرة ليلة خلَت من شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان منزله بالسُّنْح عند زوجته حبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبي زهير من بني الحارث بن الخزرج، وكان قد حجَّر عليه حُجْرة من شعر، فما زاد على ذلك حتى تحوَّل إلى منزله بالمدينة، فأقام هناك بالسُّنْح بعدما بويع له ستة أشهر يغدو على رجليه إلى المدينة، وربما ركب على فرس له وعليه إزار، ورداء مُمَشَّق، فيوافي المدينة فيصلِّي الصلوات بالناس، فإذا صلَّى العشاء رجع إلى أهله بالسُّنْح، فكان إذا حضر صلَّى بالناس، وإذا لم يحضر صلَّى عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وكان يقوم يوم الجمعة في صدر النهار بالسُّنْح يصبغ رأسه ولحيته، ثم يروح لَقَدر الجمعة فيُجَمِّع بالناس. وكان رجلاً تاجراً فكان يغدو كل يوم السوق فيبيع ويبتاع. وكانت له قطعة غنم تروح عليه وربما خرج هو نفسه فيها، وربما كُفِيَها فرُعِيت له. وكان يحلب للحيّ أغنامهم، فلما بُويع له بالخلافة قالت جارية من الحيّ: الآن لا تُحلب لنا مَنائح دارنا، فسمعها أبو بكر رضي الله عنه فقال: بلى لعمري لأحلُبَنَّها لكم، وإنِّي لأرجو أن لا يغيِّرني ما دخلت فيه عن خُلِق كنت عليه، فكان يحلب لهم فربما قال للجارية من الحي: يا جارية أتحبين أن أرغي لكل أو أُصَرِّح، فربما قالت: صرِّح، فأي ذلك قالت فعل. فمكث كذلك بالسنح ستة أشهر ثم نزل إلى المدينة، فأقام بها ونظر في

أمره، فقال: لا والله ما يُصلح أمر الناس التجارة، وما يصلح لهم إلا التفرغ، والنظر في شأنهم، وما بُدٌّ لعيالي ممّا يصلحهم، فترك التجارة، واستنفق من مال المسلمين ما يصلحه ويصلح عياله يوماً بيوم، ويحج، ويعتمر، وكان الذي فرضوا له كل سنة ستة آلاف درهم. فلما حضرته الوفاة قال: ردّوا ما عندنا من مال المسلمين فإنِّي لا أُصيب من هذا المال شيئاً، وإِن أرضي التي بمكان كذا وكذا للمسلمين بما أصبت من أموالهم. فدُفع ذلك إلى عمر ولَقوح، وعبد صَيْقَل، وقطيفة ما يساوي خمسة دراهم. فقال عمر رضي الله عنه: لقد أتعب مَنْ بعده. قالوا: واستعمل أبو بكر رضي الله عنه على الحج سنة إحدى عشرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم اعتمر أبو بكر رضي الله عنه في رجب سنة إثنتي عشرة، فدخل مكة ضَحْوة، فأتى منزله وأبو قحافة رضي الله عنه جالس على باب داره، معه فتيان أحداث يحدّثهم إلى أن قيل له: هذا إبنك، فنهض قائماً وعَجِل أبو بكر رضي الله عنه أن ينيخ راحلته فنزل عنه وهي قائمة، فجعل يقول: يا أبتِ لا تقم، ثم لاقاه فالتزمه وقبَّل بين عيني أبي قحافة، وجعل الشيخ يبكي فرحاً بقدومه. وجاء إلى مكة عتَّاب بن أسِيد، وسهيل بن عمرو، وعِكرمة بن أبي جهل، والحارث بن هشام - رضي الله عنهم - فسلَّموا عليه: سلام عليك يا خليفة رسول الله، وصافحوه جميعاً، فجعل أبو بكر - رضي الله عنه - يبكي حين يذكرون رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم سلَّموا على أبي قحافة. فقال أبو قحافة: يا عتيق، هؤلاء الملأ فأحسن صحبتهم، فقال أبو بكر: يا أبت لا حول ولا قوة إلا بالله، طُوِّقت عظيماً من الأمر لا قوة لي به ولا يدان إلا بالله. ثم خل فاغتسل وخرج وتبعه أصحابه فنحَّاهم، ثم قال: أمشوا على

رِسْلكم، ولقيه الناس يتمشّون في وجهه ويُعزُّونه بنبي الله صلى الله عليه وسلم وهو يبكي، حتى انتهى إلى البيت، فاضطبع بردائه، ثم استلم الركن ثم طاف سبعاً، وركع ركعتين ثم انصرف إلى منزله. فلما كان الظهر خرج فطاف أيضاً بالبيت ثم جلس قريباً من دار النَّدْوة فقال: هل من أحد يتشكَّى من ظُلامة أو يطلب حقاً؟ فما أتاه أحد، وأثنى الناس على واليهم خيراً، ثم صلَّى العصر وجلس فودَّعه الناس ثم خرج راجعاً إلى المدينة. فلما كان وقت الحج سنة إثنتي عشرة حجَّ أبو بكر - رضي الله عنه - بالناس تلك السنة، وأفرد الحج، واستخلف على المدينة عثمان بن عفان - رضي الله عنه -. قال ابن كثير: هذا سياق حسن، وله شواهد من وجوه أخر، ومثل هذا تقبله النفوس وتلقَّاه بالقبول. قصة عمير بن سعد الأنصاري رضي الله عنه سيرته لما بعثه عمر رضي الله عنهما عاملاً على حمص وقول عمر فيه أخرج أبو نعيم في الحلية عن عبد الملك بن هارون بن عنترة عن أبيه عن جده عن عمير بن سعد الأنصاري - رضي الله عنه - قال: بعثه عمر بن الخطاب رضي الله عنه عاملاً على حمص، فمكث حولاً لا يأتيه خبره. فقال عمر لكاتبه: أكتب إلى عمير، فوالله ما أراه إِلا قد خاننا. «إذا جاءك كتابي هذا فأقبل، وأقبل بما جبيت من فيء المسلمين حين تنظر في كتابي هذا» . فأخذ عمي - رضي الله عنه - جرابه، فجعل فيه زاده وقصعته، وعلَّق إداوته، وأخذ عَنَزَته، ثم أقبل يمشي من حمص حتى دخل المدينة. قال:

فقدم وقد شحب لونه واغبرَّ وجهه وطالت شَعْرته. فدخل على عمر رضي الله عنه وقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، فقال عمر: ما شأنك؟ فقال عمير: ما ترى من شأني؟ ألست تراني صحيح البدن، طاهر الدم، معي الدنيا أجرُّها بقَرنها. قال: وما معك؟ فظن عمر رضي الله عنه أنه قد جاء بال. فقال: معي جرابي أجعل فيه زادي، وقَصْعتي آكل فيها وأغسل فيها رأسي وثيابي، وإداوتي أحمل فيها وَضوئي وشرابي، وعَنَزَتي أتوكأ عليها وأُجاهد به عدواً إن عرض؛ فوالله ما الدنيا إلا تبع لمتاعي. قال عمر: فجئت تمشي؟ قال: نعم. قال: أما كان لك أحد يتبرع لك بدابة تركبها؟ قال: ما فعلوا وما سألتهم ذلك. فقال عمر - رضي الله عنه -: بئس المسلمون خرجت من عندهم. فقال له عمير - رضي الله عنه -: إتَّق الله يا عمر، قد نهاك الله عن الغيبة، وقد رأيتُهم يصلّون صلاة الغداة. قال عمر: فأين بعثتك؟ - وفي رواية الطبراني: فأين ما بعثتك به؟ - وأي شيء صنعت؟ قال: وما سؤالك يا أمير المؤمنين؟ فقال عمر: سبحان الله فقال عمير: أما لولا أنِّي أخشى أن أغمَّك ما أخبرتك، بعثتني حتى أتيت البلد، فجمعت صُلَحاء أهلها فوليتهم جباية فيْئِهم، حتى إذا جمعوه وضعته مواضعه ولو نالك منه شيء لأتيتك به. قال: فما جئتنا بشيء؟ قال: لا. قال: جدِّدوا لعمير عهداً. قال: إنَّ ذلك لشيء لا عملت لك ولا لأحد بعدك، والله ما سلمت بل لم أسلم، لقد قلت لنصراني - أي أخزاك الله - فهذا ما عرضتني له يا عمر وإن أشقَى أيامي يوم خُلِّفت معك يا عمر؛ فاستأذنه فأذن له فرجع إلى منزله، قال: وبينه وبين المدينة أميال. فقال عمر - رضي الله عنه - حين انصرف عمير: ما أراه إلا قد خاننا، فبعث رجلاً يقال له الحارث وأعطاه مائة دينار، فقال له: إنطلق إلى عمير حتى

تنزل به كأنك ضيف، فإن رأيت أثر شيء فأقبل، وإِن رأيت حالة شديدة فادفع إليه هذه المائة الدينار.e فانطلق الحارث فإذا هو بعُمير جالس يَفلي قميصه إلى جانب الحائط. فسلَّم عليه الرجل، فقال له عُمَير: أنزل - رحمك الله - فنزل. ثم سأله فقال: من أين جئت؟ قال: من المدينة. قال: فكيف تركت أمير المؤمنين؟ قال: صالحاً. قال: فكيف تركت المسلمين؟ قال: صالحين. قال: أليس يقيم الحدود؟ قال: بلى، ضرب إبناً له أتى فاحشة، فمات من ضربه. فقال عمير: اللهمَّ أعِن عمر، فإني لا أعلمه إلا شديداً حبه لك. قال: فنزل به ثلاثة أيام وليس لهم إلا قرصة من شعير كانوا يخصُّونه بها ويطوون حتى أتاهم الجهد. فقال له عمير: إنك قد أجعتنا فإن رأيت أن تتحول عنا فافعل. قال: فأخرج الدنانير فدفعها إليه فقال: بعث بها إليك أمير المؤمنين فاستعن بها. قال: فصاح، وقال: لا حاجة لي فيها ردَّها. فقالت له إمرأته: إن احتجت إِليها وإلا فضعها مواضعها. فقال عمير: والله ما لي شيء أجعلها فيه، فشقَّت إمرأته أسفل درعها فأعطته خِرقة فجعلها فيها. ثم خرج فقسمها بين أبناء الشهداء والفقراء، ثم رجع والرسول يظن أنه يعطيه منها شيئاً. فقال له عمير: إقرأ مني أمير المؤمنين السلام. فرجع الحارث إلى عمر، فقال: ما رأيت؟ قال: رأيت يا أمير المؤمنين حالاً شديداً. قال: فما صنع بالدنانير؟ قال: لا أدري. قال: فكتب إليه عمر إذا جاءك كتابي هذا فلا تضعه من يدك حتى تقبل. فأقبل إلى عمر فدخل عليه فقال له عمر: ما صنعت بالدنانير؟ قال: صنعت ما صنعت وما سؤالك عنها؟ قال: أنشد عليك لتخبرنِّي ما صنعت بها؟ قال: قدَّمتها لنفسي. قال: رحمك الله، فأمر له بوَسْق من طعام وثوبين. فقال: أما الطعام فلا حاجة لي فيه قد تركت في المنزل صَاعَين من شعير إلى أن آكل ذلك قد جاء الله تعالى بالرزق، ولم يأخذ

الطعام. وأما الثوبان فقال: إنَّ أُم فلان عارية، فأخذهما ورجع إلى منزله فلم يلبث أن هلك، رحمه الله. فبلغ عمر ذلك فشقَّ عليه وترحَّم عليه، فخرج يمشي ومعه المشاؤون إلى بقيع الغرقد، فقال لأصحابه: لِيَتَمنَّ كل رجل منكم أمنية. فقال رجل: وددت يا أمير المؤمنين أنَّ عندي مالاً فأعتق لوجه الله عزّ وجلّ كذا وكذا. وقال آخر: وددت يا أمير المؤمنين أنَّ عندي مالاً فأنفق في سبيل الله، وقال آخر: وددت لو أنَّ لي قوة فأمتح بدلو زمزم لحجّاج بيت الله. فقال عمر: وددت أنَّ لي رجلاً مثل عمير بن سعد أستعين به في أعمال المسلمين. وأخرجه الطبراني أيضاً مثله عن عمير بن سعد. قال الهيثمي: وفيه عبد الملك بن إبراهيم بن عنترة وهو متروك. انتهى. هكذا وقع عند الهيثمي، والذي يظهر أن الصواب عبد الملك بن هارون بن عنترة كما في كتب أسماء الرجال، وقد أخرج ابن عساكر من طريق محمد بن مزاحم بطوله بمعناه مع زيادات، كما في الكنز. قصة سعيد بن عامر بن حذيم الجمحي رضي الله عنه سيرته رضي الله عنه وهو عالم بحمص أخرج أبو نعيم في الحلية عن خالد بن معدان قال: إستعمل علينا عمر بن الخطاب بحمص سعيد بن عامر بن حذيم الجمحي - رضي الله عنه -. فلما قدم عمر بن الخطاب حمص قال: يا أهل حمص، كيف وجدتم

عاملكم؟ فشكوه إليه - وكان يقال لأهل حمص الكُوَيفة الصغرى لشكايتهم العمال - قالوا: نشكوا أربعاً: لا يخرج إِلينا حتى يتعالَى النهار. قال: أعْظِم بها. قال: وماذا قالوا: لا يجيب أحداً بليل. قال: وعظيمة. قال: وماذا؟ قالوا: وله يوم في الشهر لا يخرج فيه إلينا. قال: عظيمة. قال: وماذا؟ قالوا: يغنظ الغنظة بين الأيام - يعني تأخذه مُوتَة -. قال: فجمع عمر رضي الله عنه بينهم وبينه وقال: اللهمّ لا تفل رأيي فيه اليوم، ما تشْكون منه؟ قالوا: لا يخرج إِلينا حتى يتعالى النهار. قال: والله إن كنت لأكره ذكره؛ ليس لأهلي خادم، فأعجن عجيني، ثم أجلس حتى يختمر، ثم أخبز خبزي، ثم أتوضأ ثم أخرج إليهم. فقال: ما تشْكون منه؟ قالوا: لا يجيب أحداً بليل. قال ما تقول؟ قال: إن كنت لأكره ذكره؛ إنِّي جعلت النهار لهم، وجعلت الليل لله عزّ وجلّ. قال: وما تشكون؟ قالوا: إنَّ له يوماً في الشهر لا يخرج إلينا فيه. قال: ما تقول؟ قال: ليس لي خادم يغسل ثيابي ولا لي ثياب أبلها. قال: ما تشكون منه؟ قالوا: يغنظ الغنظة بين الأيام. قال: ما تقول؟ قال: شهدت مصرع خُبَيب الأنصاري رضي الله عنه بمكة، وقد بضَّعت قريش لحمه، ثم حملوه على جذعة فقالوا؛ أتحب أن محمداً مكانك؟ فقال: والله ما أحب أنِّي في أهلي وولدي وأن محمداً صلى الله عليه وسلم شِيك بشوكة، ثم نادى: يا محمد، فما ذكرت ذلك اليوم، وتَرْكي نُصرته في تلك الحال، وأنا مشرك لا أؤمن بالله العظيم؛ إلا ظننت أن الله عزّ وجلّ لا يغفر لي بذلك الذنب أبداً. قال: فتصيبني تلك الغنظة. فقال عمر: الحمد لله الذي لم يفل فراستي.

قصة أبي هريرة رضي الله عنه

فبعث إليه بألف دينار وقال: إستعن بها على أمرك، فقالت إمرأته: الحمد لله الذي أعنانا عن خدمتك، فقال لها: فهل لك في خير من ذلك؟ ندفعها إِلى من يأتينا بها أحوج ما نكون إليها، قالت: نعم. فدعا رجلاً من أهل بيته يثق به فصرَّرها صرراً، ثم قال: إنطلق بهذه إلى أرملة آل فلان، وإِلى يتيم آل فلان، وإِلى مسكين آل فلان، وإِلى مُبتَلى آل فلان. فبقيت منها ذُهيبة. فقال: أنفقي هذه، ثم عاد إلى عمله. فقالت: ألا تشتري لنا خادماً؟ ما فعل ذلك المال. قال: سيأتيك أحوج ما تكونين. قصة أبي هريرة رضي الله عنه أخرج أبو نعيم في الحلية عن ثعلبة بن أبي مالك القرظي أن أبا هريرة - رضي الله عنه - أقبل في السوق يحمل حزمة حطب - وهو يومئذٍ خليفة لمروان - فقال: أوسع الطريق للأمير يا ابن أبي مالك، فقلت له: يكفي هذا، فقال: أوسع الطريق للأمير، والحزمة عليه.

الباب الثامن باب إنفاق الصحابة في سبيل الله كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ينفقون الأموال وما أعطاهم الله تبارك وتعالى في سبيل الله ومواقع رضاء الله، وكيف كان ذلك أحبَّ إليهم من الإِنفاق على أنفسهم، وكيف كانوا يُؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة

باب إنفاق الصحابة في سبيل الله ترغيب النبي عليه السلام وأصحابه ورغبتهم في الإِنفاق ترغيب النبي صلى الله عليه وسلم على الإِنفاق حديث جرير رضي الله عنه في هذا الأمر أخرج مسلم والنسائي وغيرهما عن جرير رضي الله عنه قال: كنا في صَدْر النهار عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه قوم عُراة حُفاة مُجْتابي النَّمار - أو العباء - متقلِّدي السيوف، عامتهم من مُضَر بل كلُّهم من مُضَر؛ فتَمَعَّر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لِمَا رأى ما بهم من الفاقة. فدخل ثم خرج فأمر بلالاً رضي الله عنه فأذَّن وأقام، فصلى ثم خطب فقال: {يَأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ واحِدَةٍ} - إلى آخر الآية -: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} (النساء: 1) ،

والآية التي في الحشر: {اتَّقُواْ اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} (الحشر: 18) . تَصَدَّق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بُرِّه، من صاع تمره حتى قال: ولو بِشِقِّ تمره. قال فجاء رجل من الأنصار بصرَّة كادت كفه تعجِز عنها بل عجزت. قال: ثم تتابع الناس حتى رأيت كومَين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنه مَذْهَبة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من سنَّ في الإِسلام سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل به من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سنَّ في الإِسلام سنّة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيء» . كذا في الترغيب. وقد تقدّم حديث حثِّه صلى الله عليه وسلم على الإِنفاق في سبيل الله. حديث جابر رضي الله عنه في هذا الأمر وأخرج الحاكم - وصحّحه - عن جابر رضي الله عنه قال: أتى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بني عمرو بن عوف يوم الأربعاء، فذكر الحديث إلى أن قال: «يا معشر الأنصار» ، قالوا: لبيك يا رسول الله، فقال: «كنتم في الجاهلية إذ لا تعبدون الله تحملون الكَلّ، وتفعلون في أموالكم المعروف، وتفعلون إلى ابن السبيل، حتى إذا منَّ الله عليكم بالإِسلام وبنبيّه إذا أنتم تُحصِّنون أموالكم؟ فيما يأكل ابن آدم آجر، وفيما يأكل السبع والطير أجر» . قال: فرجع القوم فما

منهم أحد إلا هدم من حديقته ثلاثين باباً. كذا في الترغيب. خطبة النبي عليه السلام في فضيلة السخاء ومذمة اللؤم وأخرج ابن عساكر عن أنس رضي الله عنه قال: أول خطبة خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، وقال: «يا أيها الناس، إنَّ الله قد اختار لكم الإِسلام ديناً، فأحسنوا صحبة الإِسلام بالسَّخاء وحسن الخلق. ألا إِن السخاء شجرة من الجنة وأغصانها من الدنيا، فمن كان منكم سخياً لا يزال متعلَّقاً بغصن منها حتى يورده الله الجنة. ألا إن اللؤم شجرة في النار وأغصانها في الدنيا، فمن كان منكم لئيماً لا يزال متعلقاً بغصن منها حتى يورده الله في النار. قال مرتين: السخاء في الله، السخاء في الله» كذا في كنز العمال. رغبة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الإِنفاق حديث عمر رضي الله عنه في هذا الأمر أخرج الترمذي عن عمر رضي الله عنه أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله أن يعطيه، فقال: «ما عندي ما أعطيك، ولك ابتَعْ عليَّ شيئاً فإذا جاءني شيء قضيته» . فقال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله، قد أعطيته فما كلَّفك الله ما لا تقدر عليه. فكره النبي صلى الله عليه وسلم قول عمر، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أنفق ولا تخشَ من ذي العرش إقلالاً. فتبسَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرف التبسم في وجهه لقول الأنصاري، وقال: «بهذا أمرت» . كذا في البداية. وأخرجه أيضاً

البزّار، وابن جرير، والخرائطي في مكارم الأخلاق، وسعيد بن منصور كما في الكنز. قال الهيثمي: رواه البزّار، وفيه إسحاق بن إبراهيم الحنيني وقد ضعَّفه الجمهور ووثَّقه ابن حِبّان وقال يخطىء. حديث جابر رضي الله عنه في هذا الأمر وأخرج ابن جرير عن جابر رضي الله عنه أنَّ رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فأعطاه، ثم أتاه آخر فسأله فوعده؛ فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا رسول الله، سُئلت فأعطيت، ثم سُئلت فأعطيت، ثم سُئلت فوعدت، ثم سئلت فوعدت، فكأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كرهها؛ فقام عبد الله بن حُذافة السَّهْمي رضي الله عنه فقال: أنفق يا رسول الله، ولا تخشَ من ذي العرش إقلالاً، فقال: «بذلك أُمرت» . كذا في الكنز. حديث ابن مسعود رضي الله عنه في أمره عليه السلام بلالاً بالإِنفاق وأخرج البزّار بإسناد حسن والطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم على بلال رضي الله عنه وعنده صُبَر من تمر فقال: «ما هذا يا بلال؟» قال: أعدُّ ذلك لأضيافك. قال: «أما تخشى أن يكون لك دخان في نار جهنم، أنفق يا بلال ولا تخشَ من ذي العرش إقلالاً» . وأخرجه أبو نعيم في الحلية عن عبد الله ونحوه، ورواه أبو يَعْلى والطبراني عن أبي

هريرة رضي الله عنه بنحوه بإسناد حسن، كذا في الترغيب. حديث أنس رضي الله عنه فيما كان بين النبي عليه السلام وخادمه وأخرج أبو يَعْلى عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أُهديت للنبي صلى الله عليه وسلم ثلاث طوائر، فأطعم خادمه طائراً. فلما كان من الغد أتته بها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ألم أنهك أن ترفعي شيئاً لغدٍ فإنَّ الله تعالى يأتي برزق كل غد» . قال الهيثمي: ورجاله ثقات. حديث علي رضي الله عنه فيما جرى بين عمر والناس في فَضْل مال وأخرج أحمد عن أبي البَخْتري عن علي رضي الله عنه قال: قال عمر رضي الله عنه للناس؛ فَضَل عندنا من هذا المال، فقال الناس: يا أمير المؤمنين، قد شغلناك عن أهلك وضيعتك وتجارتك فهو لك، فقال لي: ما تقول أنت؟ قلت: قد أشاروا عليك. فقال: قل. قلت لِمَ تجعل يقينك ظناً؟ فقال: لتخرجنَّ مما قلت. فقلت: أجل - والله - لأخرجنَّ منه، أتذكر حين بعثك نبي الله صلى الله عليه وسلم ساعياً، فأتيت العباس بن عبد المطلب، فمنعك صدقته، فكان بينكما شيء فقلت لي: إنطلق معي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلنخبره بالذي صنع. فانطلقنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوجدناه خاثراً، فرجعنا ثم غدونا عليه

قصة قسم المال بين المسلمين وما وقع بين عمر وعلي فيه

الغد، فوجدناه طيِّب النفس فأخبرته بالذي صنع العباس. فقال لك: «أما علمت أنَّ عمَّ الرجل صِنْوُ أبيه» ، وذكرنا له الذي رأيناه من خثور في اليوم الأول، والذي رأيناه من طيب نفسه في اليوم الثاني فقال: «إنكما أتيتما في اليوم الأول وقد وجهتهما فذلك الذي رأيتما من طيب نفسي» . فقال عمر رضي الله عنه: صدقت. أما - والله - لأشكرنَّ لك الأولى والآخرة. وأخرجه أيضاً أبو يعلى، والدَّروْرَقي، والبيهقي، وأبو داود، وفيه إرسال بين أبي البختري وعلي. كذا في الكنز. وأخرجه أبو نُعَيم في الحلية عن أبي البختري قال: قال عمر - فذكر بمعناه. قال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، وكذلك أبو يَعْلى والبزّار إلا أن أبا البختري لم يسمع من علي ولا عمر فهو مرسل صحيح. انتهى. قصة قسْم المال بين المسلمين وما وقع بين عمر وعلي فيه وأخرج البزّار عن طحلة بن عبيد الله رضي الله عنه قال: أُتي عمر

رضي الله عنه بمال فقسمه بين المسلمين، ففضلت منه فَضْلة فاستشر فيها فقالوا: لو تركته لنائبة إن كانت. قال: - وعلي رضي الله عنه ساكت لا يتكلم فقال: مالك يا أبا الحسن لا تتكلم؟ قال: قد أخبر القوم، فقال عمر رضي الله عنه: لتكلمنِّي، فقال: إنَّ الله قد فرغ من قسمة هذا المال، وذكر مال البحرين حين جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وحال بينه وبين أن يقسمه الليل، فصلَّى الصلوات في المسجد، فلقد رأيت ذلك في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى فرغ منه. فقال: لا جَرَم لتقسمنَّه، فقسمه عليٌّ فأصابني منه ثمانُ مائة درهم. قال الهيثمي: وفيه الحجاج بن أرْطاة وهو مدلِّس. حديث أم سلمة رضي الله عنها معه عليه السلام في إنفاق المال وأخرج أحمد وأبو يعلى عن أم سَلَمة رضي الله عنها قالت: دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساهم الوجه، فخشيت ذلك من وجع فقلت: يا رسول الله ما لك ساهم الوجه؟ فقال: «من أجل الدنانير السبعة التي أُتينا بها أمس؛ أمسينا وهي في خُصم الفراش» وفي رواية: أتتنا ولم ننفقها» ، قال الهيثمي: رجالهما رجال الصحيح. حديث سهل بن سعد رضي الله عنه في ذلك وأخرج الطبراني في الكبير - ورواته ثقات محتج بهم في الصحيح - عن

سهل بن سعد رضي الله عنه قال: كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة دنانير وضعها عند عائشة رضي الله عنها. فلما كان عند مرضه قال: «يا عائشة إبعثي بالذهب إلى عليَ» ، ثم أُغميَ عليه وشَغَل عائشة ما به حتى قال ذلك مراراً، كل ذلك يُغمى على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويشغل عائشة رضي الله عنها ما به، فبعث إلى عليَ فتصدَّق بها. وأمسى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديد الموت ليلة الإِثنين، فأرسلت عائشة رضي الله عنها بمصباح لها إلى إمرأة من نسائها، فقالت: أهدي لنا في مصباحنا من عُكَّتك السَّمْنَ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسى في حديد الموت. ورواه ابن حِبَّان في صحيحه من حديث عائشة بمعناه. كذا في الترغيب. عند أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتصدَّق بذهب كان عندنا في مرضه. قالت: فأفاق فقال: «ما فعلتِ؟» قلت: (لقد) شغلني ما رأيت منك. قال: «فهلميها» . قال: فجاءت بها إِليه سبعة أو تسعة دنانير - أبو حازم يشكُّ - فقال حين جاءت بها: «ما ظَنُّ محمد (أن) لو لقي الله (عزّ وجلّ) وهذه عنده؟ وما تبقي هذه من محمد لو لقي الله وهذه عنده؟» . قال الهيثمي: رواه أحمد بأسانيد، ورجال أحدها رجال الصحيح. وأخرجه البيهقي من حديث عائشة بنحوه.

حديث عبيد الله بن عباس في إنفاق المال وأخرج البزار عن عبيد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال لي أبو ذر رضي الله عنه: يا ابن أخي، كنتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم آخذاً بيده فقال لي: «يا أبا ذر، ما أحبُّ أنَّ لي أُحُداً ذهبً وفضة أنفقه في سبيل الله أموت يوم أموت أدعُ منه قيراطاً» . قلت: يا رسول الله قنطاراً؟ قال: «يا أبا ذر أذهبُ إلى الأقل وتذهب إلى الأكثر، أريد الآخرة وتريد الدنيا، قيراطاً» فأعادها عليّ ثلاث مرات. وأخرجه الطبراني بنحوه. قال الهيثمي: وإسناد البزار حسن. حديث أبي ذر وما وقع بينه وبين كعب عند عثمان رضي الله عنهم وأخرج أحد عن أبي ذر رضي الله عنه أنه جاء إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه فأذن له بيده عصا. فقال عثمان: يا كعب، إن عبد الرحمن مات وترك مالاً فما ترى فيه؟ فقال: إن كان قضَى فيه حقَّ الله فلا بأس عليه؛ فرفع أبو ذر عصاه فضرب كعباً وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما أحبُّ لو أن هذا الجبل لي ذهباً أنفقه ويُتقبَّلُ مني؛ أذَرُ منه خلفي ستَّ أواقٍ» ، أنشدك الله يا عثمان، سمعته ثلاث مرات؟ قال: نعم. قال الهيثمي: رواه أحمد وفيه ابن لَهِيعة وقد ضعَّفه غير واحد، ورواه أبو يعلى. اهـ. وأخرجه البيهقي عن غزوان بن أبي حاتم مطوّلاً، كما في الكنز وفيه: فقال عثمان لكعب: يا أبا إسحاق، أرأيت المال إذا أُدِّيَ زكاتُه هل يُخشى على صاحبه فيه تبعة؟ قال:

لا، فقام أبو ذر رضي الله عنه معه عصا فضرب بها بين أذني كعب، ثم قال: يا ابن اليهودية أنت تزعم أنه ليس حق في ماله إذا أدَّى الزكاة والله تعالى يقول: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} (الحشر: 9) ، والله تعالى يقول: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً} (الإنسان: 8) ، الله تعالى يقول: {وَالَّذِينَ فِى أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ لّلسَّآئِلِ وَالْمَحْرُومِ} (المعارج: 24، 25) ، فجعل يذكر نحو هذا من القرآن. حديث عمر وقوله في سَبْق الصدِّيق في الإِنفاق وأَخرج أبو داود، والترمذي - وقال: حسن صحيح - والدارمي، والحاكم، والبيهقي، وأبو نُعَيم في الحِلْية، وغيرهم عن عمر رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً أن نتصدق، ووافق ذلك مالاً عندي فقلت: اليوم أسبق أبا بكر رضي الله عنه إن سبقته يوماً. فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما أبقيت لأهلك» قلت: أبقيت لهم. قال: «ما أبقيت لهم؟» قال: «أبقيت له الله ورسولَه. قلت: لا أسبقه إلى شيء أبداً. كذا في منتخب الكنز.

قصة عثمان مع رجل في هذا الأمر وأخرج البيهقي في شُعَب الإِيمان عن الحسن قال: قال رجل لعثمان رضي الله عنه: ذهبتم يا أصحاب الأموال بالخير تتصدّقون، وتعتِقون، وتحجُّون، وتنفقون. فقال عثمان: وإِنكم لتغبطوننا. قال: إنا لنغبطُكم قال: فوالله لدرهم ينفقه أحد من جَهْد خير من عشرة آلاف غيض من فيض. كذا في الكنز. قصة سائل مع علي رضي الله عنه وأخرج العسكري عن عبيد الله بن محمد بن عائشة قال: وقف سائل على أمير المؤمنين عليّ فقال للحسن أو للحسين: إذهب إلى أمك فقل لها: تركت عندك ستة دراهم فهاتِ منها درهماً. فذهب ثم رجع فقال: قالت: إنما تركت ستة دراهم للدقيق. فقال علي: لا يصدق إيمان عبد حتى يكون بما في يد الله أوثق منه بما في يده. قل لها: إبعثي بالستة دراهم، فبعثت بها إليه فدفعها إلى السائل. قال: فما حلَّ حبوته حتى مرّ به رجل معه جمل يبيعه. فقال علي: بكم الجمل؟ قال: بمائة وأربعين درهماً. فقال علي: أعقله على أن نؤخرك بثمنه شيئاً، فعقله الرجل ومضى. ثم أقبل رجل فقال: لمن هذا البعير؟ فقال علي: لي؟ فقال: أتبيعه؟ قال: نعم. قال: بكم؟ قال: بمائتي درهم. قال: قد ابتعته. قال: فأخذ البعير وأعطاه المائتين. فأعطى الرجل الذي أراد أن يؤخره مائة وأربعين درهاً جاء بستين درهماً إلى فاطمة رضي الله عنها، فقالت: ما هذا؟ قال هذا وعدنا الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم {مَن جَآء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} (الأنعام: 160) . كذا في الكنز.

قصة رجل عرض ناقة سمينة في الصدقة

قصة رجل عرض ناقة سمينة في الصدقة وأخرج أحمد، وأبو داود، وأبو يَعْلى، وابن خزيمة وغيرهم عن أُبيّ رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم مُصَدقاً، فمررت برجل، فلما جمع ماله لم أجد عليه فيه إلا إبنة مخاض، فقلت: أدِّ إبنة مخاض فإنها صدقتك. فقال: ذاك ما لا لبنَ فيه ولا ظهر، لكن هذه ناقة فتية عظيمة سمينة فخذها، فقلت له: ما أنا بآخذ ما لم أؤمر به، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم منك قريب، فإن أحببت أن تأتيته فتعرض عليه ما عرضت عليّ فافعل، فإن قبله منك قبلته، وإن ردَّه عليك رددته. قال: فإني فاعل. فخرج معي وخرج بالناقة التي عرض عليّ حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له يا نبي الله، أتاني رسولك ليأخذ مني صدقة مالي وأيْمُ والله، ما قام في مالي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا رسوله قط قبله، فجمعت له مالي، فزعم أن ما عليّ فيه إبنة مخاض، وذلك ما لا لبن فيه ولا ظهر، وقد عرضت عليه ناقة عظيمة فتية ليأخذها فأبى ليّ، وها هي ذه قد جئتك بها يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ذاك الذي عليك، فإن تطوَّعت بخير جزاك الله فيه، وقبلناه منك» . قال: فها هي ذه يا رسول الله، قد جئتك بها فخذها. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبضه ودعا له في ماله بالبركة. كذا في الكنز. جود أم المؤمنين عائشة وأختها أسماء رضي الله عنهما وأخرج البخاري في الأدب المفرد (ص 43) عن عبد الله بن الزبير رضي الله

عنهما قال: ما رأيت إمرأتين أجود من عائشة وأسماء - رضي الله عنهما - وجودهما مختلف، أما عائشة فكانت تجمع الشيء إلى الشيء حتى إذا كان اجتمع عندها قسمت، أما أسماء فكانت لا تمسك شيئاً لغدٍ. قصة سماحة معاذ رضي الله عنه وأخرج عبد الرزاق، وابن راهويه عن كعب بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه قال: كان معاذ بن جبل رجلاً سمحاً شاباً جميلاً من أفضل شباب قومه، وكان لا يمسك شيئاً، فلم يزل يَدَّان حتى أُغلِق ماله كله من الدين. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يطلب له أن يسأل له غرماءه أن يضعوا له فأبَوا - فلو تركوا لأحد من أجل أحد تركوا للنبي صلى الله عليه وسلم ـ. فباع النبي صلى الله عليه وسلم كل ماله في دينه حتى قام معاذ بغير شيء، حتى إذا كان عام فتح مكة بعثه النبي صلى الله عليه وسلم على طائفة من اليمن أميراً ليَجْبُره، فمكث معاذ باليمن أميراً - وكان أول من اتَّجر في مال الله هو - ومكث حتى أصاب وحتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم فلما قدم قال عمر لأبي بكر: أرسل إلى هذا الرجل فدَعْ له ما يُعيشه وخذ سائره. فقال أبو بكر: إنما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم ليجبره ولست بإخذ منه شيئاً إلا أن يعطيني، فانطلق عمر إلى معاذ إِذ لم يطعه أبو بكر، فذكر ذلك عمر لمعاذ، فقال معاذ: إنما أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم ليجبرني ولست بفاعل، ثم لقي معاذ

عمر فقال: قد أطعتك وأنا فاعل ما أمرتني به. إني رأيت في المنام أني في حومة ماء وقد خشيت الغرق فخلصتني منه يا عمر. فأتى معاذ أبا بكر فذكر ذلك له وحلف له أنه لم يكتمه شيئاً حتى بيَّن له سوطه. فقال أبو بكر: والله لا آخذه منك قد وهبته لك. فقال عمر: هذا حين طب وحل؟ فخرج معاذ عند ذلك إلى الشام. كذا في الكنز. وأخرجه أبو نعيم في الحلية من طريق عبد الرزاق بإِسناده عن ابن كعب بن مالك قال: كان معاذ بن جبل شاباً جميلاً سمحاً من خير شباب قومه لا يُسأل شيئاً إلا أعطاه حتى ادّان ديناً أغلق له. فذكر الحديث نحوه. وأخرج الحاكم عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه فذكره مختصراً. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرِّجاه، ووافقه الذهبي. حديث جابر في سماحة معاذ وأخرج الحاكم أيضاً من حديث جابر - رضي الله عنه - قال: كان معاذ بن جبل - رضي الله عنه - من أحسن الناس وجهاً، وأحسنهم خُلُقاً، وأسمحهم كفّاً، فادَّان ديناً كثيراً؛ فلزمه غرماؤه حتى تغيَّب عنهم أياماً في بيته، حتى استعدى رسول الله صلى الله عليه وسلم غرماؤه. فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معاذ يدعوه فجاء ومعه غرماؤه، فقالوا: يا رسول الله، خذ لنا حقَّنا منه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «رحم الله من تصدَّق عليه، فتصدَّق عليه ناس وأبى آخرون وقالوا: يا رسول الله، خذ لنا بحقنا منه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إصبر له يا معاذ» . قال: فخلعه رسول

الله صلى الله عليه وسلم من ماله، فدفعه إلى غرمائه فاقتسموه بينهم، فأصابهم خمسة أسباع حقوقهم. قالوا: يا رسول الله بِعْه لنا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «خلُّوا عليه فليس لكم عليه سبيل» . فانصرف معاذ إلى بني سَلِمة فقال له قائل: يا أبا عبد الرحمن، لو سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أصبحت اليوم مُعْدِماً، فقال: ما كنت لأسأله. قال: فمكث أياماً، ثم دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعثه إلى اليمن وقال: «لعلَّ الله أن يَجْبُرك ويؤدِّي عنك دينك» . قال: فخرج معاذ إلى اليمن فلم يزل بها حتى توفيت، فوافى السنة التي حج فيها عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - مكة فاستعمله أبو بكر رضي الله عنه على الحج، فالتقيا يوم التروية بها فاعتنقا وعزّى كل واحد منهما صاحبه برسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أخلدا إلى الأرض يتحدَّثان، فرأى عمر عند معاذ غلماناً، فذكر نحو حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - وهكذا أخرجه ابن سعد عن جابر رضي الله عنه بنحوه. حديث عبد الله بن مسعود في سماحة معاذ وأخرج الحاكم من طريق أبي وائل عن عبد الله قال: لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم واستخلفوا أبا بكر رضي الله عنه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معاذاً إلى اليمن، فاستعمل أبو بكر عمر رضي الله عنهما على الموسم، فلقي معاذاً بمكة ومعه رقيق، فقال: ما هؤلاء؟ فقال: هؤلاء أُهدوا لي، وهؤلاء لأبي بكر. فقال له عمر: إني أرى لك أن تأتي بهم أبا بكر. قال: فلقيه من الغد، فقال: يا ابن الخطاب لقد رأيتني البارحة وأنا أنزو إِلى النار وأنت آخذ بحُجْزَتي، وما أُراني

إنفاق ما يحب

إِلا مطيعك. قال: فأتى بهم أبا بكر فقال: هؤلاء أهدوا لي، وهؤلاء لك. قال: فإنَّا قد سلمنا لك هديتك، فخرج معاذ إلى الصلاة فإذا هم يصلُّون خلفه، فقال معاذ: لمن تصلون؟ قالوا: لله عزّ وجلّ، فقال: أفأنتم له، فأعتقهم. قال الحاكم ووافقه الذهبي: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرِّجاه. إنفاق ما يحبّ تصدّق عمر رضي الله عنه بأرضه في خيبر أخرج الأئمة الستة عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: أصاب عمر بخيبر أرضاً، فأتى إِلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أصبتُ أرضاً لم أصب مالاً قط أنفس منه فكيف تأمرني به؟ قال: «إن شئت حبست أصلها، وتصدَّقت بها» ؛ فتصدّق (بها) عمر رضي الله عنه أنه لا يباع أصلها، ولا يوهب، ولا يورث، (وتصدَّق) بها في الفقراء والقربى والرقاب، وفي سبيل الله والضيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف أو يطعم صديقاً غير متمول. كذا في نصب الراية. إِعتاقه لجارية كان قد طلبها من أبي موسى وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن عمر رضي الله

عنه أنه كتب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن يبتاع له جارية من سبي جَلُولاء، فدعا بها، فقال: إن الله يقول: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} (آل عمران: 92) فأعتقها عمر. كذا في الكنز. قصة ابن عمر وجارية وأخرج ابن سعد عن نافع أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كانت له جارية، فلما اشتد عجبه بها أعتقها وزوَّجها مولى له، فولدت غلاماً. قال نافع: فلقد رأيت عبد الله بن عمر يأخذ ذلك الصبي فيقبله ثم يقول: واهاً لريح فلانة يعني الجارية التي أعتق. قصة ابن عمر إِذ حضرته الآية وأخرج البزار عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: حضرتني هذه الآية: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} فذكرت ما أعطاني الله عزّ وجلّ فلم أجد شيئاً أحبّ إليَّ من مرجانة - جارية لي رومية - فقال: هي حرّة لوجه الله، فلو أني أعود في شيء جعلته لله لنكحتها. قال الهيثمي: رواه البزّار وفيه من لم أعرفه اهـ. وأخرجه الحاكم وزاد: فأنكحها نافعاً فهي أم ولده. وأخرجه أبو نعيم في الحلية من طريق مجاهد وغيره.

حديث نافع في إِنفاق ابن عمر وأخرج أبو نعيم في الحلية عن نافع قال: كان ابن عمر - رضي الله عنهما - إِذا اشتد عجبه بشيء من ماله قرَّبه لربه عزّ وجلّ. قال نافع: وكان رقيقه قد عرفوا ذلك منه، فربما شمَّر أحدهم فيلزم المسجد، فإذا رآه ابن عمر رضي الله عنهما على تلك الحالة الحسنة أعتقه. فيقول له أصحابه: يا أبا عبد الرحمن - والله - ما بهم إلا أن يخدعوك فيقول ابن عمر: فمن خدعنا بالله عزّ وجلّ إنخدعنا له. قال نافع: فلقد رأيتنا ذات عشية وراح ابن عمر على نجيب له قد أخذه بمال عظيم، فلما أعجبه سيره أناخه مكانه ثم نزل عنه. فقال: يا نافع إنزعوا زمامه ورَحْله، وجلِّلوه وأشعروه وأدخلوه في البُدْن. وفي رواية أخرى عنده أيضاً عن نافع قال: بينا هو يسير على ناقته - يعني ابن عمر - إذا أعجبته فقال: إخ إخ، فأناخها ثم قال: يا نافع، حُطَّ عنه الرَّحْل، فكنت أرى أنه لشيء يريده أو لشيء رابه منها، فحططت الرحل، فقال لي: أنظر هل ترى عليها مثل رأسها؟ فقلت: أنشدك إِنك إن شئت بعتها واشتريت بثمنها. قال: فجلَّله وقلّدها وجعلها في بُدْنه، ما أعجبه من ماله شيء قط إلا قدمه. وعنده أيضاً عن نافع عن ابن عمر: أنه كان لا يعجبه شيء من ماله إلا خرج منه لله عزّ وجلّ. قال: وكان ربما تصدَّق في المجلس الواحد بثلاثين ألفاً - قال وأعطاه ابن عامر مرتين ثلاثين ألفاً، فقال: يا نافع إِني أخاف أن تفتنني دارهم ابن عامر، إذهب فأنت حر. وكان لا يد من اللحم شهراً إلا مسافراً أو في رمضان. قال: وكان يمكث الشهر لا يذوق فيه مُزعة لحم

وأخرجه الطبراني مختصراً، كذا في المجمع. وأخرجه ابن سعد عن نافع مختصراً. قصة ابن عمر لما نزل الجحفة وأخرج أبو نعيم في الحلية عن سعيد بن أبي هلال أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما نزل الجحفة وهو شاك. فقال: إني لأشتهي حيتاناً، فالتمسوا له فلم يجدوا (له) إلا حوتاً واحداً، فأخذته إمرأته صفية بنت أبي عبيد فصنعته ثم قربته إليه، فأتى مسكين حتى وقف عليه فقال له ابن عمر: خذه. فقال أهله: سبحان الله، قد عنَّيتنا ومعنا زاد نعطيه؟ فقال: إنَّ عبد الله يحبّه. وأخرجه أيضاً من طريق عمر بن سعد بنحوه وفيه: قالت إمرأته: نعطيه درهماً فهو أنفع له من هذا، واقضِ أنت شهوتك منه. فقال: شهوتي ما أُريد. وأخرجه أيضاً من طريق نافع. وأخرجه ابن سعد عن حبيب بن (أبي) مرزوق مع زيادة بمعناه. تصدّق أبي طلحة بعين بيرحاء وأخرج الشيخان عن أنس رضي الله عنه قال: كان أبو طلحة رضي الله عنه أكثر الأنصار بالمدينة مالاً من نخل، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها

قول أبي ذر: إن في المال ثلاثة شركاء

طيِّب. قال أنس: فلما نزلت هذه الآية: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إنَّ الله تبارك وتعالى يقول: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} وإِنَّ أحبّ أموالي إليَّ بيرحاء وإِنَّها صدقة لله أرجو برَّها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «بخٍ ذلك مال رابح لك مال رابح» كذا في الترغيب وزاد في صحيح البخاري بعده: «وقد سمعتُ ما قلت وإني أرى أن تجعلها في الأقربين» . فقال أبو طلحة: أفعلُ يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقربه وبني عمه. تصدّق زيد بن حارثة بفرس له وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن محمد بن المنكدر قال: لما نزلت هذه الآية: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} جاء زيد بن حارثة رضي الله عنه بفرس له يقال لها شِبلة لم يكن له مال أحبّ إليه منها، فقال: هي صدقة، فقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمل عليها إبنة أسامة رضي الله عنه، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك في وجه زيد فقال: «إِن الله قد قبلها منك» ، وأخرجه ابن جرير عن عمرو بن دينار مثله، وعبد الرزاق، وابن جرير عن أيوب بمعناه، كما في الدر المنثور. قول أبي ذر: إِن في المال ثلاثة شركاء وأخرج أبو نعيم في الحلية عن أبي ذر - رضي الله عنه - أنه قال: في

المال ثلاثة شركاء: القَدَر لا يستأمرك أن يذهب بخيرها أو شرها من هلاك أو موت، والوارث ينتظر أن تضع رأسك ثم يستاقها وأنت ذميم. فإن استطعت أن لا تكون أعجز الثلاثة فلا تكونَّن فإنَّ الله عزّ وجلّ يقول: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} ألا وإن هذا الجل مما كنت أحبّ من مالي فأحببت أن أقدمه لنفسي. الإِنفاق مع الحاجة قصة النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر أخرج ابن جرير عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: جاءت إمرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ببردة - قال سهل: هي شَمْلة منسوجة فيها حاشيتها - فقالت: يا رسول الله جئتك أكسوك هذه، فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان محتاجاً إليها فلبسها، فرآها عليه رجل من أصحابه فقال: يا رسول الله ما أحسن هذه أكسُنيها، فقال: «نعم» فلما (قام) رسول الله صلى الله عليه وسلم لامَهُ أصحابه، وقالوا: ما أحسنت حين رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها محتاجاً إليها ثم سألته إياها، وقد عرفتَ أنه لا يُسأل شيئاً فيمنعه قال: والله ما حملني على ذلك إلا رجوت بركتها حين لبسها رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلِّي أُكفَّن فيها. وعند ابن جرير أيضاً عن سهل رضي الله عنه قال: حيكت لرسول الله صلى الله عليه وسلم حخلّة أنمار صوف سوداء، فجُعل حاشيتها بيضاء، فخرج فيها إلى أصحابه فضرب بيده على فخذه، فقال: «ألا ترون إلى هذه ما أحسنها» فقال أعرابي:

بأبي أنت وأمي يا رسول الله هبها لي - وكانت لا يُسأل شيئاً أبداً فيقول: لا - فقال: «نعم» فأعطاه الجبة ودعا بمعْوَزين له فلبسها، وأمر بمثلها فحيكت له؛ فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي في المحاكة. كذا في كنز العمال. قصة أبي عقيل رضي الله عنه أخرج الطبراني عن أبي عقيل رضي الله عنه أنه بات يجر الجرير على ظهره على صاعين من تمر، فانفلت بأحدهما إلى أهله ينتفعون به، وجاء بالآخر يتقرَّب به إلى الله عزّ وجلّ، فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنثره في الصدقة» . فقال فيه المنافقون - وسخروا منه -: ما كان أغنى هذا أن يتقرَّب إلى الله بصاع من تمر؟ فأنزل الله عزّ وجلّ: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ} (التوبة: 79) - الآية -. وقال الهيثمي: رجاله ثقات إلا أن خالد بن يسار لم أجد من وثّقه ولا جرَّحه. انتهى. وعند البزَّار عن أبي سلمة، وأبي هريرة رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «تصدِّقوا فإني أريد أن أبعث بعثاً» . قال فجاء عبد الرحمن بن عوف -

قصة عبد الله بن زيد رضي الله عنه

رضي الله عنه - فقال: يا رسول الله عندي أربعة آلاف: ألفان أقرضتهما ربي، وألفان لعيالي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «بارك الله لك فيما أعطيت، وبارك لك فيما أمسكت» وبات رجل من الأنصار فأصاب صاعين من تمر، فقال: يا رسول الله إني أصبت صاعين من تمر: صاع لربي، وصاع لعيالي. قال: فلمزه المنافقون وقالوا: ما أعطى مثل الذي أعطى ابن عوف إلا رياء - أو قالوا: لم يكن لله ورسوله غنيين عن صاع هذا - فأنزل الله: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ} - الآية -. قال البزّر: لم نسمع أحداً أسنده من حديث عمر بن أبي سلمة إِلا طالوت بن عباد. وقال الهيثمي: وفيه عمر بن أبي سلمة وثَّقه العِجْلي. وأبو خيثمة، وابن حِبّان؛ وضعَّفه شُعبة وغيره، وبقية رجالهما ثقات. انتهى. قصة عبد الله بن زيد رضي الله عنه أخرج الحاكم عن عبد الله بن زيد بن عبد ربه الذي أُرِيَ النداء أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، حائطي هذا صدقة وهو إلى الله ورسوله؛ فجاء أبواه فقالا: يا رسول الله كان قَوام عيشنا. فردّه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهما ثم ماتا. فورثهما إبنهما بعد. قال الذهبي: فيه إرسال.

قصة رجل من الأنصار أخرج مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني مجهود، أرسل إلى بعض نسائه فقالت: لا والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء ثم أرسل إلى أخرى فقالت مثل ذلك، حتى قلن كلهن مثل ذلك: لا والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء، فقال: «من يضيف هذا الليلة، رحمه الله» ، فقام رجل ن الأنصار فقال: أنا يا رسول الله، فنطلق به إلى رَحْله فقال لامرأته: هل عندك شيء؟ قالت: لا، إلا قوت صبياني، قال: فعلِّليهم بشيء، فإذا أرادوا العشاء فنوِّميهم، فإذا دخل ضيفنا فأطفئي السراج وأريه أنا نأكل - وفي رواية: فإذا أهوى ليأكل فقومي إلى السراج حتى تطفئيه -. قال: فقعدوا وأكل الضيف وباتا طاويَيْن. فلما أصبح غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما» . زاد في رواية: فنزلت هذه الآية: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} (الحشر: 9) . كذا في الترغيب. وأخرجه أيضاً البخاري، والنِّسائي؛ وفي رواية لمسلم تسمية هذا الأنصاري بأبي طلحة، كما في التفسير لابن كثير. وفي رواية الطبراني تسمية هذا الرجل الذي جاء بأبي هريرة، كما ذكره الحافظ في الفتح.

من أقرض الله تعالى قصة بيع بي الدحداح بستانه بنخلة في الجنة

قصة سبعة أبيات أخرج ابن جرير عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: لقد تداولت سبعة أبيات رأس شاة يؤثر به بعضهم بعضاً، وإنَّ كلَّهم لمحتاج إليه حتى رجع إلى البيت الذي خرج منه كذا في الكنز. من أقرض الله تعالى قصة بيع بي الدحداح بستانه بنخلة في الجنة أخرج أحد والبغوي، والحاكم عن أنس رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله، إن لفلان نخلة وأنا أقيم حائطي بها، فأمره أن يعطيني حتى أقيم حائطي بها. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم «أعطه إِياها بنخلة في الجنة» فأبى. قال: فأتاه أبو الدحداح رضي الله عنه فقال: بعني نخلتك بحائطي. قال: ففعل. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إبتعت النخلة لحائطي فاجعلها له فقد أعطيتكها. فقال: «كم من عَذْق رَدَاح لأبي الدحداح في الجنة» قالها مراراً. قال: فأتى إمرأته فقال: يا أم الدحداح، إخرجي من الحائط فإني قد بعته بنخلة في الجنة، فقالت: ربح البيع أو كلمة تشبهها، كذا في الإِصابة. قال الهيثمي: رواه أحمد، والطبراني ورجالهما رجال الصحيح. انتهى.

قصة قول أبي الدحداح: قد أُقرضت ربي حائطي وعند أبي يَعْلى عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لما نزلت: {مَّن ذَا الَّذِى يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} (البقرة: 245) قال أبو الدحداح - رضي الله عنه -: يا رسول الله، إن الله يريد منا القرض؟ قال: «نعم يا أبا الدحداح» قال: أرنا يدك، قال: فناوله يده. قال: قد أقرضت ربي حائطي - وحائطه فيه ست مائة نخلة - فجاء يمشي حتى أتى الحائط وأم الدحداح وفيه وعيالها، فنادى: «يا أُم الدحداح، قالت: لبيك، قال: إخرجي فقد أقرضته ربي قال الهيثمي: رواه أبو يعلى، والطبراني ورجالهما ثقات، ورجال أبي يَعْلى رجال الصحيح. انتهى وأخرجه البزّار عن ابن مسعود رضي الله عنه نحوه بإسناد ضعيف كما في المجمع. وأخرجه أيضاً ابن منده كما في الإِصابة. وابن أبي حاتم كما في التفسير لابن كثير. وأخرج الطبراني عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بمعناه بإسناد ضعيف كما في المجمع وقد تقدم قول عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: يا رسول الله عندي أربعة آلاف، ألفان أقرضتهما ربي.

الإنفاق على الإسلام

الإِنفاق على الإِسلام قصة رجل في ذلك أخرج أحمد عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم (يكن) يُسأل شيئاً على الإِسلام إلا أعطاه. قال: فأتاه رجل فأمر له بشاءٍ كثير بين جبلين من شاء الصدقة. قال: فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلموا فإنَّ محمداً يعطي عطاء ما يخشى الفاقة. وزاد في رواية: وإِن كان الرجل ليجيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يريد إلا الدنيا، فما يمسي حتى يكون دينه أحب إِليه وأعز عليه من الدنيا وما فيها، كذا في البداية وأخرجه مسلم أيضاً نحوه عن أنس رضي الله عنه (ص 253) . حديث زيد بن ثابت في ذلك وعند الطبراني عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من العرب فسأله أرضاً بين جبلين، فكتب له بها، فأسلم ثم أتى قومه فقال لهم: أسلموا فقد جئتكم من عند رجل يعطي عطية من لا يخاف الفاقة. قال الهيثمي: وفيه عبد الرحمن بن يحيى العُذْري وقيل فيه:

مجهول، وبقية رجاله وُثِّقوا. انتهى. سبب إِسلام صفوان بن أمية وقوله في النبي صلى الله عليه وسلم وقد تقدَّم في قصة إِسلام صفوان بن أمية: فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في الغنائم ينظر إِليها ومعه صفوان بن أمية، فجعل صفوان بن أمية ينظر إليّ شِعْب مَلاءٍ نَعماً وشاء ورعاء، فأدام النظر إليه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يرمقه فقال: «أبا وهْب يعجبك هذا الشِّعب؟» قال: نعم. قال: «هو لك وما فيه» . فقل صفوان عند ذلك: ما طابت نفس أحد بمثل هذا إلا نفس نبي، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وأسلم مكان. أخرجه الواقدي، وابن عساكر عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما كما في الكنز. الإِنفاق في الجهاد في سبيل الله إنفاق أبي بكر رضي الله عنه إنفاقه عند الهجرة وما وقع بين أبي قحافة وأسماء رضي الله عنها أخرج ابن إسحاق عن أسماء رضي الله عنها قالت: لمَّا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج أبو بكر رضي الله عنه معه إحتمل أبو بكر مالَه كله معه - خمسة آلاف درهم، أو ستة آلاف درهم -، فانطلق بها معه. قالت: فدخل علينا جدِّي

أبو قحافة وقد ذهب بصره، فقال: والله إني لأُراه قد فجعكم بماله مع نفسه. قالت: قلت: كلا يا أبت، إِنه قد ترك لنا خيراً كثيراً. قالت: وأخذت أحجاراً فوضعتها في كوّة في البيت الذي كان أبي يضع ماله فيها، ثم وضعت عليها ثوباً ثم أخذت بيده فقلت: يا أبت ضع يدك على هذا المال. قالت: فوضع يده عليه فقال: لا بأس، إذا كان قد ترك لكم هذا فقد أحْسَن، وفي هذا بَلاغٌ لكم؛ ولا - والله - ما ترك لنا شيئاً، ولكن أردت أن أُسَكِّن الشيخ بذلك، كذا في البداية. وأخرجه أحمد والطبراني بنحوه. قال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح غير ابن إسحاق، وقد صرح بالسماع. انتهى. وقد تقدّم أن أبا بكر رضي الله عنه أعطى ماله كله أربعة آلاف درهم في غزوة تبوك. إنفاق عثمان بن عفان رضي الله عنه إنفاقه رضي الله عنه في جيش العُسْرة وقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيه أخرج أحمد عن عبد الرحمن بن خبَّاب السَّلَمي رضي الله عنه قال: خطب النبي صلى الله عليه وسلم فحثَّ على جيش العُسْرة، فقال عثمان بن عفان رضي الله عنه: عليَّ مائة بعير بأحلاسها وأقتابها. قال: ثم نزل مرقاة من المنبر ثم حثَّ، فقال عثمان رضي الله عنه: عليَّ مائة أخرى بأحلاسها وأقتابها. قال: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بيده هكذا يحركها - وأخرج عبد الصمد يده - كالمتعجِّب:

إنفاق عثمان في جيش العسرة

«ما على عثمان ما عمل بعد هذا» . وأخرجه البيهقي وقال: ثلاث مرات، وإنه التزم بثلاث مائة بعير بأحلاسها وأقتابها. قال عبد الرحمن: فأنا شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر: «ما ضر عثمان بعدها» أو قال: «بعد اليوم» ، كذا في البداية. وأخرجه أبو نعيم في الحِلْية بنحوه. حديث عبد الرحمن بن سمرة في إنفاق عثمان في جيش العسرة وأخرج الحاكم عن عبد الرحمن بن سَمُرة - رضي الله عنه - قال: جاء عثمان رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بألف دينار حين جهز جيش العسرة ففرَّغها عثمان في حِجْر النبي صلى الله عليه وسلم قال: فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقلِّبها ويقول: «ما ضر عثمان مع عمل بعد هذا اليوم» ، قالها مراراً. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإِسناد ولم يخرِّجاه، وقال الذهبي: صحيح. وأخرجه أبو نعيم في الحلية نحو عن عبد الرحمن وعن ابن عمر، وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما: فقال النبي صلى الله عليه وسلم «اللهمَّ لا تنسَ لعثمان، ما على عثمان ما عمل بعد هذا» . حديث حذيفة بن اليمان في إنفاق عثمان في جيش العسرة وعند ابن عديَ، والدارقطني، وأبي نُعَيم، وابن عساكر عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى عثمان رضي الله عنه يستعينه في جيش العُسْرة، فبعث إليه عثمان بعشرة آلاف دينار فصُبَّت بين يديه، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقلِّبها بين يديه ظهراً لبطن ويدعو له يقول: «غفر الله لك يا عثمان، ما أسررتَ وما أعلنتَ، ما أخفيتَ، وما هو كائن إلى أن تقوم الساعة، ما يبالي

عثمان ما عمل بعد هذا» . كذا في المنتخب. حديث عبد الرحمن بن عوف وقتادة والحسن في ذلك وأخرج أبو يعلى، الطبراني عن عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - أنه شهد ذلك حين أعطى عثمان بن عفان - رضي الله عنه - رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جهَّز به جيش العُسرة، وجاء بسبع مائة أوقية ذهب. قال الهيثمي: وفيه إِبراهيم بن عمر بن أبان وهو ضعيف. انتهى. وأخرج أبو نعيم في الحلية عن قتادة رضي الله عنه قال: حمل عثمان على ألف فيها خمسون فرساً في غزوة تبوك. وعندابن عساكر عن الحسن قال: جهَّز عثمان رضي الله عنه تسع مائة وخمسين ناقة وخمسين فرساً أو قال تسع مائة وسبعين ناقة وثلاثين فرساً - يعني في غزوة تبوك -. كذا في المنتخب. وقد تقدَّم أن عثمان رضي الله عنه كفى في غزوة تبوك ثلث الجيش مُؤْنتهم حتى إنْ كان ليقال ما بقيت لهم حاجة حتى كفاهم. إنفاق عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه إنفاقه رضي الله عنه سبعمائة بعير بأقتابها وأحمالها في سبيل الله أخرج أحمد عن أنس رضي الله عنه قال: بينما عائشة رضي الله عنها في بيتها إِذ سمعت صوتاً في المدينة، فقالت: ما هذا؟ قالوا: عير لعبد الرحمن بن عوف قدمت من الشام تحمل كل شيء. قال: وكانت سبع مائة

بعير. قال: فارتجت المدينة من الصوت. فقلت عائشة رضي الله عنها: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قد رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبواً» . فبلغ ذلك عبد الرحمن بن عوف، فقال: لئن استطعت لأدخلنَّها قائماً، فجعلها بأقتابها وأحمالها في سبيل الله (عزّ وجلّ) . وأخرجه أبو نعيم في الحِلْية عن أنس رضي الله عنه بنحوه، وابن سعد عن حبيب بن أبي مرزوق بمعناه. قال في البداية: في سند أحمد تفرَّد به عمارة بن زاذان الصيدلاني وهو ضعيف. إنفاقه رضي الله عنه في سبيل الله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرج أبو نعيم في الحلية عن الزُّهري قال: تصدِّق عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بشطر ماله أربعة آلاف، ثم تصدَّق بأربعين ألف، ثم تصدَّق بأربعين ألف دينار، ثم حمل على خمس مائة فرس في سبيل الله، ثم حمل على ألف وخمس مائة راحلة في سبيل الله، وكان عامة ماله من التجارة. وهكذا ذكره في البداية عن مَعْمَر عن الزُّهري إِلا أنه قال: ثم حمل على خمس مئة راحلة في سبيل الله. حديث الزهري في إِنفاقه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأخرجه أيضاً ابن المبارك عن معْمَر عن الزُّهري قال: تصدَّق عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بشطر ماله، ثم تصدَّق بعد بأربعين ألف دينار، ثم حمل على خمس مائة فرس في سبيل الله

وخمس مائة راحلة، وكان أكثر ماله من التجارة. كذا في الإِصابة. وقد تقدَّم أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه تصدّق في غزوة تبوك بمائتي أوقية. إنفاق حكيم بن حزام رضي الله عنه إنفاقه رضي الله عنه على من يخرج في سبيل الله أخرج الطبراني عن أبي حازم قال: ما كان بالمدينة أحد سمعنا به كان أكثر حملاً في سبيل الله من حكيم بن حزام رضي الله عنه. قال: لقد قدم أعرابيان المدينة يسألان من يحمل في سبيل الله فدُلا على حكيم بن حِزام فأتياه في أهله، فسلهما؛ ما يريدان؟ فأخبراه ما يريدان. فقال لهما: لا تعجلا حتى أخرج إليكما، وكان حكيم يلبس ثياباً يُؤتى بها من مصر كأنها الشِباك ثمنها أربعة دراهم، ويأخذ عصا في يده، ويخرج معه غلامان له؛ وكلما مرَّة بكُناسة أو قُمامة فرأى فيها خرقة تصلح في جَهَاز الإِبل التي يُحمل عليها في سبيل الله أخذها بطرف عصاه فنفضها ثم قال لغلاميه: أمسكا بسلعتكما في جَهازكما. فقال الأعرابيان أحدهما لصاحبه وهو يصنع ذلك: ويحك أنجُ بنا، فوالله ما عند هذا إلا لَقْط القِشَع. فقال له صاحبه: ويحك لا تعجل حتى ننظر. فخرج بهما إلى السوق فنظر إلى ناقتين خلفتين، سمينتين خَلِفتين، فابتاعهما وابتاع جَهازهما، ثم قال لغلاميه: رُمَّا بهذه الخرق ما

ينبغي له المرمَّة من جَهازكما، ثم أوقرهما طعاماً وبُرَّاً وودكاً، وأعطاهما نفقة ثم أعطاهما الناقتين. قال: يقول أحدهما لصاحبه: والله ما رأيت من لاقط قِشَع خيراً من اليوم. كذا في مجمع الزوائد. وقفه رضي الله عنه داراً له في سبيل الله والمساكين والرقاب وأخرج الطبراني عن حكيم بن حزام رضي الله عنه أنه باع داراً له من معاوية رضي الله عنه بستين ألفاً. فقالوا: غبنك - والله - معاوية، فقال: والله ما أخذتها في الجاهلية إلا بزقِّ خمر، أشهدكم أنها في سبيل الله، والمساكين، والرقاب؛ فأيُّنا المغبون. وفي رواية: بمائة ألف. قال الهيثمي: رواه الطبراني بإسنادين أحدهما حسن. انتهى. إنفاق ابن عمر وغيره من الصحابة رضي الله عنهم إنفاق ابن عمر مائة ناقة في سبيل الله أخرج أبو نعيم في الحلية عن نافع قال: باع ابن عمر رضي الله عنه أرضاً له بمائتي ناقة، فحمل على مائة منها في سبيل الله (عزّ وجلّ) ، واشترط على أصحابها أن لا يبيعوا حتى يجاوزوا بها وادي القرى.

إنفاق عمر وعاصم بن عدي وغيرهما من الصحابة في سبيل الله وقد تقدم في ترغيبه صلى الله عليه وسلم على الجهاد وإنفاق الأموال: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنفق في غزوة تبوك مائة أوقية، وعاصم بن عدي رضي الله عنه تسعين وَسْقاً من تمر، وحمل إليه صلى الله عليه وسلم العباس، وطلحة، وسعد بن عبادة، ومحمد بن مسلمة - رضي الله عنهم - مقالاً عظيماً كما تقدّم. وتقدم في النفقة في الجهاد مجيء رجل بناقة في سبيل الله وإِنفاق قيس بن سَلْع الأنصاري رضي الله عنه في الجهاد. إنفاق زينب بنت جحش وغيرها من النساء إنفاقها رضي الله عنها في سبيل الله وما بعث به النساء في غزوة تبوك أخرج الشيخان - واللفظ لمسلم - عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أسرعكن لحاقاً بي أطولكن يداً» . قالت فكُنَّ يتطاولن أيتهنُّ أطول يداً، قالت: وكانت أطولنا يداً زينب لأنها كانت تعمل بيدها وتتصدّق. وفي طريق آخر: قالت عائشة رضي الله عنها: فكنّا إذ اجتمعنا في بيت إحدانا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم نمد أيدينا في الجدار نتطاول، فلم نزل نفعل ذلك حتى توفيت زينب بنت جحش، وكانت إمرأة قصيرة ولم تكن بأطولنا، فعرفنا حينئذٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد طول اليد بالصدقة، وكانت زينب إمرأة صَنَاع اليدين، فكانت تَدبُغ وتخرز وتتصدّق به في سبيل الله. كذا في الإِصابة. وأخرجه الطبراني في الأوسط عن عائشة رضي الله عنها وفي حديثه قالت: وكانت زينب تغزل الغزل وتعطيه سرايا النبي صلى الله عليه وسلم يخيطون به ويستعينون

الإنفاق على الفقراء والمساكين وأهل الحاجة

به في مغازيهم. قال الهيثمي: ورجاله وُثِّقوا، وفي بعضهم ضعف اهـ. وقد تقدم ما بعث به النساء في إعانة المسلمين في جَهَازهم في غزوة تبوك من المَسَك، والمعاضِد والخلاخِل، والأقْرطة، والخواتيم، (وقد مُلىء - أي الثوب المبسوط بين يديّ النبي صلى الله عليه وسلم ـ ممَّا بَعث به النساء يُعِنَّ به المسلمين في جهازهم) . الإِنفاق على الفقراء والمساكين وأهل الحاجة قصة أعرابية مع عمر رضي الله عنه أخرج أبو عبيد في الأموال عن عمير بن سَلَمة الدؤلي رضي الله عنه قال: بينا عمر رضي الله عنه نصف النهار قائلٌ في ظل شجرة وإذ أعرابية، فتوسمت الناس فجاءته، فقالت: إني مرأة مسكينة ولي بنون، وإن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب كان بعث محمد بن مسلمة ساعياً فلم يعطنا، فلعلك - يرحمك الله - أن تشفع لنا إليه، (قال) فصاح بِيَرْفَأ أن أدعُ محمد بن مسلمة. فقالت: إنه أنجح لحاجتي أن تقوم معي إِليه، فقال: إنه سيفعل إن شاء الله (فجاءه يرفأ) ، فقال: أجب، فجاء فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فاستحيت المرأة منه، فقال عمر: (والله) ما آلو أن أختار خياركم، كيف أنت قائل إذا سألك الله تعالى عن هذه؟ فدمعت عينا محمد (ثمَّ) ، فقال عمر: إنَّ الله بعث (إلينا) نبيه صلى الله عليه وسلم فصدَّقناه، واتبعناه، فعمل بما أمره الله (به) ، فجعل الصدقة لأهلها من المساكين حتى قبضه الله على ذلك؛ ثم استخلف الله أبا بكر فعمل بسنّته حتى قبضه الله، ثم استخلفني فلم آلُ أن أختار خياركم، إنْ بعثتك فأدِّ إليها صدقة العام وعامِ أوَّل وما أدري لعلي (لا) أبعثك، ثم دعا لها بجمل

فأعطاها دقيقاً وزيتاً وقال: خذي هذا حتى تلحقينا بخيبر، فإنا نريدها، فأتته بخيبر فدعا لها بجملين آخرين. فقال: خذي هذا فإن فيه بَلاغاً حتى يأتيكم محمد، فقد أمرته أن يعطيك حقَّك للعام وعام أول. كذا في الكنز. قصة بنت خفاف بن إِيماء الغفاري مع عمر رضي الله عنهم وأخرج هو، والبخاري، والبيهقي عن أسلم قال: خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى السوق، فلحقت عمر إمرأة شابة فقالت: يا أمير المؤمنين، هلك زوجي، وترك صبية صغاراً. والله ما يُنضحون كراعاً ولا هم زرع ولا ضرع، وخشيت أن يأكلهم الضَّبعُ وأنا بنت خَفاف بن أيماء الغِفاري، وقد شهد أبي الحديبية مع النبي صلى الله عليه وسلم فوقف معها عمر ولم يمضِ، ثم قال: مرحباً بنسب قريب. ثم انصرف إلى بعير ظهير كان مربوطاً في الدار، فحمل عليه غِرارتين ملأهما طعاماً، وجعل بينها نفقة وثياباً، ثم ناولها خِطامه، ثم قال: إقتاديه فلن يفنى حتى يأتيَكم الله بخير. فقال رجل: يا أمير المؤمنين، أكثرت لها فقال عمر: ثكلتك أمك شهد أبها الحديبية مع النبي صلى الله عليه وسلم والله إِني لأرى أبا هذه وأخاها وقد حاصرا حصناً زماناً فافتتحناه، ثم أصبحنا نستفيء سهمانَنا فيه. كذا في الكنز.

إنفاق سعيد بن عامر بن حذيم الجمحي إنفاقه رضي الله عنه وهو عامل على الشام أخرج أبو نعيم في الحلية عن حسان بن عطية قال: لما عزل عمر بن الخطاب معاوية عن الشام بعث سعيد بن عامر بن حِذْيَم الجمحي - رضي الله عنه - قال: فخرج معه بجارية من قريش نضيرةِ الوجه، فما لبث إلا يسيراً حتى أصابته حاجة شديدة. قال: فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فبعث إليه بألف دينار. قال: فدخل بها على إمرأته فقال: إن عمر بعث إلينا بما ترين. فقالت: لو أنك اشتريت لنا أُدْماً وطعاماً وادّخرت سائرها. فقال لها: أوَلاً أدلُّك على أفضل من ذلك؟ نعطي هذا المال من يتَّجر لنا فيه فنأكل من ربحها وضمانُها عليه، قالت: فنعم إذاً. فاشترى أخدْاً طعماً، واشترى بعيرَين وغلامين يمتاران عليهما حوائجهم وفرَّقها في المساكين وأهل الحاجة، قال: فما لبث إلا يسيراً حتى قالت له إمرأته: إنه قد نَفِد كذا وكذا، فلو أتيت ذلك الرجل فأخذت لنا من الربح فاشتريت لنا مكانه. قال: فسكت عنها. قال: ثم عاودته. قال: فسكت عنها حتى آذته - ولم يكن يدخل بيته إلا من ليل إلى ليل - قال: وكان رجل من أهل بيته ممّن يدخل بدخوله، فقال لها: ما تصنعين؟ إنك قد آذيتيه وإنَّه قد تصدّق بذلك المال. قال: فبكت أسفاً على ذلك المال. ثم إنه

دخل عليها يوماً فقال: على رسلك، إنه كان لي أصحاب فارقوني منذ قريب ما أحب أني صُددت عنهم، وإن لي الدنيا وما فيها، ولو أنَّ خَيْرة من خَيْرات الحسان اطَّلعت من السماء لأضاءت أهل الأرض ولقهر ضوء وجهها الشمس والقمر، ولَنصيفٌ تُكْسى خير من الدنيا وما فيها، فلأنت أحرى في نفسي أن أدَعك لهنَّ من أن أدعهنَّ لك. قال: فسمحت ورضيت. حديث عبد الرحمن بن سابط في ذلك وأخرجه أيضاً عن عبد الرحمن بن سابط الجُمَحي وفي حديثه: قال: وكان إِذا خرج عطاؤه إبتاع لأهله قوتهم وتصدَّق ببقيته، فتقول له إمرأته: أين فضل عطائك؟ فيقول: قد أقرضته. فأتاه ناس فقالوا: إنّ لأهلك عليك حقاً، وإن لأظهارك عليك حقاً. فقال: ما أنا بمستأثر عليهم ولا بملتمس رضى أحد من الناس لطلب الحور العين، لو اطَّلعت خَيْرة من خيرات الجنة لأشرقت لها الأرض كما تشرق الشمس، وما أنا بالتخلِّف عن العَنَق الأول بعد أن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يجمع الله عزّ وجلّ الناس للحساب، فيجيء فقراء المؤمنين يَزفّون كما تزف الحمام، فيقال لهم: قِفُوا عند الحساب، فيقولون: ما عندنا حساب ولا آتيتمونا شيئاً، فيقول ربهم: صدق عبادي، فيفتح لهم باب الجنة فيدخلونها قبل الناس بسبعين عاماً» . وقد تقدَّم في قصة أخرى

لسعيد فقال لها: فهل لك في خير من ذلك ندفعها إلى من يأتينا بها أحوج ما نكون إِليها؟ قالت: نعم. فدعا رجلاً من أهل بيته يثق به فصرَّرها صرراً ثم قال: إنطلق بهذه إلى أرملة آل فلان، وإلى يتيم آل فلان، وإلى مسكين آل فلان، وإلى مُبتلى آل فلان. فبقيت منها ذُهَيبة. فقال: أنفقي هذه، ثم عاد إلى عمله. فقالت: ألا تشتري لنا خادماً؟ ما فعل ذلك المال؟ قال: سيأتيك أحوج ما تكونين. أخرجه أبو نعيم في الحلية. إنفاق عبد الله بن عمر رضي الله عنهما حديث نافع في إِنفاقه رضي الله عنه أخرج أبو نعيم في الحلية عن نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما إشتكى فاشتُريَ له عنقود عنب بدرهم، فجاء مسكين فقال: يعطوه إياه، فخالف إليه إنسان، فاشتراه منه بدرهم. ثم جاء به إليه، فجاءه المسكين فسأل، فقال: أعطوه أياه. فخالف إليه إنسان فاشتراه منه بدرهم. ثم جاء به إليه، فجاءه المسكين يسأل فقل: أعطوه إياه. ثم خالف إليه إنسان فاشتراه منه بدرهم، فأراد أن يرجع فمُنع. ولو علم ابن عمر بذلك العنقود ما ذاقه. حديث نافع من وجه آخر في ذلك وأخرجه أيضاً من طريق آخر عنه أن ابن عمر رضي الله عنه إشتهى عنباً وهو مريض، فاشتريت له عنقوداً بدرهم فجئت به فوضعته في يده - فذكر بمعناه. وفي آخره: فما زال يعود السائل ويأمر بدفعه إليه حتى قلت للسائل

إنفاق عثمان بن أبي العاص رضي الله

في الثالثة أو الرابعة؛ ويحك ما تستحيي؟ فاشتريته منه بدرهم فجئت به إليه فأكله. وأخرجه أيضاً نحو السياق الأول مختصراً ابن المبارك كما في الإِصابة، والطبراني كما في المجمع، وابن سعد. قال الهيثمي: رجال الطبراني رجال الصحيح غير نُعَيم بن حمَّاد وهو ثقة. إنفاق عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه حديث أبي نضرة في ذلك أخرج الطبراني عن أبي نَضْرة قال: أتيت عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه في أيام العشر - وكان له بيت قد أخلاه للحديث - فمُرَّ عليه بكبش فقال لصاحبه: بكم أخذته؟ فقال: بإثني عشر درهماً، فقلت: لو كان معي إثنا عشر درهماً إشتريت بها كبشاً فضحيت وأطعمت عيالي. فلما قدمت أتبعني بصرّة فيها خمسون درهماً، فما رأيت دراهم قط كانت أعظم بركة منها أعطاني وهو لها محتسب وأنا إليها محتاج. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح.

إنفاق عائشة رضي الله عنها قصة مسكين معها رضي الله عنها أخرج ملك في الموطأ (ص 390) أنه بلغه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها أن مسكيناً سألها وهي صائمة وليس في بيتها إلا رغيف، فقالت لمولاة لها: يعطيه إياه، فقالت: ليس لك ما تُفطرين عليه، فقالت: أعطيه إياه. قالت: ففعلت. فلما أمسينا أهدى لنا أهل بيت أو إنسان ما كان يهدي لنا شاة وكفنها، فدعتني عائشة رضي الله عنها فقالت: كلي من هذا، هذا خير من قرصك. قال مالك: بلغني أن مسكيناً إستطعم عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وبين يديه عنب، فقالت لإنسان: خذ حبة فأعطه إياها، فجعل ينظر إليه ويعجب، فقالت عائشة: أتعجب كم ترى في هذه الحبة من مثقال ذرة. مناولة المسكين قصة حارثة بن النعمان في ذلك وقول النبي صلى الله عليه وسلم في مناولة المسكين أخرج الطبراني، والحسن بن سفيان عن محمد بن عثمان عن أبيه قال كان حارثة بن النعمان رضي الله عنه - وفي رواية له: عن حارثة بن النعمان - وكان قد ذهب بصره فاتخذ خيطاً في مصلاه إلى باب حجرته، فكان إذا جاء المسكين أخذ من مِكتله شيئاً،

ثم أخذ بطرف الخيط حتى يناوله، فكان أهله يقولون له: نحن نكفيك، فيقول: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مناولة المسكين تقي مصارع السوء» . كذا في الإِصابة. وأخرجه أبو نعيم في الحلية، وابن سعد عن محمد بن عثمان عن أبيه نحوه. فضيلة إِعطاء السائل باليد وأخرج ابن عساكر عن عمرو الليثي قال: كنَّا عند واثلة بن الأسقع رضي الله عنه، فأتاه سائل، فأخذ كسرة فجعل عليها فَلْساً ثم قام حتى وضعها في يده، فقلت: يا أبا الأسقع، أمَا كان في أهلك من يكفيكهذا؟ قال: بلى، لكنه من قام بشيء إلى مسكين بصدقة حُطَّت عنه بكل خطوة خطيئة، فإذا وضعها في يده حُطَّت عنه بكل خطوة عشر خطيئات. كذا في الكنز. قصة ابن عمر رضي الله عنهما في ذلك وأخرج بن سعد عن نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يجمع أهل بيته على جفنته كل ليلة.k قال: فربما سمع بنداء مسكين، فيقوم إليه بنصيبه من اللحم والخبز، فإلى أن يدفعه إليه ويرجع قد فرغوا مما في الجفنة، فإن كنتَ أدركت فيها شيئاً فقد أدرك فيها، ثم يصبح صائماً.

الإِنفاق على السائلين قصة أعرابي مع النبي صلى الله عليه وسلم أخرج ابن جرير عن أنس رضي الله عنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً المسجد وعليه بُرْد نَجراني غليظ الصنعة، فأتاه أعرابي من خلفه، فأخذ بجانب ردائه حتى أثرت الصنعة في صفح عنق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد أعطنا من مال الله الذي عندك. فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبسم فقال: «مُرُوا له» . كذا في الكنز. وأخرجه أيضاً الشيخان عن أنس رضي الله عنه كما في البداية. قصة أخرى في ذلك وأخرج أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا نقعد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغَدَوات في المسجد، فإذا قام إلى بيته لم نزل قياماً حتى يدخل بيته. فقام يوماً فلما بلغ وسط المسجد أدركه أعرابي فقال: يا محمد إحملني على بعيرين فإنك لا تحملني من مالك ولا من مال أبيك، وجذب بردائه حين أدركه، فاحمرّت رقبته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا، وأستغفر الله، لا أحملك حتى تقيدَني» - قالها ثلاث مرات - ثم دعا رجلاً فقال له: «إحمله على بعيرين: على بعير شعير، وعلى يعر تمر» . كذا في الكنز. وأخرجه أيضاً أحمد، والأربعة

قصة دكين بن سعيد الخثعمي في ذلك

إلا الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه بنحوه، كما في البداية. حديث النعمان بن مقرِّن رضي الله عنه في ذلك وأخرج أحمد، والطبراني عن النعمان بن مُقَرِّن رضي الله عنه قال: قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أربع مائة من مُزَينة، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمره، فقال بعض القوم: يا رسول الله، ما لنا طعام نتزوده. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه: «زوّدهم» . فقال: ما عندي إلا فاضلة من تمر وما أُراه يغني عنهم شيئاً. قال: «إنطلق فزوِّدهم» . فانطلق بنا إلى عِلِّية فإذا فيها تمر مثل البَكر الأورق، فقال: خذوا؛ فأخذ القوم حاجتهم. قال: وكنت من آخر القوم، قال: فالتفتُّ وما أفقِد موضع تمرة وقد احتمل منه أربع مائة رجل. قال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح. اهـ. قصة دُكَين بن سعيد الخثعمي في ذلك وأخرج أحمد، والطبراني عن دُكَين بن سعيد الخثعمي رضي الله عنه قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن أربعون وأربع مائة نسأله الطعام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه: «قم فأعطهم» . فقال: يا رسول الله ما عندي إلا ما يقيِّظُني والصبية - قال وكيع: لقيظ في كلام العرب أربعة أشهر - قال: «قم

فأعطهم» . قال عمر: يا رسول الله سمعٌ وطاعة. قال: فقام عمر وقمنا معه فصعد بنا إِلى غرفة له فأخرج المفتاح من حجرته ففتح الباب - قال دُكَين: فإذا في الغرفة من التمر شبيه بالفصيل الرابض - قال: شأنَكم قال: فأخذ كل رجل منا حاجته ما شاء. قال: فالتفتُّ وإني لمن آخرهم، فكأنا لم نرْزأ منه تمرة. قال الهيثمي: رجالهما رجال الصحيح، وروى أبو داود منه طرفاً. انتهى. قصة دُكَين عند أبي نعيم في الحلية وأخرجه أيضاً أبو نعيم في الحلية عن دُكَين رضي الله عنه قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أربع مائة راكب نسأله الطعام فذكر نحوه، وفي حديثه: ما عندي إلا آصُعُ تمر ما تقيِّظني وعيالي، فقال أبو بكر: إسمع وأطع. قال عمر: سمعاً وطاعة. قال أبو نعيم: هذا حديث صحيح وهو أحد دلائل النبي صلى الله عليه وسلم عمل ابن عمر رضي الله عنها مع السائلين وأخرج أبو نعيم في الحلية عن أفلح بن كثير قال: كان ابن عمر رضي الله عنهما لا يرد سائلاً، حتى إنَّ المجذوم ليأكل معه في صحنه، وإن أصابعه لتقطر دماً.

الصدقات قصة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في ذلك

الصدقات قصة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في ذلك أخرج أبو نعيم في الحلية عن الحسن البصري أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بصدقته فأخفاها. فقال: يا رسول الله هذه صدقتي ولله عزّ وجلّ عني معاد. وجاء عمر رضي الله عنه بصدقته فأظهرها فقال: يا رسول الله هذه صدقتي ولي عند الله معاد. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا عمر، وَتَرْتَ قوسَك بغير وَتَر، ما بين صدقتيكما كما بين كلمتيكما» . قال ابن كثير: إِسناده جيد، ويعد من المرسلات. كذا في المنتخب. إشتراء عثمان رضي الله عنه بئر رومة وجعلها صدقة للمسلمين وأخرج بن عدي، وابن عساكر عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من يشتري لنا بئر رُومة فيجعلها صدقة للمسلمين؟ سقاه الله يوم القيامة من العطش» ؛ فاشتراها عثمان بن عفان رضي الله عنه فجعلها صدقة للمسلمين.

حديث ابن عساكر في ذلك وعند الطبراني، وابن عساكر عن بشير (الأسلمي) رضي الله عنه قال: لما قدم المهاجرون المدينة إستنكروا الماء، وكان لرجل من بني غِفار عين يقال لها رُومة، وكان يبيع منها القِربة بمدَ. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «بِعْنيها بعين في الجنة» . فقال: يا رسول الله، ليس لي ولا لعيالي غيرها ولا أستطيع. فبلغ ذلك عثمان رضي الله عنه فاشتراها بخمس وثلاثين ألف درهم. ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أتجعل لي مثل الذي جعلته له عيناً في الجنة إن اشتريتها؟ قال: «نعم» . قال: قد اشتريتها وجعلتها للمسلمين. كذا في المنتخب. تصدّق طلحة رضي الله عنه يوماً بمائة ألف درهم وأخرح أبو نعيم في الحلية عن سُعدى إمرأة طلحة رضي الله عنهما قالت: فقد تصدّق طلحة يوماً بمائة ألف درهم، ثم حبسه عن الرواح إلى المسجد أن جمعت له بين طرفي ثوبه. تصدّق عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تقدم أن عبد الرن بن عوف رضي الله عنه تصدَّق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بشطر ماله أربعة آلاف، ثم تصدَّق بأربعين ألفاً، ثم تصدّق بأربعين ألف دينار.

ما تصدّق به أبو لبابة رضي الله عنه لما تاب الله عليه وأخرج الحاكم عن السائب بن أبي لبابة رضي الله عنهما قال: لما تاب الله على أي لبابة قال أبو لبابة: جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، إني أهجر دار قومي الذي أصبت بها الذنب، وأنخلع من مالي كله صدقة لله عزّ وجلّ ولرسوله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا أبا لبابة يجزىء عنك الثلث» . قال: فتصدَّقت بالثلث. عمل سلمان رضي الله عنه في ذلك وأخرج ابن سعد عن النعمان بن حُمَيد رضي الله عنه قال: دخلت مع خالي على سلمان رضي الله عنه بالمدائن وهو يعمل الخُوص، فسمعته يقول: أشتري خوصاً بدرهم، فأعمله، فأبيعه بثلاثة دراهم، فأعيد درهماً فيه، وأنفق درهماً على عيالي، وأتصدَّق بدرهم؛ ولو أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه نهاني عنه ما انتهيت. الهدايا هدية عثمان رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم في إِحدى الغزوات أخرج الطبراني عن أبي مسعود رضي الله عنه قال: كنَّا مع النبي صلى الله عليه وسلم في عزاة، فأصاب الناس جَهْد حتى رأيت الكآبة في وجوه المسلمين والفرح في وجوه المنافقين. فلما رأى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «والله لا تغيب الشمس حتى يأتيكم الله برزق» . فعلم عثمان رضي الله عنه أن الله ورسوله سيصدَّقان،

فاشترى عثمان أربع عشرة راحلة بما عليها من الطعام، فوجّه إلى النبي صلى الله عليه وسلم منها بتسعة. فلما رأى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما هذا؟» قال: أهدى إِليك عثمان، فعُرف الفرح في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم والكآبة في وجوه المنافقين، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رفع يديه حتى رُئي بياض إبطيه يدعو لعثمان دعاء ما سمعته دعا لأحد قبله ولا بعده: «اللهمَّ أعطِ عثمان، اللهمَّ إفعل بعثمان» . قال الهيثمي رواه الطبراني، وفيه سعيد بن محمد الوراق، وهو ضعيف. وأخرج ابن عساكر عن أبي مسعود نحوه، كما في المنتخب. قول ابن عباس رضي الله عنهما في فضيلة الهدية وأخرج أبو نُعَيم في الحلية عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لأن أعول أهل بيت من المسلمين شهراً أو جمعة أو ما شاء الله أحبُّ إليّ من حجة بعد حجة، ولطبقٌ بدانق أهديه إلى أخ لي في الله عزّ وجلّ أحب إليّ من دينار أنفقه في سبيل الله عزّ وجلّ. إطعام الطعام قول علي رضي الله عنه في فضيلة إِطعام الطعام أخرج البخاري في الأدب، وابن زنجويه عن علي رضي الله عنه قال: لأن أجمع ناساً من أصحابي على صاع من طعام أحبّ إليّ من أن أخرج إلى السوق فأشتري نَسمة فأعتقها. كذا في الكنز.

حديث جابر رضي الله عنه في ذلك وأخرج البيهقي في الشُّعَب عن عبد الواحد بن أيمن عن أبيه قال: نزل بجابر رضي الله عنه ضيف فجاءهم بخبز وخلّ. فقال: كلوا فإنِّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «نعم الإِدام الخل. هلاك بالقوم أن يحتقروا ما قُدم إليهم، وهلاك بالرجل أن يحتقر ما في بيته يقدِّمه إلى أصحابه» . كذا في الكنز وأخرجه أحمد، والطبراني عن عبد الله بن عبيد بن عمير بنحوه. قال الهيثمي: رواه أحمد، والطبراني في الأوسط، وأبو يَعْلى إلا أنه قال: وكفى بالمرء شراً أن يحتقر ما قُرب إليه. وفي إسناد أبي يَعْلى أبو طالب القاص ولم أعرفه، وبقية رجاله أبي يَعْلى وُثِّقوا، وهو في الصحيح باختصار انتهى. حديث أنس رضي الله عنه في ذلك وأخرج الطبراني في الأوسط بإسناد جيد عن حُمَيد الطويل عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دخل عليه قوم يعودونه في مرض له، فقال: يا جارية هلمِّي لأصحابنا ولو كِسَراً، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مكارم الأخلاق من أعمال الجنة» . كذا في الترغيب. قال الهيثمي بعدما ذكره عن

الطبراني: وإِسناده جيد. اهـ. وأخرجه ابن عساكر بنحوه. حديث شقيق بن سلمة في ذلك وأخرج الطبراني عن شقيق بن سَلَمة رضي الله عنه قال: دخلت أنا وصاحب لي إلى سلمان الفارسي رضي الله عنه. فقال سلمان: لولا أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن التكلُّف لتكلَّفت لكم، ثم جاء بخبز وملح. فقال صاحبي: لو كان في ملحنا عنقز، فبعث سلمان بمطهرته فرهنها ثم جاء بعنقز فلما أكلنا قال صاحبي: الحمد لله الذي قنَّعنا بما رزقنا. فقال سلمان: لو قنعتَ با رزقك لم تكن مطهرتي مرهونة. قال الهيثمي: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن منصور الطوسي وهو ثقة. وفي رواية عنده: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتكلَّف للضيف ما ليس عندنا. ما وقع بين عمر وصهيب رضي الله عنهما في ذلك وأخرج أبو نعيم في الحلية عن حمزة بن صهيب أن صهيباً رضي الله عنه كان يطعم الطعام الكثير، فقال له عمر رضي الله عنه: يا صهيب إنك تطعم الطعام الكثير، وذلك سرف في المال، فقال صهيب: إِنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «خياركم من أطعم الطعام، وردّ السلام» ؛ فذلك الذي يحملني على أن أطعم الطعام.

إطعام النبي صلى الله عليه وسلم الطعام قصة جابر رضي الله عنه في ذلك أخرج مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: كنت جالساً في داري، فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إليّ فقمت إليه، فأخذ بيدي فانطلقنا حتى أتى بعض حُجَر نسائه فدخل، ثم أذن لي فدخلت الحجاب عليها، فقال: «هل من غداء؟» فقالوا: نعم، فأُتي بثلاثة أقرصة فوُضعن على نَبِيّ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قرصاً فوضعه بين يديه، وأخذ قرصاً آخر فوضعه بين يديّ، ثم أخذ الثالث فكسره بإثنين، فجعل نصفه بين يديه ونصفه بين يديّ، ثم قال: «هل من أُدْم؟» قالوا: لا، إلا شيء من خلَ؛ قال: «هاتوه، فنعم الأدْم هو» . وأخرجه أيضاً أصحاب السنن كما في جمع الفوائد. قصة عثمان رضي الله عنه في ذلك وأخرج الطبراني عن عبد الله بن سَلام رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى عثان رضي الله عنه يقود ناقةً تحمل دقيقاً وسمناً وعسلاً، فقال صلى الله عليه وسلم «أنخ» فأناخ؛ فدعا ببرمة فجعل فيها من السمن والعسل والدقيق، ثم أمر فأوقد تحته حتى نضج، ثم قل: «كلو» فأكل نه صلى الله عليه وسلم ثم قال: (هذا شيء يدعوه أهل فارس «الخبيص» ) . كذا في جمع الفوائد. قال الهيثمي: رواه الطبراني في

إطعام أبي بكر الصديق رضي الله عنه

الثلاثة، ورجال الصغير والأوسط ثقات. حديث عبد الله بن بُسْر رضي الله عنهما في ذلك وأخرج أبو داود عن عبد الله بن بُسْر رضي الله عنها قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم قَصْعة يحملها أربعة رجال يقال لها «الغرّاء» . فلما أضحَوا وسجدوا الضحى أُتي بتلك القصعة وقد ثُرِد فيها، فالتفُّوا عليها. فلما أكثروا جثا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أعرابي: ما هذه الجلسة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم «إن الله جعلني عبداً كريماً، ولم يجعلني جباراً عنيداً» ؛ ثم قال: «كلوا من جوانبها ودَعُوا ذروتها يبارك فيها» . كذا في المشكاة (ص 361) . إطعام أبي بكر الصديق رضي الله عنه ما وقع بين الصديق رضي الله عنه وأضيافه في ذلك أخرج مسلم عن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما قال: نزل علينا أضياف لنا. قال: وكان أبي يتحدَّث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل. قال: فانطلق وقال: يا عبد الرحمن، إفرَغ من أضيافك. قال: فلما أمسيت جئنا بقِراهم. قال: فأبَوا، قالوا: حتى يجيء أبو منزلِنا فيطعَم معنا. قال: فقلت لهم: إنَّه رجل حديد، وإنكم إن لم تفعلوا خفت أن يصيبني منه أذى. قال: فأبَوا. فلما جاء لم يبدأ بشيء أول منهم، فقال: أفرغتم من أضيافكم؟ قال: قالوا: لا والله ما فرغنا. قال: ألم آمر عبد الرحمن؟ قال: وتنحَّيت عنه. فقال: يا عبد الرحمن، قال: فتنحيت عنه. قال: فقال: يا غنثر، أقسمت عليك إن

إطعام عمر بن الخطاب رضي الله عنه

كنت تسمع صوتي إلا جئت. قال: فجئت. قال: فقلت: والله ما لي ذنب، هؤلاء أضيافك فسَلْهم قد أتيتهم بقِراهم فأبَوا أن يطعَموا حتى تجيء. قال: فقال: ما لكم أن لا تقبلوا عنا قِراكم؟ قال: فقال أبو بكر: فوالله لا أطعمه الليلة. قال: فقالوا: فوالله لا نطعمه حتى تطعمه قال: فقال: ما رأيت كالشرِّ كالليلة قط. ويلكم، ما لكم ألا تقبلوا عنا قِراكم؟ قال: ثم قال: أما الأولى فمن الشيطان، هلمُّوا قراكم. قال: فجيء بالطعام، فسمَّى فأكل وأكلوا. قال: فلما أصبح غداً على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله برّوا وحنِثت. قال: فأخبره، فقال: «بل أنت أبرُّهم وأخيرُهم» . قال: ولم تبلغني كفارة. إطعام عمر بن الخطاب رضي الله عنه عمل عمر رضي الله عنه في ذلك أخرج مالك عن أسلم أنه قال لعمر رضي الله عنه: إن في الظَّهر ناقة عمياء. فقال: إدفعها إلى أهل بيت ينتفعون بها: فقلت: وهي عمياء، فقال: يقطرونها بالإِبل، قلت: كيف تأكل من الأرض؟ فقال: أمنْ نَعم الجزية هي أم من نَعَم الصدقة؟ فقلت: مِن نَعَم الجزية. فقال: أردت - والله - أكلها. فقلت: إن عليها وَسْم نَعَم الجزية، فأمر بها فنُحرت، وكان عنده صحاف تسع، فلا تكون فاكهة ولا طُريفة إلا جعل منها في تلك الصحاف، فبعث بها إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ويكون الذي يبعث به إلى حفصة رضي الله عنها من آخر ذلك، فإن كان فيه نقصان كان في حظ حفصة، فجعل في تلك الصحاف من لحم تلك الجزور، فبعث به؛ وأمر بما بقي فصنع

إطعام طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه

فدعا عليه المهاجرين والأنصار. كذا في جمع الفوادئ. إطعام طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه عمل طلحة رضي الله عنه في ذلك وقول النبي صلى الله عليه وسلم فيه أخرج الحسن بن سفيان، وأبو نُعيم في المعرفة عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه: إبتاع طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه بئراً بناحية الجبل وأطعم الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنك يا طلحة الفيّاض» . كذا في المنتخب. إطعام جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه حديث أبي هريرة رضي الله عنه في ذلك أخرج ابن سعد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان خير الناس للمساكين جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، كان ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته، حتى إن كان ليُخرج إلينا العكَّة ليس فيها شيء فيشقها، فنلعق ما فيها. إطعام صهيب الرومي رضي الله عنه قصة صهيب رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أخرج أبو نعيم في الحلية عن صهيب رضي الله عنه قال: صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً فأتيته وهو في نفر جالس، فقمت حياله فأومأت إليه وأومأ

إليَّ: وهؤلاء؟ فقلت: لا، فسكت فقمت مكاني. فلما نظر إليَّ أومأت إليه فقال: وهؤلاء؟ فقلت: لا، مرتين فعل ذلك أو ثلاثاً، فقلت: نعم وهؤلاء؛ وإنما كان شيئاً يسيراً صنعته له، فجاء وجاؤوا معه؛ فأكلوا. قال: وفضَلَ منه. إطعام عبد الله بن عمر رضي الله عنه حديث محمد بن قيس في ذلك أخرج أبو نعيم عن محمد بن قيس قال: كان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لا يأكل إلا مع المساكين حتى أضرَّ ذلك بجسمه، فصنعت له إمرأته شيئاً من التمر؛ فكان إذا أكل سقته. وعن أبي بكر بن حفص أن عبد الله بن عمر كان لا يأكل طعاماً إلا على خِوانه يتيم. قصته رضي الله عنه مع يتيم وعن الحسن أن ابن عمر كان إذا تغدّى أو تعشَّى دعا من حوله من اليتامى، فتغدَّى ذات يوم فأرسل إلى يتيم فلم يجده؛ وكانت له سَوِيقة مُحلاة يشربها بعد غدائه، فجاء اليتيم وقد فرغوا من الغداء وبيده السويقة ليشربها، فناولها إياه وقال: خذها فما أُراك غُبنت. حديث ميمون بن مهران في ذلك وأخرج أيضاً عن ميمون بن مهران أن إمرأة ابن عمر عوتبت فيه فقيل لها: أما تلطفين بهذا الشيخ؟ فقالت: فما أصنع به؟ لا نصنع له طعاماً إلا دعا عليه من يأكله، فأرسلت إلى قوم من المساكين كانوا يجلسون بطريقه إذا خرج من المسجد فأطعمتهم وقالت لهم: لا تجلسوا بطريقه، ثم جاء إلى بيته فقال: أرسلوا إلى فلان وإلى فلان، وكانت إمرأته أرسلت إليهم بطعام وقالت:

إن دعاكم فلا تأتوه، فقال ابن عمر: أردتم أن لا أتعشَّى الليلة، فلم يتعشَّ تلك الليلة. وأخرجه ابن سعد بنحوه. قصته رضي الله عنه في ذلك وهو بالجحفة وأخرج أبو نعيم في الحلية عن أبي جعفر القارىء قال: قال مولاي: أخرجُ مع ابن عمر أخدمه. قال: فكان كل ماء ينزله يدعو أهل ذلك الماء يأكلون معه. قال: فكان أكابر ولده يدخلون فيأكلون، فكان الرجل يأكل اللقمتين والثلاث. فنزل الجُحْفة فجاؤوا. وجاء غلام أسود عُريان فدعاه ابن عمر، فقال الغلام: إني لا أجد موضعاً قد تراصُّوا. فرأيت ابن عمر تنحَّى حتى ألزقه إلى صدره. عمل ابن عمر في ذلك وهو على سفر وأخرج ابن سعد عن أبي جعفر القارىء قال: خرجت مع ابن عمر من مكة إلى المدينة كان له جَفْنة من ثريد يجتمع عليها بنوه وأصحابه وكل من جاءَ حتى يأكل بعضهم قائماً، ومعه بعير له عليه مزادتان فيما نبيذ وماء مملوءتان؛ فكان لكل رجل قَدَح من سَوِيق بذلك النبيذ حتى يتضلَّع منه شبعاً. حديث معن في ذلك أيضا وأخرج ابن سعد عن عن قال: كان ابن عمر إذا صنع طعاماً فمر

به رجل له هيئة لم يدعه ودعاه بنوه أو بنو أخيه، وإذا مر إنسان مسكين دعاه ولم يدعوه. وقال: يدْعون من لا يشتهيه ويَدَعون من يشتهيه. إطعام عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قصة ضيافته رضي الله عنه للإِخوان وأهل الأمصار والأضياف أخرج أبو نعيم في الحلية عن سليمان بن ربيعة أنه حجَّ في إمرة معاوية رضي الله عنه ومعه المنتصر بن الحارث الضبِّي في عصابة من قرّاء أهل البصرة، فقالوا: والله لا نرجع حتى نلقى رجلاً من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم مرضياً يحدثنا بحديث؛ فلم نزل نسأل حتى حُدِّثنا أن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما نازل في أسفل مكة، فعمدنا إليه؛ فإذا نحن بثَقَل عظيم يرتحلون ثلاث مائة راحلة، منها مائة راحلة ومائتا زاملة، قلنا: لمن هذا الثَّقَل؟ فقالوا: لعبد الله بن عمرو، فقلنا: أكل هذا له؟ - وكنا نُحدَّث أنه من أشد الناس تواضعاً - فقالوا: أمَّا هذه المائة راحلة فلإِخوانه يحملهم عليها، وأما المائتان فلمن نزل عليه من أهل الأمصار له ولأضيافه. فعجبنا من ذلك عجباً شديداً، فقالوا: لا تعجبوا من هذا فإنَّ عبد الله بن عمرو رجل غني وإنَّه يرى حقاً عليه أن يكثر من الزاد لمن نزل عليه من الناس. فقلنا: دلونا عليه فقالوا: إِنه في المسجد الحرام. فانطلقنا نطلبه حتى وجدناه في دُبُر الكعبة جالساً، رجل قصير أرمص، بين بُردين وعمامة، ليس عليه قميص؛ قد علَّق نعليه في شماله. وأخرجه ابن سعد عن سليمان (بن) الربيع بمعناه مع زيادة.

إطعام سعد بن عبادة رضي الله عنه قصته رضي الله عنه في ذلك مع النبي صلى الله عليه وسلم أخرج ابن عساكر عن سعد بن عبادة رضي الله عنه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بصحفة - أو جفنة - مملوءة مخاً، فقال: «يا أبا ثابت، ما هذا؟» قال: والذي بعثك بالحق لقد نحرت أربعين ذات كبد، فأحببت أن أشبعك من المخ. فأكل النبي صلى الله عليه وسلم ودعا له بخير. كذا في الكنز. حديث أنس رضي الله عنه في ذلك ودعاؤه صلى الله عليه وسلم لسعد وأخرج ابن عساكر عن أنس رضي الله عنه أن سعد بن عبادة دعا النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه بتمر وكِسَر فأكل، ثم أتاه بقَدَح من لبن فشرب، فقال: «أكل طعامكم الأبرار، وأفطر عندكم الصائمون، وصلّت عليكم الملائكة، اللهمّ إجعل صلواتك على آل سعد بن عبادة» . كذا في الكنز. وأخرجه أيضاً من وجه آخر عن أنس مطولاً بمعناه. وفيه: وقرَّب إليه منها شيئاً من سِمسِم وشيئاً من تمر. كما في الكنز. قصة ضيافته رضي الله عنه في ذلك وأخرج ابن سعد عن عروة قال: أدركت سعد بن عبادة وهو ينادي عن أُطُمِه: من أحب شحماً أو لحماً فليأت سعد بن عبادة. ثم أدركت إبنه

مثل ذلك يدعو به، ولقد كنت أمشي في طريق المدينة وأنا شاب، فمر عليَّ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما منطلقاً إلى أرضه بالعالية، فقال: يا فتى تعالى أنظر هل ترى على أُطُم سعد بن عبادة أحداً ينادي؟ فنظرت فقلت: لا فقال: صدقت. إطعام أبي شعيب الأنصاري رضي الله عنه قصته رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر أخرج البخاري عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: كان من الأنصار رجل يقال له: أبو شعيب رضي الله عنه، وكان له غلام لحّام فقال: إصنع لي طعاماً أدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم خامس خمسة. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم خامس خمسة، فتبعهم رجل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «إنك دعوتنا خامس خمسة وهذا رجل قد تبعنا، فإن شئت أذنت له وإن شئت تركته» . قال: بل أذنتُ له. وأخرجه مسلم عن أبي مسعود نحوه، وفيه: فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرف في وجهه الجوع، فقال لغلامه: ويحكم إصنع لنا طعاماً لخمسة نفر. فذكر نحوه. إطعام خياط دعوة خياط لرسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعه أخرج مسلم - واللفظ له - والبخاري عن أنس رضي الله عنه أن خياطاً دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعه. قال أنس بن مالك رضي الله عنه: فذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك الطعام، فقرَّب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خبزاً من شعير ومرقاً فيه دُبَّاء وقَدِيد. قال أنس: فرأيت يتتبع الدبّاء من حوالي

إطعام جابر بن عبد الله رضي الله عنهما

الصحفة، فلم أزل أحب الدُّبَّاء منذ يومئذٍ. إطعام جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قصته رضي الله عنه في يوم الخندق أخرج البخاري عن جابر رضي الله عنه قال: إنا يوم الخندق نحفر، فعرضت كُدْية شديدة، فجاؤوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: هذه كُدْية عرضت في الخندق. فقال: «أنا نازل» ، ثم قام وبطنه معصوب بحجر، ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذَواقاً، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم المعول فضرب فعاد كثيباً أهْيَل - أو أُهْيَم -، فقلت: يا رسول الله، إئذن لي إلى البيت. فقلت لامرأتي: رأيت بالنبي صلى الله عليه وسلم شيئاً ما كان في ذلك صبر فعندك شيء؟ قالت: عندي شعير عَنق، فذبحتُ العَناق وطحنت الشعير حتى جعلنا اللحم في البُرْمة، ثم جئت النبي صلى الله عليه وسلم والعجين قد انكسر والبرمة بين الأثافي قد كادت أن تنضَج. فقلت: طُعَيِّم لي فقم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان، قال: «كم هو؟» فذكرت له. فقال: «كثير طيب، قل لها: لا تنزع البرمة ولا الخبز من التنور حتى آتي» . فقال: «قوموا» فقام المهاجرون والأنصار، فلما دخل على إمرأته قال: ويحك جاء النبي صلى الله عليه وسلم بالمهاجرين والأنصار ومن معهم، قالت: هل سألك؟ قلت: نعم، فقال: «أدخلوا ولا تَضَاغطوا» فجعل يكسر الخبز، ويجعل عليه اللحم، ويُخَمِّر البرمة والتنورَ إذا أخذ منه، ويقرِّب إلى أصحابه ثم ينزع، فلم يزل

يكسر الخبز ويغرف حتى شبعوا وبقي بقية، قال: «كُلي هذا وأهدي؛ فإن الناس أصابتهم مجاعة» . تفرّد به البخاري. ورواه البيهقي في الدلائل عن جابر أتم منه، قال فيه: لمَّا علم النبي صلى الله عليه وسلم بمقدار الطعام قال للمسلمين جميعاً: «قوموا إِلى جابر قال: فلقيت من الحياء ما لا يعلمه إلا الله وقلت: جاءنا بخَلْق على صاع من شعير وعنَاق ودخلت على إمرأتي أقول: إفتَضحْتُ، جاءك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخندق أجمعين فقالت: هل كان سألك كم طعامك؟ قلت: نعم، فقالت: الله ورسوله أعلم. قال: فكشفت عنِّي غماً شديداً. قال: فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «خدمي ودعيني من اللحم» وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يَثْرُد ويغرف اللحم، ويخمِّر هذا ويخمِّر هذا. فما زال يقرب إلى الناس حتى شبعوا أجمعين ويعود التنور والقدر أملأ ما كانا؛ ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «كُلي وأهدي» فلم تزل تأكل وتهدي يومها، وكذلك رواه ابن أبي شيبة وأبسط أيضاً، وقال في آخره: وأخبرني أنهم كانوا ثمان مائة، أو قال: ثلاثَ مائة. كذا في البداية. وأخرجه البخاري أيضاً من وجه آخر عن جابر نحوه وفيه: فصاح رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا أهل الخندق، إِنَّ جابراً قد صنع سُوراً فحيَّهَلاً بكم» فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تُنزلنَّ برمتكم، ولا تخبزنَّ عجينكم حتى أجيء» فجئت وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدَم الناس حتى جئت إمرأتي فقالت: بكَ وبكَ فقلت: قد فعلت الذي قلتِ، فأخرجت له عجيناً فبصق به وبارك، ثم عمد إلى برمتنا فبصق فيها وبارك ثم قال: «ادعي خابزة فلتخبز معك، واقدحي من برمتك ولا تنزلوها، وهم ألف، فأقسم الله (لقد) أكلوا حتى تركوه

وانحرفوا، وإنَّ برمتنا لتغطُّ كما هي، وإن عجيننا (ليخبز) كما هو. وأخرجه مسلم عن جابر نحوه. حديث الطبراني في إطعام جابر رضي الله عنه الطعام وأخرج الطبراني عن جابر قال: صنعت أمي طعاماً وقالت: إذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدعُه. فجئت النبي صلى الله عليه وسلم فسارَرْته فقلت: إن أمي قد صنعت شيئاً، فقال لأصحابه: «قومو» فقام معه خمسون رجلاً. فجلس على الباب فقال النبي صلى الله عليه وسلم «أدخلْ عشرة عشرة» فأكلوا حتى شبعوا وفضل نحوُ ما كان. قال الهيثمي: رجاله وثُقِّوا. إطعام أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه قصته رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أخرج مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: قال أبو طلحة لأم سُلَيم رضي الله عنهما: قد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفاً أعرفُ فيه الجوع فهل عندك من شيء؟ فقالت: نعم، فأخرجت أقراصاً من شعير، ثم أخذت خماراً لها فلفَّت الخبز ببعضه ثم دسته تحت ثوبي وردَّتني ببعضه، ثم أرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذهبت به فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً في المسجد ومعه الناس فقمت عليهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أرسلكَ أبو طلحة؟» (قال) : فقلت:

نعم، فقال: «ألطعام؟» فقلت: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه: «قوموا» قال: فانطلق وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته فقال أبو طلحة: يا أم سليم، قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس وليس عندنا ما نطعمهم، فقالت: الله ورسوله أعلم. قال: فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم معه حتى دخلا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «هلمي ما عندك يا أُم سُلَيم» فأتت بذلك الخبز، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ففُتَّ وعَصرت عليه أُم سُلَيم عُكَّة له فأَدَمَتْه، ثم قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقول، ثم قال: «إئذن لعشرة» فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا، ثم قال: «إئذن لعشرة» فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا، ثم قال: «إئذن لعشرة» حتى أكل القوم كلهم وشبعوا؛ والقوم سبعون رجلاً أو ثمانون. وأخرجه أيضاً البخاري عن أنس بنحوه كما في البداية والإِمام أحمد، وأبو يعلى، والبَغَوي كما بسط طرق أحاديثهم وألفاظهم في البداية. وأخرجه الطبراني أيضاً كما في المجمع وقال: رواه أبو يَعْلى، الطبراني وزاد: وهم زهاء مائة. ورجالهما رجال الصحيح. إطعام الأشعث بن قيس الكندي رضي الله عنه قصة وليمته رضي الله عنه

ضيافة الأضياف الواردين إلى المدينة الطيبة

أخرج الطبراني عن قيس بن أبي حازم قال: لمّا قُدم بالأشعث أسيراً على أبي بكر رضي الله عنهما أطلق وثَاقه وزَوْجه أخته، فاخترط سيفه ودخل سوق الإِبل فجعل لا يرى جملاً ولا ناقة إلا عرقبه، فصاح الناس: كفر الأشعث فلما فرغ طرح سيفه وقال: إني - والله - ما كفرت، ولكني زوَّجني هذا الرجل أخته ولو كنا في بلادنا كانت (لنا) وليمة غير هذه، يا أهل المدينة (إنحروا) وكلوا، ويا أصحاب الإِبل تعالَوا خذوا شرواها. كذا في الإِصابة والمجمع. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير عبد المؤمن بن علي وهو ثقة. إطعام أبي برزة رضي الله عنه أخرج ابن سعد عن الحسن بن حكيم عن أمه أنها كانت لأبي بَرْزة رضي الله عنه جَفْنة من ثريد غدوة وجفنة عشية للأرامل واليتامى والمساكين. ضيافة الأضياف الواردين إلى المدينة الطيبة حديث طلحة بن عمرو رضي الله عنه في ذلك أخرج أبو نعيم في الحلية عن طلحة بن عمرو رضي الله عنه قال: كان الرجل إذا قدم على النبي صلى الله عليه وسلم إن كان له عريف بالمدينة نزل عليه، فإذا لم يكن له عريف نزل مع أصحاب الصُّفَّة - رضي الله عنهم -. قال: فكنت فيمن نزل الصفَّة، فوافقت رجلاً، فكان يجري علينا من رسول الله صلى الله عليه وسلم كل يوم مدٌّ

من تمر بين رجلين. فسلَّم ذات يوم من الصلاة فناداه رجل منا فقال: يا رسول الله، قد أحرق التمر بطوننا، وتخرّقت عنا الخُنُف - والخنف برود شبه اليمانية - قال: فمال النبي صلى الله عليه وسلم إلى منبره فصعده، فحمد الله وأثنى عليه، ثم ذكر ما لقي من قومه فقال: «لقد مكثت أنا وصاحبي بضعة عشر ليلة ما لنا طعام إِلا البرير» - والبرير ثم الأرَاك - قال: «فقدمنا على إخواننا من الأنصار وعُظْم طعامهم التمر، فواسَوْنا فيه؛ فالله لو أجد لكم الخبز واللحم لأطعمتكم، ولكن لعلكم تدركون زماناً أو من أدركه منكم تلبسون فيه مثل أستار الكعبة، ويُغدى ويُراح عليكم بالجِفَان» وأخرجه أيضاً الطبراني، والبزار بنحوه. قال الهيثمي: رجال البزار رجال الصحيح غير محمد بن عثمان العقيلي وهو ثقة. انتهى. وأخرجه ابن جرير كما في الكنز وأحمد، والحاكم، وابن حِبَّان كما في الإِصابة. حديث فضالة الليثي رضي الله عنه في ذلك وأخرج الطبراني عن فَضالة الليثي رضي الله عنه قال: قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان من كان له عريف نزل على عريفه، ومن لم يكن له عريف نزل الصفَّة، فلم يكن لي عريف فنزلت الصفَّة، فناداه رجل يوم الجمعة فقال:

دعوته صلى الله عليه وسلم لأهل الصفة

يا رسول الله، أحرق بطوننا التمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «توشكون أنَّ من عاش منكم يُغدى عليه بالجفان ويُراح، وتكتسون كما تُستر الكعبة» . وفيه المقدام بن داود وهو ضعيف، وقد وُثِّق، وبقية رجاله ثقات؛ كما قال الهيثمي. حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه في ذلك وأخرج البيهقي عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي بأصحابه ثم ينصرف فيقول لأصحابه: «ليأخذ كل رجل بقدر ما عنده» ، فيذهب الرجل بالرجل والرجلين والثلاثة، ويذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالباقين. كذا في الكنز. حديث محمد بن سيرين رضي الله عنه في ذلك وأخرج أبو نُعَيم في الحِلية عن محمد بن سيرين قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أمسى قَسَم ناساً من أهل الصُّفَّة بين ناس من أصحابه، فكان الرجل يذهب بالرجل، والرجل يذهب بالرجلين، والرجل يذهب بالثلاثة، حتى ذكر عَشَرة؛ فكان سعد بن عبادة رضي الله عنه يرجع كل ليلة إلى أهله بثمانين منهم يعشِّيهم. وأخرجه أيضاً ابن أبي الدنيا وابن عساكر نحوه مختصراً كما في منتخب الكنز. دعوته صلى الله عليه وسلم لأهل الصفَّة وأخرج أبو نُعَيم في الحِلْية عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: مرّ بي

رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أبا هر» فقلت: لبيك يا رسول الله. قال: «الحَقْ أهل الصفَّة فادعُهم» قال: وأهل الصفة أضياف الإِسلام لا يأوون على أهل ولا مال، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئاً، وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها. صحيح متفق عليه. حديث أبي ذر رضي الله عنه في ضيافة أهل الصفة وأخرج أيضاً عن أبي ذر رضي الله عنه قال: كنت من أهل الصفَّة، فكنَّا إِذا أمسينا حضرنا باب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأمر كل رجل فينصرف برجل، فيبقى من بقي من أهل الصفّة عشرة أو أكثر أو أقل، فيُؤتى النبي صلى الله عليه وسلم بعشائه فنتعشى معه؛ فإذا فرغنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ناموا في المسجد» قال: فمرَّ عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا نائم على وجهي، فغمزني برجله وقال: «يا جندب ما هذه الضجعة؟ فإنها ضجعة الشيطان» . حديث ابن قيس في ذلك وأخرج أيضاً عن ظخفة بن قيس رضي الله عنه قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، فجعل الرجل يذهب بالرجل، والرجل يذهب بالرجلين، حتى

ضيافة الذين يريدون الإسلام

بقيت في خامس خمسة. قال: فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنطلقوا» فانطلقنا معه إلى عائشة رضي الله عنها فقال: «يا عائشة أطعمينا، إسقينا» فجاءت بجشيشة. قال: فأكلنا، ثم جاءت بحَيْسة مثل القطاة فأكلنا. ثم قال: «يا عائشة إسقينا» فجاءت بقَدَح صغير من لبن فشربنا؛ ثم قال: «إن شئتم بتم، وإن شئتم إنطلقتم إلى المسجد» . قال: قلنا: ننطلق إلى المسجد. قال: فبينا أنا مضطجع في المسجد على بطني إذ رجل يحركني برجله، فقال: «إن هذه ضجعة يُبغضها الله» . قال: فنظرت فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ضيافة الذين يريدون الإِسلام وأخرج الطبراني وأبو نُعَيم عن جَهْجاه الغفاري رضي الله عنه قال: قدمت في نفر من قومي يريدون الإِسلام، فحضروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سلّم قال: «يأخذ كل رجل بيد جليسه» ، فلم يبقَ في المسجد غيرُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيري - وكنت عظيماً طويلاً لا يقدِمُ عليَّ أحد - فذهب بي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزله، فحلب لي عنزاً فأتيت عليها (ثم بصنيع برمة فأتيت عليه) ، حتى حلب لي سبع أعنز فأتيت عليها، وقالت أم أيمن رضي الله عنها: أجاع الله من أجاع رسول الله الليلة قال: «مَهْ يا أم أيمن، أكل رزقه ورزقنا على الله» فأصبحوا فغدَوا واجتمع هو وأصحابه، فجعل الرجل يخبر بما أُتي إليه، فقلت: حُلبت لي سبع أعنز فأتيت عليها، وصنيع برمة فأتيت

ضيافة أهل الصفة في رمضان

عليها؛ فصلَّوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب فقال: «ليأخذ كل رجل بيد جليسه» فلم يبقَ في المسجد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيري - وكنت عظيماً طويلاً لا يُقدِمُ عليَّ أحد -، فذهب بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلب لي عنزاً فرويت وشبعت، فقالت أم أيمن: يا رسول الله، أليس هذا ضيفَنا؟ فقال: «بلى» فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنه أكل في مِعَى مؤمن الليلة، وأكل قبل ذلك في مِعَى كافر. الكافر يأكل في سبعة أمعاء والمؤمن يأكل في مِعَى واحد» . كذا في الكنز. وأخرجه أيضاً ابن أبي شيبة نحوه كما في الإِصابة، والبزَّار، وأبو يَعْلى كما في المجمع وقال: فيه موسى بن عبيدة الرَّبَذِي وهو ضعيف. ضيافة أهل الصفة في رمضان وأخرج البيهقي عن واثِلة بن الأسْقَع رضي الله عنه قال: حضر رمضان ونحن في أهل الصفة فصُمْنا. فكنا إذا أفطرنا أتى كلَّ رجلٍ منا رجلٌ من أهل البَيْعة فانطلق به فعشّاه، فأتت علينا ليلة لم يأتنا أحد وأصبحنا صباحاً، وأتت علينا القابلة فلم يأتنا أحد، فانطلقنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه بالذي كان من أمرنا، فأرسل إلى كل إمرأة من نسائه يسألها هل عندها شيء؟ فما بقيت منهن إمرأة إلا أرسلت تقسم ما أمسى في بيتها ما يأكل ذو كبد، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (إجتمعوا) فاجتمعوا، فدعا وقال: «اللهَّم إني أسألك من فضلك ورحمتك، فإنها بيدك لا يملكها أحد غيرك» ، فلم يكن إلا ومستأذن يستأذن، فإذا بشاة مَصْليَّة

ورُغُف، فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعت بين أيدينا، فأكلنا حتى شبعنا. فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنا سألنا الله نفضله ورحمته، فهذا فضله وقد ادَّخر لنا عنده رحمته» . كذا في البداية. حديث عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما في ذلك وأخرج البخاري عن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما أن أصحاب الصفة كانوا أناساً فقرء، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال مرة: زمن كان عنده طعام إثنين فليذهب بثالث، ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس» - أو سادس أو كما قال - وأن أبا بكر جاء بثلاثة، وانطلق النبي صلى الله عليه وسلم بعشرة، وأبو بكر رضي الله عنه بثلاثة. قال: فهو أنا وأبي وأمي - ولا أدري هل قال: إمرأتي - وخادم بين بيتنا وبيت أبي بكر، وأن أبا بكر تعشّى عند النبي صلى الله عليه وسلم ثم لبث حتى صلى العشاء، ثم رجع فلبث حتى تعشَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء بعدما مضى من الليل ما شاء الله. قالت له إمرأته: ما حبسك عن أضيافك - أو ضيفك؟ - قال: أوَ ما عشيتِهم؟ قالت: أبَوا حتى تجيء؛ قد عرضوا عليهم فغلبوهم، فذهبتُ فاختبأتُ، فقال: يا عُنْثَر، فجدَّع وسبَّ وقال: كلوا، وقال: لا أطعمه أبداً (قال: وايْمُ الله) ما كنا نأخذ مِنْ لقمة إلا رَبَا من أسفلها أكثر منها، حتى شبعوا وصارت أكثر مما كانت قبل. فنظر أبو بكر فإذا شيء أو أكثر

فقال لامرأته: يا أخت بني فِراس، قالت: لا - وقرةِ عيني - لهي الآن أكثر ما قبل بثلاث مرار. فأكل منها أبو بكر وقال: إنما كان الشيطان - يعني يمينه - ثم أكل منها لقمة، ثم حملها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأصبحتْ عنده؛ وكان بيننا وبين قوم عهد، فمضى الأجل، فعَرَّفنا إثني عشر رجلاً مع كل رجل منهم أُناس، الله أعلم كم مع كل رجل، غير أنه بعث معهم، قال: فأكلوا منها أجمعون - أو كما قال - وغيره يقول: فتفرقنا. وقد رواه في مواضع أخر من صحيحه، ورواه مسلم كذا في البداية. قصة قيس بن سعد رضي الله عنهما في ذلك وأخرج الدارقطني في كتاب الأسخياء عن يحيى بن عبد العزيز قال: كان سعد بن عبادة يغزو سنة ويغزو إبنه قيس بن سعد رضي الله عنهما سنة، فغزا سعد مع الناس فنزل برسول الله صلى الله عليه وسلم ضيوف كثير مسلمون، فبلغ ذلك سعداً وهو في ذلك الجيش فقال: إن يك قيس إبني فسيقول: يا نِسْطاس هات المفاتيح، أخرج لرسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته، فيقول نِسطاس: هات من أبيك كتاباً، فيدقُّ أنفه ويأخذ المفاتيح، ويُخرج لرسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته؛ فكان الأمر كذلك، وأخذ قيس لرسول الله صلى الله عليه وسلم مائة وَسْق كذا في الإِصابة.

ضيافة الأعراب عام القحط وأخرج الطبراني عن ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها قالت: أجدب الناس سنة، وكانت الأعرب يأتون المدينة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر الرجل فيأخذ بيد الرجل فيضِّيفه ويعشِّيه؛ فجاء أعرابي ليلة وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعام يسير وشيء من لبن فأكله الأعرابي ولم يدع للنبي صلى الله عليه وسلم شيئاً، فجاء به ليلة - أو ليلتين - فجعل يأكله كله، فقلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم اللهمَّ لا تبارك في هذا الأعرابي يأكل طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدعه. ثم جاء به ليلة فلم يأكل من الطعام إِلا يسيراً، فقلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك - وجاء به وقد أسلم - فقال: «إن الكفر يأكل في سبعة أمعاء، وإن المؤمن يأكل في مِعَى واحد. قال الهيثمي: رواه الطبراني بتمامه، وروى أحمد آخره، ورجال الطبراني رجال الصحيح. انتهى. صنيع أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه عام الرمادة في ضيافة العرب وأخرج ابن سعد عن أسلم قال: لمَّا كان عام الرمادة تجلَّبت العرب من كل ناحية فقدموا المدينة. فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد أمر رجالاً يقومون عليهم ويقسمون عليهم أطعمتهم وإدامهم، فكان يزيد بن أخت النمر، وكان المِسْوَر بن مَخْرَمة، وكان عبد الرحمن بن عبد القاريّ، وكان عبد الله بن عتبة بن مسعود رضي الله عنهم، فكانوا إذا أمسَوا إجتمعوا عند عمر فيخبرونه بكل ما كانوا فيه، وكان كل رجل منهم على ناحية من المدينة؛ وكان

الأعراب حلولاً فيما بين رأس الثنية إلى راتج، إلى بني حارثة، إلى بني عبد الأشهل، إلى البقيع، إلى بني قريظة، ومنهم طائفة بناحية بني سَلِمة؛ هم محدقون بالمدينة. فسمعت عمر يقول ليلة - وقد تعشَّى الناس عنده - أحصُوا من تعشَّى عندنا. فأحصَوهم من القابلة فوجدوهم سبعة آلاف رجل. وقال: أحصوا العيالات الذين لا يأتون والمرضى والصبيان فأحصَوا فوجدوهم أربعين ألفاً. ثم مكثنا ليالي فزاد الناس، فأمر بهم، فأُحصوا، فوجدوا من تعشَّى عنده عشرة آلاف الآخرين خمسين ألفاً. فما برحوا حتى أرسل الله السماء، فلما مطرت رأيت عمر قد وكل كل قوم من هؤلاء النفر بناحيتهم يُخرجونهم إلى البادية، ويعطونهم قوتاً وحُمْلاناً إلى باديتهم؛ ولقد رأيت عمر يخرجهم هو بنفسه. قال أسلم: وقد كان وقع فيهم الموت فأراه مات ثلثاهم وبقي ثلث، وكانت قدور عمر يقوم إليها العمال في السَّحَر يعملون الكركور حتى يصبحوا، ثم يطعمون المرضى منهم، ويعملون العصائد وكان عمر يأمر بالزيت فيفار في القدور الكبار على النار حتى يذهب حمته وحره، ثم يُثْرَد الخبز ثم يؤدَم بذلك الزيت.t فكانت العرب يُحمُّون من الزيت. وما أكل عمر في بيت أحد من ولده ولا بيت أحد من نسائه ذَواقاً زمان الرمادة؛ إِلا ما يتعشَّى مع الناس حتى أحيا الله الناس أول ما أُحْيَوا. حديث فراس الديلمي في ذلك وأخرج ابن سعد عن فراس الديلمي قال: كان عمر بن الخطاب

رضي الله عنه ينحر كل يوم على مائدته عشرين جزوراً من جُزُر بعث بها عمرو بن العاص رضي الله عنه من مصر. كذا في منتخب الكنز. قصة أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه مع أهل البيت جياع وأخرج الدِينَوَري، وابن شاذان، وابن عساكر عن أسلم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه طاف ليلة، فإذا هو بامرأة في جوف دار له وحولَها صبيان يبكون. وإذا قِدْر على النار قد ملأتها ماءً، فدنا عمر من الباب فقال: يا أمةَ الله، ما بكاء هؤلاء الصبيان؟ قالت: بكاؤهم من الجوع، قال: فما هذا القدر التي على النار؟ قالت: قد جعلت ماءً هو ذا أعلِّلهم به حتى يناموا وأوهمهم أن فيها شيئاً. فبكى عمر، ثم جاء إلى دار الصَّدَقة، وأخذ غِرارة، وجعل فيها شيئاً من دقيق وشحم وسمن وتمر وثياب ودراهم حتى ملأ الغِرارة، ثم قال: يا أسلم إحملْ عليَّ. فقلت: يا أمير المؤمنين أنا أحمله عنك، فقال لي: لا أمَّ لك يا أسلم أنا أحمله لأني أنا المسؤول عنهم في الآخرة؛ فحمله حتى أتى به منزل المرأة، فأخذ القدر فجعل فيها دقيقاً وشيئاً من شحم وتمر وجعل يحركه بيده وينفخ تحت القِدْر، فرأيت الدخان يخرج من خَلَل لحيته حتى طبخ لهم، ثم جعل غرف بيده ويطعمهم حتى شبعوا. ثم خرج وربض بحذائهم كأنه سُبُع خفت أن أكلّمه، فلم يزل كذلك حتى لعب الصبيان وضحكوا. ثم قام فقال: يا أسلم تدري لم ربضت بحذائهم؟ قلت: لا، قال: رأيتهم يبكون، فكرهت أن أذهب وأدعهم حتى أراهم يضحكون، فلما ضحكوا طابت نفسي. كذا في منتخب الكنز. وذكر في البداية عن أسلم قال:

خرجت ليلة مع عمر إلى حرَّة وأقِم حتى إذا كنا بصرار إِذا بنار، فقال: يا أسلم ها هنا رَكُب قد قَصَّر بهم الليل، إنطلق بنا إليهم. فأتيناهم، فإذا إمرأة معها صبيان لها - فذكره بمعناه. وأخرجه الطبري بمعناه مع زيادات. تقسيم الطعام حديث أنس رضي الله عنه في ذلك أخرج أحمد عن أنس رضي الله عنه قال: أهدى الأكَيْدِر إلى النبي صلى الله عليه وسلم جرة مِنْ مَنَ. فلما انصرف صلى الله عليه وسلم من الصلاة مرّ على القوم، فجعل يعطي كل رجل منهم قطعة، وأعطى جابراً قطعة، ثم إنه رجع إليه فأعطاه قطعة أُخرى فقال: إنك قد أعطيتني مرة؛ فقال: «هذه لبنات عبد الله» . كذا في جمع الفوائد. قال الهيثمي: وفيه علي بن زيد وفيه ضعف ومع ذلك فحديثه حسن. حديث الحسن رضي الله عنه في ذلك وعند ابن جرير عن الحسن رضي الله عنه قال: أهدى أكَيْدِر دومة الجندل إلى

رسول الله صلى الله عليه وسلم جرة فيها المنُّ الذي رأيتم، وبالنبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته يومئذٍ - والله - بها حاجة. فلما قضى الصلاة أمر طائفاً فطاف بها على أصحابه، فجعل الرجل يدخل يده فيستخرج فيأكل، فأتى على خالد بن الوليد رضي الله عنه فأدخل يده فقال: يا رسول الله أخذ القوم مرة وأخذت مرتين، فقال: «كل وأطعم أهلك» . كذا في الكنز. تقسيم النبي صلى الله عليه وسلم تمراً بين أصحابه وأخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قسم النبي صلى الله عليه وسلم يوماً بين أصحابه تمراً فأعطى كل إنسان سبعاً، وأعطاني سبعاً إحداهن حَشَفَة، فكانت أعجَبهن إليَّ لأنها شدت في مضاغي. وعند مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: أُتيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمر فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقسمه وهو مُحْتَفِز، يأكل منه أكلاً ذريعاً. كتاب عمر إلى عمرو بن العاص رضي الله عنهما عام الرمادة وجوابه إليه وأخرج ابن عبد الحَكَم عن الليث بن سعد أن الناس بالمدينة أصابهم جَهْد شديد في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في سنة الرمادة، فكتب إِلى عمرو بن العاص رضي الله عنه وهو بمصر:

«من عبد الله عمر أمير المؤمنين إِلى العاصي بن العاصي، سلام، أما بعد: فلعمري - يا عمرو - ما تبالي إِذا شبعت أنت ومن معك أن أهلك (أنا) ومن معي، فيا غوثاه، ثم يا غوثاه» . يردّد قوله. فكتب إليه عمرو بن العاص. «لعبد الله عمر أمير المؤمنين من عمرو بن العاص أما بعد: فيا لبيك، ثم يا لبيك، وقد بعثت إِليك بعيرٍ أولها عندك وآخرها عندي. والسلام عليك ورحمة الله وبركاته» . تقسيم عمر الطعام الذي أرسله عمرو بين سكان المدينة المنوّرة وبعث عمرو بعيرٍ عظيمة، فكان أولها بالمدينة وآخرها بمصر، يتبع بعضها بعضاً، فلما قدمت على عمر وسَّع بها على الناس، ودفع إلى أهل كل بيت بالمدينة وما حولها بَعيراً بما عليه من الطعام، وبعث عبد الرحمن بن عوف، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم يقسمونها على الناس، فدفعوا إلى أهل كل بيت بعيراً بما عليه من الطعام أن يأكلوا الطعام وينحروا البعير، فيأكلوا لحمه ويأتدموا شحمه، ويحتذوا جلده، وينتفعوا بالوعاء الذي كان فيه الطعام لما أرادوا من لحاف أو غيره؛ فوسَّع الله بذلك على الناس - فذكر الحديث بطوله في حفر الخليج من النيل إلى القلزُم لحمل الطعام إلى المدينة ومكة. كذا في المنتخب. وأخرجه أيضاً ابن خُزَيمة والحاكم، والبيهقي عن أسلم قال: كتب عمر بن الخطاب في عام الرمادة إلى عمرو بن العاص - فذكره، وفيه: فلما قدم أول

إكساء الحلل وقسمها

عير دعا الزبير فقال: أخرج في أول هذه العير فاستقبل بها نجداً، فاحمل إِليَّ أهل كل بيت قدرت أن تحملهم إليَّ، ومن لم تستطع حمله فمر لكل أهل بيت ببعير بما عليه، ومرهم فليلبسوا كسائين ولينحروا البعير، فليجمِّلوا شحمه، وليقددوا لحمه، وليحذوا جلده، ثم ليأخذوا كُبة من قديد وكبة من شحم وحفنة من دقيق فليطبخوا ويأكلوا حتى يأتيهم الله برزق. فأبى الزبير أن يخرج، فقال: أما - والله - لا تجد مثلها حتى تخرج من الدنيا، ثم دعا آخر - أظنُّه طلحة رضي الله عنه - فأبى، ثم دعا أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه فخرج في ذلك - فذكر الحديث في إعطاء عمر أبا عبيدة ألف دينار وردّه ثم قبوله على ما قاله له عمر، كذا في المنتخب وسيأتي. وتقدَّم قَسْمه صلى الله عليه وسلم الطعام في الأنصار وبني ظَفَر في إِكرام الأنصار وخدمتهم. إكساء الحلل وقسمها قصة إكسائه صلى الله عليه وسلم الأسير بردين أخرج أبو نُعَيم عن حِبان بن جُزْء السُّلَمي عن أبيه رضي الله عنه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بذلك الأسير، فكسا جُزْءاً بُرْدَين، وأسلم جزء عنده، ثم قال: «أدخل على عائشة تعطيك من الأبردة التي عندها بُرْدَين» ، فدخل على عائشة فقال: أي - نضرَّك الله - إختاري لي من هذه الأبردة التي عندك بردَين، فإن نبي الله صلى الله عليه وسلم كساني منها بردَين، فقالت - ومدَّت سواكا من أراك طويلاً -: خذ هذا، وخذ هذا. وكانت نساء العرب لا يُرَين، كذا في المنتخب.

قصة عمر رضي الله عنه مع سبطي رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك وأخرج ابن سعد عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: قدم على عمر رضي الله عنه حُلَلٌ من اليمن فكسا الناس، فراحوا في الحلل وهو بين القبر والمنبر جالس، والناس يأتونه فيسلِّمون عليه ويدعُون له، فخرج الحسن، والحسين رضي الله عنهما من بيت أمهما فاطمة رضي الله عنها يتخطَّيان الناس، وليس عليهما من تلك الحلل شيء، وعمر قاطب صارٌّ بين عينيه، ثم قال: والله ما هنأ لي ما كسوتكم، قالوا: يا أمير المؤمنين، كسوت رعيتك فأْسنت، قال: من أجل الغلامين يتخطَّيان الناس وليس عليهما منها شيء، كَبُرت عنهما وصغرا عنها، ثم كتب إلى اليمن: أن أبعث بحلَّتين لحسنٍ، وحسينٍ وعجِّل. فبعث إليه بحلَّتين فكساهما، كذا في كنز العمال. وقد تقدَّم قصة أُسيد بن حضير، ومحمد بن مَسْلَمة مع عمر رضي الله عنهم في قَسْمة الحلل بين الناس في إِكرام الأنصار، وإِعطاء عمر أم عمارة رضي الله عنها المِرْط الجيد لأنها كانت تقاتل يوم أُحد في قتال النساء. صنيع أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه في ذلك وأخرج الزبير بن بكار عن م حمد بن سلام قال: أرسل عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الشَّفَّاء بنت عبد الله العدويَّة رضي الله عنها أن أغدي عليَّ.

قالت: فغدَوت عليه فوجدت عاتكة بنت أُسِيد بن أبي العِيص رضي الله عنها ببابه، فدخلنا فتحدثنا ساعة، فدعا بنَمَط فأعطاها إياه، ودعا بنمط دنه فأعطانيه؛ قالت: فقلت: يا عمر أنا قبلها إِسلاماً، وأنا بنت عمك دونها، وأرسلتَ إليَّ وأتتك من قِبَل نفسها؛ قال: ما كنتُ رفعت ذلك إلا لك، فلما اجتمعتما تذكرتُ أنها أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك. كذا في الإِصابة. صنيع أمير المؤمنين علي رضي الله عنه في ذلك وأخرج ابن عساكر، وأبو موسى المديني في كتاب إستدعاء اللباس عن أصْبَغ بن نُباتة قال: جاء رجل إلى علي رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين، إن لي إليك حاجة قد رفعتها إلى الله قبل أن أرفعها إليك، فإن أنت قضيتها حمدتُ الله وشكرتُك، وإن لم تقضِها حمدت الله عذرتك؛ فقال علي: أكتب على الأرض؛ فإني أكره أن أرى ذلّ السؤال في وجهك، فكتب: إني محتاج، فقال علي: عليَّ بحلّة، فأُتيَ بها فأخذها الرجل فلبسها ثم أنشأ يقول: كسوتني حلّة تبلَى محاسنها فسوف أكسوك من حسن الثنا حُلَلا إِن نلت حسن ثنائي نلتَ مكرمة ولست تبغي بما قد قلتُه بدلا إنَّ الثناء لَيُحيي ذكر صاحبه كالغيث يُحيي نَدَاه السهل والجبلا لا تزهد الدهرَ في خير تُوفَّقُه فكل عبد سيُجزى بالذي عمِلا فقال علي: عليَّ بالدنانير فأُتي بمائة دينار فدفعها إليه، قال الأصبغ: فقلت: يا أمير المؤمنين، حلة ومائة دينار؟ قال: نعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أنزلوا الناس منازلهم» وهذه منزلة هذا الرجل عندي. كذا في الكنز.

إطعام المجاهدين

أجر إكساء المسلم ثوبا وأخرج الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما: جاءه سائل فقال له ابن عباس: أتشهد أن لا إِله إلا الله وأن محمداً رسول الله؟ قال: نعم، قال: وتصوم رمضان؟ قال: نعم، قال: سألت وللسائل حق، إنّه لحق علينا أن نصلك؛ فأعطاه ثوباً ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من مسلم (كسا) مسلماً ثوباً إلا كان في حفظ الله ما دام عليه منه خرقة» . كذا في جمع الفوائد. إطعام المجاهدين صنيع قيس بن سعد رضي الله عنه في ذلك وقوله صلى الله عليه وسلم فيه أخرج أبو بكر في الغيلانيات وابن عساكر عن جابر بن عبد الله رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بَعْثاً عليهم قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنهما، فجهِدوا، فنحر لهم قيس تسع ركائب. فلما قدموا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إن الجود لمن شيمة أهل ذلك البيت» . وعند ابن أبي الدنيا وابن عساكر عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: أقبل أبو عبيدة ومعه عمر بن الخطاب رضي الله عنها فقال لقيس بن سعد: عزمتُ عليك أن لا تنحر. فلما نحر وبلغ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنه في بيت جود» - يعني في غزوة الخَبَط -. كذا في منتخب الكنز.

خروج حوت عظيم على ساحل البحر للمجاهدين وعند الطبراني عن جابر قال: مرَّ علينا قيس بن سعد بن عبادة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصابتنا مخمصة، فنحر لنا سبع جزائر، فهبطنا ساحل البحر، فإذا نحن بأعظم حوت، فأقمنا عليه ثلاثاً، حملنا منها شئنا من وَدَك في الأسقية والغرائر، وسرنا حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه بذلك فقالوا: «لو نعلم أنا ندركه قبل أن يُرْوِحَ أحببنا أن لو كان عندنا منه» . قال الهيثمي: وفيه عبد الله بن صالح كاتب الليث، قال عبد الملك بن شعيب بن الليث: ثقة مأمون وضعَّفه أحمد وغيره، وأبو حمزة الخولاني لم أعرفه، وبقية رجاله ثقات. انتهى. ما وقع بين عمر وبلال رضي الله عنهما في إطعام المجاهدين وأخرح أبو عُبَيد عن قيس بن أبي حازم قال: جاء بلال إلى عمر رضي الله عنهما حين قدم الشام وعنده أمراء الأجناد، فقال: يا عمر، يا عمر، فقال عمر: هذا عمر. فقال: إنك بين هؤلاء وبين الله، وليس بينك وبين الله أحد، فانظر مَنْ بين يديك ومَنْ عن يمينك ومَنْ عن شمالك، فإنَّ هؤلاء الذين جاؤوك - والله - إن يأكلوا إلا لحوم الطير، فقال عمر: صدقت، لا أقوم من مجلسي هذا حتى تكفَّلوا لي لكل رجل من المسلمين بمُدَّيْ برّ وحظهما من

كيف كانت نفقة النبي صلى الله عليه وسلم

الخل والزيت، قالوا: تكفلنا لك يا أمير المؤمنين، هو علينا، قد أكثر الله من الخير وأوسع، قال: فنعم إذاً. كذا في الكنز. وأخرجه الطبراني أيضاً عن قيس نحوه، قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح خلا عبد الله بن أحمد وهو ثقة مأمون. كيف كانت نفقة النبي صلى الله عليه وسلم قصة بلال رضي الله عنه في ذلك مع مشرك أخرج البيهقي عن عبد الله الهوريني قال: لقيت بلالاً رضي الله عنه مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحلب، فقلت: يا بلال، حدثني كيف كانت نفقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما كان له شيء إلا أنا الذي كنت أَلي ذلك منه منذ بعثه الله إِلى أن توفي، فكان إذا أتاه (الإِنسان) المسلم فرآه عائلاً يأمرني فأنطلق فأستقرض فأشتري البُرْدة والشيء فأكسوه وأطعمه، حتى اعترضني رجل من المشركين، فقال: يا بلال، إن عندي سَعَة فلا تستقرض من أحد إلا مني، ففعلت. فلما كان ذات يوم توضأت ثم قمت لأؤذن بالصلاة، فإذا المشرك في عصابة من التجار فلما رآني قال: يا حبشي (قال) : قلت: يا لبيهْ. فتجهمني وقال قولاً عظيماً - أو غليظاً - وقال: أتدري كم بينك وبين الشهر؟ قلت: قريب، قال: إنما بينك وبينه أربع ليالٍ، فآخذك بالذي لي عليك، فإني لم أعطك الذي أعطيتك من كرامتك ولا من كرامة صاحبك، وإنما أعطيتك لتصير لي عبداً فأذرك ترعى في الغنم كما

كنت قبل ذلك؛ قال: فأخذني في نفسي ما يأخذ في أنفس الناس، فانطلقت فناديت بالصلاة حتى إذا صلَّيت بالعَتَمة، ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله فاستأذنت عليه فأذن لي، فقلت: يا رسول الله - بأبي أنت وأمي - إنَّ المشرك الذي ذكرت لك أني (كنت) أتديَّن منه قد قال كذا وكذا، وليس عندك ما يقضي عني ولا عندي وهو فاضحي، فأْذن لي أن آتي (إلى) بعض هؤلاء الأحياء الذين قد أسلموا حتى يرزق الله رسوله صلى الله عليه وسلم ما يقضي عني. فخرجت حتى أتيت منزلي فجعلت سيفي وحرابي ورمحي ونعلي عند رأسي فاستقبلت بوجهي الأفق، فكلما نمت انتبهت، فإذا رأيت عليَّ ليلاً نمت حتى انشق عمود الصبح الأول، فأردت أن أنطلق فإذا إنسان يدعو: يا بلال أجبْ رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلقت حتى آتيه، فإذا أربع ركائب عليهن أحمالهن، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنت، فقال لي رسول الله: «أبشر، فقد جاءك الله بقضاء دينك، فحمدت الله، وقال: «ألم تمرّ على الركائب المناخات الأربع؟» قال: قلت: بلى، قال: «فإن لك رقابهن وما عليهن - فإذا عليهنَّ كسوة وطعام أهداهنَّ له عظيم فَدَك - فأقُبضهن إليك ثم إقضِ دينك» قال: ففعلت، فحططت عنهنَّ أحمالهنَّ، ثم علفتهنَّ، ثم عمدت إلى تأذين صلاة الصبح؛ حتى إذا صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجت إلى البقيع، فجعلت أصبعي في أذنيَّ فقلت: من كان يطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم دَيْناً فليحضر، فما زلت أبيع وأقضي وأعرض حتى لم يبقَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم دَيْن في الأرض حتى فضل عندي أوقيتان أو أوقية ونصف. ثم انطلقت إلى المسجد وقد ذهب عامة النهار فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في المسجد وحده، فسلَّمت عليه فقال (لي) : «ما فعل ما قِبَلك؟» قلت: قضى الله كل شيء كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يبقَ شيء، قال: «فَضَل شيء؟» قلت: نعم، ديناران؛ قال: «أنظر أن تريحني منهما؛ فلست بداخل على أحد من أهلي حتى تريحني منهما» . فلم يأتنا أحد، فبات في المسجد حتى أصبح وظل في المسجد اليوم الثاني، حتى إذا كان في آخر

النهار جاء راكبان، فانطلقت بهما فكسوتهما وأطعمتهما، حتى إذا صلَّى العَتَمة دعاني فقال: «ما فعل الذي قِبَلك؟» قلت: قد أراحك الله منه، فكبَّر وحمد الله شفقاً من أن يدركه الموت وعنده ذلك، ثم اتَّبعته حتى جاء أزواجه فسلَّم على إمرأة إمرأة حتى أتى مبيته. فهذا الذي سألتني عنه. كذا في البداية . وأخرجه الطبراني أيضاً عن عبد الله نحوه، كما في الكنز. قسم المال قسم النبي صلى الله عليه وسلم المال وكيف كان قسمه حديث أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها في ذلك أخرج الطبراني عن أم سَلَمة رضي الله عنها قالت: إني لأعلم أكثر مال قدم على النبي صلى الله عليه وسلم حتى قبضه الله تعالى، قدم عليه في جُنْح الليل خريطة فيها ثمان مائة درهم وصحيفة، فأرسل بها إليّ وكانت ليلتي، ثم انقلب بعد العشاء الآخرة فصلَّى في الحجرة في مصلاه وقد مهدت له ولنفسي فأنا أنتظر، فأطال ثم خرج ثم رجع، فلم يزل كذلك حتى دُعِيَ لصلاة الصبح، فصلَّى ثم رجع، فقال: «أين تلك الخريطة التي فتنتني البارحة؟» فدعا بها فقسمها. قلت: يا رسول الله صنعت شيئاً لم تكن تصنعه؟ فقال: «كنت أصلي فأوتى بها، فأنصرف حتى أنظر إليها ثم أرجع فصلِّي» . قال الهيثمي: رواه الطبراني بأسانيد وبعضها جيد.

قسمة ثمانين ألفاً بعثها العلاء بن الحضرمي إليه صلى الله عليه وسلم وأخرج الحاكم عن حُمَيد بن هلال عن أبي بُرْدة عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما أن العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من البحرين بثمانين ألفاً، فما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم مالٌ أكثر منه لا قبلها ولا بعدها، فأمر بها ونثرت على حصير، ونُودي بالصلاة، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يميل على المال قائماً، فجاء الناس وجعل يعطيهم، وما كان يومئذٍ عدد ولا وزن وما كان إلا قبضاً؛ فجاء العباس رضي الله عنه فقال: يا رسول الله إني أعطيت فدائي وفداء عقيل يوم بدر ولم يكن لعقيل مال، أعطني من هذا المال. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «خذ» فحثى في خَميصة كانت عليه، ثم ذهب ينصرف فلم يستطع، فرفع رأسه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إرفع عليّ، فتبسَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم (حتى خرج ضاحكه أو نابه، قال: «ولكن أعِدْ في المال طائفة وقم بما تطيق» ، ففعل، فانطلق بذلك المال» وهو يقول أمَّا أحد ما وعد الله فقد أنجز لي، ولا أدري الأخرى: {قُل لّمَن فِى أَيْدِيكُم مّنَ الاْسْرَى إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مّمَّآ أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} (الأنفال: 70) ، هذا خير مما أخذ مني، ولا أدري ما يصنع بالمغفرة. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرِّجاه. وقال الذهبي: على شرط مسلم. وأخرجه ابن سعد عن حُمَيد بن هلال بمعناه ولم يذكر أبا بردة ولا أبا موسى.

قسم أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه المال وتسويته في القسم صنيع أبي بكر رضي الله عنه في هذا الأمر وبيت المال في عهده أخرج ابن سعد عن سهل بن أبي حَثْمة غيره أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان له بيت مال بالسُّنح معروف ليس يحرسه أحد، فقيل له: يا خليفة رسول الله ألا تجعل على بيت المال من يحرسه؟ فقال: لا يُخاف عليه، فقلت: لم؟ قال: عليه قفل، وكان يعطي ما فيه (حتى) لا يبقي فيه شيء. فلما تحوَّل أبو بكر إلى المدينة حوَّله فجعل بيت ماله في الدار التي كان فيها، وكان قدم عليه مال من معادن القَبَليَّة ومن معادن جهينة كثير، وانفتح معدن بني سُلَيم في خلافة أبي بكر فقُدم عليه منه بصدقته، فكان يوضع ذلك في بيت المال، فكان أبو بكر يقسمه على الناس نُقَراً نُقَراً، فيصيب كل مائة إنسان كذا وكذا، وكان يسوِّي بين الناس في القَسْم: الحر والعبد والذكر والأنثى والصغير الكبير فيه (سواء) ، وكان يشتري الإِبل والخيل والسلاح فيحمل في سبيل الله، واشترى عاماً قطائف أتيَ بها من البادية ففرقها في أرامل أهل المدينة في الشتاء.

فلما توفي أبو بكر ودفن دعا عمر بن الخطاب الأمناء ودخل بهم بيت مال أبي بكر ومعه عبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن عفان رضي الله عنهم (وغيرها) ، ففتحوا بيت المال فلم يجدوا فيه ديناراً ولا درهماً، ووجدوا خَيْشة للمال فنُفضت فوجدوا فيها درهماً، فترحَّموا على أبي بكر؛ وكان في المدين وزَّان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يزن ما كان عند أبي بكر من مال فسئل الوزَّان: كم بلغ ذلك المال الذي ورد على أبي بكر؟ قال: مائتي ألف. كذا في الكنز. حديث إسماعيل بن محمد وغيره في تسوية الصديق في تقسيم المال وأخرج أحمد في الزهد عن إسماعيل بن محمد أنَّ أبا بكر رضي الله عنه قسم قَسْماً فسوَّى فيه بين الناس، فقال له عمر رضي الله عنه: يا خليفة رسول الله، تسوِّي بين أصحاب بدر وسواهم من الناس؟ فقال أبو بكر: إنما الدنيا بلاغ وخير البلاغ أوسطه، وإنما فضله في أجورهم.f وعند أبي عبيد عن يزيد بن أبي حبيب وغيره أن أبا بكر كُلِّمَ في أن يفضّل بين الناس في القسم، فقال: فضائلهم عند الله، وأما هذا المعاش فالسويّة فيه خير. كذا في الكنز. وعند البيهقي عن أسلم قال: ولي أبو بكر، فقسم بين الناس بالسوية، فقيل لأبي بكر: يا خليفة رسول الله لو فضَّلت المهاجرين والأنصار، فقال: أشتري منهم شرى، فأما هذا المعاش فالأسوة فيه خير من الأثرة. وعن عمر بن عبد الله مولى غَفْرة قال: قسم أبو بكر أول

ما قسم فقال له عمر بن الخطاب: فضّل المهاجرين الأولين وأهل السابقة، فقال: أشتري منهم سابقتهم؟ فقسم فسوَّى. قصة مال البحرين وقسمته بين الناس وأخرج البيهقي أيضاً وابن أبي شيبة، والبزّار، الحسن بن سفيان عن عمر مولى غَفْرة قال: لمَّا توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء مال من البحرين فقال أبو بكر رضي الله عنه: من كان له على رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء أو عِدَة فليقم فليأخذ. فقام جابر رضي الله عنه فقال: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن جاءني مال من البحرين لأعطينَّك هكذا وهكذا» - ثلاث مرات حثا بيده - فقال له أبو بكر: قم فخذ بيدك، فأخذ فإذا هي خمس مائة درهم، فقال: عدُّوا له ألفاً، وقسم بين الناس عشرة دراهم عشرة دراهم، وقال: إنَّما هذه مواعيد وعدها رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس؛ حتى إذا كان عام مقبل جاءه مال أكثرُ من ذلك المال، فقسم بين الناس عشرين درهماً عشرين درهماً، وفَضَلت منه فَضْلة فقسم للخدم خمسة دراهم خمسة دراهم، وقال: إن لكم خداماً يخدمون لكم ويعالجون لكم فرضخنا لهم، فقالوا: لو فضّلت المهاجرين والأنصار لسابقتهم ولمكانهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أجر أولئك على الله، إنَّ هذا العاش لَلأُسْوة فيه خير من الأَثرة؛ فعمل بهذا ولايته - فذكر الحديث كما سيأتي كذا في الكنز. وقد تقدم عدلُ على رضي الله عنه وتسويته في القَسْم وما قال علي لعربية أعطاها نحو ما أعطى مولاة لها: إني نظرت في كتاب الله عزّ وجلّ فلم أرَ فيه فضلاً لولد إسماعيل على ولد إسحاق عليهما الصلاة والسلام.

قسم عمر الفاروق رضي الله عنه وتفضيله على السابقة والنسب صنيعه رضي الله عنه في ذلك وذكر الرواتب التي فرضها على السابقة والنسب أخرج بن أبي شيبة، والبزار، والبيهقي عن عمر مولى غَفْرة - فذكر الحديث كما تقدَّم آنفاً، وفيه فلما مات أبو بكر رضي الله عنه إستخلف عمر رضي الله عنه ففتح الله عليه الفتوح فجاءه أكثر من ذلك، قال: قد كان لأبي بكر في هذا المال رأي ولي رأي آخر، لا أجعل من قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم كمن قاتل معه؛ ففضَّل المهاجرين والأنصار، ففرض لمن شهد بدراً منهم خمسة آلاف خمسة آلاف، ومن كان إسلامه قبل إسلام أهل بدر فرض له أربعة آلاف أربعة آلاف. وفرض لأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أثني عشر ألفاً لكل إمرأة إلا صفية وجُوَيْرِيَة رضي الله عنهما ففرض لكل واحدة ستة آلاف فأبَينَ أن يأخذنها، فقال: إِنما فرضتُ لهنَّ بالهجرة، فقلنَ: ما فرضتَ لهنَّ بالهجرة، إنما فرضت لهنَّ لمكانهنَّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولن مثل مكانهنّ، فأبصر ذلك فجعلهنَّ سواءً. وفرض للعباس بن عبد المطلب رضي الله عنه إثني عشر ألفاً لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفرض لأسامة بن زيد رضي الله عنه أربعة آلاف، وفرض للحسن، والحسين رضي الله عنهما خمسة آلاف خمسة آلاف، فألحقهما بأبيهما لقرابتهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم وفرض لعبد الله بن عمر رضي الله عنه ثلاثة آلاف، فقال: يا أبت فرضت لأسامة بن زيد، وفرضت لي ثلاثة آلاف؟ فما كان لأبيه من الفضل ما لم يكن لك وما كان له من الفضل ما لم يكن لي فقال: «إن أباه كان أحبَّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيك، وهو كان أحبَّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك.

وفرض لأبناء المهاجرين ممن شهد بدراً ألفين ألفين، فمر به عمر بن أبي سَلَمة رضي الله عنهما فقال: زيدوه ألفاً - أو قال زده ألفاً - يا غلام، فقال محمد بن عبد الله: لأي شيء تزيده علينا؟ ما كان لأبيه من الفضل ما كان لآبائنا قال: فرضت له بأبي سَلَمة ألفين وزدته بأم سَلَمة رضي الله عنها ألفاً، فإن كانت لك أم مثل أم سَلَمة زدتك ألفاً، وفرض لعثمان بن عبيد الله بن عثمان وهو ابن أخي طلحة بن عبيد الله رضي الله عنهم - يعني عثمان بن عبيد الله - ثمان مائة، وفرض للنضر بن أنس ألفي درهم، فقال له طلحة: جاءك ابن عثمان مثلُه ففرضت له ثمان مائة وجاءك غلام من الأنصار ففرضت له في ألفين، فقال: إني لقيت أبا هذا يوم أحد فسألني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: ما أُراه إلا قد قُتل، فسلّ سيفه وسدَّد زَنْده وقال: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل فإنَّ الله حي لا يموت، فقاتل حتى قتل، وهذا يرعى الغنم فتريدون أجعلها سواءً؟. فعمل عمر عُمُره بهذا - فذكر الحديث كما سيأتي شيء منه، واللفظ للبزَّار كما في المجمع، وقال: وفيه أبو معشر نُجَيح ضعيف يعتبر بحديثه. اهـ.

حديث أنس رضي الله عنه في ذلك وعند البيهقي عن أنس بن مالك رضي الله عنه وابن المسيِّب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب المهاجرين على خمسة آلاف، والأنصار على أربعة آلاف، من لم يشهد بدراً من أبناء المهاجرين على أربعة آلاف، فكان منهم: عمر بن أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي، وأسامة بن زيد، ومحمد بن عبد الله بن جحش الأسدي، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم، فقال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: إنَّ ابن عمر ليس من هؤلاء إنَّه وإنَّه فقال ابن عمر: إن كان لي حق فأعطنيه وإلا فلا تعطني، فقال عمر لابن عوف: أكتبه على خمسة آلاف واكتبني على أربعة آلاف، فقال عبد الله: لا أريد هذا، فقال عمر: والله لا أجتمع أنا وأنت على خمسة آلاف. وأخرجه ابن أبي شيبة نحوه، كما في الكنز. حديث زيد بن أسلم في ذلك وعند ابن عساكر عن زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما فرض للناس فرض لعبد الله بن حنظلة رضي الله عنها ألفي درهم، فأتاه طلحة رضي الله عنه بابن أخ له ففرض له دون ذلك، فقال: يا أمير المؤمنين، فضَّلت هذا الأنصاري على ابن أخي؟ فقال: نعم، لأني رأيت أبه يستتر بسيفه يوم أُحد كما يستتر الجمل. كذا في الكنز.

حديث ناشزة اليزنيّ في ذلك وأخرج أحمد عن ناشِزَة بن سُميَ اليزَني قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوم الجابية وهو يخطب الناس: إن الله عزّ وجلّ جعلني خازناً لهذا المال وقاسمه، ثم قال: بل الله يقسمه، وأنا بادىء بأهل النبي صلى الله عليه وسلم ثم أشرفهم. ففرض لأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف إلا جويرية، وصفية، وميمونة رضي الله عنهن. قالت عائشة رضي الله عنها: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعدل بيننا، فعدل بينهنَّ عمر؛ ثم قال: إني بادىء بأصحابي المهاجرين الأوَّلين - فإنّا أُخرجنا من ديارنا ظلماً وعدواناً - ثم أشرفهم، ففرض لأهل بدر منهم خمسة آلاف ولمن شهد بدراً من الأنصار أربعة آلاف، وفرض لمن شهد أحداً ثلاثة آلاف. قال: ومن أسرع بالهجرة أسرع به العطاء ومن أبطأ بالهجرة أبطأ به العطاء، لا يلومنّ أمرؤ إلا مناخ راحلته، وإني أعتذر إليكم من عزل خالد بن الوليد، إني أمرته أن يحبس هذا المال على ضَعَفَة المهاجرين فأعطاه ذا البأس وذا الشرف وذا اللسان، فنزعته، ووليت أبا عبيدة، فقال أبو عمرو بن حفص؛ والله ما أعذرت يا عمر بن الخطاب، لقد نزعت عاملاً إستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم وغمدت سيفاً سلّه رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضعت لواء نصبه رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسدت ابن العم فقال عمر بن الخطاب: إنك قريب القرابة، حديث السن، مُغْضَب في ابن عمك. قال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله ثقات. اهـ. وأخرجه البيهقي عن ناشِزَة بن سُمَيّ اليزني نحوه إلا أنه لم يذكر معذرة عزل خالد وما بعده.

تدوين عمر رضي الله عنه الديوان للعطايا

تدوين عمر رضي الله عنه الديوان للعطايا حال عمر عندما قدم عليه أبو موسى بالمال الكثير وصنيعه في قسمته أخرج ابن سعد، والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قدمت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه من عند أبي موسى الأشعري رضي الله عنه بثمان مائة ألف درهم، فقال لي: بماذا قدمت؟ قلت: قدمت بثمان مائة ألف درهم، فقال: أطيِّبٌ ويلك؟ قلت: نعم. فبات عمر ليلة أرِقاً حتى إذا نُودي بصلاة الصبح قالت له إمرأته: ما نمت الليلة قال: كيف ينام عمر بن الخطاب وقد جاء الناس ما لم يكن يأتيهم مثلُه مذ كان الإِسلام؟ فما يؤمن عمر لو هلك وذلك المال عنده فلم يضعه في حقه؟ فلما صلَّى الصبح إجتمع إليه نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم: إِنه قد جاء الناس الليلة ما لم يأتهم مثلُه مذ كان الإِسلام، وقد رأيت رأياً فأشيروا عليّ، رأيت أكيل للناس بالمكيال؛ فقالوا: لا تفعل يا أمير المؤمنين، الناس يدخلون في الإِسلام ويكثر المال ولكن أعطهم على كتاب، فكلما كثر الناس وكثر المال أعطيتهم عليه. قال: فأشيروا عليّ بمن أبدأ منهم؟ قالوا: بك يا أمير المؤمنين إنك وليّ ذلك الأمر - ومنهم من قال: أمير المؤمنين أعلم - قال: لا. ولكن أبدأ برسول الله صلى الله عليه وسلم ثم الأقرب فالأقرب إِليه؛ فوضع الديوان على ذلك، بدأ ببني هاشم والمطَّلب وأعطاهم جميعاً، ثم أعطى بني عبد شمس، ثم بني نوفل بن عبد مناف؛ وأنا بدأ ببني عبد شمس لأنه كان أخا هاشم لأمه. كذا في الكنز.

تدوين عمر الديوان للعطايا وإِعطاؤه قرابة النبي صلى الله عليه وسلم أولا وعند ابن سعد والطبري من طريقه عن جبير بن الحويرث أن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما إستشار المسلمين في تدوين الديوان، فقال له علي بن أبي طالب رضي الله عنه: تقسم كل سنة ما اجتمع إِليك من مال ولا تمسك منه شيئاً. وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه: أرى مالاً كثيراً يسع الناس وإن لم يحصوا حتى يعرف من أخذ ممن لم يأخذ خشية أن ينتشر الأمر. فقال له الوليد بن هشام بن المغيرة: يا أمير المؤمنين، قد جئتُ الشام فرأيت ملوكها قد دوَّنوا ديواناً وجنَّدوا جنوداً، فدوِّن ديواناً وجنِّد جنوداً، فأخذ بقوله، فدعا عقيل بن أبي طالب ومَخرَمة بن نوفل، وجبير بن مطعِم رضي الله عنهم - وكانوا من نُسَّاب قريش - فقال: اكتبوا الناس على منازلهم، فكتبوا فبدؤوا ببني هاشم، ثم أتبعوهم أبا بكر وقومه، ثم عمر وقومه على الخلافة. فلما نظر فيه عمر قال: وددت - والله - أنه هكذا ولكن إبدؤوا بقرابة النبي صلى الله عليه وسلم الأقرب فالأقرب حتى تضعوا عمر حيث وضعه الله. كذا في الكنز. ما وقع بين عمر وبني عديَ في قصة قَسْم المال وعند ابن سعد أيضاً والطبري من طريقه عن أسلم قال: فجاءت بنو عديّ إلى عمر فقالوا: أنت خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال: أو خليفة أبي بكر، وأبو بكر خليفة رسول الله - قالوا: وذاك، فلو جعلت نفسك حيث جعلك هؤلاء لقوم. قال: بَخٍ بخٍ بني عدي أردتم الأكل على ظهري وأن أذهِب حسناتي لكم؟ لا والله، حتى تأتيكم الدعوة وإن أطبق عليكم الدفتر - يعني ولو أن

رجوع عمر إلى رأي أبي بكر وعلي رضي الله عنهم في القسم

تُكتبوا آخر الناس - إنَّ لي صاحبين سلكا طريقاً فإن خالفتما خولف بي، والله ما أدركنا الفضل في الدنيا ولا نرجو ما نرجو من الآخرة من ثواب الله على ما عملنا إلا بمحمد صلى الله عليه وسلم فهو شرفنا، وقومه أشرف العرب، ثم الأقرب فالأقرب؛ إنَّ العرب شَرُفت برسول الله صلى الله عليه وسلم ولعل بعضها يلقاه إلى آباء كثيرة، وما بيننا وبين أن نلقاه إلى نسبة ثم لا نفارقه إلى آدم إلا آباء يسيرة، مع ذلك - والله - لئن جاءت الأعاجم بالأعمل وجئنا بغير عمل فهم أوْلى بمحمد منا يوم القيامة، فلا ينظر رجل إلى قرابة، وليعملْ لما عند الله، فإن من قصَّر به عمله لم يسرع به نسبه. رجوع عمر إلى رأي أبي بكر وعلي رضي الله عنهم في القَسْم أخرج البزَّار عن عمر بن عبد الله مولى غَفْرة قال: قدم على أبي بكر رضي الله عنه مال من البحرين، فذكر الحديث بطوله كما تقدم، وفيه: فخرج يوم الجمعة - أي عمر رضي الله عنه - فحمد الله وأثنى عليه وقال: قد بلغني مقالة قائلكم: لو قد مات عمر - أو قد مات أمير المؤمنين - أقمنا فلاناً فبايعناه، وكانت إمرة أبي بكر فلتة. أجل، والله لقد كانت فلتة، ومن أين لنا مثل أبي بكر نمد أعناقنا إليه كما نمد أعناقنا إلى أبي بكر؟ وإن أبا بكر رأى رأياً ورأى أبو بكر أن يقسم بالسويَّة، ورأيت أنا أن أفضل فإن أعش إلى هذه السنة فسأرجع إلى رأي أبي بكر فرأيه خير من رأيي - فذكر الحديث. قال الهيثمي: وفيه أبو معشر نجيح ضعيف يعتبر بحديثه.

إعطء عمر رضي الله عنه المال إعطاء عمر العباس رضي الله عنهما بقية بيت المال أخرج ابن سعد عن الحسن قال: بقي في بيت مال عمر رضي الله عنه شيء بعد ما قسم بين الناس، فقال العباس رضي الله عنه لعمر وللناس: أرأيتم لو كان فيكم عم موسى عليه السلام أكنتم تكرمونه؟ قالوا: نعم قال: فأنا أحق به، أنا عم نبيكم صلى الله عليه وسلم فكلَّم عمر الناس فأعطوه تلك البقية التي بقيت. حديث عائشة رضي الله عنها في ذلك وأخرج أبو يَعْلى عن عائشة رضي الله عنها أن درجاً أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فنظر إليه أصحابه فيمن؟ فقال: أتأذنون أن أبعث به إلى عائشة لحبِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إِياها؟ قالوا: نعم، فأتى به عائشة ففتحته، فقيل: هذا أرسل به إليك عمر بن الخطاب، فقالت: ماذا فتح على ابن الخطاب بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهمَّ لا تبقني لعطيته قابل. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. حديث أنس رضي الله عنه في ذلك وأخرج ابن سعد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: إستعملني أبو بكر رضي الله عنه على الصَّدَقة، فقدمت وقد مات أبو بكر فقال عمر رضي الله عنه: يا أنس أجئتنا بظَهْر؟ قلت: نعم، قال: جِئْنا بالظَّهْر والمال لك.

قسم علي بن أبي طالب رضي الله عنه المال

قلت: هو أكثر من ذاك. قال: وإن كان هو لك؛ وكان المال هو أربعة آلاف، فكنت أكثر أهل المدينة مالاً. كذا في الكنز. قصة إِعطائه رجلا أصابته ضربة في سبيل الله وأخرج أبو نُعيم في الحلية عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: بينما الناس يأخذون أَعطِيتهم بين يدي عمر إذ رفع رأسه فنظر إلى رجل في وجهه ضربة، قال: فسأله فأخبره أنه أصابته في غزاة كان فيها، فقال: عُدُّوا له ألفاً، فأعطى الرجل ألف درهم، ثم حول المال ساعة، ثم قال: عدُّوا له ألفاً، فأعطى الرجل ألفاً أخرى؛ قال له أربع مرات كل ذلك يعطيه ألف درهم. فاستحيَى الرجل من كثرة ما يعطيه فخرج، قال: فسأل عنه فقيل له: إنا رأينا أنه استحيَى من كثرة ما أُعطي فخرج؛ فقال عمر: أما - والله - لو أنه مكث ما زلت أعطيه ما بقي من المال درهم، رجل ضُرب ضربة في سبيل الله خضَّرت وجهه. قَسْم علي بن أبي طالب رضي الله عنه المال أخرج أبو عبيد في الأموال عن علي رضي الله عنه أنه أعطى العطاء في سنة ثلاث مرات ثم أتاه مال من أصبهان فقال: أغدوا إلى عطاء رابع، إِني لست بخازنكم، فقسم الحبال فأخذها قوم، وردّها قوم. كذا في الكنز.

قَسْم عمر وعلي رضي الله عنه جميع ما في بيت المال قَسْم عمر المال ورده على رجل كلّمه في إِبقائه أخرج البيهقي عن يحيى بن سعيد عن أبيه قال: قال عمر بن الخطاب لعبد الله بن الأرقم رضي الله عنهما: إقسم بيت مال المسلمين في كل شهر مرة، إقسم مال المسلمين في كل جمعة مِرة، ثم قال: إقسم بيت المال في كل يوم مرة، قال: فقال رجل من القوم: يا أمير المؤمنين، لو أبقيت في بيت مال المسلمين بقية تعدّها لنائبة أو صوت - يعني خارجة - قال: فقال عمر للرجل الذي كلَّمه: جرى الشيطان على لسانك، لقَّنني لله حجتها ووقاني شرها، أعدّ لها ما أعدّ لها رسول الله صلى الله عليه وسلم طاعة الله عزّ وجلّ ورسوله صلى الله عليه وسلم حديث ابن عمر رضي الله عنهما في ذلك وعند أبي نعيم في الحلية عن ابن عمر رضي الله عنها قال: قدم على عمر مال من العراق فأقبل يقسمه، فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين لو أبقيت من هذا المال لعدو إن حصر أو نائبة إن نزلت. فقال عمر: ما لك قاتلك الله؟ نطق بها على لسانك شيطان، لقَّاني الله حجَّتها، والله لا أعصينَّ الله اليوم لغدٍ، لا، ولكن أعدُّ لهم ما أعدَّ لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قصة عمر مع عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما في ذلك وعند ابن عساكر عن سَلَمة بن سعيد قال: أُتي عمر بن الخطاب رضي الله عنه بمال، فقام إِليه عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين لو حبست من هذا المال في بيت المال لنائبة تكون أو أمر يحدث، فقال: كلمة ما عرض بها إلا شيطان، لقَّاني الله حجَّتها ووقاني فتنتها، أعصي

كتاب عمر إلى أبي موسى الأشعري في ذلك

الله العام مخافة قابل؟ أعدّ لهم تقوى الله، قال الله تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُواْ ذَوَى عَدْلٍ مّنكُمْ وَأَقِيمُواْ الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاْخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلّ شَىْء قَدْراً} (الطلاق: 2، 3) ؛ ولتكون فتنة على من يكون بعدي. كذا في منتخب الكنز. كتاب عمر إلى أبي موسى الأشعري في ذلك وأخرج ابن سعد وابن عساكر كما في الكنز عن الحسن قال: كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى رضي الله عنهما: «أما بعد: فأعلم يوماً من السنة لا يبقى في بيت المال درهم، حتى يكتسح إكتساحاً، حتى يعلم الله أني قد أدَّيت إِلى كل ذي حقَ حقَّه» . كتاب عمر إِلى حذيفة في ذلك وأخرج ابن سعد عن الحسن قال: كتب عمر إلى حذيفة رضي الله عنهما أن أعطِ الناس أعطيتهم وأرزاقهم فكتب إليه: إنَّا قد فعلنا وبقي شيء كثير. فكتب إليه عم: إنَّه فيئهم الذي أفاء الله عليهم، ليس هو لعمر ولا لآل عمر؛ إقسمه بينهم.

صنيع علي رضي الله عنه في قسم جميع المال وأخرج أبو نُعيم في الحلية عن علي بن ربيعة الوالبي (عن علي بن أبي طالب) قال: جاءه ابن النبَّاح فقال: يا أمير المؤمنين إمتلأ بيت مال المسلمين، من صفراء وبيضاء، فقال: الله أكبر فقام متوكئاً على ابن النبّاح حتى قام على بيت مال المسلمين، فقال: هذا جنيَ وخيارُه فيهْ وكلُّ جانٍ يَدُه إلى فيهْ يا ابن النبَّاح ليَّ بأشياع الكوفة، قال: فنُودي في الناس، فأعطى جميع ما في بيت مال المسلمين وهو يقول: يا صفراء، ويا بيضاء، غُرِّي غيري، ها، وها؛ حتى ما بقي منه دينار ولا درهم. ثم أمره بنَضْحه وصلَّى فيه ركعتين. وعن مُجَمَّع التَّيمي قال: كان علي رضي الله عنه يكنس بيت المال ويصلي فيه يتخذه مسجداً رجاءَ أن يشهد له يوم القيامة. وأخرجه ابن عبد البرّ في الإستيعاب عن مُجَمِّع التَّيْمي نحوه. وعن معاذ بن العلاء عن أبيه عن جده قال: سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: ما أصبت من فيئكم إلا هذه القارورة أهدها إليَّ الدِّهقان، ثم نزل إلى بيت المال ففرَّق كل ما فيه، ثم جعل يقول: أفلح من كانت له قوْصَرَّة يأكل منها كلّ يوم مرّة وعن عنترة الشيباني قال: كان علي رضي الله عنه يأخذ في الجزية والخراج من أهل كل صناعة من صناعته وعمل يده، حتى يأخذ من أهل الابر، الإِبر، والمسال، والخيوط، والحبال، ثم يقسمه بين الناس؛ وكان لا يدع في بيت

رأي عمر رضي الله عنه في حق المسلمين في المال

المال مالاً يبيت فيه حتى يقسمه؛ إلا أن يغلبه شغل فيصبح إِليه، وكان يقول: يا دنيا، لا تغريني وغُرِّي غيري، وينشد: هذا جنايَ وخيارُه فيهْ وكلُّ جانٍ يَدهُ إلى فيهْ وأخرج أبو عبيد عن عنترة قال: أتيت علياً رضي الله عنه يوماً فجاءه قنبر، فقال: يا أمير المؤمنين إنَّك رجل لا تليق شيئاً، وإنَّ لأهل بيتك في هذا المال نصيباً، وقد خبأت لك خبيئة، قال: وما هي؟ قال: إنطلق فانظر ما هي، قال: فأدخله بيتاً فيه باسنة مملوءة آنية ذهب وفضة مموَّهة بالذهب، فلما رآها علي قال: ثكلتك أمك لقد أردت أن تدخل بيتي ناراً عظيمة؟ ثم جعل يزنها ويعطي كل عريف بحصته؛ ثم قال: هذا جني وخيارُه فيهْ وكلُّ جانٍ يدهُ إلى فيهْ لا تغريني، وغرِّي غيري. كذا في منتخب الكنز وأخرج أحمد في الزهد ومسدَّد عن مجمِّع نحو ما تقدم عن أبي نعيم في الحلية كما في المنتخب.d رأي عمر رضي الله عنه في حق المسلمين في المال حديث أسلم في ذلك أخرج البيهقي عن أسلم قال: سمعت عمر رضي الله عنه يقول:

إجتمعوا لهذا المال فانظروا لمن ترونه. ثم قال لهم: إني أمرتكم أن تجتمعوا لهذا المال فتنظرا لمن ترونه، وإِني قد قرأت آيات من كتاب الله سمعت الله يقول: {مَّآ أَفَآء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَى لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الاْغْنِيَآء مِنكُمْ وَمَآ ءاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ لِلْفُقَرَآء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْواناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (الحشر: 7، 8) والله ما هو لهؤلاء وحدهم {وَالَّذِينَ تَبَوَّءوا الدَّارَ وَالإيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِى صُدُورِهِمْ حَاجَةً مّمَّآ أُوتُواْ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ} (الحشر: 9) - الآية -. والله ما هو لهؤلاء وحدهم {وَالَّذِينَ جَآءوا مِن بَعْدِهِمْ} (الحشر: 10) - الآية -، والله ما من أحد من المسلمين إلا وله حق في هذا المال أُعطي منه أو مُنع حتى راعٍ بعَدَن. حديث مالك بن الحَدَثان في ذلك وأخرج أيضاً عن مالك بن أوس بن الحَدَثان رضي الله عنه في قصة ذكرها قال: ثم تلا: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآء وَالْمَسَاكِينِ} (التوبة: 60) - إلى آر الآية -، فقال: هذه لهؤلاء، ثم تلا: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مّن شَىْء فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} (الأنفال: 41) - إلى آخر الآية -، ثم قال: هذ لهؤلاء، ثم تلا: {مَّآ أَفَآء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} - إلى آخر الآية -، ثم قرأ: {لِلْفُقَرَآء الْمُهَاجِرِينَ} - إلى آخر الآية -، ثم قال: هؤلاء المهاجرون، ثم تلا: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءوا الدَّارَ وَالإيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ} - إلى آخر الآية -، فقال: هؤلاء الأنصار، قال:

قسم طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه المال

وقال: {والذين جاؤوا من بعدم يقولون ربنا إغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان} - إلى آخر الآية -. قال: فهذه إستوعبت الناس، ولم يبق أحد من المسلمين إلا وله في هذا المال حق إلا ما تملكون من رقيقكم، فإن أعِشْ - إن شاء الله - لم يبقَ أحد من المسلمين إلا سيأتيه حقُّه حتى الراعي بسروِ حمير يأتيه حقه ولم يعرق فيه جبينه. وأخرجه أيضاً ابن جرير عن مالك بن أوس نحوه، كما في التفسير لابن كثير. قسم طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه المال قصة طلحة مع إمرأته في ذلك أخرج الطبراني بإسناد حسن عن طلحة بن يحيى عن جدته سُعدى رضي الله عنها قالت: دخلت يوماً على طلحة - تعني ابن عبيد الله رضي الله عنه - فرأيت منه ثِقَلاً، فقلت له: ما لك؟ لعله رابك منا (شيء) فنعتبك قال: لا، ولنعمَ حليلة المرء المسلم أنت ولكن إجتمع عندي مال ولا أدري كيف أصنع به قالت: وما يغمك منه أدعُ قومك فاقسمه بينهم، فقال: يا غلام عليَّ بقومي، فسألت الخازن كم قسم؟ قال: أربع مائة ألف. كذا في الترغيب، وقال الهيثمي: رجاله ثقات. وأخرجه ابن سعد وأبو نعيم بنحوه.

قسم الزبير بن العوام رضي الله عنه المال

حديث الحسن رضي الله عنه في ذلك وأخرج أبو نعيم أيضاً في الحلية عن الحسن قال: باع طلحة رضي الله عنه أرضاً له بسبع مائة ألف، فبات ذلك المال عنده ليلة، فبات أرقاً من مخافة ذلك المال حتى أصبح ففرقه. وأخرجه ابن سعد أطول منه. طلحة الفيَّاض وأخرج الحاكم أيضاً عن سُعدى إمرأة طلحة رضي الله عنهما قالت: دخل عليَّ طلحة فوجدته مغموماً فقلت: ما لي أراك كالح الوجه، أرابك من أمرنا شيء؟ قال: لا والله ما رابني من أمرك شيء، ولنعم الصاحبة أنت ولكنَّ مالاً إجتمع عندي قالت: فابعث إلى أهلك وقومك فاقسم فيهم، قالت: ففعل فسألت الخازن كم قسم فقال: أربع مائة ألف، وكانت غلَّته كل يوم ألفَ وافٍ. قال: وكان يُسمى «طلحة الفيّاض» . قسم الزبير بن العوام رضي الله عنه المال قصته مع الممالك في ذلك أخرج أبو نُعيم في الحلية عن سعيد بن (عبد) العزيز قال: كان للزبير بن العوام رضي الله عنه ألف مملوك يؤدُّون إِليه الخراج، فكان يقسمه كل ليلة، ثم يقوم إِلى منزله وليس معه منه شيء. وعن مُغيث بن سُمَيْ قال: كان للزبير ألف مملوك يؤدُّون إِليه الخراج،

ما يُدخل بيته من خراجهم درهماً. وأخرجه البيهقي عن مُغيث مثله، وأخرجه يعقوب بن سفيان نحوه، كما في الإِصابة. ما وقع بينه وبين إبنه عبد الله في دَيْنه وأخرج البخاري عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: لما وقف الزبير يوم الجمل دعاني، فقمت إلى جنبه فقال: يا بني إنه لا يُقتل اليوم إلا ظالم أو ظلوم، وإني لا أُراني إلا سأقتل اليوم مظلوماً، وإن من أكبر همي لَدَيْني، أفتُرى يبقي ديننا من مالنا شيئاً؟ فقال: يا بنيَّ بعْ مالنا فاقضِ دَيْني، وأوصى بالثلث وثُلثُه لبنيه - يعني عبد الله بن الزبير - يقول: ثلث الثلث، فإن فَضَلَ من مالنا فَضْلٌ بعد قضاء الدَّيْن فثُلُثه لولدك. قال هشام: وكان بعض ولد عبد الله قد وازى بعض بني الزبير: خُبَيْبٌ، وعبَّاد، وله يومئذٍ تسعة بنين وتسع بنات. قال عبد الله: فجعل يوصيني بدَيْنه ويقول: يا بني إن عجزت عن شيء منه فاستعن عليه مولاي. قال: والله ما دَريْت ما أراد حتى قلت: يا أبت من مولاك؟ قال: الله. قال: فوالله ما وقعتُ في كربة من دينه إلا قلت: يا مولى الزبير إقضِ عنه دَيْنه، فيقضيه. فقُتل الزبير ولم يَدَعْ ديناراً ولا درهماً إلا أرَضين منها الغابة، وإحدى عشرة داراً بالمدينة، ودارَين بالبصرة، وداراً بالكوفة، وداراً بمصر. قال: وإنما كان دَيْنه الذي عليه أنَّ الرجل كان يأتيه بالمال فيستودعه إياه، فيقول الزبير: لا، ولكنه سَلَفٌ، فإني أخشَى عليه الضَّيْعة؛ وما ولي إمارة قط ولا جبايةَ خراج ولا شيئاً إلا أن يكون في غزوة مع النبي صلى الله عليه وسلم أو مع أبي

بكر، وعمر، وعثمان رضي الله عنهم، قال عبد الله بن الزبير: فحسَبت ما عليه من الدّيْن فوجدته ألفي ألف ومائتي ألف. قال: فلقي حكيمُ بن حزم عبدَ الله بن الزبير رضي الله عنهم، فقال: يا ابن أخي كم على أخي من الدّيْن؟ فكتمه فقال: مائة ألف. فقال: مائة ألف. فقال حكيم: والله ما أُرى أموالَكم تسع لهذه فقال له عبد الله: أفرأيتَك إن كانت ألفي ألف ومائتي ألف؟ قال: ما أُراكم تطيقون هذا فإن عجزتم عن شيء منه فاستعينوا بي. قال وكان الزبير إشترى الغابة بسبعين مائة ألف، فباعها عبد الله بألف ألف وستمائة ألف؛ ثم قام فقال: من كان له على الزبير حقٌّ فليوافنا بالغابة، فأتاه عبد الله بن جعفر رضي الله عنها - وكان له على الزبير أربع مائة ألف - فقال لعبد الله: إن شئتم تركتها لكم، قال عبد الله: لا، قال: فإن شئتم جعلتموها فيما تؤخِّرون إن أخرتم، فقال عبد الله: لا، قال: فاقطعوا لي قطعة، فقال عبد الله: لك من ها هنا إلى ها هنا. قال: فباع منه فقضى دينه فأوفاه؛ وبقي منها أربعة أسهم ونصف، فقدم على معاوية وعنده عمرو بن عثمان، والمنذر بن الزبير، وابن زَمْعة - رضي الله عنهم -، فقال له معاوية: كم قوَّمتَ الغابة؟ قال: كل سهم مائة ألف، قال: كم بقي؟ قال: أربعة أسهم ونصف، فقال المنذر بن الزبير: قد أخذتُ سهماً بمائة ألف، وقال عمرو بن عثمان: قد أخذتُ سهماً بمائة ألف، وقال ابن زَمْعة: قد أخذتُ سهماً بمائة ألف؛ فقال معاوية: كم بقي؟ فقال: سهم ونصف. قال: أخذته بخمسين ومائة ألف. قال: وباع عبد الله بن جعفر نصيبه من معاوية بست مائة ألف. قال: فلما فرغ ابن لزبير من قضاء دَيْنه قال بنو الزبير: إقسم بيننا ميراثنا، قال: لا والله لا أقسم بينكم حتى أناديَ بالموسم أربع سنين: ألا من كان له على الزبير دَيْن فليأتنا فلنقضِه. قال: فعل كل سنة ينادي بالموسم، فلما مضى أربع سنين قسم بينهم. قال: وكان للزبير أربع نِسْوة ورفع الثلث، فأصاب كل إمرأة ألفُ ألفٍ ومائتا ألف، فجميع ماله خمسون ألف ألف ومائتا

ألف. قال ابن كثير في البداية مجموع ما قسم بين الورثة ثمانية وثلاثون ألف ألف وأربع مائة ألف، والثُلث الموصى به تسعة عشر ألف ألف ومائتا ألف، فتلك الجملة سبعة وخمسون ألف ألف وستمائة ألف والدّين المخرَّج قبل ذلك ألفا ألف ومائتا ألف فعلى هذا يكون جميع ما تركه من الدّيْن والوصية والميراث تسعة وخمسين ألف ألف وثمان مائة ألف؛ وإنما نبهنا على هذا لأنه وقع في صحيح البخاري ما فيه نظر ينبغي أن يُنبَّه له. قسم عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه المال قصته مع بني زهرة وفقراء المسلمين وأمهات المؤمنين أخرج الحاكم عن أم بكر بنت المِسْور أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه بع أرضاً له بأربعين ألفَ دينار، فقسمها في بين زُهْرة وفقراء المسلمين والمهاجرين وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم فبعث إلى عائشة رضي الله عنها بمال من ذلك، فقالت: من بعث هذا المال؟ قلت: عبد الرحمن بن عوف، قال: وقص القصة. قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يحنو عليكنَّ من بعدي إلا الصابرون، سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة» قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإِسناد ولم يخرِّجاه، وقال الذهبي: ليس بمتصل. اهـ. وقد أخرجه أبو نُعيم في الحلية وابن سعد عن المِسْوَر بن مَخْرَمة بنحوه إلا أن في رواية أبي نُعيم: «لن يحنوَ عليكم بعدي إلا الصالحون» .

قسم أبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وحذيفة رضي الله عنهم

وأخرج الحاكم وأبو نُعيم في الحلية عن جعفر بن بُرقان قال: بلغني أن عبد الرحمن بن عوف أعتق ثلاثين ألف بيت. قسم أبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وحذيفة رضي الله عنهم المال قصتهم رضي الله عنهم في ذلك مع أمير المؤمنين عمر أخرج الطبراني في الكبير عن مالك الدار رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخذ أربعمائة دينار فجعلها في صرة، فقال للغلام: إذهب بها إلى أبي عبيدة بن الجراح ثم تَلَهَّ في البيت ساعة حتى تنظر ما يصنع؟ فذهب بها الغلام إليه فقال: يقول لك أمير المؤمنين: إجعل هذه في بعض حاجتك، فقال وصله الله ورحمه، ثم قال: تعالَي يا جارية، إذهبي بهذه السبعة إِلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان، حتى أنفدها. ورجع الغلام إلى عمر فأخبره فوجده قد أعدّ مثلها لمعاذ بن جبل رضي الله عنه، فقال: إذهب بها إلى معاذ بن جبل وتَلَهَّ في البيت حتى تنظر ما يصنع؟ فذهب بها إليه فقال: يقول لك أمير المؤمنين: إجعل هذه في بعض حاجتك، فقال: رحمه الله ووصله، تعالَي يا جارية، إذهبي إلى بيت فلان بكذا، إذهبي إلى بيت فلان بكذا، فاطَّلعت إمرأة معاذ وقالت: ونحن - والله - مساكين فأَعطِنا، فلم يبقَ في الخرقة إلا ديناران، فدحى بهما إليها؛

ورجع الغلام إلى عمر فأخبره فسر بذلك فقال إنهم إخوة بعضهم من بعض. ورواته إلى مالك الدار ثقات مشهورون، ومالك الدار لا أعرفه؛ كذا في الترغيب. وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، ومالك الدار لم أعرفه، وبقية رجاله ثقات. انتهى. قلت: ذكره الحافظ في الإِصابة وقال: مالك بن عياض مولى عمر وهو الذي يقال له مالك الدار، له إِدارك وسمع من أبي بكر الصديق رضي الله عنه، روى عن الشيخين ومعاذ، وأبي عبيدة، روى عنه إبناه عَوْن، وعبد الله، وأبو صالح السمَّان؛ وذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من التابعين في أهل المدينة وقال: كان معروفاً، وقال علي بن المديني: كان مالك الدار خازناً لعمر. انتهى؛ وقال في الإِصابة: وروينا في فوائد داود بن عمرو الضبي جَمْعِ البغوي من طريق عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع المخزومي عن مالك الدار - فذكر القصة - اهـ. وأخرجه أبو نُعيم في الحلية عن الك الدارني - فذكر مثله. وأخرج ابن سعد عن معن بن عيسى قال: عرضنا على مالك بن أنس - فذكره مختصراً. وأخرج البخاري في التاريخ الصغير (ص 29) عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لأصحابه: تمنَّوا، فقال أحدهم: أتمنى أن يكون ملء هذا البيت دراهم فأنفقها في سبيل الله. فقال: تمنَّوا، فقال آخر: أتمنى أن يكون ملء هذا البيت ذهباً فأنفقها في سبيل الله. قال: تمنَّوا، قال

آخر: أتمنى أن يكون ملء هذا البيت جوهراً - أو نحوه - فأنفقه في سبيل الله. فقال عمر: تمنَّوا، فقالوا: ما تمنينا بعد هذا، قال عمر: لكني أتمنى أن يكون ملء هذا البيت رجالاً مثل أبي عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وحذيفة بن اليمان رضي الله عنهم فأستعملهم في طاعة الله. قال: ثم بعث بمال إلى حذيفة قال: أنظر ما يصنع. قال: فلما أتاه قَسَمه، ثم بعث بمال إلى معاذ بن جيبل فقَسَمه، ثم بعث بمال - يعني إلى أبي عبيدة - قال: أنظر ما يصنع. فقال عمر: قد قلت لكم، أو كما قال. قسم عبد الله بن عمر رضي الله عنهما المال قسمة المال الكثير في مجلس وأُنفاقه ما بعث به معاوية إِليه أخرج أبو نُعيم في الحلية عن ميمون بن مِهران قال: أتت ابن عمر رضي الله تعالى عنه إثنان وعشرون ألف دينار في مجلس، فلم يَقُمْ حتى فرَّقها. وعن نافع أن معاوية رضي الله عنه بعث إلى ابن عمر مائة ألف فما حال الحول وعنده منها شيء. إنفاقه رضي الله عنه آلافاً من النقود في يوم واحد وعن أيوب بن وائل الراسبي قال: قدمت المدينة فأخبرني رجل - جار لابن عمر - أنه أتى ابن عمر أربعة آلاف من قبل معاوية، وأربعة آلاف من قبل إنسان آخر، وألفان من قبل آخر، وقطيفة، فجاءَ إلى السوق يريد علفاً لراحلته بدرهم نسيئة، فقد عرفت الذي جاءَه فأتيت سُرِّيَّته، فقلت: إني أريد أن أسألك عن شيء وأحب أن تصدقيني، قلت: أليس قد أتت أبا عبد الرحمن

أربعة آلاف من قبل معاوية، وأربعة آلاف من قبل إنسان آخر، وألفان من قبل آخر وقطيفة؟ قالت: بلى، قلت: فإني رأيته يطلب علفاً بدرهم نسيئة، قالت: ما بات حتى فرَّقها، فأخذ القطيفة فألقاها على ظهره ثم ذهب فوجهها ثم جاء؛ فقلت: يا معشر التجار، ما تصنعون بالدنيا وابن عمر أتته البارحة عشرة آلاف درهم وُضْح فأصبح اليوم يطلب لراحلته علفاً بدرهم نسيئة؟. قصة له أخرى في مثل ذلك وأخرج ابن سعد عن نفع قال: أُتي ابن عمر ببضعة وعشرين ألفاً فما قام من مجلسه حتى أعطاها وزاد عليها، قال: لم يزل يعطي حتى أنفد ما كان عنده، فجاءه بعض من كان يعطيه فاستقرض من بعض من كان أعطاه فأعطاه، قال ميمون: وكان يقول له القائل: بخيل وكذبوا - والله - ما كان ببخيل فيما ينفعه. قَسْم الأشعث بن قيس رضي الله عنه المال أخرج الطبراني عن أبي إسحاق قال: كان لي على رجل من كِنُدة دين، وكنت أختلف إليه بالأسحار، فأدركتني صلاة الفجر في مسجد الأشعث بن قيس فصلَّيت، فلما سلَّم الإِمام وضع قدام كل إِنسان حُلَّة ونعلاً وخمس مائة درهم، قلت: إني لست من أهل المسجد، فقلت: ما هذا؟ قالوا: قدم الأشعث بن قيس من مكة. قال الهيثمي: وفيه أبو إسرائيل المُلائي وقد اختلف فيه وبقية رجاله رجال الصحيح. انتهى.

قَسْم عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما المال أخرج ابن سعد عن أم دُرَّة قالت: أُتيت عائشة بمائة ألف ففرقتها وهي يومئذٍ صائمة. فقلت لها: أما استطعت فيما أنفقت أن تشتري بدرهم لحماً تُفطرين عليه؟ فقالت: لو كنت أذكرتني لفعلت. كذا في الإِصابة. قَسْم أمِّ المؤمنين سَوْدة بنت زمعة رضي الله عنها المال أخرج ابن سعد بسند صحيح عن محمد بن سيرين أن عمر بعث إلى سودة رضي الله عنهما بغِرارة من دراهم، فقالت: ما هذه قالوا: دراهم، قالت: في غرارة مثل التمر؟ ففرَّقتها. كذا في الإِصابة. قَسْم أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها المال قصتها مع أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أخرج ابن سعد عن برة بنت رافع قالت: لما خرج العطاء أرسل عمر رضي الله عنه إلى زينب بنت جحش رضي الله عنها بالذي لها، فلما أُدخل عليها قالت: غفر الله لعمر، غيري من أخواتي كان أقوى على قسم هذا مني، قالوا: هذا كله لك، قالت: سبحان الله واستترت منه بثوب، وقالت:

ضعوه واطرحوا عليه ثوباً. ثم قالت لي: أدخلي يديك فاقبضي منه قبضة فاذهبي بها إلى بني فلان وبني فلان - من أهل رحمها وأيتامها - حتى بقيت منه بقية تحت الثوب، فقالت لها برَّة: غفر الله لك يا أم المؤمنين، والله لقد كان لنا في هذا حق، قالت: فلكم ما تحت الثوب، قالت: فوجدنا ما تحته خمسة وثمانين درهاً، ثم رفعت يدها إلى السماءِ فقالت: اللهمَّ لا يدركني عطاء عمر بعد عامي هذا؛ فماتت. قصة أخرى لها نحو ذلك وعند ابن سعد أيضاً عن محمد بن كعب قال: كان عطاء زينب بنت جحش رضي الله عنها إثني عشر ألفاً لم تأخذه إلا عاماً واحداً، فجعلت تقول: اللهمَّ لا يدركني هذا المال من قابل فإنَّه فتنة، ثم قسمته في أهل رَحِمها وفي أهل الحاجة، فبلغ عمر رضي الله عنه قال: هذه إمرأة يُراد بها خير، فوقف عليها وأرسل بالسلام وقال: بلغني ما فرَّقتِ. فأرسل بألف درهم تستبقيها؛ فسلكت به ذلك المسلك. كذا في الإِصابة. الفرض للمولود قصة عمر مع إمرأة في ذلك وفرضه لكل مولود في الإِسلام أخرج ابن سعد وأبو عبيد، وابن عساكر عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قدمتْ رُفقة من التجار فنزلوا المصلَّى، فقال عمر لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما: هل لك أن نحرسهم الليلة من السَرَق؟ فباتا يحرسانهم

الإحتياط عن الإنفاق على نفسه وذوي القربى من بيت المال

ويصلِّيان ما كتب الله لها، فسمع عمر بكاء صبي فتوجه نحوه، فقال لأمه: إتَّقي الله وأحسني إِلى صبيِّك، ثم عاد إِلى مكانه فسمع بكاءه فعاد إلى أمه فقال له مثل ذلك، ثم عاد إِلى مكانه فلما كان في آخر الليل سمع بكاءه فأتى أمه فقال: ويحك إني لأراك أمَّ سَوْء، ما لي أرى إبنك لا يقرُّ منذ الليلة؟ قالت: يا عبد الله قد برَّمتني هذه الليلة، إِني أريغه عن الفطام فأبى، قال: ولم؟ قالت؛ لأن عمر لا يفرض إلا للفُطُم، قال: وكم له؟ قالت: كذا وكذا شهراً، قال: ويحك لا تُعْجليه فصلَّى الفجر وما يستبين الناس قراءته نغلبة البكاء، فلمَّا سلَّم قال: يا بؤساً لعمر كما قتل من أولاد المسلمين؟ ثم أمر منادياً فنادى: ألا، لا تُعْجلوا صبيانكم عن الفطام. فإنا نفرض لكل مولود في الإِسلام، وكتب بذلك إلى الآفاق: إنا نفرض لكل مولد في الإِسلام. كذا في الكنز. الإحتياط عن الإِنفاق على نفسه وذوي القربى من بيت المال سيرة عمر في مال المسلمين وعفته فيه رضي الله عنه أخرج ابن سعد عن عمر رضي الله عنه أنه قال: إني أنزلت مال الله مني بمنزلة مال اليتيم، فإن استغنيتُ عففتُ عنه، وإن افتقرت أكلت بالمعروف. وفي رواية أُخرى عنه قال: إِني أنزلت مال الله مني بمنزلة مال اليتيم/ {وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} (النساء: 6) .

وعنده أيضاً عن عروة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لا يحلُّ لي من هذا المال إلا ما كنت آكلاً من صلب مالي، كما في منتخب الكنز. ما كان يقع بين عمر وصاحب بيت المال وأخرج ابن سعد عن عمران أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا احتاج أتى صاحب بيت المال فاستقرضه، فربما أعسرَ، فيأتيه صحب بيت المال فيتقاضاه، فيلزمه فيحتال له عمر، وربما خرج عطاؤه فقضاه. قصة عمر وعبد الرحمن بن عوف في ذلك وأخرج أيضاً عن إبراهيم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يتجر وهو خليفة، جهَّز عيراً إلى الشام، فبعث إلى عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يستقرضه أربعة آلاف درهم، فقال للرسول: قل له يأخذها من بيت المال ثم ليردها، فلما جاءه الرسول فأخبره بما قال شَقّ ذلك عليه، فلقيه عمر فقال: أنت القائل: ليأخذها من بيت المال؟ فإن متُّ قبل أن تجيء قلتم: أخذها أمير المؤمنين، دعوها له، وأُوخذ بها يوم لقيمة لا، ولكن أردت أن آخذها من رجل حريص شحيح مثلك، فإن مِتُّ أخذها من مالي. وأخرجه أيضاً أبو عبيد في الأموال وابن عساكر عن إبراهيم نحوه، كما في المنتخب.

ما وقع بين عمر وابنته حفصة في شأن مال المسلمين

قصة عمر في أخذ العسل من بيت المال وأخرج ابن عساكر عن ابن البراء بن عرور أن عمر رضي الله عنه خرج يوماً حتى أتى المنبر وقد (كان) إشتكى شكوى، فنُعت له العسل - وفي بيت المال عُكّة - فقال: إن أذنتم لي (فيها) أخذتها وإلا فإنها عليَّ حرام، فأذنوا له فيها. كذا في منتخب الكنز. ما وقع بين عمر وابنته حفصة في شأن مال المسلمين وأخرج أحمد في الزهد عن الحسن قال: جيء إلى عمر رضي الله عنه بمال، فبلغ ذلك حفصة إبنة عمر رضي الله عنهما، فجاءت فقالت: يا حقُّ أقربائك من هذا المال، قد أوصى الله عزّ وجلّ بالأقربين، فقال لها: يا بنيَّة حقُّ أقربائي في مالي، فأما هذا ففيء المسلمين، غَشَشْتِ أباك، قومي، فقامت تجرُّ ذَيلَها. كذا في منتخب الكنز. قصة عمر مع عبد الله بن الأرقم في هذا الشأن وأخرج ابن أبي شيبة، وأحمد، وابن أبي الدنيا، وابن أبي حاتم، وابن عساكر عن أسلم قال: رأيت عبد الله بن الأرقم جاء إلى عمر رضي الله عنهما فقال: يا أمير المؤمنين، عندنا حِلية من حِلية جَلُولاء آنية فضة، فانظر أن تفرغ يوماً فيها فتأمرنا بأمرك، فقال: إِذا رأيتني فارغاً فذنِّي، فجاء يوماً فقال: إني أراك اليوم فارغاً، قال: أجل، أبسُط لي نِطْعاً فأر بذلك المال فأُفيض عليه،

قصة قسم المسك والعنبر الذي جاء من البحرين

ثم جاء حتى وقف عليه فقال: اللهمَّ إنك ذكرت هذا المال فقلت: {زُيّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ} (آل عمران: 14) - حتى فرغ من الآية - وقلت: {لّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ ءاتَاكُمْ} (الحديد: 23) ، وإنَّ لا نستطيع إلا أن نفرح بما زيَّنت لنا. اللهمَّ فجعلنا ننفقه في حقَ، وأعوذ بك من شره. قال: فأُتي بابن له يُحمل يقال له عبد الرحمن بن بهية، فقال: يا أبت هَبْ لي خاتَماً، قال: إذهب إِلى أمك تسقيك سَوِيقاً، قال: فوالله ما أعطاه شيئاً. كذا في منتخب الكنز. قصة قَسْم المسك والعنبر الذي جاء من البحرين وأخرج أحمد في الزند عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقّاص قال: قدم على عمر رضي الله عنه مسك وعنبر من البحرين، فقال عمر: والله لوددتُ أنِّي وجدت إمرأة حسنة الوزن تزن لي هذا الطيب حتى أقسمه بين المسلمين، فقالت له إمرأته عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل رضي الله عنهما: أنا جيّدة الوزن فهلمَّ أزن لك؟ قال: لا، قلت: لِمَ؟ قال: إني أخشى أن تأخذيه فتجعليه هكذا - أدخل أصابعه في صدغيه وتمسحين به عنقك، فأصبت فَضْلاً على المسلمين. كذا في منتخب الكنز. قصة ابن عمر مع أبيه رضي الله عنها في بنته وأخرج ابن سعد، وابن أبي شيبة، وابن عساكر عن الحسن أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى جارية تطيش هزالاً، فقال: من هذه الجارية؟

فقال عبد الله رضي الله عنه: هذه إحدى بناتك، قال: وأيّ بناتي هذه قال: إبنتي، قال: ما بلغ بها ما أرى؟ قال: عملك، لا تنفق عليها، قال: إني - والله - ما أغرك من ولدك، فأَوسع على ولدك أيها الرجل. كذا في المنتخب. قصة عاصم بن عمر في هذا الأمر وأخرج ابن سعد، وأبو عبيد في الأموال عن عاصم بن عمر رضي الله عنهما قال: لما زوجني عمر أنفق عليَّ من مال الله شهراً، ثم أرسل إليّ عمر يرفأ فأتيته فقال: والله ما كنت أرى هذا المال يحلُّ لي من قبل أن ألِيَه إِلا بحقِّه، وما كان قط أحرم عليّ منه إِذ وليته فعاد أمانتي، وقد أنفقت عليك شهراً من مال الله ولست بزائدك ولكني معينك بثمر مالي بالغابة، فأجْدُدْه فبِعْه، ثم إئتِ رجلاً من قومك من تجّارهم فقم إلى جنبه، فإِذا اشترى فاستشركه فاستنفق وأنفق على أهلك. كذا في المنتخب. قصة إمرأة عمر معه في هذا الأمر وأخرج الدِّينوَري في المجالسة عن مالك بن أوس بن الحَدَثان قال: قدم بريد ملك الروم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فاستقرضت إمرأة عمر بن الخطاب ديناراً، فاشترت به عطراً، وجعلته في قوارير، وبعثت به مع البريد إلى إمرأة ملك الروم. فلما أتاها فرَّغتهن وملأتهن جواهر، وقالت: إذهب إلى إمرأة عمر بن الخطاب. فلما أتاها فرغتهن على البساط، فدخل عمر بن الخطاب فقال: ما هذا؟ فأخبرته بالخبر، فأخذ عمر الجواهر فباعه، ودفع إلى

قصة أمير المؤمنين علي رضي الله عنه في هذا الأمر

إمرأته ديناراً، وجعل ما بقي من ذلك في بيت المال للمسلمين. كذا في منتخب الكنز. قصة إبل بن عمر مع والده عمر في ذلك وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، والبيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: إشتريت إِبلاً وارتجعتها إلى الحِمَى، فلمّا سمنت قدمت بها، فدخل عمر السوق فرأى إبلاً سماناً، فقال: لمن هذه الإِبل؟ فقيل: لعبد الله بن عمر، فجعل يقول: يا عبد الله بن عر، بَخٍ بخٍ، ابن أمير المؤمنين، فجئت أسعى فقلت: ما لك يا أمير المؤمنين؟ قال: ما هذه الإِبل؟ قلت: بل اشتريتها وبعثت بها إلى الحِمَى أبتغي ما يبتغي المسلمون، فقال: أرعوا إبل ابن أمير المؤمنين أسقوا إبل ابن أمير المؤمنين يا عبد الله بن عمر أُغْدُ على رأس مالك واجعل الفَضْل في بيت مال المسلمين. كذا في المنتخب. زجر عمر لصهره حين طلب من بيت المال شيئا وأخرج ابن سعد وابن جرير، وابن عساكر عن محمد بن سيرين أنَّ صِهْراً لعمر بن الخطاب رضي الله عنه قدم على عمر، فعرَّض له أن يعطيه من بيت المال، فانتهره عمر وقال: أردتَ أن ألقى الله مَلِكاً خائناً؟ فلما كان بعد ذلك أعطاه من صُلْب ماله عشرة آلاف درهم. كذا في كنز العمال. قصة أمير المؤمنين علي رضي الله عنه في هذا الأمر وأخرج أبو عبيد عن عنترة قال: دخلت على علي بن أبي طالب

بالخَوَرْنَق وعليه قطيفة وهو يُرعد من البرد، فقلت: يا أمير المؤمنين، إنَّ الله قد جعل لك ولأهل بيتك نصيباً في هذا المال وأنت تُرعد من البرد؟ فقال: إنِّي - والله - لا أرزأ من مالكم شيئاً، وهذه القطيفة هي التي خرجت من بيتي - أو قال من المدينة -، كذا في البداية. وأخرجه أيضاً أبو نُعيم في الحلية عن هارون بن عنترة عن أبيه نحوه رد المال رد النبي صلى الله عليه وسلم ما عرض عليه من المال قصته صلى الله عليه وسلم مع جبريل وملك آخر في هذا الأمر أخرج يعقوب بن سفيان عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الله أرسل إلى نبيه ملكاً من الملائكة معه جبريل عليه السلام، فقال الملك لرسوله: إن الله يخيِّرك بين أن تكون عبداً نبياً وبين أن تكون مَلِكاً نبياً، فالتفت رسول الله إلى جبريل كالمستشير له، فأشار جبريل إلى رسول الله أنْ تَواضَعْ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «بل أكون عبداً نبياً» ، قال: فما أكل بعد تلك الكلمة طعاماً متكئاً حتى لقي الله عزّ وجلّ، وهكذا رواه البخاري في التاريخ والنِّسائي. كذا في البداية.

قصة أخرى له صلى الله عليه وسلم مع جبريل في ذلك

قصة أخرى له صلى الله عليه وسلم مع جبريل في ذلك وعند الطبراني بإسناد حسن والبيهقي عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وجبريل عليه السلام على الصَّفا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا جبريل والذي بعثك بالحق ما أمسى لآل محمد سُفَّة من دقيق ولا كف من سَوِيق» ، فلم يكن كلامه بأسرع من أن سمع هَدَّة من السماء أفزعته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أمر الله القيامة أن تقوم؟» قال: لا، ولكن أمر الله إسرافيل عليه السلام، فنزل إليك حين سمع كلامك، فأتاه إسرافيل فقال: إن الله سمع ما ذكرت فبعثني إليك بمفاتيح خزائن الأرض، وأمرني أن أعرض عليك أن أُسيِّر معك جبال تِهامة زُمرُّداً وياقوتاً وذهباً وفضة فعلت، فإن شئت نبياً مَلِكاً، وإن شئت نبياً عبداً؟، فأومأ إليه جبريل أن تواضع، فقال: «بل نبياً عبداً» - ثلاثاً - كذا في الترغيب، وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط وفيه سعدان بن الوليد ولم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح. انتهى. حديث أبي أمامة رضي الله عنه في هذا الأمر وعند الترمذي - وحسنَّه - عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عرض عليَّ ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهباً، قلت: لا يا رب، ولكن أشبع يوماً وأجوع يوماً - أو قال ثلاثاً أو نحو هذا - فإذا جعتُ تضرَّعت إليك وذكرتك، وإذا شبعت شكرتك وحمدتك» . كذا في الترغيب.

حديث علي رضي الله عنه في ذلك وعند العسكري عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أتاني ملك فقال: يا محمد، إنَّ ربك يقرأ عليك السلام ويقول: إن شئتَ جعلتُ لك بطحاء مكة ذهباً» ، قال فرفع رأسه إلى السماء وقال: لا يا رب، أشبع يوماً فأحمدك، وأجوع يوماً فأسألك» ، كذا في الكنز. قصة دية قتيل مشرك في ذلك وأخرج البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً من المشركين قتل يوم الأحزاب، فبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنِ إبعثْ إِلينا بجسده، ونعطيهم إثني عشر ألفاً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا خير في جسده ولا في ثمنه» . وعند أحمد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إدفعوا إليهم جيفته؛ فإنه خبيث الجيفة، خبيث الدية» ؛ فلم يقبل منهم شيئاً. وأخرجه الترمذي أيضاً وقال: غريب. كذا في البداية. وعند ابن أبي شَيْبة عن عكرمة أنَّ نوفل - أو ابن نوفل - تردَّى به فرسه يوم الخندق فقُتل، فبعث أبو سفيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم بديته مائة من الإِبل، فأبى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «خذوه؛ فإنه خبيث الدية، خبيث الجيفة» . كذا في الكنز. قصة حلّة ذي يزن وأخرج ابن جرير عن عروة أن حكيم بن حِزَام رضي الله عنه خرج إلى

اليمن فاشترى حلّة ذي يَزَن، فقدم بها المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهداها له، فردّها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «إنّا لا نقبل هدية مشرك» ، فباعها حكيم فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتريت له، فلبسها ثم دخل فيه المسجد؛ قال (حكيم) : فما رأيت أحداً قطُّ أحسن منه فيها، لكأنه القمر ليلة البدر فما ملكت نفسي حين رأيته كذلك أن قلت: وما تنظر الحكّام بالحكم بعدما بدا واضحٌ ذو غُرَّة وحُجُولِ إِذا واضحوه المجدَ أربى عليهم بمفترغ ماء الذِّناب سجيلِ فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا في الكنز. وأخرجه الطبراني عن حكيم بن حزم بنحوه، كما في المجمع وقال: وفيه يعقوب بن محمد الزهري وضعَّفه الجمهور وقد وُثِّق. انتهى. وعند الحاكم نحكيم بن حِزَام قال: كان محمد النبي صلى الله عليه وسلم أحبَّ الناس إليّ في الجاهلية، فلما تنبأ وخرج إلى المدينة خرج حكيم بن حزام الموسم، فوجد حلّة لذي يَزَن تُباع بخمسين درهماً، فاشتراها ليهديها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم به عليه وأراده على قبضها فأبى عليه. قال عبيد الله: حسبت أنه قال: إنّا لا نقبل من المشركين شيئاً، ولكن إن شئت أخذناها بالثمن» ، فأعطيتها إياه حتى أتى المدينة، فلبسها فرأيتها عليه على المنبر فلم أرَ شيئاً قط أحسن منه فيه يومئذٍ، ثم أعطاها أسامة بن زيد رضي الله عنهما؛ فرآها حكيم على

أسامة فقال: يا أسامة أنت تلبس حلَّة ذي يزن؟ قال: نعم، لأنا خير من ذي يَزَن، ولأبي خير من أبيه، ولأمي خير من أمه قال حكيم: فانطلقت إلى مكة أعجِّبهم بقول أسامة. قال الحاكم: وهذا حديث صحيح الإِسناد ولم يخرِّجاه، وقال الذهبي: صحيح. قصة هدية فرس وناقة في ذلك وأخرج ابن عساكر عن عبد الله بن بُريدة قال: حدثني عمُّ عامر بن الطفيل العامري أن عامر بن الطفيل أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرساً، وكتب إليه عامر أنه قد ظهر فيَّ دُبَيلة فابعث إليَّ دواء من عندك، قال: فردَّ النبي صلى الله عليه وسلم الفرس لأنه لم يكن أسلم وأهدى إلي عُكَّة من عسل وقال: «تداوَ بها» . وعنده أيضاً عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: جاء ملاعب الأسِنَّة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بهدية، فعرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم الإِسلام، فأبَى أن يسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «فإني لا أقبل هدية مشرك» . كذا في كنز العمال. وأخرج أبو داود، والترمذي - وصحَّحه - وابن جرير، والبيهقي عن عياض بن حمار المجاشعي رضي الله عنه أنه أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم هدية - أو ناقة - فقال: «أسلمت؟» قال: لا، قال: «فإني نُهيت عن زبْد المشركين» . كذا في الكنز.

رد أبي بكر الصديق رضي الله عنه المال قصة ردِّه رضي الله عنه وظيفته من بيت المال أخرج البيهقي عن الحسن أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إنَّ أكيسَ الكَيْس التقوى - فذكر الحديث، وفيه: فلما أصبح غدا إِلى السوق فقال له عمر رضي الله عنه: أين تريد؟ قال: السوق، قال: قد جاءك ما يشغلك عن السوق، قال: سبحان الله، يشغلني عن عيالي قال: نفرض بالمعروف؛ قال: ويحَ عمر إِني أخاف أن لا يسعني أن آكل من هذا المال شيئاً. قال: فأنفقَ في سنتين وبعض أخرى ثمانية آلاف درهم، فلما حضره الموت قال: قد كنت قلت لعمر: إني أخاف أن لا يسعَني أن آكل من هذا المال شيئاً، فغلبني؛ فإذا أنا متُّ فخذوا من مالي ثمانية آلاف درهم وردوها في بيت المال قال: فلما أُتي بها عمر قال: رحم الله أبا بكر، لقد أتعب من بعده تعباً شديداً. ما وقع بينه وبين أم المؤمنين عائشة في هذا الأمر وأخرج ابن سعد عن أبي بكر بن حفص بن عمر قال: جاءت عائشة رضي الله عنها إلى أبي بكر رضي الله عنه وهو يعالج ما يعالج الميت ونَفَسُه في صدره، فتمثَّلَتْ هذا البيت: لعمرُك ما يغني الثراءُ عنِ الفتى إذا حَشْرجَتْ يوماً وضاق بها الصدر فنظر إليها كالغضبان ثم قال: ليس كذاك يا أم المؤمنين ولكن {وَجَاءتْ

رد عمر بن الخطاب رضي الله عنه المال

سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ} (ق: 19) ، إنِّي قد كنت نحلتك حائطاً، وإِن في نفسي نه شيئاً، فردِّيه إلى الميراث. قالت: نعم، فرددته؛ فقال: أما إنَّا منذ وُلِّينا أمر المسلمين لم نأكل لهم ديناراً ولا درهماً، ولكنَّا قد أكلنا من جريش طعامهم في بطوننا، ولبسنا من خشن ثيابهم على ظهورنا، وليس عندنا من فَيء المسلمين قليل ولا كثير إلا هذا العبد الحبشي، وهذا البعير الناضح، وجَرْد هذه القطيفة؛ فإذا متُّ فابعثي بهنَّ إِلى عمر وابرئي منهن، ففعلت. فلما جاء الرسول عمر بكى حتى جعلت دموعه تسيل في الأرض ويقول: رحم الله، أبا بكر، لقد أتعب من بعده رحم الله أبا بكر، لقد أتعب من بعده يا غلام إرفعهنَّ. فقال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: سبحان الله، تسلُب عيال أبي بكر عبداً حبشياً وبعيراً ناضحاً وجَرْدَ قطيفة ثمنَ خمسة الدراهم؟ قال: فما تأمر؟ قال: تردهنَّ على عياله، فقال: لا والذي بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق - أو كما حلف - لا يكون هذا في ولايتي أبداً، ولا خرج أبو بكر منهنَّ عند الموت وأردهن (أنا) على عياله الموت أقرب من ذلك. رد عمر بن الخطاب رضي الله عنه المال قصته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك أخرج مالك عن عطاء بن يَسَار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعطاء فردّه عمر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «لم رددته؟»

قصته مع أبي موسى الأشعري في ذلك

فقال: يا رسول الله، أليس أخبرتنا أنَّ خيراً لأحدنا أن لا يأخذ من أحد شيئاً؟، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنما ذلك عن المسألة، فأما ما كان عن غير مسألة فإنما هو رزق يرزقكه الله» ، فقال عمر: أما - والذي نفسي بيده - لا أسأل أحداً شيئاً، ولا يأتيني شيء من غير مسألة إلا أخذته. هكذا رواه مالك مرسلاً، ورواه البيهقي عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: - فذكره بنحوه؛ كذا في الترغيب. قصته مع أبي موسى الأشعري في ذلك وأخرج ابن سعد، وابن عساكر عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أهدى أبو موسى الأشعري رضي الله عنه لامرأة عمر عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نُفَيل رضي الله عنهما طنفسة - أُراها تكون ذراعاً وشبراً - فدخل عليها عمر فرآها فقال: أنّى لك هذه؟ قالت: أهداها لي أبو موسى الأشعري، فأخذها عمر فضرب بها رأسها حتى نقض رأسها، ثم قال: عليَّ بأبي موسى الأشعري وأتعِبوه، فأُتي به قد أُتعب وهو يقول: لا تعجل عليَّ يا أمير المؤمنين. قال: ما يحملك على أن تهدي لنسائي؟ ثم أخذها عمر فضرب بها فوق رأسه وقال: خذها، فلا حاجة لنا فيها. كذا في منتخب الكنز. قصة بيع سفح المقطّم وأخرج ابن عبد الحكم عن اللَّيث بن سعد قال: سأل المُقَوْقِس عمرو

بن العاص رضي الله عنه أن يبعة سفح المُقَطّم بسبعين ألفَ دينار، فعجب عمرو من ذلك وقال: أكتب في ذلك إلى أمير المؤمنين، فكتب بذلك إلى عمر رضي الله عنه، فكتب إليه عمر: سَلْه لم أعطاك به ما أعطاك وهي لا تزرع ولا تستنبط به ماء ولا ينتفع بها؟ فسأله فقال: إنا لنجد صفتها في الكتب أنَّ فيها غراس الجنة. فكتب بذلك إلى عمر: فكتب إليه عمر: إنا لا نعلم غراس الجنة إلا للمؤمنين، فاقبر فيها مَنْ قِبَلك من المسلمين ولا تبعه بشيء. كذا في كنز العمال. ردّ أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه المال قصته في ذلك مع عمر رضي الله عنهما في عام الرمادات وأخرج البيهقي عن أسلم قال: لم كان يوم عام الرمادات وأجدبت بلاد العرب، كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى عمرو بن العاص رضي الله عنه - فذكر الحديث، وقال فيه: ثم دعا أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه فخرج في ذلك، فلما رجع بعث إليه بألف دينار، فقال أبو عبيدة: إني لم أعمل لك يا ابن الخطاب إنا عملت لله ولست آخذ في ذلك شيئاً؛ فقال عمر: قد أعطانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أشياء بعثنا لها فكرهنا ذلك فأبى علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقبلها أيها الرجل، فاستعن بها على دينك ودنياك، فقبلها أبو عبيدة. وأخرجه أيضاً ابن خزيمة، والحاكم نحوه عن أسلم، كما في منتخب الكنز.

رد سعيد بن عامر رضي الله عنه المال قصته مع عمر حين أعطاه ألف دينار أخرج الشاشي، وابن عساكر عن عبد الله بن زياد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أعطى سعيد بن عامر رضي الله عنه ألف دينار، فقال: لا حاجة لي فيها؛ أعط من هو أحوج إليها مني، فقال عمر: على رِسْلك حتى أحدِّثكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إن شئت فاقبل وإن شئت فدع، إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عرض عليَّ شيئاً فقلتُ مثل الذي قلتَ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من أُعطي شيئاً من غير سؤال لا استشراف نفس فإنه رزق من الله فليقبله ولا يرده» . فقال سعيد: أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم، فقبله. كذا في الكنز. حديث الحاكم والبيهقي في ذلك وعند الحاكم عن زيد بن أسلم أنَّ عمر قال لسعيد بن عامر بن حذْيَم رضي الله عنه: ما لأوهل الشام يحبونك؟ قال: أراعيهم وأواسيهم؛ فأعطاه عشرة آلاف فردها وقال: إن لي أعبُداً وأفراساً وأنا بخير، وأنا أريد أن يكون عملي صدقة على المسلمين، فقال عمر: لا تفعل، إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاني مالاً دونها فقلت نحواً مما قلتَ، فقال لي: «إذ أعطاك الله مالاً لمَ تسأله ولم تَشْرَه نفسك إليه فخذه؛ فإنما هو رزقٌ الله أعطاك إياه» . وعند البيهقي، وابن عساكر عن أسلم كما في الكنز قال: كان رجل من أهل الشام مرضياً فقال له عمر: علامَ يحبك أهل الشام؟ قال: أغازيهم وأواسيهم، فعرض عليه عشرة آلاف،

قال: خذ واستعن بها في غزوك، قال: إني عنها غني - فذكر نحوه. رد عبد الله بن السعدي رضي الله عنه المال قصته مع عمر رضي الله عنها في ذلك أخرج أحمد والحُميدي، وابن أبي شيبة، والدارمي، ومسلم والنِّسائي عن عبد الله بن السَّعدي رضي الله عنه أنه قدم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته، فقال له عمر: ألم أحدَّث أنك تلي من أعمال الناس أعمالاً؟ فإذا أُعطيت العُمالة كرهتها، فقلت: بلى، قال عمر: فما تريد إلى ذلك؟ قلت: إن لي أفراساً وأعبُداً وأنا بخير، وأريد أن تكون عُمالتي صدقة على المسلمين؛ قال عمر: فلا تفعل، فإني قد كنت أردتُ الذي أردتَ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاء فأقول: أعطِه أفقرَ إليه مني، حتى أعطاني مرة فقلت: أعطه أفقر إليه مني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «خذه فتموَّلْه أو تصدَّقْ به، فما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه، وما لا فلا تُتْبعه نفسك» ، وعند ابن جرير عنه قال: إستعملني عمر رضي الله عنه على الصدقة فلما أديتها إليه أعطاني عُمالتي، فقلت: إِنما عملت لله وأجرتي على الله، قال: خذ ما أعطيتك، فإني عملت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني فقلت

رد حكيم بن حزام رضي الله عنه

مثل قولك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا أعطيتك شيئاً من غير أن تسألني فكل وتصدق» .g كذا في الكنز. رد حكيم بن حزام رضي الله عنه المال قصته مع النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أخرج عبد الرزاق عن سعيد بن المسيِّب قال: أعطى النبي صلى الله عليه وسلم حكيم بن حزام رضي الله عنه يوم حُنَين عطاء فاستقلَّه فزاده، فقال: يا رسول الله، أي عطيتك خير؟ قال: «الأولى» ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «يا حكيم بن حزام، إنَّ هذا المال خَضِرة حُلْوة، فمن أخذه بسخاوة نفس وحُسْن أُكْله بورك له فيه، ومن أخذه باستشراف نفس وسوء أُكْله لم يبارك له فيه وكان كالذي يأكل لا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى» ، قال: ومنك يا رسول الله؟ قال: «ومنِّي» قال: فوالذي بعثك بالحق لا أرزأ أحداً بعدك شيئاً أبداً. قال: فلم يقبل ديواناً ولا عطاءً حتى مات. قال: وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: اللهمَّ إني أشهدك على حكيم بن حِزَام أني أدعوه لحقِّه من هذا المال وهو يأبى، فقال: إني - والله - ما أرزأك ولا غيرك شيئاً. كذا في الكنز. قصته مع عمر رضي الله عنهما في ذلك وعند الشيخين عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال: يا حكيم (إن) هذا المال خَضِر حُلْو - فذكر الحديث نحوه إلى أن قال: فكان أبو بكر

رد عامر بن ربيعة رضي الله عنه القطيعة

رضي الله عنه يدعو حكيماً ليعطيَه العطاء فيأبى أن يقبل منه شيئاً، ثم إنَّ عمر رضي الله عنه دعاه ليعطيَه فأبى أن يقبله، فقال: يا معشر المسلمين، أشهدكم على حكيم أني أعرض عليه حقه الذي قسم الله له من هذا الفيء فيأبى أن يأخذه. فلم يرزأ حكيم أحداً من الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم حتى توفي. كذا في الترغيب وقال: رواه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنِّسائي باختصار - اهـ. وعند الحاكم عن عروة أن حكيم بن حزام لم يقبل من أبي بكر شيئاً حتى قُبض، ولا من عثمان ولا من معاوية حتى مات. رد عامر بن ربيعة رضي الله عنه القطيعة قصته مع رجل من العرب أخرج أبو نُعيم في الحلية عن زيد بن أسلم (عن أبيه) عن عمر بن ربيعة رضي الله عنه أنه نزل به رجل من العرب فأكرم عامر مثواه، وكلَّم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه الرجل، فقال: إني استقطعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وادياً ما في العرب وادٍ أفضل منه، وقد أردت أن أقطع لك منه قطعة تكون لك ولعقبك من بعدك. قال عامر: لا حاجة لي في قطيعتك، نزلت اليوم سورة أذهلتنا عن الدنيا {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِى غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ} (الأنبياء: 1) .

رد أبي ذر الغفاري رضي الله عنه المال قصته مع عثمان وكعب رضي الله عنهم في ذلك أخرج أبو نعيم في الحلية عن عبد الله بن الصامت بن أخي أبي ذر رضي الله عنهما قال: دخلت مع عمي على عثمان رضي الله عنه، فقال لعثمان: إئذن لي في الرَّبَذَة، فقال: نعم ونأمر لك بنَعم من نَعَم الصدقة تغدو عليك وتروح، قال: لا حاجة لي في ذلك. تكفي أبا ذر صِرْمتُه، ثم قام فقال: أعزموا دنياكم، ودعونا وربَّنا وديننا. وكانوا يقتسمون مال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، وكان عنده كعب فقال عثمان لكعب: ما تقول فيمن جمع هذ المال، فكان يتصدّق منه ويعطي في السُّبُل ويفعل ويفعل؟ قال: إني لأرجو له خيراً، فغضب أبو ذر ورفع العصا على كعب وقال: وما يدريك يا ابن اليهودية؟ لَيَوَدنَّ صاحب هذا المال يوم القيامة لو كانت عقارب تلسع السويداء من قلبه. وعن أبي شعبة قال: جاء رجل إلى أبي ذر فعرض عليه نفقة، فقال أبو ذر: عندنا أعنُزٌ نحلبها، وحُمُرٌ تنقل، ومُحَرَّرَة تخدمنا، وفَضْل عباءة عن كسوتنا، إني أخاف أن أُحاسب على الفَضْل، كذا في الحلية. قصته مع حبيب بن مسلمة رضي الله عنهما في ذلك وأخرج أبو نعيم في الحلية عن أبي بكر بن المنكدر قال: بعث

حبيب بن مسلمة وهو أمير الشام إلى أبي ذر بثلاث مائة دينار وقال: إستعن بها على حاجتك، فقال أبو ذر رضي الله عنه: إرجع بها إليها، أما وجد أحداً أغرَّ بالله منا؟ ما لنا إلا ظل نتوارى به، وثَلّة من غنم تروح علينا، ومولاة لنا تصدّقت علينا بخدمتها، ثم إني لأتخوّف الفَضْل. قصته مع الحارث القرشي وأخرج الطبراني عن محمد بن سيرين قال بلغ الحارث - رجل كان بالشام من قريش - أن أبا ذر رضي الله عنه كان به عَوَز، فبعث إليه بثلاث مائة دينار، فقال: ما وجد عبداً لله هو أهون عليه مني؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من سأل وله أربعون فقد ألحف. ولأبي ذر أربعون درهماً، وأربعون شاة، وماهِنان؛ قال أبو بكر بن عياش: يعني خادمين. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن أحمد بن عبد الله بن يونس وهو ثقة. اهـ وأخرجه أبو نعيم عن ابن سيرين نحوه. رد أبي رافع رضي الله عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم المال قصته مع النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أخرج أبو نعيم في الحلية عن أبي رافع رضي الله عنه مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم «كيف بك يا أبا رافع إذا افتقرت؟» قلت: أفلا أتقدَّم

في ذلك؟ قال: «بلى» قال: «ما مالك؟» قلت: أربعون ألفاً وهي لله عزّ وجلّ، قال: «لا، أعط بعضاً، وأمسك بعضاً وأصلح إلى ولدك» قال: قلت: أوَ لهم علينا يا رسول الله حق كما لنا عليهم؟ قال: «نعم حق الولد على الوالد أن يعلِّمه الكتاب - قال عثمان بن عبد الرحمن: كتاب الله عزّ وجلّ - والرميَ، السباحة، - زاد يزيد -: وأن يُوَرِّثه طيِّباً» ، قال: ومتى يكون فقري؟ قال: «بعدي» . قال أبو سُلَيم: فلقد رأيته إفتقر بعد حتى كان يقعد فيقول: من يتصدِّق على الشيخ الكبير الأعمى، من يتصدَّق على رجل أعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيفتقر بعده، من يتصدّق فإن يد الله هي العليا ويد المعطي الوسطى ويد السائل السفلى، ومن سأل عن ظهر غنًى كان له شية يعرف بها يوم القيامة، ولا تحلُّ الصدقة لغني ولا لذي مِرَّة سويّ. قال: فلقد رأيت رجلاً أعطاه أربعة دراهم فردَّ عليه منها درهماً، فقال: يا عبد الله لا ترد عليَّ صدقتي فقال: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاني أن أكنز فُضول المال. قال أبو سُلَيم: فلقد رأيته بعدُ استغنى حتى أتى له عاشر عشرة، وكان يقول: ليت أبا رافع مات في فقره - أو وهو فقير - قال: ولم يكن يكاتب مملوكه إلا بثمنه الذي اشتراه به. رد عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما المال قصته مع معاوية رضي الله عنهما في ذلك أخرج الحاكم عن إبراهيم بن محمد بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه عن أبيه عن جده قال: بعث معاوية

رد عبد الله بن عمر رضي الله عنهما المال

إلى عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق بمائة ألف درهم بعد أن أبي البَيْعة ليزيد بن معاوية، فردّها عبد الرحمن وأبى أن يأخذها وقال: أبيع ديني بدنياي، وخرج إلى مكة حتى مات بها. وأخرجه الزبير بن بكار عن عبد العزيز بنحوه، كما في الإِصابة. رد عبد الله بن عمر رضي الله عنهما المال قصته مع عمرو بن العاص في ذلك أخرج ابن سعد عن ميمون قال: دسّ معاوية، عمرو بن العاص رضي الله عنها وهو يريد (أن) يعلم ما في نفس ابن عمر رضي الله عنهما، يريد القتال أم لا؟ فقال: يا أبا عبد الرحمن ما يمنعك أن تخرج فنبايعك، وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن أمير المؤمنين وأنت أحق الناس بهذا الأمر؟ قال: وقد اجتمع الناس كلهم على ما تقول؟ قال: نعم إلا نُفَير يسير، قال: لو لم يبق إلا ثلاثة أعلاج بهَجَر لم يكن لي فيها حاجة، قال: فعلم أنه لا يريد القتال، قال: هل لك أن تبايع لمن قد كاد الناس أن يجتمعوا عليه ويكتب لك من الأرضين ومن الأموال ما لا تحتاج أنت ولا ولدك إلى ما بعده؟ فقال: أفَ لك أخرج من عندي ثم لا تدخل عليَّ ويحك إنَّ ديني ليس بديناركم ولا درهمكم، وإني أرجو أن أخرج من الدنيا ويدي بيضاء نقية. وأخرج أبو نعيم في الحلية عن ميمون بن مِهران أن ابن عمر رضي الله عنهما كاتب غلاماً له ونجَّمها عليه نجوماً، فلما حلَّ أول النَّجْم أتاه المكاتب

به، فسأله من أين أصبت هذا؟ قال: كنت أعمل وأسأل، قال ابن عمر: أفجئتني بأوساخ الناس تريد أن تطعمنيها؟ أنت حرٌّ لوجه الله، ولك ما جئت به. رد عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهما المال قصته رضي الله عنه مع دهقان أخرح ابن أبي الدنيا والخرائطي بسند حسن عن محمد بن سيرين أن دِهْقاناً من أهل السواد كلَّم ابن جعفر في أن يكلم علياً رضي الله عنه في حاجة، فكلمه فيها فقضاها، فبعث إليه الدهقان أربعين ألفاً، فقالوا: أرسل بها الدِّهْقان. فردّها وقال: إنا لا نبيع معروفاً. كذا في الإِصابة. رد عبد الله بن الأرقم رضي الله عنه المال قصته مع عثمان رضي الله عنها في ذلك أخرج البغوي من طريق ابن عيينة عن عمرو بن دينار قال: إستعمل عثمانُ عبدَ الله بن الأرقم رضي الله عنها على بيت المال، فأعطاه عُمالة ثلاث مائة ألف، فأبى أن يقبلها - فذكر نحوه أي نحو حديث مالك، قال: بلغني أنّ عثمان أجاز عبد الله بن الأرقم بثلاثين ألفاً فأبى أن يقبلها، وقال: إنما علمت لله. كذا في الإِصابة. رد عمرو بن النعمان بن مقرِّن رضي الله عنهم المال قصته مع مصعب بن الزبير في ذلك أخرج ابن أبي شيبة عن معاوية بن قرَّة قال: كنت نازلاً على عمرو

بن النعمان بن مقرِّن رضي الله عنهما، فلما حضر رمضان أتاه رجل بكيس دراهم، فقال: إن الأمير مُصْعَب بن الزبير يقرئك السلام ويقول: لم ندع قارئاً إلا وقد وصل إليه منا معروف فاستعن بهذا، فقال: قل له: والله ما قرأنا القرآن نريد به الدنيا، وردّه عليه. كذا في الإِصابة. رد أسماء وعائشة بنتي أبي بكر الصديق رضي الله عنهم المال قصة أسماء مع أمها قتيلة إبنة عبد العزّى أخرج أحمد، والبزَّار عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: قدمت قُتَيلة إبنة عبد العزى بن عبد سعد من بني مالك بن حِسْل على إبنتها أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها بهدايا؛ ضباب، وقرص، وسمن، وهي مشركة، فأبت أسماء أن تقبل هديتها وتدخلها بيتها، فسألت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عزّ وجلّ: {لاَّ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدّينِ} (الممتحنة: 8) - إلى آخر الآية -، فأمرها أن تقبل هديته وتدخلها بيتها. قال الهيثمي: وفيه مصعب بن ثابت وثَّقه ابن حبان وضعَّفه جماعة وبقية رجاله رجال الصحيح. انتهى.

قصة عائشة مع إمرأة مسكينة

قصة عائشة مع إمرأة مسكينة وأخرج أبو نعيم في الحلية عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلتْ عليَّ إمرأة مسكينة ومعها شيء تهديه إِليَّ، فكرهت أن أقبله منها رحمة لها؛ فقال لي نبي الله صلى الله عليه وسلم «فهلا قبلتيه وكافأتيها، فأرى أنك حقَّرتيها فتواضعي يا عائشة؛ فإنَّ الله يحب المتواضعين ويبغض المستكبرين» . الإحتراز عن السؤال قصة أبي سعيد رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أخرج ابن جرير عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: أعوزنا إعوازاً شديداً، فأمرني أهلي أن آتي النبي صلى الله عليه وسلم فأسأله شيئاً، فأقبلت فكان أول ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من استغنى أغناه الله، من استعفَّ أعفَّه الله، ومن سألنا لم ندَّخر عنه شيئاً وجدناه» فلم أسأله شيئاً ورجعت فمالت علينا الدنيا. وعنده أيضاً عن أبي سعيد أنه أصبح ذات يوم وقد عصب على بطنه حجراً من الجوع، فقالت له إمرأته - أو أمته -: إيت النبي صلى الله عليه وسلم فاسأله، فقد أتاه فلان فسأله فأعطاه، فأتيته وهو يخطب فأدركت من قوله وهو يقول: «من يستعفِفْ يعفّه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يسألنا إمّا أن نبذل له أو نواسيه - شكَّ أبو حمزة - ومن يستغنِ عنا أحبُّ إلينا ممن يسألنا» ، قال: فرجعت فما سألته شيئاً؛ فما زال الله يرزقنا حتى ما أعلم أحداً من الأنصار أهل بيت أكثر أموالاً منا. كذا في الكنز.

قصة عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك

قصة عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك وأخرج البزّار عن أبي سَلَمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه رضي الله عنه قال: كانت لي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عِدَة، فلما فتحت قريظة جئت لينجز لي ما وعدني فسمعته يقول: «من يستغن يغنه الله، ومن يقع يقنعه الله» ، فقلت في نفسي: لا جَرَم لا أسأله شيئاً. وأبو سَلَمة لم يسمع من أبيه - قاله ابن معين وغيره. كذا في الترغيب. قصة ثوبان رضي الله عنه في هذا الأمر وأخرج أحمد، والنسائي، وابن ماجه، وأبو داود بإسناد صحيح عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من تكفَّل لي أن لا يسأل الناس شيئاً أتكفل له بالجنة» فقلت: أنا، فكان لا يسأل أحداً شيئاً. وعند ابن ماجه قال: «لا تسأل الناس شيئاً» ، قال: فكان ثوبان يقع سوطه وهو راكب فلا يقول لأحد: ناوِلْنيه حتى ينزل فيأخذه. كذا في الترغيب. وقد تقدَّم في البَيْعة على أعمال الإِسلام من حديث أبي أمامة بَيْعة ثوبان على أن لا يسأل أحداً شيئاً. قال أبو أمامة: فلقد رأيته بمكة في أجمع ما يكون من الناس يسقط سوطه وهو راكب، فربما وقع على عاتق رجل فيأخذه الرجل فيناوله، فما يأخذه حتى يكون هو ينزل فيأخذه. أخرجه الطبراني وأخرجه

أحمد، والنِّسائي عن ثوبان مختصراً. قصة الصدّيق رضي الله عنه في ذلك وعند أحمد أيضاً كما في الكنز عن ابن أبي مُلَيكة قال: كان ربما سقط الخِطَم من يد أبي بكر رضي الله عنه، فيضرب بذراع ناقته فينيخها فيأخذه، فقالوا: أفلا أمرتنا نناولكه؟ قال: إن حبيبي صلى الله عليه وسلم أمرني أن لا أسأل الناس شيئاً. الخوف على بسط الدنيا خوف النبي صلى الله عليه وسلم وبارك رواية عقبة بن عامر في ذلك أخرج البخاري (ص 578) عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: صلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتلى أُحد بعد ثماني سنين كالمودِّع للأحياء والأموات، ثم طلع المنبر فقال: «إني بين أيديكم فَرَط، وأن عليكم شهيد، وإن موعدكم الحوض، وإني لأنظر إليه من مقامي هذا، وإِني لست أخشى عليكم أن تشركوا؛ ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تَنافَسوها» . قال: فكنت آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعند البخاري في الرِّقاق عن عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوماً

قوله عليه السلام لما قدم أبو عبيدة بمال من البحرين

فصلّى على أهل أُحد - فذكره، وفيه: «وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن، وإني قد أُعطيت مفاتيح خزائن الأرض - أو مفاتيح الأرض - وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي؛ ولكني أخاف عليكم أن تَنافَسوا فيها» . قوله عليه السلام لمّا قدم أبو عبيدة بمال من البحرين وأخرج الشيخان عن عمرو بن عوف الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه إلى البحرين يأتي بجزيتها، فقدم بمال من البحرين، فسمعتْ الأنصار بقدوم أبي عبيدة، فوافو صلاة الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنصرف فتعرَّضوا له، فتبسَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم، ثم قال: «أظنُّكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء من البحرين؟» قالوا: أجل، يا رسول الله. فقال: «أبشروا وأمِّلوا ما يسركم، فوالله ما الفقرَ أخشى عليك، ولكن أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بُسطت على من كان قبلكم فتنافَسوه كما تنافَسوها، فتهلكَكم كما أهلكتهم» . كذا في الترغيب. حديث أبي ذر في هذا الأمر وأخرج أحمد، والبزار عن أبي ذر رضي الله عنه قال: بينا النبي صلى الله عليه وسلم (جالس) إِذ قام أعرابي فيه جفاء فقال: يا رسول الله، أكلتنا الضَّبُع،

فقال النبي صلى الله عليه وسلم «غير ذلك أخوَف عليكم؛ حين تُصبُّ عليكم الدنيا صبّاً، فيا ليت أمتي لا تلبس الذهب» ورواه أحمد رواه الصحيح. كذا في الترغيب. حديث أبي سعيد في هذا الأمر وأخرج الشيخان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في حديث قال: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وجلسنا حوله، فقال: «إن ممّا أخاف عليكم ما يفتح الله عليكم من زَهرة الدنيا وزينتها» كذا في الترغيب. حديث سعد بن أبي وقاص في هذا الأمر وأخرج أبو يَعْلى، والبزّار عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لأنا لفتنة السرَّاء أخوف عليكم من فتنة الضرَّاء، إنكم ابتُليتم بفتنة الضرَّء فصبرتم، وإن الدنيا حلوة خَضِرة» ، وفيه راوٍ لم يُسمَّ وبقية رواته رواة الصحيح. كذا في الترغيب. حديث عوف بن مالك في هذا الأمر وأخرج الطبراني عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه فقال: «الفقر تخافون - أو العَوَز - أم تُهمكم الدنيا؟ فإنَّ الله فاتح عليكم فارس، والروم، وتُصبُّ عليكم الدنيا صَبّاً؛ حتى لا يزيغكم بعد

أن زغتم إلا هي» وفي إسناده بَقِيَّة. كذا في الترغيب. خوف عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبكاؤه على بسط الدنيا رواية المسور بن مخرمة في قصة غنائم القادسية أخرج البيهقي عن المِسْوَر بن مخرمة رضي الله عنه قال: أُتيَ عمر بن الخطاب رضي الله عنه بغنائم من غنائم القادسية، فجعل يتصفَّحها وينظر إليها وهو يبكي معه عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، فقال له عبد الرحمن: يا أمير المؤمنين، هذا يوم فرح وهذا يوم سرور، قال: فقال: أجل، ولكن لم يُؤتَ هذا قوم قطُّ إلا أورثهم العداوة والبغضاء. وأخرجه الخرائطي أيضاً عن المِسْوَر مثله، كما في الكنز. رواية إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف في ذلك وعند البيهقي أيضاً عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: لما أُتيَ عمر رضي الله عنه بكنز كسرى قال له عبد الله بن أرقم الزهري رضي الله عنه: ألا تجعلها في بيت المال؟ فقال عمر رضي الله عنه: لا نجعلها في بيت المال حتى نقسمها، وبكى عمر رضي الله عنه، فقال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: ما يبكيك يا أمير المؤمنين؟ فوالله إن هذا ليوم شكر ويوم سرور ويوم فرح، فقال عمر: إنَّ هذا لم يُعطِه الله قوماً قط إلا ألقى الله بينهم العداوة والبغضاء. وأخرجه ابن المبارك، وعبد الرزاق، وابن أبي شيبة عن إبراهيم

رواية الحسن البصري في قصة فروة كسرى وسواريه

مثله، كما في الكنز. وأخرجه أحمد في الزهد، وابن عساكر عن إبراهيم نحوه مختصراً، كما في الكنز. رواية الحسن البصري في قصة فروة كسرى وسواريه وعند البيهقي أيضاً عن الحسن أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أُتي بفروة كسرى، فوضعت بين يديه وفي القوم سُراقة بن مالك بن جُعْشُم رضي الله عنه، قال: فألقى إليه سِوارَيْ كسرى بن هرمز، فجعلها في يده فبلغا مَنكبيه، فلما رآهما في يدي سراقة قال: الحمد لله سواري كسرى بن هرمز في يدِ سُراقة بن مالك بن جُعْشُم، أعرابيَ من بني مُدْلج ثم قال: اللهمَّ إني قد علمت أن رسولك صلى الله عليه وسلم كان يحب أن صيب مالاً فينفقَه في سبيلك وعلى عبادك، وزويت ذلك عنه نظراً منك له وخياراً، ثم قال: اللهَّم إِني قد علمت أن أبا بكر رضي الله عنه كان يحب أن يصيب مالاً فينفقِ في سبيلك وعلى عبادك، فزويت ذلك عنه عنه نظراً منك له وخياراً، اللهمَّ إِني أعوذ بك أن يكون هذا مكراً منك بعمر، ثم تلا: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِى الْخَيْراتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ} (المؤمنون: 55، 56) . وأخرجه عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن عساكر عن الحسن مثله، كما في منتخب الكنز.

رواية بن عباس في بكائه على بسط الدنيا

رواية أبي سنان الدؤلي في بكائه على بسط الدنيا وأخرج أحمد بإسناد حسن، والبزار، وأبو يَعْلى عن أبي سِنان الدؤلي أنه دخل على عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعنده نفر من المهاجرين الأولين، فأرسل عمر إلى سَفَط - هو شيء كالقُفَّة أو كالحُوالق - أُتي به من قلعة العراق، فكان فيه خاتم، فأخذه بعض بنيه فأدخله في فيه فانتزعه عمر منه، ثم بكى عمر رضي الله عنه، فقال له من عنده: لم تبكي وقد فتح الله عليك وأظهرك على عدوك وأقر عينك؟ فقال عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «لا تُفتح الدنيا على أحد إلا ألقى الله عزّ وجلّ بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة، وأنا أُشفق من ذلك» . كذا في الترغيب. رواية بن عباس في بكائه على بسط الدنيا وأخرج الحُميدي وابن سعد والبزَّار، وسعيد بن منصور، والبيهقي وغيرهم عن ابن عباس رضي الله عنها قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا صلَّى صلاة جلس للناس، فمن كان له حاجة كلَّمه، وإن لم يكن لأحد حاجة قام، فصلَّى صلوات للناس لا يجلس فيهن، فقلت: يا يرفأ أبأمير

المؤمنين شَكاة؟ فقال: ما بأمير المؤمنين شكو، فجلست فجاء عثمان بن عفان رضي الله عنه فجلس، فخرج يَرْفأ فقال: قم يا ابن عفان، قم يا ابن عباس. فدخلنا على عمر فإذا بين يديه صُبَرٌ من مال على كل صُبْرة منها كتف، فقال: إِني نظرت إِلى أهل المدينة فوجدتكما من أكثر أهلها عشيرة، فخذا هذا المال فاقتسماه، فما كان من فَضْل فردّا. فأمّا عثمان فجثا، وأما أنا فجثوت لركبتي وقلت: وإن كان نقصاناً رددت علينا؟ فقال عمر: شِنْشِنَةٌ من أخشن - (قال سفيان) : يعني حجراً من جبل - أما كان هذا عند الله إذ محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه يأكلون القِد: فقلت؛ بلى، والله لقد كان هذا عند الله ومحمد حيّ، ولو عليه فُتِح لصنع فيه غير الذي تصنع؛ فغضب عمر وقال: إذن صنع ماذا؟ قلت: إذاً لأكل وأطعمنا. فنشج عمر حتى اختلفت أضلاعه، ثم قال: وددتُ أني خرجت منها كفافاً لا لي ولا عليّ. كذا في الكنز؛ وقال الهيثمي: رواه البزّار وإسناده جيد. اهـ. وأخرج أبو عبيد، وابن سعد وابن راهَوَيه، والشاشي - وحسن - عن ابن عباس رضي الله عنها قال: دعاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأتيته، فإذا بين يديه نِطَعٌ فيه الذهب منثور. قال: هلمَّ فاقسم هذا بين قومك، فالله أعلم حيث زوى هذا عن نبيه صلى الله عليه وسلم وعن أبي بكر فأُعطيته، لخير أعطيته أم

لشر؟ ثم بكى وقال: كلا والذي نفسي بيده، ما حبسه عن نبيه وعن أبي بكر إِرادة الشرِّ لهما وأعطاه عمر إرادة الخير له. كذا في الكنز. قصته مع عبد الرحمن بن عوف وبكاؤه على بسط الدنيا وأخرج أبو عُبَيد العدني عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: بعث إليَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأتيته، فلما بلغت الباب سمعت نحيبه، فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون أعتُري - والله - أمير المؤمنين، فدخلت فأخذت بمنكبه وقلت: لا بأس لا بأس يا أمير المؤمنين. قال: بل أشد البأس، فأخذ بيدي فأدخلني الباب، فإذا حقائق بعضها فوق بعض فقال: الآن هان آل الخطاب على الله، إنَّ الله لو شاء لجعل هذا إلى صاحبيَّ - يعني النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر - فسنَّا لي فيه سُنّة أقتدي بها، قلت: إجلس بنا نفكر، فجعلنا لأمهات المؤمنين أربعة آلاف أربعة آلاف، وجعلنا للمهاجرين أربعة آلاف أربعة آلاف، ولسائر الناس ألفين ألفين، حتى وزعنا ذلك المال. كذا في الكنز. خوف عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وبكاؤه على بسط الدنيا قصة بكائه وهو يأكل الطعام أخرج البخاري (ص 579) عن سعد بن إبراهيم عن أبيه أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أُتي بطعام وكان صائماً، فقال: قُتل مصعب بن عمير وهو خير مني، كُفِّن في بردة إن غُطِّي رأسه بدت رجلاه، وإن غُطي رجلاه بدا رأسه - وأراه قال: وقتل حمزة وهو خير مني، ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط - أو قال:

سؤاله لأم سلمة على بسط المال وجوابها له

أُعطينا من الدنيا ما أُعطينا، وقد خشينا أن تكون حسناتنا قد عُجِّلت لنا. ثم جعل يبكى حتى ترك الطعام. وأخرجه أبو نُعيم في الحلية نحوه. قصة أخرى له في هذا الشأن وأخرج أبو نعيم في الحلية عن نوفل بن إِياس الهُذَلي قال: كان عبد الرحمن رضي الله عنه لنا جليساً - وكان نعم الجليس -، وإنه انقلب بنا يوماً حتى دخلنا بيته، ودخل فاغتسل ثم خرج فجلس معنا، وأتينا بصحفة فيها خبز ولحم، فلما وُضعت بكى عبد الرحمن بن عوف، فقلنا له: يا أبا محمد ما يبكيك؟ قال: هلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يشبع هو وأهل بيته من خبز الشعير؛ ولا أُرانا أُخِّرنا لها لما هو خير منها. وأخرجه الترمذي والسّراج عن نوفل نحوه، كما في الإِصابة. سؤاله لأم سَلَمة على بسط المال وجوابها له وأخرج البزار عن أم سَلَمة رضي الله عنها أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه دخل عليها فقال: يا أمّه، قد خفت أن يهلكني مالي، أنا أكثر قريش مالاً؛ قالت: يا بني فأنفق؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن من أصحابي من لا يراني بعد أن أفرقه» ، فخرج عبد الرحمن بن عوف فلقي عمر رضي الله عنه فأخبره بالذي قالت أم سَلَمة، فدخل عليها عمر فقال: بالله منهم أنا؟ فقالت: لا، ولا أُبرِّىء أحداً بعدك. قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح.

خوف خبّاب بن الأرت رضي الله عنه وبكاؤه على بسط الدنيا قصة خوفه وقد عاده بعض الصحابة أخرج أبو يَعْلى، والطبراني بإسناد جيد عن يحيى بن جَعْدة قال: عاد خبّاباً رضي الله عنه ناسٌ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أبشر يا أبا عبد الله، ترد على محمد صلى الله عليه وسلم الحوض، فقال: كيف بهذا؟ وأشار إلى أعلى البيت وأسفله وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنَّما يكفي أحدكم كزاد الراكب» ، كذا في الترغيب. قصته رضي الله عنه في ذلك عند وفاته وعند أبي نُعيم في الحلية عن طارق بن شهاب قال: عاد خبّاباً نفرٌ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: أبشر يا أبا عبد الله، إخوانك تَقْدَم عليهم غداً، قال: فبكى وقال: أمَا إنَّه ليس بي جزع، ولكنكم ذكَّرتموني أقواماً وسميتم لي إِخواناً، وإن أولئك قد مَضَوا بأجورهم كلهم، وإني أخاف أن يكون ثواب ما تذكرون من تلك الأعمال ما أوتينا بعدهم. وأخرجه ابن سعد عن طارق بنحوه. وعند أبي نعيم في الحلية عن حارثة بن مُضَرِّب قال: دخلنا على خبّاب وقد اكتوى في بطنه سبع كيات، فقال: لولا أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يتمنينَّ أحدكم الموت» لتمنيتُه، فقال بعضهم: أذكر صحبة النبي صلى الله عليه وسلم والقدوم عليه، فقال: قد خشيت أن يبقى ما عندي القدوم عليه. هذه أربعون ألفاً

حديث البخاري في خوف خباب

دراهم في البيت. وأخرج من طريق آخر عن حارثة نحوه مختصراً وزاد: ولقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أملك درهماً وإنَّ في جانب بيتي لأربعين ألف درهم قال: ثم أُتي بكفنه فلما رآه بكى فقال: لكنَّ حمزةَ لم يوجد له كفن إلا بردة ملحاء، إذ جُعلت على رأسه قَلَصَت عن قدميه، وإذا جُعلت على قدميه قلصت عن رأسه، حتى مُدَّت على رأسه وجعل على قدميه الإِذخر؛ وأخرجه ابن سعد عن حارثة بنحوه. وعند أبي نعيم في الحلية عن أبي وائل شقيق بن سلمة قال: دخلنا على خباب بن الأرت في مرضه فقال: إن في هذا التابوت ثمانين ألف درهم، والله، ما شددت لها من خيط لا منعتها من سائل، ثم بكى فقلنا: ما يبكيك؟ قال: أبكى أنَّ أصحابي مَضَوا ولم تَنقصهم الدنيا شيئاً، وإِنا بقينا بعدهم حتى لم نجد لها موضعاً إلا التراب. قال أبو نُعيم: رواه أبو أسامة عن إدريس قال: ولوددتُ أنه كذا وكذا كما قال بَعْراً أو غيره. وعند أبي نعيم أيضاً من حديث قيس ثم قال: إنّه قد مضى قبلنا أقوام لم ينالوا من الدنيا شيئاً، وإنا بقينا بعدهم حتى نلنا من الدنيا ما لا يدري أحدنا في أيِّ شيء يضعه إلا في التراب، وإنَّ المسلم يُؤجر في كل شيء أنفقه إلا فيما أنفق في التراب. حديث البخاري في خوف خباب وعند البخاري عن خباب قال: هاجرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم نبتغي وجه الله،

فوجب أجرنا على الله؛ فمنا من مضى أو ذهب لم يأكل من أجره شيئاً، كان منهم مصعب بن عمير قُتل يوم أُحد لم يترك إِلا نَمرة، كنا إذا غطَّينا بها رأسه خرجت رجلاه، وإذا غُطِّي بها رجلاه خرج رأسه، فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم «غطّوا بها رأسه واجعلوا على رجله الإِذْخِر» . ومنا من ينعت له ثمرته فهو يَهدبُها. وأخرجه ابن سعد وابن أبي شيبة بمثله كما في الكنز. خوف سلمان الفارسي رضي الله عنه وبكاؤه على بسط الدنيا قصته مع رجل من بني عبس في ذلك أخرج أبو نُعيم في الحلية عن أبي البَخْتري عن رجل من بني عبس قال: صحبت سلمان رضي الله عنه فذكر ما فتح الله تعالى على المسلمين من كنوز كسرى، فقال: إنَّ الذي أعطاكموه وفتحه لكم وخوَّلكم لممسك خزائنه ومحمد صلى الله عليه وسلم حيّ، ولقد كانوا يصبحون وما عندهم دينار ولا درهم ولا مدٌّ من طعام، ثم ذاك يا أخا بني عبس. ثم مررنا ببيادر تُذرى فقال: إنَّ الذي أعطاكموه وخوَّلكم وفتحه لكم لممسك خزائنه ومحمد صلى الله عليه وسلم حيٌّ، لقد كانوا يصبحون وما عندهم دينار ولا درهم ولا مد من طعام، ثم ذاك يا أخا بني عبس. وعند الطبراني عن رجل من بني عبس قال: كنت أسير مع سلمان

عيادة سعد بن أبي وقاص لسلمان وما وقع بينهما

رضي الله عنه على شط دجلة، فقال: يا أخا بني عبس إنزل فاشرب، فشربت فقال: ما نقص شرابك من دجلة؟ قلت: ما عسى أن ينقص، قال: فإنَّ العلم كذلك يؤخذ منه ولا ينقص، ثم قال: إركب، فمررنا بأكداس من حنطة وشعير، فقال: أفترى هذا فُتح لنا وقتر على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لخير لنا وشر لهم؟ قلت: لا أدري، (قال) ولكني أدري شر لنا وخير لهم. قال: ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام متوالية حتى لحق بالله عزّ وجلّ. قال الهيثمي: وفيه راوٍ لم يُسمَّ وبقية رجاله وُثِّقوا. عيادة سعد بن أبي وقاص لسلمان وما وقع بينهما وأخرج أبو نعيم في الحلية عن أبي سفيان عن أشياخه أنَّ سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه دخل على سلمان رضي الله عنه يعوده، فبكى سلمان، فقال له سعد: ما يبكيك؟ تلقى أصحابك، وترد على رسول الله صلى الله عليه وسلم الحوض، وتُوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنك راضٍ فقال: ما أبكى جزعاً من الموت ولا حرصاً على الدنيا؛ ولكنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلينا فقال: «ليكن بُلْغة أحدكم من الدنيا كزاد الراكب» ، وهذه الأساود حولي - وإنما حوله مِطْهرة أو إِنجانة ونحوها - فقال له سعد: أعهد إلينا عهداً نأخذ به بعدك، فقال له: أذكر ربَّك عند همَّك إذا هممت، وعند حكمك إذا حكمت، وعند يدك إذا قسمت؛ وأخرجه الحاكم وصحَّحه كما في الترغيب وابن سعد عن أبي سفيان عن

سبب جزع سلمان رضي الله عنه عند الموت

أشياخه نحوه، وفي رواية الحاكم: وإنما حوله إجَّانة وجَفْنة ومِطْهَرة. وأخرجه ابن الأعرابي عن أبي سفيان عن أشياخه مختصراً، كما في الكنز. وعند ابن ماجه ورواته ثقات عن أنس قال: إشتكى سلمان رضي الله عنه فعاده سعد رضي الله عنه، فرآه يبكي فقال له سعد: ما يبكيك يا أخي؟ أليس قد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم أليس؟ قال سلمان: ما أبكي وحدة من إثنين، ما أبكي ضناً على الدنيا، ولا كراهية الآخرة؛ ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلينا عهداً ما أُراني إلا قد تعدَّيت، قال: وما عهد إليك؟ قال: عهد إلينا أنه يكفي أحدكم مثل زاد الركب، ولا أُراني إِلا قد تعدَّيت، وأما أنت يا سعد، فاتَّق الله عند حكمك إذا حكمت، وعند قسمك إذا قسمت، وعند همِّك إِذا هممت. قال ثابت: فبلغني أنه ما ترك إِلا بضعة وعشرين درهماً مع نُفَيقة كانت عنده. كذا في الترغيب. سبب جزع سلمان رضي الله عنه عند الموت وعند ابن حِبَّان في صحيحه عن عامر بن عبد الله أن سلمان الخير رضي الله عنه حين حضره الموت عرفوا منه بعض الجزعِ، فقالوا: ما يجزعك يا أبا عبد الله؟ وقد كانت لك سابقة في الخير، شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مغازي حسنة وفتوحاً عظاماً، قال: يجزعني أنَّ حبيبنا صلى الله عليه وسلم حين فارقنا عهد إِلينا قال: «ليَكْفِ المرءَ منكم كزادِ الراكب، فهذا الذي أجزعني» . فجُمع مال سلمان فكان قيمته خمسة عشر درهماً. كذا في الترغيب. وأخرجه ابن عساكر عن

خوف أبي هاشم بن عتبة بن ربيعة القرشي رضي الله

عمر مثله، كما في الكنز إِلا أنه وقع عنده: خمسة عشر ديناراً، وهكذا ذُكر في الكنز عن ابن حِبَّان. وهكذا رواه أبو نُعَيم في الحلية عن عمر بن عبد الله في هذا الحديث، ثم قال: كذا قال عامر بن عبد الله: ديناراً، واتفق الباقون على بضعة عشر درهماً، ثم أخرج عن علي بن بذيمة قال: بيع متاع سلمان فبلغ أربعة عشر درهماً. وهكذا أخرجه الطبراني عن علي، قال في الترغيب: وإسناده جيد إِلا أنَّ علياً لم يدرك سلمان. خوف أبي هاشم بن عتبة بن ربيعة القرشي رضي الله عنه قصته مع معاوية رضي الله عنهما عند الموت أخرج الترمذي، والنِّسائي عن أبي وائل قال: جاء معاوية رضي الله عنه إلى أبي هاشم بن عتبة رضي الله عنه وهو مريض يعوده، فوجده يبكي، فقال: يا خال ما يبكيك؟ أوجع يُشْئِزُك أم حرص على الدنيا؟ قال: كلا، ولكنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلينا عهداً لم نأخذ به، قال: وما ذاك؟ قال: سمعته يقول: «إنما يكفي من جمع المال خادم ومركب في سبيل الله» ، وأجدني اليوم قد جمعت. وقد رواه ابن ماجه عن أبي وائل عن سَمُرة بن سَهْم عن رجل من قومه لم يسمِّه قال: نزلت على أبي هاشم بن عتبة فجاءه معاوية - فذكر الحديث بنحوه، ورواه ابن حِبَّان في صحيحه عن سَمُرة بن سَهْم قال: نزلت

خوف أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه وبكاؤه على بسط الدنيا

على أبي هاشم بن عتبة وهو مطعون، فأتاه معاوية - فذكر الحديث. وذكره رَزِين فزاد فيه فلما مات حُصِر ما خلَّف فبلغ ثلاثين درهماً، وحُسبت فيه القصعة التي كان يعجن فيها وفيها يأكل، كذا في الترغيب. وأخرجه البغوي وابن السَّكَن عن أبي وائل عن سَمُرة بن سَهْم عن رجل من قومه، كما في الإِصابة وقال: وروى الترمذي وغيره بسند صحيح عن أبي وائل قال: جاء معاوية إلى أبي هاشم، فذكره - اهـ. وأخرج الحديث أيضاً الحاكم عن أبي وائل وابن عساكر منط ريق سمرة، كما في الكنز. خوف أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه وبكاؤه على بسط الدنيا أخرج أحمد عن أبي حَسَنة مسلمِ بن أكْيَس مولى عبد الله بن عامر عن أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه قال: ذَكَر من دخل عليه فوجده يبكي، فقال: ما يبكيك يا أبا عبيدة؟ قال: نبكي أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوماً ما يفتح الله على المسلمين ويفيء عليهم حتى ذكر الشام، فقال: «إن يُنسأ في أجلك يا أبا عبيدة فحسبك من الخدم ثلاثة: خادم يخدمك، وخادم يسافر معك، وخادم يخدم أهلك ويرد عليه. وحسبك من الدواب ثلاثة: دابة لرَحْلك، ودابة لنقلك، ودابة لغلامك» ؛ ثم هذا أنا أنظر إلى بيتي قد امتلأ رقيقاً، وانظر

زهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن الدنيا

إلى مربطي قد امتلأ رقيقاً، وانظر إلى مربطي قد امتلأ دوابَّ وخيلاً، فكيف ألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذا؟ وقد أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنَّ أحبكم إليَّ وأقربكم مني من لقيني على مثل الحال الذي فارقني عليها» . قال الهيثمي رواه أحمد وفيه راوٍ لم يُسمَّ وبقية رجاله ثقات. انتهى. وأخرجه ابن عساكر نحوه، كما في المنتخب. زهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن الدنيا والخروج عنها بدون تلبس به زهد النبي صلى الله عليه وسلم حديث عمر في تأثير الحصير في جنبه عليه السلام أخرج ابن ماجه بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حدَّثني عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على حصير. قال: فجلست فإذا عليه إزاره وليس عليه غيره، وإذا الحصير قد أثَّر في جنبه. وإذا أنا بقبضة من شعير نحو الصاع، وقَرَظ في ناحية في الغرفة، وإذا إِهاب معلَّق، فابتدرتْ عيناي، فقال: «ما يبكيك يا ابن الخطاب؟» فقال: يا نبي الله وما لي لا أبكي وهذا الحصير قد أثَّر في جنبك، وهذه خزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى، وذاك كسرى وقيصر في الثمار والأنهار وأنت نبي الله وصفوته وهذه خزانتك قال: «يا ابن الخطاب، أما ترضَى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا؟» وأخرجه الحاكم وقال: صحيح على شرط

مسلم. ولفظُه: قال عمر رضي الله عنه: إستأذنت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلت عليه في مَشْرَبة وإنه لمضطجع على خَصَفة إِنَّ بعضه لعلى التراب، وتحت رأسه وسادة محشوة ليفاً، وإنَّ فوق رأسه لإِهاباً غَطِناً، وفي ناحية المشربة قَرَظ؛ سلمت عليه فجلست فقلت: أنت نبي الله وصفوته، وكسرى وقيصر على سرر الذهب وفرش الديباج والحرير؟ فقال: «أولئك عُجِّلت لهم طيباتهم وهي وشيكة الانقطاع، وإنَّا قوم أُخِّرت لنا طيباتنا في آخرتنا» ، ورواه ابن حِبّان في صحيحه عن أنس أن عمر رضي الله عنهما دخل على النبي صلى الله عليه وسلم - فذكر نحوه، كذا في الترغيب. وأخرج حديث أنس أيضاً أحمد، وأبو يَعْلى بنحوه، قال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح غير مبارك بن فَضالة وقد وثَّقه جماعة وضعفه جماعة. انتهى. وأخرجه أحمد، وابن حِبَّان في صحيحه والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليه عمر رضي الله عنه وهو على حصير قد أثَّر في جنب، فقال: يا رسول الله، لو اتخذتَ فراشاً أوثَر من هذا، فقال: «ما لي وللدنيا؟ ما مَثَلي ومَثَل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف، فاستظل تحت شجرة ساعة ثم راح وتركها» ، كذا في الترغيب. وأخرجه

فراشه عليه السلام

الترمذي - وصحَّحه - وابن ماجه عن ابن مسعود رضي الله عنه نحوه، والطبراني وأبو الشيخ عن ابن مسعود نحو حديث عمر، كما في الترغيب، وابن حِبَّان، والطبراني عن عائشة رضي الله عنها، كما في الترغيب والمجمع. فراشه عليه السلام وأخرج البيهقي عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت عليَّ إمرأة من الأنصار فرأت فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم قطيفة مثنية، فبعثت إليَّ بفراش حشوه الصوف، فدخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ما هذا يا عائشة؟» قالت: قلت: يا رسول الله، فلانة الأنصارية دخلت فرأت فراشك، فذهبت فبعثت إليَّ بهذا، فقال: «ردِّيه يا عائشة، فوالله لو شئتُ لأجرى الله معي جبال الذهب والفضة» . وأخرجه أبو الشيخ أطول منه، كما في الترغيب. طعامه ولباسه عليه السلام وأخرج ابن ماجه، والحاكم عن أنس رضي الله عنه قال: ليس

حديث سلمى إمرأة أبي رافع في أكله عليه السلام

رسول الله صلى الله عليه وسلم الصوف، واحتذى المخصوف. وقال: أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم بَشِعاً، ولبس حِلْساً خشناً، قيل للحسن: ما البشع؟ قال: غليظ الشعير، ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسيغه إلا بجرعة من ماء. وفيه يوسف بن أبي كثير وهو مجهول عن نوح بن ذكوان وهو واهٍ، وقال الحاكم: صحيح الإِسناد، (وعنده: خشناً موضع بشعاً: كذا في الترغيب. ما وقع بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأم أيمن في صنع الرغيف وأخرج ابن ماجه، وابن أبي الدنيا في كتاب الجوع وغيرهما عن أم أيمن رضي الله عنها أنها غربلت دقيقاً، فصنعته للنبي صلى الله عليه وسلم رغيفاً، فقال: «ما هذا؟» قالت: طعام نصنعه بأرضنا فأحببت أن أصنع لك منه رغيفاً، فقال: «ردِّيه (فيه) ثم اعجنيه) . كذا في الترغيب. حديث سلمى إمرأة أبي رافع في أكله عليه السلام وأخرج الطبراني عن سَلمى إمرأة أبي رافع رضي الله عنهما قالت: دخل عليَّ الحسن بن علي وعبد الله بن جعفر وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم فقالوا: إصنعي لنا طعاماً ممَّا كان يُعجب النبي صلى الله عليه وسلم أكله، قالت يا بَنيَّ إذاً لا تشتهونه اليوم، فقمت فأخذت شعيراً فطحنته ونسفته وجعلت منه خبزة، وكان أُدْمُه الزيت، ونثرت عليه الفلفل فقربته إليه، وقلت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب هذا. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير فائد مولى ابن أبي رافع

وهو ثقة. وقال في الترغيب: رواه الطبراني وإسناده جيد. حديث ابن عمر في زهده عليه السلام وأخرج أبو الشيخ ابن حِبَّان في كتاب الثواب عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل بعض حيطان الأنصار، فجعل يلتقط من التمر ويأكل، فقال لي: «يا ابن عمر، ما لك لا تأكل؟» قلت: لا أشتهيه يا رسول الله، قال: «ولكني أشتهيه، وهذه صبح رابعة منذ لم أذق طعاماً، ولو شئت لدعوتُ ربِّي عزّ وجلّ فأعطاني مثل ملك كسرى وقيصر، فكيف بك يا ابن عمر إذا بقيت في قوم يخبِّئون رزق سنتهم ويضعف اليقين؟» فولله ما برحنا حتى نزلت: {وَكَأَيّن مّن دَآبَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (العنكبوت: 60) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنَّ الله لم يأمرني بكنز الدنيا ولا باتِّباع الشهوات، فمن كنز دنيا يريد بها حياة باقية فإن الحياة بيد الله عزّ وجلّ، ألا وإنِّي لا أكنز ديناراً ولا درهماً ولا أخْبَأُ رزقاً لغد» . كذا في الترغيب. وأخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عمر مثله، وفيه أبو العطوف الجزري وهو ضعيف؛ كما في التفسير لابن كثير. رواية أم المؤمنين عائشة في هذا الأمر وأخرج الطبراني في الأوسط عن عائشة رضي الله عنها قالت: أُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بقَدَح فيه لبن وعسل فقال: «شَربتين في شَرْبة وأُدْمَين في قدح؟

زهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه

لا حاجة لي به. أمَا إنِّي لا أزعم أنه حرام، ولكن أكره أن يسألني الله عزّ وجلّ عن فُضول الدنيا يوم القيامة، أو تواضع لله، فمن تواضع لله رفعه الله، ومن تكبَّر وضعه الله، ومن اقتصد أغناه الله، ومن أكثر ذكر الموت أحبه الله» . كذا في الترغيب. قال الهيثمي: وفيه نُعَيم بن مُوَرِّع العنبري وقد وثَّقه ابن حِبَّان وضعَّفه غير واحد، وبقية رجاله ثقات. زهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه حديث زيد بن أرقم في هذا الأمر أخرج البزَّار عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: كنَّا مع أبي بكر رضي الله عنه فاستسقى، فأُتي بماء وعسل، فلما وضعه على يده بكى وانتحب حتى ظننا أن به شيئاً ولا نسأله عن شيء، فلما فرغ قلنا: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حملك على هذا البكاء؟ قال: بينما أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ رأيته يدفع عن نفسه شيئاً ولا أرى شيئاً، فقلت: يا رسول الله ما الذي أراك تدفع ولا أرى شيئاً؟ قال «الدنيا تطوَّلت لي فقلت: إليك عني، فقالت: أمَا إنَّك لست بمدركي» ؛ قال أبو بكر: فشق عليَّ، وخشيت أن أكون قد خالفت أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولحقتني الدنيا.h قال الهيثمي: رواه البزار وفيه عبد الواحد بن زيد الزاهد وهو ضعيف عند الجمهور، وذكره ابن حبان في

حديث عائشة في أن أبا بكر لم يترك شيئا

الثقات، وقال: يعتبر حديثه إِذا كان فوقه ثقة ودونه ثقة، وبقية رجاله ثقات. انتهى. وقال في الترغيب: رواه ابن أبي الدنيا والبزَّار ورواته ثقات إلا عبد الواحد بن زيد، وقد قال ابن حِبّان: يعتبر حديثه إذا كان فوقه ثقة ودونه ثقة وهو هنا كذلك. انتهى. وأخرجه أبو نعيم في الحلية عن زيد بن أرقم أن أبا بكر إستسقى فأُتي بإناء فيه ماء وعسل، فلما أدناه من فيه بكى وأبكى من حوله، سكت وما سكتوا، ثم عاد فبكى حتى ظنوا أن لا يقدروا على مساءلته، ثم مسح وجهه وأفاق فقالوا: ما هاجك على هذا البكاء؟ فذكر نحوه وزاد: «فتنحَّت وقالت: أمَا - والله - لئن انفلتَّ مني لا ينفلت مني مَنْ بعدك» . وهكذا أخرجه الحاكم، والبيهقي، كما في الكنز. حديث عائشة في أن أبا بكر لم يترك شيئا وأخرج أحمد في الزهد عن عائشة رضي الله عنه قالت: مات أبو بكر رضي الله عنه فما ترك ديناراً ولا درهاً، وكان قد أخذ قبل ذلك ماله فألقاه في بيت المال. وعنده أيضاً فيه عن عروة أن أبا بكر لما استُخلف ألقى كل درهم له ودينار في بيت مال المسلمين وقال: كنت أتَّجر فيه وألتمس به، فلما وليتهم

شغلوني عن التجارة والطلب فيه. كذا في الكنز. ما وقع بينه وبين عمر يوم ولي الخلافة وعند ابن سعد عن عطاء بن السائب قال: لما بويع أبو بكر رضي الله عنه أصبح وعلى ساعده أبراد وهو ذاهب إلى السوق، فقال عمر رضي الله عنه: أين تريد؟ قال: السوق، قال: تصنع ماذا وقد وُلِّيت أمر المسلمين؟ قال: فمن أين أطعم عيالي؟ فقال عمر: إنطلق يفرض لك أبو عبيدة، فانطلقا إلى أبي عبيدة فقال: أفرض لك قوت رجل من المهاجرين ليس بأفضلهم ولا بأوكسهم، وكسوة الشتاء والصيف، إذا أخلقتَ شيئاً رددته وأخذت غيره ففرضا له كل يوم نصف شاة، وما كساه في الرأس والبطن. كذا في الكنز. رواية حميد بن هلال لما وقع بين أبي بكر وعمر وعنده أيضاً عن حُمَيْد بن هلال قال: لما ولي أبو بكر قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرضوا لخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يغنيه، قالوا: نعم، برداه إن أخْلَقهما وضعهما وأخذ مثلهما، وظَهْره إِذا سافر، ونفقته على أهله كما كان ينفق قبل أن يُستخلف، قال أبو بكر: رضيت. كذا في الكنز.

زهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه

زهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه رغبة بعض الصحابة بزيادة رزق عمر ورفضه ذلك وأخرج الطبري عن سالم بن عبد الله قال: لما ولي عمر رضي الله عنه قعد على رزق أبي بكر رضي الله عنه الذي كانوا فرضوا له، فكان بذلك فاشتدت حاجته، فاجتمع نفر من المهاجرين منهم: عثمان، وعلي، وطلحة، والزبير رضي الله عنهم. فقال الزبير؛ لو قلنا لعمر في زيادة نزيدها إياه في رزقه، فقال علي؛ وددنا قَبل ذلك، فانطلقوا بنا، فقال عثمان: إنّه عمر فهلُّموا فلنستبرىء ما عنده من وراء، نأتي حفصة فنسأله ونستكتمها. فدخلوا عليها وأمروها أن تخبر بالخبر عن نفر ولا تسمِّي له أحداً إلا أن يقبل، وخرجوا من عندها. فلقيت عمر في ذلك فعرفت الغضب في وجهه، وقال: من هؤلاء؟ قالت: لا سبيل إلى علمهم حتى أعلم رأيك، فقال: لو علمت من هم لسؤت وجوههم، أنت بيني وبينهم، أنشدك بالله: ما أفضل ما أقتنى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتك من الملبس؟ قالت؛ ثوبين مُمَشَّقين كان يلبسهما للوفد ويخطب فيهما للجمع. قال: فأيُّ الطعام ناله عندك أرفع؟ قالت: خبزنا خبزة شعير فصببنا عليها وهي حارة أسفل عُكَّة لنا، فجعلناها هشَّة دسمة، فأكل منها وتطعَّم منها إستطابة لها. قال: فأيُّ مبسط كان يبسطه عندك كان أوطأ؟ قالت: كساء لنا ثخين كنا نربِّعه في الصيف فنجعله تحتنا، فإذا كان الشتاء بسطنا نصفه وتدثَّرنا بنصفه. قال: يا حفصة، فأبلغيهم عني أن رسول الله قَدَّر فوضع الفُضول مواضعها وتبلغ بالتزجية، وإني قدرت فوالله وضعنَّ الفُضول مواضعها لأتبلغنَّ بالتزجية، وإنما مثلي ومثل صاحبيَّ كثلاثة سلكوا طريقاً، فمضى الأول وقد تزود زاداً فبلغ ثم اتَّبعه الآخر فسلك طريقه فأفضى إليه، ثم اتَّبعه الثالث فإن لزم

طريقهما ورضي بزادهما لحق بهما وكان معهما، وإن سلك غير طريقهما لم يجامعهما. وأخرجه أيضاً ابن عساكر عن سالم بن عبد الله فذكر نحوه، كما في منتخب الكنز. حديث الحسن البصري في ذكر زهد عمر في جامع البصرة وأخرج ابن عساكر عن الحسن البصري قال: أتيت مجلساً في جامع البصرة، فإذا أنا بنفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتذاكرون زهد أبي بكر، وعمر رضي الله عنهما وما فتح الله عليهما من الإِسلام وحسن سيرتهما، فدنَوت من القوم، فإذا فيهم الأحنف بن قيس التميمي رضي الله عنه (جالس) معهم، فسمعته يقول: أخرَجنا عمر بن الخطاب في سرية إلى العراق ففتح الله علينا العراق وبلد فارس، فأصبنا فيها من بياض فارس، وخراسان، فجعلناه معنا واكتسينا منها. فلما قدمنا على عمر أعرض عنا بوجهه وجعل لا يكلمنا، فاشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتينا إبنه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وهو جالس في المسجد، فشكونا إليه ما نزل بنا من الجفاء من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب؛ فقال عبد الله: إن أمير المؤمنين رأى عليكم لباساً لم يرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسه ولا الخليفة من بعده أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فأتينا منازلنا فنزعنا ما كان علينا وأتيناه في البِزة التي كان يعهدنا فيها، فقام يسلم علينا على رجل رجل، ويعانق منَّا رجلاً رجلاً؛ حتى كأنه لم يرنا قبل ذلك، فقدَّمنا إليه الغنائم فقسمها بيننا بالسوية، فعُرض عليه في الغنائم سلال من أنواع الخبيص من أصفر وأحمر، فذاقه عمر فوجده طيبَ الطعم طيبَ الريح، فأقبل علينا بوجهه وقال: والله يا معشر المهاجرين والأنصار ليقتلن منكم الابن أباه والأخ أخاه على هذا الطعام ثم أمر به فحُمل إلى أولاد من قُتلوا بين يديّ رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار.

ثم إنَّ عمر قام منصرفاً فمشى وراءه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثره، فقالوا: ما ترون يا معشر المهاجرين والأنصار إلى زهد هذا الرجل وإلى حِلْيته؟ لقد تقاصرت إِلينا أنفسنا مذ فتح الله على يديه ديار كسرى وقيصر، وطرفي المشرق والمغرب، ووفود العرب والعجم يأتونه فيَرون عليه هذه الجبَّة وقد رقعها إثنتي عشرة رقعة، فلو سأَلتم معاشر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ـ وأنتم الكبراء من أهل المواقف والمشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والسابقين من المهاجرين والأنصار - يغير هذه الجبة بثوب ليِّن يُهاب فيه منظره، ويُغدَى عليه بجفنة من الطعام، ويُراح عليه بجفنة يأكله ومن حضره من المهاجرين والأنصار. فقال القوم بأجمعهم: ليس لهذا القول إلا علي بن أبي طالب فإنه أجرأ الناس عليه وصهره على إبنته، أو إبنته حفصة فإنها زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مُوجب لها لموضعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلموا علياً، فقال عليٌّ: لست بفاعل ذلك، ولكن عليكم بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم فإنهن أمهات المؤمنين يجترئن عليه. قال الأحنف بن قيس: فسألوا عائشة وحفصة رضي الله عنهما وكانتا مجتمعتين. فقالت عائشة: إني سائلة أمير المؤمنين ذلك، وقالت حفصة: ما أراه يفعل وسيبِينُ لك ذلك. فدخلتا على أمير المؤمنين فقرَّبهما وأدناهما، فقالت عائشة: يا أمير المؤمنين، أتأذن أكلمك؟ قال: تكلَّمي يا أمَّ المؤمنين. قالت: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مضى لسبيله إلى جنته ورضوانه لم يُرد الدنيا ولم تُرده، وكذلك مضى أبو بكر رضي الله عنه على إثره لسبيله بعد إحياء سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقَتَل المكذبين، وأدحض حجة المبطلين بعد عدله في الرعية، وقسمه بالسوية، وإِرضاء رب البرية، فقبضه الله إلى رحمته ورضوانه وألحقه بنبيه صلى الله عليه وسلم بالرفيع الأعلى لم يرد الدنيا ولم ترده. وقد فتح الله على يديك كنز كسرى وقيصر وديارهما، وحُمل إليك أموالهما ودانت لك أطراف

المشرق والمغرب ونرجو من الله المزيد وفي الإِسلام التأييد، ورسل العجم يأتونك ووفود العرب يردون عليك وعليك هذه الجبة قد رقعتها إثنتي عشرة رقعة فلو غيَّرتها بثوب لين يُهاب فيه منظرك، ويُغدى عليك بجفنة من الطعام ويُراح عليك بجفنة تأكل أنت ومن حضرك من المهاجرين والأنصار. فبكى عمر عند ذلك بكاءً شديداً، ثم قال: سألتك بالله هل تعلمين أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم شبع من خبز برَ عشر أيام أو خمسة أو ثلاثة، أو جمع بين عشاء وغداء حتى لحق بالله؟ فقالت: لا، فأقبل على عائشة فقال: هل تعلمين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قُرِّب إليه طعام على مائدة في ارتفاع شبر من الأرض، كان يأمر بالطعام فيوضع على الأرض ويأمر بالمائدة فتُرفع؟ قالتا: اللهمَّ نعم. فقال لهما: أنتما زوجتا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمهات المؤمنين ولكما على المؤمنين حق وعليَّ خاصة؛ ولكن أتيتما ترغِّباني في الدنيا وإِنِّي لأعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبس جبة من الصوف فربما حك جلده من خشونتها، أتعلمان ذلك؟ قالتا اللهمَّ نعم، فقال: هل تعلمين أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرقد على عباءة على طاقة واحدة وكان مِسْحاً في بيتك يا عائشة، تكون بالنهار بساطاً وبالليل فراشاً، فندخل عليه فنرى أثر الحصير على جنبه؟ ألا يا حفصة أنت حدثتيني أنك ثنيت له ذا ليلة فوجد لينها فرقد فلم يستيقظ إلا بأذان بلال، فقال لك: «يا حفصة ماذا صنعت؟ أَثَنيت المهاد ليلتي حتى ذهب بي النوم إلى الصباح؟ ما لي وللدنيا وما لي شغلتموني بلين الفراش» يا حفصة أما تعلمين أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مغفوراً له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، أمسى جائعاً، ورقد ساجداً، ولم يزل راكعاً وساجداً وباكياً ومتضرعاً في آناء الليل والنهار إِلى أن قبضه الله برحمته ورضوانه لا أكل عمر طيباً، ولبس ليِّناً، فله أُسوة بصاحبيه، ولا جمع بين أُدْمين إلا الملح والزيت، ولا أكل لحماً إلا في كل

زهده رضي الله عنه في الأكل

شهر ينقضي ما انقضى من القوم. فخرجتا فخبَّرتا بذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يزل كذلك حتى لحق بالله عزّ وجلّ. كذا في منتخب كنز العمال. زهده رضي الله عنه في الأكل وأخرج عبد الرزاق، وابن عساكر عن عكرمة بن خالد أنَّ حفصة، وابن مطيع، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم كلَّموا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقالوا: لو أكلت طعاماً طيِّباً كان أقوى لك على الحق، فقال: قد علمت أنه ليس منكم إلا ناصح، ولكني تركت صاحبيَّ - يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رضي الله عنه - على جادّة فإنْ تركت جادتهما لم أدركهما في المنزل. كذا في منتخب الكنز. وأخرج ابن سعد عن أبي أمامة بن سهل بن حُنَيف رضي الله عنهما قال: مكث عمر رضي الله عنه زماناً طويلاً لا يأكل من المال شيئاً حتى دخلت عليه في ذلك خَصاصة، وأرسل إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستشارهم، فقال: قد شغلت نفسي في هذا الأمر فما يصلح لي منه. فقال عثمان بن عفان رضي الله عنه: كل وأطعم. وقال ذلك سعيد بن (زيد بن) عمرو بن نفيل رضي الله عنه، وقال: لعلي رضي الله عنه: ما تقول أنت في ذلك؟ قال: غداء وعشاء. فأخذ بذلك عمر. كذا في منتخب الكنز.

قصته مع ابنه عبد الله وابنته حفصة في ذلك

وأخرج عبد بن حُمَيد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه قال: ذُكر لنا أنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول: لو شئت كنت أطيبكم طعاماً، وألينكم لباساً، لكن أستبقي طيباتي. وذُكر لنا أنَّ عمر بن الخطاب لمَّا قدم الشام صُنع له طعام لم يَرَ قبله مثله، قال: هذا لنا، فما لفقراء المسلمين الذين ماتوا وهم لا يشبعون من خبز الشعير؟ فقال عمر بن الوليد: لهم الجنة، فاغرورقت عَينا عمر وقال: لئن كان حظُّنا من هذا الحطام وذهبوا بالجنة لقد بانوا بَوْناً عظيماً. كذا في المنتخب. قصته مع ابنه عبد الله وابنته حفصة في ذلك وأخرج ابن ماجه عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه دخل عليه عمر وهو على مائدته، فأوسع له عن صدر المجلس، فقال: بسم الله ثم ضرب بيده، فلقم لقمة ثم ثنَّى بأخرى، ثم قال: إني لأحد طعمَ دسم ما هو بدَسم اللحم، فقال عبد الله: يا أمير المؤمنين، إني خرجت إلى السوق أطلب السَّمين لأشتريه فوجدته غالياً، فاشتريت بدرهم من المهزول وجعلت عليه بدرهم سمناً، فأردت أن يتردد عيالي عظماً عظماً. ما اجتمعا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قط إلا أكل أحدهما وتصدَّق بالآخر. فقال عبد الله: خذ يا أمير المؤمنين؛ فلن يجتمعا عندي إلا فعلت ذلك. قال: ما كنت لأفعل كذا في الكنز. وأخرج ابن سعد عن أبي حازم قال: دخل عمر بن الخطاب رضي

الله عنه على حفصة ابنته رضي الله عنها فقدَّمت إليه مرقاً بارداً وخبزاً، وصبت في المرق زيتاً، فقال: أُدْمان في إناء واحد لا أذوقه حتى ألقى الله. ذكر طعامه رضي الله عنه في رواية أنس والسائب بن يزيد وأخرج ابن سعد عن أنس رضي الله عنه قال: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يومئذٍ أمير المؤمنين يُطرح له صاع من تمر فيأكلها حتى يأكل حشفها. وعن السائب بن يزيد قال: ربما تعشَّيت عند عمر بن الخطاب فيأكل الخبز واللحم، ثم يمسح يده على قدمه، ثم يقول: هذا منديل عمر وآل عمر. وعند الدينوَرَي عن ثابت قال: أكل الجارود عند عمر بن الخطاب فلما فرغ قال: يا جارية هلمِّي الدستار - يعني المنديل يمسح يده - فقال عمر: إمسح يدك بإستِك. قصصه في تذكيره الناس بآية: {أَذْهَبْتُمْ طَيّبَاتِكُمْ فِى حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} وأخرج أبو نعيم في الحلية عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: قدم على عمر رضي الله عنه ناس من أهل العراق فرأى كأنهم يأكلون تعذيزاً، فقال هذا يا أهل العراق، لو شئت أن يُدَهْمق لي كما يُدَهمق لكم؛ ولكنا نستبقي من دنيانا نجده في آخرتنا، أما سمعتم الله عزّ وجلّ قال لقوم: {أَذْهَبْتُمْ

طَيّبَاتِكُمْ فِى حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} (الأحقاف: 20) ؟. وعنده أيضاً وهنَّاد عن حبيب بن أبي ثابت عن بعض أصحابه عن عمر رضي الله عنه أنه قدم عليه ناس من أهل العراق فيهم جرير بن عبد الله رضي الله عنه فأتاهم بجفنة قد صنعت بخبز وزيت، فقال لهم: خذوا، فأخذوا أخذاً ضعيفاً، فقال لهم عمر: قد أرى ما تفعلون، فأي شيء تريدون؟ أحلواً وحامضاً وحاراً وبارداً، ثم قَذْفاً في البطون كذا في منتخب الكنز. وأخرج ابن سعد وعبد بن حُمَيد عن حُمَيد بن هلال أنَّ حفص بن أبي العاص رضي الله عنه كان يحضر طعام عمر رضي الله عنه وكان لا يأكل، فقال له عمر: ما يمنعك من طعامنا؟ قال: إن طعامك خشن غليظ، وإني راجع إلى طعام ليِّن قد صنع لي فأصيب منه. قال: أتراني أعجز أن آمر بشاة فيُلقى عنها شعرها، وآمر بدقيق فينخل في خرقة، ثم آخر به فيخبز خبزاً رُقاقاً، وآمر بصاع من زبيب فيقذف في سُعْن، ثم يُصبُّ عليه من الماء فيصبح كأنه دم غزال؟ فقال حفص: إني لأراك عالماً بطيِّب العيش. فقال عمر: أجل، والذي نفسي بيده لولا كراهية أن ينقص من حسناتي يوم القيامة لشاركتكم في (ليِّن) عيشكم. كذا في منتخب الكنز. وعند أبي نُعيم في الحلية عن سالم عبد الله أن عمر بن الخطاب

رضي الله عنه كان يقول: والله ما نعبأ بلذت العيش، أن نأمر بصغار المِعزى فتُسمط لنا. ونأمر بلباب الحنطة فيخبز لنا، ونأمر بالزبيب فينتبذ لنا في الأسعان، حيى إذا صار مثل عين اليعقوب أكلنا هذا، وشربنا هذا، ولكنا نريد أن نستبقي طيّباتنا لأنا سمعنا الله تعالى يقول: {أَذْهَبْتُمْ طَيّبَاتِكُمْ فِى حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} - الآية -. قصته مع أبي موسى الأشعري ووفد البصرة في ذلك وعند ابن المبارك، وابن سعد عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه قدم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع وفد أهل البصرة قال: فكنا ندخل عليه وله كلَّ يوم خبز يلتُّ؛ وربما وافيناه مأدوماً بسمن أحياناً وأحياناً بزيت وأحياناً بلبن، وربما وافقنا القدائد اليابسة قد دُقَّت ثم أُغلي بماء، وربما وافقنا اللحم الغريض وهو قليل؛ فقال لنا يوماً: إني - والله - لقد أرى تعذيزكم وكراهيتكم طعامي، وإني - والله - لو شئت لكنت أطيبكم طعاماً وأرقَّكم عيشاً، أما - والله - ما أجهل عن كراكر وأسنمة وعن صِلاء وعن صلائق وصِناب. - قال جرير بن حازم: الصِّلاء المشوي، والصِّناب

قصته مع عتبة بن فرقد في ذلك

الخردل، والصَّلائق الخبز الرقاق -؛ ولكني سمعت الله عيَّر قوماً بأمر فعلوه فقال: {أَذْهَبْتُمْ طَيّبَاتِكُمْ فِى حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} . فقال أبو موسى: لو كلَّمتم أمير المؤمنين ففرض لكم من بيت المال طعاماً تأكَلونه، فكلَّموه، فقال: يا معشر الأمراء أما ترضون لأنفسكم ما أرضى لنفسي؟ فقالوا: يا أمير المؤمنين إنَّ المدينة أرضُ العيشُ بها شديد، ولا نرى طعامك يُغشى ويؤكل، وإنا بأرض ذات ريف، وإِن أميرنا يُغشى وإن طعامه يؤكل: فنكَّس عمر ساعة ثم رفع رأسه فقال: قد فرضت لكم من بيت المال شاتين وجريبين، فإذا كان الغداة فضع إحدى الشاتين على أحد الجريبين، فكل أنت وأصحابك، ثم أدع بشراب فاشرب - يعني الشراب الحلال - ثم إسق الذي عن يمينك، ثم الذي يليه، ثم قم لحاجتك؛ فإذا كان بالعشيّ فضع الشاة الغابرة على الجريب الغابر، فكل أنت وأصحابك. ألا وأشبعوا الناس في بيوتهم وأطعموا عيالهم، فإن تجفيتكم للناس لا يحسِّن أخلاقهم ولا يُشبع جائعهم، فوالله مع ذلك لا أظن رستاقاً يؤخذ منه كل يوم شاتان وجريبان إلا يسرع ذلك في خرابة. كذا في المنتخب. قصته مع عتبة بن فرقد في ذلك وأخرج هَنَّاد عن عتبة بن فَرْقد قال: قدمت على عمر رضي الله عنه بسِلال خَبِيص، فقال: ما هذا؟ قلت: طعام أتيتك به لأنك تقضي في حاجات الناس أول النهار، فأحببت إذا رجعت أن ترجع إلى طعام فتصيب منه فقوّاك، فكشف عن سلّة منها، فقال: عزمت عليك يا عتبة أرزقتَ كل رجل من المسلمين سلّة؟ قال: يا أمير المؤمنين، لو أنفقت مال قيس كلها ما وسعتْ

ذلك قال: فلا حاجة لي فيه، ثم دعا بقصعة ثريداً خبزاً خشناً ولحماً غليظاً وهو يأكل معي أكلاً شهياً، فجعلت أهوي إلى البَضْعة البيضاء أحسبها سنماً فإذا هي عصبة، والبَضْعَة من اللحم أمضغها فلا أُسيغها، فإذا غفل عني جعلتها بين الخِوان والقصعة، ثم دعا بعُس من نبيذ قد كاد أن يكون خلا فقال: إشرب، فأخذته وما أكاد أسيغه، ثم أخذ فشرب؛ ثم قال: إسمع يا عتبة: إنا ننحر كل يوم جزوراً، فأما وَدَكها وأطايبها فلمن حضرنا من آفاق المسلمين، وأما عنقها فلآل عمر، يأكل هذا اللحم الغليظ، ويشرب هذا النبيذ الشديد، يقطع في بطوننا أن يؤذينا. كذا في منتخب الكنز. خوفه حين جيء بماء مخلوط بالعسل وأخرج ابن سعد عن الحسن أن عمر رضي الله عنه دخل على رجل فاستسقاه وهو عطشان فأتاه بعسل، فقال: ما هذا؟ قال: عسل، قال: والله لا يكون فيما أحاسب به يوم القيامة. وأخرجه ابن عساكر عن الحسن مثله، كما في المنتخب. وذكر رَزِين عن زيد بن أسلم قال: إستسقى عمر فجيء بماء قد شهيب بعسل، فقال: إنه لطِّيب، لكني أسمع الله عزّ وجلّ نَعَى على قوم شهواتهم فقال: {أَذْهَبْتُمْ طَيّبَاتِكُمْ فِى حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} فأخاف أن تكون حسنانتنا عُجِّلت لنا، فلم يشربه. كذا في الترغيب.

لباسه ونفقته وبعض سيرته في ذلك رضي الله عنه وأخرج الطبري عن عروة قال: لما قدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه عنه أيْلة ومعه المهاجرون والأنصار دفع قميصاً له من كرابيس قد انجاب مؤخره عن قعدته من طول السير إلى الأُسقُف، وقال: إغسل هذا وارقعه، فانطلق الأُسقُف بالقميص ورقعه وخاط له آخر مثله، فراح به إلى عمر فقال: ما هذا؟ قال الأُسقْف: أما هذا فقميصك قد غسلته ورقعته، وأما هذه فكسوة لك مني؛ فنظر إليه عمر ومسحه ثم لبس قميصه ورد عليه ذلك القميص، وقال: هذا أنشفهما للعرق. وأخرجه ابن المبارك عن عروة عن عامل لعمر رضي الله عنه بنحوه؛ كما في المنتخب. وأخرج الدينَوري وابن عساكر عن قتادة رضي الله عنه قال: كنا عمر رضي الله عنه - وهو خليفة - يلبس جبة من صوف مرقوعة بعضها بأَدَم، ويطوف بالأسواق وعلى عاتقه الدِّرَّة يؤدب الناس ويمر بالنِكث والنوى فيلقطه ويلقيه في منازل الناس لينتفعوا به. وعند أحمد في الزهد وهَنَّاد، وابن جرير، وأبي نُعيم عن الحسن قال: خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه الناس - وهو خليفة - وعليه إزار فيه إثنا عشر رقعة.Y كذا في المنتخب.

زهد عثمان بن عفان رضي الله عنه

وعند مالك عن أنس رضي الله عنه قال: رأيت عمر رضي الله عنه - وهو يومئذٍ أمير المؤمنين - وقد رقّع بين كتفيه برقاع ثلاث لبَّد بعضها على بعض. كذا في الترغيب. وأخرج ابن سعد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان عمر يقوت نفسه أهله، ويكتسي الحلَّة في الصيف، ولربما خُرق الإِزار حتى يرقعه فما يبدل مكانه حتى يأتي الإِبّان، وما من عام يكثر فيه المال إلا كسوته فيما أرى أدنى من العام الماضي؛ فكلَّمَتْه في ذلك حفصة رضي الله عنها فقال: إنما أكتسي من مال المسلمين وهذا يُبَلِّغني. كذا في المنتخب. وأخرج ابن سعد عن محمد بن إبراهيم قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستنفق كل يوم درهمين له ولعياله. كذا في المنتخب. زهد عثمان بن عفان رضي الله عنه إزاره ونومه في المسجد على الحصير وطعامه أخرج أبو نعيم في الحلية عن عبد الملك بن شداد قال: رأيت عثمان بن عفان رضي الله عنه يوم الجمعة على المنبر عليه إزار عدني غليظ ثمنه أربعة دراهم أو خمسة دراهم، ورَيْطة كوفية مُمَشَّقة.

وعن الحسن وسئل عن القائلين في المسجد فقال: رأيت عثمان بن عفان رضي الله عنه يقيل في المسجد وهو يومئذٍ خليفة، قال: ويقوم وأثر الحصى بجنبه. قال: فيقال: هذا أمير المؤمنين هذا أمير المؤمنين وأخرجه أحمد كما في صفة الصفوة مثله. وعن شرحبيل بن مسلم أن عثمان رضي الله عنه كان يطعم الناس طعم الإِمارة ويدخل بيته فيأكل الخلَّ والزيت. زهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه طعامه رضي الله عنه أخرج أبو نعيم في الحلية عن رجل من ثقيف أن علياً إستعمله على عُكَبرا قال: ولم يكن السَّواد يسكنه المصلون، وقال لي: إذا كان عند الظهر فَرُح إليَّ، فرحت إليه فلم أجد عنده حاجباً يحبسني عنه دونه، فوجدته جالساً وعنده قدح وكوز من ماء، فدعا بطينة فقلت في نفسي: لقد أمِنَني حتى يخرج إليَّ جوهراً ولا أدري ما فيها، فإذا عليها خاتم فكسر الخاتم، فإذا فيها سَوِيق فأخرج منها فصبَّ في القدح فصب عليه ماء فشرب وسقاني، فلم أصبر فقلت: يا أمير المؤمنين أتصنع هذا بالعراق وطعام العراق أكثر من ذلك؟ قال: أما والله ما أختم عليه بخلاً عليه، ولكني أبتاع قدر ما يكفيني، فأخاف أن يفنى فيصنع من غيره، وإنما حفظي لذلك، وأكره أن أدخل بطني إلا طيباً. وعن الأعمش قال: كان علي رضي الله عنه يُغدِّي ويُعشِّي، ويأكل هو من شيء يجيئه من المدينة.

بيعة سيفه لشراء الإزار

قوله رضي الله عنه لما أُتي بالفالوذج وأخرج أيضاً عن عبد الله بن شريك عن جده عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه أُتي بفالوذج فوضع قدامه بين يديه، فقال: إِنك طيب الريح، حسن اللون، طيب الطعم؛ لكن أكره أن أعوّد نفسي ما لم تعتده. وأخرجه أيضاً عبد الله بن الإمام أحمد في زوائده عن عبد الله بن شريك مثله، كما في المنتخب. إِزار رضي الله عنه وأخرج ابن المبارك عن زيد بن وهب قال: خرج علينا علي رضي الله عنه وعليه رداء وإزار قد وثَّقه بخرقة فقيل له، فقال: إنما ألبس هذين الثوبين ليكون أبعد لي من الزَّهْو، خيراً لي في صلاتي، وسنّة للمؤمن. كذا في المنتخب. وأخرج البيهقي عن رجل قال: رأيت على علي رضي الله عنه إزارا غليظاً، قال: إشتريته بخمسة دراهم، فمن أربحني فيه درهاً بعته إِياه. كذا في منتخب الكنز. بيعة سيفه لشراء الإِزار وأخرج يعقوب بن سفيان عن مُجمِّع بن سمعان التيمي قال: خرج

علي بن أبي طالب رضي الله عنه بسيفه إلى السوق فقال: من يشتري مني سيفي هذا فلو كان عندي أربعة دراهم أشتري بها إِزاراً ما بعته. كذا في البداية. وأخرج أبو القاسم البغوي عن صالح بن أبي الأسود عمَّن حدثه أنه رأى علياً رضي الله عنه قد ركب حماراً ودلَّى رجليه إلى موضع واحد ثم قال: أنا الذي أهنتُ الدنيا. كذا في البداية. حديثه فيما يحل للخليفة من مال الله وأخرج أحمد عن عبد الله بن رزين قال: دخلت على علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم الأضحى، فقرب إِلينا خزيرة، فقلنا: أصلحك الله لو أطعمتنا هذا البط - يعني الإِوز - فإن الله قد أكثر الخير، قال: يا ابن رزين، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل للخليفة من مال الله إلا قصعتان: قصعة يأكلها هو وأهله، وقصة يضعها بين يدي الناس» . كذا في البداية. زهد أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه حديث عروة في عيشه أخرج أبو نعيم في الحلية عن عروة قال: دل عمر بن الخطاب على أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهما فإذا هو مضطجع على طُنفسة رَحْله،

زهد مصعب بن عمير رضي الله عنه

متوسدُ الحقيبة، فقال له عمر: ألا اتَّخذت ما اتخذ أصحابك؟ فقال: يا أمير المؤمنين هذا يبلَّغني المَقيل. وقال مَعْمَر في حديثه: لما قدم عمر الشام تلقَّاه الناس وعظماء أهل الأرض، فقال عمر: أين أخي؟ قالوا: مَنْ؟ قال: أبو عبيدة، قالوا: الآن يأتيك. فلما أتاه نزل فاعتنقه ثم دخل عليه بيته فلم يرَ في بيته إلا سيفه وترسه ورَحْله - ثم ذكر نحوه. وأخرجه الإِمام أحمد أيضاً نحو حديث مَعْمَر، كما في صفة الصفوة، وابن المبارك في الزهد من طريق مَعْمَر نحوه، كما في الإِصابة. زهد مصعب بن عمير رضي الله عنه حديث علي في زهده رضي الله عنه وقوله عليه السلام فيه أخرج الترمذي - وحسَّنه - وأبو يعلى، وابن راهويْه عن علي رضي الله عنه قال: خرجت في غداة شاتية من بيتي جائعاً حرصاً قد أذلقني البرد، فأخذت إهاباً معطوناً كان عندنا، فجببته ثم أدخلته في عنقي ثم حزمته على صدري أستدفىء به، فوالله ما في بيتي شيء آكل منه، ولو كان في بيت النبي صلى الله عليه وسلم بلغني. فخرجت في بعض نواحي المدينة فاطَّلعت إلى يهودي في

ما أصاب مصعبا من البلاء بعد الإسلام

حائط من ثغرة جداره فقال: ما لك يا أعرابي، هل لك في كل دلو بتمرة؟ فقلت: نعم، فافتح الحائط، ففتح لي فدخلت، فجعلت أنزع دلواً ويعطيني تمرة حتى امتلأت كفي قلت: حسبي منك الآن. فأكلتهن ثم كرعت الماء، ثم جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجلست إليه في المسجد وهو في عصابه من أصحابه، فاطَّلع علينا مُصْعَب بن عمير رضي الله عنه في بردة له مرقوعة؛ فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر ما كان فيه من النعيم ورأى حاله الذي هو عليها إنذرفت عيناه فبكى، ثم قال: «كيف أنتم إذا غدا أحدكم في حلّة وراح في أخرى، وسُترت بيوتكم كما تُستر الكعبة؟» قلنا: نحن يومئذٍ خير نُكفى المؤنة ونتفرغ للعبادة؛ قال: «بل أنتم اليوم خير منكم يومئذٍ» . كذا في الكنز. وقال الهيثمي: رواه أبو يعلى، وفيه راوٍ لم يُسمَّ، وبقية رجاله ثقات. اهـ. ما أصاب مصعباً من البلاء بعد الإِسلام وعند الطبراني، والبيهقي عن عمر رضي الله عنه قال: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مصعب بن عمير رضي الله عنه مقبلاً، عليه إهاب كبش قد تنطَّق به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «أنظروا إلى هذا الذي نوَّر الله قلبه لقد رأيته بين أبوين يغذوانه بأطيب الطعام والشراب، ولقد رأيت عليه حلّة شراها - أو شُريت - بمائتي درهم، فدعاه حبُّ الله وحب رسوله إلى ما ترون» . كذا في الترغيب. وأخرجه أيضاً الحسن بن سفيان، وأبو عبد الرحمن السُّلَمي، والحاكم، كما في الكنز، وأبو نعيم في الحلية عن عمر نحوه.

زهد عثمان بن مظعون رضي الله عنه

وعند الحاكم عن الزبير رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً بقُباء ومعه نفر، فقام مصعب بن عمير رضي الله عنه عليه بردة ما تكاد تواريه، ونكَّس القوم، فجاء فسلم فردوا عليه، فقال فيه النبي صلى الله عليه وسلم خيراً وأثنى عليه، ثم قال: «لقد رأيت هذا عند أبويه بمكة يكرمانه وينعمانه، وما فتى من فتيان قريش مثله؛ ثم خرج من ذلك إبتغاءَ مرضاة الله ونصرة رسوله، أما إنه لا يأتي عليكم إلا كذا وكذا حتى يفتح (الله) عليكم فرس، والروم، فيغدوا أحدكم في حلة ويروح في حلة، ويُغدى عليكم بقصعة ويُراح عليكم بقصعة» . قالوا: يا رسول الله، نحن اليوم خير أو ذلك اليوم؟ قال: «بل أنتم اليوم خير منكم ذلك اليوم. أما لو تعلمون من الدنيا ما أعلم لاستراحت أنفسكم منها» . وقال في الإِصابة: وفي الصحيح عن خبّاب أن مصعباً لم يترك إلا ثوباً فكان إِذا غطَّوا رأسه خرجت رجلاه، وإذ غطَّوا رجليه خرج رأسه؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إجعلوا على رجليه شيئاً من الإدخر» . انتهى. زهد عثمان بن مظعون رضي الله عنه لباسه رضي الله عنه أخرج أبو نعيم في الحلية عن ابن شهاب أن عثمان بن مظعون رضي الله عنه دخل يوماً المسجد وعليه نَمِرة قد تخلَّلت فرقعها بقطعة من فروة، فرَّق رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه ورقَّ أصحابه لرقته، فقال: «كيف أنتم يوم يغدو أحدكم

في حلَّة ويَرُوح في أخرى، وتوضع بين يديه قصعة وتُرفع أخرى، وسترتم البيوت كما تستر الكعبة؟» قالوا: وددنا أن ذلك قد كان يا رسول الله، فأصبنا الرخاء والعيش؛ قال: «فإن ذلك لكائن، وأنتم اليوم خير من أولئك» . قصة وفاته رضي الله عنه وأخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على عثمان بن مظعون رضي الله عنه يوم مات فأحنى عليه كأنَّه يوصيه، ثم رفع رأسه فرأوا في عينيه أثر البكاء، ثم أحنى عليه الثانية ثم رفع رأسه فرأوه يبكي، ثم أحنى عليه الثالثة ثم رفع رأسه وله شهيق، فعرفوا أنه قد مات؛ فبكى القوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «مَهْ، إنما هذا من الشيطان، فاستغفروا الله» ثم قال: «إذهب عنك أبا السائب، فلقد خرجت ولم تتلبَّس منها بشيء» . قال الهيثمي: رواه الطبراني عن عمر بن عبد العزيز بن مقلاص عن أبيه ولم أعرفهما، وبقية رجاله ثقات. انتهى. وأخرجه أبو نعيم في الحلية، وابن عبد البرّ في الإستيعاب عن بن عباس من غير طريق عمر بن عبد العزيز عن أبيه نحوه. وأخرجه أبو نُعيم أيضاً عن عبد ربه بن سعيد المدني مختصراً، وفي حديثه: فقال: «رحمك الله يا عثمان، ما أصبت من الدنيا ولا أصابت منك» .

زهد سلمان الفارسي رضي الله عنه

زهد سلمان الفارسي رضي الله عنه قوله رضي الله عنه حينما أكره على الطعام أخرج أبو نعيم في الحلية عن عطية بن عمر قال: رأيت سلمان الفارسي رضي الله عنه أُكره على طعام يأكله؛ فقال: حسبي، حسبي فإنِّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ أكثر الناس شبعاً في الدنيا أطولهم جوعاً في الآخرة، يا سلمان إنما الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر» . وأخرجه العسكري في الأمثال نحوه، كما في الكنز. زهد سلمان وهو في الإِمارة وأخرج أبو نعيم في الحلية عن الحسن قال: كان عطاء سلمان رضي الله عنه خمسة آلاف درهم، وكان أميراً على زهاء ثلاثين ألفاً من المسلمين، وكان يخطب الناس في عباءة يفترش بعضها ويلبس بعضها، وإذا خرج عطاؤه أمضاه، ويأكل من سفيف يده. وأخرجه ابن سعد عن الحسن بنحوه. ما وقع بينه وبين حذيفة في بناء البيت وأخرج أبو نعيم في الحلية عن الأعمش قال: سمعتهم يذكرون أن حذيفة رضي الله عنه قال لسلمان رضي الله عنه: يا أبا عبد الله ألا أبني لك بيتاً؟ قال: فكره ذلك، قال: رويدك حتى أخبرك: إني أبني لك بيتاً إِذا

زهد أبي ذر الغفاري رضي الله عنه

أضجعت فيه رأسك من هذا الجانب ورجلاك من الجانب الآخر، وإذا قمت أصاب رأسك. قال سلمان: كأنك في نفسي. قصة له أخرى في هذا الأمر قصة له أخرى في هذا الأمر وعند ابن سعد معن عن مالك بن أنس أن سلمان الفارسي رضي الله عنه كان يستظل بالفيء حيث ما دار ولم يكن له بيت. فقال له رجل: ألا أبني لك (بيتاً) تستظل به من الحر وتسكن فيه من البرد؟ فقال له سلمان رضي الله عنه: نعم، فلما أدبر صاح به فسأله سلمان: كيف تبنيه؟ فقال: أبنيه إن قمت فيه أصاب رأسك، وإن اضطجعت فيه أصاب رجلك. فقال سلمان: نعم. زهد أبي ذر الغفاري رضي الله عنه زهده وهو بالربذة أخرج أحمد عن أبي أسماء أنه دخل على أبي ذر رضي الله عنه وهو بالرَّبَذة وعنده إمرأة سوداء مُشَنَّعة ليس عليها أثر المُجاسد ولا الخَلوق. فقال: ألا تنظرون إلى ما تأمرني (به) هذه السويداء؟ تأمرني أن آتي العراق، فإذا أتيت العراق مالوا عليَّ بدنياهم، وإِن خليلي صلى الله عليه وسلم عهد إليَّ أنَّ دون جسر جهنم طريقاً ذا دَحْض ومَزَلَّة، وإنا إن نأتي عليه وفي أحمالنا اقتدار واضطمار أحرى

أن ننجو من أن نأتي عليه ونحن مواقير. قال في الترغيب: رواه أحمد ورواته رواة الصحيح. اهـ وأخرجه أبو نعيم في الحلية عن أبي أسماء، وابن سعد نحوه. وأخرج أبو نعيم في الحلية عن عبد اا بن خِراش قال: رأيت أبا ذر رضي الله عنه بالرَّبَذَة في ظُلَّة له سوداء وتحته إمرأة له سحماء، وهو جالس على قطعة جُوالق، فقيل له: إنك أمرؤ ما يبقى لك ولد، فقال: الحمد لله الذي يأخذهم في دار الفناء ويدخرهم في دار البقاء. قالوا: يا أبا ذر لو اتخذت إمرأة غير هذه؟ قال: لأن أتزوج إمرأة تضعني أحبّ إليَّ من إمرأة ترفعني، فقالوا له: لو اتخذت بساطاً ألينَ من هذا؟ قال: اللهم غَفْراً خذ ممّا خُوِّلت ما بدا لك. وأخرجه الطبراني عن عبد الله بن خراش نحوه. قال الهيثمي: وفيه موسى بن عبيدة وهو ضعيف. اهـ. قوته رضي الله عنه وأخرج أبو نعيم عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قيل له: ألا تتخذ ضَيْعة كما اتخذ فلان وفلان؟ قال: وما أصنع

زهد أبي الدرداء رضي الله عنه حديثه رضي الله عنه

بأن أكون أميراً؛ وإنما يكفيني كل يوم شَرْبة ماء - أو لبن -، وفي الجمعة قَفيز من قمح وعنده أيضاً عن أبي ذر قال: كان قوتي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعاً فلا أزيد عليه حتى ألقى الله عزّ وجلّ. زهد أبي الدرداء رضي الله عنه حديثه رضي الله عنه في تركه التجارة والإقبال على العبادة أخرج الطبراني عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: كنت تاجراً قبل أن يُبعث النبي صلى الله عليه وسلم فلما بُعث النبي صلى الله عليه وسلم أردت أن أجمع بين التجارة والعبادة فلم يستقم، فتركت التجارة فتركت التجارة وأقبلت على العبادة. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. اهـ. سبب زهده رضي الله عنه وأخرج أبو نعيم في الحلية عن أي الدرداء رضي الله عنه نحوه، زاد: والذي نفس أبي الدرداء بيده، ما أحب أن لي اليوم حانوتاً على باب المسجد لا يخطئني فيه صلاة، أربح فيه كل يوم أربعين ديناراً وأتصدَّق بها كلِّها في سبيل الله. قيل له: يا أبا الدرداء، وما تكره من ذلك؟ قال: شدّة الحساب. وهكذا أخرجه ابن عساكر، كما في الكنز. وعند أبي نعيم أيضاً من طريق آخر عنه قال: ما يسرني أن أقوم على

ما وقع بينه وبين عمر رضي الله عنهما

الدرج من باب المسجد فأبيع وأشتري فأصيبَ كل يوم ثلاث مائة دينار أشهد الصلاة كلها في المسجد، ما أقول: إن الله عزّ وجلّ لم يحل البيع يحرم الربا، ولن أحب أن أكون من الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله. وأخرج أبو نعيم في الحلية عن خالد بن حُدَير الأسلمي أنه دخل على أبي الدرداء رضي الله عنه وتحته فراش من جلد أو صوف، وعليه كساء صوف وسِبتية صوف وهو وَجِع وقد عرق، فقال: لو شئتَ كسيت فراشك بوَرِق وكساء مِرعِزِّيّ مما يبعث به أمير المؤمنين؟ قال: إن لنا داراً، وإِنا لنظعن إليها ولها نعمل. عن حسَّان بن عطية أن أصحاباً لأبي الدرداء رضي الله عنه تضيَّفوه فضيّفهم، فمنهم من بات على لِبدة، ومنهم من بات على ثيابه ما هو فلما أصبح غدا عليهم فعرف ذلك منهم فقال: إن لنا داراً لها نجمع وإليها نرجع. وعند أحمد عن محمد بن كعب أن ناساً نزلوا على أبي الدرداء رضي الله عنه ليلة قَرَّة، فأرسل إليهم بطعام سخن ولم يرسل إليهم بلُحُف. فقال بعضهم: لقد أرسل إلينا بالطعام فما هنأنا مع القرّ، لا أنتهي أو أبيِّن له، قال الآخر: دعه، فأبى فجاء حتى وقف على الباب رآه جالساً وامرأته ليس عليها من الثياب إلا ما لا يذكر؛ فرجع الرجل وقال: ما أراك بتّ رلا بنحو ما بتنا به. قال: إن لنا داراً ننتقل إليها قدَّمنا فرشنا ولحفنا إليها، ولو ألفيتَ عندنا منه شيئاً لأرسلنا إِليك به، وإِن بين أيدينا عقبة كئوداً المُخِفُّ فيه خير من المُثْقِل. أفهمت ما أقول لك؟ قال: نعم. كذا في صفة الصفوة. ما وقع بينه وبين عمر رضي الله عنهما وقد تقدَّم في الإِنكار على ترفع الأمير أن عمر رضي الله عنه دخل عليه

زهد معاذ بن عفراء رضي الله عنه

فدفع الباب فإذا ليس له غَلَق، فدخل في بيت مظلم فجعل يلمسه حتى وقع عليه فجسَّ وساده فإذا برذعة، وجسَّ فراشه فإذا بطحاء، وجسَّ دثاره فإذا كساء رقيق. قال عمر: رحمك الله، ألم أوسِّع عليك؟ ألم أفعل بك؟ فقال له أبو الدرداء: أتذكر حديثاً حدَّثناه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أي حديث؟ قال: «ليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب. قال: نعم قال: فماذا فعلنا بعده يا عمر؟ قال: فما زالا يتجاوبان بالبكاء حتى أصبحا. زهد معاذ بن عفراء رضي الله عنه قصته مع عمر رضي الله عنهما في شأن الحلَّة أخرج عمر بن شَبَّة عن أفلح مولى أبي أيوب رضي الله عنه قال: كان عمر رضي الله عنه يأمر بحلل تنسج لأهل بدر يتنوَّق فيها، فبعث إِلى معاذ بن عفراء رضي الله عنه حلَّة. فقال لي معاذ: يا أفلح بعْ هذه الحلة، فبعتها له بألف وخمس مائة درهم، ثم قال: إذهب فابتع لي بها رِقاباً، فاشتريت له خمس رقاب، ثم قال: والله إن أمرأ أختار قشرين يلبسهما على خمس رقاب يعتقها لغبين الرأي، إذهبوا فأنتم أحرار، فبلغ عمر أنه لا يلبس ما يبعث به إليه. فاتخذ له حلَّة غليظة أنفق عليها مائة درهم، فلما أتاه بها الرسول قال: ما أره بعثك بها إليَّ قال: بلى - والله - فأخذ الحلّة فأتى بها عمر، فقال: يا أمير المؤمنين بعثت إليَّ بهذه الحلَّة؟ قال: نعم إنْ كنا لنبعث إليك بحلَّة مما نتخذ لك ولإِخوانك فبلغني أنك لا تلبسها. فقال: يا أمير المؤمنين إِني وإِن كنت لا ألبسها فإني أحب أن يأتين من صالح عندك، فأعاد له حلَّته. كذا في صفوة الصفوة.

زهد اللجلاج الغطفاني رضي الله عنه

زهد اللجلاج الغطفاني رضي الله عنه إمتناعه عن الشبع منذ أسلم رضي الله عنه أخرج الطبراني بإِسناد لا بأس به عن اللَجْلاج رضي الله عنه قال: ما ملأت بطني طعاماً منذ أسلمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل حسبي وأشرب حسبي - يعني قوتي - وزاد البيهقي: وكان قد عاش مائة وعشرين سنة: خمسين في الجاهلية، وسبعين في الإِسلام. كذا في الترغيب. وأخرجه أبو العباس السراج في تاريخه والخطيب في المتفق، كما في الإِصابة، وابن عساكر كما في الكنز. زهد عبد الله بن عمر رضي الله عنه عيشه رضي الله عنه أخرج أبو نعيم في الحلية عن حمزة بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: لو أن طعاماً كثيراً كان عند عبد الله بن عمر ما شبع منه بعد أن يجد له آكلاً، فدخل عليه ابن نُطِيع يعوده، فرآه، قد نحل جسمه، فتصنعي له طعاماً؟ قالت: إِنا لنفعل ذلك ولكنه لا يدع أحداً من أهله لا من يحضره إلا دعاه عليه؛ فكلِّمْه أنت في ذلك، فقال ابن مطيع: يا أبا عبد الرحمن لو اتخذت طعاماً فرجع إليك جسمك؛ فقال: إِنه ليأتي عليَّ ثماني سنين ما أشبع فيها شَبْعة واحدة - أو قال: لا أشبع فيها إلا شبعة واحدة - فالآن تريد أن أشبع حين لم يبق من

عمري إلا ظِمء حمار. وعنده عن عمر بن حمزة بن عبد الله قال: كنت جالساً مع أبي فمر رجل فقال: أخبرني ما قلت لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما يوم رأيتك تكلمه بالجُرف؟ قال: قلت: يا أبا عبد الرحمن، رقَّت مضغتك وكبر سنك، وجلساؤك لا يعرفون حقك ولا شرفك؛ فلو أمرت أهلك أن يجعلوا لك شيئاً يُلْطفونك إِذا رجعت إليهم. قال: ويحكم الله ما شبعت منذ إحدى عشرة سنة ولا ثنتي عشرة سنة ولا ثلاث عشرة سنة ولا أربع عشرة سنة، ولا مرة واحدة؛ فكيف بي؟ وإنما بقي مني كظِمء الحمار. قوله لما أُهدي إليه الجوارش وأخرج أبو نُعيم في الحلية عن عبيد الله بن عدي - وكان مولى لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما - قدم من العراق فجاءه يسلِّم عليه، فقال: أهديت إليك هدية، قال: وما هي؟ قال: جَوارش، قال: وما جَوارش؟ قال: تهضم الطعام؛ فقال: فما ملأت بطني طعاماً منذ أربعين سنة فما أصنع به؟. وعنده أيضاً عن ابن سيرين أنَّ رجلاً قال لابن عمر رضي الله عنهما: أجعل لك جوارش؟ قال: شيء إِذا كظَّك الطعام فأصبت منه سهل عليك.4 قال: فقال ابن عمر: ما شبعت من الطعام منذ أربعة أشهر، وما ذاك أن لا أكون له وجداً؟ ولكني عهدت قوماً يشبعون مرة

زهده بعد وفاة النبي عليه السلام

ويجوعون مرة. وأخرجه ابن سعد عن ابن سيرين مختصراً، وكذلك عن نافع مختصراً. زهده بعد وفاة النبي عليه السلام وأخرج أبو نُعيم في الحلية عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ما وضعت لبنة على لبنة، ولا غرست نخلة منذ قُبض النبي صلى الله عليه وسلم وأخرجه ابن سعد مثله. حديث جابر والسُّدِّي في ذلك وأخرج أبو سعيد بن الأعرابي بسند صحيح عن جابر رضي الله عنه قال: ما منَّا من أحد أدرك الدنيا إِلا مالت به ومال بها غير عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. وفي تاريخ أبي العباس السّراج بسند حسن عن السُّدِّي قال: رأيت نفراً من الصحابة كانوا يرون أنه ليس أحد فيهم على الحالة التي فارق عليها النبي صلى الله عليه وسلم إلا ابن عمر. كذا في الإِصابة. زهد حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أخرج أبو نُعيم في الحلية عن ساعدة بن سعد بن حذيفة أنَّ حذيفة رضي الله عنه كان يقول: ما من يوم أقرَّ لعيني ولا أحب لنفسي من يوم آتي

وصيته عليه السلام لأم المؤمنين عائشة

أهلي فلا أجد عندهم طعاماً، ويقولون ما نقدر على قليل ولا كثير وذلك أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ الله أشد حِمْية للمؤمن من الدنيا من المريض أهله الطعام. والله تعالى أشد تعاهداً للمؤمن بالبلاء من الوالد لولده بالخير» . وأخرجه الطبراني عن ساعدة مثله. قال الهيثمي: وفيه من لم أعرفهم. الإِنكار على من لم يزهد في الدنيا وتلذذ بها والوصية بالتحفظ عنها إنكاره صلى الله عليه وسلم على عائشة أن أكلت مرتين في اليوم أخرج البيهقي عن عائشة رضي الله عنها قالت: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أكلت في اليوم مرتين فقال: «يا عائشة، أما تحبين أن يكون أن يكون لك شغل إلا جوفك؟ الأكل في اليوم مرتين من الإِسراف، والله لا يحب المسرفين» . وفي رواية فقال: «يا عائشة، إتخذت الدنيا بطنك؟ أكثر من أكله كل يوم سَرَف، والله لا يحب المسرفين» . كذا في الترغيب. وصيته عليه السلام لأم المؤمنين عائشة وعند ابن الأعرابي عن عائشة رضي الله عنها قالت: جلست أبكي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ما يبكيك؟ إِن كنت تريدين اللحوق بي فليكفك من الدنيا مثل زاد الراكب، ولا تخالطين الأغنياء» . كذا في الكنز. وأخرجه

الترمذي، والحاكم، البيهقي نحوه وزادوا: «ولا تستخلفي ثوباً حتى ترقعيه» . وذكره رَزِين فزاد فيه: قال عروة: فما كانت عائشة تستجدُّ ثوباً حتى ترقع ثوبها وتنكِّسه، لقد جاءها يوماً من عند معاوية رضي الله عنه ثمانون ألفاً فما أمسى عندها درهم، قالت لها جاريتها: فهلا اشتريت لنا منه لحماً بدرهم؟ قالت: لو ذكَّرتني لفعلت. كذا في الترغيب. وصيته عليه السلام لأبي جحيفة وأخرج الطبراني عن أبي جحيفة رضي الله عنه قال: أكلت ثريدة بلحم سمين، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أتجشَّأ، فقال: «أكفف عنا جُشاءك أبا جحيفة، فإنَّ أكثر الناس شبعاً في الدنيا أطولهم جوعاً يوم القيامة» . فما أكل أبو جحيفة ملءَ بطنه حتى فارق الدنيا، كان إذا تغدَّى لا يتعشَّى، وإذا تعشَّى لا يتغدَّى. قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط والكبير بأسانيد، وفي أحد أسانيد الكبير محمد بن خالد الكوفي ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات. انتهى. وأخرجه ابن عبد البر في الإستيعاب نحوه. وأخرج البزار بإسنادين نحوه مختصراً.، ورجال أحدهما ثقات. كما قال الهيثمي وأخرجه أبو نُعيم في الحلية عن أبي جحيفة بمعناه ولم يذكر قوله: فما أكل إلى آخره.

ما وقع بينه وبين رجل عظيم البطن وأخرج الطبراني عن جَعْدة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً عظيم البطن، فقال بأصبعه في بطنه: لو كان هذا في غير هذا لكان خيراً لك» . وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى له رجل رؤيا، فبعث إليه فجاء فقصَّها عليه - وكان عظيم البطن - فقال بأصبعه في بطنه: «لو كان هذا في غير هذا المكان لكان خيراً لك» . قال الهيثمي: رواه كله الطبراني، ورواه أحمد إلا أنه جعل: أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي رأى الرؤيا للرجل. ورجال الجميع رجال الصحيح غير أبي إسرائيل الجُشَمي وهو ثقة. انتهى. إِنكار عمر على جابر لشرائه اللحم لأهله وأخرج مالك عن يحيى بن سعيد أنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه أدرك جابر بن عبد الله رضي الله عنه ومعه حامل لحم، فقال عمر: أما يريد أحدكم أن يطوي بطنه لجاره ابن عمه، فأين تذهب عنكم هذه الآية: {أَذْهَبْتُمْ طَيّبَاتِكُمْ فِى حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} (الأحقاف: 20) ؟ كذا في الترغيب.

إنكار عمر على ابنه عبد الله حين رأى عنده اللحم

وعند البيهقي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: لقيني عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد ابتعت لحماً بدرهم، فقال: ما هذا يا جابر؟ قلت: قَرِم أهلي فابتعت لهم لحماً بدرهم؛ فجعل عمر يردَّد: قَرِم أهلي، حتى تمنيت أن الدرهم سقط مني ولم ألقَ عمر. كذا في الترغيب (3424. وأخرجه ابن جرير عن جابر أطول منه، كما في منتخب الكنز. وأخرجه سعيد بن منصور، وعبد بن حُميد، وابن المنذر، الحاكم، والبيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ عمر رأى في يد جابر بن عبد الله رضي الله عنه درهماً، فقال: ما هذا الدرهم؟ قال: أريد أن أشتري لأهلي به لحماً قَرِموا إليه. فقال: أكلما إشتهيتم شيئاً إشتريتموه؟ أين تذهب عنكم هذه الآية: {أَذْهَبْتُمْ طَيّبَاتِكُمْ} ؟ فذكره. كذا في المنتخب. إنكار عمر على ابنه عبد الله حين رأى عنده اللحم وأخرج عبد الرزاق، وأحمد في الزهد، والعسكري في المواعظ، وابن عساكر عن الحسن قال: دخل عمر على ابنه عبد الله رضي الله عنهم وإنَّ عنده لحماً، فقال: ما هذا اللحم؟ قال: إشتهيت، قال: وكلما اشتهيت شيئاً أكلته؟ كفى بالماء سَرَفاً أن يأكل كل ما اشتهاه. كذا في منتخب الكنز. وصية عمر ليزيد بن أبي سفيان وأخرج ابن المبارك عن سعيد بن جبير قال: بلغ عمر بن الخطاب أن

كتاب عمر إلى أبي الدرداء لما ابتنى بدمشق قنطرة

يزيد بن أبي سفيان - رضي الله عنهما - يأكل ألوان الطعام، فقال لمولى له يقال له يَرْفَأ: إذا علمت أنه قد حضر عشاؤه فأعلمني، فلما حضر عشاؤه أعلمه أتى عمر فسلَّم واستأذن فأذن له فدخل، فقُرِّب عشاؤه، فجاء بثريد ولحم فأكل عمر معه، ثم قُرِّب شواء فبسط يزيد يده وكف عمر، ثم قال عمر: الله يا يزيد بن أبي سفيان أطعام بعد طعام؟ والذي نفس عمر بيده لئن خالفتم عن سنّتهم ليخالَفَنَّ بكم عن طريقهم. كذا في منتخب كنز العمال. ذم عمر الدنيا أمام أصحابه وأخرج أبو نعيم في الحلية عن الحسن قال: مرّ عمر رضي الله عنه على مَزبلة فاحتبس عندها، فكأن أصحابه تأذِّوا بها. فقال: هذه دنياكم التي تحرصون عليها - أو تتكلون عليها -. كتاب عمر إلى أبي الدرداء لما ابتنى بدمشق قنطرة وأخرج ابن عساكر عن سَلَمة بن كلثوم أن أبا الدرداء رضي الله عنه إبتنى بدمشق قنطرة، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو بالمدينة، فكتب إليه: يا عُويمر بن أم عويمر، أما كان لك في بنيان فارس، والروم ما يكفيك حتى تبني البنيانات؟ وإِنما أنتم يا أصحاب محمد قدوة. وعنده أيضاً وهَنَّاد والبيهقي عن راشد بن سعد قال: بلغ عمر أنَّ أبا الدرداء - رضي الله عنه - ابتنى كنيفاً بحمص، فكتب إليه: أما بعد: يا عُويمر، أما كنت لك كفاية فيما بَنَت الروم عن تزيين الدنيا وقد أمر الله بخرابها كذا

في كنز العمال. وأخرجه أبو نُعيم في الحلية عن راشد بن سعد مثله، وزاد بعد قوله تزيين الدنيا: وتجديدها وقد آذن الله بخرابها، إذا أتاك كتابي هذا فانتقل من حمص إلى دمشق. قال سفيان: عاقبه بهذا. كتاب عمر إِلى عمرو بن العاص في هدم غرفة خارجة بن حذافة وأخرج ابن عبد الحكم عن يزيد بن أبي حبيب قال: أول من بنى غرفة بمصر خارجة بن حذافة رضي الله عنه، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فكتب إلى عمرو بن العاص رضي الله عنه: سلام، أما بعد فإنه بلغني أن خارجة بن حذافة بني غرفة، ولقد أراد خارجة أن يطَّلع على عورات جيرانه، فإذا أتاك كتابي هذا فاهدمها إِن شاء الله، والسلام» . كذا في الكنز. أم طلق ووصية عمر وأخرج بن سعد، والبخاري في الأدب عن عبد الله الرومي قال: دخلتُ على أمِّ طَلْق بيتها، فإذا سقف بيتها قصير، فقلت: ما أقصر سقف بيتك يا أم طَلْق؟ قالت: يا بنيّ إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إِلى ماله أن لا تطيلوا بناءكم؛ فإن شر أيامكم يوم تُطيلون بناءكم. كذا في الكنز.

كتابه إِلى سعد حين استأذنه في بناء بيت وأخرج بن أبي الدنيا، والدِينَوَري عن سفيان بن عُيَينة قال: كتب سعد بن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - وهو على الكوفة يستأذنه في بناء بيت يسكنه، فوقَّع في كتابه: ابن ما يسترك من الشمس، ويكنّك من الغيث، فإن الدنيا دار بُلْغة. وكتب إلى عمر بن العاص رضي الله عنه وهو على مصر: كان لرعيتك كما تحب أن يكون لك أميرك. كذا في منتخب الكنز. إِنكار عمر على رجل بني بالآجر وأخرج أبو نُعيم في الحلية عن سفيان قال: بلغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلاً بنى بالآجر فقال: ما كنت أحسب أنَّ في هذه الأمة مثل فرعون قال: يريد قوله: «فأوقد لي يا هامانُ على الطين فاجعل لي صَرْحاً» . إِنكار أبي أيوب على ابن عمر تزيين الجدران في عرس إبنه وأخرج ابن عساكر عن سالم بن عبد الله قال: اعترست في عده أبي، فدعا أبي الناس، فكان فيمن دعا أبو أيوب وقد ستروا بيتي بجاديَ أخضر، فجاء أبو أيوب فطأطأ رأسه فنظر فإذا البيت ستر، فقال: يا عبد الله تسترون الجُدُر؟ فقال أبي - واستحيى -: غلبنا النساء يا أبا أيوب، فقال: من خشيتُ أن تغلبه النساء فلم أخش أن يغلبْنك لا أدخل لكم بيتاً ولا أطعم لكم

وصية أبي بكر لسلمان عند الوفاة

طعاماً. كذا في كنز العمال. وصية أبي بكر لسلمان عند الوفاة وأخرج أحمد في الزهد وابن سعد وغيرهما عن سلمان رضي الله عنه قال: أتيت أبا بكر رضي الله عنه فقلت: أعهد لي، فقال: يا سلمان إتَّق الله واعلم أنْ سيكون فُتوح، فلا أعرفنَّ ما كان حظك منها ما جعلته في بطنك وألقيته على ظهرك، واعلم أنَّه من صلّى الصلوات الخمس فإنه يصبح في ذمَّة الله ويمسي في ذمَّة الله، فلا تقتلنَّ أحداً من أهل الله فتخفرَ الله في ذمته فيكبَّك الله في النار على وجهك. كذا في الكنز. وعند الدِينَوَري عن الحسن أنَّ سلمان الفارسي أتى أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - في مرضه الذي مات فيه، فقال: أوصني يا خليفة رسول الله، فقال أبو بكر: إن الله فاتحٌ عليكم الدنيا فلا يأخذنَّ منها أحد إلا بلاغاً. كذا في الكنز. قول أبي بكر لعبد الرحمن بن عوف عند وفاته وعند أبي نعيم في الحلية عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: دخلت على أبي بكر رضي الله عنه في مرضه الذي توفي فيه، فسلَّمت عليه، فقال: رأيت الدنيا قد أقبلت ولَمَّا تقبل، وهي جائية، وستتخذون ستور الحرير ونضائد الديباج، وتألمون ضجائع الصوف الأذري، كأن أحدكم

على حسك السَّعدان، ووالله لأن يقدَّم أحدكم فيضرب عنقه - في غير حدَ - خير له من أن يسبح في غَمْرة الدنيا. وأخرجه الطبراني أيضاً عن عبد الرحمن نحوه، كما في المنتخب. وقال: وله حكم الرفع لأنه من الإِخبار عما يأتي - اهـ. حديث عمرو بن العاص في زهده صلى الله عليه وسلم وإنكارُ عمرو على أصحابه عدم زهدهم وأخرج أحمد عن علي بن رباح قال: سمعت عمرو بن العاص رضي الله عنه يقول: لقد أصبحتم وأمسيتم ترغبون فيما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزهد فيه، أصبحتم ترغبون في الدنيا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزهد فيها، والله ما أتت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من دهره إِلا كان الذي عليه أكثرَ من الذي له. قال: فقال بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يستسلف. قال في الترغيب: رواه أحمد ورواته رواة الصحيح، والحاكم إلا أنه قال: ما مرَّ به ثلاث من دهره إلا والذي عليه أكثر من الذي له. ورواه ابن حِبَّان في صحيحه مختصراً. انتهى. وفي رواية عند أحمد عن عمرو أيضاً أنه قال: ما أبعد

ما وقع بين أبي ذر وأبي الدرداء في بناء بيت

هديَكم من هَدْي نبيكم؟ أما هو فكان أزهد الناس في الدنيا، أما أنتم فأرغب الناس فيها. قال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح. اهـ. وأخرجه ابن عساكر، وابن النجار نحوه، كما في الكنز. قول عبد الله بن عمر لابنه حين استكساه إزارا وأخرج أبو نُعيم في الحلية عن ميمون أن رجلاً من بني عبد الله بن عمر رضي الله عنهما إستكساه إِزاراً وقال: قد تخرَّق إزاري. فقال له: إقطع إزارك ثم اكتسه، فكره الفتى ذلك، فقال له عبد الله بن عمر: ويحك إتق الله، لا تكونن من القوم الذين يجعلون ما رزقهم الله تعالى في بطونهم وعلى ظهورهم. ما وقع بين أبي ذر وأبي الدرداء في بناء بيت وأخرج أبو نُعيم في الحلية عن ثابت أنَّ أبا ذر مرَّ بأبي الدرداء - رضي الله عنهما - وهو يبني بيتاً له، فقال: لقد حملت الصخر على عواتق الرجال فقال: إنما هو بيت أبنيه، فقال له أبو ذر: مثلَ ذلك، فقال: يا أخي لعلك وَجَدت عليَّ في نفسك من ذلك؟ قال: لو مررت بك وأنت في غَذِرَة أهلك كان أحب إليَّ مما ريتك فيه.

قول أبي بكر لعائشة حين لبست ثوباً جديدا وأخرج أبو نُعيم في الحلية عن عائشة رضي الله عنها قالت: لبست مرة دِرْعاً لي جديداً، فجعلت أنظر إليه وأُعجبت به، فقال أبو بكر رضي الله عنه: ما تنظرين؟ إن الله ليس بناظر إليك قلت: وممَّ ذاك؟ قال: أما علمت أنَّ العبد إذا دخله العُجْب بزينة الدنيا مَقَته ربه عزّ وجلّ حتى يفارق تلك الزينة؟ قالت: فنزعته فتصدَّقت به. فقال أبو بكر: عسى ذلك أن يكفِّر عنك. قصة أبي بكر مع ابن له حضرته الوفاة وأخرج أبو نُعيم في الحلية عن حبيب بن ضَمْرة قال: حضرت الوفاةُ إبناً لأبي بكر الصديق رضي الله عنه، فجعل الفتى يلحظ إِلى وسادة. فلما توفي قالوا لأبي بكر: رأينا إبنك يلحظ إِلى الوسادة. قال: فرفعوه عن الوسادة فوجدوا تحتها خمسة دنانير - أو ستة -، فضرب أبو بكر بيده على الأخرى يرجِّع يقول: إنا لله وإِنا إليه راجعون ما أحسب جلدك يتسع لها. قول عمار لابن مسعود حين دعاه لينظر داراً بناها وأخرج أبو نُعَيم في الحلية عن عبد الله بن أبي لهذيل قال: لما بنى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه داره قال لعمار رضي الله عنه: هلمَّ أنظر إلى ما بنيت، فانطلق عمَّر فنظر إليه فقال: بنيتَ شديداً، وأمَّلْتَ بعيداً - أو تَأمُل بعيداً - وتموت قريباً.

قول أبي سعيد الخدري حين دُعي إلى وليمة وأخرج أبو نعيم في الحلية عن عطاء قال: دُعي أبو سعيد الخدري رضي الله عنه إلى وليمة وأن معه، فرأى صفرة وخضرة، فقال: أما تعلمون أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا تغدَّى لم يتعشَّ وإذا تعشَّى لم يتغدَّ. قال أبو نُعيم: غريب من حديث عطاء، لا أعلم عنه راوياً إلا الوَضين بن عطاء. تم بحمده تعالى المجلد الثاني ويليه المجلد الثالث ويبدأ بالباب التاسع وهو خروج الصحابة عن الشهوات النفسانية انتهى

باب خروج الصحابة عن الشهوات النفسانية

الباب التاسع باب خروج الصحابة عن الشهوات النفسانية كيف خرج الصحابة عن الشهوات النفسانية من الآباء والأبناء والإخوان والأزواج والعشائر والأموال والتجارات والمساكن وتعلقوا بحبِّ الله وحبِّ رسوله وحبِّ من انتسب إليهما من المسلمين وأكرموا من النتسب إلى النسبة المحمدية.

باب خروج الصحابة عن الشهوات النفسانية قطع حبال الجاهلية لتشييد حبال الإسلام قتل أبي عبيدة بن الجراح أباه يوم بدر أخرج أبو نُعيم في الحلية عن ابن شَوْذَب قال: جعل أبو أبي عبيدة بن الجراح يتصدّى لابنه أبي عبيدة رضي الله عنه يوم بدر، فجعل أبو عبيدة يحيد عنه، فلما أكثر قَصَدَه أبو عبيدة فقتله. فأنزل الله تعالى فيه هذه الآية حين قتل أباه: {لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاْخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ اللَّهَ} {وروسوله ولو كان آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم} {أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِى قُلُوبِهِمُ الإيمَانَ} (سورة المجادلة، الآية: 22) - الآية -. وأخرج البيهقي والحاكم عن عبد الله بن شوذب نحوه. قال البيهقي: هذا منقطع. وأخرجه الطبراني أيضاً بسند جيد عن ابن شَوْذَب نحوه، كما في الإِصابة.

استئذان ابن عبد الله بن أبي في قتل أبيه

قصة رجلين من الصحابة مع أبويهما وأخرج البيهقي عن مالك بن عمير رضي الله عنه - وكان قد أدرك الجاهلية - قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني لقيت العدو ولقيت أبي فيهم، فسمعت لك منه مقالة قبيحة فلم أصبح حتى طعنته بالرمح - أو حتى قتلته -، فسكت عند النبي صلى الله عليه وسلم ثم جاء آخر فقال: إني لقيت أبي فتركته وأحبب أن يليه غيري، فسكت عنه. قال البيهقي: وهذا مرسل جيد. استئذان ابن عبد الله بن أبي في قتل أبيه وأخرج البزّار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبد الله بن أُبي وهو في ظل أُطُم فقال: غبَّر علينا ابن أبي كبشة. فقال ابنه عبد الله بن عبد الله رضي الله عنه: يا رسول الله والذي أكرمك لئن شئت لأتيتك برأسه؟ فقال: «لا، ولكن بَرَّ أباك وأحسن صحبته11» قال الهيثمي: رواه البزّار ورجاله ثقات. وعند الطبراني عن عبد الله بن عبد الله أنه استأذن النبي صلى الله عليه وسلم أن يقتل أباه قال: «لا تقتل أباك» . وعند ابن إساحق عن عاصم بن عمر بن قتادة أن عبد الله بن عبد الله بن أُبي بن سلول رضي الله عنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنَّه بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أُبي فيما بلغك عنه، فإن كنت فاعلاً فمر لي به فأنا أحمل إليك رأسه، فوالله لد علمت الخزرج ما كان بها من رجل أبرَّ

بوالده مني، وإني أخشى أن تأمر به غيري فيقتله؛ فلا تدعني نفسي أن أنظر إلى قاتل عبد الله بن أُبي يمشي في الناس، فأقتله فأقتل مؤمناً بكافر فأدخل النار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا» . كذا في البداية. وأخرج الطبراني عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني المصطلق قام ابن عبد الله بن أبي رضي الله عنه فسلّ على أبيه السيف، وقال لله عليَّ أن لا أغمده حتى تقول: محمد الأعزُّ وأنا الأذلُّ قال: ويلك محمد الأعزّ وأنا الأذلُّ، فبلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعجبه وشكرها له. قال الهيثيم: وفيه محمد بن الحسن بن زَبالة وهو ضعيف. وأخرج ابن شاهين بإسناده حسن عن عروة قال: استأذن حنظلة بن أبي عامر وعبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول - رضي الله عنهما - رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل أبويهما، فنهماهما عن ذلك. كذا في الإِصابة. ما وقع بين أبي بكر وبين ابنه عبد الرحمن يوم بدر وأخرج ابن أبي شيبة عن أيوب قال: قال عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما أبي بكر: رأيتك يوم أحد فصدفت عنك. فقال أبو بكر: لكني لو رأيتك ما صدفت عنك. كذا في الكنز وأخرجه الحاكم عن أيوب نحوه. وأسند الحاكم عن الواقدي أن عبد الرحنم دعا إلى البراز يوم بدر، فقام

إليه أبوه أبو بكر رضي الله عنه ليبارزه. فذُكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر: «متعنا بنفسك» . وهكذا ذكره البيهقي عن الواقدي. ما وقع بين عمر وبين سعيد بن العاص في قتل أبيه وذكر ابن هشام عن أبي عبيدة وغيره من أهل العلم بالمغازي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لسعيد بن العاص رضي الله عنه - ومر به -: إني أراك كأنَّ في نفسك شيئاً أراك تظنُّ أنِّي قتلت أباك، إني لو قتلته لم أعتذر إليك من قتله، ولكني قتلت خالي العاص بن هشام بن المغيرة، فأما أبوك فإني مررت به وهو يبحث بحث الثور برَوحقه، فحدت عنه وقصد له ابن عمه علي فقتله. كذا في البداية. وزاد في الاستيعاب والابصابة: فقال له سعيد بن العاص: لو قتلته لكنت على الحق وكان على الباطل؛ فأعجبه قوله. حال أبي حذيفة حين رأى أباه يسحب على القليب يوم بدر وأخرج ابن جرير عن عائشة رضي الله عنها قالت: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلى بدر أن يُسحبوا إلى القَلِيب، فطرحوا فيه، ثم وقف وقال: «يا أهل القليب، هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً؟ فإني قد وجدت ما وعدني ربِّي حقاً» . فقالوا: يا رسول الله تكلِّم قوماً موتي؟ قال: «لقد علموا أنَّ ما وعدهم ربهم حق» . فلما رأى أبو حذيفة بن عتبة رضي الله عنهأباه يسحب على القليب

قصة مصعب بن عمير مع أخيه الذي أسر في بدر

عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم الكراهية في وجهه قال: «يا أبا حذيفة، كأنك كاره لما رأيتَ» فقال: يا رسول الله، إنَّ أبي كان رجلاً سيداً فرجوت أن يهديه ربُّه إلى الإِسلام، فلما وقع الموقع الذي وقع أحزنني ذلك؛ فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي حذيفة بخير. كذا في الكنزر، وأخرجه الحاكم عن عائشة نحوه وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرِّجاه، ووافقه الذهبي، وذكره ابن إسحاق نحوه بلا إسناد، كما في البداية. وذكر الحاكم عن أبي الزِّناد قال: شهد أبو حذيفة رضي الله عنه بدراً ودعا أباه عتبة إلى البراز، وذكر ما قالت له أخته هند بنت عتبة رضي الله عنها من الأشعار في ذلك. وهكذا أسنده البيهقي. قصة مصعب بن عمير مع أخيه الذي أسر في بدر وأخرج ابن إسحاق عن نبيه بن وَهْب أخي بني عبد الدار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أقبل بالأسارى فرَّقهم بين أصحابه وقال: «استوصوا بهم خيراً» قال: وكان أبو عزيز بن عمير بن هاشم - أخو مصعب بن عمير رضي الله عنه لأبيه وأمه - في الأسارى. قال أبو عزيز: مرَّ بي أخي مصعب بن عمير ورجل من الأنصار يأسرني فقال: ضدَّ يديك به؛ فإنّ أمه ذات متاع لعلها تفديه منك قال أبو عزيز: فكنت في رَهْط ن الأنصار حين أقبلوا بي من بدر، فكانوا إذا قدَّموا غداءهم وعشاءهم خصُّوني بالخبز وأكلموا التمر لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم بنا، ما تقع في يد رجل منهم كسرة خبز إلا نفحني بها، فأستحي فأردها فيردها عليَّ ما يمسها. ولما قال أخوه مصعب لأبي اليَسَر - وهو الذي

ما وقع بين أبي سفيان وابنته أم حبيبة أم المؤمنين

أسره - ما قال، قال له أبو عزيز: يا أخي، هذه وصاتك بي؟ فقال له مصعب: إنه أخي دونك، فسألت أمه عن أغلى ما فُديَ به قرشي فقيل لها: أربعة آلاف درهم، فبعثت بأربعة آلاف. كذا في نصب الراية للزَيْلعي. ما وقع بين أبي سفيان وابنته أم حبيبة أم المؤمنين وأخرج ابن سعد عن الزهري قال: لما قدم أبو سفيان بن حرب المدينة جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يريد غزو مكة، فكلَّمه أن يزيد في هدنة الحديبية فلم يُقْبِل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام فدخل على ابنته أم رضي الله عنها. فلمّا ذهب ليجلس على فراش النبي صلى الله عليه وسلم طوته دونه. فقال: يا بنية أرغبتِ بهذا الفراش عني أم بي عنه؟ فقالت: بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت امرؤ نَجِس مشرك. فقال: يا بنية لقد أصابك بعدي شر. وذكره ابن إسحاق نحوه بلا إسناد، كما في البداية وزاد: فلم أحب أن تجلس على فراشه.

محبة سعد بن معاذ للنبي عليه السلام

قول ابن مسعود في خطَّاف وبنيه وأخرج أبو نعيم في الحلية عن أبي الأحوص قال: دخلنا على ابن مسعود رضي الله عنه وعنده بنون ثلاثة كأمثال الدنانير، فجعلنا ننظر إليهم ففطن بنا، فقال: كأنكم تغبطوني بهم؟ قلنا: وهل يُغبط الرجل إلا بمثل هؤلاء؟ فرفع رأسه إلى سقف بيت له قصير قد عشَّش فيه خُطَّاف، فقال: لأن أكون نفضت يديَّ من تراب قبورهم أحب إليَّ من أن يقع بيض هذا الخطاف فينكسر. وعن أبي عثمان عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يجالسه بالكوفة، فبينما هو يوم في صخفَّة له وتحته فلانة وفلانة - امرأتان ذواتا منصب وجمال - وله منهما ولد كأحسن الولد؛ إذ شقشق على رأسه عصور ثم قذف أذى بطنه، فنكته بيده قوال: لأن يموت آل عبد الله ثم أتبعهم أحب إليَّ من أن يموت هذا العصفور. قول عمر في أسارى بدر وقد تقدّم قول عمر رضي الله عنه في مشاورة أهل الرأي: والله ما أرى ما رأى أبو بكر؛ ولكن أرى أن تمكنني من فلان - قريب لعمر - فأضرب عنقه، وتمكن علياً من عقيل فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من فلان أخيه فيضرب عنقه، حتى يعلم الله أنه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين؛ وأيضاً تقدَّمت قصص الأنصار في قطعهم حبال الجاهلية. محبة النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه محبة سعد بن معاذ للنبي عليه السلام أسند ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر أن سعد بن معاذ رضي الله

عنه قال: يا نبي الله، ألا نبني لك عريشاً تكون فيه، ونعدُّ عندك ركائبك، ثم نلقي عدونا، فإن أعزَّنا الله وأظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببنا، وإن كانت الأخرى جلست على ركائبك فلحقت بمن وراءنا من قومنا، فقد تخلَّف عنك أقوام ما نحن بأشد حبّاً لك منهم، ولو ظنُّوا أنك تلقي حرباً ما تخلَّفوا عنك، يمنعك الله بهم، يناصحونك ويجاهدون معك. فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيراً ودعا له بخير، ثم بُني لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريش كان فيه. كذا في البداية. قصة صحابي في محبته للنبي عليه السلام ونزول آية في هذا الشأن وأخرج الطبراني عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إنك لأحب إليَّ من نفسي، وإنك لأحب إليَّ من ولدي، وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتي فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رُفعت مع النبيِّين، وإني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك؛ فلم يردّ عليه النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً حتى نزل جبريل عليه السلام بهذه الآية: {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم} {مّنَ النَّبِيّينَ وَالصّدّيقِينَ وَالشُّهَدَآء وَالصَّالِحِينَ} (سورة النساء، الآية: 69) . قال الهيثيم: رواه الطبراني في الصغير والأوسط، ورجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن عمران العابدي وهو ثقة. انتهى. وأخرجه أبو نعيم في الحلية عن عائشة رضي الله عنها بهذا السياق والإِسناد نحوه، وقال: هذا حديث غريب من حديث منصور

وإبراهيم تفرد به فُضَيل، وعنه العابدي. وعند الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني لأحبك حتى إني لأذكرك فلولا أنِّي أجيء فأنظر إليك ظننت أن نفسي تخرج، فأذكر أنِّي إن دخلت الجنة صرت دونك في المنزلة، فيشقُّ ذلك عليَّ وأحب أن أكون معك في الدرجة، فلم يردّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً، فأنزل الله عزل وجل: {ومن يطع الله والسرول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين} - الآية -. فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاها عليه. قال الهيثيم: رواه الطبراني، وفيه عطاء بن السائب وقد اختلط. اهـ. قصة الصحابي الذي أعد للساعة حب الله ورسوله وأخرج الشيخان عن أنس رضي الله عنه أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم متى الساعة؟ قال: «وما أعددت لها؟» قال: لا شيء إلا أني أُحب الله وروسله. قال: «أنت مع من أحببت» . قال أنس: فما فرحنا بشيء فرحنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم «أنت مع من أحبب» . قال أنس: فأنا أُحب النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما، وأرجو أن أكون معهم بحبِّي إياهم. وفي رواية للبخاري أن رجلاً من أهل البداية أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله متى الساعة قائمة؟ قال: «ويلك وما أعددت لها؟» قال: ما أعددت لها إلا أنِّي أُحب الله ورسوله. قال: «إنك مع من أحببت. قال: ونحن

قوله عليه السلام: أنت يا أبا ذر مع من أحببت

كذلك. قال: «نعم» ففرحنا يومئذ فرحاً شديداً. وعند الترمذي عنه قال: رأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرحوا بشيء لم أرهم فرحوا بشيء أشد منه. قال رجل: يا رسول الله، الرجل يحب الرجل على العمل من الخير يعمل به ولا يعمل بمثله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «المرء مع من أحب» . قوله عليه السلام: أنت يا أبا ذر مع من أحببت وعند أبي داود عن أبي ذر رضي الله عنه قال: يا رسول الله، الرجل يحب القوم ولا يستطيع أن يعمل بعملهم؟ قال: «أنت يا أبا ذرَ مع من أحببت. قال: فإني أحب الله ورسوله. قال: «فإنك مع من أحببت» قال: فأعادها أبو ذر فأعادها رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا في الترغيب (4429 - 431 - 433) . قصة علي معه عليه السلام حين أصابته خَصاصة وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أصابت نبي الله صلى الله عليه وسلم خَصَاصة، فبلغ ذلك علياً رضي الله عنه، فخرج يلتمس عملاً يصيب فيه شيئاً لُيغيث به النبي صلى الله عليه وسلم فأتى بستاناً لرجل من اليهود فاستسقى له سبعة عشر دلواً، على كل دول تمرة، فخيَّره اليهودي على تمرهِ فأخذ سبعة عشر عجوة، فجاء بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «من أين لك هذا يا أبا الحسن؟» قال: بلغني ما بك من الخصاصة يا نبي الله، فخرجت ألتمس لك عملاً لأصيب لك طعاماً. قال: «حملك على هذا حبُّ الله ورسوله؟» قال: نعم يا نبي الله. قال النبي صلى الله عليه وسلم «ما من عبد يحب الله ورسوله إلا الفقر أسرع إليه جرية السيل

على وجهه، ومن أحب الله ورسوله فليعدَّ للبلاد تجفافاً» . كذا في كنز العمال وقال: وفيه حَنَش. قصة كعب بن عجرة في هذا الأمر وأخرج الطبراني عن كعب بن عُجرة رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فرأيته متغيراً، فقلت: بأبي أنت مالي أراك متغيراً؟ قال: «ما دخل جوفي ما يدخل جوف ذات كبد منذ ثلاث» قال: فذهبت فإذا يهودي يسقي إبلاً له فسقيت له على كل دلو بتمرة، فجمعت تمراً، فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «من أين لك يا كعب؟» فأخبرته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «أتحبني يا كعب؟» . قال: بأبي أنت، نعم، قال: «إن الفقر أسرع إلى من يحبني من السيل إلى معادنه، وإنه سيصيبك بلاء فأعدّ له تجفافاً» . قال: ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ما فعل كعب؟» قالوا مريض، فخرج يمشي حتى دخل عليه، فقال: «أبشر يا كعب» ، فقالت أمه: هنيئاً لك الجنةُ يا كعب قال النبي صلى الله عليه وسلم «من هذه المتألِّية على الله؟» قلت هي أمي يا رسول الله، قال: «ما يدريك يا أم كعب؟ لعل كعباً قال ما لا ينفعه ومنع ما لا يغنيه» قال الهيثيم: رواه الطبراني في الأوسط وإسناده جيد. اهـ، وكذا قال في الترغيب عن شيخه الحافظ أبي الحسن. وأخرجه ابن

محبة طلحة بن البراء للنبي عليه السلام

عساكر مثله، كما في الكنزل إلا أنَّ في روايته: «لعل كعباً قال ما لا يعنيه أو منع ما لا يغنيه» . محبة طلحة بن البراء للنبي عليه السلام وأخرج الطبراني عن حُصين بن وَحْوَح الأنصاري أن طلحة بن البراء رضي الله عنهما لما لقي النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يلصق برسول الله صلى الله عليه وسلم يوقبِّل قدميه. قال: يا رسول الله، مرني بما أحببت ولا أعصي لك أمراً. فعجب لذلك النبي صلى الله عليه وسلم وهو غلام، فقال له عند ذلك: «اذهب فاقتل أباك» فخرج مولياً ليفعل، فدعاه فقال له: «أقبل فإني لم أبعث بقطيعة رحم» . فمرض طلحة بعد ذلك فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده في الشتاء في برد وغيم. فلما انصرف قال لأهله: «لا أرى طلحة إلا قد حدث فيه الموت فآذنوني به حتى أشهده وأصلِّي عليه وعجِّلوه» . فلم يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم بني سالم بن عوف حتى توفي وجنَّ عليه الليل. فكان فيما قال طلحة: ادفنوني وألحقوني بربي عزَّ وجل، ولا تدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني أخاف عليه اليهود أن يصاب في سببي. فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم حين أصبح، فجاء حتى وقف على قبهر، فصفّ الناس معه ثم رفع يديه فقال: «اللهمَّ ألقَ طلحة تضحك إليه ويضحك إليك» كذا في الكنز وأخرجه البغوي وابن أبي خيثمة وابن أبي عاصم وابن شاهين وابن السَّكَن، كما في الإِصابة. قال الهيثيم وقد روى أبو داود بعض هذا

الحديث وسكت عليه، فهو حسن إن شاء الله. انتهى. وأخرجه الطبراني أيضاً عن طلحة بن مسكين عن طلحة بن البراء رضي الله عنه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ابسط - يعني يدك - أبايعك، قال: «وإن أمرتك بقطيعة والديك؟» قلت: لا، ثم عدت له فقلت: ابسط يدك أبايعك. قال: علام؟» قلت: على الإِسلام. قال: «وإن أمرتك بقطيعة والديك؟» قلت: لا، ثم عدت الثالثة، - وكانت له والدة وكان من أبرِّ النسا بها -، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم «يا طلحة، إنه ليس في ديننا قطيعة الرحم، ولكن أحببت أن لا يكون في دينك ريبة» . فأسلم فحسن إسلامه، ثم مرض فعاده النبي صلى الله عليه وسلم فوجده مغمى عليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «ما أظن طلحة إلا مقبوضاً من ليلته فإن أفاق فأرسلو إليَّ» فأفاق طلحة في جوف الليل فقال: ما عادني النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: بلى، فأخبروه بما قال. فقال: لا ترسلوا إليه في هذه الساعة فتلسعه دابة أو يصيبه شيء، ولكن إذا فُقدت فأقرئوه منِّي السلام، وقولوا له: فليستغفر لي، فلما صلى النبي صلى الله عليه وسلم الصبح سأل عنه، فأخبروه بموته وبما قال. قال: فرفع النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «اللهمَّ، الْقَهُ يضحك إليك وأنت تضحك إليه» . قال الهيثمي: رواه الطبراني مرسلاً، وعبد ربه بن صالح لم أعرفه، وبقية رجاله وُثِّقوا. انتهى. وأخرجه ابن السَّكَن نحوه كمافي الإصابة.

محبة عبد الله بن حذافة للنبي عليه السلام

محبة عبد الله بن حذافة للنبي عليه السلام وأخرج ابن عساكر عن الزُّهري قال: شُكي عبد الله بن حذافة رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صاحب مزاح وباطل، فقال: «اتركوه فإن له بطانة يحب الله ورسوله» . كذا في المنتخب. قول عليه السلام لما حُمل نعش عبد الله بن ذي البجادين وأخرج ابن ماجه والبغوي وابن منده وأبو نُعيم عن الأدرج رضي الله عنه قال: جئت ليلة أحرس النبي صلى الله عليه وسلم فإذا رجل قراءته عالية. فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، هذا مراء. قال: «هذا عبد الله بن ذيى البجادي» رضي الله عنه. فمات بالمدينة، ففرغوا من جهازه فحملوا نعشه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «ارفقوا به رفق الله به، إنه كان يحب الله ورسوله» ، وحضر حفرته فقال: «أوسعوا له أوسع الله عليه» فقال بعض أصحابه: يا رسول الله لقد حزنت عليه؟ فقال: «إنه كان يحب الله ورسوله» . كذا في المنتخب. وقال: في سنده موسى بن عبيدة الرَّبذي ضعيف. قصص ابن عمر وزيد بن الدثنة وخبيب بن عدي في محبته عليه السلام وأخرج ابن سعد عن عبد الرحمن بن سعد قال: كنت عند ابن عمر رضي الله عنهما فخدرت رجله، فقلت: يا أبا عبد الرحمن ما لرجلك؟ قال: اجتمع عصبها من ها هنا. قلت: ادع أحب الناس إليك. قال: يا محمد، فبسطها. وقد تقدم قول زيد بن الدَّثِنَة رضي الله عنه حين قال له أبو سفيان عند قتله: أنشدك بالله يا زيد: أتحب أن محمداً الآن عندنا مكانك نضرب عنقه

وأنك في أهلك؟ قال: والله ما أحب أن محمداً الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأني جالس في أهلي قال أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحداً يحب أحد كحبِّ أصحاب محمد محمداً. وقول خبيب رضي الله عنهحين نادَوه يناشدونه: أتحب أن محمداً مكانك؟ قال: لا والله العظيم ما أحب أن يفديني بشكة يُشاكها في قدمه - في رغبة الصحابة في القتل في سبيل الله. إيثار حبه صلى الله عليه وآله وسلم على حبهم بكاء أبي بكر عند مبايعة أبيه ورغبته في إسلام أبي طالب أخرج عمر بن شَبَّة وأبو يَعْلى وأبو بشر سمويه في فوائده عن أنس رضي الله عنه في قصة إسلام أبي قحافة رضي الله عنه قال: فلما مدّ يده يبايعه بكى أبو بكر رضي الله عنه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «ما يبكيك؟» قال: لأن تكون يد عمك مكان يده ويسلم ويقر الله عينك يحب إليَّ من أن يكون - وسنده صحيح. وأخرجه الحاكم من هذا الوجه وقال: صحيح على شرط الشيخين. كذا في الإِصابة. وعند الطبراني والبزّار عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: جاء أبو بكر بأبيه أبي قحافة رضي الله عنهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوده شيخ أعمى يوم فتح مكة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «ألا تركتَ الشيخ في بيته حتى نأتيه؟» قال: أردت أن يؤجره الله، لأنا كنت بإسلام أبي طالب أشد فرحاً مني بإسلام أبي، ألتمس بذلك قرة عينك يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «صدقت» . قال

الهيثمي: وفيه موسى ابن عبيدة وهو ضعيف. ما وقع بين عمر والعباس في هذا الشأن وأخرج ابن مردويه والحاكم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما أُسر الأساري يوم بدر أسر العباس - رضي الله عنه - فيمن أُسر، أسره رجل من الأنصار. قال: وقد أوعدتُه الأنصار أن يقتلوه. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إني لم أنم الليلة من أجل عمي العباس، وقد زعمت الأنصار أنهم قاتلوه» . قال عمر: أفآتيهم؟ قال: «نعم» فأتى عمر الأنصار فقال لهم: أرسلوا العباس، فقالوا: لا والله لا نرسله، فقال لهم عمر: فإن كان لرسول الله رضي؟ قالوا: فإن كان له وضًى فخذه، فأخذه عمر. فلما صار في يده قال له عمر: يا عباس أسلم، فوالله لئن تسلم أحب إليَّ من أن يسلم الخطاب، وما ذاك إلا لما رأيت رسول الله يعجبه إسلامك. كذا في البداية. وعند ابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال عمر رضي الله عنه للعباس: أسلم، فوالله لئن تسلم كان أحب إليَّ من أن يسلم الخطاب، وما ذاك إلا ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب يكون لك سبقاً. كذا في كنزل العمال. وعند ابن سعد عن الشَّعبي أن العباس رضي الله عنه تحفّى عمر رضي الله عنه في بعض الأمر فقال له: يا أمير المؤمنين أرأيتَ أن لو جاءك عمُّ

حديث أبي سعيد الخدري في شأن من كان يموت في المدينة

موسى مسلماً ما كنت صانعاً به؟ قال: كنت - والله - محسناً إليه، قال: فأنا عم محمد النبي صلى الله عليه وسلم قال: وما رأيك يا أبا الفضل؟ فوالله لأبوك أحب إليَّ من أبي؟ قال: الله، الله لأني كنت أعلم أنه أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبي، فأنا أوثر حب رسول الله صلى الله عليه وسلم علي حبِّي. وعند ابن سعد أيضاً عن أبي جعفر محمد بن علي أن العباس رضي الله عنه جاء إلى عمر رضي الله عنه فقال له: إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أقطعني البحرين، قال: من يعلم ذلك؟ قال: المغيرة بن شعبة، فجاء به فشهد له، قال: فلم يمضِ له عمر ذلك كأنه لم يقبل شهادته، فأغلظ العباس لعمر فقال عمر: يا عبد الله خذ بيد أبيك - وقال سفيان عن غير عمرو قال: - قال عمر: والله يا أبا الفضل لأنا بإسلامك كنت أسر مني بإسلام الخطاب لو أسلم لمرضاة رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث أبي سعيد الخدري في شأن من كان يموت في المدينة وأخرج ابن سعد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كنا مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة إذا حضر منا الميت أتياه فأخبرناه فحضره واستغفر له، حتى إذا قبض انصرف ومن معه، وربما قعد حتى يدفن، وربما طال ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم من حبسه. فلما خشينا مشقة ذلك عليه قال بعض القوم لبعض: والله لو كنا لا نُؤذن النبي بأحد حتى يُقبض، فإذا قُبض آذنَّاه، فلم تكن لذلك مشقّة عليه ولا حبس. قال: ففعلنا ذلك. قال: فكنَّا نؤذنه بالميت بعد أن

أدب الصحابة في رفعهم البصر إليه عليه السلام

يموت، فيأتيه فيصلِّي عليه ويستغفر له، فربما انصرف عند ذلك وربما مكث حتى يدفن الميت، فكُّنا على ذلك (أيضاً) حيناً، ثم قالوا: والله لو أنا لم نُشخص رسول الله صلى الله عليه وسلم وحملنا الميت إلى منزله حتى نرسل إليه فيصلِّي عليه عند بيته لكان ذلك أرفق به وإيسر عليه. قال ففعلنا ذلك. قال محمد بن عمر: فمن هناك سُمي ذلك الموضع موضع الجنائز لأن الجنائز حُملت إليه. ثم جرى ذلك من فعل الناس في حمل جنائزهم والصلاة عليها في ذلك الموضع إلى اليوم. محبة عمر لفاطمة ابنته عليه السلام لمحبته إياها وأخرج الحاكم عن أسلم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه دخل على فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا فاطمة، والله ما رأيت أحداً أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ما كان أحد من الناس بعد أبيك أحب إلي منك. كذا في كنز العمال. توقير النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإجلاله أدب الصحابة في رفعهم البصر إليه عليه السلام أخرج الترمذي عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج على أصحابه من المهاجرين والأنصار وهم جلوس، فيهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، فلا يرفع أحد منهم إليه بصره إلا أبو بكر وعمر، فإنهما كانا ينظران إليه وينظر إليهما، ويبتسمان إليه وتبتسم إليهما. كذا في الشفاء للقاضي عياض.

كيفية جلوس أصحابه حوله عليه السلام

كيفية جلوس أصحابه حوله عليه السلام وأخرج الطبراني وابن حِبَّان في صحيحه عن أسامة بن شريك رضي الله عنه قال: كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم كأنما على رؤوسنا الطير ما يتكلم منا متكلم؛ إذ جاءه أناس فقالوا: من أحب عباد الله إلى الله تعالى؟ قال: «أحسنهم خلقاً» . كذا في الترغيب، وقال: ورواه الطبراني محتج بهم في الصحيح. وأخرجه الأربعة حوله كأنما على رؤوسهم الطير. كذا في ترجمان السنة. هيبة النبي عليه السلام على البراء بن عازب وأخرج أبو يَعْلى - وصحَّحه - عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: لقد كنت أريد أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأمر فأؤخر سنتين من هيبته. كذا في ترجمان السنة. التماس الصحابة البركة بوضوئه ونخامته عليه السلام وأخرج البيهقي عن الزُّهري قال: حدثني من لا أتَّهم من الأنصار أن

رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ أو تنخَّم ابتدروا نُخامته فمسحوا بها وجوههم وجلودهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لم تفعلون هذا؟» قالوا: نلتمس به الركة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من أحب أن يحبه الله وروسله فليصدق الحديث، وليؤدِّ الأمانة، ولا يؤذِ جاره» . كذا في الكنز. قول عروة بن مسعود في توقير أصحاب النبي عليه السلام له وقد تقدّم في حديث صلح الحديبية عند البخاري وغيره من المسور بن مخرمة ومروان: ثم إن عروة جعل يرمق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعينيه، قال: فوالله ما تنخَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يُحدّون إليه النظر تعظيماً له، فرجع عروة إلى أصحابه فقال: أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك، وفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله إن رأيت ملكاً قط يعظِّمه أصحابه ما يعظِّم أصحاب محمد محمداً. حديث عبد الرحمن بن الحارث في التماس الصحابة البركة بوضوئه عليه السلام وأخرج الطبراني عن عبد الرحمن بن الحارث بن أبي مُرادس السُّلمي رضي الله عنه قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فدعا بطهور، فغمس يده فتوضأ، فتتبَّعناه فحسوناه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم «ما حملكم على ما فعلتم؟» قلنا: حب الله ورسوله. قال: «فإن أحببتم أن يحبكم الله ورسوله فأدُّوا إذا ائتمنتم، واصدقوا إذا حدَّثتم، وأحسنوا جوار من جاوركم» قال الهيثيم: وفيه عبيد بن واقد القيسي وهو ضعيف.

شرب ابن الزبير دم النبي عليه السلام

شرب ابن الزبير دم النبي عليه السلام وأخرج أبو يعلى والبيهقي في الدلائل عن عامر بن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما أن أباه حدَّثه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحتجم، فلما فرغ قال: «يا عبد الله اذهب بهذا الدم فأهرقه حيث لا يراك أحد» فلما برز عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عمد إلى الدم فشربه. فلما رجعل قال: «يا عبد الله ما صنعت بالدم؟» قال: جعلته في أخفى مكان علمت أنه يخفى على انلاس. قال: «لعلَّك شربته؟» قال: نعم، قال: «ولم شربت الدم؟ ويل للناس منك وويل لك من الناس» قال أبو موسى قال أبو عاصم: فكانوا يرون أن القوة التي به من ذلك الدم. كذا في الإصابة. وأخرجه الحاكم، والطبراني نحوه. قال الهيثيم: رواه الطبراني والبزار باختصار، ورجال البزار رجال الصحيح غير هُنيد بن القاسم وهو ثقة. انتهى. وأخرجه أيضاً ابن عساكر نحوه، كما في الكنز مع ذكر قول أبي عاصم. وفي رواية: قال أبو سلمة: فيرون أن القوة التي كانت في ابن الزبير رضي الله عنهما من قوة دم رسول الله صلى الله عليه وسلم

شرب سفينة دمه عليه السلام

وعند أبي نُعيم في الحلية عن كَيْسان مولى عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: دخل سلمان رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا عبد الله بن الزبير معه طست يشرب ما فيها، فدخل عبد الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: «فرغت؟» قال: نعم. قال سلمان ما ذاك يا رسول الله؟ قال: «أعطيته غسالة محاجمي يُهريق ما فيها» . قال سلمان: ذاك شربه والذي بعثك بالحق، قال: «شربته؟» قال نعم، قال: «لم؟» قال: أحببت أن يكون دم رسول الله صلى الله عليه وسلم في جوفي، فقال بيده على رأس ابن الزبير وقال: «ويل لك من الناس وويل للناس منك لا تمسُّك النار إلا قَسَم اليمين. «وأخرجه ابن عساكر عن سلمان نحوه مختصراً ورجاله ثقات. كذا في الكنز. شرب سفينة دمه عليه السلام وأخرج الطبراني عن سفينة رضي الله عنه قال: احتجم النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خذ هذا الدم فادفنه من الدواب والطير والناس» فتغيَّبت فشربته، ثم ذكرت ذلك له فضحك. قال الهيثيم: رجال الطبراني ثقات. لغاية ص 25 تابع قصته عليه السلام مع مالك بن سنان يوم أحد وما قال فيه وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن أباه مالك بن سنان رضي الله عنه لما أُصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهه يوم أُحد مص دم رسول الله صلى الله عليه وسلم وازدرده، فقيل له: أتشرب الدم؟ فقال: نعم، أشرب

حديث أبي أيوب في توقيره النبي عليه السلام

دم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «خالط دمي دمه لا تمسه النار» قال الهيثمي: لم أرَ في إسناده من أُجمع على ضعفه. انتهى. حديث أم حكيمة بنت أميمة في شرب بوله عليه السلام وأخرج الطبراني عن حكيمة بنت أُميمة عن أمها قالت: كانت للنبي صلى الله عليه وسلم قدح من عيدان يبول فيه ويضعه تحت سريره، فقام فطلبه فلم يجده فسأل فقال: «أين القدح» قالوا: شربته سُرَّة خادم أم سلمة التي قدمت معها من أرض الحبشة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم «لقد احتظرتْ من النار بحظار» . قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن أحمد بن حنبل وحكيمة وكلاهما ثقة. حديث أبي أيوب في توقيره النبي عليه السلام وأخرج الطبراني عن أبي أيوب رضي الله عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فنزل على أبي أيوب. فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم السُّفل ونزل أبو أيوب العُلْو، فلمّا أمسى وبات جعل أبو أيوب يذكر أنه على ظهر بيتٍ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أسفل منه، وهو بينه وبين الوحي فجعل أبو أيوب لا ينام يحاذر أن يتناثر عليه الغبارة ويتحرك فيؤذيه. فلما أصبح غدا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ما جعلتُ الليلة فيها غمضاً أنا ولا أم أيوب. فقال: «وممَّ ذاك يا أبا أيوب؟» قال: ذكرت أني على ظهر بيت أنت أسفل مني، فأتحرك فيتناثر عليك الغبار ويؤذيك

تحركي، وأنا بينك وبين الوحي. قال: «فلا تفعل يا أبا أيوب. ألا أعلِّمك كلمات إذا قلتهن بالغداة عشر مرات وبالعشي عشر مرات أعطيت بهنَّ عشر حسنات، وكُفِّر عنك بهنَّ عشر سيئات، ورُفع لك بهن عشر درجات، وكنَّ لك يوم القيامة كعدل عشر محرِّرين؟ تقول: لا إله إلا الله له الملك وله الحمد لا شريك له» . كذا في الكنزل. وعند الطبراني أيضاً عن أبي أيوب رضي الله عنه قال: لما نزل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: - بأبي وأبي - إني أكره أن أكون فوقك وتكون أسفل مني. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنَّ أرفق بنا أن نكون في السفل لما يغشانا من الناس» . فلقد رأيت جرة لنا انكسرت فأُهريق ماؤها، فقمت أنا وأم أيوب بقطيفة لنا ما لنا لحاف غيرها ننشف بها الماء فرقاً من أن يصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مناشيء يؤذيه. فكنا نصنع طعاماً فإذا ردَّ ما بقي منه تيممنا موضع أصابعه فأكلنا منها نريد بذلك البركة. فرّد علينا عشاءه ليلة وكنا جعلنا فيه ثوماً أو بصلاً فلم نرَ فيه أثر أصابعه. فذكرت له الذي كنا ننصع والذي رأينا من ردِّه الطعام ولم يأكل، فقال: «إني وجدت منه ريح هذه الشجرة وأنا رجل أناجَي فلم أحب أن يوجد مني ريحه، فأما أنتم كفُلوه» ، كذا في الكنز. وهكذا أخرجه الحاكم إلاَّ أنه لم يذكر: فكنا نصنع طعاماً - إلى آخره، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرِّجاه، ووافقه الذهبي.

وقد أخرجه أبو نُعيم وابن عساكر نحو سياق الطبراني إلاَّ أن في روايتهما: فقلت: يا رسول الله، لا ينبغي أن أكون فوقك، انتقل إلى الغرفة. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمتاعه فنُقل، ومتاعه قليل. كذا في الكنز. وهكذا أخرجه ابن أبي شيبة وابن أبي عاصم عن أبي أيوب، كما في الإصابة. ما وقع بين عمر والعباس في وضع الميزاب وأخرج ابن سعد وأحمد وابن عساكر عن عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان للعباس ميزاب على طريق عمر رضي الله عنه، فلبس عمر ثيابه يوم الجمعة - وقد كان ذُبح للعباس فرخان - فلما وافى الميزا صُبَّ فيه من دمُ الفرخين، فأصاب عمر، فأمر عمر بقلعه، ثم رجع فطرح ثيابه ولبس غيرها. ثم جاء فصلّى بالناس، فأتاه العباس فقال: والله إنه الموضع الذي وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر للعباس: عزمتُ عليك لما صعدَتَ على ظهري حتى تضعه في الموضع الذي وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعل ذلك العباس. كذا في الكنز وأخرجه ابن سعد أيضاً عن يعقوب بن زيد بنحوه، وزاد) : قال فحمل

توقير ابن عمر والصحابة منبر النبي عليه السلام

عمر العباس رضي الله عنهما على عنقه فوضع رجليه على منكبي عمر، ثم أعاد الميزاب حيث كان فوضعه موضعه. وقد ذكره الهيثمي في المجمع عن عبيد الله بن عباس رضي الله عنهما، ووقع في نقله ميراث بدل الميزاب، ولعله تصحيف، وقال: رواه أحمد ورجاله ثقات إلا أن هشام بن سعد لم يسمع من عبيد الله اهـ. توقير ابن عمر والصحابة منبر النبي عليه السلام وأخرج ابن سعد عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه نظر إلى ابن عمر رضي الله عنهما وضع يده على مقعد النبي صلى الله عليه وسلم نم المنبر ثم وضعها على وجهه. وعنده أيضاً عن يزيد بن عبد الله بن قسيط قال: رأيت ناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا خلا المسجد أخذوا برمانة المنبر الصلعاء التي تلي القبر بميامنهم، ثم استقبلوا القبلة يدعوه. تقبيل جسده صلى الله عليه وعلى آله وسلم قصة أُسيد بن حُضَير في ذلك أخرج الحاكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه قال: كان أسيد

تقبيل سواد بن غزية بطنه عليه السلام يوم بدر

بن حضير رضي الله عنه رجلاً صالحاً ضاحكاً مليحاً، فبينما هو عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدِّث القوم ويضحكهم، فطعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في خاصرته. فقال: أوجعتني، قال: «اقتص» ، قال: يا رسول الله إنَّ عليك قميصاً ولم يكن عليَّ قميص. قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه فاحتضنه ثم جعل يقبل كشحه، فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله أردتُ هذا. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإِسناد ولم يخرِّجاه، ووافقه الذهبي فقال: صحيح. وأخرجه ابن عساكر عن أبي ليلى رضي الله عنه مثله، كما في الكنز، والطبراني عن أسيد بن حضير نحوه، كما في الكنز. تقبيل سواد بن غُزيَّة بطنه عليه السلام يوم بدر وأخرج ابن إسحاق عن حِبّان بن واسع عن أشياخ من قومه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدَّل صفوف أصحابه يوم بدر وفي يده قدح يعدِّل به القوم، فمر بسواد بن غْزيَّة رضي الله عنه - حليف بني عديِّ بن النجار وهو مستنتل من الصف - فطعن في بطنه بالقدح وقال: «استوِ يا سواد» فقال: يا رسول الله أوجعتني وقد بعثك الله بالحق والعدل فأقِدني، فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه فقال: «استقد» قال: فاعتنقه فقبَّل بطنه فقال: «ما حملك على هذا يا سواد؟» قال: يا رسول الله حضر ما ترى فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير، وقال له. كذا في البداية.

قصة صحابي آخر في تقبيل بطنه عليه السلام وأخرج عبد الرزاق عن الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي رجلاً مختصباً بصفْرة وفي يد النبي صلى الله عليه وسلم جريدة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «حط درس» ، فطعن بالجريدة بطن الرجل وقال: «ألم أنهك عن هذا؟» فأثَّر في بطنه دماً أدماه، فقال الرجل: القول يا رسول الله، فقال الناس: أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم تقتص؟ فقال: ما لبشرة أحد فضل على بشرتي. فكشف النبي صلى الله عليه وسلم عن بطنه ثم قال: «اقتص» ، فقبَّل الرجل بطن النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أدعها لك أن تشفع لي يوم القيامة. كذا في الكنزل. قصة سواد بن عمرو في تقبيل بطنه عليه السلام وأخرجه ابن سعد عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى سواد بن عمرو هكذا - قال إسماعيل: ملتحفاً - فقال: خط خط ورس ورس. ثم طعن بعود أو سواك في بطنه، فماد في بطنه فأثَّر في بطنه - فذكر نحوه. وأخرج عبد الرزاق أيضاً كما في الكنز عن الحسن قال: كان رجل من الأنصار يقال له سوادة بن عمرو رضي الله عنه يتخلق كأنه عرجون،

وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رآه نفض له، فجاء يوماً وهو متخلق، فأهوى له النبي صلى الله عليه وسلم بعود كان في يده فجرحه، فقال له: القصاص يا رسول الله، فأعطاه العود - وكان على النبي صلى الله عليه وسلم قميصان - فجعل يرفعهما، فنهره الناس، وكف عنه حتى إذا انتهى إلى المكان الذي جرحه رمى بالقضيب وعلقه يقبله، وقال: يا نبي الله، بل أدعُها لك تشفع لي بها يوم القيامة. وأخرجه البغوي كما في الإصابة. تقبيل طلحة بن البراء قدم النبي عليه السلام وقد تقدَّم في محبة النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه عن حُصَين بن وحوَح أن طلحة بن البراء - رضي الله عنهما - لما لقي النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يلصق برسول الله صلى الله عليه وسلم ويقبل قدميه. وسيأتي تقبيل أبي بكر الصدُّيق رضي الله عنه جبهة النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته. بكاء الصحابة عندما اشتهر أنه صلى الله عليه وسلم قتل وما صدر عنهم في وقاته قصة الأنصارية حين بلغها مقتله عليه السلام يوم أحد أخرج الطبراني عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لما كان يوم أحد حاص أهل المدينة حيصة وقالوا: قتل محمد، حتى كثرت الصوارخ في ناحية المدينة فخرجت امرأة من الأنصار محرمة فاستُقبلت بأبيها وابنها وزوجها

وأخيها لا أدري أيهم استُقبلت به أولاً، فلَّما مرت على أحدهم قالت: من هذا؟ قالوا: أبوك أخوك زوجك ابنك، تقول: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: أمامك، حتى دَفَعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت بناحية ثوبه، ثم قالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لا أبالي إذا سلمتَ مَنْ عطب قال الهيثيم: رواه الطبراني في الأوسط عن شيخه محمد بن شعيب ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات. انتهى. وعند البزار عن الزبير رضي الله عنه قال: اجتمعتُ على النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة يوم أحد، فلم يبق أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ـ يعني بالمدينة - حتى كثرت القتلى، فصرخ صارخ: قد قُتل محمد، فبكين نسوة، فقالت امرأة: لا تعجلن بالبكاء حتى انظر، فخرجت تمشي ليس لها همٌّ سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسؤالٍ عنه. قال الهيثمي: وفيه عمر بن صفوان وهو مجهول. انتهى. وعند ابن إسحاق عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة من بني دينار وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد. فلما نُعُوا لها قالت: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: خيراً يا أم فلان، هو بحمد الله كما تحين، قالت: أرونيه حتى أنظر إليه، قال: فأشير لها إليه حتى إذا رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل كذا في البداية. ما ظهر من أبي طلحة في يوم أحد من محبته عليه السلام وأخرج أحمد عن أنس رضي الله عنه أن أبا طلحة رضي الله عنه كان

بكاء الصحابة على ذكر فراقه صلى الله عليه وآله وسلم

يرمي بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد والنبي صلى الله عليه وسلم خلفه يتترَّس به - وكان رامياً - وكان إذا رمي رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم شخصه ينظر أين يقع سهمه، ويرفع أبو طلحة صدره، ويقول: هكذا - بأبي أنت وأمي - يا رسول الله، لا يصيبك سهم، نحري دون نحرك، وكان أبو طلحة يشور نفسه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: إني جَلْد يا رسول الله، فوجهني في حوائجك ومُرْني بما شئت. كذا في البداية. وأخرجه ابن سعد عن أنس نحوه. شجاعة قتادة في حب النبي عليه السلام وأخرج الطبراني عن قتادة بن النعمان رضي الله عنه قال: أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قوس فدفعها إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد فرميت بها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انْدَقَّت سيتها، ولم أزل على مقامي نُصب وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ألقى السهام بوجهي، كلما مال سهم منها إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ميَّلت رأسي لأقي وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا رمي أرميه - فذكر الحديث كما تقدم في شجاعة قتادة رضي الله عنه. بكاء الصحابة على ذكر فراقه صلى الله عليه وآله وسلم بكاء أبي بكر رضي الله عنه أخرج ابن أبي شيبة عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: خرج علينا

رسول الله يوماً ونحن في المسجد وهو عاصب رأسه بخرقة في المرض الذي مات فيه، فأهوى قبل المنبر حتى استوى عليه، فاتبعناه فقال: «والذي نفسي بيده، إني لقائم على الحوض الساعة» وقال: «إن عبداً عرضت عليه الدنيا وزينتها فاختار الآخرة» .x فلم يفطن أحد إلا أبو بكر رضي الله عنه فذرفت عيناه فبكى، وقال: بأبي أنت وأمي، بل نفديك بآبائنا وأمهاتنا وأنفسنا وأموالنا، ثم هبط فما قام عليه حتى الساعة. كذا في كنز العمال. وأخرجه ابن سعد عن أبي سعيد نحوه. بكاء فاطمة رضي الله عنها وأخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت {إِذَا جَآء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة رضي الله عنها فقال: «إنه نُعيت إليَّ نفسي» فبكت، فقال لها: لا تبكي فإنك أول أهل لاحق بي» فضحكت، فررها بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فقالت رأيتك بكيت وضحكت، فقالت: إنه قال لي: «قد نعيت إليَّ نفسي» فبكيت فقال: «لا تبكين فإنك أول أهل لاحق بي» فضحكت. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير هلال بن خبَّاب وهو ثقة وفيه ضعف. انتهى. وأخرج ابن سعد عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا فاطمة ابنته رضي الله عنها في وجعه الذي توفي فيه فسارّها، بشيء فبكت. ثم دعاها فسارها فضحكت. قالت: فسألتها عن ذلك، فقالت: أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم

بكاء معاذ رضي الله عنه

أنه يقبض في وجعه هذا فبكيت، ثم أخبرني أني أول أهله لحاقاً به فضحكت. وأخرجه بإسناد آخر عنها أطول منه، وأخرجه أيضاً عن أم سلمة رضي الله عنها بنحون. وفي روايتها: فسألت فاطمة رضي الله عنها عن بكائها وضحكها فقالت: أخبرني صلى الله عليه وسلم أنه يموت ثم أخبرني أني سيدة نساء أهل الجنة بعد مريم بنت عمران - عليه السلام - فلذلك ضحكت. وأخرج ابن سعد عن العلاء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ما حضرته الوفاء بكيت فاطمة عليه السلام، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم «لا تبكي يا بنية، قولي إذا ما مت: أنا لله وإنا إليه راجعون، فإنَّ لكل إنسان بها من كل مصيبة معوَضة. قالت: ومنك يا رسول الله؟ قال: «ومني» . بكاء معاذ رضي الله عنه وأخرج أحمد عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن خرج معه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصيه ومعاذ راكب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي تحت راحلته. فلما فرغ قال: «يا معاذ، إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا، ولعلك أن تمر بمسجدي هذا وقبري» ، فبكى معاذ جشعاً لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم التفت فأقبل بوجهه نحو المدينة، فقال: «إن أولى الناس بي المتَّقون مَنْ كانوا وحيث كانوا» قال الهيثيم: رواه أحمد بإسنادين وقال في أحدهما عن عاصم بن حميد أن معاذاً قال، وفيها قال: لا تبكِ يا معاذ، البكاء - أو إن البكاء - من الشيطان. ورجال الإِسنادين رجال الصحيح غير راشد

بن سعد وعاصم بن حميد وهما ثقتان. انتهى. بكاء الصحابة على خوف موته صلى الله عليه وآله وسلم حديث ابن عباس في ذلك أخرج البزّار عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم فقيل له: هذه الأنصار رجاله ونساؤها في المسجد يبكون، قال: «وما يبكيها؟» قال: يخافون أن تموت. قال: فخرج فجلس على منبره، متعطف بثوب، طارح طرفيه على منكبيه، عاصب رأسه بعصابة وسخة، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «أما بعد أيها الناس: فإن الناس يكثرون وتقل الأنصار حتى يكونوا كالملح في الطعام، فمن ولي شيئاً من أمرهم فليقبل من محسنهم وليتجاوز عن مسيئهم» . قال الهيثمي في المجمع: رواه البزَّار عن ابن كرامة عن ابن موسى ولم أعرف الآن أسماءهما وبقية رجاله رجال الصحيح، وهو في الصحيح خلا أوله إلى قوله: فخرج فجلس. انتهى. وقال في هامشه عن ابن حجر: ابن كرامة هو محمد بن عثمان بن كرامة، وابن موسى هو عبد الله؛ وهما من رجال الصحيح. انتهى، وأخرجه ابن سعد عن ابن عباس نحوه. قول أم الفضل عند وفاته عليه السلام وأخرج أحمد عن أم الفضل بينت الحارث رضي الله عنها: قالت أتيت

النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه، فجعلت أبكي، فرفع رأسه فقال: «ما يبكيك؟» قالت: خفنا عليك ولا ندري ما نلقي من الناس بعدك يا رسول الله؟ قال: «أنتم المستضعفون بعدي» . قال الهيثمي: وفي يزيد بن أبي زياد وضعَّفه جماعة. وداعه صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصيته عليه السلام قبل الوفاة في تكفينه وغسله والصلاة عليه وغيرها أخرج البزَّار عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: نُعي إلينا حبيبنا - ونبينا - بأبي هو، ونفسي له الفداء - قبل موته بست. فلما دنا الفراق جمعنا في بيت أمنا عائشة رضي الله عنها، فنظر إلينا فدمعت عيناه، ثم قال: «مرحباً بكم، وحياكم الله، وحفظكم الله، آواكم الله، ونصركم الله، رفعكم الله، هداكم الله، رزقكم الله، وفقكم الله، سلمكم الله، قبلكم الله، أوصيكم بتقوى الله، وأوصي الله بكم وأستخلفه عليكم. إنِّي لكم نذير مبين أن لا تعلوا على الله في عباده وبلاده، فإنَّ الله قال لي ولكم: {تِلْكَ الدَّارُ الاْخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ} {عُلُوّاً فِى الاْرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (سورة الزمر، الآية: 3) وقال: {أَلَيْسَ فِى جَهَنَّمَ مَثْوًى لّلْمُتَكَبّرِينَ} (سورة الزمر، الآية: 60) . ثم قال: «قد دنا الأجل، والمنقلب إلى الله، وإلى سدرة المتهى، وإلى جنة المأوى، والكأس الأوفى، والرفيق الأعلى» - أحسبه قال - فقلنا: يا رسول الله، فمن يغسلك إذاً؟ قال: «رجال أهل بيتي الأدنى فالأدنى» . قلنا: ففيم

نكفنك؟ قال: «في ثيابي هذه إن شئتم أو في حلّة يمينة أو في بياض مُضعر» . قال: فقلنا: فمن يصلَّي عليك منا؟ فبكينا وبكى وقال: «مهلاً غفر الله لكم وجازاكم عن نبيكم خيراً، إذا غسلتموني ووضعتموني على سريري في بيتي هذا على شفير قبر فاخرجوا عني ساعة، فإنَّ أول من يصلِّي عليَّ خليلي وجليسي جبريل صلى الله عليه وسلم ثم ميكائيل، ثم إسرافيل، ثم ملك الموت مع جنوده. ثم الملائكة صلَّى الله عليهم بأجمعها، ثم ادخلوا عليَّ فوجاً فوجاً فصلُّوا عليَّ وسلِّموا تسليماً، ولا تؤذوني بباكية - أحسبه قال - ولا صارخة ولا رانّة، وليبدأ بالصلاة عليَّ رجال أهل بيتي، ثم أنتم بعد، وأقرؤوا أنفسكم مني السلام، ومن غاب من إخواني فأقرؤوه مني السلام، ومن دخل معكم في دينكم بعدي، فإني أشهدكم أني أقرأ السلام - أحسبه قال - عليه وعلى كل من تابعني على ديني من يومي هذا إلى يوم القيامة» قلنا: يا رسول الله، فمن يدخلك قبرك منا؟ قال: «رجال أهل بيتي مع ملائكة كثيرة يرونكم من حيث لا ترونهم» . قال الهيثيم: رجاله رجال الصحيح غير محمد بن إسماعيل بن سمرة الأحمسي وهو ثقة. ورواه الطبراني في الأوسط بنحوه إلا أنه قال: قبل موته بشهر، وذكر ف إسناده ضعفاء منهم أشعث بن طابق؛ قال الأزدي: لا يصح حديثه. انتهى. وأخرجه أبو نُعيم في الحلية عن ابن مسعود رضي الله عنه ينحوه مطولاً بفرق يسير، ثم قال: هذا حديث غريب من حديث مرّة عن عبد الله، لم يروه

وفاته صلى الله عليه وآله وسلم

متصل الإِسناد إلاَّ عبد الملك بن عبد الرحمن وهو ابن الأصبهاني. وأخرجه ابن سعد عن ابن مسعود بنحوه مطوَّلاً، وفي إسناده الواقدي. وفاته صلى الله عليه وآله وسلم قصة وفاته عليه السلام ومال قال عمر وأبو بكر رضي الله عنهما أخرج أحمد عن يزيد بن بانبوس قال: ذهبت أنا وصاحب لي إلى عائشة رضي الله عنها فاستأذنا عليها، فألقت لنا وسادة وجذبت إليها الحجاب، فقال صاحبي: يا أم المؤمنين، ما تقولين في العراك؟ قالت: وما العراك؟ فضربت منكب صاحبي. قالت: مَهْ، آذيت أخاك، ثم قالت: ما العراك؟ المحيض؟ قولوا: ما قال الله عزّ وجل في المحيض، ثم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوشحني وينال من رأسي وبيني وبينه ثوب وأنا حائض. ثم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مرّ ببابي مما يلقي الكلمة ينفعني الله بها. فمرَّ ذات يوم فلم يقل

شيئاً مرتين أو ثلاثاً، فقلت: يا جارية، ضعي لي وسادة على الباب وعصبت رأسي. فمر بي فقال: «يا عائشة ما شأنك؟» فقلت: أشتكي رأسي فقال: «أنا وا رأساه» فذهب فلم يلبث إلا يسيراً حتى جيء به محمولاً في كساء فدخل عليَّ وبعث إلى النساء فقال: إني قد اشتكيت وإني لا أستطيع أن أدور بينكم فَأَذَنَّ لي فَلأَكُنْ عند عائشة. فكنت أمرِّضه ولم أمرِّض أحداً قبله، فبينما رأسه ذات يوم على منكبي إذ مال رأسه نحو رأسي، فظننت أنه يريد من رأسي حاجة، فخرجت من فيه نقطة باردة فوقعت على نقرة نحري، فاقشعر لها جلدي، فظننت أنه غُشي عليه فسجيته ثوباً. فجاء عمر والمغيرة بن شعبة فاستأذنا فأذنت لهما وجذبت إليَّ الحجاب، فنظر عمر إليه فقال: واغشياه، مات رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: كذبت بل أنت رجل تحوسك فتنة، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يموت حتى يفني الله المنافقين. قالت: ثم جاء أبو بكر رضي الله عنه فرفعت الحجاب فنظر إليه فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أتاه من قبل رأسه فحدر فاه فقبَّل جبهته، ثم قال: وانبياه ثم رفع رأسه فحدر فاه وقبَّل جبهته، ثم قال: واصفياه ثم رفع رأسه وحدر فاه وقبَّل جبهته وقال: واخليلاه مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج إلى المسجد وعمر يخطب الناس ويتكلم ويقول: إن رسول الله لا يموت حتى يفني الله المنافقين. فتكلم أبو بكر رضي الله عنه فحمد

جهازه صلى الله عليه وآله وسلم

الله وأثنى عليه ثم قال: إنَّ الله يقول: {إِنَّكَ مَيّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيّتُونَ} (سورة الزمر، الآية: 30) حتى فرغ من الآية: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ} {أَفإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} {وَمَن يَنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ} (سورة آل عمران، الآية: 144) حتى فرغ من الآية، ثم قال: فمن كان يعبد الله فإنَّ الله حيٌّ لا يموت، ومن كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات. فقال عمر: أو إنها في كتاب الله؟ ثم قال عمر: يا أيها الناس، هذا أبو بكر وهو ذو سبية المسلمين، فبايعوه. كذا في البداية. قال الهيثمي: رجال أحمد ثقات. ورواه أبو يعلى بنحوه مع زيادة بإسناد ضعيف. انتهى. وأخرجه ابن سعد عن يزيد بن بَابَنُوس نحوه مختصراً. جهازه صلى الله عليه وآله وسلم حديث علي في ذلك أخرج ابن سعد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لما أخذنا في جَهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم أغلقنا الباب دون الناس جميعاً، فنادت الأنصار: نحن أخواله ومكانُنا من الإِسلام مكاننا ونادت قريش: نحن عصبته، فصاح أبو بكر رضي الله عنه: يا معشر المسلمين، كل قوم أحقُّ بجنازتهم من غيرهم، فننشدكم الله فإنكم إن دخلتم أخرتموهم عنه، والله لا يدخل عليه أحد إلا من

دُعي. وعن علي بن الحسين رضي الله عنهما قال: نادت الأنصار: إن لنا حقاً فإنما هو ابن أختنا، ومكاننا في الإِسلام مكاننا، وطلبوا إلى أبي بكر، فقال: القوم أولى به، فاطلبوا إلى علي وعباس فإنه لا يدخل عليهم إلا من أرادوا. حديث ابن عباس في ذلك وأخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم ثَقُل وعنده عائشة وحفصة إذ دخل عليٌّ، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم رفع رأسه ثم قال: «ادنُ مني، دانُ مني» فأسنده إليه، فلم يزل عنده حتى توفي. فلما قضَى قام علي وأغلق البا، وجاء العباس رضي الله عنه ومعه بنو عبد المطلب فقاموا على الباب، فجعل علي يقول: بأبي أنت، طبت حياً، وطبت متياً وسطعت ريح طيبة لم يجدوا مثلها فقال: إيهاً، دَعْ خنيناً كخنين المرأة، وأقبلوا على صاحبكم. قال علي: أدخلوا عليَّ الفضل بن العباس، فقالت الأنصار: نشدناكم بالله ونصيبنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدخلوا رجلاً منهم يقال له أوس بن خَولي يحمل جرة بإحدى يديه. فسمعوا صوتاً في البيت: لا تجردوا رسول الله صلى الله عليه وسلم واغسلوه كما هو فيقيمصه. فغسله علي يدخل يده من تحت القميص، والفضل يمسك الثوب عنه، والأنصاري ينقل الماء، وعلى يد علي خِرْقة يدخل يده تحت القميص. قال الهيثيم: فيه يزيد بن أبي زياد وهو حسن الحديث على ضعفه، وبقية رجاله ثقات. وروى ابن ماجه بعضه. انتهى. وأخرجه ابن سعد عن عبد الله بن الحارث بمعناه.

كيفية الصلاة عليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم

كيفية الصلاة عليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم حديث ابن عباس في ذلك أخرج ابن إسحاق عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم أُدخل الرجال فصلَّوا عليه بغير إمام أرسالاً، حتى فرغوا، ثم أُدخل النساء فصلَّين عليه، ثم أُدخل الصبيان فصلَّوا عليه، ثم أُدخل العبيد فصلَّوا عليه أرسالاً، لم يؤمَّهم على رسول الله أحد. حديث سهل بن سعد في ذلك وأخرج الواقدي عن سهل بن سعد قال: لما أُدرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكفانه وضع على سريره، ثم وضع على شفير حفرته، ثم كان الناس يدخلون عليه رفقاء رفقاء لا يؤمهم عليه أحد. قال الواقدي: حدثني موسى بن محمد بن إبراهيم قال: وجدت كتاباً بخط أبي فيه: أنه لمّا كُفِّن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضع على سريره دخل أبو بكرو عمر رضي الله عنهما ومعهما نفر من المهاجرين والأنصار بقدر ما يسع البيت، فقالا: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، وسلَّم المهاجرون والأنصار كما سلم أبو بكر وعمر. ثم صفُّوا صفوفاً لا يؤمهم أحد. فقال أبو بكر وعمر - وهما في الصف الأول حِيال رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ: اللهم إنا نشهد أنه قد بلّغ ما أنزل إليه، ونصح لأمته وجاهد في سبيل الله حتى أعز الله دينه، وتمت كلمته وأومنَ به وحده لا شريك له، افجعلنا إلهنا ممن يتبع القول الذي أُنزل معه، وأجمع بيننا وبينه حتى تعرِّفه بنا وتعرِّفنا

بكاء أبي بكر وخطبته رضي الله عنه

به، فإنه كان بالمؤمنين رؤوفاً رحيماً، لا نبتغي بالإِيمان به بديلاً، ولا نشتري به ثمناً أبداً. فيقول الناس: آمين آمين ويخرجون ويدخل آخرون، حتى صلّى الرجال، ثم النساء، ثم الصبيان. كذا في البداية. وأخرجه ابن سعد أيضاً عن الواقدي عن موسى بن محمد بن إبارهيم بن الحارث التَّيمي نحوه. حديث علي في ذلك وأخرج ابن سعد أيضاً عن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده عن علي رضي الله عنه قال: لما وُضِع رسول الله صلى الله عليه وسلم على السري قال: لا يقوم عليه أحد، هو إمامكم حياً وميتاف، فكان يدخل الناس رسلاً رَسَلاً فيصلُّون عليه صفاً صفاً ليس لهم إمام ويكبرون، وعلي قائم بحيال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: السلام عليك أيُّها النبي ورحمة الله وبركاته، اللهمَّ إن نشهد أن قد بلغ ما نُزِّل إليه، ونصح لأمته، وجاهد في سبيل الله حتى أعز الله دينه وتمت كلمته. اللهمَّ فاجعلنا ممن يتبع ما أُنزل إليه، وثبتنا بعده، وأجمع بيننا وبينه. فيقول الناس: آمين، حتى صلّى عليه الرجال، ثم النساء، ثم الصبيان. كذا في الكنزل. حال الصحابة عند وفاته صلى الله عليه وسلم وبكاؤهم على فراقه بكاء أبي بكر وخطبته رضي الله عنه أخرج ابن خسرو عن أنس رضي الله عنه قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصبح أبو بكر رضي الله عنه يرى الناس يترامسون، فأمر غلامه يستمع ثم

حزن عثمان رضي الله عنه

يخبره. فقال سمعتهم يقولون: مات محمد، فاشتد أبو بكر وهو يقول: وا انقطاع ظهري، فما بلغ المسجد حتى ظنُّوا أنه لم يبلغ. كذا في الكنزل. وأخرج عبد الرزاق وابن سعد وابن أبي شيبة وأحمد والبخاري وابن حِبَّان وغيرهم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه خرج حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر رضي الله عنه يكلِّم الناس، فقال: اجلس يا عمر، فتشهَّد ثم قال: أما بعد: فمن كان منكم يعبد محمداً صلى الله عليه وسلم فإنَّ محمداً قد مات، ومن كان منكم يعبد الله فإنَّ الله تعالى حي لا يموت، فإنَّ الله تعالى قال: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ} {أفإن مات أو قتل على أعقابكم} - الآية. قال: والله لكأنَّ النسا لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر، فتلقَّاها منه الناس كلهم، فما تسمع بشراً من الناس إلاَّ يتلوها: وقال عمر بن الخطاب: والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها، فعقِرت حتى ما تُقلني رجلاي، وحتى أهويت إلى الأرض وعرفت حين سمعته تلاها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات. كذا في الكنز. حزن عثمان رضي الله عنه وأخرج ابن سعد عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: توفي رسول

الله صلى الله عليه وسلم فحزن عليه رجال من أصحابه حتى كاد بعضهم يوسوس، فكنب ممن حزن عليه، فبينا أنا جالس في أُطم من آطام المدينة - وقد بويع أبو بكر - إذ مرّ بي عمر فلم أشعر به لِمَا بي من الحزن، فانطلق عمر حتى دخل على أبي بكر فقال: يا خليفة رسول الله، ألا أعجِّبك مررت على عثمان فسلمتُ عليه فلم يرد عليَّ السلام - فذكر الحديث بطوله كما سيأتي في السلام. حزن علي رضي الله عنه وأخرج ابن سعد عن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع رضي الله عنه قال: جاء علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوماً متقنعاً متحازناً، فقال أبو بكر رضي الله عنه: أراك متحازناً، فقال علي: إنه عَنَاني ما لم يُعِنْك قال أبو بكر: اسمعوا ما يقول أنشدكم الله أترَوْن أحداً كان أحزن على رسول الله صلى الله عليه وسلم مني؟ بكاء أم سلمة رضي الله عنها وأخرج الواقدي عن أم سَلَمة رضي الله عنها قالت: بينا نحن مجتمعون نبكي لم ننم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيوتنا ونحن نتسلَّى برؤيته على السرير؛ إذ سمعنا صوت الكرارين في السَّحر؛ قالت أم سلمة: فصحنا وصاح أهل المسجد، فارتجت المدينة صيحة واحدة، وأذَّن بلال بالفجر، فلما ذكر

ضجيج أهل المدينة بالبكاء

النبيَّ صلى الله عليه وسلم بكى وانتحب، فزادنا حزناً، وعالج الناس الدخول إلى قبره فغُلِّق دونهم، فيا لها من مصيبة ما أصبنا بعدها بمصيبة إلا هانت إذا ذكرنا مصيبتنا به صلى الله عليه وسلم كذا في البداية، ورواه ابن سعد مختصراً. ضجيج أهل المدينة بالبكاء وأخرج ابن منده وابن عساكر عن أبي ذؤيب الهذلي قال: قدمت المدينة ولأهلها ضجيج بالبكاء كضجيج الحجيج أهلُّوا جميعاً بالإِحرام فقلت: مَهْ؟ فقالوا: قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا في الكنزل. وأخرجه ابن إسحاق بطوله، كما سنذكر فيما قالت الصحابة على وفاته صلى الله عليه وسلم حال الصحابة بمكة لما بلغهم الخبر وأخرج سيف وابن عساكر عن عبيد الله بن عمير رضي الله عنه قال: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى مكة وعملها عَتَّاب بن أسيد رضي الله عنه، فلما بلغهم موت النبي صلى الله عليه وسلم ضجَّ أهل المسجد، فخرج عتَّاب حتى دخل شعباً من شعاب مكة. فأتاه سهيل بن عمرو رضي الله عنه فقال: قم في الناس فتكلَّم، فقال: لا أطيق الكلام بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فاخرج معي فأنا أكفيكَه. فخرجا حتى أتيا المسجد الحرام، فقام سهيل خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه وخطب بمثل خطبة أبي بكر رضي الله عنه لم يخرِم عنها شيئاً. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه - وسهيل بن عمرو رضي الله عنه

حال فاطمة رضي الله عنها

في الأسرى يوم بدر -: «ما يدعوك إلى أن تنزع ثناياه؟ دَعْه، فعسى الله أن يقيمة مقاماً يسرك» فكان ذلك المقام الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم وضُبط عمل عَتَّاب وما حوله. كذا في الكنز. حال فاطمة رضي الله عنها وأخرج ابن سعد عن أبي جعفر رضي الله عنه قال: ما رأيت فاطمة رضي الله عنها ضاحكة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنها قد تُمودي في طرف فيها. ما قالت الصحابة على وفاته صلى الله عليه وآله وسلم قول أبي بكر: اليوم فقدنا الوحي أخرج أبو إسماعيل الهروي في دلائل التوحيد عن محمد بن إسحاق عن أبيه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال عند وفات النبي صلى الله عليه وسلم اليوم فقدنا الوحي ومِنْ عند الله عز وجل الكلام. كذا في الكنزل. قول أم أيمن في فقدان الوحي وأخرج أحمد عن أنس أنَّ أم أيمن - رضي الله عنها -بكت لما قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل لها: ما يبكيك على النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني قد علمتُ أنَّ رسول الله سيموت، ولكني إنما أبكي على الوحي الذي رفع عنا. وعند البيهقي من حديثه قال أبو بكر رضي الله عنها - بكت لما قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل لها: ما يبكيك على النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني قد علمتُ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سيموت، ولكني إنما أبكي على الوحي الذي رفع عنا. وعند البيهقي من حديثه قال أبو بكر رضي الله عنه بعد وفات النبي صلى الله عليه وسلم

لعمر رضي الله عنه: انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها. فلما انتهينا إليها بكت، فقالا لها: ما يبكيك؟ ما عند الله خير لرسوله، قالت: والله ما أبكي أن لا أكون أعلم أن ما عند الله خير لرسوله، ولكن أبكي أن الوحي انقطع من السماء، فيهَّجتهما على البكاء، فجعلا يبكيان. كذا في ابداية. وأخرجه أيضاً ابن أبي شيبة ومسلم وأبو يعلى وأبو عوانة عن أنس مثله، كما في الكنز، وابن سعد عن أنس نحون. وعند ابن أبي شيبة عن طارق رضي الله عنه قال: لما قُبض النبي صلى الله عليه وسلم جعلت أم أيمن رضي الله عنها تبكي، فقيل لها: لم تبكين يا أم أيمن؟ قالت: أبكي على خبر السماء انقطع عنا. كذا في الكنز. وأخرجه أيضاً ابن سعد بسند صحيح عن طارق نحو. وعند موسى بن عقبة قالت: إنما أبكي على خبر السماء كأن يأتينا غضاً جديداً كل يوم وليلة فقد انقطع ورفع، فعليه أبكي. فعجب الناس من قولها. كذا في البداية. قول معن بن عدي وأخرج مالك عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: بكى الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مات، وقالوا: والله وددنا أنا متنا قبله ونخشى أن نفتتن بعده. فقال

قول فاطمة ابنته عليه السلام

معن بن عديّ: لكني - والله - ما أحب أن أموت قبله لأصدِّقه ميتاً كما صدَّقته حياً. كذا في البداية. وأخرجه ابن عبد البر في الاستيعاب من طريق مالك نحوه. قال في الإِصابة: وسعيد بن هاشم - أي راوي الحديث عن مالك - ضعيف، والمحفوظ مرسل عروة. انتهى. وقد أخره ابن سعد عن عروة نحوه. قول فاطمة ابنته عليه السلام وأخرج البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم جعل يتغشَّاه الكرب، فقالت فاطمة رضي الله عنها: واكَرْب أبتاه فقال لها: «ليس على أبيك كرب بعد اليوم» ، فلما مات قالت: وا أبتاه، أجاب ربا دعاه. يا أبتاه، من جنةُ الفردوس مأواهُ. يا أبتاه، إلى جبريل ننعاه. فلما دُفن قالت فاطمة: يا أنس، أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب؟ وعند أحمد قالت فاطمة رضي الله عنها: يا أنس، أطابت أنفسكم أن دفنتم رسول الله صلى الله عليه وسلم في التراب ورجعتم؟ قال حماد: فكان ثابت إذ حدَّث بهذا الحديث بكى حتى تختلف أضلاعه. كذا في البداية. وأخرج أيضاً ابن عساكر وأبو يعلى عن أنس نحو حديث البخاري كما في الكنز. وأخرجه

ابن سعد عنه نحوه. أشعار صفية عمته عليه السلام وأخرج الطبراني عن عروة قال: قالت صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها ترثي رسول الله صلى الله عليه وسلم لهف نفسي وبتُّ كالمسلوبِ ... أرقب الليل فَعْلة المحروب من هموم وحسرة أرقتني ... ليت أنِّي سقيتها بشَعوب حين قالوا إنَّ الرسول قد أمسى ... وافقته منية المكتوب حين جئنا لآل بيت محمد ... فأشاب القَذال أيّ مشيب حين رَيْنا بيوته موحشات ... ليس فيهن بعد عيش غريب فعراني لذاك حزن طويل ... خالط القلب فهو كالمرعوب وقالت أيضاً: ألا يا رسول الله كنت رخاءنا ... وكنت بنا براً ولم تَكُ جافياً

وكان بنا براً رحيماً نبينا ... ليَبْك عليك اليوم من كان باكيا لمري ما أبكي النبي لموته ... ولكن لهرج كان بعدك آتيا كأن على قلبي لفقد محمد ... ومن حبه من بعد ذاك المكاويا أفاطمَ صلَّى الله ربُّ محمد ... على جَدَث أمسى بيثرب ثاويا أري حَسَنا أيتمتَه وتركته ... يبكِّي ويدعو جدَّه اليوم نائبا فدىً لرسول الله أمي وخالتي ... وعمي ونفسي قصره وعياليا صبرت وبلَّغت الرسالة صادقاً ... ومتَّ صليب الدين أبلج صافيا فلو أنَّ رب العرش أبقاك بيننا ... سعدنا ولكن أمره كان ماضيا عليك من الله السلام تحيةً ... وأدخلت جنات من العَدن راضيا لغاية ص 45 تابع قال الهيثيم: رواه الطبراني وإسناده حسن. انتهى. وعند الطبراني عن محمد بن علي بن الحسين قال: لما قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجت صفية رضي الله عنها تلمع بردائها وهي تقول: قد كان بعدك أنباء وهنَبثة لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح إلا أن محمد لم يدرك صفية. انتهى.

وأخرج البخاري والبغَوي عن غُنيم بن قيس قال: سمعت من أبي كلمات قالهن لما مات النبي صلى الله عليه وسلم وهي: لا لي الويلُ على محمد ... قد كنت في حياته بمقَعدْ أبيت ليلي آمناً إلى الغدْ كذا في الإِصابة. وأخرجه البزَّار نحون. قال الهيثيم: رجاله رجال الصحيح غير بشر بن آدم وهو ثقة، وأخرجه ابن سعد بمعناه. بكاء الصحابة على ذكره صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما وقع بين عمرو عجوز في ذلك أخرج ابن المبارك وابن عساكر عن زيد بن أسلم قال: خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة يحرس، فرأى مصباحاً في بيت، فدنا فإذا عجوز تطرق شعراً لها لتغزله - أن تنفشه بقدح - وهي تقول: على محمد صلاة الأبرارْ ... صلى عليك المصطفون الأخيارْ قد كنت قوّاماً بَكِيَّ الأسحارْ ... يا ليت شعري والمنايا أطوارْ هل تجمعني وحبيب الدارْ

- تعني النبي صلى الله عليه وسلم ـ. فجلس عمر يبكي، فما زال يبكي حتى قرع الباب عليها، فقالت: من هذا؟ قال: عمر بن الخطاب، قالت: ومنا لي ولعمر؟ وما يأتي بعمر هذه الساعة؟ قال: افتحي رحمك الله فلا بأس عليك، ففتحت له فدخل، فقال: ردِّي عليَّ الكلمات التي قلت آنفاً، فردَّته عليه. فلما بلغت آخره قال: أسألك أن تدخليني معكما، قالت: وعمر، فاغفر له يا غفار، فرضي ورجع. كذا في منتخب الكنز. كيفية ابن عمر وأنس على ذكره عليه السلام وأخرج ابن سعد عن عاصم بن محمد عن أبيه قال: ما سمعت ابن عمر رضي الله عنهما ذاكراً رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ابتدرت عيناه تبكيان. وأخرج ابن سعد عن المثنَّى بن سعيد الذارع قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: ما من ليلة إلا وأنا أرى فيها حبيب ثم يبكي. ضرب الصحابة شاتمه صل الله عليه وعلى آله وسلم ما وقع بين غَرَفة الكندي وعمرو بن العاص في ذلك أخرج ابن المبارك عن حرملة بن عمران عن كعب بن علقمة أن غرفة بن الحارث الكندي رضي الله عنه - وكانت له صحبة من النبي صلى الله عليه وسلم ـ سمع نصرانياً يشتم النبي صلى الله عليه وسلم فضربه ودقَّ أنفه، فرُفع إلى عمرو بن العاص رضي

الله عنه فقال له: إنا قد أعطيناهم العهد، فقال له غرفة: معاذ الله أن نعطيهم العهد على أن يظهروا شتم النبي صلى الله عليه وسلم وإنما أعطيناهم العهد على أن نخلِّي بينهم وبين كنائسهم يقولون فيها ما بدا لهم، وأن لا نحمِّلهم ما لا يطيقون، وإن أرادهم عدو قاتلنا دونهم، وعلى أن نخلِّي بينهم وبين أحكامهم إلا أن يأتونا راضين بأحكامنا، فنحكم فيهم بحك مالله عز وجل وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم وإن اعتنوا عنَّا لم نعرض لهم. فقال عمرو: صدقت. كذا في الاستيعاب. وأخرجه البخاري في تاريخه عن نُعيم بن حمّاد عن عبد الله بن المبارك عن حرملة بإسناده نحوه، وإسناده صحيح، كما في الإِصابة. وأخرجه الطبراني عن غرفة بن الحارث رضي الله عنه - وكانت له صحبة وقاتل مع عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه باليمن في الردّة - أنه مرَّ بنصراني من أهل مصر يقال له المندقون، فدعاه إلى الإِسلام، فذكر النصراني النبي صلى الله عليه وسلم فتناوله، فرفع ذلك إلى عمرو بن العاص رضي الله عنه، فأرسل إليه فقال: قد أعطيناهم العهد - فذكر نحوه. قال الهيثمي: وفيه عبد الله بن صالح كاتب الليث. قال: عبد الملك بن سعيد الليث ثقة مأمون وضعَّفه جماعة وبقية رجاله ثقات اهـ. وأخرجه البيهقي نحوه.

امتثال أمره صلى الله عليه وآله وسلم

وعند ابن عساكر عن كعب بن علقمة أنَّ غرفة بن الحارث الكندي رضي الله عنه - وكانت له صحبة من النبي صلى الله عليه وسلم ـ مرَّ على رجل كان له عهد، فدعاه غرفة إلى الإِسلام، فسبَّ النبي صلى الله عليه وسلم فقتله غرفةُ. فقال له عمرو بن العاص رضي الله عنه: إنَّما يطمئنون إلينا للعهد؛ قال: وما عاهدناهم على أن يؤذونا في الله ورسوله - فذكر الحديث. امتثال أمره صلى الله عليه وآله وسلم امتثال أمره في سرية نخلة أخرج البيهقي من طريق ابن إسحاق عن يزيد بن رُومان عن عروة بن الزبير رضي الله عنهما قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن جحش رضي الله عنه إلى نخلة، فقال له: «كُنْ بها حتى تأتينا بخبر من أخبار قريش» ولم يأمره بقتال، وذلك في الشهر الحرام، وكتب له كتاباً قبل أن يعلمه أين يسير، فقال: «اخرج أنت وأصحابك، حتى إذا سرت يومين فافتح كتابك وانظر فيه، فما أمرتك فيه فامض له، ولا تَستكرهَنَّ أحداً من أصحابك على الذهاب معك» . فلَّما سار يومين فتح الكتاب فإذا فيه أن «امضِ حتى تنزل نخلة فتأتينا من أخبار قريش بما يصل إليك منهم» ، فقال لأصحابه حين قرأ الكتاب: سمعٌ وطاعةٌ، من كان منكم له رغبة في الشهادة فلينطلق معي فإني ماضٍ لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن كره ذلك منكم فليرجع فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهاني أن أستكره منكم أحداً. فمضى معه القوم حتى إذا كان ببُحران أضلَّ سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان رضي الله عنه عنهما بعيراً لهما كانا يتعقبانه، فتخلَّفاً عليه يطلبانه، ومضى القوم حتى نزلوا نخله، فمر بهم عمرو بن الحضرمي والحكم بن كيسان وعثمان والمغيرة ابنا عبد الله معهم تجارة قدموا بها من الطائف أدَمٌ وزبيب، فلما رآهم القوم أشرف لهم واقد بن عبد الله رضي الله عنه وكان قد حلق رأسه، فلما

رأوه حليقاً قالوا: عُمَّار ليس عليكم منهم بأس، وائتمر القوم بهم - يعني أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ في آخر يوم من رجب. فقالوا: لئن قتلتموهم إنكم لتقتلونهم في الشهر الحرام، ولئن تركتموهم ليدخلنَّ في هذه الليلة الحرم فليمتنعنَّ منكم، فأجمع القوم على قتلهم، فرمى واقد بن عبد الله التميمي عمرو بن الحضرمي. بسهم فقتله، واستأسر عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان، وهرب المغيرة وأعجزهم، واستاقوا العير فقدموا بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم: «والله ما أمرتكم بالقتال في الشهر الحرام» فأوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسيرين والعير فلم يأخذ منها شيئاً. فلما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أسقط في أيديهم وظنوا أن قد هلكوا، وعنَّفهم إخوانهم من المسلمين، وقالت قريش حين بلغهم أمر هؤلاء: قد سفك محمد الدم في الشهرا الحرام، وأخذ فيه المال، وأسر فيه الرجال، واستحل الشهر الحرام فأنزل الله في ذلك: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} {قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} {وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} {وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ} {أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} (سورة البقرة، الآية: 217) يقول: الكفر بالله أكبر من القتل. فلما نزلت ذلك أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم العير وفدَى الأسيرين، فقال المسلمون: أتطمع لنا أن تكون غزوة؟ فأنزل الله فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ} -إلى قوله: {أُوْلئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ} (سورة البقرة، الآية: 218) - إلى آخر الآية، وكانوا ثمانية وأميرهم التاسع عبد الله بن جحش رضي الله عن. وأخرج أبو نُعيم

امتثال أمره عليه السلام في الخروج إلى بني قريظة

هذه القصة من طريق أبي سعيد البقّال عن عكرمة عن ابن عباس مطوَّلة. وكذا أخرجها الطبري من طريق أسباط ابن نصر عن السدِّي، كما في الإِصابة. وأخرج البيهقي أيضاً عن جُندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رَهْطاً واستعمل عليهم عُبيدة بن الحارث رضي الله عنه. قال: فلما انطلق ليتوجه بكى صبابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث مكانه رجلاً يقال له عبد الله بن جحش رضي الله عنه، وكتب له كتاباً وأمره أن لا يقرأه إلا لمكان كذا وكذا/ «لا تكرهنَّ أحداً من أصحابك على المسير معك» . فلما صار إلى ذلك الموضع قرأ الكتاب واسترجع، وقال: سمعاً وطاعة لله ورسوله. قال: فرجع رجلان من أصحابه، ومضى بقيتهم معه فلقُوا ابن الحضرمي فقتلوه، فلم يُدْر ذلك من رجب أو من جمادي الآخرة. فقال المشركون: قتلهم في الشهر الحرام، فنزلت: «يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير» - إلى قوله: «والفتنة أكبر من التقل» . قال: فقال بعض المسلمين: لئن كانوا أصابوا خيراً ما لهم أجر، فنزلت: {إِنَّ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ} {وجاهدوا في سبيل ايرجون رحمة اوا غفور رحيم} وأخرجه ابن أبي حاتم عن جنب ابن عبد الله نحوه، كما في البداية. امتثال أمره عليه السلام في الخروج إلى بني قريظة وأخرج البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله

صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: «لا يصلينَّ أحد العصر إلاَّ في بني قُريظة. فأدرك بعضهم العصر في الطريق، فقال بعضهم: لا نصلِّي العصر حتى نأتيها. وقال بعضهم: بلى نصلِّي لم يرد منا ذلك. فذُكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنِّف واحداً منهم. وهكذا رواه مسلم. وأخرج الطبراني عن كعب بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من طلب الأحزاب رجع فلبس لأمته واستجمر. زاد دُحَيم في حديثه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «فنزل جبريل عليه السلام فقال: عذيرَك من مُحارب ألا أراك قد وضعت اللأمة وما وضعناها بعد» فوثب رسول الله صلى الله عليه وسلم فزعاً فعزم على الناس أن لا يصلُّوا العصر إلاَّ في بني قريظة، فلبسوا السلاح وخرجوا، فلم يأتوا بني قُريظة حتى غربت الشمس. واختصم الناس في صلاة العصر، فقال بعضهم: صلُّوا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرد أن تتركوا الصة. وقال بعضهم: عز علينا أن لا نصلِّي حتى نأتي بني قريظة، وإنما نحن في عزيمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس علينا إثم. فصلَّت طائفة العصر إيماناً واحتساباً. وطائفة لم يصلوا حتى نزلوا بني قريظة بعدما غربت الشمس فصلَّوها إيماناً واحتساباً. فلم يعنِّف رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدة من الطائفتني. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير ابن أبي الهذيل وهو ثقة اهـ. وأخرجه البيهقي نحوه عن

امتثال أمره عليه السلام يوم حنين

عبيد الله بن كعب بن مالك ومن حديث عائشة رضي الله عنها أطول منه، كما في البداية. امتثال أمره عليه السلام يوم حنين وأخرج البيهقي عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين حين رأى من الناس ما رأى: «يا عباس، ناد: يا معشر الأنصار، يا أصحاب الشجرة» فأجابوه: لبيك، لبيك. فجعل الرجل يذهب ليعطف بعيره فلا يقدر على ذلك، فيقذل درعه في عنقه، ويأخذ سيفه وترسه، ثم يؤم الصوت، حتى اجتمع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم مائة، فاستعرض الناس فاقتتلوا. وكانت الدعوة أول ما كانت للأنصار، ثم جُعلت آخراً للخزرج، وكانوا صُبراً عند الحرب، وأشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركائبه فنظر إلى مُجْتَلَد القوم، فقال: الآن حمي الوطيس. قال: فوالله ما راجعه الناس إلا والأسارى عند رسول الله صلى الله عليه وسلم مكتَّفون، فقتل الله منهم من قتل، وانهزم منهم من انهزم، وأفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم أموالهم وأبناءهم كذا في البداية. وعند ابن وَهْب من حديث العباس رضي الله عنه - فذكره وفيه: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أي عباس، نادِ أصحاب السَّمُرة» قال: فواا لكأنَّما عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقرة على أولادها، فقالوا: يا لبيكاه، يا لبيكاه ورواه مسلم عن

ابن وهب. كذا في البداية وقد أخرج ابن سعد حديث العباس بطوله - فذكر نحوه. ما وقع بين الصحابة وبين أبي سفيان في نقض صلح الحديبية وأخرج ابن أبي شَيْبة عن عكرمة رضي الله عنه قال: لما وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مكة، وكانت خُزاعة حِلْف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية وكانت بنو بكر حلف قريش، فدخلت خزاعة في صلح رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخلت بنو بكر في صلح قريش، وكان بين خزاعة وبين بني بكر قتال: فأمدتهم قريش بسلاح وطعام وطلعوا عليهم، فظهرت بنو بكر على خزاعة وقتلوا منهم، فخافت قريش أن يكونوا قد نقضوا، فقالوا لأبي سفيان: اذهب إلى محمد فأجِزِ الحلف، وأصلح بين الناس. فانطلق أبو سفيان حتى قدم المدينة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «قد جاءكم أبو سفيان وسيرجع راضياً بغير حاجة» . فأتى أبا بكر رضي الله عنه فقال: يا أبا بكر، أجزِ الحلف وأصلح بين الناس، قال: ليس الأمر إليَّ، الأمر إلى الله وإلى رسوله. وأتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال له نحواً مما قال لأبي بكر، فقال له عمر: أَنَقْضُهم، فما كان منهذ جديداً فأبلاه الله وما كان منه شديداً - أو قال: ثبتاً - فَقَطعه الله. فقال أبو سفيان: ما رأيت كاليوم شاهد عشيرة. ثم أتى فاطمة رضي الله عنها فقال: يا فاطمة هل لك في أمر تسودين فيه نساء قومك؟ ثم ذكر لها نحواً مما ذكر لأبي بكر، فقالت: لي الأمر إليَّ، الأمر إلى الله وإلى رسوله. ثم أتى علياً رضي الله عنه فقال له نحواً مما قال لأبي بكر،

عمل الصحابة بأسارى بدر

فقال له علي: ما رأيت كاليوم رجلاً أضلَّ، أنت سيد الناس فأجِزِ الحلف وأصلح بين الناس، فضرب بإحدى يديه على الأخرى وقال: قد أجرت الناس بعضهم من بعض. ثم ذهب حتى قدم على أهل مكة فأخبرهم بما صنع فقالوا: والله ما رأينا كاليوم وافد قوم، والله ما أتيتنا بحرب فنحذر، ولا أتيتنا بصلح فنأمن. فذكر الحديث في فتح مكة، كما في منتخب كنز العمال. عمل الصحابة بأسارى بدر وأخرج الطبراني في الكبير والصغير عن أبي عزيز بن عمير أخي مصعب بن عمير رضي الله عنهما قال: كنت في الأسرى يوم بدر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «استوصوا بالأسَارى خيراً» . وكنت في نفر من الأنصار، فكانوا إذا قدَّموا غداءهم وعشاءهم أكلوا التمر وأطعموني البر لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الهيثمي: إسناده حسن. قصة ابن رواحة في سرعة امتثال أمره عليه السلام وأخرج ابن عساكر عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن عبد الله بن رواحة رضي الله عنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو يخطب، فسمعه وهو يقول: «اجلسوا» فجلس مكانه خارجاً عن المسجد حتى فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من خطبته، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: «زادك الله حرصاً على طواعية الله وطواعية رسوله» . كذا في الكنز. وأخرجه البيهقي أيضاً نحوه عن عبد الرحمن بسند

امتثال عبد الله بن مسعود لأمره عليه السلام

الصحيح، كما في الإصابة. وأخرجه ابن عساكر أيضاً عن عائشة رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس على المنبر يوم الجمعة، فقال: «اجلسوا» فسمع عبد الله بن رواحة رضي الله عنه قول النبي صلى الله عليه وسلم «اجلسوا» فجلس في بني غَنْم، فقيل: يا رسول الله، ذاك ابن رواحة سمعتك وأنت تقول لناس اجلسوا فجلس في مكانه. كذا في الكنز. وهكذا أخرجه الطبراني في الأوسط، والبيهقي من حديث عائشة. قال الهيثمي: وفيه إبراهيم بن إسماعيل بن مُجمِّع وهو ضعيف، وقال في الابصابة: والمرسل أصح. امتثال عبد الله بن مسعود لأمره عليه السلام وأخرج ابن أبي شيْبَة عن عطاء رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال للناس: «اجلسوا» ، فسمعه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وهو على الباب فجلس؛ فقال: «يا عبد الله ادخل» كذا في الكنزل. وأخرجه ابن عساكر عن جابر رضي الله عنه قال: لما استوى رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يوم الجمعة قال: «اجلسوا فسمع ذلك ابن مسعود رضي الله عنه فجلس عند باب المسجد فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «تعال يا عبد الله بن مسعود. كذا في الكنز. هدم القبة العالية لكراهيته عليه السلام لها وأخرج أبو داود عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوماً

قصة قطع خريم جمته ورفعه أزاره

ونحن معه، فرأى قبة مشرفة فقال: ما هذه؟ قال له أصحابه: هذه لفلان - رجل من الأنصار - قال: فسكت وحملها في نفسه، حتى إذا جاء صاحبها رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلِّم عليه فيا لناس فأعرض عنه، فعل ذلك مراراً حتى عرف الرجل الغضب فيه والإِعراض عنه، فشكا ذلك إلى أصحابه، فقال: والله إني لأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: خرج فرأى قبتك. قال: فرجع الرجل إلى قبته فهدمها حتى سواها بالأرض؛ فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فلم يرها قال: «ما فعلت القبّة؟» قالوا: شكا إلينا صاحبها إعراضك عنه فأخبرناه فهدمها، فقال: «أما إنَّ كل بناء وبال على صاحبه إلا ما لا إلا ما لا» - يعني ما لا بد منه - وأخرجه ابن ماجه مختصراً وفي روايته: فمر النبي صلى الله عليه وسلم بعد فلم يرها، فسأل عنها فأخبر أنه وضعها لما بلغه، فقال: «يرحمه الله، يرحمه الله» . إحراق الريطة المضرجة لكراهيته عليه السلام لها وأخرج الدولابي في الكُنى عن عمرو بن شُعَيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: انطلقت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عقبة أذاخر وعليَّ ريْطة مُضَرَّجة. فالتفت إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ما هذا الثوب؟» فعرفت كراهيته، فأتيت رَحْلي وهم يسجُرون التنور فألقيتها فيه، ثم أتيته فقال: «ما فعلت الرَيْطة؟» فقلت: ألقيتها في التنور. قال: «أفلا أعطيتها بعض أهلك؟» . قصة قطع خُرَيم جُمّتَهُ ورفعه أزاره وأخرج أحمد والبخاري في التاريخ وابن عساكر عن سهل بن

قصة محمد بن أسلم في الامتثال

الحنظلية العَبْشَمي رضي الله عنه قال: قال لي العَبْشَمي رضي الله عنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم «نعم الرجل خريم الأسديّ لولا طول جُمَّته وإسبالُ إزاره» فبلغ ذلك خُرَيماً فأخذ شفرة فقطع جُمّته إلى أنصاف أذنيه، ورفع إزاره إلى أنصاف ساقيه.h كذا في الكنز. نزول الكناني عن كرسي الذهب امتثالاً لأمره عليه السلام وأخرج أبو نُعيم عن الكناني رسول عمر رضي الله عنهما إلى هرقل، وكان يقال له جثُّامة بن مُساحِق بن الربيع بن قيس الكناني. قال: جلست فلم أدرِ ما تحتي، فإذا تحتي كرسي من ذهب فلما رأيته نزلن عنه فضحك. فقال لي: لم نزلت عن هذا الذي أكرمناك به؟ فقلت: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذا. كذا في الكنزل. وأخرجه ابن مَنْده نحوه كما في الإِصابة. حديث رافع بن خَدِيج في الامتثال وأخرج عبد الرزاق عن رافع بن خَدِيج رضي الله عنه قال: دخل عليَّ خالي يوماً فقال: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم عن أمر كان لكم نافعاً، وطواعية الله ورسوله أنفع لنا وأنفع لكم - فذكر الحديث في كراء الأرض كما في كنز العمال. قصة محمد بن أسلم في الامتثال وأخرج الحسن بن سفيان وأبو نعيم في المعرفة عن عبد الله بن أبي بكر

بن محمد بن عمرو بن حزم عن محمد بن أسلم بن بجرة أخي بلحارث بن الخزرج - رضي الله عنه - وكان يخاً كبيراً. قد حدَّث نفسُه قال: إنْ كان ليدخل المدينة فيقضي حاجته بالسوق ثم يرجع إلى أهله، فإذا وضع رداءه ذكر أنه لم يصلِّ في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: والله ما صلَّيت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين، فإنه قد قال لنا: «من هبط منكم هذه القرية فلا يرجعنَّ إلى أهله حتى يركع في هذا المسجد ركعتين» . كذا في الكنز. وأخرج ابن مَنْده وقال: غريب؛ والطبراني إلا أنه سماه مسلم بن أسلم، كما في الإِصابة. قصة فتاة أنصارية في الامتثال وأخرج سعيد بن منصور وابن النجار عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: خطبت جارية من الأنصار فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال لي: «رأيتها؟» فقلت: لا، قال: «فانظر إليها فإنه أحرَى أن يُؤدَم بينكما» . فأتيتها فذكرت ذلك لوالديها، فنظر أحدهما إلى صاحبه. فقمت فخرجت، فقالت الجارية: عليَّ الرجل، فوقفتْ ناحية خِدْرها، فقالت: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرك أن تنظر إليَّ فانظر، وإلاّ فإني أحرِّج عليك أنت نظر. فنظرت إليها فتزوجتها فما تزوجت امرأة قط كانت أحب إليَّ منها ولا أكرم عليَّ منها، وقد تزوجت سبعين امرأة كذا في الكنز.

امتثال أبي ذر لأمره عليه السلام في معاملة الخدم وأخرج أبو داود عن المعرور بن سُوَيد قال: رأيت أبا ذر رضي الله عنه الرَّبَذة وعليه بُرْد غليظ وعلى غلامه مثله. قال: فقال القوم: يا أبا ذر، لو كنت أخذت الذي على غلامك فجعلته مع هذا فكانت حُلَّة وكسوت غلامك ثوباً غيره، قال: فقال أبو ذر: إني كنت ساببت رجلاً، وكانت أمه أعجمية فعيَّرته بأمه، فشكاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا أبا ذر، إنك امرؤ فيك جاهلية» فقال: «إنَّهم إخوانكم فضَّلكم الله عليهم، فمن لم يلائمكم فبيعوه ولا تعذِّبوا خلق الله» . وأخرجه الشيخان والترمذي وعندهم: «هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن جعل الله أخاه تحت يده فليطعمه ممايأكل، وليلبسه مما يلبَس، ولا يكلِّفه من العمل ما يغلبه؛ فإن كلَّفه ما يغلبه فلْيعنه عليه» . كذا في الترغيب. وأخرجه البيهقي عن المعرور نحوه، وابن سعد عن عَون بن عبد الله مختصراً. التشديد على من خالف أمره صلى الله عليه وسلم ما وقع بين عمر وابن عوف في لبس الحرير أخرج ابن سعد وابن منيع عن أبي سَلَمة بن عبد الرحمن قال: شكا

عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كثرة القَمْل. وقال: يا رسول الله، تأذن لي أن ألبس قميصاً من حرير؟ قال: فأذن له. فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه، وقام عمر رضي الله عنه؛ أقبل بابنه أبي سلمة وعليه قميص من حرير. فقال عمر: ما هذا؟ ثم أدخل عمر يده في جعيْب القميص فشقَّه إلى سُفله، فقال له عبد الرحمن: أما علمتَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحلَّه لي؟ فقال: إنما أحلَّه لك لأنك شكوت إليه القَمْل، فأما لغيرك فلا. وعند ابن عُيَيٌّة في جامعه ومسدَّد وابن جرير عن أبي سَلَمة قال: دخل عبد الرحمن بن عوف على عمر - رضي الله عنه - ومعه محمد ابنه وعليه قميص من حرير، فقام عمر فأخذ بجَيْبه فشقَّه، فقال عبد الرحمن: غفر اللهلك فقد أفزعت الصبي فأَطَرت قلبه قال: تكسوهم الحيرر؟ قال: فإني ألبس الحرير. قال: فإنهم مثلك؟ كذا في الكنز. تمزيق قميص خالد بن الوليد وجبة خالد بن سعيد وأخرج ابن عساكر عن ابن سيرين أن خالد بن الوليد رضي الله عنه دخل على عمر رضي الله عنه وعلى خالد قميص حرير، فقال له عمر: ما هذا يا خالد؟ قال: وما بله يا أمير المؤمنين؟ أليس قد لبسه ابن عوف؟ قال: فأنت مثل ابن عوف ولك مثل ما لابن عوف؟ عزمتُ على من في البيت إلاَّ أخذ كل واحد منه طائفة مما يليه، فمزّقوه حتى لم يبقَ منه شيء. كذا في كنزل العمال. وقد تقدَّم في تقديم الصحابة أبا بكر رضي الله عنه في الخلافة حديث صخر، وفيه: وقد - أي خالد بن سعيد - بعد وفاته صلى الله عليه وسلم بشهر وعليه جبّة ديباج، فلقي عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما فصاح عمر بمن

يليه: مزَّقوا عليه جبته؛ أيلبس الحرير وهو في رجالنا في السلم مهجور؟ فمزِّقوا جبته. أخرجه الطبري وسَيْف وابن عساكر. قطع عمر ما على الثوب من أزرار الديباج وأخرج ابن جرير عن عَبْد بن أبي لُبابة قال: بلغني أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرَّ في المسجد ورجل قائم يصلِّي عليه طيْلَسان مزرَّر بالديباج. فقام إلى جنبه فقال: طوِّل ما شئت فما أنا ببارح حتى تنصرف. فلما رأى ذلك الرجل انصرف إليه، قال: أرني ثوبك، فأخذه فقطع ما عليه من أزرار الديباج وقال: دونك ثوبك. كذا في الكنز. مجاذبة علي قباء سعيد القارىء ليمزقه وأخرج ابن عساكر عن سعيد بن سفيان القاري قال: توفي أخي وأوصى بمائة دينار في سبيل الله، فدخلت على عثمان بن عفان رضي الله عنه وعنده رجل قاعد وعليَّ قَباءٌ جيبه وفَرّوجُه مكفوف بحرير، فلما رآني ذلك الرجل أقبل يجاذبني قَبائي ليخرقه. فلما رأى ذلك عثمان قال: دَعِ الرجل، فتركني، ثم قال: قد عجَّلتم فسألت عثمان فقلت: يا أمير المؤمنين، توفي أخي وأوصى بمائة دينار في سبيل الله فما تأمرني؟ قال: هل سألت أحداً قبلي؟ قلت: لا، قال: لئن استفتيت أحداً قبلي فأفتاك غير الذي أفتيتك به ضربتُ عنقك. إنَّ الله أمرنا بالإِسلام فأسلمنا كلنا فنحن المسلمون، وأمرنا بالهجرة فهاجرنا فنحن المسلمون، وأمرنا بالهجرة فهاجرنا فنحن المهاجرون أهل المدينة، ثم أمرنا بالجهاد فجاهدتم فأنتم المجاهدون أهل الشام، أنفقها على نفسك وعلى أهلك وعلى ذي الحاجة ممن حولك، فإنه لو خرجتَ بدرهم ثم اشتريت به لحماً فأكلته أنت وأهلك كُتبت لك بسبع مائة درهم؛ فخرجت من عنده. فسألت عن الرجل الذي يجاذبني فقيل: هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فأتيته في منزله فقلت: ما رأيت مني؟ فقال:

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أوْشَك أن تستحل أمتي فروج النساء والحرير» ؛ وهذا أول حرير رأيته على أحد من المسلمين. فخرجت من عنده فبعته، كذا في الكنز. قصة جلد عمر عامله قدامة خال حفصة وأخرج عبد الرزاق عن عبد الله بن عامر بن ربيعة أن عمر رضي الله عنه استعمل قُدامة بن مظعون رضي الله عنه على البحرين وهو خال حفصة وعبد الله بني عمر - رضي الله عنهم، فقدم الجارود - رضي الله عنه - سيد عبد القيس على عمر من البحرين فقال: يا أمير المؤمنين، إن قدامة شرب فسكر، وإني رأيت حدّاً من حدود الله حقاً عليَّ أن أرفعه إليك. قال: من يشهد معك؟ قال: أبو هريرة، فدعا أبا هريرة فقال: بم تشهد؟ قال: لم أره شرب ولكني رأيته سكران يقيء. فقال: لقد تنطَّعت في الشهادة ثم كتب إلى قدامة أن يقدم عليه من البحرين، فقدم، فقال الجارود: أقم على هذا كتاب الله، فقال عمر: أخصم أنت أم شهيد؟ فقال: شهيد، فقال: قد أدَّيت شهادتك. قال: فصمت الجارود ثم غدا على عمر فقال: أقم على هذا حد الله، فقال عمر: ما أراك إلاَّ خصماً وما شهد معك إلاَّ رجل واحد، فقال الجارود: أنشدك الله، فقال عمر: لتمسكنَّ لسانك أو لأسوأنَّك، فقال: يا عمر، ما ذلك بالحق أن يشرب ابن عمك الخمر وتسوؤني؟ فقال أبو هريرة: يا أمير المؤمنين، إن كنت تشك في شهادتنا فأرسل إلى ابنه الوليد فاسألها وهي امرأة قُدامة. فأرسل عمر إلى هند بنت الوليد ينشدها، فأقامت الشهادة على زوجها. فقال عمر لقُدامة: إني حادُّك، فقال: لو شربت كما تقول ما كان لكم أن تحدُّوني، فقال عمر: لم؟ قال قدامة: قال الله عز وجل: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ} (سورة المائدة، الآية: 93) - الآية. فقال عمر:

إنكار ابن مسعود على من ضحك في جنازة

أخطأت التأويل إنك إذا اتَّقيت الله اجتنبت ما حرم الله، ثم أقبل عمر على الناس فقال: ما ترون في جلد قُدامة؟ فقالوا: لا نرى أن تجلده ما دام مريضاً. فسكت على ذلك أياماً ثم أصبح وقد عزم على جلده، فقال: ما ترون في جلد قدامة؟ فقالوا: لا نرى أن تجلده ما دام وَجِعاً. فقال عمر: لأن يلقى الله تحت السيا أحب إليَّ من أن ألقاه وهو في عنقي، ائتوني بسوط تام، فأمر به فجُلد. فغاضب عمر قُدامة، وهجره، فحج عمر وحج قُدامة وهو مغاضِب له. فلما قفلا من حجهما ونزل عمر بالسُّقْيا نام. فلما استيقظ من نومه قال: عجِّلوا بقدامة، فوالله لقد أتاني آتٍ في منامي فقال لي: سالِمْ قدامة فإنه أخوك، فعجِّلوا عليَّ به، فلما أتَوه أبى أن يأتي، فأمر به عمر أن يجروه إليه؛ فكلمه واستغفر له. وأخرجها أبو علي ابن السَّكَن. كذا في الإِصابة. إنكار ابن مسعود على من ضحك في جنازة وأخرج البيهقي عن يزيد بن عبيد الله عن بعض أصحابه قال: رأى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه رجلاً يضحك في جنازة فقال: أتضحك وأنت مع جنازة؟ والله لا أكلمك أبداً. كذا في الكنزل. خوف الصحابة عندما صدر عنهم خلاف أمره صلى الله عليه وسلم خوف أبي حذيفة من كلمة قالها يوم بدر أخرج ابن إسحاق عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لإصحابه يومئذٍ - يوم بدر -: «إني قد عرفت أن رجالاً من بني هاشم وغيرهم قد أُخْرِجوا كَرْهاً، لا حاجة لهم بقتالنا، فمن لقي منكم أحداً من بني هاشم

فلا يقتله، ومن لقي أبا البَخْتري بن هاشم بن الحارث بن أسد فلا يقتله، ومن لقي العباس بن عبد المطلب عمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يقتله فإنه إنما خرج مُستكرَهاً» . فقال أبو حذيفة بن عُتبة بن ربيعة رضي الله عنه: أنقتل آباءن وأبناءنا وإخواننا ونترك العباس؟ والله لئن لقيته لأَلحمنَّه بالسيف، فبلغتْ رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقل لعمر رضي الله عنه: «يا أبا حَفْص - قال عمر: والله إنَّه لأول يوم كَنَّاني فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي حَفْص - أيُضرب وجه عم رسول الله بالسيف؟» فقال عمر: يا رسول الله دَعْني فَلأَضْرِب عنقه بالسيف، فوالله لقد نافق، فقال أبو حُذَيفة: ما أنا بآمن من تلك الكلمة التي قلتُ يومئذٍ، ولا أزال منها خائفاً إلا أن تكفِّرها عني الشهادة، فقُتل يوم اليمامة شهيداً. كذا في البداية. وأخرجه ابن سعد والحاكم عن ابن عباس نحون. قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرِّجاه. خوف أبي لبابة من خيانته النبي عليه السلام وقصة توبته وأرج ابن إسحاق عن أبيه عن معبد بن كعب قال: حاصرهم - أي بني قُرَيظة - خسماً وعشرين ليلة حتى أجهدهم الحصار، وقذف (الله) في قلوبهم الرعب، فعرض عليهم رئيسهم كعب بن أسد أن يؤمنوا، أو يقتلوا نساءهم وأبناءهم ويخرجوا مستقتلين، أو يبيِّتوا المسلمين ليلة السبت. فقالوا: لا نؤمن، ولا نستحل ليلة السبت، وأيّ عيش لنا بعد أبنائنا ونسائنا؟ فأرسلوا إلى أبي لُبابة بن عبد المنذر رضي الله عنه وكانوا حلفاءه، فاستشاروه في النزول على حُكْم النبي صلى الله عليه وسلم فأشار إلى حلقه - يعني الذبح -، ثم ندم فتوجه إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فارتبط به حتى تاب الله عليه. كذا في فتح الباري. وذكر في البداية

تخوف ثابت بن قيس وتبشيره عليه السلام له

عن موسى بن عُقْبة وفي سياقه: قالوا: يا أبا لُبابة ماذا ترى؟ وماذا تأمرنا؟ فإنَّه لا طاقة لنا بالقتال، فأشار أبو لبابة بيده إلى حلقه، وأمَرَّ عليه أصابعه يريهم إنما يُراد بهم القتل. فلما انصرف أبو لبابة سُقِط في يده ورأى أنه قد أصابته فتنة عظيمة، فقال: والله لا أنظر في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحدث الله توبة نصوحاً يعلمها الله من نفسي. فرجع إلى المدينة فربط يديه إلى جذع من جذوع المسجد. وزعموا أنه ارتبط قريباً من عشرين ليلة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين غاب عليه أبو لبابة: «أما فرغ أبو لببة من حلفائه» ، فذُكر له ما فعل. فقال: «لقد أصابته بعدي فتنة، ولو جاءني لاستغفرت له، وإذ قد فعل هذا فلن أُحركه من مكانه حتى يقضي الله فيه ما يشاء» . قال ابن كثير: وهكذا رواه ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة، وكذا ذكره محمد بن إسحاق في مغازيه. تخوف ثابت بن قيس وتبشيره عليه السلام له وأخرج البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم افتقد ثابت بت قيس رضي الله عنه، فقال رجل: يا رسول الله أنا أعلم لك علمه، فأتاه فوجده جالساً في بيته منكِّساً رأسه، فقال: ما شأنك؟ فقال: شرٌّ كان يرفع صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم فقد حبط عمله وهو من أهل النار. فأتى الرجل (النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أنه قال كذا وكذا. فقال موسى بن أنس: فرجع المرة الآخرة ببشارة عظيمة فقال: «اذهب إليه فقل له: إنك لست من أهل النار ولكنَّك من أهل الجنة» . وعند الطبراني عن عطاء الخراساني عن ابنة ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنهما قالت: سمعت أبي يقول: لما أُنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم {إِنَّ

اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} (سورة لقمان، الآية: 18) اشتدَّ على ثابت، وأغلق ببه عليه وطفق يبكي. فأَخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه فسأله فأخبره بما كَبُر عليه منها، وقال: أنا رجل أحب الجمال وأن أسود قومي، فقال: «إنك لست منهم، بل تعيش بخير، وتموت بخير، ويدخلك الله الجنة» . قال: فلما أنزل الله على رسوله: {ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَرْفَعُواْ أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِىّ} {وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِالْقَوْلِ} (سورة الحجرات، الآية: 2) فعل مثل ذلك. فأُخبر النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه، فأخبره بما كبر عليه وأنه جهير الصوت، وأنه يتخوف أن يكون ممن حبط عمله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «بل تعيش حميداً، وتُقتل شهيداً، ويدخلك الله الجنة» فذكر الحديث. قال الهيثمي: وبنت ثابت بن قيس لم أعرفها، وبقية رجاله رجال الصحيح. والظاهر أنَّ بنت ثابت بن قيس صحابية، فإنها قالت: سمعت أبي. انتهى. وأخرجه الحاكم عن عطاء عن ابنة ثابت بن قيس نحوه مختصراً. وعن محمد بن ثابت الأنصاري أن ثابت بن قيس رضي الله عنه قال: يا رسول الله، لقد خشيت أن أكون قد هلكت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ولم؟» قال: نهانا الله أن نحب أن نُحمد بما لم نفعل وأجدني أحب الحمد، ونهانا عن الخُيَلاء وأجدني أحب الجمال، ونهانا أن نرفع أصواتنا فوق صوتك وأنا جهير الصوت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا ثابت، ألا ترضى أن تعيش حميداً، وتُتقل شهيداً، وتدخل الجنة؟» قال: بلى با رسول الله، قال: فعاش حميداً، وقُتل شهيداً يوم مُسيلمة الكذاب. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخثين ولم يخرِّجاه بهذه السياقة ووافقه الذهبي.

اتباع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم

اتباع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلاة الناس بصلاته عليه السلام أخرج الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم حصير، وكان يَحْجُره بالليل فيصلي عليه، ويبسطه بالنهار فيجلس عليه. فجعل الناس يثوبون إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيصلُّون بصلاته حتى كثروا، فأقبل عليهم فقال: «يا أيها الناس خُذوا من الأعمال ما تُطيقون، فإن الله لا يملُّ حتى تملوا، وإن أحبَّ الأعمال إلى الله ما دام وإن قلّ» . وفي رواية: وكان آل محمد إذا عملوا عملاً أثبتوه. كذا في الترغيب. قصة طرح الناس خواتيمهم لطرحه عليه السلام خاتمه وأخرج أبو داود عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه رأى في يد النبي صلى الله عليه وسلم خاتماً من وَرِق يوماً واحداً، فصنع الناس فلبسوا، وطرح النبي صلى الله عليه وسلم فطرح الناس. وأخرجه البخاري بنحوه، وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس خاتماً من ذهب فنبذه وقال: «لا ألبسه أبداً» فنبذ الناس خواتيمهم. كذا في البداية.

اتباع عثمان له عليه السلام في الإِسبال والطواف وأخرج ابن أبي شَيْبة عن إياس بن سَلَمة عن أبيه قال: بَعَثتْ قريش خارجة بن كُرْز يطَّلع لهم طليعة، فرجع حامداً يحسن الثناء، فقالوا: إنك أعرابي، فعققوا لك السلاح فطار فؤادك، فما دَرَيت ما قيل لك وما قلت. ثم أرسلوا عروة بن مسعود - رضي الله عنه - فجاء فقال: يا محمد ما هذا الحديث؟ تدعو إلى ذات الله، ثم جئت قومك بأوباش الناس من تَعْرف ومن لا تَعْرف لتقطع أرحامهم، وتستحلَّ حرمهم ودماءهم وأموالهم؟ فقال: «إني لم آتِ قومي إلا لأصِل أرحامهم، يبدلهم الله بدين خير من دينهم، ومعاش خير من معاشهم» . فرجع حامداً يحسن الثناء. قال سَلَمة: فاشتد البلاء على من كان في يد المشركين من المسلمين، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر رضي الله عنه فقال: «يا عمر هل أنت مُبَلِّغ عني إخوانكم من أسارى المسلمين؟» قال: لا، يا رسول الله، والله مالي بمكة من عشيرة، غيري أكثر عشيرة مني. فدعا عثمان رضي الله عنه فأرسله إليهم، فخرج عثمان على راحلته حتى جاء عسكر المشركين، فعبثوا به وأساؤوا له القول، ثم أجاره أبان بن سعيد بن العاص ابن عمه وحمله على السرج ورَدِفه. فلما قدم قال: يا ابن عم مالي أراك متخشِّعاً؟ أسبلْ - وكان إزاره إلى نصف ساقيه -، فقال له عثمان: هكذا إزْرة صاحبنا. فلم يدع بمكة أحداً من أسارى المسلمين إلا بلَّغهم ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سَلَمة: فبينا نحن قائِلون نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم أيها الناس، البيعةَ البيعةَ، نزل روح القدس، فسرنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو تحت شجرة سَمُرة، فبايعناه. وذلك قول الله: {لقد رضي الله عنه المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة} (سورة الفتح، الآية: 18) قال: فبايع لعثمان إحدى يديه على الأخرى، فقال الناس:

ما وقع بين أبي بكر وعمر وزيد في جمع القرآن

هنيئاً لأبي عبد الله يطوف بالبيت ونحن ها هنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لو مكث كذا وكذا سنة ما طاف حتى أطوف» . كذا في الكنز. وأخرج الرُوياني وأبو يَعْلى وابن عساكر عن إياس بن سَلَمة عن أبيه مختصراً، كما في الكنز. وأخرجه ابن سعد عن إياس بن سَلَمة عن أبيه مختصراً. وفي روايته: فقال: يا ابن عم، أراك متخشِّعاً أسبِلْ إزارك كما يسبل قومك، قال: هكذا يأتزر صاحبنا إلى أنصاف ساقيه. قال: يا ابن عمر طُفْ بالبيت، قال: إنا لا نصنع شيئاً حتى يصنع صاحبنا ونتبعَ أثرَه. ما وقع بين أبي بكر وعمر وزيد في جمع القرآن وأخرج الطيالسي وابن سعد وأحمد والبخاري والترمذي والنِّسائي وابن حِبَّان وغيرهم عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: أرسل إليَّ أبو بكر رضي الله عنه مقتلَ أهل اليمامة وإن عنده عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: إنَّ هذا أتاني فأخبرني أنَّ القتل قد استحرَّ بقرَّاءِ القرآن في هذا الموطن - يعني يوم اليمامة -، وإنِّي أخاف أن يستحرَّ القتل بقرَّاء القرآن في سائر المواطن فيذهب القرآن، وقد رأيت أن تجمعه. فقلت له - يعني لعمر -: كيف نفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي عمر: هو - والله -

توجيه أبي بكر جيش أسامة

خير، فلم يزل بي عمر حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدره، ورأيت فيه مثل الذي رأى عمر. قال زيد: وعمر عنده جالس لا يتكلم. فقال أبو بكر: إنك شاب عاقل لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأجمعه. قال زيد: فوالله لئن كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان بأثقل عليَّ مما أمرني به من جمع القرآن، فقلت: كيف تفعلون شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هو والله خير، فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر، ورأيت فيه الذي رأيا، فتتبَّعت القرآن أجعمه من الرِّقاع واللِّخَاف والأكتاف والعُسُب وصدور الرجال، حتى وجدت آخر سورة براءة مع خُزيمة بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه فلم أجدها مع أحد غيره: {لَقَدْ جَآءكُمْ رَسُولٌ مّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ} (سورة التوبة، الآية: 128) حتى خاتِمةِ براءة.B فكانت الصحف التي جُمع فيها القرآن عند أبي بكر حياته حتى توفَّاه الله، ثم عند عمر حياته حتى توفَّاه، ثم عند حَفْصة بنت عمر رضي الله عنهم. كذا في كنز العمال. توجيه أبي بكر جيش أسامة وقد تقدَّم قول أبي بكر رضي الله عنه: والذي نفسي بيده، لأن أقعَ من السماء أحب إليَّ من أن أترك شيئاً قتل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلاَّ أُقاتل عليه، فقاتل العرب حتى رجعوا إلى الإِسلام. رواه العدني عن عمر رضي الله عنه. وعند الشيخين وأحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه - فذكر الحديث وفيه:

ما وقع بين عمر وابنته حفصة في أمر اللباس والطعام

قال أبو بكر: والله لأقاتلنَّ من فرَّق بين الصلاة والزكاة فإنَّ الزكاة حق المال. والله لو منعوني عِقالاً كانوا يؤدّونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه. وتقدم قول أبي بكر: والذي لا إله غيره لو جرِّت الكلاب بأرجل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ما رددتُ جيشاً وجهه رسول الله، ولا حللت لواءً عقده رسول الله؛ فوجه أسامة رضي الله عنه. أخرجه البيهقي عن أبي هريرة. وعند سَيْف عن عُروة قال أبو بكر رضي الله عنه: والذي نفس أبي بكر بيده لو ظننتُ أنَّ السباع تخطفني لأنفذتُ بَعْثَ أسامة كما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو لم يبقَ في القرى غيري لأنفذته. وعند ابن عساكر عن عروة قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا أحبس جيشاً بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد اجترأت على أمر عظيم فوالذي نفسي بيده لأن تميل عليَّ العرب أحب إليَّ من أن أحبس جيشاً بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم امضِ يا أُسامة في جيشك للوجه الذي أُمرت به، ثم اغزُ حيث أمرك رسول الله صلى الله عليه وسلم من ناحية فلسطين وعلى أهل مؤتة، فإن الله سيكفي ما تركت. وعند سَيْف عن الحسن أن أبا بكر رضي الله عنه أخذ بلية عمر وقال: ثكلتك أمك يا ابن الخطاب أُؤمِّر غير أمير رسول الله؟. وقد تقدمت تلك الروايات مطوَّلة. ما وقع بين عمر وابنته حفصة في أمر اللباس والطعام وأخرج أبو نُعَيم في الحِلْية عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قالت حفصة بنت عمر لعمر رضي الله عنهما: يا أمير المؤمنين لو لبست ثوباً هو ألين من ثوبك، وأكلت طعاماً هو أطيب من طعامك، فقد وسَّع الله عز وجل من الرزق وأكثر من الخير فقال: إن سأخصمك إلى نفسك، أما

قصة عمر حينما أتى بقميص جديد

تذكرين ما كان يلقَى رسول الله صلى الله عليه وسلم من شدّة العيش، فما زال يذكِّرها حتى أبكاها، فقال لها: والله إن قلتِ ذلك أما والله لئن استطعت لأشاركنَّهما بمثل عيشهما الشديد، لعلي أدرك معهما عيشهما الرخّي. وأخرجه ابن سعد عن مصعب بن سعد بنحوه. وقد تقدَّمت الروايات المطوَّلة والمجملة في ذلك في زهد عمر رضي الله عنه. قصة عمر حينما أتى بقميص جديد وأخرج هنَّاد عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: بينما عمر بن الخطاب رضي الله عنه في أصحابه إذا بقميص كرابيس، فلبسه فما جاوز تراقيه، حتى قال: الحمد الله الذي كساني ما أواري به عورتي، وأتجمَّل به في حياتي. ثم أقبل على القوم فقال: هل تدرون لم قلتُ هؤلاء الكلمات؟ قالوا: لا، إلا أن تخبرنا، قال: فإنِّي شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وأُتيَ بثياب له جدد فلبسها، ثم قال: «الحمد لله الذي كساني ما أمواي به عورتي وأتجمَّل به في حياتي» ثم قال: «والذي بعثني بالحق ما من عبد مسلم كساه الله ثياباً جدداً، فعمد إلى سَمَل من أخلاق ثيابه، فكساه عبداً مسلماً مسكيناً، لا يكسوه، إلا لله، كان في حِرز الله وفي جوار الله وفي ضمان الله ما كان عليه منها سِلْك حياً وميتاً» . قال: ثم مدَّ قميصه فأبصر فيه فضلاً عن أصابعه فقال لعبد الله: أي بني هاتِ الشفرة، فقام فجاء بها فمدَّ كُمَّ قميصه على يده فنظر ما فَضَل

عن أصابعه فقدَّه. قلنا يا أمير المؤمنين، ألا نأتي بخيّاط فكيفّ هذه؟؟ قال: لا، قال أبو أمامة: ولقد رأيت عمر بعد ذلك وإن هُدْب ذلك القميص منتشرة على أصابعه ما يكفُّه. كذا في الكنز. وعند أبي نعيم في الحلية عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لبس عمر قميصاً جديداً، ثم دعاني بشفرة فقال: مدّ يا بني كُمَّ قميصي والزق يديك بأطراف أصابعي ثم اقطع ما فَضَل عنها، فقطعت من الكمين من جانبيه جميعاً، فصار فم الكم بعضه فوق بعض. فقلت له: يا أبته لو سويته بالمقص، فقال: دعه يا بني، هذكا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل فما زال عليه حتى تقَطَّع، وكان ربما رأيت الخيوط تَسَاقط على قدمه. أقوال الصحابة رضي الله عنهم في استلام الحجر والركنين الغربيين وأخرج البخاري عن أسلم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال للركن: أمَا والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استلمك ما استلمتك، فاستلمه ثم قال: ومالنا والرَمَل إنما كنا راءينا به المشركين ولقد أهلكهم الله، ثم قال: شيء صنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نحب أن نتركه. كذا في البداية. وأخرج ابن أبي شَيْبة والدارَقُطْني في العلل عن عيسى بن طلحة عن

ما وقع بين ابن عباس وبين أعرابي في نبيذ السقاية

رجل رأى النبي صلى الله عليه وسلم وقف عند الحَجَر فقال: «إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع» ثم قبَّله. ثم حج أبو بكر رضي الله عنه فوقف عند الحجر ثم قال: إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك.. كذا في كنز العمال. وأخرج أحمد عن يَعْلى بن أمية رضي الله عنه فاستلمنا الركن، قال يعلى: فكنت مما يلي البيت. فلما بلغنا الركن الغربي الذي يلي الأسود جررت بيده ليستلم قال: ما شأنك؟ قلت: ألا تستلم؟ فقال: أَلَمْ تَطُف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: بلى، قال: أرأيته يستلم هذين الركنين الغربيين؟ قلت: لا، قال: أفليس لك فيه أسوة حسنة؟ قلت: بلى، قال: فانفذُ عنك. ما وقع بين ابن عباس وبين أعرابي في نبيذ السقاية وأخرج أحمد عن بكر بن عبد الله أن أعرابياً قال لابن عباس رضي الله عنهما: ما شأن آل معاوية يسقون الماء والعسل، وآل فلان يسقون اللبن، وأنتم تسقون النبيذ؟ أمن بخل بكم أم حاجة، فقال ابن عباس: ما بنا بخل ولا حاجة ولكنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءنا ورديفه أسامة بن زيد، فاستسقى فسقيناه من هذا - يعني نبيذ السِّقاية - فشرب منه وقال: «أحسنتم هكذا فاصنعوا» . وعند ابن سعد عن جعفر بن تمَّام قال: جاء رجل إلى ابن عباس رضي الله عنهما فقال: أرأيت ما تسقون الناس من نبيذ هذا الزبيب؟ أَسُنة

تتبعونها أم تجدون هذا أهون عليكم من اللبن والعسل؟ فقال ابن عباس: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى العباس وهو يسقي الناس فقال: «اسقني» فدعا العباس بعِساس من نبيذ فتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم عُسَّاً منها فشرب، ثم قال: «أحسنتم هكذا انصعوا» قال ابن عباس: فما يسرني أن سقايتها جرت عليَّ لبناً وعسلاً مكان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «أحسنتم هكذا افعلوا» . قصص ابن عمر في تبعه آثاره عليه السلام وأخرج أحمد عن ابن سيرين قال: كنت مع ابن عمر رضي الله عنهما بعرفات، فلما كان حين راح رحت معه حتى أتى الإمام فصلَّى معه الأولى والعصر، ثم وقف وأنا وأصحاب لي حتى أفاض الإِمام فأفضنا معه حتى انتهى إلى المضيق دون المأزمين، فأناخ وأنخنا ونحن نحسب أنه يريد أن يصلي. فقال غلامه الذي يمسك راحلته: إنه ليس يريد الصلاة، ولكنه ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما انتهى إلى هذا المكان قضى حاجته فهو يحب أن يقضي حاجته. قال في الترغيب: رواه أحمد، ورواته محتج بهم في الصحيح. وأخرج البزّار بإسند لا بأس به عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يأتي شجرة بين مكة والمدينة فيقيل تحتها، ويخبر أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك. كذا في الترغيب. وقال الهيثمي: ورجاله موثَّقون.

وأخرج ابن عساكر عن نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يتَّبع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم كل مكان صلى فيه، حتى إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم نزل تحت شجرة، فكان ابن عمر يتعاهد تلك الشجرة فيصب في أصلها الماء لكيلا تيبس. كذا في كنز العمال. وأخرج أحمد والبزّار بإسناد جيد عن مجاهد قال: كنا مع ابن عمر رضي الله عنهما في سفر، فمر بمكان فحاد عنه، فسأل لم فعلت ذلك؟ قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل هذا ففعلت. كذا في الترغيب. وعند أبي نعيم في الحلية عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان في طريق مكة يقول برأس راحلته، يثنيها ويقول: لعلَّ خفَّاً يقع على خف - يعني خف راحلة النبي صلى الله عليه وسلم ـ. وعند أبي نُعيم أيضاً عن نافع قال: لو نظرتَ إلى ابن عمر رضي الله عنهما إذا اتبع أثر النبي صلى الله عليه وسلم لقلت: هذا مجنون وأخرجه الحاكم عن نافع نحوه. وعند ابن سعد عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما كان أحد يتبع آثار النبي صلى الله عليه وسلم في منازله كما كان يتبعه ابن عمر. وعند أبي نُعيم عن عاصم الأحول عمَّن حدثه قال: كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا رآه أحد ظنَّ أن به شيئاً من تتبُّعه آثار النبي صلى الله عليه وسلم وعن أسلم

قال: ما ناقة أضلَّت فَصِيلها في فلاة من الأرض بأطلبَ لأثره من ابن عمر لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما. وأخرج عبد الرزاق عن عبد الرحمن بن أمية بن عبد الله أنه قال لابن عمر رضي الله عنهما: نجد صلاة الخوف وصلاة الحضر في القرآن ولا نجد صلاة المسافر؟ فقال ابن عمر: بعث الله نبيه ونحن أجفَى الناس، فنصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعند ابن جرير عن أمية بن عبد الله بن خالد بن أسِيد أنه قال لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما: إنا نجد في كتاب الله عز وجل قَصْر صلاة الخوف ولا نجد قصر صلاة السفر؟ فقال عبد الله؛ إنا وجدن نبينا صلى الله عليه وسلم يعمل عملاً عملنا به. وعنده أيضاً عن وارد بن أبي عاصم أنه لقي ابن عمر رضي الله عنهما بمنى فسأله عن الصلاة في السفر فقال: ركعتين، فقال: كيف ترى ونحن ها هنا بمنى؟ فأخذته عند ذلك ضَجْرة فقال: ويحك هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: نعم وآمنت به قال: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج صلَّى ركعتين، فصلِّ إن شئت أو دَعْ. وعنده أيضاً عن أبي مُنيب الجُرَشي قال: قيل لابن عمر رضي الله عنهما قول الله: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِى الاْرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ} (سورة النساء، الآية: 101) - الآية، فنحن آمنون لا نخاف فنقصُر الصلاة؟ فقال: لقد كان لكم في رسول الله أسوة

حسنة. كذا في الكنز. وأخرج ابن خُزعيمة في صحيحة والبَيْهقي عن زيد بن أسلمَ قال: رأيت ابن عمر رضي الله عنهما يصلِّي محلولة أزراره، فسألته عن ذلك، فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله. كذا في الترغيب. إطلاق معاوية بن قرة أَزراره اتباعاً له عليه السلام وأخرج ابن ماجه وابن حِبَّان في صحيحه - واللفظ له - عن عروة بن عبد الله بن قُشَير قال: حدثني معاوية بن قُرَّة عن أبيه رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في رَهْط من مُزَينة فبايعناه وإنه لمُطْلَق الأزرار، فأدخلت يدي في جَيْبِ قميصه فمسِسْت الخاتَم. قال عروة: فما رأيت معاوية ولا ابنه (قط) في شتاء ولا صيف إلا مُطْلَقي الأزرار. وعند ابن ماجه: إلا مطلقَةً أزرارهما. كذا في الترغيب. وأخرجه أيضاً البغَوي وابن السكَن كما في الابصابة. وأخرجه ابن سعد نحوه. رعاية النسبة التي كانت لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بأصحابه وأهل بيته وعشيرته وأمته

اختصام رهط من الصحابة في النبي عليه السلام وتصديقه لهم

اختصام رهط من الصحابة في النبي عليه السلام وتصديقه لهم أخرج الطبراني عن كعب بن عُجْرة رضي الله عنه قال: جلسنا يوماً أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد في رَهْط منا معشر الأنصار، ورَهْط من المهاجرين، ورَهْط نم بين هاشم؛ فاختصمنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أينا أولَى به وأحبُّ إليه؟ قلنا: نحن معشر الأنصار، آمنا به واتَّبعناه، وقاتلنا معه، وكتيبته في نَحْر عدوه، فنحن أولى برسول الله صلى الله عليه وسلم أين أولَى به وأحبُّ إليه؟ قلنا: نحن معشر الأنصار، آمنا به واتَّبعناه، وقاتلنا معه، وكتيبته في نَحْر عدوه، فنحن أولى برسول الله صلى الله عليه وسلم وأحبهم إليه. وقال إخواننا المهاجرون: نحن الذين هاجرنا مع الله ورسوله وفارقنا العشائر والأهلين والأموال، وقد حضرنا ما حضرتم وشهدنا ما شهدتم، فنحن أولى بررسول الله صلى الله عليه وسلم وأحبهم إليه. وقال إخواننا من بني هاشم: نحن عشيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحضرنا الذي حضرتم، وشهدنا الذي شهدتم، فنحن أولى برسول الله صلى الله عليه وسلم وأحبهم إليه. فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل علينا فقال: «إنكم لتقولُون شيئاً» . فقلنا مثل مقالتنا، فقال للأنصار: «صدقتم من يردُّ هذا عليكم» وأخبرنه بما قال إخواننا المهاجرون، فقال: «صدقوا من يردُّ هذا عليهم» وأخبرناه بما قال بنو هاشم، فقال: «صدقوا من يرد هذا عليهم» ثم قال: «ألا أقضي بينكم؟» قلنا: بلى - بأبينا أنت وأمنا يا رسول الله - قال: «أمّا أنتم - يا معشر الأنصار - فإنما أن أخوكم» فقالوا: الله أكبر، ذهبنا به ورب الكعبة «وأما أنتم - يا معشر المهاجرين - فإنما أنا منكم» فقالوا: الله كبر، ذهبنا به ورب الكعبة «وأما أنتم - بنو هاشم - فأنتم مني وإليَّ» فقمنا، وكلنا راضٍ مغتبط برسول الله صلى الله عليه وسلم قال الهيثمي: رواه الطبراني، وفيه أبو مسكين الأنصاري ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات وفي بعضهم خلاف. انتهى.

منعه عليه السلام خالداً من إيذاء أهل بدر ومنعه الناس من إيذاء خالد وأخرج الطبراني عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: شكا عبد الرحمن بن عوف خالد بن الوليد - رضي الله عنهما - إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم «يا خالد لا تؤذِ رجلاً من أهل بدر، فلو أنفقتَ مثل أُحُدٍ ذهباً لم تدرك عمله» ، فقال: يقعون فيَّ فأرد عليهم. فقال: «لا تؤذوا خالداً فإنَّه سيف من سيوف الله صبّه الله على الكفار» . قال الهيثمي: رواه الطبراني في الصغير والكبير باختصار والبزّار بنحون، ورجال الطبراني ثقات. انتهى. وأخرجه أيضاً ابن عساكر وأبو يَعْلى كما في الكنزل، وابن عبد البرِّ في الاستيعاب عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه مثله. وعند ابن عساكر عن الحسن قال: كان بين عبد الرحنم بن عوف وبين خالد بن الوليد - رضي الله عنهما - كلام، فقال خالد: لا تفخر عليَّ يا ابن عوف بأن سبقتني بيوم أو يومين، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «دَعُوا لي أصحاب، فوالذي نفسي بيده. لو أنفق أحدكم مثل أُحدٍ ذهباً ما أدرك نَصِيفهم» . قال: فكان بعد ذلك بين عبد الرحمن والزبير شيء. فقال خالد: يا نبي الله نهيتني عن عبد الرحمن وهذا الزبير يسابُّه؛ فقال: «إنهم أهل بدر وبعضهم أحقُّ ببعض» . كذا في الكنز. وأخرجه أحمد عن أنس رضي الله عنه بنحوه مختصراً. قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح. انتهى. وعند

قوله عليه السلام: إن الله اختار أصحابي على العالمين

البزّار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان بين خالد بن الوليد وعبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنهما - بعض ما يكون بين الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «دعُوا لي أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أُحدٍ ذهباً لم يبلغ مدَّ أحدهم ولا نَصِيفه» . قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير عاصم بن أبي النُّجُود وقد وُثِّق. انتهى. قوله عليه السلام: إن الله اختار أصحابي على العالمين وأخرج البزّار عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله اختار أصحابي على العالمين سوى النبيين والمرسلين، واختار لي من أصحابي أربعة: أبا بكرو عمر وعثمان وعلياً - رحمهم الله -، فجعلهم أصحاب، - وقال: في أصحابي كلِّهم خيرٌ -، واختار أمتي على الأمم، واختار من أمتي أربعة قرون: القرن الأول والثاني والثالث والرابع» . قال الهيثمي: ورجاله ثقت وفي بعضهم خلاف. وصيته عليه السلام بالمهاجرين والأنصار وأخرج الطبراني عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: لما حضرت النبي صلى الله عليه وسلم الوفاة قالوا: يا رسول الله أوصِنا. قال: «أوصيكم بالسابقين الأولين من المهاجرين وبأبنائهم من بعدهم؛ إلا تفعلوه لا يُقبل منكم صَرْف ولا عَدْل» . قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط والبزّار إلاَّ أنَّه قال:

منعه عليه من سب أصحابه

«أوصيكم بالسابقين الأوَّلين وبأبنائهم من بعدهم، وبأبنائهم من بعدهم» ، ورجاله ثقات. وأخرج الطبراني عن زيد بن سعد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نُعِيَت إليه نفسه خرج متلفعاً في أخْلاق ثياب عليه حتى جلس على المنبر، فسمع الناس به وأهل السوق فحضروا المسجد، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «يا أيها الناس، احفظوني في هذا الحي من الأنصار؛ فإنهم كَرِشي الذي آكل فيها، وعيبتي، اقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم» . قال الهيثمي: وزيد بن سعد بن زيد الأشهلي لم أعرفه وبقية رجاله ثقت - انتهى. منعه عليه من سبّ أصحابه وأخرج البزّار عن أنس رضي الله عنه قال: ذُكر مالك بن الدُّخْشُن رضي الله عنه عتد النبي صلى الله عليه وسلم فوقعوا فيه - يقال له رأس المنافقين -. فقال النبي صلى الله عليه وسلم «دعُوا أصحاب، لا تسبُّوا أصحابي» قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. اهـ. وعند الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من سبَّ أصحابي لعنه الله والملائكة والناس أجمعون» . قال الهيثمي: وفيه عبد الله ابن خِراش وهو ضعيف.

وصيته عليه السلام بأهل بيته

وعند الطبراني عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تسبُّوا أصحاب، لعن الله من سبَّ أصحابي» قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير علي بن سَهْل وهو ثقة. وأخرج الطبراني عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل رضي الله عنه قال: «تأمروني بسبِّ أصحابي؟ بل صلَّى اللهعليهم وغفر لهم» قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح - انتهى. تحذير ابن عباس من ذكر الصحابة بسوء وأخرج الطبراني عن سعيد بن جبير قال: جاء رجل إلى ابن عباس رضي الله عنهما فقال: أوصني، فقال: أوصيك بتقوى الله، وإياك وذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنك لا تدي ما سبق لهم. قال الهيثمي: وفيه عمر بن عبد الله الثقفي وهو ضعيف. انتهى. وصيته عليه السلام بأهل بيته وأخرج الطبراني في الأوسط عن انب عمر رضي الله عنهما قال: آخر ما تكلَّم به رسول الله صلى الله عليه وسلم «اخلُفوني في أهل بيتي» قال الهيثمي: وفيه عاصم بن عبيد الله وهو ضعيف. انتهى. وأخرج أبو يعلى عن أم سَلَمة رضي الله عنها قالت: جاءت فاطمة رضي الله عنه بنت النبي صلى الله عليه وسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم متورِّكة الحسن والحسين

رضي الله عنهما، في يدها بُرْمة للحسن فيها سَخين حتى أتت بها النبي صلى الله عليه وسلم فلما وضعتها قدّامه قال: «أين أبو حسن؟» قالت: في البيت؛ فدعاه. فجلس النبي صلى الله عليه وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين يأكلون. قالت أم سَلَمة: وما سامني النبي صلى الله عليه وسلم وما آكل طعاماً وأنا عنده إلا سامنيه قبل ذلك اليوم - تعني سامني دعاني إليه -. فلما فرغ التف عليهم بثوبه ثم قال: «اللهمِّ عادِ من عاداهم، ووالِ من والاهم» . قال الهيثمي: وإسناده جيد. وأخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا بني عبد المطلب، إنِّي سألت الله لكم ثلاثاً: أن يثبِّت قائمكم، ويعلم جاهلكم، ويهدي ضالَّكم، وسألته أن يجعلكم جُوَداء رُحَماء. فلو أن رجلاً صَفَن بين الركن والمقام وصلَّى وصام، ثم مات وهو مبغض لآل بيت محمد صلى الله عليه وسلم دخل النار» . قال الهيثمي: رواه الطبراني عن شيخه محمد بن زكريا الغلابي وهو ضعيف. وذكره ابن حِبَّان في الثِّقات وقال: يُعتبر حديثُه إذا روى عن الثقات فإن في روايته عن المجاهيل بعض المناكير. قلت: روى هذا عن سفيان الثوري وبقية رجاله رجال الصحيح - انتهى. وأخرج الطبراني في الأوسط عن عثمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من صنع إلى أحد من ولد عبد المطلب يَداً فلم يكافئه بها في الدنيا، فعليَّ مكافأته غداً إذا لقيني» . قال الهيثمي: وفي عبد الرحمن بن أبي الزِّناد

فرح عمر باتصاله بنسب النبي عليه السلام

وهو ضعيف. انتهى. فرح عمر باتصاله بنسب النبي عليه السلام وأخرج الطبراني عن جابر رضي الله عنه أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول للناس حين تزوج بينت علي رضي الله عنه: ألا تهنئوني؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ينقطع يوم القيامة كل سبب ونسب إلاَّ سببي ونسبي» . قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط والكبير باختصار، ورجالهما رجال الصحيح غير الحسن بن سهل وهو ثقة. فضل قريش وأخرج أحمد عن محمد بن إبراهيم التَيْمي أن قتادة بن النعمان الظَفَري رضي الله عنه وقع بقريش فكأنه نال منهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا قتادة، لا تسبنَّ قريشاً، فإنك لعلك أن ترى منهم رجالاً يُزدري عملُك من أعمالهم وفعلُك مع أفعاله، وتغبطهم إذا رأيتهم؛ لولا أن تطغَى قريش لأخبرتهم بالذي لهم عند الله» . قال الهيثمي: رواه أحمد مرسلاً ومسنداً، وأحال لفظ المسند على المرسل، والبزّار كذلك، والطبراني مُسنداً، ورجال البزّار في المسند رجال الصحيح، ورجال أحمد في المسند والمرسل رجال الصحيح غير جعفر بن عبد الله بن أسلم في مسند أحمد وهو ثقة، وفي بعض رجال الطبراني خلاف اهـ.

وأخرج الطبراني عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما أعلم: «قدِّموا قريشاً ولا تَقَدَّموها، ولولا أن تبطَر قريش لأخبرتها بما لها عند الله عز وجل» . قال الهيثمي: وفيه أبو مَعْشر وحديثه حسن. وعند أحمد عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فقال: «لولا أن تبطَر قريش لأخبرتها بما لها عند الله» . ورجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمي. وأخرج الطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اطلبوا - أو قال التمسوا - الأمانة من قريش؛ فإن الأمين من قريش له فَضْل على أمين مَنْ سواهم، وإن قويَّ قريش له فضلان على قويِّ مَنْ سواهم» . قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط وأبو يَعْلى وإسناده حسن. اهـ. وأخرج البزّار عن رِفاعة بن رافع رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر رضي الله عنه: «اجمع لي قومك» فجمعهم عمر عند بين رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دخل عليه فقال: يا رسول الله أُدخلهم عليك أن تخرج إليهم؟ قال: «بل أخرج إليهم» . قال: فأتاهم فقال: «هل فيكم أحد من غيركم؟» قالوا: نعم، فينا حلفاؤنا، وفينا بنو أخواتنا، وفينا موالينا. فقال: «حلفاؤنا منا، وبنو أخواتنا منا، وموالينا منا، وأنتم ألا تسمعون؟ إنْ أولياؤه إلا المتقون، فإن كنتم أولئك فذاك؛ وإلا فانظروا. لا يأتي الناس بالأعمال يوم القيامة وتأتون بالأثقال فنُعرض

بغض بني هاشم والأنصار والعرب

عنكم» ، ثم رفع يديه فقال: «يا أيها الناس إن قريشاً أهل أمانة، فمن بغاهم العواثر أكبه الله بمنخِريه» قالها ثلاثاً. قال الهيثمي: رواه البزار واللفظ له، وأحمد باختصار وقال: «كبَّه الله في النار لوجهه» ، والطراني بنحو البزّار، ورجال أحمد والبزار وإسناد الطبراني ثقات. انتهى. بغض بني هاشم والأنصار والعرب وأخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «بُغْض بني هاشم والأنصار كُفْر، وبغض العرب نفاق» . قال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات. انتهى. قريش أسرع الناس لحاقاً به عليه السلام وأخرج أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: «يا عائشة قومك أسرع أمتي بي لحاقاً» . قالت: فلما جلس قلت: يا رسول الله - جعلني الله فداك - لقد دخلت وأنت تقول كلاماً ذَعَرني. قال: «وما هو؟» قلت: تزعم أن قومي أسرع (أمتك» بك لحاقاً قال: «نعم» ، قلت: ومم ذاك؟ قال: «تستخلبهم المنايا، وتنفَس عليهم أمتهم» . قالت: فقلت:

بشارة النبي عليه السلام للذين يأتون من بعده

كيف الناس بعد ذلك أو عند ذلك؟ قال: «دَبَىً يأكل أشدّاؤه ضِعافَه حتى تقوم عليهم الساعة» . قال: والدَّبَى: الجنادب التي لم تنبت أجنحتها. وفي رواية: «يا عائشة أول من يهلك من الناس قومك» . قال: قلت: جعلني الله فداك، أمن سُم؟ قال: لا، ولكن هذا الحي من قريش تستخلبهم المنايا، وتنفَس الناس عنهم، أول الناس هلاكاً. قلت: فما بقاء الناس بعدهم؟ قال: «هم صُلْب الناس إذا هلكوا هلك الناس» . قال الهيثمي: رواه أحمد والبزّار ببعضه، والطبراني في الأوسط ببعضه أيضاً، وإسناد الرواية الأولى عند أحمد رجال الصحيح، وفي بقية الروايات مقال اهـ. بشارة النبي عليه السلام للذين يأتون من بعده وأخرج أبو يَعْلى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم جالساً فقال: «أنبئوني بأفضل أهل الإِيمان إيماناً؟» قالوا: يا رسول الله الملائكة، قال: «هم كذلك يحق لهم ذلك، وما يمنعهم من ذلك وقد أنزلهم الله بها؟» قالوا: يا رسول الله الشهداء الذين استشهدوا مع الأنبياء، قال: «هم كذلك ويحق لهم، وما يمنعهم وقد أكرمهم الله بالشهادة؟ بل غيرهم» قالوا: فمن يا رسول الله؟ قال: «أقوام في أصلاب الرجال يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني، ويصدِّقوني ولم يرَوني، يجدون الورَق المعلق فيعملون بما فيه، فهؤلاء أفضل أهل الإيمان إيماناً» .

قال الهيثمي: رواه أبو يَعْلى، ورواه البزّار فقال عن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أخبروني بأعظم الخلق عند الله منزلة يوم القيامة» ، قالوا: الملائكة، قال: «وما يمنعهم مع قربهم من ربهم؟ بل غيرهم» ، قالوا: الأنبياء، قال: «وما يمنعهم والوحي ينزل عليهم؟ بل غيرهم» ، قالوا: فأخبرنا يا رسول الله، قال: «قوم يأتون بعدكم يؤمنون بي ولم يرَوني، يجدون الوَرَق المعلَّق فيؤمنون به، أولئك أعظم الخَلْق عند الله منزلة أو أعظم الخلق إيماناً عند الله يوم القيامة» . وقال: الصرواب أنه مرسل عن زيد بن أسْلَم، وأحد إسنادي البزّار المرفوع حسن. انتهى. وعند أحمد عن أبي جمعة رضي الله عنه قال: تغدَّينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، فقال: يا رسول الله أحد أفضل منا؟ أسلمنا معك وجاهدنا معك، قال: «نعم، قوم يكونون من يعدي يؤمنون بي ولم يروني» . قال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يَعْلى والطبراني بأسانيد، وأحد أسانيد أحمد رجاله ثقات. انتهى. وعند أحمد عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «طوبى لمن رآني وآمن بي، وطبى لمن آمن بي ولم يرني» سبع مرات. قال

تمني النبي عليه السلام أن لو رأى إخوانه

الهيثمي: رواه أحمد والطبراني بأسانيد، ورجالهما رجال الصحيح غير أيمن بن مالك الأشعري وهو ثقة. انتهى. تمني النبي عليه السلام أن لو رأى إخوانه وأخرج البزّار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن قوماً يأتون من بعدي يودُّ أحدهم أن يفتدي برؤيتي أهله وما لَه» . قال الهيثمي: وفيه عبد الرحمن بن أبي الزِّناد وحديثه حسن وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات اهـ. وعند أحمد عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «وددت أني لو رأيت إخواني الذين آمنوا بي ولم يروني» . قال الهيثمي رواه أحمد وأبو يَعْلى ولفظه: «ومتى ألقى إخواني؟» قالوا: يا رسول الله ألسنا إخوانك؟ قال: «بل أنتم أصحابي، وإخواني الذين آمنوا بي ولم يروني» . وفي رجال أبي يَعْلى محتسبٌ أبو عائذ وثَّقه ابن حبَّان وضعفَّه ابن عدي، وبقية رجال أبي يَعْلى رجال الصحيح غير الفَضْل بن الصَبَّاح وهو ثقة. وفي إسناد أحمد جَسر وهو

ضعيف، ورواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح غير محتسب. انتهى. فضائل أمته عليه السلام وعند أحمد والبزّار والطبراني عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «مثل أمتي مثل المطر لا يُدرَي أوله خير أم آخره» قال الهيثمي ورجال البزّار رجال الصحيح غير الحسن بن قَزَعة وعُبيد بن سليمان الأغَر وهما ثقتان، وفي عبيد خلاف لا يضر. انتهى. وأخرجه البزّار وغيره عن عِمران، والطبراني عن ابن عرم رضي الله عنهما، كما في المجتمع. وقال ابن حجر في الفتح: هو حديث حسن له طرق قد يرتقي بها إلى الصحة، قاله المناوي. وأخرج البزّار عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ لله ملائكة سيّاحين يبلِّغوني عن أمتي السلام» قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «حياتي خير لكم تحدِّثون ويحدِّث لكم، ووفاتي خير لكم تعرض عليَّ أعمالكم، فما رأيت من خير حمدت الله عليه، وما رأت من شر استغفرت الله لكم» قال الهيثمي رواه البزّار ورجاله رجال الصحيح. انتهى.

عذاب هذه الأمة في الدنيا القتل

عذاب هذه الأمة في الدنيا القتل وأخرج البيهقي عن أبي بُرْدة قال: كنت جالساً عند ابن زياد وعنده عبد الله بن يزيد - رضي الله عنه - فجعل يُؤتى برؤوس الخوارج، فكانوا إذا مرُّوا برأس قلت: إلى النار، فقال لي: لا تفعل يا ابن أخي، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يكون عذاب هذه الأمة في دنياها» كذا في الكنز. وأخرجه أبو نُعيم في الحلية عن أبي بُرحدة بنحوه، ولفظه في المرفوع: «إنَّ الله جعل عذاب هذه الأمة في الدنيا القتل» . وأخرجه الطبراني في الكبير والصغير باختصار، والأوسط كذلك، ورجال الكبير رجال الصحيح، كما قال الهيثمي. وعند الطبراني عن أبي بُرْدة رضي الله عنه قال: خرجت من عند عبيد الله بن زياد فرأيته يعاقب عقوبة شديدة، فجلست إلى رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «عقوبة هذه الأمة بالسيف» . قال الهيثمي ورجاله رجال الصحيح. حرمة دماء المسلمين وأموالهم الأحايث في الوعيد على قتل المسلم أخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قُتل قتيل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يُعلم قاتله، فصعد منبره فقال: «يا أيها الناس أيُقتل قتيل وأنا بين أظْهُركم لا يُعلم من قتله؟ لو أنَّ أهل السماء والأرض اجتمعوا

على قتل مسلم لعذَّبهم الله بلا عدد ولا حساب» . قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير عطاء بن أبي مُسْلم وثقه ابن حبَّان وضعَّفه جماعة، انتهى. وعند البزّار عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قُتل قتيل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصعد النبي صلى الله عليه وسلم خطيباً فقال: «ألا تعلمون من قتل هذا القتيل بين أظهركم؟» - ثلاث مرات - قالوا: اللهم لا، فقال: «والذي نفس محمد بيده، لو أنَّ أهل السموات وأهل الأرض اجتمعوا على قتل مؤمن أدخلهم الله جميعاً جهنم، ولا يبعضنا - أهل البيت - أحد إلا كبَّه الله في النار» قال الهيثمي: وفيه داود بن عبد الحميد وغيره من الضعفاء. انتهى. إنكاره عليه السلام على أسامة وبعض أصحابه قتل من تشهَّد وأخرج أحمد عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحُرْقة من جهينة. قال: فصبَّحناهم وكان منهم رجل إذا أقبل القوم كان من أشدهم علينا، وإذا أدبروا كان حاميتهم. قال: فغشِيتُه أنا ورجل من الأنصار، فلما تغشَّيناه قال: لا إله إلا الله، فكف عنه الأنصاري وقتلته. فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا أسامة أَقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟» قال قلت: يا رسول الله إنما كان متعوِّذاً من القتل، قال: فكررها عليَّ حتى تمنّيت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ. وأخرجه البخاري ومسلم أيضاً. وعند ابن

إسحاق: فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرناه فقال: «يا أسامة، من لك بلا إله إلا الله؟» فقلت: يا رسول الله إنما قالها تعوُّذاً من القتل. قال: «فمن لك يا أسامة بلا إله إلا الله؟» فوالذي بعثه بالحق ما زال يرددها عليَّ حتى تمنيت أنَّ ما مضى من إسلامي لم يكن، وأني أسلمت يومئذغ ولم أقتله. فقلت: إني أعطي الله عهداً أن لا أقتل رجلاً يقول لا إله إلا الله أبداً، فقال: «بعدي يا أسامة» ، فقلت: بعدك. كذا في البداية. وأخرجه ابنع ساكر عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: أدركت مِرداس بن نُهَيك أنا ورجل من الأنصار، فلما شهرنا عليه السيف قال: أشهد أن لا إله إلا الله، فلم ننزع عنه حتى قتلناه. فلما قدمنا - فذكر نحو حديث ابن إسحاق. وأخرجه أيضاً أبو داود والنِّسائي والطَّحاوي وأبو عَوَانة وابن حِبَّان والحاكم وغيرهم، وفي حديثهم: فقال النبي صلى الله عليه وسلم «قال لا إله إلا الله وقتلته؟» قلت: يا رسول الله إنما قالها خوفاً من السلاح. قال: «أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم من أجل ذلك قالها أم لا؟ من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة؟» فما زال يكررها حتى تمنيت أنِّي أسلمت يومئذٍ. كذا في كنزل العمال. وأخرجه البيهقي.

إعراضه عليه السلام عن قاتل المؤمن

إنكاره عليه السلام أيضاً على بكر بن حارثة وأخرجه الدَّوْلابي وابن مَنْده وأبو نُعيم عن بكر بن حارثة رضي الله عنه قال: كنت في سرية بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقتتلنا نحن والمشركون، وحملت على رجل من المشركين فتعوَّذ مني بالإِسلام فقتلته. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فغضب وأقصاني. فأوحى الله إليه: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً} (سورة النساء، الآية: 92) - الآية، فرضي عني وأدناني. كذا في الكنز. إعراضه عليه السلام عن قاتل المؤمن وأخرج أبو يَعْلى عن عقبة بن خالد الليثي رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرَية فغارت على قوم، فشدَّ رجل من القوم فأتبعه رجل من السرية ومعه السيفُ شاهرُه. فقال إنسان من القوم: إني مسلم، إني مسلم. فلم ينظر فيما قال: فضربه فقتله. قال: فنما الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال فيه قولاً شديداً، فبلغ القاتل. قال: فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إذ قال القاتل: يا رسول الله، والله ما قال الذي قاله إلا تعوُّذاً من القتل، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن مَنْ قِبَله من الناس وأخذ في خطبته. قال: ثم عاد فقال: يا رسول الله، ما قال الذي قال إلاَّ تعوُّذاً من القتل، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن مَنْ قِبَله من الناس؛ فلم يصبر أن قال في الثالثة فأقبل عليه تُعرف المساءة في وجهه، فقال: «إنَّ الله عز وجل أبي عليَّ أن أقتل مؤمناً» - ثلاث مرات - قال الهيثمي: رواه أبو يَعْلى وأحمد باختصار إلا أنه قال عقبة بن مالك بدل عقبة بن خالد، والطبراني بطوله، ورجاله رجال الصحيح غير بشر بن عاصم

الليثي وهو ثقة. انتهى. وأخرجه أيضاً النِّسائي والبَغَوي وابن حِبَّان عن عُقبة بن مالك، كما في الإِصابة، والخطيب في المتَّفِق والمُفْتَرق، كما في الكنزل عن عُقبة بن مالك نحوه، والبيهقي، وابن سعد عن عقبة بن مالك بنحوه. نزول الآية في قتل المقداد رجلاً تشهَّد وأخرج البزّار عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فيها المقداد بن الأسود رضي الله عنه، فلما وجدوا القوم وجدوهم قد تفرقوا وبقي رجل له مال كثير لم يبرح. فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، فأهوى إليه المقداد فقتله. فقال له رجل من أصحابه. أقتلت رجلاً يشهد أن لا إله إلا الله؟ لأذكرنَّ ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلما قدموا علي النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله إنَّ رجلاً شهد أن لا إله إلا الله فقتله المقداد. فقال: «ادعُ لي المقداد. يا مدادُ أَقتلت رجلاً يقول لا إله إلا الله؟ فكيف لك بلا إله إلا الله غداً؟» قال: فأنزل الله تبارك وتعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ} {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِناً} {تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحياةِ الدُّنْيَا} {فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذالِكَ كُنتُمْ مّن قَبْلُ} (سورة النساء، الآية: 94) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمقداد: «كان رجل مؤمن يُخفي إيمانه مع قوم كفار فأظهر إيمانه فقتلته؟ وكذلك كنت تُخفي إيمانك بمكة من قبل» . قال الهيثمي: رواه البزّار وإسناده

قتل محلم بن جثامة لعامر بن الأضبط وما حصل لمحلم

جيد، وقال في هامشه: رواه الطبراني أيضاً في الكبير، والدارَقُطْني في الأفراد. لغاية ص 85 تابع قتل مُحَلِّم بن جَثّامة لعامر بن الأضبط وما حصل لمحلِّم وأخرج ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي حَدْرَد رضي الله عنه قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إضَم في نفر من المسلمين، منهم: أبو قتادة الحارث بنرِبْعي، ومُحَلِّم بن جَثَّامة بن قيس، فخرجنا حتى إذا كنا ببطن إضَم مر بنا عامر بن الأضْبَط الأشجعي على قَعود له، معه مَتيع له وَوطْب من لبن، فسلَّم علينا بتحية الإِسلام، فأمسكنا عنه، وحمل عليه مُحَلِّم بن جثامة فقتله لشيء كان بينه وبينه، وأخذ بعيره ومَتيعه. فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرناه الخبر فنزل فينا القرآن: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ} {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِناً} {تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحياةِ الدُّنْيَا} {فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ} {كَذالِكَ كُنتُمْ مّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} {فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} . وهكذا رواه أحمد من طريق ابن إسحاق. كذا في البداية والطبراني كذلك. قال الهيثمي: ورجاله ثقات، والبيهقي وكذلك ابن سعد نحوه.

وعند ابن جرير من طريق ابن إسحاق عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مُحلِّم بن جَثَّامة مَبْعثاً، فلقيهم عامر بن الأَضْبَط، فحياهم بتحية الإِسلام، وكانت بينهم إحْنَة في الجاهلية فرماه مُحَلَّم بسهم فقتله. فجاء الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلم فيه عيينة والأقرع رضي الله عنهما، فقال الأقرع: يا رسول الله سُنَّ اليوم غيِّر غداً. فقال عيينة: لا والله حتى تذوق نساؤه من الثكل ما ذاق نسائي. فجاء مُحَلِّم في بردين فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستغفر له. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا غفر لك الله» فقام وهو يتلقَّى دموعه ببرديه. فما مضت له سابعة حتى مات، فدفنون فلفَظَته الأرض، فجاؤوا (إلى) النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له، فقال: «إن الأرض لتقبل من هو شر من صاحبكم، ولكنَّ الله أراد أن يعظكم من حرمتكم» ؛ ثم طرحوه بين صَدَفي جبل فألقوا عليه من الحجارة، ونزلت: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ} - الآية. كذا في البداية. قصة لفظ الأرض لرجل قتل مؤمنا وأخرج عبد الرزاق وابن عساكر عن قَبِيصة بن ذُؤيب رضي الله عنه قال: أغار رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على سرية انهزمت، فغشي رجلاً من المشركين وهو منهزم، فلما أن أراد أن يعلوه بالسيف قال الرجل: لا إله إلا الله، فلم يتناه عنه حتى قتله. فَوَجد الرجل في نفسه مِنْ قَتْله، فذكر حديثه للنبي صلى الله عليه وسلم وقال: إنما قالها متعوُّذاً. فقال النبي صلى الله عليه وسلم «فهلاَّ شققت عن قلبه؟

قصة خالد بن الوليد مع بني جذيمة

فإنام يعبَّر عن القلب باللسان» . فلم يلبثوا إلا قليلاً حتى تفوي ذلك الرجل القاتل، فدُفن فأصبح على وجه الأرض، فجاء أهله فحدّثوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ادفنوه» ، فدفن أيضاً فأصبح على وجه الأرض، فأخبر أهله النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم «إنَّ الأرض أبَتْ أن تقبله فاطرحوه في غار من الغيران» . كذا في الكنز. قصة خالد بن الوليد مع بني جذيمة وأخرج ابن إسحاق عن أبي جعفر محمد بن علي رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد رضي الله عنه حين افتتح مكة داعياً ولم يبعثه مقاتلاً، ومعه قبائل من العرب، وسُلَيم بن منصور، ومدلج بن مرة. فوطئوا بني جَذِيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة، فلما رآه القوم أخذوا السلاح، فقال خالد: ضعوا السلاح، فإن الناس قد أسلموا، فلما وضعوا السلاح أمر بهم خالد فكُتِّفوا ثم عرضهم على السيف فقتل من قتل منهم. فلما انتهى الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يديه إلى السماء ثم قال: «اللهمَّ إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد» ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبيطالب رضي الله عنه، فقال: «يا علي اخرج إلى هؤلاء القوم فانظر في أمرهم واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك» . فخرج علي حتى جادءهم ومعه مال قد بعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم فَوَدَى لهم الدماء وما أصيب لهم من الأموال، حتى إنه ليَدِي مَيْلغة الكلب، حتى إذا لم يبق شيء من دم ولا مال إلا وَدَاه بقيت معه بقية من المال، فقال لهم علي حين فرغ منهم: هل بقي لكم دم أو مال لم يُودَ لكم؟ قالوا: لا، قال: فإني أعطيكم هذه البقية من هذا المال احتياطاً لرسول الله مما لا يعلم ولا تعلمون. ففعل

ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر. فقال: «أصبت، وأحسنت» ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبل القبلة قائماً شاهراً يديه حتى إنه ليُرى ما تحت مَنْكبيه يقول: «اللهمَّ إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد» - ثلاث مرات. وعند أحمد من حديث ابن عرم رضي الله عنهما قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى بني - أحسبه قال: جَذِيمة - فدعاهم إلى الإِسلام فلم يُحْسِنوا أن يقولوا أسلمنا، فجعلوا يقولون: صبأنا صبأنا، وخالد يأخذ بهم أسراً وقتلاً. قال: ودفع إلى كل رجل منا أسيراً، حتى إذا أصبح يوماً أمر خالد أن يقتل كل رجل منا أسيره. قال ابن عمر: والله لا أقتل أسيري، ولا يقتل أحد من أصحابي أسيره، قال: فقدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا صنيع خالد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ورفع يديه: «اللهمَّ إني أبرأ إليك مما صنع خالد» - مرتين. ورواه البخاري والنسائي من حديث عبد الرزاق به نحوه. قال ابن إسحاق: وقد كان بين خالد وبين عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما فيما بلغني كلام في ذلك، فقال له عبد الرحمن: عملت بأمر الجاهلية في الإِسلام، فقال: إنما ثأرتُ بأبيك، فقال عبد الرحمن: كذبتَ قد قتلتُ قاتل أبي، ولكنك ثأرتَ بعمك الفاكِه بن المغيرة، حتى كان بينهما شر. فبلغ ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: «مهلاً يا خالد، دَعْ عنك أصحابي، فوالله لو كان (لك) أحدٌ ذهاً ثم أنفقته في سبيل الله ما أدركت غَدْوة رجل من أصحابي ولا رَوْحته» . كذا في البداية. u ما وقع عليه السلام وبين صخر الأحمسي وأخرج أبو داود عن صخر الأحْمَسي رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم

غزا ثقيفاً، فلما أن سمع ذلك صخر ركب في خيل يُمدُّ النبي صلى الله عليه وسلم فوجده قد انصرف ولم يَفْتَح، فجعل صخر حينئذ عهداً وذمة: لا أفارق هذا القصر حتى ينزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفارقهم حتى نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتب إليه صخر: أما بعد: فإنَّ ثقيفاً قد نزلت على حكمك يا رسول الله، وأنا مقبل بهم وهم في خيلي. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة جامعة، فدعا لأحْمَس عشر دعوات/ «اللهمَّ بارك لأحْمَس في خيلها ورجالها» . وأتى القوم فتكلَّم المغيرة بن شعبة رضي الله عنه فقال: يا رسول الله إن صخراً أخذ عمتي ودخلت فيما دخل فيه المسلمون، فدعاه فقال: «يا صخر إن القوم إذا أسلموا أحرزوا دماءهم وأموالهم فادفع إلى المغيرة عمته» ، فدفعها إليه، وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ماءً لبني سليم قد هربوا عن الإِسلام وتركوا ذلك الماء، فقال: يا رسول الله أنزلنيه أنا وقومي قال: «نعم» ، فأنزله وأسلم - يعني السُّلَميين - فأَتوا صخراً فسألوه أن يدفع إليهم الماء فأبى، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله أسلمنا وأتينا صخراً ليدفع إلينا ماءنا فأبى علينا، فقال: «يا صخرُ إن القوم إذا أسلموا أحرزوا أموالهم ودماءهم فادفع إليهم ماءهم» . قال: نعم يا نبي الله، فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتغير عند ذلك حمرة حياء من أخْذه الجارية وأخذه الماء. تفرّد به أبو داود وفي إسناده اختلاف. كذا في البداية. وأخرجه أيضاً أحمد والدارمي وابن راهَوَيْه والبزّار وابن أبي شَيْبة

الاحتراز عن قتل المسلمين وكراهية القتال على الملك

والطبراني، كما في نصب الراية، والفِريابي في مسنده والبَغَوي وابن شاهين، كما في الإِصابة والبيهقي في سننه. الاحتراز عن قتل المسلمين وكراهية القتال على الملك نهي النبي عليه السلام عن قتل من شهد بوحدانية الله ورسالته صلى الله عليه وسلم أخرج أحمد والدارمي والطَّحاوي والطَّيالسي عن أوس بن أوس الثقفي رضي الله عنه قال: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في قبة في مسجد المدينة، فأتاه رجل فسارَّه بشيء لا ندري ما يقول. فقال: «ذاهب قل لهم: يقتلوه» . ثم دعاه فقال: «لعله يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله» فقال: نعم، فقال: «اذهب فقل لهم: يرسلوه، فإني أُمرت أن يقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإذا قالوها حُرِّمت عليَّ دماؤهم وأموالهم إلا بحقِّها وكان حسابهم على الله» . وعند عبد الرزاق والحسن بن سفيان عن عبد الله بن عدي الأنصاي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس بين ظهراني الناس جاءه رجل يستأذنه أن يساره في قتل رجل من المنافقين، فجهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلامه،

امتناع عثمان عن القتال يوم الدار

فقال: «أليس يشهد أن لا إله إلا الله؟» قال: بلى ولا شهادة له، قال: «أليس يشهد أني رسول الله؟» قال: بلى ولا شهادة له، قال: «أليس يصلِّي؟» قال: بلى ولا صلاة له، قال: «أولئك الذين نُهيت عنهم» . كذا في كنز العمال. امتناع عثمان عن القتال يوم الدار وأخرج أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ادعُوا لي بعض أصحابي» ، قلت: أبو بكر؟ قال: «لا» قلت: عمر؟ قال: «لا» قلت: ابن عمك علي؟ قال «لا» قالت قلت: عثمان؟ قال: «نعم» فلما جاء قال: تنحَّي، فجعل يسارّه ولون عثمان يتغير. فلما كان يوم الدار وحُصِر فيها قلنا: يا أمير المؤمنين ألا تقاتل؟ قال: لا، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إليَّ عهداً وإني صابر نفسي عليه. تفرَّد به أحمد، كذا في البداية. وأخرجه ابن سعد عن أبي سهلة بمعناه أطول منه، وزاد: قال أبو سهلة: فيرون أنه ذلك اليوم. استشهاد عثمان بقوله عليه السلام: لا يحل دم امرىء إلا بإحدى ثلاث وأخرج أحمد عن ابن عرم أن عثمان - رضي الله عنه - أشرف على أصحابه وهو محصور فقال: علامَ تقتلونني؟ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يحل دم امرىء إلا بإحدى ثلاث: رجل زنى بعد إحصانه فعليه الرجم، أو قتل عمداً فعليه القَود، أو ارتد بعد إسلامه فعليه القتل» . فوالله ما زنيت في جاهلية ولا إسلام، ولا قتلت أحداً فأُقيدَ نفسي منه، ولا ارتددت منه أسلمت، إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله. ورواه

النسائي، كذا في البداية. وعند أحمد أيضاً عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: كنت مع عثمان رضي الله عنه في الدار وهو محصور. قال: وكنا ندخل مَدْخلاً إذا دخلناه سمعنا كلامَ مَنْ على البلاط. قال: فدخل عثمان يوماً لحاجته فخرج إلينا منتقعاً لونه، فقال: إنهم ليتواعدوني بالقتل آنفاً. قال: قلنا: يكفيكهم الله يا أمير المؤمنين، قال: ولم يقتلونني؟ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث: رجل كفر بعد إسلامه، أو زنى بعد إحصانه، أو قتل نفساً بغير نفس» .. فوالله ما زنيت في جاهلية ولا إسلام (قط) ، ولا تمنيت بدلاً بديني منذ هداني الله له، ولا قتلت نفساً؛ فبم يقتلونني؟ وقد رواه أهل السنن الأربعة. وقال الترمذي: حسن. كذا في البداية وأخرجه ابن سعد عن أبي أمامة مثله. خطاب عثمان لمن حصروه وكفُّه عن قتالهم وأخرج أيضاً عن أبي ليلى الكندي قال: شهدت عثمان رضي الله عنهوهو محصور فاطَّلع من كَوَّة وهو يقول:

ما وقع بين عثمان والمغيرة يوم الدار

«يا أيها الناس لا تقتلوني واستتيبوني، فوالله لئن قتلتموني لا تصلّون جميعاً أبداً، ولا تجاهدون عدواً جميعاً أبداً، ولتختلفُنَّ حتى تصيروا هكذا - وشبك بين أصابعه - ثم قال: يَا قَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقي أَنْ يُصِيْبَكُمْ مِثْلُ ما أَصَابَ قَوْمَ نُوْحٍ أَوْ قَوْمَ هُوْدٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ، وَمَا قَوْمُ لُوْطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيْدٍ» . وأرسل إلى عبد الله بن سَلاَم رضي الله عنه فقال: ما ترى؟ فقال: الكَفَّ، الكَفَّ، فإنه ألغ لك في الحجة. ما وقع بين عثمان والمغيرة يوم الدار وأخرج أحمد عن المغيرة بن شُعبة رضي الله عنه أنه دخل على عثمان رضي الله عنه وهو محصور، فقال: إنك إمام العامة وقد نزل بك ما ترى، وإني أعرض عليك خصالاً ثلاثاً اختر إحداهن: إما أن تخرج فتقاتلهم فإنَّ معك عدداً وقوة وأنت على الحق وهم على الباطل. وإما أن تخق باباً سوى الباب الذي هم عليه فتقعد على رواحلك فتلحق مكة فإنهن لن يستحلوك وأنت بها. وإما أن تلحق بالشام فإنهم أهل الشام وفيهم معاوية. فقال عثمان: أمَّا أن أخرج فأقاتل فلن أكون أول من خَلَف رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته بسفك الدماء، وأمّا أن أخرج إلى مكة فإنهم لن يستحلُّوني بها؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يلحد رجل من قريش بمكة يكون عليه نصف عذاب العالم» ولن أكون أنا، وأما أن ألحق بالشام فإنهم أهل الشام وفيهم معاوية فلن أفارق دار هجرتي ومجاورة رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا في البداية قال الهيثمي:: رواه أحمد ورجاله ثقات إلا أن محمد بن عبد الملك بن مروان لم أجد له سماعاً من المغيرة - اهـ.

نهي عثمان بعض الصحابة عن القتال يوم الدار وأخرج ابن سعد وابن عساكر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: دخلت على عثمان يوم الدار فقلت: يا أمير المؤمنين طاب أمْضَرْبُ فقال: يا أبا هريرة أيسرك أن تقتل الناس جميعاً وإياي؟ قلت: لا، قال: فوالله إنك إن قتلت رجلاً واحداً فكأنما قتلت الناس جميعاً. فرجعت ولم أقاتل. كذا في منتخب الكنز. وأخرج ابن سعد عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: قلت لعثمان رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين إن معك في الدار عصابة مستنصرة بنصر الله بأقل منهم لعثمان، فأُذن لي فَلأُقاتل. فقال: أنشدك الله رجلاً - أو قال: أذكِّر بالله رجلاً إهراق فيَّ دمه أو إهراق في دماً. وعنده أيضاً قال: قلت لعثمان رضي الله عنه يوم الدار: قاتلهم، فوالله لقد أحلَّ الله لك قتالهم، فقال: لا والله لا أقاتلهم أبداً - فذكر الحديث. وأخرج أيضاً عن عبد الله بن عامر رضي الله عنهما قال: قال عثمان رضي الله عنه يوم الدار: إن أعظمكم عني غناءً رجل كف يده وسلاحه. وأخرج أءَضاً عن ابن سيرين قال: جاء زيد بن ثابت إلى عثمان رضي الله عنهما فقال: هذه الأنصار بالباب يقولون: إن شئت كنا أنصاراً لله - مرتين. قال فقال عثمان: أما القتال فلا.

امتناع سعد بن أبي وقاص عن القتال

وأخرج أيضاً عن ابن سيرين قال: كان مع عثمان يومئذٍ في الدار سبع مائة لو يدَعهم لضربوهم إن شاء الله حتى يخرجوهم من أقطارها، منهم ابن عمر، والحسن بن علي، وعبد الله بن الزبير، رضي الله عنهم. وأخرج أيضاً عن عبد الله بن ساعدة رضي الله عنه قال: اء سعيد بن العاص إلى عثمان رضي الله عنهما فقال: يا أمير المؤمنين إلى متى تمسك بأيدينا؟ 1 قد أكلنا أكلاً هؤلاء القوم، منهم مَنْ قد رمانا بالنبل، ومنهم مَنْ قد رمانا بالحجارة، ومنهم شاهر سيفه، فمُرنا بأمرك. فقال عثمان: إني والله ما أريد قتالهم، ولو أردت قتالهم لرجوت أن أمتنع منهم، ولكني أكِلُهم إلى الله وأكِلُ من أَلَّبهم عليَّ إلى الله، فإنا سنجتمع عند ربنا. فأما قتال فوالله ما آمرك بقتال. فقال سعيد: والله لا أسأل عنك أحداً أبداً. فخرج فقاتل حتى أُم. امتناع سعد بن أبي وقاص عن القتال وأخرج أحمد عن عمر بن سعد عن أبيه أنه جاءه ابنه عامر فقال: يا أبت، الناس ياقتلون (على الدنيا) وأنت ها هنا؟ فقال: يا بني أفي الفتنة تأمرني أن أكون رأساً؟ لا والله حتى أُعطَى سيفاً إن ضربت به مؤمناً نَبَا عنه، وإن ضربت به كافراً قتلته. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله يحب الغني الخفي التقي» . كذا في البداية. وأخرجه أبو نُعيم في الحلية عن عمر بن سعد عن أبيه أنه قال لي: يا بني أفي الفتنة تأمرني - فذكر نحوه.

وعند الطبراني عن ابن سيرين قال: لما قيل لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: ألا تقاتل حتى يأتوني بسيف له عينان ولسان وشفتان يعرف المؤمن من الكافر، فقد جاهدت وأنا أعرف الجهاد. قال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح - اهـ. وأخرجه أبو نُعيم في الحلية عن ابن سيرين مثله، وابن سعد عن ابن سيرين بمعناه. ما وقع بين أسامة وسعد وبين رجل في الامتناع عن القتال وأخرج ابن سعد عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال: قال ذو البطن أسامة بن زيد رضي الله عنه: لا أقاتل رجلاً يقول لا إله إلا الله أبداً، فقال سعد بن مالك رضي الله عنه: وأنا - والله - لا أقاتل رجلاً يقول لا إله إلا الله أبداً. فقال لهما رجل: ألم يقل الله: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدّينُ كُلُّهُ لِلهِ} (سورة الأنفال، الآية: 39) . فقالا: قد قاتلنا حتى لم تكن فتنة، وكان الدين لله. وأخرجه ابن مَردَوَيه عن إبراهيم التيمي عن أبيه نحوه، كما في التفسير لابن كثير. ما قاله ابن عمر في الامتناع عن التقال في فتنة ابن الزبير وأخرج البخاري (ص648) عن نفاع عن ابن عمر رضي الله عنهما أتاه رجلان في فتنة ابن الزبير رضي الله عنهما فقالا: إن الناس ضُيِّعوا وأنت ابن عرم وصاحب النبي صلى الله عليه وسلم فما يمنعك أن تخرج؟ فقال: يمنعني أنَّ الله حرّم دم أخي.

قالا: ألم يقل الله: «وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة» ؟ فقال: قاتلنا حتى لم تكن فتنة وكان الدين لله، وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة ويكون الدين لغير الله. وزاد عثمان بن صالح من طريق بُكير بن عبد الله عن نافع أن رجلاً أتى ابن عمر رضي الله عنهما فقال: يا أبا عبد الرحمن ما حملك على أن تحج عاماً وتعتمر عاماً وتترك الجهاد في سبيل الله (عز وجل) وقد علمت ما رغَّب الله فيه؟ قال: يا ابن أخي بُني الإِسلام على خمس: إيمان بالله ورسوله، والصلوات الخمس، وصيام رمضان، وأداء الزكاة، وحج البيت. قال: يا أبا عبد الرحمن ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه: {وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا} {إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} ؟ قال: فعلنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الإسلام قليلاً، فكان الرجل يُفتن في دينه إمّا قتلوه وإما يعذبوه، حتى كثر الإِسلام فلم تكن فتنة. قال: فما قولك في علي وعثمان؟ قال: أما عثمان فكان الله عفا عنه، وأما أنتم فكرهتم أن يعفو عنه، وأما علي فابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وخَتَنه، وأشار بيده فقال: هذا بيته حيث ترون. وأخجره البيهقي من طريق نافع بنحوه. وهكذا أخرجه أبو نعيم في الحلية عن نافع، وعند البخاري أيضاً من طريق نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً جاءه فقال: يا أبا عبد الرحنم ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه: {وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُواْ} (سورة الحجرات، الآية: 9) - الآية، فما يمنعك أن لا تقاتل كما ذكر الله في كتابه؟

فقال: يا ابن أخي أُعيَّر بهذه الآية ولا أقاتل أحب إليَّ مِنْ أن أعيَّر بهذه الآية التي يقول الله عز وجل: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمّداً} (سورة النساء، الآية: 93) - إلى آخر الآية، قال: فإن الله تعالى يقول: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} قال ابن عمر قد فعلنا - فذكر نحو ما تقدم. وعنده أيضاً من طريق سعيد بن جبير فقال: وهل تدري ما الفتنة؟ كان محمد صلى الله عليه وسلم يقاتل المشركين وكان الدخول عليهم فتنةً، وليس كقتالكم على الملك، كما في التفسير لابن كثير. ما قاله ابن عمر لابن الزبير وابن صفوان في امتناعه عن مبايعة ابن الزبير وعند البيهقي عن أبي العالية البراء أن عبد الله بن الزبير وعبد الله بن صفوان - رضي الله عنهما - كانا ذات يوم قاعدين في الحِجْر، فمرَّ بهما ابن عمر رضي الله عنهما وهو يطوف بالبيت. فقال أحدهما لصاحبه: أتراه بقي أحد خيراً من هذا؟ ثم قال لرجل: ادعه لنا إذا قضى طوافه، فلما قضى طوافه وصلَّى ركعتين أتاه رسولهما فقال: هذا عبد الله بن الزبير وعبد الله بن صفوان يدعوانك. فجاء إليهما، فقال عبد الله بن صفوان: يا أبا عبد الرحمن ما يمنعك أن تبايع أمير المؤمين؟ - يعني ابن الزبير - فقد بايع هل أهل العروض وأهل العراق وعامة أهل الشام. فقال: والله لا أبايعكم وأنتم واضعوا سيوفكم على عواتقكم تَصَبَّبَ أيديكم من دماء المسلمين.

ما قاله ابن عمر في الافتراق والاجتماع

امتناع ابن عمر عن الخروج ليبايعه الناس وعند أبي نُعيم في الحلية عن الحسن رضي الله عنه قال: لما كان من أمر الناس ما كان من أمر الفتنة أتوا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فقالوا: أنت سيد الناس وابن سيدهم والناس بك راضون اخرج نبايعك، فقال: لا والله، لا يهراق فيَّ مِحْجَمة من دم ولا في سببي ما كان فيَّ الروح. قال: ثم أُتي فخُوِّف فقيل له: لتخرجن أو لتُقتلن على فراشك فقال مثل قوله الأول. قال الحسن: فوالله ما استقلُّوا نمه شيئاً حتى لحق بالله تعالى. وأخرجه ابن عسد عن الحسن بنحوه. ما قاله ابن عمر في الافتراق والاجتماع وعند ابن سعد أيضاً عن خالد بن سُمَير قال: قيل لا بن عر رضي الله عنهما: لو أقمت للناس أمرهم، فإن الناس قد رَضوا بك كلهم، فقال لهم: أرأيتم إن خالف رجل بالمشرق؟ قالوا: إن خالف رجل قتل، وما قتل رجل في صلاح الأمة؟ فقال: والله ما أحب لو أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم أخذت بقائمة رمح وأخذت بزجه فقُتل رجل من المسلمين ولي الدنيا وما فيها وعند ابن سعد أيضاً عن قَطَن قال: أتى رجل ابن عمر رضي الله عنهما فقال ما أحد شراً لأمة محمد منك فقال: لم؟ فوالله ما سفكت دماءهم، ولا

فرقت جماعتهم، ولا شققت عصاهم. قال: إنك لو شئت ما ختلف فيك اثنان، قال: ما أحب أنها أتتني ورجل يقول لا وآخر يقول بلى. وعند أبي نعيم في الحلية عن القاسم بن عبد الرحمن أنهم قالوا لابن عمر رضي الله عنهما في الفتنة الأولى: ألا تخرج فتقاتل؟ فقال: قد قاتلت والأنصاب بين الركن واباب حتى نفاها الله عز وجل من أرض العرب، فأنا أكره أن أقاتل من يقول لا إله إلا الله قالوا: والله ما رأيك ذلك، ولكنك أردت أن يُفني أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضهم بعضاً؛ حتى إذا لم يبقَ غيرك قيل: بايعوا لعبد الله بن عمر بإمارة المؤمنني. قال: والله ما ذلك فيَّ، ولكن إذا قلتم حيَّ على الصلاة أجبتكم، حيَّ على الفلاح أجبتكم، وإذا افترقتم لم أجامعكم، وإذا اجتمعتم لم أفارقكم. وعن نافع قال: قيل لابن عمر رضي الله عنهما زمن ابن الزبير رضي الله عنهما والخوارج والخَشَبِيَّة: أتصلِّي مع هؤلاء ومع هؤلاء وبعضهم يقتل بعضاً؟ فقال: من قال حيَّ على الصلاة أجبته، ومن قال: حي على الفلاح أجبته، ومن قال: حيَّ على قتل أخيك المسلم وأخذ ماله قلت لا، وأخرجه ابن سعد عن نافع مثله. كراهية الحسن بن علي قتل المؤمنين في طلب الملك ومصالحته لمعاوية وأخرج الحاكم عن أبي الغريف قال: كنا في مقدِّمة الحسن بن علي رضي الله عنهما اثني عشر ألفاً تقطر أسيافنا من الحِدَّة على قتال أهل الشام وعلينا أبو العمرطة. فلما أتاها صلح الحسن بن علي ومعاوية - رضي الله عنهم - كأنما كُسرت ظهورنا من الحَرْد والغيظ. فلما قدم الحسن بن علي الكوفة قام إليه رجل منا يُكنى أبا عامر سفيان بن الليل، فقال: السلام عليك يا مذلَّ المؤمنين، فقال الحسن: لا تقل ذاك يا أبا عامر، لم أُذل المؤمين ولكني كرهت أن أقتلهم في طلب الملك. وأرجه بن عبد البرفي الاستعياب نحوه، والخطيب والبغدادي كذلك، كما في البداية. وأخرج ابن عبد البرفي الاستيعاب عن الشَّعبي قال: لما جرى الصلح بين الحسن بن علي

ومعاوية - رضي الله عنهم - قال له معاوية: قم فاخطب الناس واذكر ما كنت فيه، فقام الحسن فخطب فقال: الحمد لله الذي هدى بنا أوِّلكم، وحقن بنا دماء آخركم، ألا إن أكيس الكَيْس التقى، وأعجز العَجْز الفجور؛ وإنَّ هذا الأمر الذي اختلفت فيه أنا ومعاوية إما أن يكون كان أحقَّ به مني وإما أن يكون حقي، فتركناه لله ولصلاح أمة محمد صلى الله عليه وسلم وحقن دمائهم» قال: ثم التفت إلى معاوية فقال: {وَإِنْ أَدْرِى لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} (سورة الأنبياء، الآية: 111) ، ثم نزل، فقال عمرو لمعاوية: ما أردتُ إلاَّ هذا وأخرجه أيضاً الحاكم، والبيهقي عن الشعبي بنحوه.

ما قاله الحسن لجبير بن نفير في شأن الخلافة وعند الحاكم أيضاً عن جبير بن نفير رضي الله عنه قال: قلت للحسن بن علي رضي الله عنهما: إن الناس يقولون إنك تريد الخلافة، فقال: قد كان جماجم العرب في يدي يحاربون مَنْ حاربت ويسالمون من سالمت، تركتها ابتغاءَ وجه الله تعالى وحقن دماء أمة محمد صلى الله عليه وسلم ثم أبتزها باتئاس أهل الحجاز؟ قال الحاكم: هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين ولم يخرِّجاه، ووافقه الذهبي. امتناع أيمن الأسديّ عن التقال مع مروان وما جرى بينهما وأخرج أبو يَعْلى عن عامر الشَّعْبي قال: لما قاتل مروانُ الضحاكَ بن قيس أرسل إلى أيمن بن خُرَيم الأسدي رضي الله عنه فقال: إنا نحب أن تقاتل معناه. فقال: إن أبي وعمي شهدا بدراً فعهدا إليَّ أن لا أقاتل أحداً يشهد أن لا إله إلا الله، فإن جئتني ببراءة من النار قاتلت معك. فقال: اذهب، ووقع فيه وسبَّه، فأنشأ أين يقول: ولستُ مقاتلاً رجلاً يصلِّي على سلطان آخر من قريش أقاتل مسلماً في في غير شيء فليس بنافعي ما عشت عيشي لخ سلطانه وعليَّ إثمي مَعاذ الله من جهل وطيشِ قال الهيثمي: رواه أبو يعلى والطبراني بنحوه إلا أنه قال: ولست

امتناع عبد الله بن أبي أوفى عن التقال مع يزيد

أقاتل رجلاً يصلِّي، وقال: معاذ الله من فشل وطيش، وقال: أأقتل مسلماً في غير جُرْم. ورجال أبي يعلى رجال الصحيح غير زكريا بن يحيى رَححمَويه وهو ثقة. انتهى. وأخرجه البيهقي عن قيس بن أبي حازم والشَّعبي بنحوه. ما قاله الحكم بن عمرو لعلي وأخرج الطبراني عن ابن الحكم بن عمرو والغِفاري قال: حدثني جدي قال: كنت عند الحكم بن عمرو رضي الله عنه جالساً حين جاءه رسول علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال: إنك أحق من أعاننا على هذا الأمر، فقال: سمعت خليلي ابن عمك صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا كان هكذا أو مثل هذا أن اتخذ سيفاً من خشب» فقد اتخذت سيفاً من خشب. قال الهيثمي: رواه الطبراني، وفيه من لم أعرفه. امتناع عبد الله بن أبي أوفى عن التقال مع يزيد h وأخرج البزار عن أبي الأشعث الصنعاني قال: بعثني يزيد بن معاوية إلى عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه ومعي ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: ما تأمرون به الناس؟ فقال: أوصاني القاسم صلى الله عليه وسلم إن أنا أدركت شيئاً من هذه أن أعمد إلى أُحُد وأكسر سيفي وأقعد في بيتي، فإن دُهل عليَّ بيتي قال: «اقعد في مخدعك، فإن دُخل عليك فاجث على ركبتيك، وتقول: بُؤْبإثمي وءثمك فتكون من أصحاب النار، وذلك جزاء الظالمين» . فقد كسرت سيفي فإذا دُهل عليَّ بيتي دخلت مخدعي، فإذا دخخل عليَّ مخدعي جَثَوتُ على ركبتيَّ، فقلت: ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقول. قال الهيثمي: رواه

قول حذيفة في الاقتتال

البزّار، وفيه من لم أعرفهم. انتهى. عمل محمد بن مسلمة بوصيته عليه السلام في شأن الاقتتال على الدنيا وأخرج الطبراني عن محمد بن مسلمة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا رأيت الناس يقتتلون على الدنيا فاعمد بسيفك على أعظم صخرة في الحرّة فاضربه بها حتى ينكسر، ثم اجلس في بيتك حتى تأتيك يد خاطئة أو منية قاضية» ، ففعلت ما أمري به رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الهيثمي رجاله ثقات. وعند ابن سعد عن محمد بن مسلمة رضي الله عنه قال: أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفاً فقال: «يا محمد بن مسلمة جاهد بهذا السيف في سبيل الله، حتى إذا رأيت من المسلمين فئتين تقتتلان فاضرب به الحجر حتى تكسره، ثم كف لسانك ويدك حتى تأتيك منية قاضية أو يد خاطئة» . فلما قتل عثمان رضي الله عنه وكان من أمر الناس ما كان؛ خرج إلى صخرة في فنائه فضرب الصخرة بسيفه حتى كسره. قول حذيفة في الاقتتال وأخرج أحمد عن ربعي قال: سمعت رجلاً في جنازة حذيفة. رضي الله عنه يقول: صاحب هذا السرير يقول: ما بي بأس ما سمعت من رسول

الله صلى الله عليه وسلم ولئن اقتتلتم لأدخلنَّ بيتي، فلئن دُخل عليَّ فلأقولنَّ: ها، بُؤْبإثمي وإثمك. قال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير الرجل المبهم. ما جرى بين معاوية ووائل بن حجر في هذا الشأن وأخرج الطبراني عن وائل بن حُجر رضي الله عنه قال: لما بلغنا ظهورُ رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجتُ وافداًعن قومي. حتى قدمت المدينة، فلقيت أصحابه قبل لقائه فقالوا: بَشَّرَنا بك رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل أن تقدَم علينا بثلاثة أيام فقال: «قد جاءكم وائل بن حُجْر» . ثم لقيني عليه السلام فرحب بي، وأدنى مجلسي، وبسط لي رداءه فأجلسني عليه ثم دعا في الناس فاجتمعوا إليه، ثم اطَّلع المنبر وأطلعني معه وأنا دونه، ثم حمد الله وقال: «يا أيها الناس: هذا وائل بن حُجحر أتاكم من بلاد بعيدة؛ من بلاد حضرموت، طائعاً غير مكره، بقيةُ أبناء الملوك، بارك الله فيك يا حُجر وفي ولدك» . ثم نزل وأنزلني منزلاً شاسعاً عن المدينة، وأمر معاوية بن أبي سفيان أن يبوؤني إياه. فخرجت وخرج معي، حتى إذا كنا ببعض الطريق قال: يا وائل إن الرمضاء قد أصابت بطن قدمي فأردفني خلفك، فقلت: ما أضن عليك بهذه الناقة ولكن لستَ من أبناء الملوك وأكره أن أعيَّر بك. قال: فالقِ إليَّ حذاءك أتوقَّى به من حر الشمس. قلت: ما أضن عليك بهاتين الجلدتين

ولكن لست ممن يلبس لباس الملوك وأكره أن أعيَّر بك - فذكر الحديث. وفيه: فلما ملك معاوية بعث رجلاً من قريش يقال له بُسْر بن أبي أرطأة فقال له: قد ضممت الناحية فاخرج بجيشك، فإذا خلَّفت أفواه الشام فضع سيفك فاقتل من أبي بيعتي حتى تصير إلى المدينة، ثم أدخل المدينة فاقتل من أبي بيعتي، وإن أصبت وائل بن حُجر حياً فأتني به. ففعل، وأصاب وائلاً حياً فجاء به إليه، فأمر معاوية أن يُتلقَّى، وأذن له فأجلسه معه على سريره. فقال له معاوية: أسريري هذا خير أم ظهر ناقتك؟ فقلت: يا أمير المؤمنين كنتُ حديث عهد بجاهلية وكفر وكانت تلك سيرة الجاهلية، فقد أتانا الله بالإِسلام فستر الإِسلام ما فعلتُ. قال: فما منعك من نصرنا وقد، أعدَّك عثمان ثقة وصْهراً؟ قلت: إنك قاتلت رجلاً هو أحف بعثمان منك قال: وكيف يكون أحق بعثمان نمي وأنا أقرب إلى عثمان في النسب؟ قلت: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان آخى بين علي وعثمان فالآخ أولى من ابن العم، ولست أقاتل المهاجيرن. قال: أَوَلَسْنا مهاجرين؟ قلت: أَوَلَيْسنا قد اعتزلناكما جميعاً؟ وحجة أخرى: حضرتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رفع رأسه نحو المشرق وقد حضره جمع كثير، ثم ردَّ إليه بصره فقال: أتتكم الفتن كقطع الليل المظلم، فشدَّد أمرَها وعجَّله وقبَّحه. قلت له من بين القوم: يا رسول الله وما الفتن؟ قال: يا وائل إذا تختلف سيفان في الإِسلام فاعتزلهما. فقال: أصبحت شيعياً؟ فقلت: لا، ولكن أصبحت ناصحاً للمسلمين. فقال معاوية: لو سمعتُ ذا وعلمته ما أقدمتُك قلت: أو ليس قد رأيتَ ما صنع محمد بن مسلمة عند مقتل عثمان؟ انتهى بسيفه إلى صخرة فضربه حتى انكسر. فقال: أولئك قوم يُحملون. قلت: فكيف نصنع بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم

قول أبي برزة الأسلمي في قتال مروان وابن الزبير والقراء

«من أحب الأنصار فبحبي أحبهم ومن أبغض الأنصار فببغضي أبغضهم» . فقال: اختر أيَّ البلاد شئت فإنك لست براجع إلى حضرموت. فقلت: عشيرتي بالشام وأهل بيتي بالكوفة. فقال: رجل إلى أهل بيتك خبير من عشرة من عشيرتك. فقلت: ما رجعت إلى حضرموت سروراً بها وما ينبغي للمهاجر أن يرجع إلى الموضع الذي هاجر منه إلا من علّة. قال: وما علتك؟ قلت: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتن، فحيث اختلفتم اعتزلناكم وحيث اجتمعتم جئناكم، فهذه العلة. فقال: إني قد وليتك الكوفة فسر إليها. فقلت: ما إلى بعد النبي صلى الله عليه وسلم لأحد؛ أما رأيت أبا بكر رضي الله عنه أرادني فأبيت، وأرادني عمر رضي الله عنه فأبيت، وأرادني عثمان رضي الله عنه فأبيت ولم أترك بيعته. جاءني كتاب أبي بكر حيث ارتد أهل ناحيتنا فقمت فيهم حتى ردَّهم الله إلى الإسلام بغير ولاية، فدعا عبد الرحمن بن أم الحكم فقال: سر فقد وليتك الكوفة وسر بوائل فأكرمه واقضِ حوائجه. فقال: يا أمير المؤمنين أسأت بي الظن تأمرني بإكرام مَنْ قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكرمه، وأبا بكر وعمر وعثمان وأنت. فسرَّ معاوية بذلك منه. فقدمت معه الكوفة فلم يلبث أن مات. قال الهيثمي: رواه الطبراني في الصغير والكبير وفيه محمد بن حُجر وهو ضعيف. انتهى. قول أبي برزة الأسلمي في قتال مروان وابن الزبير والقرَّاء وأخرج البيهقي عن أبي المنهال قال: لما كان زمن أُخرج ابن زياد وثبت مروان بالشام حيث وثب، ووثب ابن الزبير بمكة، ووثب الذين كانوا يُدعون القُرَّاء بالبصرة. قال: غُمَّ أبي غماً شديداً، فقال: انطلق - لا أبالك - إلى هذا الرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بَرْزَة الأسلمي رضي الله عنه. قال: فانطلقت معه حتى دخلنا عليه في داره، فإذا هو قاعد في ظل عُلْوٍ له من قصب في يوم حار شديد الحر. فجلسنا إليه فأنشأ أبي يستطعمه، قال:

يا أبا برزة ألا ترى؟ ألا ترى؟ قال: فكان أول شيء تكلم به أن قال: إني أتسب عند الله أني أصبحت ساخطاً على أحياء قريش، إنكم معشر العُرَيب كنتم على الحال الذي قد علمتم في جاهليتكم من القلَّة والذلّة والضلالة وإن الله عز وجل نعشكم بالإِسلام وبمحمد صلى الله عليه وسلم حتى بلغ بكم ما ترون، وإن هذه الدنيا التي أفسدت بينكم. إن ذاك الذي بالشام - يعني مروان - والله ما يقاتل إلا على الدنيا، وإن ذاك الذي بمكة - والله - إن يقاتل إلا على الدنيا، وإن الذين حولكم الذين تدعونهم قراءكم - والله - إن يقاتلون إلا على الدنيا؛ قال: فلما لم يدع أحداً قال له أبي: فما تأمرنا إذاً؟ قال: إني لا أرى خير الناس اليوم إلا عصابة مُلْبِدة - وقال بيده - خماصَ البطون من أموال الناس، خفافَ الظهور من دمائهم. وأخرجه البخاري، والإِسماعيلي، ويعقوب بن سفيان في تاريخه عن أبي المنهال بنحوه كما في فتح الباري. قول حذيفة في القتل وأخرج أبو نعيم في الحلية عن شِمْر بن عطية قال: قال حذيفة رضي الله عنه لرجل: أيسرك أنك قتلت أفجر الناس؟ قال: نعم، قال: إذاً تكون أفجر منه. الاحتراز عن تضييع الرجل المسلم أخرج اليبهقي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأله إذا حاصرتم المدينة كيف تصنعون؟ قال: نبعث الرجل إلى المدينة وننصع له هَنَةً من جلود. قال: أرأيت إن رُميَ بحجر؟ قال: إذا يُقتل.

ترويع المسلم

قال: فلا تفعلوا، فوالذي نفسي بيده ما يسرني أن تفتتحوا مدينة فيها أربعة آلاف مقاتل بتضييع رجل مسلم. وأخرجه الشافعي مثله كما في الكنز إلا أن عنده: هبيئاً من جلود. استنقاذ المسلم من أيدي الكفار أخرج ابن أبي شيبة عن عمر رضي الله عنه قال: لأن استنقذ رجلاً من السملمين من أيدي الكفار أحب إليَّ من جزيرة العرب. كذا في كنزل العمال. ترويع المسلم حديث أبي الحسن في نهي النبي عليه السلام عن ترويع المسلم أخرج الطبراني عن أبي الحسن رضي الله عنه - وكان عَقَبياً بَدْرياً - قال: كنا جلوساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام رجل ونسي نعليه، فأخذهما رجل فوضعهما تحته. فرجع الرجل فقال: نعليَّ، فقال القوم: ما رأيناهما. فقال: هوذَهْ، فقال: «فكيف بروعة المؤمن؟» - مرتين أو ثلاثاً -. كذا في الترغيب. قال الهيثمي: رواه الطبراني وفيه حسين بن عبد الله بن عبيد الله الهاشمي وهو ضعيف انتهى. وأخرجه أيضاً ابن السَّكَن مثله كما في الإِصابة. وعند البزَّار والطبراني وأبي الشيخ ابن حبان في كتاب التوبيخ عن عامر بن ربيعة رضي

الله عنه أن رجلاً أخذ نعل رجل فغيَّبها وهو يمزح، فذُكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم «لا تروِّعوا المسلم فإنَّ روعة المسلم ظلم عظيم» . كذا في الترغيب. قال الهيثمي: وفيه عاصم بن عبيد الله وهو ضعيف. أحاديث بعض الصحابة في هذا الشأن أيضا وأخرج الطبراني في الكبير - ورواته ثقات - عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير فخفق رجل على راحلته، فأخذ رجل سهماً من كنانته فانتبه الرجل ففزع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يحل لرجل أن يروِّع مسلماً» . وعند أبي داود عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يسيرون مع النبي صلى الله عليه وسلم فنام رجل منهم، فانطلق بعضهم إلى حبل معه فأخذه، ففزع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يحل لمسلم أن يروِّع مسلماً» . كذا في الترغيب. وأخرج الطبراني عن سليمان بن صُرَد رضي الله عنه أن أعرابياً صلَّى مع رضي الله عنه ومعه قَرَن فأخذها بعض القوم؛ فلما سلَّم النبي صلى الله عليه وسلم قال الأعرابي: القَرَن، فكأن بعض القوم ضحك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يروِّعنَّ مسلماً» . قال الهيثمي: رواه الطبراني من رواية

الاستخفاف بالمسلم واحتقاره

ابن عيينة عن إسماعيل بن مسلم، فإن كان هو العبدي فهو من رجال الصحيح، وإن كان هو المكِّي فهو ضعيف وبقية رجاله ثقات. انتهى. لغاية ص 105 تابع الاستخفاف بالمسلم واحتقاره حديث عائشة وعطاء وعروة في أسامة بن زيد أخرج ابن سعد عن عائشة رضي الله عنها قالت: عَثَر أسامة رضي الله عنه على عتبة الباب أبو أُسْكُفَّة الباب، فشجَّ جبهته، فقال: «يا عائشة أميطي عنه الدم» فتقذرتُه. قالت: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يَمَصُّ شَجته ويمجه ويقول: «لو كان أسامة جارية لكسوته وحَلَّيته حتى أُنفِقَه» . وأخرج ابن أبي شيبة نحوه كما في المنتخب. وعند الواقدي وابن عساكر عن عطاء بن يسار رضي الله عنه قال: كان أسامة بن زيد رضي الله عنهما قد أصابه الجُدَي أول ما قدم المدينة، وهو غلام مُخاطه يسيل على فيه فتقَذَّرتْه عائشة رضي الله عنها، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفق يغسل وجهه ويقبله. فقالت عائشة: أما - والله - بعد هذا فلا أُقصيه أبداً. كذا في المنتخب. وأخرج ابن سعد أيضاً عن عروة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخَّر الإِفاضة من عَرفَة من أجل أسامة بن زيد رضي الله عنهما ينتظره، فجاء غلام أفطس أسود، فقال

إغضاب المسلم

أهل اليمن: إنما حبسنا من أجل هذا؟ قال: فلذلك كفر أهل اليمن من أجل ذا، قال ابن سعد: قلت ليزيد بن هارون: ما يعني بقوله كفر أهل اليمن من أجل هذا؟ فقال: ردَّتُهم حين ارتدوا في زمن أبي بكر رضي الله عنه إنما كانت لاستخفافهم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وأخرجه ابن عساكر عن عروة نحوه وفيه قال عروة: إنما كفرت اليمن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم من أجل أسامة. كذا في المنتخب. قول عمر رضي الله عنه في هذا الشأن وأخرج أبو عبيد عن الحسن أن قوماً قدموا على أبي موسى رضي الله عنه، فأعطى العرب وترك الموالي. فكتب إليه عمر رضي الله عنه: ألا سويتَ بينهم؟ بحسب المرء من الشر أن يحقر أخاه المسلم. كذا في الكنز. وعند أحمد في الزهد عن عمر رضي الله عنه قال: بحسب امرىء من الشر أن يحقر أخاه المسلم. كذا في الكنزل. إغضاب المسلم ما وقع بين أبي بكر وبين سلمان وصهيب وبلال في أمر أبي سفيان أخرج مسلم عن عائذ بن عمرو أن أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال رضي الله عنهم في نفر، فقالوا: ما أخذتْ سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها. قل: فقال أبو بكر رضي الله عنه: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم؟ فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: يا أبا بكر لعلك أغضبتهم؟ لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك» فأتاهم أبو بكر فقال: يا إخوتاه أغضبتكم؟ قالوا:

لعن المسلم

لا. يغفر الله لك يا أخي. ويخرجه أبو نعيم في الحلية وابن عبد البر في الاستيعاب عن عائذ بن عمرو نحوه. وأخرج ابن عساكر عن صهيب أن أبا بكر - رضي الله عنه - مر بأسير له يستأمن له من رسول الله صلى الله عليه وسلم وصهيب جالس في المسجد، فقال لأبي بكر: من هذا الذي معك؟ قال: أسير لي من المشركين أستأمن له من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صهيب: لقد كان في عنق هذا موضع للسيف، فغضب أبو بكر. فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «مالي أراك غضبان؟» قال: مررت بأسيري هذا على صهيب فقال: لقد كان في رقبة هذا موضع للسيف، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «فلعلك آذتيه» : فقال: لا والله، فقال: «لو آذيته لآذيت الله ورسوله» . كذا في كنز العمال. لعن المسلم حديث عمر في نهي النبي عليه السلام عن لعن شارب الخمر أخرج البخاري وابن جرير والبيهقي عن عمر رضي الله عنه أن رجلاً كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه عبد الله، وكان يلقب حماراً، وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب. فأُتي به يوماً فأمر به فجُلد، فقال رجل من القوم: اللهمَّ العنه فما أكثر ما يُؤتى به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «لا تلعنوه فوالله - ما علمت -إنه يحب الله ورسوله» . وعند أبي يعلى

وسعيد بن منصور وغيرهما عنه أن رجلاً كان يُقلب حماراً وكان يهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم العُكَّة من السمن والعُكَّة من العسل. فإذا جاء صاحبه يتقاضاه جاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أعطِ ثمن متاعه. فما يزيد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتبسم فيأمر به فيُعطى. فجيء به يوماً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شرب الخمر فقال رجل - فذكر بنحوه. كذا في الكنز. أحاديث زيد بن أسلم وأبي هريرة وسلم ة بن الأكوع في هذا الشأن وأخرج عبد الرزاق عن زيد بن أسلم قال: أُتي بابن النعمان - رضي الله عنه - إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجلده، ثم أُتي به فجلده مراراً، أربعاً أو خسماً. فقال رجل: اللهمَّ العنه، ما أكثر ما يشرب وما أكثر ما يجلد فقال النبي صلى الله عليه وسلم «لا تلعنه فإنَّه يحب الله ورسوله» . كذا في الكنز. وعند ابن سعد عن زيد بن أسلم قال: أُتي بالنعيمان أو ابن النعيمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم ـ فذكر نحوه. وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتي بشارب فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فضربوه؛ فمنهم من ضربه بنعله، ومنهم من ضربه بيده، ومنهم بثوبه. ثم قال: ارفعوا، ثم أمرهم فبكَّتوه. فقالوا: ألا تستحيي من رسول الله صلى الله عليه وسلم تصنع هذا؟ ثم أرسله. فلما أدبر وقع القوم يدعون عليه ويسبُّونه، يقول القائل: اللهمّ اخزه، اللهم العنه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تقولوا هكذا ولا تكونوا للشيطان على أخيكم، ولكن قولوا: اللهمّ اغفر له، اللهمَّ اهده» وفي لفظ: «لا تقولوا هكذا، لا تعينوا الشيطان، ولكن قولوا: رحمك الله» كذا في

شتم المسلم

كنزل العمال. وأخرج الطبراني بإسناد جيد عن سلَلَمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: كنا إذا رأينا الرجل يلعن أخاه رأينا أنْ قد أتى باباً من أبواب الكبائر. كذا في الترغيب. شتم المسلم حديث عائشة في شأن الرجل الذي كان يشتم عبيده أخرج أحمد والترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاء رجل فقعد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي مملوكِين يكذبونني، ويخونونني، ويعصونني، وأشتمهم وأضربهم، فكيف أنا منهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا كان يوم القيامة يحسب ما خانوك، وعصَوك، وكذَّبوك، وعقابك إياهم (فإن كان عقابك إياهم) بقدر ذنوبهم كان كفافاً لا لك ولا عليك، وإن كان عقابك إياهم فوق ذنوبهم اقتُص لهم منك الفَضْل» . فتنحَّى الرجل وجعل يهتف ويبكي. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (أما تقرأ قول الله: {وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} {فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} ) (سورة الأنبياء، الآية: 7) فقال الرجل: يا رسول الله ما أجد لي ولهؤلاء خيراً من مفارقتهم، أشهد أنهم كلَّهم أحرار. كذا في الترغيب، وقال: إسناد أحمد والترمذي متصلان ورواتهما

ما وقع بينه عليه السلام وبين أبي بكر لما شتمه رجل

ثقات. ما وقع بينه عليه السلام وبين أبي بكر لمَّا شتمه رجل وأخرج أحمد والطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً شتم أبا بكر رضي الله عنه والنبي صلى الله عليه وسلم جالس، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يُعجبه ويتبسم. فملا أكثر ردَّ عليه بعض قوله. فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقام، فلحقه أبو بكر فقال: يا رسول الله كان يشتمني وأنت جالس علما رددتُ عليه بعض قوله غضبت وقمت؟ قال: «إنه كان معك مَلَك يردُّ عنك، فلما رددت عليه بعض قوله وقع الشيطان فلم أكن لأقعد مع الشيطان» ، ثم قال: «يا أبا بكر ثلاث كلهن حق: ما من عبد ظُلم يمَظْلِمة فيفضي عنها لله عز وجل إلا أعز الله بها نَصْره، وما فتح رجل باب عطية يريد بها صلة إلا زاده بها كثرة، وما فتح باب مسألة يريد بها كثرة إلا زاده الله بها قلّة» : قال الهيثمي: رجال أحمد الصحيح، ورواه أبو داود إلا أنه لم يذكر: ثم قال يا أبا بكر. نذر عمر قطع لسان ابنه لشتمه المقداد أخرج أحمد، واللألكائي في السنة، وأبو القاسم بن بُشران في أماليه، وابن عساكر عن البهي أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما شتم المقدار رضي الله عنه، فقال عمر: عليَّ نذر إن لم أقطع لسانك فكلَّموه وطلبوا إليه. فقال عمر: دعوني حتى أقطع لسانه حتى لا يشتم بعدُ أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

الوقوع في المسلم

وعند ابن عساكر عن البهي قال: كان بين عبد الله بن عمرو بين المقداد - رضي الله عنهم -شيء، فنال منه عبد الله، فشكاه المقداد إلى أبيه، فنذر عمر ليقطعنَّ لسانه. فلَّما خاف ذلك من أبيه تحمل على أبيه بالرجال، فقال: دعوني فأقطعَ لسانه فتكون سنةً يُعمل بها من بعدي، لا يوجد رجل شتم رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلاَّ قُطع لسانه. كذا في منتخب كنز العمال. الوقوع في المسلم إنكاره عليه السلام على رجل في ذلك أخرج أبو نعيم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: وقع رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم في رجل، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم «قُمْ، لا شهادة لك» قال: يا رسول الله فلست أعود. قال: «أصبحت تهزأ بالقرآن؟ ما آمن بالقرآن من استحل محارمه» . كذا في الكنز. ما وقع بين خالد وسعد في ذلك وأخرج أبو نعيم في الحلية عن طارق بن شهاب قال: كان بين خالد وسعد رضي الله عنهما كلام. فذهب رجل يقع في خالد عنه سعد، فقال: مَهْ، إنَّ ما بيننا لم يبلغ دِيَننا. وأخرجه الطبراني عن طارق مثله. قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح. انتهى.

غيبة المسلم

غيبة المسلم إنكاره عليه السلام على من اغتاب رجلاً أُقيم عليه حد الرجم أخرج عبد الرزاق وأبو ادود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء الأسلمي نبيَّ الله فشهد على نفسه أنه أصاب امرأة حراماً أربع مرات. كلُّ ذلك يعرض عنه - فذكر الحديث. وفيه قال: فأمر به فرجم. فسمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلين من أصحابه يقول أحدهما لصاحبه: انظر إلى هذا الذي ستر الله عليه فلم تدعْه نفسه حتى رُجم رجم الكلب، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم عنهما ثم سار ساعة حتى مرَّ بجيفة حمار شائل برجله.k فقال: «أين فلان وفلان» ؟ قالا: نحن ذان يا رسول الله، قال: «انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار» فقالا: يا نبي الله - غفر الله لك - من يأكل من هذا؟ قال: «فما نلتما من عرض أخيكما آنفاً أشد من أكل الميتة، والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها» . كذا في الكنزل، وأخرجه ابن حبَّان في صحيه عن أبي هريرة نحون. كما في الترغيب وأخرجه البخاري في الأدب نحوه مختصراً، وصحَّحه ابن حبان كما قاله الحافظ في الفتح.

وأخرج عبد الرزاق عن ابن المنكدر أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم امرأة فقال بعض المسلمين: حبط عمل هذه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «بل هذه كفَّارة لما عملت وتحاسب أنت بما عملت» . كذا في الكنزل. حديث عائشة وزيد بن أسلم في صفية وفي امرأة أخرى وأخرج أبو داود والترمذي والبيهقي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم حَسْبك من صفية كذا وكذا - قال بعض الرواة: تعني قصيرة - فقال: «لقد قلت كلمة لو مُزجت بماء البحر لمزجته -» قالت: وحكيتُ له إنساناً، فقال: «ما أحب أن حكيت لي إنساناً وإن لي كذا وكذا» . قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وعند أبي داود أيضاً عنها أنه اعتلَّ بعير لصفية بنت حُيَي وعند زينب فَضْل ظَهْر - رضي الله عنهما -، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لزينب: «أعطيها بعيراً» ، فقالت: أنا أعطي تلك اليهودية؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهجر ذا الحجة والمحرَّم وبعض صفر. كذا في الترغيب. وأخرجه ابن سعد نحوه، وفي حديثه: فتركها رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا الحجة والمحرَّم شهرين أو ثلاثة لا يأتيها. قالت زينب: حتى يئستُ منه. وعند ابن أبي الدنيا عنها قالت: قلت لامرأة مرة وأنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إن

إنكاره عليه السلام على بعض أصحابه قولهم الغيبة

هذه لطويلة الذيل، فقال: «الفظي، الفظي» فلفظتُ بَضْعة من لم. كذا في الترغيب. وأخرج ابن سعد عن زيد بن أسلَم أن نبي الله صلى الله عليه وسلم في الوجع الذي توفي فيه اجتمع إليه نساؤه، فقالت صفية بنت حيي: أما والله يا نبي الله لوددتُ أنَّ الذي بك بي، فغمزنَها أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأبصرهنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «مَضْمِضْن» فيقلن: من أيِّ شيء يا نبي الله، قال: «من تغامزكن بصاحبتكم، والله إنَّها لصادقة» وسنده حسن كما في الإِصابة. وأخرجه ابن سعد أيضاً من طريق عطاء بن يسار بمعناه. إنكاره عليه السلام على بعض أصحابه قولهم الغيبة وأخرج أبو يَعْلى والطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقام رجل، فقالوا يا رسول الله ما أعجزه أو قالوا: ما أضعف فلاناً فقال النبي صلى الله عليه وسلم «اغتبتم صاحبكم وأكلتم لحمه» . ولفظ الطبراني: أن رجلاً قام من عند النبي صلى الله عليه وسلم فرأوا في قيامه عَجْزاً، فقالوا: ما أَعجز فلانً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أكلتم أخاكم واغتبتموه» . كذا في الترغيب قال الهيثمي: وفي إسنادهما محمد بن أبي حُمَيد ويقال له حَمَّاد وهو ضعيف جداً - انتهى.

وأخرجه الطبراني عن معاذ بن جبل رضي الله عنه بمعنى السياق الأول وزاد فيه: قالوا: يا رسول الله قلنا ما فيه، قال: «إن قلتم ما ليس فيه فقد بهتموه» . قال الهيثيم: وفيه علي بن عاصم وهو ضعيف. وأخرج الأصبهاني بإسند حسن عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنهم ذكروا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً، فقالوا: لا يأكل حتى يُطعم، ولا يرحل حتى يُرحَّل له. فقال النبي صلى الله عليه وسلم «اغتبتموه» فقالوا: يا رسول الله إنما حدثنا بما فيه، قال: «حسبك إذا ذكرت أخاك بما فيه» كذا في الترغيب. وأخرج ابن أبي شَيْبة والطبراني - واللفظ له - ورواته رواة الصحيح - عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقام رجل، فوَقَع فيه رجل من بعده، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «تحلَّل» فقال: ومَّا أتحلَّل؟ قال: «إنك أكلت لحكم أخيك» كذا في الترغيب. وفيما نقل الهيثمي: «تخلَّل» ، فقال: ومما أتخلل يا رسول الله، (ما) أكلت لحماً؟

قصة فتاتين صامتا عن الطعام وأفطرتا عن الغيبة

قصة فتاتين صامتا عن الطعام وأفطرتا عن الغيبة وأخرج أبو داود والطيالسي وابن أبي الدنيا في ذم الغيبة والبيهقي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أمر النبي صلى الله عليه وسلم الناس يصوم يوم وقال: «لا يُفطرنَّ أحد منكم حتى آذن له» ، فصام الناس حتى إذا أمسَوا، فجعل الرجل يجيء فيقول: يا رسول الله إني ظللت صائماً فائذنْ لي فأفطر. فيأذن له، الرجل والرجل، حتى جاء رجل فقال: يا رسول الله فتاتان من أهل ظلتا صائمتين وإنهما تستحييان أن تأتياك فأذن لهما فلتُفطرا. فأعرض عنه. ثم عاوده فأعرض عنه، ثم عاوده فأعرض عنه، ثم عاوده فأعرض عنه. فقال: «إنهما تصوما وكيف صام من ظل هذا اليوم يأكل لحوم الناس؟ اذهب فمُرهما إن كانتا صائمتين فلتستقيئا» فرجع إليهما فأخبرهما استقاءتا، فقاءت كل واحدة علقة من دم. فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: «والذي نفسي بيده لو بقيتا في بطونهما لأكلتهما النار» وأخرجه أحمد وابن أبي الدنيا أيضاً والبيهقي من رواية رجل لم يُسمَّ عن عُبَيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه؛ إلا أن أحمد قال: فقال لإحداهما: «قيئي» ، فقاءت قيحاً ودماً وصديداً ولحماً حتى ملأت نصف القدح، ثم قال للأخرى: «قيئي» ، فقاءت من قيح ودم وصديد ولحم عبيط وغيره حتى ملأت القدح. ثم قال: «إنَّ هاتين صامتا عما أحلَّ الله لهما وأفطرنا على ما حرّم الله عليهما، جلست إحداهما إلى الأخرى فجعلتا تأكلان من لحوم الناس» كذا في الترغيب. قصة أبي بكر وعمر مع رجل كان يخدمهما وأخرج الحافظ الضياء المقدسي في كتابه المختارة عن أنس بن مالك

التجسس على عورات المسلم

رضي الله عنه قال: كانت العرب تخدم بعضهما بعضاً في الأسفار، كان مع أبي بكر وعمر رضي الله عنهمارجل يخدمهما، فناما فاستيقظا ولم يهيىء لهما طعاماً. فقالا: إن هذا لنؤوم فأيقظاه، فقالا له: ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل له: إن أبا بكر وعمر يُقرئانك السلام ويستأدمانك. فقال صلى الله عليه وسلم «إنهما قد ائتدما» ، فجاءا فقالا: يا رسول الله بأي شيء ائتدمنا؟ فقال صلى الله عليه وسلم «بلحم أخيكما والذي نفسي بيده إني لأرى لحمه بين ثناياكما» فقالا رضي الله عنهما: استغفر لنا يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم «مُراه فليستغفر لكما» كذا في التفسير لابن كثير. التجسس على عورات المسلم انصراف عمر عن الشَّرْب وتركهم أخرج عبد الرزاق وعبد بن حُمَيد والخرائطي عن المِسْور بن مَخْرَمة عن عبد الرحمن بن عوف أنه حرس مع عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - ليلةً المدينة، فبينما هم يمشون شبَّ لهم سراج في بيت، فانطلقوا يؤمونه، فلما دنوا منه إذاباب مُجاف على قوم لهم فيه أصوات مرتفعة ولَغَط. فقال عمر -وأخذ بيد عبد الرحمن بن عوف -: أتدري بيت من هذا؟ قال: هذا بيت ربيعة بن أمية بن خَلَف وهم الآن شَرْب فما ترى؟ قال: أرى أن قد أتينا ما نهى الله عنه، قال الله: {وَلاَ تَجَسَّسُواْ} (سورة الحجرات: الآية: 12) فقد تجسسنا فانصرف عنهم عمر رضي الله عنه وتركهم.

تسور عمر على المغني بيته

قصة عمر مع رجل ومع جماعة في هذا الشأن وأخرج ابن المنذر وسعيد بن منصور عن الشَّعْبي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد رجلاً من أصحابه، فقال لابن عوف رضي الله عنه: انطلق بنا إلى منزل فلان فننظر، فأتيا منزله فوجدا بابه مفتوحاً وهو جالس وامرأته تصب له في الإناء فتناوله إياه، فقال عمر لابن عوف: هذا الذي شغله عنا. فقال ابن عوف لعمر: وما يُدريك ما في الإِناء؟ فقال عمر: أتخاف أن يكون هذا هو التجسس؟ قال: بل هو التجسس. قال: وما التوبة من هذا؟ قال: لا تُعلمه بما اطَّلعت عليه من أمره، ولا يكونَنَّ في نفسك إلاَّ خيراً، ثم انصرفا. كذا في الكنز. وأخرج عبد الرزاق عن طاووس أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج ليلة يحرس رُفقة نزلت بناحية المدينة، حتى إذا كان في بعض الليل مر ببيت فيه ناس يشربون، فناداهم أفسقاً؟ أفسقاً؟ فقال بعضهم: قد نهاك الله عن هذا فرجع عمر وتركهم. كذا في الكنز. تسوّر عمر على المغني بيته وأخرج الخرائطي عن ثَوحر الكندي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يَعُس بالمدينة من الليل، فسمع صوت رجل في بيت يتغنَّى، فتسوَّر عليه فقال: يا عدو الله، أظننت أن الله يسترك وأنت في معصية فقال: وأنت يا أمير المؤمنين لا تعجل عليَّ؛ إن أكن عصيت الله واحدة فقد عصيت الله في ثلاث

قال: «ولا تجسسوا» وقد تجسست. وقال: {وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِهَا} (سورة البقرة، الآية: 189) وقد تسوَّرت عليَّ، ودخلت عليَّ بغير إذن وقال الله تعالى: {لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلّمُواْ عَلَى أَهْلِهَا} (سورة النور، الآية: 27) قال عمر: فهل عندك من خير إن عفوت عنك؟ قال: نعم، فعفا عنه وخرج وتركه. كذا في الكنز. قصته مع شيخ كبير في هذا الشأن وأخرج أبو الشيخ عن السُّدِّي قال: خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه فإذا هو بضوء نار ومعه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فأتْبَع الضوء حتى دخل داراً فإذا بسراج في بيت، فدخل وذلك في جوف الليل، فإذا شيخ جالس وبين يديه شراب وقَيْنة تغنِّيه، فلم يشعر حتى هجم عليه عمر، فقال عمر: ما رأيت كالليلة منظراً أقبح من شيخ ينتظر أجله فرفع رأسه إليه، فقال: بلى، يا أمير المؤمنين ما صنعت أنت أٌبح أتجسست وقد نُهي عن التجسس، ودخلت بغير إذن؟ فقال عمر: صدقت. ثم خرج عاضاً على ثوبه يبكي وقال: ثكلت عمر أمه إن لم يغفر له ربه، يجد هذا كان يستخفي به من أهله فيقول الآن رآني عمر فيتتابع فيه. وهجر الشيخ مجلس عمر حيناً، فبينا عمر بعد ذلك جالس إذ به قد جاء شبه المستخفي حتى جلس في أخريات الناس، فرآه عمر فقال: عليَّ بهذا اشيخ، فأُتي فقيل له: أجب، فقام وهو يرى أن عمر سيسوءه بما رأى منه، فقال عمر: ادنُ مني، فما زال يدنيه حتى أجلسه بجنبه، فقال: إدنِ مني أذنك، فالتقم أذنه فقال: أما والذي بعث محمداً

ستر المسلم

بالحق رسولاً ما أخبرت أحداً من الناس بما رأيت منك ولا ابن مسعود فإنه كان معي، فقال: يا أمير المؤمنين أدنِ مني أذنك، فالتقم أذنه فقال: ولا أنا والذي بعث محمداً بالحق رسولاً ما عدت إليه حتى جلست مجلسي هذا، فرفع عمر صوته يكبِّر، فما يدري الناس من أي شيء يكبر. كذا في الكنز. قصته مع أبي محجن الثقفي وأخرج الطبراني عن أبي قِلابة أن عمر رضي الله عنه حُدِّث أن أبا محجن الثقفي يشرب الخمر في بيته هو وأصحاب له، فانطلق عمر حتى دخل عليه، فإذا ليس عنده إلا رجل، فقال أبو محجن: يا أمير المؤمنين إن هذا لا يحل لك قد نهاك الله عن التجسس؛ فقال عمر: ما يقول؟ فقال له زيد بن ثابت وعبد الرحمن بن الأرقم - رضي الله عنهما -: صدق يا أمير المؤمنين، هذا من التجسس، فخرج عمر وتركه. كذا في الكنزل. ستر المسلم ما أمر به عمر أهل فتاة في ذلك أخرج هَنَّاد والحارث عن الشَّعْبي أن رجلاً أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: إنَّ لي ابنة كنت وأدتها في الجاهلية فاستخرجنها قبل أن تموت، فأدركت معنا الإءْلام فأسلمت، فلما أسلمت أصابها حدٌّ من حدود الله تعالى، فأخذتِ الشفرة لتذبح نفسها فأدركناها وقد قطعت بعض أوداجها فداويناها حتى برئت، ثم أقبلت بعد بتوبة حسنة وهي تُخطب إلى قوم فأخبرتهم من شأنها بالذي كان، فقال عمر: أتعمِد إلى ما ستر الله فتبديه؟ والله لئن أخبرت بشأنها

أمر أنس بستر امرأة

أحداً من الناس لأجعلنك نكالاً لأهل الأمصار، بل أنكْحْها نكاح العفيفة المسلمة. كذا في الكنز. وعند سعيد بن منصور والبيهقي عن الشَّعْبي أن جارية فَجَرت فأُقيم عليها الحد، ثم إنهم أقبلوا مهاجرين فتابت الجارية وحسنت توبتها، فكانت تُخطب إلى عمها فيكره أن يزوجها حتى يخبر بما كان من أمرها، وجعل يكره أن يُفشي ذلك عليها، فذكر أمرها لعمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: زوِّجوها كما تزوِّجوا صالحي فتياتكم. كذا في الكنز. قصته والصبي الصغير والنسوة الأربع وأخرج البيهقي عن الشَّعبي قال: جاءت امرأة إلى عمر رضي الله عنه فقالت: يا أمي المؤمنين إني وجدت صبياً ووجدت قُبْطية فيها مائة دينار، فأخذته واستأجرت له ظِئراً، وإن أربع نسوة يأتينه ويقبلنه لا أدري أيتهنَّ أمه؟ فقال لها: إذا هنَّ أتينك فأعلميني، ففعلت، فقال لامرأة منهن: أيتكن أم هذا الصبي؟ فقلت: والله ما أحسنت ولا أجملت يا عمر تعمد إلى امرأة ستر الله عليها فتريد أن تهتك سترها، قال: صدقت؛ ثم قال للمرأة: إذا أتينَك فلا تسأليهن عن شيء وأحسني إلى صبيهن، ثم انصرف. كذا في الكنز. أمر أنس بستر امرأة وأخرج عبد الرزاق عن صالح بن كرز أنه جاء بجارية له زنت إلى

ما وقع بين أبي الدرداء وابنه في أمر فساق دمشق.

الحكم بن أيوب. قال: فبينا أنا جالس إذ جاء أنس بن مالك رضي الله عنه فجلس، فقال: يا صالح ما هذه الجارية معك؟ قلت: جارية لي بغت فأردت أن أرفعها إلى الإِمام ليقيم عليها الحد، فقال: لا تفعل، ردَّ جاريتك واتَّقِ الله، واستر عليها، قلت: ما أنا بافعل؟ قال: لا تفعل وأطعني، فلم يزل يراجعني حتى رددتها. كذا في الكنز. قصة كاتب عقبة بن عامر مع جماعة كانوا يشربون الخمر وأخرج أبو داود والنِّسائي عن دُخَير أبي الهيثم كانت عُقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قلت لعقبة بن عامر إن لنا جيراناً يشربون الخمر وأنا داع لهم الشرط ليأخذوهم، قال: لا تفعل وعِظهم وهددهم، قال: إني نهيتهم فلم ينتهوا وأنا داع لهم الشُرَط ليأخذوهم، فقال عقبة: ويحكم لا تفعل؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من ستر عورة فكأنما استحيا مؤودة في قبرها» كذا في الترغيب وقال: رواه أبو داود والنِّسائي بذكر القصة وبدونها، وابن حبّان في صحيحه واللفظ له، والحاكم وقال: صحيح الإِسناد، قال المنذري: رجال أسانيدهم ثقات، ولكن اختلف فيه على إبراهيم بن نَشِيط اختلافاً كثيراً. ما وقع بين أبي الدرداء وابنه في أمر فسّاق دمشق. وأخرج البخاري في الأدب عن بلال بن سعد الأشعري أن معاوية -

قصة كتاب حاطب بن أبي بلتعة

رضي الله عنه - كتب إلى أبي الدرداء رضي الله عنه: اكتب إليَّ فُساق دمشق، فقال: ما لي وفُسّاق دمشق ومن أين أعرفهم؟ فقال ابنه بلال: أنا أكتبهم، فكتبهم: قال: من أين علمت؟ ما عرفتَ أنهم فساق إلا وأنت منهم، ابدأ بنفسك، ولم يرسل بأسمائهم. ما وقع بين جرير وعمر في هذا الشأن وأخرج ابن سعد عن الشَّعبي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان في بيت ومعه جرير بن عبد الله رضي الله عنه، فوجد عمر ريحاً، فقال: عزمت على صاحب هذه الريح لمَّا قام فتوضأ، فقال جرير: يا أمير المؤمنين أو يتوضأ القوم جميعاً؟ فقال عمر: رحمك الله نعم السيد كنت في الجاهلية نعم السيد أنت في الإِسلام كذا في الكنز. الصفح والعفو عن المسلم قصة كتاب حاطب بن أبي بلتعة أخرج البخاري عن علي رضي الله عنه يقول: بعني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد - رضي الله عنهم - فاقل: «انطلقوا حتى تأتوا رَوضة خاخ فإنَّ بها ظَعينة معها كتاب فخذوه منها» ، فانطلقنا تَعادَى بنا خيلنا حتى أتينا الروضة، فإذا نحن بالظعينة، فقلنا (لها) : أخرجي الكتاب، فقالت: ما معي، فقلنا: لَتُخرِجِنَّ الكتاب أو لنُلقِينَّ الثياب؟ قال: فأخرجته من عِقاصها. فأتينا به

رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بَلتَعة إلى ناس بمكة من المشركين يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا حاطب ما هذا؟» فقال: يا رسول الله لا تعجل عليَّ، إني كنت امرأ مُلصقاً في قريش - يقول: كنت حليفاً - ولم أكن من أنفُسها، وكان من معك من المهاجرين من لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم، فأحببت إذا فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يداً يحمون قرابتي، ولم أفعله ارتداداً عن ديني ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أما إنه قد صدقكم» ، فقال عمر: يا رسول الله دَعْني أضرب عنق هذا المنافق، فقال: «إنه قد شهد بدراً، وما يدريك لعلَّ الله قد اطَّلع على من شهد بدراً فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم فأنزل الله سورة: {ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوّى وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآء} إلى قوله: {فَقَدْ ضَلَّ سَوَآء السَّبِيلِ} (سورة الممتحنة، الآية:) . وأخرجه بقية الجماعة إلاَّ ابن ماجه، وقال الترمذي: حسن صحيح. كذا في البداية. وعند أحمد من حديث جابر رضي الله عنه - فذكر الحديث وفيه قال: أما إني لم أفعله غشّاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نفاقاً، قد علمت أن الله مظهرٌ رسوله، ومتمٌّ له أمره، غير أني كنت غريباً بين ظهرانيهم، وكانت والدتي معهم، فأردت أن أتخذ يداً عندهم. فقال له عمر رضي الله عنه: ألا أضرب رأس هذا؟ فقال: «أتقتل رجلاً من أهل بدر؟ وما يدريك لعلَّ الله قد اطَّلع إلى أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم» تفرَّد بهذا الحديث من هذا الوجه الإِمام أحمد وإسناده على شرط مسلم. كذا في البداية، وقال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يَعْلَى ورجال

قصة علي مع سارق

أحمد رجال الصحيح. انتهى. وأخرجه الحاكم أيضاً كما في الكنز، وأخرجه أيضاً أبو يعلى والبزّار والطبراني عن عمر. قال الهيثمي: ورجالهم رجال الصحيح - اهـ. وأحمد وأبو يَعْلَى عن ابن عمر رضي الله عنهما، ورجال أحمد رجال الصحيح، كما قال الهيثمي. قصة علي مع سارق وأخرج أبو يعلى عن أبي مطر: قال: رأيت علياً رضي الله عنه أُتي برجل فقالوا: إنه قد سرق جملاً، فقال ما أراك سرقت؟ قال: بلى، قال: فلعله شُبِّه لك؟ قال: بلى قد سرقت، قال فاذهب به يا قَنْبر فشدَّ أصبعه وأوقد النار وادع الجزار ليقطع، ثم انتظر حتى أجيء. فلما جاء قال له: أسرقت؟ قال: لا، فتركه؛ قالوا: يا أمير المؤمنين لم تركته وقد أقرَّ لك؟ قال آخذه بقوله وأتركه بقوله، ثم قال علي رضي الله عنه: أُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل قد سرق فأمر فقطع يده ثم بكى، فقلت: لم تبكي؟ قال: «كيف لا أبكي؟ وأمتي تقطع بين أظهركم» قالوا: يا رسول الله أفلا عفوت عنه؟ قال: «ذاك سلطان سوء الذي

يفعو عن الحدود، ولكن تَعافَوا الحدود بينكم» . كذا في الكنز. ما أمر به ابن مسعود في سكران وأخرج عبد الرزاق وابن أبي الدنيا وابن أبي حاتم والطبراني والحاك والبيهقي عن أبي ماجد الحنفي أن ابن مسعود رضي الله عنه أتاه رجل بابن أخيه وهو سكران فقال: إني وجدت هذا سكران، فقال: ترتروه، ومزمزوه، واستنهكوه، فترتروه ومزمزوه واستنهكوه، فوجدوا منه ريح شراب، فأمر به عبد الله إلى الجسن، ثم أخرجه من الغد، ثم أمر بسوط فدُقَّت ثمرته حتى آضَت له مخفقة - يعني صارت - ثم قال للجلاد: اضرب وأرجع يدك وأعط كل عضو حقه، فضربه عبد الله ضرباً غير مبرِّح وأرجعه. قيل يا أبا ماجد، ما المبرِّح؟ قال: ضرب الأمراء، قيل: فما قوله أرجع يدك؟ قال: لا يتمطَّى ولا يُرى إبطه، قال: فأقامه في قَباء وسراويل ثم قال: بئس لعمرو الله والي اليتيم هذا، ما أدبتَ فأحسنت الأدب، ولا سترت الخزية. ثم قال عبد الله: إن الله غفور يحب الغفور، وإنه لا ينبغي لوالٍ أني ؤتَي بحد إلا أقامه، ثم أنشأ عبد الله يحدِّث قال: أول رجل قُطع من المسلمين رجل من الأنصار أُتيَ به يا رسول الله، كأن هذا شق عليك؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم «وما يمنعني وأنتم أعوان الشيطان على صاحبكم، إن الله غفور يحب العفو، وإنه لا ينبغي لوالٍ أن يُؤتى بحد إلا أقامه» . ثم قرأ: «وليعفوا وليصفحوا» . وعند عبد الرزاق عن عمرو بن شعيب رضي الله عنه قال: إن أول حد أقيم في الإسلام لرجل أتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم فشُهد عليه، فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم أن يقطع، فلما حُدَّ الرجل نُظر إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنام سخفي فيه الرماد، فقالوا:

قصة أبي موسى في جلده شارب خمر وكتاب عمر إليه

يا رسول الله كأنه اشتدَّ عليك قَطع هذا؟ قال: «وما يمنعني وأنتم أعوان الشيطان على أخيكم» ، قالوا: فأرسله، قال: فهلاَّ قبل أن تأتيني به، إن الإِمام إذا أتي له بحدَ لم ينبغ له أن يعطِّله» . كذا في الكنز (383 و89) . قصة أبي موسى في جلده شارب خمر وكتاب عمر إليه وأخرج البيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنت مع عمر في حج أو عمرة، فإذا نحن براكب، فقال عمر: أرى هذا يطلبنا، فجاء الرجل فبكى، قال: ما شأنك؟ إن كنتَ غارماً أعنّاك، وإن كنت خائفاً آمنّاك؛ إلا أن تكون قتلت نفساً فتقتل بها، وإن كنت كرهت جوار قوم حوَّلناك عنهم. قال: إني شربت الخمر وأنا أحد بني تَيْم، وإنَّ أبا موى جلدني وحلقني سوَّد وجهي وطاف بي الناس، وقال: لا تجالسوه ولا تواكلوه، فحدَّثت نفسي بإحدى ثلاث: إما أن أتخذ سيفاً فأضرب به أبا موسى، وإما أن أتيك فتحوِّلني إلى الشام فإنهم لا يعرفونني، وإما أن ألحق بالعدو فآكل معهم وأشرب.j فبكى عمر وقال: ما يسرني أنك فعلت وإن لعمر كذا وكذا، وإني كنت لأشرَبُ الناس

تأويل فعل المسلم

لها في الجاهلية، وإنها ليست كالزنى، وكتب إلى أبي موسى: سلام عليك. أما بعد: فإن فلان بن فلان التَيْمي أخبرني بكذا وكذا، وايْمُ الله إني إن أعدتَ لأسودنَّ وجهك ولأطوفنَّ بك في الناس، فإن أردت أن تعلم حقَّ ما أقول لك فعُد فأمر الناس أن يجالسوه ويواكلوه، فإن تاب فاقبلوا شهادته» . وحمله وأعطاه مائتي درهم. كذا في الكنز. تأويل فعل المسلم قصة خالد بن الوليد ومالك بن نويرة أخرج ابن سعد عن أبي عَون وغيره أن خالد بن الوليد رضي الله عنه ادَّعى أن مالك بن نُوَيرة ارتد بكلام بلغه عنه، فأنكر مالك ذلك وقال: أنا على الإِسلام ما غيَّرت ولا بدّلت، وشهد له أبو قتادة وعبد الله بن عمر - رضي الله عنهم - فقدَّمه خالد وأمر ضرار بن الأزوَر الأسدي رضي الله عنه فضرب عنقه، وقبض خالد امرأته أم مُتَمِّم فتزوجها. فبلغ عمر بن الخطاب قتلُه مالك بن نُوَيرة وتزويجه امرأته، فقال لأبي بكر رضي الله عنه: إنه قد زنى فارجمه، فقال أبو بكر ما كنت لأرجهم تأوَّل فأخطأ. قال: فإنه قد قتل مسلماً فاقتله، قال: ما كنت لأقتله تأوَّل فأخطأ. قال: فاعزله، قال: ما كنت لأشيم سيفاً سلَّه الله عليهم أبداً. كذا في الكنز.

قصة عبد الله بن عمرو ورجل بشره عليه السلام بالجنة

بغض الذنب لا المذنب نهي أبي الدرداء وابن مسعود عن سبَّ المذنب أخرج ابن عساكر عن أبي قلابة أن أبا الدرداء رضي الله عنه مرّ على رجل قد أصاب ذنباً فكانوا يسبونه، فقال: أرأيتم لو وجدتموه في قليب ألم تكونوا مستخرجيه؟ قالوا بلى، قال: فلا تسبوا أخاكم، واحمدوا الله الذي عافاكم. قالوا: أفلا تُبغضه؟ قال: إنما أُبغض عمله، فإذا تركه فهو أخيه. كذا في الكنزل، وأخرجه أبو نعيم في الحلية عن أبي قلابة مثله، وأخرج أيضاً عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: إذا رأيتم أخاكم قارف ذنباً فلا تكونوا أعواناً للشيطان عليه تقولوا: الهلمَّ اخزه، اللهم العنه، ولكن سَلُوا الله العافية، فإنا أصحابَ محمد صلى الله عليه وسلم كنا لا نقول في أحد شيئاً حتى نعلم علامَ يموت، فإن خُتم له بخير علمنا أنه قد أصاب خيراً، وإن خُتم له بشر خفنا عليه. سلامة الصدر من الغش والحسد قصة عبد الله بن عمرو ورجل بشَّره عليه السلام بالجنة أخرج أحمد بإسناده حسن والنِّسائي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنَّا جلوساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يطلع الآن عليكم رجل من أهل الجنة» ، فطلع رجل من الأنصار تَنْطُف لحيته من وَضوئه، قد علَّق نعلَيه بيده

الشمال، فلما كان الغد قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، فطلع ذلك الرجل مثل المرأة الأولى، فلما كان اليوم الاثلث قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضاً، فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأول؛ فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمور (بن العاص) رضي الله عنهما فقال: إني لاحيت أبي، فأقسمت أني لا أدخل عليه ثلاثاً، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمي فعلت، قال: نعم، قال أنس: فاكن عبد الله يحدِّث أنه بات معه تلك الثلاث الليالي فلم يرَه يقوم من الليل شيئاً، غير أنه إذا تعارَّ - تقلَّب على فراشه - ذكر الله عز وجل وكبَّر حتى يقوم لصلاة الفجر، قال عبد الله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيراً. فلما مضت الثلاث الليالي وكدت أن أحتقر عمله قلت: يا عبد الله لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجرة ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرات: «يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة» فطلعت أنت الثلاث المرات، فأردت أن آوي إليك فأنظر ما عملك فأقتدي بك، فلم أرك عملت كبير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما هـ إلاَّ ما رأيت، فلَّما ولَّيت دعاني فقال: ما هو إلا ما رأيت، غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشاً، ولا أحسُد أحداً على خير أعطاه الله إياه، فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك. ورواه أبو يعلى والبزار بنحوه وسمَّى الرجل المبهم سعداً، وقال في آخره، فقال سعد: ما هو إلا ما رأيت يا ابن أخي إلا أني لم أبت ضاغناً على مسلم - أو كلمة نحوها - زاد النِّسائي في رواية له والبيهقي والأصبهاني: فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق. كذا في الترغيب. قال الهيثمي: رجال

أحمد رجال الصحيح وكذلك أحد إسنادي البزار إلا أن سياق الحديث لابن لهيعة - اهـ. وقال ابن كثير في تفسيره لحديث أحمد: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. اهـ. وأخرجه أيضا ابن عساكر ورجاله رجال الصحيح وسمَّى الرجل سعد بن أبي وقاص، وفي آخره: فقال: ما هو إلا الذي قد رأيت؛ غير أني لا أجد في نفسي سوءٌ لأحد من المسلمين ولا أقوله، وقال: هذه التي قد بلغت بك وهي التي لا أُطيق. كذا في الكنز. تهلُّل وجه أبي دجانة في مرضه وأخرج ابن سعد عن زيد بنأسلم رضي الله عنه قال: دُخل على أبي دجانة رضي الله عنه وهو مريض وكان وجهه يتهلل، فقيل له: ما لوجهك يتهلل؟ فقال: ما من عملي شيء أوثق عندي من اثنتين: أما إحداهما فكنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، وأما الأخرى فكان قلبي للمسلمين سليماً. الفرح بحسن حال المسلمين فرح عبد الله بن عباس بفرح المسلمين أخرج الطبراني عن ابن بُرَيدة الأسلمي قال: شتم رجل ابن عباس رضي الله عنهما فقال ابن عباس: إنك لتشتمني وإن فيَّ ثلاث خصال: إني لآتي على الآية في كتاب الله فلوددتُ أن جميع الناس يعلمون ما أعلم، وإن لأسمع بالحاكم من حكام المسلمين يعدل في حكمه فأفرح ولعلي لا أُقاضي إليه أبداً، وإني لأسمع بالغيث قد أصاب البلد من بلاد المسلمين فأفرح ومالي

مداراة الناس

به سائمة. قال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. انتهى. وأخرجه البيهقي كما في الإِصابة وأبو نُعيم في الحلية نحوه. لغاية ص 125 تابع مداراة الناس مداراته عليه السلام لرجل السوء أخرج أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «بئس ابن العشيرة» ، فلما دخل هشَّ له رسول الله صلى الله عليه وسلم وانبسط، ثم خرج، فاستأذن رجل رخر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «نعم ابن العشيرة» ، فلما دخل لم ينبسط وإليه لم يَهش له كما هشَّ للآخر؛ فلما خرج قلت: يا رسول الله استأذن فلان فقلت له ما قلت، ثم هَشَشْت له وانبسطت، وقلت لفلان ما قلت ولم أرك صنعت به ما صنعت بالآخر؟ فقال: «يا عائشة إنَّ من شرار الناس من أُتقيَ لفُحشه» . قال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، وفي الصحيح بعضه. انتهى. وأخرجه البخاري في الأدب (ص190) مختصراً. وأخرج أبو نُعيم في الحلية عن صفوان بن عسَّال رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فأقبل رجل، فلما نظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بئس أخو العشيرة وبئس الرجل» ، فلما دنا منه أدنى مجلسه، فلما قام وذهب

قول أبي الدرداء في مداراة الصحابة

قالوا: يا رسول الله حين أبصرته قلت: بئس أخو العشيرة وبئس الرجل، ثم أدنيت مجلسه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنَّه منافق أداريه عن نفاقه، فأخشى أن يُفسد عليَّ غيره» . قال أبو نُعيم: هذا حديث غريب. وأخرج الطبراني في الأوسط عن بُرَيدة رضي الله عنه قال: كنَّا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل رجل من قريش، فأدناه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرَّبه، فلما قام قال: «يا بريدة أتعرف هذا؟» قلت: نعم، هذا أوسط قريش حسباً وأكثرهم مالاً - ثلاثاً - فقلت: يا رسول الله قد أنبأتك بعلمي فيه فأنت أعلم؛ فقال: «هذا منم لا يقيم الله له يوم القيامة وزناً» . قال الهيثمي: وفيه عَوْن بن عُمارة وهو ضعيف. انتهى. قول أبي الدرداء في مداراة الصحابة وأخرج أبو نعيم في الحلية عن أبي الدراء رضي الله عنه قال: إنا لنكشر في وجوه أقوام وإن قولبنا لتلعنهم. وأخرجه ابن أبي الدنيا وإبراهيم الحربي في غريب الحديث والدِينوري في المجالسة عن أبي الدرداء - فذكر مثله وزاد: «ونضحك إليهم» ، كما في فتح الباري. وهكذا أخرجه ابن عساكر كما في الكنز. استرضاء المسلم استغفار أب بكر وندامته على ما نال من عمر وندامة عمر على إبائه أخرج البخاري عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: كنت جالساً عند

النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر رضي الله عنه آخذاً بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبتيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «أمَّا صاحبكم فقد غامر» ، فسلّم فقال: إني كان بيني وبين ابن الخطاب شيء فأسرعت إليه ثم ندمت، فسألته أن يغفر لي فأبى عليَّ، فأقبلت إليك، فقال: «يغفر الله لك يا أبا بكر» - ثلاثاً - ثمَّ إنَّ عمر ندم فأتى منزل أبي بكر فقال: أَثَمَّ أبو بكر؟ قالوا: لا، فأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم (فسلَّم) ، فجعل وجه النبي صلى الله عليه وسلم يتمعَّر حتى أشفق أبو بكر، فجثا على ركبتيه فقال: يا رسول الله - والله - أنا كنت أظلمَ - مرتين - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنَّ الله أرسلني إليكم فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدق، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركو لي صاحبي» - مرتين - فما أُوذي بعدها. كذا في صفة الصفوة. وعند الطبراني عن ابن عمر أن أبا بكر - رضي الله عنه - نال من عمر شيئاً، ثم قال: استغفر لي يا أخي، فغضب عمر، فقال ذلك مرات، فغضب عمر، فذُكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم وانتهوا إليه وجلسوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يسألك أخوك أن تستغفر له فلا تفعل؟» فقال: والذي بعثك بالحق نبياً ما من مرة يسألني إلا وأنا أستغفر له، وما من خلق الله أحب إليَّ بعدك منه. فقال أبو بكر: وأنا والذي بعثك بالحق ما من أحد بعدك أحب إليَّ منه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تؤذوني في صاحبي، فإن الله عز وجل بعثني بالعدِي ودين الحق فقلتم: كذبتَ، وقال أبو بكر: صدقت، ولولا أن الله عز وجل سمّاه صاحباً

استغفار عمر رجلا كان يبغضه

لاتخذته خليلاً، ولكن أخوّة لله، ألا فسدُّوا كل خَوْخة إلاَّ خَوْخة ابن أبي قحافة» قال الهيثمي رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح - اهـ. استغفار أم حبيبة عند موتها عائشة وأم سلمة وأخرج ابن سعد عن عائشة رضي الله عنها قال: دعتني أم حبيبة - رضي الله عنها - زوج النبي صلى الله عليه وسلم عند موتها، فقالت: قد كان يكون بيننا وبين الضرائر، فغفر الله لي ولك ما كان من ذلك، فقلت: غفر الله لك ذلك كله وتجاوز وحلَّلَك من ذلك، فقالت: سررتني سرّك الله، وأرسلت إلى أم سَلَمة فقالت لها مثل ذلك. مجيء أبي بكر إلى فاطمة وترضِّيها وأخرج البيهقي عن الشَّعْبي قال: لمَّا مرضت فاطمة رضي الله عنها أتاها أبو بكر الصديق رضي الله عنه فاستأذن عليها، فقال علي رضي الله عنه: يا فاطمة هذا أبو بكر يستأذن عليك، فقالت: أتحبُّ أن آذن له؟ قال: نعم، فأذنت له، فدخل عليها يترضَّاها وقال: والله ما تركتُ الدار والمال والأهل والعشيرة إلا ابتغاء مرضاة الله ومرضاة رسوله ومرضاتكم أهل البيت، ثم ترضَّاها حتى رضيت. قال البيهقي: هذا مرسل حسن بإسناد صحيح - اهـ. وأخرج ابن سعد عن عامر (الشَّعْبي) بنحوه مختصراً. استغفار عمر رجلاً كان يبغضه وأخرج ابن المنذر عن الشَّعْبي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:

إني لأبغض فلاناً، فقيل للرجل: ما شأن عمر يبغضك؟ فلما كثر القوم في الدار جاء فقال: يا عمر، أَفَتَقْتُ في الإِسلام فتقاً؟ قال: لا، قال: فجنيت جناية؟ قال: لا، قال: أحدَثْتُ حدثاً؟ قال: لا، قال: فعلامَ تبغضني؟ وقال الله: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُواْ} {فَقَدِ احْتَمَلُواْ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً} (سورة الأحزاب، الآية: 58) فقد آذيتني فلا غفر الله لك، فقال عمر: صدق، والله ما فتق فتقاً، ولا، ولا، فاغفرها لي، فلم يزل به حتى غفر له. كذا في الكنزل. اعتذار عبد الله بن عمرو إلى الحسن بن علي وأخرج البزّار عن رجاء بن ربيعة قال: كنت جالساً بالمدينة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم في حلقة فيها أبو سعيد وعبد الله بن عمرو، فمر الحسن بن علي فسلَّم، فرد عليه القوم وسكت عبد الله بن عمرو، ثم اتَّبَعه فقال: وعليك السلام ورحمة الله، ثم قال: هذا أحبُّ أهل الأرض إلى أهل السماء، والله ما كلمته منذ ليالي صِفِّين؛ فقال أبو سعيد: ألا تنطلق إليه فتعتذر إليه؟ قال: نعم، فقام فدخل أبو سعيد فاستأذن فأذن له، ثم استأذن لعبد الله بن عمر فدخل، فقال أبو سعيد لعبد الله بن عمرو: حدَّثنا بالذي حدَّثتنا به حيث مرّ الحسن، فقال: نعم، أنا أحدثكم إنه أحب أهل الأرض إلى أهل السماء، قال: فقال له الحسن: إذ علمت أني أحب أهل الأرض إلى أهل السماء فلم قاتلتنا أو كثَّرت يوم صِفِّين؟ قال: أما إني - والله - ما كثَّرت سَواداً ولا ضربت معهم بسيف، ولكني حضرت مع أبي - أو كلمة نحوها -. قال: أما علمت أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الله؟ قال: بلى، ولكني كنت أسرد الصوم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكاني أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن عبد الله بن عمرو يصوم النهار ويقوم الليل قال: «صم وأفطر، وصلِّ ونم، فإني

اعتذار عبد الله بن عمرو إلى الحسين

أنا أصلِّي وأنام وأصوم وأفطر» . قال لي: «يا عبد الله. أطع أباك» ، فخرج يوم صِفِّين وخرجت معه. قال الهيثمي رواه البزّار ورجاله رجال الصحيح غير هاشم بن البريد وهو ثقة. انتهى. اعتذار عبد الله بن عمرو إلى الحسين وأخرج الطبراني عن رجاء بن ربيعة قال: كنت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ مر الحسين بن علي - رضي الله عنهما - فسلَّم فرد عليه القوم السلام وسكت عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، ثم رفع ابن عمرو صوته بعد ما سكت القوم فقال: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، ثم أقبل على القوم فقال: ألا أخبركم بأحب أهل الأرض إلى أهل السماء؟ قالوا: بلى، قال: هو هذا المقفّي، والله ما كلمته كلمة ولا كلمني كلمة منذ ليالي صِفّين، ووالله لأن يرضى عني أحب إليَّ من أن يكون لي مثلُ أُحُد فقال له أبو سعيد رضي الله عنه: ألا تغدو إليه؟ قال: بلى، فتواعدا أن يغدوا إليه وغدوت معهما؛ فاستأذن أبو سعيد فأذن فدخلنا، فاستأذن لابن عمرو فلم يزل به حتى أذن له الحسين فدخل، فلما رآه زحل له وهو جالس إلى جنب الحسين، فمدّه الحسين إليه، فقام ابن عمرو فلم يجلس، فلما رأى ذلك خلا عن أبي سعيد فأزحل له فجلس بينهما، فقصّ أبو سعيد القصة فقال: أكذاك يا ابن عمرو؟ أتعلم أني أحبُّ أهل الأرض إلى أهل السماء؟ قال: إي وربِّ الكعبة إنك لأحب أهل الأرض إلى أهل السماء. قال: فما حملك على أن قاتلتني وأبي يوم صِفِّين؟ والله لأبي خير مني؛ قال: أجل، ولكن عَمْراً شكاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقل: إن عبد الله يصوم النهار ويقوم الليل؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «صلِّ ونَمْ، وصم وأفطر، وأطع عَمْراً» فلما كان يوم صِفِّين أقسم عليَّ. والله ما كثَّرت لهم سَواداً، ولا اخترطت

قضاء حاجة المسلم

لهم سيفاً، ولا طعنت برمح، ولا رميت بسهم. فقال الحسن: أما علمت أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق؟ قال: بلى، قال: كأنه قبل منه. قال الهيثمي رواه الطبراني في الأوسط وفيه علي بن سعد بن بشير وفي هلين وهو حافظ، وبقية رجاله ثقات. انتهى. قضاء حاجة المسلم أخرج النَّرحسي عن علي رضي الله عنه قال: ما أدري أيُّ النعمتين أعظم عليَّ منه، من رجل بذل مُصاص وجهه إليَّ، فرني موضِعاً لحاجته، وأجرى الله قضاءنا أو يسَّره على يديَّ، ولأن أقضيَ لامرىء مسلم حاجة أحب إليَّ من ملء الأرض ذهباً وفضة. كذا في الكنز. الوقوف لحاجة المسلم وقوف أمير املؤمنين عمر لعجوز استوقفته أخرج ابن أبي حاتم والدارمي والبيهقي عن أبي يزيد قال: لقي عمر بن الخطاب رضي الله عنه امرأة يقال لها خولة - رضي الله عنها - وهي تسير مع الناس، فاستوقفته فوقف لها، ودنا منها وأصغى إليها رأسه، ووضع يديه على مَنْكبيها حتى قضت حاجتها وانصرفت. فقال له رجل: يا أمير المؤمنين حبست رجالات قريش على هذا العجوز؟ قال: ويك أتدري من هذه؟ قال: لا، قال: هذه امرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سماوات هذه خولة بنت ثعلبة، والله لو لم تنصرف عني إلى الليل ما انصرفت حتى تُقضي حاجتها.

وعند البخاري في تاريخه وابن مَرَدَوَيه عن ثُمامة بن حَزْن رضي الله عنه قال: بينما عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسير على حماره لقيته امرأة فقالت: قف يا عمر، فوقف فأغلظت له القول، فقال رجل: يا أمير المؤمنين ما رأيت كاليوم، قال: وما يمنعني أن أسمع لها وهي التي سمع الله لها وأنزل فيها ما أنزل: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِى تُجَادِلُكَ فِى زَوْجِهَا} (سورة المجادلة، الآية: 1) . كذا في الكنز. المشي في حاجة المسلم خروج ابن عباس من اعتكافه من أجل حاجة مسلم أخرج الطبراني والبيهقي - واللفظ له - والحاكم مختصراً وقال: صحيح الإِسناد، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان معتكفاً في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل فسلَّم عليه ثم جلس، فقال له ابن عباس: يا فلان أراك مكتئباً حزيناً، قال: نعم يا ابن عم رسول الله لفلان عليَّ حق وَلاءٍ؛ وحُرْمة صاحب هذا القبر ما أقدر عليه. قال ابن عباس: أفلا أكلمه فيك؟ فقال: إن أحببت. قال: فانتعل ابن عباس ثم خرج من المسجد، فقال له الرجل: أنسيتَ ما كنت فيه؟ قال: لا، ولكني سمعت صاحب هذا لاقبر صلى الله عليه وسلم والعهد به قريب - فدمعت عيناه - وهو يقول: «من مشى في حاجة أخيه وبَلَغ فيها كان خيراً له من اعتكاف عشر سنين، ومن اعتكف يوماً ابتغاء وجه الله تعالى جعل الله بينه وبين النار ثلاث خنادق أبعدَ مما بين الخافقين» . كذا في الترغيب.

زيارة المسلم

زيارة المسلم إكثاره عليه السلام من زيارة الأنصار أخرج أحمد عن عبد الله بن قيس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكثر زيارة الأنصار خاصّة وعامّة، فكان إذا زار خاصّة أتى الرجل في منزله، وإذا زار عامة أتى المسجد. قال الهيثمي: رواه أحمد وفيه راوٍ لم يُسَمَّ وبقية رجاله رجال الصحيح. انتهى. وأخرج البخاري في الأدب (ص52) عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زار أهل بيت من الأنصار، فطَعِم عندهم طعاماً، فلما خرج أمر بمكان من البيت فنُصح له على بساط، فصلّى عليه ودعا لهم. تزاور الأصحاب رضي الله عنهم وأخرج أبو يعلى عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤاخي بين الاثنين من أصحابه فتطول على أحدهما الليلة حتى يلقي أخاه، فليقاه بوُدِّ ولطف، فيقول: كيف كنت بعدي؟ وأما العامّة فلم يكن يأتي على أحدهما ثلاث لا يعلم علم أخيه. قال الهيثيم: وفيه عمران بن خالد الخُزاعي وهو ضعيف. وأخرج الطبراني عن عَوْن قال: قال عبد الله - يعني ابن مسعود - رضي الله

إكرام الزائرين

عنه لأصحابه حين قدموا عليه: هل تَجَالَسون؟ قال: لا نترك ذلك، قال: فهل تَزَاوَرون؟ قالوا: نعم يا أبا عبد الرحمن، إنَّ الرجل منا ليفقِد أخاه فيمشي على رجليه إلى آخر الكوفة حتى يلقاه، قال: إنكم لن تزالوا بخير ما فعلتم ذلك. وهذا منقطع، كذا في الترغيب. وأخرج البخاري في الأدب (ص52) عن أم الدرداء رضي الله عنها قالت: زارنا سلمان رضي الله عنه من المدائن إلى الشم ماشياً وعليه كساء أندروزد قال: يعني سراويل مشمَّرة. إكرام الزائرين إكرامه عليه السلام لابن عمر أخرج أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فألقى إليَّ وسادة حشوها ليف، فلم أقعد عليها. بقيتْ بيني وبينه. قال الهيثمي (8174: رجاله رجال الصحيح. اه ... إكرام الصدِّيق لبنت سعد بن الربيع وأخرج الطبراني عن أم سعد بنت سعد بن الربيع - رضي الله عنهما - أنها دخلت على أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فألقى لها ثوبه حتى جلست عليه، فدخل عمر رضي الله عنه فسأله، فقال: هذه ابنة من هو خير مني ومنك، قال: ومن هو يا خليفةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: جل قُبض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوَّأ مقعده من الجنة وبقيت أنا وأنت. كذا في الإِصابة. قال الهيثمي: رواه الطبراني وفيه إسماعيل بن قيس بن سعد بن زيد وهو

ضعيف، وأخرجه الحاكم وصححه، وقال الذهبي: بل إسماعيل ضعَّفوه. إكرام عمر وسلم ان لبعضهما وأخرج الحاكم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دخل سلمان الفارسي على عمر بن الخطاب رضي الله عنهما وهو متكىء على وسادة فألقاها له، فقال سلمان: صدق الله ورسوله، فقال عمر: حدثنا يا أبا عبد الله، قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متكىء على وسادة فألقاها إليَّ، ثم قال لي: «يا سلمان ما من مسمل يدخل على أخيه المسلم فيُلقي له وسادة إكراماً له إلا غفر الله له» .x وأخرجه الطبراني أيضاً عن أنس قال: دخل سلمان على عمر رضي الله عنهما وهو متكىء على وسادة، قال فألقاها إليَّ، ثم قال: يا سلمان ما مِنْ مسلم يدخل على أخيه المسلم فيُلقي إليه وسادة إكراماً له إلا غفر الله له. قال الهيثيم: وفيه عمران بن خالد الخُزاعي وهو ضعيف اهـ. وفي إسناد الحاكم أيضاً عِمران هذا. وأخرج الطبراني في الصغير عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دخل عمر على سلمان الفارسي رضي الله عنهما، فألقى له وسادة فقال: ما هذا يا أبا عبد الله؟ فقال سلمان الفارسي: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من مسلم يدخل عليه أخوه المسلم فيُلقي له وسادة إكراماً وإعظاماً إلا غفر الله له» . وفيه عِمران بن خالد الخُزاعي وهو ضعيف.

إكرام الضيف

إكرام عبد الله بن الحارث لإبراهيم بن نشيط وأخرج الطبراني عن إبراهيم بن نَشِيط أنه دخل على عبد الله بن الحارث بن جَزْء الزُّبيدي رضي الله عنه، فرمى إليه بوسادة كانت تحته وقال: من لم يكون جليسه فليس من أحمد ولا من إبراهيم عليهما الصلاة والسلام. كذا في الترغيب، وقال: رواه الطبراني موقوفاً، ورجاله ثقات. إكرام الضيف إكرام أبي أسيد الساعدي للنبي عليه السلام أخرج البخاري في الأدب (ص110) عن سهل بن سعد رضي الله عنه: أن أبا أسيد الساعدي رضي الله عنه دعا النبي صلى الله عليه وسلم في عرسه، وكانت امرأته خادَمهم يومئذٍ وهي العروس، فقالت: أتدون ما أنقعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم انقعت له تمرات من الليل في تَوْر. قول ابن جزء الزبيدي في إكرام الضيف وأخرج ابن جرير عن إبراهيم بن شيبان عن جل قال: دخل رجلان على عبد الله بن الحارث بن جَزْء الزبيدي رضي الله عنه، فنزع وسادة كان متكئاً عليها فألقاها إليهما، فقالا: لا نريد هذا إنام جئنا لنستمع شيئاً ننتفع به، فقال: إنه من لم يكرم ضيفه فليس من محمد ولا من إبراهيم صلى الله عليهما وسلم، طوبى لعبد أمسى متعلقاً برَسَن فرسه في سبيل الله أفطر على كِسرة وماء بارد،

إكرام كريم القوم

وويل للواشين الذين يلوثون مثل البقر، ارفع يا غلام، وضع يا غلام وفي ذلك لا يذكرون الله عز وجل. كذا في الكنزل. إكرام كريم القوم رميه عليه السلام رداءه إلى جريج بن عبد الله ليجلس عليه أخرج الطبراني في الصغير والأوسط عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيت مزحوم، فقام بالباب، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم يميناً وشمالاً فلم يرَ برحاء، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم رداءه فلفّه ثم رمى به إليه، فقال: «اجلس عليه» ، فأخذه جرير فضمه ثم قبَّله ثم ردّه على النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أمرك الله يا رسول الله كما أكرمتني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه» قال الهيثمي: وفيه عَوْن بن عمرو القيسي وهو ضعيف - اهـ. وعند الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة رضي الله عنه أن جرير بن عبد الله رضي الله عنه دخل البيت وهو مملوء، فلم يجد مجلساً، فرمى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بإزاره أو برادئه وقال: «اجلس عى هذا» فأخذه فقبَّله وضمه إليه وقال: أكرمك الله يا رسول الله كما أكرمتني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه» قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط والبزّار باختصا كثير وفيه من لم أعرفهم. انتهى.

إكرامه عليه السلام أبا راشد

إجلاسه عليه السلام عيينة بن حصن على النمرقة وأخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال دخل عيينة بن حِصْن رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما - وهم جلوس جميعاً على الأرض، فدعا لعيينة بنُمرُقة فأجلسه عليها، وقال: «إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه» قال الهيثمي: رواه الطبراني وفيه من لم أعرفهم. إلقاؤه عليه السلام الوسادة إلى عدي بن حاتم وأخرج العسكري وابن عساكر عن عدي بن حاتم رضي الله عنه أنه لما دخل على النبي صلى الله عليه وسلم ألقى إليه وسادة، فجلس على الأرض وقال: أشهد أنك لا تبغي علواً في الأرض ولا فساداً، وأسلم؛ فقالوا: يا نبي الله لقد رأينا منك منظراً لم نره لأحد، فقال: «نعم، هذا كريم قوم فإذا أتاكم كريم قوم فأكرموه» كذا في الكنز. إكرامه عليه السلام أبا راشد وأخرج الدّوْلابي في الكُنَى عن أبي راشد بن عبد الرحمن رضي الله عنه قال: قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم في مائة رجل من قومي، فلما دنَونا من النبي صلى الله عليه وسلم وقفنا وقالوا لي: تقدَّم أنت يا أبا معاوية، فإن رأيت ما تحت رجعت إلينا حتى نتقدم إليه، وإن لم ترَ مما تحب شيئاً انصرفت إلينا حتى ننصرف، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وكنت أصغر القوم فقلت: أنعم صباحاً يا محمد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «ليس هذا بسلام المسلمين بعضهم على بعض» ، فقلت له: وكيف يا رسول الله فقال: «إذا أتيت قوماً من المسلمين قلت: السلام عليكم ورحمة الله،

قلتُ: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، قال: «وعليك السلام ورحمة الله وبركاته» ، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم «ما اسمك ومن أنت؟» فقلت: أنا أبو معاوية بن عبد اللاَّلات والعُزَّى. فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم «بل أنت أبو راشد بن عبد الرحمن» ، وأكرمني وأجلسني إلى جانبة، وكساني رداءه، وأعطاني حداه، ودفع إليَّ عصاه وأسلمت، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم مِنح جلسائه: يا رسول الله إنَّا نراك قد أكرمت هذا الرجل، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم «هذا شريف قومه، فإذا أتاكم شريف قومه فأكرموه» - فذكر الحديث. وأخرجه ابن مَنْده من هذا الوجه مختصراً، وابن السَّكَن كما في الإِصابة. وأخرجه أيضاً العُقَيلي، كما في منتخب الكنزه. تأليف رأس القوم تأليفه عليه الصلاة والسلام سيد قوم أخرج أبو نُعيم عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «كيف ترى جُعَيلاً؟» قلت: مسكيناً كشكله من الناس، قال: «فكيف ترى فلاناً؟» قلت: سيداً من سادات الناس، قال: «فجعيل خير من مثل هذا مِلءِ الأرض» . قلت: يا رسول الله ففلان هكذا وأنت تصنع به ما تصنع؟ قال: «إنه رأس قومه فأنا أتألفهم» . كذا في الكنز. وأخرجه الرُوياني في مسنده وابن عبد الحكم

وصيته عليه السلام بأهل بيته

في فتوح مصر، وإسناده صحيح. وأخرجه ابن حِبَّان من وجه آخر عن أبي ذر لكن لم يُسمَّ جُعَيلاً. وأخرجه البخاري من حديث سَهْل بن سعد فأبهم جُعَيلاً وأبا ذر. وروى ابن إسحاق في المغازي عن محمد بن إبراهيم التَّيْمي قال: قيل: يا رسول الله، أعطيت عيينة بن حصن والأقرع بن حابس مائة مائة وتركت جُعَيلاً؟ فقال: والذي نفسي بيده لَجعيل بن سراقة خير من طِلاع الأرض مثل عيينة والأقرع، لكني أتألفهما وأَكِلُ جُعَيلاً إلى إيمانه» . وهذا مرسل حسن. كذا في الإِصابة. وأخرجه أبو نُعيم في الحلية عن محمد بن إبراهيم نحوه. إكرام آل بيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم وصيته عليه السلام بأهل بيته أخرج مسلم عن يزيد بن حَيَّان قال: انطلقت أنا وحصين بن سَبْرة وعمرو بن مسلم إلى زيد بن أرقم رضي الله عنه، فلما جلسنا إليه قال حصين: لقد لقيتَ يا زيدُ خيراً كثيراً رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعت حديثه، وغزوت معه، وصلَّيت خلفه، لقد لقيت يا زيدُ خيراً كثيراً حدِّثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا ابن أخي - والله - لقد كَبرت سني، وقدُم عهدي، ونسيت بعض الذي كنت أَعِي من رسول الله صلى الله عليه وسلم فما حدثتكم فاقبلوا

إكرامه عليه السلام عمه العباس

ومالا فلا تكلِّفونيه. ثم قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خُمّاً بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكَّر ثم قال: «أما بعد: ألا أيها الناس فإنا أنا بشر يوشِك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولُهما كتابُ الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به» فحث على كتاب الله ورغَّب فيه. ثم قال: «وأهلُ بيتي أذكَّركم الله في أهل بيتي، أذكِّركم الله في أهل بيتي» . فقال له حصين: ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حُرِم الصدقة بعده. قال: ومن هم؟) قال: هم آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس. قال: كل هؤلاء حُرِم الصدقة؟ قال: نعم، كذا في رياض الصالحين. وأخرجه أيضاً ابن جرير كما في منتخب الكنز. وأخرج البخاري عن ابن عمر رضيا لله عنهما قال: قال أبو بكر رضي الله عنه: ارقُبوا محمداً صلى الله عليه وسلم في أهل بيته. كذا في منتخب الكنز. إكرامه عليه السلام عمه العباس وأخرج ابن عساكر عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم جالساً مع أصحابه وبجنبه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، فأقبل العباس رضي الله عنه، فأوسع له أبو بكر فجلس بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أبي بكر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: «إنما يعرف الفضلَ لأهل الفضلِ أهلُ الفضل» . ثم أقبل العباس على النبي صلى الله عليه وسلم يحدِّثه. فخفض النبي صلى الله عليه وسلم صوته شديداً، فقال أبو بكر لعمر: قد حَدَث برسول الله صلى الله عليه وسلم يحدِّثه. فخفض النبي صلى الله عليه وسلم صوته شديداً، فقال أبو بكر لعمر: قد حَدَث برسول الله صلى الله عليه وسلم علَّة قد شغلت قلبي، فما زال العباس عند

النبي صلى الله عليه وسلم حتى فرغ من حاجته وانصرف. فقال أبو بكر: يا رسول الله حدثت بك علّة الساعة؟ قال: «لا» قال: فإني قد رأيتك قد خفضت صوتك شديداً. قال: «إنَّ جبريل أمرني إذا حضر العباس أن أخفض صوتي كما أمرهم أن تخفضوا أصواتكم عندي» . كذا في الكنز. وعند الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان لأبي بكر رضي الله عنه مجلس من النبي صلى الله عليه وسلم لا يقوم عنه إلا للعباس، فكان يسر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل العباس يوماً، فزال له أبو بكر عن مجلسه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «مالك؟» قال: يا رسول الله عمك قد أقبل، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أقبل على أبي بكر متبسماً. فقال: «هذا العباس قد أقبل وعليه ثياب بيض وسيلبس ولده من بعده السواد ويملك منهم عشر رجلاً» فلما جاء العباس قال: يا رسول الله، قلت لأبي بكر؟ فقال: «ما قلت إلا خيراً» . قال: صدقت - بأبي وأمي - ولا تقول إلا خيراً. قال: قلت: «قد أقبل العباس عمِّي وعليه ثياب بياض وسيلبس ولده من بعده السواد ويملك منهم اثنا عشر رجلاً» . قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط والكبير باختصار، وفيه جماعة لم أعرفهم - انتهى. وأخرجه ابن عساكر عن ابن عباس مختصراً كما في منتخب الكنز. وقال: لم أرَ في سنده من تُكلِّم فيه. تنحِّي أبي بكر عن مكانه للعباس وعند ابن عساكر أيضاً عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده رضي الله

عنهم قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جلس جلس أبو بكر رضي الله عنه عن يمينه، وعمر رضي الله عنه عن يساره، وعثمان رضي الله عنه بين يديه، وكان كاتب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا جاء العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه تنحَّى أبو بكر وجلس العباس مكانه. كذا في منتخب الكنز. حثُّه عليه السلام على حب العباس وأخرج الحاكم عن المطَّلب بن ربيعة قال: جاء العباس رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مغضب فقال: «ما شأنك؟ فقال: يا رسول الله، ما لنا ولقريش؟ فقال: «مالك ولهم؟» قال: يلقَى بعضهم بعضاً بوجوه مشرقة، فإذا لقونا لقونا بغير ذلك. قال: فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استدرَّ عِرْق بين عينيه. قال: فلما أسفر عنه قال: «والذي نفس محمد بيده لا يدخل قلب امرىء الإِيمان حتى يحبكم لله ولرسوله» . قال: ثم قال: «ما بال رجال يؤذونني في العباس؟ عم الرجل صِنْوُ أبيه. وعند الحاكم أيضاً عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله إنَّ قريشاً إذا لقي بعضها بعضاً لقوها ببشر حَسَن، وإذا لقونا لقونا بوجوه لا نعرفها. قال: فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً، وقال: «والذي نفس محمد بيده، لا يدخل قلب رجل الإِيمان حتى يحبكم لله ولرسوله» . وعند الطبراني عن عِصْمة قال: دخل العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه يوماً إلى المسجد فنظر إلى الكراهية في وجوههم، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته فقال: يا رسول الله مالي إذا دخلت

ما وقع بين عمر والعباس ودعاؤه عليه السلام لعمر لإكرامه العباس

المسجد أرى الكراهية في وجوه الناس؟ فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل المسجد، فقال: «يا معشر الناس لم تؤمنوا ولم تكونوا مؤمنين حتى تحبُّوا عباساً» . قال الهيثمي: وفيه الفضل ابن المختار وهو ضعيف. ما وقع بين عمر والعباس ودعاؤه عليه السلام لعمر لإِكرامه العباس وأخرج ابن عساكر عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: بعض رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ساعياً على صدقة. فأول من لقيه العباس بن عبد الملب رضي الله عنه فقال: يا أبا الفضل هلمَّ صدقة مالك، فقال له: لو كنت وكنت، وأغلظ له في القول. فقال له عمر: أما والله لولا الله ومنزلتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكافأتك ببعض ما كان منك، فافترقا وأخذ هذا في طريق وهذا في طريق. فجاء عمر حتى دخل على علي بن أبي طالب رضي الله عنه فذكر له ذلك، فأخذ علي بيد عمر حتى دخلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر: يا رسول الله، بعثتني ساعياً على الصدقة فأول من لقيت عمك العباس، فقلت: يا أبا الفضل هلمَّ صدقة مالك. فقال لي: كَيْت وكَيْت، وأنبني وأغلظ لي القول. فقلت: أما - والله - لولا الله ومنزلتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكافأتك ببعض ما كان منك. فاقل رسول الله صلى الله عليه وسلم «أكرمته أكرمك الله، أما علمتَ أنَّ عم الرجل صِنْوا أبيه؟ لا تكلِّم العباس فإنَّا تعجَّلنا منه صدقة سنتين» . كذا في منتخب الكنز. وأخرجه ابن سعد عن قتادة مختصراً.

ضرب عثمان رجلا استخف بالعباس

لطم العباس رجلاً نال من أبيه وأخرج الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً ذكر أبا العباس فنال منه، فلطمه العباس. فاجتمعوا فقالوا: والله لنلطمنَّ العباس كما لطمه. فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطب فقال: «مَنْ أكرم النسا على الله؟» قالوا: أنت يا رسول الله، قال: «فإن العباس مني وأنا منه، لا تسبوا أمواتنا فتؤذوا به الأحياء» . قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإِسناد ولم يخرِّجاه، وقال الذهبي: صحيح. وأخرجه ابن عساكر عن ابن عباس بنحوه وزاد: فقالوا: يا رسول الله نعوذ بالله من غضبك، فاستفغر لنا فاستغفر لهم. كذا في منتخب الكنز. وأخرجه ابن سعد عن ابن عباس نحو رواية ابن عساكر. إكرام أبي بكر وعمر العباس في ولايتهما وأخرج ابن عساكر عن ابن شهاب قال: كان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما في ولايتهما لا يلقي العباس منهما واحد وهو راكب إلا نزل عن دابته وقادها، ومشى مع العباس حتى بلَّغه منزله أو مجلسه، فيفارقه. كذا في الكنز. ضرب عثمان رجلاً استخف بالعباس وأخرج سَيْف وابن عساكر عن القاسم بن محمد قال: ممَّا أحدث عثمان فرُضي به منه أنه ضرب رجلاً في منازعة استخف فيها بالعباس بن عبد المطلب، فقيل له، فقال: أيفخِّم رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه وأرخِّص في الاستخفاف به؟ لقد خالف رسول الله صلى الله عليه وسلم من رضي فعل ذلك، فرُضي به منه. كذا في منتخب الكنز.

قوله عليه السلام: من كنت وليه فعلي وليه

إكرام أبي بكر علياً وتنحِّيه عن مجلسه له وأخرج ابن الأعرابي عن أنسرضي الله عنهقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً بالمسجد وقد أطاف به أصحابه؛ إذ أقبل علي رضي الله عنه فسلم ثم وقف، فنظر مكاناً يجلس فيه، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وجوه أصحابه أيُّهم يوسع له، وكان أبو بكر رضي الله عنه عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً، فتزحزح أبو بكر عن مجلس وقال: ها هنا أبا الحسن. فجلس بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أبي بكر، فرأين السرور في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أقبل على أبي بكر فقال: «يا أبا بكر إنما يعرف الفضل لأهل الفضل» . كذا في البداية. قول رهط من الأنصار لعلي يا مولانا وأخرج أحمد والطبراني عن رباح بن الحارث قال: جاء رهط إلى علي رضي الله عنه بالرَّحْبة. قالوا: السلام عليك يا مولانا، فقال: كيف أكون مولاكم وأنتم قوم عرب؟ قالوا: سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غَدِير خُمَ يقول: «من كنت مولاه فهذا مولاه» . قال رباح: فلما مضَوا تبعتهم فقلت: من هؤلاء؟ قالوا: نفر من الأنصار فيهم أبو أيوب الأنصاري. قال الهيثمي: رجال أحمد ثقات. قوله عليه السلام: من كنت وليه فعلي وليه وأخرج البزّار عن بُرَيدة رضي الله عنه قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية، فاستعمل علينا علياً رضي الله عنه، فلما جئنا قال: «كيف رأيت صاحبكم؟» فإما شكوتُه وإما شكاه غيري. قال: فرفع رأسه - وكنت رجلاً

مِكباباً - فإذا النبي صلى الله عليه وسلم قد احمر وجهه يقول: «من كنت وليَّه فعليٌّ وليه» . فقلت: لا أسوءك فيه أبداً. قال الهيثمي: رواه البزّار ورجاله رجال الصحيح - اهـ. قوله عليه السلام: من آذى علياً فقد آذاني وأخرج ابن إسحاق عن عمرو بن شاس الأسلمي - رضي الله عنه، وكان من أصحاب الحديبية - قال: كنت مع علي رضي الله عنه في خيله التي بعثه فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فجفاني على بعض الجفاء، فوجدت عليه في نفسي. فلما قدمت المدينة اشتكيته في مجالس المدينة وعند من لقيته، فأقبلت يوماً ورسول الله جالس في المسجد، فلما رآني انظر إلى عينيه نظر إليَّ حتى جلست إليه. فلما جلست إليه قال: أما إنه - والله - يا عمرو لقد آذيتين» فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون أعوذ بالله والإِسلام أن أوذي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «من أذى علياً فقد آذاني» . وقد رواه الإِمام أحمد عن عمرو بن شاس فذكره. كذا في ابداية. قال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني باختصار، والبزّار أخصر منه، ورجال أحمد ثقات. انتهى.

إنكار عمر على رجل نال من علي

تعوذ سعد من غضبه عليه السلام حين نال سعد من علي وأخرج أبو يَعْلى عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: كنت جالساً في المسجد أنا ورجلان معي فنلنا من علي رضي الله عنه، فأقبل رسول الله يُعرف في وجهه الغضب، فتعوذت بالله من غضبه، فقال: «ما لكم وما لي؟ من آذى علياً فقد آذاني» كذا في البداية. قال الهيثمي: رواه أبو يعلى والبزّار باختصار ورجال أبي يَعْلى رجال الصحيح غير محمود بن خِداش وقَنَان وهما ثقتان. انتهى. إنكار عمر على رجل نال من علي وأخرج ابن عساكر عن عروة رضي الله عنه أن رجلاً وقع في علي بمحضر من عمر رضي الله عنهما. فقال عمر: تعرف صاحب هذا القبر؛ محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب بن عبد المطلب لا تذكر علياً إلا بخير، فإنك إن آذيته آذيت هذا في قبره. كذا في المنتخب. قول سعد: لو وضع المنشار في مفرقي ما سببته أبدا وأخرج أبو يَعْلَى عن أبي بكر بن خالد بن عُرْفْطة أنه أتى سعد بن مالك رضي الله عنه فقال: بلغني أنكم تُعرَضون على سبِّ علي بالكوفة فهل سببته؟ قال: مَعاذ الله والذي نفس سعد بيده لقدسمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم

يقول في علي شيئاً لو وُضع المنشار على مفرقي ما سببته أبداً. قال الهيثمي: إسناده حسن. وقوع معاوية في علي وامتناع سعد عن ذلك وأخرج أحمد ومسلم والترمذي عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال له: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً رضي الله عنهم فقال: ما يمنعك أن تسب أبا تراب؟ فقال: أمَّا ما ذكرتُ ثلاثاً قالهن له رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وخلَّفه في بعض مغازيه فقال له علي: يا رسول الله أتخلِّفني مع النساء والصبيان؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاَّ أنه لا نبي بعدي» . وسمعته يقول يوم خيبر: «لأعطينَّ الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله» . قال: فتطاولت لها قال: «ادعوا لي علياً» فأُتي به أرمد فبصق في عينيه ودفع الراية إليه ففتح الله عليه، ولمَّا نزلن هذه الآية: {فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَآءنَا وَأَبْنَآءكُمْ وَنِسَآءنَا وَنِسَآءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ} (سورة آل عمران، الآية: 61) دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً رضي الله عنهم، ثم قال: «اللهمَّ هؤلاء أهلي» . وعند أبي زُرْعة الدمشقي عن عبد الله بن أبي نَجِيح عن أبيه قال: لما حج معاوية أخذ بيده سعد بن أبي وقاص فقال: يا أبا إسحاق إنا قوم قد أجفانا هذا الغزو عن الحج حتى كدنا أن ننسى بعض سننه، فطف نطف بطوافك.

إنكار أم سلمة على من سب عليا

قال: فلما فرغ أدخله دار الندوة فأجلسه معه على سريره، ثم ذكر علي بن أبي طالب فوقع فيه. فقال أدخلتني دارك وأجلستني على سريرك ثم وقعت في علي تشتمه؟ والله لأن يكون فيَّ إحدى خلاله الثلاث أحب إليَّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس، ولأن يكون لي ما قال له حين غزا تبوكاً: «ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاَّ أنه لا نبي بعدي» ، أحب إليَّ مما طلعت عليه الشمس؛ ولأن يكون لي ما قال له يوم خيبر: «لإعطينَّ الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله وروسله يفتح الله على يديه ليس بفرّار» ، أحب إليَّ ممَّا طلعت عليه الشمس؛ ولأن أكون صهره على ابنته ولي منها من الولد ما له أحب إليَّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس، لا أدخل عليك داراداً بعد هذا اليوم، ثم نفض رداءه ثم خرج.x كذا في البداية (7340 و341) . لغاية ص 145 تابع إنكار أم سَلَمة على من سبَّ عليا وأخرج أحمد عن أبي عبد الله الجَدَلي قال: دخلت على أم سَلَمة رضي الله عنها فقالت لي: أيُسب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكم؟ قلت: مَاذ الله أو سبحان الله أو كلمة نحوها، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من سبَّ علياً فقد سبني» . قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير أبي عبد الله الجعدَلي وهو ثقة. وعند الطبراني وأبي يعلى عن أبي عبد الله الجدلي قال: قالت لي أم سَلَمة رضي الله عنها: يا أبا عبد الله أيُسب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكم؟ قلت: أنَّى يُسب ررسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: أليس يُسب علي ومن يحبه، وقد كان رسول الله

قول علي في حسبه ودينه

صلى الله عليه وسلم يحبه قال الهيثمي: رجال الطبراني رجال الصحيح غير أبي عبد الله وهو ثقة. وأخرجه ابن أبي شيبة عن أبي عبد الله نحوه كما في المنتخب. قول علي في حسبه ودينه وأخرج الخطيب في المتَّفق وابن عساكر عن أبي صادق قال: قال علي رضي الله عنه: حَسَبي حَسَب رسول الله صلى الله عليه وسلم وديني دينه؛ فمن تناول مني شيئاً فإنما تناوله من رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا في المنتخب. إكرام أبي بكر للحسن وأخرج أبو نُعيم والجابري في جزئه عن عبد الرحمن بن الأصبهاني قال: جاء الحسن بن علي إلى أبي بكر رضي الله عنهم وهو على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: انزل عن مجلس أبي، قال: صدقت، إنه مجلس أبيك، وأجلسه في حجره وبكى. فقال علي رضي الله عنه: والله ما هذا عن أمري. فقال: صدقتَ والله ما اتهمتك. وعند ابن سعد عن عروة أن أبا بكر خطب يوماً فجاء الحسن فصعد إليه المنبر، فقال: انزل عن منبر أبي، فقال علي: إن هذا شيء من غير ملأ منا. كذا في الكنز. إكرام عمر للحسين وأخرج ابن عساكر عن أبي البختري قال: كان عمر بن الخطاب رضي

الله عنه يخطب على المنبر، فقام إليه الحسين بن علي رضي الله عنهما، فقال: انزل عن منبر أبي، قال عمر: منبر أبيك لا منبر أبي، من أمرك بهذا؟ فقال علي رضي الله عنه فقال: ما أمره بهذا أحد أما لأوجعنَّك يا غُدَر فقال: لا توجع ابن أخي فقد صدق منبر أبيه. قال ابن كثير: سنده ضعيف. كذا في الكنزل. وعند ابن سعد وابن راهَوَيه والخطيب عن حسين بن علي رضي الله عنهما قال: صعدت إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه المنبر فقلت له: انزل عن منبر أبي واصعد منبر أبيك، فقال: إن أبي لم يكن له منبر، فأقعدني معه. فلما نزل ذهب إلى منزله فقال: أيْ بني من علَّمك هذا؟ قلت: ما علمنيه أحد. قال: أيْ بني لو جعلت تأتينا وتغشانا، فجئت يوماً وهو خالٍ بمعاوية، وابنُ عمر بالباب لم يُؤذن له فجرعت. فلقيني بعد فقال: يا بني لم أرَك أتيتنا؟ قلت: جئت وأنت خالغ بمعاوية، فرأيت ابن عمر رجع فرجعت. فقال: أنت أحق بالإِذن من عبد الله بن عمر، إنما أنبت في رؤوسنا ما ترى الله، ثم أنتم، ووضع يده على رأسه. كذا في الكنز. قال في الإِصابة: سنده صحيح. إكرام أبي بكر للحسن أيضا وأخرج ابن سعد وأحمد والبخاري والنسائي والحاكم عن عقبة

بن الحارث قال: خرجت مع أبي بكر رضي الله عنه من صلاة العصر بعد وفات رسول الله صلى الله عليه وسلم بليال، وعلي رضي الله عنه يمشي إلى جنبه. فمر بحسن بن علي يلعب مع غِلمان، فاحتمله على رقبته وهو يقول: بأي شبيهُ بالنبي ليس شبيهاً بعلي وعلي يضحك. كذا في الكنز. تقبيل أبي هريرة بطن الحسن وأخرج أحمد عن عمير بن إسحاق قال: رأيت أبا هريرة رضي الله عنه لقي الحسن بن علي رضي الله عنهما فقال (له) : اكشف عن بطنك حيث رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل منه، فكشف عن بطنه فقبَّله. وفي رواية: فقبل سرته. قال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني إلا أنه قال: فكشف عن بطنه ووضع يده على سرته. ورجالهما رجال الصحيح غير عمير بن إسحاق وهو ثقة اهـ. وأخرجه ابن النجار عن عمير كما في الكنز وفيه: فوضع فمه على سرته. قول أبي هريرة للحسن يا سيدي وأخرج الطبراني عن المقبري قال: كنا مع أبي هريرة رضي الله عنه فجاء الحسن بن علي رضي الله عنهما فسلّم فرد عليه القوم، ومعنا أبو هريرة رضي الله عنه لا يعلم، فقيل له: هذا حسن بن علي يسلِّم، فلحقه فقال: وعليك يا سيدي، فقيل له: هذا حسن بن علي يسلِّم، فلحقه فقال: وعليك يا سيدي، فقيل له: تقول: يا سيدي، فقال: أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنه سيد» قال الهيثمي: رجاله ثقات. وأخرجه أيضاً أبو يَعْلى

وابن عساكر عن سعيد المقْبُري نحوه كما في الكنز. وأخرجه الحاكم وصحَّحه. ما جرى بين أبي هريرة ومروان في محبة الحسن والحسين وأخرج الطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه أن مروان أتاه في مرضه الذي مات فيه. فقال مروان لأبي هريرة: ما وجدت عليك في شيء منذ اصطحبنا إلا في حبِّك الحسن والحسين. قال: فتحفَّز أبو هريرة رضي الله عنه فجلس فقال: أشهد لخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا ببعض الطريق سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين وهما يبكيان وهما مع أمهما، فأسرع السير حتى أتاهما فسمعته يقول: «ما شأن ابنيَّ؟» فقالت: العطش، قال: فأخلَفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شَنّه يبتغي فيها ماء، وكان الماء يومئذٍ أعداراً والناس يريدون، فنادى هل أحدٌ منكم معه ماء؟ فلم يبقَ أحد إلاّ أخلَفَ بيده إلى كلامه يبتغي الماء في شَنِّه، فلم يجد أحد منهم قطرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ناوليني أحدهما» ، فناولته إياه من تحت الخدر، فرأيت بياض ذراعيها حين ناولته، فأخذخ فضمّه إلى صدره وهو يضغو ما يسكت، فأدلع لسانه فجعل يمصُّه حتى هدأ أو سكن، فلم أسمع له بكاء، والآخر يبكي كما هو ما يسكت، ثم قال: «ناوليني الآخر» فناولته ففعل به كذلك، فسكتا فلم أسمع لهما صوتاً. ثم قال: «سيروا» فصدعنا يميناً وشمالاً عن الظعائن حتى لقيناه على قارعة الطريق؛ فأنا لا أحب هذين وقد رأيت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات.

إكرام العلماء والكبراء وأهل الفضل

إكرام العلماء والكبراء وأهل الفضل إكرام ابن عباس لزيد بن ثابت وإكرام زيد لابن عباس أخرج ابن عساكر عن عمار بن أبي عمار أن زيد بن ثابت رضي الله عنه ركب يوماً، فأخذ ابن عباس رضي الله عنهما بركابه، فقال: تنحَّ يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هكذا أُمرنا أن نفعل بعلمائنا وكبرائنا، فقال زيد: أرني يدك، فأخرج يده، فقبَّلها فقال: هكذا أُمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا. كذا في الكنز. وعند يعقوب بن سفيان بإسند صحيح عن الشَّعْبي قال: ذهب زيد بن ثابت رضي الله عنه ليركب فأمسك ابن عباس رضي الله عنهما بالركاب فقال: تنحَّ يا ابن عم رسول الله، قال: لا، هكذا نفعل بالعلماء والكبراء. كذا في الإصابة. وأخرحه الطبراني عن الشَّعْبي نحوه ورجاله رجال الصحيح غير رَزِين الرُّمَّاني وهو ثقة كما قال الهيثمي. وأخرجه ابن عسد نحوه. وأخرجه الحاكم عن أبي سَلَمة نحوه وصحَّحه على شرط مسلم، ويعقوب بنسفيان عن الشَّعْبي نحو حديث عمار بن أبي عمار؛ كما في الإِصابة. وعند ابن النجار عن ابن عباس رضي الله عنه أنه أخذ بركاب زيد بن ثابت ثم قال: إنا أُمرنا أن نأخذ بركاب معلِّمينا وذوي أسناننا. كذا في الكنز.

إكرامه عليه السلام أبا عبيدة

إكرامه عليه السلام أبا عبيدة وأخرج الطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم في نفر من أصحابه إذ أُتي بقدح فيه شراب، فناوله رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة. فقال أبو عبيدة: أنت أولى به يا نبي الله. قال: «خذ» فأخذ أبو عبيدة القدح. قال له قبل أن يشرب. خذ يا نبي الله، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم «اشرب فإنَّ البركة مع أكابرنا، فمن لم يرحم صغيرنا ويجلّ كبيرنا فليس منا» . قال الهيثمي815) : وفيه علي بن زيد الألهاني وهو ضعيف. أمره عليه السلام بتقديم الأكبر للكلام وأخرج البخاري عن رافع بن خَدِيج وسهل بن (أبي) حَثْمة أن عبد الله بن سهل ومحيِّصة بن مسعود رضي الله عنهم أتيا خيبر فتفرقا في النخل، فقُتل عبد الله بن سهل. فجاء عبد الرحمن بن سهل وحوِّيصة ومحيِّصة ابنا مسعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فتكلَّموا في أمر صاحبهم، فبدأ عبد الرحمن - وكان أصغر القوم - فقال النبي صلى الله عليه وسلم «كَبِّر الكُبْر» - قال يحيى: لِيَلى الكلامَ الأكبر - فتكلَّموا في أمر صاحبهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «أتستحقون قتيلكم - أو قال: صاحبكم - بأيمانِ خمسين منكم؟» . قالوا: يا رسول الله أمر لم نره قال: «فتبرئكم يهود في

أيمان خمسين منهم» . قالوا: يا رسول الله قوم كفار فَوَداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من قِبَلة. إكرامه عليه السلام وائل بن حجر وأخرج البزّار عن وائل بن حُجْر رضي الله عنه قال: بلغنا ظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في ملك عظيم وطاعة، وفرفضتُه وخرجت راغباً في الله ورسوله، فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد بشَّآهم بقدومي. فلما قدمت عليه فسلصمت عليه فرد عليَّ وبسط لي رداءه وأجلسني عليه، ثم صعد منبره وأقعدني معه، فرفع يديه فحمد الله وأثنى عليه وصلَّى على النبيين، واجتمع الناس إليه فقال لهم: «أيها الناس، هذا وائل بن حُجْر قد أتاكم من أرض بعيدة من حضرموت طائعاً غير مكره، راغباً في الله وفي رسوله وفي دينه» . قال: «صدقت» قال الهيثمي: وفيه محمد بن حجر وهو ضعيف. وعند الطبراني عن وائل بن حجر رضي الله عنه قال: جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «هذا وائل بن حجر جاءكم لم يجئكم رغبة ولا رهبة، جاءكم حباً لله ولوسوله» وبسط له رداءه، وأجلسه إلى جنبه، وضمه إليه، وأصعده املنبرفخطب الناس فقال: «ارفقوا به، فإنه حديث عهد بالملك» . فقال: إن أهلي غلبوني على الذي لي، قال: «أنا أعطيكه وأعطيك ضعفه» فذكر الحديث. قال الهيثمي: رواه الطبراني من طريق ميمونة بنت حُجْر عبد الجبار عن عمتها أم يحيى بنت عبد الجبار ولم أعرفها وبقية رجاله ثقات. انتهى.

إكرامه عليه السلام سعد بن معاذ وهو يموت

إكرامه عليه السلام سعد بن معاذ وهو يموت وأخرج ابن عسد عن ابن عبسا رضي الله عنهما قال: لما انفجرت يد سعد رضي الله عنه بالدم قام إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتنقه والدم ينفح في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولحيته، لا يريد أحدٌ أن يقي رسول الله صلى الله عليه وسلم الدمَ إلا ازداد منه رسول الله قرباً حتى قضى. وعني رجل من الأنصار قال لما قضى سعد في بني قُرَيظة ثم رجع انفجر جرحه. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه فأخذ رأسه فوضعه في حجره، وسُجِّي بثوب أبيض إذا مُدَّ على وجهه خرجت رجلاه، وكان رجلاً أبيض جسيماً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اللهمَّ إن سعداً قد جاهد في سبيلك، وصدَّق رسولك، وقضى الذي عليه، فتقبل روحه بخير ما تقبلت به روحاً» . فلما سمع سعد كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح عينيه ثم قال: السلام عليك يا رسول الله، أما إني أشهد أنك رسول الله. فلما رأى أهل سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وضع رأسه في حجره ذُعروا من ذلك، فذُكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل سعد لما رأوك وضعت رأسه في حجرك ذُعروا من ذلك. فقال: «أستأذنُ الله من ملائكته عدَدَكم في البيت ليشهدوا وفاة سعد» قال وأمه تبكي وهي تقول: وَيْلُ امك سعدا حَزامة وجِدَّا فقيل لها أتقولين الشعر على سعد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «دعوها فغيرها من الشعراء أكذب» . إكرام عمر لمعيقيب صاحب النبي عليه السلام وأخرج ابن سعد عن خارجة بن زيد أن عمر - رضي الله عنه - وُضع

له العشاء مع الناس يتعشُّون، فخرج فقال لمعيقيب بن أبي فاطمة الدَّوسي رضي الله عنه - وكان له صحبة وكان من مهاجرة الحبشة -: ادنُ فاجلس، وَايْم الله لو كان غيرك به الذي بك لما جلس منِّي أدنى من قِيد رمح. وعنده أيضاً من وجه آخر عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه دعاهم لغدائه، فهابوا - وكان فيهم معيقيب رضي الله عنه وكان به جذام - فأكل معيقيب معهم، فقال له عمر: خذ ما يليك ومن شَقِّك، فلو كان غيرك ما آكلني في صحفة، ولكان بيني وبينه قِيد رمح. إكرام عمر عمرو بن الطفيل وأخرج ابن عسد وابن عساكر عن عبد الواحد بن عَون الدَّوسي قال: رجع الطفيل بن عمرو رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان معه بالمدينة حتى قُبض. فلما ارتدت العرب خرج مع المسلمين إلى اليمامة ومعه ابنه عمرو بن الطفيل، فقتل الطفيل باليمامة شهيداً، وجُرح معه ابنه عمرو بن الطفيل وقُطعت يده، فبينا هو عند عمر بن الخطاب إذ أُتي بطعام فتنحَّى عنه، فقال عمر: مالك (لعلك) تنحيت لمكان يدك؟ قال: أجل، قال: لا والله لا أذوقه حتى تسوطَه بيدك، فوالله ما في القوم أحد بعضه في الجنة غيرك. ثم خرج عام اليرموك مع المسلمين فقتل شهيداً. كذا في الكنز.

تسويد الأكابر

كتاب عمر إلى أبي موسى في تقدم أهل الفضل وأخرج الدينوري عن الحسن قال: كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري - رضي الله عنهما - أنه بلغني أنك تأذن للناس جماً غفيراً، فإذا جاءك كتابي هذا فابدأ بأهل الفضل والشرف والوجوه، فإذا أخذوا مجالسهم فأذن للناس. كذا في الكنز. تسويد الأكابر ما أوصى به قيس بن عاصم بنيه أخرج البخاري في اودب (ص54) عن حكيم بن قيس بن عاصم أن أباه أوصى عند موته بنيه فقال: اتقوا الله، وسوِّدوا أكبركم، فإنَّ القوم إذا سوَّدوا أكبرهم خَلَفوا أباهم، وإذا سوَّدوا أصغرهم أزرى بهم ذلك في أكفائهم. وعليكم بالمال واصطناعه فإنه منبهة للكريم، ويُستغنى به عن اللئيم، وإياكم ومسألة الناس فإنها من آخر كسب الرجل، وإذا متُّ فلا تنوحوا فإنه لم يُنح على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا متُّ فادفنوني بأرض لا يشعر بدفني بكر بن وائل فإني كنت أغافلهم في الجاهلية. وأخرجه أحمد أيضاً نحوه كما في الإِصابة. وأخرجه ابن سعد أيضاً نحوه.

الإكرام مع اخلاف الرأي والعمل ما أمر به علي الناس يوم الجمل أخرج البيهقي عن يحيى بن سعيد عن عمه قال: لما تواقفنا يوم الجمل، وقد كان علي رضي الله عنه حين صفَّنا نادى في الناس: لا يرمينَّ رجل بسهم، ولا يطعن برمح، ولا يضرب بسيف، ولا تبدؤوا القوم بالقتال، وكلِّموهم بألطف الكلام، وأظنه قال: فإن هذا مَقامٌ من فَلَج فيه فَلَج يوم القيامة. فلم نزل وقوفاً حتى تعالى النهار حتى نادى القوم بأجمعهم يا ثَأراتِ عثمان، فنادى علي رضي الله عنه محمد بن الحنيفة - وهو أمامنا ومعه اللواء - فقال: يا ابن الحنفية ما يقولون؟ فأقبل علينا محمد بن الحنفية فقال: يا أمير المؤمنين: يا ثأرات عثمان، فرفع علي رضي الله عنه يديه فقال: اللهمَّ كبَّ اليوم قتلة عثمان لوجوههم وعنده أيضاً عن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب أن علياً رضي الله عنه لم يقاتل أهل الجمل حتى دعا الناس ثلاثاً، حتى إذا كان اليوم الثاثل دخل عليه الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر رضي الله عنهم، فقالوا: قد أكثروا فينا الجراح. فقال: يا ابن أخي والله ما جهلت شيئاً من أمرهم إلاَّ ما كانوا فيه. وقال: صب لي ماء فصب له ماء، فتوضأ به ثم صلَّى ركعتين حتى إذا فرغ رفع يديه ودعا ربَّه وقال لهم: إن ظهرتم على القوم فلا تطلبوا مدبراً، ولا تجيزوا على جريح، وانظروا ما حُضِرت به الحرب نم ريته فاقبضوه، وما كان سوى ذلك فهو لورثته. قال البيهقي: هذا منقطع والصحيح أنه لم يأخذ شيئاً ولم يسلب قتيلاً.

قول علي في أهل الجمل

وعنده أيضاً عن علي بن الحسين قال: دخلت على مروان بن الحكم فقال: ما رأيت أحداً أكرم غلبة من أبيك، ما هو إلا أن ولَّينا يوم الجمل فنادى منادِيه: لا يُقتل مدبر، ولا يُذفَّف على جريح. قول علي في أهل الجمل وعنده أيضاً عن عبد خير قال: سئل علي رضي الله عنه عن أهل الجمل فقال: إخواننا بغَوا علينا فقاتلناهم، وقد فاؤوا وقد قبلنا منهم. وعن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم قال: قال علي رضي الله عنه يوم الجمل: نمنُّ عليهم بشهادة أن لا إله إلا الله، ونورِّث الآباء من الأبناء. وأخرج أيضاً عن أبي البختري قال: سئل علي رضي الله عنه عن أهل الجمل أمشركون هم؟ قال: من الشرك فرُّوا. قيل: أمنافقون هم؟ قال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً، قيل: فما هم؟ قال: إخوانا بَغَوا علينا. ترحيب علي بابن طلحة وأقواله في شأنه مع طلحة والزبير وأخرج أيضاً عن أبي حبيبة مولى طلحة رضي الله عنه قال: دخلت على علي رضي الله عنه مع عِمران بن طلحة بعدما فرغ من أصحاب الجمل قال: فرحَّب به وأدناه وقال: إني لأرجو أن يجعلني الله وأباك من الذين قال الله عز وجل: {وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مّنْ غِلّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ} (سورة الحجر، الآية: 47) . فقال: يا ابن أخي كيف فلانة؟ كيف فلانة؟ قال: وسأله عن أمهات أولاد أبيه،

إنكار عمار على من نال من عائشة وقوله فيها

قال ثم قال: لم نقبض أرضكم هذه السنين إلاّ مخافة أن ينتهبها الناس، يا فلان انطلق معه إلى ابن قرظَة مُرْه فليعطِه غلَّة هذه السنين ويدفع إليه أرضه، قال: فقال رجلان جالسان ناحيةً أحدهما الحارث الأعور: الله أعدل من ذلك أن نقتلهم ويكونوا إخواننا في الجنة، قال: قُوما أبعد أرض الله وأسحقَها، فمن هو إذا لم أكن أنا وطلحة، يا ابن أخي إذا كانت لك حاجة فأتِنا. وأخرجه ابن سعد عن أبي حبيبة نحوه، وعن رِبعي بن حِراش بمعناه وفي حديثه: فصاح علي صيحة تداعَى لها القصر قال: فمن ذاك إذا لم نكن نحن أولئك؟ وعنده أيضاً عن إبراهيم قال: جاء ابن جُرموز يستأذن على علي رضي الله عنه فاستجفاه فقال: أما أصحاب البلاء، فقال عليّ: بِفِيك التراب إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير رضي الله عنهم من الذين قال الله في حقهم: {وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مّنْ غِلّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ} وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال: علي رضي الله عنه: إني لأرجو أن أكون أن وطلحة والزبير من الذين قال الله في حقهم - فذكر الآية. إنكار عمار على من نال من عائشة وقوله فيها وأخرجه ابن عساكر عن عمرو بن غالب قال سمع عمار بن ياسر رضي الله عنه رجلاً ينال من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فقال له: اسكت

أمر ابن مسعود باتباع عمر وقوله فيه

مقبوحاً منبوحاً، فأشهدُ أنها زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة. كذا في الكنز. وأخرجه ابن سعد نحوه، والترمذي، وفي حديثه: اغرب مقبوحات؛ أتؤذي محبوبة رسول الله صلى الله عليه وسلم. كذا في الإِصابة. وعند ابن عساكر وأبي يَعْلى عن عمار رضي الله عنه قال: لقد سارت أمنا عائشة رضي الله عنها مسيرها، وإنا لنعلم أنها زوجة النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، ولكن الله ابتلانا بها ليعلم إياه نطيع أو إياها. كذا في الكنزل. وأخرجه البيهقي عن أبي وائل رضي الله عنه قال: لمَّا بعث علي عمار بن ياسر والحسن بن علي رضي الله عنهم إلى الكوفة ليستنفرهم خطب عمار فقال: إني لأعلم أنها زوجته في الدنيا والآخرة، ولكن الله ابتلاهم بها لينظر إياه تتَّبعون أو إياها. قال البيهقي: رواه البخاري في الصحيح. الأمر باتباع الأكابر على خلاف رأيه أمر ابن مسعود باتباع عمر وقوله فيه أخرج ابن سعد عن زيد بن وَهْب قال: أتيت ابن مسعود رضي الله عنه استقرئه آية من كتاب الله فأقرأنيها كذا وكذا، فقلت: إنَّ عمر رضي الله عنه أقرأني كذا وكذا - خلاف ما قرأها عبد الله -. قال: فبكى حتى رأيت دموعه

غضب عمر على رجل نال من أبي الدرداء

خلال الحصى، ثم قال: أقرأها كما يقرأك عمر، فوالله لهي أبين من طريق السَّيْلَحَين، إن عمر كان للإِسلام حصناً حصيناً يدخل الإِسلامُ فيه ولا يخرج منه، فلما قتل عمر انثلم الحصن فالإِسلام يخرج منه ولا يدخل فيه. الغضب للأكابر غضب عمر على رجل نال من أبي الدرداء أخرج أبو نعيم في الحلية عن شُريح بن عبيد أن رجلاً قال لأبي الدرداء رضي الله عنه: يا معشر القراء، ما بالكم أجبن منا وأبخل إذا سئلتم، وأعظم لُقماً إذا أكلتم فأعرض عنه أبو الدرداء ولم يردَّ عليه شيئاً. فأُخبر بذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فسأل أبا الدرداء عن ذلك، فقال أبو الدرداء: اللهمَّ غفراً، وكل ما سمعنا منهم نأخذهم به؟ فاطنلق عمر إلى الرجل الذي قال لأبي الدرداء ما قال، فأخذ عمر بثوبه وخَنَقه وقاده إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال الرجل: إنما كنا نخوض ونلعب، فأوحى الله تعالى إلى نبيه: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} (سورة التوبة، الآية: 65) . إنكار عمر على من فضَّله على أبي بكر وتهديده في ذلك وأخرج أبو نعيم في فضائل الصحابة عن جبير بن نُفير أن نفراً قالوا لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: والله ما رأينا رجلاً أقضى بالقسط، ولا أقولَ بالحق، ولا أشد على المنافقين منك يا أمير المؤمنين فأنت خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عوف بن مالك رضي الله عنه: كذبتم - والله - لقد رأينا خيراً منه بعد النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من هو يا عوف؟ فقال: أبو بكر، فقال عمر:

صدق عوف وكذبتم، والله لقد كان أبو بكر أطيب من ريح المسك وأنا أضل من بعير أهلي. قال ابن كثير: إسناده صحيح. كذا في منتخب الكنز.

إنكار علي على من فضله على أبي بكر

إنكار علي على من فضله على أبي بكر وأخرج خيثمة وابن عساكر عه ن أبي الزِّناد قال: قال رجل لعلي رضي الله عنه يا أمير المؤمنين ما بال المهاجرين والأنصار قدَّموا أبا بكر وأنت أوفى منه مَنْقَبَة، وأقدم منه سِلماً، وأسبق سابقة؟ قال: إن كنت مقرشياً فأحسبك من عائذة، قال: نعم، قال: لولا أن المؤمن عائذ الله لقتلتك، ولئن بقيت ليأتينَّك مني روعة حصراء، ويحك إن أبا بكر سبقني إلى أربع: سبقني إلى الإِمامة، وتقديم الإِمامة، وتقديم الهجرة وإلى الغار، وإفشاء الإِسلام؛ ويحك إن الله ذمَّ الناس كلَّهم ومدح أبا بكر فقال: {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ} (سورة التوبة، الآية 40) الآية. كذا في منتخب الكنز. وأخرجه العِشاري عن ابن عمر بمعناه، كما في المنتخب. ما جرى بين أبي بكر والمغيرة وبين رجل وغضب أبي بكر لغضب المغيرة وأخرج الطبراني عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: كنت عند أبي بكر الصديق رضي الله عنه فعُعرض عليه فرس، فقال رجل احملني على هذا، فقال: لأَن أحمل عليه غلاماً قد ركب الخيل على غِرَّته أحب إليَّ من أن أحملك عليه، فغضب الرجل وقال: أنا - والله - خير منك ومن أبيك فارساً

ضرب عمر رجلين لأجل ابن مسعود

فغضبت حين قال ذلك لخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت إليه فأخذت برأسه فسحبته على أنفه، فكأنما كان على أنفه عزلاء مَزادة، فأرادت الأنصار أن يستقيدوا مني، فبلغ ذلك أبا بكر رضي الله عنه فقال: إن ناساً يزعمون أني مُقيده من المغيرة بن شعبة؛ ولأن أجرجَهم من ديارهم أقرب من أن أقيدهم من وَزَعَة الله الذي يَزَعون عباد الله. قال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. انتهى. ضرب عمر رجلين لأجل ابن مسعود وأخرج ابن عساكر عن أبي وائل أن ابن مسعود رضي الله عنه رأى رجلاً قد أسبل فقال: ارفع إزارك، فقال: وأنت يا ابن مسعود ارفع إزارك، فقال له عبد الله: إني لست مثلك إن بساقيَّ حُموشةً وأنا أؤم الناس. فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه، فجعل يضرب الرجل ويقول: أتردُّ على ابن مسعود؟ كذا في الكنز. وأخرج يعقوب بن سفيان وابن عساكر عن العلاء عن أشياخ لهم قال: كان عمر على دار لابن مسعود - رضي الله عنه - بالمدينة ينظر إلى بنائها. فقال رجل من قريش: يا أمير المؤمنين إنك تُكفى هذا، فأخذ لبنة فرمى بها، وقال: أترغب بي عن عبد الله؟ كذا في الكنز.

إنكار علي على من فضله على الشيخين

ضرب عمر رجلاًلأجل أم سلمة وأخرج أبو عبيد في الغريب وسفيان بن عيينة واللألكائي عن أبي وائل أن رجلاً كان له حقٌّ على أم سَلَمة رضي الله نها، فأقسم عليها، فضربه عمر رضي الله عنه ثلاثين سوطاً تَبضَع وتَحدِر. كذا في المنختب. هم علي بقتل ابن سبأ لتفضيله إياه على الشيخين وأخرج أبو نعيم في الحلية عن أم موسى قالت: بلغ علياً رضي الله عنه أن ابن سبأ يفضله على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فهمَّ علي بقتله، فقيل له: أتقتل رجلاً إنما أجلَّك وفضلك؟ فقال: لا جَرَم لا يساكنني في بلدة أنا فيها. وأخرج العِشَاري واللألكائي عن إبراهيم قال: بلغ علياً رضي الله عنه أن عبد الله بن الأسود ينتقص أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، فدعا بالسيف فهمَّ بقتله، فكُلم فيه، فقال: لا يساكنني في بلد أنا فيه، فنفاه إلى الشام. كذا في المنتخب. إنكار علي على من فضله على الشيخين وأخرج العِشَاري عن الحسن بن كَثِير عن أبيه قال: أتى علياً رضي الله عنه رجل فقال: أنت خير الناس، فاقل: هل رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا، قال: ما رأيت أبا بكر؟ قال: لا، قال: أما إنك لو قلت إنك رأيت النبي صلى الله عليه وسلم لقتلتك، ولو قلت رأيت أبا بكر وعمر لحددتك.

وأخرج ابن أبي عاصم وابن شاهين واللألكائي والأصبهاني وابن عساكر عن علقمة قال: خطبنا علي رضي الله عنه، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إنه بلغني أن ناساً يفضلوني على أبي بكر وعمر، ولو كنت تقدمت في ذلك لعاقبت فيه، ولكني أكره العقوبة قبل التقدُّم، فمن قال شيئاً من ذلك بعد مقامي هذا فهو مفتر، عليه ما على المفتري. خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر، ثم عمر، ثم أحدَثْنا بعدهم أحداثاً يقضي الله فيها ما يشاء. خطبة عظيمة لعلي في بيان فضل الشيخين وعند خيثمة واللألكائي وأبي الحسن البغدادي والشيرازي وابن مَنْده وابن عساكر عن سُويد بن غَفْلة قال: مررتُ بقوم يذكرون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما وينتقصونهما. فأتيت علياً رضي الله عنه فذكرت له ذلك فقال: لعن الله من أضمر لهما إلا الحسن الجميل، أخوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ووزيراه ثم صعد المنبر فخطب خطبة بليغة فقال: ما بال أقوام يذكرون سيدَي قريش وأبوَي المسلمين بما أنا عنه متنزه، وممَّا يقولون بريء، وعلى ما يقولون معاقب؟ والذي فَلَق الحبة وبرأ النَّسَمة إنه لا يبحهما إلا مؤمن تقي، ولا يُبغضهما إلا فاجر رديء، صحبا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصدق والوفاء يأمران وينهيان ويعاقبان، فما يجاوزان فيما يصنعان رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم كرأيهما رأياً، ولا يحب حبهما حباً، مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهما راضٍ والناس راضون، ثم وُلي أبو بكر الصلاة، فلما قبض الله نبيه صلى الله عليه وسلم ولاَّه المسلمون ذلك وفوَّضوا إليه الزكاة لأنهما مقرونتان، - وكنت أولَ من يُسمَّى له من بني عبد المطلب - وهو لذلك كاره، يود أن يعضنا كفاه، فكان - والله - خير من بقي، أرأفه رأفة، وأرحمه رحمة، وأكيسه ورعاً، وأقدمه إسلاماً، شبهه رسول الله صلى الله عليه وسلم بميكائيل رأفة ورحمة، وبإبراهيم عفواً

ما وقع بين علي ورجل في عثمان

ووقاراً، فسار بسيرة رسول الله حتى قبض رحمة الله عليه. ثم وَلي الأمر من بعده عمر بن الخطاب، واستُأمر في ذلك الناس، فمنهم من رضي ومنهم من كره، فكنت ممن رضي. فوالله ما فارق عمر الدنيا حتى رضي نم كان له كارهاً، فأقام الأمر على منهاج النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه، وناصر المظلوم على الظالم. ثم ضرب الله بالحق على لسانه حتى رأينا أن مَلَكاً ينطلق على لسانه، وأعز الله بإسلامه الإسلام، وجعل هجرته للدين قِواماً، وقذف في قلوب المؤمنين الحب له وفي قلوب المنافقين الرهبة له، شبهه رسول الله صلى الله عليه وسلم بجبريل فظاً غليظاً على الأعداء، وبنوح حَنقاً ومغتاظاً على الكافرين. فمن لكم بمثلهما؟ لا يُبلغ مبلغهما إلا بالحبِّ لهما واتباع آثارهما، فمن أحبهما فقد أحبني، ونم أبغضهما فقد أبغضني وأنا منه بريء. ولو كنت تقدمتُ في أمرهما لعاقبت أشد العقوبة، فمن أُتيت به بعد مقامي هذا فعليه ما على المفتري. ألا وخير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر ثم الله أعلم بالخير أين هو. أقول قولي هذا ويغفر الله لي ولكم. كذا في منتخب الكنز. ما وقع بين علي ورجل في عثمان وأخرج ابن عساكر عن أبي إسحاق قال: قال رجل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: إن عثمان - رضي الله عنه - في النار. قال: ومن أين علمت؟ قال: لأَنَّه أحدث أحداثاً، فقال له علي: أتراك لو كانت لك بنت أكنت تزوجها حتى تستشير؟ قال: لا، قال: أفرأي هو خير من رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنتيه؟ وأخبرني عن النبي صلى الله عليه وسلم أكان إذا أراد أمراً يستخير الله أو لا يستخيره؟

استجابة دعاء سعد على من شتم عليا وطلحة والزبير

قال: لا، بل كان يستخيره، قال: أفكان الله يخير له أم لا؟ قال: بل يخير له، قال: فيخبرني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اختار الله له في تزويجه عثمان أم لم يختر له؟ ثم قال: لقد تجردتُ لك لأضرب عنقك فأبى الله ذلك، أما والله لو قلت غير ذلك لضربت عنقك. كذا في المتنخب. قول ابن عمر في رجل ذكر عثمان وأخرج أبو نُعيم في الحلية عن سالم عن أبيه قال: لقيني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في لسانه ما يُبِين كلامَه، فذكر عثمان رضي الله عنه، قال: عبد الله، فقلت: والله ما أدري ما تقول غير أنكم تعلمون يا معشر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنا كنا نقول على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر وعثمان، وإذا هو هذا المال فإن أعطاه؛ يعني يرضيه ذلك. استجابة دعاء سعد على من شتم علياً وطلحة والزبير وأخرج الطبراني عن عامر بن سعد قال: بينما سعد رضي الله عنه يمشي إذ مر برجل وهو يشتم علياً وطلحة والزبير رضي الله عنهم، فقال له سعد: إنك تشتم أقواماً قد سبق لهم من الله ما سبق، والله لتكفنَّ عن شتمهم أو لأدعُونَّ الله عز وجل عليك، قال: يخوفني كأنه نبي فقال سعد: اللهمَّ إن كان يشتم أقواماً قد سبق لهم منك ما سبق فاجعله اليوم نكالاً فجاءت بُخْتِيَّة، فأفرج الناس لها فتخبطته، فرأيت الناس يتبعون سعداً يقولون: استجاب الله لك يا أبا إسحاق. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح - اهـ.

غضب سعيد بن زيد على من سب عليا

وعند الحاكم عن مصعب بن سعد عن سعد رضي الله عنه أن رجلاً نال من علي رضي الله عنه، فدعا عليه سعد بن مالك، فجاءته ناقة أو جمل فقتله فأعتق سعد نَسَمة وحلف أن لا يدعو على أحد. وعنده أيضاً عن قيس بن أبي حازم قال: كنت بالمدينة فبينا أنا أطوف في السوق إذ بلغت أحجار الزيت، فرأيت قوماً مجتمعين على فارس قد ركب دابة وهو يشتم علي بن أبي طالب رضي الله عنه والناس وقوف حواليه، إذ أقبل سعد بن أبي وقاس فوقف عليهم، فقال ما هذا؟ فقالوا: رجل يشتم علي بن أبي طالب، فتقدَّم سعد فأفرجوا له حتى وقف عليه، فقال: ما هذا علامَ تشتم علي بن أبي طالب؟ ألم يكن أول من أسلم؟ ألم يكن أول من صلَّى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ألم يكن أزهد الناس؟ ألم يكن أعلم الناس؟ - وذكر حتى قال: ألم يكن خَتَنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنته؟ ألم يكن صاحب راية رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزواته؟ ثم استقبل القبلة ورفع يديه وقال: اللهمَّ إنَّ هذا يشتم ولياً من أوليائك، فلا تفرق هذا الجمع حتى تريهم قدرتك. قال قيس: فوالله ما تفرقنا حتى ساخت به دابته فرمته على هامته في تلك الأحجار فانفقل دماغه ومات. قال الحاكم: ووافقه الذهبي، هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرِّجاه - اهـ. وأخرجه أبو نُعيم في الدلائل (ص206) عن ابن المسيَّب نحو السياق الأول. غضب سعيد بن زيد على من سبّ عليا وأخرج أبو نعيم في الحلية عن رباح بن الحارث أن المغيرة رضي

الله عنه كان في المسجد الأكبر وعنده أهل الكوفة عن يمينه وعن يساره، فجاء رجل يدعى سعيد بن زيد فحياه المغعيرة وأجلسه عند رجليه على السرير، فجاء رجل من أهل الكوفة فاستقبل المغيرة فسب، فقال: من يسب هذا يا مغيرة؟ قال: سبَّ علي بن أبي طالب، فقال: يا مغيرة بن شعبة - ثلاثاً - ألا أسمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسبون عندك لا تنكر ولا تغيِّر وأنا أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم مما سمعت أذناني ووعاه قلبي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ فإني لم أكن أروي عنه كذباً يسألني عنه إذا لقيته - أنه قال: «أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، (وعبد الرحمن في الجنة) ، وسعد بن مالك في الجنة» وتاسع المؤمنين في الجنة، ولو شئت أن أسميه لسميته، قال فرجَّ أهل المسجد يناشدونه: يا صاحب رسول الله من التاسع؟ قال: ناشدتموني بالله والله عظيم؛ أنا تاسع المؤمنين ورسول الله العاشر. ثم أتبع ذلك يميناً فقال: لمشهد شهده رجل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يغبر وجهه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من عمل أحدكم ولو عُمِّر عمر نوح. وعنده أيضاً عن عبد الله بن ظالم المازني قال: لما خرج معاوية رضي الله عنه من الكوفة استعمل المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، قال: فأقام خطباء يقعون في علي وأنا إلى جنب سعيد بن زيد. قال: فغضب فقام فأخذ بيدي فتبعته، فقال: ألا ترى إلى هذا الرجل الظالم لنفسه الذي يأمر بلعن رجل من أهل الجنة فأشهد على التسعة أنهم في الجنة ولو شهدت على العاشر لم آثم. وأخرجه أحمد وأبو نُعيم في المعرفة وابن عساكر عن رباح نحو ما تقدم؛ كما في منتخب الكن

بكاء صهيب وقول حفصة لما طعن عمر

ز. البكاء على موت الأكابر بكاء صهيب وقول حفصة لما طعن عمر أخرج ابن سعد عن ابن سيرين قال: أُتي عمر بن الخطاب رضي الله عنه بشراب حين طُعن فخرج من جراحته، فقال صهيب رضي الله عنه: واعُمَراه واأَخاه من لنا بعدك فقال له عمر: مَهْ يا أخي أما شعرت أنه من يُعوَّل عليه يُعذَّب. وعن أبي بردة عن أبيه قال: لما طُعن عمر يقبل صهيب يبكي رافعاً صوته، فقال عمر: أعليَّ؟ قال: نعم، قال عمر: أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من يُبْكَ عليه يُعذَّب» . وعن المقدام بن معدِ يكرب رضي الله عنه قال: لما أصيب عمر دخلت عليه حَفْصة رضي الله عنها فقالت: يا صاحب رسول الله، ويا صهر رسول الله، ويا أمير المؤمنين. فقال عمر لابن عمر: يا عبد الله أجلسني فلا صبر لي على ما أسمع، فأسند إلى صدره فقال لها: إني أحرِّج عليك بما لي عليك من الحق أن تَندُبيني بعد مجلسك هذا فأما عينك فلن أملِكَها، إنه ليس من ميت يندب بما ليس فيه إلا الملائكة نَمَقَتْهُ. بكاء سعيد بن زيد وابن مسعود على موت عمر وأخرج ابن عسد عن عبد الملك بن زيد عن أبيه قال: بكى سعيد بن زيد رضي الله عنه فقال له قائل: يا أبا الأعور ما يبكيك؟ فقال: على الإسلام أبكي، إن موت عمر رضي الله عنه ثَلَمَ الإِسلام، ثُلمة لا تُرتق إلى يوم القيامة.

وعن أبي وائل قال: قدم علينا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فنَعى إلينا عمر، فلم أرَ يوماً كان أكثر باكياً ولا حزيناً منه، ثم قال: والله لو أعلم عمر كان يحب كلباً لإحببته، والله إني أحسب العِضاه قد وَجَدَ فَقْد عمر. بكاء عمر على موت النعمان بن مقرِّن وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي عثمان قال: رأيت عمر رضي الله عنه لما جاءه نعيُ النعما وضع يده على رأسه وجعل يبكي. كذا في الكنز. بكاء ثمامة وزيد وأبي هريرة وأبي حميد على قتل عثمان وأخرج أبو نعيم عن أبي الأشعث الصِّنْعاني قال: كان أمير على صنعاء يقال له ثمامة بن عدي - رضي الله عنه، وكانت له صحبة - فلما جاء نعي عثمان رضي الله عنه بكى وقال: هذا حين انتزعت خلافة النبوة وصار ملكاً وجَبْرية، من غلب على شيء أكله. كذا في منتخب الكنز. وأخرجه ابن سعد نحوه. وأخرج ابن سعد عن زيد بن علي أن زيد بن ثابت رضي الله عنه كان يبكي على عثمان رضي الله عنه يوم الدار. وعن أبي صالح قال: كان أبو هريرة رضي الله عنه إذا ذكر ما صُنع بعثمان رضي الله عنه بكى، قال: فكأني أسمعه يقول: هاه هاه ينتحب. وعن يحيى بن سعيد قال قال أبو حُمَيد الساعدي رضي الله عنه لما قتل

التنكر بموت الأكابر

عثمان - وكان ممن شهد بدراً -: اللهمَّ إن لك عليَّ ألا أفعل كذا، ولا أفعل كذا، ولا أضحك حتى ألقاك. التنكر بموت الأكابر ما قاله أبو سعيد وأَبي وأنس في التنكر بموته عليه السلام أخرج البزّار عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: ما عدا وارينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في التراب فأنكرنا قلوبنا. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح - اهـ. وعند أبي نُعيم في الحلية عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوهنا واحدة حتى فارقنا، فاختلفت وجوهنا يميناً وشمالاً؛ وفي رواية أخرى عنه عنده قال: كنا مع نبينا صلى الله عليه وسلم ووجهنا واحد فلما قُبِض نظرنا هكذا وهكذا. وعند ابن سعد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لما كان اليوم الذي قُبض فيه النبي صلى الله عليه وسلم أظلم نها - يعني المدينة - كل شيء، وما نفضنا عنه الأيدي من دفنه حتى أنكرنا قلوبنا. وعنده أيضاً عن أنس في حديث الهجرة قال: فشهدته يوم دخل المدينة علينا فما رأيت يوماً قط كان أحسن ولا أضوأ من يوم دخل المدينة علينا، وشهدته يوم مات فما رأيت قط يوماً كان أقبح ولا أظلم من يوم مات. ما قاله أبو طلحة في موت عمر وأخرج ابن سعد عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن أصحاب الشورى اجتمعوا، فلما رآهم أبو طلحة رضي الله عنه وما يصنعون قال: لأَنَا كنت لأَن تَدَافعوها أخوفَ مني مِنْ أن تَنَافَسوها، فوالله ما من أهل بيت من المسلمين

إلا وقد دخل عليهم في موت عمر رضي الله عنه نقص في دينهم وفي دنياهم. إكرام ضعفاء المسلمين وفقرائهم إكرام النبي عليه السلام لفقراء المسلمين أخرج أبو نعيم في الحلية عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن ستة نفر فقال المشركون: اطرد هؤلاء عنك فإنهم وإنهم قال: فكنت أنا وابن مسعود رضي الله عنه ورجل من هذيل وبلال رضي الله عنه ورجلان نسيت اسميهما قال: فوقع في نفس النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك ما شاء الله، فحدَّث به نفسه فأنزل الله عز وجل: {وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ} {وَالْعَشِىّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} (سورة الأنعام، الآية: 52) ؛ وأخرجه الحاكم عن سعد مختصراً وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرِّجاه. وأخرج أبو نعيم في الحلية عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: مر الملأ من قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده صهيب وبلال وخباب وعمار رضي الله عنهم ونحوهم وناس من ضعفاء المسلمين فقالوا: يا رسول الله أرضيت بهؤلاء نم قومك؟ أفنحن نكون تبعاً لهؤلاء؟ أهؤلاء الذين منَّ الله عليهم؟ أطردهم عنك فلعلك إن طردتهم اتبعناك، قال: فأنزل الله عز وجل: {وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبّهِمْ} - إلى قوله: {فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ} (سورة الأنعام، الآية: 52) ؛ وأخرجه

إكرام النبي عليه السلام لابن أم مكتوم بعدما عوتب فيه

أحمد والطبراني نحوه، قال الهيثمي رجال أحمد رجال الصحيح غير كُردوس وهو ثقة. انتهى. إكرام النبي عليه السلام لابن أم مكتوم بعدما عوتب فيه وأخرج أبو يعلى عن أنس رضي الله عنه في قوله تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى} (سورة عبس، الآية: 1) : جاء ابن أم مكتوم رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يكلم أبي بن خَلف، فأعرض عنه، فأنزل الله عز وجل: {عَبَسَ وَتَوَلَّى} {أَن جَآءهُ الاْعْمَى} ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يكرمه. وعند أبي يعلى وابن جرير عن عائشة رضي الله عنها قالت: أُنزلت «عبس وتولى» في ابن أم مكتوم الأعمى أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول: أرشدني: قالت: وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من عظما المشركين، قالت: فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يُعرضُ عنه ويقبل على الآخر ويقول: «أترى بما أقول بأساً؟» فيقول: لا، ففي هذا أُنزلت «عبس وتولى» . وروى الترمذي هذا الحديث مثله؛ كذا في التفسير لابن كثير. نزول الأمر على النبي عليه السلام بأن يصبر نفسه مع فقراء المسلمين وأخرج أبو نُعيم في الحلية عن خبّاب بن الأرت رضي الله عنه قال:

جاء الأقرع بن حابس التميمي وعيينة بن حصن الفَزَاري فوجدا النبي صلى الله عليه وسلم قاعداً مع عمار وصهيب وبلال وخباب بن الأرت - رضي الله عنهم - في أناس من ضعفاء المؤمنين، فلما رأوهم حقروهم فخلوا به فقالوا: إن وفود العرب تأتيك فنستحي أن يرانا العرب قعوداً مع هذه الأعبُد، فإذا جئناك فأقمهم عنا، قال: «نعم» ، قالوا: فاكتب لنا عليك كتاباً، فدعا بالصحيفة ودعا علياً ليكتب - ونحن قعود في ناحية - إذ نزل جبريل عليه السلام فقال: {وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِىّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مّن شَىْء وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مّن شَىْء} {فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ} {وَكَذالِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لّيَقُولواْ} {أَهَؤُلآء مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِم مّن بَيْنِنَآ} {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} {وإذ جاءك الذين يؤمنون بآياتنا} (سورة الأنعام، الآيات: 52 - 54) - الآية، فرمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصحيفة ودعانا فأتيناه وهو يقول: «سلام عليكم» فدنونا منه حتى وضعنا ركبنا على ركبته، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس معنا فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا فأنزل الله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِىّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} {وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} (سورة الكهف، الآية: 28) قال: فكنا بعد ذلك نقعد مع النبي صلى الله عليه وسلم فإذا بلغنا الساعة التي كان يقوم فيها قمنا وتركناه وإلا صبر أبداً حتى نقوم.d وأخرجه ابن ماجه عن خباب بنحوه، كما في البداية، وأخرجه ابن أبي شيبة عن الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن نحوه إلى رخر الآية ولم يذكر ما بعده، كما في كنزل العمال. وعند أبي نُعيم أيضاً عن سلمان رضي الله عنه قال: جاءت المؤلَّفة

ما وقع بين ابن مطاطية ومعاذ وخطبته عليه السلام في ذلك

قلوبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عيينة بن حصن، والأقرع بن حابس، وذوُوهم، فقالوا: يا رسول الله إنك لو جلست في صدر المسجد ونحَّيت عنا هؤلاء وأرواح جبابهم - يعنون أبا ذر، وسلم ان رضي الله عنهما، وفقراء المسلمين، وكان عليهم جباب الصوف لم يكن عندهم غيرها - جلسنا إليك، وخالصْناك، وأخذنا عنك، فأنزل الله عز وجل: {وَاتْلُ مَآ أُوْحِىَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبّكَ لاَ مُبَدّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا} {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِىّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} حتى بلغ {نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} (سورة الكهف، الآية: 29) - يتهددهم بالنار، فقام نبي الله يلتمسهم حتى أصابهم في مؤخر المسجد يذكرون الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع قوم من أمتي، معكم المحيا ومعكم الممات» . ما وقع بين ابن مطاطية ومعاذ وخطبته عليه السلام في ذلك وأخرج ابن عساكر عن مالك عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: جاء قيس بن مطاطية إلى حلقة فيها سلمان الفارسي وصهيب الرومي وبلال الحبشي رضي الله عنهم فقال: هؤلاء الأوس والخزرج قاموا بنصرة هذا الرجل، فما بال هؤلاء؟ فقام معاذ رضي الله عنه فأخذ بتلبيبه حتى أتى به النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بمقالته فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضباً يجر رداءه حتى دخل المسجد، ثم نُودي الصلاة جامعة، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «يا أيها الناس إنَّ الربَّ رب واحد، وإن الأب أب واحد، وإن الدين دين واحد، ألا وإن العربية ليست لكم بأب ولا أم، إنما هي لسان فمن تكلم بالعربية فهو عربي» . فقال معاذ وهو آخذ بتلبيبه: يا رسول الله ما تقول في هذا المنافق؟

إكرام الوالدين

فقال: «دعه إلى النار» قال: فكان فيمن ارتد فقُتل في الردة. كذا في الكنز. إكرام الوالدين ما قاله عليه السلام لرجل سأله عن أداء شكر أمه أخرج الطبراني في الصغير عن بريدة أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني حملت أمي على عنقي فرسخين في رمضاء شديدة لو ألقيتُ فيها بضعة من لحم لنضجت فهل أدَّيت شكرها؟ فقال: «لعله أن يكون لطلقة واحدة» . قال الهيثمي: وفيه الحسن بن أبي جعفر وهو ضعيف من غير كذب، وليث بن أبي سُلَيم مدلِّس - انتهى. ما أوصى به عليه السلام رجلاً بأبيه وأخرج الطبراني في الأوسط عن عائشة رضي الله عنها قالت: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل ومعه شيخ فقال له: «يا فلان من هذا معك؟» قال: أبي، قال: «فلا تمشِ أمامه، ولا تجلس قبله، ولا تَدْعُه باسمه، ولا تَسْتَسِبَّ له» قال الهيثمي: وفيه علي بن سعيد بن بشير شيخ الطبراني وهو ليِّن، وقد نقل ابن دقيق العيد أنه وُثِّق، ومحمد بن عروة بن البِرِند لم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح. انتهى. ما أوصى به أبو هريرة أبا غسان لأبيه وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي غسان الضَّبِّي قال: خرجت أمشي

مع أبي بظَهْر الحرَّة، فلقيني أبو هريرة رضي الله عنه فقال لي: من هذا؟ قلت: أبي، قال: لا تمش بين يدي أبيك ولكن اشم خلفه أو إلى جانبه، ولا تدع أحداً يحول بينك وبينه، ولا تمش فوق إجَّار أبيك تُخفه، ولا تأكل عَرقاً قد نظر أبوك إليك لعله قد اشتهاه. قال الهيثمي: وأبو غسان وأبو غنم الراوي عنه لم أعرفهما وبقية رجاله ثقات. ما أمر به عليه السلام من بر الوالدين لمن جاءه يريد الجهاد وأخرج الستة إلا ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد فقال: «أحيٌّ والداك؟» قال: نعم، قال: «فيهما فجاهد» وفي رواية لمسلم قال: أقبل رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله، قال: فهل من والديك أحد حيٌّ؟» قال: نعم، بل كلاهما حي، قال: «فتبتغي الأجر من الله» قال: نعم، قال: «فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما» وفي رواية لأبي داود قال: جئت أبايعك على الهجرة وتركت أبوي يبكيان، فقال: «ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما» . وعنده أيضاً من حديث أبي سعيد رضي الله عنه أن رجلاً من أهل اليمن هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «هل لك أحد باليمن؟» قال: أبواي، قال: «أذنا لك؟» قال: ة، قال: «فارجع إليهما فاستأذنهما فإن أذِنا لك فجاهد وإلا فَبَرَّهما» . وعند أبي يعلى

والطبراني بإسناد جيد عن أنس رضي الله عنه قال: «أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أشتهي الجهاد ولا أقدر عليه، قال: «هل بقي من والديك أحد؟» قال: أمي، قال: «قابل الله في برِّها فإذا فعل ذلك فأنت حاج ومعتمر ومجاهد» . كذا في الترغيب. منعه عليه السلام أبا هريرة عن غزوة خيبر من أجل أمه وأخرج الطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «تجهَّزوا إلى هذه القرية الظالم أهلها فإن الله فاتُحها عليكم إن شاء الله» - يعني خيبر - ولا يخرجنَّ معي مُصعِب ولا مُضحعِف، فانطلق أبو هريرة رضي الله عنه إلى أمه فقال: جهِّزيني فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر بالجهاد للغزو. فقالت: تنطلق، وقد علمت ما أدخل إلا وأنت معي؟ قال: ما كنت لأتخلَّف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرجت ثديها فناشدته بما رضع من لبنها، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم سراً فأخبرته فقال: «انطلقي فقد كُفيت» . فجاء أبو هريرة فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أرى أعراضك عني لا أرى ذلك إلا لشيء بلغك، قال: «أنت الذي تناشدك أمك وأخرجت ثديها تناشدك بما رضعت من لبنها أيحسب أحدكم إذا كان عند أبويه أو أحدهما أنه ليس في سبيل الله؟ بل هو في سبيل الله إذا برَّهما وأدَّى حقَّهما» ، فقال أبو هريرة: لقد

مكثت بعد ذلك سنتين ما أغزو حتى ماتت - فذكر الحديث. قال الهيثمي: وفي علي بن يزيد الألهاني وهو ضعيف - انتهى. أمره عليه السلام بعض أصحابه ببر أبويهما وترك الجهاد وأخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم على السِّقاية، فجاءته امرأة بابن لها فقالت: إن ابني هذا يريد الغزو وأنا أمنعه، فقال: «لا تبرح من أمك حتى تأذن لك أو يتوفَّاها الموت لأنه أعظم لأجرك» . وعنده أيضاً عنه قال: اءك رجل وأمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يريد الجهاد وأمه تمنعه فقال النبي صلى الله عليه وسلم «عند أمك قَرَّ، فإن لك من الأجر عندها مثل مالك في الجهاد» ؛ وفي الإِسنادين رُشَدِين بن كريب وهو ضعيف، كما قال الهيثمي. وعنده أيضاً عن طلحة بن معاوية السُّلمي رضي الله عنه قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إني أريد الجهاد في سبيل الله، قال: «أمك حية؟»

قلت: نعم، قال النبي صلى الله عليه وسلم «الزم رجلها فثمَّ الجنة» قال الهيثمي: رواه الطبراني عن ابن إسحاق - وهو مدلِّس - عن محمد بن طلحة ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح. انتهى. وعنده أيضاً عن معاوية بن جاهِمة عن أبيه رضي الله عنه قال أتيت رسول الله أستشيره في الجهاد فقال النبي صلى الله عليه وسلم «ألك والدان؟» قال: نعم، قال: «الزمهما فإنَّ الجنة تحت أقدامهما» . قال الهيثمي رجاله ثقات. اهـ. وأخرجه ابن سعد عن معاوية بن جاهمة السُّلمي أن جاهمة جاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أردت أن أغزو وقد جئتك أستشيرك، فقال: «هل لك من أم؟» قال: نعم، قال: «فألزمها فإنَّ الجنة تحت رجلها» ثم الثانية ثم الثالثة في مقاعد شتى وكمثل هذا القول. وأخرج أبو يَعْلى عن نُعيم مولى أم سلمة رضي الله عنها قال: خرج ابن عمر رضي الله عنها حاجاً حتى كان بين مكة والمدينة أتى شجرة فعرفها فجلس تحتها، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت هذه الشجرة إذ أقبل رجل شاب من هذه الشُّعبة حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني جئت لأجاهد معك في سبيل الله أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة، فقال: «أبواك حيان كلاهما؟» قال: نعم، قال: «فارجع فبرهما» فانفتل راجعاً من حيث جاء. قال الهيثمي: وفيه ابن إسحاق وهو مدلِّس ثقة، وبقية رجاله رجال

ما جرى بين علي وابنيه حين خطب عمر ابنته

الصحيح إن كان مولى أم سلمة ناعم وهو الصحيح، وإن كان نُعيماً فلم أعرفه - انتهى. ما جرى بين علي وابنيه حين خطب عمر ابنته وأخرج البيهقي عن حسن بن حسن عن أبيه أن عمر بن الخطاب خطب أم كلثوم، فقال له علي - رضي الله عنه - إنها تصغر عن ذلك، فقال عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي» فأحبُّ أن يكون لي من رسول الله صلى الله عليه وسلم سبب ونسب، فقال علي للحسن والحسين رضي الله عنهم: زوِّجا عمكما، فقالا: هي امرأة من النساء تختار لنفسها. فقام علي مُغْضباً، فأمسك الحسن بثوبه وقال: لا صبر لي على هجرانك يا أبتاه، قال: فزوَّجاه. كذا في الكنز. إطعام أسامة أمه جمّار النخلة وأخرج ابن سعد عن محمد بن سيرين قال: بلغت النَّخلة على عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه ألف درهم، قال: فعمد أسامة رضي الله عنه لى نخلة فنقرها وأخر جُمَّارها فأطعمها أمه، فقالوا له: ما يحملك على هذا

وأنت ترى النخلة قد بلغت ألف درهم؟ قال: إنَّ أمي سألتنيه ولا تسألني شيئاً أقدر عليه إلا أعطيتها. الرحمة على الأولاد والتسوية بينهم نزله عليه السلام عن المنبر من أجل الحسين أخرج الطبراني عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يخطب الناس، فخرج الحسين بن علي رضي الله عنهما في عنقه خِرْقة يجرها، فعثر فيها فسقط على وجهه، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم عن المنبر يريده، فلما رآه الناس أخذوا الصبي فأتوه به، فأخذه وحمله فقال: «قاتل الله الشيطان إن الولد فتنة، والله ما علمت أني نزلت عن المنبر حتى أُتيت به» . قال الهيثمي: رواه الطبراني عن شيخه حسن ولم ينسبه عن عبد الله بن علي الجارودي ولم أعرفهما، وبقية رجاله ثقات. انتهى. ركوب الحسن والحسين على ظهره عليه السلام في الصلاة وإطالته السجود لذلك وأخرج البزار عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: جاء حسن رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد فركب على ظهره، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده حتى قام ثم ركع فقام على ظهره، فلما قام أرسله فذهب. قال الهيثمي: رواه البزار وفي إسناده خلاف. اهـ.

وعند الطبراني عن الزبير رضي الله عنه قال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ساجداً جاء الحسن بن علي رضي الله عنهما فصعد على ظهره، فما أنزله حتى كان هو الذي نزل، وإن كان ليُفرج له رجليه فيدخل من ذا الجانب ويخرج من ذا الجانب الآخر. قال الهيثمي: وفيه علي بن عباس وهو ضعيف - اهـ. وعند البزار عن البيهقي قال: قلت لعبد الله بن الزبير رضي الله عنهما: أخبرني بأقرب الناس شبهاً برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: الحسن بن علي كان أقرب الناس شبهاً برسول الله صلى الله عليه وسلم وأحبهم إليه، كان يجيء ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساج فيقع على ظهره فلا يقوم حتى يتنحّى، ويجيء فيدخل تحت بطنه فيُفرج له رجليه حتى يخرج. قال الهيثمي: وفيه علي بن عابس وهو ضعيف. انتهى. وعند أبي يَعْلى عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي فإذا سجد وثب الحسن والحسين رضي الله عنهما على ظههر، فإذا أرادوا أن يمنعوهما أشار إليهم أن دعوهما، فإذا قضى الصلاة وضعهما في حِجْره وقال: «من أحبَّني فليحبَّ هذين» . قال الهيثمي: روه أبو يَعْلى والبزار وقال: فإذا قضى الصلاة ضمَّهما إليه، والطبراني باختصار، ورجال أبي يَعْلى ثقات، وفي بعضهم خلاف - انتهى. وعند أبي يعلى عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد فيجيء الحسن والحسين فيركب ظهره فيطيل السجود، فيقال: يا نبي

صلاته عليه السلام وأمامة على عاتقه

الله أطلت السجود؟ فيقول: «ارتحلني ابني فكرهت أن أُعجله» . قال الهيثمي: وفيه محمد بن ذكوان وثَّقه ابن حِبَّان وضعفه غيره، وبقية رجاله رجال الصحيح. انتهى. صلاته عليه السلام وأمامة على عاتقه وأخرج البخاري عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم وأمامة بنت أبي العاص رضي الله عنهما على عاتقه، فصلى، فإذا ركع وضع، وإذا رفع رفعها. وأخرجه ابن سعد عن أبي قتادة نحوه. حمله عليه السلام الحسن والحسين على عاتقه وقوله فيهما وأخرج أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه الحسن والحسين عليهما السلام هذا على عاتقه وهذا عى عاتقه، يلثم هذا مرة وهذا مرة حتى انتهى إلينا، فقال رجل: يا رسول الله إنك لتحبهما قال: «من أحبهما فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني» . قال الهيثمي:

رواه أحمد ورجاله ثقات وفي بعضهم خلاف، ورواه البزّار ورواه ابن ماجه باختصار. انتهى. مصُّه عليه السلام لسان الحسن وأخرج أحمد عن معاوية رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمص لسانه - أو قال شفته: يعني الحسن بن علي - رضي الله عنهما - وإنه لن يعذب لسان أو شفتان مصَّهما رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الهيثمي: رجال رجال الصحيح غير عبد الرحمن بن أبي عوف وهو ثقة. انتهى. ما جرى بينه عليه السلام وبين الأقرع حين قبَّل حسنا وأخرج الطبراني عن السائب بن يزيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قبَّل حسناً رضي الله عنه، فقال له الأقرع بن حابس رضي الله عنه: لقد وُلد لي عشرة ما قبلت واحداً منهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «لا يرحم الله من لا يرحم الناس» . قال الهيثمي: ورجال ثقات. انتهى. وأخرجه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه نحوه. قوله عليه السلام في الأولاد وزيارته لابنه إبراهيم وعند البزَّار عن الأسود بن خَلَف رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخذ

حسناً فقبَّله، ثم أقبل عليهم فقال: «إن الولد مبخلة مجهلة مَجْبنة» . ورجاله ثقات كما قال الهيثمي. وأخرج البخاري في الأدب (ص56) عن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أرحم الناس بالعيال، وكان له ابن مسترضع في ناحية المدينة، وكان ظئرة قَيْنا، وكنا نأتيه وقد دَخَّن البيت بإذخر، فيقبله ويشمُّه. وأخرجه ابن سعد عن أنس بمعناه. تبشيره عليه السلام من يرحم أولاده وطلبه التسوية بينهم وأخرج البزار عن أنس رضي الله عنه أن امرأة دخلت على عائشة رضي الله عنها ومعها بنتان لها، فأعطتها عائشة ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة منهما تمرة ثم أخذت تمرة لتضعها في فمها، قال: فنظر الصبيان إليها، قال: فصدعتها نصفين، فأعطت كل واحدة منهما نصفاً وخرجت، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدَّثته عائشة بما فعلت - أو تفعل - المرأة، قال: «فلقد دخلت بذلك الجنة» قال الهيثمي: وفيه عبيد الله بن فَضالة ولم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح. انتهى.

وعند الطبراني في الصغير والكبير عن الحسن بن علي رضي الله عنهما، قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعها ابناها، فسألته فأعطاها ثلاث تَمَرات لكل واحد منهم تمرة، فأعطت كل واحد منهم تمرة فأكلها، ثم نظرا إلى أمهما فشقَّت التمرة بنصفين وأعطت كل واحد منهما تمرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «قد رحمها الله برحمتها ابنيها» . قال الهيثمي: وفيه خديج بن معاوية الجُعفي وهو ضعيف. وأخرج البخاري في الأدب (ص56) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى

إكرام الجار

النبي صلى الله عليه وسلم رجل ومعه صبي، فجعل يضمه إليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «أترحمه؟» قال: نعم، قال: «فالله أرحم بك منك به وهو أرحم الراحمين» . وأخرج البزار عن أنس رضي الله عنه أن رجلاً كان عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء ابن له فقبله وأجلسه على فخذه، وجاءته بنت له فأجلسها بين يديه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ألا سوّيت بينهم؟» قال الهيثمي: رواه البزّار فقال: حدثنا بعض أصحابنا، ولم يسمِّه وبقية رجاله ثقات. إكرام الجار حقوق الجار كما جاء في الحديث الشريف أخرج الطبراني عن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله ما حقُّ جاري؟ قال: «إن مرض عدته، وإن مات شيَّعته، وإن استقرضك أقرضته، وإن أعوز سترته، وإن أصابه خير هنأته، وإن أصابته مصيبة عزَّيته، ولا ترفع بناءك فوق بنائه فتسد عليه الريح، ولا تؤذه بريح قدرك إلا أن غرف له منها» . قال الهيثمي: وفيه أبو بكر الهذلي وهو ضعيف. اهـ. وأخرجه البيهقي في شُعَب الإِيمان عن معاوية رضي الله عنه مثله إلا أن في روايته: «وإن عَرِي سترته» ، كما في الكنز.

قصة عبد الله بن سلام مع جاره الذي كان يؤذيه

قصة عبد الله بن سلام مع جاره الذي كان يؤذيه وأخرج أبو نُعيم في المعرفة عن محمد بن عبد الله بن سلام رضي الله عنه أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: آذاني جاري، فقال: «اصبر» ثم عاد إليه الثانية فقال: آذاني جاري، فقال: «اصبر» ثم عاد الثالثة، فقال: آذاني جاري، فقال: «اعتمد إلى متاعك فاقذفه في السَّكة، فإذا أتى عليك آتٍ فقل: آذاني جاري، فتحقَّق عليه اللعنة. ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكوم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو يسكت» . كذا في الكنز. نهيه عليه السلام في غزوة أن يصحبه من آذى جاره وأخرج الطبراني في الأوسط عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة فقال: «لا يصحبنا اليوم من آذى جاره» فقال رجل من القوم: أنا بُلت في أصل حائط جاري، فقال: «لا تصحبنا اليوم» . قال الهيثيم: وفيه يحيى بن عبد الحميد الحمَّاني وهو ضعيف. اهـ. شدّة حرمة الزنى بامرأة الجار وسرقته وأخرج أحمد والطبراني عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «ما تقولون في الزنى؟» قالوا: حرام حرّمه الله

حديث أبي ذر: إن الله يحب ثلاثة ويبغض ثلاثة

ورسوله فهو حرام إلى يوم القيامة. قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «لأن يزني الرجل بعشرة نسوة أيسر عليه نم أن يزني بامرأة جاره» . قال: فقال: «ما تقولون في السرقة؟» قالوا: حرمها الله ورسوله فهي حرام، قال: «لأن يسرق الرجل نم عشرة أبيات أيسر عليه من أن يسرق من جاره» . قال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط ورجاله ثقات. حديث أبي ذر: إن الله يحب ثلاثة ويبغض ثلاثة وأخرج أحمد والطبراني واللفظ له عن مُطَرِّف بن عبد الله رضي الله عنه قال: كان يبلغني عن أبي ذر رضي الله عنه حديث، وكنت أشتهي لقاءه، فلقيته فقلت: يا أبا ذر كان يبلغني عنك حديثك وكنت أشتهي لقاءك قال: لله - تبارك وتعالى - أبوك قد لقيتني فهات. قلت حديثاً بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدَّثك، قال: «إن الله عز وجل يحب ثلاثة ويُبغض ثلاثة» قال: فما إخالني أكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قلت: فمن هؤلاء الثلاثة الذين يحبهم الله عز وجل؟ قال: «رجل غزا في سبيل الله صابراً محتسباً فقاتل حتى قتل، وأنتم تجدونه عندكم في كتاب الله عز وجل ثم تلا: «إن الله يُحب الذين يُقَاتِلون في سبِيلِه صفَّاً كأنَّهُم بنيَانٌ مَرْصُوصٌ» ، قلت ومَنْ؟ قال: «رجل كان له جار سوء يؤذيه فصبر على أذاه حتى يكفيه الله إياه بحياة أو موت» - فذكر الحديث. قال الهيثمي: إسناد الطبراني وأحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح. وقد رواه النسائي وغيره

إكرام الرفيق الصالح

غير ذكر الجار. وأخرج ابن المبارك وأبو عبيد في اغريب والخرائطي وعبد الرزاق عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن أبا بكر مرَّ بعبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما وهو يماظ جاراً له، فقال: لا تماظ جارك، فإن هذا يبقى ويذهب الناس. كذا في الكنز. إكرام الرفيق الصالح وصيته عليه السلام لاثنين من الصحابة بإكرام رباح بن الربيع أخرج الطبراني عن رَبَاح بن الربيع رضي الله عنه قال: غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم ـ وكان قد أعطى كل ثلاثة منا بعيراً يركبه اثنان ويسوقه واحد في الصحارى وننزل في الجبال - فمرّ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أمشي فقال لي: «أراك يا رَبَاح ماشياً» فقلت: إنما نزلت الساعة وهذان صاحباي قد ركبا، فمرَّ بصاحبيَّ فأناخا بعيرهما ونزلا عنه، فلما انهتيت قالا: اركب صدر هذا البعير فلا تزال عليه حتى ترجع ونعتقب أنا وصاحبي، قلت: ولم؟ قالا قال ررسول الله صلى الله عليه وسلم «إن لكما رفيقاً صالحاً فأحسنا صحبته» . كذا في الكنز. إنزال الناس منازلهم فعل عائشة رضي الله عنها في ذلك أخرج الخطيب في المتفق عن عمرو بن مخِراق قال: مرّ على عائشة رضي الله عنها رجل ذو هيبة وهي تأكل فدعته فقعد معها، ومر آخر فأعطته

كسرة، فقيل لها، فقالت: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم.h كذا في الكنز. وأخرجه أيضاً أبو داود فيا لسنن وابن خزيمة في صحيحه والبزار وأبو يعلى وأبو نُعيم في المستخرج واليبهقي في الأدب والعسكري في الأمثال من طريق ميمون بن أبي شبيب قال: جاء سائل إلى عائشة فأمرت له بكسرة، وجاء رجل ذو هيئة فأقعدته معها، فقيل لها: لم فعلت ذلك؟ قال: أمرنا - فذكره؛ ولفظ أبي نُعيم في الحلية: أن عائشة كانت في سفر، فأمرت لناس من قريش بغداء، فجاء رجل غني ذو هيئة فقالت: ادعوه فنزل فأكل ومضى، وجاء سائل فأمرت له بكسرة (فقالوا لها: أمرتينا أن ندعو هذا الغني، وأمرت بهذا السائل بكسرة) فقالت: إن هذا الغني لم يجمُل بنا إلا ما صنعناه به، وإن هذا الفقير سأل فأمرت له بما يترضَّاه، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا - فذكره، وقد صحّح هذا الحديث الحاكم في معرفة علوم الحديث وكذا غيره، وتُعقِّب بالانقطاع وبالاختلاف على راويه في رَفْعه، قال السخاوي: وبالجملة فحديث عائشة حسن. كذا في شرح الإِحياء لزبيدي وقد تقدَّم أن علياً رضي الله عنه أعطى رجلاً حلّة ومائة دينار، فقيل له، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أنزلوا الناس منازلهم، وهذه منزلة هذا الرجل عندي» .

التسليم على المسلم

التسليم على المسلم قصة أبي بكر رضي الله عنه في هذا الأمر أخرج الطبراني في الكبير والأوسط - وأحد إسنادي الكبير روايته محتج بهم في الصحيح - عن الأغرّ أغرِّ مزينة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر لي بجريب من تمر عند رجل من الأنصار، فمطلني به، فكلَّمت فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «اغدُ يا أبا بكر فخُذْ له تمرة» فوعدني أبو بكر المسجد إذا صلَّينا الصبح فوجدته حيث وعدني، فانطلقنا فكلّما رأى أبا بكر رجل من بعيد سلَّم عليه، فقال أبو بكر: أما ترى ما يصيب القوم عيك من الفضل لا يسبقك إلى السلام أحد. فكنّا إذا طلع الرجل من بعيد بادرنه بالسلام قبل أن يسلِّم علينا. كذا في الترغيب. وأخرجه أيضاً البخاري في الأدب (ص145) وابن جرير وأبو نُعيم والخرائطي، كما في الكنزل. وعند ابن أبي شيبة عن زُهرة بن خميصة رضي الله عنه قال: رَدَفت أبا بكر رضي الله عنه، فكنَّا نمر بالقوم فنسلِّم عليهم فيردون علينا أكثر مما نسلِّم، فقال أبو بكر: ما زال النسا غالبين لنا منذ اليوم؛ وفي لفظ: فضلنا الناسُ اليوم بخير كثير. وعند البخاري في الأدب عن عمر رضي الله عنه قال: كنت رديف

وعظ أبي أمامة في هذا الأمر وكيفية الصحابة فيه

أبي بكر رضي الله عنه، فيمر على القوم فيقول السلام عليكم، فيقولون: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فقال أبو بكر: فضلَنا الناس اليوم بزيدة كثيرة. كذا في الكنز (552 و53) . وعظ أبي أمامة في هذا الأمر وكيفية الصحابة فيه وأخرج ابن عساكر عن أبي أمامة رضي الله عنه أنه وعظ فقال: عليكم بالصبر فيما أحببتم أو كرهتم فنعم الخصلة الصبر، ولقد أعجبتكم الدنيا، وجرَّت لكم أذيالها ولبست ثيابها وزينتها. إنَّ أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا يجلسون بفناء بيوتهم يقولون: نجلس فنُسلم ويسلَّم علينا. كذا في الكنز. وأخرج الطبراني بإسناد حسن عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنا إذا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتفرِّق بيننا شجرة، فإذا التقينا يسلِّم بعضنا على بعض. كذا في الترغيب. وأخرجه البخاري في الأدب (ص148) بنحوه. قصة ابن عمر مع الطفيل في هذا الأمر وأخرج أبو نُعَيم في الحلية عن الطفيل بن أَبيِّ بن كعب أنه كان يأتي عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فيغدو معه إلى السوق؛ قال: فإذا غدونا إلى السوق لم يمرر عبد الله بن عمر على سقَّاط، ولا صاحب بيعة، ولا مسكين ولا أحد إلا وسلَّم عليه، (قال الطفيل: فجئت عبد الله بن عمر يوماً فاستتبعني

إلى السوق) ، فقلت: ما تصنع بالسوق وأنت لا تقف على البيع، ولا تسأل عن السلع، ولا تسوم بها، ولا تجلس في مجالس (السوق) - قال: وأقول، اجلس بنا ههنا نتحدّث -، فقال لي عبد الله: يا أبا بطن - وكان الطفيل ذا بطن - إنما نغدو من أجل السلام، فسلِّم على من لقيت. وأخرجه مالك عن الطفيل بن أبي بن كعب بنحوه. وفي رواية: إنما نغدو من أجل السلام، نسلّم على من لقينا، كما في جمع الفوائد. وأخرجه البخاري في الأدب (ص148) عن الطفيل بن أبي بنحوه. عمل أبي أمامة في ذلك وأخرج الطبراني عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أنه كان يسلِّم على كل من لقيه، قال: فما علمت أحداً سبقه بالسلام إلا يهودياً مرة اختبأ له خلف أسطوانة فخرج فسلَّم عليه، فقال له أبو أمامة: ويحك يا يهودي ما حملك على ما صنعت؟ قال له: رأيتك رجلاً تكثر السلام فعلمت أنه فضل فأردت أن آخذ به، فقال له أبو أمامة: ويحك إن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله جعل السلام تحية لأمتنا وأماناً لأهل ذمتنا» . قال الهيثمي: رواه الطبراني عن شيخه بكر بن سهل الدِّمياطي، ضعَّفه النسائي وقال غيره: مُقارب الحديث. انتهى. وعند أبي نُعيم في الحلية عن محمد بن زياد قال: كنت آخذ بيد أبي أمامة وهو منصرف إلى بيته، فلا يمر على أحد مسلم ولا نصراني ولا صغير

رد السلام

ولا كبير إلا قال: سلام عليك، سلام عليك، فإذا انتهى إلى باب الدار التفت إلينا ثم قال: يا ابن أخي أمرنا نبينا عليه السلام أن نفشي السلام بيننا. وعند البخاري في الأدب (ص145) عن بشير بن يسار قال: ما كان أحد يبدأ - أو: يبدُر - ابن عمر رضي الله عنهما بالسلام. رد السلام قصته عليه السلام مع بعض أصحابه أخرج الطبراني عن سلمان رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليك يا رسول الله، قال: «وعليك السلام ورحمة الله وبركاته» . ثم جاء آخر فقال: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله، قال: «وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ثم جاء آخر فقال: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته» فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «وعليك» ، فقال الرجل: يا رسول الله أتاك فلان وفلان فحييتهما بأفضل مما حييتني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنك لن - أو: لم - تدع شيئاً» . قال الله عز وجل: {وَإِذَا حُيّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ} (سورة النساء، الآية: 86) فرددت عليك التحية. قال الهيثمي: فيه هشام ابن لاحِق قوَّاه النِّسائي وترك أحمد حديثه، وبقية رجاله رجال الصحيح. انتهى. قصة عائشة مع النبي وجبريل عليهما السلام وأخرج الطبراني في الأوسط عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: «يا عائشة هذا جبريل يقرأ عليك الالسلام» ، فقلت: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، وذهبت تزيد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «إلى هذا انتهى السلام» ،

فقال: رحمة الله وبركاته عليكم أهل ابيت. قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح، وهو في الصحيح باختصار. انتهى. قصته عليه السلام مع سعد بن عبادة وأخرج أمد عن ثابت البُناني عن أنس رضي الله عنه أو غيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استأذن على سعد بن عبادة رضي الله عنه فقال: «السلام عليكم ورحمة الله» فقال سعد: وعليك السلام ورحمة الله، ولم يُسمع النبي صلى الله عليه وسلم ـ حتى سلم ثلاثاً - ورد عليه سعد ثلاثاً ولم يُسمعه، فرجع النبي صلى الله عليه وسلم فاتَّبعه سعد، فقال: يا رسول الله - بأبي أنت وأمي - ما سلمتَ تسليمة إلاَّ وهي بأذني، ولقد رددت عليك ولم أسمعك، أحببت أن أستثكر من سلامك ومن البركة، ثم أدخله البيت فقرَّب إليه زيتاً فأكل النبي صلى الله عليه وسلم فلما فرغ قال: «أكل طعامكم الأبرار، وصلَّت عليكم الملائكة، وأفطر عندكم الصائمون» . وروى أبو داود بعضه. ورواه البزّار عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزور الأنصار، فإذا جاء إلى دور الأنصار حوله فيدعو لهم ويمسح رؤوسهم ويسلم عليهم، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم باب سعد فسلَّم عليه فقال: «السلام عليكم ورحمة الله» ، فرد سعد رضي الله عنه فلم يُسمع النبي صلى الله عليه وسلم حتى سلَّم ثلاث مرات، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يزيد على ثلاث تسليمات، فإن أذن له وإلا انصرف، فرجع - فذكر نحوه. ورجالهما رجال الصحيح كما قال الهيثمي.

قصة عمر مع عثمان رضي الله عنهما

قصة عمر مع عثمان رضي الله عنهما وأخرج أبو يعلى عن محمد بن جُبير أن عمر رضي الله عنه مرَّ على عثمان رضي الله عنه فسلَّم عليه ولم يردَّ عليه، فدخل على أبي بكر رضي الله عنه فاشتكى ذلك إليه، فقال أبو بكر: ما منعك أن ترد على أخيك؟ قال: والله ما سمعت وأنا أحدِّث نفسي، قال أبو بكر: فبماذا تحدِّث نفسك؟ قال: خلاف الشيطان، فجعل يُلْقي في نفسي أشياء ما أحب أنِّي تكلمت بها وإن لي ما على الأرض، قلت في نفسي حين ألقى الشيطان ذلك في نفسي: يا ليتين سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ينجينا من هذا الحديث الذي يُلقي الشيطان في أنفسنا، فقال أبو بكر رضي الله عنه: والله لقد اشتكيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألته: ما الذي ينجينا من هذا الحديث الذي يُلقي الشيطان في أنفسنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ينجيكم من ذلك أن تقولوا مثل الذي أمرت به عمي عند الموت فلم يفعل» . كذا في الكنز وقال: قال البوصيري في زوائد العشرة: سنده حسن. وأخرجه ابن سعد عن عثمان رضي الله عنه أطول منه وفي حديثه: فانطلق عمر رضي الله عنه حتى دخل على أبي بكر رضي الله عنه، فقال: يا خليفة رسول الله ألا أعجِّبك مررت على عثمان فسلَّمت عليه فلم يرد عليَّ السلام؟ فقام أبو بكر فأخذ بيد عمر فأقبلا جميعاً حتى أتياني. فقال لي أبو بكر: يا عثمان جاءني أخوك فزعم أنه مرَّ بك فسلَّم عليك فلم تردّ عليه، فما الذي حملك على ذلك؟ فقلت: يا خليفة رسول الله ما فعلت، فقال عمر: بلى - والله - ولكنها عُبِّيَّتكم يا بني أمية؟ فقلت: والله ما شعرت أنك مررت بي ولا

قصة سعد بنأبي وقاص مع عثمان رضي الله عنهما

سلمت عليَّ فقال أبو بكر: صدقتَ، أراك والله شُغلت عن ذلك بأمر حدَّثت به نفسك، قال فقلت: أجل، قال: فما هو؟ فقلت: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم أسأله عن نجاة هذه الأمة ما هو، وكنت أحدِّث بذلك نفسي وأعجب من تفريطي في ذلك، فقال أبو بكر: قد سألته عن ذلك فأخبرني به، فقال عثمان: ما هو؟ قال أبو بكر: سألته فقلت: يا رسول الله ما نجاة هذه الأمة؟ فقال: «ممن قَبِل مني الكلمة التي عرضتها على عمي فردَّها عليَّ فهي له نجاة» ؛ والكلمة التي عرضها على عمه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً أرسله الله. قصة سعد بنأبي وقاص مع عثمان رضي الله عنهما وأخرج أحمد عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: مررت بعثمان بن عفان رضي الله عنه في المسجد فسلَّمت عليه، فملأ عينيه مني ثم لم يردّ عليَّ السلام، فأتيت أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقلت: يا أمير المؤمنين هل حدَث في الإِسلام شيء؟ - مرتين - قال: وما ذاك؟ قلت: لا، إلاَّ أني مررت بعثمان آنفاً في المسجد فسلَّمت عليه فملأ عينيه مني ثم لم يردّ عليَّ السلام، قال: فأرسل عمر إلى عثمان فدعاه فقال: ما منعك أن لا تكون رددت على أخيك السلام؟ قال عثمان: ما فعلت، قلت: بلى، قال: حتى حلف وحلفتُ، قال: ثم إن عثمان ذكر فقال: بلى، وأستغفر الله وأتوب إليه، إنك مررت بي آنفاً وأنا أحدِّث نفسي بكلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ما ذكرتها قطُّ إلاَّ يغشَى بصري وقلبي غشاوة، قال سعد: فأنا أنبئك بها: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر لنا أولَ دعوة ثم جاءه أعرابي فشغله حتى قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبعته حتى أشفقت أن يسبقني إلى منزله ضربتُ بقدميَّ الأرض، فالتفت إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «من هذا أبو إسحاق؟» قلت: نعم يا رسول الله قال: «فَمَهْ؟» قلت: لا والله إلاَّ أنك ذكرتَ لنا أول دعوة ثم جاءك

إرسال السلام

هذا الأعرابي فشغلك، قال: «نعم، دعوة ذي النون إذ هو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. فإنه لن يدعو بها مسلم ربَّه في شيء قط إلا استجاب له» . قال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال غير إبراهيم بن محمد بن سعد بن أبي وقاص وهو ثقة؛ وروى الترمذي طرفاً من آخره. انتهى. وأخرجه أيضاً أبو يَعْلى والطبراني في الدعاء وصحَّ عن سعد بن أبي وقاص نحوه، كما في الكنز. إرسال السلام (قصة سلمان مع الأشعث بن قيس وجرير بن عبد الله) أخرج الطبراني عن أبي البختري قال: جاء الأشعث بن قيس وجرير بن عبد الله البجلي إلى سلمان الفارسي رضي الله عنه فدخلا عليه في حصن في ناحية المدائن، فأتياه فسلَّما عليه وحيَّياه، ثم قالا: أنت سلمان الفارسي؟ قال: نعم، قالا: أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا أدري، فارتابا وقالا: لعله ليس الذي نريد، قال لهما: أنا صاحبكُما الذي تريدان، إني قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجالسته، فإنما صاحبه من دخل معه الجنة فما حاجتكما؟ قالا: جئناك من عند إخٍ لك بالشام، فقال: من هو؟ قالا: أبو الدرداء قال: فأين هديته التي أرسل بها معكما؟ قالا: ما أرسل معنا هدية، قال: اتصقيا الله وأدِّيا الأمانة، ما جاءني أحد من عنده إلا جاء معه بهدية، قالا: لا يُرع علينا هذا، إنَّ لنا أموالاً فاحتكم فيها. قال: ما أريد أموالكما ولكني أريد الهدية التي

المصافحة والمعانقة

بعث بها معكما، قالا: والله ما بعث معنا بشيء إلا أنه قال لنا: إنَّ فيكم رجلاً كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خلا به لم يبغِ أحداً غيره، فإذا أتيتماه فاقرِئاه مني السلام. قال: فأيُّ هدية كنت أريد منكما غير هذه، وأيُّ هدية أفضل من السلام تحية من عند الله مباركة طيبة قال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير يحيى بن إبراهيم المسعودي وهو ثقة. انتهى. وأخره أبو نُعيم في الحلية عن أبي البختري مثله. المصافحة والمعانقة (حديث جندب وأبي ذر وأبي هيرة في هديه عليه السلام في المصافحة) أخرج الطبراني عن جندب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لقي أصحابه لم يصافحهم حتى يسلِّم عليهم. قال الهيثمي: رواه الطبراني وفيه من لم أعرفهم. انتهى. وأخرج أحمد والرُوياني عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قيل له: أريد أن أسألك عن حديث من حديث النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذاً أحدِّثك به إلا أن يكون سرّاً، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصافحكم إذا لقيتموه؟ قال: ما لقيته قط إلا صافحني كذا في الكنز. وأخرج البزار عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي حذيفة رضي الله عنه فأراد أن يصافحه، فتنحَّى حذيفة فقال: إني كنت جُنُباً، فقال:

«إن المسلم إذا صافح أخاه تحاتت خطاياهما كما يتحات ورق الشجرة» . قال الهيثمي: وفيه مصعب بن ثابت وثَّقه ابن حبان وضعَّفه الجمهور. حديث أنس وعائشة في هديه عليه السلام في المعانقة ونهيه عن الانحناء وأخرج الدارقطني وابن أبي شيبة عن أنس رضي الله عنه قال قلنا: يا رسول الله، أينحني بعضنا لبعض؟ قال: «لا» ، قلنا: فيعانق بعضنا بعضاً؟ قال: «لا» ، قلنا: فيصافح بعضنا بعضاً؟ قال: «نعم» . كذا في الكنز. وعند الترمذي عن أنس رضي الله عنه قال قال رجل: يا رسول الله، الرجل منا يلقَى أخاه أو صديقه أينحني له؟ قال: «لا» ، قال: أفليتزمه ويقبِّله؟ قال: «لا» ، قال: فيأخذ بيده ويصافحه؟ قال: «نعم» . قال الترمذي: هذا حديث حسن، وزاد رزين بعد قوله: ويقبله. قال: «لا، إلا أن يأتي من سفر» ، كما في جمع الفوائد. وأخرج الترمذي عن عاشئة رضي الله عنها قالت: قدم زيد بن حارثة رضي الله عنه المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، فأتاه فقرع الباب، فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عُرياناً يجر ثوبه - والله ما رأيته عرياناً قبله ولا بعده - فاعتنقه

(هدي الصحابة رضي الله عنهم في المصافحة والمعانقة)

وقبَّله. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. (هدي الصحابة رضي الله عنهم في المصافحة والمعانقة) وأخرج الطبراني عن أنس رضي الله عنه قال: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفر تعانقوا. قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح. انتهى. وأخرج المحاملي عن الحسن رضي الله عنه قال: كان عمر رضي الله عنه يذكر الرجل من إخوانه في الليل فيقول: يا طولها فإذا صلَّى المكتوبة شدَّ فإذا لقيه اعتنقه أو التزمه. كذا في الكنز. وأخرج أبو نعيم في الحلية عن عروة رضي الله عنه قال: لما قدم عمر رضي الله عنه الشام تلقّاه الناس وعظماء أهل الأرض، فقال عمر: أين أخي؟ قالوا: مَنْ؟ قال: أبو عبيدة، قالوا: الآن يأتيك، فلما أتاه نزل فاعتنقه - فذكر الحديث كما سيأتي. تقبيل يد المسلم ورجله ورأسه (تقبيله عليه السلام جعفر بن أبي طالب) أخرج ابن سعد عن الشَّعبي قال: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر تلقّاه جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه فالتزمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبَّل ما بين عينيه وقال: «ما أدري بأيهما أنا أفرح، بقدوم جعفر أو بفتح خيبر» وزاد في رواية أخرى عنه: وضمّه إليه واعتنقه.

تقبيل الصحابة يديه عليه السلام ورجليه وأخرج الطبراني في الأوسط عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: بايعت النبي صلى الله عليه وسلم بيدي هذه، فقبلناها فلم ينكر ذلك. قال الهيثمي: رجاله ثقات، وفي الصحيح منه البيعة - اهـ. وأخرج أبو يلعى عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قبل يد النبي صلى الله عليه وسلم قال الهيثمي: وفيه يزيد بن أبي زياد وهو ليِّن الحديث وبقية رجاله رجال الصحيح - انتهى. وذكر في جمع الفوائد عن عمر رضي الله عنه أنه قبَّل النبي صلى الله عليه وسلم وقال: للمَوْصلي بلين - اهـ. وأخرجه أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما بسند حين، كما قال العراقي. أخرج الطبراني عن كعب بن مالك رضي الله عنه أنه لما نزل عُذْره أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخذه بيده فقبلها. قال الهيثمي: وفيه يحيى بن عبد الحميد الحِمَّاني وهو ضعيف - اهـ. وأخرجه أبو بكر بن المقرَّي في كتاب الرخصة في تقبيل اليد بسند ضعيف - قاله العراقي. وأخرج البخاري في الأدب (ص144) عن أم أبان ابنة الوازع عن جدها أن جدها

(تقبيل عمر رأس أبي بكر وتقبيل أبي عبيدة يد عمر)

الوازع بن عامر رضي الله عنه قال: قدمنا، فقيل: ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذنا بيديه ورجليه نقبلها. وعنده أيضاً في الأدب (ص86) عن مَزِيدَة العبدي رضي الله عنه قال: جاء الأشجُّ رضي الله عنه يمشي حتى أخذ بيد النبي صلى الله عليه وسلم فقبَّلها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم «أمَا إنَّ فيك لخُلقين يحبهما الله ورسوله» ، قال جَبَّلاً جُبِلتُ عليه أو خُلِقاً معي؟ قال: «لا» ، بل جَبْلاً جبلتَ عيه» ، قال: الحمد لله الذي جبلني على ما يحب الله ورسوله. (تقبيل عمر رأس أبي بكر وتقبيل أبي عبيدة يد عمر) وأخرج ابن عساكر عن أبي رجاء العُطاردي قال: أتيت المدينة فإذا الناس مجتمعون، وإذا في وسطهم رجل يقبل رأس رجل ويقول: أنا فداك لولا أنت هلكنا، فقلت: من المقبِّل؟ قال: ذاك عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقبِّل رأس أبي بكر رضي الله عنه في قتال أهل الردَّة الذين منعوا الزكاة. كذا في المنتخب. وأخرج عبد الرزاق والخرائطي في مكارم الأخلاق والبيهقي وابن عساكر عن تميم بن سلمة قال: لما قدم عمر رضي الله عنه الاشم استقبله أبو عبدة بن الجراح رضي الله عنه فصافحه وقبّل يده، ثم خَلَوا يبكيان، فكان تميم يقول: اليد سنة. كذا في الكنز. (تقبيل يد واثلة بن الأسقع والتبرك بها لمبايعته النبي عليه السلام بها)

وأخرج الطبراني عن يحيى بن الحارث الذِماري قال: لقيت واثلة بن الأسقع رضي الله عنه فقلت: بايعت بيدك هذه رسول الله؟ فقال: نعم، قلت: أعطني يدك أقبلها، فأعطانيها فقبلتها. قال الهيثمي: وفيه عبد الملك القارّي ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات. انتهى. وعند أبي يزيد بن الأسود عائدين، فدخل عليه واثِلة بن الأسقع رضي الله عنه، فلما نظر إليه مدَّ يده، فأخذ يده فمسح بها وجهه وصدره لأنه بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: يا يزيد كيف ظنك بربك؟ فقال: حسن، فقال: فأبشر، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله تعالى يقول: أنا عند ظن عبدي بي، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر» . (تقبيل يد سلمة بن الأكوع وأنس والعباس) وأخرج البخاري في الأدب المفرد (ص144) عن عبد الرحمن بن رَزِين قال: مررنا بالرَّبذَة فقيل لنا: ههنا سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، فأتيته فسلمنا عليه وأخرج يده فقال: بايعتُ بهاتين نبي الله صلى الله عليه وسلم فأخرج كفاً له ضخمة كأنها كف بعير، فقمنا إليها فقبلناها. وأخرجه ابن عسد عن عبد الرحمن بن زيد العراقي نحوه. وأخرج البخاري أيضاً في الأدب (ص144) عن ابن جدعان قال ثابت لأنس رضي الله عنه: أمَسِسْت النبي صلى الله عليه وسلم بيدك؟ قال: نعم، فقبلها،

القيام للمسلم

وأخرج البخاري أيضاً في الأدب (ص144) عن صهيب قال: رأيت علياً رضي الله عنه يقبل يد العباس رضي الله عنه ورجليه.d القيام للمسلم (استقباله عليه السلام لابنته فاطمة واستقبالها له) أخرج البخاري في الأدب (ص138) عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيت أحداً من الناس كان أشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم كلاماً ولا حديثاً ولا جِلسة من فاطمة رضي الله عنها، قالت: وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رآها قد أقبلت رحَّب بها ثم قام إليها فقبَّلها، ثم أخذ بيدها فجاء بها حتى يجلسها في مكانه، وكانت إذا أتاها النبي صلى الله عليه وسلم رحبت به ثم قامت إليه فقبلته، وإنها دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي قُبض فيه فرحب وقبلها وأسرَّ إليها فبكت، ثم أسرَّ إليها فضحكت، فقلت للنساء: إن كنت لأرى أن لهذه المرأة فضلاً على النساء فإذا هي من النساء؛ بينما هي تبكي إذا هي تضحك فسألتها: ما قال لك؟ قالت: إني إذاً لبَذِرة فلما قُبض النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: أسرَّ إليَّ، فقال: «إني ميِّت» ، فبكيت، ثم أسر إليَّ فقال: «إنك أول أهلي بي لحوقاً» ، فسررت بذلك وأعجبني. (قيام الصحابة للنبي عليه السلام) وأخرج البزّار عن محمد بن هلال عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج قمنا له حتى يدخل بيته. قال الهيثمي: هكذا وجدته فيما جمعته، ولعله

(حال الصحابة رضي الله عنهم في هذا الأمر)

عن محمد بن هلال عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه، وهو الظاهر فإن هلالاً تابعي ثقة، أو عن محمد بن هلال عن أبيه عن جده، وهو بعيد، ورجال البزار ثقات. انتهى. (نهيه عليه السلام أصحابه عن القيام له) وأخرج ابن جرير عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم متوكئاً على عصاه فقمنا له، فقال: «لا تقوموا كما يقوم الأعاجم يعظِّم بعضها بعضاً» . كذا في الكنز. وأخرجه أبو داود مثله، كما في جمع الفوائد. وأخرج أحمد عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر رحمه الله: قوموا نستغيث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا المنافق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يقام، إنما يقام لله تبارك وتعالى» . قال الهيثمي: وفيه راوٍ يُسمَّ وابن لَهيعة. اهـ. (حال الصحابة رضي الله عنهم في هذا الأمر) وأخرج البخاري في الأدب (ص138) عن أنس رضي الله عنه قال: ما كان شخص أحبَّ إليهم رؤية من النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا إذا رأوه لم يقوموا إليه لما يعلمون من كراهيته لذلك. وأخرجه الترمذي وصحَّحه، كما قال العراقي في تخريج الإحياء، والإمام أحمد وأبو داود، كما في البداية.

التزحزح للمسلم

وأخرج البخاري في الأدب (ص169) عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقيم (الرجلُ) الرجلَ من المجلس ثم يجلس فيه، وكان ابن عمر إذا قام له رجل من مجلسه لم يجلس فيه. وأخرج ابن سعد عن نافع عن ابن عمر مقتصراً على فعله. وأخرج انب سعد عن أبي خالد الوالبي قال: ما لي أراكم سامدين؟ وأخرج البخاري في الأدب (ص144) عن أبي مِجْلَز قال: إن معاوية رضي الله عنه خرج وعبد الله بن عامر وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم قعود، فقام ابن عامر وقعد ابن الزبير وكان أوزَنهما، قال معاوية: قال النبي صلى الله عليه وسلم «من سره أن يمثُلَ له عباد الله قياماً فليتبوأ بيتاً من النار» . التزحزح للمسلم (تزحزحه عليه السلام لرجل مسلم دخل المسجد) أخرج البيهقي وابن عساكر عن واثِلة بن الخطاب القرشي رضي الله عنه قال: دخل رجل المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم وحده فتحرك له النبي صلى الله عليه وسلم فقيل له: يا رسول الله المكان واسع، فقال له: «إنَّ للمؤمن حقاً إذا رآه أخوه أن يتزحزح له» . كذا في الكنز.

وعند الطبراني عن واثلة - يعني ابن الأسقع - قال: دخل المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم فيه وحده فتزحزح له، فقال الرجل: يا رسول الله إن المكان واسع، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «إنَّ للمسلم حقاً» . قال الهيثمي: رجاله ثقات إلا أن أبا عُمير عيسى بن محمد بن النحاس لم أجد له سماعاً من أبي الأسود، والله أعلم. انتهى. وقد تقدَّم في إكرام أهل البيت أن أبا بكر رضي الله عنه تزحزح لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وقال: ههنا يا أبا الحسن، فجلس بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أبي بكر. الحديث. إكرام الجليس (أقوال الصحابة رضي الله عنهم في هذا الأمر) أخرج البخاري في الأدب (ص167) عن كثير بن مرة قال: دخلت المسجد يوم الجمعة فودت عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه جالساً في حلقة مدَّ رجليه بين يديه، فلما رآني قبض رجليه ثم قال لي: تدري لأي شيء مددت رجلي؟ ليجيء رجل صالح فيجلس. وعن محمد بن عبَّاد ابن جعفر قال: قال ابن عباس رضي الله عنهما: أكرمالناس عليَّ جليسي. وعن ابن أبي مُلَيكة عن ابن عباس قال: أكرم الناس عليَّ جليسي، أن يتخطَّا رقاب الناس حتى يجلس إليَّ.

قبول كرامة المسلم

قبول كرامة المسلم (قصة علي رضي الله عنه مع رجلين أخرج ابن أبي شيبة وعبد الرزاق عن أبي جعفر قال: دخل على عليَ رجلان، فطرح لهما وسادة، فجلس أحدهما على الوسادة وجلس الآخر على الأرض، فقال للذي جلس على الأرض: قم فاجلس على الوسادة، فإنه لا يأبى الكرامة إلاَّ حمار. قال عبد الرزاق: هذا منقط. كذا في الكنز. حفظ سر المسلم (حفظ الصدِّيق سر النبي عليه السلام في مسألة الزواج بحفصة) أخرج أبو نُعيم في الحلية عن عمر رضي الله عنه قال: تأيمت حَفْصة بنت عمر - ري الله عنهما - من خُنَيس بن حُذافة السَّهْمي رضي الله عنه - وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن شهد بدراً فتوفي بالمدينة - فلقيت أبا بكر رضي الله عنه فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، فلم يَرجع إليَّ شيئاً، فلبثت ليالي فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر فقال: لعلك وَجَدْت حين عرضت عليَّ حفصة فلم أرجع إليك شيئاً؟ قال قلت: نعم، قال: فإنّه لم يمنعني أن أرجع إليك شيئاً حين عرضتها عليَّ إلا

أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرها، ولم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو تركها نكحتها. وأخرجه أيضاً أحمد وابن سعد والبخاري والنسائي والبيهقي وأبو يعلى وابن حبَّان مع زيادة، كما في المنتخب. (حفظ أنس سر النبي عليه السلام) وأخرج البخاري في الأدب (ص169) عن أنس رضي الله عنه قال: خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً، حتى إذا رأيت أني قد فرغت من خدمته قلت: يقيل النبي صلى الله عليه وسلم فخرج من عنده فإذا غِلْمة يلعبون، فقمت أنظر إلى لعبهم، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فانتهى إليهم فسلَّم عليهم ثم دعاني فبعثني إلى حاجة، فكأنه في فيَّ حتى أتيته وأبطأت على أمي، فقالت: ما حبسك؟ قلت: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى حاجة، قالت: ما هي؟ قلت: إنه سر للنبي صلى الله عليه وسلم فقالت: احفظ على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: احفظ على رسول الله صلى الله عليه وسلم سره، فما حدثت بتلك الحاجة أحداً من الخلق، فلو كنتُ محدِّثاً حدثتك بها. وأخرجه البخاري أيضاً في صحيحه ومسلم عن أنس رضي الله عنه بنحوه مختصراً، كما في جمع الفوائد.

إكرام اليتيم

إكرام اليتيم (ما أشار به عليه السلام على بعض أصحابه لإزالة قسوة قلوبهم) أخرج أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رجلاً شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه فقال: «امسح رأس اليتيم، وأطعم المسكين» . قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح - اهـ. وعند الطبراني عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل يشكو قسوة قلبه، قال: «أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك؟» أرحم اليتيم، وامسح رأسه، وأطعمه من طعامك، يلن قلبك، وتدرك حاجتك» . وفي إسناده من لم يُسمَّ، وبَقِيَّة مدلِّس، كما قال الهيثمي. (قصة بشير بن عقربة مع النبي عليه السلام) وأخرج البزّار بن عقربة الجهني رضي الله عنه قال: لقيت رضي الله عنه يوم أحد، فقلت: ما فعل أبي؟ قال: «استُشهد رحمة الله عليه» فبكيت، فأخذني فمسح رأسي وحملني معه وقال: «أما ترضى أن أكون أباك وتكون عائشة أمك؟» قال الهيثمي: وفيه من لا يُعرف - اهـ، وأخرجه البخاري في تاريخه عن بشير ابن عقربة نحوه، كما في الإصابة وابن مَنْدَة وابن

إكرام صديق الأب

عساكر أطول منه، كما في المنتخب. إكرام صديق الأب (إكرام عبد الله بن عمر أعرابياً كان أبوه صديقاً لعمر) أخرج أبو داود والترمذي ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا خرج إلى مكة كان له حمار يتورَّح عليه إذا ملّ ركوب الراحلة وعمامة يشدُّ بها رأسه، فبينما هو يوماً على ذلك الحمار إذ مرَّ به أعرابي فقال: ألست فلان بن فلان؟ قال: بلى، فأعطاه الحمارَ فقال: اركب هذا، والعمامةَ وقال: اشدُدْ بها رأسك، فقال له بعض أصحابه: غفر الله لك أعطيت هذا الأعرابي حماراً كنت تَرَوَّح عليه وعمامة كنت تشدُّ بها رأسك؟ فقال: إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ من أبرِّ البر صلة الرجل أهل وُدِّ أبيه بعد أن تَوَلَّى، وإن أباه كان وُدّاً لعمر رضي الله عنه» . كذا في جمع الفوائد، وأخرجه البخاري في الأدب (ص9) بنحوه مختصراً، وفي حديثه: فقال بعض من معه: أما يكفيه درهمان؟ فقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم «احفظ وُدَّ أبيك لا تقطعه، فيطفىءَ الله نورك» . (بر الوالدين بعد موتهما) وعند أبي داود عن أبي أُسَيد الساعدي رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله هل بقي نم برِّ أبويَّ شيى أبَرُّهما به بعد موتهما؟ قال: «نعم،

(أقوال الصحابة رضي الله عنهم في هذا الأمر)

الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما، وصلة الرحم التي لا تُوصل إلا بهما، وإكرام صديقهما» . إجابة دعوة المسلم (قصة أبي أيوب مع الغزاة في البحر) أخرج البخاري في الأدب (ص134) عن زياد بن أَنعَم الإفريقي أنهم كانوا غُزاة في البحر زمن معاوية رضي الله عنه، فانضم مركبنا إلى مركب أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، فلما حضر غداؤنا أرسلنا إليه فأتانا فقال: دعوتموني وأنا صائم، فلميكن لي بدٌّ من أن أجيبكم لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ للمسلم على أخيه ستَّ خصال واجبةً؛ إن ترك منها شيئاً فقد ترك حقاً واجباً لأخيه عليه: يسلِّم عليه إذا لقيه، ويجيبه إذا دعاه، ويشمِّته إذا عطَس، ويعوده إذا مرض، ويحضره إذا مات، وينصحه إذا استنصحه» - فذكر الحديث. (أقوال الصحابة رضي الله عنهم في هذا الأمر) وأخرج ابن المبارك وأحمد في الزهد عن حُميد بن نُعيم أن عمر ابن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما دُعيا إلى طعام فأجابا، فلما خرجا قال عمر لعثمان: لقد شهدت طعاماً لوددت أني لم أشهده، قال: وما ذاك؟ قال: خشيت أن يكون مباهاة كذا في الكنز وأخرج أحمد في الزهد عن عثمان رضي الله عنه أن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه تزوّج فدعاه - وهو أمير المؤمنين -، فلما جاء قال: إما إنِّي صائم غيرأني أحببت أن أجيب الدعوة وأدعو بالبركة. كذا في الكنز. وأخرج

عبد الرزاق عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: إذا كان لك صديق أو جار عامل أو ذو قرابة عامل فأهدَى لك هدية أو دعاك إلى طعام فأقبله، فإنّ مهنأه لك وإثمه عليه. كذا في الكنز. إماطة الأذى عن طريق المسلم (قصة معقل المزني مع معاوية بن قرّة) أخرج البخاري في الأدب (ص87) عن معاوية بن قُرّة قال: كنت مع مَعْقِل المزني رضي الله عنه فأماط أذىً عن الطريق، فرأيت شيئاً فبادرته، فقال: ما حملك على ما صنعت يا ابن أخي؟ قال: رأيتك تصنع شيئاً فصنعته، قال: أحسنت يا ابن أخي، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من أماط أذىً عن طريق المسلمين كتب له حسنة، ومن تُقبِّلت له حسنة دخل الجنة» . تشميت العاطس (هدية عليه السلام في هذا الأمر) أخرج الطبراني عن ابن عرم رضي الله عنهما قال: كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فعطس، فقالوا: يرحمك الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يهديكم الله ويلصح بالكم» قال الهيثمي: وفيه أسْباط بن عزرة ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح. اهـ.

وأخرج أحمد وأبو يَعْلى عن عائشة رضي الله عنها قالت: عطس رجل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قولوا: يرحمك الله» قال: ما أقول لهم يا رسول الله؟ قال: «قل لهم: يهديكم الله ويصلح بالكم» قال الهيثمي: وفيه أبو مَعْشر نَجِيح وهو ليِّن الحديث، وبقية رجاله ثقات. وأخرجه ابن جرير والبيهي عن عائشة رضي الله عنها نحوه، كما في الكنز العمال. وأخرج الطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلِّمنا إذا عطس أحدنا أن نشمِّته، وإسناده جيد كما قال الهيثمي. وعنده أيضاً عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا: «إذا عطس أحدكم فلقيل: الحمد لله رب العالمين، فإذا قال ذلك فلقيل مَنْ عنده: يرحمك الله، فإذا قال ذلك فليقل: يغفر الله لي ولكم» قال الهيثمي: وفيه عطاء بن السائب وقد اخلتط. وأخرج ابن جرير عن أم سَلَمة رضي الله عنها قالت: عطس رجل في جانب بيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: الحمد الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «يرحمك الله» ، ثم عطس آخر في جانب البيت فقال: الحمد الله، كثيراً طيباً مباركاً فيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «ارتفع هذا على هذا تسع عشرة درجة» . كذا في الكنز وقال: لا بأس بسنده.

(امتناعه عليه السلام عن تشميت من لم يحمد الله) وأخرج الشيخان وأبو داود والترمذي عن أنس رضي الله عنه قال: عطس رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم فشمَّت أحدهما ولم يشمِّت الآخر، فقيل له فقال: «هذا حمد الله وهذا لم يحمد الله» . كذا في جمع الفوائد. وعند أحمد والطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: عطس رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم أحدهما أشرف من الآخر، فعطس الشريف فلم يحمد الله فلم يشمِّته النبي صلى الله عليه وسلم وعطس الآخر فحمد الله فشمَّته النبي صلى الله عليه وسلم قال فقال: الشريف: عطستُ عندك فلم تشمِّتني وعطس هذا عندك فشمَّته؟ قال فقال: «إنَّ هذا ذكر الله فذكرتهُ وأنت نسيت الله فنسيتك» قال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح غير رِبعي بن إبراهيم وهو ثقة مأمون - اهـ. وأخرجه البخاري في الأدب (ص136) والبيهقي وابن النجار وابن شاهين، كما في الكنزل.

(قصة أبي موسى مع انبه وزوجته)

(قصة أبي موسى مع انبه وزوجته) وأخرج البخاري في الأدب (ص137) عن أبي بُرْدة قال: دخلت على أبي موسى رضي الله عنه وهو في بيت أم الفضل بن العباس رضي الله عنهم، فعطستُ فلم يشمِّتني وعطستْ فشمَّتها فأخبرتُ أمي، فلما أن أتاها وقعت به وقالت: عطس ابني فلم تشتمته وعطستْ فشمَّتها؟ فقال لها: إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا عطس أحدكم فحمد الله فشتموه، وإن لم يحمد الله فلا تشمِّتوه» وإن ابن عطس فلم يحمد الله فلم أشمته، وعطست فحمدت الله فشمتها، فقالت: أحسنت. (عمل ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم في هذا الأمر) وأخرج البخاري في الأب (ص136) عن مكحول الأزدي قال: كنت إلى جنب ابن عمر رضي الله عنهما، فعطس رجل من ناحية المسجد، فقال ابن عمر: يرحمك الله إن نكت حمدت الله. وأخرج البيهقي عن نافع رضي الله عنه أن ابن عمر رضي الله عنها كان إذا عطس فقيل له: يرحمك الله، قال: يرحمنا الله وإياكم وغفر لنا ولكم. كذا في الكنز. وأخرجه البخاري في الأدب (ص136) نحوه. وأخرج البيهقي عن نافع رضي الله عنه قال: عطس رجل عند ابن عمر رضي الله عنهما فحمد الله، فقال له انبع مر: قد بخلت، فهلاَّ حيث حمدت الله صلَّيت على النبي صلى الله عليه وسلم

عيادة المريض وما يقال له

وعن الضحاك بن قيس اليَشْكُري قال: عطس رجل عند ابن عمر فقال: الحمد الله رب العالمين، فقال عبد الله: لو تممتها والسلام على رسول الله. كذا في الكنز. وأخرج البخاري في الأدب (ص135) عن أبي جَمْرة قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول إذا شُمِّت: «عافانا الله وإياك من النار، يرحمكم الله» . عيادة المريض وما يقال له عيادته عليه السلام لزيد بن أرقم وسعد بن أبي وقاص) أخرج أبو داود عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجع كان بعيني، كذا في جمع الفوائد - واللفظ له - ومسلم والأربعة عن عامر بن سعد بن أبي وقاس عن أبيه رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي، فقلت: إني قد بلغ بي من الوجع وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: «لا» ، فقلت: فالشطر؟ فقال: «لا» ، ثم قال: «الثلث والثلث كبير - أو: كثير - إنك إن تَذَر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكفَّفون الناس، وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أُجرتَ بها حتى ما تجعل في في امرأتك» ، قلت: يا رسول الله أُخَلَّف بعد أصحابي؟ قال:

(عيادته عليه السلام لجابر)

«إنك لن تُخلَّف فتعمل عملاً صالحاً إلا ازددتَ به درجة ورفعة، ثم لعلَّك أن تُخلَّف حتى ينتفع بك أقوام ويُضر بك آخرون. اللهمَّ أمضِ لأصحابي هجرتهم ولا تردّهم على أعقابهم، لكن البائس سعد بن خَوْلة» يرثي له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مات بمكة. (عيادته عليه السلام لجابر) وأخرج البخاري في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: مرضت مرضاً فأتاني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني وأبو بكر رضي الله عنه وهما ماشيان، فوجداني أُغمي عليَّ، فتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم ثم صبص وضوءه عليَّ، فؤفقت فإذا النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله كيف أصنع في مالي، كيف أقضي في مالي، فلم يجبني بشيء حتى نزلت آية الميراث. وأخرجه في الأدب (ص75) مثله. لغاية ص 201 تابع (عيادته عليه السلام لسعد بن عبادة) وأخرج البخاري في صحيحه عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب على حمار على إكاف على قطيفة فَدَكِيَّة وأردف أسامة وراءه يعود سعد بن عبادة رضي الله عنه وقعة بدر، فسار حتى مرَّ بمجلس فيه عبد الله بن أبي بن سلول - وذلك قبل أن يسلم عبد الله - وفي المجلس أخلاطٌ من المسلمين

(عيادته عليه السلام لأعرابي)

والمشركين عبدةِ الأوثان واليهود، وفي المجلس عبد الله بن رواحة رضي الله عنه، فلما غشيت المجلسَ عجاجةُ الدابة خَمَّر عبد الله بن أبي أنفه بردائه، قال: لا تغبِّروا علينا. فسلَّم النبي صلى الله عليه وسلم ووقف ونزل، فدعاهم إلى الله فقرأ عليهم القرآن، فقال له عبد الله بن أبيّ: يا أيها المرء إنَّه لا أحسنَ مما تقول، إن كان حقاً فلا تؤذِنا به في مجالسنا، وارجع إلى رَحْلك فمن جاءك فاقصُص عليه. قال ابن رواحة: بلى - يا رسول الله - فاغشَنا به في مجالسنا، فإنا نحب ذلك. فاستبَّ المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتثاورون، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفَّضهم حتى سكتوا، فركب النبي صلى الله عليه وسلم دابته حتى دخل على سعد بن عبادة فقال له: «أيْ سعد، ألم تسمع ما قال أبو حُبَاب؟» - يريد عبد الله بن أبي، قال سعد: يا رسول الله اعفُ عنه واصفح، فلقد أعطاك الله ما أعطاك، ولقد اجتمع أهل هذه البُحَيرة على أن يتوِّجوه فيعصِّبوه، فلما رُدَّ ذلك بالحق الذي أعطاك الله شَرِقَ بذلك، فذلك الذي فعل به ما رأيت. (عيادته عليه السلام لأعرابي) وأخرج البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أعرابي يعوده، قال: وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل على مريض يعوده قال له: «لا بأس، طَهور إن شاء الله تعالى» ، قال قلت: طهور؟ كلا، بل هي حمى تفور، أو - تثور - على شيخ كبير، تزيره القبور، فقال النبي: «فنعم إذاً» .

(مرض أبي بكر وبلال أول قدومهما المدينة) وأخرج البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وُعِك أبو بكر وبلال رضي الله عنهما، قالت: فدخلت عليهما فقلت: يا أبت كيف تجدك؟ ويا بلال كيف تجدك؟ قالت: وكان أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول: كل امرىءٍ مُصَبِّح في أهله والموتُ أدنى من شِراك نعله وكان بلال إذا أقلعت عنه يقول: ألاَ ليت شِعْري هل أبيتنَّ ليلةً بوادٍ وحولي إذخرٌ وجليلُ وهل أرِدَنْ يوماً مياه مَجِنَّةٍ وهل يَبْدُوَنْ لي شامةٌ وطَفيلُ قالت عائشة: فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: «اللهمَّ حبِّب إلينا المدينة كحبِّنا مكة أو أشد، اللهمَّ وصحِّحها، وبارك لنا في مدَّها وصاعها، وانقل حُمَّاها فاجعلها بالجُحْفة» . (اجتماع خصال الخير في الصديق رضي الله عنه) وأخرج البخاري في الأدب المفرد (ص75) عن أبي هريرة رضي الله عنه: قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من أصبح منكم اليوم صائماً؟» قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا، قال: من عاد منكم يوم مريضاً؟» قال أبو بكر: أنا، قال: «من شهد منكم اليوم جنازة؟» قال أبو بكر: أنا، قال: «من أطعم اليوم مسكيناً؟»

(عيادة أبي موسى للحسن بن علي)

قال أبو بكر: أنا. قال مروان: بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما اجتمع هذه الخصال في رجل في يوم إلا دخل الجنة» . (عيادة أبي موسى للحسن بن علي) وأخرج ابن جرير والبيهقي عن عبد الله بن نافع قال: عاد أبو موسى الحسن بن علي رضي الله عنهم فقال علي: أما إنه ما من مسلم يعود مريضاً إلا وعاد معه سبعون ألف ملك يستغفرون له إن كان مصبحاً حتى يمسي، وكان له خريف في الجنة، وإن كان ممسياً خرج له سبعون ألف ملك كلهم يستغفرون له، وكان له خريف في الجنة.h كذا في الكنز، وقال: قال - أي البيهقي -: هكذا رواه أكثر أصحاب شعبة موقوفاً، وقد رُوي من غير وجه عن علي مروفعاً. انتهى؛ وهكذا أخرجه أبو داود عن عبد الله بن نافع نحوه موقوفاً، وقال: أسند هذا عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه صحيح، وهكذا أخرجه أحمد عن عبد الله بن نافع قال: عاد أبو موسى الأشعري الحسن بن علي بن أبي طالب، فقال له علي: أعائداً جئت أم زائراً؟ قال: لا، بل جئت عائداً، قال علي: أما إنه ما من مسلم - فذكر نحوه. وأخرج أحمد عن أبي فاخِتة قال: عاد أبو موسى الأشعري الحسن

(قول سلمان لمريض في كندة)

بن علي - رضي الله عنهم - قال: فدخل علي فقال: أعائداً جئت يا أبا موسى أم زائراً؟ فقال: يا أمير المؤمنين لا، بل عائداً، فقال علي رضي الله عنه: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما عاد مسلمٌ مسلماً إلا صلَّى عليه سبعون ألف ملك من حين يصبح إلى أن يمسي، وجعل الله تعالى له خريفاً في الجنة» ، قال: فقلنا: يا أمير المؤمنين وما الخريف؟ قال: الساقية التي تسقي النخل. (عيادة عمرو بن حريث للحسن بن علي) وأخرج أحمد أيضاً عن عبد الله بن يَسَار أن عمرو بن حُرَيْث عاد الحسن بن علي - رضي الله عنهما - فقال له علي: أتعود الحسن وفي نفسك ما فيها؟ فقال له عمرو: إنك لست بربيِّ فتُصرِّف قلبي حيثُ شئت، قال علي رضي الله عنه: أما إن ذلك لا يمنعنا أن نؤدي إليك النصيحة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من مسلم عاد أخاه إلا ابتعث الله له سبعن ألف ملك يصلُّون عليه من أيِّ ساعات النهار كان حتى يمسي ومن أيِّ ساعات اليل كان حتى يصبح» . وأخرجه البزّار. قال الهيثمي: ورجال أحمد ثقات. (قول سلمان لمريض في كندة) وأخرج البخاري في الأدب (ص72) عن عبد الرحمن بن سعيد عن أبيه قال: كنت مع سلمان رضي الله عنه وعاد مريضاً في كِندة، فلما دخل عليه قال: أبشر فإن مَرَض المؤمن يجعله الله له كفارة ومستعتباً، وإن مَرَض الفاجر كالبعير عقله أهله ثم أرسلوه فلا يدري لم عُقل ولم أُرسل. وعند أبي نعيم في الحلية عن سعيد بن وَهْب قال: دخلت مع سلمان

رضي الله عنه على صديق له من كِندة يعوده فقال له سلمان: إن الله تعالى يبتلي عبده المؤمن بالبلاء ثم يعقابه، فيكون كفارة لما مضى فيَستعتب فيما بقي. وإن الله عز اسمه يبتلي عبده الفاجر بالبلاء ثم يعاقبه، فيكون كالبعير عقله أهله ثم أطلقوه؛ فلا يدري فيم عقلوه حين عقلوه ولا فيمَ أطلقوه حين أطلقوه. (قول ابن عمر للمريض وقول ابن مسعود لرجل عند مريض) وأخرج البخاري في الأدب (ص87) عن نافع رضي الله عنه قال: كان ابن عمرو رضي الله عنهما إذا دخل على مريض يسأله كيف هو، فإذا قام من عنده قال: خارَ الله لك ولم يَزده عليه. وأخرج أيضاً (ص78) عن عبد الله بن أبي الهذيل قال: دخل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه على مريض يعوده ومعه قوم وفي البيت امرأة، فجعل رجل من القوم ينظر إللى المرأة، فقال له عبد الله: لو انفقأتْ عينك كل خيراً لك. (ما كان يقوله عليه السلام عند المرضى وما كان يفعله) وأخرج ابخاري في الأدب (ص79) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عاد المريض جلس عند رأسه ثم قال - سبع مرار -: «أسأل الله العظيم ربَّ العرش العظيم أن يشفيك» فإن كان في أجله تأخير عُوفي من وجعه. وأخرج ابن أبي شيبة عن علي رضي الله عنه. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ

دخل على المريض قال: «أذهبِ البأسَ ربَّ الناس واشف أنت الشافي لا شافيَ إلا أنت» ورواه أحمد والترمذي - وقال حسن غريب - والدَّوْرَقي وابن جرير وصحَّحه بلفظ: «لا شفاء إلا شفاؤك شفاءٌ لا يغادر سقماً» . كذا في الكنز. وعند ابن مردويه وأبي علي الحداد في معجمه عن علي رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عاد مريضاً وضع يده اليمنى على خده اليمنى وقال: «لا بأس أذهبِ البأسَ ربَّ الناس، اشف أنت الشافي لا يكشف الضر إلا أنت» . وعند ابن أبي شيبة عن أنس رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل على مريض قال: «أذهب البأس ربَّ الناس، واشف أنت الشافي لا شافي إلا أنت شافء لا يغادر سقماً» . كذا في الكنز. وأخرج أبو يَعْلى عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عاد مريضاً يضع يده على المكان الذي يألم ثم يقول: «بسم الله لا بأس» . قال الهيثمي: رجاله موثَّقون.

الاستئذان

وأخرج الطبراني في الكبير عن سلمان رضي الله عنه قال: دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني، فلما أراد أن يخرج قال: «يا سلمان، كشف الله ضرَّك، وغفر ذنبك، وعافاك في دينك وجسدك إلى أجلك» . وفيه عمرو ابن خالد القرشي وهو ضعيف، كما قال الهيثمي. وأخرج البخاري في صححيه عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أتى مريضاً أو أُتي به إليه قال عليه الصلاة والسلام: «أذهب البأسَ ربَّ الناس، اشف وأنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك، (شفاء) لا يغادر سَقَماً» . وأخرجه ابن عسد عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوِّذ بهذه الكلمات - فذكر نحوه، وفيه قالت: فلما ثَقُل رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه أخذت بيده، فجعلت أمسحه بها وأعوِّذه بها، قالت: فنزع يده مني وقال: «ربِّ اغفر لي وألحقني بالرفيق» ، قالت: وكان هذا ما سمعت من كلامه. الاستئذان (حديث أنس في تسليمه عليه السلام ثلاثاً) أخرج البخاري في صحيحه عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سلَّم سلم ثلاثاً، وإذا تكلَّم بكلمة أعادها ثلاثاً.

(قصة رجل استأذن النبي عليه السلام ولم يسلم)

(قصته عليه السلام مع سعد بن عبادة) وعند أبي داود عن قيس بن سعد رضي الله عنهما قال: زارنا النبي صلى الله عليه وسلم في منزلنا فقال: «السلام عليكم ورحمة الله» ، فردّ أبي ردّاً خفياً، فقلت: ألا تأذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ذَرْه حتى يكثر علينا من السلام، فقال صلى الله عليه وسلم «السلام عليكم ورحمة الله» ، فردّ سعد ردّاً خفياً، ثم قال صلى الله عليه وسلم «السلام عليكم ورحمة الله» ، ثم رجع. فاتَّبعه سعد فقال: يا رسول الله، إنِّي كنت أسمع تسليمك وأردُّ عليك ردّاً خفياً لتكثر علينا من السلام، فانصرف معه النبي صلى الله عليه وسلم وأمر له سعد بغُسل فاغتسل، ثم ناوله مِلحفة مصبوغة بزعفران أو وَرْس فاشتمل بها، ثم رفع يده وهو يقول: «اللهمَّ اجعل صلواتك ورحمتك على (آل) سعد» ثم أصاب صلى الله عليه وسلم من الطعام، فلما أراد الانصراف قرب له سعد حماراً قد وُطِّأَ عليه بقطيفة، فقال سعد: يا قيس اصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصحبته، فقال لي: «اركب معي» فأبيت، فقال: «إِمَّا أن تركب وإما أن تنصرف» فانصرفت. كذا في جمع الفوائد. (قصة رجل استأذن النبي عليه السلام ولم يسلم) وأخرج البخاري في الأدب المفرد (ص158) عن رِبْعي بن حِراش رضي الله عنه قال: حدثني رجل من بني عامر جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أألج؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم للجارية: «اخرجي فقولي له قل: السلام عليكم

أأدخلُ؟ فإنه لم يحسن الاستيذان» ، قال: فسمعتها قبل أن تخرج إليَّ الجارية، فقلت: السلام عليك أأدخل؟ فقال: «وعليك أدخل» - فذكر الحديث وأخرجه أيضاً أبو داود، كما في جمع الفوائد. (استئذان عمر وأبي هريرة وعلي على النبي عليه السلام) وأخرج أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء عمر رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مشربة له، فقال: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليكم، أيدخل عمر؟ قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح - اهـ. وأخرجه أبو داود والنِّسائي عن عمرو رضي الله عنه نحوه والخطيب ولفظه: قال: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام عليكم، أيدخل عمر؟ والترمذي. كذا في الكنز. وأخرج البيهقي عن عمر قال: استأذنت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً فأذن لي. قال البيهقي: حسن غريب. كذا في الكنز. وأخرج أبو يَعْلى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بعث إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئنا فاستأذنا. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير إسحاق بن أبي إسرائيل وهو ثقة.

(إنكارا لنبي عليه السلام على من نظر إلى بيوته قبل أن يؤذن له)

وأخرج الطبراني عن سفينة رضي الله عنه قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وجاء علي رضي الله عنه يستأذن، فدقَّ الباب دقّاً خفيفاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «افتح له» . قال الهيثمي: وفيه ضرار بن صُرَد وهو ضعيف. (نهيه عليه السلام سعد بن عبادة أن يستأذن وهو مستقبل الباب) وأخرج الطراني عن سعد بن عبادة رضي الله عنه أنه استأذن وهو مستقبل الباب، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم «لا تستأذن الباب» . وفي رواية قال: جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيت، فقمت مقابل الباب فاستأذنت، فأشار إليَّ أن تباعد، ثم جئت فاستأذنت فقال: «وهل الاستئذان إلا من أجل النظر» . ورجال الرواية الثانية رجال الصحيح، كما قال الهيثمي. (إنكارا لنبي عليه السلام على من نظر إلى بيوته قبل أن يؤذن له) وأخرج البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلاً اطَّلع من بعض حُجَر النبي صلى الله عليه وسلم فقام إليه النبي صلى الله عليه وسلم بمشقص أو بمشاقص؛ فكأنِّي أنظر إليه يختِل الرجل ليطعنه. وعنده أيضاً عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن رجلاً اطَّلع

في حُجْرٍ في باب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم مِدْرَى يحك به رأسه، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو أعلم أنك تنتظرني لطعنتُ به في عينيك» ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنما جُعل الإذن من قِبَل البصر» . (إنكارا لنبي عليه السلام على من نظر إلى بيوته قبل أن يؤذن له) وأخرج البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلاً اطَّلع من بعض حُجَر النبي صلى الله عليه وسلم فقام إليه النبي صلى الله عليه وسلم بمشقص أو بمشاقص؛ فكأنِّي أنظر إليه يختِل الرجل ليطعنه. وعنده أيضاً عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن رجلاً اطَّلع في حُجْرٍ في باب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم مِدْرَى يحك به رأسه، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو أعلم أنك تنتظرني لطعنتُ به في عينيك» ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنما جُعل الإذن من قِبَل البصر» . (قصة أبي موسى الأشعري مع عمر حين استأذن ثلاثاً ولم يؤذن له) وأخرج البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كنت في مجلس الأنصار إذ جاء أبو موسى رضي الله عنه كأنه مذعور، فقال: استأذنت على عمر رضي الله عنه ثلاثاً لم يُؤذن لي فرجعت، قالت: ما منعك؟ قلت: استأذنت ثلاثاً فلم يُؤذن لي فرجعت وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا استأذن أحدكم فلم يُؤذن له فليرجع» ، فقال: والله لتقيمنَّ عليه بينة، أمنكم أحد سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبي ابن كعب: والله لا يقوم معك إلا أصغر القوم، فكنت أصغر القوم فقمت معه فأخبرت عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك. وعنده أيضاً من طريق عُبيد بن عُمير فقال عمر: خفي عليَّ هذا من أَمر النبي صلى الله عليه وسلم ألهاني الصَّفْق بالأسواق. وعنده أيضاً في الأدب المفرد (ص157) عن أبي موسى رضي الله عنه قال: استأذنت على عمر رضي الله عنه فلم يُؤذن لي ثلاثاً فأدبرت، فأرسل إليَّ فقال: يا عبد الله اشتد عليك أن تحتبس على بابي؟ اعلم أن الناس كذلك يشتد

(بعض قصص الصحابة رضي الله عنهم في الاستئذان)

عليهم أن يحتبسوا على بابك، فقلت: بل استأذنت عليك ثلاثاً فلم يؤذن لي فرجعت، فقال: ممن سمعت هذا؟ فقلت: سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أسمعت من النبي ما لم نسمع؟ لئن لم تأتني على هذا بينة لأجعلنَّك نكالاً، فخرجت حتى أتيت نفراً من الأنصار جلوساً في المسجد فسألتهم، فقالوا؛ أوَيشك في هذا أحد؟ فأخبرتهم ما قال عمر، فقالوا: لا يقوم معك إلا أصغرنا، فقام معي أبو سعيد الخدري - وأبو مسعود رضي الله عنهما - إلى عمر، فاقل: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يريد سعد بن عبادة رضي الله عنه حتى أتاه فسلّم فلم يُؤذن له، ثم سلّم الثانية ثم الثالثة فلم يُؤذن له، فقال: «قضينا ما علينا» ، ثم رجع فأدركه سعد فقال: يا رسول الله والذي بعثك بالحق ما سلمتَ من مرة إلا وأنا أسمع وأردُّ عليك، ولكن أحببت أن تكثر من السلام عليَّ وعلى أهل بيتي، فقال أبو مسى: والله إن كنتُ لأميناً على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أجل، ولكن أحببت أن استثبت. (بعض قصص الصحابة رضي الله عنهم في الاستئذان) وأخرج البيهقي عن عامر بن عبد الله أن مولا له ذهبت بابنة الزبير إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقالت: أدخل؟ فقال عمر: لا، فرجعت فقال: ادعوها، فتقولي: السلام عليكم أدخل؟ كذا في الكنز. وأخرج ابن سعد عن أسلم قال قال لي عمر رضي الله عنه: يا أسلم أمسك عليَّ البا فلا تأخذنَّ من أحد شيئاً، فرأى عليَّ يوماً ثوباً جديداً فقال: من أين لك هذا؟ قلت: كسانيه عبيد الله بن عمر - رضي الله عنهما - فقال: أما عبيد الله فخذ منه وأما غيره فلا تأخنذَّ منه شيئاً. قال أسلم: فجاء الزبير رضي الله عنه وأنا على الباب فسألني أن يدخل، فقلت: أمير المؤمنين مشغول

ساعة، فرفع يده فضرب خلف أذني ضربة صيَّحني، فدخلت على عمر فقال: مالك؟ فقلت: ضربني الزبير وخبَّرته خبره، فجعل عمر يقول: الزبير والله أرى، ثم قال: أدخله فأدخلته على عمر، فقال: لم ضربت هذا الغلام؟ فقال الزبير: زعم أنه سيمنعنا من الدخول عليك، فقال: هل ردَّك عن بابي قط؟ قال: لا، قال عمر: فإن قال لك: اصبر ساعة فإن أمير المؤمنين مشغول لم يتعذُرني، إنه والله؟ إنما يُدمي السبع للسباع فتأكله. كذا في الكنز. وأخرج الخباري في الأدب المفرد (ص189) عن زيد بن ثابت أن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه جاءه يستأذن عليه يوماً، فأذن له ورأسه في يد جارية له ترجِّله، فنزع رأسه، فقال له عمر: دَعْها ترجِّلك، فقال: يا أمير المؤمنين لو أرسلت إليَّ جئتك، فقال عمر: إنما الحاجة لي. وأخرج الطبراني عن رجل قال: استأذنا على عبد الله بن مسعود رضي الله عنه صلاة الصبح، فأذن لنا وألقى على امرأته قطيفة، وقال: إني كرهت أن أحبسكم. قال الهيثمي: والرجل لم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح. وأخرج البخاري في الأدب (ص155) عن موسى بن طلحة رضي الله عنه قال: دخلت مع أبي على أمي فدخل فاتَّبعته، فالتفت فدفع في صدري حتى أقعدني على استي، ثم قال: أتدخل بغير إذن؟ وصحَّح سنده الحافظ في الفتح. وأخرج أيضاً (ص159) عن مسلم بن نذير قال: اتسأذن رجل على حذيفة رضي

حب المسلم لله

الله عنه فاطَّلع وقال: أدخل؟ قال حذيفة: أما عينك فقد دخلت، وأما استُك فلم تدخل وقال رجل: استأذنُ على أمي؟ قال: إن لم تستأذن رأيت ما يسوءك. وأخرج أحمد عن أبي سُويد العبدي قال: أتينا ابن عمر رضي الله عنهما فجلسنا ببابه ليُؤذنَ لنا، قال: فأبطأ علينا الإذن، فقمت إلى حُجحر في الباب فحعلت أطَّلع فيه ففطن بي، فلما أذن لنا جلسنا، فقال: أيكم اطَّلع آنفاً في داري؟ قلت: أنا، قال: بأي شيء استحللت أن تطَّلع في داري؟ قلت: أبطأ علينا فنظرت فلم أتعمد ذلك، قال: ثم سألوه عن أشياء، قلت: يا أبا بعد الرحمن ما تقول في الجهاد، قال: من جاهد فإنما يجاهد لنفسه. قال الهيثمي: وأبو الأسود وبركة بن يَعْى التميمي لم أعرفهما. حب المسلم لله (سؤاله عليه السلام عن أوثق عرى الإسلام وجوابه) أخرج أحمد عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أيُّ عُرى الإسلام أوثق؟» قالوا: الصلاة، قال: «حسنة وما هي بها» ، قالوا: صيام رمضان، قال: «حسن وما هو به» ، قالوا: الجهاد، قال: «حسن وما هو به» ، قال: «إنَّ أوثق عُرى الإيمان أن تحب لله وتُبغض في الله» . وفيه ليث بن أبي سُليم وضعَّفه الأكثر. وعنده أيضاً عن أبي ذر رضي الله عنه قال: خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم

فقال: «أتدرون أي الأعمال أحب إلى الله؟» قائل: الصلاة والزكاة، وقال قائل: الجهاد، قال: «إنَّ أحب الأعمال إلى الله عز وجل الحب لله والبغض لله» . وفيه رجل لم يُسمَّ. وعند أبي داود طَرَف منه. كذا في مجمع الزوائد. (حبه عليه السلام للتقي، وحبه لعمار وابن مسعود) وأخرج أبو يَعْلى عن عاشئة رضي الله عنها قالت: ما أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ذا تُقيِّ. وإسناده حسن، كما قال الهيثمي. وأخرج ابن عساكر عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه قال: رجلان مات النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبحهما: عبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر رضي الله عنهم. وعنده أيضاً عن الحسن رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث عمرو بن العاص رضي الله عنه على الجيش عاملاً وفيهم عامة أصحابه، فقيل لعمرو: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان يستعملك ويُدْنيك ويحبك، فقال: قد كان يستعملني فلا أدري يتألَّفني أو يحبني. ولكن أدلكم على رجلين مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبحهما: عبد الله بن مسعود، وعمار ابن ياسر رضي الله عنهم. كذا في المنتخب. وأخرجه ابن سعد عن الحسن نحو وزاد: قالوا: فذاك والله

قيتلكم يوم صفين، قال: صدقتم - والله - لقد قتلناه. (سؤال علي والعباس النبي عليه السلام عن أحب أهله إليه) وأخرج الطيالسي والترمذي - وصحّحه - والرُوياني والبَغَوي والطبراني والحاكم عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: كنت جالساً إذ جاء عليٌّ والعباس رضي الله عنهما يستأذنن فقالا: يا أسامة استأذن لنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله عليُّ والعباس يستأذنان، فقال: «أتدري ما جاء بهما؟» قلت: لا، قال النبي صلى الله عليه وسلم «لكني أدري، ائذن لهما» فدخلا فقالا: يا رسول الله جئناك نسألك أيُّ أهلك أحب إليك؟ قال: «فاطمة بنت محمد» قالا: ما جئناك نسألك عن أهلك، قال: «فأحب الناس إليَّ مَنْ أَنْعَمَ الله عليه وأنعتُ عليه أسامة بن زيد» ، قالا: ثم من؟ قال: «إنَّ علياً سبقك بالهجرة» . كذا في المنتخب. (حبه عليه السلام لعائشة وأبي بكر) وعند ابن عساكر عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال قيل: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أيُّ النسا أحب إليك؟ قال: «عائشة» ، قال: ومن الرجال؟ قال: أبو بكر» قال: ثم من، قال: «ثم أبو عبيدة» كذا في المنتخب. وعند ابن سعد عن عمرو رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله من أحب الناس إليك

قال: «عائشة» قال: إنما أقول من الرجال، قال: «أبوها» . (طلب عليه السلام ممن يحب أحداً في الله أن يخبره بذلك) وأخرج أبو داود عن أنس رضي الله عنه أن رجلاً كان عند النبي صلى الله عليه وسلم فمر رجل فقال: يا رسول الله إني لأحب هذا، فقال له صلى الله عليه وسلم «أعلمته؟» قال: لا، قال: «فأعلمه» فلحقه فقال: إني أحبك في الله، قال: أحبَّك الذي أحببتني له. كذا في جمع الفوائد. وأخرجه ابن عساكر وابن النجار عن أنس رضي الله عنه وأبو نعيم عن الحارث بنحوه، كما في الكنز. وعند الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: بينما أن جالس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فسلَّم ثم ولَّى عنه، فقلت: يا رسول الله إني أحب هذا، قال: «هل أعلمتَه؟» قلت: لا، قال: «فأعلت ذاك أخاك» فأتيته فسلّمت عليه فأخذت بمنكبه وقلت: والله إني لأحبك في الله، وقال هو: وإني أحبُّك في الله، وقلت: لولا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرني أن أفعل. قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير والأوسط، ورجالهما، رجال الصحيح غير الأزرق بن علي وحسان بن إبراهيم وكلاهما ثقة. (بعض قصص الصحابة رضي الله عنهم في حبِّهم لله) وعند الطبراني أيضاً عن عبد الله بن سَرْجَس رضي الله عنه قال: قلت

للنبي صلى الله عليه وسلم إني أحب أبا ذر رضي الله عنه، فقال: «أعلمتَه بذلك؟» قلت: لا، قال: «فأعلمه» فلقيت أبا ذر فقلت: إني أحبك في الله، قال: أحبَّك الذي أحببتني له، فرجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال: «أما إنَّ ذلك لَمِن ذكره أجر «ز. قال الهيثمي: وفيه من لم أعرفهم. وأخرج أبو يَعْلى عن مجاهد فقال: مرَّ رجل بابن عباس رضي الله عنهما قال: إن هذا يحبني، قالوا: وما يدريك يا أبا عباس، قال: لأني أحبُّه. وفيه محمد بن قادمة شيخ أبي يَعْلى ضعَّفه الجمهور ووثَّقه ابن حِبَّان وغيره، وبقية رجاله ثقات، كما قال الهيثمي. وأخرج البخاري في الأدب المفرد (ص80) عن مجاهد قال: لقيني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ بمَنكبي من ورائي قال: أما إني أحبك قال: أحبك اذي أحببتني له، فقال: لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أحب الرجلُ الرجلَ فليخبره أنَّه أحبَّه» ما أخبرتك، قال: ثم أخذ يعرض عليَّ الخِطبة قال: أما إنَّ عندنا جارية. أمَا إنها عوراء. وأخرج الطبراني عن مجاهد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال لي: أحبَّ في الله وأبغض في الله، ووال في الله وعاد في الله، فإنّه لا تُنال ولا ية الله إلا بذلك، ولا يجد رجل طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصيامه حتى يكون كذلك، وصارت مؤاخاة الناس في أمر الدنيا. وفيه ليث بن أبي سُلَيم والأكثر على ضَعْفه، كما قال الهيثمي.

هجرة المسلم

هجرة المسلم (قصة عائشة مع ابن الزبير) أخرج البيخاري عن عوف بن الطفيل وهو ابن أخي عائشة - رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم لأمها - أن عائشة حُدِّثت أن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال في بيع أو عطاء أعطته عائشة: والله لتنتهينَّ عائشة أو لأحجرنَّ عليها، فقالت أهو قال هذا؟ قالوا: نعم، قالت: هو لله علي نَذْر أَن لا أُكلِّم ابن الزبير أبداً، فاستشفع ابن الزبير إليها حين طالت الهجرة، فقالت: لا والله لا أَشَفِّع فيه أَبداً ولا أتحنث إلى نَذْري، فلما طال ذلك على ابن الزبير كلَّم المِسَور بن مَخْرَمة وعبد الرحمن بن الأسود ابن عبد يَغْوث رضي الله عنهما - وهما من بني زُهْر - وقال لهما: أَنشدكما بالله لَمَا أدخلتماني على عائشة فإنها لا يحل لها أن تنذر قطيعتي، فأقبل به المِسْوَر وعبد الرحمن مشتملين بأرديتهما حتى استأذنا على عائشة، فقالا: السلام عليك ورحمة الله وبركاته أندخل؛ قالت عائشة: ادخلوا، قالوا: كلُّنا؟ قالت: نعم ادخلوا كلُّكم - ولا تعلم أنَّ معهما ابن الزبير -، فلما دخلوا دخل ابن الزبير الحجابفاعتنق عائشة فطفق يناشدها ويبكي، وطفق المِسْوَر وعبد الرحمن يناشدانها إلاَّ ما كلمت وقبلت منه، ويقولان: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عمَّا قد علمتِ من الهجرة، وأنه لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليالٍ. فلما أكثروا على عائشة من التذكرة والتحريج طفقت تذكِّرهما وتبكي وتقول: إني نذرت والنَّذْر شديد، فلم يزالا بها حتى كلَّمت ابن الزبير وأعتقت في نَذْرها ذلك أربعين برقبة، وكانت تذكر نَذْرها بعد ذلك فتبكي حتى تبل دموعها خمارها. وأخرجه البخاري في الأدب المفرد (ص59) عن عوف بن الحارث ابن الطفيل نحوه.

إصلاح ذات البين

وأخرج أيضاً في الصحيح (1 497) عن عروة بن الزبير رضي الله عنهما قال: كان عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما أحب البشر إلى عائشة رضي الله عنها بعد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه، وكان أبرّ الناس بها، وكانت لا تمسك شيئاً مما جاءها من رزق الله إلاَّ تصدقت، فقال ابن الزبير: ينبغي أن يؤخذ على يديها، فقالت: أيُؤخذ على يدي؟ عليَّ نَذْر إن كلمته، فاستشفع إليها برجال من قريش وبأخوال رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة فامتنعت، فقال له الزهريون أخوال النبي صلى الله عليه وسلم منهم عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يَغُوث والمِسْوَر بن مَخْرَمة رضي الله عنهما: إذا استأذنَّا فاقتحم الحجاب، ففعل، فأرسل إليها بعشر رقاب فأعتقتهم، ثم لم تزل تعتقهم حتى بلغت أربعين وقالت: وددت أني جعلت حين حلفت عملاً أعمله فأفرغَ منه. إصلاح ذات البين (قصة خصومة أهل قباء وإصلاحه عليه السلام بينهم) أخرج البخاري عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن أهل قُباء اقتتلوا حتى ترامَوا بالحجارة، فأُخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: «اذهبوا بنا نصلح بينهم» وعنده أيضاً (ص370) من حديثه أن أُناساً نم بني عمرو ابن عوف كان بينهم شيء، فخرج إليهم صلى الله عليه وسلم في أُناس من أصحابه يصلح بينهم فذكر الحديث.

إصلاحه عليه السلام بين الأوس والخزرج

إصلاحه عليه السلام بين المتخاصمين حين زار عبد الله بن أبي وأخرج البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم أتيت عبد الله بن أُبيّ، فانطلق إليه النبي صلى الله عليه وسلم وركب حماراً فانطلق المسلمون يمشون مع وهي أرض سَبْخة، فلما أتاه النبي صلى الله عليه وسلم قال: إليك عني، والله لقد آذاني نَتْن حمارك فقال رجل من الأنصار منهم: والله، لحمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب ريحاً منك فغضب لعبد الله رجلٌ من قومه فشتما، فغضب لكل واحد منهما أصحابه، فكان بينهما ضرب بالجريد والأيدي والنعال، فبلَغنا أنها نزلت {وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا} (سورة الحجرات، الآية: 9) . وقد تقدّم في عيادة المريض حديث أسامة رضي الله عنه أخرجه البخاري وفيه: فاستبَّ المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتثاورون فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفِّضهم حتى سكتوا. إصلاحه عليه السلام بين الأوس والخزرج وأخرج الطبراني عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان الأوس والخزرج حيَّين من الأنصار وكان بينهما عداوة في الجاهلية، فلّما قدم عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب ذلك وألَّف الله بين قلوبهم، فبينما هم قعود في مجلس لهم إذ تمثَّل رجل من الأوس ببيت فيه هجاء الخزرج، وتمثَّل رجل من الخزرج ببيت فيه هجاء الأوس، فلم يزل هذا يتمثَّل ببيت وهذا يتمثَّل ببيت حتى وثب بعضهم إلى بعض وأخذوا أسلحتهم وانطلقوا للقتال، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأُنزل الحي فَجاء مسرعاً قد حسر عن ساقَيه، فلما رآهم ناداهم: {ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ

الاحتراز عن ظن السوء بالمسلم

اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (سورة آل عمران، الآية: 102) . حتى فرغ من الآيات، فوحشوا بأسلحتهم فرمَوا بها، واعتنق بعضهم بعضاً يبكون. قال الهيثمي: رواه الطبراني في الصغير وفيه غسان بن الربيع وهو ضعيف اهـ. صدق الوعد للمسلم وصية ابن عمرو عند الوفاة بتزويجه ابنته لرجل كان قد وعده بها أخرج ابن عساكر عن هارون بن رباب أن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما لما حضرته الوفاة: قال: انظروا فلاناً فإني كنت قلت له في ابنتي قولاً كشبه العِدَة، فما أحب أن ألقى الله بثلث النفاق فأشهدكم أني قد زوجته. كذا في كنز العمال. الاحتراز عن ظن السوء بالمسلم قصة رجلين من الصحابة في هذا الأمر واحتكامهما للنبي عليه السلام وأخرج ابن عساكر عن أنس رضي الله عنه أن رجلاً مرّ بمجلس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلّم الرجل فردّوا عليه، فلما جاوزها قال أحدهم إني لأبغضُ هذا، قالوا: مَهْ، فوالله لننبئه بهذا. انطلق يا فلان فأخبره بما قال له، فانطلق الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحدّثه بالذي كان وبالذي قال؛ قال الرجل: يا رسول الله أرسل إليه فاسأله لم يبغضني؟ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «لم تبغضه؟» قال: يا رسول الله أنا جاره وأنا به أخبر، ما رأيته يصلِّي صلاة إلا هذه الصلاة التي يصليها البر والفاجر، فقال له الرجل: يا رسول الله سَلْه هل أسأت لها وضوءاً

أو أخرَّتها عن وقتها فقال: لا، ثم قال: يا رسول الله أنا له جار وأنا به خابر، ما رأيته يطعم مسكيناً قطُّ إلا هذه الزكاة التي يؤديها البر والفاجر، فقال: يا رسول الله سَلْهُ هل رآني منعت منها طالبها؟ فسأله، فقال: لا، فقال يا رسول الله أنا له جار وأنا به خابر ما رأيته يصوم يوماً قط إلا الشهرالذي يصومه البرَ والفاجر، فقال الرجل: يا رسول الله سَلْه هل رآني أفطرت يوماً قط لست فيه مريضاً ولا على سفر؟ فسأله عن ذلك، فقال: لا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «فإني لا أدري لعلّه خير منك» . كذا في كنز العمال. مدح المسلم وما يكره منه ما وقع بين رجل من بني ليث وبين النبي عليه السلام أخرج الطبراني عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: جاء رجل من بني ليث إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أُنشدك - قالها ثلاث مرات - فأنشده الرابعة مديحه له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن كان أحد من الشعراء يحسن فقد أحسنت» ؛ قال الهيثمي: وفيه راوه لم يُسمَّ، وعطاء بن السائب اختلط. مدح أسامة بن زياد لخلاَّد بن السائب وأخرج الطبراني عن خلاّد بن السائب رضي الله عنه قال: دخلت على أسامة بن زيد فمدحني في وجهي وقال: إنه حملني على أن أمدحك في وجهك، أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا مُدح المؤمن في وجهه رَبَا الإيمان في قلبه» . قال الهيثمي: وفيه ابن لَهيعة وبقية رجاله وُثِّقوا.

قوله عليه السلام لمن بالغ في مدحه وأخرجه أبو داود عن مُطرِّف قال قال أبي: انطلقت في وفد بني عامر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا: أنت سيدنا، فقال: «السيد الله» . قلنا: وأفضلنا فضلاً وأعظمنا طَوْلاً، فقال: «قولوا بقلوكم أو بعض قولكم ولا يَسْتَجْرِينَّكم، الشيطان» ورواه رَزِين نحوه عن أنس رضي الله عنه وزاد في آخره: «إني لا أريد أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلنيها الله تعالى، أنا محمد بن عبد هـ ورسوله» . كذا في جمع الفوائد. وعند ابن النجار عن أنس رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم يا خيرنا وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم «قولوا ما أقول لكم ولا يستهوِيَنَّكم الشيطان، أنزلوني حيث أنزلني الله، أنا عبد الله ورسوله» . كذا في الكنز. وأخرجه أحمد عن أنس نحوه، كما في البداية. قوله عليه السلام لمن مدح رجلاً في وجهه وهديه في ذلك وأخرج الشيخان وأبو داود عن أبي بَكْر رضي الله عنه قال: أثنى رجل على رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ويلك قطعت عنق صاحبك، قطعت عنق صاحبك» - ثلاثاً -، ثم قال: «من كان منكم مادحاً أخاه لا محالة فليقل:

قصة محجن الأسلمي في هذا الأمر

أحسب فلاناً - والله حسيبه -، ولا يزكِّي علي أحداً، أحسب كذا وكذا، إن كان يعلم ذلك منه» . كذا في جمع الفوائد. وعند البخاري أيضاً عن أبي موسى رضي الله عنه قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يثني على رجل ويُطريه في المدحة فقال: «أهلكتم - أو: قطعتم - ظهر الرجل» . وأخرجه ابن جرير مثله، كما في الكنز. قصة محجن الأسلمي في هذا الأمر وأخرج البخاري في الأدب المفرد (ص51) عن رجاء بن أبي رجاء عن مِحْجَن الأسلمي رضي الله عنه قال رجاء: أقبلت مع مِحْجَن ذات يوم حتى انتهينا إلى مسجد أهل البصرة فإذا بُرَيدة الأسلمي رضي الله عنه على باب من أبواب المسجد جالس، قال: وكان في المسجد رجل يقال له سَكْبَة يطيل الصلاة، فلما انتهينا إلى باب المسجد وعليه بردة وكان بُرَيدة صاحب مزاحات، فقال: يا محجن أتصلِّي كما يصلِّي سَكْبة؟ فلم يرد عليه مِحْجَن ورجع، قال قال مِحْجَن: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيدي فانطلقنا نمشي حتى صعدنا أُحُداً، فأشرف على المدينة فقال: «وَيْل امِّها من قرية يتركها أهلها كأعمرِ ما تكون، يأتيها الدجال فيجد على كل باب من أبوابها مَلَكاً فلا يدخلها» ثم انحدر حتى إذا كنا في المسجد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يصلِّي ويسجد ويركع، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم «من هاذ؟» فأخذت أُطريه فقلت: يا رسول الله هذا فلان وهذا فلان، فقال: «أمسك، لا تسمعه فتهلِكَه» قال: فانطلق يمشي حتى إذا كان عند حُجعره لكنه نفض يدهي ثم قال: «إنَّ خير دينكم أيسرُه، إنّ خير دينكم أيسره» ثلاثاً.

غضب عمر رضي الله عنه على مدح المسلم

وأخرجه الإمام أحمد عن رجاء بطوله نحوه إلا أن في روايته قال: فأخذت أُطريه له، قال قلت: يا رسول الله هذا فلان وهذا وهذا، قال: اسكت، لا تسمعْه فتهلِكَه» قال: ثم انطلق يمشي حتى إذا كنا عند حجره لكنه رفض يدي ثم قال: «إنَّ خير دينكم أيسره، إنَّ خير دينكم أيسره، إنَّ خير دينكم أيسره» . وأخرجه أحمد أيضاً من طريق عبد الله بن شقيق عن محِجن رضي الله عنه وفي روايته قال قلت: يا نبي الله هذا فلان وهذا من أحسن أهل المدينة - أو قال: أكثر أهل المدينة - صلاة، قال: «لا تسمعه فتهلكه - مرتين أو ثلاثاً - إنكم أمة أريد بكم اليسر» . وأخرجه ابن جرير والطبراني مختصراً، كما في كنزل العمال. غضب عمر رضي الله عنه على مدح المسلم وأخرجه ابن أبي شيبة والبخاري في الأدب عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال: كنا قعوداً عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فدخل عليه رجل فسلَّم عليه، فأثنى عليه رجل من القوم في وجهه، فقال عمر: عَقَرتَ الرجل عقَرك الله، تثني عليه في وجهه في دينه، كذا في الكنز. وعند ابن أبي الدنيا في الصمت عن الحسن أن رجلاً أثنى على عمر رضي الله عنه فقال: تهلكني وتهلك نفسك كذا في الكنز.

قصة عمر رضي الله عنه مع الجارود وأخرج ابن أبي الدنيا في الصمت عن الحسن قال: كان عمر رضي الله عنه قاعداً ومعه الدِّرَّة والناس حوله إذا أقبل الجارود رضي الله عنه، فقال رجل: هذا سيد ربيعة، فسمعه عمر ومن حوله وسمعه الجارود، فلما دنا منه خَفَقَه بالدِّرَّة، فقال: مالي ولك يا أمير المؤمنين؟ فقال: مالي ولك؟ أمَا لقد سمعتها، قال: سمعتها فَمْه؟ قال: خشيت أن يخالط قلبك منها شيء فأحببت أن أطأطىء منك. كذا في الكنز. حثو المقداد الحصى والتراب في وجه المداحين وأخرج مسلم واللفظ له وأبو داود عن هَمَّام ابن الحارث أن رجلاً جعل يمدح عثمان رضي الله عنه، فعمد المقداد رضي الله عنه فجثى على ركبتيه - وكان رجلاً ضخماً - فجعل يحثو في وجهه الحصى، فقال له عثمان: ما شأنك؟ فقال: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا رأيتم المدَّاحين فاحثُوا في وجوههم التراب» وأخرجه مسلم أيضاً والترمذي والبخاري في الأدب (ص50) نم طريق أبي مَعْمر قال: قام رجل يثني على أمير الأمراء فجعل المقداد رضي الله عنه يحثي عليه التراب وقال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحثي في وجوه المداحين التراب. عمل ابن عمر رضي الله عنهما وقوله في هذا الأمر وأخرج البخاري في الأدب (ص51) عن عطاء بن أبي رباح أن رجلاً كان يمدح

رجلاً عند ابن عمر رضي الله عنهما، فجعل ابن عمر يحثو التراب نحو فيهِ وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا رأيتم المدَّحين فاحثُوا في وجوههم التراب» . وعند أحمد والطبراني عن عطاء بن أبي رباح قال: كان رجل يمدح ابن عمر رضي الله عنهما يقول هكذا: يحثو في وجهه التراب، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا رأيتم المدَّاحين فاحثُوا في وجوههم التراب» . قال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط ورجاله رجال الصيح. اهـ. وعند أبي نُعَيم في الحلية عن نافع رضي الله عنه وغيره أن رجلاً قال لابن عمر رضي الله عنهما: يا خير الناس - أو: يا ابن خير الناس - فقال ابن عمر: ما أنا بخير الناس ولا ابن خير الناس، ولكني عبد من عباد الله أرجو الله تعالى وأخافه، والله لن تزالوا بالرجل ليخرج ومعه دينه فيرجع وما معه شيء منه، يأتي الرجلَ لا يملك له ولا لنفسه ضَراً ولا نفعاً فيقسم له بالله: لأنت وأنت فيرجع ما حلَّ من حاجته بشيء وقد أسخط الله عليه. قال الهيثمي: رواه الطبراني بأسانيد ورجال أحدهما رجال الصحيح.

صلة الرحم وقطعه

صلة الرحم وقطعه قصته عليه السلام مع أبي طالب في هذا الأمر أخرج البزّار عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أصابت قريشاً أزمة شديدة حتى أكلوا الرِّمَّة، ولم يكن من قريش أحد أيسر من رسول الله صلى الله عليه وسلم والعباس بن عبد المطلب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس: «يا عم إن أخاك أبا طالب قد علمت كثرة عياله وقد أصاب قريشاً ما ترى، فاذهب بنا إليه حتى نحمل عنه بعض عياله» فانطلقا إليه فقالا: يا أبا طالب إن حال قومك ما قد ترى ونحن نعلم أنك رجل منهم، وقد جئنا لنحمل عنك بعض عيالك، فقال أبو طالب: دعا لي عقيلاً وافعل ما أحببتما، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً - رضي الله عنه - وأخذ العباس جعفراً - رضي الله عنه - فلم يزالا معهما حتى استغنيا، قال سليمان بن داود: ولم يزل جعفر مع العباس حتى يخرج إلى أرض الحبشة مهاجراً. قال الهيثمي: وفيه من لم أعرفهم. قصته عليه السلام مع جويرية وفاطمة في هذا الأمر وأخرج البزّار عن جابر رضي الله عنه أن جُوَيْرِية رضي الله عنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم إني أريد أن أُعتق هذا الغلام، قال: «أعطه خالك الذي في الأعراب يرعى عليه فإنه أعظم لأجرك» ورجاله رجال الصحيح، كما قال الهيثمي.

وأخرج الحاكم في تاريخه وابن النجار عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: لما نزلت {وَءاتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} (سورة الإسراء، الآية: 26) قال النبي صلى الله عليه وسلم «يا فاطمة لك فَدَك» . قال الحاكم: تفرَّد به إبراهيم بن محمد بن ميمون عن علي بن عابس. كذا في الكنز. ما قاله عليه السلام لمن اشتكى سوء معاملة رحمه له وأخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله إنَّ لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إليَّ، وأحلُم عنهم ويجهلون عنهم ويجهلون عليَّ، فقال: «لئن كنت كما قلت فكأنما تُسِفُّهم الملَّ، ولا يزال معك من الله ظَهِير عليهم ما دمت على ذلك» . وأخرجه البخاري في الأدب (ص11) عن أبي هريرة مثله. وعند أحمد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنَّ لي ذوي أرحام أصل ويقطعوني، وأعفو ويظلموني، والحسن ويسيئوني، أفأكافئهم؟ قال: «إذاً تشتركون جميعاً، ولكن خذ بالفَضْل وصِلْهم، فإنه لن يزال معك مَلَك ظَهِير من الله عز وجل ما كنت على ذلك» . ابن أَرْطاة وهو مدلِّس وبقية رجاله ثقت، كما قال

قصة أبي هريرة رضي الله عنه مع قاطع رحم

الهيثمي. قصة أبي هريرة رضي الله عنه مع قاطع رحم وأخرج البخاري في الأدب (ص12) عن أبي أيوب سليمان مولى عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: جاءنا أبو هريرة رضي الله عنه عشية الخميس ليلة الجمعة فقال: أُحرِّج على كل قاطع رحم لمَّا قام من عدنا، فلم يقم أحد حتى قال ثلاثاً، فأتى فتًى عمة له قد صرمها منذ سنين فدخل عليها فقالت: يا ابن أخي ما جاء بك؟ قال: سمعت أبا هريرة يقول كذا وكذا، قالت: ارجع إليه فسَلْه لم قال ذاك؟ قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أعمال بني آدم تُعرض على الله تبارك وتعالى عشية كل خميس ليلة الجمعة، فلا يقبل عمل قاطع الرحم» . طلب ابن مسعود من قاطع الرحم أن يقوم حين أراد الدعاء وأخرج الطبراني عن الأعمش قال: كان ابن مسعود رضي الله عنه جالساً بعد الصبح في حَلْقة قال: أنشد الله قطع رحم لمَّا قام عنّا، فإنّا نريد أن ندعو ربنا، وإن أبواب السماءُ مُرتَجَة دون قاطع رحم. قال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح إلا أن الأعمش لم يدرك ابن مسعود - انتهى.

الباب العاشر باب أخلاق الصحابة وشمائلهم باب كيف كانت أخلاق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه. وشمائلهم، وكيف كانوا يعاشرون فيما بينهم.

خلق النبي صلى الله عليه وسلم

خلق النبي صلى الله عليه وسلم أقوال عائشة في خلقه عليه السلام أخرج مسلم عند سعد بن هشام قال: سألت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها فقلت: أخبريني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: أما تقرأ القرآن؟ قلت: بلى، فقالت: كان خُلُقه القرآن. وأخرجه أحمد عن جبير ابن نُفَير والحسن البصري عن عائشة نحوه، كما في البداية، وأخرجه ابن سعد عن سعد بن هشام عائشة نحوه وزاد: قال قتادة رضي الله عنه: وإن القرآن جاء بأحسن أخلاق الناس. وأخرجه أبو نعيم في دلائل النبوة ص عن جبير بن نُفَير عن عائشة

نحوه، وابن سعد عن مسروق عنها نحوه. وعند يعقوب بنسفيان عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سألت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: كان خلقه القرآن، يرضى لرضاه ويسخط لسخطه. وأخرجه البيهقي عن زيد بن بَابَنوس قال: قلنا لعائشة: يا أم المؤمنين كيف كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. وفي حديثه: ثم قالت: أتقرأ سورة المؤمنون؟ اقرأ {اقرأ إفلح المؤمنون} (سورة المؤمنون، الآية: 1) إلى العشر، قالت: هكذا كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ورواه النسائي، كما في البداية. وأخرج أبو نعيم في الدلائل (ص57) عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما كان أحد أحسن خلقاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما دعاه أحد من أصحابه ولا منأهله إلا قال: لبيك؛ ولذلك أنزل الله عز وجل: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (سورة القلم، الآية: 4) وعند ابن أبي شيبة عن قيس بن وَهْب عن رجل من بني سراة قال: قلت لعائشة: أخبريني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: أما تقرأ القرآن {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه فصنعت له طعاماً وصنعتْ له حفصة رضي الله عنها طعاماف، فسبقتني حفصة فقلت للجارية: انطلقني فاكفئي قصعتها، فأهوت أن تضعها بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فكفأتها،

قول زيد بن ثابت في هذا الأمر

فانكفأت القصعة فانتشر الطعام، فجمعها النبي صلى الله عليه وسلم وما فيها من الطعام على الأرض فأكلوا، ثم بعثت بقصعتي فدفعها النبي صلى الله عليه وسلم إلى حفصة فقال: «خذوا ظرفاً مكان ظرفكم وكلوا ما فيها» . قالت: فما رأيتُه في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا في الكنز. قول زيد بن ثابت في هذا الأمر وأخرج أبو نعيم في الدلائل (ص57) عن خارجة بن يزيد أن نفراً دخلوا على أبيه زيد بن ثابت رضي الله عنه قالوا: حدِّثنا عن بعض أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كنت جاره فكان إذا نزل عليه الوحي بعث إليَّ فآتيه فأكتب الوحي، فكنا إذا ذكرنا الدنيا ذكرها، وإذا ذكرنا الطعام ذكره معنا، فكل ذا أحدثكم عنه. وأخرجه الترمذي (ص25) نحوه، وكذلك البيهقي، كما في البداية، والطبراني كما في المجمع وقال: وإسناده حسن، وابنأبي داود في المصاحف وأبو يَعْلى والرُوباني وابن عساكر، كما في المنتختب، وأخرجه ابن سعد أيضاً نحوه.

أقوال أنس في هذا الأمر

قول صفية في هذا الأمر وأخرج الطبراني عن صفية بنت حُيَي رضي الله عنها قالت: ما رأيت أحداً أحسن خلقاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد رأيته وقد ركب بي من خيبر على عجز ناقته ليلاً فجعلت أنعس، فضرب رأسي مؤخرة الرَّححل فمسني بيده: «يا هذه مهلاً، يا بنت حيي مهلاً» حتى إذا جاء الصهباء قال: «إني أعتذر إليك يا صفية مما صنعت بقومك، إنهم قالوا لي كذا وقالوا لي كذا» . قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط وأبو يَعْلى باختصار ورجالهما ثقات إلا أن الربيع ابن أخي صفية بنت حيي لم أعرفه. اهـ. أقوال أنس في هذا الأمر وأخرج أبو نُعيم في الدلائل (ص57) عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أشد الناس لطفاً، والله ما كان يمتنع في غَداة باردة من بعدٍ ولا من أمة ولا صبي أن يأتيه بالماء فيغسل وجهه وذراعيه، وما سأله سائل قط إلا أصغى إليه أذنه فلم ينصرف حتى يكون هو الذي ينصرف عنه، وما تناول أحد بيده إلا ناوله إياها، فلم ينزع حتى يكون هو الذي ينزعها منه. وعند مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلَّى الغداة جاء خدم المدينة بآنيتهم فيها الماء فما يُؤتى بإناء إلا غمس يدهفيه، وربما جاءه في الغداة الباردة بغمس يده فيها. وعند يعقوب بن سفيان عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله

أقوال أبي هريرة وأنس في مصافحة النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه

صلى الله عليه وسلم إذا صافح أو صافحه الرجل لا ينزع يده حتى يكون الرجل ينزع يده من يده، وإن استقبله بوجه لا يصرفه عنه حتى يكون الرجل ينصرف عنه، ولا يُعرى مُقدِّماً ركبتيه بين يدي جليس له. ورواه الترمذي وابن ماجه، كما في البداية، وابن سعد نحوه. وعند أبي داود عنه قال: ما رأيت رجلاً قط التقم أذن النبي صلى الله عليه وسلم فينحِّي رأسه، حتى يكون الرجل هو الذي ينحِّي رأسه وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم آخذاً بيده رجل فترك يده حتى يكون الرجل هو الذي يدع يده. تفرد به أبو داود؛ كذا في البداية. أقوال أبي هريرة وأنس في مصافحة النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وعند البزّار والطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن أحد يأخذه بيده فينزع يده حتى يكون الرجل هو الذي يرسله، ولم يكن يرى ركبتيه أو ركبته خارجاً عن ركبة جليسه، ولم يكن أحد يصافحه إلا أقبل عليه بوجهه، ثم لم يصرفه عنه حتى يفرغ من كلامه. وإسناد الطبراني حسن، كما قال الهيثمي. وعند أحمد عن أنس رضي الله عنه قال: إن كانت الوليدة من ولائد أهل المدينة لتجيء فتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فما ينزع يده من يدها حتى تذهب به حيث شاءت. ورواه ابن ماجه. وعند أحمد عنه قال: إن كانت

اختياره عليه السلام أيسر الأمرين وانتقامه لله

الأمة من أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنطلق به في حاجتها. ورواه البخاري في كتاب الأدب من صحيحه معلَّقاً، كما في ابداية، وروى مسلم في صحيحه عن أنس أنَّ امرأة كان في عقلها شيء فقالت: يا رسول الله إن لي إليك حاجة، فقال: «يا أمَّ فلان انظري أي السِّكَك شئت حتى أقضي لك حاجتك» ، فخلا معها في بعض الطرق حتى فرغت من حاجتها. وأخرجه أبو نعيم في دلائل النبوة (ص57) عن أنس مثله. وأَخرج الطبراني عن محمد بنمسلمة رضي الله عنه قال: قدمت من سفر فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يدي، فما ترك يدي حتى تركت يده. وفيه الجَلْد ابن أيوب وهو ضعيف، كما قال الهيثمي. اختياره عليه السلام أيسر الأمرين وانتقامه لله وأخرج مالك عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما خُيِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه، وما انتقم لنفسه إلا أن تُنتهك حرمة الله فينتقم لله بها. وأخرجه البخاري ومسلم،

كما في البداية. وأخرجه أبو داود والنِّسائي وأحمد، كما في الكنز، وأبو نُعَيم في الدلائل (ص57) . وعند أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده خادماً له قطُّ ولا امرأة، ولا ضرب بيده شيئاً إلا أن يجاهد في سبيل الله، ولا خُيِّر بين شيئين قطُّ إلا كان أحبهما إليه إيسرهما حتى يكون إثماً، فإذا كان إثماً كان أبعد الناس من الإِثم، ولا أنتقم لنفسه من شيء يؤتى إليه حتى تنتهك حرمات الله فيكون هو ينتقم لله عز وجل. كذا في البداية. وأخرجه مسلم وأبو نُعَيم في الدلائل مختصراً وعبد الرزاق وعبد بن حُمَيد والحاكم نحو حديث أحمد كما في الكنز. وعند الترمذي في الشمائل (ص25) عن عائشة قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم منتصراً من مظلمة ظُلمها قط ما لم يُنتهك من محارم

الله تعالى شيء، فإذا انتُهك من محارم الله تعالى بشيء كان من أشدهم في ذلك غضباً، وما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً. وأخرجه أبو يَعْلى والحاكم، كما في الكنز. ما كان عليه السلام فاحشاً ولا سخّاباً ولا سبّاباً ولا لعّانا وأخرج أبو داود الطيالسي عن أبي عبد الله الجَدَلي قال: سمعت عائشة رضي الله عنها وسألتها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: لم يكن فاحشاً ولا متفحِّشاً ولا سخّاباً في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح - أو قال: يعفو ويغفر، شك أبو داود -. رواه الترمذي وقال: حسن صحيح؛ كذا في البداية. وأخرجه ابن سعد عن أبي عبد الله عن عائشة نحوه وأحمد والحاكم كما في الكنزل. وعند يعقوب بن سفيان عن صالح مولى التوأمة قال: كان أبو هريرة رضي الله عنه ينعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان يُقبل جميعاً ويُدبر جميعاً، - بأبي وأمي - لم يكن فاحشاً ولا متفحِّشاً ولا سخّاباً في الأسواق. زاد آدم: لم أرَ مثله قبله ولم أرَ مثله بعده.

حسن خلقه عليه السلام مع خادمه أنس

وعند أحمد عن أنس رضي الله عنه قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبّاباً ولا لعّاناً ولا فاحشاً، كان يقول لأحدنا عند المعاتبة: «ما له ترتب جبينه» ورواه البخاري، وعند البخاري أيضاً عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا متفحشاً، وكان يقول: «إن من خياركم أحسنَكم أخلاقاً» . ورواه مسلم، كذا في البداية. حسن خلقه عليه السلام مع خادمه أنس وأخرج مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أخذ أبو طلحة رضي الله عنه بيدي فانطلق بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن أنساً غلام كَيِّس فيلخدمك. قال: فخدمته في السَّفَر والحَضَر، والله ما قال لي لشيء صنعته: لم صنعتَ هذا هكذا؟ ولا لشيء لم أصنعه: لم لم تصنع هذا هكذا؟. وعنده أيضاً عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقاً فأرسلني يوماً لحاجة فقلت: والله لا أذهب، وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله صلى الله عليه وسلم فخرجت حتى أمرّ على الصبيان وهم يلعبون في السوق، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قبض بقفاي من ورائي، قال: فنظرت إليه وهو يضحك

فقال: «يا أنس أذهبت حيث أمرتك؟» قال: قلت: نعم وأنا أذهب يا رسول الله، قال أنس: ولله لقد خدمته تسع سنين، ما علمته قال لشيء صنعته: لم فعلت كذا وكذا؟. أو لشيء تركته: هلاَّ فعلت كذا وكذا؟. أو لشيء تركته: هلاَّ فعلت كذا وكذا؟. وعنده أيضاً عنه قال: خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، والله ما قال لي أفاً قط، ولا قال لي لشيء: لم فعلت كذا؟ وهلاَّ فعلت كذا؟ زاد أبو الربيع: لشيء ليس مما يصنعه الخادم، ولم يذكر قوله: والله. وأخرجه البخاري عن أنس بنحوه. وعند أحمد عن أنس قال: خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشرسنين، فما أمرني بأمر فتوانيت عنه أو ضيعته فلامني، وإن لامني أحد من أهله إلا قال: دعوه، فلو قُدِّر - أو قال: قُضي - أن يكون كان. كذا في البداية. وأخرجه ابن سعد عن أنس مثله. وعند أبي نُعَيم في الدلائل (ص57) عن أنس رضي الله عنه قال: خدمتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم سنينَ فما سبَّني سبة قطّ، ولا ضربني ضربة، ولا انتهرني، ولا عبس في وجهي، ولا أمرني أمر فتوانيت فيه فعاتبني عليه، فإن عاتبني عليه أحد من أهله قال: «دعُوه فلو قُدِّر شيء لكان» . وعند ابن عساكر عن أنس رضي الله عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا يومئذٍ ابن ثمان سنين، فذهبت بي أمي إليه فقالت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا يومئذٍ ابن ثمان سنين، فذهبت بي أمي إليه فقالت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنَّ رجال الأنصار ونساءهم قد أَتْحفوك غيري، وإني لم أجد ما أتحفك به إلا ابني هذا فتقبَّلْه مني يخدْمك ما بدا لك، فخدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، لم

خلق أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم

يضربني قط، ولم يسبني، ولم يعبس في وجهي. كذا في الكنز. خلق أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قول ابن عمر في أبي وعثمان وأبي عبيدة رضي الله عنهم أخرج أبو نُعيم في الحلية عن عب الله بن عمر رضي الله عنهكا قال: ثلاثة من قريش أصبَحُ الناس وجوهاً، وأحسنها أخلاقاً، وأثبتها حياء، إن حدثوك لم يكذبوك وإن حدثتهم لم يكذبوك: أبو بكر الصديق، وعثمان ابن عفان، وأبو عبيدة الجراح رضي الله عنهم. وعند الطبراني عن عبد الله بن عمر قال: ثلاثة من قريش أصبح الناس وجوهاً، وأحسنهم خلقاً، وأشدهم حياء: أبو بكر وعثمان وأبو عبيدة. كذا في الإصابة، وقال: في سنده ابن لَهيعة. شهادته عليه السلام بحسن خلق أبي عبيدة رضي الله عنه وأخرج يعقوب بن سفيان عن الحسن رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من أحد من أصحابي إلاَّ لو شئت لأخذت عليه في خُلُقه ليس أبا عبيدة بن الجراح» . كذا في الإصابة، وقال: هذا مرسل ورجاله ثقات - اهـ، وأخرجه الحاكم عن الحسن نحوه، وقال: هذا مرسل غريب ورواته ثقات. قوله عليه السلام في عثمان: إنه أشبه أصحابه بي خلقا وأخرج الطبراني عن عبد الرحمن بن عثمان القرشي رضي الله عنه أن

رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على ابنته وهي تغسل رأس عثمان رضي الله عنه، فقال: «يا بنيّة أحسني إلي أبي عبد الله فإنَّه أشبه أصحابي بي خُلُقاً» . قال الهيثمي: رجاله ثقات. وعنده أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: دخلت على رقيّة رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة عثمان رضي الله عنه وفي يدها مُشط، فقالت: خرج من عندي رسول الله صلى الله عليه وسلم آنفاً رجَّلت رأسه. فقال: «كيف تجدين أبا عبد الله؟» قلت: بخير، قال: «فأكرميه فإنَّه من أشبه أصحابي بي خُلُقاً» ، قال الهيثمي: وفيه محمد بن عبد الله يروي عن المطَّلب ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات. اهـ. وأخرجه الحاكم وابن عساكر، كما في المنتخب. قوله عليه السلام في خلق جعفر وزيد وعلي وابن جعفر رضي الله عنهم وأخرج أحمد عن بعد الله بن أسْلَم رضي الله عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجعفر رضي الله عنه: «أشبهت خَلْقي وخُلُقي» . وإسناده حسن، كما قال الهيثمي. وعند ابن أبي شَيْبة وأبي يَعْلى والبيهقي عن علي رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أنا وجعفر وزيد - رضي الله عنهم - فقال لزيد: «أنت أخونا

حسن خلق عمر رضي الله عنه

ومولانا» فحجل، ثم قال لجعفر: «أشبهت خَلْقي وخُلُقي» ، فحجل وراء حَجْل زيد، ثم قال لي: «أنت منِّي وأنا منك» فحجلت وراء حَجحل جعفر. كذا في المنتخ. وعند الطبراني عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجعفر: «خُلُقك كخلقي، وأشبَهَ خَلْقي خَلْقك، فأنت منِّي، وأنت يا علي فمني وأبو ولدي» قال الهيثمي: رواه الطبراني عن شيخه أحمد ابن عبد الرحمن بن عفَّال وهو ضعيف. انتهى. وأخرج العُقَيلي وابن عساكر عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال: سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم كلمة ما أحبُّ أنَّ لي حُمْر النَّعَم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «جعفر أشبَه خَلْقي وخُلُقي، وما أنت يا عبد الله فأشبه خَلْق الله بأبيك» . كذا في المنتخب. حسن خلق عمر رضي الله عنه وأخرج ابن سعد عن بَحْريَّة قالت: استوهب عمي خِداش رضي الله عنه من رسول الله صلى الله عليه وسلم قصعة رآه يأكل فيها فكانت عندنا، فكان عمر رضي الله عنه يقول: أخرجوها إليَّ، فنملؤها من ماء زمزم فنأتيه بها فيشرب منها ويصب على رأسه ووجه، ثم إنَّ سارقاً عَدَا علينا فسرقها مع متاع لنا، فجاءنا عمر

رضي الله عنه بعدما سُرقت فسألنا أن نخرجها له، فقلنا: يا أمير المؤمنين سرقت في متاع لنا، فقال: - لله أبوه - سرق صَحْفة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فوالله ما سبّه ولا لعنه، وأخرجه أيضاً ابن بُشْران فيأماليه، كما في المنتخب. وأخرج البخاري وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم عيينة بن حصن (بن حذيفة) بن بدر رضي الله عنه فنزل على ابن أخيه الحرِّ بن قيس رضي الله عنه - وكان من النفر الذين يُدينهم عمر رضي الله عنه، وكان القرّاء أصحاب مجلس عمر ومشورته كهولاً كانوا أو شباناً -، فقال عيينة لابن أخيه: يا ابن أخي لك وجه عند هذا الأمير فاستأذن لي عليه، فاستأذن له فأذن له (عمر) ، فلما دخل عليه قال: هِي يا ابن الخطاب، فوالله ما تعطينا الجَزْل، ولا تحكم بيننا بالعدل فغضب عمر حتى همَّ أن يُوقع به، فقال الحر: يا أمير المؤمنين إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم {خُذِ الْعَفْوَ} {وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} {وَأَعْرِض عَنِ الْجَاهِلِينَ} (سورة الأعراف، الآية: 119) . وإنَّ هذا من الجاهلين. فوالله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وفاقاً عند كتاب الله عز وجل. كذا في المنتخب. وعند ابن سعد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ما رأيت عمر غضب قط فذُكر الله عنده أو خُوِّف، أو قرأ عنده إنسان آية من القرآن إلا رقد عما كان يريد.

وعند أسلم قال قال بلاد رضي الله عنه: يا أسلم كيف تجدون عمر؟ قلت: خير، إذا غضب فهو أمر عظيم، فقال بلال: لو كنت عنده إذا غضب قرأت عليه القرآن حتى يذهب غضبه. وعن مالك الدار قال: صاح عليَّ عمر رضي الله عنه يوماً وعلاني بالدِّرَّة فقلت: أذكِّرك بالله، فطرحها فقال: لقد ذكرتني عظيماً. كذا في المنتخب. حسن خلق مصعب وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما وأخرج ابن سعد عن عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال: كان مصعب ابن عيمر رضي الله عنه لي خِدْناً وصاحباً منذ يوم أسلم إلى أن قتل رحمه الله بأُحد، خرج معنا إلى الهجرتين جميعاً بأرض الحبشة، وكان رفيقي من بين القوم، فلم أرَ رجلاً قط كان أحسن خلقاً ولا أقلَّ خلافاً منه. وأخرج ابن سعد عن حَبَّة ابن جُوعين قال: كنا عند علي رضي الله عنه فذكرنا بعض قول عبد الله (بن مسعود) رضي الله عنه، وأثنى القوم عليه فقالوا: يا أمير المؤمنين، ما رأينا رجلاً كان أحسن خلقاً، ولا أرفق تعليماً، ولا أحسن مجالسة، ولا أشد ورعاً من عبد الله بن مسعود فقال علي: نشدتكم الله إنَّه لصدق من قلوبكم؟ قالوا: نعم، فقال: اللهم إني أشهدك الهمَّ إني أقول فيه

حسن خلق ابن عمر ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما

مثل ما قالوا أو أفضل، وزاد في رواية أخرى عنه: قرأ القرآن فأحلَّ حلاله وحرَّم حرامه، فقيه في الدين، عالم بالسنَّة. حسن خلق ابن عمر ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما وأخرج أبو نُعَيم في الحلية عن الزُّهري عن سالم قال: ما لعن ابن عمر رضي الله عنهما قطّ خادماً إلا واحداً فأعتقه. وقال الزُّهْري: أراد ابن عمر أن يلعنَ خادمه فقال: اللهمّ العَ، فلم يتمّها وقال: هذه كلمة ما أحب أن أقولها. وقد تقدَّم حديث جابر رضي الله عنه في رغبة الصحابة في الإنفاق قال: كان معاذ بن جبل رضي الله عنه من أحسن الناس وجهاً، وأحسنهم خلقاً، وأسمحهم كفّاً - فذكره. أخرجه الحاكم بطوله. الحلم والصفح حمل النبي صلى الله عليه وسلم حلمه عليه السلام على من طعن في قسمته الغنائم يوم حنين أخرج البخاري عن عبد الله رضي الله عنه قال: لما كان يوم حُنَين آثر النبي صلى الله عليه وسلم ناساً، أعطى الأقرع بن حابس رضي الله عنه مائة من الإبل، وأعطى عُيَينة رضي الله عنه مثل ذلك، وأعطى ناساً، فقال رجل: ما أريد بهذه القسمة وجهُ الله، فقلت: لأخبرنَّ النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال: «رحم الله موسى، قد أُوذي بأكر من هذا فصبر» وفي رواية للبخاري فقال رجل: والله إنَّ هذه لقسمة ما عُدل فيها وما أريد فيها وجه الله، فقلت: والله لأخبرنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته

فقال: «من يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله؟ رحم الله موسى، قد أوذي بأكثر فصبر» . حلمه عليه السلام على ذي الخويصرة وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يَقْسم قَسْماً إذ أتاه ذو الخُوَيصرة - رجل من بني تميم - فقال: يا رسول الله اعدل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ويلك ومن يعدل إن لم أعدل لقد خبتُ وخسرتُ إذا لم أعدل فمن يعدل؟» فقال عمر ابن الخطاب رضي الله عنه: يا رسول الله ائذن لي فأضرب عنقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «دَعْه فإنّ له أصحاباً يَحْقِر أحدُكم صلاتَه مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقَيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرُق السهم من الرَّميَّة، ينظر إلى نَصْله فلا يوجد فيه شيء، ثم إلى رُصافة فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى نَضِيَّة - وهو قِدْحه - فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى قُذَذه فلا يوجد فيه شيء، قد سبق الفَرْث والدم، آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تَدَرْدَرُ، ويخرجون على حين فُرْقة من الناس» ، قال أبو سعيد: فأشهد أنِّي سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم

حلمه عليه السلام على عمر في وفاة عبد الله بن أبي

وأشهد أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قاتلهم وأنا معه، وأمر بذلك الرجل فالتُمس فأُتي به حتى نظرت إليه على نَعْت رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي نعت. كذا في البداية. حلمه عليه السلام على عمر في وفاة عبد الله بن أُبي وأخرج الشيخان عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن عبد الله بن أَبي لما توفي جاء ابنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أعطني قميصك أكفنه فيه، وصلِّ عليه واستغفر له، فأعطاه قميصه وقال: «آذنِّي أصلِّ عليه» فآذنه، فلما أراد أن يصلِّي جذبه عمر فقال: أليس الله نهاك أن تصلِّي على المنافقين؟ فقال: «أنا بين خِيَرتين، قال: «اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ» فصلَّى عليه فنزل هذه الآية: {وَلاَ تُصَلّ عَلَى أَحَدٍ مّنْهُم مَّاتَ أَبَداً} (سورة التوبة، الآية: 84) . وعند أحمد عن عمر قال: لمَّا توفي عبد الله بن أبي دُعي رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة عليه فقام إليه، فلما وقف عليه يريد الصلاة تحوَّلتُ حتى قمتُ في صدره فقلت: يا رسول الله أَعَلى عدوِّ الله عبد الله بن أُبيّ القائل يوم كذا كذا وكذا - يعدِّد أيامه - قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتبسِّم، حتى إذا أكثرتُ عليه قال: «أخِّر عني يا عمر، إني خُيِّرت فاخترتُ، قد قيل لي «استغفر لهم» - الآية، لو أعلم أنِّي لو زدت على السبعين غُفر له لزدتُ» قال: ثم صلَّى عليه ومشى معه وقام

على قبره حتى فرغ منه، قال: فعجبتُ من جرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ورسولُه أعلم قال: فوالله ما كان إلا يسيراً حتى نزلت هاتان الآيتان {وَلاَ تُصَلّ عَلَى أَحَدٍ مّنْهُم مَّاتَ أَبَداً} - الآية، فما صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده على منافق، ولا قام على قبره حتى قبضه الله عز وجل. وهكذا رواه الترمذي وقال: حسن صحيح، ورواه البخاري مثله: وعند أحمد عن جابر رضي الله عنه قال: لما مات عبد الله بن أُبيّ أتى ابنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إنك إن لم تأته لم نزل نُعيَّر بهذا، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فوجده قد أُدخل في حفرته فقال: «أفلا قبل أن تُدخلوه» فأُخرج من حفرته وتَفَل عليه من ريقه من قَرْنه إلى قدمه وألبسه قميصه؛ ورواه النِّسائي. وعند البخاري عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أُبيّ بعدما أُدخل في قبره فأَمر به فأُخرج ووضع على ركبتيه، ونفث عليه من ريقه وألبسه قميصه. كذا في التفسير لابن كثير. حلمه عليه السلام على اليهودي الذي سحره وأخرج أحمد عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: سحر النبي صلى الله عليه وسلم

رجلٌ من اليهود لذلك أياماً، قال: فجاءه جبريل عليه السلام فقال: إنَّ رجلاً من اليهود سحرك، عقد لك عقداً في بئر كذا وكذا فأرسْلْ إليها من يجيىء بها. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم (علياً رضي الله تعالى عنه) فاستخرجها فجاءه بها فحلَّلها، قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما نَشِط من عَقال، فما ذكر ذلك لليهود ولا رآه في وجهه حتى مات ورواه النسائي. وعند البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سُحر حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن - قال سفيان: وهذا أشد ما يكون من السحر إذا كان كذا - فقال: «يا عائشة أعلمتِ أنَّ الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه، أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجليَّ، فقال الذي عند رأسي للآخر: ما بال الرجل؟ قال: مطبوب، قال: ومن طَبَّه؟ قال: لبيد بن أعصم - رجل من بني رُزَيق حليف اليهود كان منافقاً -، قال: وفيم؟ قال: في مُشْط ومُشَاطة، قال: وأين؟ في جُفِّ طلعة ذكرٍ تحت راعوفة في بئر ذَرْوان» قالت: فأتى البئر حتى استخرجه، فقال: هذه البئر التي أُريتها وكأن ماءها نُقاعة الحنَّاء وكأن نخلها رؤوس الشياطين، قال:

حلمه عليه السلام على اليهودية التي قدمت له شاة مسمومة

فاستخرج فقلت: أفلا تَنَشَّرت، فقال: «أمَّا الله فقد شفاني وأكره أن أثير على أحد من النسا شراً» ؛ ورواه مسلم وأحمد أيضاً عن عائشة قالت: لبث النبي صلى الله عليه وسلم ستة أشهر يرى أنه يأتي النساء ولا يأتي، فأتاه مَلَكان - فذكر الحديث. كذا في التفسير لابن كثير. حلمه عليه السلام على اليهودية التي قدَّمت له شاة مسمومة وأخرجه الشيخاان عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن امرأة يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة، فأكل منها، فجيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها عن ذلك قالت: أردت لأقتلك، فقال: «ما كان الله ليسلطك عليَّ - أو قال: على ذلك -» قالوا: ألا تقتلها؟ قال أنس: فما زلت أعرفها في لَهَوات رسول الله صلى الله عليه وسلم Y وعند البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن امرأة من يهود أهدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة مسمومة، فقال لأصحابه: «أمسكوا فإنَّها مسمومة» وقال لها: «ما حملك على ما صنعت؟» قالت: أردت أن أعلم إن كنت نبياً فسيطلعك الله عليه، وإن كنت كاذباً أريح الناس منك، قال: فما عرض لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ورواه أبو داود نحوه وأحمد والبخاري عن أبي هريرة

مطوّلاً. وعند أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما نحو حديث أبي هريرة عند البيهقي وزاد: قال فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد من ذلك شيئاً احتجم، قال: فسافر مرّة، فلما أحرم وجد من ذلك شيئاً فاحتجم. تفرَّد به أحمد وإسناده حسن. وعند أبي داود عن جابر رضي الله عنه أن يهودية من أهل خيبر سمَّت شاة مصليَّة ثم أهدتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الذرع فأكل منها وأكل رهط من أصحابه معه، ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم «ارفعوا أيديكم» . وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المرأة فدعاها فقال لها: «أسَممتِ هذه الشاة؟» قالت اليهودية: من أخبرك؟ قال: «أخبرتني هذه التي في يدي» - وهي الذراع - نعم، قال: «فما أردت بذلك؟» قالت: قلت إن كنت نبياً فلن تضرك، وإن لم تكن نبياً استرحنا منك، فعفا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولميعاقبها، وتوفي بعض أصحابه الذين أكلوا من الشاة، واحتجم النبي صلى الله عليه وسلم على كاهله من أجل الذي أكل من الشاة، حجمه أبو هند رضي الله عنه بالقرن والشفرة، وهومولى لبني بياضة من الأنصار. وأخجره أبو داود عن أبي سلمة رضي الله عنه نحو حديث جابر، وفي حديثه قال: فمات بشر بن البراء ابن المعرور رضي الله عنهما - فذكره، وفيه: فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقُتلت. وعند ابن إسحاق عن مروان بن عثمان بن أبي سعيد بن الم2لَّى رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال في مرضه الذي توفي فيه - ودخلت عليه أخت بشر ابن البراء بن المعرور -: «يا أمَّ بِشْر، إنّ هذا الأوان وجدتُ انقطاع أبْهري من

حلمه عليه السلام على رجل أراد أن يقتله

الأكلة التي أكلت مع أخيك بخيبر» ، - قال ابن هشام: الأبْهر العرق المعلَّق بالقلب -، قال: فإن كان المسلمون ليرَون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات شهيداً مع ما أكرمه الله به من النبوة. وهكذا ذكر موسى بن عقبة عن الزّهري عن جابر. انتهى، من البداية مختصراً. حلمه عليه السلام على رجل أراد أن يقتله وأخرج أحمد عند جعدة بن خالد بن الصِّمَّة الجُشَمي رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ـ ورأى رجلاً سميناً فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يومىء إلى بطنه بيده - ويقول: «لو كان هذا في غير هذا لكان خيراً لك» قال: وأُتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل فقيل: هذا أراد أن يقتلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «لم تُرَعْ، ولو أردتَ ذلك لم يسلطك الله عليَّ» . قال الخفاجي: أخرجه أحمد والطبراني بسند صحيح. اهـ. حلمه عليه السلام على جماعة من قريش أرادت الغدر يوم الحديبية وأخرج أحمد عن أنس رضي الله عنه قال: لما كان يوم الحديبية هبط على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثمانون رجلاً من أهل مكة بالسلاح من قِبَل جبل التَّنْعيم يريدون غِرَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا عليهم فأُخذوا -، قال عفان: - فعفا عنهم، ونزلت هذه الآية {وَهُوَ الَّذِى كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} (سورة الفتح، الآية: 24) . ورواه مسلم وأبو داود

حلم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم

والترمذي والنسائي؛ وأخرجه أحمد أيضاً والنَّسائي من حديث عبد الله بن مُغَفَّل رضي الله عنه مطوَّلاً وفيه: فبينا نحن كذلك إذ خرج علينا ثلاثون شاباً عليهم السلاح، فثاروا في وجوهنا، فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ الله تعالى بأسماعهم، فقمنا إليهم فأخذناهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «هل جئتم في عهد حد؟ - أو هل جعل لكم أحد أماناً؟» فقالوا: لا، فخلَّى سبيلهم، فأنزل الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِى كَفَّ} - الآية. كذا في التفسير لابن كثير. حلمه عليه السلام على قبيلة دَوْس وأخرج الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء الطفيل ابن عمر الدَّوْسي رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن دَوْساً قد عَصَت وأبت فادْعُ الله عليهم، فاستقبل القبلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفع يديه، فقال الناس: هلكوا، فقال: «اللهمَّ اهدِ دَوْساً وائتِ بهم، اللهمَّ اهْدِ دَوْساً وائت بهم، اللهمَّ اهدِ دَوْساً وائت بهم» . حلم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أخرج عبد الغني بن سعيد في إيضاح الإشكال عن أبي الزعراء رضي الله عنه قال: كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: إني وأطايب أزواجي وأبرار عترتي أحلم الناس صغاراً وأعلم الناس كباراً، بنا ينفي الله الكذب، وبنا يعقبر

الشفقة والرحمة

الله أنياب الكَلِب، وبنا يفك الله عنوتكم وينزع ربق أعناقكم. وبنايفتح الله ويختم. كذا في منتخب الكنز، وقد تقدَّم قول سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: ما رأيت أحداً أحضر فهماً، ولا ألب لباً، ولا أكثر علماً، ولا أوسع حلماً من ابن عباس رضي الله عنهما. أخرجه ابن سعد في مشاورة أهل الرأي. الشفقة والرحمة شفقة النبي صلى الله عليه وسلم تخفيفه عليه السلام الصلاة لبكاء الأطفال وقصته مع رجل في الشفقة أخرج الشيخان عن أنس رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «إني لأدخل الصلاة وأنا أريد أن أطيلها فأسمع بكاء الصبي فأتجوَّز» في صلاتي مما أعلم من شدة وَجْد أمه من بكائه» . كذا في صفة الصفوة (ص66) . وأخرج مسلم عن أنس رضي الله عنه قال قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم أين أبي؟ قال: «في النار» ، فلما رأى ما في وجهه قال: «إنَّ أبي وأباك في النار» . انفرد بإخراجه مسلم، كذا في صفة الصفوة.

قصته عليه السلام مع أعرابي أغلظ له القول وأخرج البزّار عن أبي هريرة رضي الله عنه أن أعرابياً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعينه في شيء - قال عكرمة أراه قال في دَمٍ -، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً، ثم قال: «أحسنت إليك؟» ، قال الأعرابي: لا، ولا أجملت، فغضب بعض المسلمين وهمُّوا أن يقوموا إليه، فأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم أن كفُّوا، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغ إلى منزله دعا الأعرابي إلى البيت فقال: «إنك جئتنا تسألنا فأعطنياك، فقلت ما قال» ، فزاده رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً وقال: «أحسنت إليك؟» ، فقال الأعرابي: نعنم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيراً. قال النبي صلى الله عليه وسلم «إنك جئتنا فسألتنا فأعطيناك فقلت ما قلت، وفي أنفس أصحابي عليك من ذلك شيء، فإذا جئت فقل بين أيديهم ما قلتَ ما بين يديَّ حتى يذهب عن صدورهم» فقال: نعم، فلما جاء الأعرابي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن صاحبكم كان جاءنا فسألنا فأعطيناه فقال ما قال، وإنا قد دعوناه فأعطيناه فزعم أنه قد رضي، أكذلك يا أعرابي؟» فقال الأعرابي: نعم، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيراً. فقال النبي صلى الله عليه وسلم «إن مَثَلي ومثَلَ هذا الأعرابي كمثل رجل كانت له ناقة، فشردت عليه، فاتَّبعها الناسفلم يزيدوها إلا نفوراً. فقال لهم صاحب الناقة: خلُّوا بيني وبين ناقتي فأنا أرفق بها وأنا أعلم بها، فتوجَّه إيها وأخذ لها من قُشام الأرض ودعاها، حتى جاءت واستجابت وشدَّ عليها رحلها، وإنِّي لو أطعتكم حيث قال ما قال لدخل النار» ، قال البزّار: لا نعلمهُ يروي إلا من هذا الوجه، قلت: وهو ضعيفٌ بحال إبراهيم بن الحكم بن أبان. كذا في التفسير لابن كثير؛ وأخرجه أيضاً ابن حبان في صحيحه وأبو

شفقة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم

الشيه وابن الجوزي في الوفاء، كما قال الخفاجي. شفقة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم > أخرج الدينوري عن الأصمعي قال: كلَّم الناس عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن يكلِّم عمر بن الخطاب رضي الله عنه في أن يلين لهم حتى خاف الأبكار في خدورهن، فكلمه عبد الرحمن فقال: إني لا أجد لهم إلاَّ ذلك، والله لو أنهم يلعمون ما لهم عندي من الرأفة والرحمة والشفقة لأخذوا ثوبي عن عاتقي كذا في منتخب الكنز. الحياء حياء النبي صلى الله عليه وسلم قول أبي سعيد الخدري في حياته عليه السلام أخرج البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أشد حياء من اعذاء في خِدْرها، وزاد في رواية: وإذا كره شيئاً عُرف ذلك في وجهه. ورواه مسلم، كذا في البداية، والترمذي في الشمائل (ص26) وابن

سعد، وأخرجه الطبراني عن عِمران بن حُصَين نحوه، قال الهيثمي917) : رواه الطبراني بإسنادين ورجال أحدهما رجال الصحيح - اهـ. وأخرجه البزّار عن أنس رضي الله عنه نحوه وزاد: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه وزاد: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الحياء خير كله» . قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير محمد بن عمر المقدَّمي وهو ثقة. استحياؤه عليه السلام أن يواجه أصحابه بما يكرهون وأخرج أحمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على رجل صفرة فكرهها، قال: فلما قام قال: «لو أمرتم هذا أن يغسل عنه هذه الصفرة» قال: وكان لا يكاد يواجه أحداً بشيء يكرهه، ورواه أبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي في اليوم والليلة. وعند أبي داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بلغه عن رجل شيء لم يقل: ما بال فلان يقول؟ ولكن يقول: «ما بال أقوام يقولون كذا وكذا» . كذا في البداية. قول عائشة في استتاره عليه السلام عن أهله وأخرجه الترمذي في الشمائل (ص26) عن موسى بن عبد الله بن يزيد الخطمي

حياء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم

عن مولى لعائشة رضي الله عنها قال قالت عائشة: ما نظرت إلى فرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ أو قالت: ما رأيت فرج رسول الله قطّ. حياء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قوله عليه السلام في حياء عثمان رضي الله عنه أخرج أحمد عن سعيد بن العاص رضي الله عنه أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وعثمان - رضي الله عنهما - حدّثاه أن أبا بكر رضي الله عنه استأذن على النبي وهو مضطجع على فراشه لابس مرط عائشة، فأذن لأبي بكر وهو كذلك فقضى إليه حاجته ثم انصرف، فاستأذن عمر رضي الله عنه فأذن له وهو على تلك الحالة فقضى إليه حاجته ثم انصرف، قال عثمان: ثم استأذنت عليه فجلس وقال: «اجمعي عليك ثيابك» فقضيت إليه حاجتي ثم انصرفت، فقالت عائشة: يا رسول الله ما لي لا أراك فزعت لأبي بكر وعمر كما فزعت لعثمان؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنَّ عثمان رجل حيّي، وإني خشيت إن أذنت له على تلك الحالة لا يبلغ إلى حاجته» ، قال الليث: وقال جماعة الناس: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: «ألا أستحيي ممَّن تستحي منه الملائكة» ورواه مسلم وأبو يَعْلى عن عائشة ورواه أحمد من وجه آخر عن عائشة بنحوه وأحمد والحسن بن عرفة عن حفصة رضي الله عنها مثل حديث عائشة. وعند الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وعائشة رضي الله عنها وراءه إذ اتسأذن أبو بكر رضي الله عنه فدخل، ثم استأذن عمر رضي الله عنه فدخل، ثم استأذن سعد بن مالك رضي الله عنه

حديث الحسن عن حياء عثمان وأبي بكر رضي الله عنهم

فدخل، ثم استأذن عثمان بن عفان رضي الله عنه فدخل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدث كاشفاً عن ركبتيه، فرد ثوبه على ركبته حين استأذن عثمان، وقال لامرأته: «استأخري» . فتحدّثوا ساعة ثم خرجوا، فقالت عائشة: يا نبي الله دخل أبي وأصحابه فلم تصلح ثوبك على ركبتك ولم تؤخرني عنك فقال النبي صلى الله عليه وسلم «ألا أستحي من رجل تستحيي منه الملائكة، والذي نفسي بيده إن الملائكة لتستحي من عثمان كما تستحيي من الله ورسوله، ولو دخل وأنت قريب مني لم يتحدث ولم يرفع رأسه حتى يخرج» . هذا حديث غريب من هذا الوجه وفيه زيادة على ما قبله وفي سنده ضعف. كذا في البداية (7203 و204) وحديث حفصة رضي الله عنها أخرجه أيضاً الطبراني في الكبير والأوسط مطوَّلاً وأبو يعلى باختصار كثير وإسناده حسن، كما قال الهيثمي، وحديث ابن عمر أخرجه أيضاً أبو يعلى نحوه وفيه إبراهيم بن عمر بن أبان وهو ضعيف، كما قال الهيثمي. حديث الحسن عن حياء عثمان وأبي بكر رضي الله عنهما وأخرج أحمد عن الحسن رضي الله عنه - وذكر عثمان رضي الله عنه وشدة حيائه - قال: إن كان ليكون في البيت والباب عليه مغلق فما يضع عنه ثوبه ليفيض عليه الماء يمنعه الحياء أن يقيم صلبه. قال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله ثقات - اهـ. ورواه أبو نُعَيم في الحلية مثله:

حياء أبي موسى الأشعري رضي الله عنه

وأخرجه سفيان عن عائشة رضي الله عنها قلت: قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: استحيوا من الله فإني لأدخل الخلاء فأقنِّع رأسي حياء من الله عز وجل. كذا في الكنزل. حياء عثمان بن مظعون رضي الله عنه وأخرج ابن سعد عن سعد بن مسعود رضي الله عنه وعُمارة بن غُراب اليَحْصُبي أن عثمان بن مظعون رضي الله عنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنِّي لا أحب أن ترى امرأتي عورتي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ولم؟» قال: أستحيي من ذلك وأكرهه، قال: «إنَّ الله جعلها لك لباساً وجعلك لها لباساً وأهلي يرون عورتي وأنا أرى ذلك منهم» ، قال: أنت تفعل ذلك يا رسول الله؟ قال: «نعم» ، قال: فمن بعدك، فلما أدبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن ابن مظعون لحيّي ستِّير» . حياء أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وأخرج أبو نُعَيم في الحلية عن أبي مِجْلَز قال قال أبو موسى رضي الله عنه: إني لأغتسل في البيت المظلم فما أقيم صلبي حتى أخذ ثوبي حياء نم ربي عز وجل. وأخرجه ابن سعد عن أبي مِجْلَز نحوه وعن ابن سيرين مثله، وعنده أيضاً عن قتادة رضي الله عنه قال: كان أبو موسى إذا اغتسل في بيت مظلم تجاذب وحنى ظهره حت يأخذ ثوبه ولا ينتصب قائماً.

وعنده أيضاً عن أنس رضي الله عنه قال: كان أبو موسى الأشعري إذا نام لبس ثياباً عند النوم مخافة أن تنكشف عورته. وأخرج أيضاً عن عبادة بن نُسَيّ قال: رأى أبو موسى قوماً يقفون في الماء بغير أُزر فقال: لأن أموت ثم أنشر، ثم أموت ثم أنشر، ثم أموت ثم أنشر أحب إليَّ من أن أفعل مثل هذا حياء الأشجّ بن عبد القيس رضي الله عنه وأخرج ابن أبي شَيْبة وأبو نعيم عن الأشجّ - أشجِّ عبد القيس رضي الله عنه - قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنَّ فيك لخُلُقين يحبهما الله» ، قلت: ما هما؟ قال: «الحلم والحياء» ، قلت: قديماً كانا فيَّ أو حديثاً؟ قال: «لا» ، بل قديماً» ، قلت: الحمد لله الذي جبلني على خُلُقين يحبهما الله. كذا في منتخب الكنزه. التواضع تواضع النبي صلى الله عليه وسلم قصته عليه السلام مع جبريل وملك آخر أخرج أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جلس جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى السماء، فإذا ملك ينزل، فقال جبريل: هذا

قول أبي أمامة الباهلي في حيائه عليه السلام

الملك ما نزل منذ خُلق قبل الساعة، فلَّما نزل قال: يا محمد أرسلني إليك ربك؛ أفَملكاً نبياً أجعلك أو عبداً رسولاً؟ قال جبريل: تواضع لربك يا محمد. قال: «بل عبداً رسولاً» . قال الهيثمي: رواه أحمد والبزّار وأبو يعلى ورجال الأوَّلين رجال الصحيح، ورواه أبو يعلى بإسناده حسن، كما قال الهيثمي عن عائشة رضي الله عنه بمعناه مع زيادة في أوله وزاد في آخره: قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك لا يأكل متكئاً يقول: «آكل ما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد» . وقد تقدَّم حديث ابن عباس رضي الله عنه بمعناه في رد المال عند الطبراني وغيره. قول أبي أمامة الباهلي في حيائه عليه السلام وأخرج الطبراني عن أبي غالب قال: قلت لأبي أمامة رضي الله عنه: حدثنا حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، يكثر الذكر، ويُقصِّر الخطبة، ويطيل الصلاة، ولا يأنف ولا يستكبر أن يذهب مع المسكين والضعيف حتى يفرغ من حاجته. وإسناده حسن، كما قال الهيثمي. وأخرجه البيهقي والنسائي عن عبد الله بن أبي أوفي رضي الله عنه نحوه كما في البداية.

قول أنس في هذا الأمر وأخرجه الطيالسي عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر الذكر، ويقبل اللغو، ويركب الحمار، ويلبس الصوف، ويجيب دعوة المملوك، ولو رأيته يوم خيبر على حمارٍ خِطامه من ليف وفي الترمذي عن أنس: يعود المريض، ويشهد الجنازة. وأخرجه ابن سعد عن أنس بطوله. قول أبي موسى وابن عباس وأنس في هذا الأمر وأخرج البيهقي عن أبي موسى رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركب الحمار، ويلبس الصوف، ويعتقل الشاة، ويأتي مراعاة الضيف. وهذا غريب من هذا الوجه ولم يخرِّجوه وإسناده جيدا؛ كذا في البداية وأخرجه الطبراني عن أبي موسى مثله ورجاله رجال الصحيح، كما قال الهيثمي. وعند الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: يجلس على الأرض ويأكل على الأرض، ويعقل الشاة، ويجيب دعوة الملوك على خبز الشعير، وإسناده حسن كما قال الهيثيم وعنده أيضاً عنه قال: إن كان الرجل من أهل العوالي ليدعو رسول

الله صلى الله عليه وسلم بنصف الليل على خبز الشعير فيجيب. ورجاله ثقات، كما قال الهيثمي. وعند الترمذي في الشمائل (ص23) عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُدعى إلى خبز الشعير والإِهالة السَّنِخَة فيجيب، ولقد كانت له درع عند يهودي فما وجد ما يفكُّها حتى مات. لغاية ص 250 تابع قول عمر بن الخطاب أيضا وأخرج أبو يعلى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلاً نادى النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً كل ذلك يردُّ عليه: «لبيك، لبيك» قال الهيثمي: رواه أبو يَعْلى في الكبير عن شيخه جُبارة بن المغلِّس، وثَّقه ابن نُمير وضعَّفه الجمهور وبقية رجاله ثقت رجال الصحيح. انتهى. وأخرجه أيضاً أبو نُعَيم في الحلية وتمَّام والخطيب، كما في الكنز. قصته عليه السلام مع امرأة وأخرج الطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: كانت امرأة ترافث الرجال وكانت بذيئة، فمرّت بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يأكل ثريداً على طِرْبال

فقالت: انظروا إليه يجلس كما يجلس العبد، ويأكل كما يأكل العبد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «وأيُّ عبد أعبد مني؟» قالت: ويأكل ولا يطعمني، قال: «فكلي» قالت: ناولني بيدك، فناولها، فقالت: أطعمني مما في فيك، فأعطاها، فأكلت فغلبها الحياء فلم ترافث أحداً حتى ماتت. وإسناده ضعيف، كما قال الهيثمي. قوله عليه السلام لرجل ارتعد أمامه وأخرج الطبراني عن جرير رضي الله عنه أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم من بين يديه فاستقبلته رِعْدة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «هوِّن عليك فإني لست بملك إنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد» قال الهيثمي: وفيه من لم أعرفهم. وأخرجه البيهقي عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رجلاً كلَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح فأخذته الرِعْدة - فذكر نحوه، كما في ابداية. وأخرج البزّار عن عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال: خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجدة فانقطع شِسْعه، فأخذت نعله لأصلحها، فأخذها من يدي وقال: «إنها أَثَرة ولا أحب الأثرة» . قال الهيثمي: وفيه من لم أعرفه اهـ. رفضه عليه السلام أن يتميز عن أصحابه وأخرج الطبراني عن عبد الله بن جبير الخزاعي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمشي في أناس من أصحابه فتستَّر بثوب، فلما رأى ظلُّه رفع رأسه

أقوال عائشة في عمله عليه السلام في بيته

فإذا هو بملاءة قد سُتر بها فقال له: «مَهْ» . وأخذ الثوب فوضعه، فقال: «إنما أنا أبشر مثلكم» ورجاله رجال الصحيح، كما قال الهيثمي. وأخرج البزّار عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال العباس: قلت: لا أدري ما بقيُّ رسول الله فينا، فقلت: يا رسول الله لو اتخذت عريشاً يظلك. قال: «لا أزال بين أظهرهم يطأون عقبي، وينازعون ردائي، حتى يكون الله يرحني منهم» . ورجاله رجال الصحيح، كما قال الهيثمي. وأخرجه الدارمي عن عكرمة رضي الله عنه قال قال العباس: لأعلمنَّ ما بقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا، فقال: يا رسول الله، إني أراهم قد آذَوك وآذاك غبارهم، فلو اتخذتَ عَرْشاً تكلمهم منه، فقال: «لا أزال» فذكر نحوه وزاد: فعلمت أن بقاءه فينا قليل. كذا في جمع الفوائد، وأخرجه ابن سعد عن عكرمة نحوه. أقوال عائشة في عمله عليه السلام في بيته وأخرج أحمد عن الأسود قال قلت لعائشة رضي الله عنها: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع إذا دخل بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله، فإذا حضرت

الصلاة خرج فصلَّى. ورواه البخاري وابن سعد نحون. وعند البيهقي عن عروة رضي الله عنه قال: سأل رجل عائشة: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل في بيته؟ قالت: نعم، كان يخْصف نعله، ويخيط ثوبه كما يعلم أحدكم في بيته. وعند البيهقي عن عمرة قالت: قلت لعائشة: ما كان يعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته؟ قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بشراً من البشر يفلي ثوبه، ويحلُب شاته، ويخدم نفسه. ورواه الترمذي في الشمائل؛ كذا في البداية. قول ابن عباس وجابر في بعض أحواله عليه السلام في التواضع وعند القزويني بضعف عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يَكِل طَهوره إلى أحد، ولا صدقته التي يتصدق بها يكون هو الذي يتولاّها بنفسه. كذا في جمع الفوائد. وأخرجه البخاري عن جابر رضي الله عنه قال: جاء النبي صلى الله عليه وسلم يعودني

ليس براكب بغلاً ولا بِرذوناً. كذا في صفة الصفوة؛ وأخرج الترمذي في الشمائل (ص24) عن أنس رضي الله عنه قال: حجَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على رَحْل رَثَ وعليه قطيفة لا تساوي أربعة دراهم فقال: «اللهمَّ اجعله حجّاً لا رياء فيه ولا سمعة» . تواضعه عليه السلام حين دخل مكة عام الفتح وأخرج أبو يَعْلى عن أنس رضي الله عنه قال: لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة استشرفه الناس، فوضع رأسه على رحله تخشُّعاً. قال الهيثمي: وفيه عبد الله بن أبي بكر المقدَّمي وهو ضعيف. اهـ. وأخرجه البيهقي عن أنس قال: دخل رسول الله مكة يوم الفتح وذقته على راحلته متخشِّعاً. وقال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليضع رأسه تواضعاً لله حين رأى ما أكرمه الله به من افتح حتى إن عُثنونه ليكاد يمس واسطة الرَّحْل. كذا في البداية.

منعه عليه السلام أبا هريرة أن يحمل له متاعه ومنعه بائعاً أن يقبل يده وأخرج الطبراني في الأوسط وأبو يعلى عن أبي هرية رضي الله عنه أنَّه قال: دخلت يوماً السوق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس إلى الرزازين فاشترى سراويل بأربعة دراهم، وكان لأهل السوق وزَّان، فقال له: زن وأرجح، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم السراويل فذهبت لأحمل عنه فقال: «صاحب الشيء أحقُّ بشيئه أن يحمله، إلا أن يكون ضعيفاً فيعجز عنه، فيعينه أخوه المسلم» . فقلت: يا رسول الله إنك لتلبس السراويل؟ قال: «أجل، في السفر والحضر، وبالليل والنهار، فإني أُمرت بالستر فلم أجد شيئاً أستر منه» . أخرجه من طريق ابن زياد الواسطي، وأخرجه أحمد وفي سنده ابن زياد وهو وشيخه ضعيفان؛ كذا في نسيم الرياض وقال: أنجبر ضعفه بمتابعته، ومنه يعلم أن تخطئة ابن القيِّم لا وجه لها. انتهى، وذكر الحديث الهيثمي في المجتمع عن أبي

تواضع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم

هريرة مثله وزاد: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «زِنْ وأرجح» فقال الوزّان: إنَّ هذه لكلمة ما سمعتها من أحد، فقال أبو هريرة: فقلت له: كفاك من الرَّهَق والجفاء في دينك ألاَّ تعرف نبيك فطرح الميزان ووثب إلى يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يقبلها، فحذف رسول الله صلى الله عليه وسلم يده منه فقال: «ما هذا إنما يفعل هذا الأعاجم بملوكها، ولست بملك إنما أنا رجل منكم» ، فوزن وأرجح وأخذ - فذكر مثله؛ قال الهيثمي: رواه أبو يَعْلى والطبراني في الأوسط وفيه يوسف بن زياد وهو ضعيف. تواضع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ركوب عمر البعير في سفره إلى الشام أخرج ابن عساكر عن أسلم قال: قدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه الشام على بعير، فجعلوا يحِّثون بينهم، فقال عمر: تطمح أبصارهم إلى مراكب من لا خلاق له. وأخرجه ابن المباكر؛ كذا في المنتخب. تعليم عمر النساء صنع العصيدة وأخرج ابن سعد عن حِزام بن هشام عن أبيه قال: رأيت عمر ابن الخطاب رضي الله عنه مرّ على امرأة وهي تعصدُ عصيدة لها، فقال: ليس

ذهاب عمر إلى المسجد حافيا وعيبه نفسه في خطبة له

هكذا يُعصد، ثم أخد المسوط فقال: هكذا، فأراها. وعن هشام بن خالد قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: لا تذرَنَّ إحداكنَّ الدقيق حتى يسخن الماء، ثم تذره قليلاً قليلاً، وتسوطه بمِسْوطها؛ فإنَّه أريَع له، وأحرى أن لا يتقرَّد. كذا في منتخب الكنز. ذهاب عمر إلى المسجد حافياً وعيبه نفسه في خطبة له وأخرج المَروَزي في العِيدين عن زِرَ قال: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يمشي إلى العيد حافياً. كذا في المنتخب؛ وأخرج الدينوري عن محمد بن عمر المخزومي عن أبيه قال: نادى عمر بن الخطاب: الصلاة جامعة، فلما اجتمع الناس وكثروا صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله وصلَّى على نبيه صلى الله عليه وسلم ثم قال: أيها الناس، لقد رأيتني أرعى على خالات لي من بني مخزوم، فيقبضن لي القبضة من التمر والزبيب، فأظل يومي وأي يوم ثم نزل فقال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين ما زدت على أن قمأتَ نفسك - يعني عبتَ - فقال: ويحك يا ابن عوف إني خلوت فحدثتني نفسي، فقالت: أنت أمير المؤمنين؛ فمن ذا أفضل منك فأردت أن أعرِّفها نفسها. كذا في المنتخب، وأخرجه ابن سعد عن أبي عمير الحارث بن عمير عن رجل بمعناه، وفي روايته: أيها الناس لقد رأيتني ومالي من أكال يأكله الناس إلا أنَّ لي خالات من بني

مخزوم، فكنت أستعذب لهن الماء، فيقبِضْن لي القَبَضات من زبيب. وفي آخره: إني وجدت في نفسي شيئاً فأردت أن أطأطىء منها. ركوب عمر خلف غلام على حمار وأخرج الدينوري عن الحسن قال: خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه في يوم حار واضعاً رداءه على رأسه، فمر به غلام على حمار، فقال: يا غلام احملني معك، فوثب الغلام عن الحمار وقال: اركب يا أمير المؤمنين، قال: لا، اركب وأركب أنا خلفك، تريد تحملني على المكان الوطىء وتركب أنت على الموضع الخشن، فركب خلف الغلام، فدخل المدينة وهو خلفه والناس ينظرون إليه. كذا في المنتخب. مشي عمر مع غلام ليحميه من الغلمان وأخرج ابن سعد عن سِنان بن سلمة الهذليّ قال: خرجت مع الغلمان ونحن بالمدينة نلتقط البلح، فإذا عمر بنالخطاب رضي الله عنه معه الدِّرَّة، فلما رآه الغلمان تفرقوا في النخل، قال: وقمت وفي إزاري شيء قد لقطته فقلت: يا أمير المؤمنين هذا ما تُلقى الريح، قال: فنظر إليه في إزاري فلم يضربني، فقلت: يا أمير المؤمنين الغلمان لأن بين يدي وسيأخذون ما معي، قال: كلا، امش، قال: فجاء معي إلى أهلي. إرداف عمر وعثمان الناس خلفهما وأخرج البيهقي عن مالك عن عمه عن أبيه أنه رأى عمر وعثمان رضي الله عنهما إذا قدما من مكة ينزلان بالمعَرَّس، فإذا ركبوا ليدخلوا المدينة لم يبقَ أحد إلا أردف غلاماً فدخلوا المدينة على ذلك. قال: وكان عمر وعثمان

تواضع عثمان رضي الله عنه

يُردفان، فقلت له إرادة التواضع؟ قال: نعم، والتماس حَمْل الرجل لئلا يكون كغيرهم من الملوك، ثم ذكر ما أحدث الناس من أن يُمَشّوا غلمانهم خلفهم وهم ركبان ويعيب ذلك عليهم. كذا في الكنز. تواضع عثمان رضي الله عنه وأخرج أبو نعيم في الحلية عن ميمون بن مِهران قال: أخبرني الهَمْداني أنه رأى عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو على بغلة وخَلحفه عليها غلامه نائل وهو خليفة. وأخرج ابن سعد وأحمد في الزهد وابن عساكر عن عبد الله الرومي قال: كان عثمان رضي الله عنه يلي وَضوء الليل بنفسه، فقيل: لو أمرتَ بعض الخدم فكَفَوك، فقال: لا، إن الليل لهم يستريحون فيه. كذا في الكنز، وعند ابن المبارك في الزهد عن الزبير بن عبد الله أن جدته أخبرته وكان خادماً لعثمان وقالت: كان عثمان لا يوقظ نائماً من أهله إلا أن يجده يقظاناً فيدعوه فيناوله وضوءه، وكان يصوم الدهر. كذا في الإصابة. وأخرج أبو نعيم في الحلية عن الحسن قال: رأيت عثمان رضي الله عنه نائماً في المسجد في مِلْحفة ليس حوله أحد وهو أمير المؤمنين.

تواضع أبي بكر رضي الله عنه

تواضع أبي بكر رضي الله عنه وأخرج ابن سعد عن أُنيسة قالت: كنَّ جواري الحي يأتين بغنمهن إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه فيقول لهن: أتحبون أن أحلب لكن حلب ابن عفراء؟ كذا في المنتخب، وقد تقدّم في سيرة الخلفاء عن عائشة وابن عمر وابن المسيَّب وغيرهم رضي الله عنهم عند ابن سعد وغيره، وفي حديثهم: وكان رجلاً تاجراً، فكان يغدو كل يوم السوق فيبيع ويبتاع، وكانت له قطعة غنم تروح عليه، وربما خرج هو بنفسه فيها وربما كُفِيهَا فرُعيت له، وكان يحلب للحي أغنامهم، فلما بويع له بالخلافة قالت جارية من الحي: الآن لا تُحلب لنا منائح دارنا، فسمعها أبو بكر فقال: بلى، لعمري لأحلبنَّها لكم، وإني لأرجو أن لا يغيِّرني ما دخلت فيه عن خُلُق كنت عليه، فكان يحلب لهم، فربما قال للجارية من الحي: يا جارية أتحبين أن أُرغي لكم أو أصرِّح؟ فربما قالت: أرغ، وربما قالت: صرِّح، فأيّ ذلك قالت فعل. صور من تواضع أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وأخرج البخاري في الأدب (ص81) عن صالح بياع الأكْسِيَة عن جدته قالت: رأيت علياً رضي الله عنه اشترى تمراً بدرهم فحمله في ملحفته، فقلت له - أو قال له رجل -: أحمل عنك يا أمير المؤمنين، قال: لا، أبو العيال أحق أن يحمل. وأخرجه ابنعساكر كما في المنتخب، وأبو القاسم البَغَوي، كما في البداية عن صالح بنحوه.

وأخرج ابن عساكر عن زاذان عن علي رضي الله عنه أنه كان يمشي في الأسواق وحده وهو وال، يرشد الضال، ويَنْشُد الضال، ويعين الضعيف، ويمر بالبيّاع والبقّال فيفتح عليه القرآن ويقرأ {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فساد} (سورة القصص، الآية: 83) ويقول: نزلت هذه الآية في أهل العدل والتواضع من الولاة وأهل القدرة على سائر الناس. كذا في المنتخب وأخرجه أبو القاسم البغوي نحوه كما في البداية. وأخرجه ابن سعد عن جرموز قال: رأيت علياً رضي الله عنه وهو يخرج من القصر وعليه قطريتان: إزارٌ إلى نصف الساق، ورداء مشمّر قريب نمه، ومعه دِرَّة له يمشي بها في الأسواق، ويأمرهم بتقوى الله وحسن البيع، ويقول: أوفوا الكيل والميزان، ويقول: لا تنفخوا اللحم. وأخرجه ابن عبد البر في الاستيعاب. وأخرج ابن راهَوَيه وأحمد في الزهد وعبد ابن حُمعيد وأبو يعلى والبيقي وابن عساكر - وضُعِّف - عن أبي مطر قال: خرجت من المسجد فإذا رجل ينادي خلفي: ارفع إزارك فإنه أتقى لربك، وأنقى لثوبك، وخذ من رأسك إن كنت مسلماً؛ فإذا هو علي ومعه الدِّرَّة، فانتهى إلى سوق الإبل فقال: بيعوا ولا تحلفوا فإن اليمين تنفق السلعة وتمحق البركة. ثم أتى صاحب

تواضع فاطمة وأم سلمة رضي الله عنهما

التمر فإذا خادم تبكي فقال: ما شأنك؟ قالت: باعني هذا تمراً بدرهم فأبى مولاي أن يقبله، فقال: خذه وأعطها درهماً فإنه ليس لها أمر، فكأنه أبى، فقلت: ألا تدري من هذا؟ قال لا، قلت: على أمير المؤمنين، فصبَّ تمره وأعطاها درهماً وقال: أحب أن ترصى عنِّي يا أمير المؤمنين، قال: ما أرضاني عنك إذ وفصيتهم. ثم مرَّ مجتازاً بأصحاب التمر فقال: أطعموا المسكين يربو كسبكم. ثم مرَّ مجتازاً حتى انتهى إلى أصحاب السمك فقال: لا يباع في سوقنا طاف. ثم أتى دار بزّار وهي سوق الكرابيس، فقال: يا شيخ أحسن بيعي في طافٍ. ثم أتى دار بزّار وهي سوق الكرابيس، فقال: يا شيخ أحسن بيعي في قميص بثلاثة دراهم، فلما عرفه لم يشترِ منه شيئاً، ثم أتى آخر فلما عرفه لم يشترِ منه شيئاً، ثم أتى غلاماً حدثاً فاشترى منه قميصاً بثلاثة دراهم لبسه ما بين الرسغين إلى الكعب، فجاء صاحب الثوب فقيل: إن ابنك باع من أمير المؤمنين قميصاً بثلاثة دراهم، قال: فهلاَّ أخذت منه درهمين؟ فأخذ الدرهم ثم جاء به إلى علي فقال: أمسك هذا الدرهم، قال: ما شأنه؟ قال: كان قميصاً ثمنه درهمان باعك ابني بثلاثة دراهيم، قال: باعني رضاي وأخذت رضاه. كذا في المنتخب. تواضع فاطمة وأم سلمة رضي الله عنهما وأخرج أبو نُعَيم في الحِلْية عن عطاء قال: إن كانت فاطمة رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم لتعجن وإن قصَّتها لتكاد أن تضرب الجَفْنة. وأخرج ابن سعد عن المطَّلب بن عبد الله قال: دخلت أيِّمُ العرب على

سيد المسلمين أول العشاء عروساً وقامت من آخر الليل تطحن - يعني أم سلمة رضي الله عنها -. صور من تواضع سلمان الفارسي رضي الله عنه وأخرج أبو نُعَيم في الحلية عن سلامة العجلي قال: جاء ابن أخت لي من البادية يقال له قُدامة، فقال لي أحب أن ألقى سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه فأسلّم عليه، فخرجنا إليه فوجدناه بالمدائن وهو يومئذ على عشرين ألفاً، ووجدناه على سرير يسف خوصاً، فسلَّمنا عليه، قلت: يا أبا عبد الله هذا بن أخت لي قدم عليَّ من البادية فأحب أن يسلم عليك، قال: وعليه السلام ورحمة الله، قلت يزعم أنه يحبك، قال: أحبه الله. وأخرج ابن عساكر عن الحارث بن عميرة قال: قدمت إلى سلمان رضي الله عنه المدائن فوجدته في مدبغة له يعرك إهاباً بكفيه، فلما سلَّمت عليه قال: مكانك حتى أخرج إليك. قلت: والله ما أراك تعرفني، قال: بلى، قد عرفت روحي روحك قبل أن أعرفك، فإن الأرواح جنود مجنَّدة فما تعارف منها في الله ائتلف وما كان في غير الله اختلف. كذا في المنتخب، وأخرجه أبو نعيم في الحلية عن الحارث مطوَّلاً، وجعل ما ذكره سلمان من المرفوع. وأخرج أبو نُعَيم في الحلية عن أبي قلابة أن رجلاً دخل على سلمان رضي الله عنه وهو يعجن فقال: ما هذا؟ فقال: بعثنا الخادم في عمل - أو قال: صنعة - فكرهنا أن نجمع عليه عملين - أو قال: صنعتين - ثم قال: فلان

يقرئك السلام، قال: متى قدمت؟ قال: منذ كذا وكذا، قال فقال: أما إنك لو لم تؤدها كانت أمانة لم تؤدها. وأخرجه ابن سعد وأحمد، كما في صفة الصفوة عن أبي قلابة بنحوه. وأخرج أبو نُعَيم في الحلية عن عمرو بن أبي قرَّة الكندي قال: عرض أبي على سلمان رضي الله عنه أخته أن يزوِّجه فأبى، فتزوج مولاة يقال لها بقيرة، فبلغ أبا قرَّة أنه كان بين حذيفة رضي الله عنه وبين سلمان رضي الله عنه شيء، فأتاه فطلبه فأُخبر أنه في مبقلة له، فتوجه معه زَنْبيل فيه بقل قد أدخل عصاه في عروة الزنبيل وهو على عاتقه، فانطلقنا حتى أتينا دار سلمان فدخل الدار فقال: السلام عليكم، ثم أذن لأبي قرَّة، فإذا نمط موضوع، وعند رأسه لَبِنات، وإذا قرطاط، فقال: اجلس على فراش مولاتك التي تمهد لنفسها. وأخرج أبو نُعَيم في الحلية عن ميمون بن مِهْران عن رجل من بني عبد القيس قال: رأيت سلمان رضي الله عنه في سرية وهو أميرها على حمار وعليه سراويل، وخدمتاه تَذَبذبان، والجند يقولون: قد جاء الأمير، فقال سلمان: إنما الخير والشر بعد اليوم، وعند ابن سعد عن رجل من عبد القيس قال: كنت مع سلمان الفارسي وهو أمير على سرية، فمر بفتيان من (فتيان) الجند فضحكوا وقالوا: هذا أميركم، فقلت: يا أبا عبد الله ألا ترى هؤلاء ما يقولون؟ قال: دَعْهم؛ فإنما الخير والشر فيما بعد اليوم، إن استطعت أن تأكل من التراب فكل منه ولا تكونن أميراً على اثنين، واتَّقِ دعوة المظلوم والمضطر فإنها لا تُحجب. وعنده أيضاً عن ثابت أن سلمان كان أميراً على المدائن وكان يخرج إلى الناس في أندَرْورد وعباءة، فإذا رأواه قالوا: كُرْك آمذ، كُرْك آمذ فيقول سلمان: ما يقولون؟ قالوا: يشبهونك بلعبة لهم، فيقول سلمان: لا عليهم فإنَّما الخير فيما بعد اليوم. وعن هُرَيم قال: رأيت سلمان الفارسي

على حمار عُرْى وعليه قميص سنبلاني قصير ضيق الأسفل، وكان رجلاً طويل الساقين كثير الشعر، وقد ارتفع القميص حتى بلغ قريباً من ركبتيه، قال: ورأيت الصبيان يُحضِرون خلفه. فقلت: ألا تنحون عن الأمير؟ فقال: دَعْهم فإنما الخير والشر فيما بعد اليوم. وأخرج ابن سعد عن ثابت قال: كان سلمان رضي الله عنه أميراً على المدائن، فجاء رجل من أهل الشام من بني تيم الله معه حمل تين، وعلى سلمان أندَرْورْد وعباءه، فقال سلمان: تعالَ احملْ - وهو لا يعرف سلمان -، فحمل سلمان، فرآه الناس فعرفوه فقالوا: هذا الأمير، قال: لم أعرفك، فقال له سلمان: لا، حتى أبلغ منزلك. وأخرجه أيضاً من وجه آخر بنحوه وزاد: فقال: قد نويت فيه نية فلا أضعه حتى أبلغ بيتك. وأخرج أبو نُعَيم في الحلية عن عبد الله بن بُريدة رضي الله عنه أن

تواضع حذيفة بن اليمان رضي الله عنه

سلمان رضي الله عنه كان يعمل بيديه، فإذا أصاب شيئاً اشترى به لحماً - أو سمكاً - ثم يدعو المجذَّمين فيأكلون معه. تواضع حذيفة بن اليمان رضي الله عنه وأخرجه ابن سعد عن محمد بن سيرين قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا بعث عاملاً كتب في عهده أن اسمعوا له وأطيعوا ما عدل عليكم، فلما استعمل حذيفة رضي الله عنه على المدائن كتب في عهدهد أن اسمعوا له وأطيعوا وأعطوه ما سألكم. فخرج حذيفة من عند عمر على حمار موكّف وعلى الحمار زاده، فلما قدم المدائن استقبله أهل الأرض والدَّهاقين وبيده رغيف وعَرْق من لحم على حمار على إكاف، فقرأ عهده إليهم، فقالوا: سَلْنا ما شئت، قال: أسألكم طعاماً آكله، وعلف حماري هذا ما دمت فيكم. فأقام فيهم ما شاء الله، ثم كتب إليه عمر أن أقدم، فلما بلغ عمر قدومه كمن له على الطريق في مكان لا يراه، فلما رآه عمر على الحال الذي خرج من عنده عليه أتاه فالتزمه وقال: أنت أخي وأنا أخوك كذا في الكنز. وعند أبي نُعَيم في الحلية عن ابن سيرين قال: إن حذيفة رضي الله عنه لما قدم المدائن قدم على حمار على إكاف وبيده رغيف وعرق وهو يأكل على الحمار. وزاد طلحة بن مصرف في روايته: وهو سادل رجليه من جانب. تواضع جرير بن عبد الله وعبد الله بن سلام رضي الله عنهما وأخرج الطبراني عن سليم أبي الهذيل قال: كنت رفَّاءاً على باب جرير بن عبد الله رضي الله عنه، فكان يخرج فيركب بغلة - أي ويحمل غلامه

المزاج والمداعبة

خلفه -. قال الهيثمي: وسلم ة ومحمد بن منصور الكلبي لم أعرفهما وبقية رجاله ثقات. انتهى. وأخرج الطبراني بإسناد حسن عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه أنَّه مرَّ في السوق وعليه حزمة من حطب فقيل له: ما يحملك على هذا وقد أغناك الله عن هذا؟ قال: أردت أن أدفع الكِبْر، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يدخل الجنة من في قلبه خردلة من كِبْر» . ورواه الأصبهاني إلا أنه قال: مثقال ذرة من كِبْر. كذا في الترغيب. قول علي: ثلاث هن رأس التواضع وأخرج العسكري عن علي رضي الله عنه قال: ثلاث هن رأس التواضع: أن يبدأ بالسلام من لقيه، ويرضى بالدون مِنْ شرف المجلس، ويكره الرياء والسمعة. كذا في الكنز. المزاج والمداعبة مزاح رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف كان عليه الصلاة والسلام يمزح ولا يقول إلا حقا أخرج الترمذي في الشمائل (ص17) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قالوا: يا رسول الله إنك تداعبنا، قال: «إني لا أقول إلا حقّاً» . وأخرجه البخاري في الأدب (ص41) عن أبي هريرة مثله.

مزاحه عليه السلام مع بعض نسائه وأخرج ابن عساكر - وضعَّفه - عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً سأله فقال: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمزح؟ قال: نعم، فقال رجل: ما كان مزاحه؟ فقال ابن عباس: كسا النبي صلى الله عليه وسلم بعض نسائه ثوباً واسعاً، قال: «البسيه واحمدي الله، وجرِّي من ذيلك هذا كذيل العروس» . كذا في الكنز. مزاحه عليه السلام مع أبي عمير وأخرج أحمد عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خُلُقاً، وكان لي أخ يقال له: أبو عمير - قال: فطيماً - قال: فكان إذا جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآه قال: «أبا عمير ما فعل النّغير؟» قال: نُغَر كان يلعب به، قال: فربما تحضر الصلاة وهو في بيتنا، فيأمر بالبساط الذي تحته فيكنس ثم ينضح، ثم يقوم رسول الله صلى الله عليه وسلم ونقوم خلفه يصلِّي بنا، قال: وكان بساطهم من جريد النخل. وقد رواه الجماعة إلا أبا داود من طرق عن أنس بنحوه. كذا في ابداية؛ وأخرجه البخاري في الأدب (ص42) بلفظ: كان

مزاحه عليه السلام مع رجل

النبي صلى الله عليه وسلم ليخالطنا حتى يقول لأخ لي صغير: «يا أبا عمير ما فعل النُّغير؟» وهكذا لفظ الترمذي؛ وعند ابن سعد عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أبي طلحة رضي الله عنه فرأى ابناً له يكنى أبا عمير حزيناً قال: وكان إذا رآه مازحه النبي صلى الله عليه وسلم قال فقال: «ما لي أرى أبا عمير حزيناً؟» قالوا: مات يا رسول الله نُغَرة الذي كان يلعب به، قال: فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «أبا عمير ما فعل النُّغَير؟» . مزاحه عليه السلام مع رجل وأخرج أحمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فاستحمله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنا حاملوك على ولد ناقة» ، فقال: يا رسول الله ما أصنع بولد ناقة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «وهل تلك الإبل إلا النوق» . ورواه داود والترمذي، وقال الترمذي: صحيح غريب؛ كذا في البداية. $ وأخرجه البخاري في الأدب المفرد (ص41) عن أنس نحوه، وأخرجه ابن سعد عن محمد بن قيس رضي الله عنه بمعناه إلا أنه جعل السائلة أم أيمن رضي الله عنها. مزاحه عليه السلام مع أنس وأخرج أبو داود عن أنس رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم

مزاحه عليه السلام مع زاهر

«يا ذا الأذنين» كذا في البداية. وأخرجه الترمذي في الشمائل (ص16) وقال: قال أبو أسامة: يعني يمازحه، وأخرجه أبو نُعَيم وابن عساكر؛ كما في المنتخب. مزاحه عليه السلام مع زاهر وأخرج أحمد عن أنس رضي الله عنه أن رجلاً من أهل البادية كان اسمه زاهراً - رضي الله عنه - وكان يُهدي النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنَّ زاهراً باديتنا ونحن حاضروه» ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبُّه وكان رجلاً دميماً، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبيع متاعه فاحتضنه من خلفه ولا يبصره الرجل، فقال: أرسلني من هذا؟ فالتفت فعرف النبي صلى الله عليه وسلم فجعل لا يألو ما ألصق ظهره بصدر النبي صلى الله عليه وسلم حين عرفه، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من يشتري العبد؟» فقال: يا رسول الله إذن - والله - تجدني كاسداً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لكن عند الله لست بكاسد - أو قال: - لكن عند الله أنت غالٍ» . وهذا إسناد رجاله كلّهم ثقات على شرط الصحيحين، ولم يروه إلا الترمذي في الشمائل، ورواه ابن حبَّان في صحيحه؛ كذا في البداية. وأخرجه أيضاً أبو يَعْلى والبزّار. قال الهيثمي: ورجال أحمد رجال الصحيح، وأخرجه البزّار والطبراني عن

سالم بن أبي الجعد عن رجل من أشجع يقال له أزهر بن حَرام الأشجعي رجل بدوي، وكان لا يزال يأتي النبي صلى الله عليه وسلم بطُرْفة أو هدية - فذكر بمعناه. قال الهيثمي: رواه البزار والطبراني ورجاله موثقون - اهـ. مزاحه عليه السلام مع عائشة ومع زوجاته وأخرج أبو داود عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: استأذن أبو بكر رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم فسمع صوت عائشة رضي الله عنها عالياً على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما دخل تناولها ليلطمها وقال: ألا أراك ترفعين صوتك على رسول الله؟ فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يحجزه، وخرج أبو بكر مُغْضباً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج أبو بكر: «كيف رأيتني أنقذتك من الرجل» فمكث أبو بكر أياماً ثم استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما دخل تناولها ليلطمها وقال: ألا أراك ترفعين صوتك على رسول الله؟ فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يحجزه، وخرج أبو بكر مُغْضباً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج أبو بكر: «كيف رأيتني أنقذتك من الرجل» فمكث أبو بكر أياماً ثم استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدهما قد اصطلحا، فقال لهما: أدخلاني في سِلمكما كما أدخلتماني في حربكما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «قد فعلنا قد فعلنا» . كذا في البداية. وأخرج أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وأنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدنُ، فقال للناس: «تقدَّموا» فتقدَّموا، ثم قال لي: «تعالي حتى أسابقك» فسابقته فسبقته، فسكت عني حتى إذا حملت اللحم وبدُنت ونسيت خرجت معه في بعض أسفاره، فقال للناس: «تقدَّموا ثم قال لي: «تعالي حتى أسابقك» فسابقته. فسبقني، فجعل يضحك ويقول: «هذه بتلك» كذا في صفة الصفوة.

مزاحه عليه السلام مع امرأة عجوز

وأخرج أحمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في مسير، وكان حاد يحدو بنسائه - أو سائق - قال: فكان نساؤه يتقدَّمن من بين يديه فقال: «يا أنجشه وَيْحِك، ارفق بالقوارير» وفي الصحيحين نحوه عن أنس، كما في البداية، وعند البخاري في الأدب (ص41) عن أنس قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم على بعض نسائه ومعهن أم سليم رضي الله عنها، فقال: «يا أنجشة رويداً، سوقك بالقوارير» قال أبو قلابة: فتكلَّم النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة لو تكلم بعضكم لعبتموها عليه قوله «سوقك بالقوارير» . مزاحه عليه السلام مع امرأة عجوز وأخرج الترمذي في الشمائل (ص17) عن الحسن رضي الله عنه قال: أتت عجوز النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ادع الله أن يدخلني الجنة، فقال: «يا أم فلان، أنَّ الجنة لا تدخلها عجوز» قال: فولَّت تبكي. فقال: «أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز، إن الله تعالى يقول: {إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا} (سورة الواقعة، الآية: 36) .

مزاح أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مزاح عوف بن مالك الأشجعي مع النبي عليه السلام أخرج أبو داود عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم، فسلمت فرد وقال: «ادخل» ، فقلت: أكلِّي يا رسول الله؟ فقال: «كلُّك» ، فدخلت، قال الوليد ابن عثمان بن أبي العالية إنما قال: أدخل كلِّي؟ من صِغَر القبة. كذا في البداية. مزاح عائشة وأبي سفيان معه عليه السلام وأخرج البخاري في الأدب (ص41) عن ابن أبي مليكة رضي الله عنه قال: مزحت عائشة رضي الله عنها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أمها: يا رسول الله بعض دعابات هذا الحي من كنانة، قال النبي صلى الله عليه وسلم «بل بعض مزحنا هذا الحي» . وأخرج الزبير بن بكار وابن عساكر عن أبي الهيثم عمن أخبره أنه سمع أبا سفيان بن حرب رضي الله عنه مازح النبي صلى الله عليه وسلم في بيت ابنته أم حبيبة رضي الله عنها ويقول: والله إنْ هو إلاَّ تركتُك فتركتك العرب إن انتطحت فيك، وقالوا: جمَّاء ولا ذات قرن، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك ويقول: «أنت تقول ذلك يا أبا حنظلة» كذا في الكنز.

ترامي الصحابة بالبطيخ وقول ابن سيرين في مزاحهم وأخرج البخاري في الأدب (ص41) عن بكر بن عبد الله قال: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يتبادحون بالبطِّيخ، فإذا كانت الحقائق كانوا هم الرجال. وذكر الهيثمي عن قرّة قال: قلت لابن سيرين: هل كانوا يتمازحون؟ قال: ما كانوا إلا كالناس، كان ابن عمر رضي الله عنهما يمزح وينشد: يحب الخمر من مالِ النَّدامى ويكره أن تفارقه الفلوس هكذا ذكره الهيثمي بلا إسناد وسقط ذكر مخرِّجه. مزاح نعيمان مع سويبط رضي الله عنهما وأخرج أحمد عن أمس سلمة رضي الله عنها أن أبا بكر رضي الله عنه خرج تاجراً إلى بصري ومعه نُعيمان وسُيبط بن حرملة رضي الله عنهما - وكلاهما بدري - وكان سُويبط على الزاد، فقال له نعيمان: أطعمني. قال: حتى يجيء أبو بكر، وكان نُعيمان مضحاكاً مزَّاحاً، فذهب إلى ناس جلبوا ظهراً فقال: ابتاعوا مني غلاماً عربياً فراهاً، قالوا: نعم، قال: قال إنه ذو لسان، ولعله يقول أنا حر، فإن كنتم تاركيه لذلك فدعوني لا تفسدوه. عليَّ. فقال: بل نبتاعه، فابتاعوه منه بعشر قلائص، فأقبل بها يسوقها وقال: دونكم هو هذا، فقال سويبط: هو كاذب أنا رجل حر قالوا: قد أخبرنا أخبرك،

مزاح نعيمان مع أعرابي

فطرحوا الحبل في رقبته فذهبوا به، فجاء أبو بكر فأُخبر، فذهب هو وأصحابه إليهم فردُّوا القلائص وأخذوه، ثم أخبروا النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فضحك هو وأصاحبه منها حَوْلاً. وأخرجه أبو داود الطيالسي والرخوياني، وقد أخرجه ابن ماجه فقلبه؛ جعل المازح سويبط والمبتاع نُعيمان، وروى الزبير بن بكار في كتاب الفكاهة هذه القصة من طريق أخرى عن أم سلمة إلاّ أنه سماه سليط بن حرملة وأظنه تصحيفاً، وقد تعقَّبه بن عبد البر وغيره. كذا في الإصابة، وقد أخرج ابن عبد البر في الاستيعاب (2162 و3573) حديث أم سلمة من طرق. مزاح نعيمان مع أعرابي وأخرج ابن عبد البرفي الاستيعاب عن ربيعة بن عثمان رضي الله عنه قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فدخل المسجد وأناخ ناقته بفنائه، فقال بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لنعيمان بن عمرو الأنصار رضي الله عنه - وكان يقال له النعيمان -: لو نحرتها فأكلناها فإنا قد قرمنا إلى اللحم ويغرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمنها، قال: فنحرها النعيمان، ثم خرج الأعرابي فرأى راحلته فصاح: واعقراه يا محمد فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «من فعل هذا؟» قالوا: النعيمان، فأتبعه يسأل عنه فوجده في دار ضُباعة بنت الزبير بن عبد المطلب - رضي الله عنها - قد اختفى في خندق وجعل عليه الجريد والسَّعف، فأشار إليه رجل ورفع صوته يقول: ما رأيته يا رسول الله، وأشار بإصبعه حيث هو، فأخرجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تغيَّر

وجهه بالسعف الذي سقط عليه فقال له: «ما حملك على ما صنعت؟» قال: الذين دلوك «عليَّ يا رسول الله هم الذين أمروني، قال: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح عن وجهه ويضحك، قال: ثم غرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهكذا ذكره في الإصابة عن الزبير بن بكار عن ربيعة ابن عثمان. مزاح نعيمان مع مخرمة بن نوفل وأخرج الزبير عن عمه مصعب بن عبد الله عن جده عبد الله بن مصعب قال: كان مخرمة بن نوفل بن أُهيب الزهري شيخاً كبيراً بالمدينة أعمى، وكان قد بلغ مائة وخمس عشرة سنة، فقام يوماً في المسجد يريد أن يبول فصاح به الناس، فأتاه النعيمان ابن عمرو بن رفاعة بن الحارث بن سواد النجاري رضي الله عنه فتنحى به ناحية من المسجد ثم قال: اجلس ههنا، فأجلسه يبول وتركه، فبال وصاح به الناس، فلما فرغ قال: من جاء بي ويحكم في هذا الموضع؟ قال له: النعيمان بن عمرو، قال: فعل الله به وفعل أما إنَّ لله عليَّ إن ظفرت به أضربه بعصاي هذه ضربة تبلغ منه ما بلغت فمكث ما شاء الله حتى نسي ذلك مخرمة، ثم أتاه يوماً وعثمان رضي الله عنه قائم يصلي في ناحية المسجد - وكان عثمان إذ صلى لم يلتفت - فقال له: هل لك نعيمان؟ قال: نعم، أين هو دلني عليه، فأتى به حتى أوقفه على عثمان فقال: دونك هذا هو، فجمع مخرمة يديه بعصاه فضرب عثمان فشجه، فقيل له: إنا ضربت أمير المئمنين عثمان رضي الله عنه، فسمعت بذلك بنو زُهرة فاجتمعوا في ذلك، فقال عثمان رضي الله عنه: دعوا نُعيمان لعن الله نعيمان فقد شهد بدراً. كذا في الاستيعاب وهكذا ذكره في الإصابة عن بكار.

الجود والكرم

الجود والكرم جود سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أقوال بعض الصحابة في جوده عليه السلام أخرج الشيخان عن ابن عبسا رضي الله عنهما: قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس (بالخير) ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقى جبريل عليه السلام، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، قال فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة. كذا في صفة الصفوة، وأخرجه ابن سعد عنه نحوه. وأخرج الشيخان عن جابر بن عبد الله عنه قال: ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط فقال لا. كذا في البداية. وعند أحمد في حديث طويل عن عبد الله بن أبي بكر أن أبا أُسيد - رضي الله عنه - كان يقول: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمنع شيئاً يسأله. قال الهيثمي: ورجاله ثقات إلا أن عبد الله بن أبي بكر لم يسمع من أبي أُسيد. اهـ. وعند الطبراني في الأوسط في حديث طويل عن علي رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سئل شيئاً فأراد أن يفعله قال: نعم، وإذا أراد أن لا

يفعله سكت، وكان لا يقول لشيء: لا. قال الهيثمي: وفيه محمد بن كثير الكوفي وهو ضعيف. اهـ. إكرامه عليه السلام للرُّبِّيع بنت معوِّذ ولأن سنبلة وأخرج الطبراني عن الرُّبَّيع بنت معوِّذ بن عفراء رضي الله عنهما قالت: بعثني معوِّذ بن عفراء بصاع من رُطْب عليه اجْر من قثّاء زُغْب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب القثاء، وكانت حلية قد قدمت من البحرين فملأ يده منها فأعطانيها - وفي رواية: فأعطاني ملء كفي حلياً أو ذهباً. ورواه أحمد بنحوه وزاد: فقال: تحلَّى بهذا. قال الهيثمي: وإسنادهما حسن اهـ. وأخرجه الترمذي عن الرُّبَّيع مختصراً، كما في البداية. وأخرج الطبراني في الأوسط عن أم سنبلة رضي الله عنها أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم بهدية فأبى أزواجه أن يقبلنها، فقلن: إنا لا نأخذ، فأمرهن النبي صلى الله عليه وسلم فأخذنَها، ثم أقطعها وادياً، فاشتراه عبد الله بن جحش من حسن بن علي رضي الله عنهم. قال الهيثمي. وفيه عمرو بن قيظي ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات. اهـ. وقد تقدَّمت قصص سخائه صلى الله عليه وسلم في إنفاق الأموال.

جود أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم

جود أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم > أخرج الزبير بن بكار وابن عساكر عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إني نويت أن أعطي هذا الثوب أكرم العرب، فقال: «أعطيه هذا الغلام» - يعني سعيد بن العاص رضي الله عنه - وهو واقف، فلذلك سميت الثياب السعيدية. كذا في المنتخب. وقد تقدمت قصص جود الصحابة وكرمهم في إنفاق الأموال. الإيثار أخرج الطبراني عن ابن عمرو رضي الله عنهما قال: أتى علينا زمان وما يري أحد منا أنّه أحق بالدينار والدرهم من أخيه المسلم، وإنا في زمان الدينار والدرهم أحبإلينا من أخينا المسلم - فذكر الحديث. قال الهيثمي: رواه الطبراني بأسانيد وبعضها حسن - اهـ. وقد تقدَّمت قصص الإيثار في شدَّة العطش، وفي قلة الثياب، وفي قصص الأنصار، وفي الإنفاق مع الحاجة. الصبر الصبر على الأمراض مطلقا صبر سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم عل شدة الحمى أخرج ابن ماجه وابن أبي الدينا والحاكم - واللفظ له وقال صحيح على شرط مسلم وله شواهد كثيرة - عن أبي سعيد رضي الله عنه أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو موعوك عليه قطيفة، فوضع يده فوق القطيفة، فقال: ما أشد

حمَّاك يا رسول الله؟ قال: «إنا كذلك يُشددَّ علينا البلاء ويضاعف لنا الأجر» ، ثم قال: يا رسول الله مَنْ؟ أشد الناس بلاء؟ قال: «الأنبياء» ، قال: ثم مَنْ؟ قال: «العلماء» ، قال: ثم مَنْ؟ قال: «الصالحون» ، وكان أحدهم يُبتلى بالقمل حتى يقتله، ويُبتلى أحدهم بالفقر تحى ما يجد إلا العباءة يلبسها، ولأحدهم كان أشد فرحاً بالبلاء من أحدكم بالعطاء» . وكذا في الترغيب؛ وأخرجه البيهقي، كما في الكنزل وأبو نُعيم في الحلية نحوه. وأخرج البيهقي عن أبي عبيدة بن حذيفة رضي الله عنه عن عمته فاطمة رضي الله عنها قالت: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في نساء نعوده وقد حُمَّ، فأمر بسقاء فعُقِّ على شجرة ثم اضطجع تحته، فجعل يقطر على فواقه من شدة ما يجد من الحمى، فقلت: يا رسول الله لو دعوتَ الله أن يكشف عنك، فقال: «إنَّ أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم» . كذا في الكنزل؛ وأخرجه أحمد والطبراني في الكبير بنحوه، قال الهيثمي: وإسناد أحمد حسن. وأخرج ابن سعد والحاكم والبيهقي عن عائشة رضي الله عنها أن

صبر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على الأمراض

رسول الله صلى الله عليه وسلم طرقه وجع، فجعل يشتكي ويتقلَّب على فراشه، فقالت له عائشة: لو فعل هذا بعضنا جدتَ عليه فقال: «إنَّ المؤمنين ليشدَّد عليهم، وإنَّه ليس من مؤمن تصيبه نكبة شوكة ولا وجع إلا كفَّر الله عنه بها خطيئة ورفع له بها درجة» . كذا في الكنز، وأخرجه أحمد نحوه، قال الهيثمي: ورجاله ثقات. صبر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على الأمراض صبر أهل قباء والأنصار على الحمّى أخرج أحمد عن جابر رضي الله عنه قال: استأذنت الحمَّى على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «من هذه؟» قالت: أمُّ مِلْدَم، فأمر بها إلى أهل قُباء، فلقوا نمها ما يعلم الله، فأتوه فشكوا ذلك إليه، فقال: «ما شئتم؟ إن شئتم دعوت الله فشكفها عنكم، وإن شئتم أن تكون لكم طهوراً» ، قالوا: أو تفعل؟ قال: «نعم» ، قالوا: فدَعْها، قال في الترغيب: رواه أحمد - ورواته رواة الصحيح - وأبو يعلى وابن حِبَّان في صحيحه - اهـ. وعند الطبراني عن سلمان رضي الله عنه قال: استأذنت الحمَّى على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها: «من أنت؟» فقالت: أنا الحمى، أبري اللحم، وأمصُّ

الدم، قال: «اذهبي إلى أهل قُباء» فأتتهم فجاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد اصفرّت وجوههم، فشكوا الحمَّى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ما شئتم؟ إن شئتم دعوت الله فدفعها عنكم، وإن شئتم تركتموها وأسقطت بقية ذنوبكم؟» قالوا: بلى، فدَعْها يا رسول الله. قال الهيثمي: وفيه هشام بن لاحق، وثقه النسائي وضعَّفه أحمد وابن حِبَّان. اهـ. وأخرجه البيهقي عن سلمان نحوه، كما في البداية. وأخرجه البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاءت الحمى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ابعثني إلى أحبِّ قومك إليك - أو أحب أصحابك إليك، شك قُرَّة - فقال: «اذهبي إلى الأنصار» فذهبت إليهم فصرعتهم، فجاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله قد أتت لاحمى علينا فادعُ الله لنا بالشِّفاء، فدعا لهم فكشفت عنهم، قال: فاتَّبعته امرأة فقالت: يا رسول الله أُدْعُ الله لي فإني لمن الأنصار، فادع الله لي كما دعوت لهم، فقال: «أيهما أحب إليك: أن أدعو لك فيكشف عنك، أو تصبرين وتجب لك الجنة؟» فقالت: لا والله يا رسول الله بل أصبر - ثلاثاً - ولا أجعل والله لجنته خَطَراً كذا في البداية، وأخرجه البخاري في الأدب (ص73) عن أبي هريرة بمعناه.

صبر أحد الأصحاب على الحمى

صبر أحد الأصحاب على الحمى وأخرج الطبراني في الصغير والأوسط عن عائشة رضي الله عنها قالت: فقد النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً كان يجالسه فقال: «ما لي فقدت فلاناً» فقالوا: اعتبط - وكانوا يسمون الوعك الاعتباط - فقال: «قوموا حتى نعوده» فلما دخل عليه بكى الغلام فقال له النبي صلى الله عليه وسلم «لا تبكِ فإنَّ جبريل أخبرني أنَّ الحمَّى حظَّ أمتي من جهنم» . وفيه عمر ابن راشد ضعَّفه أحمد وغيره ووثقه العجلي، كما في المجمع. صبر أبي بكر وأبي الدرداء رضي الله عنهما وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وأبو نُعَيم في الحلية وهنّاد عن أبي السَّفر قال: دخل على أبي بكر رضي الله عنه ناس يعودونه في مرضه، فقالوا يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا ندعو لك مطيِّباً ينظر إليك؟ قال: قد نظر إليَّ، قالوا: فماذا قال لك؟ قال قال: إنِّي فعّال لما أريد. كذا في الكنزل، وأخرج أبو نعيم في الحلية عن معاوية بن قُرَّة أن أبا الدرداء رضي الله عنه اشتكى فدخل عليه أصحابه فقالوا: ما تشتكي يا أبا الدرداء؟ قال: أشتكي ذنوبي، قالوا: فما تشتهي؟ قال: أشتهي الجنَّة؛ قالوا: أفلا ندعو لك طبيباً؟ قال: هو الذي أضعجني. وأخجره ابن سعد عن معاوية مثله.

صبر معاذ وأهله على الطاعون وأخرجه ابن خزيمة وابن عساكر عن عبد الرحمن بن غنم قال: وقع الطاعون بالشام فقال عمرو بن العاص رضي الله عنه: إن هذا الطاعون رجس ففروا منه في الأودية والشِّعاب، فبلغ ذلك شُرَحبيل بنحسنة رضي الله عنه، فغضب وقال: كذب عمرو بن العاص، لقد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمرو أضلُّ من جمل أهله، إنَّ هذا الطاعون دعوة نبيكم، ورحمة ربكم، ووفاة الصالحين قبلكم. فبلغ ذلك معاذاً رضي الله عنه فقال: اللهمّ اجعل نصيب آل معاذ الأوفر، فماتت ابنتاه، وطُعن ابنه عبد الرحمن، فقال: الحقُّ من ربك فلا تكوننّ من الممترين، فقال: ستجدني إن شاء الله من الصابرين. وطُعن معاذٌ في ظهر كفه، فجعل يقول: هي أحبُّ إليّ من حمر النَّعم، ورأى رجلاً يبكي عنده فقال: ما يبكيك؟ قال: على العلم الذي كنت أصيبه منك، قال: فلا تبكِ فإن إبراهيم كان في الأرض وليس بها عالم، فآتاه الله علماً، فإذا مت فاطلب العلم عند أربعة: عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن سلام، وسلم ان، وأبي الدرداء رضي الله عنهم. كذا في الكنز، وأخرجه أحمد عن عبد الرحمن بن غنم مختصراً والبزّار عنه مطوِّلاً، كما ذكر الهيثمي وقال: أسانيد أحمد حسان صحاح. اهـ. وأخرجه الحاكم وأبو نعيم في الحلية عن عبد الرحمن مختصراً ولفظ

صبر أبي عبيدة والمسلمين على الطاعون

أبي نعيم: قال طُعن معاذ وأبو عبيدة وشرحبيل ابن حسنة وأبو مالك الأشعري رضي الله عنهم في يوم واحد فقال معاذ: إنَّه رحمة ربكم عز وجل، ودعوة نبيكم صلى الله عليه وسلم وقبض الصالحين قبلكم، اللهمَّ آتِ آلَ معاذ النصيب الأوفر من هذه الرحمة، فما أمسى حتى طعن ابنه عبد الرحمن بِكره الذي كان يكنى به وأحب الخلق إليه، فرجع من المسجد فوجده مكروباً، فقال: يا عبد الرحمن كيف أنت؟ فاستجاب له، فقال: يا أبتِ الحقُّ من ربِّك فلا تكوننَّ من الممترين، فقال معاذ: وأنا إن شاء الله ستجدني من الصابرين، فأمسكه ليله، ثم دفنه من الغد، فطُعن معاذ فقال حين اشتد به النَّزع: نزع الموت، فنزع نزعاً لم يُنزعه أحد، وكان كلما أفاق من غمرة فتح طرفه ثم قال: ربِّ اخنقني خنقتك، فوعزَّتك إنك لتعلم أنَّ قلبي يحبك وأخرجه أحمد عن أبي منيب مختصراً ورجاله ثقات وسنده متصل، كما قال الهيثمي. صبر أبي عبيدة والمسلمين على الطاعون وأخرجه ابن إسحاق عن شَهْر بن حَوْشَب عن رابة - رجل من قومه - قال: لما اشتعل الوجع قام أبو عبيدة رضي الله عنه في الناس خطيباً فقال: أيها الناس، إنَّ هذا الوجع رحمةٌ بكم، ودعوة نبيكم، وموت الصالحين قبلكم، وإن أبا عبيدة يسأل الله أن يقسم لأبي عبيدة حظَّه.p فطُعن فمات، واستخلف على الناس معاذ بن جبل رضي الله عنه، فقام خطيباً بعده فقال: أيّها الناس، وإنَّ هذا الوجع رحمة بكم، ودعوة نبيكم، وموت الصالحين قبلكم، وإنَّ معاذاً يسأل الله تعالى أن يقسم لآل معاذ حظَّهم، فطُعن ابنه عبد الرحمن فمات، ثم

قام فدعا لنفسه فطُعن في راحته، فلقد رأيته ينظر إليها ثم يقلِّب ظهر كفه، ثم يقول: ما أحبُّ أنَّ لي بما فيك شيئاً من الدنيا؛ فلما مات استخلف على الناس عمرو بن العاص رضي الله عنه، فقام فيهم خطيباً فقال أيها الناس إنَّ هذا الوجع إذا وقع فإنما يشتعل اشتعال النار فتحصنوا منه في الجبال، فقال أبو واثلة الهذلي رضي الله عنه: كذبت، والله لقد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت شر من حماري هذا فقال: والله ما أردُّ عليك ما تقول، وايم الله لا نقيم عليه قال: ثم خرج وخرج الناس فترقوا ودفعه الله عنهم، قال: فبلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه من رأى عمرو بن العاص، فوالله ما كرهه. كذا في البداية. قول معاذ في طاعون عمواس وأخرج أحمد عن أبي قلابة أنا لطاعون وقع بالشام فقال عمرو بنالعاص رضي الله عنه: إنَّ هذا الرجز قد وقع فتفرقوا عنه في الشِّعاب والأودية، فبلغ ذلك معاذاً رضي الله عنه فلم يصدقه بالذي قال، قال فقال: بل هو شهادة ورحمة، ودعوة نبيكم صلى الله عليه وسلم اللهمَّ إعطِ معاذاً وأهله نصيبهم من رحمتك، قال أبو قلابة: فعرفت الشهادة، وعرفت الرحمة، ولم أدر ما دعوة نبيكم حتى أُنبئت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينا هو ذات ليلة يصلِّي إذ قال في دعائه: «فحمَّى إذاً أو طاعوناً» - ثلاث مرات -، فلما أصبح قال له إنسان من أهله: يا رسول الله لقد سمعتك الليلة تدعو بدعاء، قال: «وسمعته» ؟ قال: نعم، قال: «إنِّي سألت

الصبر على ذهاب البصر

ربي عز وجل أن لا يهلك أمتي بسنةٍ فأعطانيها، وسألت الله أن لا يسلِّط عليهم عدواً يبيدهم، وسألته أن لا يُلبِسهم شيعاً ويذيق بعضهم بأس بعض فأبى عليَّ - أو قال: فمُنعت - فقلت: حمى إذاً أو طاعوناً» - يعني ثلاث مرات، قال الهيثمي. رواه أحمد. وأبو قلابة لم يدرك معاذ بنجبل. انتهى. فرح أبي عبيدة بالطاعون وأخرج ابن عساكر عن عروة بن الزبير رضي الله عنه أن وجع عمواس كان معافًى منه أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه ثم أهله، فقال: اللهمَّ نصيبك في آل (أبي) عبيدة، فخرجت بأبي عبيدة في خنصره بثرة، فجعل ينظر إليها فقيل إنها ليست بشيء، فقال: إني أرجو أن يبارك الله فيها، فإنه إذا بارك في القليل كان كثيراً. وعنده أيضاً عن الحارث ابن عميرة الحارثي أن معاذ بن جبل رضي الله عنه أرسله إلى أبي عبيدة ابن الجراح يسأله كيف هو؟ - وقد طُعن - فأراه أبو عبيدة طعنة خرجت في كفِّه، فتكاثر شأنها في نفس الحارث، وفرق منها حين رآها، فأقسم أبو عبيدة بالله ما يحب أن له مكانها حُمْر النَّعم. كذا في المنتخب. الصبر على ذهاب البصر صبر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على ذهاب بصرهم صبر زيد بن أرقم رضي الله عنه على فقد بصره أخرج البخاري في الأدب (ص78) عن زيد بن أرقم رضي الله عنه يقول: رمدت

عيني، فعادني النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: «يا زيد، لو أن عنيك لِمَا بها كيف كنت تصنع» ؟ قال: كنت أصبر وأحتسب، قال: «لو أنَّ عينك لما بها ثم صبرت واحتسبت كان ثوابك الجنة» . وعند أحمد عن أنس رضي الله عنه قال: دخلت مع النبي صلى الله عليه وسلم نعود زيد بن أرقم وهو يشتكي عينيه، فقال له: «يا زيد لو كان بصرك لما به وصبرت واحتسبت لتلقينَّ الله عز وجل ليس عليك ذنب» قال الهيثمي: وفيه الجُعفي وفيه كلام كثير وقد وثَّقه الثوري وشعبة - انتهى. وعند أبي يعلى وابن عساكر عن زيد بن أرقم رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم خل عليه يعوده من مرض كان به فقال: «ليس عليك من مرضك هذا بأس، ولكن كيف بك إذا عُمِّرت بعدي فعُميت؟» قال: إذاً أصبر واحتسب، قال: «إذاً تدخل الجنة بغير حساب» ، فعمي بعد ممات النبي صلى الله عليه وسلم وأخرجه البيهقي عن زيد بمعناه، كما في الكنز، وأخرجه الطبراني في الكبير عن زيد نحوه وزاد: فعمي بعدما مات النبي صلى الله عليه وسلم ثم ردَّ الله عز وجل إليه بصره، ثم مات رحمه الله. قال الهيثمي ونباتة بنت برير بن حماد لم أجد من ذَكَرها.

صبر أحد الأصحاب على فقد بصره

صبر أحد الأصحاب على فقد بصره وأخرج البخاري في الأدب (ص78) عن القاسم بن محمد أن رجلاً من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ذهب بصره فعادوه فقال: كنت أريدهما لأنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأما إذا قُبض النبي صلى الله عليه وسلم فوالله ما يسرني أن ما بهما بظبي من ظِباء تَبالة. وأخرجه ابن سعد عن القاسم نحوه. الصبر على موت الأولاد والأقارب والأحباب صبر سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم على موت ابنه إبراهيم أخرج ابن سعد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: رأيت إبراهيم وهو يَكِيد بنفسه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «تدمع العين ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، والله يا إبراهيم إنَّا بك لمحزونون» . وعنده أيضاً عن مكحول قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو معتمد على عبد الرحمن بن عوف، وإبراهيم يجود بنفسه، فلما مات دمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له عبد الرحمن: أيْ رسول الله هذا الذي تنهي الناس عنه متى يرك المسلمون تبكي يبكوا قال: فلما شُريت عنه عبرته، قال: «إنَّما هذا رُحْم، وإن من لا يَرحم لا يُرحم، إنَّما ننهي الناس عن النياحة، وأن يُندب الرجل بما ليس فيه» ثم قال: «لولا أنه وعدٌ جامع، وسبيل مئتاء وأن آخرنا لاحق

بأولنا، لوجدنا عليه وَجداً غير هذا، وإنا عليه لمحزنون، تدمع العين ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب، وفَضْل رضاعة في الجنة» . وأخرجه أيضاً عن عبد الرحمن بن عوف أطول منه بمعناه. صبره عليه السلام على موت ابن بنت له وأخرجه الطيالسي وأحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وأبو عَوانة وابن حِبَّان عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: كان عند النبي صلى الله عليه وسلم فأرسلت إليه إحدى بناته تدعوه وتخبره أن صبياً لها في الموت، فقال للرسول: «ارجع إليها فأخبرها أنَّ الله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمّى، فمرها فلتصبر ولتحتسب» فعاد الرسول فاقل: إنها قد أقسمت لتأتينَّها، فقام النبي صلى الله عليه وسلم وقام معه سد بن عبادة ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وزيد بن ثابت رضي الله عنهم ورجال، وانطلقت معهم، فرُفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبي ونفسه تَقَعْقَع كأنها في شَنْ، ففاضت عيناه فقال له سعد: ما هذا يا رسول

صبره عليه السلام على موت عمه حمزة

الله؟ قال: «هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء» . كذا في الكنز. صبره عليه السلام على موت عمه حمزة وأخرج البزار والطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه حين استشهد، فنظر إلى منظر لم ينظر إلى منظر أوجع للقلب منه - أو أوجع لقلبه منه -، ونظر إليه وقد مُثِّل به، فقال: «رحمة الله عليك، إن كنتَ ما علمتُ لوصولاً للرحم، فعولاً للخيرات، والله لولا حزن من بعدك عليك لسرني أن أتركك حتى يحشرك الله من بطون السباع - أو كلمة نحوها -. أما والله على ذلك لأمثلنَّ بسبعين كميتتك» فنزل جبريل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وسلم بهذه السورة وقرأ: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} (سورة النحل، الآية: 126) - إلى آخر الآية -، فكفَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمسك عن ذلك. وفيه صالح بن بشير المرِّي وهو ضعيف، كما قال الهيثمي، وأخرجه الحاكم بهذا الإِسناد نحوه. وعند الطبراني عن ابنع باس رضي الله عنهما قال: لما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمزة رضي الله عنه نظر إلى ما به فقال: «لولا أن يحزن نساؤنا ما غيبته، ولتركته حتى يكون في بطون السباع وحواصل الطير يبعثه الله ممَّا

حزنه عليه السلام على زيد بن حارثة

هنالك» قال: وأحزنه ما رأس به فقال: «لئن ظفرت بهم لأمثلنَّ بثلاثين رجلاً منهم» فأنزل الله عز وجل في ذلك {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} {وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لّلصَّابِرينَ} - إلى قوله {يَمْكُرُونَ} ، ثم أمر به فهيىء إلى القبلة، ثم كبَّر عليه تسعاً، ثم جمع إليه الشهداء كلما أتي بشهيد وضع إلى جنبه فصلَّى عليه وعلى الشهداء اثنتين وسبعين صلاة، ثم قام على أصحابه حتى وارهم؛ ولما نزل القرآن عفا رسول الله صلى الله عليه وسلم وتجاوز وترك المُثَل. وفيه أحمد بن أيوب بن راشد وهو ضعيف. قاله الهيثمي. حزنه عليه السلام على زيد بن حارثة وأخرج ابن أبي شيبة وابن مَنيع والبزار والباوَرْدي والدارقطني في الأفراد وسعيد بن منصور عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: لما قُتل أبي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآني دمعت عيناه، فلما كان من الغد أتيته فقال: «ألاقي منك اليوم ما لاقيت منك أمس» . كذا في المنتخب؛ وعند ابن سعد عن خالد بن شُمَير قال: لما أصيب زيد بن حارثة رضي الله عنه أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم قال: فجهَشتْ بنت زيد في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم تحى انتحب، فقال له سعيد بن عبارة رضي الله عنه: يا رسول الله ما هذا؟ قال: هذا شوق الحبيب إلى حبيبه» . حزنه عليه السلام على عثمان بن مظعون وأخرج الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قبَّل النبي صلى الله عليه وسلم

صبر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على الموت

عثمان بن مظعون رضي الله عنه وهوميت وهو يبكي وعيناه تذرفان. كذا في الإِصابة؛ وأخرجه ابن سعد عن عائشة نحوه، وفي روايته قال: فرأيت دموع النبي صلى الله عليه وسلم تسيل على خدِّ عثمان بن مظعون. صبر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على الموت صبر أم حارثة على موت ابنها أخرج الشيخان عن أنس رضي الله عنه أن حارثة بن سراقة رضي الله عنه قتل يوم بدر وكان النظارة، أصابه سهم غَرب فقتله، فجاءت أمه فقالت: يا رسول الله أخبرني عن حارثة، فإن كان في الجنة صبرت، وإلاَّ فليَرَينَّ الله أصنع - يعني من النياح وكانت لم تحرم بعد - فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم «ويحك أهَبِلْتِ؟ إنها جنان ثمان، وإنَّ ابنك أصاب الفردوس الأعلى» . كذا في البداية؛ وأخرجه البيهقي عن أنس نحوه وفي رواية: فإن كان في الجنة صبرت وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه البكاء، قال: يا أم حارثة إنَّها جنان في الجنة وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى» . وأخرجه ابن أبي شيبة، كما في الكنز، والحاكم وابن سعد عن أنس بمعناه

والطبراني كما في الكنز عن حصن بن عوف الخثعمي رضي الله عنه بمعناه وفي حديثه قال: «يا أم حارثة إنَّها ليست بجنة واحدة ولكنها جنان كثيرة وهو في الفردوس الأعلى» ، قالت: فسأصبر. وأخرجه ابن النجار عن أنس مطوَّلاً، كما في الكنز، وفي حديثه: فقالت: يا رسول الله إنّ يكن في الجنة لم أبكِ ولم أحزن، وإن يكن في النار بكيت ما عشت في الدنيا، فقال: «يا أم حارث - أو حارثة - إنها ليست بجنة ولكنها جنة في جنات، والحارث في الفردوس الأعلى» ، فرجعت وهي تضحك وتقول: بخٍ بخٍ يا حارث. صبر أُم خلاد على ابنها وأخرج ابن سعد عن محمد بن ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه قال: قتل يوم قريظة رجل من الأنصار يدعى خلاَّداً رضي الله عنه قال؛ فأتيت أُمه فقيل لها: يا أُم خلاَّد قُتل خلاَّد، قال: فجاءت متنقِّبة فقيل لها: قُتل خلاَّد وأنت متنقِّبة قالت: إن كنت رُزئت خلاَّداً قلا أُرزأ حيائي، فأُخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: «أما إنَّ له أجر شهيدين» ، قال: قيل: ولم ذاك يا رسول الله؟ فقال: «لأن أهل الكتاب قتلوه» وأخرجه أبو نعيم عن عبد الخير بن قيس بن شماس عن أبيه عن جده، كما في الكنز؛ وأخرجه أيضاً أبو يَعْلى من طريق عبد الخير ابن قيس بن ثابت بن قيس بن شماس عن أبيه عن جدِّه نحوه، كما في الإِصابة، وقال: قال ابن منده: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. اهـ.

صبر أبي طلحة وأُم سليم على فَقْد ولدهما وأخرج البزار عن أنس رضي الله عنه قال: جاءت أُم سُلَيم رضي الله عنها إلى أبي أنس فقالت: جئت اليوم بما تكره، فقال: لا تزالين تجيئين بما أكره من عند هذا الأعرابي، قالت: كان أعرابياً اصطفاه الله واختاره وجعله نبياً، قال: ما الذي جئت به؟ قالت: حُرِّمت الخمر، قال: هذا فراق بيني وبينك، فمات مشركاً، وجاء أبو طلحة رضي الله عنه إلى أُم سليم قالت: لم أكن أتزوج وأنت مشرك، قال: لا والله ما هذا دهرك، قالت: فما دهري؟ قال: دهرك في الصقراء والبيضاء، قالت: فإني أشهدك وأشهد نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم أنك إن أسلمت فقد رضي بالإِسلام منك، قال: فمن لي بهذا؟ قالت: يا أنس قم فانطلق مع عمك، فقام، فوضع يده على عاتقي فانطلقنا حتى إذا كنا قريباً من نبي الله صلى الله عليه وسلم فسمع كلامنا، فقال: «هذا أبو طلحة بين عينيه عزَّة الإِسلام» فسلَّم على نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، فزوَّجه رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإِسلام، فولدت له غلاماً، ثم إن الغلام دَرَج وأعجب به أبوه، فقبضه الله تبارك وتعالى، فجاء أبو طلحة فقال: ما فعل ابني يا أُم سُليم؟ قالت: خير ما كان، فقالت: ألا تتغدَّى قد أخَّرتُ غداك اليوم؟ قالت: فقدَّمت إليه غداءه فقلت: يا أبا طلحة عارية استعارها قوم وكانت العارية عندهم ما قضى الله، وإن أهل العارية أرسلوا إلى عاريتهم فقبضوها ألهم أن يجزعوا؟ قال: لا، قالت: فإن ابنك قد فارق الدنيا، قال: فأين هو؟ قالت: ما هو ذا في المخدع، فدخل فكشف عنه واسترجَع، فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدصثه بقول أُم سُلَيم فقال: «والذي بعثني بالحق لقد قذف الله تبارك وتعالى في رحمها ذكراً لصبرها على ولدها» قال: فوضعته، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم «اذهب

يا أنس إلى أُمك فقل لها: إذا قطغتِ سَرَر ابنك فلا تذيقيه شيئاً حتى ترسلي به إليَّ» قال: فوضعته على ذراعي حتى أتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعته بين يديه، فقال: «ائتني بثلاث تمرات عجوة» قال: فجئت بهن فقذف نواهن ثم قذفه في فيه فلاكه، ثم فتح فاه الغلام فجعله في فيه، فجعل يتلمظ فقال: «أنصاري يحب التمر» ، فقال: «ذاهب إلى أُمك فقل: بارك الله لك فيه وجعله بَرَّاً تقياً» قال الهيثمي: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح غير أحمد بن منصور الرمادي وهو ثقة، وفي رواية للبزار أيضاً قالت له: أتزوجك وأنت تعبد خشبة جرها عبدي فلان - فذكر الحديث ورجاله رجال الصحيح - انتهى، وأخرجه ابن سعد عن أنس بدون ذكر قصة إسلام أبي طلحة. وعند البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: كان ابن لأبي طلحة رضي الله عنه يشتكي، فخرج أبو طلحة فقُبض الصبي، فلما رجع أبو طلحة قال: ما فعل ابني؟ قالت أُم سُلَيم: هو أسكن ما كان، فقربت إليه العشاء فتعشَّى، ثم أصاب منها، فلما فرغ قالت: واروا الصبي، فلما أصبح (أتى) أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: «أعرستم الليلة؟» قال: نعم، قال: «اللهمَّ بارك لهما» فولدت غلاماً، قال لي أبو طلحة: احفظه حتى تأتي به النبي صلى الله عليه وسلم فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم وأرسلت معه بتمرات فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أمعه شيء؟» قالوا: نعم تمرات، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم فمضغها، ثم أخذ مَن فيه فجعلها في في الصبي وحنَّكه به وسمَّاه عبد الله. وفي رواية أخرى عنده: فقَال

صبر عثمان وأبي ذر في هذا الأمر

رسول الله صلى الله عليه وسلم «لعل الله أن يبارك لهما في ليلتهما» قال سيفيان: فقال رجل من الأنصار: فرأيت (لهما) تِسعة أولاد كلهم قد قرآ القرآن. صبر أبي بكر الصديق على موت ابنه عبد الله وأخرج الحاكم عن القاسم بن محمد قال: رُمي عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهما بسهم يوم الطائف، فانتقضت به بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربعين ليلة فمات، فدخل أبو بكر على عائشة رضي الله عنها فقال: أي بنية والله لكأنما أُخذ بأُذن شاة فأخرجت من دارنا. فقالت: الحمد لله الذي ربط على قلبك وعز لك على رشدك، فخرج ثم دخل فقال: أي بنية أتخافون أن تكونوا دفنتم عبد الله وهو حي؟ فقالت: وإنا لله وإنا إليه راجعون يا أبت، فقال: أستعيذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، أي بنية إنه ليس أحد إلا وله لمَتان: لمة من المَلَك، ولمة من الشيطان، قال: فقدم عليه وفد ثقيف ولم يزل ذلك السهم عنده، فأخرج إليهم فقال: هل يعرف هذا السهم منكم أحد؟ فقال سعد بن عبيد أخو بني العجلان: هذا سهم أنا بريته ورشته وعقبته وأنا رميت به، فقال أبو بكر: فإن هذا السهم الذي قتل عبد الله بن أبي بكر، فالحمد لله الذي أكرمه بيدك ولم يهنك بيده فإنه واسع الحمى، وأخرجه البيهقي نحوه وفي روايته: ولم يهنك بيده فإنه أوسع لكما. صبر عثمان وأبي ذر في هذا الأمر وأخرجه ابن سعد عن عمرو بن سعيد رضي الله عنه قال: كان عثمان رضي الله عنه

إذا ولد له ولد دعا به وهو في خِرقة فشمَّه، فقيل له: لم تفعل هذا؟ فقال: إني أُحب إن أصابه شيء يكون قد وقع له فيقلبي شيء - يعني الحب -. كذا في الكنز، وأخرجه أبو نُعَيم عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قيل له: إنك امرؤ ما يبقى لك ولد، فقال: الحمد لله الذي يأخذهم في دار الفناء ويدَّخرهم في دار البقاء. كذا في الكنز. صبر عمر على موت أخيه زيد وأخرج الحاكم عن عمر بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب رضي الله عنه قال: كان عمر يصاب بالمصيبة فيقول: أُصبت بزيد بن الخطاب فصبرت. وأبصر عمر رضي الله عنه قاتل أخيه زيد فقال له: ويحك لقد قتلت لي أخاً ما هبَّت الصَّبا إلا ذكرته. وأخرجه البيهقي عن عبد الرحمن بن زيد مثله. صبر صفية على موت أخيها حمزة وأخرجه الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما قُتل حمزة رضي الله عنه أقبلت صفية رضي الله عنها تطلبه لا تدري ما صنع، فلقيت علياً والزبير رضي الله عنهما فقال علي للزبير: اذكر لأُمك، وقال الزبير لعلي: لا، اذكر أنت لعمتك. قالت: ما فعل حمزة؟ فأرياها أنهما لا يدريان، فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إني أخاف على عقلها» فوضع يده على صدرها ودعا، فاسترجعتْ وبكتْ، ثم جاء فقام عليه وقد مُثِّل به فقال: «لولا جزع النساء

لتركته حتى يُحصَّل من حواصل الطير وبطون السباع» ، ثم أمر بالقتلى فجعل يصلِّي عليهم، فيضع تسعة وحمزة رضي الله عنهم فيكبر عليهم سبع تكبيرات، ثم يرفعون ويترك حمزة، ثم يؤتوا بتسعة فيكبر عليهم بسبع تكبيرات، ثم يرفعون ويترك حمزة، ثم يؤتوا بتسعة فيكبر عليهم سبع تكبيرات حتى فرغ منهم. وأخرجه أيضاً ابن أبي شيبة والطبراني نحوه عن ابن عباس، كما في المنتخب، والبزَّار كما في المجتمع وقال: في إسناده البزار والطبراني يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف. وعند البزار وأحمد وأبي يعلى عن الزبير بن العوام رضي الله عنه أنه لما كان يوم أُحُد أقبلت امرأة تسعى حتى كادت أن تشرف على القتلى، قال: فكره النبي صلى الله عليه وسلم أن تراهم، فقال: المرأة المرأة. وقال الزبير: فتوسَّمتُ أنها أُمي صفية، قال: فخرجت أسعى إليها، قال: فأدركتها قبل أن تنتهي إلى القتلى، قال: فلَدَمت في صدري - وكانت امرأة جَلْدة قالت: إليك عني لا أرض لك، فقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عزم عليك، قال: فوقفتْ وأخرجتْ ثوبين معها فقالت: هذان ثوبان جئت بهما لأخي حمزة، فقل بلغني مقتله فكفِّنوه فيهما، قال: فجئنا بالثوبين لنكفن فيهما حمزة فإذا إلى جنبه رجل من

صبر أم سلمة على وفاة زوجها

الأنصار قتيل فُعل (به) كما فعل بحمزة، قال: فوجدنا غضاضة وحياء أن يكقِّن حمزة في ثوبين والأنصاري لا كفن له فقلنا: لحمزة ثوب وللأنصاري ثوب، فقدَّرناهما فكان أحدهما أكبر من الآخر، فأقرعنا بينهما قكقَّنَّا كل واحد منهما في الثوب الذي صار له. قال الهيثمي: وفيه عبد الرحمن بن أبي الزناد وهو ضعيف وقد وُثِّق. انتهى. وعند ابن إسحاق في السيرة عن الزّهْري وعاصم بن عمر بن قتادة ومحمد بن يحيى وغيرهم عن قتل حمزة رضي الله عنه قال: فأقبلت صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها لتنظر إلى أخيها، فلقيها الزبير رضي الله عنه فقال: أيْ أُمه إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن ترجعي، قالت: ولمَ وقد بلغني أنه مُثِّل بأخي؟ وذلك في الله فما أرضانا بما كان من ذلك؟ لأصبرنَّ وأحتسبنَّ إن شاء الله، فجاء الزبير فأخبره فقال: «خلِّ سبيلها» قأتت إليه واستغفرت له ثم أمر به فدفن. كذا في الإِصابة. صبر أُم سلمة على وفاة زوجها وأخرج أحمد عن أُم سلمة رضي الله عنها قالت: أتاني أبو سلمة رضي الله عنه يوماً من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لقد سمعت (من) رسول الله صلى الله عليه وسلم قولاً سُررت به، قال: «لا يصيب أحداً من المسلمين مصيبة، فيسترجع عند مصيبته، ثم يقول: اللهمَّ آجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها إلا فُعل

صبر أسيد بن حضير على موت زوجته

به» ، قالت أُم سلمة: فحفظت ذلك منه، فلما توفي أبو سلمة استرجعت وقلت: اللَّهمَّ آجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها.l ثم رجعت إلى نفسي فقلت: من أين لي خير من أبي سلمة؟ فلما انقضت عِدَّتي استأذن عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أدبغ إهاباً لي، فغسلت يديَّ من القَرِظ وأَذنت له، فوضعت له وسادة أَدَم حشوها ليف فقعد عليها، فخطبني إلى نفسي، فلما فرغ من مقالته قلت: يا رسول الله ما بي أن لا تكون بك الرغبة؛ ولكني امرأة بي غَيْرة شديدة فأخاف أن ترى مني شيئاً يعذبني الله به، وأنا امرأة قد دخلت في السن، وأنا ذات عيال، فقال: «أما ما ذكرتِ من الغَيرة فسيُذهبها الله عنك، وأما ما ذكرت من السنِّ فقد أصابني مثل الذي أصابك، وأما ما ذكرت من العيال فإنما عيالك عيالي» ، فقالت: فقد سلَّمت لرسول الله، فقالت أُم سلمة: فقد أبدلني الله بأبي سلمة خيراً منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ورواه النسائي وابن ماجه والترمذي وقال: حسن غريب. كذا في البداية، وأخرجه ابن سعد (863/ 64) . صبر أسيد بن حُضَير على موت زوجته وأخرجه ابن أبي شيبة وأحمد والشاشي وابن عساكر عن عائشة رضي

صبر ابن مسعود على موت أخيه عتبة

الله عنها قالت: قَدِمنا من حج أو عمرة فتُلقِّينا بذي الحُليفة، وكان غلمان الأنصار يتلقون أهليهم، فلقوا أُسيد بن حُضَير رضي الله عنه فنَعَوا له امرأته، فتقنَّع وجعل يبكي، فقلت: غفر الله لك أنت صاحب رسول الله ولك من السابقة والقدم ما كل وما أنت تبكي على امرأة؟ قالت: فكشف رأسه، قال: صدقت لعمري ليحق أن لا أبكي على أحد بعد سعد بن معاذ وقد قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال قلت: وما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال: «لقد اهتزَّ العرش لوفاة سعد بن معاد» قلت: وهو يسير بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا في الكنز؛ وأخرجه ابن سعد والحاكم عن عائشة نحوه، قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرِّجاه، وقال الذهبي: صحيح؛ وأخرجه أبو نعيم أيضاً عن عائشة نحوه، كمافي الكنز إلا أنه وقع عنده: قال: أفيحق لي أن لا أبكي وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اهتزَّ العرش أعواده لموت سعد بن معاذ» . وعند الطبراني كما في المجمع فقال: وما لي لا أبكي وقد سمعت - فذكره، وقال: وأسانيدها كلها حسنة. صبر ابن مسعود على موت أخيه عتبة وأخرجه أبو نُعيم في الحلية عن عون قال: لما أتت عبد الله - يعني ابن مسعود - رضي الله عنه وفاة عتبة رضي الله عنه - يعني أخاه - بكى فقيل له: أتبكي؟ قال: كان أخي في انسب، وصاحبي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أحب

صبر المسلمين على موت عمر بن الخطاب

مع ذلك أن كنتب قبله. أن يموت فأحتسبه أحب إليَّ من أن أموت فيحتسبني. وعند ابن سعد عن خيثمة رضي الله عنه قال: لما جاء عبدَ الله عنه قال: لما جاء عبد الله نعي أخيه عتبة دمعت عيناه فقال: إن هذه رحمة جعلها الله لا يملكها ابن آدم. صبر أبي أحمد بن جحش على وفاة أُخته زينب وأخرج ابن سعد عن عبد الله بن أبي سَلِيط رضي الله عنه قال: رأيت أبا أحمد بن جحش رضي الله عنه يحمل سرير زينب بنت جحش وهو مكفوف وهو يبكي، فأسمع عمر رضي الله عنه وهو يقول: يا أبا أحمد تنحَّ عن السرير لا يُعنّك الناس، وازدحموا على سريرها، فقال أبو أحمد: يا عمر هذه التي نلنا بها كل خير، وإِنَّ هذا يبرِّد حرِّ ما أجد، فقال عمر: الزم، الزم. صبر المسلمين على موت عمر بن الخطاب وأخرج ابن سعد وابن مَنِيع وابن عساكر عن الأحنف ابن قيس رضي الله عنه قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: إن قريشاً رؤوس الناس لا يدخل أحد منهم في باب إلا دخل معه فيه طائفة من الناس. فلم أدرِ ما تأويل قوله في ذات حتى طُعن، فلما احتُضر أمر صهيباً رضي الله عنه أن يصلي بالناس ثلاثة أيام، وأمر أن يُجعل للناس طعام فيطعموا حتى يستخلفوا إنساناً، فلما رجعوا من الجنازة جيء بالطعام، ووضعت الموائد، فأمسك الناس عنها للحزن الذي هم فيه، فقال العباس ابن عبد المطلب رضي الله عنه: يا أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات فأكلنا بعده وشربنا، ومات أبو بكر رضي الله عنه فأكلنا بعده وشربنا، وإنه لا بدَّ من الأكل فكلوا من هذا الطعام، ثم مص6 العباس يده فأكل ومدَّ

الصبر على البلايا مطلقا

الناس أيديهم فأكلوا، فعرفت قول عمر إنهم رؤوس الناس. كذا في الكنز؛ وأخرجه الطبراني نحوه، قال الهيثمي: وفيه علي بن زيد وحديثه حسن وبقية رجاله رجال الصحيح. أمر أبي بكر وعلي الناس بالصبر على فَقْد الأقارب وأخرج ابن أبي خيثمة والدينوري في المجالسة وابن عساكر عن أبي عُيينة رضي الله عنه قال: كان أبو بكر الصدضيق رضي الله عنه إذا عزَّى رجلاً قال: ليس مع العزاء مصيبة وليس مع الجزع فائدة. الموت أهون ما قبله وأشد ما بعده، اذكروا فَقْدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم تصغر مصيبتكم وأعظمَ الله أجركم. كذا في الكنز. وأخرج ابن عساكر عن سفيان قال: عزّى علي بن أبي طالب رضي الله عنه الأشعث بن قيس رضي الله عنه على ابنه فقال: إن تحزن فقد استحقت منكم الرَّحِم، وإن تصبر ففي الله خَلَف من ابنك، إنك إن صبرت جرى عليك القدر وأنت مأجور، وإن جزعت جرى عليك وأنت مأثوم. كذا في الكنز. الصبر على البلايا مطلقا صبر امرأة أنصارية على داء الصرع أخرج البزار عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم بمكة

فجاءته امرأة من الأنصار فقالت: يا رسول الله إن هذا الخبيث قد غلبني، فقال له: «إن تصبري على ما أنت عليه تجيئين يوم القيامة ليس عليك ذنوب ولا حساب» ، قالت: والذي بعثك بالحق لأصبرنَّ حتى ألقى الله. قالت: إني أخاف الخبيث أن يجرِّدني، فدعا له، فكانت إذا خشيت أن يأتيها تأتي أستارالكعبة فَتَعَلَّق بها وتقول له: اخسأ فيذهب عنها. وعند أحمد عن عطاء رضي الله عنه قال: قال لي ابن عباس رضي الله عنهما: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى، قال: هذه السوداء، أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أصرع وأنكشف فادع الله لي، قال: «إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله لك أن يعافيك» قالت: لا، بل أصبر فادع الله ألا أنكشف ولا ينكشف عني. قال: فدعا لها. وهكذا رواه الشيخان ثم قال البخاري عن عطاء: أنه رأى أم زُفَر رضي الله عنها تلك امرأة طويلة سوداء على ستر الكعبة. كذا في البداية. قصة رجل مع امرأة كانت بغياً في الجاهلية. وأخرج البيهقي عن عبد الله بن مغفَّل رضي الله عنه أن امرأة كانت بَغِياً في الجاهلية، فمر بها رجل أو مرت به، فبسط يده إليها فقالت: مَهْ، إنّ الله ذهب بالشرك وجاء بالإسلام، فتركها وولَّى، وجعل ينظر إليها حتى أصاب وجهه الحائط، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال: «أنت عبد أراد الله بك خيراً، إن الله إذا أراد بعبد خيراً عجل له عقوبة ذنبه، وإذا أراد بعبد شراً أمسك عليه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة» . كذا في الكنز.

قول عمر: كل شيء يصيب المؤمن يكرهه فهو مصيبة وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة وعبد بن حُمَيد وابن المنذر والبيهقي عن عبد الله بن خليفة قال: كنت مع عمر رضي الله عنه في جنازة فانقطع شِسْعه، فاسترجع، ثم قال: كلُّ ما ساءك فهو لك مصيبة. وعند المروزي عن سعيد بن المسيب قال: انقطع قِبال نعل عمر، فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، فقالوا: يا أمير المؤمنين أتسترجع في قِبال نعلك؟ قال: إنَّ كل شيء يصيب المؤمن يكرهه فهو مصيبة. كذا في الكنز. أمر عمر أبا عبيدة بالصبر على العدو، وصبر عثمان حتى قتل مظلوما وأخرج مالك وابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا وابن جرير والحاك والبيهقي عن أسلم قال: كتب أبو عبيدة رضي الله عنه إلى عمر بنا لخطاب رضي الله عنه يذكر له جموعاً من الروم وما يتخوف منهم، فكتب إليه عمر: أما بعد، فإنه مهما ينزل بعبد مؤمن من شدة يجعل الله بعدها فرجاً، وإنه لن يغلب عسر يسرين، وإن الله تعالى يقول في كتابه: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اصْبِرُواْ} {وَصَابِرُواْ} {وَرَابِطُواْ} {وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (سورة آل عمران، الآية: 200) . كذا في الكنز. وأخرج أبو نعيم في الحلية عن عبد الرحمن ابن مهدي يقول: كان

الشكر

لعثمان رضي الله عنه شيئان ليس لأبي بكر ولا عمر - رضي الله عنهما - مثلهما: صبره على نفسه حتى قُتل مظلوماً، وجمعه الناس على المصحف. الشكر شكر سيدنا محمد رسول الله إطالته عليه السلام السجود شكراً لله عز وجل أخرج أحمد عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوجه نحو مشربته، فدخل، فاستقبل القبلة فخر ساجداً فأطال السجود حتى ظننت أن الله (عز وجل) قد قبض نفسه فيها، فدنوت منه (فجلست) ، فرفع رأسه قال: من هذا؟ قلت: عبد الرحمن، قال: «ما شأنك؟» قلت: يا رسول الله سجدت سجدة خشيت إن يكون الله (عز وجل) قد قبض نفسك فيها، فقال: «إن جبريل صلى الله عليه وسلم أتاني فبشرني فقال: إن الله عز وجل يقول: من صلى عليك صليت عليه، ومن سلم عليك سلمت عليه، فسجدت لله (عز وجل) شكراً. قال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله ثقات.

وأخرج الطبراني عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: أقبلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي، فلم يزل قائماً حتى أصبح، فسجد سجدة ظننت أن نفسه قُبضت فيها، قال: «تدري لم ذاك؟» قلت: الله ورسوله أعلم، فأعادها عليَّ ثلاثاً أو أربعاً، فقال: «إنّي صلَّيت ما كتب لي ربي وأتاني ربي، فقال لي في آخرها: ما أفعل بأمتك؟ قلت: أي رب أنت أعلم، فأعادها عليَّ ثلاثاً أو أربعاً، فقال لي في آخرها: فسجدت لربي. وربي شاكر يحب الشاكرين» . قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير عن حجاج بن عثمان السَكْسَكِي عن معاذ، ولم يدرك معاذاً فقد ذكره ابن حِبَّان في أتباع التابعين وهو من طريق بَقِيَّة وقد عَنْعَنه. وأخرج الطبراني عن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما قال: جئت أزور رسول الله فإذا هو يوحى إليه، فلما سُرِّي عنه قال لعائشة رضي الله عنها: «ناوليني ردائي» فخرج فدخل المسجد فإذا فيه قوم ليس في المسجد غيرهم، فجلس في ناحية القوم حتى قضى المذكر تذكرته، قرأ تنزيل السجدة فأطال السجود حتى إذا جاء من كان على قدر ميلين وتسامع الناس سجوده، فعجز المسجد عن الناس، فأرسلت عائشة إلى أهلها أحضروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقد رأيت منه شيئاً لم أره، فرفع رأسه، فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقد رأيت منه شيئاً لم أره، فرفع رأسه، فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقد رأيت منه شيئاً لم أره، فرفع رأسه، فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله أطلتَ السجود، فقال: «سجدت لربي شكراً. فيما أعطاني من أمتي.

شكر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم

سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب» ، فقال أبو بكر: يا رسول الله أمتك أكثر وأطيب فاستكثرتهم، فقال مرتين أو ثلاثاً، فقال عمر رضي الله عنه: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فقد استوهبت أمتك. وفيه موسى بن عبيدة وهو ضعيف، كما في المجمع. شكره عليه السلام أن رأى رجلاً به زمانة وأخرج الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ به رجل به زَمانة، فنزل وسجد، ومر به أبو بكر رضي الله عنه فنزل وسجد، ومربه عمر فنزل فسجد. وفيه عبد العزيز بن عبيد الله وهو ضعيف، كما في المجمع. شكره عليه السلام أن رد الله عليه أهله سالمين في سرية وأخرج البيهقي عن علي رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية من أهله فقال: «اللهمَّ إنَّ لك علي إن رددتم سالمين أن أشكرك حق شكرك» ، فما لبثوا أن جاؤوا سالمين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الحمد لله على سابغ نعم الله» فقلت: يا رسول الله، ألم تقل إن ردهم الله أن أشكره حق شكره؟ فقال: «أو لم أفعل؟» كذا في الكنز. شكر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم شكر رجل أعطاه النبي عليه السلام تمرة أخرج البيهقي عن أنس رضي الله عنه قال: جاء سائل إلى النبي صلى الله عليه وسلم

فأمر له بتمرة، فوحَّش بها، وأتاه آخر فأمر له بتمرة فقال: سبحان الله تمرة من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال للجارية: «اذهبي إلى أُم سلمة فمريها فتعطِه الأربعين درهماً التي عندها» . فأعطاه تمرة فقال الرجل: سبحان الله نبي من الأنبياء يتصدَّق بتمرة؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم «أَو علمت أَن فيها مثاقيل ذرَ كثير» فأتاه آخر فسأله فأعطاه تمرة فقال: تمرة من نبي من الأنبياء لا تفارقني هذه التمرة ما بقيت، ولا أَزال أَرجو بركتها أبداً. فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بمعروف وما لبث الرجل أَن استغنى. كذا في الكنزل. شكر عمر أن رفع الله منزلته وقوله في الشكر والصبر وأَخرج ابن سعد وابن عساكر عن سليمان بن يسار قال: مرَّ عمر ابن الخطاب رضي الله عنه بضَجنانَ فقال: لقد رأَيتني وإني لأرعى على الخطاب في هذا المكان، وكان - والله - ما علمتُ فظاً عليظاً، ثم أصبحت إلى أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم ثم قال متمثلاً: لا شيء فيما ترى إلاّ بشاشته يبقى الإِله ويُودي المالُ والولدُ ثم قال لبعيره حَوْب. كذا في منتخب الكنز. وأخرج ابن عساكر عن عمر رضي الله عنه قال: لو أَتيت براحلتين: راحلة شكر، وراحلة صبر؛ لم أبالِ أيهما ركبت. كذا في المنتخب.

قول عمر في رجل مبتلي وفي رجل آخر في هذا الأمر وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة رضي الله عنه قال: مرّ عمر ابن الخطاب برجل مبتلى أعمى أصم وأبكم، فقال لمن معه: هل ترون في هذا من نعم الله شيئاً؟ قالوا: لا، قال: بلى ألا ترون يبول فلا يعتصر ولا يلتوي يخرج به بوله سهلاً، فهذه نعمة من الله. كذا في الكنز. وأخرج أبو نعيم في الحلية عن إبراهيم قال: سمع عمر رضي الله عنه رجلاً يقول: اللهمَّ إني أستنفق نفسي ومالي في سبيلك، فقال عمر: أو لا يسكت أحدكم فإن ابتلي صبر وإن عوفي شكر. كذا في الكنز. قول عمر لرجل سلّم عليه وكتابه لأبي موسى وقوله في أهل الشكر وأخرج مالك وابن المبارك والبيهقي عن أنس رضي الله عنه أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وسلّم عليه رجل فردّ عليه السلام ثم سأله عمر: كيف أنت؟ فقال: أحمد إليك الله، فقال عمر: ذلك الذي أردتُ منك. كذا في الكنز. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن البصري قال: كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري - رضي الله عنهما -: اقنع برزقك من الدنيا فإنَّ الرحمن فضَّل بعض عباده على بعض في الرزق، بلاء يبتلي به كلاً، فيبتلي به من بسط له كيف شكره، وشكره، لله أداء للحق الذي افترض عليه فيما رزقه وخوَّله. كذا في الكنز؛

وأخرج الدينوري عن عمر قال: أهل الشكر مع مزيد من الله فالتمسوا الزيادة، وقد قال الله: {لَئِن شَكَرْتُمْ لازِيدَنَّكُمْ} (سورة إبراهيم: الآية: 7) . كذا في الكنز. شكر عثمان أن لم يصادف قوماً كانوا على أمر قبيح وأخرج أبو نُعيم في الحلية عن سليمان بن موسى أن عثمان بن عفان رضي الله عنه دُعى إلى قوم كانوا على أمر قبيح، فخرج إليهم فوجدهم قد تفرقوا ورأى أثراً قبيحاً، فحمد الله إذ لم يصادفهم وأعتق رقبة. قول علي في النعمة والشكر وأخرج البيهقي عن علي رضي الله عنه قال: إنَّ النعمة موصولة بالشكر، والشكر متعلق بالمزيد، وهما مقرونان في قَرَن، ولن ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع من العبد. وعند ابن ماجه والعسكري عن محمد بن كعب القرظي قال: قال علي بن أبي طالب: ما كان الله ليفتح باب الشكر ويخزن باب المزيد، وما كان الله ليفتح باب الدعاء ويخزن باب الإِجابة، وما كان الله ليفتح باب التوبة ويخزن باب المغفرة. أتلو عليكم من كتاب الله. قال الله تعالى: {ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (سورة غافر، الآية: 60) ، وقال: {لَئِن شَكَرْتُمْ لازِيدَنَّكُمْ} (سورة إبراهيم، الآية: 7) ، وقال: {اذكروني أذكركم} (سورة البقرة، الآية: 152) ، وقال: {ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله

قول أبي الدرداء وعائشة وأسماء في الشكر

غفورًا رحيمًا} (سورة النساء، الآية: 110) . كذا في الكنز. قول أبي الدرداء وعائشة وأسماء في الشكر وأخرج ابن عساكر عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: ما أمسيت ليلة وأصبحت لم يرمني الناس فيها بداهية إلا رأيتها نعمة من الله عليَّ عظيمة. وعنده أيضاً عنه قال: من لم يرَ أن لله عليه نعمة إلا في الأكل والشرب فقد قلَّ فهمه وحَضَر عذابه. كذا في الكنز. وأخرجه أبو نعيم في الحلية (1220 و210) عنه نحوه بالوجهين. وأخرجه ابن أبي الدنيا وابن عساكر عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما من عبد يشرب الماء القَرَاح فيدخل بغير أذى ويخرج بغير أذى إلا وجب عليه الشكر. كذا في الكنز. وأخرجه الطبراني في الكبير عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما أنه لما قتل ابن الزبير رضي الله عنهما كان عندها شيء أعطاها إياه النبي صلى الله عليه وسلم في سفَط ففقدته، فأخذت تطلبه، فلما وجدته خرّت ساجدة. قال الهيثمي: إسناده حسن وفي بعض رجاله كلام.

الأجر أجر سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم > أخرج أحمد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنا يوم بدر كل ثلاثة على بعير. كان أبو لبابة وعلي رضي الله عنهما زميلي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فكانت عُقبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا: نحن نمشي عنك، فقال: «ما أنتما بأقوى مني ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما» ورواه النسائي. كذا في البداية؛ وأخرجه البزّار وقال: فإذا كانت عقبة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالا: اركب حتى نمشي عنك - والباقي بنحوه، كما في المجمع، وقال: وفيه عاصم بن بَهْدَلة وحديثه حسن وبقية رجال أحمد رجال الصحيح اهـ. أجر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تجشّم الصحابة القيام في الصلاة طلباً للثواب أخرج الطبراني في الكبير عن المطلب بن أبي وَداعة رضي الله عنه قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يصلِّي قاعداً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم» فتجشَّم الناس القيام. قال الهيثمي:

قصة ربيعة بن كعب معه عليه السلام في حرصه على الثواب

وفيه صالح بن أبي الأخضر وقد ضعَّفه الجمهور، وقال أحمد: يُعتبر بحديثه. اهـ. وعند أحمد عن ابن شهاب عن أنس رضي الله عنه قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهي مَحَمّة، فَحُمَّ الناس فدخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد والناس يصلُّون من قعود، فقال: «صلاة القاعد نصف صلاة القائم» ، ورجاله ثقات كما قال الحافظ في الفتح، وقال زياد عن ابن إسحاق: وذكر ابن شهاب الزهري عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة هو وأصحابه أصابتهم حمّى المدينة حتى جُهِدوا مرضاً، وصرف الله ذلك عن نبيه صلى الله عليه وسلم حتى كانوا وما يصلُّون إلا وهم قعود، قال: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يصلّون كذلك، فقال لهم: «اعلموا أن صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم» ، فتجشَّم المسلمون القيام على ما بهم من الضعف والسَّقَم التماس الفَضْل. كذا في البداية. قصة ربيعة بن كعب معه عليه السلام في حرصه على الثواب وأخرج أحمد عن ربيعة بن كعب رضي الله عنه قال: كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاري أجمع حتى يصلِّي العشاء الآخرة، فأجلس بباباه إذا دخل بيته أقول: لعلَّها أن تحدث لرسول الله حاجة، فما أزال أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «سبحان الله وبحمده» حتى أمل فأرجع أو تغلبني عيناي فأرقد، فقال لي يوماً لما يرى من حقِّي له وخدمتي إياه: «يا ربيعة بن كعب سَلْني أعطِك» قال: فقلت: انظر في أمري يا رسول الله ثم أعلمك ذلك. قال: ففكرت في نفسي، فعرفت أنَّ النيا منقطعة وزائلة وأن لي فيها رزقاً يكفيني ويأتيني،

قال: فقلت: أسأل رسول الله لآخرتي فإنَّه من الله بالمنزل الذي هو به، قال: فجئته، فقال: «ما فعلت يا ربيعة؟» قال فقلت: نعم يا رسول الله، أسألك أن تشفع لي إلى ربك فيعتقني من النار، قال فقال: «من أمرك بهذا يا ربيعة» ؟ قال: فقلت: لا والذي بعثك بالحق ما أمرني به أحد ولكنك لما قلت: سلني أعطك وكنتَ من الله بالمنزل الذي أنت به نظرت في أمري، فعرفت أنَّ الدنيا منقطعة وزائلة، وأن لي فيها رزقاً سيأتيني، فقلت: أسأل رسول الله لآخرتي، قال: فصمتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلاً، ثم قال لي: «إنِّي فاعل، فأعنِّي على نفسك بكثرة السجود» كذا في البداية؛ وأخرجه الطبراني في الكبير من رواية ابن إسحاق نحوه، وأخرجه مسلم وأبو داود مختصراً، ولفظ مسلم قال: كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فآتيه بوَضوئه وحاجته فقال لي: «سلني» فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، قال: «أوَ غيرَ ذلك» ؟ قلت: هو ذاك، قال: «فأعنيِّي على نفسك بكثرة السجود» كذا في الترغيب.l طلب عبد الجبار بن الحارث الثواب في صحبته للنبي عليه السلام وأخرج ابن منده وابن عساكر - وقال: حديث غريب - من عبد الجبار بن الحارث بن مالك الحرشي ثم المَناري رضي الله عنه قال: وفدت على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أرض سَراة، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فحييته بتحية العرب فقلت:

أنعم صباحاً، فقال: «إن الله عز وجل قد حيَّا محمداً وأمته بغير هذه التحية بالتسليم بعضها على بعض» ، فقلت: السلام عليك يا رسول الله، فقال لي: «وعليك السلام» ثم قال: «ما اسمك؟» قلت: الجبار بن الحارث، فأسلمت وبايعت النبي صلى الله عليه وسلم فلما بايعت قيل له: إن هذا المناري فارس من فرسان قومه. فحملني رسول الله صلى الله عليه وسلم على فرس، فأقمت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أقاتل معه، ففقد رسول الله صلى الله عليه وسلم صهيل فرسي الذي حملني عليه، فقال: «ما لي لا أسمع صهيل فرس الحرشي» فقلت: يا رسول الله، بلغني أنك تأذيت منصهيله فأخصيته، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إخصاء الخيل فقيل لي: «لو سألت النبي صلى الله عليه وسلم كتاباً كما سأله ابن عمك تميم الداري - رضي الله عنه -» فقلت: أعاجلاً سأله أم آجلاً؟ فقالوا: بل عاجلاً سأله، فقلت: عن العاجل رغبت، ولكن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغيثني غداً بين يدي الله عز وجل. كذا في المنتخب. قوله عليه السلام في عمرو بن تغلب وقول عمرو في ذلك وأخرج البخاري عن عمرو بن تغلب رضي الله عنه قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم قوماً ومنع آخرين، فكأنهم عتبوا عليه، فقال: «إنِّي أعطي قوماً أخاف هلعهم وجزعهم، وأَكِل قوماً إلى ما جعل الله في قلوبهم من الخير والغنى. منهم عمرو بن تغلب» ، قال عمرو: فما أحب أنَّ لي بكلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم حُمْر النَّعَمْ. كذا في البداية، وأخرجه ابن عبد البر في الاستيعاب من طرق عن عمرو بن تغلب نحوه.

قصة علي وعمر مع رجل طاف بأمه

قصة علي وعمر مع رجل طاف بأمه وأخرجه البيهقي عن عمرو بن حمَّاد قال: حدثنا رجل قال: خرج علي وعمر رضي الله عنهما من الطواف، فإذا هما بأعرابي معه أم له يحملها على ظهره وهو يرتجز ويقول: أنا مطيتُها لا أنفرْ وإذا الركاب ذُعرت لا أُذعرْ وما حَملَتْني وأرضعتني أكثرْ لبيك اللهم لبيك؛ فقال علي: يا أبا حفص ادخل بنا الطواف لعلَّ الرحمة تنزل فتعمنا، فدخل يطوف بها وهو يقول: أنا مطيتُها لا أنفِرْ وإذا الركاب ذُعرت لا أُذعر وما حَملَتْني وأرضعتني أكثرْ لبيك اللهم لبيك، وعلي يقول: إن تبرها فالله أَشْكَرْ يجزيك بالقليل الأكثرْ كذا في الكنز. احتساب ابن عمر إبلاً له وراعيها وزواجه من أجل الثواب وأخرج أبو نعيم في الحلية عن عميمون بن مِهران قال: مرّ أصحاب نَجحدة الحروري على إبل لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما فاستاقوها، فجاء راعيها فقال: يا أبا عبد الرحمن احتسب الإِبل، قال: وما لها؟ قال: قد كانوا ذهبوا بي معها ولكنِّي انفلتُّ منهم، قال: ما حملك على أن تركتهم وجئتني؟ قال: أنت أحب إليَّ منهم، قال: الله الذي لا إله إلا هو لأنا أحب إليك منهم؟ قال: فحلف له، قال: فإني أحتسبك معها، فأعتقه، فمكث ما مكث ثم أتاه آتٍ فقال: هل لك في ناقتك الفلانية؟ - سماها باسمها - ها هو ذا تباع

في السوق، قال: أرني ردائي، فلما وضعه على منكبيه وقام جلس فوضع رداءه، ثم قال: لقد كنت احتسبتُها فلم أطلبها؟ قال في الإِصابة: أخرجه السراج في تاريخه وأبو نُعيم من طريقه بسند صحيح عن ميمون - فذكره. وأخرج ابن سعد عن عمرو بن دينار رضي الله عنه قال: أراد ابن عمر رضي الله عنهما ألاَّ يتزوج، فقالت له حفصة رضي الله عنها: تزوجفإن ماتوا أُجرت فيهم وإن بقُوا دَوا الله لك. قول عمار وهو سائر إلى صفِّين وأخرج ابن سعد عن عبد الرحمن بن أبْزَى رضي الله عنه عن عمار بن ياسر رضي الله عنهما أنه قال وهو يسير إلى صفضين على شط الفرات: اللمَّ إنَّه لو أعلم أنه أرضى لك عن أن أرمي بنفسي من هذا الجبل فأتردّى فأسقط فعلت، ولو أعلم أنه أرضى لك عني أن أوقد ناراً عظيمة فأقع فيها فعلت. اللهم لو أعلم أنه أرضى لك عني أن أُلقي نفسي في الماء فأغرق نفسي فعلت، فإني لا أقاتل إلا أريد وجهك، وأنا أرجو أن لا تخيبني وأنا أريد وجهك. وأخرجه أبو نعيم في الحلية عن عبد الرحمن بن أبزَى عن عمار بنحوه مختصراً. قول ابن عمرو في عمله بعد النبي عليه السلام وأخرج أبو نعيم في الحلية عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: لخير أعمله اليوم أحب إليَّ من مثليه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنا كنّا

الاجتهاد في العبادة

مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تهمنا الآخرة ولا تهمنا الدنيا، وإنا اليوم قد مالت بنا الدنيا. وأخرجه الطبراني عن عبد الله نحوه؛ قال الهيثيم: ورجاله رجال الصحيح. الاجتهاد في العبادة اجتهاد سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرج الشيخان عن علقمة قال: سألت عائشة رضي الله عنها: أكان رسول الله يخص شيئاً من الأيام؟ قالت: لا، كان عمله ديمة، وأيكم يُطيق ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيق كذا في صفة الصفوة (ص74) . وأخرج الشيخان عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام حتى تفطَّرت قدماه، فقيل له: أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: «أفلا أكون عبداً شكوراً؟» كذا في البداية؛ وأخرجه ابن سعد عن المغيرة نحوه وسيأتي مزيد ذلك في الصلاة. اجتهاد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم اجتهاد عثمان وعبد الله بن الزبير في العبادة أخرج أبو نُعيم في احلية عن الزبير بن عبد الله عن جدة له يقال لها

الشجاعة

زهيمة قالت: كان عثمان رضي الله عنه يصوم الدهر ويقوم اليل إلا هَجْعة من أوله، وأجرجه ابن أبي شيبة نحوه، كما في المنتخب. وأخرج ابن عساكر عن مجاهد قال: بلغ ابن الزبير رضي الله عنهما من العادة ما لم يبلغ أحد، وجاء سيل فحال بين الناس وبين الطواف، فجاء ابن الزبير فطاف أسبوعاً سباحة. كذا في المنتخب. وأخرج ابن جرير عن قَطَن بن عبد الله قال: كان ابن الزبير رضي الله عنهما يواصل سبعة أيام حتى تيبس أمعاؤه، وعنده أيضاً عن هشام بن عروة قال: كان عبد الله بن الزبير يواصل سبعة أيام، فلما كَبِر جداً جعلها ثلاثة. كذا في المنتخب وستأتي قصتهما وقصة غيرهما من الصحابة في الصلاة. الشجاعة شجاعة سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قول أنس وعلي في شجاعته عليه السلام أخرج الشيخان - واللفظ لمسلم - عن أنس رضي الله عنه اقل: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس، وكان أجود الناس، وكان أشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق ناس قِبَل الصوت، فتلقّاهم رسول الله راجعاً وقد

سبقهم إلى الصوت وهو على فرس لأبي طلحة رضي الله عنه عُرْي في عنقه السيف وهو يقول: «لم تُراعوا، لم تُراعوا» ، قال: «وجدناه بحراً - أو إنه لبحر» ، قال: وكان فرساً يبطَأ. وعند مسلم عنه قال: كان فزع بالمدينة فاستعار رسول الله صلى الله عليه وسلم فرساً لأبي طلحة يقال له مندوب، فركبه فقال: «ما رأينا من فزع وإنْ وجدناه لبحراً» ، قال: كنا إذا اشتد البأس اتَّقينا برسوف الله صلى الله عليه وسلم وعند أحمد والبيهقي عن علي بن أي طالب رضي الله عنه قال: لما كان يوم بدر اتَّقينا المشركين برسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أشد الناس بأساً. وكان في البداية. شجاعته عليه السلام يوم حُنَين وقول البراء في هذا الأمر وأخرج البخاري عن أبي إسحاق سمع البراء بن عازب رضي الله عنهما وسأله رجل من قيس أفررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين؟ فقال: لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفرّ. كانت هوازن رُماة، وإنا لما حملنا عليهم انكشفوا، فأكببنا على الغنائم فاستقبلتنا بالسهام، ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء وإن أبا سفيان رضي الله عنه آخذ بزمامها وهو يقول: «أنا النبي لا كذب» ، وفي

الورع

رواية للبخاري وقال: «إن النبي لا كذب. أنا ابن عبد المطلب» ؛ وفي رواية أخرى عنده: ثم نزل عن بغلته، ورواه مسلم والنسائي، وعند مسلم عن البراء قال: ثم نزل فاستنصر وهو يقول: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب اللهم نزّل نصرك. قال البراء: ولقد كنّا إذا حمي البأس نتقي برسول الله صلى الله عليه وسلم زإن الشجاع الذي يحاذِي به. كذا في البداية، وقد تقدّمت قصص شجاعة أبي بكر وعمر وعلي وطلحة والزبير وسعد وحمزة والعباس ومعاذ ابن عمرو ومعاذ بن عفراء وأبي دُجانة وقتادة وسلم ة بن الأكوع وأبي حدرد وخالد بن الوليد والبراء بن مالك وأبي محجن وعمار بن ياسر وعمرو ابن معدِيكرب وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم في شجاعة الصحابة في الجهاد. الورع ورع سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرج أحمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد تحت جنبه تمرة من الليل فأكلها، فلم ينم تلك الليلة، فقال بعض نسائه: يا رسول الله أرقتَ الليلة، قال: «إني وجدت تحت جنبي تمرة فأكلتها، وكان عندنا تمر من تمر الصدقة، فخشيت أن تكون منه» . تفرد به أحمد وأسامة

بن زيد هو الليثي من رجال مسلم. كذا في البداية. ورع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورع الصديق رضي الله عنه أخرج أحمد في الزهد عن محمد بن سيرين قال: لم أعلم أحداً استقاء من طعام أكله غير أبي بكر رضي الله عنه، فإنه أُتي بطعام فأكله ثم قيل له: جاء به النعمان رضي الله عنه، قال: فأطعتموني كهانة ابن النعمان ثم استقاء. وعند البغوي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن ابن نعيمان رضي الله عنه وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكان ذا هيئة وضيئة، فأتاه قوم فقالوا: أعندك في المرأة لا تعلق شيء؟ قال: نعم، قالوا: ما هو؟ قال: يا أيتها الرحم العقوق. صه لداها وفوق. وتحرم من العروق. يا ليتها في الرحم العقوق. لعلها تَعْلق أو تُفيق. فأهدى له غنماً وسمناً، فجاء ببعضه إلى أبي بكر فأكل منه، فلما أن فرغ قام أبو بكر فاستقاء، ثم قال: يأتينا أحدكم بالشيء لا يخبرنا من أين هو؟ قال ابن الزبير: إسناده جيد حسن. كذا في المنتخب. وأخرج أبو نُعيم في الحلية عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: كان لأبي بكر الصديق رضي الله عنه مملوك يغلُّ عليه، فأتاه ليلة بطعام، فتناول منه لقمة، فقال له المملوك: ما لك كنت تسألني كل ليلة ولم تسألني الليلة؟

قال: حملني على ذلك الجوع، من أين جئت بهذا؟ قال: مررت بقوم في الجاهلية فرَقَيت لهم، فوعدوني فلما أن كان اليوم مررت بهم فإذا عُرس لهم فأعطوني، قال: إن كدت أن تهلكني. فأدخل يده في حلقه فجعل يتقيأ وجعلت لا تخرج، فقيل له: إن هذه لا تخرج إلا بالماء، فدعا بطست من مماء فجعل يشرب ويتقيأ حتى رمى بها، فقيل له: يرحمك الله كل هذا من أجل هذه اللقمة، قال: لو لم تخرج إلا مع نفسي لأخرجتها؛ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كل جسد نبت من سمت فالنار أولى به» فخشيت أن ينبت شيء من جسدي من هذه اللقمة. قال أبو نُعيم: ورواه عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها نحوه والمنكدر بن محمد بن المنكدر عن أبيه عن جابر رضي الله عنه نحوه انتهى. وقال ابن الجوزي في صفة الصفوة: وقد أخرج البخاري من أفراده من حديث عائشة طَرَفاً من هذا الحديث. انتهى؛ وأخرج الحسن بن سفيان والدِّينَوري في المجالسة عن زيد بن أرقم رضي الله عنه نحوه، كما في المنتخب. ورع عمر وعلي رضي الله عنهما وأخرج مالك والبيهقي عن زيد بن أسلم قال: شرب عمر رضي الله عنه لبناً فأعجبه فسأل الذي سقاه: من أين لك هذا اللبن؟ فأخبره أنه ورد على ماء فإذا نَعَم من نعم الصدقة وهم يسقون، فحليوا لنا من ألبانها فجعلته في سقائي

ورع معاذ وابن عباس رضي الله عنهما

هذا، فأدخل عمر أصبعه فاستقاءه. كذا في المنتخب وأخرج ابن سعد عن المِسْوعر بن مَخْرمة رضي الله عنه قال: كنا نلزم عمر بن الخطاب نتعلم منه الورع. وأخرج ابن عساكر عن الشَّعْبي قال: خرج علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوماً بالكوفة فوقف على باب فاستسقى ماء، فخرجت إليه جارية بإبريق ومنديل فقال لها: يا جارية لمن هذه الدار؟ قالت: لفلان القسطال، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تشرب من بئر قسطال ولا تستظلن في ظل عشار» . كذا في الكنز وقال: ولم أرَ في رجاله من تُكلم فيه. اهـ. ورع معاذ وابن عباس رضي الله عنهما وأخرج أبو نعيم في الحلية عن يحيى بن سعيد أن معاذ ابن جبل رضي الله عنه كانت له امرأتان، فإذا كان يوم إحداهما لم يتوضأ من بيت الأخرى، ثم توفيتا في السقم الذي أَصابهما بالشام والناس في شغل، فدفنتا في حفرة فأسهم بينهما أَيتهما تقدّم في القبر. وعنده أَيضاً من طريق مالك عن يحيى قال: كان تحت معاذ بن جبل إمرأَتان، فإذا كان عند إِحداهما لم يشرب من بيت الأخرى الماء. وأَخرج ابن سعد عن طاووس قال: أَشهد لسمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول: أشهد لسمعت عمر رضي الله عنه يهل،

التوكل

فإنا لواقفون في الموقف فقال له رجل: أرأيت حين دَفَع؟ فقال ابن عباس: لا أدري، فعجب الناس من ورع ابن عباس. كذا في المنتخب. التوكل توكل سيدنا محمد رسول الله قصته عليه السلام مع الأعرابي الذي أراد قتله وهو نائم أخرج الشيخان عن جابر رضي الله عنه أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة نجد، فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم أدركته القائلة في وادٍ كثير العِضاه، فتفرق الناس يستظلون بالشجر، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت ظل شجرة فعلَّق بها سيفه، قال جابر: فنمنا نومة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا فأجبناه، وإذا عنده أعرابي جالس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن هذا اخترط سيفي وأنا نائم، فاستيقظت وهو في يده صَلْتاً، فقال: من يمنعك مني؟ قلت: الله، فقال: من يمنعك ني؟ قلت: الله، فشام السيف وجلس» ، ولم يعاقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد فعل ذلك. وعند البيهقي عن جابر رضي الله عنه قال: قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم محارب وغطفان بنخل، فرأوا من السملمين غِرّة، فجاء رجل منهم يقال له غَوْرث بن الحارث حتى قام على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف وقال: من يمنعك

توكل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم

مني؟» فقال: كن خير آخذ، قال: «تشهد أن لا إله إلا الله؟» قال: لا، ولكن أعاهدك على أن لا أقاتلك ولا أكون مع قوم يقاتلونك، فخلَّى سبيله؛ فأتى أصحابه وقال: جئتكم من عند خير الناس - ثم ذكر صلاة الخوف. كذا في البداية. توكل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم توكل أمير المؤمنين علي رضي الله عنه أخرج أبو داود في القدر وابن عساكر عن يحيى بن مرة قال: كان علي رضي الله عنه يخرج بالليل إلى المسجد يصلِّي تطوعاً، فجئنا نحرسه، فلما فرغ أتانا فقال: ما يجلسكم؟ قلنا: نحرسك، فقال: أمن أهل السماء تحرسون أم من أهل الأرض؟ قلنا: بل من أهل الأرض، قال: إنَّه لا يكون في الأرض شيء حتى يُقضي في السماء، وليس من أحد إلاّ وقد وُكضل به مَلِكان يدفعان عنه ويكلآنه. حتى يجيىء قدره فإذا جاء قدره خلِّياً بينه وبين قدره، وإنَّ عليَّ من الله جُنَّة حصينة فإذا جاء أجلي كشف عنِّي، وإِنه لا يجد طعم الإِيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه. وعندهما أيضاً عن قتادة رضي الله عنه قال: إن آخر ليلة أتت على علي رضي الله عنه جعل لا يستقر، فارتاب به أهله، فجعل يدسُّ بعضهم إلى بعض حتى أجمعوا فناشدوه، قال: إنه ليس من عبد إلا ومعه ملكان يدفعان عنه ما لم يقدَّر - أو قال: ما لم يأت القدر - فإذا أتى القدر خلَّياً بينه وبين القدر، ثم خرج إلى المسجد فقُتل.

وعند ابن سعد وابن عساكر عن أبي مِجْلَز قال: جاء رجل (من مراد) إلى علي وهو يصلي في المسجد فقال: احترس فإنَّ ناساً من مخراد يريدون قتلك، فقال: إنَّ مع كل رجل مَلَكين يحفظانه مما لم يقدَّر، فإذا جاء القدر خلَّيا بينه وبينه، وإن الأجل جُنَّة حصينة. كذا في الكنز، وعند أبي نُعيم في الحلية عن يحيى بن أبي كَثِير وغيره قال: قيل لعلي: ألا نحرسك؟ فقال: حرس أمرأً أجلُه. وأخرج أبو نُعيم في الدلائل (ص211) عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: عرض لعلي رضي الله عنه رجلان في حكومة، فجلس في أصل جدار، فقال رجل: يا أمير المؤمنين، الجدار يقع، فقال علي: امضِ كفى بالله حارساً، فقضى بينهما وقام، ثم سقط الجدار. توكل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأخرج ابن عساكر عن أبي ظَبْية قال: مرض عبد الله رضي الله عنه مرضه الذي توفي فيه، فعاده عثمان بن عفان رضي الله عنه فقال: ما تشتكي؟ قال: ذنوبي، قال: فما تشتهي قال: رحمة ربي، قال: ألا آمر لك بطبيب؟ قال: الطبيب أمرضني، قال: ألا آمر لك بعطاء؟ قال: لا حاجة لي فيه، قال: يكون لبناتك من بعدك، قال: أتخشى على بناتي الفقر؟ إني أمرت بناتي يقرأن كل ليلة سورة الواقعة، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة أبداً» . كذا فيا لتفسير لابن كثير. وقد تقدَّم

الرضا بالقضاء

نحو هذه القصة لأبي بكر الصديق وأبي الدرداء رضي الله عنهما في الصبر على الأمراض مطلقاً بدون ذكر قراءة سورة الواقعة. الرضا بالقضاء أقوال عمر وأبي ذر وعلي وابن مسعود في هذا الأمر أخرج ابن المبارك وابن أبي الدنيا في الفرج والعسكري في المواعظ عن عمر رضي الله عنه قال: ما أبالي على أيِّ حال أصبحت: على ما أحب، أو على ما أكره، لأني لا أدري الخير في ما أحب أو في ما أكره. كذا في الكنز، وأخرج ابن عساكر عن الحسن عن علي رضي الله عنهما أنه قيل له: إن أبا ذر رضي الله عنه يقول: الفقر أحب إليّ من الغنى، والسَّقم أحب إليّ من الصحة فقال: رحم الله أبا ذر، أما أنا فأقول: من اتَّكل على حسن اختيار الله له يتمنَّ أنه في غير الحالة التي اختار الله له، وهذا حدُّ الوقوف على الرضا بما تصرّف به القضاء. كذا في الكنز. وأخرج ابن عساكر عن علي قال: من رضي بقضاء الله جرى عليه وكان له أجر، ومن لم يرضَ بقضاء الله جرى عليه وحبط عمله، كذا في الكنز. وأخرج أبو نُعَيم في الحلية عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ما أحد من الناس يوم القيامة إلا يتمنى أنه كان يأكل في الدنيا قوتاً، وما يضرُّ أحدكم على ما أصبح وأمسى من الدنيا إلا أن تكون في النفس حزازة، ولأن يعض أحدكم على جمرة حتى تُطفأ خير من أن يقول لأمر قضاه الله: ليت هذا لم يكن

التقوى

التقوى خطاب علي لأهل القبور وقوله في التقوى أخرج الدِيَنَوري وابن عساكر عن كُمَيل بن زياد قال: خرجت مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه فلما أشرف على الجبَّان التفت إلى المقبرة فقال: يا أهل القبور، يا أهل البِلى، يا أهل الوحشة: ما الخبر عندكم؟ فإن الخبر عندنا قد قُسمت الأموال، وأُيتمت الأولاد، واستُبدل بالأزواج، فهذا الخبر عندنا؛ فما الخبر عندكم؟ ثم التفت إليَّ فقال: يا كُمَيل لو أُذن لهم في الجواب لقالوا: إنَّ خيرا لزاد القتوى. ثم بكى وقال: يا كميل، القبر صندوق العمل، وعند الموت يأتيك الخبر. كذا في الكنز. وأخرج أبو نُعيم في الحلية وابن عسارك عن قيس بن أبي حازم قال: قال علي رضي الله عنه: كنوا بقبول العمل أشد اهتماماً منكم بالتقوى، فإنَّه لن يقل عمل مع التقوى، وكيف يقل عمل تُقُبِّل؟ وعند أبي نُعيم في الحلية وابن أبي الدنيا عن عبدِ خير رضي الله عنه قال: قال علي رضي الله عنه: لا يقل عمل مع تقوى، وكيف يقل ما يُتقبل؟. كذا في الكنز. أقوال ابن مسعود وأبي الدرداء وأبي بن كعب في التقوى وأخرج يعقوب بن سفيان وابن عساكر عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: لأن أكون أعلم أن الله يقبل مني عملاً أحب إليَّ من أن يكون لي ملء

الخوف

الأرض ذهباً. كذا في الكنز. وأخرج أبو نُعيم في الحلية عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال: يا حبذا نوم الأكياس وإفطارهم كيف يعيبون سهر الحمقى وصيامهم، ومثقال ذرة من برِّ صاحب تقوى ويقين أعظم وأفضل وأرجح من أمثال الجبال من عبادة المغترِّين. وعند ابن أبي حاتم عن أبي الدرداء قال: لإن أستيقن أن الله قد تقبَّل لي صلاة واحدة أحب إليَّ من الدنيا وما فيها. إنَّ الله يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} (سورة المائدة، الآية: 27) كما في التفسير لابن كثير. وأخرج ابن عساكر عن أُبي بن كعب رضي الله عنه قال: ما ترك أحد منكم لله شيئاً إلا أتاه الله مما هو أشد عليه من حيث لا يحتسب. كذا في الكنز.h الخوف خوف سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرج البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله أراك شِبت؟ فقال: «شيبتني هود، والواقعة، والمرسلات، وعمَّ يتساءلون، وإذا الشمس كُوِّرَتْ» . وفي رواية له عن أبي سعيد رضي

الله عنه قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا رسول الله أسرع إليك الشيب؟ فقال: «شيبتني هود وأخواتها: الواقعة، وعم يتساءلون، وإذا الشمس كُوِّرَتْ» . كذا في البداية. وأخرج أحمد عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كيف أنعم وقد التقم صاحب القرنِ القرنَ، وحنى جبهته، وأصغى سمعه ينتظر متى يؤمر؟» قال المسلمون: يا رسول الله فما نقول؟ قال: «قولوا: حَسْبنا الله ونعم الوكيل، على الله توكلنا» . ورواه الترمذي وقال: حسن. كذا في البداية. وأخرج ابن النجار عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع قارئاً يقرأ: {إِنَّ لَدَيْنَآ أَنكَالاً وَجَحِيماً} (سورة المزمل، الآية: 12) فصعِق. كذا في الكنز. خوف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قصة خوف فتى من الأنصار أخرج الحاكم - وقال: صحيح الإسناد - والبيهقي من طريقه عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن فتًى من الأنصار دخلته خشية الله، فكان يبكي عند ذكر النار حتى حبسه ذلك في البيت، فذُكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه في البيت. فلما دخل عليه اعتنقه النبي صلى الله عليه وسلم وخرّ ميتاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «جهِّزوا

صاحبكم؛ فإن الفَرَق فلَذ كبده» . كذا في الترغيب؛ وأخرجه ابن أبي الدنيا وابن قُدامة عن حذيفة رضي الله عنه فذكر نحوه، وفي حديثه: فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فلما نظر إليه الشاب قام فاعتنقه وخر ميتاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «جهِّزوا صاحبكم؛ فإن الفَرَق من النار فلذ كبده، والذي نفسي بيده لقد أعاذه الله منها، من رجا شيئاً طلبه، ومن خاف من شيء هرب منه» . كذا في الكنز. وأخرج الحاكم - وصحَّحه - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لمَّا أنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} (سورة التحريم، الآية: 6) تلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم على أصحابه، فخر فتًى مفشياً عليه، فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على فؤاده، فإذا هو يتحرك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا فتى قل: لا إله إلا الله» ، فقالها، فبشَّره بالجنة، فقال أصحابه: يا رسول الله أمن بيننا؟ فقال: «أو ما سمعتم قوله تعالى: {ذالِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِى وَخَافَ وَعِيدِ} (سورة إبراهيم، الآية: 14) ؟» . كذا في الترغيب. قول عمر وأبي بكر رضي الله عنهما في الخوف والرجاء وأخرج البيهقي عن سعيد بن المسيِّب رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه اشتكى، فدخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقال: «كيف تجدك

يا عمر؟» قال: أرجو وأخاف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما اجتمع الجراء والخوف في قلب مؤمن إلا أعطاه الله الرجاء وآمنه الخوف» . كذا في الكنز. وأخرج أبو الشيخ عن الحسن رضي الله عنه أن أبا بكر الصدِّيق رضي الله عنه قال: ألم ترَ أنَّ الله ذكر آية الرخاء عند آية الشدة وآية الشدة عند آية الرخاء؛ ليكون المؤمن راغباً راهباً، لا يتمنى على الله غير الحق، ولا يُلقي بيده إلى التهلكة؟. كذا في الكنز. وقد تقدَّمت قصص خوف أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في خوف الخلفاء. أقوال عمان وأبي عبيدة وعمران بن حسين في الخوف وأخرج أبو نُعيم في الحلية عن عبد الله بن الرومي قال: بلغني أن عثمان رضي الله عنه قال: لو أنِّي بين الجنة والنار ولا أدري إلى أيتهما يُؤمر بي لاخترت أن أكون رماداً قبل أن أعلم إلى أيتهما أصير. وأخرجه أيضا أحمد في الزهد عن عثمان مثله، كما في المنتخب. وأخرج ابن عساكر عن قتادة قال: قال أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه: لوددت أني كبش يذبحني أهلي فيأكلون لحمي ويَححسُون مرقي. قال: قال عِمران ابن حصين رضي الله عنهما: لوددتُ أني كنت رماداً على أكمةٍ، فتنسفني الريح في يوم عاصف. كذا في المنتخب؛ وأخرجه ابن سعد عن

خوف أبي ذر وأبي الدرداء وابن عمر

قتادة عن أبي عبيدة نحوه. وعند ابن سعد أيضاً عن قتادة قال: بلغني أن عِمْران بن حُصَين قال: وددت أني رماد تذروني الرياح. خوف ابن مسعود وأخرج أبو نعيم في الحلية عن عامر بن مسروق قال: قال رجل عند عبد الله رضي الله عنه: ما أحب أن أكون من أصحاب اليمين، أكون من المقرَّبين أحب إليَّ. قال: فقال عبد الله: لكنْ ههنا رجل ودَّ لو أَّنه إذا مات لم يبعث - يعني نفسه -. وعنده يضاً عن الحسن قال: قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: لو وقفت بين الجنة والنار، فقيل لي: اختر نخيرك من أيهما أحب ليك أو تكون رماداً؛ لأحببت أن أكون رماداً. خوف أبي ذر وأبي الدرداء وابن عمر وأخرج أبو نُعين في الحلية عن أبي ذر رضي الله عنه قال: والله لو تعلمون ما أعلم ما انبسطتم إلى نسائكم، ولا تقاررتم على فرشكم، والله لوددتُ أنَّ الله عز وجل خلقني يوم خلقني شجرة تُعضد ويؤكل ثمرها وأخرج أبو نعيم في الحلية عن حزام بن حكيم قال: قال أبو الدرداء رضي الله عنه: لو تعلمون (ما أنتم) راؤون بعد الموت لما أكلتم طعاماً على

شهوة، ولا شربتم شراباً على شهوة، ولا دخلتم بيتاً تستظلون فيه، ولخرجتم إلى الصُّعُدات تضربون صدوركم وتبكون على أنفسكم؛ ولوددت أني شجرة تعضد ثم تؤكل، وعند ابن عساكر عن أبي الدرداء رضي الله عنه كما في الكنز قال: لوددتُ أنِّي كبش لأهلي فمرَّ عليهم ضيف فأمرُّوا على أوداجي فأكلوا وأطعموا، وأخرج ابن عسد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: لوددتُ أني هذه السارية. خوف معاذ وابن عمر وأخرج أبو نُعيم في الحلية عن طاووس قال: قدم معاذ ابن جبل رضي الله عنه أرضنا، فقال له أشياخ لنا: لو أمرتَ ننقل لك من هذه الحجارة والخشب فنبني لك مسجداً، فقال: إني أخاف أن أكلَّف حمله يوم القيامة على ظهري. وأخرج أبو نعيم في الحلية عن نافع قال: دخل ابنعمر رضي الله عنهما الكعبة فسمعته وهو ساجد يقول: قد تعلم ما يمنعني من مزاحمة قريش على هذه الدنيا إلا خوفك.

البكاء

وعنده أيضاً عن أبي حازم رضي الله عنه قال: مرّ ابن عمر برجل ساقط من أهل العراق فقال: ما شأنه؟ قالوا: إنه قُرىء عليه القرآن يصيبه هذا، قال: إنا لنخشى الله وما نسقط. خوف شدّاد بن أوس الأنصاري وأخرج أبو نعيم في الحلية عن شدّاد بن أوس الأنصاري رضي الله عنه أنه كان إذ دخل الفراش يتقلّب على فراشه لا يأتيه النوم فيقول: اللهمّ إنَّ النار أذهبت مني النوم؛ فيقوم فيصلي حتى يصبح. خوف أم المؤمنين عائشة وأخرج ابن عسد عن عمرو بن سلمة رضي الله عنه أن عائشة رضي الله عنها قالت: والله لوددت أني كنت شجرة، والله لوددتُ أني كنت مَدَرة، والله لوددتُ أنَّ الله لم يكن خلقني شيئاً قط. وعنده أيضاً عن ابن أبي مُليكة أن ابن عباس رضي الله عنهما دخل على عائشة قبل موتها فأثنى عليها، قال: أبشري زوجة رسول الله، ولم ينكح بكراً غيرك، ونزل عُذْرك من السماء فدخل عليها ابن الزبير رضي الله عنهما خِلافه، فقالت: أثنى عليَّ عبد الله بن عباس ولم أكن أحب أن أسمع أحداً اليوم يثني عليَّ، لوددت أني كنت نَسْياً مَنْسياً. البكاء بكاء سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم

أخرج البخاري عن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اقرأ عليَّ» فقلت: اقرأ عليك وعليك أُنزل؟ فقال: «إني أحب أن أسمعه من غيري» ، قال: فقرأت سورة النساء حتى إذا بلغت: {فكيف إذا جئنا من كلأمة بشهيد وجئنا لك على هؤلاء شهيدا} (سورة البقرة، الآية: 24) قال: «حَسْبك» فالتفتُّ، فإذا عيناه تذرِفان. كذا في البداية وسيأتي بعض قصصه صلى الله عليه وسلم في الصلاة. بكاء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بكاء أهل الصفَّة عند نزول آية أخرج البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما نزلت: {وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُونَ} (سورة النساء، الآية: 41) بكى أصحاب الصُّفَّة حتى جرت دموعهم على خدودهم، فلَّما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حسَّهم بكى معهم فبكينا ببكائه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يلجُ النار من بكى من خشية الله، ولا يدخل الجنَّة مصرٌّ على معصية، ولو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون فيغفر لهم» . كذا في الترغيب. (بكاء رجل حبشي بين يدي النبي عليه السلام حين تلا آية) وأخرج البيهقي والأصبهاني عن أنس رضي الله عنه قال: تَلا رسول الله

صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} فقال: «أوقد عليها ألف عام حتى احمرَّت، وألف عام حتى ابيضَّت، وألف عام حتى اسودَّت، فهي سوداء مظلمة لا يُطفأ لهيبها» قال: وبين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل اسود، فهتف بالبكاء، فنزل عليه جبريل عليه السلام فقال: من هذا الباكي بين يديك؟ قال: «وعزَّتي وجلالي وارتفاعي فوق عرشي، لا تبكي عين عبد في الدنيا من مخافتي إلا كثرت ضحكها في الجنة» . كذا في الترغيب. (بكاء أبي بكر وعمر رضي الله عنهما) وأخرج عبد الرزاق عن قيس بن أبي حازم رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه قائم في مقامه، فأطاب الثناء وأكثر البكاء. كذا في المنتحب. وأخرج الشافعي عن حسن بن محمد بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقأ في خطبته يوم الجمعة: {إِذَا الشَّمْسُ كُوّرَتْ} (سورة التكوير، الآية: 1) حتى بلغ {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّآ أَحْضَرَتْ} (سورة التكوير، الآية: 14) ثم يقطع السورة. وعند أبي عبيد عن الحسن قال: قرأ عمر بن الخطاب: {إِنَّ عَذَابَ رَبّكَ لَوَاقِعٌ} {مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ} (سورة الطور، الآيتان: 7 و8) فَرَبا منها ربوة عِيد منها عشرين يوماً.

وعند أبي عبيد عن عبيد بن عمير رضي الله عنه قال: صلَّى بنا عمر بن الخطاب صلاة الفجر فافتتح سورة يوسف فقرأها حتى بلغ: {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} (سورة يوسف، الآية: 84) بكى حتى انقطع، فركع. كذا في منتخب الكنز وعند عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن سعد وابن أبي شيبة والبيهقي عن عبد الله بن شدَّاد بن الهاد قال: سمعت نشيج عمر وأنا في آخر الصفوف في لصلاة الصبح وهو يقرأ سورة يوسف، حتى بلغ: {إِنَّمَآ أَشْكُو بَثّى وَحُزْنِى إِلَى اللَّهِ} (سورة يوسف، الآية: 86) . كذا في المنتخب؛ وأخرج أبو نُعيم في الحلية عن هشام بن الحسن قال: كان عمر يمر بالآية فتخنقه، فيبكي حتى يسقط، ثم يلزم بيته حتى يعاد يحسبونه مريضاً. (بكاء عثمان رضي الله عنه) وأخرج الترمذي - وحسَّنه - عن هانىء مولى عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: كان عثمان إذا وقف على قبر يبكي حتى يُبل لحيته، فقيل له: تذكر الجنة والنار فلا تبكي وتذكر القبر فتبكي؟ فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «القبر أول منزل من منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر (مه) ، وإن لم ينج فما بعده أشد» . قال: وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما رأيت منظراً قط إلا والقبر أفظع منه» ، وزاد رَزهين فيه: قال هانىء: وسمعت عثمان

ينشد على قبر: فإن تنجُ منها تنجُ من ذي عظيمةٍ وإلاَّ فإنِّي لا إخالك ناجياً كذا في الترغيب؛ وأخرجه أبو نعيم في الحلية عن هانىء مختصراً. (بكاء معاذ رضي الله عنه) وأخرج الحاكم - واللفظ له - وأبو نعيم في الحلية عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: مرّ عمر بمعاذ بن جبل رضي الله عنهما وهو يبكي فقال: ما يبكيك؟ فقال: حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم إنَّ أدنى الرياء شرك، وأحب العبيد إلى الله تبارك وتعالى الأتقياء الأخفاء الذين إذا غابوا لم يُفتقدوا وإذا شهدوا لم يُعرفوا، أولئك أئمة الهدى ومصابيح العلم» ؛ قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرِّجاه؛ وقال الذهبي: أبو قحذم، قال أبو حاتم: لا يُكتب حديثه، وقال النسائي: ليس بثقة. (بكاء ابن عمر رضي الله عنهما) وأخرج أبو نعيم في الحلية عن القاسم بن أبي بَزَّة قال: حدثني من سمع ابن عمر رضي الله عنهما قرأ: {ويل للمطفيين} (سورة المطففون، الآية: 6) حتى بلغ: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبّ الْعَالَمِينَ} (سورة البقرة، الآية: 284) قال: فبكى حتى خر وامتنع من قراءة ما بعده؛ وأخرجه

(بكاء ابن عباس وعبادة بن الصامت رضي الله عنهما)

أحمد نحوه، كما في صفة الصفوة، وعندهما أيضاً عن نافع رضي الله عنه قال: ما قرأ ابن عمر هاتين الآيتين قطُّ من آخر سورة البقرة إلا بكى: {إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} (سورة البقرة، الآية: 284) - الآية -، ثم يقول: إنَّ هذا الإحصاء شديد. وعند أبي نعيم أيضاً في الحلية عن نافع قال: كان ابن عمر إذا قرأ: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} (سورة الحديد، الآية: 16) بكى حتى يغلبه البكاء. وأخرجه أبو العباس في تاريخه بسنده جيد، كما في الإصابة وأخرج ابن عسد عن يوسف بن ماهَك قال: انطلقت مع ابن عمر إلى عبيد ابن عمير رضي الله عنه وهو يقصُّ على أصحابه، فنظرت إلى ابن عمر فإذا عيناه تُهرِقان؛ وأخرجه أبو نعيم في الحلية عن يوسف بن ماهَك مختصراً، وعند ابن سعد عن عبيد بن عمير أنه قرأ: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ} (سورة النساء، الآية: 41) حتى ختم الآية فجعل ابن عمر يبكي حتى لثقت لحيته وجيبه من دموعه، قال عبد الله: فحدثني الذي كان إلى جنب ابن عمر قال: لقد رأيت أن أقوم إلى عبيد بن عمير فأقول له: أقصُر عليك؛ فإنك قد آذيت هذا الشيخ. (بكاء ابن عباس وعبادة بن الصامت رضي الله عنهما) وأخرج أبو نعيم في الحلية عن عبد الله بن أبي مُلَكية قال: صحبت

ابن عباس رضي الله عنهما من مكة إلى الدنية، فكان إذا نزل قام شطر الليل قال: فسأله أيوب كيف كانت قراءته؟ قال: قرأ: {وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ} (سورة ق، الآية: 15) فجعل يرتل ويكثر في ذاكم النشيج. وعنده أيضاً عن أبي رجاء رضي الله عنه قال: كان هذا الموضع من ابن عباس - مجرى الدموع - كأنه الشراك البالي. وأخرج أبو نُعيم في الحلية عن عثمان بن أبي سَوحدة قال: رأيت عبادة ابن الصامت رضي الله عنه وهو على هذا الحائط - حائط المسجد المشرف على واد جنهم - واضعاً صدره عليه وهو يبكي فقلت: يا أبا الوليد ما يبكيك؟ قال: هذا المكان الذي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى فيهم جهنَّم. بكاء عبد الله بن عمرو وأبي هريرة رضي الله عنهما وأخرج أبو نُعيم في الحلية عن يَعْلى بن عطاء عن أمه أنها كانت تصنع لعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما الكُحْل وكان يكثر من البكاء، قال: ويغلق عليه بابه ويبكي حتى رَمِصت عيناه، قال: وكانت أمي تصنع له الكحل. وأخرج ابن سعد عن مسلم بن بشر قال: بكى أبو هريرة رضي الله عنه في مرضه فقيل له: ما يبكيك يا أبا هريرة؟ قال: أمَا إني لا أبكي على دنياكم هذه، ولكنِّي أبكي لبُعد سفري وقلّة زادي، أصبحت في صُعود مُهْبطة على جنة ونار، فلا أدري إلى أيهما يُسلك بي؛ وأخرجه أبو نُعيم في الحلية نحوه.

التفكر والاعتبار

التفكر والاعتبار تفكر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم واعتبارهم (تفكر أصحاب أبي ريحانة رضي الله عنه) أخرج ابن المبارك في الزهد عن ضَمْرة بن حبيب عن مولى لأبي ريحانة الصحابي رضي الله عنه أن أبا ريحانة قفل ن غزوة له، فتعشى ثم توضأ وقام إلى مسجده فقرأ سورة، فلم يزل في مكانه حتى أذَّن المؤذن، فقالت له امرأته: يا أبا ريحانة غزوت فتعبت، ثم قدمت أفما كان لنا نصيب؟ قال: بلى والله، لكن لو ذكرتك لكان لك عليَّ حق، قالت: فما الذي شغلك؟ قال: التفكر فيما وصف الله في جنته وذاتها حتى سمعت المؤذن. كذا في الإصابة. (تفكر أبي ذر رضي الله عنه) وأخرج أبو نُعيم في الحلية عن محمد بن واسع: أن رجلاً من البصرة ركب إلى أم ذرَ رضي الله عنها بعد وفات أبي ذر رضي الله عنه يسألها عن عبادة أبي ذر، فأتاها فقال: جئتك لتخبريني عن عبادة أبي ذر رضي الله تعالى عنه، قالت: كان النهار أجمع خالياً يتفكَّر. (تفكر أبي الدرداء رضي الله عنه) وأخرج أبو نُعيم في الحلية عن عون بن عبد الله بن عتبة قال: سألت أم الدرداء رضي الله عنها ما كان أفضل عمل أبي الدرداء؟ قالت: التفكر والاعتبار،

وعنده أيضاً عنه قال: قيل لأم الدرداء: ما كان أكثر عمل أبي الدرداء رضي الله عنه؟ قالت: الاعتبار. وعن سالم بن أبي الجَعْد نحوه إلا أنه قال: فقالت: التفكر، وأخرجه أحمد نحو الحديث الأول عن عون كما في صفة الصفوة، وعندهما أيضاً عن أبي الدرداء أنه قال: تفكُّر ساعة خير من قيام ليلة، وأخرجه ابن سعد مثله، وعند ابن عساكر عن أبي الدرداء قال: من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر ولهم بذلك أجر، ومن الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير وعليهم بذلك إصْر، وتفكر ساعة خير من قيام ليلة. كذا في الكنز. وأخرج أبو نُعيم في الحلية عن حبيب بن عبد الله أن رجلاً أتى أبا الدرداء وهو يريد الغزو فقال: يا أبا الدرداء عن حبيب بن عبد الله أن رجلاً أتى أبا الدرداء وهو يريد الغزو فقال: يا أبا الدرداء أوصني، فقال: اذكر الله في السّراء يذكرك في الضرّاء، وإذا أشرفت على شيء من الدنيا فانظر إلى ما يصير. وعنده أيضاً عن سالم بن أبي الجَعْد قال: مرّ ثوران على أبي الدرداء وهما يعملان، فقام أحدهما ووقف الآخر فقال أبو الدرداء: إنَّ في هذا لمعتبراً؛ وأخرج أحمد أيضاً الحديث الأول عن حبيب نحوه، كما في صفة الصفوة.

محاسبة النفس (قول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في هذا الأمر) أخرج ابن أبي الدنيا في محاسبة النفس عن مولى أبي بكر رضي الله عنه قال: قال أبو بكر الصديق: من مَقَت نفسه في ذت الله آمنه الله من مقته. كذا في الكنز. وأخرج أبو نُعيم في الحلية عن ثابت ابن الحجا قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: زِنُوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وحاسبوها قبل أن تحاسبوا؛ فإنّه أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم، وتزيَّنوا للعرض الأكبر {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ} (سورة الحاقة، الآية: 18) . وأخرج مالك وابن سعد وابن أبي الدنيا في محاسبة النفس وأبو نعيم في المعرفة وابن عساكر عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت نعيم في المعرفة وابن عساكر عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوماً - وخرجت معه حتى دخل حائطاً - فسمعته يقول وبيني وبينه جدار وهو في جوف الحائط: أمير المؤمنين، والله لتتقينَّ الله أو ليعذبنَّك الله. كذا في المنتخب.

(الصمت وحفظ اللسان)

(الصمت وحفظ اللسان) (صمت سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرج أحمد والطبراني في حديث طويل عن سِماك قال: قلت لجابر بن سَمخر رضي الله عنه: أكنت تجالس النبي صلى الله عليه وسلم قال: نعم، وكان كثير الصمت. قال الهيثمي: ورجال أحمد رجال الصحيح غير شَرَيك وهو ثقة؛ وأخرجه ابن سعد عن سِماك نحوه. وعند الطبراني عن أبي مالك الأشجعي رضي الله عنه عن أبيه قال: كنا نجلس عند النبي صلى الله عليه وسلم ونحن غلمان فلم أرَ رجلاً كان أطول صمتاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكن إذا تكلَّم أصحابه فأكثروا الكلام تبسَّم. قال الهيثمي: وفيه إبراهيم بن زكريا العِجْلي وهو ضعيف. انتهى. وأخرج الطبراني عن عبادة بنا لصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات يوم فسار على راحلته وأصحابه معه لم يتقدم منهم أحد بين يديه، فقال معاذ بن جبل: يا رسول الله أَسألُ الله أن يجعل يومنا قبل يومك، أَرأَيت إن كان شيء - ولا يرينا الله ذلك - أيُّ الأعمال نعملها بعدك، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الجهاد في سبيل الله» قلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله قال:

صمت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم

«نعمَ الشيء الجهاد في سبيل الله، وعاد بالناس أملك من ذلك، قال: الصيام والصدقة، قال: «نعم الشيء الصيام والصدقة، وعاد بالناس أملك من ذلك» ، فذكر معاذ كلَّ خير يعلمه. كل ذلكيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «وعاد بالناس أملك من ذلك» ، قال: يا رسول الله عاد بالناس أملك من ذلك؟ فأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فيه، قال: «الصمت إلاَّ من خير» ، قال: وهل نؤاخذ بما تكلمت ألسنتنا؟ فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذ معاذ ثم قال: «ثكلتك أُمك - وما شاء الله أن يقول - وهل يَكُب الناسَ على مناخرهم في جهنم إلا ما نطقت به ألسنتهم، فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فَلْيَقُلْ خيراً أو ليسكت عن شر، قولوا خيراً تغنموا، واستكوا عن شر تسلموا» . قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير عمرو وابن مالك الجَنْبي وهو ثقة. انتهى. صمت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (قوله عليه السلام في شهيد: لعله كان يتكلم فيما لا يعنيه) أخرج أبو يَعْلى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قُتل رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فبكت عليه باكية فقالت: واشهيداه قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم مَهْ، ما يدريك أنه شهيد؟ ولعله كان يتلكَّم فيما لا يعنيه، ويبخل بما لا ينقصه» وفيه عصام ابن طَلِيق وهو ضعيف كما قال الهيثمي. وعنده أيضاً عن أنس رضي الله عنه قال: استشهد رجل منا يوم أحد،

فوجد على بطنه صخرة مربوطة من الجوع، فمسحت أمه التراب عن وجهه وقالت: هنيئاً لك يا بني الجنة فقال النبي صلى الله عليه وسلم «وما يدريك لعله كان يتكلَّم فيما لا يعنيه، ويمنع ما لا يضره» وفيه يحيى ابن يَعْلى الأسلمي وهو ضعيف، كما قال الهيثمي؛ وأخرجه الترمذي عن أنس مختصراً كما في المشكاة. لغاية ص 320 تابع (صمت عمار ومعاذ وقول الصدِّيق في لسانه) وأخرج أبو نُعيم في الحلية عن خالد بن نُمَير قال: كان عمار بن ياسر رضي الله عنهما طويل الصمت، طويل الحزن والكآبة، كان عامة كلامه عائذاً بالله من فتنته. وأخرج الحاكم عن أبي إدريس الخَوْلاني قال: دخلت مسجد دمشق، فإذا أنا برجل برَّاق الثنايا، طويل الصمت، وإذا الناس معه إذا اختلفوا في شيء أسندوه إليه وصدروا عن رأيه، فسألت عنه فقيل: معاذ بن جبل رضي الله عنه. وأخرج أبو يَعْلى عن أسلم أنَّ عمر رضي الله عنه اطَّلع على أبي بكر رضي الله عنه وهو يمد لسانه، فقال: ما تصنع يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليس شيء من الجسد إلا يشكو ذَرعب اللسان» . قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير موسى بن

صمت شداد بن أوس منذ بايع النبي عليه السلام

محمد ابن حَيَّان وقد وثقه ابن حبان. اهـ. وأخرجه أبو نعيم في الحلية عن أسلم مختصراً. (زجر ابن مسعود وابن عباس للسانيهما) وأخرج الطبراني عن أبي وائل عن عبد الله رضي الله عنه أنه ارتقى الصفا فأخذ بلسانه فقال: يا لسان، قل خيراً تغنم، واسكت عن شر تسلم من قبل أن تندم، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أكثر خطايا ابن آدم من لسانه. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. وأخرج أبو نعيم في الحلية عن سعيد الجريري عن رجل قال: رأيت ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أخذ بثمرة لسانه وهو يقول: ويحك قل خيراً تغنم، واسكت عن شر تسلم. فقال له رجل: يا ابن عباس، ما لي أراك آخذاً بثمرة لسانك تقول كذا؟ قال: إنَّه بلغني أنَّ العبد يوم القيامة ليس هو على شيء أحنقَ منه على لسانه. (صمت شدّاد بن أوس منذ بايع النبي عليه السلام) وأخرج أبو نُعيم في الحلية عن ثابت البُناني قال: قال شدّاد بن أوس رضي الله عنه يوماً لرجل من أصحابه: هات السُّفْرة نتعلَّل بها. قال: فقال

قول ابن مسعود في خطر اللسان

رجل من أصحابه: ما سمعت منك مثل هذه الكلمة منذ صحبتك فقال: ما أُفلتت مني كلمة منذ فارقت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مزمومة مخطومة، وايْمُ الله لا تنفلت غير هذه. وعنده أيضاً عن سليمان بن موسى أن شدَّاد بن أوس رضي الله عنه قال يوماً: هاتوا السفرة نعبث بها. قال: فأخذوها عليه، قال: انظروا إلى أبي يَعْلى ما جاء منه فقال: أي نُنيَّ أخي، إنِّي ما تكلمتُ بكلمة منذ بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مزمومة مخطومة قبل هذه، فتعالَوا حتى أحدثكم ودعوا هذه وخذوا هذه وخذوا خيراً منها: اللهمَّ إنَّا نسألك التثبُّت في الأمر، ونسألك عزيمة الرشد، ونسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك، ونسألك قلباً سليماً ولساناً صادقاً، ونسألك خير ما تعلم ونعوذ بك من شر ما تعلم. فخُذوا هذه ودعُوا هذه. كذا رواه سليمان بن موسى موقوفاً، ورواه حسان بن عطية عن شدَّاد بن أوس مرفوعاً، ثم أسند أبو نُعيم روايته نحو ما تقدّم وفيه: فلا تحفظوها عليَّ، واحفظوا عني ما أقول لكم، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا كنز الناس الذهب والفضة فاكنزوا هؤلاء الكلمات: اللهمَّ إني أسألك الثبت في الأمر، والعزيمة على الرشد» - فذكر مثله وزاد: «وأستغفرك لما تعلم إنك أنت علاّم الغيوب» . وأخرجه أبو نعيم أيضاً من طريق أبي الأشعث الصنعاني وغيره مرفوعاً نحوه، وأخرجه أحمد من طريق حسان بن عطية عن شدّاد نحوه، كما في التفسير لابن كثير. (قول ابن مسعود في خطر اللسان) وأخرج أبو نُعيم في الحيلة عن عيسى بن عقبة قال: قال عبد الله بن

مسعود رضي الله عنه: والذي لا إله إلا هو ما على ظهر الأرض شيء أحوجَ إلى طول سَجن من لسان. وأخرجه الطبراني نحوه بأسانيد ورجالها ثقات كما قال الهيثمي. وعنده الطبراني أيضاً عن ابن مسعود قال: أنذركم فُضول الكلام، بحَسْب أحدكم أن يبلغ حاجته، وفيه المسعودي وقد اختلَطَ، كما قال الهيثمي: وعنده أيضاً عنه قال: أكثر الناس خطايا يوم القيامة أكثرهم في الباطل، ورجاله ثقت كما قال الهيثمي. (ترغيب علي وأبي الدرداء في الصمت) وأخرج ابن أبي الدنيا في اصمت عن علي رضي الله عنه قال: اللسان قوام البدن، فإذا استقام اللسان استقامت الجوارح، وإذا اضطرب اللسان لم تقم له جارحة. وعنده أيضاً عنه قال: وار شخصك لا تُذكر، واصمت تسلم. وعنده أيضاً عنه قال: الصمت داعية إلى الجنة. وعنده أيضاً عنه قال: لا تفشِ سرَّك إلا إليكْ ... فإنّ لكل نصيحٍ نصيحاً فإني رأيتُ غُواةَ الرجالِ ... لا يَدَعون أديماً صحيحاً

كذا في كنز العمال. وأخرج ابن عساكر عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: تعلَّموا الصَّمْت كما تَعَلَّمون الكلام، فإن الصمت حلم عظيم، وكن إلى أن تسمع أحرص منك إلى أن تتكلم، ولا تتكلَّم في شيء لا يعنيك، ولا تكن مضحاكاً من غير عجب، ولا مشَّاء إلى غير أرب. كذا في الكنز، وعند أبي نُعيم في الحلية عنه قال: ما في المؤمن بَضْعة أحبُّ إلى الله عز وجل من لسانه، به يدخله الجنة. وما في الكافر بَضْعة أبغضُ إلى الله عز وجل من لسانه، به يدخله النار. (قول ابن عمر وأنس في حفظ اللسان) وأخرج أبو نُعيم في الحلية عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أحقُّ ما طهَّر العبد لسانه. وأخرج ابن سعد عن أنس ابن مالك رضي الله عنه قال: لا يتقي (الله) عبد حتى يخزن من لسانه.

الكلام كلام سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم (وصف الصحابة لكلامه عليه السلام) أخرج البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحدِّث حديثاً ولو عدّه العادُّ لأحصاه. وعنده أيضاً عنها قالت: ألا أُعجِّبك، أبو فلان جاء فجلس إلى جانب حجرتي يحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمعني ذلك وكنت أسبِّح، فقام قبل أن أقضي سبحتي، ولو أدركته لرددتُ عليه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يسرد الحديث كسردكم. وقد رواه أحمد ومسلم وأبو داود وفي روايتهم: ألا أعجِّبك من أبي هريرة - رضي الله عنه - فذكرت نحوه؛ وعند أحمد عنها قالت: كان كلام النبي صلى الله عليه وسلم فَصْلاً يفهمه كل أحد، لم يكن يسرد سرداً، وقد رواه أبو داود. وعند أبي يَعْلى عن جابر رضي الله عنه أو ابن عرم رضي الله عنهما قال: كان في كلام النبي صلى الله عليه وسلم ترتيل أو ترسيل. وعند أحمد عن أنس رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلَّم بكلمة ردَّدها ثلاثاً، وإذا أتى قوماً يسلِّم عليهم ثلاثاً، رواه البخاري.

وعند أحمد عن ثُمامة بن أنس رضي الله عنه أن أنساً كان إذا تكلَّم ثلاثاً، وكان يستأذن ثلاثاً. وعند الترمذي عن ثمامة عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلَّم يعيد الكلمة ثلاثاً لتُعقل عنه، ثم قال الترمذي: حسن صحيح غريب. وعند أحم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بُعثت بجوامع الكَلِم، ونصر بالرعب، وبينا أنا نائم أُتيتُ بمفاتيح خزائن الأرض فوضعت في يدي» ؛ وهكذا رواه البخاري. وعند ابن إسحاق عن عبد الله بن سَلاَم رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس يتحدّث كثيراً ما يرفع طَرْفه إلى السماء، وهكذا رواه أبو داود في كتاب الأدب من حديث ابن إسحاق. كذا في البداية (640 و41) . (ندم عمرو بن العاص على كثرة سؤاله للنبي عليه السلام: وأخرج الترمذي في الشمائل (ص25) عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل بوجهه وحديثه على أشر القوم يتألَّفهم بذلك، فكان يقبل بوجهه وحديثه عليَّ حتى ظننت أنِّي خير القوم، فقلت: يا رسول الله أنا خير أو أبو بكر؟ فقال: «أبو بكر» ، فقلت: يا رسول الله أنا خير أم عمر؟ فقال: «عمر» ، فقلت: يا رسول الله أنا خير أم عثمان؟ فقال؛ «عثمان» ، فلما سألت

التبسم والضحك

رسول الله فصدَقني؛ فلوددتُ أني لم أكن سألته، وأخرجه الطبراني عنه نحوه وإسناده حسن، كما قال الهيثمي وقال في الصحيح: بعضه بغير سياقه. التبسم والضحك تبسم سيدنا محمد رسول الله وضحكه (تبسمه عليه السلام) وأخرج الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعاً ضاحكاً حتى أرى منه لهواته؛ إنما كان يتبسَّم. وعند الترمذي عن عبد الله بن الحارث بن جَزْء رضي الله عنه قال: ما رأيت أحداً أكثر تبسُّماً من رسول الله صلى الله عليه وسلم بن الحارث بن جَزْء رضي الله عنه قال: ما رأيت أحداً كثر تبسُّماً من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده أيضاً عنه قال: ما كان ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم إلاَّ تبسُّماً، وقال: صحيح. وعند مسلم عن سِماك بن حرب قلت لجابر بن سَمُرة رضي الله عنه: أكنت تجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم كثيراً، كان لا يقوم من مُصَلاَّه الذي يصلِّي فيه الصبح حتى تطلع الشمس، (فإذا طلعت) قام، وكانوا يتحدَّثون فيأخذون في أمر الجاهلية، فيضحكون ويتبسَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعند

ضحكه عليه السلام

الطيالسي عن سِماك قال: قلت لجابر بن سَمُرة: أكنت تجالس النبي صلى الله عليه وسلم قال: نعم، كان قليل الصمت، قليل الضحك، فكان أصحابه ربما يتناشدون الشعر عنده، وربما قال الشيء من أمورهم فيضحكون وربما يبتسم. كذا في البداية (641 و42) ، وأخرجه ابن سعد عن سِماك نحوه. وأخرج أبو نُعيم وابن عساكر عن الحصين بن يزيد الكلبي رضي الله عنه قال: ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ضاحكاً، ما كان إلا متبسِّماً، وربما شدَّ النبي صلى الله عليه وسلم الحجر على بطنه من الجوع. كذا في الكنز، وأخرجه ابن قانع عن الحُصَين نحوه ولم يذكر: وربما شد - إلى خره، كما في الإصابة. (سؤال عَمْرة لعائشة عنه عليه السلام في بيته) وأخرج الخرائطي والحك عن عَمْرة قالت: سألت عائشة رضي الله عنها كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خلا مع نسائه؟ قالت: كالرجل من رجالكم إلا أنهكان أكرم الناس، وألين الناس ضحاكاً بسّاماً. كذا في الكنز؛ وأخرجه ابن عساكر عن عَمْرة نحوه، كما في البداية، وأخرجه ابن سعد بمعناه. (ضحكه عليه السلام) وأخرجه البزّار عن جابر رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا

أتاه الوحي أو وعظ قلتَ: نذير قوم أتاهم العذاب، فإذا ذهب عنه ذلك رأيتَ أطلق الناس وجهاً، وأكثرهم ضحكاً، وأحسنهم بِشْراً. قال الهيثمي: إسناده حسن. وعند الطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أضحك الناس وأطيبهم نَفْساً. وفيه علي بن يزيد الألْهاني وهو ضعيف، كما قال الهيثمي. (ضحكه عليه السلام يوم الخندق) وأخرج الترمذي في الشمائل (ص16) عن عامر بن سعد قال: قال سعد رضي الله عنه: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك يوم الخندق حتى بدت نواجذه، قال: كيف كان (ضحكه) ؟ قال: كان رجل معه تُرس، وكان سعد رامياً وكان (الرجل) يقول كذا وكذا بالترس يغطي جبهته، فنزع له سعد بسهم فلمَّا رفع رأسه رماه فلم يخطىء هذه منه - يعني جبهته -، وانقلب (الرجل) وشال برجله. فضحك رسول الله حتى بدت نواجذه، قلت: من أي شيء ضحك؟ قال: مِنْ فعله بالرجل. (ضحكه عليه السلام من فعل رجل فقير في رمضان) وأخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هلكت وقعت على أهلي في رمضان، قال: «أعتق رقبة» قال: ليس لي، قال: «فصم شهرين متتابعين» قال: لا أستطيع، قال: «فأطعم

ستين مسكيناً» قال: لا أجد، فأُتي النبيُ صلى الله عليه وسلم بعَرَق فيه تمر - قال إبراهيم: العَرَق المِكْتَل - فقال: «أين السائل؟ تصدَّق بها» قال: على أفقر مني؟ والله ما بين لابتيها أهلبيت أفقر منا، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، قال: «فأنتم إذاً» . (حديث أبي ذر وابن مسعود في ضحكه عليه السلام) وأخرج الترمذي في الشمائل (ص16) عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إني لأعلم أول رجل يدخل الجنة وآخر رجل يخرج من النار، يؤتى بالرجل يوم القيامة فيقال: اعرضوا عليه صغار ذنوبه وتُخبأ عنه كبارها، فيقال له: عملت يوم كذا كذا وكذا، وهو مقر لا ينكر وهو مُشْفق من كبارها، فيقال اعطوه مكان كل سيئة عملها حسنة فيقول: إنَّ لي ذنوباً ما أراها ههنا» قال أبو ذر: فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه. وعنده أيضاً عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إني لأعرف آخر أهل النار خروجاً رجل يخرج منها زحفاً فيقال له: انطلق فأدخل الجنة» قال: «فيذهب ليدخل الجنة فيجد الناس قد أخذوا المنازل فيرجع فيقول: يا رب قد أخذ الناس المنازل، فيقال له: أتذكر الزمان الذي كنت فيه؟ فيقول: نعم، قال: فيقال له: تمنَّ، قال: فيتمنَّى، فيقال له: فإن لك الذي تمنيت وعشرة أضعاف الدنيا، قال: فيقول: أتسخر مني وأنت الملِك» قال: فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه.

الوقار

الوقار (وقار النبي عليه السلام أخرج القاضي عِياض في الشِفاء عن خارجة بن زيد رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أوقر الناس في مجلسه، لا يكاد يخرج شيئاً من أطرافه، وأخرجه أبو داود في المراسيل، كما في شرح الشفاء للخفاجي. (وقار معاذ بن جبل رضي الله عنه) وأخرج أبو نعيم في الحلية عن شَهْر بن حَوْشَب قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تحدّثوا وفيهم معاذ بن جبل رضي الله عنه نظروا إليه هيبة له. وعنده أيضاً عن أبي مسلم الخَوْلاني قال: دخلت مسجد حمص فإذا فيه نحو من ثلاثين كهلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وإذا فيهم شاب أكحل العينين، برَّاق الثنايا، لا يتكلم، ساكت، فإذا امترى القوم في شيء أقبلوا عليه فسألوه، فقلت لجليس لي من هذا؟ فقال: معاذ بنجبل رضي الله عنه، فوقع في نفسي حبه، فكنت معهم حتى تفرقوا. وعنده أيضاً عنه أنه دخل المسجد يوماف مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحضر ما كانوا أول إمره عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: فجلست مجلساً فيه بضع وثلاثون كلُّهم يذكرون حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الحلقة فتى شاب شديد الأُدْمة، حلو المنطق، وضيء، وهو أشبُّ القوم سناً، فإذا اشتبه عليهم من أحاديث القوم شيء ردُّوه إليه فحدَّثهم حديثهم، ولا يحدثهم شيئاً إلا أن يسألوه، قلت: من أنت يا عبد الله؟ قال: أنا معاذ بن جبل.

(كظم الغيظ)

(كظم الغيظ) أخرجه الطيالسي وأحمد والحميدي وأبو داود والترمذي وأبو يعلى وسعيد بن منصور وغيرهم عن أبي بَرْزة الأسلمي رضي الله عنه قال: أغلظ رجل لأبي بكر الصِّديق رضي الله عنه، فقال أبو برزة: ألا أضرب عنقه؟ فانتهره فقال: ما هي لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا في الكنز. وأخرجه أحمد في الزهد عن عمر رضي الله عنه، قال: ما تجرّع عبد جرعة من لبن أو عسل خيراً من جرعة غيظ؛ كذا في الكنز. الغَيْرة (غيرة أبي بن كعب رضي الله عنه) أخرج ابن عساكر عن أبي بنكعب رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنَّ فلاناً يدخل على امرأة أبيه، فقال أبّي: لو كنت أنا لضربته بالسيف، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما أغيرك يا أبي إني لأغيْرَ منك، والله أغْيَر مني» كذا في المنتخب.

(غيرة سعد بن عبادة رضي الله عنه) وأخرج الشيخان عن المغيرة قال: قال سعد بن عبادة: لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مُصْفَح، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أتعجبون من غَيْرة سعد؟ والله لأنا أغْيَر منه، والله أغْيَر مني، ومن أجل غَيْرة الله حرّم الله الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا أحد أحب إليه العذر ن الله، من أجل ذلك بعث المنذرين والمبشِّرين، ولا أحب إليه المدحة من الله ومن أجل ذلك وعد الله الجنة» . وعند مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال سعد بن عبادة: لو وجدت مع أهلي رجلاً لم أمسَّه حتى آتي بأربعة شهداء؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «نعم» ، قال: كلا، والذي بعثك بالحق إن كنت لأعاجله بالسيف قبل ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اسمعوا إلى ما يقول سيدكم إنه لغيور وأنا أغْيَر منه والله أغْيَر مني» . كذا في المشكاة (ص278) ؛ وأخرجه أبو يَعْلى عن ابن عباس رضي الله عنهما مطوّلاً، وفي حديثه: قالوا: يا رسول الله لا تلمه فإنه رجل غيور، والله ما تزوّج امرأة قط إلا بكراً، ولا طلَّق امرأة قط فاجترأ رجل منا أن يتزوجها من شدة غَيْرته، فقال سعد: يا رسول الله (والله) إني لأعلم أنها حق، وأنّها من عند الله، ولكن قد تعجَّبت أن لو وجدتُ لَكاعاً قد تفخَّذها رجل لم يكن لي أن أُهِيجَه ولا أن أحركه حتى آتي بأربعة شهداء فوالله لا آتي بهم حتى يقضي حاجته. قال الهيثمي: رواه أبو يعلى والسياق

(إنكار علي على من لم يغر)

له وأحمد باختصار عنه، ومداره على عبَّاد بن منصور وهو ضعيف. (غيرة عائشة رضي الله عنها) وأخرج مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من عندها ليلاً قالت: فغِرت عليه، فجاء فرأى ما أصنع فقال: «ما لك يا عائشة أغِرْتِ» فقلت: ما لي لا يغار مثلي على مثلك؟ فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم «لقد جاءك شيطانك» ، قلت: يا رسول الله أمعي شيطان؟ قال: «نعم» ، قلت: ومعك يا رسول الله؟ قال: «نعم» ، ولكن أعانني الله حتى أسلم» : كذا في المشكاة (ص280) . وأخرج ابن سعد عن عائشة قالت: لما تزوَّج رسول الله أم سَلَمة رضي الله عنها حزنت حزناً شديداً لِمَا ذكروا لنا من جمالها، قالت: فتلطَّفت لها حتى رأيتها، فرأيتها - والله - أضعاف ما وُصفت لي في الحسن والجمال، قالت: فذكرت ذلك لحفصة - وكانتا يداً واحدة - فقالت: لا والله إنْ هذه إلا الغَيْرة، ما هي كما تقولون، فتلطَّفت لها حفصة حتى ريتها، فقالت: قد رأيتها، ولا والله ما هي كما تقولين ولا قريب، وإنها لجميلة، قالت: فرأيتها بعد، فكانت لعمري كما قالت حفصة، ولكني كنت غَيْري. (إنكار علي على من لم يغر) وأخرج رسته عن علي رضي الله عنه قال: ألم يبلغني عن نسائكم أنهنَّ يزاحمن العلوج في الأسواق، ألا تغارون؟ من لم يغر فلا خير فيه. وعنده أيضاً عنه قال: الغَيْرة غَيْرتان: حسنة جميلة يصلح بها الرجل أهله، وغَيْرة تدخله

النار؛ كذا في الكنز. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (حديثه عليه السلام عمن أوذي قبلنا ممن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر) أخرج الطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا ابن مسعود» فقلت: لبيك يا رسول الله - قالها ثلاثاً - قال: «تدري أي الناس أفضل» ؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: «فإنَّ أفضل الناس أفضلهم عملاً إذا فقهوا في دينهم» ، ثم قال: «يا ابن مسعود» قلت: لبيك يا رسول الله، قال: «تدري أي الناس أعلم» ؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: «إنَّ أعلم الناس أبصرهم بالحق إذا اختلف الناس، وإن كان مقصِّراً في العمل، وإن كان يزحف على استه زحفاً. واختلف من كان قبلي على اثنين وسبعين فرقة نجا منها ثلاثة وهلك سائرهن. فرقة وزات الملوك وقاتلوهم على دينهم ودين عيسى بن مريم، وأخذوهم وقتلوهم وقطعوهم بالمناشير، وفرقة لم يكن لهم طاقة بموازاة الملوك ولا بأن يقيموا بين ظهرانيهم فيدعوهم إلى الله ودين عيسى بن مريم، فساحوا في البلاد وترهَّبوا، قال: وهم الذين قال الله عز وجل: {رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان ا} - الآية -، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «من آمن بي وصدَّقني واتَّبعني فقد رعاها حق رعايتها، ومن لم يتبعني فأولئك هم الهالكون» .t وفي رواية: «فرقة أقامت في الملوك والجبابرة فدعت إلى دين عيسى؛ وقُتلت بالمناشير، وحرِّقت بالنيران، فصبرت حتى لحقت بالله»

(تحذيره عليه السلام من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)

- والباقي بنحوه -، قال الهيثمي: رواه الطبراني بإسنادين ورجال أحدهما رجال الصحيح غير بُكَير بن معروف وثَّقه أحمد وغيره وفيه ضعف. انتهى. (تحذيره عليه السلام من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وأخرج البزّار عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنَّكم على بيِّنة من ربكم ما لم تظهر فيكم سكرتان: سكرة الجهل، وسكرة حب العيش، وأنتم تأمرون بالمعروف، وتنهون عن المنكر، وتجاهدون في سبيل الله، فإذا ظهر فيكم حب الدنيا فلا تأمرون بالمعروف، ولا تنهون عن المنكر، ولا تجاهدون في سبيل الله، فإذا ظهر فيكم حب الدنيا فلا تأمرون بالمعروف، ولا تنهونه عن المنكر، ولا تجاهدون في سبيل الله. القائلون يومئذ بالكتاب والسنة كالسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار» . قال الهيثمي: وفيه الحسن بن بِشْر وثَّقه أبو حاتم وغيره وفيه ضعف. انتهى. (منزلة من يأمر بالمعروف ويتهى عن المنكر يوم القيامة) وأخرج البيهقي والنقّاش في معجمه وابن النجار عن واقد بن سلامة عن يزيد الرَّقَاشي عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أخبركم بأقوام ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم يوم القيامة الأنبياء والشهداء بمنازلهم من الله، على منابر من نور يُعرفون» ، قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: «الذين يحبِّبون عباد الله إلى الله، ويحبِّبون الله إلى عباده، ويمشون على الأرض نُصْحاً» ، فقلت: هذا يحبِّب الله إلى عباده فكيف يحبِّبون عباد الله إلى الله؟ قال: «يأمرونهم بما يحبُّ الله، وينهونهم عما يكره الله، فإذا أطاعوهم أحبّهم الله عز وجل» . وواقد ويزيد ضعيفان؛ كذا في الكنز.

(متى تترك هذه الأمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وأخرج الطبراني في الأوسط عن حذيفة رضي الله عنه قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله، متى يُترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهما سيدا أعمال أهل البر؟ قال: «إذا أصابكم ما أصاب بني إسرائيل» قلت: يا رسول الله، وما أصاب بني إسرائيل؟ قال: «إذا داهن خياركم فُجَّاركم، وصار الفقه في شِراركم، وصار الملك في صغاركم، فعند ذلك تلبسكم فتنة تُكرون، ويُكَر عليكم» . وفيه عمّار بن سيف وثَّقه العِجْلي وغيره وضعَّفه جماعة، وبقية رجاله ثقات وفي بعضهم خلاف، كا قال الهيثمي؛ وأخرجه أيضاً ابن عساكر وابن النجار عن أنس رضي الله عنه وابن أبي الدنيا عن عائشة رضي الله عنه بمعناه، كما في الكنز. (توضيح أبي بكر على المنبر معنى آية: عليكم أنفسكم) وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبدُ بن حُمحيد والعدني وابن منيع والحُميدي وأبو داود والترمذيي - وقال: حسن صحيح -؛ والنَّسائي وابن ماجه وأبو يَعْلى وأبو نُعيم في المعرفة والدارقطني في العلل - وقال:

جميع رواته ثقات -، والبيهقي وسعيد بن منصور وغيرهم عن قيس بن أبي حازم قال: لمَّا ولي أبو بكر رضي الله عنه صعد المنبر فحمد الله ثم قال: يا أيها الناس، إنكم تقرؤون هذه الآية: {يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} (سورة المائدة، الآية: 105) وإنكم تضعونها على غير مواضعها، وإنِّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ الناس إذا رأوا المنكر ولا يغيروه أوشك أن يعمَّهم الله بعقاب» . وعند ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قعد أبو بكر على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم سُمِّي خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه وصلَّى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم مدّ يديه، ثم وضعهما على المجلس الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس عليه من منبره ثم قال: سمعت الحبيب وهو جالس على هذا المجلس يتأوَّل ثم فسَّرها، فكان تفسيره لنا أن قال: «نعم، ليس من قوم عُمل فيهم يمنكر ويُفسد فيهم بقبيح فلم يغيروه ولم ينكروه إلاَّ على الله أن يعمهم بالعقوبة جميعاً، ثم لا يستجاب لهم» ثم أدخل أُصبعيه في أُذنيه فقال: أن لا أكون سمعته من الحبيب فصُمَّت. كذا في كنز العمال. وأخرج البيهقي عن أبي بكر قال: إذا عمل قوم بالمعاصي بين ظهراني قوم هم أعزُّ منهم فلم يغيروه عليهم، أنزل الله عليهم بلاء، ثم لم ينزِعْه منهم. كذا في الكنز.

(أمر عمر وعثمان المسلمين بالأمر والنهي عن المنكر)

(أمر عمر وعثمان المسلمين بالأمر والنهي عن المنكر) وأخرج ابن أبي شيبة وأبو عبيد في الغريب وابن أبي الدنيا في الصمت عن عمر رضي الله عنه قال: ما يمنعكم إذا رأيتم السفية يُخَرِّق أعراض الناس أن لا تُعرِّبوا عليه؟ قالوا: نخاف لسانه، قال: ذاك أدنى أن تكونوا شهداء. كذا في الكنز. وأخرجه ابن أبي شيبة عن عثمان رضي الله عنه قال: مُروا بالمعروف وانهَوا عن المنكر قبل أن يُسلَّط عليكم شراركم، ويدعوا عليهم خياركم فلا يستجاب لهم. كذا في الكنز. (ترغيب علي في الأمر بالمعروف وترهيبه من ترك النهي عن المنكر) وأخرج ابن أبي شيبة عن علي رضي الله عنه قال: لتأمرنَّ بالمعروف ولَتَنْهُونَّ عن المنكر، ولتجِدُّنَّ في أمر الله، أو ليسومّنكُم أقوام يعذبونكم ويعذبهم الله. وعند الحارث قال: لتأمرنَّ بالمعروف ولتنهونَّ عن المنكر، أو ليُسلَطنَّ عليكم شراركم، ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم. وعند ابن أبي حاتم عنه قال في خطبته: أيها الناس، إنَّما هلك من

هلك قبلكم بركوبهم المعاصي ولم يتنههم الربانيون والأحبار، كما تمادَوا في المعاصي ولم تنههم الربانيون والأحبار أخذتم العقوبات، فمُروا بالمعروف وانهَوا عن المنكر قبل أن ينزل بكم مثل الذي نزل بهم، واعلموا أنَّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقطع رزقاً ولا يقرِّب أجلاً. كذا في الكنز. وأخرج مسدَّد والبيهقي - وصححه - عن علي قال: الجهاد ثلاثة: جهاد بيد، وجهاد بلسان، وجهاد بقلب؛ فأول ما يُغلب عليه من الجهاد جهاد اليد ثم جهاد اللسان، ثم جهاد القلب، فإذا كان القلب لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً نُكِّس وجعل أعلاه أسفله. وعند ابن أبي شيبة وأبي نُعيم ونصر في الحجّة عن علي قال: أولى ما تُغلبون عليه من الجهاد الجهاد بأيديكم، ثم الجهاد بقلوبكم، فأي قلب لم يعرف المعروف ولم ينكر نُكِّس أعلاه أسفله كما ينكس الجراب فينثر ما فيه. كذا في الكنز. (أقوال عبد الله بن مسعود في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وأخرجه الطبراني عن طارق بن شهاب قال: جاء عِتريس بن عرقوب الشيباني إلى عبد الله رضي الله عنه فقال: هلك من لم يأمر بالمعروف وينكر المنكر؛ قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. اهـ. وأخرجه أيضاً أبو نُعيم في الحلية

عن طارق مثله وابن أبي شيبة ونُعيم في الفتن عن ابن مسعود رضي الله عنه نحوه، كما في الكنز. وأخرج الطبراني عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: الناس ثلاثة فما سواهم فلا خير فيه: رجل رأى فئة تقاتل في سبيل الله فجاهد بنفسه وماله، ورجل جاهد بلسانه وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، ورجل عرف الحق بقلبه، قال الهيثمي: وفيه من لم أعرفه. وأخرجه ابن عساكر عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: جاهدوا المنافقين بأيديك، فإن لم تستطيعوا إلا أن تكفهروا في وجوههم فاكفهروا في وجوههم. كذا في الكنز. وأخرجه الطبراني عنه بمعناه، فقال الهيثمي: رواه الطبراني بإسنادَين في أحدهما شَريك وهو حسن الحديث وبقية رجاله رجال الصحيح. انتهى. وأخرج ابن أبي شيبة ونعيم عن ابن مسعود قال: إذا رأيت المنكر فلم تستطع له تغييراً فحسبك أن يعلم الله أنك تكره بقلبك، كذا في الكنز. وعندهما أيضاً عنه قال: إنَّ الرجل يشهد المعصية يُعمل بها فيكرهها فيكون كمن غاب عنها، ويغيب عنها فيرضاها فيكون كمن شهدها.

أقوال حذيفة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

وعند نعيم وابن النجار عنه قال: ستكون أمور فمن رضيها ممَّن غاب عنها كان كمن شهدها، ومن كرهها ممَّن شهدها فهو كمن غاب عنها. كذا في الكنز. وأخرجه أبو نعيم في الحلية معنه قال: يذهب الصالحون أسلافاً ويبقى أهل الرَّيْب من لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً. وأخرجه الطبراني نحوه ورجاله رجال الصحيح، كما قال الهيثمي. (أقوال حذيفة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وأخرج أبو نعيم في الحلية عن أبي الرقَّاد قال: خرجت مع مولاي وأنا غلام، فدُفعت إلى حذيفة رضي الله عنه وهو يقول: إن كان ارجل ليتكلَّم بالكلمة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصير بها منافقاً، وإنِّي لأسمعها من أحدكم في المقعد الواحد أربع مرات، لتأمُرُنَّ بالمعروف، ولتنهُونُ عن المنكر، ولتحضُنَّ على الخير؛ أو ليسحتكم الله جميعاً بعذاب، أو ليؤمرَنّ عليكم شراركم ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لكم. وأخرجه ابن أبي شيبة نحوه، كما في الكنز. وعند أبي نعيم في الحلية عنه قال: لعن الله من ليس منَّا، والله لتأمُرُن بالمعروف، ولتناهَوْن عن المنكر، أو لتقتتلن بينكم، فليظهرنَّ شراركم على خياركم، فليقتُلُنَّهم حتى لا يبقى أحد يأمر بالمعروف ولا ينهَى عن

المنكر، ثم تدعون الله عز وجل فلا يجيبكم بمقتكم. وعنده أيضاً عنه قال: ليأتينَّ عليكم زمان خيركم فيه من لم يأمر بمعروف وينه عن منكر. وأخرجه ابن أبي شيبة عنه نحوه، كما في الكنز. وأخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه نحوه، كما في الكنز. (قول عدي وأبي الدرداء في هذا الأمر) وأخرج ابن عساكر عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: إن معروفكم اليوم منكر زمان قد مضى، وإن منكركم اليوم معروف زمان يأتي، وإنكم لن تبرحوا بخير ما دمتم تعرفون ما كنتم تنكرون، ولا تنكرون ما كنتم تعرفون، وما قام عالمكم يتكلم بينكم غير مستخفٍ، كذا في الكنز. وأخرج ابن عساكر عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: إني لآمركم بالمعروف وما أفعله، ولكني أرجو من الله أن أوجر عليه، كذا في الكنز. وأخرجه أبو نعيم في الحلية عنه نحوه. (نهي عمر أهله عن المنكر الذي كان ينهي الناس عنه وقوله في هشام بن حكيم) وأخرج ابن سعد وابن عساكر عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان عمر إذا أراد أن ينهى الناس عن شيء تقدَّم إلى أهله (فقال) لا أعلمنَّ أحداً وقع في شيء ممجا نهيت عنه إلاّ أضعفت له القعوبة. كذا في الكنز.

تخوف أبي بكرة أن يدرك زمانا ليس فيه أمر بالمعروف ونهي عن المنكر

وأخرج مالك وابن سعد عن ابن شها قال: كان هشام بن حكيم بن حزام رضي الله عنهما يأمر بالمعروف في رجال معه، فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: أمَّا ما عشت أنا وهشام فلا يكون هذا، كذا في الكنز. (وصية عمير بن حبيب لولده) وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي جعفر الخَطْمي أن جده عمير بن حبيب بن خُماشة رضي الله عنه - وكان قد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم عند احتلامه - أوصى ولده فقال: يا بني إياك ومجالسة السفهاء فإن مجالستهم داء، ومن يحلم عن السفيه يُسرَّ، ومن يجبه يندم، ومن لايرضى بالقليل ممّا يأتي به السفيه يرضى بالكثير، وإذا كان أراد أحدكم أن يأمر بالمعروف أو ينهى عن المنكر فليوطِّن نفسه على الصبر على الأذى ويثق بالثواب من الله تعالى، فإنه من وثق بالثواب من الله عز وجل لم يضره مس الأذى. ورجاله ثقات، كما قال الهيثمي. وأخرجه أيضاً أبو نعيم وأحمد في كتاب الزهد، كما في الإصابة. (تخوف أبي بَكْرة أن يدرك زماناً ليس فيه أمر بالمعروف ونهي عن المنكر) وأخرج الطبراني عن عبد العزيز بن أبي بَكْرة أن أبا بَكحرة رضي الله عنه تزوج امرأة من بني غُدانة، وأنها هلكت فحملها إلى المقابر، فحال إخوتها بينه وبين الصلاة، فقال لهم: لا تفعلوا فإني أحق بالصلاة منكم، قالوا: صدق صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلَّى عليها، ثم إنه دخل القبر فدفعوه دفعاً عنيفاً فوقع فغُشي عليه، فحُمل إلى أهله فصرخ عليه يومئذ عشرون من ابن وبنت له - قال عبد العزيز: وأنا يومئذ من أصغرهم -، فأفاق إفاقة فقال: لا تصرخوا عليَّ، فوالله

ما من نفس تخرج أحب إليَّ من نفس أبي بَكْرة، ففزع القوم فقالوا: لم يا أبانا؟ قال: إني أخشى أن أدرك زماناً لا أستطيع أن آمر بالمعروف ولا أنهي عن منكر، ولا خير يومئذ. ورجاله ثقات، كما قال الهيثمي. (إعراض أنس وابن عمر عن نهي الحجّاج عن المنكر خشية الأذى) وأخرج الطبراني عن علي بن زيد قال: كنت في القصر مع الحجّاج وهو يعرض الناس من أجل الأشعث، فجاء أنس بن مالك رضي الله عنه حتى دنا، فقال له الحجاج: هيه يا خِبْثة، يا جوالُ في الفتن. مرة مع علي بن أبي طالب، (ومرة مع ابن الزبير) ، ومرة مع ابن الأشعث، أما والذي نفسي بيده لأستأصلنَّك كما تُستأصل الصمغة، ولأجردنَّك كما يجرد الضب. فقال: من يعني الأمير - أصلحه الله؟ - قال الحجاج: إياك أعني - أصمَّ الله سمعك -، فاسترجع فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، ثم خرج من عنده فقال: لولا أنِّي ذكرت ولدي فخشيته عليهم لكلمته في مقامي بكلام لا يستحييني بعده أبداً. قال الهيثمي: وعلي ابن زيد ضعيف وقد وثَّق. اهـ. وأخرج البزار عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت الحجاج يخطب، فذكر كلاماً أنكرته، فأردت أن أغيِّر فذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا ينبغي للمؤمن أن يذلَّ نفسه» ، قال قلت: يا رسول الله كيف يذلّ نفسه؟ قال: «يتعرّض من البلاء لما لا يُطيق» . قال الهيثمي: رواه البزار والطبراني في الأوسط والكبير باختصار، وإسناد الطبراني في الكبير جيّد ورجاله رجال

العزلة

الصحيح غير زكريا بن يحيى بن أيوب الضرير ذكره الخطيب، روى عن جماعته وروى عنه جماعة ولميتكلم فيه أحد. اهـ. العزلة (قول عمر رضي الله عنه في العزلة) أخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وابن أبي الدنيا في العزلة عن عمر رضي الله عنه قال: إن في العزلة لراحة من خلاط السوء. وعند أحدم فيه وابن حبان في الروضة والعسكري في المواعظ عن عمر قال: خذوا بحظكم من العزلة. كذا في الكنز. وأخرجه ابن المبارك فيكتاب الرقائق عن عمر نحوه، كما في فتح الباري. وأخرجه الدينوري عن المعافى بن عمران أنَّ عمر بن الخطاب مرَّ بقوم يتبعون رجلاً قد أُخذ في الله فقال: لا مرحباً الوجوه التي لا تُرى إلا في الشر. كذا في الكنز. (قول ابن مسعود في العزلة ووصيته لرجل ولابنه بها) وأخرج الطبراني عن عَدَسة الطائي قال: كنت بسراف، فنزل علينا عبد الله رضي الله عنه، فبعثني إليه أهلي بأشياء، وجاء غِلمة لنا كانوا في

الإبل من مسيرة أربع ليالي بطير فذهبت بهإليه، فلما ذهبت به إليه سألني: من أين جئتني بهذا الطائر؟ قال: قلت: جاء غلمان لنا كانوا في الألإبل من مسيرة أربع ليال، فقال عبد الله: لوددت أني حيث صِيد لا أكلم أحداً بشيء ولا يكلمني حتى ألحق بالله عز وجل. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير عَدَسة الطائي وهو ثقة. وأخرجه ابن عساكر بمعناه مختصراً عن ابن مسعود كما في الكنز، وعند أبي نُعيم في الحلية عن القاسم قال: قال رجل لعبد الله: أوصني (يا أبا عبد الرحمن) قال: ليسعْك بيتك، واكفف لسانك، وابك على ذكر خطيئتك. وعند الطبراني عن إسماعيل ابن أبي خالد قال: أوصى ابن مسعود أبا عبيدة بثلاث كلمات: أي بني، أوصيك بتقوى الله، وليسعْك بيتك، وابك على خطيئتك. قال الهيثمي: رواه الطبراني بإسنادين ورجال أحدهما رجال الصحيح. انتهى. (رغبة حذيفة وابن عباس وأبي الجهم وأبي الدرداء في العزلة) وأخرج الحاكم عن حذيفة رضي الله عنه قال: لوددت أن لي من يصلح من مالي، فأغلق بابي فلا يدخل عليَّ أحد ولا أخرج إليهم حتى ألحق بالله، كذا في الكنز وأخرجه أبو نعيم في الحلية عنه نحوه.

وأخرج ابن أبي الدنيا في العزلة عن مالك عن رجل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لولا مخافة الوسواس دخلت إلى بلاد لا أنيس بها، وهل يفسد الناسَ إلا الناس، كذا في الكنز. وأخرجه ابن أبي الدنيا في العزلة عن مالك قال: سمعت يحيى بن سعيد قال: كان أبو الجهم (ابن) الحارث بن الصِّمَّة رضي الله عنه لا يجالس الأنصار، فإذا ذُكرت له الوحدة قال: الناس شرٌّ من الوحدة، كذا في الكنز. وأخرج ابن عساكر عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: نعم صمومعة الرجل السملم بيته، يكف فيه نفسه وبصره وفرجه، وإياكم والمجالس في السوق؛ فإنها تُلهي وتُلغي. كذا في الكنز. (عزلة معاذ بن جبل رضي الله عنه) وأخرج الطبراني عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه مرَّ بمعاذ ابن جبل رضي الله عنه وهو قائم على بابه يشير بيده كأنه يحدِّث نفس، فقال له عبد الله بن عمور: ما شأنك يا أبا عبد الرحمن تحدِّث نفسك؟ قال: ما لي يريد عدوُ الله أن يُلفتني عما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تكابد دهرك في بتيك؟ ألاَ تخرج إلى المجلس؟ وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من خرج في سبيل الله كان ضامناً على الله، ومن عاد مريضاً كان ضامناً على الله عز

وجل، ومن غدا إلى المسجد، أو راح كان ضامناً على الله عز وجل، ومن دخل على إمام يُعزِّره كان ضامناً على الله عز وجل، ومن جلس في بيته لم يغتب أحداً بسوء كان ضامناً على الله عز وجل» ، فيريد أن يخرجني عدو الله من بيتي إلى المجلس. قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط والكبير بنحوه باختصار والبزار أحمد رجال الصحيح غير ابن لَهيعة وحديثه حسن على ضعفه. اهـ. القناعة (ترغيب عمر رضي الله عنه في القناعة) أخرج ابن المبارك عن عبد الله بن عبيد قال: رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه على الأحنف رضي الله عنه قميصاً، فقال: يا أحنف بكم أخذت قميصك هذا؟ قال: أخذته باثني عشر درهماً، قال: ويحك ألا كان بستة دراهم وكان فضله فيما تعلم؟ كذا في الكنز. وأخرجه ابن أبي حاتم عن الحسن البصري قال: كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: اقنع بروحك في الدنيا، فإن الرحمن فضَّل بعض عباده على بعض في الرزق، بل يبتلي به كلاً، فيبتلي به من بسط له كيف شُكْره فيه، وشكره الله أداؤه الحق الذي افترض عليه فيما رزقه وخوَّله؛ كذا في الكنز.

قناعة علي ووصيته ووصية سعد بها

قناعة علي ووصيته ووصية سعد بها وأخرج العسكري عن أبي جعفر قال: أكل علي رضي الله عنه من تمرٍ دَقَل، ثم شرب عليه الماء، ثم ضرب على بطنه وقال: من أدخله بطنه النار فأبعده الله، ثم تمثل: فإنك مهما تعطِ بطنَك سُؤلَه وفرجَك نالا منتهى الذمِّ أجمعا طالب: يا ابن آدم لا تعجِّل همَّ يومك الذي يأتي على يومك الذي أنت فيه، فإن لم يكن من أجلك يأت فيه رزقك، واعلم أنك لا تكتسب من المال فوق قوتك إلا كنت فيه خازناً لغيرك. كذا في الكنز. وأخرج ابن عساكر عن سعد رضي الله عنه أنه قال لابنه: يا بنيّ إذا طلبت الغناء فاطلبه بالقناعة، فإنه من لم يكن له قناعة لم يغنِه مال. كذا في الكنز. هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في النكاح نكاح النبي صلى الله عليه وسلم بخديجة رضي الله عنها أخرج الطبراني عن جابر بن سَمُرة رضي الله عنه - أو رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يرعَى غنماً فاستعلى الغنم، فكان في الأبل وهو شريك له، فأكريا أخت خديجة، فلما قضَوا السفر بقي لهم عليها شيء،

فجعل شريكهم يأتيها فيتقاضاهم وهو يقول لمحمد: انطلق، فيقول: «اذهب أنت فإني أستحيي» ، فقالت مرة - وأتاهم -: فأين محمد؟ قال: قد قلت له فزعم أنه يستحيي، فقالت: ما رأيت رجلاً أشدّ حياء ولا أعفّ ولا ولا، فوقع في نفس أختها خديجة، فبعث إليه فقالت: ائت أبي فاخطبني، قال: «أبوك رجل كثير المال وهو لا يفعل» ، قالت: انطلق فالقَه فكلِّمه، فأنا اكفيك وائت عند سُكحرة ففعل، فأتاه فزوجه، فلما أصبح جلس في المجلس فقيل له: أحسنت زوَّجت محمداً، فقال: أو قد فعلت؟ قالوا: نعم، فقام فدخل عليها فقال: إنَّ الناس يقولون: إني قد زوَّجت محمداً، قالت: بلى، فلا تسفهنَّ رأيك فإن محمداً كذا، فلم تزل به حتى رضي، ثم بعثت إلى محمد صلى الله عليه وسلم بأوقيتين من فضة أو ذهب وقلت: اشتر حلَّة واهدها لي وكبشاً وكذا وكذا، ففعل. قال الهيثمي: رواه الطبراني والبزّار ورجال الطبراني رجال الصحيح غيرأبي خالد الوالبي وهو ثقة، ورجال البزّار أيضاً إلاَّ أن شيخه أحمد بن يحيى الصوفي ثقة ولكنه ليس من رجال الصحيح، وقال فيه: قالت: وأته غير مكره - بدل: سكره، وقالت في الحلّة: فأهدها إليه - بدل إليَّ. انتهى. وعند أحمد والطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما - فيما يحسب حمّاد - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر خديجة وكان أبوها يرغب عن أن يزوجه، فصنعت طعاماً وشراباً فدعت أباها ونفراً من قريش فطعموا وشربوا حتى ثملوا،

فقالت خديجة: إن محمد بن عبد الله يخطبني فزوجني إياه، فزوجها إياه فخلَّقته وألبسته حلة - وكذلك كانوا يفعلون بالآباء - فلَّما سُرِّي عنه سكره نظر فإذا هو مخلَّق وعليه حلَّة، فقال: ما شأني؟ ما هذا؟ قالت: زوجتني محمد بن عبد الله، فقال: أنا أزوج يتيم أبي طالب؟ لا لعمري قالت خديجة: ألا تستحيي؟ تريد أن تسفِّه نفسك عند قريش تخبر الناس أنك كنت سكران؟ فلم تزل به حتى رضي. ورجالهما رجال الصحيح، كما قال الهيثمي. وعند ابن سعد عن نفيسة قالت: كانت خديجة بنت خويلد امرأة حازمة جَلْدة شريفة؛ مع ما أراد الله بها من الكرامة والخير، وهي يومئذ أوسط قريش نسباً، وأعظمهم شرفاً، وأكثرهم مالاً، وكلُّ قومها كان حريصاً على نكاحها لو قدر على ذلك، قد طلبوها وبذلوا لها الأموال، فأرسلتني دَسِيساً، إلى محمد بعد أن رجع في عيرها من الشام، فقلت: يا محمد، ما يمنعك أن تَزَوَّجَ؟ فقال: «ما بيدي ما أتزوَّج به» ، قلت: فإن كفيت ذلك ودُعيت إلى الجمال والمال والشرف والكفاءة ألا تجيب؟ قال: «فمن هي؟» قلت: خديجة، قال: «وكيف لي بذلك؟» قالت: قلت: عليَّ، قال: «فأنا أفعل» ، فذهبت فأخبرتها، فأرسلت إليه أنِ ائتِ الساعة كذا وكذا، وأرسلت إلى عمها عمرو بن أسد ليزوِّجها، فحضر ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمومته فزوجه أحدهم، فقال

عمرو بن أسد: هذا البُضْع لا يقرع أنفه وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وعشرين وخديجة يومئذ بنت أربعين سنة؛ ولدت قبل الفيل بخمس عشرة سنة. (نكاحه صلى الله عليه وسلم لعائشة وسودة رضي الله عنهما) أخرج الطبراني عن عائشة رضي الله عنها قالت: لمَّا توفيت خديجة رضي الله عنها قالت خولة بنت حكيم بن الأوقص رضي الله عنها - امرأة عثمان بن مظعون رضي الله عنه وذلك بمكة -: يا رسول الله ألا تَزَوَّج؟ قال: «من؟» قالت: إن شئت بكراً وإن شئت ثيِّباًد، قال: «فمن البكر؟» قالت: ابنة أحب خلق الله إليك عائشة بنت أبي بكر قال: «فمن الكر؟» قالت: ابنة أحب خلق الله إليك عائشة بنت أبي بكر قال: «فمن الثيب؟» قالت: سَوْدة بنت زَمْعة، آمنت بك، واتبعتك على ما أنت عليه، قال: «فاذهبي فاذكريها عليَّ» فجاءت فدخلت بيت أبي بكر فوجدت أم رومان أم عائشة رضي الله عنهما، فقالت: يا أم رومان ماذا أدخل الله عليكم من الخير والبكرة؟ أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطب عليه عائشة، قلت: وددت، انتظري أبا بكر فإنه آتٍ، فجاء أبو بكر فقالت: يا أبا بكر ماذا أدخل الله عليكم من الخير والبركة؟ أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطب عليه عائشة، فقال: هل تصلح له؟ إنما هي بنت أخيه، فرجعتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرتُ ذلك له فقال: «ارجعي إليه فقولي بنت أخيه، فرجعتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرتُ ذلك له فقال: «ارجعي إليه فقولي بنت أخيه، فرجعتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرتُ ذلك له فقال: «ارجعي إليه فقولي له: أنت أخي في الإسلام وأنا أخوك وابنتك تصلح لي» ، فأتتْ أبا بكر فقال: ادعي لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء فأنكحه. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير محمد بن عمرو بن علقمة وهو حسن الحديث، وأخرجه أحمد عن أبي سلمة

ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قالا: لما هلكت خديجة - فذكر الحديث بمعناه وزاد في آخره قال: «راجعي فقولي له: أنا أخوك وأنت أخي في الإسلام، وابنتك تصلح لي» ، فرجعت فذكرت ذلك له فقال: انتظري وخرج، قالت أم رومان: إنَّ مُطْعِم بن عديّ كان قد ذكرها على ابنه (جبير ووعده) فوالله ما وعد وعداً قطُّ فأخلفه - أبي بكر -، فدخل أبو بكر على مُطْعِم بن عديّ، فخرج من عنده وقد أذهب الله ما كان في نفسه من عِدته التي وعد، فقال لخولة: ادعي لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعته، فزوَّجها إياه وعائشة رضي الله عنها يومئذ بنت ست سنين. ثم خرجت فدخلت علي سَوْدة بنت زَمْعة، فقالت: ماذا أدخل الله عليك من الخير والبركة؟ قالت: وما ذاك؟ قالت: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطبك عليه، قالت: وددتُ، ادخلي على أبي فاذكري ذلك له - وكان شيخاً كبيراً قد أدركته السن قد تخلَّف عن الحج -، فدخلت عليه فحيته بتحية الجاهلية، فقال: من هذه؟ فقالت: خولة ابنة حكيم، قال: فما شأنك؟ قالت: أرسلني محمد بن عبد الله أخطب عليه سودة، فقال: كفء كريم، فماذا تقول صاحبتك؟ قالت: تحب ذلك، قال: ادعيه لي، فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوَّجها إياه، فجاء أخوها عبد بن زَمْعة من الحج فجعل يحثي في رأسه التراب، فقال بعد أن أسلم؛ لعمري إني لسفيه يوم أحثي في رأسي التراب أن تَزَوَّج رسول الله صلى الله عليه وسلم سودة بنت زمعة قالت عائشة: فقدمنا المدينة فنزلنا في بني الحارث بن الخزرج

نكاحه صلى الله عليه وسلم بحفصة بنت عمر رضي الله عنهما

بالسُّنُح، قالت: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل بيتنا، فجاءت بي أُمي وأنا في أُرجوحة ترجح بي بين عَذقين، فأنزلتني من الأرجوحة ولي جُمَيمة ففرَّقتها، ومسحت وجهي بشيء من ماء، ثم أقبلت تقودني حتى وقفت عند البابو إني لأنهج حتى سكن من نفسي، ثم دخلت بي فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على سرير في بيتنا وعنده رجال ونساء من الأنصار، فاحتبستني في حجرة ثم قالت: هؤلاء أهلك فبارك الله لك فيهم وبارك لهم فيك، فوثب الرجال والنساء فخرجوا، وبنى بي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتنا، ما نُحرت عليَّ جزور ولا ذُبحت عليَّ شاة؛ حتى أرسل إلينا سعد بن عبادة رضي الله عنه بجفنة كانَ يرسل بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دار إلى نسائه، وأنا يومئذ ابنة سبع سنين. قال الهيثمي: رواه أحمد، بعضُه صرّح فيه بالاتصال عن عائشة، وأكثره مرسل، وفيه محمد بن عمرو بن علقمة وثّقه غير واحد، وبقية رجاله رجال الصحيح، وفي الصحيح طرف منه. انتهى. (نكاحه صلى الله عليه وسلم بحفصة بنت عمر رضي الله عنهما) أخرج البخاري والنِّسائي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر رضي الله عنه حين تأيَّمت حفصة من خُنَيس بن حذافة السهمي - وكان شهد بدراً وتوفي بالمدينة - لقي عثمان رضي الله عنه فقال: إن شئتَ أنكحتك حفصة، قال: سأنظر في أمري، فلبث ليالي فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج، قال عمر:

فقلت لأبي بكر رضي الله عنه: إن شئت أنكحتك حفصة، فصمت، فكنت عليه أوجد مني على عثمان، فلبث ليالي، ثم خطبها النبي صلى الله عليه وسلم فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر فقال: لعلك وَجحدت عليَّ حين عرضت عليَّ حفصة فلم أرجع إليك شيئاً. قلت: نعم، قال: إنه لم يمنعني أن أرجع إليك إلاَّ أنِّي علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكرها، فلم أكن لأفشي سرّه، ولو تركها لقبلتها. كذا في جمع الفوائد. وأخرجه أيضاً أحمد والبيهقي وأبو يَعْلى وابن حِبّان وزاد: قال عمر: فشكوت عثمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «تُزوج حفصة خيراً من عثمان، ويُزوج عثمان خيراً من حفصة» ، فزوّجه النبي صلى الله عليه وسلم ابنته. كذا في منتخب الكنز. (نكاح صلى الله عليه وسلم بأم سَلَمة بنت أبي أمية رضي الله عنها) أخرج النِّسائي بسند صحيح عن أمِّ سلمة قالت: لما نقضتِ عِدَّة أم سَلَمة خطبها أبو بكر رضي الله عنه فلم تتزوجه، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم (من) يخطبها عليه، فقالت: أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أني امرأة غَيْري، وأني امرأة مُصْبِية، وليس أحد من أوليائي شاهداً، فقال: «قل لها: أما قولك: غَيْري. فسأدعو الله فتذهب غَيْرتك، وأما قولك: إني امرأة مصبية، فستُكْفَين صبيانك، وأما قولك: ليس أحد من أوليائي شاهداً، فليس أحد من أوليائك شاهد أو غائب يكره ذلك» ، فقالت لابنها عمر رضي الله عنه: قُمْ فزوَّج رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوَّجه كذا في

الإصبة وجمع الفوائد. وعند ابن عساكر عن أم سَلَمة أنَّها لمصا قدمت المدينة أخبرتم أنها ابنة أبي أمية بن المغيرة، فكذَّبوها، حتى أنشأ أناس منهم الحج، فقالوا: تكتبي إلى أهلك، فكتبت معهم فرجعوا إلى المدينة يصدِّقونها، فازدادت عليهم كرامة. قالت: فلَّما وضعتُ زينب جاءني النبي صلى الله عليه وسلم فخطبني، فقلت: مثل تُنْكح؟ أما أنا فلا ولد فيَّ، وأنا غيور ذات عيال، قال: «أنا أكبر منك، وأما الغَيْرة فيذهبها الله، وأما العيال فإلى الله وإلى رسوله» ، فتزوَّجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يأتيها فيقول: «أين زَناب؟» حتى جاء عمّار فاختلجها، فقال: هذه تمنع رسول الله (حاجته) - وكانت ترضعها - فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أين زَناب؟» فقالت قرِيبة بنت أبي أميّة: - وافقها عندها - أخذها ابن ياسر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «إني آتيكم الليلة» ، فوضعتُ ثِفالي فأخرجتُ حبات من شعير كانت في جرتي، وأخرجت شحماً فعضدت له، فبات ثم أصبح فقال حين أصبح: «إنَّ لكِ على أهلك كرامة، إن شئت سبَّعتُ لك، وإن أسبِّع لكِ أسبع لنسائي» . كذا في الكنز. وأخرجه النِّسائي بسند صحيح عن أم

سلمة نحوه، كما في الإصابة. وأخرجه ابن سعد عن أم سَلَمة نحوه (نكاحه صلى الله عليه وسلم بأم حبيبة بنت أبي سفيان رضي الله عنهما) أخرج الزبير بن بكار عن إسماعيل بن عمرو أنَّ أم حبيبة بنت أبي سفيان قالت: ما شعرت وأنا بأرض الحبشة إلا برسول النجاشي - جارية يقال لها أبرهة، كانت تقوم على ثيابه ودُهنه - فاستأذنت عليَّ فأذنت لها، فقالت: إن الملك يقول لك: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إليَّ أن أزوجكِهِ، فقلت: بشَّرك الله بالخير، وقالت: يقول لك الملك. وكِّلي مَنْ يزوجك، قالتْ: فأرسلتُ إلى خالد بن سعيد بن العاص رضي الله عنه فوكلته، وأعطيت أبرهةَ سوارَين من فضَّة، وخَدَمتين من فضة كانتا عليَّ، أمر النجاشي جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ومن كان هناك من المسلمين أن يحضروا، وخطب النجاشي وقال: الحمد لله الملك القدُّوس المؤمن العزيز الجبار، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وأنه الذي بشر به عيسى بن مريم. أما بعد: فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم طلب أن أزوجه أمَّ حبيبة بنت أبي سفيان، فأجبت إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أصدقها أربعمائة دنانير، ثم سكب الدنانير بين يدي القوم، فتكلم خالد بن سعيد، فقال: الحمد لله أحمده وأستغفره،

وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، أما بعد: فقد أجبت إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوَّجته أم حبيبة بنت أبي سفيان، فبرك الله لرسول الله، ودفع النجاشي الدنانير إلى خالد بن سعيد فقبضها، ثم أرادوا أن يقوموا فقال: اجلسوا فإنَّ من سنة الأنبياء إذا تزوجوا أن يُؤكل طعام على التزويج، فدعا بطعام فأكلوا ثم تفرقوا. كذا في البداية. وأخرجه الحاكم عن إسماعيل بن عمرو بن سعيد بن العاص قال: قالت أم حبيبة: رأيت في المنام كأن عبيد الله بن جحش زوجي بأسوا صورة وأشوهه، ففزعت فقلت: تغيّرت - والله - حاله، فإذا هو يقول حين أصبح: يا أمَّ حبيبة، إني نظرت في الدين فلم أر ديناً خيراً من النصرانية، وكنت قد دِنْتُ بها، ثم دخلت في دين محمد، ثم رجعت إلى النصرانية، فقلت: والله ما خير لك وأخبرته بالرؤيا التي رأيت له فلم يحفل بها، وأكبَّ عل الخمر حتى مات، فأرى في النوم كأن آتياً يقول لي: يا أمَّ المؤمنين، ففزعت وأوَّلتها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتزوجني، قال: فما هو إلاَّ أن انقضت عِدَّتي، فما شعرت إلا برسول النجاشي - فذكر الحديث نحوه، وزاد في آخره بعد قوله: فأكلوا ثم تفرقوا، قالت أم حبيبة: فلما وصل إليَّ المال أرسلت أبرهة التي بشَّرتني فقلت لها: إني أعطيتك ما أعطيتك يومئذ ولا مال بيدي وهذه خمسون مثقالاً فخذيها فاستعيني بها، فأخرجت إليَّ حُقَّة فيها جميع ما أعطيتها فردّته إليَّ وقالت: عزم عليَّ الملك أن لا أرزأك شيئاً وأنا التي أقوم على ثيابه ودُهنه، وقد اتّبعتُ دين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلمت لله، وقد أمر الملك نساءه أن يبعثن بكل ما عندهن من العطر. فلما كان الغد جاءتني بعُود ووَرْس وعنبر

وزَباد كثير، وقدمت بذلك كلِّه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يراه عليَّ وعندي فلا ينكر، ثم قالت أبرهة: فحاجتي إليك أن تقرئي رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام وتعليمه أنِّي قد اتَّبعت دينه. قالت: ثم لطفت بي وكانت هي التي جهَّزتني، وكانت كلما دخلت عليَّ تقول: لا تنسَيْ حاجتي إليك. قالت: فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته كيف كانت الخِطبة، وما فعلت بي أبرهة، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقرأتُه منها السلام، فقال: «وعليها السلام ورحمة الله وبركاته» . وأخرجه ابن سعد عن إسماعيل بن عمرو بن سعيد الأموي بمعناه (نكاحه صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش رضي الله عنها) أخرج أحمد عن أنس رضي الله عنه قال: لمَّا انقضت عِدَّة زينب رضي الله عنها قال النبي صلى الله عليه وسلم لزيد رضي الله عنه: «اذهب فاذكرها عليَّ» ، فانطلق حتى أتاها وهي تخمِّر عجينها، قال: فلَّما رأيتها عَظُمت في صدري حتى ما أستطيع أن أنظر إليها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها، فولَّيتها ظهري ونكصت على عقبي، وقلت: يا زينب أبشري، أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرك، قالت: ما أنا بصانعة شيئاً حتى أوامر ربي عز وجل، ثم قامت إلى مسجدها، ونزل القرآن، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليها بغير إذن، قال أنس: ولقد رأيتنا حين دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم أطعمنا عليها الخبز واللحم، فخجر الناس وبقي رجال يتحدثون في البيت بعد الطعام، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم واتّبعته، فجعل يتبع حُجَر نسائه يسلَّم عليهن ويقلن: يا رسول الله كيف وجدت أهلك؟ فما أدري أنا أخبرته - والقوم قد خرجوا - أو أُخبر قال: فانطلق حتى دخل البيت فذهبت أدخل معه، فألقَى الستر بيني وبينه ونزل الحجاب، ووعُظ

القوم بما وعظوا به {لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النَّبِىّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ} (سورة الأحزاب: الآية: 53) - الآية -. وكذا رواه مسلم والنسائي. وعند البخاري عنه قال: بُنيَ على النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش بخبز ولحم، فأرسلتُ على الطعام داعياً، فيجيء قوم فيأكلون ويخرجوون، ثم يجيء قوم فيأكلون ويخرجون فدعوتُ حتى ما أجد أحداً أدعوه، فقلت: يا نبي الله ما أجد أحداً أدعوه، قال: «ارفعوا طعامكم» وبقي ثلاثة رهط يتحدثون في البيت، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق إلى حجرة عائشة رضي الله عنها فقال: «السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته» ، قالت: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، كيف وجدت أهلك؟ بارك الله لك، فتقرَّى حُجَر نسائه كلهن، ويقول لهن كما يقول لعائشة ويقلن له كما قالت عائشة، ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم فإذا رهط ثلاثة في البيت يتحدثون - وكان النبي صلى الله عليه وسلم شديد الحياء - فخرج منطلقاً نحو حجرة عائشة، فما أدري أخبرته أو أُخبر أن القوم خرجوا، فرجع حتى إذا وضع رجله في أُسكفّة الباب (داخلة) وأخرى خارجة أرخى الستر بيني وبينه وأنزلت آية الحجاب. وعند أبي حاتم عنه قال: أعرس رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض نسائه، فصنعت أمُّ سُلَيم رضي الله عنها حَيْساً ثم حطَّته في تَوْر، فقالت: اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره أن هذا منَّا له قليل - قال أنس: والناس يومئذ في

جَهْد -، فجئت به فقلت: يا رسول الله بعثت بهذا أم سُلَيم إليك، وهي تُقرئك السلام وتقول لك: إنَّ هذا منَّا له قليل، فنظر إليه ثم قال: «ضعه في ناحية البيت» ثم قال: «اذهب فادع لي فلاناً وفلاناً» ، فسمَّى رجالاً كثيراً، قال: «ومن لقيت من المسلمين» فدعوت من قال لي ومن لقيت من المسلمين، فجئت وابيت والصُّفَّة والحُجْرة ملاءٌ من الناس - فقلت: يا أبا عثمان كم كانوا؟ قال: كانوا زهاء ثلاثمائة -. قال أنس: فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم «جىء» فجئت به إيه، فوضع يده عليه ودعا وقال ما شاء الله، ثم قال: «ليتحلَّق عشرة عشرة، وليسمُّوا، وليأكل كل إنسان مما يليه» ، فجعلوا يسمُّون ويأكلون حتى أكلوا كلهم. فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم «ارفعه» قال: فجئت فأخذت التور فنظرت فيه فلا أدري أهو حين وضعته أكثر أم حين رفعته قال: وتخلّف رجال يتحدّثون في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجُ رسول الله صلى الله عليه وسلم التي دخل به معهم مولية وجهها إلى الحائط، فأطالوا الحديث، فشقُّوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أشد الناس حياء، ولو علموا كان ذلك عليهم عزيزاً، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلَّم عى حُجَره وعلى نسائه، فلما رأوه قد جاء ظنُّوا أنهم قد ثقلوا عليه ابتدروا الباب فخرجوا، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أرخى السرت ودخل البيت وأنا في الحجرة، فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته يسيراً، وأنزل الله القرآن، فخرج وهو يقرأ هذه الآية: {يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النَّبِىّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ} - إلى قوله: {إن تبدو شيئا أو تخفوه فإن اكان بكل شيء عليما} (سورة الأحزاب، الآيتان: 53 و54) ، قال أنس: فقرأهنَّ عليَّ قبل الناس وأنا أحْدَثُ الناس بهنَّ عهداً. وقد رواه مسلم والنسائي الترمذي وقال: حسن

صحيح، والبخاري وابن جرير. كذا في البداية. وأخرجه ابن سعد من طرق عن أنس. (نكاحه صلى الله عليه وسلم بصفية بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها) أخرج أبو داود عن أنس رضي الله عنه قال: جُمع السبي - يعني بخيبر - فجاء دِحْية رضي الله عنه فقال: يا رسول الله أعطني جارية من السبي، قال: «اذهب فخذ جارية» فأخذ صفية بنت حُيَي، فجاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله، أعطيت دِحْية - قال يعقوب: صفة بنت حيي سيدة قُرْيظة والنَّضِير ما تصلح إلا لك - قال: «ادعوا بها» ، فلما نظر إليها النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خذ جارية من السبي غيرها» وإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتقها وتزوَّجها. وأخرجه البخاري ومسلم. وعند البخاري عن أنس قال: قدما خيبر، فلما فتح (الله عليه) الحصن ذُكره له جمال صفية بنت حيي بن أخطب، وقد قُتل زوجها وكانت عروساً، فاصطفاها النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه، فخرج بها حتى بلغ بها سدَّ الصهباء حلَّت، فبنى بها رسول

الله صلى الله عليه وسلم ثم صنع حَيْساً في نِطَع صغير ثم قال لي: «آذنْ من حولك» فكانت تلك وليمته على صفيّة، ثم خرجنا إلى المدينة فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يحوِّي لها وراءه بعباءة، ثم يجلس عند بعيره فيضع ركبته وتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب. وعنده أيضاً عنه قال: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بين خيبر والمدينة ثلاث ليال يُبني عليه بصفية، فدعوت المسلمين إلى وليمته وما اكن فيها من خبز (ولا) لحم، وما كان فيها إلا أن أمر بلالاً بالأنطاع فبسطت، فألقى عليها التمر والأقِط والسمن، فقال المسلمون: إحدى أمهات المؤمنين أو ما ملكت يمينه؟ فقالوا: إن حجبها فهي إحدى أهات المؤمنين، وإن لم يحجبها فهي مما ملكت يمينه، فلما ارتحل وطَّأ لها خلفه ومدّ الحجاب. كذا في البداية. وأخرج أحمد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: لما دخلت صفية بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فُسطاطه حضر ناس وحضرت معهم ليكون لي فيها قِسْم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «قوموا عن أمِّكم» ، فلما كان العشاء حضرنا فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلينا من طرف ردائه نحو من مد ونصف من تمر عجوة، فقال: «كُلُوا من وليمة أمكم» قال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، وأخرجه ابنسعد نحوه

وأخرج الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان بعينيّ صفية خُضْرة، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم «ما هذه الخضرة بعينيك؟» قالت: قلت لزوجي: إني رأيت فيما يرى النائم كأن قمراً وقع في حجري فلطمني، وقال: أتريدن مَلِك يثرب؟. قالت: وما كان أبغض إليَّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل أبي وزوجي، فما زال يعتذر إليَّ وقال «يا صفية إن أباك ألَّب عليَّ العرب وفعل وفعل» ، حتى ذهب ذلك من نفسي. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. وأخرج الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفية بات أيوب رضي الله عنه على باب النبي صلى الله عليه وسلم فلما أصبح فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم كبَّر ومع أبي أيوب السيف، فقال: يا رسول الله كانت جارية حديثة عهد بعرس، وكنتَ قتلتَ أباها وأخاها وزوجها فلم آمنها عليك، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له خيراً. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرِّجاه، وقال الذهبي: صحيح. وأخرجه ابن عساكر عن عروة بمعناه أطول منه كما في الكنز. وأخرجه ابن سعد عن ابن عباس رضي الله عنهما أطول منه، وفي روايته: قلت: إن تحركتْ كنت قريباً منك. وأخرج ابن سعد عن عطاء بن يَسَار قال: لما قدمت صفية من خيبر أُنزلت في بيت لحارثة بن النعمان رضي الله عنه، فسمع نساء الأنصار فجئن ينظرن إلى جمالها، وجاءت عائشة رضي الله عنها منتقبة، فلما خرجت خرج

النبي صلى الله عليه وسلم عى إثرها، فقال: «كيف رأيت يا عائشة؟» قالت: رأيت يهودية فقال: «لا تقولي ذلك، فإنها أسلمت وحسن إسلامها» . وعند سعيد بن المسيَّب بسند صحيح قال: قدمت صفية وفي أذنها خُوصة من ذهب، فوهبت منه لفاطمة رضي الله عنها ولنساء معها؛ كذا في الإصابة. نكاح صلى الله عليه وسلم بجويرية بنت الحارث الخزاعية رضي الله عنها) أخرج ابن إسحاق عن عائشة رضي الله عنها قالت: لمّا قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا بني المُصْطلق وقعتْ جُويرية بنت الحارث رضي الله عنها في السهم لثابت بن قيس بن شمّاس أو لابن عم له، فكاتبته على نفسها، وكانت امرأة حلوة مُلاَحة لا يراها أحد إلا أخذت بنَفْسه، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم لتستعينه في كِتابتها، قالت: فوالله ما هو إلا أن رأيتها على باب حُجرتي فكرهتها، وعرفت أنه سيرى منها ما رأيتُ، فدخلتْ عليه فقالت: يا رسول الله أنا جُويرية بنت الحارث بن أبي ضِرار سيد قومه، وقد أصابني من البلاء ما لم يخفَ عليك، فوقعت في السهم لثابت بن قيس بن شماس، فكاتبتُه على نفسي فجئتك أتسعينك على كِتابتي، قال: «فهل لك في خير من ذلك؟» قالت: وما هو يا رسول الله؟ قال: «أقضي عنك كتابتك وأتزوجك» ، قالت: نعم، يا رسول الله قد فعلت. قالت: وخرج الخبر إلى الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تزوَّج جُويرية بنت الحارث، فقال الناس: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلوا ما بأيديهم، قالت: فلقد أُعتق بتزويجه إياها مائة أهل بيت من بني المصطلق، فما أعلم امرأة أعظم بركة على قومها منها. كذا في البداية. وأخرج ابن

سعد عن الواقدي بسند له عن عائشة نحوه ولكن سمّي زوجها صفوان بن مالك، وهكذا أخرجه الحاكم من طريق الواقدي. وأخرج الواقدي عن عروة قال: قالت جويرية بنت الحارث رأيت قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث ليال كأن القمر يسير من يثرب حتى وقع في حِجري، فكرهت أن أُخبر به أحداً من الناس حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سُبينا رجوت الرؤيا، قالت: فأعتقني رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوَّجني، والله ما كلمته في قومي حتى كان المسلمون هم الذين أرسلوهم، وما شعرت إلاَّ بجارية من بنات عمي تخبرني لاخبر فحمدت الله تعالى. كذا في البداية. وأخرجه الحاكم من طريق الواقدي عن حزَام بن هشام عن أبيه نحوه. (نكاح صلى الله عليه وسلم بميمونة بنت الحارث الهلالية رضي الله عنها) أخرج الحاكم عن ابن شهاب قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من العام القابل عامَ الحديبية معتمراً في ذي القعدة سنة سبع وهو الشهر الذي صدّه فيه المشركون عن المسجد الحرام، حتى إذا بلغ يأجُج بعث جعفر بن أبي طالب بين يديه إلى ميمونة بنت الحارث بن حَزْن العامرية فخطبها عليه، فعلت أمرها إلى العباس رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقام النبي صلى الله عليه وسلم بسَرِف بعد ذلك بحين حتى قدمت ميمونة فبنى بها بسَرِف. وقدَّر الله تعالى أن يكون موت ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها بعد ذلك بحين، فتوفيت حيث بنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم

وعنده أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها وأقام بمكة ثلاثاً، فأتاه حُوَيْطب ابن عبد العزَّى في نفر من قريش في اليوم الثالث، فقالوا له: إنَّه قد انقضى أجلك فاخرج عنا، قال: «وما عليكم لو تركتموني فأعرستُ بين أظهركم، فصنعت لكم طعاماً فحضرتموه؟» قالوا: لا حاجة لنا في طعامك فاخرج عنا، فخرج بميونة بنت الحارث رضي الله عنها حتى أعرس بها بسَرِف. قال الحاكم وافقه الذهبي: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرِّجاه. (تزويج النبي صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه) أخرج البيهقي في الدلائل عن علي قال: خُطبت فاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت مولاة لي: هل علمت أن فاطمة قد خُطبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: لا، قالت: فقد خُطبت فما يمنعك أن تأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيزوجك، فقلت: وعندي شيء أتزوج به؟ فقالت: إنك إن جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم زوَّجك، قال: فوالله ما زالت ترجِّيني حتى دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قعدت بين يديه أُفحمت، فوالله ما استطعت أن أتكلَّم جلالة وهيبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما جاء بك ألك حاجة؟» فسكتُّ، فقال: «لعلك جئت تخطب فاطمة» ، فقلت: نعم، فقال: «وهل عندك من شيء تستحلُّها؟» فقلت: لا والله يا رسول الله، فقال: «ما فعلت درع سلحتُكَها؟» - فوالذي نفس علي بيده إنها لحُطَمِيَّة ما قيمتها أربعة دراهم - فقلت: عندي، فقال: «قد زوجتَكَها فابعث إليها بها فاستحلَّها بها» فإنْ كانت لَصَداق فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا في البداية. وأخرجه أيضاً الدَّوْلابي في الذريّة الطاهرة، كما في كنزل العمال.

وأخرج الطبراني عن بُرَيدة رضي الله عنه قال: قال نفر من الأنصار لعلي: عندك فاطمة، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ما حاجة ابن أبي طالب؟» فقال: يا رسول الله ذكرتُ فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «مرحباً وأهلاً» لم يزد عليها، فخرج علي بن أبيطالب على أولئك الرهط من الأنصار ينظترونه فقالوا: ما وراءك؟ قال: ما أدري غير أنه قال لي: «مرحباً وأهلاً» ، قالوا: يكفيك من رسول الله صلى الله عليه وسلم إحداهما، أعطاك الأهل والمرحب، فلما كان بعد ما زوجه قال: «يا علي إنَّه لا بد للعروس من وليمة» ، قال سعد رضي الله عنه: عندي كبش، وجمع له من الأنصار أصْوَعاً من ذرة، فلما كانت ليلة البناء قال: «لا تُحدِث شيئاً حتى تلقاني» فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فتوضأ منه ثم أفرغه على (علي) فقال: «اللهم بارك فيهما وبارك لهما في بنائهما» قال الهيثمي: رواه الطبراني والبزار بنحوه إلا أنه قال: قال نفر من الأنصار لعلي: لو خطبت فاطمة، وقال في آخره «اللهم بارك لهما في شبلَيهما» ورجالهما رجال الصحيح غير عبد الكريم بن سَلِيط ووثَّقه ابن حبان. انتهى. وأخرجه الرُوياني وابن عساكر نحوه، كما في الكنز وفي روايتهما: «اللهمَّ بارك فيهما، وبارك عليهما، وبارك لهما في بنائهما، وبارك في نسلهما» . وأخرجه أيضاً النِّسائي نحوه كما في البداية وفي رواية: «اللهمَّ

بارك لهما في شملهما» - يعني في الجماع. وأخرجه ابن سعد عن بريدة نحوه. لغاية ص 355 تابع وأخرج الطبراني عن أسماء بنت عُمَيس رضي الله عنها قالت: لما أُهديت فاطمة إلى علي بن أبي طالب لم نجد في بيته إلا رَمْلاً مبسوطاً، ووسادة حشوها ليف، وجرّة وكوزاً، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم «إلا تحدثنَّ حدثاً - أو قال: لا تقربنَّ أهلك - حتى آتيك» فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أثَمَّ أخي؟» فقالت أم أيمن رضي الله عنها - وهي أم أسامة بن زيد رضي الله عنهما وكانت حبشية وكانت امرأة صالحة -: يا رسول الله هذا أخوك وزوجته ابنتك؟ - وكان النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين أصحابه وآخى بين علي ونفسه -، قال: «إن ذلك يكون يا أم أيمن» قالت: فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بإناء فيه ماء، ثم قال: ما شاء الله أن يقول، ثم مسح صدر علي وجهه، ثم دعا فاطمة فاقمت إليه فاطمة تعثر في مِرْطها من الحياء، فنصح عليها من ذلك وقال لها ما شاء أن يقول، ثم قال لها؛ «أما إني لم آلُك أن أنكحتك أحبَّ أهلي إليَّ» ، ثم رأى سواداً من وراء الستر أو من وراء الباب، فقال: «من هذا؟» قالت: أسماء، قال: «أسماء بنت عُمَيس؟» قالت: نعم يا رسول الله، قال: «جئت كرامةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم» قالت: نعم، إن الفتاة ليلة يُبنى بها لا بدَّ لها من امرأة تكون قريباً منها، إن عرضت لها حاجة أفضت ذلك إليها، قالت: فدعا لي بدعاء إنه لأوثق عملي عندي، ثم قال لعلي: «دونك أهلك» ثم خرج فولَّى فما زال يدعو لهما حتى تواى في حُجَره. وفي رواية عن أسماء بنت عُميس أيضاً: قالت: كنت في زِفاف فاطمة

رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبحت جاء النبي صلى الله عليه وسلم فضرب الباب، فقامت إليه أم أيمن ففتحت له الباب فقال لها: «يا أم أيمن ادعي لي أخي» فقالت: أخوك هو وتنكحه ابنتك؟ قال: «يا أم أيمن ادعي لي» فسمع النساء صوت النبي صلى الله عليه وسلم فتحسحسن، فجلس في ناحيةٍ، ثم جاء علي فدعا له ثمَّ نضح عليه من الماء، ثم قال: «ادعوا لي فاطمة» فجاءت وهي عرقة أو حزقة من الحياء، فقال: «اسكتي فقد أنكحتك أحب أهلي إليَّ» - فذكر نحوه قال الهيثمي: رواه الطبراني ورجال الرواية الأولى رجال الصحيح. اهـ. ويخرج ابن عساكر عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم حيث زوج فاطمة دعا بماء فمجَّه، ثم أدخله معه فرشَّه في جيبه وبين كتفيه وعوَّذه بقل هو الله أحد والمعوِّذتين. كذا في الكنز. وأخرج أبو يَعْلى وسعيد بن منصور عن عَلْباء بن أحمر قال: قال علي بن أبي طالب: خطبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة، قال: فباع علي درعاً له وبعض ما باع من متاعه فبلغ أربعمائة وثمانين درهماً، قال: وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل ثلثيه في الطيب وثلثاً في الثياب، ومجَّ في جرة من ماء فأمرهم أن يغتسلوا به، وأمرها أن لا تسبقه برضاع ولدها فسبقته برضاع الحسين، وأما في الكنز. وأخرجه ابن سعد عن عَلْباء قصة الطيب والثياب. وأخرج البزار عن جابر رضي الله عنه قال: حضرنا عرس علي رضي

الله عنه وفاطمة رضي الله عنها، فما رأينا عرساً كان أحسن منه، حشونا الفراش - يعني الليف -، وأُتينا بتمر وزبيب فأكلنا، وكان فراشها ليلة عرسها إهاب كبش؛ قال الهيثمي: وفيه عبد الله بن ميمون القدَّاح وهو ضعيف اهـ. وأخرج البيهقي في الدلائل عن علي قال: جهَّز رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة في خميل وقِربة ووسادة أدَم حشوها إذخر. كذا في الكنز. وعند الطبراني عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: لما جهَّز رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة إلى علي رضي الله عنهما بعث معها بخَميل، - قال عطاء: ما الخميل؟ قال: قطيفة - ووسادة من أدَم حوشها ليف، وإذخر وقِربة، كانا يفترشان الخميل ويلتحفان بنصفه؛ قال الهيثمي: وفيه عطاء بن السائب وقد اختلط. (نكاح ربيعة الأسلمي رضي الله عنه) أخرج أحمد والطبراني عن ربيعة الأسلمي قال: كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي: «يا ربيعة ألا تَزَوَّج؟» فقلت: ما أريد أن أتزوَّج، ما عندي ما يقيم المرأة، وما أحب أن يشغلني عنك شيء. فأعرض عني، ثم قال لي الثانية: «يا ربيعة ألا تَزَوَّج» ؟ فقلت: ما أريد أن أتزوَّج، ما عندي ما يقيم المرأة، وما أحب أن يشغلني عنك شيء. فأعرض عني ثم

رجعت إلى نفسي فقلت: والله لرسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم مني بما يصلحني في الدنيا والآخرة، والله لئن قال لي: ألا تزوَّج؟ لأقولنَّ: نعم يا رسول الله، مرني بما شئت، فقال لي: «يا ربيعة ألا تَزَوَّج» ؟ فقلت: بلى، مرني بما شئت، قال: «انطلق إلى آل فلان - حيّ من الأنصار كان فيهم تراخٍ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ فقل لهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلني إليكم يأمركم أن تزوجوني فلانة» - لامرأة منهم -، فذهبت إليهم فقلت لهم: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلني إليكم يأمركم أن تزوِّجني، فقالوا: مرحباً برسول الله وبروسل رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لا يرجع رسولُ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بحاجته، فزوِّجني وألطفوني وما سألوني البيِّنة. فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حزيناً فقلت: يا رسول الله أتيت قوماً كراماً فزوّجوني وأطفوني وما سألوني البيِّنة، وليس عندي صداق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا بُريدة الأسلمي، اجمعوا لي فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اذهب بهذا إليهم فقل لهم: هذا صداقها» ، فأتيتهم فقلت: هذا صداقها، فقبلوه ورضوه وقالوا: كثير طيب. قال: ثم رجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حزيناً فقال: «يا ربيعة ما لك حزين؟» فقلت: يا رسول الله ما رأيت قوماً أكرم منهم، ورضوا بما آتيتهم وأحسنوا، وقالوا: كثير طيِّب، وليس عندي ما أُولمُ، فقال: «يا بُريدة اجمعوا له شاة قال: فجمعوا لي كبشاً عظيماً سميناً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ذاهب إلى عائشة فقل لها: فلتبعثْ بالمكتل الذي فيه الطعام» ، قال: فأتيتها فقلت لها ما أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: هذا المكتل فيه سبع آصُع شعير، لا والله لا والله إن أصبح لنا طعام غيره، خذه. قال: فأخذته فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم

وأخبرته بما قالت عائشة، قال: «اذهب بهذا إليهم فقل لهم: ليصبح هذا عندكم خبزاً وهذا طبيخاً» فقالوا: أمّا الخبز فسنكفيكموه، وأما الكبش فاكفونا أنتم، فأخذنا الكبش أنا وأناس من أسلم فذبحناه وسلخناه وطبهخناه فأصبح عندنا خبز ولحم، فأولمت ودعوت النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاني بعد ذلك أرضاً وأعطى أبا بكر رضي الله عنه أرضاً، وجاءت الدنيا، فاختلفنا في عَذْق نخلة، فقلت أنا هي في حدِّي، وقال أبو بكر: هي في حدِّي، وكان بيني وبين أبي بكر كلام، فقال لي أبو بكر كلمة كرهتها، وندم فقال لي: يا ربيعة ردَّ عليَّ مثلها حتى يكون قصاصاً، قلت: لا أفعل، قال أبو بكر: لتقولنَّ أو لأستعدينَّ عليك رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: ما أنا بفاعل، قال: ورفض الأرض وانطلق أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وانطلقت أتلوه، فجاء أناس من أسلم فقالوا: رحم الله با بكر، في أي شيء يستعدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي قال لك ما قال؟ فقلت: أتدرون ما هذا؟ هذا أبو بكر الصِّديق هذا ثاني اثنين هذا ذو شيبة المسلمين إيَّاكم لا يلتفت فيراكم تنصروني عليه فيغضب، فيأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيغضب لغضبه، فيغضب الله عز وجل لغضبهما، فيهلك ربيعة قال: ما تأمرنا؟ قال: ارجعوا. فانطلق أبو بكر رحمة الله عليه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبعته وحدي، حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فحدَّثه الحديث كما كان، فرفع رأسه إليَّ فقال: «يا ربيعة ما لك وللصدِّيق؟» قلت: يا رسول الله كان كذا، كان كذا، قال لي كلمة كرهتها قال لي: قل كما قلت حتى يكون قصاصاً، فأبيت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أجل، لا تردَّ عليه، ولكن قل: غَفَر الله لك يا أبا بكر» قال الحسن: فولّى أبو بكر رحمه الله يبكي. قال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني وفيه مبارك بن فضالة

وحديثه حسن وبقية رجال أحمد رجال الصحيح. اهـ. وأخرجه أبو يعلى عن ربيعة نحوه بطوله، كما في البداية، والحاكم وغيره قصّة النكاح، كما في الكنز، وابن سعد قصته مع أبي بكر. (نكاح جليبيب رضي الله عنه) أخرج أحمد عن أبي بَرْزة الأسلمي رضي الله عنه أن جليبيباً كان أمرأ يدخل على النساء يمرُّ بهن ويلاعبهن، فقلت لامرأتي: لا تدخِلُنَّ عليكم جُلَيبيباً، إن دخل عليكم لأفعلنَّ ولأفعلنَّ قال: وكانت الأنصار إذا كان لأحدهم أيِّم لم يزوجها حتى يعلم هل للنبي صلى الله عليه وسلم فيها حاجة أم لا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل من الأنصار: «زوجني ابنتك» قال قال: نعم وكرامة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونعمة عين. قال: «إنِّي لست أريدها لنفسي» ، قال: فلمن يا رسول الله؟ قال: «لجليبيب» قال: أشاور أمها، فقالت: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب ابنتك، قالت: نعم ونعمة عين، قال: إنَّه ليس يخطبها لنفسه إنما يخطبها بالحليبيب، قالت: لجليبيب إنيه لجليبيب إنيه لا لعمر الله لا نزوجه فلما أن أراد ليقوم ليأتي النبي صلى الله عليه وسلم ليخبره بما قالت أمها قالت الجارية: من خطبني إليكم؟ فأخبرتها أمها، فقالت: أتردُّون على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره ادعفوني إليه فإنه لن يضيعني. فانطلق أبوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: شأنك بها، فزوَّجها جليبيباً. قال فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة له، قال: فلما أفاء الله عز وجل عليه قال: «هل تفقدون من أحد؟» قالوا: لا، قال: «لكني أفقد جليبيباً، قال: «فاطلبوه» فوجدوه إلى

جنب سبعة قتلهم ثم قتلوه، فقالوا: يا رسول الله، ها هو ذا إلى جنب سبعة قتلهم ثلاثاً -، ثم وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على ساعديه وحفرله، ما له سرير إلا ساعد النبي صلى الله عليه وسلم ثم وضعه في قبره، لم يذكر أنه غسَّله؛ قال: ثابت: فما كان في الأنصار أيِّم أنفق منها، وحدِّث إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ثابتاًهل تعلم ما دعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم صب عليها الخير صبأ، ولا تجعل عيشها كدّاً كدّاً» . قال: فما كان في الأنصار أيِّم أنفق منها: قال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. وهو في الصحيح خالياً عن الخطبة والتزويج. انتهى. (نكاح سلمان الفارسي رضي الله عنه) أخرج أبو نعيم في الحلية عن أبي عبد الرحمن السُّلمي عن سلمان رضي الله عنه أنه تزوج امرأة من كِنْدة، فبنى بها في بيتها، فلما كان ليلة البناء مشى معه أصحابه حتى أتى بيت امرأته، فلما بلغ البيت قال: ارجعوا آجركم الله ولم يدخلهم عليها كما فعل السفهاء، فلما نظر إلى البيت والبيت منجَّد قال: أمحموم بيتكم، أم تحولت الكعبة في كندة؟ قالوا: ما بيتنا بمحموم، ولا تحولت الكعبة في كندة، فلم يدخل البيت حتى نُزع كل ستر البيت غير ستر الباب، فلما دخل رأى متاعاً كثيراً فقال: لمن هذا المتاع؟ قالوا: متاعك ومتاع امرأتك، قال: ما بهذا أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم أوصاني خليلي أن

لا يكون متاعي من الدنيا إلا كزادِ الراكب. ورأى خدماً فقال: لمن هذا الخدم؟ فقالوا: خدمك وخدم امرأتك، فقال: ما بهذا أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم أن لا أمسك إلا ما أنكح أو أُنكْح، فإن فعلت فبغين كان عليَّ أوزارهن من غير أن ينتقص من أوزارهنَّ شيء، ثم قال للنسوة اللاتي عند امرأته: هل أنتن مخرجات عني مخلِّيات بيني وبين امرأتي؟ قلن: نعم، فخرجن فذهب إلى الباب حتى أجافه، وأرخى الستر، ثم جاء حتى جلس عند امرأته فمسح بناصيتها ودعا بالبركة، فقال لها: هل أنت مطيعتي في شيء آمرك به؟ قالت: جلست مجلس من يُطاع، قال: فإن خليلي صلى الله عليه وسلم أوصاني إذا اجتمعت إلى أهلي أن أجتمع على طاعة الله عز وجل، فقام وقامت إلى المسجد، فصلَّيا ما بدا لهما، ثم خرجا فقضى منها ما يقضي الرجل من امرأته، فلما أصبح غدا عليه أصحابه فقالوا: كيف وجدت أهلك؟ فأعرض عنهم، ثم أعادوا فأعرض عنهم، ثم أعادوا فأعرض عنهم، ثم قال: إنما جعل الله تعالى الستور والخدور والأبواب لتواري ما فيها. حسب امرىء منكم أن يسأل عما ظهر له، فأمَّا ما غاب عنه فلا يسألن عن ذلك. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «المتحدِّث عن ذلك كالحمارين يتسافدان في الطريق. وعنده أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم سلمان من غيبة له فتلقّاه عمر رضي الله عنه فقال: أرضاك الله تعالى عبداً، قال: فزوِّجني، قال: فسكت عنه، فقال: أترضاني الله عبداً ولا ترضاني لنفسك؟ فلما أصبح أتاه قوم عمر فقال: حاجة؟ قالوا: نعم، قال: وما هي؟ إذاً تُقضى، قالوا: تُضرب عن هذا الأمر - يعنون خطبته إلى عمر -، فقال: أما - والله - ما حملني على هذا إمرته ولا سلطانة، ولكن قلت: رجل صالح عسى الله أن يخرج مني

ومنه نَسَمة صالحة، قال: فتزوج في كندة فذكر الحديث نحوه. وأخرجه الطبراني عن ابن عباس مختصراً، وفي إسنادهما الحجاج بن فَروخ وهو ضعيف، كما قال الهيثمي. (نكاح أبي الدرداء رضي الله عنه) أخرج أبو نعيم في الحلية عن ثابت البُناني أن أبا الدرداء رضي الله عنه ذهب مع سلمان وسابقته وإسلامه، وذكر أنه يخطب إليهم فتاتهم فلانة، فقالوا: أما سلمان فلا نزوِّجه ولكنا نزوّجك، فتزوجها ثم خرج، فقال: إنه قد كان شيء وإني أستحيي أن أذكره لك، قال: وما ذاك؟ فأخبره أبو الدرداء بالخبر، فقال سلمان: أنا أحق أن أتسحيي منك أن أخطبها، وكان الله تعالى قد قضاها لك. وأخرجه الطبراني مثله، قال الهيثمي: ورجاله ثقات إلا أن ثابتاً لم يسمع من سلمان ولا من أبي الدرداء. انتهى. (تزويج أبي الدرداء ابنته الدرداء برجل من ضعفاء المسلمين) أخرج أبو نُعَيم في الحلية عن ثابت البُناني قال: خطب يزيد بن معاوية إلى أبي الدرداء رضي الله عنه ابنته الدرداء، فردّه، فقال رجل من جلساء يزيد: أصلحك الله تذن لي أن أتزوجها؟ قال: اغرب ويلك قال: فأذن لي أصلحك الله، قال: نعم، قال: فخطبها فأنكحها أبو الدرداء الرجل، (قال) فسار ذلك

في الناس أن يزيد خطب إلى أبي الدرداء فردّه، وخطب إليه رجل من ضعفاء المسلمين فأنكحه، قال فقال أبو الدرداء: إني نظرت للدرداء، ما ظنكم بالدرداء إذا قامت على رأسها الخصيان ونظرت في بيوت يلتمع فيها بصرها، أين دينها منها يومئذ؟ وأخرجه أيضاً الإمام أحمد مثله، كما في صفة الصفوة. (تزويج علي بن أبي طالب ابنته أم كلثوم بعمر بن الخطاب رضي الله عنهم) أخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور عن أبي جعفر رضي الله عنه قال: خطب عمر رضي الله عنه إلى علي رضي الله عنه ابنته، فقال: أبعث بها إليك فإن رضيت فهي امرأتك، فبعث إليه فكشف عن ساقها فقالت له: أرسل فلولا أنك أمير المؤمنين لصككتُ عينك.m كذا في الكنز. وأخرجه ابن عمر المقدسي عن محمد بن علي نحون، كما في الإصابة.

وعند ابن سعد عن محمد أن عمر خطب أم كلثوم رضي الله عنها إلى علي، فقال: إنما حسبت بناتي على بني جعفر. فقال: زوِّجنيها - فوالله - ما على ظهر الأرض رجل يُرْصد من كرامتها ما أرصد، قال: قد فعلت، فجاء عمر إلى المهاجرين فقال: زُفُّوني فزفُّوه، فقالوا: بمن تزوجت؟ قال: بنت علي، إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل نسب وسبب سيقطع يوم القيامة إلا نسبي وسببي» وكنت قد صاهرت فأحببت هذا أيضاً. ومن طريق عطاء الخراساني أن عمر أمهرها أربعين ألفاً. كذا في الإصابة. (تزويج عدي بن حاتم ابنته لعمرو بن حريث رضي الله عنهم) أخرج ابن عساكر عن الشَّعبي أن عمرو بن حريث رضي الله عنه خطب إلى عدي بن حاتم رضي الله عنه فقال: لا أزوجكها إلا على حكمي، قال: وما هو؟ قال: لقد كان لكم في رسول الله صلى الله عليه وسلم (أسوة حسنة) ، حكمت عليك بمهر عائشة رضي الله عنها ثمانين وأربعمائة درهم. وعنده أيضاً عن حُميد بن هلال قال: خطب عمرو بن حريث إلى عدي بن حاتم فقال: عرَّفني ما حكمت به عليَّ؟ فأرسل إليه أني حمت بأربعمائة درهم وثمانين درهماً سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا في الكنز. (نكاح بلال وأخيه رضي الله عنهما) أخرج ابن سعد عن الشَّعبي قال: خطب بلال رضي الله عنه وأخوه

إلى أهل بيت من اليمن، فقال: أنا بلال وهذا أخي، عبدان من الحبشة، كنّا ضالَّين فهدانا الله، وكنَّا عبدين فأعقتنا الله، إن تنكحونا فالحمد لله وإن تمنعونا فالله أكبر. وعن عمرو بن ميمون عن أبيه أن أخاً لبلال كان ينتمي إلى العرب، ويزعم أنه منهم، فخطب امرأة من العرب فقالوا: إن حضر بلال زوَّجناك، قال: فحضر بلال فتشهَّد وقال: أنا بلال ابن رباح وهذا أخي، وهو امرؤ سوء في الخلق والدين، فإن شئتم أن تزوِّجوه، وإن شئتم أن تدعوا فدعوا، فقالوا: من تكون أخاه نزوّجه، فزوَّجوه. (الإنكار على من تشبه بالكفرة في النكاح) أخرج أبو الشيخ في كتاب النكاح عن عروة بن رُوَيم أن عبد الله بن قُرْط الثُّمالي رضي الله عنه كان يَعسُّ بحمص ذات ليلة - وكان عاملاً لعمر رضي الله عنه - فمرَّت به عروس وهم يوقدون النيران بين يديها، فضربهم بدرته حتى تفرقوا عن عروسهم، فلما أصبح قعد على منبره فحمد الله وأثنى عليه فقال: إنَّ أبا جندلة نكح أمامه فصنع لها حثيات من طعام، فرحم الله أبا جندلة وصلى على أُمامة، ولعن الله عروسكم البارحة أوقدوا النيران، وتشبَّهوا بالكفرة والله مطفىء نورهم. قال: وعبد الله بن قُرط من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كذا في الإصابة. الصداق (صداق الرسول عليه السلام) أخرج ابن سعد عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان صَدَاق رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنتي عشرة أوقية ونشّأ، فذلك خمسمائة درهم، قالت عائشة: الأوقية أربعون والنشّ عشرون.

(نهي عمر عن المغالاة في المهور واعتراض امرأة عليه في ذلك) أخرج سعيد بن منصور وأبو يعلى والمحامي عن مسروق قال: ركب عمر رضي الله عنه المنبر فقال عمر: لا أعرف من زاد الصدق على أربعمائة درهم، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وإنما الصَّدُقات فيما بينهم أربعمائة درهم فما دون ذلك، ولو كان الإكثار في ذلك تقوى أو مكرُمة لما سبقتموهم إليها، ثم نزل فاعترضته امرأة من قريش فقالت: يا أمير المؤمنين نهيت الناس أن يزيدوا في صدقاتهن على أربعمائة؟ قال: نعم، قالت: أما سمعت الله يقول في القرآن: {وَءاتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً} (سورة النساء، الآية: 20) - الآية. فقال: اللهمَّ غَفْراً. كل الناس أفقه من عمر، ثم رجع فركب المنبر فقال: يا أيها الناس إني كنت نهيتكم أن تزيدوا في صدقاتهن على أربعمائة، فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب أو ما طابت نفسه فليفعل. كذا في الكنز. قال الهيثمي: رواه أبو يعلى في الكبير وفيه مجالد بن سعيد وفيه ضعف وقد وُثِّق - انتهى. وأخرجه ابن سعد من طريق عطاء الخراساني أخصر منه. وأخرجه سعيد بن منصور البيهقي عن الشَّعبي قال: خطب عمر بن الخطاب فحمد الله وأثنى عليه وقال: ألا لا تغالُوا في صَدَاق النساء، وإنه لا يبلغني عن أحد ساق أكثر منشيء ساقه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو سيق إليه إلاَّ جعلت

فضل ذلك في بيت المال، ثم نزل فعرضت له امرأة من قريش فقالت: يا أمير المؤمنين لكتاب الله أحقُّ أن يتبع أم قولك؟ قال: كتاب الله فما ذاك؟ قالت: نهيت الناس آنفاً أن يتغالَوا في صَدَاق النساء والله تعالى يقول في كتابه: {وآتيم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا} ، فقال عمر: كل أحد أفقه من عمر - مرتين أو ثلاثاً -، ثم رجع إلى النمبر فقال للناس: إنِّي كنت نهيتكم أن تغالوا في صَدَاق النساء فليفعل رجل في ماله ما بدا له. وعند أبي عمر بن فَضالة في أماليه عن عمر قال: لو كان المهر سناءً ورفعة في الآخرة كان بنات النبي صلى الله عليه وسلم ونساؤه أحقَّ بذلك. كذا في كنز العمال. (فعل عمر وعثمان وابن عمر والحسن بن علي في المهور) وأخرج ابن أبي شَيْبة عن ابن سيرين أن عمر رضي الله عنه رخّص أن تُصْدق المرأة ألفين، ورخَّص عثمان رضي الله عنه في أربعة آلاف. كذا في الكنز. وأخرج ابن أبي شيبة عن نافع قال: تزوَّج ابن عمر رضي الله عنها صفيّة رضي الله عنها على أربعمائة درهم، فأرسلت إليه أن هذا لا يكفينا، فزادها مائتين سراً من عمر، كذا في الكنز.

وأخرج الطبراني عن ابن سيرين قال: تزوّج الحسن بن علي رضي الله عنهما امرأة قال: فأرسل إليها إليها بمائة جارية مع كل جارية ألف درهم؛ قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. انتهى. معاشرة النساء والرجال والصبيان (معاشرة عائشة وسَوْدة رضي الله عنهما لبعضهما) أخرجه أبو يعلى عن عائشة رضي الله عنها قالت: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بحريرة قد طبختها له، فقلت لسودة - والنبي صلى الله عليه وسلم بيني وبينها -: كُلي، فأبت، فقلت: لتأكُلِنَّ أو لأَلْطَخنَّ وجهك، فأبت، فوضعت يدي على الحريرة فطليت وجهها، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم فوضع بيده لها وقال لها: «الطخي وجهها» (فلطخت وجهي) فضحك النبي صلى الله عليه وسلم لها، فمرّ عمر رضي الله عنه فقال: يا عبد الله، يا عبد الله، فظن (النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيدخل، فقال: قوما فاغسلا وجوهكما. قالت عائشة: فما زلت أهاب عمر لهيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم (إياه) . قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح خلا محمد بن عمرو بن علقمة وحديثه حسن. اهـ. وأخرجه ابن عساكر مثله، كما في المنتخب. وابن النجار بنحون، كما في الكنز. وفي رواية: فخفض لها ركبته لتستقيد مني، فتناولت من الصحفة شيئاً فمسحت به وجهي ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك.

(معاشرة عائشة وحفصة لسودة اليمانية) وأخرج أبو يعلى عن رزينة رضي الله عنها - مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ أن سودة اليمانية جاءت عائشة تزورها وعندها حفصة بنت عمر رضي الله عنهما فجاءت سودة في هيئة وفي حالة حسنة، وعليها بُرْدة من دروع اليمن وخمار كذلك، وعليها نقطتان مثل الفرستين من صبر وزعفران إلى موقعها - قالت عليلة وأدركتُ النساء يتزينَّ به - فقالت حفصة لعائشة: يا أمَّ المؤمنين يجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه بيننا تبرُق، فقالت أم المؤمنين: أتَّقي الله يا حفصة، فقالت: لأفسدنَّ عليها زينتها، قالت: ما تقلنَ؟ - وكان في أذنها ثِقل -، قالت لها حفصة: يا سودة خرج الأعور، قالت: نعم، ففزعت فزعاً شديداً فجعلت تنتفض، قالت: أين أختبىء؟ قالت: عليك بالخيمة - خيمة لهم من سعف يختبئون فيها -، فذهبت فاختبأت فهيا؛ وفيها القذر ونسيج العنكبوت، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما تضحكان لا تستيطعان أن تتكلما من الضحك، فقال: «ماذا الضحك؟» ثلاث مرات، فأومأتا بأيديهما إلى الخيمة، فذهب فإذا سودة تُرعَد، فقال لها: «يا سودة ما لك؟ قالت: يا رسول الله خرج الأعور قال: «ما خرج وليخرجنَّ، ما خرج وليخرجنَّ» ، فأخرجها فجعل ينفض عنها الغبار ونسيج العنكبوت، قال الهيثمي: رواه أبو يعلى والطبراني إلا أنه قال: فقالت حفصة لعائشة: يدخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن فسقتين وهذه بيننا تبرُق، وفيه من لم أعرفهم. انتهى.

(معاشرة النبي عليه السلام لعائشة) وأخرج ابن عدي وابن عساكر عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان جالساً فسمع ضوضاء الناس والصبيان، فإذا حبشيَّة تزفِن والناس حولها، فقال: «يا عائشة تعالى فانظري» فوضعت خدي على منكبيه فجعلت أنظر ما بين المنكبين إلى رأسه، فجعل يقول: «يا عائشة ما شبعت؟» فأقول: لا، لأنظر منزلتي عنده، فلقد رأيته يراوح بين قدميه، فطلع عمر فتفرق الناس والصباين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «رأيت شياطين الإنس والجن فرُّوا من عمر» - فذكر الحديث، كما في المنتخب. وعند الشيخين عنها، كما في المشكاة (ص272) قالت: والله: لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقوم على باب حجرتي والحبشة يعلبون بالحراب في المسجد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه لأنظر إلى لعبهم بين أذنه وعاتقه، ثم يقوم من أجلي حتى أكون أنا الذي أنصرف، فاقدُروا قَدْر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو. (معاشرة نساء النبي عليه السلام له ولبعضهن) وأخرج البخاري عن عائشة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش رضي الله عنها ويشرب عندها عسلاً، فتواطأتُ أنا وحفصة أن أيتنا

دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم فتقل له: إني أجد منك ريح مغافير أكلت مغافير، فدخل على إحداهما النبي صلى الله عليه وسلم فقالت ذلك، فقال: «لا، بل شربت عسلاً عند زينب بنت جحش ولن أعود له» ، فنزلت {ياأَيُّهَا النَّبِىُّ لِمَ تُحَرّمُ مَآ أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} (سورة التحريم، الآية: 1) - إلى قوله تعالى: {إِن تَتُوبَآ إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} (سورة التحريم، الآية: 6) لعائشة وحفصة {وإذا أسرالنبي إلى بعض أزواجه حديثا} لقوله: «بل شربت عسلاً» ، وقال إبراهيم بن موسى عن هشام: «لون أعود له وقد حلفت فلا تخبري بذلك أحداً» وأخرجه مسلم مثله. وعند البخاري أيضاً عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلوى والعسل، وكان إذا انصرف من العصر دخل على نسائه فيدنو من إحداههنّ، فدخل على حفصة بنت عمر فاحتبس أكثر ما كان يحتبس، فغرت فسألت عن ذلك فقيل لي: أهدت لها امرأة من قومها عُكَّة عسل، فسقت النبي صلى الله عليه وسلم منه شربة، فقلت: أما والله لنحتالنَّ له، فقلت لسودة بنت زمعة: إنه سيدنو منك، فإذا دنا منك فقولي: أكلت مغافير؟ فإنه سيقول لك: لا، فقولي له: ما هذه الريح التي أجد؟ فإنه سيقول لك: سقتني حفصة شربة عسل، فقولي: جَرَست نحلة العرفط، وسأقول ذلك، وقولي له أنت يا صفية ذلك. قالت: تقول سودة: فوالله ما هو إلا أن قام على البا فأردت أن أناديه بما أمرتني فرقاً

منك، فلما دنا منها قالت له سودة: يا رسول الله أكلت مغافير؟ قال: «لا» ، قالت: فما هذه الريح التي أجد منك؟ قال: «سقتني حفصة شربة عسل» ، قالت: جَرَست نحلةُ العرفطَ، فلما دار إليَّ قلت نحو ذلك، فلما دار إلى صفية قالت له مثل ذلك، فلما دار إلى حفصة قالت له: يا رسول الله ألا أسقيك منه؟ قال: «لا حاجة لي فيه» . قالت: تقول سودة: والله لقد حَرَمناه. قلت لها: اسكتي. وأرخجه مسلم كذا في التفسير لابن كثير وأبو داود كما في جمع الفوائد وابن سعد. (قصته عليه السلام مع نسائه حين أراد طلاقهن) وأخرج أحمد عن علي بن عباس رضي الله عنهما قال: لم أزل حريصاً على أن أسأل عمر رضي الله عنه عن المرأتين من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتين قال الله تعالى: {إن تتوبا إلى افقد ضغت قلوبكما} حتى حج عمر وحججت معه، فلَّما كنَّا ببعض الطريق عدل عمروعدلت معه بالإداوة، فتبرَّز ثم أتاني، فسكبت على يديه فتوضأ، فقلت: يا أميرالمؤمنين من المرأتان من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم التلان قال الله تعالى: {إِن تَتُوبَآ إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} ؟ فقال عمر: واعجباً لك يا ابن عباس - قال: هما: حفصة، وعائشة، قال: ثم أخذ يسوق الحديث قال: كنّا معشر قريش قوماً نغلب النساء، فلما قدمنا المدينة وجدنا

قوماً تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يتعلَّمن من نسائهم، قال: وكان منزلي في بني أمية بن زيد بالعوالي، قال: فتغضَّبت يوماً على امرأتي فإذا هي تراجعني، فأنركت أن تراجعني فقالت: ما تنكر أن أراجعك فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل. قال: فانطلقت فدخلت على حفصة فقلت: أتراجعين رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: نعم، قلت: وتهجره إحداكن اليوم إلى الليل؟ قالت: نعم، قلت: قد خاب من فعل ذلك منكنَّ وخسر فأتأمنُ إحداكنَّ أن يغضب الله عليها لغضب رسوله؟ فذا هي قد هلكت لا ترجعي رسول الله ولا تسأليه شيئاً وسليني ما بدا لك، ولا يغرنَّك أن كانت جارتك هي أوسم وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك - يريد عائشة -. قال: وكان لي جار من الأنصار، وكنا نتناوب النزل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل يوماً وأنزل يوماً، فيأتيني بخبر الوحي وغيره، ورتيه بمثل ذلك، قال: وكنَّا نتحدَّث أن غسان تُنعِل الخيل لتغزونا، فنزل صاحبي يوماً ثم أتاني عشاء فضرب بابي ثم ناداني فخرجت إليه، فقال: حدث أمر عظيم فقلت: وماذا؟ أجاءت غسان؟ قال: لا، بل أعظم من ذلك وأطول؟ طلَّق الرسول نساءه، فقلت: قد خابت حفصة وخسرت قد كنت ظن هذا كائناً، حتى إذا صليت الصبح شددت عليَّ ثيابي ثم نزلت فدخلت على حفصة وهي تبكي، فقلت: أطلقكنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: لا أدري هو هذا معتزل في هذه المشربة، فأتيت غلاماً له أسود فقلت: استأذن لعمر، فدخل الغلام ثم خرج إليَّ فقال: قد ذكرتك له فصمت، فانقطلقت حتى أتيت المنبر فإذا عنده رهط جلوس يبكي بعضهم، فجلست قليلاً ثم غلبني ما أجد، فأتيت الغلام فقلت: استأذن لعمر، فدخل الغلام ثم خرج عليَّ فقال: قد ذكرتك له فصمت، فولّيت مدبراً فإذا الغلام يدعوني،

فقال: ادخل فقد أذن لك، فدخلت فسلَّمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو متكىء على رمل حصير - قال أحمد وحدثنا يعقوب في حديث صالح قال: رمال حصير قدأثَّر في جنبه - فقلت: أطلَّقت يا رسول الله نساءك؟ فرفع رأسه إليَّ وقال: «لا» ، فقلت: الله أكبر لو رأيتنا يا رسول الله، وكنا معشر قريش قوماً نغلب النساء فلما قدمنا المدينة وجدنا قوماً تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يتعلَّمن من نسائهم، فتغضَّبت على امرأتي يوماً فإذا هي تراجعني فأنكرت أن تراجعني فقالت: ما تنكر أن أراجعك فوالله إن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل، فقلت: قد خاب من فعل ذلك منهن وخسر، أفتأمن إحداهن أن يغضب الله عليها لغضب رسوله؟ فإذا هي قد هلكت، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله فدخلت على حفصة فقلت: لا يغرك إن كانت جارتك هي أوسم وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك، فتبسَّم أخرى، فقلت: أستأنس يا رسول الله؟ قال: «نعم» ، فجلست فرفعت رأسي في البيت فوالله ما رأيت فيه شيئاً يرد البصر إلا آهِبَة ثلاثة، فقلت: ادع يا رسول الله أن يوسِّع على أمتك، فقد وسَّع على فارس والروم وهم لا يعبدون الله، فاستوى جالساً ثم قال: «أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ أولئك قوم عُجِّلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا» ، فقلت: استغفر لي يا رسول الله، وكان أقسم أن لا يدخل عليهن شهراً من شدّة موجدته عليهن حتى عاتبه الله عز وجل، وقد رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي.

وعند مسلم أيضاً عن ابن عباس قال: حدثني عمر بن الخطاب قال: لما اعتزل نبي الله صلى الله عليه وسلم نساءه دخلت المسجد فإذا الناس ينكتُون بالحصى ويقولون: طلَّق رسول الله نساءه، وذلك قبل أن يؤمر بالحجاب، فقلت: لأعلمنَّ ذلك اليوم - فذكر الحديث في دخوله على عائشة وحفصة ووعظه إياهما إلى أن قال: فدخلت فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم على أسكفة المشربة فناديت فقلت: يا رباح استأذن لي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ فذكر نحو ما يتقدَّم إلى أن قال: فقلت: يا رسول الله ما يشقُّ عليك من أمر النساء، فإن كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته وجبريل وميكال وأنا وأبو بكر والمؤمنون مع، وقلّما تكلّمت - وأحمد الله - بكلام إلا رجوت أن يكون الله يصدِّق قولي، فنزلت هذه الآية آية التخيير: {عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مّنكُنَّ} (سورة التحريم، الآية: 5) - {وإن تظاهرا عليه فإن اهو موله وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير} (سورة التحريم، الآية: 4) فقلت: أطلقتهنَّ؟ قال: «لا» ، فقمت على باب المسجد فناديت بأعلى صوتي: لم يطلِّق نساءه ونزلن هذه الآية: {وإذا جاءهم أمر من الامن أو الخوف أذاعوا بهولو روده إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم} (سورة التحريم، الآية: 5) فكنت أنا استنبطت ذلك الأمر؛ كذا في التفسير لابن كثير. وأخرج الحديث أيضاً عبد الرزاق وابن سعد وابن حِبّان والبيهقي وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه وغيرهم، كما في الكنز.

وأخرج أحمد عن جابر رضي الله عنه قال: أقبل أبو بكر رضي الله عنه يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس ببابه جلوس، والنبي صلى الله عليه وسلم جالس فلم يؤذن له، ثم أقبل عمر رضي الله عنه فاستأذن فلم يؤذن، ثم أذن لأبي بكر وعمر فدخلا والنبي صلى الله عليه وسلم جالس وحوله نساؤه وهو صلى الله عليه وسلم ساكت، فقال عمر: لأكلمنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لعله يضحك، فقال عمر: يا رسول الله لو رأيت ابنه زيد - امرأة عمر - سألتني النفقة آنفاً فوجأت عنقها، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه وقال: «هنَّ حولي يسألنني النفقة» فقام أبو بكر إلى عائشة ليضربها، وقام عمر إلى حفصة، كلاهما يقولان: تسألان النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده، فنهاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن: والله لا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذا المجلس ما ليس عنده، قال: وأنزل الله عز وجل الخيار، فبدأ بعائشة فقال: «إني أذكر لك أمراً ما أحب أن تعجِّلي فيه حتى تستأمري أبويك» ، قالت: وما هو؟ قال فتلا عليها: {ياأَيُّهَا النَّبِىُّ قُل لاْزْواجِكَ} (سورة الأحزاب، الآية: 28) - الآية، قالت، عائشة: أفيك استأمر أبويَّ؟ بل اختار الله تعالى ورسوله، وأسألك أن لا تذكر لامرأة من نسائك ما اخترت، فقال صلى الله عليه وسلم «إنَّ الله تعالى لم يبعثني معنَّفاً ولكن بعثني ميسَّراً، لا تسألني امرأة منهن عما اخترت إلا أخبرتها» . وأخرجه مسلم والنسائي. وعند ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قالت عائشة: أُنزلت آية التخيير، فبدأ بي أول امرأة من نسائه فقال صلى الله عليه وسلم «إني ذاكر لك أمراً فلا عليك أن تعجِّلي حتى تستأمري أبويك» ، قالت: وقد علم أن أبويَّ لم يكونا يأمراني بفراقه، قالت: ثم قال: إن الله تبارك وتعالى قال: {ياأَيُّهَا النَّبِىُّ

قُل لاْزْواجِكَ} - الآيتين، قالت عائشة: فقلت: أفي هذا أستأمر أبويَّ؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة، ثم خيَّر نساءه كلَّهن، فقلن مثل ما قالت عائشة؛ وأخرجه البخاري ومسلم من عائشة مثله. وعندهما أيضاً وأحمد - واللفظ له - عن عائشة قالت: خيَّرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه فلم يَعُدَّها علينا شيئاً، كذا في التفسير لابن كثير. (معاشرته عليه السلام لعائشة وميمونة) وأخرج الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم «إني لأعلم إذا كنت عني راضية وإذا كنت عليَّ غضبى» ، فقلت من أين تعرف ذلك؟ فقال: «إذا كنت عني راضية فإنك تقولين: لا وربَّ محمد، وإذا كنت عليَّ غضبَى قلت: لا ورب إبراهيم» قالت: أجل، والله يا رسول الله ما أهجر إلا اسمك، كذا في المشكاة (ص272) . وأخرج أبو داود عن عائشة أنها كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر قالت: فسابقته فسبقته على رجليَّ، فلما حملت اللحم سابقته فسبقني، قال: «هذه بتلك السبقة» ؛ كذا في المشكاة (ص373) . وأخرج ابن النجار عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: تضيفتُ ميمونة رضي الله عنها وهي ليتئذ لا تصلِّي، فجاءت بكساء، ثم جاءت

بكساء آخر فطرحته عند رأس الفراش، ثم اضطجعت ومدَّت الكساء عليها وبسطت لي بسيطاً إلى جنبها، فتوسدت معها على وسادها، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وقد صلَّى العشاء الآخرة فانتهى إلى الفراش، فأخذ خرقة عند رأس الفراش فاتَّزر بها، وخلع ثوبيه فعلَّقهما، ثم دخل معها في لحافها، حتى إذا كان في آخر الليل قام إلى سقاء معلَّق فحلَّه، ثم توضأ منه، فهممت أن أقوم فأصبّ عليه، ثم كرهت أن يرى أني كنت مستيقظاً، ثم جاء إلى الفراش فأخذ ثوبيه وخلع الخرقة، ثم قام إلى المسجد فقام يصلِّي، فقمت فتوضأت ثم جئت فقمت عن يساره، فتناولني بيده من ورائه فأقامني عن يمينه، فصلّى وصلّيت معه ثلاث عشرة ركعة، ثم جلس وجلست إلى جنبه، فأصغى بخذه إلى خدي حتى سمعت نفس النائم، ثم جاء بلال رضي الله عنه قال: الصلاة يا رسول الله، فقام إلى المسجد فأخذ في الركعتين أخذ بلال في الإقامة. كذا في الكنز. (حسن معاشرته عليه السلام لامرأة عجوز) وأخرج البيهقي وابن النجار عن عائشة رضي الله عنه قالت: جاءت عجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها: «من أنت؟» قالت: جَثَّامة المزنية، قال: «بل أنت حسانة المزينة، كيف أنتم؟ كيف حالكم؟ كيف كنتم بعدنا؟» قالت: بخير - بأبي أنت وأمي يا رسول الله - فلما خرجت قلتُ: يا رسول الله تقبل على هذه العجوز هذا الإقبال؟ فقال: «يا عائشة إنَّها كانت تأتينا زمان خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان» . وعند البيهقي أيضاً عنها قالت: كانت عجوز تأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيهش بها

ويكرمها، فقلت: بأبي أنت وأمي إنك لتصنع بهذه العجوز شيئاً لا تصنعه بأحد قال: «إنا كانت تأتينا عند خديجة، أما علمت أن أكرم الودِّ من الإيمان» . كذا في الكنز. وأخرج البخاري في الأدب (ص188) عن أبي الطفيل رضي الله عنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لحماً بالجعِرّانة وأنا يومئذ غلام أحمل عضو البعير، فأتته امرأة فبسط لها رداءه قلت: من هذه؟ قال: أمه التي أرضعته. (معاشرته عليه السلام لغلام حبشي ولابن مسعود) وأخرج الطبراني والبزّار وابن السنِّي وأبو نعيم وسعيد بن منصور عن عمرو رضي الله عنه قال: دخلتُ على النبي صلى الله عليه وسلم وغُلَيِّم له حبشي يغمز ظهره، فقلت: يا رسول الله أتشتكي شيئاً؟ قال: «إن الناقة تقحَّمت بي البارحة» . كذا في الكنز. وأخرج ابن سعد عن القاسم بن عبد الرحمن قال: كان عبد الله (بن مسعود) رضي الله عنه يُلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم نعليه، ثم يمشي أمامه بالعصا حتى إذا أتى مجلسه نزع نعليه فأدخلهما في ذراعيه وأعطاه العصا، فإذا أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقوم ألبسه نعليه، ثم مشى بالعصا أمامه حتى يدخل الحجرة قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده أيضاً عن أبي المليح قال: كان عبد الله يستر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل،

ويوقظه إذا نام، ويمشي معه في الأرض وحشاً. (معاشرته عليه السلام لأنس) وأخرج ابن أبي شيبة وأبو نعيم عن أنس رضي الله عنه يقول: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا ابن عشر سنين، ومات وأنا ابن عشرين سنة، وكن أمهاتي يحثثني على خدمته. وعند ابن سعد وابن عساكر عن ثمامة قال: قيل لأنس: أشهدت بدراً؟ قال: وأين أغيب عن بدر لا أمَّ لك قال محمد بن عبد الله الأنصاري: خرج أنس بن مالك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توجه إلى بدر وهو غلام يخدم النبي صلى الله عليه وسلم كذا في المنتخب. (خدمة شباب الأنصار وبعض الأصحاب النبي عليه السلام) وأخرج البزّار عن أنس قال: كان عشرون شباباً من الأنصار يلزمون رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوائجه، فإذا أراد أمراً بعثهم فيه. وفيه من لم أعرفهم قاله الهيمثي. وعنده أيضاً عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: كان لا يفارق النبي صلى الله عليه وسلم أو باب النبي صلى الله عليه وسلم خمسة أو أربعة من أصحابه. وفيه موسى بن عبيدة الرَّبَذي وهو ضعيف، كما قال الهيثمي. وعنده أيضاً عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: كنا نتناوب رسول الله

صلى الله عليه وسلم تكون له الحاجة أو يرسلنا في الأمر، فيكثر المحتسبون وأصحاب النُّوَب، فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتذاكر الدجَّال فقال: «ما هذه النجوى؟ ألم أنهكم عن النجوى؟» ورجاله ثقات وفي بعضهم خلاف، كما قال الهيثمي. وعنده أيضاً عن عاصم بن سفيان أنه سمع أبا الدرداء رضي الله عنه أو أبا ذر رضي الله عنه قال: استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أبيت على بابه يوقظني لحاجته، فأذن لي فبت ليلة. ورجاله ثقات كما قال الهيثمي. وأخرج ابن عساكر عن حذيفة رضي الله عنه قال: صلَّيت مع النبي في شهر رمضان، فقام يغتسل وسترته، ففضلت منه فضلة في الإناء فقال: «إن شئت فارفعه وإن شئت فصبّ عليه» ، قلت يا رسول الله هذه الفضلة أحب إليَّ مما أصب عليه، فاغتسلت به وسترني، قلت: لا تسترني قال: «بلى، لأسترنَّك كما سترتني» ، كذا في المنتخب. (معاشرته عليه السلام لابنه إبراهيم وللأطفال من آل بيته) وأخرج مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ما رأيت أحداً كان أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كان إبراهيم مسترضعاً له في عوالي المدينة، فكان ينطلق ونحن معه فيدخل البيت وإنَّه ليدخِّن، وكان ظئره قيناً، فيأخذه فيقبله ثم يرجع، قال عمرو: فلما توفي إبراهيم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنَّ إبارهيم ابني، وإنَّه مات في الثدي، وإنَّ له لظئرين يكملان رضاعه في

الجنة» . وأخرجه أحمد كما في البداية. وأخرج أحمد عن عبد الله بن الحارث رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفُّ عبد الله وعبيد الله وكثير بن العباس رضي الله عنهم ثم يقول: «مَنْ سبق إليَّ فله كذا وكذا» قال: فيستبقون إليه فيقعون على ظهره وصدره فيقبلهم ويلتزمهم. قال الهيثمي: رواه أحمد وإسناده حسن. وأخرج ابن عساكر عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر تُلُقي بصبيان أهل بيته، وإنه جاء من سفر فسبق بي إليه، فحملني بين يديه، جيء بأحد ابني فاطمة الحسن أو الحسين رضي الله عنهم فأردفه خلفه، فدخلنا المدينة ثلاثة على دابة. وعنده أيضاً عنه قال: مرّ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ألعب مع الصبيان فحملني أنا وغلاماً من بني العباس على الدابة، فكنا ثلاثة. وعنده أيضاً عنه قال: لو رأيتني وقُثماً وعبيد الله ابني عباس ونحن صبيان نلعب، إذ مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على دابة فقال: «ارفعوا هذا إليَّ» فجعلني أمامه وقال: «ارفعوا هذا إليَّ» فجعله وراءه، وكان عبيد الله أحب إلى عباس من قُثَم، فما استحيي من عمه أن حمل قثماً وتركه، قال: ثم مسح على رأسي ثلاثاً، كلما مسح قال: «اللهمَّ اخلف جعفراً في ولده» كذا في المنتخب.

وأخرج أبو يعلى عن عمر - يعني ابن الخطاب رضي الله عنه - قال: رأيت الحسن والحسين رضي الله عنهما على عاتقي النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: نعم الفرس تحتكما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «ونعم الفارسان هما» كذا في الكنز والمجمع ورجاله رجال الصحيح، كما في المجمع وقال: ورواه البزّار بإسناده ضعيف، وأخرجه ابن شاهين كما في الكنز. وعند ابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم حامل الحسن رضي الله عنه على عاتقه، فقال له رجل: يا غلام نعم المركب ركبت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «ونعم الراكب هو» كذا في الكنز. وعند الطبراني عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلَّي فجاء الحسن والحسين أو أحدهما رضي الله عنهما، فركب على ظهره، فكان إذا رفع رأسه قال بيده فأمسكه أو أمسكهما، قال: «نعم المطية مطيتكما» قال الهيثمي: وإسناده حسن. وعنده أيضاً عن جابر رضي الله عنه قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يمشي على أربعة وعلى ظهره الحسن والحسين رضي الله عنهما وهو يقول: «نعم الجمل جملكما ونعم العدلان أنتما» قال الهيثمي: وفيه مسروح أبو شهاب وهو ضعيف. اهـ.

(قصته عليه السلام مع الحسن والحسين حين ضاعا) وأخرج الطبراني عن سلمان رضي الله عنه قال: كنّا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت أم أيمن رضي الله عنها فقالت: يا رسول الله لقد ضلَّ الحسن والحسين، قال: وذاك رأدَ النهار - يقول ارتفاع النهار -، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «قوموا فاطلبوا ابنيَّ» وأخذ كل رجل تجاه وجهه، وأخذت نحو النبي صلى الله عليه وسلم فلم يزل حتى أتى سفح جبل وإذا الحسن والحسين ملتزق كل واحد منهما صاحبه، وإذا شجاع قائم على ذنبه يخرج من فيه شرر النار، فأسرع إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فالتفت مخاطباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انساب فدخل بعض الأحجار، ثم أتاهما فأفق بينهما، ثم مسح وجوههما وقال: «بأبي وأمي أنتما ما أكرمكما على الله» ثم حمل أحدهما على عاتقه الأيمن والآخر على عاتقه الأيسر فقلت: طوباكما نعم المطية مطيتكما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ونعم الراكبان هما، وأبوهما خير منهما» قال الهيثمي: وفيه أحمد بن راشد الهلالي وهو ضعيف. اهـ. وأخرجه الطبراني عن يَعْلى بن مرّة مثله، كما في الكنز. وأخرج الطبراني عن جابر رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعينا إلى طعام، فإذا الحسين رضي الله عنه يلعب في الطريق مع صبيان، فأسرع النبي صلى الله عليه وسلم أمام القوم ثم بسط يده، فجعل حسين يفر ههنا وههنا، فيضاحكه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمام القوم ثم بسط يده، فجعل إحدى يديه في ذقنه والأخرى بين

رأسه وأذنيه، ثم اعتنقه وقبَّله، ثم قال: «حسين مني وأنا منه، أحبَّ الله من أحبَّه، الحسن والحسين سبطان من الأسباط» . كذا في الكنز. معاشرة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم (طلبه عليه السلام من عثمان بن مظعون أن يحسن عشرة امرأته) أخرج أبو نعيم في الحلية عن أبي إسحاق السبيعي قال: دخلت امرأة عثمان بن مظعون رضي الله عنه على نساء النبي صلى الله عليه وسلم سيئة الهيئة في أخلاق لها، فقلن لها: ما لك؟ فقالت: أمّا الليل فقائم وأمّا النهار فصائم، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقولها، فلقي عثمان بن مظعون فلامه فقال: «أما لك بي أُسوة؟» قال: بلى، جعلني الله فداك، فجاءت بَعْدُ حسنة الهيئة طيبة الريح. وقال حين قبض: يا عين جودي بدمعٍ غير ممنون على رزية عثمان بن مظعون على امرىء بات في رضوان خالقه طوبى له من فقيد الشخص مدبون طاب البقيع له سكنى وغرقده وأشرقت أرضه من بعد تفتين وأورث القلبَ حزناً لا انقطاع له حتى الممات فما ترقى له شوني وأخرجه ابن سعد عن أبي بردة رضي الله عنه بمعناه، وعبد الرزاق عن

عروة بنحوه، كما في الكنزل إلا أنهما لم يذكرا الأشعار، وسمّي عروة امرأته خولة ابنة حكيم، وذكر أنها دخلت على عائشة رضي الله عنها وفي حديثه: فقال: «يا عثمان إنَّ الرهبانية لم تكتب علينا، أفما لك فيَّ أُسوة حسنة؟ فوالله إنَّ أخشاكم وأحفظكم لحدوده لأَنا» . طلبه عليه السلام من عبد الله بن عمرو أن يحسن معاشرة زوجته وأخرجه أبو نعيم في الحلية عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: زوجني أبي امرأة من قريش، فلما دخلت عليَّ جعلت لا أنحاش لها مما بي من القوة على العبادة من الصوم والصلاة، فجاء عمرو بن العاص إلى كَنّته حتى دخل عليها فقال لها: كيف وجدت بعلك؟ قالت: خير الرجال - أو كخير البعولة - من رجل لم يفتش لنا كنفاً، ولم يقرب لنا فراشاً، فأقبل عليَّ فعذمني، وعضني بلسانه فقال: أنكحتك امرأة من قريش ذت حسب، فعضلتها وفعلت ثم انطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشاني، فأرسل إليَّ النبي صلى الله عليه وسلم فأتيته، فقال لي: «أتصوم النهار» ؟ قلت: نعم، قال: «فتقوم الليل» ؟ قلت: نعم، قال: «ولكني أصوم وأفطر، وأصلي وأنام، وأمسُّ النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني» ثم قال: «اقرأ القرأن في كل شهر» قلت: إني أجدني أقوى من ذلك، قال: «فاقرأه في كل عشرة أيام» قلت: إنِّي أجدني أقوى من ذلك، قال: «فاقرأه في كل ثلاث» ثم قال: صُمْ في كل شهر ثلاثة أيام» قلت: إني أقوى من ذلك، فلم يزل يرفعني حتى قال: «صُمْ يوماً وأفطر يوماً؛ فإنه أفضل

الصيام وهو صيام أخي داود عليه السلام» ، قال حُصَين في حديثه: ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم «إن لكل عابد شِرَّة، وإن لكل شِرَّة فَتْرة، فإمَّا إلى سُنَّة وإمَّا إلى بدعة، فمن كانت فترته إلى سنة فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك» . قال مجاهد: وكان عبد الله بن عمرو حين ضعف وكبر يصوم الأيام كذلك، يصل بعضها إلى بعض ليتقوى بذلك، ثم يفطر بعد ذلك الأيام، قال: وكان يقرأ من أحزابه كذلك يزيد أحياناً وينقص أحياناً، غير أنه يوفي به العدّة، إما في سبع وإما في ثلاث، ثم كان يقول بعد ذلك: لأن أكون قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليَّ مما عدل به - أو عدل -، لكنِّي فارقته على أمر أكره أن أخالفه إلى غيره. وأخرجه أيضاً البخاري وانفرد به، كما في صفة الصفوة بنحوه مطوّلاً. (ما جرى بين سلمان وأبي الدرداء في هذا الشأن) وأخرج البخاري عن أبي جُحَيفة رضي الله عنه قال: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء رضي الله عنهما، فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء رضي الله عنها مُتبَذِلة، فقال لها ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا، فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاماً فقال: كل، فإني صائم، قال: ما أنا بآكل، حتى تأكل، فأكل فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، قال: نم، فنام، ثم ذهب يقوم، فقال: نم، فلما كان من آخر الليل قال سلمان: قم الآن، فصلَّيا، فقال له سلمان: إنَّ لربك عليك حقاً، ولنفسك عليك حقاً، وأهلك عليك حقاً؛ فاعطِ كلَّ ذي حقَ حقَّه. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر

ذلك له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «صدق سلمان» . وأخرجه أبو نعيم في الحلية عن أبي جُحَيفة بنحوه مع زيادات وأبو يعلى كما في الكنز والترمذي والبزَّار وابن خزيمة والدارقطني والطبراني وابن حِبّان كما في فتح الباري، وأخرجه ابن سعد بألفاظ مختلفة. (شدة غَيْرة الزبير بن العوام على زوجته أسماء) وأخرج ابن سعد عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: تزوجني الزبير رضي الله عنه وما له في الأرض مال ولا مملوك ولا شيء غير فرسه، قالت: فكنت أعلف فرسه، وأكفيه مؤونته وأسوسه، وأدقُّ النوى لناضجح وأعلفه، وأسقيه الماء، وأخرز غربه وأعجن، ولم أكن أحسن أخبز فكان يخبز جارات لي من الأنصار؛ وكن نسوة صِدْق، قالت: وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي وهي على ثلثي فرسخ، قالت: فجئت يوماً والنوى على رأسي فلقيت رسول الله ومعه نفر من أصحابه، فدعاني ثم قال: «إخْ إخْ» ليحملني خلفه، فاستحييت أن أسير مع الرجال

وذكرت الزبير وغَيرته - قالت: وكان من أغْيَر الناس -، قالت: فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أني قد استحييت، فمضى، فجئت الزبير فقلت: لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى رأسي النوى ومعه نفر من أصحابه، فأناخ لأركب معه، فاستحييت وعرفت غَيْرتك، فقال: والله لحملك النوى كان أشد عليَّ من ركوبك معه. قالت: حتى أرسل إليَّ أبو بكر بعد ذلك بخادم فكفتني سياسة الفرس فكأنما أعتقني. وعنده أيضاً عن عكرمة أن أمساء بنت أبي بكر كانت تحت الزبير بن العوام، وكان شديداً عليها، فأتت أباها فشكت ذلك إليه، فقال: يا بنية اصبري فإن المرأة إذا كان لها زوج صالح ثم مات عنها فلم تزوَّج بعده جمع بينهما في الجنة. (قصة امرأة اشتكت إلى عمر زوجها) وأخرج الطيالسي والبخاري في تاريخه والحاكم في الكُنَى عن كَهْمَس الهلالي قال: كنت عند عمر رضي الله عنه، فبينما نحن جلوس عنده إذ جاءت امرأة، فجلست إليه فقالت: يا أمير المؤمنين، إن زوجي قد كثر شره وقلَّ خيره، فقال لها: من زوجك؟ قالت: أبو سلمة، قال: إن ذاك رجل له صحبة وإنه لرجل صدق، ثم قال عمر لرجل عنده جالس: أليس كذلك؟ قال: يا أمير المؤمنين لا نعرفه إلا بما قلت، فقال لرجل: قم فادعُه لي، فقامت المرأة حين أرسل إلى زوجها فقعدت خلف عمر، فلم يلبث أن جاءا معاً حتى جلس بين يدي عمر، فقال عمر: ما تقول هذه الجالسة خلفي؟ قال: ومن هذه يا أمير المؤمنين قال: هذه امرأتك، قال: وتقول ماذا؟ قال: ومن هذه يا أمير المؤمنين قال: هذه امرأتك، قال: وتقول ماذا؟ قال: تزعم أنه قلَّ خيرك وكثر شرك، قال: قد بئسما قالت يا أمير المؤمنين إنها لمن صالح نسائها، أكثرهن كسوة، وأكثرهن رفاهية بيت، ولكن فحلها بلي، فقال عمر للمرأة: ما تقولين؟

قالت: صدق، فقام عرم إليها بالدرّة فتناولها بها ثم قال: أي عدوّة نفسها أكلت ماله، وأفنيت شبابه، ثم أنشأت تخبرين بما ليس فيه. قالت: يا أمير المؤمنين لا تعجل، فوالله لا أجلس هذا المجلس أبداً، فأمر لها بثلاثة أثواب فقال: خذي هذا بما صنعت بك، وإياك أن تشتكي هذا الشيخ. قال: فكأني أنظر إليها قامت ومعها الثياب، ثم أقبل على زوجها فقال: لا يحملك ما رأتني صنعت بها أن تسيء إليها، فقال: ما كنت لأفعل، قال: فانصرفا، ثم قال عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أمتي القرن الذي أنا منهم، ثم الثاني والثالث، ثم ينشأ قوم يسبق أيمانهم شهادتهم، يشهدون من غير أن يُستشهدوا، لهم لَغَطٌ في أسواقهم» . قال ابن حجر: إسناده قوي، كذا في الكنزل؛ وأخرجه أيضاً أبو بكر ابن (أبي) عاصم، كما في الإصابة. (قصة امرأة أخرى وزوجها مع عمر) وأخرج ابن سعد عن الشَّعبي قال: جاءت امرأة إلى عمر بن الخطاب فقالت: أشكو إليك خير أهل الدنيا إلا رجلاً سبقه بعمل أو عمل مثل عمله. يقوم الليل حتى يصبح، ويصوم النهار حتى يمسي، ثم تجلاّها الحياء، فقالت: أقِلْني يا أمير المؤمنين، فقال: جزاك الله خيراً؛ فقد أحسنت الثناء. قد أقتلك، فلما ولّت قال كعب بن سخور: يا أمير المؤمنين لقد أبلغت إليك في الشكوى، فقال: ما اشتكت؟ قال: زوجَها، قال: عليَّ المرأة (فأرسل إلى زوجها فجاء) ، فقال لكعب: اقضِ بينهما، قال: أقضي وأنت شاهد قال: إنك قد فطنت إلى ما لم أفطن له، قال: فإن الله تعال يقول: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباح} (سورة النساء، الآية: 3) صم ثلاثة أيام وأفطر عندها يوماً، وقم ثلاث ليالٍ وبتْ عندها ليلة.

فقال عمر: لهَذا أعجب إليَّ من الأول؛ فبعثه قاضياً لأهل البصرة. وأخرجه اليَشْكري عن الشعبي بمعناه أطول منه وفيه: فقال لها عمر: أصدقيني ولا بأس بالحق، فقالت: يا أمير المؤمنين إني امرأة لأشتهي ما تشتهي النساء. وعند عبد الرزاق عن قَادة قال: جاءت امرأة إلى عمر فقالت: زوجي يقوم الليل ويصوم النهار، قال: أفتأمريني أن أمنعه قيام الليل وصيام النهار؟ فانطلقت ثم عادت بعد ذلك، فقالت له مثل ذلك فرد عليها مثل قوله الأول، فقال له كعب ابن سُور: يا أمير المؤمنين إنَّ لها حقاً، قال: وما حقُّها؟ قال: أحل الله له أربعاً، فاجعل واحدة من الأربع. لها في كل أربع ليالٍ ليلة، وفي كل أربعة أيام يوم؛ فدعا عمر زوجها وأمره أن يبيت معها من كل أربع ليالٍ ليلة، ويفطر من كل أربعة أيام يوماً، كذا في الكنز (8307 و308) . وأخرجه ابن أبي شيبة من طريق ابن سيرين والزبير بن بكار في الموفقيت من طريق محمد بن معن وابن دريد في الأخبار المنثورة عن أبي حاتم السجستان عن أبي عبيدة وله طرق. كذا في الإصابة. (قصة أبي غرزة وزوجته عند عمر) وأخرجه ابن جرير عن أبي غَرْزة رضي الله عنه أنه أخذ بيد ابن الأرقم رضي الله عنه فأدخله على امرأته، فقال: أتبغضيني؟ قالت: نعم، قال له ابن الأرقم: ما حملك على ما فعلت؟ قال: كثرت عليَّ مقالة الناس، فأتى ابن الأرقم عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأخبره، فأرسل إلى أبي غَرْزة فقال له: ما حلك على ما فعلت؟ قال: كثرت عليَّ مقالة الناس، فأرسل إلى امرأته

فجاءته ومعها عمة منكرة، فقالت: إن سألك فقولي: استحلفني فكرهت أن أكذب. فقال لها عمر: ما حملك على ما قلت؟ قالت: إنه استحلفني فكرهتُ أن أكذب، فقال عمر: بلى فلتكذب إحداكم وليتجمُل فليس كل البيوت تُبنى على الحب، ولكن معاشرة على الأحساب والإسلام، كذا في الكنز. (قصة عاتكة بنت زيد بن عمرو) وأخرج وكيع عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال: كانت عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل رضي الله عنهما عند عبد الله بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، وكان يحبها حباً شديداً، فجعل لها حديقة على أن لا تَزَوَّج بعده، فرُمي بسهم يوم الطائف فانتقَض بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبعين ليلة فمات، فرثته عاتكة فقالت: وآليتُ لا تنفك عيني سخينة عليك ولا ينفك جلدي أغبرا مدى الدهر ما غنَّت حمامةُ أيكةٍ وما طرد الليلُ الصباحَ المنوَّرا فخطبها عمر بن الخطاب رضي الله عنه قالت: قد كان أعطاني حديقة (على) أن لا أتزوج، قال: فاستفتي، فاستفتت عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال: ردِّي الحديثة إلى أهله وتزوَّجي، فتزوجها عمر فسرَّح إلى عدة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم علي بن أبي طالب وكان أخا عبد الله بن أبي بكر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال علي لعمر: إئذن لي فأكلمها، فقال كلمها. فقال: يا عاتكة:

وآليتُ لا تنفك عيني سخينة ... عليك ولا ينفك جلدي أغبرا مدى الدهر ما غنَّت حمامةُ أيكةٍ ... وما طرد الليلُ الصباحَ المنوَّرا فخطبها عمر بن الخطاب رضي الله عنه قالت: قد كان أعطاني حديقة (على) أن لا أتزوج، قال: فاستفتي، فاستفتت عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال: ردِّي الحديقة إلى هله وتزوَّجي، فتزوجها عمر فسرَّح إلى عدة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم علي بن أبي طالب وكان أخا عبد الله بن أبي بكر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال علي لعمر: إئذن لي فأكلمها، فقال كلمها. فقال: يا عاتكة: وآليت لا تنفك عيني سخينة عليك ولا ينفك جلدي أغبرا (فنشجت نشجاً عالياً) فقال عمر: غفر الله لك لا تفسد عليَّ أهلي كذا في الكنز. وأخرجه ابن سعد بسند حسن عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب مختصراً، كما في الإصابة. (قصة ابن عباس وزوجته وقول خالته ميمونة فيه) وأخرج عبد الرزاق عن ندبة مولاة ميمونة رضي الله عنها قالت: دخلت على بن عباس رضي الله عنهما وأرسلتني ميمونة إليه، فإذا هو في بيته فراشان، فرجعت إلى ميمونة فقلت: ما أرى ابن عباس إلا مهاجراً لأهله، فأرسلت ميمونة بنت سرج الكِندي امرأة ابن عباس تسألها فقالت: ليس بيني وبينه هجر ولكني حائض، فأرسلت ميمونة إلى ابن عباس أترغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشر المرأة من نسائه حائضاً تكون عليها الخرقة إلى الركبة وإلى نصف الفخذ، كذا في الكنز. (قصة ابنعباس وابن عم له مع جارية) وأخرج البخاري في الأدب (ص49) عن عكرمة قال: لا أدري أيهما جعل لصاحبه طعاماً ابن عباس أو ابن عمه، فبينا الجارية تعمل بين أيديهم إذ قال أحدهم لها: يا زانية، فقال: مَهْ إن لم تحدّك في الدنيا تحدّك في الآخرة،

قال: أفرأيت إن كان كذاك؟ قال: إن الله لا يحب الفاحش المتفحِّش. ابنعباس الذي قال: إن الله لا يحب الفاحش المتفحش. (قصة امرأة عمرو بن العاص مع جارية لها) وأخرج ابن عساكر عن أبي عمران الفلسطيني قال: بينا امرأة عمرو بن العاص رضي الله عنه تفلي رأسه إذ نادت جارية لها، فأبطأت عنها، فقالت: يا زانية، فقال عمرو: رأيتها تزني؟ قالت: لا، قال: والله لتضربن لها يوم القيامة ثمانين سوطاً فقالت لجاريتها وسألتها العفو عنها، فعفت عنها، فقال لها عمرو: ما لها لا تعفو عنك وهي تحت يدك فأعتقيها؛ فقالت: هل يجزي عن ذلك؟ قال: فلعلَّ، كذا في الكنز. (بعض قصص الصحابة رضي الله عنهم في المعاشرة) وأخرج أبو نُعيم في الحلية عن أبي المتوكل أن أبا هريرة رضي الله عنه كانت له زنجية قد غمتهم بعملها، فرفع عليها السوط يوماً فقال: لولا القصاص لأغشيتك به، ولكني سأبيعك ممن يوفيني ثمنك، اذهبي فأنت لله. وأخرج أبو عبيد وابن عساكر عن عبد الله بن قيس أو ابن أبي قيس قال: كنت فيمن تلقَّى عمر رضي الله عنه مع أي عبيدة رضي الله عنه مَقْدَمه الشام، فبينا عمر يسير إ5 لقيه المقلَّسون من أهل أذرعات بالسيوف فقال: مَهْ، ردُّوهم وانعوهم، فقال: أبو عبيد رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين هذه سنة العجم، فإنَّك إن تمنعهم منها يروا أن في نفسك نقضاً لعهدهم، فقال عمر: دعوهم (عمر وآل عمر) في طاعة أبي عبيدة، كذا في الكنز.

وأخرج المحاملي عن ابنعمر رضي الله عنهما أن عمر سابق الزبير رضي الله عنه فسبقه الزبير، فقال: سبقتك ورب الكعبة، ثم إن عمر سابقه مرة أخرى فسبقه عمر فقال عمر: سبقتك ورب الكعبة كذا في الكنز. وأخرج ابن أبي شيبة والخطيب في الجامع عن سليم بن حنظلة قال: أتينا أبيَّ بن كعب رضي الله عنه لنتحدث عنهد، فلما قام قمنا نمشي معه، فلحقه عمر رضي الله عنه فقال: أما ترى فتنة للمتبوع ذلة للتابع، كذا في الكنز. وأخرج أبو نعيم في الحلية عن أبي البختري قال: جاء رجل (إلى) سلمان رضي الله عنه فقال: ما أحسن صنيع الناس اليوم؛ إني سافرت فوالله ما أنزل بأحد منهم إلا كما أنزل على ابن أبي قال: ثم قال: من حسن صنيعهم ولطفهم قال: يا ابن أخي ذاك طُرْفة الإيمان، ألم ترَ الدابة إذا حمل عليها حملها انطلقت به مسرعة وإذ تطاول بها السير تتلكأ. وأخرج مسدَّد وابن منيع والدارمي عن حية بنت أبي حية قالت: دخل عليَّ رجل بالظهيرة، فقلت: ما حاجتك يا عبد الله؟ قال: أقبلت أنا وصتاحب لي في بُغاء إبل لنا، فانطلق صاحبي يبغي ودخلت في الظل أستظل وأشرب من الشراب، قالت: فقمت إلى لُبَينة لنا حامضة فسقيته منها وتوسمته، وقلت: يا عبد الله من أنت؟ قال: أبو بكر، قلت: أبو بكر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي سمعت به؟ قال: نعم، فذكرت له غزونا خثعم في الجاهلية وغزو

بعضنا بعضاً وما جاء الله به من الإلف، فقلت: يا عبد الله حتى متى أمر الناس هذا؟ قال: ما استقامت الأئمة (قلت: وما الأئمة) ، قال: ألم ترى (إلى) السيد يكون في الحيِّ أيتبعونه ويطيعونه؟ فهم أولئك ما استقاموا؛ قال ابن كثير: إسناده حسن جيد. كذا في الكنز. لغاية ص 385 تابع وأخرج يعقوب بن سفيان والبيهقي وابن عساكر عن الحارث بن معاوية أنه قدم على عمر بنالخطاب رضي الله عنه فقال له: كيف تركت أهل الشام؟ فأخبره عن حالهم، فحمد الله ثم قال: لعلكم تجالسون أهل الشرك؟ فقال: لا يا أمير المؤمنين، فقال: إنكم إن جالستموهم أكلتم معهم وشربتم معهم، ولن تزالوا بخير ما لم تفعلوا ذكل. كذا في الكنز الكنز. وأخرج ابن أبي حاتم عن عياض أن عمر رضي الله عنه أمر أبا موسى الأشعري رضي الله عنه أن يرفع إليه ما أخذ وما أعطى في أديم واحد - وكان له كتاب نصراني - فرفع إليه ذلك، فعجب عمر وقال: إن هذا لحفيظ، هل أنت قارىء لنا كتاباً في المسجد جاء من الشام؟ فقال: إنه لا يستطيع، فقال عمر: أجنبٌ هو؟ قال: لا بل نصراني، قال: فانتهرني وضرب فخذي ثم قال: أخرجوه ثم قرأ {يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَآء} (سورة المائدة، الآية: 51) - الآية - كذا في التفسير لابن كثير.

هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في العطام والشراب (هديه عليه السلام في الطعام والشراب) أخرج الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً قط، إن اشتهاه أكله وإلا تركه، كذا في البداية. وأخرج ابن عساكر عن علي رضي الله عنه قال: كان أحبّ ما في الشاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذراع، كذا الكنز. وعند الترمذي في الشمائل (ص12) عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه الذراع، قال: وسُمَّ في الذراع وكان يرى أن اليهود سمّوه. وعنده أيضاً عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: أتانا النبي صلى الله عليه وسلم في منزلنا، فذبحنا له شاة، فقال: «كأنهم علموا أنا نحب اللحم» ، قال: وفي الحديث قصة. وعنده أيضاً عن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه الدُّبّاء، فأُتي بطعام أو دعي له، فجعلت أتتَّبعه بين يديه لما أعلم أنه يحبه. وعنده أيضاً عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أكل طعاماً لعق أصابعه الثلاث.

وأخرج ابن النجار عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل على الأرض، ويعقِل الشاة، ويجيب دعوة المملوك على خبز الشعير، كذا في الكنز. وأخرجه ابن عساكر عن يحيى بن أبي كثير قال: كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم من سعد بن عبادة رضي الله عنه جفنة من ثريد كل يوم تدور معه أينما دار من نسائه. كذا في الكنز. وأخرج ابن جرير عن أنس رضي الله عنه قال: حُلبت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة فشرب من لبنها ثم أخذ ماء فمضمض وقال: «إنَّ له دَسَماً» . كذا في الكنز. وعند أبي يعلى عن أبي بكر الصدِّيق رضي الله عنه قال: نزل النبي لله منزلاً، فبعثت إليه امرأة مع ابن لها بشاة فحلب ثم قال: «انطلق به إلى أمك» فشربت حتى رويت، ثم جاء بشاة أخرى فحلب ثم سقى أبا بكر، ثم جاء بشاة أخرى فحلب ثم شرب، كذا في الكنز. وأخرج سعيد بن منصور عن إبراهيم رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفرِّغ يمينه لطعامه ولشرابه ولوضوئه وأشباه ذلك، ويفرغ شماله للاستنجاء والامتخاط وأشباه ذلك، كذا في الكنز. وأخرج أبو نُعيم عن جعفر بن عبد الله بن الحكم بن رافع فقال: رآني

الحكم رضي الله عنه وأَنا آكل من ههنا وههنا، فقال لي: يا غلام لا تأكل هكذا كما يأكل الشيطان إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل لم تَعْدُ أصابعه بين يديه، كذا في الكنز؛ وقال في الإصابة: سنده ضعيف - اهـ. (تعليمه عليه السلام أصحابه آدام الطعام والتسمية في أوله) وأخرج ابن النجار عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنهما قال: أكلت يوماً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلت آخذ من لحم حول الصحفة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «كُلْ مَما يليك» كذا في الكنز. وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي وابن قانع والطبراني والحاكم وغيرهم عن أمية بن مَخْشي رضي الله عنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يأكل ولم يسمِّ، حتى إذا لم يبقَ من طعامه إلا لقمة رفعها إلى فيه وقال: بسم الله أوله وآخره، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «والله ما زال الشيطان يأكل معك حتى إذا سميَّت فما بقي في بطنه شيء إلا قاءه» ؛ وفي لفظ: «حتى ذكرت اسم الله استقاء ما في بطنه» . كذا في الكنز. وأخرج النسائي عن حذيفة رضي الله عنه قال: بينا نحن عند رسول

الله صلى الله عليه وسلم إذ أُتي بجفنة فوضعت، فكف عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم يده وكففنا أيدينا - وكنا لا نضع أيدينا حتى يضع يده - فجاء أعرابي كأنه يُطرد، فأومأ إلى الجفنة ليأكل منها، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيده، فجاءت جارية كأنها تُدفع فذهبت لتضع يدها في الطهام فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدها ثم قال: «أنَّ الشيطان ليستحلّ طعام القوم إذا لم يذكر اسم الله عليه، وإنه لما رآنا كففنا عنها جاءنا (بهذه الجارية) ليستحل بها (فأخذت بيدها، فجاء بهذا الأعرابي ليستحل به فأخذت بيده) ، فوالله الذي لا إله إلا هو إنَّ يده في يدي مع يديهما» . كذا في الكنز. وأخرج ابن النجار عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل طعاماً في ستة رهط إذ دخل أعرابي، فأكل ما بين أيديهم بلقمتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لو كان ذكر اسم الله لكفاهم، فإذا أكل أحدكم طعاماً فليذكر اسم الله تعالى، فإن نسي ثم ذكر فليقل: بسم الله أوله وآخره» . كذا في الكنز. (ضيافته عليه السلام عند أصحابه) وأخرج ابن أبي شَيْبَة وأبو نُعيم عن عبد الله بن بُسْر رضي الله عنه قال: جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي فنزل، فأتاه بطعام سويقٍ وحَيْس فأكل، وأتاه بشراب فشرب، فناول من عن يمينه، وكان إذا أكل تمراً ألقى النوى هكذا - وأشار بأصبعه على ظهرها - فلما ركب النبي صلى الله عليه وسلم قام أبي فأخذ بلجام بغلته، فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ادعُ لنا، فقال: «اللهمَّ بارك لهم فيما رزقتهم،

واغفر لهم، وارحمهم» . وعند الحاكم عنه قال: قال أبي لأمي: لو صنعت صعاماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم فصنعت ثريدة، فانطلق أبي فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على ذِروتها وقال: «خذوا باسم الله» فأخذوا من نواحيها، فلما طعموا قال النبي صلى الله عليه وسلم «اللهمَّ اغفر لهم، وارحمهم، وبارك لهم في رزقهم» كذا في الكنز. (هدي علي وعمر رضي الله عنهما في الطعام والشراب) وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا في الدعاء أبو نعيم في الحلية والبيهقي عن ابن أعبَد قال: قال علي رضي الله عنه: يا ابن أعبد هل تدري ما حق الطعام؟ قلت: وما حقُّه؟ قال تقول: بسم الله، اللهمَّ بارك لنا فيما رزقنا. ثم قال: أتدري ما شكره إذا فرغت؟ قلت: وما شكره؟ قال تقول: الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا. كذا في الكنز. وأخرج أبو نعيم عن عمر رضي الله عنه قال: إياكم والبِطْنة في الطعام والشراب؛ فإنها مفسدة للجسد، مورثة السقم، مكسِلة عن الصلاة، وعليكم بالقصد فيهما؛ فإنه أصلح للجسد وأبعد من السرف. وإن الله تعالى ليبغض الحبر السمين، وإنّ الرجل لن يهلك حتى يأثر شهوته على دينه. كذا في الكنز. وأخرج ابن ساكر عن أبي محذورة رضي الله عنه قال: كنت جالساً

عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذ جاء صفوان بن أمية بجفنة فوضعها بين يدي عمر، فدعا عمر ناساً مساكين وأرقّاء من أقاء الناس حوله، فأكلوا معه، ثم قال عند ذلك: فعل الله بقوم - أو لحا الله قوماً - يرغبون عن أرقائهم أن يأكلوا معهم فقال صفوان: أما والله ما نرغب عنهم، ولكنا نستأثر، لا نجد من الطعام الطيب ما نأكل ونطعمه. كذا في الكنز. (هدي ابن عمر وابن عباس في الطعام والشراب) وأخرج أبو نُعَيم في الحلية عن مالك بن أنس قال: حُدِّثت أنَّ عمر رضي الله تعالى عنهما نزل الجحفة، فقال ابن عامر بن كُرَيز لخبّازه: اذهب بطعامك إلى ابن عمر، فجاء بصحفة فقال ابن عمر: ضعها، ثم جاء بأخرى، وأراد أن يرفع الأولى فقال ابن عمر: مالك؟ قال: أريد أن أرفعها، قال: دَعْها، صُبَّ عليها هذه. قال: فكان كلما جاءه بصحفة صبَّها على الأخرى، قال: فذهب العبد إلى ابن عامر فقال: هذا جاف أعرابي، فقال له ابن عامر: هذا سيدك هذا ابن عمر وأخرج أبو نعيم في الحلية عن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه أن ابن عباس رضي الله عنهما كان يأخذ الحبة من الرمان فيأكلها، فقيل له: يا ابن عباس لم تفعل هذا؟ قال: إنه بلغني أنه ليس في الأرض رمانه تُلقح إلا بحبة من حب الجنة، فلعلها هذه. (هدي سلمان وأبي هريرة وعلي في الطعام والشراب) وأخرج أبو نعيم في الحلية عن سالم مولى زيد بن صوحان قال: كنت

مع مولاي زيد بن صوحان في السوق، فمرّ علينا سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه وقد اشترى وَسْقاً من طعام، فقال له زيد: يا أبا عبد الله تفعل هذا وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنَّ النفس إذا أحرزت رزقها اطمأنت، وتفرغت للعبادة، وأيس منها الوسواسو. وعنده أيضاً عن أبي عثمان النَّهْدي أن سلمان الفارسي قال: إني لأحب أن آكل من كدِّ يدي. وأخرج أبو نُعيم في الحلية عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كانت لي خمس عشرة تمرة، فأفطرت على خمس، وتسحَّرت بخمس، وبقَّيت خمساً لفطري. وأخرج ابن سعد عن القاسم بن مسلم مولى علي بن أبي طالب عن أبيه قال: دعا علي رضي الله عنه بشراب، فأتيته بقدح من ماء فنفخت فيه، فردَّه وأبى أن يشربه وقال: اشربه أنت. هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في اللباس هديه عليه السلام في اللباس وأخرج ابن سعد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: كنت مع عمر ابن الخطاب رضي الله عنه فقال: رأيت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم وعليه جبّة شاميّة ضيّقة الكمين. كذا في الكنز وقال: وسنده صحيح. وأخرج ابن سعد عن جندب بن مَكِيث رضي الله عنه قال: كان رسول

الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم الوفد لبس أحسن ثيابه، وأمر عِلْيَة أصحابه بذلك، فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قدم وفد كِندة وعليه حلّة يمانية، وعلى أبي بكر وعمر رضي الله عنهما مثل ذلك. وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي في الشمائل عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: كان عثمان بن عفان رضي الله عنه يتَّزر إلى أنصاف ساقيه وقال: هكذا كانت إزرة حبِّي. كذا في الكنز. وعند الترمذي في الشمائل (ص9) عن الأشعث بن سُلَيم قال: سمعت عمَّتي تحدِّث عن عمِّها، قال: بينما أنا أمشي بالمدينة إذ إنسان خلفي يقول: «ارفع إزارك، فإنَّه أتقى وأبقى» ، فالتفتُّ فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، إنما هي بردة مَلْحاء. قال: «أما لك فيَّ أسوة» ؟ فنظرت فإذ إزاره إلى نصف ساقَيْه. وصف الصحابة للباسه عليه السلام وعنده أيضاً عن أبي بردة قال: أخرجت إلينا عائشة رضي الله عنها كساء ملبَّداً، وإزاراً غليظاً، فقالت: قبض روح رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذين. وعنده أيضاً (ص5) عن أم سَلَمة رضي الله عنها قالت: كان أحب الثياب إلى

رسول الله صلى الله عليه وسلم القميص. وعن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت: كان كُمُّ قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرُّسغ. وعن جابر رضي الله عنه قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء. وعن عمرو بن حريث رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء. وعن عمرو بن حريث رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس وعليه عمامة سوداء. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس وعليه عصابة دَسْماء. وعن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اعتم سدل عمامته بين كتفيه، قال نافع: وكان ابن عمر يفعل ذلك، قال عبد الله:

ورأيت القاسم بن محمد وسالماً يفعلان ذلك، كذا في الشمائل (ص9) . فراشه عليه السلام وأخرج الشيخان عن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت عن فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: كان من أدم، حَشْوه ليف. وأخرجه ابن سعد نحوه. وعند الحسن بن عرفة عن عائشة قالت: دخلت عليَّ امرأة من الأنصار فرأت فراش رسول الله عباءة مثنية، فانطلقت فبعثت إليَّ بفراش حشوه الصوف، فدخل عليَّ رسول الله فقال: «ما هذا يا عائشة» ؟ قالت: قلت: يا رسول الله فلانة الأنصارية دخلت عليَّ فرأت فراشك، فذهبت فبعثت إليَّ بهذا، فقال: «ردِّيه» قالت: فلم أردّه وأعجبني أن يكون في بيتي، حتى قال ذلك ثلاث مرات، قالت: فقال: «ردِّيه يا عائشة، فوالله لو شئت لأجرى الله معي جبال الذهب والفضة» . وأخرجه ابن سعد عن عائشة نحوه. وعند الترمذي في الشمائل عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: سئلت عائشة رضي الله عنها: ما كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتك؟ قالت: من أدَمٍ حَشْوُه ليف، وسئلت حفصة رضي الله عنها: ما كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: مِسْحاً نثنيه ثنيتين، فينام عليه، فلما كان ذات ليلة قلت: لو ثنيته بأربع ثنيات كان أوطأ له، فثنيناه له بأربع ثنيات، فلما أصبح قال: «ما فرشتم لي الليلة؟» قالت: قلنا: هو فراشك إلا أنا ثنيناه بأربع ثنيات، قلنا: هو أوطأ

لك، قال: «ردُّوه لحالته الأولى؛ فإنه منعتني وطأتُه صلاتي الليلة. كذا في البداية. وأخرجه ابن سعد عن عائشة. قوله عليه السلام عند لبس الجديد وأخرج ابن المبارك والطبراني والحاكم والبيهقي وغيرهم عن عمر رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا بثياب جُدُد فلبسها، فلما بلغت تراقية قال: «الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي، وأتجمَّل به في حيات» ثم قال: «والذي نفسي بيده ما من عبد مسلم يلبس ثوباً جديداً، ثم يقول مثل ما قلت، ثم يعمد إلى سَمَل من أخلاقه التي وضع فيكسوه إنساناً مسلماً فقيراً لا يكسوه إلا لله؛ لم يزل في حِرز الله وفي ضمان الله وفي جوار الله، ما دام عليه منه سلك واحد حياً وميتاً، حياً وميتاً» ، قال البيهقي: إسناده غير قوي، وحسَّنه ابن حجر في أماليه، كذا في الكنز. امتداحه عليه السلام للسراويل وأخرج البزار والعُقَيلي وابن عدي وغيرهم عن علي رضي الله عنه قال: كنت قاعداً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عند البقيع في يوم مطير، فمرت امرأة على حمار ومعها مكارٍ، فمرت في وهدة من الأرض فسقطت، فأعرض عنها

بوجهه، فقالوا: يا رسول الله إنها متسرولة، فقال: «اللهمَّ اغفر للمتسرولات من أمتي، يا أيها الناس اتخذوا السراويلات فإنَّها من أستر ثيابكم، وحصِّنوا بها نساءكم إذا خرجن» . وأورده بن الجوزي في الموضوعات فلم يُصِب، والحديث له عدة طرق، كذا في الكنز. قصته عليه السلام مع دحية وأسامة في اللباس وأخرج ابن منده وابن عساكر عن دِحية بن خليفة الكلبي رضي الله عنه أنه بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل، فلما رجع أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم قُبْطِيَّة قال: «اجعل صديعها قميصاً، وأعط صاحبتك صديعاً تختمر به» فلما ولّى دعاه قال: «مُرْها تجعل تحته شيئاً لئلا يصف» ، كذا في الكنز. وأخرج ابن أبي شيبة وابن سعد وأحمد والروياني والبارودي والطبراني والبيهقي وسعيد بن منصور عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم قُبطية كثيفة مما أهدى دحية الكلبي، فكسوتها امرأتي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما لك لا تلبس القبطية» ؟ قلت: يا رسول الله إني كستوتها امرأتي، قال: «فأُمُرْها فلتجعل تحتها غلالة فإني أخشى أن تصف عِظامها» . كذا في الكنز.

قصة عائشة مع أبيها حينما لبست ثوباً أعجبت به وأخرج ابن امبارك وأبو نُعيم في الحلية عن عائشة رضي الله عنها قالت: لبست ثيابي، فطففت انظر إلى ذيلي وأنا أمشي في البيت، والتفت إلى ثيابي وذيلي، فدخل عليَّ أبو بكر رضي الله عنه وقال: يا عائشة أما تعلمين أنَّ الله لا ينظر إليك الآن؟ وعند أبي نُعيم في الحلية عنها قالت: لبست مرة دِرْعاً لي جديداً، فجعلت أنظر إليه وأعجب به، فقال أبو بكر: ما تنظرين؟ إنَّ الله ليس بناظر إليك، قلت: وممَّ ذاك؟ قال: أما علمتِ أنَّ العبد إذا دخله العجب بزينة الدنيا مقته ربه حتى يفارق تلك الزينة. قالت: فنزعته فتصدَّقت به، فقال أبو بكر: عسى ذلك أن يكفر عنك. كذا في الكنز، قال: وهو في حكم المرفوع. هدي عمر وأنس رضي الله عنهما في اللباس وأخرج ابن سعد عن عبد العزيز بن أبي جميلة الأنصاري قال: كان قميص عمر رضي الله عنه لا يجاوز كمُّه رسغَ كفَّيه. وعن بَدِيل بن مسيرة قال: خرج عمر بن الخطاب يوماً إلى الجمعة وعليه قميص سنبلاني، (فجعل يعتذر إلى الناس وهو يقول: حبسني قميصي هذا) ، وجعل يمدُّ كمّه، فإذا تركه رجع إلى أطراف أصابعه.

وعن هشام بن خالد قال: رأيت عمر يأتزر فوق السرّة. وعن عامر بن عبيدة الباهلي قال: سألت أنساً رضي الله عنه عن الخز قال: وددتُ أنَّ الله لم يخلقه، وما أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا وقد لبسه ما خلا عمر وابن عمر، كذا في منتخب الكنز. وهو صحيح. وأخرج هنّاد وابن أبي الدنيا في قِصَر الأمل عن مسروق قال: خرج عليها عمر ذات يوم وعليه حلّة قطن، فنظر إليه الناس نظراً شديداً فقال: لا شيء فيما ترى تبقى بشاشتهُ يبقى الإِله ويودي المالُ والولدُ واللَّهِ ما الدنيا في الآخرة إلا كنَفْجة أرنب. كذا في منتخب الكنز. هدي عثمان رضي الله عنه في اللباس وأخرج الحاكم عن أبي عبد الله مولى شدّاد بن الهاد قال: رأيت عثمان بن عفان رضي الله عنه على المنبر يوم الجمعة وعليه إزار عدني غليظ قيمته أربعة دراهم أو خمسة دراهم، وَرَيطة كوفية ممشَّقة، ضَرْبَ اللحم، طويلَ اللحية، حسنَ الوجه. وأخرجه أيضاً الطبراني عن عبد الله بن شدّاد بن الهاد مثله وإسناده حسن. كما قال الهيثمي.

وعنده أيضاً عن موسى بن طلحة قال: كان عثمان يوم الجمعة يتوكأ على عصا، وكان أجمل الناس، وعليه ثوبان أصفران: إزاء ورداء، حتى يأتي المنبر فيجلس عليه. قال الهيثمي: رواه الطبراني عن شيخه المقدام بن داود وهو ضعيف. اهـ. وأخرج ابن سعد عن سليم أبي عامر قال: رأيت على عثمان بن عفان بُرْداً يمانياً ثمنَ مائة درهم. وعنده أيضاً عن محمد بن ربيعة بن الحارث قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوسِّعون على نسائهم في اللباس الذي يصان ويُتجمَّل به، ثم يقول: رأيت على عثمان مِطْرف خزَ ثمن مائتي درهم، فقال: هذا لنائله كسوتها إياه فأنا ألبسه أسرُّها به. هدي علي رضي الله عنه في اللباس وأخرج أبو نُعيم في الحلية عن زيد بن وهب قال: قدم على عليَ وفد من أهل البصرة فيهم رجل من أهل الخوارج يقال له الجعد بن نَعجة. فعاتب علياً في لَبوسه، فقال علي: مالك وللبوسي؟ إنَّ لبوسي أبعد من الكِبْر، وأجدر أن يقتدي بي المسلم. وعن عمرو بن قيس قال قيل لعليّ: يا أمير المؤمنين لم ترقع قميصك؟ قال: يخشع (به) القلب، ويقتدي به المؤمن. وأخرجه هنّاد عن عمرو بن قيس

مثله، كما في المنتخب. وأخرجه ابن سعد عن عمرو نحوه. وأخرج ابن أبي شيبة وهنّاد عن عطاء أبي محمد قال: رأيت على عليَّ قميصاً من هذه الكرابيس غير غسيل. وعند هنَّاد وابن عساكر عن عبد الله بن أبي الهذيل قال: رأيت على عليَ بن أبي طالب قميصاً رازيَّاً إذا مدَّ يده بلغ أطراف الأصابع، وإذا تركه رجع إلى قريب نصف الذراع. كذا في المنتخب. وأخرج بن عيينة في جامعه والعسكري في المواعظ وسعيد بن منصور والبيهقي وابن عساكر عن عليَ أنَّه كان يلبس القميص ثم يمدُّ الكم، حتى إذا بلغ الأصابع قطع ما فضَل ويقول: لا فضل لكمَّين على اليدين. كذا في الكنز. وعند أبي نُعيم في الحلية عن أبي سعيد الأزدي - وكان إماماً من أئمة الأزد - قال: رأيت علياً رضي الله عنه أتى السوق وقال: من عند قميص صالح بثلاثة دراهم؟ فقال رجل: عندي، فجاء به فأعجبه قال: لعلَّه خير من ذلك، قال: لا، ذاك ثمنه؛ قال: فرأيت علياً يقرِض رباط الدراهم من ثوبه، فأعطاه فلبسه، فإذا هو يفضل عن أطراف أصابعه، فأمر به فقُطع ما فضَل عن أطراف أصابعه. وأخرج أحمد في ازلهد عن مولى لأبي غُصعين قال: رأيت علياً خرج فأتى رجلاً من أصحاب الكرابيس، فقال له: عندك قميص سنبلاني؟ قال: فأخرج

إليه قميصاً، فلبسه فإذا هو إلى نصف ساقيه، فنظر عن يمنيه وعن شماله فقال: ما أرى إلا قدراً حسناً، بكم هذا؟ قال: بأربعة دراهم يا أمير المؤمنين، قال: فحلَّها من إزاره فدفعها إليهثم انطلق. كذا في البداية. هدي عبد الرحمن بن عوف وابن عمرو ابن عباس رضي الله عنهم في اللباس وأخرج ابن سعد عن سعد بن إبراهيم قال: كان عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يلبس البرد أو الحلّة تساوي خمسمائة أو أربعمائة. وأخرج أبو نُعيم في الحلية عن قرعة قال: رأيت على ابن عمر رضي الله عنهما ثياباً خشنة - أو خشبة - فقلت له: يا أبا عبد الرحمن إني أتيتك بثوب ليِّن مما يُصنع بخراسان وتقر عيناني أن أراه عليك، فإن عليك ثياباً خشنة - أو خشبة - فقال: أرنيه حتى أنظر إليه قال: فلمسه بيده وقال: أحرير هذا؟ قلت: لا، إنه من قطن؛ قال: إني أخاف أن ألبسه، أخاف أن أكون مختالاً فخوراً والله لا يحب كل مختال فخور. وعنده أيضاً عن عبد الله بن حُبَيش قال: رأيت على ابن عمر ثوبين مَعَافِرِيَّين، وكان ثوبه إلى نصف الساق. وأخرجه ابن سعد عن عبد الله بن خَنَش نحوه. وعند أبي نُعيم عن وَقْدان قال: سمعت ابن عمر وسأله رجل

ما ألبس من الثياب؟ قال: ما لا يزدريك فيه السفهاء، ولا يعتبك به الحلماء، قال: ما هو؟ قال: ما بين الخمسة إلى العشرين درهماً. وأخرج أبو نعيم في الحلية عن أبي إسحاق قال: رأيت ابن عمر يتَّزر إلى أنصاف ساقيه. وعنده أيضاً عنه قال: رأيت عدّة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بنزيد. (وزيد) بن أرقم، والبراء بن عازب، وابن عمر رضي الله عنهم يتَّزرون إلى أنصاف سوقهم. وأخرج أبو نُعيم في الحلية عن عثمان بن أبي سليمان أن ابن عباس رضي الله عنهما اشترى ثوباً بألف درهم فلبسه. هدي عائشة وأسماء رضي الله عنهما في اللباس وأخرج البخاري في الأدب (ص68) عن كثير بن عبيد قال: دخلت على عائشة أم المؤمين رضي الله عنها، فقالت: أمسك حتى أخيط نُقبتي، فأمسكت، فقلت: يا أم المؤمنين لو خرجتُ فأخبرتهم لعدُّو منك بخلاً، قالت: أبصر شأنك. إنه لا جديد لمن لا يلبس الخَلَق. وأخرج ابن سعد عن أبي سعيد أن داخلاً دخل على عائشة وهي تخيط نُقبة لها فقال: يا أم المؤمنين أليس قد أكثر الله الخير؟ قالت: دعنا منك، لا جديد لمن لا خَلَق له. وأخرج ابن سعد عن هشام بن عروة أن المنذر ابن الزبير قدم من العراق فأرسل إلى أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما بكسوة من ثياب مَرْويَّة وقوهيَّة

رِقاق عِتاق بعدما كُف بصرها، قال: فلمستها بيدها ثم قال: أف ردُّوا عليه كسوته قال: فشقَّ ذلك عليه وقال: يا أمه، إنه لا يُشِف، قالت: إنها إن لم تشف فإنها تَصِف، قال: فاشتى لها ثياباً مرويَّة وقوهيَّة، فقبلتها، وقالت: مثل هذا فاكسُني. فعل عمر رضي الله عنه في أمر اللباس وأخرج البيهقي عن أنس رضي الله عنه أن امرأة أتت عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقالت: يا أمير المؤمنين إن دِرعي مخرَّق، قال: ألم أكسُك؟ قالت: بلى ولكنه تخرَّق، فدعا لهابدرع نجيب وخيط، وقال لها: البسي هذا - يعني الخَلَق - إذا خبزت وإذ جعلت البُرمة، والبسي هذا إذا فرغت؛ فإنه لا جديد لمن لا يلبس الخَلَق. كذا في الكنز. وأخرج سفيان بن عيينة في جامعه عن خَرَشة بن الحرِّ قال: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومرَّ به فتى قد أسبل إزاره وهو يجره، فدعاه فقال له: أحائض أنت؟ قال: قال: يا أمير المؤمنين وهل يحيض الرجل؟ قال: فما بالك قد أسبلت إزارك على قدميك؟ ثم دعا بشفرة ثم جمع طرف إزاره فقطع ما أسفل الكعبين، وقال خَرَشة: كأنَّي أنظر إلى الخيوط على عقبيه. كذا في الكنز. وأخرج أبو ذر الهَرَوي في الجامع والبيهقي عن أبي عثمان النهدي قال: أتانا كتاب عمر بن الخطاب ونحن بأذربيجام مع عتبة بن فَرْقَد أما بعد:

فاتّزروا، وارتدوا، وانتعلوا، وارموا بالخفاف، وألقوا السراويلات، وعليكم بلباس أبيكم إسماعيل، وإياكم والتنعُّم وزِيّ العجم، وعليكم بالشمس فإنها حمَّام العرب، وتمدَدوا، واخشوشنوا، واخلولقوا، واقطعوا الركب، وارموا الأغراض، وانزوا، وإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس الحرير إلا هكذا - وأشار بأصبعه الوسطى -. كذا في الكنز. بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم > أخرج ابن سعد: عن الواقدي قال: حدثني معاذ بن محمد الأنصاي قال: سمعت عطاء الخراساني في مجلس فيه عِمران بن أبي أنس يقول وهو فيما بين القبر والمنبر: أدركت حُجَر أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم من جريد انلخل، وعلى أبوابها المسوح من شعر أسود، فحضرت كتاب الوليد بن عبد الملك يُقرأ يأمر بإدخال حُجَر أزواج النبي في مسجد رسول الله، فما رأيت يوماً أكثر باكياً من ذلك اليوم، قال عطاء: فسمعت سعيد بن المسيِّب يقول يومئذ: واللَّهِ لوددتُ أنهم تركوها على حالها؛ ينشأ ناشىء من أهل المدينة، ويقدم القادم من الأفق، فيرى ما اكتفى به رسول الله في حياته، فيكون ذلك ممَّا يزهِّد الناس في التكاثر والتفاخر فيها - يعني الدنيا -. قال معاذ: فلما فرغ عطاء الخراساني من حديثه قال عمران بن أبي أنس: كان منها أربعة أبيات بلبن لها حُجَر من جريد، وكانت خمسة أبيات من جريد مطيّنة لا حُجعر لها، على أبوابها مُسوح الشعر، ذرعتُ الستر فوجدته ثلاث أذرع في

ذرع، والعظم أو أدنى من العظم، فأما ما ذكرت من كثرة البكاء فلقد رأيتني في مجلس فيه نفر من أبناء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أبو سَلَمة ابن عبد الرحمن، وأبو أمامة بن سهل بن حُنَيف، وخارجة بن زيد، وإنهم ليبكون حتى أخضل لحاهم الدمعُ، وقال يومئذ أبو أمامة: ليتها تُركت فلم تُهدم حتى يقصرَ الناس عن البناء، ويَروا ما رضي الله لنبيه ومفاتيح خزائن الدنيا بيده

الباب الحادي عشر باب إيما الصحابة بالغيب كيف كان الصحابة رضي الله تعالى عنهم يؤمنون بالغيب، ويتركون اللذائذ الفانية، والمشاهدات الإنسانية، والمحسوسات الوقتية، والتجربات الماديَّة بإخبار النبي صلى الله عليه وسلم فكأنهم كانوا يعاينون المغيَّبات، ويكذَّبون المشاهدات

عظمة الإِيمان تبشيره عليه السلام من شهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه بالجنة أخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا قعوداً حول رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا أبو بكر وعمر رضي الله عنها في نفر، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين أظهرنا، فأبطأ علينا، وخشينا أن يُقْتَطع دوننا، ففزعنا فقمنا، فكنت أول من فزع، فخرجت أبتغي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتيت حائطاً للأنصار لبني النجار، فدرت (به) هل أجد له باباً؟ فلم أجد، فإذا ربيع يدخل في جوف حائط من بئرٍ خارجةٍ فاحتفزت فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أبو هريرة» ؟ فقلت: نعم يا رسول الله، قال: «ما شأنك» ؟ قلت: كنتَ بين أظهرنا، فقمتَ فأبطأت علينا فخشينا أن تُقتطع دوننا ففزعنا، فكنت أول من فزع، فأتيت هذا الحائط فاحتفزت كما يحتفز الثعلب فدخلت وهؤلاء الناس ورائي، فقال: «يا أبا هريرة - وأعطاني نعليه -، فقال: إذهب بنعليَّ هاتين، فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلاّ الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة» .

فكان أول من لقيني عمر فقال: ما هاتان النعلان يا أبا هريرة؟ قلت: هاتان نعلا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثني بهما من لقيت يشهد أن لا إله إلاَّ الله مستيقناً بها قلبه بشرته بالجنة، فضربني عمر (بيده) بين ثدييَّ فخررت لاِسْتي، فقال: ارجع يا أبا هريرة فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجهشت بالبكاء، وركبني عمر وإذا هو على إثري، فاقل رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما لك يا أبا هريرة» ؟ قلت: لقيت عمر فأخبرته بالذري بعثتني به فضرب بين ثدييَّ ضربة خررت لاِسْتي، فقال إرجع، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا عمر ما حملك على ما فعلت» ؟ قال: يا رسول الله - بأبي أنت وأمي - أبعثت أبا هريرة بنعليك من لقي يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه بشره بالجنة؟ قال: «نعم» ، قال: فلا تفعل فإني أخشى أن يتَّكل الناس عليها، فلخِّهم يعملون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «فخلِّهم» كذا في جمع الفوائد. تبشيره عليه السلام لمن مات لا يشرك بالله شيئاً بدخول الجنة وأخرج الشيخان عن أبي ذر رضي الله عنه قال: خرجت ليلة من الليالي، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي وحده وليس معه إنسان، فقلت: إنه يكره أن يمشي معه أحد، قال: فجعلت أمشي في ظل القمر، فالتفت فرآني فقال: «من هذا» ؟ فقلت: أبو ذر - جعلني الله فداك -. قال: «يا أبا ذر تعالَهْ» قال: فمشيت معه ساعة، فقال: «إنَّ المكثرين هم المقلُّون يوم القيامة؛ إلاّ من أعطاه الله خيراف، فنفح فيه عن يمينه وشماله، وبين يديه وورائه، وعمل فيه خيراً» ، قال: فمشيت ساعة معه فقال لي: «اجلس ههنا» قال: فأجلسني في

قاع حوله حجارة فقال لي: «ههنا حتى أرجع إليك» قال: فانطلق في الحرَّة حتى لا أراه فلبث عني فأطال اللبث، ثم إني سمعته يقول وهو مقبل: «وإن زنى وإن سرق» ، قال: فلما جاء فلم أصبر، فقلت: يا نبي الله - جعلني الله فداك - مَنْ تُكلِّم في جانب الحرَّة؟ ما سمعت أحداً يَرجع إليك شيئاً، قال: «ذاك جبريل عرض لي في جانب الحرَّة فقال: بشِّر أمتك من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة، فقلت: يا جبريل وإن زنى وإن سرق، قال: نعم» . قلتُ: يا رسول الله وإن سرق وءن زنى، قال: «نعم» . قلتُ: وإن سرق وإن زنى، قال: «نعم، وإن شرب الخمر» ، كذا في جمع الفوائد قال: وزادا مع الترمذي في أخرى نحوها في المرأة الرابعة: «على رغم أنف أبي ذر» . قصة الأعرابي الذي فقه وأخرج ابن عساكر عن أنس رضي الله عنه أن شيخاً أعرابياً يقال له علقمة بن عُلاَثة رضي الله عنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنِّي شيخ كبير؛ وإني لا أستطيع أن أتعلم القرآن، ولكني أشهد أن لا إله إلاَّ الله وأَشهد أن محمداً عبده ورسوله حق اليقين، فلما مضى الشيخ قال النبي صلى الله عليه وسلم «فقه الرجل - أو فقه صاحبكم» ، كذا في الكنز. وأخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق والدارقطني في الأفراد من حديث أنس وإسناده ضعيف جداً، كما في الإِصابة.

حديث عثمان في تحريم من تشهَّد على النار وأخرج أحمد عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد حقاً من قلبه إلاَّ حُرِّم على النار» قال عمر بن الخطاب: ألا أحدثك ما هي؟ هي كلمة الإِخلاص التي ألزمها الله تبارك وتعالى محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهي كلمة التقوى التي ألاص عليها نبي الله صلى الله عليه وسلم عمه أبا طالب عند الموت؛ شهادة أن لا إله إلاَّ الله. كذا في المجتمع. وأخرجه أيضاً أبو يَعْلى وابن خُزَيمة وابن حِبّان والبيهقي وغيرهم، كما في الكنز. تبشيره عليه السلام بالمغفرة لأصحابه الذين تشهّدوا معه في مجلس وأخرج أحمد عن يعلى بن شدّاد قال: حدثني أبي شداد رضي الله عنه - وعبادة بن الصامت

قال: بقديد - فجعل رجال يستأذنون رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهليهم فيأذن لهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «ما بال رجال يكون شق الشجرة التي تلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبغض إليهم من الشق الآخر» فلم يُر عند ذلك من القوم إلاَّ باكياً، فقال رجل: إنَّ الذي يستأذن بعد هذا لسفيه، فمد الله وقال خيراً وقال: «أشهد عند الله لا يموت عبد يشهد أن لا إله إلاَّ الله وأَنَّي رسول الله صدقاً من قلبه ثم يُسدَّد إلاَّ سلك في الجنة» ، قال: «وقد وعدني ربي عز وجل أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفاً لا حساب عليهم ولا عذاب، وإني لأرجو أن لا يدخلوها حتى تبوأوا أنتم ومن صلَح من آبائكم وأزواجكم وذراريكم مساكن في الجنة» ، فقال الهيثمي: رواه أحمد وعند ابن ماجه بعضه ورجاله موثَّقون. اهـ. وأخرجه أيضاً الدارمي وابن خزيمة وابن حِبَّان والطبراني بطوله، كما في الكنز وفي

روايتهم فقال أبو بكر رضي الله عنه: إن الذي يستأذنك عن شيء بعدها لسفيه. تفكير الشهادة لمن حلف كاذبا وأخرج البزَّار عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا فلان فعلت كذا وكذا» ؟ قال: لا والذي لا إله إلا هو ما فعلت؛ ورسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أنه قد فعله، فكرر عليه مراراً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «كُفِّر عنك بتصديقك بلا إله إلا الله» قال الهيثمي: رواه البزار وأبو يَعْلى بنحوه إلا أنه قال: «كُفِّر عنك كذبك بتصديقك بلا إله إلا الله» ورجالهما رجال الصحيح. انتهى؛ وقال في هامشه عن ابن حجر: قلت: فيه الحارث ابن عبيد أبو قُدامة وهو كثير المناكير وهذا منها، وقد ذكر البزّار أنه تفرد به - انتهى. وعند الطبراني عن ابن الزبير مرفوعاً أن رجلاً حلف بالله الذي لا إله إلا هو كاذباً فغفر له، قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح. خروج أهل الشهادة من النار وأخرج الطبراني عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا اجتمع أهل النار في النار ومعهم من شاء الله من أهل القبلة، قال الكفار للمسلمين: ألم تكونوا مسملين؟ قالوا: بلى، قالوا: فما أغنى عنكم الإسلام وقد صرتم معناه في النار؟ قالوا: كانت لنا ذنوب فأخذنا بها، فسمع الله ما قالوا، فأمر بمن كان في النار من أهل القبلة فأُخرجوا، فلما رأى ذلك من بقي من الكفار قالوا: يا ليتنا كنَّا مسلمين فنخرج كما خرجوا» ، قال: ثم

قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {الرَ} {تِلْكَ ءايَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْءانٍ مُّبِينٍ} {رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ} (سورة الحجر، الآيتان: 1 و2) ورواه ابن أبي حاتم نحوه وفيه البسملة عوض الاستعاذة. وعند الطبراني عن أنس رضي الله عنه مرفوعاً «أن ناساً من أهل لا إله إلاَّ الله يدخلون النار بذنوبهم فيقول لهم أهل اللاَّت والعزّى: ما أغنى عنكم قولكم لا إله إلاَّ الله وأنتم معنا في النار، فيغضب الله لهم فيخرجهم فيلقيهم في نهر الحياة، فيبرؤون من حَرْقهم كما يبرأ القمر من خسوفه، ويدخلون الجنة ويسمَّمون فيها الجهنميين» . وأخرجه الطبراني أيضاً عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه بسياق آخر نحوه، وفي رواية: «فيسمون في الجنة الجهنميين من سواد في وجهوههم، فيقولون: يا رب أذهب عنا هذا الاسم، فيأمرهم فيغتسلون في نهر (في) الجنة فيذهب ذلك الاسم عنهم» . كذا في التفسير لابن كثير. نجاة جماعة من أهل الشهادة من النار وأخرج الحاكم عن ربعي عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يُدرس الأسلام كما يدرس وشي الثوب، فلا يُدري ما صيام ولا صدقة ولا نسك، ويُسرى على كتاب الله عز وجل في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية، ويبقى طوائف من الناس الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة يقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمة لا إله إلاَّ الله فنحن نقولها» ، فقال صلة: فما تغني

عنهم لا إله إلاَّ الله لا يدرون ما صيام ولا صدقة ولا نسك؟ فأعرض عنه حذيفة رضي الله عنه، من النار، تنجيهم من النار، تنجيهم من النار؛ قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرِّجاه وقال الذهبي: على شرط مسلم. أقوال علي وأبي الدرداء وابن مسعود في الشهادة وأهلها وأخرج أبو نعيم في الحلية عن علي رضي الله عنه قال: أفصح الناس وأعلمهم بالله عز وجل أشد الناس حباً وتعظيماً لحرمة أهل لا إله إلاَّ الله، كذا في الكنز. وأخرج أبو نعيم في الحلية عن سالم ابن أبي الجعهد قال: قيل لأبي الدرداء رضي الله عنه: أن أبا سعد بن منبِّه أعتق مائة مُحَرَّر. فقال: إن مائة مُحَرَّر من مال رجل لكثير، وإن شئت أنبأتك بما هو أفضل من ذلك: إيمان ملزوم بالليل والنهار، ولا يزال لسانك رطباً من ذكرالله عز وجل. وأخرجه ابن أبي الدنيا موقوفاً بإسناده حسن عن سالم بن أبي الجعد قال: قيل لأبي الدرداء: إن رجلاً أعتق - فذكر نحوه، كما في الترغيب. وأخرج الطبراني عن عبد الله - يعن ابن مسعود - رضي الله عنه قال: إنَّ الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم، وإنَّ الله يُؤتي المال من يحب ومن لا يحب، ولا يؤتي الإيمان إلاَّ من أحب، فإذا أحب الله عبداً أعطاه الإِيمان، فمن ضَنَّ بالمال أن ينفقه؛ وهاب العدو أن يجاهده، والليل أن

يكابده، فليكثر من قول لا إله إلاَّ الله والله كبر والحمد لله وسبحان الله. قال الهيثمي: رواه الطبراني موقوفاً ورجاله رجال الصحيح. انتهى. وقال المنذري في الترغيب: رواته ثقات وليس في أصلي رَفْعُه - انتهى. مجالس الإيمان رغبة عبد الله بن رواحة رضي الله عنه في مجالس الإيمان أخرج أحمد بإسناد حسن عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان عبد الله بن رواحة رضي الله عنه إذا لقي الرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تعالَ نؤمن بربنا ساعة، فقال ذات يوم لرجلغ فغضب الرجل فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ألا ترى إلى ابن رواحة يرغب عن إيمانك إلى إيمان ساعة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «يرحم الله ابن رواحة إنَّه يحب المجالس التي تتباهَى بها الملائكة» . كذا في الترغيب، وقال الحافظ ابن كثير في البداية: هذا حديث غريب جداً، وقال البيهقي بإسناده عن عطاء بن يسار: أن عبد الله بن رواحة قال لصاحب له: تعالَ حتى نؤمن ساعة، قال: أولسنا بمؤمنين؟ قال: بلى ولكنا نذكر الله فتزداد إيماناً، وقد روى الحافظ أبو القاسم اللألَكائي عن شريح عن عبيد أن عبد الله بن رواحة كان يأخذ بيد الرجل من أصحابه فيقول: قُمْ بنا نؤمن ساعة فنجلس في مجلس ذكر. وهذا مرسل من هذين الوجهين. انتهى.

وأخرجه القيالسي عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: كان عبد الله بن رواحة رضي الله عنه يأخذ بيدي فيقول: تعالَ نؤمن ساعة، إن القلب أسرع تقلُّباً من القِدْر إذا استجمعت غليانها. وعند ابن عساكر عنه قال: كان عبد الله بن رواحة إذا لقيني قال لي: يا عُميرم اجلس نتذاكر ساعة، فنجلس فنتذارك، ثم يقول: هذا مجلس الإيمان، مَثَلُ الإِيمان مَثُلُ قميصك، بينا أنك قد نزعته إذا لبسته، وبينا أنك قد لبسته إذ نزعته، القلب أسرع تقلُّباً من القدر إذا استجمعت غليانها، كذا في الكنز. رغبة عمر ومعاذ رضي الله عنهما في مجالس الإِيمان وأخرج ابن أبي شيبة واللأَلكائي في السنة عن أي ذر رضي الله عنه قال: كان عمر ممّا يأخذبيد الرجل والرجلين من أصحابه فيقول: ثم بنا نزداد إيماناً، فيذكرون الله عز وجل، كذا في الكنز. وأخرج أبو نعيم في الحلية عن الأسود بن هلال قال: كنا نمسي مع معاذ رضي الله عنه فقال لنا: اجلسوا بنا نؤمن ساعة. تجديد الإِيمان أخرج أحمد والطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «وجدِّدوا إيمانكم» قيل: يا رسول الله وكيف نجدِّد إيماننا؟ قال: «أكثروا

من قول لا إله إلاَّ الله» قال الهيثمي رجال أحمد ثقات، وقال المنذري في الترغيب: إسناد أحمد حسن. تكذيب التجربات والمشاهدات قصة الرجل الذي استطلق بطنه أخرج الشيخان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فال: إن أخي استطلق بطنه، فقال: «إسقِه عسلاً» فذهب فسقاه عسلاً، ثم جاء فقال: «يا رسول الله سقيته عسلاً فما زاده إلاَّ استطلاقاً، قال: «اذهب فإسقِه عسلاً» فذهب فسقاه عسلاً، ثم جاء فقال: يا رسول الله ما زاده إلاَّ استطلاقاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «صدق الله وكذب بطن أخيك، اذهب فإسقِه عسلاً» فذهب فسقاه عسلاً فبرأ. كذا في التفسير لابن كثير. قصة عبد الله بن مسعود مع زوجته وأخرج أحمد عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما قالت: كان عبد الله إذا جاء من حاجة فانتهى إلى الباب تنحنح وبزق كراهتة أن يهجم منا على أمر يكرهه، قالت: وإنه جاء ذات يوم فتنحنح وعندي عجوز ترقيني من الحمرة، فأدخلتها تحت السرير، قالت: فدخل فجلس إلى جانبي فرأى في عِنقي خيطاً، فقال: ما هذا الخيط؟ قالت قلت: خيط رُقي لي فيه،

فأخذه فقطعه ثم قال: إن رل عبد الله لأغنياء عن الشرك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الرقى والتمائم والتَّوَلة شرك» ، قالت قلت له: لمتقول هذا وقد كانت عيني تقذف فكنت اختلف إلى فلان اليهودي يرقيها فكان إذا رقاها سكنت؟ فقال: إنما ذاك من الشيطان كان ينخسها بيدهه فإذا رقاها كفَّ عنها، إنما كان يكفيك أن تقولي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «اذهب البأس ربَّ الناس، اشفِ الشافي لا شفاء إلاَّ شفؤك، شفاء لا يغادر سقماً» . كذا في التفسير لابن كثير. قصة عبد الله بن رواحة مع زوجته وأخرج الدارقطني (ص44) عن عكرمة قال: كان ابن رواحة رضي الله عنه مضطجعاً إلى جنب إمرأته، فقام إلى جارية له في ناحية الحجرة فوقع عليها، وفزت امرأته فلم تجده في مضجعه، فقامت وخرجت فرأته على جاريته، فرجعت إلى البيت فأخذت الشفرة ثم خرجت، وفرغ فقام فلقيها تحمل الشفرة، فقال: مَهْيَم؟ فقالت: مَهْيَم؟ لو أدركتك حيث رأيتك لَوَجَأْتُ بين كتفيك بهذه الشفرة قال: وأين رأيتني؟ قالت: رأيتك على الجارية، فقال: ما رأيتني، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرأ أحدنا القرآن وهو جنب: قالت: فإقرأ، فقال: أتانا رسولُ الله يتلو كتابَه كام لاحَ مشهورٌ من الفجر ساطعُ أتى بالهدى بعدَ العمى فقلوبُنا به موقناتٌ أنَّ ما قال واقعُ يبيتُ يجافي جنبه عن فراشه إذا استثقلت بالمشركين المضاجعُ

فقالت: آمنت بالله وكذَّبت البصر، ثم غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبهر، فضحك حتى ريت نواجده صلى الله عليه وسلم وأخجره الدارقطي (ص45) أيضاً من طريق آخر عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: دخل عبد الله بن رواحة - رضي الله عنه - فذكر نحوه وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يقرأ أحدنا القرآن وهو جنب، قال في التعليق المغني (ص45) : فيه سلمة بن وهرام وثَّقه ابن معين وأبو زُرعة وضعَّفه أبو داود. انتهى. قصة عمر رضي الله عنه مع النبي عليه السلام الحديبية وأخرج البخاري في التفسير عن حبيب بن أبي ثابت قالت: أتيت أبا وائل أسأله فقال: كنا بصفِّين فقال رجل: ألم تر إلى الذين يُدعون إلى كتاب الله؟ فقال علي ابن أبي طالب رضي الله عنه: نعم، فقال سهل بن حُنيف رضي الله عنه: اتَّهموا أنفسكم، فلقد رأيتنا يوم الحديبية - يعني الصلح الذي كان بين النبي صلى الله عليه وسلم والمشركين - ولو نرى قتالاً لقاتلنا، فجاء عمر رضي الله عنه فقال: ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ أليس قتلانا في الجنة وتقلاهم في النار؟ فقال: «بلى» قال: ففيم نُعطي الدنيَّة في ديننا ونرجع ولمَّا يحكم الله بيننا؟ فقال صلى الله عليه وسلم «يا ابن الخطاب إنِّي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولن يضعيعني الله أبداً» فرجع متغيظاً فلم يصبر حتى جاء أبا بكر رضي الله عنه، فقال: يا أبا بكر ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ فقال: يا ابن الخطاب إنَّه رسول الله ولن يضيعه الله أبداً، فنزلت سورة الفتح. وقد رواه البخاري أيضاً في مواضع أخر، ومسلم

والنسائي من طرق أُخر عن سهل بن حُنيف به وفي بعض ألفاظه: يا أَيُّها الناس اتَّهموا الرأي فلقد رأيتُني يوم أبي جندل ولو أقدر على أن أردّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره لرددته، وفي رواية: فنزلت سورة الفتح فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقرأها عليه. كذا في التفسير لابن كثير. وقد تقدم الحديث بطوله في باب الدعوة إلى الله في قصة صلح الحديبية عن البخاري من طريق المسور بن مخرمة رضي الله عنه ومروان وفيه: قال أبو جندل: أي معشر المسلمين، أُردُّ إلى المسشركين وقد جئت مسلماً؟ 1 ألا ترون ما قد لقيت؟ - وكان قد عُذِّب عذاباً شديداً في الله - فقال عمر رضي الله عنه: فأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت ألست نبي الله حقاً؟ قال: «بلى» ، قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: «بلى» ، قلت: فلم نعطي الدنيَّة في ديننا إذن؟ قال: «إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري» ، قلت: أولستَ كنت تحدثنا أنَّا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: «بلى» ، فأخبرتك أنَّا نأتيه العام؟» قال: قلت: لا، قال: «فإنك آتيه ومطَّوِّف به» . قال: فأتيت أبا بكر رضي الله عنه فقلت: يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقاً؟ قال: بلى، قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى، قال قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذن؟ قال: أيها الرجل إنه لرسول الله وليس يعصي ربه وهوناصره، فاستمسك بغَرْزه، فوالله إنه لعلى الحق، قلت: أليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به قال: بلى، أفأخبرك أنك تأتيه العام؟ فقلت: لا، قال: فإنك آتيه ومطَّوِّف به، قال عمر: فعملت لذلك أعمالاً.

فرحه عليه السلام بنزول القرآن عليه بالمغفرة والفتح مرجعه من الحديبية وأخرج أحمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم {لّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} (سورة الفتح، الآية: 2) مرجعه من الحديبية، قال النبي صلى الله عليه وسلم «لقد أُنزلت عليَّ اليلة آية أحب إليَّ ممَّا على الأرض» ، ثم قرأها عليهم النبي فقالوا: هنيئاً مريئاً يا نبي الله، بيَّن الله عز وجل ما يفعل بك فماذا يفعل بنا؟ فنزلن عليه صلى الله عليه وسلم {لّيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الاْنْهَارُ} - حتى بلغ {فَوْزاً عَظِيماً} (سورة الفتح، الآية: 5) وأخرجه الشيخان عن أنس كما في التفسير لابن كثير. وعند ابن جرير في قوله: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً} (سورة الفتح، الآية: 1) عن أنس قال: نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم مرجعه من الحديبية وقد حيل بينهم وبين نسكهم، فنحر الهدي بالحديبية وأصحابه مخالطو الكآبة والحزن فقال: «لقد أُنزلت عليَّ آية أحبُّ إليَّ من الدنيا جميعاً» فقرأ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً} {لّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} - إلى قوله - {عَزِيزاً} (سورة الفتح، الآيات: 1 - 3) فقال أصحابه: هنيئاً لك - فذكر نحوه. وأخرج أحمد عن مجمِّع بن جارية الأنصاري رضي الله عنه - وكان أحد القرّاء الذين قرأوا القرآن - قال: شهدنا الحديثبية فلما انصرفنا عنها إذا الناس

يُنفرون الأباعر، فقال الناس بعضهم لبعض: ما للناس؟ قالوا: أُوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجنا مع الناس نوجف، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته عند كُراع الغميم، فاجتمع الناس عليه فقرأ عليهم {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً} قال: فقال رجل من أصحاب رسول الله: أي رسول الله أَوَ فَتْحٌ هو؟ قال صلى الله عليه وسلم «إي، والذي نفس محمد بيده إنه لفتح» فذكر الحديث. ورواه أبو داود في الجهاد، كما في التفسير لابن كثير. وأخرج البخاري عن البراء رضي الله عنه قال: تعُدُّون أنتم الفتح فتح مكة وقد كان فتح مكة فتحاً، ونحن نَعُدُّ الفتح بَيْعة الرضوان يوم الحديبية - فذكر الحديث، كما في التفسير لابن كثير. وأخرجه ابن جرير في تفسيره عن البراء نحوه وعن جابر قال: ما كنا نَعُد الفتح إلاَّ يوم الحديبية. قصة نيل مصر في عهد عمر رضي الله عنه وأخرج الحافظ أبو القاسم اللالكائي في السنة عن قيس بن حجاج عمن حدثه قال: لمَّا فُتحت مصر أتى أهلُها عمرو بن العاص رضي الله عنه وكان أميراً بها حين دخل بؤنة - من أشهر العجم - فقالوا: أيها الأمير، إنَّ لنيلنا هذا سُنَّة لا يجري إلا بها، قال: وما ذاك؟ قالوا: إذا كانت اثنتا عشرة ليلة خلت من هذا الشعر، عمدنا إلى جارية بكر بين أبويها، فأرضينا أبويها، وجعلنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون، ثم ألقيناها في النيل، فقال لهم عمرو:

إن هذا لا يكون في الإِسلام، إن الإسلام يهدم ما كان قبله، فأقاموا بؤنة والنيل لا يجري حتى هموا بالجلاء، فكتب عمرو رضي الله عنه إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بذلك، فكتب إليه عمر إنك قد أصبت بالذي فعلتَ، وقد بعثت إليك ببطاقة داخل كتابي هذا فألقها في النيل - فذكر الحديث كما سيأتي في باب التأييدات الغيبية في تسخير البحار وفي آخره: فألقى البطاقة في النيل فأصبحوا يوم السبت وقد أجرى الله النيل ستة عشر ذراعاً في ليلة واحدة، قد قطع الله تلك السُّنَّة عن أهل مصر إلى اليوم. كما في التفسير لابن كثير. وأخرجه أيضاً ابن عساكر وأبو الشيخ وغيرهما. تقحّم العلاء بن الحضرمي البحر بالمسلمين وأخرج أبو نعيم في الحلية عن سَهْم بن مِنْجاب قال: غزونا مع العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه فسرنا حتى أتينا دارين والبحر بيننا وبينهم، فقال: يا عليهم، يا حليم، يا علي، يا عظيم، إنا عبيدك، وفي سبيلك، نقاتل عدوك، اللهمّ فاجعل لنا إليهم سبيلاً، فتقحَّم بنا البحر فخضنا ما يبلغ لبودنا الماء، فخرجنا إليهم، وأخرجه أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه نحوه وزاد: فلما رآنا ابن مُكَعْبر - عامر كسرى - قال: لا والله لا نقاتل هؤلاء ثم قعد في سفينة فلحق بفارس. وأخرجه أبو نُعيم في الدلائل (ص208) عن أبي هريرة والطبراني عنه، وابن أبي الدنيا عن سَهْم بن مِنْجاب، والبيهقي عن أنس رضي الله عنه كما ستأتي أحاديث هؤلاء في تسخير البحار، وستأتي أحاديث عبور سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه دجلة يوم

القادسية وفيها قول حُجر بن عدي رضي الله عنه: ما يمنعكم أن تعبروا إلى هؤلاء العدو إلاَّ هذه النطقة - يعني دجلة - {وما كان لنفس أن تمون إلا بإذن اكتابا مؤجلا} (سورة آل عمران، الآية: 145) ثم أقحم فرسه فلما أقحم أقحم الناس، فلما رآهم العدو قالوا: ديوانه فهربوا، أخرجه ابن حاتم عن حبيب بن ظِبيان. طرد تميم الداري لنار خرجت في الحرّة وأخرج أبو نعيم في الدلائل (ص212) عن معاوية بن حَرْمَل فذكر الحديث وفيه: خرجت نار بالحرة، فجاء عمر رضي الله عنه إلى تميم رضي الله عنه فقال: قُمْ إلى هذه النار، فقال: يا أمير المؤمنين من أنا؟ وما أنا؟ فلم يزل به حتى قام معه، قال: وتبعتهما فانطلقا إلى النار قال: فجعل يحوشها بيده هكذا حتى دخلت الشَّعب ودخل تميم خلفها، وجعل عمريقول: ليس من رأى كمن لم يره. وأخرجه البيهقي والبغوي كما سيأتي في التأييدات الغيبية في إطاعة النيران. ما رأى عليه السلام حين ضرب الصخرة يوم الخندق وما بشر به أصحابه وأخرج النسائي عن أبي سكينة - رجل من البحرين - عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: لما أمر رسول الله بحفر الخندق عرضت لهم صخرة حالت بينهم وبين الحفر، فقام النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ المعول ووضع رداءه ناحية الخندق وقال: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبّكَ صِدْقاً} {وَعَدْلاً لاَّ مُبَدّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (سورة الأنعام، الآية: 115) . فندر ثلث الحجر وسلم ان الفارسي رضي الله عنه قائم ينظر، فبرق مع ضربة رسول الله صلى الله عليه وسلم برقة، ثم ضرب الثانية وقال: ضرب الثانية وقال: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} فندر الثلث الآخر وبرقت برقة فرآها سلمان. ثم ضرب الثالثة وقال: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدّلِ لِكَلِمَاتِهِ} {وَهُوَ

السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} فندر الثلث الباقي. وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ رداءه وجلس فقال سلمان: يا رسول الله رأيتك حين ضربت لا تضرب ضربة إلا كانت معها برقة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا سليمان رأيت ذلك» ؟ قال: أي والذي بعثك بالحق يا رسول الله، قال: «فإني حين ضربت الضربة الأولى رُفعت لي مدائن كسرى وما حولها ومدائن كثيرة حتى رأيتها بعينيَّ» ، فقال له من حضره من أصحابه: يا رسول الله ادعُ الله أن يفتحها علينا ويغنِّمنا ذراريهم ونخرب بأيدينا بلادهم، فدعا بذلك. قال: «ثم ضربت الضربة الثانية فرُفعت لي مدائن قيصر وما حولها حتى رأيتها بعينيَّ» ، قالوا: يا رسول الله ادعُ الله أن يفتحها علينا ويغنِّمنا ذراريهم ونخرب بأيدينا بلادهم، فدعا، ثم قال: «ثم ضربت الضربة الثالثة فرفعت لي مدائن الحبشة وما حولها من القرى حتى رأيتها بعينيَّ» ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «دَعُوا الحبشة ما ودعوكم، واتركوا الترك ما تركوكم» قال ابن كثير في البداية هكذا رواه النسائي مطوَّلاً وإنما روى منه أبو داود: «دعوا الحبشة ما ودعوكم واتركوا الترك ما تركوكم» - انتهى. وأخرجه ابن جرير عن عمرو بن عوف المزني - فذكر حديثاً فيه: فجاء (النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ المعول من سلمان فضرب الصخرة ضربة صدعها وبرقتمنها برقة أضاءت ما بين لابتيها - يعني المدينة - حتى كأنها مصباح في جوف ليل مظلم، فكبَّر

رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبير فتحٍ وكبر المسلمون، ثم ضربها الثانية فكذلك، ثم الثالثة فكذلك، وذكر ذلك سلمان والمسلمون لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسألوه عن ذلك النور فقال: «لقد أضاء لي من الأولى قصور الحيرة ومدائنكسرى كأنها أنياب الكلاب، فأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها، ومن الثانية أضاءت القصور الحمر من أرض الروم كأنها أنياب الكلاب، وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها. ومن الثالثة أضاءت قصور صنعاء كأنها أنياب الكلاب، وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها فأبشروا» واستبشر المسلمون وقالوا: الحمد لله موعود صادق، قال: زلمَّا طلعت الأحزاب قال المؤمنون: {هذا ما وعدنا اوروسله وصدق ا} {وروسله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما} (سورة الأحزاب، الآية 22) وقال المنافقون: يخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى وأنها تفتح لكم وأنتم تحفرون الخندق لا تستطيعون أن تبرزوا؟ فنزل فيهم: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} {ماوعدنا اوروسله إلا غرورا} (سورة الأحزاب، الآية 12) ؛ وقال ابن كثير في البداية: وهذا حديث غريب. وقد أخرج الطبراني في حديث طويل عن ابن عباس رضي الله عنهما كما سيأتي في التأييدات الغيبية في بركة طعامهم في المغازي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «دعوني فأكون أول من ضربها» فقال: «بسم الله» ، فضربها فوقعت فِلقةٌ ثلثُها، فقال: «الله أكبر قصور الروم وربِّ الكعبة» ، ثم ضرب أخرى فوقعت فلقة، فقال: «الله أكبر قصور فارس وربِّ الكعبة» ، فقال عندها المنافقون: نحن نخندق على أنفسنا وهو يَعِدخنا قصور فارس والروح؟ قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن أحمد بن حنبل ونُعيم العنبري وهما ثقتان.

انتهى. شرب خاد السم وقول نصراني في الصحابة وسيأتي في التأييدت الغيبية في ذهاب أثر السم شربُ خالد رضي الله عنه السمَّ وقوله: لن تموت نفس حتى تأتي على أجلها، وقول عمرو: والله يا معشر العرب لتملكِنَّ ما أردتم ما دام منكم أحد أيها القرن، وقوله لأهل الحيرة: لم أرَ كاليوم أمراً أوضح إقبالاً أقوال الصحابة رضي الله عنهم في أن النصر ليس بالكثرة وسيأتي في أسباب النصرة قول ثابت بن أقرم رضي الله عنه: يا أبا هريرة، كأنك ترى جموعاً كثيرة؟ قلت: نعم، قال: إنك لم تشهد بدراً معنا، إنَّا لم ننصر بالكثرة. وقول خالد حين قال له رجل: ما أكثر الروم وأقل المسلمين؟ فقال: ما أقل الروم وأكثر المسلمين؟ إنما تكثر الجنود بالنصر، وتقل بالخذلان لا بعدد الرجال، والله لوددت أن الأشقر براء، وأنهم أُضعفوا في العدد. وكتاب أبي بكر رضي الله عنه إلى عمرو بن العاص رضي الله عنه أما بعد: فقد جاءني كتابك تذكر ما جمعت الروم من الجموع، وإن الله لم ينصرنا مع نبيه صلى الله عليه وسلم بكثرة عدد ولا بكثرة جنود، وقد كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وما معنا إلاَّ فرسان وإن نحن إلا نعاقب الإبل، وكنّا يوم أُحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وما معنا إلاَّ فرس واحد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركبه، ولقد كان يُظهرنا ويعيننا على ما خالفنا. وقدتقدم ما فعل أبو بكر رضي الله عنه في تنفيذ جيش أُسامة رضي الله

عنه حين انتقضت عليه العرب من كل جانب، وارتدت العرب قاطبة، ونجم النفاق، وإشرأبت اليهودية والنصرانية والمسلمون كالغنم المطيرة في اللية الشاتية لفقد بنبيهم صلى الله عليه وسلم وقلتهم وكثرة عدوهم، فأشاروا عليه بحبس جيش أُسامة، فقال أبو بكر - وكان أحزمهم أمراً -: أنا أحبس جيشاً بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد اجترأت على أمر عظيم، والذي نفسي بيده لأن تميل عليَّ العرب أحب إليَّ من أن أحبس جيشاً بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إمض يا أُسامة في جيشك للوجه الذي أُمرت به ثم أغزُ حيث أمرك رسول الله صلى الله عليه وسلم من ناحية فلسطين وعلى أهل مؤتة؛ فإن الله سيكفي ما تركت. وتقدَّم في يوم مؤتة قول عبد الله بن رواحة رضي الله عنه حين اجتمع العدو مائتي ألف: يا قومُ والله إنَّ التي تكرهون لَلَّتي خرجتم تطلبون: الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة، ما نقاتلهم إلاَّ بهذا الدين الذي أكرمنا الله به فانطلقوا؛ فإنما هي إحدى الحسنَيين: إما ظهور، وإما شهادة. , فقال الناس: قد واللَّهِ صدق ابن رواحة. وكمن من قصص الصحابة في هذا الموضوع منتشرة مسطورة في هذا الكتاب وفي كتب الأحايث والمغازي والسِّير، فلا نطيل الكتاب بذكرها وتكرارها. حقيقة الإِيمان وكماله قوله عليه السلام للحارث بن مالك: كيف أصبحت؟ وجواب الحارث أخرج ابن عساكر عن أنس رضي الله عنه قال: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد والحارث بن مالك رضي الله عنه راقد، فحركه برجله وقال: «ارفع رأسك» فرفع رأسه، فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم «كيف أصبحت يا حارث بن مالك» ؟ قال: أصبحت يا رسول الله مؤمناً حقاً، قال: «إنَّ لكل حق حقيقة فما حقيقة ما تقول» ؟ قال: عزفتُ عن الدنيا،

وأظمأت نهاري، وأسهرت ليلي، وكأني أنظر إلى عرش ربي، وكأني أنظر إلى أهل الجنة فيها يتزاورون وإلى أهل النار يتعاوَون، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم «أنت أمرؤ نوّر الله قلبك، عرفتَ فالزم» . وأخرجه العسكري في الأمثال عن أنس نحوه إلاَّ أنّه سماه حارثة بن النعمان، وفي روايته: فقال: «أبصرت فالزم» ثم قال: «عبد نوَّر الله الإِيمان في قلبه» ، فقال: يا نبي الله، أُدع الله لي بالشهادة، فدعا له، قال: فنُودي يوماً: ي خيل الله اركبي، فكان أول فارس ركب وأول فارس استشهد. كذا في منتخب الكنز. لغاية ص 420 تابع وأخرجه ابن النجار عن أنس قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي إذ استقبله شاب من الأنصار، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم «كيف أصبحت يا حارث» ؟، قال: أصبحت مؤمناً بالله حقّاً، فقال: «انظر ما تقول فإنَّ لكل قول حقيقة» ، قال: يا رسول الله عَزَفْتْ - فذكر نحو حديث العسكري مع الزيادة في آخره، كما في المنتخب. وأخرجه ابن المبارك فيا لزهد عن صالح بن مسمار نحو سياق ابن عساكر، وفي رواية: قال: إنَّ لكل قول حقيقة فما حقيقة إيمانك» ؟ قال الحافظ في الإِصابة: وهو مُعْضل، وكذا أخرجه عبد الرزاق عن صالح بن مسمار وجعفر بن برقان وأخرجه في التفسير عن يزيد السلمي وجاء موصولاً - فذكر حديث أنس المذكور وقال: أخرجه الطبراني وابن منده ورواه البيهقي في الشُّعَب من طريق يوسف بن عطية الصفَّار وهو ضعيف جداً، وقال البيهقي: هذا منكر وقد خبط فيه يوسف فقال مرّة: الحارث، وقال مرّة: حارثة، وقال ابن صاعد: هذا الحديث لا يثبت موصولاً. انتهى مختصراً. وأخرجه البزّار عن

أنس، قال الهيثيم: وفيه يوسف بن عطية لا يُحتج به، والطبراني عن الحارث بن مالك الأنصار أنه مرّ بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال له: كيف أصبحت يا حارثة؟ فذكر نحو حديث ابن عساكر، قال الهيثمي: وفيه ابن لهيعة، وفيه من يحتاج إلى الكشف عنه. قوله عليه السلام لمعاذ: كيف أصبحت وجواب معاذ وأخرج أبو نُعيم في الحلية عن أنس بن مالك أن معاذ ابن جبل رضي الله عنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «كيف أصبحت يا معاذ» ؟ قال: أصبحت مؤمناً بالله تعالى، قال: «إنَّ لكل قول مصداقاً، ولكل حق حقيقة، فما مصداق ما تقول» ؟ قال: يا بني الله، ما أصبحت صباحاً قط إلاَّ ظننت أنِّي لا أمسي، وما أمسيت مساء قط إلاَّ ظننت أنِّي لا أصبح، ولا خطوت خطوة إلاَّ ظظنت أَنِّي لا أتبعها أخرى، وكأني أنظر إلى كل أمة جائية تُدعى إلى كتابها معها نبيهاً وأوثانها التي كانت تعبد من دون الله، وكأني أنظر إلى عقوبة أهل النار وثواب أهل الجنة، قال: «عرفت فالزم» . قوله عليه السلام لسويد بن الحارث وأصحابه: ما أنتم؟ وجوابهم وقد تقدَّم في باب الدعوة إلى الله وإلى رسوله من حديث سويد بن الحارث رضي الله عنه قال: وفدت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة من قومي فلما دخلنا عليه وكلِّمناه فأعجبه ما رأى من سَمْتنا وزيِّنا، فقال: «ما أنتم؟» قلنا: مؤمنين، فتبسَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «إنَّ لكل قول حقيقة وما حقيقة قولكم وإيمانكم» ؟ قال سويد فقلنا: خمس عشرة خصلة: خمسٌ منها أَمَرَتْنا رُسلُك أن نؤمن بها، وخمس منها أَمرتْنا رسلُك أَن نعمل بها، وخمس منها تخلّقنا بها

في الجاهلية فنحن عليها إلا أن تكره منها شيئاً - فذكر الحديث في الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والقدر خيره وشره وأركان الإِسلام والأخلاق الطيبة. قصة منافق جاء إلى النبي عليه السلام ليستغفر له فاستغفر له وأخرجه أبو نُعيم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه حرملة بنزيد الأنصاري رضي الله عنه - أحد بني حارثة - فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله الإِيمان ههنا - وأشار بيده إلى لسانه -، والنفاق ههنا - ووضع يده على صدره - ولا يذكر الله إلاَّ قليلاً، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم وردّ ذلك حرملة، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بطرف لسان حرملة فقال: «اللهم اجعل له لساناً صادقاً، وقلباً شاكراً، وإرزقه حبي وحب من يحبني، وصيِّر أمره إلى خير» فقال له حرملة: يا رسول الله إن لي إخواناً منافقين كنت فيهم رأساً أفلا أدلُّك عليهم؟ فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم «من جاءنا كما جئتنا استغفرنا له كما استغفرنا لك، ومن أصر على ذلك فالله أولى به» كذا في الكنز. وأخرجه الطبراني وإسناده لا بأس به، وأخرجه ابن مَنْدَة أيضاً، وروينا في فوائد هشام بن عمار رواية أحمد بن سليمان من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه نحوه، كذا في الإِصابة. الإِيمان بذات الله عز وجل وصفاته تبارك وتعالى إكثار صحابي من قراءة سورة الإِخلاص أخرج البيهقي في الأسماء والصفات (ص208) عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً على سرية، فكان يقرأ لأصحابه في صلواتهم فيختم

بقل هو الله أحد، فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «سلوه لأي شيء يصنع هذا» ؟ فسألوه فقال: لأنها صفة الرحمن، فأنا أحب أن أقرأها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أخبروه أنَّ الله عز وجل يحبه» . وأخرجه الشيخان عن عائشة، كما قال البيهقي: تصديقه عليه السلام لحبر يهودي تكلم عن الله سبحانه وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات (ص245) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: جاء حبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد - أو يا رسول الله - إن الله جعل السماوات على أصبع، والأرضين على أصبع، والجبال والشجر على أصبع، والماء والثرى على أصبع، وسائر الخلق على أصبع، فيهزهن فيقول: أنا الملك، قال: فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقاً لقول الحبر، ثم قال: {وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالاْرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (سورة الزمر، الآية: 67) - إلى آخر الآية. وأخرجه الشيخان في صحيحيهما كما قال البيهقي. حديث أنس وأبي ذر في كيف يحشر الله الناس وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات (ص356) عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم سئل: كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة؟ قال: «الذي أمشاه على رجليه في الدنيا قادر أن يمشيه على وجهه يوم القيامة» . وأخرجه الشيخان وأحمد والنسائي وابنأبي حاتم والحاكم وغيرهم نحوه عن

أنس، كما في الكنز. وأخرج أحمد عن حذيفة بن أُسيد قال: قام أبو ذر رضي الله عنه فقال: يا بني غفار قولوا ولا تحلفوا، فإنَّ الصادق المصدوق حدثني أن الناس يحشرون على ثلاثة أفواج: فوج راكبين طاعمين كاسين، وفوج يمشون ويسعَون، وفوج تسحبهم الملائكة على وجوههم وتحشرهم إلى النار؛ فقال قائل منهم: هذان قد عرفناهما فما بال الذين يمشون ويسعَون؟ قال: يلقي الله عز وجل الآفة على الظَّهر حتى لا يبقى ظهر، حتى أنَّ الرج لتكون له الحديقة فيعطيها بالشارف ذات القتب فلا يقدر عليها، كذا في التفسير لابن كثير. وأخرجه الحاكم عن حذيفة عن أبي ذر نحوه، هذا حديث صحيح الإِسناد إلى الوليد بن جَميع ولم يخرِّجاه وقال الذهبي: الوليد قد روى له مسلم متابعة واحتج به النَّسائي. أمره عليه السلام أصحابه بأن يقولوا ما شاء الله وحده لا شريك له وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات (ص110) عن الطفيل بن عبد الله رضي الله عنه - وكان أخا عائشة رضي الله عنها لأمها - أنه رأأ فيما يرى النائم أنه لقي رهطاً من النصارى فقال: نعم القوم أنتم لولا أنكم تزعمون أن المسيح بن الله، قال: أنتم القوم لولا تقولون: ما شاء الله وشاء محمد، ثم لقي رهطاً من اليهود فقال: أنتم القوم لولا أنكم تزعمون أن عُزَيْراً ابن الله، قال: وأنتم قوم تقولون

ما شاء الله وشاء محمد، قال: فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقصَّها عليه، فقال صلى الله عليه وسلم «حدَّثت بها أحداً بعد» ؟ فقال: نعم، فحمد الله تعالى وأنثى عليه ثم قال: «إنَّ أخاكم قد رأى ما بلغكم فلا تقولوها، ولكن قولوا: ما شاء الله وحده لا شريك له» . وعنده أيضاً عن حذيفة رضي الله عنه قال: رأى رجل من المسلمين في النوم أنه لقي رجلاً من أهل الكتاب فقال: نعم القوم أنتم لولا أنكم تشركون تقولون: ما شاء الله ومحمد، فذكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إنِّي كنت لأكرهها لكم، وقولوا ما شاء الله ثم شاء فلان» . وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات (ص110) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلِّمه في بعض الأمر فقال الرجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله وشئت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أجلعتني لله عِدْلاً؟ بل شاء الله وحده» . سؤال يهودي النبي عليه السلام عن المشيئة وجوابه له وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات (ص111) عن الأوزاعي قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم يهوديٌّ فسأله عن المشيئة، فقال: «المشيئة لله تعالى» قال: فإن أشاء أن أقوم، قال: «قد شاء الله أن تقوم» ، قال: فإني أشاء أن أقعد، قال: «فقد شاء الله أن تقعد» ، قال فإني أشاء أن أقطع هذه النخلة، قال: «فقد شاء الله أن تقطعها» ، قال فإني أشاء أن أتركها، قال: «فقد شاء الله أن تتركها» . قال: فأتاه جبريل عليه الصلاة والسلام فقال: لُقِّنت حجتك ما لُقَّنها إبراهيم عليه السلام، قال: ونزل القرآن فقال: {مَا قَطَعْتُمْ مّن لّينَةٍ} {أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِىَ الْفَاسِقِينَ} (سورة الحشر، الآية 5) قال البيهقي: هذا وإِنْ كان مرسلاً فما قبله من الموصولات في معناه يؤكده انتهى.

نومه عليه السلام وأصحابه عن الصلاة بالمشيئة وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات (ص109) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية نزل منزلاً فعرَّس فيه، فقال: «من يحرسنا» ؟ فقال عبد الله نا أنا فقال: «أنت» مرتين أو ثلاثاً يعني أنك تنام - ثم قال صلى الله عليه وسلم «أنت لها» فحرست، فلما كان في وجه الصبح أدركني ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فنمت، فلم نستيقظ إلاَّ بحرِّ الشمس على ظهورنا، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصنع كما كان يصنع، ثم صلَّى الصبح، ثم قال: «إن الله تعالى لو شاء لم تناوا عنها؛ ولكن أراد أن تكون لمن بعدكم فهكذا» أي لمن نام أو نسي. وعنده أيضاً عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه رضي الله عنه في حديث الميضأة قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم «إنَّ الله تعالى قبض أرواحكم حين شاء وردّها حين شاء» فقضَوا حوائجهم، فتوضأوا إلى أن ابيضت - يعني الشمس - ثم قال فصلَّى، وأخرجه البخاري في الصحيح بهذا الإِسناد، كما قال البيهقي. سؤال يهودي عمر بن الخطاب عن آية: وجنّة عرضها السموات والأرض وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن خسرو - وهو لفظه - عن طارق بن شهاب قال: جاء يهودي إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: أرأيت قوله تعالى: {وجنة عرضها السموات والأرض} (سورة آل عمران، الآية: 133) فأين النار؟ فقال

عمر لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أجيبوه، فلم يكن عندهم فيها شيء، فقال عمر: أرأيت النهار إذا جاء الليل يملأ الأرض فأين الآخر؟ قال: حيث شاء الله، فقال عمر: والنار حيث شاء الله، فقال اليهودي: والذي نفسي بيده يا أمير المؤمنين إنها لفي كتاب الله المنزَّل كما قلت. كذا في الكنز. محاججة علي لرجل يقول في المشيئة وأخرج ابن أبي حاتم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي رضي الله عنه قال: قيل لعلي: إنَّ ههنا رجلاً يتكلم في المشيئة، فقال له علي: يا عبد الله خلقك الله كما يشاء أو كما شئت؟ قال: بل كما شاء، قال: فيمرضك إذا شاء أو إذا شئت؟ قال: بل إذا شاء، قال: فيشفيك إذا شاء أو إذا شئت؟ قال بل إذا شاء، قال: فيدخلك حيث شئت أو حيث شاء؟ قال: بل حيث يشاء، قال: والله لو قلتَ غير ذلك لضربت الذي فيه عيناك بالسيف، كذا في التفسير لابن كثير. قوله عليه السلام لأصحابه: ليس ذلكم النفاق وأخرج البزار في مسنده عن أنس رضي الله عنه قال: قالوا: يا رسول الله إنا تكون عندك على حال، فإذا فارقناك كنَّا على غيره، قال: «كيف أنتم وربكم؟» قالوا: الله ربنا في السر والعلانية، قال: «ليس ذلكم النفاق» . كذا في التفسير لابن كثير. قصته عليه السلام مع أعرابي في شأن الحساب وأخرج ابن النجار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء أعرابي إلى

النبي صلى الله عليه وسلم قال: من يحاسب الخلق يوم القيامة يا رسول الله؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم «الله عز وجل» ، فقال الأعرابي: نجونا وربِّ الكعبة فقال: «وكيف يا أعرابي» ؟ فاقل: إن الكريم إذا قدر عفا. كذا في الكنز. قصة معاذ حين بعثه عمر ساعيا وأخرج عبد الرزاق، والمحاملي في أماليه عن سعيد بن المسيِّب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعث معاذاً رضي الله عنه ساعياً على بني كِلاب، فقسم فيهم حتى لم يَدَع شيئاً، حتى جاء بحِلْسِه الذي خرج به يحمله على رقبته، فقالت له امرأته: أين ما جئت به مما يأتي به العمال (من) عُراضة أهليهم؟ فقال: كان معي ضاغط، فقالت: قد كنت أميناً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه، فبعث عمر رضي الله عنه معك ضاغطاً فقامت بذلك في نسائها واشتكت عمر؛ فبلغ ذلك عمر فدعا معاذاً فقال: أنا بعثت معك ضاغطاً؟ فقال: لم أجد شيئاً اعتذر به إليها إلاَّ ذلك، فضحك عمر وأعطاه شيئاً فقال: أرضها به، قال ابن جرير: قول معاذ: الضاغط - يريد به ربه عز وجل؛ كذا في الكنز. حديث عائشة في قصة المجادلة وأخرج الإِمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: الحمد لله وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تكلِّمه وأنا في ناحية البيت ما أسمع ما تقول، فأنزل الله عز وجل: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِى تُجَادِلُكَ فِى

زَوْجِهَا} (سورة المجادلة، الآية: 1) إلى آخر الآية. وهكذا رواه البخاري في كتاب التوحيد تعليقاً. كذا في التفسير لابن كثير. وأخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (ص36) . وفي رواية لابن أبي حاتم كما في التفسير لابن كثير عن عائشة أنها قالت: تبارك الذي أوعى سمعه كل شيء، إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة - رضي الله عنها - ويخفى عليَّ بعضه وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تقول: يا رسول الله، أكل مالي، وأفنى شبابي، ونثرت له بطني؛ حتى إذا كبرتْ سني وانقطع ولدي ظاهر مني. اللهمَّ إني أشكو إليك. قالت: فما برحت حتى نزل جبريل بهذه الآية: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِى تُجَادِلُكَ فِى زَوْجِهَا} قالت: وزوجها أوس ابن الصامت - رضي الله عنه. أقوال أبي بكر رضي الله عنه في الإِيمان بالله سبحانه وأخرج البخاري في تاريخه وعثمان الدارمي في الردِّ على الجهيمة والأصبهاني في الحجة عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر رضي الله عنه: أيها الناس، إنْ كان محمد إلهكم الذي تعبدون فإنه قد مات، وإن كان إلهكم الذي في السماء إهلكم لم يمت، ثم تلا {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ} (آل عمران، الآية: 144) - الآية، قال ابن كثير: رجال إسناده ثقات. كذا في الكنز.

وقد تقدَّم في اجتماع الصحابة على أبي بكر الصدِّيق خطبة أبي بكر وفيها: إنَّ الله عمَّر محمداً صلى الله عليه وسلم وأبقاه حتى أقام دين الله، وأظهر أمر الله، وبلَّغ رسالة الله، جاهد في سبيل الله، ثم توفَّاه الله على ذلك، وقد ترككم على الطريقة، فلن يهلك هالك إلاَّ من بعد البينة والشفاء، فمن كان الله ربه فإن الله حي لا يموت، ومن كان يعبد محمداً وينزله إلهاً فقد هلك إلهه، فاتقوا الله إليها الناس واعتصموا بدينكم، وتوكَّلوا على ربكم، فإن دين الله قائم، وإن كلمة الله تامة، وإن الله ناصر من نصره ومعز دينه، وإن كتاب الله بين أظهرنا، وهو النور والشفاء، وبه هدى الله محمداً صلى الله عليه وسلم وفيه حلال الله وحرامه، والله لا نبالي من أجلب علينا من خلق الله، إن سيوف الله لمسلولة ما وضعناها بعد، ولنجاهدنَّ من خالفنا كما جاهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه البيهقي عن عروة بن الزبير. قول عائشة حين مات امرأة وهي ساجدة في بيتها. وأخرج الحاكم عن علقمة أُمه أن امرأة دخلت بيت عائشة رضي الله عنها، فصلَّت عند بيت النبي صلى الله عليه وسلم وهي صحيحة، فسجدت فلم ترفع رأسها حتى ماتت، فقالت عائشة: الحمد لله الذي يحيى ويمي، إنَّ في هذه لعبرة لي في عبد الرحمن بن أبي بكر، رَقَد في مَقِيل له قَاله، فذهبوا يوقظونه فوجوده قد مات، فدخل نفس عائشة تُهَمة أن يكون صُنع به شرٌّ أو عُجِّلعليه فدفن وهو حيٌّ، فرأت أنه عبرة لها وذهب ما كان في نفسها من ذلك.

الإِيمان بالملائكة قول علي في طغيان الماء والريح يوم نوح ويوم عاد إلى الملكين أخرج ابن جرير عن علي رضي الله عنه قال: لم تنزل قطرة من ماء إلاَّ بكيل على يدي ملك، إلاَّ يوم نوح عليه السلام، فإنه أُذن للماء دون الخزَّان، فطغى المال على الخزّان فخرج، فذلك قوله: {أنا لما طغى الماء} (سورة الحاقة، الآية: 11) ولم ينزل شيء من الريح إلاَّ بكيل على يدي ملك إلاَّ يوم عاد، فإنه الذن لهادون الخزّان، فخرجت فذلك قوله: {بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ} (سورة الحاقة، الآية: 6) ، عتت على الخزّان، كذا في الكنز. قول سلمان عند الموت: إنَّ لي زواراً يدخلون علي وأخرج ابن سعد عن الشَّعبي عن الجزْل عن إمرة سلمان رضي الله عنهما بُقيرة، أنه لما حضرته الوفاة - دعاني وهو في عِلِيَّة له لها أربعة أبواب، فقال: افتحي الأبواب يا بُقيرة، فإنَّ لي اليوم زُوّاراً لا أدري من أي هذه الأبواب يدخلون عليَّ. ثم دعا بِمسْك له، فقال: أديفيه

في تنور، ففعلت، ثم قال: أنضحيه حول فراشي ثم إنزلي فأمكثي فسوف تطَّلعين فتري على فراشي، فاطَّلعت فإذا هو قد أُخذ روحه، فكأنما هو نائم على فراشه ونحواً من هذا. وعنده أيضاً عن الشَّعْبي قال: لما حضرت سلمان الوفاة قال لصاحبة منزله: هَلُمِّي خبِيَّك الذي استخبأتك، قالت: فجئته بصرّة مِسْك. قال: فقال: إئتني بقدح فيه ماء، فنثر المسك فيه ثم ماثه بيده، ثم قال: إنضحيه حولي فإنه يحضرني خَلْق من خلق الله يجدون الريح ولا يأكلون الطعام، ثم إجفئي عليَّ الباب وانزلي. قالت: ففعتل، وجلست هنيهة فسمعت هسهسة، قالت: ثم صعدت فإذا هو قد مات. وعنده أيضاً عن عطاء بن السائب فذكره مختصراً وفيه: فإنه يحضرني الليلة ملائكة يجدون الريح ولا يألكون الطعام. وسيأتي بعض قصص الباب في باب التأييدات الغيبية في المدد بالملائكة. الإِيمان بالقدر قوله عليه السلام لعائشة حين حضر جنازة صبي من الأنصار أخرج مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: دُعي النبي صلى الله عليه وسلم إلى جنازة صبي من الأنصار، فقلت: يا رسول الله، طوبى له عصفور من عصافير الجنة لم يعمل السوء ولم يدركه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أو غير ذلك يا عائشة، إنَّ

الله خلق الجنة وخلق لها أهلاً وهم في أصلاب آبائهم، وخلق النار وخلق لها أهلاً وهم في أصلاب آبائهم» . كذا في التفسير لابن كثير. وصية عبادة بن الصامت لابنه بالإِيمان بالقدر خيره وشره وأخرج الإِمام أحمد عن الوليد بن عبادة قال: دخلت على عبادة رضي الله عنه وهو مريض أتخايل فيه الموت، فقلت: يا أبتاه أوصني واجتهتد لي، فقال أجلسوني، فلما أجلسوه قال: يا بني إنك لم تُعطم الإِيمان ولم تبلغ حقّ حقيقة العلم بالله حتى تؤمن بالقدر خيره وشره، قلت: يا أبتاه، وكيف لي أن أعلم ما خيرُ القدر وشره؟ قال: تعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك. يا بني إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ أول ما خلق الله القلم، ثم قال له: اكتب، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة» . يا بني إنْ متَّ ولستَ على ذلك دخلت النار. وأخرجه الترمذي عن الوليد بن عبادة عن أبيه وقال: حسن صحيح غريب كما في التفسير لابن كثير.w بكاء أحد الأصحاب وهو يموت لأنه لا يدري ما قدّر الله له وأخرج أحمد عن أبي نضرة أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له أبو عبد الله رضي الله عنه دخل عليه أصحابه يعودونه وهو يبكي، فقالوا له: ما يبكيك؟ ألم يقل لك رسول الله صلى الله عليه وسلم «خذ من شاربك ثم أقرره حتى تلقاني» قال: بلى، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ الله عز وجل قبض قبضة

بيمينه فقال: هذه لهذه ولا أبالي، وقبض قبضة أخرى - يعني بيده الأخرى - فقال: هذه لهذه لا أبالي» ، فلا أدري في أيِّ القبضتين أنا؛ قال الهيثمي: رجالهرجال الصحيح. بكاء معاذ حين حضره الموت لأنه لا يدري ما قدّر الله له وأخرج الطبراني عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: لما أن حضره الموت بكى فقال له: ما يبيك؟ قال: والله لا أبكي جزعاً من الموت ولا دنيا أخلِّفها بعدي؛ ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما هما قبضتان: فقبضة في النار، وقبضة في الجنة» ، ولا أدري في أيِّ القبضتين أكون، قال الهيثمي وفيه البراء بن عبد الله العنوي وهو ضعيف والحسن لم يدرك معاذاً. قول ابن عباس فيمن تكلَّم في القدر وأخرج أحمد عن محدم بن عبيد المكي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قيل له إن رجلاً قدم علينا يكذّب بالقدر فقال: دلُّوني عليه - وهو يومئذ قد عمي - قالوا: وما تصنع به يا أبا عباس؟ قال: والذي نفسي بيده لئن استمكنت منه لأعضنَّ أنفه حتى أقطعه، ولئن وقعت رقبته في يدي لأدقنَّها فإن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كأني بنساء بني فهر يطفن بالخزرج تسطفق ألياتهن مشركات، هذا أول شرك هذه الأمة، والذي نفسي بيده لينتهينَّ بهم سوء رأيهم حتى يخرجوا الله من أن يكون قدَّر خيراً كما أخرجوه من أن يكون قدَّر شراً» .

وعند ابن أبي حاتم عن عطاء ابن أبي رباح قال: أتيت ابن عباس وهو ينزع من ماء زمزم وقد ابتلت أسافل ثيابه، فقلت له: قد تُكُلِّم في القدر، فقال: أوَقَد فعلوها؟ قلت: نعم، قال: فوالله ما نزلت هذه الآية إلاَّ فيهم {ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ} {إِنَّا كُلَّ شَىْء خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (سورة القمر، الآيتان: 48 و49) أولئك شرار هذه الأمة، فلا تعودوا مرضاهم، ولا تصلُّوا على موتاهم، إن رأيت أحداً منهم فقأت عينيه بأصبعيَّ هاتين. كذا في التفسير لابن كثير. وأخرج أبو نُعيم في الحلية عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لوددتُ أنَّ عندي رجلاً من أهل القدر فوجأت رأسه قالوا: ولم ذاك؟ قال: لأن الله تعالى خلق لوحاً محفوظاً من درة بيضاء، دفّتاه ياقوتة حمراء، قلمه نور، وكتابه نور، وعرضه ما بين السماء والأرض، ينظر فيه كل يوم ستين وثلاثمائة نظرة، يخلق بكل نظرة، ويحيي ويميت، ويعز ويذل، ويفعل ما يشاء. مقاطعة ابن عمر لصديق له تكلم في القدر وأخرج أحمد عن نافع قال: كان لابن عمر رضي الله عنهما صديق من أهل الشام يكاتبه، فكتب إليه عبد الله بن عمر أنه بلغني أنك تكلَّمت في شيء من القدر، فإياك أن تكتب إليَّ: فإن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «سيكون في أمتي أقوام يكذِّبون بالقدر» . وأخرجه أبو داود عن أحمد بن حنبل به، كما في التفسير لابن كثير.

قول علي في القدر وفيمن تكلم فيه وأخرج ابن عبد البر في العلم عن النَّزَّال بن سَبْرة قال: قيل لعلي رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين، إنَّ ههنا قوماً يقولون: إنَّ الله لا يعلم ما يكون حتى يكون، فقال: ثلكتهم أمهاتهم من أين قالوا هذا؟ قيل: يتأوَّلون القرآن في قوله: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} (سورة محمد، الآية: 31) فقال علي: من لم يعلم هلك، ثم سعد المنبر بحمد الله وأثنى عليه وقال: يا أيها الناس تعلَّموا العلم واعملوا به وعلِّموه، ومن أشكل عليه شيء من كتاب الله فليسألني، وبلغني أنَّ قوماً يقولون: إنَّ الله لا يعلم ما يكون حتى يكون لقوله: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ} وإنما قوله: حتى نعلم، ويقول: حتى نرى من كتب عليه الجهاد والصبر إن جاهد وصبر على ما نابه وأتاه مما قضيت عليه، كذا في الكنز. وتقدَّم في التوكل قول علي رضي الله عنه: إنَّه لا يكون في الأرض شيء حتى يُقضى في السماء، وليس من أحدإلاَّ وقد وُكِّل به ملكان يدفعان عنه ويكلآنه حتى يجيء قدره، فإذا جاء قدره خَلَّياً بينه وبين قدره، وإنَّ عليَّ من الله جُنَّةً حصينة، فإذا جاء أجلي كُشف عني، وإنه لا يجد طعم الإِيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه. أخرجه أبو داود في القدر. ما كان يُنشد عمر على المنبر في القدر وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات (ص243) عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه كثيراً ما يخطب، كان يقول على

المنبر: خفِّض عليك فإن الأمورْ بكف الإِله مقاديرها فليس بآتيك مَنْيُّها ولا قاصرٌ عنك مأمورُها الإِيمان بأشراط الساعة ما قاله عليه السلام حين نزلت: فإذا نقر في الناقور أخرج ابن أبي شيبة والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت {فَإِذَا نُقِرَ فِى النَّاقُورِ} (سورة المدثر، الآية: 8) قال النبي صلى الله عليه وسلم «كيف أنعم وصاحب القَرْن قد التقم القرن، وحنى جبهته ينتظر متى يؤمر فينفخ» ؟ فقال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكيف نقول؟ قال: «قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، على الله توكلنا» ، كذا في الكنز وقال: وهو حسن، وأخرجه الباوردي عن الأرقم بن أبي الأرقم نحوه، وفي رواية: فلما سمعه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتد ذلك عليهم وقالوا: يا رسول الله كيف نصنع؟ قال: «قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل» . خوف سودة اليمانية من خروج الدجار وقد تقدَّم في معاشرة النساء قول حفصة لسودة رضي الله عنهما: يا سودة خرج الأعور، قالت: نعم ففزعت فزعاً شديداً، فجعلت تنتفض، قالت: أي أختبىء؟ قالت: عليك بالخيمة - هخيمة لهم من سعف يختبئون فيها - فذهبت

فاختبأت فيها، وفيها القذر ونسيج العنكبو، فذكر الحديث وفيه: فذهب - أي رسول الله - فإذا سودة تُرْعد؛ فقال لها: «يا سودة مالك» ؟ قالت: يا رسول الله خرج الأعور قال: «ما خرج وليخرجنَّ، ما خرج وليخرجنَّ» ، فأخرجها فجعل ينفض عنها الغبار ونسيج العنكبوت؛ أخرجه أبو يعلى والطبراني عن رزينة رضي الله عنها مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قول الصدِّيق وابن عباس في الدجال وأخرج ابن أبي شيبة عن سيعد بن المسيَّب قال: قال أبو بكر رضي الله عنه: هل بالعراق أرض يقال لها خراسان؟ قالوا: نعم، قال: فإن الدَّجال يخرج منها، وعند نُعيم بن حماد في الفتن عن أبي بكر الصدِّيق قال: يخرج الدجال من مَرُو من يهوديتها. كذا في الكنز. وأخرج ابن جريرعن عبد الله بن أبي مُليكة قال: غدوت عى ابن عباس رضي الله عنهما ذات يوم فقال: ما نمت الليلة حتى أصبحت، قلت: لم؟ قال: قالوا: طلع الكوكب ذو الذنب، فخشيت أن يكون الدخان قد طرق، فما نمت حتى أصبحت، وهكذا رواه ابن أبي حاتم عن عبد الله بن أبي مليكة عن ابن عباس، وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس. كذا في التفسير لابن كثير. وأخرجه الحاكم عن ابن أبي مُليكة نحوه غير أن في روايته:

فخشيت أن يكون الدجال قد طَرَق، قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرِّجاه ووافقه الذهبي. الإِيمان بما هو كائنن في القبر والبرزخ قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه وهو على فراش الموت أخرج أحمد في الزهد عن عبادة بن نَسيّ قال: لمّا حضرت أبا بكر رضي الله عنه الوفاةُ قال لعائشة رضي الله عنها: أغسلي ثوبيَّ هذين وكفنين بهما؛ فإنما أبوك أحد رجلين: إما مكسو أحسن الكسوة، أو مسلوب أسوأ السلب. كذا في المنتخب، وعنده أيضاً وابن سعد والدغولي عن عائشة قالت: لما حُضر أبو بكر قلت: لعمرك ما يُغني عن الفتى إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر فقال أبو بكر: لا تقولي هكذا يا بنية، ولكن قولي: {وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ} {بِالْحَقّ} {ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ} (سورة ق، الآية: 19) وقال: انظروا ثوبيِّ هذين فاغسلوهما ثم كفِّنوني فيهما؛ لأن الحيَّ أحوج إلي الجديد نم الميت، إنما هو للمهلة. وعند أبي يعلى وأبي نعيم والدغولي والبيهقي عن عائشة قالت: لما اشتدَّ مرض أبي بكر بكيت، وأغمي عليه فقلت: من لا يزال دمعه مقنّعاً فإنه من دمعه مدفوقُ

فأفاق فقال: ليس كما قلت يا بنية، ولكن «وجاءت سكرة الموت بالحق، ذلك ما كنت منه تحيد» . ثم قال: أيُّ يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يوم الإثنين، فقال: أي يوم هذا؟ فقلت: يوم الإثنين، قال: فإني أرجو من الله ما بيني وبين هذا الليل، فمات ليلة الثلاثاء، وقال: في كم كُفِّن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: كفَّناه في ثلاثة أثواب سَحُولية بيض جُدُد ليس فيها قميص ولا عمامة، فقال: اغسلوا ثوبي هذا وبه رَدْع من زعفران واجعلوا معه ثوبين جديدين؛ فقلت: إنه خَلَق، فقال: الحي أحوج إلى الجديد من الميت، إنما هو للمهلة، كذا في المنتخب. وفي سياق ابن سعد: إنما يصير إلى الصديد وإلى البلى. قول عمر رضي الله عنه وهو على فراش الموت وأخرج ابن سعد عن يحيى بن أبي راشد النصري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما حضرته الوفاة قال لابنه: يا بني إذا حضرتني الوفاة فاحرفني، واجعل ركبتيك في صلبي، وضع يدك اليمنى على جبيني ويدك اليسرى على ذَقني، فإذا قُبضت فأغمضني، واقصدوا في كفني، (فإنَّه إن يكن لي عند الله خيرا أبدلني خيراً منه، وإن كنت على غير ذلك سلبني فأسرع سلبي، واقصدوا في حفرتي) فإنه إن يكن لي عند الله خير وسَّع لي فيها مدّ

بصري، وإن كنت على غير ذلك ضيّقها عليَّ حتى تختلف أضلاعي، ولا تُخرِجنَّ معي امرأة، ولا تزكُّوني بما ليس فيّ، فإنّ الله هو أعلم بي، وإذا خرجتم بي فاسرعوا في المشي، فإنه إن يكن لي عند الله خير قدمتموني إلى ما هو خير لي، وإن كنت على غير ذلك كنتم قد ألقيتم عن رقابكم شرّاً تحملونه. وأخرجه ابن أبي الدنيا في القبور عن يحيى نحوه كما في المتخب. وقد تقدَّم في جعل الأمرشورى بين المستصلحين له قول عمر حين عرف أنه الموت قال: الآن لو أنَّ لي الدنيا كلها لافتديت بها من هول المطَّلَع، وقوله لابنه: ألصق خدي بالأرض يا عبد الله بن عمر، فوضعته من فخذي على ساقي فقال: ويلك وويل أمك يا عمر إن لم يغفر الله لك يا عمر ثم قبض رحمه الله. أخرجه الطبراني في حديث طويل عن ابن عمر رضي الله عنهما وحسَّن إسناده الهيثيم. بكاء عثمان رضي الله عنه حينما كان يقف على القبور وتقدّم في البكاء عن هانىء قال: كان عثمان رضي الله عنه إذ وقف على قبر يبكي حتى يبلّ لحيته، فقيل له: تذكر الجنة والنار فلا تبكي وتذكر القبر فتبكي - فذكر الحديث، أخرجه الترمذي وحسَّنه. قول حذيفة رضي الله عنه وهو على فراش الموت وأخرج البخاري في الأدب (ص72) عن خالد بن الربيع قال: لما ثقل حذيفة

رضي الله عنه سمع بذلك رهطه والأنصار، فأتوه في جوف الليل أو عند الصبح، فقال: أي ساعة هذه؟ قلنا: جوف الليل أو عند الصبح، فقال: أعوذ بالله من صباح (إلى) النار قال: جئتم بما أُكفن به؟ قلنا: نعم، قال: لا تغالَوا بالأكفان؛ فإنه إنْ يكن لي عند الله خير بُدِّلت به خيراً منه، وإن كانت الأخرى سُلِبت سلباً سريعاً. وأخرج أبو نعيم في الحلية عن أبي وائل قال: لما ثقل حذيفة أتاه أناس من بني عبس فأخبرني خالد بن الربيع العبسي قال: أتيناه وهو بالمدائن حتى دخلنا عليه جوف الليل - فذكر نحون. وأخرجه الحاكم في المستدرك عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه بمعناه مختصراً. وعند أبي نعيم في الحلية عن صلة ابن زُفَر أن حذيفة بعثني وأبا مسعود فابتعنا له كفناً حُلَّة عَصْب بثلاثمائة درهم، فقال: أرياني ما ابتعتما لي؛ فأريناه فقال: ما هذا لي بكفن، إنما يكفي ريطتان بيضاوان ليس معهما قميص، فإني لا أُترك إلاَّ قليلاً حتى أُبدل خيراً منهما أو شراً منهما، فابتعنا له ريطتين بيضاوين. وعنده أيضاً عن أبي مسعود مختصراً، وفي روايته: ما تصنعون بهذا؟ إن كان صاحبكم صالحاً ليبدلنَّ الله تعالى به، وإن كان غير ذلك ليترامنَّ به رَجَواها إلى يوم القيامة. وأخرجه الحاكم عن قيس بن أبي حازم نحوه، وفي روايته: وإن كان غير ذلك ليضربنَّ الله به وجهه يوم القيامة.

قول أبي موسى رضي الله عنه وهو يحتضر وأخرج أبو نعيم في الحلية عن الضحاك بن عبد الرحنم قال: دعا أبو موسى الأشعير رضي الله عنه فتيانه حين حضرته الوفاة فقال: اذهبوا واحفروا وأوسعوا وأعمقوا، فجاؤوا فقالوا: قد حفرنا وأوسعنا وأعمقنا، فقال: والله إنها لإحدى المنزلتين: إما ليفتحنَّ لي باب إلى الجنة فلأنظرنَّ إلى أزواجي ومنازلي وما أعد الله تعالى لي من الكرامة، ثم لأكوننَّ أهدى إلى منزلي مني اليوم إلى بيتي، ثم ليصيبني من ريحها ورَوْحها حتى أُبعث. ولئن كانت الأخرى - ونعوذ بالله منها - ليضيقنَّ عليَّ قبري حتى يكون في أضيق من القناة في الزج، ثم ليفتحنَّ لي باب من أبواب جهنم، فلأنظرنَّ إلى سلاسلي وأغلالي وقرنائي، ثم لأكوننَّ إلى مقعدي من جهنم أهدى مني اليوم إلى بيتي، ثم ليصيبني من سمومها وحميها حتى أبعث. تمني أسيد بن حضير أن يكون في أحد أحوال ثلاثة وأخرج أبو نُعيم والبيهقي وابن عساكر عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان أسيد بن حُضَير رضي الله عنه من أفاضل الناس وكان يقول: لو أني أكون كما أكون على حال من أحوال ثلاثة لكنت من أهل الجنة وما شككت في ذلك: حين أقرأ القرآن وحين أسمعه يُقرأ، وإذا سمعت خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا شهدت جنازة، وما شهدت جنازة قط فحدثتُ نفسي سوى ما هوم مفعول بها وما هي صائرة إليه. كذا في المنتخب.

الإِيمان بالآخرة وصفه عليه الصلاة والسلام للجنة أخرج أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قلنا؛ يا رسول الله إنا إذا رأيناك رقَّت قلوبنا وكنا من أهل الآخرة، فإذا فارقناك أعجبتنا الدنيا وشمِمنا النساء والأولاد، قال صلى الله عليه وسلم «لو أنكم تكونون على كل حال على الحال التي أنتم عليها عندي لصافحتكم الملائكة بأفكهم، ولزارتكم في بيوتكم، ولو لم تذنبوا لجاء الله عز وجل بقوم يذنبون كي يفغر لهم» ، قلنا: يا رسول الله حدثنا عن الجنة ما بناؤها؟ قال صلى الله عليه وسلم «لبنة ذهب ولبنة فضة، ومِلاطها المسك الأذفر، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وترابها الزعفران، من يدخلها ينعم ولا يبأس، ويخلد ولا يموت، لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه. ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم تحمل على الغمام وتُفتح لها أبواب السماوات، ويقول الرب تبارك وتعالى: {وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين} . وروى الترمذي وابن ماجه بعضه، كما في التفسير لابن كثير. قصة فاطمة مع أبيها صلى الله عليه وسلم حين ذهبت إليه للدنيا ورجعت من عنده بالآخرة وأخرج أبو الشيخ في جزء من حديثه عن سويد بن غَفَلة قال: أصابت علياً رضي الله عنه خصاصة، فقال لفاطمة رضي الله عنها: لو أتيتِ النبي

صلى الله عليه وسلم فسألته، فأتته وكان عنده أم أيمن رضي الله عنها، فدقت الباب فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأم أيمن: «إنَّ هذا لَدَقُّ فاطمة، ولقد أتتنا في ساعة ما عودتنا أن تأتينا في مثلها» ، فقالت: يا رسول الله هذه الملائكة طعامها التهليل والتسبيح والتحميد ما طعامنا؟ قال: «والذي بعثني بالحق ما اقتبس في بيت آل محمد منذ ثلاثين يوماً، ولقد أتتنا أعنز، فإن شئت أمرنا لك بخمسة أعنز، وإن شئت علمتك خمس كلمات علمنيهنَّ جبريل» ، فقالت: بل علمني الخمس كلمات التي علمكهنَّ جبريل، قال: «قولي: ياأول الأولين، ويا آخر الآخرين، وياذا القوة المتين، ويا راحم المساكين، ويا أحرم الراحمين» فانصرفت فدخلت على عليَ فقال: ما وراءك؟ فقالت: ذهبت من عندك للدنيا وأتيتك بالآخرة، فقال: خير أيامك. كذا في الكنز وقال: ولم أرَ في رواته من جُرح إلا أن صورته صورة المرسل، فإن كان سويد سمعه من علي فهو متصل. قول أبي موسى في سبب صد الناس عن الآخرة وأخرج أبو نعيم في الحلية عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنا مع أبي موسى رضي الله عنه في مسيرٍ له، فسمع الناس يتحدَّثون، فسمع فصاحة فقال: ما الي يا أنس؟ هلمَّ فلنذكر ربنا فإن هؤلاء يكاد أحدهم أن يفريَ الأديم بلسانه ثم قال لي: يا أنس ما أبطأ بالناس عن الآحرة وما ثبَّرهم عنها؟ قال: قلت: الشهوات والشيطان، قال: لا والله، ولكن عُجِّلت لهم الدنيا وأُخرت الآخرة ولو عاينوا ما عَدَلوا وما ميّلوا.

الإِيمان بما هو كائن يوم القيامة رجاؤه عليه السلام أن تكون أمته نصف أهل الجنة أخرج الترمذي - وصححه - عن عمران بن حصين رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لما نزلت {يَأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ} إلى قوله: {وَلَاكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} (سورة الحج، الآيتان: 1 و2) قال: نزلن عليه هذه الآية وهو في سفر فقال: «أتدرون أي يوم ذلك» ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «ذلك يوم يقول الله لآدم: ابعث بعث النار، قال: يا رب وما بَعْثُ النار؟ قال: تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة» ، فأنشأ المسلون يبكون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «قاربوا وسدِّدوا؛ فإنها لم تكن نبوة قط إلا كان بين يديها جاهليّة» ، قال: «فيؤخذ العدد من الجاهلية، فإن تمت وإلا كملت من المنافقين، ومامثلكم ومثل الأممإلا كمثل الرَّقْمة في ذراع الدابة أو كالشامة في جنب البعير» ، ثم قال: «إني لأرجو أن تكونوا رُبع أهل الجنة» فكبَّروا، ثم قال: «إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة» ، فكبَّروا، ثم قال: «إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة» ، فكبروا، ثم قال: ولا أدري أقال الثلثين أم لا، وكذا رواه الإِمام أحمد وابن أبي حاتم. لغاية ص 440 تابع وعند البخاري في تفسير هذه الآية عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم (يقول الله تعالى يوم القيامة: يا آدم فيقول: لبيك ربنا وسَعْديك، فينادي بصوت: إنالله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثاً إلى النار، قال: يا رب وما بعث النار؟ قال: من كل ألف - أُراه قال: تسعمائة وتسعة وتسعون - فحينئذ

تضع الحامل حملها ويشيب الوليد. {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَاكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} (سورة الحج، الآية: 2) . فشق ذلك على الناس حتى تغيرت وجوههم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعون، ومنكم واحد، أنتم في الناس كالشعرة السوداء في جنب الثور الأبيض أو كالشعرة البيضاء في جنب الثور الأسود، وإني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة، فكبَّرنا، ثم قال: «ثلث أهل الجنة» فكبرنا، ثم قال: «شطر أهل الجنة» . فكبرنا. وقد رواه البخاري أيضاً في غير هذا الموضع ومسلم والنسائي في تفسيره. كذا في التفسير لابن كثير. وأخرجه الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما نحوه، وفي روايته: فشقَّ ذلك على القوم ووقعت عليهم الكاربة والحزن. سؤال الزبير النبي عليه السلام عن بعض أحوال الآخرة وجوابه وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن الزبير رضي الله عنهما قال: لما نزلت: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} (سورة الزمر، الآية: 31) قال الزبير رضي الله عنه: يا رسول الله أتكرر علينا الخصومة؟ قال صلى الله عليه وسلم «نعم» ، قال رضي الله عنه: إن الأمر إذاً لشديد وكذا رواه الإِمام أحمد وعنده زيادة: ولما نزلت {ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم} (سورة التكاثر، الآية: 8) قال الزبير رضي الله عنه: أي رسول الله أَيُّ نعيم نُسأل عنه؟ وإنما نعيمنا الأسودان: التمر والماء؟ وقد روى هذه الزيادة

الترمذي وحسَّنه وابن ماجه. وعند أحمد عن عبد الله بن الزبير عن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه السورة على رسول الله صلى الله عليه وسلم {إِنَّكَ مَيّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيّتُونَ} {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} (سورة الزمر، الآيتان: 30 و31) قال الزبير رضي الله عنه: أيْ رسول الله، أيكرر علينا ما كان بيننا في الدنيا مع خواصِّ الذنوب؟ قال صلى الله عليه وسلم «نعم، ليكررنَّ عليكم حتى يؤدَّي إلى كل ذي حق حقُّه» قال الزبير رضي الله عنه: والله إن الأمر لشديد ورواه الترمذي وقال: حسن صحيح.s كذا في التفسير لابن كثير. وأخرجه الحاكم في المستدرك نحوه قال: هذا حديث صحيح الإِسناد ولم يخرِّجاه. بكاء عبد الله بن رواحة لتذكُّره آيةً في شأن جهنم وأخرج عبد الرزاق عن قيس بن أبي حازم قال: كان عبد الله بن رواحة رضي الله عنه واضعاً رأسه في حجر امرأته، فبكى فبكت امرأته، قال: ما يبكيك؟ قالت: رأيتك تبكي فبكيت، قال: إني ذكرت قول الله عز وجل {وَإِن مّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا} (سورة مريم، الآية: 71) فلا أدري أنجو منها أملا؟ وفي رواية: وكان مريضاً. كذا في التفسير لابن كثير. طلب عبادة من أهله وجيرانه الاقتصاص منه حين حضره الموت وأخرج البيهقي وابن عساكر عن عبادة بن محمد بن عبادة بن الصامت

قال: لمَّا حضرت عبادة رضي الله عنه الوفاة قال: أخرجوا إليَّ مواليَّ وخدمي وجيراني ومن كان يدخل عليَّ، فجمعوا له فقال: إنَّ يومي هذا لا أُراه إلا آخر يوم يأتي عليَّ من الدنيا وأول ليلة من الآخرة، وإني لا أدري لعله قد فرط نمي إليكم بيدي أو بلساني شيء، وهو والذي نفسي بيده القصاص يوم القيامة، وأحرِّج إلى أحد منكم في نفسه شيء من ذلك إلا اقتص مني من قبل أن تخرج نفسي، فقالوا: بل كنت والداً وكنت مؤدباً - قال: وما قال لخادم سوءاً قط - فقال: أعفوتم ما كان من ذلك؟ قالوا: نعم، قال: اللهمَّ اشهد، ثم قال: أمَّا لا، فاحفظوا وصيتي: أحرِّج على إنسان منكم يبكي عليَّ، فإذا خرجت نفسي فتوضأوا وأحسنوا الوضوء، ثم ليدخل كل إنسان منكم مسجداً فيصلي، ثم يستغفر لعبادة ولنفسه، فإنَّ الله تعالى قال: {اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصلاةِ} (سورة البقرة، الآية: 45) أسرعوا بي إلى حفرتي، ولا تتبعني ناراً ولا تضعوا تتي أرجواناً، كذا في الكنز. تخوّف عمر من حساب الآخرة وقد تقدم في الاحتياط عن الإنفاق على نفسه من بيت المال قول عمر رضي الله عنه لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه حين استقرضه أربعة آلاف درهم فقال للرسول: قل له: يأخذها من بيت المال ثم ليردها، فلما جاءه الرسول فأخبره بما قال شق ذلك عليه فلقيه عمر فقال: أنت القائل؛ ليأخذها من بيت المال، فإن مت قبل أن تجيء قلتم: أخذها أمير المؤمنين دعوها له، وأؤخذ بها يوم القيامة. بكاء أبي هريرة ومعاوية حين سمعا حديثاً في الآخرة وسيأتي في التأثر بعلم الله تعالى وعلم رسوله صلى الله عليه وسلم نشغ أبي هريرة رضي

الله عنه نَشْغة شديدة، وسقوطه على وجهه حتى أسنده شَفيُّ الأصبحي طويلاً حين ذكر قضاء الله تبارك وتعالى فيالقارىء، وصاحب المال، والذي قُتل في بيل الله، وبكاء معاوية رضي الله عنه بكاءاً شديداً حين سمع هذا الحديث ظنّوا أنَّه هالك. الإِيمان بالشفاعة قوله عليه السلام: إن شفاعتي لمن مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا أخرج ابغوي وابن عساكر عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: عرَّس بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوسَّد كل إنسان منا ذراع راحلته، فانتبهت في بعض الليل فإذا أنا لا أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم عند راحلته فأفزعني ذلك؛ فانطلقت ألتمس رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أنا بمعاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهما، فإذا هما قد أفزعهما ما أفزعني، فبينما نحن كذلك إذ سمعناه هزيزاً بأعلى الوادي كهزيز الرحى، فأخبرناه بما كان من أمرنا، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم «أتاني الليلة آتٍ من ربي عز وجل فخيَّرني بين الشفاعة وبين أن يدخل نصف أمتي الجنة فاخترت الشفاعة» ، فقلت: أنشدك الله يا نبي الله والصحبة لما جعلتنا من أهل شفاعتك، قال: «فإنَّكم من أهل شفاعي» ، فانطلقنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهينا إلى الناس فإذا هم قد فزعوا حين فقدوا نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم «أتاني آتٍ من ربي فخيَّرني بين الشفاعة وبين أن يدخل نصف أمتي الجنة، فاخترت الشفاعة» ، فقالوا له: ننشدك الله والصحبة لما جعلتنا من أهل شفاعتك، فلما انضمُّوا عليه قال نبي الله صلى الله عليه وسلم «فإني أشهد من حضر أن شفاعتي لمن مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً. كذا في الكنز. دعوته عليه السلام لأمته عند ربه هي الشفاعة لهم وأخرج البغوي وابن منده وانب عساكر عن عبد الرحمن بن أبي عقيل رضي الله عنه قال: انطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد ثقيف، فأنخنا بالباب وما

في الناس أبغض إلينا من رجل نلج عليه، فما خرجنا حتى ما في الناس أحد أحب إلينا من رجل نلج عليه، فما خرجنا حتى ما فيالناس أحد أحب إلينا من رجل دخلنا عليه، فقال قائل منا: يا رسول الله، أَلاَ سألت ربك ملكاً كملك سليمان عليه السلام، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: «لعلَّ لصاحبكم عند الله أفضل من ملك سليمان، إنَّ الله لم يبعث نبياً إلا أعطاه دعوة، فمنهم من اتخذها - وفي لفظ: اتخذ بها - دنيا فأعطيها، ومنهم من دعا على قومه لما عصَوه فأُهكلوا بها، وإنَّ أعطاني دعوة اختبأتها عند ربي شفاعة لأمتي يوم القيامة» . قال البغوي: لا أعلم روى ابن أبي عقيل غير هذا شفاعة لأمتي يوم القيامة» . قال البغوي: لا أعلم روى ابن أبي عقيل غير هذا الحديث وهو غريب لم يحدِّث به إلا من هذا الوجه، كذا في الكنز. وأخرجه البخاري والحارث بن أبي أسامة، كما في الإِصابة. قوله عليه السلام: نعم الرجل أنا لشرار أمتي وأخرج الشيرازي في الألقاب وابن النجار عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «نعم الرجل أنا لشرار أمتي» فقال له رجل من مزينة: يا رسول الله أنت لشرارهم فكيف لخيارهم؟ قال: «خيار أمتي يدخلون الجنّة بأعمالهم، وشرار أمتي ينتظرون شفاعتي، إلا أنها مباحة يوم القيامة لجميع أمتي إلا رجل ينتقص أصحابي» . كذا في الكنز. قول علي في أرجى آية في كتاب الله وأخرج ابن مردويه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أشفع لأمتي حتى ينايني ربي فيقول: أرضيت يا محمد؟ فأقول:

نعم، رضيت» ، ثم أقبل عليَّ فقال: إنكم تقولون يا معشر العراق: إنَّ أرجَى آية في كتاب الله {ياعِبَادِىَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ} {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} {إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (سورة الزمر، الآية: 53) قلت: إنا لنقول ذلك، قال: ولكنا أهل البيت نقول: إنَّ أرجَى آية في كتاب الله {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} (سورة الضحى، الآية: 5) وهي الشفاعة. كذا في الكنز. قول بريدة في أمر الشفاعة أمام معاوية وأخرج أحمد عن ابن بريدة عن أبيه رضي الله عنه أنه دخل على معاوية رضي الله عنه فإذا رجل يتكلم، فقال بريدة: يا معاوية تأذن لي في الكلام؟ فقال: نعم - وهو يرى أنه سيتكلم بمثل ما قال الآخر - فقال بريدة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إني لأرجو أن أشفع يوم القيامة عدد ما على الأرض من شجرة ومدرة» ، قال: فترجوها أنت يا معاوية ولا يرجوها علي رضي الله عنه؟ كذا في التفسير لابن كثير. جواب جابر بن عبد الله لمن كذَّب بالشفاعة وأخرج ابن مردويه عن طَلْق بن حبيب قال: كنت من أشد الناس تكذيباً بالشفاعة، حتى لقيت جابر بن عبد الله رضي الله عنه، فقرأت عليه كل آية أقدر عليها يذكر الله فيها خلود أهل النار، فقال: يا طَلْق أتراك أقرأ لكتاب الله وأعلم بسنة رسول الله مني؟ إن الذين قرأت هم أهلها هم المشركون، ولكن هؤلاء قوم أصابوا ذنوباً فعُذِّبوا ثم أُخرجوا منها، ثم أهوى بيديه إلى أذنيه فقال: صُمَّتا

إن لم أكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يخرجون من النار بعدما دخلوا» ونحن نقرأ كما قرأت. وعند ابن أبي حاتم عن يزيد الفقير قال: جلست إلى جابر بن عبد الله وهو يحدِّث أن ناساً يخرجون من النار قال: وأنا يومئذ أنكر ذلك، فغضبت وقلت: ما أعجب من الناس ولكن أعجب منكم يا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم تزعمون أن الله يخرج ناسناً من النار والله يقول: {يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا} (سورة المائدة، الآية: 37) - الآية، فانتهرني أصحابه وكان أحلمهم فقال: دَعُوا الرجل، إنَّما ذلك للكفار، فقرأ: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِى الاْرْضِ جَمِيعاً} {ومثله معه ليفتدوا به من عذا يوم القيامة} حتى بلغ {وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ} (سورة المائدة، الآيتان: 36 و37) أما تقرأ القرآن؟ قلت: بلى، قد جمعته، قال: أليس الله يقول: {وَمِنَ الَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ} {عى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} (سورة الإسراء، الآية: 79) فهو ذلك المقام، فإن الله تعالى يحتبس أقواماً بخطاياهم في النار ما شاء لا يكلمهم، فإذا أراد أن يخرجهم أخرجهم، قال: فلم أعُدْ بعد ذلك إلى أن أكذِّب به. كذا في التفسير لابن كثير. الإِيمان بالجنة والنار تصوّر الصحابة الجنة في مجلسه عليه السلام وكأنهم يرونها رأي العين أخرج الحسن بن سفيان وأبو نعيم عن حنظة الكاتب الأسيدي رضي الله عنه - وكان من كُتَّاب النبي صلى الله عليه وسلم ـ فقال: كنّا عند النبي صلى الله عليه وسلم فذكرنا الجنة والنار حتى كانا رأي عين، فقمت إلى أهلي وولدي فضحكت ولعبت، فذكرت الذي كنَّا فيه، فخرجت فلقيت أبا بكر رضي الله عنه، فقلت: نافقتُ يا أبا بكر

قال: وم ذاك؟ قلت: تكون عند النبي صلى الله عليه وسلم يذكِّرنا الجنة والنار كأنَّا رأي عين، فإذا خرجنا من عنده عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا، فقال أبو بكر: إنَّا لنفعل ذلك، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال: «يا حنظلة، لو كنتكم عند أهليكم كما تكونون عندي لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي الطريق، يا حنظلة، ساعة وساعة» كذا في الكنز. تحديثه عليه السلام أصحابه عن اليوم الآخر وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: أكرينا (في الحديث) ذات ليلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم غدونا عليه فقال: «عُرضت عليَّ الأنبياء وأتباعها بأممها، فيمر عليَّ النبي ... والنبي في العصابة، والنبي في الثلاثة، والنبي وليس معه أحد» - وتلا قتادة هذه الآية» : {أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ} (سورة هود، الآية: 78) قال: «حتى مرّ عليَّ موسى بن عمران عليه السلام في كبكبة من بني إسرائيل» قال: «قلت: ربِّ من هذا؟ قال: هذا أخوك موسى بن عمران ومن تبعه من بني إسرائيل» قال: «قلت: ربِّ فأين أمتي؟ قال: انظر عن يمينك في الظِّراب، قال: فإذا وجوه الرجال، قال: أرضيت؟ قلت: قد رضيت ربِّ، قال: انظر إلى الأفق عن يسارك؛ فإذا وجوه الرجال، قال: أرضيت؟ قلت: قد رضيت ربِّ، قال: فإنَّ مع هؤلاء سبعين ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب» قال: وأنشأ عُكاشة بن محصن من بني أسد رضي الله عنه - قال سعيد: وكان بدرياً -

قال: با نبيَّ الله ادعُ الله أن يجعلني منهم، فقال: «اللهمَّ اجعله منهم» . قال: أنشأ رجل آخر قال: يا نبي الله ادعُ الله أن يجعلني منهم، فقال: «سبقك بها عكاشة» قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «فإن استطعتم - فداكم أبي وأمي - أن تكونوا من أصحاب السبعين فافعلوا، وإلاَّ فكونوا من أصحاب الظِّراب، وإلا فكونوا من أصحاب الأفق، فإني قد رأيت ناساً كثيراًقد ناشبوا أحوالهم» ثم قال: «إنِّي لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة» ، قال: فكبضرنا، قال: «إنِّي لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة» ، قال: فكبرنا، قال: ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {ثلة من الأولين وثلة من الآخرين} (سورة الواقعة، الآية: 40) - قال: فقلنا بيننا: مَنْ هؤلاء السبعون ألفاً؟ فقلنا: هم الذين وُلدوا في الإِسلام ولم يشركوا، قال: فبلغه ذلك فقال: «بل هم الذين لا يكتوون، ولا يسترقون، ولا يتطيَّرون، وعلى ربهم يتوكَّلون» . وكذا رواه ابن جرير، وهذا الحديث له طرق كثيرة من غير هذا الوجه في الصحح وغيرها. كذا في التفسير لابن كثير، وأخرجه الحاكم في المستدرك عن عبد الله بن مسعود بطوله نحوه، وقال: هذا حديث صحيح الإِسناد ولم يخرِّجاه بهذه السياقة، وقال الذهبي: صحيح. سؤال الأعراب النبي عليه السلام عن شجر الجنة وأخرج ابن النجار عن سليم بن عامر قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: إنَّ الله لينفعنا بالأعراب ومسائلهم، قال: أقبل أعرابي يوماً فقال:

يا رسول الله، ذكر الله في الجنة شجرة تُؤذي صاحبها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «وما هي» ؟ قال: السَّدْر فإن له شوكاً مؤذياً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أليس الله تعالى يقول: في سِدْر مَخْضُودٍ، خضد الله شوكه، فجعل مكان كل شوكة ثمرة، فإنها لتنبت ثمراً، ففتق الثمرة منها عن اثنين وسبعين لوناً من طعام ما فيها لون يشبه الآخر» . وعند ابن أبي داود عن عتبة بن عبد السُّلمي رضي الله عنه قال: كنت جالساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابي فقال: يا رسول الله أسمعك تذكر في الجنة شجرة لا أعلم شجراً أكثر شوكاً منها - يعني الطَّلْح - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنَّ الله يجعل مكان كل شوكة منها ثمرة مثل خُصوة التيس الملبود، فيها سبعون لوناً من الطعام لا يشبه لونٌ الآخر» . كذا في التفسير لابنكثير. سؤال أعرابي النبي عليه السلام عن فاكهة الجنة وجوابه وأخرج الإِمام أحمد عن عتبة بن عبد السلمي قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن الحوض وذَكَر الجنة، ثم قال الأعرابي: فيها فاكهة؟ قال: «نعم، وفيها شجرة تدعى طُوبى» ، قال: فذكر شيئاً لا أدري ما هو، قال: أيُّ شجر أرضنا تشبه؟ قال: ليست تشبه شيئاً من شجر أرضك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أتيتَ الشام؟ قال: لا، قال: «تشبه شجرة بالشام تدعى الجوزة تنبت على ساق واحد وينفرش أعلاها» ، قال: ما عظم العنقود؟ قال: «مسيرة شهر للغراب الأبقع لا يفتر» ، قال: ما عظم أصلها؟ قال: «لو ارتحلت جذعةً من إبل أهلك ما أحاطت بأصلها حتى تنكر تَرقُوتها هرماً» ، قال: فيها عنب؟ قال: «نعم» ، قال: فما عظم الحبّة، قال: هل ذبح أبوك تيساً من غنمه قط عظيماً» ؟ قال: نعم، قال: «فسلخ إهابه فأعطاه أُمك فقال: اتخذي لنا منه دلواً» ؟ قال: نعم، قال اوعرابي؛ فإن تلك الحبة لتشبعني وأهل بيتي؟ قال: «نعم وعامة

عشيرتك» . كذا في التفسير لابن كثير. موت رجل حبشي في مجلسه عليه السلام حينما سمع وصف الجنة وأخرج الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهم قال: جاء رجل من الحبشة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «سل واستفهم» فقال: يا رسول الله فُضِّلتم علينا بالصور والألوان والنبوة، أفرأيت إن آمنتَ بما آمنتَ به، وعلمتَ بما عملت به، إني لكائن معك في الجنة؟ قال: «نعم، والذي نفسي بيده، إنه ليرى بياض الأسود في الجنة من مسيرة ألف عام» ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من قال: لا إله إلا الله، كان له بها عهد عند الله، ومن قال: سبحان الله وبحمده، كتب له مائة ألف حسنة وأربعة وعشرون ألف حسنة» ، فقال رجل: كيف نهلك بعد هذا يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنَّ الرجل ليأتي يوم لقيامة بالعمل لو وضع على جبل لأثقله، فتقوم النعمة - أبو نعم الله - فتكاد تستنفد ذلك كله، إلاّ أن يتغمده الله برحمته» ونزلت هذه السورة {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مّنَ الدَّهْرِ} (سورة الإنسان، الآيتان: 1 و20) فقال الحبشي: وإن عينيَّ لترى ما ترى عيناك في الجنة؟ قال: «نعم» ، فاستبكى حتى فاضت نفسه. قال ابن عمر: ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدليه في حفرته بيده. كذا في التفسير لابن كثير. وفي تفسيره أيضاً: قال عبد الله بن وَهْب: أخبرنا ابن زيد أن رسول الله

صلى الله عليه وسلم قرأ هذه السورة {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مّنَ الدَّهْرِ} وقد أنزلت عليه وعنده رجل أسود، فلما بلغ صفة الجنان زفر زفرة فخرجت نفسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أخرج نفس صاحبكم - أو قال: أخيكم - الشوق إلى الجنة» . مرسل غريب. انتهى. تبشيره علي لعمر بالجنة وهو يحتضر وأخرج ابن عساكر عن أبي مطر قال: سمعت علياً رضي الله عنه يقول: دخلت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين وجأه أبو لؤلؤة وهو يبكي، فقلت: ما يبكيك يا أمير المؤمنين؟ قال: أبكاني خبر المساء، أيُذهب بي إلى الجنة أم إلى النار؟ فقلت له: أبشر بالجنة؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما لا أحصيه يقول: «سيداً كهول الجنة أبو بكر وعمر وأنَعما» فقال: أشاهد أنت لي يا علي بالجنة؟ قلت: نعم، وأنت يا حسن فاشهد على أبيك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن عمر من أهل الجنة» . كذا في المنتخب. بكاء عمر عند ذكر الجنة وقد تقدَّم في زهد عمر قوله في ضيافة له: هذا لنا فما لفقراء المسلمين الذين ماتوا وهم لا يشبعون من خبز الشعير؟ فقال عمر بن الوليد: لهم الجنة، فاغرورقت عينا عمر، وقال: لئن كان حظُّنا من هذا الحطام وذهبوا بالجنة لقد بانوا بوناً عظيماً أخرجه عبد بن حيمد وغيره عن قتادة. رجاء بن سعد بن أبي وقاس بدخول الجنة وهو يحتضر وأخرج ابن سعد عن مصعب بن سعد قال: كان رأس أبي حِجْري وهو يقضي قال: فدمعت عيناي فنظر إليَّ فقال: ما يبكيك أي بني؟ فقلت:

لمكانك وما أرى بك، قال: فلا تبك عليَّ؛ فإن الله لا يعذبني أبداً، وإنِّي من أهل الجنة، إنَّ الله يدين المؤمنين بحسناتهم ما عملوا لله، قال: وأما الكفار فيخفّف عنهم بحسناتهم، فإذا نفدت قال: ليطلب كل عامل ثواب عمله ممن عمل له. جزع عمرو بن العاص وهو يحتضر خوفاً مما بعد الموت وأخرج ابن سعد عن ابن شماسة المهري قال: حضرنا عمرو بن العاص رضي الله عنه وهو في سياق الموت، فحوَّل وجهه إلى الحائط يبكي طويلاً وابنه يقول له: ما يبكيك؟ أما بشَّرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا، أما بشَّرك بكذا؟ - قال: وهو في ذلك يبكي ووجهه إلى الحائط - قال: ثم أقبل بوجهه إلينا فقال: إنَّ أفضل مما تعد عليَّ شهادةُ أن لا إله إلاَّ الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكني قد كنت على أطباق ثلاث: قد رأيتني ما من الناس من أحد أبغض إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحب إليَّ من أن أستمكن منه فأقتله، فلو متّ على تلك الطبقة لكنت من أهل النار. ثم جعل الله الإسلام في قلبي فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبايعه فقلت: إبسط يمينك أبايعك يا رسول الله، قال: فبسط يده، ثم إنِّي قبضت يدي، فقال: «ما لك يا عمرو» ؟ قال: فقلت: أردت أن أشترط، فقال: «تشترط ماذا» ؟ فقلت: أشترط أن يُغفر لي، فقال: «أما علمت يا عمرو أنَّ الإِسلام يهدم ما كان قبله، وأنَّ الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأنَّ الحج يهدم ما كان قبله» فقد رأيتني ما من الناس أحد أحبَّ إليَّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجلَّ في عيني منه، ولم سئلت أن أنعته ما أطقت لأني لم أكن أطيق أن أملأ عينيَّ إجلالاً له، فلو مت على تلك الطبقة رجوت أن أكون من أهل الجنة. ثم وَلينا أشياء بعد فلست أدري ما أنا فيها أو ما حالي فيها. فإذا

أنا متُّ فلا تصحبني نائحة ولا نار، فإذا دفنتموني فسنُّوا عليَّ التراب سناً، فإذا فرغتم من قبري فأمكثوا عند قبري قد ما ينحر جزور ويُقسم لحمها؛ فإني أسأنس بكم حتى أعلم ماذا أراجع به رسل ربي. وأخرجه مسلم بسند ابن سعد بسياقه نحوه. وأخرجه أحمد عبد الرحمن بن شماسة قال: لما حضرت عمرو بن العاص الوفاةُ، بكى فقال له ابنه عبد الله: لم تبكي؟ أجزعاً على الموت؟ فقال: لا والله، ولكن مما بعد الموت فقال له: قد كنت على خير، فجعل يذكِّره صحبة رسول الله وفتوحه الشام، فقال عمرو: تركتَ أفضل من ذلك كله: شهادة أن لا إله إلاَّ الله، فذكره مختصراً وزاد في آخره: فإذا متّ فلا تبكينَّ عليَّ باكية، ولا يتبعني مادح ولا نار، وشدّوا عليّ إزاري، فإني مخاصم، وشنّوا عليص التراب شنّاً؛ فإن جنبي الأيمن ليس أحق بالتراب من جنبي الأيسر، ولا تجعلنَّ في قبري خشبة ولا حجراً. كذا في البداية وقال: وقد روى مسلم هذا الحديث في صحيحه وفيه زيادات على هذا السياق أي سياق أحمد، وفي رواية: أنه بعد هذا حوّل وجهه إلى الجدار وجعل يقول: اللهمَّ أمرتنا فعصينا، ونهيتنا فما انتهينا، ولا يسعنا إلاَّ عفوك. وفي رواية: أنه وضع يده على موضع الغُل من عنقه ورفع رأسه إلى السماء وقال: اللهمَّ لا قويُّ فأنتصر، ولا بريءٌ فأعتذر، ولا مستنكرٌ بل مستغفر، لا إله إلاَّ أنت، فلم يزل يردِّدها حتى مات رضي الله عنه. انتهى، وأخرج ابن سعد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما - فذكر الحديث فيما أوصاه عمرو وفي آخره: ثم قال: اللهمَّ إنك أمرتنا فركبنا،

ونهيتنا فأضعنا، فلا برىءٌ فأعتذر، ولا عزيز فأنتصر، ولكن لا إله إلاَّ الله - مال زال يقولها حتى مات.d ما تقدَّم من أقوال بعض الصحابة في الإِيمان بالجنة والنار وقد تقدَّم في النصرة ما قالت الأنصار حين قال النبي صلى الله عليه وسلم «قد وفيتم لنا بالذي كان عليكم، فإن شئتم أن تطيب أنفسكم بنصيبكم من خيبر ويطيب ثماركم فعلتم» ، قالوا: إنَّه قد كان لك علينا شروط ولنا عليك شرط بأن لنا الجنة؛ فقد فعلنا الذي سألتنا بأن لنا شرطنا، قال: «فذاكم لكم» رواه البزّار. تقدَّم في باب الجهاد قول عمير بن الحُمام رضي الله عنه حين حرَّض رسول الله صلى الله عليه وسلم على القتال يوم بدر: بخٍ بخٍ أفما بيني وبين أن أدخل الجنة إلاَّ أن يقتلني هؤلاء، قال: ثم قذف التمرات من يده وأخذسيفه فقاتل القوم حتى قتل. وفي رواية أخرى: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما يحملك على قول: بخٍ بخٍ» ؟ قال: لا والله يا رسول الله؛ إلاَّ رجاء أن أكون من أهلها، قال: «فإنك من أهلها» ، قال: فأخرج تمراتٍ من قَرْنه فجعل يأكل منهن، ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه، إنها حياة طويلة قال: فرمى ما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى تقل. رواه أحمد وغيره عن أنس رضي الله عنه. وتقدَّم في الطعن والجراحة في الجهاد قول أنس بن النضر رضي الله عنه: واهاً لريح الجنة أجده دون أحد فقاتلهم حتى قتل، وقول سعد بن خيثمة رضي الله عنه في رغبة الصحابة في القتل في سبيل الله: لو كان غير الجنة لآثرتك به، إني أرجو الشهادة في وجهي هذا، حين قال له أبوه: لا بدّ لأحدنا من أن يقيم، وقول سعد بن الربيع رضي الله عنه في يوم أحد: قل له:

يا رسول الله أجدني أجد ريح الجنة؛ حين قال له زيد بن ثبت رضي الله عنه إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام، ويقول لك: «أخبرني كيف تجدك» ؟، وقول حَرَام بن ملحان رضي الله عنه في شجاعة عمار: يا هاشم تقدَّم، الجنة تحت ظلال السيوف، والموت في أطراف الأسنَّة، وقد فتحت أبواب الجنة، وتزينت الحور العين، اليوم ألقى الأحبّة محمداً وحزبه، ثم حملا هو وهاشم فقتلا، وقوله أيضاً في شجاعته: يا معشر المسلمين أمن الجنة تفرُّون؟ أنا عمار بن ياسر، أمن الجنة تفرُّون؟ أنا عمار بنياسر، هَلُمَّ إليَّ. وقول ابن عمر رضي الله عنهما في الإِنكار من قبول الإِمارة: فما حدَّثت نفسي بالدنيا قبل يومئذ، ذهبت أن أقول: يطمع فيه من ضربك وأباك على الإِسلام حتى أدخلكما فيه؛ فذكرت الجنة ونعيمها فأعرضت عنه - يعني حين قال معاوية رضي الله عنه في دُومة الجندل: من يطمع في هذا الأمر ويرجوه؟. وقول سعد بن عامر رضي الله عنه حين تصدَّق وقالوا: إن لأهلك عليك حقاً، وإن لأصهارك عليك حقاً: ما أنا بمستأثر عليهم ولا بملتمس رضى أحد من الناس لطلب الحور العين، لو اطَّلعتْ خَيْرَةٌ من خيرات الجنة لأشرقت لها الأرض كما تشرق الشمس، وفي رواية أخرى: أنَّه قال لامرأته: على رِسْلك، إنه كان لي أصحاب فارقوني منذ قريب ما أحب أني صُددت عنهم وإنَّ لي الدنيا وما فيها، ولو أن خيرة من خيرات الحسان اطَّلعت من المساء لأضاءت لأهل الأرض، ولقهر ضوء وجهها الشمس والقمر، ولَنصيف تُكسى خير من الدنيا وما فيها، فلأنت أحرى في نفسي أن أدعك لهنَّ من أن أدعهنَّ لك، قال: فسمحتْ ورضيتْ. وقول امرأة من الأنصار في الصبر على الأمراض: لا والله يا رسول الله، بل أصبر ثلاثاً، ولا أجل والله لجنته خطراً، حين قال رسول

الله صلى الله عليه وسلم «أيُّهما أحب إليك: أن أدعو لك فيكشف عنك - أي الحمى -، أو تصبري وتجب لك الجنة» . وقول أبي الدرادء رضي الله عنه: أشتهي الجنة، حين اشتكى وقال له أصحابه: ما تشتهي؟، وقول أم حارثة رضي الله عنهما في الصبر على موت الأولاد حين قتل ولدها يوم بدر: يا رسول الله أخبرني عن حارثة؛ فإن كان في الجنة صبرت، وإلاَّ فليرينَّ الله ما أصنع - يعني من النياح وكانت لم تُحرَّم بعد - وفي رواية أخرى فقالت: يا رسول الله إن يكن في الجنة لم أبك ولم أحزن، وإن يكن في النار بكيت ما عشت في الدنيا، فقال: «يا أم حارثة إنها ليست بجنة ولكنها جنة في جنات، والحارث في الفردوس الأعلى» فرجعت وهي تضحك وتقول: بخٍ بخٍ يا حارث بكاء عائشة عند ذكرها النار وما قاله عليه السلام لها وأخرج الحاكم عن عائشلاة رضي الله عنها قالت: ذكرت النار فبكيت، فقال رسول الله: «ما لك يا عائشة» ؟ قالت: ذكرت النار فبكيت فقال رسول الله: «ما لك يا عائشة» ؟ قالت: ذكرت النار فبكيت فهل تذكرون أهليكم يوم القيامة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أمَّا في ثلاث مواطن فلا يذكر أحد أحداً: (عند الميزان) حتى يعلم أيخف ميزانه أم يثقل. وعند الكتب حتى يقال: هاؤم إقرؤوا كتابيه، حتى يعلم أين يقع كتابه أفي يمينه أم في شماله أو من وراء ظهره. وعند الصراط إذا وُضع بين ظهري جهنم، حافتاه كلاليب وحسك كثير، يحبس الله بها من شاء من خلقه حتى يعلم أينجو أم لا» . قال الحاكم: هذا حديثٌ صحيحٌ، إسناده على شرط الشيخين لولا إرسالُ فيه بين الحسن وعائشة، وكذا قال الذهبي.

موت شيخ كبير وفتى عند ذكر جهنم وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد العزيز - يعني ابن أبي روَّاد - قال: بلغني أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية: {يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} (سورة إبراهيم، الآية: 14) وعنده بعض أصحابه وفيهم شيخ، فقال الشيخ: يا رسول الله حجارة جهنم كحجارة الدنيا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم «والذي نفسي بيده لصخرة من صخر جهنم أعظم من جبال الدنيا كلِّها» قال: فوقع الشيخ مغشياً عليه فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على فؤاده فإذا هو حيٌّ، فناده فقال: «يا شيخ قل لا إله إلاَّ الله» فقالها فبشَّره بالجنة، قال: فقال أصحابه: يا رسول الله أمن بيننا؟ قال: (نعم يقول الله تعالى: {ذالِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِى وَخَافَ وَعِيدِ} ، هذا حديث مرسل غريب. كذا في التفسير لابن كثير. وأخرج الحاكم بمعناه مختصراً من حديث ابن عباس رضي الله عنهما وصحَّحه كما تقدَّم في الخوف، وفي روايته: فخرَّ فتى مغشياً عليه - بدل الشيخ، وقد تقدَّم في الخوف قصة فتى في الأنصارد خلته خشية الله فكان يبكي عند ذكر النار حتى حبسه ذلك في البيت، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فلما نظر إليه الشاب قام فاعتنقه، وخرَّ ميتاً فقال النبي صلى الله عليه وسلم «جهِّزوا صاحبكم فإن الفَرَق من النار فلذ كبده» أخرجه الحاكم وصحَّحه عن سهل وابن أبي الدنيا وغيره عن حذيفة رضي الله عنه. ما تقدَّم من أقوال بعض الصحابة في الخوف من النار وقد تقدَّم قصة تقلّب شدّاد بن أوس على فراشه وقوله: اللَّهم إن النار أذهبت مني النوم، فيقوم فيصلي حتى يصبح. وتقدَّم بعض قصص الباب في

بكاء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وتقدَّم في يوم مؤتة بكاء عبد الله بن رواحة رضي الله عنه وقوله: أما - والله - ما بي حبُّ الدنيا ولا صبابة بكم، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ آية من كتاب الله يذكر فيها النار {وَإِن مّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً} (سورة مريم، الآية: 71) ؛ فلست أدري كيف لي بالصَّدَر بعد الورود. اليقين بما وعد الله تبارك وتعالى يقين أبي بكر رضي الله عنه بما وعد الله في حرب الروم والفرس أخرج الترمذي عن نيار بن مُكرَم الأسلمي رضي الله عنه قال: لما نزلت {الم} {غُلِبَتِ الرُّومُ} {فِى أَدْنَى الاْرْضِ} {وَهُم مّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ} {سيغلبون في بضع سنين} (سورة الروم، الآيات: 1 - 4) فكانت فارس يوم نزلت هذه الآية قاهرين للروم، فكان السملمون يحبُّون ظهور الروم عليهم لأنهم وإياهم أهل كتاب، وفي ذلك قوله تعالى: {يومئذ يفرح المؤمنون} {بِنَصْرِ اللَّهِ} {يَنصُرُ مَن يَشَآء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} (سورة الروم، الآيتان: 4 و5) وكانت قريش تحب ظهور فارس لأنهم وإياهم ليسوا بأهل كتاب ولا إيمان بَبْعث، فلما أنزل الله هذه الآية خرج أبو بكر رضي الله عنه يصيح {الم} {غُلِبَتِ الرُّومُ} {فِى أَدْنَى الاْرْضِ وَهُم مّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} {فِى بِضْعِ سِنِينَ} فقال ناس من قريش لأبي بكر: فذاك بيننا وبينكم، زعم صاحبكم أن الروم ستغلب فارس في بضع سنين، أفلا نراهنك على ذلك؟ قال: بلى - وذلك قبل تحريم الرِّهان - فارتهن أبو بكر والمشركون وتواضعوا الرهان، وقالوا لأبي بكر: كم تجعل البضع ثلاث سنين إلى تسع سنين؟ فسمِّ بيننا وبينك وسطاً ننتهي إليه، قالوا فسموا بينهم ست سنين، قال: فمضت ست السنين قبل أن يظهروا، فأخذ

المشركون رهن أبي بكر، فلما دخلت السنة السابعة ظهرت الروم على فارس، قال: فعاب المسلمون على أبي بكر تسميته ست سنين، قال: لأن الله يقول: {فِى بِضْعِ سِنِينَ} قال: فأسلم عند ذلك ناس كثير. هكذا ساقه الترمذي، ثم قال: هذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلاَّ من حديث عبد الرحمن بن أبي الزِّناد. وعند أبي حاتم عن البراء رضي الله عنه قال: لمَّا نزلت {الم} {غُلِبَتِ الرُّومُ} {فِى أَدْنَى الاْرْضِ وَهُم مّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} . قال المشركون لأبي بكر: ألا ترى إلى ما يقول صاحبك يزعم أن الروم تغلب فارس قال: صدق صاحبي، قالوا: هل لك أن نخاطرك؟ فجعل بينه وبينهم أجلاً، فحلَّ الأجل قبل أن تغلب الروم فارس، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وساءه ذلك وكرهه وقال لأبي بكر: «ما دعاك إلى هذا» ؟ قال: تصديقاً لله ولرسوله، قال: «تعرَّضْ لهم، وأعظم لهم الخطر، واجعله إلى بضع سنين» فأتاهم أبو بكر فقال: هل لكم في العود؟ فإن العود أحمد، قالوا: نعم، فلم تمضِ تلك السنون حتى غلب الروم فارس، وربطوا خيولهم بالمدائن، وبنوا الرومية فجاء أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «هذا السُّحْت» . قال: «تصدَّق به» وأخرجه الإِمام أحمد والترمذي - وحسَّنه - والنسائي وابن أبي حاتم وابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما بمعناه مختصراً، كما في التفسير لابن كثير. يقين كعب بن عدي بما وعد الله به من إظهار دينه وأخرج البغوي عن كعب بن عدي رضي الله عنه قال: أقبلت في وفد

من أهل الحيرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فعرض علينا الإِسلام فأسلمنا، ثم انصرفنا إلى الحيرة، فلم نلبث أن جاءتنا وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فارتاب أصحابي وقالوا: لو كان نبياً لم يمت، فقلت: فقد مات الأنباء قبله. فثبتُّ على الإسلام ثم خرجت أريد المدينة، فمررت براهب كنا لا نقطع أمراً دونه فجئت إليه فقلت: أخبرني عن أمر أدته لَقَح في صدري منه شيء، قال: إئت باسمك من الأشياء، فأتيته بكعب، قال: ألْقِه في هذا الشعر - لشعر أخرجه - فأليت الكعب فيه، فإذا بصفة النبي صلى الله عليه وسلم كما رأيته، وإذا موته في الحين الذي مات فيه، فاشتدت بصيرتي في إيماني، فقدمت على أبي بكر - رضي الله عنه - فأعلمته وأقمت عنده، ووجهني إلى المقوقس ورجعت، ثم وجهني عمر - رضي الله عنه - أيضاً فقدمت عليه بكتابه بعد وقعة اليرموك ولم أعلم بها، فقال لي: علمت أن الروم قتلت العرب وهزمتهم؟ قلت: لا، قال: ولم؟ قلت: لأنَّ الله وعد نبيه ليظهره على الذين كله وليس يخلف الميعاد، قال: فإن العرب قتلت الروم - والله - قتلة عادٍ وإنَّ نبيكم قد صدق، ثم سألني عن وجوه الصابة فأهدى لهم، وقلت له: إنَّ العباس - رضي الله عنه - عمُّه حي فتصله، قال كعب: وكنت شريكاً لعمر ابن الخطاب، فلما فرض الديوان فرض لي في بني عديِّ بن كعب. وقال البغوي: لا أعلم لكعب بن عدي غيره، وهكذا أخرجه ابن قانع عن البغوي ولكنه اقتصر منه إلى قوله: مات الأنباء قبله، وابن شاهين وأبو نُعيم وابن السَّكن بطوله، وأخرجه ابن يونس في تاريخ مصر من وجه آخر عن كعب بطوله، كما في الإِصابة. أقوال أبي بكر وعمر وسعد في اليقين بما وعد الله من نصر المؤمنين وقد تقدَّم قول أبي بكر رضي الله عنه في قتال أهل الردَّة: والله لا أبرح أقوم بأمر الله وأجاهد في سبيل الله حتى ينجز اللهلنا (وعده) ، ويفي لنا عهده،

فيقتل من قتل منا شهيداً في الجنة ويبقى من بقي منا خليفة الله في أرضه ووارث عباده، (قضى الله) الحق؛ فإن الله تعالى قال وليس لقوله خلف: {وعد االذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستحلفنهم في الأرض} {كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} (سورة النور، الآية: 55) . وتقدم قول عمر رضي الله عنه في تحريضه على الجهاد: أين الطّراء المهاجرون عن موعود الله؟ سيروا في الأرض التي وعدكم الله في الكتاب أن يورثكموها؛ فإنه قال: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلّهِ} (سورة التوبة، الآية: 33) والله مظهر دينه، ومعزّ ناصره، ومولي أهله مواريث الأمم؛ أين عباد الله الصالحون؟. وقول سعد رضي الله عنه في ترغيبه على الجهاد: إنَّ الله هو الحق لا شريك له في الملك، وليس لقوله خُلْف، قال الله عز ثناؤه: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِى الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذّكْرِ أَنَّ الاْرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِىَ الصَّالِحُونَ} (سورة الأنبياء، الآية: 105) إنَّ هذا ميراثكم وموعود ربكم، وقد أباحها لكم من ثلاث حجج، فأنتم تطعمون منها وتأكلون منها وتقتلون أهلها وتجْبونهم وتسبونهم إلى هذا اليوم بما نال منهم أصحاب الأيام منكم، وقد جاءكم منهم هذا الجمع وأنتم وجوه العرب وأعيانهم وخيار كل قبيلة وعز من ورائكم، فإن تزهدوا في الدنيا وترغبوا في الآخرة جمع الله لكم الدنيا والآخرة. اهـ مختصراً. اليقين بما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم تصديق خزيمة بن ثابت للنبي عليه السلام في خصومته مع الأعرابي أخرج ابن سعد عن عمارة بن خزيمة بن ثبت عن عمه رضي الله عنه - وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم إبتاع فرساً من رجل من الأعراب، فاستتبعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعطيه ثمنه، فأسرع النبي صلى الله عليه وسلم المشي وأبطأ الأعرابي، فطفق رجال يلقَون الأعرابي يساومونه الفرس ولا يشعرون أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد

ابتاعه، حتى زاد بعضهم الأعرابي في السَّوم على ثمن الفرس الذي ابتاعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما زاده نادى الأعرابي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن كنت مبتاعاً هذا الفرس فابتعه وإلاَّ بعته، فقام النبي صلى الله عليه وسلم حين سمع قول الأعرابي حتى أتاه الأعرابي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ألستُ قد ابتعته منك» ؟ فقال الأعرابي: لا والله، ما بعتكه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «بلى، قد ابتعته منك» فطفق الناس يلوذون بالنبي صلى الله عليه وسلم وبالأعرابي وهما يتراجعان، فطفق الأعرابي يقول: هلمَّ شهيداً يشهد أنِّي بعتك، فمن جاء من المسلمين قال للأعرابي: ويلك أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن ليقول إلاَّ حقاً حتى جاء خزيمة بن ثابت رضي الله عنه فاستمع تراجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتراجع الأعرابي، فطفق الأعرابي يقول: هلمَّ شهيداً يشهد أنِّي بايعتك، فقال خزيمة، أنا أشهد أنك قد بايعته، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على خزيمة بن ثابت فقال: بم تشهد» ؟ فقال: بتصديقك يا رسول الله فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادة خزيمة شهادة رجلين. وأخرجه أبو داود عن عمارة بن خزيمة عن عمه نحون. وعند ابن سعد أيضاً عن محمد بن عمارة بن خزيمة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا خزيمة بم بتشهد ولم تكن معنا» ؟ قال: يا رسول الله أنا أصدقك بخبر السماء ولا أصدقك بما تقول؟ فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته شهادة رجلين، وفي رواية أخرى عنده قال: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته شهادة رجلين، وفي رواية أخرى عنده قال: أعلم أنك لا تقول إلاَّ حقاً، قد أمناك على أفضل من ذلك على ديننا، فأجاز شهادته. تصديق أبي بكر للنبي عليه السلام في قصة الإِسراء وأخرج البيهقي عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما أُسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى أصبح يحدِّث الناس بذلك، فارتد ناس ممن كانوا آمنوا به وصدّقوه، وسعَوا بذلك إلى أبي بكر رضي الله عنه فقالوا: هل

لك في صاحبك يزعم أنه أُسري به الليلة إلى بيت المقدس؟ فقال: أوَ قال ذلك؟ قالوا: نعم، قال: لئن كان قال ذلك لقد صدق، قالوا: فتصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح؟ قال: نعم، إني لأصدقه فيما هو أبعد نم ذلك، أصدقه في خبر الماء في غَدْوة أو رَوححة، فلذلك سمي أبو بكر الصديق. كذا في التفسير لابن كثير. وأخرجه أبو نعيم عن عائشة نحون، وفي روايته: فارتد ناس ممَّن كان آمن به وصدَّق ناس وفتنوا، قال أبو نعيم: وفيه محمد بن كثير المصِّيصي ضعَّفه أحمد جداً، وقال ابن معين: صدوق، وقال النَّسائي وغيره: ليس بالقوي، كما في المنتخب. وأخرج ابن أبي حاتم من حديث أنس رضي الله عنه قصة ليلة الإسراء بطولها وفيه: فلما سمع المشركون قوله أتوا أبا بكر فقالوا: يا أبا بكر هل لك في صاحبك يخبر أنه أتى في ليلته هذه مسيرة شهر ورجع في ليته؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه - فذكر نحوه، كما في التفسير لابن كثير. لغاية ص 460 تابع تصديق عمر للنبي عليه السلام فيما أخبر به عن هلاك الأمم وأخرج الحافظ أبو يعلى عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قلَّ الجراد في سنة من سني عمر رضي الله عنه التي ولي فيها، فسأل عنه فلم يخبر بشيء، فاغتم لذلك فأرسل راكباً إلى كذا، وآخر إلى الشام وآخر إلى العراق، يسأل هل رؤى من الجراد شيء أم لا؟ قال: فأتاه الراكب الذي من قِبَل الينم بقبضة من جراد فألقاها بين يديه، فلما رآها كبّر ثلاثاً، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «خلق الله عز وجل ألف أمة، منها ستمائة في

البحر وأربعمائة في البر، وأول شيء يهلك من هذه الأمم الجراد، فإذا هلكت تتابعت مثل النِّظام إذا قُطع سِلكُه» . كذا في التفسير لابن كثير. يقين علي فيما أخبره به عليه السلام في شأن مقتله وأخرج ابن أحمد في زوائده وابن أبي شيبة والبزار والحارث وأبو نعيم والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن فضالة بن أبي فضالة الأنصاري قال: خرجت مع أبي إلى ينبع عائداً لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه - وكان مريضاً بها حتى ثَقُل - فقال له أبي: ما يقيمك بهذا المنزل؟ ولومتّ لم يَلِك إلا أعراب جهينة؟ احتمل حتى تأتي المدينة، فإن أصابك أجلك وليك أصحابك وصلُّوا عليك - وكان أبو فضالة رضي الله عنه من أصحاب بدر - فقال علي: إني لست ميتاً من وجعي هذا، إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إليَّ أن لا أموت حتى أؤمَّر، ثم تختضب هذه - يعني لحيته - من دم هذه - يعني هامته - كذا في منتخب الكنز وقال: ورجاله ثقات. وأخرج الحميدي والبزَّار وأبو يَعْلى وابن حِبَّان والحاكم وغيرهم عن علي رضي الله عنه قال: أتاني عبد الله بن سَلاَم رضي الله عنه وقد

أدخلت رجلي في الغرز فقال لي: أين تريد؟ فقلت: العراق، فقال: أما إنك إن جئتها ليصيبك بها ذُباب السيف، قال علي: وايْمُ الله، لقد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبله يقوله. كذا في المنتخب. وأخرج ابن عدي وابن عساكر عن معاوية بن جرير الحضرمي قال: عَرَض عليٌّ الخيل، فمر عليه ابن مُلْجَم فسأله عن اسمه أو قالنسبه فانتمى إلى غير أبيه، فقال له: كذبت، حتى انتسب إلى أبيه، فقال: صدقتَ، أما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثني أن قاتلي شبهُ اليهود وهو يهود فامْضه. كذا في المنتخب. وعند عبد الرزاق وابن سعد ووكيع في الغُرز عن عَبِيدة قال: كان علي إذا رأى ابن مُلْجَم قال: أريد حياءه ويريد قتلي عِذِيرك من خليلك من مُراد كذا في المنتخب وعند ابن سعد وأبي نُعَيم عن أبي الطفيل قال: كنت عند علي بن

أبي طالب فأتاه عبد الرحمن بن مُلْجَم فأمر له بعطائه ثم قال: ما يحبس أشقاها أن يخضبها من أعلاها، يخضب هذه من هذه - وأومأ إلى لحيته - ثم قال علي: أشدد حيازيمك للموتِ فإن الموت آتيكا ولا تجزع من القتلِ إذا حَلَّ بواديكا كذا في المنتخب. يقين عمار فيما أخبره به عليه السلام في شأن مقتله وأخرج ابن عساكر عن أم عمار - حاضنة لعمار - رضي الله عنه قالت: اشتكى عمارفقال: لا أموت في مرضي هذا، حدثني حبيب رسول الله صلى الله عليه وسلم أني لا أموت إلاَّ قتيلاً بين فئتين مؤمنتين.. كذا في المنتخب. وقد تقدَّم في رغبة الصحابة في القتل في سبيل الله قول عمار: عهد إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ آخر زادك من الدنيا ضَياح من لبن، ومجيئه إلى علي يوم صفِّين حين كان يقاتل فلا يُقتل، وقوله: يا أمير المؤمنين، يوم كذا وكذا - قال ذلك ثلاث مرات -، ثم أُتي بلبن فشربه، ثم قال: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن هذا آخر شربة أشربها من الدنيا، ثم قام فقاتل حتى قُتل. وأخرج أبو يعلى وابن عساكر عن خالد بن الوليد رضي الله عنه عن ابنة هشام بن الوليد بن المغيرة - وكانت تمرِّض عماراً - قالت: جاء معاوية رضي الله عنه إلى عمار يعوده، فما خرج من عنده قال: اللهمَّ لا تجعل منيته

الكنز.j يقين أبي ذر فيما أخبره به عليه السلام في شأن موته وأخرج ابن سعد عن إبراهيم بن الأشتر عن أبيه أنَّه لما حضر أبا ذر رضي الله عنه الموتُ بكت امرأته، فقال لها: ما يبكيك؟ قالت: أبكي لأنه لا يَدَان لي بتغيبك، وليس لي ثوب يسعك، قال: فلا تبكي، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنفر أنا فيهم «ـ «ليموتن منكم رجل بفلاة من الأرض تسهده عصابة من المؤمنين» وليس من أولئك النفر رجل إلاَّ قد مات في قرية وجماعة من المسلمين، وأنا الذي أموت بفلاة، والله ما كَذَبتُ ولا كُذِبتُ، فأبصري الطريق، فقالت: أنَّى وقد انقطع الحاج، وتقطَّعت الطرق؟ فكانت تشدُّ إلى كثيب تقوم عليه تنظر ثم ترجع إيه فتمرِّضه، ثم ترجع إلى الكثيب، فبينا هي كذلك إذا هي بنفر تخدُّ بهم رواحلهم كأنهم الرَخَم على رحالهم، فألاحت بثوبها فأقبلوا حتى وقفوا عليها وقالوا: ما لك؟ قالت: أمرؤ من المسلمين يموت تكفِّنونه؟ قالوا: ومن هَو؟ قال: أبو ذر، ففدَوه بآبائهم وأمهاتهم، ووضعوا السياط في نحورها يستبقون إليه حتى جاؤوه، فقال: أبشروا، فحدَّثهم الحديث الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يموت بين امرأين مسلمين ولدان أو ثلاثة فيحستبان ويصبران فيريان النار» أنتم تسمعون، لو كان لي ثوب يسعني كفناً لم أُكفَّن إلاَّ في ثوب هو لي، أو لامرأتي ثو يسعني لم أكفَّن إلاَّ في ثوبها، فأنشدكم الله والإِسلام أن لا يكفنني رجل منكم كان أميراً، أو عريفاً، أو نقيباً، أو بريداً، فكل القوم قد كان قارف بعض

ذلك إلاَّ فتى من الأنصارقال: أنا أكفنك فإني لم أصب مما ذكرت شيئاً، أكفنك في ردائي هذا الذي عليَّ وفي ثوبين في عيبتي من غَزْلِ أمي حاكتهما لي، قال: أنت فكفني. قال: فكفَّنه الأنصاري في النفر الذين شهدوه، منهم حجر ابن الأدبر، ومالك الأشتر، في فنر كلهم يَمان وأخرجه أبو نعيم عن أم ذرَ نحوه، كما في المنتخب. وعند ابن سعد أيضاً عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: لما نَفى عثمان رضي الله عنه أبا ذر رضي الله عنه إلى الرَّبذة، وأصابه بها قدره، ولم يكن معه أحد إلاَّ امرأته وغلامه، فأوصاهما: أن اغسلاني، وكفِّناني، وضعاني على قارعة الطريق، فأول ركب يمر بكم فقولوا: هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعينونا على دفنه، فلما مات فعلاً ذلك به، ثم وضعاه على قارعة الطريق، وأقبل عبد الله بن سمعود في رَهْط من أهل العراق عُمَّاراً، فلم يَرُعهم إلاَّ بالجنازة على ظهر الطريق قد كادت الإِبل أن تطأها، فقام إليه الغلام فقال: هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعينونا على دفنه، فاستهلَّ عبد الله يبكي ويقول: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم «تمشي وحدك، وتموت وحدك، وتُبعث وحدك» ثم نزل هو وأصحابه فوارَوه؛ ثم حدثهم عبد الله بن مسعود حديثه وما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ي مسيره إلى تبوك. يقين خُرَيم بن أوس فيما أخبر عليه السلام في شأن الشيماء بنت بقيلة وأخرج أبو نعيم في الدلائل (ص196) عن حُمَيد بن منهب قال قال جدي خُرَيم بن أوس رضي الله عنه: هاجرت إلى النبي وقدمت عليه منصرفه من

تبوك، فأسلمت فسمعته يقول: «هذه الحيرة البيضاء قد رُفعت لي، وهذه الشيماء بنت بُقيلة الأزدية على بغلة شهباء معتجرة بخمار أسود» فقلت: يا رسول الله إنْ نحن دخلنا الحيرة فوجدناها كما تصف فهي لي؟ قال: «هي لك» ، قال: ثم كانت الردّة فما ارتد أحد من طيِّىء، فأقبلنا مع خالد ابن الوليد رضي الله عنه نريد الحيرة، فلما دخلناها كان أول من تلقَّانا الشيماء بنت بُقَيلة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة شهباء معتجزة بخمار أسود، فتعلَّقت بها، فقلت: هذه وصفها لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاني خالد بالبينة، فأتيت بها فكانت البينة محمد بنمسلمة ومحمد بن بشير الأنصاريان رضي الله عنهما، فسلَّمها إليَّ خالد، ونزل إليها أخوها عبد المسيح بن بُقَيلة يريد الصلح، فقال: بِعْنيها، فقالت: لا أنقصها والله من عشر مائة، فأعطاني ألف درهم وسلم تها إليه، فقالوا لي: لو قلت: مائة ألف لدفعها إليك، فقلت: ما كنت أحسب أنَّ عدداً أكثر من عشر مائة. وأخرجه الطبراني عن حميد بطوله، كما في الإِصابة، وأخرجه البخاري عن حميد مختصراً وابن منده بطوله وقال: لا يعرف إلاَّ بهذا الإِسناد تفرَّد به زكريا بن يحيى عن زَحْر (بن حصين) . كذا في الإصابة.

يقين المغيرة بن شعبة فيما أخبر به عليه السلام من النصر والظَّفر لأصحابه وأخرج أبو نُعيم في الدلائل (ص198) عن جبير بن حَيَّة قال: أرسل بندارفان العِلج: أن أرسلوا إليَّ معشر العرب رجلاً منكم نكلِّمه، فاختار الناس المغيرة بن شعبة رضي الله عنه - قال جبير: فأنا انظر إليه طويل الشَّعَر أعور - فأتاه فلما رجع سألناه ما قال له؟ فقال لنا: حمدت الله وأثنيت عليه وقلت: إنا كنا لأبعد الناس داراً، وأشد الناس جوعاً، وأعظم الناس شقاء، وأبعد الناس من كل خير، حتى بعث الله إلينا رسولاً، فوعدنا النصر في الدنيا والجنة في الآخرة، فلم نزل نعرف من ربِّنا عز وجل منذ جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفلاح والنصر حتى آتيناكم، وإنَّا والله لنرى ملكاً وعشاً لا نرجع عنه إلى الشقاء أبداً حتى نغلبكم على ما في أيديكم أو نقتل في أرضكم. الحديث. وعند البيهقي في الأسماء والصفات (ص148) عن جبير بن حَيّة فذكر الحديث الطويل في بعث النعثمان بن مقرِّن رضي الله عنه إلى أهل الأهواز، وأنهم سألوا أن يُخْرِجَ إليهم رجلاً، فأخرج المغيرة بن شعبة، فقال ترجمان القوم: ما أنتم؟ فقال المغيرة: نحن ناس من العرب كنّا في شقاء شديد وبلاء طويل، نمص الجلد والنوى من الجوع، ونلبس الوبر والشَّعَر، ونعبد الشجر والحجر، فبينا نحن كذلك إذ بعث رب السماوات ورب الأرض إلينا نبياً من أنفسنا نعرف أباه وأمه، فأمرنا نبينا رسول ربنا صلى الله عليه وسلم (أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده، أو تؤدُّوا الجزية، وأخبرنا نبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رسالة ربنا أنه من قُتل منّا صار إلى

جنة ونعيم لم ير مثله قط، ومن بقي منا ملك رقابكم. ورواه البخاري في الصحيح كما قال البيهقي، وأخرجه أبو نعيم في الدلائل (ص199) عن بكر بن عبد الله الزمني وزياد بن جبير بن حيّة نحوه، ولعله سقط عن في رواية عن جبير بن حية. يقين أبي الدرداء فيما أخبر به عليه السلام من حفظ الله سبحانه لمن قال كلمات وأخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (ص125) عن طَلْق قال: جاء رجل إلى أبي الدرداء رضي الله عنه فقال: يا أبا الدرداء احترق بيتك، قال: ما احترق ثم جاء آخر فقال: مثل ذلك، فقال: ما احترق ثم جاء آخر فقال: يا أبا الدرداء، انبعثت النار حتى انتهت إلى بيتك طفئت، قال: قد علمت أن الله عز وجل لم يكن ليفعل (ذاك) قال: يا أبا الدرداء ما ندري أي كلامك أعجب؟ قولك: ما احترق، أو قولك: قد علمت أن الله لم يكن ليفعل ذاك قال: ذاك كلمات سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم من قالهن حين يصبح لم تصبه مصيبة حتى يمسي: «اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، عليك توكلت وأنت رب العرش الكريم. ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله العلي العظيم. أعلمُ أنَّ الله على كل شيء قدير، وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً. اللهم إنِّي أعوذ بك من شر نفسي ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، إنَّ ربي على صراط مستقيم» . ما تقدَّم من كلام الصحابة رضي الله عنهم في اليقين بأخباره عليه السلام وقد تقدَّم قول عدي بن حاتم رضي الله عنه في باب الدعوة: والذي نفسي بيده لتكوننَّ الثالثة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قالها، وقول هشام بن العاص

وغيره لجبلة بن الأيهم في إرسال الصحابة الجماعة للدعوة: ومجلسك هذا - فوالله - لنأخذنَّه منك، ولنأخذن ملك الملك الأعظم إن شاء الله، أخبرنا بذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وقول علي رضي الله عنه لأبي بكر رضي الله عنه في اهتمام أبي بكر بإرسال الجيوش إلى الشام: أرى أنك إن سرت إليهم بنفسك - أو بعثت إليهم - نُصرت عليهم إن شاء الله، فقال: بشَّرك الله بخير، ومن أين علمت ذلك؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يزال هذا الدين ظاهراً على كل من ناوأه حتى يقوم الدين وأهله ظاهرون» ، فقال: سبحان الله ما أحسن هذا الحديث، لقد سررتني به سَرَّك الله. وسيأتي في التأييدات الغيبية قول ابن عمر رضي الله عنهما حين أخذ بأذن الأسد، فعركها ونحَّاه عن الطريق: ما كذب عليك رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما يُسلّط على ابن آدم ما خافه ابن آدم، ولو أن ابن آدم لم يخف إلاَّ الله لم يسلط عليه غيره» . اليقين بمجازاة الأعمال يقين أبي بكر بما أخبره به عليه السلام من مجازاة الأعمال أخرج ابن أبي شيبة وابن راهويه وعبد بن حُمَيد والحاكم وغيرهم عن أبي أسماء قال: بينما أبو بكر رضي الله عنه يتغدى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أنزلت هذه الآية {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} {وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} (سورة الزلزلة، الآيتان: 7 و8) فأمسك أبو بكر وقال: يا رسول الله أكل ما عملناه من سوء رأيناه؟ فقال: «ما ترون مما تكرهون فذاك مما تجزون به، ويُؤخَّر الخير لأهله في الآخرة» .

وعند ابن مردويه من طريق أبي إدريس الخولاني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا أبا بكر، أرأيت ما رأيت ممَّا تكره فهو من مثاقيل الشر، ويُدَّخر لك مثاقيل الخير حتى تُوفَّاه يوم القيامة، وتصديق ذلك في كتاب الله: {وَمَآ أَصَابَكُمْ مّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ} (سورة الشورى، الآية: 30) . كذا في الكنز وقال: وأورده الحافظ ابن حجر في أطرافه في مسند أبي بكر. وأخرج عبد بن حُميد والترمذي وابن المنذر عن أبي بكر رضي الله عنه قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزلت هذه الآية {من يعلم سوءا يجز به ولا يجد له من دون اوليا ولا نصيرا} (سورة النساء، الآية: 123) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا أبا بكر، ألا أُقرئك آيةً أُنزلت عليَّ» ؟ قلت: بلى يا رسول الله، فأقرأَنيها، فلا أعلم إلاَّ أنِّي وجدت في ظهري إنقاصماً، فتمَّطأت لها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما شأنك؟ يا أبا بكر» قلت: يا رسول الله، وأينا لم يعمل سوءاً؟ وإنا لمجزيون بما عملنا؟ فقال رسول الله: «أما أنت يا أبا بكر والمؤمون فتُجزون بذلك في الدنيا حتى تلقَون وليس لك ذنوب، وأما الآخرون فيجمع الله ذلك لهم حتى يجزوا به يوم القيامة» . قال الترمذي: غريب وفي إسناده مقال، وموسى بن عبيدة يُضعَّف في الحديث، ومولى ابن سباع مجهول، وقد رُوِي هذا الحديث من غير هذا الوجه عن أبي بكر وليس له إسناد صحيح. وعند أحمد وابن المنذر وأبي يَعْلى وابن حِبْان والحاكم والبيهقي

وغيرهم عن أبي بكر الصدِّيق أنه قال: يا رسول الله، كيف الصلاح بعد هذه الآية: {من يعمل سوءا يجز به} ؟ فكل سوء علمناه جُزيناً به؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «غفر الله لك يا أبا بكر ألست تمرض؟ ألست تَنْصب؟ ألست تحزن؟ ألست تصيبك اللأواء» ؟ ألست تُنكب» ؟ قال: بلى، قال: «فهي ما تجزَون به في الدنيا» . كذا في كنز العمال. يقين عمر بن الخطاب في مجازاة الأعمال وأخرج ابن راهويه عن محمد بن المنتشر قال: قال رجل لعمر ابن الخطاب رضي الله عنه: إني لأعرف أشدَّ آية في كتاب الله، فأهوى عمر فضربه بالدِرَّة فقال: ما لك نقَّبت عنها حتى علمتها؟، فانصرف حتى كان الغد، فقال له عمر: الآية التي ذكرت بالأمس، فقال: {من يعمل سوءا يجز به} فما منا أحد يعمل سوءاً إلاَّ جُزي به، فقال عمر: لبثنا حين نزلت ما ينفعنا طعام ولا شراب حتى أنزل اللهبعد ذلك ورخَّص وقال: {ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر ايجد اغفورا رحيما} (سورة النساء، الآية: 11) . كذا في الكنز. يقين عمرو بن سمرة وعمران بن حصين بالجزاء وأخرج ابن ماجه عن عبد الرحمن بن ثعلبة الأنصاري عن أبيه رضي الله عنه أن عرو بن سَمُرة بن حبيب بن عبد شمس رضي الله عنه جاء ألى

النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني سرقت جملاً لبني فلان فطهَّرني، فأرسل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا افتقدنا جملاً لنا، فأمر به فقُطعت يده وهو يقول: الحمد الله الذي طهَّرني منكِ، أردتِ أن تدخلي جسدي النار. كذا في التفسير لابن كثير. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: دخل عليه بعض أصحابه - وقد كان ابتُلي في جسهد - فقال له بعضهم: إنا لنبأس لك لما نرى فيك، قال: فلا تبتئس بما ترى، فإن ماترى بذنب، وما يعفو الله عنه أكثر، ثم تلا هذه الآية: {وَمَآ أَصَابَكُمْ مّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ} . كذا في التفسير لابن كثير. ما تقدَّم عن إيمان أبي بكر ورجل من الصحابة بالجزاء وقد تقدَّم عن أحمد في الزهد وأبي نعيم في الحلية عن أبي ضمرة - يعني ابن حبيب بن ضمرة - قال: حضرتِ الوفاةُ ابناً لأبي بكر رضي الله عنه، فجعل الفتى ينظر إلى وسادة، فلّما توفي قالوا لأبي بكر: رأينا ابنك يلحظ إلى الوسادة، فرفعوه عن الوسادة فوجدوا تحتها خمسة دنانير أو ستة دنانير، فضرب أبو بكر بيده على الأخرى يرجِّع يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، ما أحسب جلدك يتسع لها.. كذا في الكنز وقال: وله حكم الرفع لأنه إخبار عن حال البرزخ. وقد تقدَّم في شتم المسلم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل جاء إليه وسأله عن مماليكه: «إذا كان يوم القيامة يحسب ما خانوك وعصَوك وكذَّبوك، وعقابك إياهم (فإن كان عقابك إياهم) بقدر ذنوبهم كان كفافاً لا لك ولا عليك، وإن كان عقابك إياهم فوق ذنوبهم اقتص لهم منك الفضل» ؛ فتنحَّى الرجل وجعل

يهتف ويبكي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «أما تقرأ قول الله: {وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} (سورة الأنبياء، الآية: 47) الآية؟ فقال الرجل: يا رسول الله، ما أجد لي ولهؤلاء خيراً من مفارقتهم، أشهدك أنهم كلُّهم أحرار. أخرجه الترمذي عن عائشة رضي الله عنها ورجالهما ثقات. لغاية ص 470 قوة إيمان الصحابة رضي الله عنهم أجمعين تحمل الصحابة آية: {وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ} أخرج أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم {ما في السموات وما في الأرض} {وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ} {فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآء وَيُعَذّبُ مَن يَشَآء} {وَاللَّهُ عَلَى كُلّ شَيْء قَدِيرٌ} (سورة البقرة، الآية: 284) اشتدَّ ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتَوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جثوا على الركب وقالوا: يا رسول الله كُلِّفنا من الأعمال ما نطيق: الصلاة والصيام والجهاد والصدقة، وقد أُنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابَيْن من قبلكم: سَمِعْنا وعَصَيْنَا؟ بل قولوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير» فلما أقرَّ بها القوم وذلَّت بها ألسنتهم أنزل الله في إثرها {آمن الرسول بما أنزل إليه نم ربه والمؤمنون} {كل آمن با وملائكته وكتبه ورسوله} {لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّن رُّسُلِهِ} {وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (سورة البقرة، الآية: 286) فلمافعلوا ذلك نسخها الله فأنزل الله {لاَ يُكَلّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}

{رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَآ إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا} (سورة الأنعام، الآية: 82) - إلى آخره. ورواه مسلم مثله. وعند أحمد أيضاً عن مجاهد قال: دخلت على ابن عباس رضي الله عنهما فقلت: يا أبا عباس، كنت عند ابن عمر رضي الله عنهما فقرأ هذه الآية فبكى، قال: أية آية؟ قلت: «وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه» قال ابن عباس: إنَّ هذه الآية حين أنزلت غمّت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غماً شديداً وغاظتهم غيظاً شديداً - يعني وقالوا: يا رسول الله هلكنا - إنا كنا نؤاخذ بما تكلَّمنا وبما نعمل، فأما قلوبنا فليست بأيدينا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم «قولوا: سمعنا وأطعنا» فقالوا: سمعنا وأطعنا، قال: فنسختها هذه الآية: {ءامَنَ الرَّسُولُ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ ءامَنَ} - إلى {لاَ يُكَلّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} ؛ فتُجُوِّز لهم عن حديث النفس وأُخذوا بالأعمال. وعنده أيضاً من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس مختصراً وفيه: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «قولوا: سمعنا وأطعنا وسلَّمنا» فألقى الله الإِيمان في قلوبهم، وأخرجه مسلم نحوه وابن جرير من طرق أخرى عن ابن عباس، وهذه طرق صحيحة عن ابن عباس، كما في التفسير لابن كثير. ما فعل الصحابة عندما نزلت: ولم يلبسوا إيمانهم بظلم وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله رضي الله عنه قال: لمّا نزلت: {وَلَمْ

يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} (سورة لقمان، الآية: 13) شقَّ ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: وأيُّنا لم يظلم نفسه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لس كما تظنون، إنما قال لابنه: يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِالله إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ» ورواه البخاري. وعند ابن مروديه عنه قال: لمَّا نزلت {الَّذِينَ ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «قيل لي: أنت منهم» . كذا في التفسير لابن كثير. ما فعلت نساء الصحابة حين نزلت: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} وأخرج ابن أبي حاتم عن صفية بنت شيبة قالت: بينا نحن عند عائشة رضي الله عنها قال: فذكرنا نساء قريش وفضلهنَّ، فقالت عائشة رضي الله عنها: إنَّ لنساء قريش لفضلاً، وإنِّي والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار، أشدّ تصديقاً لكتاب الله ولا إيماناً بالتنزيل لقد أُنزلت سورة النور {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} (سورة النور، الآية: 31) انقلب رجالهنَّ إليهنَّ يتلون عليهنَّ ما أنزل الله إليهم فيها، ويتلو الرجل على امرأته وابنته وأخته وعلى كل ذي قرابة، فما منهن امرأة إلاَّ قامت إلى مِرْطها المرحَّل فاعتجرت به؛ تصديقاً وإيماناً بما أنزل الله من كتابه، فأصبحنَ وراء رسول الله متعتجرات كأنَّ على رؤوسهن الغربان. ورواه أبو داود من غير وجه عن صفية بنت شيبة به. كذا في التفسير لابن كثير.

قصة شيوخ كبير أكثر من الذنوب وقصة أبي فروة أيضا وأخرج ابن أبي حاتم عن مكحول قال: جاء شيخ كبير هرم قد سقط حاجباه على عينيه، فقال: يا رسول الله رجل غَدَر وفجر، ولم يدع حاجَة ولا داجة إلاَّ اقطفها بيمينه، لو قُسمت خطيئته بين أهل الأرض لأوبقتهم؛ فهل له من توبة؟ فقال النبي: «أأسلمت» ؟ فقال: أما أنا فأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «فإن الله غافر لك غَدَراتك وفجراتك، ومبدِّل سيئاتك حسنات ما كنت كذلك» فقال: يا رسول الله وغَدَراتي وفَجَراتي؟، قال: «وغَدَراتك وفَجَراتك» فولَّى الرجل يكبِّر ويهلل. وأخرج الطبراني من حديث أبي فروة رضي الله عنه أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت رجلاً عمل الذنوب كلَّها ولم يترك حاجة ولا داجة، فهل له من توبة؟ فاقل: «أسلمت» ؟ فقال: نعم، قال: «فافعل الخيرات، وأترك السيئات، فيجعلها الله لك خيرات كلَّها، قال: وغَدَراتي وفَجَراتي؟، قال: «نعم» فما زال يكبِّر حتى توارَى، كذا في التفسير لابن كثير. قصة امرأة مذنبة مع أبي هريرة وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاءتني امرأة

فقالت: هل لي من توبة؟ إني زنيت وولدت وقتلته، فقلت: لا، ولا نَعِمَتِ العين ولا كرامة فقامت وهي تدعو بالحسرة، ثم صلَّيتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم الصبح فقصصت عليه ما قالت المرأة وما قلت لها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «بئسما قلت أما كنت تقرأ هذه الآية» {وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ الها ءاخَرَ} - إلى قوله: {إِلاَّ مَن تَابَ} (سورة الفرقان، الآيتان: 68 و70) الآية؟ فقرأتها عليها فخرَّت ساجدة وقالت: الحمد لله الذي جعل لي مخرجاً. هذا حديث غريب من هذا الوجه، وفي رجاله من لا يُعرف. وقد رواه ابن جرير بسنده بنحوه، وعنده: فخرجت تدعو بالحسرة وتقول: يا حسرتا أخُلق هذا الحسن للنار؟ وعنده أنه لما رجع من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم تطلَّبها في جميع دور المدينة فلم يجدها، فلما كان من الليلة المقبلة جاءته فأخبرها بما قاله له رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرَّت ساجدة وقالت: الحمد لله الذي جعل لي مخرجاً وتوبة مما عملت، وأعتقت جارية كانت معها وابنتها، وتابت إلى الله عز وجل.H كذا في التفسير لابن كثير. ما فعل شعراء النبي عليه السلام حين نزلت: {والشعراء يتبهم الغاوون} وأخرج ابن إسحاق عن أبي الحسن - مولى تميم الداري رضي الله عنه - قال: لمَّا نزلت {وَالشُّعَرَآء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} (سورة الشعراء، الآية: 224) جاء حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك رضي الله عنهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يبكون، قالوا: قد علم الله حين أنزل هذه الآية أنَّاشعراء، فتلا النبي صلى الله عليه وسلم {إِلاَّ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ} قال: «أنتم» {وَذَكَرُواْ اللَّهَ كَثِيراً} قال: «أنتم» {وَانتَصَرُواْ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ} (سورة الشعراء، الآية: 227) قال: «أنتم» . وأخرجه ابن أبي حاتم وابن جير من رواية

ابن إسحاق، وأخرجه ابن أبي حاتم عن أبي الحسن - مولى بني نوفل - بمعناه ولم يذكر كعباً، كما في التفسر لابن كثير، وأخرجه الحاكم عن أبي الحسن بسياق ابن أبي حاتم. حقيقة محبة لقاء الله وحقيقة كراهية ذلك وأخرج أحمد عن عطاء بن السائب قال: كان أول يوم عرفت فيه عبد الرحمن بن أبي ليلى رأيت شيخاً أبيض الرأس واللحية على حمار وهو يتبع جنازة، فسمعته يقول: حدثني فلان بن فلان سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من أحبَّ لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه» ، قال: فأكبَّ القوم يبكون، فقال: ما يبكيكم: فقالوا: إنا نكره الموت، قال: ليس ذلك، ولكنه إذا احتُضر {فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ} {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّاتُ نَعِيمٍ} (سورة الواقعة، الآيتان: 88 و89) فإذا بُشِّر بذلك أحبَّ لقاء الله عز وجل، والله عز وجل للقائه أحب {وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذّبِينَ الضَّآلّينَ} {فَنُزُلٌ مّنْ حَمِيمٍ} {وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} (سورة الواقعة، الآيات: 92 - 94) فإذا بُشِّر بذلك كره لقاء الله، والله تعالى للقائه أكره. كذا في التفسير لابن كثير. بكاء الصفيق حين نزلت: {إِذَا زُلْزِلَتِ} وأخرج ابن جرير عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: لمَّا نزلت {زلزت الأرض زلزالها} (سورة الزلزلة، الآية: 1) وأبو بكر الصديِّق رضي الله عنه

قاعد، فبكى حين أُنزلت، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما يبكيك يا أبا بكر» ؟ قال: يبكيني هذه السورة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «لولا أنكم تخطئون وتذنبون فيغفر الله لكم لخلق الله أمة يخطئون ويذنبون فيغفر لهم» . كذا في التفسير لابن كثير. ما أخبر به عليه السلام عمر عما سيجري معه في القبر وأخرجه ابن أبي داود في البَعْث وأبو الشيخ في السنَّة والحاكم في الكُنَى والبيهقي في كتاب عذاب القبر والأصبهاني في الحجة وغيرهم عن عمر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا عمر، كيف أنت إذا كنت في أربع أذرع من الأرض في ذراعين، ورأيت مُنْكراً ونَكيراً» ؟ فقلت: يا رسول الله وما منكر ونكير؟ قال: «فَتَّانا القبر، يبحثان القبر بأيابهما، ويطآن في أشعارهما، أصواتهما كالرعد القاصف، وأبصارهما كالبرق الخاطف، معهما مرزبة لو اجتمع عليها أهل مِنى لم يطيقوا رفعها، هي أيسر عليهما من عصاي هذه - وبيد رسول الله صلى الله عليه وسلم عُصَيَّة يحرِّكها - فامتحناك، فإن تعاييت أو تلوَّيت ضرباك بها ضربة تصير بها رماداً» قلت: يا رسول الله وأنا على حالي هذه، قال: «نعم» ، قال: إذن أكفيكهما ... كذا في الكنز. وأخرجه سعيد بن منصور نحوه، وزاد عبد الواحد المقدسي في كتابه التبصير فقال صلى الله عليه وسلم «والذي بعثني بالحق نبياً لقد أخبرني جبريل أنهما يأتيانك فيسألانك فتقول أنت: الله ربي فمن ربكما؟ ومحمد نبيي فمن نبيكما؟ والإِسلام ديني فما ينكما؟ فيقولان: وأعجباه ما ندري: نحن أُرسلنا إليك، أم أنت أرسلت إلينا» كما في الرياض

النضرة. قول عمر في قوة إيمان عثمان رضي الله عنهما وأخرج ابن عساكر عن أبي بحريّة الكِندي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج ذات يوم فإذا هو بمجلس فيه عثمان بن عفان رضي الله عنه، فقال: معكم رجل لو قسم إيمانه بين جند من الأجناد لوسعهم - يريد عثمان بن عثمان -. كذا في المنتخب. ما تقدَّم من أقوال الصحابة رضي الله عنهم في قوة الإِيمان وقد تقدَّم في صفة الصحابة قول ابن عمر رضي الله عنهما حين سئل: هل كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يضحكون؟ قال: نعم والإِيمان في قلوبهم أعظم من الجبال. وقول عمار رضي الله عنه في تحمل الشدائد: أجد قلبي مطمئناً بالإِيمان، حين قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «كيف تجد قلبك» ؟ أي عندما أخذه المشركون فلميتركوه حتى ذكر آلهتهم بخير، أخرجه أبو نعيم في الحلية وابن سعد عن أبي عبيدة، وهكذا أخرجه عنه ابن جرير والبيهقي كما في التفسير لابن كثير. وقول أبي بكر رضي الله عنه في الاستخلاف: أبربي تخوِّفوني؟ أقول: اللهمَّ استخلفت عليهم خير أهلك، وفي رواية أخرى: لأنا أعلم بالله وبعمر منكما. وقول عمر رضي الله عنه في قَسْم جميع ما في بيت المال للرجل الي كلَّمه في إبقاء المال لعدو أو نائبة: جرى الشيطان على لسانك، لقَّنني الله حجَّتها ووقاني شرها، أعدُّ لهاما أعدّ لها رسول الله صلى الله عليه وسلم طاعة الله عز وجل ورسوله. وفي رواية أخرى: والله لا أعصينَّ الله لِغَدٍ. وفي أخرى: أعدُّ لهم تقوى الله تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً} (سورة الطلاق، الآية: 2) - الآية. وقول علي

رضي الله عنه في رغبة الصحابة في الإنفاق: لا يصدق إيمان عبد حتى يكون بما في يد الله أوثق منه بما في يده، عندما أراد الصدقة على المسائل وقالت فاطمة رضي الله عنها: إنما تركتُ ستة دراهم للدقيق. وقول عامر بن ربيعة رضي الله عنه في ردِّ المال: لا حاجة لي في قطيعتك، نزلت اليوم سورة أذهلتنا عن الدنيا {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِى غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ} (سورة الأنبياء، الآية: 1) . وتقدَّم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت كان أسيد بن حُضَير رضي الله عنه من أفاضل الناس، فكان يقول: لو أني أكون كما أكون محل حال من أحوال ثلاث لكنت من أهل الجنة، وما شككت في ذلك: حين أقرأ القرآن وحين أسمعه، وإذا سمعت خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا شهدت جنازة؛ فما شهدت جنازة قط فحدثت نفسي سوى ما هو مفعول بها وما هي صائرة إليه. أخرجه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح الإِسناد ولم يخرِّجاه. وقال الذهبي: صحيح.

الباب الثاني عشر باب اجتماع الصحابة على الصلوات كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يجتمعون على الصلوات في المساجد، ويرغبون فيها ويرغِّبون إليها، ويفهمون من انتقالها الانتقال من أمر إلى أمر، ومن عمل إلى عمل وكيف كانوا يتركون أشغالهم بما يؤمرون من الأعمال التي فيها تقوية الإِيمان وصفاته، ونشر العلم وأعماله، وإحياء الذكر وإقامة الدعاء بشرائطه؛ فكأنهم كانوا لا يلتفتون إلى ظاهر الأشكال ولا يستفيدون إلاَّ من خالقها والمتصرِّف فيها.

ترغيب النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة حديث عثمان وسلم ان رضي الله عنهما في ذلك أخرج أحمد بإسناد حسن وأبو يَعْلى والبزّار عن الحارث مولى عثمان رضي الله عنه قال: جلس عثمان رضي الله عنه يوماً وجلسنا معه، فجاء المؤذن، فدعا بماء في إناء - أظنه فيكون فيه مُدٌّ - فتوضأ، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وُضوئي هذا، ثم قال: «من توضأ وضوئي هذا، ثم قام يصلِّي صلاة الظهر عُفر له ما كان بينها وبين الصبح، ثم صلّى العصر غُفر له ما كان بينها وبين الظهر، ثم صلّى المغرب غُفر له ما كان بينها وبين العصر، ثم صلّى العشاء غُفر له ما كان بينها وبين المغرب، ثم لعله يبيت يتمرغ ليلته، ثم إن قام فتوضى فصلَّى الصبح غُفر له ما بينها وبين صلاة العشاء؛ وهن الحسنات يذهبن السيئات» ، قالوا: هذه الحسنات فما الباقيات (الصالحات) يا عثمان؟ قال هي: لا إله إلاَّ الله وسبحان الله، والحمد الله، والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله. كذا في الترغيب وقال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يَعْلى

والبزّار ورجاله رجال الصحيح غير الحارث بن عبد الله مولى عثمان بن عفان وهو ثقة وفي الصحيح بعضه. انتهى. وأخرجه أحمد والنِّسائي والطبراني عن أبي عثمان قال: كنت مع سلمان رضي الله عنه تحت شجرة، فأخذ غصناً منها يابساً فهزه حتى تحاتَّ ورقه، ثم قال: يا أبا عثمان ألاَّ تسألني لِمَ أفعل هذا؟ قلت: ولمَ تفعله؟ قال: هكذا فعل بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه تحت شجرة، فأخذ منها غصناً يابساً فهزَّه حتى تحاتَّ ورقه، فقال: «يا سلمان ألا تسألني لِمَ أفعل هذا» ؟ قلت: ولمع تفعله؟ قال: «إنَّ المسلم إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم صلَّى الصلوات الخمس، تحاتَّت خطاياه كما يتحاتُّ هذا الورق، وقال: {وَأَقِمِ الصلاةَ طَرَفَىِ النَّهَارِ وَزُلَفاً} {من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرينr (سورة هود، الآية: 411) قال المنذري في الترغيب: رواه أحمد محتج بهم في الصحيح إلا علي بن زيد. اه.} عع>35قصة الأخوين اللذين مات أحدهما شهيداً وأُخر الآخر وأخرج أحمد عن عامر بن سعد بن أبي وقاص قال: سمعت سعداً

رضي الله عنه وناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون: كان رجلان أخوان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أحدهما أفضل من الآخر، فتوفي الذي هو أفضلهم وعُمِّر الآخر بعده ثم توفي، فذُكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فضل الأول على الآخر، فقال: «ألم يكن يصلِّي» ؟ قالوا بلى يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما يدريك ما بلغت به صلاته» ؟ ثم قال عند ذلك: «إنما مَثَل الصلاة كمثل نهر جارٍ بباب رجلٍ غمرٍ عذبٍ، يقتحم فيه كل يوم خمس مرات، فماذا تَروْن يبقى من دَرَنه» ؟ قال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الأوسط إلاَّ أنه قال: ثم عُمِّر الآخر بعده أربعين ليلة، ورجال أحمد رجال الصحيح. اهـ، وأخرجه أيضاً مالك والنِّسائي وابن خُزَيمة في صحيحه كما في الترغيب. وأخرج أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رجلان من بَلِيّ - حيّ من قُضاعة - أسلما مع رسول الله، فاستشهد أحدهما وأُخِّر الآخر سنة، قال طلحة بن عبيد الله: فرأيت المؤخَّر منهما أُدخل الجنة قبل الشهيد،

فتعجبت لذلك، فأصبحت فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ـ أو ذُكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ـ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أليس قد صام بعده رمضان، وصلَّى ستة آلاف ركعة وكذا وكذا ركعة صلاة سَنَة» قال في الترغيب: رواه أحمد بإسناد حسن، ورواه ابن ماجه وابن حِبّان في صحيحه والبيهقي كلّهم عغن طلحة بنحوه أطول منه، وزاد ابن ماجه وابن حبان في آخره: «فلَمَا بينهما أبعد مما بين السماء والأرض» . قوله عليه السلام لرجل عن الصلاة: إنها كفارة ذنبك وأخرج الطبراني عن الحارث عن علي رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد ننتظر الصلاة، فقام رجل فقال: إني أصبت ذنباً، فأعرض عنه؛ فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة قام الرجل فأعاد القول، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «أليس قد صليت معنا هذه الصلاة وأحسنت لها الطُّهور» ؟ قال: بلى، قال: «فإنها كفارة ذنبك» ؛ قال الهيثمي: رواه الطبراني في الصغير والأوسط والحارث ضعيف. اهـ. قوله عليه السلام لرجل سأله عن أفضل الأعمال وأخرج أحمد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن أفضل الأعمال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الصلاة» قال: ثم مَهْ؟ قال: الصلاة قال: ثم (مَهْ؟ قال: الصلاة) - ثلاث مرات فلما غلب عليه

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الجهاد في سبيل الله» ، قال الرجل: فإنَّ لي والدين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «آمرك بالوالدين خيراً» ، قا: والذي بعثك بالحق نبياً لأجاهدنَّ ولأتركنَّهما، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنت أعلم» ؛ قال الهيثمي: وفيه ابن لَهيعة وهو ضعيف وقد حسَّن له الترمذي وبقية رجاله رجال الصحيح. اهـ، وأخرجه أيضاً ابن حِبّان في صحيحه، كما في الترغيب. قوله عليه السلام لمن أدَّى أركان الإِسلام: أنت من الصدِّيقين والشهداء وأخرج البزَّار، وابن خزيمة وابن حِبَّان في صحيحهما - واللفظ لابن حِبَّان - عن عمرو بن مرَّة الجهني رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت إن شهدتُ أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وصليت الصلوات الخمس، وأديت الزكاة، وصمت رمضان وقمته، فممَّن أنا؟ قال: «من الصدِّيقين والشهداء» . كذا في الترغيب. وصيته عليه السلام بالصلاة حين حضرته الوفاة وأخرج البيهقي عن أنس رضي الله عنه قال: كانت عامة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حضره الوفاة: «الصلاة، وما ملكت أيمانكم» حتى جعل يغرغر بها وما يفصح بها لسانه، وقد رواه النسائي وابن ماجه. وعند أحمد من

حديثه قال: كانت عامة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حضره الموت: «الصلاة، وما ملكت أيمانكم» حتى جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يغرغر بها صدره وما يكاند يفيض بها لسانه. ومن حديث علي رضي الله عنه قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آتيه بطبق يكتب فيه ما لا تضلَّ أمته من بعده، قال: فخشيت أن تفوتني نفسه، قال: قلت: إني أحفظ وأعي، قال: «أوصي بالصلاة، والزكاة، وما ملكت أيمانكم» . كذا في البداية. وأخرجه أيضاً ابن سعد عن أنس مثله. وأخرج أيضاً عن علي رضي الله عنه نحوه وزاد: فجعل يوصي بالصلاة والزكاة وما ملكت أيمانكم، قال كذلك حتى فاضت نفسه، وأمر بشهادة أن لا إله إلاَّ الله وأن محمداً عبده ورسوله حتى فاضت نفسه/ «من شهد بهما حُرِّم على النار» . وعند أحمد والبخاري في الأدب وأبي داود وابن ماجه وابن جرير - وصحَّحه - وأبي يَعْلى والبيهقي عن علي قال: كان آخر كلام النبي: «الصلاةَ، الصلاةَ، واتَّقوا الله فيما ملكت أيمانكم» . كذا في الكنز. ترغيب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم في الصلاة قول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في الصلاة أخرج الحكيم عن أبي بكر رضي الله عنه قال: الصلاة أمان الله في

الأرض، وأخرج ابن سعد عن أبي المليح قال: سمعت عرم بن الخطاب رضي الله عنه يقول على المبر: لا إسلام لمن لم يصلِّ، كذا في الكنز. أقوال زيد وحذيفة وابن عمر وابن عمرو في الصلاة وأخرج عبد الرزاق عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: صلاة الرجل في بيته نور، وإذا قام الرجل إلى الصلاة عُلِّقت خطاياه فوقه، فلا يسجد سجدة إلاَّ كفَّر الله عنه بها خطيئته، وأخرج عبد الرزاق عن حذيفة رضي الله عنه قال: إنَّ العبد إذا توضأ فأحسن وُضوءه ثم قام إلى الصلاة استقبله الله بوجهه يناجيه، فلم يصرفه عنه حتى يكون هو الذي ينصرفه أو يلتفت يميناً أو شمالاً. وأخرج عبد الرزاق عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: الصلاة حسنة، لا أبال من شاركني فيها. كذا في الكنز. وأخرج ابن عساكر عن ابن عمرو رضي الله عنهما قال: ما من مسلم يأتي زيارة من الأرض أو مسجداً بُني بأحجاره فصلَّى فيه إلاَّ قالت الأرض: صلَّى لله في أرضه، وأشهد لك يوم تلقاه. وعند عبد الرزاق عنه قال: خرجت في عنق آدم - عليه السلام - شأفة -

يعني بَثرة - فصلَّى صلاة فانحدرت إلى صدره، ثم صلَّى صلاة فانحدرت إلى الحقو، ثم صلَّى صة فانحدرت إلى الكعب، ثم صلَّى صلاة فانحدرت إلى الإبهام، ثم صلَّى صلاة فذهبت. كذا في الكنز. أقوال ابن مسعود وسلم ان وأبي موسى في الصلاة وأخرج أبو نُعيم في الحيلة عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ما دمتَ في صلاة فأنت تقرع باب الملك، ومن يقرع باب المَلِك يُفتح له. وعند عبد الرزاق عنه قال: احملوا حوائجكم على المتكوية. وعنده أيضاً عنه قال: الصلوات كفَّارات لما بينهنَّ ما اجتُنبت الكبائر. وعند ابن عساكر عنه قال: الصلوات كفارات لما بعدهنَّ، إن آدم خرجت به شأفة في إبهام رجله، ثم ارتفعت إلى أصل قدميه، ثم ارتفعت إلى ركبتيه، ثم ارتفعت إلى أصل حَقْويه؛ ثم ارتفعت إلى أصل عنقه، فقام فصلَّى فنزلت عن منكبيه، ثم صلَّى فنزلت إلى حَقويه، ثم صلَّى فنزلت إلى ركبتيه، ثم صلَّى فنزلت إلى قدميه، ثم صلَّى ذهبت. كذا في الكنز. وأخرج عبد الرزاق عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: إنَّ اعبد إذا قام إلى الصلاة وُضعت خطاياه على رأسه، فلا يفرغ من صلاته حتى تتفرق

عنه كما تتفرق عُذوق النخلة تساقط يميناً وشمالاً. وعند ابن زنجويه عنه قال: إذا صلَّى العبد اجتمعت خطاياه فوق رأسه، فإذاسجد تحاتَّت كما يتحاتُّ ورق الشجر. وعنده أيضاً عن طارق بن شهاب أنه بات عند سلمان ينظر اجتهاده، فقام يصلِّي من آخر الليل فكأنه لم يرَ الذي كان يظن، فذكر له ذلك، فقال سلمان: حافظوا على الصلوات الخمس فإنهنَّ كفارات لهذه الجراحات ما لم يصب المقتلة، فإذا أمسى الناس كانوا على ثلاث منازل: فمنهم من له ولا عليه، ومنهم من عليه ولا له، ومنهم من لا له ولا عليه، فرجل اغتنم ظلمة الليل وغفلة الناس فقام يصلِّي حتى أصبح فذلك له ولا عليه، ورجل اغتنم غفلة الناس وظلمة الليل فركب رأسه في المعاصي فذلك عليه ولا له، ورجل صلَّى العشاء ونام فذلك لا له ولا عليه، فإياك والحقحقة وعليك بالقصد وداوم، كذا في الكنز. وأخرجه الطبراني في الكبير عن طارق بن شهاب نحوه ورجاله موثَّقون، كما قال الهيثيم. وأخرج عبد الرزاق عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: نحرق على أنفسنا فإذا صلينا المكتوبة كفَّرت الصلاة ما قبلها، ثم نحرق على أنفسنا فإذا صلينا كفرت الصلاة ما قبلها. كذا في الكنز.

رغبة النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة وشدة اهتمامه بها قوله عليه السلام: جُعلت قرَّة عيني في الصلاة، وقول جبريل فيها أخرج أحمد والنَّسائي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «حُبِّب إليَّ الطيب، والنساء، وجعلت قُرَّة عيني في الصلاة» . وعند أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن جبريل قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم قد حُبب إليك الصلاة فخُذْ منها ما شئت، كذا في البداية. وأخرجه الطبراني أيضاً في الكبير عن ابن عباس نحوه، قال الهيثمني: وفيه علي بن يزيد وفيه كلام وبقية رجاله رجال الصحيح. انتهى. قوله عليه السلام: إن شهوتي في قيام الليل وأخرج الطبراني في الكبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان جالساً ذات يوم والناس حوله، فقال: «إنَّ الله جعل لكل نبي شهوة وإنَّ شهوتي في قيام الليل، إذا قمت فلا يصلينَّ أحد خلفي، وإنَّ الله جعل لكل نبي طُعْمة وإن طعمتي هذا الخُمُس، فإذا قضيت فهو لولاة الأمر من بعدي» . قال الهيثمي: وفيه إسحاق بن عبد الله بن كَيْسان عن أبيه، وإسحاق ليِّنه أبو حاتم، وأبوه وثَّقه ابن حِبَّان وضعّفه أبو حاتم وغيره. انتهى.

أقوال الصحابة في قيامه عليه السلام الليل وأخرج أبو داود عن أنس رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تورَّمت قدماه - فقيل له: أليس قد غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر؟ قال: «أفلا أكون شكوراً» ؟. كذا في الكنز، وأخرجه أبو يَعْلى والبزَّار والطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمي. وأخرجه البزَّار عن أبي هريرة رضي الله عنه نحوه، وفي روايته قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي حتى ترمَ قدماه. قال الهيثمي: رواه البزَّار بأسانيد ورجال أحدهما رجال الصحيح. اهـ. وهكذا أخرجه الطبراني في الكبير عن أبي جُحَيفة رضي الله عنه. وعنده أيضاً في الصغير والأوسط عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كان رسول الله يصلِّي من الليل حتى ورم قدماه - فذكر نحوه. وعنده أيضاً في الأوسط عن النعمان بن بشير رسول الله وقد غفر لك - فذكره نحوه.

وعن المغرية رضي الله عنه نحوه، كما في الرياض (ص 429) . وعند ابن النجار عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم حتى تزلع رجلاه. وعنده أيضاً عن أنس قال: تعبَّد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صار كالشن البالي، قالوا: يا رسول الله ما يحملك على هذا؟ أليس قد غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر؟ قال: «بلى، أفلا أكون عبداً شكوراً» ؟. كذا في الكنز. وأخرج الشيخان عن حميد قال: سئل أنس بن مالك رضي الله عنه عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل، فقال: ما كنَّا نشاء من الليل أن نراه مصلياً إلاَّ رأيناه، وما كنَّا نشاء أن نراه قائماً إلاَّ رأيناه، وكان يصوم من الهشر حتى نقول: لا يُفطر منه شيئاً، ويُفطر حتى نقول: لا يصوم منه شيئاً. وأخرجا أيضاً عن عبد الله رضي الله عنه قال: صلَّيت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فلم يزل قائماً حتى هممت بأمر سوء، قلنا: ما هممت؟ قال:

هممت أن أجلس وأدعه. كذا في صفة الصفوة. وأخرج أحمد عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام ليلة حتى أصبح. يقرأ هذه الآية: {إِن تُعَذّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} {وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (سورة المائدة، الآية: 118) كذا في البداية. وأخرج أبو يَعْلى عن أنس رضي الله عنه قال: وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً، فلما أصبح قيل: يا رسول الله إنَّ أثر الوجع عليك بيِّن، قال: إني على ما ترون قد قرأت البارحة السبع الطُّوَل» . ورجاله ثقات كما قال الهيثمي. قصة حذيفة معه عليه السلام في قيام الليل وأخرج مسلم عن حذيفة رضي الله عنه قال: صلَّيت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة، ففتتح البقرة فقلت: يركع عند المائة، قال: ثم مضى فقلت: يصلِّي بها في ركعة، فمضى فقلت: يركع بها، فاتتح النساء فقرأنا ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مُتَرسِّلاً، إذا مرَّ بآيةٍ فيها تسبيحٌ سبَّح، وإذا مرَّ بسؤال سأل، وإذا مرَّ بتعوُّذ تعوَّذ، ثم ركع فجعل يقول: «سبحان ربي العظيم» ، فكان ركوعه نحواً من قيامه، ثم قال: «سمع الله لمن حمده» ، ثم قام طويلاً قريباً مما ركع، ثم سجد فقال: «سبحان ربي الأعلى» ، فكان سجوده قريباً من قيامه. انفرد بإخراجه مسلم؛ وسورة النساء في هذا الحديث مقدَّمة على آل عمران، وكذلك

هي في مصحف ابن مسعود. كذا في صفة الصفوة. وعند الطبراني عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلِّي فصلَّيت بصلاته من وراءه وهو لا يعلم، فاستفتح البقرة حتى ظننت أنه سيركع، ثم مضى - قال سنان لا أعلمه إلاَّ قال: صلَّى أربع ركعات كان ركوعه مثل قيامه - قال: فذكرت ذلك للبني صلى الله عليه وسلم فقال: «ألاَ أعلمتني» قال حذيفة: والذي بعثك بالحق نبياً إني لأجده في ظهري حتى الساعة قال: «لو أعلم أنك ورائي لخففت» . قال الهيثمي: وفيه سنان بن هارون البُرجمي، قال ابن معين: سِنان بن هارون أخو سيف وسِنان أحسنهما حالاً، وقال مرة: سِنان أوثق من سيف، وضعَّفه غير ابن معين. انتهى.

حديث عائشة في قراءته عليه السلام في قيام الليل وأخرج أحمد عن عائشة رضي الله عنها أنها ذُكر لها أن ناساً يقرؤون القرآن في الليلة مرة أو مرتين، فقالت: أولئك قرؤوا ولم يقرؤوا، كنت أقوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة التمام، فكان يقرأ بالبقرة وآل عمران والنساء، فلا يمرُّ بآية فيها تخويف إلاَّ دعا الله واستعاذ، ولا يمرّ بآية فيها استبشار إلاَّ دعا الله ورَغِب إليه. قال الهيثمي: رواه أحمد - وجاء عنده في رواية: يقرأ أحدهما القرآن مرتين أو ثلاثاً - وأبو يعلى، وفيه ابن لَهيعة وفيه كلام. انتهى. أمر عليه السلام في مرضه بأن يصلِّي أبو بكر بالناس وأخرج البخاري عن الأسود قال: كنا عند عائشة فذكرنا المواظبة على الصلاة والمواظبة لها، قالت: لمَّا مرض النبي صلى الله عليه وسلم مرضه الذي مات فيه فحضرت الصلاة فأذَّن بلال، فقال: «مروا أبا بكر فيلصلِّ بالناس» فقيل له: أنَّ أبا بكر رجل أسيف، إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلِّي بالناس، وأعاد فأعادوا له، فأعاد الثالثة فقال: «إنكنَّ صواحب يوسف مُرُوا أبا بكر فليصلِّ بالناس» فخرج أبو بكر فوجد النبي صلى الله عليه وسلم في نسه خِفَّة، فخرج يُهادَى بين رجلين كأنيأنظر إلى رجليه تخطَّان من الوجع، فأراد أبو بكر أن يتأخَّر فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم أنْ مكانك، ثم أُتي به حتى جلس إلى جنبه. وعنده أيضاً من وجه آخر عنها قالت: لقد عاودت رسول الله في ذلك، وما حلمني على معاودته إلاَّ أنِّي خشيت أن يتشاءم الناس بأبي بكر، وإلاَّ أنِّي علمت أنه لن يقوم مقامه أحد إلاَّ تشاءم الناس به، فأحببت أن يعدل ذلك رسول الله عن أبي بكر إلى غيره، وعند مسلم عنها قالت: قلب يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق إذا قرأ القرآن لا يملك دمعه فلو أمرت غير أبي بكر، قالت: والله ما بي إلاَّ كراهية أن يتشاءم الناس بأول من يقوم في مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: فراجعته مرتين أو ثلاثاً، فقال: «ليصلِّ بالناس أبو بكر، فإنكم صواحب يوسف» . كذا في البداية. وأخرج أحمد عن عبيد الله بن عبد الله قال: دخلت على عائشة فقلت:

ألاَ تحدثيني عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: بلى، ثقل برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه، فقال: «أصلِّى الناس» ؟ قلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله، فقال: «ضعوا لي ماء في المخُضب» ففعلنا، قالت: فاغتسل ثم ذهب لينوء فأُ غمي عليه ثم أفاق، فقال: «أصلَّى الناس» ؟ قلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله، قال: «ضعوا لي ماء في المخضب» ففعلنا فاغتسل، ثم ذهب لينوء فأغمي عليه ثم أفاق فقال: «أصلَّى الناس» ؟ قلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله، قالت: والناس عكوف في املسجد ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر رضي الله عنه بأن يصلِّي بالناس، وكان أبو بكر رجلاً رقيقاً، فقال: يا عمر صلِّ بالناس، فقال أنت أحق بذلك، فصلَّى بهم تلك الأيام - فذكر خروجه كما تقدم، كذا في البداية. وأخرجه أيضاً البيهقي وابن أبي شيبة، كما في الكنز وابن سعد نحوه. فرح المسلمين برؤيته عليه السلام حين نظر إليهم وأبو بكر يصلِّي بهم وأخرج البخاري عن أنس رضي الله عنه أن أبا بكر رضي الله عنه كان يصلِّي لهم في وجع النبي صلى الله عليه وسلم الذي توفي فيه، حتى إذا كان يوم الاثنين وهم صفوف في الصلاة، فكشف النبي صلى الله عليه وسلم ستر الحجرة ينظر إلين وهو قائم كأن

وجهه ورقة مصحف تبسَّم يضحك، فهممنا أن نفتتن من الفرح برؤية النبي صلى الله عليه وسلم ونكص أبو بكر على عقبيه ليصلَ الصف وظن أن النبي صلى الله عليه وسلم خارج إلى الصلاة، فأشار إلينا صلى الله عليه وسلم أن أتمُّوا صلاتهم، وأرخى الستروتوفي من يومنه صلى الله عليه وسلم وعنده أيضاً من وجه آخر عنه قال: لما يخرج النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً، فأقيمت الصلاة فذهب أبو بكر يتقدم، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم «عليكم بالحجاب» فرفعه فلما وضح وجه النبي صلى الله عليه وسلم ما نظرنا منظراً كان أعجب إلين من وجه النبي صلى الله عليه وسلم حين وضح لنا، فأومأ النبي صلى الله عليه وسلم بيده إلى أبي بكر أن يتقدَّم، وأرخى النبي صلى الله عليه وسلم الحجب فلم يُقْدر عليه حتى مات صلى الله عليه وسلم ورواه مسلم. كذا في البداية. وأخرج أيضاً أبو يَعْلى وابن عساكر وابن خُزَيمة وأحمد عن أنسٍ بمعناه بألفاظ مختلفة، كما في الكنز والمجمع والبيهقي وابن سعد أيضاً بمعناه. رغبة الصحابة رضي الله عنهم في الصلاة وشدة اهتمامهم بها انتباه عمر من إغمائه حين نودي عليه بالصلاة أخرج الطبراني في الأوسط عن المِسْوَر بن مَخْرَمة قال: دخلت على

عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو مسجَّى فقلت: كيف ترونه؟ قالوا: كما ترى، قلت: أيقظوه بالصلاة، فإنكم لن توقطوه لشيء أفزع له من الصلاة، فقالوا: الصلاة يا أمير المؤمنين، فقال ها الله إذاً ولا حق في الإِسلام لمن ترك الصلاة، فصلَّى وإن جرحه ليثعب دماً، قال الهيثمي: رجال رجال الصحيح. اهـ.، وأخرجه ابن سعد عن المسور أنَّ عمر لما طُعن جعل يُغمى عليه، فقيل: إنكم لن تفزعوه بشيء مثل الصلاة إن كانت به حياة، فقال: الصلاة يا أمير المؤمنين، الصلاة قد صُلِّيت، فانتبه فقال: الصلاة ها الله إذاً ولا حظَّ في الإِسلام - فذكر مثله. لغاية ص 490 تابع إحياء عثمان الليل كلَّه في ركعة يجمع فيها القرآن وأخرج الطبراني عن محمد بن مسكين قال: قالت امرأة عثمان رضي الله عنه حين أطافوا به: تريدون قتله؟ إن تقتلوه أو تتركوه فإنه كان يحيي الليل كله في ركعة يجمع فيها القرآن. وإسناده حسن كما قال الهيثمي وأخرجه أبو نُعيم في الحلية عن محمد بن سِيرين مثله إلا أن في روايته: حين أطافوا به يريدون قتله. وعنده أيضاً عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قالت امرأة عثمان بن عفان رضي الله عنه حين قتلوه: لقد قتلتموه وإنَّه ليحيي

الليلة بلقرآن في ركعة؟ قال أبو نُعيم: كذا قال أنس بن مالك ورواه الناس فقالوا: أنس بن سيرين - انتهى. وأخرج أبو نُعيم في الحلية عن عثمان بن عبد الرحمن التيمي قال: قال أبي: لأغلبنَّ الليلة على المقام، قال فلما صلَّيت العَتَمة تخلَّصت إلى المقام حتى قمت فيه، قال: فبينا أنا قائم إذارجل وضع يده بين كتفيّ، فإذا عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال: فبدأ بأمِّ القرآن فقرأ حتى ختم القرآن، فرجع وسجد، ثم أخذ نعليه فلا أدري أصلَّى قبل ذلك شيئاً أم لا. وعند ابن المبارك في الزهد وابن سعد وابن أبي شيبة وابن منيع والحطاوي والدارقطني والبيهقي عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي قال: رأيت عثمان عند المقام ذات ليلة قد تقدَّم، فقرأ القرآن في ركعة ثم انصرف. كذا في المنتخب وقال: سنده حسن. وعند ابن سعد عن عطاء ابن أبي رباح أن عثمان صلَّى بالناس، فقام خلف المقام فجمع كتاب الله في ركعة كانت وِتْره، وعن محمد بن سيرين أن عثمان كان يحيي الليل فيختم القرآن في ركعة. كذا في المنتخب. رفض ابن عباس ترك الصلاة لمداواة بصره بعد أن عمي وأخرج الحاكم عن المسيِّب بن رافع قال: لما كُفَّ بصرُ بن عباس

رضي الله عنهما أتاه رجل فقال له: إنك إن صبرت لي سبعاً لم تصلِّ إلاَّ مستلقياً تومىء إيماء داويتك فبرأت إن شاء الله تعالى، فأسل إلى عائشة وأبي هريرة - رضي الله عنهما - وغيرهما من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كل يقول: أرأيت إن متَّ في هذا السبع كيف تصنع باللاصة؟ فترك عينه ولم يداوها. وعند البزَّار والطبراني عن ابن عباس قال: لما قام بصري قيل: نداويك وتدع الصلاة أياماً، قال: لا، إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من ترك الصلاة لقي الله وهو عليه غضبان» قال الهيثمي: رواه البزّار والطبراني في الكبير وفيه سهل بن محمود ذكره ابن أبي حاتم وقال: روى عنه أحمد بن إبراهيم الدَّوْرَقي وسعدان بن يزيد قلت: وروى عنه محمد بن عبد الله المخرمي ولم يتكلم فيه وبقية رجاله رجال الصحيح. انتهى. وعند الطبراني في الكبير عن علي بن أبي حميلة والأوزاعي قالا: كان عبد الله بن عباس يسجد كل يوم ألف سجدة، قال الهيمثي: وإسنده منقطع - اهـ. رغبة عبد الله بن مسعود في الصلاة وأخرج الطبراني عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه كان لا يكاد يصوم، وقال: إني إذا صمت ضعفت عن الصلاة، والصلاة أحب إليَّ من

الصيام، فإنْ صام صام ثلاثة أيام من الشهر؛ قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح وفي بعض طرقه: ولم يكن يصلِّي الضحى. انتهى. وأخرجه أيضاً ابن جرير عن عبد الرحمن بن يزيد أن عبد الله صلى الله عليه وسلم بن مسعود كان يقلُّ الصوم، فقيل له، فقال: إني إذا صمت - فذكر مثهل، كما في الكنز. وأخرجه ابن سعد عن عبد الرحمن بن يزيد قال: ما رأيت فقيهاً أقلَّ صوماً من عبد الله بن مسعود، فقيل له: لم لا تصوم؟ فقال: إني أختار الصلاة عن الصوم، فإذا صمت ضعفت عن الصلاة. رغبة سالم مولى أبي حذيفة في الصلاة وأخرج الحاكم عن عائشة رضي الله عنها قالت: أبطأت ليلة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد العشاء ثم جئت، فقال لي: أين كنت؟ قلت: كنا نسمع قراءة رجل من أصحابك في المسجد لم أسمع مثل صوته ولا قراءة من أحد من أصحابك، فقام وقمت معه حتى استمع إليه ثم التفت إليَّ، فقال: «هذا سالم مولى أبي حذيفة الحمد لله الذي جعل في أُمتي مثل هذا» قال الحاكم ووافقه الذهبي: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرِّجاه. رغبة أبي موسى وأبي هريرة في الصلاة وأخرج أبو نعيم في الحلية عن مسروق قال: كنا مع أبي موسى الأشعري رضي الله عنه في سفر، فآوانا الليل إلى بستان حَرْث، فنزلنا فيه

فقام أبو موسى من الليل يصلِّي - فذكر من حسن صوته ومن حسن قراءته - قال: وجعل لا يمر بشيء إلاَّ قاله، ثم قال: اللهمَّ أنت السلام، ومنك السلام، وأنت المؤمن تحب المؤمن، وأنت المهيمن وتحب المهيمن، وأنت الصادق تحب الصادق. وأخرج أبو نعيم في الحلية عن أبي عثمان النَّهْدي قال: تضيَّفت أبا هريرة رضي الله عنه سبع ليالٍ، فكان هو وخادمه وامرأته يعتقبون الليل أثلاثاً. رغبة أبي طلحة الأنصاري ورجل أنصاري آخر في الصلاة وأخرج مالك عن عبد الله بن أبي بكر أن أبا طلحة الأصناري رضي الله عنه كان يصلِّي في حائط له، فطار دُبْسي فطفق يتردد مخرجاً فلا يجد، فأعجبه ذلك فجعل يتبعه بصره ساعة، ثم رجع إلى صلاته فإذا هو لا يدري كم صلَّى، فقال: لقد أصابني في مالي هذا فتنة، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له الذي أصابه في صلاته وقال: يا رسول الله هو صدقة فضعه حيث شئت. كذا في الترغيب وقال: وعبد الله بن أبي بكر لم يدرك القصة. وأخرج مالك أيضاً عن عبد الله بن أبي بكر أن رجلاف من الأنصار كان يصلِّي في حائط له بالقُف - وادٍ من أودية المدينة - في زمان التر. والنخل قد ذُلِّلت فهي مطوَّقة بثمرها، فنظر إليها فأعجبه ما أرى من ثمرها، ثم رجع إلى صلاته فإذا هو لا يدري كم صلَّى فقال: لقد أصابتني في مالي هذا فتنة، فجاء

عثمان بن عفان رضي الله عنه - وهو يومئذٍ خليفة - فذكر له ذلك وقال: هو صدقة فاجعله في سبيل الخير، فباعه عثمان بن عفان بخسمين أفاً، فسمِّي ذلك المال الخمسين. كذا في الأوجز. رغبة ابن الزبير وعدي بن حاتم بالصلاة وأخرج أبو نُعيم في الحلية عن أسماء رضي الله عنها قالت: كان ابن الزبير قوَّام الليل صوَّام النهار، وكان يسمى حمام المسجد. وأخرج ابن عساكر عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: ما جاء وقت صلاة قط إلاَّ وقد أخذت لها أهبتها، وما جاءت إلاَّ وأنا إليها بالأشواق. كذا في الكنز، وأخرجه ابن المبارك، كما في الإِصابة. بناء المساجد حديث أبي هريرة وطَلْق بن علي في بناء المسجد النبوي أخرج أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنهم كانوا يحملون اللبن إلى بناء المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم معهم، قال: فاستقبلت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عارض لبنة على بطنه، فظننت أنها شقَّت عليهفقلت: ناولنيها يا رسول الله قال: «خُذْ غيرها يا أبا هريرة؛ فإنه لا عيش إلاَّ عيش الآخرة» قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. انتهى.

وأخرج أحمد والطبراني عن طَلْق بن علي رضي الله عنه قال: بنيت المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يقول: «قرِّب اليمامي إلى الطين؛ فإنه أحسنكم له مسَّاً وأشدكم منكباً» قال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله موثَّقون - اهـ. وعند أحمد أيضاً عنه قال: جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يبنون المسجد قال: فكأنه لم عجبه عملهم، قال: فأخذت المسحة فخلطت بها الطين، قال: فكأنه أعجبه أخذي المسحاة وعملي فقال: «دعوا الحنفي والطين؛ فإنه أضبطكم للطين» قال الهيثمي: وفيه أيوب بن عبة واختلف في ثقته. اجتهاد زوجة عبد الله بن أبي أوفى في بناء المسجد النبوي وأخرج البزّار عن ابن أبي أوفى رضي الله عنه قال: لما توفيت امرأته جعل يقول: احملوها وارغبوا في حملها؛ فإنها كانت تحمل ومواليها بالليل حجارة المسجد الذي أسس على التقوى، وكنا نحمل بالنهار حجرين حجرين.

قال الهيثمي: وفيه أبو ماك النخعي وهو ضعيف - اهـ. رغبة النبي في أن يكون مسجده كعريش موسى عليهما السلام وأخرج الطبراني في الكبير عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قالت الأنصار لي: متى يصلِّي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هذا الجريد؟ فجمعوا له دنانير فأتَوا بها النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: نصلح هذا المسجد ونزينه، فقال: «ليس لي رغبة عن أخي موسى - عليه السلام - عريش كعريش موسى» قال الهيثمي: وفيه عيسى بن سنان ضعِّفه أحمد وغيره ووثَّقه العِجلي وابن حبان وابن خراش في رواية - اهـ. وعند البيهقي في الدلائل عنه أن الأنصار جمعوا مالاً فأتَوا به النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله ابن هذا المسجد وزينه إلى متى نصي تحت هذا الجريد؟ فقال: «ما بي رغبة عن أخي موسى، عري كعريش موسى» وروى البيهقي أيضاً عن الحسن في بيان عريش موسى قال: «إذا رفع يده بلغ العريش» - يعني السقف - اهـ. وعن ابن سهاب: كانت سواريُّ المسجد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم جذوعاً من جذوع النخل، وكان سقفه جريداً وخوصاً ليس على السقف كثير طين، إذا كان المطر امتلأ المسجد طيناً، إنما هو كهيئة العريش. سجوده عليه السلام في الماء والطين في مسجده وفي الصحيح في ليلة القدر: «وإني أُريت أن أسجد في ماء وطين،

فمن كان اعتكف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فليرجع» فرجعنا وما نرى في السماء قَزَعة، فجاءت سحابة فمطرت حتى سال سقف المسجد - وكان من جريد النخل - وأقيمت الصلاة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد في الماء والطين، حتى رأيت أثر الطين في جهبته. كذا في وفاء الوفاء. رفضه عليه السلام أن يبني مسجده على بنيان الشام وأخرج ابن زبالة عن خالد بن مَعدان قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة وأبي الدرداء رضي الله عنهما ومعهما قصبة يذرعان بها المسجد، فقال: «ما تصنعان» ؟ فقالا: أآدنا أن نبني مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم على بنيان الشام، فيقسم ذلك على الأنصار، فقال: «هاتياها» فأخذ القصبة منهما ثم مشى بها حتى أتى الباب فدحا بها، وقال: «كلا، ثُمام وخشيبات وظُلَّة كظلَّة موصى، والأمر أقرب من ذلك» قيل: وما ظلُّه موسيك قال: «إذا قام أصاب رأسُه السقفَ» كذا في وفاء الوفاء. توسيع المسجد النبوي في عهد عمر وعثمان رضي الله عنهما وأخرج أحمد عن نافع أن عمر رضي الله عنه زاد في المسجد من الأْسطوانة لى المقصورة، وقال عمر: لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يبنغي أن نزيد في مسجدنا» ما زدت.

وأخرج البخاري وأبو داود عن نافع أن عبد الله - يعني ابن عمر رضي الله عنهما - أخبره أن المسجد كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مبنياً باللبن، وسقفه الجريد، وعُمُده خشب النخل، فلم يزد فيه أبو بكر رضي الله عنه شيئاً وزاد فيه عمر رضي الله عنه، وبناه على بنائه في عهد رسول الله باللبن والجريد وأعاد عمده خشباً، ثم غيَّره عثمان رضي الله عنه فزاد فيه زيادة كبيرة، وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقَصَّة، وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقَفِ بالساج. وأخرج أبو داود أيضاً - وسكت عليه - عن عطية عن ابن عمر قال: إن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم كانت سواريه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من جذوع النخل، أعلاه مُظلَّل بجريد النخل، ثم إنَّها نخرت في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، فبناها بجذوع النخل وبجريد النخل، ثم إنَّها نخرت في خلافة عثمان رضي الله عنه فبناها بالآجر؛ فلم تزل ثابتة حتى الآن. وفي صحيح مسلم عن محمود بن لبيد أن عثمان بن عفان أراد بناء المسجد فكره النسا ذلك وأحبُّوا أن يدعه على هيئته، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من بنى مجسداً لله بنى الله له في الجنة مثله» . وروى يحيى عن المطَّلب بن عبد الله بن حنطب قال: لما ولي عظمان بن عفان سنة أربع وعشرين كلَّمه الناس أن يزيد في مسجدهم، وشكوا إليه ضيقه يوم الجمعة، حتى إنهم ليصلُّون في الرحاب، فشاور فيه عثمان أهل الرأي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجمعوا على أن يهدمه ويزيد فيه، فصلَّى الظهر بالناس ثم

صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إني قد أردت أن أهدم مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزيد فيه، وأشهَدُ لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من بنى لله مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنة» وقد كان لي فيه سَلَف وإمام سبقني وتقدمني عمر بن الخطاب، كان قد زاد فيه وبناه، وقد شاورت أهل الرأي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجمعوا على هدمه وبنائه وتوسيعه، فحسَّن الناس يومئذٍ ذلك ودعوا له، فأصبح فدعا العمال وباشر ذلك بنفسه، وكان رجلاً يصوم الدهر، ويصلِّي الليل، وكان لا يخرج من المسجد، وأمر بالقَصَّة المنخولة تعمل ببطن نخل؛ وكان أول عمله في شهر ربيع الأول من سنة تسع وعشرين، وفرغ منه حين دخلت السنة لهلال المحرم سنة ثلاثين، فكان عمله عشرة أشهر. كذا في وفاء الوفاء (1355 و356) . خطّه عليه السلام لقبيلة جهينة مسجداً في المدينة وأخرج الطبراني في الأوسط والكبير عن جابر بن أسامة الجني رضي الله عنه قال: لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه بالسوق فقلت: أين يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يريد أن يخط لقومك مسجداً، قال: فأتيت وقد خطَّ لهم مسجداً وغرز في قبلته خشبة فأقامها قبلة؛ قال الهيثمي: وفيه معاوية بن عبد الله بن حبيب ولم أجد من ترجمه - انتهى. وأخرجه أبو نُعيم عن جابر بن أسامة الجني نحوه.d كما في الكنزل والباوَرْدي عن أسامة الحنفي مثله، كما في الكنز. كتاب عمر إلى أمراء الأمصار ببناء المساجد وأخرج ابن عساكر بن عطاء قال: لما افتتح عمر ابن

الخطاب رضي الله عنه البلدان كتب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وهو على البصرة بأمره أن يتخذ للجماعة مسجداً، ويتخذ للقبائل مسجداً، فإذا كان يوم الجمعة انضموا إلى مسجد الجماعة فشهدوا الجمعة، وكتب إلى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وهو على الكوفة بمثل ذلك، وكتب إلى عمرو بن العاص رضي الله عنه وهو على مصر بمثل ذلك، وكتب إلى أمراء الأجناد أن لا يبدوا إلى القرى، وأن ينزلوا المدائن، وأن يتخذوا في كل مدينة مسجداً وحداً، ولا يتخذ القبائل مساجد كما اتخذ أهل الكوفة والبصرة وأهل مصر؛ وكان الناس متمسكين بأمر عمرو عهده. كذا في الكنز. تنظيف المساجد وتطهيرها أمره عليه السلام ببناء المساجد في البيوت وتطهيرها أخرج أحمد عن عروة بن الزبير عمَّن حدَّثه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نصنع المساجد في دورنا، وأن نصلح صنعتها ونطهِّرها، قال الهيثمي رواه أحمد وإسناده صحيح. اهـ. وعند أبي داود والترمذي وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنه قالت: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المسجد في الدور وأن يُنظَّف ويُطيَّب. كذا في المشكاة (ص61) .

رؤيته عليه السلام المرأة التي كانت تنظف المسجد في الجنة بعد أن ماتت وأخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة كانت تلقط القذى من المسجد، فتوفيت فلم يُؤذَن النبي صلى الله عليه وسلم بدفنها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «إذا مات لكم ميِّت فآذنوني» وصلَّى عليها وقال: «إني رأيتها في الجنة تلقط القذى من المسجد» قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير وقال في تراجم النساء: الخرقاء السوداء التي كانت تميط الأذى عن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر بعد هذا الكلام إسناد عن أنس رضي الله عنه قال: فذكر الحديث ورجال إسناد أنس رجال الصحيح، وإسناد بن عباس فيه عبد العزيز بن فائد وهو مجهول، وقيل فيه فائد بن عمر وهو وَهَم. انتهى. تجمير عمر رضي الله عنه للمسجد، النبوي وأخرج أبو يعلى عن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر كان يجمِّر المسجد مسجد رسول الله كل جمعة. قال الهيثمي: وفيه عبد الله بن عمر العمري وثَّقه أحمد وغيره واختلف في الاحتجاج به.

المشي إلى المساجد قصة الأنصاري الذي كان يسغَى إلى المسجد من بيته البعيد أخرج أحمد ومسلم والدارمي وأبو عَوانة وابن خزيمة وابن حِبَّان عن أُبي بن كعب رضي الله عنه قال: كان رجل لا أعلم رجلاً أبعد من المسجد منه، وكان لا تخطئه صلاة؛ فقيل له: لو اشتريت حماراً تركبه في الظلماء وفي الرمضاء، قال: ما يسرني أن منزلي إلى جنب المسجد، إني أريد أن يُكتب لي ممشاي إلى المسجد ورجوعي إلى أهلي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «قد جمع الله لك ذلككله» . وعند الطيالسي ومسلم وابن ماجه عنه قال. كان رجل من اونصاربيته أقصى بيت من المدينة فكان لا تخطئه الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوجَّعتُ له فقلت له: يا فلان لو أنك اشتريت حماراً يقيك من الرمضاء ويقيك من هوامِّ الأرض، قال: أما والله ما أحب أن بيتي مُطَنَّب ببيت محمد صلى الله عليه وسلم فحملت به حِمْلاً حتى أتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فدعاه فقال له مثل ذلك، وذكر أنه يرجو في أثره الأجر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم «إنَّ لك ما احتسبت» وأخرج

أيضاً أبو داود والحميدي بمعناه، وفي رواية الحميدي: «إنَّ له بكل خطوة يخطوها إلى المسجد درجة» كذا في الكنز. مقاربته عليه السلام الخطا في سيره إلى المسجد وأخرج الطبراني عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نريد الصلاة، فكان يقارب الخطا، فقال: «أتدرون لم أقارب الخط» ؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: «لا يزال العبد في الصلاة ما دام في طلب الصلاة» قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير؛ وله في رواية أخرى: «إنما فعلت هذا لتكثير خطاي في طلب الصلاة» ، وفيه الضحاك بن نَبَراس وهو ضعيف، ورواه موقوفاً على زيد بن ثابت ورجاله رجال الصحيح. انتهى. مقارنة أنس بن مالك الخطي في السير إلى المسجد وأخرج الطبراني في الكبير عن ثابت قال: كنت أمشي مع أنس بن مالك رضي الله عنه بالزاوية إذ سمع الأذان، ثم قارب في الخطا حتى دخلت المسجد، ثم قال: أتدري يا ثابت لم مشيت بك هذه

المشية؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: ليكثر عدد الخطا في طلب الصلاة، قال الهيثمي: وقد رواه أنس عن زيد بن ثابت والله أعلم، وفيه الضحاك بن نَبَراس وهو ضعيف. انتهى. سعي ابن مسعود إلى الصلاة وأخرج الطبراني في الكبير عن رجل من طيّىء عن أبيه أن ابن مسعود رضي الله عنه خرج إلى المسجد، فجعل يهرول فقيل له: أتفعل هذا وأنت تنهى عنه؟ قال: إنما أردت حدَّ الصلاة: التكبيرة الأولى؛ وفيه من يُسمَّ كما تراه. وعنده أيضاً فيه عن سَلَمة بن كُعِيل أن ابن مسعود سعى إلى الصلاة فقيل له، فقال: أوَ ليس أحقَّ ما سعيتم إليه الصلاة؟ وسَلَمة لم يسمع من ابنمسعود؛ كما قال الهيثمي. نهيه عليه السلام عن الإسراع إلى الصلاة وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: بينما نحن نصلِّي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سمع جلبة رجال خلفه، فلما قضى صلاته قال: «ما شأنكم» ؟ قالوا: أسرعنا إلى الصلاة، قال: «فلا تفعلوا، ليصلِّ أحدكم ما أدرك وليقضِ ما فاته» ورجاله رجال الصحيح وهو متفق عليه بلفظ: «وما سبقكم فأتمُّوا» كما قال الهيثمي.

لماذا بنيت المساجد وماذا كانوا يفعلون فيها إنكار الصحابة على أعرابي بال في المسجد وموقفه عليه السلام منه أخرج مسلم - واللفظ له - والطحاوي عن أنس رضي الله عنه قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم «مَهْ مَهْ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تُزْرِموه دعوه» فتركه حتى بال، ثم إنص رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له: «إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن» - أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ قال: فأمر رجلاً من القوم فجاء بدلوغ من ماء فشنَّه عليه. قصته عليه السلام مع الذين جلسوا يذكرون الله في المسجد وأخرج مسمل عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرج معاوية رضي الله عنه على حَلْقة في المسجد فقال: ما أجلسكم؟ قال: جلسنا نذكر لله، قال: الله؟ ما أجلسكم إلا ذاك، قالوا: ما أجلسنا إلا ذاك، قال: أما إني لم أستحلفكم تُهْمَة لكم، وما كانأحد بمنزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم أقلَّ عنه حديثاً مني، إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حَلْقة من أصحابه فقال: «ما أجلسكم» ؟ قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدنا للإسلام ومَنَّ به علينا، فقال: «الله؟ ما أجلسكم إلا ذاك» قالوا: الله ما أجلسنا إلا ذاك، قال: «أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أنَّ الله يباهي

بكم الملائمة» ، كذا في رياض الصالحين (ص156) وأخرجه أيضاً الترمذي والنسائي كما في جمع الفوائد. قصته عليه السلام مع النفر الثلاثة، وجلوسه إلى أصحاب القرآن وأخرج الشيخان عن أبي واقد الحارث بن عوف رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في المسجد والناس معه إذ أقبل ثلاثة نفر، فأقبل اثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب واحد، فوقفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأما أحدهما فرأى فرجة في الحَلْقة فجلس فيها، وأما الآخر فجلس خلفهم، وأما الثالث فأدبر ذاهباً، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أخبركم عن النفر الثلاثة؟ أما أحدهم فأوى إلى الله فآواه الله، وأما الآخر فاستحيي فاستحيى الله منه، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه» ، كذا في رياض الصالحين (ص515) . وأخرجه مالك والترمذي، كما في جمع الفوائد. وأخرج ابن منده عن أبي القمراء رضي الله عنه قال: كنا في مسجد رسول الله حلَقاً نتحدث إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعض حُجَره، فنظر إلى الحَلَق ثم جلس إلى أصحاب القرآن، فقال: «بهذا الملجس أمرت» ، كذا في الإصابة. وأخرجه ابن عبد البرّ في الاستعياب. وأخرجه أيضاً أبو

عمرو الداني في طبقات القرّاء، كما في الكنز. قول علي رضي الله عنه في قرّاء القرآن وأخرج الطبراني في الأوسط عن كليب بن شهاب قال: سمع علي بن أبي طالب رضي الله عنه ضجة في المسجد يقرؤون القرآن ويقرِئونه، فقال: طوبى لهؤلاء هؤلاء كانوا أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا في المجمع. وأخرجه ابن منيع بنحون، كما في الكنز. وعند البزّار كما في المجمع عن كليب أيضاً قال: كان علي في المسجد - أحسبه قال: مسجد الكوفة - فسمع صيحة شديدة فقال: ما هؤلاء؟ فقال: قوم يقرؤون القرآن أو يتعلمون القرآن، فقال: أما إنهم كانوا أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الهيثمي: وفي إسناد الطبراني حفص بن سليمان الغاضري وهو متروك ووثَّقه أحمد في رواية وضعَّفه في غيرها وفي إسناد البزّار إسحاق بن إبراهيم الثقفي وهو ضعيف. قصة أبي هريرة رضي الله عنه مع أهل السوق وأخرج الطبراني في الأوسط بإسناد حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه مر بسوق المدينة فوقف عليها، فقال: يا أهل السوق، ما أعجزكم؟ قالوا: وما ذاك يا أبا هريرة؟ قال: ذاك ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقسم وأنتم ههنا ألا تذهبون فتأخذون نصيبكم منه؟ قالوا: وأين هو؟ قال: في المسجد، فخرجوا

سراعاً ووقف أبا هريرة لهم حتى رجعوا، فقال لهم: ما لكم؟ فقالوا: يا أبا هريرة أتينا المسجد فدخلنا فيه لم نرَ فيه شيئاً يُقسم فقال لهم أبو هريرة: وما رأيتم في المسجد أحداً؟ قالوا: بلى، رأينا قوماً يصلون، وقوماً يقرؤون القرآن، وقوماً يتذاكرون الحلال والحرام، فقال لهم أبو هريرة: ويحكم فذاك ميراث محمد صلى الله عليه وسلم كذا في الترغيب. ثناء عمر رضي الله عنه على أهل المجالس في المساجد وأخرج المروزي وابن أبي شيبة عن ابن معاوية الكندي قال: قدمت على عمر رضي الله عنه بالشام، فسألني عن الناس، فقال: لعلَّ الرجل يدخل المسجد كالبعير النافر فإن رأى مجلس قومه ورأى من يعرفهم جلس إليهم، قلت: لا، ولكنها مجالس شتَّى يجلسون فيتعلمون الخير ويذكرونه، قال: لن تزالوا بخير ما كنتم كذلك. كذا في الكنز. انطلاقه عليه السلام من المسجد مع أصحابه إلى يهود وأخرج الشيخان وأبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما نحن في المسجد يوماً خرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «انطلقوا إلى اليهودة» فقال: «أسلموا تسلموا» فقالوا: قد بلَّغتَ، فقال: «ذلك أريد، أسلموا تسلموا» فقالوا: قد بلَّغتَ، فقال: «ذلك أريد» ثم قالها الثالثة، ثم قال: «اعلموا أنَّ الأرض لله ولرسوله وإني أريد أن أجليكم من هذه الأرض، فمن يجد منكم بماله شيئاً

فليبعه، وإلا فاعلموا أن الأرض لله ولرسوله» . كذا في جمع الفوائد. وضعه عليه السلام سعد بن معاذ في المسجد حين جرح يوم الخندق وأخرج الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: أصيب سعد رضي الله عنه يوم الخندق، رماه رجل من قريش يقال له حِبَّان بن العَرهقة، رماه في الأكحل، فضرب عليه النبي صلى الله عليه وسلم خيمة في المسجد ليعوده من قريب، فلما رجع صلى الله عليه وسلم من الخندق وضع السلاح واغتسل، فأتاه جبريل وهو ينفض رأسه من الغبار فقال: قد وضعتَ السلاح والله ما وضعتُه أخرج إليهم، فقال صلى الله عليه وسلم «فأين» ؟ فأشار إلى بني قريظة، فأتاهم صلى الله عليه وسلم فنزلوا على حكمه، فردَّ الحكم إلى سعد، قال: فإنِّي أحكم فيهم أن تُقتل المقاتِلة، وأن تُسبى النساء والذرية، وأن يُقسم أموالهم. قال هشام: فأخبرني أبي عن عائشة رضي الله عنها أن سعداً قال: اللهمَّ إنك تعلم أنه ليس أحد أحب إليَّ أن أجاهدهم فيك من قوم كذَّبوا رسولك وأخرجوه، اللهمَّ فإني أظن أنك قد وضعتَ الحرب بيننا وبينهم، فإن كان بقي من حرب قريش شيء فأبقني لهم حتى أجاهدهم فيك، وإن كنت قد وضعت الحرب فافجرها واجعل موتتي فيها، فنفجرت من لَبَّته فلم يرعهم - وفي المسجد خيمة من بني غِفار - إلا الدم يسيل إليهم، فقالوا: يا أهل لخيمة ما هذا الذي يأتينا من قِبَلكم؟ فإذا سعد يغذو جرحه دماً، فمات منها. كذا في جمع الفوائد. نوم أهل الصفة وأبي ذر وبعض الصحابة في المسجد وأخرج ابن سعد في الطبقات عن يزيد بن عبد الله بن قُسيط قال: كان

أهل الصفة ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا منازل لهم، فكانوا ينامون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ويظلون فيه، ما لهم مأوى غيره، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم إليه بالليل إذا تعشَّى فيفرقهم على أصحابه، وتتعشى طائفة منهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاء الله بالغنى. وأخرج أحمد عن أسماء - يعني بنت يزيد - أن أبا ذر الغفاري رضي الله عنه كان يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فرغ من خدمته أوى إلى المسجد وكان هو بيته يضجطع فيه، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فوجد أبا ذر منجدلاً في المسجد، فنكته رسول الله صلى الله عليه وسلم برجله حتى استوى جالساً، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «ألا أراك نائماً» ؟ قال أبو ذر: يا رسول الله فأين أنام؟ وهل لي بيت غيره؟ فذكر الحديث في أمر الخلافة. قال الهيثمي: رواه أحمد، والطبراني روى بعضه فيي الكبير وفيه شَهْر بن حَوحشب وفيه كلام وقد وُثَّق. وعند الطبراني في الأوسط عن أبي ذر أنه كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فإذا فرغ من خدمته أتى المسجد فاضطجع فيه. وفيه شَهْر أيضاً، كما قال الهيثمي؛ وقد تقدّمت قصص أبي ذر وغيره من الصحابة في النوم في المسجد في ضيافة الأضياف. وأخرج البيقهي وابن عساكر عن الحسن أه سئل عن القائلة في المسجد، فقال: رأيت عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو يومئذٍ خليفة يقيل في المسجد، كذا في الكنز.

وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا ونحن شباب نبيت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد. وعنده أيضاً عنه قال: كنا نجمِّع ثم نرجع فنقيل. كذا في الكنز. وأخرج ابن سعد عن الزُّهري قال: قال عمر ابن الخطاب رضي الله عنه: إذا أطال أحدكم الجلوس في المسجد فلا عليه أن يضع جنبه، فإنه أجدر أن لا يملّ جلوسه. وأخرج عبد الرزاق عن خليد أبي إسحاق قال: سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن النوم في المسجد فقال: إن كنت تنام لصلاة وطواف فلا بأس. كذا في الكنز. فزع الرسول عليه السلام إلى المسجد عند اشتداد الريح والكسوف وأخرج ابن أبي الدنيا عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كانت ليلة ريح شديدة كان مفزعه إلى المسجد حتى تسكن الريح، وذا حدث في السماء حديث من كسوف شمس أو قمر كان مفزعه إلى المصلَّى، كذا في الكنز وقال: وسنده حسن. وأخرج أبو نُعيم في الحلية عن عطاء أن يعلى بن أمية رضي الله عنه

كانت له صحبة، فكان يقعد في المسجد الساعة فينوي بها الاعتكاف. إنزاله عليه السلام وفد ثقيف في المسجد وأخرج الطبراني في الكبير عن عطية بن سفيان بن عبد الله رضي الله عنه قال: قدم وفد ثقيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان، فضرب له مقبة في المسجد، فلما أسلموا صاموا معه. قال الهيثمي: وفيه محمد ابن إسحاق وهو مدلِّس وقد عنعنه، انتهى. وعند أحمد عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه أن وفد ثقيف قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزلهم المسجد ليكون أرق لقلوبهم - فذكر الحديث كما تقدَّم في قصة إسلام ثقيف في باب الدعوة إلى الله وإلى رسوله. ما كان يفعله عليه السلام وأصحابه في المسجد غير العبادة والذكر وأخرج الطبراني في الكبير عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: أكلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً شِواء ونحن في المسجد، فأقيمت الصلاة فلم نرد على أن مسحنا بالحصباء. قال الهيثمي: وفيه ابن لهيعة وفيه كلام. وعند أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم ـ يعني - أُتي بفضيخ في مسجد الفضيخ فشربه، فلذلك سُمِّي. وعند أبي يعلى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتي بِجَرِّ فضيخِ بُسرٍ وهو في مسجد الفضخ فشربه، فلذلك سُمي مسجد الفضيخ. قال الهيثمي: وفيه عبد الله بن نافع ضعَّفه البخاري

وأبو حاتم والنسائي وقال ابن معين: يُكتب حديثه. انتهى. وقد تقدمت قصص قسم الطعام والمال في باب إنفاق الأموال، وقصة بيعة عثمان رضي الله عنه في المسجد في باب البيعة، وبيعة أبي بكر رضي الله عنه في المسجد في باب اجتماع الكلمة، وقصة دعوة ضمام رضي الله عنه وإسلامهفي المسجد، وقصة إسلام كعب بن زهير رضي الله عنه وإنشاده القصيدة المعروفة في المسجد في باب الدعوة إلى الله، وجلوس أصحاب الشورى للمشورة في المسجد في باب اجتماع الكلمة، وقعود الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغدوات في المسجد في باب إنفاق المال، وجلوس عمر رضي الله عنه في المسجد لحاجة الناس بعد الصلوات في الخوف على بسط الدنيا، وبكاء أبي بكر والصحابة في المسجد على فراقه صلى الله عليه وسلم باب التعلِّق بحب الله وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ماذا كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يكرهون في المساجد كراهيته عليه السلام الاحتباء في المسجد أخرج أحمد عن مولى لأبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بينا أنا مع أبي سعيد وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ دخلنا المسجد، فإذا رجل جالس في وسط المسجد محتبياً مشبِّكاً أصابعه بعضها في بعض، فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يفطن الرجل لإشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم فالتفت إلى أبي سعيد فقال: «إذا كان أحدكم في المسجد فلا يشبكنَّ فإن التشبيك من الشيطان، وإنَّ أحدكم لا يزال في صلاةٍ ما كان في المسجد حتى يخرج منه» ، قال الهيثمي: إسناده حسن.

كراهيته عليه السلام أن يدخل المسجد مَنْ أكل الثوم أو البصل وأخرج الطبراني عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر وقع الناس في الثوم فجعلوا يأكلونه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من أكل من هذه البقعة الخبيثة فلا يقربَّن مسجدنا» ، قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط من رواية أبي القاسم مولى أبي بكر، ولم أجد من ذكره، وبقية رجاله موثَّقون. انتهى. وأخرج مسلم والنسائي وابن ماجه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه خطب (الناس) يوم الجمعة فقال في خطبته: ثم إنكم أيها الناس تأكلون شجرتين لا أُراهما إلا خبيثتين: البصل والثوم، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحهما من الرجل من المسجد أمر به فأُخرج إلى البقيع، فمن أكلهما فليمتهما طبخاً. كذا في الترغيب. كراهيته عليه السلام التنخم في المسجد وأخرج الشيخان وأبو داود - واللفظ له - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوماً إذ رأى نخامة في قبلة المسجد، فتغيّظ على الناس ثم حكها، قال: «وأحسبه قال: فدعا بزعفران فلطخه به، وقال: «إن الله عز وجل قِبَل وجه أحدكم إذا صلّى؛ فلا يبصق بين يديه» وعند ابن خزيمة في صحيحه من حديث أبي سعيد ثم أقبل على الناس مغضباً فقال: «أيحب

أحدكم أني يستقبله رجل فيبصق في وجهه؟ إنَّ أحدكم إذا قام إلى الصلاة فإنما يستقبل ربه والمَلَك عن يمينه، فلا يبقص بين يدهي ولا عن يمينه» كذا في الترغيب. وأخرج عبد الرزاق عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن المسجد لينزوي من النُّخَامة كما تنزوي البَضْعة أو الجلدة في النار. كذا في الكنز. كراهيته عليه السلام وأصحابه سلّ السيف في المسجد وأخرج البغوي وابن السَّكَن والطبراني وغيرهم عن جابر أن بَنَّة الجني رضي الله عنه أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى قوماً - وفي لفظ: مرَّ على قوم - في المسجد يتعاطون سيفاً بينهم مسلولاً، فقال: «لعن الله من فعل هذا أوَ لَمْ أَنْهَ - وفي لفظ: أو لم أنهكم - عن هذا؟ إذا سلَّ أحدكم السيف فإذا أراد أن يدفعه إلى صاحبه فليغمده ثم ليعطه إياه» . كذا في الكنز. وأخرج عبد الرزاق عن سليمان بن موسى قال: سئل جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن سلِّ السيف في المسجد فقال: قد كنا نكره ذلك، وقد كان رجل يتصدّق بالنبل في المسجد فأمره النبي صلى الله عليه وسلم لا يمر بها في املسجد إلا وهو قابض على نصالها جميعاً. كذافي الكنز. وأخرج الطبراني في الأوسط عن محمد بن عبيد الله قال: كنا عند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في المسجد، فقلَّب رجل نبلاً، فقال أبو سعيد: أما كان هذا يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن تقليب السلاح في المسجد؛

قال الهيثمي: وفيه أبو البلاد ضعَّفه أبو حاتم.h كراهيته عليه السلام وأصحابه نشدان الضالة في المسجد وأخرج مسلم والنِّسائي وابن ماجه عن بُريدة رضي الله عنه أن رجلاً نشد في المسجد، فقال: من دعا إلى الجمل الأحمر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا وجدتَ، إنما بنيت المساجد لما بنيت له» . كذا في الترغيب. وأخرج الطبراني في الكبير عن ابن سيرين أو غيره قال: سمع ابن مسعود رضي الله عنه رجلاً ينشد ضالة في المسجد فأسكته وانتهره، وقال: نُهينا عن هذا، نوابن سيرين لم يسمع من ابن مسعود. كذا في الترغيب. وأخرج عبد الرزاق عن ابن سيرين قال: سمع أُبي ابن كعب رضي الله عنه رجلاً يعتري ضالته في المسجد فغضبه، فقال: يا أبا املنذر ما كنت فاحشاً، قال: إنا أُمرنا بذلك. كذا في الكنز. كراهية عمر رفع الصوت واللغط وإنشاد الشعر في المسجد وأخرج البخاري والبيهقي عن السائب بن يزيد قال: كنت نائماً

في المسجد فصحبني رجل، فإذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: اذهب فأتني بهذين، فجئته بهما، فقال: من أنتما؟ قالا: من أهل الطائف، فقال: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعند إبراهيم بن سعد في نسخته وابن المبارك عن سعيد ابن إبراهيم عن أبيه قال: سمع عمر بن الخطاب صوت رجل في المسجد فقال: أتدي أين أنت؟ أتدري أين أنت؟ كره الصوت؛ كذا في الكنز (4258 و260) . وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة والبيقهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر كان إذا خرج إلى املسجد نادى في المسجد: إياكم واللغط، وفي لفظ: نادى بأعلى صوته: اجتنبوا اللغو في المسجد. وعند عبد الرزاق وابن أبي شيبة عنه أن عمر نهى عن اللغط في المسجد وقال: إن مسجدنا هذا لا تُرفع فيه الأصوات. كذا في الكنز. وأخرج مالك والبيهقي عن سالم أن عمر بن الخطاب بنى إلى جانب المسجد رحبة فسماها البطيحاء، فكان يقول: من أراد أن يلغط أو ينشد شعراً أو يرفع صوتاً فليخرج إلى هذه الرحبة. كذا في الكنز.

وأخرج عبد الرزاق عن طارق بن شهاب قال: أُتي عمر بن الخطاب برجل في شيء فقال: أخرجاه من المسجد فاضربا. كذا في الكنز. لغاية 510 تابع كراهية ابن مسعود إسناد الظهر إلى قبلة المسجد وأخرج الطبراني في الكبير عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه رأى قوماً قد أسندوا ظهورهم إلى قبلة المسجد بين أذان الفجر والإقامة، فقال: لا تحولوا بين الملائكة وبين صلاتها، قال الهيثيم: ورجاله موثَّقون. كراهية حابس الطائي الصلاة في مقدم المسجد من السحر وأخرج أحمد والطبراني في الكبير عن عبد الله بن عامر الألهاني قال: دخل المسجد حابس بن سعد الطائي رضي الله عنه من السَّحَر - وقد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ـ فرأى الناس يصلُّون في مقدم المسجد فقال: مراؤون وربِّ الكعبة، أرعِبوهم فمن أرعبهم فقد أطاع الله ورسوله، فأتاهم النسا فأخرجوهم، فقال: إن الملائكة تصلِّي في مقدَّم المسجد من السَّحَر. قال الهيثمي: وفيه عبد الله بن عامر الألهاني ولم أجد من ذكره، وأخرجه أيضاً ابن عساكر وأبو نعيم كما في الكنز؛ وأخرجه ابن سعد أيضاً نحوه.

كراهية ابن مسعود الصلاة خلف كل أسطوانة في المسجد وأخرج الطبراني عن مرّة الهمداني: قال: حدثت نفسي أن أصلِّي خلف كل سارية من مسجد الكوفة ركعتين، فبينا أنا أسلي إذ أنا بابن مسعود رضي الله عنه في المسجد، فأتيته لأخبره بأمري، فسبقني رجل فأخبره بالذي أصنع، فقال ابن مسعود: لم يعلم أن الله عز وجل عند أدنى سارية ما جاوزها حتى يقضي صلاته. قال الهيثمي: وفيه عطاء ابن السائب وقد اختلط. اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالأذان رفضه صلى الله عليه وسلم اتخاذ الناقوس والبوق للإعلام بالصلاة قبل الاهتداء للأذان أخرج أبو داود عن أبي عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار قال: اهتم النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة كيف يجمع الناس لها، فقيل له: انصب راية عند حضور الصلاة؛ فإذا رأوها آذن بعضهم بعضاً، فلم يعجبه ذلك، قال: فذكر له القُنْع - يعني الشَّبُور، وقال زياد: شبور اليهود - فلم يعجبه ذلك، وقال: «وهو من أمر اليهود» ، فقال: فذكر له الناقوس فقال: «هو من أمر النصارى» ، فانصرف عبد الله بن زيد رضي الله عنه وهو مهتم لِهَمِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأُري الأذان في منامه - فذكر الحديث. وأخرج أبو الشيخ عن عبد الله بن زيد قال: اهتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأذان بالصلاة، وكان إذا جاء وقت الصلاة صعد برجل فيشير بيده، فمن رآه جاء ومن لم يره لم يعلم بالصلاة، فاهتم لذلك همَّاً شديداً، فقال له بعض القوم: يا رسول الله لو أمرت بالناقوس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «فعل النصارى؟ لا» ،

فقالوا: لو أمرت بالبوق فنفخ فيه، فقال: «فعل اليهود؟ لا» ، فرجعت إلى أهلي وأنا مغتم لما رأيت من اهتمام رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاله، حتى إذا كان اليل قبل الفجر غشيني النعاس، فرأيت رجلاً عليه ثوبان أخضران أنا بين النائم واليقظان، فقام على سطح المسجد فجعل أصبعيه في أذنيه ونادى. وعنده أيضاً عن أنس رضي الله عنه قال: كانت الصلاة إذا حَضَر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سعى رجل في الطريق فنادى: الصلاة، الصلاة؛ فاشتد ذلك على الناس وقالوا: لو اتخذنا ناقوساً - فذكر الحديث. كذا في الكنز (4263 و265) . المناداة بالصلاة جامعة في عهده عليه السلام قبل الاهتداء للأذان وأخرج ابن سعد عن نافع بن جبير وعروة وزيد بن أسلم وسعيد بن المسيِّب قالوا: كان الناس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يُؤمر بالأذان ينادي منادي النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة جامعة، فيجتمع الناس، فلما صرفت القبلة إلى الكعبة أمر بالأذان، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أهمه أمر الأذان، وأنهم ذكروا أشياء يجمعون بها الناس للصلاة، فقال بعضهم: البوق، وقال بعضهم: الناقوس - فذكر الحديث وفي آخره قالوا: وأذَّن بالأذان، وبقي يُنادي في الناس: الصلاة جامعةً للأمر يحدث، فيحضرون له يُخبرون به مثل فتح يقرأ، أو أمر يؤمرون به، فينادي: الصلاة جامعة وإن كان في غير وقت صلاة. أذان سعد القَرَظ للنبي عليه السلام في قباء وأخرج الطبراني في الكبير عن سعد القَرَظَ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أي ساعة أتى قُباء أذن بلال رضي الله عنه بالأذان لأن يُعلم الناس أن

رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاء، فتجمعوا إليه، فأتى يوماً وليس معه بلال فنظر زنوجٌ بعضهم إلى بعض؛ فرقي سعد رضي الله عنه في عذق فأذَّن بالأذان، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما حملك على أن تؤذن يا سعد» ؟ قال: بأبي وأمي رأيتك في قلّة من الناس ولم أرَ بلالاً معك، ورأيت هؤلاء الزنوج ينظر بعضهم إلى بعض وينظرون إليك، فخشيت عليك منهم فأذَّنت، قال: «أصبتَ يا سعد، إذ لم ترَ بلالاً معي فأذِّن» فأذن سعد ثلاث مرار في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الهيثمي: وفيه عبد الرحنم بن سعد بن عمّار وهو ضعيف. أقوال بعض الصحابة في الأذان والمؤذِّنين وأخرج البيهقي في شُعَب الإيمان عن أبي الوقاص رضي الله عنه قال: سهام المؤذنين عند الله يوم القيامة كسهام المجاهدين. وهو فما بين الأذان والإقامة كالمتشحط في دمه في سبيل الله، قال: وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: لو كنت مؤذِّناً ما باليت أن لا أحج ولا «أعتمر ولا أجاهد. قال: وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لو كنت مؤذِّناً لكمل أمري وما باليت أن لا أنتصب لقيام الليل ولا صيام النهار؛ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهمَّ اغفر للمؤذِّنين، اللهم اغفر للمؤذِّنين» فقلت: تركتنا يا رسول الله ونحن نجتلد على الأذان بالسيوف قال: «كلا يا عمر إنَّه سيأتي على الناس زمان يتركون الإذان على ضعفائهم، وتلك لحوم حرمها الله على النار: لحوم المؤذِّنين» قال: وقالت عائشة رضي الله عنها لهم: هذه الآية: {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى اوعمل صالحا وقال إنني من المسملين} (سورة فصلت، الآية: 33) . قالت: هو المؤذِّن، فإذا قال:

حيَّ على الصلاة، فقد دعا إلى الله، وإذا صلَّى فقد عمل صالحاً، وإذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله، فهو من المسلمين. كذا في الكنز. وأخرجه أبو الشيخ عن الرصافي في كتاب الأذان مثله، كما في الكنز. وعند ابن زنجويه عن أبي معشر قال: بلغني أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لو كنت مؤذِّناً لم أبال أن لا أحج ولا أعتمر إلاّ حجّة الإسلام، ولو كانت الملائكة نزولاً ما غلبهم أحد على الأذان، كذا في الكنز. وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن سعد والبيهقي عن قيس ابن أبي حازم قال: قدمنا على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: من مؤذِّنكم؟ فقلنا: عبيدنا وموالينا، فقال: إنَّ ذلكم بكم لنقص شديد، لو أطقتُ الأذان من الخِلِّفي لأذنت، كذا في الكنز. وأخرج الطبراني في الأوسط عن علي رضي الله عنه قال: ندمت أن لا أكون طلبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجعل الحسن والحسين مؤذَنَيْن، قال الهيثمي: وفيه الحارث وهو ضعيف.

وأخرج الطبراني في اكبير عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ما أحب أن يكون مؤذنوكم عميانكم، قال: ولا قراؤكم؛ قال الهيثمي: ورجاله ثقات. قول ابنعرم لرجل يتغنَّى في أذانه ويأخذ عليه الأجر وأخرج الطبراني في الكبير عن ييحى البكَّاء قال: قال رجل لابن عمر رضي الله عنهما: إنِّي لأحبك في الله، فقال ابن عمر: لكني أُبغضك في الله، قال: ولمَ؟ قال إنِّك تتغنَّى في أذانك وتأخذ عليه أجراً؛ قال الهيثمي: وفيه يحى البكَّاء ضعَّفه أحمد وأبو زُرعة وأبو حاتم وأبو داود، ووثَّقه يحيى بن سعد القَطَّان، وقال محمد بن سعيد كان ثقة إن شاء الله. أمره عليه السلام وأبي بكر بقتال القبائل التي لا يسمع فيها الأذان وأخرج ابن عساكر عن خالد بن سعيد عن أبيه قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن سعيد بن العاص رضي الله عنه إلى اليمن، فقال: «إن مررت بقرية فلم تسمع أذاناً فاسبِهم» ، فمرَّ ببني زُبيد فلم يسمع أذاناً فسباهم، فأتاه عمرو بن معدِيكرب فكلّمه فوهبهم له خالد؛ كذا في الكنز. وأخرج البيهقي عن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر قال:

كان أبو بكر رضي الله عنه يأمر أمراءه حين كان يبعثهم في الردّة: إذا غشِيتم داراً فإن سمعتم بها أذاناً (بالصلاة) فكفُّوا حتى تسألوهم ماذا تنقمون، فإن لم تسمعوا أذاناً فشنُّوها غارة، واقتلوا، وحرِّقوا، وأنهكوا في القتل والجراح، لا يُرى بكم وَهْن لموت نبيكم صلى الله عليه وسلم وعند عبد الرزاق عن الزهري قال: لما بعث أبو بكر الصديق لقتال أهل الردّة قال: بيِّتوا فأينما سمعتم فيها الأذان فكفُّوا عنها فإن الأذان شعار الإيمان. كذا في الكنز. لغاية ص 514 تابع انتظار النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الصلاة هديه عليه السلام في هذا الأمر وأخرج أبو داود عن علي رضي الله عنه قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تقام الصلاة في المسجد إذا رآهم قليلاً جلس لم يصلِّ، وإذا رآهم قليلاً جلس لم يصلِّ، وإذا رآهم جماعة صلَّى. وعند ابن أبي شبية عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينتظر ما سمع وَقْع نعل. كذا في الكنز (4246 و247) . انتظار الصحابة الصلاة حتى ذهب نصف الليل وأخرج ابن أبي شيبة - ورجاله ثقت - عن عمر رضي الله عنه قال:

جهز رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشاً حتى ذهب نصف الليل أو بلغ ذلك، فخرج إلى الصلاة فقال: «صلَّى الناس ورجعوا وأنتم تنتظرون الصلاة، أما إنكم لن تزالوا في الصلاة ما انتظرتموها» . وعنده أيضاً وابن جرير عن جابر رضي الله عنه بنحوه. كذا في الكنز. قوله عليه السلام لمن جلس بعد المغرب وبعد الظهر ينتظر الصلاة الثانية وأخرج ابن جرير عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب فرجع من رجع وعقَّب من عقصب، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «هذا ربكم فتح باباً من أبواب السماء يباهي بكم الملائكة، يقول: عبادي قضَوا فريضة وهم ينتظرون الأخرى» . كذا في الكنز. وأخرجه ابن ماجه عن ابن عمر رضي الله عنهما بنحوه ورواته ثقات، كما في التغريب. وأخرج الطبراني في الكبير عن أبي أُمامة الثَقَفي قال: خرج معاوية رضي الله عنه حين صلَّى الظهر فقال: مكانَكم حتى آتيكم، فخرج علينا وقد

تردّى، فلَّما صلّى العصر قال: ألاَ أحدثكم شيئاً فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا: بلى، قال: فإنَّهم صلَّوا معه الأولى ثم جلسوا، فخرج عليهم فقال: «ما برحتم بعد» ؟ قالوا: لا، قال: «لو رأيتم ربكم فتح باباً من السماء فأرى مجلسكم ملائكتَه يباهي بكم وأنتم ترقبون الصلاة» . كذا في المجمع. قوله عليه السلام لمن انتظر صلاة العشاء إلى شطر الليل وأخرج البخاري عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخَّر ليلةً صلاة العشاء إلى شطر الليل، ثم أقبل بوجهه بعدما صلَّى فقال: «صلَّى الناس ورقدوا ولم تزالوا في صلاة منذ انتظرتموها» وعنده أيضاً من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً «إنَّ أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه، والملائكة تقول: اللهمَّ اغفر له، اللهمَّ ارحمه، ما لم يقم من مصلاَّه أو يحدث» وفي رواية لمسلم وأبي داود قال: «لا يزال العبد في صلاة ما كان في مصلاَّه أو يحدث» . وفي رواية لمسلم وأبي داود قال: «لا يزال العبد في صلاة ما كان في مصلاَّه ينتظر الصلاة، والملائكة تقول: الهلمَّ اغفر له، اللهمَّ ارحمه، حتى ينصرف أو يحدث» قيل: وما يحدث؟ قال: يفسو أو يضرط. كذا في الترغيب.

ترغيبه عليه السلام في انتظار الصلاة وأخرج ابن حِبَّان في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ألاَ أدلُّكم على ما يمحو الله به الطخايا ويكفِّر به الذنوب» ؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: «إسباغ الوضوء على المكروهات، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط» كذا في الترغيب. قول أبي هريرة في المرابطة في عهده عليه السلام وأخرج الحاكم - وقال: صحيح الإسناد - عن داود بن صالح قال: قال لي أبو سلمة: يا ابن أخي تدري في أي شيء نزلت {اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ} (سورة آل عمران، الآية: 200) ؟ قلت: لا، قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: لم يكن في زمان النبي صلى الله عليه وسلم غزو يرابط فيه ولكن انتظار الصلاة بعد الصلاة. كذا في الترغيب. قول أنس في نزول: تتجافى جنوبهم عن المضاجع وأخرج الترمذي - وصحَّحه - عن أنس رضي الله عنه أن هذه الآية {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} (سورة السجدة، الآية: 16) نزلت في انتظار الصلاة التي تدعى العَتَمة، كذا في الترغيب.

تأكيد الجماعة والاهتمام بها اهتمامه عليه السلام بالجماعة وعدم ترخيصه للأعمى بتركها أخرج أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه والحاكم عن عمرو بن أم متكوم رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله أنا ضرير شاسع الدار ولي قائد لا يلائمني، فهل تجد لي رخصة أن أصلِّي في بيتي؟ قال: «أتسمع النداء» ؟ قال: نعم، قال: «ما أجد لك رخصة» . وفي رواية لأحمد عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى المسجد فرأى القوم في رقة فقال: «إني لأهمُّ أن أجعل للنا إماماً ثم أخرجَ فلا أقدر على إنسان يتخلَّف عن الصلاة في بيته إلا أحرقته عليه» فقال ابن أم مكتوم: يا رسول الله إنَّ بيني وبين المسجد نخلاً وشجراً، ولا أقدر على قائد كل ساعة أيسعني أن أصلِّي في بيتي؟ قال: «أتسمع الإقامة» ؟ قال: نعم، قال: «فأتها» . كذا في الترغيب.

قول عبد الله بن مسعود ومعاذ بن جبل في الجماعة وأخرج مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: من سرّه أن يلقى الله غداً مسلماً، فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث يُنادي بهن؛ فإن الله تعالى شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سُنَنَ الهدى وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صلَّيتم في بيوتكم كما يصلِّي هذا المتخلِّفُ في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهَّر فيحسن الطُّهور، ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتُنا وما يتخلَّف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يُؤتى به يُهادَى بين الرجلين حتى يقام في الصف. وفي رواية: لقد رأيتنا وما يتخلَّف عن الصلاة إلا منافق قد عُلم نفاقه أو مريض، إنْ كان الرجل ليمشي بين رجلين حتى يأتي الصلاة، وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم علَّمنا سنن الهدى وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذِّن فيه. كذا في الترغيب. وأخرجه أيضاً عبد الرزاق والضياء في المختارة بطوله نحوه، كما في الكنز. وأخرجه الطيالسي (ص40) أيضاً نحوه وزاد: وإني لا أجد منكم أحداً إلا له مسجد يصلِّي فيه في بيته، ولو صليتم في بيوتكم وتركتم مساجدكم لتركتم سنة نبيكم. وأخرج أبو نُعيم في الحلية عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: من

سرَّه أن يأتي الله عز وجل آمناً فليأت هذه الصلوات الخمس حيث ينادي بهن، فإنهن من سنن الهدى، وممّا سنه لكم نبيكم صلى الله عليه وسلم ولا يقل: إنَّ لي مصلَّى في بيتي فأصلِّي فيه، فإنكم إن فعلتم ذلك تركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم لضللتم. إساءة الصحابة الظن فيمن ترك الجماعة في الفجر والعشاء وأخرج الطبراني وابن خزيمة في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا إذا فقدنا الرجل في الفجر والعشاء أسأنا به الظن. كذا في الترغيب. وأخرجه سعيد بن منصور عن ابن عمر نحوه، كما في الكنز والبزّار، كما في المجتمع وقال: ورجال الطبراني موثَّقون. قول عمر فيمن شغله قيام الليل عن جماعة الفجر وأخرج مالك عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حَثْمة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فَقَد سليمان بن أبي حَثْمة في صلاة الصبح وأن عمر غداً إلى السوق - ومسكن سُليمان بين المسجد والسوق - فمرَّ على الشِّفَاء أم سليمان - رضي الله عنهما - فقال لها: لم أرَ سليمان في الصبح، فقالت له: إنه بات يصلِّي فغلبته عيناه، فقال عمر: لأن أشهد صلاة الصبح في الجماعة أحب إليَّ من أن أقوم ليلة. كذا في الترغيب. وعند عبد الرزاق عن ابن أبي مُلَيكة قال: جاءت الشِّفَاء - إحدى نساء

بني عدي بن كعب - عمر في رمضان فقال: ما لي لم أرَ أبا حَثْمة - لزوجها - شهد الصبح؟ قالت: يا أمير المؤمنين دأب ليلته فكسل أن يخرج فلصلّى الصبح ثم رقد، فقال: والله لو شهدها لكان أحب إليَّ من دأبه ليلته. وعنده أيضاً عن الشِّفَاء بنت عبد الله قالت: دخل عليَّ بيتي عمر بن الخطاب فوجد عندي رجلين نائمين فقال: وما شأن هذين ما شهدا معنا الصلاة؟ قلت: يا أمير المؤمنين صلَّيا الصبح وناما، فقال عمر: لأن أصلي الصبح في جماعة أحب إليَّ من أن أصلي ليلة حتى أصبح. كذا في كنز العمال. قول أبي الدرداء في الجماعة وفعل ابن عمر إذا فاتته العشاء في الجماعة وأخرج البخاري عن أم الدرداء قلت: دخل عليَّ أبو الدرداء رضي الله عنه وهو مُغضب فقلت: ما أغضبك؟ فقال: والله ما أعرف من أمر محمد صلى الله عليه وسلم شيئاً إلا أنَّهم يصلُّون جميعاً. وأخرج أبو نُعيم في الحيلة عن نافع أنَّ ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا فاتته صلاة العشاء في جماعة أحيي بقية ليلته، وقال بِشر بن موسى: أحييى ليلة. وأخرجه الطبراني أيضاً. وعند البيهقي: إذا فاتته صلاة في جماعة صلى إن الصلاة الأخرى، كما في الإصابة.

خروج الحارث بن حسان لصلاة الفجر ليلة زواجه، وقوله لمن عاتبه وأخرج الطبراني في الكبير بإسناد حسن عن عنبسة بن الأزهر قال: تزوج الحارث بن حسان رضي الله عنه - وكان له صحبة - وكان ارجل إذ ذاك إذا تزوج تخدَّر أياماً فلا يخرج لصلاة الغداة، فقيل له: أتخرج وإنما بنيت بأهلك في هذه الليلة؟ قال: والله إنَّ امرأة تمنعني من صلاة الغداة في جمع لامرأة سوء. كذا في مجمع الزوائد. تسوية الصفوف وترتيبها اهتمامه عليه السلام بتسوية صفوف أصحابه في الصلاة أخرج ابن خزيمة في صحيحه عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي ناحية الصف ويسوِّي بين صدور القوم ومناكبهم ويقول: «لا تختلفوا فتختلف قلوبكم، إنَّ الله وملائكته يصلُّون على الصف الأول» . اكذا في الترغيب. وعند أبي داود بإسناد حسن عن البراء قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلَّل الصف من ناحية إلى ناحية يمسح صدورنا ومناكبنا ويقول: «لا تختلفوا» فذكر نحوه كذا في الترغيب.

وأخرج مسلم والأربعة إلا الترمذي عن جابر بن سَمُرة رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ألا تصفُّون كما تصفُّ الملائكة عند ربِّها» ؟ فقلنا: يا رسول الله وكيف تصفُّ الملائكة عند ربها؟ قال: «يتمون الصفوف الأُوَل ويتراصُّون في الصف» . كذا في الترغيب. وعند أبي داود وابن ماجه عن جابر (بن سمرة) رضي الله عنه قال: صلَّينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأومأ إلينا أن نجلس فجلسنا، فقال: «ما يمنعكم أن تصفوا كما تصف الملائكة» - فذكر نحوه. كما في الكنز. وأخرج مالك والستة خلا البخاري عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

كان يسوِّي صفوفنا حتى كأنما يسوِّي بها القِدَاح حتى رآنا أنا قد عقلنا عنه، ثم خرج يوماً فقام حتى كاد يكبِّر فرأى رجلاً بادياً صدره من الصف فقال: «عبادَ الله لَتُسَوُنَّ صفوفكم أو ليخالِفَنَّ الله بين وجوهكم» . وفي رواية عند أبي داود وابن حِبّان في صحيحه قال: فرأيت الرجل يلزَق منكبه بمنكب صاحبه وركبته بركبة صاحبه وكعبه بكعبه. كذا في الترغيب. أمر عمر وعثمان وعلي بتسوية الصفوف قبل التكبير وأخرج مالك وعبد الرزاق والبيهقي عن نافع أن عمر رضي الله عنه كان يأمر بتسوية الصفوف، فإذا جاؤوا فأخبروه أنقد استوت كبَّر. وعند عبد الرزاق عن أبي عثمان النَّهدي قال: كان عمر يأمربتسوية الصفوف ويقول: تقدَّم يا فلان، تقدَّم يا فلان، وأُراه قال: لا يزال قوم يستأخرون حتى يؤخرهم الله. وعنده أيضاً عنه قال: رأيت عمر إذا تقدَّم إلى الصلاة ينظر إلى المناكب والأقدام. كذا في الكنز (4254 و255) . وأخرج عبد ابن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي نَضر قال:

كان عمر بن الخطاب إذا أقيمت الصلاة قال: استووا، تقدم يا فلان، تأخر يا فلان، أقيموا صفوفكم، يريد الله بكم هَدْيَ الملائكة ثم يتلوا {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّآفُّونَ} {وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبّحُونَ} (سورة الصافات، الآيتان: 165 و166) . كذا في الكنزل. وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عن أبي سهيل بن مالك عن أبيه قال: كنت مع عثمان بن عفان رضي الله عنه عنه فأقيمت الصلاة وأنا أكلمه في أن يفرض لي، فلم أزل أكلمه وهو يسوِّي الحصباء بنعليه حتى جاء رجال قد وكلهم بتسوية الصفوف، فأخبروه أنَّ الصفوف قد استوت، فقال: استوِ في الصف، ثم كبَّر، كذا في الكنز. وأخرج ابن أبي شيبة عن علي رضي الله عنه قال: استوو تستوِ قلوبكم، تراصوا ترحموا. كذا في الكنز. قول ابن مسعود في تسوية الصفوف وأخرج أحمد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لقد رأيتنا وما تُقام الصلاة حتى تَكَاملَ بنا الصفوف، قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح.

وعند الطبراني عنه قال: إن الله وملائكته يصلُّون على الذين يتقدَّمون الصفوف بصلاتهم - يعني الصف الأول المقدَّم - وفيه رجل لم يُسمَّ كما قال الهيثمي. قول عليه السلام وقول ابن عباس في الصف الأول وأخرج الطبراني في الكبير عن عبد العزيز بن رُفَيع قال: حدثني عامر بن مسعود القرشي وزاحمني بمكة أيام ابن الزبير رضي الله عنهما عند المقام في الصف الأول قال: قلت له: أكان يقال في الصف الأول خير؟ قال: أجل والله، لقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لو يعلم الناس ما في الصف الأول ما صفُّوا فيه إلا بقرعة أو سُهْمة» . قال الهيثمي: رجاله ثقات إلا أن عامراً اختُلف في صحبته. وأخرج الطبراني في الأوسط والكبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: عليكم بالصف الأول وعليكم بالميمنة منه، وإياكم والصفَّ بين السواري؛ قال الهيثمي: وفيه إسماعيل بن مسلم المكِّي وهو ضعيف. قوله عليه السلام: لا يقوم في الصف الأول إلا المهاجرون والأنصار وأخرج الحاكم في المستدرك عن قيس بن عبادة قال: شهدت المدينة، فلما أقيمت الصلاة تقدَّمت فقمت في الصف الأول، فخرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه فشقَّ الصفوف ثم تقدم، وخرج معه رجل آدمُ خفيف اللِحية فنظر في وجوه القوم، فلما رآني دفعني وقام مكاني واشتد ذلك عليَّ،

فلما انصرف التفت إليَّ فقال: لا يسؤْك ولا يحزنْك، أشقّ عليك؟ إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يقوم في الصف إلا المهاجرون والأنصار» فقلت: من هذا؟ فقالوا: أبيّ بن كعب رضي الله عنه: قال الحاكم ووافقه الذهبي: هذا حديث تفرّد به الحاكم عن قتادة وهو صحيح الإسناد. وأخرجه أبو نعيم في الحلية بسند آخر عن قيس قال: بينما أنا أصلي في مسجد المدينة في الصف المقدّم إذ جاء رجل من خلفي فجذبني جذبة فنحَّاني وقام مقامي، فلّما سلّم التفت إليَّ فإذا هو أُبيُّ ابن كعب، فقال: يا فتى لا يسؤْك الله، إن هذا عهد من النبي صلى الله عليه وسلم إلينا - فذكر الحديث. اشتغال الإمام بحوائج المسلمين بعد الإقامة اشتغاله عليه السلام بذلك أخرج عبد الرزاق عن أسامة بن عمير رضي الله عنه قال: كانت الصلاة تقام فيكلم الرجل النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة تكون له، فيقوم بينه وبين القبلة فما يزال قائماً يكلِّمه فربما رأيت بعض القوم ينعس من طول قيام النبي صلى الله عليه وسلم كذا في الكنز. وأخرجه عبد الرزاق أيضاً وأبو الشيخ في الأذان عن أنس رضي الله عنه مثله، كما في الكنز. وعند ابن عساكر عن أنس أن الصلاة كانت تقام بعشاء الآخرة فيقوم النبي صلى الله عليه وسلم مع الرجل يكلمه حتى يرقد طوائف من الصحابة ثم ينتبهون إلى الصلاة. كذا في الكنز.

وأخرج أبو الشيخ في الأذان عن عروة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم بعدما يقيم المؤذن ويسكتون يُكلَّم في الحاجة فيقضيها. قال: وقال أنس بن مالك: وكان له عود يتستمسك عليه، كذا في الكنز. وأخرجه البخاري في الأدب المفرد (ص43) عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم رحيماً وكان لا يأتيه أحد إلا وعده وأنجز له إن كان عنده، وأقيمت الصلاة وجاءه أعرابي فأخذ بثوبه فقال: إنما بقي من حاجتي يسيرة وأخاف أنساها، فقام معه حتى فرغ من حاجته ثم أقبل فصلى. اشتغال عمرو عثمان في ذلك وأخرج أبو الربيع الزَّهراني عن أبي النَّهْدي قال: إنْ كانت الصلاة لتقام فيعرض لعمر رضي الله عنه الرجل فيكلمه، حتى ربما جلس بعضنا من طول القيام. كذا في الكنز. وأخرج ابن حِبّان عن موسى بن طلحة قال: سمعت عثمان ابن عفان رضي الله عنه وهو على المنبر والمؤذِّن يقيم الصلاة، وهو يستخبر الناس عن أخبارهم وأسعارهم، كذا في الكنز. وأخرجه ابن سعد عن موسى نحوه، وقد تقدَّم في تسوية الصفوف عن أبي سهيل بن مالك عن أبيه قال: كنت مع عثمان فأقيمت الصلاة وأنا أكلمه - الحديث.

الإمامة والاقتداء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم قول أبي سفيان في طاعة الصحابة للنبي عليه السلام حينما رآهم يصلون أخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة، فذكر الحديث بطوله في صلح الحديبيبة وفتح مكة. وفيه: فقال له: «يا أبا سفيان أسلم تسلم» فأسلم أبو سفيان رضي الله عنه وذهب به العباس رضي الله عنه إلى منزله، فلما أصبحوا ثار الناس لطُهورهم، فقال أبو سفيان: يا أبا الفضل ما للناس؟ أمروا بشيء؟ قال: لا، ولكنهم قاموا إلى الصلاة، فأمره العباس فتوضأ ثم ذهب به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة كبَّر فكبر الناس، ثم ركع وركعوا، ثم رفع فرفعوا، فقال أبو سفيان: ما رأيت كاليوم طاعة قوم جمعهم من ههنا ومن ههنا، ولا فارسَ الأكارمَ ولا الرومَ ذاتَ القرون بأطوع منهم له، قال أبو سفيان: يا أبا الفضل، أصبح ابن أخيك عظيم الملك، فقال له العباس: إنه ليس بمُلْك ولكنها نبوة. كذا في الكنز وعند الطبراني في الصغير والكبير عن ميمونة رضي الله عنها فذكرت الحديث في غزوة الفتح وفيه: وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وابتدر المسلمون وُضوءه ينتضحونه في وجوههم، فقال أبو سفيان: يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيماً، فقال: ليس بمُلْك ولكنها النبوة، وفي ذلك يرغبون، قال الهيثمي: وفيه يحيى بن سليمان بن نَضْلة وهو ضعيف.

وقال ابن كثير في البداية: وذكر عروة أن أبا سفيان لما أصبح صبيحة تلك الليلة التي كانت عند العباس، ورأى الناس يجنحون للصلاة وينتشرون في استعمال الطهارة؛ خاف وقال للعباس: ما بالهم؟ قال: إنَّهم سمعوا النداء فهم ينتشرون للصلاة، فلما حضرت الصلاة ورآهم يركعون بركوعه ويسجدون بسجوده قال: يا عباس ما يأمرهم بشيء إلاَّ فعلوه؟ قال: نعم، والله لو أمرهم بترك الطعام والشراب لأطاعوه. انتهى. صلاة المسلمين خلف أبي بكر بأمر النبي عليه السلام وقد تقدّم في رغبة النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة في حديث عائشة رضي الله عنها عند أحمد وغيره: فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر رضي الله عنه بأن يصلِّي بالناس، وكان أبو بكر رجلاً رقيقاً، فقال: يا عمر صلِّ بالناس، فقال: أنت أحق بذلك، فصلَّى بهم تلك الأيام؛ وفي حيثها عند البخاري: فقال: «مُروا أبا بكر فليصلِّ بالناس» فقيل له: إن أبا بكر رجل أسيف، إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلِّي بالناس، وأعاد فأعادوا له فأعاد الثالثة فقال: «إنكن صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس» . وأخرج أحمد عن عبد الله بن زَمْعة رضي الله عنه قال: لما استُعزّ برسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عنده في نفر من المسلمين دعا بلالٌ رضي الله عنه للصلاة، فقال: «مروا من يصلِّي بالناس» قال: فخرجت فإذا عمر رضي الله عنه في الناس، وكان أبو بكر رضي الله عنه غائباً، فقلت: قم يا عمر فصلِّ بالناس، قال: فقام فلما كبَّر عمر سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته - وكان عمر رجلاً مُجْهِراً - فقال رسول الله: «فأين أبو بكر؟ يأبى الله ذلك والمسلمون يأبى الله ذلك

والمسلمون» قال: فبعث إلى أبي بكر فجاء بعدما صلى عمر تلك الصلاة فصلَّى بالناس، وقال عبد الله بن زمعة قال لي عمر: ويحك ماذا صنعت يا ابن زمعة؟ والله ما ظننت حين أمرتني إلا أن رسول الله أمرني بذلك لولا ذلك ما صلّيت، قال: قلت: والله ما أمرني رسول الله، ولكن حين لم أرَ أبا بكر رأيتك أحق من حضر الصلاة؛ وهكذا رواه أبو داود، كما في البداية. قلت: وهكذا أخرجه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرِّجاه. وعند أبي داود كما في البداية في هذا الحديث قال: لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم صوت عمر قال ابن زمعة: خرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى أطلعَ رأسه من حجرته ثم قال: «لا، لا، لا يصلي للناس إلا ابن أبي قُحافة» . يقول ذلك مُغْضباً. وقد تقدّم في تقديم الصحابة أبا بكر رضي الله عنه في الخلافة قولُ أبي عبيدة رضي الله عنه: ما كنت لأتقدَّم بين يدي رجل أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤمنا فأمَّنا حتى مات، وقولُ علي والزبير رضي الله عنهما: إنا نرى أبا بكر أحق الناس بها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه لصاحب الغار، وثاني اثنين، وإنا لنعرف شرفه وكِبَره، ولقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة بالناس وهو حيٌّ. قول عمر وعلي في إمامة أبي بكر رضي الله عنهم وأخرج النَّسائي عن ابن مسعود رضي الله عنه لما قُبض النبي صلى الله عليه وسلم قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، فأتاهم عمر رضي الله عنه فقال: ألستم تعلمون أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر أبا بكر؟

فقالوا: نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر. كذا في جمع الفوائد، وذكر في نمتخب الكنز عن علي رضي الله عنه قال: لقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يصلي بالناس وإني لشاهد وما أن بغائب وما بي مرض، فرضينا لدنيانا ما رضي به النبي صلى الله عليه وسلم لديننا. قول سلمان الفارسي في إمامة العرب وأخرج أبو نعيم في الحلية عن أبي ليلى الكندي قال: أقبل سلمان رضي الله عنه في ثلاثة عشر راكباً - أو اثني عشر راكباً - من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فلما حضرت الصلاة قالوا: تقدّم يا أبا عبد الله، قال: إنَّا لا نؤمكم ولا ننكح نساءكم، إن الله تعالى هدانا بكم، قال: فتقدَّم رجل من القوم فصلَّى أربع ركعات، فلما سلَّم قال سلمان: ما لنا وللمربَّعة، إنما كان يكفينا نصف المربعة ونحن إلى الرخصة أحوج؛ قال عبد الرزاق: يعني في السفر، وأخرجه الطبراني في الكبير وأبو ليلى ضعَّفه ابن معين، كما قال الهيثمي. اقتداء الصحابة رضي الله عنهم بالموالي وأخرج عبد الرزاق عن أبي قتادة رضي الله عنه أن أبا سعيد مولى بني أسِيد رضي الله عنه صنع طعاماً، ثم دعا أبا ذر وحذيفة وابن مسعود - رضي الله عنهم - فحضرت الصلاة، فتقدم أبو ذر ليصلي بهم، فقال له حذيفة:

وراءك، ربُّ البيت أحق بالإمامة، فقال له أبو ذر؛ قال أبو سعيد: فقدَّموني وأنا مملوك فأممتهم. وعنده أيضاً عن نافع قال: أقيمت الصلاة في مسجد بطائفة المدينة، ولعبد الله بن عمر رضي الله عنهما هناك أرض، وإمام ذلك المسجد مولى، فجاء ابن عمر يشهد الصلاة، فقال المولى. كذا في الكنز (4246 و247) . وأخرج البزّار عن عبد الله بن حنظة رضي الله عنه قال: كنا في منزل قيس بن سعد ابن عبادة رضي الله عنهم ومعنا ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا له: تقدّم، فقال: ما كنت لأفعل، فقال عبد الله بن حنظلة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الرجل أحق بصدر فراشه، وأحق بصدر دابته، وأحق أن يؤم في بيته» فيمر مولى له فتقدَّم فصلَّى، وأخرجه الطبراني في الأوسط والكبير؛ قال الهيثمي: وفيه إسحاق بن يحيى بن طلحة ضعَّفه أحمد وابن معين والبخاري ووثَّقه يعقوب بن شيبة وابن حبان. صلاة ابن مسعود خلف أبي موسى في بيته وأخرج أحمد عن علقمة أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أتى أبا موسى الأشعري رضي الله عنه في منزله، فحضرت الصلاة، فقال أبو موسى: تقدّم يا أبا عبد الرحنم فإنك أقدم سناً وأعلم، قال: بل أنت تقدم؛ فإنما أتيناك في منزلك ومسجدك فأنت أحق؛ قال: فتقدّم أبو موسى فخلع نعليه، فلما سلّم

قال له: ما أردت إلى خلعهما؟ أبا لوادي المقدّس أنت؟ قال الهيثمي: رواه أحمد وفيه رجل لم يسمَّ، ورواه الطبراني متصلاً برجال ثقات - انتهى. وأخرجه الطبراني عن إبراهيم مختصراً ورجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمي وفي حديثه: فقال له عبد الله: أبو موسى، لقد علمت أنَّ من السنة أن يتقدم صاحب البيت، فأبى أبو موسى حتى تقدم مولى لأحدهما. صلاة فرت بن حبان في مسجده خلف حنظلة بن الربيع لأمره صلى الله عليه وسلم بذلك وأخرج الطبراني في الكبير عن قيس بن زهير رضي الله عنه قال: انطلقت مع حنظلة بن الربيع رضي الله عنه إلى مسجد فرات بن حبان رضي الله عنه، فحضرت الصلاة، فقال له: تقدَّم، فقال: ما كنت لأتقدّمك وأنت أكبر مني سناً وأقدم مني هجرة والمسجد مسجدكم، فقال فرات: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيك شيئاً، لا أتقدمك أبداً، قال: أشهدته يوم أتيتُه يوم الطائف فبعثني عيناً؟ قال: نعم، فتقدّم حنظلة فصلّى بهم؛ فقال فرات: يا بني عِجل إني إنما قدَّمت هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه عيناً إلى الطائف، فجاءه فأخبره الخبر فقال: «صدقتَ ارجع إلى منزلك، فإنك قد سهرت الليلة» فلما ولَّى قال لنا: «ائتموا بهذا وأشباهه» قال الهيثمي:: رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثَّقون - اهـ، ورواه أيضاً أبو يَعْلى والبغوي وابن عساكر عن قيس نحوه. كما في الكنز.

استخلاف أمير مكة ابن أبزى على الصلاة بالناس وثناء عمر على فعله وأخرج أبو يعلى في مسنده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى مكة فاستقبنا أمير مكة نافع بن علقمة رضي الله عنه، فقال: من استخلفت على أهل مكة؟ قال: عبد الرحمن بن أبزعى، قال: عَمدت إلى رجل من الموالي فاستخلفه على من بها من قريش وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم، وجدته أقرأهم لكتاب الله، ومكة أرض محتضرَة، فأحببت أن يسمعوا كتاب الله من رجل حسن القراءة، قال: نِعَم ما رأيت، إن عبد الرحمن بن أبزى ممَّن يرفعه الله بالقرآن. كذا في منتخب الكنز. تأخير المسور إماماً لا يفصح بكلامه ورضي عمر بذلك وأخرج عبد الرزاق والبيقي عن عبيد بن عمير رضي الله عنه قال: اجتمعت جماعة في بعض ما حول مكة وفي الحج، فحانت الصلاة، فتقدَّم رجل من آل أبي السائب المخزومي رضي الله عنه أعجمي اللسان، فأخِّره المِسْوَر بن مَخْرمة رضي الله عنه وقدَّم غيره، فبلغ عمر بن الخطاب فلم يعرِّفه بشيء حتى جاء المدينة، فلما جاء المدينة عرّفه بذلك فقال المِسْوَر: انظرْني يا أمير المؤمنين، إن الرجل كان أعجمي اللسان وكان في الحج، فخشيت أن يسمع بعض الحجاج قراءته فيأخذ بعجمته، فقال: أوَ هنالك ذهبت؟ قال: نعم، قال: أصبت، كذا في الكنز.

قول طلحة بن عبيد الله لجماعة صلّى بهم: أرضيتم بصلاتي وأخرج الطبراني عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه أنه صلّى قوم، فلما انصرف قال: إني نسيت أن أستأمركم قبل أن أتقدَّم، أرضيتم بصلاتي؟ قالوا: نعم، ومن يكره ذلك يا حَواريَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أيما رجل أم قوماً وهم له كارهون لم تَجُزْ صلاته أذنيه» قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير من رواية سليمان بن أيوب الطلْحي قال فيه أبو زرعة: عامة أحاديثه لا يتابَع عليها، وقال صاحب الميزان: صاحبُ مناكير وقد وُثِّق. مخالفة أنس لعمر بن عبد العزيز ومخالفة أبي أيوب لمروان في الصلاة وأخرج أحمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه كان يخالف عمر بن عبد العزيز، فقال له عمر: ما يحملك على هذا؟ فقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي صلاة، متى توافقها أصلِّي معك، ومتى تخالفها أصلِّي وانقلب إلى أهلي؛ قال الهيثمي: رواه أحمد رجاله ثقات. وأخرج الطبراني عن أبي أيوب رضي الله عنه أنه كان يخالف مروان بن الحكم في صلاته، فقال له مروان: ما يحمك على هذا؟ قال: إني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلِّي صلاة، إن وافقتَه وافقتك، وإن خالفتَه صلَّيت وانقلبت إلى أهلي. قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات.

قول أبي هريرة وأنس وعدي في صلاة الصحابة خلفه عليه السلام وأخرج أحمد عن أبي جابر الوالدي قال: قلت لأبي هريرة رضي الله عنه: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلّي بكم؟ قال: وما أنكرتم من صلاتي؟ قلت أردت أن أسأل عن ذلك، قال: نعم، وأوجز. قال: وكان قيامه قدر ما ينزل المنارة ويَصلُ إلى الصفّ، قال الهيثمي: رواه أحمد. وله في رواية: رأيت أبا هريرة صلَّى صلاة تجوَّزَ فيها، رواه أحمد وروى أبو يعلى الأول ورجالهما ثقات. وأخرج أحمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لقد كنا نصلِّي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة لو صلاّها أحدكم اليوم لعبتموها عليه؛ قال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله ثقات. وأخرج الطبراني عن عدي بن حاتم رضي الله عنه أنَّه خرج إلى

مجلسهم، فأقيمت الصلاة، فتقدم إمامهم فأطال الصلاة في الجلوس، فلما انصرف قال: من أمَّنا منكم فليتم الركوع والسجود، فإن خلفه الصغير والكبير والمريض وابن السبيل وذا الحاجة، فلما حضرت الصلاة تقدَّم عدي بن حاتم وأتم الركوع والسجود وتجوَّز في الصلاة، فلما انصرف قال: هكذا كنا نصلِّي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير بطوله وهو عند الإمام أحمد باختصار ورجال الحديثين ثقات. انتهى. بكاء النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الصلاة بكاؤه عليه السلام في الصلاة أخرج أبو يعلى عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبيت فيناديه بلال - رضي الله عنه - بالأذان، فيقوم فيغتسل فإني لأرى الماء ينحدر على خده وشعره، ثم يخرج فيصلِّي فأسمع بكاءه - فذكر الحديث. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. وأخرج ابن حِبّان في صحيحه عن عبيد بن عمير أنه قال لعائشة: أخبرينا بأعجب شيء رأيتيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فسكتت ثم قالت: لمَّا كانت ليلة من الليالي قال: «يا عائشة ذريني أتعبد الليلة لربي» قلت: والله إني أحب قربك وأحب ما يسرك، قالت: فقام فتطهَّر ثم قال يصلِّي، قالت: فلم يزل يبكي صلى الله عليه وسلم حتى بلّ حِجْره، قالت: وكان جالساً فلميزل يبكي صلى الله عليه وسلم حتى بل لحيته، قالت: ثم بكى حتى بل الأرض، فجاء بلال يُؤذنه بالصلاة، فلما رآه يبكي قال: يا رسول الله تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟

قال: «أفلا أكون عبداً شكوراً؟ لقد أُنزلت عليَّ الليلة آية ويل لمن قرأها ولميتفكر فيها: {إن في خلق السموات والأرض} (سورة آل عمران، الآية: 190) الآية كلَّها، كذا في الترغيب. وأخرج أبو داود عن مُطَرِّف عن أبيه رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي وفي صدهر أزيز كأزيز الرَّحعى من البكاء. وعند النسائي: ولجوفه أزيز كأزيز المِرجَل، يعني يبكي. كذا في الترغيب وإسناده قوي وصحَّحه ابن خزيمة وابن حِبَّان والحاكم. بكاء عمر رضي الله عنه في الصلاة وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن سعد والبيهقي عن عبد الله بن شداد بن الهاد قال: سمعت نشيج عمر رضي الله عنه وأنا في آخر الصفوف في صلاة الصبح وهو يقرأ سورة يوسف حتى بلغ

{إِنَّمَآ أَشْكُو بَثّى وَحُزْنِى إِلَى اللَّهِ} (سورة يوسف، الآية 86) كذا في نتخب الكنز. وعند أبي نُعيم في الحلية عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: صلّيت خلف عمر فسمعت حنينه من وراء ثلاثة صفوف. الخشوع والخضوع في الصلاة خشوع أبي بكر وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهما أخرج أحمد في الزهد عن سهل بن سعد قال: كان أبو بكر رضي الله عنه لا يلتفت في صلاته. كذا في منتخب الكنز. وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة عن مجاهد عن بن الزبير رضي الله عنهما أنه كان يقوم في الصلاة كأنه عود، وكان أبو بكر رضي الله عنه يفعل ذلك، قال مجاهد: هو الخشوع في الصلاة. كذا في منتخب الكنز. وأخرجه أبو نُعَيم في الحلية بإسناد صحيح، كما في الإصابة عن مجاهد قال: كان عبد الله بن الزبير إذا قام في الصلاة كأنه عود، وكان يقال: ذلك من الخشوع في الصلاة. وأخرج أبو نعيم في الحلية عن ابن المنكدر قال: لو رأيت ابن الزبير وهو يصلِّي لقلتَ: عصنُ شجرة يصفِّقها الريح، إن المنجنيق ليقع ههنا وهننا ما يبالي. وعنده أيضاً عن عطاء قال: كان ابن الزبير إذا صلَّى كأنه كعب

راتب. وأخرجه الطبراني في الكبير نحوه قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح. خشوع ابن عمر وابن مسعود رضي الله عنهما في الصلاة وأخرج ابن سعد عن زيد بن عبد الله الشيباني قال: رأيت ابنعمر رضي الله عنهما إذا مشى إلى الصلاة دبّ دبيباً لو أن نملة مشت معه قلت لا يسبقها. وأخرج ابنسعد عن واسع بن حِبّان قال: كان ابن عمر يحب أن يستقبل كلُّ شيء منه القبلة إذا صلَّى، حتى كان يستقبل بإبهامه القبلة. وأخرج أبو نُعيم في الحلية عن طاووس قال: ما رأيت مصلياً كهيئة عبد الله بن عمر أشد استقبالاً للكعبة بوجهه وكفيه وقدميه. وعنده أيضاً عن أبي بُرْدة قال: صلّيت إلى جنب ابن عمر فسمعته حين سجد وهو يقول: اللهمَّ اجْعَلْكَ أحبَّ شيء إليَّ، وأخشى شيء عندي، وسمعته يقول في سجوده: ربِّ بما أنعمت عليَّ فلن أكون ظهيراً للمجرمين، وقال: ما صلّيت صلاة منذ أسلمت إلا وأنا أرجو أن تكون كفّارة. وأخرج الطبراني في الكبير عن الأعمش قال: كان عبد الله رضي الله عنه إذا صلَّى كأنه ثوب مُلقىً. قال الهيثمي ورجاله موثَّقون والأعمش لم يدرك

بن مسعود. زجر أبي بكر رضي الله عنه لزوجته أم رومان لميلها في الصلاة وأخرج ابن عدي وأبو نعيم في الحلية وابن عساكر عن أم رومان قالت: رآني أبو بكر رضي الله عنه أميل في الصلاة فزجرني زجرة كدت أنصرف من صلاتي، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا قام أحدكم في الصلاة فليسكِّن أطرفه ولا يميِّل ميل اليهود، فإن تسكين الأطراف من تمام الصلاة» . كذا في الكنز. اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بالسنن الرواتب قول عائشة رضي الله عنها في سنن النبي عليه السلام أخرج مسلم عن عبد الله بن شقيق قال: سألت عائشة رضي الله عنها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من التطوع، فقالت: كان يصلِّي قبل الظهر أربعاً في بيتي، ثم يخرج فيصلِّي بالناس، ثم يرجع إلى بيتي فيصلِّي ركعتين. وكان يصلِّي بالناس المغرب ثم يرجع إل بيتي فيصلِّي ركعتين. وكان يصلِّي بهم العشاء ثم يدخل بيتي فيصلِّي ركعتين. وكان يصلِّي من الليل تسع ركعات فيهن الوتر؛ وكان يصلي ليلاً طويلاً قائماً وليلاً طويلاً جالساً، فإذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم، وإذا قرأ وهو قاعد ركع وسجد وهو قاعد، وكان إذا طلع الفجر صلَّى ركعتين ثم يخرج فيصلِّي بالناس صلاة الفجر، انفرد بإخراجه مسلم. كذا

في صفة الصفوة، وأخرجه أبو داود والترمذي بعضه. كما في جمع الفوائد. شدة اهتمامه عليه السلام بصلاة ركعتين قبل صلاة الصبح وأخرج الشيخان وغيرهما عن عائشة قالت: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل أشد تعاهداً منه على ركعتي الفجر. وفي رواية لابن خزيمة: قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شيء من الخير أسرع منه إلى الركعتين قبل الفجر ولا إلى غنيمة: كذا في الترغيب. وأخرج البخاري عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يدع أربعاً قبل الظهر وركعتين قبل الغداة. وأخرج أبو داود عن بلاد رضي الله عنه أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليؤذِنه بصلاة الغداة فشغلت عائشة رضي الله عنها بلالاً بأمر سألته عنه حتى سألته عنه حتى فضحه الصبح، فأصبح جداً، فقام بلال فآذنه بالصلاة وتابع أذانه فلم يخرج رسول

الله صلى الله عليه وسلم فلما خرج صلَّى بالناس وأخبره أن عائشة شغلته بأمر سألته عنه حتى أصبح جداً وأنه أبطأ عليه بالخروج، فقال: «إني كنت ركعت ركعتي الفجر» فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنك أصبحت جداً، قال: «لو أصبحت أكثر مما أصبحت لركعتهما وأحسنتهما وأجملتهما» : وإسناده حسن كما قال النووي في رياض الصالحين (ص416) . شدة اهتمامه عليه السلام لصلاة أربع ركعات قبل فريضة الظهر وأخرج ابن ماجه عن قابوس عن ىبيه قال: أرسل أبي إلى عائشة: أيُّ صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحب إليه أن يواظب عليها؟ قالت: كان يصلِّي أربعاً قبل الظهر يطيل فيهن القيام ويحسن فيهن الركوع والسجود. وقابوس هو ابن أبي ظَبيان وُثِّق وصحَّح له الترمذي وابن خزيمة والحاكم، لكن المُرسَل إلى عائشة مبهم. كذا في الترغيب. وأخرج أحمد والترمذي عن عبد الله بن السائب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلِّي أربعاً بعد أن تزول الشمس قبل الظهر وقال: «إنها ساعة تفتح فيها أبواب السماء فأحب أن يصعد لي فيها عمل صالح» قال

الترمذي: حديث حسن غريب. كذا في الترغيب. وأخرج الترمذي (ص75) عن علي رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلِّي قبل الظهر أربعاً وبعدها ركعتين. وأخرج أيضاً عن عائشة رضي الله عنها - وحسَّنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا لم يصلِّ أربعاً قبل الظهر صلاهن بعدها. وأخرج الطبراني في الكبير والأوسط عن أبي أيوب رضي الله عنه لمَّا نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليَّ رأيته يديم أربعاً قبل الظهر، وقال: «إنه إذا زالت الشمس فتحت أبواب السماء، فلا يغلق منها باب حتى تصلَّي الظهر، فأنا أحب أن يرفع لي في تلك الساعة خير» . كذا في الترغيب والكنز. صلاته عليه السلام قبل العصر وبعد المغرب وأخرج الترمذي (ص58) - وحسَّنه - عن علي رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلِّي قبل الصعري أربع ركعات، يفصل بينهن بالتسليم على الملائكة المقرَّبين ومن تبعهم من المسلمين والمؤمنين. وأخرج أبو داود عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلِّي قبل العصر ركعتين، وإسناده صحيح كما في الرياض (ص419) ، وأخرجه أبو يعلى والطبراني في الكبير

والأوسط عن يمونة رضي الله عنها مثل حديث علي. كما في المجتمع. وأخرج الطبراني في الكبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد المغب ركعتين يطيل فيهما القراءة حتى يتصدَّع أهل المسجد. قال الهيثمي: وفيه يحيى بن عبد الحميد الحِمَّاني وهو ضعيف. اهتمام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالسنن الرواتب اهتمام عمر رضي الله عنه بالسنة قبل الصبح وقبل الظهر وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير قال: قال عمر رضي الله عنه في ركعتين قبل الفجر: لهما أحب إليَّ من حُمْر النَّعَم. كذا في الكنز. وأخرج ابنجرير عن عبد الرحمن بن عبد الله أنه دخل على عمر ابن الخطاب وهو يصلِّي قبل الظهر فقال: ما هذه الصلاة؟ قال: إنها تُعَدُّ من صلاة الليل. وعند ابن أبي شيبة عن عبد الله بن عتبة قال: صلَّيت مع عمر أربع ركعات قبل الظهر في بيته. كذا في الكنز. لغاية ص 535 تابع اهتمام علي وابن مسعود رضي الله عنهما بالسنة قبل الظهر وأخرج ابن أبي شيبة عن حذيفة بن أَسِيد قال: رأيت علي بن أبي

طالب رضي الله عنه إذا زالت الشمس صلّى أربعاً طوالاً، فسألته فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها - فذكر نحو حديث أبي أيوب رضي الله عنه. كذا في الكنز وأخرج الطبراني في الكبير عن عبد الله بن يزيد قال: حدثني أوصل الناس بعبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه كان إذا زالت الشمس قام فركع أربع ركعات يقرأ فيهن بسورتين من المِئين، فإذا تجاوب المؤذنون شدَّ عليه ثيابه ثم خرج إلى الصلاة. قال الهيثمي: وفيه راوٍ لم يُسمَّ. وعنده أيضاً عن الأسود ومُرَّة ومسروق قالوا: قال عبد الله: ليش شيء يعدل صلاة الليل من صلاة النهار إلا أربعاً قبل الظهر، وفضلهن على صلاة النهار كفضل صلاة الجماعة على صلاة الواحد. قال الهيثمي: وفيه بشير بن الوليد الكِندي وثَّقه جماعة وفيه كلام وبقية رجاله رجال الصحيح. انتهى، وقال المنذري في ترغيبه: وهو موقفو لا بأس به. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود قال: ما كانوا يعدِلون شيئاً من صلاة النهار بصلاة الليل إلا أربعاً قبل الظهر فإنهم كانوا يرون أنهن بمنزلتهن من الليل. كذا في الكنز.

اهتمام البراء وابن عمر بالنسة قبل الظهر وأخرج ابن جرير عن البراء رضي الله عنه أنه كان يصلِّي قبل الظهر أربعاً. وعن ابن عرم رضي الله عنهما مثله. كما في الكنز وأخرج أيضاً عن ابن عمر أنه كان إذا زالت الشمس يأتي المسجد فيصلِّي ثنتي عشرة ركعة قبل الظهر ثم يقعد. وعن نافع أن ابن عمر كان يصلِّي قبل الظهر ثمانَ ركعات ويصلِّي بعدها أربعاً. كذا في الكنز. اهتمام علي بالسنة قبل العصر واهتمامه وابن عمر بالسنة بين المغرب والعشاء وأخرج ابن النجار عن علي رضي الله عنه قال: أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث لا أدعهن ما حييت: أن أصلي قبل العصر أربعاً فلست بتاركهن ما حييت. وعند ابن جرير عنه قال: رحم الله من صلَّى قبل العصر أربعاً. كذا في الكنز. وأخرج ابن شيبة عن أبي فاخنة عن علي أنه ذكر أن ما بين المغرب والعشاء صلاة الغَفْلة فقال علي: في الغَفْلة وقعتم. كذا في الكنز. وأخرج ابن زنجويه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: من ركع بعد

المغرب أربع ركعات كان كالمعقِّب غزوة بعد غزة. كذا في الكنز. اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بصلاة التهجد قول عائشة في اهتمامه عليه السلام بقيام الليل أخرج أبو داود وابن خْوَيمة عن عبد (الله) بن أبي قيس قال: قالت عائشة رضي الله عنها: لا تدع قيم الليل، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يدعه وكان إذا مرض أو كسل صلَّى قاعداً. كذا في الترغيب. قول جابر في فرض قيام الليل ثم نزول الرخصة وأخرج البزّار عن جابر رضي الله عنه قال: كُتب علينا قيام الليل {يأَيُّهَا الْمُزَّمّلُ} {قم اليل إلا قليلا} (سورة المزمل، الآيتان: 1 و2) فقمنا حتى انتفخت أقدامنا، فأنزل الله تبارك وتعالى الرخصة {عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مَّرْضَى} (سورة المزمل، الآية: 20) إلى آخر السورة. قال الهيثمي: وفيه علي بن زيد وفيه كلام وقد وُثِّق - انتهى. سؤال سعيد بن هشام عائشة عن وتره عليه السلام وجوابها وأخرج الإمام أحمد في مسنده عن سعيد بن هشام أنه طلَّق امرأته،

ثم ارتحل إلى المدينة ليبيع عقاراً له بها ويجعله في الكُراع والسلاح، ثم يجاهد الروم حتى يموت، فلقي رهطاً من قومه فحدّثوه أن رهطاً من قومه ستةً أرادوا ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أليس لكم فيَّ أسوة حسنة» ؟ فنهاهم عن ذلك فأشهدَهم على رجعتها، ثم رجع إلينا فأخبرنا أنه أتى ابن عباس رضي الله عنهما فسأله عن الوتر فقال: ألا أنبئك بأعلم أهل الأرض بوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم، قال: ائت عائشة رضي الله عنها فسلها ثم ارجع إليَّ فأخبرني بردها عليك، قال: فأتيت على حكيم بن أفلح فاستلحقته إليها فقال: ما أنا بقاربها، إني نهيتها أن تقول في هاتين الشيعتين فأبت فيهما إلا مضيّاً، فأقسمتُ عليه، فجاء معي فدخلنا عليها فقالت: حكيم؟ وعرفتْه، قال: نعم، قالت: من هذا معك؟ قال: سعيد بن هشام، قالت: من هشام؟ قال: ابن عامر، قال: فترحَّمت عليه وقالت: نِعمَ المرء كان عامراً قلت: يا أم المؤمنين أنبئيني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: ألست تقرأ القرآن؟ قلت: بلى، قالت: فإن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن. فهممت أن أقوم ثم بدا لي قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: يا أم المؤمنين أنبئيني عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: ألست تقرأ هذه السورة: يا أيها المزمِّل؟ قلت: بلى، قالت: فإن الله افترض قيام اليل في أول هذه السورة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً حتى انفخت أقدامهم، وأمسك الله خاتمتها في السماء اثني عشر شهراً، ثم أنزل الله التخفيف في آخر هذه السورة، فصار قيام الليل تطوعاً من بعد فريضة. فهممت أن أقوم ثم بدا لي وِتْر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا أم المؤمنين أنبئيني عن وِتْر رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: كنا نُعِدّ له سواكه وطَهوره فيبعثه الله لمَّا يشاء أن يبعثه من الليل، فيتسوّك ثم يتوضأ، ثم يصلي ثمان ركعات لا يجلس فيهن إلا عند الثامنة، فيجلس ويذكر ربَّه تعالى ويدعوه، ثم ينهض وما يسلِّم، ثم يقوم ليصلي التاسعة ثم يقعد فيذكر الله وحده، ثم يدعوه، ثم يسلم تسليماً

يسمعنا، ثم يصلِّي ركعتين وهو جالس بعدما يسلِّم، فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني، فلما أسنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ اللحمَ أوتر بسبع، ثم صلّى ركعتين وهو جالس بعدما يسلِّم، فتلك تسع يا بني، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة أحب أن يداوم عليها، وكان إذا شغله عن قيام الليل نوم أو وجع أو مرض صلَّى من انلهار ثنتي عشرة ركعة، ولا أعلم نبي الله صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن كلَّه في ليلة حتى أصبح، ولا صام شهراً كاملاً غير رمضان. فأتيت ابن عباس فحدثته بحديثها، فقال: صدقتْ، أما لو كنت أدخل عليها لأتيتها حتى تشافهني مشافهة. وقد أخرجه مسلم في صحيحه بنحوه. كذا في التفسير لابن كثير. قول ابن عباس في وتر الصحابة لمَّا نزلت سورة المزمل وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس قال: لما نزلت أول المزمل كانوا يقومون نحواً من قيامهم في شهر رمضان، وكان بين أولها وآخرها سنة. كذا في الكنز. تهجد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وأخرج ابن أبي شيبة عن يحيى بن سعيد عن أبي بكر رضي الله عنه أنه كان يوتر أول الليل، وكان إذا قام يصلِّي صلَّى ركعتين ركعتين. كذا في الكنز. وأخرج مالك والبيهقي عن أسلم قال: كان عمر بن الخطاب رضي

الله عنه يصلِّي من الليل ما شاء الله أن يصلِّي حتى إذا كان نصف الليل أيقظ أهله للصلاة، ثم يقول لهم: الصلاة، ويتلو هذه الآية {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصلاةِ} إلى قوله: {وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} (سورة طه، الآية: 132) . كذا في منتخب الكنز. وأخرج الطبراني - ورجاله ثقات - كما قال الهيثمي عن الحسن أن عثمان بن أبي العاص تزوّج امرأة من نساء عمر بن الخطاب، فقال: والله ما نكحتها حين نكحتها رغبة في مال ولا ولد، ولكن أحببت أن تخبرني عن ليل عمر، فسألها: كيف كانت صلاة عمر بالليل؟ قالت: كان يصلي العَتَمة، ثم يأمر أننضع عند رأسه تَوْراً من ماء نغطِّيه، ويتعارّ من الليل فيضع يده في الماء فيمسح وجهه ويديه ثم يذكر الله ما شاء أن يذكر، ثم يتعار مراراً حتى يأتي على الساعة التي يقوم فيها لصلاته، فقال ابن بريدة: من حدّثك؟ فقال: حدثتني بنت عثمان بن أبي العاص، فقال: ثقة. وأخرج ابن سعد عن سعيد بن المسيَّب قال: كان عمر بن الخطاب يحب الصلاة في كبد الليل - يعن وسط الليل - كذا في الكنز. تهجد عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وأخرج أبو نُعيم في الحلية بسند جيد كما في الإصابة عن نافع عن

ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يحيى الليل صلاة ثم يقول: يا نافع أسْحَرْنا؟ فيقول: لا، فيعاود الصلاة ثم يقول: يا نافع أسْحَرْنا؟ فيقول: نعم، فيقعد ويستغفر ويدعو حتى يصبح. وأخرجه الطبراني مثله ورجاله رجال الصحيح غير أسد ابن موسى وهو ثقة. وأخرج أبو نعيم أيضاً عن محمد قال: كان ابن عمر كلما استيقظ من اليل صلى. وعنده أيضاً عن أبي غالب قال: كان ابن عمر ينزل علينا بمكة فكان يتهجَّد من اليل فقال لي ذات ليلة قبيل الصبح: يا أبا غالب ألا تقوم فتصلِّي؟ ولو تقرأ بثلث القرآن، فقلت: قد دنا الصبح فكيف أقرأ بثلث القرآن؟ فقال: إن سورة الإخلاص {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تعدل ثلث القرآن. تهجد ابنمسعود وسلم ان رضي الله عنهما وأخرج الطبراني عن علقمة بن قيس قال: بتَ مع عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ليلة، فقام أول اليل، ثم قام يصلي فكان يقرأ قراءة الإمام في مسجد حيِّه يرتل ولا يرجِّع يسمع من حوله ولا يرجِّع صوته، حتى لم يبق من الغَلَس إلا كما بين أذان المغرب إلى الانصراف منها، ثم أوتر. قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح - انتهى. وأخرج الطبراني عن طارق بن شهاب أنه بات عند سلمان رضي الله

عنه لينظر ما اجتهاده قال: فقام يصلِّي من آخر الليل، فكأنه لم يرَ الذي كان يظن، فذكر ذلك له فقال سلمان. حافظوا على هذه الصلوات الخمس؛ فإنهن كفارات لهذه الجراحات ما لم تُصَب المقتَلة، فإذا صلى الناس العشاء صدروا عن ثلاث منازل: منهم من عليه ولا له، ومنهم من له ولا عليه، ومنهم من لا له ولا عليه. فرجل اغتنم ظلمة الليل وغفلة الناس فركب رأسه في المعاصي فذلك عليه ولا له، ومن له ولا عليه فرجل اغتنم ظلمة اليل وغفلة الناس فقام يصلي فذلك له ولا عليه، ومن لا له ولا عليه فرجل صلى ثم نام فلا له ولا عليه. إياك والحقحقة، وعليك بالقصد ودوام. قال المنذري في ترغيبه: رواه الطبراني في اكبير موقوفاً بإسناد لا بأس به ورفعه جماعة. انتهى. اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالنوافل بين طلوع الشمس وزوالها حديث أم هانىء وعائشة في صلاته الضحى عليه السلام أخرج الشيخان عن أُم هانىء - فاختة بنت أبي طالب رضي الله عنها - قالت ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح فوجدته يغتسل، فلما فرغ من غسله صلَّى ثماني ركعات وذلك صحى. كذا في الرياض (ص424) . وأخرج مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي الضحى أربعاً ويزيد ما شاء الله. كذا في الرياض. حديث أنس وعبد الله بن أبي أوفى في صلاته عليه السلام الضحى وأخرج الطبراني في الأوسط عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى ست ركعات، فما تركتهن بعد. قال

الهيثمي: وفيه سعد بن مسلم الأموي ضعَّفه البخاري وابن معين وجماعة وذكره ابن حبان في الثقت وقال: يخطىء - اهـ. وهكذا أخرج الطبراني في الكبير والأوسط بإسناد حسن، كما قال الهيثمي عن أم هانىء أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الفتح فصلَّى الضحى ست ركعات. وأخجر البزّار عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه أنه صلَّى الضحى ركعتين فقالت له امرأته: إنما صليت ركعتين، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاها ركعتين حين بُشر بالفتح وحين بُشَّر برس أبي جهل. قال الهيثمي رواه البزّار والطبراني فيالكبير ببعضه وفيه شعثاء ولم أجد من وثَّقها ولا جَرَحها، وروى ابن ماجه الصلاة حين بُشِّر برأس أبي جهل فقط. انتهى ...

حديث ابن عباس عن أم هانىء في صلاته عليه السلام الضحى وأخرج الطبراني في الكبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت أمرُّ بهذه الآية فما أدري ما هي. قوله: {بِالْعَشِىّ وَالإشْرَاقِ} (سورة ص، الآية: 18) حتى حدثتني أم هانىء بنت أبي طالب رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها فدعا بوَضوء في جَفْنة كأني أنظر إلى أثر العجين فيها، فتوضأ ثم صلَّى الضحى ثم قال: «يا أم هانىء هذه صلاة الإشراق» . قال الهيثمي: وفيه حجّاج ابن نصير ضعفه ابن المدين وجماعة ووثَّقه ابن معين وابن حِبّان وهو في الصحيح بغير سياقه - انتهى. حثُّه عليه السلام على صلاة الضحى وتبيينه فضلها وأخرج أبو يعلى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بَعْثاً فأعظموا الغنيمة وأسرعوا الكَرَّة، فقال رجل: يا رسول الله ما رأينا بَعْثاً قط أسرع كرة ولا أعظم غنيمة من هذا البَعْث، فقال: «ألا أخبركم بأسرع كرّة منهم وأعظم غنيمة، رجل توضأ فأحسن الوضوء، ثم عمدَ إلى المسجد فصلَّى فيه الغاة، ثم عَقَّب بصلاة الضحوة، فقد أسرع الكرّة وأعظم الغنيمة» قال المنذري في الترغيب: رواه أبو يعلى - ورجال إسناده رجال الصحيح - والبزّار وابن حِبّان في صحيحه، وبيَّن البزّار في روايته أن الرجل أبو بكر رضي

الله عنه، وقد روى هذا الحديث الترمذي في الدَعَوات من جامعه من حديث عمر رضي الله عنه. انتهى. وأخرجه أيضاً أحمد من رواية ابن لَهِيعة والطبراني بإسناده جيد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. كما في الترغيب. صلاة علي وابن عباس وسعد الضحى وأخرج الطبراني في اجزء مَنْ اسمه عطاء عن عطاءٍ أبي محمد قال: رأيت علياً رضي الله عنه يصلِّي الضحى في المسجد. كذا في الكنز. وأخرج ابن جرير عن عكرمة قال: كان ابن عباس رضي الله عنهما يصلِّي الضحى يوماً ويدعها عشرة: كذا في الكنز. وأخرج ابن جرير عن عائشة بنت سعد قالت: كانت سعد رضي الله عنه يسبِّح سبحة الضحى ثمان ركعات. كذا في الكنز. الاهتمام بالنوافل بين الظهر والعصر أخرج الطبراني في الكبير عن الشِّعْبي قال: كان ابن مسعود رضي الله عنه لا يصلِّي الضحى ويصلي ما بين الظهر والعصر مع عقبة من اليل طويلة. قال الهيثمي: وفيه رجل لم يُسمَّ.

وأخرج أبو نعيم في الحلية عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يحيى بين الظهر إلى العصر. الاهتمام بالنوافل بين المغرب والعشاء صلاته عليه السلام بين المغرب والعشاء وصلاة عمار أيضا أخرج النِّسائي بإسناد جيد عن حذيفة رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فصلَّيت معه المغرب فصلَّى إلى العشاء. كذا في الترغيب. وأخرج الطبراني في الثلاثة عن محمد بن عمار بن ياسر قال: رأيت عمّار بن ياسر رضي الله عنهما يصلِّي بعد المغرب ست ركعات، وقال رأيت حبيب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي بعد المغرب ست ركعات، وقال: «من صلَّى بعد المغرب ست ركعات غفرت لهذنوبه وإن كانت مثلَ زبد البحر» . قال الطبراني: تفرّد به صالح بن قَطَن البخاري، وقال المنذري في ترغيبه: وصالح هذا لا يحضرني الآن فيه جرح ولا تعديل - اهـ. صلاة ابن مسعود وابن عباس بين المغرب والعشاء وأخرج الطبراني في الكبير عن عبد الرحمن بن يزيد قال: ساعة ما

أتيت عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فيها إلا وجدته يصلِّي؛ ما بين المغرب والعشاء، فسألت عبد الله فقلت: ساعة ما أتيتك فيها إلا وجدتك تصلِّي فيها، قال: إنها ساعة غَفْلة. قال الهيثمي: وفيه لَيْث بن أبي سُلَيم وفيه كلام. وعنده أيضاً عن الأسود بن يزيد قال قال عبد الله بن مسعود: نِعْم ساعة الغفلة - يعني الصلاة فيما بين المغرب والعشاء - قال الهيثمي: وفيه جابر الجُعْفي وفيه كلام كثير. وأخرج ابن زنجويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن الملائكة لتحفُّ بالذين يصلُّون بين المغرب والعشاء وهي صلاة الأوَّابين. كذا في الكنز. الاهتمام بالنوافل عند دخول المنزل والخروج منه أخرج ابن المبارك في الزهد بسند صحيح عن بعد الرحمن بن أبي ليلى قال: تزوَّج رجل امرأة عبد الله بن رواحة رضي الله عنه، فسألها عن صنيعه فقالت: كان إذا أراد أن يخرج من بيته صلَّى ركعتين، وإذا دخل بيته صلَّى ركعتين لا يدع ذلك. كذا في الإصابة. صلاة التراويح ترغيبه عليه السلام بصلاة التراويح أخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم

يرغِّب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة، فيقول: «من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه» . كذا في الرياض؛ وذكره في جمع الفوائد عن الستة وزاد: فتفوفي صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك في خلافة أبي بكر رضي الله عنه وصَدْراً من خلافة عمر رضي الله عنه. صلاة أبي بن كعب بالناس والتراويح في عهده عليه السلام وفي عهد عمر وأخرج أبو داود بإسناد ضعيف عن أبي هريرة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس في رمضان وهم يصلُّون في ناحية المسجد فقال: «ما هؤلاء» ؟ قيل له: هؤلاء ناس ليس معهم قرآن وأُبيّ بنكعب يصلِّي يهم وهم يصلُّون بصلاته، فقال: «أصابوا ونِعَّما صنعوا» . كذا في جمع الفوائد. وأخرج مالك والبخاري وابن خُزيْمة وغيرهم عن عبد الرحمن بن عبد القاريّ قال: خرجت مع عمر بنا لخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان إلى املسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلِّي الرجل لنفسه فيصلِّي بصلاته الرهط، فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارىء واحد لكان أمثل،

ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب. ثم خرجعت معه ليلة أخرى ولناس يصلُّون بصلاة قارئهم، قال عمر: نِعْمَتِ البدعة هذه والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون - يريد آخر الليل - وكان الناس يقومون أوله. كذا في الكنز وجمع الفوائد. وأخرج ابن سعد عن نوفل بن إياس الهذلي قال: كنا نقوم في عهد عمر بن الخطاب فِرَقاً في المسجد في رمضان ههنا وهننا، فاكن الناس يميلون إلى أحسنهم صوتاً فقال عمر: ألا أراهم قد اتخذوا القرآن أغانيَ؟ أما - والله - لئن استطعتُ لأغيرنَّ هذا، قال: فلم يمكث إلا ثلاث ليالٍ حتى أمر أُبيِّ بن كعب فصلَّى بهم، ثم قام في آخر الصفوف فقال: لئن كانت هذه بدعة لنعمت البدعة هي. تنوير عمر المساجد لتصلِّي فيها التراويح ودعاء علي له بذلك وأخرج ابن شاهين عن أبي إسحاق الهَمْداني قال: خرج علي بن أبي طالب رضي الله عنه في أول ليلة من رمضان والقناديل تزدهر وكتاب الله يتلى، فقال: نوَّر الله لك يا ابن الخطاب في قبرك كما نوَّرت مساجد الله تعالى بالقرآت. كذا في الكنز. وأخرج الخطيب في أماليه عن أبي إسحاق الهَمْداني وابن عساكر عن إسماعيل بنزياد بمعناه مختصراً. كما في منتخب الكنر. إمامة أُبيّ وتميم الداري وسليمان بن أبي حثمة بالناس في التراويح وأخرج الفِريابي والبيهقي عن عروة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه

جمع الناس على قيام شهر رمضان: الرجال على أُبيّ بن كعب رضي الله عنه، والنساء على سليمان بن أبي حثمة. كذا في الكنز. وأخرج ابن سعد: عن عمر بن عبد الله العَنْسي أن أُبيّ بن كعب وتميماً الداري رضي الله عنهما كانا يقومان في مقام النبي عليه السلام يصلِّيان بالرجال، وأن سليمان بن أبي حَثْمة كان يقوم بالنساء في رَحبة المسجد، فلما كان عثمان بن عفان رضي الله عنه جمع الرجال والنساء على قارىء واحد سليمان بن أبي حثمة، وكان يأمر النساء فيُحبَسن حتى يمضي الرجال ثم يُرْسَلن. وأخجر البيهقي عن عَرْفَجة قال: كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يأمر الناس بقيام شهر رمضان، ويجعل للرجال إماماً وللنساء إماماً، قال عرفجة: فكنت أنا إمام النساء. كذا في الكنز. صلاة أُبي بنسوته إماماً في التراويح في بيته وأخرج أبو يعلى عن جابر رضي الله عنهما قال: جاء البيّ ابن كعب رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنه كان مني الليلة شيء - يعني في رمضان - قال: «وما ذاك يا أُبي» ؟ قال: نسوة في داري قلن: إنَّا لا نقرأ القرآن فنصلِّي بصلاتك، قال: فصلَّيتُ بهن ثمان ركعات وأوترت، فكانت سنة الرضا ولم يقل شيئاً. قال الهيثمي: رواه أبو يَعحلى والطبراني بنحوه في الأوسط وإسناده حسن.

صلاة التوبة أخرج ابن خزيمة في صحيحه عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال: أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فدعا بلالاً رضي الله عنه فقال: «يا بلال بم سبقتني إلى الجنة؟ إني دخلت الجنة البارحة فسمعت خشخشتك أمامي» فقال: يا رسول الله ما أذنبت قط إلا صلتي ركعتين، وما أصابني حَدَث قط إلا توضأت عندها وصليت ركعتين. كذا في الترغيب. صلاة الحاجة صلاة أنس رضي الله عنه من أجل الحاجة وانقضاء حاجته أخرج ابن سعد عن ثُمامة بن عبد الله قال: جاء أنساً رضي الله عنه أكّار بستانِه في الصيف، فضكى العطش، فدعا بماء فتوضأ وصلَّى، ثم قال: هل ترى شيئاً؟ فقال: ما أرى شيئاً، قال: فدخل فصلَّى ثم قال في الثالثة - أو في الرابعة -: انظر، قال: أرى مثل جناح الطير من السحاب، قال: فجعل يصلِّي ويدعو حتى دخل عليه القيِّم فقال: قد استوت السماء ومطرت، فقال: اركب الفرس الذي بعث به بِشْر بن شَغاف فانظرأين بلغ المطر؟ قال: فركبه فنظر، قال: فإذا المطر لم يجاوز قصور المسيَّرين ولا قصر الغضبان. صلاته عليه السلام من أجل شفاء علي، وشفاء علي بذلك وأخرج ابن أبي عاصم وابنجرير - وصححه - والطبراني في الأوسط وابن

شاهين في السنة عن علي رضي الله عنه قال: وجعت وجعاً فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأقامني في مكانه وقام يصلِّي وألقى عليَّ طرف ثوبه، ثم قال: «برئت يا ابن أبي طالب فلا بأس عليك، ما سألت الله لي شيئاً إلا سألت لك مثله، ولا سألت الله شيئاً إلا أعطانيه غير أنه قيل لي: إنه لا نبي بعدك» (فقمت) فكأني ما اشتكيت. كذا في المنتخب. استجابة دعاء الصحابي أبي معلق حين أراد لص قتله وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب مُجَابي الدعوة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكنى أبا معلق، وكان تاجراً يتَّجر بمال له ولغيره، وكان له نُسُك وورع، فخرج مرة فلقيه لصٌّ مقنَّع في السلاح، فقال: ضَعْ متاعك فإني فاتلك، قال: شأنك بالمال، قال: لست أريد إلا دمك، قال: فَذَرْني أصلِّ، قال: صلِّ ما بدا لك. فتوضأ ثم صلَّى فكان من دعائه: يا ودود يا ذا العرش المجيد، يا فعالاً لما يريد، أسألك بعزَّتك التي لا تُرام، وملكك الذي لا يُضام، وبنورك الذي ملأ أركان عرشك أن تكفيني شر هذا اللص، يا مغيث أغثني. قالها ثلاثاً؛ فإذا هو بفارس بيده حربة رافعها بين أذني رأسه، فطعن اللصَّ فقتله، ثم أقبل على التاجر، فقال: من أنت؟ فقد أغاثني الله بك، قال: إني مَلَك من أهل السماء الرابعة؛ لما دعوتَ سمعتُ لأبواب السماء قعقعة، ثم دعوت ثانياً فسمعتُ لأهل السماء ضجّة، ثم دعوتَ ثالثاً فقيل: دعاء مكروب، فسألتُ الله أن يولِّيني قَتْله، ثم قال: أبشر واعلم أنه من توضأ وصلَّى أربع ركعات ودعا بهذا الدعاء استجيب له مكروباً كان أو غير مكروب؛ وأخرجه أبو موسى في كتاب الوظائف بتمامه، كذا في الإصابة. استجابة دعاء الصحابي أبي معلق حين أراد لص قتله وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب مُجَابي الدعوة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكنى أبا معلق، وكان تاجراً يتَّجر بمال له ولغيره، وكان له نُسُك وورع، فخرج مرة فلقيه لصٌّ مقنَّع في السلاح، فقال: ضَعْ متاعك فإني فاتلك، قال: شأنك بالمال، قال: لست أريد إلا دمك، قال: فَذَرْني أصلِّ، قال: صلِّ ما بدا لك. فتوضأ ثم صلَّى فكان من دعائه: يا ودود يا ذا العرش المجيد، يا فعالاً لما يريد، أسألك بعزَّتك التي لا تُرام، وملكك الذي لا يُضام، وبنورك الذي ملأ أركان عرشك أن تكفيني شر هذا اللص، يا مغيث أغثني. قالها ثلاثاً؛ فإذا هو بفارس بيده حربة رافعها بين أذني رأسه، فطعن اللصَّ فقتله، ثم أقبل على التاجر، فقال: من أنت؟ فقد أغاثني الله بك، قال: إني مَلَك من أهل السماء الرابعة؛ لما دعوتَ سمعتُ لأبواب السماء قعقعة، ثم دعوت ثانياً فسمعتُ لأهل السماء ضجّة، ثم دعوتَ ثالثاً فقيل: دعاء مكروب، فسألتُ الله أن يولِّيني قَتْله، ثم قال: أبشر واعلم أنه من توضأ وصلَّى أربع ركعات ودعا بهذا الدعاء استجيب له مكروباً كان أو غير مكروب؛ وأخرجه أبو موسى في كتاب الوظائف بتمامه، كذا في الإصابة.

§1/1