حياة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وآثاره العلمية (مطبوع ضمن بحوث ندوة دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، الجزء الأول)

الأنصاري، إسماعيل

مجدد القرن الثاني عشر

حياة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وآثاره العلمية لفضيلة الشيخ: إسماعيل محمد الأنصاري بالرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والافتاء والدعوة والأرشاد بالمملكة العربية السعودية بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.. وبعد: فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها"1 رواه أبو داود في الملاحم من سننه، والحاكم في الفتن من مستدركه وصححه، ورواه البيهقي في معرفة السنن له، كلهم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم. والمراد بتجديد الدين إحياء ما اندرس من العمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإماتة ما ظهر من البدع. وقد اخترنا أن يكون موضوع بحثنا هذا أحد أولئك المجددين الذين أشار إليهم هذا الحديث الشريف، وهو شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب2 الذي بزغ به في القرن الثاني عشر قمر التجديد، وانتصرت به راية التوحيد، فنقول وبالله التوفيق، وهو حسبي ونعم الوكيل. مجدد القرن الثاني عشر هو محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي بن محمد بن أحمد بن راشد بن بريد بن

_ 1 أبو داود: الملاحم (4291) . 2 نقل العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن الإمام محمد بن عبد الوهاب عن ابن غنام أن أكابر عصره شهدوا له بأنه من جملة المجددين لما جاء به سيد المرسلين، وأن فضلاء أهل مصر والشام والعراق والحرمين تواتر عنهم الشهادة له بأنه مجدد الدين. أفاد ذلك في مصباح الظلام ص37.

محمد بن بريد بن مشرف1 التميمي، نسبة إلى تميم الذي قال الصحابي الجليل أبو هريرةرضي الله عنه في بنيه "ما زلت أحب بني تميم منذ ثلاث سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيهم: "هم أشد أمتي على الدجال"2، قال: وجاءت صدقاتهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذه صدقات قومنا" 3. وكانت سبية منهم عند عائشة فقال: "اعتقيها فإنها من ولد إسماعيل". رواه البخارى في باب من ملك من العرب رقيقا فوهب وباع ... إلخ من صحيحه جـ 5 من شرح فتح الباري.

_ 1 روضة الأفكار والأفهام ج1 ص2. 2 البخاري: العتق (2543) , ومسلم: فضائل الصحابة (2525) , وأحمد (2/390) . 3 البخاري: العتق (2543) , ومسلم: فضائل الصحابة (2525) , وأحمد (2/390) .

ولادته ونشأته

ولادته ونشأته ولد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب سنة خمس عشرة بعد المائة والألف من الهجرة النبوية، في بيت أضاف إلى شرف النسب شرف العلم؛ فإن والده عبد الوهاب كان عالما ذا معرفة تامة بالحديث والفقه وغيرهما، قاضيا، وله أسئلة وأجوبة. ذكر ابن بشر في "عنوان المجد في تاريخ نجد" أنه اطلع عليها واستفاد منها. وسليمان والد عبد الوهاب كان فقيه زمانه متبحرا في علوم المذهب، قد انتهت إليه الرياسة في العلم، وكان علماء نجد في زمانه يرجعون إليه في كل مشكلة من الفقه وغيره، ذكر ذلك في صـ72 وقال بعد ذكره "رأيت له سؤالات عديدة وجوابات كثيرة وصنف كتابا في المناسك" وذكر أنه - أي سليمان - كان معاصرا للبهوتي الحنبلي، وأنه اجتمع به بمكة المكرمة. وذكر العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن في ترجمته للإمام محمد بن عبد الوهاب نفس ما ذكره ابن بشر، قال "ووالده - أي: الإمام محمد بن عبد الوهاب - هو مفتي تلك البلاد، وجده مفتي البلاد، وآثاره وتصانيفه وفتاواه تدل على علمه وفقهه، وكان جده إليه المرجع في الفقه والفتوى، وكان معاصرا للشيخ منصور البهوتي الحنبلي خادم المذهب، اجتمع به بمكة"4. وهكذا كان أعمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأبناء أعمامه علماء أجلاء، كما اتصل

_ 4 مجموعة الرسائل والمسائل النجدية ج2 ص379 - طبعة مطبعة المنار.

العلم في ذرية الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب.. نسأل الله أن يستمر ذلك فيهم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وما ذلك على الله بعزيز.

مشايخ الإمام محمد بن عبد الوهاب

مشايخ الإمام محمد بن عبد الوهاب تلقى الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - العلم عن مشايخ كثيرين كما نص عليه غير واحد من أئمة العلم. قال العلامة الشيخ حسين بن غنام في الفصل الثاني من "روضة الأفكار والأفهام"1. "وأخذ-أي: الشيخ محمد بن عبد الوهاب - في القراءة على والده في الفقه على مذهب الإمام أحمد، فسلك فيه الطريق الأحمدي، ورزق مع الحفظ سرعة الكتابة، فكان يحير أصحابه بحيث أنه يخط بالخط الفصيح في المجلس الواحد كراسا من غير سآمة ولا تعب ولا التباس. ثم بعد ذلك رحل في العلم وسار وجد في الطلب إلى ما يليه من الأمصار وما يحاذيه من الأقطار، فزاحم فيه العلماء الكبار، وأشرق طالعه واستنار، وثار لهلاله أقمار، فوطئ الحجاز والبصرة لذلك مرارا، وأتى الأحساء لتلك الأوطار، وأخذ العلم عن جماعة، منهم: الشيخ عبد الله بن إبراهيم النجدي ثم المدني ... إلى أن قال: "وقد سمع - أي: الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله - الحديث والفقه عن جماعة بالبصرة كثيرة، وقرأ بها النحو وأتقن تحريره، وكتب الكثير من اللغة والحديث في تلك الإقامة، وحث على طريق الهدى والاستقامة، وكان أكثر لبثه لأخذ العلم بالبصرة ومقامه" ا. هـ. وإلى ما ذكره ابن غنام هنا يشير العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب بقوله في "مصباح الظلام" صـ8: "وقد عرف طلب الشيخ للعلم ورحلته في تحصيله، كما ذكره صاحب التاريخ الشيخ حسين بن غنام الأحسائي"2.

_ 1 ج1 ص26 ط مطبعة مصطفي البابى الحلبي وأولاده بمصر. 2 ج1 ص27.

وقال الشيخ عبد اللطيف في "مصباح الظلام"1. "وقد اجتمع - أي: الإمام محمد بن عبد الوهاب - بأشياخ الحرمين في وقته ومحدثيهما، وأجازه بعضهم، ورحل إلى البصرة، وسمع وناظر، وإلى الأحساء وهي إذ ذاك آهلة بالعلماء، فسمع من أشياخها وباحث في أصول الدين ومقالات الناس في الإيمان وغيره، وسمع عن والده وعن فقهاء نجد في وقته، واشتهر عندهم بالعلم والذكاء، وعرف به على صغر سنه". وقال في موضع آخر من هذا المصدر "مصباح الظلام"2: اشتهرت رحلة شيخنا - رحمه الله - وسماعه للعلوم، واجتماعه بأعيان وقته، وقد أخذ الفقه عن أبيه عن جده سليمان بن علي - مفتي الديار النجدية في وقته - وسنده المتصل بأئمة المذهب إلى الإمام أحمد معروف مقرر عندهم، وسمع الحديث من أشياخ الحرمين في وقته، وأجازه الكثير منهم، ومن أعلامهم محدث الحرمين الشيخ محمد حياة السندي، وكان له أكبر الأثر في توجيهه إلى إخلاص توحيد عبادة الله والتخلص من رق التقليد الأعمى، والاشتغال بالكتاب والسنة. ورحل إلى البصرة وسمع من أشياخها، ورحل إلى الأحساء ; وهي إذ ذاك آهلة بالعلماء، فسمع منهم وأخذ عنهم وعرف قدرة أهل العلم والنهى" ا. هـ. وقال العلامة الشيخ عبد اللطيف - أيضا - في ذلك في ترجمته للإمام محمد بن عبد الوهاب بعد أن ذكر قراءته الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل على والده قال3 - "ثم بعد ذلك رحل - أي: الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب - يطلب العلم، وذاق حلاوة التحصيل والفهم، وزاحم العلماء الكبار، ورحل إلى البصرة والحجاز مرارا، واجتمع بمن فيها من العلماء والمشايخ الأخيار، وأتى الأحساء وهي إذ ذاك آهلة بالمشايخ والعلماء، فسمع وناظر، وبحث واستفاد، وساعدته الأقدار الربانية والتوفيق والإمداد. وروي عن جماعة منهم: الشيخ عبد الله بن إبراهيم النجدي ثم المدني، وأجازه من طريقين، وأول ما سمع منه الحديث المسلسل بالأولوية " قال الشيخ عبد اللطيف:

_ 1 ص9. 2 مصباح الظلام ص139,140. 3 في ترجمة الشيخ عبد اللطيف للإمام محمد بن عبد الوهاب. وهي في مجموعة الرسائل والمسائل النجدية ص 380.

وطالت إقامة الشيخ ورحلته بالبصرة، وقرأ بها كثيرا من كتب الحديث والفقه والعربية، وكتب من الحديث والفقه واللغة ما شاء الله في تلك الأوقات" ا. هـ. وقال ابن بدران في "المدخل إلى فقه الإمام أحمد بن حنبل" "أجاز - أي: الإمام محمد بن عبد الوهاب - محدثو العصر بكتب الحديث وغيرها على اصطلاح أهل الحديث من المتأخرين" ا. هـ. هذا بعض ما ذكر أهل العلم في عناية الإمام محمد بن عبد الوهاب بالعلم وكثرة مشايخه فيه. وعلى سبيل المثال لا الحصر أذكر من مشايخه من يلي: 1 - والده الشيخ عبد الوهاب - مفتي نجد - أخذ عنه الفقه بعد أن حفظ القرآن عن ظهر غيب، قال حفيده العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب: "أخذ - أي: محمد بن عبد الوهاب - الفقه عن أبيه عن جده سليمان بن علي - مفتي الديار النجدية في وقته - وسنده المتصل بأئمة المذهب إلى الإمام أحمد معروف مقرر عندهم"1. 2- الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن سيف النجدي المدني، ذكر صاحب "التوضيح عن توحيد الخلاق" أنه قرأ عليه وأجازه بكل ما حواه ثبت الشيخ عبد الباقي أبي المواهب الحنبلي قراءة وتعليما من صحيح البخاري بسنده إلى مؤلفه، وصحيح مسلم بسنده إلى مؤلفه، وشروح كل منهما، وسنن الترمذي بسنده، وسنن أبي داود بسنده، وسنن ابن ماجة بسنده، وسنن النسائي الكبرى بسنده، وسنن الدارمي ومؤلفاته بالسند، وسلسلة العربية بسندها عن أبي الأسود عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكتب النووي كلها، وألفية العراقي، والترغيب والترهيب للمنذري، والخلاصة لابن مالك، وسيرة ابن هشام وسائر كتبه، ومؤلفات ابن حجر العسقلاني، وكتب القاضي عياض، وكتب القراءات، وكتاب الغنية لعبد القادر الجيلي، وكتاب القاموس بالسند إلى مؤلفه، ومسند الإمام الشافعي، وموطأ مالك، ومسند الإمام الأعظم، ومسند الإمام أحمد، ومسند أبي داود - أي: الطيالسي - ومعاجم الطبراني، وكتب السيوطي، وفقه الحنابلة وسلسلته وأصولهم".

_ 1 مصباح الظلام في الرد على من كذب على الشيخ الإمام ونسبته إلى تكفير أهل الإيمان والإسلام ص139.

وما تلقاه الإمام محمد بن عبد الوهاب عن الشيخ عبد الله بن ابراهيم بن سيف النجدي بالحديث المسلسل بالأولية والحديث المسلسل بالحنابلة. قال ابن غنام في روضة الأفكار والأفهام جـ 1 صـ 26 في بيان روايته عنه الحديث الأول "نقلت من خطه - أي الشيخ محمد بن عبد الوهاب - ما نصه: "حدثني الشيخ عبد الله بن إبراهيم بمنزله بظاهر المدينة المنورة - على ساكنها أفضل الصلاة والسلام - عن شيخ الإسلام ومفتي الشام أبي المواهب الحنبلي إجازة قال: أخبرنا والدي تقي الدين عبد الباقي الحنبلي، وهو أول حديث سمعته منه قال: أخبرنا به المعمر الشيخ عبد الرحمن البهوتي الحنبلي، وهو أول حديث سمعته قال: أخبرنا به شيخنا جمال الدين يوسف الأنصاري الخزرجي، وهو أول حديث سمعته منه قال: أخبرنا به والدي شيخ الإسلام زكريا الأنصاري، وهو أول حديث سمعته منه قال: أخبرنا به شيخ الإسلام أبو الفضل أحمد بن حجر العسقلاني، وهو أول حديث سمعته منه قال: أخبرنا الصلاح محمد بن محمد الحكري الصوفي الخازن، وهو أول حديث سمعته منه قال: أخبرنا الحافظ زين الدين عبد الرحيم العراقي، وهو أول حديث سمعته منه قال: أخبرنا به الصدر أبو الفتح ... وهو أول حديث سمعته منه قال: أخبرنا به الحافظ أبو الفرج عبد اللطيف بن عبد المنعم الحراني، وهو أول حديث سمعته منه قال: أخبرنا به الحافظ أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، وهو أول حديث سمعته منه قال: أخبرنا به الحافظ إسماعيل بن أبي صالح النيسابوري، وهو أول حديث سمعته منه قال: أخبرنا به والدي أبو صالح المؤذن، وهو أول حديث سمعته منه قال: أخبرنا به أبو طاهر محمد بن محمد1 الزيادي، وهو أول حديث سمعته منه قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن يحيى بن بلال البزاز، وهو أول حديث سمعته منه قال: أخبرنا عبد الرحمن بن بشر بن الحكم النيسابوري، وهو أول حديث سمعته منه قال: أخبرنا سفيان بن عيينة، وهو أول حديث سمعته منه عن عمرو بن دينار، عن أبي قابوس مولى عبد الله بن عمرو بن العاص عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" 2 تفرد به سفيان ولا يصح سنده عمن هو فوق سفيان3 ا. هـ.

_ 1 ابن محمش بفتح الميم وسكون المهملة وكسر الميم الثانية آخره شين معجمة. 2 الترمذي: البر والصلة (1924) , وأبو داود: الأدب (4941) . 3 روضة الأفكار والأفهام ج1 ص26,27, وقد صححنا من الأثبات ما يحتاج إلى التصحيح.

وإلى ما أوضحه ابن غنام أشار الشيخ العلامة عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب بقوله في ترجمة الإمام محمد بن عبد الوهاب "روى عن جماعة منهم: الشيخ عبد الله بن إبراهيم النجدي ثم المدني وأجازه من طريقين. وأول ما سمع منه الحديث المسلسل بالأولية كتب السماع بالسند المتصل إلى عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم1 من في السماء". وأما الحديث المسلسل فيقول ابن غنام في روضة الأفكار والأفهام جـ 1 صـ 27 "قال الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله -: حدثني الشيخ عبد الله بن إبراهيم الحنبلي بمنزله بظاهر المدينة المنورة عن شيخ الإسلام ومفتي الشام أبي المواهب بن تقي الدين عبد الباقي الحنبلي إجازة عن والده تقي الدين المذكور قال: أخبرنا الشيخ عبد الرحمن البهوتي الحنبلي قال: أخبرنا الشيخ تقي الدين بن النجار الفتوحي الحنبلي صاحب "منتهى الإرادات" أخبرنا والدي شهاب الدين أحمد - قاضي القضاة الحنبلي - قال: أخبرنا به بدر الدين الصفدي القاهري والحنبلي قال: أخبرنا عز الدين أبو البركات الحنبلي قال: أخبرنا أبو علي حنبل بن عبد الله الرصافي الحنبلي قال: أخبرنا أبو القاسم هبة الله الحنبلي قال: أخبرنا أبو الحسن بن علي الحنبلي قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر الحنبلي قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن الإمام أحمد الحنبلي قال: حدثني أبي أحمد بن محمد بن حنبل إمام كل حنبلي عن ابن أبي عدي عن حميد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أراد الله بعبده خيرا استعمله، قالوا: كيف يستعمله؟ قال: يوفقه لعمل صالح قبل موته" 2 هذا حديث عظيم قد وقع ثلاثيا للإمام

_ 1 قال العلامة المحدث الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله الحنبلي الدمشقي ثم الحلبي المتوفي سنة 1192هـ في "منار الإسعاد" ص301 الرواية في "يرحمكم" بالرفع, كما نبه عليه شيخ مشايخنا الشيخ عبد الباقي - رحمه الله - في الكواكب السائرة له، فقد ذكر في ترجمة شيخه العلامة أبي الثناء محمد البيلوني الحلبي أنه لما أسمعه هذا الحديث المذكور أملاه عليه برفع "يرحمكم" على أنه جملة دعائية، وقال له: هكذا أملاه علينا شيخنا البرهان بن العماد الحلبي، وأفاد أن الرواية في "يرحمكم" بالرفع؛ لكونها جملة دعائية وليست بالجزم على إنها جواب الأمر. انتهى. ولا يمتنع الجزم عربية" ا. هـ. 2 الترمذي: القدر (2142) , وأحمد (3/106 ,3/120) .

أحمد1 " وإلى هذا المسلسل بفقهاء الحنابلة أشار العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن الإمام محمد بن عبد الوهاب بقوله في ترجمة جده الإمام "سمع منه - أي: من عبد الله بن إبراهيم النجدي - مسلسل الحنابلة بسنده إلى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أراد الله بعبده خيرا استعمله، قالوا: كيف يستعمله؟ قال: يوفقه لعمل صالح قبل موته" 2 وهذا الحديث من ثلاثيات أحمد" ا. هـ. هذا - وهناك طريقان آخران أجاز بهما الشيخ عبد الله بن إبراهيم النجدي شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب كما ذكره ابن غنام في "روضة الأفكار والأفهام" وأوضحه صاحب التوضيح، إحداهما - عن ابن نصر الله عن الشيخ محمد البلباني عن الشيخ أحمد بن علي الوفائي المصلحي عن الشيخ موسى الحجاوي عن القاضي برهان الدين بن مفلح عن والده نجم الدين بن مفلح عن والده القاضي صاحب الفروع عن جده عبد الله بن مفلح عن الشيخ تقي الدين أحمد ابن تيمية عن شمس الدين أبي عمر عن عمه موفق الدين بن قدامة عن الشيخ عبد القادر عن القاضي أبي يعلى المرداوي عن ابن حامد عن أبي بكر الخلال عن أبي بكر المرُّوذي عن الإمام أحمد بن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي صلى الله عليه وسلم. 2- عن عبد القادر التغلبي عن عبد الباقي أبي المواهب المحدث عن الشيخ أحمد الوفائي عن موسى الحجاوي عن أحمد الشوبكي عن العسكري عن عبد الرحمن بن رجب3 عن ابن القيم عن تقي الدين أحمد ابن تيمية عن شمس الدين نجل أبي عمر عن عمه موفق الدين عن الشيخ عبد القادر الجيلاني عن أبي الوفاء بن عقيل عن

_ 1 روضة الأفكار والأفهام ج1 ص27. 2 الترمذي: القدر (2142) , وأحمد (3/106 ,3/120) . 3 كذا في "التوضيح" ووقع في كتاب "علماء نجد خلال ستة قرون" لفضيلة الشيخ البسام ج3 ص844 ما نصه "عن أحمد العكسري عن علي بن سليمان المرداوي عن ابن خندس عن ابن اللحام عن الحافظ بن رجب" ا. هـ وهذا هو الصواب الموافق لما ورد في إجازة الشيخ عبد الستار بن عبد الوهاب الدهلوي المكي للعلامة الشيخ عبد الله بن سليمان بن بليهد المسطورة في مقدمة كتاب "الأحكام السلطانية" للإمام أبي يعلى.

القاضي أبي يعلى عن ابن حامد عن أبي بكر الخلال عن أبي بكر المرُّوذي1 عن الأثرم عن الإمام أحمد عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم" اهـ. 3- من مشايخ الإمام محمد بن عبد الوهاب الإمام المحدث محمد حياة السندي2 ذكر ذلك غير واحد منهم حفيده وتلميذه العلامة الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب، والشيخ عثمان بن بشر. قال الشيخ عبد الرحمن في الرسالة التي أجاب بها من سأله عمن روى عنهم من المشايخ بعد أن ذكر ما تلقاه عن جده محمد بن عبد الوهاب "سنده - أي: محمد بن عبد الوهاب رحمه الله - معروف، تلقاه عن عدة من علماء المدينة وغيرهم رواية خاصة وعامة منهم: محمد حياة السندي، والشيخ عبد الله بن إبراهيم الفَرَضي الحنبلي" وقال الشيخ عثمان بن بشر في "عنوان المجد في تاريخ نجد" صـ 36 في ترجمة محمد حياة السندي "أخذ العلم عن جماعة منهم: الشيخ عبد الله بن سالم البصري، صاحب الإمداد في علوم الإسناد، وأخذ عنه جماعة أجلهم شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب - قدس الله روحه- والشيخ علاء الدين السوري وغيرهما" اهـ وقد بين العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن في "مصباح الظلام" ما للشيخ محمد حياة السندي من أكبر الأثر على الإمام محمد بن عبد الوهاب حيث قال صـ 39 "كان له- أي الشيخ محمد حياة السندي - أكبر الأثر في توجيهه - أي: الشيخ محمد بن عبد الوهاب - إلى إخلاص توحيد عبادة الله، والتخلص من رق التقليد الأعمى والاشتغال بالكتاب والسنة" ا. هـ.

_ 1 كذا في التوضيح، وفي بعض الأثبات "عن أبي بكر غلام الخلال عن أبي بكر أحمد بن محمد بن هارون الخلال عن أبي بكر المروزي عن الإمام أحمد بن حنبل". 2 كان له اليد الطولي في معرفة الحديث وأهله ومحبته، وصنف فيه مصنفا سماه "تحفة الأنام" في العمل بحديث النبي عليه أفضل الصلاة والسلام, وله مصنفات غيرها، رأيت له مصنفا عجيبا شرحا على الأربعين النووية سماه "تحفة المبين شرح الأربعين" ا. هـ. ذكر ذلك ابن بشر في "عنوان المجد" ج1 ص34. وقال الكتاني في "فهارس الفهارس" ج1 ص244 "له شرح على الترغيب والترهيب في مجلدين، وشرح على الأربعين النووية، ومختصر الزواجر، والأربعين حديثا من جمع الملا علي القاري، والإيقاف على سبب الاختلاف، وتحفة الأنام في العمل بحديث النبي عليه الصلاة والسلام" ا. هـ.

4- الشيخ محمد المجموعي صاحب البصرة، وهو عالم جليل أقام الإمام محمد بن عبد الوهاب يقرأ عليه. قال ابن بشر في عنوان المجد في تاريخ نجد جـ 1 صـ 16 في خروج الإمام محمد بن عبد الوهاب من نجد إلى البصرة يريد الشام قال: "فلما وصلها - أي: البصرة - جلس يقرأ فيها عند عالم جليل من أهل المجموعة - قرية من قرى البصرة - في مدرسة فيها، ذكر لي أن اسمه محمد المجموعي، فأقام مدة يقرأ عليه فيها، وينكر أشياء من الشركيات والبدع، وأعلن الإنكار، واستحسن شيخه قوله، وقرر له التوحيد، وانتفع به" ا. هـ. 5- الشيخ على أفندي الداغستاني، حينما اجتمع بالإمام محمد بن عبد الوهاب في المدينة المنورة وأجازه، ذكر ذلك صاحب التوضيح عن توحيد الخلاق1. وذكر أنه أجاز الإمام محمد بن عبد الوهاب بكل ما حواه ثبت الشيخ أبي المواهب الحنبلي قراءة وتعلما وتعليما مما تقدم ذكره في إجازة الشيخ عبد الله بن ابراهيم بن سيف النجدي للإمام محمد بن عبد الوهاب، وممن عد الشيخ علي أفندي الداغستاني من مشايخ الإمام محمد بن عبد الوهاب الشيخ ابن بدران في "المدخل إلى فقه الإمام أحمد بن حنبل" قال صـ23 "وأخذ - أي: الشيخ محمد بن عبد الوهاب - عن الشيخ علي أفندي الداغستاني، وعن المحدث الشيخ إسماعيل العجلوني وغيرهما من العلماء" اهـ. وذكر - أيضا - الكتاني في "فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات" فقد صرح بأن الشيخ محمد بن عبد الوهاب أخذ عن طبقة كبار تلاميذ البصري وتلاميذ تلاميذه كعلي الداغستاني ومحمد العفالقي" وذكره - أيضا - الشيخ محمد حامد الفقي في كتابه "تاريخ الدعوة الوهابية في الإصلاح الديني والعمراني في جزيرة العرب وغيرها" والشيخ عبد الرحمن بن قاسم في جزء التراجم من "الدرر السنية" الطبعة الأولى.

_ 1 وعلى هذا هو علي أفندي بن صادق بن محمد بن إبراهيم الداغستاني أخذ عن الشيخ محمود بن عبد الله الأنطاكي عن الشيخ محمد بن علي الكاملي عن الشيخ خير الدين الرملي، وأخذ الشيخ علي أفندي - أيضا - عن الشيخ عبد الكريم الآمدي والشيخ أيوب الداغستاني، ثم رحل إلى الحجاز، وجاور مدة وأخذ عن الشيخ محمد حياة السندي عن الشيخ عبد الله البصري, وتوفي عام 1199. ذكر ذلك كله صاحب تقريب المراد في رفع الإسناد ص122.

6- عبد اللطيف العفالقي الأحسائي، أجاز الإمام محمد بن عبد الوهاب بكل ما حواه ثبت الشيخ عبد الباقي أبي المواهب الحنبلي قراءة وتعلما وتعليما، ذكر ذلك صاحب "التوضيح عن توحيد الخلاق" وممن ذكر إجازة العفالقي للإمام محمد بن عبد الوهاب الشيخ محمد حامد الفقي في كتابه "في أثر دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب". 7- الشيخ إسماعيل العجلوني، ذكر ذلك العلامة ابن بدران في "المدخل إلى فقه الإمام أحمد بن حنبل" والشيخ عبد الرحمن بن قاسم في جزء التراجم من "الدرر السنية" والشيخ محمد حامد الفقي في كتابه في أثر دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب. 8- الشيخ عبد الله بن سالم البصري، فقد جاء في "حصر الشارد" من أسانيد الشيخ محمد عابد في كتاب المحب الطبري "القرى لقاصد أم القرى" رواه الشيخ عبد الله ابن محمد بن عبد الوهاب عن أبيه - الشيخ محمد بن عبد الوهاب - عن البصري. ذكر ذلك العلامة الشيخ عبد الحي الكتاني الفاسي في "فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات". وتعقبه بقوله "ما ذكره - أي: صاحب حصر الشارد" من أن محمد بن عبد الوهاب أخذ عن البصري فيه عندي نظر، فإن المعروف في تاريخ الوهابية أن محمد بن عبد الوهاب ولد عام 1111 هـ ومات سنة 1207 هـ، وهو الذي في الخلاصة الدحلانية ; فإذا إنما عاصر البصري بنحو العشرين سنة؛ لأن وفاة البصري كانت سنة 1134 هـ، وعلى ما في التوضيح لحفيده سليمان أن ولادته كانت سنة 1110هـ، وكذا في الحطة لصديق حسن، فعلى هذا يستبعد أخذه عنه وهو بمكة وابن عبد الوهاب في نجد. والمعروف أن ابن عبد الوهاب إنما أخذ عن طبقة كبار تلاميذ البصري وتلاميذ تلاميذه، كعلي الداغستاني ومحمد العفالقي. وفي الحطة أنه أخذ عن عبد الله بن إبراهيم النجدي تلميذ الشيخ أبي المواهب الحنبلي، وانظر كتب أولاده كالتوضيح لسليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب وغيره، والله أعلم، ولو صح أخذ محمد بن عبد الوهاب عن البصري لكان آخر تلاميذه في الدنيا، مع أن آخرهم موتا فيما نحفظ الشمس محمد بن عبد الله المغربي، مات قبله سنة 1201هـ كما سبق في الأضداد للبصري" هذا ما تعقب به الكتاني ما في حصر الشارد، وفيه عندي نظر من وجوه؛ أولها أن المعروف في تاريخ دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب أو ولادة الإمام محمد بن عبد الوهاب كانت سنة 1115هـ لا عام 1111هـ.

الثاني: أن ما عزاه إلى "التوضيح" و "الحطة" غير صحيح. فقد جاء في "التوضيح" ما نصه: "ولد: أي: الشيخ محمد بن عبد الوهاب سنة 1115 هـ، وجاء في الخطة أنه سنة خمسة عشر بعد المائة والألف. وأما الخلاصة الدحلانية وغيرها من كتابات مؤلفها عن الإمام محمد بن عبد الوهاب فلا اعتبار بها؛ لكراهته لدعوته وبغضه له، بل لو فرضنا أن الأمر بخلاف ذلك لا ينبغي للكتاني أن يقلد من أخطأ في خطئه. فقد قال المؤرخ: الإغراق في التقليد الأعمى إلى اتباع الأوهام الساقطة التي تدل على أن الناقل أو الناسخ كان لا يتأمل ما يقرأ ويجري به قلمه ولله عاقبة الأمور" اهـ. الثالث: أن الإمام محمد بن عبد الوهاب قد حج في السنة الثانية عشرة من عمره، وكان الشيخ عبد الله بن سالم البصري إذ ذاك لم يزل حيا؛ لأنه لم يتوف إلا عام 1130هـ. فلا يستبعد اتصاله ما دام الأمر كذلك. 9- الشيخ صبغة الله الحيدري. ذكر ذلك الشيخ محمود شكرى الألوسي في تاريخ نجد: "يقال إنه - أي: الإمام محمد بن عبد الوهاب - قدم بغداد وأخذ عن صبغة الحيدري"1.

_ 1 وصفه الشيخ أمين حسن الحلواني المدني في "مختصر مطالع السود بأخبار آل داود ص27 أنه عالم علامة، ثم قال: فممن أخذ عنه العلامة زين الدين الهكاري والعلامة محمد بن شروين والفاضل أحمد المحلي والجهبذ شيخ الكردوي الإسنوي ثم المدني, والشيخ عبد الملك العصامي في الحديث النبوي، وهو أخذ عنه - أيضا - بحق سماع عبد الملك من والده عن العلامة ابن حجر المكي، وذكر أنه توفي عام 1190هـ.

من ثناء أهل العلم على الإمام محمد بن عبد الوهاب

من ثناء أهل العلم على الإمام محمد بن عبد الوهاب حظي شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب من ثناء أهل العلم عليه بالشيء الوفير ; وعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر منهم من يلي: - 1- والده الشيخ عبد الوهاب، كان يتوسم فيه الخير ويحدث بذلك ويبديه ويؤمل بذلك ويرجوه، ويعترف بالاستفادة منه على صغر سنه. قال سليمان أخو الإمام محمد بن عبد الوهاب - كان عبد الوهاب أبوه - أي: محمد - يتعجب من فهمه وإدراكه قبل بلوغه، ويقول: لقد استفدت من ولدي محمد فوائد من الأحكام، أو قريبا من هذا الكلام، وذكر ذلك العلامة ابن غنام في "روضة الأفكار والأفهام" جـ1 صـ25. 2- العلامة الأمير محمد بن إسماعيل الصنعاني1 أنشد فيه قصيدة أثنى عليه فيها بقيامه بالتوحيد وبإلزامه من تحت يده إقامة شعائر الإسلام. بين في تلك القصيدة ما عليه أكثر الناس في زمان الشيخ محمد بن عبد الوهاب من التبرك بالأشجار والأحجار والقبور وغير ذلك من أنواع الانحراف. يقول الصنعاني في تلك القصيدة: سلامي على نجد ومن حل في نجد ... وإن كان تسليمي على البعد لا يجدي لقد صدرت من سفح صنعا سقي الحيا ... رباها وحياها بقهقهة الرعد سرت من أثير ينشد الريح أن سرت ... ألا ياصبا نجد متى هجت من نجد

_ 1وقد أثنى عليه ابن غنام في روضة الأفكار والأفهام بقوله ج1 ص19 كان مشهورا بالعلم والفهم. ا. هـ.

يذكرني مسراك نجدا وأهله ... لقد زادني مسراك وجدا على وجد قفي واسألي عن عالم حل سوحها ... به يهتدي من ضل عن منهج الرشد محمد الهادي لسنة أحمد ... فيا حبذا الهادي ويا حبذا المهدى لقد أنكرت كل الطوائف قوله ... بلا صدر في الحق منهم ولا ورد وما كل قول بالقبول مقابل ... ولا كل قول واجب الطرد والرد سوى ما أتى عن ربنا ورسوله ... فذلك قول جل قدرا عن الرد وأما أقاويل الرجال فإنها ... تدور على قدر الأدلة في النقد وقد جاءت الأخبار عنه بأنه ... يعيد لنا الشرع الشريف بما يبدي وينشر جهرا ما طوى كل جاهل ... مبتدع منه فوافق ما عندي ويعمر أركان الشريعة هادما ... مشاهد ضل الناس فيها عن الرشد أعادوا بها معنى سواع ومثله ... يغوث وود بئس ذلك من ود وقد هتفوا عند الشدائد باسمها ... كما يهتف المضطر بالصمد الفرد وكم عقروا في سوحها من عقيدة ... أهلت لغير الله جهرا على عمد وكم طائف حول القبور مقبل ... ومستلم الأركان منهي باليد إلى أن قال: فقد سرني ما جاءني من طريقه ... وكنت أرى هذه الطريقة لي وحدي 1 وفي بيان حالة الأقطار وقت ظهور الشيخ محمد بن عبد الوهاب يقول الصنعاني في قصيدة له أخرى:

_ 1 وردت هذه القصيدة بكمالها في ديوان الصنعاني ص122-132، وأشار إليها شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في "مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد" بقوله: "الأمر كما قال الصنعاني في قصيدته" أقاويل لا تعزى إلى عالم فلا تساوي فلسا إن رجعت إلى النقد. وذكر الصنعاني في "تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد" منها أربعة أبيات تبتدئ بقوله: أعادوا بها معنى سواع, وتنتهي بقوله: ويستلم الأركان منهي بالأيدي وعبر الصنعاني عما ذكره منها بالأبيات النجدية وكرها ابن غنام في روضة الأفكار والأفهام ج1 ص46-49 ووصفها بأنها بديعة في معناها فائقة أترابها رونقا وحسنا.

أسائل من دار الأراضي سياحة ... عسى بلدة فيها هدى وصواب فيخبر كل عن قبائح ما رأى ... وليس لأهليها يكون متاب لأنهم عدوا قبائح فعلهم ... محاسن يرجى عندهن ثواب 3- العلامة محمد بن علي الشوكاني صاحب نيل الأوطار وغيره من الكتب المهمة، ذكره في ترجمة غالب بن مساعد أمير مكة من كتابه "البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع" وقال في جـ 12 "وفي سنة 1215 وصل من صاحب نجد المذكور أي: عبد العزيز بن سعود مجلدان لطيفان أرسل بهما إلى حضرة حولان الإمام حفظه الله، أحدهما يشتمل على رسائل لمحمد بن عبد الوهاب كلها في الإرشاد إلى إخلاص التوحيد والتنفير من الشرك الذي يفعله المعتقدون في القبور، وهي رسائل جيدة مشحونة بأدلة الكتاب والسنة. والمجلد الآخر يتضمن الرد على جماعة من المقصرين من سفهاء صنعاء وصعدة ذكروه في مسائل متعلقة بأصول الدين وبجماعة من الصحابة، فأجاب عليهم جوابات محررة مقررة محققة تدل على أن المجيب من العلماء المحققين العارفين بالكتاب والسنة. وقد هدم عليهم جميع ما بنوه وأبطل جميع ما دونوه؛ لأنهم مقصرون متعصبون، فصار ما فعلوه خزيا عليهم وعلى أهل صنعاء وصعدة، وهكذا من تصدر ولم يعرف مقدار نفسه، وأرسل صاحب نجد مع الكتابين المذكورين بمكاتبة منه إلى سيدي المولى الإمام فدفع حفظه الله جميع ذلك، فأجبت عن كتابه الذي كتب إلى مولانا الإمام حفظه الله على لسانه بما معناه: أن الجماعة الذين أرسلوا إليه بالمذكرة لا ندري من هم، وكلامهم يدل على أنهم جهال، والأصل والجواب موجودان في مجموعين" اهـ. وذكر الشوكاني في ترجمة الإمام سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود من "البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع" جـ1 صـ262. ذكر ما قام به الإمام محمد بن عبد الوهاب من الدعوة إلى توحيد الله عز وجل والإنكار على المعتقدين في الأموات، وما قام به الإمام محمد بن سعود من إجابته ونصره ومجاهرة من خالف دعوته دعوة التوحيد، وقيام الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود مقامه، وقيام الإمام سعود بن عبد العزيز مقام عبد العزيز من بعده، وما لذلك في بلاد اليمن من الآثار العظيمة، فقال: "وصل إليه - أي: إلى محمد بن سعود - الشيخ العلامة محمد بن عبد الوهاب

الداعي إلى التوحيد المنكر على المعتقدين في الأموات، فأجابه وقام بنصره وما زال يجاهد من يخالفه. وكانت تلك البلاد قد غلبت عليها أمور الجاهلية وصار الإسلام فيها غريبا، ثم مات محمد بن سعود وقد دخل في الدين بعض البلاد النجدية، وقام ولده عبد العزيز مقامه، فافتتح جميع الديار النجدية والبلاد المقدسة والبلاد العارضية والحسا والقطيف، وجاوزها إلى فتح كثير من البلاد الحجازية، ثم استولى على الطائف ومكة والمدينة وغالب جزيرة العرب، وغالب هذه الفتوح على يد ولده سعود، ثم قام بعده ولده سعود فتكاثرت جنوده واتسعت فتوحه ووصلت جنوده إلى اليمن، فافتتحوا بلاد أبي عريش وما يتصل بها، ثم تابعهم الشريف حمود بن محمد شريف أبي عريش، وأمدوه بالجنود ففتح البلاد التهامية كاللحية والحديدة وبيت الفقيه وزبيد وما يتصل بهذه البلاد، وما زال الوافدون من سعود يفدون إلينا إلى صنعاء إلى حضرة الإمام المنصور وإلى حضرة ولده الإمام المتوكل، فكتب إليهما بالدعوة إلى التوحيد، وهدم القبور المشيدة والقباب المرتفعة، ويكتب إلي - أيضا - مع ما يصل من الكتب إلى الإمامين، ثم وقع الهدم للقباب والقبور المشيدة في صنعاء، وفي كثير من الأمكنة المجاورة لها، وفي جهة ذمار وما يتصل بها" ا. هـ. 4- الشيخ العلامة محمد بن أحمد بن عبد القادر الحفظي1 قال في الثناء عليه والإشادة بدعوته: الحمد حقا مستحقا أبدا ... لله رب العالمين أبدا مصليا على الرسول الشارع ... وآله وصحبه والتابعي في البدء والختم وأما بعد ... فهذه منظومة تعد

_ 1 وصفه الشيخ محمد بن محمد بن يحيى بن زبارة الحسني اليماني الصنعاني في كتابه "نيل الوطر في رجال اليمن في القرن الثالث عشر" بأنه الشيخ العلامة البارع في الفنون وقال: كان سريع البادرة حسن المحاضرة مع تواضع ودماثة أخلاق واشتغال بما يقربه من الأخلاق وكان المرجع لأهل جهته بعد وفاته قال: "ولما ظهرت الدعوة النجدية - يعني دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب - بالبلاد التهامية كان ممن مال إليها وحث الناس على إجابتها وكتب إلى حاكم المخلاف السليماني أبي عريش القاضي عبد الرحمن البهكلي وسائر علماء المخلاف قصيدة في ذلك أولها:"هاج الشجى وهاج شوق* المبتلي وبدت صبابات الغرام الأول" وذكر أن له مؤلفات في النحو وغيره ومات بقرية رجار من عسير في سنة 1237هـ.

حركني لنظمها الخير الذي ... قد جاءنا في آخر العصر القذي لما دعا الداعي من المشارق ... بأمر رب العالمين الخالق وبعث الله لنا مجددا ... من أرض نجد عالما مجتهدا شيخ الهدى محمد المحمدي ... الحنبلي الأثري الأحمدي فقام والشرك الصريح قد سرى ... بين الورى وقد طغى واعتكرا لا يعرفون الدين والتهليلا ... وطرق الإسلام والسبيلا إلا أساميها وباقي الرسم ... والأرض لا تخلو من أهل العلم وكل حزب فله وليجة ... يدعونه في الضيق للتفريجة وملة الإسلام والأحكام ... في غربة وأهلها أيتام دعا إلى الله وبالتهليلة ... يصرخ بين أظهر القبيلة مستضعفا وما له من ناصر ... ولا له مساعد موازر في زلة وقلة وفي يده ... مهفة تغنيه عن مهذه كأنها ريح الصبا في الرعب ... والحق يعلو بجنود العرب قد أذكرتني درة لعمر ... وضرب موسى العصا بالحجر ولم يزل يدعو إلى دين النبي ... ليس إلى نفس دعا أو مذهب يعلم الناس معاني أشهد ... أن لا إله غير فرد يعبد محمد نبيه وعبده ... رسوله إليكم وقصده أن تعبدوه وحده لا تشركوا ... شيئا به والابتداع فاتركوا ومن دعا دون الإله أحدا ... أشرك بالله ولو محمدا إن قلتم نعبدهم للقربة ... أو للشفاعة فتلك الكذبة فربنا يقول في كتابه ... هذا هو الشرك بلا تشابه هذه معاني دعوة الشيخ لمن ... عاصره فاستكبروا عن السنن فانقسم الناس فمنهم شارد ... مخاصم محارب معاند ما بين خفاش وبين جعل ... شاهت وجوه أهل هذا المثل وبعدما استجيب لله فمن ... حاد في الله تردى وافتتن

ذكر هذه الأبيات الشيخ سليمان بن سحمان في كتابه "الصواعق المرسلة الشهابية على الشبه الداحضة الشامية" صـ72، وأضاف الحفظي إلى ذلك ما صرح به في "اللجام المكين والزمام المتين" حيث قال: ولقد كتبت إلى بعض علماء اليمن وقضاتها منظومة قلتها في ذلك - أي في الدفاع عن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب. والحق أولى أن يجاب وإنما ... لم أدر ما حيلولة المتحيل إن كان ظنا أن ذاك مخالف ... فهو البري من الخلاف المبطل بل قام يدعو الناس للتوحيد ... والتجريد والتغريد للرب العلي ويذب عن شرع النبي محمد ... ويذم من يدعو النبي أو الولي أو كان ظنا أن فيه غلاظة ... وفظاظة وشكامة لم تجمل فأقول حاشا أن فيه ليونة ... وهيونة للمقبل المستقبل وإذا رأيت مفاسدا من بعضهم ... فالشيخ عن ذاك الفساد بمعزل ومما وفق فيه العلامة الحفظي مكاتبة أئمة الدعوة في كل مناسبة تقتضي ذلك. فقد كتب إليهم يسأل عن مسألة الضيافة هل هي واجبة أم لا؟ وعن طلب الإمام وعماله الزكاة من الأموال للباطنة هل يجوز له أم لا؟ وعن حكم العمل بصريح الحديث وظاهره إذا وجده المرء الأمهات الست أو ما التزم مخرجه فيه الصحة والحسن. هل للإنسان العمل به والاعتماد عليه وإن لم يبحث عنه هل هو منسوخ أم لا؟ وهل عارضه أقوى منه؟ وفي خطاب الحفظي المتضمن لتلك الأسئلة تصريحه بأنه على ما عليه الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب من إخلاص الدعاء لله وترك عبادة ما سواه وأنه لا يرضى بالإشراك والتخلف عن التوحيد ولو قدر فواق، فأجابه الشيخان الجليلان حسين وعبد الله ابنا الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب عن تلك الأسئلة بجواب سجل تحت عنوان "المسائل الحفظية" في الجزء الرابع من مجموعة الرسائل والمسائل النجدية ط مطبعة المنار صـ54- 549. وكتب الحفظي - أيضا - إلى أئمة الدعوة يسأل عن ضبط كلمة الإخلاص ومعناها وحقيقتها وحكمها ولازمها وفائدتها ومقتضاها ونواقضها ومتمماتها، فأجاب عن ذلك

السؤال العلامة سعيد بن حجي الحنبلي النجدي بجواب طويل جدا ورد في الجزء الرابع من مجموعة الرسائل والمسائل النجدية صـ840- 874. وكتب مسألة أخرى يسأل فيها عن مسائل أوردها عليه بعض المجادلين في الدعوة وسمى تلك الرسالة "اللجام المكين والزمام المتين" فأجاب عنها الشيخ حمد بن ناصر بن عثمان بن معمر الحنبلي بجواب جيد في مجموعة الرسائل والمسائل النجدية جـ4 صـ582- 659. وللحفظي ألفية ما زالت مخطوطة نظم فيها خمسة كتب للإمام محمد بن عبد الوهاب هي: تفسير كلمة التوحيد والخصال الثماني وكتاب التوحيد والثلاثة الأصول وكشف الشبهات. وله في التوحيد رسالة قيمة سماها "درجات الصاعدين إلى مقامات الموحدين" أثنى فيها على الإمام محمد بن عبد الوهاب وعلى أنصار دعوته أئمة آل سعود حق الثناء، قال فيها صـ43 "فمن حين ظهرت هذه الدعوة النجدية إلى توحيد الإلهية وجردت عليها السيوف فمن ردها وأباها فالكلام عليه واللوم متوجه إليه، وهي الآن بحمد الله قد غارت وطارت. والقرآن العظيم أكبر حجة على من بلغه، والمسائل الواضحة التي يشترك في معرفتها الخاص والعام، مثل توحيد الله بالعبادة وأنه لا شريك له فيها، يدل عليها القرآن دلالة صريحة معقولة للتالي والسامع مع هداية العقل إلى ذلك ودلالته عليه، وفهم الحجة غير بلوغها. وللعلماء أقوال في هذا المجال. وقد نص القرآن العظيم على ذم قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعا".. قال "كالدعوة إلى التوحيد". هذا أمر مستفيض وشيء مشهور على علم التوحيد أنه فرض لازم. وعلى الشرك أنه حرام محض، ولكنها حصلت غلطات شنيعة وعادات فظيعة وأعمال كفرية وأقوال شركية وردة صريحة وأفعال قبيحة تتابع فيها كثير من الناس، وقلد بعضهم بعضا إلا قليلا من الأكياس، وكادت تنطمس آثار مباني الشريعة، وتنهدم معانيها المنيعة، وما أوتي الناس إلا من قبل الولايات. وهل أفسد الدين إلا أولئك وأحبار سوء ورهبانها. حتى بزغ قمر التجديد وطلعت شمس التوحيد بدعوة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب أسكنه الله جنة المآب، فنور الظلام وأجلى الله به الغمام، وبين سبل السلام إلى بلوغ المرام، وألف

المؤلفات في التوحيد بجميع العبادات مع إقامة الحجج القاطعة والإنصاف التام في المناظرة والمراجة، فعاد قارح الإسلام به جذعا، ورجع دارس الأحكام به متبعا، وكان رحمه الله سنيا أثريا متبعا، وأجاب دعوته وآوى غربته السعيد المسعود محمد بن سعود على قلة من الأعوان وابتكار لهذا الشأن، ثم وازره بجهوده وبطوقه وعارضه حتى استوى على سوقه الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود. 5- الشيخ محمود شكري الألوسي قال في تاريخ نجد صـ114 (كان - أي: الإمام محمد بن عبد الوهاب - شديد التعصب للسنة كثير الإنكار على من خالف الحق من العلماء، والحاصل أنه - أي: الإمام محمد بن عبد الوهاب - من العلماء الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر، وكان يعلم الناس الصلاة وأحكامها وسائر أركان الدين ويأمر بالجماعات، وقد جد في تعليم الناس وحثهم على الطاعة وأمرهم بتعلم أصول الدين وشرائطه وأحكام الصلاة وأركانها وواجباتها وسننها وسائر أحكام الدين وأمر جميع أهل البلاد بالمذاكرة في المساجد كل يوم بعد صلاة الصبح وبعد العشاءين في معرفة الله تعالى ومعرفة دينه الإسلام ومعرفة أركانه وما ورد عليه من أدلة، ومعرفة النبي صلى الله عليه وسلم ونسبه ومبعثه وهجرته، وأول ما دعا إليه من كلمة التوحيد وسائر العبادات التي لا تنبغي إلا لله؛ كالدعاء والذبح والنذر والخوف والرجاء والخشية والرغبة والتوكل والإنابة وغير ذلك، فلم يبق أحد من عوام أهل نجد جاهلا بأحكام دين الإسلام، بل كلهم تعلموا ذلك إلى اليوم بعد أن كانوا جاهلين بها إلا الخواص منهم. وانتفع الناس به من هذه الجهة الحميدة" ا. هـ. وقال الألوسي في هذا الكتاب في موضع آخر "وقد قرر - أي: الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله تعالى - على شهادة أن محمدا رسول الله من بيان ما تستلزمه هذه الشهادة وتستوعبه وتقتضيه من تجريد المتابعة، والقيام بالحقوق النبوية من الحب والتوقير والنصرة والمتابعة والطاعة وتقديم سنته صلى الله عليه وسلم على كل سنة وقول، والوقوف معها حيثما وقفت والانتهاء حيث انتهت في أصول الدين وفروعه، باطنه وظاهره وخفيه وجليه كليه وجزئيه ما ظهر به فضله وتأكد علمه ونبله، وأنه سباق غايات وصاحب آيات لا يشق غباره ولا تدرى في البحث والإفادة آثاره وأن أعداءه ومنازعيه

وخصومه في الفضل وشانئيه يصدق عليهم المثل السائر بين أهل المحابر والدفاتر. حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه ... فالناس أعداء له وخصوم كضرائر الحسناء قلن لوجهها ... حسدا وبغيا إنه لدميم 6- العلامة الشيخ عبد القادر بن أحمد بن مصطفى، المعروف بابن بدران الدمشقي، وصف الإمام محمد بن عبد الوهاب في كتابه "المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل" صـ229؛ بأنه العالم الأثري والإمام الكبير قال: "ولما امتلأ وطابه من الآثار وعلم السنة وبرع في مذهب أحمد، أخذ ينصر الحق ويحارب البدع ويقاوم ما أدخله الجاهلون في هذا الدين الحنفي والشريعة السمحاء، وأعانه قوم وأخلصوا العبادة لله وحده على طريقته التي هي إقامة التوحيد الخالص والدعوة إليه وإخلاص الوحدانية والعبادة كلها بسائر أنواعها لخالق الخلق وحده، وهب إلى معارضة أقوام ألفوا الجمود على ما كان عليه الآباء وتدرعوا بالكسل عن طلب الحق، وهم لا يزالون إلى اليوم يضربون على ذلك الوتر، وجنود الحق تكافحهم فلا تبقي منهم ولا تذر، وما أحقهم بقول القائل: كناطح صخرة يوما ليوهنها ... فلم يضرها وأعيا1 قرنه الوعل ولم يزل مثابرا على الدعوة إلى دين الله حتى توفاه الله تعالى سنة ست ومائتين وألف.

_ 1 وفي بعض النسخ (وأوهى) .

تلامذة الشيخ محمد بن عبد الوهاب

تلامذة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ... تلامذة الإمام محمد بن عبد الوهاب تلقى العلم عن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب عدة من العلماء الأجلاء نذكر منهم من يلي: 1- سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود، أقام مدة سنتين يقرأ على الإمام محمد بن عبد الوهاب، ثم كان يلازم مجالس الدرس عنده، ولهذا الإمام معرفة بالفقه والحديث وغير ذلك، وكان كما وصفه بعض العمانيين حيث قال: إذا جزت باب السيف تلقاه فارسا ... وإن جزت باب الخوف تلقاه خائفا وإن جزت باب الدين تلقى ديانة ... وإن جزت باب العلم تلقاه عالما وإن جزت باب السلم تلقى مسالما ... وإن جزت باب الحكم تلقاه حاكما ولهذا الإمام ترجمة حاسمة في عنوان المجد. 2- حسين بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب القاضي في بلد الدرعية. قال ابن بشر في "عنوان المجد في تاريخ نجد" جـ1 صـ151 "له مجالس عديدة في الفقه والتفسير وغير ذلك وانتفع أناس كثيرون بعلمه" ووصفه بأنه العلامة المفيد مفتي فرق أهل التوحيد. 3- علي بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب. وهو عالم جليل ورع شديد الخوف من الله عز وجل، يضرب به المثل في الورع والديانة، وله معرفة تامة بالفقه والتفسير وغير ذلك، وقد عرض عليه القضاء فأبى. 4- عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب القاضي في الدرعية زمن سعود، وكان آية في العلم وفي معرفته ومعرفة فنونه.

5- إبراهيم بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب. وهو عالم فاضل أدركه ابن بشر وقرأ عليه "كتاب التوحيد" للإمام محمد بن عبد الوهاب، وقال في عنوان المجد في تاريخ نجد صـ103 "وأما إبراهيم بن الشيخ فرأيت عنده حلقة في التدريس، له معرفة في العلم، ولكنه لم يل القضاء. قرأت عليه في صغري في كتاب التوحيد سنة أربع وعشرين ومائتين وألف ". 6- حفيد الشيخ محمد بن عبد الوهاب1 الإمام القاضي عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب. ذكر تلمذته على جده في رسالته التي أجاب بها السؤال عن مشايخه الذين روى عنهم العلم قال: "اعلم أني قرأت على شيخنا الإمام المجدد شيخ الإسلام - أي: محمد بن عبد الوهاب -

_ 1 لهذا الإمام ترجمة طنانة في "عنوان المجد في تاريخ نجد", لابن بشر ج2 كان مما ورد فيها ص25 ما نصه: "قد كان منتبها فطنا لدسائس أهل البدع، كتبت له مرة ودعوت له في آخر الكتاب وقلت في ختام الدعاء "أنه على ما يشاء قدير" فكتب إلي وقال في أثناء جوابه: إن هذه الكلمة اشتهرت على الألسن من غير قصد وهي قول الكثير إذا سأل الله تعالى قال: "وهو القادر على ما يشاء" وهذه الكلمة يقصد بها أهل البدع شرا, وكل ما في القرآن (وهو على كل شيء قدير) وليس في القرآن والسنة ما يخالف ذلك أصلا لأن القدرة شاملة كاملة, وهي والعلم صفتان شاملتان يتعلقان بالموجودات والمعدومات، وإنما قصد أهل البدع بقولهم: "وهو القادر على ما يشاء" أي أن القدرة لا تتعلق إلا بما تعلقت به المشيئة" ا. هـ. قال: وكتبت إليه مرة أهنئه بقدوم ابنه الشيخ عبد اللطيف من مصر وتوسلت إلى الله في دعائي بصفاته الكاملة التي لا يعلمها إلا هو، فكتب إلي فقال: "وقد ذكرت وفقك الله في وسيلة دعوتك - جزاك الله عني أحسن الجزاء عن تلك الدعوات - قلت: وأتوسل إليك بصفاتك الكاملة التي لا يعلمها إلا أنت: فاعلم أيها الأريب الأديب أن الذي لا يعلمه إلا هو كيفية الصفة, وأما الصفة فيعلمها أهل العلم بالله كما قال الإمام مالك "الاستواء معلوم والكيف مجهول" ففرق هذا الإمام بين ما يعلم من معنى الصفة على ما يليق بالله فيقال: استواء لا يشبه استواء المخلوق ومعناه ثابت لله كما وصف به نفسه. وأما الكيف فلا يعلمه إلا الله. فتنبه لمثل هذا، فالإمام مالك تكلم بلسان السلف، فانظر إلى سعة علومه واطلاعه" ا. هـ.

رحمه الله - كتاب التوحيد من أوله إلى أبواب السحر وجملة من آداب المشي إلى الصلاة، وحضرت عليه مجالس كثيرة في البخاري والتفسير وكتب الأحكام بقراءة شيخنا الشيخ ابنه عبد الله رحمهما الله، وشيخنا الشيخ ابنه علي - رحمهما الله - في سورة البقرة من تفسير ابن كثير وفي كتاب منتقى الأحكام بقراءة الشيخ عبد الله بن ناصر وغيرهم وسنده - أي: الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله - معروف تلقاه عن عدة من علماء المدينة وغيرهم رواية خاصة وعامة، منهم محمد حياة السندي والشيخ عبد الله بن إبراهيم الفرضي" ا. هـ. 7- العلامة الجليل القاضي حمد بن ناصر بن عثمان بن معمر. قال ابن بشر في "عنوان المجد" جـ1 صـ159 "أخذ العلم عن عدة مشايخ أعلام، أجلهم الشيخ محمد بن عبد الوهاب". ثم ذكر ابن بشر في ترجمته أنه صنف ودرس وأفتى. 8- قاضي ناحية الوشم عبد العزيز بن عبد الله الحصين الناصري1، وهو عالم عامل زاهد ورع حليم ليس للدنيا عنده قدر. أقام عند الشيخ محمد بن عبد الوهاب عدة سنين يقرأ عليه، وكان الشيخ يكرمه، وهو الذي استعمله قاضيا في تلك الناحية - ذكر ذلك ابن بشر في "عنوان المجد" جـ1 صـ236. 9- الشيخ العالم الزاهد سعيد بن حجر قاضي حوطة بني تميم في ناحية الجنوب زمن عبد العزيز وابنه سعود. قال ابن بشر جـ1 صـ172 "أخذ العلم عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وأخذ عنه عدة من ناحيتهم".

_ 1 وكان عبد العزيز هذا موضع الثقة عند الشيخ محمد بن عبد الوهاب والإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود يتبين ذلك في قضيتين ذكرهما ابن غنام في "روضة الأفكار والأفهام" الأولى: أنه في السنة الخامسة والثاني بعد المائة والألف أرسله الشيخ محمد بن عبد الوهاب والإمام عبد العزيز إلى والي مكة الشريف أحمد بن سعيد إجابة لطلب الشريف منهما أن يرسلا إليه فقيها وعالما يبين لهم حقيقة ما يدعون إليه من الدين, ويحضر عند علماء مكة فأرسلاه إليه وكتبا معه إلى الشريف رسالة. فلما وصل إليهم عبد العزيز الحصين نزل على الشريف الملقب بالقعر واجتمع هو وبعض علماء مكة عنده وهم: يحيى بن صالح الحنفي, وعبد الوهاب بن حسن التركي مفتي السلطان, وعبد الغني بن هلال، وتفاوضوا في ثلاث مسائل: الأولى: ما نسب إلى الشيخ من التكفير بالعموم, والثانية: هدم القباب على القبور, والثالثة: إنكار دعاء الصالحين فيما لا يقدر عليه إلا الله فذكر لهم الشيخ عبد العزيز أن نسبة التكفير بالعموم إلى الشيخ زور، وأقنعهم بأن هدم القباب على القبور هو الصواب وبأن دعاء غير الله عز وجل فيما لا يقدر عليه إلا الله من الشرك الذي فعله الأوائل, وأطلعهم على عبارة الإقناع في ذلك. الثانية: من القضيتين أنه في السنة الرابعة بعد المائتين والألف أرسل الشريف غالب بن مساعد أمير مكة إلى الإمام عبد العزيز كتابا يطلب فيه منه إنسانا عارفا من أهل الدين يبين لهم حقيقة الأمر، فأرسل إليه عبد العزيز الحصين، وكتب معه الشيخ محمد بن عبد الوهاب رسالة بين فيها دعوته ومقاله.

10- قاضي مرات الشيخ حمد بن إبراهيم بن حمد بن عبد الوهاب بن عبد الله، قال ابن بشر في "عنوان المجد" جـ1 صـ83 "قرأ على الشيخ محمد - أي: ابن عبد الوهاب - وتزوج ابنته وسكن الدرعية عنده". 11- قاضي الدلم وناحية الخرج محمد بن سويلم. 12- عبد الرحمن بن خميس إمام قصر آل سعود في الدرعية والقاضي زمن عبد العزيز وابنه سعود. 13- الشيخ عبد الرحمن بن ناصر، كان قاضي بلد العيينة ثم كان قاضيا في الأحساء زمن سعود وابنه عبد الله. 14- الشيخ محمد بن سلطان العوسجي قاضي المحمل والأحساء. 15- الشيخ عبد الرحمن بن عبد المحسن أبو حسين قاضي حريملاء وبلد الزلفى وغيرهما. 16- الشيخ حسين بن عبد الله بن عيدان القاضي في حريملاء زمن عبد العزيز. 17- الشيخ عبد العزيز بن سويلم. قاضي ناحية القصيم زمن عبد العزيز وابنه سعود، وابنه عبد الله. 18- حمد بن راشد العويني قاضي سدير زمن عبد العزيز. 19- الشيخ العلامة حسين بن غنام صاحب "روضة الأفكار والأفهام" وصفه ابن بشر في "عنوان المجد" جـ1 صـ156 بقوله: "كانت له اليد الطولى في معرفة العلم وفنونه، وله معرفة بالشعر والنثر. صنف مصنفات منها: "العقد الثمين في شرح أحاديث أصول الدين" ذكر ذلك في وفيات السنة الخامسة والعشرين بعد المائتين والألف. هذا قليل من كثير ممن أخذوا العلم عن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله تعالى - فقد قال ابن بشر بعد ذكر من سردناهم قبل من القضاة جـ1 صـ104 قال:

"أخذ عنه من القضاة من لا يحضرني الآن عَدُّهُ عدد كثير، وأخذ عنه ممن لم يل القضاء من الرؤساء والأعيان ومن دونهم الغفير" ا. هـ.

مصنفات الإمام محمد بن عبد الوهاب

مصنفات الإمام محمد بن عبد الوهاب صنف الإمام محمد بن عبد الوهاب مصنفات كثيرة نافعة منها: 1- كتاب التوحيد فيما يجب من حق الله على العبيد. 2- كتاب الإيمان. 3- أصول الإيمان. 4- فضائل الإسلام. 5- فضائل القرآن. 6- السيرة المختصرة. 7- السيرة المطولة. 8- مختصر الصواعق. 9- مختصر العقل والنقل. 10- مختصر منهاج السنة. 11- مختصر فتح الباري. 12- مختصر الهدي النبوي. 13- مجموع الحديث المرتب على أبواب الفقه. 14- مختصر الشرح الكبير والإنصاف. 15- كشف الشبهات. 16- آداب المشي إلى الصلاة. 17- الاستنباط.

18- مسائل الجاهلية. 19- كتاب الكبائر. 20- مفيد المستفيد في حكم تارك التوحيد. وللإمام محمد بن عبد الوهاب مصنفات عديدة غير ما سميناه. فقد قال الإمام ابن غنام في "روضة الأفكار والأفهام"1بعد أن ذكر من مصنفاته "كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد" و "كتاب الكبائر" و "كشف الشبهات" و "كتاب السيرة المطولة" و "كتاب السيرة المختصرة" و "مختصر الهدي النبوي" و "مجموع الحديث المرتب على أبواب الفقه" و "مختصر الشرح الكبير والإنصاف " قال: "وله رسائل كثيرة عقدنا للمختصرات منها فصلا واستوعبنا ما وقفنا عليه منها"2وذكر ابن بشر في "عنوان المجد" جـ1 صـ 102 من مصنفات الإمام محمد بن عبد الوهاب "كتاب التوحيد" و "الاستنباط" و "كشف الشبهات" و "كتاب الكبائر ومسائل الجاهلية" و "مختصر الشرح الكبير والإنصاف" و "آداب المشي إلى الصلاة" وقال في كلامه على تلك المصنفات - أي: مصنفات الشيخ "وصنف غير ذلك عدة نسخ وأوراق وفتاوى ومراسلات فقهية وأصولية أكثرها في أصول التوحيد، وذكر أنه رأى مجلدات عديدة من مراسلات الإمام محمد بن عبد الوهاب وفتاويه ونبذ وضعها لأهل الآفاق كلها في أصول الإسلام" ا. هـ. هذا - وقد بذلت جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية مجهودا كبيرا في جمع مؤلفات محمد بن عبد الوهاب مطبوعها ومخطوطها لإظهارها من طريق الطبع بالمظهر اللائق بمكانتها. فبحثت عنها في نجد وفي غيرها من مختلف الأقطار فحصلت منها الشيء الكثير، ثم قدمت الجميع إلى من ترى فيه من العلماء الكفاءة للقيام بالواجب نحوه، وذلك بأن يتولى البعض ترتيب تلك المصنفات حسب فنونها، ويتولى البعض الآخر ما يتطلبه

_ 1 ج1 ص50. 2 وذلك في الفصل الثالث في سد بعض رسائل أرسلها إلى بعض البلدان وإلى بعض خواص الإخوان.

الطبع من المقابلة والتصحيح والتعليق والإشراف بالدقة والتحري على ما يطبع، فبذل أولئك العلماء مجهودهم في أداء تلك المهمة التي تستهدف الجامعة من ورائها إطلاع القراء على علم الإمام محمد بن عبد الوهاب، وعلى دعوته كما هي بأوثق طريق وأبعده عن كل تزييف أو تشويه أو ادعاء باطل، فنجحت في ذلك جزاها الله عن الإمام محمد بن عبد الوهاب وعن دعوته خير الجزاء.

دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب الى ما عليه السلف الصالح

دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب إلى ما عليه السلف الصالح يتضح من مصنفات الإمام محمد بن عبد الوهاب مجدد القرن الثاني عشر وتقاريره ومراسلاته أن دعوته ما كانت إلا إلى ما عليه الأمر في عهد السلف الصالح. يتضح ذلك بما يلي: 1- في باب صفات الله تعالى وأسمائه دعا إلى وجوب الإيمان بما في كتاب الله تعالى من ذلك، وبما في الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل. 2- في توحيد الألوهية دعا إلى ما تضمنته شهادة أن لا إله إلا الله من نفي استحقاق العبادة بجميع أنواعها عمن سوى الله تعالى وإثبات العبادة لله عز وجل على وجه الكمال المنافي لكليات الشرك وجزئياته معتمداً في ذلك على نصوص كتاب الله عز وجل وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوضح في بحوثه أن ما يفسر به بعض المتكلمين شهادة أن لا إله إلا الله وهو أنه لا قادر على كل شيء ومفتقر إليه كل ما عداه إلا الله، ليس معنى الشهادة المقصود بالوضع وإن كان لازم المعنى ; إذ الإله الحق لا يكون إلا قادرا غنيا عما سواه، وصرح بأنه لخفاء هذا على من خفي عليه زعم أن الغاية المقصودة من هذه الشهادة "لا إله إلا الله" مجرد توحيد الربوبية. 3- فيما يتعلق بالرسل عليهم السلام يوجب الإيمان بهم وبما جاءوا به من عند الله ويدعو إلى تجريد المتابعة لمحمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وإلى القيام بحقوقه من الحب والتوقير، وتقديم ما جاء به على كل ما سواه، والوقوف معه حيثما وقف، والانتهاء إليه حيثما انتهى، كما دعا الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى الإيمان بملائكة الله وكتبه على الوجه الذي يرضي الله عز وجل

4- في مسائل القضاء والقدر والجبر والإرجاء والإمامة والتشيع، يدعو إلى التزام معتقد السلف الصالح في جميع ذلك وإلى البراءة مما عليه القدرية النفاة والقدرية المجبرة ومما ابتدعته المرجئة والرافضة وغلاة الشيعة والناصبة من البدع. 5- في أمور الآخرة دعا إلى الإيمان بما أثبتته النصوص من البعث بعد الموت.. والحساب والميزان والحوض والصراط والجنة والنار والشفاعة وغير ذلك مما ثبتت به النصوص. 6- في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قرر أن أفضل هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان ثم علي بن أبي طالب ثم بقية العشرة ثم أهل بدر ثم أهل بيعة الرضوان ثم سائر الصحابة، ودعا إلى تولي جميع الصحابة والكف عما شجر بينهم، وأوضح أنهم أحق أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالعفو عما صدر منهم وأقربها إلى المغفرة، لفضائلهم وسوابقهم، وحذر من سلوك مسلك الروافض والنواصب فيهم. 7- في علماء الأمة من أهل الحديث والتفسير والفقه وسائر العلوم الشرعية أثبت لهم الفضل والإمامة. ويأمر بقبول ما لا يتعارض مع النصوص من أقوال أئمة العلم ومنع الانفراد عنهم برأي مبتدع أو قول مخترع، ويرى للأئمة الأربعة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل من الفضل والإمامة ما يليق بمكانتهم، ومذهبه مذهب الإمام أحمد بن حنبل، ولكن إذا بانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم عمل بها، ولا يقدم عليها قول أي أحد كائنا من كان، بل هي في صدره أجل من ذلك. يقول في الرسالة التي اختصرت لأهل مكة "إذا صح لنا نص جلي من كتاب أو سنة غير منسوخ ولا مخصوص ولا معارض بأقوى منه، وقال به أحد الأئمة أخذنا به وتركنا المذهب ; كإرث الجد والإخوة فإنا نقدم الجد وإن خالف مذهب الحنابلة 1 ا. هـ.

_ 1 كذلك كان محمد حياة السندي شيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب فقد ورد في ثبت الفلاني الكبير في ترجمة أبي الحسن السندي الصغير ما نصه "كان إماما عالما بالسنة وآثارها عاملا بها مجتهدا لا عصبية فيه قد يعمل بخلاف مذهبه فيما ظهر له فيه الحق على خلاف مذهب إمامه كشيخه محمد حياة السندي" 501 نقل ذلك عن الفلاني العلامة الشيخ عبد الحي الكتاني في "فهرس الفهارس والأثبات" ج1 ص104.

8- فيما يتعلق بدماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم دعا إلى التزام ما في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من تحريم جميع ذلك ولم يرض في أي شيء من ذلك إلا بمستند من الشرع. هذا مجمل دعوة مجدد القرن الثاني عشر الإمام محمد بن عبد الوهاب، وبه يتبين أنها ليست سوى تجديد ما مضى عليه السلف الصالح من تصفية الدين من شوائب الشرك والبدع.

من آثار دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب

من آثار دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب أعادت هذه الدعوة المباركة الدين إلى ما كان عليه في عهد السلف الصالح فظهر لذلك من الآثار ما يلي: 1- قلع أصول الشرك في العبودية، وهدم آثاره، وسد أبوابه. 2- الرجوع إلى ما في القرآن والحديث من توحيد الأسماء والصفات وتوحيد العبودية بعد أن كاد الجهل بذلك يعم. 3- رفع غشاوة الجهل وكابوس التقليد الأعمى. 4- العناية بالعامة، وذلك بتعليمهم معنى الشهادتين وإلزامهم إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والصيام وسائر شعائر الإسلام بعد أن كان بعضهم لا يعرف من الإسلام شيئا غير مجرد التكلم بلفظ الشهادتين على ما في تلفظهم بها من عوج ولا يقومون بشيء من واجباتهما. 5- جمع شمل المسلمين بعد التفرق وإطفاء نيران الظلم والفتن وتأمين السبل، ففي "مختصر مطالع السعود إلى طيب أخبار آل داود" للشيخ أمين بن حسن الحلواني المدني صـ80 ما نصه "ومن محاسنهم - أي آل سعود حماة هذه الدعوة - أنهم أمنوا البلاد التي ملكوها، وصار كل ما كان تحت ملكهم من هذه البراري والقفار - أي التي ذكرها المختصر قبل - يسلكها الرجل وحده على حمار بلا خطر خصوصا بين الحرمين الشريفين، ومنعوا غزو الأعراب بعضهم على بعض، وصار جميع العرب على اختلاف قبائلهم من حضرموت إلى الشام، كأنهم إخوان أولاد رجل واحد إلى أن عدم الشر في زمان ابن سعود، وانتقلت أخلاق الأعراب من التوحش إلى الإنسانية.

وتجد في بعض الأراضي الخصبة هذا بيت عنزي وبجنبه بيت عتيبي وبقربه بيت حربي، وكلهم يرتعون كأنهم إخوان، ولا تجد أحدا يقول هذه ديرتي ولا يطأها الغريب مثلا كما هو مشاهد الآن". ا. هـ. 6- الجهاد لإعلاء كلمة الله عز وجل، قال الشوكاني في مرثيته بعد تعزيته فيها: لآل الشيخ وأضعافها1 للمقرنين كلهم ... هم الناس أهل الباس يعرف فضلهم لقد جاهدوا في الله حق جهاده ... هداة العروى من محتدى فرع وائل جميع بني الدنيا فما للمجادل ... إلى أن أقاموا بالظبى كل مائل

_ 1أي التعزية.

وفاة الإمام محمد بن عبد الوهاب

وفاة الإمام محمد بن عبد الوهاب توفي شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب عن عمر يناهز اثنتين وتسعين سنة عام 1206، بذل جهده طيلة ذلك العمر في طاعة مولاه والاستعداد ليوم المعاد والدعوة إلى الله عز وجل. وقد رثي بمراثي كثيرة نقتصر منها على مرثيتين: إحداهما لحسين بن غنام، والثانية للإمام الشوكاني. قال ابن غنام: إلى الله في كشف الشدائد نفزع ... لقد كسفت شمس المعارف والهدى إمام أصيب الناس طرا بفقده ... وأظلم أرجاء البلاد لموته شهاب هوى من أفقه وسمائه ... وكوكب سعد مستنير سناؤه وصبح تبدى للأنام ضياؤه ... لقد غاص بحر العلم والفهم والندى فقوم جلا عنهم صدا الدين فاهتدوا ... وقوم ذوو فقر وجهد وفاقة لقد رفع المولى به رتبة الهدى ... أبان له من لمعة الحق لمعة سقاه غير الفهم مولاه فارتوى ... فأحيا به التوحيد بعد اندراسه فأنوار صبح الحق باد سناؤه ... وليس إلى غير المهيمن مفزع فسالت دماء في الخدود وأدمع ... وطاف بهم خطب من البين موجع وجل بهم كرب من الحزن مفظع ... ونجم ثوى في الترب واراه بلقع وبدر له في منزل اليمن مطلع ... فداجى الدياجي بعده متقشع وقد كان فيه للبدية مرتع ... فأسماعهم للحق تصغى وتسمع حووا واقتنوا ما فيه للعيش مطمع ... بوقت به يعلى الضلال ويدفع أزيل بها عنه حجاب وبرقع ... وعام بتيار المعارف يقطع وأقوى به من مظلم الشرك مهيع ... ومصباحه عال ورياه ضيع

سما ذروة المجد التي ما ارتقى لها ... سواه ولا حاذى قناها سميدع وشمر في منهاج سنة أحمد ... يشيد ويحيى ما تعفى ويرفع وينفى الأعادى عن حماه وسوحه ... ويدمغ أرباب الضلال ويدفع يناظر بالآيات والسنة التي ... أمرنا اليها في التنازع نرجع فأضحت به السماء يبسم ثغرها ... وأمسى محياها يضيء ويلمع وعاد به نهج الغواية طامسا ... وقد كان مسلوكا به الناس تربع وجرت به نجد ذيول افتخارها ... وحق لها بالألمعي ترفع فآثاره فيها سواح سوافر ... وأنواء فيها تضىء وتسطع لقد وجد الإسلام يوم فراقه ... مصابا خشيناه بعده يتصدع وطاشت أولو الأحلام والفضل والنهى ... وكادت له الأرواح تترى وتتبع وطارت قلوب المسلمين بيومه ... وظنوا به أن القيامة تقرع فضجوا جميعا بالبكاء تأسفا ... وكادت قلوب بعده تتفجع وفاضت عيون واستهلت مدامع ... يخالطها مزج من الدمع يهجع بكته ذوو الحاجات يوم فراقه ... وأهل الهدى والحق والدين اجمع فمالى أرى الأبصار قلص دمعها ... وليست على فقداه تهمى وتدمع ومالى أرى الألباب تبدى قساوة ... وليست على ذكراه يوما توجع لقد غدرت عين تضن بماءها ... عليه وكبد قد أبت لا تقطع يحق لأرواح المحبين أن ترى ... مقوضة لما خلت منه أربع وتتلو سريرا فوقه قمر الهدى ... وشمس المعالى والعلوم تشيع فما بالها قرت بأشباح أهلها ... ولم تك في يوم الوداع تودع فيالك من قبر حوى الزهد والتقى ... وحل به طود من العلم مجرع لئن كان في الدنيا له القبر موضعا ... فيوم الجزا يرجى له الخلد موضع سقى قبره من هاطل العفو ديمة ... وباكره سحب من البر همع وأسكنه بحبوحة الفوز والرضى ... ولا زال بالرضوان فيها يمتع

وقال الشوكاني: مصاب دها قلبي فأذكى غلائلي ... وأحمى بسهم الافتجاع مقاتلي وخطب به أعشار أحشاي صدعت ... فأمست بفرط الوجد أي ثواكل ورزء تقاضاني صفاء معيشتي ... وأنهلني قسرا أمر المناهل غدوت به وهن التياع ولاعج ... حليف أسى للقلب غير مزائل أسير جوى أفنى فؤادي رسيه ... وقلب من الحزن البدح ذاهل مصاب به قامت علتي قيامة ... ومن كرب لاقيت أعظم هائل مصاب به ذابت حشاشة مهجتي ... وعن حمله قد كل متني وكاهلي مصاب به قد أظلم الكون كله ... وكان على حال من الحزن هائل مصاب به الدنيا قد اغبر وجهها ... وقد شمخت أعلام قوم أسافل رميت به عن قوس أبرح لوعة ... بها نجم روحي كان أسرع آفل به هد ركن الدين وانبت حبله ... وشد بناء الغي مع كل باطل وقام على الإسلام جهرا وأهله ... نعيق غراب بالمذلة هائل وسيم منار الاتباع لأحمد ... هوان انهدام جاء من كل جاهل1 وهبت لنار الابتداع سمائم ... بسم لنفس الدين صرد وقاتل فيا مهجتي ذوبي أسى وتأسفا ... ويا كبدي انقشي بحزن مواصل ويالوعتي دومي وزيدي ولازمي ... ويا فجعتي للقلب ما عشت نازلي ويا مقلتي غني الكرى عنك جانبا ... وجودي بدمع دائم السكب هاطل ويا جزعي لاغبت كن متجددا ... ويا سلوتي ولي وللقلب زائلي فقد مات طود العلم قطب رحى العلا ... ومركز أدوار الفحول الأفاضل وماتت علوم الدين طرا بموته ... وغيب وجه الحق تحت الجنادل إمام الهدى ماحي الردى قامع العدى ... ومروى العدى من فيض علم ونائل جمال الورى رحب الذرى شامخ الذرى ... وجم القرى صدر الصدور الأوائل عظيم الوفا كنز الشفا معدن الصفا ... جلى الخفا عن مشكلات المسائل بهى السنا عذب طيب الثنا ... منيل المنى من سيبه كل آمل

_ 1كذا في أثر الدعوة الوهابية للشيخ محمد حامد الفقي وفي الدرر السنية قسم التراجم.

إمام الورى علامة العصر قدوتي ... وشيخ الشيوخ الحبر فرد الفضائل محمد ذو المجد الذي عز دركه ... وخل مقاما من لحوق المطاول إلى عابد الوهاب يعزى وأنه ... سلالة أنجاب زكى الخصائل عليه من الرحمن أعظم رحمة ... تبل قراه بالضما والأحائل لقد أشرقت نجد بنور ضيائه ... وقام مقامات الهدى بالدلائل امام له شأن كبير ورتبة ... من الفضل تثنى عزة المتطاول فريد كمال في العلوج فهل ترى ... له في تقادير لها من مماثل على خلق يحلى الشيخ لطافة ... وكامل أوصاف وحسن شمائل وقلب سليم للمهيمن خاشع ... ضيب وعن مولاه ليس بغافل وجنب تجافيه المضاجع في الدجى ... وجفن بهتان المدامع هامل وعن ذكر رب العرش في السر دائحا ... وفي الجهر طوال الدهر ليس بغافل عفو عن الجانى صفوح وحلمه ... الى الشيخ يعزى ليس يهفو لعاجل يقابل من يلقى ببشرى ومبسم ... ضحوك ووجه للبشاشة باذل ويأمر بالمعروف في كل حالة ... وعن منكر ينهى وليس بقابل ولم يأل جهدا في نصيحة مسلم ... برأى وتدبير وحسن تعامل يجازى بإحسان إساءة غيره ... وبالجاه عن مستوجه غير باخل تقمص بالتقوى وبالخشية ارتدى ... ولم يمض منه العمر في غير طائل ومن شأنه قمع الضلال ونصره ... لمن كان مظلوما وليس بخاذل وكم كان في الدين الحنيفى مجاهدا ... بماضى سنان دافع للأباطل وكم ذب عن سامى حماه وزاد من ... مضل وبدعى ومغو وفائل ففيم استباح أهل الضلال لعرضه ... وما نكست أعلامه بالارازل وليس له شيء عن الله شاغل ... ولا عن وصال الاعتبار بغافل فلولاه لم تحرز رحى الدين مركزا ... ولا اشتد للإسلام ركن المعاقل ولا كان للتوحيد واضح لاحب ... يقيم اعوجاج السير من كل عادل فما هو الا قائم في زمانه ... مقام نبى في إماتة باطل ستبكيه أجفاني حياتي وإن أمت ... سيبكيه عنى جفن طل ووابل

وتبكيه أقلامي أسى ومحابري ... ويبكيه طرسي دائما وأناملي عجبت لقبر ضمه كيف لم يكن ... يميد ببر فائض العلم سائل ومن نعش كان حامل جسمه ... هنيئا له إذ كان أشرف حامل ولا غرو وأن بكى الزمان لفقده ... فقد كان غيث الجود كهف الأرامل فآها على ذاك المحيا وحسنه ... وآها على تلك العلوم الجلائل وآها على تحقيقه في دروسه ... وتوضيحه للمعضلات المشاكل فمن للبخاري بعده ولمسلم ... يبين المخبا منهما للمحاول ومن ذا لتفسير الكتاب ومن ترى ... لأحكام فقه الدين من للرسائل ومن لمسانيد سمت ومعاجم ... وكشف لثامي الحكم عند النوازل ألم تر أن الدهر نصف كآبة ... عليه وذو جسم من الحسن ناحل ومن للمعاني والبيان ومنطق ... وردع أخي الجهل الغوي المجادل ومن لك بالأصلين واللغة التي ... بها أنزل القرآن أشرف نازل ومن بعده للصدع بالحق قائم ... يجد ولا يخشى ملامة عازل أفق يا معيب الشيخ من ذا تعيبه ... لقد عبت حقا وارتحلت بباطل نعم ذنبه التقليد قد جذ حبله ... وثل التعصب بالسيوف الصياقل ولما دعا لله في الخلق صارخا ... صرختم له بالقذف مثل الزواجل دعا لكتاب الله والسنة التي ... أتانا بها طه النبي خير قائل فوا أسفى والهف قلبي وحسرتي ... عليه ويا حزني لأكرم راحل ويا ندمي لو كان يجدي من القض ... ولكن قضاء الله أغلب حائل ولو كان من ريب المنية مخلص ... لكنت له بالجهد أي محاول ومر إلى أن قال وهو يعزي فيه آل الشيخ. فيا سائر الأولاد للشيخ أنني ... أعزيكم مع ذي انتساب لوائل وأوصيكم بالصبر طرا وبالرضا ... بجاري القضا في عاجل ثم آجل بتسليم أمر الله ثم احتساب ما ... لديه تعالى من أجور جزائل

فما جزع يوما بنافع جازع ... وما حزن رد القضاء بفاعل ومثلكم لا يعتريه تزلزل ... ولا وهن في فادحات النوازل فإن كان للجنات والدكم مضى ... فقد كان فينا معقبا كل كامل وأنتم بحمد الله عنه خلائف ... بعلم وفضل شامخ القدر شامل وإنا لنرجو أن تكونوا أئمة ... بكم يقتدي في دينه كل فاضل للخير والإحسان من كل وجهة ... حث إليكم مضمرات الرواحل نسأل رب العرش يعظم أجوركم ... ويحميكم من طارقات الغوائل ويجبر صدع القلب والكسر منكم ... ويعقبكم طرا جمال المحافل ولازلتم غيظ القلوب لكل من ... يعاديكم من كل حاف وناعل ولافجعت في الدهر ساحة سوحكم ... برزء لموصول المسرة فاضل عليكم سلام الله ماهب نائم ... وجمل زاكي ذكركم كل عاطل وأوفى الثنا مني عليكم مكررا ... وأزكى تحيات سواح كوامل * ثم 1 قال الشوكاني في تعزيته الأئمة من آل سعود في ذلك الإمام: وأضعافها للمقرنين كلهم ... هداة الورى من محتدى فرع وائل هم الناس أهل الباس يعرف فضلهم ... جميع بني الدنيا فما للمجادل لقد جاهدوا في الله حق جهاده ... إلى أن أقاموا بالظبا كل مائل فناديهم في كل ناد مبجل ... فحقهم التبجيل بين القبائل سعود مضى والسعد حالف نجله ... كما حالف الآباء ليس براحل لقد نصروا دين الإله وحزبه ... كما دفعوا داعي الهوى بالقنابل

_ (*) ساق الشيخ عبد الرحمن بن قاسم مرثية الشوكاني هذه كلها في قسم التراجم من الدرر السنية ص20 – 24، وأورد الشيخ محمد حامد الفقي الكثير منها في أثر دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب في الإصلاح الديني والعمراني.

عليهم سلام الله ما ذر شارق ... وما اهتزت الأزهار في صبح هاطل وأزكى صلاة الله ثم سلامه ... على المصطفى الهادي كريم الشمائل محمد المختار من فرع هاشم ... وآل وأصحاب كرام أفاضل وفي ختام كلمتي هذه نسأل الله أن يجزي الإمام محمد بن عبد الوهاب وآل سعود عن الإسلام خير الجزاء، والله ولي التوفيق، وهو حسبي ونعم الوكيل.

§1/1