حياة السلف بين القول والعمل

أحمد الطيار

المقدمة

المقدمة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، الرّحمن الرّحيم، مالك يوم الدين، والصلاة والسلام على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين، وبعد: لقد ترك لنا علماؤنا الأجلاء علومًا كثيرة في شتى الفنون، حتى كتبوا في السلوك والأخلاق والسياسة والمنطق والطب وغيرها من أنواع العلوم المفيدة، ومما كتبوا في ذلك وصنفوا: الكتب التي تحدثت عن السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم، ولا شك أن كلام علماء السلف أعظم تأثيرًا وفائدة من كلام من جاء بعدهم. فإنهم من القرون المفضلة التي شهد لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالخيرية، وإذا أكثر المسلم المطالعة في كتبهم وكلامهم وأحوالهم استفاد فائدة عظيمة، وعظم قدره وقبوله عند الناس. وللإمام الغزالي في هذا المعنى كلام جميل حيث يقول: ولقد كان الحسن البصري - رحمه الله - أشبه الناس كلامًا بكلام الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - وأقربهم هديًا من الصحابة رضي الله عنهم، اتفقت الكلمة في حقه على ذلك، وكان أكثر كلامه في خواطر القلوب، وفساد الأعمال، ووساوس النفوس، والصفات الخفية الغامضة من شهوات النفس. وقد قيل له: يا أبا سعيد، إنك تتكلم بكلام لا يسمع من غيرك، فمن أين أخذته؟ قال: من حذيفة بن اليمان. وقيل لحذيفة بن اليمان: نراك تتكلم بكلام لا يسمع من غيرك من الصحابة، فمن أين أخذته؟ قال: (كان الناس يسألون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن أقع فيه). (¬1) وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " كلما كان الرجل إلى السلف ¬

(¬1) إحياء علوم الدين (تهذيبه) ص: 76

والأئمة أقرب كان قوله أعلى وأفضل" (¬1). ولا شك أن كلام السلف وما نُقل عنهم من سيرهم لا يمكن حصره واستيعابه، ولو جُمع كل ما نُقل عنهم لبلغ ذلك عشرات الكراريس والمجلدات الضخمة، ولجُمع ما لا ينبغي ذكره من البدع والخرافات والمبالغات التي نجزم يقينًا أنها لم تصح عنهم، فقد كُذب عليهم كما كُذب على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأما من جاء بعدهم فقد يقع منهم بعض هذه الأخطاء ولكن حسناتهم تغمر سيئاتهم. وغرضي من هذا الكتاب: أن أقدِّم للقارئ والباحث ما كان عليه سلفنا الصالح بعيدًا عن ما كُذب عليهم، أو ما صدر عن بعضهم من الأخطاء التي فعلها باجتهادٍ منه وحسن نية. فالهدف هو أن يعيش المسلم حياة السلف، وأخلاقهم، وتعاملهم، وعبادتهم، وصلاح سريرتهم، وسلامة صدورهم، وغير ذلك مما يزيد من همة المسلم، ويحثه على الاقتداء بهم، والتمسك بآثارهم؛ فعند ذلك سيلاحظ مع الأيام تغيرًا ظاهرًا في حاله وقلبه، وفي تعامله وأخلاقه. ومما يلاحظ على كثير من الكتب التي كتبت في هذا الموضوع: 1 - بعض هذه الكتب تجمع الغث والسمين، والطيب والرديء. ولم تُنقّح، ولم تحقق. 2 - وبعضها يحتاج إلى بعض الترتيب والتنسيق. 3 - وبعض هذه الكتب ضخمةٌ وكبيرة جدًا حتى يصل بعضها إلى 30 مجلدًا، فلا يستفيد منها إلا القليل من الناس. 4 - ويلاحظ على هذه الكتب أيضًا أنه إذا أراد القارئ أو الباحث موضوعًا ما فإنه لا بد أن يقرأ جميع ما في الكتاب حتى يُلمم شتات هذا الموضوع، لأن طريقة العلماء في هذا المجال هي أن يذكروا سيرة الشخص، وأقواله، وما قيل عنه، ولم يسلكوا طريقة المواضيع والعناوين ويذكروا الآثار التي تخص كل موضوع. ¬

(¬1) التدمرية ص: 192 تحقيق د. محمد السعوي.

نعم قد ألَّفوا في الفقه على هذه الطريقة كما فعل ذلك ابن أبي شيبة، ولكن الفقه ليس موضوع بحثي، وألَّفوا في العقيدة كما فعل الصابوني، والعقيدة جزء من هذا البحث الذي أنا بصدده، وألَّفوا في السلوك والأخلاق كما فعل الغزالي، ولكن كلام السلف وأحوالهم لم يكن موضوع كتابه وإنما هو ضمن كلامه وبحثه. ومن خلال قراءتي لبعض كتب هؤلاء العلماء عليهم رحمة الله وجدت فيها فوائد ودرراً لا توجد في غيرها، جَمَعَت للمسلم ما يحتاجه من أمور دينه ودنياه، من كلام سلفه الصالح وتوجيهاتهم وأحوالهم. وقد حاولت بحسب قدرتي واستطاعتي على استيعاب أكبر قدر ممكن مما نُقل عنهم من خلال ما قرأته من الكتب التي ذكرتها في المراجع. ولكن هذه الكتب لا تخلو من الملاحظات التي ذكرت. ولقد تقاصرت همم الناس عن همم هؤلاء العلماء، فصعب على كثير من الناس قراءتها والاطلاع عليها، مع ما فيها من الفائدة العظيمة، والعلوم الكثيرة. يقول الإمام الذهبي رحمه الله في آخر كتابه المنتقى الذي اختصر فيه كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية " منهاج السُّنَّة ": وهذا " المنتقى " فيه كفاية بحسب همم الناس، والأصل فبحسب همة الشيخ - أي: شيخ الإسلام. (¬1) فإذا كان هذا كلام الإمام الذهبي، فكيف بنا ونحن في هذا العصر الذي كثرت فيه الملهيات والأشغال والفتن، نسأل الله أن يرحمنا برحمته. علمًا بأن ما قمت به من جمع ما نُقل عن السلف ما هو إلا نزر يسير مما هو مُسطَّر في الكتب الأخرى التي يصعب جمعها ويعسر ذكرها، وما قمت به هي محاولة في جمع أخبارهم، وذكر سيرهم، في شتى المواضيع والميادين، ليسهل على القارئ والباحث الإطلاع على ما يريد من سيرهم وأخبارهم. وقد عقدت العزم مستعينًا بالله جل وعلا على المُضي في جمع هذه ¬

(¬1) المنتقى ص: 594.

المادة، واحتواء أكبر قدر ممكن مما نُقل عنهم، - رضي الله عنهم - وأرضاهم، ووفقنا الله للسير في خطاهم. ولعل القارئ الكريم أن يُتحفني ببعض الاقتراحات والملاحظات التي لا أستغني عنها، فالمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا. وقد مكثت في إعداد هذ الكتاب ما يقارب العشر سنوات، يتخللها الانقطاع في كثير من الأحيان، بذلت فيها أقصى جهدي في إعداده وترتيبه، وتنقيحه وتبويبه. ولعله أن يكون مرجعا يرجع إليه الخطيب والداعية وطالب العلم. أسأل الله جلَّ وعلا أن يُلهمنا الصواب في القول والعمل، وأن يرزقنا الإخلاص في أقوالنا وأعمالنا ونياتنا إنه سميع مجيب. أحمد ناصر الطيار الزلفي 0503421866 البريد الإلكتروني: ahmed 0411 @gmail.com

منهجي في اختيار مادة هذا الكتاب 1 - أذكر ما يفيد المسلم في أمر دينه ودنياه، وما يعينه على إصلاح حاله وقلبه، وإصلاح خلقه وسلوكه. وأما ما سوى ذلك فلا أذكره لقلة الفائدة من ذكره. فلا أذكر الأمور التالية: أ - لا أذكر ما يقدح في العقيدة أو ما يُضادها، وهي وإن كانت قليلة ونادرة فقد وُجد شيء من ذلك كالتوسل بالموتى، والاستغاثة بهم، وغير ذلك. ب - لا أذكر كل ما يخالف الكتاب والسُّنَّة. مثل ما يُذكر عن بعضهم أنه لا يسأل الله الجنة؛ لشدة خوفه وحيائه منه. وكذلك ما يُذكر عن بعضهم أنه يصوم الدهر ولا يتزوج النساء، وغير ذلك. جـ - لا أذكر التواريخ والمواقع والغزوات والأحداث، فهذه لها كتبها الخاصة. د - لا أذكر كل ما يخالف العقل والواقع، كما يُذكر عن بعضهم أنه لا يأكل في الشهر إلا وجبتين فقط، وبعضهم احتبس بوله أربعة عشر يومًا، وما يُذكر عن بعضهم أنه يمشي على الماء، فقد روي عن بعضهم أنه جاء إلى أحد هؤلاء وهو قائم يصلي على الماء، قال: فلما أحس بي: أوجز في صلاته، ثم أخذ بيدي، فوقفني على البحر، وحرك شفتيه، فقلت في نفسي: إن مشى على الماء مشيت معه. فما لبث إلا يسيرًا، فإذا الحيتان قد برزت مدَّ البحر، وقد أقبلت إلينا رافعةً رؤوسها من الماء، فاتحةً أفواهها، فقلت في نفسي: أين ابن بشر الصياد؟، فلما ذكرته في نفسي تفرقت؟!!! ... [صفة الصفوة 2/ 661]. هـ - لا أذكر المبالغات والترهات التي لا تليق بكرامة الإنسان، فضلاً عن المسلم، فضلاً عن أهل العلم والفضل.

من ذلك ما يُذكر عن الحسن الفلاس أنه يلبس ما في المزابل. ومثل ذلك قول سري السقطي: تُعجبني طريقة الحسن. وكان الحسن لا يأكل إلا القمامة. و- لا أذكر ما لا فائدة من ذكره أو فائدته قليلة من القصص والخطب وغيرها. وكذلك ما يذكره بعضهم من الإسرائيليات التي لا نعلم صحتها، وقد أذكر بعضها إذا كان في ذكرها فائدة. ز - لا أذكر الأحكام التي تقال في التزهيد من الدنيا ورغد العيش التي لا دليل عليها. مثال ذلك: قول إبراهيم التيمي: ما أكل آكل أكلةً تسرّه ولا شرب شربة تسرّه إلا نقص بها من حظه من الآخرة. ومثل هذا الكلام يحتاج إلى توقيف ولا مجال فيه للاجتهاد. حـ - لا أذكر أيضًا ما قيل في المبالغة في الخوف والبكاء إلى حد لا يتصوره عقل ولا يُقره نقل، مثل ما يذكر عن سفيان أنه قال: كان سعيد بن السائب لا تكاد تجف له دمعة: إن صلى فهو يبكي، وإن طاف فهو يبكي، وإن جلس يقرأ القرآن فهو يبكي، وإن لقيته في الطريق فهو يبكي. وكذا ما يُذكر أن بعضهم لم يرفع رأسه إلى السماء ولم يضحك أربعين سنة. ط - لا أذكر أيضًا المصطلحات والتعريفات التي لا معنى لها أو يصعب فهمها، مثل قول بعضهم: قلب المحب يهيم بالطيران، وتكلمه لدغات الشوق والخفقان. وقول بعضهم: الإخلاص: ارتفاع رؤيتك عن فعلك. والتوكل: إسقاط رؤية الوسائط والتعلق بأعلى الوثائق. قال ابن القيم رحمه الله في معرض رده على أمثال هذه المصطلحات - كالفناء والاتصال وجمع الشواهد وجمع الوجود وجمع العين -: ولم يأت له ذكر في القرآن ولا في السنة ولا يعرفه إلا النادر من الناس، ولا يتصوره أكثرهم إلا بصعوبة ومشقة، ولو سمعه أكثر الخلق لما فهموه ولا عرفوا المراد منه إلا

بترجمة، فأين في كتاب الله أو سُنَّة رسوله أو كلام الصحابة الذين نسبة معارف مَن بعدهم إلى معارفهم كنسبة فضلهم ودينهم وجهادهم إليهم ما يدل على ذلك أو يشير إليه، فصار المتأخرون أرباب هذه الاصطلاحات الحادثة بالألفاظ المجملة والمعاني المتشابهة أعرف بمقامات السالكين ومنازل السائرين وغاياتها من أعلم الخلق بالله بعد رسله؟ هذا من أعظم الباطل ... فلا تجد هذا التكلف الشديد والتعقيد في الألفاظ والمعاني عند الصحابة أصلا، وإنما يوجد عند من عدل عن طريقهم. ا. هـ بتصرف. (¬1) ي - لا أذكر ما قيل في المدح للشخص؛ ككثرة حفظه، أو حسن صوته في تلاوة القرآن، أو مالَه من منزلة ومكانة عند العلماء والكبراء، وغير ذلك. علمًا بأن ما ذُكر من أخطاء وترَّهات لم توجد في عهد الصحابة والتابعين. بل جاءت بعد ذلك. وفي كثير منها لم تصح ولم يثبت سندها كما تقدم بيانه. وقد أذكر بعض هذه المخالفات مع ذكر تعقيبات عليها. 2 - أذكر كل ما يتعلق بحياة السلف من الصحابة والتابعين وتابعيهم، وقد أذكر من جاء بعدهم لإتمام الفائدة. 3 - لا أذكر المسائل الفقهية، والفتاوى، والتفاسير التي نُقلت عن السلف. 4 - بالنسبة لكتاب " سير أعلام النبلاء " فقد ذكرت تعليقات الإمام الذهبي وجعلتها في المتن. 5 - نقلت بعض التعليقات المهمة التي تكون إما توضيحًا، أو تعليقًا، أو تعقيبًا، أو توجيها، ونحو ذلك. 6 - أضفت إلى كتب السير والتراجم والتواريخ نوعين من الكتب: • كتب العقيدة. ¬

(¬1) مدارج السالكين 4/ 418 - 419

• كتب الأدب. فأضفت إلى كتب السير والتراجم والتواريخ: شيئًا من كلام السلف في العقيدة حيث لم تستوعب هذه الكتب ما نُقل عنهم في هذا الباب. كذلك أضفت كتب الأدب لخلوها من المُلح والأدب وفنون الشعر في الغالب. 7 - أدخلت في هذا الكتاب بعض المواضيع التي لا يشملها عنوان الكتاب مثل: أحوال المنتكسين، وطرف ونوادر. وأردت بذلك أن تتم الفائدة وأكون قد حويت أكبر قدر من نقولهم وأحوالهم في شتى المواضيع. * * *

منهجي في ترتيب مادة هذا الكتاب 1 - قسمت الكتاب إلى مواضيع وعناوين، وربما جعلت عناصر تحت أحد العناوين لكثرة فروعه. 2 - اعتنيت بشمولية العناوين، فكل ما يشمله العنوان أو يدور حوله؛ جعلته ضمن هذا العنوان، فمثلاً: موضوع الرجاء وحسن الظن بالله أدخلت تحته كل ما يتعلق بالرجاء؛ فذكرت أقوال السلف في فضل الرجاء وحسن الظن بالله، والقصص في ذلك، وما قيل عن رحمة الله وعفوه وتجاوزه، والقصص في ذلك. 3 - رتبت النقول عن السلف على حسب القرون، فأبدأ أولاً بقرن الصحابة، ثم قرن التابعين، ثم تابعيهم وهكذا. 4 - إذا وجدت كلامًا لأحد السلف وهذا الكلام يحتوي على عدة مواضيع، فربما جزَّأت هذا الكلام وجعلت كل جزء تحت ما يناسبه من العناوين. وأضرب لذلك مثلاً: * عن سعيد بن جبير. قال: إن الخشية أن تخشى الله تعالى حتى تحول خشيته بينك وبين معصيتك. فتلك الخشية، والذكر طاعة الله، فمن أطاع الله فقد ذكره، ومن لم يطعه فليس بذاكر، وإنْ أكْثَرَ التسبيح وقراءة القرآن. [الحلية (تهذيبه) 2/ 104] فقمت بهذا الترتيب: * عن سعيد بن جبير. قال: إن الخشية أن تخشى الله تعالى حتى تحول خشيته بينك وبين معصيتك. فتلك الخشية. [الحلية (تهذيبه) 2/ 104].

* عن سعيد بن جبير. قال: الذكر طاعة الله. فمن أطاع الله فقد ذكره، ومن لم يطعه فليس بذاكر، وإن أكثر التسبيح وقراءة القرآن. [الحلية (تهذيبه) 2/ 104]. فكتبت الجزء الأول تحت موضوع: الخوف والخشية. والجزء الثاني تحت موضوع: الذكر. 5 - بالنسبة للمصادر فأكتفي بمصدر أو مصدرين لكل نقل. فإن أكثر العلماء في هذا الباب ينقل بعضهم عن بعض، ولو تتبعت هذه المصادر لزاد حجم الكتاب بغير فائدة تُذكر. 6 - بالنسبة للأبيات الشعرية؛ فقد اقتطفت منها الأبيات التي تحمل في طياتها المعاني الجميلة والعبارات الهادفة الواضحة، التي تزيد الكتاب حلاوةً وأُنسًا، ولذَّةً وشوقًا. 7 - بالنسبة لكتاب الزهد للإمام أحمد فقد قام المحقق جزاه الله خيرًا بتمييز الآثار الصحيحة من الآثار الضعيفة، والآثار التي ذكرتها في هذا الكتاب هي الآثار التي قام بتصحيحها أو تحسينها. وأما الآثار الضعيفة فقد تركتها. * * *

العقيدة

العقيدة (أ) ذمُّ من احتجَّ بالقرآن وردَّ السُّنَّةَ: * عن علقمة قال: قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: لعن الله تعالى الواشمات والمستوشمات والمتفلِّجات للحسن والمغيّرات خلق الله - عزَّ وجلَّ. فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها: أم يعقوب، كانت تقرأ القرآن، فأتته، فقالت: ما حديث ما بلغني عنك؟ أنّك لعنت الواشمات والمستوشمات والمتفلجات للحسن والمغيّرات خلق الله - عزَّ وجلَّ؟ فقال عبد الله: وما لي لا ألعن من لعن رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في كتاب الله - عزَّ وجلَّ؟ فقالت: لقد قرأت ما بين لوحَي المصحف، فما وجدت هذا؟ فقال عبد الله - رضي الله عنه -: لئن كنت قرأته لقد وجدته، ثم قال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: من الآية 7]. [الشريعة / 61] * وعن يعلى بن حكيم عن سعيد بن جبير رحمه الله أنه حدّث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثًا، فقال رجل: إن الله - عزَّ وجلَّ - قال في كتابه: كذا وكذا، فقال: لا أراك تعارض حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكتاب الله - عزَّ وجلَّ - سبحانه وتعالى. [الشريعة / 61] * وقال الأبّار رحمه الله: كنت بالأهواز، فرأيت رجلا قد حفّ شاربه - وأظنه قال: قد اشترى كُتُبَا وتعيَّن للفتيا - فذُكر له أصحاب الحديث، فقال: ليسوا بشيء، وليس يَسْوون شيئًا. فقلتُ: أنت لا تُحسن تُصَلِّي. قال: أنا؟ قلت: نعم، أيْش تحفظُ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا افتتحتَ ورفعتَ يديكَ؟ فسكتَ، قلت: فما تحفظُ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سَجَدْتَ؟ فسكت، فقلتُ: أَلَمْ أَقُلْ: إنك لا تُحسن تُصَلِّي؟ فلا تذكرْ أصحابَ الحديث. [السير (تهذيبه) 3/ 1101]

(ب) موقف السلف ممن قال: القرآن مخلوق

* وقال محمد بن إسماعيل الترمذي رحمه الله: كنت أنا وأحمد بن الحسن الترمذي عند إمام الدين أبي عبد الله أحمد بن حنبل رحمه الله: فقال له أحمد بن الحسن: يا أبا عبد الله، ذكروا لابن أبي قُتيلة بمكة أصحاب الحديث فقال: أصحاب الحديث قوم سوء، فقام أحمد بن حنبل وهو ينفض ثوبه ويقول: زنديق! زنديق! زنديق! حتى دخل بيته. [عقيدة السلف وأصحاب الحديث / 300 - 303] * وقال الصابوني رحمه الله: وسمعت الحكم يقول: سمعت الشيخ أبا بكر أحمد بن إسحاق بن أيوب الفقيه رحمه الله - وهو يناظر رجلاً - فقال الشيخ أبو بكر: حدثنا فلان، فقال له الرجل: دعنا من حدّثنا! إلى متى حدثنا؟ فقال الشيخ له: قم يا كافر، فلا يحل لك أن تدخل داري بعد هذا أبدًا! ثم التفت إلينا وقال: ما قلت لأحد قط لا تدخل داري إلاَّ هذا. (¬1) [عقيدة السلف وأصحاب الحديث / 300 - 303] (ب) موقف السلف ممن قال: القرآن مخلوق: * عن معاوية بن عمار، قال: سئل جعفر بن محمد - رضي الله عنه - عن القرآن: أخالق أم مخلوق؟ فقال: ليس خالقًا ولا مخلوقًا، ولكنه كلام الله - عزَّ وجلَّ. [الشريعة / 85]. * وقال أحمد بن أبي عوف: سمعت هارون الفروي رحمه الله، يقول: لم أسمع أحدًا من أهل العلم بالمدينة، وأهل السُّنن، إلا وهم ينكرون على من قال: القرآن مخلوق، ويكفرونه. قال هارون: وأنا أقول بهذه السُّنَّة. ¬

(¬1) قال الآجري رحمه الله " بعد أن ذكر مذهب الذين يقولون: لا نقبل إلا ما كان في كتاب الله عز وجل , وأنه يجب الأخذ بما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " قال: هذا قول علماء المسلمين , من قال غير هذا خرج عن ملة الإسلام , ودخل في ملة الملحدين. الشريعة / 59. وقال البربهاري رحمه الله: وإذا سمعت الرجل يطعن على الآثار أو يرد الآثار أو يريد غير الآثار، فاتهمه على الإسلام، ولا تشك أنه صاحب هوى مبتدع. شرح السنة / 107.

قال لنا أحمد بن أبي عوف رحمه الله: وأنا أقول بمثل ما قال هارون. قال ابن أبي عوف، وسمعت هارون يقول: من وقف على القرآن بالشك، فلم يقل غير مخلوق، فهو كمن قال: هو مخلوق. [الشريعة / 86، 87]. * وقال سفيان الثوري رحمه الله: من زعم أن قل هو الله أحد مخلوق فقد كفر بالله - عزَّ وجلَّ. [الحلية (تهذيبه) 2/ 384]. * وقال يحيى بن سعيد القطان رحمه الله: من زعم أن قل هو الله أحد مخلوق فهو زنديق، والله الذي لا إله إلا هو. [الحلية (تهذيبه) 3/ 109]. * وقال عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله: من قال القرآن مخلوق، فلا تصل خلفه، ولا تمش معه في طريق، ولا تناكحه. [الحلية (تهذيبه) 3/ 113]. * وعن منصور بن عمار رحمه الله قال: كتب إليّ بشر المريسي: أعلمني ما قولكم في القرآن مخلوق هو أو غير مخلوق؟ فكتبت إليه: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. أما بعد، عافانا الله وإياك من كل فتنة، فإن يفعل فأعظم بها نعمة، وإن لم يفعل فهو الهلكة. كتبت إليّ أن أعلمك القرآن مخلوق أو غير مخلوق، فاعلم أن الكلام في القرآن بدعة، يشترك فيها السائل والمجيب، فتعاطي السائل ما ليس له بتكلف، والمجيب ما ليس عليه، والله تعالى الخالق وما دون الله مخلوق، والقرآن كلام الله غير مخلوق، فانته بنفسك وبالمختلفين في القرآن إلى أسمائه التي سمَّاه الله بها تكن من المهتدين، ولا تبتدع في القرآن من قلبك اسمًا فتكون من الضالين، وذر الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون، جعلنا الله وإياكم ممن يخشونه بالغيب، وهم من الساعة مشفقون. [الحلية (تهذيبه) 3/ 220]. * وقال الشافعي رحمه الله: إنما خلق الله الخلق بكن فإذا كانت كن مخلوقة فكأن مخلوقًا خلق بمخلوق. [الحلية (تهذيبه) 3/ 125]. * وقال أيضًا رحمه الله: من قال القرآن مخلوق فهو كافر. [الحلية (تهذيبه) 3/ 125].

(جـ) موقف السلف في باب الإيمان، وأنه اعتقاد وقول وعمل، يزيد وينقص

(جـ) موقف السلف في باب الإيمان، وأنه اعتقاد وقول وعمل، يزيد وينقص: * قال سفيان بن عيينة رحمه الله: " الإيمان قول وعمل ". وقال أيضًا رحمه الله: قيل لا بن عيينة: يزيد وينقص؟ قال: " فأي شيء إذًا ". [الشريعة / 123]. * وعن أبي الفتح نصر بن مغيرة قال: قيل لسفيان بن عيينة رحمه الله: الإيمان يزيد وينقص؟ قال: أليس تقرؤون القرآن؟ {فَزَادَهُمْ إِيمَانًا} [آل عمران: 173] في غير موضع، قيل: ينقص؟ قال: ليس شيء يزيد إلا وهو ينقص. [الشريعة / 132]. * وعن عبد الرزاق قال: سمعت سفيان الثوري وابن جريج ومعمرًا رحمهم الله يقولون: " الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص ". [الشريعة / 123]. * وعن يحيى بن سليم قال: سألت سفيان الثوري رحمه الله عن الإيمان؟ فقال: " قول وعمل " وسألت ابن جريج رحمه الله فقال: " قول وعمل " وسألت محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان رحمه الله فقال: " قول وعمل " وسألت نافع بن عمر الجمحي رحمه الله فقال: " قول وعمل " وسألت مالك بن أنس رحمه الله فقال: " قول وعمل " وسألت فُضيل بن عياض رحمه الله فقال: " قول وعمل " وسألت سفيان بن عيينة رحمه الله فقال: " قول وعمل ". [الشريعة / 138]. * وقال الأوزاعي رحمه الله: كان من مضى من سلفنا لا يفرقون بين الإيمان والعمل، العمل من الإيمان والإيمان من العمل، وإنما الإيمان اسم جامع كما يجمع هذه الأديان اسمها، ويصدقه العمل، فمن آمن بلسانه وعرف بقلبه وصدق ذلك بعمله فتلك العروة الوثقى التي لا انفصام لها، ومن قال بلسانه ولم يعرف بقلبه ولم يصدقه بعمله، لم يقبل منه وكان في الآخرة من الخاسرين. [الحلية (تهذيبه) 2/ 291]. * وعن أبي إسحاق الفزاري قال: قال الأوزاعي رحمه الله في الرجل يسأل أمؤمن أنت حقًا؟

قال: إن المسألة عما سئل من ذلك بدعة، والشهادة عليه تعمق، ولم نكلفه في ديننا، ولم يشرعه نبيُّنا، عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، ليس لمن يسأل عن ذلك فيه إمام إلا مثل القول فيه جدل، المنازعة فيه حدث وهزؤ، ما شهادتك لنفسك بذلك بالذي يوجب لك تلك الحقيقة إن لم تكن كذلك، ولا تركك الشهادة لنفسك بها بالتي تخرجك من الإيمان، إن كنت كذلك، وإن الذي يسألك عن إيمانك ليس يشك في ذلك، ولكنه يريد أن ينازع الله علمه في ذلك، حتى يزعم أن علمه وعلم الله في ذلك سواء. فاصبر نفسك على السُّنَّة، وقف حيث وقف القوم، وقل بما قالوا، وكف عما كفوا عنه، واسلك سبل سلفك الصالح، فإنه يسعك ما وسعهم، وقد كان أهل الشام في غفلة من هذه البدع، حتى قذفها إليهم بعض أهل العراق، ممن دخلوا في تلك البدعة بعد ما ردها عليهم علماؤهم، وفقهاؤهم فأشربها قلوب طوائف من أهل الشام، فاستحلتها ألسنتهم، وأصابهم ما أصاب غيرهم من الاختلاف فيهم، ولست بآيس أن يدفع الله سيِّء هذه البدعة. ولو كان هذا خيرًا ما خُصِّصتم به دون أسلافكم، فإنه لم يُدَّخر عنهم خيرًا حق لكم دونهم لفضل عندكم، وهم أصحاب نبيِّه محمد - صلى الله عليه وسلم -، الذي اختارهم له، وبعثه فيهم، ووصفهم بما وصفهم، فقال: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الفتح: 29] ويقول: إنَّ فرائض الله ليس من الإيمان، وإنَّ الإيمان قد يطلب بلا عمل، وإنَّ الناس لا يتفاضلون في إيمانهم، وإنَّ برهم وفاجرهم في الإيمان سواء. وما هكذا جاء الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنه بلغنا أنه قال: " الإيمان بضع وسبعون، أو بضع وستون جزءاَ، أولها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان " وقال الله تعالى: {شرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى: 13]، والدِّين هو التصديق وهو الإيمان والعمل، فوصف الله الدين قولاً وعملاً، فقال: {فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا

(د) موقف السلف في باب القدر

الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة: 11]، فالتوبة من الشرك قول، وهي من الإيمان، والصلاة والزكاة عمل. [الحلية (تهذيبه) 3/ 61]. * وقال الحميدي: وسمعت وكيعًا رحمه الله يقول: أهل السُّنَّة يقولون: الإيمان: قول وعمل، والمرجئة يقولون: الإيمان: قول، والجهمية يقولون: الإيمان: المعرفة. [الشريعة / 138]. * وعن عبيد بن عمير رحمه الله قال: ليس الإيمان بالتمني، ولكن الإيمان قول وعمل. [الحلية (تهذيبه) 2/ 9]. * وقال مسعر رحمه الله: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص. [الحلية (تهذيبه) 2/ 423]. * وقال يحيى بن سعيد القطان رحمه الله: كان من أدركت من الأئمة يقولون: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص. [الحلية (تهذيبه) 3/ 109]. (د) موقف السلف في باب القدر (¬1): * قال أبو الأسود الديلي: قدمت البصرة، وبها عمران بن الحصين - رضي الله عنه - ¬

(¬1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: والقدر يؤمن به، ولا يُحتج به , بل العبد مأمور أن يرجع إلى القدر عند المصائب. ويستغفر الله عند الذنوب والمعايب، كما قال تعالى {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ} [غافر: 55]، ولهذا حجَّ آدم موسى عليهما السلام لما لام موسى آدم لأجل المصيبة التي حصلت له بأكله من الشجرة. فذكر له آدم " إن هذا كان مكتوبًا قبل أن أُخْلَق. فحج آدم موسى " كما قال تعالى: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد: 22]. وقال تعالَى: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن: 11]. قال بعض السلف: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنَها من عند الله فيرضى ويسلِّم. فهذا وجه احتجاج آدم بالقدر: ومعاذ الله أن يَحتج آدم , ومن هو دونه من المؤمنين على المعاصي بالقدر. فإنه لو ساغ هذا لساغ أن يَحتج إبليس ومن اتبعه من الجن والإنس بذلك , ويَحتج به قوم نوح وعاد وثَمود وسائر أهل الكفر والفسوق والعصيان , ولم يعاقب ربنا أحدًا , وهذا مِمَّا يعلم فساده بالاضطرار شرعًا وعقلًا. فإن هذا القول لا يطرده أحد من العقلاء , فإن طرده يوجب أن لا يلام أحد على شيء , ولا يعاقب عليه. وهذا المحتجُّ بالقدر: لو جنَى عليه جان لطالبه. فإن كان القدر حجة للجاني عليه. وإلا فليس حجة لا لهذا ولا لِهذا. ولو كان الاحتجاج بالقدر مقبولًا: لم يُمكن للناس أن يعيشوا , إذ كان لكل من اعتدى عليهم أن يَحتج بذلك , فيقبلوا عذره ولا يعاقبوه , ولا يمكن اثنان من أهل هذا القول أن يعيشا , إذ لكل منهما أن يقتل الآخر , ويفسد جميع أموره , محتجًّا على ذلك بالقدر. اقتضاء الصراط المستقيم / 622 - 624.

صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجلست في مجلس، فذكروا القدر، فأمرضوا قلبي، فأتيت عمران بن الحصين، فقلت: يا أبا نجيد، إني جلست مجلسًا فذكروا القدر، فأمرضوا قلبي، فهل أنت محدِّثي عنه؟ فقال: نعم: تعلم أنَّ الله - عزَّ وجلَّ - لو عذب أهل السموات وأهل الأرض لعذبهم حين يعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم كانت رحمته أوسع لهم، ولو كان لك مثل أحد ذهبًا فأنفقته، ما تُقُبِّلَ منك حتى تؤمن بالقدر كله، خيره وشره، وستقدم المدينة فتلقى بها أبيّ بن كعب وعبد الله بن مسعود، قال: فقدمت المدينة، فجلست في مجلس فيه عبد الله بن مسعود وأُبيّ بن كعب. فقلت لأُبَيّ: أصلحك الله، إني قدمت البصرة، فجلست في مجلس، فذكروا القدر فأمرضوا قلبي، فهل أنت محدثي عنه؟ فقال: نعم. تعلم أن الله - عزَّ وجلَّ - لو عذب أهل السموات وأهل الأرض لعذبهم حين يعذبهم وهو غير ظالم ولو رحمهم كانت رحمته أوسع لهم ولو كان لك مثل أحد ذهبًا فأنفقته ما تقبل منك حتى تؤمن بالقدر خيره وشره، ثم قال: يا أبا عبد الرحمن، حدِّث أخاك. قال: فحدثني بمثل ما حدثني أُبيّ بن كعب. [الشريعة / 217، 218]. * وقال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: لا يذوق عبد طعم الإيمان حتى يؤمن بالقدر كله، وبأنه مبعوث من بعد الموت. [الشريعة / 218]. * وعن أبي الحجاج الأزدي قال: قلت لسلمان الفارسي - رضي الله عنه -: ما قول الناس حتى تؤمن بالقدر خيره وشره؟ قال: حتى تؤمن بالقدر، تعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، ولا تقول: لو فعلت كذا وكذا لكان كذا وكذا، ولو لم أفعل كذا وكذا، لم يكن كذا وكذا. [الشريعة / 220].

* وعن عطاء بن أبي رباح قال: سألت الوليد بن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه -: كيف كانت وصية أبيك إياك حين حضره الموت؟ قال: دعاني فقال: يا بني، أوصيك بتقوى الله، واعلم أنك لن تتقي الله - عزَّ وجلَّ - حتى تؤمن بالله، واعلم أنك لن تؤمن بالله، ولن تَطْعم طعم حقيقة الإيمان، ولن تبلغ العلم، حتى تؤمن بالقدر كله خيره وشره؟ قال: قلت: يا أبتِ، وكيف لي أن أؤمن بالقدر كلّه خيره وشرّه؟ قال: تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، أي بني، إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " إن أول ما خلق الله - عزَّ وجلَّ - القلم، قال: اكتب، قال: ما أكتب يا رب؟ قال: اكتب القدر، قال: فجرى القلم في تلك الساعة بما كان وبما هو كائن إلى الأبد ". [الشريعة / 223]. * وعن محمد بن إبراهيم القرشي عن أبيه قال: كنت جالسًا عند ابن عمر رضي الله عنهما، فسئل عن القدر؟ فقال: شيء أراد الله - عزَّ وجلَّ - ألاّ يطلعكم عليه، فلا تريدوا من الله - عزَّ وجلَّ - ما أبى عليكم. [الشريعة / 245]. قال الآجري رحمه الله: هذا معنى ما قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله، في رسالته لأهل القدر. قوله: فلئن قلتم: قد قال الله - عزَّ وجلَّ - في كتابه كذا وكذا، يقال لهم: لقد قرؤوا منه - يعني الصحابة - ما قد قرأتم، وعلموا من تأويله ما جهلتم، ثم قالوا بعد ذلك: كله كتاب وقدر، وكتب الشقوة وما قدر يكن، وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، ولا نملك لأنفسنا ضرًا ولا نفعًا، ثم رغبوا بعد ذلك ورهبوا، والسلام. [الشريعة / 245]. * وعن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال: كل شيء بقدر، حتى وضعك يدك على خدك. [الشريعة / 225]. * وقال أيضًا رضي الله عنه: القدر: نظام التوحيد، فمن وحَّد الله تعالى فآمن بالقدر، فهي العروة الوثقى التي لا انفصام لها، ومن وحَّد الله وكذب بالقدر، فإن تكذيبه بالقدر نقص للتوحيد. [الشريعة / 226]. * وعن محمد بن سيرين رحمه الله أنه قال: ما ينكر قوم إن الله - عزَّ وجلَّ - علم شيئًا فكتبه؟. [الشريعة / 230].

* وعن إياس بن معاوية رحمه الله قال: لم أخاصم بعقلي كله من أصحاب الأهواء، غير أصحاب القدر. قال: قلت: أخبروني عن الظلم في كلام العرب ما هو؟ قالوا: أنْ يأخذ الرجل ما ليس له، قال: فقلت: فإن لله - عزَّ وجلَّ - كل شيء. [الشريعة / 231]. * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 2/ 540]. وعاجزُ الرَّأْي مِضْيَاعٌ لفُرْصَتهِ ... حتى إذا فات أَمْرٌ عاتبَ القَدَرا * وعن طاووس رحمه الله قال: ما من شيء يتكلم به ابن آدم إلا أحصي عليه حتى أنينه في مرضه. [الحلية (تهذيبه) 2/ 28]. * وعن ابن طاووس - أو غيره -: أن رجلاً كان يسير مع طاووس فسمع غرابًا نعب فقال: خير، فقال طاووس: أي خير عند هذا أو شر؟ لا تصحبني أو لا تمشي معي. [الحلية (تهذيبه) 2/ 28]. * واجتمع أبو عَمْرو بن العَلاَء رحمه الله وعمرو بن عُبَيد فقال عمرو: إن الله وَعَدَ وَعْدًا وأَوعَد إيعادًا وإنه مُنْجِزٌ وعْدَه ووعيدَه. فقال له أبو عَمْرو: أنت أَعجَم! لا أقولُ إنَّك أَعجَمُ اللسان، ولكنك أعجم القَلْب! أما تعلم، وَيحَكَ! أن العرب تَعُدُّ إنجاز الوَعْد مَكْرُمة، وتَرْكَ إيقاع الوعيد مَكْرُمة؟ ثم أنشده: وإنِّي وَإنْ أَوْعدْتُه أو وعَدْتُه ... لمُخْلِفُ إيعادي ومُنْجِزُ مَوْعدي [عيون الأخبار 2/ 541]. * وقال داود بن أبي هند رحمه الله: أتيت الشام فلقيني غيلان. فقال: يا داود إني أريد أن أسألك عن مسائل؟ قلت: سلني عن خمسين مسألة، وأسألك عن مسألتين. قال: سل يا داود. قلت: أخبرني ما أفضل ما أعطي ابن آدم؟ قال: العقل، قلت: فأخبرني عن العقل هو شيء مباح للناس من شاء أخذه، ومن شاء تركه، أو هو مقسوم بينهم؟ قال: فمضى ولم يجبني. [الحلية (تهذيبه) 1/ 463]. * وعن أنس بن عياض؛ أن غيلان وقف على ربيعة رحمه الله فقال: يا ربيعة أنت الذي تزعم أن الله - عزَّ وجلَّ - يحب أن يُعصى؟ قال: ويلك يا غيلان أفأنت الذي تزعم أن الله يعصى قسرًا؟ [الحلية (تهذيبه) 1/ 533].

* وقال مطرف رحمه الله: إنَّ ها هنا قومًا يزعمون أنهم إن شاؤوا دخلوا الجنة، وإن شاؤوا دخلوا النار، ثم حلف مطرف بالله ثلاثة أيمان مجتهد، أن لا يدخل الجنة عبد أبدًا إلا عبد شاء أن يدخله إياها عمدًا. [الحلية (تهذيبه) 1/ 360]. * وقال أيضًا رحمه الله: لو أخرج قلبي فجعل في يدي هذه اليسار، وجيء بالخير فجعل في هذه اليمنى ما استطعت أن أولج قلبي منه شيئا حتى يكون الله تعالى يضعه. [الحلية (تهذيبه) 1/ 360]. * وقال أيضًا رحمه الله: ليس لأحد أن يصعد فيلقي نفسه من فوق البئر ويقول: قُدِّر لي. ولكن يحذر ويجتهد ويتقي، فإن أصابه شيء علم أنه لم يصبه إلا ما كتب الله له. [الحلية (تهذيبه) 1/ 360]. * وعن حماد بن زيد. قال: قلت لداود بن أبي هند: ما قلت في القدر؟ قال: أقول ما قال مطرف بن الشخير: لم نوكل إلى القدر وإليه نصير. [الحلية (تهذيبه) 1/ 463]. * وعن ثابت أن أخًا لصِلة بن أشيم رحمه الله مات، فجاء رجل وهو يَطْعَم، فقال: يا أبا الصهباءُ إن أخاك مات، فقال: هَلُمّ فكُلْ قد نُعِي لنَا، ادْنُ فكُلْ. فقال: والله ما سبقَني إليك أحد، فَمن نعاه؟. قال: يقول الله - عزَّ وجلَّ - {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ} [الزمر: 30]. [صفة الصفوة 3/ 151]. * وقال بلال بن أبي بردة، لمحمد بن واسع رحمه الله: ما تقول في القضاء والقدر؟ قال: أيها الأمير إن الله - عزَّ وجلَّ - لا يسأل يوم القيامة عباده عن قضائه وقدره، إنما يسألهم عن أعمالهم. [الحلية (تهذيبه) 1/ 415]. * وعن خيثمة رحمه الله قال: دخل ملك الموت على سليمان - عليهما السلام - فجعل ينظر إلى رجل من جلسائه يديم إليه النظر، فلما خرج قال الرجل: من هذا؟ قال: هذا ملك الموت - عليه السلام. قال: لقد رأيته ينظر إليّ فكأنه يريدني. قال: فما تريد. قال: أريد أن تحملني على الريح فتلقيني بالهند. قال: فدعا بالريح

(هـ) موقف السلف في باب الاستواء وعلو الله

فحمله عليها فألقته بالهند ثم أتى ملك الموت سليمان - عليه السلام - فقال: إنك كنت تديم النظر إلى رجل من جلسائي. قال: كنت أعجب منه، إني أمرت أن أقبض روحه بالهند وهو عندك. [الحلية (تهذيبه) 2/ 65]. * وعن الحسن البصري رحمه الله قال: من كذَّب بالقدر فقد كفر. [الزهد للإمام أحمد / 481]. * وعن عمرو بن الهيثم رحمه الله قال: خرجت في سفينة إلى الأُبُلَّة أنا وقاضيها هبيرة بن العديس قال: وصحبنا في السفينة مجوسي وقدري، فقال القدري للمجوسي: أسلم، فقال المجوسي: حتى يريد الله، فقال القدري: الله يريد والشيطان لا يدعك، قال: يقول المجوسي: أراد الله، وأراد الشيطان، فكان ما أراد الشيطان، هذا شيطان قوي (¬1). [الشريعة / 252، 253]. * وقال أبو الفضل العباس بن يوسف الشكلي رحمه الله: قال بعض العلماء مسألة يقطع بها القدري: يقال له: أخبرنا: أراد الله - عزَّ وجلَّ - من العباد أن يؤمنوا فلم يقدر، أو قدر ولم يرده؟ فإن قال: قدر فلم يرد، قيل له: فمن يهدي من لم يرد الله هدايته؟ فإن قال: أراد فلم يقدر، قيل له: لا يشك جميع الخلق أنك قد كفرت ياعدو الله. [الشريعة / 252، 253]. * وعن أبي عثمان قال: كان عيسى - عليه الصلاة والسلام - يصلي على رأس جبل، فأتاه إبليس فقال: أنت الذي تزعم أن كل شيء بقضاء وقدر؟ قال: نعم، قال: ألق نفسك من الجبل، وقل: قدر علي، قال: يا لعين! الله يختبر العباد، وليس للعباد أن يختبروا الله - عزَّ وجلَّ. [موسوعة ابن أبي الدنيا / 4/ 544]. (هـ) موقف السلف في باب الاستواء وعلوِّ الله: * قال مالك بن أنس رحمه الله: الله - عزَّ وجلَّ - في السماء، وعلمه في كل مكان، لا يخلو من عمله مكان. [الشريعة / 293]. * وقال عبد الله بن العوام: قدم علينا شريك رحمه الله واسطًا، فقلنا له: إن ¬

(¬1) في عيون الأخبار 2/ 541: فأنا مع أقواهما.

(و) موقف السلف في باب الصفات

عندنا قوم ينكرون هذه الأحاديث: " أن الله - عزَّ وجلَّ - ينزل إلى السماء الدنيا " ونحوه. فقال شريك: إنما جاءنا بهذه الأحاديث من جاء بالسُّنن عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلاة والصيام والزكاة والحج، وإنما عرفنا الله - عزَّ وجلَّ - بهذه الأحاديث. [الشريعة / 311]. (و) موقف السلف في باب الصفات (¬1): * عن الوليد بن مسلم قال: سألت الأوزاعي، والثوري، ومالك بن أنس، والليث بن سعد رحمهم الله: عن الأحاديث التي فيها الصفات؟ فكلهم قال: أمِرُّوها كما جاءت بلا تفسير. [الشريعة / 318]. * وعن جعفر بن عبد الله، قال: جاء رجل إلى مالك بن أنس رحمه الله فسأله عن قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] كيف استوى؟ قال: فما رأيته وجد من شيء كوجده من مقالته، وعلاه الرحضاء، وأطرق القوم، فجعلوا ينظرون الأمر به فيه، ثم سُرّي عن مالك فقال: الكيف غير معقول، والاستواء غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وإني لأخاف أن تكون ضالاً، ثم أمر به فأُخرج. [عقيدة السلف وأصحاب الحديث / 182، 183]. * وعن عبد الرحمن بن عمر. قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله يقول لفتى من ولد جعفر بن سليمان الهاشمي: مكانك. فقعد حتى تفرق الناس. ثم قال له: يا بني، تعرف ما في هذه الكورة (¬2) من الأهواء ¬

(¬1) قال البربهاري رحمه الله: وكل ما سمعتَ من الآثارِ مِمّا لم يبلغه عقلك , نحو قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن عَزَّ وجَلّ". وقوله: " إن الله - تبارك وتعالى - ينزل إلى سماء الدنيا " , و " ينزل يوم القيامة " , و " جهنم لا يزال يطرح فيها , حتى يضع عليها قدمه جلّ ثناؤه " , وقول الله تعالى للعبد " إن مشيتَ إليَّ: هرولتُ إليك " , وقوله: " إن الله تبارك وتعالى ينزل يوم عرفة " وقوله: " إن الله خلق آدم على صورته " , وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " رأيتُ ربي في أحسن صورة ". وأشباه هذه الأحاديث , فعليك بالتسليم والتصديق والتفويض والرضا , لا تفسِّر شيئًا من هذه بهواك , فإن الإيمان بهذا واجب , فَمَنْ فَسَّرَ شيئًا من هذا بهواه , أو رَدَّهُ: فهو جهمي. شرح السُّنَّة / 74 - 76 (¬2) قال الجوهري رحمه الله: الكُورَةُ المدينة والصُّقْعُ، والجمع كُوَرٌ. وقال ابن سيده: الكُورَةُ من البلاد المِخْلافُ، وهي القرية من قُرَى اليمن؛ قال ابن دريد: لا أَحْسِبُه عربيًّا. لسان العرب, مادة: كور.

والاختلاف، وكل ذلك يجري منك على بال رخي إلا أمرك، وما بلغني فإن الأمر لا يزال هينًا ما لم يصل إليكم - يعني السلطان - فإذا صار إليكم جل وعظم. قال: يا أبا سعيد وما ذاك؟ قال: بلغني أنك تتكلم في الرب وتصفه وتشبه. قال الغلام: نعم يا أبا سعيد، نظرنا فلم نر من خلق الله شيئًا أحسن ولا أولى من الإنسان، فأخذ يتكلم في الصفة. فقال له عبد الرحمن: رويدك يا بني، حتى نتكلم أول شيء في المخلوق، فإن عجزنا عن المخلوق فنحن عن الخالق أعجز، أخبرني عن حديث حدثنيه شعبة عن الشيباني قال: سمعت سعيد بن جبير قال: قال عبد الله في قوله {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم: 18] قال: رأى جبريل له ستمائة جناح. فبقي الغلام ينظر، فقال له عبد الرحمن: يا بني فإني أهون عليك المسألة، وأضع عنك خمسمائة وسبعًا وتسعين جناحًا، صف لي خلقًا بثلاثة أجنحة، ركب الجناح الثالث منه موضعًا غير الموضعين الذين ركبهما الله - عزَّ وجلَّ - حتى أعلم. فقال: يا أبا سعيد قد عجزنا عن صفة المخلوق، ونحن عن صفة الخالق أعجز، فأشهدك أني قد رجعت عن ذاك وأستغفر الله. [الحلية (تهذيبه) 3/ 114]. * وسئل أبو علي الحسين بن الفضل البجلي رحمه الله عن الاستواء وقيل له: كيف استوى على عرشه؟ فقال: إنا لا نعرف من أنباء الغيب إلاَّ مقدار ما كشف لنا، وقد أعلمنا جل ذكره أنه استوى على عرشه، ولم يخبرنا كيف استوى. [عقيدة السلف وأصحاب الحديث / 182 - 185]. * وقال الزهري إمام الأئمة وغيره من علماء الأمة - رضي الله عنه -: على الله البيان وعلى الرسول البلاغ وعلينا التسليم. [عقيدة السلف وأصحاب الحديث / 190]. * وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: إذا قال لك الجهمي: أنا لا أؤمن

(ز) موقف السلف في باب التكفير، والتبديع، والتفسيق

برب يزول عن مكانه. فقل أنت: أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء. [عقيدة السلف وأصحاب الحديث / 235]. * وروى يزيد بن هارون رحمه الله في مجلسه، حديث إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم، عن جرير بن عبد الله في الرؤية، وقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إنكم تنظرون إلى ربكم كما تنظرون إلى القمر ليلة البدر " فقال له رجل في مجلسه: يا أبا خالد ما معنى هذا الحديث؟ فغضب وحَرَدَ وقال: ما أشبهك بصَبيغ (¬1) وأحوجك إلى مثل ما فُعل به، ويلك! ومن يدري كيف هذا! ومن يجوز له أن يجاوز هذا القول الذي جاء به الحديث، أو يتكلم فيه بشيء من تلقاء نفسه إلاَّ من سفه نفسه واستخف بدينه؟ إذا سمعتم الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاتبعوه، ولا تبتدعوا فيه فإنكم إن اتبعتموه، ولم تماروا فيه سلمتم، وإن لم تفعلوا هلكتم. [عقيدة السلف وأصحاب الحديث / 236، 237]. * وقال عمرو بن عثمان المكي رحمه الله: اعلم رحمك الله، أن كل ما توهمه قلبك، أو رسخ في مجاري فكرتك، أو خطر في معارضات قلبك. من حسن أو بهاء أو إشراف أو ضياء أو جمال، أو شبح ماثل أو شخص متمثل، فالله بخلاف ذلك كله، بل هو تعالى أعظم وأجل وأكمل، ألم تسمع إلى قوله - تعالى -:: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11]، وقوله - عزَّ وجلَّ -: {وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 4] أي لا شبه ولا نظير ولا مساوي ولا مثل. [الحلية (تهذيبه) 3/ 392]. (ز) موقف السلف في باب التكفير، والتبديع، والتفسيق: * قيل لشقيق بن سلمة رحمه الله: بأي شيء تشهد على الحجاج؟ فقال: أتأمروني أن أحكم على الله؟. [المنتظم / 6/ 254]. * وقال ابن خزيمة رحمه الله: من لم يقرَّ بأنَّ الله على عرشه قد استوى فوقَ سبعِ سماواته فهو كافر حلالُ الدَّم، وكان ماله فَيئًا. ¬

(¬1) انظر قصته عند موضوع: ذم المراء والجدال في الدين.

قال الذهبي رحمه الله: مَن أقرَّ بذلك تصديقًا لكتاب الله، ولأحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وآمن به مفوِّضًا معناه إلى الله ورسوله، ولم يخُض في التأويل ولا عمَّق، فهو المسلم المتَّبع، ومن أنكر ذلك، فلم يدرِ بثبوت ذلك في الكتاب والسُّنَّة فهو مقصِّرٌ، والله يعفو عنه، إذ لم يوجب اللهُ على كل مسلم حِفْظَ ما ورد في ذلك، ومن أنكر ذلك بعد العلم، وقَفا غير سبيلِ السَّلَفِ الصالح، وتمعقل على النَّص، فأمرُهُ إلى الله، نعوذ بالله من الضلال والهوى. [السير (تهذيبه) 3/ 1161]. * وقال أبو العبَّاس السَّراج رحمه الله: من لم يقرَّ بأن الله تعالى يَعجَبُ، ويضحكُ، وينزل كل ليلة إلى السَّماء الدُّنيا، فيقول: " من يسألني فأعطيه " فهو زنديقٌ كافر، يُستتابُ، فإن تاب وإلا ضُربت عنُقُه، ولا يُصلَّى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين. قال الذهبي رحمه الله: لا يكفر إلا إن علم أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قاله، فإن جحد بعد ذلك فهذا معاند نسأل الله الهدى، وإن اعترف أن هذا حق، ولكن لا أخوض في معانيه، فقد أحسن، وإن آمنَ وأوَّل ذلك كلَّه، أو تأول بعضَهُ، فهو طريقة معروفة. [السير (تهذيبه) 3/ 1164]. * وقال الذهبي رحمه الله: رأيتُ للأشعريِّ رحمه الله كلمة أعجبتني وهي ثابتة رواها البيهقيُّ، سمعتُ أبا حازم العَبْدَويَّ، سمعت زاهر بن أحمد السرخسيَّ يقول: لمّا قَرُبَ حضورُ أجلِ أبي الحسن الأشْعَريِّ في داري ببغداد، دعاني فأتيتُه، فقال: اشهدْ عليَّ أني لا أكفِّر أحدًا من أهلِ القبْلة، لأنَّ الكلَّ يشيرونَ إلى معبودٍ واحد، وإنِّما هذا كلُّه اختلاف العبارات. قال الذهبي رحمه الله: قلتُ: وبنحو هذا أدين، وكذا كان شيخُنا ابنُ تيميةَ رحمه الله في أواخر أيامه، يقول: أنا لا أكفر أحدًا من الأمة (¬1)، ويقول: قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -:" لا يُحافِظُ على الوضوء إلاَّ مؤمنٌ " فمن لازم الصَّلَواتِ بوضوءٍ ¬

(¬1) إلا إذا فعل شيئًا من المكفرات وقامت عليه الحجة: فحينئذ نكفره كما قاله رحمه الله في كثير من كتبه.

فهو مُسلم (¬1). [السير (تهذيبه) 3/ 1174]. * وقال الذهبي رحمه الله: كما كان جماعة في أيَّام النبي - صلى الله عليه وسلم - منتسبون إلى صُحبَتِه وإلى ملَّتِه، وهم في الباطن من مَرَدَةِ المنافقين، ولا يعرفهم نبي الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا يعلم بهم، قال الله تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ} [التوبة: 101]. فإذا جاز على سيِّد البشر أن لا يعلمَ ببعض المنافقين وهم معه في المدينة سنوات، فالأولى أن يخفى حالُ جماعةٍ من المنافقين الفارغين عن دين الإسلام بعده - عليه السلام - على العلماء من أمته، فما ينبغي لك يا فقيهُ أن تُبادر إلى تكفير المسلم إلاّ ببرهان قطعي، كما لا يسوغ لك أن تعتقد العرفانَ والولايةَ فيمن قد تبرهن زغَلُه، وانهتك باطنُهُ وزندقتُه، فلا هذا ولا هذا، بل العدلُ أنَّ من رآه المسلمون صالحًا محسنًا، فهو كذلك، لأنهم شهداء الله في أرضه، إذ ¬

(¬1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: كما ثبت في الصحاح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيِ الرجل الذي قال: إذا أنا متُّ فأحرقوني ثم اسحقوني ثم ذرُّوني في الْيَم , فوالله لئن قدِرَ الله عليَّ ليعذبني عذابًا لاَ يعذبه أحدًا من العالمين. فقال الله له: ما حملك على ما فعلت؟. قال: خشيتك , فغفر له. فهذا الرجل اعتَقَدَ أنَّ الله لا يقدر على جمعه إذا فعل ذلك , أو شك , وأنَّه لا يبعثه. وكل من هذين الاعتقادين كُفْرٌ يكفُر من قامت عليه الحجّة , لكنه كان يجهل ذلك , ولم يبلغه العلم بما يردّه عن جهله , وكان عنده إيمان بالله وبأمره ونهيه ووعده ووعيده , فخاف من عقابه , فغفر الله له بخشيته. فمن أخطأ في بعض مسائل الاعتقاد , من أهل الإيمان بالله وبرسوله وباليوم الآخر والعمل الصالح , لم يكن أسوأ حالًا من هذا الرجل , فيغفر الله خطأه , أو يعذّبه إن كان منه تفريط في اتِّبَاع الحقّ على قدر دينه. وأمَّا تكفير شخص عُلِم إيمانه بمجرد الغلط في ذلك فعظيم. فقد ثبت في الصحيح عن ثابت بن الضحَّاك , عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " لعن المؤمن كقتله , ومن رمَى مؤمنًا بالكفر فهو كقتله ". وثبت في الصحيح: " أنَّ من قال لأخيه: يا كافر , فقد باء به أحدهما ". وإذا كان تكفير المعيّن على سبيل الشتم كقتله , فكيف يكون تكفيره على سبيل الاعتقاد؟ فإنَّ ذلك أعظم من قتله؛ إذْ كل كافر يُباح قتله , وليس كل من أبيح قتله يكون كافرًا , فقد يُقتل الدَّاعي إلى بدعة؛ لإضلاله الناس وإفساده , مع إمكان أنَّ الله يغفر له في الآخرة لما معه من الإيمان , فإنَّه قد تواترت النصوص بأنّه يخرج من النار مَنْ في قلبه مثقال ذرة من إيمان. الاستقامة / 135، 136

(حـ) موقف السلف من الصحابة

الأمة لا تجتمع على ضلالة، وأن من رآه المسلمون فاجرًا أو منافقًا أو مُبطلاً، فهو كذلك، وأنَّ من كان طائفةٌ من الأُمة تُضَلِّلُه، وطائفةٌ من الأُمة تُثني عليه وتبجِّلُه، وطائفة ثالثة تقفُ فيه وتتورَّع من الحطِّ عليه، فهو ممَّن ينبغي أن يعرَض عنه، وأن يُفَوَّضَ أمرُه إلى الله، وأن يستغفَرَ له في الجملة، لأن إسلامَهُ أصليٌّ بيقين، وضلاله مشكوك فيه، فبهذا تستريحُ ويصفو قلبُك من الغِلِّ للمؤمنين. ثم اعلم أنَّ أهل القبلة كلَّهم، مؤمنَهم وفاسقَهم وسُنِّيَّهُم ومبتدِعَهُم - سوى الصحابة - لم يجمعوا على مسلم بأنَّه سعيد ناجٍ، ولم يُجمعوا على مسلم بأنه شقي هالك، فهذا الصِّديق فرد الأمَّة، قد علمتَ تفرُّقهم فيه وكذلك عمر، وكذلك عثمان، وكذلك عليّ، وكذلك ابن الزبير، وكذلك الحجاج، وكذلك المأمون، وكذلك بشر المَرِيسيّ، وكذلك أحمدُ بن حنبل والشافعيّ، والبُخاريّ، والنَّسائيّ، وهلمَّ جرًّا من الأعيان في الخير والشر إلى يومك هذا، فما من إمامٍ كامل في الخير إلا وثمَّ أناسٌ من جهلة المسلمين ومبتدعيهم يذمُّونه ويحطُّون عليه، وما من رأس في البدعة والتجهم والرَّفضِ إلا وله أناس ينتصرون له، ويَذُبُّون عنه، ويَدينون بقوله بهوىً وجهل، وإنما العبرة بقول جمهور الأمة الخالين من الهوى والجهل المتصفين بالورع والعلم. [السير (تهذيبه) 3/ 1158، 1159]. * وقال أيضًا رحمه الله: ولو أن كلَّ من أخطأ في اجتهاده - مع صحة إيمانه، وتوخِّيه لاتِّباع الحقّ - أهدرناه، وبَدَّعناه، لقلَّ منْ يَسْلَم من الأئمة معنا، رحم الله الجميع بمَنِّه وكَرَمِه. [السير (تهذيبه) 3/ 1162]. (حـ) موقف السلف من الصحابة: * عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في النوم أشعث أغبر، بيده قارورتان فيهما دم، فقلت: يا رسول الله ما هذا؟ فقال: دم الحسين وأصحابه، لم أزل ألتقطه منذ اليوم، قال: فنظروا فإذا الحسين قد قتل في ذلك اليوم. [موسوعة ابن أبي الدنيا / 3/ 84].

(ط) معنى الشهادة وفضلها وأهميتها

* وعن عمر بن عبد العزيز رحمه الله قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر - رضي الله عنهما - جالسان عنده، فسلمت عليه وجلست، فبينا أنا جالس إذ أُتي بعلي ومعاوية - رضي الله عنهما - فأُدخلا بيتا وأجيف عليهما الباب وأنا أنظر إليهما، فما كان بأسرع أن خرج علي وهو يقول: قُضي لي ورب الكعبة، وما كان بأسرع أن خرج معاوية على إثره وهو يقول: غُفر لي ورب الكعبة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 81]. * وعن سعيد بن عبد الرحمن الزبيدي رحمه الله قال: رأيت في المنام كأن الناس حشروا، وإذا سواد عظيم منطلقون، فقلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء المقتتلون من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت: فأين ينطلقون؟ قالوا: إلى الجنة، قلت: سبحان الله بينا هم يتطاعنون بالرماح إذ صاروا إلى الجنة؟! فقالوا: وما تذكر من رحمة الله؟. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 82]. (ط) معنى الشهادة وفضلها وأهميتها (¬1): * عن سعيد بن رمانة. قال: قيل لوهب بن منبه رحمه الله: أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله؟ قال: بلى! ولكن ليس من مفتاح إلا وله أسنان، من أتى الباب بأسنانه فتح له، ومن لم يأت الباب بأسنانه لم يفتح له. [الحلية (تهذيبه) 2/ 50]. * وعن سفيان بن عيينة رحمه الله قال: ما أنعم الله - عزَّ وجلَّ - على العباد نعمة أفضل من أن عرفهم لا إله إلا الله، وإن لا إله إلا الله لهم في الآخرة كالماء في الدنيا. [موسوعة ابن أبي الدنيا / 10/ 494]. ¬

(¬1) قال ابن رجب رحمه الله: فإن كَمُل توحيد العبد وإخلاصه لله فيه , وقام بشروطه كلها بقلبه ولسانه وجوارحه , أو بقلبه ولسانه عند الموت , أوجب ذلك مغفرة ما سلف من الذنوب كلها , ومنعه من دخول النار بالكلية , فمن تحقّق بكلمة التوحيد قلبه أخرجت منه كلّ ما سوى الله محبة وتعظيمًا وإجلالًا ومهابة , وخشية ورجاء وتوكلًا , وحينئذٍ تحرق ذنوبه وخطاياه كلها ولو كانت مثل زبد البحر , وربما قلبتها حسنات , كما سبق ذكره في تبديل السيئات حسنات , فإن هذا التوحيد هو الإِكسير الأعظم , فلو وضع ذرّة منها على جبال الذنوب والخطايا , لقلبها حسنات. جامع العلوم والحكم / 523

(ي) الولاء والبراء

(ي) الولاء والبراء: * عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قلت لعمر - رضي الله عنه -: إن لي كاتبًا نصرانيًّا، قال: مالكَ؟ قاتلك الله، أما سَمعت الله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} [المائدة: 51] ألا اتَّخذت حنيفًا؟ قال: قلت: يا أمير المؤمنين، لِي كتابته وله دينه، قال: لا أكرمهم إذ أهانَهم الله، ولا أُعزُّهم إذ أذلَّهم الله، ولا أُدنيهم إذ أقصاهم الله. (¬1) [اقتضاء الصراط المستقيم 84، 85]. * وقال بشر بن الحارث رحمه الله: ما أنا بشيء من عملي أوثق به مني بحبي أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، وقال: أوثق عملي في نفسي حب أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -. [الحلية (تهذيبه) 3/ 91]. * وعن أبي بكر السبائي قال: سمعت بعض مشايخنا يحكي أن الشافعي رحمه الله، عابه بعض الناس لفرط ميله إلى أهل البيت، وشدة محبته لهم، إلى أن نسبه إلى الرفض، فأنشأ الشافعي في ذلك يقول: قف بالمحصب من منى فاهتف بها ... واهتف بقاعد خيفها والناهض إن كان رفضًا حب آل محمد ... فليشهد الثقلان أني رافضي [الحلية (تهذيبه) 3/ 134]. * وقال شاه الكرماني رحمه الله: ما تعبَّد متعبِّد بأكثر من التحبُّب إلى أولياء الله بما يحبون، لأن محبة أولياء الله دليل على محبة الله. [الحلية (تهذيبه) 3/ 359]. (ك) ذم الحلف بغير الله: * عن خناس بن سحيم قال: أقبلت مع زياد بن حدير، فقلت في كلامي: لا والأمانة، فجعل زياد يبكي، فظننت أني أتيت أمرًا عظيماً، فقلت له: أكان يُكره ما قلت؟ قال: نعم: كان عمر - رضي الله عنه - ينهانا عن الحلف بالأمانة أشد النهي. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 339]. ¬

(¬1) قال شيخ الإسلام رحمه الله: رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح. نفس المصدر.

التمسك بالكتاب والسنة والأثر، وذم الأخذ بالرأي

التمسك بالكتاب والسُّنَّة والأثر، وذم الأخذ بالرأي (¬1): * قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: سنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وولاة الأمر ¬

(¬1) قال ابن رجب رحمه الله: وقد انقسم الناس في هذا الباب أقسامًا: فمِن أتباع أهل الحديث من سد باب المسائل حتى قلّ فهمه وعلمه لحدود ما أنزل الله على رسوله وصار حامل فقه غير فقيه. ومن فقهاء أهل الرأي من توسع في توليد المسائل قبل وقوعها, ما يقع في العادة منها وما لا يقع, واشتغلوا بتكلف الجواب عن ذلك, وكثرة الخصومات فيه والجدال عليه حتى يتولد من ذلك افتراق القلوب, ويستقر فيها بسببه الأهواء والشحناء والعداوة والبغضاء, ويقترن ذلك كثيرا بنية المغالبة وطلب العلو والمباهاة وصرف وجوه الناس, وهذا مما ذمه العلماء الربانيون ودلت السنة على قبحه وتحريمه. وأما فقهاء أهل الحديث العاملون به فإن معظم همهم البحث عن معاني كتاب الله, وما يفسره من السُّنن الصحيحة, وكلام الصحابة والتابعين لهم بإحسان, وعن سُنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , ومعرفة صحيحها وسقيمها, ثم التفقه فيها وفهمها والوقوف على معانيها, ثم معرفة كلام الصحابة والتابعين لهم بإحسان في أنواع العلوم من التفسير والحديث ومسائل الحلال والحرام وأصول السنة والزهد والرقائق وغير ذلك, وهذا هو طريق الإمام أحمد ومن وافقه من علماء الحديث الربانيين, وفي معرفة هذا شغل شاغل عن التشاغل بما أحدث من الرأي ما لا ينتفع به ولا يقع, وإنما يورث التجادل فيه كثرة الخصومات والجدال وكثرة القيل والقال وكان الإمام أحمد كثيرا إذا سئل عن شيء من المسائل المحدثة المتولدات التي لا تقع يقول: دعونا من هذه المسائل المحدثة. وما أحسن ما قاله يونس بن سليمان السقطي: نظرت في الأمر فإذا هو الحديث والرأي فوجدت في الحديث ذكر الرب عز وجل وربوبيته وإجلاله وعظمته وذكر العرش وصفة الجنة والنار وذكر النبيين والمرسلين والحلال والحرام والحث على صلة الأرحام وجماع الخير فيه, ونظرت في الرأي فإذا فيه المكر والغدر والحيل وقطيعة الأرحام وجماع الشر فيه ... ومن سلك طريقه لطلب العلم على ما ذكرناه تمكن من فهم جواب الحوادث الواقعة غالبا, لأن أصولها توجد في تلك الأصول المشار إليها, ولابد أن يكون سلوك هذا الطريق خلف أئمة أهل الدين المجمع على هدايتهم ودرايتهم كالشافعي وأحمد وإسحق وأبي عبيد ومن سلك مسلكهم, فإن من ادعى سلوك هذا الطريق على غير طريقهم وقع في مفاوز ومهالك وأخذ بما لا يجوز الأخذ به وترك ما يجب العمل به, وملاك الأمر كله أن يقصد بذلك وجه الله عز وجل والتقرب إليه بمعرفة ما أنزل على رسوله وسلوك طريقه والعمل بذلك ودعاء الخلق إليه ومن كان كذلك وفقه الله وسدده وألهمه رشده وعلمه ما لم يكن يعلم وكان من العلماء الممدوحين في الكتاب في قوله تعالى {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]. جامع العلوم والحكم: 123، 124

بعده - رضي الله عنهم - سننًا، الأخذ بها اتباع لكتاب الله - عزَّ وجلَّ - واستكمال لطاعة الله - عزَّ وجلَّ - وقوة على دين الله تبارك وتعالى. ليس لأحد من الخلق تغييرها ولا تبديلها، ولا النظر في شيء خالفها. من اهتدى بها فهو مهتد، ومن استنصر بها فهو منصور، ومن تركها اتبع غير سبيل المؤمنين، وولّاه الله تعالى ما تولّى، وأصلاه جهنم وساءت مصيراً. [الشريعة / 72]. * وعنه رحمه الله، أنه كتب إلى الناس: إنه لا رأي لأحد مع سُنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. [الشريعة / 62]. * وقال قتادة رحمه الله: ما أفتيت برأيي منذ ثلاثين سنة. [الحلية (تهذيبه) 1/ 408]. * وعن الحسن رحمه الله قال: كان والله من أدركت من صدر هذه الأمة ما قالوا بألسنتهم فكذلك في قلوبهم، كانوا والله موافقين لكتاب ربهم ولسُنَّة نبيهم - صلى الله عليه وسلم -، فإذا جنَّهم الليل فقيام على أطرافهم، يفترشون وجوههم، تجري دموعهم على خدودهم، يرغبون إلى ربهم في فكاك رقابهم، إذا أشرف لهم من الدنيا شيء أخذوا منه قوتهم، ووضعوا الفضل في معادهم، وأدوا إلى الله فيه الشكر، وإن زوى عنهم استبشروا وقالوا: هذا نظر من الله واختبار منه لنا، إن عملوا بالحسنة سرتهم ودعوا الله أن يتقبلها منهم، وإن عملوا بالسيئة ساءتهم واستغفروا الله منها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 331]. * وعن حماد بن زيد. قال: سئل أيوب رحمه الله عن شيء؟ فقال: لم يبلغني فيه شيء، فقيل له: قل فيه برأيك، فقال: لا يبلغه رأيي. [الحلية (تهذيبه) 1/ 433].

* وعن حماد بن زيد. قال: سمعت أيوب رحمه الله وقيل له: ما لك لا تنظر في هذا - يعنى: الرأي؟ فقال أيوب: قيل للحمار: ألا تجتر! فقال: أكره مضغ الباطل. [الحلية (تهذيبه) 1/ 433]. * وعن أبي عبد الرحمن السلمي رحمه الله: أن شقيقًا الضبي قال له: لم تنه الناس عن مجالستي؟ قال: إني رأيتك مضلاًّ لدينك تطلب أرأيت أرأيت!! [الحلية (تهذيبه) 2/ 83]. * وعن المعتمر بن سليمان التيمي رحمه الله قال: مات صاحب لي كان يطلب معي الحديث، فجزعت عليه، فرأى أبي جزعي عليه. فقال: يا معتمر كان صاحبك هذا على السُّنَّة؟ قلت: نعم! قال: فلا تجزع عليه - أو لا تحزن عليه. [الحلية (تهذيبه) 1/ 442]. * وقال أبو العالية رحمه الله: مَن مات على السُّنَّةِ مسْتُورًا، فهو صِدّيقٌ، ويقال: الاعتصام بالسُّنَّة نَجَاة. [شرح السُّنَّةِ 126 - 129]. * وعن الزهري رحمه الله قال: كان من مضى من علمائنا يقولون: إن الاعتصام بالسنة نجاة. [الحلية (تهذيبه) 2/ 26]. * وقال أبو عبيد القاسم بن سلاَّم رحمه الله: المتبع للسُّنَّةِ كالقابض على الجمر، وهو اليوم عندي أفضل من ضرب السيف في سبيل الله. (¬1) [عقيدة السلف وأصحاب الحديث / 252]. * وقال بشر بن الحارث رحمه الله: الإسلام هو السُّنَّةِ، والسُّنَّة هي الإسلام. [شرح السُّنَّةِ 126 - 129]. * وقال يونس بن عبيد رحمه الله: العجب ممن يدعو اليوم إلى السُّنَّةِ وأعجب منه من يجيب إلى السُّنَّةِ فيقبل. [شرح السُّنَّةِ 126 - 129]. * وكان ابن عون رحمه الله يقول عند الموت: السنّة، السنّة، وإيّاكم والبدع، حتى مات. [شرح السُّنَّةِ 126 - 129]. ¬

(¬1) يقول هذا الكلام مع أن زمنه قريب من زمن الصحابة والتابعين , حيث توفي سنة 283 هـ.

* وعن مجاهد رحمه الله قال: ليس أحد إلا يؤخذ من قوله ويترك، إلا النبي - صلى الله عليه وسلم -. [الحلية (تهذيبه) 2/ 13]. * وعن إبراهيم النخعي رحمه الله قال: كان أصحابنا يكرهون تفسير القرآن ويهابونه. (¬1) [الحلية (تهذيبه) 2/ 91]. * وقال أيضًا رحمه الله: لا يستقيم رأي إلا برواية، ولا رواية إلا برأي. [الحلية (تهذيبه) 2/ 92]. * وقال أيضًا رحمه الله: كانوا يكرهون أن يتكلموا في القرآن. [موسوعة ابن أبي الدنيا / 7/ 356]. * وعن أبي الزناد رحمه الله قال: ما رأيت أحدًا أعلم بالسنّة من القاسم بن محمد، وكان الرجل لا يعدّ رجلاً حتى يعرف السنّة. [صفة الصفوة 2/ 444]. * وقال سفيان الثوري رحمه الله: تعلموا هذه الآثار، فمن قال برأيه فقل: رأيي مثل رأيك. [الحلية (تهذيبه) 2/ 364]. * وقال الأوزاعي رحمه الله: اصبر نفسك على السُّنَّة، وقف حيث وقف القوم، وقل بما قالوا، وكف عما كفوا عنه، واسلك سبيل سلفك الصالح، فإنه يسعك ما وسعهم. ولا يستقيم الإيمان إلا بالقول، ولا يستقيم القول إلا بالعلم، ولا يستقيم الإيمان والقول والعمل إلا بالنية موافَقةً للسنة. [الحلية (تهذيبه) 2/ 291]. * وقال أيضًا رحمه الله: عليك بآثار مَنْ سَلف، وإن رَفَضَك النَّاس، وإياك وآراء الرِّجال، وإن زخرفوه لك بالقول، فإن الأمر ينجلي وأنتَ على طريقٍ مستقيم. (¬2) [السير (تهذيبه) 2/ 683]. ¬

(¬1) يعني بذلك تفسير القرآن بالرأي. (¬2) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: والواجب على الخلق اتباع الكتاب والسُّنَّة. وإن لم يدركوا ما في ذلك من المصلحة والمفسدة. اقتضاء الصراط المستقيم / 392، 393 وقال أيضًا: فالعلم المشروع والنسك المشروع مأخوذ عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأما ما جاء عمن بعدهم، فلا ينبغي أن يجعل أصلًا، وإن كان صاحبه معذورًا، بل مأجورًا، لاجتهاد أو تقليد. فمن بنى الكلام في العلم: الأصول، والفروع على الكتاب والسنة، والآثار المأثورة عن السابقين، فقد أصاب طريق النبوة، وكذلك من بنى الإرادة والعبادة والعمل والسماع المتعلق بأصول الأعمال وفروعها من الأحوال القلبية، والأعمال البدنية على الإيمان والسنة والهدى الذي كان عليه محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأصحابه فقد أصاب طريق النبوة، وهذه طريق أئمة الهدى. تجد الإمام أحمد إذا ذكر أصول السُّنَّة، قال: هي التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وكَتَبَ كُتُبَ التفسير المأثور عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة والتابعين. وكتب الحديث والآثار المأثورة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة والتابعين، وعلى ذلك يعتمد في أصوله العلمية وفروعه، حتى قال في رسالته إلى خليفة وقته المتوكل: لا أحب الكلام في شيء من ذلك إلا ما كان في كتاب الله، أو في حديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو الصحابة أو التابعين، فأما غير ذلك فالكلام فيه غير محمود. وكذلك في الزهد والرقاق والأحوال، فإنه اعتمد في كتاب [الزهد] على المأثور عن الأنبياء، صلوات الله عليهم من آدم إلى محمد، ثم على طريق الصحابة والتابعين، ولم يذكر من بعدهم، وكذلك وصفه لآخذ العلم أن يكتب ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم عن الصحابة، ثم عن التابعين. - وفي رواية أخرى - ثم أنت في التابعين مخير. مجموع الفتاوى 10/ 190

* وقال سفيان بن عيينة رحمه الله: كان يقال: اسلكوا سبل الحق ولا تستوحشوا من قلة أهلها. [الحلية (تهذيبه) 2/ 444]. * وقال شقيق البلخي رحمه الله: أربعة أشياء من طريق الاستقامة: لا يترك أمر الله لشدةٍ تنزلُ به، ولا يتركه لشيء يقع في يده من الدنيا، فلا يعمل بهوى أحد ولا يعمل بهوى نفسه، لأن الهوى مذموم، ليعمل بالكتاب والسُّنَّة. [الحلية (تهذيبه) 2/ 502]. * وقال ابن المبارك رحمه الله: ليكن الذي تعتمدون عليه هذا الأثر، وخذوا من الرأي ما يفسر لكم الحديث. [الحلية (تهذيبه) 3/ 37]. * وقال مالك بن أنس رحمه الله: مَنْ لزِمَ السنّة وسَلِمَ منه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم مات: كان مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وإن كان له تقصير في العمل. [شرح السُّنَّةِ / 126].

* وقال أيضًا رحمه الله: لو كان لي سلطان على من يفسر القرآن لضربت رأسه (¬1). [الحلية (تهذيبه) 2/ 355]. * وقال أيضًا رحمه الله: إن حقًا على من طلب العلم أن يكون له وقار وسكينة وخشية، وأن يكون متبعًا لأثر من مضى قبله. [الحلية (تهذيبه) 2/ 357]. * وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله: ليس ينبغي لمن ألهم شيئًا من الخير أن يعمل به حتى يسمعه في الأثر، فإذا سمعه في الأثر عمل به وحمد الله - عزَّ وجلَّ - على ما وفق من قلبه. [الحلية (تهذيبه) 3/ 192]. * وقال أيضًا رحمه الله: ربما يقع في قلبي النُّكتة من نُكَت القوم أيامًا فلا أقبل منه إلاَّ بشاهِدَين عدْلين: الكتاب والسُّنَّة. [صفة الصفوة 4/ 446]. * وقال الشافعيُّ رحمه الله: كلُّ ما قلتُه فكانَ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلافُ قولي ممَّا صحَّ، فهو أولى، ولا تُقَلِّدُوني. [السير (تهذيبه) 2/ 848]. * وقال أيضًا رحمه الله: ما أوردتُ الحقّ والحجة على أحد فقبلهما مني، إلا هبته واعتقدت مودّته، ولا كابرَني على الحق أحد ودافع الحجّة إلا سقَط من عيني. [صفة الصفوة 2/ 552]. * وقال أيضًا رحمه الله: إذا وجدتم في كتابي خلاف سُنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقولوا بسُنَّة رسول الله ودَعوا ما قلت. [صفة الصفوة 2/ 556]. * وقال أيضًا رحمه الله: كلما قلت، وكان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خلاف قولي مما يصح، فحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - أولى ولا تقلدوني. [الحلية (تهذيبه) 3/ 125]. * وقال أيضًا رحمه الله: إذا وجدتم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - سُنَّة فاتبعوها ولا تلتفتوا إلى قول أحد. [الحلية (تهذيبه) 3/ 125]. * وقال الحميديُّ: روى الشافعيُّ رحمه الله يومًا حديثًا، فقلتُ: أتأخُذُ به. فقال: رأيتَني خرجتُ من كنيسةٍ، أو عليَّ زُنَّارٌ، حتى إذا سمعتُ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثًا لا أقول به!!! [السير (تهذيبه) 2/ 848]. ¬

(¬1) يقصد بذلك: الذي يفسر القرآن بالرأي والعقل لا بالأثر والنقل.

* وعن الربيع بن سليمان قال: سمعت الشافعي رحمه الله وقد روى حديثًا، فقال له بعض من حضر: تأخذ بهذا؟ فقال: إذا رويت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثًا صحيحًا، فلم آخذ به فأنا أشهدكم أن عقلي قد ذهب، ومدَّ يديه. [صفة الصفوة 2/ 556]. * وعنه. قال: سأل رجل الشافعي رحمه الله عن حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له الرجل: فما تقول؟ فارتعد وانتفض وقال: أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا رويت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقلت بغيره. [الحلية (تهذيبه) 3/ 125]. * وعن عبد الله بن أحمد بن حنبل. قال: سمعت أبي يقول: قال محمد بن إدريس الشافعي: يا أبا عبد الله إذا صح عندكم الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخبرونا به حتى نرجع إليه. [الحلية (تهذيبه) 3/ 139]. * وعن إبراهيم بن هاني قال: اختفى عندي أحمد بن حنبل رحمه الله ثلاثة أيام ثم قال: اطلب لي موضعًا حتى أتحول إليه. قلت: لا آمن عليك يا أبا عبد الله، قال: إذا فعلت أفدتك، فطلبت له موضعًا فلما خرج قال لي: اختفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الغار ثلاثة أيام، ثم تحول، وليس ينبغي أن نتبع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الرخاء ونتركه في الشدة. [الحلية (تهذيبه) 3/ 144]. * وقال أبو يزيد البسْطامي رحمه الله: لله خلقٌ كثيرٌ يمشون على الماء، لا قيمةَ لهم عند الله، ولو نظرتم إلى من أعطي من الكرامات حتى يطير، فلا تَغْتَرُّوا به حتى تروا كيف هو عند الأمر والنهي، وحِفْظِ الحدود والشرع. [السير (تهذيبه) 3/ 155]. * وقال أبو عثمان الحيري رحمه الله: من أمَرّ السُّنة على نفسه قولاً وفعلاً، نطق بالحكمة، ومن أمَرّ الهوى على نفسه نطق بالبدعة، قال - تعالى -:: {وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54]. قال الذهبي: وقال - تعالى -:: {ولا تتبعِ الهَوَى فَيُضِلَّكَ عن سَبِيلِ الله} [ص: 26]. [السير (تهذيبه) 2/ 723].

* وقال السري السقطي رحمه الله: قليل في سنّة خير من كثير في بدْعة، كيف يقل عملٌ مع تقوى؟. [صفة الصفوة 2/ 627]. * وقال أيضًا رحمه الله: من ادعى باطن علم ينقض ظاهر حكم فهو غالط. [الحلية (تهذيبه) 3/ 287]. * وقال الجنيد رحمه الله: علمُنا مضبوطٌ بالكتاب والسُّنَّة، من لم يحفظ القرآن ولم يكتب الحديث ولم يتفقه لا يقتدى به. [الحلية (تهذيبه) 3/ 371]. * وقال أيضًا رحمه الله: الطرق كلها مسدودة على الخلق، إلا من اقتفى أثر الرسول واتبع سُنَّته، ولزم طريقته، فإن طريق الخيرات كلها مفتوحة عليه. [الحلية (تهذيبه) 3/ 373]. * وقال أبو العباس بن عطاء رحمه الله: من ألزم نفسه آداب السنة غمر الله قلبه بنور المعرفة، ولا مقام أشرف من متابعة الحبيب في أوامره وأفعاله وأخلاقه والتأدب بآدابه قولاً وفعلاً ونية وعقدًا. [الحلية (تهذيبه) 3/ 400]. * وعن عيسى بن أحمد الهمذاني أنه قال: كان عبد العزيز الداركي الشافعي رحمه الله إذا جاءته مسألة تفكر طويلاً ثم أفتى فيها، فربما كانت فتواه خلاف مذهب الشافعي، وأبي حنيفة، فيقال له في ذلك، فيقول: ويحكم حدث فلان عن فلان عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكذا وكذا، والأخذ بالحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولى من الأخذ بقول الشافعي وأبي حنيفة إذا خالفاه. [المنتظم 14/ 214].

ذم البدع والمبتدعة، والهوى وأهله، والجدال والمراء

ذم البدع والمبتدعة، والهوى وأهله، والجدال والمراء (أ) ذم البدع: * عن سفيان الثوري رحمه الله قال: من سمع ببدعة فلا يحكها لجلسائه، لا يُلقها في قلوبهم. قال الذهبي: أكثر أئمة السلف على هذا التحذير، يرون أن القلوب ضعيفة والشُّبَه خَطَّافة. [السير (تهذيبه) 2/ 698]. * وقال سفيان رحمه الله أيضًا: البدعة أحبّ إلى إبليس من المعصية، المعصية يتاب منها، والبدعة لا يتاب منها. (¬1) [الحلية (تهذيبه) 2/ 381]. * وعن مطرّف بن عبد الله رحمه الله قال: لأن يسألني ربي - عزَّ وجلَّ - يوم القيامة، فيقول: يا مطرف ألا فعلت؟ أحبّ إلي من أن يقول: لِم فعلت. [صفة الصفوة 3/ 158]. * وقال مطر الوراق رحمه الله: عمل قليل في سُّنَّة، خير من عمل كثير في بدعة، ومن عمل عملاً في سنة قبل الله منه عمله، ومن عمل عملاً في بدعة، ردّ الله عليه بدعته. [الحلية (تهذيبه) 1/ 457]. ¬

(¬1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ومعنى قولهم (أن البدعة لا يتاب منها): أن المبتدع الذي يتخذ دينًا لم يشرعه الله ولا رسوله قد زُين له سوء عمله فرآه حسنًا فهو لا يتوب ما دام يراه حسنًا , لأن أول التوبة العلم بأن فعله سيء ليتوب منه , أو بأنه ترك حسنًا وهو سيء في نفس الأمر فإنه لا يتوب. ولكن التوبة منه ممكنة وواقعة بأن يهديه الله ويرشده حتى يتبين له الحق كما هدى سبحانه وتعالى من هدى من الكفار والمنافقين وطوائف من أهل البدع والضلال. مجمُوع الفَتاوَى 7/ 10

(ب) ذم المبتدعة

* وعن مجاهد رحمه الله قال: ما أدري أيُّ النعمتين أفضل؟ أن هداني للإسلام؟ أو عافاني من الأهواء. [الحلية (تهذيبه) 2/ 13]. (ب) ذم المبتدعة: * قال عمر بن الخطاب رضوان الله تعالى عليه: إن ناسًا يجادلونكم بِشُبَه القرآن، فخذوهم بالسُّنن، فإن أصحاب السُّنن أعلم بكتاب الله - عزَّ وجلَّ. [الشريعة / 57]. * وعن أبي البختري قال: أخبر رجل عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أن قوما، يجلسون في المسجد بعد المغرب وفيهم رجل يقول: كبِّروا لله كذا وكذا وسبِّحوا لله كذا وكذا واحمدوا لله كذا وكذا فقال عبد الله: فيقولون؟ قال: نعم، فإذا رأيتهم فعلوا ذلك فأتني فأخبرني بمجلسهم، فأتاهم وعليه بُرنس فجلس فلما سمع ما يقولون قام وكان رجلا حديدا فقال: أنا عبد الله بن مسعود والذي لا إله غيره لقد جئتم ببدعة ظلماء، أو لقد فضلتم أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - علماً؟ فقال معضد: والله ما جئنا ببدعة ظلماء ولا فضلنا أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - علماً، فقال عمرو بن عتبة: يا أبا عبد الرحمن نستغفر الله قال: عليكم بالطريق فالزموه فوالله لئن فعلتم لقد سبقتم سبقا بعيدا وإن أخذتم يمينا وشمالا لتضلوا ضلالا بعيدا. [الزهد للإمام أحمد]. * وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: لا تجالس أهل الأهواء، فإن مجالستهم ممرضة للقلوب. [الشريعة / 70]. * وعن أيوب السختياني رحمه الله قال: ما ازداد صاحبُ بدعةٍ اجتهادًا، إلا زاد من الله - عزَّ وجلَّ - بُعدا. [صفة الصفوة 3/ 211]. * وعن جابر. قال: قال لي محمد بن علي رحمه الله: يا جابر بلغني أن قومًا بالعراق، يزعمون أنهم يحبوننا، وينالون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، ويزعمون أني أمرتهم بذلك، فأبلغهم إني إلى الله منهم بريء، والذي نفس محمد بيده لو وليت لتقربت إلى الله تعالى بدمائهم، لا نالتني شفاعة محمد إن لم أكن أستغفر لهما وأترحم عليهما، إن أعداء الله لغافلون عنهما. [الحلية (تهذيبه) 1/ 508].

* وعن شعبة الخياط مولى جابر الجعفي قال: قال لي أبو جعفر محمد بن علي لما ودعته: أبلغ أهل الكوفة أني برئ ممن تبرأ من أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - وأرضاهما. [الحلية (تهذيبه) 1/ 508]. * وقال أبو الجوزاء رحمه الله: لأن أجالسَ الخنازير أحبُّ إليَّ من أن أجالسَ أحدًا من أهل الأهواء. [السير (تهذيبه) 2/ 512]. * وعن مطرف بن عبد الله قال: سمعت مالك بن أنس رحمه الله إذا ذكر عنده الزائغون في الدين يقول: قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: سَنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وولاة الأمر من بعده سُننًا، الأخذ بها اتباع لكتاب الله - عزَّ وجلَّ - واستكمال لطاعة الله - عزَّ وجلَّ - وقوة على دين الله، ليس لأحد من الخلق تغييرها ولا تبديلها، ولا النظر في شيء خالفها، من اهتدى بها فهو مهتد، ومن انتصر بها فهو منصور، ومن تركها اتبع غير سبيل المؤمنين، وولاه الله تعالى ما تولاه، وأصلاه جهنم وساءت مصيرًا. [الشريعة / 56، 57]. * وعن يحيى بن أبي كثير رحمه الله قال: إذا لقيت صاحب بدعة في طريق فخذ في غيره. [الشريعة / 72]. * وعن أبي قلابة رحمه الله أنه كان يقول: إن أهل الأهواء أهل الضلالة، ولا أرى مصيرهم إلا إلى النار. [الشريعة / 72]. * وعن الحسن البصري رحمه الله قال: صاحب البدعة لا تقبل له صلاة، ولا صيام، ولا حج، ولا عمرة، ولا جهاد، ولا صرف، ولا عدل. [الشريعة / 72]. * وقال أحمد بن سنان القطان رحمه الله: ليس في الدنيا مبتدع إلاَّ وهو يبغض أهل الحديث، فإذا ابتدع الرجل نُزعت حلاوة الحديث من قلبه. [عقيدة السلف وأصحاب الحديث / 298، 299]. * وقال سفيان الثوري رحمه الله: مَن أَصغى بإذنه إلى صاحب بدعة: خرج من عصمة الله، ووُكِلَ إليها - يعني: على البدع -. (¬1) [شرح السُّنَّةِ 126 - 129]. ¬

(¬1) وكذا قال محمد بن النضر الحارثي رحمه الله كما في تلبيس إبليس / 28.

* وقال أيضًا رحمه الله: من سمع من مبتدع لم ينفعه الله بما سمع ومن صافحه فقد نقض الإسلام عروة عروة. [تلبيس إبليس / 27]. * وعن مؤمل بن إسماعيل قال: مات عبد العزيز بن أبي داود وكنت في جنازته حتى وضع عند باب الصفا فصف الناس وجاء الثوري رحمه الله فقال الناس: جاء الثوري، فجاء حتى خرق الصفوف والناس ينظرون إليه فجاوز الجنازة ولم يصل عليه لأنه كان يرمي بالإرجاء. [تلبيس إبليس / 27]. * وقال رافع بن أشرس رحمه الله: من عقوبة الفاسق المبتدع أن لا تُذكر محاسنه. [موسوعة ابن أبي الدنيا / 7/ 309]. * وقال يونس بن عبيد رحمه الله: فتنة المعتزلة على هذه الأمة أشد من فتنة الأزارقة؛ لأنهم يزعمون أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضلوا، وأنهم لا تجوز شهادتهم لما أحدثوا من البدع، ويكذبون بالشفاعة والحوض، وينكرون عذاب القبر، أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم، ويجب على الإمام أن يستتيبهم فإن تابوا وإلا نفاهم من ديار المسلمين. [الحلية (تهذيبه) 1/ 439]. * وقال أيضًا رحمه الله: ثلاثة احفظوهنَّ عني؛ لا يدخل أحدكم على سلطان يقرأ عليه القرآن، ولا يخلون أحدكم مع امرأة شابة يقرأ عليها القرآن، ولا يمكن أحدكم سمعه من أصحاب الأهواء. [الحلية (تهذيبه) 1/ 438]. * وعن خويل. قال: كنت عند يونس بن عبيد رحمه الله فجاء رجل. فقال: أتنهانا عن مجالسة عمرو بن عبيد، وقد دخل عليه ابنك قبل، فقال له يونس: اتق الله فتغيظ، فلم يبرح أن جاء ابنه. فقال: يا بني، قد عرفت رأيي في عمرو فتدخل عليه؟ فقال: يا أبت كان معي فلان فجعل يعتذر إليه. فقال: أنهاك عن الزنا والسرقة وشرب الخمر، ولأن تلقى الله - عزَّ وجلَّ - بهن؛ أحب إليَّ من أن تلقاه برأي عمرو وأصحاب عمرو. [الحلية (تهذيبه) 1/ 438]. * وعن ميمون بن مهران رحمه الله قال: ثلاث لا تبلونّ نفسك بهنّ، لا تدخل على السلطان وإن قلت: آمره بطاعة الله، ولا تدخل على امرأة وإن قلت: أعلمها كتاب الله، ولا تصغين بسمعك لذي هوى، فإنك لا تدري ما يعلق بقلبك منه؟ [الحلية (تهذيبه) 2/ 54].

* وقال داود بن أبي هند رحمه الله: أوحى الله تبارك وتعالى إلى موسى بن عمران: لا تجالس أهل البدع؛ فإن جالستهم فحاك في صدرك شيء مما يقولون أكببتك في نار جهنم. [شرح السُّنَّةِ 126 - 129]. * وعن سعيد بن عامر. قال: مرض سليمان التيمي رحمه الله، فبكى في مرضه بكاءً شديدًا، فقيل له: ما يبكيك؟ أتجزع من الموت. قال: لا! ولكن مررت على قدري فسلمت عليه، فأخاف أن يحاسبني ربي - عزَّ وجلَّ - عليه. [الحلية (تهذيبه) 1/ 442]. * وقال عمرو بن قيس رحمه الله: لا تجالس صاحب زيغ فيزيغ قلبك. [الحلية (تهذيبه) 2/ 155]. * وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: من جالس صاحب بدعة لم يُعْطَ الحكمة. [شرح السُّنَّةِ 126 - 129]. * وقال أيضًا رحمه الله: لا تجلس مع صاحب بدعة، فإني أخاف أن تنزل عليك اللعنة. [شرح السُّنَّةِ 126 - 129]. * وقال أيضًا رحمه الله: مَنْ أحب صاحب بدعة: أحبط الله عمله، وأخرج نور الإسلام مِن قلبه. [الحلية (تهذيبه) 3/ 20]. * وقال أيضًا رحمه الله: مَنْ جلسَ مع صاحب بدعة في طريق، فَجُزْ في طريق غيره. [الحلية (تهذيبه) 3/ 20]. * وقال أيضًا رحمه الله: مَنْ عَظَّمَ صاحبَ بدعة: فقد أَعَانَ على هدم الإسلام. ومن تَبَسَّمَ في وجه مبتدِع: فقد استَخَفَّ بما أنزل الله - عزَّ وجلَّ - على محمد - صلى الله عليه وسلم -. ومن زَوَّجَ كريمته من مبتدِع: فقد قطع رحمها. ومن تبع جنازة مبتدِع لم يزل في سخط الله حتى يرجع. [شرح السُّنَّةِ 126 - 129]. * وقال أيضًا رحمه الله: إذا رأيت رجلاً من أهل السُّنَّة فكأنما أرى رجلاً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإذا رأيت رجلاً من أهل البدع فكأنما أرى رجلاً من المنافقين. [شرح السُّنَّةِ 126 - 129]. * وقال أيضًا رحمه الله: لأن آكل عند اليهودي والنصراني، أحب إلي من أن

آكل عند صاحب بدعة، فإني إذا أكلت عندهما لا يقتدى بي، وإذا أكلت عند صاحب بدعة اقتدى بي الناس، أحب أن يكون بيني وبين صاحب بدعة حصن من حديد، وعمل قليل في سنة، خير من عمل صاحب بدعة، ومن جلس مع صاحب بدعة لم يعط الحكمة، ومن جلس إلى صاحب بدعة فاحذره، وصاحب بدعة لا تأمنه على دينك ولا تشاوره في أمرك، ولا تجلس إليه فمن جلس إليه ورثه الله - عزَّ وجلَّ - العمى، وإذا علم الله من رجل أنه مبغض لصاحب بدعة رجوت أن يغفر الله له، وإن قلّ عمله، فإني أرجو له، لأن صاحب السُّنَّة يعرض كل خير، وصاحب البدعة لا يرتفع له إلى الله عمل، وإن كثر عمله. [الحلية (تهذيبه) 3/ 20]. * وقال أيضًا رحمه الله: ما على الرجل إذا كان فيه ثلاث خصال: إذا لم يكن صاحب هوى، ولا يشتم السلف، ولا يخالط السلطان. [الحلية (تهذيبه) 3/ 21]. * وعن محمد بن سهل البخاري قال: كنا عند القرباني رحمه الله فجعل يذكر أهل البدع فقال له رجل: لو حدثتنا كان أعجب إلينا فغضب وقال: كلامي في أهل البدع أحب إلي من عبادة ستين سنة. [تلبيس إبليس / 27]. * وعن عاصِم الأحول قال: جلست إلى قتادة رحمه الله، فذكر عمرو بن عبيد (¬1)، قوقع فيه ونال منه. فقلت له: أبا الخطاب، ألا أرى العلماء يقع بعضهم في بعض! فقال: يا أُحَيول ألا تدري أن الرجل إذا ابتدع بدعة، فينبغي لها أن تذكر حتى يحذر. [الحلية (تهذيبه) 1/ 408]. * وقال الشافعي رحمه الله: أسِّسَ التصوف على الكسل. [الحلية (تهذيبه) 3/ 132]. * وقال أيضًا رحمه الله: لو أنَّ رجلاً عاقلاً تصوَّف أوَّل النهار لم يأتِ الظُّهْر حتَّى يصيرَ أحمق. [الحلية (تهذيبه) 3/ 133] * وقال أبو سليمان الدَّاراني رحمه الله: وما رأيت صوفيًّا فيه خير، إلا ¬

(¬1) وهو مِن المبتدعة الذين ينفون القدَر.

(جـ) ذم الهوى، وفضل من خالفه

واحدًا عبد الله بن مرزوق. قال: وأنا أرق لهم. [الحلية (تهذيبه) 3/ 188]. (جـ) ذم الهوى، وفضل من خالفه (¬1): * قال ابن عباس - رضي الله عنه -: الهوى إله معبود وقرأ: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الجاثية: 23]. [عيون الأخبار 1/ 78]. * وقيل لعمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى: أي الجهاد أفضل؟ فقال: جهادك هواك. [الكامل في اللغة والأدب / 149]. * وقال رحمه الله: لا تكن ممن يتبع الحق إذا وافق هواه، ويخالفه إذا خالف هواه، فإذا أنت لا تثاب على ما اتبعته من الحق، وتعاقب على ما خالفته. (¬2) [مجموع الفتاوى 10/ 244]. ¬

(¬1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إن من الناس من يكون حبه وبغضه وإرادته وكراهته بحسب محبته نفسه وبغضها، لا بحسب محبّة الله ورسوله، وبغض الله ورسوله، وهذا من نوع الهوى، فإن اتّبعه الإنسان فقد اتبع هواه {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ} [القصص: 50]، فإن أصل الهوى هو محبة النفس، ويتبع ذلك بغضها. والهوى نفسه - وهو الحب والبغض الذي في النفس - لا يُلام العبد عليه، فإن ذلك لا يملكه، وإنما يُلام على اتِّبَاعه. كما قال تعالى: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} [ص: 26]، وقال تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ} [القصص: 50]. الاستقامة / 459 وقال رحمه الله: اتِّبَاع الأهواء في الديانات أعظم من اتِّبَاع الأهواء في الشهوات. الاستقامة / 460 وقال رحمه الله: من خرج عن موجب الكتاب والسنة من المنسوبين إلى العلماء والعباد يجعل من أهل الأهواء، كما كان السلف يسمونهم أهل الأهواء؛ وذلك أن كل من لم يتبع العلم فقد اتبع هواه، والعلم بالدين لا يكون إلا بهدي الله الذي بعث به رسوله - صلى الله عليه وسلم -. ولهذا قال تعالى في موضع {وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ} ... [الأنعام: 119]، وقال في موضع آخر: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ} [القصص: 50]. الاستقامة / 460، 461 (¬2) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وهو كما قال - رضي الله عنه -: لأنه في الموضعين إنما قصد اتباع هواه لم يعمل لله. ألا ترى أن أبا طالب نصر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذبَّ عنه أكثر من غيره؛ لكن فعل ذلك لأجل القرابة، لا لأجل الله تعالى، فلم يتقبل الله ذلك منه، ولم يثبه على ذلك؟! وأبو بكر الصديق - رضي الله عنه - أعانه بنفسه وماله لله؛ فقال الله فيه: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى. الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى. وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى. إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى. وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [الليل: 17 - 21]. نفس المصدر.

* وقال إبراهيم بن أدهم: بلغني أن عمر بن عبد العزيز رحمه الله قال لخالد بن صفوان رحمه الله: عظني وأوجز، فقال خالد: يا أمير المؤمنين إن أقوامًا غرَّهم ستر الله وفَتَنَهم حسن الثناء، فلا يغلبنّ جهلُ غيرك بك علمك بنفسك أعاذنا الله وإياك أن نكون بالستر مغرورين، وبثناء الناس مسرورين، وعما افترض الله علينا متخلفين ومقصرين، وإلى الأهواء مائلين. قال: فبكى ثم قال: أعاذنا الله وإياك من اتباع الهوى. [الحلية (تهذيبه) 2/ 485]. * وقال إبراهيم بن أدهم رحمه الله: أشد الجهاد جهاد الهوى، من منع نفسه هواها فقد استراح من الدنيا وبلائها، وكان محفوظًا ومعافى من أذاها. [الحلية (تهذيبه) 2/ 484]. * وكان يقال: الهوى شريك العمى. [عيون الأخبار 1/ 78]. * وكان أبو سليمان الداراني رحمه الله يقول: كنت بالعراق، أمرُّ على تلك القصور والمراكب والملابس والمطاعم التي للملوك فلا تلتفت نفسي إلى شيء من ذلك، وأمرُّ على التمر، فتكاد نفسي تقع عليه. فذُكر ذلك لبعض العارفين فقال: تلك الشهوات آيسَ نفسَه منها فأيسَتْ، والتمرة أطمعها فيه فطمعت، كما قيل: صَبَرْتُ على اللَّذَاتِ حتَّى توَلَّت ... وألزمتُ نفسي هَجْرَهَا فاستمرت ومَا النَّفْسُ إلاَّ حيْثُ يَجْعَلُهَا الفتَى ... فإنْ طَمِعَتْ تَاقَتْ وإلاَّ تسلَّت وكَانَتْ على الأيَّامِ نَفْسِي عَزِيْزَةً ... فلمَّا رأَتْ عَزْمِي عَلَى الذُّلِّ ذلَّت [الجامع المنتخب / 197]. * وعنه رحمه الله قال: أفضلُ الأعمال خِلافُ هوى النَّفس. [السير (تهذيبه) 2/ 865].

* وقال مالك بن دينار رحمه الله: جاهدوا أهواءكم كما تجاهدون أعداءكم. (¬1) [الكامل في اللغة والأدب / 187]. * وقال أيضًا رحمه الله: ما أشد فطام الكبير. [الكامل في اللغة والأدب / 187]. * وعن وهب بن منبه رحمه الله قال: من جعل شهوته تحت قدمه، فزع الشيطان من ظله، ومن غلب حلمه هواه فذاك العالم الغلاب. [الحلية (تهذيبه) 2/ 49]. * وعن يزيد بن ميسرة رحمه الله قال: إن الله تعالى يقول: أيها الشاب التارك شهوته لي، المبتذل شبابه من أجلي، أنت عندي كبعض ملائكتي. [الحلية (تهذيبه) 2/ 194]. * وكان الحسن البصري رحمه الله يقول: شرُّ داء خالط قلبًا - يعني الهوى. [الزهد للإمام أحمد / 451]. * وقال الشيخ عبد الله الأرمني رحمه الله: اجتزت مرة في سياحتي براهب في صومعة، فقال لي: يا مسلم ما أقرب الطرق عندكم إلى الله - عزَّ وجلَّ - قلت: مخالفة النفس، قال: فردَّ رأسه إلى صومعته، فلما كنت بمكة زمن الحج إذا رجل يسلم علي عند الكعبة، فقلت: من أنت، فقال: أنا الراهب، قلت بم وصلت إلى هاهنا، قال: بالذي قلت. وفي رواية: عرضت الإسلام على نفسي فأبت فعلمت أنه حق فأسلمت، وخالفتها. فأفلح وأنجح. [البداية والنهاية 13/ 222]. * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 3/ 14]. أتاني هواها قبل أن أعرفَ الهوى ... فصادفَ قلبًا فارغًا فتمكَّنا * وقال أبو حازم رحمه الله: قاتل هواك أشد مما تقاتل عدوك. [الحلية (تهذيبه) 1/ 519]. * وقال أيضًا رحمه الله: شيئان إذا عملت بهما أصبت بهما خير الدنيا ¬

(¬1) قال ابن رجب رحمه الله: اعلم أن نفسك بمنزلة دابتك, إن عرفت منك الجدّ جدّتْ, وإن عرفت منك الكسل طمعت فيك, وطلبت منك حظوظها وشهواتها. الجامع المنتخب / 197

والآخرة، ولا أطول عليك. قيل: وما هما؟ قال: تحمل ما تكره إذا أحبه الله، وتكره ما تحب إذا كرهه الله - عزَّ وجلَّ. [الحلية (تهذيبه) 1/ 527]. * وقيل لجعفر المرتعش رحمه الله: إن فلانًا يمشي على الماء، فقال: إن من مكنه الله من مخالفة هواه فهو أعظم من المشي على الماء. [المنتظم 13/ 384]. * وقال أبو بكر ابن الضرير الزاهد رحمه الله: دافعت الشهوات حتى صارت شهوتي المدافعة فحسب. [المنتظم 14/ 149]. * وقال الحكماء رحمه الله: " عين الهوى عوراء ". [ذم الهوى / 426]. * وقال أبو العتاهية رحمه الله: لقيتُ أبا نواس في المسجد الجامع فعذلته، قلت له: أما آن لك أن ترْعَوِي؟! أما آن لك أن تزدجر؟! فرفع رأسه إليّ وهو يقول: أتراني يا عتاهي ... تاركًا تلكَ الملاهِي أتراني مفسدًا بالنُّـ ... سْكِ عندَ القَوْم جاهي! قال: فلمّا ألححت عليه في العَذْل أنشأ يقول: لن ترجِعَ الأنفُسُ عن غَيِّها ... ما لم يكنْ منها لها زاجرُ فَوَدِدْتُ أنِّي قلتُ هذا البيت بكل شيء قلته! [ذم الهوى / 76]. * وكان بعض الحكماء يقول: " هبْ أنّ المسيءَ قد غُفر له، أليس قد فاته ثواب المُحسِنِين". [ذم الهوى / 149]. * وقال عطاء السليمي رحمه الله: بلغنا أن الشهوة والهوى يغلبان العلم والعقل والبيان. [الحلية (تهذيبه) 2/ 323]. * وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: لن يعمل عبد حتى يؤثر دينه على شهوته، ولن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه. [الحلية (تهذيبه) 3/ 27]. * وعن الفيض بن إسحاق قال: سمعت الفضيل بن عياض يقول: ليس في الأرض شيء أشد من ترك شهوة. ثم حدثنا، عن حصين، عن بكر بن عبد الله رحمه الله قال: الرجل عبد بطنه، عبد شهوته، عبد زوجته، لا بقليل يقنع، ولا من كثير يشبع، يجمع لمن لا يحمده، ويقدم على من لا يقدره. [الحلية (تهذيبه) 3/ 17].

(د) ذم أهل الهوى والشهوات

* وقال أبو يزيد البسطامي رحمه الله: لا يعرف نفسه من صحبته شهوته. [الحلية (تهذيبه) 3/ 247]. (د) ذم أهل الهوى والشهوات: * عن إبراهيم بن داود القصار رحمه الله أنه قال: أضعف الخلق من ضعف عن رد شهوته، وأقوى الخلق من قوي على ردها. [المنتظم 13/ 374]. * وقال بشر بن الحارث: سألت المعافى رحمه الله عن الرجل يمر بمن يلعب بالشطرنج ترى له أن يسلم عليهم؟ قال: لا إن سفيان الثوري رحمه الله يقول: ليسلم ويأمر، قال المعافى: إن لم يأمر فلا. [الزهد للإمام أحمد / 467]. (هـ) ذم المراء والجدال بوجه عام: * قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: المراء لا تعقل حكمته ولا تؤمن فتنته. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 94]. * وقال أبو الدرداء - رضي الله عنه -: كفى بك إثما أن لا تزال مماريا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 95]. * وعن يحيى بن أبي كثير رحمه الله قال: قال سليمان - عليه السلام -: يا بُنيَّ إياك والمراء، فإنه ليس فيه مَنْفَعةٌ، وهو يُورث العداوة بين الإخوان. [السير (تهذيبه) 2/ 627]. * وقال الأوزاعيُّ رحمه الله: إذا أراد الله بقوم شرًّا فتح عليهم الجَدَلَ ومنعهم العَمَلَ. [السير (تهذيبه) 2/ 683]. * وعن معروف الكرخي رحمه الله قال: إذا أراد الله بعبدٍ شَرًّا، أغلق عنه بابَ العمل، وفتح عليه بابَ الجدَل. [السير (تهذيبه) 2/ 826]. * وما أنبلَ قولَ أبي يوسف القاضي رحمه الله: العلمُ بالخصومة والكلام جهلٌ، والجهلُ بالخصومةِ والكلامِ عِلْمٌ. [السير (تهذيبه) 2/ 789]. * وعن وهب بن مُنبِّه رحمه الله: دع المراء والجَدلَ، فإنَّه لن يعجز أحد رجُلين: رجلٌ هو أعلم منك، فكيف تعادي وتُجادل مَن هو أعلمُ منك؟ ورجلٌ

(و) ذم المراء والجدال في الدين

أنت أعلمُ منه، فكيف تعادي وتُجادِل من أنت أعلمُ منه ولا يُطيعُك؟. [السير (تهذيبه) 2/ 554]. * وعن مسلم بن يسار رحمه الله أنه كان يقول: إياكم والمراء، فإنها ساعة جهل العالم، وبها يبتغي الشيطان زلته. [الشريعة / 65، موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 93]. * وقال بلال بن سعد رحمه الله: إذا رأيت الرجل لجوجًا مماريًا معجبًا برأيه، فقد تمت خسارته. (¬1) [الحلية (تهذيبه) 2/ 191]. * وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: إذا سمعت المراء فأقصر. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 95]. * وقال أيضاً رحمه الله: من جعل دينه غرضا للخصومات أكثر التنقل. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 115]. * وعن سلم بن قتيبة، قال: مر بي بشير بن عبد الله بن أبي بكرة رحمه الله فقال: ما يجلسك؟ قلت: خصومة بيني وبين ابن عم لي ادَّعى شيئا في داري. قال: فإن لأبيك عندي يدا، وإني أريد أن أجزيك بها، وإني والله ما رأيت من شيء أذهب لدينٍ، ولا أنقص لمروءةٍ، ولا أضيع للذَّةٍ، ولا أشغل لقلبٍ من خصومة، قال: فقمت لأرجع. فقال خصمي: ما لك؟ قلت: لا أخاصمك. قال: عرفت أنه حقي. قلت: لا، ولكني أكرم نفسي عن هذا، وسأبقيك بحاجتك. قال: فإني لا أطلب منك شيئا، هو لك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 325]. (و) ذم المراء والجدال في الدين: * عن سليمان بن يسار، قال: إن رجلاً من بني تميم يقال له: صُبيغ بن عِسْل، قدم المدينة، وكانت عنده كتب، فجعل يسأل عن متشابه القرآن، فبلغ ذلك عمر - رضي الله عنه - فبعث إليه، وقد أعد له عراجين النخل، فلما دخل عليه جلس، فقال له عمر - رضي الله عنه -: من أنت؟ فقال: أنا عبد الله صبيغ، فقال عمر - رضي الله عنه -: وأنا عبد الله عمر، ثم أهوى إليه، فجعل يضربه بتلك العراجين، ¬

(¬1) وكذا قال: القاسم بن مخيمرة. الحلية (تهذيبه) 2/ 269

فما زال يضربه حتى شجه، فجعل الدم يسيل على وجهه، فقال: حسبك يا أمير المؤمنين، فقد والله ذهب الذي كنت أجد في رأسي. [الشريعة / 81]. * وعن الزبير بن عربي أن رجلاً سأل ابن عمر - رضي الله عنهما - عن استلام الحجر، فقال له: رأيت النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يستلمه ويقبله، فقال له الرجل: أرأيت إن غلبت عنه؟ أرأيت إن زوحمت؟ فقال له ابن عمر: اجعل أرأيت باليمن، رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستلمه ويقبله (¬1). [خرجه الترمذي وصححه: 871] * وقال الحسن البصري رحمه الله: المؤمن لا يداري ولا يماري، ينشر حكمة الله - عزَّ وجلَّ - فإن قبلت حمد الله - عزَّ وجلَّ - وإن رُدت حمد الله - عزَّ وجلَّ - وعلا. (¬2) [الشريعة / 79]. * وعن أبي جعفر رحمه الله، قال: إياكم والخصومات، فإنها تمحق الدين. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 323]. * وعن عبد الكريم بن أبي أمية رحمه الله، قال: ما خاصم ورع قط - يعني - في الدين. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 323]. * وقال أيضًا رحمه الله: شرار عباد الله الذين يتبعون شرار المسائل يُعمونَ بها عباد الله. [جامع العلوم والحكم / 123]. * وقال الأوزاعي رحمه الله: إنّ الله إذا أراد أن يحرم عبده بركة العلم ألقى على لسانه المغاليط (¬3)، فلقد رأيتهم أقلّ الناس علمًا. [جامع العلوم والحكم / 123]. ¬

(¬1) قال ابن رجب رحمه الله: ومراد ابن عمر أنه لا يكن لك هم إلا في الاقتداء بالنبيّ - صلى الله عليه وسلم - , ولا حاجة إلى فرض العجز عن ذلك أو تعسره قبل وقوعه , فإنه قد يفتر العزم عن التصميم على المتابعة , فإن التفقه في الدين , والسؤال عن العلم إنما يحمد إذا كان للعمل لا للمراء والجدال. جامع العلوم والحكم / 121. (¬2) قال البربهاري رحمه الله: واعلم - رحمك الله - أَنَّهُ ما كانت زندقة قط , ولا كفر , ولا شرك , ولا بدعة , ولا ضلالة , ولا حيرة في الدين: إلاَّ من الكلام , وأصحاب الكلام , والجدل , والمِراء , والخصومة. شرح السنة / 86. (¬3) قال الأوزاعي رحمه الله: هي شداد المسائل. وقال عيسى بن يونس: هي ما لا يحتاج إليه من كيف وكيف. جامع العلوم والحكم / 123.

(ز) التحذير من مجادلة أهل البدع والأهواء

* وعن معن بن عيسى قال: انصرف مالك بن أنس رحمه الله يومًا من المسجد، وهو متكئ على يدي، فلحقه رجل يقال له: أبو الحورية، كان يُتَّهم بالإرجاء، فقال: يا عبد الله، اسمع مني شيئًا، أكلمك به، وأحاجك، وأخبرك برأيي، قال: فإن غلبتني؟ قال: إن غلبتك اتبعني، قال: فإن جاء رجل آخر، فكلمنا فغلبنا؟ قال: نتبعه، فقال مالك رحمه الله تعالى: يا عبد الله: بعث الله - عزَّ وجلَّ - محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بدين واحد، وأراك تنتقل من دين إلى دين، قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: من جعل دينه غرضًا للخصومات أكثر التنقُّل. [الشريعة / 66]. * وقال مالك رحمه الله: الجِدال في الدِّين يُنشئ المِراءَ، ويذهبُ بنورِ العلم مِن القلب ويقسِّي، ويُورث الضِّغن. [السير (تهذيبه) 2/ 735]. * وقال الشافعي رحمه الله: المِراءُ في الدين يُقَسِّي القلبَ، ويُورِثُ الضغائن. [السير (تهذيبه) 2/ 846]. * وعن معاوية بن قرة رحمه الله قال: الخصومات في الدين تحبط الأعمال. [الشريعة / 66]. * وقال عمران القصير رحمه الله: إياكم والمنازعة والخصومة، وإياكم وهؤلاء الذين يقولون: أرأيت أرأيت. [الشريعة / 66]. * وعن سفيان بن عمرو بن قيس قال: قلت للحكم رحمه الله: ما اضطر الناس إلى الأهواء؟ قال: الخصومات. [الشريعة / 66]. (ز) التحذير من مجادلة أهل البدع والأهواء: * قال أبو قلابة رحمه الله: لا تجالسوا أهل الأهواء، ولا تجادلوهم، فإني لا آمن أن يغمسوكم في الضلالة، أو يُلَبِّسُوا عليكم في الدين بعض ما لُبِّسَ عليهم. [الشريعة / 65 - 65]. * وعن هشام بن حسان قال: جاء رجل إلى الحسن البصري رحمه الله فقال: يا أبا سعيد، تعال حتى أخاصمك في الدين، فقال الحسن: أما أنا فقد أبصرت ديني، فإن كنت أضللت دينك فالتمسه. [الشريعة / 66].

* وعن أيوب السختياني رحمه الله أنه قال: لستَ براد عليهم أشد من السكوت. [الشريعة / 69، 70]. * وعن سلام بن أبي مطيع قال: إن رجلاً من أصحاب الأهواء قال لأيوب السختياني رحمه الله: يا أبا بكر: أسألك عن كلمة، فولى أيوب، وجعل يشير بإصبعه: ولا نصف كلمة. [الشريعة / 66]. * وعن معمر قال: كان طاوس رحمه الله جالساً وعنده ابنه فجاء رجل من المعتزلة فتكلم في شيء فأدخل طاوس أصبعيه في أذنيه وقال: يا بني أدخل أصبعك في أذنيك حتى لا تسمع من قوله شيئا فإن هذا القلب ضعيف، ثم قال: أي بني أسدد، فما زال يقول أسدد حتى قام الآخر. [تلبيس إيليس: 26]. * وعن إسماعيل بن خارجة قال: دخل رجلان على محمد بن سيرين رحمه الله من أهل الأهواء، فقالا: يا أبا بكر، نحدثك بحديث؟ قال: لا، قال: فنقرأ عليك آية من كتاب الله - عزَّ وجلَّ؟ قال: لا: لَتَقُومُنَّ عني أو لأقومَنَّه. [الشريعة / 66، 67]. * وعن مهدي بن ميمون الأزدي قال: سمعت محمد بن سيرين رحمه الله، وما رآه رجل في شيء، فقال له محمد: إني قد أعلم ما تريد، وأعلم بالمماراة منك، ولكني لا أماريك. (¬1) [الشريعة / 70]. ¬

(¬1) قال الآجري رحمه الله - بعد أن ذكر جملة من الآثار التي تنهى عن مناظرة أهل البدع والأهواء -: فإن قال قائل: وإن كان رجل قد علمه الله عز وجل علمًا , فجاءه رجل يسأله عن مسألة في الدين: ينازعه ويخاصمه , ترى له أن يناظره حتى تثبت عليه الحجة , ويرد على قوله؟ قيل له: هذا الذي نهينا عنه , وهو الذي حذرناه من تقدم من أئمة المسلمين. فإن قال قائل: فماذا نصنع؟. قيل له: إن كان الذي يسألك مسألته , مسألة مسترشد إلى طريق الحق لا مناظرة , فأرشده بأرشد ما يكون من البيان بالعلم من الكتاب والسنة , وقول الصحابة , وقول أئمة المسلمين. وإن كان يريد مناظرتك ومجادلتك , فهذا الذي كره لك العلماء , فلا تناظره , واحذره على دينك , كما قال من تقدم من أئمة المسلمين إن كنت لهم متبعًا. فإن قال: ندعهم يتكلمون بالباطل , ونسكت عنهم؟ قيل له: سكوتك عنهم وهجرتك لِما تكلموا به أشد عليهم من مناظرتك لهم , كذا قال من تقدم من السلف الصالح من علماء المسلمين ... فإن قال قائل: فإن اضطر في الأمر وقتًا من الأوقات إلى مناظرتهم , وإثبات الحجة عليهم ألا يناظرهم؟ قيل: الاضطرار إنما يكون مع إمام له مذهب سوء , فيمتحن الناس , ويدعوهم إلى مذهبه , كفعل من مضى في وقت أحمد بن حنبل رحمه الله: ثلاثة خلفاء امتحنوا الناس , ودعوهم إلى مذهبهم السوء , فلم يجد العلماء بدًا من الذب عن الدين , وأرادوا بذلك معرفة العامة الحق من الباطل , فناظروهم ضرورة لا اختيارًا , فأثبت الله عز وجل الحق مع أحمد بن حنبل , ومن كان على طريقته , وأذل الله العظيم المعتزلة وفضحهم , وعرفت العامة أن الحق ما كان عليه أحمد بن حنبل ومن تابعه إلى يوم القيامة. الشريعة / 69 - 71 وقال الصابوني رحمه الله: ويبغضون - أي أهل الحديث - أهلَ البدع , الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه , ولا يحبونهم , ولا يصحبونهم , ولا يسمعون كلامهم , ولا يجالسونهم , ولا يجادلونهم في الدين ولا يناظرونهم , ويرون صون آذانهم عن سماع أباطيلهم , التي إذا مرّت بالآذان , وقرّت في القلوب ضرّت , وجرّت إليها من الوساوس والخطرات الفاسدة ما جرت , وفيه أنزل الله عز وجل قوله: {وإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} [الأنعام: 68]. عقيدة السلف وأصحاب الحديث / 298، 299.

العلم والعلماء

العلم والعلماء (أ) توقير العلم وأهله (¬1): * عن أبي وائل أن ابن مسعود - رضي الله عنه - رأى رجلاً قد أسبل، فقال: ارفع ¬

(¬1) قال الحافظ ابن عساكر رحمه الله ناصحًا لإخوانه المسلمين، ومحذرًا من الطعن والتشكيك في العلماء العاملين، والأئمة المهتدين: اعلم يا أخي وفقني الله وإياك لمرضاته، وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته، أن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة، وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب ابتلاه الله قبل موته بموت القلب، {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63].

إزارك، فقال: وأَنت يا ابن مسعود فارفع إزارك، قال: إنّ بساقيَّ حُمُوشَةً وأنا أَؤمُّ الناس. فبلغ ذلك عمر - رضي الله عنه -، فجعل يضرب الرجل، ويقول: أتردُّ على ابن مسعود؟. [السير (تهذيبه) 1/ 196]. * وقال أبو الدرداء - رضي الله عنه -: اطلبوا العلم فإن عجزتم فأحبّوا أهله، فإن لم تحبّوهم، فلا تبغضوهم. [صفة الصفوة 1/ 298]. * وعن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه أخذ لزيد بن ثابت بالركاب فقال: تنحّ يابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: هكذا نفعل بعلمائنا، وكبرائنا. [صفة الصفوة 1/ 343]. * وقال الزُّهري: كان أبو سلمة رحمه الله كثيرًا ما يخالف ابن عباس - رضي الله عنه -، فحُرِم لذلك منه علمًا كثيرًا. [السير (تهذيبه) 2/ 499]. * وعن عيسى بن يونس. قال: سمعت الأعمش رحمه الله يقول: كان أنس بن مالك - رضي الله عنه - يمر بي في طرفَي النهار فأقول: لا أسمع منك حديثًا، خدمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم جئت إلى الحجاج حتى ولاك، قال: ثم ندمت فصرت أروي عن رجل عنه (¬1). [الحلية (تهذيبه) 2/ 140]. * وعن جميلة مولاة أنس قالت: كان ثابت رحمه الله إذا جاء، قال أنس: يا جميلة ناوليني طيبًا أمس به يدي، فإن ابن أم ثابت لا يرضى حتى يقبل يدي، ويقول: قد مست يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. [الحلية (تهذيبه) 1/ 406]. * وعن عبد الرحمن بن حبيب بن أزدك قال: سمعت نافع بن جبير يقول لعلي بن الحسين رحمه الله: غفر الله لك! أنت سيد الناس وأفضلهم، تذهب إلى هذا العبد فتجلس معه - يعني زيد بن أسلم - فقال: إنه ينبغي للعلم أن يتبع حيث ما كان. [الحلية (تهذيبه) 1/ 486]. ¬

(¬1) يحتمل أن أنس بن مالك - رضي الله عنه - امتنع من تحديثه عقابا له وعلى سوء أدبه معه؛ فاضطر الأعمش بعد أن ندم وعرف أنه قد أخطأ في حقه: أن يروي الحديث عنه؛ لكن بواسطة من يحدثه, ففاته علو السند. ويحتمل أنه ندم بعد أن مات أنس بن مالك, فصار يروي عمن سمع منه. وهذا يدل على أنه ينبغي لطالب العلم إذا رأى من شيخه أو مِن مَن هو أعلم منه ما يريبه وما ينكره: أن يتهم نفسه ورأيه, ويلتمس العذر لهذا الشيخ.

* وسئل ابن المبارك رحمه الله بحضور سفيان بن عيينة عن مسألة، فقال: إنَّا نهينا أن نتكلم عند أكابرنا. [السير (تهذيبه) 2/ 772]. * وعن بشر بن الحارث قال: سأل رجل ابن المبارك رحمه الله عن حديث وهو يمشي، قال: ليس هذا من توقير العلم، قال بشر: فاستحسنته جدًا. [الحلية (تهذيبه) 3/ 38]. * وقال إبراهيم بن إسحاق الحربي: كان عطاء بن أبي رباح رحمه الله عبدًا أسودًا لامرأة من أهل مكة، وكان أنفه كأنه باقلاة قال: وجاء سليمان بن عبد الملك أمير المؤمنين إلى عطاء هو وابناه، فجلسوا إليه وهو يصلي، فلما صلى انفتل إليهم، فما زالوا يسألونه عن مناسك الحج، وقد حوّل قفاه إليهم، ثم قال سليمان لابنيه: قُوما فقاما فقال: يا ابنيّ لا تَنِيا في طلب العلم، فإني لا أنسى ذلّنا بين يدي هذا العبد الأسود. [صفة الصفوة 2/ 525]. * وذكر رجل عند الحسن بن ذكوان رحمه الله عالما بشيء فقال: مه لا تذكر العلماء بشيء، فيميت الله قلبك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 225]. * وعن قتادة رحمه الله قال: يستحب أن لا تقرأ أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا على طهارة. [الحلية (تهذيبه) 1/ 408]. * وعن مهدي بن ميمون قال: كان محمد بن سيرين رحمه الله يتمثل الشعر، ويذكر الشيء ويضحك، حتى إذا جاء الحديث من السنة كلح وانضم بعضه إلى بعض. [الحلية (تهذيبه) 1/ 390]. * وقال الزهري رحمه الله: إن كنت لآتي باب عروة، فأجلس ثم أنصرف ولا أدخل، ولو أشاء أن أدخل لدخلت إعظامًا له. [الحلية (تهذيبه) 2/ 23]. * وقال أيضًا رحمه الله: خدمت عبيد الله بن عبد الله بن عتبة حتى أن كان خادمه ليخرج فيقول: من بالباب؟ فتقول الجارية: غلامك الأعيمش - فتظن أني غلامه - وإن كنت لأخدمه حتى لأستقي له وضوءه. [الحلية (تهذيبه) 2/ 23]. * وعن مالك: أن رجلاً جاء إلى سعيد بن المسيب رحمه الله، وهو مريض، فسأله عن حديث، وهو مضطجع، فجلس فحدثه، فقال له ذلك

الرجل: وددت أنك لم تتعنّ، فقال: إني كرهت أن أحدثك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا مضطجع. [صفة الصفوة 2/ 437]. * وقال الإمام مالك رحمه الله: كنا ندخلُ على أيُّوب السَّخْتِيَاني رحمه الله، فإذا ذكرنا له حديثَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكى حتى نَرْحَمه. [السير (تهذيبه) 2/ 626]. * وعن ابن أبي أوَيس قال: كان مالك بن أنس رحمه الله إذا أراد أن يحدِّث توضأ وجلس على صدر فراشه، وسرّح لحيته، وتمكن من الجلوس بوقار وهيبة، ثم حدّث. فقيل له في ذلك، فقال: أحبّ أن أعظّم حديثَ النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أحدّث به إلا على طهارة متمكنًا. وكان يكره أن يحدّث في الطريق وهو قائم أو مستعجِل. فقال: أحب أن يُفهَم ما أحدّث به عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. [صفة الصفوة 2/ 504]. * وقال معن بن عيسى: كان مالك بن أنس رحمه الله إذا أراد أن يحدّث بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اغتسل وتبخّر وتطيّب، وإذا رفع أحدٌ صوته عنده قال: اغضض من صوتك، فإن الله - عزَّ وجلَّ - يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحجرات: 2] فمن رفع صوته عند حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكأنما رفع صوته فوق صوت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. [صفة الصفوة 2/ 504]. * وعن أبي معاوية قال: أكلت مع الرشيد رحمه الله طعامًا يومًا من الأيام فصب على يدي رجل لا أعرفه، فقال هارون: يا أبا معاوية تدري مَنْ يصب عليك؟ قلت: لا، قال: أنا، قلت: أنت يا أمير المؤمنين، قال: نعم إجلالاً للعلم. [المنتظم 8/ 322، 323]. * وقال الأستاذ ابن العميد رحمه الله: ما كنت أظنُّ أن في الدنيا حلاوةً ألذّ من الرئاسة والوزارة التي أنا فيها، حتى شاهدت مذاكرة أبي القاسم الطَّبراني وأبي بكر الجِعابي رحمهما الله بحضرتي، فكان الطَّبراني يغلب أبا بكر بكثرة حفظه، وكان أبو بكر يغلب بفطنته وذكائه حتى ارتفعت أصواتُهما، ولا يكاد أحدهما يغلب صاحبه، فقال الجعابي: عندي حديث ليس في الدنيا إلا عندي فقال: هات، فقال: حدثنا أبو خليفة الجُمَحي، حدثنا سُليمان بنُ أيوب

(ب) تعريف العلم، وكيفية أخذه، وبيان فضله

وحَدَّث بحديث، فقال الطَّبراني: أنا (¬1) سليمان بن أيوب ومني سمعه أبو خليفة، فاسمع مني حتى يَعْلُو فيه إسنادُك، فخجل الجعابي، فوددت لو أن الوزارة لم تكن وكنتُ أنا الطبراني، وفرحت كفرحه، أو كما قال. [السير (تهذيبه) 3/ 1273]. * وعن أبي إسحاق الحربي أنه قال: كان هشيم بن بشير رجلاً كان أبوه صاحب صحناة (¬2) وكواميخ (¬3)، فطلب ابنه هشيم الحديث واشتهاه، وكان أبوه يمنعه. فكتب الحديث حتى جالس أبا شيبة القاضي رحمه الله، وكان يناظر أبا شيبة في الفقه، فمرض هشيم، فقال أبو شيبة: ما فعل ذلك الفتى الذي كان يجيء إلينا؟ قالوا: عليل. فقال: قوموا بنا حتى نعوده، فقام أهل المجلس جميعًا يعودونه حتى جاؤوا إلى منزل بشير، فدخلوا إلى هشيم، فجاء رجل إلى بشير ويده في الصحناة. فقال: الحق ابنك، قد جاء القاضي إليه يعوده، فجاء بشير والقاضي في داره فلما خرج قال لابنه: يا بني قد كنت أمنعك من طلب الحديث، فأما اليوم فلا، صار القاضي يجيء إلى بابي، متى أمَّلْت أنا هذا؟ [المنتظم 9/ 89، 90]. (ب) تعريف العلم (¬4)،وكيفية أخذه، وبيان فضله: * عن كميل بن زياد قال: أخذ علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - بيدي فأخرجني ¬

(¬1) في الأصل: أخبرنا , وفي بقية المصادر " أنا " ولعله أصح , وهو الذي ذكره المصنف في تاريخه. (¬2) الصّحْنا والصّحناة: إدام يُتخذ من السمك الصغار، مصلحٌ للمعدة. القاموس المحيط، مادة صَحَنة (¬3) الكامَخ: نوع من الإدام، وهو معَرَّب. ولم يذكر صاحب القاموس واللسان غير هذا. (¬4) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: العلم ثلاثة أقسام: علم بالله وأسمائه وصفاته: وما يتبع ذلك، وفي مثله أنزل الله سورة الإخلاص، وآية الكرسي، ونحوهما. والقسم الثاني: العلم بما أخبر الله به، مما كان من الأمور الماضية، وما يكون من الأمور المستقبلة، وما هو كائن من الأمور الحاضرة، وفي مثل هذا أنزل الله آيات القصص، والوعد، والوعيد وصفة الجنة والنار، ونحو ذلك. والقسم الثالث: العلم بما أمر الله به من الأمور المتعلقة بالقلوب والجوارح من الإيمان بالله من معارف القلوب وأحوالها وأقوال الجوارح وأعمالها، وهذا العلم يندرج فيه العلم بأصول الإيمان وقواعد الإسلام ويندرج فيه العلم بالأقوال والأفعال الظاهرة، وهذا العلم يندرج فيه ما وجد في كتب الفقهاء من العلم بأحكام الأفعال الظاهرة، فإن ذلك جزء من جزء من جزء من علم الدين، كما أن المكاشفات التي تكون لأهل الصفا جزء من جزء من جزء من علم الأمور الكونية. والناس إنما يغلطون في هذه المسائل، لأنهم يفهمون مسميات الأسماء الواردة في الكتاب والسنة، ولا يعرفون حقائق الأمور الموجودة، فرب رجل يحفظ حروف العلم التي أعظمها حفظ حروف القرآن ولا يكون له من الفهم، بل ولا من الإيمان ما يتميز به على من أوتي القرآن ولم يؤت حفظ حروف العلم، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتفق عليه: (مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة طعمها طيب وريحها طيب. ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة طعمها طيب ولا ريح لها. ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر. ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن مثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها). فقد يكون الرجل حافظًا لحروف القرآن وسوره، ولا يكون مؤمنا بل يكون منافقًا. فالمؤمن الذي لا يحفظ حروفه وسوره خير منه. وإن كان ذلك المنافق ينتفع به الغير كما ينتفع بالريحان. وأما الذي أوتي العلم والإيمان فهو مؤمن عليم، فهو أفضل من المؤمن الذي ليس مثله في العلم مثل اشتراكهما في الإيمان، فهذا أصل تجب معرفته. مجموع الفتاوى 11/ 184

إلى ناحية الجبان، فلما أصحرنا جلس ثم تنفس ثم قال: يا كميل بن زياد، القلوب أوعية، فخيرها أوعاها، احفظ ما أقول لك: الناس ثلاثة؛ فعالم رباني؛ ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق. العلم خير من المال، العلم يحرسك وأن تحرس المال، العلم يزكو على العمل والمال تنقصه النفقة. ومحبة العالم دين يدان بها. العلم يكسب العالم الطاعة في حياته، وجميل الأحدوثة بعد موته، وصنيعة المال تزول بزواله. مات خزان الأموال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر. أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة. [الحلية (تهذيبه) 1/ 86]. * وقال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: ليس العلم بكثرة الرواية ولكن العلم الخشية. (أخرجه الطبراني). [صفة الصفوة 1/ 190].

* وعن أبي البختري قال: صحب سلمان الفارسي - رضي الله عنه - رجل من بني عبس (¬1)، قال: فشرب من دجلة شربة، فقال له سلمان: عد فاشرب قال: قد رويت، قال: أترى شربتك هذه نقصت منها؟ قال: وما ينقص منها شربة شربتها! قال: كذلك العلم لا ينقص فخذ من العلم ما ينفعك. [الحلية (تهذيبه) 1/ 156]. * وعن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه قال: تعلموا العلم فإن تعلمه لله تعالى خشية، وطلبه عبادة، ومذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلم صدقة، وبذله لأهله قربة. لأنه معالم الحلال والحرام، ومنار أهل الجنة، والأنس في الوحشة، والصاحب في الغربة، والمحدث في الخلوة، والدليل على السراء والضراء، والسلاح على الأعداء، والدين عند الأجلاء، يرفع الله تعالى به أقواما، ويجعلهم في الخير قادة وأئمة، تقتبس آثارهم، ويقتدى بفعالهم، وينتهى إلى رأيهم. ترغب الملائكة في خلتهم، وبأجنحتها تمسحهم، يستغفر لهم كل رطب ويابس، حتى الحيتان في البحر وهَوَامُه، وسباع الطير وأنعامه. لأن العلم حياة القلوب من الجهل، ومصباح الأبصار من الظلم، يبلغ بالعلم منازل الأخيار، والدرجة العليا في الدنيا والآخرة. والتفكر فيه يعدل بالصيام، ومدارسته بالقيام. به توصل الأرحام، ويعرف الحلال من الحرام، إمام العمال، والعمل تابعه. يلهمه السعداء، ويحرمه الأشقياء. [الحلية (تهذيبه) 1/ 188]. * وقال بعضهم: [البداية والنهاية 10/ 329]. كلُّ العلوم سوى القرآن مشغلةٌ ... إلا الحديث وإلا الفقه في الدين العلم ما كان فيه قال حدثنا ... وما سوى ذاك وسواس الشياطين * وعن عمر بن عبد العزيز رحمه الله قال: من عمل بغير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح. [الزهد للإمام أحمد / 506]. ¬

(¬1) هو حذيفة - رضي الله عنه - , كما في صفة الصفوة 1/ 258

* وعن الحسن البصري رحمه الله قال: طلبنا هذا الأمر ونظرنا فلم نجد أحدًا عمل عملاً بغير علم إلا كان ما يفسد أكثر مما يصلح. [الزهد للإمام أحمد / 486]. * وعن عمران القصير قال: سألت الحسن البصري عن شيء فقلت: إن الفقهاء يقولون كذا وكذا، فقال: وهل رأيت فقيهًا بعينك؟ إنما الفقيه الزاهد في الدنيا، البصير بدينه، المداوم على عبادة ربه - عزَّ وجلَّ. [الحلية (تهذيبه) 1/ 333]. * وعن مالك بن مغول: عن الشعبي رحمه الله وقال له رجل: أيها العالم فقال: العالم من يخاف الله!. [الحلية (تهذيبه) 2/ 111]. * وعن يحيى بن أبي كثير رحمه الله قال: العالم من يخشى الله - عزَّ وجلَّ. [الحلية (تهذيبه) 1/ 454]. * وقال الأعمش رحمه الله: إذا رأيتُ الشيخ لم يطلب الفقهَ أحببتُ أن أَصْفَعَه. [عيون الأخبار 2/ 536]. * وقال أيضًا: لولا تَعَلُّم هذه الأحاديث كنتُ كبعض بَقَّالي الكُوفة. [عيون الأخبار 2/ 536]. * وعن سليمان التيمي، قال: قال رجل لأبي مجلز رحمه الله، وهم يتذاكرون الفقه والسنة: لو قرأت سورة - أو قرأتم سورة؟ فقال: ما أرى أن قراءة سورة أفضل مما نحن فيه. [الحلية (تهذيبه) 1/ 471]. * وقال قتادة رحمه الله: باب من العلم يحفظه الرجل يطلب به صلاح نفسه وصلاح الناس أفضل من عبادة حول كامل. [المنتظم 7/ 184]. * وعن مسروقٍ رحمه الله قال: كفى بالمرء علمًا أن يخشى الله تعالى، وكفى بالمرء جهلاً أن يُعجَب بعلمه. [السير (تهذيبه) 1/ 446]. * وقال مجاهد رحمه الله: الفقيه من يخاف الله - عزَّ وجلَّ. [الحلية (تهذيبه) 2/ 10]. * وعن الزهري رحمه الله قال: ما عبد الله بشيء أفضل من العلم. [الحلية (تهذيبه) 2/ 25]. * وعن مكحول رحمه الله قال: من ذهب إلى علم يتعلمه، فهو في طريق الجنة حتى يرجع. [الحلية (تهذيبه) 2/ 181].

* وقال سفيان الثوري رحمه الله: ليس طلب العلم فلان عن فلان، إنما طلب العلم الخشية لله - عزَّ وجلَّ. [الحلية (تهذيبه) 2/ 365]. * وقال أيضًا رحمه الله: الرجل إلى العلم أحوج منه إلى الخبز واللحم. [الحلية (تهذيبه) 2/ 404]. * وعن محمد بن يوسف الفريابي قال الثوري: ما من عمل أفضل من طلب الحديث، إذا صحت النية فيه، قال أحمد: قلت للفريابي رحمه الله: وأي شيء النية؟ قال: تريد به وجه الله والدار الآخرة. [الحلية (تهذيبه) 2/ 364]. * وعن سفيان بن عيينة رحمه الله قال: ليس العالم الذي يعرف الخير من الشر إنما العالم الذي يعرف الخير فيتبعه ويعرف الشر فيجتنبه. [الزهد للإمام أحمد / 308]. * وقال شقيق البلخي رحمه الله: الدخول في العمل بالعلم، والثبات فيه بالصبر، والتسليم إليه بالإخلاص، فمن لم يدخل فيه بعلم فهو جاهل. [الحلية (تهذيبه) 2/ 502]. * وقال بعضهم: [البداية والنهاية 12/ 38]. ربَّ ميت قد صار بالعلم حيًّا ... ومبقِّى قد مات جهلًا وغيَّا فاقتنوا العلم كي تنالوا خلودًا ... لا تعُدُّوا الحياة في الجهل شيَّا * وقال مالك بن أنس رحمه الله: ليس العلم بكثرة الرواية، وإنما هو نور يضعه الله في القلب. [صفة الصفوة 2/ 504]. * وقال الشافعي رحمه الله: العلم ما نفعَ، ليس العلم ما حُفِظ. [السير (تهذيبه) 2/ 853]. * وقال أيضًا رحمه الله: كفى بالعلم فضيلة أن يدعيه من ليس فيه، ويفرح إذا نسب إليه، وكفى بالجهل شيئًا أن يتبرأ منه من هو فيه ويغضب إذا نسب إليه. [الحلية (تهذيبه) 3/ 133]. * وقال أيضًا رحمه الله: ما طلب أحد العلم بالتعمق وعزّ النفس فأفلح، ولكن من طلبه بضيق اليد، وذلة النفس وخدمة العالم أفلح. [الحلية (تهذيبه) 3/ 126]. * وعن الربيع قال: سمعت الشافعي رحمه الله يقول وذكر من يحمل العلم

(جـ) ما قيل في العلم والعلماء

جزافًا، قال: هذا مثل حاطب، أقبل يقطع حزمة حطب فيحملها، ولعل فيها أفعى فتلدغه وهو لا يدري، قال الربيع: يعني الذي لا يسألون عن الحجة من أين؟ يكتب العلم وهو لا يدري على غير فهم، فيكتب عن الكذاب وعن الصدوق، وعن المبتدع وغيره، فيحمل عن الكذاب والمبتدع الأباطيل، فيصير ذلك نقصًا لإيمانه وهو لا يدري. [الحلية (تهذيبه) 3/ 129]. (جـ) ما قيل في العلم والعلماء: * قال محمد بن المنكدر رحمه الله: الفقيه يدخل بين الله وبين عباده فلينظر كيف يدخل؟ [الحلية (تهذيبه) 1/ 496]. * وقال أبو جعفر محمد بن علي رحمه الله: والله لموتُ عالمٍ أحبُّ إلى إبليس من موت سبعين عابدًا. [صفة الصفوة 2/ 458]. * وقال أيضًا رحمه الله: عالم ينتفع بعلمه أفضل من ألف عابد. [الحلية (تهذيبه) 1/ 507]. * وقال هلال بن خباب: قُلت لسعيد بن جبير رحمه الله: ما علامةُ هلاك الناس؟ قال: إذا ذهب علماؤهم. [السير (تهذيبه) 2/ 506]. * وقال ابن محيريز رحمه الله: كنا نرى أن العمل أفضل من العلم، ونحن اليوم إلى العلم أحوج منا إلى العمل. [الحلية (تهذيبه) 2/ 169]. * وقال محمد بن سيرين رحمه الله: إنَّ هذا العلم دِينٌ فانظروا عمَّن تأخذون دينَكم. [رواه مسلم في مقدمته]. * وعن مكحول رحمه الله قال: من لم ينفعه علمه ضره جهله. [الحلية (تهذيبه) 2/ 180]. * وعن سفيان بن عيينة رحمه الله قال: العلم إن لم ينفعك ضرّك. [صفة الصفوة 2/ 541]. * وقال أيضًا رحمه الله: ليس العالم الذي يعرف الخير والشر، إنما العالم الذي يعرف الخير فيتبعه، ويعرف الشر فيجتنبه. [الحلية (تهذيبه) 2/ 427]. * وقال أيضًا: قال بعض الفقهاء: كان يقال: العلماء ثلاثة: عالم بالله،

وعالم بأمر الله، وعالم بالله وبأمر الله، فأما العالم بأمر الله، فهو الذي يعلم السنة ولا يخاف الله، وأما العالم بالله فهو الذي يخاف الله ولا يعلم السُّنَّة، وأما العالم بالله وبأمر الله، فهو الذي يعلم السنة ويخاف الله. فذاك يدعى عظيمًا في ملكوت السماوات. [الحلية (تهذيبه) 2/ 430]. * وعن مسعر قال: قال لي عبد الأعلى التيمي رحمه الله: إن من أوتي من العلم ما لا يبكيه لخليق أن لا يكون أوتي منه علمًا ينفعه. [الزهد للإمام أحمد / 307]. * وقال سفيان الثوري رحمه الله: الأعمال السيئة داء، والعلماء دواء، فإذا فسد العلماء فمن يشفي الداء؟! [الحلية (تهذيبه) 2/ 362]. * وقال أيضًا رحمه الله: العالم طبيب الدين، والدرهم داء الدين، فإذا جذب الطبيب الداء إلى نفسه فمتى يداوي غيره؟ [الحلية (تهذيبه) 2/ 362]. * وقال أيضًا رحمه الله: إنما يطلب العلم ليتقى الله به، فمن ثم فضل، فلولا ذلك لكان كسائر الأشياء. [الحلية (تهذيبه) 2/ 362]. * وقال أيضًا رحمه الله: إنما هو طلبه، ثم حفظه، ثم العمل به، ثم نشره. [الحلية (تهذيبه) 2/ 362]. * وقال أيضًا رحمه الله: أول العلم الصمت، والثاني الاستماع له وحفظه، والثالث العمل به، والرابع نشره وتعليمه. [الحلية (تهذيبه) 2/ 363]. * وقال أيضًا رحمه الله: الحديث أكثر من الذهب والفضة وليس يدرك، وفتنة الحديث أشد من فتنة الذهب والفضة. [الحلية (تهذيبه) 2/ 363]. * وقال أيضًا رحمه الله: إن هذا الحديث عز، من أراد به الدنيا فدنيا، ومن أراد به الآخرة فآخرة. [الحلية (تهذيبه) 2/ 363]. * وصحَّ عن ربيعة رحمه الله، قال: العلم وسيلة إلى كُلِّ فضيلة. [السير (تهذيبه) 2/ 635]. * وعن أبي حازم رحمه الله قال: لا تكون عالمًا حتى يكون فيك ثلاث خصال: لا تبغ على من فوقك، ولا تحقر من دونك، ولا تأخذ على علمك دنيا. [السير (تهذيبه) 2/ 636].

* وقال أيضًا: إن العلماء كانوا فيما مضى من الزمان إذا لقي العالم منهم من هو فوقه في العلم كان يومَ غنيمة، وإذا لقي من هو مثله ذاكره، وإذا لقي من هو دونه لم يزْه عليه. [الحلية (تهذيبه) 1/ 527]. * وقال ميمون بن مهران رحمه الله: العلماء هم ضالتي في كل بلدة وهم بغيتي، ووجدت صلاح قلبي في مجالسة العلماء. [الحلية (تهذيبه) 2/ 54]. * وعن مسعر رحمه الله قال: من طلب العلم لنفسه فقد اكتفى، وإن طلبت للناس فأنت في شغل شاغل. [الحلية (تهذيبه) 2/ 422]. * وقال ابن السماك: قال مسعر رحمه الله: من أراد الحديث للناس فليجتهد فإن بلاءهم شديد، ومن أراد لنفسه فقد اكتفى. قال: قال شعبة: لو كان هذا حديثًا كان ينبغي أن يكتب. [الحلية (تهذيبه) 2/ 422]. * وعن رستة الطالقاني قال: قام رجل إلى ابن المبارك رحمه الله فقال: يا أبا عبد الرحمن في أي شيء أجعل فضل يومي، في تعلم القرآن أو في طلب العلم؟ فقال: هل تقرأ من القرآن ما تقيم به صلاتك؟ قال: نعم! قال: فاجعله في طلب العلم الذي يعرف به القرآن. [الحلية (تهذيبه) 3/ 37]. * وعن الحسن البصري رحمه الله قال: قد كان الرجل يطلب العلم فلا يلبث أن يرى ذلك في تخشعه وهديه وفي لسانه وبصره ويده. [الزهد للإمام أحمد / 445]. * وعن وهب بن منبه رحمه الله قال: إن للعلم طغيانًا كطغيان المال. [الحلية (تهذيبه) 2/ 49]. * وعن إبراهيم بن أدهم رحمه الله قال: كان يقال: ليس شيء أشد على إبليس من العالم الحليم، إن تكلم تكلم بعلم، وإن سكت سكت بحلم. [الحلية (تهذيبه) 2/ 488]. * وقال عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله: فتنة الحديث أشد من فتنة المال، وقتنه الولد تشبه فتنته، كم من رجل يُظن به الخير، قد حمله فتنة الحديث على الكذب. [الحلية (تهذيبه) 3/ 113].

(د) نصائح وتوجيهات للعالم وطالب العلم

* وقال الشافعي رحمه الله: طلب العلم أفضل من صلاة النافلة. [صفة الصفوة 2/ 553]. * وقال الربيع: قال لي الشافعي رحمه الله: إن لم يكن الفقهاءُ العاملون أولياء الله فما لله وليٌّ. [السير (تهذيبه) 2/ 850]. * وقيل للإمام أحمد رحمه الله: من نسأل بعدك؟ قال: عبد الوهاب الوراق رحمه الله، قيل له: إنه ليس له اتساع في العلم، قال: إنه رجل صالح مثله يوفق لإصابة الحق. * وسئل رحمه الله عن معروف الكرخي فقال: كان معه أصل العلم خشية الله. [جامع العلوم والحكم / 125]. * وعن إسحاق بن محمد بن عبد الله قال: سئل أبو بكر بن طاهر رحمه الله: ما بال الإنسان يحتمل من معلمه ما لا يحتمله من أبويه؟ فقال: لأن أبويه سبب حياته الفانية، ومعلمه سبب حياته الباقية. [المنتظم 14/ 16، 17]. * ويقال: غَرِيزة العقل أُنْثى، وما يُستفاد من العلم ذَكَرٌ، ولن يصلُحَا إلاّ معًا. [عيون الأخبار 2/ 526]. * وقال ابن الجوزي رحمه الله: كان مجلس الحسن بن علي بن العباس الملقب نظام الملك: عامرًا بالفقهاء وأئمة المسلمين وأهل التدين حتى كانوا يشغلونه عن مهمات الدولة، فقال له بعض كتابه: هذه الطائفة من العلماء قد بسطتهم في مجلسك حتى شغلوك عن مصالح الرعية ليلاً ونهارًا، فإن تقدمت أن لا يوصل أحد منهم إلا بإذن، وإذا وصل جلس بحيث لا يضيق عليك مجلسك. فقال: هذه الطائفة أركان الإسلام، وهم جمال الدنيا والآخرة، ولو أجلست كلاً منهم على رأسي لاستقللت لهم ذلك. [المنتظم 16/ 303]. (د) نصائح وتوجيهات للعالم وطالب العلم: * عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لا يكون الرجل من العلم بمكان حتى لا يحسد من فوقه، ولا يحقر من دونه، ولا يبتغي بالعلم ثمنًا. [الحلية (تهذيبه) 1/ 218].

* وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم، إلا كان لبعضهم فتنة. رواه مسلم في مقدمته * وقال الزهري رحمه الله: إن هذا العلم إن أخذته بالمكاثرة غلبك ولم تظفر منه بشيء، ولكن خذه مع الأيام والليالي أخذًا رفيقًا تظفر به. [الحلية (تهذيبه) 2/ 24]. * وعن وكيع رحمه الله قال: لا يكمُلُ الرجلُ حتى يكتبَ عمَّن هو فوقَه وعمَّن هو مِثْلَه، وعمن هو دونَه. [السير (تهذيبه) 2/ 812]. * وقال ابن عُيينة رحمه الله: يُستَحَبّ للعالم إذا عَلَّم ألاّ يُعَنِّف، وإذا عُلِّم ألاّ يَانَف. [عيون الأخبار 2/ 520]. * وفي حكمة لُقمان - عليه السلام -: إن العالمَ الحكيم يَدعو الناسَ إلى علمه بالصَّمْت والوَقَار، وإن العالِم الأَخْرَق يَطْرُد الناس عن علمه بالهَذَر والإكثار. [عيون الأخبار 2/ 520]. * وعن ربيعة قال: قال لي ابن خلدة الزرقي رحمه الله: إني أرى الناس قد ملكوك أمر أنفسهم، فإذا سألت عن المسألة فاطلب الخلاص منها لنفسك، ثم للذي سألك. [الحلية (تهذيبه) 1/ 534]. * وقال أبو عاصم رحمه الله: مَن طلب الحديثَ، فقد طلب أعلى الأمور، فيجبُ أن يكون خيرَ الناس. [السير (تهذيبه) 2/ 850]. * وعن حبيب بن أبي ثابت رحمه الله قال: إن من السنة إذا حدث الرجل القوم أن يقبل عليهم جميعًا، ولا يخص أحدًا دون أحد. [الحلية (تهذيبه) 2/ 142]. * وعن سفيان الثوري رحمه الله قال: تعلموا العلم فإذا علَّمتموه فأكظموا عليه، ولا تخلطوه بضحك ولا لعب فتمجه القلوب. [الحلية (تهذيبه) 2/ 364]. * وقال عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله: كان يقال: إذا لقي الرجل الرجل فوقه في العلم، كان يوم غنيمة، وإذا لقي من هو مثله دارسه وتعلم منه، وإذا لقي من هو دونه تواضع له وعلمه، ولا يكون إمامًا في العلم من يحدث بكل ما سمع، ولا يكون إمامًا في العلم من يحدث عن كل أحد، ولا يكون إمامًا في العلم من يحدث بالشاذ من العلم، والحفظ: الإتقان. [الحلية (تهذيبه) 3/ 111].

(هـ) ذم العجلة في التصدر في المجالس والتعليم

* وعن الإمام مالك رحمه الله قال: حَقٌّ على من طلب العلم أن يكون له وقاَرٌ وسكينةٌ وخشية، والعلم حسنٌ لمن رُزق خيره، وهو قَسْم مِن الله تعالى، فلا تمكن الناس من نفسك، فإن من سعادة المرء أن يُوفَّقَ للخير، وإن من شقوة المرء أن لا يزال يُخطئ. [السير (تهذيبه) 2/ 735]. * وقال يحيى بن معاذ رحمه الله: لا تطلب العلم رياء، ولا تتركه حياء. [الحلية (تهذيبه) 3/ 259]. * وقال الجنيد بن محمد رحمه الله: متى أردت أن تشرف بالعلم، وتنسب إليه، وتكون من أهله، قبل أن تعطي العلم ماله عليك، احتجب عنك نوره، وبقي عليك وسمه وظهوره. ذلك العلم عليك لا لك، وذلك أن العلم يشير إلى استعماله وإذا لم يستعمل العلم في مراتبه رحلت بركاته. [الحلية (تهذيبه) 3/ 381]. (هـ) ذم العجلة في التصدر في المجالس والتعليم: * قال إبراهيم بن أدهم رحمه الله: كنا إذا رأينا الشابَّ يتكلم في المجلس أيسنا من خيره. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 223، البداية والنهاية 10/ 208]. * وقال الصعلوكيّ رحمه الله: مَنْ تَصَدَّرَ قبلَ أوانِهِ، فقد تصدّى لِهَوَانِهِ. [السير (تهذيبه) 3/ 1337]. * وقال الثوري رحمه الله: من حدث قبل أن يحتاج إليه ذل. [الحلية (تهذيبه) 2/ 363]. * وقال سُحنون رحمه الله: ما وجدتُ من باع آخرتَه بدنيا غيره إلا المُفتي. [السير (تهذيبه) 3/ 983]. * وقال مالك بن أنس رحمه الله: ما أفتيت حتى شهِد لي سبعون أني أهلٌ لذلك. [صفة الصفوة 2/ 503]. * وقال أيضًا رحمه الله: ما أجبت في الفتيا حتى سألت من هو أعلم مني، هل يراني موضعًا لذلك؟ سألت ربيعة، وسألت يحيى بن سعيد، فأمراني بذلك، فقلت: يا أبا عبد الله فلو نَهوْك؟ قال: كنتُ أنتهي، لا ينبغي للرجل أن يرى نفسه أهلاً لشيء حتى يسأل من هو أعلم منه. [صفة الصفوة 2/ 503].

(و) قصص ووقائع لبعض العلماء

* وقال الشافعي رحمه الله: إذا تصدر الحدث، فاته علم كثير. [صفة الصفوة 2/ 553]. (و) قصص ووقائع لبعض العلماء: * قال محمد بن عبيد: جاء رجل نبيل كبير اللحية إلى الأعْمش رحمه الله، فسأله عن مسألة خفيفة في الصلاة فالتفت إلينا الأعمش فقال: انظروا إليه! لحيتُه تحتمل حفظَ أربعة آلاف حديث، ومسألتُه مسألة صبيان الكُتاب. [السير (تهذيبه) 2/ 646]. * وعن وهب بن منبه رحمه الله قال: كان جبار في بني إسرائيل يقتل الناس على أكل لحوم الخنازير، فلم يزل الأمر ... حتى بلغ إلى عابد من عبادهم، قال: فشق ذلك على الناس، فقال له صاحب الشرطة: إني أذبح لك جديًا، فإذا دعاك الجبار لتأكل فكل، فلما دعاه ليأكل أبى أن يأكل، قال: أخرجوه فاضربوا عنقه، فقال له صاحب الشرطة: ما منعك أن تأكل وقد أخبرتك إنه جديٌ! قال: أني رجلٌ منظور إليَّ، وإني كرهت أن يُتأسى بي في معاصي الله، قال: فقتله. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 230]. * ومرَّ محمد بن المنكدر رحمه الله بشابِّ يُحدِّثُ امرأةً في الطريق، فقال: يا فتى ما هذا أجرُ نعمة الله عندك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 206]. * ورأى محمد بن المنكدر رحمه الله رجلاً مع امرأة في خراب وهو يكلمها فقال: إن الله يراكما، سترنا الله وإياكما. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 206]. * عن ثابت أن صلة بن أشيم رحمه الله وأصحابه أبصروا رجلا قد أسبل إزاره، فأراد أصحابه أن يأخذوه بألسنتهم فقال صلة: دعوني أكفيكموه، فقال: يا ابن أخي إن لي إليك حاجة، قال: فما ذاك يا عمُّ؟ قال ترفع إزارك، قال: نعم، ونعمت عينٍ. فقال لأصحابه: هذا كان مثلُ لو أخذتموه بشدة، قال: لا أفعلُ، وفعل. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 206، 207]. * ورأى العمري العبد رحمه الله رجلاً من آل علي يمشي يخطرُ، فأسرع إليه فأخذ بيده فقال: يا هذا! إن الذي أكرمك الله به لم تكن هذه مشيته. قال: فتركها الرجل بعد. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 208].

* وعن هشام قال: دعا مالك بن المنذر محمد بن واسع رحمه الله وكان على شرط البصرة. فقال: اجلس على القضاء، فأبى محمد، فعاوده فأبى فقال: لتجلس أو لأجلدنك ثلاثمائه. فقال له محمد: إن تفعل فأنت مسلط، وإن ذليل الدنيا خير من ذليل الآخرة. [الحلية (تهذيبه) 1/ 414]. * وعن الحسين بن زياد قال: سمعت منيعًا يقول: مر تاجر بعشَّارين فحبسوا عليه سفينته، فجاء إلى مالك بن دينار رحمه الله، فذكر ذلك له، فقام مالك فمشى معه إلى العشارين، فلما رأوه، قالوا: يا أبا يحيى ألا بعثت إلينا؟ ما حاجتك؟ قال: حاجتي أن تخلوا سفينة هذا الرجل. قالوا: قد فعلنا، قال: وكان عندهم كوز يجعلون فيه ما يأخذون من الناس من الدراهم، فقالوا: ادع الله لنا يا أبا يحيى، قال: قولوا للكوز يدعو لكم! أدعو لكم وألف يدعو عليكم، أترى يستجاب لواحد ولا يستجاب لألف. [الحلية (تهذيبه) 1/ 426]. * وعن شعيب بن حرب قال: جاءت امرأة إلى سفيان الثوري رحمه الله فقالت: إن ابني ضيعني وترك عمله، فقال: في أي شيء أخذ ابنك؟ قالت: في الحديث، قال: احتسبيه. [الحلية (تهذيبه) 2/ 399]. * وعن الحسن بن مليح الطرايفي، قال: حدثنا لؤلؤ خادم الرشيد قال: جرى بين هارون الرشيد وبين ابنة عمه زبيدة مناظرة وملاحاة في شيء من الأشياء، فقال هارون لها في عرض كلامه: أنت طالق إن لم أكن من أهل الجنة، ثم ندم واغتما جميعًا بهذه اليمين، ونزلت بهما مصيبة لموضع ابنة عمه منه. فجمع الفقهاء وسألهم عن هذه اليمين فلم يجد منها مخرجًا، ثم كتب إلى سائر البلدان من عمله أن يحمل إليه الفقهاء من بلدانهم، فلما اجتمعوا جلس لهم وأدخلوا عليه، وكنت واقفًا بين يديه لأمر إن حدث يأمرني بما شاء فيه، فسألهم عن يمينه، وكنت المعبر عنه، وهل له منها مخلص، فأجابه الفقهاء بأجوبة مختلفة، وكان إذ ذاك فيهم الليث بن سعد رحمه الله فيمن أشخص من مصر، وهو جالس في آخر المجلس لم يتكلم بشيء وهارون يراعي الفقهاء واحدًا واحدًا.

فقال: بقي ذلك الشيخ في آخر المجلس لم يتكلم بشيء، فقلت له: إن أمير المؤمنين يقول لك مالك لا تتكلم كما تكلم أصحابك؟ فقال: قد سمع أمير المؤمنين قول الفقهاء وفيه مقنع، فقال: قل إن أمير المؤمنين يقول: لو أردنا ذلك سمعنا من فقهائنا ولم نشخصكم من بلدانكم، ولما أحضرت هذا المجلس. فقال: يخلي أمر المؤمنين مجلسه إن أراد أن يسمع كلامي في ذلك، فانصرف من كان بمجلس أمير المؤمنين من الفقهاء والناس، ثم قال: تكلم! فقال: يدنيني أمير المؤمنين فقال: ليس بالحضرة إلا هذا الغلام، وليس عليك منه عين، فقال: يا أمير المؤمنين أتكلم على الأمان وعلى طرح التعلم والهيبة والطاعة لي من أمير المؤمنين في جميع ما آمر به؟ قال: لك ذلك، قال: يدعو أمير المؤمنين بمصحف جامع، فأمر به فأحضر، فقال: يأخذه أمير المؤمنين فيتصفحه حتى يصل إلى سورة الرحمن، فقال: يقرأ أمير المؤمنين، فقرأ فلما بلغ: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46] قال: قف يا أمير المؤمنين ها هنا، فوقف فقال: يقول أمير المؤمنين: والله، فاشتد على الرشيد وعلي ذلك، فقال له هارون: ما هذا؟ قال: يا أمير المؤمنين على هذا وقع الشرط، فنكس أمير المؤمنين رأسه - وكانت زبيدة في بيت مسبل عليه ستر قريب من المجلس تسمع الخطاب - ثم رفع هارون رأسه إليه فقال: والله! قال: الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم إلى أن بلغ آخر اليمين، ثم قال: إنك يا أمير المؤمنين تخاف مقام الله؟ قال هارون: إني أخاف مقام الله، فقال: يا أمير المؤمنين تخاف مقام الله؟ قال هارون: إني أخاف مقام الله، فقال: يا أمير المؤمنين فهي جنتان وليست بجنة واحدة، كما ذكر الله تعالى في كتابه، فسمعت التصفيق والفرح من خلف الستر، وقال هارون: أحسنت والله بارك الله فيك، ثم أمر بالجوائز والخلع لليث بن سعد. ثم قال هارون: يا شيخ اختر ما شئت وسل ما شئت تجب فيه، فقال: يا أمير المؤمنين هذا الخادم الواقف على رأسك فقال: وهذا الخادم، فقال: يا أمير المؤمنين والضياع التي لك بمصر ولابنة عمك أكون عليها وتسلم إليّ

لأنظر في أمورها، قال: بل نقطعك إقطاعًا، فقال: يا أمير المؤمنين ما أريد من هذا شيئًا بل تكون في يدي لأمير المؤمنين، فلا يجري علي حيف العمال وأعز بذلك فقال: لك ذلك، وأمر أن يكتب له ويسجل بما قال، وخرج من بين يدي أمير المؤمنين بجميع الجوائز والخلع والخادم، وأمرت زبيدة له بضعف ما أمر به الرشيد، فحمل إليه واستأذن في الرجوع إلى مصر فحمل مكرمًا أو كما قال. [الحلية (تهذيبه) 2/ 449]. * وعن أبي مسهر. قال: سأل المأمون مالك بن أنس رحمه الله: هل لك دار؟ فقال: لا، فأعطاه ثلاثة آلاف دينار وقال: اشتر لك بها دارًا، قال: ثم أراد المأمون الشخوص وقال لمالك: تعال معنا فإني عزمت أن أحمل الناس على الموطأ كما حمل عثمان الناس على القرآن، فقال له: مالكَ إلى ذلك سبيل، وذلك أن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - افترقوا بعده في الأمصار، فحدثوا، فعند كل أهل مصر علم، ولا سبيل إلى الخروج معك، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون) وقال: (المدينة تنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد) وهذه دنانيركم فإن شئتم فخذوه، وإن شئتم فدعوه. [الحلية (تهذيبه) 2/ 359]. * وعن عبد الله بن عبد الحكيم قال: سمعت مالك بن أنس يقول: شاورني هارون الرشيد في ثلاث؛ في أن يعلق الموطأ في الكعبة ويحمل الناس على ما فيه، وفي أن ينقض منبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ويجعله من جوهر وذهب وفضة، وفي أن يقدم نافع بن أبي نعيم إمامًا يصلي في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقلت: يا أمير المؤمنين؛ أما تعليق الموطأ في الكعبة فإن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اختلفوا في الفروع وتفرقوا في الآفاق، وكل عند نفسه مصيب، وأما نقض منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، واتخاذك إياه من جوهر وذهب وفضة، فلا أرى أن تحرم الناس أثر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأما تقدمتك نافعًا إمامًا يصلي بالناس في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإن نافعًا إمام في القراءة، لا يؤمن أن تندر منه نادرة في المحراب فتحفظ عليه، قال: وفقك الله يا أبا عبد الله. [الحلية (تهذيبه) 2/ 360].

* وعن الربيع أنه قال: كان الشافعي رحمه الله عند مالك وعنده سفيان بن عيينة والزنجي فأقبل رجلان، فقال أحدهما: أنا الربيع القماري وقد بعت هذا قمريًا، وحلفت له بالطلاق أنه لا يهدأ من الصياح، فلما كان بعد ساعة أتاني فقال: قد سكت فردّ علي دراهمي، وقد حنثت، فقال مالك: بانت منك امرأتك. فمرّ الشافعي، فقال للبائع: أردت أنه لا يهدأ أبدًا أو أن كلامه أكثر من سكوته؟ فقال: قد علمت أنه ينام ويأكل ويشرب، وإنما أردت كلامه أكثر من سكوته، فقال: ردّ عليك امرأتك، فأخبر مالكًا، فقال للشافعي: من أين قلت؟ فقال: حديث فاطمة بنت قيس قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن معاوية وأبا جهم خطباني فقال: إن معاوية صعلوك، وإن أبا جهم لا يضع عصاه عن عاتقه. وقد كان ينام ويستريح، وإنما خرج كلامه على الأغلب، فعجب مالك فقال الزنجي: أفت فقد آن لك أن تفتي، وهو ابن خمس عشرة سنة. [المنتظم 10/ 136]. * وعن خلف بن سالم قال: كنا في مجلس يزيد بن هارون، فمزح يزيد مع مستمليه، فتنحنح أحمد بن حنبل رحمه الله - وكان في المجلس - فقال يزيد: من المتنحنح؟ فقيل له: أحمد بن حنبل، فضرب بيده على جبينه، وقال: ألا أعلمتموني أن أحمد هاهنا حتى لا أمزح. [الحلية (تهذيبه) 3/ 139]. * وعن الفضيل بن غانم أنه قال: كان أبو يوسف رحمه الله مريضًا شديد المرض، فعاده أبو حنيفة رحمه الله مرارًا، فصار إليه آخر مرة فرآه ثقيلاً فاسترجع وقال: كنت أؤملك للمسلمين بعدي، ولئن أصيب الناس بك ليموتَنّ معك علم كثير، ثم رزق الله أبا يوسف العافية، وأُخبر بقول أبي حنيفة فيه، فارتفعت نفسه، وانصرفت وجوه الناس إليه، فعقد لنفسه مجلسًا في الفقه، وقصر عن لزوم مجلس أبي حنيفة، فسأل عنه فأخبر أنه قد عقد لنفسه مجلسًا، وأنه بلغه كلامك فيه، فدعا رجلاً كان له عنده قدرٌ فقال: صر إلى مجلس يعقوب فقل له: ما تقول في رجل دفع إلى قصَّار (¬1) ثوبًا ليقصره بدرهم فصار إليه بعد أيام في طلب الثوب، فقال له القصَّار: مالك عندي شيء. وأنكره، ثم إن رب ¬

(¬1) القصَّار: الخياط.

الثوب رجع إليه، فدفع له الثوب مقصورًا، أله أجرة؟ فإن قال: له أجرة، فقل: أخطأت. وإن قال: لا أجرة له فقل: أخطأت، فصار إليه فسأله فقال له أبو يوسف: له الأجرة، فقال: أخطأت، فنظر ساعة ثم قال: لا أجرة له. فقال: أخطأت. فقام أبو يوسف من ساعته، فأتى أبا حنيفة فقال له: ما جاء بك إلا مسألة القصّار؟. قال: أجل، قال: سبحان الله، مَنْ قعد يفتي الناس وعقد مجلسًا يتكلم في دين الله وهذا قدره لا يحسن أن يجيب في مسألة من الإجارات! فقال: يا أبا حنيفة، علمني. فقال: إن قصره بعد غصبه فلا أجرة له؛ لأنه قصره لنفسه، وإن كان قصره قبل أن يغصبه فله الأجرة لأنه قصره لصاحبه، ثم قال: مَنْ ظن أنه يستغني عن التعلم فليبك على نفسه. [المنتظم 8/ 130]. * وعن أبي يوسف رحمه الله أنه قال: توفي أبي وخلفني صغيرًا في حجر أمي، فأسلمتني إلى قصّار أخدمه، فكنت أدع القصَّار وأمر إلى حلقة أبي حنيفة رحمه الله، فأجلس فأستمع، وكانت أمي تجيء خلفي إلى الحلقة فتأخذ بيدي، وتذهب بي إلى القصَّار، وكان أبو حنيفة يُعنى بي، لما يرى من حرصي على التعلم، فلما كثر ذلك على أمي قالت لأبي حنيفة: ما لهذا الصبي فساد غيرك، هذا صبي يتيم لا كسب له، وأنا أطعمه من مغزلي، وآمل أنه يكسب دانقًا يعود به على نفسه. فقال لها أبو حنيفة: مُرِّي يا رعناء، ها هو ذا يتعلم أكل الفالوذج بدهن الفستق. فانصرفت وقالت له: أنت شيخ قد خرفت وذهب عقلك. ثم لزمته، فنفعني الله بالعلم، ورفعني حتى تقلَّدت القضاء، وكنت أجالس الرشيد، وآكل معه على مائدته، فلما كان في بعض الأيام قدَّم إليَّ هارون فالوذجة بدهن فقال لي هارون: يا يعقوب، كل منه، فليس كل يوم يعمل لنا مثله. فقلت: وما هذه يا أمير المؤمنين؟ فقال: هذه فالوذجة بدهن الفستق، فضحكت. فقال لي: مم تضحك؟ فقلت: خيرًا، أبقى الله أمير المؤمنين. فقال: لتخبرني وألحَّ عليَّ، فأخبرته بالقصة من أولها إلى آخرها، فتعجب من ذلك، وقال: لعمري إن العلم يرفع وينفع دنيا وآخرة. وترحَّم على أبي حنيفة، وقال: كان ينظر بعين عقله ما لا يرى بعين رأسه. [المنتظم 9/ 73].

* وقال عبدُ الله بن محمد بن أسد، سمعتُ حمزةَ الكنانيَّ رحمه الله يقول: خرَّجت حديثًا واحدًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من نحو مائتي طريق، فداخلني لذلك من الفرح غيرُ قليل، وأعجبت بذلك، فرأيتُ يَحيى بن معين رحمه الله في المنام، فقلت: يا أبا زكريا، خرَّجتُ حديثًا من مائتي طريق، فسكتَ عنِّي ساعة، ثم قال: أخشى أن تدخلَ هذه تحت {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} [التكاثر: 1]. [السير (تهذيبه) 3/ 1280]. * وعن جعفر بن يحيى بن خالد أنه قال: ما رأينا مثل عيسى بن يونس رحمه الله، أرسلنا إليه فأتانا بالرّقة، فاعتل قبل أن يرجع، فقلنا له: يا أبا عمر، قد أُمر لك بعشرة آلاف. فقال: هيه. فقلت: هي خمسون ألفًا. فقال لي: لا حاجة لي فيها. فقلت: ولم؟ أما والله لا هنيتكها، هي والله مائة ألف. قال: لا والله لا يتحدث أهل العلم أني أكلت للسنّة ثمنًا، ألا كان هذا قبل أن ترسلوا إليّ؟ فأما على الحديث فوالله لا شربة ماء ولا أهليلجة! [المنتظم 9/ 196]. * وعن محمد بن سهل أنه قال: كنت بالمصيصة وبها المأمون أمير المؤمنين، فأذن يومًا للناس فقام إليه شاب وبيده محبرة، فقال: يا أمير المؤمنين، صاحب حديث منقطع به، فقال له المأمون: أي شيء تحفظ من باب كذا؟ فلم يذكر الفتى شيئًا، فما زال المأمون يقول: حدّثنا هشيم، وحدثنا أبو الأحوص، وحدثنا وكيع، حتى ذكر الباب، ثم قال: وإيش تحفظ في باب كذا؟ فلم يذكر الفتى شيئًا، فما زال المأمون يقول: حدثنا حجاج بن محمد، وحدثنا فلان وفلان، حتى ذكر الباب، ثم التفت إلى الفضل، فقال: أحدهم يطلب الحديث ثلاثة أيام ثم يقول أنا من أصحاب الحديث، أعطوه ثلاثة آلاف درهم. [المنتظم 10/ 53، 54]. * وعن أبي القاسم علي بن الحسن بن أبي عثمان أنه قال: أن عضد الدولة كان قد بعث القاضي أبا بكر الباقلاني رحمه الله في رسالة إلى ملك الروم، فلما ورد مدينته عرف الملك خبره وبين له محله في العلم، فأفكر الملك في أمره وعلم أنه لا يفكر له إذا دخل عليه كما جرى رسم الرعية أن يقبل الأرض

(ز) ما قيل في كتم بعض العلم للمصلحة، وعدم بثه لكل أحد

بين يدي الملوك، ثم نتجت له الفكرة أن يضع سريره الذي يجلس عليه وراء باب لطيف لا يُمَكِّن أحدًا أن يدخل منه إلا راكعًا ليدخل القاضي منه على تلك الحال عوضًا من تكفيره بين يديه، فلما وضع سريره في ذلك الموضع أمر بإدخال القاضي من الباب، فسار حتى وصل إلى المكان فلما رآه تفكر فيه ثم فطن بالقصة، فأدار ظهره وحنى رأسه ودخل من الباب، وهو يمشي إلى خلفه وقد استقبل الملك بدبره حتى صار بين يديه، ثم رفع رأسه ونصب ظهره وأدار وجهه حينئذ إلى الملك، فعجب من فطنته ووقعت له الهيبة في نفسه. [المنتظم 15/ 96]. (ز) ما قيل في كتم بعض العلم للمصلحة، وعدم بثه لكل أحد: * قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: بحسب المرء من الكذب أن يحدث بكل ما سمع. [رواه مسلم في مقدمته]. * وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: حفظتُ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعاءين: فأمَّا أحدهما، فبثثتُه في الناس، وأما الآخرُ، فلو بَثَثْتُه، لقُطِعَ هذا البلعوم. [رواه البخاري: 117]. * وعن مكحُول قال: كان أبو هريرة يقول: رُبَّ كيسٍ عند أبي هريرة لم يَفتحه. يعني من العلم. قال الذهبي رحمه الله: هذا دالّ على جواز كتمان بعضِ الأحاديث التي تحرك فتنةً في الأصول، أو الفروع، أو المدح والذم. أما حديثٌ يتعلق بحل أو حرام، فلا يحلُ كتمانهُ بوجه، فإنه من البينات والهدى. وفي صحيح البخاري: قول الإمام عليٍّ رضي الله عنه: حدِّثُوا الناس بما يعرفون، ودعوا ما يُنكرون، أتُحبُّون أن يُكذب الله ورسوله! وكذا لو بثَّ أبو هريرة ذلك الوعاء، لأوذي، بل لقُتل، ولكن العالم قد يؤديه اجتهادُه إلى أن ينشُر الحديث الفلاني إحياءً للسنة، فله ما نوى وله أجر - وإن غلط - في اجتهاده. [السير (تهذيبه) 1/ 309]. * وقال الشعبي رحمه الله: لا تمنعوا العلم أهله فتأثموا، ولا تحدثوا به غير أهله فتأثموا. [الحلية (تهذيبه) 2/ 116].

* وعن يزيد بن ميسرة رحمه الله قال: لا تبذل علمك لمن لا يسأله، ولا تنثر اللؤلؤ عند من لا يلتقطه، ولا تنشر بضاعتك عند من يكسدها عليك. [الحلية (تهذيبه) 2/ 193]. * وقال مالك بن دينار رحمه الله: يا هؤلاء إن الكلب إذا طرح إليه الذهب والفضة لم يعرفهما، وإذا طرح إليه العظم أكب عليه، كذلك سفهاؤكم لا يعرفون الحق. [الحلية (تهذيبه) 1/ 419]. * وعن الإمام مالك رحمه الله قال: ذلٌّ وإهانةٌ للعلم أن يتكلم الرجل بالعلم عند من لا يطيعه. [السير (تهذيبه) 2/ 735]. * وعن إسحاق قال: سمعت مالك بن أنس رحمه الله يقول: سمعت من ابن شهاب أحاديث لم أحدث بها إلى اليوم، قلت: لم يا أبا عبد الله؟ قال: لم يكن العمل عليها فتركتها. [الحلية (تهذيبه) 2/ 356]. * وعن ابن وهب؛ قال: قال لي مالك بن أنس رحمه الله: اعلم أنه ليس يسلم رجل حدث بكل ما سمع. ولا يكون إماما أبدا، وهو يحدث بكل ما سمع [رواه مسلم في مقدمته]. * وقال عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله: لا يكون الرجل إماماً يقتدى به حتى يمسك عن بعض ما سمع. [رواه مسلم في مقدمته]. * وقال الشيخُ علمُ الدِّينِ: وفي يومِ الخميسِ منتصف ربيعٍ الأوَّلِ اجتَمع قاضي القُضاةِ شمس الدِّين ابنُ مُسَلمٍ بالشيخِ الإمام العَّلامَةِ تَقيِّ الدِّين ابنِ تَيْميَّة رحمه الله، وأشار عليه بتَرْكِ الإفتاءِ في مسألةِ الحَلفِ بالطَّلاقِ، فقبِل الشيخُ نصيحتَه، وأجابَ إلى ما أشار به؛ رعايةً لخاطرِه وخواطرِ الجماعَةِ المُفتين، ثم ورَد البريدُ في مُستَهلِّ جُمادى الأُولَى بكتابٍ مِن السلطان فيه مَنْعُ الشيخِ تقيِّ الدَّينِ مِن الإفتاءِ في مسألةِ الحلفِ بالطلاقِ، وعُقِدَ في ذلك مجلسٌ، وانفَصَل الحالُ على ما رسَم به السلطانُ، ونودِيَ به في البلدِ، وكان قبلَ قُدُومِ المرسُوم قد اجتَمع بالقاضي ابنِ مُسَلَّمٍ الحَنْبَلِيِّ جماعةٌ مِن المفتِينَ الكبارِ، وقالوا له أن يَنصَح الشيخَ في تركِ الإفتاءِ في مسألةِ الطَّلاقِ، فعَلِمَ الشيخ نصيِحتَه، وأنَّه إنَّما قصَد بذلك ترْكَ ثَورَانِ فتْنَةٍ وشرٍّ. [البداية والنهاية 14/ 163].

(حـ) ما نقل عن العلماء من سعة وسرعة الحفظ

(حـ) ما نُقل عن العلماء من سعة وسرعة الحفظ: * قال الشَّعْبيّ رحمه الله: لو أن رجلاً حفِظ ما نَسِيتُ كان عالمًا. [عيون الأخبار 2/ 529]. * وعن عبيد الله بن عمر القواريري قال: أملى علي عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله عشرين ألف حديث حفظًا. [الحلية (تهذيبه) 3/ 110]. * وعن علي بن المديني قال: كان علم عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله في الحديث كالسحر. وقال نعيم بن حماد: قلت لابن مهدي: كيف تعرف صحيح الحديث من سقيمه؟ قال: كما يعرف الطبيب المجنون. [الحلية (تهذيبه) 3/ 112]. * وعن أبي أحمد بن عدي الحافظ قال: سمعت عدة مشايخ يحكون أن محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله قدم إلى بغداد فسمع به أصحاب الحديث فاجتمعوا وعمدوا إلى مائة حديث قلبوا أسانيدها ومتونها وجعلوا متن هذا لإسناد آخر وإسناد هذا لمتن آخر، ودفعوها إلى عشرة أنفس إلى كل رجل عشرة أحاديث، وأمروهم إذا حضروا المجلس يلقون ذلك على البخاري، فحضروا فانتدب رجل من العشرة فسأله عن حديث من تلك الأحاديث، فقال: لا أعرفه. فسأله عن آخر، فقال: لا أعرفه. فما زال يلقي عليه واحدًا بعد واحد، حتى فرغ من العشرة، والبخاري يقول: لا أعرفه. فكان بعض الفهماء يقول: الرجل فهم. وبعضهم يقضي عليه بالعجز. ثم انتدب رجل آخر فسأله عن حديث من الأحاديث وهو يقول في الحديث: لا أعرفه حتى فرغ من عشرته، ثم الثالث، ثم الرابع، إلى تمام العشرة، والبخاري لا يزيدهم على: لا أعرفه، فلما فرغوا التفت البخاري إلى الأول وقال: أما حديثك الأول فهو كذا، والحديث الثاني كذا، والثالث كذا، حتى أتى على تمام العشرة، فردَّ كل متن إلى إسناده، وكل إسناد إلى متنه، وفعل بالآخرين مثل ذلك فأقر له الناس بالحفظ، وأذعنوا له بالفضل. وكان ابن صاعد إذا ذكره يقول: الكبش النطَّاح! [المنتظم 12/ 117، 118]. * وعن أبي زرعة رحمه الله أنه قال: إن في بيتي ما كتبته منذ خمسين سنة،

(ط) فوائد أخرى

ولم أطالعه منذ كتبته، وإني أعلم في أي كتاب هو، وفي أي ورقة هو، في أي صفحة هو، في أي سطر هو، وما سمعت أذني شيئًا من العلم إلا وعاه قلبي، وإني أمشي في سوق بغداد فأسمع من الغرف صوت المغنيات فأضع إصبعي في أذني مخافة أن يعيه قلبي. [المنتظم 12/ 194]. وعن أبي العباس محمد بن جعفر الرازي أنه قال: سئل أبو زرعة الرازي رحمه الله عن رجل حلف بالطلاق أن أبا زرعة يحفظ مائتي ألف حديث هل حنث؟ قال: لا. ثم قال أبو زرعة: أحفظ مائتي ألف حديث كما يحفظ الإنسان {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1]، وفي المذاكرة ثلاثمائة ألف حديث. [المنتظم 12/ 194]. * وعن أحمد بن إبراهيم بن شاذان قال: خرج أبو بكر بن أبي داود رحمه الله إلى سجستان في أيام عمرو بن الليث، فاجتمع إليه أصحاب الحديث، وسألوه أن يحدثهم فأبى، وقال: ليس معي كتاب، فقالوا له: ابن أبي داود وكتاب؟ قال: فأثاروني، فأمليت عليهم ثلاثين ألف حديث من حفظي، فلما قدمت بغداد قال البغداديون: مضى ابن أبي داود إلى سجستان، ولعب بالناس ثم فَيَّجُوا فيجًا اكتروه بستة دنانير إلى سجستان لأكتب لهم النسخة، فكتبت، وجيء بها إلى بغداد، وعرضت على الحفاظ، فخطئوني في ستة أحاديث منها ثلاثة أحاديث حدثت بها كما حدثت، وثلاثة أحاديث أخطأت فيها. [المنتظم 13/ 275، 276]. (ط) فوائد أخرى: * عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه. أنه قال: الناس ثلاثة؛ عالم، ومتعلم، والثالث همج لا خير فيه. [الحلية (تهذيبه) 1/ 169]. * وقال كعب الأحبار رحمه الله: يوشك أن تروا جهال الناس يتباهون بالعلم، ويتغايرون عليه، كما يتغاير النساء على الرجال، فذلك حظهم من العلم. [الحلية (تهذيبه) 2/ 250]. * وقال الثَّوْرِيّ رحمه الله: مَن طلب الرِّياسة بالعلم سريعًا فاته عِلْمٌ كثيرٌ. [عيون الأخبار 2/ 523].

* وعن مجاهد رحمه الله قال: إن هذا العلم لا يتعلمه مستح ولا متكبر. [الحلية (تهذيبه) 2/ 12]. * وقال أبو العالية رحمه الله: لا يتعلم مستحي ولا متكبر. [الحلية (تهذيبه) 1/ 369]. * وقال وهيب بن الورد رحمه الله: ضُرب لعلماء السوء مثل، فقيل: إنما مثل عالم السوء كمثل الحجَر في الساقية، فلا هو يشرب الماء، ولا هو يخلّي الماء إلى الشجر، فيحيا به. [صفة الصفوة 2/ 533]. * وعن محمد بن يزيد بن خنيس قال: قال وهيب بن الورد رحمه الله: عجبًا للعالم كيف تجيبه دواعي قلبه إلى ارتياح الضحك، وقد علم أن له في القيامة روعات، ووقفات وفزعات، قال: ثم غشي عليه. [الحلية (تهذيبه) 3/ 30]. * وقال سفيان بن عيينة رحمه الله: إنما منزلة الذي يطلب العلم ينتفع به بمنزلة العبد يطلب كل شيء يُرضي سيده، يطلب التحبب إليه، والتقرب إليه، والمنزلة عنده لئلا يجد عنده شيئًا يكرهه. [صفة الصفوة 2/ 541]. * وقال أيضًا رحمه الله: قال عيسى - عليه السلام -: إن للحكمة أهلاً فإن وضعتها في غير أهلها ضيعت، وإن منعتها من أهلها ضيعت، كن كالطبيب يضع الدواء حيث ينبغي. [الحلية (تهذيبه) 2/ 427]. * وقال أيضًا رحمه الله: كان عيسى ويحيى - عليهما السلام - يأتيان القرية، فيسأل عيسى عن شرار أهلها، ويسأل يحيى عن خيار أهلها، فقال له يحيى: لم تنزل على شرار الناس؟ قال: إنما أنا طبيب أداوي المرضى. [الحلية (تهذيبه) 2/ 427]. * وقال بلال بن أبي بُرْدَة رحمه الله: لا يَمنعنَّكم سوءُ ما تعلمون منا أن تَقْبلوا أحسنَ ما تسمعون. (¬1) [عيون الأخبار 2/ 523]. * وقال الخليل بن أحمد رحمه الله: لا يعرِفُ الرَّجلُ خطأ معلِّمه، حتى يُجَالِسَ غيره. [السير (تهذيبه) 2/ 713]. ¬

(¬1) قال ابن القيم رحمه الله: من شروط تمام الانتفاع بالموعظة: العمى عن عيوب الواعظ، فإنه إذا اشتغل به حُرم الانتفاع بموعظته، لأن النفوس مجبولة على عدم الانتفاع بكلام من لا يعمل بعلمه ولا ينتفع به. اهـ بتصرف. مدارج السالكين 2/ 2

* وقال أيضًا رحمه الله: [عيون الأخبار 2/ 523]. اعمل بعملي ولا تنظر إلى عملي ... ينفعك قولي ولا يضررك تقصيري * وقال أَيّوب رحمه الله: لا يَعرِف الرجلُ خطأَ مُعلِّمه حتّى يعرِفَ الاختلاف. [عيون الأخبار 2/ 526]. * وعن حماد بن زيد قال: كان رجل قد لزم أيوب رحمه الله وسمع منه. ففقده أيوب. فقالوا: يا أبا بكر إنه قد لزم عمرو بن عبيد. قال حماد: فبينا أنا يوماً مع أيوب وقد بكرنا إلى السوق. فاستقبله الرجل. فسلم عليه أيوب وسأله. ثم قال له أيوب: بلغني أنك لزمت ذاك الرجل. قال حماد: سماه، يعني عمراً. قال: نعم. يا أبا بكر إنه يجيئنا بأشياء غرائب. قال: يقول له أيوب: إنما نفر أو نفرق من تلك الغرائب. [رواه مسلم في مقدمته]. * وعن الزهري رحمه الله قال: إنما يذهب العلم النسيان وترك المذاكرة. [الحلية (تهذيبه) 2/ 24]. * وعن شريح رحمه الله أنه قيل له: بأي شيء أصبت هذا العلم، قال: بمقاومة العلماء، آخذ منهم وأعطيهم. [الحلية (تهذيبه) 2/ 68]. * وقال الأعمش رحمه الله: العلم في لمَ؟ [الحلية (تهذيبه) 2/ 138]. * وقال جعفر بن محمد رحمه الله: الفقهاء أمناء الرسل، فإذا رأيتم الفقهاء قد ركبوا إلى السلاطين فاتهموهم. [الحلية (تهذيبه) 1/ 512]. * وقال عبد الله بن ضُرَيس: قيل لعبد الله بن المبارك رحمه الله: يا أبا عبد الرحمن إلى متى تكتب هذا الحديث؟ فقال: لعل الكلمة التي أنتفع بها ما كتَبْتُها بعدُ. [صفة الصفوة 4/ 375]. * وقال الأوزاعي رحمه الله: كنا نضْحك ونمزَح، فلما صِرنا يُقتدى بنا خشيتُ أن لا يسعنا التَّبَسُّم. [السير (تهذيبه) 2/ 685]. * وعن الأعْمش قال: كان إسماعيلُ بن رَجَاء رحمه الله يَجمع صِبْيانَ الكُتَّاب فيُحدِّثهم كيلا يَنْسَى حَدِيثَه. [عيون الأخبار 2/ 533]. * وعن مكحول رحمه الله قال: لا يؤخذ العلم إلا عن من شُهد له بالطلب. [الحلية (تهذيبه) 2/ 181].

* وعن أبي بكر بن عياش رحمه الله قال: الدخولُ في العلم سهلٌ، لكن الخروج منه إلى الله شديدٌ. [السير (تهذيبه) 2/ 787]. * وعن عبيد بن عمير رحمه الله قال: إن الله يبغض القاري، إذا كان لباسًا ركابًا ولاجًا خراجًا. [الحلية (تهذيبه) 2/ 9]. * وعن موسى الجهني قال: كان طلحة بن مصرف رحمه الله إذا ذكر عنده الاختلاف قال: لا تقولوا الاختلاف، ولكن قولوا السعة. [الحلية (تهذيبه) 2/ 132]. * وقال سفيان الثوري رحمه الله: لو لم يأتني أصحاب الحديث لأتيتهم في بيوتهم. [الحلية (تهذيبه) 2/ 363]. * وعن يوسف بن أسباط قال: سئل سفيان الثوري رحمه الله عن مسألة وهو يشتري شيئًا فقال: دعني فإن قلبي مع درهمي. [الحلية (تهذيبه) 2/ 399]. * وعن أبي يزيد البسْطامِي رحمه الله قال: ما وجدتُ شيئًا أشدَّ علي من العِلم ومتابعتِه، ولولا اختلاف العلماء لتعبت (¬1)، واختلاف العلماء رحمة إلا في تجريد التوحيد (¬2). [الحلية (تهذيبه) 3/ 247]. * وقال عبد الله بن المبارك رحمه الله: أول منفعة الحديث أن يفيد بعضهم بعضًا. [الحلية (تهذيبه) 3/ 38]. * وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: لو كان مع علمائنا صبر ما غدوا لأبواب هؤلاء، يعني الملوك. [الحلية (تهذيبه) 3/ 12]. ¬

(¬1) في السير (تهذيبه) 3/ 1054: لبقيت حائرًا. (¬2) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الاجتهاد السائغ لا يبلغ مبلغ الفتنة والفرقة إلا مع البغي , لا لمجرد الاجتهاد. كما قال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} [آل عمران: 19] , وقال: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام: 159] , وقال: {وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [آل عمران: 105] فلا يكون فتنة وفرقة مع وجود الاجتهاد السائغ , بل مع نوع بغيّ. ولهذا نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن القتال في الفتنة , وكان ذلك من أصول السُّنَّة. وهذا مذهب أهل السنَّة والحديث , وأئمة أهل المدينة من فقهائهم وغيرهم. الاستقامة / 52، 53

* وعن محمد بن الطفيل قال: رأى فضيل بن عياض رحمه الله قومًا من أصحاب الحديث، يمزحون ويضحكون، فناداهم: مهلاً يا ورثة الأنبياء، مهلاً ثلاثًا، إنكم أئمة يقتدى بكم. [الحلية (تهذيبه) 3/ 17]. * وعن سلم بن جنادة قال: جالست وكيع بن الجراح رحمه الله سبع سنين، فما رأيته بزق، وما رأيته مس والله حصاة بيده، وما رأيته جلس مجلسه فتحرك، وما رأيته إلا مستقبل القبلة، وما رأيته يحلف بالله. [الحلية (تهذيبه) 3/ 106]. * وعن الحسين بن أبي زيد قال: صاحبت وكيع بن الجراح رحمه الله إلى مكة، فما رأيته متكئا، ولا رأيته نائمًا في محمله. [الحلية (تهذيبه) 3/ 106]. * وقال ابن المبارَك: ما رأيتُ أحدًا ارتفعَ مثل مالك بن أنس رحمه الله، ليس له كثيرُ صلاة ولا صِيام، إلا أن تكونَ له سريرةٌ. * قال الذهبي رحمه الله: ما كان عليه من العلم ونَشْرِه أفضلُ مِن نوافل الصومِ والصلاة لمن أراد به الله. [السير (تهذيبه) 2/ 733]. * وعن يونس بن عبد الأعلى قال: كان الشافعي رحمه الله يكلمنا بقدر ما نفهم عنه، ولو كلمنا بحسب فهمه ما عقلنا عنه. [الحلية (تهذيبه) 3/ 132]. * وعن الفضيل بن زياد عن أحمد بن حنبل رحمه الله قال: هذا الذي ترون كله أو عامته من الشافعي، وما بت منذ ثلاثين سنة إلا وأنا أدعو للشافعي. [الحلية (تهذيبه) 3/ 121]. * وقال الذهبي رحمه الله: من بلغ رُتبةَ الاجتهاد، وشهد له بذلك عِدَّةٌ من الأئمة، لم يَسُغْ له أن يُقلِّدَ (¬1)، كما أن الفقيه المُبتدئَ والعاميَّ الذي يحفظ القرآن أو كثيرًا منه لا يَسوغُ له الاجتهاد أبدًا، فكيف يَجتهدُ وما الذي يقول؟ وعلام يَبني؟ وكيف يَطيرُ ولَمَّا يُرَيّشْ؟ (¬2) والقِسم الثالث: الفقيه المنتهي اليَقِظُ الفَهِمُ المُحدِّث، الذي قد حفظ مختصرًا في الفروع، وكتابًا في قواعد الأصول، وقرأ النحو، وشارك في الفضائل مع حفظه لكتاب الله وتشاغله ¬

(¬1) هذا القسم الأول وهو المجتهد المطلق. (¬2) هذا القسم الثاني.

بتفسيره وقوة مناظرته، فهذه رتبة من بلغ الاجتهادَ المُقيَّد، وتأهَّلَ للنظر في دلائلِ الأئمة، فمتى وَضح له الحقُّ في مسألة، وثَبت فيها النص، وعَمِلَ بها أحدُ الأئمة الأعلامِ كأبي حنيفة مثلاً، أو كمالك، أو الثوريِّ، أو الأوزاعيِّ، أو الشافعيّ وأبي عبيد، وأحمدَ، وإسحاق، فلْيَتَّبِعْ فيها الحقَّ ولا يَسْلُكِ الرُّخصَ ولْيتَورَّع، ولا يسعُه فيها بعد قيامِ الحجةِ عليه تقليدٌ، فإن خاف ممن يُشغِّب عليه من الفقهاء فَلْيَتكتَّم بها ولا يتراءى بفعلها، فربّما أعجبته نفسُه، وأحب الظهور، فيعاقَب، ويدخل عليه الداخلُ من نفسه، فكم من رجلٍ نطق بالحقِّ، وأمر بالمعروف، فَيُسلِّطُ الله عليه من يُؤذيه لسوء قصده، وحُبِّه للرئاسة الدينية، فهذا داءٌ خفيٌّ سارٍ في نفوس الفقهاء كما أنه داءٌ سارٍ في نفوس المنفقين من الأغنياء وأربابِ الوقوفِ والتُّربِ المزخرفة وهو دَاء خفيٌّ يسري في نفوس الجند والأُمراء والمجاهدين، فتراهم يَلتقون العدوَّ، ويصطدمُ الجمعان وفي نفوس المجاهدين مُخَبّآتٌ وكمائنُ من الاختيال وإظهار الشجاعةِ. [السير (تهذيبه) 3/ 1400].

العمل بالعلم وتبليغه

العمل بالعلم وتبليغه * قال سَلْمان الفارسي - رضي الله عنه -: علمٌ لا يُقال به ككنز لا يُنْفَق منه. [عيون الأخبار 2/ 525]. * وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: " إن الناس قد أحسنوا القول، فمن وافق قوله فعله فذاك الذي أصاب حظه، ومن لا يوافق قولُه فعله فذاك الذي يوبخ نفسه". [صفة الصفوة 1/ 189]. * وقال - رضي الله عنه -: تعلموا العلم فإذا علمتم فاعملوا. [الحلية (تهذيبه) 1/ 119]. * وعن عبد الله بن عكيم قال: سمعت ابن مسعود رضي الله عنه - في هذا المسجد - يبدأ باليمين قبل الكلام. فقال: ما منكم من أحد إلا أن ربه تعالى سيخلو به، كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر، فيقول يا ابن آدم ما غرَّك بي؟ ابن آدم ماذا أجبت المرسلين، ابن آدم ماذا عملت فيما علمت؟. [الحلية (تهذيبه) 1/ 120]. * وقال أبو الدرداء - رضي الله عنه -: إن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة عالمًا لا ينتفع بعلمه. [الحلية (تهذيبه) 1/ 178]. * وقال أيضًا - رضي الله عنه -: أخوف ما أخاف أن يقال لي يوم القيامة: أعلمت أم جهلت؟ فإن قلتُ علمت. لا تبقى آية آمرة أو زاجرة إلا أُخذتُ بفريضتها، الآمرة هل ائتمرت، والزاجرة هل ازدجرت، فأعوذ بالله من علم لا ينفع، ونفس لا تشبع، ودعاء لا يُسمع (رواه الإمام أحمد). [صفة الصفوة 1/ 300]. * وقال أيضًا - رضي الله عنه -: إنما أخشى على نفسي أن يقال لي على رؤوس الخلائق: يا عويمر هل علمت؟ فأقول: نعم. فيقال: ماذا عملت فيما علمت؟. [صفة الصفوة 1/ 300].

* وقال جندب البجلي - رضي الله عنه -: مثل الذي يعظ الناس وينسى نفسه مثل المصباح يضيء لغيره ويحرق نفسه. [الزهد للإمام أحمد / 330]. * وقال معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه: اعلموا ما شئتم أن تعلموا، فلن يؤجركم الله بعلم حتى تعملوا. [الحلية (تهذيبه) 1/ 185]. * وعن ميمون بن مهران قال: تكلم عمر بن عبد العزيز رحمه الله ذات يوم، وعنده رهطٌ من إخوانه، فصح له منطقٌ وعظة حسنة، فنظر إلى رجل من جلسائه، وهو يَخذِفُ دمعته، فقطع دمعته، فقلت له: يا أمير المؤمنين، امض في منطقك فإني أرجو أن يمن الله على من سمعه أو بلغه. قال: إليك عني، فإن في القول فتنة، والفعال أولى بالمؤمن من القول. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 181]. * وجاء في كتاب الشكر لا بن أبي الدنيا: أخبرنا الشيخ ناصر الدين أبو نصر محمد بن عربشاه، قيل له: أخبركم الشيخ أبو الفضل جعفر بن أبي الحسن بن أبي البركات الهمداني، قراءةً عليه وأنت تسمع سنة خمس وثلاثين وستمائة، قال: أنا الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد السلفي، قراءة عليه وأنا أسمع سنة إحدى وسبعين وخمسمائة، قيل له: أخبركم الشيخان؛ الشريف أبو الفضل محمد بن عبد السلام الأنصاري، وأبو سعد محمد بن خشيش؛ قال الشريف: أنبأ أبو علي الحسن بن شاذان؛ قال: أنبأ أبو بكر أحمد بن سلمان النجاد، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي الدنيا، قال: حدثنا الجروي، قال: حدثني عمرو بن أبي سلمة، قال: حدثنا أبو عبدة الحكم بن عبدة، قال: حدثني حيوة بن شريح، عن عقبة بن مسلم، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن الصنابحي، عن معاذ رضي الله عنه، قال: قال لي ... النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إني أحبك، فقل: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك). قال الصنابحي: قال لي معاذ: إني أحبك، فقل هذا الدعاء، قال أبو عبد الرحمن: قال لي الصنابحي: وأنا أحبك، فقل؛ قال عقبة: قال لي أبو عبد الرحمن: وأنا أحبك فقل؛ قال حيوة: قال لي عقبة: وأنا أحبك فقل؛ قال أبو عبدة: قال لي حيوة: وأنا أحبك فقل؛ قال عمرو: فقال لي أبو عبدة: وأنا أحبك فقل؛ قال لي حسن يعني الجروي: وأنا أحبك فقل، قال

لنا أبو بكر بن أبي الدنيا: وأنا أحبكم فقولوا، قال لنا أبو بكر النجاد: وأنا أحبكم فقولوا، قال لنا الشريف: قال لنا الحرقي: وأنا أنا أحبكم فقولوا، وقال ابن خشيش: وقال لنا ابن شاذان: وأنا أحبكم فقولوا: وقال لنا الشريف وابن خشيش: ونحن نحبكم فقولوا، وقال لنا الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد: وأنا أحبكم فقولوا: وقال لنا شيخنا أبو الفضل جعفر: وأنا أحبكم فقولوا، وقال لنا شيخنا نصر الدين أبو نصر محمد بن عربشاه: وأنا أحبكم فقولوا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 501، 502]. * وروي عن حبيب بن أبي ثابت أنه قال: قال لي سعيد بن جُبير رحمه الله: لأن أَنشرَ علمي أحبُّ إليَّ من أن أذهب به إلى قبري. [السير (تهذيبه) 2/ 506]. * وعن الزهري رحمه الله قال: العلم يقبض قبضًا سريعًا، فنشر العلم ثبات الدين والدنيا، وفي ذهاب العلم ذهاب ذلك كله. [الحلية (تهذيبه) 2/ 26]. * وقال أيضًا رحمه الله: إياك وغلول الكتب، قلت: وما غلولها؟ قال: حبسها عن أهلها. [الحلية (تهذيبه) 2/ 25]. * وعن منصور رحمه الله قال: نبئت أن بعض من يلقى في النار، يتأذى أهل النار بريحه. فيقال له: ويلك ما كنت تعمل؟ أما يكفينا ما نحن فيه من النتن، حتى ابتلينا بك وبنتن ريحك، فيقول: كنت عالمًا فلم أنتفع بعلمي. [الحلية (تهذيبه) 1/ 450]. * وقال سُفيان الثوري رحمه الله: ما بلغني عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثٌ قَطُّ إلا عملتُ به ولو مَرَّة. [السير (تهذيبه) 2/ 696]. * وقال أيضًا رحمه الله: يَهتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلاّ ارتحل. [عيون الأخبار 2/ 523]. * وقال أيضًا رحمه الله: كان الرجل إذا أراد أن يكتب الحديث تأدب وتعبد قبل ذلك بعشرين سنة. [الحلية (تهذيبه) 2/ 362]. * وعن عبد الله بن المبارك. قال: سئل سفيان الثوري رحمه الله: طلب العلم أحب إليك يا أبا عبد الله أو العمل؟ فقال: إنما يراد العلم للعمل، لا تدع

طلب العلم للعمل، ولا تدع العمل لطلب العلم. [الحلية (تهذيبه) 2/ 378]. * وعن الأوزاعي قال: قدم عطاء الخراساني على هشام فنزل على مكحول، فقال لمكحول: ها هنا أحد يحركنا؟ قال: نعم! يزيد بن ميسرة رحمه الله، فأتوه فقال عطاء: حركنا رحمك الله، قال: نعم! كانت العلماء إذا علموا عملوا، فإذا عملوا شُغلوا، فإذا شغلوا فُقدوا، فإذا فقدوا طُلبوا، فإذا طلبوا هَربوا. قال: أعد عليّ، فأعاد عليه فرجع عطاء ولم يلق هشامًا!! [الحلية (تهذيبه) 2/ 193]. * وعن أبي وائل، عن علقمة رحمه الله قال: وقيل له: ألا تقص علينا؟ قال: إني لأكره أن آمركم بما لا أفعل. [الزهد للإمام أحمد / 372]. * وعن الشعبي رحمه الله قال: يشرف أهل الجنة في الجنة على قوم في النار فيقولون: ما لكم في النار، وإنما كنا نعمل بما تعلمونا؟ فيقولون: إنا كنا نعلمكم ولا نعمل به. [الزهد للإمام أحمد / 612]. * وقال أيضًا رحمه الله: ما من خطيب يخطب إلا عُرضت عليه خطبته يوم القيامة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 79]. * وقال أيضًا رحمه الله: ليتني لم أكن علمتُ من ذا العلم شيئا. قال الذهبي: لأنه حجة على العالم، فينبغي أن يعملَ به، وينبِّه الجاهلَ، فيأمرُه وينهاه، ولأنَّه مَظِنَّةُ أن لا يخلصَ فيه، وأن يَفْتَخرَ به ويُماري به، لينالَ رئاسةً ودُنيا فانيَةً. [السير (تهذيبه) 2/ 502]. * وعن هشام الدستوائي رحمه الله قال: كان عيسى ابن مريم - عليه السلام - يقول: يا معشر العلماء، مثلكم مثل الدفلي (¬1) يعجب ورده من نظر إليه، ويقتل طعمه من أكله، كلامكم دواء ولم يبرئ الداء، وأعمالكم داء لا تقبل الدواء، الحكمة تخرج من أفواهكم، وليس بينها وبين آذانكم إلا أربع أصابع، ثم لا تعيها قلوبكم!! معشر العلماء إن الله إنما يبسط لكم الدنيا لتعملوا، ولم يبسط ¬

(¬1) الدِّفْلى: شجر مُرٌّ أَخضر حَسَن المَنْظَر يكون في الأَودية, قال الأَزهري: هي شجرة مُرَّة وهي من السُّموم. لسان العرب مادة: (دفل).

لكم لتطغوا!! معشر العلماء كيف يكون من أهل العلم من يطلب الكلام ليخبر به ولا يطلب ليعمل به؟ العلم فوق رؤوسكم، والعمل تحت أقدامكم، فلا أحرار كرام، ولا عبيد أتقياء؟! [الحلية (تهذيبه) 2/ 340]. * وعن شعبة قال: ما أقول لكم إن أحدًا طلب الحديث يريد وجه الله تعالى إلا هشامًا الدستوائي، وإن كان يقول: ليتنا ننجو من هذا الحديث كفافًا لا لنا ولا علينا. [الحلية (تهذيبه) 2/ 340]. * وعن إبراهيم النخعي رحمه الله قال: كانوا إذا أتوا الرجل ليأخذوا عنه نظروا إلى صلاته، وإلى هدْيه، وإلى سَمْته. [صفة الصفوة 2/ 553]. * وقال أبو قلابة رحمه الله: إذا أحدث الله - عزَّ وجلَّ - لك علمًا فأحدِثْ له عبادة. [صفة الصفوة 3/ 186]. * وعن مالك بن دينار رحمه الله قال: إن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلوب كما يزل القطر عن الصفا. [الزهد للإمام أحمد / 539]. * وقال أيضًا رحمه الله: كنت مولعًا بالكتب أنظر فيها، فدخلت ديرًا من الديارات ليالي الحجاج، فأخرجوا كتابا من كتبهم فنظرت فيه، فإذا فيه: يا ابن آدم لم تطلب علم ما لم تعلم، وأنت لا تعمل بما تعلم. [الحلية (تهذيبه) 1/ 427]. * وقال أيضًا رحمه الله: من طلب العلم للعمل وفقه الله، ومن طلب العلم لغير العمل يزداد بالعلم فخرًا. [الحلية (تهذيبه) 1/ 427]. * وقال أيضًا رحمه الله: إنك إذا طلبت العلم لتعمل به كسَرك العلم، وإذا طلبته لغير العمل به لم يزدْك إلا فخْرًا. [صفة الصفوة 3/ 202]. * وقال أيضًا رحمه الله: تلقى الرجل وما يلحن حرفًا، وعمله كله لحن. [الحلية (تهذيبه) 1/ 429]. * وعن أبي العالية رحمه الله، قال: كنتُ أرحَلُ إلى الرجل مسيرَة أيامٍ لأسمع منه، فأتفقَّد صَلاتَه، فإن وجَدتُه يُحسِنها، أقمتُ عليه، وإنْ أجِدْهُ يُضيِّعُها، رحلت ولم أسمع منه، وقلتُ: هو لِما سواها أضْيَع. [السير (تهذيبه) 1/ 479]. * وقال عمرو بن قيس رحمه الله: إذا سمعت بالخير، فاعمل به ولو مرة

واحدة. [الحلية (تهذيبه) 2/ 155]. * وقال ابن السَّمَّاك رحمه الله: كم من شيءٍ إذا لم ينفع لم يضرَّ، لكن العلمَ إذا لم ينفع، ضَرَّ. [السير (تهذيبه) 2/ 761]. * وعن إبراهيم التيمي رحمه الله قال: ما عرضتُ عَمَلي على قولي، إلا خشيت أن أكون مكذِّبًا. [صفة الصفوة 2/ 580]. * وعن عطاء الخراساني رحمه الله قال: إن أوثق عملي في نفسي نشري العلم. [الحلية (تهذيبه) 2/ 186]. * وقال أبو عثمان الحيري رحمه الله: ذهابُ الإسلام من أربعة: لا يعملونَ بما يَعلَمون، ويعملونَ بما لا يَعلَمون، ولا يَتَعلَّمون مالا يَعْلَمون، ويَمنَعون النَّاس من العلم. قال الذهبي رحمه الله: هذه نعوتُ رؤوس العرب والتُّرك، وخلق من جهلة العامة، فلو عملوا بيسير ما عرفوا، لأفلحوا، ولو وقفوا عن العمل بالبدع لوُفِّقوا ولو فَتَّشوا عن دينهم وسألوا أهل الذِّكر - لا أهل الحِيَلِ والمكر - لسَعِدوا، بل يُعرِضون عن التعلُّم تيهًا وكَسَلاَ، فواحدة من هذه الخِلال مُردِيَة، فكيف بها إذا اجتمعت؟! فما ظنُّك إذا انضم إليها كِبْر، وفجورٌ، وإجرامٌ وتَجَهْرُمٌ على الله! نسأل الله العافية. [السير (تهذيبه) 2/ 723]. * وعن سفيان بن عيينة رحمه الله قال: إنما أرباب العلم الذين هم أهله الذين يعملون به. [الحلية (تهذيبه) 2/ 426]. * وقال أيضًا رحمه الله: كان رجل عالم وآخر عابد. فقال العالم للعابد: مالك لا تأتيني والناس يأتوني ويحتاجون إلى علمي؟ قال: أنا أحسن شيئًا قليلاً وأنا أعمل به، فإذا فني أتيتك. [الحلية (تهذيبه) 2/ 434]. * وعن الحسن البصري رحمه الله قال: إذا كنت آمرًا بالمعروف فكن من آخذ الناس به وإلا هلكت، وإذا كنت ممن ينهى عن المنكر فكن من أنكر الناس له وإلا هلكت. [الزهد للإمام أحمد / 444]. * وعن حفص بن حميد قال: سألت داود الطائي رحمه الله عن مسألة فقال

داود: أليس المحارب إذا أراد أن يلقى الحرب، أليس يجمع له آلته؟ فإذا أفنى عمره في جمع الآلة، فمتى يحارب؟ إن العلم آلة العمل، فإذا أفنى عمره فيه فمتى يعمل؟! [الحلية (تهذيبه) 2/ 458]. * وعن عيسى بن حازم قال: قلت لإبراهيم بن أدهم رحمه الله: مالك لا تطلب الحديث؟ فقال: إني لا أدعه رغبة عنه، ولا زهادة فيه، ولكني سمعت منه شيئًا فأنا أريد العمل به. [الحلية (تهذيبه) 2/ 490]. * وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: أي حسرة على امرئ أكبر من أن يؤتيه الله - عزَّ وجلَّ - علمًا فلم يعمل به، فسمعه منه غيره فعمل به، فيرى منفعته يوم القيامة لغيره. [الحلية (تهذيبه) 3/ 27]. * وقال بشر بن الحارث رحمه الله: لا تسأل عن مسائل تعرف بها عيوب الناس، لا تقع في ألسنة الناس، إذا سألت عن مسألة فاعمل، فإن لم تطق فاستعن بالله. [الحلية (تهذيبه) 3/ 99]. * وقال وهيب بن الورد رحمه الله: لا يكن همّ أحدكم في كثرة العمل، ولكن ليكنْ همّه في إحكامه وتحسينه، فإن العبد قد يصلّي وهو يعصي الله في صلاته، وقد يصوم وهو يعصي الله في صيامه. [صفة الصفوة 2/ 535]. * وقال المروذي: قال لي أحمد بن حنبل رحمه الله: ما كتبتُ حديثًا إلا وقد عملتُ به حتى مرَّ بي أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، احْتَجَم وأعطى أبا طيْبَة دينارًا، فأعطيتُ الحجَّام دينارًا حين احتجمتُ. [السير (تهذيبه) 2/ 929]. * وقال الذهبي رحمه الله: من طلب العلمَ للعمل كسره العلمُ، وبكى على نفسه، ومن طلب العلم للمدارس والإفتاء والفخر والرياء، تحامق، واختال، وازدرى بالناس وأهلكه العُجْبُ، ومقتَتْهُ الأنفس {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} [الشمس: 9، 10]؛ أي: دسَّسَها بالفُجور والمعصية. قُلِبتْ فيه السينُ ألفًا. [السير (تهذيبه) 3/ 1401].

حال السلف مع ولاة الأمور

حال السلف مع ولاة الأمور (أ) طاعتهم والدعاء لهم، والحث على لزوم الجماعة: * عن عبد الله بن سلام قال لمن حضر تشحط عثمان - رضي الله عنه - في الموت حين ضربه أبو رومان الأضحى: ماذا كان قول عثمان وهو يتشحط؟ قالوا: سمعناه يقول: اللهم اجمع أمة محمد، اللهم اجمع أمة محمد، اللهم أجمع أمة محمد، ثلاثا، قال: والذي نفسي بيده لو دعا الله على تلك الحال أن لا يجتمعوا أبدا ما اجتمعوا إلى يوم القيامة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 314]. * وعن أبي قتادة قال: دخلت على عثمان - رضي الله عنه - وهو محصور أنا ورجل من قومي، نستأذنه في الحج، فأذن لنا، فلما خرجت استقبلني الحسن بن علي بالباب، فدخل وعليه سلاحه، فرجعت معه فدخل، فوقف بين يدي عثمان، وقال: يا أمير المؤمنين ها أنا ذا بين يديك فمرني بأمرك، فقال له عثمان: يا ابن أخي وصَلّتْك رحم، إن القوم ما يريدون غيري ووالله لا أتوقى بالمؤمنين، ولكن أوقِّي المؤمنين بنفسي، فلما سمعت ذلك منه قلت له: يا أمير المؤمنين إن كان من أمرك كون فما تأمر؟ قال: انظروا ما أجمعت عليه أمة محمد، فإن الله لا يجمعهم على ضلالة، كونوا مع الجماعة حيث كانت. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 315]. * وكتبَ رجل إلى ابن عُمر - رضي الله عنه - أن اكتُبْ إليَّ بالعلم كله. فكتب إليه: إنَّ العلم كثير، ولكن إن استطعتَ أن تَلْقَى الله خفيفَ الظهر من دماءِ الناسِ، خَمِيصَ البطنِ من أموالهم، كافَّ اللسان عن أعراضهم، لازمًا لأمْرِ جَمَاعتهم، فافعل. [السير (تهذيبه) 1/ 370]. * وقال الحسن بن علي - رضي الله عنه -: أربعة من الإسلام إلى السلطان: الحُكْم والفيء والجمعة والجهاد. [عيون الأخبار 1/ 47، 48].

(ب) استعمال الحكمة والمداراة معهم

* وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: لو أنَّ لي دعوةً مستجابة ما جعلتها إلا في إمامٍ، فصلاحُ الإمام صلاحُ البلاد والعباد. (¬1) [السير (تهذيبه) 2/ 777]. * وعن عُمَر بن الفضل قال: سألت أبا العلاء رحمه الله - والحجاج في عِبَائه (¬2) - فقلت: يا أبا العلاء أسب الحجاج؟ فقال: ادع له بالصلاح فإن صلاحه خير لك. [الزهد للإمام أحمد / 422]. * وعن عبد الله بن القاسم قال: جلست إلى سعيد بن المسيب رحمه الله فقال: إنه قد نهي عن مجالستي قال: قلت: إني رجل غريب قال: إنما أحببت أن أعلمك. [الحلية (تهذيبه) 1/ 348]. * وعن قتادة عن سعيد بن المسيب رحمه الله أنه كان إذا أراد الرجل أن يجالسه قال: إنهم قد جلدوني، ومنعوا الناس أن يجالسوني. [الحلية (تهذيبه) 1/ 348]. * وعن عبد الحميد بن عبد الله بن مسلم، أنَّ السجَّان قال لابن سيرين رحمه الله: إذا كان اللَّيل فاذهب إلى أهلك، فإذا أصبحت فتعالَ. قال: لا والله، لا أكونُ لَكَ عونًا على خيانةِ السُّلطان. [السير (تهذيبه) 2/ 569]. (ب) استعمال الحكمة والمداراة معهم: * عن عكرمة، عن ابن عُمر رضي الله عنه، قال: دخلتُ على حفصةَ فقلت: قد كانَ من الناس ما تَرَين، ولم يُجعل لي من الأمر شيءٌ، قالت: فالحق بهم فإنهم ينتظرونك، وإني أخشى أن يكون في احتباسك عنهم فُرقةٌ، فلم يَرعه حتى ذهب. قال: فلما تفرَّق الناس، خطب معاويةُ، فقال: من كان يُريد أن ¬

(¬1) قال البربهاري رحمه الله: وإذا رأيت الرجل يدعوا على السلطان: فاعلم أنَّه صاحب هوى , وإذا رأيتَ الرجل يدعو للسلطان بالصلاح , فاعلم أّنَّهُ صاحبُ سُنَّةٍ - إن شاء الله -. شرح السنة / 105، 106 (¬2) عَبَا المَتاعَ عَبْوًا وعَبَّاه: هَيَّأَه. وعَبَّى الجيش: أَصْلَحه وهَيّأَه تَعْبيَةً وتَعْبِئَةً وتَعْبيئًا، وقال أَبو زيد: عَبّاتُه بالهمزة. لسان العرب, مادة عبا. وفي الأصل: عِبَائة, بالتاء. ولعل الصواب هو المثبت.

يتكلَّم في هذا الأمر، فليُطلعْ إليَّ قرنه، فنحنُ أحقُّ بذلك منه ومن أبيه (¬1). قال حبيبُ بنُ مسلمة: فهَلاَّ أجبته فِداكَ أبي وأمي؟ فقال ابنُ عمر: حلَلْتُ حبوتي، فهممتُ أن أقول: أحقُّ بذلك منك من قاتَلكَ وأباكَ على الإسلام فخشيتُ أن أقولَ كلمة تُفرِّق الجمع، ويُسْفَكُ فيها الدَّمُ، فذكرتُ ما أعدَّ الله في الجنان. [رواه البخاري: 3882]. * وعن سعيد بن حبان قال: جمع المختار رباع أهل الكوفة على صحيفة مختومة يبايعون على ما فيها ويقرون بها. فقلت: لأنظرن ما يصنع الحارث بن سويد رحمه الله، فلما دعيت إذا هو بين يدي القوم فمشيت إلى جنبه، فقلت: يا أبا عائشة أتدري ما في هذه الصحيفة؟ قال: إليك عني، فإني سمعت عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - يقول: ما كنت لأدع قولاً أقوله أدرأ به عني سوطين. [الحلية (تهذيبه) 2/ 67]. * وعن عبد الله بن سلمويه، قال: أسر مصعب بن الزبير رحمه الله رجلاً فأمر بضرب عنقه، فقال: أصلح الله الأمير، ما أقبح بمثلي أن يقوم يوم القيامة فأتعلق بأطرافك الحسنة، وبوجهك الذي يستضاء به، فأقول: يا رب سل مصعبًا فيم قتلني؟ فقال: يا غلام، أعف عنه، فقال: أصلح الله الأمير، إن رأيت أن تجعل ما وهبت لي من حياتي في عيشٍ رخي، قال: يا غلام، أعطه مائة ألف، فقال: أيها الأمير، فإني أشهد الله وأشهدك أني قد جعلت لابن قيس الرقيات منها خمسين ألفًا، فقال له: ولِمَ؟ قال: لقوله فيك: إنما مصعب شهاب من اللـ ... ـه تجلت عن وجهه الظلماء [المنتظم 6/ 115، 116]. * وعن هشام بن عروة رحمه الله: أنه دخل على أبي جعفر المنصور، فقال: يا أمير المؤمنين، اقض عني ديني. قال: وكم دينك؟ قال: مائة ألف. قال: وأنت في فضلك وفهمك تأخذ دينًا مائة ألف وليس عندك قضاؤها؟ قال: يا أمير المؤمنين، شب فتيان من فتياننا، فأحببت أن أبوئهم وخشيت أن ينتشر ¬

(¬1) في مصنف عبد الرزاق: يُعرِّضُ بابنِ عُمر.

عليَّ من أمرهم ما أكره فبوأتهم واتخذت لهم منازل وأولمت عنهم ثقة بالله وبأمير المؤمنين (¬1) قال: فرد عليه مائة ألف استعظامًا لها، ثم قال: قد أمرنا لك بعشرة آلاف. قال: يا أمير المؤمنين، فأعطني ما أعطيت وأنت طيب النفس، فإني سمعت أبي يُحدّث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " من أعطى عطية وهو بها طيب النفس بورك للمُعطِي وللمُعطَى " قال: فإني بها طيب النفس. [المنتظم 8/ 101]. * وعن الفضل بن الربيع عن أبيه قال: حج أبو جعفر سنة سبع وأربعين ومائة، فقدم المدينة وقال: ابعثْ إلى جعفر بن محمد رحمه الله من يأتينا به تعِبًا، قتلني الله إن لم أقتله. فتغافل عنه الربيع لينساه، ثم أعاد ذكره للربيع وقال: أرسل إليه من يأتي به متعبًا، فتشاغل عنه، ثم أرسل إلى الربيع برسالة قبيحة في جعفر، وأمره أن يبعث إليه ففعل. فلما أتاه قال له: يا أبا عبد الله اذكر الله، فإنه قد أرسل إليك التي لا سِوى لها. قال جعفر: لا حول ولا قوة إلا بالله. ثم أعلَم أبا جعفر حضورَه، فلما دخل أوعده وقال: أيْ عدوّ الله اتخذك أهل العراق إمامًا يجبون إليك زكاة أموالهم، وتلحد في سلطاني وتبغيه الغوائل؟ قتلني الله إن لم أقتلك. فقال: يا أمير المؤمنين إن سليمان - عليه السلام - أُعطي فشكر، وإن أيوب ابتُلي فصبر، وإن يوسف ظُلم فغفر، وأنت من ذلك السِّنْخ، فقال له أبو جعفر: إليّ وعندي، أبا عبد الله، البريء الساحة، السليم الناحية، القليل الغائلة، جزاك الله من ذي رحمٍ أفضلَ ما جَزى ذوي الأرحام عن أرحامهم. ثم تناول يده فأجلسه معه على فراشه، ثم قال: عليَّ بالمِنجفَة، فأُتيَ بدُهن فيه غالية، فغلفه بيده حتى خِلتُ لحيته قاطرة، ثم قال: في حفظ الله وفي كلاءته. ثم قال: يا ربيع ألحِق أبا عبد الله جائزتَه وكسوتَه، انصرفْ أبا عبد الله في حفظ الله وفي كنفه، فانصرف ولحقتُه، فقلت له: إني قد رأيت قبل ذلك ما لم تره، ورأيت بعد ذلك ما قد رأيت، فما قلت يا أبا عبد الله ¬

(¬1) الصواب أن يقال: ثقة بالله ثم بأمير المؤمنين.

(جـ) الصدع بالحق وعدم المداهنة في النصح لهم

حين دخلت؟ قال: قلت: اللهم احْرُسْني بعينك التي لا تنام، واكنُفني بركْنِك الذي لا يُرام، واغفر لي بقُدْرَتك عليّ لا أهلك وأنت رجائي. اللهم إنك أكبر وأجلّ ممن أخاف وأَحذر، اللهم بك أدفع في نحره، وأستعيذ بك من شرّه. [صفة الصفوة 2/ 498]. * وعن إبراهيم بن أبي عبلة رحمه الله أنه قال: بعث إليّ هشام بن عبد الملك، فقال: يا إبراهيم، إنا قد عرفناك صغيرًا وخبرناك كبيرًا، ورضينا بسيرتك وحالك، وقد رأيت أن أخلطك بنفسي وبخاصتي، وأشركك في عملي، وقد وليتك خراج مصر، فقال: أما الذي عليه رأيك يا أمير المؤمنين فالله يجزيك ويثيبك وكفى به جازيًا ومثيبًا، وأما الذي أنا عليه فمالي بالخراج تصرف، ومالي عليه قوة. فغضب حتى اختلج وجهه، ثم قال: لَيلِيَنَّ طائعًا أو لَيلِينَّ كارهًا، فأمسكت عن الكلام حتى رأيت غضبه قد انكسر وثورته قد طفئت، فقلت: يا أمير المؤمنين، أأتكلم؟ فقال: نعم، فقلت: إن الله سبحانه قال في كتابه: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً} الآية [الأحزاب: 72]. والله يا أمير المؤمنين ما غضب عليهن إذ أَبَيْنَ، ولا أَكْرههن إذْ كَرِهن، وما أنا بحقيق أن تغضب عليّ إذ أبيت ولا تكرهني إذ كرهت، فضحك وقال: يا إبراهيم، أبيت إلا رفقًا فقد أعفيناك ورضينا عنك. [المنتظم 8/ 156]. (جـ) الصدع بالحق وعدم المداهنة في النصح لهم: * عن محمد بن سيرين، قال: كنا عند عمران بن حصين - رضي الله عنه - في حلقته في المسجد، إذ مر بنا الحكم بن عمرو الغفاري وقد عقد له زياد بن أبي سفيان على خراسان، فقيل لعمران: هذا الحكم استعمل على خراسان، فقال: عليّ به. فلما جاء قال: يا حكم، أتذكر حديثًا سمعته أنا وأنت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: وما هو؟ قال: سمعناه يقول: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. قال: نعم، قال: إذا شئت فقم. قال: فأتى خراسان فأصاب بها غنائم كثيرة، فكتب إليه زياد: أما بعد،

فإن أمير المؤمنين كتب إليّ أن أصطفي له البيضاء والصفراء، ولا أعلمن ما قسمت بين الناس ذهبًا ولا فضة. فلما جاءه الكتاب قال للناس: اغدوا على غنائمكم فخذوها، ثم كتب إلى زياد: جاءني كتاب الأمير يذكر أن أمير المؤمنين كتب إليه أن يصطفي بالصفراء فلا يعلمن ما قسمت بين الناس ذهبًا ولا فضة، وإني وجدت كتاب الله قد سبق كتاب أمير المؤمنين، ووالله الذي لا إله إلا هو لو أن السماوات والأرض كانتا رتقًا على عبد اتقى الله لجعل له من ذلك مخرجًا، والسلام. [المنتظم 5/ 229، 230]. * وعن نافع الطاحي قال: مررت بأبي ذر - رضي الله عنه - فقال لي: مِمَّن أنت؟ قلت: من أهل العراق. قال: أتعرف عبد الله بن عمَّار؟ قلت: نعم. قال: فإنه كان يقرأ معي ويلزمني، ثم طلب الإمارة، فإذا قدمت البصرة فتراء له، فإنه سيقول: لك حاجة؟ فقل: أخلني وقل له: أنا رسول أبي ذر إليك، وهو يقرئك السلام ويقول لك: إنا نأكل من التمر، ونشرب من الماء، ونعيش كما تعيش. فلما قدمت تراءيت له، فقال: لك حاجة؟ قلت: أخلني أصلحك الله. ففعل، فقلت: أنا رسول أبي ذر إليك - فلما قلتها خشع قلبه - وهو يقرأ عليك السلام ويقول: إنا نأكل من التمر، ونروي من الماء، ونعيش كما تعيش. قال: فحلّ إزاره ثم أدخل رأسه في جيبه ثم بكى حتى ملأ جيبه بالبكاء. [المنتظم 5/ 313، 314]. * وعن جبير بن نفير، قال: أخرج معاوية غنائم قبرس إلى طرسوس من ساحل حمص، ثم جعلها هناك في كنيسة يقال لها كنيسة معاوية، ثم قام في الناس فقال: إني قاسم غنائمكم على ثلاثة أسهم، سهم لكم، وسهم للسفن، وسهم للقبط، فإنه لم يكن لكم قوة على عدو البحر إلا بالسفن والقبط، فقام أبو ذر - رضي الله عنه - فقال: بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن لا تأخذني في الله لومة لائم، أتقسم يا معاوية للسفن سهمًا وإنما هي فيئنا، وتقسم للقبط سهمًا وإنما هم أجراؤنا؟! فقسمها معاوية على قول أبي ذر. [الحلية (تهذيبه) 2/ 166]. * وعن سويد الكلبي؛ أن زر بن حبيش - رضي الله عنه - كتب إلى عبد الملك بن مروان كتابًا يعظه، وكان في آخره:

ولا يطمعك يا أمير المؤمنين في طول الحياة ما يظهر من صحتك فأنت أعلم بنفسك، واذكر ما تكلم به الأولون: إذا الرجال وُلُدت أولادُها ... وبَليت مِن كبر أجسادها وجعلت أسقامها تعتادها ... تلك زروعٌ قد دنا حصادها فلما قرأ عبد الملك الكتاب بكى حتى بل طرف ثوبه، ثم قال: صدق زر لو كتب إلينا بغير هذا كان أرفق. [الحلية (تهذيبه) 2/ 82]. * وعن ابن شوذب قال: كان محمد بن واسع رحمه الله، مع يزيد بن المهلب بخراسان غازيًا، فاستأذنه للحج فأذن له، فقال له: نأمر لك قال: تأمر به للجيش كلهم! قال: لا، قال: لا حاجة لي به. [الحلية (تهذيبه) 1/ 415]. * وعن زيد بن أسلم قال: كنت مع أبي حازم رحمه الله في الصائفة فأرسل عبد الرحمن بن خالد إلى أبي حازم أن ائتنا حتى نسائلك وتحدثنا. فقال أبو حازم: معاذ الله، أدركت أهل العلم لا يحملون الدين إلى أهل الدنيا، فلن أكون بأول من فعل ذلك، فإن كان لك حاجة فأبلغنا. فتصدى له عبد الرحمن وسأل منه وقال له: لقد ازددت علينا بهذا كرامة. [الحلية (تهذيبه) 1/ 525]. * وعن عبد العزيز بن أبي حازم قال: بعث سليمان بن عبد الملك إلى أبي حازم رحمه الله، فجاءه، فقال له: يا أبا حازم مالنا نكره الموت؟ قال: لأنكم أخربتم آخرتكُم وعمَرتُم دنياكم، فأنتم تكرهون أن تنتقِلوا من العمران إلى الخراب، قال: صدقت، فكيف القدوم على الله - عزَّ وجلَّ؟ قال: أما المحسن فكالغائب يقدم على أهله، وأما المسيء فكالآبق (¬1) يقدم على مولاه، فبكى سليمان، وقال: ليت شعري مالنا عند الله يا أبا حازم؟ قال: اعرض نفسك على كتاب الله - عزَّ وجلَّ - فإنك تعلم مالك عند الله، قال: يا أبا حازم وأنّى أصيب ذلك؟ قال: عند قوله {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار: 13، 14]. فقال سليمان: فأين رحمة الله؟ قال: {قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56]. قال: ما تقول فيما نحن فيه؟ قال: أعفني ¬

(¬1) هو العبد الذي هرب من سيده.

عن هذا. قال سليمان: نصيحةٌ تلقيها. قال أبو حازم: إن أناسًا أخذوا هذا الأمر عنوةً من غير مشاورة من المسلمين ولا اجتماعٍ من رأيهم، فسفَكوا فيه الدماء على طلب الدنيا، ثم ارتحلوا عنها، فليت شعري ما قالوا وما قيل لهم؟ فقال بعض جلسائه: بئس ما قلتَ يا شيخ. قال أبو حازم: كذبتَ، إن الله تعالى أخذ على العلماء ليبيننّه للناس ولا يكتُمونه. قال سليمان: اصحبْنا يا أبا حازم تُصِبْ منّا ونُصِبْ منك. قال: أعوذ بالله من ذلك. قال: ولم؟ قال: أخاف أن أركَن إليكم شيئًا قليلاً، فيذيقَني ضعْفَ الحياة وضعْفَ الممات. قال: فأَشِر علي. قال: اتّق الله أن يراك حيث نهاك، وأن يفقدَك حيث أمرك. قال: يا أبا حازم ادعُ لنا بخير، قال: اللهم إن كان سليمان وليّك فَيَسِّرْه للخير، وإن كان عدوَّك فخذ إلى الخير بناصيته. فقال: يا غلام هات مائةَ دينار. ثم قال: خذها يا أبا حازم. فقال: لا حاجة لي فيها إني أخاف أن يكون لِما سمعتَ من كلامي. [صفة الصفوة 2/ 49]. * وعن أحمد بن عمرو بن المقدام الرازي قال: وقع الذباب على المنصور فذَبَّه عنه، فعاد فذَبَّه حتى أضجره. فدخل جعفر بن محمد رحمه الله، فقال له المنصور: يا أبا عبد الله لِمَ خلق الله - عزَّ وجلَّ - الذباب؟ قال: ليُذِلّ به الجبابرة. [صفة الصفوة 2/ 498]. * وقال ابن الجوزي: كان سعيد بن جبير رحمه الله فيمن خرج على الحجاج من القُرّاء، وشهد دَير الجماجم، فلما انهزم أصحاب ابن الأَشعث هرب، فلحق بمكة، فأخذه بعد مدَّة طويلة خالدُ بن عبدِ الله القَسْري، وكان والي الوليد بن عبد الملك على مكة، فبعث به إلى الحجاج. وعن الحسن قال: لما أُتي الحجاج بسعيد بن جبير رحمه الله قال: أنت الشقيّ بن كُسَير؟ قال: بل أنا سعيد بن جبير. قال: بل أنت الشقيّ بن كسير قال: كانت أمّي أَعْرف باسمي منك، قال: ما تقول في محمد؟ قال: تعني النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: نعم. قال: سيد ولد آدم، المصطفى، خير مَن بَقي وخير مَن مضى .. قال: فما تقول في أبي بكرٍ الصديق؟ قال: الصدّيق خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،

مضى حميدًا، وعاش سعيدًا، ومضى على منهاج نبيه - صلى الله عليه وسلم - لم يغيّر ولم يبدّل. قال: فما تقول في عمر؟ قال: عمر الفاروق خيرة الله وخِيرة رسوله، مضى حميدًا على منهاج صاحبيه لم يغيّر ولم يبدّل. قال: فما تقول في عثمان؟ قال: المقتول ظُلمًا، المجهّز جيشَ العُسرة الحافر بئر رومة، المشتري بيتَه في الجنة، صهْر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ابنتيه، زوّجه النبي - صلى الله عليه وسلم - بوحْي من السماء. قال: فما تقول في عليّ؟ قال: ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأول من أسلم، وزوج فاطمة وأبو الحسن والحسين. قال: فما تقول فيَّ؟ قال: أنت أعلم بنفسك، قال: بُثّ بعلمك قال: إذًا نَسوءك ولا نسرّك، قال: بُثَّ بعلمك. قال: أعفني. قال: لا عفا الله عنّي إن أعفيتك. قال: إني لأعلم أنك مخالفٌ لكتاب الله، ترى من نفسك أمورًا تريد بها الهيبة، وهي التي تُقحمك الهلاك، وستَرِدُ غدًا فتعلم، قال: أَما والله لأقتلنّك قِتلةً لم أقتلها أحدًا قبلك، ولا أقتلها أحدًا بعدك. قال: إذًا تُفسد عليّ دنياَيَ، وأفسد عليك آخرتك. قال: يا غلام السيفَ والنّطْع، فلما ولّى ضحك. قال: قد بلغني أنك تضحك. قال: قد كان ذلك قال: فما أضحكك عند القتل؟ قال: من جُرأتك على الله - عزَّ وجلَّ - ومن حلِم الله عنك. قال: يا غلام اقتله، فاستقبل القبلة فقال: {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: 79]. فصرف وجهه عن القبلة، فقال: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ} [البقرة: 115]. قال: اضربْ به الأرض. قال: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه: 55]. قال: اذبح عدوّ الله، فما أنزَعه لآيات القرآن منذ اليوم. [صفة الصفوة 3/ 55]. * وقال الأصمعي: دخل عطاءُ بن أبي رباح رحمه الله على عبد الملك بن مروان، وهو جالس على السرير، وحولَه الأشرافُ، وذلك بمكة في وقت حجِّه في خلافته، فلمَّا بَصُر به عبدُ الملك، قام إليه فسلَّم عليه، وأجلسه معه على السرير، وقعَدَ بين يديه، وقال: يا أبا محمد: حاجَتَك؟ قال: يا أميرَ المؤمنين! اتَقِ الله في أولادِ المهاجرين والأنصارِ، فإنك بهم جلستَ هذا

المجلس، واتَّق الله في أهل الثغور، فإنهم حِصنُ المسلمين، وتفقد أمورَ المسلمين، فإنَّك وحدك المسؤولُ عنهم، واتَّقِ الله فيمن على بابك، فلا تَغْفُل عنهم، ولا تُغْلِقْ دونهم بابَك، فقال له: أفعل، ثم نهض وقام، فقبضَ عليه عبدُ الملك وقال: يا أبا محمد! إنما سألتنا حوائجَ غيرك، وقد قضيناها، فما حاجَتُك؟ قال: مالي إلى مخلوق حاجة، ثم خرج، فقال عبد الملك: هذا وأبيك الشرفُ، هذا وأبيك السُّؤدُدُ. [السير (تهذيبه) 2/ 583]. * وعن علقمة بن مرشد قال: لما ولي عمر بن هبيرة العراق، أرسل إلى الحسن البصري رحمه الله وإلى الشعبي، فأمر لهما ببيت وكانا فيه شهرًا - أو نحوه - ثم إن الخصي غدا عليهما ذات يوم فقال: إن الأمير داخل عليكما، فجاء عمر يتوكأ على عصًا له فسلم، ثم جلس معظمًا لهما، فقال: إن أمير المؤمنين يزيد بن عبد الملك، ينفذ كتبًا أعرف أن في إنفاذها الهلكة، فإن أطعته عصيت الله، وإن عصيته أطعت الله - عزَّ وجلَّ - فهل تريا لي في متابعتي إياه فرجًا؟ فقال الحسن: يا أبا عمرو أجب الأمير (¬1)، فتكلم الشعبي فانحط في حبل ابن هبيرة. فقال: ما تقول أنت يا أبا سعيد؟ فقال: أيها الأمير قد قال الشعبي ما قد سمعت، قال: ما تقول أنت يا أبا سعيد؟. فقال: أقول يا عمر بن هبيرة، يوشك أن ينزل بك ملك من ملائكة الله تعالى، فظ غليظ، لا يعصي الله ما أمره، فيخرجك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك، يا عمر بن هبيرة، إن تتق الله يعصمك من يزيد بن عبد الملك ولا يعصمك يزيد بن عبد الملك من الله - عزَّ وجلَّ - يا عمر بن هبيرة لا تأمن أن ينظر الله إليك على أقبح ما تعمل في طاعة يزيد بن عبد الملك نظرة مقت، فيغلق بها باب المغفرة دونك، يا عمر بن هبيرة لقد أدركت ناسًا من صدر هذه الأمة، كانوا والله على الدنيا وهي مقبلة، أشد إدبارًا من إقبالكم عليها وهي مدبرة، يا ¬

(¬1) أي أجب الأمير عن مسألته.

عمر بن هبيرة، إني أخوفك مقامًا خوفكه الله تعالى فقال: {ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} [إبراهيم: 14]، يا عمر بن هبيرة إن تك مع الله تعالى في طاعته، كفاك بائقة يزيد بن عبد الملك، وإن تك مع يزيد بن عبد الملك على معاصي الله، وكلك الله إليه. قال: فبكى عمر وقام بعبرته، فلما كان من الغد أرسل إليهما بإذنهما وجوائزها وكثر منه ما للحسن، وكان في جائزته للشعبي بعض الإقتار، فخرج الشعبي إلى المسجد فقال: يا أيها الناس من استطاع منكم أن يؤثر الله تعالى على خلقه فليفعل، فوالذي نفسي بيده ما علم الحسن منه شيئًا فجهلته، ولكن أردت وجه ابن هبيرة فأقصاني الله منه. [الحلية (تهذيبه) 1/ 335]. * وعن الهيثم بن الحجاج الطائي قال: حج سليمان بن عبد الملك. فخرج حاجبه ذات يوم فقال: إن أمير المؤمنين قال: ابعثوا إليّ فقيهًا أسأله عن بعض المناسك. قال: فمر طاووس رحمه الله فقالوا: هذا طاووس اليماني، فأخذه الحاجب فقال: أجب أمير المؤمنين، فقال: أعفني فأبى قال: فأدخله عليه فقال طاووس: فلما وقفت بين يديه، قلت: إن هذا المجلس يسألني الله عنه، فقلت: يا أمير المؤمنين إن صخرة كانت على شفير جب في جهنم هوت فيها سبعين خريفًا حتى استقرت قرارها، أتدري لمن أعدها الله؟ قال: لا! ثم قال: ويلك لمن أعدها الله؟ قلت: لمن أشركه الله في حكمه فجار قال: فبكى لها. [الحلية (تهذيبه) 2/ 32]. * وعن سفيان قال: جاء ابن لسليمان بن عبد الملك فجلس إلى جنب طاووس فلم يلتفت إليه، فقيل له: جلس إليك ابن أمير المؤمنين فلم تلتفت إليه، قال: أردت أن يعلم أن لله عبادًا يزهدون فيما في يديه. [الحلية (تهذيبه) 2/ 33]. * وعن ابن طاووس قال: كنت لا أزال أقول لأبي: إنه ينبغي أن تخرج على هذا السلطان وأن تقعد به، قال: فخرجنا حجاجًا فنزلنا في بعض القرى، وفيها عامل لمحمد بن يوسف أو أيوب بن يحيى، يقال له: ابن نجيح، وكان من أخبث عمالهم، فشهدنا صلاة الصبح في المسجد، فإذا ابن نجيح قد أخبر

بطاووس، فجاء فقعد بين يديه، فسلم عليه فلم يجبه، فكلمه فأعرض عنه، ثم عدل إلى الشق الأيسر فأعرض عنه، فلما رأيت ما به قمت إليه فمددت بيده وجعلت أسأله، وقلت له: إن أبا عبد الرحمن لم يعرفك، قال: بلى، معرفته به فعل بي ما رأيت، قال: فمضى وهو ساكت لا يقول لي شيئا، فلما دخلت المنزل التفت إليّ فقال لي: يا لكع بينما أنت زعمت أن تخرج عليهم بسيفك لم تستطع أن تحبس عنهم لسانك. [الحلية (تهذيبه) 2/ 33]. * وعن صالح بن كيسان قال: لما حضر قدوم الوليد أمر عمر بن عبد العزيز عشرين رجلاً من قريش يخرجون معه، فخرجوا فلقوه بالسوَيْداء، فلما دخل إلى المدينة غدا إلى المسجد ينظر إلى بنائه، فأخرج الناس منه، فما تُرِكَ فيه أحدٌ، وبقي سعيد بن المسيب رحمه الله ما يجترىء أحد من الحرس أن يخرجه، وما عليه إلا رَيْطتان ما تساويان خمسة دراهم في مصلاه، فقيل له: لو قمت، قال: والله لا أقوم حتى يأتي الوقت الذي كنت أقوم فيه، فقيل له: لو سلمت على أمير المؤمنين، فقال: لا والله لا أقوم إليه. قال عمر بن عبد العزيز: فجعلت أعدل بالوليد في ناحية المسجد رجاء ألا يرى سعيد بن المسيب حتى يقوم، فحانت من الوليد التفاتة - أو قال: نظرة - إلى القبلة، فقال: من ذلك الجالس؟ أهو الشيخ سعيد بن المسيب؟ فقال عمر: نعم يا أمير المؤمنين، من حاله ومن حاله ... ولو علم مكانك لقام مسلمًا عليك، فدار في المسجد حتى وقف على سعيد بن المسيب، فقال: كيف أنت أيها الشيخ؟ فوالله ما تحرك سعيد ولا قام فقال: بخير والحمد لله، فكيف أمير المؤمنين وكيف حاله؟ فقال الوليد: بخير والحمد الله فانصرف وهو يقول لعمر: هذا بقية الناس، فقال: أجل يا أمير المؤمنين. [المنتظم 6/ 300، 301]. * وعن عبد الله ابن أخت ابن سيرين أنه كان مع محمد بن سيرين رحمه الله لما وفد إلى ابن هبيرة، فلما قدم عليه قال: السلام عليكم، قال: وكان متكئًا فجلس فقال: كيف خلفت من وراءك؟ قال: خلفت الظلم فيهم فاشيًا، قال: فهمّ به فقال له أبو الزناد: أصلح الله الأمير إنه شيخ، فما زال به حتى سكن،

فلما أجازهم أتاه إياس بن معاوية بجائزة، فأبى أن يقبلها، فقال: أترد عطية الأمير، قال: أتتصدق عليّ فقد أغناني الله، أو تعطيني على العلم أجرًا، فلا آخذ على العلم أجرًا. [المنتظم 7/ 140]. * وقال طاووس رحمه الله: بينا أنا بمكة بعث إلي الحجاج فأجلسني إلى جنبه واتكأني على وسادة إذ سمع ملبيًا يلبي حول البيت رافعًا صوته بالتلبية، فقال: عليّ بالرجل، فأتي به، فقال: ممن الرجل؟ قال: من المسلمين، قال: ليس عن الإسلام سألتك، قال: فعم سألت؟ قال: سألتك عن البلد، قال: من أهل اليمن، قال: كيف تركت محمد بن يوسف؟ - يريد أخاه - قال: تركته عظيمًا وسيمًا لبّاسًا ركّابًا خرّاجًا ولاّجًا، قال: ليس عن هذا سألتك، قال: فعم سألت؟ قال: سألتك عن سيرته، قال: تركته ظلومًا غشومًا، مطيعًا للمخلوق عاصيًا للخالق، فقال له الحجاج: ما حملك على أن تتكلم بهذا الكلام وأنت تعلم مكانه مني؟ قال الرجل: أتراه بمكانه منك أعز مني بمكاني من الله - عزَّ وجلَّ - وأنا وافد بيته ومصدق نبيه وقاضي دينه، قال: فسكت الحجاج فما أجاب جوابًا، فقام الرجل من غير أن يؤذن له فانصرف. قال طاووس: فقمت في أثره وقلت: الرجل حكيم، فأتى البيت فتعلق بأستاره ثم قال: اللهم بك أعوذ وبك ألوذ، اللهم اجعل لي في اللهف إلى جودك، والرضا بضمانك مندوحة عن منع الباخلين وغنى عما في أيدي المستأثرين، اللهم فرجك القريب ومعروفك القديم وعادتك الحسنة. ثم ذهب الناس فرأيته عشية عرفة وهو يقول: اللهم إن كنت لم تقبل حجي وتعبي ونصبي فلا تحرمني الأجر على مصيبتي بتركك القبول. ثم ذهب في الناس فرأيته غداة جمع يقول: واسوءتاه منك والله وإن عفوت. يردد ذلك. [المنتظم 7/ 116]. * وعن عثمان بن عطاء الخراساني أنه قال: انطلقت مع أبي وهو يريد هشام بن عبد الملك، فلما قربنا إذا بشيخ أسود على حمار، عليه قميصٌ دنس، وجبّة دنسة، وقلنسوة لاطية دنسة، وركاباه من خشب، فضحكت وقلت لأبي: من هذا الأعرابي؟ قال: اسكت، هذا سيد فقهاء أهل الحجاز، هذا

عطاء بن أبي رباح. فلما قرب نزل أبي عن بغلته، ونزل هو عن حماره، فاعتنقا وتسالا (¬1)، ثم عادا فركبا فانطلقا حتى وقفا بباب هشام، فلما رجع أبي سألته، فقلت: حدثني ما كان منكما. قال: لما قيل لهشام عطاء بن أبي رباح بالباب أذن له، فوالله ما دخلت إلا بسببه. فلما رآه هشام قال: مرحبًا مرحبًا هاهنا هاهنا. فرفعه حتى مسّت ركبته ركبته، وعنده أشراف الناس يتحدثون، فسكتوا. فقال هشام: ما حاجتك يا أبا محمد؟ قال: يا أمير المؤمنين، أهل الحرمين، أهل الله، وجيران رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقسم فيهم أعطياتهم وأرزاقهم، قال: نعم، يا غلام اكتب لأهل المدينة وأهل مكة بعطاءين وأرزاقهم لسنة، ثم قال: هل من حاجة غيرها يا أبا محمد؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، أهل الحجاز، وأهل نجد، أصل العرب، ترد فيهم فضول صدقاتهم قال: نعم، يا غلام اكتب بأن ترد فيهم صدقاتهم. قال: هل من حاجة غيرها يا أبا محمد؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، أهل الثغور يرمون من وراء بيضتكم، ويقاتلون عدوكم، قد أجريتم لهم أرزاقًا تدرها عليهم، فإنهم إن هلكوا أغرتم. قال: نعم، اكتب بحمل أرزاقهم إليهم يا غلام، هل من حاجة غيرها يا أبا محمد؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، أهل ذمتكم يحيى صغارهم ولا يتعتع كبارهم، ولا يكلفون إلا ما يطيقون. قال: نعم اكتب لهم ياغلام، هل من حاجة غيرها يا أبا محمد؟ قال: نعم ياأمير المؤمنين، اتق الله في نفسك، فإنك خلقت وحدك، وتموت وحدك، وتحشر وحدك، وتحاسب وحدك، ولا والله ما معك ممن ترى أحدًا. قال: فأكب هشام وقام عطاء، فلما كان عند الباب إذا رجل قد تبعه بكيس ما أدري ما فيه، أدراهم أم دنانير. فقال: إن أمير المؤمنين أمر لك بهذا. فقال: لا أسألكم عليه أجرًا إن أجري إلا على رب العالمين. قال: ثم خرج عطاء، فلا والله ما شرب عنده حسوة من ماء فما فوقه. [المنتظم 7/ 168]. * وعن الأوزاعي رحمه الله قال: بعث عبد الله بن علي إليَّ فاشَتدَّ ذلك علَيَّ ¬

(¬1) لعله: وتساءلا.

وقدمتُ، فدخلت، والناس سماطان (¬1) فقال: ما تقولُ في مخرجِنا وما نحنُ فيه؟ قلت: أصلح الله الأمير! قد كان بيني وبين داود بن عليٍّ (¬2) مودَّة. قال: لَتُخْبِرَنِّي. فتفكرتُ ثم قلتُ: لأَصْدقَنَّه، واستبسلتُ (¬3) للموت ثم رويتُ لهُ عن يحيى بن سعيد حديث (الأعمال) (¬4) وبيده قضيب ينكُتُ به، ثم قال: يا عبد الرحمن: ما تقول في قتل أهل هذا البيت؟ قلت: حدثني محمد بن مروان، عن مطَرِّف بن الشِّخير، عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا يَحِلُّ قَتْلُ المُسلِمِ إلا في ثلاثٍ ... " وساقَ الحديثَ. فقال: أخبرني عن الخلافةِ، وصيَّةٌ لنا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقلت: لو كانت وصيَّةً من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما ترك عليٌّ رضى الله عنه أحدًا يتقدَّمُه. قال: فما تقولُ في أموالِ بني أميَّة؟ قلتُ: إن كانت لهم حلالاً فهي عليك حرام، وإن كانت عليهم حرامًا، فهي عليك أَحْرَمُ. فَأَمَرَني، فأخرجتُ. قلت: قد كان عبدُ الله بن عليٍّ ملكًا جبَّارًا، سفَّاكًا للدماء، صعبَ المراسِ، ومع هذا فالإِمامُ الأوزاعي يَصْدَعهُ بمُرِّ الحق كما ترى، لا كخَلْقٍ من عُلماء السُّوء، الذين يُحَسِّنُونَ للأُمراء ما يقتحمونَ به من الظُلم والعَسْف، ويقلِبُون لهم الباطل حقًا - قاتلهم الله - أو يسكتون مع القُدْرِة على بيان الحقِّ. [السير (تهذيبه) 2/ 683]. * وعن أبي سعيد الثعلبي قال: لما خرج إبراهيم ومحمد على أبي جعفر المنصور، أراد أهلَ الثغور أن يعينوه عليهما، فأبوا ذلك، فوقع في يد ملك الروم الألوف من المسلمين أسرى، - وكان ملك الروم يحب أن يفادي بهم ويأبى أبو جعفر - فكتب الأوزاعي رحمه الله إلى أبي جعفر كتابًا: أما بعد فإن الله تعالى استرعاك أمر هذه الأمة لتكون فيها بالقسط ¬

(¬1) قال في الحاشية: سماطان: صفان. (¬2) هو أخو عبد الله. (¬3) قال في الحاشية: يقال: أبسل نفسه للموت، واستبسل: إذا وَطَّن نفسه عليه واستيقنه. (¬4) إنما الأعمال بالنيَّات.

قائمًا، وبنبيه - صلى الله عليه وسلم - في خفض الجناح والرأفة متشبها، وأسأل الله تعالى أن يسكن على أمير المؤمنين دهماء هذه الأمة، ويرزقه رحمتها، فإن سايحة المشركين غلبت عام أول، وموطئهم حريم المسلمين، واستنزالهم العواتق والذراري من المعاقل والحصون، وكان ذلك بذنوب العباد، وما عفا الله عنه أكثر، فبذنوب العباد استنزلت العواتق والذراري من المعاقل والحصون، لا يلقون لهم ناصرًا، ولا عنهم مدافعًا، كاشفات عن رؤوسهن وأقدامهن، وكان ذلك بمرأى ومسمع، وحيث ينظر الله إلى خلقه، وإعراضهم عنه، فليتق الله أمير المؤمنين وليتبع بالمفاداة بهم من الله سبيلاً، وليخرج من محجة الله تعالى، فإن الله تعالى قال لنبيه: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا} (¬1) [النساء: 75]. والله يا أمير المؤمنين ما لهم يومئذ فيء موقوف، ولا ذمة تؤدي خراجًا إلا خاصة أموالهم، وقد بلغني عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (إني لأسمع بكاء الصبي خلفي في الصلاة فأتجوز فيها مخافة أن تفتتن أمه) فكيف بتخليتهم يا أمير المؤمنين في أيدي عدوهم يمتهنونهم، ويتكشفون منهم ما لا نستحله نحن إلا بنكاح؟ وأنت راعي الله، والله تعالى فوقك ومستوف منك، يوم توضع {الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء: 47]، فلما وصل إليه كتابه أمر بالفداء. [الحلية (تهذيبه) 2/ 284]. * وعن محمد بن بشار اليشكري أنه قال: لما قدم أبو عون مصر وقتل بها من قتل واستولى على البلد أرسل على حيوة بن شريح رحمه الله: ائتني، قال: فجاء فدخل عليه فقال: إنَّا معشر الملوك لا نُعصى، فمن عصانا قتلناه، قد وليتك القضاء، قال: أو آمر أهلي، قال: اذهب، قال: فجاء إلى أهله، فغسل ¬

(¬1) في الأصل {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ} [النساء: 75]، {لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلًا} ... [النساء: 98] وهذا خطأ.

رأسه ولحيته ونال شيئًا من الطيب، ولبس أنظف ما قدر عليه من الثياب قال: ثم جاء فدخل عليه فقال: من جعل السحرة أولى بما قالوا منا، اقض ما أنت قاض لست أتولى لك شيئًا. قال: فأذن له فرجع. [المنتظم 8/ 169]. * وعن سفيان الثوري رحمه الله قال: أُدخلت على المهدي بمنى، فسلَّمْت عليه بالإِمرة، فقال: أيُّها الرجل! طلبناك، فأعجزْتَنا، فالحمدُ لله الذي جاء بك، فارفع إلينا حاجتَك. فقلت: قد ملأتَ الأرض ظُلمًا وجورًا، فاتَّقِ الله، وليكن منك في ذلك عِبرة. فطأطأ رأسه. ثم قال: أرأيتَ إن لم أستطع دفعه؟ قلتُ: تُخلِّيه وغيرك. فطأطأ رأسه، ثم قال: ارفع إلينا حاجتَك. قلت: أبناءُ المهاجرين والأنصار ومن تبعهم بإحسان بالبَاب، فاتق الله، وأوصِل إليهم حقوقهم. فطأطأ رأسه، فقال: أبو عُبَيْد الله أيُّها الرَّجل! ارفع إلينا حاجتَك. قلت: وما أرفع: حدثني إسماعيل بن أبي خالد، قال: حج عُمر، فقال لخازنه: كم أنفقت؟ قال: بضعةَ عشرَ درهمًا. وإني أرى ها هنا أمورًا لا تُطيقها الجِبَال. [السير (تهذيبه) 2/ 698]. * وعن الفريابي قال: سمعت سفيان الثوري رحمه الله يقول: أدخلت على أبي جعفر بمنى فقلت له: اتق الله فإنما أنزلت هذه المنزلة وصرت في هذا الموضع بسيوف المهاجرين والأنصار، وأبناؤهم يموتون جوعًا. حج عمر بن الخطاب فما أنفق إلا خمسة عشر دينارًا، وكان ينزل تحت الشجر. فقال لي: أتريد أن أكون مثلك؟ قلت: لا تكون مثلي، ولكن كن دون ما أنت فيه، وفوق ما أنا فيه. فقال لي: اخرج. [الحلية (تهذيبه) 2/ 319]. * وعن عيسى بن يونس قال: ما رأينا في زماننا مثل الأعمش رحمه الله، ولا الطبقة الذين كانوا قبلنا، ما رأينا الأغنياء والسلاطين في مجلس قط أحقر منهم في مجلس الأعمش وهو محتاج إلى درهم!! [الحلية (تهذيبه) 2/ 138]. * وعن عيسى بن يونس قال: بعث عيسى بن موسى بألف درهم إلى الأعمش رحمه الله وصحيفة ليكتب له فيها حديثًا، فأخذ الأعمش الألف درهم وكتب في الصحيفة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} حتى ختمها، وطوى الصحيفة وبعث بها إليه، فلما نظر فيها بعث إليه يا ابن الفاعلة

ظننت أني لا أحسن كتاب الله؟ فكتب إليه الأعمش: أفظننت أني أبيع الحديث؟ ولم يكتب له وحبس المال لنفسه. [الحلية (تهذيبه) 2/ 138]. * وعن أحمد بن أبي الحواري، حدثني بعض أصحابنا. قال: جاء عبد الله بن أبي العباس الطرسوسي - وكان واليًا بمرو - إلى منزل عبد الله بن المبارك رحمه الله بالليل، ومعه كاتبه والدواة والقرطاس معه، قال: فسأله عن حديث، فأبى أن يحدثه، ثم سأله عن حديث، فأبى أن يحدثه - ثلاث مرار - فقال لكاتبه: اطو قرطاسك، ما أرى أبا عبد الرحمن يرانا أهلاً أن يحدثنا، فلما قام يركب مشى معه ابن المبارك إلى باب الدار فقال له: يا أبا عبد الرحمن لم لم ترنا أهلاً أن تحدثنا، وتمشي معنا؟ فقال: إني أحببت أن أذل لك بدني ولا أذل لك حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال أحمد: فحدثت به محمد بن أبي شيبة ابن أخت ابن المبارك فقال: ما حفظ الذي حدثك، لم يمش معه، إنما قام ذلك ليركب وقام خالي إلى قاعة الدار يبول. [الحلية (تهذيبه) 3/ 39]. * وقيل للإمام مالك رحمه الله: إنك تدخلُ على السلطان، وهم يظلمون، ويجورون، فقال: يرحمك الله، فأين المكلِّم بالحق. [السير (تهذيبه) 2/ 736]. * وعن علي بن الجعد أنه قال: لما أحضر المأمون أصحاب الجوهر، فناظرهم على متاع كان معهم، ثم نهض المأمون لبعض حاجته، ثم خرج فقام له كل مَنْ كان في المجلس إلا ابن الجعد رحمه الله، فإنه لم يقم، فنظر إليه المأمون كهيئة المغضب، ثم استخلاه، فقال له: يا شيخ، ما منعك أن تقوم لي كما قام أصحابك؟ قال: أجللت أمير المؤمنين للحديث الذي نأثره عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: وما هو؟ قال علي بن الجعد: سمعت المبارك بن فضالة يقول: سمعت الحسن يقول: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أحب أن يتمثل له الرجال قيامًا فليتبوأ مقعده من النار". قال: فأطرق المأمون مفكرًا في الحديث، ثم رفع رأسه، فقال: لا يُشترى إلا من هذا الشيخ. قال: فاشترى منه ذلك اليوم بقيمة ثلاثين ألف دينار. [المنتظم 11/ 160، 161].

* وعن أبي عثمان الرازي قال: جاء رجل من أصحاب المعتضد إلى إبراهيم الحربي رحمه الله بعشرة آلاف درهم من عند المعتضد، يسأله عن أمر أمير المؤمنين تفرقة ذلك، فرده فانصرف الرسول، ثم عاد فقال له: إن أمير المؤمنين يسألك أن تفرقه في جيرانك: فقال: عافاك الله، هذا مال لم نشغل أنفسنا بجمعه، فلا نشغلها بتفرقته، قل لأمير المؤمنين: إن تركتنا وإلا تحولنا من جوارك. [المنتظم 12/ 383]. * وعن نمير المدني أنه قال: قدم علينا أمير المؤمنين المنصور المدينة، ومحمد بن عمران الطلحي رحمه الله على قضائه وأنا كاتبه، فاستعدى الحمالون على أمير المؤمنين في شيء ذكروه، فأمرني أن أكتب إليه كتابًا بالحضور معهم وإنصافهم، فقلت: اعفني من هذا فإنه يعرف خطي، فقال: اكتب، فكتبت ثم ختمه، وقال: لا يمضي به والله غيرك، فمضيت به إلى الربيع وجعلت أعتذر إليه، فقال: لا تفعل، فدخل عليه بالكتاب ثم خرج الربيع فقال للناس وقد حضر وجوه أهل المدينة والأشراف وغيرهم: إن أمير المؤمنين يقرأ عليكم السلام ويقول لكم: إني قد دعيت إلى مجلس الحكم فلا أعلمن أحدًا قام إليّ إذا خرجت أو بدأني بالسلام. قال: ثم خرج المسيب بين يديه والربيع وأنا خلفه في إزار ورداء، فسلم على الناس، فما قام إليه أحد، ثم مضى حتى بدأ بالقبر فسلم على الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ثم التفت إلى الربيع، فقال: يا ربيع، ويحك أخشى إن رآني محمد بن عمران أن يدخل قلبه هيبة فيتحول عن مجلسه، وتا الله لئن فعل لا وَلِي لي ولاية أبدًا. قال: فلما رآه - وكان متكئًا - أطلق رداءه على عاتقه ثم احتبى به ودعى بالخصوم وبالحمالين، ثم دعا بأمير المؤمنين ثم ادعوا وحكم عليه لهم، فلما دخل الدار قال للربيع: إذهب فإذا قام وخرج من عنده من الخصوم فادعه، فقال: يا أمير المؤمنين، ما دعا بك حتى تفرغ من أمر الناس جميعًا، فدعاه، فلما دخل عليه سلم، فقال: جزاك الله عن دينك وعن بنيك وعن حسبك وعن خليفتك أحسن الجزاء، قال: قد أمرت لك بعشرة آلاف دينار فاقبضها، فكانت عامة أموال محمد بن عمران الطلحي من تلك الصلة. [المنتظم 8/ 181، 182].

* وقال ابن أبي ذئب رحمه الله للمنصور ذات يوم: يا أمير المؤمنين، قد هلك الناس، فلو أعنتهم بما في يديك من الفيء؟ قال: ويلك لولا ما سددت من الثغور وبعثت من الجيوش لكنت تؤتى في منزلك وتذبح. فقال ابن أبي ذئب: فقد سدَّ الثغور وَجيَّش الجيوش، وفتح الفتوح، وأعطى الناس أعطياتهم مَنْ هو خير منك. قال: ومن هو ويلك؟ قال: عمر بن الخطاب: فنكس المنصور رأسه، والسيف بيد المسيب والعمود بيد مالك بن الهيثم ولم يعرض له والتفت إلى محمد بن إبراهيم الإمام، قال: هذا الشيخ خير أهل الحجاز. [المنتظم 8/ 232، 233]. * وعن محمد بن خلاد قال: لما حجَّ المهدي دخل مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يبق أحد إلا قام، إلا ابن أبي ذئب رحمه الله فقال له المسيب بن زهير: مَنْ هذا أمير المؤمنين؟ فقال ابن أبي ذئب: إنما يقوم الناس لرب العالمين، فقال المهدي: لقد قامت كل شعرة في رأسي. [المنتظم 8/ 234]. * وعن مبارك بن فضالة رحمه الله قال: إني يومًا لعند أبي جعفر إذ أتي برجل فأمر بقتله، فقلت في نفسي: يقتل رجل من المسلمين وأنا حاضر، فقلت: يا أمير المؤمنين، ألا أحدّثك حديثًا سمعته من الحسن قال: وما هو؟ قلت: سمعته يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا كان يوم القيامة جمع الله الناس في صعيد حيث يسمعهم الداعي، وينفذهم البصر فيقوم منادٍ من عند الله تعالى فيقول: ليقومنَّ مَنْ له على الله يد فلا يقوم إلا من عفا. فأقبل عليّ فقال: آلله سمعته من الحسن؟ فقلت: آلله سمعته من الحسن، فقال: خليا عنه. [المنتظم 8/ 276]. * وقال ابن كثير رحمه الله: ومن مناقبه - أي فرج بن فضالة التنوخي رحمه الله - أنَّ المنصور دخل يومًا إلى قصر الذهب، فقام الناس إلا فرج بن فضالة، فقال له وقد غضب عليه: لِمَ لَم تقم، قال: خفت أن يسألني الله عن ذلك، ويسألك لِمَ رضيت بذلك، وقد كره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القيام للناس، قال: فبكى المنصور، وقربه، وقضى حوائجه. [البداية والنهاية]. * وعن المدائني قال: نظر مالك بن دينار رحمه الله إلى رجل قد اشترى

سمكة بستة دراهم، وثيابه تساوي ثلاثة دراهم، فقال: ياهذا، اشتريت سمكة بستة دراهم وثيابك لعلها تساوي ثلاثة دراهم، فقال له: يا أبا يحيى لست أريدها لنفسي إنما اشتريتها للأمير الظالم الذي يطالبنا بما لا نطيق - وذكر له بلال بن أبي بردة - قال: فامض معي إليه، فمضى فاستأذن فأذن له، فقال له: يا ذا الرجل، أزل عن الناس ما تعتمده من الظلم، ولا تعرض لهذا البائس، قال: قد أزلت عنه المظلمة لمكانك يا أبا يحيى، ادع الله لي دعوة، قال: وما ينفعك أن أدعو لك وعلى بابك مائتان يدعون عليك. [المنتظم 7/ 187]. * وعن الفضيل بن الربيع أنه قال: حج أمير المؤمنين هارون الرشيد، فأتاني فخرجت مسرعًا، فقلت: يا أمير المؤمنين لو أرسلت إليَّ أتيتك. فقال: ويحك! قد حك في نفسي شيء، فانظر لي رجلاً أسأله. فقلت: هنا سفيان بن عيينة. فقال: امض بنا إليه. فأتيناه فقرعت الباب، فقال: من ذا؟ قلت: أجب أمير المؤمنين. فخرج مسرعًا، فقال: يا أمير المؤمنين، لو أرسلت إليَّ أتيتك، فقال له: خذ لما جئناك له رحمك الله. فحدثه ساعة، ثم قال له: عليك دين؟ قال: نعم. قال: أبا العباس، اقض دينه. فلما خرجنا قال: ما أغنى عني صاحبك شيئا، انظر لي رجلاً أسأله. قلت: هنا عبد الرزاق بن همام. قال: امض بنا إليه. فأتيناه، فقرعت الباب فقال: مَنْ هذا؟ قلت: أجب أمير المؤمنين. فخرج مسرعًا فقال: يا أمير المؤمنين، لو أسلت إليَّ أتيتك. قال: خذ لما جئناك له. فحادثه ساعة، ثم قال: هل عليك دين؟ قال: نعم. قال: أبا عباس، اقض دينه. فلما خرجنا قال: ما أغنى عني صاحبك شيئًا، انظر لي رجلاً أسأله. قلت: هنا الفضيل بن عياض رحمه الله قال: مرَّ بنا إليه. فأتيناه، فإذا هو قائم يصلي، يتلو آية من القرآن، يرددها، فقال: اقرع الباب. فقرعت الباب. فقال: مَنْ هذا؟ فقلت: أجب أمير المؤمنين. فقال: ما لي ولأمير المؤمنين. فقلت: سبحان الله، أماعليك طاعة، أليس قد رُوي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (ليس للمؤمن أن يذل نفسه)؟ فنزل ففتح الباب ثم ارتقى إلى الغرفة، فأطفأ المصباح، ثم التجأ إلى زاوية من زوايا البيت، فدخلنا فجعلنا نجول عليه

بأيدينا، فسبقت كف هارون قبلي إليه، فقال: يا لها من كف، ما ألينها، إن نجت غدًا من عذاب الله تعالى. فقلت في نفسي: ليكلمنه الليلة بكلام من قلب نقي. فقال له: خذ لما جئناك له رحمك الله. قال: إن عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة دعا سالم بن عبد الله، ومحمد بن كعب القرظي، ورجاء بن حيوة. فقال لهم: إني قد ابتليت بهذا الأمر فأشيروا عليَّ. فقال سالم بن عبد الله: إن أردت النجاة غدًا من عذاب الله - عزَّ وجلَّ - فصُم عن الدنيا، وليكن إفطارك فيها الموت. وقال محمد بن كعب: إن أردت النجاة من عذاب الله فليكن كبير المسلمين عندك أبًا، وأوسطهم أخًا، وأصغرهم عندك ولدًا، فوقّر أباك، وأكرم أخاك، وتحنن على ولدك. وقال له رجاء بن حيوة: إن أردت النجاة غدًا من عذاب الله - عزَّ وجلَّ - فأحب للمسلمين ما تحب لنفسك، واكره لهم ما تكره لنفسك، ثم مُتْ إذا شئت، وإني أقول لك إني أخاف عليك أشد الخوف، يومًا تزل فيه الأقدام، فهل معك - رحمك الله - مَنْ يشير عليك بمثل هذا؟ فبكى بكاءً شديدًا حتى غشي عليه، فقلت: أرفق بأمير المؤمنين فقال: يا بن أم الربيع، تقتله أنت وأصحابك وأرفق أنا به؟ ثم أفاق فقال له: زدني رحمك الله. فقال: يا أمير المؤمنين، بلغني أن عاملاً لعمر بن عبد العزيز شكى إليه، فكتب إليه عمر: يا أخي، أذكرك الله طول سهر أهل النار في النار مع خلود الأبد، وإياك أن ينصرف بك من عند الله فيكون آخر العهد منك وانقطاع الرجاء. فلما قرأ الكتاب طوى البلاد حتى قدم على عمر بن عبد العزيز فقال: ما أقدمك؟ قال: خلعت قلبي بكتابك، لا أعود إلى ولاية حتى ألقى الله - عزَّ وجلَّ - قال: فبكى هارون بكاءً شديدًا، ثم قال: زدني رحمك الله.

فقال: يا أمير المؤمنين، إن العباس عم المصطف - صلى الله عليه وسلم - جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، أمِّرْني على إمارة، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إن الإمارة حسرة وندامة يوم القيامة، فإن استطعت أن لا تكون أميرًا فافعل). قال: فبكى هارون بكاءً شديدًا، وقال له: زدني رحمك الله. قال: يا حسن الوجه أنت الذي يسألك الله عن هذا الخلق يوم القيامة، فإن استطعت أن تقي هذا الوجه من النار فإياك أن تصبح وتمسي وفي قلبك غش لأحد من رعيتك، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من أصبح غاشًا لرعيته لم يرح رائحة الجنة). فبكى هارون وقال له: عليك دين؟ قال: نعم، دين لربي لم يحاسبني عليه، فالويل لي إن سألني، والويل لي إن ناقشني، والويل لي إن لم ألهم حجتي. قال: أعني من دين العباد. قال: إن ربي لم يأمرني بهذا، أمرني أن أوحده وأطيع أمره، فقال - عزَّ وجلَّ -: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: 56 - 58]. فقال له: هذه ألف دينار خذها أنفقها على عيالك، وتقوّ بها على عبادتك. فقال: سبحان الله، أنا أدلك على طريق النجاة وأنت تكافئني بمثل هذا؟ سلَّمك الله ووفقك. ثم صمت، فلم يكلمنا، فخرجنا من عنده، فلما صرنا على الباب قال: أبا العباس، إذا دللتني على رجل فدلني على مثل هذا، هذا سيد المسلمين. فدخلت عليه امرأة من نسائه فقالت له: يا هذا، قد ترى ما نحن فيه من ضيق الحال، فلو قبلت هذا المال فانفرجنا به. فقال لها: مثلي ومثلكم كمثل قوم كان لهم بعير يأكلون من كسبه، فلما كثر (¬1) نحروه فأكلوا لحمه. فلما سمع هارون هذا الكلام قال: ندخل فعسى أن يقبل المال، فلما علم الفضيل خرج فجلس على السطح على باب الغرفة، فجلس هارون إلى ¬

(¬1) لعله: كبر.

جنبه، فجعل يكلمه فلا يجيبه، فبينا نحن كذلك إذ خرجت جارية سوداء فقالت: يا هذا، قد أذيت الشيخ منذ الليلة، فانصرف رحمك الله. فانصرفنا. [المنتظم 9/ 149 - 152]. * وعن سعيد بن سليمان أنه قال: كنت بمكة في رواق الشطوى وإلى جنبي عبد الله بن عبد العزيز العمري رحمه الله، وقد حجّ هارون الرشيد، فقال لي إنسان: يا أبا عبد الرحمن، هو ذا أمير المؤمنين يسعى، قد أخلي له المسعى. قال العمري للرجل: لا جزاك الله عني خيرًا، كلفتني أمرًا كنت عنه غنيًا. ثم تعلق نعليه وقام، فتبعته، فأقبل هارون الرشيد من المروة يريد الصفا فصاح به: يا هارون قال: فلما نظر إليه، قال: لبيك يا عم. قال: ارق الصفا. فلما رقيه قال: ارم بطرفك إلى البيت، قال: قد فعلت. قال: كم هم؟ قال: ومن يحصيهم؟ قال: فكم في الناس مثلهم؟ قال: خلق لا يحصيهم إلا الله، قال: اعلم أيها الرجل أن كل واحد منهم يسأل عن حاجته نفسه، وأنت تسأل وحدك عنهم كلهم، فانظر كيف تكون. قال: فبكى هارون، وجلس وجعلوا يعطونه منديلاً منديلاً للدموع. قال العمري: وأخرى أقولها لك، قال: قل يا عم. قال: والله إن الرجل ليسرع في ماله فيستحق الحجر عليه، فكيف بمن أسرع في مال المسلمين؟ ثم مضى وهارون يبكي. [المنتظم 9/ 99]. * وعن أبي الثناء شكر العضدي قال: دخل عضد الدولة إلى بغداد، وقد هلك أهلها قتلاً وحرقًا وجوعًا للفتن التي اتصلت فيها بين الشيعة والسنة، فقال: آفة هؤلاء القصاص يغرون بعضهم ببعض ويحرضونهم على سفك دمائهم، وأخذ أموالهم، فنادى في البلد لا يقص أحد في جامع ولا طريق، ولا يتوسل متوسل بأحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن أحب التوسل قرأ القرآن، فمن خالف فقد أباح دمه. فرفع إليه في الخبر أن أبا الحسين بن سمعون رحمه الله الواعظ جلس على كرسيه يوم الجمعة في جامع المنصور، وتكلم على الناس، فأمرني أن أنفذ إليه من يحصله عندي، ففعلت فدخل علي رجل له هيبة، وعلى وجهه نور، فلم أملك أن قمت إليه، وأجلسته إلى جانبي، فلم

ينكر ذلك وجلس غير مكترث، وأشفقت والله أن يجري عليه مكروه على يدي، فقلت: أيها الشيخ، إن هذا الملك جلد عظيم، وما كنت أوثر مخالفة أمره، وتجاوز رسمه، والآن فأنا موصلك إليه، فكما تقع عينك عليه، فقبل التراب وتلطف في الجواب إذا سألك، واستعن الله عليه فعساه يخلصك منه. فقال: الخلق والأمر لله - عزَّ وجلَّ - فمضيت به إلى حجرة في آخر الدار قد جلس فيها الملك منفردًا خيفة أن يجري من أبي الحسين بادرة بكلام فيه غلظ، فتسير به الركبان، فلما دنوت من الحجرة وقفته وقلت له: إياك أن تبرح من مكانك حتى أعود إليك، وإذا سلمت فليكن بخشوع وخضوع. ودخلت لأستأذن له، فالتَلفَتُّ فإذا هو واقف إلى جانبي، قد حوَّل وجهه نحو دار بختيار (¬1)، واستفتح وقرأ. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 108]. ثم حول وجهه نحو الملك، وقال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [يونس: 14] وأخذ في وعظه فأتى بالعجب فدمعت عين الملك، وما رأيت ذلك منه قط، وترك كمه على وجهه، وتراجع أبو الحسين، فخرج ومضى إلى حجرتي فقال الملك: امض إلى بيت المال، وخذ ثلاثة آلاف درهم، وإلى خزانة الكسوة وخذ منها عشرة أثواب، وادفع الجميع إليه، فإن امتنع فقل له: فرقها في فقراء أصحابك، فإن قبلها فجئني برأسه، فاشتد جزعي وخشيت أن يكون هلاكه على يدي، ففعلت وجئته بما أمر، وقلت له: مولانا يقرئك السلام، وقال لك: استعن بهذه الدراهم في نفقتك، والبس هذه الثياب، فقال لي: إن هذه الثياب التي عليَّ مما قطعه لي أبي منذ أربعين سنة، ألبسها يوم خروجي إلى الناس، وأطويها عند انصرافي عنهم وفيها متعة وبقية ما بقيت، ونفقتي من أجرة دار خلفها أبي، فما أصنع بهذا؟ قلت: هو يأمرك بأن تصرفه في فقراء أصحابك. فقال: ما في أصحابي ¬

(¬1) هو عز الدولة أبو منصور بن معز الدولة أبي الحسين بن أحمد بن بويه تغلب عليه عضد الدولة وقتله.

فقير، وأصحابه إلى هذا أفقر من أصحابي، فليفرقه عليهم. فعدت فأخبرته، فقال: الحمد لله الذي سلمه منا، وسلمنا منه. [المنتظم 14/ 254، 255]. * وقال ابن الجوزي رحمه الله: كتب أبو الوفاء بن عقيل رحمه الله إلى الوزير ابن جهير إحراق العوام بالشريعة في بناء السور (¬1)، كان فيه مما نقلته من خطه: لولا اعتقادي صحة البعث، وأن لنا دارًا أخرى لعلي أكون فيها على حال أحمدها لما بغضت نفسي إلى مالك عصري وعلى الله أعتمد في جميع ما أورده بعد أن أشهده أني محب متعصب، لكن إذا تقابل دين محمد ودين بني جهير فوالله ما أزن هذه بهذه، ولولا ذلك لكنت كافرًا (¬2)، فأقول: إن كان هذا الخرق الذي جرى بالشريعة عن عمد لمناصبة واضعها فما بالنا نعتقد الختمات ورواية الأحاديث، وإذا نزلت بنا الحوادث تقدمنا مجموع الختمات والدعاء عقيبها ثم بعد ذلك طبول وسواني ومخانيث وخيال وكشف عورات الرجال مع حضور النساء إسقاطًا لحكم الله، وما عندي يا شرف الدين أن فيك أن تقوم لسخطة من سخطات الله، ترى بأي وجه تلقى محمدًا - صلى الله عليه وسلم -، بل لو رأيته في المنام مقطبًا كان ذلك يزعجك في يقظتك، وأيُّ رمةٍ تبقى لوجوهنا وأيدينا وألسنتنا عند الله إذا وضعنا الجباه ساجدة، ثم كيف نطالب الأجناد تقبيل عتبة ولثم ترابها، ونقيم الحد في دهليز الحريم صباحًا ومساءً على قدح نبيذ مختلف فيه، ثم تمرح العوام في المنكر المجمع على تحريمه، هذا مضاف إلى الزنا الظاهر بباب بدر، ولبس الحرير على جميع المتعلقين والأصحاب، يا شرف الدين اتق سخط الله فإن سخطه لا تقاومه سماء ولا أرض فإن فسدت حالي بما قلت، فلعل الله يلطف بي ويكفيني هوائج الطباع، ثم لا تلمنا على ملازمة البيوت والاختفاء عن العوام، لأنهم إن سألونا لم نقل إلا ما يقتضي الإعظام لهذه القبائح، والإنكار لها والنياحة على الشريعة، أترى لو جاءت معتبة من الله سبحانه في منام، أو على لسان نبي لو كان قد بقي للوحي ¬

(¬1) وذلك أنه اختطّ سورًا على الحريم، وأذن للعوام في العمل والتفرج فأظهروا منكرات كثيرة، وسخافاتِ عقولٍ ضعيفة وعملوا أشياء منكرة. (¬2) في الأصل: ولو كنت كذلك كافرًا. ولا معنى لهذا الكلام ..

نزول، أو أُلقي إلى روع مسلم بإلهام، هل كانت إلا إليك، فاتق الله تقوى من علم مقدار سخطه، فقد قال: {فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ} [الزخرف: 55] وقد ملأتكم في عيونكم مدائح الشعراء، ومداجاة المتمولين بدولتكم، الأغنياء الأغبياء الذين خسروا الله فيكم فحسنوا لكم طرائقكم، والعاقل مَنْ عرف نفسه، ولم يغيره مدح مَنْ لا يخبرها. [المنتظم 17/ 16، 17]. * وقال ابن كثير رحمه الله: كان أبو عبد الله البالسي يومَ قازان في جملة من كان مع الشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله لمَّا تكلم مع قازان، فحكى عن كلام شيخ الإسلام تقي الدين لقازان، وشجاعته، وجرأته عليه، وأنه قال لترجمانه: قل لقازان: أنت تزعم أنك مسلم، ومعك مؤذنون، وقاضي، وإمام، وشيخ على ما بلغنا، فغزوتنا، ودخلت بلادنا على ماذا؟ وأبوك وجدك هولاكو كانا كافرين، وما غزوا بلاد الإسلام بل عاهدوا قومنا، وأنت عاهدت فغدرت، وقلت فما وفَّيت، قال: وجرت له مع قازان وقُطْلوشاه وبولاي أمورٌ ونُوَب، قام ابن تيمية فيها كلها لله، وقال الحق ولم يخش إلا الله - عزَّ وجلَّ - قال: وقُرِّب إلى الجماعة طعام، فأكلوا منه إلا ابن تيمية، فقيل له: ألا تأكل؟ فقال: كيف آكل من طعامكم، وكلُّه مما نهبتم من أغنام الناس، وطبختموه بما قطعتم من أشجار الناس، قال: ثم إن قازان طلب منه الدعاء، فقال في دعائه: اللهم إن كان هذا عبدك محمود إنما يقاتل لتكون كلمتك هي العليا، وليكون الدين كله لك فانصره، وأيده وملِّكه البلاد والعباد، وإن كان إنما قام رياء، وسمعة، وطلبًا للدنيا، ولتكون كلمته هي العليا، وليذل الإسلام، وأهله فاخذْله، وزلزله، ودمِّره، واقطع دابره، قال: وقازان يؤمِّن على دعائه، ويرفع يديه، قال: فجعلنا نجمع ثيابنا خوفًا من أن تتلوث بدمه إذا أمر بقتله، قال: فلمَّا خرجنا من عنده قال له قاضي القضاة نجم الدين ابن صصرى وغيره: كدت أن تهلكنا وتهلك نفسك، والله لا نصحبك. فقال: وأنا والله لا أصحبكم، قال: فانطلقنا عصبة وتأخَّر هو في خاصة نفسه، ومعه جماعة من أصحابه فتسامعت به الخواتين والأمراء من أصحاب قازان، فأتوه يتبركون بدعائه، وهو سائر إلى دمشق، وينظرون إليه، قال: والله ما وصل إلى دمشق إلا في نحو ثلاثمائة

(د) توجيهات ونصائح السلف لمن أراد الدخول معهم

فارس في ركابه، وكنت أنا من جملة من كان معه، وأما أولئك الذين أبَو أن يصحبوه، فخرج عليهم جماعة من التتر فشلحوهم عن آخرهم. هذا الكلام أو نحوه. وقد سمعت هذا الحكاية من جماعة غيره. [البداية والنهاية 14/ 166]. * وقال أبو الفرج بنُ الجوزي رحمه الله: أقام جوهر - القائد لأبي تميم صاحب مصرَ - أبا بكر النَّابُلسي رحمه الله، وكان ينزل الأكواخ فقال له: بلغنا أنك قلت: إذا كان مع الرجل عشرةُ أسهم، وجب أن يَرميَ في الرُّوم سَهمًا، وفينا تسعة، قال: ما قلتُ هذا، بل قلت: إذا كان معه عشرةُ أسهم، وجب أن يرميكم بتسعة وأن يرميَ العاشر فيكم أيضًا، فإنكم غيرتم الملَّة، وقَتَلْتُم الصَّالحين وادَّعيتُم نورَ الإلهية، فشهرهُ ثم ضربه، ثم أمر يهوديًا فَسَلَخَه وحُشِيَ تِبنًا، وصُلب. قال معمر بنُ أحمد الصُّوفي: أخبرني الثقة، أن أبا بكر سُلخ من مفرق رأسه حتَّى بلغ الوجه، فكان يذكر الله ويصبر حتى بلغ الصدر فرحمه السلاَّخ، فوكزه بالسِّكين موضع قلبه فقضى عليه، وأخبرني الثقةُ أنه كان إمامًا في الحديث والفقه، صائمَ الدَّهرِ، كبيرَ الصولةِ عند العامَّة والخاصَّة، ولما سُلخ كان يُسمع من جسده قراءةُ القرآن. قال الذهبي رحمه الله: لا يوصف ما قلبَ هؤلاء العُبَيْدِيَّةُ الدِّينَ ظهرًا لبطن واستَولَوا على المغرب، ثمَّ على مصرَ والشام، وسَبُّوا الصحابة. حكى ابنُ السّعساع المصريّ، أنه رأى في النوم أبا بكر بن النابلسي بعدما صلب وهو في أحسن هيئة، فقال: ما فعل الله بك؟ فقال: حباني مالِكي بدَوامِ عزِّ ... وَوَاعَدَني بقُربِ الانتصارِ وقرَّبَني وأدناني إليه ... وقال: انعم بعيشٍ في جِواري [السير (تهذيبه) 3/ 1276]. (د) توجيهات ونصائح السلف لمن أراد الدخول معهم: * وعن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - قال: إياكم ومواقف الفتن. قيل وما مواقف الفتن يا أبا عبد الله؟ قال: أبواب الأمراء، يدخل أحدكم على الأمير،

(هـ) أقوال وآراء العلماء عنهم وعن الظالمين منهم

فيصدّقه بالكذب ويقول ما ليس فيه. [صفة الصفوة 1/ 292]. * وقال مسلم بن عمرو رحمه الله: ينبغي لمن خدم السلطان ألا يغترَّ بهم إذا رَضُوا عنه ولا يتغيرَ لهم إذا سخطوا عليه ولا يستثقلَ ما حمَّلوه ولا يلحف في مسألتهم. [عيون الأخبار 1/ 62]. (هـ) أقوال وآراء العلماء عنهم وعن الظالمين منهم: * عن سعيد بن المسيِّب رحمه الله قال: لا تملؤوا أعينَكم من أعوان الظَّلمة إلا بإنكار من قلوبكم، لكَيلا تحبَطَ أعمالُكم. [السير (تهذيبه) 1/ 485]. * وعن ابن القاسم رحمه الله قال: ليس في قرب الولاةِ ولا في الدُّنوِّ منهم خير. [السير (تهذيبه)]. * وعن محمد بن واسع رحمه الله قال: لقضم القصب وسف التراب، خير من الدنو من السلطان. [الحلية (تهذيبه) 1/ 414]. * وعن موسى بن إسماعيل قال: سمعت حماد بن سلمة رحمه الله يقول لرجل: إن دعاك الأمير أن تقرأ عليه قل هو الله أحد فلا تأته. [الحلية (تهذيبه) 2/ 336]. * وعن آدم بن إياس قال: شهدت حماد بن سلمة رحمه الله ودعوه - يعني السلطان - فقال: أحْمِل لحية حمراء لهؤلاء؟! لا والله لا فعلت. [الحلية (تهذيبه) 2/ 336]. * وقال سفيان الثوري رحمه الله: إذا لم يكن لله في العبد حاجة، نبذه إليهم - يعني السلطان. [الحلية (تهذيبه) 2/ 371]. * وقال أيضًا رحمه الله: لو خيرت بين ذهاب بصري وبين أن أملأ بصري منهم لاخترت ذهاب بصري!! [الحلية (تهذيبه) 2/ 371]. * وقال أيضًا رحمه الله: النظر إلى وجه الظالم خطيئة، ولا تنظروا إلى الأئمة المضلين إلا بإنكار من قلوبكم عليهم، لئلا تحبط أعمالكم. [الحلية (تهذيبه) 2/ 388].

* وقال أيضًا رحمه الله: ولا تنظروا إلى دورهم ولا إليهم إذا مروا على المراكب. [الحلية (تهذيبه) 2/ 387]. * وقال أيضًا رحمه الله: والله ما يمنعني من إتيانهم أني لا أرى لهم طاعة، ولكني رجل أحب الطعام الطيب فأخاف أن يفسدوني. [الحلية (تهذيبه) 2/ 393]. * وقال أيضًا رحمه الله: من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يعص الله. [الحلية (تهذيبه) 2/ 393]. * وعن يحيى بن سليم الطائفي قال: بعث محمد بن إبراهيم الهاشمي إلى سفيان الثوري رحمه الله بمائتي دينار فأبى أن يقبلها. فقلت: يا أبا عبد الله كأنك لا تراها حلالاً. قال: بلى، ما كان آبائي وأجدادي إلا في العطية ولكن أكره أن أذل لهم. [الحلية (تهذيبه) 2/ 389]. * وعن أبي شهاب قال: كنت ليلة مع سفيان الثوري رحمه الله فرأى نارًا من بعيد فقال: ما هذا؟ فقلت: نار صاحب الشرطة، فقال: اذهب بنا في طريق آخر لا نستضيء بنارهم أو قال: بنورهم. [الحلية (تهذيبه) 2/ 389]. * وعن داود، عن أبيه قال: كنت مع سفيان الثوري رحمه الله فمررنا بشرطي نائم، وقد حان وقت الصلاة، فذهبت أحركه فصاح سفيان: مه، فقلت: يا أبا عبد الله يصلي، فقال: دعه لا صلى الله عليه، فما استراح الناس حتى نام هذا. [الحلية (تهذيبه) 2/ 389]. * وعن حيان قال: قال ابن المبارك: قيل لسفيان الثوري رحمه الله: لو دخلت عليهم؟ قال: إني أخشى أن يسألني الله عن مقامي ما قلت فيه، قيل له: تقول وتتحفظ، قال: تأمروني أن أسبح في البحر ولا تبتل ثيابي؟ قال حيان: وبلغني أنه قال: ليس أخاف ضربهم، ولكني أخاف أن يميلوا علي بدنياهم، ثم لا أرى سيئتهم سيئة. [الحلية (تهذيبه) 2/ 390]. * وعن وهب بن إسماعيل الأسدي قال: كنا عند سفيان الثوري رحمه الله، فجاءه رجل فسأله عن مسألة، وعلى رأسه قلنسوة سوداء، فنظر إليه فأعرض عنه، ثم سأله الثانية فنظر إليه فأعرض عنه، فقال له: يا أبا عبد الله! يسألك

الناس فتجيبهم، وأسألك فتنظر إلي ثم تعرض عني؟ فقال: هذا الذي تسألني أي شيء تريد به؟ قال: السنة. قال: فهذا الذي على رأسك أي شيء هو من السنة؟ هذه سنة سنها رجل سوء يقال له: أبو مسلم، لا تستن بسنته، قال: فنزع الرجل قلنسوته، فوضعها، ثم لبث قليلاً ثم قام فذهب. [الحلية (تهذيبه) 2/ 397]. * وعن يحيى بن يمان قال: سمعت سفيان الثوري رحمه الله يقول: أبغض ما يكون إليّ إذا رأيتهم قيامًا يصلون. قال: ورأى سفيان على رجل قلنسوة سوداء وذكر له أمر الحج، فقال: وضعك هذه يعدل حجة. [الحلية (تهذيبه) 2/ 397]. * وعن عبد الله بن خبيق قال: كنت عند يوسف بن أسباط رحمه الله، إذ جاء الأمير وعليه قلنسوة شاشية، فسأله عن مسألة فقال: إن أستاذي سفيان رحمه الله، كان لا يفتي من على رأسه مثل هذا، قال: فوضعه على الأرض فأفتاه. [الحلية (تهذيبه) 3/ 59]. * وعن سندويه الفتال قال: قيل لداود الطائي رحمه الله: أرأيت رجلاً دخل على هؤلاء الأمراء فأمرهم بالمعروف ونهاهم عن المنكر، قال: أخاف عليه السوط قال: إنه يقوى، قال: أخاف عليه السيف؛ قال: إنه يقوى، قال: أخاف عليه الداء الدفين من العجب. [الحلية (تهذيبه) 2/ 467]. * وعن إبراهيم قال: سمعت الفضيل بن عياض رحمه الله يقول: لأن يدنو الرجل من جيفة منتنة، خير له من أن يدنو إلى هؤلاء - يعني السلطان - وسمعته يقول: رجل لا يخالط هؤلاء، ولا يزيد على المكتوبة، أفضل عندنا من رجل يقوم الليل، ويصوم النهار ويحج، ويعتمر ويجاهد في سبيل الله ويخالطهم. [الحلية (تهذيبه) 3/ 17]. * ودعا بعض الأمراء شميطا العنسي رحمه الله إلى طعام، فاعتل عليه ولم يأته، فقيل له في ذلك، فقال: فقد أكلة أيسر علي من بذل ديني لهم، ما ينبغي أن يكون بطن المؤمن أعز عليه من دينه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 115].

(و) عدم الخروج عليهم، وذم من فعل ذلك

(و) عدم الخروج عليهم، وذم من فعل ذلك: * عن طاووس رحمه الله قال: ذُكر لابن عباس - رضي الله عنهما - الخوارج وما يصيبهم عند قراءة القرآن؟ فقال - رضي الله عنه -: " يؤمنون بمحكمه، ويضلون عند متشابهه، {وَمَا يَعْلَمُ تَاوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} [آل عمران: 7]. [الشريعة / 35]. * وعن عبد الله بن أبي يزيد قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما - وذكر له الخوارج، واجتهادهم وصلاحهم - فقال - رضي الله عنه -: ليسوا هم بأشد اجتهادًا من اليهود والنصارى، وهم على ضلالة. [الشريعة / 35]. * وعن ثابت بن قطبة قال: إن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال في خطبته: ياأيها الناس، عليكم بالطاعة والجماعة، فإنها حبل الله - عزَّ وجلَّ - الذي أمر به. وما تكرهون في الجماعة خير مما تحبون في الفرقة. [الشريعة / 19]. * وقال ابن عمر - رضي الله عنه - حين أتته بيعة يزيد: إن كان خيرًا رضينا، وإن كان بلاء صبرنا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 60]. * وعن الشعبي رحمه الله قال: كان يقال: من أراد بحبحة الجنة فعليه بجماعة المسلمين. [الشريعة / 19]. * وقال أيضًا رحمه الله: ما اختلفت أمة بعد نبيها إلا ظهر أهل باطلها على أهل حقها. [الحلية (تهذيبه) 2/ 112]. * وعن أبي هاني المكتب قال: سئل عامر الشعبي رحمه الله عن قتال أهل العراق وأهل الشام؟ فقال: لا يزالون يظهرون علينا أهل الشام؟ قال عامر: ذلك بأنهم جهلوا الحق واجتمعوا، وتفرقتم. ولم يكن الله ليظهر أهل فرقة على جماعة أبدًا. [الحلية (تهذيبه) 2/ 113]. * وعن المعلى بن زياد قال: قيل للحسن البصري رحمه الله: يا أبا سعيد، خرج خارجي بالخريبة - محلة عند البصرة - فقال: المسكين رأى منكرًا فأنكره، فوقع فيما هو أنكر منه. (¬1) [الشريعة / 35]. ¬

(¬1) قال الآجري رحمه الله: لم يختلف العلماء قديمًا وحديثًا أن الخوارج قوم سوء , عصاة لله عزّ وجلّ ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - , وإن صلوا وصاموا , واجتهدوا في العبادة , فليس ذلك بنافع لهم , وإن أظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , وليس ذلك بنافع لهم , لأنهم قوم يتأوّلون القرآن على ما يهوون , ويموِّهون على المسلمين. وقد حذرنا الله عز وجل منهم , وحذرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - , وحذرَناهم الخلفاء الراشدون بعده , وحذرناهم الصحابة رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان رحمة الله تعالى عليهم. والخوارج هم الشُّراة الأنجاس الأرجاس , ومن كان على مذهبهم من سائر الخوارج , يتوارثون هذا المذهب قديمًا وحديثًا , ويخرجون على الأئمة والأمراء ويستحلون قتل المسلمين. الشريعة / 29 قال الآجري: فلا ينبغي لمن رأى اجتهاد خارجي قد خرج على إمام , عدلًا كان الإمام أم جائرًا , فخرج وجمع جماعة وسل سيفه , واستحل قتال المسلمين , فلا ينبغي له أن يغتر بقراءته للقرآن , ولا بطول قيامه في الصلاة , ولا بدوام صيامه , ولا بحسن ألفاظه في العلم إذا كان مذهبه مذهب الخوارج. الشريعة / 35 وقال الصابوني رحمه الله: ويرى أصحاب الحديث الجمعة , والعيدين, وغيرهما من الصلوات خلف كل إمام مسلم , برًا كان أو فاجرًا. ويرون جهاد الكفرة معهم , وإن كانوا جورة فجرة. ويرون الدعاء لهم بالإصلاح والتوفيق والصلاح. ولا يرون الخروج عليهم بالسيف , وإن رأوا منهم العدول عن العدل إلى الجور والحيف. عقيدة السلف وأصحاب الحديث / 294 وقال البربهاري رحمه الله: فمِنْ السنة لُزُومُ الجَمَاعَةِ , فَمَنْ رَغِبَ عَن الجَمَاعَة وفارقَهَا: فقد خَلَعَ رِبْقَةَ الإسلامِ مِنْ عُنُقَهِ , وكانَ ضالًا مُضِلًا. شرح السنة / 59 وقال: ومَنْ خرجَ على إمامٍ من أئِمّةِ المسلمين: فهو خارجي , وقد شَقّ عصا المسلمينَ , وخالفَ الآثارَ, وميتته مِيتةً جاهلية. شرح السنة / 70 وقال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: والأئمة لا يقاتَلون بمجرد الفسق، وإن كان الواحد المقدور قد يقتل لبعض أنواع الفسق: كالزنا وغيره. فليس كلما جاز فيه القتل جاز أن يقاتل الأئمة لفعلهم إياه، إذ فساد القتال أعظم من فساد كبيرة يرتكبها ولي الأمر. مجموع الفتاوى 22/ 61

(ي) فوائد أخرى

(ي) فوائد أخرى: * قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: إن هذا الأمر لا يصلح له إلا الليِّن في غير ضعف والقويُّ في غير عنف. [عيون الأخبار 1/ 53]. * وقال أيضًا - رضي الله عنه -: ثلاثٌ من الفَوَاقر: جار مُقامةٍ إن رأى حسنة سَتَرها وإن رأى سيئة أذاعها، وامرأة إن دخلتَ عليها لَسَنَتْكَ وإن غبتَ عنها لم تَامنها، وسلطان إن أحسنت لم يحمدك وإن أسأت قتلك. [عيون الأخبار 1/ 49].

* وأغْلظ رجلٌ على معاوية - رضي الله عنه - فحلُم عنه فقيل له: أتحلُم عن هذا؟ فقال: إني لا أَحُول بين الناس وبين ألسنتهم ما لم يَحُولوا بيننا وبين سلطاننا. [عيون الأخبار 1/ 54]. * وقال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: إذا كان الإمام عادلاً فله الأجر وعليك الشكر، وإذا كان جائرًا فعليه الوزر وعليك الصبر. [عيون الأخبار 1/ 49]. * وقال حُذَيْفة بن اليمان - رضي الله عنه -: ما مشى قوم قط إلى سلطان الله في الأرض لُيذِلُّوه إلا أذلّهم الله قبل أن يموتوا. [عيون الأخبار 1/ 66]. * وعن أسامة، أن الأعمش رحمه الله عوتب في إتيانه أخًا ليقطين القائد. فقال: أنزلته منزلة الحش احتيج إليه فأتي. [الحلية (تهذيبه) 2/ 139]. * وقال عبد الملك بن مروان رحمه الله: أنصِفونا يا معشر الرعية، تريدون منا سيرة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما! ولا تسيرون فينا ولا في أنفسكم بسيرة رعية أبي بكر وعمر! نسأل الله أن يعين كلاًّ على كل. [عيون الأخبار 1/ 53]. * وقال كعب رحمه الله: مَثَلُ الإسلامِ والسلطان والناسِ مَثَلُ الفُسطاطِ والعمودِ والأطنابِ والأوتادِ، فالفُسطاط الإسلام؛ والعمود السلطان، والأطناب والأوتاد الناس، لا يصلُح بعضه إلا ببعض. [عيون الأخبار 1/ 48]. * وعن عمرو بن شرحبيل رحمه الله: قال: لا يزال الناس بخير ما لم يكن عليهم أمراء لا يرون لهم من الحق شيئا إلا ما شاؤوا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 416]. * وعن محمد بن أبي جميلة قال: أرادني عبد الله بن عبد الملك على صحبته، فشاورت ابن أبي زكريا رحمه الله فقال: أنت حر فلا تجعل نفسك مملوكًا. [الحلية (تهذيبه) 2/ 171]. * وكان يقال: إذا جعلك السلطان أخا فاجعله أبا، وإن زادك فزدْه. [عيون الأخبار 1/ 62]. * وعن ابن هشام أنه قال: قال لي المأمون رحمه الله: يا علي، الملوك تحتمل لأصحابها كل شيء خلا ثلاث خصال. قلت: وما هن يا أمير المؤمنين؟ قال: القدح في الملك، وإفشاء السر، والتعرض للحرمة. [المنتظم 10/ 59].

علو الهمة

علو الهمة (¬1) * عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: لما قُبِض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت لرجل من الأنصار: هلمّ، فلنسأل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإنهم اليوم كثير، فقال: واعجبًا لك يابن عباس! أترى الناس يفتقرون إليك وفي الناس من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فيهم؟ قال: فتركت ذلك، وأقبلت أسأل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الحديث، فإن كان ليَبلُغني الحديث عن الرجل، فآتي بابه وهو قائل، فأتوسَّد التراب، فيخرج فيراني فيقول: يابن عمّ رسول الله، ما جاء بك؟ ألا أرسلت إلي فآتيك؟ فأقول: لا، أنا أحقّ أن آتيك فأسألك عن الحديث فعاش ذلك الفتى الأنصاري حتى رآني، وقد اجتمع الناس حولي يسألوني فيقول: هذا الفتى كان أعقل مني (أخرجه الطبراني). [صفة الصفوة 1/ 369]. * وقال - رضي الله عنه -: ذَلَلْتُ طالبًا، فعزَزْتُ مطلوبًا، وكان يقول: وجدتُّ عامّة عِلْم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند هذا الحيّ من الأنصار، إنْ كنتُ لأَقِيل بباب احدهم ¬

(¬1) قال ابن القيم رحمه الله: وكمالُ كلِّ إِنسانٍ إنَّما يَتِمُّ بهذين النَّوعين , هِمَّةٌ تُرقِّيهِ , وعلمٌ يُبصِّرهُ ويَهديهِ؛ فإنّ مَراتَب السَّعادَةِ والفَلاحِ إنَّما تفوتُ العَبدَ من هاتَين الجهتَين , أو مِن إحداهُما , إِمَّا أنْ لا يكونَ له علمٌ بها , فلا يتحرَّكُ في طَلَبها , أو يكونَ عالمًا بها ولا تنهَضُ همَّتُهُ إليها , فلا يَزالُ في حضيضِ طَبعه محبوسًا , وقلبُهُ عن كمالهِ الذي خُلِقَ له مصدودًا منكوسًا , قد أسامَ نفسَهُ مع الأنعامِ راعيًا مع الهَمَلِ , واستطابَ لُقَيماتِ الرَّاحَةِ والبطالَةِ , واسْتَلاَنَ فِراشَ العجزِ والكَسَلِ , لا كَمَن رُفِعَ له عَلَمٌ فشمَّرَ إليه , وبُورِكَ له في تفرُّدهِ في طريقِ طلبهِ , فَلَزِمهُ واستقامَ عليه , قَد أَبَتْ غَلَباتُ شوقِهِ إلاّ الهجرَةَ إلى الله ورسولهِ , ومقَتَتْ نفسُهُ الرُّفقاء إلاّ ابنَ سبيلٍ يُرافِقهُ في سبيلهِ. مفتاح دار السعادة 1/ 214، 215

ولو شئتُ أُذِن لي، ولكن أبتغي بذلك طِيب نفسه. [عيون الأخبار 2/ 519، 520]. * ونظر رجل إلى معاوية - رضي الله عنه - وهو غلام صغير فقال: إني أظن هذا الغلام سيسود قومه. فقالت هند رضي الله عنها: ثكلتُه إن كان لا يَسُود إلا قومَه. [عيون الأخبار 1/ 256]. * وعن أبي الزناد قال: اجتمع في الحجر مصعب وعروة وعبد الله بنو الزبير، وعبد الله بن عمر، فقالوا: تمنوا. فقال عبد الله بن الزبير: أما أنا، فأتمنى الخلافة. وقال عروة: أما أنا، فأتمنى أن يؤخذ عني العلم، وقال مصعب: أما أنا، فأتمنى إمرة العراق والجمع بين عائشة بنت طلحة وسكينة بنت الحسين. قال عبد الله بن عمر: أما أنا فأتمنى المغفرة. قال: فنالوا ما تمنوا، ولعل ابن عمر غفر له. [صفة الصفوة 1/ 267]. * وقال بعضهم: [البداية والنهاية 11/ 333]. إذا غامرت في شرف مرومٍ ... فلا تقنعْ بما دونَ النجومِ فطعمُ الموت في أمرٍ حقيرٍ ... كطعم الموت في أمرٍ عظيم * وعن الشعبي قال: خرج مسروق رحمه الله إلى البصرة، إلى رجل يسأله عن آية، فلم يجد عنده فيها علما، فأخبر عن رجل من أهل الشام فقدم علينا ها هنا، ثم خرج إلى الشام إلى ذلك الرجل في طلبها. [الحلية (تهذيبه) 1/ 305]. * وعن سعيد بن جبير رحمه الله قال: ربما أتيتُ ابنَ عباس، فكتبتُ في صحيفتي حتى أملأها، وكتبتُ في نعلي حتى أملأها، وكتبتُ في كفّي. [السير (تهذيبه) 2/ 507]. * وقال سعيد بن المسيب رحمه الله: إن كنت لأسير الأيام والليالي في طَلَبِ الحديث الواحد. [السير (تهذيبه) 1/ 482]. * وقال معن بن عبد الرحمن: ما رأيت مسعرًا رحمه الله في يوم إلا قلت: هو أفضل منه قبل ذلك. [الحلية (تهذيبه) 2/ 420]. * وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: كانت لي نفس تواقة، فكنت لا أنال منها شيئًا إلا تاقت إلى ما هو أعظم، فلما بلغت نفسي الغاية، تاقت إلى الآخرة. [الحلية (تهذيبه) 2/ 237].

* وعن فرقد إمام مسجد البصرة قال: دخلوا على سفيان الثوري رحمه الله في مرضه الذي مات فيه، فحدثه رجل بحديث فأعجبه، وضرب يده إلى تحت فراشه فأخرج ألواحًا له فكتب ذلك الحديث، فقالوا له: على هذه الحال منك؟ فقال: إنه حسن، إن بقيت فقد سمعت حسنًا، وإن مت فقد كتبت حسنًا. [الحلية (تهذيبه) 2/ 404]. * وقال مالك بن دينار رحمه الله: قال عيسى - عليه السلام -: بحق أقول لكم إن أكل الشعير، والنوم على المزابل مع الكلاب لقليل في طلب الفردوس. [الحلية (تهذيبه) 1/ 424]. * وقال بعضهم: [المنتظم 15/ 232]. فكن رجلًا رجله في الثرى ... وهامة همته في الثريا * وقال السري السقطي رحمه الله: من عرف ما يَطلب هان عليه ما يَبذل. [صفة الصفوة 2/ 630]. * وعن أبي محمد بن أخت الشافعي. قال: قلت أمي: ربما قدمنا في ليلة واحدة ثلاثين مرة أو أقل أو أكثر المصباح إلى بين يدي الشافعي رحمه الله، وكان يستلقي ويتفكر، ثم ينادي يا جارية هلمي المصباح، فتقدمه ويكتب ما يكتب، ثم يقول: ارفعيه. فقلت لأبي محمد: ما أراد برد المصباح؟ قال: الظلمة أجلى للقلب. [الحلية (تهذيبه) 3/ 124]. * وقال مالك بن أنس رحمه الله: كان الرجل يختلف إلى الرجل ثلاثين سنة يتعلم منه. [الحلية (تهذيبه) 2/ 354]. * وعن محمد بن يوسف قال: كنت عند محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله في منزله ذات ليلة، فأحصيت أنه قد قام وأسرج يستذكر أشياء يعلقها في ليلة ثماني عشرة مرة. [المنتظم 12/ 115، 116]. * وقيل للعتّابيّ رحمه الله: فلان بعيدُ الهمة. قال: إذن لا يكون له غاية دون الجنة. [عيون الأخبار 1/ 267]. * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 2/ 588].

والنفسُ راغبةٌ إذا رغَّبتَها ... وإذا تُرَدُّ إلى قليل تَقْنَعُ * وعن جعفر قال: دخلنا على أبي التياح رحمه الله نعوده. فقال: والله إنه لينبغي للرجل المسلم أن يزيده ما يرى في الناس من التهاون بأمر الله أن يزيده ذلك جدًا واجتهادًا ثم بكى. [الحلية (تهذيبه) 1/ 459]. * وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم رحمه الله: كنا بمصرَ سبْعَة أشهر، لم نأكل فيها مرقة، كُلُّ نهارِنا مقسّم لمجالس الشُّيُوخ، وبالليل: النَّسْخُ والمقابلة. قال: فأتينا روما أنا ورفيق لي شيخا، فقالوا: هو عليل، فرأينا في طريقنا سمكة أعجبتْنا، فاشتريناه، فلما صرنا إلى البيت، حضر وقتُ مجلسٍ، فلم يُمْكِنَّا إصلاحُه، ومضَيْنا إلى المجلس، فلم نَزَلْ حتى أتى عليه ثلاثة أيام، وكاد أن يتغير، فأكلناه نِيْئًا، لم يكن لنا فراغ أن نُعْطِيَه من يشويه. ثم قال: لا يستَطاعُ العِلمُ براحةِ الجَسَد. [السير (تهذيبه) 3/ 1079]. * وقال أبو جعفر الطَّبريِّ رحمه الله لأصحابه: هل تَنشَطُون لتاريخ العالم من آدمَ إلى وقتِنا؟ قالوا: كم قدرُه؟ فذكر نحو ثلاثينَ ألف ورقة، فقالوا: هذا مما تفنى الأعمارُ قبل تمامه! فقال: إنَّا لله! ماتت الهِمَمُ. فاختصر ذلك في نحو ثلاثة آلاف ورقة ولمَّا أن أراد أن يمليَ التفسير قال لهم نحوًا من ذلك، ثم أملاه على نحوٍ من قدر التاريخ. [السير (تهذيبه) 3/ 1151]. * وقال ابن حِبَّان رحمه الله في أثناء كتاب " الأنواع": لعلَّنا قد كتَبنا عن أكثرَ من ألفي شيخ. قال الذهبي رحمه الله: كذا فلتكن الهمم، هذا مع ما كانَ عليه من الفقهِ والعربيَّةِ، والفضائل الباهرة، وكثرة التصانيف. [السير (تهذيبه) 3/ 1269]. * وقال أبو حاتم الرازي رحمه الله لابنه عبد الرحمن: يا بنيَّ، مشيتُ على قدمي في طلب الحديث أكثر من ألف فرسخ. [البداية والنهاية]. * وقال بعضهم: [البداية والنهاية 11/ 332]. وإذا كانت النفوسُ كبارًا ... تعبت في مرادها الأجسامُ * وقال أبو بكر محمد بنُ طرخان التركي: قال لي الإمام أبو محمد

عبد الله بن محمد - يعني والد أبي بكر بن العربي -: أخبرني أبو محمد بن حزم رحمه الله أن سبب تعلمه الفقه أنه شهِد جِنازة، فدخل المسجدَ، فجلس ولم يركع، فقال له رجل: قُم فصلِّ تحية المسجد. وكان قد بلغ ستًّا وعشرين سنة. قال: فقُمتُ وركعتُ، فلما رجعنا من الصلاة على الجنازة، دَخَلْتُ المسجد، فبادرتُ بالركوع، فقيل لي: اجلس اجلس، ليس ذا وقت صلاة - وكان بعدَ العصر - قال: فانصرفتُ وقد حزِنت، وقلت للأستاذ الذي رباني: دلني على دار الفقيه أبي عبد الله بن دحون. قال: فقصدته، وأعلمته بما جرى، فدلني على "موطأ" مالك، فبدأتُ به عليه، وتتابعت قراءتي عليه وعلى غيره نحوًا من ثلاثة أعوام، وبدأتُ بالمناظرة. [السير (تهذيبه) 3/ 1401]. * وقال ابن الآبَنُوسيِّ: كان الحافظُ الخطيب البغدادي رحمه الله يمشي وفي يده جزءٌ يُطالعه. [السير (تهذيبه) 2/ 1413]. * وقال ابن كثير رحمه الله: ذكر ابن خلكان في "الوفيات" أن سبب انتقال الطحاوي رحمه الله إلى مذهب أبي حنيفة ورجوعه عن مذهب خاله المزني، أن خاله قال له يوما: والله لا يجيء منك شيءٌ. فغضب واشتغل على أبي جعفر بن أبي عمران الحنفيّ، حتى برع وفاق أهل زمانه، وصنف كتبا كثيرة منها "أحكام القرآن"، و"اختلاف العلماء"، و"معاني الآثار" و" التاريخ الكبير". [البداية والنهاية 11/ 248]. * وقال ثعلب: ما فقدت إبراهيم الحربي رحمه الله من مجلس نحوٍ أو لغةٍ خمسين سنة. [المنتظم 12/ 381]. * وقال بعضهم: [البداية والنهاية 11/ 364]. يا خادم الجسم كم تشقى بخدمته ... أتطلب الربح مما فيه خسران أقبلْ على النفس واستكمل فضائلها ... فأنت بالنفس لا بالجسم إنسانُ * وعن أبي الحسن العروضي قال: كان يتردد ابن الأنباري رحمه الله إلى أولاد الراضي، فسألته جارية عن تفسير رؤيا فقال: أنا حاقن، ثم مضى فلما كان من غد عاد وقد صار معبرًا للرؤيا وذلك أنه مضى من يومه، فدرس كتاب الكرماني وجاء. [المنتظم 13/ 399].

* وعن عيسى المتوكلي رحمه الله قال: مكثت ثلاثين سنة أشتهي أن أشارك العامة في أكل هريسة السوق فلا أقدر على ذلك، لأجل البكور إلى سماع الحديث. [المنتظم 14/ 233]. * وعن عبد الله بن عمر القواريري رحمه الله أنه قال: لم تكن تكاد تفوتني صلاة العتمة في جماعة فنزل بي ضيف فشغلت به، فخرجت أطلب الصلاة في قبائل البصرة، فإذا الناس قد صلوا. فقلت في نفسي: قد رُوِيَ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ إحدى وعشرين درجة. وروي خمسًا وعشرين، وروي سبعًا وعشرين ". فانصرفت إلى منزلي فصليت العتمة سبعًا وعشرين مرة ثم رقدت، فرأيتني مع قوم راكبي أفراس وأنا راكب فرسًا كأفراسهم، ونحن نتجارى وأفراسهم تسبق فرسي، فجعلت أضربه لألحقهم، فالتفت إلي أحدهم فقال: لا تجهد نفسك، فلست تلاحقنا، قلت: ولمَ ذاك؟ قال: لأنا صلينا العتمة في جماعة. [المنتظم 11/ 232]. * وعن محمد بن الحارث المخزومي قال: دخل على عبد العزيز بن مروان رحمه الله رجل يشكو صهرًا له، فقال: إن ختني فعل بي كذا وكذا، فقال له عبد العزيز: من خَتَنَك؟ فقال له: خَتَنَني الختان الذي يختن الناس، فقال عبد العزيز لكاتبه: ويحك، ما أجابني، فقال له: أيها الأمير، إنك لحنت وهو لا يعرف اللحن، كان ينبغي أن تقول له: من خَتَنُك، فقال عبد العزيز: أراني أتكلم بكلام لا يعرفه العرب، لا شاهدت الناس حتى أعرف اللحن. قال: فأقام في البيت جمعة لا يظهر ومعه من يعلمه العربية، قال: فصلى بالناس الجمعة وهو من أفصح الناس. [المنتظم 6/ 264].

الصدق مع الله

الصدق مع الله * قال مالك بن دينار رحمه الله: قولوا لمن لم يكن صادقًا لا يتعنّى. [صفة الصفوة 3/ 201]. * وعن معروف الكرخي رحمه الله قال: ما أكثر الصَّالحين، وما أقل الصّادقين. [السير (تهذيبه)]. * وقال وكيع بن الجراح رحمه الله: هذه بضاعة لا يرتفع فيها إلا صادق. [الحلية (تهذيبه) 3/ 107]. * وقال أبو يعقوب رحمه الله: الصِّدْقُ موافقَةُ الحقِّ في السرِّ والعلانية، وحقيقةُ الصدْقِ القولُ بالحقِّ في مواطن الهَلَكةِ. [السير (تهذيبه)].

ذم الكسل

ذم الكسل * قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: "إني لأبغض الرجل أن أراه فارغًا ليس في شيء من عمل الدنيا، ولا في عمل الآخرة" [(رواه الإمام أحمد)، صفة الصفوة 1/ 201]. * وقال محمد بن علي رحمه الله لابنه: يا بني، إياك والكسل والضجر، فإنهما مفتاح كل شر. إنك إن كسلت لم تؤد حقًا، وإن ضجرت لم تصبر على حق. [الحلية (تهذيبه) 1/ 507]. * ومما كان مسعر رحمه الله يُنشده له أو لغيره: نَهارُك يا مَغْرُورُ سَهْوٌ وغَفْلَةٌ ... ولَيْلُكَ نومٌ، والرَّدَى لك لازمُ وتتعب فيما سوف تَكرَهُ غِبَّهُ ... كَذَلِكَ في الدُّنيا تعيشُ البَهَائِمُ [صفة الصفوة]. * وعن الأعمش قال: مرّ شريح رحمه الله بقوم وهم يلعبون، فقال: مالكم؟ قالوا: فرغنا يا أبا أمامة، قال: ما بهذا أمر الفارغ (¬1). [الحلية (تهذيبه) 2/ 68]. * وقال سُفيان الثوري رحمه الله: من أحبَّ أفخاذ النساء لم يُفْلحْ. [السير (تهذيبه) 2/ 627]. * وقال يحيى بن أبي كثير رحمه الله: لا يُستطاع العِلْمُ براحة الجسد. (¬2) [السير (تهذيبه) 2/ 627]. ¬

(¬1) يشير إلى قوله تعالى: " وإذا فرغت فانصب" [الشرح: 7]. (¬2) قال ابن القيم رحمه الله: أجمع عقلاء كل أمة على أن النعيم لا يُدْرَك بالنعيم، وأن من رافق الراحة فارق الراحة، فإنه على قدر التعب تكون الراحة. على قدر أهل العزم تأتي العزائم ... وتأتي على قدر الكريم الكرائم ويكبر في عين الصغير صغيرها ... وتصغر في عين العظيم العظائم ا. هـ بتصرف. مدارج السالكين 2/ 45

وقال ابن فارس: إذا كُنتَ تُؤذى بحرِّ المَصِيف ... ويُبس الخريفِ وبَرْدِ الشِّتَا ويُلْهِيكَ حُسْنُ زَمَانِ الرَّبيع ... فأَخذُكَ لِلْعِلْمِ قُل لي مَتَى؟ [السير (تهذيبه) 3/ 1325].

نساء السلف

نساء السلف * عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: مرض ابن لأبي طلحة من أم سليم رضي الله عنها، قال: فمات الصبي في المخدع فسجته، ثم قامت فهيأت لأبي طلحة إفطاره كما كانت تهيء له كل ليلة، فدخل أبو طلحة وقال لها: كيف الصبي؟ قالت: بأحسن حال، فحمد الله ثم قامت فقربت إلى أبي طلحة إفطاره، ثم قامت إلى ما تقوم إليه النساء فأصاب أبو طلحة من أهله، فلما كان السحر قالت: يا أبا طلحة ألم تر آل فلان استعاروا عارية فتمتعوا بها، فلما طلبت منهم شق عليهم، قال: ما أنصفوا. قالت: فإن ابنك كان عارية من الله - عزَّ وجلَّ - وإن الله تعالى قد قبضه، فحمد الله واسترجع ثم غدا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يا أبا طلحة بارك الله لكما في ليلتكما) فحملت بعبد الله بن أبي طلحة. [مسند الإمام أحمد: 12028]. * وعن أنس - رضي الله عنه - قال: لما كان يوم أحد حاص أهل المدينة حَيْصة وقالوا: قُتل محمد. حتى كثرت الصَّوارخ في نواحي المدينة، فخرجت امرأة من الأنصار - رضي الله عنها - فاستُقبلتْ بأخيها وأبيها وزوجها وابنها، لا أدري بأيّهم استُقبلت أوّلاً، فلما مرت على آخرهم، قالت: مَن هذا؟ قالوا: أخوكِ وأبوكِ وزوجُكِ وابنُكِ. قالت: فما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قالوا: أمامَك فذهبتْ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخذتْ بناحية ثوبه، ثم جعلت تقول: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لا أبالي إذا سَلِمْتَ من عطَب. [صفة الصفوة 2/ 433]. * وعن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس - رضي الله عنه -: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت بلى! قال: هذه المرأة السوداء أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي. قال: (إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت أن يعافيك) قالت: أصبر ولكن ادع الله أن لا أتكشف. فدعا لها. [رواه البخاري: 5328].

* وقال الذهبي: أم عمارة - رضي الله عنها - نَسيبَةُ بنت كعب بن عمرو الفاضلة المجاهدة الأنصارية. شَهِدتْ أمُّ عمارة ليلة العقبة، وشهدت أُحدًا، والحديبية، ويوم حُنين، ويومَ اليمامة. وجاهدت، وفعلت الأفاعيل، وقُطعت يدُها في الجهاد. وكان ضَمرةُ بن سعيد المازنيُّ يُحدث عن جَدَّتِه، وكانت قد شَهدت أُحدًا، قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لمُقامُ نَسِيْبَةَ بنت كعبٍ اليوم خَيرٌ من مُقام فُلان وفُلان". وكانت تَراها تُقاتلُ أشدَّ ما يكون القتال، وإنَّها لحاجزةٌ ثوبها على وسطها، حتى جرحت ثلاثةَ عشرَ جُرحًا، وكانت تقول: إني لأنظُر إلى ابن قمِئة وهو يضربُها على عاتقها وكان أعظم جراحها، فداوتهُ سنةً. ثم نادى منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إلى حَمراء الأسد. فشدَّت عليها ثيابَها، فما استطاعت من نزف الدم. - رضي الله عنها - ورحمها. وعن عُمارة بن غَزيَّة قال: قالت أُمُّ عمارة: رأيتُني، وانكشف النَّاسُ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فما بقي إلا نُفَير ما يُتِمُّون عشرة، وأنا وابناي وزوجي بين يديه نَذُبُّ عنه، والناسُ يمرون به مُنْهزمين، ورآني ولا ترس معي، فرأى رجلاً موليًا ومعه تُرس، فقال: ألقِ تُرسكَ إلى مَن يقاتلُ، فألقاه فأخذتُهُ. فجعلت أُتَرِّسُ به عن رسولِ الله. وإنَّما فعل بنا الأفاعيل أصحابُ الخيل، لو كانوا رجَّالةً مثلَنا أصبناهم، إن شاء الله. فيُقبلُ رجلٌ على فرسه فيضربُني، وترَّستُ له، فلم يصنع شيئًا، فأضربُ عُرقوب فرسه، فوقع على ظهره. فجعل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يصيح: يا ابن أُمَّ عُمارة، أُمَّكَ! أُمَّكَ! قالت: فعاونني عليه، حتى أوردتُه شعوب (¬1) ". [السير (تهذيبه) 1/ 258، 259]. روى عمر بن الخطاب رضى الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " ما التفتُّ يوم أُحد يمينًا ولا شمالاً إلا وأراها - أي أم عمارة - تقاتل دوني". ¬

(¬1) قال في الحاشية: شعوب: من أسماء المدينة.

قال الواقدي رحمه الله: قاتلتْ - أي أم عمارة - يوم أُحد وجُرحت اثنتي عشرة جراحة، وداوت جرحًا في عنقها سنة، ثم نادى منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى حمراء الأّسد فشدّت عليها ثيابها، فما استطاعت من نزف الدم. وعن محمد بن إسحاق رحمه الله قال: حضرتْ البيعة بالعقبة امرأتان قدْ بايعتا: إحداهما نَسِيبة بنت كعب (¬1)، وكانت تشهد الحرب مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، شهدت معه أُحدًا، وخرجت مع المسلمين بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خلافة أبي بكر في الردة، فباشرت الحرب بنفسها حتى قتل الله مسيلمة، ورجعت وبها عشر جراحات من طعنة وضربة. [صفة الصفوة 2/ 426]. * وقال ابن الجوزي رحمه الله: قال علماء السير: فلم تزل الحرب إلى قبيل مقتل ابن الزبير (¬2)، فتفرق عامة أصحابه وخذلوه، وخرج عامة أهل مكة إلى الحجاج في الأمان حتى ذُكر أن ولديه حمزة وحبيب أخذوا لأنفسهما أمانًا، فدخل عبد الله بن الزبير على أمه أسماء - رضي الله عنها - حين رأى من الناس ما رأى من الخذلان، فقال لها: خذلتني الناس حتى ولدي وأهلي، فلم يبق معي إلا من ليس عنده من الدفع أكثر من ساعة والقوم يعطونني ما أردت من الدنيا، فما رأيك؟ فقالت: أنت والله يا بني أعلم بنفسك، إن كنت تعلم أنك على حق وإليه تدعو فامض له، وقد قتل عليه أصحابك، ولا تمكن من رقبتك فينقلب بها غلمان بني أمية، وإن كنت إنما أردت الدنيا فبئس العبد أنت، أهلكت نفسك وأهلكت من قتل معك. وإن قلت: كنت على الحق فلما وهن أصحابك ضعفت، فليس هذا فعل الأحرار ولا أهل الدين، وكم خلودك في الدنيا! القتل أحسن. فدنا ابن الزبير فقبل رأسها وقال: هذا والله رأيي، والذي قمت به ما ركنت إلى الدنيا ولا أحببت الحياة فيها، وما دعاني إلى الخروج إلا ¬

(¬1) هي أم عمارة. (¬2) وذلك أن عبد الملك بن مروان بعث الحجاج بن يوسف لقتال عبد الله بن الزبير، فحاصره وهو في المسجد الحرام في مكة ثمانية أشهر.

################

يحيى بن زكريا إلى بغي من بغايا بني إسرائيل. [المنتظم 6/ 141]. * وعن مسلم بن يسار؛ أنه قال: قدمت البحرين واليمامة على تجارة فإذا أنا بالناس مقبلين ومدبرين نحو منزل فقصدت إليه، فإذا أنا بامرأة جالسة في مصلاها عليها ثياب غليظة، وإذا هي كئيبة محزونة قليلة الكلام، وإذا كل من رأيت ولدها وخولها وعبيدها، والناس مشغولون بالبياعات والتجارات، فقضيت حاجتي ثم أتيتها وودعتها فقالت: حاجتنا إليك أن تأتيها إذا جئت إلينا بحاجة فتنزل بنا. قال: فانصرفت فلبثت حينًا، ثم إني توجهت إلى بلدها في حاجة، فلما قدمتها لم أر دون منزلها شيئًا مما كنت رأيت، فأتيت منزلها فلم أر أحدًا، فأتيت الباب فاستفتحت فإذا أنا بضحك امرأة وكلامها ففتح لي، فدخلت فإذا أنا بها جالسة في بيت، وإذا عليها ثياب حسنة رقيقة، وإذا الضحك الذي سمعت كلامها وضحكها، وإذا امرأة ليس معها في بيتها شيء قط. فاستنكرت وقلت قد رأيتك على حالين فيهما عجب، حالك في قدمتي الأولى وحالك هذه. قالت: لا تعجب، فإن الذي قد رأيت من حالتي الأولى، إني كنت فيما رأيت من الخير والسعة، وكنت لا أصاب بمصيبة في ولد ولا خول ولا مال ولا أوجه في تجارة إلا سلمت ولا يبتاع لي شيء إلا ربحت فيه، وتخوفت أن لا يكون لي عند الله خير، فكنت مكتئبة لذلك، وقلت: لو كان لي عند الله خير لابتلاني. فتوالت علي المصائب في ولدي الذي رأيت وخولي ومالي وما بقي لي منه شيء، فرجوت أن يكون الله قد أراد بي خيرًا فابتلاني وذكرني ففرحت لذلك وطابت نفسي. فانصرفت فلقيت عبد الله بن عمر فأخبرته بخبرها. فقال: رحم الله هذه، ما فاتها أيوب النبي - عليه السلام - إلا بقليل. (¬1) [الحلية (تهذيبه) 1/ 396، 397]. * وعن ثابت البناني: أن صلة بن أشيم كان في مغزًى له، ومعه ابن له ¬

(¬1) قال في حاشية الزهد للإمام أحمد: ضعيف.

فقال: أيْ بنيّ تقدّم فقاتل حتى أحتَسبك، فحمل فقاتل حتى قُتل رحمه الله، ثم تقدّم فقتل، فاجتمعت النساء عند امرأته مُعاذة العَدَوِيّة رحمها الله، فقالت: مرحبًا، إن كنتنّ جئتُنّ لتهنّئْننيّ فمرحبًا بكم، وإن كنتُنّ جئتنّ لغير ذلك فارجعْن. [صفة الصفوة 2/ 153]. * وقال عبيد الله بن عبد الخالق: سَبى الروم نساءً مسلماتٍ، فبلغ الخبر الرّقَّة وبها هارون الرشيد أمير المؤمنين، فَقِيل لمنصور بن عمَّار: لو اتَّخذت مجلسًا بالقُرْب من أمير المؤمنين، فحرّضت الناس على الغزو. فَفَعَل، فبينا هو يذكِّرهم ويحرّض إذا نحْن بخرقةٍ مَصْرورة مختومة قد طرِحت إلى منصور، وإذا كتاب مضموم إلى الصُّرّة فَفكَّ الكتابَ، فقرأه فإذا فيه: إني امرأة من أهل البيوتات من العرب، بلغني ما فَعَلَ الروم بالمسْلمات، وسمعت تحريضَك الناس على الغزو، وترغيبك في ذلك، فعمدت إلى أكرم شيءٍ مِن بدني وهما: ذُؤابتايَ فقطعتُهما وصَرَرْتُهما في هذه الخِرْقة المختومة، وأُناشِدُك بالله العظيم لما جعلتَهما قَيْدَ فرسٍ غازٍ في سبيل الله، فلَعَلَّ الله أن يَنْظُر إليَّ على تلك الحال نظرةً فيرحمني بها. قال: فبكى وأبكى الناس، وأمر هارون أن ينادَى بالنَّفير، فغَزا بنفسه فأنكى فيهم وفتح الله عليهم. قال ابن الجوزي رحمه الله: هذه امرأة حَسُنَ قَصدها وغلطَت في فعلها؛ لأنها جهلت أنَّ ما فعلَت مَنهيٌّ عنه، فليُنظر إلى قَصدها. [صفة الصفوة]. * وعن جويرية بنت أسماء رحمها الله قالت: أن إخوة ثلاثة من بني قطيعة شهدوا يوم تُستَر، فاستُشهِدوا، فخرجت أمهم يومًا إلى السوق لبعض شانها، فتلقَّاها رجل قد حضَر أمْرَ تُستَر فعرَفَته فسألته عن بَنيها، فقال: استشهدوا. فقالت: أمُقْبلين أم مُدْبرين؟ فقال: مُقْبِلين. فقالت: الحمد لله نالوا الفوز وحاطُوا الذمارِ، بنفسي هم وأبي وأُمِّي. [صفة الصفوة 4/ 589]. * وعن السري بن بكير رحمه الله، قال: أدركت عواتق الحي يقمن بالليل. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 319].

* وعن عبدة بنت أبي شوال قالت: كانت رابعة رحمها الله تصلي الليل كله فإذا طلع الفجر هجعت في مصلاها هجعة خفيفة حتى يسفر الفجر، قالت: فكنت أسمعها تقول إذا وثبت من رقدتها: ويلك يا نفس كم تنامين؟ وإلى كم لا تقومين؟ أوشك أن تنامي نومة لا تقومين منها إلا بصرخة يوم النشور، قالت: فكان هذا دأبها دهرها حتى ماتت. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 268]. * وعن أبي سلمة رحمه الله قال: كانت لنا عجوز رحمها الله في الحي لم ندركها ولكن أدركها أشياخنا كان يقال لها منيرة، فكان إذا جاء الليل تقول: قد جاء الهول قد جاءت الظلمة، قد جاء الخوف، وما أشبه هذا بيوم القيامة؟ قال: ثم تقوم فلا تزال تصلي حتى تصبح. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 269]. * وقال ابن أبي الدنيا رحمه الله: حدثني أبو الوليد رحمه الله، قال: ربما رأيت فاطمة بنت بزيع رحمها الله تصلي من أول الليل إلى آخره. وحدثني أبو الوليد، قال: ربما رأيت غضنة وعالية رحمهما الله تقوم إحداهما من الليل فتقرأ البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والنعام، والأعراف في ركعة. وكان محمد بن الحسين حدثني بهذه الأحاديث عن أبي الوليد فلقيت أبا الوليد فحدثني بها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 270]. * وكانت أم طلق رحمها الله تصلي في كل يوم وليلة أربع مائة ركعة، وتقرأ من القرآن ما شاء الله. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 276]. * وعن الهيثم بن جمّار قال: كانت لي امرأة لا تنام الليل، وكنت لا أصبر معها على السهر، فكنت إذا نعست ترش علي الماء في أثقل ما أكون من النوم، وتنبهني برجلها وتقول، ما تستحي من الله! لِمَ هذا الغطيط، فوالله إن كنت لاستحي مما تصنع. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 282]. * وعن أبي يوسف البزاز قال: تزوج رياح القيسي امرأة فبنا بها، فلما أصبح قامت إلى عجينها، فقال: لو نظرتِ امرأةً تكفيك هذا، قالت: إنما تزوجت رياح القيسي لم أر أني تزوجت جبارًا عنيدًا، فلما كان الليل نام ليختبرها، فقامت ربع الليل ثم نادته: قم يا رياح، مضى الليل وعسكر

المحسنون وأنت نائم، ليت شعري من غرني بك يا رياح، قال: وقامت الربع الباقي. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 282]. * وعن إبراهيم بن عقبة قال: سمعت أم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص رحمها الله تقول لنسائها في الليل: أحلُلْنَ عقد الشيطان، ليس هذا ساعة نوم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 310]. * وعن إبراهيم النحفي: أن أم الأسود رحمها الله قعدت من رجليها فجزعت ابنة لها، فقالت: لا تجزعي، اللهم إن كان خيرًا فزد. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 438]. * وكان عند بعض القرشِّيين: امرأةٌ عربيّةٌ، ودَخَل عليها خصيٌّ لزوجها وهي واضعةٌ خِمَارَها، فحلقتْ رأسَها وقالت: ما كان ليَصْحَبَنِي شعْرٌ نَظَر إليه غيرُ ذي مَحْرَمٍ. [عيون الأخبار 4/ 374]. * وعن محمد بن حنيف قال: كان غزل أخته - أي أخت بشر بن الحارث رحمها الله - فيما ذكر أنها قصدت أحمد بن حنبل فقالت: إنا قوم نغزل بالليل ومعاشنا منه، وربما يمر بنا مشاعل بني طاهر، ولاة بغداد، ونحن على السطح فنغزل في ضوئها الطاقة والطاقتين، أفتحله لنا أم تحرمه؟ فقال لها: من أنت؟ قالت: أخت بشر. فقال: آه يا آل بشر، لا عدمتكم، لا أزال أسمع الورع الصافي من قبلكم. [الحلية (تهذيبه) 3/ 99].

أطفال السلف

أطفال السلف * عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كان عمر - رضي الله عنه - يدخلني مع أشياخ بدر، فقال بعضهم: لم تدخل هذا الفتى معنا، ولنا أبناء مثله؟ فقال: إنه ممن قد علمتم، قال: فدعاهم ذات يوم، ودعاني معهم، وما رأيته دعاني يومئذ إلا ليريهم مني. فقال: ما تقولون: {إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1] حتى ختم السورة؟ فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله تعالى ونستغفره، إذا جاء نصر الله وفتح علينا. وقال بعضهم: لا ندري؟ ولم يقل بعضهم شيئًا. فقال لي: يا ابن عباس كذاك تقول؟ قلت: لا، قال: فما تقول؟ قلت: هو أجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعلمه الله، {إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} فتح مكة، فذاك علامة أجلك. {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر: 3] فقال عمر: ما أعلم منها إلا ما تعلم. [رواه البخاري رقم: 4043]. * وقال أسلم: بينا أنا مع عمر بن الخطاب رضى الله عنه وهو يَعُسّ المدينةَ إذْ عيِيَ فاتَّكأ إلى جانب جدار في جوف الليل، فإذا امرأة تقول لابنتها: يا ابنتاه قُومي إلى ذلك اللَّبن فامذُقيه بالماء، فقالت لها: يا أُماه أو ماعلمتِ ما كان من عزْمة أمير المؤمنين اليوم؟ قالت: وما كان من عَزمته يا بنيّة؟ قالت: إِنّه أمر مناديه فنادَى: أن لا يُشابَ اللَّبن بالماءِ. فقالت لها: يا بنيَة قُومي إلى ذلك اللّبن فامذُقيه بالماءِ، فإنّك بموضعٍ لا يراكِ عُمر ولا مُنادِي عمر، فقالت الصبية لأمها: يا أمَّاه والله ما كنتُ لأطيعه في الملأ وأعْصِيه في الخلاءِ. [صفة الصفوة 4/ 593]. * ومرّ عمر بن الخطّاب - رضي الله عنه - بالصبيان وفيهم عبد الله بن الزبير - رضي الله عنه -، ففرّوا ووقف، فقال له عمر: ما لك لم تَفِرّ مع أصحابك؟ فقال: يا أمير المؤمنين، لم أَجْرِم فأخافَك، ولم يكن بالطريق ضِيقٌ فأُوسعَ لك. [عيون الأخبار 2/ 595].

* وعن سنان بن سلمة رحمه الله قال: كنت في غِلمة بالمدينة تلتقط البَلَح، فأبصرنا عمر رضي الله عنه، وسعى الغلمان وقمت، فقلت: يا أمير المؤمنين إنما هو ما ألقت الريح، قال: أرني أنظر، فلما أرَيْته قال: انطلق. قال: قلت: يا أمير المؤمنين ولِّ هؤلاء الغلمان، إنك لو تواريت انتزعوا ما معي، قال: فمشى معي حتى بلغت مأمني. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 64]. * وعن أيوب، عن أبي قلابة، عن عمرو بن سلمة رحمه الله. قال (¬1): قال لي أبو قلابة: ألا تلقاه فتسأله؟ قال فلقيته فسألته فقال: كنا بماء ممر الناس، وكان يمر بنا الركبان فنسألهم: ما للناس، ما للناس؟ ما هذا الرجل؟ فيقولون: يزعم أن الله أرسله، أوحى إليه. أو: أوحى الله بكذا، فكنت أحفظ ذلك الكلام، وكأنما يقر في صدري، وكانت العرب تلوم بإسلامهم الفتح، فيقولون: اتركوه وقومه، فإنه إن ظهر عليهم فهو نبي صادق، فلما كانت وقعة أهل الفتح، بادر كل قوم بإسلامهم، وبدر أبي قومي بإسلامهم، فلما قدم قال: جئتكم والله من عند النبي - صلى الله عليه وسلم - حقا، فقال: (صلوا صلاة كذا في حين كذا، وصلوا كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم، وليؤمكم أكثركم قرآنا). فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآنا مني، لما كنت أتلقى من الركبان، فقدموني بين أيديهم، وأنا ابن ست أو سبع سنين، وكانت علي بردة، كنت إذا سجدت تقلصت عني، فقالت امرأة من الحي: ألا تغطون عنا إست قارئكم؟ فاشتروا فقطعوا لي قميصا، فما فرحت بشيء فرحي بذلك القميص. [رواه البخاري رقم: 4051]. * وقدم إياس بن معاوية رحمه الله الشام وهو غلام فقدّم خصماً له إلى قاض لعبد الملك بن مروان وكان خصمه شيخًا كبيرًا. فقال له القاضي: أتقدّم شيخًا كبيرًا؟ فقال له إياس: الحق أكبر منه. قال: اسكت. قال: فمن ينطق بحجتي؟ قال: ما أظنك تقول حقًا حتى تقوم. قال: أشهد أن لا إله إلا الله. فقام القاضي فدخل على عبد الملك فأخبره بالخبر فقال: اقضِ حاجتَه وأخرجه من الشام لا يفسدْ عليَّ الناس. [عيون الأخبار 1/ 112]. ¬

(¬1) القائل: هو أيوب.

* وقدم وفد على عمر بن عبد العزيز رحمه الله من العراق، فنظر إلى شاب منهم يتحَوّز يريد الكلام، فقال عمر: كبِّروا. فقال الفتى: يا أمير المؤمنين إن الأمر ليس بالسن، ولو كان كذلك كان في المسلمين من هو أسنّ منك. قال: صدقتَ فتكلّم. [عيون الأخبار 1/ 264]. * وعن مطرف رحمه الله قال: كنا نأتي زيد بن صوحان وكان يقول: يا عباد الله أكرموا وأجملوا، فإنما وسيلة العباد إلى الله بخصلتين: الخوف والطمع؛ فأتيته ذات يوم وقد كتبوا كتابًا فنسقوا كلامًا من هذا النحو: إن الله ربنا ومحمد نبينا والقران إمامنا ومن كان معنا كنا وكنا له، ومن خالفنا كانت يدنا عليه وكنا وكنا، قال: فجعل يعرض الكتاب عليهم رجلاً رجلاً، فيقولون: أقررت يا فلان حتى انتهوا إليّ. فقالوا: أقررت يا غلام؟ قلت: لا قال: لا تعجلوا على الغلام، ما تقول يا غلام؟ قال: قلت: إن الله قد أخذ علي عهدًا في كتابه فلن أحدث عهدًا سوى العهد الذي أخذه الله - عزَّ وجلَّ - عليّ! قال: فرجع القوم من عند آخرهم ما أقر به أحد منهم. قال: قلت لمطرف كم كنتم؟ قال: زهاء ثلاثين رجلاً. [الحلية (تهذيبه) 1/ 362]. * وعن مسلم بن خالد قال للشافعي: رحمه الله أفت يا أبا عبد الله، فقد والله آن لك أن تفتي. وهو ابن خمس عشرة سنة. [الحلية (تهذيبه) 3/ 120]. * وقال أبو محمد اليزيدي: كنت أؤدب المأمون رحمه الله، فأتيته يومًا وهو داخل، فوجهت إليه بعض خدمه يعلمه بمكاني، فأبطأ عليَّ، ثم وجهت آخر فأبطأ عليّ، فقلت لسعيد: إن هذا الفتى ربما تشاغل بالبطالة وتأخر. فقال: أجل، ومع هذا إذا فارقك عزم على خدمه، ولقوا منه أذى شديدًا، فقَوِّمْهُ بالأدب، فلما خرج أمرت بحمله فضربته سبع درر. قال: فإنه ليدلك عينه من البكاء إذ قيل: هذا جعفر بن يحيى قد أقبل، فأخذ منديلاً، فمسح عينيه، وجمع ثيابه، وقام إلى فراشه، فقعد عليه متربعًا وقال: ليدخل. فدخل، فقمت إلى المجلس، وخفت أن يشكوني إليه، فألقى منه ما أكره، فأقبل عليه بوجهه وحدثه حتى أضحكه، وضحك إليه، فلما همَّ بالحركة دعى بدابته، وأمر

غلمانه فسعوا بين يديه، ثم سأل عني، فجئت فقال: خذ عليَّ ما بقي من جزئي، فقلت: أيها الأمير، أطال الله بقاءك، لقد خفت أن تشكوني إلى جعفر بن يحيى، ولو فعلت ذلك لتنكر لي. فقال: أتراني يا أبا محمد كنت أطلع الرشيد على هذا، فكيف بجعفر بن يحيى حتى أطلعه أني أحتاج إلى أدب، أَدِّبْ يغفر الله لك بُعد ظنك، خذ في أمرك، فقد خطر ببالك ما لا تراه أبدًا، ولو عدت كل يوم مائة مرة. [المنتظم 10/ 50]. * وعن الطالقاني أنه قال: قال الرشيد لأبي معاوية الضرير وهشيم: إني أسمع من ابني هذا - يعني المأمون - كلامًا لست أدري أمن تلقين القيم عليه هو أم من قريحة؟ فادخلا إليه، فناظراه واسمعا منه، وأخبراني بما تقفان عليه. فدخلا عليه وهو في أثواب صباه، فقالا له: إن أمير المؤمنين أمرنا بالدخول عليك ومناظرتك، فأي العلوم أحب إليك؟ قال: أمتعها لي. قالا: وما أمتعها لك. قال: أثبتها عن ثقة، وأقربها من أفهام مستمعيها. فقال له هشيم: جئناك لنعلمك فتعلمنا. ثم أخبرا الرشيد فقالا: إن هذا شيء أوله لحقيق أن يرجى آخره، ثم أعتق عنه مائة عبد وأمة، وألزمها خدمته. [المنتظم 10/ 50]. * وقال ابن الجوزي رحمه الله: بلغنا أن أم جعفر عاتبت الرشيد على تقريبه المأمون دون ابنها محمد، فدعا خادمًا بحضرتها، وقال له: وجّه إلى عبد الله ومحمد خادمين حصيفين يقولان لكل واحد منهما على الخلوة: ما يفعل به إذا أفضت الخلافة إليه؟. فأما محمد فقال للخادم الذي مضى إليه: أقطعك وأوليك وأبلغ لك. وأما المأمون فرمى الخادم بالدواة وقال: يا ابن اللخناء تسلني ما أفعل بك بموت أمير المؤمنين؟ بل نكون جميعًا فداء له. فرجع بالخبر كل منهما. فقال لأم جعفر: كيف ترين ما أقدم ابنك إلا متابعة لرأيك وتركًا للجزع، وقد كان المأمون يعنى بالعلم قبل ولايته كثيرًا حتى جعل لنفسه مجلس نظر. [المنتظم 10/ 50، 51].

الجهاد والتضحية في سبيل الله

الجهاد والتضحية في سبيل الله * عن ابن شوذب قال: جعل أبو عبيدة بن الجراح يتصدى لابنه أبي عبيدة - رضي الله عنه - يوم بدر، فجعل أبو عبيدة يحيد عنه، فلما أكثر قصده أبو عبيدة فقتله. فأنزل الله تعالى فيه هذه الآية حين قتل أباه {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ} الآية [المجادلة: 22]. [الحلية (تهذيبه) 1/ 99]. * وعن محمد بن إسحاق قال: لما خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى بدر استشار الناس، فقام المقداد بن عمرو - رضي الله عنه - فقال: يا رسول الله امض لما أمرك الله به فنحن معك، والله ما نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى - عليه السلام -: {فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: 24] ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون، والله الذي بعثك بالحق نبيًا لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه. فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيرًا ودعا له. [الحلية (تهذيبه) 1/ 148]. وعن أبي رافعٍ، قال: وجّه عُمرُ - رضي الله عنه - جيشا إلى الروم، فأسروا عبد الله بن حُذَافَة - رضي الله عنه -، فذهبوا به إلى ملكهم، فقالوا: إن هذا من أصحاب محمد. فقال: هل لك أن تَتَنَصَّر وأعطيَكَ نصفَ ملكي؟ قال: لو أعطيتني جميع ما تَملكُ، وجميع ملك العرب، ما رجعت عن دين محمد طرفةَ عين، قال: إذًا أقتلَك. قال: أنت وذاك. فأمر به فصُلِبَ. وقال للرُّمَاة: ارمُوهُ قريبًا من بدَنِهِ، وهو يَعرِضُ عليه، ويأبى، فأنزله. ودعا بقدْر، فصب فيها ماء حتى احترقت، ودعا بأسيرَيْن من المسلمين، فأمر بأحدهما، فأُلقي فيها، وهو يَعرِضُ عليه النصرانية، وهو يأبى. ثم بكى. فقيل للملك: إنَّهُ بكى، فظنَّ أنَّه قد جزع، فقال: رُدُّوه. ما أبكاك؟ قال: قلت: هي نفس واحدَةٌ تُلقى الساعةَ

فتَذهبُ، فكنت أشتهي أن يكون بعدد شعري أنفسٌ تُلقى في النار في الله. فقال له الطاغية: هل لك أن تقبِّل رأسي وأخلِّي عنك؟ فقال له عبد الله: وعن جميع الأسارى؟ قال: نعم. فقبَّلَ رأسَه، وقدم بالأُسارى على عُمر، فأخبرَه خبره. فقال عمر: حقٌّ على كل مسلم أن يقبّل رأسَ ابن حُذافَةَ، وأنا أبدأ، فَقبَّل رأسَه. [السير (تهذيبه) 1/ 211]. * وعن محمد بن كعب، عن عبد الله بن أنيس الجهني - رضي الله عنه -؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من لي بخالد بن نبيح) رجل من هذيل، وهو يومئذ قبل عرفة بعرنة، قال عبد الله بن أنيس: أنا يا رسول الله انعته لي، قال: (إذا رأيته هبته) قال: يا رسول الله والذي بعثك بالحق، ما هبت شيئًا قط. قال: فخرج عبد لله بن أنيس، حتى أتى جبال عرفة فلقيه قبل أن تغيب الشمس، قال عبد الله: فلقيت رجلاً فرعبت منه، حين رأيته، فعرفت حين قريت منه أنه ما قال رسول الله، فقال لي: من الرجل؟ فقلت: باغي حاجة هل من مبيت؟ قال: نعم فالحق، فرحت في أثره فصليت العصر ركعتين خفيفتين وأشفقت أن يراني، ثم لحقته فضربته بالسيف، ثم خرجت فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته * قال محمد بن كعب: فأعطاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مخصرة فقال: (تخصَّر بهذه حتى تلقاني بها يوم القيامة، وأقل الناس المتخصِّرون) قال محمد بن كعب: فلما توفي عبد الله بن أنيس، أمر بها فوضعت على بطنه وكفن ودفن ودفنت معه. [الحلية (تهذيبه) 1/ 255]. * وعن ابن عمر قال: فقدنا جعفر بن أبي طالب - رضي الله عنه - يوم مؤتة فطلبناه في القتلى، فوجدنا به بين طعنة ورمية بضعًا وتسعين، ووجدنا ذلك فيما أقبل من جسده. [الحلية (تهذيبه) 1/ 111]. وعن عباد حدثني أبي - الذي أرضعني - وكان في تلك الغزوة غزوة مؤتة قال: والله لكأني أنظر إلى جعفر، حين اقتحم عن فرس له شقراء، ثم عقرها ثم قاتل حتى قتل. وقال: قال فأنشأ جعفر يقول: يا حبذا الجنة واقترابها ... طيبة وبارد شرابها

والروم روم قد دنا عذابها ... عليَّ إن لا قيتها ضرابها وقال محمد بن إسحاق: وحدثني ابن عباد بن عبد الله بن الزبير حدثني أبي الذي أرضعني - وكان في تلك الغزاة - قال: لما قتل زيد وجعفر، أخذ ابن رواحة - رضي الله عنه - الراية، ثم تقدم بها وهو على فرسه فجعل يستنزل نفسه، ويردد بعض التردد ثم قال: أقسمت يا نفس لتنزلنه ... لتنزلنه أو لتكرهنه إذ جلب الناس وشدوا الرنه ... مالي أراك تكرهين الجنه لطالما قد كنت مطمئنه ... هل أنت إلا نطفة في شنه ثم نزل فلما نزل أتاه ابن عمي بعظم من لحم فقال: شد بهذا صلبك، فإنك قد لاقيت من أيامك هذه ما قد لقيت. فأخذه من يده! ثم انتهش منه نهشة ثم سمع الحطمة في ناحية الناس. فقال: وأنت في الدنيا ثم ألقاه من يده، ثم أخذ سيفه فتقدم فقاتل حتى قتل رضي الله تعالى عنه. [الحلية (تهذيبه) 1/ 111 - 113]. * وقال ابنُ الزُبير - رضي الله عنه -: هجم علينا جُرجير في عشرين ومئة ألف، فأحاطوا بنا ونحن في عشرين ألفًا - يعني: نوبة إفريقية. قال: واختلفَ الناسُ على ابن أبي سَرحٍ، فدخل فُسطاطه، فرأيتُ غِرَّةً من جرجير، بَصرْتُ به خَلْفَ عساكرهِ على بِرْذَوْنٍ أشْهَبَ، معه جاريَتان تُظلِّلاَنِ عليه بريش الطَواويس، بينَهَ وبينَ جيشه بيضاءُ، فأتيتُ أميرَنا ابنَ أبي سرحٍ، فندَبَ لي الناسَ، فاخترتُ ثلاثين فارسًا، وقلتُ لسائرهم: البثوا على مَصَافِّكم، وحملتُ وقلتُ لهم: احمُوا ظهري، فخرقتُ الصف إلى جرجير وخرجت صامدًا، وما يحسِبُ هو ولا أصحابُه إلا أني رسولٌ إليه، حتى دنَوتُ منه فعرفَ الشرَّ فثابرَ برذونُه مولِّيًا، فأدركتُه، فطعنتُه، فسقط، ثم احتززتُ رأسَه فنصبتُه على رمحي، وكبَّرتُ، وحمل المسلمونَ، فارفضَّ العدوُّ ومنح الله أكتافَهم. [السير (تهذيبه) 1/ 395]. * وعن جعفر بن عبد الله بن أسلم، قال: لما كان يوم اليمامة، واصطفّ الناس كان أول من جُرح أبو عَقِيل - رضي الله عنه -، رُمي بسهم، فوقع بين منكبيه وفؤاده

في غير مقتل، فأخرج السهم ووهَن له شقُّه الأيسر في أول النهار، وجُرّ إلى الرحل. فلما حميَ القتال، وانهزم المسلمون، وجاوزوا رحالهم، وأبو عَقيل واهن من جرحه، سَمِع معن بن عدي يصيح: يا للأنصار! اللهَ الله، والكرّة على عدوكم. قال عبد الله بن عمر: فنهض أبو عقيل يريد قومه، فقلت: ما تريد: ما فيك قتال. قال: قد نوَّه المنادي باسمي. قال ابن عمر: فقلت له: إنما يقول: يا للأنصار، ولا يعني: الجرحى، قال أبو عقيل: أنا من الأنصار وأنا أجيبه، ولو حَبْوًا. قال ابن عمر: فتحزَّم أبو عقيل، وأخذ السيف بيده اليمنى، ثم جعل ينادي: يا للأنصار! كرّةً كيوم حُنين، فاجتمعوا رحمكم الله جميعًا، تقدّموا، فالمسلمون دريئة دون عدوهم. حتى أقحموا عدوّهم الحديقة، فاختلطوا، واختلفت السيوف بيننا وبينهم. قال ابن عمر: فنظرت إلى أبي عَقيل وقد قُطعت يده المجروحة من المنكب فوقعت إلى الأرض، وبه من الجراح أربعة عشر جرحًا كلّها قد خلصت إلى مَقتل، وقتل عدو الله مسيلمة. قال: فوقفت على أبي عقيل وهو صريع بآخر رمق فقلت: يا أبا عقيل! قال: لبيك - بلسان ملتاث - لمن الدَّبَرة؟ قلت: أبشر قد قتل عدو الله، فرفع إصبعه إلى السماء يحمد الله. ومات رحمه الله. [صفة الصفوة 1/ 214]. * وقال خالد بن الوليد - رضي الله عنه -: ما مِن ليلة يُهدى إليَّ فيها عروسٌ أنا لها مُحِبٌّ أَحبّ إِليَّ من ليلة شديدةِ البرد، كثيرةِ الجليد في سريَّةٍ أُصبّحُ فيها العَدُوَّ. [السير (تهذيبه) 1/ 179]. * وقال قيس بن أَبي حازم: سمعت خالد بن الوليد - رضي الله عنه - يقول: منعني الجهادُ كثيرًا مِن القراءة، ورأيته أتي بِسُمٍ، فقالُوا: ما هذا؟ قالوا: سُمٌّ، قال: باسم الله. وشربه. قلت: هذه والله الكرامة، وهذه الشجاعةُ. [السير (تهذيبه) 1/ 179]. * ولما خرج أبو بكر رضى الله عنه إلى أهل الردة كان خالد بن الوليد - رضي الله عنه - يحمل لواءه، فلما تلاحق الناس به استعمل خالدًا، ورجع إلى المدينة وكان خالد يقول: ما أدري من أي يومي أفرّ؟ من يوم أراد الله - عزَّ وجلَّ - أن يهدي لي فيه

شهادة أو من يوم أراد الله - عزَّ وجلَّ - أن يهدي لي فيه كرامة؟. [صفة الصفوة 1/ 313] * وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرة رهط عينًا وأمَّر عليهم عاصمًا بن ثابت الأنصاري - رضي الله عنه - جد عاصم بن عمر بن الخطاب. فانطلقوا حتى إذا كانوا بالهدة، بين عسفان ومكة، ذُكروا لحي من هذيل يقال لهم بنو لحيان، فنفروا إليهم بقريب من مائة رجل رام، فاقتصوا آثارهم حتى وجدوا مأكلهم التمر في منزل نزلوه. قالوا: نوى يثرب، فاتبعوا آثارهم، فلما أحس بهم عاصم وأصحابه، لجؤوا إلى فدفد فأحاط بهم القوم، وقالوا لهم: انزلوا وأعطوا بأيديكم، ولكم العهد والميثاق لا نقتل منكم أحدًا. فقال عاصم بن ثابت أمير القوم: أما أنا والله لا أنزل في ذمة كافر، اللهم أخبر عنا نبيك، فرموهم بالنبل فقتلوا عاصمًا في سبعة، ونزل إليهم ثلاثة نفر على العهد والميثاق منهم خبيب الأنصاري رضي الله عنه، وزيد بن الدثنة رضي الله عنه، ورجل آخر، فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فربطوهم بها فقال الرجل الثالث: هذا أول الغدر والله لا أصحبكم إن لي بهؤلاء أسوة - يريد القتلى - فجرَّوه وعالجوه فأبى أن يصحبهم فقتلوه، وانطلقوا بخبيب وزيد حتى باعوهما بمكة بعد وقعة بدر، فابتاع بنو الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف خبيبًا، وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر يوم بدر، فلبث خبيب عندهم أسيرًا حتى أجمعوا قتله، فاستعار من بعض بنات الحارث موسى يستحد بها، فأعارته إياها، فدرج بني لها حتى أتاه قالت: وأنا غافلة فوجدته مجلسه على فخذه والموسى بيده. قالت: ففزعت فزعة عرفها خبيب فقال: أتخشين أن أقتله ما كنت لأفعل ذلك. قالت: والله ما رأيت أسيرًا قط خيراً من خبيب، والله لقد وجدته يومًا يأكل قطفًا من عنب في يده وإنه لموثق في الحديد وما بمكة من ثمرة. وكانت تقول: إنه لرزق رزقه الله خبيبًا فلما خرجوا به من الحرم ليقتلوه في الحلّ قال لهم خبيب: دعوني أركع ركعتين، فتركوه ثم قال: والله لولا أن تحسبوا أن ما بي جزع لزدت. اللهم أحصهم عددًا، واقتلهم بددًا، ولا تبق منهم أحدًا ثم قال: فلست أبالي حين أقتل مسلمًا ... على أي جنب كان في الله مصرعي

وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع ثم قال إليه أبو سروعة عقبة بن الحارث فقتله، وكان خبيب أول من سنّ لكل مسلم قتل صبرًا الصلاة. [رواه البخاري. رقم: 3767]. - قال ابن إسحاق: قال خبيب - رضي الله عنه - حين بلغه أن القوم قد أجمعوا لصلبه: لقد جمَّع الاحزاب حولي وألّبو ... قبائلهم واستجمعوا كلَّ مجمع وقد جمّعوا أبناءهم ونساءهم ... وقربت من جزع طويل ممنع إلى الله أشكو كربتي بعد غربتي ... وما جمّع الاحزاب لي حول مصرعي فذا العرش صَبِّرني على ما يراد بي ... فقد بضَّعوا لحمي وقد ياس مطمعي وقد خيروني الكفر والموت دونه ... وقد ذرفت عيناي من غير مجزع وما بي حذار الموت إني ميت ... ولكن حذاري جحم نار ملفح وذلك في ذات الإله وإن يشا ... يبارك على أوصال شلو ممزع فلست أبالي حين أقتل مسلمًا ... على أي جنب كان في الله مصرعي [الحلية (تهذيبه) 1/ 106]. * وعن إسحاق بن سعد بن أبي وقاص: حدثني أبي أن عبد الله بن جحش - رضي الله عنه - قال له يوم أحد: ألا تدعو الله، فخلوا في ناحية فدعا عبد الله بن جحش فقال: يا رب إذ لقيت العدو غدًا فلقني رجلاً شديدًا بأسه شديدًا حرده، أقاتله فيك ويقاتلني، ثم يأخذني فيجدع أنفي وأذني، فإذا لقيتك غدًا قلتَ: يا عبد الله من جدع أنفك وأذنك؟ فأقول: فيك وفي رسولك، فتقول: صدقت. قال سعد: فلقد رأيته آخر النهار وإن أنفه وأذنه لمعلقتان في خيط. [الحلية (تهذيبه) 1/ 104]. * وعن أنس أن أبا طلحة الأنصاري - رضي الله عنه - قرأ سورة براءة فلما أتى على هذه الآية: {انفرُوا خِفَافَا وَثِقَالاً} [التوبة: 41] قال: أرى ربنا - عزَّ وجلَّ - يستنفرنا شيوخًا وشبانًا جهزوني أي بني، فقال بنوه: يرحمك الله قد غزوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى مات ومع أبي بكر حتى مات ومع عمر - رضي الله عنهما - فنحن نغزو عنك، فأبى فجهزوه فركب البحر فمات فلم يجدوا له جزيرة يدفنوه فيها إلا بعد سبعة أيام فلم يتغير فدفنوه فيها. [الزهد للإمام أحمد / 429 - 430].

* وعن سعد بن إبراهيم قال: مَرُّوا برجل يوم القادسية وقد قطعت يداه ورجلاه وهو يضحك، ويقول: {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً}. [النساء: 69] فقيل: ممن أنت رحمك الله؟ قال: امرؤ من الأنصار. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 41]. * وعن هشام بن محمد: أن زيد بن صوحان رحمه الله أصيبت يده في بعض فتوح العراق، فتبسم والدماء تشخب، فقال له رجل: ما هذا موضع تبسم! فقال زيد: ألم حل هونه ثواب الله عليه، أفأردفه بألم الجزع الذي لا جدوى فيه ولا دريكة لفائت معه؟ وفي تبسمي عزيَّة لبعض المؤتسين من المؤمنين. فقال الرجل: أنت أعلم بالله مني. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 41]. * وعن مسعر قال: مُرَّ برجل يوم اليمامة وقد نثر قُصْبُه - أي أمعاؤه - في الأرض، وهو يقول لبعض من مر به: ضم إلي منه لعلي أدنو قيد رمح أو رمحين في سبيل الله!!. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 41]. * وقال إسحاق بن إبراهيم: نظر يونس بن عبيد رحمه الله إلى قدميه عند موته، فبكى، فقيل له: ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ قال: قدمَايَ لم تُغْبَرّا في سبيل الله - عزَّ وجلَّ. [صفة الصفوة 3/ 217]. * وقال الأصمعي: لما صافَّ قتيبةُ بنُ مسلم رحمه الله للترك، وهاله أمرُهم سأل عن محمد بن واسع. فقيل: هو ذاك في الميمنة جامح على قوسه يُبصبصُ بأصبعه نحوَ السماء. قال: تلك الأصبعُ أحبُّ إلى من مئة ألف سيف شهيرٍ وشاب طرير. [السير (تهذيبه) 2/ 638]. * وعن محمد بن إبراهيم بن أبي سُكَينة، قال: أملى عليَّ ابنُ المبارك رحمه الله سنة سبع وسبعين ومئة، وأنفذها معي إلى الفُضيل بن عياض من طرَسُوس: يا عَابدَ الحَرمين لَوْ أبْصَرتَنَا ... لَعَلِمْتَ أنَّكَ في العبَادةِ تَلْعَبُ مَن كانَ يَخضِبُ جيدَه بِدُمُوعِه ... فنحورُنا بدمائِنا تتخضَّبُ

أو كانَ يُتعِبُ خيله في باَطلٍ ... فَخُيولُنا يَومَ الصَّبيحَةِ تَتعَبُ ريحُ العَبيرِ لكم ونحنُ عبيرُنا ... رهجُ السَّنابِكِ والغُبارُ الأطيبُ وَلَقد أتاناَ من مَقَالِ نَبيِّنا ... قولٌ صحيحٌ صادقٌ لا يُكذَبُ لا يَستوي وغُبَارُ خيل الله في ... أنفِ امرئ ودُخانُ نار تلهبُ هذا كِتَابُ الله ينطقُ بَيننَا ... ليس الشهيدُ بميتٍ لا يُكذَبُ فلقيت الفُضيل بكتابه في الحرم، فقرأ وبكى، ثم قال: صدق أبو عبد الرحمن ونصح. [السير (تهذيبه) 2/ 770]. * وقال خالد بن معدان رحمه الله: كانوا لا يفضلون على الرباط شيئًا. [الحلية (تهذيبه) 2/ 188]. * ونظر يونس بن عُبيد رحمه الله عند موته إلى قدميه فبكى فقيل له: ما يبكيك؟ قال: ذكرت أنهما لم تغبرا في سبيل الله!. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 358]. * وقال ابن كثير رحمه الله: اعتمد السلطان ألْب أرْسلان رحمه الله في الوزارة على نظام الملك، وكان وزير صدق، يُكرم العلماء والفقراء، ولما عصى الملك شهاب الدولة قُتُلْمش، وخرج عن الطاعة، وطمع في أخذ الملك من ألب أرسلان فجمع وحشد له ألب أرسلان، فقال له الوزير: أيها الملك، لا تخف؛ فإني قد استخدمت لك جندًا ليليًّا يدعون لك وينصرونك بالتوجه في صلواتهم وخلواتهم، وهم العلماء والصلحاء، فطابت نفسه بذلك، فحين التقى مع قُتلْمش لم ينتظره أن كسره، وقتل خلقًا من جنوده، وقُتل قتلْمش في المعركة، واجتمعت الكلمة على ألْب أرسلان. [البداية والنهاية 12/ 162، 163].

الدعوة إلى الله

الدعوة إلى الله * عن أنس - رضي الله عنه - أن أبا طلحة خطب أم سليم رضي الله عنها، فقالت، يا أبا طلحة ألست تعلم أن إلهك الذي تعبده خشبة نبتت من الأرض نَجَرَها حبشيُّ بني فلان؟ قال: بلى. قالت: أفلا تستحيي أن تعبد خشبة من نبات الأرض نجرها حبشي بني فلان؟ لئن أنت أسلمت لم أُرِد منك من الصداق غيره. قال: حتى أنظر في أمري، فذهب ثم جاء فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. قالت: يا أنس زوّج أبا طلحة. قال ثابت: فما سمعنا بمهرٍ قطُّ كان أكرم من مَهر أم سليم: الإسلام. [صفة الصفوة 2/ 427]. * وقال ابن كثير رحمه الله: لما مرض الشِّبْلِيُّ رحمه الله بعث إليه المقتدر طبيبا نصرانيا، فقال له الطبيبُ: فلو علمتُ أن قطع بعض جسدي يشفيك لقطعتُه. فقال له: يشفيني قطع ما هو أيسر عليك من ذلك. فقال: وما هو؟ قال: قطع زنّارك. فقطعه وأسلم، فبلغ ذلك الخليفة فقال: بعثنا طبيبًا إلى عليل، فإذا هو عليلٌ إلى طبيب. [البداية والنهاية 11/ 296].

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (أ) أهمية وفضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعاقبة من تركه: * قرأَ أبو بكر - رضي الله عنه - هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105]. ثم قال: إن الناس يضعون هذه الآية على غير موضعها، ألا وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إن القوم إذا رأوُا الظالم فلم يأخذوا على يديه، والمنكر فلم يغيروه، عمهم الله بعقابه). [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 193]. * عن يوسف بن أسباط، عن سفيان قال: قال حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه -: إن الرجل ليدخل المدخل الذي يجب عليه أن يتكلم فيه لله، فلا يتكلم، فلا يعود قلبه إلى ما كان أبدًا. قال يوسف: فحدثت به أبا إسحاق الفزاري حين قدم من عند هارون فبكى، ثم قال: أنت سمعت هذا من سفيان؟. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 213]. * عن أبي الرقاد، قال: خرجت مع مولاي فانتهى إلى حذيفة - رضي الله عنه - وهو يقول: إن كان الرجل ليتكلم بالكلمة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيصير بها منافقا، وإني لأسمعها من أحدكم اليوم في المقعد الواحد أربع مرات، لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتحاضن (¬1) على الخير، أو ليسحتنكم (¬2) الله جميعا بعذاب، أو ليؤمرن عليكم شراركم، ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 197]. ¬

(¬1) الحض: الحث والتشجيع على فعل الخير. (¬2) يسحت: يهلك.

* وقال أبو الدرداء - رضي الله عنه -: ما تصدق مؤمن بصدقة أحب إلى الله - عزَّ وجلَّ - من موعظة يعظ بها قومه، فيفترقون قد نفعهم الله - عزَّ وجلَّ - بها. [صفة الصفوة 1/ 301]. * وعن أبي بكرة - رضي الله عنه -، قال: والله ما من نفس تخرج أحب إلي من نفسي هذه، ولا نفس هذا الذباب الطائر، ففزع القوم، فقالوا: لِمَ؟ فقال: إني أخشى أن أدرك زمانًا لا أستطيع أن آمر بمعروف، ولا أنهى عن منكر، وما خير يومئذ. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 406]. * وعن علي بن الحسين رحمه الله قال: التارك للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كنابذ كتاب الله وراء ظهره، إلا أن يتقي تقاة. قيل: وما تقاته؟ قال: يخاف جبارًا عنيدًا أن يفرط عليه أو أن يطغى. * وقال أبو عبد الرحمن العُمريُّ الزاهدُ رحمه الله: إنَّ مِن غفلتك عن نفسك إعراضَك عن الله، بأن ترى ما يُسخطه فتجاوزَه، ولا تأمر، ولا تنهى خوفًا من المخلوق. من ترك الأمر بالمعروف خوف المخلوقين، نُزِعَتْ منه الهيبةُ، فلو أمر ولدَه، لا ستخفَّ به. [السير (تهذيبه) 2/ 765]. * وقال الفضيل رحمه الله: لم يدرك عندنا من أدرك بكثرة صيام ولا صلاة، وإنما أدرك عندنا بسخاء الأنفس، وسلامة الصدور، والنصح للأمة. [الحلية (تهذيبه) 3/ 20]. * وقال ابن علية رحمه الله في قول أبي بكر المزني: ما فاق أبو بكر - رضي الله عنه - أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - بصوم ولا صلاة، ولكن بشيء كان في قلبه، قال: الذي كان في قلبه الحبّ لله - عزَّ وجلَّ - والنصيحة في خلقه. [جامع العلوم والحكم / 107]. * وعن وُهَيْبِ بن الوردِ رحمه الله قال: لقي عالم عالمًا هو فوقه في العلم، فقال: يرحمك الله، ما الذي أخفي من عملي؟ قال: ما يظن بك أنك لم تعمل حسنةً قط إلا أداء فرائض. قال: يرحمك الله، فما الذي أعلن من عملي؟ قال: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنه دينُ الله الذي بعث الله به أنبياءه إلى عباده، وقد اجتمع الفقهاء على قول نبي الله - صلى الله عليه وسلم -: (وجعلني

(ب) آداب وواجبات من يقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

مباركًا أين ما كنت) ما بَرَكَتُهُ تلك؟ قال: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أينما كان. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 197]. * وعن الضحاك رحمه الله قال: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فرائض الله تبارك وتعالى. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 21]. * وعن عمر بن عبد العزيز رحمه الله قال: كان يُقال: إن الله لا يعذِّبُ العامة بذنب الخاصة، ولكن إذا عمل المنكر جهارًا استحقُوا العقوبة كلُهم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 312]. * وعن أبي هزان رحمه الله قال: بعث الله - عزَّ وجلَّ - ملكين إلى أهل قرية أن دمِّراها بمن فيها، فوجدا فيها رجلاً قائمًا يصلي في مسجد، فعمد أحدهما إلى الله - عزَّ وجلَّ -: فقال: يا رب إنا وجدها فيها عبدك فلانًا يصلي في مسجده، فقال الله - عزَّ وجلَّ -: دمِّراها ودمِّراه معها، فإنه ما معَّر وجهه فيّ قط. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 311]. * وعن إبراهيم بن عمرو الصنعاني رحمه الله قال: أوحى الله عزم وجل إلى يُوشع بن نون: أني مهلك من قومك أربعين ألفًا من خيارهم، وستين ألفا من شرارهم، قال: ياربً هؤلاء الأشرار، ما بال الأخيار؟ قال: إنهم لم يغضبوا لغضبي، وكانوا يؤاكلُونهم ويشاربونهم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 312]. (ب) آداب وواجبات من يقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (¬1): * عن يزيد بن الأصم أن رجلاً كان ذا بأس وكان يوفد إلى عمر بن ¬

(¬1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فلابد من العلم بالمعروف والمنكر , والتمييز بينهما , ولا بد من العلم بحال المأمور وحال المنهي , ومن الصَّلاح أن يأتي بالأمر والنهي على الصراط المستقيم , وهو أقرب الطرق إلى حصول المقصود. ولابد في ذلك من الرفق , كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ما كان الرفق في شيء إلا زانه , ولا كان العنف في شيء إلا شَانَه). وقال - صلى الله عليه وسلم -: (إنَّ الله رفيقٌ يحب الرفق في الأمر كله) ولابد أيضًا أن يكون حليمًا صبورًا على الأذى , فلابد أن يحصل له أذى , فإن لم يحلم ويصبر كان ما يفسد أكثر مما يصلح. كما قال لقمان لابنه: {وَامُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [لقمان: 17] ...... قال رحمه الله: فلابد من هذه الثلاثة: العلم , والرفق , والصبر. العلم قبل الأمر والنهي, والرفق معه , والصبر بعده. وإن كان كل من الثلاثة لا بد أن يكون مستصحبًا في هذه الأحوال. وهذا كما جاء في الأثر عن بعض السلف ورووه مرفوعًا: ذكره القاضي أبو يعلى في ... (المعتمد): (لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا من كان فقيهًا فيما يأمر به , فقيهًا فيما ينهى عنه , رفيقًا فيما يأمر به , رفيقًا فيما ينهى عنه , حليمًا فيما يأمر به , حليمًا فيما ينهى عنه). الاستقامة / 464 - 466

الخطاب - رضي الله عنه - لبأسه وكان من أهل الشام، وإن عمر فقده فسأل عنه، فقيل له: تتابع في هذا الشراب! فدعا كاتبه فقال: اكتب من عمر بن الخطاب إلى فلان، سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، غافر الذنب وقابل التوب، شديد العقاب ذي الطول، لا إله إلا هو إليه المصير، ثم دعا وأمن من عنده ودعوا له أن يقبل الله بقلبه، وأن يتوب عليه، فلما أتت الصحيفة الرجل جعل يقرأها ويقول: غافر الذنب قد وعدني الله أن يغفر لي، وقابل التوب شديد العقاب. قد حذرني الله عقابه، ذي الطول والطول الخير الكثير، لا إله إلا هو إليه المصير. فلم يزل يرددها على نفسه، ثم بكى ثم نزع فأحسن النزع، فلما بلغ عمر أمره. قال: هكذا فاصنعوا إذا رأيتم أخًا لكم زل زلة، فسددوه ووفقوه وادعوا الله أن يتوب عليه، ولا تكونوا أعوانًا للشيطان عليه. [الحلية (تهذيبه) 2/ 57]. * وعن أبي قُلابة أن أبا الدرداء - رضي الله عنه - مرّ على رجل قد أصاب ذنْبًا، فكانوا يسبّونه. فقال: أرأيتم لو وجدتموه في قليبٍ ألم تكونوا مستخرجيه؟ قالوا: بلى. قال: فلا تسبّوا أخاكم، واحمدوا الله - عزَّ وجلَّ - الذي عافاكم. قالوا: أفلا تبغضه؟ قال: إنما أبغض عمله، فإذا تركه فهو أخي. [رواه الطبراني. صفة الصفوة 1/ 304].

* وسئل ابن عباس - رضي الله عنهما - عن أمر السلطان بالمعروف، ونهيه عن المنكر، فقال: إن كنت فاعلاً ولا بدّ ففيما بينك وبينه. [جامع العلوم والحكم / 107، 108]. * وقال سعيد بن جبير رحمه الله: قلت لابن عباس - رضي الله عنه -: آمر السلطان بالمعروف وأنهاه عن المنكر؟ قال: إن خفت أن يقتلك فلا، قال: ثم عدت فقال لي مثل ذلك، ثم عدت فقال لي مثل ذلك، وقال: إن كنت لا بدّ فاعلاً، ففيما بينك وبينه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 215، جامع العلوم والحكم / 108]. * وقال طاوس رحمه الله: أتى رجل ابن عباس - رضي الله عنه - فقال: ألا أقوم إلى هذا السلطان فآمره وأنهاه؟ قال: لا تكن له فتنة، قال: أفرأيت إن أمرني بمعصية الله - عزَّ وجلَّ؟ قال: ذلك الذي تريد، فكن حينئذٍ رجلاً. (¬1) [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 219، جامع العلوم والحكم / 108]. * وقال عبد العزيز بن أبي رواد رحمه الله: كان من كان قبلكم إذا رأى الرجل من أخيه شيئًا يأمره في رفق، فيؤجر في أمره ونهيه، وإن أحد هؤلاء يخرق بصاحبه فيستغضب أخاه ويهتك ستره. [جامع العلوم والحكم / 107، 108]. * وعن مغيرة قال: كان رجل على حال حسنة فأحدث - أو أذنب ذنبًا - فرفضه أصحابه ونبذوه، فبلغ إبراهيم النخعي رحمه الله ذلك. فقال: تداركوه وعظوه ولا تدعوه. [الحلية (تهذيبه) 2/ 94]. * وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: المؤمن يستر ويعظ وينصح، والفاجر يهتك ويعير ويفشي. (¬2) [الحلية (تهذيبه) 3/ 14]. ¬

(¬1) قال ابن رجب رحمه الله: ومع هذا فمتى خاف منهم على نفسه السيف أو السوط أو الحبس أو القيد أو النفي أو أخذ المال أو نحو ذلك من الأذى , سقط أمرهم ونهيهم , وقد نص الأئمّة على ذلك: منهم مالك وأحمد وإسحاق وغيرهم ..... فإن خاف السبّ أو سماع الكلام السيء لم يسقط عنه الإنكار بذلك نصّ عليه الإِمام أحمد , وإن احتمل الأذى وقوي عليه فهو أفضل , نصّ عليه أحمد أيضًا. جامع العلوم والحكم / 427 (¬2) قال ابن رجب رحمه الله: كان السلف إذا أرادوا نصيحة أحد وعظوه سرًا حتى قال بعضهم: من وعظ أخاه فيما بينه وبينه فهي نصيحة , ومن وعظه على رؤوس الناس فإنما وبّخه. جامع العلوم والحكم / 107، 108.

* عن محمد بن أبي عثمان قال: رأى الفضيل رحمه الله رجلاً يفقع أصابعه في صلاته فزبره ونهره، فقال له الرجل: يا هذا! ينبغي لمن قام لله - عزَّ وجلَّ - بأمر أن يكون ذليلاً، فبكى الفضيل، وقال له: صدقت. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 210]. * وقال بشر بن الحارث رحمه الله: لا ينبغي أن يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، إلا من يصبر على الأذى. [الحلية (تهذيبه) 3/ 90]. * وقال الإمام أحمد رحمه الله: الناس يحتاجون إلى مداراة، ورفق في الأمر بالمعروف، بلا غلظة، إلا رجلاً معلنًا بالفسق فإنه لا حرمة له. [الجامع المنتخب / 68]. * وقال أيضًا رحمه الله: لا يتعرّض إلى السلطان فإن سيفه مسلول. [جامع العلوم والحكم / 427]. * وقال ابن شبرمة رحمه الله: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كالجهاد، يجب على الواحد أن يصابر فيه الاثنين، ويحرم عليه الفرار منهما ولا يجب عليه مصابرة أكثر من ذلك. [جامع العلوم والحكم / 427]. * وعن سلاّم بن مسكين قال: سألت الحسن رحمه الله قُلتُ: يا أبا سعيد، الرجل يأمر والديه بالمعروف وينهاهما عن المنكر؟ قال: يأمرهما إن قبلا، وإن كرها سكت عنهما. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 205]. * وقال الفُضيل بن عياض رحمه الله: إنما تأمر من يقبل منك، أرأيت إن لقيت سلطانًا أكنت تقول له: اتق الله، لو قلت هذا لأهلكتَ أهل بيتك ونفسك وجيرانك، ولكن احفظ نفسك وأخف مكانك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 208]. * وقال سليمان الخوَّاص رحمه الله: من وعظ أخاه فيما بينه وبينه فهي نصيحة، ومن وعظه على رؤوس الناس فإنما فضحه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 209]. * ومر طلحة بن مصرف رحمه الله على حجر بن وائل، وهو جالس على باب داره، فأصغى إليه، ثم مضى، فقال حجر: جزاك الله خيرا ودعا له، ثم

(جـ) وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإن كان مقصرا

قال: أتدرون ما قال؟ قال: رأيتك في الجمعة تلتفت، لا تفعل. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 210]. * وعن عبد العزيز بن أبي رواد رحمه الله قال: كان من قبلكم إذا رأى من أخيه شيئاً يأمره في رفق، فيؤجر في أمره ونهيه، وإن أحد هؤلاء يخرق بصاحبه ويستعقب أخاه ويهتك ستره. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 210]. * وقيل للأوزاعي رحمه الله: آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، قال: مرْ من يقبل منك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 216]. * وقال وهيب رحمه الله: لو أن علماءنا عفا الله عنا وعنهم نصحوا الله في عباده، فقالوا: يا عباد الله اسمعوا ما نخبركم عن نبيكم وصالح سلفكم من الزهد في الدنيا فاعلموا به، ولا تنظروا إلى أعمالنا هذه الفاسدة: كانوا قد نصحوا لله في عباده، ولكنهم يأبون إلا أن يجروا عباد الله إلى فتنهم وما هم فيه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 142]. * وقال الذهبي رحمه الله: الصَّدعُ بالحق عظيم، يحتاج إلى قوة وإخلاص، فالمُخْلِص بلا قوة يعجِزُ عن القيام به، والقويُّ بلا إخلاص يُخْذَلُ، فمن قام بهما كاملاً، فهو صِدِّيق. ومن ضَعُفَ، فلا أقلَّ مِن التألم والإنكار بالقلب. ليس وراء ذلك إيمان، فلا قوة إلا بالله. [السير (تهذيبه) 2/ 931]. (جـ) وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإن كان مقصرًا: * قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: لو أن المرء لا يعظ أخاه حتى يحكم أمر نفسه، ويكمل الذي خلق له من عبادة ربه: إذن لتواكل الناس الخير، وإذن لرفع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقل الواعظون والساعون لله - عزَّ وجلَّ - بالنصيحة في الأرض. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 222]. (د) وجوب الأمر بالمعروف وإن لم يعمل بكل ما يقول: * عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: إني لآمركم بالأمر وما أفعله، ولكن لعلَّ الله يأجُرُني فيه. [السير (تهذيبه) 1/ 271].

(هـ) قصص ووقائع

* وقال مالك بن دينار رحمه الله: إني آمركم بأشياء لا يبلغها عملي، ولكني إذا نهيتكم عن شيء ثم خالفتكم إليه فأنا يومئذ كذاب. [الحلية (تهذيبه) / 428]. (هـ) قصص ووقائع: * عن عمرو بن مهاجر قال: قال لي عمر بن عبد العزيز رحمه الله: إذا رأيتني قد ملتُ عن الحق، فضع يدك في تلبابي، ثم هزَّني، ثم قل: يا عمر ما تصنع؟. [صفة الصفوة 2/ 467]. * وقال مالك بن دينار رحمه الله: كان حَبْر من أحبار بني إسرائيل، قال: فرأى بعضَ بنيه يومًا غَمَزَ النساء، فقال: مهلاً يا بنيّ. قال: فسقط من سريره، فانقطع نخاعه، فأسقَطت امرأته، وقُتل بنوه في الجيش، وأوحى الله تعالى إلى نبيّهم أنْ أخبر فلانًا الحبْر أنيّ لا أخرِج من صُلبك صِدِّيقًا أبدًا، ما كان غضبك لي إلا أن قلتَ: مهلاً يا بنيّ مهلاً. [صفة الصفوة 3/ 195]. * وعن سفيان الثّوري رحمه الله قال: إني لأرى الشيء عليَّ أن أتكلَّم فيه، فلا أفعل، فأبول دما. [السير (تهذيبه) 2/ 696] * وقال شجاع بن الوليد: كنت أحجُّ مع سُفيان الثوري رحمه الله، فما يكادُ لسانهُ يفترُ من الأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر، ذاهبًا وراجعًا. [السير (تهذيبه) 2/ 696]. * وعن ثابت البناني قال: كان صلة بن أشيم رحمه الله يخرج إلى الجبانة فيتعبد فيها، فكان يمر على شباب يلهون ويلعبون فيقول لهم: أخبروني عن قوم أرادوا سفرًا فحادوا النهار عن الطريق وناموا بالليل متى يقطعون سفرهم. قال: فكان كذلك يمر بهم ويعظهم، فمر بهم ذات يوم فقال لهم هذه المقالة، فانتبه شاب منهم فقال: يا قوم إنه لا يعني بهذا غيرنا نحن بالنهار نلهو وبالليل ننام، ثم اتبع صلة فلم يزل يختلف معه إلى الجبانة فيتعبد معه حتى مات. [الحلية (تهذيبه) 1/ 375]. * وعن موسى بن إبراهيم قال: حضرت معروفًا الكرخي رحمه الله وعنده رجل يذكر رجلاً وجعل يغتابه، وجعل معروف يقول له: اذكر القطن إذا وضعوه على عينيك. [الحلية (تهذيبه) 3/ 103].

(و) فوائد أخرى

* وقال أبو بكر الجلاء: كان النوري رحمه الله إذا رأى منكرًا غيَّره، ولو كان فيه تَلَفُهُ، نزل يومًا، فرأى زورقًا فيه ثلاثون دنًّا، فقال للملاَّح: ما هذا؟ قال: ما يلزمك؟ فألحَّ عليه، فقال: أنت والله صوفيٌّ كثير الفضول، هذا خمر للمُعتضد، قال: أعطِني ذلك المِدْرى فاغتاظ وقال لأجيره: ناوِله حتى أبصرَ ما يصنع، فأخذه، ونزل فكسَّرها كلَّها غير دَنّ، فأُخِذَ وأدخلَ إلى المعتضد، فقال: مَن أنتَ ويلك؟ قال: محتسِب، قال: ومَن ولاَّك الحِسبَة؟ قال: الذي ولاَّك الإمامة يا أميرَ المؤمنين! فأطرق: وقال: ما حَمَلَك على فِعلك؟ قال: شفقة منِّي عليك! قال: كيف سَلِم هذا الدَّنّ؟ فذكر أنه كان يكسر الدنان ونفسُه مُخلِصَةٌ خاشِعةٌ، فلمَّا وصل إلى هذا الدَّنِّ أعجبَتْهُ نفسُه، فارتاب فيها، فتركه. [السير (تهذيبه) 3/ 1134] * ومرَّ محمد بن المنكدر رحمه الله بشاب يقاوم امرأةً، فقال: يا بني، ما هذا جزاء نعمة الله - عزَّ وجلَّ - عليك!؟. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 491]. (و) فوائد أخرى: * عن طارق بن شهاب قال: جاء عتريس بن عرقوب الشيباني إلى عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - فقال: هلك من لم يأمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر، قال: بل هلك من لم يعرف قلبه المعروف، وينكر قلبه المنكر. [الحلية (تهذيبه) 1/ 122]. * وعن قتادة رحمه الله قال: إن في الجنة كوىً إلى النار، فيطلّع أهل الجنة من تلك الكُوى إلى النار فيقولون: ما بال الأشقياء؟ وإنما دخلنا الجنة بفضل تأديبكم! فقالوا: إنا كنا نأمركم ولا نأتمر، وننهاكم ولا ننتهي. [صفة الصفوة 3/ 185]. * وقال سُفيان الثوري رحمه الله: إذا أثنى على الرجل جيرانه أجمعون، فهو رجل سوء، لأنه ربما رآهم يعصون، فلا ينكر، ويلقاهم ببشر. [السير (تهذيبه) 2/ 700]. * وقال معمر رحمه الله: كان يقال: أنصح الناس إليك من خاف الله فيك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 210].

* وعن أبي العباس أحمد بن محمد البالوي قال: كان نصر بن زياد القاضي رحمه الله يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويقول: لولا هذا لم أتلبس لهم بعمل لكني إذا لم ألي القضاء لم أقدر عليه، وكان يُحيي الليل، ويصوم الاثنين، والخميس، والجمعة، ولا يرضى من العمال حتى يؤدوا حقوق الناس إليهم، فدخل عليه أحمد بن حرب يومًا فوعظه، وأشار في موعظته بأن يستعفي مما هو فيه، فقال: يا أبا عبد الله، ما يحملني على ما أنا فيه إلا نصرة الملهوفين، والقدرة على الانتصار للمظلومين من الظالمين، ولعل الله - عزَّ وجلَّ - قد عرف لي ذلك. [المنتظم 11/ 246، 247].

عبادة السلف

عبادة السلف (أ) الحث على العبادة والخشوع، وأقوالهم في ذلك (¬1): * قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: الشتاء غنيمة العابدين. [الحلية (تهذيبه) 71/ 1]. * وقال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: من لم تأمره الصلاة بالمعروف وتنهه عن المنكر لم يزدد بها إلا بعدًا. [الزهد للإمام أحمد / 294]. * وقال أيضًا - رضي الله عنه -: "ما دمتَ في صلاة فأنت تقرع باب الملك، ومن يقرع باب الملك يفتح له". [صفة الصفوة 1/ 190]. * وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه، أنه قال: كان إذا دخل الشتاء قال: يا أهل القرآن طال الليل لصلاتكم، وقصر النهار لصيامكم، فاغتنموا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 323]. * وعن الحسن قال: سمعهم عامر بن عبد قيس رحمه الله وما يذكرونه من أمر الضيعة في الصلاة، قال: أتجدونه؟ قالوا: نعم! قال: والله لأن تختلف الأسنة في جوفي، أحب إليّ من أن يكون هذا مني في صلاتي. [الحلية (تهذيبه) 1/ 303]. * وعن عطاء الخراساني رحمه الله قال: ما من عبد يسجد لله سجدة في بقعة من بقاع الأرض، إلا شهدت له يوم القيامة، وبكت عليه يوم يموت. [الحلية (تهذيبه) 2/ 185]. ¬

(¬1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الذنوب إنما تقع إذا كانت النفس غير ممتثلة لما أمرت به، ومع امتثال المأمور لا تفعل المحظور، فإنهما ضدان. قال تعالى: ... {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ} الآية [يوسف: 24]. وقال: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: 42] فعباد الله المخلصون لا يغويهم الشيطان، والغي خلاف الرشد، وهو اتباع الهوى، فمن مالت نفسه إلى محرم؛ فليأت بعبادة الله كما أمر الله مخلصًا له الدين، فإن ذلك يصرف عنه السوء والفحشاء. مجموع الفتاوى 10/ 314

* وقال بُرْدٌ مَولى ابن المسيِّب لسعيد بن المسيِّب رحمه الله: ما رأيتُ أحسنَ ما يصنع هؤلاء قال سعيد: وما يصنعون؟ قال: يُصلِّي أحدُهم الظهر، ثم لا يزالُ صافًّا رجليه حتى يُصَلِّي العصر. فقال: ويحك يا بُرد أما والله ما هِي بالعبادة، إنَّما العبادة التفكُّر في أمر الله، والكفُّ عن محارم الله. [السير (تهذيبه) 1/ 488]. * وعن أبي عصمة بن عصام البيهقي قال: بتّ ليلةً عند أحمد بن حنبل رحمه الله، فجاء بالماء فوضعه. فلما أصبح نظر في الماء، فإذا هو كما كان، فقال: سبحان الله، رجل يطلب العلْم لا يكون له ورْد بالليل؟. [صفة الصفوة 2/ 605]. * وعن إبراهيم النخعي رحمه الله قال: إذا رأيت الرجل يتهاون بالتكبيرة الأولى، فاغسلْ يدك منه. [صفة الصفوة 3/ 60]. * وعن مطرِّف بن عبد الله رحمه الله أنه كان يقول: يا إخْوتاه اجتهدوا في العمل، فإن يكن الأمر كما نرجو من رحمة الله، وعفوه كانت لنا درجات في الجنة، وإن يكن الأمر شديدًا كما نخاف ونحاذر لم نقل: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [فاطر: 37]. نقول: قد عملنا فلم ينفعنا ذلك. [صفة الصفوة 3/ 158]. * وقيل لأبي مسلم الخولاني رحمه الله حين كَبِرَ ورقَّ: لو قصرتَ عن بعض ما تصنع. فقال: أرأيتم لو أرسلتم الخيل في الحلبة ألستم تقولون لفارسها: دعْها وارفُق بها حتى إذا رأيتم الغاية لم تَسْتَبْقُوا منها شيئًا؟ قالوا: بلى قال: فإنِّي قد أبصرت الغاية، وإنَّ لكل ساعةٍ غايةً، وغايةُ كلّ ساعةٍ الموتُ، فسابقٌ ومسبوقٌ. [صفة الصفوة 4/ 427]. * وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله: لَأَهلُ الطاعة في ليلهم ألذُّ من أهل اللهو بلَهوِهم، ولَولا الليل ما أحببت البقاءَ في الدنيا. [صفة الصفوة 4/ 445]. * وقال أحمد بن حرب رحمه الله: عبدتُ الله خمسين سنة، فما وجدت حلاوةَ العبادة حتى تركتُ ثلاثة أشياء: تركت رِضى الناس حتى قَدَرت أن أتكلم بالحق، وتركتُ صحبة الفاسقين حتى وجدت صحبةَ الصالحين، وتركت

(ب) الصلاة وأهميتها

حلاوةَ الدنيا حتى وجدت حلاوة الآخرة. [السير (تهذيبه) 2/ 906]. (ب) الصلاة وأهميتها: * عن سليمان بن يسار، أن المسْور بن مَخْرَمَة أخبره خبر طعن عمر - رضي الله عنه -: أنه دخل عليه هو وابن عباس رضي الله عنهما، فلما أصبح أفزعوه، فقالوا: الصلاة، الصلاة، فقال: نعم، ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، فخرج والجرح يثعب دمًا. [الشريعة / 141] * وقال عمر - رضي الله عنه -: إذا رأيتم الرجل يضيع الصلاة، فهو والله لغيرها من حق الله أشد تضييعًا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 340]. * وعن أبي بحرية قال: دخلت مسجد حمص فسمعت معاذ بن جبل - رضي الله عنه - يقول: من سره أن يأتي الله - عزَّ وجلَّ - وهو آمن، فليأت هذه الصلوات الخمس حيث ينادى بهن، فإنهن من سنن الهدى، ومما سنه لكم نبيكم - صلى الله عليه وسلم -، ولا يقل إن لي مصلى في بيتي فأصلي فيه، فإنكم إن فعلتم ذلك تركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم - صلى الله عليه وسلم - لضللتم. [الحلية (تهذيبه) 1/ 184]. * وعن عمرو بن دينار، قال: كان ابنُ الزُّبير - رضي الله عنه - يُصلي في الحِجْرِ والمِنْجنِيق يَصُبُّ تُوْبَهُ (¬1)، فما يلتفت، يعني: لما حاصروه. [السير (تهذيبه) 1/ 395]. * وعن يحيى بن وثاب: أن ابن الزبير - رضي الله عنه - كان يسجد حتى تنزل العصافير على ظهره لا تحسبه إلا جذم حائط. [الزهد للإمام أحمد / 358]. * وعن أبي الحسين المجاشعي، أنه قال لعامر بن عبد قيس رحمه الله: أتحدِّث نفسك في الصلاة؟ قال: أحدِّثُها بالوقوف بين يدي الله، ومنصرفي. [السير (تهذيبه) 1/ 433]. * وعن الحسن رحمه الله قال: يابن آدم وماذا يعز عليك من دينك إذا هانت عليك صلاتك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 341]. ¬

(¬1) التوب: حجر المنجنيق. والمعنى: أن المنجنيق يقذف بالحجارة على ناحية ابن الزبير وهو لا يلتفت ولا يبالي لاشتغاله بالصلاة وتعلق قلبه بالله.

* وعن عدي بن ثابت رحمه الله، قال: كان يقال: " قربان المتقين الصلاة ". [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 345]. * وعن هشام بن عروة أن أباه عروة رحمه الله كان إذا دخل على أحد من أهل الدنيا فيرى من دنياهم ما يرى رجع إلى منزله فقرأ: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى * وَامُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه: 131، 132] ويقول: الصلاة الصلاة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 345]. * وكان سَعيدُ بن عبد العزيز رحمه الله إذا فاتَتْه صلاةُ الجماعة بكى. [السير (تهذيبه) 2/ 723] * وقال بكر بن عبد الله المزني رحمه الله: مَن مثلك يابن آدم؟ خلّي بينك وبين المحراب والماء؟ كلما شئت دخلتَ على الله - عزَّ وجلَّ - ليس بينك وبينه ترجمان. [صفة الصفوة 3/ 176]. * وقال غسَّان: حدثني ابنُ أخي بشر بن منصور رحمه الله، قال: ما رأيت عمي فاتَتهُ التكبيرةُ الأُولى. [السير (تهذيبه) 2/ 764]. * وقال وكيع: كان الأعمش رحمه الله قريبًا من سبعين سنة لم تفته التكبيرة الأولى، واختلفت إليه قريبًا من سنتين، فما رأيته يقضي ركعة. [المنتظم 8/ 113]. * وقال وكيع بن الجراح رحمه الله: من تهاون بالتكبيرة الأولى فاغسل يديك منه. [الحلية (تهذيبه) 3/ 107]. * وعن محمد بن سماعة القاضي رحمه الله أنه قال: مكثت أربعين سنة لم تفتني التكبيرة الأولى إلا يومًا واحدًا ماتت فيه أمي، ففاتني فيه صلاة واحدة في جماعة، فقمت فصليت خمسًا وعشرين صلاة أريد بذلك التضعيف فغلبتني عيني، فأتاني آت فقال: يا محمد قد صليت خمسًا وعشرين صلاة ولكن كيف لك بتأمين الملائكة؟ [المنتظم 11/ 197]. * وعن سعيد بن المُسيِّب رحمه الله قال: ما فاتَتْني الصلاةُ في جماعة منذ أربعين سنة. [السير (تهذيبه) 1/ 482].

(جـ) قيام الليل

* وقال أيضًا رحمه الله: ما أذَّن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد. [السير (تهذيبه) 1/ 482]. * وقال أيضًا رحمه الله: من حافظ على الصلوات الخمس في جماعة فقد ملأ البر والبحر عبادة. [الحلية (تهذيبه) 1/ 343]. * وعن ابن حرملة، عن سعيد بن المسيِّب رحمه الله أنَّه اشتكى عينه فقالوا: لو خرجت إلى العقيق فنظرتَ إلى الخُضرة، لوجدت لذلك خِفَّةً، قال: فكيف أصنع بشهود العتمة والصبح. [السير (تهذيبه) 1/ 488]. * وعن عمرو بن دينار رحمه الله، قال: كان يقال: الصلاة رأس العبادة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 249]. * وعن ثابتًا البناني رحمه الله قال: الصلاة خدمة الله في الأرض، ولو علم الله شيئًا أفضل من الصلاة ما قال: {فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ} [آل عمران: 39]. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 329]. (جـ) قيام الليل: * عن أسلم، أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان يصلي من الليل ما شاء الله حتى إذا كان من آخر الليل أيقظ أهله فيقول: الصلاة الصلاة ويتلو هذه الآية: {وَامُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ} الآية [طه: 132]. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 344]. * وقال عمر - رضي الله عنه -: الساعة التي تنامون فيها أحب إلي من الساعة التي تقومون فيها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 295]. * عن الحارث بن معاوية، أنه سأل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عن الوتر في أول الليل أو وسطه أو آخره، فقال: كل ذاك قد عمل به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 320]. * وقال عمر - رضي الله عنه -: الشتاء غنيمة العابدين. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 332]. * وعن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: كان الرجل في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رأى رؤيا قصّها على النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: وكنت غلامًا عزبًا، فكنت أنام في المسجد على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فرأيت في النوم كأن ملكين أخذاني، فذهبا بي إلى

النار فإذا هي مطوية كطي البئر وإذا لها قرنان، وأرى فيها ناسًا قد عرفتهم، فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار أعوذ بالله من النار. فلقيهما ملك آخر فقال لي: لن تُرعْ، فقصصتها على حفصة، فقصتها حفصة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل"، قال سالم: فكان عبد الله بعد لا ينام من الليل إلا قليلاً. [رواه البخاري رقم: 1105]. * وعن نافع؛ أن ابن عمر رضى الله عنه: كان إذا فاتته صلاة العشاء في جماعة، أحيى بقية ليلته. [الحلية (تهذيبه) 1/ 217]. * وعن نافع، عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - أنه كان يحيي الليل صلاةً، ثم يقول: يا نافع أسْحَرْنا؟ فأقول: لا فيعاود الصلاة، ثم يقول: يا نافع أسحرنا؟ فأقول: نعم. فيقعد، ويستغفر، ويدعو حتى يصبح. وعنه عن ابن عمر أنه كان يحيي ما بين الظهر إلى العصر. [صفة الصفوة 1/ 273]. * وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: فضل صلاة الليل على صلاة النهار كفضل صدقة السر على صدقة العلانية. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 247]. * وقال أيضا - رضي الله عنه - قال: يعجب الله من خصلتين يعملهما العباد: رجل قام من الليل فتوضأ فأحسن الوضوء، ثم قام إلى الصلاة، قال: فيقول الله: انظروا إلى عبدي هذا قام من بين أهل داره رغبة فيما عندي وشفقة مما عندي، ورجل لقي العدو في الزحف ففرَّ أصحابه وأقام، فيقول الله: انظروا إلى عبدي فر أصحابه وأقام رغبة فيما عندي وشفقة مما عندي. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 295]. * وقال أيضا - رضي الله عنه -: بحسب الرجل من الخيبة، أو قال: من الشر أن يبيت ليلته لا يذكر الله حتى يصبح، فيصبح وقد بال الشيطان في أذنه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 328]. * وقال عمرو بن العاص - رضي الله عنه -: ركعةٌ بالليل خيرٌ من عشرين بالنهار. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 247]. * وعن أبي عثمان النهدي قال: تضيّفت أبا هريرة - رضي الله عنه - سبعًا، فكان هو

وامرأته وخادمه يتعقبون الليل أثلاثًا، يصلي هذا، ثم يوقظ هذا، ويصلي هذا، ثم يوقظ هذا. [صفة الصفوة 1/ 335]. * وعن محمد بن المنكدر، أن تميم الداري - رضي الله عنه - نام ليلة لم يتهجد فيها حتى أصبح، فقام سنة لم ينم عقوبة للذي صنع. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 273]. * وقال مُجاهد: كان ابنُ الزُّبير - رضي الله عنه - إذا قام إلى الصلاة كأنَّه عُود، وحدَّث أنَّ أبا بكر رضى الله عنه كان كذلك. [السير (تهذيبه) 1/ 395]. * وعن أصبغ بن زيد قال: كان أويس القرني رحمه الله إذا أمسى يقول: هذه ليلة الركوع، فيركع حتى يصبح. وكان يقول إذا أمسى: هذه ليلة السجود، فيسجد حتى يصبح. وكان إذا أمسى تصدق بما في بيته من الفضل من الطعام والثياب ثم يقول: اللهم من مات جوعًا فلا تؤاخذني به، ومن مات عريانًا فلا تؤاخذني به. [الحلية (تهذيبه) 1/ 300]. * وقيل لحسان بن أبي سنان رحمه الله في مرضه: كيف تجدك؟ قال: بخير إن نجوت من النار، قيل: فما تشتهي؟ قال: ليلةً بعيدةً ما بين الطرفين، أُحيي ما بين طرفيها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 347]. * وقال مسروق رحمه الله: ما من الدنيا شيء آسى عليه إلا السجود لله - عزَّ وجلَّ. [الزهد للإمام أحمد / 579]. * وقالت امرأة مسروق رحمه الله: كان مسروق يصلّي حتى تورَّم قدماه، فربما جلستُ خلفه أبكي مما أراه يصنع بنفسه. [صفة الصفوة 3/ 17]. * وعن أبي إسحاق، قال: حجَّ مسروقٌ رحمه الله فلم ينم إلاَّ ساجدًا على وجهه حتَّى رجع. [السير (تهذيبه) 1/ 445]. * وقال أبو مسلم الخولاني رحمه الله: لو قيل لي إن جهنم تسعر ما استطعت أن أزيد في عملي. [الحلية (تهذيبه) 1/ 315]. * وعن مالك بن مغول قال: سئل مرة الهمداني رحمه الله: ما بقي من صلاتك - وكان قد كبر - قال: الشطر؛ خمسون ومائتا ركعة. [الزهد للإمام أحمد / 578].

* وعن الهيثم قال: كان مرة بن الهمداني رحمه الله يصلي كل يوم مائتي ركعة. [الحلية (تهذيبه) 2/ 75]. * وقال عطاء بن السائب: رأيت مُصلَّى مُرَّة الهمدانيّ رحمه الله مثل مبركِ البعير. ونقل عطاء أو غيره أنَّ مُرَّة كان يُصلِّي في اليوم والليلة ستَّ مئة. قال الذهبي رحمه الله: ما كان هذا الوليُّ يكاد يتفرغ لنشر العِلم، ولهذا لم تكثر روايتُه، وهل يُراد من العلم إلا ثَمَرتُه. [السير (تهذيبه) 1/ 447]. * وعن أبي بكر بن عياش قال: رأيت حبيب بن أبي ثابت رحمه الله ساجدًا، فلو رأيته قلت: ميت، يعني من طول السجود. [الحلية (تهذيبه) 2/ 142]. * وعن الحسن رحمه الله قال: قيام الليل شرف المؤمنين، وعزهم الاستغناء عما في أيدي الناس. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 248]. * وقال رجل للحسن رحمه الله: يا أبا سعيد ما أفضل ما يتقرب به العبد إلى الله تعالى من الأعمال؟ قال: ما أعلم شيئًا يتقرب به المتقربون إلى الله أفضل من قيام العبد في جوف الليل إلى الصلاة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 248]. * وعن عطاء الخرساني رحمه الله، قال: كان يقال: قيام الليل محياة للبدن، ونور في القلب، وضياء في البصر، وقوة في الجوارح، وإن الرجل إذا قام من الليل متهجدًا: أصبح فرحًا يجد لذلك فرحًا في قلبه، وإذا غلبته عيناه فنام عن حزبه: أصبح حزينًا منكسر القلب كأنه قد فقد شيئًا، وقد فقد أعظم الأمور له نفعًا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 249]. * وقال وهب بن منبه رحمه الله: قيام الليل يشرف به الوضيع، ويعز به الذليل، وصيام النهار يقطع عن صاحبه الشهوات، وليس للمؤمن راحةٌ دون دخول الجنة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 250]. * وعن يزيد الرقاشي رحمه الله قال: بطول التهجد تقر عيون العابدين، وبطول الظمإ تفرح قلوبهم عند لقاء الله. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 250]. * وعن الضحاك رحمه الله، قال: أدركت أقوامًا يستحيون من الله في سواد هذا الليل أن يناموا من طول الضجعة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 259].

* وقال الحسن بن صالح رحمه الله: إني لأستحي من الله أن أنام تكلفًا حتى يكون النوم هو الذي يصرعني، وكان يقال له: حية الوادي. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 260]. * وعن عثمان بن وكيع رحمه الله قال: جاء رجل إلى بيت المقدس، فمد كساءه في ناحية المسجد، فكان فيه الليل والنار له طعيمة خلف ذلك الكساء الذي مده، فيبيت ليلته أجمع يصلي، فإذا طلع الفجر مد بصوت له عند الصباح يغبط القوم السرى، قال: وكان يقال له: ألا ترفق بنفسك؟ فيقول: إنما هي نفسي أبادرها أن تخرج. [موسوعة ابن أبي الدنيا. 1/ 260]. * ولم يكن لعبد الله بن حنظلة رحمه الله فراشٌ ينام عليه، إنما كان يلقي نفسه هكذا وهكذا، إذا أعيى من الصلاة توسد رداءه وذراعه ثم هجع شيئًا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 262]. * وكان طاوس رحمه الله يفرش فراشه، ثم يضطجع فيتقلى كما تتقلى الحبة على المقلى، ثم يثب فيتوضأ ويستقبل القبلة حتى الصباح فيقول: طيَّر ذكر جهنم نوم العابدين. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 265]. * وعن أبي إسحاق السبيعي رحمه الله قال: ذهبت الصحة مني وضعفت ودق عظمي، وإني اليوم أقوم في الصلاة فما أقرأ إلا البقرة وآل عمران. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 266]. * وقال سفيان بن عيينة: كان أبو إسحاق رحمه الله يقوم ليلة الصيف كله، فأما الشتاء فأوله وآخره وبين ذلك هجعة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 266]. * وقال مسلم بن يسار رحمه الله: إن أنا نمت ثم استيقظت ثم عدت نائمًا فلا أرقد الله عيني. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 267]. * وعن محمد بن إسحاق، قال: قدم علينا عبد الرحمن بن الأسود رحمه الله حاجًا فاعتلَّت إحدى قدميه، فقام يصلي حتى أصبح على قدم. قال: فصلى الفجر بوضوء العشاء.

قال: وقدم علينا ليث بن أبي سليم رحمه الله فصنع مثلها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 267]. * وعن سفيان، قال: زار قيس بن مسلم محمد بن جحادة رحمه الله ذات ليلة، قال: فأتاه وهو في المسجد بعد صلاة العشاء، قال: ومحمد قائم يصلي، قال: فقام قيس بن مسلم في الناحية الأخرى يصلي فلم يزالا على ذلك حتى طلع الفجر، قال: وكان قيس بن مسلم إمام مسجده، قال: فرجع إلى الحي فأمهم، ولم يلتقيا ولم يعلم محمد بمكانه، قال: فقال له أهل المسجد: زارك أخوك قيس بن مسلم البارحة فلم تنفتل إليه، قال: ما علمت بمكانه، قال: فغدا عليه، فلما رآه قيس بن مسلم مقبلاً قام إليه فاعتنقه ثم جلسا جميعًا فجعلا يبكيان. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 268]. * وكان منصور بن المعتمر رحمه الله إذا جاء الليل اتزر إزارًا إن كان صيفًا، وإن كان شتاءً التحف فوق ثيابه، ثم قام إلى محرابه فكأنه خشبة منصوبةٌ حتى يصبح. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 271]. * وكان ثابت البناني رحمه الله يصلي في كل ليلة ثلاثمائة ركعة، فإذا أصبح طمرت قدماه فيأخذهما بيده فيعصرهما، ثم يقول: مضى العابدون وقطع بي، والهفاه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 276]. * وكان ثابت البناني رحمه الله يقوم الليل ويصوم النهار، وكان يقول: ما شيء أجده في قلبي ألذ عندي من قيام الليل. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 277]. * وكان طلق بن حبيب رحمه الله يقول: إني لأحب أن أقوم لله حتى يشتكي ظهري، فيقوم، فيبتدىء بالقرآن حتى يبلغ الحجر، ثم يركع. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 279]. * وعن محمد بن مسعر رحمه الله قال: كان أبي لا ينام حتى يقرأ نصف القرآن، فإذا فرغ من ورده لف رداءه، ثم هجع عليه هجعةً خفيفةً، ثم يثب كالرجل الذي قد ضل منه شيء فهو يطلبه، فإنما هو السواك والطهور، ثم يستقبل المحراب، فكذلك إلى الفجر، وكان يجهد علي إخفاء ذلك جدًّا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 280].

* وعن أم سعيد بن علقمة النخعي قالت: كان بيننا وبين داود الطائي رحمه الله حائط قصير أسمع حسه عامة الليل لا يهدأ. قالت: وربما سمعته يقول: همك عطل علي الهموم وخالف بيني وبين السهاد، وشوقي إلى النظر إليك أوبق مني الشهوات، وحال بيني وبين اللذات، فأنا في سجنك أيها الكريم مطلوب. قالت: وربما ترنم بالآية، فأرى أن جميع نعيم الدنيا جمع في ترنمه وكان يكون في الدار وحده، وكان لا يُصبَح فيها، أي كان لا يُسرج. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 280]. * وكان بلال العنسي رحمه الله يقوم في شهر رمضان فيقرأ بهم الربع من القرآن، ثم ينصرف، فيقولون: قد خففت بنا الليلة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 283]. * وعن عبد العزيز بن أبي رواد رحمه الله قال: خُلُقان كريمان من أحسن أخلاق المرء المسلم: التهجد، والمداومة على السواك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 285]. * وقالت جارية ابنة لجار منصور رحمه الله: يا أبه أين الخشبة التي كانت في سطح منصور؟ قال: يا بنية ذاك منصور كان يقوم الليل. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 272]. * وعن طلق بن معاوية، قال: قدم علينا رجل منا يقال له هند بن عوف رحمه الله فمهدت له امرأته فراشًا، فنام عليه، وكان له ساعة من الليل يصليها، فنام عنها فحلف لا ينام على فراش أبدًا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 273]. * وقال ابن أبي الدنيا رحمه الله: قرأت في كتاب أبي جعفر الآدمي يخطه قال: كنت باليمن فإذا رجل معه ابنٌ له شاب، فقال: إنَّ هذا أبي وهو من خير الآباء، وقد يصنع شيئًا أخاف عليه منه، قلت: وأي شيء يصنع؟ قال: لي بقر تأتيني مساءً فأحلبها، ثم أتي أبي وهو في الصلاة فأحب أن يكون عيالي يشربون فضله، ولا أزال قائمًا عليه والإناء في يدي، وهو مقبل على صلاته، فعسى أن لا ينفتل ويقبل عليَّ حتى يطلع الفجر، قلت للشيخ: ما تقول؟ قال: صدق، وأثنى على ابنه، وقال لي: أخبرك بعذري، إذا دخلت في الصلاة، فاستفتحت القرآن ذهب بي مذاهب، وشغلني حتى ما أذكره حتى أصبح، قال سلامة: فذكرت أمرهما لعبد الله بن مرزوق فقال: هذان يُدفع

بهما عن أهل اليمن، قال: وذكرت أمرهما لابن عيينة فقال: هذان يُدفع بهما عن أهل الدنيا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 222]. * وعن الحسن رحمه الله قال: صلوا من الليل، ولو قدر حلب شاة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 328]. * وكان مرة الهمداني رحمه الله يصلي كل يوم ستمائة ركعة، قال عطاء: ودخلوا عليه فرأوا موضع مسجده كأنه منزل البعير. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 332]. * ومكث منصور بن زاذان رحمه الله يصلي الفجر بوضوء عشاء الآخرة قبل أن يموت عشرين سنة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 334، 335]. * ومكث هشيم رحمه الله يصلي الفجر بوضوء عشاء الآخرة قبل أن يموت عشر سنين. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 335]. * وكان أيوب رحمه الله يقوم من الليل فيخفي نفسه، فإذا كان قبيل الصبح رفع صوته. * وقيل لبكر بن أيوب: يا أبا يحيى كان أيوب رحمه الله يجهر بالقراءة في الليل؟ قال: نعم، جهرًا شديدًا، وكان يقوم من السحر الأعلى. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 338]. * وعن قتادة رحمه الله، قال: كان يقال: " قلما ساهرٌ بالليل منافق". [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 341، 342]. * وكان بالبصرة رجل يقال له: شداد، أصابه الجذام فتقطع فدخل عليه عواده من أصحاب الحسن فقالوا له: كيف تجدك؟ قال: بخير. قال: أما إنه ما فاتني جزئي بالليل منذ سقطت، وما بي إلا أني لا أقدر على أن أحضر صلاة الجماعة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 420] * وصلى خليفة العبدي رحمه الله حتى انشقت قدماه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 289]. * وعن معاذة العدوية قالت: كان صلة بن أشيم رحمه الله يقوم من الليل حتى يفتر، فما يجيء إلى فراشه إلا حبوًا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 289].

* وقال سفيان رحمه الله: كانوا يقومون أول الليل، وينامون آخره. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 295]. * وعن مضر القارىء رحمه الله، قال: كان رجل من العباد ينام من الليل، قال: فغلبته عينه ذات ليلة فنام عن جزئه، قال: فرأى فيما يرى النائم كأن جارية وقفت عليه، كأن وجهها القمر المستتم قال: ومعها رق فيه كتاب فقالت: اتقرأ أيها الشيخ؟ قال: نعم قالت: فاقرأ لي هذا الكتاب قال: فأخذته من يدها ففتحته فإذا فيه مكتوب: ألهتك لذة يوم عن خير عيش ... مع الخيرات مع غرف الجنان تعيش مخلدًا لا موت فيها ... وتنعم في الخيام مع الحسان تيقظ من منامك إن خيرًا ... من النوم التهجد بالقرآن قال: فوالله ما ذكرتها قط إلا ذهب عني النوم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 295]. * وعن أزهر بن مغيث بن ثابت الثعلبي رحمه الله، حدثنا أبي وكان من القوامين لله في سواد هذا الليل المظلم، قال: رأيت في منامي امرأة لا تشبه نساء أهل الدنيا فقلت: من أنت؟ قالت: حوراء أمة الله , قال: قلت: زوِّجيني نفسك، قالت: اخطبني إلى سيدي وأمهرني، قال: قلت: وما مهرك؟ قالت: طول التهجد. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 296]. * وعن عبد الواحد بن زيد رحمه الله قال: أصابني علة في ساقي فكنت أتحامل عليها للصلاة، قال: فقمت عليها من الليل فأجهدت وجعًا، فجلست ثم لففت إزاري في محرابي ووضعت رأسي عليه فنمت، فبينا أنا كذلك إذا بجارية تفوق الدمى حسنًا تخطر بين جوارٍ مزينات حتى وقفت علي وهن خلفها، فقالت لبعضهن: أرفعنه ولا تهجنه، قال: فأقبلن نحوي فاحتملنني عن الأرض وأنا أنظر إليهن في منامي، ثم قالت لغيرهن من الجواري الذين معها: افرشنه ومهدنه ووطئن له ووسدنه، قال: ففرشن تحتي سبع حشايا لم أر لهنّ في الدنيا مثلاً، ووضعن تحت رأسي مرافق حصرًا حسانًا، ثم قالت للذين حملنني: اجعلنه على الفرش رويدًا لا تهجنه، قال: فجعلت على تلك الفروش وأنا أنظر إليها وما تأمر به من شأني، ثم قالت: أحففنه بالريحان،

قال: فأتي بياسمين فحفت به الفرش، ثم قامت إلي فوضعت يدها على موضع علتي التي كنت أجد في ساقي، فمسحت ذلك المكان بيدها ثم قالت: قم شفاك الله إلى صلاتك غير مضرور، قال: فاستيقظت، والله وكأني قد أنشطت من عقال، فما اشتكيت تلك العلة بعد ليلتي تلك، ولا ذهبت حلاوة منطقها من قلبي: قم شفاك الله إلى صلاتك غير مضرور. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 296، 297]. * وعن هرم بن حيان رحمه الله قال: قمت من الليل فقرأت ثلاثًا من الحواميم، ثم غلبت فنمت، فإذا أنا في منامي بجوارٍ أربع قد وقفن علي مزينات، فقلن: يا هرم بن حيان ما كنت خليقا أن تفرق بيننا وبين أخواتنا قلت: ومن أنتن؟ قلن: نحن الأربع البواقي من الحواميم اللواتي لم تقرأنا، قال: فاستيقظت فزعًا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 298]. * وقال عمر بن ذر رحمه الله: لما رأى العابدون الليل قد هجم عليهم ونظروا إلى أهل السآمة والغفلة قد سكنوا إلى فرشهم ورجعوا إلى ملاذهم من الضجعة والنوم: قاموا إلى الله فرحين مستبشرين مما قد وهب لهم من خير على السهر وطول التهجد، فاستقبلوا الليل بأبدانهم، وباشروا ظلمته بصفاح وجوههم، فانقضى عنهم الليل وما انقضت لذتهم من التلاوة، ولا ملت أبدانهم من طول العبادة، فأصبح الفريقان وقد ولى عنهم الليل بربحٍ وغبنٍ: أصبح هؤلاء قد ملوا النوم والراحة، وأصبح هؤلاء متطلعين إلى مجيء الليل للعبادة، شتان ما بين الفريقين، فاعملوا أنفسكم رحمكم الله في هذا الليل وسواده، فإنما المغبون من غبن خير الليل والنهار، والمحروم من حرم خيرهما، إنما جعل سبيل المؤمنين إلى طاعة ربهم وبالاً على الآخرين للغفلة عن أنفسهم فأحيوا أنفسكم فيه فإنما تحيا القلوب بذكر الله تعالى، كم من قائم لله تعالى في هذا الليل وقد اغتبط بقيامه في ظلمة حفرته، وكم من نائم في هذا الليل قد ندم على تطول نومه عندما يرى من كرامة الله للعابدين غدًا، فاغتنموا من الساعات والليالي والأيام رحمكم الله. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 303]. * وقال يحيى بن أبي كثير رحمه الله: والله ما رجل تخلى بأهله عروسًا، أقر

ما كانت نفسه وآنس ما كان بأشد سرورًا منهم بمناجاته إذا خلوا به. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 303]. * ورثى عباد بن تميم وذكر إخوانًا له متعبدين جاء الطاعون فاخترمهم، فرثاهم عباد، فقال: فتية يُعْرفُ التخشع فيهم ... كلُّهم أحْكَمَ القرآنَ غلامًا قد برى جلده التهجدُ حتى ... عاد جلدًا مُصْفَرًا وعِظامًا يتجافي عن الفراش من الخو ... ف إذا الجاهلون باتوا نيامًا بأنينٍ وَعْبرةٍ ونَحِيْبٍ و ... يَظَلُّون بالنهار صيامًا يقرأون القرآن لا ريب فيها ... ويبيتون سجدًا وقيامًا [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 304]. * وقال ابن المبارك رحمه الله: إذا ما الليل أظلم كابدوه ... فيسفر عنهم وهم ركوع أطار الخوف نومهم وقاموا ... وأهل الأمن في الدنيا هجوع [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 304]. * وعن وهب بن منبه رحمه الله قال: لن يبرح المتهجدون من عرصة القيامة حتى يؤتوا بنجائب من اللؤلؤ قد نفخ فيها الروح فيقال لهم: انطلقوا إلى منازلكم من الجنة ركبانًا، قال: فيركبونها فتطير بهم متعالية، والناس ينظرون إليهم، يقول بعض لبعض: من هؤلاء الذين قد منَّ الله عليهم من بيننا؟ قال: فلا يزالون كذلك حتى ينتهي بهم إلى مساكنهم وأفنيتهم من الجنة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 305]. * وعن سفيان، قال: كان محمد بن جحادة رحمه الله من العابدين وكان يقال: إنه لا ينام من الليل إلا أيسره قال: فرأت امرأة من جيرانه كأن حُللاً فرقت على أهل مسجدهم، فلما انتهى الذي يفرقها إلى محمد بن جحادة دعا بسفطٍ مختوم فأخرج منه حلة خضراء قالت: فلم يقم لها بصري فكساه إياه وقال: هذه لك بطول السهر، قالت تلك المرأة: فوالله لقد كنت أراه بعد ذلك فأتخايلها عليها، يعني الحلة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 306].

* وعن سفيان رحمه الله، قال: أدركت الجفاة وهم يقومون الليل. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 319]. * وعن عمرو بن عبد الرحمن بن محيريز، قال: حدثتني جدتي، قالت: كان جدي ابن محيريز رحمه الله يختم القرآن في كل سبع، وكان يفرش له فراشه فكان يوجد على حاله إذا أصبح. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 322]. * وكان أبو مسلم الخولاني رحمه الله يعلق سوطًا في مسجده يخوف به نفسه، فإذا دخلته الفترة تناوله فضرب به ساقيه، ثم قال: أنت أحق بالضرب من دابتي، فإذا غلبه النوم قال: منك لا مني. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 322]. * وقال بعضهم: طول التهجد مهور الحور العين في الجنة. [الجامع المنتخب / 69]. * وكان بعض السلف يحيي الليل بالصلاة ففتر عن ذلك، فأتاه آتٍ في منامه، فقال له: قد كنتَ يا فلان تدأب في الخطبة، فما الذي قصر بك عن ذلك؟ قال: وما ذلك؟ قال: كنت تقوم من الليل، أو ما علمت أن المجتهد إذا قام إلى تهجده، قالت الملائكة: قد قام الخاطب إلى خطبته. [الجامع المنتخب / 69]. * ورأى بعضهم في منامه امرأة لا تشبه نساء الدنيا، فقال لها: من أنتِ؟ قالت: حوراء أَمَةُ الله، فقال لها: زوِّجيني نفسكِ، قالت: اخطبني إلى سيدي وامهرني، قال: وما مهرك؟ قالت: طول التهجد. [الجامع المنتخب / 69]. * ونام بعض المتهجدين ذات ليلة، فرأى في منامه حوراء، تنشده: أتَخْطبُ مِثْلِي وعنِّي تَنَامُ ... ونَوْمُ المحبينَ عنّا حرامُ لأنَّا خُلِقْناَ لكلِّ امْرِيءٍ ... كثير الصَّلاة براهُ الصِّيامُ [الجامع المنتخب / 69]. * وكان لبعض السلف وِرْد من الليل فنام عنه ليلة، فرأى في منامه جارية كأنّ وجهها: القمرُ، ومعها رقّ فيه كتاب مكتوب، فقالت: أتقرأ؟ قال: نعم. فأعطته إياه، ففتحه فإذا فيه مكتوب:

ألهَتْكَ الَّلذائِذُ والأماني ... عَنِ الفِرْدوْس والظُلَلِ الدَّواني أتلهو بالكرَى عنْ طِيْب عَيْشٍ ... معَ الخَيرات في غُرَفِ الجِنانِ تَعيشُ مخلدًا لا موتَ فيهَا ... وتنعم في الجنان مع الحسان تيقَّظْ مِنْ مَنَامكَ إنَّ خيرًا ... مِنَ النَّومِ التَّهَجُّدُ بالقُرانِ فاستيقظ قال: فوالله ما ذكرتها إلا ذهب عني النوم. [الجامع المنتخب / 69]. * وكان بعض الصالحين له وردٌ فنام عنه، فوقف عليه فتى في منامه، فقال له بصوت محزون: تَيَقَّظْ لِساعَاتٍ مِنَ الليْلِ يا فَتى ... لَعَلّك تَحْظى في الجِنَان بحُورِهَا فَتَنْعَمُ في دارٍ يدُومُ نعيمُها ... مُحَمَّدُ فيها والجليلُ يزُورُها فَقُمْ وتيقَّظْ ساعةً بعدَ ساعَةٍ ... عَسَاكَ توفَّي ما بَقى مِنْ مُهورِها [الجامع المنتخب / 69]. * وكان بعض السلف الصالح كثير التهجد، فبكى شوقًا إلى الله - عزَّ وجلَّ - ستين سنة، فرأى في منامه كأنه على ضفة نهر يجري بالمسك به شجرُ لؤلؤ ونبت من قضبان الذهب، فإذا بحورٍ مزيناتٍ يقلن بصوت واحد: سبحان المسبح بكل لسان سبحانه. فقال لهن: ما تصنعن هاهنا؟ فقلن: ذَرَانا إلهُ الناس ربُّ مُحَمّدٍ لِقَومٍ ... على الأقدام بالليل قُوَّمُ يُنَاجُونَ ربَّ العَالَمينَ إلهَهُمْ ... وتَسْري همومُ القوم والنَّاسُ نوَّمُ فقال: بخ بخ لهؤلاء. من هم لقد أقر الله أعينهم بكنّ؟ فقلن: أوما تعرفهم؟! قال: لا. فقلن: بلى! هؤلاء المتهجدون، أصحاب القرآن والسهر. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 306، 307، الجامع المنتخب / 69]. * وكان بعض الصالحين ربما نام في تهجده فتوقظه الحوراء في منامه، فيستيقظ بإيقاظها. (¬1) [الجامع المنتخب / 69]. ¬

(¬1) قال ابن رجب رحمه الله: ومما يُجزَى به المتهجِّد في الليل: كثرةُ الأزواج من الحور العِيْن في الجنة, فإن المتهجد قد ترك لذة النوم بالليل, ولذة التمتع بأزواجه طلبًا لما عند الله عز وجل, فعوّضه الله تعالى خيرًا مما تركه, وهو الحور العين في الجنة. الجامع المنتخب / 69

* وكان أبو عُبَيْد رحمه الله يقسم الليل أثلاثًا فيصلي ثلثه، وينام ثلثه، ويصنّف الكتب ثلثه. [السير (تهذيبه) 2/ 887]. * ومرّ أحمد بنُ حرب رحمه الله بصبيان يلعبون، فقال أحدهم: أمسكوا، فإن هذا أحمد بن حرب الذي لا ينام الليل، فقبض على لحيته، وقال: الصبيان يهابونك وأنت تنام؟ فأَحْيَى الليل بعد ذلك حتى مات. [السير (تهذيبه) 2/ 906]. * وعن ابن سَماعة قال: كان ورد القاضي أبي يوسف رحمه الله في اليوم مئتي ركعة. [السير (تهذيبه) 2/ 788]. * وعن بقية قال: خرجنا إلى أبي بكر بن أبي مريم رحمه الله نسمع منه في ضيعته - وكانت كثيرة الزيتون - فخرج علينا نبطي من أهلها فقال لي: من تريدون؟ فقلنا: نريد أبا بكر بن أبي مريم. فقال: الشيخ؟ فقلنا: نعم! قال: ما في هذه القرية شجرة من زيتون إلا وقد قام إليها ليلة جمعاء. [الحلية (تهذيبه) 2/ 271]. * وعن سُحنون الفقيه قال: كان ابنُ وَهْبٍ رحمه الله قد قَسَمَ دهْرهُ أثلاثًا ثُلُثًا في الرِّبَاط، وثُلثًا يُعلِّم النَّاس بمصر، وثُلُثًا في الحجِّ، وذكر أنه حجَّ ستًا وثلاثين حجَّة. [السير (تهذيبه) 2/ 819]. * وعن سليمان بن سالم قال: كان صفوان بن سليم رحمه الله في الصيف يصلي في البيت، وإذا كان في الشتاء صلى في السطح لئلا ينام. [الحلية (تهذيبه) 1/ 498]. * وعن الأعمش قال: كان إبراهيم التيمي رحمه الله إذا سجد تجيء العصافير تستقر على ظهره كأنه جذم حائط. [الحلية (تهذيبه) 2/ 88]. * وعن حسان بن عطية رحمه الله قال: من أطال قيام الليل، يهون عليه طول القيام يوم القيامة. [الحلية (تهذيبه) 2/ 266]. * وعن هلال بن دارم قال: كان خليفة العبدي رحمه الله جارًا لنا، فكان يقوم إذا هدأت العيون فيقول: اللهم إليك قمت أبتغي ما عندك من الخيرات، ثم يعمد إلى محرابه فلا يزال يصلي حتى يطلع الفجر. [الحلية (تهذيبه) 2/ 347].

* وكان عطاء رحمه الله بعدما كبر وضعف يقوم إلى الصلاة فيقرأ مائتي آية من البقرة وهو قائم ما يزول منه شيء ولا يتحرك. [الزهد للإمام أحمد / 625]. * وكان الربيع بن خثيم رحمه الله بعد ما سقط شقُّه يُهادى بين رجلين إلى مسجد قومه، وكان أصحاب عبد الله يقولون له: يا أبا يزيد لقد رخَّص الله لك لو صليت في بيتك، فيقول: إنه كما تقولون، ولكني سمعته ينادي: "حيَّ على الفلاح" فمن سمع منكم، فليجِبه ولو زحفًا، ولو حبوًا. [صفة الصفوة 3/ 42]. * وكان سعيد بن جبير رحمه الله إذا قام إلى الصلاة كأنه وَتَدٌ. [صفة الصفوة 3/ 53]. * وكان منصور بن المعتمر رحمه الله يصلّي في سطحه، فلما مات قال غلام لأمه: يا أماه الجذْع الذي كان في سطح آل فلان ليس أراه. قالت: يا بني ليس ذاك بجذع، ذاك منصور قد مات. [صفة الصفوة 3/ 80]. * وقال ميمون بن جابان: ما رأيت مسلم بن يسار رحمه الله ملتفتًا في صلاته قطّ، خفيفةً ولا طويلة، لقد انهدمت ناحية من المسجد ففزع أهل السوق لهدّته، وإنه لَفي المسجد في صلاةٍ فما التفَت. [صفة الصفوة 3/ 169]. * وقال عبد الجبار بن النضر السلمي: حدّثني رجل من آل محمد بن سيرين قال: رأيت مسلم بن يسار رحمه الله رفع رأسه من السجود في المسجد الجامع، فنظرتُ إلى موضع سجوده، كأنه قد صُبّ فيه الماء من كثرة دموعه. [صفة الصفوة 3/ 169]. * وعن عبد الله بن مسلم بن يسار رحمه الله، عن أبيه؛ أنه كان يصلي ذات يوم فدخل رجل من أهل الشام ففزعوا واجتمع له أهل الدار فلما انصرفوا، قالت له أم عبد الله: دخل هذا الشامي ففزع أهل الدار فلم تنصرف إليهم - أو كما قالت - قال: ما شعرت. [الحلية (تهذيبه) 1/ 394]. * وقال ابن عون رحمه الله: رأيت مسلم بن يسار رحمه الله يصلّي كأنه وتد لا يميل على قدَم مرةً، ولا على قدمٍ مرة، ولا يتحرك له ثوب، ولا يتروّح على رجل. [صفة الصفوة 3/ 169].

* وقال ثابت البناني رحمه الله: كابدت الصلاة عشرين سنة، وتنعّمت بها عشرين سنة. [صفة الصفوة 3/ 186]. * وعن سليمان بن المغيرة قال: سمعت ثابتًا البناني رحمه الله يقول: لا يسمى عابدٌ أبدًا عابدًا وإن كان فيه كل خصلة خير، حتى تكون فيه هاتان الخصلتان، الصوم والصلاة؛ لأنهما من لحمه ودمه [الحلية (تهذيبه) 1/ 404]. * وعن أبي شوذب قال: سمعت ثابتًا البناني رحمه الله يقول: اللهم إن كنت أعطيت أحد من خلقك، أن يصلي لك في قبره فأعطني ذلك. [الحلية (تهذيبه) 1/ 404]. * عن شيبان بن جسر، عن أبيه. قال: أنا والله الذي لا إله إلا هو، أدخلت ثابتًا البناني رحمه الله لحده ومعي حميد الطويل - أو رجل غيره - شك محمد قال: فلما سوينا عليه اللبن، سقطت لبنة فإذا أنا به يصلي في قبره، فقلت للذي معي ألا ترى قال: اسكت! فلما سوينا عليه وفرغنا أتينا ابنته فقلنا لها: ما كان عمل أبيك ثابت؟ فقالت: وما رأيتم؟ فأخبرناها، فقالت: كان يقوم الليل خمسين سنة فإذا كان السحر. قال في دعائه: اللهم إن كنت أعطيت أحدًا من خلقك الصلاة في قبره، فأعطنيها فما كان الله ليرد ذلك الدعاء. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 277، الحلية (تهذيبه) 1/ 404]. * وعن ابن شوذب قال: ربما مشيت مع ثابت البناني رحمه الله، فلا يمر بمسجد إلا دخل فصلى فيه. [الحلية (تهذيبه) 1/ 405]. * وعن ابن المنكدر رحمه الله قال: كابدتُ نفسي أربعين سنةً حتى استقامت. [السير (تهذيبه) 2/ 607]. * وعن عبد الرزاق بن داود بن إبراهيم أنه قال: أن الأسد حبس الناس ليلة في طريق الحج، فدق الناس بعضهم بعضًا، فلما كان السحر ذهب عنهم، فنزل الناس يمينًا وشمالاً فألقوا أنفسهم فناموا، وقام طاووس رحمه الله يصلي، فقال له ابنه: ألا تنام فقد نصبت الليلة؟ فقال طاووس: ومن ينام السحر؟! [المنتظم 7/ 115].

* وعن عبد الرحمن بن زبيد قال: كان زبيد رحمه الله قد قسم علينا الليل أثلاثًا؛ ثلثًا عليه وثلثًا عليّ، وثلاثا على أخي. وكان زبيد يبدأ فيقوم ثلثه. ثم يضربني برجله فإذا رأى مني كسلاً قال: نم يا بني فأنا أقوم عنك. قال: ثم يجيء إلى أخي فيضربه برجله. فإذا رأى منه كسلا قال: نم يا بني فأنا أقوم عنك. قال: فيقوم حتى يصبح. [الحلية (تهذيبه) 2/ 134]. * وقال طلق بن حبيب رحمه الله: إني أشتهي أن أقوم حتى يشتكي صلبي. وكان طلق يفتتح بالبقرة فلا يركع حتى يبلغ العنكبوت. [الحلية (تهذيبه) 1/ 452]. * وقال أيضًا رحمه الله: يموت المسلم بين حسنتين، حسنة قد قضاها وحسنة ينتظرها - يعني الصلاة. [الحلية (تهذيبه) 1/ 453]. * وقال رباح بن الهروي: مرّ عاصم بن يوسف بحاتم الأصم رحمه الله وهو يتكلم في مجلسه، فقال: يا حاتم كيف تصلّي؟ قال حاتم: أقوم بالأمر، وأمشي بالسَّكينة وأدخل بالنيّة وأكبِّر بالعظمة وأقرأُ بالترتيل والتفكر، وأركع بالخشوع، وأسجد بالتّواضع، وأسَلِّم بالسّنة وأسلمها بالإخلاص إلى الله - عزَّ وجلَّ - وأخاف أن لا تُقبل مني، قال: تكلم فأنت تُحسن تصلّي. [صفة الصفوة 4/ 391]. * وقال ابن وهب: رأيتُ الثوري رحمه الله في الحَرَم بعد المغرب، صلَّى ثمَّ سَجَدَ سجْدة، فلم يرفع حتى نودي بالعشاء. [السير (تهذيبه) 2/ 698]. * وقال وَكِيع: كان الحسن بن صالح رحمه الله وأخوه وأمهما قد جَزَّؤوا الليل ثلاثة أجزاء، فكُلُّ واحدٍ يقوم ثلثًا، فماتت أُمُّهما، فاقتسما الليل، ثم مات عليُّ، فقام الحسنُ الليلَ كله. [السير (تهذيبه) 2/ 703] * وعن علي بن فضيل قال: رأيت سفيان الثوري رحمه الله ساجدًا حول البيت فطفت سبعة أسابيع قبل أن يرفع رأسه. [الحلية (تهذيبه) 2/ 400]. * وعن يحيى بن يمان قال: رأيت سفيان رحمه الله يخرج يدور بالليل، وينضح في عينيه الماء، حتى يذهب عنه النعاس. [الحلية (تهذيبه) 2/ 401]. * وقال عبد الرحمن بن مهدي: ما عاشرت في الناس رجلاً هو أرق من سفيان الثوري رحمه الله، قال: وكنت أرامقه الليلة بعد الليلة، فما كان ينام إلا

في أول الليل ثم ينتفض فزعًا مرعوبًا ينادي: النار، شغلني ذكر النار عن النوم والشهوات، كأنه يخاطب رجلاً في البيت، ثم يدعو بماء إلى جانبه فيتوضأ، ثم يقول على إثر وضوئه: اللهم إنك عالم بحاجتي غير معلم بما أطلب، وما أطلب إلا فكاك رقبتي من النار، اللهم إن الجزع قد أرقني من الخوف فلم يؤمني، وكل هذا من نعمتك السابغة عليّ، وكذلك فعلت بأوليائك وأهل طاعتك، إلهي قد علمت أن لو كان لي عذر في التخلي ما أقمت مع الناس طرفة عين، ثم يقبل على صلاته. وكان البكاء يمنعه من القراءة حتى إني كنت لا أستطيع سماع قراءته من كثرة بكائه، قال ابن مهدي: وما كنت أقدر أن أنظر إليه استحياء وهيبة منه. [الحلية (تهذيبه) 2/ 401]. * وقال الأوزاعي رحمه الله: من أطال قيام الليل، هوَّن الله عليه وقوفَ يوم القيامَة. (¬1) [السير (تهذيبه) 2/ 683]. * وقال الربيعُ بنُ سُليمان: كانَ الشافعيُّ رحمه الله قد جزَّأ الليل، فثُلُثُه الأول يكتُب، والثاني يُصَلِّي، والثالث ينام. قال الذهبي رحمه الله: أفعالُه الثلاثةُ عبادةٌ بالنيَّة. [السير (تهذيبه) 2/ 848]. * وعن عبد الله بن أحمد بن حنبل رحمه الله قال: كان أبي يصلي كل يوم وليلة ثلاثمائة ركعة، فلما مرض من تلك الأسواط أضعفته، فكان يصلي في كل يوم وليلة مائة وخمسين ركعة، وكان في زمن الثمانين وكان يقرأ في كل يوم سبعًا، وكانت له ختمة في كل سبع ليال سوى صلاة النهار، وكان ساعة يصلي ويدعو عشاء الآخرة ينام نومة خفيفة ثم يقوم إلى الصباح يصلي، وحج خمس حجات ثلاث حجج ماشيًا، واثنتين راكبًا. [المنتظم 11/ 287]. ¬

(¬1) قال ابن القيم رحمه الله في الفوائد: للعبد بين يدي الله موقفان؛ موقف بين يديه في الصلاة, وموقف بين يديه يوم لقائه, فمن قام بحق الموقف الأول هون عليه الموقف الآخر, ومن استهان بهذا الموقف ولم يوفه حقه شدد عليه ذلك الموقف قال تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا * إِنَّ هَؤُلَاء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا} [الإنسان: 26، 27].

* وعن إبراهيم بن شماس قال: كنت أعرف أحمد بن حنبل رحمه الله وهو غلام يُحيى الليل. [صفة الصفوة 2/ 609]. * وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: كان أبي رحمه الله يقرأ كل يومٍ سُبعًا، وكان ينام نومةً خفيفة بعد العشاء، ثم يقوم إلى الصباح يُصلي ويدعو. [السير (تهذيبه) 2/ 929]. * وقال المروذي: رأيتُ أبا عبد الله (¬1) يقوم لِورده قريبًا من نصف الليل حتى يقاربَ السَّحَر. ورأيتُه يركع فيما بينَ المغرب والعشاء. [السير (تهذيبه) 2/ 930]. * وقال مُسبِّح بنُ سعيد: كان محمدُ بن إسماعيل البخاري رحمه الله يختمُ في رمضان في النهار كُلَّ يومٍ خَتمة ويقومُ بعد التراويح كل ثلاث ليالٍ بخَتْمَة. [السير (تهذيبه) 3/ 1015]. * وقال محمدُ بن أبي حاتِم: دُعي محمدُ بن إسماعيل رحمه الله إلى بستانِ بعضِ أصحابه، فلما صلَّى بالقومِ الظهر، قام يتطوَّعُ، فلما فرغ من صلاته، رفعَ ذيلَ قميصه، فقال لبعض من معه: انظر هل ترى تحت قميصي شيئًا؟ فإذا زنبورٌ قد أَبَرَهُ في ستة عشر أو سبعة عشر موضعًا، وقد تورم من ذلك جسدُهُ فقال له بعضُ القوم: كيف لم تخرج من الصلاة أول ما أَبَرَك؟ قال: كنتُ في سورةٍ، فأحببتُ أن أُتِمَّها!!. [السير (تهذيبه) 3/ 1016]. * وعن القاسم بن راشد الشيباني قال: كان زمعة بن صالح المكي رحمه الله نازلاً عندنا، وكان له أهل وبنات، وكان يقوم فيصلي ليلاً طويلاً، فإذا كان السحر نادى بأعلى صوته: أيها الركب المعرسون، أكل هذا الليل ترقدون، ألا تقومون، فترحلون. فيسمع من ها هنا باكٍ، ومن ها هنا داع، ومن ها هنا قارىء، ومن ها هنا متوضىء. فإذا طلع الفجر نادى بأعلى صوته: عند الصباح يحمد القوم السُّرى. [المنتظم 8/ 243]. * وعن محمد بن إبراهيم قال: رأيت الجنيد رحمه الله في النوم فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: طاحت تلك الإشارات، وغابت تلك العبارات، وفنيت ¬

(¬1) يعني: أحمد بن حنبل.

(د) الحج والعمرة

تلك العلوم، ونفدت تلك الرسوم وما نفعنا إلا ركيعات كنا نركعها في الأسحار. [الحلية (تهذيبه) 3/ 373]. * وعن سكين بن مسكين قال: كانت بيننا وبين روَّاد رحمه الله قرابة، فسألت أختًا له كانت أصغر منه؟ كيف كان ليله؟ قالت: يبكي عامة الليل ويصرخ. قلت: فتحفظين من دعائه شيئًا. قالت: نعم، كان إذا كان السحر أو قريب من طلوع الفجر سجد، ثم بكى، ثم قال: مولاي عبدك يحب الاتصال بطاعتك فأعنه عليها بتوفيقك. مولاي عبدك يحب اجتناب خطيئتك فأعنه على ذلك بمنِّك. مولاي عبدك عظيم الرجاء لخيرك فلا تقطع رجاءه يوم يفرح بخيرك الفائزون. قالت: فلا يزال على هذا ونحوه حتى يصبح، قالت: وكان قد كلَّ من الاجتهاد جدًا وتغيَّر لونه. قال سكين: فلما مات روَّاد وحمل إلى حفرته نزلوا ليدلوه في حفرته فإذا اللحد مفروش بالريحان، وأخذ بعض القوم من ذلك الريحان شيئًا فمكث سبعين يومًا طريًا لا يتغير، يغدوا الناس ويروحون وينظرون إليه، قال: فكثر الناس في ذلك حتى خاف الأمير أن يفتتن الناس فأرسل إلى الرجل، فأخذ ذلك الريحان وفرق الناس، وفقده الأمير من منزله لا يدري كيف ذهب. [المنتظم 8/ 280]. (د) الحج والعمرة: * عن عمار بن عمرو البجلي، قال: خرجنا مع محمد بن النضر الحارثي رحمه الله إلى مكة، فما كنا نستيقظ ساعة من الليل إلا وهو على بعيره قاعد يقرأ، قال: فكنا نرى أنه لم ينم حتى دخل مكة، قال: وكان إذا نزل فإنما هو في خدمة أصحابه، فقيل له: يا أبا عبد الرحمن نحن نكفيك هذا، فيأتي عليهم ويقول: أتبخسون علي بالثواب؟!. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 274]. * وعن هشام قال: ما رأيت أحدًا قط أصبر على طول القيام والسهر من ثابت البناني رحمه الله، صحبناه مرةً إلى مكة، فكنا إن نزلنا ليلاً فهو قائم يصلي حتى يصبح، وإلا فمتى شئت أن تراه أو تحس به مستيقظًا ونحن نسير إما باكيًا وإما تاليًا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 277].

(هـ) شهر رمضان، والصيام

* وعن واصل بن سليم، قال: صحبت عطاء بن السائب رحمه الله إلى مكة، فكان يختم القرآن في كل ليلتين. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 322]. (هـ) شهر رمضان، والصيام: * عن أبي إسحاق الهمداني قال: خرج علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في أول ليلة من شهر رمضان والقناديل تزهر، وكتاب الله يتلا في المساجد، فقال: نوَّر الله لك يا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في قبرك، كما نورت مساجد الله بالقرآن. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 369]. * وكان الأحنف بن قيس رحمه الله يريد الصوم، فقيل له في ذلك، فقال: إني أعده ليوم شره طويل، ثم تلا: (فوقاهم الله شر ذلك اليوم). [الإنسان: 11]. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 136]. * وعن مجاهد قال: كان علي الأزدي رحمه الله يختم القرآن في رمضان في كل ليلة، وينام بين المغرب والعشاء. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 334]. * وعن الأسود رحمه الله أنه كان يختم القرآن في رمضان في ليلتين، وينام فيما بين المغرب والعشاء. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 368]. * وعن الزهري رحمه الله قال: تسبيحة في رمضان أفضل من ألف تسبيحة في غيره. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 368]. * وعن أبي بكر بن أبي مريم رحمه الله قال: سمعت مشيختنا يقولون إذا حضر شهر رمضان: قد حضر مطهِّر، ويقولون: انبسطوا بالنفقة فيه، فإنها تضاعف كالنفقة في سبيل الله - عزَّ وجلَّ - ويقولون: التسبيحة فيه أفضل من ألف تسبيحة في غيره. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 368]. * وقال ابن الحنفية رحمه الله: ليصم سمعك وبصرك ولسانك وبدنك، فلا تجعل يوم فطرك مثل يوم صومك، واتق أذى الخادم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 371]. * ورأى وهيب رحمه الله قومًا يضحكون يوم الفطر، فقال: إن كان هؤلاء تُقُبل منهم صيامهم، فما هذا فعل الشاكرين؛ وإن كان هؤلاء لم يتقبل منهم صيامهم، فما هذا فعل الخائفين. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 473].

(و) التهيؤ للعبادة والاستعداد لها

(و) التهيؤ للعبادة والاستعداد لها: * عن أنس: أن تميمًا الداريَّ - رضي الله عنه - اشترى رداءً بألف درهم، يخرجُ فيه إلى الصلاة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 287، السير (تهذيبه) 1/ 289]. * وكان تميم الداري - رضي الله عنه - إذا قام من الليل دعا بسواكه، ثم دعا بأطيب حلة كان لا يلبسها إلا إذا قام من الليل يتهجد. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 311]. * وقال وكيع بن الجراح رحمه الله: من لم يأخذ أهبة الصلاة قبل وقتها، لم يكن وقّرها. [الحلية (تهذيبه) 3/ 107]. * وكان المغيرة بن حكيم رحمه الله إذا أراد أن يقوم للتهجد لبس من أحسن ثيابه وتناول من طيب أهله، وكان من المتهجدين. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 311]. * وكان عمرو بن الأسود رحمه الله: يشتري الحلة بمائتين، ويصبغها بدينار، ويخمرها النهار كله، ويقوم فيها الليل كله. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 311]. * وقال الثوري رحمه الله،: كل ما شئت ولا تشرب، فإنك إذا لم تشرب لم يجئك النوم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 321]. (ز) فوائد أخرى: * قال عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه -: كونوا لقبول العمل أشدَّ همَّا منكم بالعمل؛ ألم تسمعوا الله يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27]. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 175]. * وعن حماد بن سلمة قال: ما أتينا سليمان التيمي رحمه الله في ساعة يطاع الله - عزَّ وجلَّ - فيها إلا وجدناه مطيعًا، إن كان في ساعة صلاة وجدناه مصليًا، وإن لم تكن ساعة صلاة وجدناه إما متوضئًا، أو عائدًا مريضًا، أو مشيعًا لجنازة، أو قاعدًا في المسجد. قال: فكنا نرى أنه لا يحسن يعصي الله - عزَّ وجلَّ. [الحلية (تهذيبه) 1/ 440]. * وعن أبي عوانة قال: لو قيل لمنصور بن زاذان رحمه الله إنك ميت اليوم أو غدًا، ما كان عنده من مزيد. [الحلية (تهذيبه) 1/ 450]. * وعن عبد الرحمن بن مهدي قال: لو قيل لحماد بن سلمة رحمه الله إنك

تموت غدًا، ما قدر أن يزيد في العمل شيئًا. [الحلية (تهذيبه) 2/ 335]. * وعن الحسن البصري رحمه الله قال: الصلاة إذا لم تنه عن الفحشاء والمنكر لم تزد صاحبها إلا بعدًا. [الزهد للإمام أحمد / 451]. * وعن المعلى بن زياد القُرْدُوسي قال: قلت للحسن البصري رحمه الله: رجلان تفرغ أحدهما للعبادة والآخر يسعى على عياله أيهما أفضل؟ قال: الذي تفرغ للعبادة أفضل. (¬1) [الزهد للإمام أحمد / 461]. * وعن عبيد بن عمير رحمه الله قال: ما المجتهد الآن إلا كاللاعب فيما مضى. [الزهد للإمام أحمد / 628]. * وقال عبد الله بن داود رحمه الله: كان أحدُهم إذا بلغ أربعين سنةً طوى فراشَه. وكان بعضهم يُحيي الليلَ، فإذا نظر إلى الفجر قال: عند الصباح يَحْمَدُ القومُ السُّرَى. [عيون الأخبار 2/ 677]. * وعن أنس بن عياض قال: رأيت صفوان بن سليم رحمه الله، ولو قيل له غدًا القيامة؛ ما كان عنده مزيد على ما هو عليه من العبادة. [الحلية (تهذيبه) 1/ 498]. * وعن مجاهد رحمه الله، قال يؤتى بثلاثة نفر يوم القيامة؛ بالغني وبالمريض والعبد. فيقول للغني: ما منعك عن عبادتي؟ فيقول: أكثرت لي من المال فطغيت، فيؤتى بسليمان بن داود - عليه السلام - في ملكه فيقال له: أنت كنت أشد شغلاً أم هذا؟ قال: بل هذا، قال: فإن هذا لم يمنعه شغله عن عبادتي. قال: فيؤتى بالمريض فيقول: ما منعك عن عبادتي؟ قال: يا رب أشغلت علي جسدي. قال: فيؤتى بأيوب - عليه السلام - في ضره فيقول له: أنت كنت أشد ضرًا أم هذا؟ قال فيقول: لا بل هذا، قال: فإن هذا لم يمنعه ذلك أن عبدني. ¬

(¬1) هذا إذا كان السعي في طلب فضول العيش وما زاد عن الحاجة. أما إذا كان في تحصيل لقمة العيش وسد جوعهم وبقاء حياتهم: فقد أجمع أهل العلم من السلف الصالح ومن بعدهم على وجوب السعي في طلب الرزق.

قال: ثم يؤتى بالمملوك فيقال له: ما منعك عن عبادتي؟ فيقول: جعلت علي أربابًا يملكونني، قال: فيؤتى بيوسف الصديق - عليه السلام - في عبوديته فيقال: أنت أشد عبودية أم هذا؟ قال: لا، بل هذا، قال: فإن هذا لم يشغله شيء عن عبادتي. [الحلية (تهذيبه) 2/ 12]. * وعن أبي الأحوص قال: حدثنا أبو إسحاق رحمه الله قال: قد كبرت وضعفت، ما أصوم إلا ثلاثة من الشهر، والاثنين والخميس، وشهور الحرم. [الحلية (تهذيبه) 2/ 119]. * وعن موسى بن إسماعيل قال: لو قلت لكم إني ما رأيت حماد بن سلمة رحمه الله ضاحكًا قط صدقتكم، كان مشغولاً بنفسه إما أن يحدث، وإما أن يقرأ، وإما أن يسبح وإما أن يصلي. كان قد قسم النهار على هذه الأعمال. [الحلية (تهذيبه) 2/ 335]. * وعن ابن المبارك قال: سألت سفيان الثوري رحمه الله عن الرجل يصلي أي شيء ينوي بصلاته؟ قال: ينوي أن يناجي ربه. [الحلية (تهذيبه) 2/ 402]. * وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: كلام المؤمن حكم، وصمته تفكر، ونظره عبرة، وعمله بر، وإذا كنت كذا لم تزل في عبادة. [الحلية (تهذيبه) 3/ 16]. * وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله: ليس العبادة عندنا أن تصُفَّ قدميك، وغيرك يفت لك، ولكن ابدأ برغيفيك فاحرزهما ثم تعبد. * وقال أيضًا رحمه الله: إذا لذّت لك القراءة فلا تركع ولا تسجد، وإذّا لذ لك السجود فلا تركع ولا تقرأ، الأمر الذي يفتح لك فيه فالزمه. [الحلية (تهذيبه) 3/ 189].

القصد في العبادة، وذم الغلو والتنطع

القصد في العبادة، وذم الغلو والتنطع (¬1) * عن طارق بن شهاب عن سلمان الفارسي - رضي الله عنه - قال: إذا كان الليل، ¬

(¬1) قال ابن القيم رحمه الله: السلف يذكرون هذين الأصلين كثيراً - وهما الاقتصاد في الأعمال والاعتصام بالسنة - فإن الشيطان يشمُّ قلب العبد ويختبره: فإذا رأى فيه داعية للبدعة وإعراضاً عن كمال الانقياد للسنة: أخرجه عن الاعتصام به. وإن رأى فيه حرصا على السنة وشدة طلب لها: أمره بالاجتهاد والجور على النفس، ومجاوزة حد الاقتصاد فيها قائلا له: إن هذا خير وطاعة، فلا تفتر مع أهل الفتور، ولا تنم مع أهل النوم. ا. هـ بتصرف. مدارج السالكين 2/ 342 وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: قول بعض الناس: الثواب على قدر المشقة ليس بمستقيم على الإطلاق، كما قد يستدل به طوائف على أنواع من الرهبانيات، والعبادات المبتدعة، التي لم يشرعها الله ورسوله من جنس تحريمات المشركين وغيرهم ما أحل الله من الطيبات، ومثل التعمق والتنطع الذي ذمه النبي - صلى الله عليه وسلم -، حيث قال: (هلك المتنطعون). وأما الأجر على قدر الطاعة فقد تكون الطاعة لله ورسوله في عمل ميسر، كما يسر الله على أهل الإسلام: الكلمتين، وهما أفضل الأعمال؛ ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم) أخرجاه في الصحيحين. ولو قيل: الأجر على قدر منفعة العمل، وفائدته؛ لكان صحيحًا ... فأما كونه مشقًا، فليس هو سببًا لفضل العمل ورجحانه، ولكن قد يكون العمل الفاضل مشقًا، ففضله لمعنى غير مشقته، والصبر عليه مع المشقة يزيد ثوابه وأجره، فيزداد الثواب بالمشقة، كما أن من كان بعده عن البيت في الحج والعمرة أكثر، يكون أجره أعظم من القريب كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعائشة في العمرة: (أجرك على قدر نصبك) لأن الأجر على قدر العمل في بعد المسافة، وبالبعد يكثر النصب فيكثر الأجر، وكذلك الجهاد ... ولهذا تجد هؤلاء مع من شابههم من الرهبان يعالجون الأعمال الشاقة الشديدة المتعبة من أنواع العبادات والزهادات، مع أنه لا فائدة فيها ولا ثمرة لها، ولا منفعة إلا أن يكون شيئًا يسيرًا لا يقاوم العذاب الأليم الذي يجدونه. ونظير هذا الأصل الفاسد، مدح بعض الجهال بأن يقول: فلان ما نكح ولا ذبح. وهذا مدح الرهبان الذين لا ينكحون ولا يذبحون، وأما الحنفاء فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لكني أصوم وأفطر وأتزوج النساء، وآكل اللحم، فمن رغب عن سنتي فليس مني). مجموع الفتاوى 10/ 307

كان الناسُ منه على ثلاث منازل: فمنهم مَن له ولا عليه، ومنهم مَن عليه ولا له، ومنهم من لا عليه ولا له! فقلت: وكيف ذاك؟ قال: أما مَن له ولا عليه، فرجلٌ اغتنم غفلةَ الناس وظلمةَ الليل، فتوضأ وصلَّى، فذاك له ولا عليه، ورجل اغتنم غفلة الناس، وظلمةَ الليل، فمشى في معاصي الله، فذاك عليه ولا له، ورجل نام حتى أصبح، فذاك لا له ولا عليه. قال طارق: فقلت: لأصحبنَّ هذا. فَضُرب على الناس بعثٌ، فخرج فيهم، فصحبته وكنت لا أفضله في عمل، إن أنا عجنت خَبَزَ وإن خبزت طبخ، فنزلنا منزلاً فبتنا فيه، - وكانت لطارق ساعة من الليل يقومها - فكنت أَتيقظ لها فأجده نائمًا، فأقول: صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، خيرٌ مني نائم، فأنام ثم أَقوم فأجده نائمًا فأنام، إلا أنه كان إذا تعارّ من الليل قال وهو مضطجع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير. حتى إذا كان قبيل الصبح قام فتوضأ ثم ركع أربع ركعات. فلما صلّينا الفجر قُلت: يا أيا عبد الله! كانت لي ساعة من الليل أقومها وكنت أتيقظ لها فأجدك نائمًا، قال: يا ابن أخي! فإِيشٍ (¬1) كنت تسمعني أقول؟ فأخبرته، فقال: يا ابن أخي تلك الصلاة، إن الصلوات الخمسَ كفارات لما بينهن ما اجتنبت المقتلة، يا ابن أخي عليك بالقصد فإنه أبلغ. (¬2) [السير (تهذيبه) 1/ 204]. ¬

(¬1) أي: أي شيء. (¬2) قال ابن الجوزي رحمه الله في تلبيس إبليس: وقد لبس إبليس على جماعة من المتعبدين فأكثروا من صلاة الليل, وفيهم من يسهره كله ويفرح بقيام الليل وصلاة الضحى أكثر مما يفرح بأداء الفرائض, ثم يقع قبيل الفجر فتفوته الفريضة أو يقوم فيتهيأ لها فتفوته الجماعة, أو يصبح كسلان فلا يقدر على الكسب لعائلته, ولقد رأيت شيخًا من المتعبدين يقال له حسين القزويني يمشي كثيرا من النهار في جامع المنصور فسألت عن سبب مشيه فقيل لي: لئلا ينام فقلت: هذا جهل بمقتضى الشرع والعقل؛ أما الشرع فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن لنفسك عليك حقا فقم ونم) .... وأما العقل فإن النوم يجدد القوى التي قد كلَّت بالسهر, فمتى دفعه الإنسان وقت الحاجة إليه أقر في بدنه وعقله فنعوذ بالله من الجهل. فإن قال قائل: فقد رويتَ لنا أن جماعة من السلف كانوا يحيون الليل. فالجواب: أولئك تدرجوا حتى قدروا على ذلك وكانوا على ثقة من حفظ صلاة الفجر في الجماعة, وكانوا يستعينون بالقائلة مع قلة المطعم وصح لهم ذلك, ثم لم يبلغنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سهر ليلة لم ينم فيها فسُنَّته هي المتبوعة. تلبيس إبليس: 159

* وقال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: الاقتصاد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة. [الزهد للإمام أحمد / 293]. * وعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه -، قال: جمعتُ القرآن، فقرأتُه كلَّه في ليلة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " اقراهُ في شهر" قلتُ: يا رسول الله، دعني أستمتع من قُوَّتي وشبابي، قال:"اقرأه في عشرين" قلتُ: دعني أستمتع، قال: "اقرأه في سبع ليال" قلت: دعني يا رسول الله أستمتع. قال: فأبى. قال الذهبي رحمه الله: صحَّ أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نازله إلى ثلاث ليالٍ، ونهاهُ أن يقرأَهُ في أقلَّ من ثلاثٍ وهذا كان في الذي نَزَلَ من القرآن، ثم بعدَ هذا القول نزل ما بقي من القرآن. فأقلُّ مراتب النهي أن تُكْرَهَ تلاوةُ القرآن كُلِّه في أقلَّ من ثلاث، فما فقه ولا تَدَبَّر من تلى في أقلَّ من ذلك، ولو تلا ورتَّلَ في أسبوع، ولازم ذلك، لكان عملاً فاضلاً، فالدين يُسْر، فوالله إن ترتيلَ سُبع القرآن في تهجد قيام الليل مع المحافظة على النوافل الراتبة، والضحى، وتحية المسجد، مع الأذكارِ المأثورة الثابتة والقول عند النوم واليقظة، ودُبُرَ المكتوبة والسحر، مع النَّظَر في العلم النافع والاشتغالِ به مخلصًا لله، مع الأمر بالمعروف، وإرشادِ الجاهلِ وتفهيمِه، وزجرِ الفاسق، ونحوِ ذلك، مع أداء الفرائض في جماعةٍ بخشوع وطمأنينة وانكسارٍ وإيمان، مع أداء الواجب، واجتنابِ الكبائر، وكثرةِ الدعاءِ والاستغفار، والصدقة وصلةِ الرحم والتواضع والإخلاصِ في جميع ذلك، لَشُغْلٌ عظيمٌ جسيم، ولَمَقامُ أصحابِ اليمين وأولياءِ الله المتقين، فإنَّ سائر ذلك مطلوب. فمتى تَشَاغَلَ العابدُ بختمةٍ في كُلِّ

يوم، فقد خالف الحنيفيَّة السمحةَ، ولم ينهضْ بأكثر ما ذكرناه ولا تدَبَّر ما يتلوه. هذا السيدُ العابدُ الصاحبُ كان يقول لما شاخَ: ليتني قبلتُ رُخصةَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك قال - عليه السلام - في الصوم، وما زالَ يناقصُه حتى قال له: " صُمْ يومًا وأفْطِرْ يَوْمًا، صَوْمَ أخي داود - عليه السلام - ". وكلُّ من لم يَزُمَّ نَفْسَه في تعبُّده وأوراده بالسُّنَّة النبوية، يندمُ ويتَرَهّبُ ويسوءُ مزاجُهُ، ويفوتُه خيرٌ كثيرٌ من متابعة سُنَّة نبيِّه الرؤوف الرحيم بالمؤمنين، الحريص على نفعهم، وما زال - صلى الله عليه وسلم - مُعلِّمًا للأمة أفضل الأعمال، وآمرًا بهجر التَّبتُّل والرهبانية التي لم يُبْعث بها، فنهى عن سرد الصوم، ونهى عن الوصال، وعن قيام أكثر الليل إلا في العشر الأخير، ونهى عن العُزبة للمستطيع، ونهى عن ترك اللحم إلى غير ذلك من الأوامر والنَّواهي. فالعابدُ بلا معرفةٍ لكثير من ذلك معذور مأجور والعابدُ العالم بالآثار المحمدية، المتجاوز لها مفضولٌ مغرورٌ، وأحبُّ الأعمالِ إلى الله تعالى أدومُها وإن قلَّ. أَلْهَمَنا الله وإيّاكُم حُسْنَ المتابعة، وجنَّبنا الهوى والمخالفة. [السير (تهذيبه) 1/ 339]. * وجاء رجل إلى أبي أمامة - رضي الله عنه - فقال: إنه أتاني آت فقال: اعمل مثل عمل أبي أمامة، فقال أبو أمامة: وما عسى أن يبلغ عمل أبي أمامة، أصلي الخمس، وأصوم رمضان، وثلاثة أيام من كل شهر، وإذا صوتت الطير صوت معها، يعني من السحر. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 308]. * وعن يحيى بن أَكْثَم قال: صَحِبْتُ وكيعًا رحمه الله في الحَضَرِ والسَّفَرِ، وكان يَصومُ الدَّهْرَ، ويَخْتِمُ القرآن كُلَّ ليلة. قال الذهبي رحمه الله: هذه عبادةٌ يخضعُ لها. ولكنَّها من مثلِ إمامٍ من الأئمةِ الأثَرية مفضُولةٌ، قد صحَّ نهيُه - عليه السلام - عن صَومِ الدَّهر، وصحَّ أنَّه نهى أن يُقرأ القرآنُ في أقلَّ من ثلاث، والدِّين يُسرٌ، ومتابعةُ السُّنَّة أولى، فرضي الله عن وكيع رحمه الله، وأين مثلُ وكيع؟! ومعَ هذا فكان مُلازِمًا لشُربِ نبيذِ الكوفة الذي يُسِكرُ الإكثارُ منه فكان مُتأولاً في شُربه، ولو تركه تورُّعًا، لكان أولى به، فإنَّ مَنْ تَوقَّى الشُّبهات، فقد استبرأَ لدينِهِ وعِرْضِه، وقد صحَّ النهيُ والتحريمُ للنَّبيذِ

المذكور. وليس هذا موضعَ هذه الأمور، وكل أحدٍ يُؤْخَذُ من قوله ويُتركُ، فلا قُدوةَ في خطأ العالِم، نَعَم، ولا يُوَبَّخُ بما فعله باجتهاد، نسأل الله له المُسَامحة. [السير (تهذيبه) 2/ 809]. * وعن أبي إدريس الخولاني رحمه الله قال: ما تقلد امرؤ قلادة أفضل من سكينة، وما زاد الله عبدًا قط فقها إلا زاده الله قصدًا. [الحلية (تهذيبه) 2/ 163]. * وعن مخلد بن الحسين رحمه الله قال: ما ندب الله العباد إلى شيء إلا اعترض فيه إبليس بأمرين: ما يبالي بأيهما ظفر: إما غلوًا فيه، وإما تقصيرًا عنه. [الحلية (تهذيبه) 3/ 63]. * وعن الحسن البصري رحمه الله أنه قال: وضع دين الله دون الغلو وفوق التقصير. [الزهد للإمام أحمد / 477].

حال السلف مع القرآن

حال السلف مع القرآن * عن أبي سلمة قال: كان عمرُ - رضي الله عنه - إذا جلس عنده أبو موسى، ربما قال له، ذكِّرنا يا أبا موسى فيقرأ. [السير (تهذيبه) 1/ 280]. * وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس مفطرون، وبحزنه إذا الناس فرحون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصمته إذا الناس يخلُطون، وبخشوعه إذا الناس يختالون. وينبغي لحامل القرآن: أن يكون باكيًا محزونًا حليمًا حكيمًا سِكّيتًا، ولا ينبغي لحامل القرآن: أن يكون جافيًا، ولا غافلاً، ولا سخّابًا، ولا صيّاحًا، ولا حديدًا. (رواه الإمام أحمد). [صفة الصفوة 1/ 188]. * وقال أيضًا - رضي الله عنه -: إن هذا القرآن مأدبة الله، فمن استطاع أن يتعلم منه شيئًا فليفعل، فإن أصفر البيوت من الخير الذي ليس فيه من كتاب الله شيء، وإن البيت الذي ليس فيه من كتاب الله شيء كخراب البيت الذي لا عامر له، وإن الشيطان يخرج من البيت الذي تسمع فيه سورة البقرة. [الحلية (تهذيبه) 1/ 119]. * وقال أيضًا - رضي الله عنه -: إن هذه القلوب أوعية فاشغلوها بالقرآن ولا تشغلوها بغيره. [الزهد للإمام أحمد / 298]. * وعن أبي البختري قال: سُئل علي بن أبي طالب عن ابن مسعود - رضي الله عنه - فقال: قرأ القرآن ثم وقف عنده، وكفى به. [الحلية (تهذيبه) 1/ 118]. * وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: لأنَ أقرأ البقرة في ليلة وأتفكّر فيها أحبُّ إلي من أن أقرأ القرآن هذْرمةً (¬1). [صفة الصفوة 1/ 372]. ¬

(¬1) الهَذْرَمةُ كالهَذْرَبةِ، والهَذْرَمةُ: كثرةُ الكلامِ. ورجل هُذَارمٌ وهُذارِمةٌ: كثيرُ الكلام. وهَذْرَمَ الرجلُ في كلامِه هَذْرَمةَ إِذا خلَّط فيه، ويقال للتخليط الهَذْرَمةُ، ويقال: هو السرعة في القراءة والكلامِ والمشْي. لسان العرب , مادة: هذرم.

* وعن عبيد بن أبي الجعد، عن رجل من أشجع. قال: سمع الناس بالمدائن أن سلمان الفارسي - رضي الله عنه - في المسجد، فأتوه فجعلوا يثوبون إليه، حتى اجتمع إليه نحو من ألف، قال فقام فجعل يقول: اجلسوا اجلسوا، فلما جلسوا فتح سورة يوسف يقرؤها، فجعلوا يتصدعون ويذهبون حتى بقي في نحو من مائة. فغضب وقال: الزخرف من القول أردتم؟ ثم قرأت عليكم كتاب الله فذهبتم! [الحلية (تهذيبه) 1/ 163]. * وعن مسروق، قال: قال لي رجل من أهل مكة: هذا مقام أخيك تميم الداري رضي الله عنه، لقد رأيته ذات ليلة حتى أصبح أو كاد أن يصبح يقرأ بآية يركع بها ويسجد ويبكي: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاء مَا يَحْكُمُونَ} [العنكبوت: 4]. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 256، 257]. * وقرأ تميم الداري - رضي الله عنه - في المسجد بعد أن صلى العشاء بهذه الآية: {وَهُمْ فِيهَا كاَلِحُونَ} [المؤمنون: 104]. فما يخرج منها حتى يسمع آذان الصبح. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 257]. * وعن سعيد القرشي، أن ابن الزبير - رضي الله عنه - كان يقرأ القرآن في ليلة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 323]. * وقال عمر بن ذر رحمه الله: من سره أن ينظر إلى يوم القيامة في الدنيا فليقرأ: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: 1]. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 137]. * وكان هارون بن رئاب الأسدي رحمه الله يقوم من الليل للتهجد فربما ردد هذه الآية {فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنعام: 27]، ويبكي فهو كذلك حتى يذهب ليل طويل، وكان إذا قام للتهجد قام مسرورًا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 257]. * وقال فضل الرقاشي رحمه الله: ما تلذذ العابدون ولا استطارت قلوبهم بشيء كحسن الصوت بالقرآن، وكل قلب لا يجيب على حسن الصوت بالقرآن فهو قلب ميت.

وقال الفضل: وأي عين لا تهمل على حسن الصوت إلا عينُ غافلٍ أو لاهٍ. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 185]. * وعن أبي معشر قال: كان محمد بن قيس رحمه الله إذا أراد أن يُبكي أصحابه قرأ آيات قبل أن يتكلم، وكان من أحسن الناس صوتا، فإذا قرأ بكى وأبكى، قال: ثم يتكلم بعد ذلك، قال: وكان محمد بن كعب يتكلم ودموعه سائلة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 185]. * وعن مقاتل بن حيان قال: صليت خلف عمر بن عبد العزيز رحمه الله فقرأ: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ} [الصافات: 24] فجعل يكررها، لا يستطيع أن يجاوزها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 255]. * وعن ميمون بن مهران قال: قرأ عمر بن عبد العزيز رحمه الله {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} [التكاثر: 1] فبكى ثم قال: {حَتَّى زُرْتُمُ المَقَابِرَ} [التكاثر: 2] ما أرى المقابر إلا زيارة، ولا بد لمن يزورها أن يرجع إلى الجنة أو إلى النار. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 255]. * وعن الحسن رحمه الله قال: قرَّاءُ القرآن ثلاثة: فرجل اتخذه بضاعة ينقله من مصر إلى مصر، يطلب به ما عند الناس. وقوم قرؤوا القرآن فحفظوا حروفه، وضيعوا حدوده، استدرجوا به الولاة، واستطالوا به على أهل بلادهم، فتجد أكثر (¬1) هذا الضرب في حملة القرآن لا أكثرهم الله. ورجل قرأ القرآن فبكى بما يعلم من دواء القرآن، فوضعه على داء قلبه، فسهر لله وهملت عيناه، تسربلوا الحزن، وارْتَدَوا بالخشوع، وكدُّوا في محاريبهم، فبهم يسقي الله الغيث، وينزل النصر، ويرفع البلاء، والله لهذا الضرب في حملة القرآن أقل من الكبريت الأحمر. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 290]. * وقيل للحسن رحمه الله: إن ههنا قوماً إذا استمعوا القرآن بكوا حتى تعلو ¬

(¬1) في الأصل: كثر , ولعل المثبت هو الصواب.

أصواتهم، فقال الحسن: لم يزل الناس على ذلك يبكون عند الذكر وقراءة القرآن. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 190]. * وعن يحيى بن عبد الرحمن، قال: سمعت سعيد بن جبير رحمه الله يردد هذه الآية حتى يصبح: {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ} [يس: 59]. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 257]. * وعن عبد الله بن إسماعيل قال: حدثني رجل من قيس يكنى أبا عبد الله، قال: بينا أنا ذات ليلة عند الحسن رحمه الله فقام من الليل يصلي، فلم يزل يردد هذه الآية حتى أسحر: {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا} [إبراهيم: 34]، فلما أصبح قلنا: يا أبا سعيد لم تكن تجاوز هذه الآية سائر الليلة قال: إن فيها معتبرًا، ما أن نرفع طرفًا ولا نرد إلا وقع علينا نعمة، وما لا نعلم من نعم الله أكثر. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 257]. * وعن عامر بن عبد قيس رحمه الله قال: ما أبالي ما فاتني من الدنيا بعد آيات في كتاب الله قوله: {وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ}. [هود: 6]. وقوله: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ} [فاطر: 2]. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 279]. * وعن سعيد بن جبير رحمه الله قال: ما أتت علي ليلتان إلا وأنا أختم فيها بالقرآن. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 279]. * وعن ابن أبي الزناد رحمه الله، عن أبيه، قال: كنت أخرج من السحر إلى مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا أمر ببيت إلا وفيه قارىء. وقال أيضًا رحمه الله: كنا ونحن فتيان نريد أن نخرج لحاجة فنقول: موعدكم قيام القراء. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 310]. * وعن عبيد بن عمير رحمه الله قال: إن الله يبغض القارئ إذا كان لبَّاسا، ركَّاباً، خرَّاجا (¬1)، ولاَّجاً. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 492]. ¬

(¬1) في الأصل: خارجاً, ولا يستقيم المعنى.

* وقيل لرجل بطرسوس: ما هنا أحد تستأنس إليه؟ قال: نعم، قيل: فمن؟ فمد يده إلى المصحف ووضعه في حجره، وقال: هذا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 509]. * وقال فضيل بن عياض رحمه الله: من لم يستأنس بالقرآن؛ فلا آنس الله وحشته. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 510]. * وعن الدمشقي رحمه الله، قال: ربما كان المطر وقُرَّاء القرآن من الليل فلا يدرون أي الصوتين أرفع: المطر أو قراءة القرآن. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 310]. * وعن الشعبي رحمه الله قال: من قرأ القرآن لم يخرف. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 571]. * وعن عبد الملك بن عمير رحمه الله قال: أبقى الناسِ عقولاً: قَرَأةُ القرآن. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 571]. * وعن حماد، أن سعيد بن جبير رحمه الله: قرأ القرآن في ركعة في الكعبة، وقرأ في الركعة الثانية بقل هو الله أحد. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 316]. * وعن الصلت بن حكيم، قال: قرأ لنا قارئ بمكة: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} [ق: 19]، ونحن على باب الفضيل بن عياض رحمه الله فجعلنا نسمع نشيجه من العلو. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 534]. * وعن أبي همام قال: قلت لعيسى بن وردان رحمه الله: ما غاية شهوتك من الدنيا؟ فبكى ثم قال: أشتهي أن ينفرج لي عن صدري، فأنظر إلى قلبي ماذا صنع القرآن فيه. وكان عيسى إذا قرأ شهقَ حتى أقول: الآن تخرج نفسُه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 584]. * وقال محمد بن كعب رحمه الله: لأن أقرأ في ليلتي حتى أصبح {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [الزلزلة: 1] و {الْقَارِعَةُ} [القارعة: 1] لا أزيد عليهما، وأفكر فيهما وأتردّد أحبُّ إلي من أن أهذّ القرآن هذًّاً. أو قال: أنثره نثرًا. [صفة الصفوة 2/ 474]. * وعن عبد الرحمن بن عجلان قال: بت عند الربيع بن خيثم رحمه الله

ذات ليلة، فقام يصلي. فمر بهذه الآية {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ} الآية [الجاثية: 21]. فمكث ليلته حتى أصبح ما جاوز هذه الآية إلى غيرها ببكاء شديد. [الحلية (تهذيبه) 1/ 311]. * وعن جعفر بن سليمان قال: سمعت ثابتًا البناني رحمه الله يقول: ما تركت في مسجد الجامع سارية إلا وقد ختمت القرآن عندها، وبكيت عندها. [الحلية (تهذيبه) 1/ 404]. * وعن عمر بن محمد بن المنكدر رحمه الله. قال: كنت أمسك على أبي المصحف. قال: فمرت مولاة له فكلمها فضحك إليها؛ ثم أقبل يقول: إنا لله إنا لله! حتى ظننت أنه قد حدث شيء. فقلت: ما لك؟ فقال: أما كان لي في القرآن شغل حتى مرت هذه فكلمتها. [الحلية (تهذيبه) 1/ 493]. * وعن محمد بن خالد؛ أن خيثمة رحمه الله كان يختم القرآن في ثلاث. [الحلية (تهذيبه) 2/ 63]. * وعن عمرو بن عبد الرحمن بن محيريز قال: كان جدي ابن محيريز رحمه الله يختم القرآن في كل سبع. [الحلية (تهذيبه) 2/ 169]. * وعن مكحول رحمه الله قال: اقرأ القرآن ما نهاك، فإذا لم ينهك فلست تقرؤه. [الحلية (تهذيبه) 2/ 180]. * وقال أبو العالية رحمه الله: كنا نعدّ من أعظم الذنوب أن يتعلم الرجلُ القرآن، ثم ينام عنه حتى ينساه. [صفة الصفوة 3/ 148]. * وعن سلام بن أبي مطيع، عن قتادة رحمه الله؛ أنه كان يختم القرآن في كل سبع ليال مرة، فإذا جاء رمضان ختم في كل ثلاث ليال مرة. فإذا جاء العشر ختم في كل ليلة مرة. [الحلية (تهذيبه) 1/ 410]. * وكان يقال: شر الأمراء أبعدهم من القرَّاء، وشر القرّاء أقربهم من الأمراء. [عيون الأخبار 1/ 56]. * وقال بعضُ المفسرين في قول الله - عزَّ وجلَّ -: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الأعراف: 146] أحْرِمهُم فَهْم القرآن. [عيون الأخبار 2/ 533].

* وعن عبد الملك بن أبي سليمان، عن سعيد بن جبير رحمه الله أنه كان يختم القرآن في كل ليلتين. [الزهد للإمام أحمد / 614]. * وعن القاسم بن أبي أيوب قال: سمعت سعيد بن جبير رحمه الله يردد هذه الآية في الصلاة بضعًا وعشرين مرة: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} [البقرة 281]. [الزهد للإمام أحمد / 614]. * وقال مالك بن دينار رحمه الله: إن الصّدّيقين إذا قرئ عليهم القرآن طربت قلوبهم إلى الآخرة. [صفة الصفوة 3/ 204]. * وقال أيضًا رحمه الله: يا حملة القرآن، ماذا زرع القرآن في قلوبكم؟ فإن القرآن ربيع المؤمن كما أن الغيث ربيع الأرض، فإن الله ينزل الغيث من السماء إلى الأرض، فيصيب الحش فتكون فيه الحبة فلا يمنعها نتن موضعها أن تهتز وتخضر وتحسن، فيا حملة القرآن ماذا زرع في قلوبكم؟ أين أصحاب سورة؟ أين أصحاب سورتين؟ ماذا عملتم فيهما؟. [الحلية (تهذيبه) 1/ 418]. * وقال ابن وهب: قيل لأخت مالك بن دينار رحمه الله: ما كان شغل مالك في بيته؟ قالت: المصحف، التلاوة. [السير (تهذيبه) 2/ 736]. * وعن عطاء بن السائب، أن أبا عبدِ الرحمن السُلمي رحمه الله قال: أخذنا القرآن عن قومٍ أخبرونا أنَّهم كانوا إذا تعلَّموا عَشرَ آياتٍ لم يجاوزوهُنَّ إلى العَشر الأُخَرِ حتى يعلمُوا ما فيهنّ، فكُنَّا نتعلّم القرآن والعَملَ به، وسيرِثُ القرآنَ بعدنا قوم يشربونَهُ شرب الماء لا يجاوزُ تراقِيَهُم. [السير (تهذيبه) 1/ 495]. * وعن أبي إسحاق السبيعي قال: أقرأ أبو عبد الرحمن السلمي رحمه الله القرآن في المسجد أربعين سنة. [الحلية (تهذيبه) 2/ 82]. * وقال محمد بن واسع رحمه الله: القرآن بستان العارفين، فأينما حلوا منه حلوا في نزهة. [الحلية (تهذيبه) 1/ 412]. * وعن زاذان رحمه الله قال: من قرأ القرآن، ليتأكل به الناس، جاء يوم القيامة ووجهه عظم ليس عليه لحم. [الحلية (تهذيبه) 2/ 85]. * وقال عمرو بن مرة رحمه الله: أكره أن أمر بمثل في القرآن فلا أعرفه

لأن الله تعالى يقول: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ} [العنكبوت: 43]. [الحلية (تهذيبه) 2/ 153]. * وعن حُسين العَنْقَزِيِّ قال: لما نزل بابن إدريس رحمه الله الموتُ، بكَتْ بنتُه، فقال: لا تبكي يا بُنَيَّة، فقد ختمتُ القرآن في هذا البيت أربعةَ آلاف خَتمة. [السير (تهذيبه) 2/ 796]. * وقال محمد بن عوف الحِمْصِيٌّ: رأيتُ أحمد بن أبي الحواري رحمه الله عندنا بأَنْطَرسُوس (¬1)، فلما صلّى العَتَمَة (¬2) قام يُصلِّي، فاستفتح بـ {الْحَمْدُ للهِ} إلى {إيَّاكَ نَعْبُدُ وإيَّاك نَسْتَعِيْن} فطُفْت الحائط كلَّه، ثم رجعتُ، فإذا هو لا يجاوزُها ثم نمتُ، ومررت في السَّحَرِ، وهو يقرأ: {إيَّاك نَعْبُدُ} فلم يزل يُرَدِّدُها إلى الصبح. [السير (تهذيبه) 3/ 985]. * وقال ابن الجوزي رحمه الله: كان عبد الملك بن عبد العزيز رحمه الله - أبو نصر التمار - ممن أجاب في المحنة، وكان أحمد ينهى عن الكتابة عنه ولم يخرج للصلاة عليه، كل ذلك ليعظم أمر القرآن عند الناس. [المنتظم 11/ 139]. * وقال سفيان بن عيينة رحمه الله: من قرأ القرآن يسأل عما يسأل عنه الأنبياء - عليهم السلام - إلا تبليغ الرسالة. [الحلية (تهذيبه) 2/ 432]. * وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: حامل القرآن حامل راية الإسلام، لا ينبغي له أن يلغو مع من يلغو، ولا أن يلهو مع من يلهو، ولا يسهو مع من يسهو، وينبغي لحامل القرآن أن لا يكون له إلى الخلق حاجة، لا إلى الخلفاء فمن دونهم، وينبغي أن يكون حوايج الخلق إليه. [الحلية (تهذيبه) 3/ 12]. * وعن وهيب بن الورد رحمه الله قال: نظرنا في هذا الحديث، فلم نجد شيئًا أرق لهذه القلوب، ولا أشد استجلابًا للحق، من قراءة القرآن لمن تدبره. [الحلية (تهذيبه) 3/ 31]. * وعن أبي داود الطرسوسي قال: قلت لعبد الله بن المبارك رحمه الله: إنا ¬

(¬1) قال في الحاشية: في "معجم البلدان" أنطَرسوس: بلد من سواحل بحر الشام. (¬2) قال في الحاشية: أي صلاة العشاء لأنها تصلَّى في العَتَمَة أي الظلمة.

نقرأ بهذه الألحان، فقال: إنما كره لكم منها، إنا أدركنا القراء وهم يؤتون تسمع قراءتهم، وأنتم تدعون اليوم كما يدعى المغنون. [الحلية (تهذيبه) 3/ 39]. * وقال سالم الخواص رحمه الله: كنت أقرأ القرآن ولا أجد له حلاوة، فقلت لنفسي: اقرئيه كأنك سمعتيه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجاءت حلاوة قليلة، فقلت لنفسي: اقرئيه كأنك سمعتيه من جبريل - عليه السلام - حين يخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: فازدادت الحلاوة، ثم قلت لها: اقرئيه كأنك سمعتيه حين تكلم به. قال: فازدادت الحلاوة كلها. [الحلية (تهذيبه) 3/ 69]. * وعن وهب بن منبه رحمه الله قال: قيل لرجل ألا تنام؟ قال: إن عجائب القرآن أذهبت نومي. [الزهد للإمام أحمد / 440]. * وعن الربيع بن سليمان قال: كان محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله يختم في شهر رمضان ستين ختمة، ما منها شيء إلا في صلاة. [الحلية (تهذيبه) 3/ 131]. * وعن أحمد قال: سمعت أبا سليمان الداراني رحمه الله يقول: ربما أقمت في الآية الواحدة خمس ليال، ولولا أني بعد أدع الفكر فيها ما جزتها أبدًا، وربما جاءت الآية من القرآن تطير العقل، فسبحان الذي رده إليهم بعد. [الحلية (تهذيبه) 3/ 185].

عناية السلف بالقلب

عناية السلف بالقلب (أ) ضعف القلب وسرعة تقلبه وتغيره: * عن أبي عبيدة بن الجراح - رضي الله عنه - قال: مثل قلب المؤمن مثل العصفور يتقلب كل يوم كذا وكذا مرة. [الحلية (تهذيبه) 1/ 100]. * وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه. قال: إنما سمي القلب من تقلبه، ألا وإن القلب مثل ريشة معلقة بشجرة في فضاء من الأرض، تفيؤها الريح ظهرًا لبطن. [الحلية (تهذيبه) 1/ 202]. (ب) الحذر من قسوة ومرض القلب، وأسباب ذلك: * عن وهيب أن عبد الله بن عمر رضى الله عنه باع جملاً فقيل: لو أمسكته فقال: لقد كان موافقًا، ولكنه أذهب شُعبةً من قلبي، فكرهت أن أشغل قلبي بشيء [(رواه أحمد)، صفة الصفوة 1/ 273]. * وعن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - قال: إن الفتنة تُعرض على القلوب فأيّ قلب أنس بها نكتت فيه نكتةٌ سوداء، فإن أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، فمن أحب منكم أن يعلم أصابته الفتنة أم لا فلينظر، فإن كان يرى حرامًا كان يراه حلالاً، أو يرى حلالاً كان يراه حرامًا فقد أصابته الفتنة (¬1). [صفة الصفوة 1/ 290]. * وعن بلال بن سعد قال: كان أبو الدرداء - رضي الله عنه - يقول: اللهم إني أعوذ بك من تفرقة القلب. قيل: وما تفرقة القلب؟ قال: أن يوضع لي في كل وادٍ مال. [الحلية (تهذيبه) 1/ 175]. * وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: استعيذوا بالله من خشوع النفاق، قيل: ¬

(¬1) هذا إذا كان عن هوىً، وأما إذا كان عن علم واتباع للدليل فهذا هو الواجب.

وما خشوع النفاق؟ قال: أن يُرى الجسد خاشعًا، والقلبُ ليس بخاشع. [(رواه الإمام أحمد). صفة الصفوة 1/ 302]. * وعن أبي حازم رحمه الله قال: إن العبد ليعمل الحسنةَ تسرُّه حين يعملها، وما خلق الله من سيئة هي عليه أضرُّ منها، وإن العبد ليعمل السيئة تسوءه حين يعملها، وما خلق الله - عزَّ وجلَّ - من حسنة أنفع له منها، وذلك أن العبد حين يعمل الحسنة يتجبّر فيها، ويرى أن له فضلاً على غيره، ولعل الله - عزَّ وجلَّ - يُحبطها ويحبط معها عملاً كثيرًا، وإن العبد ليعمل السيئة تسوءه، ولعل الله - عزَّ وجلَّ - يُحدث له فيها وجَلاً، فيلقى الله وإن خوفَها لفي جوفه ... باقٍ. (¬1) [صفة الصفوة 2/ 493]. * وقال عبد الحميد بن بيان: سمعت أبي يقول: خرج سيار رحمه الله إلى البصرة، فقام يصلي إلى سارية في المسجد الجامع، وكان حسنَ الصلاة، عليه ثياب جياد، فرآه مالك بن دينار، فجلس إليه، فسلّم سيار، فقال له مالك: هذه الصلاة وهذه الثياب؟ (¬2) فقال له سيار: هذه ترفعني عندك أو تضعني؟ ¬

(¬1) قال ابن القيم رحمه الله: وحجابهم - أي حجاب أهل الكبائر الظاهرة - أرقُّ من حجاب إخوانهم من أهل الكبائر الباطنة، مع كثرة عباداتهم وزهاداتهم واجتهاداتهم. فكبائر هؤلاء أقرب إلى التوبة من كبائر أولئك، فإنها قد صارت مقامات لهم لا يتحاشون من إظهارها وإخراجها في قَوالب عبادةٍ ومعرفةٍ، فأهل الكبائر الظاهرة أدنى إلى السلامة منهم، وقلوبهم خير من قلوبهم. فترى أحدَهم أزهد ما يكون، وأعبد ما يكون، وأشده اجتهادا، وهو أبعد ما يكون عن الله. وأصحاب الكبائر أقرب قلوبًا إلى الله منه، وأدنى منه إلى الإخلاص والخَلاص. فانظر إلى السَّجاد العبَّاد الزاهد، الذي بين عينيه أثر السجود، كيف أورثه طُغيان عملِه أن أنكر على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأورث أصحابَه احتقار المسلمين، حتى سَلُّوا عليهم سيوفهم، واستباحوا دماءهم. وانظر إلى الشِّريب السِّكير، الذي كان كثيرًا ما يُؤتى به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فيَحُدُّه على الشراب، كيف قامت به قوة إيمانه، ويقينه، ومحبته لله ورسوله، وتواضعه، وانكساره لله، حتى نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن لعنه. فظهر بهذا أن طُغيان المعاصي أسلم عاقِبةً من طُغيان الطاعات. ا. هـ بتصرف. مدارج السالكين 4/ 69 - 72 (¬2) في الحلية: إني لأرغب بك عن هذا اللباس.

فقال: تضعك. قال: هذا أردت. ثم قال له: يا مالكُ إني لأحسب ثوبيك هذين قد أنزلاك من نفسك ما لم ينزلك الله. فبكى مالك، وقال له: أنت سيار؟ قال: نعم. فعانقه. [صفة الصفوة 3/ 9]. * وعن ابن شوذب قال: قسم أمير البصرة على أهل البصرة، فبعث إلى مالك ابن دينار رحمه الله، فقبل وأتاه محمد بن واسع، فقال: يا مالك قبلت جوائز السلطان قال: فقال: يا أبا بكر سل جلسائي، فقالوا: يا أبا بكر اشترى بها رقابًا فأعتقهم، فقال له محمد بن واسع: أنشدك الله أقلبك الساعة له على ما كان قبل أن يجيزك؟ قال: اللهم لا، قال: ترى أيّ شيء دخل عليك؟ فقال مالك لجلسائه: إنما مالك حمار، إنما يعبد الله مثلُ محمد بن واسع. [صفة الصفوة 3/ 192]. * وعن الحسن البصري رحمه الله قال: والله لقد أدركت أقوامًا لو شاء أحدهم أن يأخذ هذا المال من حله أخذه، فيقال لهم: ألا تأتون نصيبكم من هذا المال فتأخذونه حلالاً؟ فيقولون: لا إنا نخشى أن يكون أخذه فسادًا لقلوبنا. [الزهد للإمام أحمد / 104]. * وعن محمد بن واسع رحمه الله قال: أربع يمتن القلب؛ الذنب على الذنب، وكثرة مثافنة النساء وحديثهن، وملاحاة الأحمق تقول له ويقول لك، ومجالسة الموتى. قيل: وما مجالسة الموتى؟ قال: مجالسة كل غني مترف، وسلطان جائر. [الحلية (تهذيبه) 1/ 414]. * وقال يحيى بن معاذ رحمه الله: كم من مستغفر ممقوت وساكتٍ مرحوم، ثم قال يحيى: هذا استغفَر الله وقلبُه فاجر، وهذا سكت وقلبُه ذاكِر. [صفة الصفوة 4/ 341]. * وقال أيضًا رحمه الله: مَفَاوِز الدنيا تُقْطع بالأقدام، ومَفَاوِز الآخرة تُقْطع بالقلوب. [صفة الصفوة 4/ 342]. * وقال أيضًا رحمه الله: ذنب أفتقر به إليه أحب إليَّ من عمل أُدِلّ به عليه. [صفة الصفوة 4/ 340].

(جـ) نصائح وتوجيهات في إصلاح القلب وتصحيح النية والصدق مع الله

* وقال أحمد بن أبي الحواريّ: قلت لأبي سليمان الداراني رحمه الله: إن فلانًا وفلانا لا يقَعان على قلبي (¬1). قال: ولا على قلبي، ولكن لعلّنا أُتينا من قلبي وقلبك، فليس فينا خير، وليس نحبُّ الصالحين. [صفة الصفوة 4/ 447]. * وقال حذيفة المرعشي رحمه الله: ما أصيب أحد بمصيبةٍ أعظم من قَسَاوة قلبه. [صفة الصفوة 4/ 476]. * وقال بشر بن الحارث: كتب حذيفة المرعشي رحمه الله إلى يوسف بن أسباط: يا أخي إني أخاف أن يكون بعض مَحاسننا أضرّ علينا في القيامة من مساوئنا. [صفة الصفوة 4/ 774]. * وعن محمد بن عُبادة المعافري قال: كُنَّا عند أبي شُريْح رحمه الله فكثرت المسائل، فقال: قد دَرِنَتْ قُلُوبُكم، فقوموا إلى خالد بن حُمَيد المهري استَقِلُّوا قلوبكم، وتعلَّموا هذه الرغائبَ والرقائق فإنها تُجدِّد العبادة، وتورث الزهادة، وتجر الصَّداقة، وأقِلُّوا المسائل، فإنها في غير ما نزل تُقسِّي القلب، وتُورِث العداوة. قال الذهبي رحمه الله: صدق والله، فما الظنُ إذا كانت مسائل الأصول، ولوازم الكلام في معارضة النَّص، فكيف إذا كانت مِن تشكيكات المنطق، وقواعد الحكمة، ودين الأوائل؟!. [السير (تهذيبه) 2/ 691]. * وعن الفضيل بن عياض رحمه الله قال: خصلتان تقسِّيان القلب: كثرةُ الكلام، وكثرةُ الأكل. [السير (تهذيبه) 2/ 779]. (جـ) نصائح وتوجيهات في إصلاح القلب وتصحيح النية والصدق مع الله (¬2): * عن منذر قال: جاء ناس من الدهاقين إلى عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، فتعجب الناس من غلظ رقابهم وصحتهم، فقال عبد الله: " إنكم ترون الكافر ¬

(¬1) أي لا أجد في قلبي محبة لهما. (¬2) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وأصل صلاح القلب: صلاح إرادته ونيته , فإن لم يصلح ذلك لم يصلح القلب. والقلب هو المضغة التي إذا صلحت صلح لها سائر الجسد , وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد. الاستقامة / 350

من أصح الناس جسمًا وأمرضه قلبًا، وتلقون المؤمن من أصح الناس قلبًا وأمرضه جسمًا، وأيم الله لو مرضتْ قلوبكم وصحَّت أجسامُكم لكنتم أهون على الله من الجُعْلان". [صفة الصفوة 1/ 190]. * وقال عبد الله بن المبارك رحمه الله: رُبَّ عمل صغير تُكثِّره النية، ورب عمل كثير تُصغِّره النيةُ. [السير (تهذيبه) 2/ 769]. * وقال أبو حازم رحمه الله: عند تصحيح الضمائر تُغفر الكبائر، وإذا عزم العبد على ترك الآثام أتته الفتوح (¬1). [صفة الصفوة 2/ 493]. * وقال سفيان بن عيينة رحمه الله: إذا وافقت السريرة العلانية، فذلك العدل، وإذا كانت السريرة أفضل من العلانية، فذلك الفضل، وإذا كانت العلانية أفضل من السريرة، فذلك الجوْر. [صفة الصفوة 2/ 541]. * وقال الفضيل بن عياض رحمه الله لرجل: لأعلّمنك كلمة هي خير من الدنيا وما فيها: والله لئن علم الله منك إخراج الآدميين من قلبك حتى لا يكون في قلبك مكان لغيره، لم تسأله شيئا إلا أعطاك. [صفة الصفوة 2/ 546]. * وقال أيضًا رحمه الله: كما أن القصور لا تسكنها الملوك حتى تفرغ، كذلك القلب لا يسكنه الحزن من الخوف حتى يفرغ. [الحلية (تهذيبه) 3/ 18]. * وقال مالك بن دينار رحمه الله: إن القلب إذا لم يكن فيه حزْن خرِبَ كما أن البيت إذا لم يُسكَن خَرِبَ. [صفة الصفوة 3/ 201، موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 264]. * وقال أيضًا رحمه الله: إنّ الأبرار لتغلي قلوبهم بأعمال البرّ، وإن الفجّار تغلي قلوبهم بأعمال الفجور، والله يرى همومكم، فانظروا ما همومكم رحمكم الله. [صفة الصفوة 3/ 204، موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 282]. * وعن جعفر قال: سمعت مالك بن دينار رحمه الله يقول: إن الصدق يبدو في القلب ضعيفًا، كما يبدو نبات النخلة يبدو غصنًا واحدًا، فإذا نتفها صبي، ذهب أصلها وإن أكلتها عنز ذهب أصلها فتسقى فتنشر، وتسقى فتنشر حتى ¬

(¬1) قال ابن رجب رحمه الله: يشير إلى ما يُفتح عليه، بتيسير الإنابة، والطاعة، ومقامات العارفين.

يكون لها أصل أصيل يوطأ، وظل يستظلّ به، وثمرة يؤكل منها، كذلك الصدق يبدو في القلب ضعيفًا، فيتفقده صاحبه ويزيده الله تعالى. ويتفقده صاحبه فيزيده الله حتى يجعله الله بركة على نفسه، ويكون كلامه دواء للخاطئين. قال: ثم يقول مالك: أما رأيتموهم؟ ثم يرجع إلى نفسه، فيقول: بلى! والله لقد رأيناهم؛ الحسنُ، وسعيدُ بن جبير وأشباههم، الرجل منهم يحيي الله بكلامه الفئام من الناس. [الحلية (تهذيبه) 1/ 418]. * وعن معقل بن عبيد الله الجزري رحمه الله قال: كانت العلماء إذا التقوا تواصوا بهذه الكلمات، وإذا غابوا كتب بها بعضهم إلى بعض أنه: من أصلح سريرته أصلح الله علانيته، ومن أصلح ما بينه وبين الله كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن اهتم بأمر آخرته كفاه الله أمر دنياه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 177]. * وقال يحيى بن معاذ رحمه الله: تقويم الأعمال في تصحيح العزائم. [صفة الصفوة 4/ 340]. * وقال أيضًا رحمه الله: دواءُ القلب خمسة أشياء: قراءةُ القرآن بالتفكر، وخلاء البطن، وقيام الليل، والتضرع عند السحر، ومجالسة الصالحين. [صفة الصفوة 4/ 341] (¬1). * وقال رجل لمورق العجلي رحمه الله: إني أشكو إليك قسوة قلبي لا أستطيع الصوم ولا أصلي، فقال له مورق: إن ضعفت عن الخير، فاضعف عن الشر فإني أفرح بالنومة أنامها. [الحلية (تهذيبه) 1/ 374]. * وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله: إذا كانت الآخرة في القلب جاءَت الدنيا تزحَمها، وإذا كانت الدنيا في القلب لم تَزْحَمها الآخرة، لأنَّ الآخرة كريمة والدنيا لئيمة. [صفة الصفوة 4/ 443]. * وعن أحمد بن عاصم رحمه الله قال: إذا صارت المعاملة إلى القلب استراحت الجوارح. [الحلية (تهذيبه) 3/ 201]. ¬

(¬1) وكذا قال إبراهيم الخواص رحمه الله الحلية (تهذيبه) 3/ 421

(د) أهمية انصراف القلب إلى الله، وتعلقه به، والثقة به

(د) أهمية انصراف القلب إلى الله، وتعلقه به، والثقة به: * عن سعيد بن المسيب رحمه الله قال: من استغنى بالله افتقر إليه الناس. [صفة الصفوة 2/ 438]. * وقال يونس بن عبيد رحمه الله: مالي تَضيع لي الدجاجة فأجدُ لها (¬1)، وتفوتني الصلاة فلا أجد لها!!. [صفة الصفوة 3/ 220]. * وقال حامد الأسود: كنت مع إبراهيم الخوّاص رحمه الله في سفر، فدخلنا إلى بعض الغِيَاض، فلما أدركنا الليل إذا بالسباع قد أحاطت بنا فجزعتُ لرؤْيتها وصعدتُ إلى شجرة، ثم نظرتُ إلى إبراهيم وقد استلقى على قفاه، فأقبلَتِ السباع تلحَسُه من قَرنه إلى قدميه، وهو لا يتحرّك، ثم أصبحنا وخرجنا إلى منزل آخر وبِتنا في مسجد فرأيت بَقَّةً وقعت على وجه إبراهيم فلسَعتْه، فقال: أخٌ، فقلت يا أبا إسحاق أيُّ شيءٍ هذا التأوّه؟ أين أنت من البارحة؟ فقال: ذاك حال كنتُ فيه بالله، وهذا حال أنا فيه بنفسي. [صفة الصفوة 4/ 347]. * وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: بقدر ما يصغر الذَّنبُ عندك يَعْظُمُ عند الله، وبقدر ما يَعْظُمُ عندك يصغُر عند الله. [السير (تهذيبه) 2/ 774]. * وقال إسماعيل بن زياد: قدم علينا عبد العزيز بن أبي سلمان رحمه الله في بعض قدماته فأتيناه نسلم عليه، فقال لنا: صفُّوا للمنعم قلوبكم يكفيكم المؤن عند همكم، ثم قال: أرأيت لو خدمت مخلوقًا فأطلت خدمته، ألم يكن يرعى لخدمتك حرمة، فكيف بمن ينعم عليك، وأنت تسيء إلى نفسك، تتقلب في نعمه، وتتعرض لغضبه، هيهات همتك همة البطالين، ليس لهذا خلقتم ولا بذا أمرتم، الكيس الكيس رحمكم الله تعالى. وقال عبد الله بن إدريس رحمه الله: لو أن رجلاً انقطع إلى رجل لعرف ذلك فكيف بمن له السموات والأرضون. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 270]. ¬

(¬1) أي أحزن لها.

* وقال الفضيل رحمه الله: ما أحسن حال من انقطع إلى الله تعالى. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 270]. * وعن علي بن الموفق قال: سمعت حاتمًا الأصم رحمه الله يقول: لقينا الترك، وكان بيننا جولة، فرماني تركي بوهق فقلبني عن فرسي، ونزل عن دابته فقعد على صدري، وأخذ بلحيتي هذه الوافرة، وأخرج من خفه سكينًا ليذبحني به، فوحقَّ سيدي ما كان قلبي عنده ولا عند سكينه، إنما كان قلبي عند سيدي، أنظر ماذا ينزل به القضاء منه! فقلت: يا سيدي، إن قضيت على أن يذبحني هذا فعلى الرأس والعين، إنما أنا لك وملكك، فبينا أنا أخاطب سيدي وهو قاعد على صدري آخذ بلحيتي ليذبحني، إذ رماه بعض المسلمين بسهم فما أخطأ حلقه، فسقط عني، فقمت أنا إليه فأخذت السكين من يده فذبحته! فما هو إلا أن تكون قلوبكم عند السيد حتى تروا من عجائب لطفه ما لم تروا من الآباء والأمهات. [المنتظم 11/ 254]. * وعن شقيق بن إبراهيم رحمه الله قال: كنتُ شاعرًا، فرزقني الله التوبةَ، وخرجتُ من ثلاث مئة ألف درهم، ولبستُ الصُّوف عشرين سنة، ولا أدري أنِّي مرُاءٍ حتى لقيتُ عبدَ العزيز بن أبي روَّاد، فقال: ليس الشأنُ في أكل الشعير ولُبْس الصوفِ، الشأنُ أنْ تَعْرِفَ اللهَ بقلبكَ، ولا تُشرِكَ به شيئًا، وأن تَرْضى عن الله، وأن تكونَ بما في يدِ اللهِ أوثقَ منك بما في أيدي الناس. [السير (تهذيبه)] * وشكاَ رجلٌ إلى قوم ضيقًا فقال له بعضهم: شكوتَ مَنْ يَرْحَمُكَ إلى منْ لا يرحَمُك. [عيون الأخبار 3/ 188]. * وقال بعضُ المفسّرين في قول الله - عزَّ وجلَّ -: {وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ " 39 "} [سبأ: 39]: أي المخلوقُ يرزُقُ فإذا سخِط قطع رِزقَه، والله - عزَّ وجلَّ - يَسْخَط ولا يَقطَعُ. [عيون الأخبار 3/ 190]. * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 3/ 190]. لا تضرعنّ لمخلوقٍ على طمعٍ ... فإنّ ذلك وَهْنٌ منك بالدِّينِ واسترزِق اللهَ زرقًا من خزائنه ... فإنما هو بين الكافِ والنونِ

* وعن محمد بن واسع رحمه الله قال: إذا أقبل العبد بقلبه إلى الله أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه. [الحلية (تهذيبه) 1/ 410]. * وقال يحيى بن معاذ رحمه الله: من أشخص بقلبه إلى الله انفتحت ينابيع الحكمة من قلبه وجرت على لسانه. [الحلية (تهذيبه) 3/ 258]. * وقال سهل بن عبد الله رحمه الله: ما من ساعة إلاّ والله - عزَّ وجلَّ - مطّلع على قلوب العباد، فأيّ قلبٍ رأى فيه غيرَه سلّط عليه إبليس. [ذم الهوى / 77]. * وقال أيضًا رحمه الله: حرامٌ على قلبٍ أن يشمّ رائحةَ اليَقين وفيه سُكون إلى غير الله. وحرام على قلب أن يَدْخُله النورُ وفيه شيء مما يكره الله - عزَّ وجلَّ. [ذم الهوى / 77]. * وقال سلم الخَوَّاص رحمه الله: تركتموه، وأقبل بعضكم على بعض! لو أقبلتم عليه لرأيتم العجائب!. [ذم الهوى / 77]. * وقال ابن جهضم: سمعت ابن سَمعون رحمه الله يقول في مجلسه: ما سمعتَ قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إنّ الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة أو تمثال "؟ فإذا كان الملكُ لا يدخل بيتًا فيه صورة أو تمثال، فكيف تدخل شواهدُ الحقِّ قلبًا فيه أو صافُ غيرِه منَ البشر؟!. (¬1) [ذم الهوى / 78]. ¬

(¬1) قال ابن القيم رحمه الله: سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - (لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة) إذا كانت الملائكة المخلوقون يمنعها الكلب والصورة عن دخول البيت، فكيف تلج معرفة الله عز وجل، ومحبته، وحلاوة ذكره، والأنس بقربه، في قلب ممتلئ بكلاب الشهوات وصورها. ومن هذا: أن طهارة الثوب الطاهر والبدن إذا كانت شرطًا في صحة الصلاة، والاعتداد بها، فإذا أخَلَّ بها كانت فاسدة، فكيف إذا كان القلب نجسًا ولم يُطَهِّره صاحبه؟ فكيف يُعْتَدُّ له بصلاته، وإن أسقطت القضاء؟ وهل طهارة الظاهر إلا تكميلا لطهارة الباطن؟. ومن هذا: أن استقبال القبلة في الصلاة شرط لصحتها، وهي بيت الرب، فتوجُّه المصلي إليها ببدنه وقالَبِه: شرط، فكيف تصح صلاة من لم يتوجه بقلبه إلى رب القبلة والبدن؟ بل وجَّه بدنه إلى البيت ووجْهُ قلبه إلى غير رب البيت. ا. هـ بتصرف. مدارج السالكين 3/ 250 - 251

(هـ) فوائد أخرى

(هـ) فوائد أخرى: * عن عامر الشعبي قال: قال عمر - رضي الله عنه -: والله لقد لان قلبي في الله حتى لهو ألين من الزبد، ولقد اشتد قلبي في الله حتى لهو أشد من الحجر. [الحلية (تهذيبه) 71/ 1]. * وعن أبي البختري، عن سلمان رضي الله تعالى عنه قال: مثل القلب والجسد مثل أعمى ومقعد قال: المقعد إني أرى ثمرة ولا أستطيع أن أقوم إليها فاحملني فحمله فأكل وأطعمه. [الحلية (تهذيبه) 1/ 164]. * وعن ميمون بن مهران قال: نزل حذيفة وسلمان رضي الله تعالى عنهما على نبطية. فقالا لها: هل ههنا مكاناً طاهر نصلي فيه؟ فقالت النبطية: طهر قلبك، فقال أحدهما للآخر: خذها حكمة من قلب كافر. [الحلية (تهذيبه) 1/ 165]. * وعن ابن سيرين رحمه الله قال: إذا أراد الله - عزَّ وجلَّ - بعبده خيرًا جعل له واعظًا من قلبه يأمره وينهاه. [صفة الصفوة 3/ 172]. * وعن أبي قلابة رحمه الله قال: ما من أحد يريد خيرًا أو شرًا إلا وجد في قلبه آمرًا وزاجرًا، آمرًا يأمر بالخير وزاجرًا ينهى عن الشر. [الحلية (تهذيبه) 1/ 391]. * وعن عبيد الله بن شميط رحمه الله قال: سمعت أبي يقول: إن الله - عزَّ وجلَّ - جعل قوة المؤمن في قلبه، ولم يجعلها في أعضائه، ألا ترون أن الشيخ يكون ضعيفًا يصوم الهواجر، ويقوم الليل، والشاب يعجز عن ذلك. [الحلية (تهذيبه) 1/ 480]. * وقال حاتم الأصم رحمه الله: القلوبُ جَوَّالة، فإمَّا أنْ تجول حول العرش، وإما أن تجول حول الحُشِّ. [السير (تهذيبه) 2/ 962]. * وعن ثابت البناني رحمه الله قال: نية المؤمن أبلغ من عمله، إن المؤمن ينوي أن يقوم الليل، ويصوم النهار، ويخرج من ماله، فلا تتابعه نفسه على ذلك، فنيته أبلغ من عمله. [الحلية (تهذيبه) 1/ 406]. * وعن أبي عمران الجوني رحمه الله قال: وعظ موسى بن عمران - عليه السلام - قومه بني إسرائيل يومًا، فشق رجل منهم قميصه، فأوحى الله تعالى إلى موسى: قل

لصاحب القميص لا يشق قميصه، ليشرح لي عن قلبه. [الحلية (تهذيبه) 1/ 403]. * وعن شفي الأصبحي رحمه الله قال: إن الرجلين ليكونان في الصلاة مناكبهما جميعًا، ولما بينهما كما بين السماء والأرض، وإنهما ليكونان في بيت، صيامهما واحد، ولما بين صيامهما كما بين السماء والأرض. [الحلية (تهذيبه) 2/ 178]. * وعن حسان بن عطية رحمه الله قال: إن القوم ليكونون في الصلاة الواحدة، وإن بينهم كما بين السماء والأرض، وتفسير ذلك: أن الرجل يكون خاشعا مقبلاً على صلاته، والآخر ساهيًا غافلاً. [الحلية (تهذيبه) 2/ 266]. * وعن خالد بن معدان رحمه الله قال: ما من عبد إلا وله أربع أعين؛ عينان في وجهه يبصر بهما أمور الدنيا، وعينان في قلبه يبصر بهما أمور الآخرة، فإذا أراد الله بعبد خيرًا، فتح عينيه اللتين في قلبه، فيبصر بهما ما وعد بالغيب، وهما غيب فآمن الغيب بالغيب، وإذا أراد بعبد غير ذلك، تركه على ما هو عليه، ثم قرأ: {أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24]. [الحلية (تهذيبه) 2/ 188]. * وعن شهر بن حوشب رحمه الله قال: إذا حدث الرجل القوم، فإن حديثه يقع من قلوبهم موقعه من قلبه. [الحلية (تهذيبه) 2/ 263]. * وعن سفيان الثوري رحمه الله قال: لو أن اليقين استقر في القلب كما ينبغي، لطار فرحًا وحزنًا شوقًا إلى الجنة، أو خوفًا من النار. [الحلية (تهذيبه) 2/ 379]. * وقال أيضًا رحمه الله: بصر العينين من الدنيا، وبصر القلب من الآخرة، وإن الرجل ليبصر بعينه فلا ينتفع ببصره وإذا أبصر بالقلب انتفع. [الحلية (تهذيبه) 2/ 399]. * وقال أيضًا رحمه الله: كان يقال: يأتي على الناس زمان تموت فيه القلوب وتحيى الأبدان. [الحلية (تهذيبه) 2/ 409]. * وعن المعافى بن عمران قال: قال رجل لمحمد بن النضر رحمه الله: أين أعبد الله؟ قال: أصلح سريرتك، واعبده حيث شئت. [الحلية (تهذيبه) 3/ 50]. * وعن سفيان بن دينار التمار قال: سألت ماهان الحنفي رحمه الله ما

كانت أعمال القوم؟ قال: كانت أعمالهم قليلة، وكانت قلوبهم سليمة. [الحلية (تهذيبه) 2/ 123]. * وعن عبد الرحمن بن مهدي قال: حج إبراهيم ابني، فلقي محمد بن يوسف رحمه الله بمكة، فقال له: أقرئ أباك السلام وقل له: هُنْ، قال: فرجع إبراهيم فأخبرني بقوله، قال: فصرت كذا شهرًا أشبه رجل مريض، من مقالة محمد، فقلت: رجل مثله عسى أن يكون بلغه عني شيء، أو رأى علي رؤيا، حتى قدم علينا، قال: فأخذ بيدي وجعل يمشي حتى ظننت أنا لا ندرك صلاة المغرب، فجلسنا فقلت له: يا أبا عبد الله أخبرني إبراهيم ابني عنك بكذا، فقال محمد: بلغني أنك جلست تحدث الناس، فقلت له: إن أحببت حلفت أن لا أحدث بحديث أبدًا، فقال: حدث الناس وعلمهم، ولكن انظر إذا اجتمع الناس حولك، كيف يكون قلبك. [الحلية (تهذيبه) 3/ 55]. * وقال أحمد بن أبي الحواري: قلت لأبي سليمان الداراني رحمه الله: إني قد غبطت بني إسرائيل، قال: بأي شيء ويحك؟ قلت: بثمان مائة سنة وبأربعمائة سنة حتى يصيروا كالشنان البالية، والحنايا، وكالأوتار. قال: ما ظننت إلا أنك قد جئت بشيء!! لا والله ما يريد الله منا أن تيبس جلودنا على عظامنا، ولا يريد منا إلا صدق النية فيما عنده، هذا إذا صدق في عشرة أيام نال ما نال ذاك في عمره. [الحلية (تهذيبه) 3/ 186]. * وقال السري السقطي رحمه الله: تصفية العمل من الآفات أشد من العمل. (¬1) [الحلية (تهذيبه) 3/ 287]. ¬

(¬1) قال ابن القيم رحمه الله: فلا إله إلا الله، كم في النفوس من عِلل وأغراض وحظوظ، تمنع الأعمال أن تكون لله خالصة، وأن تصل إليه، وإن العبد ليعمل العمل حيث لا يراه بشر ألبته وهو غير خالص لله، ويعمل العمل والعيون قد استدارت عليه نطاقًا وهو خالص لوجه الله، ولا يميز هذا إلا أهل البصائر وأطباء القلوب العالمون بأدوائها وعللها. فبين العمل وبين القلب مسافة، وفي تلك المسافة: قُطَّاع تمنع وصول العمل إلى القلب، فيكون الرجل كثير العمل وما وصل منه إلى قلبه محبة، ولا خوف، ولا رجاء، ولا زهد في الدنيا، ولا رغبة في الآخرة، ولا نور يفرق به بين أولياءه وأعدائه، وبين الحق والباطل، ولا قوة في أمره، فلو وصل أثر الأعمال إلى قلبه لاستنار وأشرق، ورأى الحق والباطل، وأوجب له ذلك المزيد من الأحوال. ثم بين القلب وبين الرب مسافة، وعليها قطاع تمنع وصول العمل إليه من كبر، وإعجاب، وإدلال، ورؤية العمل، ونسيان المِّنَّة، وعلل خفية لو استقصى في طلبها لرأى العجب العجاب، ومن رحمة الله تعالى سترها على أكثر العمال، إذ لو رأوها وعاينوها: لوقعوا فيما هو أشد منها من اليأس، والقنوط، وترك العمل، وفتور الهمة. ا. هـ بتصرف مدارج السالكين 2/ 14، 15

* وعن أبي بكر الدينوري الطرسوسي قال: قال مظفر القرميسيني رحمه الله وسئل ما خير ما أعطي العبد؟ قال: فراغ القلب عما لا يعنيه ليتفرغ إلى ما يعنيه. [الحلية (تهذيبه) 3/ 454].

الأولياء

الأولياء * عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: إن من الناس مفاتيح ذكر الله، إذا رُؤوا ذكر الله. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 394]. * وعن وهب بن منبه قال: قال الحواريون لعيسى ابن مريم - عليه السلام -: من أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون؟ قال عيسى: الذين نظروا إلى باطن الدنيا حين نظر الناس إلى ظاهرها، والذين نظروا الى آجل الدنيا حين نظر الناس إلى عاجلها، فأماتوا منها ما خشوا أن يميتهم، وتركوا ما علموا أن سيتركهم، فصار استكثارهم منها استقلالاً، وذكرهم إياها فواتًا، وفرحهم بما أصابوا منهما حزنًا، فما عارضهم من نائلها رفضوه، وما عارضهم من رفعتها بغير الحق وضعوه، وخَلِقت الدنيا عندهم فليسوا يجددونها، وخربت بينهم فليسوا يعمرونها، وماتت في صدورهم فليسوا يحيونها، يهدمونها فيبنون بها آخرتهم، ويبيعونها فيشترون بها ما يبقى لهم، رفضوها فكانوا برفضها فرحين، وباعوها فكانوا ببيعها رابحين، ونظروا إلى أهلها صرعى قد حلت فيهم المثلات فأحيوا ذكر الموت، وأماتوا ذكر الحياة، يحبون الله ويحبون ذكره، ويستضيئون بنوره، لهم خبر عجب، وعندهم الخبر العجب، بهم قام الكتاب وبه قاموا، وبهم نطق الكتاب وبه نطقوا، وبهم علم الكتاب، وبه علموا، ليسوا يرون مأملاً مع ما نالوا، ولا أمانًا دون ما يرجون، ولا خوفًا دون ما يحذرون. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 391]. * وعن ابن أبي أوفى - رضي الله عنه - قال: خيار عباد الله الذين يحبون الله والذين يحببون الله إلى عباده. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 394]. * وعن الحسن يقول: إن رجلاً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: والذي نفسي بيده لئن شئتم لأقسمن لكم بالله إن أحب عباد الله الذين يحببون الله إلى

عباده ويسعون في الأرض بالنصيحة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 396]. * وعن أبي عوانة قال: رأيت محمد بن سيرين رحمه الله يمر في السوق وكبَّر الناس. قال خلف: كان محمد بن سيرين قد أعطي هديًا وسمتًا وخشوعًا فكان إذا رأوه ذكروا الله. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 395]. * وقال ابن أبي الدنيا: كتب إلي أبو عبد الله محمد بن خلف عن إسحق بن أبي نباتة رحمه الله، مكث ستين يؤذن لقومه في مسجد بني عمرو بن سعد، وكان يعلَّم الغلمان الكتاب ولا يأخذ الأجر، ومات قبل أن يحفر الخندق بثلاثين سنة، فلما حفر الخندق وكان بين المقابر ذهب بعض أصحابه يستخرجه، ووقع قبره في الخندق فاستخرجوه كما دفن لم يتغير منه شيء إلا أن الكفن قد جف عليه ويبس والحنوط محطوط عليه، وكان خضيبًا، فرأوا وجهه مكشوفًا وقد فصل الحناء في أطراف لحيته. فمضى المسيب بن زهير إلى أبي جعفر وهو في قصر أم موسى بنت هشام بن عبد الملك على شاطىء الفرات فأخبره، فركب أبو جعفر في الليل حتى رآه، فأمر به فدفن بالليل لأن لا يفتتن الناس. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 405].

الإخلاص، وذم النفاق والرياء

الإخلاص، وذم النفاق والرياء * عن عامر الشعبي قال: كتب عمر إلى أبي موسى رضي الله تعالى عنهما: من خلصت نيته كفاه الله تعالى ما بينه وبين الناس، ومن تزين للناس بغير ما يعلم الله من قلبه شانه الله - عزَّ وجلَّ - فما ظنك في ثواب الله في عاجل رزقه وخزائن رحمته والسلام. [الحلية (تهذيبه) 70/ 1]. * وعن ابن محيريز، أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - دعي إلى وليمةٍ، فلما أكل وخرج قال: وددت أني لم أحضر هذا الطعام، قيل له: لم يا أمير المؤمنين؟ قال: إني أظن صاحبكم لم يعمله إلا رياءً. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 182]. * وقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: من كان ظاهره أرجح من باطنه: خفَّ ميزانُه يومَ القيامة، ومن كان باطنه أرجح من ظاهره: ثقل ميزانه يوم القيامة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 177]. * وعن عطاءِ بن السَّائب قال: بلغني أن عليَّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: العمل الصالح: الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحدٌ إلاّ لله. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 174]. * وقال ابن مسعود - رضي الله عنه -: من راءى في الدنيا راءى الله به يوم القيامة، ومن يسمع في الدنيا يسمع الله به يوم القيامة. [الحلية (تهذيبه) 1/ 124]. * وقال حذيفة - رضي الله عنه -: المنافقون اليوم شر منهم على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كانوا يومئذ يكتمونه. وهم اليوم يظهرونه. [الحلية (تهذيبه) 1/ 207]. * وقال له رجل: أخشى أن أكونَ منافقًا. فقال: لو كنتَ مُنافقًا لم تخشَ. [عيون الأخبار 2/ 739]. * وقال الوليد بن مسلم رحمه الله: سألتُ الأوزاعيَّ، وسعيدَ بن عبد العزيز

وابن جريج رحمهم الله: لم طلبتم العلم؟ كلهم يقول: نفسي، غير أن ابن جريج فإنه قال: طلبتُه للناس. قال الذهبي رحمه الله: ما أحسنَ الصدق! واليوم تسأل الفقيه الغبي: لم طلبت العلم؟ فيبادر ويقول: طلبته لله، ويكذب إنما طلبه للدنيا، ويا قِلَّةَ ما عرف منه. [السير (تهذيبه)] * وقال معمر رحمه الله: لقد طلبنا هذا الشأن وما لنا فيه نيَّة ثم رَزَقنَا الله النيَّة من بعدُ. وقال مَعْمَرُ رحمه الله: كان يُقال: إن الرَّجل يطلبُ العلمَ لغير الله فيأبي عليه العِلمُ حتى يكون لله. قال الذهبي رحمه الله: نعم يطلبه أولاً والحاملُ له حبُّ العلم، وحبُّ إزالة الجهل عنه، وحب الوظائف، ونحوُ ذلك. ولم يكن عَلِمَ وجوب الإخلاص فيه ولا صِدْقَ النية فإذا عَلِمَ حاسبَ نفسَه وخاف من وَبَالِ قصدِه فتجيئُه النِّية الصَّالحة كلُّها أو بعضها وقد يتوبُ من نيته الفاسدة ويندمُ. وعلامة ذلك أنه يُقْصِر من الدعاوى وحبِّ المناظرة ومِن قصد التَّكثُّر بعلمه ويُزري على نفسه فإن تكثَّر بعلمه أو قال: أنا أعلمُ مِن فلان فبعدًا له. [السير (تهذيبه) 2/ 672]. * وقال هشام الدَّستُوائي رحمه الله: والله ما أستطيع أن أقول: إني ذهبتُ يومًا قطُّ أطلبُ الحديث أُريدُ به وجهَ الله - عزَّ وجلَّ. قال الذهبي رحمه الله: واللهِ ولا أنا. فقد كان السَّلَفُ يطلبون العلم لله فَنَبلوا، وصاروا أئمةً يُقتدى بهم، وطلبه قومٌ منهم أولاً لا لله، وحصَّلوه، ثم استفاقوا، وحاسبوا أنفسهم، فجرَّهم العلم إلى الإخلاص في أثناء الطَّريق، كما قال مُجاهد وغيره: طلبنا هذا العلم وما لنا فيه كبيرُ نِيَّة، ثم رزق الله النيةَ بعدُ، وبعضهم يقول: طلبنا هذا العلم لغير الله فأبى أن يكونَ إلا لله. فهذا أيضًا حسن. ثم نشروه بِنِيَّةٍ صالحة. وقومٌ طلبوه بِنيَّة فاسدة لأجل الدُّنيا وليُثْنَى عليهم فلهم ما نووا، قال - عليه السلام -: " من غَزا ينوي عِقالاً فلهُ ما نَوَى". وترى هذا الضرب لم يستضيؤوا

بنورِ العلم ولا لهم وقعٌ في النُّفوس، ولا لِعلمهم كبيرُ نتيجة من العمل، وإنما العالِمُ من يخشى الله تعالى. وقومٌ نالوا العلم وولُوا به المناصِبَ، فظلموا، وتركوا التَّقيُّد بالعلم، وركبوا الكبائر والفواحش، فتبًا لهم، فما هؤلاء بعلماء. وبعضهم لم يتَّق الله في علمه، بل ركب الحيل، وأفتى بالرُّخص وروى الشَّاذَّ من الأخبار، وبعضهم اجترأ على الله، ووضع الأحاديث، فَهَتَكَه الله، وذهب علمه، وصار زاده إلى النار. [السير (تهذيبه) 2/ 687]. * وعن الربيع بن خثيم رحمه الله قال: كلّ ما لا يُبْتغى به وجْهُ الله - عزَّ وجلَّ - يضمحلّ. [صفة الصفوة 3/ 41]. * وعن أبي العالية رحمه الله قال: قال لي أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -: لا تعمل لغير الله فيكِلَك الله - عزَّ وجلَّ - إلى مَن عملت له. [صفة الصفوة 3/ 148]. * وعن أبي الجوزاء رحمه الله قال: نقل الحجارة أهون على المنافق من قراءة القرآن. [الحلية (تهذيبه) 1/ 459]. * وعن إبراهيم النخعي رحمه الله قال: من ابتغى شيئًا من العلم يبتغي به وجه الله - عزَّ وجلَّ. آتاه الله منه ما يكفيه. [الحلية (تهذيبه) 2/ 93]. * وعن عبدة بن أبي لبابة رحمه الله قال: إن أقرب الناس من الرياء آمنهم له. [الحلية (تهذيبه) 2/ 278]. * وقال مطرّف بن عبد الله رحمه الله: إن أقبح ما طُلب به الدنيا عمل الآخرة. [صفة الصفوة 3/ 159]. * وقال أيضًا رحمه الله: صلاح القلب بصلاح العمل، وصلاح العمل بصحة النية. [الحلية (تهذيبه) 1/ 359]. * وقال أبو عمران الجوني رحمه الله: تصعد الملائكة بالأعمال، فينادي الملك: ألقِ تلك الصحيفة ألقِ تلك الصحيفة. قال: فتقول الملائكة: ربّنا قالوا خيرًا وحفظناه عليهم، فيقول تبارك وتعالى: لم يُرِدْ به وجهي، قال: وينادي الملكَ: اكتب لفلان كذا وكذا مرتين، فيقول: يا رب إنه لم يعمله، فيقول جل وعزّ: إنّه نَواه نَواه. [صفة الصفوة 3/ 190].

* وقال علي بن سالم: سمعت سهل بن عبد الله رحمه الله وقيل له: أيّ شيءٍ أشدّ على النفس؟ فقال: الإخلاص، لأنه لها فيه نصيب. [صفة الصفوة 4/ 319]. * وعن مجاهد رحمه الله قال: طلبنا هذا العلمَ وما لنا فيه نِيَّةٌ، ثم رزق الله النَّيَّة بعدُ. [السير (تهذيبه)]. * وقال سفيان بن عيينة رحمه الله: من تزين للناس بشيء يعلم الله منه غير ذلك شانه الله. [صفة الصفوة 2/ 552]. * وقال أيضًا رحمه الله: قال رجل من العلماء: اثنتان أنا أعالجهما منذ ثلاثين سنة، ترك الطمع فيما بيني وبين الناس، وإخلاص العمل لله - عزَّ وجلَّ. [الحلية (تهذيبه) 2/ 425]. * وعن الربيع بن أنس رحمه الله قال: علامة الدين الإخلاص لله، وعلامةُ العلم خشية الله. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 174]. * وعن إبراهيم النخعي رحمه الله قال: إن الرجل ليعمل العمل الحسن في أعين الناس، أو العمل لا يريد به وجه الله: فيقع له المقت والعيب عند الناس حتى يكون عيبًا. وإنه ليعمل العمل أو الأمر يكرهه الناس يريد به وجه الله: فيقع له الإلفة والحسن عند الناس. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 175]. * وقيل لعطاء السليمي رحمه الله: ما الحذر؟ قال: الاتقاء على العمل ألا يكون لله. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 177]. * وعن بلال بن سعد رحمه الله قال: لا تكن وليًا لله في العلانية وعدوه في السرية. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 178]. * وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: يا معشر المستترين: اعلموا أن عند الله مسألةً فاضحةً؛ قال - تعالى -:: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ عمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر: 92، 93]. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 178]. * وعن أبي العالية رحمه الله قال: اجتمع إلي أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: يا أبا العالية، لا تعمل عملاً تريدُ به غير الله فيجعل الله ثوابك على من أردت؛

ويا أبا العالية، لا تتكل على غير الله فيكلك الله إلى من توكلت عليه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 182]. * وكان شاب يقرأ عند الحسن رحمه الله وكان يعجبه صوته فقال: يا أبا سعيد أني قد رزقت هذا الصوت وإني أقوم من الليل فيجيء الشيطان فيقول: إنما تريد أن تسمع، فقال الحسن: نيتك حين تقوم من فراشك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 302]. * وعن عبد الرحمن بن شريح رحمه الله قال: من قام إلى شيء من الخير لا يريد به إلا الله ثم عرض له من يريد أن يرائيه بذلك أعطاه الله بالأصل، ووضع عنه الفرع، ومن قام إلى شيء من الخير لا يريد به إلا المراءاة، ثم فكر أو بدا له فجعل آخر ذلك لله: أعطاه الله الفرع ووضع عنه الأصل. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 302]. * وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: لأن أطلب الدنيا بطبل ومزمار أحبُّ إلي من أن أطلبها بالعبادة. [صفة الصفوة 2/ 546]. * وقال أيضًا رحمه الله: لأن يطلب الرجل الدنيا بأقبح ما تطلب به، أحسن من أن يطلب بأحسن ما تطلب به الآخرة. [الحلية (تهذيبه) 3/ 17]. وقال أيضًا رحمه الله: تركُ العملِ من أجل الناس رياءٌ والعملُ من أجل الناس شِرْكٌ، والإخلاصُ أن يعافِيَكَ الله عنهما. [السير (تهذيبه) 2/ 774]. * وقال أيضًا رحمه الله: لو قيل لك: يا مُرائي، غَضِبْتَ، وشقَّ عليك، وعسى ما قيل لك حق، تَزَّينتَ للدنيا وتصنَّعتَ، وقصّرتَ ثيابك، وحسنتَ سمتك، وكففتَ أذاك حتى يُقال: أبو فلان عابدٌ، ما أحسنَ سمْتَه فيكرمونك وينظرونك، ويقصدونك ويهدون إليك، مثل الدرهم السُّتُّوق (¬1) لا يعرفه كلُّ أحد فإذا قُشر، قُشر عن نحاس. [السير (تهذيبه) 2/ 778]. * وقال أيضًا رحمه الله: اتق لا تكن مرائيًا وأنت لا تشعر، تصنعت وتهيأت حتى عرفك الناس فقالوا: هو رجل صالح فأكرموك، وقضوا لك الحوايج، ¬

(¬1) قال في الحاشية: هو الرديء الزيف الذي لا خير فيه.

ووسعوا لك في المجلس، وإنما عرفوك بالله. لولا ذلك لهنت عليهم كما هان عليهم الفاسق لم يكرموه ولم يقضوه ولم يوسعوا له المجلس. [الحلية (تهذيبه) 3/ 13]. * وقال أيضًا رحمه الله: المؤمن قليل الكلام، كثير العمل، والمنافق كثير الكلام قليل العمل. [الحلية (تهذيبه) 3/ 16]. * وعن إبراهيم بن الأشعث قال: سمعت الفضيل بن عياض رحمه الله يقول: كان يقال لا يزال العبد بخير ما إذا قال: قال لله، وإذا عمل عمل لله، سمعته يقول في قوله: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك: 2] قال: أخلصه وأصوبه، فإنه إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يقبل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يقبل حتى يكون خالصًا، والخالص إذا كان لله، والصواب إذا كان على السنة. [الحلية (تهذيبه) 3/ 14]. * وعن أحمد بن عاصم قال: التقى سفيان الثوري وفضيل بن عياض رحمهما الله فتذاكرا فبكيا، فقال سفيان: إني لأرجو أن يكون مجلسنا هذا أعظم مجلس جلسناه بركة. قال له فضيل: ترجو لكني أخاف أن يكون أعظم مجلس جلسناه علينا شؤما، أليس نظرت إلى أحسن ما عندك فتزينت به لي وتزينت لك به؟ فبكى سفيان حتى علا نحيبه ثم قال: أحييتني أحياك الله. [الحلية (تهذيبه) 2/ 404]. * وقال مسلم بن يسار رحمه الله: إياكم والرياء فإنها ساعة جهل العالم, وبها يبتغي الشيطان زلته. [الحلية (تهذيبه) 1/ 395]. * وعن جعفر قال: سمعت مالكًا رحمه الله يقول: اقسم لكم لو نبت للمنافقين أذناب ما وجد المؤمنون أرضًا يمشون عليها. [الحلية (تهذيبه) 1/ 427]. * وعن عبد الرحمن بن مَهدي رحمه الله قال: كنتُ أجلسُ يومَ الجمعة، فإذا كثر الناسُ، فرحتُ، وإذا قلُّوا، حزنتُ، فسألتُ بِشْرَ بنَ منصور، فقال: هذا مجلسُ سَوْءٍ، فلا تَعُدْ إليه، فما عُدتُ إليه. [السير (تهذيبه) 2/ 817]. * وقال بلال بن سعد رحمه الله: لا تَكُن وليًا لله تعالى في العلانية وعدوَّه في السرّ. [صفة الصفوة 4/ 435].

* وقال بديل العقيلي رحمه الله: من أراد بعلمه وجه الله، أقبل الله عليه بوجهه، وأقبل بقلوب العباد إليه، ومن عمل لغير الله تعالى صرف عنه وجهه، وصرف بقلوب العباد عنه. [الحلية (تهذيبه) 1/ 451]. * وقال يحيى بن أبي كثير رحمه الله: إن الملك ليصعد بعمل العبد مبتهجًا إلى الله تعالى، فيقول الله تعالى: اجعلوه في سجين إني لم أُرَدْ بهذا العمل. [الحلية (تهذيبه) 1/ 455]. * وقال أيضًا رحمه الله: تعلموا النية فإنها أبلغ من العمل. [الحلية (تهذيبه) 1/ 456]. * وقال سفيان الثوري رحمه الله: إن أقبح الرغبة أن تطلب الدنيا بعمل الآخرة. [الحلية (تهذيبه) 2/ 399]. * وعن عباس بن عبد الله قال: قيل لعبد الله بن المبارك رحمه الله: من أئمة الناس؟ قال سفيان وذووه، قيل له: من سفلة الناس؟ قال: من يأكل بدينه. [الحلية (تهذيبه) 3/ 39]. * وقال عبد الله بن المبارك رحمه الله: لو أن رجلين اصطحبا في الطريق فأراد أحدهما أن يصلي ركعتين، فتركهما لأجل صاحبه، كان ذلك رياء، وإن صلاهما من أجل صاحبه فهو شرك. [الحلية (تهذيبه) 3/ 40]. * وقال شقيق البلخي رحمه الله: مثل المؤمن كمثل رجل غرس نخلة وهو يخاف أن يحمل شوكًا، ومثل المنافق كمثل رجل زرع شوكًا وهو يطمع أن يحصد تمرًا، هيهات هيهات، كل من عمل حسنًا فإن الله لا يجزيه إلا حسنًا ولا تنزل الأبرار منازل الفجار. [الحلية (تهذيبه) 2/ 502]. * وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله: ما أتى من أتى - إبليس وقارون وبلعام - إلا أن أصل نياتهم على غش، فرجعوا إلى الغش الذي في قلوبهم، والله أكرم من أن يمنّ على عبد بصدق ثم يسلبه إياه. [الحلية (تهذيبه) 3/ 193]. * وعن أحمد بن أبي الحواري قال: سأل رجل أبا سليمان الداراني رحمه الله: عن أقرب ما يتقرب به العبد إلى الله - عزَّ وجلَّ - فبكى، وقال: مثلك

يسأل عن هذا؟ أفضل ما يتقرب به العبد إلى الله، أن يطلع على قلبك، وأنت لا تريد من الدنيا والآخرة غيره. [الحلية (تهذيبه) 3/ 182]. * وعن أحمد بن عاصم قال: كان يدي في يد زهير البابي رحمه الله أمشي معه، فانتهينا إلى رجل مكفوف يقرأ، فلما سمع قراءته وقف ونظر وقال: لا تغرنك قراءته، والله والله إنه شر من الغناء وضرب العود - وكان مهيبًا ولم أسأله يومئذ - فلما كان بعد أيام ارتفع إلى بني قشير، فقمت وسلمت عليه فقلت: يا أبا عبد الرحمن إنك قلت لي يومئذ كذا وكذا، فكأنه نصيب عينه فقال لي: يا أخي نعم، لأن يطلب الرجل هذه الدنيا بالزمر والغناء والعود خير من أن يطلبها بالدين. [الحلية (تهذيبه) 3/ 306].

الاحتساب

الاحتساب * قال معاذ - رضي الله عنه -: أما أنا فأنام وأقوم، فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي. [رواه البخاري: 4341]. * وعن الطفيل بن أبي كعب، أنه كان يأتي عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - فيغدو معه إلى السوق، قال: فإذا غدونا إلى السوق لم يمرر عبد الله بن عمر على سقاط، ولا صاحب بيعة، ولا مسكين، ولا أحد إلا وسلم عليه. فقلت: ما تصنع بالسوق وأنت لا تقف على البيع، ولا تسأل عن السلع، ولا تسوم بها، ولا تجلس في مجالس؟ قال: وأقول اجلس بنا ها هنا نتحدث، فقال لي عبد الله: يا أبا بطن - وكان الطفيل ذا بطن - إنما نغدو من أجل السلام، فسلم على من لقيت. [الحلية (تهذيبه) 1/ 221]. * وعن صالح الدهان أن جابر بن زيد - رضي الله عنه - كان لا يماكس في ثلاث؛ في الكراء إلى مكة، وفي الرقبة يشتريها للعتق، وفي الأضحية. وقال: كان جابر بن زيد لا يماكس في كل شيء يتقرب به إلى الله - عزَّ وجلَّ -[الحلية (تهذيبه) 1/ 461]. * وعن محمد بن راشد عن مكحول أنه عاد حكيم بن حزام - رضي الله عنه - ابن حكيم فقال: أتراك مرابطًا العام؟ قال: كيف تسألني عن هذا، وأنا على ذي الحال؟ قال: وما عليك أن تنوي ذاك فإن شفاك الله مضيت لوجهك، وإن حال بينك وبينه أجل كتب لك نيتك. [الحلية (تهذيبه) 2/ 181]. * وعن فضيل بن عياض رحمه الله قال: بلغني أن رجلا من العباد قال: الدنيا سبعة آلاف سنة، لأعبدن فيها لعلّي أن أنجو من يوم كان مقداره ألف سنة، ولعله لم يعش بعد مقالته هذه يوما واحدا، فأعطاه الله على نيته. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 122].

* وقال سفيان بن زبيد رحمه الله: يسرني أن يكون لي في كل شيء نيّة حتى في الأكل والنوم. [صفة الصفوة]. * وعن الحسن رحمه الله قال: ما ضربت ببصري، ولا نطقت بلساني، ولا بطشت بيدي، ولا نهضت على قدمي، حتى أنظر: على طاعة أو على معصية، فإن كانت طاعة تقدمت، وإن كانت معصية تأخرت. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 231]. * وعن عبد الرحمن بن مَهدي رحمه الله قال: لولا أَنِّي أَكْرَهُ أن يُعصى الله، لتمنَّيتُ ألا يبقى أحدٌ في المِصْرِ إلاَّ اغْتابني! أيُّ شيءٍ أهنأُ من حَسنةٍ يجدُها الرجلُ في صحيفَتِه لم يَعْمَلْ بها؟!. [السير (تهذيبه) 2/ 817]. * وقيل لداود الطائي رحمه الله: لو تنحيت من الظلّ إلى الشمس، فقال: هذه خُطًا لا أدري كيف تكتب؟ (¬1) [جامع العلوم والحكم / 100 - 101]. * وقال محمد بن الفضل البلخي رحمه الله: ما خطوت منذ أربعين سنة خطوة لغير الله - عزَّ وجلَّ. [جامع العلوم والحكم / 100 - 101]. * وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله: من عمل شيئًا من أنواع الخير بلا نية، أجزأته النية الأولى، حين اختار الإسلام على الأديان كلها، لأن هذا العمل من سنن الإسلام، ومن شعائر الإسلام. [الحلية (تهذيبه) 3/ 193]. ¬

(¬1) قال ابن رجب رحمه الله: فهؤلاء القوم لما صلحت قلوبهم , فلم يبق فيها إرادة لغير الله صلحت جوارحهم فلم تتحرك إلا لله عزّ وجلّ وبما فيه مرضاته , والله أعلم. جامع العلوم والحكم / 100، 101

رفعة الله للمؤمنين والصالحين

رفعة الله للمؤمنين والصالحين * قال عمر رضى الله عنه: كان أبو بكر سيدنا وأعتق بلالاً سيدنا (أخرجه الحاكم). [صفة الصفوة 1/ 199]. * وعن الحسن قال: حضر بابَ عمر بن الخطاب رضى الله عنه سهيل بن عمرو، والحارثُ وبلال، وتلك الموالي الذين شهدوا بدرًا، فخرج آذِن عمر فأذن لهم، وترك هؤلاء. فقال أبو سفيان: لم أر كاليوم قطّ، يأذَنُ لهؤلاء العبيد، ونحن على بابه لا يلتفت إلينا؟ فقال سهيل بن عمرو، وكان رجلاً عاقلاً: أيها القوم إني والله لقد أرى الذي في وجوهكم، إن كنتم غضابًا فاغضبوا على أنفسكم، دُعي القوم ودُعيتم، فأسرعوا وأبطأتم، فكيف بكم إذا دُعوا يوم القيامة وتركتم؟ أما والله لما سبقوكم إليه من الفضل مما لا تروْن أشدُّ عليكم فوتًا من بابكم هذا الذي كنتم تنافسونهم عليه. قال: ونفض ثوبه وانطلق. قال الحسن رحمه الله: وصدق والله سهيل، لا يجعل الله عبدًا أسرع إليه كعبدٍ أبطأ عنه. [صفة الصفوة 1/ 359]. * وقال مالك بن دينار رحمه الله: بلغني أنه يدعى يوم القيامة بالمذكر الصادق، فيوضع على رأسه تاج الملك، ثم يؤمر به إلى الجنة. فيقول: إلهي إن في مقام القيامة أقوامًا قد كانوا يعينوني في الدنيا على ما كنت عليه. قال: فيفعل بهم مثل ما فعل به، ثم ينطلق يقودهم إلى الجنة لكرامته على الله تعالى. [الحلية (تهذيبه) 1/ 428]. * وعن ابن عائشة، عن أبيه قال: حجّ هشام بن عبد الملك قبل أن يلي الخلاقةَ، فاجتهد أن يستلم الحجَر فلم يمكنه. قال: وجاء علي بن الحسين رحمه الله، فوقف له الناس، وتنحَّوا حتى استلم، فقال الناس لهشام: مَن هذا؟ قال: لا أعرفه.

فقال الفرزدق: لكني أعرِفه، هذا علي بن الحسين. هذا ابنُ خَير عبادِ الله كلِّهم ... هذا التقيُّ النقيُّ الطاهرُ العلَمُ هذا الذي تعرفُ البطحاءُ وطأتَه ... والبيتُ يعرِفه والحِلُّ والحَرَمُ يكاد يُمسكه عرفانَ راحتِه ... رُكْنُ الحطيم إذا ما جاء يَستلمُ إذا رأته قريشٌ قال قائلها ... إلى مكارم هذا ينتهي الكرَمُ إن عُدَّ أهل التُقى كانوا أئمتَهم ... أو قيل من خير أهل الأرض؟ قيل: همُ هذا ابنُ فاطمةٍ إن كنت جاهلَه ... بجدّه أنبياء اللهِ قد خُتِموا وليس قولُك: مَن هذا؟ بضائره ... العُرْبُ تَعرف من أنكرت والعجَمُ يُغضي حياءً ويُغضى مِن مَهابته ... ولا يُكلَّم إلاّ حينَ يَبتسمُ [السير (تهذيبه) 2/ 450]. * وقال أشعث بن شُعبة: قدم هارون الرشيد الرّقة فانْجَفَل الناس خلف عبد الله بن المبارك رحمه الله وتقطَّعت النِّعال وارْتَفَعَتْ الغبرة، وأشرفت أم ولد أمير المؤمنين من برجٍ من قصر الخشب، فلما رأت الناس قالت: ما هذا؟ قالوا: عالم من أهل خراسان قدِم الرّقة يقال له: عبد الله بن المبارك. فقالت: هذا والله الملْك لا ملك هارون الذي لا يجمع الناس إلا بشُرَطٍ وأعوان. [السير (تهذيبه) 2/ 766]. * وعن العُتبيّ، عن أبيه، قال: دخل سالم بن عبد الله رحمه الله على سُليمان بن عبد الملك، وعلى سالم ثيابٌ غليظة رثَّة فلم يزل سليمان يُرحِّب به، ويرفعُه حتى أقعده معه على سريره، وعمر بن عبد العزيز في المجلس، فقال له رجل من أُخريات الناس: ما استطاع خالُكَ أن يلبَسَ ثيابًا فاخرةً أحسنَ مِن هذه، يدخل فيها على أمير المؤمنين؟ قال: وعلى المتكلم يثاب سريَّة، لها قيمة، فقال له عُمر: ما رأيتُ هذه الثيابَ التي على خالي وضَعَتهُ في مكانك، ولا رأيتُ ثيابَك هذه رفعتك إلى مكان خالي ذاك. [السير (تهذيبه) 2/ 532].

حفظ الله للصالحين، وذكر بعض كراماتهم

حفظ الله للصالحين، وذكر بعض كراماتهم * عن سلمان الفارسي - رضي الله عنه - قال: إنما مثل المؤمن في الدنيا كمثل المريض معه طبيبه الذي يعلم داءه ودواءه، فإذا اشتهى ما يضره منعه وقال لا تقربه، فإنك إن أتيته أهلكك، فلا يزال يمنعه حتى يبرأ من وجعه، وكذلك المؤمن يشتهي أشياء كثيرة مما قد فضل به غيره من العيش، فيمنعه الله - عزَّ وجلَّ - إياه، ويحجزه حتى يتوفاه، فيدخله الجنة. [صفة الصفوة 1/ 258]. * وعن سفينة - رضي الله عنه - مهران مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنه ركب سفينة في البحر، فانكسرت بهم، قال: فتعلقت بشيء منها حتى خرجت إلى جزيرة، فإذا فيها الأسد، فقلت: أبا الحارث: أنا سفينة مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فطأطأ رأسه وجعل يدفعني بجنبيه، يدلني على الطريق فلما خرجت إلى الطريق همهم فظننت أنه يودعني. [المنتظم 5/ 141]. * وقال حذيفة - رضي الله عنه -: إن الله تعالى ليحمي المؤمن من الدنيا، كما يحمي أهل المريض مريضهم الطعام. [الحلية (تهذيبه) 1/ 206]. * وقال ابن مسعود - رضي الله عنه -: إن العبد ليهمّ بالأمر من التجارة والإمارة حتى ييسِّر له، فينظر الله إليه فيقول للملائكة: اصرفوه عنه، فإني إن يسّرته له أدخلته النار فيصرفه الله عنه، فيظلُ يتطير، يقول: سبقني فلان، دهاني فلان، وما هو إلا فضل الله عزَّ وجل. [الجامع المنتخب / 140]. * وعن شرحبيل بن مسلم الخولاني قال: بينا الأسود بن قيس العنسي باليمن فأرسل إلى أبي مسلم الخولاني رحمه الله فقال له: أتشهد أن محمدًا رسول الله؟ قال: نعم قال: فتشهد أني رسول الله؟ قال: ما أسمع، قال:

أتشهد أن محمدًا رسول الله؟ قال: نعم. قال: فتشهد أني رسول الله. قال: ما أسمع، قال: فأمر بنار عظيمة فأججت، فطرح فيها أبو مسلم فلم تضره، فقال له أهل مملكته: إن تركت هذا في بلادك أفسدها عليك. فأمره بالرحيل، فقدم المدينة وقد قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واستخلف أبو بكر، فقام إلى سارية من سواري المسجد يصلي، فبصر به عمر بن الخطاب فقال: من أين الرجل؟ قال: من اليمن. قال: فما فعل عدو الله بصاحبنا الذي حرقه بالنار فلم تضره؟ فقال: ذاك عبد الله بن ثوب. قال: نشدتك بالله أنك هو. قال: اللهم نعم. قال: فقبل ما بين عينيه، ثم جاء به حتى أجلسه بينه وبين أبي بكر، وقال: الحمد الله الذي لم يمتني حتى أراني من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - مَنْ فُعل به كما فُعل بإبراهيم خليل الرحمن - عليه السلام. [المنتظم 5/ 331]. * وعن محمد بن كعب رحمه الله قال: من قرأ القرآن مُتّع بعقله، وإن بلَغ مائتي سنة. [صفة الصفوة 2/ 473]. * وقال الحسن رحمه الله: مَن أحسن عِبادَةَ الله في شبيبته لقاه الله الحكمة في سِنِّه، وذلك قوله: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ واسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [يوسف: 22]. [عيون الأخبار 2/ 520]. * وعن محمد بن المنكدر رحمه الله قال: إن الله تعالى يحفظ المؤمن في ولدِه وولدِ ولدِه، ويحفظه في دُوَيرتِه وفي دُوَيْرَاتٍ حوله، فما يزالون في حفظ وعافية ما كان بين أظهرهم. [صفة الصفوة 3/ 480]. * وعن جعفر بن زيد قال: خرجنا في غُزاةٍ إلى كابُل، وفي الجيش صِلة بن أشيم رحمه الله، فنزل الناسُ عند العَتمة، فقلت: لأرمقنّ عمله، فأنظر ما يذكر الناسُ من عبادته. فصلّى العتمة، ثم اضطجع فالتمس غفلة الناس حتى قلتُ هدأَت العيون، وثَب فدخل غيضةً قريبًا منه، ودخلتُ في أثره فتوضّأ، ثم قام يصلي. قال: وجاء أسد حتى دنا منه، قال: فصعدتُ في شجرة. قال: فتَراه التفتَ؟ أوعدّه جُرَذًا. حتى سجد فقلت: الآن يفترسه فجلس ثم سلّم،

فقال: أيُها السبع اطلب الرزق منْ مكانٍ آخر، فولّى وإن له لزئيرًا تصدَّع الجبال منه، فما زال كذلك. فلما كان عند الصبح جلس، فحمد الله - عزَّ وجلَّ - بمحامد لم أسمع بمثلها إلا ما شاء الله، ثم رجع فأصبح كأنه بات على الحَشايا، وأصبحتُ وبي من الفتُرة شيءٌ الله به عليم. قال: فلما دنَوا من أرض العدوّ قال الأمير: لا يَشِذّنّ أحد من العسكر. قال: فذهبت بغْلته بثقلها، فأخذ يصلّي، فقالوا له: إن الناس قد ذهبوا فمضى، ثم قال: دعوني أصلّي ركعتين، فقالوا: الناسُ قد ذهبوا. قال: إنهما خفيفتان. قال: فدعا ثم قال: اللهم إني أقسم عليك أن تردّ بغلتي وثقلَها. قال: فجاءت حتى قامت بين يديه. قال: فلما لقينا العدوّ حَمل هو وهشام بن عامر، فصنَعا بهم طعنًا وضربًا وقتلاً. فكُسر ذلك العدوّ، فقالوا: رجلان من العرب صنَعا بنا هذا، فكيف لو قاتلونا؟ فأعطوا المسلمين حاجتَهم. [صفة الصفوة 3/ 157]. * وعن صلة بن أشيم رحمه الله قال: كنت أسير على دابة بهذه الأهواز إذ جعت جوعًا شديدًا فلم أجد أحدًا يبيعني طعامًا وجعلت أتحرج أن أصيب من أحد من الطريق شيئًا، قال: فبينا أنا أسير قال: حسب أنه قال: أدعو ربي - عزَّ وجلَّ - وأستطعمه إذ سمعت وجبة خلفي، فالتفت فإذا أنا بمنديل أبيض، فنزلت عن دابتي فأخذت الثوب فإذا فيه دوخلة من رطب قال: فأخذته وركبت دابتي وأكلت منه حتى شبعت وأدركني المساء فنزلت إلى راهب في دير له فحدثته الحديث فاستطعمني من الرطب فأطعمته رطبات قال: ثم إني مررت على ذلك الراهب فإذا نخلات حسان جمال، قال: إنهن لمن رطباتك التي أطعمتني وجاء بالثوب إلى أهله فكانت امرأته تريه الناس. [الزهد للإمام أحمد / 368، 369]. * وعن خيثمة رحمه الله قال: طوبى للمؤمن كيف يحفظ في ذريته من بعده. [الحلية (تهذيبه) 2/ 64]. * وعن عُبيد الله بن أبي جعفرَ رحمه الله قال: غزونا القُسْطَنْطِينِيَّة فَكُسِر بنا مركبُنا، فألقانا الموجُ على خشبةٍ في البحر، وكنا خمسةً أو سِتة فأنبت الله لنا

بعَدَدِنا ورقة لِكل رجل منا، فكنا نمصُّها فتُشبِعنا وتَروينا، فإذا أمسينا، أنبت الله لنا مكانها. [السير (تهذيبه) 2/ 625]. * وعن محمد بن حمزة المرتضى قال: كان شيبان الراعي رحمه الله إذا أجنب، وليس عنده ماء، دعا ربه فجاءت سحابة فأظلت فاغتسل، وكان يذهب إلى الجمعة فيخط على غنمه فيجئ فيجدها على حالتها لم تتحرك. [الحلية (تهذيبه) 3/ 83]. * وقال أبو العبَّاس البكريِّ: جمعتِ الرِّحلةُ بين ابنِ جرير، وابن خُزَيْمة، ومحمد بن نصر المَرْوزي، ومحمدِ بن هارون الرُّوياني رحمهم الله بمصر، فأرملوا ولم يبْقَ عندهم ما يقوتُهم، وأضَرَّ بهم الجوع فاجتمعوا ليلةً في منزلٍ كانوا يأوون إليه، فاتفق رأيُهم على أن يستهموا ويضربوا القُرعة، فمن خرجت عليه القُرعة سأل لأصحابه الطعام. فخرجت القرعة على ابن خزيمة، فقال لأصحابه أمهلوني حتى أصلِّيَ صلاة الخِيرَة. قال: فاندفع في الصَّلاة، فإذا هم بالشُّموع وخصيٍّ من قبل والي مصر يدقُّ الباب، ففتحوا، فقال: أيُّكم محمدُ بنُ نصر؟ فقيل: هو ذا، فأخرج صرَّة فيها خمسون دينارًا، فَدَفعها إليه، ثم قال: وأيُّكم محمد بنُ جرير؟ فأعطاه خمسين دينارًا، وكذلك للرُّوياني، وابنُ خزيمة، ثم قال: إن الأميرَ كان قائلاً (¬1) بالأمس، فرأى في المنام أنَّ المحامد جياع قد طَوَوا كشحهم، فأنفذَ إليكم هذه الصُّرَرَ، وأقسمَ عليكم: إذا نفدَت فابعثوا إليَّ أحدَكَم. [السير (تهذيبه) 3/ 1150]. * وعن محمد بن نصر رحمه الله قال: خرجت من مصر، ومعي جارية لي فركبت البحر أريد مكة فغرقت وذهبت مني ألفا جزء، وصرت إلى جزيرة أنا وجاريتي، قال: فما رأينا فيها أحدًا، قال: وأخذني العطش فلم أقدر على الماء وأجهدت فوضعت رأسي على فخذ جاريتي مستسلمًا للموت، فإذا رجل قد جاءني ومعه كوز، فقال لي: هاه، فأخذت وشربت وسقيت الجارية ثم مضى، فما أدري من أين جاء ولا أين ذهب. [المنتظم 13/ 55]. ¬

(¬1) قال في الحاشية: أي: نائمًا في القائلة، وهي نصف النهار.

وقال ابن كثير رحمه الله: كان أبو نصر المروزي إمامًا في القراءات، وله فيها المصنفات، وسافر في ذلك كثيرا، واتفق له أنه غرق في البحر في بعض أسفاره، فبينما الموج يرفعه ويضعه إذ نظر إلى الشمس قد زالت فنوى الوضوء، وانغمس في الماء ثم صعد فإذا خشبة فركبها وصلى عليها ورزقه الله السلامة ببركة الصلاة، وعاش بعد ذلك دهراً. [البداية والنهاية 12/ 213]. * وعن علي بن محمد رحمه الله قال: كنت في بادية تبوك فتقدمت إلى بئر لأستقي منها فزلقت رجلي فوقعت في جوف البئر فرأيت في جوف البئر زاوية واسعة فأصلحت موضعًا وجلست عليه، وقلت: إن كان مني شيء لا أفسد الماء على الناس، وطابت نفسي وسكن قلبي، فبينا أنا قاعد إذا بخشخشة، فتأملت فإذا أنا بأفعى تنزل عليّ، فراجعت نفسي، فإذا هي ساكنة علي، فنزل فدار بي وأنا هادىء السر لا تضطرب علي نفسي ثم لف ذنبه وأخرجني من البئر وحلل عني ذنبه، فلا أدري أرض ابتلعته أو سماء رفعته، ثم قمت ومشيت. [المنتظم 13/ 388]. * وكان أبو الطيب الطبري رحمه الله قد جاوز المائة سنة وهو ممتَّع بعقله وقوته، فوثب يومًا من سفينة كان فيها إلى الأرض وثبة شديدة، فعوتب على ذلك، فقال: هذه جوارح حفظناها عن المعاصي في الصغر، فحفظها الله علينا في الكبر. [الجامع المنتخب / 131]. * وعن أبي علي الروذباري قال: كان سبب دخولي مصر، حكاية بنان البغدادي رحمه الله، وذلك أنه أمر ابن طولون بالمعروف، فأمر أن يلقى بين يدي السبع، فجعل السبع يشمه ولا يضره، فلما أخرج من بين يدي السبع قيل له: ما الذي كان في قلبك حين شمك السبع؟ قال: كنت أتفكر في اختلاف الناس في سؤر السباع ولعابها. (¬1) [الحلية (تهذيبه) 3/ 418]. * وقال ابن كثير رحمه الله: استدعى ابن الفرات رحمه الله يومًا ببعض الكتاب، ¬

(¬1) الذي في السير: أن بنانًا الحمّال قام إلى وزير خمارويه - صاحب مصر - وكان نَصرَانِيَّا، فأنزله عن مركوبه وقال: لا تركب الخيلَ وعيِّر، كما هو مأخوذ عليكم في الذِّمَّة، فأمر خمارويه بأن يُؤخذ ويُوضع بين يدي سَبُع، فطُرِح، فبقي ليلةً، ثم جاؤوا والسَّبُعُ يلحَسُه وهو مستقبل القِبْلَة، فأطلقَهُ خُمارويه واعتذر إليه. [السير (تهذيبه) 3/ 1169]

فقال له: ويحك! إن نيتي فيك سيئة، وإني في كل وقت أريد أن أقبض عليك، وأصادرك مالك، فأراك في المنام تمنعني برغيف، وقد رأيتك في المنام من ليالٍ، وإني أريد القبض عليك، فجعلت تمتنع مني، فأمرت جندي أن يقاتلوك، فجعلوا كلما ضربوك بشيء من سهام وغيرها تتقي الضرب برغيف في يدك فلا يصل إليك شيء، فأعلمني ما قصة هذا الرغيف. فقال: أيها الوزير إن أمي منذ كنت صغيرا، كل ليلة تضع تحت وسادتي رغيفا، فإذا أصبحت تصدقت به عني، فلم يزل كذلك دأبها حتى ماتت فلما ماتت، فعلت أنا ذلك مع نفسي فكل ليلة أضع تحت وسادتي رغيفا، ثم أصبح أتصدق به، فعجب الوزير من ذلك، وقال: والله لا ينالك مني بعد اليوم سوءً أبدا، ولقد حسنت نيتي فيك وقد أحببتك. [البداية والنهاية 11/ 224]. * وقال ابن الجوزي رحمه الله: بلغني عن قاضي القضاة علي بن الحسين الزينبي أنه حكى أن الحريقَ وقع في دارهم، فأحرق ما فيها إلا كتابًا كان فيه شيء بخطِّ الإمام أحمد رحمه الله قال: ولما وقع الغرق ببغداد في سنة 554، وغرقت كتبي، سَلِم لي مجلدٌ فيه ورقتان بخطِّ الإمام. قال الذهبي رحمه الله: وكذا استفاض وثبت أن الغرق الكائن بعد العشرين وسبع مئة ببغداد عامَ على مقابر مقبرة أحمد، وأن الماء دخل في الدهليز عُلُوَّ ذِراع، ووقف بَقُدرة الله، وبقيت الحصرُ حول قبر الإمام بغُبارها، وكان ذلك آية. [السير (تهذيبه) 2/ 931]. * وقال أبو نُعيم: سمعت علي بن هارون - صاحب الجنيد - يحكي عن غير واحد من أصحاب خير النساج رحمه الله ممن حضر موته قال: غشي عليه عند صلاة المغرب ثم أفاق فنظر إلى ناحية من باب البيت فقال: قف عافاك الله، فإنما أنت عبد مأمور، ما أمرت به لا يفوتك، وما أمرت به يفوتني، فدعني أمضي لما أمرت به ثم امض أنت لما أمرت به. فدعا بماء فتوضأ للصلاة وصلى ثم تمدد وغمض عينيه وتشهد فمات رحمه الله، فرآه بعض أصحابه في المنام فقال له: ما فعل الله بك؟ قال: لا تسألني عن هذا ولكن استرحت من دنياكم الوضرة. [الحلية (تهذيبه) 3/ 405].

الفرج بعد الشدة

الفرج بعد الشدة * عن عائشة رضي الله عنها، أن وليدة كانت سوداء لحي من العرب فأعتقوها، فكانت معهم، قالت: فخرجت صبية لهم عليها وشاح أحمر من سيور، قالت: فوضعته أو وقع منها، فمرت به حدياة وهو ملقى فحسبته لحما، فخطفته، قالت: فالتمسوه فلم يجدوه، قالت: فاتهموني به، قالت: فطفقوا يفتشون حتى فتشوا قبلها، قالت: والله إني لقائمة معهم إذ مرت الحدياة فألقته، قالت: فوقع بينهم، قالت: فقلت: هذا الذي اتهمتموني به زعمتم وأنا منه بريئة وهو ذا هو، قالت: فجاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسلمت، قالت عائشة: فكان لها خباء في المسجد أو حفش , قالت: فكانت تأتيني فتحدث عندي، قالت: فلا تجلس عندي مجلساً إلا قالت: ويوم الوشاح من أعاجيب ربنا ... ألا إنه من بلدة الكفر أنجاني قالت عائشة: فقلت لها: ما شأنك لا تقعدين معي مقعدا إلا قلت هذا؟ قالت: فحدثتني بهذا الحديث. (¬1) [رواه البخاري: 439]. ¬

(¬1) قال ابن رجب رحمه الله في فتح الباري: الوشاح: قيل: أنه ضرب من الحلي، وجمعه: وشح، ومنه: توشح بالثوب واتشح به، والظاهر: أنه كان شيئا من لباس المرأة الذي تتوشح به، وفيه حلي وسيور حمر. والله أعلم. والحدياة: الحدأة. والرواية المشهورة: حدياة بضم الحاء وتشديد الياء، وقيل: إن الصواب: حديأة بتخفيف الياء وبعدها همزة، وهو تصغير حدأة. وفي الحديث: دليل على أن الله تعالى قد يفرج كربات المكروبين ويخرق لهم العوائد وإن كانوا كفاراً, كما روي أن جيشا من المسلمين حاصروا حصنا من الكفار، فعطش الكفار واشتد بهم العطش، فجأروا إلى الله يسألونه أن يسقيهم، فجاءت سحابة فمطرت على حصنهم حتى شربوا فارتحل عنهم المسلمون. وقد ذكرها ابن أبي الدنيا بإسناده في " كتاب: مجابي الدعوة ". فإن كان الكافر مظلوماً كهذه المرأة فهو أقرب إلى تفريج كربته وإجابة دعوته، فإن دعوة المظلوم قد تجاب من الكافر، كما ورد في أحاديث مرفوعة متعددة؛ فإن عدل الله يسمع المؤمن والكافر، والبر والفاجر. وظاهر هذا الحديث: يدل على أن هذه المرأة إنما أسلمت بعد قصة الوشاح.

* وعن أيوب بن معمر قال: حاصر هارون أمير المؤمنين حصنًا، فإذا سهم قد جاء ليس له نصل، حتى وقع بين يديه مكتوب عليه: إذا شاب الغراب أتيت أهلي ... وصار القار كاللبن الحليب فقال هارون: اكتبوا عليه ورُدُّوه: عسى الكرب الذي أمسيت فيه ... يكون وراءه فرج قريب قال: فافتتح الحصن بعد ذلك بيومين أو ثلاثة، فكان الرجل صاحب السهم ممن يخلص، وكان مأسورًا محبوسًا فيه سنتين. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 133]. * وقال بعضهم: [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 134]. عسى فرج يكون عسى ... نعلل أنفسنا بعسى وأقرب ما يكون المر ... ء من فرج إذا يئسا * وقال بعضهم: [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 135]. إذا اشتملت على اليأس القلوب ... وضاق لما بها الصدر الرحيب وأوطنت المكاره واطمأنت ... وأرست في أماكنها الخطوب ولم تر لانكشاف الضر وجهًا ... ولا أغنى بحيلته الأريب أتاك على قنوط منك غوث ... يمنُّ به اللطيف المستجيب وكل الحادثات إذا تناهت ... فموصول بها الفرج القريب * وقال بعضهم: [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 136]. ألم تر أن ربك ليس تحصى ... أياديه الحديثة والقديمة تسل عن الهموم فليس شيء ... يقيم وما همومك بالمقيمة لعل الله ينظر بعد هذا ... إليك بنظرة منه رحمية * وقال توبة العنبري رحمه الله: أكرهني يوسف بن عمر على العمل، فلما

رجعت حبسني في السجن وقيدني، فما زلت في السجن حتى لم يبق في رأسي شعرة سوداء، فأتاني آت في منامي عليه ثياب بياض فقال: يا توبة طال حبسك؟ قلت: أجل. فقال: يا توبة، قل أسأل الله العفو والعافية والمعافاة في الدنيا والآخرة. فقلتها ثلاثُا واستيقظت، فقلت: يا غلام هات الدواة والسراج وكتبت هذا الدعاء، ثم إني صليت ما شاء الله أن أصلي، فما زلت أدعو به حتى صليت الصبح، فلما صليت جاء حرسي فضرب باب السجن، ففتحوا له ثم قال: أين التوبة العنبري؟ فقالوا: هذا، فحملوني بقيودي حتى وضعوني بين يدي يوسف وأنا أتكلم به فقال: يا توبة، لقد أطلنا حبسك؟ قلت: أجل. قال: أطلقوا عنه قيوده وخلوا عنه، فعلمته رجلاً في السجن. فقال لي صاحبي: لم أُدع إلى العذاب قط فقلتهن إلا خلوا عني، فجيء به يومًا إلى العذاب فجعلت أتذكرهن فلم أذكرهن، حتى جلدني مائه سوط ثم إني ذكرتهن فقلتهن فخلى عني. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 143، 144]. * وعن سفيان قال: أُتي زياد برجل فأمر به ليقتل، فلما أحس الرجل بالموت قال: ائذنوا لي أتوضأ وأصلي ركعتين فأموت على توبة، لعلي أنجو من عذاب الله، فقال زياد: دعوه فليتوضأ وليصل ما بدا له، قال: فتوضأ وصلى كأحسن ما يكون، فلما قضى صلاته أُتي به ليُقتل، فقال له زياد: هل استقبلت التوبة؟ قال: أي والذي لا إله غيره، فخلى سبيله. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 374].

التخفي وكتمان الأعمال الصالحة

التخفي وكتمان الأعمال الصالحة (أ) الحرص على الخمول وعدم البروز والظهور: * عن بريدة بن الحصين - رضي الله عنه - قال: شهدتُ خيبر، وكنتُ فيمن صعد الثُّلمة، فقاتلتُ حتى رُئي مكاني، وعليَّ ثوبٌ أحمر، فما أعلم أني ركبتُ في الإسلام ذنبًا أعظمَ عليَّ منه - أي الشهرة. قلت: بلى، جُهَّال زماننا يعدُّون اليومَ مثلَ هذا الفعل من أعظم الجهاد، وبكلِّ حالٍ فالأعمالُ بالنيّات، ولعل بريدةَ رضى الله عنه بازدرائه على نفسه، يصيرُ له عملُه طاعةً وجهادًا! وكذلك يقعُ في العمل الصالح، رُبَّما افتخر به الغِرُّ ونَوَّهَ به، فيتحولُ إلى ديوان الرياء. قال الله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا} [الفرقان: 23]. [السير (تهذيبه) 1/ 291]. * وعن ابن محيريز قال: صحبت فضالة بن عبيد - رضي الله عنه - صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: أوصني رحمك الله، قال: أحفظ عني ثلاث خصال، ينفعك الله بهن؛ إن استطعت أن تعرف ولا تعرف فافعل، وإن استطعت أن تسمع ولا تتكلم فافعل، وإن استطعت أن تجلس ولا يجلس إليك فافعل. [الحلية (تهذيبه) 2/ 168]. * وعن أُسير بن جابر قال: كان عمر بن الخطاب رحمه الله إذا أتت عليه أمداد من أهل اليمن سألهم، فقال: هل فيكم أويس بن عامر القرني رحمه الله؟ حتى أتى على أويس، فقال: أنت أويس بن عامر؟ قال: نعم، قال: أنت من مراد ثم من قرن؟ قال: نعم، قال: كان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم؟ قال: نعم، قال: ألك والدة؟ قال: نعم، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم له والدة هو بها بر، لو أقسم على الله لأبره فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل)، فاستغفر لي، فاستغفر له، فقال عمر: أين تريد؟ قال: الكوفة، قال: ألا أكتب لك إلى عاملها فيستوصي بك، قال: لأن أكون في غبراء الناس أحب إلي، قال: فلما كان من العام المقبل حج رجل من أشرافهم فوافق عمر فسأله عن أويس كيف تركته؟ قال: رث البيت قليل المتاع، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن،

كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بر، لو أقسم على الله لأبره فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل) فلما قدم الكوفة أتى أويسًا فقال: استغفر لي، قال: أنت أحدث عهدًا بسفر صالح، فاستغفر لي، قال: لقيت عمر؟ قال: نعم فاستغفر له ففطن له الناس فانطلق على وجهه، قال أُسير: وكسوته بردًا فكان إذا رآه إنسان عليه قال: من أين لأويس هذا البرد؟!. [رواه مسلم: 2542]. * وعن عبد الواحد بن موسى قال: سمعت ابن محيريز رحمه الله يقول: اللهم إني أسألك ذكرًا خاملاً. [الحلية (تهذيبه) 2/ 167]. * وعن خالد بن دريك قال: كانت في ابن محيريز خصلتان ما كانتا في أحد ممن أدركت من هذه الأمة؛ كان أبعد الناس أن يسكت عن حق، بعد أن يتبين له حتى يتكلم فيه، غضب من غضب ورضي من رضي، وكان من أحرص الناس أن يكتم من نفسه أحسن ما عنده. [الحلية (تهذيبه) 2/ 170]. * وعن سهل بن منصور قال: كان بشر بن منصور رحمه الله يصلي يومًا فأطال الصلاة ورأى رجلاً ينظر إليه ففطن له بشر، فقال للرجل: لا يعجبك ما رأيت مني، فإن إبليس قد عبد الله مع الملائكة كذا وكذا. [الحلية (تهذيبه) 2/ 331]. * وعن عبد الرحمن بن مهدي قال: قلت لبشر بن منصور: إنا لنجلس مجلس خير وبركة قال: نعم المجلس، قال: قلت له: إنه ربما لم يجلس إلي فكأني أغتم، قال: إن كنت تشتهي أن يجلس إليك؟! اترك هذا المجلس. [الحلية (تهذيبه) 2/ 331]. * وقال جعفر بن حيان: ذكر لمسلم بن يسار رحمه الله قلّة التفاته في

الصلاة، فقال: وما يدريكم أين قلبي؟. [صفة الصفوة 3/ 169]. * وقال إبراهيم النخعي رحمه الله: إنْ كانوا ليكْرَهون إذا اجتمعوا أن يُخرج الرجل أحسن حديثه أو قال: أحسن ما عنده. [صفة الصفوة 3/ 60]. * وعن الأعمش قال: كان إبراهيم النخعي رحمه الله يتوقى الشهرة، فكان لا يجلس إلى الأسطوانة، وكان إذا سئل عن مسألة لم يزد عن جواب مسألته. فأقول له في الشيء يسأل عنه، أليس فيه كذا وكذا؟ فيقول: إنه لم يسألني عن هذا. [الحلية (تهذيبه) 2/ 89]. * وعن خلف بن حوشب؛ أن جوّابًا التميمي، كان يرتعد عند الذكر. فقال له إبراهيم النخعي: إن كنت تملكه فما أبالي أن لا أعتد بك، وإن كنت لا تملكه فقد خالفت من هو خير منك. [الحلية (تهذيبه) 5/ 93]. * وعن إبراهيم النخعي والحسن البصري رحمهما الله قالا: كفى بالمرء شرًا أن يشار إليه بالأصابع في دين أو دنيا إلا من عصم الله! التقوى ها هنا، يومئ إلى صدره ثلاث مرات. [الحلية (تهذيبه) 2/ 94]. * وعن عبد الرحمن بن يزيد، قُلنا لعلقمة رحمه الله: لو صلّيت في المسجد وجلسنا معك فُتسأل، قال: أكره أن يُقال: هذا علقمة. [السير (تهذيبه) 1/ 443]. * وقال أيوب السختياني رحمه الله: ذُكرت وما أحب أن أذكر. [صفة الصفوة 3/ 210]. * وقال أيضًا رحمه الله: ما أحبَّ الله عبدًا إلا أحبّ ألاَّ يُشْعَر به. [عيون الأخبار 2/ 725]. * وقال أيضا رحمه الله: ما صدق عبدٌ قطُّ، فأحب الشهرة. [السير (تهذيبه) 2/ 626]. * وعن إبراهيم بن أدهم رحمه الله قال: ما صدق الله عبدٌ أحبَّ الشُّهرة. قال الذهبي رحمه الله: علامةُ المخلص الذي قد يحبُّ شهرةً، ولا يشعُرُ بها، أنه إذا عُوتِبَ في ذلك، لا يحرَدُ ولا يُبرِّئ نفسه. بل يعترِفُ، ويقول: رَحِمَ اللهُ مَنْ أهدى إليَّ عيوبي، ولا يكن معجبًا بنفسه، لا يشعرُ بعيوبها، بل

لا يشعر أنه لا يشعر، فإن هذا داءٌ مُزمِن. [السير (تهذيبه) 2/ 708]. * وقال سفيان رحمه الله: أحب أن أعرف الناس ولا يعرفوني. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 529]. * وقال الحسن: كنت مع عبد الله بن المبارك رحمه الله يومًا فأتينا على سقاية والناس يشربون منها، فدنا منها ليشرب ولم يعرفه الناس فزَحَموه ودفعوه فلما خرج قال لي: ما العيش إلاّ هكذا. يعني: حيث لم نُعْرَف ولم نُوقَّر. [صفة الصفوة 4/ 372]. * وقال عبدة بن سليمان المروزي: كنا سريَّةً مع ابن المبارك رحمه الله في بلاد الروم، فصادفنا العدوّ، فلما التقى الصفَّان، خرج رجل من العدو، فدعا إلى البِراز، فخرج إليه رجل فقتله، ثم آخر فقتله، ثم آخر فقتله، ثم دعا إلى البراز، فخرج إليه رجل، فطارده ساعةً فطعنَه فقتله فازدحم إليه الناسُ، فنظرتُ فإذا هو عبد الله بن المبارك، وإذا هو يكتُم وجهه بكُمِّه، فأخذت بطرف كمه فمددتُه، فإذا هو هو. فقال: وأنتَ يا أبا عمرو ممن يُشَنِّع علينا. [السير (تهذيبه) 2/ 767]. * وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: من أحبَّ أن يُذكَرَ لم يذكر، ومن كره أن يُذكر ذُكِرَ. [السير (تهذيبه) 2/ 777]. * وقال أيضًا رحمه الله: إن قدرت أن لا تعرف فافعل، وما عليك إن لم يثن عليك، وما عليك أن تكون مذمومًا عند الناس إذا كنت عند الله محمودًا. [الحلية (تهذيبه) 3/ 7]. * وعن جرير بن عثمان قال: جاء شُرَيح بن عبيد رحمه الله إلى أبي عائذ الأزْديَ فقال: يا أبا عبد الله، لو أحييتَ سنّةً قد تركها الناس: إرخاءَ طَرَف العِمامة من الجانب الأيسر! قال: يا ابن أخي، ما كان أحسنها! تركها الناس فتركناها، ما أحِبّ أن أُعرَفَ في خيرٍ ولا شرّ. [عيون الأخبار 2/ 725]. * وقال الحسنُ بنُ الربيع: قُرِيءَ كتابُ الخليفةِ إلى ابن إدريس رحمه الله،

وأنا حاضر: من عبدِ الله هارون أمير المؤمنين إلى عبد الله بن إدريس، قال: فشهق ابن ادريس شهقة، وسقط بعد الظهر فقمنا إلى العصر وهو على حاله، وانتبه قُبَيل المغرب، وقد صَبَبْنَا عليه الماءَ ثم قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، صار يَعْرِفني حتى يكتبَ إليَّ! أيُّ ذنب بَلَغ بي هذا؟!. [السير (تهذيبه) 2/ 796]. * وعن سُحنون رحمه الله قال: كان بعضُ من مضى يُريد أن يتكلَّم بالكلمة ولو تكلَّم بها لا انتفع بها خلقٌ كثير، فيحبسها، ولا يتكلَّم بها مخافةَ المباهاة. [السير (تهذيبه) 3/ 983]. * وقال عاصم الأحول: كان أبو العالية رحمه الله إذا جلس إليه أكثر من أربعة قام فتركهم. [السير (تهذيبه) 1/ 479]. * وقال سفيان الثوري رحمه الله: وددت أني أخذت نعلي هذه، ثم جلست حيث شئت لا يعرفني أحد، ثم رفع رأسه ثم قال: بعد أن لا أستذل. [الحلية (تهذيبه) 2/ 372]. * وعن ابن المبارك رحمه الله قال: قلت لابن إدريس: أريد البصرة، فدلني على أفضل رجل بها، فقال: عليك بمحمد بن يوسف الأصبهاني، قلت: فأين يسكن؟ قال: المصيصة ويأتي السواحل، فقدم عبد الله بن المبارك المصيصة فسأل عنه فلم يعرف، فقال عبد الله بن المبارك: من فضلك لا تعرف. [الحلية (تهذيبه) 3/ 52]. * وقال بشر بن الحارث رحمه الله: لا أعلم رجلاً أحب أن يعرف إلا ذهب دينه وافتضح. [الحلية (تهذيبه) 3/ 94]. * وقال أيضًا رحمه الله: لا يجد حلاوة الآخرة رجل يحب أن يعرفه الناس. [الحلية (تهذيبه) 3/ 94]. * وعن الحسن البصري رحمه الله قال: لقد أدركت أقوامًا إن كان الرجل ليجلس مع القوم يرون أنه عيي وما به عي إنه لفقيه مسلم. [الزهد للإمام أحمد / 446]. * وقال أيضًا رحمه الله: إن كان الرجل ليكون فقيهًا جالسًا مع القوم فيرى بعض القوم أن به عيًا وما به من عي إلا كراهية أن يشتهر. [الزهد للإمام أحمد / 446، 447].

(ب) كتمان الأعمال الصالحة

* وقال الشافعي رحمه الله: لوددت أن الخلق يتعلمون مني ولا يُنْسَب إليّ منه شيء. [صفة الصفوة 2/ 553]. * عن أحمد بن أبي الحواري قال: قال لي أبو سليمان الداراني رحمه الله: إن استطعت أن لا تعرف بشيء فافعل. [الحلية (تهذيبه) 3/ 192]. * وعن أبي بكر بن عياش رحمه الله قال: أدنى نفع السكوت السلامةُ، وكفى به عافية. وأدنى ضرر المنطق الشهرةُ، وكفى بها بليَّة. [السير (تهذيبه) 2/ 787]. (ب) كتمان الأعمال الصالحة: * عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزاة، ونحن ستة نفر نعتقب، قال: ونقبت أقدامنا، ونقبت قدماي وتساقطت أظفاري، فكنا نلف على أرجلنا الخرق. فسميت غزوة ذات الرقاع، لما كنا نعصب على أرجلنا الخرق، قال أبو بردة: فحدث أبو موسى بهذا الحديث ثم ذكر ذلك فقال: ما كنت أصنع أن أذكر هذا الحديث، - كأنه كره أن يكون شيء من عمله أفشاه - وقال: الله يجزي به. [الحلية (تهذيبه) 1/ 200]. * وعن الأعمش، قال: بكى حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - في صلاته، فلما فرغ التفت فإذا رجل خلفه، فقال: لا تعلمن هذا أحدًا. [المنتظم 5/ 106]. * وقال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: إذا أصبحتم صيامًا فأصبحوا متدهنين. [الزهد للإمام أحمد / 292]. * وقال إسحاق: كان عمرو بن قيس رحمه الله إذا حضرته الرِّقّة يحول وجهه إلى الحائط، ويقول لجلسائه: ما هذا الزكام. [صفة الصفوة 3/ 87]. * وقال سلام بن أبي مطيع: كان أيوب السختياني رحمه الله يقوم الليل يُخفي ذلك، فإذا كان قبيل الصبح رفع صوته، كأنه إنما قام تلك الساعة. [صفة الصفوة 3/ 210]. * وقال حماد بن زيد: كان أيوب السختياني رحمه الله ربما حُدِّث بالحديث فيرِقّ، فيلتفت فيمتخط ويقول: ما أشد الزكام. [صفة الصفوة 3/ 211]. * وقال سلام بن مِسكن: كان أيوب السَّختياني رحمه الله ممن يُخفي زهده،

دخلنا عليه، فإذا هو على فراش مُخَمِّسٍ أحمر، فرفعتُه، أو رفعه بعض أصحابنا، فإذا خَصَفةٌ محشوةٌ بليف. [السير (تهذيبه) 2/ 626]. * وقال مَعْمُر: كان في قميص أيوب رحمه الله بعضُ التذييل. فقيل له، فقال: الشهرةُ اليوم في التَّشمير. [السير (تهذيبه) 2/ 262]. * وكان ابن المبارك رحمه الله إذا رقَّ، فخاف أن يظهر ذلك منه قام، وربما أخذ في حديث آخر. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 201]. * وكان حسان بن أبي سنان رحمه الله يحضر مسجد مالك بن دينار رحمه الله، فإذا تكلم مالك بكى حسان حتى يبل ما بين يديه، لا يُسمع له صوت. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 202]. * وقال أبو سليمان المكتب: صحبت كرزًا رحمه الله إلى مكة، فكان إذا نزل أخرج ثيابه فألقاها في الرحل، ثم تنحى للصلاة، فإذا سمع رغاء الإبل أقبل، فاحتبس يومًا عن الوقت، فانبث أصحابه في طلبه، فكنت فيمن طلبه، قال: فأصبته في وهدة يصلي في ساعة حارة، وإذا سحابة تظله، فلما رآني أقبل نحوي فقال: يا أبا سليمان لي إليك حاجة، قال: قلت: وما حاجتك يا أبا عبد الله؟ قال: أحب أن تكتم ما رأيت، قال: قلت: ذلك لك يا أبا عبد الله، فقال: أوثق لي، فحلفت ألا أخبر به أحدًا حتى يموت. [الحلية (تهذيبه) 2/ 147]. * وقال محمد بن واسع رحمه الله: إن كان الرجل لَيبكي عشرين سنة وامرأته معه لا تعلم. [صفة الصفوة 3/ 193]. * وقال أيضًا رحمه الله: لقد أدركت رجالاً كان الرجل يكون رأسه مع رأس امرأته على وسادة واحدة، قد بل ما تحت خده من دموعه لا تشعر به امرأته، ولقد أدركت رجالاً يقوم أحدهم في الصف، فتسيل دموعه على خده، ولا يشعر به الذي إلى جانبه. [الحلية (تهذيبه) 1/ 412]. * وعن سُرِّيَّةِ الربيع بن خثيم رحمه الله قالت: كان عمل الربيع بن خثيم كله سرًا، كان يجيء الرجل وقد نشر المصحف فيغطيه بثوبه. [المنتظم 6/ 8، 9].

* وعن ثابت بن عقبة بن عبد الغافر رحمه الله قال: دعوة في السر أفضل من سبعين في العلانية، وإذا عمل العبد في العلانية عملاً حسنًا وعمل في السر مثله قال الله لملائكته: هذا عبد حقًا. [الحلية (تهذيبه) 1/ 385]. * وعن عاصم قال: كان أبو وائل رحمه الله إذا صلى في بيته ينشج نشيجًا، ولو جعلت له الدنيا على أن يفعله وأحد يراه ما فعله. [الحلية (تهذيبه) 2/ 59]. * وقال أبو عبد الله خادم أبي الحسن الطوسي: سمعت أبا الحسن رحمه الله يحلف كذا كذا مرّة: لو قدرتُ أن أتطوع حيث لا يراني ملكاي لفعلت، ولكني لا أستطيع ذلك؛ خوفًا من الرياء. [صفة الصفوة 4/ 366]. * وعن الأَعمش قال: كنت عند إبراهيم النخعي رحمه الله، وهو يقرأ في المصحف، واستأذن عليه رجل، فغطّى المصحف، وقال: لا يرى هذا أنني أقرأ فيه كلّ ساعة. [صفة الصفوة 3/ 59]. * وعن الأعمش قال: كان عبد الرحمن بن أبي ليلى رحمه الله يصلي، فإذا دخل الداخل، نام على فراشه. [السير (تهذيبه) 1/ 494]. * وعن أبي حازم رحمه الله قال: اكتُم حسناتِك، كما تكتم سيئاتِك. (¬1) [السير (تهذيبه) 2/ 637]. * وبكى رجلٌ إلى جنب الحسن رحمه الله فقال: قد كان أحدهم يبكي إلى جنب صاحبه فما يعلم به. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 179]. * وبكى أيُوب السختياني رحمه الله مرةً فأخذ بفمه، فقال: إن هذه الزكمة ربما عرضت. وبكى مرة أخرى فاستبنا بكاه فقال: إن الشيخ إذا كبر مجَّ. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 180]. * وكان لحسان بن أبي سنان رحمه الله في حانوته سترٌ، فكان يخرج سلة الحساب وينشر حسابه، ويُصعد غلامًا على الباب، ويقول: إذا رأيت رجلاً قد ¬

(¬1) قال ابن القيم رحمه الله: إظهار الحال للناس عند الصادقين: حمق وعجز، وهو من حظوظ النفس والشيطان. وأهل الصدق والعزم لها أستر وأكتم من أرباب الكنوز من الأموال لأموالهم. ا. هـ بتصرف. مدارج السالكين 3/ 290

أقبل، ترى أنه يريدني فأخبرني. ثم يقوم فيصلي، فإذا جاء رجلٌ أخبره الغلام، فيجلس كأنه على الحساب. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 180]. * وكان حسان بن أبي سنان رحمه الله يحضر مسجد مالك بن دينار، فإذا تكلم مالكٌ بكى حسان حتى يسيل ما بين يديه، لا يُسمع له صوت. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 181]. * وقال أبو الطيب موسى بن يسار: صحبت محمد بن واسع رحمه الله من مكة إلى البصرة فكان الليل أجمع يصلي في المحمل جالسًا يومىء برأسه إيماءً، وكان يأمر الحادي أن يكون خلفه ويرفع صوته حتى لا يفطن له. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 181]. * وكان منصور بن المعتمر رحمه الله إذا صلى الغداة أظهر النشاط لأصحابه فيحدثهم ويكثر إليهم، ولعله إنما بات قائمًا على أطرافه كل ذلك ليخفي عليهم العمل. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 272]. * وعن الخُريبي رحمه الله، قال: كانوا يستَحبُّون أن يكون للرجل خبيئةٌ من عملٍ صالحٍ لا تَعلَم به زوجته ولا غيرُها. [السير (تهذيبه) 2/ 827]. * وعن بشر بن الحارث رحمه الله قال: لا تعمل لِتُذكر، اكتم الحسنة كما تكتُم السيئة. [السير (تهذيبه) 2/ 886]. * وقال ابن المبارك رحمه الله: قدمت مكة فإذا الناس قد قحطوا من المطر وهم يستسقون في المسجد الحرام، وكنت في الناس مما يلي باب بني شيبة، إذ أقبل غلام أسود عليه قطعتا خيش، قد ائتزر بإحداهما، وألقى الأخرى على عاتقه، فصار في موضع خَفِيٍّ إلى جانبي، فسمعته يقول: إلهي أَخْلَقَتِ الوجوهَ كثرةُ الذنوبِ ومساوىءُ الأعمالِ، وقد منعتنا غيث السماء لتؤدب الخليقة بذلك، فأسألك يا حليمًا ذا أناة، يا من لا يعرف عباده منه إلا الجميل، اسقهم الساعة الساعة. قال ابن المبارك: فلم يزل يقول الساعة الساعة حتى استوت بالغمام، وأقبل المطر من كل مكان، وجلس مكانه يُسبّح، وأخذت أبكي، فلما قام تبعته حتى عرفت موضعه، فجئت إلى فضيل بن عياض، فقال لي: مالي أراك كئيبًا؟ فقلت: سبقنا إلى الله غيرنا، فتولاه دوننا، قال: وما

ذاك؟ فقصصت عليه القصة، فصاح وسقط وقال: ويحك يا ابن المبارك خذني إليه، قلت: قد ضاق الوقت، وسأبحث عن شأنه. فلما كان من الغد صليت الغداة، وخرجت إلى الموضع فإذا شيخ على الباب قد بُسط له وهو جالس، فلما رآني عرفني وقال: مرحبًا بك يا أبا عبد الرحمن، حاجتك. فقلت له: احتجت إلى غلام أسود، فقال: نعم عندي عدة، فاختر أيهم شئت؟ فصاح يا غلام، فخرج غلام جلد، فقال: هذا محمود العاقبة، أرضاه لك، فقلت: ليس هذا حاجتي، فما زال يُخرِج إليَّ واحدًا واحدًا حتى أَخرَجَ إليَّ الغلام، فلما أبصرت به بدرت عيناي، فقال: هذا هو؟ قلت: نعم فقال ليس إلى بيعه سبيل، قلت: ولِمَ؟ قال: قد تبركت لموضعه في هذه الدار وذاك أنه لا يزرأني شيئًا، قلت: ومن أين طعامه؟ قال: يكسب من قبل الشريط نصف دانق أو أقل أو أكثر فهو قوته، فإن باعه في يومه وإلا طوى ذلك اليوم. وأخبرني الغلمان عنه أنه لا ينام هذا الليل الطويل، ولا يختلط بأحد منهم مشغول بنفسه، وقد أحبه قلبي، فقلت له: أنصرف إلى سفيان الثوري وإلى فضيل بن عياض بغير قضاء حاجة؟ فقال: إن ممشاك عندي كبير، خُذه بما شئت. قال: فاشتريته وأخذت نحو دار فضيل، فمشيت ساعة، فقال لي: يا مولاي، قلت: لبيك، قال: لا تقل لي لبيك، فإن العبد أولى أن يلبي المولى، قلت: حاجتك يا حبيبي. قال: أنا ضعيف البدن، لا أطيق الخدمة، وقد كان لك في غيري سعة، قد أخرج إليك من هو أجلد مني، فقلت: لا يراني الله وأنا أستخدمك، ولكني أشتري لك منزلاً وأزوجك وأخدمك أنا بنفسي، قال: فبكى، فقلت: ما يبكيك؟ قال: أنت لم تفعل فيَّ هذا إلا وقد رأيت بعض متصلاتي بالله تعالى، وإلا فِلمَ اخترتني من بين الغلمان؟ فقلت له: ليس بك حاجة إلى هذا، فقال لي: سألتك بالله إلا أخبرتني، فقلت: بإجابة دعوتك، فقال لي: إني أحسبك إن شاء الله رجلاً صالحًا، إن لله - عزَّ وجلَّ - خيرة من خلقه لا يكشف شأنهم إلا لمن أحب من عباده ولا يظهر عليهم إلا من ارتضى، ثم قال لي: ترى أن تقف علي قليلاً، فإنه قد بقيت علي ركعات من البارحة. قلت: هذا منزل فضيل قريب. قال: لا. ها هنا أحب إليَّ أمر الله - عزَّ وجلَّ - لا يؤخر فدخل من باب

الباعة إلى المسجد فما زال يصلي حتى إذا أتى على ما أراد التفت إليّ فقال: يا أبا عبد الرحمن، هل من حاجة؟ قلت: ولِمَ، قال: لأني أريد الانصراف، قلت: إلى أين؟ قال: إلى الآخرة. قلت: لا تفعل، دعني أُسَرُّ بك. فقال لي: إنما كانت تطيب الحياة، حيث كانت المعاملة بيني وبينه تعالى فأما إذا اطلعت عليها أنت فسيطلع عليها غيرك فلا حاجة لي في ذلك، ثم خرَّ لوجهه، فجعل يقول: إلهي إقبضني إليك الساعة الساعة. فدنوت منه فإذا هو قد مات. فوالله ما ذكرته قط إلا طال حزني وصغرت الدنيا في عيني. [المنتظم 8/ 223 - 225]. * وقال أبو التياح رحمه الله: كان الرجل يقرأ عشرين سنة لا يشعر به جيرانه. [الحلية (تهذيبه) 1/ 459]. * وعن ابن أبي عدي قال: صام داود بن أبي هند رحمه الله أربعين سنة لا يعلم به أهله، وكان خرازًا، يحمل معه غداه من عندهم، فيتصدق به في الطريق، ويرجع عشيًا فيفطر معهم. [الحلية (تهذيبه) 1/ 464]. * وقال محمد بن الحسين: حدثني سليمان بن أيوب، عن بعض أشياخه قال: قام زبيد اليامي رحمه الله ذات ليلة ليتهجد، قال: فعمد إلى مِطْهرة له قد كان يتوضأ منها، فغمس يده في المطهرة، فوجد الماء باردًا شديدًا كاد يجمد من شدة برده، فذكر الزمهرير ويده في المطهرة، فلم يخرجها منها حتى أصبح، فجاءت الجارية وهو على تلك الحال، فقالت: ما شأنك يا سيدي لم تصلّ الليلة كما كنت تصلّي وأنت قاعد ها هنا على هذه الحال؟ قال: ويحكِ أدخلتُ يدي في هذه المطهرة، فاشتد عليّ برد الماء، فذكرت به الزمهرير، فوالله ما شعرت بشدّة بَرد يدي حتى وقفتِ عليّ، فانظري لا تحدّثي بها أحدًا ما دمت حيًا، قال: فما عَلم بذلك أحد حتى مات. [صفة الصفوة 3/ 69]. * وقال أبو عبد الله: صحبت محمد بن أسلم رحمه الله نيفًا وعشرين سنة لم أره يصلي ركعتي التطوع إلا يوم الجمعة، ولا يسبح ولا يقرأ حيث أراه، ولم يكن أحد أعلم بسره وعلانيته مني. وسمعته يحلف مرارًا: لو قدرت أن أتطوع حيث لا يراني ملكاي فعلت، وكان يدخل بيتًا ويغلق بابه ويدخل معه كوزًا من ماء، فلم أدر ما يصنع، حتى سمعت ابنًا له صغيرًا يحكي بكاءه، فنهته أمه،

فقلت لها: ما هذا البكاء؟ فقالت: إن أبا الحسن يدخل هذا البيت فيقرأ القرآن ويبكي فيسمعه الصبي فيحكيه، وكان إذا أراد أن يخرج غسل وجهه واكتحل، فلا يُرى عليه أثر البكاء، وكان يصل قومًا فيعطيهم ويبرهم ويكسوهم، فيبعث إليهم ويقول للرسول: انظر لا يعلمون مَنْ بعثه إليهم، ويأتيهم هو بالليل فيذهب به إليهم ويخفي نفسه، فربما بليت ثيابهم ونفد ما عندهم ولا يدرون من الذي أعطاهم. قال: ودخلت عليه يومًا قبل موته بأربعة أيام فقال لي: يا أبا عبد الله، تعال أبشرك بما صنع الله بأخيك من الخير. قد نزل بي الموت وقد مَنَّ الله عليّ أنه ليس عندي درهم يحاسبني الله عليه وقد علم ضعفي، وأني لا أطيق الحساب فلم يدع لي شيئًا يحاسبني عليه، ثم قال: أغلق الباب ولا تأذن لأحد عليَّ حتى أموت، واعلم أني أخرج من الدنيا وليس عندي ميراث غير كسائي ولبدي وإنائي الذي أتوضأ فيه وكتبي، وكانت معه صرة فيها نحو ثلاثين درهمًا فقال: هذا لابني، أهداه إليه قريب له، ولا أعلم شيئًا أحل لي منه، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال " أنت ومالك لأبيك " فكفنوني منها، فإن أصبتم لي بعشرة دراهم ما يستر عورتي فلا تشتروا لي بخمسة عشر، وابسطوا على جنازتي لبدي، وغطّوا عليها بكسائي، وتصدقوا بإنائي، أعطوه مسكينًا يتوضأ فيه، ثم مات في اليوم الرابع وصلى عليه نحو من ألف ألف تقريبًا. [المنتظم 11/ 303، 304] * وقال وهيب بن الورد رحمه الله: لقي رجل فقيه رجلاً هو أفقه منه، فقال له: يرحمك الله، ما الذي أعلن من عملي؟ قال: يا عبد الله، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. [الحلية (تهذيبه) 3/ 34]. * وعن الحسن البصري رحمه الله قال: إن كان الرجل ليجلس المجلس فتجيئه عبرته فيردها فإذا خشي أن تسبقه قام. [الزهد للإمام أحمد / 448]. * وقال أيضًا رحمه الله: يا ابن آدم إن لك قولاً وعملاً، وسرًا وعلانية، وعملك أولى بك من قولك، وسرك أولى بك من علانيتك. [الزهد للإمام أحمد / 476]. * وعن الربيع بن صبيح قال: كنا عند الحسن البصري رحمه الله فوعظ فانتحب رجل فقال الحسن: أما والله ليسألنك الله - عزَّ وجلَّ - يوم القيامة: ما أردت

(جـ) الحذر من تصنع الزهد والخمول

بهذا؟ [الزهد للإمام أحمد / 459]. * وعن حوط بن رافع أن عمرو بن عتبة رحمه الله كان يشترط على أصحابه أن يكون خادمهم قال: فخرج في الرعي في يوم حار فأتاه بعض أصحابه فإذا هو بالغمامة تظله وهو قائم قال: أبشر يا عمرو فأخذ عليه عمرو أن لا يخبر به. [الزهد للإمام أحمد / 587]. (جـ) الحذر من تصنع الزهد والخمول: * قال عبد الله بن المبارك رحمه الله: كن محباًّ للخمول كراهية الشهرة ولا تظهر من نفسك أنك تحبّ الخمول فترفَع نفسك، فإنَّ دعواك الزهد من نفسك هو خروجك من الزهد لأنّك تجرّ إلى نفْسك الثناء والمدْحة. [صفة الصفوة 4/ 372]. * وقال أيوب السَّختياني رحمه الله: ليتَّق الله رجلٌ. فإن زهد، فلا يَجْعَلَنَّ زُهدَه عذابًا على الناسِ، فلأَن يُخْفيَ الرجلُ زهدَهُ خيرٌ من أنْ يُعلِنه. [السير (تهذيبه) 2/ 626]. * وذُكِر عند سُفْيان الثوريِّ رحمه الله الذين يلبَسون الصوفَ، فقال: ما لهم تفاقدوا - ثلاثًا - أكَنُّوا الكِبْرَ في قلوبهم وأظهروا التواضُعَ في لباسهم، والله لأحدُهم أشدُّ عُجْبًا بِكسائه من صاحب المِطْرفَ بمطرفه. [عيون الأخبار 2/ 738]. (د) حال بعض السلف الذين يرون إظهار الأعمال الصالحة: * قال أبو مسلم الخولاني رحمه الله: ما عملتُ عملاً أبالي مَن رآه إلا أن يخلو الرجل بأهله أو يقضي حاجة غائطٍ. [صفة الصفوة 4/ 428]. * وعن نصر بن علي قال: كان عبد الله بن غالب رحمه الله إذا أصبح يقول: لقد رزقني الله البارحة خيرًا؛ قرأت كذا، وصليت كذا، وذكرت كذا، وفعلت كذا. فيقال له: يا أبا فراس: إن مثلك لا يقول مثل هذا! فيقول إن الله تعالى يقول: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 11] وأنتم تقولون: لا تحدث بنعمة. [الحلية (تهذيبه) 1/ 384]. * وعن سعيد بن عامر قال: قدم الجريري رحمه الله من سفر فأتاه إخوانه

(هـ) فوائد أخرى

يسلمون عليه فجعل يخبرهم بما أبلاه الله في سفره مما يحب وصرف عنه مما يكره وتكلم في ذلك فأحسن وأبلغ وقال: إنه كان يقال: إن من الشكر تعداد النعم. [الزهد للإمام أحمد / 610]. (هـ) فوائد أخرى: * عن حسان بن عطية رحمه الله قال: صلاة الرجل عند أهله من عمل السر. [الحلية (تهذيبه) 2/ 266].

بر الوالدين وصلة الرحم

برّ الوالدين وصلة الرحم * عن ابن سيرين قال: قال عثمان - رضي الله عنه -: كان عمر يمنع أَقْرِباءه ابتغاء وجه الله، وأنا أُعطِي قَرَاباتي لوجه الله، ولن يُرى مثلُ عمَر. [عيون الأخبار 3/ 88]. * وعن أصبغ بن زيد قال: إنما منع أويسًا رحمه الله أن يقدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بره بأمه. [الحلية (تهذيبه) 1/ 300]. * وقيل لعليّ بن الحسين رحمه الله: أنت من أبَرِّ الناس ولا نراك تؤاكِل أمّك. قال: أخاف أن تسيرَ يدي إلى ما قد سبقتْ عينُها إليه فأكونَ قد عَقَقْتُها. [عيون الأخبار 3/ 101]. * وقيل لعمرَ بن ذرّ رحمه الله: كيف كان بِرّ ابنك بك؟ قال: ما مشيتُ نهارًا قط إلا مشى خلفي، ولا ليلاً إلا مشى أمامي، ولا رَقيَ سطحًا وأنا تحته. [عيون الأخبار 3/ 101]. * وقال المأمون: لم أر أحدًا أبرَّ من الفضل بن يحيى رحمه الله بأبيه، بلغ من برّه به أن يحيى كان لا يتوضأ إلا بماء مسخَّن وهما في السجن، فمنعهما السجّان من إدخال الحطب في ليلة باردة، فقام الفضل حين أخذ يحيى مَضْجَعه إلى قُمْقُم كان يُسَخّن فيه الماءُ، فملأه ثم أدناه من نار المصباح، فلم يزل قائمًا وهو في يده حتى أصبح. [عيون الأخبار 3/ 102]. * وقال محمد بن المنكدر رحمه الله: بات عمر، يعني: أخاه، يصلي وبتّ أغمز رجْل أمي، وما أحب أنّ ليلتي بليلته. [صفة الصفوة 2/ 480]. * وعن حفصة بنت سيرين قالت: كان محمد سيرين رحمه الله إذا دخل على أمه لم يكلمها بلسانه كلّه تخشّعًا لها. [صفة الصفوة 3/ 173]. * وعن ابن عون قال: دخل رجل على محمد بن سيرين رحمه الله، وهو

عند أمه، فقال: ما شأن محمد؟ يشتكي شيئًا؟ فقالوا: لا ولكن هكذا يكون إذا كان عند أمه. [صفة الصفوة 3/ 173]. * وعن محمد بن عمر بن حرب، قال لنا بعض أصحابنا عن ابن عون رحمه الله: أنه نادته أمه فأجابها فعلا صوتُه صوتَها، فأعتق رقبتيْن. [صفة الصفوة 3/ 222]. * وعن عُروة بن الزبير رحمه الله قال: ما بَرَّ والدَهُ من شَدَّ الطرف إليه. [السير (تهذيبه) 2/ 528]. * وقال بُندار رحمه الله: أردتُ الخروجَ - يعني: الرحلة - فمنعتني أُمِّي، فأطعتُها، فبُورك لي فيه. [السير (تهذيبه) 3/ 989]. * وقال أبو إسحاق الفزاري لعبد الله بن المبارك رحمهما الله: يا أبا عبد الرحمن كان رجل من أصحابنا جَمع من العلم أكثر مما جمعتَ وجمعتُ، فاحتُضر فشهَّدُّته، فقلت له: قل: لا إله إلا الله، فيقول: لا أستطيع أن أقولها!، ثم تكلم فيتكلم، قال ذلك مرتين، فلم يزل على ذلك حتى مات!، قال: فسألت عنه فقيل: كان عاقا بوالديه، فظننت أنه حُرم كلمةَ الإخلاص لعقوقه بوالديه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 360]. * وعن الأشجعي قال: استسقت أم مسعر رحمه الله ماء منه في بعض الليل فذهب فجاء بقربة ماء فوجدها قد غلبها النوم فثبت بالشربة على يديه حتى أصبح. [الحلية (تهذيبه) 2/ 423]. * وعن أبي بكر بن عياش قال: ربما كنت مع منصور بن معتمر رحمه الله في منزله جالسًا، فتصيح به أمه، وكانت فظة غليظة، فتقول: يا منصور يريدك ابن هبيرة على القضاء فتأبى عليه؟! وهو واضع لحيته على صدره ما يرفع طرفه إليها. [الحلية (تهذيبه) 2/ 136]. * وقال ابن محيريز رحمه الله: من مشى بين يدي أبيه فقد عقه، إلا أن يمشي فيميط له الأذى عن طريقة، ومن دعا أباه باسمه أو كنيته فقد عقه، إلا أن يقول: يا أبت. [الحلية (تهذيبه) 2/ 168].

* وعن غسان بن المفضل حدثني رجل من قريش. قال: كان عمرو بن عبيد يأتي كهمسًا رحمه الله يسلم عليه، ويجلس عنده هو وأصحابه، فقالت له أمه: إني أرى هذا وأصحابه وأكرههم وما يعجبوني فلا تجالسهم، قال: فجاء إليه عمرو وأصحابه فأشرف عليهم فقال: إن أمي قد كرهتك وأصحابك فلا تأتوني. [الحلية (تهذيبه) 2/ 319]. * وقال جعفر الخُلْدي: كان الأَبّار رحمه الله من أزهد الناس، استأذن أُمَّه في الرحلة إلى قُتَيْبَة، فلم تأذن له، ثم ماتت، فخرج إلى خراسان، ثم وصل إلى بلخ وقد مات قُتَيْبَة، فكانوا يُعزُّونه على هذا، فقال: هذا ثمرةُ العلم، إني اخترتُ رضى الوالدة. [السير (تهذيبه) 2/ 1101]. * وقال يحيى بن سعيد لابنه: غَذَوْتُكَ مَوْلودًا وعُلْتُكَ يافِعًا ... تُعَلُّ بما أَجْني عليك وتُنْهَلُ إذا ليلةٌ نالتك بالشكو لم أَبِتْ ... لشكواكَ إلاّ ساهرًا أَتَمَلْمَلُ كأنّي أنا المطروقُ دونك بالذي ... طُرِقْتَ به دوني وعينيَ تَهْمُلُ فلمّا بلغتَ الوقت في العدّة التي ... إليها جَرَى ما أبتغِيه وآمُلُ جَعَلْتَ جَزَائي منك جَبْهًا وغِلْظَةً ... كأنكَ أنتَ المنعمُ المتفضِّلُ فليتكَ إذ لم تَرْعَ حقَّ أُبُوَّتِي ... كما يفعل الجارُ المجاورُ تَفْعَلُ [عيون الأخبار 3/ 90]. * وعن بشر بن الحارث قال: سأل رجل ابن المبارك رحمه الله فقال: إن أمي لم تزل تقول: تزوج حتى تزوجت، فالآن قالت لي: طلقها، فقال: إن كنت عملت عمل البر كله وبقي هذا عليك فطلقها، وإن كنت تطلقها وتأخذ إلى مشاغبة أمك فتضرَّ بها فلا تطلقها. [الحلية (تهذيبه) 3/ 95].

حال السلف مع الفتن والمحن

حال السلف مع الفتن والمحن (أ) حالهم مع فتن المصائب والأمراض، والصبر عليها: * قال أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -: يُكفر الله عن المسلم حتى بالنكبة وانقطاع شسعه، والبضاعة يضعها في كم قميصه فيفقدها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 23]. * وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: وجدنا خير عيشنا الصبر. [الحلية (تهذيبه) 1/ 71]. * وقال أيضا - رضي الله عنه - قال: إذا كان الرجل مقصرا في العمل ابتُلي بالهم ليكفَّر عنه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 292]. * وقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: ألا إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا قطع الرأس باد الجسد، ثم رفع صوته فقال: ألا إنه لا إيمان لمن لا صبر له. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 23]. * وعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: كنا قومًا يصيبنا ظلف العيش بمكة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشدته، فلما أصابنا البلاء اعترفنا لذلك، ومرنا عليه وصبرنا له، ولقد رأيتني مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة، خرجت من الليل أبول وإذا أنا أسمع بقعقعة شيء تحت بولي؛ فإذا قطعة جلد بعير فأخذتها فغسلتها، ثم أحرقتها فوضعتها بين حجرين ثم استفها، وشربت عليها من الماء فقويت عليها ثلاثًا. [الحلية (تهذيبه) 1/ 94]. * وقال أيضًا - رضي الله عنه -: لقد رأيتنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما لنا طعام إلا ورق الشجر، حتى يضع أحدنا كما تضع الشاة. [الحلية (تهذيبه) 1/ 92]. * وقال عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه -: بلينا بالضراء فصبرنا، وبلينا بالسراء فلم نصبر. [الحلية (تهذيبه) 1/ 98].

* وعن سعيد بن وهب قال: دخلت مع سلمان الفارسي - رضي الله عنه - على صديق له من كندة نعوده، فقال له سلمان: إن الله - عزَّ وجلَّ - يبتلي عبده المؤمن بالبلاء، ثم يعافيه فيكون كفارةً لما مضى، فَيستعتِب فيما بقي، وإن الله - عزَّ وجلَّ - يبتلي عبده الفاجر بالبلاء، ثم يعافيه فيكون كالبعير عَقَله أهله، ثم أطلقوه فلا يدري فيم عقلوه، ولا فيم أطلقوه حين أطلقوه؟. [صفة الصفوة 1/ 260]. * وعن هلال بن يساف قال: كنا قعودا عند عمار بن ياسر رضي الله عنه، فذكروا الأوجاع، فقال أعرابي: ما اشتكيت قط، فقال عمار: ما أنت منا، إن المسلم ليبتلى ببلاء، فتحط عنه ذنوبه، كما تحط الورق من الشجر، وإن الكافر يبتلي ببلاء، فمثله مثل بعير أُطلق فلم يدر لم أطلق، وعُقل فلم يدر لم عقل. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 228]. * وعن مطرف قال: قال عمران بن حصين - رضي الله عنه -: أشعرت أنه كان يسلم عليَّ فلما اكتويت انقطع التسليم، فقلت له: من قبل رأسك كان يأتيك التسليم أم من قبل رجليك؟ فقال: لا بل من قبل رأسي، قلت: فإني لا أدري أن تموت حتى يعود ذلك فلما كان بعد قال: أشعرت أن التسليم عاد لي ثم لم يلبث إلا يسيرًا حتى مات. [الزهد للإمام أحمد / 277]. * وابتلي عمران بن حصين - رضي الله عنه - في جسده، فقال: ما أراه إلا بذنب، وما يعفو الله أكثر، وتلا {:وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}. [الشورى: 30]. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 293]. * وقال ابن مسعود - رضي الله عنه -: لا يقل أحدكم: أعوذ بالله من الفتن، ولكن ليقل: أعوذ بالله من مضلات الفتن، ثم تلا: {إنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن: 15] (¬1) [الجامع المنتخب / 104]. * وقال أيضاً - رضي الله عنه -: ألا إن السقم لا يكتب له أجر، ولكن يكفَّر به الخطايا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 228]. ¬

(¬1) قال ابن رجب رحمه الله: يشير إلى أنه لا يستعاذ من المال والولد, وهما فتنة. الجامع المنتخب / 104

* وقال رجل لعائشة رضي الله عنها: أنه بلغني أنك تقولين: إذا مرض المسلم كتب له عمله الذي كان يعمل من آخر مرضه، فقالت: ليس هكذا قلت، إنما قلت: يكتب له أحسن عمله مع آخر مرضه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 252]. * وعن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن من حدثه عن عثمان بن مظعون، قال: لما رأى عثمان بن مظعون - رضي الله عنه - ما فيه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من البلاء، وهو يغدو ويروح في أمان من الوليد بن المغيرة، قال: والله إن غدوي ورواحي آمنًا بجوار رجل من أهل الشرك، وأصحابي وأهل ديني يلقون من الأذى والبلاء ما لا يصيبني لنقص كبير في نفسي. فمشى إلى الوليد بن المغيرة فقال له: يا أبا عبد شمس وفت ذمتك، وقد رددت إليك جوارك، قال: لمّ يا ابن أخي؟ لعله آذاك أحد من قومي؟ قال: لا، ولكني أرضى بجوار الله - عزَّ وجلَّ - ولا أريد أن أستجير بغيره. قال: فانطلق إلى المسجد فاردد علي جواري علانية كما أجرتك علانية. قال: فانطلقا ثم خرجا حتى أتيا المسجد فقال لهم الوليد: هذا عثمان قد جاء يرد علي جواري، قال لهم: قد صدق قد وجدته وفيًا كريم الجوار، ولكني قد أحببت أن لا أستجير بغير الله فقد رددت عليه جواره. ثم انصرف عثمان، ولبيد بن ربيعة بن مالك بن كلاب القيسي في المجلس من قريش ينشدهم، فجلس معهم عثمان. فقال لبيد وهو ينشدهم: ألا كل شيء ما خلا الله باطل فقال عثمان: صدقت، فقال: وكل نعيم لا محالة زائل فقال عثمان: كذبت، نعيم أهل الجنة لا يزول. قال لبيد بن ربيعة: يا معشر قريش والله ما كان يؤذي جلسكم، فمتى حدث فيكم هذا؟ فقال رجل من القوم: إن هذا سفيه في سفهاء معه قد فارقوا ديننا فلا تجدن في نفسك من قوله، فرد عليه عثمان حتى سرى - أي عظم - أمرهما. فقام إليه ذلك الرجل فلطم عينه فخضرها، والوليد بن المغيرة قريب

يرى ما بلغ من عثمان. فقال: أما والله يا ابن أخي إن كانت عينك عما أصابها لغنية، فقد كنت في ذمة منيعة. فقال عثمان: بلى والله إن عيني الصحيحة لفقيرة إلى ما أصاب أختها في الله، وإني لفي جوار من هو أعز منك وأقدر يا أبا عبد شمس. فقال عثمان بن مظعون فيما أصيب من عينه: فإن تك عيني في رضا الرب نالها ... يدا ملحد في الدين ليس بمهتد فقد عوض الرحمن منها ثوابه ... ومن يرضه الرحمن يا قوم يسعد فإني وإن قلتم غويّ مضلل ... سفيه على دين الرسول محمد أريد بذاك الله والحق ديننا ... على رغم من يبغي علينا ويعتدي [الحلية (تهذيبه) 1/ 100]. * وقال أبو الدرداء - رضي الله عنه -: حمى ليلة كفارة سنة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 237]. * وقال أيضا - رضي الله عنه -: لو أن ابن آدم عُمِّر في الصحة والسلامة: لكان له داء قاضيا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 565]. * وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: ما وجعٌ أحب إلي من الحمّى؛ لأنها تعطي كل مفصل قسطه من الوجع، وإن الله تعالى يعطي كل مفصلٍ قسطه من الأجر. [صفة الصفوة 1/ 335]. * وعن قيس بن أبي حازم قال: طلق خالد بن الوليد - رضي الله عنه - امرأته، ثم أحسن عليها الثناء، فقيل له: يا أبا سليمان لأي شيء طلقتها؟ قال: ما طلقتها لأمر رأبني منها ولا ساءني، ولكن لم يصبها عندي بلاء. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 282]. * ومرض كعب - رضي الله عنه - فعاده رهط من أهل دمشق، فقالوا كيف تجدك يا أبا إسحاق؟ قال: بخير، جسد أُخذ بذنبه، إن شاء ربه عذبه، وإن شاء رحمه، وإن بعثه بعثه خلقاً جديداً لا ذنب له. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 237]. * وعن الحسن رحمه الله قال: كانوا يرجون في حمى ليلة كفارة لما مضى من الذنوب. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 232].

* وعن ثابت قال: انطلقنا مع الحسن رحمه الله إلى صفوان بن محرز نعوده، فخرج إلينا ابنه، فقال: هو مبطون لا تستطيعون أن تدخلوا عليه، فقال الحسن: إن يُؤخذ اليوم من لحمه ودمه فيؤجر فيه خير من أن يأكله التراب. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 238]. * وعن الحسن رحمه الله أنه ذكر الوجع، فقال: أما والله ما هو بشر أيام المسلم، أيامٌ ذكر فيها ما نسي من معاده، وكُفر بها عنه خطاياه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 240]. * وعاد الحسن رحمه الله رجلا في مرض، فقال له: إنا إن لم نؤجر إلا فيما نحب: قلَّ أجرنا، وإن الله كريم يبتلي العبد وهو كاره، فيعطيه عليه الأجر العظيم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 240]. * وعن ثابت قال: دخلنا على ربيعة بن الحارث رحمه الله نعوده وهو ثقيل، فقال: إنه من كان في مثل حالي هذه ملأت الآخرة قلبه، وكانت الدنيا أصغر في عينه من ذباب. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 239]. * وعن أحمد بن عبيد التميمي رحمه الله، قال: قال أعرابي: الحمد لله الذي لا يحمد على المكروه غيره. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 491]. * وعن الضحاك رحمه الله قال: لولا قراءة القرآن لسَّرني أن أكون صاحب فراش، وذاك أن المريض يُرفع عنه الحرج، ويكتب له صالح عمله وهو صحيح، ويكفر عنه سيئاته. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 248]. * ودخلوا على سويد بن مثعبة رحمه الله وكان من أفاضل أصحاب عبد الله بن مسعود، وأهلُه يقول له: نفسي فداؤك، ما نطعمك؟ ما نسقيك؟، فأجابها بصوت ضعيف: بليت وطالت الضجعة، والله ما يسرني أن الله نقصني منه قلامة ظفر. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 279]. * وعن الحسن البصري رحمه الله: في قوله - تعالى -: ... {إِنَّ الإنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} [العاديات: 6] قال: يذكر المصائب وينسى النعم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 286]. * وقال شُرَيح رحمه الله: إنِّي لأصاب المُصيبة، فأحمَدُ الله عليها أربعَ

مرَّات، أحمدُ إذ لَم يكُن أعظم منها، وأحمَدُ إذ رزقَني الصَّبْر عليها، وأحمدُ إذ وفَّقني للاسترجاع لِماَ أرجو مِن الثواب، وأحمَدُ إذ لم يجعلْها في ديني. (¬1) [السير (تهذيبه) 1/ 457]. * وعن طلق بن حبيب رحمه الله قال: مكتوب في الإنجيل: يا ابن آدم إذا ظُلمت فاصبر؛ فإن لك ناصرًا خيرًا منك لنفسك ناصرًا. [الحلية (تهذيبه) 1/ 453]. * وقال عروة بن الزبير رحمه الله: رُبّ كلمة ذُلٍّ احتملتها أورثَتْني عزًّا طويلاً. [صفة الصفوة 2/ 441]. * ولما وقعت الأكلة في رجل عروة بن الزبير رحمه الله، قيل له: ألا ندعو لك طبيبا؟ قال: إن شئتم، فجاء الطبيب، فقال: أسقيك شراباً يزول فيه عقلك، فقال: امض لشأنك، ما ظننت أن خلقًا يشرب شرابا يزول فيه عقله، حتى لا يعرف ربه، قال: فوضع المنشار على ركبته اليسرى ونحن حوله، فما سمعنا له حسّاً، فلما قطعها أخذها بيده، وقال: اللهم إنك تعلم أني لم أنقلها إلى معصية لك قط، وجعل يقول: لئن أخذت لقد أبقيت، ولئن ابتليتني لقد عافيت، وما ترك جزؤه بالقرآن تلك الليلة. وأُصيب بابن له في ذلك السفر، دخل اصطبل دواب من الليل ليبول فركضته بغلة فقتلته، وكان من أحب ولده إليه، ولم يُسمع من عروة في ذلك كلمة، حتى رجع، فلما كان بوادي القرى قال: ... {لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} [الكهف: 62] اللهم كان لي بنون سبعة فأخذت منهم واحدا وبقيت ستة، وكانت لي أطراف أربعة فأخذت مني طرفا وبقيت لي ثلاث، وأيمك لئن ¬

(¬1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: والحمد على الضراء يوجبه مشهدان: أحدهما: علم العبد بأن الله - سبحانه - مستوجب لذلك، مستحق له لنفسه، فإنه أحسن كل شيء خلقه، وأتقن كل شيء، وهو العليم الحكيم، الخبير الرحيم. والثاني: علمه بأن اختيار الله لعبده المؤمن، خير من اختياره لنفسه، كما روى مسلم في صحيحه، وغيره عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (والذي نفسي بيده لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان خيرًا له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له). مجموع الفتاوى 10/ 29

ابتليت لقد عافيت، ولئن أخذت لقد أبقيت، فلما قدم المدينة جاء رجل من قومه فقال: يا أبا عبد الله، والله ما كنا نحتاج أن نسابق بك، ولا أن نصارع بك، ولكنا كنا نحتاج إلى رأيك، والأنس بك، فأما ما أُصبت به فهو أمر ذخره الله لك، وأما ما كنا نحب أن يبقى لنا منك فقد بقي. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 260، 263]. * وعن يونس بن يزيد قال: سألت ربيعة بن أبي عبد الرحمن رحمه الله: ما منتهى الصبر؟ قال: أن يكون يوم تصيبه المصيبة مثله قبل أن تصيبه. [الحلية (تهذيبه) 1/ 534]. * وقال مالك بن دينار رحمه الله: ما من أعمال البر شيْء إلا دونه عقَبةٌ، فإنْ صبرَ صاحبها أفْضَتْ إلى رَوْح، وإن جزَع رجَع. [صفة الصفوة 3/ 197]. * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 3/ 122]. إن الأمور إذا انسدّت مَسَالِكُها ... فالصبرُ يفتحُ منها كلَّ ما ارتُتِجَا أخلقْ بذي الصبر أن يحظى بحاجته ... ومدمن القرع للأبواب أن يلجَا لا تيأسنّ وإن طالتْ مطالبةٌ ... إذا استعنتَ بصبرٍ أن ترى فرجاَ * وعن علي بن الحسين رحمه الله، قال: إن الجسد إذا لم يمرض أشر، ولا خير في جسد يأشر. [الحلية (تهذيبه) 1/ 483]. * وعن الحسن قال: ما كان بقي من أيوب رحمه الله إلا عيناه وقلبه ولسانه فكانت الدواب تختلف في جسده قال: ومكث في الكناسة سبع سنين. [الزهد للإمام أحمد / 112]. * وعن غيلان بن جرير قال: حَبَسَ السلطانُ ابنَ أخي مُطرِّف بن الشخير رحمه الله فلبِس مُطرِّفٌ خُلْقان ثيابه، وأخذ عُكَّازًا وقال: أستكين لربِّي لعلّه أن يُشفِّعني في ابن أخي. [السير (تهذيبه) 1/ 476]. * وقال عثمان بن الهيثم: كان رجل بالبصرة من بني سعد، وكان قائدًا من قواد عبيد الله بن زياد فسقط عن السطح، فانكسرت رجلاه، فدخل عليه

أبو قلابة رحمه الله يعوده، فقال له: أرجو أن تكون لك خيرة. فقال له: يا أبا قلابة وأيّ خيرٍ في كسْر رجليّ جميعًا؟ فقال: ما ستر الله عليك أكثر. فلما كان بعد ثلاث ورد عليه كتاب من ابن زيد: أن يخرج فيقاتل الحسين، فقال للرسول: قد أصابني ما ترى، فما كان إلا سبعًا حتى وافى الخبر بقتل الحسين، فقال الرجل: رحم الله أبو قلابة لقد صدق، إنه كان خِيرة لي. [صفة الصفوة 3/ 68]. * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 3/ 57]. كَمْ مِنْ يدٍ لا يُسْتَقلُّ بشكرها ... للهِ في ظِلِّ المّكارهِ كامِنهْ * وقال محمودٌ الورّاق: [عيون الأخبار 3/ 58]. يمثل ذو اللب في نفسه ... مصائبه قبل أن تنزلا فإن نزلت بغتة لم ترعه ... لما كان في نفسه مثلا * وعزَّى موسى بنُ المهديّ سليمانَ بنَ أبي جعفر عن ابنٍ له، فقال: أَيَسُرُّك وهو بليَّة وفتنة، ويُحْزِنك وهو صلاة ورحمة!. [عيون الأخبار 3/ 59]. * وعن ربيعة الجرشي رحمه الله قال: لو كان الصبر من الرجال لكان كريمًا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 23]. * وعن الحسن رحمه الله قال: الصبر كنز من كنوز الخير، لا يعطيه الله إلا لبعد كريم عليه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 24]. * وعن إبراهيم التيمي رحمه الله قال: ما من عبد وهب الله له صبرًا على الأذى، وصبرًا على البلاء، وصبرًا على المصائب، إلا وقد أوتي أفضل ما أوتيه أحد بعد الإيمان بالله. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 24]. * وعن ميمون بن مهران رحمه الله قال: الصبر صبران: الصبر على المصيبة حسن، وأفضل من ذلك الصبر عن المعاصي. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 24].

* وقال أيضا رحمه الله: ما نال أحد شيئًا من جسيم الخير نبي فمن دونه إلا بالصبر. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 24]. * وقال سليمان بن القاسم رحمه الله: كل عمل يعرف ثوابه إلا الصبر قال الله - عزَّ وجلَّ -: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10] قال كالماء المنهمر. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 24]. * وعن ابن عون رحمه الله قال: كل عمل له ثواب يعرف إلا الصبر، قال الله: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 32]. * وقال أبو عمران الجوني رحمه الله في قول الله - عزَّ وجلَّ -: {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ} [الرعد: 24] قال: على دينكم، فنعم ما أعقبتكم من الدنيا الجنة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 25]. * وكان صالح المري رحمه الله يدعو: اللهم ارزقنا صبرًا على طاعتك، وارزقنا صبرًا عن معصيتك، وارزقنا صبرًا عند عزائم الأمور. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 25]. * وقال مالك بن دينار رحمه الله: ما من أعمال البر عمل إلا ودونه عَقيبة، فإن صبر صاحبها أفضت به إلى رَوح، وإن جزع رجع. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 29]. * وقيل للبطال رحمه الله ما الشجاعة؟ قال: صبر ساعة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 30]. * وقال الحسين بن عبد الرحمن رحمه الله: إذا لم تسامح في الأمور تعقدت ... عليك فسامح وأخرج العسر باليسر فلم أر أوفى للبلاء من التقى ... ولم أر للمكروه أشفى من الصبر [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 30]. * وقال زياد مولى ابن عياش رحمه الله: للصبر اليوم عن معاصي الله خير من الصبر على الأغلال في نار جهنم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 30]. * وعن خلف بن إسماعيل رحمه الله قال: سمعت رجلاً مبتلى من هؤلاء

الزمنى (¬1) - وكان الجذام قد قطع يديه ورجليه وعامة بدنه - يقول: وعزتك لو أمرت الهوام فتقتسمني مضغًا ما ازددت لك - بتوفيقك - إلا صبرًا، وعنك - بمنك ونعمتك - إلا رضًا. قال خلف: وسمعت رجلاً منهم يقول: إن كنت إنما ابتليتني لتعرف صبري فأفرغ علي صبرًا يبلغني رضاك عني، وإن كنت إنما ابتليتين لتثيبني وتأجرني وتجعل بلاءك لي سببًا إلى رحمتك بي، فمَن مِن عبادك أعظم نعمة ومنة مننت بها علي إذ رأيتني لاختبارك لها أهلاً، فلك الحمد على كل حال، فأنت أهل كل خير وولي كل نعمة. قال: فلما كان بالعشي مات. قال خلف: وسمعت رجلاً مبتلى يقول: الصبر على منن الرجال أشد من الصبر على ما بي من البلاء. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 32]. * وعن سفيان رحمه الله قال: كان يقال: يحتاج المؤمن إلى الصبر كما يحتاج إلى الطعام والشراب. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 37]. * وعن يزيد ين تميم قال: لما أدخل إبراهيم التيمي رحمه الله سجن الحجاج رأى قومًا مقرنين في الأغلال يقومون جميعًا ويقعدون جميعًا، فقال: يا أهل بلاء الله في نعمته، ويا أهل نعمته في بلائه، إن الله قد رآكم أهلاً أن يختبركم، فأروه أهلاً أن تصبروا له. فقالوا: من أنت رحمك الله؟ قال: من ينتظر من البلاء مثل ما نزل بكم. قالوا: ما نحب أن نخرج من موضعنا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 37]. * وتلا عمر بن عبد العزيز رحمه الله هذه الآية {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا} [الفرقان: 20]. فقال عمر: جعل بعضكم لبعض فتنة فاصبروا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 38]. ¬

(¬1) أي: المرضى.

* وعن سعيد بن عبد العزيز رحمه الله قال: إذا رأيت أمرًا لا تستطيع غيره فاصبر وانتظر فرج الله. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 38]. * وقال صالح بن عبد الكريم رحمه الله: جعل الله رأس أمور العباد العقل، ودليلهم العلم، وسائقهم العمل، ومقويهم على ذلك الصبر. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 38]. * وعن فضيل بن عياض رحمه الله: أنه سئل عن الأمر والنهي؟ فلم يأمر بذلك، ثم قال: إن صبرت كما صبر الإسرائيلي فنعم. قيل له: وكيف كان الإسرائيلي؟ قال: كان ثلاثة نفر فاجتمعوا، فقالوا: إن هذا الرجل يفعل ويفعل، يعنون ملكهم، ثم قالوا: يأتيه واحد منا فيخلو به في السر فيأمره وينهاه. فذهب واحد منهم فدخل عليه فأمره ونهاه، فقال: ألا أراك ها هنا؟! فأمر به فحبس. فبلغ الخبر الآخرين فقالا: الآن وجب. فجاءه واحد منهما فقال: يا هذا جاءك رجل فأمرك ونهاك فأمرت به فحبس. فقال: ألا أراك إلا صاحبه أما إني لا أفعل بك ما فعلت به! فأمر به فضرب حتى قتل! فجاء الخبر إلى الثالث فقال: الآن وجب. فأتاه فقال له: يا هذا جاءك رجل فأمرك ونهاك فحبسته، وجاءك الآخر فضربته حتى قتلته! فقال: ألا أراك إلا صاحبه، أما إني لا أصنع بك ما صنعت به. فأمر به فضرب وتد في أذنه في الأرض في الشمس، فحر الشمس من فوقه، ومن تحته، فأرادوه على أن يتكلم بشيء، أي شبه الاعتذار إلى الملك فأبى. قال أبو يزيد: قال بعضهم: وأحدكم لو انتهر لقال جعلني الله فداءك!. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 43].

* وقال أبو عبد الرحمن المغازلي: دخلت على رجل مبتلى بالحجاز، فقلت: كيف تجدك؟ قال: أجد عافيته أكثر مما ابتلاني به، وأجد نعمه علي أكثر من أن أحصيها. فقلت: أتجد لما أنت فيه ألمًا شديدًا؟ فبكى، ثم قال: سلا بنفسي عن ألم ما بي: ما وعد عليه سيدي أهلَ الصبر من كمال الأجور في شدة يوم عسير. قال: ثم غشي عليه، فمكث مليًّا ثم أفاق، فقال: إني لأحسب أن لأهل الصبر عند الله غدًا في القيامة مقامًا شريفًا، لا يتقدمه من ثواب الأعمال شيء إلا ما كان من الرضا عن الله جل وعز. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 44]. * وقال بعضهم: [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 45]. عليك بتقوى الله واقنع برزقه ... فخير عباد الله من هو قانع ولا تلهك الدنيا ولا طمع بها ... فقد أهلك المغرور فيها المطامع وصبرًا على نوبات ما ناب واعترف ... فما يستوي عبد صبور وجازع ألم تر أهل الصبر يجزوا بصبرهم ... بما صبروا والله راء وسامع ومن لم يكن في نعمة الله عنده ... سوى ما حوت يومًا عليه الأضالع فقد ضاع في الدنيا وخيب سعيه ... وليس لرزق ساقه الله مانع * وعن سعيد بن جبير رحمه الله قال: الصبر اعتراف العبد لله بما أصابه منه، واحتسابه عند الله، رجاء ثوابه، وقد يجزع الرجل وهو متجلد لا يُرى منه إلا الصبر. * وعن الحسن رحمه الله قال: سب رجل رجلاً من الصدر الأول، فقام الرجل وهو يمسح العرق عن وجهه، وهو يتلو {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى: 43]. قال الحسن: عَقِلها والله وفهمها، إذ ضيعها الجاهلون!. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 47].

* وعن بكر بن حمران قال: جيء بامرأة إلى أحد الظلمة، فقيل لها: قد أمر بقطع يديك ورجليك وسمل عينيك، فقالت: الحمد لله على السراء والضراء، وعلى العافية والبلاء، قد كنت أؤمل في الله ما هو أكثر من هذا. قال: فلما قطعت جعل الدم لا يرقأ، فأحست بالموت، وقالت: حياة كدرة وميتة طيبة، لئن نلت ما أملت يا نفس من جزيل ثواب الله: لقد نلت سرورًا دائمًا لا يضرك معه كدر عيش، ولا ملاحاة الرجال في الدار الفانية. قال: ثم اضطربت حتى ماتت. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 53]. * وكان مالك بن دينار رحمه الله يبكي ويبكي أصحابه، ويقول في خلال بكائه: اصبروا على طاعته، فإنما هو صبر قليل، وغُنم طويل، والأمر أعجل من ذلك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 53]. * وقال عبد الله بن المبارك رحمه الله: من صبر فما أقل ما يصبر، ومن جزع فما أقل ما يتمتع. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 53]. * وقال محمد العجلي رحمه الله: أعطي الصابرون الصلاة من الله عليهم، والرحمة منه لهم، فمن ذا الذي يدرك فضلهم إلا من كان منهم؟ هنيئًا للصابرين ما أرفع درجتهم، وأعلى هناك منازلهم، والله إن نال القوم ذلك إلا بمنه وتوفيقه، فله الحمد على ما أعطى من فضله وأسدى من نعمه، وله الحمد كثيرًا علينا وعلى جميع خلقه، فهو الغني فلا يمنعه نائل، وهو الكريم فلا يحفيه سائل، وهو الحميد فلا يبلغ مدحه قائل، ونحن عباده، فمن بين مخذول حرم طاعته فلم يصبر عن معصيته، ومِن بين مطيع وفقه لمرضاته وصبره عن الدنيا وما فيها من معصيته، ثم غمرنا بعد ذلك بتفضله فقال: {ورَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: 156] فنحن نرجو أن ننالها بتفضله وإن لم نكن من أهلها بسوء أعمالنا القبيحة، واسوأتاه من كريم يكرمك وأنت متعرض لما يكره صباحًا ومساءً. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 53]. * وعن مسمع بن عاصم قال: قال لي عبد الواحد بن زيد رحمه الله: من نوى الصبر على طاعة الله صبره الله عليها وقواه لها، ومن عزم على الصبر عن معاصي الله أعانه الله على ذلك وعصمه عنها، ثم قال لي: أتراك تصبر لمحبته

عن هواك فيخيب صبرك؟ لقد أساء بسيده الظن من ظن به هذا وشبهه. قال: ثم بكى وقال: نعمة رائحة وغادية على أهل معصيته، فكيف ييأس من رحمته أهل محبته؟. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 54]. * وقال بعضهم: [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 57]. تعز إذا أصبت بكل أمر ... من التقوى أمرت به مصابًا فكل مصيبة عظمت وجلت ... تخف إذا رجوت لها ثوابًا * وقال قتادة رحمه الله: الصبر من الإيمان بمنزلة اليدين من الجسد، من لم يكن صابرًا على البلاء لم يكن شاكرًا على النعماء، ولو كان الصبر رجلًا لكان كريمًا جميلًا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 59]. * وقال عمر بن ذر رحمه الله لرجل آذاه جار له: اصبر أي أخي، فوالله ما أرى أن لثواب الصبر في القيمة مِثلًا، أي أخي عليك بالصبر تدرك به ذخر أهله. واعلم أن الصبر مواهب، ولن يعطاه إلا من كرم على سيده، فاغتنمه ما قدرت عليه، لأنك ستجد عاقبته عاجلًا وآجلًا إن شاء الله. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 59]. * ومرَّ وهب بن منبه رحمه الله برجل أعمى مجذوم مقعد عريان، وبه وضح، وهو يقول: الحمد لله على نعمته. فقال رجلٌ كان مع وهب: أي شيء عليك من النعمة وأنت على هذه الحال؟! فقال الرجل: ارم ببصرك إلى أهل المدينة فانظر إلى كثرة أهلها، أو لا أحمد الله على نعمته أنه ليس أحد فيها يعرف الله غيري؟. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 60]. * وكان الربيع بن خثيم رحمه الله قد أصابه الفالج، فسال من فيه ماء على لحيته، فرفع يده فلم يستطع أن يمسحه، فقام إليه بكر بن ماعز فمسحه عنه،

فلحظه ربيع، ثم قال: يا بكر ما أحب أن هذا الذي بي بأعتى الديلم على الله تعالى. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 64]. * وعن ليث قال: أخبرت طلحة بن مصرف رحمه الله عن طاوس أنه كان يكره الأنين، فما سمع له أنين في مرضه حتى مات!. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 63]. * وكتب ابنُ السَّمَّاك رحمه الله إلى الرشيد يعزيه بابن له: أما بعدُ، فإن استطعتَ أن يكون شكرُك لله حينَ قَبضه أكثرَ من شكرِك له حينَ وهبه، فإنَّه حينَ قبضه أحرز لك هِبتَه، ولو سلِم لم تَسْلَم من فِتْنتِه؛ أرأيتَ حزنَك على ذهابه وتلهُّفَك لفِراقه! أرضِيتَ الدارَ لنفسك فتَرْضَاها لابنك! أمّا هو فقد خلَص من الكدر، وبقيتَ أنت معلَّقًا بالخَطَر. واعلم أن المصيبةَ مصيبتان إن جزِعْتَ، وإنما هي واحدة إن صبَرت، فلا تجمعِ الأمرين على نفسِك. [عيون الأخبار 3/ 59]. * واشتكى بعضُ أهل محمد بن عليّ بن الحسين رحمه الله فَجزع عليه، ثم أُخبِر بموته فسُرِّيَ عنه؛ فقيل له في ذلك، فقال: ندعو اللهَ فيما نحبّ، فإذا وقع ما نكره لم نخالف الله فيما أَحَبّ. [عيون الأخبار 3/ 62]. * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 3/ 62]. إذا أنت لم تَسْلُ اصطبارًا ... سلوتَ على الأيام مثلَ البهائِم * وعن عمر بن عبد العزيز رحمه الله قال: ما أحب أن تهون علي سكرات الموت لأنها أخر ما يكفر به عن المسلم. [الحلية (تهذيبه) 2/ 229]. * وقال سعيد بن جبير رحمه الله: ما زال البلاء بأصحابي حتى رأيت أن ليس لله فيَّ حاجة، حتى نزل بي البلاء. [الحلية (تهذيبه) 2/ 106]. * وعن حميد الأعرج قال: أقبل ابن لسعيد بن جبير فقال سعيد رحمه الله: إن أحسن حالاته عندي أن يموت فأحتسبه. [الزهد للإمام أحمد / 643]. * وقال ابن ذر رحمه الله: من أجمع على الصبر في الأمور، فقد حوى الخير والتمس معاقل البرِّ وكمال الأجور. [الحلية (تهذيبه) 2/ 156].

* وقال بعضهم: [عيون الأخبار 3/ 63]. اصبْرِ لكلِّ مصيبةٍ وتجلَّدِ ... واعلم بأن الدهر غيرُ مخلّدِ أوَ ما ترى أنّ الحوادثَ جمَّةٌ ... وترى المنيةَ للعباد بمرْصَدِ وإذا أتتْك مصيبةٌ تَشْجَى بها ... فاذكر مُصَابكَ بالنبيّ محمدِ * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 3/ 66]. وما نحن إلا مثلُهم غيرَ أننا ... أقمنا قليلًا بعدهم وتقدّموا * وقال سفيان الثوري رحمه الله: ليس بفقيه من لم يعد البلاء نعمة، والرخاء مصيبة. [الحلية (تهذيبه) 2/ 499]. * وعن حذيفة المرعشي قال: دخلنا مكة مع إبراهيم بن أدهم رحمه الله، فإذا شقيق البلخي قد حج في تلك السُّنَّة، فاجتمعنا في شق الطواف، فقال إبراهيم لشقيق: على أي شيء أصَّلتم أصلكم؟ قال: أصَّلنا أصلنا على أنا إذا رزقنا أكلنا، وإذا منعنا صبرنا، فقال إبراهيم: هكذا تفعل كلاب بلخ، فقال له شقيق: فعلى ماذا أصَّلتم؟ قال: أصَّلنا على أنا إذا رُزقنا آثرنا وإذا مُنعنا شكرنا وحمدنا، فقام شقيق فجلس بين يدي إبراهيم فقال: يا أستاذ، أنت أستاذنا. [الحلية (تهذيبه) 2/ 492]. * وعن سليمان بن داود قال: كان الشافعي رحمه الله إذا حدث كأنما يقرأ سورة من القرآن، وكان فصيحًا، فمرض مرضًا شديدًا فقال: اللهمَّ إن كان هذا لك رضى فزد. فبلغ ذلك إدريس بن يحيى الخولاني رحمه الله، فبعث إليه يا أبا عبد الله! لست أنا ولا أنت من رجال البلاء، قال: فبعث إليه: يا أبا عمرو! ادع الله لي بالعافية. [الحلية (تهذيبه) 3/ 132]. * وقال ذو النون رحمه الله: البلاء ملح المؤمن، إذا عدم البلاء فسد حاله. [الحلية (تهذيبه) 3/ 234]. * وعن الواقديّ قال: لما دُعيَ مالكٌ رحمه الله، وسُمعَ منه، وقُبل قولُه، حُسد، وبَغَوه بكل شيء، فلما وَلِي جعفُر بن سليمان المدينة، سَعَوا به إليه،

وكَثُروا عليه عنده، وقالوا: لا يَرى أيمانَ بيعتكم هذه بشيء، وهو يأخذ بحديث رواه عن ثابت ابن الأحنف في طلاق المُكرَه: أنه لا يجوز عنده، قال: فغضب جعفرُ، فدعا بمالك، فاحتجَّ عليه بما رُفعَ إليه عنه، فأمر بتجريده، وضَرْبِه بالسّياط، وجُبِذَتْ يَدُه حتى انخلعتْ مِن كتفه، وارتُكبَ منه أمرٌ عظيم، فوالله ما زال مالك بعدُ في رِفعة وعُلُوٍّ. قال الذهبي رحمه الله: هذا ثمرةُ المحنة المحمودَة، أنها ترفعُ العبدَ عند المؤمنين، وبكل حال فهي بما كسبت أيدينا، ويعفو الله عن كثير: "ومَنْ يُرِد اللهُ بهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ"، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:" كل قضاء المؤمن خير له" وقال الله تعالى: {ولَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ} [محمد: 31]، وأنزل تعالى في وقعة أحد قوله: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران: 165] وقال: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} [الشورى: 30]. فالمؤمن إذا امْتُحِنَ صَبَر واتَّعظَ، واستغفر ولم يتشاغل بذمِّ من انتقم منه، فالله حَكَمٌ مُقسِطٌ، ثم يَحمَدُ اللهَ على سلامة دينه، ويعلم أن عقوبة الدنيا أهونُ وخيرٌ له. [السير (تهذيبه) 2/ 730]. * وقال سفيان بن عيينة رحمه الله: لولا أن الله طأطأ من ابن آدم بثلاث، ما أطاقة شيء، وإنهن لفيه، الفقر، والمرض، والموت. [الحلية (تهذيبه) 2/ 429]. * وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: إذا أحب الله عبدًا أكثر غمه، وإذا أبغض الله عبدًا أوسع عليه دنياه. [الحلية (تهذيبه) 3/ 8]. * وقال أيضًا رحمه الله: إذا أراد الله - عزَّ وجلَّ - أن يتحف العبد سلط عليه من يظلمه. [الحلية (تهذيبه) 3/ 22]. * وقال ابن الجوزي رحمه الله: في رمضان من سنة تسع عشرة ومائتين امتحن المعتصم أحمد بن حنبل رحمه الله فضربه بين يديه بعد أن حبسه مدة، ووطن أحمد نفسه على القتل، فقيل له: إن عرضت على القتل تجيب؟ قال: لا. ولقيه خالد الحداد فشجعه، وقال له: إني ضربت في غير الله فصبرت،

فاصبر أنت إن ضربت في الله - عزَّ وجلَّ - وكان خالد يُضرب المثل بصبره، فقال له المتوكل: ما بلغ من جَلَدك؟ فقال: أُملىء لي جراب عقارب، ثم أدخل يدي فيه، وإنه ليؤلمني ما يؤلمك، وأجد لآخر سوط من الألم ما أجد لأول سوط، ولو وضعت في فمي خرقة وأنا أضرب لاحترقت من حرارة ما يخرج من جوفي، ولكني وطنت نفسي على الصبر، فقال له الفتح: ويحك مع هذا اللسان والعقل، ما يدعوك إلى ما أنت فيه من الباطل؟ قال: أحب الرئاسة، فقال المتوكل: ونحن خليفة، فقال له رجل: يا خالد، ما أنتم لحوم ودماء فيؤلمكم الضرب؟ قال: بلى، يؤلمنا ولكن معنا عزيمة صبر ليست معكم. وقال داود بن علي: لمَّا قدم بخالد اشتهيت أن أراه، فمضيت إليه فوجدته جالسًا غير ممكن لذهاب لحم إليتيه من الضرب، وإذا حوله فتيان، فجعلوا يقولون ضرب فلان وفعل بفلان، فقال: لم تتحدثون عن غيركم، افعلوا أنتم حتى يتحدث عنكم. [المنتظم 11/ 42 - 43]. * وقال يحيى بن معاذ رحمه الله: سبحوا في بحار البلايا حتى جاوزوها إلى العطايا، ثم سبحوا في بحار العطايا حتى جاوزوها إلى رب البرايا. [الحلية (تهذيبه) 3/ 258]. * وقال أبو عمرو الكندي: أغارت الروم على جَواميس لبشير الطبري رحمه الله نحوًا من أربعمائة جاموس، فركبتُ معه أنا وابن له، فلقينا عَبيدَهُ الذين كانَتْ مَعَهُم الجواميس معهم عِصِيُّهم، فقالوا: يا مولانا ذهبت الجواميس فقال: وأنتم أيْضًا اذهبوا معها، فأنتم أحرار لوجهِ الله تعالى، فقال له ابنه: يا أبهْ أفقَرتنا. قال: إنّ ربّي اختَبرني فأردتُ أن أزيده. (¬1) [صفة الصفوة 4/ 451]. * وقال الأصمعي: شهدت صالحًا المُرِّيَّ رحمه الله، عَزَّى رجلاً، فقال: ¬

(¬1) قال ابن رجب رحمه الله: ومن لطائف أسرار اقتران الفرج بالكرب واليسر بالعسر: أنّ الكرب إذا اشتدّ وعظم وتناهى , حصل للعبد اليأس من كشفه من جهة المخلوقين , وتعلق قلبه بالله وحده, وهذا هو حقيقة التوكل عليه , كما قال تعالى: ... {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3]. [جامع العلوم والحكم / 264]

لئن كانت مصيبتُك بابنك لم تُحْدِثْ لك موعظةً في نفسك، فهي هيِّنة في جنب مصيبتك بنفسك، فإيَّاها فَابْكِ. [السير (تهذيبه) 2/ 725]. * وعن الأوزاعي أنه قال: حدّثني بعض الحكماء قال: خرجت وأنا أريد الرباط، حتى إذا كنت بعريش مصر أو دونه إذا أنا بمظلة، وإذا فيها رجل قد ذهبت يداه ورجلاه وبصره، وإذا هو يقول: اللهم إني أحمدك حمدًا يوافي محامد خلقك، كفضلك على سائر خلقك، إذ فضلتني على كثير ممن خلقت تفضيلاً. فقلت: والله لأسْألنَّه أَعلِمَهُ أم أُلْهِمَه، فدنوت منه، فسلَّمت عليه فردَّ عليَّ السلام فقلت له: إني سائلك عن شيء تخبرني به. قال: إن كان عندي منه علم أخبرتك. فقلت: على أي نعمةٍ من نعمه تحمده أم على أي فضيلة تشكره؟ قال: أليس ترى ما قد صنع بي؟ قلت: بلى. قال: فوالله لو أن الله - عزَّ وجلَّ - صبّ علي السماءَ نارًا فأحرقتني، وأمر الجبال فدمرتني، وأمر البحار فغرّقتني، وأمر الأرض فخسفت بي، ما ازددت له إلا حبًا وشكرًا. وإن لي إليك حاجة، قلت: وما هي؟ قال: كان لي من يتعاهدني في وقت صلاتي ويطعمني عند إفطاري، وقد فقدته منذ أمس، انظر لي، هل تحسه لي. فقلت: إن في قضاء حاجة هذا العبد لقربة إلى الله تعالى، فخرجت في طلبه حتى إذا كنت في كثبان من رمل، إذا سبع قد افترس الغلام فأكله، فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، كيف آتي هذا العبد الصالح من وجه رقيق فأخبره الخبر لئلا يموت، فأتيته، فسلَّمت عليه، فردَّ عليَّ السلام، فقلت له: إني سائلك عن شيء، أتخبرني به؟ قال: إن كان عندي منه علم أخبرتك به. قلت: أنت أكرم على الله - عزَّ وجلَّ - منزلة أم أيوب - عليه السلام؟ قال: بل أيوب - عليه السلام - كان أكرم على الله - عزَّ وجلَّ - مني، وأعظم منزلة. فقلت: أليس قد ابتلاه فصبر، حتى استوحش منه من كان يأنس به، وصار غرضًا لمُرَّار الطريق؟ فقال: بلى. قلت: إن ابنك الذي أخبرتني من قصته ما أخبرتني، خرجت في طلبه، حتى إذا كنت بين كثبان رمل، إذا أنا بالسبع قد افترس الغلام وأكله. فقال: الحمد لله الذي لم يجعل في قلبي حسرة من الدنيا. ثم شهق شهقة فمات. فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، من يعينني على غسله وتكفينه ودفنه. فبينا أنا كذلك إذا بركب

يريدون الرباط، فأشرت إليهم فأقبلوا، فقالوا: ما أنت وهذا؟ فأخبرتهم بالذي كان من أمره، فثنوا رحلهم فغسلناه بماءِ البحر، وكفناه بأثواب كانت معهم، ووليت الصلاة عليه من بينهم، ودفناه في مظلته تلك، ومضى القوم إلى رباطهم، وبت في مظلته تلك الليلة آنسًا به. فلما مضى من الليل مثل ما بقي، إذا أنا بصاحبي في روضة خضراء عليه ثياب خضر قائمًا يتلو الوحي، فقلت: أليس أنت صاحبي؟ قال: بلى. قلت: فما الذي صيرَّك إلى ما أرى؟ قال: وردت من الصابرين على درجة لم ينالوها إلا بالصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء. فقال الأوزاعي: ما زلت أحب أهل ذلك البلاء منذ حدثني الحكيم بهذا الحديث. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 39، المنتظم 9/ 6 - 8]. * وضرب رجلٌ أحد الصالحين فشجَّ رأسه، قال: فسألت الله له الجنة. قيل: كيف وقد ظلمك، فقال: علمت أنني أؤجر على ما نالني منه فلم أرد أن يكو نصيبي منه الخير ونصيبه مني الشر. [إحياء علوم الدين 1/ 933]. * وعن بشر بن الحارث أنه قال: قتل للمعافى بن عمران رحمه الله ابنان في وقعة الموصل، فجاء إخوانه يعزونه من الغد، فقال لهم: إن كنتم جئتم لتعزوني فلا تعزوني، ولكن هنئوني، قال: فهنّوه، فما برحوا حتى غدّاهم وغلفهم بالغالية. [المنتظم 9/ 101]. * وقال أبو محمد الجريري رحمه الله: الصبر أن لا يفرق بين حال النعمة والمحنة مع سكون الخاطر فيهما. (¬1) [عدة الصابرين / 30]. ¬

(¬1) قال ابن القيم رحمه الله: وهذا غير مقدور ولا مأمور به، فقد ركب الله الطباع على التفريق بين الحالتين, وإنما المقدور حبس النفس عن الجزع لا استواء الحالتين عند العبد، وساحة العافية أوسع للعبد من ساحة الصبر, كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الدعاء المشهور: (إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي غير أن عافيتك أوسع لي). ولا يناقض هذا قوله - صلى الله عليه وسلم -: (وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر)، فإن هذا بعد نزول البلاء ليس للعبد أوسع من الصبر، وأما قبله فالعافية أوسع له. عدة الصابرين / 30

* وقال ابن كثير رحمه الله: سئل أبو عثمان الواعظ رحمه الله: أي أعمالك أرجى عندك؟ فقال: إني لما ترعرعت وأنا بالري وكانوا يريدونني على التزويج فأمتنع، فجاءتني امرأة فقالت: يا أبا عثمان، قد أحببتك حبًا أذهب نومي وقراري، وأنا أسألك بمقلب القلوب، وأتوسل به إليك لما تزوجتني. فقلت: ألك والد؟ قالت: نعم فأحضرته، فاستدعى بالشهود فتزوجتها، فلما خلوت بها إذا هي عوراء، عرجاء، مشوهة الخلق، فقلت: اللهم لك الحمد على ما قدرته لي. وكان أهل بيتي يلومونني على تزويجي بها، فكنت أزيدها برا وإكراما، وربما احتبستني عندها، ومنعتني من الحضور إلى بعض المجالس، وكأني في بعض أوقاتي على الجمر، وأنا لا أبدي لها من ذلك شيئا، فمكثت كذلك خمس عشرة سنة، فما شيء أرجى عندي من حفظي عليها ما كان في قلبها من جهتي. [البداية والنهاية 11/ 188]. * وقال بعض السلف: إن العبد ليمرض فيذكر ذنوبه فيخرج منه مثل رأس الذباب من خشية الله فيغفر له. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 228، الجامع المنتخب / 210]. * وكان بعضهم إذا فتح له في الدعاء عند الشدائد لم يحب تعجيل إجابته خشية أن ينقطع عما فتح له. (¬1) [الجامع المنتخب / 210]. ¬

(¬1) ذكر ابن رجب رحمه الله نبذة يسيرة من لطائف البلايا وفوائدها وحكمها: منها: تكفير الخطايا بها, والثواب على الصبر عليها, وهل يثاب على البلايا بنفسه؟ فيه اختلاف بين العلماء. ومنها: تذكير العبد بذنوبه فربما تاب ورجع منها إلى الله عز وجل. ومنها: زوال قسوة القلوب وحدوث رقتها. ومنها: انكساره لله عز وجل وذله له, وذلك أحب إلى الله من كثير من طاعات الطائعين. ومنها: أنها توجب للعبد الرجوع بقلبه إلى الله عز وجل, والوقوف ببابه والتضرع له والاستكانة, وذلك من أعظم فوائد البلاء, وقد ذم الله من لا يستكين له عند الشدائد, قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} ... [المؤمنون: 76] وقال: {وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَاسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ} [الأنعام: 42]. ومنها: أن البلاء يوصل إلى قلبه لذة الصبر عليه أو الرضا به, وذلك مقام عظيم جدًّا, وقد تقدمت الإشارة إلى فضل ذلك وشرفه. ومنها: أن البلاء يقطع قلب المؤمن عن الالتفات إلى مخلوق ويوجب له الإقبال على الخالق وحده. وقد حكى الله عن المشركين إخلاص الدعاء له عند الشدائد فكيف بالمؤمن؟! فالبلاء يوجب للعبد تحقيق التوحيد بقلبه, وذلك أعلى المقامات وأشرف الدرجات. ومنها: أن المؤمن إذا استبطأ الفرج ويئس منه ولا سيما بعد كثرة دعائه وتضرعه ولم يظهر له أثر الإجابة, رجع إلى نفسه باللائمة ويقول لها: إنما أتيت من قبلك ولو كان فيك خير لأجبت. وهذا اللوم أحب إلى الله من كثير من الطاعات فإنه يوجب انكسار العبد لمولاه, واعترافه له بأنه ليس بأهل لإجابة دعائه فلذلك يسرع إليه حينئذ إجابة الدعاء وتفريج الكرب, فإنه تعالى عند المنكسرة قلوبهم من أجله, على قدر الكسر يكون الجبر. الجامع المنتخب / 210 - 213

(ب) موقف السلف من قتال الفتنة، وندم من خاض فيها

* وعن محمد بن أبي القاسم رحمه الله قال: وعظ عابد جبارًا فأمر به فقطعت يداه ورجلاه، وحمل إلى متعبَّده، فجاء إخوانه يعزونه، فقال: لا تعزوني ولكن هنئوني بما ساق الله إلي. ثم قال: إلهي أصبحت في منزلة الرغائب، أنظر إلى العجائب. إلهي أنت تتودد بنعمك إلى من يؤذيك، فكيف توددك إلى من يؤذى فيك. [الحلية (تهذيبه) 3/ 295]. * وعن إبراهيم بن الوليد قال: دخلت على إبراهيم المغربي رحمه الله، وقد رفسته بغلة فكسرت رجله فقال: لولا مصائب الدنيا لقدمنا على الله مفاليس. [الحلية (تهذيبه) 3/ 316]. * وقال أبو العباس بن عطاء رحمه الله: القلب إذا اشتاق إلى الجنة أسرعت إليه هدايا الجنة، وهي المكروه لأن المكاره هدايا الجنة إلى أبدان الصادقين. [الحلية (تهذيبه) 3/ 401]. (ب) موقف السلف من قتال الفتنة، وندم من خاض فيها: * عن سليمان بن صرد قال: دخلتُ على عليٍّ - رضي الله عنه -، فاستبطأني في حربه، فقلت: إن الشوطَ بطين. فجعلتُ أعدهُ بطولِ الحرب، فجعل ذلك

يسوؤه. فلقيت الحسن بن على - رضي الله عنه - فذكرت ذلك له فقال: لا يغرَّنَّك ذلك منه، فلقد رأيتُه حين أخذت السيوفُ مأخذها من الرجالِ يبغون من يبَغُون يقول: يا حسن، ليتني متُّ قبل هذا اليوم بعشرين سنة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 554]. * وعن عبد الله بن الزبير قال: قلت لعثمان - رضي الله عنه - يوم الدار: قاتلهم الله فوالله لقد أحل الله لك قتالهم فقال: لا، ولله لا أقاتلهم أبدًا، فدخلوا عليه فقتلوه وهو صائم، قال: وكان عثمان أمر عبد الله بن الزبير على الدار فقال عثمان: من كانت لي عليه طاعة فليطع عبد الله بن الزبير. [الزهد للإمام أحمد / 246]. * وعن ابن سيرين، قال: قيل لسعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -: ألا تقاتل فإنك من أهل الشورى، وأنت أحق بهذا الأمر من غيرك؟ فقال: لا أقاتل حتى تأتوني بسيف له عينان ولسان وشفتان، يعرف المؤمن من الكافر، فقد جاهدت وأنا أعرف الجهاد. [الحلية (تهذيبه) 1/ 95]. * وعن عمارة بن عبد الله، عن حذيفة رضي الله عنه. قال: إياكم والفتن، لا يشخص إليها أحد، فوالله ما شخص فيها أحد إلا نسفته، كما ينسف السيل الدمن، إنها مشبهة مقبلة، حتى يقول الجاهل: هذه تشبه، وتبين مدبرة. فإذا رأيتموها فاجثموا في بيوتكم، وكسروا سيوفكم، وقطعوا أوتاركم. [الحلية (تهذيبه) 1/ 205]. * وعن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه. قال: إنما كان مثلنا في هذه الفتنة كمثل قوم كانوا يسيرون على جادة يعرفونها، فبينما هم كذلك، إذ غشيتهم سحابة وظلمة، فأخذ بعضهم يمينا وشمالاً فأخطأ الطريق، وأقمنا حيث أدركنا ذلك، حتى جلى الله ذلك عنا، فأبصرنا طريقنا الأول، فعرفناه وأخذنا فيه، وإنما هؤلاء فتيان قريش، يقتتلون على هذا السلطان، وعلى هذه الدنيا، ما أبالي أن يكون لي ما يقتل بعضهم بعضا بنعلي هاتين الجرداوين. [الحلية (تهذيبه) 1/ 220]. * وعن نافع، عن ابن عمر رضى الله عنه؛ أنه أتاه رجل فقال: يا أبا عبد الرحمن أنت ابن عمر، وصاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر مناقبه - فما يمنعك من هذا الأمر؟ قال: يمنعني أن الله تعالى حرّم علي دم المسلم، قال: فإن الله - عزَّ وجلَّ -

يقول: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ} [البقرة: 193] قال: قد فعلنا وقد قاتلناهم حتى كان الدين الله، فأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى يكون الدين لغير الله. [الحلية (تهذيبه) 1/ 211]. * وعن نافع قال: قيل لابن عمر رضى الله عنه زمن ابن الزبير والخوارج والخشبية: أتصلي مع هؤلاء، ومع هؤلاء وبعضهم يقتل بعضا؟ قال: من قال: حي على الصلاة أجبته، ومن قال: حي على الفلاح أجبته، ومن قال: حي على قتل أخيك المسلم وأخذ ماله قلت: لا!. [الحلية (تهذيبه) 1/ 220]. * وقالت عائشة رضي الله عنها: لوددتُ أني كنتُ غصنًا رطبًا وأني لم أَسِرْ في هذا الأمر، تعني يومَ الجمل. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 557]. * وعن يسير بن عمرو: أن أبا مسعود الأنصاري - رضي الله عنه - لما قتل عثمان - رضي الله عنه - احتجب في بيته، فدخلت عليه فسألته فقال: عليك بالجماعة، فإن الله لن يجمع أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - على ضلالة، واصبر حتى يستريح برٌّ، ويُستراح من فاجر. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 22]. * وقال مطرف رحمه الله: إن الفتنة ليست تأتي تهدي الناس، ولكن إنما تأتي تقارع المؤمن عن دينه. ولأن يقول الله لم لا قتلت فلانًا؟ أحب إليّ من أن يقول: لم قتلت فلانًا. [الحلية (تهذيبه) 1/ 362]. * وعن أبي عقيل بشير بن عُقبة قال: قلت ليزيد بن الشِّخِّير رحمه الله: ما كان مُطرِّفٌ يصنَعُ إذا هاجَ الناس؟ قال: يلزمُ قَعْر بيته، ولا يقربُ لهم جُمُعةً ولا جماعةً حتى تنجلِي. [السير (تهذيبه) 1/ 475]. * وقال ابن الجوزي: رأى طلحة بن مصرّف رحمه الله رجلاً يضحك فقال له: أما إنك تضحك ضحك من لم يحضر الجماجم، فقيل له: وشهدت الجماجم؟، فقال: نعم ورميت فيها بسهم وليت يدي قطعت ولم أرم فيها. [المنتظم 6/ 245، 246]. * وقال ابن الجوزي رحمه الله: كان مسلم بن يسار رحمه الله قد لقي جماعة من الصحابة، وكان من العلماء المتعبدين، وكان حسن الخشوع في الصلاة، فوقع مرة إلى جانبه حريق فما شعر به حتى طفئ.

وكان أرفع عند الناس من الحسن البصري حتى خرج مع ابن الأشعث فوضعه ذلك. وكان يقول: ما ضربت بسيف ولا طعنت برمح، فقال له قائل: فكيف بمن رآك واقفًا في الصف وقال: هذا مسلم بن يسار، ما وقف هذا الموقف إلا وهو على الحق فقاتل فقتل. فبكى بكاء شديدًا. [المنتظم 7/ 62]. * وقال مرة بن شراحيل رحمه الله: شهدت فتح القادسية في ثلاثة آلاف من قومي فما منهم من أحد إلا خف في الفتنة غيري، وما منهم أحد إلا غبطني. [الحلية (تهذيبه) 2/ 76]. * وعن حفص بن غياث قال: قيل للأعمش رحمه الله أيام زيد بن علي (¬1): لو خرجت؟ قال: ويلكم والله ما أعرف أحدًا أجعل عرضي دونه، فكيف أجعل ديني دونه. [الحلية (تهذيبه) 2/ 139]. * وعن أبي العالية رحمه الله قال: لما كان قتال علي ومعاوية كنت رجلاً شابًا فتهيأت، ولبست سلاحي ثم أتيت القوم فإذا صفان لا يرى طرفاهما. قال: فتلوت هذه الآية: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [النساء: 93] قال: فرجعت وتركتهم. [الحلية (تهذيبه) 1/ 367]. * وعن قتادة رحمه الله قال: إياكم والتكلف والتنطع والغلو والإعجاب بالأنفس، تواضعوا لله - عزَّ وجلَّ - لعل الله يرفعكم، قد رأينا والله أقوامًا يسرعون إلى الفتن، وينزعون فيها، وأمسك أقوام عن ذلك، هيبة لله ومخافة منه. فلما انكشفت إذا الذين أمسكوا أطيب نفسًا، وأثلج صدورًا، وأخف ظهورًا، من الذين أسرعوا إليها وينزعون فيها، وصارت أعمال أولئك حزازات على قلوبهم كلما ذكروها. وأيم الله! لو أن الناس يعرفون من الفتنة إذا أقبلت، كما يعرفون منها إذا أدبرت، لعقل فيها جيل من الناس كثير، والله ما بعثت فتنة قط إلا في شبهة ¬

(¬1) ابن الحسين بن علي بن أبي طالب. خرج على هشام بن عبد الملك سنة: 121 , وقتل بالكوفة حيث بايعوه على القتال معه, ثم رفضوه لمَّا رأوه يتولى أبا بكر وعمر رضي الله عنهما. [المنتظم 7/ 207]

(جـ) حالهم مع فتن الشهوات والنساء

وريبة إذا شبت، رأيت صاحب الدنيا لها يفرح ولها يحزن، ولها يرضى ولها يسخط، ووالله لئن تشبث بالدنيا وحدب عليها، ليوشك أن تلفظه وتقضي منه. (¬1) [الحلية (تهذيبه) 1/ 409]. * وعن إبراهيم النخعي رحمه الله قال: كانوا يقولون ويرجون، إذا لقي الله الرجل المسلم وهو نقي الكف من الدم، أن يتجاوز الله عنه ويغفر له ما سوى ذلك من ذنوبه. [الحلية (تهذيبه) 2/ 91]. * وقيل ليزيد بن العلاء: ما كان يصنع مطرف رحمه الله إذا هاج في الناس هيج؟ قال: كان يلزم قعر بيته ولا يأتي لهم صفا ولا جماعة، حتى تنجلي عما انجلت. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 543]. (جـ) حالهم مع فتن الشهوات والنساء: * عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيّب رحمه الله قال: ما يئس الشيطان من شيء إلا أتاه من قِبَل النساء، وقال لنا سعيد، وهو ابن أربع وثمانين سنة وقد ذهبتْ إحدى عينيه وهو يعشو بالأخرى: ما من شيء أخوف عندي من النساء. [صفة الصفوة 2/ 438]. * وقال أيضا رحمه الله: ما بعث الله نبيا إلا لم ييأس إبليس أن يهلكه بالنساء. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 540]. * وعنه قال: إذا رأيتم الرجل يلحّ بالنظر إلى غلام أمرد فاتهموه. [ذم الهوى / 97]. ¬

(¬1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وغالب من يتعرض للمحن والابتلاء ليرتفع بها ينخفض بها , لعدم ثباته في المحن , بخلاف من ابتلاه الحق ابتداءً , كما قال تعالى: {وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ} [آل عمران: 143]. وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2، 3]. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (يا عبد الرحمن! لا تسأل الإمارة , فإنَّك إن أعطيتها عن مسألة وُكلت إليها , وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها). وقال: (إذا سمعتم بالطاعون ببلد فلا تقدموا عليه , وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارًا منها). الاستقامة / 362، 363

* وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: خرج عطاء بن يسار، وسليمان بن يسار رحمهما الله حاجّين من المدينة، ومعهما أصحاب لهم، حتى إذا كانوا بالأبْواء نزلوا منزلاً، فانطلق سليمان، وأصحابه لبعض حاجتهم، وبقي عطاء بن يسار قائمًا في المنزل يصلي. [صفة الصفوة 2/ 439]. قال: فدخلتْ عليه امرأة من الأعراب جميلة، فلما رآها عطاء ظن أن لها حاجةً، فأوجز في صلاته، ثم قال: ألك حاجة؟ قالت: نعم. قال: ما هي؟ قالت: قم فأصِبْ مني فإني قد ودِقتُ ولا بعل لي، فقال: إليكِ عني لا تحرقيني ونفسَك بالنار. ونظر إلى امرأة جميلة، فجعلت تراوده عن نفسه، ويأبى إلا ما يريد. قال: فجعل عطاء يبكي ويقول: ويحك إليك عني. قال: اشتد بكاؤه، فلما نظرت المرأة إليه، وما داخله من البكاء والجزع بكت المرأة لبكائه، قال: فجعل يبكي، والمرأة بين يديه تبكي، فبينما هو كذلك إذ جاء سليمان من حاجته فلما نظر إلى عطاء يبكي، والمرأة بين يديه تبكي في ناحية البيت بكى لبكائهما لا يدري ما أبكاهما، وجعل أصحابهما يأتون رجلاً رجلاً كلما أتى رجل، فرآهم يبكون جلس يبكي لبكائهم لا يسألهم عن أمرهم حتى كثر البكاء، وعلا الصوت، فلما رأت الأعرابية ذلك قامت، فخرجت. قال: فقام القوم فدخلوا، فلبث سليمان بعد ذلك وهو لا يسأل أخاه عن قصة المرأة إجلالاً له وهيبة. قال: وكان أسنَّ منه. قال: ثم إنهما قَدِما مصر لبعض حاجتهما، فلبثا بها ما شاء الله، فبينا عطاء ذات ليلة نائم إذ استيقظ وهو يبكي. فقال سليمان: ما يبكيك يا أخي؟ قال: فاشتد بكاؤه. قال: ما يبكيك يا أخي؟ قال: رؤيا رأيتها الليلة. قال: وما هي؟ قال: لا تخبر بها أحدًا ما دمتُ حيًا: رأيت يوسف النبي - صلى الله عليه وسلم - في النوم، فجئت أنظر إليه، فيمن ينظر إليه، فلما رأيت حسنه بكيت، فنظر إليّ في الناس، فقال: ما يبكيك أيها الرجل؟ فقلت: بأبي أنت وأمي يا نبي الله، ذكرتك وامرأة العزيز وما ابتُليتَ به من أمرها، وما لقيتَ من السجن، وفُرقة يعقوب، فبكيت من ذلك، وجعلت أتعجّب منه. قال: فهلاّ تعجّبت من

صاحب المرأة البدوية بالأبواء؟ فعرفت الذي أراد، فبكيت، واستيقظت باكيًا. قال سليمان: أيْ أخي، وما كان من حال تلك المرأة؟ فقصّ عليه عطاء القصة، فما أخبر بها سليمان أحدًا حتى مات عطاء، فحدث بها بعده امرأة من أهله قال: وما شاع هذا الحديث بالمدينة إلا بعد موت سليمان بن يسار رضي الله عنهما. [صفة الصفوة 2/ 440]. * وعن عطاء بن أبي رباح رحمه الله قال: لو ائتمنت على بيت مال لكنتُ أمينًا، ولا آمن نفسي على أمة شوهاء. قال الذهبي رحمه الله: صدق رحمه الله ففي الحديث: " ألاَ لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بامْرأةٍ، فإنَّ ثالِثَهُما الشَّيطانُ". [السير (تهذيبه) 2/ 583]. * وقال سعيد بن جبير رحمه الله: لئن أؤتمن على بيت من الدر، أحب إلي من أن أؤتمن على امرأة حسناء. [الحلية (تهذيبه) 2/ 104]. * وعن أبي حكيم أنه قال: خرج حسان بن أبي سنان رحمه الله يوم العيد، فلما رجع قالت له امرأته: كم امرأة حسنة قد رأيت اليوم؟ فلما أكثرت قال: ويحك ما نظرت إلا في إبهامي منذ خرجت من عندك حتى رجعت إليك. [المنتظم 8/ 152]. * وقال حسّان بن عطِية رحمه الله: ما أتِيتْ أُمّةٌ قط إلاّ من قِبَل نسائهم. [ذم الهوى / 134]. * وقال الحسن بن صالح رحمه الله: سمعت أن الشيطان قال للمرأة: أنت نصف جندي، وأنت سهمي الذي أرمي به فلا أخطئ، وأنت موضع سري، وأنت رسولي في حاجتي. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 539]. * وعن النّحيب بن السّرِي رحمه الله قال: كان يقال: لا يَبِيت الرجل في بيت مع المرد. [ذم الهوى / 97]. * وعن ميمون بن مهران رحمه الله قال: ثلاث لا تبلونّ نفسك بهنّ، لا تدخل على السلطان وإن قلت: آمره بطاعة الله، ولا تدخل على امرأة وإن قلت: أعلمها كتاب الله، ولا تصغين بسمعك لذي هوى، فإنك لا تدري ما يعلق بقلبك منه؟ [الحلية (تهذيبه) 2/ 54].

* وعن عطاء بن مسلم، قال: كان سفيان الثوري رحمه الله لا يَدَع أمردا يجالسه. [ذم الهوى / 98]. * وقال سفيانَ الثوري رحمه الله: ما بعثَ الله - عزَّ وجلَّ - نبيًا إلاّ وقد تخوّف عليه الفتنة من النساء. [ذم الهوى / 135]. * وقال أيضًا رحمه الله: ائتِمنِّي على بيتٍ مملوء مالاً، ولا تأتمِنِّي على جارية سوداء لا تحلّ لي. [ذم الهوى / 135]. * وقال حكاّم بن سلَم، قال: كنت عند سفيان الثوري رحمه الله فجاءته امرأة فقالت: إنِّي أريد أن أسألك عن شيء، فقال لها: أجيفي الباب ثم تكلّمي من وراء الباب. [ذم الهوى / 135]. * وقال ابن الجوزي رحمه الله: حدثنا عبد الله بن المبارك - وكان عاقلاً - عن أشياخ أهل الشام رحمهم الله، قالوا: من أعطى أسباب الفتنة من نفسه أولاً لم ينجُ آخرًا وإن كان جاهدًا. (¬1) [ذم الهوى / 144]. * وعن عبد الله بن مسلم العجلي، قال: كانت امرأة جميلة بمكة، وكان لها زوج، فنظرت يومًا إلى وجهها في المرآة، فقالت لزوجها: أترى أحدًا يرى هذا الوجه لا يفتتن به، قال: نعم، قالت: ومن؟ قال عبيد بن عمير رحمه الله قالت: فأذن لي فيه فلأفتننه، قال: قد أذنت لك. قال: فأتته كالمستفتية، فخلا معها في ناحية من المسجد الحرام. قال: فأسفرت عن وجه مثل فلقة القمر، فقال لها: استتري يا أمة الله، قالت: إني قد فتنت بك فانظر في أمري، قال: إني سائلك عن شيء، فإن أنت صدقت نظرت في أمرك، قالت: لا تسألني عن شيء إلا صدقتك. قال: أخبريني، لو أن ملك الموت أتاك ليقبض روحك كان يسرك أني قضيت لك هذه الحاجة؟ قالت: اللهم لا. قال: صدقت، فلو أدخلت قبرك فأجلست للمساءلة أكان يسرك أني قضيت لك هذه الحاجة؟ قالت: اللهم لا، قال: صدقت، فلو أن ¬

(¬1) قال ابن القيم رحمه الله: فما استعين على التخلص من الشر بمثل البعد عن أسبابه ومظانه. عدة الصابرين / 86

الناس أعطوا كتبهم فلا تدرين أتأخذين كتابك بيمينك أو بشمالك، أكان يسرك أني قضيت لك هذه الحاجة؟ قالت: اللهم لا، قال: صدقت، فلو أردتِ الممرّ على الصراط فلا تدرين تنجين أم لا تنجين، أكان يسرك أني قضيت لك هذه الحاجة؟ قالت: اللهم لا. قال: صدقت، فلو جيء بالموازين وجيء بك لا تدرين تخفِّينَ أم تَثْقُلين، أيسرك أني قضيت لك هذه الحاجة؟ قالت: اللهم لا، قال: صدقتِ، فاتق الله يا أمة الله، فقد أنعم الله عليك وأحسن إليك. قال: فرجعت إلى زوجها، قال: ما صنعت؟ قالت: أنت بطال ونحن بطالون. فأقبلت على الصلاة والصوم والعبادة. قال: فكان زوجها يقول: مالي ولعبيد بن عمير أفسد علي امرأتي كانت لي في كل ليلة عروسًا، فصيرها راهبة. [المنتظم 6/ 197، 198]. * وقال ابن كثير رحمه الله: حكى السِّبط عن "الأشرف موسى بن العادل رحمه الله " قال: كنت يومًا بهذه المنظرة من خلاط إذ دخل الخادم، فقال: بالباب امرأة تستأذن. فدخلت فإذا صورة لم أر أحسن منها، وإذا هي ابنة الملك الذي كان بخلاط قبلي، فذَكرَت أن الحاجب عليًا قد استحوذ على قرية لها، وأنها قد احتاجت إلى بيوت الكِراء، وأنها إنما تتقوت من عمل النقوش للنساء، فأمرْتُ بردّ ضيعتها إليها، وأمرت لها بدار تسكنها، وقد كنت قمت لها حين دخلت، وأجلستها بين يدي، وأمرتها بستر وجهها حين أسفرت عنه، ومعها عجوزٌ، فحين قضيْت شغلها قلت لها: انهضي على اسم الله تعالى. فقالت العجوز: ياخوند، إنما جاءت لتحظى بخدمتك هذه الليلة. فقلت: معاذ الله، لا يكون هذا. واستحضرت في ذهني ابنتي ربما يصيبها نظير ما أصاب هذه، فقامت وهي تقول: سترك الله مثل ما سترتني. وقلت لها: مهما كان لك من حاجة فانهيها إلي أقضِها لك. فدعت لي وانصرفت. فقالت لي نفسي: ففي الحلال مندوحة عن الحرام، فتزوَّجْها. فقلت: والله لا كان هذا أبدًا، أين الحياء والكرم والمروءة؟! ولما توفي رحمه الله رآه بعض الناس وعليه ثياب خضر وهو يطير مع جماعة من الصالحين، فقال له: ما هذا وقد كنت تعاني الشراب في الدنيا، فقال:

(د) ذكر بعض القصص في العشق والحب، وما قيل في ذلك

ذاك البدن الذي كنا نفعل به ذاك عندكم، وهذه الروح التي كنا نحب بها هؤلاء فهي معهم، ولقد صدق رحمه الله؛ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (المرء مع من أحب). [البداية والنهاية 13/ 228، 229]. * وقال ابن كثير رحمه الله: خضر بن أبي بكر، كان يُنسب إليه أحوال، ومكاشفات، ولكنه لما خالط الناس افتتن ببعض بنات الأمراء، وكان يقول عن الملك الظاهر وهو أمير: إنه سيلي المُلك. فلهذا كان الملك الظاهر يعتقده، ويبالغ في إكرامه بعد أن ولي المملكة، ويعظمه تعظيما زائدا، ويستصحبه معه في كثير من أسفاره، ويلزمه، ويحترمه، ويستشيره، فيشير عليه برأيه، ومكاشفاته صحيحة مطابقة؛ إما رحمانية، أو شيطانية، أو حال، أو سعادة، لكنه افتتن لما خالط الناس ببعض بنات الأمراء، وكنَّ لا يحتجبن منه، فوقع في الفتنة، وهذا في الغالب واقع في مخالطة الناس فلا يسلم المخالط لهم من الفتنة، ولا سيما مخالطة النساء مع ترك الاحتجاب، فلا يسلم العبد البتة منهن. [البداية والنهاية 13/ 368]. (د) ذكر بعض القصص في العشق والحب، وما قيل في ذلك (¬1): * وعن عِكْرمة قال: إنّا لمَعَ عبد الله بن عباس - رضي الله عنه - عشيّةَ عرفة إذ أقبل ¬

(¬1) قال ابن الجوزي رحمه الله: فإن قال قائل: فكيف يتخلص مِن هذا مَن قد نشب فيه؟ قيل له: بالعزم القوي في هجران ما يؤذي والتدرج في ترك ما لا يؤمن أذاه, وهذا يفتقر إلى صبر ومجاهدة, يهونهما سبعة أشياء: أحدها: التفكر في أن الإنسان لم يخلق للهوى, وإنما هيئ للنظر في العواقب والعمل للآجل. ويدل على هذا أن البهيمة تصيب من لذة المطعم والمشرب والمَنْكح ما لا يناله الإنسان, مع عيش هني خال عن فِكرٍ وهمٍّ, ولهذا تُساق إلى مَنْحَرِها وهي منهمكة على شهواتها, لفقدان العلم بالعواقب. والآدمي لا ينال ما تناله لقوَّة الفكر الشاغل, والهمّ الواغل, وضعف الآلة المستعملة. فلو كان نيل المشتَهَى فضيلة لما بُخِسَ حظّ الآدميّ الشريف منه, وزيد حظ البهائم, وفي توفير حظّ الآدمي من العقْل وبَخْسِ حظه من الهوى, ما يكفي في فضل هذا وذمّ ذلك. والثاني: أن يُفكِّر في عواقب الهوى, فكم قد أفات من فضيلة, وكم قد أوْقعَ في رذيلة, وكم من مطْعَم قد أوقع في مرض, وكم من زلّةٍ أو جبتِ انكِسار جاهٍ وقبح ذِكْر مع إثم! غير أنّ صاحب الهوى لا يرى إلاّ الهوى! فأقرب الأشياء شبهًا به من في المَدْبغَةِ, فإنّه لا يجد ريحها حتى يخرج فيعلم أينَ كان. والثالث: أن يتصوّرَ العاقلُ انقضاء غرضه من هواه, ثم يتصورَ الأذى الحاصلَ عَقِيب اللّذة, فإنّه يراه يُرْبِي على الهوى أضعافًا. والخامس: أن يتدبّر عزَّ الغلبِة وذلّ القهر, فإنّه ما مِن أحدٍ غلَب هواه إلاّ أحسّ بقوةِ عزّ, وما من أحد غلبه هواه إلاّ وجد في نفسه ذلّ القهر. والسادس: أن يتفكَّرَ في فائدةِ المخالفة للهوى, من اكتساب الذِّكْرِ الجميل في الدنيا, وسلامة النفس والعرض, والأجْر في الآخرة. ثم يعكس, فيتفكر لو وافق هواه, في حصولِ عكس ذلك على الأبد, وليفرض لهاتَيْن الحالَتَيْن حالتيْ آدم ويوسف عليهما السلام, في لذّة هذا, وصبر هذا. السابع: أن يتفكر في فائدة المخالفة للهوى من اكتساب الذكر الجميل في الدنيا وسلامة النفس والعرض والأجر في الآخرة. ا. هـ بتصرف. ذم الهوى / 29، 30.

فتية يحمِلون فتى من بني عُذْرة قد بلي بدنُه، وكانت له حلاوة وجمال، حتى وقَفُوه بين يديه، ثم قالوا: استشفِ لهذا يا ابن عمّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقال: وما به؟ فترنَّم الفتى بصوتٍ ضعيف لا يتبيَّن وهو يقول: بنا من جَوَى الأحْزانِ والحُبِّ لوعةٌ ... تكادُ لها نفس الشِّفيق تذوبُ ولكنما أبقَى حشاشةَ مُعْولٍ ... على ما به عود هناك صَلِيبُ وما عَجَبٌ موتُ المُحِبِّين في الهوى ... ولكن بقاء العاشِقين عَجيبُ ثم شهَق شهقة فمات. قال عكرمة: فما زال ابن عباس بقية يومه يتعوّذ بالله من الحبّ!. [ذم الهوى / 334]. * وقال بعضهم: [ذم الهوى / 392]. وما في الأرض أَشْقَى من محب ... وإن وجَد الهوى عذْبَ المَذاقِ تراه باكيًا في كل حين ... مخافَة فُرقةٍ أو لاشتياقِ فيبكي إن نأوا شوقا إليهم ... ويبكي إن دنوا خوفَ الفراقِ فتسخن عينه عند التنائي ... وتسخنُ عينه عند التلاقي * وعن الضحاك الخُزَامي: أنّ عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضى الله عنه

قدِم الشام في تجارة فرأى هناك امرأة يقال لها: ابنة الجُودِي، على طنفسةٍ لها ولائد فأعجَبَتْه فقال فيها: تذكّرْتُ ليلى والسّماوة بيننا ... وما لابْنَةِ الجُوديّ ليلى ومالياَ وأنَّى تَعَاطَى ذكْرَه حارِثيَّةٌ ... تُدَمِّنُ بُصْرَى أو تَحُلُّ الجوانيَا وأنَّى تَلاَقيِها بلى ولعلّها ... إنِ الناسُ حجُّوا قابلًا أن تُلاَقيا قال: فلما بعث عمر بن الخطاب رضى الله عنه جيشه إلى الشام، قال لصاحب الجيش: إن ظفرت بليلى ابنة الْجُودي عَنْوة فادْفَعْها إلى عبد الرحمن بن أبي بكر. فظفر بها، فدفعها إلى عبد الرحمن، فأُعْجِب بها وآثرها على نسائه، حتى شكونه إلى عائشة رضي الله عنها، فعاتَبَتْه على ذلك، فقال: والله كأنّي أَرْشُف بأنْيابِها حَبَّ الرُّمان. فأصابها وجَعٌ سقط له فُوها، فجَفاها، حتى شكَتْه إلى عائشة، فقالت له عائشة رضي الله عنها: لقد أحْبَبْتَ ليلى فأفْرَطت، وأبغضْتَها فأفرطت، فإمَّا أن تُنصفها وإما أن تُجَهّزَها إلى أهلها، فجهّزها إلى أهلها. [ذم الهوى / 428]. * وعن الشعبي رحمه الله؛ أنه كان يقول: إذا أنت لم تعشق ولم تدر ما ... فأنت وعير بالفلاة سواء [الحلية (تهذيبه) 2/ 117]. * وقال ابن الجوزي رحمه الله: حدثني بعض إخواني عن صديق له، أنّه عشق امرأةً كانت في نهاية الحسن والجمال، وأنّه كان يخاطر بنفسه ليجتمع بها. قال: فقال لي يومًا: والله لو اجتمعتُ بها ثم قُدِّمْتُ فضرِبَتْ عُنقي ما باليت. ثمّ إنّه تزوّجها، فمضى عليه قليل ثم طلّقها. قال: فمررتُ يومًا أنا وهو في بعض الطريق بحَمْأة مُنْتِنة، فقال لي: يا فلان، والله إنّ فلانة اليوم أقبحُ عندي حالًا من هذه الحمأة!. (¬1) [ذم الهوى / 429]. ¬

(¬1) قال ابن الجوزي رحمه الله: وبهذا السبب يعرض الإنسان عن زوجته ويؤثر عليها الأجنبية, وقد تكون الزوجة أحسن. والسبب في ذلك أنّ عيوب الأجنبية لم تبِنْ له وقد تَكشفها المُخالطة, ولهذا إذا خالط هذه المحبوبة الجديدة وكشفتْ له المُخالَطةُ ما كان مستورًا, ملّ وطلب أُخرَى إلى ما لا نهاية له. ولهذا المعنى الذي أشرتُ إليه شكا خَلْق من العُشّاق معشوقهم, وملّوهم وأعرضوا عنهم, وما كان السبب إلاّ أنّ المخالطة أظهرَت المعايب الآدمية, فنفَروا عنهم ومضى ما مضى منَ القلق ووهن الجاه مجّانًا! [ذم الهوى / 426، 427]

(هـ) أقوالهم وتوجيهاتهم نحو الفتن

(هـ) أقوالهم وتوجيهاتهم نحو الفتن (¬1): * قال النعمان بن بشير - رضي الله عنه -: إن الهلكة كل الهلكة أن تعمل بالسيئات في زمن البلاء. [البداية والنهاية 9/ 37]. * وقال أبو حازم رحمه الله: كلّ نعمة لا تقرّب من الله - عزَّ وجلَّ - فهي بليّة. [صفة الصفوة 2/ 489]. * وقال يحيى بن معاذ رحمه الله: على قناطر الفِتن جاوزوا إلى خزائن المِنَن. [صفة الصفوة 4/ 340]. * وقال أحمد بن أبي الحَواريّ: قال لي أبو سليمان الداراني رحمه الله: من أيّ وجه أزالَ العاقلُ الْلاَّئمةَ عمّن أساءَ إليه؟ قلت: لا أدري. قال: من أنه قد علم أن الله تعالى هو الذي ابتلاه به. [صفة الصفوة 4/ 442]. * وقال مطرّف بن الشخير رحمه الله: لأن آخُذ بالثِّقة في القعود أحبُّ إليَّ مِن أن ألتمس فضل الجهاد بالتغرير. (¬2) [السير (تهذيبه) 1/ 475]. * وعن إبراهيم التيمي رحمه الله قال: إن الرجل ليظلمني فأَرحمه. [السير (تهذيبه) 2/ 580]. ¬

(¬1) قال ابن القيم رحمه الله: وقال لي شيخُ الإسلام رضي الله عنه - وقَد جعَلتُ أُورِدُ عليهِ إيرادًا بعدَ إيراد -: لا تجعَلْ قلبَكَ للإيراداتِ والشبهاتِ مثلَ السِّفِنْجَة , فيتشرَّبَها , فلا ينضح إلاّ بها , ولكنِ اجعَلْهُ كالزُّجاجَةِ المُصْمَتَةِ تَمُرُّ الشبهاتُ بظاهرها , ولا تَستَقرُّ فيها , فيراها بصفائهِ , ويدفعُها بصلابتهِ , وإلاّ فإذا أَشْرَبْتَ قلبَكَ كلَّ شبهَةٍ تمرُّ عليها صارَ مَقَرًّا للشبهاتِ. أو كما قالَ. فما أعلمُ أنِّي انتَفَعتُ بوصيّةٍ في دفع الشبهاتِ كانتفاعي بذلك. [مفتاح دار السعادة 1/ 443] (¬2) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ولما كان في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , والجهاد في سبيل الله: من الابتلاء والمحن ما يتعرض به المرء للفتنة , صار في الناس من يتعلل لترك ما وجب عليه من ذلك بأنه يطلب السَّلامة من الفتنة. الاستقامة / 499

* وعن طاووس رحمه الله قال: لم يجهد البلاء من لم يتول اليتامى، أو يكون قاضيًا بين الناس في أموالهم، أو أميرًا على رقابهم. [الحلية (تهذيبه) 2/ 31]. * وعن أبي سعيد الخراز رحمه الله أنه قال: العافية سترت البر والفاجر، فإذا جاءت البلوى يتبين عندها الرجال. [المنتظم 12/ 282]. * وعن حفص بن حميد قال: قال لي زياد بن جرير رحمه الله: خذ من شعرك فإن فيه فتنة. [الحلية (تهذيبه) 2/ 84]. * وعن سعيد بن جبير رحمه الله قال: لقيني راهب فقال: يا سعيد في الفتنة يتبين من يعبد الله ممن يعبد الطاغوت. [الحلية (تهذيبه) 2/ 105]. * وعن عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر. قال: سمعت عمير بن هاني رحمه الله - وذكر الفتنة - فقال: طوبى لرجل صاحب غنم، إلى جانب علم. يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويقري الضيف، لا يعرفه الناس ويعرفه الله بتقواه وذلك العبد النومة (¬1). [الحلية (تهذيبه) 2/ 173]. * وعن الأشجعي قال: قيل لسفيان الثوري رحمه الله في خلافة أبي جعفر: يا أبا عبد الله لو دعوت بدعوات؟ قال: ترك الذنوب هو الدعاء. [الحلية (تهذيبه) 2/ 373]. ¬

(¬1) قال في الحاشية: النومة: أي الذي لا يؤبه له.

عيادة المريض

عيادة المريض * قال طاوس رحمه الله: خير العيادة أخفها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 242]. * وعن أبي العالية رحمه الله أنه دخل عليه غالب القطان يعوده، فلم يلبث إلا يسيراً حتى قام، فقال أبو العالية: ما أرفق العرب لا تطيل الجلوس عند المريض، فإن المريض قد تبدو له حاجة فيستحي من جلسائه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 242]. * وقال بكر المزني رحمه الله: المريض يعاد، والصحيح يزار. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 242]. * وعن الشعبي رحمه الله قال: عيادة حمقى (¬1) القراء: أشد على أهل المريض من مريضهم، يجيئون في غير وقت العيادة، ويطيلون الجلوس. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 243]. * وعن عبد الله بن أبي صالح قال: دخل عليَّ طاوس رحمه الله وأنا مريض، فقلت: يا أبا عبد الرحمن أدع لي، قال: أدع لنفسك فإنه يجيب المضطر إذا دعاه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 244]. * وعن عطاء رحمه الله قال: من تمام العيادة: أن تضع يدك على المريض. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 244]. ¬

(¬1) في الأصل: نوكى, ولا معنى لها, والمثبت من شعب الإيمان للبيهقي.

موقف السلف من الحاجات الضرورية والكمالية

موقف السلف من الحاجات الضرورية والكمالية (أ) موقف السلف من العمل والسعي في طلب الرزق: * قالت عائشة رضي الله عنها: كان أبو بكر - رضي الله عنه - من أتجر قريش حتى دخل في الإمارة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 453]. * وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: ما خلق الله - عزَّ وجلَّ - مِيتة أموتها بعد القتل في سبيل الله - عزَّ وجلَّ - أحب إلي من أن أموت بين شعبتي رَحْل أضرب في الأرض، أبتغي من فضل الله - عزَّ وجلَّ. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 450]. * وقال أيضا - رضي الله عنه -: مكسبة فيها بعض الدناءة خير من مسألة الناس. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 475]. * وعن الحسن قال: بينما عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يمشي ذات يوم في نفرٍ من أصحابه، إذا صبية في السوق يطرحها الريح لوجهها من ضعفها، فقال عمر: يا بؤس هذا من يعرف هذه؟ قال له عبد لله: أو ما تعرفها! هذه إحدى بناتك! قال: وأي بناتي؟ قال: بنت عبد الله بن عمر، قال: فما بلغ بها ما أرى من الضيعة؟ قال: إمساكك ما عندك، قال: إمساكي ما عندي عنها يمنعك أن تطلب لبناتك ما تطلب الأقوام! أما والله ما لك عندي إلا سهمك من المسلمين، وسعك أو عجز عنك، بيني وبينكم كتاب الله. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 229]. * وعن الزهري قال: تصدق عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشطر ماله أربعة آلاف. ثم تصدق بأربعين ألف، ثم تصدق بأربعين ألف دينار، ثم حمل على خمسمائة فرس في سبيل الله، ثم حمل على

ألف وخمسمائة راحلة في سبيل الله، وكان عامة ماله من التجارة. [الحلية (تهذيبه) 1/ 97]. * وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه. قال: إني لأحب أن آكل من كدّ يدي. [الحلية (تهذيبه) 1/ 161]. * وعن سالم مولى زيد بن صوحان قال: كنت مع مولاي زيد بن صوحان في السوق، فمر علينا سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه، وقد اشترى وسقا من طعام. فقال له زيد: يا أبا عبد الله تفعل هذا وأنت صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: إن النفس إذا أحرزت رزقها اطمأنت وتفرغت للعبادة وأيس منها الوسواس. [الحلية (تهذيبه) 1/ 166]. * وعن حنظلة قال: رأيت سالم بن عبد الله بن عمر رحمه الله يخرج إلى السوق، فيشتري حوائج نفسه. [صفة الصفوة 2/ 445]. * وعن المسيب بن رافع قال: كانوا يدخلون على علقمة رحمه الله، وهو يقرع غنمه ويحلب ويعلف. [الحلية (تهذيبه) 1/ 307]. * وقال مسلم: لقيني معاوية بن قرّة رحمه الله، وأنا جاءٍ من الكلأ، فقال لي: ما صنعت؟ فقلت: اشتريت لأهلي كذا وكذا. قال: وأصبت مِن حلال؟ قلت: نعم. قال: لأن أغدو فيما غدوتَ به أحبّ إليّ من أن أقوم الليل وأصوم النهار. [صفة الصفوة 3/ 182، موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 91]. * وقال سهيل بن علي: كنت أجالس خير بن نعيم رحمه الله، فرأيته يتجر في الزيت، فقلت له: وأنت أيضًا تتجر؟ فضرب بيده على كتفي، ثم قال: انتظر حتى تجوع ببطن غيرك. فقلت في نفسي: كيف يجوع الإنسان ببطن غيره. فلما بليت بالعيال إذا أنا أجوع ببطونهم. [المنتظم 8/ 17]. * وعن عبد الله بن المبارك رحمه الله أنه قال: لا أرى لصاحب عشرة آلاف درهم أن يدع الكسب، فإنه إن لم يفعل لم آمن أن لا يعطف على جاره، ولا يوسع على عياله. [المنتظم 9/ 61]. * وقال حماد بن زيد: قال لنا أيوب رحمه الله: الزم السوق فإن الغنى من العافية. [الحلية (تهذيبه) 1/ 434].

* وعن حماد بن زيد قال: قال لي أيوب: الزم سوقك فإنك لا تزال كريمًا على إخوانك ما لم تحتج إليهم. [الحلية (تهذيبه) 1/ 434]. * وعن إبراهيم بن أدهم رحمه الله قال: إن الصائم القائم المصلي الحاج المعتمر الغازي، من أغنى نفسه عن الناس. [الحلية (تهذيبه) 2/ 480]. * وقال أيضًا رحمه الله: المسألة مسألتان، مسألة على أبواب الناس، ومسألة يقول الرجل: ألزم المسجد وأصلي وأصوم وأعبد الله، فمن جاءني بشيء قبلته، فهذه شر المسألتين، وهذا قد ألحف في المسألة. [الحلية (تهذيبه) 2/ 480]. * وكان محمد بن سيرين رحمه الله إذا أتاه رجل من العرب قال له: مالك لا تتجر؟ كان أبو بكر تاجر قريش. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 451]. * وعن أيوب قال: كان أبو قلابة رحمه الله يأمرني بلزوم السوق والصنعة ويقول: إن الغنى من العافية. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 454]. * وقال أيوب رحمه الله يقول: لو أعلم أن عيالي يحتاجون إلى جُرْزة بقل ما قعدت معكم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 454]. * وعن أبي وائل رحمه الله قال: الدرهم من تجارة أحب إلي من عشرةٍ من عطايا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 454]. * وعن سعيد بن المسيب رحمه الله قال: كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتجرون في بحر الروم، منهم طلحة بن عبيد الله، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 454]. * وعن الهيثم بن جميل قال: قلت لابن المبارك رحمه الله: أتجر في البحر؟ قال: اتجر في البر والبحر، واستغن عن الناس. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 455]. * ولقي رجل الحسن بن يحيى رحمه الله بأرض الحبشة معه تجارة، فقال له: ما الذي بلغ بك ها هنا؟! فعذله - أي لامه - الرجل، فقال: أكلُّ هذا طلبٌ للدنيا، وحرص عليها؟! فقال له: الحسن: يا هذا: إن الذي حملني على هذا: كراهة الحاجة إلى مثلك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 456].

(ب) موقف السلف من اللباس

* وقال الشاعر: [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 456]. إذا المرء لم يطلب معاشًا ولم ... يتحاشَ من طول الجلوس جفاه الأقربون وصار كَلًّا ... على الإخوان كالثوب الَّلبيس (ب) موقف السلف من اللباس: * عن أنس قال: رأيت بين كتفي عمر - رضي الله عنه - أربع رِقاع. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 487]. * وقال الأحنف بن قيس رحمه الله: ما كذبت منذ أسلمت إلا مرة واحدة، فإن عمر - رضي الله عنه - سألني عن ثوب: بكم أخذته؟ فأسقطت ثُلُثي ثمنه، فقال: إن رداءك هذا لحسن لولا كثرة ثمنه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 490]. * وعن أبي إدريس: أن عليا - رضي الله عنه - أتى السوق فقال: من عنده قميص خشن بثلاثة دراهم؟ فقال رجل: عندي، فقال: هلم، فجاءه به فأعجبه، قال: فنظرت فإذا هو يحل رباطا من كُمِه، فيه نفقة له، قال: فلبسه، فإذا هو يفضل عن أطراف أصابعه فقال: اقطعوا ما فضل عن أطراف أصابعي ثم حصوه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 488]. * وعن زيد بن وهب: عن علي - رضي الله عنه - أنه عُوتب في لبسه فقال: إن لَبوسي هذا أبعد من الكبر، وأجدر أن يقتدي بي المسلم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 489]. * وعن سفيان بن قيس: أن عليا - رضي الله عنه - رؤيَ عليه إزار مرقوع، فعوتب في لبوسه فقال: يقتدي به المؤمن، ويخشع له القلب. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 489]. * وعن وقدان قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنه - وسأله رجل ما ألبس من الثياب - قال: ما لا يزدريك فيه السفهاء، ولا يعتب به الحلماء. قال: ما هو؟ قال: ما بين الخمسة إلى العشرين درهمًا. [الحلية (تهذيبه) 1/ 216]. * وعن قَزَعَة قال: رأيتُ على ابن عمر - رضي الله عنه - ثيابًا خشنةً فقلتُ له: إني قد أتيتُكَ بثوب ليِّنٍ مما يصنع بخراسان، وتقرّ عيناي أنْ أراه عليكَ قال:

أرنيه، فَلَمَسَه، وقال: أحرير هذا؟ قلت: لا، إنه من قُطْن. قال: إني أخاف أن ألبَسَه، أخافُ أن أكون مختالاً فخورًا، والله لا يُحبُ كُلَّ مختالٍ فخور. قال الذهبي رحمه الله: كلُّ لباسٍ أوجد في المرء خُيَلاء وفخرًا فتركه مُتَعيِّن ولو كان من غير ذهبٍ ولا حرير. فإنا نرى الشابَّ يلبَسُ الفَرَجية (¬1) الصوف بفَرْوٍ من أثمان أربع مئة درهم ونحوها، والكِبْرُ والخُيَلاء على مشيته ظاهر، فإنْ نصحته ولُمتَه برفقٍ كابَرَ وقال: ما فيّ خُيلاء ولا فخَرٌ. وهذا السيد ابنُ عمر يخافُ ذلك على نفسه. وكذلك ترى الفقيهَ المترف إذا لِيمَ في تفصيلِ فَرَجية تحت كعبيه، وقيل له: قد قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: " ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار"، يقول: إنما قال هذا فيمن جَرَّ إزاره خُيلاء، وأنا لا أفعلُ خُيَلاء. فتراه يُكابِرُ، ويُبَرِّىءُ نفسَه الحمقاء، ويعمَدُ إلى نصٍّ مُستَقِلٍّ عام فيخصُّهُ بحديث آخر مُستَقِلٍّ بمعنى الخُيلاء، ويتَرخصُ بقول الصِّدِّيق: إنه يا رسول الله يسترخي إزاري، فقال: "لستَ يا أبا بكر ممن يفعله خُيَلاء" فقلنا: أبو بكر رضى الله عنه لم يكن يَشدُّ إزاره مَسْدُولاً على كعبيه أولاً، بل كانَ يَشُدُّهُ فوق الكعب، ثم فيما بعد يسترخي. [السير (تهذيبه)]. * وعن حنظلة بن أبي سفيان: قال: رأيت سالم بن عبد الله رحمه الله عليه إزارٌ ثمنه أربعة، وقميصٌ ثمنه خمسة وهو موسر. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 490]. * وعن سفيان رحمه الله قال: كانوا يكرهون الشهرتين: الثياب الجياد التي يَشتهر فيها ويرفع الناس فيها أبصارهم، والثياب الرديئة التي يُحتقرُ فيها ويُستذلُ دينه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 491]. * ودخل مسلمة بن عبد الملك على عمر بن عبد العزيز رحمه الله يعوده فقال لأخته فاطمة: إني أرى أمير المؤمنين قد أصبح باريا فلو غيرتم ثيابه، فسكتت عنه، ثم أعاد عليها فقالت: والله ما لِأمير المؤمنين قميص غيره. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 491]. ¬

(¬1) قال في الحاشية: الفرجية: ثوب واسع طويل الأكمام، يُتخذ من قطن أو حرير أو صوف.

* وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله لجلسائه: رأيتموني أخرت الصلاة! إنما ذاك ثيابي غُسِلت فانتظرت جفوفها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 491]. * وعن الشعبي رحمه الله قال: البس من الثياب ما لا يزدريك فيه السفهاء، ولا يعيبه عليك العلماء. [الحلية (تهذيبه) 2/ 115]. * وقال غيلان: كان مُطَرِّف بن الشخير رحمه الله يلبس البرَانس، ويلبس المطارف، ويركب الخيل، ويغشى السلطان غير أنك كنت إذا أفضيتَ إليه أفضيت إلى قُرّة عَين. [صفة الصفوة 3/ 157]. * وعن سفيان الثوري قال: دخلت على جعفر بن محمد رحمه الله وعليه جبة خز دكناء وكساء خز إيرجاني. فجعلت أنظر إليه معجبًا. فقال لي: يا ثوري ما لك تنظر إلينا، لعلك تعجب مما رأيت. قال: قلت: يا ابن رسول الله ليس هذا من لباسك ولا لباس آبائك! فقال لي: يا ثوري كان ذلك زمانًا مقفرًا مقترًا، وكانوا يعملون على قدر إقفاره وإقتاره، وهذا زمان قد أقبل كل شيء فيه عزاليه، ثم حسر عن ردن جبته وإذا تحتها جبة صوف بيضاء يقصر الذيل عن الذيل والردن عن الردن. فقال لي: يا ثوري لبسنا هذا لله وهذا لكم، فما كان لله أخفيناه، وما كان لكم أبديناه. [الحلية (تهذيبه) 1/ 511]. * وقال أبو العالية: زارني عبد الكريم أبو أمية رحمه الله وعليه ثياب صوف، فقلت: هذا زي الرهبان، إن المسلمين إذا تزاوروا تجمَّلوا. [الحلية (تهذيبه) 1/ 367]. * وعن مسلم بن يسار رحمه الله، قال: إذا لبست ثوبًا فظننت أنك في ذلك الثوب أفضل مما في غيره؛ فبئس الثوب هو لك. [الحلية (تهذيبه) 1/ 395]. * وقدِم حَمَّادُ بن أبي سليمان رحمه الله البصرة فجاءه فَرقَدٌ السَّبخِيُّ وعليه ثيابُ صوف فقال حماد: ضَعْ نصرانيتَك هذه عنك، فلقد رأيتُنا ننتظر إبراهيم فيخرج علينا وعليه مُعصفَرةٌ ونحن نرى أن الميتَة قد حلّت له. [عيون الأخبار 1/ 344]. * وقال ابن السَّمّاك رحمه الله لأصحاب الصوف: والله إن كان لباسُكم هذا موافقًا لسرائركم لقد أحببتم أن يطَّلع الناسُ عليها، وإن كان مخالفًا لها فقد هلكتم. [عيون الأخبار 1/ 348].

(جـ) موقف السلف من بعض العلوم غير الشرعية

* وعن قراد أبي نوح قال: رأى عليّ شعبة رحمه الله قميصًا فقال: بكم اشتريت هذا؟ فقلت: بثمانية دارهم، قال: ويحك أما تتقي الله؟ تلبس قميصًا بثمانية دراهم؟ ألا اشتريت قميصًا بأربعة وتصدقت بأربعة كان خيرًا لك! قلت: يا أبا بسطام إنا مع قوم نتجمَّل لهم، قال شعبة: إيش نتجمَّل لهم. [الحلية (تهذيبه) 2/ 415]. * وعن عبد الملك بن عبد الحميد الميموني قال: ما أعلم أني رأيت أحدًا أنظف ثوبًا، ولا أشدّ تَعاهُدًا لنفسه في شاربه، وشَعر رأسه، وشَعر بدَنه ولا أنقى ثوبًا، وأشدَّه بياضاَ من أحمد بن حنبل رحمه الله [صفة الصفوة 2/ 66]. * وعن محمد الحيري أنه قال: سمعت محمد بن معاوية وسليمان بن حرب إلى جنبه يقول: خرج الليث بن سعد رحمه الله يومًا فقوَّموا ثيابه ودابته وخاتمه وما كان عليه ثمانية عشر ألف درهم إلى عشرين ألفًا، فقال سليمان بن حرب: خرج شعبة رحمه الله يومًا فقوَّموا حماره وسرجه ولجامه بثمانية عشر درهمًا إلى عشرين درهمًا. (¬1) [المنتظم 8/ 244]. (جـ) موقف السلف من بعض العلوم غير الشرعية: * قال الشافعي رحمه الله: لا أعلم علمًا بعد الحلال والحرام أنبلَ من الطبِّ، إلا أنّ أهل الكتاب قد غلبونا عليه. [السير (تهذيبه) 2/ 850]. * وقال حرملةُ: كان الشافعيُّ رحمه الله يتلهَّفُ على ما ضَيَّعَ المسلمون من الطِّبِّ، ويقول ضيَّعوا ثلثَ العلم، ووكَلُوه إلى اليهود والنصارى. [السير (تهذيبه) 2/ 850]. (د) موقف السلف من النكاح والتسري: * عن طاووس رحمه الله قال: لا يتِمُّ نُسكُ الشَّابِّ حتى يتزوج. [السير (تهذيبه) 1/ 579]. ¬

(¬1) قال ابن رجب رحمه الله: وأما النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان يلبس ما وجد, فتارة يلبس لباس الأغنياء من حلل اليمن, وثياب الشام ونحوها, وتارة يلبس لباس المساكين, فيلبس جبة من صوف أحيانًا, وأحيانًا يتزر بعباءة, ويهنؤ إبل الصدقة بيده, يعني أنه يطليها بيده ويصلحها كما يفعل أرباب الإبل بها. الجامع المنتخب / 95

(هـ) موقف السلف من بناء البيوت والقصور

* وعن إبراهيم بن مَيْسرةَ قال: قال لي طاوُس رحمه الله: لَتَنْكِحَنّ أو لأَقُولَنّ لك ما قال عمر لأبي الزوائدِ: ما يَمنَعُك من النكاح إلا عجزٌ أو فجور. [عيون الأخبار 4/ 309]. (هـ) موقف السلف من بناء البيوت والقصور: * وعن عبد الله الرومي قال: دخلت على أم طلق، فرأيت سقف بيتها قصيرًا، فقلت لها: يا أم طلق، ما لي أرى سقف بيتك قصيرًا؟ قالت: إن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كتب إلينا: لا تطيلوا بناءكم، فإنه من شر أيامكم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 364]. * وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: نفقة الرجل على نفسه وأهله وصديقه وبهيمته له منها أجر، إلا نفقته في بناء، إلا أن يكون مسجدًا، فقيل له: فإن كان بناءً كفافًا؟، قال: فذلك لا له ولا عليه، فقيل له: فإن كان فوق الكفاف؟، قال: عليه وزره، ولا أجر له فيه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 368]. * وعن قيس بن أبي حازم قال: دخلنا على خباب بن الأرت - رضي الله عنه - نعوده وقد اكتوى سبع كيات، فقال: إن أصحابنا الذين سلفوا مضوا ولم تنقصهم الدنيا، وإنا أصبنا ما لا نجد له موضعا إلا التراب (¬1)، ولولا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به. ثم أتيناه مرة أخرى وهو يبني حائطا له فقال: إن المسلم ليؤجر في كل شيء ينفقه إلا في شيء يجعله في هذا التراب - يعنى البنيان. (¬2) [رواه البخاري: 5672]. * وقال سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -: ثلاثة سعادة، وثلاثة شقاوة، فأما السعادة: فامرأة صالحة مواتية، ودابة تضعك من أصحابك حيث أحببت، ومسكن واسع كثير المرافق، وأما الشقاوة: فامرأة سيئة الخلق، ودابة سوء، ¬

(¬1) أي الإنفاق في البنيان (¬2) قال ابن بطال رحمه الله: ومعنى الحديث أن من بنى ما يكنه ولا غنى به عنه فلا يدخل فى معنى الحديث بل هو مما يؤجر فيه، وإنما أراد خباب من بنى ما يفضل عنه ولا يضطر إليه فذلك الذى لا يؤجر عليه لأنه من التكاثر الملهى لأهله.

(و) الموازنة بين أعمال الدنيا وأعمال الآخرة

إن أردت أن تلحق أصحابك أتعبتك، وإن تركتها خلَّفتك عن أصحابك، ومسكن ضيق قليل المرافق. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 467]. * وعن إبراهيم التيمي رحمه الله قال: إن الرجل إذا كان له مال، فمنع حقه، سُلِّط على أن يُنفقه في الماء والطين، وإن العبد ليؤجر في نفقته كلها إلا فيما يجعله في البناء والطين. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 354]. * وعن زيد بن أبي الزرقاء رحمه الله أنه ذكر عن رجل من الكبراء، أنه نظر إلى رجل يبني بناء له، فقال له: يا هذا نزلت حيث رحل الناس. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 360]. * وقال مسروق رحمه الله: كل شيء يؤجر فيه المؤمن إلا ما كان في التراب. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 365]. * وعن سلمة بن خالد رحمه الله: أن ملِكًا من الملوك ابتنى قصرًا وقال: انظروا من عاب منه شيئًا فأصلحوه، وأعطوه درهمين، وكان فيمن أتاهم رجل، فقال: في هذا القصر عيبان اثنان، قالوا: وما هما؟، قال: ما كنت أخبر بهما إلا الملِك، قال: فأدخل عليه فقال: ما هذان العيبان؟، قال: يموت الملك، ويخرب القصر!، قال: صدقت، ثم أقبل على نفسه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 368]. (و) الموازنة بين أعمال الدنيا وأعمال الآخرة: * عن عمر بن قيس قال: كنت إذا نظرت إلى عبد الله بن الزبير - رضي الله عنه - في أمر دنياه قلت: هذا رجل لم يرد الله طرفة عين، وإذا نظرت إليه في أمر آخرته قلت: هذا رجل لم يرد الدنيا طرفة عين. [الحيلة (تهذيبه) 1/ 253]. * وعن كعب الأحبار رحمه الله أنه كان يقول: اعمل عمل العبد الذي لا يرى أنه يموت إلا هرمًا، واحذر حذر المرء الذي يرى أنه يموت غدًا. [الحلية (تهذيبه) 2/ 253]. * وقالت أم عباد: كنا نسمع بكاء ابن سيرين رحمه الله بالليل وضحكه بالنهار. [صفة الصفوة 3/ 175].

(ز) الاقتصاد وعدم الإسراف

* وعن بلال بن سعد رحمه الله قال: أدركتهم يشتدون بين الأغراض ويضحك بعضهم إلى بعض فإذا كان الليل كنوا رهبانًا. [الزهد للإمام أحمد / 370]. * وعن أرطأة قال: كان ضمرة بن حبيب رحمه الله إذا قام إلى الصلاة قلت: هذا أزهد الناس في الدنيا، فإذا عمل للدنيا قلت: هذا أرغب الناس في الدنيا. [الحلية (تهذيبه) 2/ 275]. * وعن سعيد الجريري رحمه الله قال: كانوا يجعلون أول نهارهم لقضاء حوائجهم، وإصلاح معايشهم، وآخر النهار لعبادة ربهم وصلاتهم. [الحلية (تهذيبه) 2/ 315]. * وعن معاوية بن قرّة رحمه الله قال: مَن يدلّني على بكّاءٍ بالليل بسّام بالنهار؟. [صفة الصفوة 3/ 181]. * وقال الحسن البصري رحمه الله: ليس من حبك الدنيا: طلبك ما يصلحك فيها، ومِن زهدك فيها: ترك الحاجة يسدها عنك تركها، ومن أحب الدنيا وسرته: ذهب خوف الآخرة من قلبه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 90]. * وعن سفيان الثوري رحمه الله قال: كان من دعائهم: اللهم زهِّدنا في الدنيا، ووسِّع علينا منها، ولا تزوها عنا فترغبنا فيها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 94]. (ز) الاقتصاد وعدم الإسراف: * قال معاوية - رضي الله عنه -: ما رأيت تبذيرا إلا وإلى جانبه حق يضيع. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 479]. * وعن خيثمة بن عبد الرحمن: قال: قال سليمان بن داود - عليه السلام -: كل العيش قد جربناه فوجدناه يكفي منه أدناه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 477]. * وسئل محمد بن سيرين رحمه الله عن الإسراف؟ فقال: الإنفاق في غير حق. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 478]. * وكان يقال: حسن التدبير: مفتاح الرشد، وباب السلامة: الاقتصاد. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 447].

(حـ) فوائد أخرى

* وكان يقال: الاقتصاد في كل شيء حسن حتى في المشي والقعود. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 448]. * وكان يقال: فقير مُسدَّد أفضل من غني مسرف، وما كثر مال رجل قط إلا أحدث كبرا، وما قل إلا زال عنه ما هو فيه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 448]. (حـ) فوائد أخرى: * قال عمر - رضي الله عنه -: من اتجر في شيء ثلاث مرات فلم يُصب فيه فليتحول إلى غيره. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 455]. * وعن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: إذا لم يُرزق أحدكم في البلد فليتجر إلى بلدٍ غيره. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 455]. * وقال ابن أبي الدنيا: حدثني رجل من الأزد: قال: لما قدم معاوية - رضي الله عنه - المدينة لقي يهوديا فساومه بضَيعة له، فوقفا على خمسمائة ألف درهم، قال: فأبى الآخر إلا ستمائة، قال: فزاده معاوية خمسين ألفا، فقال له: يا أمير المؤمنين لقد بلغني أنك تصل في المجلس الواحد بألف ألف درهم، وتشاحني في هذا الشطر؟! قال: إن هذا عقلي تريد أن تخدعني، وتيك مكرمة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 466]. * وقال أبو العالية رحمه الله: إذا اشتريت شيئا فاشتر من أجوده. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 464]. * وعن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه كان لا يرى بالمكايسة والمماكسة في البيع والشراء بأسا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 465].

موقف السلف من المال

موقف السلف من المال (أ) حرصهم على كسب المال الحلال، وحسن تدبيرهم له (¬1): * عن ابن الساعدي: قال: استعملني عمر - رضي الله عنه - على الصدقة، فلما فرغت من عملها أمر لي بعمالة، فقلت: إنما عملت لله - عزَّ وجلَّ - فأجري على الله - عزَّ وجلَّ - قال: خذ ما أعطيت فإني قد عملت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعمَّلني، فقلت مثل قولك، فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا أُعطيت شيئا من غير أن تسأل فكل وتصدق). [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 410]. * وعن القاسم بن محمد قال: لما كان زمن عمر - رضي الله عنه - فكثر المال وحدثت الأعطية وكف الناس عن طلب المعيشة قال عمر: أيها الناس أصلحوا معايشكم؛ فإن فيها صلاحا لكم، وصلة لغيركم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 416]. * وقال عبد الله بن عمر - رضي الله عنه -: احرث لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 412]. * عن سعدى بنت عوف. قالت: كانت غلة طلحة - رضي الله عنه - كل يوم ألفًا وافيًا، وكان يسمى طلحة الفياض. [الحلية (تهذيبه) 1/ 91]. ¬

(¬1) قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين: الأصل هو قطع علائق الباطن، فمتى قطعها لم تضره علائق الظاهر. فمتى كان المال في يدك وليس في قلبك: لم يضرك ولو كثر، ومتى كان في قلبك: ضرك ولو لم يكن في يدك منه شيء. قيل لسفيان الثوري: أيكون ذو المال زاهدًا؟ قال: نعم إن كان إذا زيد في ماله شكر، وإن نقص شكر وصبر. ولهذا كان الصحابة أزهد الأمة مع ما بأيديهم من الأموال. وإنما يُحمد قطع العلائق الظاهرة في موضعين: حيث يخاف منها ضررا في دينه أو حيث لا يكون فيها مصلحة راجحة.

* وروى الحربي بإسناده: أن سعد بن عبادة - رضي الله عنه - كان يدعو: اللهم هب لي حمدًا ومجدًا، لا مجد إلا بفعال، ولا فعال إلا بمال، اللهم لا يصلحني القليل، ولا أصلح عليه. [المنتظم 4/ 199، موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 413]. * وعن ابن سيرين: أن سعد بن عبادة - رضي الله عنه - كان يبسط ثوبه ويقول: اللهم وسع عليَّ، فإنه لا يسعني إلا الكثير. [المنتظم 4/ 200]. * واشترى سلمان الفارسي - رضي الله عنه - وسقا من طعام فقيل له: تشتري وسقا من طعام؟! فقال: إن النفس إذا أحرزت قوتها اطمأنت. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 422]. * وقال الزبير بن العوام - رضي الله عنه -: إن المال فيه صنائع المعروف، وصلة الرحم، والنفقة في سبيل الله - عزَّ وجلَّ - وعون على حسن الخلق، وفيه مع ذلك شرف الدنيا ولذتها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 425]. * وقال محمد بن المنكدر رحمه الله: نِعْم العون على تقوى الله - عزَّ وجلَّ - الغِنى. [صفة الصفوة 2/ 280، موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 415]. * وقال سعيد بن المسيِّب رحمه الله: لا خير فيمن لا يريد جمع المال من حله، يعطي منه حقه، ويصل به رحمه، ويكف به وجهه عن الناس. [السير (تهذيبه) 1/ 488، موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 413]. * وعن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب رحمه الله؛ أنه مات وترك ألفين أو ثلاثة آلاف دينار، وقال: ما تركتها إلا لأصون بها ديني وحسبي. [الحلية (تهذيبه) 1/ 348]. * وقيل لأبي الزناد رحمه الله: لِمَ تُحبُّ الدراهم وهي تُدنيك من الدنيا؟ فقال: إنها وإن أدنتني منها، فقد صانتني عنها. [السير (تهذيبه)] * وقال سفيان الثَّوري رحمه الله: كان المالُ فيما مضى يُكره، فأما اليوم، فهو تُرْس المؤمن. [السير (تهذيبه) 1/ 696]. * وقال أيضًا رحمه الله: المال في هذا الزمان سلاح المؤمن. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 420].

* وقال أيضًا رحمه الله: لأن أخلف عشرة آلاف درهم أحاسب عليها، أحب إليّ من أن أحتاج إلى الناس. [الحلية (تهذيبه) 2/ 369]. * وقال أيضًا رحمه الله: كان من دعائهم: اللهم زهدنا في الدنيا ووسع علينا منهم ولا تزوها عنا فترغبنا فيها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 415]. * وقال أيضًا رحمه الله: إنما سمي المال لأنه يميل القلوب. [الحلية (تهذيبه) 2/ 370]. * وعن عبد الله بن محمد الباهلي قال: جاء رجل إلى الثوري رحمه الله فقال: يا أبا عبد الله تمسك هذه الدنانير؟ فقال: اسكت، لولا هذه الدنانير لتمندل بنا هؤلاء الملوك. قال: وقال سفيان: من كان في يده من هذه شيء فليصلحه، فإنه زمان من احتاج كان أول ما يبذل دينه. قال: وجاءه رجل فقال: يا أبا عبد الله إني أريد الحج، قال: لا تصحب من يكرم عليك، فإن ساويته في النفقة أضرّ بك، وإن تفضل عليك استذلك. [الحلية (تهذيبه) 2/ 369]. * وعن سلام بن سليم قال: قال لي سفيان الثوري رحمه الله: عليك بعمل الأبطال، الكسب من الحلال، والإنفاق على العيال. [الحلية (تهذيبه) 370/ 2، موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 21]. * وكان عبدُ الله بن المبارك رحمه الله غنيًا شاكرًا، رأس ماله نحو الأربع مئة ألف. [السير (تهذيبه) 1/ 770]. * وقال أبو الصهباء - صلة بن أشيم رحمه الله -: طلبت المال من وجهه فأعياني إلا رزق يوم بيوم، فعرفت أنه قد خير لي. * وقال الحسن البصري رحمه الله: وأيم الله ما رُزق رجل يومًا بيوم فلم يعلم أنه خير له إلا غبي الرأي أو عاجز. [الحلية (تهذيبه) 1/ 377]. * وقال أيضا رحمه الله: إن المؤمن أخذ عن الله أدبًا حسنًا إذا وسع عليه أوسع وإذا أمسك عليه أمسك. [الزهد للإمام أحمد / 457].

(ب) ذم تعلق القلب بالمال

* وقال أيضا رحمه الله: ليس من حبك الدنيا طلبك ما يصلحك فيها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 420]. * وكان يقال: الحفظ للمال في غير بخل من لطيف نعماء الله - عزَّ وجلَّ. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 419]. * وقيل لبعض الحكماء: العلماء أفضل أم الأغنياء؟ فقال: العلماء، فقيل له: فما بال العلماء بأبواب الأغنياء أكثر من الأغنياء بأبواب العلماء؟! قال: لمعرفة العلماء بفضل الغِنى (¬1) وجهل الأغنياء بفضل العلم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 421]. * وعن قيس بن عاصم رحمه الله أنه قال عند الموت: يا بَنيَّ عليكم باصطناع المال؛ فإنه مَنْبهة للكريم، ويُستغنى به عن اللئيم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 426]. (ب) ذم تعلق القلب بالمال: * عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: ذو الدرهمين أشد حسابًا من ذي الدرهم. [الزهد للإمام أحمد / 275]. * وعن العلاء بن زياد رحمه الله قال: رأيتُ الناسَ في النَّوم، يتبعون شيئًا فتبعتُه، فإذا عجوزٌ كبيرةٌ هتماء عوراء، عليها من كُلِّ حِلية وزينة، فقلت: ما أنتِ؟ قالت: أنا الدنيا. فقلت: أسأل الله أن يُبغِّضَك إليَّ، قالت: نعم، إن أبغضت الدراهم. [السير (تهذيبه) 1/ 478]. * وقال الحسن البصري رحمه الله: والله لقد أدركت أقوامًا وإن كان أحدهم ليرث المال العظيم قال: وإنه والله لمجهود شديد الجهد قال: فيقول لأخيه: يا أخي إني قد علمت أن ذا ميراث وهو حلال ولكني أخاف أن يفسد علي قلبي وعملي فهو لك لا حاجة لي فيه قال: فلا يرزأ منه شيئًا أبدًا قال: وهو والله مجهود شديد الجهد. [الزهد للإمام أحمد / 444]. ¬

(¬1) في الأصل: العلماء, والمثبت هو الذي يتناسب مع السياق.

(جـ) الحرص على وفاء الدين

* وقال هشام بن حسَّان: سمعتُ الحَسن البصري رحمه الله يحلِفُ بالله، ما أعزَّ أحدٌ الدِّرهم إلاَّ أذلَّهُ الله. [السير (تهذيبه) 2/ 561]. * وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله: قد وجدت لكل شيء حيلة، إلا هذا الذهب والفضة، فإني لم أجد لإخراجه من القلب حيلة. [الحلية (تهذيبه) 3/ 191]. (جـ) الحرص على وفاء الدَّين: * عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: من مات وعليه دين حُوسب به يوم القيامة، فيُؤخذ من حسناته، فيُجعل في حسنات غريمه، فإن لم يكن له حسنات أُخذ من سيئات صاحب الدين، فيُجعل على الغريم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 245]. (د) فتنة المال: * عن المسور بن مخرمة: قال: قُدِم على عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بمال في ولايته فجعل يتصفحه وينظر إليه، فهملت عيناه دموعا فبكى، فقال له عبد الرحمن بن عوف: ما يبكيك يا أمير المؤمنين؟ فوالله إن هذا لمن مواطن الشكر، فقال عمر: إن هذا المال والله ما أُعطيه قوم إلا أُلقي بينهم العداوة والبغضاء. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 402]. (هـ) إبقاء شيء من المال للورثة: * كان ميراث عمر - رضي الله عنه - الذي اقتسمه ورثته: سبعين ألفا زراعة، وبه جميع تركته. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 495]. * وعن نافع: قال: مرض ابن عمر - رضي الله عنه - فذُكر له الوصية فقال: أما مالي فالله أعلم ما كنت أفعل فيه، وأما رباعي وأرضي فإني لا أحب أن يشارك ولدي فيها أحدٌ. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 496]. * وترك ابن مسعود - رضي الله عنه - سبعين ألفاً. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 495]. * وكان جميع مال الزبير - رضي الله عنه - خمسين ألف ألف. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 495].

(و) ذم الفقر

* وصُولحت امرأة عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - على ثمنها، ثلث الثمن: بثلاثمائة وثمانين ألفا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 496]. * وعن عامر رحمه الله قال: ما من مال أعظم أجرا من مالٍ تركه الرجل لولده يغنيهم عن الناس. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 496]. * ومات الشعبي رحمه الله وترك عشرة آلاف. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 496]. (و) ذم الفقر: * عن عبد الله بن أبي أوفى - رضي الله عنه -: قال: الفقر الموت الأكبر. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 496]. * وقال ابن عباس - رضي الله عنه -: جهد البلاء: أن تحتاجوا إلى مافي أيدي الناس فيمنعوكم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 503]. * وعن ابن عمر - رضي الله عنه -: قال: جهد البلاء: كثرة العيال وقلة الشيء. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 503]. * وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: قال: دعيت إلى عرس، فأتيتهم في ثيابي هذه، فردني البواب، فرجعت وأبدلت ثيابي ثم جئت فدخلت، قال: فأرسل كمه، فقال: كل، كل! فقيل له: سبحان الله الكم يأكل! غفر الله لك، فقال: إنما دُعيَتْ ثيابي هذه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 508]. * وعن الحسن رحمه الله: قال: قال لقمان - عليه السلام - لابنه: يا بني ذقت المرار كلَّه، فلم أذق شيئا أمرَّ من الفقر. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 500]. * وقال حسان - رضي الله عنه -: رُبَّ حِلم أزرى به عدم المال ... وجهلٌ غطى عليه النعيم [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 501]. * وقال الشاعر: [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 501]. يجيء الناسُ كلَّ غنيِّ قوم ... ويُبْخَل بالسلام على الفقير ويُوسَع للغنيِّ إذا رأوه ... ويُحيا بالتحية كالأمير

* وقال آخر: [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 502]. إذا قلَّ مال العبد قلَّ صفاؤه ... وضاقت عليه أرضه وسماؤه وأصبح لا يدري وإن كان حازمًا ... أَقُدَّامه خيرًا أو وراؤُه * وقال آخر: [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 502]. إذا قلَّ مال المرء قلَّ صديقه ... وضاق به عما يريد طريقه * وقال آخر: [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 504]. ألم تر أن الفقير يُهجر بيته ... وأن الغني يُهدى له ويُزار

تقديم الأولويات

تقديم الأولويات * عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: ما رأيت فقيهًا قط أقل صومًا من عبد الله ابن مسعود - رضي الله عنه -، فقيل له: لم لا تصوم؟ قال: إني أختار الصلاة على الصوم، فإذا صمت ضعفت عن الصلاة. [صفة الصفوة 1/ 85]. * وعن أبي جحيفة قال: آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين سلمان الفارسي وأبي الدرداء رضي الله عنهما. فزار سلمان أبا الدرداء، فرأى أم الدرداء مبتذلة. فقال لها: ما شأنكِ؟ فقالت: إن أخاك أبا الدرداء ليست له حاجة في الدنيا. قال: فلما جاء أبو الدرداء قرب طعامًا فقال: كُل فإني صائم. قال: ما أنا بآكلٍ حتى تأكل. قال: فأكل. فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء ليقوم. فقال له سلمان: نم، فنام. فلما كان من آخر الليل قال له سلمان: قم الآن. فقاما فصلّيا فقال: إن لنفسك عليك حقًا، ولربك عليك حقًا، وإن لضيفك عليك حقًا، وإن لأهلك عليك حقًا، فأعطِ كلّ ذي حقٍ حقه، فأتيا النبي - صلى الله عليه وسلم -، فذكرا ذلك له فقال: " صدق سلمان". [رواه البخاري، رقم: 5788]. * وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: لأن أعوُل أهلَ بيتٍ من المسلمين شهرًا أو جمعةً أو ما شاء الله، أحبّ إلي من حجّة بعد حجة، ولَطَبقٌ بدانقٍ أهديه إلى أخٍ لي في الله أحبّ إلي من دينارٍ أنفقه في سبيل الله - عزَّ وجلَّ. [صفة الصفوة 1/ 373]. * وعن خَيْثَمة: قال أبو الدرداء - رضي الله عنه -: كنتُ تاجرًا قبل المَبْعث، فلما جاء الإسلامُ، جمعتُ التِّجارةَ والعِبادةَ، فلم يجتمعا، فتركتُ التجارة، ولزمتُ العبادة. قال الذهبي رحمه الله: الأفضل جَمْعُ الأمرين مع الجهاد، وهذا الذي قاله هو طريقُ جماعة من السَّلفِ والصوفية، ولا ريبَ أن أمزجة الناس تختلفُ في

ذلك، فبعضُهم يَقوى على الجمع، كالصِّدِّيق، وعبدِ الرحمن بن عوفَ، وكما كان ابنُ المبارك. وبعضُهم يَعجِزُ، ويقتصِرُ على العبادة، وبعضُهم يقوى في بدايته، ثم يَعجِزُ، وبالعكس، وكلٌّ سائغ. ولكن لا بد من النهضة بحقوق الزَّوجَة والعيال. [السير (تهذيبه) 1/ 269]. * وعن عبد الله بن وهب: قيل لمالك بن أنس رحمه الله: ما تقول في طلب العلم؟ قال: حسَن جميل، ولكن انظر إلى الذي يلزَمك مِن حينِ تُصبح إلى حين تمسي فالزمْه. [صفة الصفوة 2/ 504]. * قال عبد الرحمن رسته: سألت ابن مهدي رحمه الله عن الرجل يبني بأهله، أيترك الجماعة أياما؟ قال: لا، ولا صلاة واحدة. وحضرته صبيحة بني على ابنته، فخرج، فأذن، ثم مشى إلى بابهما، فقال للجارية: قولي لهما: يخرجان إلى الصلاة، فخرج النساء والجواري، فقلن: سبحان الله! أي شيء هذا؟ فقال: لا أبرَحُ حتى يخرجا إلى الصلاة، فخرجا بعدما صلى، فبعث بهما إلى مسجد خارج من الدرب. قال الذهبي رحمه الله: هكذا كان السلف في الحرص على الخير. [السير (تهذيبه) 2/ 818]. * وقال يحيى بن معاذ رحمه الله: الكيّس من عمال الله يلهج بتقويم الفرائض والجاهل يُعنى بطلب الفضائل. [صفة الصفوة 4/ 340]. * وقال أيضًا رحمه الله: لست آمركم بترك الدنيا، آمركم بترك الذنوب، ترك الدنيا فضيلة وترك الذنوب فريضة، وأنتم إلى إقامة الفريضة أحْوج منكم إلى الحسنات والفضائل. [صفة الصفوة 4/ 345]. * وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله: كل من كان في شيء من التطوع يلذُّ به فجاء وقت فريضة فلم يقطع وقتها لذة التطوع فهو في تطوعه مخدوع. [الحلية (تهذيبه) 3/ 192].

* وقال الذهبي: هنا مسألةٌ مُختلف فيها: هل طَلَبُ العلم أفضلُ، أو صلاةُ النَّافلة والتلاوة والذِّكر؟ فأما من كان مخلصًا لله في طلب العلم، وذهنُه جيد، فالعلم أولى، ولكن مع حَظٍّ من صلاة وتَعَبُّدٍ، فإن رأيته مُجِدًّا في طلب العلم لا حظَّ له في القُربات، فهذا كسلان مهين، وليس هو بصادق في حسن نيته، وأما من كان طلبُه الحديث والفقه غِيَّةً ومحبَّةً نفسانية فالعبادة في حقه أفضل، بل ما بينهما أفْعلُ تفضيلٍ، وهذا تقسيمٌ في الجملة. [السير (تهذيبه) 2/ 690].

حسن الخلق

حسن الخلق (¬1) * قال علي بن أبي طالب رضى الله عنه: من لانت كلمته، وجبت محبته. [الكامل في اللغة والأدب / 97]. * وعن أم الدرداء، قالت: بات أبو الدرداء - رضي الله عنه - الليلة يصلي فجعل يبكي ويقول: اللهم أحسنت خلقي فأحسن خلقي حتى أصبح فقلت: يا أبا الدرداء ما كان دعاؤك منذ الليلة إلا في حسن الخلق قال: يا أم الدرداء إن العبد المسلم يحسن خلقه حتى يدخله حسن خلقه الجنة ويسوء خلقه حتى يدخله سوء خلقه النار. [الزهد للإمام أحمد / 264]. * وكان ابن عمر - رضي الله عنه - من أمزح الناس وأضحِكه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 530]. * وعن قتادة قال: سئل ابن عمر - رضي الله عنه -: هل كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يضحكون؟ قال: نعم! والإيمان في قلوبهم أعظم من الجبال. [الحلية (تهذيبه) 1/ 221]. * وقال ابن عمر رضي الله عنهما: البر شيء هين: وجه طليق وكلام لين. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 200]. ¬

(¬1) قال ابن القيم رحمه الله: ومدار حسن الخلق مع الحَقِّ ومع الخلق: على حرفين ذكرهما عبد القادر الكيلاني فقال: كن مع الحق بلا خلق، ومع الخلق بلا نفس. فتأمَّل ما أجَلَّ هاتين الكلمتين مع اختصارهما، وما أجمعهما لقواعد السلوك ولكل خُلق جميل؟، وفساد الخُلق إنما ينشأ من توسط الخَلق بينك وبين الله تعالى، وتوسط النفس بينك وبين خلقه، فمتى عزلت الخَلق حال كونك مع الله تعالى، وعزلت النفس حال كونك مع الخَلق: فقد فزت بكل ما أشار إليه القوم، وشمروا إليه وحاموا حوله، والله المستعان. مدارج السالكين 3/ 107

* وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: من سلم عليك من خلق الله فاردد عليه وإن كان مجوسيا؛ ذلك لأن الله عز وجل يقول: {وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها} [النساء: 86]. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 196]. * وعن أبي سنان قال: قلت لسعيد بن جبير: المجوسي يوليني من نفسه ويسلم علي أفارد عليه؟ فقال سعيد: سألت ابن عباس - رضي الله عنهما - عن نحوٍ من ذلك؟ فقال: لو قال لي فرعون خيرًا: لرددت عليه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 197]. * وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه كان يقول: من لم ير أن كلامه من عمله، وأن خلقه من دينه: هلك وهو لا يشعر. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 221]. * وعن معاذ بن سعيد قال: كنا عند عطاء بن أبي رباح رحمه الله فتحدث رجل بحديث فاعترض له آخر في حديثه، فقال عطاء: سبحان الله، ما هذه الأخلاق؟! إني لأسمع الحديث من الرجل وأنا أعلم به، فأريه أني لا أحسن منه شيئًا. [المنتظم 7/ 165]. * وعن عطاء رحمه الله في قوله - تعالى -:: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: 83]؛ قال: للناس كلهم، المشرك وغيره. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 196]. * وقال الأحنف بن قيس رحمه الله: أو لا أخبركم بأدوإ الداء: اللسان البذيء، والخلق الدنيء. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 212]. * وقال عكرمة رحمه الله: لكل شيء أساس وأساس الإسلام: الخلق الحسن. [صفة الصفوة 2/ 455]. * وقال حماد بن زيد: ما رأيت رجلًا قطّ أشدّ تبسمًا في وجوه الرجال من أيوب السختياني رحمه الله. [صفة الصفوة 3/ 211]. * وقال بعض الحكماء: الكلام اللين يغسل الضغائن المستكنة في الجوانح. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 197]. * وعن سعيد بن عبد الرحمن الزبيدي رحمه الله قال: إنه ليعجبني من القراء كلُّ سهل طّلِق مضحاك، فأما من تلقاه بالبشر ويلقاك بالعبوس، كأنه يمنُّ عليك، فلا أكثر الله في القراء مثله. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 530].

* وكان محمد بن سيرين رحمه الله يضحك حتى تدمع عيناه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 531]. * وعن يونس قال: كان محمد بن سيرين رحمه الله صاحب ضحك ومزاح. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 531]. * وعن مهدي بن ميمون قال: كان محمد بن سيرين ينشد الشعر، ويضحك حتى يميل، فإذا جاء الحديث من السنة كلَح. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 531]. * وعن بلال بن سعد رحمه الله قال: كانوا يشتدون بين الأغراض، ويضحك بعضهم إلى بعض، فإذا جاء الليل كانوا رهبانا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 531]. * وقال بعض الحكماء: كل كلام لا يوتغ دينك، ولا يسخط ربك، إلا أنك ترضي به جليسك، فلا تكن به عليه بخيلا، فلعله يعوضك منه ثواب المحسنين. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 197]. * وعن هشام بن عروة رحمه الله: قال: عطس نصراني طبيب عند أبي فقال له: رحمك الله، فقيل له: إنه نصراني؟ فقال: إن رحمة الله على العالمين. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 198]. * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 1/ 392]. لَعَمْرُكَ ما ضاقت بلادٌ بأهلها ... ولكنّ أخلاقَ الرجال تَضِيقُ * وعن عون بن عبد الله رحمه الله؛ أنه كان يقول: المؤمن موالف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف. [الحلية (تهذيبه) 2/ 98]. * وقال عبد الله بن المبارك: سَفِهَ رجل على حمدون رحمه الله، فسكت حَمدون عنه، وقال: يا أخي لو نقَصْتَني كلّ نقْص لم تَنتقصْني كنَقصي عندي، ثم قال: سفِهَ رجلٌ على إسحاق الحنظلي فاحتمله وقال: لأيِّ شيءٍ تَعلَّمنا العِلْم؟. [صفة الصفوة 4/ 263]. * وعن أبي حازم رحمه الله قال: السيّءُ الخُلُق أشقى الناس به نفسُهُ التي بين جنبيه، هي منه في بلاء، ثم زوجته، ثم ولده، حتى إنه ليدخُلُ بيته، وإنهم

لفي سرور، فيسمعون صوته فينفرون عنه، فرقًا منه، وحتى إن دابته تحيد مما يرميها بالحجارة، وإن كلبه لَيَراه فينزو على الجدار، حتى إن قِطَّه ليفرّ منه. [السير (تهذيبه) 1/ 637]. * وقال قَبِيْصة: كان سُفيان الثوري رحمه الله مَزَّاحًا، كنت أتأخر خلفه، مخافةَ أن يحيِّرني بمُزاحه. [السير (تهذيبه) 1/ 699]. * وقال لقمان - عليه السلام - لابنه: يا بُنَيَّ! لِتكُن كَلمتكَ طيبةً، ووجهك منبسطًا، تكن أحبَّ إلى الناس ممن يعطيهم الذهب والفضة. (¬1) [الجامع المنتخب / 66]. * وسئل بعضهم عن حسن الخلق فقال: بذل الندى، وكف الأذى. (¬2) [الجامع المنتخب / 67]. * ورئي بعضُ السّلف في المنام، فسئل عن بعض إخوانه الصالحين، فقال: وأين ذلك، رُفع في الجنة بحسن خلقه. [الجامع المنتخب / 67]. * وقال بعض السلف: الحسن الخلق ذو قرابة عند الأجانب، والسيء الخلق أجنبي عند أهله. [المستطرف / 165]. * وقال الأعمش: ما رأيت مثل طلحة رحمه الله إذا كنت قائمًا فقعدت قطع القراءة، وإن كنت محتبيًا فحللت حبوتي، قطع القراءة، كراهية أن يكون قد أملّني. [الحلية (تهذيبه) 2/ 132]. * وعن عبد الله بن طاووس رحمه الله. قال: قال لي أبي: اعلم أن لكل شيء غاية، وغاية المرء حسن خلقه. [الحلية (تهذيبه) 2/ 31]. * وقال عَمرو بنُ زرارة النَّيْسابوري: صحبتُ ابنَ عُلَيَّة رحمه الله أربع عشرة سنة، فما رأيتُهُ تبسَّم فيها. ¬

(¬1) قال ابن رجب رحمه الله: وربما كان معاملة الناس بالقول الحسن أحب إليهم من إطعام الطعام والإحسان بإعطاء المال. الجامع المنتخب / 66 (¬2) قال ابن رجب رحمه الله: الوصف المذكور في القرآن أكمل من هذه؛ لأنه وصفهم ببذل الندى, واحتمال الأذى. الجامع المنتخب / 67

قال الذهبي رحمه الله: ما في هذا مدح، ولكنه مُؤذِنٌ بخشيةٍ وحُزن. [السير (تهذيبه) 2/ 803]. * وقال عمارة بن يحيى: سألت عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله عن الرجل يسلم على القوم وهم يأكلون وهو صاحب هوى أو فاسق، أيدعونه إلى طعامهم؟ قال نعم! قال لي بشر بن منصور: إني لأدعو إلى طعامي من لو نبذت إلى الكلب كان أحب إلي من أن يأكله. قال عبد الرحمن رحمه الله: وليتق الرجل دناءة الأخلاق كما يتقي الحرام. [الحلية (تهذيبه) 2/ 330]. * وقال الذهبي رحمه الله: الضحكُ اليسيرُ والتبسُّمُ أفضلُ وعدم ذلك من مشايخ العلم على قسمين: أحدهما: يكونُ فاضلًا لمن تركَهُ أدبًا وخوفًا من الله، وحُزنًا على نفسه المسكينة. والثاني: مذمومٌ لمن فعله حمقًا وكبرًا وتصنُّعًا، كما أَنَّ من أكثر الضحكَ استخفَّ به، ولا ريبَ أن الضحكَ في الشباب أخفُّ منه وأعذرُ في الشيوخ. وأما التبسم وطلاقُةُ الوجه فأرفعُ من ذلك كلِّه، قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - " تبسُّمكَ في وجه أخيك صدقةٌ" وقال جريرٌ: " ما رآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا تبسَّم " فهذا هو خلقُ الإِسلام، فأعلى المقامات من كان بَكَّاءً بالليل، بَسَّامًا بالنهار. بقي هنا شيءٌ: ينبغي لمن كان ضحوكًا بسَّامًا أن يقَصِّر من ذلك، ويلوم نفسَه حتى لا تمجَّهُ الأنفس، وينبغي لمن كان عبوسًا مُنقبضًا أن يتبسَّم، ويُحسِّن خلقَه، ويمقتَ نفسَه على رداءة خُلُقِه، وكل انحرافٍ عن الاعتدال فَمَذمومٌ، ولا بد للنفسِ من مجاهدة وتأديب. [السير (تهذيبه) 1/ 858]. * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 3/ 197]. وما ابنُ آدمَ إلاّ ذكرُ صالحةٍ ... أو ذكرُ سيِّئةٍ يَسرِي بها الكَلِمُ أما سمعتَ بدهرٍ باد أمّتُه ... جاءت بأخبارها من بعدها أمَمُ

* وعن عبدة بن عبد الله قال: شكا رجل إلى مخلد بن الحسين رحمه الله رجلًا من أهل الكوفة، فقال: أين أنت عن المداراة، فإني أداري، حتى أداري هذه - جارية حبشية تغربل شعير الفرس له. [الحلية (تهذيبه) 5. 63/ 3] * وقال الوزيرُ أبو الفرج يعقوبُ بنُ يوسف رحمه الله: قال لي الأستاذ كافور: اجتمع بالقاضي أبي الطاهر، فسلِّم عليه وقل له: إنه بلغني أنَّك تنبسط مع جلسائِك، وهذا الانبساطُ يُقِلُّ هَيْبَةَ الحكم، فأعلمتُه بذلك، فقال رحمه الله: قل للأستاذ: لستُ ذا مالٍ أفيضُ به على جلسائي، فلا أقلَّ من خُلقي، فأخبرتُ الأستاذ، فقال: لا تعاوِدْهُ. [السير (تهذيبه) 3/ 1288]. * وعن أبي عبيدة، أنه قال: كان المهدي رحمه الله يصلي بنا الصلوات في المسجد الجامع بالبصرة لما قدمها، فأقيمت الصلاة يومًا، فقال أعرابي: يا أمير المؤمنين، لست على طهر وقد رغبت إلى الله في الصلاة خلفك فأمر هؤلاء ينتظروني، فقال: انتظروه رحمكم الله، ودخل المحراب ووقف إلى أن قيل له: قد جاء الرجل، فكبر فتعجب الناس من سماحة أخلاقه. [المنتظم 8/ 214]. * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 1/ 78]. وما اكتسب المحامدَ طالِبوها ... بمثل البشْر والوجه الطَّليق * وعن يحيى بن أكثم رحمه الله أنه قال: بت ليلة عند المأمون رحمه الله فعطشت في جوف الليل، فقمت لأشرب ماء، فرآني المأمون فقال: ما لك لم تنم يا يحيى؟ قلت: يا أمير المؤمنين، أنا والله عطشان. فقال: ارجع إلى موضعك. فقام والله إلى البرادة فجاءني بكوز، فقام على رأسي فقال: اشرب يا يحيى. فقلت: يا أمير المؤمنين، فهلا وصيف أو وصيفة! فقال: إنهم نيام. قلت: فأنا كنت أقوم أشرب! فقال لي: لؤم بالرجل أن يستخدم ضيفه. ثم قال: يا يحيى، قلت: لبيك يا أمير المؤمنين. قال: ألا أحدثك. قلت: بلى يا أمير المؤمنين. فقال: حدثني الرشيد قال: حدثني المهدي قال: حدثني المنصور عن أبيه عن ابن عباس قال: حدثني جرير بن عبد الله قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:"سيد القوم خادمهم". [المنتظم 10/ 62، 63].

* وعنه أيضًا رحمه الله أنه قال: ما رأيت أكرم من المأمون، بتّ عنده ليلة فعطش، فكره أن يصيح بالغلمان، فرأيته قد قام قليلًا قليلًا إلى البرادة وبينه وبينها بعد، فشرب ورجع. قال يحيى بن أكثم: ثم بت عنده ونحن بالشام، فأخذ المأمون سعال، فرأيته يسدّ فاه بكم قميصه حتى لا أنتبه. ثم حملني آخر الليل النوم، فكان له وقت يستاك فيه، فكره أن ينبهني، فلما ضاق الوقت عليه تحركت. فقال: الله أكبر يا غلمان، نعل أبي محمد. قال يحيى: وكنت أمشي معه يومًا في ميدان البستان والشمس عليّ وهو في الظل، فلما رجعنا قال لي: كن الآن في الظل. فأبيت عليه، فقال: أول العدل أن يعدل الملك في بطانته ثم الذين يلونهم حتى يبلغ الطبقة السفلى. [المنتظم 10/ 63]. * وقال عبد الله بن طاهر: كنا عند المأمون يوما فنادي بالخادم: يا غلام، فلم يجبه أحد، تم نادي ثانيا وصاح: يا غلام، فدخل غلام تركي وهو يقول: ما ينبغي للغلام أن يأكل ولا يشرب، كلما خرجنا من عندك تصيح: يا غلام يا غلام، إلى كم يا غلام؟! فنكس المأمون رأسه طويلا، فما شككت أنه يأمرني بضرب عنقه، ثم نظر إلي فقال: يا عبد الله إن الرجل إذا حسُنت أخلاقه ساءت أخلاق خدمه، وإذا ساءت أخلاقه حسنت أخلاق خدمه، وإنا لا نستطيع أن نسيء أخلاقنا لنحسن أخلاق خدمنا. [المستطرف / 166]. * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 3/ 157]. لا تسأَلِ المرءَ عن خلائقه ... في وجههِ شاهدٌ من الخَبرِ * وعن منصور بن عمار قال: دخل رجلٌ من الزهاد على هارون الرشيد رحمه الله يومًا، فقال: يا هارون، اتق الله، فأخذه فخلا به، وقال: يا هذا أنصفني، أنا شرٌ أم فرعون؟ قال: بل فرعون، قال: فأنت خير أم موسى؟ قال: بل موسى، قال: أفما تعلم أن الله تعالى لما بعثه وأخاه إليه قال: {فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا} [طه: 44] وقد جبهتني بأغلظ الألفاظ، فلا بأدب الله

تأدبت، ولا بأخلاق الصالحين أخذت. قال: أخطأت وأنا أستغفر الله، فقال: غفر الله لك، وأمر له بعشرين ألف درهم، فأبى أن يأخذها. فهذه الأخلاق الطيبة. [المنتظم 8/ 328].

الحلم، والعفو، والصفح، وذم الغضب وعلاجه

الحلم، والعفو، والصفح، وذم الغضب وعلاجه (¬1) * قال عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه -: أوّلُ عِوَضِ الحليم مِنْ حِلمِه أنّ الناسَ ¬

(¬1) ذكر ابن القيم رحمه الله أحد عشر مشهدًا للعبد فيما يصيبه من أذى الخَلْق وجنايتهم عليه منها: أحدها: مشهد القَدَر، وأن ما جرى عليه: بمشيئة الله وقضائه وقدره، فيراه كالتأذي بالحر والبرد، والمرض والألم، وهبوب الرياح، وانقطاع الأمطار؛ فإن الكل أوجبته مشيئة الله المشهد الثاني: مشهد الصبر. فيشهده ويشهد وجوبه، وحسن عاقبته، وجزاء أهله، وما يترتب عليه من الغِبطة والسرور، ويُخَلِّصه من ندامة الُمقابَلة والانتقام، فما انتقم أحدٌ لنفسه قط إلا أعقبه ذلك ندامة. ويعلم أنه إن لم يصبر اختيارا على هذا وهو محمود، صبر اضطرارا على أكبر منه وهو مذموم. المشهد الثالث: مشهد العفو والصفح والحلم. فإنه متى شهد ذلك وفضله وحلاوته وعِزته: لم يَعْدل عنه، فإنه ما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزا كما صح ذالك عن النبي عليه الصلاة والسلام، وعُلم بالتجربة والوجود. وما انتقم أحدٌ لنفسه إلا ذلَّ. المشهد الرابع: مشهد الرضا. وهو فوق مشهد العفو والصفح، وهذا لا يكون إلا للنفوس المطمئنة. المشهد الخامس: مشهد الإحسان. وهو أرفع مما قبله، وهو أن يقابل إساءة المسيء إليه بالإحسان، فيحسن إليه كلما أساء هو إليه. ويَهُون هذا عليه عِلْمه بأنه قد ربح عليه، وأنه قد أهدى إليه حسناته ومحاها من صحيفته وأثبتها في صحيفة من أساء إليه، فينبغي لك أن تشكره وتحسن إليه بما لا نسبة له إلى ما أحسن به إليك. ويهونه عليك أيضا: علمك بأن الجزاء من جنس العمل. فإن كان هذا عملك في إساءة المخلوق إليك عفوت عنه وأحسنت إليه، مع حاجتك وضعفك وفقرك وذُلِّك، فهكذا يفعل المحسن القادر العزيز الغني بك في إساءتك، يقابلها بما قابلت به إساءة عبده إليك، فهذا لابد منه، وشاهده في السنة من وجوه كثيرة لمن تأملها. المشهد السادس: مشهد السلامة وبَرْد القلب. وهذا مشهد شريف جدًا لمن عرفه وذاق حلاوته، وهو أن لا يشتغل قلبُه وسِرُّه بما ناله من الأذى وطلب الثأر، وشفاء نفسه، بل يُفرغ قلبه من ذلك، ويرى أن سلامته وبَرْده وخُلُّوَّه منه أنفع له وألذُّ وأطيب وأعون على مصالحه، فإن القلب إذا اشتغل بشيء فاته ما هو أهم عنده وخير له منه فيكون بذلك مغبونا. المشهد السابع: مشهد الأمن. فإنه إذا ترك المقابلة والانتقام: أمِن ما هو شرٌّ من ذلك. المشهد الثامن: مشهد الجهاد. وهو أن يشهد تولد أذى الناس له من جهاده في سبيل الله، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وإقامة دين الله، وإعلاء كلماته. وصاحب هذا المقام: قد اشترى اللهُ منه نفسَه ومالَه وعرضَه بأعظم الثمن، فإن أراد أن يُسلَّم إليه الثمن فليسلِّم هو السلعة ليستحق ثمنها، فلا حق له على من آذاه ولا شيء له قِبَله إن كان قد رضي بعقد هذا التبايع، فإنه قد وجب أجره على الله. فمن قام لله حتى أوذي في الله: حَرَّم الله عليه الانتقام، كما قال لقمان لابنه {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَامُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [لقمان: 17]. المشهد التاسع: مشهد النعمة. وذلك من وجوه: أحدها: أن يشهد نعمة الله عليه في أن جعله مظلومًا يترقب النصر ولم يجعله ظالما يترقب الَمقْت والأَخْذ، فلو خُيِّر العاقل بين الحالتين ولابد من إحداهما لاختار أن يكون مظلوما. ومنها: أن يشهد نعمة الله في التكفير بذلك من خطاياه. ومنها: أن يشهد كون تلك البليِّة أهون وأسهل من غيرها، فإنه ما من مِحنة إلا وفوقها ما هو أقوى منها وأمَرّ، فإن لم يكن فوقها محنة في البدن والمال فلينظر إلى سلامة دينه وإسلامه وتوحيده، وأن كلَّ مصيبة دون مصيبة الدين فهيِّنة، وأنها في الحقيقة نعمة. والمصيبة الحقيقية: مصيبة الدين. ومنها: توفية أجرها وثوابها يوم الفقر والفاقة. وفي بعض الآثار: أنه يتمنى أناس يوم القيامة لو أن جلودهم كانت تُقرَض بالمقاريض لمِا يرون من ثواب أهل البلاء. هذا، وإن العبد ليشتدُّ فرحه يوم القيامة بما له قِبَلَ الناس من الحقوق في المال والنفس والعرض، فالعاقل يَعُدُّ هذا ذَخرًا ليوم الفقر والفاقة، ولا يُبطله بالانتقام الذي لا يُجدي عليه شيئا. المشهد العاشر: مشهد الأُسْوة. وهو مشهد شريف لطيف جدا، فإن العاقل اللَّبيب يرضى أن يكون له أسوة برُسُل الله وأنبيائه وأوليائه، وخاصته من خلقه؛ فإنهم أشد الخلق امتحانا بالناس، وأذى الناس إليهم أسرع من السيل في الحدور. المشهد الحادى عشر: مشهد التوحيد. وهو أجل المشاهد وأرفعها فإذا امتلأ قلبه بمحبة الله والإخلاص له ومعاملته وإيثار مرضاته والتقرب إليه وقرة العين به والأنس به واطمأن إليه = وسكن إليه إلى لقائه واتخذه وليا دون من سواه بحيث فوّض إليه أموره كلها ورضى به وبأقضيته وفنى بحبه وخوفه ورجائه وذكره والتوكل عليه عن كل ما سواه: فإنه لا يبقى فى قلبه متسع لشهود أذى الناس له ألبتة، فضلا عن أن يشتغل قلبه وفكره وسره بتطلب الانتقام والمقابلة. فهذا لا يكون إلا من قلب ليس فيه ما يغنيه عن ذلك ويعوضه منه، فهو قلب جائع غير شبعان فإذا رأى أى طعام رآه هفت إليه نوازعه وانبعثت إليه دواعيه. وأما من امتلأ قلبه بأعلى الأغذية وأشرفها: فإنه لا يلتفت إلى ما دونها {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد: 21]. انتهى. . ا. هـ بتصرف. [مدارج السالكين 3/ 95 - 102]

أنصارُه على الجَهُول. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 29، عيون الأخبار 1/ 328]. * وجاء رجل إلى سلمان الفارسي - رضي الله عنه -، فقال: يا أبا عبد الله أوصني، قال: لا تغضب، قال: أمرتني أن لا أغضب وإنه ليغشاني ما لا أملك، قال: فإن غضبت فاملك لسانك ويدك. [جامع العلوم والحكم / 193]. * وقال أبو الدرداء - رضي الله عنه -: من يتبع نفسه كل ما يرى في الناس: يطل حزنه، ولا يشف غيظه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 523]. * وعن الحارث بن سويد أن رجلًا من أهل الكوفة وشى بعمار بن ياسر - رضي الله عنه - إلى عمر بن الخطاب قال: فقال له عمار: إن كنت كاذبًا فأكثر الله مالك وولدك وجعلك موطئ العقبين. [الزهد للإمام أحمد / 229]. * وشتم رجلٌ الحسنَ بن علي - رضي الله عنه - وأَربَى عليه، فقال له: أمّا أنتَ فما أبقيتَ شيئًا، وما يعلم الله أكثرُ. [عيون الأخبار 1/ 331]. * وقال معاوية - رضي الله عنه -: لقد كنت ألقَى الرجل من العرب أعلم أن في قلبه عليّ ضغنا فأستشيره، فيشير إليّ منه بقدر ما يجده في نفسه فلا يزال يوسعني شتمًا وأوسعه حلمًا حتى يرجع صديقًا أستعين به فيعينني وأستنجده فيُنجدني. [عيون الأخبار 1/ 71]. * وقال أيضًا - رضي الله عنه -: يا بني أمية قارعوا قريشًا بالحلم، فوالله إن كنت لألقى الرجل في الجاهلية يوسعني شتمًا، وأوسعه حلمًا فأرجع وهو لي صديق أستنجده فينجدني، وأثيره فيثور معي، وما دفع الحلم عن شريف شرفه، ولا زاده إلا كرمًا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 39، 40]. * ونظر - رضي الله عنه - إلى ابنه يزيدَ وهو يضرب غلامًا له، فقال له: أتُفْسِدُ أدبكَ بأدبه؟ فلم يُرَ ضارِبًا غلامًا له بعد ذلك. [عيون الأخبار 1/ 327]. * وفخر سُلَيم مولى زياد بزياد عند معاوية - رضي الله عنه - فقال معاوية: اسكت ما أدرك صاحبك شيئًا قطّ بسيفه إلا وقد أدركت أكثر منه بلساني. [عيون الأخبار 1/ 54].

* وقال معاوية - رضي الله عنه -: لا يبلغ الرجل مبلغ الرأي حتى يغلب حلمه جهله، وصبره شهوته، ولا يبلغ ذلك إلا بقوة الحلم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 30]. * وقال عمرو بن العاص - رضي الله عنه -: إني لأصبر على الكلمة لهي أشد علي من القبض على الجمر، ما يحملني على الصبر عليها إلا التخوف من أخرى شر منها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 38]. * وجعل رجلٌ جُعلًا لرجل على أن يقومَ إلى عمرو بن العاص - رضي الله عنه - يسألُه عن أمِّه، فقام إليه وهو يخطبُ على منبر تِنيِّس، فقال له: أيها الرجل أَخبِرنَا مَنْ أُمّكَ؟ فقال: كانت امرأةً من عَنَزَةَ أُصيبت بأطراف الرّماح فوقعت في سهم الفاكه بن المغِيرة فاشتراها أبي فوقع عليها، انطلِق وخُذْ ما جُعِلَ لك على هذا. [عيون الأخبار 1/ 327]. * وقال الأحنف بن قيس رحمه الله: لستُ بحليم ولكنِّي أتحالم. [السير (تهذيبه)]. * وقال أيضا رحمه الله: إن من السؤدد الصبر على الذل، وكفى بالحلم ناصرًا. [المنتظم 6/ 95]. * وقال أيضا رحمه الله: أصبْتُ الحلْمَ أنْصَرَ لي من الرجال. [عيون الأخبار 1/ 330]. * وقال أيضًا رحمه الله: مَنْ لم يصبر على كلمةٍ سَمِعَ كلماتٍ ورُبَّ غيظٍ قد تجرّعتُه مَخَافَةَ ما هو أشدُّ منه. [عيون الأخبار 1/ 328]. * وقيل للأحنف رحمه الله: ما أحلمَكَ! قال: تَعلّمتُ الحِلْمَ من قيس بن عاصم المِنْقَري، بينا هو قاعد بِفِنائه مُحْتَبٍ بكسائه، أتته جماعةٌ فيهم مقتولٌ ومكتوفٌ وقيل له: هذا ابنك قبله ابن أخيك. فوالله ما حَل حُبْوته حتى فرغ من كلامه، ثم التفتَ إلى ابن له في المجلس، فقال له: قم فأطلْق عن ابن عمك ووَارِ أخاك واحمِلْ إلى أمه مائةً من الإبل فإنها غَرِيبةٌ، ثم أنشأ يقول: إني امرؤّ لا شائنٌ حَسَبِي ... ذَنَسٌ يُغَيِّرهُ ولا أَفْنُ مِنْ مِنْقَرٍ في بيتِ مَكرُمةٍ ... والغُصْنُ يَنبُتُ حَولَهُ الغُصْنُ خُطَباءُ حين يَقُولُ قائِلُهم ... بِيضُ الوجوهِ , أعِفَّةُ لُسْنُ لا يَفْطَنُونَ لِعَيبِ جَارِهم ... وهُمُ لِحفْظِ جِوَارِه فُطْنُ

ثم أقبلَ على القاتل فقال: قَتَلْتَ قَرَابتَك، وقَطَعْتَ رَحِمَكَ، وأَقلَلْتَ عَدَدَكَ، لا يُبعِدِ الله غيركَ. [عيون الأخبار 1/ 331]. * وقال أيضًا رحمه الله: لقد اختلفنا إلى قيسِ بن عاصم في الحِلْم كما نَخْتَلِفُ إلى الفقهاء في الفقه. [عيون الأخبار 1/ 331]. * وشتمه رجلُ وجعل يتبعُه حتى بلغ حَيَّه، فقال الأحنف: يا هذا إن كان بقِي في نفسك شيء فهاتِه وانصِرْف لاَ يَسمَعْكَ بعضُ سُفَهائنا فتَلْقَى ما تَكْرهُ. [عيون الأخبار 1/ 331]. * وعن عبد الله بن بكر المُزَنيّ قال: جاء رجل فشتم الأحنفَ رحمه الله فسكتَ عنه، وأعاد فسكت، فقال: والهَفاه! ما يمنعُه مِنْ أن يَرُدَّ عليّ إلاّ هَوَانِي عليه. [عيون الأخبار 1/ 326]. * وعن سليمان بن موسى رحمه الله قال: ما جمع شيء إلى شيء أزين من علم إلى حلم. [الزهد للإمام أحمد / 377]. * وعن معمر قال: صك رجل ابنًا لقتادة رحمه الله، فاستعدى عليه عند بلال بن أبي بردة فلم يلتفت إليه، فشكاه إلى القسري. فكتب إليه: إنك لم تنصف أبا الخطاب، فدعاه ودعا وجوه أهل البصرة يتشفعون إليه فأبى أن يشفعهم، فقال له: صكه كما صكك، فقال لابنه: يا بني احسر عن ذراعيك وارفع يديك وشد. قال: فحسر عن ذراعية ورفع يديه، فأمسك قتادة يده وقال: قد وهبناه لله؛ فإنه كان يقال: لا عفو إلا بعد قدرة. [الحلية (تهذيبه) 1/ 409]. * وعن طلق بن حبيب رحمه الله قال: مكتوب في الإنجيل: ابن آدم اذكرني حين تغضب، أذكرك حين أغضب، ولا أمحقك فيمن أمحق. (¬1). [الحلية (تهذيبه) 1/ 453]. ¬

(¬1) وكذا قال أبو إدريس الخولاني رحمه الله, [الحلية (تهذيبه) 2/ 163]

* وقال يحيى بن أبي كثير رحمه الله: لا يعجبك حلم امرئ حتى يغضب، ولا أمانته حتى يطمع، فإنك لا تدري على أي شقيه يقع. [الحلية (تهذيبه) 1/ 455]. * وعن سفيان قال: جاء رجل إلى علي بن الحسين رحمه الله، فقال له: إن فلانًا قد آذاك، ووقع فيك. قال: فانطلق بنا إليه، فانطلق معه، وهو يرى أنه سينتصر لنفسه فلما أتاه قال: يا هذا إن كان ما قلتَ فيّ حقًا، فغفر الله لي، وإن كان ما قلتَ فيَّ باطلًا، فغفَر الله لك. [صفة الصفوة 2/ 448]. * وعن أبي يعقوب المدَني قال: كان بين حسَن، وبين علي بن الحسين رحمهما الله بعضُ الأمر، فجاء حسَن بن حسَن إلى علي بن الحسين، وهو مع أصحابه في المسجد، فما ترك شيئًا إلا قاله له. قال: وعليُّ ساكت. فانصرف حسَن، فلما كان في الليل أتاه في منزله، فقرَع عليه بابه، فخرج إليه، فقال له علي: يا أخي إن كنت صادقًا فيما قلتَ لي، فغفر الله لي، وإن كنت كاذبًا، فغفَر الله لك، السلام عليكم. وولّى. قال: فاتّبعه حسن، فالتزمه مِن خلفه، وبكى حتى رثى له، ثم قال: لا جَرم لا عُدت في أمرٍ تكرهه، فقال علي: وأنت في حِلٍّ مما قلتَ لي. [صفة الصفوة 2/ 448]. * وعن عبد الغفّار بن القاسم قال: كان علي بن الحسين رحمه الله خارجًا من المسجد، فلقيه رجل فسبّه، فثارث إليه العبيد والموالي، فقال علي بن الحسين: مهلًا على الرجل. ثم أقبل على الرجل، فقال ما سُتِر عنك من أمرنا أكثر. ألكَ حاجة نعينك عليها؟ فاستحْيا الرجل، فألقى عليه خَمِيصة كانت عليه، وأمر له بألف درهم، فكان الرجل بعد ذلك يقول: أشهد أنك من أولاد الرسول. [صفة الصفوة 2/ 451]. * وعن رجل من ولَد عماّر بن ياسر قال: كان عند علي بن الحسين رحمه الله قومٌ، فاستعجل خادمٌ له بشِواء كان له في التنّور، فأقبل به الخادم مسرعًا وسقط السّفود من يده على بُنيٍّ لعلي أسفلَ الدّرجة،

فأصاب رأسه فقتله، فقال علي للغلام: أنت حرٌ، لم تعمده، وأخذ في جهاز ابنه. [صفة الصفوة 2/ 451]. * وقال ابن كثير رحمه الله: كتَب الوليدُ إلىَ عمرَ بنِ عبدِ العزيزِ بأن يُوقِفَ هشامَ بنَ إسماعيلَ للناسِ عندَ دارِ مروانَ، وكان سيِّئَ الرَّايِ فيه؛ لأنه أساءَ إلىَ النَاسِ بالمدينةِ في مدَّةِ وِلايتِه عليهم، وكانت نحوًا مِن أربع سنينَ، ولا سيَّما إلىَ سعيد بنِ المسيَّبِ رحمه الله وإلىَ عليِّ بنِ الحسينِ رحمه الله وأهلِ بيتِه، فلمَّا أُوقفَ للنّاسِ قال هشامُ: ما أخافُ إلاَّ مِن سعيدٍ وعليِّ بنِ الحسينِ. فقال سعيدُ بنُ المسيَّبِ لابنِه ومَواِليه: لا يَعرِضْ منكم أحدُ لهذا الرجلِ، فإنِّي تركتُ ذلك لله وللرَّحم، وأمَّا كلامُه فلا أكلِّمُه أبدًا. وأمَّا عليُّ بنُ الحسينِ فإنَّه مرَّ به وهو موقوفٌ عند دارِ مرَوانَ فلم يَتَعرَّضْ له، وكان قد تقدَّم إلىَ خاصَّته أنْ لا يَعرِض لَه أحدٌ منهم، فلمّا اجتاز به عليُّ بنُ الحسينِ، وتجاوَزَه، ناداه هشامُ بنُ إسماعيل، فقال: (اللهُ أعلَمُ حيثُ يجعلُ رِسالاتِه). [البداية والنهاية 9/ 224]. * وكان يقال: إياك وعِزَّةَ الغضب فإنها مُصيِّرتُك إلى ذلّ الاعتذار. [عيون الأخبار 1/ 335]. * وعن رجاء بن أبي سلمة رحمه الله، قال: الحلم أرفع من العقل؛ لأن الله تعالى تسمى به. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 31]. * وشكا رجل إلى أبي مسلم الخولاني رحمه الله ما يلقى من الناس من الأذى، فقال له أبو مسلم: إن تناقد الناس يناقدوك، وإن تتركهم لا يتركوك، وإن تفر منهم يدركوك، قال: فما أصنع؟ قال: هب عرضك ليوم فقرك، وخذ شيئا من لا شيء، يعني الدنيا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 538]. * وقال بعضهم: [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 36]. لا تُرجعن إلى السفيه خطابه ... إلا جواب تحية حيَّاكها فمتى تحركه تحرك جيفة ... تزداد نتنًا إن أردت حراكها

* وقال بعضهم: [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 37]. تخالهم للحلم صمًّا عن الخنا ... وخرسًا عن الفحشاء عند التهاجر ومرضى إذا لُقوا حياء وعفةً ... وعن الحفاظ كالليوث الخوادر لهم ذلُّ إصافٍ ولينُ تواضع ... بذلِّهم ذلَّت رقاب المعاشر كأن بهم وصمًا يخافون عاره ... وما وصمهم إلا اتقاء المعاير * وقال الخليل بن أحمد رحمه الله: كان يقال: من أساء فأحسنَ إليه: حصل له حاجز من قلبه يردعه عن مثل إساءته. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 45]. * وقال بكر بن عبد الله رحمه الله: ما عليك أن تُنزل الناس منزلة أهل البيت، فتنزل من كان أكبر منك منزلة أبيك، وتنزل من كان منهم قرينك منزلة أخيك، وتنزل من كان أصغر منك منزلة ولدك، فأي هؤلاء تحب أن يُهتَك سترُه؟. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 528]. * ودخل رجل على عمر بن عبد العزيز رحمه الله، فجعل يشكو إليه رجلا ظلمه، ويقع فيه، فقال له عمر: إنك إن تلقى الله ومظلمتك كما هي، خير لك من أن تلقاه وقد انتقصتها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 225]. * وجاء رجل إلى أبان بن أبي عياش رحمه الله فقال: إن فلانا يقع فيك قال: أقرئه السلام، وأعلمه أنه قد هيَّجني على الاستغفار. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 225]. * وعن الحسن رحمه الله، قال: المؤمن حليم لا يجهل، وإن جُهل عليه حليم لا يظلم، وإن ظُلم غفر لا يقطع، وإن قُطع وصل لا يبخل، وإن بُخل عليه صبر. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 55]. * وقال بعضهم: [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 56]. لا يبلغ المجدَ أقوامٌ وإن كرموا ... حتى يذلوا وإن عزوا لأقوام ويشتموا فترى الألوان مسفرة ... لا عفو ذل ولكن عفو أحلام

* وقال بعضهم: [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 57]. وليس يتم الحلم للمرء راضيًا ... إذا هو عند السخط لم يتحلم كما لا يتم الجود للمرء مثريًا ... إذا هو لاقى العسر لم يتجشَّم * وعن عمرو بن الحارث رحمه الله: أن رجلًا كتب إلى أخ له: إن الحلم لباس العلم فلا تعريَنَّ منه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 59، 60]. * وقال بعضهم: [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 61]. لا تأمنَنَّ إذا ما كنت طيّاشًا ... أن تستفز ببعض الطيب فحّاشا يا حبذا الحلم ما أحلى مغبته ... جدًّا وأنفعه للمرء ما عاشا * وقال بعضهم: [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 67]. أرى الحلم في بعض المواطن ذلة ... وفي بعضها عزًّا يشرف فاعله إذا أنت لم تدفع بحلمك جاهلًا ... سفيهًا ولم تقرن به من تجاهله لبست له ثوب المذلة صاغرًا ... وأصبحت قد أودى بحقك باطله تخلق على جهال قومك إنه ... لكل حليم موطن هو جاهله * واستطال رجل على سليمان بن موسى رحمه الله فانتصر له أخوه، فقال مكحول: ذل من لا سفيه له. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 67، 68]. * وعن الكلبي رحمه الله قال: "ما كان أهل الجاهلية يشرفون بيسار ولا شجاعة ولكن حلم وسخاء". * وقال بعضهم: [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 68]. تحرَّز ما استطعت من السفيه ... بحلمك عنه إن الفضل فيه فقد يعصي السفيه مؤدبيه ... ويبرم باللجاجة مُنصفيه تلين له فيغلظ جانباه ... كعير السوء يرمح عالفيه إذا ابتعت السفيه فهي حلمًا ... وضمنًا واستعد لسدِّ فيه * وقال أسماء بن خارجة رحمه الله: ما شتمت أحدًا قط، لأن الذي يشتمني

أحد رجلين: كريم كانت منه ذلة وهفوة، فأنا أحق من غفرها، وأخذ الفضل فيها، أو لئيم فلم أكن لأجعل عرضي له غرضاَ. وكان يتمثل: وأغفر عوراء الكريم وأعر ... ض عن شتم اللئيم تكرُّما [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 76]. * وعن مجاهد رحمه الله في قوله - تعالى -:: {وإذا مروا باللغو مروا كراما} [الفرقان: 72] قال: إذا أوذوا صفحوا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 523]. * وعن السدي رحمه الله في قوله - تعالى -: {وإذا مروا باللغو مروا كراما} قال: لم يكلموهم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 523]. * وعن الأعمش قال: كنت مع رجل فوقع في إبراهيم رحمه الله، فأتيت إبراهيم فأخبرته وقلت: والله لهَمْمتُ به. فقال: لعل الذي غضبتَ له لو سمعه لم يقل شيئًا. [عيون الأخبار 1/ 335]. * وقال النابغة الجعدي: [عيون الأخبار 1/ 378]. ولا خير في حِلمٍ إذا لم تكن له ... بوادرُ تَحْمِي صَفْوَه أن يُكدَّرَا * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 1/ 378]. ولا خيرَ في عِرْض امرِيءٍ لا يصونه ... ولا خيرَ في حِلم امرىءٍ ذَلَّ جانبُه * وعن سعيد الجريري قال: لما سُيَّر عامر بن عبد الله رحمه الله شيعه إخوانه وكان بظهر المربد. فقال: إني داع فأمنوا، قالوا: هات فقد كنا نشتهي هذا منك، قال: اللهم من وشى بي وكذب عليّ وأخرجني من مصري، وفرق بيني وبين إخواني، اللهم أكثر ماله وولده، وأصح جسمه وأطل عمره. [الحلية (تهذيبه) 1/ 303]. * وعن سفيان بن عيينة قال: كان ابن عياش المنتوف. يقع في عمر بن ذر رحمه الله ويشتمه، فلقيه عمر بن ذر فقال: يا هذا لا تفرط في شتمنا وأبقِ للصلح موضعًا فإنا لا نكافئ من عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله فيه. [الحلية (تهذيبه) 2/ 157].

* وعن العلاء بن المسيب قال: سرق للربيع بن خيثم رحمه الله فرس (¬1)، فقال أهل مجلسه: ادع الله عليه، قال: بل أدع الله له؛ اللهم إن كان غنيًا فأقبل بقلبه، وإن كان فقيرًا فأغنه. [الحلية (تهذيبه) 1/ 311]. * وأمر عمر بن عبد العزيز بعقوبة رجل قد كان نَذر إن أمكنه الله منه ليفعلنّ به وليفعلن. فقال له رَجَاء بن حَيْوة رحمه الله: قد فعل الله ما تحب من الظفر فافعل ما يحب الله من العفو. [عيون الأخبار 1/ 141]. * وعن رجاء بن حيوة رحمه الله قال: الحلم أرفع من العقل قال: لأن الله - عزَّ وجلَّ - تسمى به. [الزهد للإمام أحمد / 396]. * وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: متى أَشْفِي غيظي؟ أحينَ أَقْدِرُ فيقال لي: لو عفوتَ، أو حينَ أَعْجِزَ فيقال لي: لو صبرت؟ [عيون الأخبار 1/ 335]. * وقال أيضًا رحمه الله: قد أفلح من عُصِمَ من الهوى والغضب والطمع. [جامع العلوم والحكم / 193]. * وعن علي بن هشام أنه قال: لما سُمَّ عمر بن عبد العزيز قال للخادم الذي سمه: لم سممتني؟ قال: أعطاني فلان ألف دينار على أن أسُمّك، قال: أين الدنانير؟ قال: هي ها هنا، فأتى بها فوضعها في بيت مال المسلمين، وقال للخادم: اذهب، ولم يعاقبه. [المنتظم 7/ 70]. * وجاءه رجل كان واجدًا عليه، فقال: لولا أني غضبان لعاقبتُك. وكان إذا أراد أن يعاقب رجلًا حبسه ثلاثة أيام، فإذا أراد بعد ذلك أن يعاقبه عاقبه، كراهةَ أن يَعْجَل عليه في أول غضبه. [عيون الأخبار 1/ 334]. * وأسمعه رجل كلامًا فقال له: أردتَ أن يستفِزّني الشيطانُ بعِزِّ السلطان فأنالَ منك اليوم ما تناله منّي غدًا، انصرفْ رحمك الله. [عيون الأخبار 1/ 334]. * وغضب يومًا عمر بن عبد العزيز فقال له ابنه عبد الملك رحمه الله: أنت يا أمير المؤمنين مع ما أعطاك الله وفضلك به تغضب هذا الغضب؟ فقال له: ¬

(¬1) أُعْطِي به عشرين ألفا. صفوة الصفوة 3/ 41

أو ما تغضب يا عبد الملك؟ فقال له عبد الملك: وما يغني عني سعة جوفي إذا لم أُرَدِّدْ فيه الغضب حتى لا يظهر؟ [جامع العلوم والحكم / 192]. * وعن إبراهيم بن أبي عَبْلة قال: غضب عمر بن عبد العزيز رحمه الله يوما على رجل غضبًا شديدًا فبعث إليه فأتى به فجرده ومده في الحبال ثم دعا بالسياط حتى إذا قلنا: هو ضاربه قال: خلوا سبيله أما إني لولا أني غضبان لسؤته، قال: وتلا هذه الآية: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134]. [الزهد للإمام أحمد / 504]. * وقال مورق العجلي رحمه الله: ما غضبت غضبًا قط، فكان مني فيه ما أندم عليه إذا سكن غضبي. [الحلية (تهذيبه) 1/ 374]. * وعن أزهر قال: جاء غلام لابن عون رحمه الله قال: فقأت عين الناقة. قال: بارك الله فيك. قال: قلت: فقأت عينها فتقول: بارك الله فيك؟ قال: أقول أنت حر لوجه الله. [الحلية (تهذيبه) 1/ 443]. * وعن ابن قعنب قال: كان ابن عون لا يغضب، فإذا أغضبه الرجل. قال: بارك الله فيك. [الحلية (تهذيبه) 1/ 443]. * وعن الأعمش، عن خيثمة رحمه الله قال: كان قوم يؤذونه فقال: إن هؤلاء يؤذونني، ولا والله ما طلبني أحد منهم بحاجة إلا قضيتها، ولا أدخل عليّ أحد منهم أذى فقابلته به، ولأنا أبغض فيهم من الكلب الأسود، ولم يروا ذلك إلا أنه والله لا يحب منافقٌ مؤمنا أبدًا. [الحلية (تهذيبه) 2/ 64]. * وعن إبراهيم التيمي قال: إن كان الرجل من الحي ليجيء فيسب الحارث بن سويد رحمه الله فيسكت، فإذا سكت قام فنفض رداءه ودخل. [الحلية (تهذيبه) 2/ 66]. * ومر الحسن البصري رحمه الله برجل يُقاد منه. فقال للوَليّ: يا عبد الله، إنك لا تدري لعل هذا قتل وليّك وهو لا يريد قتله، وأنت تقتله متعمدًا، فانظر لنفسك. قال: قد تركته لله. [عيون الأخبار 1/ 142].

* وقال الحسن رحمه الله: أربع من كنّ فيه عصمه الله من الشيطان، وحرمه على النار: من ملك نفسه عند الرغبة والرهبة والشهوة والغضب. (¬1) [جامع العلوم والحكم / 193]. * وقال أيضًا رحمه الله: كانوا يقولون: أفضل أخلاق المؤمنين العفو. [الزهد للإمام أحمد / 484]. * وكان يقال: مَنْ حَلُم ساد ومن تَفَهَّمَ ازداد. [عيون الأخبار 1/ 326]. * والعرب تقول: احْلُمْ تَسُدْ. [عيون الأخبار 1/ 326]. * وعن الشعبي رحمه الله قال: كان عيسى ابن مريم - عليه السلام - يقول: إن الإحسان ليس أن تحسن إلى من أحسن إليك، إنما تلك مكافأة بالمعروف، ولكن الإحسان أن تحسن إلى من أساء إليك. [الزهد للإمام أحمد / 139]. * وعن محمد بن جعادة قال: كان الشعبي من أولع الناس بهذا البيت: ليست الأحلام في حين الرضا ... إنما الأحلام في وقت الغضب [الحلية (تهذيبه) 2/ 117]. * وعن الأصمعيّ، قال: أسمع رجلٌ الشعبيَّ رحمه الله كلامًا فقال له الشعبيّ: إن كنت صادقًا فغفر الله لي وإن كنتَ كاذبا فغفر الله لك. [عيون الأخبار 1/ 326]. ¬

(¬1) قال ابن رجب رحمه الله: فهذه الأربع التي ذكرها الحسن هي مبدأ الشرّ كله , فإِن الرغبة في الشيء هي ميل النفس إليه لاعتقاد نفعه , فمن حصل له رغبة في شيء , حملته تلك الرغبة على طلب ذلك الشيء من كل وجه يظنّه موصلًا إليه , وقد يكون كثير منها محرمًا , وقد يكون ذلك الشيء المرغوب فيه محرّمًا. والرهبة: هي الخوف من الشيء , وإذا خاف الإِنسان من شيء تسبب في دفعه عنه بكلّ طريق يظنّه دافعًا له , وقد يكون كثير منها محرّمًا. والشهوة: هي ميل النفس إلى ما يلائمها وتلتذّ به , وقد تميل كثيرًا إلى ما هو محرّم كالزنا والسرقة وشرب الخمر , بل وإلى الكفر والسحر والنفاق والبدع. والغضب: هو غليان دم القلب طلبًا لدفع المؤذي عند خشية وقوعه , أو طلبًا للانتقام ممن حصل منه الأذى بعد وقوعه , وينشأ من ذلك كثير من الأفعال المحرمة كالقتل والضرب وأنواع الظلم والعدوان , وكثير من الأقوال المحرّمة كالقذف والسبً والفحش , وربما ارتقى إلى درجة الكفر. جامع العلوم والحكم / 193، 194

* وقال بعضهم: [عيون الأخبار 1/ 327]. قل ما بدا لكَ مِنْ زُورٍ ومن كذبٍ ... حِلْمِي أصَمُّ وأُذْنِي غيرُ صَمَّاء * وقال بعض الشعراء: [عيون الأخبار 1/ 328]. إني لأُعْرِضُ عن أشياء أسمعُها ... حتى يقولَ رجالٌ إنّ بي حُمُقَا أَخْشَى جوابَ سفيهٍ لا حياء له ... أَفَسْلٍ , وظنَّ أناسٍ أَنه صدَقَا * وقال أكثم بن صيفيّ رحمه الله: العِزُّ والغلبةُ للحِلم. [عيون الأخبار 1/ 328]. * وقال جعفر بن محمد رحمه الله: الغضب مفتاح كلّ شرّ. [جامع العلوم والحكم / 191]. * وقال وهب بن منبه رحمه الله: قال راهب للشيطان وقد بدا له: أي أخلاق بني آدم أعون لك عليهم؟ قال: الحدَّة، إن العبد إذا كان حديديا قلَّبناه كما يقلب الصبيان الكرة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 539]. * وقيل لابن المبارك رحمه الله: اجمع لنا حسن الخلق في كلمة، قال: ترك الغضب. [جامع العلوم والحكم / 191]. * وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: إذا أتاك رجل يشكو إليك رجلًا فقل: يا أخي اعف عنه، فإن العفو أقرب للتقوى، فإن قال: لا يحتمل قلبي العفو ولكن أنتصر كما أمرني الله - عزَّ وجلَّ - قل: فإن كنت تحسن تنتصر مثلًا بمثل وإلا فارجع إلى باب العفو فإنه باب أوسع، فإنه من عفا وأصلح فأجره على الله، وصاحب العفو ينام الليل على فراشه، وصاحب الانتصار يقلب الأمور. [الحلية (تهذيبه) 3/ 28]. * وقال أيضًا رحمه الله: حسناتك من عدوك أكثر منها من صديقك، قيل: وكيف ذاك يا أبا علي؟ قال: إن صديقك إذا ذكرت بين يديه قال: عافاه الله، وعدوك إذا ذكرت بين يديه يغتابك الليل والنهار. وإنما يدفع المسكين حسناته إليك، فلا ترض إذا ذكر بين يديك أن تقول: اللهم أهلكه لا بل ادع الله: اللهم أصلحه، اللهم راجع به، ويكون الله يعطيك أجر ما دعوت به، فإنه من

قال لرجل: اللهم أهلكه فقد أعطى الشيطان سؤاله، لأن الشيطان إنما يدور على هلاك الخلق. [الحلية (تهذيبه) 3/ 16]. * وقال عبد الرحمن بن عمر: سمعت عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله وحضرته فذُكر له رجلٌ من أهل المسجد من خزاعة كأنه وقع فيه أو ذكر أنه قال: أستجير الله في الأعمش، فنال القوم منه، فإذا نحن بالرجل الذي ذكر قد أقبل، فلما سلم عليه، رحب به وقربه وأجلسه إلى جنبه وطلق إليه، وصرف الناس عنه، قلت له: أبا سعيد أما تعرف الرجل الذي أجلسته إلى جنبك، هو الذي وقع فيك ونال منك؟ فقال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34]. [الحلية (تهذيبه) 3/ 115]. * وقال الشافعي رحمه الله: من استُغضب فلم يغضب فهو حمار، ومن استرضي فلم يرض فهو شيطان. [الحلية (تهذيبه) 3/ 133]. * وعن أحمد بن سنان قال: بلغني أن أحمد بن حنبل رحمه الله جعل المعتصم في حلّ في يوم فتْح بابك، أو في فتح عمورية، فقال: هو في حلّ من ضربي. [صفة الصفوة 2/ 612]. * وقال إبراهيم الحربي: أحلّ أحمد بن حنبل رحمه الله مَن حضر ضرْبَه، وكلَّ من شايع فيه، والمعتصم، وقال لولا أن ابن أبي دُؤاد داعية لأحْلَلْتُه. [صفة الصفوة 2/ 612]. * وقال المنصور رحمه الله: عقوبةُ الحلماءِ التّعريضُ، وعقوبة السفهاءِ التصريحُ. * وعن الأصمعيّ رحمه الله قال: بلغني أن رجلًا قال لآخر: والله لَئِنْ قلتَ واحدةً لتَسْمَعنَّ عشرًا، فقال له الآخر: لكنك إن قلتَ عشرًا لم تَسمَعْ واحدةً. [عيون الأخبار / 328]. * وقال بعضُهم: [عيون الأخبار 1/ 331]. لن يُدرِكَ المجدَ أقوامٌ وإن كَرُمُوا ... حتَّى يذِلُّوا -وإن عَزُّوا- لأِقوام

ويُشْتَمُوا فَتَرَى الألْوانَ مُشْرٌقَةً ... لاَ صَفْح ذُلًّ ولكِن صَفْح أَحْلاَمِ * وأغلظَ عبدٌ لسيده، فقال: إني أَصْبِرُ لهذا الغلامِ على ما تَرُونَ لأَرُوضَ نَفسِي بذلك، فإذا صَبَرْتُ للمملوك على المكروه كانَتْ لغير المملوك أصبرَ. [عيون الأخبار 1/ 332]. * وعن خفيف السمرقندي قال: كنت مع مولاي المعتضد رحمه الله في بعض متصيداته، وقد انقطع عن العسكر، وليس معه أحد غيري، فخرج علينا أسد، فقصدنا فقال لي المعتضد: يا خفيف، أفيك خير؟ قلت: لا يا مولاي! فقال: ولا حتى تمسك فرسي وأنزل أنا إلى الأسد؟ فقلت: بلى! فنزل وأعطاني فرسه، وشد أطراف ثيابه في منطقته، واستل سيفه، ورمى القراب إلي فأخذته، وأقبل يمشي إلى الأسد، فطلبه الأسد، فحين قرب منه وثب الأسد عليه، فتلقاه المعتضد بضربة، فإذا يده قد طارت فتشاغل الأسد بالضربة، فثناه بأخرى، ففلق هامته فخر صريعًا، ودنا منه وقد تلف، فمسح السيف في صوفه ورجع إليَّ، وغمد السيف، وركب، ثم عدنا إلى العسكر وصحبته إلى أن مات ما سمعته يحدّث بحديث الأسد، ولا علمت أنه لفظ فيه بلفظة، فلم أدر من أي شيء أعجب من شجاعته وشدته! أم قلة احتفاله بما صنع حتى كتمه! أو من عفوه عني، فما عاتبني على ضني بنفسي. [المنتظم 12/ 314، 315]. * وعن عبيد الله بن سليمان قال: كنت يومًا بحضرة المعتضد رحمه الله وخادم من خدمه بيده المذبة، فبينا هو يذب إذ ضرب بالمذبة قلنسوة المعتضد، فسقطت فكدت أختلط إعظامًا للحال، والمعتضد على حاله لم يتغير ولم ينكر شيئًا، ثم دعا غلامًا فقال له: هذا الغلام قد نعس فزد في عدد خدم المذبّة ولا تنكر عليه بفعله؛ قال عبيد الله: فقبّلت الأرض، وقلت: والله يا أمير المؤمنين ما سمعت بمثل هذا، ولا ظننت أن حلمًا يسع مثله. ثم دعوت له. فقال: هل يجوز غير هذا؟ أنا أعلم أن هذا البائس لو دار في خلده ما جرى لذهب عقله وتلف، وإنما ينبغي أن يلحق الإنكار بالمتعمّد لا بالساهي والغالط. [المنتظم 4/ 324].

* وعن الحسن بن غالب المقرىء أن بكر بن شاذان رحمه الله وأبا الفضل التميمي جرى بينهما كلام، فبدر من أبي الفضل كلمة ثقلت على بكر وانصرفا، ثم ندم التميمي فقصد أبا بكر بن يوسف، فقال له: قد كلمت بكرًا بشيء جفا عليه وندمت على ذلك، وأريد أن تجمع بيني وبينه، فقال له ابن يوسف: سوف يخرج لصلاة العصر، فخرج بكر وجاء إلى ابن يوسف والتميمي عنده، فقال له التميمي: أسألك تجعلني في حل، فقال: سبحان الله ما فارقتك حتى أحللتك، وانصرف، فقال التميمي: قال لي والدي: يا عبد الواحد احذر أن تخاصم من إذا نمت كان منتبهًا؟ قال ابن غالب: وانصرف التميمي. وكان لبكر ورد من الليل لا يخل به. [المنتظم 15/ 104]. * وعن منير مولى الفضل بن أبي عياش أنه قال: كنت جالسًا مع ابن منبه رحمه الله، فأتاه رجل، فقال: إني مررت بفلان وهو يشتمك فغضب وقال: ما وجد الشيطان رسولاً غيرك، فما برحت من عنده حتى جاءه ذلك الشاتم فسلم على وهب فرد عليه ومد يده وصافحه وأجلسه إلى جنبه. [المنتظم 7/ 142]. * وقال ابن الجوزي رحمه الله: كان أبو السوار رحمه الله من العلماء الحلماء الحكماء الزهاد الثقات، سبّه رجل وهو يمشي ساكتًا، فلما دخل منزله قال للرجل: حسبك إن شئت. وقال هشام: كان أبو السوار يعرض له الرجل فيشتمه فيقول: إن كنت كما قلت إني إذًا لرجل سوء. [المنتظم 7/ 120]. * وعن الحسن بن جعفر عن أبيه أنه قال: لما أفضت الخلافة إلى بني العباس اختفى رجال من بني أمية، وكان فيمن اختفى إبراهيم ابن سليمان بن عبد الملك، حتى أخذ له داود بن علي بن عبد الله أمانًا من أبي العباس، فقال له أبو العباس يومًا: حدثني عما مر بك في اختفائك فقال: كنت يا أمير المؤمنين مختفيًا بالحيرة في منزل شارع على الصحراء. فبينا أنا ذات يوم على ظهر بيت نظرت إلى أعلام سود قد خرجت من الكوفة تريد الحيرة، فوقع في روعي أنها تريدني، فخرجت من الدار متنكرًا حتى دخلت الكوفة ولا أعرف

بها أحدًا أختفي عنده، فدخلت متلددًا (¬1)، فإذا أنا بباب كبير ورحبة واسعة، فدخلت الرحبة، فجلست فيها، فإذا رجل وسيم حسن الهيئة على فرس قد دخل الرحبة مع جماعة من غلمانه وأتباعه، فقال: من أنت وما حاجتك؟ فقلت: رجل مختف يخاف على دمه واستجار بمنزلك، قال: فأدخلني منزله ثم سيرني في حجرة تلي حرمه، فمكثت عنده حولاً في كل ما أحب من مطعم ومشرب وملبس، لا يسألني عن شيء من حالي، ويركب في كل يوم ركبة، فقلت له يومًا: أراك تدمن الركوب، ففيم ذاك؟ قال: إن إبراهيم بن سليمان قتل أبي صبرًا، وقد بلغني أنه مختف، فأنا أطلبه لأدرك ثأري فكثر تعجبي من إدبارنا إذ ساقني القدر إلى الاختفاء في منزل من يطلب دمي وكرهت الحياة، وسألت الرجل عن اسمه واسم أبيه، فأخبرني بهما، فعلمت أني قتلت أباه، فقلت: يا هذا، قد وجب عليّ حقك، ومن حقك أن أقرب عليك الخطوة، قال: وما ذاك؟ فقلت: أنا إبراهيم بن سليمان قاتل أبيك فخذ بثأرك، فقال: أحسب أنك رجل قد مضّه الاختفاء فأحب الموت، فقلت: بل الحق، قلت: قتلته يوم كذا وكذا بسبب كذا وكذا، فلما عرف أني صادق تربد وجهه واحمرت عيناه، وأطرق مليّا ثم قال: أما أنت فستلقى أبي فيأخذ حقه منك، وأما أنا فغير مخفر ذمتي فاخرج عني فلست آمن نفسي عليك، وأعطاني ألف دينار، فلم أقبلها وخرجت من عنده، فهذا أكرم رجل رأيته. [المنتظم 7/ 309]. * وعن الأصمعي أنه قال: صعد أبو جعفر المنصور رحمه الله المنبر فقال: الحمد لله، أحمده وأستعينه وأؤمن به وأتوكل عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، أذكرك من أنت في ذكره، فقال أبو جعفر: مرحبًا مرحبًا، لقد ذكرت جليلاً، وخوفت عظيمًا، وأعوذ بالله ممن إذا قيل له: اتق الله، أخذته العزة بالإثم، والموعظة منا بدت، ومن عندنا خرجت، وأنت يا قائلها فأحلف بالله ما الله أردت بها، إنما أردت أن يقال: قام فقال فعوقب فصبر، وأهون بها من قائلها، وإياكم معشر ¬

(¬1) أي ملتفتًا يمينًا وشمالاً. انظر القاموس المحيط، مادة تلدّد ..

الناس وأمثالها، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. فعاد إلى خطبته كأنما يقرأها من قرطاس. [المنتظم 7/ 341]. * وعن نوفل بن ميمون أنه قال: جاء سعيد بن سليمان رحمه الله إلى محمد بن عبد الله بن محمد بن عمران شاهدًا فرد شهادته، فلما ولي القضاء جاءه عبد الله بن محمد بن عمران شاهدًا فأخذ شهادته، فنظر فيها ساعة، ثم رفع رأسه، وقال: المؤمن لا يشفي غيظه، أوْقِعْ شهادته يا ابن دينار، فَأَوْقَعَها. [المنتظم 9/ 167]. * وعن عبد الله بن البواب أنه قال: كان المأمون رحمه الله يحلم حتى يغيظنا، وإنه في بعض الأوقات جلس يستاك على دجلة من وراء ستر ونحن قيام بين يديه، فمرّ ملاّح وهو يقول بأعلا صوته: أتظنون أن هذا المأمون ينبل في عيني وقد قتل أخاه!؟ قال: فوالله ما زاد على أن تبسَّم، وقال: ما الحيلة عندكم حتى أنبل في عين هذا الرجل الجليل!؟ [المنتظم 10/ 64]. * وقال المأمون رحمه الله: أنا والله أستلذ العفو حتى أخاف أن لا أؤجر عليه، ولو علم الناس مقدار محبتي للعفو لتقربوا إليّ بالذنوب. [المنتظم 10/ 65]. * وقال ابن كثير رحمه الله: قالوا: كان "أبو بكر النحوي رحمه الله " الملقب بالوجيه لا يغضب قط، فتراهن جماعة مع واحد أنه إن أغضبه كان له كذا وكذا، فجاء إليه فسأله عن مسألة في العربية فأجابه فيها بالجواب، فقال له السائل: أخطأت أيها الشيخ، فأعاد عليه الجواب بعبارة أخرى، فقال: كذبت، وما أراك إلا قد نسيت النحو، فقال الوجيه: أيها الرجل فلعلك لم تفهم ما أقول لك، فقال بلى، ولكنك تخطيء في الجواب، فقال له، فقل أنت ما عندك لنستفيد منك، فأغلظ له السائل في القول، فتبسم ضاحكًا، وقال له: إن كنت راهنت فقد غُلبت، وإنما مثلك مثل البقّة - يعني الناموسة - سقطت على ظهر الفيل فلما أرادت أن تطير، قالت له: استمسك فإني أحب أن أطير، فقال لها الفيل: ما أحسستُ بك حين سقطتِ فما أحتاج أن أستمسك إذا طرت. [البداية والنهاية 13/ 144]. * وقال ابن الجوزي رحمه الله: بعث بجكم إلى سنان بن ثابت رحمه الله الطبيب

بعد موت الراضي، وسأله أن ينحدر إليه إلى واسط، فانحدر إليه فأكرمه، وقال له: إني أريد أن أعتمد عليك في تدبير بدني: وفي أمر آخر هو أحب إليّ من أمر بدني وهو أمر أخلاقي لثقتي بعقلك ودينك فقد غمتني غلبة الغضب والغيظ، وإفراطهما فيّ حتى أخرج إلى ما أندم عليه عند سكونهما من ضرب وقتل، وأنا أسالك أن تتفقد لي ما أعمله فإذا وقفت لي على عيب لم تحتشم أن تصدقني عنه، وتنبهني عليه، ثم ترشدني إلى علاجه. فقال له: السمع والطاعة، أنا أفعل ذلك، ولكن يسمع الأمير مني بالعاجل جملة علاج ما أنكره من نفسه إلى أن آتي بالتفصيل في أوقاته، اعلم أيها الأمير أنك قد أصبحت وليس فوق يدك يد لأحد من المخلوقين وأنك مالك لكل ما تريده قادر على أن تفعله أي وقت أردته، لا يتهيأ لأحد من المخلوقين منعك منه، ولا أن يحول بينك وبين ما تهواه، أي وقت أردت، واعلم أن الغيظ والغضب يحدث في الإنسان سكرًا أشد من سكر النبيذ بكثير، فكما أن الإنسان يفعل في وقت السكر من النبيذ ما لا يعقل به ولا يذكره إذا صحا، ويندم عليه إذا حُدِّثَ به، ويستحيي منه، كذلك يحدث له في وقت السكر من الغيظ بل أشد، فإذا ابتدأ بك الغضب، فضع في نفسك أن تؤخر العقوبة إلى غد، واثقًا بأن ما تريد أن تعمله في الوقت لا يفوتك عمله، فإنك إذا بت ليلتك سكنت فورة غضبك، وقد قيل: أصح ما يكون الإنسان رأيًا إذا استدبر ليله واستقبل نهاره. فإذا صحوت من غضبك فتأمل الأمر الذي أغضبك، وقدِّم أمر الله - عزَّ وجلَّ - أولاً، والخوف منه، وترك التعرض لسخطه، واشف غيظك بما لا يؤثمك، فقد قيل: " ما شفى غيظه مَنْ أثم " واذكر قدرة الله عليك، فإنك تحتاج إلى رحمته وإلى أخذه بيدك في أوقات شدائدك، فكما تحب أن يغفر لك، كذلك غيرك يحب أن تعفو عنه، واذكر أي ليلة بات المذنب قلقًا لخوفه منك، وما يتوقعه من عقوبتك، واعرف مقدار ما يصل إليه من السرور بزوال الرعب عنه، ومقدار الثواب الذي يحصل لك بذلك، واذكر قوله - تعالى -:: {أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} [النور: 22] وإنما يشتد عليك ذلك مرتين أو ثلاثًا، ثم تصير عادة لك وخلقًا.

فابتدأ بجكم فعمل بما قال له، وعمل بواسط وقت المجاعة دار ضيافة، وببغداد مارستان ورفق بالرعية إلا أن مدته لم تطل. [المنتظم 14/ 10 - 12]. * وقال ابن القلانسي: سمعت الشيخ تقيَّ الدين رحمه الله يذكر ما كان بينه وبين السلطان من الكلام لما انفردا في ذلك الشباك الذي جلسا فيه، وأن السلطانَ استفتى الشيخ في قتل بعض القضاة بسبب ما كانوا تكلموا فيه، وأخرج له فتاوى بعضهم بعزله من الملك ومبايعة الجاشْنَكير، وأنهم قاموا عليك وآذوْك أنت أيضًا! وأخذ يحُثُّه بذلك على أن يفتيه في قتل بعضهم - وإنما كان حنقُه عليهم بسبب ما كانوا سعوا فيه من عزله ومبايعة الجاشنكير - ففهم الشيخ مراد السلطانِ، فأخذ في تعظيم القضاةِ والعلماء، وينكرُ أنْ ينال أحدًا منهم سوءٌ، وقال له: إذا قتلت هؤلاء لا تجد بعدهم مثلهم. فقال له: إنهم قد آذوك؛ وأرادوا قتْلَك مرارًا، فقال الشيخُ: من آذاني فهو في حِلٍّ، ومن آذى الله ورسوله فاللهُ ينتقمُ منه، وأنا لا أنتصر لنفسي، وما زال به حتى حلُم عنهم وصفح. قال: وكان قاضي المالكية ابن مخلوف يقول: ما رأينا مثل ابنِ تَيْميَّةَ، حرَّضْنا عليه، فلم نَقْدر عليه، وقدر علينا فصفح عنا وحاجَجَ عنا. [البداية والنهاية 14/ 129]. * وقال ابن القيم رحمه الله: وكان بعض أصحابه الأكابر يقول: وددت أني لأصحابي مثله لأعدائه وخصومه. وما رأيته يدعو على أحد منهم قط، وكان يدعو لهم. وجئت يوما مبشرا له بموت أكبر أعدائه، وأشدهم عداوة وأذى له، فنهرني وتَنكَّر لي واسترجع، ثم قام من فوره إلى بيت أهله فعزاهم، وقال: إني لكم مكانه، ولا يكون لكم أمر تحتاجون فيه إلى مساعدة إلا وساعدتكم فيه، ونحو هذا من الكلام. فسروا به ودعوا له، وعظموا هذه الحال منه، فرحمه الله ورضي عنه. [مدارج السالكين 3/ 139].

مداراة الناس

مداراة الناس * قال أبو الدرداء - رضي الله عنه -: إنْ ناقدت الناس ناقدوك وإن تركتهم لم يتركوك وإن هربت منهم أدركوك. قال رجل: يا أبا الدرداء فما تأمرني؟ قال: هب عِرضك ليوم فقرك، وما تجرَّع مؤمن جرعةً أحب إلى الله - عزَّ وجلَّ - من غيظٍ كظمه، فاعفوا يعزكم الله. [صفة الصفوة 1/ 301، موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 521]. * وقال أيضاً - رضي الله عنه -: إنّا لَنَكْشِرُ في وجوه أقوام، ونضحك إليهم، وإنّ قلوبنا لَتلعَنُهمْ. [عيون الأخبار 3/ 27، موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 522]. * وعن محمد بن الحنفية رحمه الله قال: ليس بحليم من لم يعاشر بالمعروف من لا يجد من معاشرته بُدًّا، حتى يجعل الله له فرجا. قال ابن المبارك رحمه الله: لولا هذا الحديث ما جمعني وإياكم على حديث. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 522]. * وعن الربيع بن خثيم رحمه الله قال: الناس رجلان: مؤمن وجاهل؛ فأما المؤمن فلا تؤذه، وأما الجاهل فلا تجاهله. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 522]. * وجاء رجل إلى وهب بن منبه رحمه الله فقال: إني قد حدثت نفسي أن لا أخالط الناس فما ترى؟ قال: لا تفعل، إنه لا بد للناس منك، ولا بد لك منهم، لك إليهم حوائج، ولهم إليك حوائج، ولكن كن فيهم أصم سميعا، أعمى بصيرا، سكوتا نطوقا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 524]. * وعن الأصمعي قال: لما حضرت جدي علي بن الأصمع رحمه الله الوفاة، جمع بنيه فقال: أي بَنيَّ عاشروا الناس معاشرة إن عشتم حنوا إليكم، وإن متم بكوا عليكم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 525]. * وعن عروة بن الزبير رحمه الله قال: مكتوب في الحكمة: لتكن كلمتك

طيبة، وليكن وجهك بسطا، تكن أحب إلى الناس ممن يعطيهم العطاء. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 526]. * وكان يقال: إذا بلغك عن أخيك ما تكره فالقه بما يحب؛ فإنك تقضمه جمرته وهو لا يشعر. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 526].

الورع

الورع * عن زيد بن أرقم أنه قال: كان لأبي بكر الصديق - رضي الله عنه - مملوك يغل عليه، فأتاه ليلة بطعام فتناول منه لقمة، فقال له المملوك: مالك كنت تسألني كل ليلة ولم تسألني الليلة؟ قال: حملني على ذلك الجوع، من أين جئت بهذا؟ قال: مررت بقوم في الجاهلية فرقيت لهم فوعدوني، فلما كان اليوم مررت بهم فإذا عرس لهم، فأعطوني، فقال: أُفٍّ لك، كدت أن تهلكني، فأدخل يده في حلقه فجعل يتقيأ وجعلت لا تخرج، فقيل له: إن هذه لا تخرج إلا بالماء، فدعا بماء فجعل يشرب ويتقيأ حتى رمى بها، فقيل له: يرحمك الله، كل هذا من أجل هذه اللقمة، قال: لو لم تخرج إلا مع نفسي لأخرجتها، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به ". فخشيت أن ينبت شيء من جسدي من هذه اللقمة. [المنتظم 4/ 62]. * وعن نعيم بن أبي هند، أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان يدفع إلى امرأته طيبًا للمسلمين كانت تبيعه، فتزن فترجح وتنقص فتكسر بأسنانها، فتُقوم لهم الوزن، فعلق بأصبعها منه شيء فقالت بأصبعها في فيها، فمسحت به خمارها، وأن عمر جاء فقال: ما هذه الريح؟ فأخبرته خبرها، فقال: تطيبين بطيب المسلمين! فانتزع خمارها، فجعل يقول بخمارها في التراب ثم يشمه ثم يصب عليها الماء ثم يقول به في التراب، حتى ظن أن ريحه قد ذهبت، ثم جاءتها العطارة مرة أخرى فباعت منها فوزنت لها فعلق بأصبعها منها شيء، فقالت فأصبعها في فيها ثم قالت بأصبعها في التراب، فقالت العطارة: ما هكذا صنعت أول مرة! فقالت: أو ما علمت ما لقيت منه؟ لقيت منه كذا ولقيت كذا وكذا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 209، 210]. * وعن يحيى بن سعيد؛ أن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه كانت له

امرأتان، فإذا كان يوم إحداهما لم يتوضأ من بيت الأخرى، ثم توفيتا في السقم الذي أصابهما بالشام والناس في شغل، فدفنتا في حفرة، فأسهم بينهما أيتهما تقدم في القبر. [الحلية (تهذيبه) 1/ 184]. * وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: أن الناس قد ضيعوا أعظم دينهم: الورع. [الزهد للإمام أحمد / 361]. * وقال طاووس: ما رأيت رجلاً أورع من ابن عمر - رضي الله عنه -، وكان يقول في سجوده: قد تعلم أنه ما يمنعني من مزاحمة قريش على هذه الدنيا إلا خوفك. [المنتظم 6/ 134]. * وعن ابن أبي نعم قال كنت شاهدا لابن عمر - رضي الله عنه - وسأله رجل عن دم البعوض، فقال: ممن أنت؟ فقال: من أهل العراق، قال: انظروا إلى هذا يسألني عن دم البعوض وقد قتلوا ابن النبي - صلى الله عليه وسلم - وسمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول (هما ريحانتاي من الدنيا). [روا البخاري: 5994]. * وسأل رجل بشر بن الحارث رحمه الله عن رجل له زوجة وأمه تأمره بطلاقها، فقال: إن كان بَرَّ أمه في كلّ شيء ولم يبقَ من برّها إلا طلاق زوجته فليفعل، وإن كان يبرّها بطلاق زوجته، ثم يقوم بعد ذلك إلى أمه فيضربها، فلا يفعل. [جامع العلوم والحكم / 144]. * وعن عامر: أن ابنًا لشريح رحمه الله قال لأبيه: بيني وبين قومٍ خصومة، فانظر فإن كان الحقّ لي خاصمتُهم، وإن لم يكن لي الحق لم أُخاصمهم. فقص قصته عليه، فقال: انطلق فخاصمْهم، فانطلق إليهم فخاصمهم إليه، فقضى على ابنه، فقال له: لما رجع إلى أهله: والله لو لم أتقدم إليك لم ألُمكَ. فضحتَني، فقال: والله يا بني لأَنت أحبّ إليّ من ملء الأرض مثلهم، ولكن الله هو أعز عليّ منك، أن أخبرك أن القضاء عليك فتصالحهم، فتذهب ببعض حقّهم. [صفة الصفوة 3/ 27].

* وعن الشعبي قال: جاء رجلان إلى شريح رحمه الله، فقال أحدهما: اشتريت من هذا دارًا، فوجدت فيها عشرة آلاف درهم، فقال: خذها. فقال له: إنما اشتريتُ الدار، فقال للبائع: فخذها أنت، فقال: ولِمَ؟ وقد بعتُه الدار بما فيها، فأدار الأمر بينهما، فأبيا فأتى زيادًا، فأخبره فقال: ما كنت أرى أن أحدًا هكذا بقيَ. وقال لشريح: ادخل بيت المال فألقِ في كل جرابٍ فبضة حتى تكون للمسلمين. [صفة الصفوة 3/ 128]. * وقيل لابن سيرين رحمه الله: ما أشدَّ الورَعَ! قال: ما أيسَرَه! إذا شككتَ في شيء فدَعْه. [عيون الأخبار 2/ 739]. * وقال ابن عون: كان محمد بن سيرين رحمه الله إذا حدّث كأنه يتقي شيئًا، كأنه يحذر شيئًا. [صفة الصفوة 3/ 171]. * وقال ابن عون: سمعت محمد بن سيرين رحمه الله يقول في شيء راجعته فيه: إني لم أقل لك ليس به بأس، إنما قلت لك: لا أعلم به بأسًا. [صفة الصفوة 3/ 172]. * وعن السريّ بن يحيى قال: لقد ترك ابن سيرين رحمه الله ربْح أربعين ألفًا في شيء دخلَه. قال سريّ: فسمعت سليمان التيمي رحمه الله يقول: لقد تركه في شيء ما يختلف فيه أحد من العلماء. [صفة الصفوة 3/ 172]. * وقال أشعَث: كان ابن سيرين رحمه الله إذا سُئِل عن الحَلالِ والحَرام، تغيَّر لونُه حتى تقول: كأنَّه ليس بالذي كان. [السير (تهذيبه) 2/ 569]. * وعن هشام بن حسان قال: ترك محمد بن سيرين رحمه الله أربعين ألف درهم في شيء ما ترون به اليوم بأسًا. [صفة الصفوة 3/ 173]. * وعن خالد بن أبي الصلت قال: أتي عمر بن عبد العزيز رحمه الله بماء قد سخن في فحم الإمارة، فكرهه ولم يتوضأ به. [الحلية (تهذيبه) 2/ 221].

* وعن أبي عثمان الثقفي قال: كان لعمر بن عبد العزيز رحمه الله غلام يعمل على بغل له يأتيه بدرهم كل يوم، فجاءه يومًا بدرهم ونصف، فقال: ما بدا لك؟ فقال: نفقت السوق، قال: لا ولكنك أتعبت البغل، أرحه ثلاثة أيام. [الحلية (تهذيبه) 2/ 200]. * وعن عمرو بن مهاجر قال: اشتهى عمر رحمه الله تفاحًا فقال: لو أن عندنا شيئًا من تفاح فإنه طيب؟ فقام رجل من أهله فأهدى إليه تفاحًا، فلما جاءه به الرسول قال: ما أطيبه وأطيب ريحه وأحسنه، ارفع يا غلام واقرأ على فلان السلام وقل له: إن هديتك قد وقعت عندنا بحيث تحب، قال عمرو بن مهاجر: فقلت له: يا أمير المؤمنين ابن عمك رجل من أهل بيتك، وقد بلغك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، قال: إن الهدية كانت للنبي - صلى الله عليه وسلم - هدية، وهي لنا رشوة. [الحلية (تهذيبه) 2/ 221]. * وقال يحيى بن أبي كثير رحمه الله: يقول الناس: فلان الناسك، وإنما الناسك الورع. [الحلية (تهذيبه) 1/ 454]. * وقال عبد الله بن المبارك رحمه الله: لأن أرُدَّ درهمًا مِن شُبهة أحبّ إليّ من أن أتصدّق بمائةِ ألف، حتى بلغ ستمائة ألف. [صفة الصفوة 3/ 375]. * قال أيضًا رحمه الله: لو أن رجلاً اتقى مائة شيء، ولم يتورع عن شيء واحد، لم يكن ورعًا. [الحلية (تهذيبه) 3/ 39]. * وعن ابن أبي ليلى رحمه الله قال: أدركت عشرين ومئة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأنصار، إذا سُئِلَ أحدُهم عن شيءٍ، ودَّ أن أخاه كفاه. [السير (تهذيبه) 1/ 494]. * وقيل للفضيل بن عياض رحمه الله: ما الزهد؟ قال: القُنوع، قيل: ما الوَرع؟ قال: اجتنابُ المحارم. قيل: ما العبادة؟ قال: أداء الفرائض. قيل: ما التَّواضعُ؟ قال: أنْ تخضع للحق، وقال: أشدُّ الورع في اللسان. [السير (تهذيبه) 2/ 777]. * وقال حسان بن أبي سنان رحمه الله: ما شيء أهون علي من الورع إذا رابني شيء تركته. [الحلية (تهذيبه) 1/ 440].

* وعن عبد الله أنه قال: كتب غلامٌ لحسان بن أبي سنان إليه من الأهواز: إن قصب السكر أصابته آفة فاشتر السكر فيما قبلك. فاشترى من رجل فلم يأت عليه إلا قليل، فإذا فيما اشترى ربح ثلاثين ألفًا. قال: فأتى صاحب السكر فقال: يا هذا، إن غلامي كان كتب إليّ ولم أعلمك فأقلني فيما اشتريت منك، قال الآخر: قد أعلمتني الآن وطيبته لك. فرجع فلم يحتمل قلبه، فأتاه فقال: يا هذا، إني لم آت الأمر من وجهه فأحب أن تسترد هذا البيع، فما زال به حتى رده عليه. [المنتظم 8/ 152]. * وعن ميمون بن مهران رحمه الله قال: لا يسلم للرجل الحلال، حتى يجعل بينه وبين الحرام حاجزًا من الحلال. [الحلية (تهذيبه) 2/ 54]. * وعن عبد الرحمن بن عمر بن رسته قال: أخبرني من سمع ابن عيينة رحمه الله وسئل عن الورع فقال: الورع طلب العلم الذي يعرف به الورع، وهو عند قوم طول الصمت، وقلة الكلام، وما هو كذلك إن المتكلم العالم أفضل عندي وأورع من الجاهل الصامت. [الحلية (تهذيبه) 2/ 442]. * وعن أبي نعيم: أن الحسن بن صالح رحمه الله انتهى إلى أصل حائط فأخذ مدرة فتمسح بها، فدق عليهم الباب فقال: إني أخذت من حائطكم مدرة، فتمسحت بها فاجعلوني في حل. [الحلية (تهذيبه) 2/ 452]. * وعن عباد أبي عتبة قال: بعنا جارية للحسن بن صالح رحمه الله فقال: أخبروهم أنها تنخمت عندنا مرة دمًا. [الحلية (تهذيبه) 2/ 452]. * وعن الحسن بن صالح رحمه الله قال: فتشنا الورع فلم نجده في شيء أقل منه في اللسان. [الحلية (تهذيبه) 2/ 452]. * وعن خالد بن دريك قال: خرج ابن محيريز رحمه الله إلى بزاز يشتري منه ثوبًا، والبزاز لا يعرفه، قال: وعنده رجل يعرفه، فقال: بكم هذا الثوب؟ قال الرجل: بكذا وكذا، فقال الرجل الذي يعرفه: أحسن إلى ابن محيريز، فقال ابن محيريز: إنما جئت أشتري بمالي، ولم أجيء أشتري بديني، فقام ولم يشتر. [الحلية (تهذيبه) 2/ 166].

* وعن داود بن الجراح قال: كان إبراهيم بن أدهم رحمه الله ينظر كرمًا في كورة غزة، فجاءه صاحب الكرم ومعه أصحابه، فقال: إيتنا بعنب نأكل، فأتاه بعنب يقال له: الخافوني، فإذا هو حامض، فقال له صاحب الكرم: من هذا تأكل؟ قال: ما آكل من هذا ولا من غيره، قال: لم؟ قال: لأنك لم تحدَّ لي شيئًا من العنب. قال: فأتني برمان، فأتاه برمان فإذا هو حامض، فقال: من هذا تأكل؟ قال: فأتني برمان، فأتاه برمان فإذا هو حامض، فقال: من هذا تأكل؟ قال: لا آكل من هذا ولا من غيره، ولكن رأيته أحمر حسنًا فظننت أنه حلو، فقال: لو كنت إبراهيم بن أدهم ما عدا، قال: فلما علم أنهم عرفوه هرب منهم وترك كراه. [الحلية (تهذيبه) 2/ 473]. * وقال يوسف بن أسباط رحمه الله: يجزي قليل الورع عن كثير العمل. [الحلية (تهذيبه) 3/ 59]. * وقال أيضًا رحمه الله: لي أربعون سنة، ما حاك في صدري شيء إلا تركته. [الحلية (تهذيبه) 3/ 60]. * وعن الربيع بن نافع أنه قال: سمعت من يوسف بن أسباط رحمه الله حرفًا في الورع ما سمعت أحسن منه. قلت له يومًا وقد اتخذ كواير نحل: لو اتخذت حمامًا. فقال: النحل أحبّ إليّ من الحمام، الحمام يدخل الغريب فيهم، والنحل لا تدخل الغريب فيها، فمن ذاك اتخذت النحل. [المنتظم 10/ 81]. * وعن الحارث بن سريج قال: أراد الشافعي رحمه الله الخروج إلى مكة، فاحترق دكان القصار والثياب، فجاء القصار ومعه قوم يتحمل بهم على الشافعي في تأخيره ليدفع إليه قيمة الثياب، فقال له الشافعي: قد اختلف أهل العلم في تضمين القصار، ولم أتبين أن الضمان يجب، فلست أضمنك شيئًا. [الحلية (تهذيبه) 3/ 129]. * وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله: الورع أول الزهد. [الحلية (تهذيبه) 3/ 183]. * وقال أيضَا رحمه الله: الورع من الزهد بمنزلة القناعة من الرضا، هذا أوله، وهذا أوله. [الحلية (تهذيبه) 3/ 195].

* وجاء رجل إلى العمري رحمه الله فقال: عظني، فأخذ حصاة من الأرض، فقال: زنة هذه من الورع يدخل قلبك: خير لك من صلاة أهل الأرض، قال: زدني، قال: ما تحب أن يكون الله لك غدًا فكن له اليوم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 198، 199]. * وعن الضحاك رحمه الله قال: أدركت الناس وهم يتعلمون الورع، وهم اليوم يتعلمون الكلام. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 199]. * وقال رحمه الله: لقد رأيتنا وما يتعلم بعضنا من بعض إلا الورع. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 199]. * وعن النضر بن محمد رحمه الله قال: نُسُك الرجل على قدر ورعه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 199]. * وقيل لابن المبارك رحمه الله: أي شيء أفضل؟ قال: الورع، قالوا: ما الورع؟ قال: حتى تنزع عن مثل هذا، وأخذ شيئاً من الأرض. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 199]. * وعن صالح المري رحمه الله قال: كان يقال: المتورع في الفتن: كعبادة النبيين في الرخاء. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 199]. * وعن هشام قال: كنا قعودًا ومعنا يونس بن عبيد رحمه الله، وذكرنا شيئًا، فتذاكروا أشد الأعمال، فاتفقوا على الورع، فجاء حسان بن أبي سنان رحمه الله فقالوا: قد جاء أبو عبد الله، فجلس فأخبروه بذلك، فقال حسان: إن للصلاة لمؤنة، وإن للصيام لمؤنه، وان للصدقة لمؤنة، وهل الورع إلا إذا رابك شيء تركته. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 202]. * وقال يونس بن عبيد رحمه الله: أعجب شيء سمعت به في الدنيا ثلاث كلمات: قول ابن سيرين رحمه الله: ما حسدت أحدًا على شيء قط، وقول مورق رحمه الله: قد دعوت الله بحاجة منذ أربعين سنة فما قضاها لي فما يئست منها، وقول حسان بن أبي سنان رحمه الله: ما شيء هو أهون من الورع، إذا رابك شيء فدعه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 202].

* وسئل الفضيل رحمه الله عن الورع فقال: اجتناب المحارم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 203]. * وعن ضمرة بن حبيب رحمه الله، قال: لا يعجبكم كثرة صلاة امرىء ولا صيامه، ولكن انظروا إلى ورعه، فإن كان ورعًا مع ما رزقه الله من العبادة، فهو عبد الله حقًا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 204]. * وأتي عمر بن عبد العزيز رحمه الله رحمه الله بغنائم مِسك فأخذ بأنفه، فقالوا: يا أمير المؤمنين! تأخذ بأنفك لهذا! قال: إنما يُنتفع من هذا بريحه، فأكره أن أجد ريحه دون المسلمين. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 209]. * وعن العباس بن سهم: أن امرأة من الصالحات رحمها الله أتاها نعي زوجها وهي تعجن: فرفعت يديها من العجين، وقالت: هذا طعام قد صار لنا فيه شريك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 222]. * وعن بعض أهل العلم أنه قال: أن امرأة أتاها نعي زوجها والسراج يتَّقد، فأطفأت السراج، وقالت: هذا زيت قد صار لنا فيه شريك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 222]. * وعن يزيد بن عبد الله بن الشخير رحمه الله قال: كنا نحدث أن صاحب النار: الذي لا يمنعه مخافة الله من شيء خفي له. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 227]. * وعن شعبة قال: أعطى ابن هبيرة محمد بن سيرين رحمه الله ثلاث أعطيات، فأبى أن يقبل. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 232]. * وعن خالد بن أبي الصلت قال: قلت لمحمد بن سيرين رحمه الله: ما منعك أن تقبل من ابن هبيرة؟ قال: فقال لي: يا عبد الله أو يا هذا إنما أعطاني على خير كان يظنه فيَّ، فلئن كنت كما ظن فما ينبغي أن أقبل (¬1)، وإن لم أكن كما ظن فبالحري أنه لا يجوز لي أن أقبل. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 232]. * وعن عبد الملك بن عمير قال: بعثني بشر بن مروان إلى أبي ¬

(¬1) لأن الخير والطاعة التي عملها ينتظر أجرها من الله لا من غيره.

عبد الرحمن السلمي رحمه الله وعمرو بن ميمون ومرة الهمداني بخمس مائة خمسة مائة، فردوها وأبوا أن يقبلوها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 232]. * وعن الشعبي قال: جاء رجلان إلى شريح رحمه الله، فقل أحدهما: اشتريت من هذا دارًا فوجدت فيها عشرة آلاف درهم فقال خذها، فقال: لم! إنما اشتريت الدار فقال للبائع: خذها أنت، قال: لم! وقد بعته الدار بما فيها، فأدارا الأمر بينهما، فأبيا، فأتى زيادًا فأخبره، فقال: ما كنت أرى أن أحدًا هكذا بقي، وقال لشريح: ادخل بيت المال فألق في كل جراب قبضة، حتى يكون للمسلمين، ثم قال للشعبي: كيف ترى الأمير؟ قال أبو بكر بن عياش: أعجبه ما صنع. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 233]. * وعن إسحاق بن راهويه قال: لما خرج أحمد بن حنبل رحمه الله إلى عبد الرزاق انقطعت به النفقة، فأكرى نفسَه من بعض الجمّالين، إلى أن وافى صنعاء، وقد كان أصحابه عرَضوا عليه المواساة، فلم يقبل من أحد شيئًا. [صفة الصفوة 2/ 606]. * وعن عبد الله بن أحمد رحمه الله قال: كنت أسمع أبي كثيرًا يقول في دُبُر الصلاة: اللهم كما صنتَ وجْهي عن السجود لغيرك صُنه عن المسألة لغيرك. [صفة الصفوة 2/ 610]. * وسئل الإمام أحمد رحمه الله عن رجل يشتري بقلاً، ويشترط الخوصة: يعني التي تربط بها حزمة البقل، فقال أحمد: أيش هذه المسائل؟ قيل له: إن إبراهيم بن أبي نعيم يفعل ذلك، فقال أحمد: إن كان إبراهيم بن أبي نعيم، فنعم هذا يشبه ذاك. (¬1) [جامع العلوم والحكم / 144]. * وقال ابن كثير رحمه الله: كان أبو عبد الله الأصبهاني رحمه الله لا يشتري خبزه ¬

(¬1) قال ابن رجب رحمه الله: وهاهنا أمر ينبغي التفطّن له وهو أنّ التدقيق في التقوى والورع , فأما من يقع في انتهاك المحرّمات الظاهرة ثم يريد أن يتورع عن شيء من دقائق الشبَه , فإنه لا يحتمل له ذلك بل يُنكر عليه. كما قال ابن عمر لمن سأله عن دم البعوض ..... جامع العلوم والحكم / 144.

من خباز واحد، ولا بَقْلَه من بقال واحد، كان لا يشترى إلا ممن لا يعرفه، يقول: أخشى أن يحابوني فأكون ممن يعيش بدِينه. [البداية والنهاية 10/ 255]. * وقال ابن كثير رحمه الله: خرج ابن حامد الورَّاق رحمه الله إلى الحج، فلما عطش الناس في الطريق استند هو إلى حجر هناك في الحرّ الشديد، فجاءه رجلٌ بقليل من ماء فقال له ابن حامد: من أين لك هذا؟ فقال: ما هذا وقته، اشربْ. فقال: بلى، هذا وقته عند لقاء الله تعالى. فلم يشرب ومات من فوره، رحمه الله [البداية والنهاية 12/ 61]. * وعن أحمد بن أبي الحواري قال: قال رجل لأبي عبد الرحمن العمري رحمه الله: عظني، فأخذ حصاة من الأرض فقال: مثل هذا ورع يدخل في قلبك، خير لك من صلاة أهل الأرض. [الحلية (تهذيبه) 3/ 72].

الأدب والمروءة

الأدب والمروءة (¬1) * عن الزهري رحمه الله قال: كنا نأتي العالم فما نتعلم من أدبه أحب إلينا من علمه. [الحلية (تهذيبه) 2/ 23]. * وقال عبد الله بن المبَارك رحمه الله: كاد الأدب يكون ثُلثَي الدِّين. (¬2) [صفة الصفوة 4/ 379]. * وقال سفيان الثوري رحمه الله: كان يقال حسن الأدب يطفئ غضب الرب - عزَّ وجلَّ. [الحلية (تهذيبه) 2/ 362]. * وقال عبد الواحد بن زيد رحمه الله: جالسوا أهل الدين فإن لم تجدوهم فجالسوا أهل المروءات، فإنهم لا يرفثون في مجالسهم. [الحلية (تهذيبه) 2/ 303]. * وعن أبي سعيد السكري قال: احتجم داود الطائي رحمه الله، فدفع دينارًا إلى الحجام فقيل له: هذا إسراف، فقال: لا عبادة لمن لا مروءة له. [الحلية (تهذيبه) 2/ 466]. * وقال سفيان بن عيينة رحمه الله: قيل للقمان - عليه السلام -: أي الناس شر؟ قال: الذي لا يبالي أن يراه الناس مسيئًا. [الزهد للإمام أحمد / 127]. ¬

(¬1) قال ابن القيم رحمه الله: وأدب المرء: عنوان سعادته وفلاحه، وقلة أدبه: عنوان شقاوته وبَواره. فما استُجلب خير الدنيا والآخرة بمثل الأدب، ولا استجلب حرمانها بمثل قلة الأدب، فانظر إلى الأدب مع الوالدين: كيف نَجَّى صاحبه من حبس الغار حين أطبقت عليهم الصخرة، والإخلال به مع الأم تأويلا وإقبالا على الصلاة كيف امتحن صاحبه بهدم صومعته، وضرب الناس له، ورميه بالفاحشة. وانظر أدب الصديق - رضي الله عنه - مع النبي عليه الصلاة والسلام في الصلاة أن يتقدم بين يديه فقال: (ما كان ينبغي لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) كيف أورثه مقامه والإمامة بالأمة بعده. ا. هـ بتصرف. مدارج السالكين 3/ 209، 210 (¬2) وقال ابن القيم رحمه الله: والأدب هو الدين كله. مدارج السالكين 3/ 200

* وعن أبي العالية رحمه الله قال: إذا دخلت على قوم فألقوا إليك فاجلس بحيث ألقي لك الوسادة فإن القوم أعلم ببيتهم. [الزهد للإمام أحمد / 509]. * وعن عبد الرحمن بن عمر قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله يقول - وضحك رجل في مجلسه وسمعه - فقال: من هذا الذي يضحك؟ فأعاد مرارًا، فأشاروا إلى رجل، فأقبل عليه وهو يقول: تطلب العلم وأنت تضحك؟ مرتين، لاحدثتكم شهرين. فقام الناس فانصرفوا. ولا أعلم أني رأيت عبد الرحمن ضاحكًا شديدًا بقهقهة، إلا التبسم فإن خشي عليه أن يغلبه أمسك على فمه. قال: وسمعت عبد الرحمن قال لرجل: لا أفعل، ثم سأله الرجل فقال: إني قد قلت لا أفعل، قال: إنك لم تحلف قال: هذا أشد، لو حلفت لكفرت. [الحلية (تهذيبه) 3/ 113]. * وعن خالد بن نزار قال: سمعت مالك بن أنس رحمه الله يقول لفتى من قريش: يا ابن أخي تعلم الأدب قبل أن تتعلم العلم. [الحلية (تهذيبه) 2/ 359]. * وقال ابن وَهب: ما نقلنا من أدب مالك أكثرُ مما تعلمنا من علمه. [السير (تهذيبه) 2/ 737]. * وقال الشافعي رحمه الله: لو علمت أن الماء البارد ينقص من مروءتي ما شربته. [صفة الصفوة 2/ 554]. * وقال الذهبي: كان يجتمعُ في مجلس أحمد بن حنبل رحمه الله زُهاء خمسة آلاف أو يزيدون. نحو خمس مئة يكتبون، والباقون يتعلَّمون منه حُسْنَ الأدب والسَّمْت. [السير (تهذيبه) 2/ 947]. * وعن أبي بكر الحسن بن عبد الوهاب الوراق رحمه الله قال: ما رأيت أبي ضاحكًا قط إلا تبسمًا، وما رأيته مازحًا قط. ولقد رآني مرة وأنا أضحك مع أمي فجعل يقول لي: صاحب قرآن يضحك هذا الضحك؟ وإنما كنت مع أمي. [المنتظم 12/ 52، 53].

* وقال بعضهم: [عيون الأخبار 1/ 283]. إذا المرء أعيتْه المُروءة ناشئًا ... فمطلبُها كهلًا عليه شديدُ * وقال ابن المُقَفَّع رحمه الله: إذا أكرمك الناس لمالٍ أو سُلْطانٍ فلا يُعْجِبَنَّك ذلك، فإنّ زوال الكرامة بزوالهما، ولكنْ ليُعْجِبك إن أكرموك لِدِين أو أدب. [عيون الأخبار 2/ 519].

الحياء

الحياء (أ) الحياء من الناس (¬1): * عن محمد بن سيرين قال: خرج زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه يريد الجمعة، فاستقبله الناس راجعين، فدخل دارًا فقيل له، فقال: إنه من لا يستحي من الناس لا يستحي من الله. [صفة الصفوة 1/ 343]. * وعن سلمان رضي الله تعالى عنه قال: إن الله تعالى إذا أراد بعبد شرا، أو هلكة نزع منه الحياء، فلم تلقه إلا مقيتًا ممقتًا، فإذا كان مقيتًا ممقتًا نزعت منه الرحمة، فلم تلقه إلا فظًا غليظًا، فإذا كان كذلك نزعت منه الأمانة، فلم تلقه إلا خائنًا مخونًا، فإذا كان كذلك نزعت ربقة الإسلام من عنقه فكان لعينًا ملعنًا. [الحلية (تهذيبه) 1/ 164]. (ب) الحياء من الله: * عن عروة بن الزبير، عن أبيه أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه خطب الناس فقال: يا معشر المسلمين استحيوا من الله - عزَّ وجلَّ - فوالذي نفسي بيده، إني لأظل حين أذهب إلى الغائط في الفضاء متقنعًا بثوبي استحياء من ربي - عزَّ وجلَّ. [الزهد للإمام أحمد / 371]. ¬

(¬1) قال ابن القيم رحمه الله: أكمل ما يكون من الحياء: حياء المرء من نفسه، فهو حياء النفوس الشريفة العزيزة الرفيعة: من رضاها لنفسها بالنقص، وقناعتها بالدُّون، فيجد نفسه مُسْتَحييًا من نفسه حتى كأن له نفسين يستحي بإحداهما من الأخرى، فإن العبد إذا استحيى من نفسه فهو بأن يستحي من غيره أجدر. ا. هـ بتصرف. مدارج السالكين 2/ 608

* وعن الحسن قال - وذكر عثمان رضي الله تعالى عنه وشدة حيائه - فقال: إن كان ليكون في البيت والباب عليه مغلق، فما يضع عنه الثوب ليفيض عليه الماء، يمنعه الحياء أن يقيم صلبه. [الحلية (تهذيبه) 1/ 76]. * وقال أبو موسى - رضي الله عنه -: إني لأغتسل في البيت المظلم فما أقيم صلبي آخذًا ثوبي حياء من ربي - عزَّ وجلَّ. [الزهد للإمام أحمد / 354]. * وعن عبيد بن عمير رحمه الله قال: آثروا الحياء من الله، على الحياء من الناس. * وعن عبد الله بن أبي الهذيل رحمه الله قال: أدركنا أقوامًا وإن أحدهم يستحيي من الله تعالى في سواد الليل. قال سفيان: يعني التكشف. [الحلية (تهذيبه) 2/ 122]. * وعن ابن السماك رحمه الله قال: اجتمع ثلاثة من العبّاد، فقيل لأحدهم: لم تعمل؟ قال: رجاء الثواب، وقيل للآخر: لم تعمل؟ قال: خوف العقاب، وقيل للثالث لم تعمل؟ قال: حياء من المقام. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 228]. * وعن محمد بن حاتم قال: قال الفضيل رحمه الله: لو خيرت بين أن أبعث فأدخل الجنة، وبين أن لا أبعث لا اخترت أن لا أبعث. قيل لمحمد بن حاتم: هذا من الحياء؟ قال: نعم! هذا من طريق الحياء من الله - عزَّ وجلَّ. [الحلية (تهذيبه) 3/ 4]. * وقال حذيفة المرعشي رحمه الله: لو نزل عليّ ملك من السماء يخبرني أني لا أرى النار بعيني وأني أصير إلى الجنة، إلا أني أقف بين يدي ربي تعالى يسائلني، ثم أصير إلى الجنة لقلت: لا أريد الجنة، ولا أقف ذلك الموقف. [الحلية (تهذيبه) 3/ 64]. * وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله إذا استحيى العبد من ربه - عزَّ وجلَّ - فقد استكمل الخير. [الحلية (تهذيبه) 3/ 183].

الكرم، والجود، والإيثار

الكرم، والجود، والإيثار * عن مالك الداري أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أخذ أربعمائة دينار، فجعلها في صرَّة، فقال للغلام اذهب بها إلى أبي عبيدة بن الجراح - رضي الله عنه -، ثم تلّّه ساعةً في البيت حتى تنظر ما يصنع. فذهب الغلام، قال: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجتك. قال: وصله الله ورحمه. ثم قال: تعالَيْ يا جارية اذهبي بهذه السبعة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان حتى أنفذها. فرجع الغلام إلى عمر، فأخبره، فوجده قد أعدّ مثلها لمعاذ بن جبل فقال: اذهب بها إلى معاذ بن جبل - رضي الله عنه -، وتلّه في البيت ساعة حتى تنظر ما يصنع، فذهب بها إليه قال: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجتك فقال: رحمه الله ووصله. تعاَليْ يا جارية اذهبي إلى بيت فلان بكذا، اذهبي إلى بيت فلان بكذا. فاطلعت امرأته، فقالت: ونحن والله مساكين فأعطِنا، ولم يبق في الخرقة إلا ديناران. فدحا بهما إليها فرجع الغلام إلى عمر، فأخبره بذلك فقال: إنهم إخوةٌ بعضهم من بعض. [الزهد للإمام أحمد / 465]. * وعن سعدى بنت عوف امرأة طلحة بن عبيد الله - رضي الله عنه -. قالت: لقد تصدق طلحة يومًا بمائة ألف درهم، ثم حبسه عن الرواح إلى المسجد أن جمعت له بين طرفي ثوبه. [الحلية (تهذيبه) 1/ 91]. * وعن سعيد بن عبد العزيز قال: كان للزبير بن العوام - رضي الله عنه - ألف مملوك يؤدون إليه الخراج، فكان يقسمه كل ليلة، ثم يقوم إلى منزله وليس معه منه شيء. [الحلية (تهذيبه) 1/ 92]. * وعن أبي بردة قال: لما حضر أبا موسى - رضي الله عنه - الوفاة. قال: يا بني اذكروا صاحب الرغيف، قال: كان رجل يتعبد في صومعة أراه قال: سبعين

سنة لا ينزل إلا في يوم واحد، قال: فشبه أو شب الشيطان في عينه امرأة فكان معها سبعة أيام أو سبع ليال. قال: ثم كشف عن الرجل غطاؤه فخرج تائبًا، فكان كلما خطا خطوة صلى وسجد فآواه الليل إلى دكان كان عليه اثنا عشر مسكينا فأدركه العياء فرمى بنفسه بين رجلين منهم، وكان ثم راهب يبعث إليهم كل ليلة بأرغفة فيعطي كل إنسان رغيفًا فجاء صاحب الرغيف فأعطى كل إنسان رغيفا، ومر على ذلك الرجل الذي خرج تائبًا فظن أنه مسكين فأعطاه رغيفًا. فقال المتروك لصاحب الرغيف. مالك لم تعطني رغيفي ما كان بك عنه غنى؟ فقال: أتراني أمسكته عنك. سل هل أعطيت أحدًا منكم رغيفين. قالوا: لا! قال: تراني أمسكته عنك، والله لا أعطيك الليلة شيئًا، فعمد التائب إلى الرغيف الذي دفعه إليه فدفعه إلى الرجل الذي ترك، فأصبح التائب ميتًا قال: فوزنت السبعون سنة بالسبع الليالي فرجحت السبع الليالي، ثم وزنت السبع الليالي بالرغيف فرجح الرغيف. فقال أبو موسى: يا بني اذكروا صاحب الرغيف. [الحلية (تهذيبه) 1/ 201]. * وعن عبد الله بن أبي عثمان قال: كان عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - أعتق جاريته التي يقال لها رُمَيثة، فقال: إني سمعت الله - عزَّ وجلَّ - قال في كتابه: {لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92]، وإني والله إن كنت لأحبّك في الدنيا، اذهبي، فأنت حرة لوجه الله. [صفة الصفوة 1/ 269]. * وعن نافع قال: كان عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - إذا اشتد عجبه بشيء من ماله قرّبه لربه - عزَّ وجلَّ. قال نافع: كان رقيقه قد عرفوا ذلك منه، فربما شمر أحدهم فلزم المسجد، فإذا رآه ابن عمر على تلك الحال الحسنة أعتقه، فيقول له أصحابه: يا أبا عبد الرحمن، والله ما بهم إلا أن يخدعوك. فيقول ابن عمر: فمن خدعنا بالله انخدعْنا له. قال نافع: فلقد رأيتنا ذات عشية وراح عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - على نجيب له قد أخذه بمال، فلما أعجبه سيره أناخه مكانه، ثم نزل عنه فقال: يا نافع انزعوا زمامه، ورحله، وجللوه، وأشعروه، وأدخلوه في البُدْن. [صفة الصفوة 1/ 269].

* وعن أبي بكر بن حفص قال: لما اشتكى عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - اشتهى حوتًا فصُنع له، فلما وُضع بين يديه جاء سائل فقال: أعطوه الحوت فقالت امرأته: نعطيه درهمًا فهو أنفع له من هذا، واقْض أنت شهوتك منه. فقال: شهوتي ما أريد. [صفة الصفوة 1/ 270]. * واشتهى مرةً - رضي الله عنه - سمكا طريا، فأتي به على رأس أميال من المدينة قد شوي له، وجعل له خبز رقاق، فأتي به عند إفطاره على خوان (¬1)، فجعل ينظر فيه، فقال: اذهبوا به إلى يتامى بني فلان، فقالت له صاحبته: خذ منه شهوتك، ثم نذهب به إلى يتامى بني فلان، قال: اذهبوا به إلى يتامى بني فلان، فإنه إذا أخذوا منه شهوتهم، فقد أخذت منه شهوتي. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 128]. * وعن نافع، عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - أنه كان لا يعجبه شيء من ماله إلا خرج منه لله - عزَّ وجلَّ - قال: وربما تصدق في المجلس الواحد بثلاثين ألفًا. قال: وأعطاه ابن عامر مرتين ثلاثين ألفًا، قال: فقال ابن عمر: يا نافع إني أخاف أن تفتنني دراهم ابن عامر، اذهب فأنت حر. رواه أحمد. [صفة الصفوة 1/ 270]. * وعن نافع قال: إن كان ابن عمر - رضي الله عنه - ليقسم في المجلس الواحد ثلاثين ألفًا، ثم يأتي عليه شهر ما يأكل فيه مزعة لحم. [الحلية (تهذيبه) 1/ 212]. * وعن نافع قال: ما مات ابن عمر - رضي الله عنه - حتى أعتق ألف إنسان - أو زاد. [الحلية (تهذيبه) 1/ 213]. * وعن أيوب بن وائل الراسبي قال: قدمت المدينة فأخبرني رجل - جار لابن عمر رضي الله عنه - أنه أتى ابن عمر أربعة آلاف من قبل معاوية، وأربعة آلاف من قبل إنسان آخر، وألفان من قبل آخر، وقطيفة، فجاء إلى السوق يريد علفًا لراحلته بدرهم نسيئة. فقد عرفت الذي جاءه. فأتيت سريته فقلت: إني أريد أن أسألك عن شيء، وأحب أن تصدقيني؟ قلت: أليس قد أتت أبا عبد الرحمن أربعة آلاف من قبل معاوية، وأربعة آلاف من قبل إنسان آخر، وألفان من قبل ¬

(¬1) الخوان: ما يوضع عليه الطَّعام عند الأكل.

آخر، وقطيفة، قالت: بلى، قلت: فإني رأيته يطلب علفًا بدرهم نسيئة، قالت: ما بات حتى فرقها، فأخذ القطيفة فألقاها على ظهره ثم ذهب فوجهها ثم جاء. فقلت: يا معشر التجار ما تصنعون بالدنيا وابن عمر أتته البارحة عشرة آلاف درهم وضح، فأصبح اليوم يطلب لراحلته علفًا بدرهم نسيئة. [الحلية (تهذيبه) 1/ 213]. * وعن ميمون بن مهران؛ أن امرأة ابن عمر - رضي الله عنه - عوتبت فيه فقيل لها: أما تلطفين بهذا الشيخ؟ فقالت: فما أصنع به، لا نصنع له طعامًا إلا دعا عليه من يأكله، فأرسلت إلى قوم من المساكين كانوا يجلسون بطريقه إذا خرج من المسجد فأطعمتهم، وقالت لهم: لا تجلسوا بطريقه. ثم جاء إلى بيته فقال: أرسلوا إلى فلان وإلى فلان. وكانت امرأته أرسلت إليهم بطعام، وقالت: إن دعاكم فلا تأتوه. فقال ابن عمر رضى الله عنه: أردتم أن لا أتعشى الليلة فلم يتعش تلك الليلة. [الحلية (تهذيبه) 1/ 214]. * وعن ميمون بن مهران قال: مر أصحاب نجدة الحروري على إبل لعبد الله بن عمر - رضي الله عنه - فاستاقوها، فجاء راعيها، فقال: يا أبا عبد الرحمن احتسب الإبل، قال: ومالها؟ قال: مر بها أصحاب نجدة فذهبوا بها، قال: كيف ذهبوا بالإبل وتركوك؟ قال: قد كانوا ذهبوا بي معها ولكني انفلت منهم، قال: ما حملك على أن تركتهم وجئتني؟ قال: أنت أحب إليّ منهم، قال: الله الذي لا إله إلا هو لأنا أحب إليك منهم؟ قال: فحلف له، قال: فإني أحتسبك معها، فأعتقه، فمكث ما مكث ثم أتاه آت فقال: هل لك في ناقتك الفلانية - سماها باسمها - ها هو ذا تباع في السوق. قال: أرني ردائي، فلما وضعه على منكبيه وقام، جلس فوضع رداءه ثم قال: لقد كنت احتسبتها، فلم أطلبها؟ [الحلية (تهذيبه) 1/ 215]. * وعن عاصم بن محمد، عن أبيه، قال: أعطي عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - بنافع عشرة آلاف أو ألف دينار فقلت: يا أبا عبد الرحمن فما تنظر أن تبيع؟ قال: فهلا ما هو خير من ذلك؟ فهو حر لوجه الله - عزَّ وجلَّ - (رواه أحمد). [صفة الصفوة 1/ 270].

* وعن نافع، قال: كان ابن عمر - رضي الله عنه - يجمع أهله على جفنة كل ليلة، فربما جاء سائل، فيأخذ ابن عمر نصيبه من الثريد فيدفعه إليه، ثم يرجع وقد أكل ما في الجفنة، فإن كنت أكلت منها شيئا فقد أكل منها ابن عمر، ثم يصبح صائما. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 88]. * وقال بعضهم: [البداية والنهاية 12/ 70]. اشْتر العزَّ بما شئْت ... فَما العِزُّ بِغَالِ بالقصارِ الصُّفْرِ إن شئتَ ... أو السُّمْرِ الطِّوالِ ليس بالمَغبونِ عقلًا ... مَن شرَى عِزّا بمالِ إنما يُدَّخَرُ المالُ ... لحاجاتِ الرجالِ والفتى مَن جعَل الأموالَ ... أثمَانَ المعاليَ * وقال ابن عباس - رضي الله عنه -: إني لأستحي من الرجل يطأ بساطي ثلاث مرات ثم لا يرى عليه أثر من آثار بري. [المنتظم 6/ 74]. * وقال أيضًا - رضي الله عنه -: ثلاثة لا أكافئهم: رجل بَدَأنِي بالسلام، ورجلٌ وسّع لي في المجلس، ورجل اغبرّت قدماه في المشي إليّ إرادة التسليم عليّ، فأما الرابع فلا يكافئه عنّي إلا الله جلّ وعزّ. قيل: ومن هو؟ قال: رجل نزل به أمرٌ فبات ليلَته يفكّر بمَنْ يُنزله، ثم رآني أهلًا لحاجته فأنزلها بي. [عيون الأخبار 3/ 177]. * وقال أيضًا - رضي الله عنه -: لا يُزَهِّدنَّك في المعروف كفرُ من كفره، فإنه يشكرك عليه من لم تصطنِعه إليه. [عيون الأخبار 3/ 180]. * وقال أيضًا - رضي الله عنه -: صاحبُ المعروفِ لا يقَعُ، فإن وَقَع وجد مُتَّكَأً. هذا نحوُ قول النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -: " المعروف يَقِي مَصَارعَ السُّوءِ". [عيون الأخبار 3/ 177]. * وقال أيضًا - رضي الله عنه -: ما رأيتُ رجلًا أَوْلَيتُه معروفًا إلاّ أضاء ما بيني وبينه، ولا رأيتُ رجلًا أَوْلَيتُه سوءًا إلاّ أظلم ما بيني وبينه. [عيون الأخبار 3/ 177]. * وعن أبي حازم، قال: انصرفت من العصر إلى سهل بن سعد - رضي الله عنه -،

- وكان صائمًا - فلما أمسى قلت لغلامه: هات فطره، قال: ما عنده شيئ (¬1)، قال: فتمر، قال: ولا تمر، قال: فجعلت أسبه، وأقول: شيخ من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضيعته؟ قال: وما ذنبي؟ «فتح اليوم خزانته فما ترك فيها برة، ولا شعيرة إلا قسمه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 126]. * وأتى رجلٌ الحسنَ بن عليّ - رضي الله عنهما - يسأله، فقال الحسن: إن المسألة لا تصلُحُ إلا في غُرْمٍ فادحٍ أو فقر مُدْقِع أو حمالة مُفظِعةٍ؛ فقال الرجل: ما جئتُ إلا في إحداهنّ. فأمر له بمائة دينار. ثم أتى الرجلُ الحسينَ بن علي - رضي الله عنهما - فسأله، فقال له مثل مقالةِ أخيه، فردّ عليه كما ردّ على الحسن، فقال: كم أعطاك؟ قال: مائةَ دينار، فنقَصه دينارًا. كره أن يساوي أخاه. [عيون الأخبار 3/ 141]. * وعن حبيب بن أبي ثابت أن الحارثَ بنَ هشام وعِكْرِمةَ بن أبي جَهْل وعَيَّاشَ بن أبي ربيعة - رضي الله عنهم - خرجوا يوم اليَرْمُوك حتى انْبَتُّوا، فدعا الحارثُ بنُ هشام بماء ليشربه، فنظر إليه عكرمةُ فقال: ادفعه إلى عكرمةَ، فنظر إليه عيّاشٌ فقال عكرمةُ: ادفعه إلى عيّاش. فما وصل على عيّاشٍ حتى مات ولا عاد إليهم حتى ماتوا، فسُمِّي هذا حديثَ الكرام. [عيون الأخبار 1/ 390]. * وعن سفيان بن عيينة قال: كان سعيدُ بن العاص - رضي الله عنه - إذا أتاه سائلٌ فلم يكُ عنده ما سأل قال: اكتب عليّ بمسألتك سِجِلًّا إلى أيام يُسِرْي. [عيون الأخبار 1/ 387]. * وقال أبو الحسن الأخفش: حدثنا المبرد في غير الكامل قال: قال الحسن والحسين رضوان الله عليهما لعبد الله بن جعفر رحمه الله: إنك قد أسرفت في بذل المال، قال: بأبي أنتما وأمي إن الله عودني أن يفضل علي، وعودته أن أفضل على عباده، فأخاف أن أقطع العادة فتقطع عني. [الكامل في اللغة والأدب / 142]. * وقال رجل للأحنف رحمه الله: أتيتُك في حاجةٍ لا تنكيك ولا ترزؤك. ¬

(¬1) في الأصل: ....... علامة على أن الكلام في النسخة غير واضح.

قال: إذا لا تقضى! أمثلي يؤتى في حاجةٍ لا تَنْكِي ولا ترزَأُ!. [عيون الأخبار 3/ 138]. * وعن عمر بن ذر قال: قال الربيع بن أبي راشد رحمه الله - ورأى رجلًا مريضًا يتصدق بصدقة يقسمها بين جيرانه -: الهدايا أمام الزيارة، فلم يلبث الرجل إلا أيامًا حتى مات، فبكى عند ذلك الربيع. وقال: أحسّ والله بالموت وعلم أنه لا ينفعه من ماله إلا ما قدم بين يديه. [الحلية (تهذيبه) 2/ 145]. * وعن الشعبي رحمه الله قال: ما أدري أيهما أبعد غورا في النار: الكذب أو البخل!. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 218]. * وقال عروة بن الزبير رحمه الله: إذا جعل أحدكم لله - عزَّ وجلَّ - شيئًا، فلا يجعل له ما يستحي أن يجعله لكريمه، فإن الله تبارك وتعالى أكرم الكرماء، وأحق من اختير له. [صفة الصفوة 1/ 270]. * وقال جعفر بن محمد رحمه الله: لا يتم المعروف إلا بثلاثة: بتعجيله وتصغيرهِ وسَترِه (¬1). [صفة الصفوة 2/ 497]. * وقال أيضًا رحمه الله: إن الحاجة تَعرِض للرجل قِبَلي فأُبادِر بقضائها مخافة أن يستغنِيَ عنها أو تأتِيَه وقد استبطأها فلا يكون لها عنده موقع. [عيون الأخبار 3/ 177]. * وقال أبو العباس رحمه الله: من أمثال العرب: لم يذهب من مالك ما وعظك. [الكامل في اللغة والأدب / 184]. * وعن عبد الله بن خبيق قال: لقي يحيى بن زكريا عليهما الصلاة والسلام إبليس في صورته، فقال له: يا إبليس أخبرني ما أحب الناس إليك ¬

(¬1) نقل ابن كثير رحمه الله هذا الكلام وجعله من كلام ابن عباس وقال: يعني أن تعجَّلَ العطِيَّةُ للمُعطَى، وأن تصْغُرَ في عينِ المُعْطِي، وأن تسترَها عن النَّاسِ فلا تُظهِرَها؛ فإنَّ في إظهارِها فتح بابِ الرياءِ وكسرَ قلبِ المُعْطى، واستحياءَه من النَّاسِ. البداية والنهاية 9/ 100.

وأبغض الناس إليك؟ قال: أحب الناس إلي المؤمن البخيل، وأبغضهم إلي الفاسق السخي، قال يحيى: وكيف ذلك؟ قال: لأن البخيل قد كفاني بخله، والفاسق السخي أتخوف أن يطلع الله عليه في سخاه فيقبله، ثم ولَّى وهو يقول: لولا أنك يحيى لم أخبرك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 552]. * وعن شَيبة بن نعامة قال: كان علي بن الحسين رحمه الله يُبخَّل فلما مات، وجدوه يَقُوت مائة أهل بيت بالمدينة. [صفة الصفوة 2/ 449]. * وعن محمد بن إسحاق قال: كان ناس من أهل المدينة يَعيشون لا يدرون من أين كان معاشهم، فلما مات علي بن الحسين رحمه الله، فقدوا ما كانوا يُؤتَوْن به بالليل. [صفة الصفوة 2/ 449]. * وعن أبي حمزة الثُّمالي قال: كان علي بن الحسين رحمه الله يحمل جرابَ الخبز على ظهره بالليل فيتصدّق به، ويقول: إن صدقة السرّ تطفئ غضَب الربّ - عزَّ وجلَّ. [صفة الصفوة 2/ 449]. * وعن عمرو بن ثابت قال: لما مات علي بن الحسين رحمه الله، فغسَّلوه جعلوا ينظرون إلى آثارٍ سُود في ظهره، فقالوا: ما هذا؟ فقالوا: كان يحمل جُرُبَ الدقيق ليلًا على ظهره يعطيه فقراء أهل المدينة. [صفة الصفوة 2/ 449]. * وعن سعيد بن مرجانة أنه قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من أعتق رقبة مؤمنةً أعتق الله بكل إرْب منها إربًا منه من النار، حتى إنه يعتق باليد اليد، وبالرِجْل الرجْلِ، وبالفَرْجِ الفرْج". فقال علي بن الحسين رحمه الله: أنت سمعت هذا من أبي هريرة؟ قال سعيد: نعم. فقال لغلامٍ له أفْرهَ غلمانه: ادْعُ مطرفًا. فلما قام بين يديه قال: اذهب، فأنت حرّ لوجه الله - عزَّ وجلَّ. أخرجاه في الصحيحين. * وعن مجاهد رحمه الله قال: لو أن رجلًا أنفق مثل أحد في طاعة الله تعالى لم يكن من المسرفين. [الحلية (تهذيبه) 2/ 13]. * وعن الأعمش قال: ورث خيثمة بن عبد الرحمن رحمه الله مائتي ألف درهم فأنفقها على الفقراء والفقهاء. [الحلية (تهذيبه) 2/ 63].

* وقال المهلب بن أبي صفرة رحمه الله: العجب لمن يشتري المماليك بماله ولا يشتري الأحرار بمعروفه. [الكامل في اللغة والأدب / 413]. * وباع عبد الله بنُ عتبةَ رحمه الله أرضا بثمانين ألفًا، فقيل له: لو اتخذتَ لولدك من هذا المال ذُخْرًا! قال: أنا أجعلُ هذا المالَ ذخرًا لي عند الله وأجعلُ الله ذخرًا لولدي. وقَسمَ المالَ. [عيون الأخبار 1/ 384]. * واشترى عبيد الله بن أبي بَكْرة رحمه الله جاريةً نفيسةً فطُلِبَتْ دابةٌ تُحملُ عليها فلم تُوجَدْ، فجاء رجل بدابّةٍ فحملها، فقال له عبيد الله: اذهب بالجارية إلى منزلك. [عيون الأخبار 1/ 387]. * وقال رجل من كَلْب للحكم بن عَوَانة رحمه الله وهو على السِّند: إنما أنت عبدٌ. فقال الحكم: والله لأُعطينّك عطيّةً لا يُعطيها العبدُ. فأعطاه مائةَ رأس من السَّبْي. [عيون الأخبار 1/ 388]. * وأعطى رجلٌ امرأةً سألتْه مالًا عظيمًا، فلاموه وقالوا: إنها لا تَعرِفُكَ وإنما كان يرضِيها اليسيرُ. فقال: إن كانت تَرضى باليسير فإنّي لا أرضى إلا بالكثير وإن كانت لا تَعرِفُني فأنا أعرِفُ نفسي. [عيون الأخبار 1/ 390]. * وقال عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر رحمه الله: [عيون الأخبار 1/ 390]. أَرَى نَفْسِي تَتُوقُ إلى أمور ... ويَقْصُرُ دون مَبْلَغِهِنَّ حالِي فنفسيِ لا تُطاوِعُني ببخلٍ ... ومالي لا يُبَلِّغُنِي فَعَالي * وعن ميمون بن مهران رحمه الله قال: لئن أتصدق بدرهم في حياتي، أحب إليّ من أن يُتَصَدق عني بعد موتي بمائة درهم. [الحلية (تهذيبه) 2/ 55]. * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 1/ 391]. تراه إذا ما جِئْتَه مُتَهَلِّلًا ... كأنكَ تُعطِيهِ الذي أنتَ سَائِلُهْ * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 1/ 391]. ومِن تَكرُّمهمْ في المَحْلِ أنّهمُ ... لا يَحْسَبُ الجارُ فيهم أنه جارُ

* وقال جابر بن حبّان: فإن يَقْتسِمْ مالي بَنِيَّ ونِسوَتِي ... فلن يَقْسِمُوا خُلْقِي الكريمَ ولا فعلي وما وجدَ الأضيافُ فيما يَنُوبُهُمْ ... لهم عند عِلاَّت النفوس أبًا مِثلِي أُهِينُ لهم مالي وأعْلَمُ أنّني ... سَأُورِثُه الأحياءَ سِيرةَ مَنْ قَبلي [عيون الأخبار 1/ 393]. * وعن قبيصة قال: حدثني صاحب لنا أن امرأة من أهل داود الطائي رحمه الله صنعت ثريدة بسمن، ثم بعثت بها إلى داود حين إفطاره مع جارية لها، وكان بينها وبينهم رضاع، قالت الجارية: فأتيته بالقصعة فوضعتها بين يديه في الحجرة، قال: فسعى ليأكل منها، فجاء سائل فوقف على الباب، فقام فقدمها إليه، وجلس معه على الباب حتى أكلها، ثم دخل فغسل القصعة، ثم عمد إلى تمر كان بين يديه - قالت الجارية: ظننت أنه كان أعده لعشائه - فوضعه في القصعة ودفعها إليّ، وقال: أقرئيها السلام، قالت الجارية: ودفع إلى السائل ما جئناه به، ودفع إلينا ما أراد أن يفطر عليه، قالت: وأظنه ما بات إلا طاويًا، قال قبيصة: كنت أراه قد نحل جدًا. [الحلية (تهذيبه) 2/ 463]. * وقال الحسن البصري: صحبت ابن المبارك رحمه الله من خراسان إلى بغداد فما رأيته أكل وحده. [صفة الصفوة 4/ 373]. * وعن الحسين بن الحسن أنه قال: كنا عند ابن المبارك رحمه الله جلوسًا، فجاء سائل فسأله شيئًا، فقال: يا غلام ناوله درهمًا، فلما ولى السائل قال له بعض أصحابه، يا أبا عبد الرحمن، هؤلاء السؤال يتغدون بالشواء والفالوذج! كان يكفيه قطعة، فلِم أمرت له بدرهم؟ قال ابن المبارك: يا غلام، ردّه، إنما ظننت أنهم يجيزون بالبقل والخل عند غدائهم، فأما إذا كان غداؤهم بالشواء والفالوذج فلا بد من عشرة دراهم، يا غلام ناوله عشرة دراهم. [المنتظم 9/ 63]. * وعن محمد بن عبد الله بن واصل قال: جاء رجلٌ إلى شُرَيح رحمه الله يَستقرِضُ دراهمَ؛ فقال له شريحٌ: حاجتُك عندنا فاتِ منزلَكَ فإنّها ستأتيكَ، إنّي لأكره أن يَلْحَقَكَ ذُلُّها. [عيون الأخبار 3/ 192].

* وعن سليمان قال: جاء رجل من أهل الشام، فقال: دلوني على صفوان بن سليم رحمه الله، فإني رأيته دخل الجنة. قيل له: بأي شيء؟ قال: بقميص كساه إنسانًا، فسأل بعض إخوان صفوان صفوانًا عن قصة القميص. فقال: خرجت من المسجد في ليلة باردة وإذا برجل عار فنزعت قميصي فكسوته. [الحلية (تهذيبه) 1/ 499]. * وعن نُسَير قال: جاء سائل يسأل على باب الربيع بن خثيم رحمه الله فقال: أطعموا هذا السائل سكرًا، فقال أهله: إنما يريد نطعمه كسرة قال: أطعموه سكرًا فإن الربيع يحب السكر. [الزهد للإمام أحمد / 549]. * ومرّ الحسنُ رحمه الله برجلٍ يقلّب درهمًا، فقال له: أتُحِبّ دِرهَمك هذا؟ قال: نعم، قال: أما إنه ليس لك حتى يخرجَ من يدك. [عيون الأخبار 3/ 182]. * وقال أبو عبد الله خادم أبي الحسن الطوسي: كان أبو الحسن رحمه الله: يصِل قومًا ويعطيهم ويكْسوهم، فيبعث إليهم، ويقول للرسول: انظر أن لا يعلموا مَن بعثه إليهم؟ ويأتيهم هو بالليل، فيذهب به إليهم، ويخفي نفسه فربما بَليت ثيابهم ونَفِذ ما عندهم، ولا يدرونَ من الذي أعطاهم؟ ولا أعلم منذ صحبته وصلَ أحدًا بأقلّ من مائة درهم إلا أن لا يمكنه ذلك، وكنت أخبز له فما نخلت له دقيقًا إلا أن أعصيه. وكان يقول لي: اشترِ لي شعيرًا أسود قد تركه الناس فإنه يصير إلى الكنيف، ولا تشتري لي إلا ما يكفيني يومًا بيوم. [صفة الصفوة 2/ 366]. * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 3/ 178]. زاد معروفَك عندي عِظَمًا ... أنه عندك محقورٌ صغير تتناساه كأنْ لم تأته ... وهو عند الناس مشهورٌ كبيرُ * وعن أبي بكر بن أبي شيبة قال: قال جدي: أنفق ابن عائشة رحمه الله على إخوانه أربعمائة ألف دينار في الله حتى التجأ إلى أن باع سقف بيته. [المنتظم 11/ 139].

* وقال بشر بن الحارث رحمه الله: الصدقة أفضل من الحج والعمرة والجهاد، ثم قال: ذاك يركب ويرجع ويراه الناس، وهذا يعطي سرًا لا يراه إلا الله - عزَّ وجلَّ. [الحلية (تهذيبه) 3/ 91]. * وعن محمد بن حيان قال: كان أحمد بن مهدي رحمه الله ذا مال كثير نحو ثلاثمائة ألف درهم، فأنفقه كله على العلم، وذكر أنه لم يعرف له فراش أربعين سنة. [المنتظم 13/ 284، 285]. * وعن سهل بن مبشر قال: لما رجع عبد الله بن طاهر رحمه الله من الشام، صعد فوق سطح قصره، فنظر إلى دخان يرتفع في جواره، فقال: ما هذا الدخان؟ فقيل: لعل القوم يخبزون، فقال: ويحتاج جيراننا أن يتكلفوا ذلك؟! ثم دعا حجبه وقال: امض ومعك كاتب فأحص جيراننا ممن لا يقطعهم عنا شارع. فمضى فأحصاهم، فبلغ عددهم أربعة آلاف نفس، فأمر لكل واحد منهم كل يوم بمنَّين خبزًا ومنًّا لحمًا، ومن التوابل في كل شهر عشرة دراهم، والكسوة في الشتاء مائة وخمسين درهمًا وفي الصيف مائة درهم، وكان ذلك دأبه مدة مقامه ببغداد، فلما خرج انقطعت الوظائف إلا الكسوة ما عاش أبو العباس. [المنتظم 11/ 158، 159]. * وقال المهدي: ما توسل أحد بوسيلة ولا تذرع بذريعة هي أقرب إلي وأحب من أن يذكرني يدًا سلفت مني إليه أتبعها أختها وأحسن ربها، لأن منع الأواخر يقطع شكر الأوائل. (¬1) [المنتظم 8/ 210]. * وعن فائقة بنت عبد الله أنها قالت: بينا أنا يومًا عند المهدي وكان قد خرج متنزهًا إلى الأنبار إذ دخل عليه الربيع ومعه قطعة من جراب فيه كتاب برماد وختم من طين قد عجن بالرماد، وهو مطبوع بخاتم الخلافة، فقال: يا أمير المؤمنين، ما رأيت أعجب من هذه الرقعة، جاءني بها رجل أعرابي وهو ينادي: هذا كتاب أمير المؤمنين المهدي، دلوني على هذا الرجل الذي يسمى الربيع فقد أمرني أن أدفعها إليه - أعني هذه الرقعة -. فأخذها المهدي ¬

(¬1) في عيون الأخبار 3/ 178: أن هذا الكلام من قول جعفر بن محمد رحمه الله.

وضحك وقال: صدق هذا خطي وهذا خاتمي، أفلا أخبركم بالقصة؟ قلنا: يا أمير المؤمنين، رأيك أعلى عينًا في ذلك. قال: خرجت أمس إلى الصيد في غب سماء، فلما أصبحت هاج علينا ضباب شديد وفقدت أصحابي حتى ما رأيت منهم أحدًا، وأصابني من البرد والجوع والعطش ما الله به أعلم، وتحيرت عند ذلك فذكرت دعاء سمعته من أبي، عن أبيه، عن جده، عن ابن عباس، قال: من قال إذا أصبح وإذا أمسى: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ولا حول ولا قوة إلا بالله " اعتصمت بالله وتوكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم " وُقيَ وكفي وشفي من الحرق والغرق والهدم وميتة السوء. فلما قلتها دفع لي ضوء نار فقصدتها، فإذا بهذا الأعرابي في خيمة له، وإذا هو يوقد نارًا بين يديه، فقلت: أيها الأعرابي هل من ضيافة؟ قال: انزل، فنزلت، فقال لزوجته: هاتي ذاك الشعير، فأتته به، فقال: اطحنيه، فابتدأت بطحنه، فقلت له: اسقني ماء، فجاء بسقاء فيه مذقة من لبن أكثره ماء، فشربت منها شربة ما شربت قط شيئًا إلا وهو أطيب منه، قال: فأعطاني حلسًا له فوضعت رأسي عليه، فنمت نومة ما نمت نومة أطيب منها وألذ، ثم انتبهت فإذا هو قد وثب إلى شويهة فذبحها، وإذا امرأته تقول له: ويحك قتلت نفسك وصبيتك إنما كان معاشكم من هذه الشاة فذبحتها فبأي شيء نعيش؟ قال: فقلت: لا عليك هات الشاة، فشققت جوفها واستخرجت كبدها بسكين في خفي فشرحتها ثم طرحتها على النار فأكلتها، ثم قلت: هل عندك شيء أكتب لك فيه؟ فجاءني بهذه القطعة وأخذت عودًا من الرماد الذي كان بين يديه، فكتبت له هذا الكتاب وختمته بهذا الخاتم وأمرته أن يجيء ويسأل عن الربيع فيدفعها إليه فإذا في الرقعة خمسمائة ألف درهم، فقال: لا والله ما أردت إلا خمسين ألف درهم، ولكن جرت بخمسمائة ألف درهم، لا أنقص والله منها درهمًا واحدًا ولو لم يكن في بيت المال غيرها احملوها معه. فما كان إلا قليلًا حتى تكثرت إبله وشاؤه، وصار منزلًا من المنازل تنزله الناس من أراد الحج من الأنبار إلى مكة، وسمي مضيف أمير المؤمنين المهدي. [المنتظم 8/ 211، 212].

* وعن منصور بن عمار قال: دخلت على الليث بن سعد رحمه الله يومًا وعلى رأسه خادم فغمزه فخرج ثم ضرب الليث بيده إلى مصلاه فاستخرج من تحته كيسًا فيه ألف دينار ثم رمى بها إلي، ثم قال: يا أبا السري لا تعلم بها ابني فتهون عليه. [الحلية (تهذيبه) 2/ 447]. * وعن عبد الله بن صالح قال: صحبت الليث رحمه الله عشرين سنة لا يتغدى ولا يتعشى وحده إلا مع الناس، وكان لا يأكل اللحم إلا أن يمرض. [الحلية (تهذيبه) 2/ 447]. * وعن ابن رميح قال: كان دخل الليث بن سعد رحمه الله في كل سنة ثمانين ألف دينار، ما أوجب الله تعالى عليه درهمًا بزكاة قط. [الحلية (تهذيبه) 2/ 448]. * وقام رجل من مجلس خالد بن عبد الله القسريّ، فقال خالد: إني لأُبغِض هذا الرجل وما له إليّ ذنب. فقال رجل من القوم. أَوَلِهِ أيّها الأمير معروفًا. ففعل، فما لبِث أن خفّ على قلبه وصار أحدَ جلسائه. [عيون الأخبار 3/ 178]. * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 3/ 179]. أفسدتَ بالمنّ ما أسديتَ من حسنٍ ... ليس الكريمُ إذا أسدى بِمَنانِ * وقال رجل لابن شُبْرُمة رحمه الله: فعلتُ بفلانٍ كذا وفعلتُ به كذا. فقال: لا خيرَ في المعروف إذا أُحصِيَ. [عيون الأخبار 3/ 179]. * وكان يقال: بذلُ الجاهِ زكاةُ الشرف. [عيون الأخبار 3/ 179]. * وقال سَلْم بن عتيبة رحمه الله: أحدُهم يَحْقِر الشيءَ فيأتي ما هو شرٌّ منه. يعني المنع. [عيون الأخبار 3/ 180]. * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 3/ 181]. منْ يفعَلِ الخيرَ لا يَعْدمْ جوازيَه ... لا يذهبُ العُرْفُ بين الله والناس

* وقال بعضُهم: [عيون الأخبار 3/ 183]. أنتَ للمال إذا أمسكتَه ... فإذا أنفقتَه فالمالُ لكْ * وعن مروان بن أبي حفصة أنه قال: كان المنصور قد طلب معن بن زائدة الشيباني طلبًا شديدًا، وجعل فيه مالًا، فحدثني معن باليمن أنه اضطر لشدة الطلب حتى قام في الشمس حتى لوحت وجهه، وخفف عارضه ولحيته، ولبس جبة صوف غليظة، وركب حملًا من حمال النقالة، وخرج ليمضي إلى البادية، وقد كان أبلى في حرب بين يدي عمر بن هبيرة بلاءً عظيمًا، فغاظ المنصور في طلبه قال معن: فلما خرجت من باب حرب تبعني أسود متقلدًا سيفًا حتى إذا غبت عن الحرس قبض على خطام الجمل فأناخه، وقبض عليّ، فقلت: مالك؟ فقال: أنت طلبة أمير المؤمنين، فقلت: ومَنْ أنا حتى يطلبني أمير المؤمنين، فقال: أنت معن بن زائدة، فقلت: يا هذا اتق الله، وأين أنا من معن بن زائدة، فقال: دع ذا عنك فأنا والله أعرف بك من نفسك، فقلت له: إن كان كما تقول فهذا جوهر حملته معي بأضعاف ما بذله المنصور لمن جاء بي، فخذه ولا تسفك دمي، قال: هاته، فأخرجته إليه فنظر إليه ساعة، وقال: صدقت في قيمته ولست نائله حتى أسألك عن شيء، فإن صدقتني أطلقتك، قلت: قل، قال: فإن الناس قد وصفوك بالجود، فأخبرني هل وهبت قط مالك كله، قلت: لا، قال: فنصفه، قلت: لا، قال: فثلثه قلت: لا، حتى بلغ العُشر فاستحييت، فقلت: أظن أني قد فعلت ذلك، قال: ما أراك فعلته، أنا والله رجل راجل رزقي مع أبي جعفر عشرون درهمًا، وهذا الجوهر قيمته آلاف الدنانير، وقد وهبته لك ووهبتك نفسك لجودك المأثور بين الناس، ولتحتقر بعد هذا كل شيء تفعله ولا تتوقف في مكرمة، ثم رمى بالعقد في حجري وخلَّى خطام البعير وانصرف، فقلت: يا هذا، قد والله فضحتني، ولسفك دمي أهون عليَّ مما فعلته، فخذ ما دفعته إليك فإني غني عنه، فضحك وقال: أردت أن تكذبني في مقامي هذا، والله لا آخذه ولا أتخذ لمعروف ثمنًا أبدًا، ومضى، فوالله لقد طلبته بعد أن أمنت وبذلت لمن جاءني به ما شاء، فما عرفت له خبرًا. [المنتظم 8/ 149، 150].

* وقال رجل للعبّاس بن محمد رحمه الله: إنّي أتيتُكَ في حاجةٍ صغيرةٍ، قال: اطلب لها رجلًا صغيرًا. وهذا خلافُ قولِ عليِّ بن عبد الله بن العبّاس لرجل قاله له: إني أتيتكَ في حاجةٍ صغيرةٍ فقال له عليّ بن عبد الله: هاتها، إنّ الرجل لا يصغُر عن كبير أخيه ولا يكبُرُ عن صغيرهِ. [عيون الأخبار 3/ 138]. * وقال بعضُهم: مَن سألكَ لم يُكرم وجهَه عن مسألتكَ. فأكرِم وجهَكَ عن ردّه. [عيون الأخبار 3/ 141]. * وقال أسماءُ بن خارجة رحمه الله: ما أُحِبُّ أن أردّ أحدًا عن حاجةٍ؛ فإنه لا يخلو من أن يكون كريمًا فأصونه، أو لئيمًا فأصون من نفسي. [عيون الأخبار 3/ 141]. * وعن عبد الله بن محمد البلوي قال: أمر الرشيد لمحمد بن إدريس الشافعي رحمه الله بألف دينار فقبلها، فأمر الرشيد خادمه سراجًا باتباعه، فما زال يفرقها قبضة قبضة، حتى انتهى إلى خارج الدار وما معه إلا قبضة واحدة، فدفعها إلى غلامه وقال: انتفع بها. فأخبر سراج الرشيد بذاك فقال: لهذا فرغ همه وقوي متنه. [الحلية (تهذيبه) 3/ 130]. * وعن الربيع بن سليمان، عن الشافعي رحمه الله قال: خرج هرثمة فأقرأني سلام أمير المؤمنين هارون وقال: قد أمر لك بخمسة آلاف دينار. قال: فحمل إليه المال، فدعا بحجام فأخذ من شعره، فأعطاه خمسين دينارًا، ثم أخذ رقاعًا وصر من تلك الدنانير صررًا ففرقها في القرشيين الذين هم بالحضرة، ومن هم بمكة، حتى ما رجع إلى بيته إلا بأقل من مائة دينار. [الحلية (تهذيبه) 3/ 131]. * وعن المزني قال: ما رأيت رجلًا أكرم من الشافعي رحمه الله، خرجت معه ليلة عيد من المسجد، وأنا أذاكره في مسألة، حتى أتيت باب داره، فأتاه غلام بكيس فقال: مولاي يقرئك السلام ويقول لك: خذ هذا الكيس، فأخذه منه وأدخله في كمه، فأتاه رجل من الحلقة فقال: يا أبا عبد الله! ولدت امرأتي الساعة ولا شيء عندي، فدفع إليه الكيس وصعد وليس معه شيء. [الحلية (تهذيبه) 3/ 131].

* وقال ابن الجوزي رحمه الله: مرض نظام الملك رحمه الله فكان يداوي نفسه بالصدقة، فيجتمع عنده خلق من الضعفاء فيتصدق عليهم، فعوفي. [المنتظم 16/ 298]. * وقال رحمه الله: كان أبو الحارس الأولاسي رحمه الله شابًا يغني في أول أمره وقال: بينا أنا في غَفْلتي رأيت عليلًا مطروحًا على قارعة الطريق، فدنوت منه فقلت: هل تَشتَهي شيئًا؟ قال: نعم رمّانًا. فجِئْته برمّان، فلما وضعتُه بين يديه رفع بصره، وقال: تاب الله عليك، فما أمسيتُ حتى تغّير قلبي عما كنت عليه. [صفة الصفوة 4/ 485].

التواضع وذم الكبر

التواضع وذم الكبر * عن الحسن، قال: خرج عمر - رضي الله عنه - في يوم حار واضعا رداءه على رأسه قال: فمر به غلام على حمار، فقال: يا غلام احملني معك، قال: فوثب الغلام عن الحمار، فقال: اركب يا أمير المؤمنين قال: لا اركب، وأركب أنا خلفك، تريد أن تحملني على المكان الخشن، وتركب على المكان الوطيء، ولكن اركب أنت، وأكون أنا خلفك، قال: فدخل المدينة وهو خلفه، والناس ينظرون إليه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 136]. * وعن إبراهيم بن حمزة قال: أُتي عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ببرود من اليمن فقسمها بين المهاجرين والأنصار، وكان فيها برد فائق، فقال: إن أعطيته أحدًا منهم غضب أصحابه ورأوا أنه فضلته عليهم، فدلوني على فتى من قريش نشأ نشأة حسنة أعطيه إياه، فأسمو المسور بن مخرمة، فدفعه إليه، فنظر إليه سعد بن أبي وقاص على المسور، فقال: ما هذا؟ قال: كسانيه أمير المؤمنين، فجاء سعد إلى عمر فقال: تكسوني هذا البرد وتكسو ابن أخي أفضل منه؟ فقال: يا أبا إسحاق، إني كرهت أن أعطيه أحدًا منكم فيغضب أصحابه فأعطيته فتى نشأ نشأة حسنة حتى لا يتوهم فيه أني أفضله عليكم، فقال سعد: فإني قد حلفت لأضربن بالبرد الذي أعطيتني رأسك، فخضع له عمر رأسه وقال: عندك يا أبا إسحاق فارفق الشيخ بالشيخ، فضرب رأسه بالبرد. [المنتظم 6/ 33]. * وعن مجالد بن سعيد، قال: لما أتى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - الخبر بنزول رستم القادسية كان يستخبر الركبان عن أهل القادسية من حين يصبح إلى انتصاف النهار، ثم يرجع إلى أهله، فلما لقيه البشير سأله: من أين جاء؟ فأخبره، قال: يا عبد الله، أخبرني، قال: هزم الله العدو، وعمر يحث معه ويستخبره، والبشير يسير يحث ناقته لا يعرفه حتى دخل المدينة، فإذا الناس

يسلمون عليه بإمرة المؤمنين، فقال الرجل: فهلا أخبرتني رحمك الله أنك أمير المؤمنين، فجعل عمر - رضي الله عنه - يقول: لا عليك يا أخي. [المنتظم 4/ 178، 179]. * وعن رجل من جهينة قال: بعثني أبي في خلافة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بنُجُد لأبيعهن بالمدينة، فلما كنت قريبا من المدينة إذا أنا برجل عامد إلى المدينة، وقد مال حمل حماري، فقلت: يا عبد الله أعني على حمل حماري حتى أعْدِله، قال: نعم يا بُنيّ، فقام معي حتى أعْدَله، فقال لي: من أنت؟ قلت: فلان بن فلان الجهني، فقال: إذا أتيت أباك فقل إن عمر أمير المؤمنين يقول: إياك وذبح كثرة الحَدَبة (¬1)، قلت: من أنت رحمك الله؟ قال: عمر أمير المؤمنين. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 439]. * وعن ثابت قال: كان سلمان الفارسي - رضي الله عنه - أميرًا على المدائن، فجاء رجل من أهل الشام، ومعه حِمل تُبْنٍ وعلى سلمان أنْدرا ورْدٍ، وعباءة، فقال لسلمان: تعالَ احمل، وهو لا يعرف سلمان. فحمل سلمان فرآه الناس فعرفوه فقالوا: هذا الأمير. فقال: لم أعرفك. فقال له سلمان: لا حتى أبلغ منزلك. وفي رواية أخرى: إني قد نويت فيه نيةً فلا أضعه حتى أبلغ بيتك. [صفة الصفوة 1/ 256]. * وعن ثعلبة بن أبي مالك القُرَظي أن أبا هريرة - رضي الله عنه - أقبل في السوق يحمل حزمة حطب، وهو يومئذ خليفة لمروان. فقال: أوسِع الطريقَ للأمير يا بن أبي مالك. فقلت: أصلحك الله، يكفي هذا. فقال: أوسع الطريق للأمير، والحزمة عليه. [صفة الصفوة 1/ 256]. * وعن حبيب بن أبي ثابت قال: خرج عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - ذات يوم، فاتّبعه ناس، فقال لهم: ألكم حاجة؟ قالوا: لا، ولكن أردنا أن نمشي معك. قال: ارجعوا فإنه ذلّة للتابع، وفتنة للمتبوع. [صفة الصفوة 1/ 186]. * وقال - رضي الله عنه -: من يتطاول تعظمًا يضعه الله، ومن يتواضع تخشعًا يرفعه الله. [الحلية (تهذيبه) 1/ 124]. ¬

(¬1) الحَدَبُ: خُروجُ الظَّهْرِ ودخولُ البَطْنِ والصَّدْرِ من شدة الهزل.

* وقال - رضي الله عنه -: رأسُ التواضع أن تَبدأ مَنْ لَقِيتَ بالسّلام، وأن تَرضَى بالدُّون من المجلس. [عيون الأخبار 1/ 309]. * وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: إنكم تفعلون أفضل العبادة: التواضع. [الزهد للإمام أحمد / 304]. * وعن نافعٍ أو غيره، أن رجلًا قال لابن عُمر - رضي الله عنه -: يا خيرَ الناسِ وابنَ خير الناسِ. فقال: ما أنا بخير الناس، ولا ابن خير الناس، ولكني عبد من عبادِ الله، أرجو الله، وأخافُه، والله لن تزالوا بالرجل حتى تُهلِكُوه. [السير (تهذيبه) 1/ 373]. * وجاء رجل إلى ابن عمر - رضي الله عنهما - فسأله عن فريضة، فقال له: ائت سعيد بن جبير فإنه أعلم بالحساب مني. [المنتظم 6/ 7]. * وعن مجاهد قال: كنت أصحب ابن عمر - رضي الله عنهما - في السفر فإن أردت أن أركب يأتيني فيمسك ركابي وإذا ركبت سوى ثيابي، قال مجاهد: فجاءني مرة فكأني كرهت ذلك. فقال يا مجاهد إنك ضيق الخلق. [الحلية (تهذيبه) 2/ 11]. * وقال أيضًا - رضي الله عنه -: صحبت ابن عمر، وإني أريد أن أخدمه، فكان هو يخدمني. [الحلية (تهذيبه) 2/ 11]. * وعن عمرو بن سعيد، عن أبيه. قال: قدم ابن عمر - رضي الله عنه - مكة فسألوه. فقال: تجمعون لي المسائل وفيكم عطاء بن أبي رباح؟. [الحلية (تهذيبه) 2/ 14]. * وعن الرباب قال: سألت ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن شيء. فقال: تسألوني وفيكم جابر بن زيد. [الحلية (تهذيبه) 1/ 460]. * وقال الأحنف بن قيس رحمه الله: عجبتُ لمن يجري في مَجرى البَول مرَّتين كيف يتكبَّر!. [السير (تهذيبه) 1/ 451]. * وعن محمد بن علي رحمه الله أنه قال: ما دخل قلبَ امرئ شيء من الكِبْر، إلا نَقص من عقله مثلُ ما دخله من ذلك، قلّ أو كثُر. [صفة الصفوة 2/ 458]. * وكان أبو سنان رحمه الله يشتري الشيء من السوق فيحمله، فيقال: هات نحمله فيأبى، ويقول: إنه لا يحب المستكبرين. [الحلية (تهذيبه) 2/ 151].

* وعن منذر قال: كان الربيع بن خيثم رحمه الله يكنس الحش بنفسه فقيل له: إنك تكفي هذا قال: إني أحب أن آخذ بنصيبي من المهنة. [الزهد للإمام أحمد / 565]. * وعن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال: لما دفَن عمر بن عبد العزيز رحمه الله سليمان بن عبد الملك، وخرج من قبره سمَع للأرض هدّة أو رجّة، فقال: ما هذه؟ فقيل: هذهِ مراكب الخلافة يا أمير المؤمنين قُرّبت إليك لتركبها. فقال: ما لي ولها؟ نحُّوها عني، قَرّبوا إليَّ بغلتي، فقُرّبت إليه بغلته فركبها، فجاءه صاحب الشُرَط يسير بين يديه بالحرْبة، فقال: تنحَّ عنّي ما لي ولك؟ إنما أنا رجل من المسلمين. [صفة الصفوة 2/ 462]. * وعن عبد العزيز بن عمر قال: قال لي رجاء بن حَيْوَة: ما أكمل مروءةَ أبيك! سمَرْت عنده، فعَشِيَ السِّراجُ، وإلى جانبه وصِيفٌ نامَ، قلت: ألا أُنبِّهُهُ؟ قال: لا، دَعْهُ، قلتُ: أنا أقومُ، قال: لا ليس من مروءة الرجل استخدامُه ضَيفَه، فقام إلى بطَّةِ الزيت وأصلحَ السِّراجَ، ثم رجع، وقال: قُمتُ وأنا عمر بن عبد العزيز، ورجعتُ وأنا عُمر بنُ عبد العزيز. [السير (تهذيبه) 2/ 590]. * وعن عبد الكريم قال: قيل لعمر بن عبد العزيز رحمه الله: جزاك الله عن الإسلام خيرًا قال: بل جزى الله الإسلام عني خيرًا. [الزهد للإمام أحمد / 500]. * وقال سفيان بن عيينة رحمه الله: من رأى أنه خير من غيره فقد استكبر، وذلك أن إبليس إنما منعه من السجود لآدم - عليه السلام - استكباره. [صفة الصفوة 2/ 540]. * وقال أيضًا رحمه الله: من كانت معصيته في الشهوة، فارج له التوبة، فإن آدم عصى مشتهيًا فغفر له، فإذا كانت معصيته في كِبْرٍ، فاخْشَ (¬1) على صاحبه اللعنة، فإن إبليس عصى مستكبرًا فُلعِن. (¬2) [صفة الصفوة 2/ 540]. ¬

(¬1) في الحلية 2/ 426: فاحث, ولعله تصحيف. (¬2) قال ابن القيم رحمه الله: وأكثر الناس من المتنزهين عن الكبائر الحسية والقاذورات في الكبائر مثلها أو أعظم منها أو دونها ولا يخطر بقلوبهم أنها ذنوب ليتوبوا منها فعندهم من الإزراء على أهل الكبائر واحتقارهم وصولة طاعاتهم ومنتهم على الخلق بلسان الحال واقتضاء بواطنهم لتعظيم الخلق لهم على طاعاتهم اقتضاء لا يخفى على أحد غيرهم وتوابع ذلك ما هو أبغض إلى الله وأبعد لهم عن بابه من كبائر أولئك فإن تدارك الله أحدهم بقاذورة أو كبيرة يوقعه فيها ليكسر بها نفسه ويعرفه قدره ويذله بها ويخرج بها صولة الطاعة من قلبه فهي رحمة في حقه كما أنه إذا تدارك أصحاب الكبائر بتوبة نصوح وإقبال بقلوبهم إليه فهو رحمة في حقهم وإلا فكلاهما على خطر. مدارج السالكين 1/ 348

* وقال أيضًا رحمه الله: والله إني أتعلم من ابن المديني أكثر مما يتعلم مني، ولولاه ما جلست. وكذلك كان يحيى بن سعيد رحمه الله يقول: الناس يلوموني في قعودي مع علي، وأنا أتعلم من علي أكثر مما يتعلم مني. [المنتظم 11/ 214، 215]. * وعن وهيب بن الورد رحمه الله قال: بلغنا أن عيسى - عليه السلام - مرّ هو ورجل من حوارّييه بلص في قلعة له، فلما رآهما اللص ألقى الله في قلبه التوبة. قال: فقال في نفسه: هذا عيسى بن مريم - عليه السلام - روح الله وكلمته، وهذا فلان حواريّه، ومن أنت يا شقي؟ لصّ بني إسرائيل، قطعت الطريق، وأخذت الأموال، وسفكت الدماء، ثم هبط إليهما تائبًا نادمًا على ما كان منه. فلما لحقهما قال لنفسه: تريد أن تمشي معهما؟ لست لذلك بأهل، امش خلفهما كما يمشي الخطّاء المذنب مثلك. قال: فالتفت إليه الحواري فعرفه، فقال في نفسه انظر إلى هذا الخبيث الشقيّ، ومشيه وراءنا. قال: فاطّلع الله على ما في قلوبهما، من ندامته وتوبته، ومن ازدراء الحواريّ إياه، وتفضيله نفسه عليه. قال فأوحى الله - عزَّ وجلَّ - إلى عيسى بن مريم: أن مُر الحواريّ، ولص بني إسرائيل أن يستأنفا (¬1) العمل جميعًا: أما اللص، فقد غفرت له ما قد مضى لندامته وتوبته، وأما الحواري، فقد حبط عمله لعجبه بنفسه، وازدرائه هذا التوّاب. [صفة الصفوة 2/ 534]. * وقال عون بن عبد الله رحمه الله: كفى بك من الكبر أن ترى لك فضلًا على من هو دونك. وكانوا يقولون: ذلوا عند الطاعة، وعزوا عند المعصية. [الحلية (تهذيبه) 2/ 79]. ¬

(¬1) أي: يبتدئا.

* وقال أيوب السختياني رحمه الله: إن قومًا يريدون أن يرتفعوا، فيأبى الله إلا أن يضعهم، وآخرين يريدون أن يتواضعوا، ويأبى الله إلا أن يرفعهم. [صفة الصفوة 3/ 209]. * وعن عاصم قال: لم يكن ابن سيرين رحمه الله يترك أحدًا يمشي معه. [صفة الصفوة 3/ 172]. * وعن خالد بن معدان، عن عمرو بن الأسود العنسيّ رحمه الله، أنه كان إذا خرج من المسجد قبض بيمينه على شماله، فَسُئِلَ عن ذلك، فقال: مخافةَ أن تُنافِقَ يديَ. قال الذهبي رحمه الله: يُمسكُها خوفًا من أن يخطُرَ بيده في مشيته، فإنَّ ذلك الخُيَلاء. [السير (تهذيبه) 1/ 448]. * وعن الأصمعي عن أبيه، قال: مرَّ المهلب بن أبي صفرة على مالك بن دينار رحمه الله متبخترًا، فقال: أما علمتَ أنها مِشية يكرهها الله إلا بينَ الصَّفينِ؟ فقال المهلَّبُ: أما تعرفني؟ قال: بلى، أوَّلُك نُطفة مَذِرَة، وآخِرُك جيفةٌ قذرة، وأنت فيما بين ذلك تحمِل العَذِرَة. فانكسر، وقال: الآن عرفتني حقَّ المعرفة. [السير (تهذيبه) 2/ 713]. * وقال أيوب بن المتوكل: كان الخليل بن أحمد رحمه الله إذا أفاد إنسانًا شيئًا، لم يُرِهِ بأنه أفاده، وإن استفاد من أحد شيئًا، أراه بأنه استفاد منه. قال الذهبي رحمه الله: صار طوائف في زماننا بالعكس. [السير (تهذيبه) 2/ 713]. * وقال أبو وَهْب المَرْوَزي: سألت ابن المبارك رحمه الله: ما الكِبْرُ؟ قال: أن تَزْدَرِيَ الناس. [السير (تهذيبه) 2/ 769]. * وعن عبيد بن جناد قال: ما رأيت أحدًا مثل ابن المبارك رحمه الله، إذا ذكر أصحابه فخمهم، يقول: وأين مثل فلان، ثم يقول: الرفيع من يرفعه بطاعته، والوضيع من وضعه. [الحلية (تهذيبه) 3/ 39]. * وعن أبي الزاهرية، عن جبير بن نفير رحمه الله قال: قيل له: أي الكبرين أشر؟ قال: كبر العبادة. [الحلية (تهذيبه) 2/ 165].

* وعن أبي المليح، عن ميمون رحمه الله أنه أتاه رجل فقال له: لا يزال الناس بخير ما كنت فيهم، قال: لا يزال الناس بخير ما اتقوا الله. [الحلية (تهذيبه) 2/ 56]. * وعن أبي عبيدة رحمه الله قال: إن جبارًا من الجبابرة قال: لا أنتهي حتى أنظر من في السماء؟ قال: فسلط الله تعالى عليه أضعف خلقه فدخلت بقة في أنفه فأخذه الموت. فقال: اضربوا رأسي فضربوه حتى نثروا دماغه. [الحلية (تهذيبه) 2/ 86]. * وسُئلَ يوسفُ بن أسباط رحمه الله: ما غايةُ التَّواضع؟ قال: ألا تلقى أحدًا إلا رأيت له الفَضْل عليك. [السير (تهذيبه) 2/ 814]. * وقال أيضًا رحمه الله: يجزي قليل التواضع عن كثير الاجتهاد. [الحلية (تهذيبه) 3/ 59]. * وعن سليمان الشاذكوني رحمه الله قال: جاءني محمد بن مسلم بن واره (¬1) فقعد يتقعر في كلامه. قال: قلت له: من أي بلد أنت؟ قال: من أهل الري، ثم قال: أو لم يأتك خبري، أولم تسمع بنبأي؟ أنا ذو الرحلتين، قلت: مَنْ روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إن من الشعر حكمة، وإن من البيان سحرًا "؟ قال: فقال: حدَّثني بعض أصحبنا قال: قلت: مَنْ أصحابك؟. قال: أبو نعيم، وقبيصة. قال: قلت: يا غلام، ائتني بالدرة، قال: فأتاني الغلام بالدرة فأمرته فضربه خمسين، فقلت: أنت تخرج من عندي ما آمن تقول حدَّثنا بعض غلماننا. [المنتظم 12/ 205]. * وقال أبو حازم رحمه الله: من رأى أنه خير من غيره فهو مستكبر؛ وذلك أن إبليس قال: (أنا خير منه) فكان ذلك استكبارا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 544]. * وقيل لشقيق بن سلمة رحمه الله: أيما أكبر أنت أو الربيع بن خيثم؟ فقال: أنا أكبر منه سنًا، وهو كان أكبر مني عقلًا. [المنتظم 6/ 254]. * ورأى رجلٌ رجلًا يختال في مِشْيته ويتلفّت في أَعْطافه، فقال: ¬

(¬1) قال ابن الجوزي رحمه الله: كان معجبًا بنفسه متكبرًا على أبناء جنسه.

جعلني الله مثلكَ في نفسك ولا جعلنِي مثَلكَ في نفسي. [عيون الأخبار 1/ 312]. * وقال عبد الملك بن مروان رحمه الله: أفضل الرجال من تواضع عن رفعةٍ، وزَهِدَ عن قُدرةٍ، وأنصف عن قوّةٍ. [عيون الأخبار 1/ 307]. * وقال ابن السَّمَّاك رحمه الله لعيسى بن موسى: تواضعُكَ في شرفك خيرٌ لك من شرفك. [عيون الأخبار 1/ 307]. * وعن محمد بن بشير الدعاء قال: ذكر عند مخلد بن الحسين رحمه الله خلق من أخلاق الصالحين، فقال: لا تعرضن بذكرنا في ذكرهم ... ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد [الحلية (تهذيبه) 3/ 63]. * وعن الشافعي رحمه الله قال: التواضع من أخلاق الكرام، والتكبر من شيم اللئام، والتواضع يورث المحبة، والقناعة تورث الرَّاحة، وقال: أرفع الناس قدرًا من لا يرى قدره، وأكثرهم فضلًا من لا يرى فضله. [السير (تهذيبه) 2/ 855]. * وقال يحيى بن معين: ما رأيت مثل أحمد بن حنبل رحمه الله، صحبناه خمسين سنة ما افتخر علينا بشيء مما كان فيه من الخير. [السير (تهذيبه) 2/ 929]. * وسئل الفضيل بن عياض رحمه الله عن التواضع فقال: يخضع للحق وينقاد له، ويقبله ممن قاله. (¬1) [مدارج السالكين 3/ 113]. * وقيل لبعضهم: ما الكِبر؟ قال: حُمْقٌ لم يدر صاحبُه أين يضعُه. [عيون الأخبار 1/ 311]. ¬

(¬1) قال ابن القيم رحمه الله: سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: التكبر شَرٌّ من الشرك، فإن المتكبر يتكبر عن عبادة الله تعالى، والمشرك يعبد الله وغيره .... ومن تكبر عن الانقياد للحق - ولو جاءه على يد صغير أو من يُبغضه أو يُعاديه - فإنما تكبُّره على الله، فإن الله هو الحق، وكلامه حق، ودينه حق، والحق صفته ومنه وله، فإذا رده العبد وتكبر عن قبوله: فإنما رد على الله وتكبر عليه. ا. هـ بتصرف. مدارج السالكين 3/ 120

* وقال بعضهم: [عيون الأخبار 1/ 313]. يا مُظْهِرَ الكِبْر إعجابًا بصورته ... انظر خَلاءَكَ إن النَّتْنَ تثريب لو فكّر الناسُ فيما في بطونهم ... ما استشعر الكِبْرَ شُبَّانٌ ولا شِيبُ هل في ابن آدم غيرُ الرأس مكرمة ... وَهُو بِخَمْسٍ من الأقذار مضروب أنفٌ يَسيلُ وأُذْنٌ رِيحُها سَهِكٌ ... والعينُ مُرمَصَةٌ والثغرُ مَلْعوبُ يا ابنَ التراب ومأكولَ التراب غدًا ... أَقصِرْ فإنك مأكولٌ ومشروبُ

هضم النفس

هضم النفس (¬1) * قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: لو تعلمون ما أعلم من نفسي حثَيْتم على رأسي التراب. [صفة الصفوة 1/ 186]. * وعن هوذة بن عبد العزيز أنه قال: زحم سالمَ بنَ عبد الله رحمه الله رجلٌ فقال له سالم: بعض هذا رحمك الله، فقال له الرجل: ما أراك إلا رجل سوء، فقال له سالم: ما أحسبك أبعدت. [المنتظم 7/ 114]. * وقال أبو العباس رحمه الله: حُدِّثْتُ أنه التقى حكيمان، فقال أحدهما للآخر: إني لأحبك في الله، فقال له الآخر: لو علمت مني ما أعلمه من نفسي لأبغضتني في الله. فقال له صاحبه: لو علمت من ما تعلمه من نفسك لكان لي فيما أعلمه من نفسي شغل. [الكامل في اللغة والأدب / 187]. * وعن إبراهيم النخعي رحمه الله أنه قال: تكلّمت ولو وجدتُ بُدًّا ما تكلمت، فإن زمانًا أكون فيه فقيه الكوفة لزَمانُ سوء. [صفة الصفوة 3/ 51]. * وعن سفيان، عن أبيه، عن إبراهيم النخعي رحمه الله قال: سألته عن شيء فجعل يتعجب، يقول: أحتيج إليّ أحتيج إليّ!! [الحلية (تهذيبه) 2/ 92]. * وعن زبيد، قال: سألت إبراهيم النخعي رحمه الله عن مسألة؟ فقال: ما وجدت أحدًا من بيتك تسأله غيري؟! [الحلية (تهذيبه) 2/ 92]. * وعن أحمد بن داود قال: مرَّ رجلٌ بإبراهيم بن أدهم رحمه الله وهو ينظر كرمًا، فقال: ناولني من هذا العنب، فقال: ما أذن لي صاحبه، فقال: السوط، وجعل يقنع رأسه فطأطأ إبراهيم رأسه، وقال: اضرب ¬

(¬1) قال ابن القيم رحمه الله: ومقت النفس في ذات الله من صفات الصديقين, ويدنو العبد به من الله تعالى في لحظة واحدة أضعاف أضعاف ما يدنو بالعمل. إغاثة اللهفان 1/ 155

رأسًا طال ما عصى الله. قال: فأعجز الرجل عنه. [المنتظم 8/ 241]. * ومر بعضهم على صبيان يلعبون بجَوْز، فوطئ على بعض الجوز بغير اختياره فكسره، فقال له الصبي: يا شيخ النار، فجلس الشيخ يبكي، ويقول: ما عرفني غيره. [الجامع المنتخب / 69]. * ومرّ بعضهم مع أصحابه في طريق فرموا عليهم رمادًا، فقال الشيخ لأصحابه: من يستحق النار، فصالحوه بالرماد، يعني فهو رابح. [الجامع المنتخب / 69]. * وقال حذيفة المرعشي رحمه الله: لو جاءني رجل فقال لي: والله الذي لا إله إلا هو يا حذيفة ما عملك عمل من يؤمن بيوم الحساب، لقلت له: يا هذا لا تكفر عن يمينك فإنك لا تحنث. [الحلية (تهذيبه) 3/ 64]. * وقال مطرِّف بن عبد الله رحمه الله: ما مدَحني أحد قطّ إلا تصاغرتْ إليّ نفْسي. [صفة الصفوة 3/ 158]. * وقال أيضًا رحمه الله وهو بعرَفة: اللهم لا تردّ الجميع، من أجلي. [صفة الصفوة 3/ 158]. * وقال بكر بن عبد الله المزني رحمه الله: إذا رأيت من هو أكبر منك، فقل: هذا سبقني بالإيمان، والعمل الصالح، فهو خير مني، وإذا رأيت من هو أصغر منك فقل: سبقتُه إلى الذنوب والمعاصي، فهو خير مني، وإذا رأيت إخوانك يكرمونك ويعظّمونك فقل: هذا فضلٌ أُخِذوا به، وإذا رأيت منهم تقصيرًا، فقل: هذا ذنْب أحدثتُه. [صفة الصفوة 3/ 175، موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 527]. * وقال عبد الله بن بكر المزني رحمه الله: سمعتُ إنسانًا يُحَدِّث عن أبي أنّه كان واقفًا بعرفة، فرقَّ فقال: لولا أنِّي فيهم لقلتُ: قد غُفِر لهم. قال الذهبي رحمه الله: كذلك ينبغي للعبد أن يُزريَ على نفسِه ويَهضِمَها. [السير (تهذيبه) 3/ 550]. * وقال محمد بن واسع رحمه الله: لو كان يوجد للذنوب ريح ما قدرتم أن تَدنوا مني، من نَتن رِيحي. [صفة الصفوة 3/ 192].

* وقال محمد بن عبد الله الزرّاد: رأى محمد بن واسع رحمه الله ابنًا له وهو يخطر بيده، فقال: ويحك تعالَ، تَدري من أنت؟ أمُّك اشتريتها بمائتيْ درهم، وأبوك فلا أكثر الله في المسلمين مِثْلَه. تمشي هذه المشية؟. [صفة الصفوة 3/ 193]. * وقال مالك بن دينار رحمه الله: إذا ذُكر الصالحون فأُفٍّ لي وتُفٍّ. [صفة الصفوة 3/ 198]. * وقال أيضًا رحمه الله: والله لو وقف ملَكٌ بباب المسجد، وقال: يخرج شرُّ مَن في المسجد، لبادرْتُكم إليه. [صفة الصفوة 3/ 200]. * وقال بشر بن الحارث: قال رجل لمالك بن دينار رحمه الله: يا مرائي. قال: متى عرفت اسمي؟ ما عرَف اسمي غيرُك. [صفة الصفوة 3/ 204]. * وعن عمران بن عبد الله بن طلحة الخزاعي. قال: إن نفس سعيد بن المسيب رحمه الله، كانت أهون عليه في ذات الله من نفس ذباب. [الحلية (تهذيبه) 1/ 344]. * وقال أيوب السختياني رحمه الله: إذا ذكر الصالحون كنت منهم بمعزل. [صفة الصفوة 3/ 210]. * وعن أيوب قال: نبئت أن عمر بن عبد العزيز رحمه الله ذكر له ذلك الموضع الرابع الذي فيه قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، فعرضوا له به، قالوا: لو دنوت من المدينة فقال: لأن يعذبني الله بكل عذاب إلا النار، أحب إليّ من أن يعلم الله أني أرى أني لذلك أهل. [الحلية (تهذيبه) 2/ 239]. * وقال أبو عمرو بن مطر: حضرت مجلس أبي عثمان الحيري رحمه الله فخرج، ثم قعد على موضعه الذي كان يقعد فيه للتذكير، فسكت حتى طال سكوته فناداه رجل: ترى أن تقول في سكوتك شيئًا؟ فأنشأ يقول: وغَيْر تقيّ يأمر الناس بالتّقى ... طبيبٌ يُداوي والطبيب مريض فارتفعت الأصوات بالبكاءِ والضجيج. [صفة الصفوة 4/ 352]. * وقال الحسن: وبينا هو - أي عبد الله بن المبارك رحمه الله - بالكوفة

يقرأ عليه كتاب المناسك، انتهى إلى حديث وفيه: قال عبد الله وبه نأخذ، فقال: مَن كتب هذا من قولي؟ قلت: الكاتب الذي كتبه، فلم يزل يحكّه بيده حتى درَسَ، ثم قال: ومن أنا حتى يُكتب قولي؟. [صفة الصفوة 4/ 372]. * وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله: لو اجتَمَعَ الخلْقُ جميعًا على أن يَضَعُوني كاتِّضَاعي عند نفسي ما قدروا على ذلك. [صفة الصفوة 4/ 445]. * وعن الفضيل بن عياض رحمه الله قال: يا مسكين، أنت مسيءٌ وترى أنك محسن، وأنت جاهل وترى أنك عالم، وتبخلُ وترى أنك كريم، وأحمق وترى أنك عاقل، أجلُكَ قصير، وأملُك طويل. قال الذهبي رحمه الله: إي والله، صدق، وأنت ظالم وترى أنك مظلومٌ، وآكل للحرام وترى أنك متورِّع، وفاسق وتعتقِدُ أنك عَدْلٌ، وطالب العلم للدنيا وترى أنك تطلبُه لله .... [السير (تهذيبه) 2/ 779]. * وعن شعيب بن حرب قال: بينا أنا أطوف بالبيت إذا رجل يمد ثوبي من خلفي فالتفت فإذا بفضيل بن عياض رحمه الله، فقال: لو شفع فيَّ وفيك أهل السماء كنا أهلًا أن لا يشفع فينا. قال شعيب: ولم أكن رأيته قبل ذلك بسنة، قال: فكسرني وتمنيت أني لم أكن رأيته. [الحلية (تهذيبه) 3/ 9]. * وعن مخلد بن الحسين رحمه الله: ذكر أن العلاء بن زياد قال له رجل: رأيت كأنك في الجنة، فقال له: ويحك أما وجد الشيطان أحدًا يسخر به غيري وغيرك. [الحلية (تهذيبه) 1/ 380]. * وعن أحمد بن زهير المروزي قال: ركب عتبة الغلام رحمه الله في زورق مع قوم، قال: فأراد الملاح أن يعدل ببعضهم السفينة، قال: فلم يجد أحدًا منهم أحقر في عينه من عتبة. فضرب جنبه وقال: استو، فقال عتبة: الحمد لله الذي لم ير فيهم أحقر في عينيه مني. [الحلية (تهذيبه) 2/ 325]. * وعن خلف بن تميم قال: سمعت سفيان الثوري رحمه الله بمكة - وقد كثر الناس عليه - فسمعته يقول: ضاعت الأمة حين احتيج إلي. [الحلية (تهذيبه) 2/ 363].

* وقال سفيان بن عيينة رحمه الله: إني لأغضب على نفسي إذا رأيتكم تأتوني، أقول: لم يأتني هؤلاء إلا من خير يظنون بي. [الحلية (تهذيبه) 2/ 434]. * وعن محمد بن بكار قال: بعث هارون الرشيد إلى ابن السماك رحمه الله، فدخل وعنده يحيى بن خالد البرمكي فقال يحيى: إن أمير المؤمنين أرسل إليك، لما بلغه من صلاح حالك في نفسك، وكثرة ذكرك لربك - عزَّ وجلَّ. ودعائك للعامة، فقال ابن السماك: أما ما بلغ أمير المؤمنين من صلاحنا في أنفسنا، فذلك بستر الله علينا، فلو اطلع الناس على ذنب من ذنوبنا لما أقدم قلب لنا على مودة، ولا جرى لسان لنا بمدحة، وإني لأخاف أن أكون بالستر مغرورًا، وبمدح الناس مفتونًا، وإني لأخاف أن أهلك بهما، وبقلة الشكر عليهما، فدعا بدواة وقرطاس فكتبه إلى الرشيد. [الحلية (تهذيبه) 3/ 48]. * وقال المرُّوذي: قلت لأبي عبد الله رحمه الله (¬1): ما أكثر الداعيَ لك! قال: أخافُ أن يكون هذا استدراجًا بأي شيء هذا؟ وقلت له: قدم رجل من طَرَسُوس، فقال: كنا في بلاد الروم في الغزو إذا هدأ الليل، رفعوا أصواتهم بالدعاء، ادعوا لأبي عبد الله، وكنا نَمُدُّ المنجنيق ونرمي عن أبي عبد الله. ولقد رُمي عنه بحجر، والعِلج على الحصن متترس بَدَرَقَة فذهب برأسه وبالدَّرَقَةِ، قال: فتغير وجه أبي عبد الله وقال: ليته لا يكون استدراجًا. قلتُ: كلا. [السير (تهذيبه) 2/ 927]. * وقال خراساني لأحمد بن حنبل رحمه الله: الحمدُ لله الذي رأيتُكَ، قال: اقعُد، أيُّ شيءٍ ذا؟ مَن أنا؟. [السير (تهذيبه) 2/ 930]. * وعن رجل قال: رأيتُ أثر الغَمِّ في وجه أبي عبد الله (¬2)، وقد أثنى عليه شخص، وقيل له: جزاك الله عن الإسلام خيرًا، قال: بل جزى الله الإسلامَ عني خيرًا. من أنا وماَ أنا؟!. [السير (تهذيبه) 2/ 930]. * وقال ابن القيم رحمه الله: سمعت شيخ الإسلام رحمه الله يقول: العارف لا يرى له على أحد حقًا، ولا يشهد له على غيره فضلًا، ولذلك لا يعاتب ولا يطالب ولا يضارب. ¬

(¬1) يعني: أحمد بن حنبل. (¬2) يعني: أحمد بن حنبل.

وكان كثيرًا يقول: مالي شيء، ولا مني شيء، ولا فيَّ شيء. وكان كثيرًا ما يتمثل بهذا البيت: أنا المُكدِّي وابن المكدي ... وهكذا كان أبي وجدِّي وكان إذا أُثني عليه في وجهه يقول: والله إني إلى الآن أجدد إسلامي كل وقت، وما أسلمت بعدُ إسلاما جيدًا. وقد بعث إلي في آخر عمره قاعدة في التفسير بخطه وعلى ظهرها أبيات بخطه من نظمه: أنا الفقير إلى رب البريات ... أنا المسيكين في مجموع حالاتي أنا الظلوم لنفسي وهي ظالمتي ... والخير إن يأتنا من عنده ياتي لا أستطيع لنفسي جلب منفعة ... ولا عن النفس لي دفع المضرات وليس لي دونه مولى يدبرني ... ولا شفيع إذا حاطت خطيئاتي إلا بإذن من الرحمن خالقنا ... إلى الشفيع كما قد جاء في الآيات ولست أملك شيئا دونه أبدًا ... ولا شريك أنا في بعض ذرات ولا ظهير له كي يستعين به ... كما يكون لأرباب الولايات والفقر لي وصف ذات لازم أبدًا ... كما الغنى أبدًا وصف له ذاتي وهذه الحال حال الخلق أجمعهم ... وكلهم عنده عبد له آتي فمن بغى مطلبًا من غير خالقه ... فهو الجهول الظلوم المشرك العاتي والحمد لله ملء الكون أجمعه ... ما كان منه وما من بعد قد ياتي [مدارج السالكين 2/ 155 - 157].

قبول الهدايا والهبات

قبول الهدايا والهبات * عن القعقاع بن حكيم قال: بعث عبد العزيز بن مروان إلى عبد الله بن عمر - رضي الله عنه -: أن ارفع إلي حاجتك، فكتب إليه عبد الله بن عمر: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن اليد العليا خير من اليد السفلى " فلست أسألك شيئا، ولا أرد رزقا رزقنيه الله تعالى. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 240]. * وعن نافع: أن المختار بن أبي عبيد كان يرسل إلى عبد الله بن عمر بالمال فيقبله، ويقول: لا أسأل أحدًا شيئًا، ولا أرد ما رزقني الله تعالى. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 240، 241]. * وعن قيس بن عاصم أنه أوصى بنيه قال: عليكم بالمال واصطناعه، فإنه منبهة للكريم، ويستغني به عن اللئيم، وإياكم ومسألة الناس، فإنه آخر كسب الرجل. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 247]. * وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: ما آتاك من هذا المال من غير إسراف ولا مسألة فكله وتموله. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 249].

موقف السلف من المدح والثناء

موقف السلف من المدح والثناء (¬1) * عن عمر - رضي الله عنه - قال: المدح الذبح. [الزهد للإمام أحمد / 226]. * وسمع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - رجلا يثني على رجل فقال: أسافرت معه؟ قال: لا قال: أخالطته؟ قال: لا قال: والله الذي لا إله غيره ما تعرفه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 329]. * وعن الحسن: أن رجلا أثنى على عمر - رضي الله عنه - فقال: تهلكني، وتهلك نفسك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 331]. * وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: إذا أثنيتَ على الرجل بما فيه في وجهه لم تُزكِّه. [عيون الأخبار 1/ 317]. * وعن أبي البختري قال: أثنى رجل على علي - رضي الله عنه - في وجهه، وقع كان بلغه أن يقع فيه، فقال له علي: أنا دون ما قلتَ، وفوق ما في نفسك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 331]. * وعن عدي بن أرطأة، عن رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من صدر هذه الأمة وكان له فضل أنه كان إذا أثنى عليه أو مدح فسمع قال: اللهم لا تؤاخذني بما يقولون واغفر لي ما لا يعلمون. [الزهد للإمام أحمد / 364]. * وسمع الأحنف بن قيس رحمه الله رجلًا يقول: ما أُبالي أَمُدِحتُ أم ¬

(¬1) قال ابن رجب رحمه الله: إذا عمل العمل لله خالصًا ثم ألقى الله له الثناء الحسن في قلوب المؤمنين بذلك بفضل الله ورحمته واستبشر بذلك لم يضرّه ذلك. وفي هذا المعنى جاء حديث أبي ذر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - , أنه سُئل عن الرجل يعمل العمل لله من الخير ويحمده الناس عليه , فقال: (تلك عاجل بشرى المؤمن) خرجه مسلم. جامع العلوم والحكم / 27

هُجِيت. فقال الأحنف: استَرحتَ مِنْ حيثُ تعِبَ الكرامُ. [عيون الأخبار 2/ 441]. * وعن الحسن رحمه الله قال: ذَمُّ الرجلِ نفسَه في العلانية مَدحٌ لها في السرّ. [عيون الأخبار 1/ 317]. * وكان يقال: مَنْ أظهر عيبَ نفسه فقد زكّاها. [عيون الأخبار 1/ 317]. * وقال الربيع بن خثيم رحمه الله لابنه: يا منذر قلت: لبيك، قال: لا يغرنك كثرة ثناء الناس من نفسك، فإنه خالص إليك عملك. [الحلية (تهذيبه) 1/ 311]. * وقال سفيان بن عينية رحمه الله رحمه الله: ليس يضر المدحُ من عرف نفسه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 330]. * وكان يقال: لا يَغلِبنَّ جهلُ غيرك بك عِلمَك بنفسك. [عيون الأخبار 1/ 317]. * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 1/ 319]. إذا المرءُ لم يمدَحْه حسنُ فَعاله ... فمادِحُه يَهْذِي وإن كان مُفْصِحَا * والعرب تقول: " لا تَهْرِف قبل أن تَعْرِف " أي لا تُطنِبَنّ في الثّناء قبل الاختبار. [عيون الأخبار 3/ 171]. * وعن مالك بن دينار رحمه الله قال: إنَّ الرجلَ إذا ذهب يمدحُ نفسه، ذهب بهاؤهُ. [السير (تهذيبه) 2/ 609]. * وقال أيضًا رحمه الله: مذ عرفتُ الناس لم أفرح بمدحهم، ولم أكره ذمَّهم لأن حامدهم مُفرِطٌ، وذامهم مُفْرِطٌ. [السير (تهذيبه) 2/ 609]. * وعن أبي سنان قال: شكى عبد الله بن أبي الهذيل رحمه الله يومًا ذنوبه، فقال له رجل: يا أبا المغيرة أو لست التقي النقي؟ فقال: اللهم إن عبدك هذا أراد أن يتقرب إليّ، وإني أشهدك على مقته. [الحلية (تهذيبه) 2/ 121]. * وكان ابن محيريز رحمه الله إذا مُدح في وجهه: غضب، يقول: ما علمك؟ ما يدريك؟. [الزهد للإمام أحمد / 645]. * وقال سفيان الثوري رحمه الله: إذا أثنى على الرجل جيرانه أجمعون فهو

رجل سوء، قالوا لسفيان: كيف ذاك؟ قال: يراهم يعملون بالمعاصي فلا يغير عليهم، ويلقاهم بوجه طلق. [الحلية (تهذيبه) 2/ 384]. * وأثنى رجل على مسعر رحمه الله فقال: تثني عليّ وأنا أبني الآجر وأقبض جوائز السلطان؟ [الحلية (تهذيبه) 2/ 421]. * وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: لا يترك الشيطان الإنسان حتى يحتال له بكل وجه، فيستخرج منه ما يخبر به من عمله، لعله يكون كثير الطواف فيقول: ما كان أحلى الطواف الليلة، أو يكون صائمًا فيقول: ما أثقل السحور أو ما أشد العطش. فإن استطعت أن لا تكون محدثًا ولا متكلمًا ولا قارئًا. إن كنت بليغًا، قالوا: ما أبلغه وأحسن حديثه وأحسن صوته، فيعجبك ذلك فتنتفخ، وإن لم تكن بليغًا ولا حسن الصوت قالوا: ليس يحسن يحدث، وليس صوته بحسن، أحزنك وشق عليك، فتكون مرائيًا، وإذا جلست فتكلمت ولم تبال من ذمك ومن مدحك من الله فتكلم. [الحلية (تهذيبه) 3/ 10]. * وقال بشر بن الحارث رحمه الله: سكون النفس إلى المدح، وقبول المدح لها، أشد عليها من المعاصي. [الحلية (تهذيبه) 3/ 95]. * وعن عوف الأعرابي رحمه الله قال: من أخلاق المنافق أن يحب الحمد ويكره الذم. [الزهد للإمام أحمد / 619]. * وقال وهب بن منبه رحمه الله: آية المنافق أنه يكره الذم ويحب الحمد. [الزهد للإمام أحمد / 619]. * وقال أيضًا رحمه الله: إذا سمعت من يمدحُك بما ليس فيك، فلا تأمنه أن يَذُمَّك بما ليس فيك. [السير (تهذيبه) 2/ 579، موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 330]. * وعن مطرف قال: قال لي مالك بن أنس رحمه الله: ما يقول الناس فيّ؟ قلت: أما الصديق فيثني، وأما العدو فيقع. قال: ما زال الناس كذا لهم صديق وعدو، ولكن نعوذ بالله من تتابع الألسنة كلها. [الحلية (تهذيبه) 2/ 354].

* وقال رجل لمعاوية بن قرة رحمه الله: إني لأحبك فقال: لم لا تحبني ولست لك بجار ولا قرابة؟ (¬1) [الحلية (تهذيبه) 1/ 398]. * وقال الشافعي رحمه الله: ما أحد إلا وله محب ومبغض، فإن كان لا بد من ذلك، فليكن المرء مع أهل طاعة الله - عزَّ وجلَّ. [الحلية (تهذيبه) 3/ 126]. ¬

(¬1) قصده بذلك: أنك لم تر عيوبي حيث لم تكن جارًا لي ولا قريبًا لي. فالجار في الغالب يعرف جاره ويداخله ويعرف من حاله ما لا يعرفه غيره, وكذلك القريب.

الغيرة

الغيرة (¬1) * عن أبي عبد الله محمد بن أحمد القاضي، قال: حضرت مجلس موسى بن إسحاق القاضي رحمه الله بالري سنة ست وثمانين ومائتين، فتقدمت امرأة فادعى وليها على زوجها خمسمائة دينار مهرًا، فأنكر، فقال القاضي: شهودك، قال: قد أحضرتهم، فاستدعى بعض الشهود أن ينظر إلى المرأة ليشير إليها في شهادته، فقام الشاهد وقال للمرأة. قومي! فقال الزوج: تفعلون ماذا؟ قال الوكيل: ينظرون إلى امرأتك وهي مسفرة لتصح عندهم معرفتها، فقال الزوج: فإني أشهد القاضي أن لها عليّ هذا المهر الذي تدعيه ولا يسفر عن وجهها، فأخبرت المرأة بما كان من زوجها، فقالت: فإني أشهد القاضي أني قد وهبت له هذا المهر، وأبرأته منه في الدنيا والآخرة! فقال القاضي: يكتب هذا في مكارم الأخلاق. [المنتظم 12/ 403]. ¬

(¬1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله - فيمَن لا يغار إذا انتُهكت محارم الله, ولا يغضب لله, ولا يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر, ولا يجاهد في سبيل الله -: فهذا فاسق مارق, بل كافر وإن أظهر الإسلام فهو منافق, وإن كان له نصيب من الزهد والعبادة ما كان فيه. ومعلوم أن المؤمن لا يخلو من ذلك بالكلية, ومن خلا من ذلك بالكلية فهو منافق محض, وكافر صريح, إذ المؤمن لا بد أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما, ولا بد أن يتبرأ من الإشراك بالله وأعداء الله, كما قال تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} ... [الممتحنة: 4]. الاستقامة: 350

التأني والتروي، والرفق، وذم العجلة

التأني والتروي، والرفق، وذم العجلة * كان ابن الزبير - رضي الله عنه - يقول: لا عاش بخير من لم ير برأيه ما لم ير بعينه. [عيون الأخبار 1/ 76]. * وشهد أعرابي عند معاوية - رضي الله عنه - بشيء كرهه، فقال له معاوية: كذبت، فقال الأعرابي: الكاذب والله متزمل في ثيابك. فقال معاوية وتبسم: هذا جزاء من عجل. [الكامل في اللغة والأدب / 277]. * ومن أمثال العرب: رُبَّ عجلةٍ تهب ريثًا. [الكامل في اللغة والأدب / 184]. * وكان يقال: أناة في عواقبها دَرَك، خير من معاجلة في عواقبها فَوت. [عيون الأخبار 1/ 75]. * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 1/ 75]. وعاجزُ الرَّأْي مِضْيَاعٌ لفُرْصَتهِ ... حتى إذا فات أَمْرٌ عاتبَ القَدَرا * وقال آخر يصف عاقلًا: [عيون الأخبار 1/ 77]. بصير بأعقاب الأمور كأنما ... يرى بصواب الرأي ما هو واقع * وقال حاتم الأصم: كان يقال: العجلة من الشيطان إلا في خمس، إطعام الطعام إذا حضر الضيف، وتجهيز الميت إذا مات، وتزويج البكر إذا أدركت، وقضاء الدين إذا وجب، والتوبة من الذنب إذا أذنب. [الحلية (تهذيبه) 2/ 509].

الزهد وذم الدنيا

الزهد وذم الدنيا (¬1) (أ) فضل الزهد: * قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: من زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات، ومن ارتقب الموت سارع في الخيرات. [موسوعة ابن أبي الدنيا: 1/ 92]. * وقال أبو واقد الليثي - رضي الله عنه -: تابعنا الأعمال ولم نجد شيئا أبلغ في طلب الآخرة من الزهد في الدنيا. [موسوعة ابن أبي الدنيا: 1/ 89]. * وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: أنتم أطول صلاة وأكثر اجتهادًا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهم كانوا أفضل منكم. قيل له: بأي شيء؟ قال: إنهم كانوا أزهد في الدنيا، وأرغب في الآخرة منكم. [موسوعة ابن أبي الدنيا: 5/ 96، صفة الصفوة 1/ 192]. * وقال أيضًا - رضي الله عنه -: من أراد الآخرة أَضَرَّ بالدُّنيا، ومن أَراد الدنيا أَضرَّ ¬

(¬1) قال ابن رجب رحمه الله: اعلم أنّ الذمّ الوارد في الكتاب والسنّة للدنيا ليس هو رجعًا إلى زمانها الذي هو الليل والنهار المتعاقبان إلى يوم القيامة , فإن الله تعالى جعلهما خِلفة لمن أراد أن يذّكر أو أراد شكورًا ..... وليس الذم راجعًا إلى مكان الدنيا الذي هو الأرض التي جعلها الله لبني آدم مهادًا ومسكنًا , ولا إلى ما أودع الله فيها من الجبال والبحار والأنهار والمعادن , ولا إلى ما أ، بته فيها من الزرع والشجر , ولا إلى ما بثّ فيها من الحيوانات وغير ذلك , فإن ذلك كله من نعمة الله على عباده بما لهم فيه من المنافع , ولهم به من الاعتبار والاستدلال على وحدانية صانعه وقدرته وعظمته , وإنما الذمّ راجع إلى أفعال بني آدم الواقعة في الدنيا , لأن غالبها واقع على غير الوجه الذي تحمد عاقبته , بل يقع على ما تضرّ عاقبته , أو لا تنفع كما قال عزّ وجلّ: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا}. جامع العلوم والحكم / 392، 393

(ب) معنى الزهد، وأنواعه

بالآخرة، يا قوم فأَضِرُّوا بالفاني للباقي. [السير (تهذيبه) 1/ 197]. * وعن النضر بن إسماعيل، عن أشياخه، أنهم دخلوا على عبد الله بن عتبة رحمه الله، فأرم (¬1) طويلاً قال: تحبون أن أكتب لكم الخير كله في ظفري؟ قالوا: نعم. فقال لهم: الزهد في الدنيا. [الزهد لابن أبي الدنيا 1/ 90]. * وقال محمد بن الحنفية رحمه الله: من كرمت عليه نفسه لم يكن للدنيا عنده قَدْر. [صفة الصفوة 2/ 435]. * وقال رجل لمحمد بن واسع رحمه الله: أوصني. قال: أوصيك أن تكون ملكًا في الدنيا والآخرة. قال: كيف؟ قال: ازهد في الدنيا. [السير (تهذيبه) 2/ 638]. * وقال ابن السّمَّاك رحمه الله: الدُّنيا كلها قليلٌ، والذي بقي منها قليلٌ، والذي لكَ من الباقي قليلٌ، ولم يبقَ من قليلِك إلا قليل، وقد أصبحتَ في دار العزاء، وغدًا تصير إلى دار الجزاء، فاشترِ نَفسك لعلَّك تنجو. [السير (تهذيبه) 2/ 762]. * وعن الفضيل بن عياض رحمه الله: حرامٌ على قلوبكم أن تُصيبَ حلاوةَ الإيمان حتى تزهدوا في الدنيا. [السير (تهذيبه) 2/ 762]. * وعن سفيان الثوري رحمه الله قال: إذا زهد العبد في الدنيا أنبت الله الحكمة في قلبه، وأطلق بها لسانه، وبصره عيوب الدنيا وداءها ودواءها. [الحلية (تهذيبه) 2/ 372]. (ب) معنى الزهد، وأنواعه: * قال سفيان الثّوري رحمه الله: ليس الزُّهد بأكل الغَليظ، ولبس الخشن، ولكنه قِصَرُ الأمل، وارتقابُ الموت. [السير (تهذيبه) 2/ 696]. * وعن بشر بن الحارث قال: قيل لسفيان الثوري رحمه الله: أيكون الرجل زاهدًا ويكون له المال؟ قال: نعم! إن كان إذا ابتلي صبر وإذا أعطي شكر. (¬2) [الحلية (تهذيبه) 2/ 371]. ¬

(¬1) قال في الحاشية: أي: سكت. (¬2) قال ابن القيم رحمه الله: الأصل هو قطع علائق الباطن، فمتى قطعها لم تضره علائق الظاهر. فمتى كان المال في يدك وليس في قلبك: لم يضرك ولو كثر، ومتى كان في قلبك: ضرك ولو لم يكن في يدك منه شيء. وإنما يُحمد قطع العلائق الظاهرة في موضعين: حيث يخاف منها ضررا في دينه أو حيث لا يكون فيها مصلحة راجحة. ا. هـ بتصرف. مدارج السالكين 2/ 58 وقال رحمه الله: سمعت شيخ الإسلام يقول: الزهد: ترك ما لا ينفع في الآخرة، والورع: ترك ما يخاف ضرره في الآخرة .... وليس المراد رفضها من الملك، فقد كان سليمان وداود عليهما السلام من أزهد أهل زمانهما ولهما من المال والملك والنساء ما لهما، وكان نبينا - صلى الله عليه وسلم - من أزهد البشر على الإطلاق وله تسع نسوة، وكان عثمان وعلي وعبد الرحمن بن عوف والزبير رضي الله عنهم من الزهاد مع ما كان لهم من الأموال، وكذلك كان ابن المبارك والليث بن سعد. ا. هـ بتصرف. مدارج السالكين 2/ 178 - 182 وقال رحمه الله في مسألة: ما الأفضل: الزهد فيما أباحه الله من هذه النعم أم التزود بها واستعمالها , قال: التحقيق: أنه إن شغلته هذه النعم عن الله فالزهد فيها أفضل، وإن لم تشغله عن الله وكان شاكرا لله فيها: فحاله أفضل، والزهد فيها: تجريد القلب عن التعلق بها والطمأنينة إليها. مدارج السالكين 2/ 184

* وقال أيضًا رحمه الله: الزهد في الدنيا هو الزهد في الناس، وأول الزهد في الناس زهدك في نفسك. [الحلية (تهذيبه) 2/ 406]. * وقال أيوب السختياني رحمه الله: الزهد في الدنيا ثلاثة أشياء؛ أحبها إلى الله وأعلاها عند الله وأعظمها ثوابًا عند الله تعالى، الزهد في عبادة من عبد دون الله من كل ملك، وصنم، وحجر، ووثن. ثم الزهد فيما حرم الله تعالى من الأخذ والإعطاء. ثم يقبل علينا فيقول: زهدكم هذا يا معشر القراء فهو والله أخسَّه عند الله؛ الزهد في حلالا الله - عزَّ وجلَّ. [الحلية (تهذيبه) 1/ 432]. * وسأل رجل ربيعة رحمه الله فقال: يا أبا عثمان ما رأس الزهادة؟ قال: جمع الأشياء من حلها، ووضعها في حقها. [الزهد لابن أبي الدنيا: 5/ 129، الحلية (تهذيبه) 1/ 533]. * عن سفيان بن عيينة، قال: قيل للزهري رحمه الله: ما الزهد في الدنيا؟

قال: من لم يغلب الحرام صبره، ولم يستقل الحلال شكره، قال: معناه: من ترك الحرام، وشكر الحلال. [الزهد لابن أبي الدنيا: 1/ 93]. * وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: قلت لأبي حازم رحمه الله يومًا: إني لأجد شيئًا يحزنني. قال: وما هو يا ابن أخي؟ قلت: حبي الدنيا. فقال لي: اعلم يا ابن أخي، إن هذا الشيء ما أعاتب نفسي على حب شيء حببه الله تعالى إلي؛ لأن الله - عزَّ وجلَّ - قد حبب هذه الدنيا إلينا. ولكن لتكن معاتبتا أنفسنا في غير هذا، أن لا يدعونا حبها إلى أن نأخذ شيئًا من شيء يكرهه الله، ولا أن نمنع شيئًا من شيء أحبه الله، فإذا نحن فعلنا ذلك لا يضرنا حبنا إياها. [الحلية (تهذيبه) 1/ 527]. * وقال سعيد بن جبير رحمه الله: متاع الغرور ما يلهيك عن طلب الآخرة، وما لم يلهك فليس بمتاع الغرور ولكنه متاع بلاغ إلى ما هو خير منه. [جامع العلوم والحكم / 396]. * وقال يحيى بن معاذ الرازي رحمه الله: كيف لا أحبّ دنيا قُدّر لي فيها قوتٌ، أكتسب بها حياةً، أُدركُ بها طاعةً أنالُ بها الآخرة. [جامع العلوم والحكم / 396]. * وسئل أبو صفوان الرعيني رحمه الله وكان من العارفين: ما هي الدنيا التي ذمّها الله في القرآن التي ينبغي للعاقل أن يتجنبها؟ فقال: كلّ ما أصبت في الدنيا تريد به الدنيا، فهو مذموم، وكلّ ما أصبت فيها تريد به الآخرة فليس منها. [جامع العلوم والحكم / 396]. * وقال الحسن رحمه الله: نعمت الدار الدنيا كانت للمؤمن، وذلك أنه عمل قليلاً وأخذ زاده منها إلى الجنة، وبئست الدار كانت للكافر والمنافق، وذلك أنه ضيّع لياليه، وكان زاده منها إلى النار. [جامع العلوم والحكم / 396]. * وقال سفيان بن عيينة رحمه الله: ليس من حب الدنيا طلبك منها ما لا بد منه. [الحلية (تهذيبه) 2/ 427]. * وعن أحمد بن أبي الحواري قال: قلت لسفيان بن عيينة رحمه الله رحمه الله: يا أبا محمد أي شيء الزهد في الدنيا؟ قال: من إذا أنعم الله عليه نعمة فشكرها،

وابتلي ببلية فصبر، فذلك الزهد. قلت له: يا أبا محمد فإن أنعم عليه بنعمة فشكر، وابتلي فصبر وهو ممسك للنعمة، كيف يكون زاهدًا؟ قال: اسكت فمن لم تمنعه البلوى من الصبر والنعمة من الشكر فذلك الزاهد. [الحلية (تهذيبه) 2/ 427]. * وسئل ابن عيينة رحمه الله عن الزهد ما هو؟ قال: الزهد فيما حرم الله، فأما ما أحل الله فقد أباحه الله، فإن النبيين قد نكحوا وركبوا وأكلوا، ولكن الله نهاهم عن شيء فانتهوا عنه وكانوا به زهادًا. (¬1) [الحلية (تهذيبه) 2/ 441]. * وقيل لأبي صفوان الرعيني رحمه الله - وكان سفيان بن عيينة يجيء فيسلم عليه ويقف عليه -: ما الدنيا التي ذمها الله - عزَّ وجلَّ - في القرآن التي ينبغي للعاقل أن يجتنبها؟ قال: كل ما أصبت من الدنيا تريد به الدنيا فهو مذموم، وكل ما أصبت فيها تريد به الآخرة فليس منها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 185]. * وقال إبراهيم بن أدهم رحمه الله: الزهد ثلاثة أصناف: فزهد فرض، وزهد فضل، وزهد سلامة، فالفرض الزهد في الحرام، والفضل الزهد في الحلال، والسلامة الزهد في الشبهات. [الحلية (تهذيبه) 2/ 488]. * وقال أبو بكر البَرْقانيُّ: قلت لابن سمعون رحمه الله يومًا: تدعو الناس إلى الزُّهد وتلبس أحسنَ الثياب، وتأكل أطيب الطَّعام، كيف هذا؟ فقال: كلُّ ما يُصلحك لله فافعله إذا صلح حالُكَ مع الله تعالى. [السير (تهذيبه) 3/ 1310]. ¬

(¬1) قال ابن الجوزي رحمه الله في تلبيس إبليس: ومن تلبيسه عليهم: أنه يوهمهم أن الزهد ترك المباحات, فمنهم من لا يزيد على خبز الشعير, ومنهم من لا يذوق الفاكهة, ومنهم من يقلل المطعم حتى ييبس بدنه ويعذب نفسه بلبس الصوف ويمنعها الماء البارد, وما هذه طريقة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا طريق أصحابه وأتباعهم, وإنما كانوا يجوعون إذا لم يجدوا شيئا فإذا وجدوا أكلوا, وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأكل اللحم ويحبه ويأكل الدجاج ويحب الحلوى ويستعذب له الماء البارد ويختار الماء البائت فإن الماء الجاري يؤذي المعدة ولا يروي ... وينبغي للإنسان أن يعلم أن نفسه مطيته ولا بد من الرفق بها ليصل بها إلى المقصود, فليأخذ ما يصلحها وليترك ما يؤذيها من الشبع والإفراط في تناول الشهوات فإن ذلك يؤذي البدن والدين. تلبيس إبليس: 171

* وقال شقيق البلخي رحمه الله: ثلاث خصال هي تاج الزاهد، الأولى: أن يميل على الهوى، ولا يميل مع الهوى، والثانية: ينقطع الزاهد إلى الزهد بقلبه، والثالثة: أن يذكر كلما خلا بنفسه كيف مدخله في قبره وكيف مخرجه، ويذكر الجوع والعطش والعري، وطول القيامة والحساب والصراط، وطول الحساب والفضيحة البادية، فإذا ذكر ذلك شغله عن ذكر دار الغرور، فإذا كان ذلك كان من محبي الزهاد، ومن أحبهم كان معهم. [الحلية (تهذيبه) 2/ 499]. * وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله: اختلفوا علينا في الزهد بالعراق، فمنهم من قال: الزهد في ترك لقاء الناس، ومنهم من قال: في ترك الشهوات، ومنهم من قال: في ترك الشبع، وكلامهم قريب بعضه من بعض، قال: وأنا أذهب إلى أنّ الزهد في ترك ما يشغلك عن الله - عزَّ وجلَّ. (¬1) [الحلية (تهذيبه) 3/ 183]. * وقال أيضًا رحمه الله: لا تشهد لأحد بالزهد، فإن الزهد في القلب. [جامع العلوم والحكم / 389]. * وقال أيضًا رحمه الله: قال لقمان - عليه السلام - لابنه: يا بني لا تدخل الدنيا دخولاً يضر بآخرتك، ولا تتركها تركًا تكون كلاًّ على الناس. [الحلية (تهذيبه) 3/ 188]. * وقال أيضًا رحمه الله: الزاهد حقًا، لا يذم الدنيا ولا يمدحها ولا ينظر إليها، ولا يفرح بها إذا أقبلت، ولا يحزن عليها إذا أدبرت. [الحلية (تهذيبه) 3/ 190]. * وقال أيضًا رحمه الله: ليس الزاهد من ألقى غم الدنيا واستراح فيها، إنما الزاهد من ألقى غمها وتعب فيها لآخرته. [الحلية (تهذيبه) 3/ 194]. * وعن أحمد بن أبي الحواري قال: قلت لأبي سليمان الداراني: سألت الله تعالى بين الركن والباب أن يذهب عني شهوة الطعام والشراب ¬

(¬1) قال ابن رجب رحمه الله: وهذا الذي قال أبو سليمان حسن , وهو يجمع جميع معاني الزهد وأقسامه وأنواعه. جامع العلوم والحكم / 392

واللباس والطيب والنساء. قال: ويحك! أي شيء يُعدَّد عليه؟ قل: اللهم ما أزراني عندك فأذهبه عني. [الحلية (تهذيبه) 3/ 195]. * وعن يونس بن ميسرة رحمه الله، قال: ليس الزهادة في الدنيا بتحريم الحلال ولا بإضاعة المال، ولكن الزهادة في الدنيا أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يدك، وأن تكون حالك في المصيبة وحالك إذا لم تصب بها سواء، وأن يكون مادحك وذامك في الحق سواء. (¬1) [جامع العلوم والحكم / 389]. * وقال إبراهيم بن الأشعث: سمعت الفضيل رحمه الله يقول: عامة الزهد في الناس - يعني إذا لم يحب ثناء الناس عليه ولم يبال بمذمتهم -. [الحلية (تهذيبه) 3/ 8]. * وسئل فضيل بن عياض رحمه الله: ما الزهد في الدنيا؟ قال: القُنوع هو الزهد، وهو الغنى. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 137]. ¬

(¬1) قال ابن رجب رحمه الله: ففسر الزهد في الدنيا بثلاثة أشياء كلها من أعمال القلوب , لا من أعمال الجوارح , أحدها: أن يكون العبد بما في يد الله أوثق منه بما في يد نفسه, وهذا ينشأ من صحة اليقين وقوّته , فإن الله سبحانه وتعالى ضمن أرزاق عباده , وتكفل بها , كما قال تعالى: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا} [هود: 6]. وقال تعالى: {وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [الذاريات: 22]. وقال تعالى: {فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ} [العنكبوت: 17] ...... فمن حقّق اليقين , وثق بالله في أموره كلها , ورضي بتدبيره له , وانقطع عن التعلق بالمخلوقين رجاء وخوفًا , ومنعه ذلك من طلب الدنيا بالأسباب المكروهة , ومن كان كذلك كان زاهدًا في الدنيا حقيقة , وكان من أغنى الناس , وإن لم يكن له شيء من الدنيا ..... والثاني: أن يكون العبد إذا أصيب بمصيبة في دنياه من ذهاب مال , أو ولد أو غير ذلك , أرغب في ثواب ذلك مما ذهب منه من الدنيا أن يبقى له , وهذا أيضًا ينشأ من كمال اليقين ..... والثالث: أن يستوي عند العبد حامده وذامُّه في الحق , وهذا من علامات الزهد في الدنيا , واحتقارها , وقلة الرغبة فيها , فإن من عظمت الدنيا عنده اختار المدح وكره الذمّ , فربما حمله ذلك على ترك كثير من الحق خشية الذمّ , وعلى فعل كثير من الباطل رجاء المدح , فمن استوى عنده حامده وذامه في الحق , دلّ على سقوط منزلة المخلوقين من قلبه, وامتلائه من محبة الحقّ , وما فيه رضا مولاه , كما قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: اليقين أن لا ترض الناس بسخط الله. وقد مدح الله الذين يجاهدون في سبيل الله , ولا يخافون لومة لائم ..... جامع العلوم والحكم / 389، 390

(جـ) ذم الركون إلى الدنيا والفرح بمتاعها

* وقال وهيب المكي رحمه الله: الزهد في الدنيا: أن لا تأسى على ما فاتك منها، ولا تفرح بما أتاك منها. [الحلية (تهذيبه) 3/ 30]. * وقال يوسف بن أسباط رحمه الله: الزهد في الرياسة أشد من الزهد في الدنيا. [الحلية (تهذيبه) 3/ 57]. (جـ) ذم الركون إلى الدنيا والفرح بمتاعها (¬1): * عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: لبست مرة درعًا لي جديدًا، ¬

(¬1) ذكر ابن القيم رحمه الله عدة أمثلة تبين حقيقة الدنيا, أكتفي بثلاثة أمثلة, قال رحمه الله: المثال الخامس عشر: رجل هيأ داراً وزينها ووضع فيها من جميع الآلات ودعا الناس إليها: فكلما دخل داخل أجلسه على فراش وثير وقدم إليه طبقًا من ذهب عليه لحم، ووضع بين يديه أوان مفتخرة فيها من كل ما يحتاج إليه وأخدمه عبيده فاستمتع بتلك الآلات والضيافة مدة مقامه في الدار، ولم يعلق قلبه بها ولا حدث نفسه بتملكها، بل اعتمد مع صاحب الدار ما يعتمده الضيف يجلس حيث أجلسه، ويأكل ما قدمه له ولا يسأل عما وراء ذلك اكتفاء منه بعلم صاحب الدار وكرمه وما يفعله مع ضيوفه، فدخل الدار كريمًا وتمتع فيه كريمًا وفارقها كريمًا، ورب الدار غير ذام له وأما الأحمق، فحدث نفسه بسكني الدار وحوز تلك الآلات إلى ملكه وتصرفه فيها بحسب شهوته وإرادته، فتخير المجلس لنفسه وجعل ينقل تلك الآلات إلى مكان في الدار يخبؤها فيه، وكلما قدم إليه ربها شيئًا أو آلة حدث نفسه بملكه واختصاصه به عن سائر الأضياف، ورب الدار يشاهد ما يصنع وكرمه يمنعه من إخراجه من داره حتى إذا ظن أنه قد استبد بتلك الآلات وملك الدار وتصرف فيها وفي آلاتها تصرف المالك الحقيقي واستوطنها واتخذها دارًا له أرسل إليه مالكها عبيده فأخرجوه منها إخراجا عنيفًا وسلبوه كل ما هو فيه ولم يصحبه من تلك الآلات شيء وحصل على مقت رب الدار له وافتضاحه عنده وبين مماليكه وحشمه وخدمه فليتأمل اللبيب هذا المثال حق التأمل فإنه مطابق للحقيقة والله المستعان. المثال السادس عشر: قوم سلكوا مفازة فاجأهم العطش فانتهوا إلى البحر وماؤه أمر شيء وأملحه فلشدة عطشهم لم يجدوا طعم مرارته وملوحته فشربوا منه فلم يرووا، وجعلوا كلما ازداد شرباً ازدادوا ظمأ حتى تقطعت أمعاؤهم وماتوا عطشًا، وعلم عقلاؤهم أنه مر مالح وأنه كلما ازداد الشارب منه ازداد ظمؤه فتباعدوا عنه مسافة حتى وجدوا أرضا حلوة فحفروا فيها قليبا فنبع لهم ماء عذب فرات فشربوا وعجنوا وطبخوا ونادوا إخوانهم الذين على حافة البحر: هلموا إلى الماء الفرات، وكان منهم المستهزئ، ومنهم المعرض الراضي بما هو فيه، وكان المجيب واحدًا بعد واحد. وهذا المثل بعينه قد ضربه المسيح عليه السلام فقال: (مثل طالب الدنيا كمثل شارب ماء البحر كلما ازاداد شربًا ازداد عطشًا حتى يقتله). المثال السابع عشر: مثل الإنسان ومثل ماله وعشيرته وعمله مثل رجل له ثلاثة إخوة فقضى له سفر بعيد طويل لابد له منه، فدعا إخوته الثلاثة وقال: قد حضر ما ترون من هذا السفر الطويل وأحوج ما كنت إليكم الآن، فقال أحدهم: أنا كنت أخاك إلى هذه الحال، ومن الآن فلست بأخ ولا صاحب وما عندي غير هذا، فقال له: لم تغن عني شيئًا، فقال للآخر: ما عندك؟ فقال: كنت أخاك وصاحبك إلى الآن وأنا معك حتى أجهزك إلى سفرك وتركب راحلتك ومن هنالك لست لك بصاحب، فقال له: أنا محتاج إلى مرافقتك في مسيري، فقال: ما عندك أنت؟ فقال: كنت صاحبك في صحتك ومرضك وأنا صاحبك الآن وصاحبك إذا ركبت راحلتك وصاحبك في مسيرك فإن سرت سرت معك وإن نزلت نزلت معك وإذا وصلت إلى بلدك كنت صاحبك فيها لا أفارقك أبدا, فقال: إن كنت لأهون الأصحاب علي وكنت أوثر عليك صاحبيك فليتني عرفت حقك وآثرتك عليهما. فالأول: ماله، والثاني: أقاربه وعشيرته وأصحابه، والثالث: عمله. المثال الثامن عشر: وهو من أحسن الأمثلة: ملك بنى دارا لم ير الراؤون ولم يسمع السامعون أحسن ولا أوسع ولا أجمع لكل ملاذ النفوس منها، ونصب إليها طريقًا وبعث داعيًا يدعو الناس إليها وأقعد على الطريق امرأة جميلة قد زينت بأنواع الزينة وألبست أنواع الحلي والحلل وممر الناس كلهم عليها وجعل لها أعوانًا وخدمًا وجعل تحت يدها ويد أعوانها زادا للمارين السائرين إلى الملك في تلك الطريق، وقال لها ولأعوانها: من غض طرفه عنك ولم يشتغل بك عني وابتغى منك زادا يوصله إلي فاخدميه وزوديه ولا تعوقيه عن سفره إلي، بل أعينيه بكل ما يبلغه في سفره ومن مد إليك عينيه ورضى بك وآثرك على وطلب وصالك فسوميه سوء العذاب وأوليه غاية الهوان، واستخدميه واجعليه يركض خلفك ركض الوحش، ومن يأكل منك فاخدعيه به قليلًا ثم استرديه منه واسلبيه إياه كله وسلطي عليه أتباعك وعبيدك، وكلما بالغ في محبتك وتعظيمك وإكرامك فقابليه بأمثاله قلى واهنة وهجرا حتى تتقطع نفسه عليك حسرات. عدة الصابرين / 276

فجعلت أنظر إليه وأعجبت به. فقال أبو بكر - رضي الله عنه -: ما تنظرين؟ إن الله ليس بناظر إليك!! قلت: ومم ذاك؟ قال: أما علمت أن العبد إذا دخله العجب بزينة الدنيا مقته ربه - عزَّ وجلَّ - حتى يفارق تلك الزينة؟ قالت: فنزعته فتصدقت به. فقال أبو بكر: عسى ذلك أن يكفر عنك. (¬1) [الحلية (تهذيبه) 1/ 60]. ¬

(¬1) هذا الأثر لا يصح, فيه: إسحاق بن بشر, قال في تذكرة الموضوعات: كذاب. وقال في كنز العمال: كذاب. وقال في مجمع الزوائد: متروك. وقال في اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة: كذاب وضاع بالاتفاق.

* وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: يا معشر المهاجرين، لا تكثروا الدخول على أهل الدنيا، فإنه مسخطة للرزق. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 93]. * وقال - رضي الله عنه -: نظرت في هذا الأمر فجعلت إذا أردت الدنيا أضر بالآخرة، وإذا أردت الآخرة أضر بالدنيا، فإذا كان الأمر هكذا فأضروا بالفانية. [الحلية (تهذيبه) 1/ 80]. * وقال - رضي الله عنه -: والله ما الدنيا في الآخرة إلا كنفجة أرنب. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 25]. * وقال - رضي الله عنه -: الزهد في الدنيا راحة القلب والبدن. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 87]. * وعن بدر بن عثمان عن عمه قال: آخر خطبة خطبها عثمان - رضي الله عنه - في جماعة: إن الله إنما أعطاكم الدنيا لتطلبوا بها الآخرة، ولم يعطكموها لتركنوا إليها، إن الدنيا تفنى، والآخرة تبقى، لا تبطرنكم الفانية، ولا تشغلنكم عن الباقية، آثروا ما يبقى على ما يفنى، فإن الدنيا منقطعة، وإن المصير إلى الله - عزَّ وجلَّ - واتقوا الله، فإن تقواه جنة من بأسه، ووسيلة عنده، واحذروا أمر الله، والزموا جماعتكم، ولا تصيروا أحزابا {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 103]. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 83]. * وقال ابن مسعود - رضي الله عنه -: الدنيا دار من لا دار له، ومال من لا مال له، ولها يجمع من عقل له. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 26]. * وقال أيضا - رضي الله عنه -: لكل فرحة ترحا، وما من بيت مُلئ فرحا إلا ملئ ترحا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 18].

* وقيل لعلى بن أبي طالب - رضي الله عنه -: يا أبا الحسن صف لنا الدنيا؟ قال: أطيل أم أقصر؟ قالوا: بل أقصر. قال: حلالها حساب، وحرامها النار. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 26]. * وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - أنه ذكر الدنيا، فقال: إنها ملعونة، ملعون ما فيها، إلا ما كان لله - عزَّ وجلَّ - وما ابتُغى به وجهه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 157]. * ودخل حدير السلمي على أبي الدرداء - رضي الله عنه - يعوده، وعليه جبة من صوف، وقد عرق فيها، وهو نائم على حصير، فقال: يا أبا الدرداء ما يمنعك أن تلبس من الثياب التي يكسوك معاوية، وتتخذ فراشا؟ قال: إن لنا دارا لها نعمل، وإليها نظعن، والمخفُّ فيها خير من المثقل. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 344]. * وقال أبو الدرداء - رضي الله عنه -: ما من أحد إلا وفي عقله نقص عن علمه وحلمه، وذلك أنه إذا أتته الدنيا بزيادة في مال، ظل فرحًا مسرورًا، والليل والنهار دائبان في هدم عمره، ثم لا يجزيه، ضل ضلاله، ما ينفع مال يزيد، وعمر ينقص؟. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 513]. * وقال أيضا - رضي الله عنه -: الحمد لله الذي جعل الأغنياء يتمنون أنهم مثلنا عند الموت، ولا نتمنى أننا مثلهم عند الموت، ما أنصفَنا إخوانُنا الأغنياء: يحبوننا على الدين، ويعادوننا على الدنيا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 514]. * وعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - قال: لا يصيب عبدٌ شيئًا من الدنيا إلا نقص من درجاته عند الله - عزَّ وجلَّ - وإن كان عليه كريمًا. (¬1) [الزهد لابن أبي الدنيا: 297]. * وقال ابن عباس - رضي الله عنه -: يؤتى بالدنيا يوم القيامة في صورة عجوز شمطاء زرقاء، أنيابها بادية، مشوهة خلقها، فتشرف على الخلائق، فيقال: أتعرفون هذه؟ فيقولون: نعوذ بالله من معرفة هذه، فيقال: هذه الدنيا التي تناحرتم عليها، بها تقاطعتم الأرحام، وبها تحاسدتم وتباغضتم، واغتررتم، ¬

(¬1) قال المنذري رحمه الله: سنده جيد. وقال الألباني: صحيح. صحيح الترغيب والترهيب: 3220

ثم تقذف في جهنم، فتنادي: أي رب أين أتباعي وأشياعي؟ فيقول الله - عزَّ وجلَّ -: ألحقوا بها أتباعها وأشياعها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 72]. * وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: جاء ملك الموت إلى نوح، فقال: يا أطول النبيين عمرا كيف وجدت الدنيا ولذتها؟ قال: كرجل دخل بيتا له بابان، فقام وسط البيت هنية، ثم خرج من الباب الآخر. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 117]. * وعن ثابت قال: لما كبر معاوية - رضي الله عنه - خرجت له قرحة في ظهره، فكان إذا لبس دثارا ثقيلا - والشام أرض باردة - أثقله ذلك وغمَّه، فقال: اصنعوا لي دثارا خفيفا دفيئا من هذه السخال، فصنع له، فلما ألقي عليه تسارَّ إليه ساعة ثم غمه، فقال: جافوه عني، ثم لبسه، ثم غمه، فألقاه، ففعل ذلك مرارا، ثم قال: قبحك الله من دار! ملكتك أربعين سنة؛ عشرين خليفة، وعشرين أميرا، ثم صيرتني إلى ما أرى؟! قبحك الله من دار. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 372]. * وعن سويد الكلبي، أن زر بن حبيش - رضي الله عنه -، كتب إلى عبد الملك بن مروان كتابًا يعظه فيه، وكان في آخر كتابه: ولا يُطْمعنك يا أمير المؤمنين في طول الحياة ما يظهر من صحة بدنك، فأنت أعلم بنفسك، واذكر ما تكلم به الأولون: إذا الرجال وُلدت أولادُها ... وبَليت مِن كبر أجسادها وجعلت أسقامها تعتادها ... تلك زروعٌ قد دنا حصادها فلما قرأ عبد الملك الكتاب، بكى حتى بل طرف ثوبه، ثم قال: صدق زر، ولو كتب إلينا بغير هذا لكان أرفق. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 423]. * وقال أبو حازم رحمه الله: عجبًا لقوم يعملون لدارٍ يرحلون عنها كلَّ يوم مرحَلة، ويدعون أن يعملوا لدارٍ يرحلون إليها كلَّ يوم مرحلة!. [صفة الصفوة 2/ 494]. * وكان عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية خَلًّا لعبد الملك بن مروان،

فلما مات عبد الملك وتصدع الناس عن قبره، وقف (¬1) عليه، فقال له: أنت عبد الملك الذي كنت تعدني فأرجوك، وتوعدني فأخافك؟ أصبحت وليس معك من ملكك غير ثوبك، وليس لك منه غير أربعة أذرع في عرض ذراعين!. ثم انكفأ إلى أهله، واجتهد في العبادة، حتى صار كأنه شنٌّ بالٍ، فدخل عليه بعض أهله فعاتبه في نفسه، وإضراره بها، فقال لقائله: أسألك عن شيء تصدقني عنه ما بلغه علمك؟ قال: نعم، قال: أخبرني عن حالك التي أنت عليها، أترضاه للموت؟ قال: اللهم لا، قال: فهل عزمت على انتقال منها إلى غيرها؟ قال: ما أنصحت رأيي في ذلك، قال: أفتأمن أن يأتيك الموت على حالك التي أنت عليها؟ قال: اللهم لا، قال: فبعد الدار التي أنت فيها معتمل؟ قال: اللهم لا، قال: حالٌ ما أقام عليها عاقل، ثم انكفأ إلى مصلاه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 573]. * وقال بعض الحكماء: من كان الليل والنهار مطيَّتيه: سارا به وإن لم يسر. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 576]. * وكان بشير بن كعب رحمه الله يقول: انطلقوا حتى أريكم الدنيا!، فيجيء بهم إلى السوق - وهي يومئذ مزبلة - فيقول: انظروا إلى دجاجهم، وبطهم، وثمارهم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 367]. * وعن عبد الرحمن بن حفص قال: بعث بعض الأمراء إلى عمر بن المنكدر رحمه الله بمالٍ، فجاء به الرسول فوضعه بين يديه، فجعل عمر ينظر إليه ويبكي، فأرسل الرسولُ إلى صاحبه فأخبره بذلك، فأرسل ربيعة بن أبي عبد الرحمن رحمه الله يستعلم علم ذلك البكاء. فجاء ربيعة فقال: يا أخي ما الذي أبكاك من صلة الأمير لك؟ قال: إني والله خشيت أن تغلب الدنيا على قلبي فلا يكون للآخرة فيه نصيب، فذاك الذي أبكاني، قال: فأمر بالمال فتصدق به على فقراء أهل المدينة، فجاء ربيعة فأخبر الأمير بذلك فبكى وقال: هكذا والله يكون الخير. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 181]. ¬

(¬1) في المطبوع: وقل, ولعله خطأ مطبعي.

* وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: فرحك بالدنيا يذهب بحلاوة العبادة، وهمك بالدنيا يذهب بالعبادة كلها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 264]. * وعن سعيد بن أبي بردة رحمه الله قال: ما يُنتظر من الدنيا إلا كل محزن، أو فتنة تُنتظر. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 18]. * وعن سعيد بن عبد الله قال: سأل الحجاج بن يوسف خالد بن يزيد رحمه الله عن الدنيا، قال: ميراث، قال: فالأيام؟ قال: دُول، قال فالدهر؟ قال: أطباق والموت بكلِّ سبيله، فيحذر العزيز الذل، والغني الفقر، فكم من عزيز قوم قد ذل، وكم من غني قد افتقر. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 508]. * وعن محمد بن سيرين رحمه الله قال: ما كان ضحك قط إلا كان من بعده بكاء. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 18]. * وقال الشاعر: [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 563]. رأيت أخا الدنيا وإن بات آمنًا ... على سفر يسري به وهو لا يدري * وعن إبراهيم اليشكري قال: سمعت الحسن البصري رحمه الله إذا ذكر صاحب الدنيا يقول: والله ما بقيت له ولا بقي لها، ولا سلم من تبعتها ولا شرها ولا حسابها، ولقد أخرج منها في خرق. [الحلية (تهذيبه) 1/ 330]. * وقال أيضًا رحمه الله: والله ما أحد من الناس بسط الله - عزَّ وجلَّ - له دنيا فلم يخف أن يكون قد مكر به فيها إلا كان قد نقص علمه وعجز رأيه، وما أمسكها الله - عزَّ وجلَّ - عن عبد فلم يظن أنه قد خير له فيها إلا كان قد نقص علمه وعجز رأيه. [الزهد للإمام أحمد / 104]. * وعن مالك بن دينار رحمه الله قال: مات بشر بن مروان فدفن، ثم مات أسود فدفن إلى جنبه، فمررت بقبرهما بعد ثالثة فلم أعرف أحدهما من قبر صاحبه، فذكرت قول الشاعر: والعطيَّاتُ خساس بينهم ... وسواء قبر مُثْرٍ ومُقِلّ [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 331]. * وعن وهيب بن الورد رحمه الله. قال: بنى نوح بيتًا من قصب، فقيل له:

لو بنيت غير هذا؟ فقال: هذا كثير لمن يموت. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 415]. * وقال الشاعر: [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 542]. جهول ليس تنهاه النواهي ... ولا تلقاه إلا وهو ساهي يُسَرُّ بيومه لعِبًا ولهوًا ... ولا يدري وفي غده الدواهي مررت بقصره فرأيت أمرًا ... عجيبًا فيه مزدجَرٌ وناهي بدا فوق السرير فقلت: من ذا ... فقالوا: ذلك الملك المباهي رأيت على الباب سود الجواري ... ينحن وهن يكسرن الملاهي تبيَّنْ أي دار أنت فيها ... ولا تسكن إليها وادر ما هي * وقال أبو حازم رحمه الله: ما في الدنيا شيء يسرّك، إلا وقد ألزق به شيء يسوءك. [صفة الصفوة 2/ 493]. * وقال أيضًا رحمه الله: ما مضى من الدنيا فحلم، وما بقي فأمانيّ. [المنتظم 8/ 32]. * وقال أيضًا رحمه الله: إن قليل الدنيا يشغل عن كثير الآخرة، وإن كثيرها ينسيك قليلها، وإن كنت تطلب من الدنيا ما يكفيك فأدنى ما فيها يجزيك، وإن كان لا يغنيك ما يكفيك فليس فيها شيء يغنيك. [الحلية (تهذيبه) 1/ 520]. * وقال أيضًا رحمه الله: نعمةُ الله فيما زوى عني من الدنيا، أعظم من نعمته فيما أعطاني منها، لأني رأيتُه أعطاها قومًا فهلكوا. [السير (تهذيبه) 2/ 637]. * وقال بعض الحكماء: [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 429]. يا ساكن الدنيا أتعمر مسكنًا ... لم يبق فيه مع المنية ساكن الموت شيء أنت تعلم أنه ... حق وأنت بذكره متهاون إن المنية لا تُؤامر من أتت ... في نفسه يومًا ولا تستأذن واعلم بأنك لا أبالك في الذي ... أصبحت تجمعه لغيرك خازن * وقال محمد بن كعب رحمه الله: الدنيا دار فناء ومنزل بلغة، رغبت عنها السعداء، وأسرعت من أيدي الأشقياء. فأشقى الناس بها أرغب الناس فيها،

وأسعد الناس فيها أزهد الناس بها، هي المعذبة لمن أطاعها، المهلكة لمن اتبعها، الخائنة لمن انقاد لها، علمها جهل، وغناؤها فقر، وزيادتها نقصان، وأيامها دول. [الحلية (تهذيبه) 1/ 516]. * وعن حمزة بن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال: بلغني أن مسروقًا رحمه الله أخذ بيد ابن أخ له فارتقى به على كناسة بالكوفة قال: ألا أريك الدنيا، هذه الدنيا أكلوها فأفنوها، لبسوها فأبلوها، ركبوها فأنضوها، سفكوا فيها دماءهم، واستحلوا فيها محارمهم، وقطعوا فيها أرحامهم. [الحلية (تهذيبه) 1/ 305]. * وقال الربيع بن بره رحمه الله: ابن آدم، إنما أنت جيفة منتنة، طيَّبَ نسيمَك ما رُكب فيك من روح الحياة، فلو قد نزع منك روحك أُلقيت جثة ملقاه، وجيفة منتنة، وجسدًا خاويًا، وقد جَيَّف بعد طيب ريحه، واستوحش منه بعد الأنس بقربه، فأي الخليقة ابن آدم منك أجهل؟ وأي الخليقة منك أعجب؟ إذا كنت تعلم أن هذا مصيرك، وأن التراب مقيلك، ثم أنت بعد هذا لطول جهلك تقر بالدنيا عينًا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 547]. * وعن الأصمعي، قال: بعث إلي هارون الرشيد، وقد زخرف مجالسه، وبالغ فيها وفي بنائها، ووضع فيها طعامًا كثيرًا، ثم وجه إلى أبي العتاهية رحمه الله فأتاه، فقال: صف لنا ما نحن فيه من نعيم هذه الدنيا؟ فأنشأ يقول: عش ما بدا لك سالمًا ... في ظل شاهقة القصور فقال: أحسنت! ثم ماذا؟ فقال: يُسعى عليك بما اشتهيت ... مع الغدوّ وفي البكور فقال: أحسنت أيضًا! ثم ماذا؟ فقال: فإذا النفوس تقعقعت ... في ضيق حشرجة الصدور فهناك تعلم موقنًا ... ما كنت إلا في غرور فبكى هارون، فقال: الفضل بن يحيى: بعث إليك أمير المؤمنين لتسره،

فأحزنته! فقال هارون: دعه، فإنه رآنا في عمى، فكره أن يزيدنا عمى. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 422]. * وقال عون بن عبد الله رحمه الله: إنّ مَن كان قبلنا كانوا يجعلون للدنيا ما فضلَ من آخرتهم، وإنكم تجعلون لآخرتكم ما فضل عن دنياكم. [صفة الصفوة 3/ 71]. * واحتُضر رجل بالمدينة فقال: لا تغرنكم الدينا فقد غرتني!. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 386]. * ودخلوا على رجل وهو في الموت فقال: سخرت بي الدنيا حتى ذهبت أيامي!. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 386]. * وقال مالك بن دينار رحمه الله: اتقوا السحارة فإنها تسحر قلوب العلماء - يعني الدنيا. [الحلية (تهذيبه) 1/ 421]. * وقال أيضًا رحمه الله: إن البدن إذا سقم لا ينجع فيه طعام ولا شراب ولا نوم ولا راحة. وكذلك القلب إذا علقه حبُّ الدنيا لم ينجع فيه المَواعظ. وقال: بقدر ما تحزن للدنيا كذلك يخرج همُّ الآخرة من قلبك، وبقدر ما تحزن للآخرة فكذلك يخرج همّ الدنيا من قلبك. [صفة الصفوة 3/ 198]. * وقال الحسن البصري رحمه الله: يابن آدم بعْ دنياك بآخرتك تربحْهما جميعًا، ولا تبيعن آخرتك بدنياك فتخسرهما جميعًا. [صفة الصفوة 3/ 165]. * وقال أيضًا رحمه الله: ابن آدم إنما أنت أيام، كلما ذهب يوم ذهب بعضك. [الحلية (تهذيبه) 1/ 334]. * وقال أيضًا رحمه الله: والله لقد أدركت أقوامًا كانوا فيما أحل الله لهم أزهد منكم فيما حرم عليكم، ولقد كانوا أشفق من حسناتهم أن لا تقبل منهم منكم أن تؤاخذوا بسيئاتكم. [الزهد للإمام أحمد / 444]. * وقال أيضًا رحمه الله: أدركت أقوامًا كانوا لا يفرحون بشيء من الدنيا أتوه، ولا يأسون على شيء منها فاتهم. [الزهد للإمام أحمد / 448].

* وقال أيضًا رحمه الله: والله لقد أدركت أقوامًا وصحبت طوائف منهم ما كانوا يفرحون بشيء من الدنيا أقبل، ولا يتأسفون على شيء منها أدبر، ولهي كانت أهون في أعينهم من هذا التراب، كان أحدهم يعيش خمسين سنة لم يطو له ثوب قط، ولا نصب له قدر، ولا جعل بينه وبين الأرض شيئًا، ولا أمر في بيته بصنعة طعام قط، فإذا كان الليل فقيام على أطرافهم يفترشون وجوههم تجري دموعهم على خدودهم، يناجون ربهم في فكاك رقابهم، كانوا إذا عملوا الحسنة دأبوا في شكرها وسألوا الله أن يقبلها، وإذا عملوا السيئة أحزنتهم وسألوا الله أن يغفرها، فما زالوا كذلك على ذلك فوالله ما سلموا من الذنوب ولا نجوا إلا بالمغفرة، وإنكم أصبحتم في أجل منقوص، والعمل محفوظ، والموت والله في رقابكم، والنار بين أيديكم، فتوقعوا قضاء الله - عزَّ وجلَّ - في كل يوم وليلة. [الزهد للإمام أحمد / 481]. * وعن سفيان الثوري رحمه الله قال: إن هؤلاء الملوك قد تركوا لكم الآخرة، فاتركوا لهم الدُّنيا. [السير (تهذيبه) 2/ 700]. * وقال رجل لسفيان الثوري رحمه الله: أوصني، قال: اعمل للدنيا بقدر بقائك فيها، وللآخرة بقدر بقائك فيها، والسلام. [الحلية (تهذيبه) 2/ 400]. * وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: رَهبَةُ العبد من الله على قدر علمه بالله، وزهادتُه في الدنيا على قدر رغبته في الآخرة. [السير (تهذيبه) 2/ 774]. * وقال أيضًا رحمه الله: لو أن الدنيا بحذافيرها عرضت علي حلالًا، لا أحاسب بها في الآخرة، لكنت أتقذرها، كما يتقذر أحدكم الجيفة إذا مرَّ بها أن تصيب ثوبه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 551، الحلية (تهذيبه) 3/ 9]. * وقال أيضًا رحمه الله: ليست الدار دار إقامة، وإنما أهبط آدم إليها عقوبة، ألا ترى كيف يزويها عنه ويمرر عليه بالجوع مرة وبالعري مرة وبالحاجة مرة؟ كما تصنع الوالدة الشفيقة بولدها، تسقيه مرة حضيضًا، ومرة صبرًا، وإنما تريد بذلك ما هو خير له. [الحلية (تهذيبه) 3/ 10]. * وقال أيضًا رحمه الله: مالكم وللملوك؟ ما أعظم منّتَهم عليكم، قد تركوا لكم طريق الآخرة، فاركبوا طريق الآخرة، ولكن لا ترضون، تبيعونهم بالدنيا

ثم تزاحمونهم على الدنيا، ما ينبغي لعالم أن يرضى هذا لنفسه. [الحلية (تهذيبه) 3/ 19]. * وقال أيضًا رحمه الله: إن من كان قبلكم، كانت الدنيا مقبلة عليهم، وهم يفرون منها، ولهم من القدم ما لهم، وهي اليوم عنكم مدبرة، وأنتم تسعون خلفها، ولكم من الأحداث مالكم. [الحلية (تهذيبه) 3/ 27]. * وعن جعفر بن محمد رحمه الله قال: أوحى الله تعالى إلى الدنيا؛ أن أخدمي من خدمني، وأتعبي من خدمك. [الحلية (تهذيبه) 1/ 511]. * وقال فرقد السبخى رحمه الله: اتخذوا الدنيا ظئرًا والآخرة أُمَّا؛ أما ترى الصبي يلقي نفسه على الظئر فإذا ترعرع وعرف والدته، ترك الظئر وألقى نفسه على والدته. فإن الآخرة أمكم يوشك أن تجتركم. [الحلية (تهذيبه) 1/ 466]. * وعن الشعبي رحمه الله قال: ما ترك أحد في الدنيا شيئًا لله إلا أعطاه الله في الآخرة ما هو خير له. [الحلية (تهذيبه) 2/ 112]. * وقال وهب بن منبه رحمه الله لعطاء الخراساني: كان العلماء قبلنا قد استغنوا بعلمهم عن دنيا غيرهم، فكانوا لا يلتفتون إلى دنيا غيرهم، وكان أهل الدنيا يبذلون لهم دنياهم رغبة في علمهم، فأصبح أهل العلم اليوم فينا، يبذلون لأهل الدنيا علمهم، رغبة في دنياهم، وأصبح أهل الدنيا قد زهدوا في علمهم، لما رأوا من سوء موضعهم عندهم، فإياك وأبواب السلاطين، فإن عند أبوابهم، فتنًا كمبارك الإبل، لا تصيب من دنياهم شيئًا إلا وأصابوا من دينك مثله. ثم قال: يا عطاء إن كان يغنيك ما يكفيك فكل عيشك يكفيك، وإن كان لا يغنيك ما يكفيك، فليس شيء يكفيك، إنما بطنك بحر من البحور، ووادٍ من الأودية لا يسعه إلا التراب. [الحلية (تهذيبه) 2/ 39]. * وقال سُحنون رحمه الله: مُحِبُّ الدُّنيا أعمى، لم يُنَوِّرْهُ العِلْمُ. [السير (تهذيبه) 3/ 982]. * وقال أحمد بن أبي الحواريِّ رحمه الله: من نظر إلى الدنيا نظر إرادة وحبٍ، أخرج الله نورَ اليقين والزهدِ من قلبه. [السير (تهذيبه) 3/ 985].

* وقال أبو يعقوب رحمه الله: الدنيا بحرٌ، والآخرةُ ساحلٌ. والمركبُ التَّقْوى، والناس سَفْرٌ. [السير (تهذيبه)]. * وقال شقيق البلخي رحمه الله: عملت في القرآن عشرين سنة، حتى ميزت الدنيا من الآخرة، فأصبته في حرفين وهو قوله - تعالى -:: {وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [القصص: 60]. [الحلية (تهذيبه) 2/ 497]. * وقال أحمد بن عاصم رحمه الله: ليس شيء خيرًا من أن لا تمتحن بالدنيا - أي لا تتعرض لها. [الحلية (تهذيبه) 3/ 201]. * وقالت رابعة العدوية رحمها الله لسفيان: إنما أنت أيام معدودة، فإذا ذهب يومٌ ذهب بعضُك، ويُوشك إذا ذهب البعض أن يذهبَ الكلّ وأنت تعلم، فاعمل. [صفة الصفوة 3/ 293]. * وقال بعض الحكماء رحمه الله: أما يكفي أهل الدنيا ما يعانون من كثرة الفجائع، وتتابع المصائب في المال والإخوان، والنقص في القوى والأبدان. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 83]. * وقال يحيى بن معاذ رحمه الله: ألا إن العاقل المصيب من عمل ثلاثًا: تركَ الدنيا قبل أن تتركه، وبنى قبره قبل أن يدخله، وأرضى ربه قبل أن يلقاه. [صفة الصفوة 4/ 343]. * وقال أيضًا رحمه الله: الدنيا أمير من طلبها، وخادم من تركها، الدنيا طالبة ومطلوبة فمن طالبها رفضته ومن رفضها طلبته، الدنيا قنطرة الآخرة فاعبروها ولا تعمروها، ليس من العقل بنيان القصور على الجسور، الدنيا عروس وطالبها ماشطتها، وبالزهد ينتف شعرها ويسود وجهها ويمزق ثيابها. ومن طلق الدنيا فالآخرة زوجته. فالدنيا مطلقة الأكياس لا تنقضي عدتها أبدًا، فخل الدنيا ولا تذكرها، واذكر الآخرة ولا تنسها، وخذ من الدنيا ما يبلغك الآخرة، ولا تأخذ من الدنيا ما يمنعك الآخرة. [الحلية (تهذيبه) 3/ 260]. * وقال أيضًا رحمه الله: فكرتك في الدنيا تلهيك عن ربك وعن دينك فكيف إذا باشرتها بجميع جوارحك. [الحلية (تهذيبه) 3/ 261].

* وقال سعيد بن المسيب رحمه الله: إن الدنيا نذلة وهي إلى كل نذل أميل، وأنذل منها من أخذها بغير حقها، وطلبها بغير وجهها، ووضعها في غير سبيلها. [الحلية (تهذيبه) 1/ 346]. * وعن عبيد الله بن شميط رحمه الله قال: سمعت أبي - رضي الله عنه - إذا وصف أهل الدنيا، قال: دائم البطنة؛ قليل الفطنة، إنما همه بطنه وفرجه وجلده. يقول: متى أصبح فآكل وأشرب وألهو وألعب، ومتى أمسي فأنام، جيفة بالليل بطال بالنهار. [الحلية (تهذيبه) 1/ 478]. * وعن سفيان الثوري رحمه الله: مَنْ سُرَّ بالدُّنيا، نُزع خوفُ الآخرة من قلبه. [السير (تهذيبه) 2/ 699]. * وقال يحيى بن معاذ رحمه الله: أيها المريدون إن اضطُررتم إلى طلب الدنيا، فاطلبوها ولا تحبّوها، وأشغلوا بها أبدانكم وعلِّقوا بغيرها قلوبكم، فإنَّها دار مَمَرّ وليست بدار مقرّ، الزاد منها والمقِيل في غيرها. [صفة الصفوة 4/ 343]. * وقال أيضًا رحمه الله: الدنيا خمرُ الشيطانِ، مَن سكِرَ منها لا يُفيق إلا في عَسكر الموتى نادمًا بين الخاسرين. [صفة الصفوة 4/ 341]. وقال أيضًا رحمه الله: يا ابن آدم لا يزال دينك متمزّقًا ما دام قلبك بحب الدنيا مُتعلقًا. [صفة الصفوة 4/ 342]. * وعن بلال بن سعد رحمه الله، قال: والله لكفى به ذنبًا أن الله يزهدنا في الدنيا ونحن نرغب فيها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 36، الحلية (تهذيبه) 190/ 2]. * وعن عمران القصير رحمه الله قال: ألا صابر كريم لأيام قلائل، حرام على قلوبكم أن تجدوا طعم الإيمان حتى تزهدوا في الدنيا. [الحلية (تهذيبه) 2/ 309]. * وقال عون بن عبد الله رحمه الله: الدنيا والآخرة في قلب ابن آدم ككفتي الميزان ترجح إحداهما بالأخرى. [صفة الصفوة 3/ 71]. * وقال الشاعر: [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 98]. أيا جامع الدنيا لغير بلاغة ... لمن تجمع الدنيا وأنت تموت

* وعن سيار بن دينار رحمه الله أنه قال: إن الفرح بالدنيا والحزن بالآخرة لا يجتمعان في قلب عبد، إذا سكن أحدهما القلب خرج الآخر. [المنتظم 7/ 222]. * وعن محمد بن سوقة رحمه الله قال: أمران لو لم نعذب إلا بهما، لكنا مستحقين بهما العذاب، أحدنا يزداد في دنياه فيفرح فرحًا، ما علم الله منه قط أنه فرح بشيء قط زيد في دينه مثله، وأحدنا ينقص من دنياه، فيحزن حزنًا ما علم الله منه قط أنه حزن على شيء نقصه من دينه مثله. [الحلية (تهذيبه) 2/ 127]. * وقال رياح القيسي رحمه الله: كما لا تنظر الأبصار إلى شعاع الشمس، كذلك لا تنظر قلوب محبي الدنيا إلى نور الحكمة أبدًا. [الحلية (تهذيبه) 2/ 313]. * وعن خزيمة أبي محمد رحمه الله؛ أن رجلًا أتى بعض الزهاد فقال له الزاهد: ما جاء بك؟ قال: بلغني زهدك، قال: أفلا أدلك على من هو أزهد مني؟ قال: ومن هو؟ قال: أنت قال: وكيف ذلك؟ قال: لأنك زهدت في الجنة وما أعد الله فيها، وزهدت أنا في الدنيا على فنائها وذم الله إياها، فأنت أزهد مني!! [الحلية (تهذيبه) 2/ 344]. * وقال داود الطائي رحمه الله لسفيان: إذا كنت تشرب الماء المبرد، وتأكل اللذيذ المطيب، وتمشي في الظل الظليل، فمتى تحب الموت والقدوم على الله؟ فبكى سفيان. [الحلية (تهذيبه) 2/ 462]. * وقال إبراهيم بن أدهم رحمه الله: ليس من أعلام الحب أن تحب ما يبغض حبيبك، ذم مولانا الدنيا فمدحناها، وأبغضها فأحببناها، وزهَّدنا فيها فآثرناها ورغبنا في طلبها، وعدكم خراب الدنيا فحصنتموها، ونهيتم عن طلبها فطلبتموها، وأنذرتم الكنوز فكنزتموها. [الحلية (تهذيبه) 2/ 487]. * وقال بشر بن السري رحمه الله: ليس من أعلام الحب، أن تحب ما يبغض حبيبك. [الحلية (تهذيبه) 3/ 75]. * وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: ليس من عبد أعطي شيئًا من الدنيا إلا كان نقصانًا له من الدرجات في الجنة، وإن كان على الله كريمًا. [الحلية (تهذيبه) 3/ 8].

* وقال أيضًا رحمه الله: حزن الدنيا يذهب بهم الآخرة، وفرح الدنيا للدنيا، يذهب بحلاوة العبادة. [الحلية (تهذيبه) 3/ 17]. * وعن عبد الله بن المبارك رحمه الله قال: حب الدنيا في القلب، والذنوب احتوشته، فمتى يصل الخير إليه؟ [الحلية (تهذيبه) 3/ 38]. * وقال أبو معاوية الأسود رحمه الله: الخلق كلهم برهم وفاجرهم، يسعون في أقل من جناح ذباب. فقال له رجل: ما أقل من جناح ذباب؟ قال: الدنيا. [الحلية (تهذيبه) 3/ 67]. * وقال بشر بن الحارث رحمه الله: من سأل الله تعالى الدنيا، فإنما يسأله طول الوقوف. [الحلية (تهذيبه) 3/ 90]. * وقال أيضًا رحمه الله: من هوان الدنيا على الله - عزَّ وجلَّ - أن جعل بيته وعرًا. [الحلية (تهذيبه) 3/ 91]. * وقال أيضًا رحمه الله: ليس أحد يحب الدنيا، إلا لم يحب الموت، وليس أحد يزهد في الدنيا إلا أحبه الموت حتى يلقى مولاه. [الحلية (تهذيبه) 3/ 98]. * وقال وهب بن منبه رحمه الله: قال عيسى ابن مريم - عليه السلام - للحواريين: بحق أقول لكم - وكان عيسى كثيرًا ما يقول بحق أقول لكم -: أن أشدكم حبًا للدنيا أشدكم جزعًا على المصيبة. [الزهد للإمام أحمد / 144]. * وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله: يكون في الطاعة يلذّ بها، فتخطر الدنيا على قلبه، فتنغص عليه أو تنكد عليه. [الحلية (تهذيبه) 3/ 192]. * وقال بعض السلف رحمه الله: احذروا أن [لا] (¬1) يغضب الله عليكم فيعطيكم الدنيا، فإنه غضب على عبد من عبيده إبليس فأعطاه الدنيا وقسم له منها. [الحلية (تهذيبه) 3/ 216]. * وقال أحمد بن أبي الحواري رحمه الله: من نظر إلى الدنيا نظر إرادة وحب لها، أخرج الله نور اليقين والزهد من قلبه. [الحلية (تهذيبه) 3/ 241]. ¬

(¬1) لعل هذا الحرف زائد؛ لأن المعنى لا يستقيم بوجوده.

* وقال أبو حفص رحمه الله: من إهانة الدنيا أني لا أبخل بها على أحد، ولا أبخل بها على نفسي، لاحتقارها واحتقار نفسي عندي. [الحلية (تهذيبه) 3/ 352]. * وعن يونس بن عبيد رحمه الله قال: ما شبهت الدنيا إلا كرجل نائم فرأى في منامه ما يكره وما يحب، فبينما هو كذلك إذ انتبه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 28]. * وقيل لبعض الحكماء رحمه الله: أي شيء أشبه بالدنيا؟ قال: أحلام النائم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 28]. * وذُكرت الدنيا عند الحسن البصري رحمه الله فقال: أحلام نوم أو كظل زائل ... إن اللبيب بمثلها لا يخدع [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 29]. * ونزل أعرابي بقوم، فقدموا له طعاما فأكل ثم قام إلى ظل خيمة لهم فنام هناك، فاقتلعوا الخيمة، فأصابته الشمس، فانتبه وقام وهو يقول: ألا إنما الدنيا كظل بنيته ... ولا بد يومًا أن ظلك زائل [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 29]. * وعن ليث رحمه الله: أن عيسى بن مريم - عليه السلام - رأى الدنيا في صورة عجوز هتماء، عليها من كل زينة، فقال لها: كم تزوجت؟ قالت: لا أحصيهم. قال: كلهم مات عنك أو كلهم طلقك؟ قالت: بل كلهم قتلت. فقال عيسى - عليه السلام -: بؤسا لأزواجك الباقين، ألا يعتبرون بأزواجك الماضين، كيف تهلكينهم واحدا واحدا ولا يكونون منك على حذر. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 30]. * وعن أبي بكر بن عياش رحمه الله قال: رأيت في النوم عجوزا شمطاء، مشوهة، تصفق بيديها، وخلفها خلق يتبعونها، ويصفقون ويرقصون، فلما كانت بحذائي أقبلت علي، فقالت: لو ظفرت بك صنعت بك ما صنعت بهؤلاء. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 31]. * وقال عيسى بن مريم - عليه السلام -: لا تتخذوا الدنيا ربا فتتخذكم الدنيا عبيدا، اكنزوا كنزكم عند من لا يضيعه، فإن صاحب كنز الدنيا يخاف عليه الآفة، وإن صاحب كنز الله لا يخاف عليه الآفة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 32].

* وعن الحسن رحمه الله قال: أربع من أعلام الشقاء: قسوة القلب، وجمود العين، وطول الأمل، والحرص على الدنيا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 34]. * وقال سفيان الثوري رحمه الله: كان يقال: إنما سميت الدنيا لأنها دنية، وإنما سمي المال لأنه يميل بأهله. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 43]. * وعن مالك بن دينار قال: قال لي عبد الله الرازي رحمه الله: إن سرك أن تجد حلاوة العبادة، وتبلغ ذروة سنامها: فاجعل بينك وبين شهوات الدنيا حائطا من حديد. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 50]. * وكان يقال: مثل الذي يريد أن يجمع له الآخرة والدنيا: مثل عبد له ربان، لا يدري أيهما يرضى. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 51]. * وقال سعد التجيبي رحمه الله: إذا رأيت العبد دنياه تزداد، وآخرته تنقص، مقيما على ذلك، راضيا به، فذلك المغبون الذي يُلعب بوجهه وهو لا يشعر. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 60]. * وعن الحسن رحمه الله أنه كان إذا تلا هذه الآية: {فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور} [لقمان: 33] قال: من قال ذا؟ من خلقها؟ ومن هو أعلم بها؟ وقال: إياكم وما شغل من الدنيا، فإن الدنيا كثيرة الأشغال، لا يفتح رجل على نفسه باب شغل إلا أوشك ذلك الباب أن يفتح عليه عشرة أبواب. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 67]. * وعن وهب بن منبه رحمه الله قال: مثل الدنيا والآخرة كمثل رجل له ضرتان، إن أرضى إحداهما أسخط الأخرى. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 71]. * وعن سيار أبي الحكم رحمه الله قال: الدنيا والآخرة يجتمعان في قلب العبد، فأيهما غلب كان الآخر تبعًا له. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 72]. * وقال الشاعر: [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 82]. وكم نائم نام في غبطة ... أتته المنية في نومته وكم من مقيم على لذة ... دهته الحوادث في لذته

وكل جديد على ظهرها ... سيأتي الزمان على جِدتَّه * وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: خمسة من علامات الشقاء: قسوة القلب، وجمود العين، وقلة الخيار، والرغبة في الدنيا، وطول الأمل، وخمسة من السعادة: اليقين في القلب، والورع في الدين، والزهد في الدنيا، والحياء، والعلم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 83]. * وعن عبد الواحد بن زيد رحمه الله قال: بالله لحرص المرء على الدنيا أخوف عليه عندي من أعدى أعدائه له. وقال: يا إخوتاه لا تغبطوا حريصا على ثروة، ولا سعة في مكسب ولا مال، وانظروا إليه بعين المقت له في فعله، وبعين الرحمة له في اشتغاله اليوم بما يرد به غدا في المعاد، ثم يبكي ويقول: الحرص حرصان: فحرص فاجع، وحرص نافع، فأما النافع: فحرص المرء على طاعة الله، وأما الفاجع: فحرص المرء على الدنيا، متعذب مشغول لا يسر، ولا يلذ بجمعه لشغله، ولا يفرغ من محبته الدنيا لآخرته كدًا كدًا لما يفنى، وعقله عما يدوم ويبقى. ثم يبكي. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 84]. * وقال الشاعر: [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 522]. وحسبك من صفات الوا ... صفين بأن تعاينَها أليس جديدُها يبلى ... ويفني الموتُ ساكنها * وقال الشاعر: [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 85]. لا تغبطن أخا حرص على سعة ... وانظر إليه بعين الماقت القالي إن الحريص لمشغول لشقوته عن ... السرور بما يحوى من المال * وعن عبيد بن عمير رحمه الله قال: الدنيا أمد، والآخرة أبد. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 89]. * وعن عبد الله بن الفضل التميمي قال: آخر خطبة خطبها عمر بن عبد العزيز رحمه الله أن صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإن ما

في أيديكم أسلاب الهالكين، وسيتركها الباقون كما تركها الماضون، ألا ترون أنكم في كل يوم وليلة تشيعون غاديا أو رائحا إلى الله، وتضعونه في صدع من الأرض، ثم في بطن صدع، غير ممهد ولا موسد، قد خلع الأسلاب، وفارق الأحباب، وأسكن التراب، وواجه الحساب، فقيرا إلى ما قدم أمامه، غنيا عما ترك بعده، أما والله إني لأقول لكم هذا وما أعرف من أحد من الناس مثل ما أعرف من نفسي. قال: ثم قال بطرف ثوبه على عينه فبكى، ثم نزل فما خرج حتى أخرج إلى حفرته. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 91]. * وقال عون بن عبد الله بن عتبة رحمه الله: ويحي كيف تشتد حاجتي إلى الدنيا وليست بداري، أم كيف أجمع لها وفي غيرها قراري وخلدي، أم كيف تعظم رغبتي فيها والقليل منها يكفيني، أم كيف آمن فيها ولا يدوم فيها حالي، أم كيف يشتد حرصي عليها ولا ينفعني ما تركت منها بعدي، أم كيف أوثرها وقد ضرت من آثرها قبلي، أم كيف لا أبادر بعملي من قبل أن تنصرم مدتي، أم كيف يشتد عجبي بها وهي منقطعة عني. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 94]. * وقال إبراهيم التيمي رحمه الله: إن من كان قبلكم كانت الدنيا مقبلة عليهم وهم يفرون منها، ولهم من العزم مالهم، وإنكم تطلبون الدنيا وهي مدبرة عنكم، ولكم من الأحداث مالكم، فقيسوا أمركم وأمرهم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 95]. * وقال الشاعر: [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 100]. دع الدنيا لمفتتن ... وإن أبدت محاسنها وخذ منها بأيسرها ... وإن بسطت خزائنها فإن الدار دار بلى ... حيال الموت آمنها وقد قلبت لك الأيا ... م ظاهرها وباطنها وحسبك من صفات الوا ... صفين بأنْ تُعاينها أليس جديدها يبلى ... ويفني الموت ساكنها

* وقال الشاعر: [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 100]. هذه الدار مُلِّكها قبلنا ... عصبةٌ بادوا وخلوها لنا فملكناها كما قد ملكوا ... وسيملكها أناس بعدنا ثم تفنيهم وتفنى بعدهم ... ليست الدنيا لحيِّ وطنا عجبًا للدار كم تخدعنا ... حسرة يا حسرة يا حزنا * وقيل لبعض الحكماء: صف لنا قدر الدنيا ومدة البقاء؟ فقال: الدنيا وقتك الذي يرجع إليك فيه طرفك؛ لأن ما مضى عنك فقد فاتك إدراكه، وما لم يأت فلا علم لك به، الدهر يوم مقبل تنعاه ليلته، وتطويه ساعته، وأحداثه تتصل في الإنسان بالتغيير والنقصان، والدهر موكل بتشتيت الجماعات، وانخرام الشمل، وتنقل الدول، والأمل طويل، والعمر قصير، وإلى الله تصير الأمور. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 103]. * وعن عبد العزيز أبي مرحوم قال: دخلنا مع الحسن رحمه الله على مريض نعوده، فلما جلس عنده قال: كيف تجدك؟ قال: أجدني أشتهي الطعام فلا أقدر أن أسيغه، وأشتهي الشراب فلا أقدر على أن أتجرعه، قال: فبكى الحسن، وقال: على الأسقام والأمراض أُسست هذه الدار، فهبك تصح من الأسقام، وتبرأ من الأمراض، هل تقدر على أن تنجو من الموت؟ قال: فارتج البيت بالبكاء. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 108]. * وعن الحسن البصري قال: مسكين ابن آدم رضي بدار حلالها حساب، وحرامها عذاب، إن أخذه من حله حوسب بنعيمه، وإن أخذه من حرام عذب به، ابن آدم يستقل ماله، ولا يستقل عمله، يفرح بمصيبته في دينه، ويجزع من مصيبته في دنياه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 110]. * وقال فضيل بن عياض رحمه الله: الدخول في الدنيا هين، لكن التخلص منها شديد. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 115]. * وعن هشام بن إسماعيل رحمه الله قال: كان ملك من الملوك لا يأخذ أحدا من أهل الإيمان إلا أمر بصلبه، فأُتي رجل من أهل الإيمان بالله فأمر

بصلبه، فلما قتل: أصابوا كتابا فيه ثلاث كلمات: إذا كان القدر حقا فالحرص باطل، وإذا كان الغدر في الناس طباعا فالثقة بكل أحد عجز، وإذا كان الموت بكل أحد راصدا فالطمأنينة إلى الدنيا حمق. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 116]. * وعن عبد الله بن شوذب رحمه الله قال: كان يقال: إن الله وسم الدنيا بالوحشة، وجعل أنس المطيعين به. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 118]. * وخطب عمر بن عبد العزيز رحمه الله فقال: أيها الناس إنكم خلقتم لأمر إن كنتم تصدقون به إنكم لحمقى، وإن كنتم تكذبون به إنكم لهلكى، إنما خلقتم للأبد، ولكنكم من دار إلى دار تنقلون. عباد الله إنكم في دار لكم فيها من طعامكم غُصص، ومن شرابكم شرِق، لا تصفو لكم نعمة تسرون بها إلا بفراق أخرى تكرهون فراقها، فاعملوا لما أنتم صائرون إليه، وخالدون فيه، ثم غلبه البكاء فنزل. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 118]. * وقدم على معاوية رجل من نجران رحمه الله، يقولون: كان له يوم قدم عليه مائة سنة، فسأله عن الدنيا، فقال: سنوات بلاء، وسنوات رخاء، يوم ويوم، وليلة وليلة، يولد مولود، ويهلك هالك، فلولا المولود باد الخلق، ولولا الهالك ضاقت الدنيا بمن فيها. فقال له: سل، قال: عُمْر مضى فترده، أو أجل حضر فتدفعه. قال: لا أملك ذلك، قال: لا حاجة لي إليك، ثم قال: استرزق الله خيرًا وارضَيَنّ به ... فبينما العسر إذ دارت مياسير وبينما المرء في الأحياء مغتبط ... إذ صار رَمسا تعفيه الأعاصير [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 120]. * وكان سفيان الثوري رحمه الله ينشد من قول ابن حطان: أرى أشقياء الناس لا يسأمونها ... على أنهم فيها عراة وجوع

أراها وإن كانت قليلا كأنها ... سحابة صيف عن قليل تقشع [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 120]. * وقال بعض الحكماء: عجبت ممن يحزن على نقصان ماله ولا يحزن على فناء عمره، وعجبت ممن الدنيا مولية عنه والآخرة مقبلة إليه، يشتغل بالمدبرة، ويعرض عن المقبلة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 120]. * وقال داود الطائي رحمه الله: يا ابن آدم فرحت ببلوغ أملك، وإنما بلغته بانقضاء مدة أجلك، ثم سوفت بعملك، كأن منفعته لغيرك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 121]. * وكتب رجل عالم إلى عمر بن عبد العزيز: أما بعد: فإن الدنيا ليست بدار مقامة، وإنما أهبط آدم من الجنة إليها عقوبة، ومثلها مثل الحية مسها لين وفيها الموت، فكن فيها كالمريض الذي يُكره نفسه على الدواء رجاء العافية، وتدع ما تشتهي من الطعام رجاء العافية. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 123]. * وعن الحسن رحمه الله قال: ما الدنيا كلها من أولها إلى آخرها إلا كرجل نام نومة، فرأى في منامه ما يحب ثم انتبه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 123]. * وقال الشاعر: [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 524]. عجبًا لأمنك والحياة قصيرة ... وبفقد إلْف لا تزال تروع أفقدٌ رضيت بأن تُعلَّل بالمنى ... وإلى المنية كلَّ يوم تدفع لا تخدعنك بعد طول تجارب ... دنيا تكشّف للبلاء وتصرَع أحلام نوم أو كظل زائل ... إن اللبيب بمثلها لا يخدع وتزودن ليوم فقرك دائبًا ... ألغير نفسك لا أبالك تجمع * وقيل لكثير بن زياد رحمه الله أوصنا، قال: بيعوا دنياكم بآخرتكم تربحونهما والله جميعا، ولا تبيعوا آخرتكم بدنياكم فتخسرونهما والله جميعا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 130]. * وعن الحسن رحمه الله قال: لا تخرج نفس ابن آدم من الدنيا إلا

بحسرات ثلاث: أنه لم يشبع مما جمع، ولم يدرك ما أمل، ولم يحسن الزاد لما قدم عليه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 132]. * وقال عامر بن عبد قيس رحمه الله: الدنيا كل من فيها يجري على ما لا يريد، وكل مستقر فيها غير راض بها، وذلك شهيد على أنها ليست بدار قرار. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 132]. * وكان ابن السماك رحمه الله يقول: من أذاقته الدنيا حلاوتها لميله إليها: جرعته الآخرة مرارتها بتجافيه عنها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 132]. * وعن أبي سليمان الداراني رحمه الله قال: لا يصبر عن شهوات الدنيا إلا من كان في قلبه ما يشغله من الآخرة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 135]. * وعن بعض الحكماء قال: من زهد في الدنيا: ملكها، ومن رغب في الدنيا: حُرمها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 135]. * وقال الشاعر: [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 139]. ما زالت الدنيا منغصة ... لم ينج صاحبها من البلوى دار الفجائع والهموم ودا ... ر البث والأحزان والشكوى بينا الفتى فيها يسر بها ... إذا صار تحت ترابها ملقى تقفو مساوئُها محاسنَها ... لا شيء بين النعيِّ والبشرى * وقال أبو حازم رحمه الله: يسير الدنيا يشغل عن كثير الآخرة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 141]. * وقال فضيل بن عياض رحمه الله: قيل: يا موسى أيحزن عبدي المؤمن أن أزوي عنه الدنيا وهو أقرب له مني، ويفرح أن أبسط له الدنيا وهو أبعد له مني؟. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 143]. * وقال الفضيل رحمه الله: ما رأيت أحدا عظم الدنيا فقرت عينه فيها، ولا انتفع بها، وما حقرها أحد إلا تمنع بها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 144].

* وقال الحسن رحمه الله: أهينوا الدنيا فو الله ما هي لأحد بأهنأ منها لمن هانها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 145]. * وقال رحمه الله: إذا أراد الله بعبد خيرا أعطاه من الدنيا عطية ثم يمسك، فإذا أنفد عاد عليه، وإذا هان عليه عبد بسطها له بسطا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 145]. * وكان بعض العلماء يدعو: أيا ممسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه أمسك عني الدنيا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 145]. * وقال ابن السماك رحمه الله: إن الدنيا من أولها إلى آخرها قليل، وإن الذي بقي منها في جنب الذي مضى قليل، وإنما لك منها قليل، ولم يبق من قليلك إلا قليل، وقد أصبحت في دار الشِراء، ودار الفِداء، وغدًا تصير إلى دار الجزاء، ودار البقاء، فاشتر اليوم نفسك، وفادها بكل جهدك، لعلك أن تخلص من عذاب ربك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 150]. * وقال سفيان رحمه الله: إذا أردت أن تعرف قدر الدنيا؛ فانظر عند من هي!. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 151]. * وقال إبراهيم بن أدهم رحمه الله: إنما زهد الزاهدون في الدنيا اتقاء أن يشاركوا الحمقى والجهال في جهلهم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 152]. * وقال عيسى ابن مريم - عليه السلام -: طالب الدنيا مثل شارب ماء البحر، كلما ازداد شربا ازداد عطشا حتى يقتله. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 152]. * وقال بعض الحكماء: كل شيء فاتك من الدنيا غنيمة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 152]. * وقال الحسن رحمه الله: من أحب الدنيا حرصًا وسرته: خرج خوف الآخرة من قلبه، ومن ازداد علمًا ثم ازداد على الدنيا حرصًا: لم يزدد من الله - عزَّ وجلَّ - إلا بعدًا، ولم يزدد من الله إلا بغضًا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 158]. * وعن وهب رحمه الله قال: قرأت في كتاب شعيا أنه قيل ليونس بن متى: يا يونس إذا أحب العالم الدنيا نزعت لذة مناجاتي من قلبه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 164].

* وعن عمران القصير رحمه الله أنه قال: ألا صابر كريم لأيام قلائل، حرام على قلوبكم أن تجد طعم الإيمان حتى تزهدوا في الدنيا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 164]. * وقال الشاعر: [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 178]. كُفِلت يا طالب الدنيا بهم ... طويل لا يؤول إلى انقطاع وذُلٍّ في الحياة بغير عزٍّ ... وفقرٍ لا يؤول إلى اتساع وشغلٍ ليس يعقبه فراغ ... وسعىٍ دائمٍ من كل ساع وحرصٍ لا يزال عليه عبدًا ... وعبدُ الحرص ليس بذي ارتفاع * وقال الشاعر: [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 183]. أرى الدنيا لمن هي في يديه ... عذابًا كلما كثرت لديه تُهين المكرَمين لها بصُغْر ... وتكرم كلَّ من هانت عليه إذا استغنيت عن شيء فدعه ... وخذ ما كنت محتاجًا إليه * وعن إبراهيم رحمه الله قال: كانوا يطلبون الدنيا، فإذا بلغوا الأربعين طلبوا الآخرة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 184]. * وعن زكريا بن عدي رحمه الله قال: قال عيسى ابن مريم: يا معشر الحواريين ارضوا بدنيء الدنيا مع سلامة الدين، كما رضي أهل الدنيا بدنيء الدين مع سلامة الدنيا. قال زكريا: وفي ذلك يقول الشاعر: أرى رجالًا بأدنى الدين قد قنعوا ... ولا أراهم رضوا في العيش بالدُّون فاستغن بالدين عن دنيا الملوك كما ... استغنى الملوك بدنياهم عن الدين [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 185]. * وعن الحسن رحمه الله قال: إذا رأيت الرجل ينافسك في الدنيا فنافسه في الآخرة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 190].

* وعن جعفر بن سليمان رحمه الله قال: همُّ الدنيا ظلمة في القلب، وهم الآخرة نور في القلب. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 191]. * وقال الشاعر: [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 191]. يلتمس العزَّ بها أهلُها ... والله قد عرفهم ذلَّها يا عاقد العُقدة يرجو بها ... العيش كأن الموت قد حلَّها كم تعمر الدنيا ورب السماء ... يريد أن يخربها كلَّها * وقال بعض الحكماء: الدنيا تبغض إلينا نفسها ونحن نحبها، فكيف لو تحببت إلينا!. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 191]. * وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله: لو أن رجلا دخل على ملك من ملوك الدنيا، فقال: سلني، فقال: أسألك جزَرَةَ بقْل! أكان حازما؟ فوالله للدنيا أهون على الله - عزَّ وجلَّ - من جزرة البقل على الملك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 192]. * وعن أبي خالد الصوري رحمه الله - وكان من أطول الناس صمتا - قال: اللهم أخرجني من جوار إبليس إلى جوارك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 196]. * وقال الجنيدُ رحمه الله: ما أخذنا التَّصَوّف عن القال والقيل، بل عن الجوعِ، وتَرْكِ الدُّنيا، وقطعِ المألوفات. قال الذهبي رحمه الله: هذا حسن، ومُرادُه: قطعُ أكثر المألوفات، وتركُ فضول الدُّنيا وجوعٌ بلا إفراط، أمَّا من بالغ في الجوع كما يفعله الرُّهبان، ورفضَ سائر الدُّنيا، ومألوفاتِ النَّفس، من الغذاء، والنوم والأهل، فقد عرَّض نفسه لبلاء عريض، وربما خُولِطَ في عقله، وفاته بذلك كثير من الحنيفيَّة السَّمحَة، وقد جعل الله لكل شيء قدرًا، والسَّعادة في متابعة السُّنَنِ. فزِن الأمورَ بالعدل، وصُم وأفطِر، ونَم وقُمْ، والزمِ الورعَ في القوت وارضَ بما قسم الله لك، واصمُت إلاَّ من خَير، فرحمة الله على الجُنيد وأين مثلُ الجنيد

في علمه وحاله؟. (¬1) [السير (تهذيبه) 3/ 1133]. * وقال ابن كثير رحمه الله: ركب - أي: الملك نور الدين محمود رحمه الله - يومًا مع بعضِ أصْحابه والشمسُ في ظُهورِهما، وظِلُّها بين أيْدِيهما لا يدْرِكانِهِ، ¬

(¬1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ولهذا يُنكر على من يتقرَّب إلى الله بترك جنس اللذات , كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - للذين قال أحدهم: أمَّا أنا فأصوم لا أفطر , وقال الآخر: أما أنا فأقوم لا أنام , وقال الآخر: أمَّا أنا فلا أتزوج النساء , وقال الآخر: أمَّا أنا فلا آكل اللحم. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لكنِّي أصوم وأفطر , وأقوم وأنام , وأتزوج النساء , وآكل اللحم , فمن رَغِبَ عن سُنَّتِي فليس مني) ...... والتحقيق: أنَّ العمل لا يُمدح ولا يُذمّ لمجرد كونه لذَّة , بل إنَّما يُمدح ما كان لله أطوع وللعبد أنفع , سواء كان في لذَّة أو مشقة , فربّ لذيذ هو طاعة ومنفعة , وربَّ مُشِقّ هو طاعة ومنفعة , وربَّ لذيذ أو مشقّ صار منهيًا عنه. الاستقامة / 248 وقال رحمه الله: إذا تبيَّن هذا , فاعلم أنَّ اللذَّة والسرور أمرٌ مطلوب , بل هو مقصود كل حيّ , وكونه أمرًا مطلوبًا ومقصودًا أمرٌ ضروريٌّ من وجود الحي , وهو في المقاصد والغايات بمنزلة الحس والعلوم البديهية في المبادئ والمقدمات .... وإذا كانت اللَّذَّة مطلوبة لنفسها , فهي إنّما تُذَمُّ إذا أعقبت ألمًا أعظم منها , أو منعت لذَّة خيرًا منها, وتُحمد إذا أعانت على اللَّذَّة المستقرَّة , وهو نعيم الآخرة التي هي دائمة عظيمة) ..... وإذا عُرِفَ أنَّ لذَّات الدنيا ونعيمها إنَّما هي متاع ووسيلة إلى لذات الآخرة , وكذلك خُلقت , فكل لذَّة أعانت على لذَّات الآخرة فهو مما أمر الله به ورسوله , ويُثاب على تحصيل اللَّذَّة بما يثوب إليه منها من لذَّات الآخرة التي أعانت هذه عليها , ولهذا كان المؤمن يُثاب على ما يقصد به وجه الله من أكله وشربه , ولباسه ونكاحه , وشفاء غيظه بقهر عدوه في الجهاد في سبيل الله , ولذَّة علمه وإيمانه وعبادته وغير ذلك , ولذَّات جسده ونفسه وروحه من اللَّذَّات الحسيَّة والوهمية والعقلية. وكل لذَّة أعقبت ألمًا في الدار الآخرة , أو منعت لذَّة الآخرة , فهي محرَّمة. وأمَّا اللَّذَّة التي لا تعقب لذَّة في دار القرار ولا ألمًا , ولا تمنع لذَّة دار القرار , فهذه لذَّة باطلة؛ إذ لا منفعة فيها ولا مضرَّة , وزمانها يسير , ليس لتمتع النفس بها قَدْر, وهي لا بد أن تشغل عمَّا هو خير منها في الآخرة , وإن لم تشغل عن أصل اللَّذَّة في الآخرة ...... ومحبّة النفوس للباطل نقص، لكن ليس كل الخلق مأمورين بالكمال، ولا يمكن ذلك فيهم، فإذا فعلوا ما به يدخلون الجنة، لم يَحْرم عليهم ما لا يمنعهم من دخولها. الاستقامة / 417 - 421

(د) قصص الزاهدين

ثم رجَعا فصار الظل وراءَهم، فَساقَ الملكُ نور الدينِ وجعَل يلتَفِتُ وظلُّه يتْبَعهُ، ثم قال لصاحبِه: قد شَبَّهْتُ ما نحنُ فيه بالدنيا، تَهْرُبُ ممَّن يطْلُبها، وتطلُبُ مَن يُهْرُبُ منها. وقد أنشَد بعضُهم في هذا المعنى: مثَلُ الزِّرْقِ الذي تطلُبُه ... مثلُ الظلِّ الذي يمشي معكْ أنتَ لا تُدْرِكُه مُتَّبِعًا ... فإذا وَلّيْتَ عنه تَبِعَك [البداية والنهاية 12/ 361]. (د) قصص الزاهدين: * عن عائشة قالت: والله ما ترك أبو بكر - رضي الله عنه - دينارًا ولا درهمًا ضرب لله سكته. [الزهد للإمام أحمد / 214]. * وعن جابر قال: صليت مع أبي بكر - رضي الله عنه - العصر، ثم انكفأت معه إلى منزله، فقال لامرأته أسماء بنت عميس: هل عندك طعام؟ قالت: لا والله ما من شيء، قال انظري، قالت: لا والله ما من شيء، فاعتقل شاة كانت وضعت من يومها، - وكان ذا شاة - فحلب من لبانها، ثم أفرغه في برمة، ثم أمر جاريته فطبخت، ثم أُتينا به، فأكل وأكلنا، ثم صلى وصلينا، ما توضأ ولا توضأنا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 92]. * وعن أبي عثمان النهدي قال: رأيت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يطوف بالبيت عليه إزار فيه اثنتا عشرة رقعة بعضها بأديم أحمر. [المنتظم 4/ 141]. * وعن عتبة بن فرقد السلمي، قال: قدمت على عمر - رضي الله عنه -، وكان ينحر جزورًا (¬1) كل يوم أطايبها للمسلمين وأمهات المؤمنين، ويأمر بالعنق والعلباء (¬2) فيأكله هو وأهله، فدعا بطعام، فأتي به، فإذا هو خبز خشن، وكسور من لحم غليظ، فجعل يقول: كل، فجعلت آكل البضعة (¬3) فألوكها فلا أستطيع أن أسيغها، فنظرت، فإذا بضعة بيضاء، ظننت أنها من السنام، فأخذتها، فإذا هي ¬

(¬1) الجَزُور: البَعِير. (¬2) وهي العصبة الممتدة في العنق (¬3) أي: القطعة من اللحم.

من علباء العنق، فنظر إليَّ عمر، فقال: إنه ليس يدركنك العراق الذي تأكل أنت وأصحابك!. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 93]. * وعن سعد بن أبي وقاص قال: قالت حفصة بنت عمر لعمر رضي الله تعالى عنه: يا أمير المؤمنين لو لبست ثوبًا هو ألين من ثوبك، وأكلت طعامًا هو أطيب من طعامك، فقد وسع الله - عزَّ وجلَّ - من الرزق، وأكثر من الخير؟! فقال: إني سأخصمك إلى نفسك، أما تذكرين ما كان يلقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من شدة العيش، فما زال يذكرها حتى أبكاها فقال لها: والله إن قلت ذلك، أما والله لئن استطعت لأشاركنهما بمثل عيشهما الشديد، لعلي أدرك معهما عيشهما الرخي. [الحلية (تهذيبه) 1/ 70، موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 485]. * وعن الحسن قال: رأيت عثمان - رضي الله عنه - نائمًا في المسجد في ملحفة ليس حوله أحد، وهو أمير المؤمنين. [الحلية (تهذيبه) 1/ 77]. * وعن عبد الملك بن شداد بن الهاد قال: رأيت عثمان بن عفان - رضي الله عنه - يوم الجمعة على المنبر عليه إزار عدني غليظ، ثمنه أربعة دراهم - أو خمسة دراهم - وريطة كوفية ممشقة. [الحلية (تهذيبه) 1/ 78]. * وعن شرحبيل بن مسلم: أن عثمان - رضي الله عنه - كان يطعم الناس طعام الإمارة، ويدخل بيته فيأكل الخل والزيت. [الحلية (تهذيبه) 1/ 78]. * وعن هارون بن عنترة، عن أبيه. قال: دخلت على علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - بالخورنق، وهو يرعد تحت سمل قطيفة. فقلت: يا أمير المؤمنين إن الله قد جعل لك ولأهل بيتك في هذا المال، وأنت تصنع بنفسك ما تصنع. فقال: والله ما أرزأكم من مالكم شيئًا، وإنها لقطيفتي التي خرجت بها من منزلي - أو قال من المدينة. [الحلية (تهذيبه) 1/ 87]. * وعن علي بن الأرقم عن أبيه قال: رأيت عليًا - رضي الله عنه - وهو يبيع سيفًا له في السوق، ويقول من يشتري مني هذا السيف فوالذي فلق الحبة لطالما كشفت به الكرب عن وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولو كان عندي ثمن إزار ما بعته. [الحلية (تهذيبه) 1/ 88].

* واستعمل علي - رضي الله عنه - رجلا من ثقيف، قال: فرحت إليه فلم أجد عنده حاجبا يحجبني دونه، ووجدته جالسا وعنده قدح وكوز من ماء. فدعا بظبية (¬1)، فقلت في نفسي: لقد أمنني حتى يخرج إلي جوهرا، فإذا عليها خاتم، فكسر الخاتم، فإذا فيها سويق (¬2)، فصب في القدح، فشرب منه، وسقاني، فلم أصبر، فقلت: يا أمير المؤمنين، تصنع هذا بالعراق، وطعام العراق أكثر من ذلك؟ قال: إنما أشتري قدر ما يكفيني، وأكره أن يفنى فيصنع فيه من غيره، فإني لم أختم عليه بخلا عليه، وإنما حفظي لذلك، وأنا أكره أن أدخل بطني إلا طيبًا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 120]. * وعن أبي بكر بن المنكدر قال: بعث حبيب بن مسلمة - وهو أمير الشام - إلى أبي ذر - رضي الله عنه - بثلاثمائة دينار وقال: استعن بها على حاجتك. فقال أبو ذر: ارجع بها إليه، أما وجد أحدًا أغر بالله منا، مالنا إلا ظل نتوارى به، وثلة من غنم تروح علينا، ومولاة لنا تصدقت علينا بخدمتها، ثم إني لأتخوف الفضل. [الحلية (تهذيبه) 1/ 137]. * وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: كان قوتي على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صاعًا، فلا أزيد عليه حتى ألقى الله - عزَّ وجلَّ. [الحلية (تهذيبه) 1/ 138]. * وعن أبي شعبة قال: جاء رجل إلى أبي ذر رضى الله عنه. فعرض عليه نفقة. فقال أبو ذر: عندنا أعنز نحلبها، وحمر تنقل، ومحرَّرة تخدمنا، وفضل عباءة من كسوتنا، إني أخاف أن أحاسب على الفضل. [الحلية (تهذيبه) 1/ 139]. * وعن علي بن بذيمة قال: بيع متاع سلمان رضي الله تعالى عنه فبلغ أربعة عشر درهمًا. [الحلية (تهذيبه) 1/ 159]. * وعن ميمون بن مهران قال: دخلت منزل ابن عمر - رضي الله عنه -؛ فما كان فيه ما يسوي طيلساني هذا. [الحلية (تهذيبه) 1/ 216]. * وعن خالد بن معدان قال: استعمل عمر بن الخطاب رضى الله عنه بحمص ¬

(¬1) الظبية: جراب صغير من جلد ظبي. (¬2) السويق: طعام يصنع من دقيق القمح أو الشعير بخلطه بالسمن والعسل.

سعيد بن عامر - رضي الله عنه -، فلما قدم عمر حمص قال: يا أهل حمص كيف وجدتم عاملكم؟ فشكوه إليه. وكان يقال لأهل حمص الكويفة الصغرى، لشكايتهم العمال. قالوا: نشكو أربعًا: لا يخرج إلينا حتى يتعالى النهار، قال: أعظم بها، قال: وماذا؟ قالوا: لا يجيب أحدًا بليل. قال: وعظيمة، قال: وماذا؟ قالوا: له يوم في الشهر لا يخرج فيه إلينا. قال: عظيمة، قال: وماذا؟ قالوا: يغنظ الغنظة بين الأيام أي تأخذه موتة. قال: فجمع عمر بينهم وبينه وقال: اللهم لا تفيّل (¬1) رأيي فيه اليوم. ما تشتكون منه؟ قالوا: لا يخرج حتى يتعالى النهار. قال: والله إن كنت لأكره ذكره، إنه ليس لأهلي خادم، فأعجن عجينهم، ثم أجلس حتى يختمر، ثم أخبز خبزي ثم أتوضأ ثم أخرج إليهم. فقال: ما تشتكون منه؟ قالوا: لا يجيب أحدًا بليل. قال: ما يقولون؟ قال: إن كنت لأكره ذكره، إني جعلت النهار لهم وجعلت الليل لله - عزَّ وجلَّ. قال: وما تشكون منه؟ قالوا: إن له يومًا في الشهر لا يخرج إلينا فيه، قال: ما يقولون؟ قال: ليس لي خادم يغسل ثيابي، ولا لي ثياب أبدلها، فأجلس حتى تجفّ، ثم أدلكها، ثم أخرج إليهم من آخر النهار، قال: ما تشكون منه؟ قالوا: يغنظُ الغَنْظَة بين الأيام. قال: ما يقولون؟ قال: شهدت مصرع خُبيب الأنصاري بمكة، وقد بضعت (¬2) قريش لحمه، ثم حملوه على جذع فقالوا: أتحب أن محمدًا مكانك؟ فقال: والله ما أحب أني في أهلي وولدي وأن محمدًا شيك بشوكة، فما ذكرت ذلك اليوم، وتركي نصرته في تلك الحال، وأنا مشرك لا أؤمن بالله العظيم إلا ظننت أن الله - عزَّ وجلَّ - لا يغفر لي بذلك الذنب أبدًا، فتصيبني تلك الغَنْظة، فقال عمر: الحمد لله الذي لم يفيّل فراستي، فبعث إليه بألف دينار وقال: استعن بها على حاجتك. فقالت امرأته: الحمد لله ¬

(¬1) قال ابن منظور رحمه الله: فَال رايُه يَفِيل فَيْلولة: أَخْطأَ وضَعُف. ويقال: ما كنت أُحب أَن يرى في رايك فِيَالة. ورجل فِيلُ الراي أَي ضعيف الراي ... وتفيَّل: كَفال. وفَيَّل رايَه: قبَّحه وخطَّأَه. لسان العرب لابن منظور, مادة: (فال). (¬2) أي: قطعت.

الذي أغنانا عن خدمتك، فقال لها: فهل لك في خير من ذلك؟ ندفعها إلى من يأتينا بها أحوج ما نكون إليها. قالت: نعم، فدعا رجلًا من أهله يثق به، فصرّرها صررًا، ثم قال: انطلق بهذه إلى أرملة آل فلان، وإلى مسكين آل فلان، وإلى مبتلى آل فلان، فبقيت منها ذهيبة. فقال: أنفقي هذه، ثم عاد إلى عمله فقالت: ألا تشتري لنا خادمًا؟ ما فعل ذلك المال؟ قال: سيأتيك أحوج ما تكونين. [صفة الصفوة 1/ 319]. * وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: إن كنتُ لأتبع الرجل أسأله عن الآية من كتاب الله - عزَّ وجلَّ - لأنا أعلم بها منه ومن عشرته، وما أتبعه إلا ليطعمني القبضة من التمر أو السّفْة من السَّويق أو الدقيق أسدّ بها جوعي. فأقبلت أمشي مع عمر بن الخطاب ذات ليلة أحدثه حتى بلغ بابه، فأسند ظهره إلى الباب، فاستقبلني بوجهه، فكلما فرغت من حديث حدثته آخر. حتى إذا لم أر شيئًا انطلقت، فلما كان بعد ذلك لقيني فقال: أبا هريرة أما لو أنه في البيت شيء لأطعمناك. [صفة الصفوة 1/ 332]. * وقال أيضًا: لقد رأيتني أصرع بين منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبين حجرة عائشة، فيقول الناس: إنه لمجنون، وما بي جنون، ما بي إلا الجوع. [صفة الصفوة 1/ 335]. * وقال قبيصة: قيل للأحنف بن قيس رحمه الله: ألا تأتي الأمراء؟ قال: فأخرجَ جرّةً مكسورة فكبّها فإذا كِسَرٌ، فقال: مَن كان يُجزئه مثلُ هذا ما يصنع بإتيانهم؟. [صفة الصفوة 3/ 140]. * وعن سفيان بن عيينة قال: دخل هشام بن عبد الملك الكعبة، فإذا هو بسالم بن عبد الله رحمه الله، فقال له: يا سالم سَلْني حاجةً، فقال له: إني لأستحيي من الله أن أسأل في بيت الله غير الله. فلما خرج في أثره، قال له: الآن قد خرجتُ، فسلني حاجةً، فقال له سالم: حوائج الدنيا أم حوائج الآخرة؟ فقال: بل حوائج الدنيا، فقال له سالم: ما سألت من يملكها، فكيف أسأل من لا يملكها. [صفة الصفوة 2/ 446].

* وقال الحسن رحمه الله: لقد أدركت أقواما ما طُوي لأحدهم ثوب قط، ولا تشهى أحدهم على أهله شهوة قط، ولا أمرهم بصنعة طعام قط، ولا قاسم أحدهم أخاه ميراثا قط، لقد كان أحدهم يكون بينه وبين أخيه ميراث، فيقول: هو لك، لا يحب أن يشغل نفسه بشيء من الدنيا، ولقد كان أحدهم ليأكل الأكلة فيتمنى أن يبقى في بطنه كما تبقى الآجرة في الماء، فتكون زاده من الدنيا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 97]. * وعن مسلمة بن عبد الملك، قال: دخلت على عمر بن عبد العزيز رحمه الله أعوده في مرضه، فإذا عليه قميص وسِخ، فقلت لفاطمة بنت عبد الملك: يا فاطمة اغسلي قميص أمير المؤمنين، قالت: نفعل إن شاء الله ثم عُدتُ، فإذا القميص على حاله، فقلت: يا فاطمة ألَمْ آمرُكم أن تغسلوا قميص أمير المؤمنين، فإن الناس يعودونه؟ قالت: والله ماله قميصٌ غيره. [صفة الصفوة 2/ 465]. * وعن الهيثم بن عدي أنه قال: كانت لفاطمة بنت عبد الملك بن مروان - زوجة عمر بن عبد العزيز رحمه الله - جارية ذات جمال فائق، وكان عمر معجبًا بها قبل أن تفضي إليه الخلافة، فطلبها منها وحرص، فغارت من ذلك، فلم تزل في نفس عمر، فلما استخلف أمرت فاطمة بالجارية فأصلحت ثم حليت، فكانت حديثًا في حسنها وجمالها، ثم دخلت فاطمة بالجارية على عمر، فقالت: يا أمير المؤمنين، إنك كنت بفلانة معجبًا، وسألتنيها فأبيت ذلك عليك، وإن نفسي قد طابت لك بها اليوم، فدونكها، فلما قالت ذلك استبانت الفرح في وجهه، ثم قال: ابعثي بها إليّ، ففعلت، فلما دخلت عليه نظر إلى شيء أعجبه فازداد بها عجبًا، فقال لها: ألقي ثوبك، فلما همت أن تفعل قال: على رسلك، اقعدي، أخبريني لمن كنت؟ ومن أين أنت لفاطمة؟ قالت: كان الحجاج بن يوسف أغرم عاملًا كان له من أهل الكوفة مالًا، وكنت في رقيق ذلك العامل فاستصفاني عنده مع رقيق له وأموال، فبعث بي إلى عبد الملك بن مروان وأنا يومئذٍ صبية، فوهبني عبد الملك لابنته فاطمة. قال: وما فعل ذلك العامل؟ قالت: هلك، قال: وما ترك ولدًا؟ قالت: بلى، قال: وما حالهم؟ قالت: بشرّ، قال: شدي عليك ثوبك.

ثم كتب إلى عبد الحميد عامله على بلدهم: أن سرح إليّ فلان بن فلان على البريد، فلما قدم قال: ارفع إلي جميع ما أغرم الحجاج أباك فلم يرفع إليه شيئًا إلا دفعه إليه، ثم أمر بالجارية فدفعت إليه، فلما أخذ بيدها قال: إياك وإياها فإنك حديث السن ولعل أباك أن يكون قد وطئها، فقال الغلام: يا أمير المؤمنين هي لك، قال: لا حاجة لي فيها، قال: فابتعها مني، قال: لست إذًا ممن ينهى النفس عن الهوى. فمضى بها الفتى، فقالت له الجارية: فأين موجدتك بي يا أمير المؤمنين؟ قال: إنها لعلى حالها ولقد ازدادت، فلم تزل الجارية في نفس عمر حتى مات. [المنتظم 7/ 42، 43]. * وعن مالك بن دينار قال: الناس يقولون: مالك بن دينار زاهد. إنما الزاهد عمر بن عبد العزيز الذي أتته الدنيا فتركها. [الحلية (تهذيبه) 2/ 198]. * وعن عون بن المعتمر قال: دخل عمر بن عبد العزيز رحمه الله على امرأته فقال: يا فاطمة عندك درهم أشتري به عنبًا؟ قالت: لا، قال: فعندك نمية يعني الفلوس أشتري بها عنبًا؟ قالت: لا، فأقبلت عليه فقالت: أنت أمير المؤمنين لا تقدر على درهم ولا نمية تشتري بها عنبًا!! قال: هذا أهون علينا من معالجة الأغلال غدًا في نار جهنم. [الحلية (تهذيبه) 2/ 199]. * وعن سهل بن صدقة، مولى عمر بن عبد العزيز رحمه الله قال: حدثني بعض خاصة آل عمر: أنه حين أفضت إليه الخلافة سمعوا في منزله بكاء عاليًا. فسألوا عن البكاء فقالوا: إن عمر خير جواريه فقال: قد نزل بي أمر قد شغلني عنكن، فمن أحب أن أعتقه أعتقته، ومن أحب أن أمسكه أمسكته إن لم يكن مني إليها شيء، فبكين إياسًا منه. [الحلية (تهذيبه) 2/ 199]. * وعن محمد بن معبد؛ أن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أرسل بأسارى من أسارى الروم، ففادى بهم أسارى من أسارى المسلمين، قال: فكنت إذا دخلت على ملك الروم فدخلت عليه عظماء الروم خرجت، قال: فدخلت يومًا فإذا هو جالس في الأرض مكتئبًا حزينًا، فقلت: ما شأن الملك؟ قال: وما تدري ما حدث؟! قلت: وما حدث؟ قال: مات الرجل الصالح، قلت: من؟ قال: عمر بن عبد العزيز. قال: ثم قال ملك الروم: لأحسب أنه لو كان أحد

يحيي الموتى بعد عيسى بن مريم - عليه السلام - لأحياهم عمر بن عبد العزيز، ثم قال: لست أعجب من الراهب أغلق بابه، ورفض الدنيا وترهب وتعبد، ولكن أتعجب ممن كانت الدنيا تحت قدميه فرفضها ثم ترهب. [الحلية (تهذيبه) 2/ 220]. وعن رباح بن عبيدة قال: كنت أتجر، فقال لي عمر بن عبد العزيز رحمه الله: يا رباح اتخذ لي كسائين خزا أتخذ أحدهما محبسًا والآخر شعارًا، قال: ففعلت فصنعتهما بالبصرة، فلم آل ثم قدمت بهما فأمر بقبضهما، فلما أصبح غدوت عليه فقال لي: يا رباح ما أجود ثوبيك لولا خشونة فيهما، فلما ولي قال لي: يا رباح اتخذ لي من هذه الجباب الهروية عامل قطن فيهن صغر قال: فاشتريت له ثلاث شقق فقطعت من الثلاث جبتين خشنتين ثم أتيت بهما إليه، فقبضهما فقال لي: يا رباح ما أجود ثوبيك لولا لين فيهما قال: فذكرت قوله الأول وقوله الآخر. [الحلية (تهذيبه) 2/ 232]. * وعن عبد الله بن مسلم، يحدث عن أبيه. قال: دخلت على عمر بن عبد العزيز رحمه الله، وعنده كاتب يكتب، قال: وشمعة تزهر وهو ينظر في أمور المسلمين، قال: فخرج الرجل، وأطفئت الشمعة وجيء بسراج إلى عمر، فدنوت منه فرأيت عليه قميصًا فيه رقعة، قد طبق ما بين كتفيه قال: فنظر في أمري. [الحلية (تهذيبه) 2/ 232]. * وعن هشام بن حسان قال: دخلنا على كهمس رحمه الله وهو بمكة، وهو في دار لسليمان بن علي على المسعى قد اشتراها بأربعين ألف دينار، قال هشام: وقد أنفق عليها مثلها، قال: فدخلها عليه بعد العصر، فرفع إنسان رأسه من أصحابنا فنظر إلى سقف البيت فقال: يا أبا عبد الملك يسرك أن هذه الدار لك تأكل غلتها؟ فقال كهمس: لا والله ما يسرني لو أنها لي بأربعة دراهم، قال هشام: فلا أرى رجلًا يحلف على يمين بعد العصر وهو كاذب. [الحلية (تهذيبه) 2/ 319]. * وقال رجل لسفيان الثوري رحمه الله: يا أبا عبد الله إن فيك لعَجَبًا، قال: يا ابن أخي ما الذي بان لك مني حتى عجبت؟ قال: تنقلك من بلد إلى بلد، إن للناس مأوى، وللسبع مأوى، ومالك مأوى تأوي إليه! فقال له سفيان:

أي رجل كان المغيرة بن مقسم الضبي؟ قال: رجل صالح إن شاء الله، قال: وأي الرجال كان إبراهيم النخعي؟ قال: بخ بخ، قال: فأي الرجال كان علقمة؟ قال: لا تسأل، قال: فأي الرجال كان عبد الله بن مسعود؟ قال: الثقة الصدوق، فقال سفيان: حدثنا المغيرة بن مقسم عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال: اقتحم على أهل الجنة نور في قبابهم كاد أن يخطف نوره أبصار القوم، فإذا نور سن حوراء ضحكت في وجه وليها، فما كنت أدع هذا الخير أبدًا لقولك، ثم أنشأ سفيان يقول: ما ضر من كانت الفردوس مسكنه ... ماذا تجرع من بؤس وإقتار تراه يمشي كئيبًا خائفًا وجلًا ... إلى المساجد يمشي بين أطمار ثم أقبل على نفسه فقال: يا نفس مالك من صبر على النار ... قد حان أن تُقبلي من بعد إدبار [الحلية (تهذيبه) 2/ 366]. * وعن عمران بن مسلم قال: كان سويد بن غفلة رحمه الله، إذا قيل له: أُعطي فلان، وولِي فلان. قال: حسبي كسرتي وملحي. [الحلية (تهذيبه) 2/ 79]. * وقال عبد الله بن المبارك: وقع حريق بالبصرة فأخذ مالك بن دينار رحمه الله بطرف كسائه يجره. وقال: هلك أصحاب الأثقال. [الحلية (تهذيبه) 1/ 423]. * وعن عبد الملك بن قريب قال: حدثني رجل صالح من أهل البصرة، قال: وقع حريق في بيت مالك رحمه الله فأخذ المصحف وأخذ القطيفة فأخرجها. فقيل له: يا أبا يحيى البيت. قال: ما لنا فيه السدانة ما أبالي أن يحترق. [الحلية (تهذيبه) 1/ 423]. * وعن معتمر بن سليمان التيمي رحمه الله قال: سقط بيت لنا كان أبي يكون فيه، فضرب أبي فسطاطًا فكان فيه حتى مات، فقيل له: لو بنيته؟ فقال: الأمر أعجل من ذلك غدًا الموت. [الحلية (تهذيبه) 1/ 441]. * وقال سعيد بن عمر الكِنْديّ: دخل رجلٌ على دَاود بن أبي هند رحمه الله

وهو يأكل خبزًا يابسًا قد بلّه في الماء بمِلْح جَرِيش، فقال له: كيف تشتهي هذا! قال: أدعُه حتّى أشتهيه. [عيون الأخبار 2/ 731]. * وعن سعيد بن أبي عروبة قال: حجّ الحَجَّاج فنزل بعض المياه بين مكة والمدينة ودعا بالغَداءِ، فقال لحاجبه: انظر من يتغدّى معي وأسأله عن بعض الأمر، فنظر نحو الجبل، فإذا هو بأعرابيّ بين شملتَين من شعرٍ، نائم، فضربه برجله وقال: إيت الأمير، فأتاه فقال له الحَجّاج: اغسل يَدَيْك وتغدَّ معي، فقال: إنه دعَاني من هو خيرٌ منك فأجبتُه. قال: ومَن هو؟ قال: الله تبارك وتعالى، دعاني إلى الصوم فصُمت. قال: في هذا الحرّ الشديد؟ قال: نعم صُمت ليومٍ أشدّ حرًا من هذا اليوم. قال: فأفطِر وصُمْ غدًا. قال: إن ضَمِنْتَ لي البقاء إلى غدٍ. قال: ليس ذاك إليَّ. قال: فكيف تسألني عاجلًا بآجل لا تقدِر عليه؟ قال: إنه طعام طيّب، قال: لم تطيّبه أنت ولا الطباخ، إنما طيبته العافية. [صفة الصفوة 4/ 552]. * وحكى حَرْمَلةُ بن يحيى أن سفيان بن عُيينةَ رحمه الله قال له - وأراه خبزَ شعير -: هذا طعامي منذ ستين سنة. [السير (تهذيبه) 2/ 783]. * وعن أبي عبد الله الخواص، قال: دخلت مع أبي عبد الرحمن حاتم الأصم رحمه الله الري، نريد الحج، فدخلنا على رجل من التجار متنسك يحب المتقشفين، فأضافنا تلك الليلة. فلما كان من الغد قال لحاتم: يا أبا عبد الرحمن لك حاجة؟ فإني أريد أن أعود فقيهًا لنا هو عليل، فقال حاتم: إن كان لكم فقيه عليل فعيادة الفقيه لها فضل، والنظر إلى الفقيه عبادة (¬1)، وأنا أيضا أجئ معك - وكان العليل محمد بن مقاتل قاضي الري - فقال: سر بنا يا أبا عبد الرحمن. فجاؤوا إلى الباب فإذا باب مشرف حسن، فبقي حاتم متفكرًا: باب عالم على هذه الحال؟، ثم أذن لهم فدخلوا فإذا دار حسناء، وإذا أمتعة وستور وجمع، فبقي حاتم متفكرًا، ثم دخل إلى المجلس الذي هو فيه، فإذا ¬

(¬1) هذا حكم ويحتاج في إثباته إلى دليل.

بفرش وطيئة، وإذا هو راقد عليها، وعند رأسه غلام ومذبَّة، فقعد الرازي، وسأله به، وحاتم قائم، فأومى إليه ابن مقاتل اقعد، فقال: لا أقعد، فقال له ابن مقاتل: لعل لك حاجة، قال: نعم! قال وما هي؟ قال: مسألة أسألك عنها، قال: سلني! قال: نعم! فاستو حتى أسألكها، فأمر غلمانه فأسندوه. فقال له حاتم: علمك هذا من أين جئت به؟ قال الثقات حدثوني به، قال: عن من؟ قال: عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أين جاء به؟ قال: عن جبريل - عليه السلام - قال حاتم: ففيما أداه جبريل عن الله، وأداه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأداه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أصحابه، وأداه أصحابه إلى الثقات، وأداه الثقات إليك، هل سمعت في العلم: من كان في داره إشراف وكانت سعتها أكثر، كانت له المنزلة عند الله أكثر؟ قال: لا! قال: فكيف سمعت؟ قال: سمعت أنه من زهد في الدنيا ورغب في الآخرة وأحب المساكين وقدم لآخرته كان له عند الله المنزلة أكثر؟ قال حاتم: فأنت بمن اقتنعت؟ بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه والصالحين؟ أم بفرعون ونمرود أول من بنى بالجص والآجر. يا علماء السوء مثلكم يراه الجاهل الطالب للدنيا الراغب فيها، فيقول: العالم على هذه الحالة لا أكون أنا شرًا منه، وخرج من عنده، فازداد ابن مقاتل مرضًا. فبلغ ذلك أهل الري: ما جرى بينه وبين ابن مقاتل، فقالوا له: يا أبا عبد الرحمن إن الطنافسي بقزوين أكثر شيء من هذا، قال: فسار إليه متعمدًا فدخل عليه فقال: رحمك الله، أنا رجل أعجمي أحب أن تعلمني أول مبتدأ ديني ومفتاح صلاتي، كيف أتوضأ للصلاة، قال: نعم وكرامة، يا غلام، إناء فيه ماء، فأتي بإناء فيه ماء، فقعد الطنافسي فتوضأ ثلاثًا ثلاثًا ثم قال: يا هذا هكذا فتوضأ. قال حاتم: مكانك يرحمك الله حتى أتوضأ بين يديك فيكون أوكد لما أريد، فقام الطنافسي فقعد حاتم فتوضأ ثلاثًا ثلاثًا حتى إذا بلغ غسل الذراعين غسل أربعًا فقال له الطنافسي: يا هذا أسرفت، قال له حاتم: فماذا؟ قال: غسلت ذراعيك أربعًا، قال حاتم: يا سبحان الله!! أنا في كف من ماء

أسرفت، وأنت في هذا الجمع كله لم تسرف؟ فعلم الطنافسي أنه أراده بذلك، لم يرد أن يتعلم منه شيئًا، فدخل إلى البيت فلم يخرج إلى الناس أربعين يومًا. وكتب إلى تجار الري وقزوين بما جرى بينه وبين ابن مقاتل والطنافسي. فلما دخل بغداد اجتمع إليه أهل بغداد فقالوا له: يا أبا عبد الرحمن أنت رجل ألكن أعجمي ليس يكلمك أحد إلا قطعته. قال: معي ثلاث خصال بهن أظهر على خصمي، قالوا: أي شيء هي؟ قال: أفرح إذا أصاب خصمي، وأحزن إذا أخطأ، وأحفظ نفسي أن لا أتجهل عليه. فبلغ ذلك أحمد بن حنبل فقال: سبحان الله ما أعقله قوموا بنا حتى نسير إليه، فلما دخلوا قالوا له: أبا عبد الرحمن ما السلامة من الدنيا؟ قال حاتم: يا أبا عبد الله لا تسلم من الدنيا حتى يكون معك أربع خصال، قال: أي شيء هي يا أبا عبد الرحمن؟ قال: تغفر للقوم جهلهم، وتمنع جهلك عنهم، وتبذل لهم شيئك، وتكون من شيئهم آيسًا. فإذا كان هذا سلمت. ثم سار إلى المدينة فاستقبله أهل المدينة فقال: يا قوم أي مدينة هذه؟ قالوا: مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فأين قصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأصلي فيه ركعتين؟ قالوا: ما كان له قصر، إنما كان له بيت لاطئ قال: فأين قصور أصحابه بعده؟ قالوا: ما كان لهم قصور، إنما كان لهم بيوت لاطئة. قال حاتم: يا قوم فهذه مدينة فرعون وجنوده، فذهبوا به إلى السلطان فقالوا: هذا العجمي يقول: هذه مدينة فرعون وجنوده. قال الوالي: ولم ذاك؟ قال حاتم: لا تعجل علي، أنا رجل عجمي غريب، دخلت المدينة فقلت: مدينة من هذه؟ قالوا: مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قلت: فأين قصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأصلي فيه ركعتين؟ قالوا: ما كان له قصر، إنما كان له بيت لاطئ، قلت: فلأصحابه بعده، قالوا: ما كان لهم قصور، إنما كان لهم بيوت لاطية، وقال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] فأنتم بمن تأسيتم؟ برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه؟ أو

بفرعون أول من بنى بالجص والآجر؟ فخلوا عنه وعرفوه. [الحلية (تهذيبه) 2/ 511]. * وعن شيخ أنه كان عنده كتاب بخطِّ أحمدَ بن حنبل رحمه الله، فقال: كنا عند ابن عيينة سنة، ففقدت أحمد بن حنبل أيامًا، فدُلِلت على موضعه، فجئتُ فإذا هو في شبيه بكهف في جياد (¬1). فقلت: سلام عليكم، أدخلُ؟ فقال: لا ثم قال: ادخلْ، فدخلتُ، وإذا عليه قطعةُ لِبْدٍ خَلِق، فقلت: لم حجبتني؟ فقال: حتى استَتَرت. فقلت: ما شأنك؟ قال: سُرِقت ثيابي. قال: فبادرتُ إلى منزلي فجئتُه بمئة درهم، فعرضتُها عليه، فامتنع، فقلت: قرضًا، فأبى، حتى بلغت عشرين درهمًا، ويأبي، فقمت، وقلت: ما يحل لك أن تقتلَ نفسك. قال: ارجعْ، فرجعت، فقال: أليس قد سمعت معي ابن عُيينة؟ قلت: بلى. قال: تحب أن أنسخَه لك؟ قلت: نعم. قال: اشترِ لي ورقًا. قال: فكتب بدراهم اكتسى منها ثوبين. [السير (تهذيبه) 2/ 925]. * وكان أحمدُ بنُ حنبل رحمه الله يصلي بعبد الرزاق، فسها، فسأل عنه عبد الرزّاق، فأخبر أنه لم يأكل منذ ثلاثة أيام شيئًا. [السير (تهذيبه) 2/ 925]. * وقال ابن أبي حاتم: حدثنا صالح بن أحمد بن حنبل رحمه الله، قال: ربما رأيتُ أبي يأخذ الكِسَر، ينفُضُ الغبار عنها، ويُصيِّرها في قصعة، ويَصُبُّ عليها ماءً ثم يأكُلُها بالملح. وما رأيتُه اشترى رمانًا ولا سفرجلًا ولا شيئًا من الفاكهة، إلا أن تكون بطيخة فيأكلها بخبز وعِنبًا وتمرًا. [السير (تهذيبه) 2/ 926]. * وعن إبراهيم الحربي رحمه الله أنه قال: أفنيت من عمري ثلاثين سنة برغيفين، إن جاءتني بهما أمي أو أختي أكلت، وإلا بقيت جائعًا عطشان إلى الليلة الثانية، وأفنيت ثلاثين سنة من عمري برغيف في اليوم والليلة، إن جاءتني امرأتي أو إحدى بناتي به أكلت وإلا بقيت جائعًا عطشان إلى الليلة الأخرى، والآن آكل نصف رغيف وأربع عشرة تمرة إن كانت بُرْنيًا، أو نيفًا وعشرين إن كانت دقلًا، ومرضت ابنتي فمضت امرأتي فأقامت عندها شهرًا، فقام إفطاري في هذا الشهر بدرهم ودانقين ونصف، ودخلت الحمام واشتريت ¬

(¬1) قال في الحاشية: موضع بمكة يلي الصفا.

لهم صابونًا بدانقين، وكانت نفقة رمضان كله بدرهم وأربعة دوانيق ونصف. [المنتظم 12/ 382]. * وعن أبي علي الحسين بن خيران الفقيه قال: مرّ أبو تراب النخشبي رحمه الله بمزين، فقال له: تحلق رأسي لله - عزَّ وجلَّ -: فقال له: اجلس. فجلس، فبينما يحلق رأسه مرّ به أمير من أهل بلده، فسأل حاشيته، فقال لهم: أليس هذا أبو تراب؟ قالوا: نعم! فقال: إيش معكم من الدنانير؟ فقال له الرجل من خاصته: معي خريطة فيها ألف دينار، فقال له إذا قام أعطها له واعتذر إليه وقل له: لم يكن معنا غير هذه، فجاء الغلام إليه فقال له: إن الأمير يقرأ عليك السلام وقال لك: ما حضر معنا غير هذه الدنانير، فقال له: ادفعها إلى المزين، فقال له المزين: إيش أعمل بها؟ فقال: خذها، فقال: والله لو أنها ألفي دينار ما أخذتها! فقال له أبو تراب: عد إليه وقل له: إن المزين ما أخذها، خذها أنت فاصرفها في مهماتك. [المنتظم 11/ 335]. * وعن عبد الملك الميموني أنه قال: حدَّثت أبا عبد الله أحمد بن حنبل: لما رأيت قدر عمي - عمرو بن ميمون رحمه الله - عند أبي جعفر قلت: يا عم، لو سألت أمير المؤمنين أن يقطعك قطيعة. فسكت عني، فلما ألححت عليه قال: يا بني، إنك لتسألني أن أسأله شيئًا قد ابتدأني به هو غير مرة، فقد قال لي يومًا: يا أبا عبد الله، إني أريد أن أقطعك قطيعة وأجعلها لك طيبة، وإن أحبابي وولدي وأهلي يسألوني ذلك، فآبى عليهم، فما يمنعك أن تقبلها؟ قال: قلت: يا أمير المؤمنين، إني رأيت لهم الرجل على قدر انتشار صيته، وإني يكفيني من همّي ما أحاطت به داري، فإن رأى أمير المؤمنين أن يعفيني فعل، قال: قد فعلت. فقال أحمد بن حنبل: أعده عليَّ. فأعدته عليه حتى حفظه. [المنتظم 8/ 93، 94]. * وعن علي بن بكار قال: كنا جلوسًا بالمصيصة وفينا إبراهيم بن أدهم رحمه الله، فقدم رجل من خراسان فقال: أيكم إبراهيم بن أدهم، فقال القوم: هذا. قال: إن إخوتك بعثوني إليك، فلما سمع بذكر إخوته قام فأخذ بيده فنحَّاه، فقال: ما جاء بك؟ فقال: أنا مملوك معي فرس وبغلة وعشرة

آلاف درهم، بعث بها إليك إخوتك، قال: إن كنت صادقًا فأنت حر، وما معك لك، اذهب فلا تخبر أحدًا. فذهب. [المنتظم 8/ 241]. * وقال عطاء: كان لداود الطائي رحمه الله ثلاثمائة درهم فعاش بها عشرين سنة ينفقها على نفسه، وكنا ندخل على داود فلم يكن في بيته إلا بارية، ولبنة يضع عليها رأسه وإجَّانة فيها خبز، ومطهرة يتوضأ منها ومنها يشرب. [المنتظم 8/ 279]. * وعن عبد الله بن الفتوح أنه قال: خرجت يومًا أطلب رجلًا يرم لي شيئًا في الدار، فذهبت، فأشير لي إلى رجل حسن الوجه بين يديه مزود وزنبيل، فقلت: تعمل لي؟ قال: نعم بدرهم ودانق. فقلت: قم. فقام فعمل لي عملًا بدرهم ودانق، ثم أتيت يومًا آخر فسألت عنه فقيل ذاك رجل لا يرى في الجمعة إلا يومًا واحدًا يوم كذا. قال: فجئت ذلك اليوم، فقلت: تعمل لي؟ قال: نعم بدرهم ودانق. فقلت أنا: بدرهم. فقال: بدرهم ودانق. ولم يكن بي الدانق، ولكن أحببت أن أستعلم ما عنده، فلما كان المساء وزنت له درهما، فقال لي: ما هذا؟ قلت: درهم. قال: ألم أقل لك: درهم ودانق؟! أفسدت علي. فقلت: وأنا ألم أقل لك بدرهم؟ فقال: لست آخذ منك شيئًا قال: فوزنت له درهمًا ودانقًا. فقلت: خُذ. فأبى أن يأخذ، وقال: سبحان الله أقول لك لا آخذ وتلحّ عليَّ!؟ فأبى أن يأخذه ومضى. قال: فأقبل عليَّ أهلي، وقالت: فعل الله بك ما أردت من رجل عمل لك عملًا بدرهم أن أفسدت عليه. قال: فجئت يومًا أسأل عنه، فقيل لي: مريض، فاستدللت على بيته فأتيته، فاستأذنت عليه فدخلت وهو مبطون، وليس في بيته شيء إلا ذلك المزود والزنبيل، فسلَّمت عليه وقلت له: لي إليك حاجة، وتعرف فضل إدخال السرور على المؤمن، أحب لما جئت إلى بيتي أمرضك. قال: وتحب ذلك؟ قلت: نعم. قال: بشرائط ثلاث. قلت: نعم. قال: أن لا تعرض عليَّ طعامًا حتى أسألك، وإذا أنا مت أن تدفني في كسائي وجُبتي هذه. قلت: نعم. قال: والثالثة أشد منهما، وهي شديدة، قلت: وإن كان. فحملته إلى منزلي عند الظهر، فلما كان من الغد ناداني يا عبد الله فقلت: ما شأنك. قال: قد

احتضرت، افتح صرّة على كم جبتي. قال: ففتحتها فإذا فيها خاتم عليه فصّ أحمر، فقال: إذا أنا مت ودفنتني فخُذ هذا الخاتم، ثم ادفعه إلى هارون الرشيد أمير المؤمنين، فقل له: يقول لك صاحب هذا الخاتم: ويحك لا تموتن على سكرتك هذه فإنك إن مت على سكرتك هذه ندمت. قال: فلما دفنته سألت يوم خروج هارون الرشيد أمير المؤمنين، وكتبت قصة، وتعرضت له وأوذيت أذى شديدًا، فلما دخل قصره وقرأ القصة وقال: عليّ بصاحب هذه القصة. قال: فأدخلت عليه وهو مغضب يقول: يتعرضون لنا ويفعلون. فلما رأيت غضبه أخرجت الخاتم، فلما نظر إلى الخاتم قال: من أين لك هذا الخاتم، قلت: دفعه إليَّ رجل طيَّان. فقال لي: طيَّان طيَّان، وقرّبني منه. فقلت: يا أمير المؤمنين إنه أوصاني بوصية. فقال لي: ويحك! قل. فقلت: يا أمير المؤمنين إنه أوصاني إذا أوصلت إليك هذا الخاتم أن أقول لك يقرئك صاحب هذا الخاتم السلام ويقول لك: ويحك لا تموتن على سكرتك هذه فإنك إن مت عليها ندمت. فقام على رجليه قائمًا وضرب بنفسه على البساط، وجعل يتقلب عليه ويقول: يا بني نصحت أباك. فقلت في نفسي: كأنه ابنه، ثم جلس وجاؤوا بالماء، فمسحوا وجهه، وقال: كيف عرفته؟ قال: فقصصت عليه قصته. قال: فبكى وقال: هذا أول مولود لي، وكان أبي المهدي ذكر لي زبيدة أن يزوجني بها، فبصرت بهذه المرأة فوقعت في قلبي، وكانت خسيسة فتزوجتها سرًا من أبي، فأولدتها هذا المولود، وأحدرتها إلى البصرة وأعطيتها هذا الخاتم وأشياء، وقلت لها: اكتمي نفسك، فإذا بلغك أني قعدت للخلافة فأتيني، فلما قعدت للخلافة سألت عنهما فقيل لي إنهما ماتا، ولم أعلم أنه باقٍ، فأين دفنته؟ قلت: يا أمير المؤمنين دفنته في قبور عبد الله بن مالك. قال: لي إليك حاجة، إذا كان بعد المغرب فقف لي بالباب حتى أنزل إليك فأخرج متنكرًا إلى قبره. فوقفت له، فخرج متنكرًا والخدم حوله حتى وضع يده بيدي، وصاح بالخدم فتنحوا، فجئتُ به إلى قبره، فما زال ليلته يبكي إلى أن أصبح ويداه

(هـ) أقوال وحكم في القناعة والرضا

ورأسه ولحيتُه على قبره وجعل يقول: يا بني، لقد نصحت أباك. قال: فجعلت أبكي لبكائه رحمة مني له، ثم سمع كلامًا فقال: كأني أسمع كلام الناس. قلت: أجل أصبحت يا أمير المؤمنين، قد طلع الفجر. فقال لي: قد أمرت لك بعشرة آلاف درهم، واكتب عيالك مع عيالي، فإن لك عليَّ حقًا بدفنك ولدي، وإن أنا مت أوصيت من يكون مَنْ بعدي أن يجري عليك ما بقي لك عقب، ثم أخذ بيدي حتى إذا بلغ قريبًا من القصر ويده بيدي، فلما صار إلى القصر قال: انظر ما أوصيك به إذا طلعت الشمس، فقف لي حتى أنظر إليك فأدعو بك فتحدثني حديثه. قلت: إن شاء الله، فلم أعد إليه. [المنتظم 9/ 93 - 96]. * * * (هـ) أقوال وحكم في القناعة والرضا: * قال سعد بن أبي وقَّاص - رضي الله عنه - لابنه عمر: يا بنيّ إذا طلبت الغِنى فاطلبُه بالقناعةِ، فإن لم تكن لك قناعةٌ فليس يُغنيكَ مالٌ. [عيون الأخبار 3/ 187]. * وقال علي بن سهل رحمه الله: اِلتَمَسْتُ الراحة فوجدتُها في اليأس. [ذم الهوى / 388]. * وعن وهيب بن الورد رحمه الله قال: لو أن المؤمن لا يبغض الدنيا، إلا أن الله يعصى فيها، لكان حقًا عليه أن يبغضها. [الحلية (تهذيبه) 3/ 35]. * ومن كلام أبي عثمان الحيري رحمه الله: سرورُك بالدنيا أذهب سرورك بالله عن قلبك. [السير (تهذيبه)]. * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 3/ 186]. والنفسُ راغبةٌ إذا رغَّبتَها ... وإذا تُرَدُّ إلى قليل تَقْنَعُ * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 3/ 187]. إن كان لا يُغنيكَ ما يكفيكا ... فكلّ ما في الأرضِ لا يُغنِيكا * وقيل لبعض العباد رحمه الله: قد نلت الغناء؟ قال: إنما نال الغناء من أُعتق من رق الدنيا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 132].

(و) فوائد أخرى

* وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله: القناعة أول الرضا. [الحلية (تهذيبه) 3/ 183]. * وقال بكر المزني رحمه الله: يكفيك من الدنيا ما قنعت به ولو كف تمر، وشربة ماء، وظل خباء، وكلما انفتح لك من الدنيا شيء، ازدادت نفسك له مفتاحا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 119]. * ومر فتح الموصلي رحمه الله بصبيين مع أحدهما كسرة عليها عسل، ومع الآخر كسرة عليها كامخ، فقال الذي معه الكامخ للذي معه العسل: أطعمني من خبزك، قال: إن كنت كلبًا لي أطعمتك، قال: نعم! فأطعمه من خبزه وجعل في فمه خيطًا وجعل يقوده. فقال فتح: لو رضيت بخبزك، ما كنت كلبًا لهذا. قال أبو موسى: فهكذا الدنيا. [الحلية (تهذيبه) 3/ 75]. (و) فوائد أخرى: * عن عبد الله بن المبارك قال: جاء رجل إلى وهيب بن الورد رحمه الله، فجعل كأنه يذكر الزهد، قال: فأقبل عليه وهيب فقال: لا تحمل سعة الإسلام على ضيقة صدرك. [الحلية (تهذيبه) 3/ 35]. * وقال أيوب رحمه الله: إن زهد رجل فلا يجعلن زهده عذابا على الناس. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 191].

الرضا

الرضا (أ) رضا العبد عن الله وعن أقداره، وعدم الشكوى للمخلوق (¬1): * عن أبي السفر قال: مرض أبو بكر رضي الله تعالى عنه فعادوه، ¬

(¬1) ذكر ابن القيم رحمه الله مسألة وهي: كيف يمكن للعبد أن تستوي النعمة والبلية عنده في الرضا؟ ذكر أمورًا منها: 1 - أنه مُفوض، والمفوض راض بكل ما اختاره له مَنْ فوض إليه، ولاسيما إن علم كمال رحمته ولطفه، وحسن اختياره له. 2 - أن يعلم أن كُلًا من البلية والنعمة بقضاء سابق وقَدَرٍ حَتْم. 3 - أنه عبد محض، والعبد المحض لا يسخط جريان أحكام سيده البار الناصح المحسن، بل يتلقاها كلها بالرضا به وعنه. 4 - أنه مُحب، والمحب الصادق من رضي بما يعامله به حبيبه. 5 - أنه جاهل بعواقب الأمور، وسيده أعلم بمصلحته وبما ينفعه. 6 - أنه مسلم، والمسلم من قد سَلَّم نفسه لله ولم يعترض عليه في جريان أحكامه عليه ولم يسخط ذلك. 7 - أنه حَسَنُ الظن بربه، فحُسن ظنه به يوجب له استواء الحالات عنده، ورضاه بما يختاره له سيده سبحانه. 8 - أن يعلم أنه إذا رضي: انقلب في حقه نعمة ومِنْحَةً، وخفَّ عليه حمله وأُعين عليه، وإذا سخطه: تضاعف عليه ثقله، ولم يزدد إلا شدةً وهمًاَ وغمًا. 9 - أن يعلم أن رضاه عن ربه سبحانه في جميع الحالات يُثمر رضا ربه عنه. 10 - أن السخط يوجب تلون العبد وعدم ثباته مع الله، فإنه لا يرضى إلا بما يلائم طبعه ونفسه، والمقادير تجري دائما بما يلائمه وبما لا يُلائمه. 11 - أن السخط يفتح عليه باب الشك في الله وقضائه وقدره وحكمته، فَقلَّ أن يَسْلم الساخط من شك يُداخل قلبه ويتغلغل فيه، وإن كان لا يشعر به. 12 - أن الرضا ينفي عنه آفات الحرص على الدنيا، وذلك رأس كل خطيئة، وأصل كل بلية. 13 - أن المخالفات كلها أصلها من عدم الرضا، والطاعات كلها أصلها من الرضا.

فقالوا: ألا ندعو لك الطبيب؟ قال: قد رآني. قالوا: فأي شيء قال لك؟ قال: قال: إني فعال لما أريد. [الحلية (تهذيبه) 1/ 58]. * وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: ما أبالي على أي حال أصحبت، على ما أحب، أو على ما أكره لأني لا أدري الخير فيما أحب أو فيما أكره. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 414]. * وعن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: إن الرجل ليستخير الله فيختار له فيتسخط على ربه، فلا يلبث أن ينظر في العاقبة، فإذا هو خير له. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 432]. * وعن نافع قال: اشتكى ابن لعبد الله بن عمر - رضي الله عنه - فاشتد وجده عليه حتى قال بعض القوم: لقد خشينا على هذا الشيخ أن يحدث بهذا الغلام حدث، فمات الغلام فخرج ابن عمر في جنازته، وما رجل أشد سرورًا منه، فقيل له في ذلك، فقال ابن عمر: إنما كان رحمة له، فلما وقع أمر الله رضينا به. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 457]. * وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: إن الرجل ليشرف على الأمر من التجارة أو الإمارة، حتى يرى أنه قد قدر عليه، ذكره الله فوق سبع سموات، فيقول للملك:

_ 14 - أن كل قدر يكرهه العبد ولا يُلائمه لا يخلو من أمرين: أ - إما أن يكون عقوبة على الذنب، فهو دواء لمرض لولا تدارك الحكيم إياه بالدواء لترامى به المرض إلى الهلاك. ب - وإما أن يكون سببًا لنعمة لا تُنال إلا بذلك المكروه. 15 - أن الرضا يقوم مقام كثير من التعبدات التي تشق على البدن، فيكون رضاه أسهل عليه وألذُّ له وأرفع في درجته. 16 - أن الرضا يفتح باب حسن الخلق مع الله ومع الناس، فإن حسن الخلق من الرضا، وسوء الخلق من السخط، وحسن الخلق يبلغ بصاحبه درجة الصائم القائم، وسوء الخلق يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب. 17 - أن الرضا يفرغ قلب العبد، ويُقلل همه وغمه، فيتفرغ لعبادة ربه بقلب خفيف من أثقال الدنيا وهمومها وغمومها. ا. هـ بتصرف. مدارج السالكين 2/ 507 - 511

اذهب فاصرف عن عبدي هذا، فإني إن أيسره له أدخله جهنم، فجيء الملك فيعوقه فيصرف عنه، فيظل يتطير بجيرانه إنه دهاني فلان، سبقني فلان، وما صرفه عنه إلا الله. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 433]. * وقال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: ما أُبالي إذا رجعتُ إلى أهلي على أي حال أراهم، بخيرٍ أو بشرّ، وما أصبحت على حالة فتمنيت أني على سواها. [صفة الصفوة 1/ 186]. * وقيل للحسن بن علي - رضي الله عنه -: إن أبا ذر - رضي الله عنه - يقول: الفقر أحب إلي من الغنى، والسقم أحب إلي من الصحة. فقال: رحم الله أبا ذر أما أنا فأقول: من اتكل على حسن اختيار الله له لم يتمن أن يكون في غير الحالة التي اختار الله له. وهذا حد الوقوف على الرضا بما تصرف به القضاء. [البداية والنهاية 8/ 204، 205]. * وعن أبي ذر رضي الله تعالى عنه. قال: بينا أنا واقف مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقال لي: (يا أبا ذر أنت رجل صالح وسيصيبك بلاء بعدي) قلت: في الله؟ قال: (في الله) قلت: مرحبًا بأمر الله. [الحلية (تهذيبه) 1/ 138]. * وعن مغيرة قال: اشتكى ابن أخي الأحنف إلى الأحنف بن قيس رحمه الله وجَع ضرسه، فقال له الأحنف: لقد ذهبت عيني منذ أربعين سنة ما ذكرتُها لأحد. [صفة الصفوة 3/ 140]. * وعن شهر بن حوشب قال: طُعن عبد الرحمن بن معاذ بن جبل رحمه الله - أي أصيب بمرض الطاعون - فدخل عليه أبوه فقال له: كيف تجدك أي بني؟ قال له: يا أبه: {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [البقرة: 147] فقال له معاذ: {سَتَجِدُنِي إِن شَاء الله مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات: 102]. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 341]. * وعن الحسن رحمه الله قال: عاد نفرٌ من الصدر الأول رجلا، فوجدوه في الموت، فقال له بعض القوم: ما عندك في مصرعك هذا؟ قال: الرضا

والتسليم لأمر الله، قال: فما برح القوم حتى قضى، قال الحسن: عرف والله وأن مَوْئِلَهما إلى خير. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 339]. * وعن إبراهيم رحمه الله قال: إن لم يكن لنا خير فيما نكره لم يكن خير لنا فيما نحب. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 94]. * وقال ابن عيينة رحمه الله: ما يكره العبد خير له مما يحب؛ لأن ما يكرهه يهيجه الدعاء، وما يحبه يلهيه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 97]. * وقال محمد بن علي رحمه الله: ندعو الله فيما نحب، فإذا وقع الذي نكره لم نخالف الله - عزَّ وجلَّ - فيما أحب. [الحلية (تهذيبه) 1/ 510]. * وقال عبد الله بن عمر الكوفي: كان عندنا بالكوفة رجل قد خرج عن دنيا واسعة وتعبّد، قال: وكان الفضيل بن عياض بالكوفة في أيامه. قال: فقدم ابن المبارك، فقال له الفضيل: إن ها هنا رجلاً من المتعبدين قد خرج عن دنيا فامض بنا إليه ننظر عقله. قال: فجاؤوا إليه وهو عليل، وعليه عباءة، وتحت رأسه قطعةُ لبنة، قال: فسلّم ابن المارك عليه، ثم قال: يا أخي بلغنا أنه ما ترك عبدٌ شيئًا لله، إلا عوّضه الله ما هو أكثر منه، فما عوّضك؟ قال: الرضا بما أنا فيه. فقال ابن المبارك: حسبك، وقاما على ذلك. [صفة الصفوة 3/ 129]. * وقال سيار بن سلامة: دخلت على أبي العالية رحمه الله في مرضه الذي مات فيه، فقال: إن أحبَّه إليَّ أحبُّه إلى الله - عزَّ وجلَّ. [صفة الصفوة 3/ 148]. * وعن عبد العزيز بن أبي روّاد قال: رأيت في يد محمد بن واسع رحمه الله قرْحَة، فكأنه رأى ما شقّ عليّ منها، فقال: تدري ما لله عليّ في هذه القرحة من نعمة؟ قال: فسكت، فقال: حيث لم يجعلها على حدَقتي، ولا طرَف لساني، ولا على طَرف ذكَرِي. قال: فهانت عليّ قرحته. [صفة الصفوة 3/ 192]. * وقال مالك بن دينار رحمه الله: إني لأغبطُ الرجل يكون عيشه كفافًا فيقنع به، فقال محمد بن واسع رحمه الله: أغبَط والله عندي من ذلك أن يصبح جائعًا، ويمسي جائعًا وهو عن الله - عزَّ وجلَّ - راضٍ. [صفة الصفوة 3/ 193].

* وقال عبد الله بن عون رحمه الله: لن يصيب العبدُ حقيقة الرّضا حتى يكون رضاه عند الفقر كرضاه عند الغنى، كيف تستقضي (¬1) الله في أمرك، ثم تسخط إن رأيت قضاءه مخالفًا لهواك، ولعلّ ما هويت من ذلك لو وُفّق لك فيه هُلْكك، وترضى قضاءه إذا وافق هواك؟ ما أنصفت من نفسك، ولا أصبت باب الرضا. [صفة الصفوة 3/ 223]. * وقال أيوب السختياني رحمه الله: إذا لم يكن ما تريد، فأرد ما يكون. [الحلية (تهذيبه) 1/ 434]. * وقال يحيى بن معاذ رحمه الله: إذا كنت لا ترضى عن الله كيف تسأله الرضا عنك. [صفة الصفوة 4/ 341]. * وقال الحسن بن صالح رحمه الله: ربما أصبحتُ وما معي درهم، وكأن الدُّنيا قد حيزت لي. [السير (تهذيبه) 2/ 703]. * وعن أبي عثمان النهدي رحمه الله أنه قال: منذ أربعين سنة ما أقامني الله في حال فكرهته، ولا نقلني إلى غيره فسخطته. [المنتظم 13/ 121]. * وقال عبد الواحد بن زيد رحمه الله: الرضا باب الله الأعظم، وجنة الدنيا، ومستراح العابدين. [الحلية (تهذيبه) 2/ 301]. * وقال أيضًا رحمه الله: ما أحسب شيئًا من الأعمال يتقدم الصبر إلا الرضا. ولا أعلم درجة أرفع ولا أشرف من الرضا، وهي رأس المحبة. [الحلية (تهذيبه) 2/ 305]. * وقال أبو سليمان الداراني: أصاب عبد الواحد بن زيد رحمه الله الفالج فسأل الله أن يطلقه في وقت الوضوء فإذا أراد أن يتوضأ انطلق، وإذا رجع إلى سريره عاد عليه الفالج. [الحلية (تهذيبه) 2/ 300]. * وعن الربيع قال: لما هلك عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز رحمه الله، وسهل بن عبد العزيز، ومزاحم مولى عمر في أيام متتابعة، دخل الربيع بن ¬

(¬1) أي تطلب من الله أن يقضي لك.

سبرة عليه وقال: أعظم الله أجرك يا أمير المؤمنين، فما رأيت أحدًا أصيب بأعظم من مصيبتك في أيام متتابعة، والله ما رأيت مثل ابنك ابنًا، ولا مثل أخيك أخًا، ولا مثل مولاك مولى قط، فطأطأ عمر رأسه، فقال لي رجل معي على الوسادة: لقد هيجت عليه. قال: ثم رفع رأسه فقال: كيف قلت الآن يا ربيع فأعدت عليه ما قلت أولاً قال: لا والذي قضى عليه - أو قال عليهم - بالموت، ما أحب أن شيئًا من ذلك كان لم يكن. [الحلية (تهذيبه) 2/ 237]. * وقال عبد العزيز بن أبي رُوَّاد رحمه الله: كان عابد يتعبد في بني إسرائيل، فرأى في منامه أن فلانة زوجتك في الجنة، فاستضاف بها ثلاث ليال لينظر عملها، فكانت تنام وهو يقوم، وتفطر وهو يصوم، فلما فارقها سألها عن أوثق عملها عندها، قالت: هو ما رأيت، إلا خصلة واحدة، إن كنت في شدة لم أتمنّ أني في رخاء، وإن كنت في مرض لم أتمنّ أني في صحة، وإن كنت جائعة لم أتمنّ أني شبعان، وإن كنت في شمس لم أتمنّ أني في ظل. فقال العابد رحمه الله: هذه والله خصلة يعجز عنها العباد. [الجامع المنتخب / 188]. * وعن شقيق البلخي قال: ذهب بصر عبد العزيز بن أبي رواد رحمه الله عشرين سنة فلم يعلم به أهله ولا ولده، فتأمله ابنه ذات يوم فقال له: يا أبت ذهبت عينك؟ قال: نعم يا بني، الرضاء عن الله أذهب عين أبيك منذ عشرين سنة. [الحلية (تهذيبه) 3/ 40]. * وعن النِّباجيِّ رحمه الله قال: لو جُعِلتْ لي دعوةٌ مجابةٌ ما سألتُ الفردوس، ولَكُنتُ أسألُ الرِّضى، فهو تعجيل الفردوس. [السير (تهذيبه)] * وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: درجة الرضا عن الله - عزَّ وجلَّ - درجة المقربين ليس بينهم وبين الله تعالى إلا رَوح وريحان. [الحلية (تهذيبه) 3/ 16]. * وعن أبي علي الرازي قال: صحبت الفضيل بن عياض رحمه الله ثلاثين سنة، ما رأيته ضاحكًا ولا متبسمًا إلا يوم مات ابنه علي، فقلت له في ذلك

فقال: إن الله - عزَّ وجلَّ - أحب أمرًا فأحببت ما أحب الله. (¬1) [الحلية (تهذيبه) 3/ 17]. * وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: ما لي في الأمور هوى سوى مواقع قضاء الله - عزَّ وجلَّ - فيها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 398]. * وقال الفضيل رحمه الله: الراضي لا يتمنى فوق منزلته. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 402]. * وعن ابن شوذب قال: اجتمع مالك بن دينار، ومحمد بن واسع رحمهما الله فتذاكرا العيش، فقال مالك: ما شيء أفضل من أن يكون للرجل غلة يعيش فيها. وقال محمد: طوبى لمن وجد غداء، ولم يجد عشاء، ووجد عشاء، ولم يجد غداء، وهو عن الله - عزَّ وجلَّ - راض. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 403]. * وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله: إذا سلا العبد عن الشهوات فهو راض. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 404]. * وقيل الفضيل بن عياض رحمه الله: من الراضي عن الله؟ قال: الذي لا يحب أن يكن على غير منزلته التي جعل فيها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 406]. * ودخل رجل على أبي العالية رحمه الله في مرضه الذي مات فيه فقال: إن أحبه إلي، أحبه إلى الله - عزَّ وجلَّ. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 418، 419]. * وعن سفيان قال: كنا نعود زبيد اليامي رحمه الله فنقول: استشف الله؟ فيقول: اللهم خِر لي، اللهم خر لي. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 419]. * وقال أبو معاوية الأسود رحمه الله يقول في قوله - تعالى -: {فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل: 37] قال: الرضا والقناعة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 424]. ¬

(¬1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: حاله - أي الفضيل - حال حسن بالنسبة إلى أهل الجزع, وأما رحمة الميت مع الرضا بالقضاء وحمد الله تعالى, كحال النبي - صلى الله عليه وسلم - فهذا أكمل. كما قال تعالى: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} [البلد 17] فذكر سبحانه التواصي بالصبر والمرحمة. مجمُوع الفَتاوَى 10/ 30

* وكان عمر بن عبد العزيز رحمه الله يقول: لقد تركت هؤلاء الدعوات، وما لي في شيء من الأمور كلها إرب - أي حاجة - إلا في مواقع قدر الله، وكان كثيراً مما يدعوا به: اللهم رضني بقضائك، وبارك لي قدرك، حتى لا أحب تعجيل شيء أخرته، ولا تأخير شيء عجلته. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 424]. * وعن سليمان الخواص رحمه الله قال: مات ابن لرجل فحضره عمر بن عبد العزيز، فكان الرجل حسن العزاء، فقال رجل من القوم: هذا والله الرضا. فقال عمر بن عبد العزيز: أو الصبر. قال سليمان: الصبر دون الرضا، الرضا أن يكون الرجل قبل نزول المصيبة راضيًا بأي ذلك كان، والصبر أن يكون بعد نزول المصبية يصبر. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 325]. * وعن إبراهيم النحفي: أن أم الأسود رحمها الله قعدت من رجليها فجزعت ابنة لها، فقالت: لا تجزعي، اللهم إن كان خيرًا فزد. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 438]. * وعن علي بن الحسن رحمه الله قال: كان رجل بالمصيصة ذاهب النصف الأسفل، لم يبق منه إلا روحه في بعض جسده، ضرير، على سرير مثقوب له للبول، فدخل عليه داخل فقال له: كيف أصبحت يا أبا محمد؟ قال: ملك الدنيا، منقطع إلى الله، ما لي إليه من حاجة إلا أن يتوفاني على الإسلام. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 438]. * وقال ابن عون رحمه الله: ارض بقضاء الله على ما كان من عسر ويسر، فإن ذلك أقل لهمك، وأبلغ فيما تطلب من آخرتك، واعلم أن العبد لن يصيب حقيقة الرضا حتى يكون رضاه عن الفقر والبلاء كرضاه عند الغنى والرخاء، كيف تستقضي الله في أمرك ثم تسخط إن رأيت قضاءً مخالفًا لهواك، ولعل ما هويت من ذلك لو وفق لك لكان فيه هلكتك، وترضى قضاءه إذا وافق هواك، وذلك لقلة علمك بالغيب، وكيف تستقضيه إن كنت كذلك، ما أنصفت من نفسك، ولا أصبت باب الرضا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 441].

* وكان الربيع بن خثيم رحمه الله قد أصابه فالج، قال: فسال من فيه ماء فجرى على لحيته، فرفع يده فلم يستطع أن يمسحه فقام إليه بكر بن ماعز فمسحه عنه فلحظه ربيع ثم قال: يا بكر، والله ما أحب أن هذا الذي بي بأعتى الديلم على الله. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 445]. * ولما مات عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز قال عمر رحمه الله: أعوذ بالله أن يكون لي محبة في شيء من الأمور تخالف محبة الله، فإنه ذلك لا يصلح لي في بلائه عندي وإحسانه إليّ. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 448]. * ولما مات عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز رحمه الله، وسهل بن عبد العزيز، ومزاحم مولى عمر في أيام متتابعة، دخل عليه الربيع بن سبرة، فقال: عظم الله أجرك يا أمير المؤمنين ما رأيت أحدًا أصيب بأعظم من مصيبتك في أيام متتابعة، والله ما رأيت مثل ابنك ابنًا، ولا مثل أخيك أخًا، ولا مثل مولاك مولى قط، فطأطأ رأسه، فقال لي رجل معه على الوساد: لقد هيجت عليه، قال: ثم رفع رأسه فقال: كيف قلت لي يا ربيع؟ فأعدت عليه ما قلت أولاً فقال: لا، والذي قضى عليهم الموت ما أحب أن شيئًا كان من ذلك لم يكن. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 449]. * وقال الحسن البصري رحمه الله: من رضي بما قسم الله له وسعه، وبارك الله له فيه، ومن لم يرض لم يسعه ولم يبارك له فيه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 456]. * وعن سفيان رحمه الله قال: سمعت المفسرين من كل جانب يقولون في قوله: {أَغْنَى} [الأعراف: 48]: أرضى. قال سفيان: لا يكون غنيًا أبدًا حتى يرضى بما قسم الله له فذلك الغنى. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 456]. * وقيل لبعض العلماء: بم يبلغ أهل الرضى الرضى؟ قال: بالمعرفة، وإنما الرضى غصن من أغصان المعرفة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 460].

(ب) رضا الله عن العبد، وأسباب ذلك

(ب) رضا الله عن العبد، وأسباب ذلك: * عن وهيب بن الورد رحمه الله قال: بلغني أن موسى - عليه السلام - قال: يا رب أخبرني عن آية (¬1) رضاك عن عبدك، فأوحى الله تعالى إليه: إذا رأيتني أهيئ له طاعتي، وأصرفه عن معصيتي، فذاك آية رضاي عنه. [صفة الصفوة 2/ 533]. * وقال مالك بن دينار رحمه الله: وددت أن الله - عزَّ وجلَّ - أذِن لي يوم القيامة إذا وقفت بين يديه أن أسجد سجدةً، فأعلم أنه قد رضيَ عني، ثم يقول لي: يا مالك كن تُرابًا. [صفة الصفوة 4/ 202]. * وقال الصعلوكي رحمه الله: إذا كان رضى الخلق معسورًا لا يُدرك، كان رضى الله ميسورًا لا يُترك. [السير (تهذيبه) 3/ 1337]. * وقال حاتم الأصم رحمه الله: من أصبح وهو مستقيم في أربعة أشياء فهو يتقلب في رضا الله، أولها: الثقة بالله، ثم التوكل، ثم الإخلاص، ثم المعرفة، والأشياء كلها تتم بالمعرفة. [الحلية (تهذيبه) 2/ 504]. ¬

(¬1) أي: علامة.

الذكر

الذكر * عن الأسود بن هلال قال: كنا نمشي مع معاذ بن جبل رضي الله عنه، فقال: اجلسوا بنا نُؤمِنُ ساعة. [صفة الصفوة 1/ 232]. * وعن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه قال: لأن أذكر الله تعالى من بكرة حتى الليل، أحب إلي من أن أحمل على جياد الخيل، في سبيل الله من بكرة حتى الليل. [الحلية (تهذيبه) 1/ 184]. * وقال أبو الدرداء - رضي الله عنه -: لأن أكبر مائة مرة أحب إلى من أن أتصدق بمائة دينار. [الزهد للإمام أحمد / 259]. * وعن سالم بن أبي الجعد قال: قيل لأبي الدرداء - رضي الله عنه -: إن أبا سعد بن منبه أعتق مائة محرر، فقال: إن مائة محرر من مال رجل لكثير، وإن شئت أنبأتك بما هو أفضل من ذلك؟ إيمان ملزوم بالليل والنهار، ولا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله - عزَّ وجلَّ. [الحلية (تهذيبه) 1/ 175]. * وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: إن أهلَ السماء ليرَون بيوتَ أهلِ الذكر تُضيءُ لهم كما تضيء الكواكبُ لأهلِ الأرض. [عيون الأخبار 2/ 678]. * وقال أبو بردة الأسلمي - رضي الله عنه -: لو أن رجلاً في حجره دنانير يعطيها وآخر ذاكرًا لله لكان الذاكر أفضل. [الزهد للإمام أحمد / 338]. * وعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - قال: ما اجتمع ملأ يذكرون الله إلا ذكرهم الله في ملأ أعز منهم وأكرم وما تفرق قوم لم يذكروا الله - عزَّ وجلَّ - في مجلسهم إلا كان حسرة عليهم يوم القيامة. [الزهد للإمام أحمد / 278]. * وعن سلمان - رضي الله عنه - قال: قال رجل الحمد لله كثيرًا، قال: فأعظمها

الملَك أن يكتبها حتى راجع فيها ربه - عزَّ وجلَّ - قال: اكتبها كما قال عبدي كثيرًا. [الزهد للإمام أحمد / 281]. * وقال كعب - رضي الله عنه -: من أكثر ذكر الله برىء من النفاق. (¬1) [جامع العلوم والحكم / 578]. * وعن إبراهيم بن أبي عبدة رحمه الله قال: بلغني أن المؤمن إذا مات تمنى الرجعة إلى الدنيا ليس ذلك إلا ليكبر تكبيرة، أو يهلل تهليلة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 399]. * وعن أبي جعفر رحمه الله قال: الصواعق تُصيب المؤمن وغير المؤمن، ولا تُصيب الذاكر. [صفة الصفوة 2/ 458]. * وقال جعفر بن محمد رحمه الله: فقد أبي رحمه الله بغلةً له، فقال: لئن ردّها الله - عزَّ وجلَّ - لأحمدنّه محامدَ يرضاها، فما لبث أن أُتيَ بها بسرْجها ولجامها، فركبها، فلما استوى عليها وضمّ عليه ثيابه رفع رأسه إلى السماء، وقال: الحمد لله. لم يزد عليها، فقيل له في ذلك فقال: وهل تركتُ أو أبقيت شيئًا؟ جعلتُ الحمد كلّه لله - عزَّ وجلَّ. [صفة الصفوة 2/ 460]. * وكان لمحمد بن المنكدر رحمه الله جار مبتلىً، فكان يرفع صوته من الليل يصيح، وكان محمد يرفع صوته بالحمد. فقيل له في ذلك، فقال: يرفع صوتَه بالبلاء، وأرفع صوتي بالنعمة. [صفة الصفوة 2/ 479]. * وقال سعيد بن جبير رحمه الله: الذكر طاعة الله، فمن أطاع الله، فقد ذكَره، ومن لم يُطعه فليس بذاكرٍ، وإن أكثر التسبيح وتلاوة القرآن. [صفة الصفوة 3/ 55]. * وعن بكر بن عبد الله رحمه الله: أنه لحق حمالاً عليه حمله وهو يقول: ¬

(¬1) قال ابن رجب رحمه الله: ويشهد لهذا المعنى أنّ الله وصف المنافقين بأنهم لا يذكرون الله إلاّ قليلًا , فمن أكثر ذكر الله , فقد باينهم في أوصافهم , ولهذا ختمت سورة المنافقين بالأمر بذكر الله , وأن لا يُلهي المؤمن عن ذلك مال ولا ولد , وإن من ألهاه ذلك عن ذكر الله فهو من الخاسرين. جامع العلوم والحكم / 578

الحمد لله وأستغفر الله. قال: فانتظرته حتى وضع ما على ظهره، وقلت له: أما تحسن غير ذي؟ قال: بلى، أحسن خيرًا كثيرًا؛ أقرأ كتاب الله، غير أن العبد بين نعمة وذنب، فأحمد الله على نعمائه السابغة، وأستغفره لذنوبي. فقلت: الحمال أفقه من بكر. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 486]. * وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم رحمه الله، قال: يقال: إنه ليكون في المجلس الرجل الواحد يحمد الله - عزَّ وجلَّ - فتقضى لأهل ذلك المجلس حوائجهم كلهم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 512]. * وعن أبي سليمان الداراني رحمه الله قال: ما يسرني أن لي من أول الدنيا إلى آخرها أنفقه في وجوه البر وأني أغفل عن الله طرفة عين. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 397]. * وقال عون بن عبد الله رحمه الله: ذاكرُ الله في غفلة الناس، كمثل الفئة المنهزمة يحميها الرجل، لولا ذلك الرجل هُزمت الفئة، ولولا مَن يذكر الله في غفلة الناس هَلك الناس. [صفة الصفوة 3/ 70]. * وقال أيضًا رحمه الله: إن لكل رجل سيدًا من عمله، وإن سيد عملي الذكر. [الحلية (تهذيبه) 2/ 94]. * وقال أيضًا رحمه الله: مجالس الذكر شفاء القلوب. [الحلية (تهذيبه) 2/ 94]. * وقال أيضًا رحمه الله: كانوا يتلاقون فيتساءلون وما يريدون بذلك؛ إلا أن يحمدوا الله - عزَّ وجلَّ. [الحلية (تهذيبه) 2/ 95]. * وعن ثابت البناني عن رجل من العبّاد رحمه الله: أنه قال يومًا لإخوانه: إني لأعلم متى يذكرني ربي - عزَّ وجلَّ؟ قال: ففزعوا من ذلك، فقالوا: تعلم حين يذكرك ربّك؟ قال: نعم، قالوا: متى؟ قال: إذا ذكرتُه ذكرني. [صفة الصفوة]. * وعن ثابت البناني رحمه الله قال: بلغنا أن العبد المؤمن، يوقف يوم القيامة بين يدي الله - عزَّ وجلَّ - فيقول الله له: يا عبدي أكنت تعبدني فيمن يعبدني؟ قال: فيقول: يا رب نعم! قال: فيقول له: أكنت تدعوني فيمن يدعوني؟ فيقول: يا رب نعم! فيقول: أكنت تذكرني فيمن يذكرني؟ قال: يقول: يا رب

نعم! قال: فيقول له: وعزتي ما ذكرتني في موطن قط إلا ذكرتك فيه، ولا دعوتني بدعوة قط إلا استجبتها لك. [الحلية (تهذيبه) 1/ 405]. * وقال أيضًا رحمه الله: إن أهل ذكر الله ليجلسون إلى ذكر الله وإن عليهم من الآثام كأمثال الجبال، وإنهم ليقومون من ذكر الله عطلاً ما عليهم منها شيء. [الحلية (تهذيبه) 1/ 405]. * وقال مالك بن دينار رحمه الله: ما تنعّم المتنعمون بمثْل ذكْرِ الله تعالى. [صفة الصفوة 3/ 195]. * وعن جعفر قال: سمعت مالكًا رحمه الله يقول: قرأت في التوراة: أيها الصديقون تنعموا بذكر الله في الدنيا، فإنه لكم في الدنيا نعيم، وفي الآخرة جزاء عظيم. [الحلية (تهذيبه) 1/ 417]. * وقال سلام بن أبي مطيع: كان الربيع بن خثيم رحمه الله إذا أصبح قال: مرحبًا بملائكة الله، اكتبوا، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. [صفة الصفوة 3/ 45]. * وقال عطاء بن أبي رباح رحمه الله: من جلس مجلس ذكر، كفر الله عنه بذلك المجلس عشرة مجالس من مجالس الباطل. [الحلية (تهذيبه) 2/ 15]. * وعن أبي عبيدة رحمه الله قال: ما دام قلب الرجل يذكر الله فهو في الصلاة، وإن كان في السوق فإن يحرك به شفتيه فهو أعظم. [الحلية (تهذيبه) 2/ 86]. * وقال أيضًا رحمه الله: لو أن رجلاً جلس على ظهر الطريق ومعه خرقة فيها دنانير لا يمر إنسان إلا أعطاه دنانير وآخر إلى جانبه يكبر لكان صاحب التكبير أعظم أجرًا. [الزهد للإمام أحمد / 651]. * وقال عبيد الله بن عمير رحمه الله: إن بخلتم بالمال أن تنفقوه وجبنتم عن العدو أن تقاتلوه وأعظمكم الليل أن تساهروه فاستكثروا من قول سبحان الله وبحمده، فوالذي نفسي بيده هذا أوجه عند الله من جبلي ذهب وفضة. [الزهد للإمام أحمد / 628].

* وقال أيضًا رحمه الله: إن الله - عزَّ وجلَّ - يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ولا يعطي الدين إلا من يحب فإذا أحب الله عبدًا أعطاه الإيمان فمن خاف العدو أن يجاهده، وهاب الليل أن يكابده، وبخل بالمال أن ينفقه فليكثر من التسبيح والتحميد والتهليل. [الزهد للإمام أحمد / 648]. * وعن مجاهد رحمه الله قال: لا يكون الرجل من الذاكرين الله كثيرًا حتى يذكر الله قائمًا وقاعدًا ومضطجعًا. [الحلية (تهذيبه) 2/ 11]. * وعن ميمون بن مهران رحمه الله قال: كان يقال: الذكر ذكران، ذكر الله باللسان، وأفضل من ذلك أن تذكره عند المعصية، إذا أشرفت عليها. [الحلية (تهذيبه) 2/ 55]. * وقال بلال بن سعد رحمه الله: الذكر ذكران؛ ذكر باللسان حسن جميل، وذكر الله عند ما أحل وحرم أفضل. [الحلية (تهذيبه) 2/ 190]. * وعن حسان بن عطية رحمه الله قال: ما عادى عبد ربه بأشد من أن يكره ذكره، ومَنْ ذَكَرَهُ. [الحلية (تهذيبه) 2/ 266]. * وعن سعيد بن عبد العزيز قال: قلت لمعروف بن هانئ رحمه الله: أرى لسانك لا يفتر من ذكر الله - عزَّ وجلَّ - فكم تسبح في كل يوم؟ قال: مائتي ألف مرة إلا أن تخطئ الأصابع. [الزهد للإمام أحمد / 308]. * وعن ابن عون رحمه الله قال: ذِكْرُ الناسِ داءٌ، وذكْرُ الله دواءٌ. قال الذهبي رحمه الله: إي والله، فالعجبُ منا ومن جهلنا كيف ندعُ الدواء ونقتحمُ الداء؟! قال - تعالى -:: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152] وقال: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت: 45] وقال: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28] ولكن لا يتهيأ ذلك إلا بتوفيق الله. ومَنَ أدمن الدعاء ولازَمَ قَرْع البابِ فُتح له. [السير (تهذيبه) 2/ 657]. * وقال يونس بن عبيد رحمه الله: عمدنا إلى ما يصلح الناس فكتبناه، وعمدنا إلى ما يصلحنا فتركناه. قال خالد: يعني التسبيح والتهليل وذكر الخير. [الحلية (تهذيبه) 1/ 439].

* وعن ابن أبي عدي قال: أقبل علينا داود بن أبي هند رحمه الله فقال: يا فتيان أخبركم لعل بعضكم أن ينتفع به، كنت وأنا غلام أختلف إلى السوق، فإذا انقلبت إلى بيتي جعلت على نفسي أن أذكر الله تعالى إلى مكان كذا وكذا، فإذا بلغت ذاك المكان، جعلت على نفسي أن أذكر الله تعالى إلى مكان كذا وكذا، حتى آتي المنزل. [الحلية (تهذيبه) 1/ 464]. * وقال ميمون بن سياه رحمه الله: إذا أراد الله بعبده خيرًا حبب إليه ذكره. [الحلية (تهذيبه) 1/ 468]. * وعن الحسن بن منصور قال: كان حجام يأخذ من شارب معروف الكرخي رحمه الله، وكان معروف يسبح فقال الحجام: لا يتهيأ أخذ الشارب وأنت تسبح، فقال معروف: أنت تعمل وأنا لا أعمل؟ [الحلية (تهذيبه) 3/ 102]. * وعن أبي أسامة قال: قلت لمحمد بن النضر رحمه الله كأنك تكره أن تزار؟ قال: أجل، قلت: أما تستوحش؟ قال: كيف أستوحش وهو يقول: " أنا جليس من ذكرني "!؟ [المنتظم 8/ 269].

الدعاء

الدعاء (أ) أهمية الدعاء، والتضرع إلى الله والتذلل له، وما قيل في ذلك: * عن سلمان الفارسي - رضي الله عنه - قال: إن العبد إذا كان يدعو الله في السراء، فنزلت به الضراء، فدعا قالت الملائكة: صوت معروف من آدمي ضعيف. فيشفعون له. وإذا كان لا يدعو الله في السراء، فنزلت به الضراء قالت الملائكة: صوت منكر من آدمي ضعيف، فلا يشفعون له. [صفة الصفوة 1/ 259]. * وعن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - قال: ليأتين على الناس زمان لا ينجو فيه إلا من دعا بدعاء كدعاء الغريق. [صفة الصفوة 1/ 290]. * وقال أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه: ادع الله تعالى في يوم سرَّائك، لعله أن يستجيب لك في يوم ضرائك. [الحلية (تهذيبه) 1/ 178]. * وعن شهر بن حوشب عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: إن العبد المسلم ليغفر الله له وهو نائم قال: قلت: وكيف ذاك يا أبا الدرداء؟ قال: يقوم أخوه من الليل فيتهجد فيدعو الله فيستجيب له ويدعو لأبيه فيستجيب له. [الزهد للإمام أحمد / 264]. * وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: سلوا ربكم حتى الشسع فإنه إن لم ييسره والله لم ييسر. [الزهد للإمام أحمد / 361]. * وقال عطاء: جاءني طاووس رحمه الله فقال لي: يا عطاء إياك أن ترفع حوائجك إلى من أغلق دونك بابه، وجعل دونك حجابًا. وعليك بطلب حوائجك إلى من بابه مفتوح لك إلى يوم القيامة، طلب منك أن تدعوه ووعدك الإجابة. [الحلية (تهذيبه) 2/ 30].

* وقال أبو العتاهية: لا تَسْأَلَنَّ أَخَاكَ يَوْمًا حَاجَةً ... وسل الذي أبوابه لا تحجب الله يَغْضَبُ إن تَرَكْتَ سُؤَالَهُ ... وبني آدم حين يسأل يغضب فاجْعَل سُؤَالَكَ للإلهِ فإنَّمَا ... في فضل نِعمةِ ربنا نتقلب [الجامع المنتخب / 158]. * وقال مطرف رحمه الله: نظرت في بدء هذا الأمر ممن هو؟ فإذا هو من الله تعالى، قال: قلت: فعلى من تمامه؟ فإذا هو على الله تعالى، ونظرت ما ملاكه؟ فإذا ملاكه الدعاء. [الحلية (تهذيبه) 1/ 363]. * وقال ثابت البناني رحمه الله: ما دعا الله - عزَّ وجلَّ - المؤمنُ بدعوة، إلاّ وكّل بحاجته جبرائيل - عليه السلام - فيقول: لا تُعجِل بإجابته، فإني أحب أن أسمع صوت عبدي المؤمن، وإن الفاجر يدعو الله - عزَّ وجلَّ - فيوكّل جبرائيل بحاجته، فيقول يا جبرائيل أعجِل إجابة دعوته فإني أحب أن لا أسمع صوت عبدي الفاجر. [صفة الصفوة 3/ 187]. * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 2/ 589]. مَنْ يسألِ الناسَ يَحْرِمُوه ... وسَائِلُ الله لا يَخِيبُ * وعن كردوس بن هاني رحمه الله قال: كنت أجد في الإنجيل إذ كنت أقرأ: إن الله ليصيب العبد بالأمر يكرهه وإنه ليحبه، لينظر كيف تضرعه. [الحلية (تهذيبه) 2/ 80]. * وقال إبراهيم بن أدهم رحمه الله: ما بالنا نشكو فقرنا إلى مثلنا، ولا نطلب كشفه من ربنا. [الحلية (تهذيبه) 2/ 489]. * وقال وهب بن منبه رحمه الله: تعبّد رجل زمانًا، ثم بدت له إلى الله حاجة، فصام سبعين سبتًا، يأكل في كلّ سبت إحدى عشرة تمرة، ثم سأل الله حاجته فلم يعطها، فرجع إلى نفسه فقال: منك أتيت، لو كان فيك خير أُعطيت حاجتك، فنزل إليه عند ذلك ملك فقال: يا ابن آدم ساعتك هذه خير من عبادتك التي مضت، وقد قضى الله حاجتك. [الزهد للإمام أحمد / 621].

* وقال أيضًا رحمه الله: أن رجلاً سائحًا عبد الله سبعين سنة ثم خرج يومًا يقلل عمله وشكا إلى الله - عزَّ وجلَّ - بثه واعترف بذنبه فأتاه آتٍ من الله - عزَّ وجلَّ - فقال: إن مجلسك هذا أحب إلى الله - عزَّ وجلَّ - من عملك فيما مضى من عمرك. [الزهد للإمام أحمد / 132]. * وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: والله لو يئست من الخلق حتى لا تريد منهم شيئًا، لأعطاك مولاك كلّ ما تريد. [جامع العلوم والحكم / 264]. * وقال أيضًا رحمه الله: إن المؤمن إذا استبطأ الفرج وأنس منه بعد كثرة دعائه وتضرّعه، ولم يظهر عليه أثر الإِجابة يرجع إلى نفسه باللائمة، وقال لها: إنما أتيت من قبلك، ولو كان فيك خير لأجبت. (¬1) [جامع العلوم والحكم / 265]. * وقال إسحاق بن إبراهيم: وقفت مع الفضيل رحمه الله بعرفات فلم أسمع من دعائه شيئًا إلا أنه واضعًا يده اليمنى على خده وواضعا رأسه يبكي بكاء خفيًا، فلم يزل كذلك حتى أفاض الإمام فرفع رأسه إلى السماء فقال: واسوأتاه والله منك وإن عفوت ثلاث مرات. [الحلية (تهذيبه) 3/ 8]. * وعن وهيب بن الورد قال: بلغنا أن عطاء قال: جاءني طاوس اليماني رحمه الله بكلام محبر من القول فقال: يا عطاء إياك أن تطلب حوائجك إلى من غلق دونك أبوابه، وجعل دونها حجابه، وعليك بمن أمرك أن تسأله، ووعدك الإجابة. [الحلية (تهذيبه) 3/ 30]. * وعن بشر بن الحارث قال: بلغني أن بنتًا لفتح الموصلي رحمه الله عريت، فقيل له: ألا تطلب من يكسوها؟ فقال: لا، أدعها حتى يرى الله - عزَّ وجلَّ - عريها وصبري عليها، قال: وكان إذا كان ليالي الشتاء جمع عياله وقام بكسائه ¬

(¬1) قال ابن رجب رحمه الله: وهذا اللوم أحبّ إلى الله من كثير من الطاعات , فإنه يوجب انكسار العبد لمولاه واعترافه له بأنه أهل لما نزل من البلاء , وأنه ليس بأهل لإِجابة الدعاء , فلذلك تسرع إليه حينئذٍ إجابة الدعاء وتفريج الكرب , فإِنه تعالى عند المنكسرة قلوبهم من أجله. جامع العلوم والحكم / 265

(ب) الحذر من دعاء المظلوم، وذكر بعض القصص في ذلك

عليهم، ثم قال: اللهم أفقرتني وأفقرت عيالي، وجوعتني وجوعت عيالي، وأعريتني وأعريت عيالي، بأي وسيلة توسلتها إليك، وإنما تفعل هذا بأوليائك وأحبابك، فهل أنا منهم حتى أفرح؟ [الحلية (تهذيبه) 3/ 75]. (ب) الحذر من دعاء المظلوم، وذكر بعض القصص في ذلك: * قال أبو الدرداء - رضي الله عنه -: إياكم ودعوة اليتيم، ودعوة المظلوم فإنها تسري بالليل والناس نيام. [صفة الصفوة 1/ 301]. * وقال أيضًا - رضي الله عنه -: إياكَ ودعواتِ المظلوم، فإنهُنَّ يصعدْن إلى الله كأنهن شرارتٌ من نار. [السير (تهذيبه) 1/ 272]. * وعن هشام بن عروة، عن أبيه أنَّ أروى بنت أويس ادَّعت أنَّ سعيد بن زيد - رضي الله عنه - أخذ شيئًا من أرضها، فخاصمته إلى مروان بن الحكم، فقال سعيد: أَنا كنت آخذ من أَرضها شيئًا بعد الذي سمعتُ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: وما سمعتَ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال سمعته يقول: "من أخذ شيئًا من الأرض طُوِّقَه إلى سبع أرضين" قال مروان: لا أسألك بيِّنةً بعد هذا، فقال سعيد: اللهم إن كانت كاذبةً، فأعم بصرها، واقتلها في أرضها، قال: فما ماتت حتى عميت، وبينا هي تمشي في أرضها إذ وقعت في حفرة فماتت. [رواه مسلم: 3022]. * وكان رجل يقال له زرعة، شهد قتل الحسين رضي الله عنه، فرمى الحسين رضي الله بسهم، فأصاب حنكه، فجعل يتلقى الدم يقول هكذا إلى السماء فيرمي به، وذلك أن الحسين رضي الله عنه دعا بماء ليشرب، فلما رماه حال بينه وبين الماء. فقال: اللهم ظمئه، اللهم ظمئه. قال: فحدثني من شهده وهو يموت، وهو يصيح من الحر في بطنه، والبرد في ظهره، وبين يديه المراوح والثلج، وخلفه الكانون، وهو يقول: اسقوني أهلكني العطش، فيؤتى بعس عشيم فيه السويق أو الماء واللبن، لو شربه خمسة لكفاهم. قال: فيشربه، ثم يعود، فيقول: اسقوني أهلكني العطش، قال: فانقدَّ بطنه كانقداد البعير. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 345، 346]. * وعن عثمان بن عطاء عن أبيه قال: كان أبو مسلم الخولاني رحمه الله إذا

انصرف من المسجد إلى أهله كبّر على باب منزله، فتكبر امرأته، فإذا كان في صحن داره كبر فتجيبه امرأته. فانصرف ذات ليلة، فكبر عند باب داره، فلم يجبه أحد، فلما كان في الصحن كبر، فلم يجبه أحد، فلمّا كان في باب بيته كبّر فلم يجبه أحد، وكان إذا دخل بيته أخذت امرأته رداءه ونعليه، ثم أتته بطعامه. قال: فدخل، فإذا البيت فيه سراج، وإذا امرأته جالسة منكسة تنكث بعودٍ معها، فقال لها: مالك؟ قالت: أنت لك منزلة من معاوية، وليس لنا خادم، فلو سألته فأخدمنا وأعطاك. فقال: اللهم من أفسد عليّ امرأتي فأعم بصره. قال: وكانت قد جاءتها امرأة قبل ذلك فقالت: زوجك له منزلة من معاوية، فلو قلت له كتب إلى معاوية بخدمة ويعطيه عشتم. قال: فبينا تلك المرأة جالسة في بيتها أنكرت بصرها، فقالت: ما لسراجكم طفىء؟ قالوا: لا، فعرفت ذنبها، فأقبلت إلى أبي مسلم تبكي وتسأله أن يدعو لها الله - عزَّ وجلَّ - أن يرد عليها بصرها. فرحمها أبو مسلم، فدعا الله - عزَّ وجلَّ - فردّ عليها بصرها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 361]. * وقال حميد بن هلال: كذب رجل على مطرّف بن عبد الله بن الشخير رحمه الله، فقال له مطرف: إن كنت كاذبًا، فعجّل الله حتفك، فمات الرجل مكانه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 363]. * وعن عصام بن زيد قال: كان رجل من الخوارج يغشى مجلس الحسن رحمه الله فيؤذيهم فقيل للحسن: يا أبا سعيد ألا تكلم الأمير حتى يصرفه عنا؟ قال: فسكت عنهم. قال: فأقبل ذات يوم والحسن جالس مع أصحابه فلما رآه قال: اللهم قد علمت أذاه لنا فاكفناه بما شئت. قال: فخر الرجل والله من قامته فما حل إلى أهله إلا ميتا على سرير، فكان الحسن إذا ذكره بكى وقال للناس: ما كان أغره بالله. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 364]. * وعن الحجاج ين صفوان، قال: وشى رجل ببسر بن سعيد رحمه الله إلى

الوليد، فأرسل إليه الوليد، والرجل عنده، قال: فجيء به ترعد فرائصه، فأدخل عليه، فسأله عن ذلك، فأنكره بسر، وقال: ما فعلت؟ فالتفت الوليد إلى الرجل، فقال: يا بسر، هذا يشهد عليك بذلك. فنظر إليه بسر، وقال: أهكذا؟ فقال: نعم. فنكس رأسه، وجعل ينكث في الأرض، ثم رفع رأسه، فقال: اللهم قد شهد بما قد علمت أني لم أقله، اللهم فإن كان صادقا فأرني به على ما قال. فانكب الرجل على وجهه، فلم يزل يضطرب حتى مات. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 380]. * وعن عبد الواحد بن زياد، قال: كنا عند مالك بن دينار رحمه الله، ومعنا محمد بن واسع، وحبيب أبو محمد، فجاء رجل فكلم مالكًا وأغلظ له في قسمة قسمها، وقال: وضعتها في غير حقها، وتتبعت بها أهل مجلسك ومن يغشاك، ليكثر غاشيك، وتصرف إليك الوجوه. قال: فبكى مالك، وقال: والله ما أردت هذا، قال: بلى والله لقد أردته. فجعل مالك يبكي، ثم قال: اللهم إن كان هذا قد شغلنا عن ذكرك فأرحنا منه كيف شئت. قال: فسقط والله الرجل على وجهه ميتًا، فحمل إلى أهله على سرير. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 380]. * وعن الحسن بن أبي جعفر، قال: مر الأمير يومًا فصاحوا: الطريق. ففرج الناس، وبقيت عجوز كبيرة لا تقدر أن تمشي، فجاء بعض الجلاوزة، فضربها بسوط ضربة، فقال حبيب أبو محمد رحمه الله: اللهم اقطع يده. فما لبث إلا ثلاثًا، حتى مر بالرجل قد أخذ في سرقة، فقطعت يده. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 380]. * وقال ابن أبي الدنيا حدثني أبو إسحاق، قال: سمعت مسلمًا: أن رجلاً أتى حبيبًا أبا محمد رحمه الله، فقال: إن لي عليك ثلاثمائة درهم، قال: من أين صارت لك علي؟ قال: لي عليك ثلاثمائة درهم. قال حبيب: اذهب إلى غد. فلما كان من الليل، توضأ وصلى، وقال:

اللهم إن كان صادقًا فأد إليه، وإن كان كاذبًا فابتله في يده. قال: فجيء بالرجل من غد قد حمل، وقد ضرب شقه الفالج. فقال: ما لك؟ قال: أنا الذي جئتك أمس، لم يكن لي عليك شيء، وإنما قلت تستحي من الناس فتعطيني، فقال له: تعود؟ قال: لا. قال: اللهم إن كان صادقاَ فألبسه العافية. قال: فقام الرجل على الأرض كأن لم يكن به شيء. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 380، 381]. * وقال الذهبي رحمه الله: كان خالد البرمكي مِن رجال العلم، توصَّل إلى أعلى المراتب في دولةِ أبي جَعْفر المنصور، ثم كان ابنُه يحيى كاملَ السُّؤْدد، جَليلَ المِقْدار، بحيث إنَّ المهديَّ ضمَّ إليه ولدَه الرَّشيدَ، فأحسنَ تربيتَه وأدَّبه، فلما أفْضَتِ الخلافةُ إلى الرَّشيد، ردَّ إلى يحيى مقاليدَ الأمور، ورفعَ محلَّه، وكان يُخاطبهُ يا أبي، فكان من أعظمِ الوزراء، ونشأَ لهُ أولادٌ صاروا مُلُوكًا، ولا سيَّما جعفر، وما أدراكَ ما جعفر؟ له نَبَأٌ عجيبٌ، وشانٌ غريبٌ، بقي في الارتقاء في رتبةٍ، شَرَكَ الخليفةَ في أموالهِ ولَذَّاتِهِ وتصرُّفه في الممالك، ثم انقلب الدَّستُ في يومٍ. فقُتِل، وسُجِنَ أبوه وإخوتُه إلى الممات، فما أجهلَ من يَغْتَرّ بالدُّنيا!. قيل: إنَّ ولدًا ليحيى قال له وهُم في القيود: يا أَبَةِ بعدَ الأَمْرِ والنَّهْيِ والأموالِ صِرْنَا إلى هذا؟ قال: يا بُنيَّ دعوةُ مَظْلومٍ غَفَلْنا عنها، لم يَغْفُلِ الله عنها. قال الذهبي رحمه الله: هذه الواقعة نقلها ثقتان عن عباس. [السير (تهذيبه) 2/ 797]. * وعن أبي عون الفرائضي قال: خرجت إلى مجلس أحمد بن منصور الزيادي رحمه الله سنة اثنتين وستين ومائتين، فلما صرت بطاق الحراني رأيت رجلاً قد أمر بالقبض على امرأة وأمر بجرها، فقالت له: اتق الله. فأمر أن تجر، فلم تزل تناشده الله وهو يأمر بجرها إلى أن بلغت باب القنطرة، فلما

يئست من نفسها رفعت رأسها إلى السماء ثم قالت: {قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [الزمر: 46] إن كان هذا الرجل يظلمني فخذه. قال أبو عون: فوقع الرجل على ظهره ميتًا، وأنا أراه، فحُمِل على جنازة، وانصرفت المرأة. [المنتظم 12/ 174]. * وقال الحاكم: سمعت أبي يقول: لما قتلَ أحمدُ بن عبد الله السّجستاني - الذي استولى على البلاد - الإمامَ حيكان بن الذهلي، أخذ في الظُّلم والعَسف، وأمر بحَرْبةٍ رُكزت على رأس المربّعة (¬1)، وجمع الأعيان، وحلف: إن لم يصبوا الدراهم حتى يغيبَ رأسُ الحربة، فقد أحلُّوا دماءَهم، فكانوا يقتسمون الغرامة بينهم، فَخُصَّ تاجرٌ بثلاثين ألف درهم، فلم يكن يقدر إلا على ثلاثة آلاف درهم فحملها إلى أبي عثمان الحيري رحمه الله وقال: قد حلف هذا كما بلغك وواللهِ لا أهتدي إلاّ إلى هذه. قال: تأذنُ لي أن أفعلَ فيها ما ينفعُك؟ قال: نعم، ففرَّقها أبو عثمان، وقال للتاجر: امكُث عندي، وما زال أبو عثمان يترددُ بين السِّكَّةِ والمسجدِ ليلتهُ حتى أصبح، وأذَّنَ المؤذِّن، ثم قال لخادمه: اذهب إلى السُّوق، وانظر ماذا تسمع، فذهبَ، ورجعَ فقال: لم أر شيئًا، قال: اذهب مرَّة أخرى، وهو في مناجاته يقول: وحقِّكَ لا أقمتُ ما لم تُفَرِّجْ عن المكروبين، قال: فأتى خادمه الفرغانيُّ يقول: وكفى الله المؤمنين القتال، شُقَّ بطنُ أحمدَ بن عبد الله، فأخذ أبو عثمانَ في الإقامة. قال الذهبي رحمه الله: بمثل هذا يعظُمُ مشايخ الوقت. [السير (تهذيبه) 3/ 1132]. * واحتال على بنان البغدادي رحمه الله أبو عبيد الله القاضي حتى ضرب سبع درر فقال: حبسك الله بكل درة سنة، فحبسه ابن طولون سبع سنين. [الحلية (تهذيبه) 3/ 418]. ¬

(¬1) قال في الحاشية: في " اللسان" والمربعة: خشيبة قصيرة يرفع بها العِدل .. وقال الأزهري: هي عصا تحمل بها الأثقال حتى توضع على ظهر الدواب.

(جـ) قصص من أجاب الله دعائه

(جـ) قصص من أجاب الله دعائه: * عن أسلم، قال: بينا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يعرض للناس، إذا مر به رجل معه ابن له على عاتقه. فقال عمر: ما رأيت غرابًا بغراب أشبه بهذا من هذا. فقال الرجل: أما والله يا أمير المؤمنين، لقد ولدته أمه وهي ميتة. قال: ويحك، وكيف ذاك؟. قال: خرجت في بعث كذا وتركتها حاملاً، وقلت: أستودع الله ما في بطنك، فلما قدمت من سفري أُخبرت أنها قد ماتت. فبينا أنا ذات ليلة قاعد في البقيع مع بني عم لي، إذ نظرت فإذا ضوء يشبه السراح في المقابر. فقلت لبني عمي: ما هذا؟ قالوا: لا ندري، غير أننا نرى هذا الضوء كل ليلة عند قبر فلانة. فأخذت معي فأسًا، ثم انطلقت نحو القبر، فإذا القبر مفتوح، وإذا هذا في حجر أمه. فدنوت، فناداني مناد: أيها المستودع ربه: خذ وديعتك، أما لو استودعت أمه لوجدتها. فأخذت الصبي، وانضم القبر. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 338، 339]. * وعن ابن عباس، قال: قال عمر بن الخطاب: أخرجوا بنا إلى أرض قومنا. قال ابن عباس: فخرجنا، فكنت أنا وأُبي بن كعب - رضي الله عنه - في مؤخرة الناس، فهاجت سحابة، فقال أبي: اللهم اصرف عنا أذاها. فلحقناهم وقد ابتلت رحالهم. فقال عمر: ما أصابكم الذي أصابنا؟ قلت: إن أبا المنذر دعا الله أن يصرف عنا أذاها، فقال عمر: ألا دعوتم لنا معكم؟. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 332]. * وعن ثابت البناني، قال: شكى قَيّم لأنس بن مالك - رضي الله عنه - في أرضه العطش، فصلى أنس فدعا، فثارت سحابة حتى غشيت أرضه فملأت صهريجه، فأرسل غلامه فقال: انظر أين بلغت هذا، فنظر، فإذا هي لم تَعْدُ أرضه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 337، المنتظم 6/ 304، 305].

* وعن أنس - رضي الله عنه -، قال: دخلنا على رجل من الأنصار وهو مريض ثقيل، فلم نبرح حتى قضى، فبسطنا عليه ثوبه، وأم له عجوز كبيرة عند رأسه، فالتفت إليها بعضنا، فقال: يا هذه، احتسبي مصيبتك عند الله. قالت: وما ذاك؟ أمات ابني؟ قلنا: نعم. فمدت يدها إلى الله، فقالت: الله إنك تعلم أني أسلمت، وهاجرت إلى رسولك رجاء أن تعينني عند كل شدة ورخاء، فلا تحملني على هذه المصيبة اليوم. قال: فكشفت عن وجهه فما برحنا حتى طعمنا معه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 240]. * وعن الشعبي: أن قوماً من المهاجرين - رضي الله عنهم - خرجوا متطوعين في سبيل الله، فنفق - أي: تلف - حمار رجل منهم، فأرادوه على أن ينطلق معهم، فأبى. فانطلق أصحابه مترجلين وتركوه. فقام وتوضأ وصلى، ثم رفع يديه، فقال: اللهم إني خرجت مجاهدًا في سبيلك، وابتغاء مرضاتك، وأشهد أنك تحيي الموتى، وأنك تبعث من في القبور، اللهم فأحي لي حماري. ثم قام إلى الحمار فضربه، فقام الحمار ينفض أذنيه، فأسرجه وألجمه، ثم ركبه فأجراه حتى لحق بأصحابه. فقالوا له: ما شأنك؟ قال: إن الله تعالى بعث لي حماري. قال الشعبي: أنا رأيت هذا الحمار بيع أو يباع بالكناسة. [جامع العلوم والحكم، موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 240]. * وعن عمرة: كنت عند عائشة رضي الله عنها، فجاءتها امرأة متعلقة برجل، تزعم أنه أخذ خاتما لها، ويزعم أن لا، فقالت: أمِّنوا رحمكم الله، اللهم إن كنتُ كاذبة فأيبس يدي، وإن كان كاذبا فأيبس يده، فأصبح الرجل ويمينه يابسة، قالت عمرة: وحججت حجتين أو ثلاثة وأنا أسمع الرجل من أهل مكة وأهل المدينة يقول الرجل منهم: إن كنتُ فعلت كذا وكذا فأظهر الله - عزَّ وجلَّ - علي كما أظهر على صاحب الخاتم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 521].

* وعن أنس - رضي الله عنه -، قال: كان رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأنصار يُكنى: أبا معلق رضي الله عنه، وكان تاجرًا يتجر بمال له ولغيره، يضرب به في الآفاق، وكان ناسكًا ورعًا، فخرج مرة فلقيه لص مقنع في السلاح، فقال له: ضع ما معك فإني قاتلك. قال: ما تريد إلى دمي؟ شأنك بالمال، قال: أما المال فلي، ولست أريد إلا دمك. قال: أما إذا أبيت، فذرني أصلي أربع ركعات، قال: صل ما بدا لك. فتوضأ ثم صلى أربع ركعات، فكان من دعائه في آخر سجدة أن قال: يا ودود، يا ذا العرش المجيد، يا فعال لما يريد، أسألك بعزك الذي لا يرام، وملكك الذي لا يضام، وبنورك الذي ملأ أركان عرشك، أن تكفيني شر هذا اللص، يا مغيث أغثني، يا مغيث أغثني، قال: دعى بها ثلاث مرات. فإذا هو بفارس قد أقبل بيده حربة واضعها بين أذني فرسه، فلما بصره اللص أقبل نحوه، فطعنه، فقتله ثم أقبل إليه، فقال: قم. قال: من أنت بأبي أنت وأمي؟ فقد أغاثني الله بك اليوم، قال: أنا ملك من أهل السماء الرابعة، دعوت بدعائك الأول، فسمعت لأبواب السماء قعقعة، ثم دعوت بدعائك الثاني، فسمعت لأهل السماء ضجة، ثم دعوت بدعائك الثالث، فقيل لي: دعاء مكروب، فسألت الله تعالى أن يوليني قتله. قال أنس: فاعلم أنه من توضأ، وصلى أربع ركعات، ودعا بهذا الدعاء، استجيب له مكروبًا كان، أو غير مكروب. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 321، 323]. * وعن زاذان، أن رجلاً حدث عليًا - رضي الله عنه - بحديث، قال: ما أراك إلا كذبتني. قال: لم أفعل. قال: أدعو الله عليك إن كنت كذبت. قال: ادع. فدعا، فما برح الرجال حتى عمي. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 325، 326]. * وعن مصعب بن سعد قال: أنَّ رجلاً نال من علي، فنهاه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، فلم ينته. فقال سعد: أدعو عليك، فلم ينته. فدعا عليه سعد، فما برح حتى جاء بعير نادٌّ، أو ناقة نادة، فخبطته حتى مات. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 331].

* وعن محمد بن المنكدر رحمه الله قال: كانت لي سارية في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجلس أصلّي إليها بالليل، فقَحط أهل المدينة سنة، فخرجوا يستسقون فلم يُسقَوا، فلما كان من الليل صلّيتُ عشاء الآخرة في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم جئت فتساندت إلى ساريتي، فجاء رجل أسود تعلوه صفرة متَّزِر بكساءٍ، وعلى رقبته كساء أصغر منه. فتقدم إلى السارية التي بين يدي وكنتُ خلفه، فقام فصلى ركعتين، ثم جلس، فقال: أيْ ربّ خرج أهل حَرم نبيك يستسقون فلم تَسقهم، فأنا أقسم عليك لما سقَيتهم. قال ابن المنكدر: فقلت: مجنون. قال: فما وضع يده حتى سمعتُ الرعد، ثم جاءت السماء بشيءٍ من المطر، فلما سمع المطر حِمد الله بمحامد لم أسمع بمثلها قطّ. قال: ثم قال: ومن أنا وما أنا حيث استجبتَ لي، ولكن عُذْتُ بحمدك، وعُذْتُ بَطوْلك. ثم قام فلم يزل قائمًا يصلّي حتى إذا أحسَّ الصبح سجد وأوتر، وصلى ركعتي الصبح، ثم أقيمت صلاة الصبح، فدخل في الصلاة مع الناس ودخلتُ معه، فخرجتُ خلفه رافعًا ثوبي أخوض الماء، فلم أدْرِ أين ذهَب. فلما سلّم الإمام خرج من المسجد وخرجت خلفه، فجعل يمشي وأتبعه حتى دخل دارًا قد عرفتها من دُور المدينة، ورجعتُ إلى المسجد. فلما طلعت الشمس وصلّيت خرجت حتى أتيت الدار، فإذا أنا به قاعد يَخْرز، وإذا هو إسكاف (¬1). فلما رآني عرفني، وقال: أبا عبد الله مرحبًا، ألكَ حاجة، تريد أن أعمل لك خُفًا؟ فجلست فقلت: ألست صاحبي بارحةَ الأولى؟ فاسودّ وجهه وصاح بي، وقال: ابنَ المنكدر ما أنت وذاك؟ قال: وغضب. قال: ففرقْتُ والله منه، وقلت: أخرجُ من عنده الآن فلما كان في الليل صلّيت العشاء الآخرة في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم أتيت ساريتي، فتساندت إليها، فلم يجئ. قال: قلت: إنا لله ما صنتُ؟ فلما أصبحتُ جلست في المسجد حتى طلعت الشمس، ثم خرجت حتى أتيت الدار التي كان فيها، ¬

(¬1) صَانِع أَوْ مُصْلِح الْأَحْذِيَة.

فإذا باب البيت مفتوح، وإذا ليس في البيت شيء: فقال لي أهل الدار: يا أبا عبد الله ما كان بينك وبين هذا أمس؟ قلت: ما له؟ قالوا: لما خرجتَ من عنده أمس بسط كساءه في وسط البيت، ثم لم يدع في بيته جِلْدًا ولا قالبًا، إلا وضَعه في كسائه، ثم حمله، ثم خرج، فلم ندْر أين ذهب؟. قال محمد بن المنكدر: فما تركت بالمدينة دارًا أعلمها إلا طلبته فيها، فلم أجده رحمه الله [صفة الصفوة 2/ 511]. * وعن بكر بن خنيس رحمه الله قال: خرجنا مرة لنستقي، وخرج الأمير والقاضي، فدعا القاضي ثم أذن الأمير للناس بالانصراف، قال: وما نرى في السماء سحابًا وإلى جنبي أسود؟ قال: فالتفت إليه فسمعته يدعو وأعجبت بدعائه، فقال في دعائه لما نظر إلى الناس منصرفين: اللهم اسقنا الساعة وأقلب عبادك مسرورين، قال: فوالله إن كان إلا انقضاء قوله حتى أقبلت السماء بأشد ما يكون من المطر، قال بكر: فحرصت على أن أعرفه أو أدركه فلم أقدر على ذلك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 401]. * وعن عمرو السريا رحمه الله قال: كنت أُغير في بلاد الروم وحدي، فبينا أنا ذات يوم نائم، ورد علي علج فحركني برجله، فانتبهت فقال: يا عربي، اختر إن شئت مطاعنة، وإن شئت مسايفة، وإن شئت مصارعة. فقلت: أما المسايفة، والمطاعنة، فلا بقاء لهما، ولكن المصارعة. فنزل فلم ينهنهني أن صرعني وجلس على صدري فقال: أي قتلة أقتلك؟ فذكرت (الدعاء) (¬1) فرفعت طرفي إلى السماء فقلت: أشهد أن كل معبود دون عرشك إلى قرار الأرضين باطل غير وجهك الكريم، قد ترى ما أنا فيه ففرج عني، فأغمي عليَّ ثم أفقت، فإذا الرومي قتيل إلى جنبي. قال إسحق بن بنت داود: جربته وعلمته الناس، فوجدته نافعًا وهو الإخلاص بعينه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 119، 120]. ¬

(¬1) هذه اللفظة ليست في المطبوع, لكن السياق يقتضيه.

* وعن مجاشع الديري، قال: ولدت امرأة من جيران حبيب رحمه الله غلامًا جميلاً أقرع الرأس، قال: فجاء به أبوه إلى حبيب بعد ما كبر الغلام، وأتت عليه اثنتا عشرة سنة. فقال: يا أبا محمد، ألا ترى إلى ابني هذا وإلى جماله، وقد بقي أقرع الرأس كما ترى؟ فادع الله له. فجعل حبيب يبكي ويدعو للغلام، ويمسح بالدموع رأسه، قال: فوالله ما قام بين يديه حتى اسود رأسه من أصول الشعر، فلم يزل بعد ذلك الشعر ينبت حتى صار كأحسن الناس شعرًا. قال مجاشع: قد رأيته أقرع، ورأيته ذا شعر. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 365]. * وأتى حبيبًا أبا محمد رحمه الله رجلٌ زِمنُ - أي مريض - في شق محمل. فقيل له: يا أبا محمد، هذا رجل زمن وله عيال، وقد ضاع عياله، فإن رأيت أن تدعو الله عسى أن يعافيه. فأخذ المصحف، فوضعه في عنقه، ثم دعا. فما زال يدعو حتى عافاه الله - عزَّ وجلَّ - وقام، فحمل المحمل، ووضعه على عاتقه، وذهب إلى عياله. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 366]. * وعن أبي بلج الفزاري، قال: أمر الحجاج بن يوسف برجل كان جعل على نفسه إن ظفر به أن يقتله. فلما أدخل عليه، تكلم بشيء فخلى سبيله. فقيل له: أي شيء قلت؟ قال: قلت: يا عزيز يا حميد، يا ذا العرش المجيد، اصرف عني شر كل جبار عنيد. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 372]. * وعن زكريا بن عدي، قال: كان الصلت بن بسطام رحمه الله التميمي يجلس في حلقة أبي خباب يدعو من بعد العصر يوم الجمعة، قال: فجلسوا يومًا يدعون، وقد نزل الماء في عينيه فذهب بصره، فدعوا وذكروا بصره في دعائهم. فلما كان قبيل الشمس عطس عطسة، فإذا هو يبصر بعينيه، وإذا قد رد الله بصره.

قال زكريا: فقال لي ابنه: قال لي حفص بن غياث: أنا رأيت الناس عشية إذ يخرجون من المسجد مع أبيك يهنئونه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 372]. * وعن شعيث بن محرز، قال: ذكر لي في زمان محمد بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس، أن امرأة كانت عمياء، فصحت عينها ليلة أربع وعشرين من شهر رمضان. قال: فأتيتها، فقالت: اجلس حتى أخرج إليك، فخرجت فصفقت الباب على خدها، وأخرجت إليَّ عينها كأنها عين غزال ليس بها شيء. فقلت لها: يا أمة الله، بأي شيء دعوت ربك؟ قالت: صليت أول الليل في مسجد الحي، حتى إذا كان في السحر، قمت في مسجد بيتي، فدعوت ربي فقلت: يا كاشف ضر أيوب، يا من رحم شيبة يعقوب، يا من رد يوسف على يعقوب، رد علي بصري. قالت: فكأنما إنسان جرد عيني فأبصرت. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 374]. * ودعا عبد العزيز بن سلمان رحمه الله يومًا بمقعد كان في مجلسه، فدعا عبد العزيز وأمن إخوانه. قال: فوالله ما انصرف المقعد إلى أهله إلا ماشيًا على رجليه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 377]. * وعن سهم يقول: غزونا مع العلاء بن الحضرمي رحمه الله دارين، قال: فدعا بثلاث دعوات، فاستجاب الله له فيهن كلهن. قال: سرنا معه فنزلنا منزلاً، وطلبنا الوضوء فلم نقدر عليه. فقام فصلى ركعتين، ثم دعا الله فقال: اللهم يا عليم يا حكيم، يا علي يا عظيم، إنا عبيدك، وفي سبيلك نقاتل عدوك، فاسقنا غيثًا نشرب منه ونتوضأ من الأحداث، وإذا تركناه فلا تجعل لأحد فيه نصيبًا غيرنا. قال: فما جاوزنا غير قليل فإذا نحن بنهر من ماء سماء يتدفق، قال: فنزلنا فتروينا وملأت إداوتي، ثم تركتها، فقلت: لأنظرن هل أستجيب له؟ فسرنا ميلاً أو نحوه، فقلت لأصحابي: إني نسيت إداوتي. فذهبت إلى ذلك المكان، فكأنما لم يكن فيه ماء قط. فأخذت إداوتي فجئت بها.

فلما أتينا دارين - وبيننا وبينهم البحر - فدعا أيضًا فقال: اللهم يا عليم يا حليم، يا علي يا عظيم، إنا عبيدك، في سبيلك نقاتل عدوك، فاجعل لنا سبيلاً إلى عدوك. ثم اقتحم بنا البحر، فو الله ما ابتلت سروجنا حتى خرجنا إليهم. فلما رجعنا اشتكى البطن فمات، فلم نجد ما نغسله به، فكفناه في ثيابه، ودفناه، فلما سرنا غير بعيد إذا نحن بماء كثير. فقال بعضنا لبعض: ارجعوا لنستخرجه فنغسله. فرجعنا فطلبنا قبره، فخفي علنا قبره، فلم نقدر عليه، فقال رجل من القوم: إني سمعته يدعو الله يقول: اللهم يا عليم يا حليم، يا علي يا عظيم، أخف جثتي، ولا تطلع على عورتي أحد. فرجعنا وتركناه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 333 - 334]. * وعن عمر بن ثابت، قال: دخلت في أذن رجل من أهل البصرة حصاة، فعالجها الأطباء فلم يقدروا عليه حتى وصلت إلى صماخه، فأسهرت ليله، ونغصت عيش نهاره، فأتى رجلاً من أصحاب الحسن، فشكا ذلك إليه. فقال: ويحك، إن كان شيء نفعك فدعوة العلاء بن الحضرمي التي دعا بها في البحر وفي المفازة. قال وما هي؟ قال: يا علي يا عظيم، يا عليم يا حليم. قال: فدعا بها، فو الله ما برحنا حتى خرجت من أذنه ولها طنين حتى صكت الحائط، وبرأ. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 335]. * عن طلحة بن عبيد الله: أن رجلاً كان في غزاة له مع أصحابه، فأبق غلام له بفرسه، فلما أراد أصحابه أن يرتحلوا، توضأ الرجل وصلى ركعتين، وقال: اللهم إنك ترى مكاني وحالي، وارتحال أصحابي، اللهم إني أقسم عليك لما رددت علي فرسي وغلامي. فالتفت فإذا هو بالغلام مكتوف بشطن الفرس. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 341، 342]. * وعن الجُرَيْري، قال: كان عبد الله بن شقيق رحمه الله مجاب الدعوة،

فكانت تمر به السحابة، فيقول: اللهم لا تجوز موضع كذا وكذا حتى تمطر، فلا تجوز ذلك الموضع حتى تمطر. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 344]. * وعن الشعبي رحمه الله: أنه كان جالسًا عند زياد، فجيء برجل إلى زياد يحمل ما يشك في قتله، فحرك الرجل شفتيه بشيء ما ندري ما هو، فخلى سبيله، فقلت له: ما قلت؟ قال: قلت: اللهم رب إبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، ورب جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، ومنزل التوراة، والإنجيل، والزبور، والقرآن العظيم، ادرأ عني شر زياد. فدرىء عني شره. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 124، 125]. * وعن محمد بن يزيد رحمه الله قال: لما قدم سليمان بن عبد الملك بعثني إلى العراق - إلى المُسيَّرين إلى أهل الديماس - الذين حبسهم الحجاج فأخرجتهم، منهم: يزيد الرقاشي، ويزيد الضبعي، وعابدة من أهل البصرة، فأخرجتهم في عمل ابن أبي مسلم، وعنفت ابن أبي مسلم بصنيعه، وكسوت كل رجل منهم ثوبين، فلما مات سليمان ومات عمر، كنت مستعملاً على أفريقية، فقدم عليًّ يزيد بن أبي مسلم أميرًا في عمل يزيد بن عبد الملك، فعذبني عذابًا شديدًا حتى كسَّر عظامي، فأتى بي يومًا أُحمل في كساء عند المغرب فقلت: ارحمني. فقال: التمس الرحمة عند غيري، لو رأيت ملك الموت عند رأسك لبادرته نفسك، اذهب حتى أصيح لك. قال: فدعوت الله فقلت: اللهم اذكر لي ما كان مني في أهل ديماس، اذكر لي يزيد الرقاشي وفلانًا وفلانًا، واكفني شر ابن أبي مسلم، وسلِّط عليه من لا يرحمه، واجعل ذلك من قبل أن يرتد إليَّ طرفي، وجعلت أحبس طرفي رجاء الإجابة، فدخل عليه ناس من البريد، فقتلوه ثم أتوني، فأطلقوني. فقلت: اذهبوا ودعوني، فإني أخاف إن فعلتم أن يروا أن ذلك من سببي فذهبوا وتركوني. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 127، 128]. * وكانت امرأة قد أصابها الماء الأصفر في بطنها، فعظمت بليتها،

فأتت مالك بن دينار رحمه الله فقالت: يا أبا يحي، ادع الله لي، فقال لها: إذا كنت في المجلس فقومي حيث أراك قائمة في مجلسه، فقال لأصحابه: إن هذه المرأة قد ابتليت بما قد ترون، وقد فزعت إلينا، فادعوا الله لها، فرفع القوم أيديهم، فقال: يا ذا المنّ القديم، يا عظيم لا إله إلا أنت، عافها وفرِّج عنها. فانخمص بطنها وعوفيت، فكانت تكون مع النساء تحدثهن. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 358]. * وعبد الواحد بن زيد، قال: خرجت في بعض غزواتي في البحر، ومعي غلام لي له فضل، فمات الغلام فدفنته في جزيرة، فنبذته الأرض ثلاث مرات في ثلاثة مواضع. فبينا نحن وقوف نتفكر ما نصنع له، إذ انقضَّت النسور والعقبان، فمزقوه حتى لم يبق منه شيء. فلما قدمنا البصرة أتيت أم الغلام، فقلت لها: ما كان حال ابنك؟ قالت: خيرًا، كنت أسمعه يقول: اللهم احشرني من حواصل الطير. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 349، 350]. * وعن بكر بن عبد الله المزني رحمه الله قال: كان فيمن كان قبلكم ملِك وكان متمردًا على ربه - عزَّ وجلَّ - فغزاه المسلمون فأخذوه سليمًا فقالوا: بأي قتلة نقتله؟ فأجمعوا آراءهم على أن يجعلوا له قمقمًا عظيمًا ويحشوا تحته النار ولا يقتلوه حتى يذيقوه طعم العذاب ففعلوا ذلك به، قال: فجعل يدعو آلهته واحدًا واحدًا يا فلان بما كنت أعبدك وأصلي لك وأمسح وجهك فأنقذني مما أنا فيه. فلما رآهم لا يغنون عنه شيئًا رفع رأسه إلى السماء وقال: لا إله إلا الله ودعا الله مخلصًا فصب الله عليه مثغبًا من السماء فأطفأ تلك النار وجاءت ريح فاحتملت ذلك القمقم فجعل يدور بين السماء والأرض وهو يقول: لا إله إلا الله فقذفه الله إلى قوم لا يعبدون الله - عزَّ وجلَّ - وهو يقول: لا إله إلا الله فاستخرجوه فقالوا له: ويحك ما لك؟ قال: أنا ملك بني فلان فقص عليهم القصة قال: وكان من أمري وكان من أخذي فآمنوا. [الزهد للإمام أحمد / 527، 528]. * وعن علي بن أبي حرارة قال: كانت أمي مقْعدة نحو عشرين سنة.

فقالت لي يومًا: اذهب إلى أحمد بن حنبل رحمه الله، فسلْه، أن يدعو الله لي. فمضيت، فدققتُ عليه الباب. فقال: من هذا؟ فقلت: رجل من أهل ذلك الجانب، سألتْني أمي وهي زَمِنَة مقْعدة أن أسألك أن تدعو الله لها. فسمعتُ كلامه كلامَ رجلٍ مغضب، وقال: نحن أحوج أن تدعو الله لنا. فولّيت منصرفًا، فخرجتْ عجوز من داره، فقالت: أنت الذي كلّمت أبا عبد الله؟ قلت: نعم. قالت: قد تركته يدعو الله لها. قال: فجئت من فوري إلى البيت، فدققتُ الباب، فخرجتْ على رجليها تمشي حتى فتحتْ لي الباب، وقالت: قد وهبَ الله لي العافية. [صفة الصفوة 2/ 611]. * وقال أصبغ بن زيد الواسطي: كان لسعيد بن جبير رحمه الله ديكٌ كان يقوم الليلَ بصياحه، قال: فلم يَصِحْ ليلةً من الليالي حتى أصبح، فلم يصل سعيد تلك الليلة، فشقّ عليه، فقال: ماله قطع الله صوته؟ قال: فما سُمع له صوتٌ بعدها، فقالت أمّه: يا بنيّ لا تَدْعُ على شيء بعدها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 360]. * وعن داود بن أبي هند، قال: لما أخذ الحجَّاجُ سعيدَ بن جُبير رحمه الله قال: ما أراني إلا مقتولاً وسأخبركم: إني كنتُ أنا وصاحبان لي دعَونا حين وَجَدنا حلاوةَ الدُّعاء، ثم سألنا الله الشهادة، فكِلا صاحبيَّ رُزِقَها، وأنا أنتظِرُها، قال: فكأنَّه رأى أن الإجابة عند حلاوة الدُّعاء. قال الذهبي رحمه الله: ولمّا علم مِن فضل الشهادة ثَبَت للقَتل ولم يَكْثَرِثْ، ولا عامل عدوَّه بالتقيَّة المباحة له، رحمه الله تعالى. [السير (تهذيبه) 2/ 507]. * وعن بلال بن كعب العكي قال: كان الظبي يمر بأبي مسلم الخولاني رحمه الله فيقول له الصبيان: أدع الله يحبسه علينا نأخذه بأيدينا، فكان يدعو الله - عزَّ وجلَّ - فيحبسه حتى يأخذوه بأيدهم. [الحلية (تهذيبه) 1/ 317]. * وعن أبي الصديق الناجي قال: خرج سليمان بن داود - عليهما السلام - يستسقي، فمر بنملة مستلقية على ظهرها رافعة قوائمها إلى السماء، وهي تقول: اللهم إنا خلق من خلقك ليس بنا غنى عن سقياك ورزقك، فإما أن تسقينا وترزقنا، وإما

أن تهلكنا. فقال سليمان - عليه السلام -: ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم. [الحلية (تهذيبه) 1/ 466]. * وعن الأوزاعي قال: خرج الناس يستسقون وفيهم بلال بن سعد رحمه الله، فقال: يا أيها الناس ألستم تقرون بالإساءة؟ قالوا: نعم! قال: اللهم إنك قلت: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91]، وكل يقر لك بالإساءة فاغفر لنا واسقنا، قال: فسقوا. [الحلية (تهذيبه) 2/ 190]. * وقال ثابت البناني: أخذ عبيد الله بن زياد ابنَ أخٍ لصفوان بن محرز رحمه الله، فحبسه في السجن، فلم يدع صفوان شريفًا بالبصرة يرجو منفعته إلا تحمّل به عليه، فلم يرَ لحاجته نجاحًا، فبات في مصلاه حزينًا. قال: فهوّم من الليل فإذا آتٍ قد أتاه في منامه، فقال: يا صفوان قم فاطلب حاجتك من جهتها. قال: فانتبه فزِعًا فقام فتوضأ، ثم صلّى ثم دعا. فأرِق ابنُ زياد، فقال: عليَّ بابن أخي صفوان بن محرز، فجاء بالحرس وجيء بالنيران، ففُتحت تلك الأبواب الحديد في جوف الليل، فقال: ابن أخي صفوان أَخرِجوه، فإنّي قد مُنعت من النوم منذ الليلة، فأخرج فأتي به ابن زياد، فقال: انطلق بلا كفيلٍ ولا شيء، فما شعر صفوان حتى ضرب عليه ابنُ أخيه بابَه، قال صفوان: مَن هذا؟ قال: أنا فلان. قال: أيّ ساعةٍ هذه الساعة؟ فحدّثه الحديث. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 347]. * وقال ابن رجب رحمه الله: وكان العلاء بن الحضرمي رحمه الله في سرية، فعطشوا فصلّى ثم قال: اللهمّ يا عليم يا حكيم يا عليّ يا عظيم، إنا عبيدك وفي سبيلك نقاتل عدوَّك، فاسقنا غيثًا نشرب منه ونتوضأ، ولا تجعل لأحد فيه نصيبًا غيرنا، فساروا قليلاً فوجدوا نهرًا من ماء السماء يتدفق فشربوا وملؤوا أوعيتهم، ثم ساروا فرجع بعض أصحابه إلى موضع النهر، فلم يرَ شيئًا، وكأنه لم يكن في موضعه ماء قط. [جامع العلوم والحكم / 485، 486]. * وكان صِلة بن أشيم رحمه الله في سرية، فذهبت بغلته بثقلها، وارتحل الناس، فقام يصلي، وقال: اللهمّ إني أقسم عليك أن تردّ عليّ بغلتي وثقلها، فجاءت حتى قامت بين يديه. وكان مرة في برية فقر فجاع، فاستطعم الله،

فسمع وجبة خلفه، فإذا هو بثوب أو منديل فيه دوخلة رطب طريّ، فأكل منه وبقي الثوب عند امرأته معاذة العدوية، وكانت من الصالحات. [جامع العلوم والحكم / 485، 486]. * وكان محمد بن المنكدر رحمه الله في غزاة، فقال له رجل من رفقائه: أشتهي جبنًا رطبًا، فقال ابن المنكدر: استطعموا الله يطعمكم، فإنه القادر، فدعا القوم فلم يسيروا إلاّ قليلاً، حتى رأوا مكاتلاً مخيطًا، فإذا هو جبن رطب، فقال بعض القوم: لو كان عسلاً؟ فقال ابن المنكدر: إنّ الذي أطعمكم جبنًا ها هنا قادر على أن يطعمكم عسلاً، فاستطعموه، فدعوا فساروا قليلاً، فوجدوا ظرف عسل على الطريق فنزلوا وأكلوا. [جامع العلوم والحكم / 485، 486]. * وكان حبيب العجمي أبو محمد رحمه الله معروفًا بإجابة الدعوة، دعا لغلام أقرع الرأس، وجعل يبكي ويمسح بدموعه رأس الغلام، فما قام حتى اسودّ رأسه وعاد كأحسن الناس شعرًا. وأتي برجل زمِن في محمل فدعا له، فقام الرجل على رجليه، فحمل محمله على عنقه ورجع إلى عياله. واشترى في زمن مجاعة طعامًا كثيرًا، فتصدّق به على المساكين، ثم خاط أكيسة فوضعها تحت فراشه، ثم دعا الله تعالى فجاء أصحاب الطعام يطلبون ثمنه، فأخرج تلك الأكيسة، فإذا هي مملوءة دراهم، فوزنها فإذا هي قدر حقوقهم فدفعها إليهم. [جامع العلوم والحكم / 485، 486]. * وخرج قوم في غزاة في سبيل الله، وكان لبعضهم حمار فمات، وارتحل أصحابه، فقام فتوضأ وصلّى وقال: اللهمّ إني خرجت مجاهدًا في سبيلك، وابتغاء مرضاتك، وأشهد أنك تحيي الموتى، وتبعث من في القبور فأحيي لي حماري، فقام إلى الحمار فضربه، فقام الحمار ينفض أذنيه فركبه ولحق أصحابه، ثم باع الحمار بعد ذلك بالكوفة. [جامع العلوم والحكم / 485، 486]. * وخرجت سرية في سبيل الله، فأصابهم برد شديد حتى كادوا أن يهلكوا، فدعوا الله تعالى وإلى جانبهم شجرة عظيمة، فإذا هي تلتهب نارًا، فجففوا ثيابهم ودفئوا بها حتى طلعت عليهم الشمس، فانصرفوا، وردت الشجرة إلى هيئتها. [جامع العلوم والحكم / 485، 486].

* وخرج أبو قلابة رحمه الله صائمًا حاجًا فتقدّم أصحابه في يوم صائف، فأصابه عطش شديد فقال: اللهمّ إنك قادر على أن تذهب عطشي من غير فطر، فأظلَّته سحابة، فأمطرت عليه حتى بلت ثوبه، وذهب العطش عنه، فنزل فحوّض حياضًا فملأها، فانتهى إليه أصحابه فشربوا، وما أصاب أصحابه من ذلك المطر شيء. [جامع العلوم والحكم / 485، 486]. * وعن أحمد بن فضيل العكي قال: غزا أبو معاوية الأسود رحمه الله، فحصر المسلمون حصنًا فيه علج لا يرمي حجرًا لإنسان إلا أصابه، فشكوا إلى أبي معاوية فقرأ {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى} [الأنفال: 17] استروني منه، فلما وقف قال: أين تريدون بإذن الله؟ قالوا: المذاكير، فقال: أي رب سمعت ما سألوني فأعطني ما سألوني، بسم الله، ثم رمى المذاكير بإذن الله فمر السهم حتى إذا قرب من حائط الحرس ارتفع حتى إذا أخذ العلج في مذاكيره فوقع، وقال: شأنكم به. [الحلية (تهذيبه) 3/ 66]. * وعن أبي محمد الحسن بن علي بن صليح أنه قال: إن أبا حمدون الطيب بن إسماعيل رحمه الله كف بصره، فقاده قائد له ليدخله المسجد فلما بلغ إلى المسجد قال له قائده: يا أستاذ، اخلع نعلك. قال: لم يا بني أخلعها؟ قال: لأن فيها أذى، فاغتم أبو حمدون، وكان من عباد الله الصالحين، فرفع يده ودعا بدعوات ومسح بها وجهه فردَّ الله عليه بصره ومشى. [المنتظم 11/ 301]. * وعن واقد الصَّفَّار أنه قال: دعا عبد العزيز بن سليمان رحمه الله يومًا لمُقْعَد كان في مجلسه وأمَّن إخوانه. قال: فوالله ما انصرف المقعد إلى أهله إلا ماشيًا على رجليه. [المنتظم 8/ 127]. * وعن أبي ضمرة عاصم بن أبي بكر الزهري أنه قال: سمعت مالك بن أنس يقول: كان يونس بن يوسف رحمه الله من العباد - أو قال: من خيار الناس - فأقبل ذات يوم وهو رائح من المسجد، فلقيته امرأة، فوقع في نفسه منها، فقال: اللهم إنك جعلت لي بصري نعمة وقد خشيت أن تكون عليّ نقمة فاقبضه إليك. قال: فعمي، وكان يروح إلى المسجد يقوده ابن أخ له، فإذا استقبل به الأسطوانة اشتغل الصبي بلعب مع الصبيان فإن أتته حاجة حصبه

فأقبل إليه، فبينا هو ذات ضحوة في المسجد إذ حس في بطنه بشيء فحصب الصبي فاشتغل عنه مع الصبيان حتى خاف الشيخ على نفسه، فقال: اللهم إنك كنت جعلت لي بصري نعمة وخشيت أن يكون نقمة فسألتك فقبضته إليك، وقد خشيت الفضيحة فرده عليّ فانصرف إلى منزله صحيحًا يمشي. قال مالك: فرأيته أعمى ورأيته صحيحًا. [المنتظم 8/ 165]. * وعن علي بن الحسين رحمه الله، قال: ولى علينا عبدُ الملك بن مروانَ طارقًا مولى عثمان بن عفان رضي الله عنه. قال عليّ: فمشيت إلى سالم بن عبد الله بن عمر، وإلى القاسم بن محمد بن أبي بكر، وإلى أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، فقلت: اذهبوا بنا إلى هذا الرجل نسلم عليه ندفع بذلك عن أنفسنا. قال: فأتيناه فسلمنا عليه فأجلسنا عنده، ثم قال لنا: أيكم سعيد بن المسيب؟ قال: فكلمه القاسم بن محمد، فقال له: أصلحك الله، إن سعيد بن المسيب قد رفعت عنه الولاة إتيانها، وقد ألزم نفسه المسجد، فليس يبرح منه، قال: رغب أن يأتيني، والله لأقتلنه، والله لأقتلنه، والله لأقتلنه - ثلاثًا - قال القاسم: فضاق بنا المجلس حتى قمنا، فجئت المسجد فتطلعت فيه فإذا سعيد بن المسيب عند اسطوانته جالس، فدخلت عليه فأخبرته بما كان وقلت له: أرى لك أن تخرج الساعة إلى مكة فتعتمر وتقيم بها، قال: ما حضرتني في ذلك نية، وإن أحب الأعمال إليّ ما نويت، فقلت له: فإني أرى أن تخرج إلى بعض منازل إخوانك فتقيم فيه حتى ننظر ما يكون من الرجل، قال: فكيف أصنع بهذا الداعي الذي يدعوني في كل يوم وليلة خمس مرات، والله لا دعاني إلا أجبته على أي حال كان، قلت له: فإني أرى أن تقوم من مجلسك هذا فتجلس إلى بعض هذه الأساطين فإنك إن طلبت فإنما تطلب عند اسطوانتك. قال: ولِمَ أقوم من موضعي هذا الذي قد أتاني الله فيه العافية من كذا وكذا سنة؟ قلت له: رحمك الله، أما تخاف على نفسك كما يخاف الناس؟ فقال لي: والله لا أحلف بالله كاذبًا ما خفت شيئًا سواه، قلت له: فبماذا أقوم من عندك رحمك الله، فقد غممتني، فقال: تقوم بخير، أسال الله العظيم رب العرش العظيم أن ينسيه ذكري.

(د) نماذج من دعاء السلف

قال: فانصرفت من عنده فجعلت أسأل فرط الأيام هل كان في المسجد خبر؟ فلا أخبر إلا بخير. قال: فأقام علينا واليًا سنة لا يذكره ولا يخطر بباله حتى إذا عزل وصار بوادي القرى من المدينة على خمس مراحل، قال لغلامه وهو يوضئه: ويحك أمسك، واسوءتاه من علي بن الحسين، ومن القاسم بن محمد، ومن سالم بن عبد الله، ومن أبي سلمة بن عبد الرحمن، حلفت بين أيديهم ثلاثة أيمان لأقتلن سعيد بن المسيب، والله ما ذكرته إلا في ساعتي هذه، فقال له غلامه: يا مولاي تأذن لي أن أكلمك؟ قال: نعم، قال: فما أراد الله لك خيرًا مما أردت لنفسك إذ إنساك ذكره. فقال له: اذهب فأنت حر. [المنتظم 6/ 120، 121]. * وقال موسى بن طريف: ركب إبراهيم بن أدهم رحمه الله البحر، فأخذَتْهم ريح عاصف، فأشرفوا على الهلَكة، فلفَّ إبراهيم رأسه في عباءَةٍ ونام، فقالوا له: ما ترى ما نحن فيه من الشدة؟ فقال: ليس ذا شدة، قالوا: ما الشِّدَّة؟ قال: الحاجة إلى النّاس، ثم قال: اللهم أرَيتَنا قُدرتَك فأرِنا عَفْوَك، فصار البحر كأنه قَدَح زيتٍ. [صفة الصفوة 4/ 388]. * وقال أبو وهب: مرّ ابن المبارك رحمه الله برجل أعمى، فقال: أسألك أن تدعو الله أن يَرُدّ بصري. قال: فدعا الله فردّ عليه بصره وأنا أنظر. [صفة الصفوة 4/ 379]. * وعن جعفر بن الزبير الهاشمي: أن أبا الحسين النوري رحمه الله دخل يومًا الماء فجاء لص فأخذ ثيابه. فبقي في وسط الماء فلم يلبث إلا قليلاً حتى رجع إليه اللص معه ثيابه، فوضعها بين يديه وقد جفت يمينه، فقال النوري: رب قد رد علي ثيابي فرد عليه يمينه. فرد الله عليه يده ومضى. [الحلية (تهذيبه) 3/ 369]. (د) نماذج من دعاء السلف: * عن ثور بن يزيد قال: كان معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه إذا تهجد من الليل قال: اللهم قد نامت العيون، وغارت النجوم، وأنت حي قيوم، اللهم

طلبي للجنة بطيء، وهربي من النار ضعيف؛ اللهم اجعل لي عندك هدى ترده إلى يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد. [الحلية (تهذيبه) 1/ 183]. * وعن مروان الأصغر قال: كان الأحنف بن قيس رحمه الله يقول: اللهم إن تعذبني فأنا أهل ذاك وإن تغفر لي فأنت أهل ذاك. [الزهد للإمام أحمد / 405]. * وقال يحيى بن معاذ رحمه الله: إلهي كيف أفرح وقد عصيتُك؟ وكيف لا أفرح وقد عَرَفتك؟ وكيف أدعوك وأنا خاطىء؟ وكيف لا أدعُوك وأنت كريم؟. [صفة الصفوة 4/ 340]. * وقال أيضًا رحمه الله: إلهي إن إبليس لك عدوّ وهو لنا عدو، وإنَّك لا تَغِيظه بشيءٍ هو أنكأُ له من عفْوك، فاعف عنَّا يا أرحم الرّاحمين. [صفة الصفوة 4/ 344]. * وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله في مناجاته: إنّك إن طالَبتني بِشَرّي طالبتُك بكرَمك، وإن أخذتَني بذُنوبي أتيتك بتوحيدك، وإن أسكنتَني النار بين أعدائك لأخبرنّهم بحبي لك. [صفة الصفوة 4/ 443]. * وعن طلحة بن مصرف رحمه الله قال: يستحب من الدعاء أن يقول العبد: اللهم اجعل صمتي تفكرًا، واجعل نظري عبرًا، واجعل منطقي ذكرًا. [الحلية (تهذيبه) 2/ 130]. * وعن حريش بن سليم. قال: كان طلحة بن مصرف رحمه الله يقول في دعائه: اللهم اغفر لي ريائي وسمعتي. [الحلية (تهذيبه) 2/ 131]. * وقال ابن أبي الدنيا رحمه الله: حدثني أبو علي قال: كنت أسمع جارًا لي يقول في الليل: اللهم خيرك إلي نازلٌ، وشري إليك صاعدٌ، وكم من ملك كريم قد صعد إليك بعمل قبيح، أنت مع غناك عني تتحبب إلي بالنعم، وأنا مع فقري إليك وفاقتي أتمقت إليك بالمعاصي، وأنت في ذلك تجيرني وتسترني وترزقني. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 479]. * وعن يونس بن حلبس رحمه الله: إنه كان يدعو: اللهم إني أسألك حزما في لين، وقوة في دين وإيمانا في يقين، ونشاطًا في هدى، وبرًا في استقامة، وكسبًا من حَلال. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 27].

* وقال عباية أبو غسان رحمه الله: حمُمت بنيسابور، فانطبقت علي الحمى، فدعوت بهذا الدعاء: إلهي! كلما أنعمت علي نعمةً قلَّ عندها شكري، وكلما ابتليتني ببلية قل عندها صبري، فيا من قل شكري عند نعمته فلم يخذلني، ويا من قل عند بلائه صبري فلم يعاقبني، ويا من رآني على المعاصي فلم يفضحني! اكشف ضرِّي. قال: فذهبت عني. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 491]. * وكان بكر بن عبد الله رحمه الله يقول في دعائه: الله ارزقنا من فضلك رزقًا يزيدنا لك به شكرًا، وإليك فاقة وفقرًا، وبك عمن سواك غنى وتعفًا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 271]. * وعن الجبار بن كثير قال: قيل لإبراهيم بن أدهم رحمه الله: هذا السبع قد ظهر لنا. قال: أرنيه، فلما رآه، قال: يا قسورة، إن كنت أمرت فينا بشيء فامض لما أمرت به، وإلا فعودُك على بدْئِك. قال: فولَّى السبع ذاهبًا يضرب بذنبه، قال: فتعجبت كيف فهم السبع كلام إبراهيم بن أدهم. فأقبل علينا إبراهيم، فقال: قولوا: اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام، واكفنا بركنك الذي لا يرام، وارحمنا بقدرتك علينا، ولا نهلك وأنت رجاؤنا. قال خلف: فما زلت أقولها منذ سمعتها، فما عرض في لص ولا غيره. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 367]. * وعن عبد العزيز بن أبي رواد رحمه الله أنه كان خلف المقام جالسًا فسمع داعيًا دعا بأربع كلمات، فعجب منهن وحفظهن قال: فالتفت فلم أر أحدًا، وهو يقول: اللهم فرغني لما خلقتني له، ولا تشغلني بما تكفلت لي به، ولا تحرمني وأنا أسألك، ولا تعذبني وأنا أستغفرك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 471]. * وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: اللهم إن لم أكن أهلاً أن أبلغ رحمتك، فإن رحمتك أهل أن تبلغني، رحمتك وسعت كل شيء وأنا شيء،

فلتسعني رحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم إنك خلقت قومًا فأطاعوك فيما أمرتهم، وعملوا في الذي خلقتهم له، فرحمتك إياهم كانت قبل طاعتهم لك يا أرحم الراحمين. [الحلية (تهذيبه) 2/ 223]. * وعن هلال بن دارم قال: حدثتني عجوز تكون معه - يعني خليفة العبدي رحمه الله - في الدار قالت: فكنت أسمعه إذا دعا في السحر يقول: قام المبطلون وقمت معهم، قمنا إليك ونحن متعرضون لجودك، فكم من ذي جرم عظيم قد صفحت له عن جرمه، وكم من ذي كرب عظيم قد فرجت له عن كربه، وكم من ذي ضر كثير قد كشفت له عن ضره، فبعزتك ما دعانا إلى مسألتك بعد ما انطوينا عليه من معصيتك إلا الذي عرفنا من جودك وكرمك، فأنت المؤمل لكل خير، والمرجو عند كل نائبة. [الحلية (تهذيبه) 2/ 347]. * وعن إبراهيم بن بشار قال: كان إبراهيم بن أدهم رحمه الله يقول هذا الكلام في كل جمعة إذا أصبح عشر مرات، وإذ أمسى يقول مثل ذلك: مرحبًا بيوم المزيد، والصبح الجديد، والكاتب الشهيد، يومنا هذا يوم عيد، اكتب لنا فيه ما نقول: بسم الله الحميد المجيد، الرفيع الودود. الفعال في خلقه ما يريد. أصبحت بالله مؤمنًا وبلقاء الله مصدقًا، وبحجته معترفًا، ومن ذنبي مستغفرًا، ولربوبية الله خاضعًا، ولسوى الله جاحدًا، وإلى الله تعالى فقيرًا، وعلى الله متوكلاً، وإلى الله منيبًا. أشهد الله وأشهد ملائكته وأنبياءه ورسله وحملة عرشه، ومن خلق ومن هو خالق: بأن الله لا إله إلا هو وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وأن الجنة حق والنار حق، والحوض حق، والشفاعة حق، ومنكرًا ونكيرًا حق، ولقاءك حق، ووعدك حق، والساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور. على ذلك أحيى وعليه أموت وعليه أبعث إن شاء الله. اللهم أنت ربي لا ربَّ لي إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك اللهم من شر كل ذي شر. اللهم إني ظلمت

نفسي فا غفرلي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها فإنه لا يصرف سيئها إلا أنت. لبيك وسعديك والخير كله بيديك، وأنا لك أستغفرك وأتوب إليك، آمنت اللهم بما أرسلت من رسول وآمنت اللهم بما أنزلت من كتاب، صلى الله وسلم على محمد وعلى آله وسلم كثيرًا، خاتم كلامي ومفتاحه، وعلى أنبيائه ورسوله أجمعين آمين يا رب العالمين. اللهم أوردنا حوضه، واسقنا بكأسه مشربًا مريًا سائغًا هنيًا لا نظمأ بعده أبدًا، واحشرنا في زمرته غير خزايا ولا ناكسين ولا مرتابين ولا مقبوحين ولا مغضوبًا علينا ولا ضالين، اللهم اعصمني من فتن الدنيا ووفقني لما تحب من العمل وترضى، وأصلح لي شأني كله وثبتني بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ولا تضلني وإن كنتُ ظلمًا. سبحانك سبحانك يا علي يا عظيم يا باري يا رحيم، يا عزيز يا جبار، سبحان من سبحت له السماوات بأكنافها، وسبحان من سبحت له الجبال بأصواتها، وسبحان من سبحت له البحار بأمواجها وسبحان من سبحت له الحيتان بلغاتها وسبحان من سبحت له النجوم في السماء بأبراقها، وسبحان من سبحت له الشجر بأصولها ونضارتها، وسبحان من سبحت له السموات السبع والأرضون السبع، ومن فيهن ومن عليهن، سبحانك سبحانك يا حي يا حليم، سبحانك لا إله إلا أنت وحدك. [الحلية (تهذيبه) 2/ 492]. * وكان من دعاء معروف الكرخي رحمه الله: لا تجعلنا بين الناس مغرورين، ولا بالستر مفتونين، اجعلنا ممن يؤمن بلقائك، ويرضى بقضائك، ويقنع بعطائك، ويخشاك حق خشيتك. [الحلية (تهذيبه) 3/ 101]. * وقال عمر بن ذر رحمه الله في دعائه: أسألك اللهم خيرًا يبلغنا ثواب الصابرين لديك، وأسألك اللهم شكرًا يبلغنا مزيد الشاكرين لك، وأسألك اللهم توبة تطهرنا بها من دنس الآثام حتى نحل بها عندك محلة المنيبين إليك، فأنت وليُّ جميع النعم والخير، وأنت المرغوب إليه في كل شديدة وكرب وضر.

(هـ) بعض الآداب في الدعاء، وبعض الأخطاء فيه

اللهم وهب لنا الصبر على ما كرهنا من قضائك، والرضا بذلك طائعين، وهب لنا الشكر على ما جرى به قضاؤك من محبتنا، والاستكانة لحسن قضائك، متذللين لك خاضعين، رجاء المزيد والزلفى لديك يا كريم. اللهم فلا شيء أنفع لنا عندك من الإيمان بك، وقد مننت به علينا، فلا تنزعه منا، ولا تنزعنا منه، حتى تتوفانا عليه، موقنين بثوابك، حائفين لعقابك، صابرين على بلائك، راجين لرحمتك يا كريم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 58]. (هـ) بعض الآداب في الدعاء، وبعض الأخطاء فيه: * عن مالك قال: كان الربيع بن خثيم يأتي علقمة يوم الجمعة فيتحدث إليه فأتاه ذات يوم فقال: ألا تعجب دخل علي رجل من أهل الكتاب فقال: ألا ترى إلى كثرة دعاء الناس وقلة الإجابة لهم وهل يدرون مم ذلك؟ وما ذاك إلا أن الله - عزَّ وجلَّ - لا يقبل إلا الفاضل من الدعاء، فقال عبد الرحمن بن يزيد - وكان جالسًا معهم -: لئن قال ذاك لقد قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: إن الله لا يسمع من مسمع ولا من مراء ولا من لاعب ولا من داع إلا داع دعاء ثبتًا من قلبه. [الزهد للإمام أحمد / 294]. * وعن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه؛ أن ابن عمر رضى الله عنه مر بقاص - وقد رفعوا أيديهم - فقال: قطع الله هذه الأيدي. ويلكم، إن الله تعالى أقرب مما ترفعون، هو أقرب إلى أحدكم من حبل الوريد. [الحلية (تهذيبه) 1/ 221]. * وعن محمد بن الوليد قال: مر عمر بن عبد العزيز رحمه الله برجل وفي يده حصاة يلعب بها، وهو يقول: اللهم زوجني من الحور العين، فمال إليه عمر فقال: بئس الخاطب أنت، ألا ألقيت الحصاة وأخلصت إلى الله الدعاء. [الحلية (تهذيبه) 2/ 219]. * وقال عبد الواحد بن زيد رحمه الله: الإجابة مقرونة بالإخلاص لا فرق بينهما. [الحلية (تهذيبه) 2/ 304]. * وعن ابن وهب. قال: سئل مالك بن أنس رحمه الله عن الرجل يدعو يقول: يا سيدي؟ فقال: يعجبني أن يدعو بدعاء الأنبياء، ربنا ربنا. [الحلية (تهذيبه) 2/ 353].

* وعن شقيق بن إبراهيم قال: مر إبراهيم بن أدهم رحمه الله في أسواق البصرة فاجتمع الناس إليه فقالوا له: يا أبا إسحاق إن الله تعالى يقول في كتابه: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} ونحن ندعوه منذ دهر فلا يستجيب لنا. قال: فقال إبراهيم: يا أهل البصرة ماتت قلوبكم في عشرة أشياء: أولها: عرفتم الله ولم تؤدوا حقه. الثاني: قرأتم كتاب الله ولم تعملوا به. الثالث: ادعيتم حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتركتم سنته. الرابع: ادعيتم عداوة الشيطان ووافقتموه. والخامس: قلتم نحب الجنة ولم تعملوا لها. والسادس: قلتم نخاف النار ورهنتم أنفسكم بها. والسابع: قلتم إن الموت حق ولم تستعدوا له. الثامن: اشتغلتم بعيوب إخوانكم ونبذتم عيوبكم. التاسع: أكلتم نعمة ربكم ولم تشكروها. العاشر: دفنتم موتاكم ولم تعتبروا بهم. [الحلية (تهذيبه) 2/ 482]. * وقال بعضهم: [جامع العلوم والحكم / 140]. نحنُ ندعو الإله في كلّ كربٍ كيفَ ... ثم ننساهُ عندَ كشفِ الكروب كيفَ نرجو إجابة الدعاء ... وقد سددنَا طريقَها بالذنوب * وكان بعض السلف يسأل الله في صلاته كلّ حوائجه حتى ملح عجينه وعلف شاته. (¬1) [جامع العلوم والحكم / 303]. ¬

(¬1) قال ابن رجب رحمه الله: وكان بعض السلف يستحي من الله أن يسأله شيئًا من مصالح الدنيا , والاقتداء بالسنّة أولى. جامع العلوم والحكم / 303

(و) فوائد أخرى

* ومرَّ عمر بن عبد العزيز رحمه الله برجل في يده حصى يلعب به وهو يقول: اللهم زوجني من الحور العين. فقام عليه عمر فقال: بئس الخاطب أنت، ألا ألقيت الحصى، وأخلصت لله الدّعاء. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 175]. (و) فوائد أخرى: * عن ابن أبي رواد قال: كان طاوس رحمه الله وأصحاب له إذا صلوا العصر استقبلوا القبلة ولم يكلموا أحدًا وابتهلوا في الدعاء. [الزهد للإمام أحمد / 625]. * وقال جعفر: أنبأ ثابت البناني، عن رجل من العبّاد: أنه قال يومًا لإخوانه: إني لأعلم، حين يستجيب لي ربّي - عزَّ وجلَّ - قال: فعجبوا من قوله، قالوا: تعلم حين يستجيب لَك ربّك؟ قال: نعم، قالوا: وكيف تعلم ذلك؟ قال: إذا وجِل قلبي، واقشعرّ جلْدي، وفاضت عيني، وفُتح لي في الدعاء، فَثمّ أعلم أنْ قد استُجيب لي. [صفة الصفوة].

الخوف والخشية والرجاء

الخوف والخشية والرجاء (أ) الخوف والخشية (¬1): * قال أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -: ليتني كنت شجرة تعضد ثم تؤكل. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 538]. * وقال أيضًا - رضي الله عنه -: لوددت أني شعرة في جنب عبد مؤمن. [المنتظم 4/ 63]. * وعن قيس قال: رأيت أبا بكر - رضي الله عنه - آخذًا بطرف لسانه وهو يقول: هذا أوردني الموارد. [المنتظم 4/ 63]. * وعن عبد الله بن عيسى قال: كان في وجه عمر - رضي الله عنه - خطان أسودان من البكاء. [الحلية (تهذيبه) 1/ 71]. * وعن المسور بن مخرمة قال لما طعن عمر - رضي الله عنه - جعل يألم فقال له ابن عباس - وكأنه يجزعه -: يا أمير المؤمنين ولئن كان ذاك لقد صحبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأحسنت صحبته، ثم فارقته وهو عنك راض، ثم صحبت أبا بكر فأحسنت صحبته ثم فارقته وهو عنك راض، ثم صحبت صحبتهم فأحسنت صحبتهم ولئن فارقتهم لتفارقنهم وهم عنك راضون، قال: أما ما ذكرت من صحبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورضاه فإنما ذاك من منَّ الله تعالى من به علي، وأما ما ذكرت من صحبة أبي بكر ورضاه فإنما ذاك من من الله جل ذكره من به علي، وأما ما ترى من جزعي فهو من أجلك وأجل أصحابك، والله لو أن لي طلاع ¬

(¬1) قال ابن القيم رحمه الله: الخشية أخص من الخوف، فهي خوف مقرون بمعرفة، فالخوف لعامة المؤمنين، والخشية للعلماء العارفين، والهيبة للمحبين، والإجلال للمقربين ... والخوف المحمود الصادق: ما حال بين صاحبه وبين محارم الله، فإن تجاوز ذلك خيف من اليأس والقنوط. مدارج السالكين 2/ 140

الأرض ذهبا لافتديت به من عذاب الله - عزَّ وجلَّ - قبل أن أراه. [رواه البخاري: 3416]. * وعن عبد الله بن عباس قال: لما طعن عمر - رضي الله عنه - دخلت عليه فقلت له: أبشر يا أمير المؤمنين، فإن الله قد مصَّر بك الأمصار، ودفع بك النفاق، وأفشى بك الرزق. قال: أفي الإمارة تثني علي يا ابن عباس؟ فقلت: وفي غيرها، قال: والذي نفسي بيده لوددت أني خرجت منها كما دخلت فيها لا أجر ولا وزر. [الحلية (تهذيبه) 1/ 72]. * وعن الشعبي قال: لمّا شرب عمر - رضي الله عنه - اللبن فخرجَ من طعنته قال: الله أكبر، وعنده رجالٌ يثنون عليه، فنظرَ إليهم فقال: إنَّ من غررتموهُ لمغرور، لوددت أني خرجتُ منها كما دخلتُ فيها، لو كان لي اليومَ ما طلعتْ عليه الشمس وما غربتْ لافتديتُ به من هول المطَّلع. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 539]. * وقال عثمان بن عفان - رضي الله عنه -: لو وقفتُ بين الجنة والنار، فخُيِّرْتُ بين أن أصيرَ رمادًا أو أُخَيَّرَ إلى أي الدارين أصير، لاخترتُ أن أكونَ رمادًا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 549]. * وعن أبي ذرٍّ - رضي الله عنه - قال: وددتُ أن الله - عزَّ وجلَّ - خلقني يوم خلقني شجرة تُعْضَد. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 540]. * وقال عمران بن حصين - رضي الله عنه -: وددت أني رمادًا تذروني الرياح. [الزهد للإمام أحمد / 277]. * وعن مسروق قال: قال رجل عند عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: ما أحب أن أكون من أصحاب اليمين، أكونُ من المقربين أحبُّ إلي، فقال عبد الله: لكن ها هنا رجلٌ ودَّ أنه إذا مات لا يبعث، يعني: نفسه. [صفة الصفوة 1/ 185]. * وقال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: وددتُ أن الله غفر لي خطيئةً من خطايايَ وأنه لم يُعرفْ نسبي. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 539]. * وقال حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه -: كان الناس يسألون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني. [رواه البخاري: 3338].

* ولما نزل بحذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - الموت جزع جزعا شديدا، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: ما أبكي أسفا على الدنيا، بل الموت أحب إلي، ولكني لا أدري على ما أقدم على الرضا أم على سخط؟. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 343]. * وبكى أبو هريرة - رضي الله عنه - في مرضه فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: ما أبكي على دنياكم هذه، ولكن أبكي على بعد سفري، وقلة زادي، فإني أمسيت في صعود مهبطة على جنة ونار، ولا أدري أيتهما يُؤخذ بي. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 344]. * وقال أبو عبيدة بن الجراح - رضي الله عنه -: وَدِدْتُ أني كنت كبشًا، فيذبحني أهلي، فيأكلون لحمي، ويَحْسون مَرَقي. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 540]. * وعن ذكوان، حاجب عائشة رضي الله عنها، أنه جاء عبد الله بن عباس، يستأذن على عائشة، فجئت وعند رأسها ابن أخيها عبد الله بن عبد الرحمن، فقلت: هذا ابن عباس يستأذن، فأكب عليها ابن أخيها عبد الله، فقال: هذا عبد الله بن عباس يستأذن، وهي تموت، فقالت: دعني من ابن عباس، فقال: يا أمتاه، إن ابن عباس من صالحي بنيك، ليسلم عليك، ويودعك، فقالت: ائذن له إن شئت، قال: فأدخلته، فلما جلس، قال: أبشري، فقالت: أيضا فقال: " ما بينك وبين أن تلقي محمداً - صلى الله عليه وسلم - والأحبة، إلا أن تخرج الروح من الجسد، كنت أحب نساء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إلى رسول الله، ولم يكن رسول الله يحب إلا طيبا "، وسقطت قلادتك ليلة الأبواء، " فأصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى يصبح في المنزل، وأصبح الناس ليس معهم ماء " فأنزل الله - عزَّ وجلَّ -: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43]، فكان ذلك في سببك وما أنزل الله - عزَّ وجلَّ - لهذه الأمة من الرخصة، وأنزل الله براءتك من فوق سبع سماوات، جاء به الروح الأمين، فأصبح ليس لله مسجد من مساجد الله يذكر فيه الله، إلا يتلى فيه آناء الليل وآناء النهار، فقالت: دعني منك يا ابن عباس: والذي نفسي بيده، لوددت أني كنت نسيا منسيا. [رواه الإمام أحمد: 2496]. * وعن كعب - رضي الله عنه - قال: لوددت أني كبش أهلي فأخذوني فذبحوني فأكلوا وأطعموا أضيفتهم. [الزهد للإمام أحمد / 363].

* وعن شداد بن أوس الأنصاري رضي الله تعالى عنه؛ أنه كان إذا دخل الفراش يتقلب على فراشه، لا يأتيه النوم فيقول: اللهم إن النار أذهبت مني النوم، فيقوم فيصلي حتى يصبح. [الحلية (تهذيبه) 1/ 202]. * وعن أبي رجاء العطاردي قال: رأيت ابن عباس - رضي الله عنه - وأسفل من عينيه مثل الشراك البالي من الدموع. [الزهد للإمام أحمد / 271]. * وعن نافع قال: دخل ابن عمر رضي الله تعالى عنه الكعبة فسمعته وهو ساجد يقول: قد تعلم ما يمنعني من مزاحمة قريش على هذه الدنيا إلا خوفك. [الحلية (تهذيبه) 1/ 210]. * وعن سمير الرياحي عن أبيه قال: شرب عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - ماء مبرّدًا، فبكى فاشتد بكاؤه، فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: ذكرت آية في كتاب الله - عزَّ وجلَّ -: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} [سبأ: 54]، فعرفت أن أهل النار لا يشتهون شيئًا، شهوتهم الماء، وقد قال الله - عزَّ وجلَّ -: {أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ} [الأعراف: 50]. [صفة الصفوة 1/ 274]. * وعن نافع قال: كان عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - إذا قرأ: {أَلَمْ يَانِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} [الحديد: 16] بكى حتى يغلبه البكاء. [صفة الصفوة 1/ 274]. * وقال كعب الأحبار رحمه الله: لأن أبكي من خشية الله فتسيل دموعي على وجنتي أحب إلي من أن أتصدق بوزني ذهبًا. [الحلية (تهذيبه) 2/ 246]. * وعن ابنةٍ للربيع بن خُثيم رحمه الله قالت: كنتُ أقول: يا أبتاه، ألا تنام؟ فيقول: كيفَ ينامُ مَن يخاف البَيات. [السير (تهذيبه) 3/ 43]. * وقال سفيان: بلغنا أن أم الربيعِ بن خثيم رحمه الله كانت تنادي، فتقول: يا بنيّ، يا ربيع، ألا تنام، فيقول: يا أماه من جنّ عليه الليل وهو يخاف البيات حُق له أن لا ينام. قال: فلما بلغ ورأت ما يلقى من البكاء والسهر نادته فقالت: يا بني لعلك قتلت قتيلاً؟ فقال: نعم يا والدة، قتلت قتيلاً، فقالت: ومن هذا القتيل يا بني نتحمل على أهله فيُعْفوك، والله لو علموا ما

تلقَى من البكاء والسهر لقد رحموك، فيقول: يا والدتي هيَ نفسِي. [صفة الصفوة 3/ 43]. * وقال سفيان الثوري رحمه الله: وددت أن أنجو من هذا الأمر كفافًا، لا علي ولا لي. [الحلية (تهذيبه) 2/ 363]. * وقال أيضًا رحمه الله: كنت إذا رأيت الرجال يجتمعون إلى أحد غبطته، فلما ابتليت بها وددت أني نجوت منهم كفافًا لا عليَّ ولا ليَ. (¬1) [الحلية (تهذيبه) 2/ 387]. * وقال أيضًا رحمه الله: ما أطاق أحد العبادة، ولا قوي عليها إلا بشدة الخوف. [الحلية (تهذيبه) 2/ 362]. * وقال عطاء الخفاف: ما لقيتُ سُفيان الثوري رحمه الله إلا باكيًا، فقلت ما شأنُك؟ قال: أتخوَّف أن أكون في أمِّ الكتاب شقيًا. [السير (تهذيبه) 2/ 698]. * وقال أبو نُعَيم رحمه الله: كان سُفيان الثوري رحمه الله إذا ذكر الموت لم يُنتفع به أيامًا. [السير (تهذيبه) 2/ 700]. * وقال فرقد السبخي رحمه الله: بلغنا أن الأعمال كلها توزن إلا الدمعة تخرج من عين العبد من خشية الله؛ فإنه ليس لها وزن ولا قدر، وإنه ليطفأ بالدمعة البحور من النار. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 172]. * وقال أيضاً رحمه الله: قرأت في بعض الكتب أن العبد إذا بكى من خشية الله تحاتت عنه ذنوبه كيوم ولدته أمه، ولو أن عبدا جاء بجبال الأرض ذنوبا وآثاما لوسعته الرحمة إذا بكى، وإن الباكي على الجنة لتشفع له الجنة إلى ربها فتقول: يا رب أدخله الجنة كما بكى علي، وإن النار لتستجير له من ربها فتقول: يا رب أجره من النار كما استجارك مني وبكى خوفا من دخولي. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 177]. * وعن وهب بن منبه رحمه الله قال: البكاء من خشية الله تعالى مثاقيل بِرٍّ، ¬

(¬1) وكذا قال الشعبي وأحمد بن حنبل وهشام الدستوائي رحمهم الله. انظر الحلية (تهذيبه) 2/ 112 - 145 - 340

ليس ثوابه وزنا، إنما يعطى الباكي من خشية الله والصابر على طاعة الله أجرهم بغير حساب. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 172]. * وعن جعفر بن سليمان قال: وعظ مالك بن دينار رحمه الله يوما فتكلم فبكى حوشب، فضرب مالك بيده على منكبه وقال: ابك يا أبا بشر فإنه بلغني أن العبد لا يزال يبكي حتى يرحمه سيده فيعتقه من النار. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 173]. * وقال أيضا رحمه الله: البكاء على الخطيئة يحط الذنوب كما تحط الريح الورق اليابس. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 174]. * وقال عمر بن ذر رحمه الله: ما رأيت باكيا قط إلا خُيِّل إلي أن الرحمة قد تنزلت عليه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 175]. * وقال أبو حازم رحمه الله: بلغنا أن البكاء من خشية الله مفتاح لرحمته. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 175]. * وعن أبي عمران الجوني رحمه الله قال: لكل أعمال البر جزاء، وفي كلها خير إلا الدمعة تخرج من عين العبد، فليس لها كيل ولا وزن حتى يُطْفَأ بها بحارٌ من النيران. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 177]. * وبكى عمر بن عبد العزيز رحمه الله فبكت فاطمة فبكى أهل الدار، لا يدري هؤلاء ما أبكى هؤلاء، فلما تجلى عنهم العَبْرُ قالت فاطمة: بأبي أنت يا أمير المؤمنين مم بكيت؟ قال: ذكرت يا فاطمة مُنْصرفَ القوم من بين يدي الله فريق في الجنة وفريق في السعير!. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 181]. * وعن سفيان قال: كان عمر بن عبد العزيز رحمه الله يوما ساكتا وأصحابه يتحدثون، فقالوا له: مالك لا تتكلم يا أمير المؤمنين؟ قال: كنت مفكرا في أهل الجنة كيف يتزاورون فيها، وفي أهل النار كيف يصطرخون فيها، ثم بكى. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 182]. * وقيل لعمر بن عبد العزيز رحمه الله: ما كان بُدوُّ إنابتك؟ قال: أردت ضرب غلام لي فقال: يا عمر اذكر ليلة صبيحتها يوم القيامة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 230].

وكان الضحاك بن مزاحم رحمه الله إذا أمسى بكى، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: لا أدري ما صعد اليوم من عملي. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 204]. * وعن صالح المري رحمه الله قال: قال يزيد الرقاشي رحمه الله: إذا أنت لم تبك على ذنبك فمن يبكي لك عليه بعدك؟، ثم يبكي صالح ويقول: يا إخوتاه ابكوا على الذنوب؛ فإنها تَرِين القلوب حتى تنطمس، فلا يصل إليها من خير الموعظة شيء. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 206]. * واشتكى ثابت البناني رحمه الله عينه، فقال له الطبيب: اضمن لي خصلة تبرأ عينك، قال: وما هي؟ قال: لا تبك، قال: وما خيرٌ في عين لا تبكي؟. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 210]. * وعن الربيع بن خثيم رحمه الله أنه كان يبكي حتى تبل لحيته من دموعه، ثم يقول: أدركنا أقواما كنا في جُنوبهم لصوصا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 211]. * وعن يونس قال: ما رأيت أحداً أطول حزناً من الحسن رحمه الله. وكان يقول: نضحك ولا ندري لعل الله قد اطلع على بعض أعمالنا فقال: لا أقبل منكم شيئا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 268]. * وعن الحسن رحمه الله قال: حقٌّ لامرئ الموت مورده، والساعة موعده، والوقوف بين يدي مشهده، أن يطول حزنه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 211]. * وقال أيضاً رحمه الله: من عرف ربه أحبه، ومن أبصر الدنيا زهد فيها، والمؤمن لا يلهو حتى يغفل، وإذا تفكر حزن. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 211]. * وعن سفيان بن عيينة قال: قيل للحسن رحمه الله: إن عندنا قوما يبكون ليسوا بذلك، ونرى قوما أفضل منهم لا يبكون؟ فقال الحسن: أولئك تبكي قلوبهم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 284]. * وعن مالك بن ضيغم قال: حدثني الحكم بن نوح رحمه الله قال: بكى أبوك ليلة من أول الليل إلى آخره ولم يسجد فيها سجدة ولم يركع فيها ركعة، ونحن معه في البحر، فلما أصبحنا قلت: يا أبا مالك لقد طالت ليلتك لا مصليا ولا داعيا فبكى، ثم قال: لو يعلم الخلائق ماذا يستقبلون غداً ما لذوا

بعيش أبداً، إني والله لما رأيت الليل وهوله وشدة سواده، ذكرت به الموقف وشدة الأمر هناك، وكل امرئ يومئذ تهمه نفسه، لا يغني والد عن ولده، ولا مولود هو جاز عن والده شيئا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 227]. * وعن مالك بن ضيغم عن أبيه رحمه الله قال: كان يقال: إن كثرة الدموع وقلتها على قدر احتراق القلب، فإذا احترق القلب كله لم يشأ الحزين أن يبكي إلا بكى، والقليل من التذكرة تحزنه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 280]. * وعن محمد بن راهويه قال: قلت لسفيان بن عيينة رحمه الله: ألا ترى إلى أبي علي يعني فضيلا رحمه الله لا تكاد تجف له دمعة؟ فقال سفيان: إذا فرح القلب نزفت العينان، ثم تنفس سفيان تنفسا منكرا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 280]. * وعن صالح المري قال: لما مات عطاء بن السليمي رحمه الله حزنت عليه حزنا شديدا، فرأيته في منامي فقلت: يا أبا محمد ألست في زمرة الموتى؟ قال: بلى، قلت: فماذا صرت إليه بعد الموت؟ قال: صرت والله إلى خير كثير ورب غفور شكور قال: قلت: أما والله لقد كنت طويل الحزن في دار الدنيا، قال: فتبسم وقال: أما والله يا أبا بشر لقد أعقبني ذلك راحة طويلة وفرحا دائما، قلت: ففي أي الدرجات أنت؟ قال: أنا مع الذين أنعم الله عليهم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 285]. * وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: أنه ذكر عمر وأبا بكر ابني المنكدر رحمهما الله، قال: لما حضر أحدَهما الموتُ بكى، فقيل له: ما يبكي؟ إن كنا لنغبطك بهذا اليوم!، قال: أما والله ما أبكي أن أكون ركبت شيئا من معاصي الله اجتراء على الله، ولكني أخاف أن أكون أتيت شيئا هينا، وهو عند الله عظيم، قال: وبكى الآخر عند الموت، فقيل له مثل ذلك فقال: إني سمعت الله يقول لقوم: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر: 47] فأنا أنتظر ما ترون، والله ما أدري ما يبدو لي. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 358]. * وقيل لعامر بن عبد قيس رحمه الله: إنك تبيتُ خارجًا، أما تخافُ الأسد؟ قال: إنِّي لأستحيي من ربِّي أن أخافَ شيئًا دونه. [السير (تهذيبه) 1/ 434].

* وعن شقيق قال: خرجنا في ليلة مخوفة، فمررنا بأجمة فيها رجل نائم، وقد قيد لفرسه، وهي ترعى عند رأسه، فأيقظناه. فقلنا له: تنام في مثل هذا المكان؟ فرفع رأسه فقال: إني لأستحيي من ذي العرش أن يعلم أني أخاف شيئًا دونه، ثم وضع رأسه فنام. [الحلية (تهذيبه) 2/ 59]. * وقال المغيرة بن حبيب ختن مالك بن دينار رحمه الله: قلت لنفسي: يموت مالك وأنا معه في الدار، ولا أعلم ما أعمله قال: فصليت معه عشاء الآخرة، ثم جئت فلبست قطيفة في أطول ما يكون من الليل، وجاء مالك فدخل فقرب رغيفه فأكل، ثم قام إلى الصلاة فاستفتح ثم أخذ بلحيته فجعل يقول: يا رب إذا جمعت الأولين والآخرين فحرم شيبة مالك على النار. قال: فوالله ما زال كذلك حتى غلبتني عيني. قال: ثم انتبهت فإذا هو على تلك الحال يًقدم رجلاً ويؤخر رجلاً ويقول: يا رب إذا جمعت الأولين والآخرين فحرم شيبة مالك على النار، قال: فما زال كذلك حتى طلع الفجر. قال: فقلت لنفسي: والله لئن خرج مالك فرآني لا تبلى عنده باله أبدًا، قال: فجئت إلى المنزل وتركته. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 331]. * وعن ضمرة بن ربيعة قال: جاء مؤذِّن الجُنيد بن عبد الرحمن رحمه الله إليه في مرضه الذي مات فيه، فسلَّم عليه بالإمرة، فقال: يا ليتها لم تُقَلْ لنا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 546]. * وعن صالح المري قال: قلت لعطاءٍ السليمي رحمه الله: ما تشتهي؟ فبكى ثم قال: أشتهي والله يا أبا بشرُ أن أكون رمادًا لا يجتمع منه سُفَّةٌ أبدًا في الدنيا ولا في الآخرة. قال: فأبكاني والله، وعلمتُ أنه إنما أراد النجاة من عسر يوم الحساب. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 548]. * وعن المعافي قال: سمعت سفيان الثوري رحمه الله يقول: لوددت أن كلَّ حديثٍ في صدري نسخ من صدري، فقلت: يا أبا عبد الله، هذا العلم الصحيح، وهذه السنَّةُ الواضحة، تتمنَّى أن تُنسخ من صدرك؟ قال: اسكت! أتريدُ أن أوقف يوم القيامة حتى أسأل عن كلِّ مجلس جلستُه، وعن كلَّ حديث حدثته: أيَّ شيءٍ أردتَ به. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 555، 556].

* وعن المُعلّى بن زياد، قال: كان هرِم بن حيَّان رحمه الله يخرجُ في بعض اللّيل ويُنادي بأعلى صوته: عجبتُ من الجَنَّة كيف نامَ طالبُها؟ وعجبتُ من النار كيف نام هاربُها؟ ثم يقول: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَاتِيَهُمْ بَاسُنَا بَيَاتًا} [الأعراف: 97]. [السير (تهذيبه) 1/ 440]. * وقال فضالة رحمه الله: لأنْ أعْلَم أنَّ الله تقبَّل مني مثقالَ حبَّة، أحبُّ إليَّ من الدنيا وما فيها، لأنه تعالى يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27]. [السير (تهذيبه) 1/ 347]. * وكان سعيد بن المسيِّب رحمه الله يكثر أن يقولَ في مَجلسِه: اللَّهمَّ سلِّم سلِّم. [السير (تهذيبه) 1/ 482]. * وعن الحسن البصري رحمه الله قال: إن الرجل يذنب فما ينساه وما يزال متخوفًا منه حتى يدخل الجنة. [الزهد للإمام أحمد / 469]. * وقال إبراهيم بن عيسى اليَشكُريُّ: ما رأيتُ أحدًا أطولَ حُزنًا من الحَسن البصري رحمه الله، ما رأيتُه إلا حَسِبْتُهُ حديث عهدٍ بمصيبة. [السير (تهذيبه) 2/ 560]. * وعن يونس أنه قال: كان الحسن البصري رحمه الله يقول: نضحك ولعل الله قد اطلع على بعض أعمالنا، فقال: لا أقبل منكم شيئًا. [المنتظم 7/ 136]. * وعن حكيم بن جعفر قال: قال لي مسمع: لو رأيت الحسن البصري رحمه الله لقلت قد بث عليه حزن الخلائق من طول تلك الدمعة وكثرة ذلك التشنج. [المنتظم 7/ 136]. * وعن حفص بن عمر، قال: بكى الحسن البصري رحمه الله، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: أخاف أن يطرحني غدًا في النار ولا يبالي. [المنتظم 7/ 137]. * وقال علقمة بن مرشد: قام المغيرة بن مخادش ذات يوم إلى الحسن البصري رحمه الله فقال: كيف نصنع بأقوام يخوفوننا حتى تكاد قلوبنا تطير؟ فقال الحسن: والله لئن تصحب أقوامًا يخوفونك حتى يدركك الأمن، خير لك من أن تصحب أقوامًا يؤمنونك، حتى يلحقك الخوف. [الحلية (تهذيبه) 1/ 336].

* وعن أبي إسحاق قال: أوى أبو ميسرة رحمه الله عمرو بن شرحبيل إلى فراشه. فقال: يا ليت أمي لم تلدني فقالت له امرأته: أبا ميسرة أليس قد أحسن الله إليك؟ هداك للإسلام، وفعل بك كذا. قال: بلى! ولكن الله أخبرنا إنا واردون على النار ولم يبين لنا إنا صادرون عنها. [الحلية (تهذيبه) 2/ 70]. * وعن عبد الأعلى التيمي رحمه الله قال: من أوتي من العلم ما لا يبكيه لخليق أن لا يكون أوتي علمًا ينفعه، لأن الله تبارك وتعالى نعت العلماء فقال: {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا} [الإسراء: 107]. [الحلية (تهذيبه) 2/ 149]. * وعن الحسن بن علي قال: كان لأبي بكر بن أبي مريم رحمه الله في خديه مسلكان من الدموع. [الحلية (تهذيبه) 2/ 271]. * وعن عبد الله الشامي قال: أتيت طاووسًا رحمه الله فخرج إليَّ ابنه شيخ كبير فقلت: أنت طاووس؟ فقال: أنا ابنه، قلت: فإن كنت ابنه فإن الشيخ قد خرّف؟ فقال: إن العالم لا يخرف، فدخلت عليه فقال لي طاووس: سل وأوجز، قلت: إن أوجزت أوجزت لك، قال: تريد أن أجمع لك في مجلسي هذا، التوراة والإنجيل والزبور والفرقان؟ قلت: نعم! قال: خف الله تعالى مخافة لا يكون عندك شيء أخوف منه، وأرجه رجاء هو أشد من خوفك إياه، وأحب للناس ما تحب لنفسك. [الحلية (تهذيبه) 1/ 30]. * وعن يحيى بن أبي عمرو قال: قال لنا ابن محيريز رحمه الله: يقولون: أخبرنا ابن محيريز!! إني أخشى الله أن يصرعني ذلك مصرعًا يسوؤني. [الحلية (تهذيبه) 2/ 167]. * وقال مريج بن مسروق رحمه الله: المخافة قبل الرجاء، فإن الله - عزَّ وجلَّ - خلق جنة ونارًا، فلن تخوضوا إلى الجنة حتى تمروا على النار. [الحلية (تهذيبه) 2/ 172]. * وعن وهيب بن الورد قال: اجتمع بنو مروان على باب عمر بن عبد العزيز رحمه الله، وجاء عبد الملك بن عمر ليدخل على أبيه، فقالوا له: إما أن تستأذن لنا، وإما أن تبلغ أمير المؤمنين عنا الرسالة، قال: قولوا: فقالوا: إن من كان قبله من الخلفاء كان يعطينا ويعرف لنا موضعنا، وإن أباك قد

حرمنا ما في يديه. قال: فدخل على أبيه فأخبره عنهم، فقال له عمر: قل لهم إن أبي يقول لكم: إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم. [الحلية (تهذيبه) 2/ 203]. * وعن عطاء بن أبي رباح، قال: حدثتني فاطمة امرأة عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنها دخلت عليه، فإذا هو في مُصَلاَّه يدُهُ على خدِّه، سائلة دموعه، فقلت: يا أمير المؤمنين! ألشيءٍ حدث؟ قال: يا فاطمةُ! إني تقلَّدت أمرَ أمَّة محمد - صلى الله عليه وسلم -، فتفكَّرْتُ في الفقير الجائع، والمريض الضائعِ، والعاري المجهود، والمظلوم المقهُور، والغريب المأسور، والكبير، وذي العيال في أقطار الأرض، فعلمتُ أنَ ربِّي سيسألني عنهم، وأن خَصْمَهُمْ دونهم محمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - فخشيتُ ألا تثبتَ لي حُجَّة عند خصومته، فَرَحِمْتُ نفسي فَبَكيْتُ. [السير (تهذيبه) 2/ 589]. * وقال أبو عبد الرحمن الأسَدِي: قلت لسعيد بن عبد العزيز رحمه الله: ما هذا البكاءُ الذي يعرض لك في الصلاة؟ فقال: يا ابن أخي، وما سُؤالك عن ذلك؟ قلت: لعلَّ الله أن ينفعني به، فقال: ما قمتُ إلى صلاة إلا مَثُلَتْ لي جهنمُ. [السير (تهذيبه) 2/ 723]. * وعن عبد الرحمن بن حفص القرشي قال: كان علي بن الحسين رحمه الله إذا توضأ يصفرّ، فيقول له أهله: ما هذا الذي يعتادك عند الوضوء؟ فيقول: تدرون بين يدي من أريد أن أقوم؟. [صفة الصفوة]. * وعن عبد الله بن أبي سليم قال: كان علي بن الحسين رحمه الله إذا مشى لا تجاوز يدُه فخذه، ولا يخطر بيده، وكان إذا قام إلى الصلاة أخذته رِعْدة، فقيل له: مالك؟ فقال: ما تدرون بين يدي مَن أقوم، ومَن أناجي؟. [صفة الصفوة 2/ 747]. * وعن أبي نوح الأنصاري قال: وقع حريق في بيتٍ فيه علي بن الحسين رحمه الله، وهو ساجد، فجعلوا يقولون له: يا ابن رسول الله النارَ، يا ابن رسول الله النارَ. فما رفع رأسه حتى أطفِئت. فقيل له: ما الذي ألهاك عنها؟ قال: ألْهتني عنها النارُ الأخرى. [صفة الصفوة 2/ 447].

* وعن صالح المري قال: كان عطاء السليمي رحمه الله قد أضر بنفسه حتى ضعف، قال: فقلت له: إنك قد أضررت بنفسك، وأنا متكلف لك شيئًا فلا ترد علي كرامتي، قال: أفعل، قال: فاشتريت سويقًا من أجود ما وجدت، وسمنا فجعلت له شريبة فلتتها وحليتها فأرسلت بها مع ابني وكوزًا من ماء فقلت له: لا تبرح حتى يشربها، قال: فرجع فقال: قد شربها، فلما كان من الغد جعلت له نحوها ثم سرحت بها مع ابني، فرجع بها لم يشربها، قال: فأتيته فلمته وقلت له: سبحان الله رددت علي كرامتي!! إن هذا مما يعينك ويقويك على الصلاة وعلى ذكر الله، قال: فلما رآني قد وجدت من ذلك، قال: يا أبا بشر لا يسوؤك الله، قد شربتها أول ما بعثت بها، فلما كان الغد زاولت نفسي على أن أسيغها فما قدرت على ذلك، إذا أردت أن أشربه ذكرت هذه الآية: (يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَاتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ) الآية [إبراهيم: 17]. فبكى صالح عندها، فقلت في نفسي: ألا أراني في واد وأنت في آخر؟!. [الحلية (تهذيبه) 2/ 321]. * وعنه قال: قلت لعطاء السليمي رحمه الله ما تشتهي؟ فبكى فقال: أشتهي والله يا أبا بشر أن أكون رمادًا، لا يجتمع منه سفة أبدًا في الدنيا ولا في الآخرة. قال صالح: فأبكاني والله، وعلمت أنه إنما أراد النجاة من عسر يوم الحساب. [الحلية (تهذيبه) 2/ 323]. * وعن نعيم العنبري قال: كان عطاء السليمي رحمه الله إذا فرغ من وضوئه انتفض وارتعد وبكى بكاءً شديدًا، فيقال له في ذلك فيقول: إني أريد أن أقدم على أمر عظيم أريد أن أقوم بين يدي الله - عزَّ وجلَّ -!! [الحلية (تهذيبه) 2/ 320]. * وعن العلاء بن محمد قال: دخلت على عطاء السليمي رحمه الله وقد غشي عليه، فقلت لامرأته أم جعفر: ما شأن عطاء؟ فقالت: سجرت جارتنا التنور فنظر إليها فخر مغشيًا عليه. [الحلية (تهذيبه) 2/ 320]. * وعن مسروق رحمه الله قال: إذا بلغ أحدكم أربعين سنة، فليأخذ حذْره من الله - عزَّ وجلَّ. [صفة الصفوة 3/ 16]. * وعن إبراهيم بن شيبان رحمه الله أنه قال: الخوف إذا سكن القلب أحرق

مواضع الشهوات فيه، وطرد عنه رغبة الدنيا. [المنتظم 14/ 119]. * وعن جعفر بن عبد الرحمن أنه قال: أتيت مسعر بن كدام رحمه الله لأسمع منه، فكأنه رجل قد أقيم على شفير جهنم ليلقى فيها. [المنتظم 8/ 159، 160]. * وعن عقبة بن فضالة قال: سمعت أبا عبيدة الخواص رحمه الله بعدما كبر وهو آخذ بلحيته يبكي ويقول: قد كبرت فأعتقني. [المنتظم 8/ 259]. * وعن محمد بن المنكدر رحمه الله: أنه بينما هو ذات ليلة قائم يصلي إذ استبكى، فكثر بكاؤه حتى فزع له أهله، فسألوه: ما الذي أبكاك؟ فاستعجَمَ عليهم، فتمادى في البكاء، فأرسلوا إلى أبي حازم وأخبروه بأمره، فجاء أبو حازم إليه، فإذا هو يبكي، فقال: يا أخي ما الذي أبكاك قد رُعْتَ أهْلك؟ فقال له: إني مرت بي آية من كتاب الله - عزَّ وجلَّ. قال: ما هي؟ قال: قول الله - عزَّ وجلَّ -: {وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر: 47] قال: فبكى أبو حازم معه، واشتدّ بكاؤهما. قال: فقال بعض أهله لأبي حازم: جئنا بك لتفرّج عنه فزِدْته. قال: فأخبرهم ما الذي أبكاهما. [صفة الصفوة 2/ 479]. * وعن سعيد بن جبير رحمه الله، قال: إن الخشية أن تخشى الله حتى تَحُول خشيتهُ بينك وبين معصيتك، فتلك الخشية. [صفة الصفوة 3/ 54]. * وعن إبراهيم التيمي رحمه الله قال: ينبغي لمن لا يحزن أن يخاف أن يكون من أهل النار؛ لأن أهل الجنة قالوا: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ} [فاطر: 34]. وينبغي لمن لا يشفق أن يخاف أن لا يكون من أهل الجنة؛ لأنهم قالوا: {إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} [الطور: 26]. [صفة الصفوة 3/ 62]. * وعن الحسن، قال: خرج هرم بن حيان، وعبد الله بن عامر رحمهما الله يؤمان الحجاز فجعلت أعناق رواحلهما تخالجان الشجر، فقال هرم لابن عامر: أتحب أنك شجرة من هذه الشجر، فقال ابن عامر: لا والله لما أرجو من ربي، فقال هرم: لكني والله لوددت أني شجرة من هذه الشجر أكلتني هذه الناقة، ثم قذفتني بعراء، ولم أكابد الحساب، يا ابن عامر إني أخاف الداهية الكبرى، إما إلى الجنة وإما إلى النار. قال الحسن: وكان هرم أفقه الرجلين وأعلمهما بالله. [المنتظم 5/ 219].

* وعن قبيصة بن قيس العنبري أنه قال: كان الضحاك بن مزاحم رحمه الله إذا أمسى بكى، فيقال له: ما يبكيك؟ فيقول: لا أدري ما صعد اليوم من عملي. [المنتظم 7/ 101]. * وقال إسماعيل بن زكريا وكان جارًا لحبيب بن أبي ثابت رحمه الله: كنت إذا أمسيت سمعت بكاءه، وإذا أصبحت سمعت بكاءه، فأتيت أهله، فقلت: ما شأنه يبكي إذا أمسى ويبكي إذا أصبح؟ قال: فقالت لي: يخاف الله إذا أمسى أن لا يصبح، وإذا أصبح أن لا يمسي. [المنتظم 7/ 197]. * وعن مطرف بن عبد الله رحمه الله قال: لو كان لي نفسان، لقدمت أحدهما قبل الأخرى، فإن هجمت على خير، أتبعتها الأخرى وإلا أمسكتها. ولكن إنما لي نفس واحدة ما أدري على ما تهجم؟ خير أو شر. [الحلية (تهذيبه) 1/ 359]. * وعن مسمع بن عاصم قال: بت أنا وعبد العزيز بن سلمان، وكلاب بن جري، وسلمان الأعرج رحمهم الله على ساحل من بعض السواحل، فبكى كلاب حتى خشيت أن يموت، ثم بكى عبد العزيز لبكائه، ثم بكى سلمان لبكائهم، وبكيت والله لبكائهم، ثم لا أدري ما أبكاهم!! فلما كان بعد سألت عبد العزيز فقلت: أبا محمد ما الذي أبكاك ليلتك؟ قال إني نظرت والله إلى أمواج البحر تموج وتحيك، فذكرت أطباق النيران وزفراتها، فذاك الذي أبكاني، ثم سألت كلابًا وسلمان فقالا لي نحوًا من ذلك، قال: فما كان في القوم شرٌ مني، ما كان بكائي إلا لبكائهم، رحمة لما كانوا يصنعون بأنفسهم. [الحلية (تهذيبه) 2/ 332]. * وعن جعفر قال: كانت الغيوم تجيء وتذهب ولا تمطر فيقول مالك بن دينار رحمه الله: أنتم تستبطئون المطر وأنا أستبطئ الحجارة؛ إن لم تمطر حجارة فنحن بخير. [الزهد للإمام أحمد / 543]. * وعن جعفر بن سليمان قال: بكى ثابت البناني رحمه الله حتى كادت عينه تذهب فجاؤا برجل يعالجها. فقال: أعالجها على أن تطيعني. قال: وأي شيء؟ قال: على أن لا تبكي. قال: فما خيرهما إن لم تبكيا وأبى أن يتعالج. [الحلية (تهذيبه) 1/ 405].

* وعن القاسم بن محمد قال: كنا نسافر مع ابن المبارك رحمه الله فكثيرًا ما كان يخطر ببالي، فأقول في نفسي: بأيِّ شيءٍ فُضِّل هذا الرجل علينا حتى اشتهر في الناس هذه الشهرة؟ إن كان يصلي إناَّ لنصلي، ولئن كان يصوم إناَّ لنصوم، وإنْ كان يغزُو فإنا لنغزو، وإن كان يحج إناَّ لنحجّ. قال: فكنَّا في بعض مسيرنا في طريق الشام ليلةً نتعشَّى في بيتٍ إذ طفِىءَ السراجُ، فقام بعضنا، فأخذ السراج وخرج يستصبح فمكث هنيهة، ثم جاءَ بالسّراج، فنظرتُ إلى وجه ابن المبارك ولحيته قد ابتلّت من الدموع، فقلت في نفسي: بهذه الخشية فُضِّل هذا الرجل علينا، ولعله حين فَقدَ السراج فصار إلى الظُلمة ذكر القيامة. [صفة الصفوة 3/ 379]. * وقال عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: قلت ليزيد بن مرثد رحمه الله: مالي أرى عينيك لا تجفّ؟ قال: وما مَسْألتك عنه؟ قلت: عسى الله - عزَّ وجلَّ - أن ينفَعَني به. قال: يا أخي إن الله - عزَّ وجلَّ - قد تَوَعّدني إن أنا عصيتُه أن يَسْجُنَني في النار، والله لو لم يَتواعدني أن يَسْجُنني إلاَّ في الحمَّام لكنت حَرِياّ أن لا تجفّ لي عين. [صفة الصفوة 4/ 424]. * وقال حذيفة المرعشي رحمه الله: إن لم تخش أن يعذّبك الله على أفضل عملك فأنت هالِكٌ. [صفة الصفوة 4/ 475]. * وقال الفُضيل بن عياض رحمه الله: مَنْ خاف الله لم يضرَّه أحدٌ، ومن خَاف غيرَ الله، لم ينفعه أحد. [السير (تهذيبه) 2/ 773]. * وقال أيضًا رحمه الله: لو خُيّرت بين أن أعيش كلبًا، أو أموت كلبًا، ولا أرى يوم القيامة لاخترت أن أعيش كلبًا، أو أموت كلبًا، ولا أرى يوم القيامة. [صفة الصفوة 2/ 544]. * وعن مسلم بن إبراهيم قال: كان هشام الدستوائي رحمه الله لا يطفئ السراج إلى الصبح، وقال: إذا رأيت الظلمة ذكرت ظلمة القبر. [الحلية (تهذيبه) 2/ 340].

* وقال بلال بن سعد رحمه الله: واحُزْناه على أَنّي لا أحزن. (¬1) [صفة الصفوة 4/ 435]. * وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله: من حَسُنَ ظنُّه بالله - عزَّ وجلَّ - ثم لا يخاف الله فهو مَخْدوع. [صفة الصفوة 4/ 475]. * وقال أيضًا رحمه الله: لِكُلِّ شيءٍ عَلَمٌ، وعَلَمُ الخِذْلانِ تركُ البُكاء. [السير (تهذيبه)]. * وقال أيضًا رحمه الله: ما عمل داود - عليه السلام - عملاً قط، كان أنفع له من خطيئته، ما زال منها خائفًا هاربا حتى لحق بربه - عزَّ وجلَّ. [الحلية (تهذيبه) 3/ 187]. * وعن عبيد الله بن أبي جعفر رحمه الله قال: كان يُقال: ما استعان عبد على دينه، بمثل الخشيةِ من الله. [السير (تهذيبه) 2/ 625]. * وقال المَرُّوذي: كان أبو عبد الله رحمه الله (¬2) إذا ذكر الموت خَنَقَتْه العَبرة وكان يقول: الخوف يمنعُني أكْلَ الطعام والشراب، وإذا ذكرتُ الموت هان علي كلُّ أمرِ الدنيا. إنما هو طعامٌ دونَ طعام، ولباسٌ دون لباس وإنها أيامٌ قلائل. ما أعدِلُ بالفقر شيئًا، ولو وجدتُ السبيل لخرجتُ حتى لا يكون لي ذكر. [السير (تهذيبه) 2/ 929]. ¬

(¬1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وأما [الحزن] فلم يأمر الله به ولا رسوله، بل قد نهى عنه في مواضع وإن تعلق بأمر الدين، كقوله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139]، وقوله: {وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} [النحل: 127] ... وذلك؛ لأنه لا يجلب منفعة ولا يدفع مضرة فلا فائدة فيه، وما لا فائدة فيه لا يأمر الله به. وقد يقترن بالحزن ما يثاب صاحبه عليه ويحمد عليه، فيكون محمودًا من تلك الجهة لا من جهة الحزن، كالحزين على مصيبة في دينه، وعلى مصائب المسلمين عمومًا. فهذا يثاب على ما في قلبه من حب الخير، وبغض الشر، وتوابع ذلك، ولكن الحزن على ذلك إذا أفضى إلى ترك مأمور من الصبر والجهاد وجلب منفعة ودفع مضرة نهى عنه، وإلا كان حسب صاحبه رفع الإثم عنه من جهة الحزن. وأما إن أفضى إلى ضعف القلب واشتغاله به عن فعل ما أمر الله ورسوله به، كان مذمومًا عليه من تلك الجهة، وإن كان محمودًا من جهة أخرى. مجموع الفتاوى 10/ 11 (¬2) يعني: أحمد بن حنبل.

(ب) الرجاء وإحسان الظن بالله

* وقال ابن الجوزي رحمه الله: ولقد كنت أقرأ على شيخنا عبد الوهاب الأنماطي رحمه الله الحديث في زمان الصّبا، ولم أذق بعدُ طعم العلْم، فكان يبكي بكاءً متّصلاً، وكان ذلك البكاء يَعمل في قلبي، وأقول: ما يبكي هذا هكذا إلا لأمر عظيم. فاستفدت ببكائه ما لم أستفد بروايته. [صفة الصفوة 2/ 703]. (ب) الرجاء وإحسان الظن بالله: * عن محمد بن سيرين قال: قال علي - رضي الله عنه -: أي آية في القرآن أوسع؟ قال: فجعلوا يذكرون آيًا من القرآن: {وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُورًا رَّحِيمًا} [النساء: 110] أو نحوها فقال علي - رضي الله عنه -: ما في القرآن آية أوسع من {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 84، 85]. * وقال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: ليغفرن الله يوم القيامة مغفرة لم تخطر على قلب بشر. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 83]. * وقال أيضاً - رضي الله عنه -: والذي لا إله غيره ما أعطي عبد شيئا خير من حسن الظن بالله، والذي لا إله غيره ما يحسن عبد الظن بالله إلا أعطاه الله ظنه ذلك، فإن الخير في يده. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 94]. * وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: يدني الله العبد يوم القيامة فيضع عليه كنفه فيستره من الخلائق كلها ويدفع إليه كتابه في ذلك الستر فيقول: اقرأ يا ابن آدم كتابك قال: فيمر بالحسنة فيبيض وجهه ويسر بها قلبه قال: فيقول الله - عزَّ وجلَّ - له: تعرف يا عبدي، فيقول: نعم أي رب أعرف، قال فيقول: فإني تقبلتها منك، قال: فيخر لله ساجدًا قال: فيقول: ارفع رأسك يا ابن آدم وعد في كتابك قال: فيمر بالسيئة فيسود وجهه ويوجل منها قلبه فيقول الله - عزَّ وجلَّ -: أتعرف يا عبدي؟ قال: فيقول: نعم يا رب أعرف، قال: فيقول: إني قد غفرتها لك، قال: فلا يزال حسنة تقبل فيسجد وسيئة تغفر فيسجد ولا يرى الخلائق منه إلا السجود قال: حتى ينادي الخلائق بعضها بعضًا طوبى لهذا

العبد لم يعص الله قط، قال: ولا يدرون ما قد لقي فيما بينه وبين الله مما قد وقفه عليه. [الزهد للإمام أحمد / 316]. * وعن جندب بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رجل فيمن مضى: والله لا يغفر الله لفلان أبدًا فأوحى الله - عزَّ وجلَّ - إلى نبي في زمانه أن أخبره أني قد غفرت له وأحبطت عملك على تألِّيك. (¬1) [الزهد للإمام أحمد / 360]. * وعن حيان أبي النضر أن واثلة بن الأسقع - رضي الله عنه - دخل على يزيد بن الأسود، وهو ثقيل، وقد وُجِّه، وقد ذهب عقله، فقال واثلة: أما تخبرني عن شيء أسألك عنه؟ كيف ظنك بالله؟ قال: أغرقتني ذنوب، وأشفيت على هلكة، ولكن أرجو رحمة الله، فكبر واثلة، وكبر أهل البيت تكبيرة، وقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: يقول الله: أنا عند ظن عبدي فليظن بي ما شاء. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 306]. * وعن أبي غالب قال: كنت أختلف إلى الشام في تجارة، فإذا فيها رجل من قيس، من خيار الناس، فكنت أنزل عليه، ومعنا ابن أخ له مخالف، يأمره وينهاه، ويضربه، فلا يطيعه، فمرض الفتى، فبعث إلى عمه، فأبى أن يأتيه، فأتيته أنا به حتى أدخلته عليه، فأقبل عليه يشتمه، ويقول: أي عدو الله الخبيث، ألم تفعل كذ؟ ألم تفعل كذا؟ قال: أفرغت أي عم؟ قال: نعم، قال: أرأيت لو أن الله دفعني إلى والدتي ما كنت صانعة بي؟ قال: إذًا والله كانت تدخلك الجنة! قال: فو الله لله أرحم بي من والدتي؟ فقُبض الفتى، فدخلت القبر مع عمه، فقلنا باللبن فسويناه، قال: فسقطت منها لبنة، فوثب عمه فتأخر فقلت: ما شأنك؟ قال: مُلئ قبره نوراً، وفسح فيه مثل مد البصر. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 307]. * وعن حميد رحمه الله قال: كان لي ابن أخت مرهَّق، فمرض، فأرسلت إلي أمه فأتيتها، فإذا هي عند رأسه تبكي، فقال: يا خالي ما يبكيها؟ قلت: ما ¬

(¬1) هذا ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث جندب. كما في صحيح مسلم: 2622

تعلم منك، قال: أليس إنما ترحمني، قلت: بلى، قال: فإن الله أرحم بي منها، فلما مات أنزلته القبر مع غيري، فذهبت أسوي لبنه، فاطلعت في اللحد فإذا هو مد بصري! فقلت لصاحبي: رأيت ما رأيت؟ قال: نعم فليهنئك ذاك، فظننت أنه بالكلمة التي قالها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 308]. * وكان فتى رحمه الله به رَهَق فاحتُضر، فقالت له أمه: أي بني توصي بشيء؟ قال: نعم خاتمي، لا تسلبينيه، فإن فيه ذكر الله تعالى، لعل الله أن يرحمني، فرُئي في النوم، قال: أخبروا أمي أن الكلمة قد نفعتني، وأن الله قد غفر لي. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 308]. * ومرض أعرابي، فقيل له: إنك تموت، قال: إلى أين يُذهب بي؟ قال: إلى الله، قال: فما كراهتي أن أذهب إلى من لا أرى الخير إلا منه؟. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 309]. * وعن المعتمر بن سليمان رحمه الله قال: قال أبي حين حضرته الوفاة: يا معتمر حدثني بالرخص لعلي ألقى الله وأنا أحسن الظن به. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 309]. * وعن إبراهيم رحمه الله قال: كانوا يستحبون أن يلقنوا العبد محاسن عمله عند موته، لكي يحسن ظنه بربه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 309]. * وعن الأعمش قال: قال لي مطرِّف بن عبد الله رحمه الله: وجدت الغفلة التي ألقاها الله - عزَّ وجلَّ - في قلوب الصدّيقين من خَلْقه رحمةً رحِمهم بها، ولو ألقى في قلوبهم الخوف على قدْر معرفتهم به ما هنأهم العيش. [صفة الصفوة 3/ 159]. * وقال أبو عمران الجوني رحمه الله: ما نظر الله إلى شيء إلا رحمه، ولو نظر إلى أهل النار لرحمهم، لكنه قضى عليهم أن لا ينظر إليهم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 456]. * وعن سفيان قال: صلى ابن المنكدر رحمه الله على رجل! فقيل له: تصلي على فلان؟ فقال: إني أستحي من الله أن يعلم مني أن رحمته تعجز عن أحد من خلقه. [الحلية (تهذيبه) 1/ 494].

* وعن إسحاق بن سويد قال: صحبت مسلم بن يسار رحمه الله عامًا إلى مكة، فلم أسمعه تكلم بكلمة حتى بلغنا ذات عرق، قال: ثم حدثنا فقال: بلغني أنه يؤتى بالعبد يوم القيامة ويوقف بين يدي الله - عزَّ وجلَّ. فيقول: انظروا في حسناته فينظر في حسناته، فلا توجد له حسنة، فيقول: انظروا في سيئاته فتوجد له سيئات كثيرة، فيؤمر به إلى النار، فيذهب به وهو يلتفت. فيقول: ردوه، إلى ما تلتفت؟ فيقول: أي رب لم يكن هذا ظني - أو رجائي فيك - شك إبراهيم فيقول: صدقت فيؤمر به إلى الجنة. [الحلية (تهذيبه) 1/ 396]. * وعن معاذ بن معاذ قال: ما رأيت أحدًا أعظم رجاء لأهل الإسلام من ابن عون رحمه الله، لقد ذكر له الحجاج وأنا شاهد. فقيل: إنهم يزعمون أنك تستغفر للحجاج؟ فقال: ما لي لا أستغفر للحجاج من بين الناس، وما بيني وبينه؟ وما كنت أبالي أن أستغفر له الساعة. قال معاذ: وكان إذا ذكر عنده الرجل بعيب. قال: إن الله تعالى رحيم. [الحلية (تهذيبه) 1/ 444]. * وعن الزبرقان قال: كنت عند أبي وائل رحمه الله فجعلت أسب الحجاج وأذكر مساوئه. فقال: لا تسبه وما يدريك لعله قال: اللهم أغفر لي، فغفر له؟! [الحلية (تهذيبه) 2/ 60]. * وعن مجاهد رحمه الله قال: يؤمر بالعبد إلى النار يوم القيامة فيقول: ما كان هذا ظني! فيقول: ما كان ظنك؟ فيقول: أن تغفر لي، فيقول: خلوا سبيله. [الحلية (تهذيبه) 2/ 12]. * وعن عمرو بن مالك النكري، قال: كان أبو الجوزاء رحمه الله يقول: لو أن أناسًا من فقهائكم وأغنيائكم، انطلقوا إلى رجل فقيه غني، فسألوه كوزًا من ماء أكان يعطيهم؟ قالوا: يا أبا الجوزاء، ومن يمنع كوزًا من ماء، قال أبو الجوزاء: والله لا الله أجود بجنته من ذلك الرجل بذلك الكوز من ماء. [الحلية (تهذيبه) 1/ 458]. * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 1/ 78]. وإني لأرجو الله حتى كأنَّني ... أرى بجميل الظن ما الله صانع

* وقال بعضهم: [عيون الأخبار 1/ 78]. فلا تفرح بأمر قد تدنَّى ... ولا تأْيس من الأمر السّحِيقِ فإن القرب يبعدُ بعد قرب ... ويدنو البعد بالقَدَر المَسُوق ومن لم يتق الضَّحْضَاح زلَّتْ ... به قَدماه في البحر العميق * وعن بلال بن سعد رحمه الله، قال: إن لكم ربًا ليس إلى عقاب أحدكم بسريع، يقيل العثرة، ويقبل التوبة، ويقبل من المقبل، ويعطف على المدبر. [الحلية (تهذيبه) 2/ 190]. * وقال أيضًا رحمه الله: يأمر الله تعالى بإخراج رجلين من النار، قال: فيخرجان من النار، قال: فيخرجان بسلاسلهما وأغلالهما فيوقفان بين يديه، فيقول: كيف وجدتما مقيلكما ومصيركما؟ فيقولان: شر مقيل وأسوأ مصير، فيقول: بما قدمت أيديكما وما أنا بظلام للعبيد، فيأمر بهما إلى النار، فأما أحدهما فيمضي بسلاسله وأغلاله حتى يقتحمها، وأما الآخر فيمضي وهو يتلفت، فيأمر بردهما فيقول للذي غدا بسلاسله وأغلاله حتى اقتحمها: ما حملك على ما فعلت وقد اختبرتها؟ فيقول: يا رب قد ذقت من وبال معصيتك، ما لم أكن أتعرض لسخطك ثانيًا، ويقول للذي مضى وهو يتلفت: ما حملك على ما صنعت؟ قال: لم يكن هذا ظني بك يا رب، قال: فما كان ظنك؟ قال: كان ظني حيث أخرجتني منها أنك لا تعيدني إليها، قال: إني عند ظنك بي، وأمر بصرفهما إلى الجنة. [الحلية (تهذيبه) 2/ 191]. * وقال عمرو بن ميمون رحمه الله: ما يسرني أن أمري يوم القيامة إلى أبوي (¬1). [الحلية (تهذيبه) 2/ 72]. * وعن محمد بن إسماعيل البخاري قال: سمعت بعض أصحابنا يقول: عاد حماد بن سلمة رحمه الله سفيان الثوري. فقال سفيان: يا أبا سلمة أترى يغفر الله لمثلي؟ فقال حماد: والله لو خيرت بين محاسبة الله إياي وبين ¬

(¬1) لعلمه رحمه الله أن الله تبارك وتعالى أرحم وألطف وأبر وأكرم به من والديه.

محاسبة أبوي لاخترت محاسبة الله على محاسبة أبوي، وذلك أن الله تعالى أرحم بي من أبوي. [الحلية (تهذيبه) 2/ 336]. * وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: وعزته لو أدخلني النار فصرت فيها ما أيست. [الحلية (تهذيبه) 3/ 8]. * وقال مالك بن دينار رحمه الله: إنما هو طاعة الله أو النار. فقال محمد بن واسع رحمه الله: إنما هو عفو الله أو النار. [الحلية (تهذيبه) 1/ 413]. * وقال معروف الكرخي رحمه الله: ودع رجل البيت فقال: اللهم لك الحمد عدد عفوك عن خلقك. ثم رجع من قابل فقالها فسمع صوتًا: ما أحصينا مذ قلتها عام أول. [الحلية (تهذيبه) 3/ 104]. * وقال ثابت البناني رحمه الله: كان شاب رهق وكانت أمه تعظه وتقول له: يا بني إن لك يومًا فاذكر يومك قال: فلما نزل أمر الله أكبت عليه أمه فجعلت تقول: يا بني قد كنت أحذرك مصرعك هذا وأقول أن لك يومًا فاذكر يومك. قال: يا أماه إن لي ربًا كثير المعروف وإني لأرجو ألا يعدمني اليوم بعض معروف ربي - عزَّ وجلَّ - وأن يغفر لي، قال: فيقول: مات رحمه الله يحسن ظنه بالله في حاله تلك. [الزهد للإمام أحمد / 517]. * وعن بشر بن المفضل قال: رأيت بشر بن منصور رحمه الله في المنام فقلت: يا أبا محمد ما صنع الله بك؟ قال: وجدت الأمر أهون مما كنت أحمل نفسي. [الزهد للإمام أحمد / 533، 534]. * وعن أبي محمد بن صهيب قال: سمعت سهل بن عبد الله رحمه الله يقول: لا يذنب المؤمن ذنبًا حتى يكتسب معه مائة حسنة. فقيل: يا أبا محمد، وكيف هذا؟ قال: نعم، إن المؤمن لا يكتسب سيئة إلا وهو يخاف العقوبة عليها، ولو لم يكن كذلك لم يكن مؤمنا، وخوفه العقاب عليها حسنة، ويرجو غفران الله لها، ولو لم يكن هكذا لم يكن مؤمنًا، ورجاؤه لغفرانها حسنة،

وهو يرى التوبة منها، ولو لم يرها لم يكن مؤمنًا، ورؤيته التوبة منها حسنة، ويكره الدلالة عليها، ولو لم يكره الدلالة عليها لم يكن مؤمنًا، وكراهة الدلالة عليها حسنة. ويكره الموت عليها، ولو لم يكره الموت عليها لم يكن مؤمنًا، وكراهته للموت عليها حسنة، فهذه خمس حسنات، وهي بخمسين حسنة، الحسنة بعشر أمثالها، لقوله - تعالى -:: {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160] فهذه تصير مائة حسنة فما ظنكم بسيئة تعتورها مائة حسنة وتحيط بها، والله تعالى يقول: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114] وما ظنكم بثعلب بين مائة كلب أليس يمزقونه. ثم بكى سهل وقال: لا تحدثوا بهذا الجهال من الناس فيتكلوا ويغتروا، فإن هذه السيئة هي شيء عليه، وحسناته هي أشياء له، وما عليه: فلله أن يأخذه به، ويكون عادلًا بعقوبته عليه، وماله: لا يظلمه الله - عزَّ وجلَّ - بل يوفيه ثوابه وإن كان بعد حين. ومن يصبر على حر نار جهنم ساعة واحدة؟ ولكن بادروا بالتوبة من هذه السيئة حتى تأمنوا العقوبة، وتصيروا أحباب الله، فإن الله يحب التوابين. (¬1) [الحلية (تهذيبه) 3/ 338]. * وقال يحيى بن معاذ رحمه الله: لولا أن العفو من أحب الأشياء إليه ما ابتلَى بالذنب أكرَم الخلق عليه. [صفة الصفوة 4/ 341]. ¬

(¬1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: والمؤمن إذا فعل سيئة فإن عقوبتها تندفع عنه بعشرة أسباب: أن يتوب فيتوب الله عليه، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، أو يستغفر فيغفر له، أو يعمل حسنات تمحوها، فإن الحسنات يذهبن السيئات، أو يدعوا له إخوانه المؤمنون ويستغفرون له حيًا وميتًا، أو يهدون له من ثواب أعمالهم ما ينفعه الله به، أو يشفع فيه نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -، أو يبتليه الله تعالى في الدنيا بمصائب تكفر عنه، أو يبتليه في البرزخ بالصعقة فيكفر بها عنه، أو يبتليه في عرصات القيامة من أهوالها بما يكفر عنه، أو يرحمه أرحم الراحمين. فمن أخطأته هذه العشرة، فلا يلومن إلا نفسه، كما قال تعالى فيما يروي عنه رسوله - صلى الله عليه وسلم -: (يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه). مجموع الفتاوى 10/ 29، 30

* وقال سهيل القطعي قال: رأيت مالك بن دينار رحمه الله في منامي فقلت: يا أبا يحيى بماذا قدمت به على الله - عزَّ وجلَّ؟ فقال: قدمت بذنوب كثيرة محاها عني حسن الظن بالله. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 51]. * وعن سفيان الثوري رحمه الله قال: ما كان الله لينعم على عبد في الدنيا فيفضحه في الآخرة، وحق على المنعم أن يتم على من أنعم عليه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 511]. * وعن حفص الصيرفي قال: بلغني أن عمر بن ذر رحمه الله كان إذا تلا: {وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللهُ مَن يَمُوتُ} [النحل: 38] قال: ونحن نقسم بالله جهد أيماننا ليبعثن من يموت، أتراك تجمع بين القسمين في دار واحدة؟ وبكى أبو حفص بكاء شديدًا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 54]. * قال بعض العباد رحمه الله: لما علمت أن الله - عزَّ وجلَّ - يلي محاسبتي: زال عني حزني، لأن الكريم إذا حاسب عبده تفضل. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 60]. * وعن أبي سليمان الداراني رحمه الله قال: من حسن ظنه بالله - عزَّ وجلَّ - ثم لا يخاف الله فهو مخدوع. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 61]. * وعن معتمر التيمي رحمه الله قال: قال أبي حين حضرته الوفاة: حدِّثني بالرخص، لعلي ألقى الله - عزَّ وجلَّ - وأنا حسن الظن به. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 61]. * وعن ابراهيم التيمي رحمه الله قال: كانوا يستحبون أن يلقنوا العبد محاسن عمله عند موته، لكي يحسن ظنه بربه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 61]. * وقال سفيان الثوري رحمه الله: ما أحب أن حسابي جُعل إلى والدتي، ربي خير لي من والدتي. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 308]. * وعن عبد الله المروزي قال: مرض أعرابي فقيل له: إنك تموت؟ قال: وأين أذهب؟ قالوا إلى الله. قال: فما كراهتي أن أذهب إلى من لا أرى الخير إلا منه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 67]. * وعن عبد الله بن المبارك قال: كنت آتي سفيان الثوري رحمه الله عشية

عرفة، وهو جاث على ركبتيه، وعيناه تهملان، فبكيت، فالتفت إلي فقال: ما شأنك؟ فقلت: من أسوء أهل الجمع حالًا؟ قال: الذي يظن أن الله لا يغفر لهم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 89، 90]. * ولما احتُضر بشر بن منصور رحمه الله ضحك، وقال: أخرج من بين ظهراني من أخاف فتنته وأقدم على من لا أشك في رحمته. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 100]. * وعن سلمة بن الهزال قال: سمعت الحسن رحمه الله في جنازة فيها الفرزدق، والقوم حافين بالفتى يتذاكرون الموت، فقال الحسن: يا أبا فراس ما أعددت لهذا اليوم؟ قال: لا والله ما أعددت له إلا شهادة أن لا إله إلا الله منذ ثمانين سنة، فقال الحسن: أثبت عليها وأبشر، نعمت العدة نعمت العدة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 102]. * وعن لبطة بن الفرزدق رحمه الله قال: رأيت أبي في النوم، فقال: أي بني تبعتني الكلمة التي راجعت بها الحسن عند القبر. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 102]. * وعن محمد بن المنكدر قال: كان عمر بن عبد العزيز يبغض الحجاج، فنفَّس عليه بكلمة قالها عند الموت: اللهم اغفر لي فإنهم زعموا أنك لا تفعل، فبلغ ذلك الحسن البصري فقال: أقالها؟ قال: نعم قال: عسى. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 108]. * وعن أبي قلابة رحمه الله قال: التقى رجلان في السوق، فقال أحدهما للآخر: يا أخي تعال حتى ندعوا الله في غفلة الناس، ففعل ثم مات أحدهما، فأتاه في منامه، فقال: يا أخي علمت أن الله غفر لنا عشية التقينا في السوق!. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 111]. * وعن أبي عثمان النهدي رحمه الله قال: إنما جعلت الرحمة للذنوب. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 112]. * وعن مالك بن دينار قال: رأيت مسلم بن يسار رحمه الله في منامي بعد موته بسنة، فسلمت عليه فلم يرد عليَّ السلام، فقلت: لم لا ترد عليّ السلام؟

(جـ) الموازنة بين الخوف والرجاء

فقال: أنا ميت وكيف أرد عليك السلام، فقال: وماذا لقيت بعد الموت؟ قال: فدمعت عينا مالك عند ذلك، فقال: لقد لقيت والله أهوالا وزلازل عظاما شدادًا، قلت: فما كان بعد ذلك؟ قال: وما تراه أن يكون من الكريم، قبل منا الحسنات وعفا عن السيئات، وضمن عنا التبعات، قال: ثم شهق مالك شهقة خر مغشيًا عليه، فلبث بعد ذلك أيامًا مريضًا من غشيته. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 115]. * وعن عون بن عبد الله رحمه الله: {وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا} [آل عمران: 103] قال: إني لأرجو أن لا يعيدكم الله فيها بعد أن أنقذكم منها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 120]. (جـ) الموازنة بين الخوف والرجاء (¬1): * عن يحيى بن أبي كثير، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. قال: لو نادى مناد من السماء أيها الناس إنكم داخلون الجنة كلكم أجمعون إلا رجلًا واحدًا، لخفت أن أكون هو، ولو نادى مناد أيها الناس إنكم داخلون النار إلا رجلًا واحدًا لرجوت أن أكون هو. [الحلية (تهذيبه) 1/ 73]. * وعن سفيان قال: قال مطرف رحمه الله: لو وزن خوف المؤمن ورجاؤه لوجدا سواء لا يزيد أحدهما على صاحبه. [الحلية (تهذيبه) 1/ 363]. * وعن عبد الله الشامي قال: أتيت طاووسًا رحمه الله فخرج إلى ابنه شيخ كبير فقلت: أنت طاووس؟ فقال: أنا ابنه، قلت: فإن كنت ابنه فإن الشيخ قد خرّف؟ فقال: إن العالم لا يخرف، فدخلت عليه فقال لي طاووس: سل وأوجز، قلت: إن أوجزت أوجزت لك، قال: تريد أن أجمع لك في مجلسي ¬

(¬1) قال ابن القيم رحمه الله: القلب في سيره إلى الله بمنزل الطائر، فالمحبة رأسه، والخوف والرجاء جناحاه، فمتى سلم الرأس والجناحان: فالطائر جيد الطيران، ومتى قطع الرأس مات الطائر، ومتى فُقد الجناحان فهو عرضة لكل صائد وكاسر. ولكن السلف استحبوا أن يقوى في الصحة جناح الخوف على جناح الرجاء، وعند الخروج من الدنيا يقوى جناح الرجاء على جناح الخوف. ا. هـ بتصرف. مدارج السالكين 2/ 145

(د) ما جاء فيمن يصعق عند الموعظة، وموقف السلف من ذلك

هذا، التوراة والإنجيل والزبور والفرقان؟ قلت: نعم! قال: خف الله تعالى مخافة لا يكون عندك شيء أخوف منه، وأرجه رجاء هو أشد من خوفك إياه، وأحب للناس ما تحب لنفسك. [الحلية (تهذيبه) 2/ 30]. * وعن الحسن البصري رحمه الله قال: الرجاء والخوف مطيتا المؤمن. [الزهد للإمام أحمد / 452]. * وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: الخوفُ أفضل من الرَّجاء ما دام الرجلُ صحيحًا، فإذا نزل به الموت فالرَّجاء أفضل. [السير (تهذيبه) 2/ 777]. * وعن المزني قال: دخلت على الشافعي رحمه الله في علّته التي مات فيها، فقلت: كيف أصبحت؟ فقال: أصبحتُ من الدّنيا راحلًا، ولإخواني مفارقًا، ولكأس المنيّة شاربًا، ولسوء أعمالي ملاقيًا، وعلى الله تعالى واردًا، فلا أدري روحي تصير إلى الجنة فأهنّيها، أو إلى النار فأعزيها؟ ثم بكى وأنشأ يقول: ولمّا قسا قلبي وضاقت مَذاهبي ... جعلتُ الرجا مني لعفْوكَ سلّما تعاظمَني ذنبي فلما قرنتُه ... بعفْوك ربّي كان عفْوك أعظما وما زلتَ ذا عَفوٍ عن الذنب لم تَزل ... تجود وتعفو منّة وتكرُّما [صفة الصفوة 2/ 556]. * وقال السري السقطي رحمه الله: ينبغي للعبد أن يكون أخوف ما يكون من الله، آمن ما يكون من ربه. [الحلية (تهذيبه) 3/ 287]. (د) ما جاء فيمن يُصعق عند الموعظة، وموقف السلف من ذلك (¬1): * عن حصين بن عبد الرحمن قال: قلت لأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها: ¬

(¬1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: والذي عليه جمهور العلماء أن الواحد من هؤلاء إذا كان مغلوبًا عليه لم ينكر عليه، وإن كان حال الثابت أكمل منه؛ ولهذا لما سئل الإمام أحمد عن هذا فقال: قرئ القرآن على يحيى بن سعيد القطان فغشي عليه ولو قدر أحد أن يدفع هذا عن نفسه لدفعه يحيى بن سعيد، فما رأيت أعقل منه، ونحو هذا. وقد نقل عن الشافعي أنه أصابه ذلك، وعلي بن الفضيل بن عياض قصته مشهورة، وبالجملة فهذا كثير ممن لا يستراب في صدقه. .. فهذا الذي يصعق صعق موت، أو صعق غشي، فإن ذلك إنما يكون لقوة الوارد، وضعف القلب عن حمله، وقد يوجد مثل هذا في من يفرح أو يخاف أو يحزن أو يحب أمورا دنيوية، يقتله ذلك أو يمرضه أو يذهب بعقله. ومن عباد الصور من أمرضه العشق أو قتله أو جننه، وكذلك في غيره، ولا يكون هذا إلا لمن ورد عليه أمر ضعفت نفسه عن دفعه، بمنزلة ما يرد على البدن من الأسباب التي تمرضه أو تقتله، أو كان أحدهم مغلوبًا على ذلك. فإذا كان لم يصدر منه تفريط ولا عدوان، لم يكن فيه ذنب فيما أصابه، فلا وجه للريبة. كمن سمع القرآن السماع الشرعي، ولم يفرط بترك ما يوجب له ذلك، وكذلك ما يرد على القلوب مما يسمونه السكر والفنا، ونحو ذلك من الأمور التي تغيب العقل بغير اختيار صاحبها؛ فإنه إذا لم يكن السبب محظورا لم يكن السكران مذموما، بل معذورًا ... ولكن من لم يزل عقله، مع أنه قد حصل له من الإيمان ما حصل لهم أو مثله أو أكمل منه فهو أفضل منهم. وهذه حال الصحابة - رضي الله عنهم - وهو حال نبينا - صلى الله عليه وسلم - فإنه أسرى به إلى السماء وأراه الله ما أراه، وأصبح كبائت لم يتغير عليه حاله، فحاله أفضل من حال موسى - صلى الله عليه وسلم - الذي خر صعقا لما تجلى ربه للجبل وحال موسى حال جليلة علية فاضلة، لكن حال محمد - صلى الله عليه وسلم - أكمل وأعلا وأفضل. مجموع الفتاوى 11/ 8 - 9 قال ابن الجوزي رحمه الله: فإن قال قائل: فما تقول فيمن أدركه الوجد ولم يقدر على دفعه؟ فالجواب: إن أول الوجد انزعاجٌ في الباطن, فإن كف الإنسان نفسه كيلا يطلع على حاله يئس الشيطان منه فبعد عنه, كما كان أيوب السختياني إذا تحدث فرق قلبه مسح أنفه وقال: ما أشد الزكام. وإن أهمل الإنسان ولم يبال بظهور وجده أو أحب اطلاع الناس على نفسه نفخ فيه الشيطان فانزعج على قدر نفخه. تلبيس إبليس: 291

كيف كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند قراءة القرآن؟ قالت: كانوا كما ذكرهم الله أو كما وصفهم - عزَّ وجلَّ - تدمع عيونهم، وتقشعر جلودهم، فقلت لها: إن ههنا رجالا إذا قرئ على أحدهم القرآن غشي عليه، فقالت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. [تلبيس إبليس: 288]. * وعن عكرمة قال: سألت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها: هل كان أحد من السلف يغشى عليه من الخوف؟ قالت: لا ولكنهم كانوا يبكون. [تلبيس إبليس: 288]. * وعن أبي حازم قال: مر ابن عمر - رضي الله عنه - برجل ساقط من العراق فقال:

ما شأنه؟ فقالوا: إذا قرئ عليه القرآن يصيبه هذا قال: إنا لنخشى الله - عزَّ وجلَّ - وما نسقط. [الحلية (تهذيبه) 1/ 221]. * وعن قتادة قال: قيل لأنس بن مالك - رضي الله عنه -: إن أناسا إذا قرئ عليهم القرآن يصعقون فقال: ذاك فعل الخوارج. [تلبيس إبليس: 189]. * وعن عامر بن عبد الله بن الزبير - رضي الله عنه - قال: جئت إلى أبي فقال لي: أين كنت؟ فقلت: وجدت أقواما ما رأيت خيرا منهم يذكرون الله - عزَّ وجلَّ - فيرعد أحدهم حتى يخشى عليه من خشية الله - عزَّ وجلَّ - فقعدت معهم قال: لا تقعد معهم بعدها فرآني كأني لم يأخذ ذلك في فقال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتلو القرآن ورأيت أبا بكر وعمر يتلوان القرآن ولا يصيبهم هذا أفتراهم أخشع لله من أبي بكر وعمر فرأيت أن ذلك كذلك فتركتهم. المعجم الكبير للطبراني: 18/ 365 * وعن عمران بن عبد العزيز قال سمعت محمد بن سيرين رحمه الله وسئل عن من يستمع القرآن فيصعق فقال: ميعاد ما بيننا وبينهم أن يجلسوا على حائط فيقرأ عليهم القرآن من أوله إلى آخره فإن سقطوا فهم كما يقولون. [الحلية (تهذيبه) 1/ 387]. * وعبد الكريم بن رشيد قال: كنت في حلقة الحسن رحمه الله فجعل رجل يبكي وارتفع صوته فقال الحسن: إن الشيطان ليبكي هذا الآن. [الزهد للإمام أحمد]. * وعن أبي صفوان قال: قال الفضيل بن عياض رحمه الله لابنه وقد سقط: يا بني إن كنت صادقا لقد فضحت نفسك، وإن كنت كاذبا فقد أهلكت نفسك. [تلبيس إبليس: 290]. * وعن خلف بن حوشب قال: كان خوات يرعد عند الذكر فقال له إبراهيم النخعي رحمه الله: إن كنت تملكه فما أبالي أن لا أعتد بك، وإن كنت لا تملكه فقد خالفت من كان قبلك، وفي رواية: فقد خالفت من هو خير منك. (¬1) [شعب الإيمان للبيهقي 11/ 15]. ¬

(¬1) قال ابن الجوزي رحمه الله: إبراهيم هو النخعي الفقيه, وكان متمسكًا بالسنة شديد الاتباع للأثر, وقد كان خوات من الصالحين البعداء عن التصنع, وهذا خطاب إبراهيم له, فكيف بمن لا يخفى حاله من التصنع. تلبيس إبليس: 293

* وعن أبي وائل قال: خرجنا مع عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - ومعنا الربيع بن خثيم رحمه الله فمررنا على حداد فقام عبد الله ينظر حديده في النار فنظر الربيع إليها فتمايل ليسقط فمضى عبد الله حتى أتينا على آتون على شاطئ الفرات فلما رآه عبد الله والنار تلهب في جوفه قرأ هذه الآية {إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا * وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوا هُنَالِكَ ثُبُورًا} [الفرقان 12، 13]. قال: فصعق الربيع بن خثيم فاحتملناه فجئنا به إلى أهله ثم رابطه عبد الله إلى الظهر فلم يفق قال: ثم إنه رابطه إلى العصر فلم يفق ثم رابطه إلى المغرب فلم يفق ثم إنه أفاق فرجع عبد الله إلى أهله. (¬1) [الزهد للإمام أحمد / 554، 555]. * وقال خالدُ بنُ خداش: قُرِئ على عبدِ الله بن وَهْبٍ رحمه الله كِتابُ أهوالِ يومِ القيامة - تأليفه - فَخَرَّ مَغْشِيَّا عليه. قال: فلم يتكلَّم بكلمةٍ حتى ماتَ بعدَ أيامٍ رحمه اللهُ تعالى. [السير (تهذيبه) 2/ 819]. * وقال منصور بن عمار: حججت حجة فنزلت سكة من سكك الكوفة، فخرجت في ليلة مظلمة، فإذا بصارخ يصرخ في جوف الليل وهو يقول: إلهي ¬

(¬1) قال ابن الجوزي رحمه الله: وأما حكاية الربيع بن خثيم, فإن راويها عيسى بن سليم وفيه معمر. ثم روى بسنده عن أحمد بن حنبل أنه قال: عيسى بن سليم عن أبي وائل لا أعرفه. ثم روى بسنده عن حمزة الزيات أنه قال لسفيان الثوري: أنهم يروون عن الربيع بن خثيم أنه صعق قال: ومن يروي هذا, إنما كان يرويه ذاك القاص - يعني عيسى بن سليم - فلقيته فقلت: عمن تروي أنت ذا - منكرًا عليه. قال رحمه الله: فهذا سفيان الثوري ينكر أن يكون الربيع بن خثيم جرى له هذا لأن الرجل كان على السمت الأول, وما كان في الصحابة من يجري له مثل هذا ولا التابعين, ثم نقول على تقدير الصحة: إن الإنسان قد يُخشى عليه من الخوف فيسكنه الخوف ويسكته فيبقى كالميت, وعلامة الصادق: أنه لو كان على حائط لوقع لأنه غائب. فأما من يدعي الوجد ويتحفظ من أن تزل قدمه ثم يتعدى إلى تخريق الثياب وفعل المنكرات في الشرع, فإنا نعلم قطعا أن الشيطان يلعب به. تلبيس إبليس: 286

(هـ) فوائد أخرى

وعزتك وجلالك، ما أردت بمعصيتي مخالفتك، وقد عصيتك وما أنا بنكالك جاهل، ولكن خطيئة عرضت، وأعانني عليها شقائي، وغرني سترك المرخي عليّ، وقد عصيتك بجهدي، وخالفتك بجهلي، فالآن من عذابك من يستنقذني؟ وبحبل من أتصل إن أنت قطعت حبلك، واشباباه، واشباباه. قال: فلما فرغ من قوله تلوت آية من كتاب الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6] فسمعت دكدكة لم أسمع بعدها حسًا، فمضيت فلما كان من الغد رجعت في مدرجتي فإذا أنا بجنازة قد أخرجت، وإذا أنا بعجوز قد ذهب متنها - يعني قوتها - فسألتها عن أمر الميت - ولم تكن عرفتني - فقالت: هذا رجل لا جزاه إلا جزاءه مر بابني البارحة وهو قائم يصلي فتلا آية من كتاب الله تعالى فتفطرت مرارته فوقع ميتًا، رحمه الله تعالى. [الحلية (تهذيبه) 3/ 221]. (هـ) فوائد أخرى: * سَمِع أعرابيّ ابنَ عباس - رضي الله عنه - وهو يقرأ {وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا} [آل عمران: 103] فقَال: والله ما أنقذهم منها وهو يُريد أن يُدخِلَهم فيها، فقال ابن عباس: خُذْها من غير فقيه. [عيون الأخبار 2/ 533]. * وعن هشام، عن الحسن البصري رحمه الله في قوله - عزَّ وجلَّ -: {هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ} [الحاقة: 19، 20] قال: إن المؤمن أحسن الظن بربه، فأحسن العمل، وإن المنافق أساء الظن فأساء العمل. [الحلية (تهذيبه) 1/ 331]. * وعن معاوية بن قرة قال: دخلت على مسلم بن يسار رحمه الله فقلت: ما عندي كبير عمل، إلا أني أرجو الله وأخاف منه. قال: ما شاء الله! من خاف من شيء حذر منه، ومن رجا شيئًا طلبه، وما أدري ما حسب خوف عبد عرضت له شهوة فلم يدعها لما يخاف، أو ابتلى ببلاء فلم يصبر عليه لما يرجو، قال معاوية: فإذا أنا قد زكيت نفسي وأنا لا أعلم. [الحلية (تهذيبه) 1/ 394].

* وقال حذيفة المرعشي رحمه الله: إن عبدًا يعمل على خوف لعبد سوء، وإن عبدًا يعمل على رجاء لعبد سوء، كلاهما عندي سواء. [الحلية (تهذيبه) 3/ 64]. * وعن مسلم بن يسار رحمه الله قال: من رجا شيئًا طلبه، ومن خاف شيئًا هرب منه، ما أدري ما حسبت رجاء أمرئ عرض له بلاء لم يصبر عليه لما يرجو، ولا أدري ما حسبت خوف امرئ عرضت له شهوة فلم يدعها لما يخاف. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 98]. * وعن ابن عون قال: ما رأيت أحدا كان أعظم رجاء لهذه الأمة من محمد بن سيرين رحمه الله، ولا أشد خوفًا على نفسه منه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 100]. * وعن أبي حازم رحمه الله قال: من أعظم خصلة ترجى للمؤمن أن يكون أشد خوفا على نفسه وأرجاه لكل مسلم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 97].

حال السلف في التعامل مع نسائهم، ونصحهم وتوجيههم للزوج والزوجة

حال السلف في التعامل مع نسائهم، ونصحهم وتوجيههم للزوج والزوجة * قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه لرجل همَّ بطلاق امرأته: لِم تُطَلِّقُها؟ قال: لا أُحِبُّها. قال: أوكُلُّ البيوتِ بُنِيَتْ على الحبّ! وأين الرعايةُ والتذمُّمُ! (¬1). [عيون الأخبار 3/ 18]. * وعن الحسن قال: قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه: النساءُ عَوْرَةٌ فاستروها بالبيوت، وداووا ضَعْفَهنّ بالسكوت. [عيون الأخبار 4/ 365]. * وعن سلمان بن جبير مولى ابن عباس وقد أدرك أصحاب رسول الله قال: ما زلت أسمع حديث عمر - رضي الله عنه - هذا فإنه خرج ذات ليلة يطوف بالمدينة، وكان يفعل ذلك كثيرا، فمر بامرأة مغلَّقٌ عليها بابها وهي تقول، فاستمع لها عمر: تطاول هذا الليل تسري كواكبه ... وأرَّقني أن لا حبيب أُلاعبه فوالله لولا الله لا شيء غيره ... لحرك من هذا السرير جوانبه يلاعبني طورًا وطورًا كأنما ... بدا قمرٌ في ظلمة الليل حاجبه ولكنني أخشى رقيبًا موكَّلًا ... بأنفسنا لا يَقْفرُ الدهرُ كاتبه ثم تنفست الصعداء وقالت: أهان على ابن الخطاب وحشتي ببيتي، وغيبة زوجي، وقلة نفقتي. فقال لها: رحمك الله، فلما أصبح بعث لها نفقة وكسوة، وكتب إلى عامله يسرح لها زوجها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 112]. ¬

(¬1) قال في الحاشية: التذمم للصاحب: أن يحفظ ذمامه ويطرح عن نفسه ذم الناس له إن لم يحفظه.

* وعن الحسن قال: سأل عمر - رضي الله عنه - ابنته حفصة: كم تصبر المرأة عن الرجل؟ قالت: ستة أشهر، فقال: لا جرم لا أجهز رجلا أكثر من ستة أشهر. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 112]. * وقال عمر - رضي الله عنه -: ما أنفق رجل على نفسه وأهله نفقة إلا له أجرها، وليبدأ الرجل بمن يعول، ثم الأقرب فالأقرب، فإن فَضُل فليبدأ به. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 115]. * وكان لعلي - رضي الله عنه - امرأتان، فإذا كان يوم هذه اشترى لحمًا بنصف درهم، وإذا كان يوم هذه اشترى لحمًا بنصف درهم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 115]. * وعن حذيفة رضي الله عنه. قال: أَقَرّ ما أكون عينًا، حين يشكو إلي أهلي الحاجة. [الحلية (تهذيبه) 1/ 206]. * وجاءت امرأة إلى معاذ - رضي الله عنه - فقالت: إنك رسولُ رسولِ الله حقًا، ما حق الزوجة على زوجها؟ قال: حقها عليه: ألا يضرب وجهها، ولا يقبحه، وحقها عليه: أن يطعمها مما يأكل، ويكسوها مما يلبس، وحقها عليه: أن لا يهجرها في بيتها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 115]. * وعن يحيى بن سعيد قال: لِمعاذ بن جبل - رضي الله عنه - امرأتان، فإذا كان عند أحدهما لم يتوضأ من بيت الأخرى. قال: فماتتا في طاعون أصابهم في يوم واحد، فقدَّمهما إلى الحفرة، ثم أقرع بينهما أيهما يدخل الحفرة قبل الأخرى، ثم عفَّر درقهما جميعا في حفرة واحدة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 116]. * وعن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال: النساء عورة، خُلقن من ضعف، فاستروا عوراتهن بالبيوت. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 550]. * وعن عكرمة أن امرأة سألت ابن عباس - رضي الله عنه - فقالت: ما يحل لي من بيت زوجي؟ فذكر الخبز والتمر ونحو ذلك، قالت: فالدراهم؟ قال ابن عباس: أتحبين أن يأخذ حليك؟ قالت: لا، قال: فلا تأخذي من دراهمه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 117].

* وسألت امرأةٌ عائشةَ - رضي الله عنها - فقالت لها: إن أهلي فقراء، أفآخذ من بيت زوجي فأبعث إليهم؟ فقالت لها عائشة: ما يشعر زوجك؟ قالت: ما يشعر بكل ما أبعث به إليهم، قالت لها عائشة: استأمريه، فإنْ أذن لك فابعثي إليهم غير مسرفة، ثم قالت: ما يضر إحداكن من بيت زوجها سرقت أم من بيت جارتها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 117]. * وعن ثابت بن عبيد قال: ما رأيت أحدا أفْكه في بيته، ولا أحلم في مجلسه، من زيد بن ثابت رضي الله عنه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 128]. * وقال الأحنف بن قيس رحمه الله: إذا أردتم الحُظْوةَ عند النساء فأَفْحشوا في النِّكاح وحَسِّنوا الأخلاق. [عيون الأخبار 4/ 382]. * وقال يحيى بن أبي كثير رحمه الله: قرأت في الحكمة: ابن آدم ابدأ أهلك بمكارم الأخلاق، فإن الثواء (¬1) معهم قليل. [الحلية (تهذيبه) 1/ 455]. * وقال سفيان الثوريُّ رحمه الله: إذا أردتَ أن تتزوّج فأهْدِ للأمّ. [عيون الأخبار 3/ 124]. * وقال أبو الأسود رحمه الله لابنته: إياّك والغَيْرة فإنها مفتاحُ الطّلاقِ، وعليكِ بالزِينةِ، وأزينُ الزينةِ الكُحْل؛ وعليكِ بالطِّيبِ، وأطيبُ الطِّيبِ إسباغُ الوضوء؛ وكوني كما قلتُ لأُمك في بعض الأحايين: خُذِي العفوَ مني تَستدِيمي مَودّتِي ... ولا تَنْطِقي في سَوْرتي حين أغضَبُ فإني وجدتُ الحبَّ في الصدر والأَذى ... إذا اجتمعا لم يَلْبَثِ الحبُّ يذهبُ [عيون الأخبار 4/ 364]. * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 4/ 334]. فإن تسألوني بالنساء فإنّني ... خبيرٌ بأدواء النساء طبيبُ ¬

(¬1) الثَّواءُ: طولُ المُقام , والمَثْوى: الموضع الذي يُقام به، وجمعه المَثاوِي. ومَثْوَى الرجل: منزله. لسان العرب , مادة: ثوا.

إذا شاب رأسُ المرء أو قلّ مالُه ... فليس له في وُدّهنّ نَصِيبُ يُرِدْن ثراءَ المال حيث علمْنَه ... وشرخُ الشباب عندهنّ عجيبُ * وقال أبو سنان ضرار بن مرة رحمه الله: قد سقيت أهلي اليوم وعلفت الشاة، وكان يقول: خيركم أنفعكم لأهله. [الحلية (تهذيبه) 2/ 151]. * وقالت امرأة سعيد بن المسيب رحمه الله: ما كنا نكلم أزواجنا إلا كما تكلموا أمراءكم، أصلحك الله، عافاك الله. [الحلية (تهذيبه) 2/ 186، موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 122]. * وعن الشعبي رحمه الله قال: إن من النفقة التي تضاعف تسعمائة ضعف: نفقة الرجل على نفسه وعلى أهل بيته. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 114]. * وعن يحيى بن يحيى قال: كنت عند سفيان بن عيينة رحمه الله إذ جاء رجل فقال: يا أبا محمد، أشكو إليك من فلانة - يعني امرأته - أنا أذل الأشياء عندها وأحقرها، فأطرق سفيان مليًا ثم رفع رأسه فقال: لعلك رغبت إليها لتزداد عزًا فقال: نعم يا أبا محمد، قال: من ذهب إلى العز ابتلي بالذل، ومن ذهب إلى المال ابتلي بالفقر، ومن ذهب إلى الدين يجمع الله له العز والمال مع الدين، ثم أنشأ يحدثه فقال: كنا إخوة أربعة، محمد وعمران وإبراهيم وأنا، فمحمد أكبرنا، وعمران أصغرنا، وكنت أوسطهم، فلما أراد محمد أن يتزوج رغب في الحسب فتزوج من هي أكبر منه حسبًا فابتلاه الله بالذل، وعمران رغب في المال فتزوج من هي أكثر منه مالًا فابتلاه الله بالفقر، أخذوا ما في يديه ولم يعطوه شيئا. فبقيت في أمرهما، فقدم علينا معمر بن راشد فشاورته وقصصت عليه قصة إخوتي، فذكرني حديث يحيى بن جعدة وحديث عائشة، فأما حديث يحيى بن جعدة قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (تنكح المرأة على أربع، على دينها وحسبها ومالها وجمالها، فعليك بذات الدين تربت يداك). وحديث عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (أعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة) فاخترت لنفسي الدين وتخفيف الظهر اقتداء بسنة نبي الله - صلى الله عليه وسلم -، فجمع الله لي المال مع الدين. [الحلية (تهذيبه) 2/ 436].

* وكان الزِّبْرِقان بن بدر إذا زوَّج ابنةً له دنا من خِدْرِها وقال: أتسمَعين؟ كوني له أمَةً يكن لكِ عَبْدًا. [عيون الأخبار 4/ 364]. * وقال آخر: لذّةُ المرأةِ على قدر شهوتها، وغَيْرتُها على قدر محبّتها. [عيون الأخبار 4/ 382]. * ورُمِي ببغداد في سُوق يحيى قِمْطَرَةٌ (¬1) فيها صبيٌّ وتحته مُضَرَّباتُ (¬2) حرير، وعند رأسه كيسٌ فيه مائةُ دينار ورُقعةٌ فيها: هذا الشقيُّ ابن الشقيّة، ابن السِّكْبَاج (¬3) والقَلِيّة (¬4)، ابن القَدَح والرَّطْلِيّة؛ رحم الله مَنِ اشترى له بهذا الذهب جاريةً تربيه؛ وفي آخر الرُّقعة: هذا جزاءُ من عضَل (¬5) ابنتَه. [عيون الأخبار 4/ 396]. ¬

(¬1) قال في الحاشية: المقطرة: شبه سفط يسف (ينسج) من قصب. (¬2) قال في الحاشية: مضربات: مخيطات , يقال: بساط مضرّب, أي مخيط. (¬3) قال في الحاشية: السكباج: مرق يعمل من اللحم والخلّ. (¬4) قال في الحاشية: القلية: مرق يتخذ من لحوم الجزر وأكبادها. (¬5) قال في الحاشية: عضل المرأة عن الزواج: حبسها عنه.

عناية السلف بالأبناء

عناية السلف بالأبناء (أ) الحرص على تربيتهم وتعليمهم، والصبر على ذلك: * قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في هذه الآية {قوا أنفسكم وأهليكم نارا} [التحريم: 6] قال: علموهم وأدبوهم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 77]. * وعن عكرمة قال: كان ابن عباس - رضي الله عنه - يجعل في رجلي الكبل ويعلمني القرآن والسنن. [الحلية (تهذيبه) 2/ 17]. * وقال بعضهم: [المنتظم 12/ 133]. إن الغصون إذا قومتها اعتدلت ... ولا يلين إذا قومته الخشب قد ينفع الأدب الأحداث في مهل ... وليس ينفع في ذي الشيبة الأدب * وعن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: كان يُعلَّم الصبي الصلاة إذا عرف يمينه من شماله. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 73]. * وقال أيضًا - رضي الله عنه - لرجل: يا هذا أحسن أدب ابنك؛ فإنك مسوؤل عنه، وهو مسؤل عن برِّك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 78]. * وعن الربيع بنت معوذ - رضي الله عنها - قالت: أرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: من أصبح مفطرًا فليتم بقية يومه، ومن أصبح صائمًا فليصم، قالت: فكنا نصومه بعدُ، ونُصَوِّم صبياننا، ونجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار. [رواه والبخاري: 1960 ومسلم: 1136]. * وعن سفيان الثوري رحمه الله قال: ينبغي للرجل أن يُكرِهَ وَلَدَهُ على العلم، فإنه مسؤول عنه. [السير (تهذيبه) 2/ 699].

* وقال أيضا رحمه الله: كان يقال: من حق الولد على الوالد: أن يحسن أدبه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 78]. * وعن يزيد بن معمر رحمه الله، قال: العلم في صغر كالنقش في الحجر. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 133]. * وعن عروة بن الزبير رحمه الله، أنه كان يقول لبنيه: أي بَنيَّ هلموا فتعلموا فإنكم توشكوا أن تكونوا كبار قوم، وإني كنت صغيرا لا يُنظر إلي، فلما أدركت من السن ما أدركت جعل الناس يسألوني، وما أشد على امرئ أن يُسأل عن شيء من أمر دينه فيجهله. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 133]. * ومر قوم على حماد بن سلمة رحمه الله وحوله فتيان فقالوا: انظروا إلى حماد قد جمع حوله الصبيان! فقال: رُدُّوهم، فلما أتوه قال: إني رأيت البارحة كأني أسقي فسيلا، فأولت هؤلاء الصبيان. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 133]. * وعن الضحاك رحمه الله قال: ما ضرب المعلمُ غلاما فوق ثلاث فهو قصاص. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 84]. * وعن ابن شوذب رحمه الله أنه كره ضرب المعلم الصبيان، وقال: يضرب من لا ذنب له!. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 84]. * وعن هشام بن عروة رحمه الله عن أبيه أنه كان يأمر بنيه بالصيام إذا أطاقوه، وبالصلاة إذا عقلوا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 73]. * وعن جندب بن أبي ثابت رحمه الله قال: كانوا يعلمون الصبي الصلاة إذا عدَّ عشرين. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 73]. * وعن عبد الله بن عيسى رحمه الله قال: لا تزال هذه الأمة بخير ما تعلم ولدانُها القرآن. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 75]. * وقال إبراهيم الحربي رحمه الله: جَنِّبوا أولادكم قرناء السوء، قبل أن تصبغوهم في البلاء، كما يصبغ الثوب. [ذم الهوى / 102]. * وقال أيضًا رحمه الله: أول فساد الصبيان بعضهم من بعض. [ذم الهوى / 102]. * وعن محمد بن طلحة بن مصرف رحمه الله قال: كان أبي يأمر نساءه وخدمه وبناته بقيام الليل، ويقول: صلوا ولو ركعتين في جوف الليل، فإن

الصلاة في جوف الليل تحط الأوزار، وهي أشرف أعمال الصالحين. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 282]. * وعن ابن عائشة قال: بلغ عمر بن عبد العزيز رحمه الله أن ابنًا له اشترى فصًا بألف درهم فتختم به، فكتب إليه عمر: عزيمة مني إليك لما بعت الفص الذي اشتريت بألف درهم وتصدقت بثمنه، واشتريت فصًا بدرهم واحد ونقشت عليه: رحم الله امرأ عرف قدره والسلام. [الحلية (تهذيبه) 2/ 225]. * وكتب عمر بن عبد العزيز رحمه الله إلى مؤدب ولده: خذهم بالجفاء، فهو أمنع لأقدامهم، وترك الصبحة، فإن عادتها تُكسب الغفلة، وقلة الضحك، فإن كثرته تميت القلب، وليكن أول ما يعتقدون من أدبك بغض الملاهي، التي بدؤها من الشيطان، وعاقبتها سخط الرحمن، فإنه بلغني عن الثقات من حملة العلم أن حضور المعازف، واستماع الأغاني، واللهج بهما، ينبت النفاق في القلب كما ينبت العشب بالماء، وليفتتح كل غلام منهم بجزء من القرآن يثبت في قراءته، فإذا فرغ منه تناول نبله وقوسه، وخرج إلى الغرض حافيا، فرمى سبعة أرشاق، ثم انصرف إلى القائلة، فإن ابن مسعود كان يقول: يا بنيَّ قيلوا فإن الشياطين لا تقيل. قوله: الصبحة التي نهاهم عنها، فإنها هي: النوم بعد طلوع الصبح. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 285]. * وعن علي بن عاصم رحمه الله أنه قال: دفع إليّ أبي مائة ألف درهم، وقال: اذهب فلا أرى وجهك إلا بمائة ألف حديث. [المنتظم 10/ 103]. * وعن زياد قال: كان زبيد الأيامي رحمه الله (¬1) مؤذن مسجده، فكان يقول للصبيان يا صبيان: تعالوا فصلوا أهب لكم الجوز. قال: فكانوا يجيئون ويصلون ثم يحوطون حوله. فقلنا له: ما تصنع بهذا؟ قال: وما عليّ أشتري لهم جوزًا بخمسة دراهم ويتعودون الصلاة!. [الحلية (تهذيبه) 2/ 134]. ¬

(¬1) في السير, وصفة الصفوة, والمنتظم, وغيرها من الكتب التي اطلعت عليها: زبيد اليامي.

* وعن نهشل بن كثير عن أبيه قال: دخل الشافعي رحمه الله يومًا إلى بعض حجر هارون الرشيد واستأذن له عليه فأقعده الخادم عند أبي عبد الصمد مؤدب أولاد الرشيد، قال له: يا أبا عبد الله، هؤلاء أولاد أمير المؤمنين وهذا مؤدبهم، فلو أوصيته، فأقبل على أبي عبد الصمد، فقال له: ليكن أول ما تبدأ به من إصلاح أولاد أمير المؤمنين إصلاحك نفسك فإن أعينهم مغفورة (¬1) بعينك، فالحسن عندهم ما تستحسنه، والقبيح عندهم ما تستقبحه، علمهم كتاب الله، ولا تكرههم عليه فيملوه، ولا تتركهم فيهجروه، ثم زدهم من الشعر أعفّه ومن الحديث أشرفه، ولا تخرجنهم من علم إلى غيره حتى يتقنوه، فإن ازدحام الكلام في المسمع مُصدّ للفهم. [المنتظم 10/ 139، 140]. * وقال بشر مولى هشام: تفقد هشام بن عبد الملك رحمه الله بعض ولده لم يحضر الجمعة، فقال له: ما منعك؟ فقال: نَفَقَتْ دابتي، قال: وعجزت عن المشي فتركت الجمعة؟! فمنعه الدابة سنة. [المنتظم 7/ 98]. * وعن أبي بُديل الوضاحي أنه قال: كان المأمون رحمه الله قد وكل الفراء يلقن ابنيه النحو، فلما كان يومًا أراد الفراء أن ينهض إلى بعض حوائجه، فابتدرا إلى نعل الفراء يقدمانه له، فتنازعا أيهما يقدمه، ثم اصطلحا على أن يقدم كل واحد منهما فردًا، فقدماها، وكان المأمون له على كل شيء صاحب خبر، فرفع ذلك إليه في الخبر، فوجّه إلى الفراء فاستدعاه، فلما دخل عليه قال له: منْ أعز الناس؟ قال: ما أعرف أعز من أمير المؤمنين قال: بلى، من إذا نهض تقاتل على تقديم نعليه وليا عهد المسلمين، حتى رضي كل واحد منهما أن يقدم فردًا. قال: يا أمير المؤمنين، لقد أردت منعهما من ذلك، ولكن خشيت أن أدفعهما عن مكرمة سبقا إليها، أو أكسر نفوسهما عن شريفة حرصا عليها، وقد يروى عن ابن عباس أنه أمسك للحسن والحسين ركابيهما حين خرجا من عنده، فقال له بعض من حضر: أتمسك لهذين الحديثين ركابيهما وأنت أشرف منهما؟ قال له: اسكت يا جاهل، لا يعرف الفضل ¬

(¬1) لم أجد في القواميس لهذه الكلمة من معنى.

(ب) فضل الأولاد

لأهل الفضل إلا أهل الفضل، وأنا ذو فضل، فقال له المأمون: لو منعتهما عن ذلك لأوجعتك لومًا وعتبًا، وألزمتك ذنبًا، وما وضع ما فعلاه من شرفهما، بل رفع من قدرهما وبيّن عن جوهرهما، ولقد تبينت لي مخيلة الفراسة بفعلهما، فليس يكبر الرجل وإن كان كبيرًا عن ثلاث: عن تواضعه لسلطانه، ولوالده، ولمعلمه العلم، ولقد عوضتهما عما فعلاه عشرين ألف دينار، ولك عشرة آلاف درهم على حسن أدبك لهما. [المنتظم 10/ 179]. (ب) فضل الأولاد: * عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: إن الرجل لتُرفع له الدرجة فيقول: يا رب أنَّى لي هذه؟ فيقال له: باستغفار ولدك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 357]. * وعن بقية بن الوليد قال: لقيت إبراهيم بن أدهم رحمه الله بالساحل فقلت: أكنيك أم أدعوك باسمك؟ فقال: إن كنيتي قبلت منك، وإن دعوتني باسمي فهو أحب إلي، فقال لي: يا بقية كن ذنبا ولاتكن رأسًا، فإن الذنب ينجو والرأس يهلك، قال: قلت له: ما شأنك لا تتزوج؟ قال: ما تقول في رجل غر امرأته وخدعها؟ قلت: ما ينبغي هذا، قال: فأتزوج امرأة تطلب ما يطلب النساء؟ لا حاجة لي في النساء، قال: فجعلت أثني عليه، قال: ففطن فقال: لك عيال؟ فقلت: نعم، قال: روعة من روعة عيالك أفضل مما أنا فيه. [الحلية (تهذيبه) 2/ 486]. (جـ) فضل الإنفاق عليهم: * عن أبي قلابة رحمه الله قال: أيّ رجل أعظم أجرًا من رجل ينفق على عيالٍ له صغار، يُعفّهم الله به ويُغنيهم. [صفة الصفوة 3/ 168]. * وقال عبد الله بن المبارك رحمه الله: لا يقع موقعَ الكسب على العيال شيءٌ، ولا الجهادُ في سبيل الله - عزَّ وجلَّ. [صفة الصفوة 4/ 375]. * وقال الشعبي رحمه الله: ما ترك عبد مالًا هو فيه أعظم أجرًا، من مال يتركه لولده يتعفف به عن الناس. [الحلية (تهذيبه) 2/ 112].

(د) تشجيعهم وعدم احتقارهم

* وعن حماد قال: رأيت أيوب رحمه الله لا ينصرف من سوقه؛ إلا معه شيء يحمله لعياله، حتى رأيت قارورة الدهن بيده يحملها، فقلت له في ذلك. فقال: إني سمعت الحسن رحمه الله يقول: إن المؤمن أخذ عن الله - عزَّ وجلَّ - أدبًا حسنًا، فإذا أوسع عليه أوسع وإذا أمسك عليه أمسك. [الحلية (تهذيبه) 1/ 433]. * وعن حماد بن زيد قال: قال لنا أيوب رحمه الله: لو احتاج أهلي إلى دستجة بقل لبدأت بها قبلكم. [الحلية (تهذيبه) 1/ 434]. * وعن الحسن رحمه الله قال: المقتر على عياله خائن. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 90]. * وقال أيضًا رحمه الله: ما يعلم أهل السماء وأهل الأرض ما يثبت اللهُ العبدَ على الشيء يُفرِّح به عياله وأهله وولده. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 91]. * وقيل للحسن رحمه الله: الرجل ينفق على أهله النفقة لو شاء اكتفى بدونها، فقال: أيها الرجل أوسع على نفسك كما وسَّع الله عليك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 91]. * وعن مسلم قال: لقيني معاوية بن قرة رحمه الله وأنا جاءٍ من الكلأ، فقال: ما صنعت؟ قلت: استبرأت لأهلي كذا وكذا، قال: وأصبته من حلال؟ قال: قلت: نعم، قال: لَأن أغدو فيما غدوت فيه كل يوم: أحب إلي من أن أقوم الليل وأصوم النهار. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 91]. * وقيل للحسن رحمه الله: يا أبا سعيد أرأيت إن اشتريت لامرأتي عطرا بعشرين درهما أسرف هو؟ قال: لا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 92]. (د) تشجيعهم وعدم احتقارهم: * وعن يوسف بن الماجشون قال: قال لنا ابن شهاب رحمه الله - أنا وابن أخي وابن عم لي ونحن غلمان أحداث نسأله عن الحديث -: لا تحقروا أنفسكم لحداثة أسنانكم فإن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، كان إذا نزل به الأمر المعضل دعا الشبان فاستشارهم يبتغي حدة عقولهم. [الحلية (تهذيبه) 2/ 24].

(هـ) العدل بينهم

* وعن الحسن رحمه الله قال: كان الغلام إذا حَذِق قبل اليوم نحروا جزورا، وصنعوا طعاما للناس. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 76]. * وعن يحيى بن صالح العبدي، قال: أتيت الحسن رحمه الله وأنا غلام، فقعدت بعيدا من الحلقة فقال لي: يا بني ادن ما لك قعدت بعيدا؟ قال: قلت: يا أبا سعيد، إني حسَّنْتُ الحُصُر قال: لا تفعل إذا جئت فاجلس إلى جنبي، قال: كنت آتيه فيقعدني إلى جنبه ويمسح رأسي ويملي علي الحديث. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 133]. (هـ) العدل بينهم: * عن إبراهيم رحمه الله قال كانوا يستحبون أن يسووا بين أولادهم حتى في القُبَل. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 24]. * وعن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه ضم ابنا له وكان يحبه، فقال: يا فلان والله إني لأحبك، وما أستطيع أن أوثرك على أخيك بلقمة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 24]. * وعن الحسن رحمه الله قال: إذا لم يعدل المعلم بين الصبيان كُتب من الظلمة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 84]. (و) تزويج الأبناء والبنات: * قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: لا ينبغي لذوات الأحساب تزوُّجُهُنَّ إلا من الأكفاء. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 39]. * وقال - رضي الله عنه -: لا يُكرِهنَّ أحدٌ ابنته على الرجل القبيح؛ فإنهن يحببن ما تحبون. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 39]. * وقالت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها: إنما النكاح رِقّ، فلينظر أحدكم أين يَرِقُّ عتيقته. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 39]. * وقال سعيد بن العاص - رضي الله عنه -: إذا علمت ولدي القرآن، وحجَّجته، وزوجته، فقد قضيت حقه، وبقي حقي عليه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 49].

(ز) العطف عليهم، والمحبة لهم، ومداعبتهم

* وقال الأحنف بن قيس رحمه الله أفعى تحكَّكُ في ناحية بيتي أحبُّ إلي من أيِّمٍ قد رددت عنها كفوءا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 41]. * وقال رجل للأحنف بن قيس رحمه الله: يا أبا بحر ما رأيت أحدا أشد أناءة منك، قال: اعرف مني عجلةً في ثلاث: الصلاة إذا حضرت حتى أؤديها، والجنازة إذا حضرت حتى أواريها، وأيِّمٌ إذا خُطبت حتى أزوجها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 41]. * وعن الشعبي رحمه الله قال: من زوج فاسقا فقد قطع رحمه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 39]. * وقال رجل للحسن رحمه الله: إن لي بُنَيّة وإنها تُخْطَب، فمِمَن أُزَوِّجها؟ فقال: زوجها ممن يتقِي اللهّ، فإن أحبّها أكرمها، وإن أبغضها لم يَظْلِمها. [عيون الأخبار 4/ 308، موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 39]. * وخطب سليمان بن عبد الملك إلى هاني بن كلثوم رحمه الله ابنه على أيوب، وهو ولي عهد، فأبى أن يزوجه، ثم انصرف إلى أهله، فدعى ابن عمٍّ له فزوجه، فقال سليمان: أمَّا لو أراد الدنيا لزوَّجنا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 40]. * وعن ابن جريج قال: قلت لعطاء رحمه الله: أبو بِكْرٍ دعاها إلى رجل، فهويت غيره؟ قال: يلحق بهواها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 40]. * وعن سفيان رحمه الله قال: كان يقال: حق الولد على والده: أن يحسن اسمه، وأن يزوجه إذا بلغ، وأن يحججه، وأن يحسن أدبه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 50]. * وعن قتادة رحمه الله قال: كان يقال: إذا بلغ الغلام فلم يزوجه أبوه، فأصاب فاحشة: أثِم الأب. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 50]. (ز) العطف عليهم، والمحبة لهم، ومداعبتهم: * قال البراء بن عازب: اشترى أبو بكر - رضي الله عنه - من عازب رحلا، فحملته معه، فدخلت معه إلى أهله، فإذا عائشة مضطجعة وهي محمومة، فأكب عليها، وقبَّل خدها، وقال: كيف تجديك يا بنية؟. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 63].

* وعن عقبة بن الحارث قال: رأيت أبا بكر - رضي الله عنه - يحمل الحسن بن علي ويقول: بأبي شِبْه النبي ... ليس شبيهًا بعليّ وعلي معه يتبسم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 67]. * وعن نافع قال: كان ابن عمر - رضي الله عنه - إذا لقي ابنه سالما قبَّله، ويقول: شيخ يقبل شيخا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 44]. * وعن فاطمة بنت سعد قالت: ربما أجلسني أبو هريرة - رضي الله عنه - في حجره، فيمسح على رأسي، ويدعو لي بالبركة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 64]. * وعن أبي واثلة أن معاوية دخلته موجدة على ابنه يزيد، فأرِق لذلك ليلته، فلما أصبح بعث إلى الأحنف بن قيس رحمه الله فأتاه، فلما دخل عليه قال له: يا أبا بحر كيف رضاك على ولدك، وما تقول في الولد؟ قال: فقلت في نفسي: ما سألني أمير المؤمنين عن هذه إلا لموجدة دخلته على يزيد، فحضرني كلام لو كنت زوَّقت فيه سنة لكنت قد أجدت. فقلت: يا أمير المؤمنين هم ثمار قلوبنا، وعماد ظهورنا، ونحن لهم أرض ذليلة، وسماء ظليلة، فإن غضِبوا يا أمير المؤمنين فأرضهم، وإن طلبوك فأعطهم، يمحضوك ودهم، ويلطفون جهدهم، ولا تكن علهم ثقلا لا تعطيهم إلا نزرا، فيملوا حياتك، ويكرهوا قربك. قال: لله درك يا أحنف، والله لقد بعثت إليك وإني من أشد الناس موجدة على يزيد، فلقد سللت سخيمة قلبي. يا غلام اذهب إلى يزيد فقل: إن أمير المؤمنين يقرئك السلام وقد أمر لك بمائتي ألف، ومائتي ثوب، فابعث من يقبض ذلك، فأتاه الرسول فأخبره، فقال: من عند أمير المؤمنين؟ قال: الأحنف، فبعث رسولا يأتيه بالمال ورسولا يأتيه بالأحنف إذا خرج من عند أمير المؤمنين، فأتاه الأحنف وأتاه المال، فقال: يا أبا بحر كيف كان رضى أمير المؤمنين؟ فأعاد عليه الكلام الذي كلم به معاوية، فقال: لا جرم لأقاسمنك الجائزة، فأمر له بمائة ألف، ومائة ثوب. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 45].

(ز) التسليم على الصبيان

* وعن مسلم أبي عبد الله الحنفي رحمه الله قال: بِرَّ ولدك؛ فإنه أجدر أن يبرك، وإنه من شاء عق ولده. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 44]. * وعن شيخ من أهل الكوفة قال، رأيت ابنا لمسعر بن كدام رحمه الله حَدَثا، وثب على معسر فعض يده حتى تلوى الشيخ من عضته، ثم رأيته من غَدٍ متنكبا فرسا له مع شباب أهل الكوفة، فمر بمسعر فقال مسعر: لقد صنع بي بالأمس ما رأيتم، وما نفس أعز علي منه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 47]. * وعن الأشجعي قال: كنا مع سفيان الثوري رحمه الله فمر ابنه سعيد، فقال: ترون هذا؟ ما جفوته قط، وربما دعاني وأنا في صلاة غير مكتوبة فأقطعها له. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 47]. * وقال يحيى بن يمان: خرجت إلى مكة فقال لي سعيد بن سفيان: أقرىء أبي السلام، وقل له: تقدم، فلقيني سفيان رحمه الله بمكة، فقال: ما فعل سعيد؟ قلت: صالح، وهو يقول لك: أقدِم، فتجهز للخروج، وقال: إنما سموا الأبرار لأنهم أبروا الآباء والأبناء. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 47]. * وعن ربيعة بن كلثوم قال: رآني سعيد بن جبير رحمه الله وأنا صبي فقبلني. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 64]. (ز) التسليم على الصبيان: * عن عثمان بن إبراهيم قال: رأيت ابن عمر - رضي الله عنه - يمر بنا ونحن صبيان فيسلم علينا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 71]. * وعن بشر بن حرب قال: خرجت مع ابن عمر - رضي الله عنه - إلى السوق، فجعل لا يمر على صغير ولا كبير إلا قال: سلامٌ عليكم، سلامٌ عليكم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 71]. * وعن أم نهار قالت: كان أنس بن مالك - رضي الله عنه - يمر بنا في كل جمعة، فيسلم علينا إذا مر، ونحن صبيان. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 71]. * وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه كان يسلم على الصبيان. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 71].

(حـ) مداعبة الصبيان، والرخصة في لعبهم

* وكان الحسن وعروة رحمهما الله يسلِّمان على الصبيان. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 71]. * وعن حبش بن الحارث قال: رأيت عمرو بن ميمون رحمه الله مر علينا ونحن في الكُتَّاب فسلم علينا، فنقبل له عمدا، فيمر علينا فيسلم علينا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 70]. (حـ) مداعبة الصبيان، والرخصة في لعبهم: * عن الحسن رحمه الله أنه دخل منزله، وصبيان يلعبون فوق البيت، فنهاهم رجل معه، فقال الحسن: دعهم فإن اللعب ربيعهم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 131]. * وعن واصل، قال: وذَكر له - أي للحسن رحمه الله - رجل بنتا له وكلب له أو جرو يلعب فقال: دعه، فلعب معه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 132]. * وعن زيد بن السائب، قال: رأيت الصبيان يلعبون بالجوز والعكامة وخارجة بن زيد رحمه الله ينظر ولا ينهاهم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 132]. * وعن إبراهيم رحمه الله، قال: كانوا يرخصون للصبيان في اللعب كله إلا بالكلاب. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 132]. (ط) العناية باليتيم، وتأديبهم: * عن أبي الدرداء - رضي الله عنه -، قال: اتقوا دمعه اليتيم ودعوة المظلوم؛ فإنهما يسيران بالليل والناس نيام. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 135]. * وضرب ابن عمر - رضي الله عنه - عبيده الأيتام في حجره يقول: أبطأتم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 139]. * وعن قتادة رحمه الله، قال: كن لليتيم كالأب الرحيم، ورُدَّ المسكين برحمة ولين. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 136]. * وعن فرقد السبخي رحمه الله، قال: ما خلق مائدة أعظمَ شرفا من مائدة يُطعم عليها يتيم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 136]. * وعن الليث بن سعد، أن عميرة بن أبي ناجية رحمه الله حدثه قال:

(ي) فوائد أخرى

أخذت يتيما من قريش فانقلبت به إلى منزلي وأطعمته ودهنته ووهبت له فلوسا وقلت: اللهم أشرك أمي معي فيما صنعت بهذا اليتيم، قال: ثم نمت فرأيت أمي أقبلت مُلْتبسة على أحسن ما كانت، معها ذلك اليتيم، حتى وقفت ثم قالت: أيْ بني لو رأيت ما صنع بي هذا الغلام منذ اليوم؟ قال الليث: تقول: أصبت به خيرا للذي كان من عميرة ابنها لليتيم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 137]. * وكان ميمون بن مهران رحمه الله يضرب يتيما له عنده واليتيم يقول: لا ترحم هذا اليتيم؟ اتق الله في هذا اليتيم، وميمون يضرب ويقول: اللهم أصلح هذا اليتيم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 139]. (ي) فوائد أخرى: * قال ابن عباس - رضي الله عنه - في قوله - تعالى -:: {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم} [الطور: 21] قال: المؤمن ترفع له ذريته وإن كان دونه في العمل، فيقر الله - عزَّ وجلَّ - به عينه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 85]. * وقال أيضًا - رضي الله عنه -: في قوله - تعالى -:: {والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين} [الفرقان: 74]: أما إنه لم يكن قرة أعين أن يرونه صحيحا جميلا، ولكن أن يرونه مطيعا لله - عزَّ وجلَّ. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 99]. * وقيل لنافع: كان ابن عمر - رضي الله عنه - يجيب دعوة صاحب الختان إلى طعامه؟ قال: نعم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 131]. * وعن القاسم قال: أرسلت إلي عائشة - رضي الله عنها - بمائة درهم فقالت: أطعم بها على ختان ابنك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 131]. * وعن عياض بن محمد الرقي قال: سألت عبد الله بن يزيد هل رأيت واثلة بن الأسقع رضي الله عنه؟ قال: نعم، كان في ختان ابنه حين صنع طعاما، ودعى الناس ومعه صَراحيَّتان فيهما طلاء على الثلث، يسقيه الناس، ويقول: اشربوا بارك الله فيكم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 131]. * وكتب أبو الدرداء - رضي الله عنه - إلى بعض إخوانه - وخاف عليه حب ولده -: أما بعد يا أخي، فإنك لست في شيء من الدنيا إلا وقد كان له أهلٌ قبلَك،

وستكونُ أهلٌ بعدَك، وإنما تجمع لمن لا يحمدك، وتصير إلى من لا يعذرك، وإنما تجمع لأحد رجلين: إما محسن فيسعد بما شقيت له، وإما مفسد فيشقى بما جمعت له، وليس واحد منهما أهلا أن تؤثره على نفسك، ثِق لمن مضى منهم رحمةُ الله، ولمن بقي منهم رزقُ الله، والسلام. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 104]. * وقيل للشعبي: إن إياس بن معاوية لا يرى شهادة الصبيان شيئا، فقال الشعبي: حدثني مسروق أنه كان عند علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وجاءه خمسة غِلمة كانوا يتغاوطون في الماء، وإنهم غرقوا غلاما منهم فقالوا: إنا كنا ستة نتغاطى في الماء فغرق منا غلام، يشهد الثلاثة على الاثنين أنهما غرقاه، وشهد الثلاثة أنهم غرقوه، فجعل على الاثنين ثلاثة أخماس الدية، وعلى الثلاثة خمس الدية. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 140]. * وعن عروة بن الزبير رحمه الله قال: تجوز شهادة الصبيان إذا لم يكن معهم غيرهم، ويؤخذ بأول قولهم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 140]. * وقال فضيل بن عياض: رأى مالك بن دينار رحمه الله رجلًا يُسيء صلاته، فقال: ما أرحمني لعياله. فقيل له: يسيء هذا صلاته وترحم عياله؟ قال: إنه كبيرهم ومنه يتعلمون. [صفة الصفوة 3/ 204]. * وعن هاشم أنه قال: لما كانت الصرعة التي هلك فيها عمر بن عبد العزيز رحمه الله دخل عليه مسلمة بن عبد الملك، فقال: يا أمير المؤمنين، إنك أفقرت أفواه ولدك من هذا المال فتركتهم عيلة لا شيء لهم، فلو أوصيت بهم إليّ وإلى نظرائي من أهل بيتك. فقال: أسندوني، ثم قال: ما منعتهم حقًا هو لهم، ولم أعطهم ما ليس لهم، وإن وصيتي فيهم و {وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} [الأعراف: 196] بنيّ أحد رجلين: إما رجل يتقي الله فيجعل الله له مخرجًا، وإما رجل مكب على المعاصي فلم أكن أقويه على معصية الله - عزَّ وجلَّ. ثم بعث إليهم وهم بضعة عشر ذكرًا، فنظر إليهم فذرفت عيناه فبكى، ثم قال: بنفسي الفتية الذين تركتهم عيلة لا شيء لهم، وإني بحمد الله قد تركتهم بخير، أي بنيّ إن أباكم مثل بين أمرين: أن تستغنوا ويدخل أبوكم النار، أو

تفتقروا ويدخل الجنة، فكان أن تفتقروا ويدخل الجنة أحب إليه، قوموا عصمكم الله. [المنتظم 7/ 71]. * وقيل لبعضهم: أيّ ولدك أحبّ إليك؟ قال: صغيرُهم حتى يكبَر، ومريضُهم حتى يَبْرَأ، وغائبُهم حتى يَقدَم. [عيون الأخبار 3/ 96]. * وكان يقال: ابنُك ريحانُك سَبْعًا، وخادمك سبعًا، ثم عدوٌّ أو صديق. [عيون الأخبار 3/ 98]. * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 3/ 99]. وإنما أولادُنا بينَنا ... أكبادُنا تمشِي على الأرضِ لو هبّتِ الريحُ على بعضهم ... لا متنعتْ عيني من الغَمْضِ * وقال ضرار بن عَمْرو الضَّبيّ، وقد رُئي له ثلاثةَ عشرَ ذكرًا قد بلغوا: من سَرّه بنوه سَاءَتْه نفسُه. [عيون الأخبار 3/ 99]. * وقال رجل عند الحسن رحمه الله لآخر ليهنك الفارس، فقال الحسن: لعله لا يكون فارسًا، لعله يكون بقالًا، أو جمَّالًا، ولكن قل: شكرت الواهب، وبورك لك في الموهوب، بلغ أشده، ورُزقت بره. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 55]. * وعن الحسن البصري رحمه الله أنه قيل له: أين أطفال المشركين؟ قال: في الجنة، فقيل له: عمَّن؟ قال: عن الله - عزَّ وجلَّ - قال الله تبارك وتعالى {لاَ يَصْلاَهَآ إِلاّ الأشْقَى * الّذِي كَذّبَ وَتَوَلّىَ} [الليل: 15، 16] وهذا لم يكذب ولم يتول. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 56]. * وعن الحسن رحمه الله أنه كان يقول في الطفل إذا صلى عليه: اللهم اجعله لنا فَرطا، واجعله لنا أجرا، واجعله لنا سلفا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 98]. * وعن صالح بن محمد الليثي قال: قلت لسعيد بن المسيب رحمه الله: إن امرأتي أسقطت، فقال: اذهب فصل عليه، وسمِّه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 99]. * وكان أيوب السختياني رحمه الله إذا هنأ بمولود قال: جعله الله مباركا عليك وعلى أمة محمد. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 55].

* وعن القاسم بن محمد رحمه الله، قال: يُجرد الصبي ويُهل عنه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 142]. * وعن حصين بن علي، قال: كان علي بن حسين رحمه الله يخرج بي وأنا صبي إلى مكة، فيجردني من نحو الجحفة، ثم يأتي فيُطاف بي. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 142]. * وعن عطاء رحمه الله، قال: يقضى عن الصبي كل شيء إلا الصلاة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 142]. * وسئل الزهري رحمه الله عن الصبي يُحج به؟ قال: نعم ويُجنب ما يجنب المحرم من الثياب والطيب، ولا يغطى رأسه، ويَرمي عنه الجمار بعضُ أهله، ويُنحر عنه إن تمتع. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 142]. * وعن قيس بن محمد بن الأشعث قال: أتي بي عائشة - رضي الله عنها - وأنا سيئ البصر، فتفلت في عيني ورقتني. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 143]. * وعن أبي قلابة رحمه الله، قال: لا بأس أن يكتب القرآن في الشيء يُغسل للرجل. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 143]. * وعن يونس بن خباب قال: استشرت أبا جعفر محمد بن علي رحمه الله في تعليق العاذة؟ قال: نعم إذا كان من كتاب الله - عزَّ وجلَّ - أو عن كلام عن نبي الله - صلى الله عليه وسلم -، وأمرني أن أستشفي به ما استطعت، فكتب لي كتابا من الحمى الرَّبَع {يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا} [الأنبياء: 69] إلى قوله - تعالى -:: {الأَخْسَرْين} [الأنبياء: 70] اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل اشف صاحب هذا الكتاب. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 143].

عناية السلف بالجار، وما قيل في ذلك

عناية السلف بالجار، وما قيل في ذلك * قال سفيان الثوري رحمه الله: إذا اشتريت شيئًا لا تريد أن تنيل جارك منه فواره. [الحلية (تهذيبه) 2/ 405]. * وقال محمد بن علي بن الحسن: أراد جار لأبي حمزة السكري رحمه الله أن يبيع داره، قال: فقيل له: بكم تبيعها؟ قال: بألفين ثمن الدار، وألفين حق جوار أبي حمزة. قال: فبلغ ذلك أبا حمزة، فوجَّه إليه بأربعة آلاف، وقال: خذها ولا تبع دارك. [المنتظم 8/ 302].

المواساة وتفريج الكرب

المواساة وتفريج الكُرب * عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: يحشر الناس يوم القيامة أعرى ما كانوا قط، وأظمأ ما كانوا قط، وأنصب ما كانوا قط، فمن كسا لله كساه الله، ومن أطعم لله أطعمه، ومن سقى لله سقاه، ومن عمل لله أغناه الله. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 165]. * وجاء رجل إلى الحسين بن علي - رضي الله عنه - فسأله أن يذهب معه في حاجة، فقال: إني معتكف، فأتي الحسن بن علي - رضي الله عنه - فأخبره، فقال الحسن: لو مشى معك في حاجتك أحب إلي من اعتكاف شهر. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 185]. * وقيل لمحمد ابن المنكدر رحمه الله: أي الدنيا أعجب إليك؟ قال: إدخال السرور على المؤمن. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 166]. * وقال الحسن البصري رحمه الله: لأن أقضى لمسلم حاجة أحب إلى من أن أصلى ألف ركعة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 170]. * وقال رحمه الله: لأن أقضى لأخ حاجة أحب إلى من أن أعتكف شهرين. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 170]. * وقال عبد الله بن جعفر رحمه الله: ليس الجواد الذي يعطيك بعد المسألة، ولكن الجواد الذي يبتدىء، لأن ما يبذله إليك من وجهه: أشد عليه مما يُعطى عليه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 171]. * وقال عبيد الله بن عباس رحمه الله: إن أفضل العطية ما أعطيت الرجل قبل المسألة، فإذا سألك: فإنما تعطيه ثمن وجهه حين بذله إليك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 170].

* وعن مالك بن دينار قال بعث الحسن البصري رحمه الله محمد بن نوح وحميد الطويل في حاجة لأخيه، فقال: مروا ثابت البناني فأشخصوا به معكم، فقال لهم ثابت: إني معتكف، فرجع حميد إلى الحسن فأخبره بالذي قال ثابت، فقال له: ارجع إليه فقل له: أما تعلم أن مشيك في حاجة أخيك خير لك من حجة بعد حجة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 206]. * وقال محمد بن واسع رحمه الله: ما رددت أحدًا عن حاجة أقدر على قضائها. ولو كان فيها ذهاب مالي. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 186]. * وعن طلحة بن عبد الله الخزاعي رحمه الله قال: ما بات لرجل على موعود فتململ في ليلة ليغدو بالظفر بحاجته، أشد من تململي بالخروج إليه من عِدَته، تخوفا من عارض خُلف، إن الخلف ليس من خلق الكريم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 186]. * وجاء رجل إلى يونس بن عبيد رحمه الله، فشكا إليه ضيقًا من حاله ومعاشه واغتمامًا منه بذلك، فقال له يونس: أيسرّك ببصرك هذا الذي تبصر به مائة ألف؟ قال: لا. قال: فسمعك الذي تسمع به يسرّك به مائة ألف؟ قال: لا. قال: فؤادك الذي تعقل به يسرك به مائة ألف؟ قال: لا. قال: فيَداك يسرك بهما مائة ألف؟ قال: لا. قال: فرجلاك؟ قال: فذكّره نِعَمَ الله - عزَّ وجلَّ - عليه، فأقبل عليه يونس، فقال: أرى لك مئين ألوفًا، وأنت تشكو الحاجة. [صفة الصفوة 3/ 218]. * وعن أحمد بن عبثر قال: لما ماتت أم صالح رحمها الله - زوجة أحمد بن حنبل - قال أحمد رحمه الله لامرأة عندهم: اذهبي إلى فلانة ابنة عمي فاخطبيها لي من نفسها. قال: فأتتها فأجابته، فلما رجعت إليه قالت: كانت أختها تسمع كلامك. قال: وكانت بعين واحدة؟ قالت: نعم، قال: فاذهبي واخطبي تلك التي بعين واحدة فأتتها فأجابته وهي أم عبد الله. [المنتظم 11/ 288]. * وعن إبراهيم بن مسعود قال: كان رجل من تجار المدينة يختلف إلى جعفر بن محمد، فيخالطه ويعرفه محسن الحال، فتغيرت حالته فجعل يشكو ذلك إلى جعفر بن محمد، فقال جعفر:

فلا تجزع إذا أعسرت يومًا ... فقد أيسرت في الزمن الطويل ولا تيأس فإن اليأس كفر ... لعل الله يغني عن قليل ولا تظنن بربك ظن سوء ... فإن الله أولى بالجميل قال: فخرجت من عنده وأنا أغنى الناس. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 145]. * وقال جعفرُ بن وَرْقاء الأمير رحمه الله: اجتزتُ بابن الجصاص وكان مصاهري، فرأيتُه على حوش داره حافيًا حاسرًا، يعدو كالمجنون، فلما رآني استحيى، فقلت: مالك؟ قال: يحقُّ لي، أخذوا مني أمرًا عظيمًا، فلُمتُه وقلت: ما بقي يكفي، وإنما يقلقُ هذا القلقَ من يخافُ الحاجة، فاصبر حتى أُبيِّنَ لك غناك. قال: هات. قلت: أليس دارك هذه بآلتها وفُرُشها لك؟ وعقارك بالكَرْخِ وضِياعُك؟ قال: بلى. فما زلت أحاسبُه حتى بلغَ قيمة سبع مئة ألف دينار، ثم قلت: واصدُقْني عما سلم لك، فحسَبْناه، فإذا هو بثلاث مئة ألف دينار، قلت: فمن له ألف ألف دينار ببغداد؟! هذا وجاهُك قائم. فلمَ تغتمّ؟ فسجد لله وحمده وبكى، وقال: أنقذني الله بك، ما عزّاني أحد بأنفع من تعزيتك ما أكلتُ شيئًا منذ ثلاث، فأقِم عندي لنأكلَ ونتحدّث، فأقمت عنده يومين. [السير (تهذيبه)]. * وقال أحمد بن مهدي رحمه الله: جاءتني امرأة ببغداد ليلة من الليالي، فذكرت أنها من بنات الناس وأنها امتحنت بمحنة، وقالت: أسألك بالله أن تسترني، فقلت: وما محنتك؟ قالت: أكرهت على نفسي وأنا حبلى، وذكرت للناس أنك زوجي، وأن ما بي من الحبل منك فلا تفضحني، استرني سترك الله - عزَّ وجلَّ - فسكت عنها ومضت فلم أشعر حتى وضعت، وجاء إمام المحلة في جماعة من الجيران يهنئوني بالولد، فأظهرت لهم التهلل ووزنت في اليوم الثاني دينارين ودفعتهما إلى الإمام، فقلت: ادفع هذا إلى تلك المرأة لتنفقه على المولود فإنه سبق ما فرق بيني وبينها، وكنت أدفع في كل شهر إليها دينارين على يد الإمام، وأقول: هذه نفقة المولود، إلى أن أتى على ذلك سنتان، ثم توفي المولود فجاءني الناس يعزونني، فكنت أظهر لهم التسليم والرضا، فجاءتني المرأة ليلة من الليالي بعد شهر ومعها تلك الدنانير التي كنت أبعث لها بيد الإمام فردتها، وقالت: سترك الله - عزَّ وجلَّ - كما سترتني، فقلت:

هذه الدنانير كانت صلة مني للمولود، وهي لك فاعملي فيها ما تريدين. [المنتظم 13/ 284، 285]. * وعن يحيى بن خاقان قال: حضرت الحسن بن سهل رحمه الله وقد جاءه رجل يستشفع به في حاجة فقضاها، فأقبل الرجل يشكره ، فقال له الحسن: علام تشكرنا ونحن نرى أن للجاه زكاة، كما أن للمال زكاة؟ ثم أنشأ الحسن يقول: فرضت عليّ زكاةُ ما ملكت يدي ... وزكاة جاهي أن أعين وأشفعا فإذا ملكْتَ فَجُدْ وإن لم تستطع ... فاجهد بوسعك كله أن تنفعا [المنتظم 11/ 240]. * وعن شقيق بن إبراهيم قال: بينا نحن ذات يوم عند إبراهيم بن أدهم رحمه الله، إذ مر به رجل من الصناع، فقال إبراهيم: أليس هذا فلانًا؟ قيل: نعم! فقال لرجل: أدركه فقل له: قال لك إبراهيم: مالك لم تسلم؟ قال: لا والله، إن امرأتي وضعت وليس عندي شيء فخرجت شبه المجنون، فرجعت إلى إبراهيم وقلت له: فقال: إنا لله غفلنا عن صاحبنا، حتى نزل به الأمر! فقال: يا فلان ائت صاحب البستان فاستسلف منه دينارين وادخل السوق فاشتر له ما يصلحه بدينار، وادفع الدينار الآخر إليه، فدخلت السوق وأوقرت بدينار من كل شيء وتوجهت إليه فدققت الباب، فقالت امرأته: من هذا؟ قلت: أنا أردت فلانًا، قالت: ليس هو هنا، قلت: فمري بفتح الباب، وتنحي، قال: ففتحت الباب فأدخلت ما على البعير وألقيته في صحن الدار وناولتها الدينار، فقالت: على يدي من هذا؟ قلت: قولي على يد أخيك إبراهيم بن أدهم، فقالت: اللهم لا تنس هذا اليوم لإبراهيم. [الحلية (تهذيبه) 2/ 476]. * وقال إبراهيم بن أدهم رحمه الله: ذهب السخاء والكرم والجود والمواساة، فمن لم يواس الناس بماله وطعامه وشرابه، فليواسهم ببسط الوجه والخلق الحسن، لا تكونون في كثرة أموالكم تتكبرون على فقرائكم، ولا تميلون إلى ضعفائكم، ولا تنبسطون إلى مساكينكم. [الحلية (تهذيبه) 2/ 477]. * وعن مضاء بن عيسى قال: ما فاق إبراهيم بن أدهم رحمه الله أصحابه بصوم ولا صلاة، ولكن بالصدق والسخاء. [الحلية (تهذيبه) 2/ 478].

عناية السلف بالفقراء والمساكين

عناية السلف بالفقراء والمساكين (¬1) * قال أسلم: خرجتُ ليلةً مع عمرَ - رضي الله عنه - إلى ظاهرِ المدينة، فلاحَ لنا بيتُ شعْرٍ فقصدْناه، فإذا فيه امرأةٌ تمْخضُ وتَبْكي، فسألها عمرُ عن حالها، فقالت: أنا امرأةٌ غريبةٌ وليس عندي شيءٌ. فبكى عمر وعاد يُهَرْوِلُ إلى بيته، فقال لامرأتِه أمِّ كلثوم بنت عليِّ بن أبي طالب: هل لك في أجرٍ ساقه الله إليكِ؟ وأخبرها الخبر، فقالت: نعم، فحمَل على ظهره دقيقًا وشحمًا، وحملت أمُّ كلثوم ما يصلحُ للولادةِ وجاءا، فدخلَت أمُّ كلثوم على المرأةِ، وجلس عمرُ مع زوجها - وهو لا يعرفُه - يتحدَّث، فوضعت المرأةُ غلامًا، فقالت أمُّ كلثومٍ: يا أمير المؤمنين بَشّرْ صاحبَك بغلامٍ. فلمَّا سمع الرجلُ قولها ¬

(¬1) قال ابن رجب رحمه الله: حب المساكين أصل الحب في الله تعالى؛ لأن المساكين ليس عندهم من الدنيا ما يوجب محبتهم لأجله, فلا يحبون إلا لله - عز وجل - والحب في الله من أوثق عرى الإيمان, ومن علامات ذوق حلاوة الإيمان, وهو صريح الإيمان, وهو أفضل الإيمان, وهذا كله مروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه وصف به الحب في الله تعالى. الجامع المنتخب / 77 وقال رحمه الله: واعلم أن محبة المساكين لها فوائد كثيرة: منها: أنها توجب إخلاص العمل لله - عز وجل -؛ لأن الإحسان إليهم لمحبتهم لا يكون إلا لله عز وجل؛ لأن نفعهم في الدنيا لا يرجى غالبًا. ومنها: أنها تزيل الكبر, فإن المستكبر لا يرضا مجالسة المساكين. ومنها: أنه يوجب صلاح القلب وخشوعه. ومنها: أن مجالسة المساكين توجب رضا من يجالسهم بزرق الله - عز وجل - وتعظم عنده نعمة الله - عز وجل - بنظره في الدنيا إلى من دونه, ومجالسة الأغنياء توجب التسخط بالرزق, ومد العين إلى زينتهم وما هم فيه. وقد نهى الله - عز وجل - نبيه - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك, فقال تعالى: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: 131] الجامع المنتخب / 85 - 88.

استعظم ذلك وأخذ يعتذرُ إلى عمر. فقال عمرُ: لا بأس عليك. ثم أوصلَهم بنفقةٍ وما يُصلحُهم وانصرف. * وقال أسلمُ: خرجتُ ليلةً مع عمر - رضي الله عنه - إلى حرَّة واقمٍ، حتى إذا كنّا بصِرارٍ إذا بنارٍ فقال: يا أسلَمُ ههُنا ركبٌ قد قصَّر بهم الليلُ، انطلقْ بنا إليهم. فأتيْناهم فإذا امرأةٌ معها صبيانٌ لها، وقدرٌ منصوبةٌ على النارِ، وصبْيانُها يتضاغَون، فقال عمر: السلامُ عليكم يا أصحاب الضَّوْء. قالت: وعليك السلامُ. قال: أدْنُو؟ قالت: ادْنُ أو دَعْ. فدنا فقال: ما بالُكم؟ قالت: قصَّرَ بِنا الليلُ والبرْدُ. قال: فما بالُ هؤلاءِ الصِّبْية يَتَضاغون؟ قالت: من الجوع. فقال: وأيُّ شيءٍ على النار؟ قالت: ماءٌ أعَلِّلُهم به حتى ينامُوا، اللهُ بيننا وبين عمرَ! فبكى عمرُ ورجع يهرْولُ إلى دار الدقيق، فأخرج عِدْلًا من دقيقٍ وجرَابَ شحْمٍ، وقال: يا أسْلَمُ احملْه على ظهري فقلت: أنا أحملُه عنك فقال: أنتَ تحملُ وزْري يومَ القيامةِ؟ فحمَله على ظهرهِ وانطلقنا إلى المرأةِ، فألقَى عن ظهره وأخرجَ من الدَّقيق في القدْر، وألقى عليه من الشَّحم، وجعل ينفُخُ تحتَ القدْر الدُّخان يتخلَّلُ لحيتَه ساعةً، ثم أنزلها عن النارِ وقال: آتني بصحفةٍ. فأُتي بها فَغرف فيها ثم جعلَها بينَ يَدَيِ الصِّبْيانِ، وقال: كُلوا. فأكلوا حتى شبِعوا - والمرأةُ تدعو له وهي لا تعرفُه - فلم يَزَلْ عندهم حتى نام الصِّغارُ، ثم أوصَلَهم بنفقةٍ وانصرَف فقال: يا أسْلَمُ، الجوعُ الذي أسهَرَهم وأبكاَهم. [البداية والنهاية 7/ 286، 287]. * وعن الأوزاعي أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه خرج في سواد الليل فرآه طلحة، فذهب عمر فدخل بيتًا ثم دخل بيتًا آخر، فلما أصبح طلحة ذهب إلى ذلك البيت فإذا بعجوز عمياء مقعدة، فقال لها: ما بال هذا الرجل يأتيك؟ قالت: إنه يتعاهدني منذ كذا وكذا يأتيني بما يصلحني، ويخرج عني الأذى. فقال طلحة: ثكلتك أمك يا طلحة أعثرات عمر تتبع!. [الحلية (تهذيبه) 1/ 69]. * وعن عبد الله بن بريدة: أن سلمان الفارسي - رضي الله عنه - كان يعمل بيديه، فإذا أصاب شيئًا اشترى به لحمًا - أو سمكًا - ثم يدعو المجذمين فيأكلون معه. [الحلية (تهذيبه) 1/ 161].

* وجاء مسكين أعمى إلى ابن مسعود رضى الله عنه وقد ازدحم الناس عنده، فناداه: يا أبا عبد الرحمن! أدنيت أرباب الخز واليمنية، وأقصيتني لأجل أني مسكين، فقال له: أدن، فلم يزل يدنيه، حتى أجلسه إلى جانبه وبقربه. [الجامع المنتخب / 82]. * وعن أبي بكر بن حفص أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - كان لا يأكل طعامًا، إلا وعلى خوانه يتيم. (رواه عبد الله بن أحمد). [صفة الصفوة 1/ 270]. * وقال جابر بن زيد - رضي الله عنه -: لأن أتصدق بدرهم على يتيم أو مسكين، أحب إلي من حجة بعد حجة الإسلام. [الحلية (تهذيبه) 1/ 462]. * وعن حميد قال: كانت قيمة ثياب بكر بن عبد الله رحمه الله أربعة آلاف وكان يجالس الفقراء والمساكين يحدثهم، ويقول: إنه يعجبهم ذلك. [الحلية (تهذيبه) 1/ 371]. * وعن أبي المنهال الطائي أن علي بن حسين رحمه الله كان إذا ناول السائل الصدقة قبله ثم ناوله. [الزهد للإمام أحمد / 306]. * وعن ابن أبي ودَاعة قال: كُنت أجالس سعيدَ بن المسيِّب رحمه الله، ففقدني أيّاما، فلما جئتُه قال: أين كنتَ؟ قلت: تُوُفيّت أهلي فاشتغلتُ بها، فقال: ألا أخبرتنا فشهدناها، ثم قال: هل استحدثتَ امرأةً؟ فقلت: يرحمك الله، ومن يُزوِّجني وما أملِكُ إلا درهمين أو ثلاثة؟ قال: أنا. فقلت: وتَفعل؟ قال: نَعَمْ، ثم تحمَّد، وصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وزوَّجَني على درهمين - أو قال: ثلاثة - فقمتُ وما أدري ما أصنَعُ من الفَرح فصرتُ إلى منزلي وجعلتُ أتفكَّر فيمن أستدين. فصلَّيت المغربَ، ورجعتُ إلى منزلي، وكنتُ وحدي صائمًا، فقَدَّمتُ عشائي أُفطِر، وكان خُبزًا وزَيتًا، فإذا بابي يُقرع، فقلت: مَن هذا؟ فقال: سعيد، فأَفْكَرْتُ في كلِّ من اسمُه سعيد إلاَّ ابن المسيِّب، فإِنَّه لم يُر أربعين سنة إلا بين بَيتِه والمسجد، فخرجتُ، فإذا سعيد، فظننت أنَّه قد بدا له، فقلت: يا أبا محمد ألا أرسلتَ إليَّ فآتيك؟ قال: لا، أنتَ أحقُّ أن تؤتى، إنَّك كُنتَ رجُلًا عَزَبًا فتزوَّجتَ، فكرهتُ أن تبيتَ الليلةَ وحدَك، وهذه امرأتُك،

فإذا هي قائمةٌ مِن خلفِه في طُوله، ثم أخَذَ بيدِها فدفعها في الباب، وردَّ الباب، فسقطت المرأةُ مِنَ الحياء، فاستوثقتُ مِنَ الباب ثم وضعتُ القصعة في ظِلِّ السراج لكي لا تراه، ثم صعدتُ إلى السطح فرمَيتُ الجيران، فجاؤوني فقالوا: ما شأنك؟ فأخبرتُهم. ونزلوا إليها، وبلَغَ أُمِّي، فجاءت وقالت: وجهي مِن وجهكَ حرامٌ إن مَسِسْتَها قَبْلَ أن أصلِحَها إلى ثلاثة أيام، فأقمتُ ثلاثًا ثم دخلتُ بها، فإذا هي من أجملِ الناس، وأحفظِ الناسِ لكتابِ الله، وأعلمِهِم بسنَّةِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأعرفهم بحقِّ زوج. فمكثتُ شهرًا لاَ آتي سعيدَ بن المسيِّب. ثم أتيتُه وهو في حَلقَتِه، فسلمْتُ، فردَّ عليَّ السلام ولم يُكَلِّمْني حتَّى تقوَّض المجلس، فلما لم يبْقَ غيري. قال: ما حالُ الإنسان؟ قلتُ: خيرٌ يا أبا محمد، على ما يُحِبُّ الصديق، ويكرَهُ العدوُّ. قال: إن رابَكَ شيءٌ فالعَصَا. فانصرفتُ إلى منزلي، فوجَّه إليَّ بعشرين ألف درهم. [السير (تهذيبه) 1/ 485]. * وعن سفيان الثوري أنه قال: كان زبيد اليامي رحمه الله إذا كانت ليلة مطيرة أخذ شعلة من النار فطاف على عجائز الحي فقال: أَوَكَفَ (¬1) عليكم بيت؟، أتريدون نارًا؟، فإذا أصبح طاف على عجائز الحي: ألكم في السوق حاجة أو تريدون شيئًا؟ [المنتظم 7/ 222]. * وعن وهب بن منبه رحمه الله قال: اتخذوا اليد عند المساكين، فإن لهم يوم القيامة دولة. (¬2) [الحلية (تهذيبه) 2/ 52]. ¬

(¬1) كَف البيتُ: هَطَل وقطَر، وكذلك السطْح، ومصدره الوَكِيف والوَكْف. لسان العرب , مادة: وَكَفَ. (¬2) هذا لا يصح عن وهب رحمه الله؛ في سنده: أصرم بن حوشب الهمداني , قال في الإرشاد في معرفة علماء الحديث للخليلي: روى عنه الأئمة وذكروا ضعفه وتركوه. وقال في الضعفاء الكبير للعقيلي: حدثني آدم قال: سمعت البخاري قال: أصرم بن حوشب متروك الحديث. وقال في مجمع الزوائد: متروك الحديث. وقال في كنز العمال: كذاب. وقد شنع شيخ الإسلام ابن تيمية على من قال هذه المقولة؛ فقال رحمه الله: وأما الحديث الآخر وهو قوله: (اتخذوا مع الفقراء أيادي فإن لهم دولة وأي دولة!) فهذا - أيضًا - كذب، ما رواه أحد من الناس، والإحسان إلى الفقراء الذين ذكرهم الله في القرآن، قال الله فيهم: {إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ} إلى قوله: {لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ} [البقرة: 271 - 273]، وأهل الفيء وهم الفقراء المجاهدون الذين قال الله فيهم: {لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ} الآية [الحشر: 8]. والمحسن إليهم وإلى غيرهم عليه أن يبتغي بذلك وجه الله، ولا يطلب من مخلوق لا في الدنيا ولا في الآخرة، كما قال تعالى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [الليل: 17 - 21]، وقال: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} الآية [الإنسان: 8، 9]. ومن طلب من الفقراء الدعاء أو الثناء خرج من هذه الآية؛ فإن في الحديث الذي في سنن أبي داود (من أسدى إليكم معروفًا فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئوه فادعوا له، حتى تعلموا أنكم قد كافأتموه)؛ ولهذا كانت عائشة إذا أرسلت إلى قوم بهدية تقول للمرسول: اسمع ما دعوا به لنا؛ حتى ندعو لهم بمثل ما دعوا، ويبقى أجرنا على الله. وقال بعض السلف: إذا أعطيت المسكين، فقال: بارك الله عليك. فقل: بارك الله عليك. أراد أنه إذا أثابك بالدعاء فادع له بمثل ذلك الدعاء، حتى لا تكون اعتضت منه شيئًا. هذا والعطاء لم يطلب منهم. وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ما نفعني مال كمال أبي بكر) أنفقه يبتغى به وجه الله، كما أخبر الله عنه، لا يطلب الجزاء من مخلوق لا نبي ولا غيره، لا بدعاء ولا شفاعة. وقول القائل: لهم في الآخرة دولة وأي دولة!، فهذا كذب، بل الدولة لمن كان مؤمنًا تقيًا, فقيرًا كان أو غنيًا، وقال تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} ... [الانفطار: 13، 14]، وقال تعالى: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص: 28] ونظير هذا في القرآن كثير. ومع هذا فالمؤمنون - الأنبياء وسائر الأولياء - لا يشفعون لأحد إلا بإذن الله، كما قال تعالى: {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255]، وقال: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28]، وقال تعالى: {وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار: 19] , فمن أحسن إلى مخلوق يرجو أن ذلك المخلوق يجزيه يوم القيامة كان من الأخسرين أعمالًا، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا، بل إنما يجزي على الأعمال يومئذ الواحد القهار، الذي إليه الإياب والحساب، الذي لا يظلم مثقال ذرة، وإن تكن حسنة يضاعفها، ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا. ولا يقبل من العمل إلا ما أريد به وجهه. مجموع الفتاوى 11/ 54، 55

* وعن النضر بن شميل قال: ما رأيت أرحم لمسكين من شعبة رحمه الله إذا رأى المسكين لا يزال ينظر إليه حتى يتغيب عن وجهه. [الحلية (تهذيبه) 2/ 416]. * وعن نوفل بن أبي الفرات قال: كتبت الحجبة إلى عمر بن عبد العزيز رحمه الله، يأمر للبيت بكسوة، كما يفعل من كان قبله، فكتب إليهم: إني رأيت أن أجعل ذلك في أكباد جائعة، فإنهم أولى بذلك من البيت. [الحلية (تهذيبه) 2/ 225]. * وكان سفيان الثوري رحمه الله يعظم المساكين، ويجفُو أهل الدنيا، فكان الفقراء في مجلسه هم الأغنياء، والأغنياء هم الفقراء. [الجامع المنتخب / 82]. * وعن قبيصة قال: ما رأيت الأغنياء أذل منهم في مجلس سفيان الثوري رحمه الله، ولا الفقراء أعز منهم في مجلس سفيان الثوري. (¬1) [الحلية (تهذيبه) 2/ 363]. ¬

(¬1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفاؤه يعدلون بين المسلمين. غنيهم وفقيرهم في أمورهم. ولما طلب بعض الأغنياء من النبي - صلى الله عليه وسلم - إبعاد الفقراء نهاه الله عن ذلك. وأثنى عليهم بأنهم يريدون وجهه، فقال: {ولاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم} الآية [الأنعام: 52]، وقال: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم} [الكهف: 28]. ولما طلب بعض الفقراء من النبي - صلى الله عليه وسلم - مالا يصلح له نهاه عن ذلك، وقال: (يا أبا ذر إني أراك ضعيفًا , وإني أحب لك ما أحب لنفسي , لا تأمرن على اثنين , ولا تولين مال يتيم). وكانوا يستوون في مقاعدهم عنده، وفي الاصطفاف خلفه، وغير ذلك. ومن اختص منهم بفضل عرف النبي - صلى الله عليه وسلم - له ذلك الفضل، كما قنت للقراء السبعين، وكان يجلس مع أهل الصفة، وكان أيضًا لعثمان وطلحة والزبير وسعد بن معاذ وأسيد بن الحضير وعباد بن بشر ونحوهم، من سادات المهاجرين والأنصار الأغنياء منزلة ليست لغيرهم من الفقراء، وهذه سيرة المعتدلين من الأئمة في الأغنياء والفقراء. وهذا هو العدل والقسط الذي جاء به الكتاب والسنة، وهي طريقة عمر بن عبد العزيز، والليث بن سعد، وابن المبارك ومالك وأحمد بن حنبل وغيرهم، في معاملتهم للأقوياء والضعفاء والأغنياء والفقراء. وفي الأئمة كالثوري ونحوه من كان يميل إلى الفقراء، ويميل على الأغنياء مجتهدًا في ذلك طالبًا به رضا الله، حتى عتب عليه ذلك في آخر عمره، ورجع عنه. وفيهم من كان يميل مع الأغنياء والرؤساء: كالزهري، ورجاء بن حيوة، وأبي الزناد، وأبي يوسف ومحمد وأناس آخرين، وتكلم فيهم من تكلم بسبب ذلك. ولهم في ذلك تأويل واجتهاد، والأول هو العدل والقسط، الذي دل عليه الكتاب والسنة. مجموع الفتاوى 11/ 60، 61

* وقال عون بن عبد الله رحمه الله: صحبت الأغنياء فلم يكن أحد أطول غمًا مني، فإن رأيت رجلًا أحسن ثيابًا مني وأطيب ريحًا مني غمني ذلك، فصحبت الفقراء فاسترحت. [الحلية (تهذيبه) 2/ 95]. * وعن عمرو بن قيس رحمه الله قال: كانوا يكرهون أن يعطي الرجل صبيه الشيء، فيجيء به فيراه المسكين، فيبكي على أهله، ويراه الفقير فيبكي على أهله. [الحلية (تهذيبه) 2/ 155]. * وعن حماد بن أبي حنيفة قال: قالت مولاة لداود الطائي رحمه الله: يا داود لو طبخت لك دسمًا: قال: فافعلي، قال: فطبخت له شحمًا ثم جاءته به، فقال لها: ما فعل أيتام بني فلان؟ قالت: على حالهم، قال: اذهبي به إليهم، فقالت له: فديتك، إنما تأكل هذا الخبز بالماء بالمطهرة، قال: إذا أكلته كان في الحش وإذا أكله هؤلاء الأيتام كان عند الله مذخورًا. [الحلية (تهذيبه) 2/ 464]. * وعن إبراهيم بن أدهم رحمه الله قال: نعم القوم السؤال يحملون زادنا إلى الآخرة، يجيء إلى باب أحدكم فيقول: هل توجهون بشيء؟ [الحلية (تهذيبه) 2/ 489]. * وقال حاتم الأصم رحمه الله: من ادعى ثلاثًا بغير ثلاث فهو كذاب، من ادعى حب الله بغير ورع عن محارمه فهو كذاب، ومن ادعى حب الجنة من غير إنفاق ماله فهو كذاب، ومن ادعى حب النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير حب الفقراء فهو كذاب. [الحلية (تهذيبه) 2/ 505]. * وعن المرُّوذي، قال: لم أر الفقيرَ في مجلس أعزَّ منه في مجلس أحمد بن حنبل رحمه الله كان مائلًا إليهم، مقصرًا عن أهل الدنيا، وكان فيه حِلم، ولم يكن بالعجول، وكان كثيرَ التواضعِ تَعْلوه السكينةُ والوقارُ، وإذا جلس في مجلسه بعد العصر للفتيا لا يتكلم حتى يُسأل، وإذا خرج إلى مسجده لم يتصدر. [السير (تهذيبه) 2/ 929].

* وقال أبو الخير رحمه الله: القلوب ظروف، فقلب مملوء إيمانًا وعلامته الشفقة على جميع المسلمين والاهتمام بما يهمهم، ومعاونتهم على مصالحهم. وقلب مملوء نفاقًا وعلامته الحقد والغل والغش والحسد. [الحلية (تهذيبه) 3/ 465]. * وقال أبو جعفر بن الخرقي: كنت أنا من أحد عشر يتولون إخراج صدقاته - أي صدقات محمد بن حسين أبي شجاع الوزير رحمه الله - فحسبت ما خرج على يدي فكان مائة ألف دينار، ووقَفَ الوقوف وبنى المساجد، وأكثر الإنعام على الأرامل واليتامى، وكان يبيع الخطوط الحسنة، ويتصدق بثمنها ويقول: أحب الأشياء إليّ الدينار والخط الحسن، فأنا أخرج لله محبوبي. ووقع مرض في زمانه، فبعث إلى جميع أصقاع البلد أنواع الأشربة والأدوية، وكان يخرج العُشر من جميع أمواله النباتية على اختلاف أنواعه، وعرضت عليه رقعة من بعض الصالحين يذكر فيها: أن امرأة معها أربعة أطفال أيتام، وهم عُراة جياع. فقال للرجل: امض الآن إليهم، واحمل معك ما يصلحهم، ثم خلع أثوابه وقال: والله لا لبستها ولا دفئت حتى تعود وتخبرني أنك كسوتهم وأشبعتهم، فمضى وعاد فأخبره وهو يرعد من البرد. حكى حاجبه الخاص به قال: استدعاني ليلة، وقال: إني أمرت بعمل قطائف، فلما حضر بين يدي ذكرت نفوسًا تشتهيه فلا تقدر عليه، فنغّص ذلك عليّ أكله، ولم أذق منه شيئًا فاحمل هذه الصحون إلى أقوام فقراء. فحملها الفرّاشون معه، وجعل يطرق أبواب المساجد بباب المراتب، ويدفع ذلك إلى الأضراء المجاورين بها. [المنتظم 17/ 22، 23].

التنافس على الخير

التنافس على الخير * قال عمر رضى الله عنه: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يزال يسمر عند أبي بكر الليلة كذلك في أمر من أمر المسلمين، وإنه سمر عنده ذات ليلة وأنا معه، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخرجنا معه، فإذا رجل قائم يصلي في المسجد، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستمع قراءته، فلما كدنا نعرفه، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من سرّه أن يقرأ القرآن رطبًا كما أنزل، فليقرأه على قراءة ابن أم عبد. قال: ثم جلس الرجل يدعو، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول له: سل تُعْطَهْ، سل تُعْطَهْ. قال عمر: قلت: والله لأغدونَّ عليه، فلأبشّرنّه. قال: فغدوت عليه فبشّرته، فوجدت أبا بكر قد سبقني إليه فبشره، ولا والله ما سابقته إلى خيرٍ قطّ إلا سبقني إليه. [رواه الإمام أحمد: 170]. * وقال أيضًا - رضي الله عنه -: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نتصدق وقد وافق ذلك مالًا عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يومًا، قال: ثم جئت بنصف مالي، قال: فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما أبقيت لأهلك؟، قلت: مثله. وأتى أبو بكر - رضي الله عنه - بكل ما عنده، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله، فقلت: لا أسابقك إلى شيء أبدًا. (¬1) [رواه الترمذي وصححه: 3757]. ¬

(¬1) فائدة: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فكان ما فعله عمر: من المنافسة والغبطة المباحة، لكن حال الصديق - رضي الله عنه - أفضل منه وهو أنه خال من المنافسة مطلقًا لا ينظر إلى حال غيره. وكذلك موسى - صلى الله عليه وسلم - في حديث المعراج حصل له منافسة وغبطة للنبي - صلى الله عليه وسلم - حتى بكى لما تجاوزه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقيل له: ما يبكيك: فقال: (أبكي، لأن غلامًا بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي)، أخرجاه في الصحيحين ... وعمر - رضي الله عنه - كان مشبهًا بموسى، ونبينا حاله أفضل من حال موسى، فإنه لم يكن عنده شيء من ذلك. وكذلك كان في الصحابة أبو عبيدة بن الجراح ونحوه، كانوا سالمين من جميع هذه الأمور، فكانوا أرفع درجة ممن عنده منافسة وغبطة، وإن كان ذلك مباحًا؛ ولهذا استحق أبو عبيدة - رضي الله عنه - أن يكون أمين هذه الأمة، فإن المؤتمن إذا لم يكن في نفسه مزاحمة على شيء مما اؤتمن عليه، كان أحق بالأمانة ممن يخاف مزاحمته؛ ولهذا يؤتمن على النساء والصبيان الخصيان، ويؤتمن على الولاية الصغرى من يعرف أنه لا يزاحم على الكبرى، ويؤتمن على المال من يعرف أنه ليس له غرض في أخذ شيء منه، وإذا اؤتمن من في نفسه خيانة شبه بالذئب المؤتمن على الغنم، فلا يقدر أن يؤدي الأمانة في ذلك لما في نفسه من الطلب لما اؤتمن عليه ... فالحاسد المبغض للنعمة على من أنعم الله عليه بها ظالم معتد، والكاره لتفضيله المحب لمماثلته منهي عن ذلك إلا فيما يقربه إلى الله، فإذا أحب أن يعطي مثل ما أعطى مما يقربه إلى الله فهذا لا بأس به، وإعراض قلبه عن هذا بحيث لا ينظر إلى حال الغير أفضل. مجموع الفتاوى 10/ 68 - 70.

* وقال أيضًا - رضي الله عنه - لأخيه زيد يوم أحد: أقسمت عليك إلا لبست درعي، فلبسها ثم نزعها، فقال له عمر: مالك؟ قال: إني أريد لنفسي ما تريد لنفسك. [المنتظم 4/ 90]. * وعن مجاهد قال: صحبت عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - وأنا أريد أن أخدمه، فكان يخدمني أكثر. [رواه الإمام أحمد: 1083].

المسارعة إلى فعل الخيرات

المسارعة إلى فعل الخيرات * عن خالد بن مَعدان رحمه الله، قال: إذا فتح أحدُكم باب خيرٍ فليُسرع إليه، فإنه لا يدري متى يُغلقُ عنه. [السير (تهذيبه) 2/ 552]. * وعن أبي إسحاق قال: قيل لرجل من عبد القيس: أوص، قال: أنذركم سوف. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 358]. * وعن شعبة قال: ما وعدت أيوب رحمه الله موعدًا إلا وجدته قد سبقني إليه. [الحلية (تهذيبه) 1/ 431]. * وقال حبيب أبو محمد رحمه الله: لا تقعدوا فراغًا، فإن الموت يطلبكم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 521]. * وقال أبو محرز رحمه الله: كلف الناس بالدنيا ولن ينالوا منها فوق قسمتهم، وأعرضوا عن الآخرة وببغيتها يرجو العباد نجاة أنفسهم. وقال: لما بان للأكياس أعلى الدارين منزلة: طلبوا العلو بالعلو من الأعمال، وعلموا أن الشيء لا يدرك بأكثر منه، فبذلوا أكثر ما عندهم، بذلوا والله المهج رجاء الراحة لديه، والفرج في يوم لا يخيب فيه له طالب. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 59]. * وعن عبد الرحمن الطبيب - وهو طبيب أحمد بن حنبل وبشر الحافي رحمهما الله - قال: اعتلا جميعًا في مكان واحد. فكنت أدخل على بشر فأقول له: كيف تجدك يا أبا نصر؟ قال: فيحمد الله تعالى، ثم خبرني فيقول: أحمد الله إليك، أجد كذا وكذا. وأدخل على أبي عبد الله فأقول: كيف تجدك يا أبا عبد الله؟ فيقول: بخير. فقلت له يومًا: إن أخاك بشرًا عليل وأسأله بحاله فيخبرني، فيبدأ بحمد الله تعالى ثم يخبرني. فقال لي: سله عمَّنْ أخذ

هذا؟ فقلت له: إني أهابه أن أساله فقال: قل له: قال لك أخوك أبو عبد الله: عمن أخذت هذا؟ قال: فدخلت عليه فعرفته ما قال. فقال لي: أبو عبد الله لا يريد الشيء إلا بالإسناد: أزهر عن ابن عون، عن ابن سيرين: إذا حمد الله تعالى العبد قبل الشكوى لم تكن شكوى، إنما أقول لك أجد كذا أعرف قدرة الله تعالى فيّ. قال: فخرجت من عنده فمضيت إلى أبي عبد الله فعرفته ما قال. فكنت بعد ذلك إذا دخلت عليه يقول: أحمد الله إليك، ثم يذكر ما يجد. [المنتظم 12/ 167، 168]. * ونزل روح بن زنباع رحمه الله منزلا بين مكة والمدينة في حر شديد، فانقض عليه راع من جبل، فقال له: يا راعي هلُمَّ إلى الغذاء، فقال: إني صائم، قال: إنك لتصوم في هذا الحر الشديد؟!، قال: أفأدع أيامي تذهب باطلًا؟، فقال روح: لقد ضننت بأيامك يا راعي إذ جاد بها روح بن زنباع. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 346]. * وقال الشاعر: [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 352]. اغتنم في الفراغ فضل ركوعٍ ... فعسى أن يكون موتك بغته كم صحيح رأيت من غير سُقم ... ذهبت نفسه الصحيحةُ فلته

حال السلف مع الطعام والشراب

حال السلف مع الطعام والشراب (أ) التقليل من الأكل، والحث على ذلك: * قال عمر - رضي الله عنه -: أيها الناس، إياكم والبطنة من الطعام، فإنها مكسلة عن الصلاة، مفسدة للجسد، مورثة للسقم، وإن الله تبارك وتعالى يبغض الحبر السمين، ولكن عليكم بالقصد في قوتكم، فإنه أدنى من الإصلاح، وأبعدَ من السَرَف، وأقوى على عبادة الله، وإنه لن يهلك عبد حتى يؤثر شهوته على دينه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 92]. * وكان عثمان بن عفان - رضي الله عنه - يصنع للناس طعام الأمراء، ويدخل بيته فيأكل الخل والزيت. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 124]. * وعن علي - رضي الله عنه -، قال: أهلك ابن آدم الأجوفان: البطن والفرج. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 91]. * وقال سعيد بن جبير: صنعت لابن عباس - رضي الله عنه - وأصحابه ألوانا من الطعام والخبيص، فقال لي: يا سعيد إنا قوم عرب، فاصنع لنا مكان هذه الألوان الثريد (¬1)، ومكان هذه الأخبصة الحيس (¬2)، ولولا أنك رجل منا أهل البيت ما قلت لك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 124]. * وعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: ثلاث من فعلهن فقد تعرض للمقت؛ الضحك من غير عجب، والنوم من غير سهر، والأكل من غير جوع. [الحلية (تهذيبه) 1/ 185]. ¬

(¬1) الثريد: الطعام الذي يصنع بخلط اللحم والخبز المفتت مع المرق, وأحيانا يكون من غير اللحم. (¬2) الحيس: طعام يطبخ فيه تمر ولبن مجفف, ويضاف لهما السمن.

* وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: إنما البطن هاتِ هاتِ، كفاكم ما سده عنكم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 83]. * وعن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: ما شبعت منذ أسلمت. [جامع العلوم والحكم / 553]. * وعن عبد الله بن عديّ، وكان مولىً لعبد الله بن عمر - رضي الله عنه -، أنه قدم من العراق، فجاءه فسلم عليه فقال: أهديتُ لك هدية. قال: وما هي؟ قال: جوارش. قال: وما جوارش؟ قال: يهضم الطعام. قال: ما ملأتُ بطني طعامًا منذ أربعين سنة، فما أصنع به؟. [صفة الصفوة 1/ 272]. * وتجشأ رجل عند ابن عمر - رضي الله عنه - فقال: يا هذا كُفَّ عنا جشاءك، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (أطولكم جوعا يوم القيامة أكثركم شبعا في الدنيا). [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 481]. * وعن أبي جعفر رحمه الله قال: إذا امتلأ البطن طغى الجسد. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 83]. * وعن عبد الواحد بن زياد، قال: سمعت مالكا رحمه الله، يقول لحوشب: يا أبا بشر، احفظ عني اثنتين: لا تبيتن وأنت شبعان، ودع الطعام وأنت تشتهيه. قال: فقال له حوشب: يا أبا يحيى، هذا وصف أطباء أهل الدنيا، قال: ومحمد بن واسع يسمع كلامهما، فقال محمد: نعم، ووصف طريق أهل الآخرة، فقال مالك: بخ بخ، دار الآخرة والدنيا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 87]. * وقال مالك بن دينار رحمه الله: إنما بطن أحدكم كلب، ألق إلى ذا الكلب كسرة ورأس جوافة يسكت عنك، ولا تجعلوا بطونكم جربا للشيطان يوعى فيها إبليس ما شاء. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 91]. * وعن الحسن رحمه الله، قال: والله لقد أدركنا أقواما وصحبنا طوائف منهم، ما أمر أحدهم في بيته بصنعة طعام له قط، وما شبع أحدهم من طعام حتى مات، ما عدا أن يقارب شبعه أمسك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 91]. * وقال أيضًا رحمه الله: لقد كان المسلم يُعار أن يقال له: إنك لبطين. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 94].

* ودعا الحسن رحمه الله رجلا إلى طعامه فقال: قد أكلت، ولست أقدر أن أعود، قال: سبحان الله! أوَ يأكل المؤمن حتى لا يستطيع أن يعود؟. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 483]. * وقال الحسن رحمه الله: يا ابن آدم كل في ثلث بطنك، واشرب في ثلثه، ودع ثلث بطنك يتنفس ويتفكر. [جامع العلوم والحكم / 553]. * وقال الحسن رحمه الله: كانت بلية أبيكم آدم - عليه السلام - أكلة، وهي بليتكم إلى يوم القيامة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 95]. * وقال بعضهم: [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 92]. أإنك مهما تُعطِ بطنَك سؤلَه ... وفرجَك إلا منتهى اللّوم أجْمَعا * وعن سلمة بن سعيد رحمه الله، قال: إن كان الرجل ليعير بالبطنة كما يعير بالذنب يعمله. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 94]. * وقال أبو سليمان رحمه الله: إذا أردت حاجة من حوائج الدنيا والآخرة، فلا تأكل حتى تقضيها، فإن الأكل يغير العقل. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 94]. * وقال يوسف بن أسباط رحمه الله: الجوع يرق القلب. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 95]. * وعن السري بن ينعم رحمه الله، قال: كان يقال: ما تجوع عبد إلا أبدل الله مكان جوعه حكمة وورعا، وكان يقال: الجوع شعار الأنبياء والصالحين. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 95]. * وقال الأعمش رحمه الله لرجل: ترى هذا البطن؟ إن أهنته أكرمك، وإن أكرمته أهانك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 95]. * وقال مالك بن دينار رحمه الله: الشبع يقسي القلب ويفتر البدن. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 96]. * وقال أيضًا رحمه الله: من ملك بطنه، ملك الأعمال الصالحة كلها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 96].

* وقال أيضًا رحمه الله: ما ينبغي للعاقل أن يملك نفسه أمرها في شهواتها من المطعم والملبس، ثم قال: أكلت مرة أكلة، فأشرت منها زمانا. وقال أيضًا رحمه الله: الجوع يطرد الأشر، والشبع ينميه ويحييه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 100]. * وكان مالك بن دينار رحمه الله يطوف بالبصرة بالأسواق فينظر إلى أشياء يشتهيها، فيرجع فيقول لنفسه: أتشتري؟ فوالله ما حرمتِك ما رأيتِ إلا لكرامتِك علي. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 484]. * وعن الحسين بن عبد الرحمن رحمه الله، قال: كان يقال: كثرة الطعام تميت القلب، كما أن كثرة الماء تميت الزرع. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 96]. * وقال أيضًا رحمه الله: كان يقال: لا تسكن الحكمة معدة ملأى. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 96]. * وقال عبد الرحمن بن زيد رحمه الله: أول ما يعمل فيه العبد المؤمن بطنه، فإن استقام له بطنه استقام له دينه، وأن لم يستقم له بطنه لم يستقم له دينه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 96]. * وقال عبد العزيز بن أبي رواد رحمه الله: كان يقال: قلة الطعم عون على التسرع في الخيرات. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 97]. * وعن وهيب بن الورد رحمه الله، قال: لقي عالم عالما هو فوقه في العلم، فقال: رحمك الله أخبرني عن هذا الطعام الذي نصيبه لا إسراف فيه ما هو؟ قال: ما سد الجوع، ودون الشبع. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 115]. * وعن صفوان بن سليم رحمه الله، قال: ليأتين على الناس زمان، تكون همة أحدهم فيه بطنه، ودينه هواه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 116]. * وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: بؤسا لمن كان بطنه أكبر همه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 117]. * وقال مجاهد رحمه الله: لو كنت آكل كل ما أشتهي ما ساويت حشفة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 132].

* وقال سليمان بن عبد الملك لسالم بن عبد الله رحمه الله - ورآه حسن السّحْنة - أيَّ شيء تأكل؟ قال: الخبز والزيت، وإذا وجدتُ اللحم أكلته. فقال له: أوَ تشتهيه؟ قال: إذا لم أشتهِهِ تركتُه حتى أشتهيَه. [صفة الصفوة 2/ 446]. * وعن ثابت البناني رحمه الله، قال: بلغني أن إبليس ظهر ليحيى بن زكريا - عليه السلام - فرأى عليه معاليق من كل شيء. فقال يحيى - عليه السلام -: يا إبليس ما هذه المعاليق التي أرى عليك؟ قال: هذه الشهوات التي أصيب بهن ابن آدم، قال: فهل لي فيها من شيء. قال: ربما شبعت فثقلناك عن الصلاة وعن الذكر، قال: هل غير ذلك؟ قال: لا! قال: لله عليّ أن لا أملأ بطني من طعام أبدًا. قال إبليس: ولله عليّ أن لا أنصح مسلمًا أبدًا. [الحلية (تهذيبه) 1/ 406]. * وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله: إن النَّفْسَ إذا جاعَتْ وعطشت صفا القلب ورقّ، وإذا شبعت ورَويَتْ عميَ القلبُ. [صفة الصفوة 4/ 443]. * وقال أيضًا رحمه الله: لكل شيءٍ صَدَأٌ، وصَدَأُ القلبِ الشِّبَعُ. [السير (تهذيبه) 2/ 865]. * وقال مسعر: وجدت الجوع يطردُه رغيفٌ ... وملءُ الكف من ماء الفرات وقِلُّ الطُعم عونٌ للمصلي ... وكَثْرُ الطعم عون للسبات [الحلية (تهذيبه) 2/ 423]. * وعن عبد الواحد بن زيد رحمه الله قال: من قوي على بطنه قوي على دينه، ومن قوي على بطنه قوي على الأخلاق الصالحة، ومن لم يعرف مضرته في دينه من قبل بطنه، فذاك رجل في العابدين أعمى. [الحلية (تهذيبه) 2/ 301]. * وعن حرملة بن يحيى قال: أخذ سفيان بن عيينة رحمه الله بيدي فأقامني في ناحية، وأخرج من كمه رغيف شعير وقال لي: دع يا حرملة ما يقول الناس، هذا طعامي منذ ستين سنة. [الحلية (تهذيبه) 2/ 426]. * وعن عمرو بن الأسود العبسي رحمه الله أنه كان يدع كثيرًا من الشبع مخافة الأشر. [جامع العلوم والحكم / 553].

* وعن محمد بن واسع رحمه الله قال: من قلّ طعامه، فهم، وأفهمَ، وصفا، ورقّ وإن كثرة الطعام ليثقل صاحبه عن كثير مما يريد. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 87، جامع العلوم والحكم / 553]. * وعن أبي عبيدة الخواص رحمه الله قال: حتفك في شبعك، وحفظك في جوعك، إذا أنت شبعت ثقلت، فنمت، استمكن منك العدوّ، فجثم عليك، وإذا أنت تجوعت كنت للعدو بمرصد. [جامع العلوم والحكم / 553]. * وعن عمرو بن قيس رحمه الله قال: إياكم والبطنة فإنها تقسي القلب. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 94، جامع العلوم والحكم / 553]. * وقال الشافعي رحمه الله: ما شبعتُ منذ ستَّ عشرةَ سنةً إلاَّ مرَّة، فأدخلتُ يدي فتقيَّأتُها، لأنَّ الشبع يُثقِلُ البدنَ، ويُقسِّي القلبَ ويُزيل الفطنة، ويجلُبُ النومَ، ويُضْعِفُ عن العبادة. [السير (تهذيبه) 1/ 848]. * وقال المروزي: جعل أبو عبد الله: يعني الإِمام أحمد رحمه الله يعظم أمر الجوع والفقر، فقلت له: يؤجر الرجل في ترك الشهوات، فقال: وكيف لا يؤجر وابن عمر يقول: ما شبعت منذ أربعة أشهر. قلت لأبي عبد الله: يجد الرجل من قلبه رقة وهو شبع؟ قال: ما أرى. [جامع العلوم والحكم / 553]. * وقال أبو جعفر المحولي رحمه الله: إذا جاع العبد صفا بدنه، ورق قلبه، وهطلت دمعته، وأسرعت إلى الطاعة أطواره، وجوارحه، وعاش في الدنيا كريمًا. [صفة الصفوة 2/ 636]. * وعن أبي الحسن العروضي قال: اجتمعت أنا ومحمد بن جعفر التميمي رحمه الله عند الراضي على الطعام، وكان قد عرف الطباخ ما يأكل أبو بكر، فكان يشوي له قلية يابسة، قال: فأكلنا نحن من أطايب الطعام وألوانه، وهو يعالج تلك القلية، ثم فرغنا وأتينا بحلوى، فلم يأكل منها شيئًا، وقام وقمنا إلى الخيش فنام بين الخيشين ونمنا نحن في خيش ينافس فيه، ولم يشرب ماء إلى العصر، فلما كان مع العصر قال لغلام: الوظيفة، فجاءه بماء من الحب وترك الماء المزمل بالثلج، فغاظني أمره فصحت صيحة، فأمر أمير المؤمنين بإحضاري، وقال: ما قصتك؟ فأخبرته، وقلت: هذا يا أمير المؤمنين

(ب) أكل الحلال، والحذر من أكل الحرام

يحتاج أن يحال بينه وبين تدبير نفسه؛ لأنه يقتلها ولا يحسن عشرتها، قال: فضحك، وقال: له في هذا لذة وقد صار له إلفًا فلا يضره. ثم قلت: يا أبا بكر لم تفعل هذا بنفسك؟ فقال: أبقى على حفظي، قلت: إن الناس قد أكثروا في حفظك، فكم تحفظ؟ قال: أحفظ ثلاثة عشر صندوقًا. [المنتظم 13/ 398، 399]. * وعن أبي حمزة السكري رحمه الله قال: ما شبعت منذ ثلاثين سنة إلا أن يكون لي ضيف. [المنتظم 8/ 302]. * وقال سهل بن عبد الله رحمه الله: البطنة أصل الغفلة. [الحلية (تهذيبه) 3/ 334]. (ب) أكلُ الحلال، والحذر من أكل الحرام: * قال وهيب بن الورد رحمه الله: لو قمتَ قيام هذه السارية ما نفعك حتى تنظر ما يدخل بطنك؟ حلال أو حرام؟. [صفة الصفوة 2/ 536]. * وعن أبي وائل رحمه الله قال: إن أهل بيت يضعون على مائدتهم رغيفًا حلالًا: لأهل بيت غرباء. [الحلية (تهذيبه) 2/ 61]. * وقال إبراهيم بن أدهم رحمه الله: أطب مطعمك ولا عليك أن لا تقوم بالليل وتصوم بالنهار. [الحلية (تهذيبه) 2/ 489]. * وعن خلف بن تميم قال: قلت لإبراهيم بن أدهم رحمه الله: مذ كم نزلت بالشام؟ قال: منذ أربع وعشرين سنة، ما نزلتها لجهاد ولا لرباط، فقلت: لأي شيء نزلتها؟ قال: لأشبع من خبز حلال. [الحلية (تهذيبه) 2/ 474]. * وعن أبي حفص عمر بن صالح الطرسوسي رحمه الله قال: ذهبت أنا ويحيى الجلاء إلى أبي عبد الله فسألته، وكان إلى جنبه بوران وزهير وهارون الجمال، فقلت: رحمك الله يا أبا عبد الله، بم تلين القلوب؟ فأبصر إلى أصحابه فغمزهم بعينه ثم أطرق ساعة ثم رفع رأسه فقال: يا بني بأكل الحلال. فمررت كما أنا إلى أبي نصر بشر بن الحارث فقلت له: يا أبا نصر بم تلين القلوب؟ قال: {أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28] قلت: فإني جئت من عند أبي عبد الله، فقال: هيه إيش قال لك أبو عبد الله؟ قلت: بأكل الحلال. فقال: جاء بالأصل.

(جـ) ترك التكلف والمباهاة في إكرام الناس

فمررت إلى عبد الوهاب بن أبي الحسن فقلت: يا أبا الحسن بم تلين القلوب؟ قال: {أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28] قلت: فإني جئت من عند أبي عبد الله. فاحمرت وجنتاه من الفرح وقال لي: إيش قال أبو عبد الله؟ فقلت قال: بأكل الحلال. فقال جاءك بالجوهر، جاءك بالجوهر، الأصل كما قال، الأصل كما قال. [الحلية (تهذيبه) 3/ 145]. * وقال القاسم بن البدري رحمه الله: إذا أراد الله - عزَّ وجلَّ - هلكة قرية: أظهر فيها الربا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 521]. (جـ) ترك التكلف والمباهاة في إكرام الناس: * عن الأحنف بن قيس رحمه الله، قال: كنا نحضر طعام عمر - رضي الله عنه -، فيطعمنا الخبز واللبن، والخبز والزيت، والخل وأقل من ذلك القديد (¬1)، وأقل من ذلك اللحم الغريض. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 93]. * ودعا رجل عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - إلى طعام، فقال: نأتيك على ألاّ تتكلّف ما ليس عندك، ولا تدّخر عنا ما عندك. [عيون الأخبار 3/ 231]. * وعن شقيق، قال: دخلت أنا وصاحب لي على سلمان الفارسي - رضي الله عنه -، فقرب إلينا خبزًا وملحًا، وقال: لولا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهانا عن التكلف لتكلفنا لكم، فقال صاحبي: لو كان في ملحنا سعتر؟، فبعث مطهرة (¬2) إلى البقال، فرهنها، فجاءه بسعتر. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 124]. * وعن شعيب بن الحبحاب قال: جاءنا أبو العالية رحمه الله يومًا إلى منزلنا فأردنا أن نتكلف له فقال: أطعمونا من طعام البيت ولا تتكلفوا. [الزهد للإمام أحمد / 508]. * وعن الأصمعيّ رحمه الله قال: سُئل أقَرى أهل اليمامةِ للضيف: كيف ضبطتم القِرَى؟ قال: بأنا لا نتكلّفُ ما ليس عندنا. [عيون الأخبار 3/ 234]. ¬

(¬1) القديد: اللحم المقطع والمملح المجفف في الشمس. (¬2) المطهرة: كل إناء يُتطهر منه كالإبريق والسطل والركوة وغيرها.

(د) فوائد أخرى

(د) فوائد أخرى: * عن داود قال: قلت للحسن رحمه الله: إنك تُنفِق من هذه الأطعمة وتُكثر. قال: ليس في الطعام سَرَفٌ. [عيون الأخبار 3/ 233]. * ودعي الحسن البصري رحمه الله إلى وليمة، فقمنا معه، فطعم القوم وطعم، ودعا بالبركة، فقيل له: إنهم قد جاؤوا بطعام كذا وكذا، قال: ليس في الطعام سرف. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 129]. * وأهديت إليه سلة من سكر، ففتح السلة، فلم ير سكرا كان أحسن منه، فدفعها برجله: ثم قال: اهضموا، يعني كلوا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 129]. * وقال الثوريّ رحمه الله: ليس في الطعام ولا في النساء سرفٌ. [عيون الأخبار 3/ 233]. * وقال أبو عُبيدة: كان لعبد الله بن جُدْعان جَفْنَة يأكل منها القائمُ والراكبُ. وذكر غيرهُ أنه وقع فيها صبيّ فغرِق. [عيون الأخبار 3/ 262].

التوكل والاعتماد على الله

التوكل والاعتماد على الله * عن معاوية بن قرة: أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لقي ناسًا من أهل اليمن، فقال: من أنتم؟ قالوا: نحن المتوكلون. فقال: بل أنتم المتَّكلون، إنما المتوكل الذي يلقي حبة في الأرض، ويتوكل على الله. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 140]. * وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: كان عابد يتعبّد في غار، وكان غراب يأتيه كلّ يوم برغيف يجد فيه طعم كل شيء حتى مات ذلك العابد. [جامع العلوم والحكم / 568]. * وعن سعيد بن جُبير رحمه الله، قال: التوكُّل على الله جِماعُ الإيمان، وكان يدعو: اللهم إني أسألك صدقَ التوكُّل عليك، وحُسنَ الظنِّ بك. [السير (تهذيبه) 2/ 505]. * وقال حاتم الأصم رحمه الله: لي أربعةُ نسوة، وتسعةُ أولاد، ما طمع شيطانٌ أن يُوسوسَ إليَّ في أرزاقهم. [السير (تهذيبه) 2/ 960]. * وقال محمد بن أبي عمران: سمعت حاتمًا رحمه الله الأصم، وسأله رجل على ما بنيت أمرك هذا في التوكل على الله؟ قال: على خِصَال أربع: علمت أن رزقي لا يأكله غيري فاطمأنَّت به نفسي، وعلمت أن عملي لا يعمله غَيْرِي، فأنا مشغول به، وعلمت أن الموت يأتيني بغتة، فأنا أُبادره، وعلمت أني لا أخلو من عين الله حيث كنتُ، فأنا مُستَحْيٍ منه. [صفة الصفوة 4/ 391]. * وقال مسلم بن يسار رحمه الله: اعمل عمل رجل لا ينجيه إلا عمله، وتوكل توكل رجل لا يصيبه إلا ما كتبه الله - عزَّ وجلَّ - له. [الحلية (تهذيبه) 1/ 394]. * وقال مكحول رحمه الله: الجنين في بطن أمّه لا يطلُب ولا يحزَن ولا

يغتمّ، فيأتيه الله برزقه من قِبَل سُرّته، وغذاؤه في بطن أمه من دم حيضها، فمن ثَمّ لا تَحيض الحامل، فإذا سقط استهَلّ استهلالة إنكارًا لمكانه، وقُطِعت سُرّته وحَوّل الله رزقه إلى ثدي أمّه ثم حوله إلى الشيء يُصْنع له ويَتناوله بكفّه، حتى إذا اشتدّ وعقل قال: أين لي بالرزق! يا ويحك! أنت في بطن أمك وفي حِجْرها تُرْزَق حتى إذا عَقَلتَ وشَبَبت قلتَ: هو الموت أو القتل وأين لي بالرزق! ثم قرأ: {يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ} [الرعد: 8]. [عيون الأخبار 2/ 730]. * وعن أبي حازم رحمه الله أنهم أتوه فقالوا له: يا أبا حازم أما ترى قد غلا السعر؟ فقال: وما يغمكم من ذلك، إن الذي يرزقنا في الرخص، هو الذي يرزقنا في الغلاء. [الحلية (تهذيبه) 1/ 526]. * وعن أبي أسامة قال: وصل إلى عون بن عبد الله رحمه الله أكثر من عشرين ألف درهم فتصدق بها، فقال له أصحابه: لو اعتقدت عقدة (¬1) لولدك؟ فقال: اعتقدتها لنفسي واعتقدت الله لولدي؟ قال أبو أسامة: فلم يكن في المسعوديين أحسن حالًا من ولد عون بن عبد الله. [الحلية (تهذيبه) 2/ 95]. * وعن الحسن رحمه الله قال: إن العز والغنى يجولان في طلب التوكل، فإذا ظفرا أوطنا، وأنشد: يجول الغنى والعز في كل موطن ... ليستوطنا قلب امرئ إن توكلا ومن يتوكل كان مولاه حسبه ... وكان له فيما يحاول معقلا إذا رضيت نفسي بمقدور حظها ... تعالت وكانت أفضل الناس منزلا [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 142، الحلية (تهذيبه) 2/ 348]. ¬

(¬1) قال ابن منظور رحمه الله: العُقْدَةُ: الضَّيْعَةُ. واعتَقَدَ: اشتراها. والعُقْدة: الأَرض الكثيرة الشجر وهي تكون من الرِّمْثِ والعَرْفَجِ ... وكل ما يعتقده الإِنسان من العقار، فهو عقدة له. واعتقد ضَيْعة ومالًا أَي اقتناهما. وقال ابن الأَنباري: في قولهم لفلان عُقْدة، العقدة عند العرب الحائط الكثير النخل. ويقال للقَرْية الكثيرة النخل: عُقْدة، وكأَنّ الرجل إِذا اتخذ ذلك فقد أَحكم أَمره عند نفسه واستوثق منه، ثم صيروا كل شيء يستوثق الرجل به لنفسه ويعتمد عليه عُقْدة. لسان العرب, مادة: عقد.

* وعن سعيد بن جبير رحمه الله قال: التوكل على الله: جماع الإيمان. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 138]. * وعن الفيض بن إسحاق قال: قلت للفضيل رحمه الله: تَحُدُّ لي التوكل؟ قال: آه، كيف تتوكل عليه وأنت يختار لك فتسخط قضاءه، أرأيت لو دخلت بيتك، فوجدت امرأتك قد عميت، وابنتك قد أقعدت، وأنت قد أصابك الفالج، كيف كان رضاك بقضائه؟ قلت: كنت أخاف ألا أصبر. قال: فكيف لا، حتى يكون عندك واحدًا ترضى بكل ما صنع في العافية والبلاء. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 142، 143]. * وسئل الحسن رحمه الله عن التوكل فقال: الرضا عن الله. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 144]. * وسئل عبد الله بن داود رحمه الله عن التوكل؟ فقال: أرى التوكل حسن الظن. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 151]. * وقال بعض الحكماء: التوكل على ثلاث درجات، أولاها: ترك الشكاية، والثانية: الرضى، والثالثة: المحبة، فترك الشكاية درجة الصبر، والرضى سكون القلب بما قسم الله له، وهي أرفع من الأولى، والمحبة أن يكون حبه لما يصنع الله به، فالأولى للزاهدين، والثانية للصادقين، والثالثة للمرسلين. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 161]. * وعن الشعبي قال: تجالس شتير، ومسروق رحمهما الله، فقال شتير: عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - يقول: إن أشد آية في القرآن تفويضًا {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3] فقال مسروق: صدقت. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 162]. * وجاء رجل إلى الربيع بن عبد الرحمن رحمه الله يسأله أن يكلم الأمير في حاجة، فبكى الربيع ثم قال: أي أخي، أقصد الله في أمرك تجده سريعًا قريبًا، فإني ما ظاهرت أحدًا في أمر أريده إلا الله - عزَّ وجلَّ - فأجده كريمًا قريبًا لمن قصده وأراده وتوكل عليه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 165].

* وقال أبو حازم رحمه الله: كيف أخاف الفقر ولمولاي ما في السموات وما في الأرض وما فيهما وما تحت الثرى. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 269]. * وحكي أن قومًا من الأعراب زرعوا زرعًا، فلما بلغ: أصابته آفة فذهبت به، فاشتد ذلك عليهم، حتى رؤي فيهم، فخرجت أعرابية منهم فقالت: ما لي أراكم متغيرة ألوانكم، ميتة قلوبكم، هو ربنا فليفعل بنا ما يشاء، ورزقنا عليه، يأتي به من حيث يشاء، ثم أنشدت تقول: لو كان في صخرة في البحر راسية ... صماء ملمومة ملس نواحيها رزق نفس براها الله لانفلقت ... حتى تؤدي إليه كل ما فيها أو كان بين طباق السبع مسلكها ... لسهل الله في المرقى مراقيها حتى تنال الذي في اللوح خط لها ... فإن أتته وإلا سوف يأتيها [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 273]. * وقال أبو عبد الرحمن العمري رحمه الله: كنتُ جنينًا في بطن أمي، وكان يؤتى برزقي حتى يوضع في فمي، حتى إذا كبرت وعرفت ربي ساء ظني، فأي عبد أشر مني. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 272]. * وقال عيسى ابن مريم - عليه السلام -: يا معشر الحواريين إن ابن آدم خلق في الدنيا في أربع منازل، هو في ثلاث منهن بالله واثق، حسن ظنه فيهن بربه، وهو في الرابع سيىء ظنه بربه، يخاف خذلان الله تعالى إياه. فأما المنزلة الأولى: فإنه خلق في بطن أمه خلقًا من بعد خلق في ظلمات ثلاث، ظلمة البطن، وظلمة الرحم، وظلمة المشيمة، ينزلَ الله تعالى عليه في جوف ظلمة البطن، فإذا خرج من البطن وقع في اللبن لا يخطو إليه بقدم، ولا يتناوله بفم، ولا ينهض إليه بقوة، ولا يأخذه بحِرفة، يكره عليه إكراهًا، حتى ينبت عليه عظمه ولحمه ودمه، فإذا ارتفع عن اللبن، وقع في المنزلة الثالثة، في الطعام بين أبويه يكتسبان عليه من حلال وحرام، فإن مات أبواه عن غير شيء تركاه، عطف عليه الناس، هذا يطعمه وهذا يسقيه، وهذا يؤويه، فإذا وقعٍ في المنزلة الرابعة، فاشتد واستوى، واجتمع عليه، وكان رجلًا خشي أن لا يرزقه الله تعالى فوثب على الناس يخون أماناتهم، ويسرق أمتعتهم، ويخونهم

على أموالهم مخافة خذلان الله تعالى إياه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 277، 278]. * وعن أبي خير إسحاق العزاوي قال: زحف إلينا أزدمهر عند مدينة الكرخ في ثمانين فيلًا، فكادت تنفض الخيول والصفوف، فكرب لذلك محمد بن القاسم، فنادى عمرانَ بنَ النعمان رحمه الله أمير حمص، وأمر الأجناد فنهضوا بما استطاعوا، فلما أعيته الأمور نادى مرارًا: لا حول ولا قوة إلا بالله. فكف الله الفيلة بذلك، وسلط الله عليها الحر فأنضجها، ففزعت إلى الماء، فما استطاع سوَّاسها ولا أصحابها حبسها، وحملت الجند عند ذلك، فكان الفتح بإِذن الله. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 95، 96]. * وقال علي بن محمد بن شقيق البلخي رحمه الله: قد كان جدي خرج إلى بلاد الترك لتجارة وهو حدث، إلى قوم يقال لهم الخصوصية، وهم يعبدون الأصنام، فدخل إلى بيت أصنامهم، وعالمهم فيه حلق رأسه ولحيته ولبس ثيابًا حمراء أرجوانية، فقال له شقيق: إن هذا الذي أنت فيه باطل، ولهؤلاء ولك ولهذا الخلق خالق وصانع ليس كمثله شيء، له الدنيا والآخرة، قادر على كل شيء رازق كل شيء؛ فقال له الخادم: ليس يوافق قولك فعلك، فقال له شقيق: كيف ذاك؟ قال: زعمت أن لك خالقًا رازقا قادرًا على كل شيء، وقد تعنيت إلى ههنا لطلب الرزق، ولو كان كما تقول فإن الذي رزقك ههنا هو الذي يرزقك ثَمَّ فتريح العناء، قال شقيق: وكان سبب زهدي كلام التركي، فرجع فتصدق بجميع ما ملك وطلب العلم. [الحلية (تهذيبه) 2/ 496]. * وقال سفيان الثوري: قرأ واصل الأحدب رحمه الله هذه الآية: {وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [الذاريات: 22] فقال: ألا إن رزقي في السماء وأنا أطلبه في الأرض، فدخل خربة فمكث ثلاثًا لا يصيب شيئًا، فلما كان اليوم الرابع إذا هو بدوخلة من رطب، وكان له أخ أحسن نيّة منه، فدخل معه فصارتا دوخلتين، فلم يزل ذلك دأبهما حتى فرّق الموت بينهما. [جامع العلوم والحكم / 570]. * وقال المروزي: قيل لأبي عبد الله رحمه الله: أيّ شيء صدق التوكل على الله؟ قال: أن يتوكل على الله ولا يكون في قلبه أحد من الآدميين يطمع

أن يجيبه بشيء، فإذا كان كذلك كان الله يرزقه وكان متوكلًا. (¬1) [جامع العلوم والحكم / 570]. * وعن مؤمل المغازلي قال: كنت أصحب محمد السمين رحمه الله فسافرت معه حتى بلغنا ما بين تكريت وموصل، فبينا نحن في برية نسير، إذ زأر السبع من قريب، فجزعت وتغيرت، وظهر ذلك على صفتي، وهممت أبادر، فضبطني محمد وقال: يا مؤمل، التوكل ها هنا ليس في مسجد الجامع. [الحلية (تهذيبه) 3/ 431]. ¬

(¬1) قال ابن رجب رحمه الله - بعد أن ساق جملةً من الآثار -: فمن كان له قوّة على مثل هذه الأمور, فعمل بمقتضى قوّته ولم يضعفه عن طاعة الله , فلا حرج عليه , ومن كلف نفسه ذلك حتى أضعفها عن بعض الواجبات , فإنه ينكر عليه ذلك. وكان السلف ينكرون على عبد الرحمن بن أبي غنم حيث كان يترك الأكل مدة حتى يعاد من ضعفه ...... فمن رزقه الله صدق يقين وتوكل , وعلم من الله أنه يخرق له العوائد , ولا يحوجه إلى الأسباب المعتادة في طلب الرزق ونحوه , جاز له ترك الأسباب , ولم ينكر عليه ذلك , وحديث عمر هذا الذي نتكلم عليه - لَو أَنَّكُم تَوكَّلُون على اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَما يَرزُقُ الطَّيرَ، تَغدُو خِماصًا, وتَروحُ بِطانًا - يدلّ على ذلك, ويدلُّ على أنَّ النَّاس إنَّما يُؤتون منْ قلَّة تحقيق التوكُّل، ووقوفهم مع الأسباب الظاهرة بقلوبهم ومساكنتهم لها، فلذلك يُتعبون أنفسَهم في الأسباب، ويجتهدون فيها غاية الاجتهاد، ولا يأتيهم إلاّ ما قُدِّر لهم، فلو حقَّقوا التوكلَ على الله بقلوبهم، لساق الله إليهم أرزاقهم مع أدنى سببٍ، كما يسوقُ إلى الطَّير أرزاقها بمجرَّدِ الغدوِّ والرواح، وهو نوعٌ من الطَّلب والسَّعي، لكنه سعيٌ يسيرٌ ..... ومن هذا الباب من قوي توكله على الله ووثوقه به , فدخل المفاوز بغير زاد , فإنه يجوز لمن هذه صفته دون من لم يبلغ هذه المنزلة , وله في ذلك أسوة بإبراهيم الخليل عليه السلام , حيث ترك هاجر وابنها إسماعيل بواد غير ذي زرع , وترك عندهما جرابًا فيه تمر وسقاء فيه ماء , فلما تبعته هاجر وقالت له: إلى من تدعنا؟ قال لها: إلى الله , قالت: رضيت بالله , وهذا كان يفعله بأمر الله ووحيه , فقد يقذف الله في قلوب بعض أوليائه من الإلهام الحقّ ما يعلمون أنه حقّ ويثقون به ..... وقد أجاز العلماء التوكل على الصدق ...... ... قال رحمه الله: فلا يرخص في ترك السبب بالكلية إلا لمن انقطع قلبه عن الاستشراف إلى المخلوقين بالكلية. جامع العلوم والحكم / 568 - 571

* وقال ابن كثير رحمه الله: قال القاضي ابن خلكان: كان أبو الحسن المصري النحوي رحمه الله بمصر إمام مصره في النحو، وله المصنفات المفيدة، من ذلك "مقدمته" و"شرحها" و" شرح الجمل" للزجاجي. قال: وكانت وظيفته بمصر أنه لا تكتب الرسائل في ديوان الإنشاء إلا عُرضت عليه، فيصلح منها ما فيه خلل، ثم تنفذُ إلى الجهة التي عينت لها، وكان له على ذلك معلوم وراتب جيدٌ، قال: فاتفق أنه كان يأكلُ يومًا مع بعض أصحابه طعامًا، فجاء قطٌّ فرموا له شيئًا، فأخذه وذهب سريعًا، ثم أقبل فرموا له شيئًا آخر، فانطلق به سريعًا، ثم جاء فرموا له شيئًا أيضا، فعلموا أنه لا يأكل هذا كله، فتتبعوه فإذا هو يذهب به إلى قط آخر أعمى في سطح هناك، فتعجبوا من ذلك، فقال الشيخُ: يا سبحان الله! هذا حيوانٌ بهيم قد ساق الله إليه رزقه على يد غيره، أفلا يرزقني وأنا عبده ثم ترك ما كان له من الراتب وجمع حواشيه وأقبل على الاشتغال والملازمة في غرفة في جامع عمرو بن العاص، إلى أن مات وقد جمع تعليقةً في النحو قريبًا من خمسة عشر مجلَّدا. (¬1) ¬

(¬1) وقال رحمه الله: واشتهر في سنة 762 أن بقرة كانت تجيء من ناحية باب الجابية تقصد جراء لكلبة، قد ماتت أمهم وهي في ناحية كنيسة مريم في خرابة، فتجيء إليهم فتنْسَطِحُ على شقِّها فترْضعُ أولئك الجراءُ منها، تكرر هذا منها مرارًا، وأخبرني المحدِّثُ المفيدُ التقي نورُ الدِّين أحمدُ بنُ المقصوصِ بمشاهدته ذلك. البداية والنهاية 12/ 368

اليقين بالله

اليقين بالله * عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: يا حبذا نوم الأكياس وإفطارهم، كيف يغبنون سهر الحمقى وصيامهم، ولمثقال ذرة من برٍ من صاحب تقوى ويقين أفضل وأرجح وأعظم من أمثال الجبال عبادةً من المغترين. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 23]. * وقال ابن مسعود - رضي الله عنه -: اليقين أن لا ترضي الناس بسخط الله، ولا تحمد أحدًا على رزق الله، ولا تلم أحدًا على ما لم يؤتك الله - عزَّ وجلَّ - فإن الرزق لا يسوقه حرص حريص، ولا يرده كراهية كاره، فإن الله تبارك وتعالى بقسطه وعلمه وحلمه جعل الروح والفرح في اليقين والرضى، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 35]. * وعن خالد بن معدان رحمه الله قال: تعلموا اليقين كما تعلموا القرآن، حتى تعرفوه فإني أتعلمه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 22]. * وقال بعض الحكماء: من ضعف اليقين تدخل الآفة على المريدين، وبقوة اليقين وصدق المطالبة يكون الجد والإجتهاد، وبصدق الخوف والحذر تسلو النفس عن الشهوات. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 29]. * وعن الحسن رحمه الله قال: قال لقمان - عليه السلام - لابنه: يا بني العمل لا يستطاع إلا باليقين، ومن يضعف يقينه يضعف عمله. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 34]. * وقال الحسن رحمه الله: يا أبن آدم، إن من ضعف يقينك: أن تكون بما في يدك أوثق منك بما في يد الله - عزَّ وجلَّ. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 36]. * وعن الحسن رحمه الله قال: ما أيقن عبد بالجنة والنار حق يقينهما إلا خشع ووجل، وذل واستقام، واقتصد حتى يأتيه الموت. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 27].

* وروي أن بلال بن سعد رحمه الله قال في موعظته: عباد الرحمن، اعلموا أنكم تعملون في أيام قصار لأيام طوال، في دار زوال لدار مقام، ودار حزن ونصب لدار نعيم وخلد، ومن لم يعمل من اليقين فلا يتعن. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 37]. * وعن عامر رحمه الله، قال: الشكر نصف الإيمان، والصبر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كله. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 484].

المحبة

المحبة (أ) محبة الناس بعضهم لبعض: * قال يحيى بن معاذ رحمه الله: حقيقة المحبة أنها لا تزيد بالبرّ ولا تنقص بالجَفاءِ. [صفة الصفوة 4/ 341]. (ب) محبة العبد لله، ومحبة الله للعبد، وأسباب ذلك (¬1): * وعن سهل أخي جزم قال: بلغني عن عامر بن عبد قيس رحمه الله أنه كان ¬

(¬1) قال ابن القيم رحمه الله: الأسباب الجالبة للمحبة والموجبة لها وهي عشرة: أحدها: قراءة القرآن بالتَّدبر والتَّفهم لمعانيه وما أُريد به. كتدبر الكتاب الذي يحفظه العبد ويشرحه ليتفهم مراد صاحبه منه. الثاني: التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض، فإنها توصله إلى درجة المحبوبية بعد المحبة. الثالث: دوام ذكره على كل حال باللسان والقلب والعمل والحال. فنصيبه من المحبة على قدر نصيبه من هذا الذكر. الرابع: إيثار محابه على محابك عند غلبات الهوى، والتَّسَنُّم إلى محابه وإن صعب المُرتقى. الخامس: مطالعة القلب لأسمائه وصفاته، ومشاهدتها ومعرفتها وتقلبه في رياض هذه المعرفة ومباديها. فمن عرف الله بأسمائه وصفاته وأفعاله أحبه لا محالة. السادس: مشاهدة بره وإحسانه وآلائه ونعمه الباطنة والظاهرة، فإنها داعية إلى محبته. السابع: وهو من أعجبها: انكسار القلب بكُلِّيَّته بين يدي الله تعالى، وليس في التعبير عن هذا المعنى غير الأسماء والعبارات. الثامن: الخلوة به وقت النزول الإلهي لمناجاته، وتلاوة كلامه، والوقوف بالقلب، والتأدب بأدب العبودية بين يديه، ثم خَتم ذلك بالاستغفار والتوبة. التاسع: مجالسة المحبين الصادقين، والتقاط أطايب ثمرات كلامهم كما يُنتقى أطايب الثمر، ولا تتكلم إلا إذا ترجحت مصلحة الكلام، وعلمت أن فيه مزيدا لحالك، ومنفعة لغيرك. العاشر: مُباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله عز وجل. ا. هـ بتصرف. مدارج السالكين 3/ 448، 449

يقول: أحببت الله - عزَّ وجلَّ - حبًا سهل عليَّ كل مصيبة، ورضاني في كل قضية، فما أبالي مع حبي إياه، ما أصبحت عليه. [الحلية (تهذيبه) 1/ 302]. * وقال مطرف بن عبد الله بن الشخير رحمه الله: إن أحب عباد الله إلى الله الشكور الصابر الذي إذا ابتلي صبر وإذا أعطي شكر. [الزهد للإمام أحمد / 413]. * وعن عبيد بن عمير رحمه الله قال: إن الدنيا هينة على الله تعالى أن يعطيها من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الإيمان إلا من يحب. [الحلية (تهذيبه) 2/ 8]. * وقال أحمد بن أبي الحواريّ: سمعت أبا سليمان الداراني رحمه الله يقول: وقد دخلت عليه يبكي، فقلت له: ما يُبكيك؟ فقال لي: يا أحمد ولمَ لا أبكي؟ وإذا جنّ الليل ونامت العيون، وخلا كلّ حبيب بحبيبه، وافترش أهل المحبّة أقدامهم، وجرت دموعهم على خدودهم، وقَطَرت في مَحَاريبهم، أشرف الجليل سبحانه، فنادى جبريل - عليه السلام -: بعيني من تَلَذَّذَ بكلامي، فلمَ لا ينادِي فيهم: ما هذا البكاءُ؟ هل رأيتم حبيبًا يُعذِّب أحبابه؟ أم كيف يجمُلُ بي أن أُعذِّب قومًا إذا جنَّهم الليل تَمَلَّقوني؟ فبي حلفتُ إذا وردوا عليَّ القيامة لأكْشِفَنَّ لهم عن وجهي الكريم حتى ينظروا إليَّ وأنظر إليهم. [صفة الصفوة 4/ 442]. * وعن أبي يزيد البسْطامي رحمه الله قال: هذا فرحي بك وأنا أخافك، فكيف فرحي بك إذا أمِنتُكَ؟ ليس العَجَبُ من حبي لك، وأنا عبدٌ فقير، إنما العَجَبُ من حُبّك لي، وأنت مِلكٌ قدير. [السير (تهذيبه)]. * وعن القاسم الجوعي رحمه الله أنه قال: شبع الأولياء بالمحبة عن الجوع ففقدوا لذاذة الطعام والشراب والشهوات، لأنهم تلذذوا بلذة ليس فوقها لذة، فقطعتهم عن كل لذة. [المنتظم 11/ 302]. * وعن عبد الواحد بن زيد رحمه الله قال: خرجت إلى ناحية الخريبة فإذا أسود مجذوم قد تقطعت كل جارحة له بالجذام وعمي، وأقعد وإذا هو

يزحف، وإذا صبيان يرمونه بالحجارة حتى دموا وجهه، فرأيته يحرك شفتيه فدنوت منه لأسمع ما يقول، فإذا هو يقول: يا سيدي إنك لتعلم إنك لو قرضت لحمي بالمقاريض، ونشرت عظامي بالمناشير، ما ازددت لك إلا حبًا، فاصنع بي ما شئت. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 424].

حفظ اللسان

حفظ اللسان (أ) حفظ اللسان من كثرة الكلام: * قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: رَحِمَ الله امرَأً أمسكَ فضلَ القول وقدّمَ فضلَ العمل. [عيون الأخبار 1/ 380]. * وقال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: "والله الذي لا إله إلا هو ما على وجه الأرض شيء أحوج إلى طول سجن من لسان". [أخرجه الطبراني: 8744]، [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 38]. * وعن عبد الله بن مرداس، قال: كان عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - يخطبنا كل خميس، فيتكلم بكلمات، فيسكت حين يسكت، ونحن نشتهي أن يزيدنا. [أخرجه الحاكم: 5385]. * وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه كان يقول: من لم ير أن كلامه من عمله، وأن خلقه من دينه: هلك وهو لا يشعر. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 38]. * وقال أيضًا - رضي الله عنه -: أنذركم فضول الكلام، بحسب أحدكم ما بلغ حاجته. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 72]. * وعن ميمون بن مهران قال: جاء رجل إلى سلمان الفارسي - رضي الله عنه - فقال: أوصني قال: لا تكلّم. قال: لا يستطيع من عاش في الناس أن لا يتكلم. قال: فإن تكلمت، فتكلم بحق أو اسكت قال: زدني. قال: لا تغضب قال: إنه ليغشاني مالا أملكه. قال: فإن غضبت فأمسك لسانك، ويدك. قال زدني: قال: لا تلابس الناس. قال: لا يستطع من عاش في الناس أن لا يلابسهم. قال: فإن لابستهم، فاصدق الحديث وأدّ الأمانة. [صفة الصفوة 1/ 259].

* وقال أبو الدرداء - رضي الله عنه -: أَنْصِفْ أُذُنَيْكَ مِن فِيكَ، فإنّما جُعُلَ لك أُذُنَانِ اثنتان وفَمٌ واحدٌ، لتَسْمَعَ أكثرَ ممّا تقول. [عيون الأخبار 2/ 573]. * وقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: اللسان قوام البدن فإذا استقام اللسان استقامت الجوارح وإذا اضطرب اللسان لم يقم له جارحة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 63]. * وقال شداد بن أوس - رضي الله عنه - لغلامه: إيتينا بسفرتنا فنعبث ببعض ما فيها، فقال له رجل من أصحابه: ما سمعت منك كلمة منذ صاحبتك أرى أن يكون فيها شيء من هذه؟ قال: صدقت ما تكلمت بكلمة مذ بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أزِمُّها وأخطمها إلا هذه، وأيم الله لا تذهب مني هكذا، فجعل يسبح ويكبر ويحمد الله - عزَّ وجلَّ. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 248]. * وتكلّم رجل عند معاوية - رضي الله عنه - فَهَذَرَ، فلمّا أطال قال: أأسكتُ يا أميرَ المؤمنين؟ قال: وهل تكلّمتَ!. [عيون الأخبار 2/ 571]. * وقال ابن عباس - رضي الله عنهما - وهو في الطواف: يا لسان قل فاغنم أو اسكت واسلم قبل أن تندم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 224]. * وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: إن أحق ما طهر الرجل لسانه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 80]. * وقال الأحنف بن قيس رحمه الله: حَتْفُ الرجلِ مخبوءٌ تحت لسانه. [عيون الأخبار 1/ 381]. * وعن الحسن قال: ذكروا شيئًا عند معاوية بن قرة فتكلموا فيه، والأحنف بن قيس رحمه الله ساكت، فقالوا: مالك لا تتكلّم يا أبا بحر؟ قال: أخشى الله إن كذبتُ، وأخشاكم إن صدقت. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 221]. * وعن مطرف بن الشخير رحمه الله قال: من صفا عمله صفا لسانه، ومن خلط خلط له. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 224]. * وقال وهيب بن الورد رحمه الله: من عدّ كلامه من عمله قلّ كلامه. [صفة الصفوة 2/ 533].

* وقال أيضا رحمه الله: أجمعت الأطباء أن رأس الطب الحِمْية، وأجمعت الحكماء أن رأس الحكمة الصمت. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 336]. * وقال أيضًا: إن الرجل ليصمت فيجتمع إليه لُبُّهُ. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 59]. * وأثنى رجل على رجل فقال له بعض السلف: وما علمك به؟ قال: رأيته يتحفظ في منطقه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 250]. * وعن إبراهيم التيمي رحمه الله: قال: المؤمن إذا أراد أن يتكلم نظر: فإن كان كلامه له تكلم، وإن كان عليه أمسك عنه، والفاجر إنما لسانه رِسلا رِسلا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 250]. * وعن أبي الأشهب، عن الحسن البصري رحمه الله قال: كانوا يقولون: لسان الحكيم وراء قلبه فإذا أراد أن يقول رجع إلى قلبه، فإن كان له قال، وإن كان عليه أمسك، وأن الجاهل قلبه في طرف لسانه لا يرجع إلى قلبه، ما جرى على لسانه تكلم به، قال أبو الأشهب رحمه الله: كانوا يقولون: ما عقل دينه من لم يحفظ لسانه. [الزهد للإمام أحمد / 461]. * وعن عياض الفهري رحمه الله قال: إن الرجل ليطغى في كلامه كما يطغى في ماله. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 222]. * وعن عبد الرحمن بن شريح رحمه الله قال: لو أن عبدا اختار لنفسه ما اختار شيئا أفضل من الصمت. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 222]. * وعن يحيى بن أبي كثير رحمه الله قال: خصلتان إذا رأيتهما في الرجل فاعلم أن ما وراءهما خير منهما: إذا كان حابسا للسانه، يحافظ على صلاته. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 222]. * وعن إبراهيم رحمه الله قال: هلك الناس في خلتين: فضول المال، وفضول الكلام. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 357]. * وعن أبي خلدة رحمه الله قال: أدركت الناس وهم يعملون ولا يقولون، وهم اليوم يقولون ولا يعملون. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 357].

* وكان عبد الله بن أبي زكريا رحمه الله إذا كان في مجلس فخاض جلساؤه في غير ذكر الله، فكأنه ساهٍ، وإذا أخذوا في ذكر الله كان أشد القوم استماعا إليه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 222]. * وقال عبد الله بن المبارك رحمه الله: تعاهد لسانك إن اللسان ... سريعٌ إلى المرء في قتله وهذا اللسان بريد الفؤاد ... يَدلّ الرجال على عقله [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 362]. * وقال الأوزاعي رحمه الله: إنَّ المؤمن يقولُ قليلًا، ويعملُ كثيرًا، وإنَّ المنافقَ يتكلَّمُ كثيرًا، ويعملُ قليلًا. [السير (تهذيبه) 2/ 684]. * وعن الحسن رحمه الله قال: ما عقل دينه من لم يحفظ لسانه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 51]. * وقال أيضا رحمه الله: اللسان أمير البدن فإذا جنى على الأعضاء بشيء جنت وإن عفَّ عفَّت. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 63]. * وقال أيضًا رحمه الله: من كثر ماله كثرت ذنوبه، ومن كثر كلامه كثر كذبه، ومن ساء خُلقه عذَّب نفسه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 77]. * وقال أيضًا رحمه الله: يا ابن آدم بُسِطتْ لك صحيفةٌ، ووكِّل بك ملكان كريمان يكتبان عملك، فأكثر ما شئت أو أقل. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 74]. * وعن عبد الله بن المبارك رحمه الله قال: قال بعضهم في تفسير العزلة: هو أن يكون مع القوم، فإن خاضوا في ذكر الله فخض معهم، وإن خاضوا في غير ذلك فاسكت. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 53]. * وعن سفيان رحمه الله قال: قال بعض الماضين: إنما لساني سبع إن أرسلُته خفت أن يأكلني. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 53]. * وكان يقال: كثرة الكلام تذهب بالوقار. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 60]. * وقال داود الطائي لمحمد بن عبد العزيز رحمهما الله ذات يوم: أما علمت أن حفظ اللسان أشدُّ الأعمال وأفضلُها؟ قال محمد: بلى؟ وكيف لنا بذلك؟. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 61].

* وقال الشاعر: [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 65]. لسان الفتى نصفٌ ونصفٌ فؤاده ... ولم يبق إلا صورة اللحم والدم وكأيِّن ترى من ساكتٍ لك معجبٌ ... زيادته أو نقصه في التكلم * وقال عطاء بن أبي رباح رحمه الله: إن من كان قبلكم كانوا يكرهون فضول الكلام، وكانوا يعدون فضول الكلام ما عدا كتاب الله أن تقرأه، أو تأمر بمعروف أو تنهى عن منكر، أو تنطق بحاجتك في معيشتك التي لا بد لك منها، أتنكرون: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ} [الانفطار: 10، 11] {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 17، 18] أما يستحي أحدكم أنه لو نُشرت عليه صحيفته التي أملى صَدْرَ نهاره كان أكثر ما فيها ليس من أمر دينه ولا دنياه!. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 72]. * وكان طاوس رحمه الله يعتذر من طول السكوت، ويقول: إني جرَّبت لساني، فوجدته لئيما راضعا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 77]. * وقال سعيدُ بنُ عبد العزيزِ رحمه الله: لا خيرَ في الحياة إلا لأحد رجلين: صموتٍ واعٍ، وناطقٍ عارف. [السير (تهذيبه) 2/ 724]. * وعن الحسن بن حي رحمه الله يقول: فتشت الورع فلم أجد في شيء أقل منه في اللسان. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 210]. * وعن الفضيل بن عياض رحمه الله قال: أشد الورع في اللسان. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 210]. * وسئل ابن المبارك رحمه الله: أي الورع أشد؟ قال: اللسان. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 211]. * وعن أبي حيان التيمي رحمه الله قال: كان يقال: ينبغي للعاقل أن يكون أحفظ للسانه منه لموضع قدمه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 211]. * وتكلم ابنُ السَّمَّاك رحمه الله يومًا وجاريةٌ له تسمع كلامه، فلما دخل إليها

قال: كيف رأيتِ كلامي؟ قالت: ما أحسَنَه لولا أنّك تُكثر تَرْدَادَه! قال: أُرَدِّده حتّى يَفْهَمَه مَن لم يَفْهَمْه. قالت: إلى أن يَفْهَمه من لم يَفْهَمْه قد ملَّه مَن فَهمه! [عيون الأخبار 2/ 575]. * وقال بعضهم: [البداية والنهاية 12/ 57]. إذا تحدَّثْتَ في قومٍ لتُؤْنِسَهم ... بما تُحدِّثُ من ماضٍ ومن آتِ فلا تَعُد لحديثٍ إنَّ طبعَهمُ ... مُوَكَّل بمُعاداةِ المُعاداتِ * وقال رجل للربيع بن خثيم رحمه الله: قُتل ابن فاطمة، فاسترجع ثم تلا هذه الآية: {قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُون} [الزمر: 46]. قال: ما تقول؟ قال: ما أقول؟ إلى الله إيابهم وعليه حسابهم. [صفة الصفوة 3/ 42]. * وقال صالح بن أبي الأخضر قلت لأيوب السختياني رحمه الله: أوصني، قال: أقِلَّ الكلام. [صفة الصفوة 3/ 210]. * وعن الفضيل بن عياض رحمه الله قال: كان بعض أصحابنا نحفظ كلامه من الجمعة إلى الجمعة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 211]. * وقال الحسن بن حي رحمه الله: إني لأعرف رجلًا يعدُّ كلامه، فكانوا يرون أنه هو (¬1). [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 211]. * وعن أرطأة بن المنذر رحمه الله قال: تعلم رجل الصمت أربعين سنة بحصاة يضعها في فيه، لا ينتزعها إلا عند طعام أو شراب أو نوم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 211]. * وقال يونس بن عبيد رحمه الله: ما من الناس أحد يكون لسانه منه على بال، إلا رأيت ذلك صلاحًا في سائر عمله. [صفة الصفوة 3/ 220]. ¬

(¬1) لعل مقصود الفضيل والحسن بن حي: الكلام في أمور الدنيا، لا ما يتعلق بأمور الآخرة, كالتعليم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. .

* وقال بعضهم: [عيون الأخبار 2/ 577]. يَمُوتُ الفتى من عَثْرةٍ بلسانِهِ ... وليس يموتُ المرءُ من عَثْرة الرِّجْلِ فعثرتُه من فِيهِ تَرْمِي برأسهِ ... وعثرتُه بالرّجْل تَبْرا على مَهْلِ * وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: إني لأدع كثيرًا من الكلام مخافة المباهاة. [الزهد للإمام أحمد / 505]. * وقال أيضًا رحمه الله: إذا رأيتم الرجل يطيل الصمت ويهرب من الناس فاقتربوا منه؛ فإنه يُلقّن الحكمة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 348]. * وعن أبي عبد الله الحربي قال: سمعت بعض العلماء ممن قدم على عمر بن عبد العزيز رحمه الله يقول: الصامت: على علم كالمتكلم على علم، فقال عمر: إني لأرجو أن يكون المتكلم على علم أفضلهما يوم القيامة حالا؛ وذلك أن منفعته للناس، وهذا صمته لنفسه، قالوا: يا أمير المؤمنين فكيف بفتنة المنطق؟ قال: فبكى عمر رحمه الله بكاء شديدا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 345]. * وقال مورق العجلي رحمه الله: تعلمت الصمت في عشر سنين، وما قلت شيئا قط إذا غضبت أندم عليه إذا ذهب عني الغضب. [الزهد للإمام أحمد / 512]. * وعن خالد الحذاء قال: كنا نأتي أبا قلابة رحمه الله، فإذا حدثنا بثلاثة أحاديث قال: قد أكثرت. [الحلية (تهذيبه) 1/ 393]. * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 2/ 571]. إن كان في العِيِّ آفاتٌ مُقَدَّرةٌ ... ففي البلاغة آفاتٌ تُساوِيها * وقال بشر بن الحسن: نازع ابن عون رحمه الله رجل، فقال: فلولا أن يُكتب عليَّ لقلت (¬1). [صفة الصفوة 3/ 220]. * وعن يحيى القطان قال: ما ساد ابن عون رحمه الله الناس أن كان أتركهم للدنيا، ولكن إنما ساد ابن عون الناس بحفظ لسانه. [الحلية (تهذيبه) 1/ 442]. ¬

(¬1) أي: لو أن الملائكة لا تكتب ما أقول: لرددت عليك.

* وعن سلام بن أبي مطيع قال: كان ابن عون رحمه الله أملكهم للسانه. [الحلية (تهذيبه) 1/ 443]. * وعن معاذ بن معاذ قال: حدثني غير واحد من أصحاب يونس بن عبيد. قال: إني لأعرف رجلاً منذ عشرين سنة يتمنى أن يسلم له يوم من أيام ابن عون رحمه الله فما يقدر عليه، وليس ذاك أن يسكت رجل لا يتكلم؛ ولكن يتكلم فيسلم كما ابن عون. [الحلية (تهذيبه) 1/ 443]. * وقال حاتم الأصم رحمه الله: لو أن صاحب خَبر جلس إليك ليكتب كلامك لاحْتَرَزْتَ منه، وكلامُك يُعْرض على الله تعالى فلا تحتَرِز. [صفة الصفوة 4/ 391]. * وعن سعدون الرازي أنه قال: كنت مع حاتم الأصم رحمه الله وكان يتكلم، فقل كلامه فقيل له: قد كنت تتكلم فينتفع بك الناس؟ قال: إني لا أحب أن أتكلم بكلمة قبل أن أستعد جوابها لله، فإذا قال الله تعالى لي يوم القيامة: لم قلت كذا؟ قلت: يا رب لكذا. [المنتظم 11/ 255]. * وقال مالك بن دينار رحمه الله: لو أن الملَكين اللذين ينسخان أعمالكم، غدوا عليكم يتقاضونكم أثمان الصحف، التي ينسخون فيها أعمالكم، لأمسكتم عن كثير من فضول كلامكم، فإذا كانت الصحف من عند ربكم أفلا تربعون على أنفسكم. [الحلية (تهذيبه) 1/ 430]. * وقال أيضًا رحمه الله: اعلم أنه فساد عظيم أن يتكلم الإنسان بكل ما يسمع. [السير (تهذيبه)]. * وعن سفيان بن عيينة رحمه الله قال: قال لقمان - عليه السلام - لابنه: يا بني ما ندمت على الصمت قط، وإن كان الكلام من فضة فإن السكوت من ذهب. [الزهد للإمام أحمد / 126، 127]. * وكان يقال: إذا فَاتَك الأدب فالزم الصَّمتَ. [عيون الأخبار 2/ 573]. * وقال بعضهم: لا يَجْتَرِيء على الكلام إلا فَائِقٌ أو مَائِقٌ (¬1). [عيون الأخبار 2/ 573]. ¬

(¬1) قال في الحاشية: الفائق: الأديب العالم. والمائق: الهالك حمقًا وغباوة.

(ب) حفظ اللسان من الغيبة

* وعن سفيان الثوري رحمه الله قال: كان يقال: الصمت زين العالِم، وستر الجاهل. [الحلية (تهذيبه) 2/ 409]. * وقال أكثم بن صيفِيّ رحمه الله: مَقْتَلُ الرجلِ بين فَكّيهِ. [عيون الأخبار 1/ 381]. * وقال أبو الحسن القطان رحمه الله: أصبتُ ببصري، وأظنُّ أني عوقبتُ بكثرة كلامي أيام الرِّحلة. قال الذهبي رحمه الله: صدق والله، فقد كانوا مع حُسْن القصْدِ، وصحَّةِ النِّيَّةِ - غالبًا - يخافونَ من الكلام، وإظهار المعرفة والفضيلة، واليوم يكثرون الكلام مع نقصِ العلْمِ، وسوء القصْد. ثم إن الله يفضحهم ويلُوحُ جهلُهم وهواهُم واضطرابُهم فيما علموه. فنسألُ الله التوفيقَ والإخلاص. [السير (تهذيبه)]. * وعن مروان بن محمد قال: قيل لإبراهيم بن أدهم رحمه الله: إن فلانًا يتعلم النحو، فقال: هو إلى أن يتعلم الصمت أحوج. [الحلية (تهذيبه) 2/ 483]. * وعن عبد الله بن صالح العجلي قال: كان رجل من ولد عبد الله بن مسعود رحمه الله يجلس في مجلس ابن السماك، فكان يطيل السكوت، فقال له ابن السماك ذات يوم: يا فتى ألا تخوض فيما يخوض فيه القوم من الحديث؟ فقال: إنما قعدت لأسمع، وأنصت لأفهم، وما كان من الحديث لغير الله فعاقبته الندم، فقال: خرجت والله من معدن. [الحلية (تهذيبه) 3/ 48]. * وقال أبو بكر بن عياش رحمه الله: أدنى نفع السكوت السلامة، وكفى بالسلامة عافية، وأدنى ضرر النطق الشهرة، وكفى بالشهرة بلية. [الحلية (تهذيبه) 3/ 81]. * وقيل لقيس بن السكن رحمه الله: ألا تتكلم؟ قال: لساني سبع من السباع، أخاف أن أدعه فيعقرني. [الحلية (تهذيبه) 3/ 299]. (ب) حفظ اللسان من الغيبة (¬1): * كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: لا تشغلوا أنفسكم بذكر الناس فإنه ¬

(¬1) قال ابن القيم رحمه الله في الفوائد: ومن العجيب أن الإنسان يهون عليه التحفظ والاحتراز من أكل الحرام، والظلم، والربا، والزنا، وشرب الخمر، ومن النظر إلى المحرم وغير ذلك، ويصعب عليه التحفظ من حركة لسانه، حتى ترى الرجل يشار إليه بالدين والزهد والعبادة، وهو يتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالًا ينزل بها أبعد مما بين المشرق والمغرب، وكم ترى من رجل تورع عن الفواحش والظلم، ولسانه يفري في أعراض الناس الأحياء والأموات, لا يبالي ما يقول.

بلاء وعليكم بذكر الله فإنه رحمة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 137]. * وعن عمر - رضي الله عنه - قال: ما يمنعكم إذا رأيتم السفيه يُخرِّق أعراض الناس أن تُعرِّبوا عليه؟ قالوا: نخاف لسانه! قال: ذاك أدنى أن لا تكونوا شهداء. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 164]. * ومَرَّ عمرو بن العاص، - رضي الله عنه -، على بغل ميت، فقال: والله لأن يأكل أحدكم من لحم هذا خير له من أن يأكل لحم أخيه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 347]. * وعن أبي هريرة، - رضي الله عنه - قال: من أكل لحم أخيه في الدنيا قُرب إليه لحمه في الآخرة، فقيل له: كله ميتا كما أكلته حيا، فيأكله ويضج ويكلح. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 348]. * وكان بين سعد بن أبي وقاص وخالد بن الوليد رضي الله عنهما: كلام، فذهب رجل يقع في خالد عند سعد، فقال: مه، إن ما بيننا لم يبلغ ديننا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 398]. * وعن ابن عباس، - رضي الله عنه -، قال: إذا أردت أن تذكر عيوب صاحبك فاذكر عيوبك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 357]. * وقال الأحنف بن قيس رحمه الله: ما ذكرت أحدا بسوء بعد أن يقوم من عندي. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 139]. * وعن خالد الربعي، قال: دخلت المسجد فجلست إلى قوم فذكروا رجلا فنهيتهم عنه فكفوا، ثم جرى بهم الحديث حتى عادوا في ذكره فدخلت معهم في شيء من أمره فلما كان من الليل رأيت في المنام كأن شيئا أسود يشبه الرجل إلا أنه طويل جدا معه طبق خلاف أبيض عليه لحم خنزير، فقال: كل، قلت: آكل لحم خنزير والله لا آكله، فأخذ بقفاي وقال: كل، وانتهرني

انتهارةً شديدة، ودسه في فمي، فجعلت ألوكه ولا أسيغه وأفرق أن ألقيه، واستيقظت، قال: فمحلوفه لقد مكثت ثلاثين يوما وثلاثين ليلة ما آكل طعاما إلا وجدت طعم ذلك اللحم في فمي. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 130]. * وقال مولى لعمرو بن عتبة بن أبي سفيان: رآني عمرو بن عتبة رحمه الله وأنا مع رجل وهو يقع في آخر فقال لي: ويلك! ولم يقلها لي قبلها ولا بعدها، نزِّه سمعك عن استماع الخنا كما تُنزه لسانك عن القول به، فإن المستمع شريك القائل، وإنما نظر إلى شر ما في وعائه فأفرغه في وعائك، ولو رُدَّت كلمة السفيه في فيه لسعد بها رادها، كما شقي بها قائلها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 165]. * وعن يحيى بن أيوب رحمه الله أنه رأى في المنام صُنع به نحو هذا، وأنه وجد طعم الدسم على شفتيه أياما، وذلك أنه كان يجالس رجلا كان يغتاب الناس. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 350]. * وعن عون بن عبد الله رحمه الله، قال: إذا قلت ما في الرجل وأنت تعلم أنه يكره ذلك فقد اغتبته، وإذا قلت ما ليس فيه فقد بهته. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 370]. * وقال يحيى بن أبي كثير رحمه الله: يصوم الرجل عن الحلال الطيب، ويفطر على الحرام الخبيث، لحم أخيه - يعني اغتيابه. [الحلية (تهذيبه) 1/ 455]. * وقيل للربيع بن خثيم رحمه الله: ألا تذكر الناس؟ فقال: ما أنا عن نفسي براضٍ، فأتفرّغَ من ذمها إلى أن أذمّ الناس، إن الناس خافوا الله في ذنوب الناس، وأمِنوه على ذنوبهم. [صفة الصفوة 3/ 40]. * وقال عون بن عبد الله رحمه الله: ما أحسب أحدًا تفرّغ لعيب الناس، إلا من غفلةٍ غَفلها عن نفسه. [صفة الصفوة 3/ 70]. * وعن الأوزاعي رحمه الله، قال: سمعت يحي بن أبي كثير رحمه الله يقول: يقال يوم القيامة للعبد: قم إلى فلان فخذ حقك منه، فيقول: يا رب ما أعرف لي عنده من حق، فيقال: بلى إنه ذكرك يوم كذا بكذا، ويوم كذا بكذا.

قال الأوزاعي: أفناصح لنفسه من يُقضى من حسناته غدًا، وهو ينظر إلى ذل خاشع، يود لو كان بينه وبين أخلائه، أمدًا بعيدًا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 77]. * وعن مجاهد رحمه الله، قال: كفارة أكلك لحم أخيك: أن تثني عليه، وتدعو له بخير. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 418]. * وسمع علي بن الحسين رحمه الله رجلا يغتاب رجلا فقال: إياك والغيبة، فإنها إدام كلاب الناس. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 420]. * وسمع قتيبة بن مسلم رحمه الله رجلا يغتاب رجلا فقال: أما والله لقد تلمظت بمضغة طالما لفظتها الكرام. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 402]. * وقال سفيانُ بن حسين: ذكرتُ رجلاً بسوءٍ عند إياس بن معاويةَ رحمه الله، فنظر في وجهي وقال: أغزوْتَ الرومَ؟ قلتُ: لا. قال: فالسِّنْدَ والهندَ والترْك؟ قلتُ: لا. قال: أفسلِمَ منك الرومُ والسِّنْدُ والهندُ والتركُ، ولم يسْلَمْ منك أخوك المسلمُ؟! قال: فلم أعُدْ بعدَها. [البداية والنهاية 4/ 402]. * وعن حزم قال: كان ميمون بن سياه رحمه الله لا يغتاب؛ ولا يدع أحدًا يغتاب عنده، ينهاه فإن انتهى وإلا قام عنه. [الحلية (تهذيبه) 1/ 468]. * وقال أيضًا رحمه الله: تذاكروا عندي رجلاً من هؤلاء السلاطين، فوقعوا فيه، ولم أذكر منه خيرًا ولا شرًا، فانقلبتُ إلى بيتي، فرقدت فرأيت فيما يرى النائم، كأن بين يديّ جيفةَ زنجيّ ميّت منتفخٌ منتن، وكأن قائمًا على رأسي يقول لي كلْ، قلت: يا عبد الله ولِمَ آكل؟ قال: بما اغتِيبَ عندك فلان، قال: قلت: ما ذَكرت منه خيرًا ولا شرًا. فقال: ولكنك استمعت ورضيتَ. [صفة الصفوة 3/ 164]. * وكان سعيد بن جُبير رحمه الله لا يدعُ أحدًا يغتاب عنده. [السير (تهذيبه) 2/ 507]. * وقال الحسن البصري رحمه الله: والله للغيبة أسرع في دين المؤمن من الأكلة في جسده. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 356].

* وقال أيضا رحمه الله: إياكم والغيبة، والذي نفسي بيده لهي أسرع في الحسنات من النار في الحطب. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 421]. * وعن شعبة قال: سمعت معاوية بن قرة رحمه الله قال: لو قلت للأقطع: فلان الأقطع كانت غيبة، قال: فذكرت ذلك لأبي إسحاق فقال: صدق. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 383]. * وقال جرير بن حازم: سمعت محمد بن سيرين رحمه الله يحدث رجلاً، فقال: ما رأيتُ الرجل الأسود، ثم قال: أستغفر الله ما أراني إلا قد اغتبتُ الرجل. [صفة الصفوة 3/ 171، موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 383]. * وعن ابن عون قال: كانوا إذا ذكروا عند محمد بن سيرين رحمه الله رجلاً بسيّئة ذكره محمد بأحسن ما يعلم. [صفة الصفوة 3/ 171]. * وقال طوق بن وهب: دخلت على محمد بن سيرين رحمه الله وقد اشتكيت، فقال: كأني أراك شاكيًا، قلت: أجل. قال: اذهب إلى فلان الطبيب فاستوصفه. ثم قال: اذهب إلى فلان، فإنه أطيب منه. ثم قال: أستغفر الله أراني قد اغتبتُه. [صفة الصفوة 3/ 171]. * وعن ابن سيرين رحمه الله قال: ظُلمٌ لأخيك أن تذكر منه أسوأ ما تعلم، وتكتُم خَيْره. [صفة الصفوة 3/ 173]. * وقال بكر المزني رحمه الله: إذا رأيتم الرجل موكّلاً بعيوب الناس ناسيًا لعيبه، فاعلموا أنه قد مُكِرَ به. [صفة الصفوة 3/ 201، موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 139]. * وقال مالك بن دينار رحمه الله: كفى بالمرء شرًا أن لا يكون صالحًا ويقعَ في الصالحين. [صفة الصفوة 3/ 201]. * وقال رجل للفضل بن دكين رحمه الله: إن فلانًا يقع فيك. قال: لأغيظن مَن أمره، غفر الله له، قيل له: من أمره؟ قال: الشيطان. [صفة الصفوة]. * وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: ربما قال الرجلُ: لا إله إلا الله؛ أو سبحان الله فأخشَى عليه النارَ. قيل: وكيف ذاك؟ قال: يُغتَابُ بين يديه ويُعْجِبه ذلك فيقول: لا إله إلا الله، وليس هذا موضعَه، إنّما موضعُ هذا أن يَنصَحَ له في نفسه ويقول له: اتّقِ الله. [عيون الأخبار 2/ 411].

* وقال سفيان بن عيينة رحمه الله: الغيبة أشد من الدَّين، الدين يُقضى والغيبة لا تقضى. [الحلية (تهذيبه) 2/ 428]. * وقال أيضًا رحمه الله: قوله: السلام عليكم، يقول: أنت مني سالم، وأنا منك سالم، ثم يدعو له ويقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، فلا ينبغي لهذين إذ سلم بعضهما على بعض، أن يذكره من خلفه بما لا ينبغي له من غيبة أو غيرها. [الحلية (تهذيبه) 2/ 432]. * وقال البخاري رحمه الله: سمعت أبا عاصم رحمه الله يقول: منذ عَقَلتُ أنَّ الغِيبة حرامٌ، ما اغتَبتُ أحدًا قطُّ. [السير (تهذيبه) 2/ 837]. * وقال أبو عبد الله البخاري رحمه الله: أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أنِّي اغتبتُ أحدًا. قال الذهبي رحمه الله: صدق رحمه الله، ومن نظر في كلامه في الجرحِ والتعديل علم وَرَعه في الكلامِ في الناس، وإنصافَه فيمن يُضَعِّفه، فإنه أكثر ما يقول: منكر الحديث، سكتُوا عنه، فيه نظر، ونحو هذا، وقلَّ أن يقول: فلانٌ كذَّاب، أو كان يضَعُ الحديث، حتى إنه قال: إذا قلتُ فلان في حديثه نظر، فهو متَّهم واهٍ، وهذا معنى قوله: لا يحاسبُني الله أني اغتبت أحدًا، وهذا هو واللهِ غايةُ الورع. [السير (تهذيبه) 3/ 1015]. * وقال محمدُ بن أبي حاتم سمعت البخاري رحمه الله يقول لأبي معشر الضرير: اجعلني في حلٍّ يا أبا معشر، فقال: من أيِّ شيء؟ قال: رويتُ يومًا حديثًا فنظرتُ إليك، وقد أعجبتَ به، وأنت تُحرِّك رأسَكَ ويدَكَ، فتبسَّمتُ من ذلك. قال: أنتَ في حِلٍّ، رحمك اللهُ يا أبا عبد الله. [السير (تهذيبه) 3/ 1016]. * وقال حمدون بن أحمد رحمه الله: لا تُفش على أحدٍ ما تحبّ أن يكون مستورًا منك. [صفة الصفوة 4/ 363]. * وجاء رجل إلى مالك بن دينار رحمه الله فقال: يا أبا يحي ذُكر لي أنك ذكرتني بسوء، قال: أنت إذن أكرم علي من نفسي. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 47]. * وعن محمد بن أبي رجاء، قال: أغلظ رجل للمهلب بن أبي

(جـ) حفظ اللسان من النميمة

صفرة رحمه الله، فسكت، فقيل له: أربا عليك، قال: لم أعرف مساوئه فكرهت أن أبهته بما ليس فيه. [المنتظم 6/ 243]. * وقال رجاء بن أبي سلمة: كان بين عبادة بن نسي رحمه الله وبين رجل خصومة، فأسمعه الرجل ما يكرهه، قال: فلقيه رجاء بن حيوة فقال: بلغني أنه كان منه إليك، قال له عبادة: لولا أن تكون غيبة مني لأخبرتك بالذي قال لي. [تاريخ دمشق 26/ 217]. (جـ) حفظ اللسان من النميمة: * عن أبي الدرداء، - رضي الله عنه -، قال: أيما رجل أشاع على رجل كلمة وهو منها بريء لِيَشِينه بها في الدنيا: كان حقاً على الله أن يُذيبه بها يوم القيامة في النار. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 171]. * وعن علي - رضي الله عنه - قال: الناقل الكلمة الزور، والذي يَمُد بحبلها: في الإثم سواء. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 399]. * وعن كعب - رضي الله عنه -، قال: اتقوا النميمة؛ فإن صاحبها لا يستريح من عذاب القبر. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 405]. * وعن شبيل بن عوف رحمه الله، قال: كان يقال: من سمع بفاحشة، فأفشاها فهو كالذي أبداها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 400]. * وعاتب مُصْعَب بن الزبير الأحنف بن قيس رحمه الله على شيءٍ بلغه عنه، فاعتذرَ إليه الأحنفُ مِن ذلك ودَفَعه: فقال مُصعَبٌ: أَخبرني بذلك الثِّقَةُ: فقال الأحنفُ: كلاَّ أيها الأميرُ، إن الثقةَ لا يُبَلِّغُ. [عيون الأخبار 2/ 417]. * وقال يحيى بن أبي كثير رحمه الله: يفسد النمام في ساعة، ما لا يفسد الساحر في شهر. [الحلية (تهذيبه) 1/ 456]. * وعن عَطَاء بن السائب قال: قَدِمت مِنْ مكة فلقيني الشعبيُّ رحمه الله فقال: يا أبا زيد أَطْرِفْنَا مما سمعتَ؛ قلتُ: سمعتُ عبدَ الرحمن بن عبد الله بن سَابِط رحمه الله يقول: لا يسْكنُ مكّةَ سافِكُ دمٍ، ولا آكلُ رِبًا، ولا مَشَّاءٌ بنميم، فعجبتُ منه حين عَدَلَ النميمة بسَفْكِ الدماء وأَكْلِ الرِّبا، فقال الشعبيّ: وما

(د) ذم ذي اللسانين والحذر منه

يُعجِبُك من هذا! وهل تُسفَكُ الدِماءُ وتُركبُ العظَائمُ إلا بالنميمة! [عيون الأخبار 2/ 417]. * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 2/ 417]. ومَنْ يُطِعِ الواشِينَ لا يترُكُوا له ... صَديقًا وإن كانَ الحبيبَ المقرَّبَا * وقال ذو الرياستين رحمه الله: قبولُ السَّعايةِ شرٌّ من السّعايةِ، لأن السعايةَ دَلالةٌ والقبولَ إجازةٌ، وليس مَنْ دلّ على شيءٍ كمن قَبلَ وأجازَ، فامْقُتِ الساعِيَ على سِعَايتهِ وإن كان صادقًا لِلُؤْمِه في هَتْكِ العورةِ وإضاعةِ الحرمةِ مُبَارزةً لله بقول البهتان والزور، وعاقبْهُ إن كان كاذبًا لجمعه بين هتْك العورة وإضاعة الحرمة. [عيون الأخبار 2/ 421]. * ووَشَى وَاشٍ برجلٍ على الإسكندر: فقال له: أَتُحِبُّ أن أقبلَ منك ما قُلتَ فيه على أن نَقبلَ منه ما قال فيك؟ قال: لا. قال: فَكُفَّ عن الشرِّ يَكُفَّ عنك الشَّرُّ. [عيون الأخبار 2/ 422]. * وعن حميد رحمه الله: أن رجلا ساوم بعبد فقال مولاه: إني أبرأ إليك من النميمة، قال: نعم أنت بريء منها، قال: فاشتراه فجعل يقول لمولاه: إن امرأتك تبغي وتفعل وإنها تريد أن تقتلك، ويقول للمرأة: إن زوجك يريد أن يتزوج عليك ويتسرى عليك، فإن أردت أن أعطفه عليك فلا يتزوج عليك ولا يتسرى فخذي الموسى فاحلقي الشعر من حلقه إذا نام، وقال للزوج: إنها تريد أن تقتلك إذا نمت، قال: فذهب فتناوم لها وجاءت بالموسى لتحلق شعرة من حلقه، فأخذ بيدها فقتلها فجاء أهلها فاستعدوا عليه فقتلوه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 403]. (د) ذم ذي اللسانين والحذر منه: * عن مالك بن أسماء بن خارجة، قال: كنت مع أبي أسماء رحمه الله، إذ جاء رجل إلى أمير من الأمراء، فأثنى عليه وأطراه، ثم جاء إلى أبي أسماء فجلس إليه في جانب الدار، فجرى حديثهما، فما برح حتى وقع فيه، فقال

(هـ) حفظ اللسان من الكذب

أسماء: سمعت عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، - رضي الله عنه -، يقول: إن ذا اللسانين في الدنيا له يوم القيامة لسانان من نار. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 408]. * وعن غريب الهمداني، قال: قلت لابن عمر، رضي الله عنهما: إنا إذا دخلنا على الأمراء زكيناهم بما ليس فيهم، فإذا خرجنا دعونا الله عليهم، قال: كنا نعد ذلك النفاق. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 480]. * وعن أبي الشعثاء، قال: قيل لابن عمر رضي الله عنهما: إنا ندخل على أمرائنا فنقول القول، فإذا خرجنا قلنا غيره، فقال: كنا نعد ذلك على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النفاقُ. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 409]. (هـ) حفظ اللسان من الكذب: * عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - قال: أيها الناس إياكم والكذب فإنه مجانبُ الإيمان. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 207]. * وقال عمر - رضي الله عنه -: أحبكم إلينا ما لم نركم: أحسنكم اسمًا، فإذا رأيناكم فأحبكم إلينا: أحسنكم خلقًا، فإذا اختبرناكم فأحبكم إلينا: أصدقكم حديثًا، وأعظمكم أمانة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 208]. * وقال - رضي الله عنه -: لا تجد المؤمن كذابا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 209]. * وكان - رضي الله عنه - يقول في خطبته: ليس فيما دون الصدق من الحديث خير، من يكذب يفجر، ومن يفجر يهلك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 209]. * وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: ألا إن شر الرَّوايا روايا الكذب، ألا وإن الكذب لا يصلح منه جد ولا هزل، ولا أن يَعِد الرجل ولده شيئا ولا ينجزه، ألا وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ألا وإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإنه يقال للصادق: صدق وبر، ويقال للكاذب: كذب وفجر، ألا وإن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - حدثنا (إن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقًا، ويكذب حتى يكذب عند الله كذابًا). [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 219]. * وقال أيضا - رضي الله عنه -: والذي نفسي بيده ما أحل الله الكذب في جد ولا

في هزل قط، ولا أن يّعِد الرجل صبيه ثم لا ينجزه له، اقرؤوا إن شئتم {اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119]. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 219]. * وأتى رجل ابن مسعود - رضي الله عنه - فقال: علمني كلمات نوافعَ جوامعَ؟ فقال: تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتزول مع القرآن أين ما زال، ومن جاءك بالصدق من صغير أو كبير وإن كان بعيدا بغيضا فاقبله منه، ومن أتاك بكذب من صغير أو كبير وإن كان حبيبا قريبا فاردده عليه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 265]. * وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: ما كان من خُلق أشد عند أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الكذب، ولقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطلع على الرجل من أصحابه على الكذب، فما ينحل من صدره حتى يعلم أنه قد أحدث لله منها توبة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 207]. * وعن سعد بن أبي وقاص، وابن مسعود - رضي الله عنهما - قالا: كل الخلال يُطبع عليها المؤمن إلا الخيانة والكذب. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 209]. * وعن أبي بردة بن عبد الله بن أبي بردة قال: كان يقال: إن ربعي بن حراش رضى الله عنه لم يكذب كذبا قط، فأقبل ابناه من خراسان قد تأجَّلا، فجاء العريف إلى الحجاج فقال: أيها الأمير إن الناس يزعمون أن ربعي بن حراش لم يكذب قط، وقد قدم ابناه من خراسان وهما عاصيان، فقال الحجاج: علي به، فما جاء قال: أيها الشيخ! قال: ما تشاء؟ قال: ما فعل ابناك؟ قال: المستعان الله خلَّفتهما في البيت، قال: لا جرم والله لا أسوؤك فيهما، هما لك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 209]. * وقال سمرة بن جندب - رضي الله عنه -: لأن أقول: لا، أحب إليَّ من أن أقول: نعم، ثم لا أفعل. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 292]. * وقال الأحنف بن قيس رحمه الله: ما كذبت منذ أسلمت إلا مرة واحدة، فإن عمر سألني عن ثوب: بكم أخذته؟ فأسقطت ثلثي الثمن. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 216]. * وعن الحسن رحمه الله قال: يُعدّ من النفاق: اختلاف العمل، واختلاف

السر والعلانية، والمدخل والمخرج، وأصل النفاق والذي بني عليه النفاق: الكذب. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 208]. * وقال أيضًا رحمه الله: الكذب جماع النفاق. [الزهد للإمام أحمد / 471]. * وقال أيضا رحمه الله: ما عقل دينه من لم يحفظ لسانه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 222]. * وقال يونس بن عبيد رحمه الله: كل خَلَّةٍ يُرجى تركها يومًا ما إلا صاحب الكذب. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 301]. * وقال عبد الله العجلي: حدثني أبي قال: إن رِبعيّ بن حِراش رحمه الله لم يكذب كذبةً قطّ، وكان له ابنان عاصيان على الحجّاج، فقيل للحجّاج: إن أباهما لم يكذب كذبة قطّ، لو أرسلتَ إليه فسألته عنهما. قال: أين ابناك؟ قال: هما في البيت. قال: قد عفونا عنهما بصِدْقك. [صفة الصفوة]. * وقال حذيفة المرعشي رحمه الله: لأن أدع لله كذبة أحب إلي من أن أحج حجة. [الحلية (تهذيبه) 3/ 65]. * وقال ابن الجوزي: كان سمنون بن عبد الله رحمه الله يتكلم في المحبة، ثم سمى نفسه الكذاب لموضع دعواه في قوله: ليس لي في سواك حظ ... فكيف ما شئت فامتحنّي فامتحن بحصر البول، فصار يدور في المكاتب، ويقول للصبيان، ادعوا لعمكم المبتلى بلسانه. [المنتظم 13/ 121]. * وجاءت أخت الربيع بن خثيم رحمه الله عائدة إلى بُنيٍّ له، فانكبت عليه، فقالت: كيف أنت يا بني؟ فجلس الربيع فقال: أرضعتيه؟ قالت: لا، قال: ما عليك لو قلت: يا ابن أخي فصدقت؟!. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 217]. * وعن شُتَير بن شَكَل رحمه الله: أن امرأة قالت له: يا بني، فقال: ولدتيني؟ قالت: لا، قال: فأرضعتيني؟ قالت: لا، قال: فلم تكذبين؟ (¬1) [الزهد للإمام أحمد / 371]. ¬

(¬1) قال ابن كثير رحمه الله عند تفسير قوله تعالى: {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} [الأحزاب: 5]: فأما دعوة الغير ابنا على سبيل التكريم والتحبيب، فليس مما نهي عنه في هذه الآية، بدليل ما رواه الإمام أحمد وأهل السنن إلا الترمذي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَدَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أُغَيْلِمَةَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَلَى حُمُرَاتٍ لَنَا مِنْ جَمْعٍ, فَجَعَلَ يَلْطَحُ أَفْخَاذَنَا وَيَقُولُ: " أُبَيْنَيّ لَا تَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ". قال أبو عبيد وغيره: "أُبَيْنيّ" تصغير بني. وهذا ظاهر الدلالة، فإن هذا كان في حجة الوداع سنة عشر، وقوله: (ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ) [الأحزاب: 5] في شأن زيد بن حارثة، وقد قتل في يوم مؤتة سنة ثمان، وأيضا ففي صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا بُني".

* وقال إياس بن معاوية رحمه الله: إن الكذب عندي من يكذب فيما لا يضره ولا ينفعه، فأما رجل كذب كذبة يرد عن نفسه بها بليَّة، أو يجر إلى نفسه بها معروفا، فليس عندي بكذاب. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 208]. * وقال مطرف بن طريف رحمه الله: ما أحب أني كذبت وأن لي الدنيا وما فيها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 210]. * واعتذر رجل عند إبراهيم التيمي رحمه الله فقال: قد عذرناك غير معتَذَر، إن الاعتذار يخالطه الكذب. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 212]. * وقال إبراهيم رحمه الله: ما كانوا يرخصون في الكذب في جِدِّ ولا هزل. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 303]. * وعن مطرف رحمه الله قال: المعاذر مفاجر. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 212]. * وعن الليث بن سعد قال: كانت ترمض عينا سعيد بن المسيب رحمه الله حتى بلغ الرمص خارج عينيه، فيقال له: لو مسحت هذا الرمص؟ فيقول: فأين قولي للطبيب وهو يقول لي: لا تمس عينك، فأقول لا أفعل!. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 212]. * وقال مالك بن دينار رحمه الله رحمه الله: الصدق والكذب يعتركان في القلب حتى يُخرج أحدُهما صاحبه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 213]. * وقال يزيد بن ميسرة رحمه الله: إن الكذب يَسقي باب كل شر، كما يسقي الماء أصول الشجر. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 214].

(و) حفظ اللسان من الكلام الذي لا ينفع

* وعن عون بن عبد الله رحمه الله قال: كساني أبي حلة، فخرجت فيها، فقال لي أصحابي: كساك هذه الأمير؟ فأحببت أن يروا أن الأمير كسانيها، فقلت: جزى الله الأمير خيرا، كسا الله الأمير من كسوة الجنة، فذكرت ذلك لأبي، فقال: يا بني لا تكذب ولا تشبه بالكذب. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 218]. * وعن الشعبي رحمه الله قال: ما أدري أيهما أبعد غورا في النار: الكذب أو البخل!. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 218]. * وقال ابن السماك رحمه الله: ما أراني أوجر على تركي الكذب؛ لأني إنما أدعه أنفة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 219]. * وقال: أول عقوبة الكذب من كذبه: أنه يُرد عليه صدْقُه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 220]. * وقيل لخالد بن صبيح رحمه الله: أرأيت من يكذب الكذبة هل يسمى فاسقا؟ قال: نعم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 220]. * وقال لقمان - عليه السلام - لابنه: يا بني من ساء خلقه عذب نفسه، ومن كذب ذهب جماله. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 220]. (و) حفظ اللسان من الكلام الذي لا ينفع: * قال زيد بن أَسلم: دُخل على أَبي دُجانة - رضي الله عنه - وهو مريض، وكان وجهه يتهلَّل فقيل له: ما لِوجهك يتهلَّلُ؟ فقال: ما مِن عملِ شيء أَوثق عندي من اثنتين: كنتُ لا أتكلَّم فيما لا يعنيني، والأخرى فكان قلبي للمسلمين سليمًا. [السير (تهذيبه) 1/ 154]. * وقال الأحنف بن قيس رحمه الله: جنِّبوا مجالسَنا ذِكرَ النِّساء والطعام، إني أبغِضُ الرجلَ يكونُ وصَّافًا لفَرجه وبطنه. [السير (تهذيبه) 1/ 453]. * وعن معلى بن عبيد قال: دخلنا على محمد بن سوقة فقال: أحدثكم بحديث لعله ينفعكم، فإنه قد نفعني، ثم قال: قال لنا عطاء بن أبي رباح رحمه الله: يا بني أخي، إن من كان قبلكم كانوا يكرهون فضول الكلام، أتنكرون أن

عليكم حافظين، أما يستحي أحدكم أن لو نشرت عليه صحيفته التي أملى صدر نهاره، كان أكثر ما فيها ليس من أمر دينه ولا دنياه. [المنتظم 7/ 166]. * وقال مخلد بن الحسين رحمه الله: ما تكلمت بكلمة أريد أن أعتذر عنها منذ خمسين سنة. [المنتظم 9/ 196]. * وعن محمد بن إسحاق أنه قال: جاء أعرابي إلى القاسم بن محمد رحمه الله، فقال: أنت أعلم أو سالم؟ قال: ذاك منزل سالم، فلم يزد عليها حتى قام الأعرابي. قال ابن إسحاق: كره أن يقول: هو أعلم مني فيكذب، أو يقول: أنا أعلم منه فيزكي نفسه. [المنتظم 7/ 123]. * وعن سفيان الثوري أنه قال: اجتمعوا إلى القاسم بن محمد رحمه الله في صدقة قسمها. قال: وهو يصلي، فجعلوا يتكلمون، فقال ابنه: إنكم اجتمعتم إلى رجل والله ما نال منها درهمًا ولا دانقًا، قال: فأوجز القاسم ثم قال: يا بني قل فيما علمت. قال سفيان: صدق ابنه ولكنه أراد تأديبه في النطق وحفظه. [المنتظم 7/ 123]. * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 3/ 168]. وممّا كانتِ العلماءُ قالتْ ... لسانُ المرءِ من خَدَمِ الفُؤادِ * وعن إبراهيم النخعي رحمه الله قال: إني لأرى الشيء مما يُعاب فما يمنعني من عيبه، إلا مخافة أنْ أُبتلى به. [صفة الصفوة 3/ 16]. * وعن الحجاج بن عنبسة بن سعيد قال: اجتمع بنو مروان فقالوا: لو دخلنا على أمير المؤمنين فعطفناه علينا، وأذكرناه أرحامنا! قال: فدخلوا فتكلم رجل منهم فمزح، قال: فنظر إليه عمر بن العزيز رحمه الله، قال: فوصل له رجل كلامه بالمزاح، فقال عمر: لهذا اجتمعتم! لأخس الحديث ولما يورث الضغائن، إذا اجتمعتم فأفيضوا في كتاب الله تعالى، فإن تعديتم ذلك ففي السنة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإن تعديتم ذلك فعليكم بمعاني الحديث. [الحلية (تهذيبه) 2/ 205]. * وعن يونس بن عبيد رحمه الله قال: إنك تكاد تعرف ورع الرجل في كلامه إذا تكلّم. [صفة الصفوة 3/ 218].

(ز) حفظ اللسان من المسابة والمشاتمة

* وقال أيضًا رحمه الله: خصلتان إذا صلَحتا من العبد صلح ما سِواهما من أمره: صلاتُه ولسانه (¬1). [صفة الصفوة 3/ 219]. * وقال مَرَّةً رجلٌ: ما أشدَّ البردَ اليوم، فالتفتَ إليه المُعافى بن عمران رحمه الله، وقال: استدفأتَ الآن، لو سكتَّ، لكان خيرًا لك. قال الذهبي رحمه الله: قولُ مثلِ هذا جائزٌ، لكنهم كانوا يكرَهون فُضولَ الكلام، واختلف العلماءُ في الكلام المباح، هل يكتُبه المَلَكان، أم لا يَكتُبان إلا المستحَبَّ الذي فيه أجرٌ، والمذمومَ الذي فيه تَبِعَة؟ والصحيحُ كتابةُ الجميعِ لعموم النَّصِّ في قوله - تعالى -:: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18]، ثم ليس إلى الملكين اطِّلاعٌ على النِّيات والإخلاص، بل يكتُبانِ النُّطْقَ، وأما السَّرائرُ الباعثةُ للنُّطقِ، فالله يتولاَّها. [السير (تهذيبه) 2/ 800]. * وعن أبي وهب؛ أن إبراهيم بن أدهم رحمه الله رأى رجلًا يحدث - يعني من كلام الدنيا - فوقف عليه فقال له: كلامك هذا ترجو فيه؟ قال: لا، قال: فتأمن عليه، قال: لا، قال: فما تصنع بشيء لا ترجو فيه ولا تأمن عليه؟ [الحلية (تهذيبه) 2/ 483]. * وعن أبي داود السجستاني قال: لم يكن أحمد بن حنبل رحمه الله يخوض في شيْء مما يخوض فيه الناسُ من أمر الدنيا، فإذا ذكر العلْم تكلم. [صفة الصفوة 2/ 605]. (ز) حفظ اللسان من المسابة والمشاتمة: * عن سالم بن عبد الله بن عمر رحمه الله قال: ما سمعت أبي لعن شيئا قط إلا مرة، وقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا ينبغي للمؤمن أن يكون لعانا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 350]. * وعن الفضيل بن عمرو: أن رجلا لعن شيئا فخرج ابن مسعود - رضي الله عنه - ¬

(¬1) لقول الله تعالى {إنَّ الصَلاَةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45] وقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - " إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة "

من البيت، فقال: إذا لُعن شيء دارت اللعنة، فإن وجدت مساغًا قيل لها: اسلكيه، فإن لم تجد مساغًا قيل لها: ارجعي من حيث جئت، فخفت أن ترجع وأنا في البيت. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 228]. * وعن كعب - رضي الله عنه - قال: من لعن شيئا من غير ذنب لم تزل اللعنة تَردَّد بين السماء والأرض حتى تلزم تَرقُوة صاحبها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 230]. * وكان أبو الدرداء - رضي الله عنه - مضطجعًا بين أصحابه، وقد غطى وجهه، فمر عليه قِسٌّ سمين، فقالوا: اللهم العنه، ما أغلظ رقبته! فقال أبو الدرداء - رضي الله عنه -: من ذا الذي لعنتم آنفا؟ فأخبروه، فقال: لا تلعنوا أحدًا، فإنه ما ينبغي للعان أن يكون عند الله صدِّيقًا يوم القيامة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 230]. * وقيل إنَّ رجلًا خاصم الأحنف بن قيس رحمه الله، قال: لئِن قلتَ واحدة، لتسمعَنَّ عشرًا. فقال: لكنَّك إن قلت عشرًا لم تسمَع واحدة. [السير (تهذيبه) 1/ 452] * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 2/ 420]. والقولُ يَنفُذُ ما لا تَنفُذُ الإبَرُ * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 2/ 421]. وجَرْحُ اللِّسانِ كَجَرْحِ اليدِ * وقال جعفر بن محمد رحمه الله: سلاح اللئام قبيح الكلام. [صفة الصفوة]. * وقال عاصم بن أبي النّجود: ما سمعتُ أبا وائل رحمه الله سبَّ إنسانًا قطُّ، ولا بهيمة. [السير (تهذيبه)]. * وعن ابن المبارك رحمه الله قال: من استخفَّ بالعلماء، ذهبت آخرتُه، ومن استخفَّ بالأمراء، ذهبت دنياه، ومن استخفَّ بالإخوان ذهبت مُروءتُه. [السير (تهذيبه) 2/ 769]. * وقال بعضهم (¬1): [الكامل في اللغة والأدب / 651]. ¬

(¬1) في الأصل: عيب , والمثبت هو ما عليه سائر كتب الأدب.

(حـ) حفظ اللسان من السخرية

وأجْرَأْ مَنْ رَأَيْتُ بظَهْر غَيْبٍ ... على عَيْبِ الرِّجَالِ ذوُو العُيوبِ * وقال مجاهد رحمه الله: قلَّ ما ذكر الشيطانَ قومٌ إلا حضرهم، فإذا سمع أحدًا يلعنه قال: لقد لعنت مُلعَّنا، ولا شيء أقطع لظهره من: لا إله إلا الله. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 231]. (حـ) حفظ اللسان من السخرية: * قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: لو سخرتُ من كلبٍ لخشيت أن أُحوّل كلبًا. [صفة الصفوة 1/ 191]. * وقال إبراهيم النخعي رحمه الله: إني لأرى الشيء أكرهه في نفسي فما يمنعني أن أعيبه إلا كراهية أن أبتلى بمثله. [الحلية (تهذيبه) 2/ 93، موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 185]. * وعن الحسن، رحمه الله، قال: كانوا يقولون: من رمى أخاه بذنب قد تاب إلى الله جل وعز منه: لم يمت حتى يبتليه الله به. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 415]. * وعن أبي ميسرة رحمه الله، قال: لو رأيت رجلا يرضع عنزًا فسخرت منه، خشيت أن أكون مثله. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 243]. (ط) حفظ اللسان من القول على الله بلا علم: * عن عروة قال: سئل ابن عمر - رضي الله عنه - عن شيء فقال: لا علم لي به. فلما أدبر الرجل قال لنفسه: سئل ابن عمر عما لا علم له به فقال: لا علم لي به. [صفة الصفوة 1/ 268]. * وعن نافع أن رجلًا سأل عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - عن مسألة فطأطأ رأسه، ولم يجبه حتى ظن الناس أنه لم يسمع مسألته. فقال له: يرحمك الله أما سمعت مسألتي؟ قال: بلى، ولكنكم كأنكم ترون أن الله تعالى ليس بسائلنا عما تسألونا عنه، اتركنا رحمك الله حتى نتفهم في مسألتك، فإن كان لها

جواب عندنا، وإلا أعلمناك أنه لا علم لنا به. [صفة الصفوة 1/ 268]. * وقال ابنُ عبد البرِّ: صح عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - أنه قال: "لا أدري"، نِصفُ العلم. [السير (تهذيبه)]. * وقال ابن عبّاس - رضي الله عنه -: إذا تَرَك العالمُ قولَ لا أدري أصِيبت مقاتِلُه. [عيون الأخبار 2/ 524]. * وقال القاسم بن محمد رحمه الله: ما نعلم كل ما نسأل عنه؛ ولئن يعيش الرجل جاهلًا بعد أن يعرف حق الله تعالى عليه خير له من أن يقول ما لا يعلم. [الحلية (تهذيبه) 1/ 353]. * وقال أيوب: سمعت القاسم بن محمد رحمه الله يُسأل بمنى فيقول: لا أدري، لا أعلم، فلما أكثروا عليه، قال: والله ما نعلم كل ما تسألون عنه، ولو علمنا ما كتمناكم، ولا حل لنا أن نكتمكم. [الحلية (تهذيبه) 1/ 353]. * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 1/ 380]. رأيتُ اللسانَ على أهله ... إذا ساسه الجهلُ لَيْثًا مُغِيرَا * وقال أبو عقيل: كنت جالسا عند القاسم بن عبيد الله رحمه الله ويحيى بن سعيد. فقال يحيى للقاسم: يا أبا محمد! إنه قبيح على مثلك، عظيم أن تسأل عن شيء من أمر هذا الدين، فلا يوجد عندك منه علم، ولا فرج - أو علم ولا مخرج. فقال له القاسم: وعم ذاك؟ قال: لأنك ابن إمامَي هدى ابن أبي بكر وعمر. قال: يقول له القاسم: أقبح من ذاك عند من عقل عن الله، أن أقول بغير علم، أو آخذ عن غير ثقة. قال: فسكت فما أجابه. [رواه مسلم في مقدمته]. * وقال الأشعث: كان محمد بن سيرين رحمه الله إذا سئل عن شيءٍ من الفقه، الحلال والحرام، تغيّر لونه، وتبدّل حتى كأنه ليس بالذي كان. [صفة الصفوة 3/ 172]. * وقال عبد الله بن يزيد بن هُرْمُز رحمه الله: ينبغي للعالم أن يورث جلساءه قول: "لا أدري"، حتى يكونَ ذلك أصلًا يَفْزَعُونَ إليه. [السير (تهذيبه)].

* وقال سفيان بن عيينة رحمه الله: إذا ترك العالم لا أدري أصيبت مقاتله. [صفة الصفوة 2/ 541]. * وعن مروان بن محمد قال: سمعت سفيان بن عيينة رحمه الله، وسأله رجل عن مسألة، فقال: لا أدري، فقال له: يا أبا محمد إنها قد كانت، فقال له سفيان، فإذا قد كان: قد كانت، وأنا لا أدري فأيش يعمل. [الحلية (تهذيبه) 2/ 440]. * وقال الربيع بن خثيم رحمه الله: ليتّق أحدكم أن يقول أحلّ الله كذا وحرّم كذا، فيقول الله: كذبت لم أحل كذا ولم أحرّم كذا. [جامع العلوم والحكم / 375]. * وسُئل سُحنون رحمه الله: أيَسَعُ العالِمَ أن يقول: لا أدري فيما يدري؟ قال: أمَّا ما فيه كتابٌ أو سنةٌ ثابتة فلا، وأما ما كان من هذا الرأي، فإِنَّه يَسَعُهُ ذلك، لأنه لا يدري أمصيب هو أم مخطِئ. [السير (تهذيبه) 2/ 982]. * وقال مسروق رحمه الله: لأن أفتي يومًا بعَدلٍ وحقٍّ، أحبُّ إليَّ مِن أن أغزُوَ سنة. [السير (تهذيبه) 1/ 445]. * وعن حَنظلة بن أبي سفيان قال: ما رأيتُ عالمًا قطُّ يقول: لا أدري أكثرَ مِن طاووس رحمه الله [السير (تهذيبه) 2/ 578]. * وعن منصور قال: ما سألت إبراهيم النخعي رحمه الله قط عن مسألة إلا رأيت الكراهية في وجهه، يقول: أرجو أن تكون وعسى. [الحلية (تهذيبه) 2/ 90]. * وعن ابن مهدي قال: سأل رجل مالك بن أنس رحمه الله عن مسألة، فقال: لا أحسِنها. فقال الرجل: إني ضربت إليك من كذا وكذا لأسألك عنها، فقال له مالك: فإذا رجعتَ إلى مكانك وموضعك فأخبرْهم أني قلتُ لك: لا أحسِنها. [صفة الصفوة 2/ 504]. * وعن ابن وهب قال: لو شئت أن أملأ ألواحي من قول مالك بن أنس رحمه الله: لا أدري، فعلت. [الحلية (تهذيبه) 2/ 356]. * وعن عبد الرحمن بن مهدي قال: رأيت رجلاً جاء إلى مالك بن أنس رحمه الله يسأله عن شيء أيامًا ما يجيبه، فقال: يا أبا عبد الله إني أريد الخروج.

(ي) حفظ اللسان من التكلم في ما لا يعني

قال: فأطرق طويلاً ثم رفع رأسه وقال: ما شاء الله يا هذا! إني إنما أتكلم فيما أحتسب فيه الخير، وليس أحسن مسألتك هذه. [الحلية (تهذيبه) 2/ 356]. * وقال ابن وهب: سمعت مالك بن أنس رحمه الله يقول: أدركت علماءنا يقول أحدهم إذا سئل: أكره هذا، ولا أحبه، ولا يقول حلال ولا حرام. [جامع العلوم والحكم / 375]. (ي) حفظ اللسان من التكلم في ما لا يعني: * دُخل على أبي دجانة - رضي الله عنه - وهو مريض، ووجهه يتهلك، فقال: ما من عملي شيء أوثق في نفسي من اثنين: لم أتكلم فيما لا يعنيني، وكان قلبي للمسلمين سليما. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 87]. * وقال رجل للأحنف رحمه الله وأراد عيبَه: بم سدَّت قومك؟ قال: بتركي من أمرك ما لا يعنيني كما عناك من أمري ما لا يعنيك. [عيون الأخبار 1/ 258]. * وعن أبي بكر مورق العجلي رحمه الله أنه قال: أمْرٌ أنا في طلبه منذ عشرين سنة لم أقدر عليه، ولست بتارك طلبه أبدًا، قيل: وما هو؟ قال: الصمت عما لا يعنيني، وما قلت في الغضب شيئًا قط فندمت عليه في الرضى. [الزهد للإمام أحمد / 512]. * وقال عبد الله بن أبي زكريا رحمه الله: عالجت الصمت عما لا يعنيني عشرين سنة قبل أن أقدر منه على ما أريد. وكان لا يدع أحدًا يغتاب في مجلسه أحدًا، يقول: إن ذكرتم الله أعنّاكم، وإن ذكرتم الناس تركناكم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 220، المنتظم 181/ 7]. * وعن داود بن أبي هند قال: بلغني أن معاوية - رضي الله عنه - قال لرجل: ما بقي من حلمك؟ قال: لا يعنيني ما لا يعنيني. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 89]. * وعن إبراهيم بن سليمان الزيات، قال: كنت جالسًا مع سفيان الثوري رحمه الله، فجعل رجل ينظر إلى ثوب كانت على سفيان، ثم قال: يا أبا عبد الله! أي شيء كان هذا الثوب؟ فقال سفيان: كانوا يكرهون فضول الكلام. [الحلية (تهذيبه) 2/ 405].

(ك) كلام السلف في تفضيل السكوت على الكلام أحيانا، والعكس

* وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: تكلمت فيما لا يعنيك، فشغلك عما يعنيك، ولو شغلك ما يعنيك تركت ما لا يعنيك. [الحلية (تهذيبه) 3/ 27]. * وقال معروف الكرخي رحمه الله: كلام العبد فيما لا يعنيه، خذلان من الله تعالى. [الحلية (تهذيبه) 3/ 102]. * وقال ابن الجوزي رحمه الله: كنا نسأل محمد بن عبد الباقي عن مولده، فقال: أقبلوا على شأنكم فإني سألت القاضي أبا المظفر هناد بن إبراهيم النسفي عن سنه، فقال: أقبل على شانك، فإني سألت أبا الفضل محمد بن أحمد الجارودي عن سنه، فقال لي: أقبل على شأنك، فإني سألت أبا بكر محمد بن علي بن زحر المنقري عن سنه فقال: أقبل على شأنك، فإني سألت أبا أيوب الهاشمي عن سنه، فقال لي: أقبل على شأنك، فإني سألت أبا إسماعيل الترمذي عن سنه، فقال لي: أقبل على شأنك، فإني سألت البويطي عن سنه فقال لي: أقبل على شأنك، فإني سألت الشافعي عن سنه فقال لي: أقبل على شأنك، فإني سألت مالك بن أنس عن سنه فقال لي: أقبل على شأنك، ثم قال لي: ليس من المروءة أن يخبر الرجل عن سنه. [المنتظم 13/ 18]. * وقال ابن الكاتب رحمه الله: إذا سكن الخوف في القلب لم ينطق اللسان إلا بما يعنيه. [الحلية (تهذيبه) 3/ 453]. (ك) كلام السلف في تفضيل السكوت على الكلام أحيانًا، والعكس: * عن ثابت قال: كان الحسن البصري رحمه الله في مجلس فقيل لأبي العلاء يزيد بن الشخير تكلم، قال: أوهناك أنا، ثم ذكر الكلام ومؤنته وتبعته قال ثابت: فأعجبني، قال: ثم تكلم الحسن فقال: أينا هناك لود الشيطان أنكم أخذتموها عنه فلم يأمر أحد بخير ولم ينه أحد عن شر. [الزهد للإمام أحمد / 421]. * وعن عبيد الله بن أبي جعفر رحمه الله، قال: إذا كان المرءُ يحدث في مجلس فأعجبه الحديث، فليمسك. وإذا كان ساكتًا، فأعجبه السكوتُ

فليتحدَّث. (¬1) [السير (تهذيبه) 2/ 625، موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 80]. * وقال بشر بن الحارث رحمه الله: إذا أعجبك الكلام، فاصمت، وإذا أعجبك الصمت فتكلَّم. [السير (تهذيبه) 2/ 886]. * وقال مالك بن دينار رحمه الله: الصبر هو الصمت، والصمت من الصبر، ولا يكون المتكلم أورع من الصامت، إلا رجل عالم يتكلم في موضعه ويسكت في موضعه. [الحلية (تهذيبه) 3/ 92]. * وعن أبي نجيح رحمه الله قال: قال لقمان - عليه السلام -: الصمت حكمة وقليل فاعله. قال طاوس رحمه الله يا أبا نجيح: من قال واتقى الله - عزَّ وجلَّ - خير ممن صمت واتقى الله - عزَّ وجلَّ. [الزهد للإمام أحمد / 208]. * وتذاكر قومٌ فضلَ الكلام على الصمت وفضلَ الصمت على الكلام، فقال أبو مُسْهِر رحمه الله: كلاَّ! إنَّ النَّجْمَ ليس كالقَمَر، إنّك تَصِف الصمتَ بالكلام، ولا تَصَفُ الكلامَ بالصمت. [عيون الأخبار 2/ 572]. * وقيل لإياس بن معاوية رحمه الله: إنك تكثر الكلام؟ قال: أفبصواب أتكلم أم بخطأ؟ قالوا: بصواب قال: فالإكثار من الصواب أفضل. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 370]. * وعن عمرو بن ميمون قال: قدم أبو قلابة رحمه الله على عمر بن عبد العزيز فقال له: حدث يا أبا قلابة، قال: والله إني لأكره كثيرًا من الحديث وكثيرًا من السكوت. [الزهد للإمام أحمد / 509]. ¬

(¬1) قال ابن رجب رحمه الله: وهذا حسن , فإن من كان كذلك كان سكوته وحديثه لمخالفة هواه وإعجابه بنفسه , ومن كان كذلك كان جديرًا بتوفيق الله إياه وتسديده في نطقه وسكوته , لأن كلامه وسكوته يكون لله عزّ وجلّ. وبكلّ حال فالتزام الصمت مطلقًا واعتقاده قربة إما مطلقًا أو في بعض العبادات , كالحج والاعتكاف والصيام منهيّ عنه. جامع العلوم والحكم / 178

(ل) حفظ اللسان من التقعر بالكلام

* وعن عبد الله بن أبي الهذيل رحمه الله قال: إني لأتكلم حتى أخشى الله، وأسكت حتى أخشى الله. [الحلية (تهذيبه) 2/ 122]. (ل) حفظ اللسان من التقعر بالكلام: * قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: إن شقاشق الكلام من شقاشق الشيطان. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 313]. * وعن مصعب بن سعد، قال: جاء عمر بن سعد بن أبي وقاص إلى أبيه يسأله حاجة، فتكلم بين يدي حاجته بكلام، فقال له سعد - رضي الله عنه -: ما كنت من حاجتك أبعد منك اليوم، إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " يأتي الناس زمان يتخللون فيه الكلام بألسنتهم كما تتخلل البقر الكلأ بألسنتها ". [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 313]. (م) مَن تجوز غيبته (¬1): * قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: ليس لفاجر حرمة، وكان رجل قد خرج مع يزيد بن المهلب فكان الحسن إذا ذكره هرَّته. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 380]. * وعن الحسن البصري رحمه الله قال: ثلاثة لا غيبة لهم: الإمام الخائن، وصاحب الهوى الذي يدعو إلى هواه، والفاسق المعلن فسقه. [الزهد للإمام أحمد / 486]. * وقال أيضاً رحمه الله: ليس بينك وبين الفاسق حرمة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 376]. * وقال أيضاً رحمه الله: ليس لمبتدع غيبة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 376]. * وقال أيضاً رحمه الله: من دعا لظالم ببقاء فقد أحب أن يُعصى الله - عزَّ وجلَّ. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 154]. ¬

(¬1) وقد جمع محمد بن عوجان المواضع التي تباح فيها الغيبة ببيتين, فقال: القدح ليس بغيبة في ستة ... متظلم ومعرف ومحذر ولمظهر فسقًا ومستفت ومن ... طلب الإعانة في إزالة منكر انظر: الكواكب السائرة بأعيان المئة 1/ 1

(ن) حفظ اللسان من إخلاف الوعد

* وقال أيضاً رحمه الله إذا ظهر فجوره فلا غيبة له، نحو المخنث، ونحو الحرورية. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 154]. * وقيل للحسن رحمه الله: الرجل الفاجر المعلن بفجوره ذكري له بما فيه غيبة؟ قال: لا، ولا كرامة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 379]. * وعن إبراهيم التيمي رحمه الله، قال: ثلاثة ليس لهم غيبة: الظالم، والفاسق، وصاحب البدعة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 377]. * وقال أيضاً رحمه الله: كانوا لا يرونها غيبة ما لم يُسمَّ صاحبها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 377]. * وقال أيضاً رحمه الله: ثلاث كانوا لا يُعدونَهنَّ من الغيبة: الإمام الجائر، والمبتدع، والفاسق المجاهر بفسقه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 151]. * وعن حميد الطويل، قال: ذكروا الغيبة عند سعيد بن جبير رحمه الله فقال: ما استقبلته به ثم قلته من ورائه فليس بغيبة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 380]. * وعن زائدة بن قدامة، قال: قلت لمنصور بن المعتمر رحمه الله: إذا كنت صائما أنال من السلطان؟ قال: لا، قلت: فأنال من أصحاب الأهواء؟ قال: نعم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 381]. * وعن زيد بن أسلم رحمه الله قال: إنما الغيبة لمن لم يُعلن بالمعاصي. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 151]. (ن) حفظ اللسان من إخلاف الوعد: * لما حضرت عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - الوفاةُ قال: إنه كان خطب إلي ابنتي رجلٌ من قريش، وقد كان مني إليه شبيهٌ بالوعد، فو الله لا ألقى الله بثلث النفاق، اشهدوا أني قد زوجتها إياه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 269]. * وكان أصحاب عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - يقولون: إذا وعَد ابن مسعود فقال: إن شاء الله: لم يخلف. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 272]. * وعن عبد ربه القصاب قال: واعدت محمد بن سيرين رحمه الله أن أشتري له أضاحيَّ فنسيت وعده بشغلٍ، ثم ذكرت بعدُ فأتيته قريبا من نصف النهار،

(ص) فوائد أخرى

وإذا محمد ينتظرني، فسلمت عليه، فرفع رأسه، فقلت: شُغِلتُ! - (وكان) قد عنفني أصحابي في المجيء إليك وقالوا: قد ذهب ولم يقعد إلى الساعة - فقال: لو لم تجيء حتى تغرب الشمس ما قمت من مقعدي هذا إلا للصلاة أو حاجة لا بد منها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 270]. * وكان يقال: إذا سُئلت فلا تَعِد، وقل: أسمع ما تقول، فإن يُقدَّر شيءٌ يكن. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 271]. * وعن شعبة رحمه الله قال: ما واعدت أيوب السختياني رحمه الله موعدا قط إلا قال لي حين يريد أن يفارقني: ليس بيني وبينك موعد، فإذا جئتُ وجدتُه قد سبقني. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 272]. * وعن أبي عوانة قال: كان رَقَبة العبدي رحمه الله يعدنا في الحديث ثم يقول: ليس بيني وبينكم موعد نأثم من تركه، فيسبقنا إليه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 272]. (ص) فوائد أخرى: * عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: ما في المؤمن بضعة أحب إلى الله - عزَّ وجلَّ - من لسانه، به يدخله الجنة. وما في الكافر بضعة أبغض إلى الله - عزَّ وجلَّ - من لسانه، به يدخله النار. [الحلية (تهذيبه) 1/ 176]. * وعن سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه قال: أكثر الناس ذنوبا يوم القيامة أكثرهم كلامًا في معصية الله - عزَّ وجلَّ. [الحلية (تهذيبه) 1/ 163]. * وعن عطاء بن أبي رباح قال: ذُكر رجل عند عائشة - رضي الله عنها - فنالت منه، فقالوا: إنه قد مات، فترحمت عليه، وقالت: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (لا تذكروا موتاكم إلا بخير). [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 368]. * وعن أبي عاصم قال: سألت ابن عون رحمه الله فقلت: حدثني بهذا الحديث إن خف عليك؟ قال: لا تقل إن خف عليك. فقلت: لمه؟ قال: أكره أن أحدثك ولا يخف علي فيكون خلافًا لما سألت. [الحلية (تهذيبه) 1/ 444]. * وقال أبو حازم رحمه الله: ينبغي للمؤمن أن يكون أشد حفظًا للسانه منه لموضع قدميه. [الحلية (تهذيبه) 1/ 519].

* وعن شبيل بن عوف رحمه الله قال: من سمع بفاحشة فأفشاها فهو كمن أبداها. [الحلية (تهذيبه) 2/ 75]. * وقال إبراهيم النخعي رحمه الله: كانوا يكرهون أن يسموا العبد، عبد الله، يخافون أن يكون ذلك عتقًا، وكانوا يكرهون أن يظهروا صالح ما يسرون، يقول الرجل: إني لأستحيي أن أفعل كذا وكذا وأصنع كذا وكذا، وكانوا يعطون الشيء ويكرهون أن يقولوا: أعطيك أحتسب به الخير، أو يقولون حر لوجه الله، وكانوا يعطون ويسكتون ولا يقولون شيئًا. [الحلية (تهذيبه) 2/ 93]. * وعن حكيم بن جابر رحمه الله قال: من أشاع فاحشة فهو كباديها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 174]. * وعن القاسم بن مخيمرة رحمه الله قال: لأن أحلف بالصليب أحب إلي من أن أحلف بحياة رجل. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 219]. * وقال سفيان الثوري رحمه الله: لا تسأل أحدًا في يوم واحد أكثر من حاجة واحدة. [الحلية (تهذيبه) 2/ 405]. * وقال أيضًا رحمه الله: ما أنكر نفسي إلا إذا جلست للحديث. [الحلية (تهذيبه) 2/ 404]. * وعن سلمة بن خلف بن إسماعيل قال: قلت لسفيان الثوري رحمه الله: إذا أخذت في الحديث نشطت وأنكرتك، وإذا كنت في غير الحديث كأنك ميت؟ قال سفيان: أما علمت أن الكلام فتنة؟ [الحلية (تهذيبه) 2/ 404]. * وعن ابن عيينة رحمه الله قال: انتهى حكيم رحمه الله إلى قوم يتحدثون، فوقف عليهم وسلم عليهم فقال: تحدثوا بكلام قوم يعلمون أن الله ليسمع كلامهم، والملائكة يكتبون. [الحلية (تهذيبه) 2/ 442]. * وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: أشد الورع في اللسان، وقال: التعبير كله باللسان لا بالعمل. [الحلية (تهذيبه) 3/ 10]. * وقال أيضًا رحمه الله: لا حج ولا جهاد ولا رباط أشد من حبس اللسان، لو أصبحت يهمك لسانك، أصبحت في غم شديد، وسجن اللسان سجن

المؤمن، وليس أحد أشد غمًا ممن سجن لسانه. [الحلية (تهذيبه) 3/ 27]. * وعن وهيب بن الورد رحمه الله قال: وجدت العزلة في اللسان. [الحلية (تهذيبه) 3/ 34]. * وقال يحيى بن معاذ رحمه الله: القلوب كالقدور في الصدور تغلي بما فيها، ومغارفها ألسنتها فانتظر الرجل حتى يتكلم، فإن لسانه يغترف لك ما في قلبه، من بين حلو وحامض وعذب وأجاج، يخبرك عن طعم قلبه اغتراف لسانه. [الحلية (تهذيبه) 3/ 265]. * وعن عمار بن سعد السَّلْهمي رحمه الله أنه قال: مَنْ تخايل الثواب خف عليه العمل، وما لائم القلب خف على الجسد، ولسان الحكيم في قلبه، وقلب الأحمق في طرف لسانه، ما خطر على قلبه نطق به. [المنتظم 8/ 114]. * وقال الجنيد رحمه الله: الورع في الكلام أشد منه في الاكتساب. [الحلية (تهذيبه) 3/ 380].

الأمانة، والمسؤولية

الأمانة، والمسؤولية * قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: توشك القرى أن تخرب وهي عامرة، قيل: كيف تخرب وهي عامرة؟ قال: إذا علا فجارها أبرارها، وساد (¬1) القبيلَ منافقوها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 440]. * وقال - رضي الله عنه -: لو مات جمل ضائعًا على شط الفرات لخشيت أن يسألني الله - عزَّ وجلَّ - عنه. [المنتظم 4/ 141]. * وعن أنس قال: تقرقر بطن عمر رضي الله تعالى عنه وكان يأكل الزيت عام الرمادة، وكان قد حرم على نفسه السمن. قال: فنقر بطنه بأصبعه وقال: تقرقر ما تقرقر إنه ليس لك عندنا غيره حتى يحيا الناس. [الحلية (تهذيبه) 1/ 69]. * وعن أبي عثمان النهدي قال: لما قدم عتبة أذربيجان أتي بالخبيص فأمر بسفطين عظيمين فصنعا له من الخبيص ثم حمل على بعير فسرح بهما إلى عمر - رضي الله عنه - فلما قدم على عمر ذاقه فوجده شيئًا حلوًا فقال: كل المسلمين يشبع من هذا في رحله؟ قال: لا، قال: فلا حاجة لنا فيه فأطبقهما وردهما عليه ثم كتب إليه: أما بعد، فليس من كد أبيك، ولا من كد أمك فأشبع المسلمين مما تشبع منه في رحلك، قال: وإياكم وزي الأعاجم ونعيمها وعليكم بالمعدية. [الزهد للإمام أحمد / 231 - 232]. * وعن معاوية بن خُدَيْج قال: بعثني عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بفتح الإسكندرية فقدمت المدينة في الظهيرة فأنخت راحلتي بباب المسجد ثم دخلت المسجد إذ خرجت جارية من منزل عمر فرأتني ساحبًا ¬

(¬1) في الأصل: وسار, ولا معنى لها, والمثبت من جمع الأحاديث للسيوطي.

علي ثياب السفر فانصرفت فقالت: أجب أمير المؤمنين فذكر الحديث، قال: يا جارية هل من طعام فأتت بخبز وزيت قال: كل فأكلت على حياء قال: كل، فإن المسافر يحب الطعام ثم قال: يا جارية هل من تمر؟ فأتتني بتمر في طبق، قال: كل، فأكلت على حياء ثم قال: ماذا قلت يا معاوية حين أتيت المسجد؟ قال: قلت: إن أمير المؤمنين قائل، قال: بئس ما قلت: أو بئس ما ظننت لئن نمت النهار لأضيعن الرعية ولئن نمت الليل لأضيعن نفسي، فكيف بالنوم مع هذين يا معاوية؟!! [الزهد للإمام أحمد / 234]. * وعن الحسن قال: بينما عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يمشي ذات يوم في نفرٍ من أصحابه، إذا صبية في السوق يطرحها الريح لوجهها من ضعفها، فقال عمر: يا بؤس هذا من يعرف هذه؟ قال له عبد لله: أو ما تعرفها! هذه إحدى بناتك! قال: وأي بناتي؟ قال: بنت عبد الله بن عمر، قال: فما بلغ بها ما أرى من الضيعة؟ قال: إمساكك ما عندك، قال: إمساكي ما عندي عنها يمنعك أن تطلب لبناتك ما تطلب الأقوام! أما والله ما لك عندي إلا سهمك من المسلمين، وسعك أو عجز عنك، بيني وبينكم كتاب الله. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 229]. * وعن عاصم بن عمر، عن عمر - رضي الله عنه - قال: إنه لا أجده يحلُّ لي أن آكل من مالكم هذا، إلا كما كنت آكل من صلب مالي: الخبز والزيت والخبز والسمن، قال فكان ربما يؤتى بالجفنة قد صنعت بالزيت، ومما يليه منها سمن، فيعتذر إلى القوم ويقول: إني رجل عربي، ولست أستمري الزيت. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 229]. * وعن قتادة قال: كان معيقيب على بيت مال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، فكنس بيت المال يومًا فوجد فيه درهمًا، فدفعه إلى ابنٍ لعمر، قال معيقيب: فانصرفت إلى بيتي فإذا رسول عمر قد جاءني يدعوني، فجئت فإذا الدرهم في يده فقال لي: ويحك يا معيقيب أوجدت علي في نفسك شيئًا؟ قال: قلت: ما ذاك يا أمير المؤمنين؟ قال: أردت أن تخاصمني أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - في هذا الدرهم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 136 - 137].

* وعن عمرو بن ميمون قال: لما طُعن عمر - رضي الله عنه - دخل عليه رجل شاب فقال: أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله، قد كان لك من القِدَم في الإسلام والصحبة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قد علمت، ثم استُخلفت فعدلت، ثم الشهادة، قال: يا ابن أخي لوددت أني تُركت كفافا، لا لي ولا علي. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 353]. * وعن حذيفة قال: أقبلت فإذا الناس قعود بين أيديهم قِصاع، فدعاني عمر - رضي الله عنه - فأتيته، فدعا بخبز غليظ وزيت، فقلت له: أتمنعني أن آكل الخبز واللحم ودعوتني إلى هذا؟ قال: إنما دعوتك على طعامي، وهذا طعام المسلمين. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 486]. * وعن أبي صالح الحنفي قال: دخلت على أم كلثوم - رضي الله عنها - فقالت: إئتوا أبا صالح بطعام، فأتوني بمرقة فيها جنوب، فقلت: أتطعموني هذا وأنتم أمراء؟! قالت: كيف لو رأيت أمير المؤمنين عليَّا - رضي الله عنه - وأتي بأترج فأخذ الحسن أو الحسين منها أترجةً لصبي لهم، فانتزعها من يده وقسمها بين المسلمين. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 218]. * وعن موسى بن عقبة قال: لما ولي عياض بن غنم - رضي الله عنه - قدم عليه نفر من أهل بيته يطلبون صلته، فلقيهم بالبشْر، وأنزلهم، وأكرمهم، فأقاموا أيامًا، ثم كلموه في الصلة، وأخبروه بما لقوا من المشقة في السفر رجاء صلته، فأعطى كل رجل منهم عشرة دنانير وكانوا خمسة فردّوها وتسخّطوا ونالوا منه. فقال: أي بني عم والله ما أنكر قرابتكم ولا حقكم ولا بُعْد شقّتكم، ولكن والله ما حصلتُ إلى ما وصلتكم به إلا ببيع خادمي، وببيع ما لا غنى بي عنه، فاعذروني. قالوا: والله ما عذرك الله فإنك والي نصف الشام وتعطي الرجل منا ما جهْده أن يبلّغه إلى أهله؟ قال: فتأمرونني أسرق مال الله؟ فوالله لأن أشق بالمنشار أحب إلي من أن أخون فلسًا أو أتعدى، قالوا: قد عذرناك في ذات يدك، فولّنا أعمالاً من أعمالك نؤدي ما يؤدي الناس إليك، ونصيب من المنفعة ما يصيبون، وأنت تعرف حالنا وإنا لن نعدو ما جعلت لنا. قال: والله

إني لأعرفكم بالفضل، والخير ولكن يبلغ عمر أني وليت نفرًا من قومي فيلومني. قالوا: فقد ولاك أبو عبيدة وأنت منه في القرابة بحيث أنت فأنفذ ذلك عمر، فلو ولّيتنا لأنفذه قال: إني لست عند عمر كأبي عبيدة. فمضوا لائمين له. [صفة الصفوة 1/ 321]. * وعن الفهري، عن أبيه، قال: كان عمر بن عبد العزيز رحمه الله يقسم تفاح اَلْفيء، فتناول ابنٌ له صغيرٌ تفاحة، فانتزعها مِن فِيه فأوجعه، فسعى إلى أمه مستعْبرًا، فأرسلت إلى السوق فاشترت له تفاحًا، فلما رجع عمر وجد ريح التفاح، فقال: يا فاطمة هل أتيتِ شيئًا من هذا الفيْء؟ قالت: لا. وقصّت عليه القصة، فقال: والله لقد انتزعتها من ابني لكأنما نزعتها عن قلبي، ولكن كرهتُ أن أضيع نصيبي من الله - عزَّ وجلَّ - بتفاحةٍ من فيء المسلمين. [صفة الصفوة 2/ 465]. * وعن عمر بن ذر قال: قال مولى لعمر بن عبد العزيز رحمه الله له حين رجع من جنازة سليمان: ما لي أراك مغتما؟ فقال عمر رحمه الله: لمثل ما أنا فيه يُغتم، ليس أحد من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - في شرق ولا غرب إلا وأنا أريد أن أودي إليه حقه غير كاتب إليَّ فيه ولا طالبه مني. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 270]. * وعن عمر بن علي بن مقدم قال: قال ابن لسليمان بن عبد الملك لمزاحم: إن لي حاجة إلى أمير المؤمنين عمر رحمه الله، قال: فاستأذنت له فقال: أدخله، فأدخلته على عمر، فقال ابن سليمان: يا أمير المؤمنين علام ترد قطيعتي؟ قال: معاذ الله أن أرد قطيعة صحت في الإسلام. قال: فهذا كتابي وأخرج كتابًا من كمه، فقرأه عمر فقال: لمن كانت هذه الأرض؟ قال: للفاسق ابن الحجاج. قال عمر: فهو أولى بماله، قال: فإنها من بيت مال المسلمين، قال: فالمسلمون أولى بها قال: يا أمير المؤمنين رد عليّ كتابي، قال: لو لم تأتني به لم أسألكه، فأما إذ جئتني به فلا ندعك تطلب بباطل. قال: فبكى ابن سليمان، قال مزاحم: فقلت: يا أمير المؤمنين ابن سليمان اللاطئ (¬1) الحب، اللازق بالقلب تصنع به هذا؟ قال: ويحك يا مزاحم إنها ¬

(¬1) قال ابن منظور رحمه الله: لاطَ الشيءُ بقلبي يَلوطُ ويَلِيطُ. ويقال: هو أَلوطُ بقلبي وأَليَطُ، وإِني لأَجد له في قلبي لَوْطًا ولَيْطًا، يعني الحُبَّ اللازِقَ بالقلب. ولاط حُبُّه بقلبي يَلوط لَوْطًا: لَزِقَ. وفي حديث أَبي بكر، رضي الله عنه، أَنه قال: إِنَّ عمر لأَحَبُّ الناس إِليَّ، ثم قال: اللهم أَعَزُّ والولَدُ أَلْوَطُ؛ قال أَبو عبيد: قوله والولد أَلوطُ أَي أَلصَقُ بالقلب، وكذلك كل شيء لَصِق بشيء، فقد لاطَ به يَلوط لَوْطًا، ويَليطُ لَيْطًا ولِياطًا إِذا لَصِق به أَي الولد أَلصق بالقلب. لسان العرب , مادة: لوط.

نفسي أحاول عنها، وإني لأجد له من اللوط ما أجد لولدي. [الحلية (تهذيبه) 2/ 213]. * وعن بشر بن عبد الله بن عمر عن بعض آل عمر: أن هشام بن عبد الملك قال لعمر بن عبد العزيز رحمه الله: يا أمير المؤمنين إني رسول قومك إليك، وإن في أنفسهم ما أكلمك به، إنهم يقولون: استأنف العمل برأيك فيما تحت يديك، وخل بين من سبقك وبين ما ولوا به من كان يلون أمره بما عليهم ولهم. فقال له عمر: أرأيت لو أتيت بسجلين أحدهما من معاوية والآخر من عبد الملك بأمر واحد، فبأي السجلين كنت آخذ؟ قال: بالأقدم ولا أعدل به شيئاً. قال عمر: فإني وجدت كتاب الله الأقدم، فأنا حامل عليه من أتاني ممن تحت يدي في مالي وفيما سبقني. فقال له سعيد بن خالد بن عمرو بن عثمان: يا أمير المؤمنين امض لرأيك فيما وليت بالحق والعدل، وخل عمن سبقك وعما ولى خيره وشره، فإنك مكتف بذلك. فقال له عمر: أنشدك الله الذي إليه تعود أرأيت لو أن رجلاً هلك وترك بنين صغارًا وكبارًا، فعز الأكابر الأصاغر بقوتهم فأكلوا أموالهم، فأدرك الأصاغر فجاؤوك بهم وبما صنعوا في أموالهم ما كنت صانعًا؟ قال: كنت أرد عليهم حقوقهم حتى يستوفوها. قال: فإني قد وجدت كثيرا ممن قبلي من الولاة عزوا الناس بقوتهم

وسلطانهم. وعزهم بها أتباعهم. فلما وليت أتوني بذلك. فلم يسعني إلا الرد على الضعيف من القوي، وعلى المستضعف من الشريف. فقال: وفقك الله يا أمير المؤمنين. [الحلية (تهذيبه) 2/ 213]. * وعن الفرات بن السائب؛ أن عمر بن عبد العزيز رحمه الله قال لامرأته فاطمة بنت عبد الملك - وكان عندها جوهر أمر لها أبوها به لم ير مثله -: اختاري إما أن تردي حليك إلى بيت المال، وإما تأذني لي في فراقك، فإني أكره أن أكون أنا وأنت وهو في بيت واحد. قالت: لا بل أختارك يا أمير المؤمنين عليه وعلى أضعافه لو كان لي، قال: فأمر به فحمل حتى وضع في بيت مال المسلمين، فلما هلك عمر واستخلف يزيد قال لفاطمة: إن شئت يردونه عليك؟ قالت: فإني لا أشاؤه، طبت عنه نفسًا في حياة عمر وأرجع فيه بعد موته؟ لا والله أبدًا. فلما رأى ذلك قسمه بين أهله وولده. [الحلية (تهذيبه) 2/ 215]. * وعن أبي الزناد قال: لما قدمَ عمرُ بن عبد العزيز رحمه الله المدينة واليًا، فصلَّى الظهر دعا بعشرة: عروة، وعُبيد الله، وسليمان بن يسار، والقاسِم، وسالمًا، وخارجة، وأبا بكر بن عبد الرحمن، وأبا بكر بن سليمان بن أبي حَثْمة، وعبد الله بن عامِر بن ربيعة، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إني دعَوتكم لأمر تؤجرون فيه، ونكونُ فيه أعوانًا على الحق، ما أريدُ أن أقطع أمرًا إلاَّ برأيكم، أو برأي مَنْ حضر منكم، فإن رأيتُم أحدًا يتعدَّى، أو بلغكم عن عاملٍ ظُلامة، فأُحرِّجُ بالله على مَنْ بلغه إلاَّ أبلغني. فجَزَوْهُ خيرًا، وافترقوا. [السير (تهذيبه)]. * وعن إبراهيم حدثني أبي عن جدي. قال: كان عمر بن عبد العزيز رحمه الله لا يحمل على البريد إلا في حاجة المسلمين، وكتب إلى عامل له يشتري له عسلاً ولا يسخر فيه شيئًا، وأن عامله حمله على مركبة من البريد، فلما أتى قال: على ما حمله؟ قالوا: على البريد، فأمر بذلك العسل فبيع وجعل ثمنه في بيت مال المسلمين، وقال: أفسدت علينا عسلك. [الحلية (تهذيبه) 2/ 221]. * وعن أبي سنان: أن عمر بن عبد العزيز رحمه الله كان يسخن له الماء في

مطبخه، فقال لصاحب المطبخ: أين يسخن هذا الماء؟ قال: في المطبخ، قال: انظر منذ كم تسخنه في المطبخ فأخبرني به، قال: منذ كذا وكذا، قال: انظر ما ثمن ذلك الحطب، قال: كذا وكذا، فأخذه عمر فألقاه في بيت المال. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 235]. * وقال سكن الخرشي قال: جاءني يونس بن عبيد رحمه الله بشاة، فقال: بعها وابرأ من أنها تقلب المعلف وتنزع الوتد، ولا تبرأ بعدما تبيع، بيِّن قبل أن تبيع. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 224]. * وعن زياد بن الربيع، عن أبيه قال: رأيت محمد بن واسع رحمه الله بسوق مرْوَ يعرض حمارًا له على البيع، فقال له رجل: أترضاه لي؟ قال: لو رضيتُه لك لم أبِعْه. [صفة الصفوة 3/ 193]. * وقال مالك بن دينار رحمه الله: كفى بالمرء خيانة أن يكون أمينًا للخَوَنة. [صفة الصفوة 3/ 201]. * وعن أمية قال: كان يونس بن عبيد رحمه الله يشتري الإبريسم من البصرة، فيبعث به إلى وكيله بالسوس وكان وكيله يبعث إليه بالخز، فإن كتب وكيله إليه أن المتاع عندهم زائد، لم يشتر منهم أبدًا حتى يخبرهم أن وكيله كتب إليه أن المتاع عندهم زائد. [الحلية (تهذيبه) 1/ 436]. * وعن غسان بن المفضل قال: جاءت امرأة بمطرف خز إلى يونس بن عبيد رحمه الله، فألقته إليه ليعرضه في السوق فنظر إليه. فقال لها: بكم؟ قالت: بستين درهمًا. قال: فألقاه إلى جاره. فقال: كيف تراه؟ قال: بعشرين ومائة قال: أرى ذلك ثمنه أو نحوًا من ثمنه. قال: فقال لها: اذهبي فاستأمري أهلك في بيعه بخمسة وعشرين ومائة. قالت: قد أمروني أن أبيعه بستين. قال: ارجعي إليهم فاستأمريهم. [الحلية (تهذيبه) 1/ 436]. * وقال أمية بن بسطام: جاءت يونس بن عبيد رحمه الله امرأةٌ بجبّة خز، فقالت له: اشترِها فقال: بكم تبيعينها؟ قالت: بخمسمائة. قال: هي خير من ذلك. قالت: بستمائة. قال: هي خير من ذلك، فلم يزل يقول: هي خير من ذلك حتى بلغت ألفًا، وقد بذلَتْها بخمسمائة. [صفة الصفوة 3/ 218].

* وعن الحسن بن عرفة أنه قال: قال عبد الله بن المبارك رحمه الله: استعرت قلمًا بأرض الشام، فذهب علي أن أرده إلى صاحبه، فلما قدمت مرو نظرت فإذا هو معي، فرجعت يا أبا علي إلى أرض الشام حتى رددته على صاحبه. [المنتظم 9/ 60]. * وعن وكيع حدثني أبي قال: كنت جالسًا مع زبيد رحمه الله فأتاه رجل ضرير يريد أن يسائله. فقال له زبيد: إن كنت تريد أن تسألني عن شيء فإن معي غيري (¬1). [الحلية (تهذيبه) 2/ 134]. * وعن علي بن المحسن التنوخي قال: كان عبد الصمد رحمه الله يدق السعد في العطارين ويذهب مذهب التدين والتصون والتعفف والتقشف، فسمع عطارًا يهوديًا يقول لابنه: يا بني قد جربت هؤلاء المسلمين فما وجدت فيهم ثقة، فتركه عبد الصمد أيامًا ثم جاءه، فقال: أيها الرجل تستأجرني لحفظ دكانك. قال: نعم، وكم تأخذ مني؟ قال: ثلاثة أرطال خبز ودانقين فضة كل يوم، قال: قد رضيت، قال: فأعطني الخبز أدرارًا واجمع لي الفضة عندك فإني أريدها لكسوتي. فعمل معه سنة، فلما انقضت جاءه فحاسبه فقال: انظر إلى دكانك، قال: قد نظرت، قال: فهل وجدت خيانة أو خللاً، قال: لا والله، قال: فإني لم أرد العمل معك وإنما سمعتك تقول لولدك في الوقت الفلاني أنك لم تر في المسلمين أمينًا، فأردت أن أنقض عليك قولك وأعلمك أنه إذا كان مثلي وأنا أحد الفقراء على هذه الصورة فغيري من المسلمين على مثلها وما هو أكثر منها. ثم فارقه. [المنتظم 15/ 55، 56]. * وعن أبي الفضل محمد بن عامر رحمه الله الوكيل (¬2)، قال: دخلت يومًا إلى المخزن فلم يبق أحد إلا وأعطاني قصة وامتلأت أكمامي بالرقاع فلما رأيتها كثيرة قلت: لو كان هذا الخليفة أخي أو ابن عمي حتى أعرض عليه هذه ¬

(¬1) أخبره بذلك حتى لا يظن هذا الضرير أنه ليس عنده أحد فيقول ما في خاطره وهو لا يريد أن يسمع كلامه غير زبيد. (¬2) وكيل الخليفة القائم بأمر الله.

الرقاع لأعرض عني، وألقيتها في بركة ماء والقائم ينظر إليّ وأنا لا أعلم، فلما وقفت بين يديه أمر الخدم بأخذ الرقاع من البركة فتبادروا إليها وبسطوها في الشمس فكلما جفت قصة حملت إليه، فلما تأملها وقع عليها جميعها بأغراض أصحابها، ثم قال: يا عامي - وكان إذا ضجر يخاطبني بهذا - ما حملك على هذا الفعل، وهل كان عليك في إيصالها درك؟ فقلت: بل وقع لي أن الضجر يقع منها، فقال: ويحك ما أطلقنا من أموالنا شيئًا بل نحن وكلاء، فلا تعد إلى ما هذا سبيله، ومتى ورد عليك وارد فإياك أن تتقاصر (¬1) عن أنصال قصته. [المنتظم 15/ 218، 219]. * وعن عبيد بن غنام أنه قال: حدثني أبي قال: مرض حفص بن غيّاث رحمه الله - القاضي - خمسة عشر يومًا فدفع إليّ مائة درهم فقال: امض بها إلى العامل وقل له: هذه رزق خمسة عشر يومًا لم أحكم فيها بين المسلمين لا حظ لي فيها. [المنتظم 10/ 32]. ¬

(¬1) في الأصل: تتقاصى, وهذه الكلمة ليست موجودة في القواميس التي اطلعت عليها. قال ابن منظور: والإِقْصار: الكف عن الشيء. وأَقْصَرْتُ عن الشيء: كففتُ ونَزَعْتُ مع القدرة عليه، فإِن عجزت عنه قلت: قَصَرْتُ، بلا أَلف. وقَصَرْتُ عن الشيء قصورًا: عجزت عنه ولم أَبْلُغْهُ. لسان العرب, مادة: قصر.

الثبات على الدين والتضحية لأجله

الثبات على الدين والتضحية لأجله * قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: لا تكونن إمَّعة. قالوا: وما الإمَّعة؟ قال: يقول: أنا مع الناس، إن اهتدوا اهتديت وإن ضلوا ضللت، ألا ليوطِّننّ أحدكم نفسه على أنه إن كفر الناس أن لا يكفر. [صفة الصفوة 1/ 192]. * وقال محمد بن إسحاق: كان أمية بن خلف يخرج بلالاً - رضي الله عنه - إذا حميت الظهيرة، فيطرحه على ظهره في بطحاء مكة، ثم يأمر بالصخرة العظيمة، فتوضع على صدره، ثم يقول له: لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزّى، فيقول وهو في ذلك البلاء: أحد أحد. [صفة الصفوة 1/ 199]. * وعن عون بن عمير بن إسحاق قال: كان بلال - رضي الله عنه - إذا اشتدوا عليه في العذاب قال: أحدٌ أحدٌ. قال: فيقولون له: قل كما نقول. فيقول: إن لساني لا يحسنه. [المنتظم 4/ 297]. * وعن الشعبي قال: سأل عمر بلالاً عما لقي من المشركين، فقال خباب - رضي الله عنه -: يا أمير المؤمنين انظر إلى ظهري. فقال عمر: ما رأيت كاليوم. قال: أوقدوا لي نارًا فما أطفأها إلا ودك ظهري. [الحلية (تهذيبه) 1/ 128]. * وعن سعيد بن المسيب قال: لما أقبل صهيب - رضي الله عنه - مهاجرًا نحو النبي - صلى الله عليه وسلم -، فاتبعه نفر من قريش، نزل عن راحلته، وانتثل ما في كنانته، ثم قال: يا معشر قريش لقد علمتم أني من أرماكم رجلاً، وأيم الله لا تصلون إلي حتى أرمي بكل سهم معي في كنانتي، ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي منه شيء، افعلوا ما شئتم، وإن شئتم دللتكم على مالي وثيابي بمكة وخليتم سبيلي؟ قالوا: نعم! فلما قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة. قال: (ربح البيع أبا يحيى، ربح البيع أبا يحيى) قال: ونزلت: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ

ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ) الآية [البقرة: 207]. [الحلية (تهذيبه) 1/ 132]. * وعن محمد قال: نبئت أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - كان يقول: إني لقيت أصحابي على أمر، وإني أخاف إن خالفتهم أن لا ألحق بهم. [صفة الصفوة 1/ 268]. * وقال ابن الحنفية رحمه الله: إن الله - عزَّ وجلَّ - جعل الجنة ثمنًا لأنفسكم، فلا تبيعوها بغيرها. [صفة الصفوة]. * وكان الحسن البصري رحمه الله يقول: ليس العجب ممن عطب كيف عطب، إنما العجب ممن نجا كيف نجا. [الكامل في اللغة والأدب / 155]. * وعن أبي بكر بن أصرم قال: قيل لابن المبارك: ابن عون رحمه الله بما ارتفع؟ قال: بالاستقامة. (¬1) [الحلية (تهذيبه) 1/ 444]. * وعن وهب بن منبه رحمه الله أنه قال: مر رجل عابد على رجل عابد، فقال: مالك؟ قال: أعجب من فلان إنه كان قد بلغ من عبادته ومالت به الدنيا فقال: لا تعجب ممن تميل به ولكن اعجب ممن استقام. [الزهد للإمام أحمد / 130، 131]. * وعن ميمون بن الأصبغ قال: كنت ببغداد، فسمعتُ ضجّةً، فقلت: ما هذا؟ فقالوا: أحمد بن حنبل رحمه الله يُمتحن. فدخلت، فلما ضُرِب سوطًا قال: بسم الله. فلما ضُرب الثاني قال: لا حول ولا قوّة إلا بالله. فلما ضُرب الثالث قال: القرآن كلام الله غيرُ مخلوق. فلما ضُرب الرابع قال: {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا} [التوبة: 51]، فضُرب تسعة وعشرين سوطًا. [صفة الصفوة 2/ 611]. * وعن عبد الله بن أحمد بن حنبل رحمه الله قال: لمّا حضرتْ أبي الوفاةُ جلستُ عنده، وبيدي الخرقة لأشدّ بها لحييْه. فجعل يَعرق، ثم يَفيق. ثم يفتح عينيه، ويقول بيده هكذا: لا بعد لا بعد. ففَعل هذا مرّة وثانية. فلما كان في ¬

(¬1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أعظم الكرامة لزوم الإستقامة. مدارج السالكين 2/ 339

الثالثة قلت له: يا أبة أيّ شيء هذا قد لهجْتَ به في هذا الوقت؟ تعرق حتى نقول: قد قضيت. ثم تعود، فتقول: لا بعد لا بعد. فقال لي: يا بنيّ ما تدري ما قلت؟ قلت: لا. فقال: إبليس لعنه الله قائم حذائي عاضّ على أنامله يقول لي: يا أحمد فتّني. فأقول: لا بعد لا بعد حتى أموت. [صفة الصفوة 2/ 615]. * وعن محمد بن إسحاق بن راهويه. قال: سمعت أبي يقول: لولا أحمد بن حنبل رحمه الله وبذل نفسه لما بذلها له لذهب الإسلام. [الحلية (تهذيبه) 3/ 140]. * وعن إبراهيم بن محمد بن الحسن يقول: أدخل أحمد بن حنبل رحمه الله على الخليفة - وكانوا هولوا عليه، وقد كان ضرب عنق رجلين - فنظر أحمد إلى أبي عبد الرحمن الشافعي فقال: أي شيء تحفظ عن الشافعي في المسح؟ فقال ابن أبي دؤاد: انظروا رجلاً هو ذا يقدم لضرب عنقه، يناظر في الفقه. [الحلية (تهذيبه) 3/ 147]. * وعن الربيع بن سليمان قال: رأيت البويطي رحمه الله على بغل، وفي عنقه غِل، وفي رجليه قيد، وبين الغل والقيد سلسلة حديد، وفيها طوبة وزنها أربعون رطلاً، وهو يقول: إنما خلق الله الخلق بكُنْ، فإذا كانت كُنْ مخلوقة، فكان مخلوقًا خلق مخلوقًا، فوالله لأموتن في حديدي هذا حتى يأتي من بعدي قوم يعلمون أنه قد مات في هذا الشأن قوم في حديدهم، ولئن أدخلت إليه لأصدقنه - يعني الواثق -، قال الربيع: وكتب إليَّ من السجن يقول: إنه ليأتي علي أوقات لا أحس بالحديد أنه على بدني حتى تمسه يدي فإذا قرأت كتابي هذا فأحسن خُلُقَك مع أهل حلقتك، واستوصِ بالغرباء خاصة خيرًا، فكثيرًا ما كنت أسمع الشافعي رحمه الله يتمثل بهذا البيت (¬1): ¬

(¬1) قال ابن القيم رحمه الله عن هذا البيت: وغلط هذا القائل؛ فإن ذلك لا يصلح إلا لله وحده؛ فإنه كلما أهان العبد نفسه له أكرمه وأعزه, بخلاف المخلوق, فإنك كلما أهنت نفسك له ذللت عند الله وعند أوليائه وهِنتَ عليه. إغاثة اللهفان 1/ 198.

أهين لهم نفسي لكي يكرمونها ... ولا تكرم النفس التي لا تهينها [المنتظم 11/ 175]. * وقال عبد العزيز بن أبي رواد رحمه الله: كان يقال: القول بالحق والصبر عليه يعدل بأعمال الشهداء. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 60]. * وقال شيخ الإسلام الهروي رحمه الله: عُرضتُ على السيف خمسَ مرات لا يقال لي: ارجعْ عن مذهبك. لكن يقال لي: اسكت عمّن خالفك. فأقول: لا أسكُتُ. [السير (تهذيبه) 3/ 1437].

أحوال المنتكسين

أحوال المنتكسين * قيل لكرز بن وبرة رحمه الله: من ذا الذي يبغضه البر والفاجر؟ قال: العبد يكون من أهل الآخرة ثم يرجع إلى الدنيا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 128]. * وقال الذهبي رحمه الله: كان بشر المريسي من كبار الفقهاء، ونَظَر في الكلام، فَغَلب عليه، وانسلَخَ من الوَرَع والتقوى، وجَرَّد القولَ بخلق القرآن، ودعا إليه، حتى كان عينَ الجَهمِيَّة في عصره وعالِمَهُم، فمقته أهلُ العلم، وكفّره عِدَّةٌ. ذكره النديم، وأطنب في تعظيمه، وقال: كان دَيّنًا وَرِعًا متكلِّمًا. ثم حكى أنَّ البلخي قال: بلغَ من وَرَعِه أنه كان لا يَطأُ أهلَهُ ليلًا مخافَةَ الشُّبهَةِ ولا يتزَّوج إلا من هي أصغرُ منه بعشر سنين مخافَة أن تكونَ رضيعَتَه. [السير (تهذيبه) 2/ 867]. * وقال الذهبي رحمه الله: الملحد، عدوُّ الدين، أبو الحسن أحمد بن يحيى بن إسحاق الرِّيوندِي صاحبُ التصانيف في الحطِّ من المِلَّة، وكان يلازم الرَّافضة والملاحدة، فإذا عُوتِبَ قال: إنما أريدُ أن أعرفَ أقوالَهم. قال ابن عقيل رحمه الله: عجبي كيف لم يُقتل! وقد صنَّف الدَّامغَ يدمغُ به القرآن، والزُّمُرُّدة يُزِري فيه على النُّبوَّات. وقال ابن الجوزي: فيه هذيان بارد لا يتعلَّق بشبهة! يقول فيه: إن كلام أكثم بن صيفي فيه ما هو أحسنُ من سورة الكوثر! وإن الأنبياء وقعوا بطَلاسِم. وألَّف لليهود والنَّصارى يحتجُّ لهم في إبطال نبوَّةِ سيِّدِ البشر. قال البلخي: لم يكن في نظراء ابن الراوندي مثلُه في المعقول وكان أوّل أمره حَسَنَ السِّيرة، كثيرَ الحياء، ثم انسلَخَ من ذلك لأسباب وكان علمُهُ فوقَ عقله.

لعَنَ الله الذَّكاء بلا إيمان، ورضي الله عن البلاَدَةِ مع التَّقوى (¬1). [السير (تهذيبه) 3/ 1130]. * وقال الذهبي رحمه الله: عمران بن حطَّام بن ظبْيان، السَّدوسي البصريّ، من أعيان العُلماء، لكنَّه مِن رؤوس الخوارج. عن ابن سيرين قال: تزوج عمران خارجيَّة وقال: سأردُّها، قال: فصرفته إلى مذهبها ... ومن شعره في مصرع عليٍّ رضى الله عنه: يا ضربةً من تقيٍّ ما أراد بها ... إلا لِيَبْلُغَ من ذي العرشِ رضوانا إنِّي لأذكُرُهُ حينًا فأحسبُهُ ... أوفى البريَّة عندَ الله ميزانا [السير (تهذيبه) 1/ 481]. * وعن عبدة بن عبد الرحمن رحمه الله قال: خرجنا في سرية إلى أرض الروم، فصحبنا شاب لم يكن فينا أقرأ للقرآن منه، ولا أفقه ولا أفرض، صائم النهار، قائم الليل، فمررنا بحصن فمال عنه العسكر، ونزل بقرب الحصن، فظننا أنه يبول، فنظر إلى امرأة من النصارى تنظر من وراء الحصن، فعشقها فقال لها بالرومية: كيف السبيل إليك؟ قالت: حين تنصَّر ويفتح لك الباب وأنا لك. قال: ففعل فأدخل الحصن، قال: فقضينا غزاتنا في أشد ما يكون من الغم، كأن كل رجل منا يرى ذلك بولده من صلبه، ثم عدنا في سرية أخرى، فمررنا به ينظر من فوق الحصن مع النصارى، فقلنا: يا فلان، ما فعلت قراءتك؟ ما فعل علمك؟ ما فعلت صلواتك وصيامك قال اعلموا أني نسيت القرآن كله ما أذكر منه إلا هذه الآية: {رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ * ذَرْهُمْ يَاكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الحجر: 2، 3]. [المنتظم 12/ 302]. ¬

(¬1) صدق رحمه الله. فليحذر كل من رزقه الله ذكاء وفهما أن يغتر ويُعجب بهذا الذكاء. بل يجب عليه أن يعرف أن الفضل لله وحده، ويسأل الله أن لا يزيغ قلبه وأن يثبته على الدين.

* وقال ابن كثير رحمه الله: وهو (أي أحمد بن كليب الشاعر) أحد من هلك بالعشق. روى ابن الجوزي في المنتظم بسنده أن أحمد بن كليب هذا المسكين المغتر عشق غلاما يقال له "أسلم" من بني خالد، وكان فيهم وزارة - أي كانوا وزراء للملوك وحجابًا - فأنشد فيه أشعارًا تحدث الناس بها، وكان هذا الشاب أسلم يطلب العلم في مجالس المشايخ، فلما بلغه عن ابن كليب ما قال فيه استحى من الناس، وانقطع في داره، وكان لا يجتمع بأحد من الناس، فازداد غرام ابن كليب به حتى مرض من ذلك مرضًا شديدًا بحيث عاده منه الناس، ولا يدرون ما به، وكان في جملة من عاده بعض المشايخ من العلماء فسأله عن مرضه، فقال: أنتم تعلمون ذلك، ومن أي شيء مرضي، وفي أي شيء دوائي لو زارني أسلم ونظر إليَّ نظرة، ونظرته نظرة واحدة برأت، وإلا فأنا هالك، فرأى ذلك العالم أن من المصلحة أن لو دخل عليه أسلم، وسأله أن يزوره ولو مرة واحدة مختفيا، ولم يزل ذلك الرجل العالم بأسلم حتى أجابه إلى زيارته فانطلقا إليه فلما دخلا دربه تغيَّر الغلام، واستحى من الدخول عليه، ورجع، فحرص به الرجل كل الحرص ليدخل عليه فأبى وانصرف، فدخل الرجل على ابن كليب فذكر له ما كان من أمر أسلم معه، وقد كان غلامه دخل عليه قبل ذلك، وبشره بقدوم أسلم عليه، ففرح بذلك جدا، فلما تحقق رجوعه عنه اختلط كلامه واضطرب في نفسه وقال لذلك الرجل الساعي بينهما: اسمع يا أبا عبد الله واحفظ عني ما أقول، ثم أنشده: أسلم يا راحة العليل ... رفقا على الهائم النحيل وصلك أشهى إلى فؤادي ... من رحمة الخالق الجليلي فقال له الرجل: ويحك اتق الله تعالى ما هذه العظيمة، فقال: قد كان. فخرج الرجل من عنده فما توسط الدار حتى سمع الصراخ عليه، وقد فارق الدنيا على ذلك. وهذه زلة شنعاء، وعظيمة صلعاء، وداهية دهياء، ولولا أنَّ هؤلاء الأئمة ذكروها ما ذكرتها، ولكن فيها عبرة لأولي الألباب، وتنبيه لذوي البصائر

والعقول أن يسألوا الله رحمته وعافيته، وأن يستعيذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يرزقهم حسن الخاتمة عند الممات إنه كريم جواد. [البداية والنهاية 12/ 106.]. * وقال ابن الجوزي رحمه الله: سمعت شيخنا أبا الحسن علي بن عبيد الله الزَّاغُوني رحمه الله، يحكي أنّ رجلاً اجتاز بباب امرأة نصرانية، فرآها فهوِيَها من وقته، وزاد الأمرُ به حتى غلَب على عقْله، فحُمِل إلى المارِسْتان، وكان له صديق يتردّد إليه ويترسّل بينه وبينها، ثم زاد الأمر به، فقالت أمُّه لصديقه: إنِّي أجيء إليه ولا يُكلّمني. فقال: تعالي معي. فأتَتْ معه، فقال له: إنّ صاحبتك قد بعثت إليك برِسَالة، فقال: كيف؟ فقال: هذه أمك تؤدي رسالتها، فجعلت أمُّه تحدِّثه عنها بشيء منَ الكذب، ثم إنه زاد الأمر عليه، ونزل به الموت، فقال لصديقه: قد جاء الأجلُ وحان الوقت، وما لقِيت صاحبتي في الدنيا، وأنا أُريد أن ألقاها في الآخرة، فقال له: كيف تصنع؟ قال: أرْجِع عن دين محمدٍ، وأقول عيسى ومريم والصليب الأعظم. فقال ذلك ومات! فمضى صديقُه إلى تلك المرأة، فوجدها مريضة، فدخل عليها وجعل يحدّثها، فقالت: أنا ما لقيت صاحبي في الدنيا، وأريدُ أن ألقاه في الآخرة، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وأنا بريئة من دين النّصرانية. فقام أبوها فقال للرجل: خذوها الآن فإنها منكم. فقام الرجل ليخرج. فقالت له: قف ساعة. فوقف، فماتت. [ذم الهوى / 315]. * وقال أيضًا رحمه الله: وبلغني عن رجل كان ببغداد، يقال له صالح المُؤَذِّن، أذَّن أربعين سنة، وكان يُعرَف بالصّلاح، أنه صعد يومًا إلى المنارة ليؤذِّن، فرأى بنتَ رجلٍ نصرانيّ كان بيته إلى جانبِ المسجد، فافتَتَنَ بها، فجاء فطرَق الباب، فقالت: مَن؟ فقال: أنا صالحُ المؤذِّن، ففتَحت له، فلما دخل ضمّها إليه. فقالت: أنتم أصحاب الأمانات، فما هذه الخيانة؟! فقال: إنْ وافَقْتيني على ما أريد وإلاّ قتلتُكِ. فقالت: لا، إلا أن تترك دِينك. فقال: أنا برئ من الإسلام، ومما جاء به محمد. ثم دنا إليها. فقالت: إنّما قلتَ هذه لتقضي غرَضك ثم تعود إلى دينك، فكلْ من لحم الخنزير.

فأكل، قالت: فاشرَبِ الخمر. فشرب، فلما دبَّ الشّراب فيه دنا إليها، فدخلت بيتًا وأغلقَت الباب، وقالت: اصعد إلى السطح حتى إذا جاء أبي زوَّجني منك، فصعد فسقط فمات، فخرجتْ فلفَّتْه في مَسْح، فجاء أبوها فقصّت عليه القصّة، فأخرجه في الليل فرَماه في السِّكة، فظهر حديثُه، فرُمي في مزبلة!. [ذم الهوى / 315].

قصص من أسلم

قصص من أسلم * عن أنس بن مالك، قال: خرج عمر - رضي الله عنه - متقلدًا بسيفه - أو قال: بالسيف - فلقيه رجل من بني زهرة، فقال: إلى أين تعمد يا عمر؟ قال: أريد أن أقتل محمدًا، قال: وكيف تأمن في بني هاشم وبني زهرة وقد قتلت محمدًا؟ قال: فقال عمر: ما أراك إلا قد صبوت وتركت دينك الذي أنت عليه، قال: أفلا أدلك على العجب يا عمر؟ إن ختنك وأختك قد صبوا وتركا دينك الذي أنت عليه. قال: فمشى عمر ذامرًا حتى أتاهما وعندهما رجل من المهاجرين يقال له خباب. قال: فلما سمع خباب حس عمر توارى في البيت فدخل، فقال: ما هذه الهينمة التي سمعتها عندكم. وكانوا يقرأون طه، فقالا: ما عدا حديثا تحدثناه بيننا، قال: فلعلكما قد صبوتما؟ قال: فقال له ختنه: أرأيت يا عمر إن كان الحق في غير دينك؟ قال: فوثب عمر على ختنه فوطئه وطئًا شديدًا، فجاءت أخته فدفعته عن زوجها، فنفحها بيده نفحة فدمى وجهها، فقالت وهي غضبى: يا عمر، إن كان الحق في غير دينك أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله. فلما يئس عمر، قال: أعطوني هذا الكتاب الذي عندكم فأقرأه - قال: وكان عمر يقرأ الكتب - فقالت أخته: إنك رجس ولا يمسه إلا المطهرون، فقم فاغتسل وتوضأ. قال: فقام عمر فتوضأ، ثم أخذ الكتاب فقرأ: {طه ...} [طه: 1] حتى انتهى إلى قوله: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14]. قال: فقال عمر: دلوني على محمد. فلما سمع خباب قول عمر خرج من البيت، فقال أبشر يا عمر، فإني

أرجو أن تكون دعوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لك ليلة الخميس: (اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو بعمرو بن هشام). قال: ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الدار التي في أصل الصفا. فانطلق عمر حتى أتى الدار، قال: وعلى باب الدار حمزة وطلحة وأناس من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما رأى حمزة وَجَلَ القوم من عمر، قال حمزة: نعم فهذا عمر، فإن يرد الله بعمر خيرًا يسلم ويتبع النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإن يرد غير ذلك يكن قتله علينا هينًا. قال: والنبي - صلى الله عليه وسلم - داخلٌ يوحى إليه، قال: فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أتى عمر، فأخذ بمجامع ثوبه وحمائل السيف، فقال: (ما أنت منتهيًا يا عمر حتى ينزل الله بك من الخزي والنكال ما أنزل بالوليد بن المغيرة؟ اللهم هذا عمر بن الخطاب، اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب). قال: فقال عمر: أشهد أنك رسول الله، فأسلم وقال: اخرج يا رسول الله. [المنتظم 4/ 132 - 134]. * قال عمر: وقد كانوا مستخفين، وكان الرجل إذا أسلم تعلق الرجال به فيضربونه ويضربهم، فجئت إلى خالي فأعلمته، فدخل البيت وأجاف الباب، قال: وذهبت إلى رجل من كبار قريش فأعلمته، ودخل البيت، فقلت في نفسي: ما هذا بشيء، الناس يضربون وأنا لا يضربني أحد؟! فقال رجل: أتحب أن يعلم بإسلامك قلت: نعم، قال: إذا جلس الناس في الحجر فائت فلانًا وقل له صبوت فإنه قلَّ ما يكتم سرًا، فجئته فقلت: تعلم أني قد صبوت، فنادى بأعلى صوته إن ابن الخطاب قد صبأ، فما زالوا يضربوني وأضربهم، فقال خالي: يا قوم إني قد أجرت ابن أختي فلا يمسه أحد، فانكشفوا عني، فكنت لا أشاء أن أرى أحدًا من المسلمين يضرب إلا رأيته، فقلت: الناس يضربون ولا أضرب فلما جلس الناس في الحجر أتيت خالي، قال: قلت: تسمع؟ قال: ما أسمع؟ قلت: جوارك رد عليك، قال: لا تفعل، قال: فأبيت، قال: فما شئت، قال: فما زلت أضرب وأضرب حتى أظهر الله تعالى الإسلام. [الحلية (تهذيبه) 1/ 64]. * وعن عبد الواحد بن أبي عون الدوسي قال: كان الطفيل الدوسي - رضي الله عنه -

- وهو عمرو بن الطفيل - رجلاً شريفًا شاعرًا كثير الضيافة، فقدم مكة، فلقيه رجال من قريش، فقالوا: إنك قدمت بلادنا وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا وفرق جماعتنا وشتت أمرنا، وإنما قوله كالسحر يفرق بين الرجل وبين أبيه وبين أخيه، وبين الرجل وزوجته، وإنا نخشى عليك وعلى قومك مثل ما دخل علينا منه، فلا تكلمه ولا تسمع منه. قال: فوالله ما زالوا بي حتى أجمعت أن لا أسمع منه شيئًا ولا أكلمه، فغدوت إلى المسجد وقد حشوت أذني قطنًا، فرقًا من أن يبلغني شيء من قوله، فكان يقال لي: ذو القطنتين. قال: فغدوت يومًا إلى المسجد، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يصلي عند الكعبة، فقمت قريبًا منه فسمعت بعض قوله، فقلت في نفسي: واثكل أمي، والله إني لرجل لبيب شاعر ما يخفى عليَّ الحسن من القبيح، فما يمنعني من أن أسمع من هذا الرجل، فإن كان حسنًا قبلته، وإن كان قبيحًا تركته. فمكثت حتى انصرف إلى بيته، فدخلت معه، فقلت: إن قومك قالوا لي كذا وكذا، فاعرض عليَّ أمرك، فعرض عليَّ الإسلام، وتلا القرآن، فقلت: لا والله ما سمعت قولاً قط أحسن من هذا ولا أعدل منه، فأسلمت، فقلت: يا نبي الله إني امرؤ مطاع في قومي، وإني راجع إليهم فداعيهم إلى الإسلام، فادع الله أن يكون لي عونًا عليهم، فقال: (اللهم اجعل له آية). فخرجت إلى قومي حتى إذا كنت بثنية تطلعني على الحاضر وقع نور بين عيني مثل المصباح، فقلت: اللهم في غير وجهي، فإني أخشى أن يظنوا بي مُثْلَةً وقعت في وجهي لفراق دينهم، فتحول النور فوقع في رأس سوطي، فجعل الحاضر يتراءون ذلك النور في سوطي كالقنديل المعلق، فأتاني أبي فقلت له: إليك عني فإنك لست مني، ولست منك، قال: ولم يا بني؟ قلت: إني أسلمت واتبعت دين محمد، قال: يابني ديني دينك. قال: فقلت: فاذهب فاغتسل وطهر ثيابك، ففعل فجاء فعرضت عليه الإسلام، ثم أتتني صاحبتي، فقلت: إليك عني فلست منك ولست مني، قالت: ولم بأبي أنت؟ قلت: فرق بيني وبينك الإسلام، إني أسلمت واتبعت دين محمد، فقالت: ديني دينك،

فأسلمت، ثم دعوت دوسًا إلى الإسلام فأبطأوا عليَّ، ثم جئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: قد غلبتني دوس فادع الله عليهم، فقال (اللهم أهد دوسًا). وقال لي: (اخرج إلى قومك فادعهم وارفق بهم). فخرجت أدعوهم حتى هاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة ومضت بدر وأحد والخندق، ثم قدمت بمن أسلم من قومي ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخيبر، فأسهم لنا مع المسلمين، وقلنا: يا رسول الله اجعلنا في ميمنتك، واجعل شعارنا مبرور، ففعل. فلم أزل مع النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى فتح مكة، فقلت: ابعثني يا رسول الله إلى ذي الكفين: صنم عمرو بن حممة أحرقه، فبعثه إليه فحرقه، فلما أحرقه بان لمن تمسك به أنه ليس على شيء فأسلموا جميعًا، ورجع الطفيل، فكان مع النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى مات. فلما ارتدت العرب خرج مع المسلمين فجاهد، ثم سار مع المسلمين إلى اليمامة ومعه ابنه عمرو، فقتل الطفيل باليمامة. [المنتظم 4/ 153، 154]. * وعن عبد الله بن الزبير قال: لما كان يوم فتح مكة هرب عكرمة بن أبي جهل - رضي الله عنه - إلى اليمن، وخاف أن يقتله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجاءت زوجته إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكانت امرأته أم حليم بنت الحارث بن هشام امرأة لها عقل، وكانت قد اتبعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالت له: إن ابن عمي عكرمة قد هرب منك إلى اليمن، وخاف أن تقتله فأمِّنه، قال: (قد أمنته بأمان الله، فمن لقيه فلا يعرض له) فخرجت في طلبه، فأدركته في ساحل من سواحل تهامة وقد ركب البحر، فجعلت تلوح إليه وتقول: يا بن عم، جئتك من عند أوصل الناس، وأبر الناس، وخير الناس، لا تهلك نفسك وقد استأمنت لك فأمنك، فقال: أنت فعلت ذلك؟ قالت: نعم، أنا كلمته فأمنك، فرجع معها، فلما دنا من مكة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: (يأتيكم عكرمة بن أبي جهل مؤمنًا مهاجرًا فلا تسبوا أباه، فإن سب الميت يؤذي الحي ولا يبلغ الميت). قال: فقدم عكرمة فانتهى إلى باب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وزوجته معه متنقبة، قال: فاستأذنت على رسول الله فدخلت فأخبرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقدوم عكرمة،

فاستبشر ووثب قائمًا على رجليه وما على رسول - صلى الله عليه وسلم - رداء فرحًا بعكرمة، وقال: أدخليه، فدخل، فقال: يا محمد، إن هذه أخبرتني أنك أمنتني، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (صدقت وأنت آمن)، قال عكرمة: فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنك عبده ورسوله، وقلت: أنت أبر الناس، وأصدق الناس، وأوفى الناس، أقول ذلك وإني لمطأطىء الرأس استحياء منه: ثم قلت: يا رسول الله، استغفر لي كل عداوة عاديتكها أو مركب أَوْضَعْتُ فيه أريد به إظهار الشرك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (اللهم اغفر لعكرمة كل عداوة عادانيها، أو نطق بها أو مركب أوضع فيه يريد أن يصد عن سبيلك)، فقلت: يا رسول الله، مرني بخير ما تعلم فأعمله، قال: (قل أشهد أن لا إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، وجاهد في سبيله) ثم قال عكرمة: أما والله يا رسول الله لا أدع نفقة كنت أنفقتها في صدٍ عن سبيل الله إلا أنفقت ضعفها في سبيل الله ولا قتالاً كنت أقاتل في صدٍ عن سبيل الله إلاَّ أبليت ضعفه في سبيل الله، ثم اجتهد في القتال حتى قتل شهيدًا يوم أجنادين في خلافة أبي بكر الصديق، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعمله عام حج على هوازن بصدقتها. [المنتظم 4/ 154، 155]. * وعن سلمان الفارسي - رضي الله عنه -، قال: كنت رجلاً فارسيًا من أهل أصبهان من قرية يقال لها جَيّ، وكان أبي دِهْقانَ قريته، وكنت أحب خلق الله إليه، فلم يزل به حبه إياي حتى حبسني في بيته كما تحبس الجارية، واجتهدت في المجوسية حتى كنت قاطن النار الذي يوقدها، لا يتركها تخبو ساعة. وكان لأبي ضيعة عظيمة، فشغل في بنيان له يومًا، فقال لي: يا بني إني قد شغلت ببنائي هذا اليوم عن ضيعتي، فاذهب فاطلعها، وأمرني فيها ببعض ما يريد، فخرجت أريد ضيعته، فمررت بكنيسة من كنائس النصارى فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون، وكنت لا أدري ما أمر الناس لحبس أبي إياي في بيته، فلما مررت بهم وسمعت أصواتهم دخلت عليهم أنظر ما يصنعون. فلما رأيتهم أعجبتني صلاتهم ورغبت في أمرهم وقلت: هذا والله خير من الدِّين الذي نحن عليه، فوالله ما تركتهم حتى غربت الشمس وتركت ضيعة أبي فلم آتها، فقلت لهم: أين أصْل هذا الدِّين؟ قالوا: بالشام.

ثم رجعت إلى أبي وقد بعث في طلبي وشغلته عن عمله كله، قال: فلما جئته قال: أي بني، أين كنت؟ ألم أكن عهدت إليك ما عهدت؟ قال: قلت: يا أبه، مررت بناس يصلون في كنيسة لهم، فأعجبني ما رأيت من دينهم، فوالله ما زلت عندهم حتى غربت الشمس. قال: أي بني، ليس في ذلك الدِّين خير، دينك ودين آبائك خير منه. قلت: كلا والله إنه لخير من ديننا. فخافني فجعل في رجلي قيدًا ثم حبسني في بيته. وبعثت إلى النصارى فقلت لهم: إذا قدم عليكم ركب من الشام تجار من النصارى فأخبروني بهم، قال: فقدم عليهم ركب من الشام تجارًا من النصارى فأخبروني بهم، فقلت لهم: إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الرجعة إلى بلادهم فآذنوني بهم. قال: فلما أرادوا الرجعة إلى بلادهم أخبروني بهم، فألقيت الحديد من رجلي ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام، فلما قدمتها قلت: من أفضل أهل هذا الدِّين؟ قالوا: الأسقف في الكنيسة. فجئته فقلت: إني قد رغبت في هذا الدِّين وأحببت أن أكون معك أخدمك في كنيستك وأتعلم منك وأصلي معك. فدخلت معه. وكان رجل سَوْءٍ يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها، فإذا جمعوا إليه منها شيئًا اكتنزه لنفسه ولم يعطه المساكين، حتى جمع سبع قلال من ذهب وورق، وأبغضته بغضًا شديدًا لما رأيته يصنع، ثم مات فاجتمعت إليه النصارى ليدفنوه، فقلت لهم: إن هذا كان رجل سوء، يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيه، فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه ولم يعط المساكين منها شيئًا. قالوا: وما علمك بذلك؟ قلت: أنا أدلكم على كنزه، قالوا: فدلنا عليه. قال: فأريتهم موضعه فاستخرجوا منه سبع قلال مملوءة ذهبًا وورقًا، قال: فلمَّا رأوها قالوا: والله لا ندفنه أبدًا. فصلبوه ثم رجموه بالحجارة. ثم جاؤوا برجل آخر فجعلوه مكانه، فما رأيت رجلاً لا يصلي الخمس أرى أنه أفضل منه ولا أزهد في الدنيا ولا أرغب في الآخرة ولا أدأب ليلاً ولا نهارًا منه. فأحببته حبًا لم أحبه أحدًا من قبله، فأقمت معه زمانًا ثم حضرته الوفاة، فقلت له: يا فلان إني كنت معك وأحببتك حبًا لم أحبه أحدًا من قبلك، وقد

حضرك ما ترى من أمر الله، فإلى من توصي بي وما تأمرني؟ قال: أي بني، والله ما أعلم أحدًا اليوم على ما كنت عليه، لقد هلك الناس وبدلوا، وتركوا أكثر ما كانوا عليه إلا رجلاً بالموصل وهو فلان، فهو على ما كنت عليه، فالحق به. قال: فلما مات وغيب لحقت بصاحب الموصل، فقلت له: يا فلان، إن فلانًا أوصاني عند موته أن ألحق بك، وأخبرني أنك على أمره. قال: فقال لي: أقم عندي. قال: فأقمت عنده فوجدته خير رجل على أمر صاحبه، فلم يلبث أن مات، فلما حضرته الوفاة قلت له: يا فلان، إن فلانًا أوصى بي إليك وأمرني باللحوق بك، وقد حضرك من أمر الله ما ترى، فإلى من توصي بي وما تأمرني؟ قال: أي بني، والله ما أعلم رجلاً على مثل ما كنا عليه إلا رجلاً بنصيبين، وهو فلان فالحق به. قال: فلما مات وغيب لحقت بصاحب نصيبين، فجئت فأخبرته خبري وما أمرني به صاحبي. قال: فأقم عندي، فأقمت عنده فوجدته على أمر صاحبيه، فأقمت مع خير رجل، فوالله ما لبث أن نزل به الموت، فلما حضره قلت له: يا فلان إن فلانًا كان أوصى بي إلى فلان ثم أوصى بي إليك فإلى من توصي بي، وما تأمرني؟ قال: أي بني، والله ما أعلم أحدًا بقي على أمرنا آمرك أن تأتيه إلا رجلاً بعمُّورية، فإنه على مثل ما نحن عليه، فإن أحببت فأته فإنه على أمرنا. قال: فلما مات وغيب لحقت بصاحب عمُّورية، وأخبرته خبري، فقال: أقم عندي، فأقمت عند رجل على هدي أصحابه وأمرهم، واكتسبت حتى كانت لي بقرات وغنيمة، قال: ثم نزل به أمر الله - عزَّ وجلَّ - فلما احتضر قلت له: يا فلان، إني كنت مع فلان فأوصى بي فلان إلى فلان، وأوصاني فلان إليك، فإلى من توصي بي وما تأمرني؟ قال: أي بني، والله ما أعلم أنه أصبح على ما كنا عليه أحد من الناس آمرك أن تأتيه، ولكن قد أظلك زمان نبي مبعوث بدين إبراهيم يخرج بأرض العرب مهاجرًا إلى أرض بين حَرّتَينِ بينهما نخل، به علامات لا تخفى، يأكل الهديَّة ولا يأكل الصدقة، بين كتفيه خاتم النبوة، فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل.

قال: ثم مات وغيب، فمكثت بعمورية ما شاء الله أن أمكث، ثم مر بي نفر من كَلْبٍ تُجَّارًا، فقلت لهم: تحملوني إلى أرض العرب وأعطيكم بقراتي هذه وغنمي هذه؟ قالوا: نعم، فأعطيتهم إياها وحملوني حتى إذا قدموا بي وادي القرى ظلموني فباعوني من رجل من يهود، فكنت عنده، ورأيت النخل ورجوت أن تكون البلد الذي وصف لي صاحبي ولم يحق لي في نفسي. فبينما أنا عنده قدم عليه ابن عم له بالمدينة من بني قريظة فابتاعني منه، فاحتملني إلى المدينة، فوالله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي، فأقمت بها، وبعث الله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فأقام بمكة ما أقام لا أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق. ثم هاجر إلى المدينة، فوالله إني لفي رأس غدق لسيدي أعمل فيه بعض العمل، وسيدي جالس، إذْ أقبل ابن عم له حتى وقف عليه، فقال له: يا فلان قاتل الله بني قَيْلَةَ، والله إنهم الآن لمجتمعون بقباء على رجل قدم عليهم من مكة اليوم يزعم أنه نبي. قال: فلما سمعتها أخذتني العُرَواءُ (¬1) حتى ظننت أني سأسقط على سيدي، ونزلت من النخلة فجعلت أقول لابن عمه: ماذا تقول؟ ماذا تقول؟ قال: فغضب سيدي، فلكمني لكمة شديدة ثم قال: ما لك ولهذا أقبل على عملك، قلت: لا شيء إنما أردت أن أَسْتَثبتَهُ عما قال. وقد كان عندي شيء قد جمعته، فلما أمسيت أخذته ثم ذهبت به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بقباء، فدخلت عليه فقلت له: إنه قد بلغني أنك رجل صالح ومعك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة، وهذا شيء كان عندي للصدقة، فرأيتكم أحق به من غيركم. قال: فقربته إليه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: كلوا، وأمسك يده فلم يأكل. قال: فقلت في نفسي: هذه واحدة، ثم انصرفت عنه فجمعت شيئًا، وتحول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة ثم جئته به فقلت: إني رأيتك لا تأكل الصدقة، وهذه هدية أكرمتك بها، قال: فأكل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها وأمر أصحابه فأكلوا معه. قال: فقلت في نفسي: هاتان اثنتان. ¬

(¬1) قال في الحاشية: أي الرعدة.

قال: ثم جئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ببقيع الغرقد قد تبع جنازة رجل من أصحابه عليه شملتان وهو جالس في أصحابه، فسلمت عليه ثم استدبرت أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصف لي، فأتيته وهو جالس، فلما رآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استدبرته عرف أني استثبت في شيء وصف لي قال: فألقى رداءه عن ظهره فنظرت إلى الخاتم فعرفته، فانكببت عليه أقبله وأبكي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: تحول فتحولت، فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يا ابن عباس، فأحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يسمع ذلك أصحابه. [المنتظم 5/ 20 - 25]. * وقال عمرو بن العاص - رضي الله عنه -: كنت للإسلام مجانبًا معاندًا، حضرت بدرًا مع المشركين فنجوت، ثم حضرت أحدًا فنجوت، ثم حضرت الخندق فنجوت، فقلت في نفسي: كم أوضع؟ والله ليظهرن محمد على قريش فلم أحضر الحديبية ولا صلحها، وانصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالصلح، ورجعت قريش إلى مكة، فجعلت أقول: يدخل محمد إلى مكة بأصحابه، ما مكة لنا بمنزل ولا الطائف، وما شيء خير من الخروج، وأنا بعد نأي عن الإسلام، أرى لو أسلمت قريش كلها لم أسلم، فقدمت مكة، فجمعت رجالاً من قومي كانوا يرون رأيي ويسمعون مني، ويقدموني فيما نابهم، فقلت لهم: كيف أنا فيكم؟ قالوا: ذو رأينا ومدد وهننا مع يمن نَقِيبة وبركة أمر، قلت: تعلمون والله إني لأرى أمر محمد يعلو الأمور علوًا منكرًا، وإني قد رأيت رأيًا، قالوا: ما هو؟ قلت: نلحق بالنجاشي فنكون عنده فإن يظهر محمد كنا عند النجاشي تحت يديه أحب إلينا أن نكون تحت يدي محمد، وإن تظهر قريش فنحن من قد عرفوا، قالوا: هذا الرأي، قلت فاجمعوا ما تهدون له، وكان أحب ما يهدى إليه من أرضنا الأدم، فجمعنا أدمًا كثيرًا ثم خرجنا فقدمنا على النجاشي فوالله إنا لعنده إذ جاء عمرو بن أمية الضمري، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد بعثه إليه بكتاب كتبه إليه يزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان، فدخل عليه ثم خرج من عنده، فقلت لأصحابي: هذا عمرو بن أمية الضمري، ولو قد دخلت على النجاشي سألته إياه فأعطانيه فضربت عنقه، فإذا فعلت ذلك سررت قريشًا وكنت قد أجزأت عنها حين قتلت رسول محمد.

فدخلت على النجاشي فسجدت له كما كنت أصنع، فقال: مرحبًا بصديقي، أهديت لي من بلادك شيئًا؟ قلت: نعم أيها الملك، أهديت لك أدْمًا كثيرًا، ثم قربته إليه فأعجبه، وفرق منه أشياء بين بطارقته، وأمر بسائره فأدخل في موضع، فلما رأيت طيبة نفسه قلت: أيها الملك، إني رأيت رجلاً خرج من عندك وهو رسول رجل هو عدونا، وقد وترنا وقتل أشرافنا وخيارنا فأعطنيه فأقتله، فغضب ورفع يده فضرب بها أنفي ضربة ظننت أنه كسره، وابتدرت منخراي فجعلت أتلقى الدم بثيابي وأصابني من الذل ما لو شقت الأرض دخلت فيها فرقًا منه، فقلت له: أيها الملك، لو ظننت أنك تكره ما قلت ما سألتك إياه. قال: فاستحيا وقال: يا عمرو، تسألني أن أعطيك رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، من يأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى، والذي كان يأتي عيسى أعطيكه لتقتله؟ قال عمرو: وغير الله قلبي عما كنت عليه وقلت في نفسي: عرف هذا الحقَ العربُ والعجمُ وتخالف أنت! قلت: وتشهد أيها الملك بهذا؟ قال: نعم أشهد به عند الله يا عمرو فأطعه واتبعه، والله إنه لعلى الحق، وليظهرن على كل من خالفه كما ظهر موسى على فرعون وجنوده، قلت: أتبايعني له على الإسلام، قال: نعم، فبسط يده فبايعته على الإسلام، ودعى لي بطست فغسل عني الدم وكساني ثيابًا وكانت ثيابي قد امتلأت من الدم فألقيتها ثم خرجت إلى أصحابي، فلما رأوا كسوة الملك سروا بذلك، وقالوا: هل أدركت من صاحبك ما أردت؟ فقلت لهم: كرهت أن أكلمه في أول مرة وقلت: أعود إليه، قالوا: الرأي ما رأيت، وفارقتهم وكأني أعمد لحاجة، فعمدت إلى موضع السفن فوجدت سفينة قد شحنت تدفع، فركبت معهم ودفعوها من ساعتهم حتى انتهوا إلى الشعبية، فخرجت بها ومعي نفقة واتبعت بعيرًا وخرجت أريد المدينة حتى أتيت على مر الظهران، ثم مضيت حتى إذا كنت بالهدة إذا رجلان قد سبقا في بعير كبير يريدان منزلاً وأحدهما دخل في خيمة والآخر قائم يمسك الراحلتين، فنظرت فإذا خالد بن الوليد، فقلت: أبا سليمان، قال: نعم، قلت: أين تريد؟ قال: محمدًا، دخل الناس في الإسلام فلم

يبق أحد به طعم، والله لو أقمنا لأخذ برقابنا كما يؤخذ برقبة الضبع في مغارتها، قلت: والله وأنا قد أردت محمدًا وأردت الإسلام. وخرج عثمان بن طلحة فرحب بي فنزلنا جميعًا في المنزل ثم ترافقنا حتى قدمنا المدينة، فما أنسى قول رجل لقينا ببئر أبي عتبة يصيح: يا رباح يا رباح، فتفاءلنا بقوله وسررنا، ثم نظر إلينا فسمعته يقول: قد أعطيت مكة المقادة بعد هذين، فظننت أنه يعنيني ويعني خالد بن الوليد، ثم ولى مدبرًا إلى المسجد سريعًا، فظننت أنه يبشر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقدومنا، وكان كما ظننت، وأنخنا بالحرة فلبسنا من صالح ثيابنا، ونودي بالعصر فانطلقنا جميعًا حتى طلعنا عليه - صلى الله عليه وسلم - وإن لوجهه تهللاً والمسلمون حوله قد سروا بإسلامنا، فتقدم خالد بن الوليد فبايع، ثم تقدم عثمان فبايع، ثم تقدمت، فوالله ما هو إلا أن جلست بين يديه فما استطعت أن أرفع طرفي إليه حياءً منه، فبايعته على أن يغفر لي ما تقدم من ذنبي، فقال: (إن الإسلام يجب ما كان قبله، والهجرة تجب ما كان قبلها). فوالله ما عدل بي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبخالد أحدًا من أصحابي في أمر حربه من حين أسلمنا، ولقد كنا عند أبي بكر بتلك المنزلة، ولقد كنت عند عمر بن الخطاب بتلك الحال. [المنتظم 5/ 196، 198]. * وعن يحيى بن أكثم رحمه الله أنه قال: كان المأمون قبل تقلده الخلافة يجلس للنظر، فدخل يهودي حسن الوجه، طيب الرائحة، حسن الثوب، فتكلم فأحسن الكلام، فلما تقوَّض المجلس دعاه المأمون فقال له: إسرائيلي؟ قال: نعم. قال: أسلم حتى أفعل لك وأصنع. فقال: ديني ودين آبائي فلا تكشفني. فتركه، فلما كان بعد سنة جاءنا وهو مسلم فتكلم في الفقه، فأحسن الكلام، فلما تقوض المجلس دعاه المأمون فقال: ألست صاحبنا؟ قال: نعم. قال: أي شيء دعاك إلى الإسلام، وقد كنت عرضته عليك فأبيت؟ قال: إني أحسن الخط، فمضيت فكتبت ثلاث نسخ من التوراة، فزدت فيها ونقصت وأدخلتها الكنيسة، فبعتها، فاشتُريت. قال: وكتبت ثلاث نسخ من الإنجيل، فزدت فيها ونقصت فأدخلتها إلى البيعة فاشتريت مني. قال: وعمدت إلى القرآن فكتبت

ثلاث نسخ فزدت فيها ونقصت، وأدخلتها إلى الوراقين، فكلما تصفحوها قرؤوا الزيادة والنقصان ورموا بها، فعلمت أن هذا الكتاب محفوظ، فكان سبب إسلامي. فحججت فرأيت سفيان بن عيينة فحدثته بهذا الحديث فقال لي: مصداق هذا في كتاب الله - عزَّ وجلَّ. قلت: في أي موضع؟ قال: في قوله - عزَّ وجلَّ - في التوراة والإنجيل: {بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاء} [المائدة: 44] فجعل حفظه إليهم فضاع. وقال الله - عزَّ وجلَّ -: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر 9] فحفظه الله تعالى علينا فلم يضع. [المنتظم 10/ 51]. * وقال ابن القيم رحمه الله: قيل لبعض الأعراب - وقد أسلم - لما عرف دعوته - عليه الصلاة والسلام - عن أي شيء أسلمت؟ وما رأيت منه مما دلك على أنه رسول الله؟ فقال: ما أمر بشيء فقال العقل: ليته نهى عنه، ولا نهى عن شيء فقال العقل ليته أمر به، ولا أحل شيئا فقال العقل ليته حرمه، ولا حرم شيئا فقال العقل: ليته أباحه. [مدارج السالكين 1/ 428].

التوبة والرجوع إلى الله

التوبة والرجوع إلى الله * قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: جالسوا التوابين فإنهم أرق شيء أفئدة. (¬1) [الحلية (تهذيبه) 1/ 71]. * وقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: إني لأرجو أن يكون توبة العبد من ذنبه: ندامته عليه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 388]. * وعن الأشعث رحمه الله، قال: دخلت السجن فإذا الفرزدق في السجن وإذا هو يقرض شعراً، فقال: إني لقيت أبا هريرة - رضي الله عنه - فقال: يا فرزدق، إني أراك صغير القدمين، فالتمس لهما موضعاً عند الحوض، فقلت: إني قد عملت كذا، وعملت كذا فقال: إن التوبة لا تزال تقبل ما لم تطلع الشمس من مغربها عمل عبدٌ ما عمل من شيء. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 390]. * وعن الأسود وعلقمة رحمهما الله عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، قال: إني لأعلم آيتين في كتاب الله لا يقرؤهما عبدٌ عند ذنب يصيبه ثم يستغفر الله إلا غُفر له، قلنا: أي آيتين في كتاب الله؟ فلم يخبرنا ففتحنا المصحف، فقرأنا البقرة فلم نصب شيئاً، ثم قرأنا النساء - وهي في تأليف عبد الله على إثرها - فانتهينا إلى هذه الآية: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 110] قلت: أمسك هذه، ثم انتهينا في آل عمران إلى هذه التي يذكر فيها: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135] ثم أطبقنا المصحف، وأخبرنا بهما عبد الله: فقال: هما هاتان. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 392]. ¬

(¬1) الذي في صفوة الصفوة 3/ 71: أن هذا القول هو من قول عون بن عبد الله.

* وعن أبي هاشم الرماني، قال: قال زاذان: كنت غلاما حسن الصوت، جيد الضرب بالطنبور، فكنت مع صاحب لي وعندنا نبيذ وأنا أغنيهم، فمر ابن مسعود - رضي الله عنه - فدخل فضرب الباطية (¬1) بددها وكسر الطنبور، ثم قال: لو كان ما يسمع من حسن صوتك يا غلام بالقرآن كنت أنت أنت، ثم مضى. فقلت لأصحابي: من هذا؟ قالوا: هذا ابن مسعود، فألقى في نفسي التوبة، فسعيت أبكي، وأخذت بثوبه، فأقبل علي فاعتنقني وبكى وقال: مرحبا بمن أحبه الله، اجلس، ثم دخل وأخرج لي تمرًا. [السير (تهذيبه) 1/ 498]. * وعن عبد الله بن المبارك رحمه الله، أنه كان يتمثل: وكيف تحب أن تدعى حكيمًا ... وأنت لكل ما تهوى ركوب وتضحك دائبا ظهرًا لبطن ... وتذكر ما عملت فلا تذوب [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 388]. * وعن عبد الله بن عون رحمه الله قال: لو أن رجلًا انقطع إلى هؤلاء الملوك في الدنيا لانتفع، فكيف بمن ينقطع إلى من له السموات والأرض وما بينهما، وما تحت الثرى؟. [صفة الصفوة 3/ 222]. * وقال أيضًا رحمه الله: قلب التائب بمنزلة الزجاجة يؤثر فيها جميع ما أصابها، والموعظة إلى قلوبهم سريعة، وهم إلى الرقة أقرب، فداووها من الذنوب بالتوبة، فلرب تائب دعته توبته إلى الجنة حتى أوفدته عليها، وجالسوا التوابين فإن رحمة الله إلى التوابين أقرب. [الحلية (تهذيبه) 2/ 98]. * وقال أيضًا رحمه الله: اهتمام العبد بذنبه داع إلى تركه، وندمه عليه مفتاح للتوبة، ولا يزال العبد يهتم بالذنب يصيبه حتى يكون أنفع له من بعض حسناته. [الحلية (تهذيبه) 2/ 98]. * وقالت رابعة العدوية رحمها الله: أستغفر الله مِنْ قلَّةِ صدقي في قولي: أسْتَغْفر الله. [صفة الصفوة 4/ 292]. ¬

(¬1) قال في الحاشية: الباطية: هو كل إناء يجعل فيه الخمر.

* وقال يحيى بن معاذ رحمه الله: للتائب فخر لا يعادله فخر، فرح الله بتوبته. [صفة الصفوة 3/ 342]. * وعن الربيع بن خثيم رحمه الله أنه قال لأصحابه: تدرون ما الداء والدواء والشفاء؟ قالوا: لا. قال: الدّاءُ الذّنُوبُ، والدواءُ الاستغفارُ، والشفاءُ أن تتوب فلا تعود. [صفة الصفوة 3/ 42]. * وقال بعضهم: [البداية والنهاية 12/ 63]. أَسيرُ الخَطايا عندَ بابِك واقفُ ... على وَجَلٍ مما به أنت عارفُ يَخَاُف ذُنوبًا لم يَغِبْ عنك غيبُها ... ويَرْجُوك فيها فهو راجٍ وخائفُ ومَن ذا الذي يُرْجَى سواك ويُتَّقَى ... وما لك في فَصْلِ القَضاء مُخالفُ فيا سيِّدي لا تُخْزِني في صَحِيفتي ... إذا نُشرت يومَ الحسابِ الصَّحائِف وكُنْ مُؤْنِسي في ظُلْمة القَبْرِ عندَ ما ... يَصُدُّ ذَوُو القُرْبَى ويجْفُو المُؤالَفُ لئن ضاق عني عَفْوُك الواسعُ الذي ... أُرَجِّي لإِسْرافي فإنيَ تالِفُ * وقال الأصمعي: كنت بالبادية أُعلِّمُ القرآن، فإذا أنا بأعرابي بيدِهِ سَيْفٌ يقطع الطريق، فلما دنا منِّي ليأخذ ثيابي قال لي: يا حَضَريُّ، ما أدخلك البدو؟ قلت: أُعَلِّم القرآن. قال: وما القرآن؟ قلت: كلام الله. قال: ولله كلام؟ قلت: نعم. قال: فأنشِدني منه بيتًا فقلت: {وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [الذاريات: 22] قال: فرمى بالسيف من يده، وقال: أستغفر الله، رزقي في السماءِ وأنا أطلبه في الأرض، ثم لقيتُه بعد سنةٍ في الطوَاف، فقال: ألستُ صاحبك بالأمس؟ قلت: بلى. قال: فأنشدني بيتًا آخر فقلت: {فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} [الذاريات: 23] قال: فوقف وبكَى وجعل يقول: ومَن ألجأه إلى اليمين؟ فلم يزل يرددها حتى سقط ميتًا. [صفة الصفوة 4/ 554]. * وقال بعضهم: [البداية والنهاية 10/ 307]. إذا ما خلوت الدهر يومًا فلا تقلْ ... خلوت ولكنْ قُل عليَّ رقيبُ ولا تحسبنَّ الله يغفل ساعةً ... ولا أنّ ما يخفى عله يغيبُ

لهونا لعمر الله حتى تتابعتْ ... ذنوبٌ على آثارهن ذنوب فيا ليت أن الله يغفر ما مضى ... ويأذن في توباتنا فنتوب * وعن بكر بن عبد الله المزني رحمه الله؛ أن قصابًا أولع بجارية لبعض جيرانه فأرسلها مولاها إلى حاجة لهم في قرية أخرى فتبعها فراودها عن نفسها. فقالت: لا تفعل لأنا أشد حبًا لك منك ولكني أخاف الله. قال: فأنت تخافينه وأنا لا أخافه! فرجع تائبًا فأصابه العطش حتى كاد ينقطع عنقه، فإذا هو برسول لبعض أنبياء بني إسرائيل فسأله فقال: مالك؟ قال: العطش قال: تعال حتى ندعو حتى تظلنا سحابة حتى ندخل القرية. قال: مالي من عمل فأدعو قال: فأنا أدعو وأمِّن أنت قال: فدعا الرسول وأمن هو فأظلتهما سحابة حتى انتهيا إلى القرية، فأخذ القصاب إلى مكانه، ومالت السحابة معه. فقال له: زعمت أن ليس لك عمل، وأنا الذي دعوت، وأنت الذي أمنت، فأظلتنا سحابة ثم تبعتك. لتخبرني بأمرك فأخبره. فقال له الرسول: إن التائب من الله بمكان ليس أحد من الناس بمكانه. [الحلية (تهذيبه) 1/ 372]. * وعنه رحمه الله قال: أنتم تكثرون من الذنوب، فاستكثروا من الاستغفار، فإن الرجل إذا وجد في صحيفته بين كل سطرين استغفارًا سره مكان ذلك. [الحلية (تهذيبه) 1/ 372]. * وعن سعيد بن جبير رحمه الله؛ أنه قيل له: من أعبد الناس؟ قال: رجل اجترح من الذنوب، فكلما ذكر ذنوبه احتقر عمله. [الحلية (تهذيبه) 2/ 105]. * وعن سعيد الجريري قال: قلت للحسن رحمه الله: يا أبا سعيد الرجل يذنب ثم يتوب، ثم يذنب ثم يتوب، ثم يذنب ثم يتوب، حتى متى؟ قال: ما أعلم هذا إلا أخلاق المؤمنين. [الحلية (تهذيبه) 2/ 315]. * وعن أبي قلابة رحمه الله قال: إن الله تعالى لما لعن إبليس سأله النظرة فأنظره إلى يوم الدين، فقال: وعزتك لا أخرج من جوف - أو من قلب - ابن آدم ما دام فيه الروح. قال: وعزتي لا أحجب عنه التوبة ما دام فيه الروح. [الحلية (تهذيبه) 1/ 392].

* وقال أبو عياش القطان رحمه الله: بلغنا أنه كانَ مَلِكٌ كثير المال، وكانت له ابنة لم يكن له ولدٌ غيرها، وكان يحبها حبًا شديدًا. وكان يُلهيها بصُنُوف اللهو، فمكث كذلك زمانًا، وكان إلى جانب الملك عابدٌ. فبينا هو ذات ليلة يقرأ إذ رفع صوته وهو يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6] فسمعت الجارية قراءَته، فقالت لجواريها: كُفّوا، فلم يكفّوا. وجعل العابد يردد الآية والجارية تقول لهم: كفّوا، فلم يكفوا، فوضعت يدها في جيبها فشقت ثيابها فانطلقوا إلى أبيها فأخبروه بالقصّة، فأقبل إليها فقال: يا حبيبتي ما حالُكِ منذ الليلة؟ ما يبكيك؟ وضمَّها إليه، فقالت: أسألك بالله يا أبهْ، لله - عزَّ وجلَّ - دارٌ فيها نارٌ وقودها الناس والحجارة؟ قال: نعم. قالت: وما يمنعك يا أبَهْ أن تخبرني؟ والله لا أكلت طيِّبًا ولا نمت على ليّن حتى أعلم أين منزلي في الجنة أو النار. [صفة الصفوة 4/ 590]. * وعن طَلق بن حبيب رحمه الله، قال: إنَّ حقوق الله أعظمُ مِن أن يقومَ بها العباد، وإنَّ نعم الله أكثر من أن تُحصى، ولكن أصْبِحوا تائبين، وامْسُوا تائبين. [السير (تهذيبه) 2/ 567]. * وقال المتنبِّي: يا من ألوذ به فيما أؤمِّلُه ... ومن أعوذ به مما أحاذرُهُ لا يجبُرُ الناسُ عظمًا أنت كاسره ... ولا يهيضون عظمًا أنت جابرُهُ قال ابن كثير رحمه الله: وقد بلغني عن شيخنا العلاَّمة أبي العباس أحمد ابن تيميّةَ، رحمه الله، أنه كان ينكرُ على المتنبِّي هذه المبالغة ويقول: إنما يصلحُ هذا لجناب الله - عزَّ وجلَّ. وأخبرني العلاّمة شمس الدِّينِ ابن القيِّم رحمه الله، أنه سمع الشيخ يقول: ربما قلتُ هذين البيتيْن في السجود. [البداية والنهاية 11/ 332]. * وعن عمر بن ذر رحمه الله قال: كُلُّ حزن يبلى إلا حزن التائب عن ذنوبه. [السير (تهذيبه) 2/ 660].

* وعن الفضل بن موسى، قال: كان الفُضيل بن عياض رحمه الله شاطرًا يقطعُ الطريقَ بين أَبِيوَرْد وسَرْخس، وكان سببُ توبته أنه عشق جارية، فبينا هو يرتقي الجدران إليها، إذ سمع تاليًا يتلو {أَلَمْ يَانِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُون} [الحديد 16] فَلَما سَمِعها، قال: بلى يا رب، قد آن، فرجع، فآواه الليلُ إلى خَرِبة، فإذا فيها سابلة، فقال بعضهم: نرحل، وقال بعضهم: حتى نصبحَ فإن فُضَيلًا على الطريق يقطعُ علينا. قال: ففكرت، وقلت: أنا أسعى بالليل في المعاصي، وقومٌ من المسلمين ها هنا يخافوني، وما أرى الله ساقني إليهم إلا لأرتدعَ، اللهمَّ إني قد تبتُ إليك، وجعلتُ توبتي مجاورة البيت الحرام. [السير (تهذيبه) 2/ 773]. * وعن أبي حسن بن اليسع قال: لقي عبد الواحد بن زيد عتبة الغلام رحمه الله في رحبة القصابين في يوم شات شديد البرد، فإذا هو يرفض عرقًا، فقال له عبد الواحد: عتبة! قال: نعم! قال: فما شأنك؟ ما لك تعرق في مثل هذا اليوم؟ قال: خير، قال: لتخبرني، قال: خير، فقال: للأنس الذي بيني وبينك والإخاء إلا ما أخبرتني، قال: إني والله ذكرت ذنبًا أصبته في هذا المكان، فهذا الذي رأيت من أجل ذلك. [الحلية (تهذيبه) 2/ 325]. * وقال ابن كثير رحمه الله: ذكروا أن أبا نواس لما أراد الإحرام بالحج قال: [البداية والنهاية 10/ 306]. إلهنا ما أعدلك ... مليك كل من ملكْ لبيك قد لبيت لك ... لبيك إن الحمد لكْ والملك لا شريك لك ... ما خاب عبدٌ سألكْ لبيك إن الحمد لك ... والملك لا شريك لكْ أنت له حيث سلكْ ... لولاك يا رِبي هلكْ لبيك إن الحمد لكْ ... والملك لا شريك لكْ والليل لما أن حلكْ ... والسابحات في الفلكْ على مجاري المنسلك ... كلُّ نبيٍّ وملكْ

وكلُّ من أهلَّ لك ... سبح أو صلى فلكْ لبيك إنَّ الحمد لكْ ... والملك لا شريك لكْ يا مخطئًا ما أغفلك ... عجلْ وبادرْ أملكْ واختمْ بخير عملكْ ... لبيك إن الحمد لك * وعن شقيق بن إبراهيم رحمه الله: علامةُ التَّوبة البُكاءُ على ما سلف، والخوفُ من الوقوع في الذَّنب، وهِجرانُ إخوانِ السُّوء، وملازمةُ الأخيار. [السير (تهذيبه)]. * وعن يونس بن سليمان البلخي أنه قال: كان إبراهيم بن أدهم رحمه الله من الأشراف، وكان أبوه كثير المال والخدم، فخرج إبراهيم يومًا إلى الصيد مع الغلمان والخدم والجنائب والبزاة فبينا إبراهيم في ذلك وهو على فرسه يركضه، إذا هو بصوت من فوقه: يا إبراهيم، ما هذا العبث {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون: 115] اتق الله، وعليك بالزاد ليوم الفاقة، قال: فنزل عن دابته ورفض الدنيا وأخذ في عمل الآخرة. [المنتظم 8/ 240]. * وقال بعضهم: [البداية والنهاية 12/ 145]. يا مَن يرى مَدَّ البَعوضِ جَناحَها ... في ظُلمةِ الليلِ البَهيم الأَليَلِ ويَرَى مَنَاطَ عُروقِها في نحرِها ... والمخَّ في تلك العظامِ النُّحَّلِ امنن عليَّ بتوبةٍ تَمْحُو بها ... ما كان مني في الزمانِ الأوَّلِ * وقال رياح القيسي رحمه الله: لي نيف وأربعون ذنبًا، قد استغفرت لكل ذنب مائة ألف مرة. [الحلية (تهذيبه) 2/ 313].

التدبر والتفكر

التدبر والتفكر * عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: تفكّر ساعة خير من قيام ليلة. [الزهد للإمام أحمد]. * وعن عون بن عبد الله قال: سئلت أم الدرداء رضي الله عنها: ما كان أفضل عمل أبي الدرداء - رضي الله عنه -؟ قالت: التفكر والاعتبار. [الزهد للإمام أحمد]. * وعن محمد بن واسع: أن رجلًا من البصرة ركب إلى أم ذر بعد وفاة أبي ذر - رضي الله عنه - يسألها عن عبادة أبي ذر، فأتاها فقال: جئتك لتخبريني عن عبادة أبي ذر رضي الله تعالى عنه. قالت: كان النهار أجمع خاليًا يتفكر. [الحلية (تهذيبه) 1/ 139]. * وعن عصام بن يزيد قال: ربما كان يأخذ سفيان الثوري رحمه الله في التفكر، فينظر إليه الناظر فيقول مجنون. [الحلية (تهذيبه) 2/ 373]. * وعن إسحاق بن إبراهيم قال: سمعت سفيان بن عيينة رحمه الله يقول: الفكرة نور تدخله قلبك. قال: وبلغني عن سفيان بن عيينة قال: التفكر مفتاح الرحمة، ألا ترى أنه يتفكر فيتوب؟ [الحلية (تهذيبه) 2/ 443]. * وعن عبد الأعلى بن زياد الأسلمي قال: رأيت داود الطائي رحمه الله يومًا قائمًا على شاطئ الفرات مبهوتًا، فقلت: ما يوقفك ها هنا يا أبا سليمان؟ قال: أنظر إلى الفلك، كيف تجري في البحر مسخرات بأمر الله تعالى. [الحلية (تهذيبه) 2/ 466]. * وعن يوسف بن سعيد بن مسلم قال: قلت لعلي بن بكار: كان إبراهيم بن أدهم رحمه الله كثير الصلاة؟ قال: لا ولكنه صاحب تفكر يجلس ليله يتفكر. [الحلية (تهذيبه) 2/ 483].

* وقال الفضيل بن عياض: قيل لإبراهيم رحمه الله: إنك لتطيل الفكرة، قال: الفكرة مخ العمل. [الحلية (تهذيبه) 3/ 26]. * وقال شقيق البلخي رحمه الله: ولو أن رجلًا كتب جميع العلم لم ينتفع به حتى يكون فيه خصلتان: حتى يكون فعله التفكر والعبر، وقلبه فارغًا للتفكر وعينه فارغة للعبر، كلما نظر إلى شيء من الدنيا كان له عبرة. والمؤمن مشغول بخصلتين، والمنافق مشغول بخصلتين، المؤمن بالعبر والتفكر والمنافق مشغول بالحرص ولأمل. * وقال أيضًا رحمه الله: متى أغفل العبد قلبه عن الله، والتفكر في صنعه ومنته عليه ثم مات مات عاصيا، لأن العبد ينبغي له أن يكون قلبه أبدًا مع الله، يقول: يا رب أعطني الإيمان، وعافني من البلاء واستر لي من عيوبي، وارزقني واجعل نعمك متوالية علي، فهو أبدًا متفكر في نعم الله عليه، فالتفكر في منّة الله شكر، والغفلة عنه سهو. [الحلية (تهذيبه) 2/ 502]. * وقال الحسن البصري رحمه الله: الفكر مرآة تريك حسناتك وسيئاتك. [الحلية (تهذيبه) 3/ 26]. * وقال أيضًا رحمه الله: تفكر ساعة خير من قيام ليلة. [الزهد للإمام أحمد / 462]. * وقال يحيى بن معاذ رحمه الله: أبناء الدنيا يجدون لذة الكلام، وأبناء الآخرة يجدون لذة المعاني. [الحلية (تهذيبه) 3/ 265].

العزلة، وأهمية الاستغناء عن الناس، وعدم سؤالهم

العزلة، وأهمية الاستغناء عن الناس، وعدم سؤالهم (أ) اعتزال الناس وعدم الإكثار من مخالطتهم والحذر منهم: * قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: خذوا بحظكم من العزلة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 503]. * وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: نعم صومعة المرء المسلم بيته، يكف لسانه وفرجه وبصره، وإياكم ومجالس الأسواق تلهي وتلغي. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 505]. * وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: كل يوم وليلة تمر بك معافى في نفسك وأهلك ومالك، كرامة من الله، ونعمة لا تدري ما حَسَب ذلك، حتى يصيبك ما لا بد منه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 539]. * وعن عثمان بن أبي العاص - رضي الله عنه - أنه قال: لولا الجمعة والجماعة لبنيت في أعلى داري هذه بيتًا فلم أخرج منه حتى أخرج إلى قبري. [الزهد للإمام أحمد / 281]. * وقال وهيب بن الورد رحمه الله: خالطت الناس خمسين سنة، فما وجدت رجلًا غفر لي ذنبًا فيما بيني وبينه، ولا وَصلني إذا قطعته، ولا سترَ علي عورة، ولا أمِنته إذا غضب، فالاشتغال بهؤلاء حمق كبير. [صفة الصفوة 2/ 532]. * وقال أيضًا رحمه الله: كان يقال: الحكمة عشرة أجزاء، فتسعة منها في الصمت، والعاشرة عزلة الناس. قال: فعالجت نفسي على الصمت، فلم أجدني أضبط كل ما أريد منه، فرأيت أن هذه الأجزاء العشرة عزلة الناس. [صفة الصفوة 2/ 532، موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 537].

* وقال السري السقطي رحمه الله: من أراد أن يَسلم دينُه. ويستريح قلبه وبدَنه، ويقلّ غمّه، فليعتزل الناس، لأن هذا زمان عزلة ووحدة. (¬1) [صفة الصفوة 2/ 627]. * وقال أيضًا رحمه الله: مِن قلة الصدق كثرة الخُلَطاء. [صفة الصفوة 2/ 627]. * وعن ابن سيرين رحمه الله قال: العزلة عبادة. [صفة الصفوة 3/ 174، موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 503]. * وعن مكحول رحمه الله قال: إن كان الفضل في الجماعة، فإن السلامة في العزلة. [الحلية (تهذيبه) 2/ 182، موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 505]. * وعن قتادة رحمه الله قال: كان المؤمن لا يُرى إلا في ثلاثة مواطن: في مسجد يعمره، أو بيت يستره، أو حاجة لا بأس بها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 220]. * وقال الهيثم بن جميل رحمه الله: إن الرجل ليبلغني عنه أنه ينقصني فأذكر استغنائي عنه فيهون علي. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 510]. ¬

(¬1) قال ابن القيم رحمه الله: وكلما طالت المخالطة: ازدادت أسباب الشر والعداوة وقويت. وبهذا السبب كان الشر الحاصل من الأقارب والعُشراء: أضعافَ الشر الحاصل من الأجانب والبُعَداء. مفتاح دار السعادة 1/ 427، 428. وقال أيضًا: فكم جلبت خلطة الناس من نقمة، ودفعت من نعمة، وأنزلت من محنة، وعطلت من منحة، وأحلت من رزية، وأوقعت في بلية؟ وهل آفة الناس إلا الناس؟ وهل كان على أبي طالب عند الوفاة أضر من قرناء السوء؟. والضابط النافع في أمر الخلطة: أن يخالط الناس في الخير ويعتزلهم في الشر وفضول المباحات. فإن دعت الحاجة إلى خلطتهم في الشر ولم يمكنه اعتزالهم: فالحذر الحذر: أن يوافقهم، وليصبر على أذاهم، فإنهم لابد أن يؤذوه. وإن دعت الحاجة إلى خلطتهم في فضول المباحات: فليجتهد أن يقلب ذلك المجلس: طاعة لله إن أمكنه، ويشجع نفسه ويقوي قلبه، ولا يلتفت إلى الوارد الشيطاني القاطع له عن ذلك بأن هذا رياء ومحبة لإظهار علمك وحالك. فإن أعجزته المقادير عن ذلك: فَلْيسُلّ قلبه من بينهم كسل الشعرة من العجين، وليكن فيهم حاضرا غائبا، قريبا بعيدا، ينظر إليهم ولا يبصرهم، ويسمع كلامهم ولا يعيه، لأنه قد أخذ قلبه من بينهم ورقى به إلى الملإ الأعلى، وما أصعب هذا وأشقه على النفوس، وإنه ليسير على من يسره الله عليه، فبين العبد وبينه: أن يصدق الله ويُديم الّلجأ إليه. ا. هـ بتصرف. مدارج السالكين 2/ 39.

* وقال بعض العقلاء: إن الرجل ليجفوني، فإذا ذكرت استغنائي عنه وجدت لجفائه بردا على كبدي. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 510]. * وعن مطرف رحمه الله أنه كان يقول: احترسوا من الناس بسوء الظن. [الزهد للإمام أحمد / 417]. * وقال شقيق بن إبراهيم: قيل لابن المبارك رحمه الله: إذا صلّيتَ معنا لم تجلس معنا؟ قال: أذهب أجلس مع الصحابة والتّابعين. قلنا له: ومن أين الصحابة والتابعون؟ قال: أذهب أنظرُ في علمي فأدرِكُ آثارهم وأعمالهم، ما أصنع معكم؟ أنتم تغتابون الناس، فإذا كانت سنة مائتين فالبُعد من كثير من الناس أقربُ إلى الله، وفرّ من الناس كَفِرَارِك من أسد، وتمسّك بدينك يسلَمْ لك. [صفة الصفوة]. * وعن نعيم بن حَمَّاد قال: كان ابن المبارك رحمه الله يُكثر الجلوسَ في بيته، فقيل له: ألا تستوحِشُ؟ فقال: كيف أستوحشُ وأنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه؟!. [السير (تهذيبه) 2/ 766]. * وعن أحمد بن أبي الحواري قال: قيل لعبد العزيز الراسبي رحمه الله - وكانت رابعة تسميه سيد العابدين - ما بقي مما تلذ به؟ قال: سرداب أخلو به فيه. [الحلية (تهذيبه) 2/ 332]. * وعن يوسف بن أسباط قال: كنت مع سفيان الثوري رحمه الله في المسجد الحرام، فقال: والله الذي لا إله إلا هو، ورب هذه الكعبة لقد حلت العزلة. [الحلية (تهذيبه) 2/ 372]. * وعن يزيد بن توبة قال: قال لي سفيان الثوري رحمه الله: إني لأفرح إذا جاء الليل ليس إلا لأستريح من رؤية الناس. [الحلية (تهذيبه) 2/ 372]. * وعن عطاء بن مسلم الخفاف قال: قال لي سفيان الثوري رحمه الله: يا عطاء احذر الناس واحذرني، فلو خالفت رجلًا في رُمَّانة، فقال: حامضة وقلتُ: حلوة، أو قال: حلوة وقلتُ: حامضة، لخشيت أن يشيط بدمي. [الحلية (تهذيبه) 2/ 375، موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 508].

* وعن سعيد بن صدقة قال: أخذ بيدي سفيان الثوري رحمه الله، فاعتزلنا ناحية عن طريق الناس، فبكى، ثم قال: يا أبا مهلهل إن استطعت أن لا تخالط في زمانك هذا أحدًا فافعل، فليكن همك مرمَّة جهازك، واحذر إتيان هؤلاء الأمراء، وارغب إلى الله - عزَّ وجلَّ - في حوائجك لديه، وعليك بالاستغناء عن جميع الناس، فارفع حوائجك إلى من لا تعظم الحوائج عنده، فوالله ما أعلم اليوم بالكوفة أحدا لو فزعت إليه في قرضِ عشرة دراهم فأقرضني لم يكتمها علي حتى يذهب ويجيء، ويقول: جاءني سفيان فاستقرضني فأقرضته. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 506]. * وقال إبراهيم بن أدهم رحمه الله: حب لقاء الناس من حب الدنيا، وتركهم من ترك الدنيا. [الحلية (تهذيبه) 2/ 485]. * وعن إبراهيم بن بشار قال: أوصانا إبراهيم بن أدهم رحمه الله: اهربوا من الناس كهربكم من السبع الضاري، ولا تخلفوا عن الجمعة والجماعة. [الحلية (تهذيبه) 2/ 490]. * وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: من استوحش من الوحدة واستأنس بالناس لم يسلم من الرياء. [الحلية (تهذيبه) 3/ 27، موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 506]. * وقال أيضًا رحمه الله: من خالط الناس لم يسلم، ولم ينج من إحدى اثنتين: - إما أن يخوض معهم إذا خاضوا في باطل. - وإما أن يسكت إذا رأى منكرا أو سمعه من جلسائه، فلا يغير؛ فيأثم، ويَشْرَكهم فيه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 506]. * وقال بشر بن الحارث رحمه الله: حب لقاء الناس حب الدنيا، وترك لقاء الناس ترك الدنيا. [الحلية (تهذيبه) 3/ 94]. * وقال أيضًا رحمه الله: من عامل الله بالصدق استوحش من الناس. [الحلية (تهذيبه) 3/ 97]. * وقال داود الطائي رحمه الله يقول: توحش من الناس كما تتوحش من السباع. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 504].

* وقيل لداود الطائي رحمه الله: لو جالست الناس! فقال: إنما أنت بين اثنين: بين صغير لا يوقرك، وكبير يحصي عليك عيوبك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 512]. * وقال مالك بن أنس رحمه الله: كان الناس الذين مضوا يحبون العزلة والانفراد من الناس. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 513]. * وكان طاووس رحمه الله يجلس في البيت، فقيل له: لم تجلس في البيت؟ قال: حيف الأئمة، وفساد الناس. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 541]. * وعن عبد الله بن المبارك رحمه الله قال: قال لي بعضهم في تفسير العزلة: هو أن يكون مع القوم، فإن خاضوا في ذكر الله فخض معهم، وإن خاضوا في غير ذلك؛ فأمسك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 518]. * وقال بعض العلماء: إذا رأيت الله - عزَّ وجلَّ - يوحشك من خلقه؛ فاعلم أنه يريد يؤنسك به. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 519]. * وكان حبيب أبو محمد رحمه الله يخلو في بيته، فيقول: من لم تقر عينه بك فلا قرت، ومن لم يأنس بك فلا أنس. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 520]. * وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: أنا في طلب رفيق منذ عشرين سنة إذا غضب لا يكذب علي. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 542]. * وقال الفضل بن سهل: قال لي بشر بن الحارث رحمه الله: ازهد في الناس، فعن معرفة مني بهم زهدت فيهم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 542]. * وقال نصر بن أبي كثير رحمه الله: من عاشر الناس داراهم، ومن داراهم راءاهم (¬1). [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 542]. * وقال إبراهيم بن شماس: سمعت حفص بن حميد رحمه الله وقال لي: كيف أنت؟ قلت: بخير، قال: قد تكلم أهل مرو بقدومك؟ قلت: لا أدري، قال: جاءني غير واحد فقال: قدم إبراهيم، ثم قال لي: من بنى مدينة مرو؟ ¬

(¬1) في الأصل: راياهم, وهو خطأ, والتصحيح من المصادر الأخرى؛ ككتاب العزلة الإنفراد للمؤلف ابن أبي الدنيا.

قلت: لا أدري، قال: رجل يبني مدينةً مثل هذه لا تدري من بناها؟ فغدا من يكون حفص؟ من يكون إبراهيم؟ لا تغتر بهذا القول، ثم قال: جربت الناس مذ خمسون سنة، فما وجدت أخا لي ستر لي عورة، ولا غفر لي ذنبا فيما بيني وبينه، ولا وصلني إذا قطعته، ولا أمنته إذا غضب، فالإشتغال بهؤلاء حمق كبير. كلما أصبحتَ تقول: أتخذ اليوم صديقا، ثم تنظر ما يرضيه عنك: أيَّ هدية؟ أيَّ تسليم؟ أيَّ دعوة؟ فأنت أبدا مشغول. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 541]. * وقال الشاعر: [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 521]. ألا ذهب التذمم (¬1) والوفاء ... وباد رجالُه وبقي الغُثاء وأسلمني الزمان إلى أناس ... كأنهم الذئب لهم عُواء إذا ما جئتُهم يتدافعوني ... كأني أجربٌ أعداه داء صديقٌ لي إذا استغنيت عنهم ... وأعداءٌ إذا نزل البلاء أقول ولا أُلام على مقالٍ ... على الإخوان كلِّهم العَفاء * وقال مالك بن دينار رحمه الله: كل أخ وجليس وصاحب لا تستفيد منه خيرًا في أمر دينك: ففر منه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 533]. * وقال نصر بن يحيى بن أبي كثير رحمه الله - وكان من الحكماء -: لم نجد شيئا أبلغ في الزهد في الدنيا من ثبات حزن الآخرة في قلب العبد، ومن ثبت ذلك في قلبه؛ آنسه بالوحدة، فأنس بها، واستوحش من المخلوقين، وذلك حين يرى عذوبة حب الخلوة في أعضائه كما يجري الماء في أصول الشجر؛ فأورقت أغصانها، وأثمرت عيدانها، ولزمه حزن ما يحزنه يوم القيامة، وخالط سويداء قلبه؛ فهاج من الخلوة فنون من أصول الزهد في الدنيا، وإذا صار العبد إلى درجة الخلوة، وصبر على ذلك، ودام عليه؛ نقله ذلك إلى حب الخلوة. ¬

(¬1) التذمم للصاحب: أن يحفظ ذمامه ويطرح عن نفسه ذم الناس له إن لم يحفظه.

فأول ما يهيج من حب الخلوة: طلب العبد الإخلاص والصدق في جميع قوله فيما بينه وبين ربه، وورثته الخلوة راحة القلب من غموم الدنيا، وترك معاملة المخلوقين في الأخذ والإعطاء، وسقط عنه وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومداهنة الناس. ويهيج من حب الخلوة: خمول النفس، والأغماض في الناس، وهو أول طريق الصدق، ومنه الإخلاص. ويهيج من حب الخلوة: الزهد في معرفة الناس، والأنس بالله، والاستثقال بمجالسة غير أهل اذكر. ويورث حب الخلوة: طول الصمت في غير تكلف، وغلبة الهوى وهو الصبر، ومنها يظهر الحلم والأناة. ويهيج من حب الخلوة: شغل العبد بنفسه، وقلة اشتغاله بذكر غيره، وطلب السلامة مما فيه الناس. ويهيج من حب الخلوة: كثرة الهموم والأحزان، ومنه ما يهيج الفكر وهو أفضل العبادة، ومخرجه من خالص الذكر. ويهيج من حب الخلوة: الأعمال التي تغيب عن أعين العباد وتظهر لله، وقليل ذاك كثير، ومخرجه من الصدق. ويهيج من حب الخلوة: التيقظ من غفلة أهل الدنيا، وفَقْدُ أخبارِ ما يذكر منها في الخاص والعام. ويورث حب الخلوة: قلة الرياء، والتزين للمخلوقين، وذلك من دواعي الإخلاص، وهو محض الصدق. ويورث حب الخلوة: ترك الخصومة والجدال، وهما ينفيان طلب الرئاسة، ويُسْلمان إلى الصدق. ويهيج من حب الخلوة: إماتة الطمع ودواعيه من الحرص والرغبة في الدنيا، وفيه قوة للعمل.

ويورث حب الخلوة: قلة الغضب، والقوة على كظم الغيظ، وترك الحقد والشحناء، والعمل بسلامة الصدر. ويهيج من حب الخلوة: رقة القلوب والرحمة، وهما ينفيان الغلظة والقسوة. ويهيج من حب الخلوة: تذكر النعم، وطلب الإلهام لتُشكر، والزيادة من الطاعة. ويهيج من حب الخلوة: وجود حلاوة العمل، والنشاط في الدعاء بحزن من القلب وتضرعٍ واستكانةٍ. ويهيج من حب الحلوة: القنوع، والتوكل، والرضى بالكفاف، والاستغناء بالعفاف عن الناس. ويهيج من حب الخلوة: عزوف النفس عن الدنيا، والشوق إلى لقاء الله - عزَّ وجلَّ - وذلك من طريق حسن الظن بالله، وخوف النقص في الدين. ويهيج من حب الخلوة: حياة القلب، وضياء نوره، ونفاذ بصره بعيوب الدنيا، ومعرفته بالنقص والزيادة في دينه. ويهيج من حب الخلوة: الإنصاف للناس، والإقرار بالحق، وإذلال النفس بالتواضع، وترك العدوان. ويهيج من حب الخلوة: خوف ورود الفتن التي فيها ذهاب الدين، والشوق إلى الموت خوفا من أن يسلب الإسلام. ويهيج من حب الخلوة: الوحشة من الناس، والاستثقال لكلامهم، والأنس بكلام رب العالمين وهو القرآن الذي جعله الله نورا وشفاء للمؤمنين وحجة ووبالا على المنافقين؛ فاجعله مفزعك الذي إليه تلجأ، وحصنك الذي به تعتصم، وكهفك الذي إليه تأوي، ودليلك الذي به تهتدي، وشعارك ودثارك ومنهجك وسبيلك. وإذا التبست عليك الطرق، واشتبهت عليك الأمور، وصرت في حيرة من أمرك، وضاق بها صدرك؛ فارجع إلى عَجب القرآن الذي لا حيرة فيه؛ فقف على دلائله من الترغيب والترهيب والوعد والوعيد والتشويق، وإلى ما ندب الله إليه المؤمنين من الطاعة وترك المعصية؛ فإنك

(ب) أهمية الاستغناء عن الناس، وعدم سؤالهم، وقطع منتهم

تخرج من حيرتك، وترجع عن جهالتك، وتأنس بعد وحدتك، وتقوى بعد ضعفك، فليكن دليلك دون المخلوقين؛ تفز مع الفائزين، ولا تَهُذَّه كهذ الشعر، وقف عند عجائبه، وما أشكل عليك فرده إلى عالمه، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 544، 545]. * وقال أبو مسلم الخولاني رحمه الله: كان الناس ورقًا لا شوك فيه، وإنهم اليوم شوك لا ورق فيه، إن ساببتهم سابوك، وإن ناقدتهم ناقدوك، وإن تركتهم لم يتركوك. [الزهد للإمام أحمد / 609]. * وعن أبي عبد الله قال: قال لي محمد بن أسلم رحمه الله: يا أبا عبد الله مالي ولهذا الخلق كنت في صلب أبي وحدي، ثم صرت في بطن أمي وحدي، ثم دخلت إلى الدنيا وحدي، ثم تقبض روحي وحدي، فأدخل في قبري وحدي، فيأتيني منكر ونكير فيسألاني وحدي، فأصير إلى حيث صرت وحدي، وتوضع عملي وذنوبي في الميزان وحدي، وإن بعثت إلى الجنة بعثت وحدي، وإن بعثت إلى النار بعثت وحدي، فما لي والناس!. [المنتظم 11/ 303]. * وعن عبد الله بن أحمد بن حنبل رحمه الله قال: كان أبي أصبر الناس على الوحْدة، لم يرَه أحد إلاّ في مسجد، أو حضور جنازة، أو عيادة مريض. وكان يكره المشْي في الأسواق. [صفة الصفوة 2/ 610]. * وقال إبراهيم بن المولد رحمه الله: عجبت لمن عرف الطريق إلى ربه، كيف يعيش مع غيره. [الحلية (تهذيبه) 3/ 458]. (ب) أهمية الاستغناء عن الناس، وعدم سؤالهم، وقطع مِنَّتهم: * ناول عمرُ بن الخطاب - رضي الله عنه - رجلًا شيئًا؛ فقال له: خدمك بنوك. فقال عمر: بل أغنانا الله عنهم. [عيون الأخبار 3/ 96]. * وعن أم الدرداء قالت: قال لي أبو الدرداء - رضي الله عنه -: لا تسألي الناس شيئًا، قالت: فقلت: فإن احتجت؟ قال: فإن احتجت فتتبعي الحصادين فانظري ما سقط منهم فاخبطيه ثم اطحنيه ثم كليه ولا تسألي الناس شيئًا. [الزهد للإمام أحمد / 266].

* وقال الشاعر: [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 251]. لا تحسبن الموت موت البلى ... فإنما الموت سؤال الرجال كلاهما موت ولكن ذا ... أشد من ذاك لذل السؤال * وقال الشاعر: [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 266]. لا تخضعن لمخلوق على طمع ... فإن ذاك مضر منك بالدين واسترزق الله مما في خزائنه ... فإنما هي بين الكاف والنون * وعن مبارك أبي حماد قال: سمعت سفيان الثوري رحمه الله يقول لعلي بن الحسن فيما يوصيه: يا أخي، عليك بالكسب الطيب، وما تكسب بيدك، وإياك وأوساخ الناس أن تأكله أو تلبسه، فإن الذي يأكل أوساخ الناس مثله مثل علية لرجل وسفله ليس له، فهو لا يزال على خوف أن يقع سفله وتتهدم عليته، فالذي يأكل أوساخ الناس هو يتكلم بهوى، ويتواضع للناس مخافة أن يمسكوا عنه. ويا أخي، إن تناولت من الناس شيئًا قطعت لسانك، وأكرمت بعض الناس، وأهنت بعضهم، مع ما ينزل بك يوم القيامة، فإن الذي يعطيك شيئًا من ماله فإنما هو وسخه وتفسير وسخه تطهير عمله من الذنوب، وإن أنت تناولت من الناس شيئًا إن دعوك إلى منكر أجبتهم، وإن الذي يأكل أوساخ الناس كالرجل له شركاء في شيء ينبغي له أن يقاسمهم. يا أخي، جوع وقليل من العبادة خير من أن تشبع من أوساخ الناس، وكثير من العبادة. وقد بلغنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لو أن أحدكم أخذ حبلًا ثم احتطب حتى يدبر ظهره كان خيرًا له من أن يقوم على رأس أخيه يسأله أو يرجوه). وبلغنا أن عمر بن الخطاب قال: من عمل منكم حمدناه، ومن لم يعمل اتهمناه، وقال: يا معشر القراء ارفعوا رؤوسكم ولا تزيدوا الخشوع على ما في القلب، استبقوا في الخيرات ولا تكونوا عيالًا على الناس، فقد وضح الطريق.

وقال علي بن أبي طالب: إن الذي يعيش من أيدي الناس كالذي يغرس شجرة في أرض غيره. فاتق الله يا أخي، فإنه ما نال أحد من الناس شيئًا إلا صار حقيرًا ذليلًا عند الناس، والمؤمنون شهود الله في الأرض، وإياك أن تكسب خبيثًا فتنفقه في طاعة الله، فإن تركه فريضة من الله واجبة، وإنه طيب لا يقبل إلا طيبًا، أرأيت رجلًا أصاب ثوبه بول ثم أراد أن يطهره فغسله ببول آخر؟ أترى كان ذلك يطهره؟ كلا! إن القذر لا يطهر إلا بطيب، فكذلك لا تُمحى السيئة إلا الحسنة، وإن الله طيب لا يقبل إلا الطيب، وإن الحرام لا يقبل في شيء من الأعمال، أو هل عمل أحد ذنبًا فمحاه بذنب؟ [الحلية (تهذيبه) 2/ 408]. * وعن قتادة قال: وجدت خليد بن عبد الله العصري رحمه الله قال: تلقى المؤمن عفيفًا سؤولًا، وتلقاه غنيًا فقيرًا قال: تلقاه عفيفًا عن الناس، سؤولًا لربه - عزَّ وجلَّ - ذليلًا لربه، عزيزًا في نفسه، غنيًا عن الناس، فقيرًا إلى ربه. قال قتادة رحمه الله تلك أخلاق المؤمن، هو أحسن معونة وأيسر الناس مؤونة. [الزهد للإمام أحمد / 410]. * وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله: لا خير في قلب يتوقع قرع الباب، يتوقع إنسانًا يجيء يعطيه شيئًا. [الحلية (تهذيبه) 3/ 187]. * وعن عبد الله بن أحمد بن حنبل رحمه الله: حدثني علي بن الجهم بن بدر قال: كان لنا جار فأخرج إلينا كتابًا فقال: أتعرفون هذا الخط؟ قلنا: نعم، هذا خط أحمد بن حنبل. فقلنا له: كيف كتب ذلك؟ قال: كنا بمكة مقيمين عند سفيان بن عيينة، فقصدنا أحمد بن حنبل أيامًا فلم نره، ثم جئنا إليه لنسأل عنه فقال لنا أهل الدار التي هو فيها: هو في ذلك البيت، فجئنا إليه، والباب مردود عليه، وإذا عليه خلقان. فقلنا له: يا أبا عبد الله ما خبرك لم نرك منذ أيام؟ فقال: سرقت ثيابي. فقلت له: معي دنانير، فإن شئت خذ قرضا، وإن

شئت صلة. فأبى أن يأخذه، وقال: اشتر لي ثوبًا واقطعه بنصفين، فأومى أنه يأتزر بنصف ويرتدي بالنصف الآخر. وقال: جئني ببقيته، ففعلت وجئت بورق وكاغد فكتب لي، فهذا خطه. [الحلية (تهذيبه) 3/ 142]. * وعن محمد بن موسى بن حماد اليزيدي قال: حمل إلى الحسن بن عبد العزيز الجروي ميراثه من مصر مائة ألف دينار، فحمل إلى أحمد بن حنبل رحمه الله ثلاثة أكياس، في كل كيس ألف دينار، فقال: يا أبا عبد الله، هذه من ميراث حلال فخذها واستعن بها على عيلتك، قال: لا حاجة لي بها أنا في كفاية فردها ولم يقبل منها شيئًا. [الحلية (تهذيبه) 3/ 142]. * وعن عبد الله بن أحمد بن حنبل رحمه الله قال: مكث أبي بالعسكر عند الخليفة ستة عشر يومًا، ما ذاق إلا مقدار ربع سويق، كل ليلة كان يشرب شربة ماء، وفي كل ثلاث ليال يستف حفنة من السويق، فرجع إلى البيت ولم ترجع إليه نفسه إلا بعد ستة أشهر، ورأيت موقيه دخلتا في حدقتيه. [الحلية (تهذيبه) 3/ 143]. * وعن إسحاق بن موسى الأنصاري. قال: دفع إليّ المأمون مالًا أقسمه على أصحاب الحديث، فإن فيهم ضعفاء، فما بقي منهم أحد إلا أخذ إلا أحمد بن حنبل رحمه الله فإنه أبى. [الحلية (تهذيبه) 3/ 144]. * وقال ابن عقيل رحمه الله: كان الوزير أبو شجاع رحمه الله كثير البر للخلق، كثير التلطف بهم، فقدم من الحج وقد اتفق نفور العوام نفورًا أريقت فيها الدماء، وانبسطوا حتى هجموا على الديوان، وبطشوا بالأبواب والستور، فخرج من الخليفة إنكار عليه، وأمره أن يلبس أخلاق السياسة لتنحسم مادة الفساد، فأدَّب وضرب وبطش، فانبسطت فيه الألسنة بأنواع التهم، حتى قال قوم: ها هو إسماعيلي، وهبط عندهم ما تقدم من إحسانه. قال ابن عقيل: فقلت لنفسي: أفلسي من الناس كل الإفلاس، ولا تثقي بهم، فمن يقدر على إحسان هذا إليهم وهذه أقوالهم عنه. [المنتظم 17/ 25].

(جـ) أقوال بعض السلف في تفضيل مخالطة الناس، وتوجيههم لمن خالطهم

(جـ) أقوال بعض السلف في تفضيل مخالطة الناس، وتوجيههم لمن خالطهم: * قال وهيب: جاء رجل إلى وهب بن منبه رحمه الله فقال: إن الناس قد وقعوا فيما وقعوا فيه، وقد حدثت نفسي أن لا أخالطهم، فقال: لا تفعل فإنه لا بد للناس منك، ولا بد لك من الناس، لهم إليك حوايج، ولك إليهم حوايج، ولكن كن فيهم أصم سميعًا، وأعمى بصيرًا وسكوتًا نطوقًا. [الحلية (تهذيبه) 3/ 32]. * وعن عمر بن عبد الرحمن قال: ذكروا عند وهب بن منبه رحمه الله عبادة بني إسرائيل وسياحتهم قال: فقال وهب رحمه الله: من خالط الناس فورع وصبر على آذاهم كان أفضل عندي. [الزهد للإمام أحمد / 617]. * وقال الشافعيُّ رحمه الله: الانْقباضُ عن الناس مكسبَةٌ للعداوةِ، والانبساطُ إليهم مَجلَبةٌ لقُرناء السوء، فكُن بين المنقبض والمنبسط. [السير (تهذيبه) 2/ 853].

حال السلف عند الموت أ - قصص وأخبار: * لما احتُضر أبو بكر - رضي الله عنه - جاءت عائشة فتمثَّلت بهذا البيت: لعمرك ما يُغني الثراء عن الفتى ... إذا حشرجت يوما وضاق به الصدر فكشف عن وجهه، فقال: ليس كذاك، ولكن قولي: {وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق: 19] انظروا ثوبي هذين فاغسلوهما، وكفنوني فيهما، فإن الحي أحوج إلى الجديد من الميت. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 312]. * وعن عائشة أنها قالت - وأبو بكر - رضي الله عنه - يقضي -: وأبيض يُستسقى الغمام بوجهه ... ربيع اليتامى عصمةٌ للأرامل فقال أبو بكر - رضي الله عنه -: ذاك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 312]. * ودخلوا على أبي بكر في مرضه فقالوا: يا خليفة رسول الله ألا ندعو لك طبيبا ينظر إليك؟ قال: قد نظر إلي، قالوا: ما قال؟ قال: إني فعال لما أريد. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 312]. * وعن ابن عمر قال: كان رأس عمر - رضي الله عنه - على فخذي في مرضه الذي مات فيه. فقال لي: ضع رأسي على الأرض، قال: فقلت: وما عليك كان على فخذي أم على الأرض؟ قال: ضعه على الأرض، قال: فوضعته على الأرض، فقال: ويلي وويل أمي إن لم يرحمني ربي. [الحلية (تهذيبه) 1/ 72، موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 401]. * وعن عثمان بن عفان قال: دخلت على عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حين طعن، ورأيته في التراب، فذهبت أرفعه، فقال: دعني، ويلي وويل أمي إن لم يغفر لي، وويلي وويل أمي إن لم يغفر لي. [الزهد للإمام أحمد / 238].

* وعن زياد مولى ابن عباس، قال: حدَّثني من دخل على حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - في مرضه الذي مات فيه، فقال: لولا أني أرى هذا اليوم آخر يوم من أيام الدنيا وأول يوم من أيام الآخرة لم أتكلم به، اللهم إنك تعلم أني كنت أحب الفقر على الغنى، وأحب الذلة على العز، وأحب الموت على الحياة، حبيب جاء على فاقة، لا أفلح من ندم، ثم مات رحمه الله [المنتظم 5/ 106]. * وعن سلم بن بشير بن حجل قال: بكى أبو هريرة - رضي الله عنه - في مرضه، فقيل له: ما يبكيك يا أبا هريرة؟ قال: أما إني ما أبكي على دنياكم هذه، ولكني أبكي لبعد سفري، وقلة زادي، وإني أصبحت في صعود مهبطه على جنة ونار، فلا أدري أيهما يُسْلك بي. [المنتظم 5/ 315]. * وعن عمر بن قيس عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال، لما حضره الموت قال: انظروا أصبحنا؟ قال: فأتي فقيل: لم نصبح حتى أتي في بعض ذلك فقيل له: قد أصبحت. فقال: أعوذ بالله من ليلة صباحها النار، مرحبًا بالموت مرحبًا، زائر مُغَيَّب، حبيب جاء على فاقة، اللهم إني قد كنت أخافك، وأنا اليوم أرجوك، إنك لتعلم أني لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فيها لِكَرْي الأنهار، ولا لغرس الأشجار ولكن لظمأ الهواجر، ومكابدة الساعات، ومزاحمة العلماء بالرُكَب عند حِلَق الذِكر. [صفة الصفوة 1/ 234]. * وقالت أُمُّ الدرداء: لما احتُضر أبو الدرداء - رضي الله عنه - جعل يقول: مَن يَعملُ لمثل يومي هذا؟ من يعملُ لمثل مضجعي هذا؟. [السير (تهذيبه) 1/ 305]. * عن موسى الطلحي، قال: اجتهد أبو موسى الأشعريُّ - رضي الله عنه - قبل موته اجتهادًا شديدًا، فقيل له: لو أمسكت ورفقتَ بنفسك؟ قال: إنَّ الخيل إذا أُرسِلَت فقاربت رأس مَجراها، أَخْرَجَتْ جميعَ ما عندها، والَّذي بقي من أَجَلي أقلُّ من ذلك. [السير (تهذيبه) 1/ 281]. * وعن الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب قال: دعا أبو موسى الأشعري رضى الله عنه فتيانه حين حضرته الوفاة، فقال: اذهبوا واحفروا وأوسعوا، وأعمقوا فجاؤوا فقالوا: قد حفرنا وأوسعنا وأعمقنا. فقال: والله؛ إنها لإحدى المنزلتين، إما ليوسعن علي قبري حتى تكون كل زاوية منه أربعين

ذراعا، ثم ليفتحن لي باب إلى الجنة فلأنظرن إلى أزواجي ومنازلي وما أعد الله تعالى لي من الكرامة ثم لأكونن أهدى إلى منزلي مني اليوم إلى بيتي، ثم ليصيبني من ريحها وروحها حتى أبعث. ولئن كانت الأخرى - ونعوذ بالله منها - ليضيقن علي قبري حتى يكون في أضيق من القناة في الزج، ثم يفتحن لي باب من أبواب جهنم، فلأنظرن إلى سلاسلي وأغلالي وقرنائي، ثم لأكونن إلى مقعدي من جهنم أهدى مني اليوم إلى بيتي، ثم ليصيبني من سمومها وحميمها حتى أبعث. [الحلية (تهذيبه) 1/ 201]. * وقال عمرُو بنُ العاص - رضي الله عنه -: عجبًا لمن نزلَ به الموتُ، وعقلُه معه كيف لا يصفُه؟ فلما نزلَ به الموتُ، ذكَّره ابنُه بقوله، وقال: صِفْهُ. قال: يا بُنَيَّ! الموت أجلُّ من أن يُوصف، ولكني سأصفُ لك، أجدني كأن جبال رضْوى على عُنُقي، وكأن في جوفي الشوك، وأجدني كأن نفَسِي يخرجُ من إبرة. [السير (تهذيبه) 1/ 337]. * وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن أباه قال حيث احتُضر: اللهم أمرتنا بأمور، ونهيت عن أمور، فتركنا كثيرا مما أمرت، ووقعنا في كثير مما نهيت، اللهم لا إله إلا أنت، ثم أخذ بإبهامه، فلم يزل يهلل حتى فاض. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 368]. * ولما حضرت معاويةَ - رضي الله عنه - الوفاةُ جعلوا يديرونه في القصر فقال: هل بلغنا الخضراء؟ فصرخت ابنته رملة! فقال: ما أصرخك؟ قالت: نحن ندوِّر بك في الخضراء، وتقول هل بلغت الخضراء بعد؟ فقال: إن عزُب عقل أبيك فطالما وقَر. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 319]. * وعن محمد بن عقبة قال: لما نزل بمعاوية - رضي الله عنه - الموت قال: ليتني كنت رجلا من قريش بذي طِوى، وأني لم آلِ من هذا الأمر شيئًا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 321]. * وقال بلال - رضي الله عنه - حين حضرته الوفاة: غدا نلقي الأحبة محمدا وحزبَه، وتقول امرأته: واويلاه، يقول: وافرحاه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 371]. * وبكى سلمان الفارسي - رضي الله عنه - عند الموت فقيل: ما يبكيك؟ قال: ما

أبكي ضنًّا بدنياكم، ولا جزعًا من الموت، ولكن قلةُ الزاد، وبعد المفاز. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 378]. * ولما أن حضر الحسن بن علي - رضي الله عنه - الموتُ بكى بكاء شديدا، فقال له الحسين: ما يبكيك يا أخي؟ وإنما تقدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى علي وفاطمة وخديجة، وهم ولدوك، وقد أجرى الله لك على لسان نبيه أنك سيد شباب أهل الجنة، وقاسمت الله مالك ثلاث مرات، ومشيت إلى بيت الله على قدميك خمس عشرة مرة حاجأ؟، وإنما أراد أن يطيب نفسه، فو الله ما زاده إلا بكاء وانتحابًا، وقال: يا أخي إني أقدم على أمر عظيم، وهول لم أقْدَم على مثله قط!. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 359]. * وعن رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنه، أنه لما حضره الموت بكى، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: أما إني لا أبكي على الدنيا، ولكني أبكي أني أخاف أن أكون كنت أقول قولا أحسبه هينا، وهو عند الله عظيم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 376]. * وعن عمران الخياط أنه قال: دخلنا على إبراهيم النخعي رحمه الله نعوده وهو يبكي، فقلنا: ما يبكيك؟ قال: أنتظر مَلك الموت، لا أدري يبشرني بالجنة أم بالنار. [المنتظم 7/ 22، موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 339]. * ولمَّا احتُضِر عامر بن عبد القيس رحمه الله بكى، فقيل: ما يُبكيك؟ قال: ما أبكي جَزعاَ من المَوت، ولا حِرصًا على الدُّنيا، ولكن أبكي على ظمأ الهواجِر، وقيام اللَّيل. [السير (تهذيبه) 1/ 434]. * وكان الأسودُ بن يزيد النخعي رحمه الله يجتهد في العبادة، ويصومُ حتى يخضَرَّ ويصفرَّ، فلما احتُضِر بكى، فقيل له: ما هذا الجَزَعُ؟ فقال: مالي لا أجزعُ، والله لو أُتِيتُ بالمغفرةِ من الله لأهمَّني الحياءُ منه ممَّا قد صنعْتُ، إن الرجل ليكون بينَهُ وبين آخرَ الذَّنبُ الصغير فيعفو عنه، فلا يزال مستحيًا منه. [السير (تهذيبه) 1/ 440]. * عن محمد بن سلام قال: احتضر سيبويه النحوي رحمه الله، فوضع رأسه في حجر أخيه، فقطرت قطرة من دموع أخيه على خده، فأفاق من غشيه، فقال:

أُخَيَّين كنا فرق الدهر بيننا ... إلى الأمد الأقصى فمن يأمنُ الدهرا [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 429]. * وعن محمد بن المنكدر رحمه الله: أنه جزع عند الموت، فقيل له: لم تجزع؟ قال: أخشى آيةً من كتاب الله - عزَّ وجلَّ - قال الله - عزَّ وجلَّ -: {وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر: 47] فإني أخشى أن يبدو لي من الله ما لم أكن أحتسب. [صفة الصفوة 2/ 481]. * وكان ابن عون رحمه الله يقول عند الموت: السنّة، السنّة، وإيّاكم والبدع، حتى مات. [شرح السنة / 126 - 129]. * وعن محمد بن ثابت البناني رحمه الله قال: ذهبت ألقن أبي وهو في الموت لا إله إلا الله فقال: يا بني دعني فإني في وردي السادس أو السابع. [الحلية (تهذيبه) 1/ 405]. * وعن محمد بن مصرف قال: دخلنا على أبي حازم رحمه الله الأعرج لما حضره الموت، فقلنا: يا أبا حازم كيف تجدك؟ قال: أجدني بخير، راجيا لله - عزَّ وجلَّ - حسنَ الظن به، إنه والله ما يستوي من غدا أو راح يعمر عُقَد الآخرة فيقدِّمها أمامه قبل أن ينزل به الموت، حتى يقدم عليها، فيقوم لها وتقوم له، ومن غدا وراح في عقد الدنيا يعمرها لغيره إلى الآخرة لا حظ له ولا نصيب. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 117، 118]. * ولما حضره الموت قال: ما أتينا على شيء من الدنيا إلا على ذكر الله، وإن كان هذا الليل والنهار لا يأتيان على شيء إلا أخلقاه، وفي الموت راحة للمؤمنين، ثم قرأ: {وَما عِنْدَ اللهِ خيْر للأَبْرَارِ} [آل عمران: 198]. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 340]. * وعن حماد بن سعيد قال: لما حضر أبا عطية رحمه الله الموت جزع منه، فقالوا له: أتجزع من الموت؟ قال: مالي لا أجزع وإنما هي ساعة ثم لا أدري أين يُسلك بي. [الحلية (تهذيبه) 2/ 172]. * وعن محمد بن قدامة قال: لما احتضر بشر بن منصور رحمه الله قيل له:

أوص بدَيْنك، قال: أنا أرجو ربي لذنبي، أفلا أرجوه لديني؟ فلما مات قضى عنه دينه بعض إخوانه. [الحلية (تهذيبه) 2/ 331]. * وعن عبد الرحمن بن مهدي قال: مات سفيان الثوري رحمه الله عندي، فلما اشتد به جعل يبكي، فقال له رجل: يا أبا عبد الله أراك كثير الذنوب؟ فرفع شيئًا من الأرض فقال: والله لذنوبي أهون عندي من ذا، إني أخاف أن أسلب الإيمان قبل أن أموت. [الحلية (تهذيبه) 2/ 378]. * وعن يحيى بن آدم قال: لما حضرت مسعرًا رحمه الله الوفاة، دخل عليه سفيان الثوري، فوجده جزعًا، فقال له: لم تجزع؟ فوالله لوددت أني مت الساعة. فقال مسعر: أقعدوني فأعاد عليه سفيان الكلام فقال: إنك إذًا لواثق بعملك يا سفيان، لكني والله لكأني على شاهق جبل، لا أدري أين أهبط، فبكى سفيان فقال: أنت أخوف لله - عزَّ وجلَّ - مني. [الحلية (تهذيبه) 2/ 420]. * وعن أبي عمران الجوني قال: أوصاني أبو الجلد رحمه الله أن ألقنه لا إله إلا الله، فكنت عند رأسه، وقد أخذه كرب الموت، فجعلت أقول: يا أبا الجلد قل: لا إله إلا الله، فقال: لا إله إلا الله، بها أرجو نجاة نفسي، لا إله إلا الله، ثم قبض. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 305]. * وقالت فاطمة بن عبد الملك امرأة عمر بن عبد العزيز رحمه الله: كنت أسمع عمر في مرضه الذي مات فيه يقول: اللهم أَخْف عليهم موتي ولو ساعة من نهار، فلما كان اليوم الذي قبض فيه، خرجت من عنده فجلست في بيتٍ آخر، بيني وبينه باب، وهو في قبَّةٍ له، فسمعته يقول: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص: 83] ثم هدأ، فجعلت لا أسمع له حركة ولا كلاما، فقلت لوصيف كان يخدمه: ويلك! انظر أمير المؤمنين أنائم هو؟ فلما دخل عليه صاح! فوثبت، فدخلت، فإذا هو ميت، قد استقبل القبلة، وأغمض نفسه، ووضع إحدى يديه على فيه، والأخرى على عينيه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 325]. * ولما احتضر الربيع بن خثيم رحمه الله بكت ابنته، فقال: يا بنية لا تبكيه ولكن قولي: يا بشرى اليوم، لقي أبي الخير.

فقيل له: ألا ندعو لك طبيبا؟ فقال: انظروا، ثم تفكَّر فقال: {وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا} [الفرقان: 38] فذكر من حرصهم على الدنيا ورغبتهم فيها، كانت فيهم مرضى، وكانت فيهم أطباء، فما أرى المداوي بقي، ولا المتداوى، هلك الناعت، والمنعوت له!. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 338، 339]. * وعن محمد بن ثابت البناني رحمه الله قال: ذهبت ألقن أبي عند الموت فقال: يا بني خل عني، فإني في وردي السابع، كأنه يقرأ ونفسه تخرج. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 342]. * وعن قتادة: أن عامر بن عبد الله رحمه الله لما حضر جعل يبكي فقيل له: ما يبكيك؟ قال: ما أبكي جزعا من الموت، ولا حرصا على الدنيا، ولكن أبكي على ظمأ الهواجر وقيام ليالي الشتاء. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 345]. * وقال محمد بن واسع رحمه الله وهو في الموت: يا إخوتاه! تدرون أين يُذهب بي؟ يُذهب بي والله الذي لا إله إلا هو إلى النار، أو يعفو عني!. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 346]. * وعن يونس بن عبيد قال: دخلنا على محمد بن واسع رحمه الله نعوده فقال: وما يُغني عني ما يقول الناس إذ أُخذ بيدي ورجلي فأُلقيت في النار؟. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 346]. * ودخلوا على مالك بن دينار رحمه الله وهو في الموت، فجعل يقول: لمثل هذا اليوم كان دُؤوب أبي يحيى. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 346]. * وعن حزم قال: دخلنا على مالك بن دينار رحمه الله في مرضه الذي مات فيه، وهو يَكيدُ بنفسه، فرفع رأسه إلى السماء ثم قال: اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب البقاء في الدنيا لبطن ولا لفرج. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 371]. * وحضرت الوفاةُ رجلا من عِلْيَة هذه الأمة، فجزع جزعا شديدا، وبكى بكاء كثيرا، فقيل له في ذلك فقال: ما أبكي إلا على أن يصوم الصائمون لله ولست فيهم، ويصلي له المصلون ولست فيهم، ويذكر الذاكرون ولست فيهم، فذاك الذي أبكاني. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 348].

* ولما احتضر عبد الرحمن بن الأسود رحمه الله بكى، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: أسفًا على الصوم والصلاة، ولم يزل يقرأ القرآن حتى مات. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 348]. وكان مفضَّل بن يونس رحمه الله إذا جاء الليل قال: ذهب من عمري يوم كامل، فإذا أصبح قال: ذهبت ليلة كاملة من عمري، فلما احتضر بكى وقال: قد كنت أعلم أن لي من كرَّكُما علي يوما شديدا كربه، شديدا غُصَصه، شديدا غمه، فلا إله إلا الذي قضى الموتَ على خلقه، وميزه عدلا بين عباده، ثم جعل يقرأ: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} [الملك: 2] ثم تنفس فخرجت نفسه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 349]. * ولما احتُضر أبو عمران الجوني رحمه الله جعل يبكي فقيل له: ما يبكيك رحمك الله؟ قال: ذكرت والله تفريطي فبكيت. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 349]. * ولما حضر أبا عطية رحمه الله الموتُ جَزع منه، فقيل له: أتجزع من الموت؟ فقال: وما لي لا أجزع! وإنما هي ساعة، ثم لا أدري أين يسلك بي؟. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 350]. * وعن غاضرة بن قرهد قال: دخلنا على حسان بن أبي سنان رحمه الله، وقد حضره الموت، وقال له بعض إخوانه: كيف تجدك؟ قال: أجدني بحال الموت، قالوا: أفتجد له أبا عبد الله كربًا شديدًا؟ فبكى ثم قال: إن ذاك، ثم قال: ينبغي للمؤمن أن يسليه عن كرب الموت وألمه: ما يرجو من السرور في لقاء الله. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 350]. * وحضرَ الموتُ رجلا من الصالحين رحمه الله، فبكى فقيل له: علام تبكي، فإنما هي الدنيا التي تعرفها!، فقال: ليس عليها أبكي، ولكني والله أبكي على فراق الذكر ومجالس أهله. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 350]. * وعن حاتم بن سليمان قال: دخلنا على عبد العزيز بن سليمان رحمه الله وهو يجود بنفسه، فقلت: كيف تجدك؟ قال: أجدني أموت، فقال له بعض إخوانه: على أية حال رحمك الله؟ فبكى ثم قال: ما نُعوِّل إلا على حسن الظن بالله، قال: فما خرجنا من عنده حتى مات. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 351].

* وبكى الأعمش رحمه الله عند موته فقيل له: يا أبا محمد وأنت تبكي عند الموت؟ قال: وما يمنعني من البكاء وأنا أعلم بنفسي؟!. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 352]. * وعن محمد بن قيس: أن رجلًا من أهل المدينة نزل به الموت فجزع فقيل له: أتجزع؟ فقال: ولم لا أجزع؟ فوالله إن كان رسولُ أمير المدينة لَيأتيني فأفزع لذلك، فكيف برسول رب العالمين؟!. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 354]. * وعن ابن أبي حازم قال: لما نَزل بعبد الله بن عامر رحمه الله الموتُ بكى فاشتد بكاؤه، فأرسل أهله إلى أبي حازم: أن أخاك قد جزع عند الموت، فأته فعزِّه وصبِّره، قال ابن أبي حازم: فأتيته مع أبي، فقال له أبي: يا عامر ما الذي يُبكيك؟ فو الله ما بينك وبين أن ترى السرور إلا فراق هذه الدنيا، وإن الذي تبكي منه للَّذي كنت تدأب له وتنصب، فأخذ عامر بجلدة ذراعه، ثم قال: يا أبا حازم ما صبْر هذه الجلدة على نار جهنم؟ فخرج أبي يبكي لكلامه، وأذن لصلاة الظهر، فقام يريد المسجد، فسقط وتوفي وهو صائم ما أفطر. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 357]. * وقال عطاء السليمي رحمه الله عند الموت: اللهم ارحم في الدنيا غُربتي، وارحم عند الموت صَرعتي، وارحم في القبر وَحدتي، وارحم مقامي بين يديك يوم النشور. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 359]. * ومرض جليس للحسن رحمه الله، فسأل عنه فقيل: مريض وقد أحب أن تأتيه، فأتاه فدخل عليه، وإذا الرجل لما به فقال: إن أمرا يصير إلى هذا لأهلٌ أن يزهد فيه، ثم قال: إن أمرا أهونه هذا لأهل أن يُتقى. فلما جدَّ به قالت ابنته: يا أبتاه مثل يومك لم أر، فقال لها الحسن: كُفِّي، بلى مثل يومه لم ير. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 360]. * وعن ثابت قال: دخلت أنا والحسن على صفوان بن محرز رحمه الله نعوده وهو ثقيل، فقال: إنه من كان في مثل حالي ملأت الآخرة قلبه، وكانت الدنيا أصغر في عينه من الذباب. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 370].

* وعن أزهر قال: دخلنا على جعفر بن سليمان رحمه الله نعوده في مرضه، فقال: ما أكره لقاء ربي. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 370]. * وبكى عامر رحمه الله عند الموت فقيل: ما يبكيك؟ قال: مفازة تقطع عنق من قطعها بغير زاد. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 371]. * وعن جعفر قال: شهدت أبا عمران الجوني رحمه الله وهو في الموت، قال: فدخل عليه أيوب السختياني فقال لابنه: لقن أباك: لا إله إلا الله، فقال أبو عمران لابنه: ما يقول؟ قال: يقول: لقن أباك، فقال أبو عمران: يا أيوب إنها أمامي لا أعرف غيرها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 372]. * واحتُضر رجل من جهينة رحمه الله، فأتاه جيرانه وإخوانه، فنظر إليهم حوله فاغرورقت عيناه، ثم قال: غدًا يكثر الباكون منا ومنكم ... وتزداد داري من دياركم بعدًا [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 373]. * وعن إسحاق بن السري قال: دخلنا على عبد الله بن يعقوب رحمه الله في اليوم الذي مات فيه وعنده متطبب ينعت له دواء فقال عبد الله متمثلًا: إن عيشًا يكون آخره الموتُ ... لعيشٌ معجَّلُ التنغيص ومات من يومه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 373]. * وأشرف أحمد بن يوسف رحمه الله وهو بالموت على بستان له، على شاطئ دجلة، فجعل يتأمله ويتأمل دجلة، ثم تنفس، وقال متمثلا: ما أطيب العيشَ لولا موت صاحبه ... ففيه ما شئتَ من عيبٍ لعائبه فما أُنزل حتى مات. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 373]. * ودخلوا على ورقاء بن عمر رحمه الله وهو في الموت فجعل يهلل ويكبر ويذكر الله، وجعل الناس يدخلون عليه أرسالا يسلمون فيرد عليهم ويخرجون، فلما كثروا عليه أقبل على ابنه فقال: يا بني اكفني رد السلام على هؤلاء، لا يشغلوني عن ربي. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 374].

* وعن سيار بن سلامة قال: دخلت على أبي العالية رحمه الله في مرضه الذي مات فيه، فقال: إن أحبَّه إلي أحبُّه إلى الله. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 374]. * وعن جعفر قال: دخلنا على أبي التيَّاح الضبعي رحمه الله نعوده في مرضه الذي مات فيه فقال: والله إنْ كان لينبغي للرجل المسلم اليوم أن يزيده ما يرى في الناس من التهاون بأمر الله أن يزيده ذلك لله جدا واجتهادا، ثم بكى. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 374]. * وعن مالك بن أنس قال: كان عمر بن حسين رحمه الله من أهل الفضل والفقه والمشورة في الأمور والعبادة، وكانت القضاة تستشيره، قال مالك: ولقد أخبرني من حضره عند الموت فسمعه يقول: ... {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ} [الصافات: 61] فقيل لمالك: أتراه قال هذا لشيء عاينه؟ قال: نعم!. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 376]. * ودُخِل على رجل وهو في الموت، فقيل له: كيف تجدك؟ قال: بعدُ لم يُكشف الغطاء. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 380]. * وعن جبلة بن جرير قال: دخلت على زهير البابي رحمه الله في مرضه فقلت: كيف تجدك؟ قال: أجدني لا أمتنع مما أكره، ولا أقدر أن آتي ما أحب!. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 385]. * وعن عبد العزيز بن أبي رواد قال: دخلت على المغيرة بن حكيم رحمه الله في مرضه الذي مات فيه، فقلت: أوصني، فقال: اعمل لهذا المضجع. [الحلية (تهذيبه) 3/ 43، موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 369]. * وعن أبي بكر النيسابوري قال: حضرت إبراهيم بن هانئ عند وفاته، فقال لابنه إسحاق: أنا عطشان، فجاءه بماء، فقال: غابت الشمس؟ قال: لا. قال: فرَدّه. ثم قال: لمثل هذا فليعمل العاملون، ثم خرجت روحه. [المنتظم 12/ 198]. * وقال عبد الله بن عبد العزيز العمري رحمه الله عند موته: نعمة ربي أحدث: أني لم أصبح أملك على الناس إلا سبعة دراهم، ملكتها يدي، ونعمة

ربي أحدِّث: لو أن الدنيا أصبحت تحت قدمي لا يمنعني من أخذها إلا أن أزيل قدمي، ما أزلتها. [الحلية (تهذيبه) 3/ 71]. * وعن عبد الله الرازي قال: لما تغير الحال على أبي عثمان الحيري رحمه الله وقت وفاته مزق ابنه أبو بكر قميصًا كان عليه، ففتح أبو عثمان عينيه وقال: يا بني خلاف السنة في الظاهر، رياءٌ باطنٌ في القلب. [الحلية (تهذيبه) 3/ 364]. * وعن أبي محمد الحريري أنه قال: كنت واقفًا على رأس الجُنَيد رحمه الله وقت وفاته وهو يقرأ القرآن، فقلت: يا أبا القاسم أرفق بنفسك، فقال: يا أبا محمد ما رأيت أحدًا أحوج إليه مني في هذا الوقت وهو يطوي صحيفتي. [المنتظم 13/ 119]. * وقال ابن الجوزي رحمه الله: حدثني أبو عبد الله محمد بن الحسين التكريتي الصوفي قال: أسندته - أي عبد الأول بن عيسى الهروي رحمه الله - إلي فمات فكان آخر كلمة قالها: {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} [يس: 26، 27]. ومات. [المنتظم 18/ 127]. * وعن محمد بن حامد قال: كنت جالسًا عند أحمد بن خضرويه رحمه الله وهو في النزع، وكان قد أتى عليه خمس وتسعون سنة فسئل عن مسألة، فدمعت عيناه وقال: يا بني، باب كنت أدقه خمسًا وتسعين سنة هو ذا يفتح لي الساعة، لا أدري أيفتح لي بالسعادة أو بالشقاوة، أنى لي أوان الجواب. وكان ركبه من الدَّين سبعمائة دينار، وحضره غرماؤه فنظر إليهم وقال: اللهم إنك جعلت الرهون وثيقة لأرباب الأموال وأنت تأخذ عنهم وثيقتهم، فأدِّ عَنِّي. قال: فدق داق الباب، وقال: هذه دار أحمد بن خضرويه؟ فقالوا: نعم. قال: أين غرماؤه؟ قال: فخرجوا فقضى عنه، ثم خرجت روحه. [المنتظم 11/ 276]. * وعن أبي الحسين بن الفضل القطان قال: حضرت أبا بكر النقاش رحمه الله وهو يجود بنفسه، فجعل يحرك شفتيه بشيء لا أعلم ما هو، ثم نادى بعلو صوته: {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ} [الصافات: 61] يرددها ثلاثًا، ثم خرجت نفسه. [المنتظم 144/ 148، 149].

* وقال ابن الجوزي رحمه الله: حدثني شيخنا أبو الفضل بن ناصر عن عبدا لله بن إبراهيم الخبري رحمه الله، قال: كان يكتب المصاحف فبينا هو يومًا قاعدًا مستندًا يكتب وضع القلم من يده واستند، وقال: والله إن كان هذا موتًا فهذا موت طيب ثم مات. [المنتظم 17/ 34]. * وعن محمد بن إبراهيم قال: حضرت وفاة الشبلي رحمه الله فأمسك لسانه وعرق جبينه، فأشار إلى وضوء الصلاة فوضأته ونسيت التخليل، تخليل لحيته، فقبض على يدي وأدخل أصابعي في لحيته يخللها، فبكيت وقلت: أي شيء يتهيأ أن يقال لرجل لم يذهب عليه تخليل لحيته في الوضوء عند نزوع روحه وإمساك لسانه وعرق جبينه؟. [الحلية (تهذيبه) 3/ 461]. * وقال ابن أبي الدنيا: حدثني محمد بن بشر النهشلي قال: دخلنا على أبي بكر النهشلي رحمه الله وهو في الموت، وهو يومئ برأسه يرفعه ويضعه، وكأنه يصلي. فقال له بعض أصحابه: في مثل هذه الحال رحمك الله؟ قال: إني أبادر طي الصحيفة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 42]. * ومرض داود الطائي رحمه الله فسأله رجل عن حديث، فقال: دعني، فإني إنما أبادر بخروج نفسي. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 3]. ب - أهمية تذكر الموت والاستعداد له: * قالت صفية بنت عمر رضي الله عنهما: إن امرأة اشتكت إلى عائشة - رضي الله عنها - قساوة القلب، فقالت: أكثري من ذكر الموت يرق قلبك، ففعلت، فرق قلبها، فجاءت تشكر عائشة رضي الله عنها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 442]. * وقال راشد ين سعد: جاء رجل إلى أبي الدرداء - رضي الله عنه - فقال: أوصني، قال: اذكر الله في السراء والضراء، وإذا ذكرت الموتى فاجعل نفسك كأحدهم، وإذا أشرفت نفسك على شيء من الدنيا، فانظر إلى ما تصير. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 513]. * وقال أبو الدرداء - رضي الله عنه -: ما أكثر عبد ذكر الموت، إلا قل فرحه وقل حسده. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 514].

* وخرج أبو الدرداء - رضي الله عنه - إلى جنازة، وأتى أهل بيت الميت يبكون عليه، فقال: مساكين، موتى غدٍ يبكون على ميت اليوم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 578]. * وروي عن سعيد بن جبير رحمه الله أنه قال: لو فارقَ ذِكر الموتِ قلبي، لخِشيتُ أن يفسد عليَّ قلبي. [السير (تهذيبه) 2/ 506]. * وقال مطرّف بن الشخير رحمه الله: إن هذا الموت قد أفسد على أهل النعيم نعيمهم، فاطلبوا نعيمًا لا موتَ فيه. [صفة الصفوة 3/ 159]. * وقال أيضًا: لو علمت متى أجلي لخشيت على ذهاب عقْلي، ولكن الله منّ على عباده بالغفلة عن الموت، ولولا الغفلة ما تهنَّأوا بعيشٍ، ولا قامت بينهم الأسواق. [صفة الصفوة 2/ 159]. * وعن رجاء بن حيوة رحمه الله قال: ما أكثر عبدٌ ذكر الموت إلا ترك الفرح والحسد. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 429]. * ونظر أبو مطيع رحمه الله يومًا إلى داره، فأعجبه حسنها، فبكى ثم قال: والله لولا الموت لكنت بكِ مسرورًا، ولولا ما نصير إليه من ضيق القبور لقرت بالدنيا أعيننا، ثم بكى بكاءً شديدًا، حتى ارتفع صوته. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 432]. * وقال عنبسة بن سعيد: دخلت على عمر بن عبد العزيز رحمه الله أودعه، فلما ودَّعته وانصرفت ناداني: يا عنبسة، مرتين، فأقبلت عليه. فقال: أكثر من ذكر الموت، فإنك لا تكن في واسع من الأمر إلا ضيَّقه عليك، ولا تكن في ضيق من الأمر إلا وسَّعه عليك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 132]. * وعن عبد الله بن المبارك: أن عمر بن عبد العزيز رحمه الله عُزي على ابنه عبد الملك، فقال: إن الموت أمرٌ كنّا وطّنّا أنفسنا عليه، فلما وقع لم نستنكره. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 410].

* وقال الشاعر: [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 418]. اغتنم في الفراغ فضلَ ركوع ... فعسى أن يكون موتُك بغتة كم صحيح رأيتُ من غير سُقْم ... ذَهَبَتْ نفسُه الصحيحةُ فلتة * وكتب عمر بن عبد العزيز رحمه الله إلى بعض أهل بيته: أما بعد، فإنك إن استشعرت ذكر الموت في ليلك أو نهارك بغض إليك كل فانٍ، وحبب إليك كل باق، والسلام. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 573]. * وقال يزيد الرقاشي رحمه الله لما حضره الموت: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 185] ألا إن الأعمال محظورة، والأجور مكملة، ولكل ساع ما يسعى، وغاية الدنيا وأهلها إلى الموت، ثم بكى وقال: يا من القبر مسكنه، وبين يدي الله موقفه، والنار غدا مورده، ماذا قدمت لنفسك؟ ماذا أعددت لمصرعك؟ ماذا أعددت لوقوفك بين يدي ربك؟ ثم بكى، فقيل له: ما يبكيك رحمك الله؟ قال: أبكي والله على ما يفوتني من قيام الليل وصيام النهار، ثم بكى وقال: من يصلي لك يا يزيد؟ ومن يصوم؟ ومن يتقرب لك إلى الله بالأعمال بعدك؟ ومن يتوب لك إليه من الذنوب السالفة؟ ويحكم يا أخوتاه لا تغترن بشبابكم، فكأنْ قد حل بكم ما حل بي من عظيم الأمر، وشدة كرب الموت، النجاء النجاء، الحذر الحذر، يا إخوتاه المبادرة رحمكم الله. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 347]. * وقال مالك بن دينار رحمه الله: عجبًا لِمَن يعلم أن الموت مَصيره، والقبر مورده، كيف تقرُّ بالدنيا عينُه؟ وكيف يطيب فيها عيشه؟ ثم يبكي. [صفة الصفوة 3/ 198]. * وعن إدريس بن يزيد الأودي قال: دخلنا على عطية رحمه الله وهو يجود بنفسه، فقلنا: كيف تجدك رحمك الله؟ فدمعت عيناه، وقال: أجدني والله إلى الآخرة أقرب مني إلى الدنيا، فمن استطاع منكم أن يعمل لمثل هذا الصرعة فليفعل. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 348].

* وعن عبد الواحد بن صفوان قال: كنا مع الحسن رحمه الله في جنازة، فقال: رحم الله امرءا عمل لمثل هذا اليوم، إنكم اليوم تقدرون على ما لا يقدر عليه إخوانكم هؤلاء من أهل القبور، فاغتنموا الصحة والفراغ قبل يوم الفزع والحساب. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 14]. * وعن مالك بن دينار قال: كنا مع الحسن رحمه الله في جنازة، فسمع رجلًا يقول لآخر: من هذا الميت؟ فقال الحسن: هذا أنا وأنت رحمك الله، أنتم محبوسون على آخرنا حتى يلحق آخرنا بأولهم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 578]. * وعن عبد العزيز بن أبي رواد قال: دخلت على المغيرة بن حكيم رحمه الله في مرضه الذي مات فيه، فقلت: أوصني، فقال: اعمل لهذا المضجع. [الحلية (تهذيبه) 3/ 43]. جـ - ما قيل في الموت ورهبته: * عن ابن أبي مليكة أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال لكعب الأحبار - رضي الله عنه -: أخبرني عن الموت فقال: يا أمير المؤمنين هو مثل شجرة كثيرة الشوك في جوف ابن آدم، وليس منه عرق ولا مفصل إلا فيه شوك، ورجل شديد الذراعين فهو يعالجها ينزعها، فأرسل عمر دموعه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 451]. * وعن كعب - رضي الله عنه - قال: من عرف الموت هانت عليه مصائب الدنيا وغمومها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 451]. * وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أنه سئل عن نفْسَين اتفق موتهما في طرفة عين، واحد في المشرق، وواحد في المغرب، كيف قدرة ملك الموت عليهما؟ قال: ما قدرة ملك الموت على أهل المشارق والمغارب، والظلمات والهواء، والبحور، إلا كرجل بين يديه مائدة، يتناول من أيها شاء. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 464]. * وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: كفى بالموت واعظًا، وكفى بالدهر مفرقًا، اليوم في الدور، وغدًا في القبور. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 514].

* عن عون بن عبد الله رحمه الله، قال: ما أنزل الموت كُنْه منزلته من عد غدًا من أجله! كم من مستقبل يومًا لا يستكمله؟! وكم من مؤمل لغدٍ لا يدركه؟! إنكم لو رأيتم الأجل ومسيره، لأغضتم الأمل وغروره! " [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 519]. * وقال الشاعر: [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 519]. ومؤملٍ والموت دون رجائه ... ومحاذرٍ أكفانه لم تُغزل * وقال الشاعر: [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 520]. هبك قد نلت كل ما تحمل الأر ... ض فهل بعد ذاك إلا المنيَّة * وعن وهب بن منبه، قال: قال عيسى ابن مريم - عليه السلام -: بحق أقول لكم كما ينظر المريض إلى طيِّب الطعام فلا يلتذ به من شدة الوجع، كذلك صاحب الدنيا لا يلتذُّ العبادة، ولا يجد حلاوتها مع ما يجد من حب الدنيا، وبحق أقول لكم: إن الدابة إذا لم تُركب وتمتهن تعصَّبت وتغيَّر خُلقها، كذلك القلوب إذا لم تُرقَّق بذكر الموت وينصبها دأب العبادة، تقسو وتغلظ. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 521]. * وعن قتادة قال: كان العلاء بن زياد العدوي رحمه الله يقول: لينزل أحدكم نفسه أنه قد حضره الموت، فاستقال ربه تعالى نفسه فأقاله، فليعمل بطاعة الله - عزَّ وجلَّ. [الحلية (تهذيبه) 1/ 379]. * وقال الشاعر: [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 34]. وقِفْ بالقصور على دجلةَ ... حزينًا فقل: أين أربابها وأين الملوك ولاة العهو ... د رقاة المنابر غُلابَّها تجيبك آثارهم عنهُمُ ... إليك، فقد مات أصحابها * وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: لقد نغص هذا الموت على أهل الدنيا ما هم فيه من غضارة الدنيا وزهرتها، فبينما هم فيها كذلك وعلى ذلك، أتاهم حادٍ من الموت فاخترمهم مما هم فيه، فالويل والحسرة هنالك لمن لم يحذر الموت، ويذكره في الرخاء، فيقدم لنفسه خيرًا يجده بعدما يفارق الدنيا

وأهلها، ثم بكى عمر حتى غلبه البكاء، فقام. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 404]. * وقال الحسن رحمه الله: ما من يوم إلا وملك الموت - عليه السلام - يتصفح في كل بيت ثلاث مرات، فمن وجده منهم قد استوفى رزقه، وانقضى أجله قبض روحه، فإذا قبض روحه أقبل أهله برنة وبكاء، فيأخذ ملك الموت بعضادَتي الباب فيقول: ما لي إليكم من ذنب، وإني لمأمور، والله ما أكلت له رزقًا ولا أفنيت له عمرًا، ولا انتقصت له أجلًا، وإن لي فيكم لعودة ثم عودة حتى لا أبقى منكم أحدا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 461]. * وعن عبد العزيز أبي مرحوم، قال: دخلنا مع الحسن البصري رحمه الله على مريض نعوده، فلما جلس عنده قال: كيف تجدك؟ قال: أجدني أشتهي الطعام، فلا أقدر أن أسيغه، وأشتهي الشراب فلا أقدر على أن أتجرعه، قال: فبكى الحسن، وقال: على الأسقام والأمراض أُسِّست هذه الدار، فهبك تصح من الأسقام، وتبرأ من الأمراض، هل تقدر على أن تنجو من الموت؟ قال: فارتُج البيت بالبكاء. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 523]. * وعن الربيع بن صبيح، قال: قلنا للحسن رحمه الله، يا أبا سعيد عظنا، فقال: إنما يتوقع الصحيح منكم داء يصيبه، والشاب منكم هرمًا يُفنيه، والشيخ منكم موتًا يرديه، أليس العواقب ما تسمعون؟ أليس غدًا تفارق الروح الجسد؟ المسلوب غدًا أهله وماله، الملفوف غدًا في كفنه، المتروك غدًا في حفرته، المنسي غدًا من قلوب أحبته، الذين كان سعيه وحزنه لهم، ابنَ آدم نزل بك الموت فلا ترى قادمًا ولا تجيء زائرًا ولا تكلم قريبًا، ولا تعرف حبيبًا، تنادي فلا تجيب، وتسمع فلا تعقل، قد خربت الديار، وعُطلت العشار، وأُيتمت الأولاد، قد شخص بصرك، وعلا نفسك، واصطكت أسنانك، وضعفت ركبتاك، وصار أولادك غرباء عند غيرك!. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 551]. * قال أبو بكر بن أبي الدنيا: أصبت رقعة في الجنازة فيها مكتوب: وهَبْتم همكم للدنيا، وتناسيتم سرعة حلول المنايا، أما والله ليحلن بكم من الموت يوم مظلم، ينسيكم طول معاشرة النعمة، ولتندمن ولا تنفعكم الندامة،

الحذر! الحذر! الحذر! قبل بُغْتان المنايا، ومجاورة أهل البلى. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 558]. * وقال الشاعر: [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 558]. أين الملوك الذي عن حظها غفلت ... حتى سقاها بكأس الموت ساقيها * وقال الشاعر: [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 570]. فلو أنا إذا متنا تركنا ... لكان الموت راحة كل حي ولكنا إذا متنا بعثنا ... نسأل بعده عن كل شيء * وقال الشاعر: [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 570]. ألا يا عسكر الأحياء ... هذا عسكر الموتى أجابوا الدعوة الصغرى ... وهم منتظرو الكبرى يحثّون على الزاد ... وما زادٌ سوى التقوى يقولون لكم جدوا ... فهذا آخر الدنيا * وقال رجل لبعض السلف: أوصني، قال: عسكر الموتى ينتظرونك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 572]. * وعن محمد بن النضر الحارثي رحمه الله قال: شغل الموت قلوب المتقين عن الدنيا، فوالله ما رجعوا منها إلى سرور بعد معرفتهم بغصصه وكربه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 525]. * وسئل عكرمة رحمه الله: أيبصر الأعمى ملك الموت إذا جاء يقبض روحه؟ قال: نعم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 461]. * وقال يزيد الرقاشي رحمه الله: بينما جبار من الجبابرة من بني إسرائيل جالس في منزله قد خلا ببعض أهله، إذ نظر إلى شخص قد دخل من باب بيته، فثار إليه فزعًا مغضبًا، فقال له: من أنت؟ ومن أدخلك علي داري؟ فقال: أمَّا الذي أدخلني الدار فربها، وأما أنا فالذي لا يُمنع من الحُجاب، ولا أستأذن على الملوك، ولا أخاف صولة المتسلطين، ولا يمتنع مني كل جبار عنيد، ولا شيطان مريد، قال: فأُسقط في يد الجبار، وارتعد حتى سقط

منكبًا لوجهه، ثم رفع رأسه إليه مستخذيًا متذللًا، فقال له: أنت إذًا ملك الموت، قال: أنا هو، فقال: فهل أنت ممهلي حتى أحدث عهدًا؟ قال: هيهات انقطعت مدتك، وانقضت أنفاسك، ونفدت ساعاتك، فليس إلى تأخيرك سبيل، قال: فإلى أين تذهب بي؟ قال: إلى عملك الذي قدمته، وإلى بيتك الذي مهدته، قال: فإني لم أقدم عملًا صالحًا، ولم أمهد بيتًا حسنًا، قال: فإلى {لَظَى * نَزَّاعةً لِلشَّوَى} [المعارج: 15، 16]، ثم قبض روحه فسقط بين أهله، فمن صارخ وباك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 462]. * وعن وهب بن منيه رحمه الله قال: كان ملك من الملوك أراد أن يركب إلى أرض، فدعا بثياب ليلبسها، فجيئ بثياب، فلم تعجبه، فطلب غيرها حتى لبس ما أعجبه بعد مرات، وكذلك طلب دابة، فأتي بها، فلم تعجبه، حتى أتي بدواب فركب أحسنها، فجاء إبليس فنفخ في منخره نفخة، فملأه كبرًا، ثم سار وسارت معه الخيول، وهو لا ينظر إلى الناس كبرًا، فجاءه رجل رثّ الهيئة، فسلم، فلم يرد - عليه السلام - فأخذ بلجام دابته، فقال: أرسل اللجام فقد تعاطيت أمرًا عظيمًا، فقال: إن لي إليك حاجة، قال: اصبر حتى أنزل، قال: لا، الآن! فقهره على لجام دابته، فقال: اذكرها، قال: هو سر، فأدنى له رأسه، فسارَّه وقال: أما ملك الموت، فتغير لون الملك، واضطرب لسانه، ثم قال: دعني حتى أرجع إلى أهلي، وأقضي حاجتي وأودعهم، قال: لا، والله لا ترى أهلك أبدًا، فقبض روحه، فخر ميتًا كأنه خشبة، ثم مضى فلقي عبدًا مؤمنًا في تلك الحال، فسلم عليه، فرد - عليه السلام - فقال: إن لي حاجة أذكرها في أذنك، فقال: هات، فساره وقال: أنا ملك الموت، فقال: أهلًا ومرحبًا بمن طالت غيبته علي، فوالله ما كان في الأرض غائب أحب إلي من أن ألقاه منك، فقال ملك الموت: اقض حاجتك التي خرجت لها، فقال: ما لي حاجة أكبر عندي، ولا أحب من لقاء الله تعالى، قال: فاختر على أي حال شئت أن أقبض روحك، فقال: تقدر على ذلك؟ قال: نعم، إني أمرت بذلك، قال: فدعني حتى أتوضأ وأصلي، واقبض روحي وأنا ساجد، فقبض روحه وهو ساجد. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 466].

* وقال مجاهد رحمه الله: ما من مرض يمرضه العبد إلا رسول ملك الموت عنده، حتى إذا كان آخر مرض يمرضه، أتاه ملك الموت. فقال: أتاك رسول بعد رسول فلم تعبأ به، وقد أتاك رسول يقطع أثرك من الدنيا. [الحلية (تهذيبه) 2/ 12]. * وقال الشاعر: [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 425]. لو كنت تعقل يا مغرور ما رَقَأت ... دموعُ عينك من خوف ومن حذر ما بال قوم سهام الموت تخطفهم ... يفاخرون برفع الطين والمدر * وعن زيد بن أسلم رحمه الله قال: إذا بقي على المؤمن من ذنوبه شيء لم يبلغها بعمله شُدد عليه الموت، ليبلغ بسكرات الموت وشدائده درجته من الجنة، وإن الكافر إذا كان قد عمل معروفًا في الدنيا يهون عليه الموت، ليستكمل ثواب معروفه في الدنيا، ثم يصير إلى النار. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 450]. * وقال الحسن البصري رحمه الله: فضح الموتُ الدُّنيا، فلم يَترك فيها لِذي لُبٍّ فرحًا. [السير (تهذيبه) 2/ 563]. * وعن عون بن عبد الله رحمه الله قال: ما أحد يُنزل الموت حقَّ منزلته، إلا عدّ غدًا ليس من أجله، كم من مستقبل يومًا لا يستكمله؟ وراجٍ غدًا لا يبلغه؟ لو تنظرون إلى الأجل ومسيره، لأبغضتم الأمل وغروره. [الحلية (تهذيبه) 2/ 95]. * وعن عبد الرزاق قال: أخبرني بعض أصحابنا أن الأعمش رحمه الله قام من النوم لحاجة فلم يصب ماء، فوضع يده على الجدار فتيمم ثم نام، فقيل له في ذلك قال: أخاف أن أموت على غير وضوء. قال عبد الرزاق: وربما فعله معمر رحمه الله [الحلية (تهذيبه) 2/ 139]. * وعن رجاء بن حيوة رحمه الله قال: ما أكثر عبد ذكر الموت، إلا ترك الحسد والفرح. [الحلية (تهذيبه) 2/ 180]. * وعن محمد بن عبد العزيز بن سلمان رحمه الله قال: كنت أسمع أبي

يقول: عجبت ممن عرف الموت كيف تقر في الدنيا عينه، أم كيف تطيب بها نفسه، أم كيف لا يتصدع قلبه فيها؟ [الحلية (تهذيبه) 2/ 332]. * وقال عبد الله بن ثعلبة الحنفي رحمه الله: تضحك ولعل أكفانك قد خرجت من عند القصار!! [الحلية (تهذيبه) 2/ 333]. * وقال زياد النميري رحمه الله: لو كان لي من الموت أجل أعرف مدته، لكنت حريًا بطول الحزن والكمد حتى يأتني وقته، فكيف وأنا لا أعلم متى يأتيني الموت صباحًا أو مساء؟ ثم خنقته عبرته فقام. [الحلية (تهذيبه) 2/ 339]. * وعن داود بن المحبر، عن أبيه. مر بنا الربيع بن برة رحمه الله ونحن نسوي نعشًا لميت، فقال: من هذا الغريب بين أظهركم؟ قلنا: ليس بغريب بل هو قريب حبيب، قال: فبكى وقال: ومن أغرب من الميت بين الأحياء!! قال: فبكى القوم جميعًا. [الحلية (تهذيبه) 2/ 343، موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 548]. * وعن عبد الله بن السندي قال: كتب مبارك إلى أخيه سفيان الثوري رحمه الله يشكو إليه ذهاب بصره، فكتب إليه: يا أخي فهمت كتابك تذكر فيه شكايتك ربك، اذكر الموت يهن عليك ذهاب بصرك. والسلام. [الحلية (تهذيبه) 2/ 380]. * وعن سليمان بن إدريس المقري قال: اشتهى الحسن بن صالح رحمه الله سمكة، فلما أتى بها ومد يده إلى سرة السمكة فاضطربت يده، فأمر به فرفع ولم يأكل منه شيئًا، فقيل له في ذلك فقال: إني ذكرت لما ضربت بيدي إلى بطنها أن أول ما ينتن من الإنسان بطنه، فلم أقدر أن أذوقه. [الحلية (تهذيبه) 2/ 452]. * وعن جريج قال: قلت لعطاء رحمه الله: هذا يوسف بن ماهك يتمنى الموت فقال: فعاب ذلك، وقال: ما يدريه على ما هو منه. [الزهد للإمام أحمد / 612]. * وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: أنت تخاف الموت؟ لو قلت إنك تخاف الموت ما قبلت منك، ولو خفت الموت ما نفعك طعام أو شراب ولا

(د) ما قيل في الجنائز والمقابر

شيء من الدنيا، ولو عرفت الموت حق معرفته ما تزوجت ولا طلبت الولد. (¬1). [الحلية (تهذيبه) 3/ 5]. * وعن إبراهيم بن الأشعث قال: كنا إذا خرجنا مع الفضيل رحمه الله في جنازة لا يزال يعظ ويذكر ويبكي حتى لكأنه يودع أصحابه، ذاهب إلى الآخرة. حتى يبلغ المقابر فيجلس، فكأنه بين الموتى جلس من الحزن والبكاء حتى يقوم، ولكأنه رجع من الآخرة يخبر عنها. [الحلية (تهذيبه) 3/ 3]. * وعن عبد الرحمن بن عمر قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله، وسئل عن الرجل يتمنى الموت، قال: ما أرى بذلك بأسًا، إذ يتمنى الموت الرجل مخافة الفتنة على دينه، ولكن لا يتمنى الموت من ضرٍّ به أو فاقة أو شيء مثل هذا. ثم قال عبد الرحمن: تمنى الموت أبو بكر وعمر ومن دونهما. وسمعته ونحن مقبلون من جنازة عبد الوهاب فقال: إني لأشم ريح فتنة، إني لأدعو الله أن يسبقني بها. وسمعته يقول: كان لي أخوان فماتوا ودفع عنهم شر ما نرى، وبقينا بعدهم، وما بقي لي أخ إلا هذا الرجل - يحيى بن سعيد - وما يغبط اليوم إلا مؤمن في قبره. [الحلية (تهذيبه) 3/ 115]. (د) ما قيل في الجنائز والمقابر: * عن إبراهيم النخعي رحمه الله قال: كانت تكون فيهم الجنازة فيظلون الأيام محزونين يعرف ذلك فيهم. قال: وإنكم في جنائزكم تتحدثون بأحاديث دنياكم. [الحلية (تهذيبه) 2/ 92، موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 63]. ¬

(¬1) لكن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - إمام المتقين وأعرف الناس برب العالمين , تزوج ورزق الولد وتسرى وأكل الطيب , مع أنه رأى النار والجنة عيانًا ودخل الجنة , وهو أخوف الناس من الله سبحانه وتعالى.

* وقال سويد بن غفلة رحمه الله: إن الملائكة تمشي أمام الجنازة وتقول: ما قدم؟ ويقول الناس: ما ترك؟. [صفة الصفوة 3/ 14]. * وعن الأعمش رحمه الله قال: إن كنا لنشهد الجنازة، فلا ندري من نعزي من حزن القوم. [الحلية (تهذيبه) 2/ 140، موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 63]. * وعن الأعمش رحمه الله قال: أدركت الناس وإذا كانت فيهم جنازة جاؤوا فجلسوا صموتًا لا يتكلمون، فإذا وُضعت نظرت إلى كل رجل واضعا حبوته على صدره، كأنه أبوه أو أخوه أو ابنه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 67]. * وعن أيوب قال: كنت مع أبي قلابة رحمه الله في جنازة فسمعنا صوت قاص قد ارتفع صوت أصحابه، فقال أبو قلابة: إن كانوا ليعظمون الموت بالسكينة. [الزهد للإمام أحمد / 510]. * وعن ثابت رحمه الله قال: إن كنا لنتبع الجنازة فما نرى إلا متقنعًا باكيًا، أو متقنعًا منكرًا، قال ثابت: وإنك لترى الجنازة اليوم على عواتقهم، وأحدهم وإنه ليضحك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 63]. * وكان يحيى بن أبي كثير رحمه الله إذا حضر جنازة لم يتعش تلك الليلة، ولم يقدر أحد من أهله أن يكلمه من شدة حزنه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 63]. * وقال صالح المري رحمه الله: أدركت بالبصرة شبابًا وشيوخًا يشهدون الجنائز، يرجعون منها كأنهم نشروا من قبورهم، فيُعرف فيهم والله الزيادة بعد ذلك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 63]. * وعن محمد بن واسع رحمه الله أنه حضر جنازة، فلما رجع إلى أهله أُتي بغدائه فبكى، وقال: هذا يوم منغَّصٌ علينا نهاره، وأبى أن يطعم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 64]. * وعن سلام بن أبي مطيع رحمه الله قال: شهدت قتادة رحمه الله في جنازة فلم يتكلم حتى انصرف، وشهدت الحريري رحمه الله في جنازة فلم يزل يبكي حتى تفرق القوم، وشهدت محمد بن واسع رحمه الله في جنازة فلم يزل مقنّع الرأس، مطرقا، ما يلتفت يمينا ولا شمالا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 64].

(هـ) ما قيل في القبر وأهواله

* وقيل لسفيان بن عيينة رحمه الله: لأي شيء كان يُستحب خفض الصوت عند الجنائز؟ قال: شبهوه بالحشر إلى الله، أما سمعته يقول: {وَخَشَعَتِ الأصوَاتٌ للرَّحمَنِ فَلاَ تَسْمَعَ إِلا هَمْسًا} [طه: 108]. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 67]. * وقال يزيد الرقاشي رحمه الله: بلغني أن الميت إذا وضع في قبره احتوشته أعماله، فأنطقها الله تعالى، فقالت: أيها العبد المنفرد في حفرته! انقطع عنك الأخلاء والأهلون، فلا أنيس لك اليوم غيرنا، ثم يبكي، ويقول: طوبى لمن كان أنيسه صالحًا، طوبى لمن كان أنيسه صالحًا، والويل لمن كان أنيسه وبالًا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 476]. * وقال صالح المري: كان حسان بن أبي سنان رحمه الله إذا مات في جيرانهم ميت، سُمعت من داره النحيب والبكاء، كما يُسمع من دار الميت، فإذا حضر الجنازة ثم انصرف، لم يفطر تلك الليلة، ونظرت إلى ولده وأهل داره عليهم السكينة والخشوع أيامًا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 67]. * وكان الحسن رحمه الله في جنازة، فرأى رجلا يحدث صاحبه ويتبسم إليه، فقال: يا سبحان الله! أما كان في الذي بين يدك مشتغل عن التبسم؟! قال الحسن: كانوا يعظمون الموت أن يُرفع عنده صوت. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 68]. * وكان لبشر بن منصور رحمه الله غرفة، إذا صلى العصر دخلها، وفتح بابها إلى الجبان، ينظر إلى القبور. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 74]. * وعن أيوب رحمه الله قال: كان يقال: من كرامة الميت على أهله تعجيله إلى حفرته. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 498]. * وكان ربيع بن أبي راشد رحمه الله إذا مات أحد من جيرانه أنكره أهله أيامًا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 579]. (هـ) ما قيل في القبر وأهواله: * عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: إذا وضع الكافر في قبره فيرى مقعده من النار، قال: {رَبِ ارْجِعُونِ} [المؤمنون: 99]، حتى أتوب وأعمل صالحًا، فيقال: قد عُمِّرت ما كنت معمرًا، فيضيق عليه قبره، فهو كالمنهوش ينام ويفزع، تهوي

إليه هوام الأرض، حياتها وعقاربها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 478]. * وعن محمد بن كعب القرضي قال: أتيت عمر بن عبد العزيز رحمه الله وهو خليفة، فلما دخلت عليه أدمت النظر إليه، فقال: إنك لتنظر إلي نظرا ما كنت تنظره إلي بالمدينة - لما كان واليًا عليها - قلت: أجل يا أمير المؤمنين، أعجبني ما كَلَّ من جسمك، وتغير من لونك، ورث من شعرك، فقال: كيف لو رأيتني بعد ثلاث في القبر، وقد سقطت حدقتي على وجنتي، وخرج الصديد والدود من منخري وفمي، كنت أشد لي نكرة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 80]. * وشهد جابر بن زيد رحمه الله جنازة رجل، فلما صل عليها قالوا: يا أبا الشعثاء لو أدخلته قبره، فنزل ليدخله قبره، فغشي عليه قبل أن يخرج من القبر، فاحتُمل من القبر مغشيًا عليه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 65]. * وعن الحسن رحمه الله قال: يومان وليليتان لم تسمع الخلائق بمثلهن قط، ليلة تبيت مع أهل القبور لم تبت قبلها، وليلة صبيحتها يوم القيامة، ويوما يأتيك البشير من الله إما بالجنة وإما بالنار، ويوما تُعطى كتابك إما بيمينك وإما بشمالك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 81]. * وخرج رجل إلى مقابر البصرة، فبينا هو يتخطاها إذ حضر بقبر عليه مكتوب: يا غافل القلب عن ذكر المنيات ... عن ما قليل ستثوي بين أموات فاذكر محلك من قبل الحلول به ... وتب إلى الله من لهو ولذات لا تطمئن إلى الدنيا وزينتها ... قد حان للموت يا ذا اللب أن يأتي [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 110]. * ووُجد على قبر مكتوب: [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 110]. يا من يصير غدًا إلى دار البلاء ... ويفارق الأحباب والخلانا إن الأماكن ما هناك عزيزة ... اختر لنفسك إن عقلت مكانًا * ووُجد على قبر مكتوب: [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 115]. أنا في القبر وحيدًا ... قد تبرأ الأهل مني

أسلموني بذنوبي ... خبت إن لم يعف عني * وكان على قبر مكتوب: [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 115]. عشت دهرًا في نعيمٍ ... وسرورٍ واغتباطٍ ثم صار القبر بيتي ... وثرى الأرضِ بساطي * ودخل قوم قصرًا قد خرب، فإذا بفنائه قبر، وعلى بعض حيطان القبر مكتوب: يا من يعلل باللذات مُهْجَته ... أما ترى قبر رب القصر مهجورًا؟ [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 115]. * ومر صالح المري رحمه الله بقصر خرب، بفنائه قبران، وأسود جالس عندهما، فقال: يا صالح هذان ربا هذا القصر صارا إلى ما ترى!، وعلى القبر مكتوب: يا أيها الركب سيروا اليوم واعتبروا ... فعن قليل تكونوا مثلنا عِبَرا كنا وكانت لنا الدنيا بلذتها ... فما اعتبرنا وما كنا لنَنْزَجِرا حتى رمانا الردى منه بأسهمه ... فلم يُبق لنا عينًا ولا أثرًا [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 115]. * وحُسر النيل عن صخرة عظيمة، فإذا مكتوب عليها: اعمل الخير وتناساه، وإذا عملت شرا فتذكره، أوشك من كان كذلك أن يلقى راحة طويلة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 118]. * وفتح محمد بن يوسف بعض مدائن اليمن، فأصاب على بابها حجرا مكتوب عليه: تلك المدائن بالآفاق خاويةٌ ... أمست خرابًا ودار الموت بانيها أين الملوك الذي عن حظها غفلت ... حتى سقاها بكأس الموت ساقيها [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 119].

(و) القبر راحة المؤمن

(و) القبر راحة المؤمن: * عن أم الدرداء - رضي الله عنهما - قالت: كان أبو الدرداء - رضي الله عنه - إذا مات الرجل على الحال الصالحة، قال: هنيئًا لك، يا ليتني كنت مكانك، فقالت أم الدرداء له في ذلك، فقال: هل تعلمين أن الرجل يصبح مؤمنًا، ويمسي منافقًا، يسلب إيمانه وهو لا يشعر، فأنا لهذا الميت أغبط مني لهذا بالبقاء في الصلاة والصيام. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 407]. * وقال مسروق رحمه الله: ما من بيت خير للمؤمن من لحد، قد استراح فيه من هموم الدنيا، وأمن عذاب الله. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 87]. * وعن سفيان رحمه الله، قال: يأتي على الناس زمان يكون الموت فيه أحب إلى قراء ذلك الزمان من الذهب الأحمر. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 407]. * وقال بشر بن الحارث رحمه الله: نعم المنزل القبر لمن أطاع الله. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 87]. * وقال وهب بن منبه: كان عيسى - عليه السلام - واقفا على قبر، ومعه الحواريون، وصاحبه يدلى فيه، فذكروا القبر ووحشته وظلمته وضيقه، فقال عيسى - عليه السلام -: كنتم في أضيق منه في أرحام أمهاتكم، فإذا أحب الله أن يوسع وسع. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 87]. * وعن قطري الخشاب، قال: شهدنا جنازة وفيها عامر بن شراحيل الشعبي رحمه الله، وأشراف أهل الكوفة، فلما دفن الميت، قال الشعبي، هذا الموت غاية العباد في دار الدنيا، فأبكى بكلمته الناس. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 578]. (ز) تلقين المحتضر الشهادة: * قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: احضروا موتاكم وذكروهم، فإنهم يرون ما لا ترون، ولقنوهم شهادة أن لا إله إلا الله. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 305]. * وقال عثمان بن عفان - رضي الله عنه -: إذا احتضر الميت فلقنوه: لا إله إلا الله، فإنه ما من عبد يختم له بها عند موته إلا كانت زاده إلى الجنة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 304].

(حـ) فوائد متفرقة

* وقال الحسن بن الربيع: سمعت ابن المبارك رحمه الله حين حضرته الوفاة وأقبل نُصَير يقول له: يا أبا عبد الرحمن قل: لا إله إلاَّ الله، فقال له: يا نُصَير قد تَرى شدّة الكلام عليَّ، فإذا سمعتَني قُلتُها فلا تردّها عليّ حتى تَسْمَعني قد أحدثتُ بعْدها كلامًا، فإنما كانُوا يستحبّون أنْ يكُون آخر كلام العَبْد ذلك. [صفة الصفوة 4/ 380]. (حـ) فوائد متفرقة: * عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: إن المؤمن إذا مات بكى عليه مصلاة من الأرض، ومَصعد عمله من السماء، ثم تلا: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ} [الدخان: 29]. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 487]. * وعن عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قالا: لما اتخذ الله إبراهيم خليلًا، سأل ملك الموت ربه أن يأذن له فيبشر إبراهيم - عليه السلام - بذلك، فأذن له، فجاء إبراهيم فبشره، فقال: الحمد لله، ثم قال: يا ملك الموت! أرني كيف تقبض أنفاس الكفار؟ قال: يا إبراهيم لا تطيق ذلك، قال: بلى، قال: فأعرض إبراهيم، ثم نظر فإذا برجل أسود ينال رأسه السماء، يخرج من فيه لهب النار، ليس من شعره في جسده إلا في صورة رجل يخرج من فيه ومسامعه لهب النار، فغشي على إبراهيم - عليه السلام - ثم أفاق وقد تحول ملك الموت في الصورة الأولى، فقال: يا ملك الموت! لو لم يلق الكافر من البلاء والحزن إلا صورتك لكفاه، فأرني كيف تقبض أنفاس المؤمنين؟ قال: أعرض، فأعرض، ثم التفت فإذا هو برجل شاب أحسن الناس وجها، وأطيبهم ريحًا في ثياب بيض، فقال: يا ملك الموت! لو لم ير المؤمن عند موته من قرة العين والكرامة إلا صورتك هذه لكان يكفيه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 468]. * وعن وهيب بن الورد رحمه الله، قال: بلغنا أنه ما من ميت يموت حتى يتراءى ملكاه اللذان كانا يحفظان عليه عمله في الدنيا، فإن كان صحبَهما بطاعة، قالا له: جزاك الله عنا من جليس خيرًا، فرُب مجلس صدق قد

أجلستناه، وعمل صالح قد أحضرتناه، وكلام حسن قد أسمعتناه، فجزاك الله عنا من جليس خيرًا، وإن كان صحبهما بغير ذلك مما ليس الله يرضاه، قلبا عليه الثناء، فقالا: لا جزاك الله عنا من جليس خيرًا، فرب مجلس سوء قد أجلستناه، وعمل غير صالح قد أحضرتناه، وكلام قبيح قد أسمعتناه، فلا جزاك الله عنا من جليس خيرًا، قال: فذاك شخوص بصر الميت إليهما، ولا يرجع إلى الدنيا أبدًا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 467]. * وعن ثابت البناني رحمه الله قال: بلغنا أن الميت إذا مات احتوشه أهله وأقاربه، الذين قد تقدموه، فلهو أفرح بهم، وهم أفرح به من المسافر إذا قدم إلى أهله. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 476]. * وعن إبراهيم النخعي رحمه الله، قال: بلغنا أن المؤمن يُستقبل عند موته بطيب من طيب الجنة، وريحان من ريحان الجنة، فتقبض روحه فتجعل في حرير من حرير الجنة، ثم ينضح بذلك الطيب، ويلف في الريحان، ثم ترتقي به ملائكة الرحمة حتى يجعل في عليين. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 479]. * وعن الحسن رحمه الله، قال: إذا احتضر المؤمن، حضره خمس مئة ملك، فيقبضون روحه، فيعرجون به إلى السماء الدنيا، فتلقاهم أرواح المؤمنين الماضية، فيريدون أن يستخبروه، فتقول لهم الملائكة: ارفقوا به، فإنه خرج من كرب عظيم، ثم يستخبرونه حتى يستخبر الرجل عن أخيه، وعن صاحبه، فيقول: هو كما عهدتَ، حتى يستخبروه عن إنسان قد مات قبله، فيقول: أوما أتى عليكم؟ فيقولون: أوقد هلك؟ فيقول: إي والله، فيقولون: نراه قد ذهب به إلى أمه الهاوية، فبئست الأم، وبئست المربِّية. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 479]. * وعن سعيد بن جبير رحمه الله قال: إذا مات الميت استقبله ولده كما يُستقبل الغائب. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 482]. * عن عطاء الخراساني رحمه الله قال: ما من عبد يسجد لله سجدة في بقعة من بقاع الأرض إلا شهدت له يوم القيامة، وبكت عليه يوم يموت. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 488].

* وقال مجاهد رحمه الله: إن الرجل ليبشر بصلاح ولده في قبره. [موسوعة ابن أبي الدنيا. 5/ 491] * وعن الضحاك رحمه الله في قوله: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [يونس: 64]، قال: يعلم أين هو قبل أن يموت. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 494].

الشوق إلى لقاء الله وجنته

الشوق إلى لقاء الله وجنته (أ) تمني بعض السلف الموت لاشتياقهم للقاء الله: * عن عبد الله بن أبي زكريا رحمه الله أنه كان يقول: لو خيرت بين أن أعمر مائة سنة من ذي قبل، في طاعة الله، أو أن أقبض في يومي هذا، أو في ساعتي هذه، لاخترت أن أقبض في يومي هذا أو في ساعتي هذه تشوقًا إلى الله وإلى رسوله وإلى الصالحين من عباده. [الحلية (تهذيبه) 2/ 171]. * وعن عبد ربه بن صالح قال: دُخل على مكحول رحمه الله في مرضه الذي مات فيه، فقيل له: أحسن الله عافيتك أبا عبد الله؟ فقال: الإلحاق بمن يُرجى عفوه، خير من البقاء مع من لا يؤمن شره. [الحلية (تهذيبه) 2/ 180]. * ولما ثَقُل عمر بن عبد العزيز رحمه الله دُعي له طبيب، فلما نظر إليه قال: أرى الرجل قد سقي السم، ولا آمن عليه الموت فرفع عمر بصره إليه فقال: ولا تأمن الموت أيضًا على من لم يسق السم؟ قال: فتعالج يا أمير المؤمنين، فإني أخاف أن تذهب نفسك، قال: ربي خير مذهوب إليه، والله لو علمت أن شفائي عند شحمة أذني ما رفعت يدي إلى أذني فتناولته، اللهم خِر لعمر في لقائه، فلم يلبث إلا أياما حتى مات رحمه الله. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 326]. * وقال عبد الله بن عبد العزيز العمري رحمه الله عند موته: بنعمة ربي أحدث لو أن الدنيا أصبحت تحت قدمي لا يمنعني من أخذها إلا أن أزيل قدمي عنها: ما أزلتها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 140]. * وعن خالد بن معدان رحمه الله قال: والله لو كان الموت في مكان موضوعًا لكنت أول من يسبق إليه. [الحلية (تهذيبه) 2/ 187]. * وعن محمد بن زياد رحمه الله قال: اجتمع رجال من الأخيار - أو قال:

(ب) أحوالهم وأقوالهم في الشوق إلى لقاء الله وجنته

العلماء والعباد - وذكروا الموت، فقال بعضهم: لولا أنه أتاني آت أو ملك الموت فقال: أيكم سبق إلى هذا العمود فوضع عليه يده مات، لرجوت أن لا يسبقني إليه أحد منكم شوقًا إلى لقاء الله. [الحلية (تهذيبه) 2/ 278]. * وقال سفيان الثوري رحمه الله: ما نفس تخرج أحب إليّ من نفسي، ولو كانت في يدي لأرسلتها. [الحلية (تهذيبه) 2/ 373]. (ب) أحوالهم وأقوالهم في الشوق إلى لقاء الله وجنته: * عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنهما - قال: ليس للمؤمن راحة دون لقاء الله. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 412]. * وعن بشر بن منصور قال: قلت لعطاء السليمي رحمه الله: أرأيت لو أن نارًا أُوقدت فقيل لرجل من دخل هذه النار دخل الجنة، ترى أن أحدًا من الناس يدخل فيها؟ قال: إني أظن لو قيل لي ذلك لخرجت نفسي قبل أن أدخل فيها فرحًا. [الحلية (تهذيبه) 2/ 320]. * وعن حاتم الأصم قال: كنا مع شقيق البلخي رحمه الله، ونحن مصافو الترك، في يوم لا أرى فيه إلا رؤوسًا تندر، وسيوفًا تقطع، ورماحًا تقصر، فقال لي شقيق ونحن بين الصفين: كيف ترى نفسك يا حاتم؟ تراه مثله في الليلة التي زفت إليك امرأتك؟ قلت: لا والله! قال: لكني والله أرى نفسي في هذا اليوم مثله في الليلة التي زفت فيها امرأتي. [الحلية (تهذيبه) 2/ 500]. * وعن أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا عبد الله الساجي رحمه الله يقول: تدري أيَّ شيءٍ قلتُ البارحة؟ قلت: قبيحٌ لعبيدٍ ذليلٍ مثلي يعلمُ عظيمًا مثلك ما لا يعلم، إنك لتعلم لو أن الدنيا عرضت عليَّ منذ يوم خلقت إلى أن تفنى أتنعَّم فيها حلالًا لا أُسألُ عنه يوم القيامة وبين أن تخرجَ نفسي، لاخترتُ أن تخرج نفسي الساعة. قال أحمد: ثم قال: أما تحبُّ أن تلقى من تطيع. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 551].

(جـ) حال بعض السلف الذين يرغبون طول العمر للزيادة في العمل

(جـ) حال بعض السلف الذين يرغبون طول العمر للزيادة في العمل: * قال عمر - رضي الله عنه -: لولا ثلاث لأحببت أن أكون قد لقيت الله، لولا أن أضع جبهتي لله، أو أجلس في مجالس يُنتقى فيها طيب الكلام كما ينقى جيد التمر، أو أن أسير في سبيل الله - عزَّ وجلَّ. [الحلية (تهذيبه) 1/ 71]. * وعن عباس بن جليد الحجري، عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه، أنه قال: لولا ثلاث خلال لأحببت أن لا أبقى في الدنيا. فقلت: وما هن؟ فقال: لولا وضوع وجهي للسجود لخالقي، في اختلاف الليل والنهار، يكون تقدمة لحياتي، وظمأ الهواجر، ومقاعدة أقوام ينتقون الكلام كما تنتقى الفاكهة، وتمام التقوى أن يتقي الله - عزَّ وجلَّ - العبد، حتى يتقيه في مثل مثقال ذرة، حتى يترك بعض ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حراما، يكون حاجزًا بينه وبين الحرام. إن الله تعالى قد بين لعباده الذي هو يصيرهم إليه، قال - تعالى -:: {وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 8] فلا تحقرن شيئًا من الشر أن تتقيه، ولا شيئًا من الخير أن تفعله. [الحلية (تهذيبه) 1/ 169].

حسن الخاتمة

حسن الخاتمة * قال أنس بن سيرين: شهدت أنس بن مالك - رضي الله عنه - وحضره الموت، فجعل يقول: لقنوني: لا إله إلا الله، فلم يزل يقولها حتى قبض. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 507]. * وقال الحسن: احتضر رجل في الصدر الأول فقال لابنه: اقعد عند رأسي فلقني: لا إله إلا الله، فنعم الزاد هي في الآخرة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 507]. * وقال رجاءُ بنُ حيْوة: كان عمرُ بن عبد العزيز رحمه الله قد أوصى إليَّ أن أغسِّله وأكفِّنه، وأدفنَه فإذا حللتُ عقدةَ الكفَنِ، أن أنظُرَ في وجهه، قال: فلمَّا فعلتُ ذلك إذا وجهُه كالقراطيسِ بياضًا، وكان قد أخبرني أنَّه دفن ثلاثةً من الخلفاء فيحُلُّ عن وجوههم فإذا هي مسودَّةٌ. [البداية والنهاية 9/ 359]. * وعن ليث بن أبي رقيّة، عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله: أنه لما كان مرضُه الذي قُبض فيه قال: أجلسوني فأجلَسوه. ثم قال: أنا الذي أمرتَني فقصّرتُ، ونهيتَني فعصيتُ، ولكن لا إله إلا الله، ثم رفع رأسه وأحدَّ النظرَ. فقالوا له: إنك لتنظر نظرًا شديدًا. فقال: إني لأرى حضرةً ما هُم بأنسٍ ولا جانٍ ثم قُبض رضي الله عنه. [صفة الصفوة 2/ 469، موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 326]. * وحضرتْ رجلًا الوفاةُ في فلاة من الأرض، وحضره ناس من الأعراب، فلما أحس بالموت جعل يقول لهم: وجهوني وجهوني، قالوا: إلى أين نوجهك؟ فبكى ثم قال: إلى البيت الذي من كل فج ... إليه وجوه أصحاب القبور فبكى والله القوم جميعًا، ثم وجهوه إلى القبلة فمات. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 362].

* وعن مصعب بن عبد الله قال: سمع عامرُ بن عبد الله رحمه الله المؤذن، وهو يجود بنفسه، ومنزله قريب من المسجد، فقال: خذوا بيدي، فقيل له: إنك عليل، فقال: أسمع داعي الله فلا أجيبه؟ فأخذوا بيده، فدخل في صلاة المغرب، فركع مع الإمام ركعةً، ثم مات. [صفة الصفوة 2/ 472]. * وعن الحسن بن حيّ أنه قال: قال لي أخي علي بن صالح رحمه الله في الليلة التي توفي فيها: اسقني ماء، وكنت قائمًا أصلي، فلما قضيت الصلاة أتيته بماء فقلت يا أخي، فقال: لبيك، فقلت: هذا ماء، فقال: قد شربت الساعة، فقلت: من سقاك وليس في الغرفة غيري وغيرك؟ قال: أتاني جبريل الساعة بماء فسقاني وقال لي: أنت وأخوك وأبوك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. وخرجت روحه رحمة الله عليه. [المنتظم 8/ 180]. * وعن مصعب بن عثمان أنه قال: كان عبد الرحمن بن أبان رحمه الله يشتري أهل البيت ثم يأمر بهم فيكسون ويذهبون، ثم يعرضون عليه فيقول: أنتم أحرار لوجه الله أستعين بكم على غمرات الموت. قال: فمات وهو قائم في مسجده، يعني في السبخة. [المنتظم 7/ 122]. * ولما حُضِر صفوان بن سليم رحمه الله حضره إخوانه، فجعل يتقلب، فقالوا: كأن لك حاجة قالوا: نعم، فقالت ابنته: ما له من حاجة، إلا أنه يريد أن تقوموا عنه فيقوم فيصلي، فقام القوم عنه، وقام إلى مسجده فصلى، فوقع، فصاحت ابنته، فدخلوا عليه فحملوه ومات. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 357]. * وعن فضالة بن دينار قال: حضرت محمد بن واسع رحمه الله وقد سُجي للموت، فجعل يقول: مرحبا بملائكة ربي، ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال: وشمتت رائحة طيبة لم أشمم مثلها، قال: ثم شَخَصَ ببصره فمات. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 349]. * قال أبو عمران الجوني: أوصاني أبو الجلد رحمه الله أن ألقنه: لا إله إلا الله، فكنت عند رأسه وقد أخذه كرب الموت، فجعلت أقول له: يا أبا الجلد، قل: لا إله إلا الله، فقال: لا إله إلا الله بها أرجو نجاة نفسي، لا إله إلا الله، ثم قبض. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 507].

* وأتى صفوان بن سليم محمد بن المنكدر رحمه الله وهو في الموت، فقال: يا أبا عبد الله كأني أراك قد شق عليك الموت؟!، فما زال يهون عليه الأمر ويتجلى عن محمد، حتى لكأن وجهه المصابيح، ثم قال له محمد: لو ترى ما ألاقيه: لقرت عينك! ثم قضى. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 358]. * وقال عبد الله مؤذن مسجد بني جراد: جاورني شاب فكنت إذا أذنت للصلاة وافى كأنه نقرة في قفاي، فإذا صليت صلى ثم لبس نعليه ثم دخل إلى منزله، فكنت أتمنى أن يكلمني أو يسألني حاجة، فقال لي ذات يوم: يا أبا عبد الله، عندك مصحف تعيرني أقرأ فيه، فأخرجت إليه مصحفًا ورفعته إليه فضمه إلى صدره، ثم قال: ليكونن اليوم لي ولك شأن، ففقدته ذلك اليوم، فلم أره يخرج، فأقمت للمغرب فلم يخرج، وأقمت العشاء الآخرة فلم يخرج، فساء ظني، فلما صليت العشاء الآخرة جئت إلى الدار التي هو فيها، فإذا فيها دلو ومطهرة، وإذا على بابه ستر، فدفعت الباب فإذا به ميت والمصحف في حجره، فأخذت المصحف من حجره، واستعنت بقوم على حمله حتى وضعناه على سريره، وبقيت أفكر ليلتي من أكلم حتى يكفنه، فأذنت للفجر بوقت، ودخلت المسجد لأركع، فإذا بضوء في القبلة، فدنوت منه فإذا كفن ملفوف في القبلة، فأخذته وحمدت الله - عزَّ وجلَّ - وأدخلته البيت وخرجت، فأقمت الصلاة، فلما سلمت إذا عن يميني ثابت البناني، ومالك بن دينار، وحبيب الفارسي، وصالح المري، فقلت: يا إخواني، ما غدا بكم؟ قالوا لي: مات في جوارك الليلة أحد، قلت: مات شاب كان يصلي معي الصلوات، فقالوا لي: أرناه، فلما دخلوا عليه كشف مالك بن دينار عن وجهه، ثم قبل موضع سجوده، ثم قال: بأبي أنت يا حجاج إذا عرفت في موضع تحولت منه إلى موضع غيره، ثم أخذوا في غسله وإذا مع كل واحد منهم كفن، فقال واحد منهم: أنا أكفنه، فلما طال ذلك منهم قلت لهم: إني فكرت في أمره الليلة فقلت: من أكلم حتى يكفنه، فأتيت المسجد فأذنت ثم دخلت لأركع فإذا كفن ملفوف لا أدري من وضعه، فقالوا: يكفن في ذلك الكفن، فكفناه وأخرجناه فما كدنا نرفع جنازته من كثرة من حضره من الجمع. [المنتظم 7/ 148].

* وعن سعيد بن عبد العزيز قال: لا نعلم أحدًا رأى حور العين عيانًا إلا في المنام إلا ما كان من أبي مخرمة رحمه الله فإنه دخل يومًا لحاجته فرأى حوراء في قبتها وعلى سريرها فلما رآها صرف وجهه عنها قالت: إليَّ يا أبا مخرمة فإني أنا زوجتك وهذه زوجة فلان قال: فانصرف إلى أصحابه فأخبرهم فكتبوا وصاياهم فلم يكتب أحد وصيته إلا استشهد. [الزهد للإمام أحمد / 310]. * وقال مطرف رحمه الله لما حضره الموت: اللهم خِرْ لي في الذي قضيته علي من أمر الدنيا والآخرة، وأمرهم بأن يحملوه إلى قبره، فختم فيه القرآن قبل أن يموت!. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 341]. * ولما احتضر العلاء بن زياد العدوي رحمه الله بكى فقيل له: ما يبكيك؟ قال: كنت والله أحب أن أستقبل الموت بالتوبة، قيل له: فافعل رحمك الله، فدعا بطهور فتطهر، ثم دعا بثوب له جديد فلبسه، ثم استقبل القبلة، فأومأ برأسه مرتين أو نحو ذلك، ثم اضطجع فمات!. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 341]. * وقال أبو جعفر التُسْتَري: حضرنا أبا زرعة رحمه الله وكان في السَّوْق (¬1)، وعنده أبو حاتم، ومحمد بن مسلم، والمنذر بن شَاذَان، وجماعة من العلماءِ، فذكروا حديث التَّلقين، وقولَه - عليه السلام -: " لَقِّنوا موْتاكم لا إله إلا الله" (¬2). فاستحْيَوا من أبي زرعة وهابوا أن يلقِّنوه، فقالوا: تعالَوا نذكر الحديث، فقال محمد بن مسلم: أنبأ الضحاك بن مخلد، عن عبد الحميد بن جعفر بن صالح ولم يجاوز، والباقون سكتوا فقال أبو زرعة وهو في السَّوْقِ: حدثَنَا بندار قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا عبد الحميد بن جعفر، عن صالح بن أبي غريب، عن كثير بن مرّة الحضرمي، عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من كان آخرُ كلامه لا إله إلا الله " (¬3) وتُوفّي رحمه الله. [صفة الصفوة 4/ 339]. ¬

(¬1) أي يحتضر. (¬2) رواه أبو داود. (¬3) رواه أبو داود.

الرؤى والمنامات

الرؤى والمنامات * عن العباس بن عبد المطلب قال: كنت جارًا لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، فما رأيت أحدًا من الناس كان أفضل من عمر؛ إن ليله صلاة، وإن نهاره صيام وفي حاجات الناس. فلما توفي عمر سألت الله - عزَّ وجلَّ - أن يرنيه في النوم، فرأيته في النوم مقبلًا متشحًا من سوق المدينة، فسلمت عليه وسلم علي ثم قلت: كيف أنت؟ قال: بخير، فقلت له: ما وجدت؟ قال: الآن فرغت من الحساب، ولقد كاد عرشي يهوي بي لولا أني وجدت ربًا رحيمًا. [الحلية (تهذيبه) 1/ 74]. * وغسل سفيان الثوري رحمه الله رجلا فقال: أما إنه الآن يرى ما نصنع به. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 25]. * وقال سُعير بن الخِمس: رأيتُ سُفيان الثوري رحمه الله في المنام يطير من نخلة إلى نخلة وهو يقرأ {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ} [الزمر 74]. [السير (تهذيبه) 2/ 700]. * وعن إبراهيم بن أعين، قال: رأيتُ سُفيان رحمه الله بن سعيد، فقلت: ما صنعتَ؟ قال: أنا مع السَّفَرَةِ الكرام البَرَرَة. [السير (تهذيبه) 2/ 700]. * وعن مجاهد رحمه الله قال: إذا مات الميت فملك قابض نفسه، فما من شيء إلا وهو يراه عند غسله وعند حمله حتى يصير إلى قبره. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 23]. * وعن بشر بن المفضل، قال: رأيتُ بشر بن منصور رحمه الله في المنام، فقلت: ما صَنعَ الله بك؟ قال: وجدتُ الأمرَ أهونَ مما كنت أحملُ على نفسي. [السير (تهذيبه) 2/ 764].

* وقال محمد بن فضيل بن عياض: رأيت عبد الله بن المبارك رحمه الله في المنام، فقلت: أيّ الأعمال وجدتَ أفضل؟ قال: الأمر الذي كنتُ فيه. قلت: الرّباطُ والجهاد؟ قال: نعم. قلت: فأيّ شيءٍ صَنع بك ربك؟ قال: غفر لي مغفرة ما بعدها مغفرة، وكلّّمَتني امرأة من أهل الجنة أو امرأة من الحُور العِين. [صفة الصفوة 4/ 381]. * وعن سعيد بن جبير رحمه الله قال: إذا مات الميت استقبله ولده كما يستقبل الغائب. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 27]. * وعن شبيب بن شيبة رحمه الله قال: لما حضرت أمي الوفاة، دعتني فقالت: يا بني إذا دفنتني فقم عند قبري، فقل: يا أم شيبة قولي لا إله إلا الله، فلما دفنتها جئت حتى قمت عند قبرها، فقلت: يا أم شيبة قولي لا إله إلا الله. فلما كان من الليل أتتني في المنام، فقالت: يا بني لقد حفظت وصيتي، فلولا أن تداركتني لقد كدت أهلك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 29]. * وعن الفضل بن موفق رحمه الله قال: كنت آتي قبر أبي كثيرا، قال: شهدت جنازة، فلما قُبر صاحبها تعجلَتْ لي حاجة ولم آت قبر أبي، فأريته في النوم، فقال: يا بني لم لم تأتيني؟ قال: قلت: يا أبت وإنك لتعلم بي؟ قال: أي والله يا بني، إنك لتأتيني فما أزال أنظر إليك من حين تطلع القنطرة حتى تقعد إلي، وتقوم من عندي فما أزال أنظر إليك موليا حتى تجوز القنطرة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 29]. * وعن إسماعيل بن طاهر البلخي قال: رأيت سليمان الشاذكوني رحمه الله في النوم، فقلت: ما فعل الله بك يا أبا أيوب؟ فقال: غفر الله لي. قلت: بماذا؟ قال: كنت في طريق أصبهان أمر إليها فأخذتني مطرة، وكانت معي كتب، ولم أكن تحت سقف ولا شيء، فانكببت على كتبي حتى أصبحت وهدأ المطر، فغفر لي الله بذلك. [المنتظم 11/ 214]. * وعن مالك بن دينار قال: رأيت مسلم بن يسار رحمه الله في منامي، بعد

موته بسنة، فسلمت عليه فلم يرد علي السلام، فقلت: لم لا ترد عليّ السلام؟ قال: أنا ميت فكيف أرد السلام، فقلت: ماذا لقيت يوم الموت؟ قال: لقد لقيت أهوالًا وزلازل عظامًا شدادًا، قلت: وماذا كان بعد ذلك؟ قال: وما تراه يكون من الكريم؟ قبل منا الحسنات، وعفى لنا عن السيئات، وضمن عنا التبعات. فكان مالك يحدث بهذا وهو يبكي ويشهق ثم يغشى عليه فلبث بعد ذلك أيامًا مريضًا ثم مات في مرضه فكنا نرى أن قلبه انصدع. [الحلية (تهذيبه) 1/ 396]. * وقال أحمد بن أبي الحواريّ: قال لي أبو سليمان الداراني رحمه الله: يا أحمد إني محدّثك بحديث فلا تحدّث به أحدًا حتى أموت: نمت ذات ليلةٍ عن وِرْدِي فإذا أنا بحوراءَ تنبّهني وتقول: يا أبا سليمان تنام وأنا أُربَّى لك في الخدور منذ خمسمائة عام؟. [صفة الصفوة 4/ 442]. * وقال رَوْح بن سلمة الوراق: سمعتُ عُفَيرة العابدة تقول: بلغني أن معاذة العدوية رحمها الله لما احْتضرها الموت بكت، ثم ضحكت، فقيل لها مِمَّ بكيتِ، ثم ضحكتِ؟ فممَّ البكاءُ ومِمَّ الضحك؟ قالت أما البكاءُ الذي رأيتم فإني ذكرتُ مفارقة الصِّيام والصَّلاة والذِّكر فكان البكاءُ لذلك، وأما الذي رأيتم من تبسمي وضحكي، فإني نظرت إلى أبي الصهباء (¬1) قد أقبل في صحْن الدار، وعليه حُلَّتان خَضراوَان وهو في نَفَر والله ما رأيت لهم في الدنيا شَبَهًا، فضحكتُ إليه ولا أراني أدرك بعد ذلك فرضًا. قال: فماتت قبل أن يدخل وقت الصلاة. [صفة الصفوة 4/ 189]. * وعن أبي بيان الأصفهاني رحمه الله أنه قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في النوم، فقلت: يا رسول الله، محمد بن إدريس الشافعي ابن عمك، هل نفعته بشيء؟ أو خصصته بشيء؟ قال: نعم، سألت الله تعالى أن لا يحاسبه، فقلت: بماذا يا رسول الله؟ قال: إنه كان يصلي عليّ صلاة لم يصل بمثل تلك الصلاة أحد، فقلت: وما تلك الصلاة؟ قال: كان يصلي عليّ اللهم صلى على محمد كلما ذكره الذاكرون، وصل على محمد ¬

(¬1) زوجها وهو صلة بن أشيم.

كلما غفل عنه الغافلون. [المنتظم 10/ 138، 139]. * وقال ابن كثير رحمه الله: وقد رأى أبا نواس رحمه الله بعضُ أصحابه في المنام، فقال له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي بأبيات قلتها في النرجس: تفكر في نبات الأرض وانظر ... إلى آثار ما صنع المليك عيون من لجين شاخصات ... بأبصار هي الذهب السبيك على قصب الزبرجد شاهدات ... بأن الله ليس له شريك وفي رواية عنه أنه قال: غفر لي بأبيات قلتها وهي تحت وسادتي، فجاؤوا فوجدوها برقعة في خطه: يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة ... فلقد علمت بأن عفوك أعظم أدعوك ربي كما أمرت تضرعا ... فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم إن كان لا يرجوك إلا محسن ... فمن الذي يرجو المسيء المجرم ما لي إليك وسيلة إلا الرجا ... وجميل عفوك ثم إني مسلم وعن عبد الواحد بن زيد قال: خرجت حاجا يصحبني رجل، فكان لا يقوم ولا يقعد ولا يذهب ولا يجيء إلا صلى على النبي، فقلت له: في ذلك، فقال: أخبرك عن ذلك، خرجت أول سنيات إلى مكة ومعي أبي، فلما انصرفنا، فكنا في بعض المنازل، فبينا أنا نائم إذ أتاني آت فقال لي: قم فقد أمات الله أباك وسود وجهه، فقمت مذعورا، فكشفت الثوب عن وجه أبي، فإذا هو ميت أسود الوجه، قال: فدخلني من ذاك، فبينا أنا على ذلك الغم إذ غلبتني عيني فنمت، إذ أقبل رجل حسن الوجه، في ثوبين أخضرين، فرفع الثوب عن وجهه فمسح وجهه بيده ثم أتاني فقال لي: قم فقد بيض الله وجه أبيك، فقلت: من أنت بأبي أنت وأمي، فقال لي: أنا محمد، قال: فقمت فكشفت الثوب عن وجه أبي فإذا هو أبيض الوجه، فأصلحت من شأنه ودفنته، فما تركت الصلاة بعد على النبي. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 77].

الجنة ونعيمها

الجنة ونعيمها * عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: إذا سكن أهل الجنة: نَوَّر سقفُ مساكنهم نورُ عرشه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 320]. * وقال أيضا رضي الله عنهما: الظل الممدود: شجرة في الجنة على ساق، قدرَ ما يسير الراكب المُجِد في ظلها مائة عام في كل نواحيها، قال: فيخرج إليها أهلُ الجنة، أهلُ الغرف وغيرُهم، فيتحدثون في ظلها، فيشتهي بعضهم، ويذكر لَهْوَ الدنيا، فيرسل الله ريحا من الجنة، فتحرك تلك الشجرة بكل لهو كان في الدنيا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 328]. * وقال أيضا رضي الله عنهما: نخل الجنة جذوعها من زمُرُّدٍ أخضر، وكَرَبها ذهب أحمر، وثمرها مثل القلال، أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، وألين من الزبد. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 329]. * وقال أيضا رضي الله عنهما: الرمانة من رمان الجنة يجتمع حولها بشر كثير يأكلون منها، فإن جرى على ذكر أحدهم شيء يريده وجده في موضع يده حيث يأكل. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 346]. * وعن أبي إسحاق قال: سمعت البراء بن عازب - رضي الله عنه - في هذه الآية {قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} [الحاقة: 23] قال: يأخذه أحدهم وهو نائم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 329]. * وعن ابن عمر - رضي الله عنه - في قوله - تعالى -: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1] قال: الكوثر نهر في الجنة، حافتاه قصب الذهب، مجراه على الدُّرّ والياقوت، ماؤه أشد بياضا من الثلج، وأشد حلاوة من العسل، تربته أطيب من ريح المسك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 334].

* وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: لعلكم تظنون أن أنهار الجنة أخدود في الأرض؟ لا والله، إنها سائحة على وجه الأرض، إحدى حافتيها اللؤلؤ، والأخرى الياقوت، وطنيه المسك الأذفر. قيل: ما الأذفر؟ قال: الذي لا خِلط له. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 334]. * وقال أيضا - رضي الله عنه - في قوله - تعالى -:: {فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} [الرحمن: 66] قال: بالمسك والعنبر ينضخان على دور أهل الجنة، كما ينضخ المطر على دور أهل الدنيا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 335]. * وقال أيضا - رضي الله عنه - في قوله - تعالى -:: {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق: 35] قال: يتجلى لهم كل جمعة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 340]. * وقال أبو تميمة الهجيمي: سمعت أبا موسى الأشعري - رضي الله عنه - يخطب على منبر البصرة يقول: إن الله - عزَّ وجلَّ - يبعث يوم القيامة ملَكا إلى أهل الجنة، فيقول: يا أهل الجنة هل أنجزكم الله ما وعدكم؟ فينظرون فيرون الحلي والحلل، والثمار والأنهار، والأزواج المطهرة، فيقولون: نعم أنجزنا ما وعدنا، ثم يقول الملك: هل أنجزكم الله ما وعدكم؟ ثلاث مرات، فلا يفقدون شيئا مما وُعدوا، فيقولون: نعم، فيقول: قد بقي لكم شيء، إن الله - عزَّ وجلَّ - يقول: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَة} [يونس: 26] ألا إن الحسنى الجنة، والزيادة النظر إلى وجهه الكريم. قال ابن أبي ليلى رحمه الله: فما ظنكم بهم حين ثقلت موازينهم، وحين صارت الصحف في أيمانهم، وحين جاوزوا جسر جهنم، وأدخلوا الجنة، وأعطوا ما أعطوا من الكرامة والنعيم، كأن لم يكن شيئا رأوه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 340، 341]. * وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: إن الرجل من أهل الجنة ليشتهي الشراب من شراب الجنة، فيجيء الإبريق فيقع في يده فيشرب، ثم يعود إلى مكانه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 348]. * وقال ابن مسعود - رضي الله عنه - في قوله - تعالى -: {بطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} [الرحمن: 54] قال: هذه البطائن قد خَبَرْتم بها، فكيف بالظهائر!. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 352].

* وعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - قال: في الجنة عِتاق الخيل، وكِرام النجائب، يركبها أهلها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 370]. * وقال ثابت البناني رحمه الله: لقد أُعطي أهل الجنة خصالًا، لو لم يُعطوها لم ينتفعوا بها، يشبُّون فلا يهرمون أبدا، ويشبعون فلا يجوعون أبدًا، ويكسون فلا يعرون أبدًا، ويَصِحُون فلا يسقمون أبدًا، رضي الله عنهم، لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم قلبٌ واحد، يسبحون الله بكرة وعشيًا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 318]. * وعن عطاء بن يسار رحمه الله قال: في الجنة نخل من ذهب، جذوعها من ذهب، وسعفها كأحسن حلل رآه الناس، وشماريخها وعراجينها من ذهب، وثمرها مثل القِلال (¬1)، وأشد بياضا من اللبن والفضة، وأطيب من المسك، وأحلى من السكر، وألين من الزبد والسمن. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 329]. * وعن عبد الرحمن بن زيد رحمه الله قال: وُصِفَ أهلُ الجنة بالضحك والسرور والتفكه، حتى يُعلم أن حلواتِ الدنيا مراراتُ الآخرة، ومراراتِ الدنيا حلواتُ الآخرة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 287]. * وعن مجاهد رحمه الله في قوله - تعالى -:: {وَذُلِّلَتْ قُطُوفهَا تَذْلِيلًا} [الإنسان: 14] قال: إذا قام ارتفعت، وإذا قعد تدلَّت حتى يتناولها، وإذا اضطجع تدلت، فذلك تذليلها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 345]. * وعن حميد بن هلال رحمه الله قال: بلغنا أن أهل الجنة يزور الأعلى الأسفل، ولا يزور الأسفل الأعلى. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 358]. * وعن يحيى بن أبي كثير رحمه الله قال: لا يُؤذن للأسفل بزيارة الأعلى، إلا من كان يزور في الله - عزَّ وجلَّ - فإنه يُؤذن له يزور من الجنة حيث يشاء. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 358]. * وعن الضحاك رحمه الله في قوله - تعالى -:: {لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [الأنفال: 4] ¬

(¬1) الْقِلَال: بِكَسْرِ الْقَاف جَمْع قُلَّة، وَهِيَ الْجَرَّة الْكَبِيرَة الَّتِي يُقِلّهَا الرَّجُل بَيْن يَدَيْهِ, أَيْ يَحْمِلهَا.

قال: بعضهم أفضل من بعض، فيرى الذي فُضِّلَ: به فضيلة، ولا يرى الذي أسفل منه: أنه فُضِّل عليه أحد من الناس. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 359]. * وقال أيضًا رحمه الله في قوله - تعالى -:: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا} [مريم: 85] قال: على النجائب عليها الرِحَال. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 370]. * وقال الزهري رحمه الله: لسان أهل الجنة عربي. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 363]. * وقال رجل من قريش لابن شهاب رحمه الله: هل في الجنة من سماع؟ فإنه حبب إلي السماع. قال: أي والذي نفس ابن شهاب بيده، إن في الجنة لشجرا حَمْله اللؤلؤ والزبرجد، تحته جواري ناهدات، يتغنين بالقيان، يقلن: نحن الناعمات فلا نبأس، ونحن الخالدات فلا نموت. فإذا سمع ذلك الشجر صفق بعضه بعضا، فأجبن الجواري، فلا يدري أصوات الجواري أحسن أم أصوات الشجر. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 373]. * وعن خالد بن يزيد رحمه الله أن الحور العين يتغنين لأزواجهن يقلن: نحن الخيرات الحسان، أزواج شبان كرام، ونحن الخالدات فلا نموت، ونحن الناعمات فلا نبأس، ونحن الراضيات فلا نسخط، ونحن المقيمات فلا نظعن، في صدر إحداهن مكتوب: أنت حِبِّي وأنا حبك، انتهت نفسي عندك، فلا ترى نفسي مثلك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 373]. * وعن محمد بن المنكدر رحمه الله قال: إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين الذين كانوا ينزهون أنفسهم وأسماعهم عن مجالس اللهو، ومزامير الشيطان، أسكنوهم رياض المسك. ثم يقول للملائكة: أسمعوهم تحمدي وتمجيدي. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 374].

النار وعذابها

النار وعذابها * عن ابن مسعود - رضي الله عنه -، في قوله: {زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ} [النحل: 88]، قال: عقارب أنيابها كالنخل الطوال. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 420]. * وقال أيضا - رضي الله عنه -: أي أهل النار أشد عذاباً؟ فقال رجل: المنافقون، قال: صدقت. فهل تدري كيف يعذبون؟ قال: لا. قال: يجعلون في توابيت من حديد تصمد عليهم، ثم يجعلون في الدرك الأسفل من النار، تطبق على أقوام بأعمالهم آخر الأبد. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 422]. * وقال رجل لابن مسعود - رضي الله عنه -: حدثنا عن النار كيف هي؟ قال: لو رأيتها لزال قلبك من مكانه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 411]. * وعن ابن عباس - رضي الله عنه -، قال: لو أن دلوا من غساق (¬1) يهراق في الدنيا لأنتن أهل الدنيا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 416]. * وقال أيضاً - رضي الله عنه -: لو أن قطرة من زقوم جهنم أُنزلت إلى الدنيا لأفسدت على الناس معايشهم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 417]. * وقال أيضاً - رضي الله عنه -: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ} [الزخرف: 77] قال: يمكث عنهم ألف سنة ثم يجيبهم: {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزخرف: 77]. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 417]. * وقال أيضاً - رضي الله عنه -: يستعيذ أهل النار من الحر، فيُغاثُون بريح بارد، يصدع العظم بردُها، فيسألون الحر. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 417]. * وقال أيضاً - رضي الله عنه - في قوله: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} [الأعراف: 50] قال: ينادي الرجل أخاه: يا ¬

(¬1) الغساق: بالتخفيف والتشديد ما يسيل من صديد أهل النار وغسالتهم، وقيل الزمهرير.

أخي، قد احترقت فأغثني، فيقول: {إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} [الأعراف: 50]. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 451]. * وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه -، قال: يُرسل على أهل النار الجوع، حتى يعدل عندهم ما هم فيه من العذاب، قال: فيستغيثون، فيغاثون بالضريع الذي {لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ} [الغاشية: 7]، قال: فيستغيثون، فيغاثون بطعام ذي غصة، قال: فيذكرون أنهم يجيزون الغصص في الدنيا بالشراب، قال: فيرفع إليهم الحميم بكلاليب الحديد، فإذا دنا من وجوههم شوى وجوههم، وإذا دخل بطونهم قطع ما في بطونهم، فيقولون: كلموا خزنة النار، فيقولون: {ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنْ الْعَذَابِ} [غافر: 49]، فيجيبونهم: ... {أَوَ لَمْ تَكُ تَاتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ} [غافر: 50]. فيقولون: كلموا مالكاً فيقولون: {يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف: 77] فيجيبهم: {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزخرف: 77]. فيقولون: ادعوا ربكم، فإنه ليس أحدٌ خيرا لكم من ربكم. فيقولون: {رَبّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} [المؤمنون: 107]، قال: فيجيبهم: ... {اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: 108]، قال: فعند ذلك ييأسون من كل خير، ويأخذون في الشهيق والويل والثبور. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 417]. * وعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه -، قال: أهل النار مكبلون بأصفاد النار، معلقون بشجر في النار، وإن جلودهم لتقطر بصهارة الحميم، خالدين فيها، لا يكلمهم الله، ولا ينظر إليهم، ولهم عذاب عظيم. ولو أن رجلا أُخرج من أهل النار إلى الدنيا، لمات أهل الدنيا من وحشة منظره ونتن ريحه، ثم بكى عبد الله بن عمرو بكاء شديدا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 426]. * وقال أيضًا - رضي الله عنه -: إن أهل النار نادوا: {يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف: 77] قال: فخلى عنهم أربعين عاماً ثم أجابهم: {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزخرف: 77]. فقالوا: {رَبّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} [المؤمنون: 107] قال: فخلى عنهم مثل الدنيا ثم أجابهم: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: 108] قال: فلم ينبس القوم بعد ذلك بكلمة، إن كان إلا الزفير والشهيق.

* وعن أبي حمزة قال: كنت أمشي مع رباح القيسي رحمه الله فمر بصبي يبكي، فوقف عليه يسأله ما يبكيك يا بني؟ وجعل الصبي لا يحسن يجيبه ولا يرد عليه شيئا، فبكى ثم التفت إلي فقال: يا أبا حمزة ما لأهل النار راحة ولا معول إلا البكاء، وجعل يبكي. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 218]. قال أبو بكر ابن أبي الدنيا رحمه الله: كان بعض الواعظين يقول إذا حدث بهذا: أنت تحتمل محاورة مالك؟ ومالك المسلط على ما هنالك، مالك إن زجر النار التهبت حريقا لزجره، وتوقدت مستعرة انصياعا لأمره، واحتدمت تلظيا على العصاة من غضبه، ومتى يرضى من غضب عليهم لغضب ربه؟ إذا غضب مالك على النار أكل بعضها بعضا، ولم تَخْبُ من الاستعار على المعذبين خيفة غضبه. ومتى يرضى من فطره الله على طَوَال الغضب عليهم، ومن تعبَّد اللهَ بما يوصَل من أليم الهوان إليهم؟ استغاثوا بمن لا يرحمهم من ضر أصابهم، ولا يرثي لهم من جهد بلاء نزل بهم، يدعون مالكاً وقد شوهتهم النار غير مرة فأنضجتهم، ثم جددوا لها خَلْقا مستأنَفا فأكلتْهم، ويلك أيها المستغيث بمالك إن مالكاً اشتدت سَوْرَة غضبه، فهو دائب يشتفي ممن أقدم صُراحا على معصية ربه، فلا تسل عن جَهدً يلاقونه بشدته، وطعام زقوم اعترض في حلوقهم بِحرِّه وخشونته، وصديد لم يسيغوه إذا جرعوه على كراهته، ولقد نادوا بالويل عند أول نفحة من عذاب ربهم مستهم، وأقروا بالظلم حين قرنوا بندامتهم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 436، 437]. * وقال الحسن رحمه الله: إن الأغلال لم تُجعل في أعناق أهل النار لأنهم أعجزوا الرب، ولكنهم إذا طفا بهم اللهب أرْسَبَتْهم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 411]. * وقال أيضاً رحمه الله في قوله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ} [الغاشية: 2، 3] قال: لم تخشع لله في الدنيا، فأخشعها وأنصبها في النار، فذلك عملها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 427]. * وقال أيضا رحمه الله في قوله: {إِنّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً} [الفرقان: 65] قال: الغرام: اللازم الذي لا يفارق صاحبه أبداً، وكل عذاب يفارق صاحبه فليس بغرام. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 444].

* وعن أبي عمران الجوني رحمه الله، قال: بلغنا أنه إذا كان يوم القيامة أُمر الله بكل جبار عنيد، وبكل شيطان، وبكل من كان يخاف الناسُ شرَّه في الدنيا، فأوثقوا في الحديد، ثم أُمر بهم إلى النار، ثم أوصد عليهم، ولا والله لا تستقر أقدامهم على قرار أبداً، ولا والله لا ينظرون إلى أديم السماء أبداً، ولا والله ما تلتقي جفون أعينهم على غُمْضِ نوم أبداً، ولا والله لا يذوقون فيها برد شراب أبداً، ثم يقال لأهل الجنة: فَتِّحوا الأبواب، ولا تخافوا شيطاناً ولا جباراً، وكلوا اليوم: ... {وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة: 24] قال: أبو عمران الجوني: هي والله أيامكم هذه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 413]. * وعن سعيد بن جبير رحمه الله، قال: إذا جاع أهل النار استغاثوا بشجرة الزقوم، فأكلوا منها، فاختلست (¬1) جلود وجوههم، فلو أن مارًّا يمر بهم لعرف جلود وجوههم فيها. ثم يُصب عليهم العطش، فيستغيثوا فيغاثون بماء كالمهل، وهو الذي قد انتهى حره. فإذا أُدني من أفواههم انشوى من حره لحم وجوههم التي سقطت عنها الجلود، و {يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ} [الحج: 20]، فيمشون تسيل أمعاؤهم، وتساقط جلودهم، ثم يُضربون بمقامع من حديد، ويسقط كل عضو على حياله، يدعون بالثبور. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 414]. * وقال أيضاً رحمه الله: لو انقلب رجل من أهل النار بسلسلة لزالت الجبال. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 414]. * وقال سفيان الثوري رحمه الله في قوله: {فَاسْلُكُوهُ} [الحاقة: 32] قال: بلغنا أنها تدخل في دبره حتى تخرج من فيه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 415]. * وعن قتادة رحمه الله في قوله: {وَيُسْقَىَ مِن مّآءٍ صَدِيدٍ} [إبراهيم: 16] قال: ماء يسيل من لحمه وجلده. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 418]. * وعن مجاهد رحمه الله قال: إن في النار لزمهريرا يعذبون به، فيهربون منها إلى ذاك الزمهرير، فإذا وقعوا حطم عظامهم حتى تسمع لها نقيضا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 422]. ¬

(¬1) اختلست: أسقطت.

* وقال أيضا رحمه الله: يُلقى على أهل النار الجرب، فيحتكون حتى تبدو العظام، فيقولون: ربنا بم أصابَنا هذا؟ قال: بأذاكم المؤمنين. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 427]. * وقال أيضاً رحمه الله في قوله: {نَزَّاعَةً لِلشَّوَى} [المعارج: 16] قال: نزع الجلد واللحم عن العظم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 428]. * وعن وهب بن منبه رحمه الله، قال: إن أهل النار الذين هم أهلها، فهم في النار لا يهدؤون، ولا ينامون، ولا يموتون، يمشون على النار، ويجلسون على النار، ويشربون من صديد أهل النار ويأكلون من زقوم النار، لُحفهم نار، وفرشهم نار، وقمصهم نار وقطران، وتغشى وجوههم النار، ثم بكى وهب بن منبه حتى سقط مغشيا عليه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 426]. * وقال أيضاً رحمه الله: كُسِيَ أهل النار، والعُرْيُ كان خيرا لهم، وأُعطوا الحياة، والموت كان خيرا لهم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 439]. * وقال أيضاً رحمه الله: كان داود - عليه السلام - يقول: إلهي، لا صبر لي على حر شمسك، فكيف صبري على حر نارك؟ إلهي، لا صبر لي على صوت رحمتك - يعني الرعد - فكيف صبري على صوت عذابك؟. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 447]. * وعن مقاتل بن حيان رحمه الله، قال: إن أهل النار لا يخرج لهم نفس، إنما ترَدَّد أنفاسهم في أجوافهم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 434]. * وعن السدي رحمه الله في قوله: {وَيُسْقَىَ مِن مّآءٍ صَدِيدٍ} [إبراهيم: 16] قال: إذا سال من جلودهم سال حتى يسيل منه القيح والدم، ثم يُكلَّف شربه، فلا يكاد يسيغه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 438]. * وعن رجاء بن ميسور قال: كنا في مجلس صالح المري رحمه الله وهو يتكلم، فقال لفتى بين يديه: اقرأ يا فتى! فقرأ الفتى: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر: 18] فقطع صالح عليه القراءة، وقال: كيف يكون لظالم حميم أو شفيع، والمطالب له رب العالمين؟ إنك والله لو رأيت الظالمين، وأهل

المعاصي، يساقون في السلاسل والأنكال، إلى الجحيم، حفاة عراة، مسودةً وجوههم، مزرقةً عيونهم، ذائبةً أجسادهم، ينادون: يا ويلنا، يا ثبورنا، ماذا نزل بنا؟! ماذا حل بنا؟! أي يُذهب بنا؟! ماذا يُراد منا؟! والملائكة تسوقهم بمقامع النيران، فمرة يجرون على وجههم ويسحبون عليها منكبين، ومرة يقادون إليها مقرنين، من بين باك دمًا بعد انقطاع الدموع، ومن بين صارخ طائر القلب مبهوت. إنك والله لو رأيتهم على ذلك، لرأيت منظرًا لا يقوم له بصرك، ولا يثبت له قلبك، ولا تستقر لفظاعة هوله على قرارٍ قدمُك! ثم نحب وصاح: يا سوء منظراه! يا سوء منقلباه! وبكى، وبكى الناس. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 496]. * وعن حماد بن خوار رحمه الله، قال: بلغنا أن أهل النار يبكون الدموع حتى تفنى، ثم يبكون الدماء، فيقول لهم الخزنة: يا معشر الأشقياء، لو كان هذا في الدار المقبولِ فيها العملُ، كان نعم الذخرُ لكم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 445]. * وعن أبي رزين رحمه الله: في قوله: {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاء بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [التوبة: 82] قال: الدنيا قليل فليضحكوا فيها ما شاؤوا، فإذا انقطعت الدنيا وصاروا إلى الله استأنفوا بكاء لا ينقطع عنهم أبدا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 446]. * وعن عبد الأعلى رحمه الله، قال: ما جلس قوم مجلسا فلم يذكروا الجنة والنار إلا قالت الملائكة: أغفلوا العظيمتين. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 399]. * وعن قتادة رحمه الله في قوله - تعالى -:: {لِكُلِّ بَاب مِنْهُمْ جُزْء مَقْسُوم} [الحجر: 44] قال: هي والله منازل بأعمالهم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 401]. * وعن سليمان التيمي رحمه الله قال: في قوله: {خُذُوهُ} [الدخان: 47]، قال: لا يضع يده على شيء إلا دقه، فيقول: أما ترحمني؟ فيقول: كيف أرحمك وأرحم الراحمين لم يرحمْك؟. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 452].

* وقال محمد بن كعب القرظي رحمه الله: بلغني: " أن أهل النار استغاثوا بالخزنة، قال الله - عزَّ وجلَّ -: {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ} [غافر: 49] سألوا يوما واحدا يخفف عنهم فيه العذاب، فرد عليهم الخزنة: {أَوَلَمْ تَكُ تَاتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى} [غافر: 50]، فردت عليهم الخزنة: {قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ} [غافر: 50] ولما يئسوا مما عند الخزنة، {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف: 77] وهو عليهم، وله مجلس في وسطها، وجسور تمر عليه ملائكة العذاب، فهو يرى أقصاها كما يرى أدناها، فقالوا: {يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف: 77]. سألوا الموت، فمكث عنهم لا يجيبهم ثمانين سنة، والسنة ستون وثلاثمائة يوم، والشهر ثلاثون يوماً، واليوم {كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [الحج: 47] لحظ إليهم بعد الثمانين: {إِنَّكُم مَّاكِثُونَ} [الزخرف: 77] فلما سمعوا ما سمعوا مما قبله، قال بعضهم لبعض: يا هؤلاء، قد نزل بكم من البلاء والعذاب ما قد ترون، فهلموا فلنصبر، فلعل الصبر ينفعنا، كما صبر أهل الدنيا على طاعة الله فنفعهم الصبر إذ صبروا. فأجمعوا رأيهم على الصبر». قال: «فتصبروا، فطال صبرهم، ثم جزعوا، فنادوا: {سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مّحِيصٍ} [إبراهيم: 21]- أي: ملجأ - فقام إبليس عند ذلك فخطبهم: {إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي} [إبراهيم: 22]، يقول: بمغن عنكم شيئاً. {وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ} [إبراهيم: 22] فلما سمعوا مقالته مقتوا أنفسهم فنودوا: {لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ * قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ} [غافر: 10، 11] فرد عليهم: {ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} [غافر: 12] " قال: " هذه واحدة ".

قال: «فنادوا الثانية: {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ} [السجدة: 12] فرد عليهم: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} [السجدة: 13] يقول: لو شئت لهديت الناس جميعاً فلم يختلف منهم أحد {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} [السجدة: 13، 14] يقول: بما تركتم أن تعملوا ليومكم هذا. {إِنَّا نَسِينَاكُمْ} [السجدة: 14]: إنا تركناكم، ... {وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [السجدة: 14] فهذه اثنتان ". قال: " فنادوا الثالثة: {رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ} [إبراهيم: 44] فرد عليهم: {أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَال * وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ * وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} [إبراهيم: 44 - 46] ". قال: " هذه الثالثة ". قال: " ثم نادوا الرابعة: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [فاطر: 37] ". قال: «{أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ} [فاطر: 37]. فمكث عنهم ما شاء الله، ثم ناداهم: {أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ} [المؤمنون: 105]. فلما سمعوا ذلك قالوا: الآن يرحما ربنا. وقالوا عند ذلك: {رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا} [المؤمنون: 106] أي الكتاب الذي كتبت علينا. {وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} [المؤمنون: 106، 107] فقال عند ذلك: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: 108]. فانقطع عند ذلك الدعاء والرجاء منهم، وأقبل بعضهم على بعض، ينبح بعضهم في وجه بعض، وأطبقت عليهم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 454]. * وعن قتادة رحمه الله في قوله: {فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ} [المطففين: 34] قال: ذُكر لنا أن كعبا، كان يقول: إن بين الجنة والنار

كوى (¬1)، فإذا أراد المؤمن أن ينظر إلى عدوٍ كان له في الدنيا اطلع من بعض تلك الكوى، قال الله - عزَّ وجلَّ - في آية أخرى: {فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاء الْجَحِيمِ} [الصافات: 55] قال: ذكر لنا أنه إذ ذاك اطلع: فرأى جماجم القوم تغلي. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 457]. * وعن موسى بن أبي عائشة رحمه الله، {أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ} [الزمر: 24] قال: تشد أيديهم وأرجلهم، فكلما جاءهم نوع من العذاب، اتقوه بوجوههم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 458]. ¬

(¬1) الكوة: الخرق في الحائط والثقب في البيت ونحوه.

حال بعض الملوك، والأمراء، والمذنبين عند الموت

حال بعض الملوك، والأمراء، والمذنبين عند الموت * قال عمرو بن العاص - رضي الله عنه - وهو في الموت: اللهم لا ذو قوة فأنتصر، ولا ذو براءة فأعتذر، اللهم إني مقرٌ، مذنب، مستغفر. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 330]. * وعن الحسن قال: لما احتضر عمرو بن العاص - رضي الله عنه - نظر إلى صناديق فقال لبنيه: من يأخذها بما فيها؟ يا ليته كان بعرًا قال: ثم أمر بالحرس فأحاطوا بقصره فقال بنوه: ما هذا؟ فقال: ما ترون؟ هذا يغني عني شيئا؟. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 330]. * وعن حماد بن موسى قال: لما احتُضِر عبدُ العزيز بن مروان، أتاه البشير يُبشِّرُهُ بماله الواصل في العام، فقال: مالك؟ قال: هذه ثلاث مئة مُديٍ من ذهَب. قال: مالي وله، لَوَدِدتُ أنَّه كان بعرًا حائلاً بِنَجد. قال الذهبي رحمه الله: هذا قولُ كلِّ ملكٍ كثيرِ الأموال، فهلاّ يُبادر ببذله؟. [السير (تهذيبه) 1/ 490]. * وعن ابن أبي مليكة قال: رأيت عبد العزيز بن مروان حين حضره الموت وهو يقول: ألا ليتني لم أكُ شيئا مذكورا، ألا ليتني كهذا الماء الجاري، أو كنابتةٍ من الأرض، أو كراعي ثلة في طرف الحجاز. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 331]. * وعن داود بن المغيرة قال: لما حضرت عبد العزيز بن مروان الوفاة قال: ائتوني بكفني الذي تكفنوني فيه، فلما وضع بين يديه، ولا هم ظهره، فسمعوه وهو يقول: أف لك، أف لك، ما أقصر طويلك، وأقل كثيرك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 331].

* وعن أبي وائل قال: لما حضر بشر بن مروان قال: والله لوددت أني كنت عبدا حبشيا لأسوأ أهل البادية مَلكةً، أرعى عليهم غنمهم، وإني لم أكن فيما كنت فيه، فقال سفيان: الحمد لله الذي جعلهم يفرون إلينا ولا نفر إليهم، إنهم ليرون فينا عِبرا، وأنا لنرى فيهم عبرا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 331]. * وقال ابن الجوزي رحمه الله: مرض عبد الملك بن مروان فجعل في مرضه يذم الدنيا ويقول: إن طويلك لقصير، وإن كثيرك لقليل، وأنا منك لفي غرور. ونظر إلى غسال يلوي ثوبًا بيده، فقال: لوددت أني كنت غسالاً آكل من كسب يدي ولم آل شيئًا من هذا الأمر، فبلغ ذلك أبا حازم، فقال: الحمد لله الذي جعلهم إذا احتضروا يتمنون ما نحن فيه، وإذا احتضرنا لم نتمن ما هم فيه. [المنتظم 6/ 273، موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 322]. * وعن فضالة قال: استأذن قوم على عبد الملك بن مروان وهو شديد المرض، فدخلوا عليه، وقد أربد لونه، وجرى منخراه، وشخصت عيناه، فقال: دخلتم علي في حال إقبال آخرتي وإدبار دنياي! وإني تذكرت أرجى عملي فوجدته غزوة غزوتها في سبيل الله وأنا خِلوٌ من هذه الأشياء، فإياكم وإيا أبوابنا هذه الخبيثة أن تُطيفوا بها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 322]. * وعن ابن ساباط الجمحي: أنه خرج من قنسرين وهو قافل، فأشار لي إنسان إلى قبر عبد الملك بن مروان، فوقفت أنظر، فمر عباديٌّ فقال: لم وقفت ها هنا؟ قلت: أنظر إلى قبر هذا الرجل الذي قدم علينا مكة في سلطان وأمر، ثم عجبت إلى ما رُدَّ إليه، فقال: ألا أخبرك خبره لعلك ترهب؟ قلت: ما خبره؟ قال: هذا ملك الأرض بعث إليه ملك السماوات والأرض، فأخذ روحه، فجاء به أهله فجعلوه ها هنا، حتى يأتي الله يوم القيامة معه مساكين أهل دمشق!. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 323]. * وقال عبد الملك بن مروان في مرضه: والله لوددت أني عبدٌ لرجل من تهامة أرعى غنيمات في جبالها وأني لم ألِ!. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 329].

* وكان سليمان بن عبد الملك يأخذ المرآة فينظر فيها، فيبصر من قرنه إلى قدمه، ويقول: أن الملك الشاب، فلما نزل مرج دابق، وفشت الحمى في عسكره، فنادى بعض خدمه، فجاءت بطشت فسقطت، فقال لها: ما شأنك؟ قالت: محمومة قال: فأين فلانة؟ قالت: محمومة فلم يعُدَّ أحدا إلا قالت: محموم! فقال سليمان: الحمد لله الذي جعل خليفته في الأرض ليس له من يوضئه، ثم التفت إلى خالد بن الوليد بن القعقاع العبسي فقال: قرب وضوءك يا وليد فإنما ... هذي الحياة تعِلَّةٌ ومتاع فاعمل لنفسك في حياتك صالحًا ... فالدهر فيه فرقة وجماع ومات في مرضه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 324]. * ولما احتُضر هشام بن عبد الملك أبصر أهله يبكون حوله، فقال: جاد عليكم هشام بالدنيا وجدتم عليه بالبكاء، وترك لكم ما جَمع وتركتم عليه ما حَمل، ما أعظم متقلَّب هشام إن لم يغفر له!. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 328]. * وجعل المنتصر يقول وهو يكيد بنفسه وقائل يقول: لا بأس عليك يا أمير المؤمنين فقال: ليس إلا هذا؟ لقد ذهبت الدنيا والآخرة!. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 329]. * وجعل هارون أمير المؤمنين يقول وهو في الموت: واسوءتاه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -!. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 329]. * وعن عكرمة بن خالد، أنه دخل على نافع بن أبي علقمة الكناني - وهو أمير على مكة - يعوده، فرآه ثقيلا فقال له: اتق الله وأكثر ذكره، فولى بوجهه إلى الجدار فلبث ساعة، ثم أقبل علي فقال: يا أبا خالد ما أُنكر ما تقول، ولوددت أني كنت عبدا مملوكا لبني فلان بن كنانة - أشقى أهل بيت من كنانة - وأني لم ألِ من هذا العمل شيئا قط. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 381]. * وقال الربيع بن برة رحمه الله: رأيت بالأهواز رجلا يقال له وهو في الموت: يا فلان قل: لا إله إلا الله، قال: ده دوازده، ده شازده، ده جهارده - بالفارسية - قال: ورأيت بالشام رجلًا يقال له وهو في الموت: قل لا إله إلا الله، فقال: اشرب واسقه!. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 361].

* وقيل لرجل وهو في الموت: قل لا إله إلا الله، قال: هيهات! حيل بيني وبينها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 361]. * وقال عبد العزيز بن أبي رواد رحمه الله: حضرت رجلًا في النزع فجعلت أقول له: قل لا إله إلا الله، فكان يقول، فلما كان في آخر ذلك قلت له: قل لا إله إلا الله، قال: كم تقول؟ إني كافر بما تقول، وقُبض على ذلك، فسألت امرأته عن أمره فقالت: كان مدمن خمر، فكان عبد العزيز يقول: اتقوا الذنوب فإنما هي أوقعته. (¬1) [جامع العلوم والحكم / 78، موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 370]. * وعن زرقان بن أبي داود قال: لما احتضر الواثق جعل يردد هذين البيتين: الموت فيه جميع الخلق مشترك ... لا سُوقة منهم يبقى ولا ملك ما ضر أهل قليل في تفاقرهم ... وليس يغني عن الأملاك ما ملكوا ثم أمر بالبسط فطويت، وألصق خده بالأرض، وجعل يقول: يا من لا يزول ملكه ارحم مَنْ قد زال ملكه. [المنتظم 11/ 185]. * واحتُضر رجلٌ فقيل له: قل لا إله إلا الله فقال: أنا إن مت فالهوى حشو قلبي ... فبداء الهوى يموت الكرام ثم قال: يا من لا يموت أرحم من يموت، ثم لم يلبث أن مات!. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 374]. * وقال ابن الجوزي رحمه الله: لمَّا احتضر عضد الدولة جعل يتمثل بقول القاسم بن عبيد الله: ¬

(¬1) قال ابن رجب رحمه الله في قول الرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إنّ الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار , وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة): زاد البخاري في رواية له: (إنما الأعمال بالخواتيم). وقوله: ... (فيما يبدو للناس) إشارة إلى أن باطن الأمر يكون بخلاف ذلك , وأنّ خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد لا يطلع عليها الناس , إما من جهة عمل سيء ونحو ذلك , فتلك الخصلة الخفية توجب سوء الخاتمة عند الموت , وكذلك قد يعمل الرجل عمل أهل النار وفي باطنه خصلة خفية من خصال الخير فتغلب عليه تلك الخصلة في آخر عمره , فتوجب له حسن الخاتمة. جامع العلوم والحكم / 78

قتلت صناديد الرجال فلم أدع ... عدوًا ولم أمهل على ظَنِّه خلقا وأخليت دور الملك من كل نازل ... فشردتهم غربا وبددتهم شرقا فلما بلغت النجم عزًا ورفعة ... وصارت رقاب الخلق أجمع لي رقا رماني الردى سهمًا فأخمد جمرتي ... فها أنا ذا في حفرتي عاطلاً مُلقى فأذهبت دنياي وديني سفاهة ... فمن ذا الذي مني بمصرعة أشقى ثم جعل يقول {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ} [الحاقة: 28، 29] فرددها إلى أن توفي. [المنتظم 14/ 295]. * وقال أيضًا: قال علماء السير: لما احتضر محمد المعتصم بن الرشيد جعل يقول: ذهبت الحِيَلُ ولا حيلة، ولو علمت أن عمري قصير هكذا ما فعلت. [المنتظم 11/ 128]. * وقال ابن القيم رحمه الله: قيل لبعضهم: قل: {لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله} [الصافات: 35] فقال: آه آه، لا أستطيع أن أقولها. وقيل لآخر: قل {لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله} فقال: يا رُبَّ قائلة يومًا وقد تعبت ... كيف الطريق إلى حمام منجاب؟ ثم قضى. وقيل لآخر: قل (لا إِله إِلا الله) فجعل يهذي بالغناء، ويقول: تاتنا تنتنا، حتى قضى. وقيل لآخر ذلك، فقال: ما ينفعني ما تقول، ولم أدَعْ معصية إلا ركبتها، ثم قضى ولم يقلها. وقيل لآخر ذلك، فقال: وما تغني عني وما أعرف أني صليت لله صلاة؟ ولم يقلها. وقيل لآخر ذلك، فقال: هو كافر بما تقول، وقضى. وقيل لآخر ذلك، فقال: كلما أردت أن أقولها ولساني يمسك عنها. قال رحمه الله: وأخبرني من حضر بعض الشحاذين عند موته، فجعل يقول: فلس لله، فلس لله، فلس لله، حتى قضى. وأخبرني بعض التجار عن قرابة له أنه احتضر وهو عنده، وجعلوا يلقنونه (لا إِله إِلا لله) وهو يقول: هذه القطعة رخيصة، هذا مشترى جيد، هذه كذا، حتى قضى. (¬1) [الداء والدواء / 97، 98]. ¬

(¬1) قال رحمه الله: وسبحان الله! كم شاهد الناس من هذا عبرًا؟ والذي يخفى عليهم من أحوال المحتضرين أعظم وأعظم , فإذا كان العبد في حال حضور ذهنه وقوّته وكمال إدراكه قد تمكن منه الشيطان, واستعمله فيما يريده من معاصي الله , وقد أغفل قلبه عن ذكر الله تعالى , وعطل لسانه عن ذكره , وجوارحه عن طاعته , فكيف الظن به عند سقوط قواه , واشتغال قلبه ونفسه بما هو فيه من ألم النزع؟ وجمع الشيطان له كل قوّته وهمّته , وحشد عليه بجميع ما يقدر عليه لينال منه فرصته فإن ذلك آخر العمل , فأقوى ما يكون عليه شيطانه ذلك الوقت , وأضعف ما يكون هو في تلك الحال , فمن ترى يَسلم على ذلك؟ فهناك {يُثَبِّتُ الله الَّذِينَ آمنُوا بالقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وفِي الآخِرَةِ , وَيُضِلُّ الله الظَّالِمِين وَيَفعَلُ اللهُ مَا يَشَاء} [إبراهيم: 27] فكيف يوفق بحسن الخاتمة من أغفل الله سبحانه قلبه عن ذكره واتبع هواه , وكان أمره فُرُطا؟ فبعيد مِن قلبٍ بعيدٍ من الله تعالى, غافل عنه , متعبد لهواه , أسير لشهواته , ولسانه يابس من ذكره, وجوارحه معطلة من طاعته , مشتغلة بمعصيته: أن يوفق للخاتمة بالحسنى. الداء والدواء / 98

* وقال ابن الجوزي رحمه الله: ولقد سمعت بعض من كنت أظن فيه كثرة الخير وهو يقول في ليالي موته: ربي هو ذا يظلمني. (¬1) [صيد الخاطر / 95]. ¬

(¬1) قال رحمه الله: فلم أزل منزعجًا بتحصيل عدة ألقى بها ذلك اليوم. وقال أيضًا: ولا بد من لقاء البلاء ولو لم يكن إلا عند صرعة الموت فإنها إن نزلت والعياذ بالله فلم تجد معرفة توجب الرضى أو الصبر أخرجت إلى الكفر.

تقلب الأحوال، وفجاءة النقم

تقلبُ الأحوال، وفُجاءة النِّقَمْ * عن محمد بن الفضل الجرجاني رحمه الله أنه تحدث في وزارته للمعتصم قال: كنت أتولى ضياع عجيف - وهو أحد القواد - فرفع عليّ أنني جئت وأخربت الضياع، فأنفذ إليّ، فأُدخلت عليه وهو يطوف في داره على ضياع فيها، فلما رآني شتمني وقال: أخربت الضياع، ونهبت الارتفاع والله لأقتلنك، هاتوا السيَّاف. فأحضرت ونحيت للضرب، فلما رأيت ذلك ذهب عقلي وبُلت على ساقي، فنظر كاتبه إلي فقال: أعزّ الله الأمير، أنت مشتغل القلب بهذا البناء وضرب هذا أو قتله في أيدينا ليس يفوت فتأمر بحبسه، وانظر في أمره، فإن كانت الرقعة صحيحة فليس يفوتك عقابه، وإن كانت باطلة لم تستعجل الإثم وتنقطع عما أنت بسبيله من المهم. فأمر بي إلى الحبس فمكثت أيامًا، وقتل المعتصم عجيفًا، فاتصل الخبر بكاتبه فأطلقني: فخرجت وما أهتدي إلى حبة فضة فما فوقها، فقصدت صاحب الديوان بسر من رأى فسُرَّ بإطلاقي، وقلَّدني عملًا فنزلت دارًا، فرأيت مستحمها غير نظيف، فإذا تل فجلست أبول عليه، وخرج صاحب الدار فقال لي: أتدري على أي شيء بُلت؟ قلت: على تل تراب. فضحك وقال: هذا رجل من قوَّاد السلطان يُعرف بعجيف سخط عليه، وحمله مقيدًا، فلما صار ها هنا قتل، وطُرح في هذا المكان تحت حائط، فلما انصرف العسكر طرحنا الحائط ليواريه من الكلاب، فهو والله تحت هذا التل التراب. قال: فعجبت من بولي خوفًا منه ومن بولي على قبره. [المنتظم 11/ 85، 86]. * وعن سعيد بن أبي بردة رحمه الله قال: ما يُنتظر من الدنيا إلا كل محزن، أو فتنة تُنتظر. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 18]. * وعن محمد بن سيرين رحمه الله قال: ما كان ضحك قط إلا كان من بعده بكاء. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 18].

* وخرج زياد حتى أتى حُرَقة بنت النعمان بن المنذر، فقال: أخرجوها إلي، وقد لبست المُسوح، فخرجت، فقال حدثني عن أهلك؟ قالت: أصبحنا وما في العرب أحد إلا يرجونا أو يخافنا، وأمسينا وما في العرب أحد إلا يرحمنا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 18]. * وعن محبوب العابد رحمه الله قال: مررت بدار من دور الكوفة، فسمعت جارية تنادي من داخل الدار ألا يا دار لا يدخلك حُزن ... ولا يَذهبْ بساكنك الزمان ثم مررت بالدار فإذا الباب وقد علته كآبة ووحشة، فقلت: ما شأنهم؟ قالوا: مات سيدهم، مات رب الدار، فوقفت على باب الدار فقرعته، وقلت: إني سمعت من ههنا صوت جارية تقول: ألا يا دار لا يدخلك حُزن ... ولا يَذهبْ بساكنك الزمان فقالت امرأة من الدار وبكت: يا عبد الله إن الله تعالى يُغيِّر ولا يغيَّر، والموت غاية كل مخلوق، فرجعت والله من عندهم باكيا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 19]. * وعن علي بن دينار قال: دخل محمد بن زيدان الكاتب يوما على يحيى بن خالد بن برمك، فرآه مهموما مفكرا، ينكت في الأرض، فقلت: أصلحك الله قد طال فكرك، ففيم ذاك، هذا ابنك الفضل على خراسان، وجعفر على العراق، ومحمد على اليمن، وموسى على الجبال، وأنت فيما أنت فيه، فقال: ويحك ففي هذا كان فكري، ولِما نحن فيه كثر همي، أنا علمت أن جدي برمك كان ينزل النُّوبَهار، وكان يقدم في كل سنة على هشام بن عبد الملك، فكان يألف دهْقانا بالجبل ينزل عليه ذاهبا وينزل عليه راجعا، وكان في دنيا عريضة، وأمْرٍ واسع جدا، فقال له جدي مرة في بعض نزوله عليه: إنك من الدنيا لفي أمر واسع وخير كثير، هؤلاء ولدك قد ساووك، وأموالك منتشرة، وجاهك عريض، قال: وما ينفعني من ذلك وقد تكدر كل ما أنا فيه بصاحبتي أم أولادي، هي الدهر باكية ليلها ونهارها، فما أتهنى بشيء مما أنا فيه، قلت: أفتأذن لي في كلامها؟ قال: نعم شأنك وذاك،

فقلت: يا هذه إنكم من الدنيا في سعد، ومن العيش فيما أنتم فيه، وقد أفسدت ذاك على صاحبك بطول بكائك، ودوام حزنك، فمم ذاك؟ قالت: نحن أهل بيت لم نصب بمصيبة، ولم تنزل بنا جائحة، ولم نُثكَل ولدا، فقد علمت أن هذا لا يتم على ما أرى، ونفسي متوقعة أمرا ينزل بنا، فطول بكائي ودوام حزني لذلك، فقلت لها: فلم تعجلين البكاء دعي الأمر حتى يقع؟ قالت: إن نفسي تأبى أن تسكن مع تغير ما تعلم، قال: فارتحلت من عندهم إلى هشام، ثم رجعت فمررت بهم، فإذا الأعراب والأكراد قد أغاروا عليهم، فقتلوا الدهقان وولده، وأخذوا أموالهم، وأخربوا ضياعهم، فأتيت المرأة فتوجعت لهما مما نزل بهم، فقالت: أبا فلان قد حل بنا ما كنا نتوقع، فهل عندك من شيء؟ فقال يحيى بن خالد: ويحك فإنما طال فكري للأمر الذي نحن فيه. قال: فما لبث البرامكة أن حل بهم ما حل. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 26]. * وعن نابل بن نجيح قال: كان باليمامة رجلان ابنا عم، فكثر مالهما، فوقع بينهما ما يقع بين الناس، فرحل أحدهما عن صاحبه، قال: فإني ليلة قد ضجرت برغاء الإبل والغنم والكثرة، إذ أخذت بيد صبي لي وعلوت في الجبل، فأنا كذلك إذ أقبل السيل، فجعل مالي يمر بي ولا أملك منه شيئا، حتى رأيت ناقة لي قد علق خطامها بشجرة، فقلت: لو نزلت إلى هذه فأخذتها لعلي أنجو عليها أنا وبُنيَّ هذا، فنزلت فأخذت الخطام وجذبها السيل، فرجع علي غصن الشجرة فذهب ماء إحدى عيني، وأفلت الخطام من يدي، فذهبت الناقة، ورجعت إلى الصبي فوجدته قد أكله الذئب، فأصبحت لا أملك شيئا، فقلت: لو ذهبت إلى ابن عمي لعله يعطيني شيئًا، فمضيت إليه، فقال لي: قد بلغني ما أصابك، والله ما أحببت أنه قد أخطأك، فكان ذلك أشد مما أصابني، فقلت: أمضي إلى الشام فأطلب، فلما دخلت إلى دمشق إذا الناس يتحدثون أن عبد الملك بن مروان أصيب بابن له، فاشتد حزنه عليه، فأتيت الحاجب فقلت: إني أحدث أمير المؤمنين بحديث يعزيه عن مصيبته هذه، فقال: أذكر ذلك له وذكره، فقال: أدخله فأدخلني فحدثته بمصيبتي، فقال: قد عزَّيتني بمصيبتك عن مصيبتي، وأمر لي بمال فعدت وتراجَعَت حالي. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 27].

الأمل

الأمل (أ) ما قيل في الأمل وأنه غريزة في الإنسان: * وعن أبي عثمان النهدي رحمه الله قال: بلغت نحوًا من ثلاثين ومائة سنة، ما من شيء إلا قد عرفت النقص فيه إلا أملي كما هو. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 308]. * وعن ابن رغبة قال: حدثني من أثق به: أن المفضل بن فضالة رحمه الله دعا [له] (¬1) الله - عزَّ وجلَّ - أن يذهب عنه الأمل، فذهب عنه، فلم يصبر عليه، فدعا الله أن يرده عليه. [الحلية (تهذيبه) 3/ 85]. * وعن الحسن رحمه الله قال: لولا السهو والأمل ما مشى المسلمون في الطريق. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 309]. * وقال أيضًا رحمه الله: السهو والأمل نعمتان عظيمتان على ابن آدم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 309]. * وقال مطرف بن عبد الله رحمه الله: لو علمت متى أجلي لخشيت على ذهاب عقلي، ولكن الله مَنَّ على عباده بالغفلة عن الموت، ولولا الغفلة ما تهنَّؤوا بعيش، ولا قامت بينهم الأسواق. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 309]. (ب) الحث على قصر الأمل (¬2): * قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: إن أخوف ما أخاف عليكم اثنتين: ¬

(¬1) لم يظهر لي إلى أين تعود الإشارة, ولعلها زائدة. (¬2) قال ابن القيم رحمه الله: قصر الأمل: هو من أنفع الأمور للقلب، وبناؤه على أمرين: تيقن زوال الدنيا ومفارقتها، وتيقن لقاء الآخرة وبقائها ودوامها، ثم يقايس بين الأمرين، ويوثر أَولاهما بالإيثار. ا. هـ بتصرف. مدارج السالكين 2/ 32

اتباع الهوى، وطول الأمل، فأما اتباع الهوى: فيصد عن الحق، وأما طول الأمل: فينسي الآخرة، ألا وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة؟، ألا وإن الدنيا قد ارتحلت مدبرة، ولكل واحد منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغدًا حساب ولا عمل. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 313، البخاري في صحيحه: 6416]. * وقال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: ما منكم إلا ضيف ومالُه عاريّة، فالضيف مرتحل، والعاريّة مؤداة إلى أهلها. [أخرجه الطبراني: 8455]. * وقال معاذ بن جبل - رضي الله عنه - لابنه: يا بني إذا صليت فصلّ صلاة مودّع لا تظن أنك تعود إليها أبدًا، واعلم يا بني أن المؤمن يموت بين حسنتين، حسنةٍ قدَّمها، وحسنةٍ أخّرها. [صفة الصفوة 1/ 231]. * وعن الحسن البصري رحمه الله قال: ابنَ آدم، إنَّما أنت أيَّامٌ كلَّما ذهب يومٌ، ذهبَ بعضُك. [السير (تهذيبه) 2/ 563]. * وقال أيضًا رحمه الله: اجتمع ثلاثة من العلماء فقالوا لأحدهم: ما أملك؟ قال: ما أتى عليّ شهر إلا ظننت أني أموت فيه، قال صاحباه: إن هذا لأمل، فقالوا للآخر: ما أَملُكَ؟ قال: ما أتت عليّ جمعة إلا ظننت أني سأموت فيها، قال صاحباه: إن هذا لأمل، فقالوا للآخر: فما أملُك؟ قال: ما أمَلُ من نفسه في يد غيره؟. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 311]. * وقال أيضًا رحمه الله: الموت معقود بنواصيكم، والدنيا تُطوى من ورائكم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 311]. * وقال الفُضيل بن عياض رحمه الله: إنما أمس مثلٌ، واليومَ عملٌ، وغدًا أملٌ. [السير (تهذيبه) 2/ 774]. * وقال يحيى الغساني رحمه الله: ما نمت نومًا قط، فحدثت نفسي أني أستيقظ منه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 311]. * وكان حبيب أبو محمد رحمه الله كلّ يوم يوصي بما يوصي به المحتضر عند موته من يغسله.

وكان يبكي كلما أصبح أو أمسى، فسئلت امرأته عن بكائه فقالت: يخاف والله إذا أمسى أن لا يصبح وإذا أصبح أن لا يمسي. [جامع العلوم والحكم / 503]. * وكان محمد بن واسع رحمه الله إذا أراد أن ينام قال لأهله: أستودعكم الله فلعلها أن تكون منيّتي التي لا أقوم منها وكان هذا دأبه إِذا أراد النوم. [جامع العلوم والحكم / 503]. * وكانت امرأة متعبدة بمكة إذا أمست قالت: يا نفس، الليلة ليلتك، لا ليلة لك غيرها، فاجتهدت، فإِذا أصبحت قالت: يا نفس اليوم يومك، لا يوم لك غيره فاجتهدت. [جامع العلوم والحكم / 503]. * وقال بكر المزني رحمه الله: إذا أردت أن تنفعك صلاتك فقل: لعليِّ لا أصلي غيرها. [جامع العلوم والحكم / 503]. * وأقام معروف الكرخي رحمه الله الصلاة، ثم قال لرجل: تقدّم فصلّ بنا، فقال الرجل: إني إن صليت بكم هذه الصلاة، لم أصل بكم غيرها، فقال معروف: وأنت تحدّث نفسك أنك تصلي صلاة أخرى؟ نعوذ بالله من طول الأمل، فإِنه يمنع خير العمل. [جامع العلوم والحكم / 503]. * وطرق بعضهم باب أخٍ له فسأل عنه فقيل له: ليس هو في البيت، فقال: متى يرجع؟ فقالت له جارية من البيت: من كانت نفسه في يد غيره من يعلم متى يرجع؟ [جامع العلوم والحكم / 503، 504]. * ولأبي العتاهية رحمه الله من جملة أبيات: وما أدري وإن أمّلت عُمرًا ... لعلِّي حين أُصْبِحُ لستُ أمسي ألم ترَ أنّ كلّ صباح يوم ... وعُمركَ فيه أقصر منه أمس وهذا البيت الثاني أخذه مما روي عن أبي الدرداء والحسن أنهما قالا: ابن آدم إنك لم تزل في هدم عمرك مذ سقطت من بطن أمك، ومما أنشد بعض السلف: إنا لنفرح بالأيام نقطعها ... وكلُّ يوم مضى يدني من الأجل

فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهدًا ... فإِنما الربح والخسران في العمل [جامع العلوم والحكم / 503، 504]. * وعن سفيان رحمه الله قال: الزهد في الدنيا قصر الأمل، ليس بأكل الغليظ، ولا لبس العباء. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 310]. * وعن سفيان رحمه الله قال: قال مالك بن مغول رحمه الله: يقال: من قَصُر أمله هان عليه عيشه. قال سفيان: يعني في المطاعم والملابس. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 311]. * وعن بكر بن عبد الله المزني رحمه الله أنه لقي أبا جميلة رحمه الله فقال: يا أبا جميلة، كيف أنت؟ قال: أنا والله كرجل ماد عنقه والسيف عليها، ينتظر متى تضربَ عنُقه!. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 312]. * وقال داود الطائي رحمه الله: لو أملت أن أعيش شهرًا: لرأيتُني قد أتيتُ عظيمًا!، وكيف أؤمل ذلك وأرى الفجائع تغشى الخلق في ساعات الليل والنهار. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 312]. * وعن شميط بن عجلان رحمه الله قال: إن المؤمن يقول لنفسه: إنما هي أيام ثلاثة: فقد مضى أمسى بما فيه، وغدًا أملٌ لعلك لا تدركه، إنك إن كنت من أهل غد فإن غدًا يجيء برزق غد، إنَّ دون غد يومًا وليلة تُخترم فيه أنفس كثيرة، لعلك المخترم فيها، كفى كل يوم همُّه، ثم قد حملت على قلبك الضعيف همَّ السنين والأزمنة، وهمَّ الغلاء والرخص، وهمَّ الشتاء قبل أن يجيء الشتاء، وهمَّ الصيف قبل أن يجيء الصيف، فماذا أبقيت من قبلك الضعيف لآخرته؟!، كلُّ يوم ينقص من أجلك وأنت لا تحزن، وكل يوم تستوفي رزقك وأنت لا تحزن!، أُعطيت ما يكفيك، فأنت تطلب ما يطغيك!، لا بقليل تقنع، ولا من كثير تشبع!، وكيف لا يستبين بعالم جهله وقد عجز عن شكر ما هو فيه، وهو مغتر في طلب الزيادة؟، أم كيف يعمل للآخرة من لا ينقطع من الدنيا شهوته، ولا تنقضي منها نهمته؟!، فالعجب كل العجب لمن يصدق بدار الحيوان وهو يسعى لدار الغرور. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 316].

* وعن إبراهيم بن نَشِيط قال: قال لي أبو زرعة رحمه الله: لأقولن لك قولًا ما قلته لأحد سواك: ما خرجت من المسجد منذ عشرين سنة فحدثت نفسي أن أرجع إليه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 318]. * وعن أبي زكريا التيمي قال: بينما سليمان بن عبد الملك في المسجد الحرام، إذ أُتي بحجر منقور، فطلب من يقرؤه، فأُتي بوهب بن منبه رحمه الله، فقرأه، فإذا فيه: ابن آدم، إنك لو رأيت قريب ما بقي من أجلك لزهدت في طول أملك، ولرغبت في الزيادة من عملك، ولقصَّرت من حرصك وحيلك، وإنما يلقاك غدًا ندمك لو قد زلت بك قدمك، وأسلمك أهلك وحشمك، فبان منك الولد القريب، ورفضك الوالد والنسيب، فلا أنت إلى دنياك عائد، ولا في حسناتك زائد، فاعمل ليوم القيامة قبل الحسرة والندامة، فبكى سليمان بكاء شديدًا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 318]. * وعن يزيد الرقاشي رحمه الله قال: إلى متى نقول: غدًا أفعل كذا، وبعد غد أفعل كذا، وإذا أفطرت فعلت كذا، وإذا قدمت من سفري فعلت كذا؟!، أغفلت سفرك البعيد، ونسيت ملك الموت؟، أما علمت أن دون غد ليلة تُخترم فيها أنفس كثيرة؟، أما علمت أن ملك الموت غيرُ مُنتظر بك أملك الطويل؟، أما علمت أن الموتَ غايةُ كل حي؟، ثم يبكي حتى يبل عمامته، ثم يقول: أما رأيته صريعًا بين أحبابه لا يقدر على رد جوابهم، بعد أن كان جدلًا خصمًا، سمحًا كريمًا عليهم؟ أيها المغتر بشبابه! أيها المغتر بطول عمره!، ثم يبكي حتى يبل عمامته. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 323]. * وقال ابن أبي عمرة رحمه الله: يا أيها (¬1) الذي قد غره الأمل ... ودون ما يأمل التنغيص والأجل ألا ترى أنما الدنيا وزينتُها ... كمنزلِ الرَّكبِ دارًا ثَمَّة ارتحلوا حُتوفها رَصَد وعيشها نكد ... وصفوها رَنَقُ وملْكها دُول تَظل تُفزع في الرّوعات ساكنَها ... فما يسوغ له لِين ولا جَذَل ¬

(¬1) في الأصل: يا أيهذا, وهو خطأ.

المرء يشقى بما يسعى لوارثه ... والقبر وارثُ ما يسعى له الرجل [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 323]. * وعن محمد بن واسع رحمه الله قال: قال خليد العصري رحمه الله: كلنا قد أيقن بالموت وما نرى له مستعدًا!، وكلنا قد أيقن بالجنة وما نرى لها عاملًا! وكلنا قد أيقن بالنار وما نرى لها خائفًا! فعلام تُعرِّجون؟ وما عسيتم تنتظرون؟ الموت؟ فهو أول وارد عليكم من الله، بخير أو بشر! يا إخوتاه سيروا إلى ربكم سيرًا جميلًا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 337].

ذم الطمع والبخل

ذم الطمع والبخل * عن عروة بن الزبير، قال: قال عمر - رضي الله عنه - في خطبة: تعلمون أن الطمع فقر، وأن اليأس غنى، وأن الرجل إذا يئس من شيء استغنى عنه. [الحلية (تهذيبه) 1/ 71]. * وقال أبو الدرداء - رضي الله عنه -: ويل لكل جمّاع فاغرٍ فاه كأنه مجنون يرى ما عند الناس ولا يرى ما عند الله - عزَّ وجلَّ. لو يستطيع لوصل الليل بالنهار. ويله من حساب غليظ وعذاب شديد. [الزهد للإمام لأحمد]. * وقال يحيى بن معاذ رحمه الله: مصيبتان لم يسمع الأوّلون والآخرون بمثلهما في ماله عند موته، قيل: ما هما؟ قال: يُؤْخَذُ منه كلُّه ويُسْأَل عنه كله. [صفة الصفوة 4/ 340]. * وقال أبو عبد الله النباجي رحمه الله: إذا كان عندك ما أعطى الله - عزَّ وجلَّ - نوحًا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدًا عليهم الصلاة والسلام: لا تراه شيئًا (¬1)، وإنما تريد ما أعطى الله نمرود وفرعون وهامان (¬2) فمتى تفلح؟. [صفة الصفوة]. * وقال عليُّ بن الحُسين رحمه الله: إنِّي لأستحي من الله أن أرى الأخ من إخواني، فأسألَ الله لهُ الجَنّة وأبخَلَ عليه بالدُّنيا، فإذا كان غدًا قيل لي: لَو كانتِ الجَنَّة بيدِك لَكُنتَ بها أبخل وأبخل. [السير (تهذيبه) 2/ 519]. * وقال بنانٌ الحمّال رحمه الله: الحرُّ عبد ما طَمِع، والعبدُ حرٌّ ما قَنع. [السير (تهذيبه) 3/ 1169]. * وقال سفيان الثوري رحمه الله: كان يقال: يا حملة القرآن لا تتعجلوا ¬

(¬1) أعطاهم الإيمان والعمل الصالح. (¬2) أعطاهم المال ومتاع الدنيا.

منفعة القرآن، وإذا مشيتم إلى الطمع فامشوا رويدًا. [الحلية (تهذيبه) 2/ 373]. * وعن أم البنين رحمها الله أخت عمر بن عبد العزيز تقول: أف للبخل والله لو كان طريقًا ما سلكته ولو كان ثوبًا ما لبسته. [الزهد للإمام أحمد / 613]. * وعن الشعبي رحمه الله قال: ما أدري أيهما أبعد غورا في النار: الكذب أو البخل!. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 218]. * وعن حماد بن ثابت: أن رجلا كان عاملا، فجعل ماله في سارية، فلما احتُضر قال: حرِّقوا هذه السارية، فحرقت وانتثر المال فقال: يا ليتها كانت بعرا، يا ليتها كانت بعرا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 332]. * وقال أبو بكر الوراق رحمه الله: لو قيل للطمع: من أبوك؟ قال: الشك في المقدور. ولو قيل: ما حرفتك؟ قال: اكتساب الذل. ولو قيل: ما غايتك قال: الحرمان. [الحلية (تهذيبه) 3/ 358]. * وقال الذهبي رحمه الله: ما أقبحَ بالعالمِ الداعي إلى الله الحرصَ وجمعَ المال!. [السير (تهذيبه) 3/ 1351].

فوائد الطاعة والأعمال الصالحة

فوائد الطاعة والأعمال الصالحة (أ) محبة الله للمطيع، وتحبيب الناس له، وتيسير أموره: * عن ابن أبي ليلى قال: كتب أبو الدرداء - رضي الله عنه - إلى مسلمة بن مخلد الأنصاري: أما بعد، فإن العبد إذا عمل بطاعة الله أحبه الله، فإذا أحبه الله حبّبه إلى خلقه، وإذا عمل بمعصية الله أبغضه الله، فإذا أبغضه الله بغّضه إلى خلقه. [صفة الصفوة 1/ 299]. * وعن إسماعيل بن عبيد الله، قال: بينا أبو ثعلبة الخُشَني، وكعب - رضي الله عنهما - جالسين، إذ قال أبو ثعلبة: يا أبا إسحاق، ما من عبد تفرَّغَ لعبادة الله إلا كفاه الله مؤونة الدنيا. قال كعب: فإنَّ في كتاب الله المُنزلِ: مَن جعلَ الهُمُوم هَمًَّا واحدًا، فجعله في طاعة الله، كفاه الله ما همَّه، وضمن السماوات والأرض، فكان رزقُه على الله وعملُه لنفسه. ومن فَرَّقَ همومه، فجعل في كل واد همَّا، لم يُبالِ الله في أَيِّها هلك. قال الذهبي رحمه الله: مِن التَفَرُّغ للعبادة السعيُ في السببِ، ولا سيَّما لمن له عِيال، قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ أَفْضَلَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِ يَمِينِه". أما من يعجزُ عن السبب لضعف، أو لِقلةِ حيلة، فقد جعل الله له حظًَّا في الزكاة. [السير (تهذيبه)]. * وقال إبراهيم الخواص رحمه الله: على قَدْر إعزاز المرء لأمر الله يلبسه الله من عزّه، ويُقيم له العزَّ في قلوب المؤمنين. [صفة الصفوة 4/ 348]. * وعن أبي بكر بن عياش رحمه الله قال: من قام من الليل لم يأت فاحشة، ألا تسمع إلى قول الله {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت: 45]. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 324].

* وعن سمر بن عطية قال: أخذ بيدي أبو عبد الرحمن رحمه الله فقال: كيف قوَّتك للصلاة؟ قال: فذكرت من الضعف ما شاء الله أن أذكر، فقال أبو عبد الرحمن: وأنا مثلك أصلي العشاء ثم أقوم فأنا حين أصلي الفجر أنشط مني أول ما بدأتُ. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 327]. * وقال يحيى بن معاذ رحمه الله: على قدر خوفك من الله يَهابك الخلق، وعلى قدر حبّك لله يحبك الخلق، وعلى قدر شغلك بالله يشتغل الخلق بأمرك. [صفة الصفوة 4/ 343]. * وقال هَرِمُ بن حيَّان رحمه الله: ما أقبلَ عبدٌ بقلبه إلى الله، إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه، حتّى يرزُقَهُ وُدَّهم. [السير (تهذيبه) 1/ 441]. * وعن مجاهد رحمه الله قال: إن العبد إذا أقبل على الله تعالى بقلبه أقبل الله - عزَّ وجلَّ - بقلوب المؤمنين إليه. [الحلية (تهذيبه) 2/ 10]. * وعن موسى بن أعين قال: كنا نرعى الشاء بكرمان في خلافة عمر بن عبد العزيز رحمه الله، وكانت الوحوش والذئاب ترعى في موضع واحد، فبينا نحن ذات ليلة، إذ عرض الذئب لشاة، فقلنا: ما نرى الرجل الصالح إلا هلك، قال حماد: فحدثني هو أو غيره أنهم حسبوا فوجدوه هلك تلك الليلة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 503]. * وعن مالك بن دينار قال لما ولي عمر بن عبد العزيز رحمه الله قالت رعاء الشاء في رؤوس الجبال: من هذا الخليفة الصالح الذي قد قام على الناس؟ فقيل: وما علمكم؟ قالوا: إنه إذا قام خليفة صالح كفت الأسد والذئاب عن شاء. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 503]. * وقال السري السقطي رحمه الله: من أطاع مَن فوقه أطاعه مَن دونه، ومن خاف الله، خافه كلّ شيء. [صفة الصفوة 2/ 627]. * وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: إنما يهابك الخلق، على قدر هيبتك الله. [الحلية (تهذيبه) 3/ 27]. * وعن محمد بن الصلت قال: سمعت بشر بن الحارث رحمه الله - وسئل: ما كان بدء أمرك لأن اسمك بين الناس كأنه اسم نبي - قال: هذا من

(ب) اللذة، والأنس، وانشراح الصدر

فضل الله، وما أقول لكم: كنت رجلًا عيارًا صاحب عصبة، فجزت يومًا فإذا أنا بقرطاس في الطريق، فرفعته فإذا فيه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فمسحته وجعلته في جيبي، وكان عندي درهمان، ما كنت أملك غيرهما، فذهبت إلى العطارين فاشتريت بهما غالية ومسحته في القرطاس، فنمت تلك الليلة فرأيت في المنام كأن قائلًا يقول لي: يا بشر بن الحارث رفعت اسمنا عن الطريق وطيبته لأطيبن اسمك في الدنيا والآخرة، ثم كان ما كان. [الحلية (تهذيبه) 3/ 89]. * وقال إبراهيم الخواص رحمه الله: على قدر إعزاز المؤمن لأمر الله يلبسه الله من عزه، ويقيم له العز في قلوب المؤمنين. فذلك قوله - تعالى -:: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون: 8] [الحلية (تهذيبه) 3/ 421]. * وقال الفقيةُ أبو الفَتْحِ الأشتريُّ معيدُ النِّظامِيَّةِ ببَغدادَ، وكان قد جمعَ سيرةً مختصرةً لنور الدينِ رحمه الله، قال: وكان يحافظُ على الصلوات في أوقاتِها في جماعةٍ بتَمام شروطِها وأركانِها ورُكوعِها وسجودها، وكان كثيرَ الصلاةِ بالليلِ، والابتهال إلى الله، - عزَّ وجلَّ - في أموره كلِّها. قال: وبلَغَنا عن جماعةٍ من الصوفيَّةِ مَّمن يُعْتمدُ على قوْلِهم أنَّهم دخلَوا بلادَ القدسِ للزيارة أيامَ الفرنْجِ، فسُمع الكفارُ يقولون: ابنُ القَسِيمِ يعْنُونَ نورَ الدينِ له مع الله سرٌّ؛ فإنَّه ما يظْفَرُ علينا بكَثْرَةِ جُنْدِه وجيْشه، وإنَّمَا يظفَرُ علينا بالدعاء وصلاة الليلِ، فإنّه يصلِّي بالليل، ويرفع يده إلى اللهِ ويدعو، فاللهُ - سبحانه وتعالى - يستجيبُ له دعاءه ويُعْطِيه سُؤْلَه، وما يرُدُّ يده خائبةً، فيظفَرُ علينا. قال: فهذا كلامُ الكفارِ في حقِّه، رحمه الله [البداية والنهاية 12/ 365]. (ب) اللذة، والأنس، وانشراح الصدر: * وقال مالك بن دينار رحمه الله: خَرج أهلُ الدنيا من الدنيا ولم يذوقوا أطيبَ شيءٍ فيها. قالوا: وما هو؟ قال: معرفة الله - عزَّ وجلَّ. [صفة الصفوة 3/ 201]. * وقال عبد الله بن المبارك رحمه الله: أهل الدنيا خرجوا من الدنيا قبل أن يتطعّموا أطيب ما فيها، قيل له: وما أطيب ما فيها؟ قال: المعرفة بالله - عزَّ وجلَّ. [صفة الصفوة 4/ 375].

* وعن الحسن البصري رحمه الله قال: تفقدوا الحلاوة في الصلاة وفي القرآن وفي الذكر، فإن وجدتموها فامضوا وأبشروا، وإن لم تجدوها فاعلموا أن الباب مغلق. (¬1) [الحلية (تهذيبه) 3/ 304]. * وقال ابن الكاتب رحمه الله: إن الله يرزق العبد حلاوة ذكره، فإن فرح به وشكره آنسه بقربه، وإن قصر في الشكر أجرى الذكر على لسانه وسلبه حلاوته به. [الحلية (تهذيبه) 3/ 453]. * وقال ابن بشار: خرجت أنا وإبراهيم بن أدهم رحمه الله، وأبو يوسف الغَسُولي، وأبو عبد الله السّنْجاري، نريد الاسكندرية فمررنا بنهر يقال له: نهر الأرْدُن، فقعدنا نَسْتَرِيح، وكان مع أبي يوسف كُسَيْرَاتٌ يابسات، فألقاها بين أيدينا فأكلناها وحمدنا الله - عزَّ وجلَّ - فقمتُ أسعى، أتناول ماءً لإبراهيم فبادر إبراهيم فَدَخَل النَّهر حتى بلغ الماءُ إلى ركبتيه، فقال بكفّيه في الماء فملأهما ثم قال: بسم الله. وشرب الماءَ ثم قال: الحمد لله، ثم إنه خرج من النهر فمدَّ رجليه ثم قال: يا أبا يوسف لو علم الملوك وأبناءُ الملوك ما نحن فيه من النعيم والسّرور لَجَالَدُونا عليه بالسّيوف أيامَ الحياة، فقلت: يا أبا إسحاق طلب القومُ الراحة والنّعيم، فأخْطأُوا الطريق المستقيم، فتبسم وقال: من أين لك هذا الكلام؟. [صفة الصفوة 4/ 385]. * وقال مسلم بن يسار رحمه الله: ما تلذذ المتلذذون بمثل الخلوة بمناجاة الله - عزَّ وجلَّ. [الحلية (تهذيبه) 1/ 395]. * وقال الحسني رحمه الله في قول الله تعالى: {فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل: 97] لنرزقنه طاعة يجد لذتها في قلبه. [الحلية (تهذيبه) 84/ 3، موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 537]. ¬

(¬1) قال ابن القيم رحمه الله: سمعت شيخ الإسلام يقول: إذا لم تجد للعمل حلاوة في قلبك وانشراحًا: فاتهمه, فإن الرب شكور. يعني أنه لابد أن يُثيب العامل على عمله في الدنيا من حلاوة يجدها في قلبه وقوة انشراح وقرة عين، فحيث لم يجد ذلك فعمله مدخول. مدارج السالكين 2/ 273

* وقال أبو سعيد الخزاز رحمه الله: إن الله عجل لأرواح أوليائه التلذذ بذكره، والوصول إلى قربه، وعجل لأبدانهم النعمة بما نالوه من مصالحهم، وأجزل لهم نصيبهم من كل كائن، فعيش أبدانهم عيش الجانين، وعيش أرواحهم عيش الربانيين. لهم لسانان، لسان في الباطن يُعرهم صنع الصانع في المصنوع، ولسان في الظاهر يعلمهم علم المخلوقين. فلسان الظاهر يكلم أجسامهم، ولسان الباطن يناجي أرواحهم. [الحلية (تهذيبه) 3/ 366].

أضرار المعصية

أضرار المعصية (أ) شؤم المعصية وما ينتج عنها (¬1): * عن صفية قالت: زلزلت المدينة على عهد عمر - رضي الله عنه - فقال: أيها الناس ما هذا؟ ما أسرع ما أحدثتم، لئن عادت لا أساكنكم فيها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 434]. * وقال ابن مسعود - رضي الله عنه -: إني لأحسب الرجل ينسى العلم كان تعلمه، للخطيئة يعملها. [الحلية (تهذيبه) 1/ 120]. * وقال - رضي الله عنه -: إذا ظهر الزنا والربا في قرية أذن بهلاكها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 431]. * وقال علي - رضي الله عنه -: سيأتي على الناس زمان لا يبقى من الإسلام إلا اسمه، ولا من القرآن إلا رسمه، مساجدهم يومئذ عامرة وهي خراب من الهدى، علماؤهم شر من تحت أديم السماء، منهم خرجت الفتنة وفيهم تعود. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 431]. * وعن جبير بن نفير قال: لما فتحت قبرس فرق بين أهلها فبكى بعضها إلى بعض، فرأيت أبا الدرداء - رضي الله عنه - جالسًا وحده يبكي. فقلت: يا أبا الدرداء ¬

(¬1) ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه الجواب الكافي عددًا من أضرار المعاصي، منها: حرمان العلم، حرمان الرزق، الوحشة التي تحصل بينه وبين الناس ولاسيما أهل الخير منهم، تعسير أموره عليه، حرمان الطاعة، هوان العاصي على ربه، تورث الذل، تفسد العقل، تطبع على القلب، تجلب الفساد في الأرض، تطفئ الغيرة، تذهب الحياء، تنسي الله جل جلاله عبده، تضعف القلب، تزيل النعم، تلقي الخوف الرعب في القلب، تسقط الكرامة، تمحق البركة، تجعل صاحبها من السفلة، تجرئ على الإنسان أعداءه، تضعف العبد أمام نفسه.

ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله؟ قال: ويحك يا جبير، ما أهون الخلق على الله - عزَّ وجلَّ - إذا تركوا أمره. بينا هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك تركوا أمر الله، فرأيتهم كما ترى. [صفة الصفوة 1/ 303]. * وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: من أسخط الناس برضا الله كفاه الناس، ومن أرضى الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس. [الزهد للإمام أحمد / 303]. * وعن أنس بن مالك أنه دخل على عائشة - رضي الله عنها - ورجل معه، فقال لها الرجل: يا أم المؤمنين حدثينا عن الزلزلة، فقالت: إذا استباحوا الزنا، وشربوا الخمر، وضربوا بالمغاني، وغار الله - عزَّ وجلَّ - في سمائه، فقال للأرض تزلزلي بهم. فإن تابوا ونزعوا وإلا هدمها عليهم، قال: قلت: يا أم المؤمنين أعذاب لهم؟ قالت: بل موعظة ورحمة وبركة للمؤمنين، ونكال وعذاب وسخط على الكافرين، قال أنس: ما سمعت حديثا بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنا أشد فرحًا مني بهذا الحديث. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 433]. * وعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: إن كان الرجل ليتكلم بالكلمة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيصير به منافقا، وإني لأسمعها اليوم في المقعد الواحد أربع مرات، لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، ولتحاضن على الخير، أو ليسحتنكم الله تعالى جميعا بعذاب، أو ليؤمرن عليكم شراركم، ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 441]. * وقال أيضًا - رضي الله عنه -: ما استخف قوم بحق الله - عزَّ وجلَّ - إلا بعث الله - عزَّ وجلَّ - عليهم من يستخف بحقهم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 441]. * وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: كاد الضب يموت في حجره هزلا من ظلم بني آدم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 501]. * وقال رجل عند أبي هريرة - رضي الله عنه -: إن الظالم لا يظلم إلا نفسه، فقال أبو هريرة: كذبت والذي نفس أبي هريرة بيده، إن الحبارى لتموت في وكرها من ظلم الظالم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 501]. * وقال أبو هريرة - رضي الله عنه -: والله إن الحبارى لتهلك هزلا في جو السماء بظلم ابن آدم نفسه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 502].

* وعن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال: يا صاحب الذنب لا تأمننّ سوء عاقبته، وَلَما يتْبع الذنبَ أعظمُ من الذنب إذا عملْتَه، قلَّة حيائك ممن على اليمين وعلى الشمال وأنت على الذنب أعظمُ من الذنب الذي صنعته، وضحكك وأنت لا تدري ما الله صانعٌ بك أعظم من الذنب، وفرَحك بالذنب إذا عملته أعظم من الذنب، وحُزْنك على الذنب إذا فاتك أعظم من الذنب إذا ظفرت به، وخوفك من الريح إذا حركتْ ستْر بابِك وأنت على الذنب، ولا يضطرب فؤادك من نظر الله إليك أعظمُ من الذنب إذا عملتَه. [صفة الصفوة 1/ 372]. * وقال أيضًا - رضي الله عنه -: ما من مؤمن ولا فاجر إلا وقد كتب الله تعالى له رزقه من الحلال، فإن صبر حتى يأتيه آتاه الله تعالى، وإن جزع فتناول شيئًا من الحرام نقصه الله من رزقه الحلال. [الحلية (تهذيبه) 1/ 230]. * وقال كعب الأحبار - رضي الله عنه -: إذا رأيت السيوف قد عريت، والدماء قد أهريقت، فاعلم أن أمر الله قد ضيع في الأرض فانتقم الله من بعضهم لبعض، وإذا رأيت قطر السماء قد منع فاعلم أن الزكاة قد منعت فمنع الله ما عنده، وإذا رأيت الوباء قد فشا فاعلم أن الزنا قد فشا. [الحلية (تهذيبه) 2/ 256]. * وقال سعيد بن المسيب رحمه الله: ما أكرمت العبادُ أنفسها بمثل طاعة الله - عزَّ وجلَّ - ولا أهانتْ أنفسها بمثل معصية الله، وكفى بالمؤمن نصرةً من الله - عزَّ وجلَّ - أن يرى عدوّه يعمل بمعصية الله. [صفة الصفوة 2/ 438]. * وقال عروة بن الزبير رحمه الله: إذا رأيت الرجل يعمل الحسنة، فاعلم أن لها عنده أخوات، وإذا رأيته يعمل السيئة، فاعلم أن لها عنده أخوات، فإن الحسنة تدل على أختها، وإن السيئة تدل على أختها. [صفة الصفوة 2/ 441]. * وقال أبو حازم رحمه الله: لا يُحْسِن عبد فيما بينه وبين الله إلا أحسن الله ما بينه وبين العباد، ولا يُعْور فيما بينه وبين الله - عزَّ وجلَّ - إلا أعْوَرَ فيما بينه وبين العباد، ولمُصانَعةُ وجهٍ واحدٍ أيسرُ من مصانعة الوجوه كلّها، إنك إذا صانعت هذا الوجه مالت الوجوه كلها إليك، وإذا أفسدت ما بينك وبينه شَنِئتْك الوجوه كلّها. [صفة الصفوة 2/ 489].

* وقال أيضًا رحمه الله: إذا رأيت الله - عزَّ وجلَّ - يتابع نعمه عليك وأنت تعصيه فاحذرْه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 473، 474، صفة الصفوة 2/ 489]. * وقال مسعر بن كدام: تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها ... من الحرام ويبقى الإثم والعار تبقى عواقب سوء من مغبتها ... لا خير في لذة من بعدها النار [صفة الصفوة] * وقيل لوهيب بن الورد رحمه الله: أيجد طعم العبادة من يعصي الله؟ قال: لا ولا من يهم بالمعصية. [صفة الصفوة 2/ 533]. * وقال يحيى بن معاذ رحمه الله: من خان الله - عزَّ وجلَّ - في السرِّ هتكَ سِرَّه في العلانية. [صفة الصفوة 4/ 345]. * وقال سليمان بن معتمر رحمه الله: إن الرجل ليذنب الذنب في السر، فيصبح وعليه مذلته. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 445]. * وقال الحسن البصري رحمه الله: نضحك ولعل الله قد اطّلع على بعض أعمالنا، فقال: لا أقبل منكم شيئًا. [صفة الصفوة 3/ 165]. * وقال له شاب: أعياني قيام الليل فقال: قيّدتْك خطاياك. [صفة الصفوة 3/ 166]. * وكتب رجل إلى أخ له: إنّك قد أوتيتَ علمًا فلا تُطْفِئَنّ نورَ علمك بظُلْمة الذنوب فتَبْقَى في الظلمة يومَ يسعى أهلُ العلم بنور علمهم. [عيون الأخبار 2/ 524]. * وقال سليمان التيمي رحمه الله: الحسنة نور في القلب وقوة في العمل، والسيئة ظلمة في القلب وضعف في العمل. [الحلية (تهذيبه) 1/ 441]. * وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله: إنما عصَى الله - عزَّ وجلَّ - من عَصَاه لِهوَانهم عليه، ولو كَرُموا عليه لحجزهم عن مَعَاصيه. [صفة الصفوة 4/ 442]. * وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: ما يؤمنك أن تكون بارزت الله بعمل مقتك عليه، فأغلق دونك أبواب المغفرة وأنت تضحك كيف ترى تكون حالك. [صفة الصفوة 2/ 546].

* وقال أيضًا رحمه الله: إذا لم تقدِر على قيام الليل، وصيام النهار، فاعلم أنك محرومٌ كبّلَتك خطيئتُك. [السير (تهذيبه) 2/ 544]. * وعن داود بن مهران قال: وقفت على فضيل بن عياض رحمه الله - وأنا غلام فسلمت عليه - وعيناه مفتوحتان وأنا أظن أنه ينظر إليَّ - فمكث طويلًا ثم أطرق فقال: منذ كم أنت ههنا يا بني؟ قلت: منذ طويل، قال: أنت في شيء ونحن في شيء. ثم قال: حدثنا سليمان بن مهران - وكان لا يقول الأعمش - عن سالم بن أبي الجعد عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه. قال: حذر (¬1) امرؤ أن تبغضه قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر، ثم قال: أتدري ما هذا؟ قلت: لا، قال: العبد يخلو بمعاصي الله - عزَّ وجلَّ - فليقلي الله بغضه في قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر. [الحلية (تهذيبه) 1/ 172]. * وعن خطاب العابد رحمه الله قال: إن العبد ليذنب الذنب فيما بينه وبين الله، فيجيء إخوانه فيرون أثر ذلك عليه. [الحلية (تهذيبه) 3/ 302]. * وقال عبد الله بن حُبيق رحمه الله: كان حبر من أحبار بني إسرائيل يقول: يا رب كم أعصيك ولا تعاقبني، فأوحى الله تعالى إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل قل له: كم أعاقبك وأنت لا تدري، ألم أسلبك حلاوة مناجاتي. [الحلية (تهذيبه) 3/ 319]. * وعن إبراهيم الصنعاني رحمه الله قال: أوحى الله - عزَّ وجلَّ - إلى يوشع بن نون - عليه السلام -: إني مهلك قومك أربعين ألفا من خيارهم، وستين ألفا من شرارهم، قال: يا رب هؤلاء الأشرار، فما بال الأخيار، قال: إنهم لم يغضبوا، وكانوا يؤاكلونهم ويشاربونهم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 432]. * وعن مسعر رحمه الله قال: بلغني أن ملكا أُمر أن يخسف بقرية، فقال: يا رب فيها فلان العابد، فأوحى الله تعالى إليه أن به فابدأ، فإنه لم يتمعر وجهه في ساعة قط. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 433]. * وعن جعفر بن برقان قال: كتب إلينا عمر بن عبد العزيز رحمه الله أما ¬

(¬1) لعل الصواب: ليحذر.

بعد: فإن هذا الرجف شيء يعاقب الله تعالى به العباد، وقد كتبت إلى الأمصار أن يخرجوا يوم كذا من شهر كذا، فمن كان عنده شيء فليصدق، قال الله - عزَّ وجلَّ -: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 14، 15] وقولوا كما قال أبوكم آدم {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: 23] وقولوا كما قال نوح - عليه السلام - {وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ} [هود: 47] وقولوا كما قال يونس - عليه السلام - {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87]. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 434]. * وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله في رسالة له إلى عبد الحميد: أما بعد، فلا تغتر يا عبد الحميد بتأخير عقوبة الله تعالى عنك، وإنما يعجل من يخاف الفوت والسلام. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 497]. * وقال الحسن رحمه الله: إن الفتنة والله ما هي إلا عقوبة من الله - عزَّ وجلَّ - تحل بالناس. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 435]. * وعن مالك بن دينار رحمه الله قال: قرأت في الحكمة أن الله تبارك وتعالى يقول: أنا ملك الملوك، قلوب الملوك بيدي، فمن أطاعني جعلتهم عليه رحمة، ومن عصاني جعلتهم عليه نقمة، ولا تشغلوا أنفسكم بسب (¬1) الملوك، ولكن توبوا إلي أعطفهم عليكم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 436]. * وقال أيضًا رحمه الله: إن في بعض الكتب أن الله - عزَّ وجلَّ - يقول: إن أهْون ما أنا صانع بالعالم إذا أحبّ الدنيا أن أخرج حلاوة ذكْري من قلبه. [صفة الصفوة 3/ 200]. * وقال أيضًا رحمه الله: ما ضُرب عبدٌ بعقوبة أعظم من قسوة القلب. * وقال أيضًا رحمه الله: إن لله تعالى عقوباتٍ، فتعاهَدوهنّ من أنفسكم في القلوب، والأبدان، وضنكٍ في المعيشة، ووهنٍ في العبادة، وسخطةٍ في الرزق. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 449، صفة الصفوة 3/ 204]. ¬

(¬1) في الأصل: بسبب, وهو كذلك عند ابن أبي شيبة, وفي كتاب العقوبات, والتوبة, للمصنف, والحلية: بسب. وهو الأظهر.

* وقال أيضًا رحمه الله: إن الله - عزَّ وجلَّ - إذا غضب على قوم: سلط عليهم صبيانهم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 446]. * وعن الأوزاعي رحمه الله قال: إن أول ما استنكر الناس من أمر دينهم: لعب الصبيان في المساجد. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 446]. * وعن قتادة رحمه الله قال: قال موسى بن عمران - عليه السلام: يا رب أنت في السماء ونحن في الأرض، فما علامة غضبك من رضاك؟ قال: إذا استعلمت عليكم خياركم فهو علامة رضاي عليكم، وإذا استعلمت عليكم شراركم فهو علامة سخطي عليكم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 436]. * وعن الفضيل بن عياض رحمه الله قال: أوحى الله تعالى إلى بعض أنبيائه: إذا عصاني من يعرفني سلطت عليه من لا يعرفني. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 437]. * وقيل للحجاج: إنك تفعل وتفعل، قال: أنا نقمة بعثت على أهل العراق. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 441]. * وكتب أخو محمد بن يوسف إليه يشكو جور العمال، فكتب إليه: يا أخي إنه ليس ينبغي لمن عمل بالمعصية أن ينكر العقوبة، وما أرى ما أنتم فيه إلا من شؤم الذنوب. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 445]. * وعن محمد بن واسع رحمه الله قال: الذنب على الذنب يميت القلب. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 446]. * وقال عمر بن ذر رحمه الله: آنسك جانب حلمه، فوثبت على معاصيه، أفأسفه تريد؟ أما سمعته يقول: {فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ} [الزخرف: 55]. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 446]. * وعن داود بن أبي هند رحمه الله قال: ما نزل بلاء إلا نزلت معه رحمة، فيكون ناس في الرحمة وناس في البلاء. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 447]. * ودخلوا على كرز بن وبرة رحمه الله وهو يبكي، فقال: إن الباب لمجاف، وإن الستار حي، وما دخل علي أحد، وقد عجزت عن جزئي، وما أظنه إلا بذنب. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 448].

(ب) ما قيل في المعاصي، والحذر منها، وفضل من تجنبها

* وقال حماد بن سلمة رحمه الله: ليست اللعنة سواداُ يُرى في الوجه، إنما هي ألاَّ تخرج من ذنب إلا وقعت في ذنب. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 450]. * وعن قتادة رحمه الله قال: إن دواب الأرض تدعو على خطائي بني آدم إذا احتُبس القطر في السماء، يقولون: هذا عمل بني آدم، لعن الله عصاة بني آدم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 451]. * وعن مجاهد رحمه الله {وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة: 159] قال دواب الأرض العقارب والخنافس منعت القطر بخطاياهم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 502]. (ب) ما قيل في المعاصي، والحذر منها، وفضل من تجنبها: * قال سلمان الفارسي - رضي الله عنه -: إذا أسأت سيئة في سريرة، فأحسن حسنة في سريرة، وإذا أسأت سيئة في علانية، فأحسن حسنة في علانية لكي تكون هذه بهذه. [صفة الصفوة 1/ 258]. * وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: إنكم لن تلقوا الله بشيء هو أفضل من قلة الذنوب. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 196]. * وقال سهل بن عبد الله رحمه الله: ليس من عمل بطاعة الله صار حبيب الله، ولكن من اجتنب ما نهى عنه الله صار حبيب الله. ولا يجتنب الآثام إلا صديق مقرب. وأما أعمال البر يعملها البر والفاجر. [الحلية (تهذيبه) 3/ 337]. * وقال بشر بن الحارث رحمه الله: إن لم تعمل فلا تعص. [الحلية (تهذيبه) 3/ 97]. * وعن قتادة رحمه الله في قوله - تعالى -: {وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} [البقرة: 168] قال: كل معصية لله فهي من خطوات الشيطان. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 387]. * وعن مجاهد رحمه الله قال: الران أيسر من الطبع، والطبع أيسر من الأقفال، والأقفال أشد ذلك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 3/ 393]. * وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: إن الله لا يعذب العامة بذنب الخاصة

ولكن إذا عمل المنكر جهارًا استحقوا العقوبة كلهم. [الزهد للإمام أحمد / 496]. * وقال بلال بن سعد رحمه الله: إن الخطيئة إذا أخفيت لم تضرّ إلاَّ أهلها، وإذا أُظهِرت فلم تُغيّر ضَرّتِ العامَّة. [صفة الصفوة 4/ 435]. * وقال أيضًا رحمه الله: لا تَنْظر إلى صِغر الخَطيئة، ولكن انظر مَن عصَيْت. [صفة الصفوة 4/ 436]. * وعن مكحول الدمشقي رحمه الله قال: أرق الناس قلوبًا أقلهم ذنوبًا. [الزهد للإمام أحمد / 641]. * وكان أبو مسلم الخولاني رحمه الله إذا أتى خربة وقف عليها ثم قال: يا خربة أين أهلك؟ ذهبوا وبقيت أعمالهم، انقطعت الشهوة وبقيت الخطيئة، ابن آدم ترك الخطيئة أهون من طلب التوبة. [الزهد للإمام أحمد / 651]. * وقال رجل لحاتم الأصم رحمه الله: ما تشتهي؟ قال: أشتهي عافية يومي إلى الليل، فقيل له أليست الأيام كلها عافية؟ قال: إن عافية يومي أن لا أعصي الله فيه. [الحلية (تهذيبه) 2/ 514]. * وقال أبو عبد الله بن علان رحمه الله: ما من عبد حفظ جوارحه إلا حفظ الله عليه قلبه، وما من عبد حفظ الله عليه قلبه إلا جعله الله أمينًا في أرضه، وما من عبد جعله الله أمينًا في أرضه إلا جعله إمامًا يقتدى به، وما من عبد جعله الله إمامًا يقتدى به إلا جعله حجة على خلقه. [الحلية (تهذيبه) 3/ 452]. * وقال عليُّ بن خَشْرم، ما رأيتُ بيد وكيعٍ رحمه الله كتابًا قطُّ، إنما هو حِفظٌ، فسألتُهُ عن أدوية الحِفظِ، فقال: إن علَّمتُك الدواءَ استعملتَه؟ قلتُ: إِي واللهِ؟ قال: تركُ المعاصي، ما جَرَّبتُ مثلَه للحفظ. [السير (تهذيبه) 2/ 810]. * وكان يزيد الرقاشي رحمه الله يقول: يا معشر الشيوخ الذين لم يتركوا الذنوب حتى تركتهم، فيا ليتهم إذ ضعفوا عنها لا يتمنون أن تعود لهم القوة عليها حتى يعملوا بها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 65]. * وعن علي بن زيد قال: خطبنا عمر بن عبد العزيز رحمه الله ز فقال: أرى أفضل العبادة: اجتناب المحارم، وأداء الفرائض. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 196].

(جـ) نظرة السلف للمعصية وللعاصي

* وقال بعض السلف: لترك دانق مما يكره الله، أحب إلي من خمس مائة حجة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 199]. * وعن معاوية بن قرة قال: تذاكروا عند الحسن رحمه الله أي الأعمال أفضل، قال: فكأنهم اتفقوا على قيام الليل، قال فقلت أنا: ترك المحارم، قال فانتبه الحسن لها فقال: تم الأمر تم الأمر. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 200]. * وعن الحسن رحمه الله قال: ما عبد العابدون بشيء أفضل من ترك ما نهاهم الله عنه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 196]. (جـ) نظرة السلف للمعصية وللعاصي (¬1): * قال يوسف الرازي: سمعت ذا النون رحمه الله وقيل له: مالك إذا رأيت ¬

(¬1) ذكر ابن القيم رحمه الله عدة مشاهد يشهدها المؤمن في المعصية, منها: 1 - مشهد الحكمة: وهو مشهد حكمة الله في تقديره على عبده ما يبغضه سبحانه، ويكرهه ويلوم ويعاقب عليه، وأنه لو شاء لعصمه منه، ولحال بينه وبينه، وأنه سبحانه لا يُعصى قَسْرًا، وأنه لا يكون في العالم شيء إلا بمشيئته {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54]. وقد قال تعالى لملائكته لما قالوا {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} [البقرة: 30] فأجابهم سبحانه بقوله: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 30]. فكم من آية في الأرض بينه دالة على الله، وعلى صدق رسله، وعلى أن لقاء الله حق: كان سببها معاصي بني آدم وذنوبهم، كآيته في إغراق قوم نوح، وعلو الماء على رؤوس الجبال حتى أغرق جميع أهل الأرض، ونجى أوليائه وأهل معرفته وتوحيده، وكذلك إهلاكه قوم عاد، وثمود، وفرعون وقومه، لولا كفرهم ومعاصيهم لم تظهر تلك الآيات والعجائب. وكذلك إظهاره سبحانه ما أظهر من جعل النار بردا وسلاما على إبراهيم بسبب ذنوب قومه ومعاصيهم. وكذلك اتخاذ الله تعالى الشهداء والأولياء والأصفياء من بني آدم، بسبب صبرهم على أذى بني آدم من أهل المعاصي والظلم، ومجاهدتهم في الله. ويكفي من هذا مثال واحد: وهو أنه لولا المعصية من أبي البشر بأكله من الشجرة: لما ترتب على ذلك ما ترتب من وجود هذه المحبوبات العظام للرب تعالى، من امتحان خلقه وتكليفهم، وإرسال رسله، وإنزال كتبه، وإظهار آياته وعجائبه. 2 - مشهد التوحيد: وهو أن يشهد انفراد الرب تعالى بالخلق والحكم، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه لا تتحرك ذرة إلا بإذنه، وأن الخلق مقهورون تحت قبضته. 3 - مشهد التوفيق والخذلان: وقد أجمع العارفون بالله على أن التوفيق هو أن لا يكلك الله إلى نفسك، وأن الخذلان هو أن يخلي بينك وبين نفسك. فمتى شهد العبد هذا المشهد وأعطاه حقه: علم شدة ضرورته وحاجته إلى التوفيق في كلِّ نَفَس، وكل لحظة، وطرفة عين. 4 - مشهد الرحمة: فإن العبد إذا وقع في الذنب خرج من قلبه تلك الغلظة والقسوة، والكيفية الغضبية التي كانت عنده لمن صدر منه ذنب، حتى لو قدر عليه لأهلكه، وربما دعا الله عليه أن يهلكه ويأخذه غضبا منه لله، فلا يجد في قلبه رحمة للمذنبين الخاطئين، ولا يراهم إلا بعين الاحتقار والازدراء، ولا يذكرهم إلا بلسان الطعن فيهم والعيب لهم والذم، فإذا جرت عليه المقادير وخُلِّيَ ونفسه: استغاث الله، والتجأ إليه، ودعاه دعاء المضطر، فتبدلت تلك الغلظة على المذنبين: رقة، وتلك القساوة: رحمة ولينا، مع قيامه بحدود الله، وتبدَّل دعاؤه عليهم دعاءً لهم، فيورثه ذلك: 5 - مشهد الضعف والعجز وأنه عاجز عن حفظ نفسه، وأنه لا قوة له ولا قدرة ولا حول إلا بربه. والعبد مُلقى بين الله وبين أعدائه من شياطين الإنس والجن، فإن حماه منهم وكفَّهم عنه: لم يجدوا إليه سبيلا، وإن تخلى عنه ووكَلَه إلى نفسه طرفة عين، فهو نصيب من ظفر به منهم، وفي هذا المشهد يعرف نفسه حقًا ويعرف ربه. فحينئذ يطلع منه على: 6 - مشهد الذل والانكسار، والخضوع والافتقار لله تعالى: فيحصل لقلبه كسرة خاصة لا يشبهها شيء، فحينئذ يستكثر في هذا المشهد ما من ربه إليه من الخير، ويرى أنه لا يستحق قليلا منه ولا كثيرًا. فإذا استبصر في هذا المشهد، وتمكن من قلبه، ترقّى منه إلى: 7 - مشهد العبودية والمحبة، والشوق إلى لقائه، والفرح والسرور به، فتقر به عينه، ويسكن إليه قلبه، وتطمئن إليه جوارحه، ويستولى ذكره على لسانه وقلبه، فتصير خطرات المحبة مكان خطرات المعصية، وحركات اللسان والجوارح بالطاعات مكان حركاتها بالمعاصي، فإن هذه الكسرة لها تأثير عجيب في المحبة لا يُعبر عنه. وكان شيخ الإسلام يقول: من أراد السعادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية. ا. هـ بتصرف. مدارج السالكين 1/ 690 - 742

العاصي لا تحقد عليه، وتقبح فعله وتهجره؟ فقال: لأني أنظر إلى الصانع في الصنع فيهون علي المصنوع. [الحلية (تهذيبه) 3/ 362]. * وقال شاه الكرماني رحمه الله: من نظر إلى الخلق بعينه طالت خصومته

(د) قصص في من حلت بهم العقوبة من العصاة

معهم؛ ومن نظر إليهم بعين الله عذرهم فيما هم فيه، وقل اشتغاله بهم. [الحلية (تهذيبه) 3/ 359]. (د) قصص في من حلَّت بهم العقوبة من العصاة: * عن عكرمة قال: دخلت على ابن عباس - رضي الله عنه - وهو يقرأ في المصحف قبل أن يذهب بصره، وهو يبكي، فقلت: ما يبكيك جعلني الله فداك، قال: ويحك هل تعرف أيلة؟ قلت: وما أيلة؟ قال: قرية كان بها ناس من اليهود حرم الله تعالى عليهم حيتانهم يوم سبتهم، وكانت حيتانهم تأتيهم يوم السبت بيضا سمانا كأمثال المخاض، ينطح بأبنيتهم، فإذا كان غير يوم السبت ذهبت فلم يجدوها ولم يدركوها إلا في كبد ومشقة ومؤنة شديدة، فقال بعضهم لبعض: لعلنا لو اصطدنا يوم السبت لأكلناها في غير يوم السبت، فأخذها أهل بيت منهم فشووا فوجد جيرانهم ريح الشواء فقالوا: والله ما نراه أصاب بني فلان شيء، فأخذها غيرهم حتى كثر ذلك فيهم وفشا، فافترقوا ثلاث فرق: فرقة أكلت، وفرقة نهت، وفرقة قالوا: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأعراف: 164] فقالت الفرقة التي نهت: يا قوم إنا نحذركم أن يميتكم الله بمسخ أو خسف أو قذف أو بعض ما عنده من العذاب، والله لا نبايتكم مكانًا أنتم فيه، فخرجوا من السور، فلما كان من الغد أتوا السور ثم رقي منهم راق، فقال: يا عباد الله قردة والله لها أذناب تعاوي، فنزل ففتح الباب فدخل عليهم الناس، فعرفت القردة أنسابها من الإنس، ولم تعرف أنسابها من القردة، فيأتي القرد الإنسان فيقول له: أنت فلان؟ فيشير برأسه نعم ويبكي، وتجيء القردة إلى الإنسان فتقول: أنتِ فلانة؟ فتشير برأسها نعم وتبكي، فقالوا لهم: إنا قد حذرناكم عقاب الله - عزَّ وجلَّ - قال ابن عباس: واسمع الله تعالى يقول: {أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأعراف: 165] فما أدري ما فعلت الفرقة الثالثة، فكم من منكر قد رأينا فلم ننه عنه، فمن هذا بكى ابن عباس، قال عكرمة: فقلت له: ألا ترى جعلني الله فداك أنهم

قد أنكروا وعرفوا حتى قالوا: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا} [الأعراف: 164] قال: فأعجبه قولي. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 489]. * وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: لما أتى موسى - عليه السلام - قومه، أمرهم بالزكاة، فجمعهم قارون فقال: ما هذا؟ أتطيعونه في الصوم والصلاة وأشياء تجهلونها، فتحتملون أن تعطوه أموالكم؟ فقالوا: ما نحتمل أن نعطيه أموالنا، قالوا: فما ترى؟ قال: نرى أن يُبعث إلى بغي بني إسرائيل، فنأمرها أن ترميه بأنه ارتادها على نفسها على رؤوس الناس والأخيار، ففعلوا، فرمت موسى - عليه السلام - على رؤوس الناس، ودعا الله - عزَّ وجلَّ - عليهم، فأوحى الله - عزَّ وجلَّ - إلى الأرض أن أطيعيه، فقال موسى للأرض: خذيهم، فأخذتهم إلى أعقابهم، فجعلوا يقولون: يا موسى يا موسى، قال: خذيهم، فأخذتهم إلى ركبهم، فجعلوا يقولون: يا موسى يا موسى، قال: خذيهم، فأخذتهم إلى أعناقهم، فجعلوا يقولون: يا موسى يا موسى، قال: خذيهم فغيبتهم فيها، فأوحى الله - عزَّ وجلَّ -: يا موسى يسألك عبادي ويتضرعون إليك، فلم تجبهم، أما وعزتي لو إياي دعوا لأجبتهم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 49]. * وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - في قوله - عزَّ وجلَّ -: {وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ} [الأعراف: 163] إلى نهاية {كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأعراف: 163] قال: لما حرم الله - عزَّ وجلَّ - عليهم السبت: كانت الحيتان تأمن يوم السبت، فتجيء لا يستطيعون أن يمسوها. فكان إذا ذهب يوم السبت ذهبت، فكانوا يتصيدون كما يتصيد الناس، فلما أرادوا أن يعتدوا في السبت اصطادوا فيه، فنهاهم قوم من صلحائهم فأبوا، وكاثرهم الفجار، فأراد الفجار قتالهم، وكان فيهم من لا يشتهون قتلهم، أبو أحدهم، أو أخوه، أو ذو قرابته، فلما نهوهم أبوا، قال الصالحون: إذا أبيتم فإنا نجعل بيننا وبينكم حائطا، قال: ففعلوا، فلما فقدوا أصواتهم، قال بعضهم لبعض: لو نظرتم إلى إخوانكم ما فعلوا، فنظروا فإذا هم قد مسخوا قرودا، فكانوا يعرفون الكبير بكبره، والصغير بصغره، فجعلوا يبكون إليهم، هذا بعد موسى - صلى الله عليه وسلم -. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 490].

* وعن محمد بن كعب القرظي رحمه الله قال: لما قال فرعون لقومه: {مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص: 38] نشر جبريل أجنحة العذاب غضبا لله - عزَّ وجلَّ - فأوحى الله - عزَّ وجلَّ - إليه: أن يا جبريل إنما يعجل بالعقوبة من يخاف الفوت، قال: فأمهله - عزَّ وجلَّ - بعد هذه المقالة أربعين عاما حتى قال: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات: 24] فذلك قوله - عزَّ وجلَّ -: {فأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى} [النازعات: 25]، قوله الأول وقوله الآخر، ثم أغرقه الله - عزَّ وجلَّ - وجنوده. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 495]. * وعن علقمة بن مرتد رحمه الله قال: بينا رجل يطوف بالبيت إذ برق ساعد امرأة، فوضع ساعده على ساعدها يتلذذ، فلصقت بساعدها، فأسقط في يديه،: فأتى بعض أولئك الشيوخ فقال ارجع إلى المكان الذي فعلت فيه فعاهد رب البيت ألا تعود، ففعل فخُلي عنه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 509]. * وعن ابن أبي نجيح رحمه الله: أن يسافا ونائلة رجل وامرأة، فقبلها وهما يطوفان، فمسخا حجرين، فلم يزالا في المسجد حتى جاء الإسلام. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 509]. * وعن حويطب بن عبد العزى قال: كنا جلوسا بفناء الكعبة في الجاهلية، إذ جاءت امرأة إلى البيت تعود به من زوجها، فجاءت بزوجها، فمد يده إليها فيبست يده، فلقد رأيته بعد في الإسلام وإنه لأسك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 509]. * وقال أبو روح - رجل من الشيعة -: كنا بمكة في المسجد الحرام قعودا، فقام رجل نصف وجهه أسود ونصف وجهه أبيض، فقال: يا أيها الناس اعتبروا بي، فإني كنت أتناول الشيخين أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - بسبهما، فبينا أنا ذات ليلة في شأني إذ أتاني آت فرفع يده فلطم حر وجهي، فقال: يا عدو الله، أي فاسق، أتسب الشيخين أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، فأصبحت وأنا على هذه الحالة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 511]. * وعن عمر بن الحكم عن عمه قال: خرجنا نريد مكة، ومعنا رجل يسب أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، فنهيناه فلم ينته، فانطلق لبعض حاجته، فاجتمع عليه

الدبر، فاستغاث فأغثناه، فحملت علينا، فرجعنا فلم تقلع عنه حتى قطعته. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 511]. * وعن عبد الرحمن بن السائب رحمه الله قال: جمع زياد بن أبيه أهل الكوفة، فملأ منهم المسجد والرحبة والقصر؛ ليعرضهم على البراءة من علي، قال عبد الرحمن: فإني لمع نفر من الأنصار، والناس في أمر عظيم، قال: فهومت تهويمة (¬1)، فرأيت شيئا أقبل، طويلُ العنق، مثل عنق البعير، فقلت: ما أنت؟ قال: أنا النقاد ذو الرقبة، بُعثت إلى صاحب القصر، فاستيقظت فزعا، فقلت لأصحابي: هل رأيتم ما رأيت؟ قالوا: لا، فأخبرتهم، قال: ويخرج علينا خارج من القصر، فقال: إن الأمير يقول لكم: انصرفوا فإني عنكم مشغول، وإذا الفالج قد ضربه، فأنشأ عبد الرحمن بن السائب يقول: ما كان منتهيًا عما أراد بنا ... حتى تناوله النقاد ذو الرقبه فأثبت الشِّقُّ منه ضربةً ثبتت ... كما تناول ظلمًا صاحب الرحبه فقدم الهيثم بن الأسود على زياد بعهده وهو بتلك الحال، فقيل له: هذا الهيثم بالباب معه عهدك على الحجاز، قال: ويحكم! وما أصنع بالهيثم وما معه؟ والله لشربةُ ماء أُسيغها: أحب إلي من الهيثم وما جاء به!. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 333]. ¬

(¬1) قال في غريب الحديث للخطابي: التهويم: أن يأخذ الرجلَ النعاسُ حتى يخفق برأسه.

محاسبة النفس

محاسبة النفس (أ) أهمية وفضل محاسبة النفس: * قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: زنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وحاسبوها قبل أن تحاسبوا، فإنه أهون عليكم في الحساب غدًا أن تحاسبوا أنفسكم، وتزينوا للعرض الأكبر {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة: 18]. [الحلية (تهذيبه) 1/ 72]. * وعن علي بن عبيد الله الطوسي قال: قال معاوية بن هشام لخالد بن صفوان: لِمَ بلغ فيكم الأحنف بن قيس رحمه الله ما بلغ؟ قال: إن شئت حدَّثتك ألفًا، وإن شئت حذفت لك الحديث حذفًا، قال: احذفه حذفًا، قال: إن شئت ثلاثًا، وإن شئت فاثنتين، وإن شئت فواحدة، قال: ما الثلاث؟ قال: أما الثلاث فإنه كان لا يشره، ولا يحسد، ولا يمنع حقًا. قال: فما الثنتان؟ قال: كان موفقًا للخير معصومًا عن الشر. قال: فما الواحدة؟ قال: كان أشد الناس على نفسه سلطانًا. [المنتظم 6/ 94]. * وقال السري السقطي رحمه الله: من حاسب نفسه استحيا الله من حسابه. [صفة الصفوة 2/ 630]. * وعن الحسن البصري رحمه الله قال: إن المؤمن قوّام على نفسه يحاسب نفسه لله - عزَّ وجلَّ - وإنما خف الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة، إن المؤمن يَفجَأه الشيءُ يعجبه فيقول: والله إني لأشتهيك وإنك لَمن حاجتي، ولكنْ والله ما من صلةٍ إليك، هيهات هيهات، حِيلَ بيني وبينك. ويفرط منه الشيء، فيرجع إلى نفسه، فيقول: ما أردت إلى هذا. مالي

(ب) توجيهات ونصائح في محاسبة النفس

ولهذا؟ والله لا أعود لهذا أبدًا إن شاء الله، إن المؤمنين قوم أوثقهم القرآن، وحال بينهم وبين هلكتهم. إن المؤمن أسيرٌ في الدنيا يسعى في فكاك رقبته لا يأمن شيئًا حتى يلقى الله - عزَّ وجلَّ - يعلم أنه مأخوذ عليه في سمعه وبصره ولسانه وجوارحه. [صفة الصفوة 3/ 165، 166]. * وقال بعضهم: خير الناس للناس خيرهم لنفسه. [الكامل في اللغة والأدب / 186]. * وعن عبد الله بن السري قال: قال ابن سيرين رحمه الله: إني لأعرف الذنْب الذي حُمل به عليّ الدَّيْنُ ما هو، قلت لرجل منذ أربعين سنة: يا مفلس. فحدثت به أبا سليمان الدّاراني رحمه الله، فقال: قلّتْ ذنوبهم، فعرفوا من أين يؤتَوْن، وكثرت ذنوبي وذنوبك، فليس ندري من أين نُؤتى؟. [صفة الصفوة 3/ 174]. (ب) توجيهات ونصائح في محاسبة النفس: * قال الربيع بن خثيم رحمه الله: إذا تكلمتَ فاذكرْ سَمْعَ الله إليك، وإذا هممتَ فاذكر عِلْمَه بك، وإذا نظرتَ فاذكر نظَره إليك، وإذا تفكرْت فاذكُر اطّلاعه عليك، فإنه يقول تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا} [الإسراء: 36]. [صفة الصفوة 3/ 46]. * وعن ميمون بن مهران رحمه الله قال: لا يكونُ الرجلُ تقيًا حتَّى يكونَ لِنفسه أشدَّ محاسبةً مِن الشريكِ لشريكه، وحتَّى يعلَمَ من أين مَلْبسُهُ ومَطْعَمُهُ ومَشْرَبُهُ. [السير (تهذيبه) 4/ 414]. (جـ) قصص ووقائع في محاسبة النفس: * عن زيد بن أسلم، عن أبيه أن عمر رأى أبا بكر - رضي الله عنه - وهو مدل لسانه آخذه بيده فقال: ما تصنع يا خليفة رسول الله؟ فقال: وهل أوردني الموارد إلا هذا. [الزهد للإمام أحمد / 218]. * وعن أنس بن مالك قال: سمعت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يومًا -

وخرجت معه حتى دخل حائطًا فسمعته وهو يقول وبيني وبينه جدار وهو في جوف الحائط -: عمر أمير المؤمنين بخ بخ والله بني الخطاب لتتقين الله أو ليعذبنك. [الزهد للإمام أحمد / 223]. * وعن سلمة بن منصور، عن مولىً لهم كان يصحب الأحنف بن قيس رحمه الله، قال: كنت أصحبه، فكان عامّةُ صلاته بالليل الدعاءَ. وكان يجيء إلى المصباح فيضع أصبعه فيه ثم يقول: يا حُنيف ما حملك على ما صنعت يومَ كذا؟ ما حملك على ما صنعت يوم كذا؟. [صفة الصفوة 3/ 140]. * وقال الجنيد: قال لي محمد السمين رحمه الله: كنت في وقت من الأوقات أعمل على الشوق (¬1)، وكنت أجد من ذلك شيئًا أنه به مشتغل، فخرجت إلى الغزو، وهذه الحالة حالي، وغزا الناس، وغزوْت معهم. فكثر العدوّ على المسلمين، وتقاربوا، والتقوا، ولزم المسلمين من ذلك خوف لكثرة الروم. قال محمد: فرأيت نفسي في ذلك الموطن وقد لحقها روع، فاشتد ذلك عليّ، وجعلت أوبّخ نفسي، وألومها وأُؤنبها، وأقول لها: كذّابة تدّعين الشوق، فلما جاء الموطن الذي يؤمل في مثله الخروج (¬2) اضطربت وتغيرت؟ فأنا أوبخها إذ وقع لي أنزل إلى النهر، فأغتسل. فخلعت ثيابي واتّزرت، ودخلت النهر، فاغتسلت وخرجت، وقد اشتدّت لي عزيمة لا أدري ما هي؟ فخرجت بقوة تلك العزيمة، ولبست ثيابي، وأخذت سلاحي، ودنوت من الصفوف، وحملت بقوة تلك العزيمة حملةً وأنا لا أدري كيف أنا؟ فخرقت صفوف المسلمين، وصفوف الروم حتى صِرتُ من ورائهم، ثم كبّرت تكبيرة، فسمع الروم تكبيرًا، فظنوا أن كمينًا قد خرج عليهم من ورائهم، فولَّوا وحمل عليهم المسلمون، فقُتل من الروم بسبب تكبيرتي تلك نحو أربعة آلاف، وجعل الله - عزَّ وجلَّ - ذلك سببًا للفتح والنصر. [صفة الصفوة 2/ 641]. * وقال إبراهيم التيمي رحمه الله: مثّلتُ نفسي في الجنة آكل من ثمارها، ¬

(¬1) أي: الشوق إلى الله وإلى الجنة. (¬2) من الدنيا.

وأشرب من أنهارها، وأعانق أبكارها، ثم مثّلثُ نفسي في النار آكل من زقومها، وأشرب من صديدها، وأعالج سلاسلها وأغلالها، فقلت لنفسي: أيَّ شيء تريدين؟ قالت: أريد أن أُرَدّ إلى الدنيا فأعمل صالحًا، قال: قلت: فأنت في الأمنية فاعملي. [صفة الصفوة 3/ 62]. * وقال أحمد بن محمد: أخبرني بعض أصحابنا قال: أغلظ رجل لوكيع بن الجرّاح رحمه الله، فدخل وكيع بيتًا فعفّر وجهه في التراب، ثم خرج إلى الرجل، فقال: زِد وكيعًا بذَنْبه، فلولاه ما سُلّطت عليه. [صفة الصفوة 3/ 120]. * وعن إبراهيم بن محمد قال: كان رجل كثير البكاء، فقيل له في ذلك، فقال: أبكاني تذكري ما جنيت على نفسي حين لم أستح ممن شاهدني وهو يملك عقوبتي، فأخرني إلى يوم العقوبة الدائمة، وأجلني إلى يوم الحسرة الباقية، والله لو خيرت أيما أحب إليك أن تحاسب ثم يؤمر بك إلى الجنة، أو يقال لك كن ترابًا لاخترت أن أكون ترابًا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 422]. * واستطال رجلٌ على أبي معاوية الأسود رحمه الله فقال: أستغفر الله من الذنب الذي سُلِّطتَ به عليّ. [عيون الأخبار 1/ 326]. * وعن عبد الجبار بن النضر السلمي قال: مر حسان بن أبي سنان رحمه الله بغرفة فقال: مذ كم بنيت هذه؟ قال ثم رجع إلى نفسه فقال: وما عليك مذ كم بنيت، تسألين عما لا يعينك، فعاقبها بصوم سنة. [الحلية (تهذيبه) 1/ 472]. * وعن عمر بن عبد المجيد قال: اعتمّ شهر بن حوشب رحمه الله وهو يريد سلطانًا يأتيه، ثم نقض عمامته وجعل يقول: السلطان بعد الشيب، السلطان بعد الشيب!. [الحلية (تهذيبه) 2/ 262]. * وعن سلمة بن علقمة قال: اعتمّ (¬1) إياس بن قتادة رحمه الله، وهو يريد بشْر بن مروان، فنظر في المرآة، فإذا بشيبةٍ في ذقنه، فقال: أفلِيها يا جارية. ففلَتْها فإذا هي بشيبة أخرى، فقال: انظُروا مَن بالباب مِن قومي فأدخلوه، فأُدخلوا عليه، فقال: يا بني تميم إني قد كنت وهبتُ لكم شبيبتي فَهبوا لي ¬

(¬1) أي لبس عمامته.

(د) أهمية معرفة عيوب النفس وآفاتها، وترك عيب الناس

شيبتي، ألا أراني حميّر الحاجات، وهذا الموت يقرب مني، ثم نقض عمامته فاعتزل يؤذن لقومه ويعبد ربه، ولم يغش سلطانًا حتى مات. [صفة الصفوة 3/ 154]. * وعن عبد الله؛ أن رجلًا كان يتبع سفيان الثوري رحمه الله، فيجده أبدًا يخرج من لبنة رقعةً ينظر فيها، فأحب أن يعلم ما فيها، فوقع في يده الرقعة، فإذا فيها مكتوب: سفيان اذكر وقوفك بين يدي الله - عزَّ وجلَّ. [الحلية (تهذيبه) 2/ 374]. * ورُوي عن المرُّوذي، قال: قلتُ لأحمد بن حنبل رحمه الله: كيف أصبحتَ؟ قال: كيف أصبح مَن ربُّه يُطالبُه بأداء الفرائض، ونبيُّه يُطالبه بأداء السُّنة، والملَكان يطلُبانه بتصحيح العمل، ونفسه تطالبه بهواها، وإبليسُ يُطالبه بالفحشاء، ومَلَكُ الموت يُراقب قبضَ روحه، وعِياله يُطالبونه بالنفقة؟!. [السير (تهذيبه) 2/ 930]. * وعن أبي سليمان الداراني رحمه الله أنه قال: سمعت أبا جعفر المنصور يبكي في خطبته يوم الجمعة فاستقلني الغضب وحضرتني نيّة أن أقوم فأعظه بما أعرف من فعله إذا نزل. قال: فتفكرت أن أقوم على خلفه فأعظه والناس جلوس يرمقوني بأبصارهم فيعرض لي فيأمر بي فأقتل على غير تصحيح، فجلست وسكت. [المنتظم 10/ 145]. * وقال السري السقطي رحمه الله: خفيت عليّ علة ثلاثين سنة، وذلك أنا كنا جماعة نبكر إلى الجمعة، ولنا أماكن قد عرفت بنا، لا نكاد أن نخلو عنها، فمات رجل من جيراننا يوم جمعة، فأحببت أن أشيع جنازته، فشيعتها وأضحيت عن وقتي، ثم جئت أريد الجمعة، فلما أن قربت من المسجد، قالت لي نفسي: الآن يرونك وقد أضحيت، وتخلفت عن وقتك. فشق ذلك عليّ، فقلت لنفسي: أراك مرائية منذ ثلاثين سنة وأنا لا أدري؟ فتركت ذلك المكان الذي كنت آتية، فجعلت أصلي في أماكن مختلفة لئلا يعرف مكاني هذا أو نحوه. [الحلية (تهذيبه) 3/ 290]. (د) أهمية معرفة عيوب النفس وآفاتها، وترك عيب الناس: * قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: أحبُّ الناسِ إليَّ مَنْ أَهْدَى إليَّ عُيوبِي. [عيون الأخبار 2/ 410].

* وقال أيضا - رضي الله عنه -: لا تشغلوا أنفسكم بذكر الناس فإنه بلاء، وعليكم بذكر الله فإنه رحمة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 359]. * وقال أبو الدرداء - رضي الله عنه -: لا تكلفوا الناس ما لم يكلفوا، ولا تحاسبوا الناس دون ربهم، ابن آدم عليك نفسك. فإنه من تتبع ما يرى في الناس يطل حزنه، ولا يشف غيظه. [الحلية (تهذيبه) 1/ 168]. * وقال أبو هريرة - رضي الله عنه -: يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه وينسى الجذع أو الجذل في عينه. [الزهد للإمام أحمد / 323]. وكان بكر بن عبد الله رحمه الله يقول: عليكم بأمر إن أصبتم أجرتم وإن أخطأتم لم تأثموا، وإياكم وكل أمر إن أصبتم لم تؤجروا، وإن أخطأتم أثمتم. قيل: ما هو؟ قال: سوء الظن بالناس فإنكم لو أصبتم لم تؤجروا وإن أخطأتم أثمتم. [الحلية (تهذيبه) 1/ 371]. * وقال مكحول رحمه الله: رأيت رجلًا يصلي، وكلما ركع وسجد بكى، فاتهمته أنه يرائي ببكائه فحرمت البكاء سنة. [الحلية (تهذيبه) 2/ 182]. * وعن مجاهد رحمه الله قال: إن لبني آدم جلساءَ من الملائكة، فإذا ذكر الرجلُ أخاه المسلم بخير قالت الملائكة: ولك بمثله، وإذا ذكره بسوء قالت الملائكة: ابنَ آدم المستورَ عورتَه، أرْبِع على نفسك واحمد الله الذي ستر عورتك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 332]. * وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم رحمه الله قال: كان أبي يقول: أي بني كيف تعجبك نفسك؟ وأنت لا تشاء أن ترى من عباد الله من هو خير منك إلا رأيته، يا بني لا ترى أنك خير من أحد يقول لا إله إلا الله، حتى تدخل الجنة ويدخل النار، فإذا دخلت الجنة ودخل النار تبين لك أنك خير منه. [الحلية (تهذيبه) 1/ 517]. * وعن محمد بن كعب القرظي رحمه الله قال: إذا أراد الله بعبدٍ خيرًا جعل فيه ثلاث خصالٍ: فقهًا في الدين، وزهادةً في الدنيا، وبصرًا بعيوبه. [صفة الصفوة 2/ 473].

* وقال بلال بن سعد رحمه الله: ذِكْرُك حسناتِك ونِسيانُك سيِّئَاتك غِرّة. [صفة الصفوة 4/ 435]. * وقال أيضًا رحمه الله: أخٌ لك كلمَّا لقيكَ أخبرك بعيبٍ فيكَ خيرٌ لك مِنْ أخ لك كلمَّا لقيك وَضَع في كفِّك دينارًا. [عيون الأخبار 2/ 411]. * وقال الحسن البصري رحمه الله: يا بن آدم إنك لا تصيب حقيقة الإيمان حتى لا تعيب الناس بعيب هو فيك، وحتى تبدأ بصلاح ذلك العيب من نفسك فتصلحه، فإذا فعلت ذلك لم تصلح عيبًا إلا وجدت عيبًا آخر لم تصلحه، فإذا فعلت ذلك كان شغلك في خاصة نفسك، وأحبُّ العباد إلى الله تعالى من كان كذلك. [صفة الصفوة 3/ 165، موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 138]. * وعن أبي حازم المديني رحمه الله، قال: أفضل خصلة ترجى للمؤمن، أن يكون أشد الناس خوفًا على نفسه، وأرجاه لكل مسلم. (¬1) [الحلية (تهذيبه) 1/ 521]. * وقال أيضًا رحمه الله: إني لأعظ وما أرى للموعظة موضعًا، وما أريد بذلك إلا نفسي. [الحلية (تهذيبه) 1/ 527]. * وعن عبد الرحمن بن زيد قال: قال ابن المنكدر لأبي حازم: يا أبا حازم ما أكثر من يلقاني فيدعو لي بالخير، ما أعرفهم وما صنعت إليهم خيرًا قط. قال له أبو حازم: لا تظن أن ذلك من عملك؟ ولكن انظر الذي ذلك من قبله فاشكره. وقرأ ابن زيد: {إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم: 96] [الحلية (تهذيبه) 1/ 520]. * وقال إياس بن معاوية رحمه الله: كل رجل لا يعرف عيبه فهو أحمق، ¬

(¬1) قال ابن القيم رحمه الله: من علامات الإنابة: ترك الاستهانة بأهل الغفلة، والخوف عليهم، مع فتحك باب الرجاء لنفسك، فترجوا لنفسك الرحمة وتخشى على أهل الغفلة النقمة، ولكن ارجُ لهم الرحمة واخشَ على نفسك النقمة، فإن كان لابد مستهينًا بهم ماقتًا لهم: فكن لنفسك أشد مقتًا منك لهم، وكن أرجى لهم لرحمة الله منك لنفسك. مدارج السالكين 2/ 13

قالوا: يا أبا واثلة ما عيبك؟ قال: كثرة الكلام. [الحلية (تهذيبه) 1/ 476]. * وقال وهب بن منبه رحمه الله: إني لأتفقد أخلاقي؛ ما فيها شيء يعجبني. [الحلية (تهذيبه) 2/ 50]. * وقال عون بن عبد الله رحمه الله: ما أحسب أحدًا تفرغ لعيب الناس إلا من غفلة غفلها عن نفسه. [الحلية (تهذيبه) 2/ 98]. * وقال محمد بن علي رحمه الله: كفى بالمرء عيبًا أن يبصر من الناس ما يعمى عليه من نفسه، وأن يأمر الناس بما لا يستطيع التحول عنه، [الحلية (تهذيبه) 1/ 510]. * وعن مجاهد رحمه الله، قال: من أعز نفسه أذل دينه، ومن أذل نفسه أعز دينه. [الحلية (تهذيبه) 2/ 10]. * وعن عمرو بن قيس رحمه الله قال: إذا شغلت بنفسك ذهلت عن الناس، وإذا شغلت بالناس ذهلت عن ذات نفسك. [الحلية (تهذيبه) 2/ 154]. * وروي عن بعض السلف أنه قال: أدركت قومًا لم يكن لهم عيوب، فذكروا عيوب الناس، فذكر الناس لهم عيوبًا، وأدركت قومًا كانت لهم عيوب، فكفوا عن عيوب الناس، فنسيت عيوبهم أو كما قال. [جامع العلوم والحكم / 451]. * وقال بعض السلف: لولا أن تكون مدحة لذممت لكم نفسي. [الزهد للإمام أحمد / 524]. * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 3/ 103]. وتعذِر نفسَك إمّا أساتَ ... وغيرَك بالعذرِ لا تعذِر وتُبْصر في العين منه القذى ... وفي عينك الجِذع لا تُبْصِر * وعن أبي قلابة رحمه الله قال: إذا كان الإنسان أعلم بنفسه من الناس، فذاك قمن أن ينجو، وإذا كان الناس أعلم به من نفسه، فذاك قمن أن يهلك. [الحلية (تهذيبه) 1/ 392].

* وقال محمد بن واسع رحمه الله: من مقت نفسه في ذات الله أمنه من مقته. [الحلية (تهذيبه) 1/ 414]. * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 2/ 416]. لا تَلتمِسْ مِن مَسَاوي الناس ما سَتَروا ... فَيَكْشِفَ الله سِترًا عن مَسَاوِيكَا واذكر مَحاسِنَ ما فيهم إذا ذُكِروا ... ولا تَعِبْ أحدًا منهم بما فيكَا * وعن أبي سنان رحمه الله قال: قال إبليس: إذا استمكنت من ابن آدم ثلاثًا أصبت منه حاجتي، إذا نسي ذنوبه، وإذا استكثر عمله، وإذا أعجب برأيه. [الحلية (تهذيبه) 2/ 152]. * وعن حماد بن زيد قال: رجعنا من جنازة فدخلنا على عطاء السليمي رحمه الله، فلما رآنا كأنه خاف أن يدخله شيء - أي لكثرتنا - فقال: اللهم لا تمقتنا - أو اللهم لا تمقتني -، ثم قال: سمعت جعفر بن زيد العبدي يقول: مر رجل فجلس فأثنوا عليه خيرًا فلما جاوزهم قام وقال: اللهم إن كان هؤلاء يعرفوني فأنت تعرفني. [الحلية (تهذيبه) 2/ 323]. * وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله لمُزَاحمٍ مولاه: إن الوُلاةَ جَعلوا العيونَ على العوّام وأنا أجعَلُكَ عيني على نفسي، فإن سمعتَ مِنّي كلمةً تَربَأُ بي عنها أو فَعَالًا لا تُحبّه فعِظْني عنده وانْهَني عنه. [عيون الأخبار 2/ 416]. * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 2/ 416]. ابِدَأْ بنفسك فَانْهَهَا عن غَيِّها ... فإذا انتَهَتْ عنه فأنتَ حَكِيمُ فَهناكَ تُعذِرُ إن وَعَظْتَ ويُقتَدَى ... بالقول منك ويُقْبَلُ التّعليمُ لا تَنْهَ عن خُلُقٍ وتأتِيَ مثلَه ... عارٌ عليكَ إذا فعلتَ عظيمُ * وقال سفيان الثوري رحمه الله: إذا عرفت نفسك فلا يضرك ما قيل فيك. [الحلية (تهذيبه) 2/ 372]. * وقال أيضًا رحمه الله: الظن ظنان، فظن فيه إثم، وظن ليس فيه إثم، فأما الظن الذي فيه إثم فالذي يتكلم به، وأما الظن الذي ليس فيه إثم، فالذي لا يتكلم به. [الحلية (تهذيبه) 2/ 379].

* وقال أيضًا رحمه الله: نسمع التشديد فنخشى، ونسمع اللين فنرجوه لأهل القبلة، ولا نقضي على الموتى ولا نحاسب الأحياء، ونكل ما لا نعلم إلى عالمه، ونتهم رأينا لرأيهم. [الحلية (تهذيبه) 2/ 384]. * وعن سفيان بن عيينة رحمه الله، قال: كان رجل يقول: علمي بصالح نفسي علمي بفسادها، وبحسب امرئ من الشر أن يرى من نفسه فسادًا: لا يُصلحها. (¬1) [الحلية (تهذيبه) 2/ 425]. * وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: يكون شغلك في نفسك، ولا يكون شغلك في غيرك، فمن كان شغله في غيره فقد مكر به. [الحلية (تهذيبه) 3/ 20]. * وعن محمد بن النضر قال: ذكر رجل عند الربيع بن خثيم رحمه الله فقال: ما أنا عن نفسي براض، فأتفرغ منها إلى آدمي غيرها، إن العباد خافوا الله على ذنوب غيرهم، وأمنوه على ذنوب أنفسهم. [الحلية (تهذيبه) 3/ 50]. * وعن محمد بن سيرين رحمه الله قال: كنا نتحدث أن أكثر الناس خطايا أفرغهم لذكر خطايا الناس. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 101]. * وقال يحيى بن معاذ رحمه الله: ألق حسن الظن على الخلق، وسوء الظن على نفسك، لتكون من الأول في سلامة، ومن الآخر على الزيادة. [الحلية (تهذيبه) 3/ 265]. * وقال السري السقطي رحمه الله: إن في النفس لشغلًا عن الناس. [الحلية (تهذيبه) 3/ 265]. * وقال أيضًا رحمه الله: مِن علامة الاستدراج، العمَى عن عيوب النفس. (¬2) [صفة الصفوة 2/ 627]. ¬

(¬1) ينبغي أن يتنبه لهذا الكلام المتين: من إذا نُبه على بعض عيوبه, قال: هذا ما اعتدت عليه, أو هذا طبعي ومن الصعب تغييره, أو نحوًا من هذا الكلام. (¬2) قال ابن القيم رحمه الله: فعلامَةُ السَّعادَةِ أنْ تكونَ حسناتُ العَبدِ خَلْفَ ظَهرهِ , وسيِّئاتهُ نُصْبَ عَيْنَيْهِ. وعلامَةُ الشقاوَة أن يَجعَلَ حَسناتِهِ نُصْبَ عينيهِ وسيِّئاتهِ خَلْفَ ظَهرهِ واللهُ المُستعانُ. مفتاح دار السعادة 2/ 295 وقال رحمه الله: فطُوبى لمَن شغَلهُ عَيبُهُ عن عُيوبِ النَّاسِ وَويلٌ لمن نَسِيَ عَيبَهُ وتفرَّغَ لِعُيوبِ النَّاسِ. مفتاح دار السعادة 2/ 297

* وقال أيضًا رحمه الله: أقوى القوةِ غَلَبَتُك نفسَك، ومن عجز عن أدب نفسه كان عن أدب غيره أعجز. [صفة الصفوة 2/ 627]. * وقال أيضًا رحمه الله: لا تفتش عن مساوي الناس، ورداءة أخلاقهم، ولكن فتش وابحث في أخلاق الإسلام ما حلك فيه، حتى تسلم ويعظم قدره في نفسك وعندك. [الحلية (تهذيبه) 3/ 332]. * وقال أيضًا رحمه الله: لا يطلع على عثرات الخلق إلا جاهل، ولا يهتك ستر ما اطلع عليه إلا ملعون. [الحلية (تهذيبه) 3/ 336]. * وقال محمد بن علي: سئل أبو العباس بن عطاء رحمه الله وأنا حاضر عن أقرب شيء إلى مقت الله والعياذ بالله، فقال: رؤية النفس وأفعالها، وأشد من ذلك مطالبة الأعواض عن أفعالها. (¬1) [الحلية (تهذيبه) 3/ 401]. * وقال محفوظ بن محمود رحمه الله: لا تزن الخلق بميزانك وزن نفسك ¬

(¬1) قال ابن القيم رحمه الله: يعرض للعامل في عمله ثلاث آفات: 1 - رؤيته وملاحظته، والذي يُخلصه من هذه البلية: مشاهدته لمنة الله عليه وفضله وتوفيقه له وأنه بالله لا بنفسه كما قال تعالى: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [النور: 21] وقال أهل الجنة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا} [الأعراف: 43]. 2 - طلب العوض عليه، والذي يخلصه من هذه البلية: علمه بأنه عبد محض، والعبد لا يستحق على خدمته سيده عوضا ولا أجرة. 3 - رضاه به وسكونه إليه، والذي يخلصه من هذه البلية أمران: أ - مطالعة عيوبه وآفاته، وتقصيره فيه، وما فيه من حظ النفس ونصيب الشيطان، فقلَّ عمل من الأعمال إلا وللشيطان فيه نصيب وإن قلَّ، وللنفس فيه حظ. ب - علمه بما يستحقه الرب من حقوق العبودية وآدابها الظاهرة والباطنة وشروطها، وأن العبد أضعف وأعجز وأقل من أن يوفيها حقًا، وأن يرضا بها لربه، والعارف لا يرضا بشيء من عمله لربه، ويستحي من مقابلة الله بعمله. ا. هـ بتصرف. مدارج السالكين 2/ 316

(هـ) مجاهدة النفس

بميزان المؤمنين، لتعلم فضلهم وإفلاسك. [الحلية (تهذيبه) 3/ 442]. * وقال أبو علي الوراق رحمه الله: من جهل قدر نفسه عدل على نفسه وعدل على غيره. وآفة الناس من قلة معرفتهم بأنفسهم. [الحلية (تهذيبه) 3/ 452]. (هـ) مجاهدة النفس: * قال أبو مسلم الخولاني رحمه الله: أرأيتم نفسًا إذا أكرمتُها وَوَدعتُها ونعمتُها ذمتني غدًا عند الله، وإن أنا أهنتُها وأنصبتُها وأعملتُها مَدَحَتْني عند الله غدًا؟ قالوا: مَن تِيك يا أبا مسلم؟ قال: تِيكَ واللهِ نفسي. [صفة الصفوة 4/ 429]. * وعن عثمان بن أبي العاتكة قال: كان من أمْر أبي مسلم الخولاني رحمه الله أن علَّق سَوْطًا في مَسْجده، ويقول: أنا أولى بالسوط مِنَ الدّوابّ، فإذا دخلته فترةٌ مَشَقَ ساقَه سوطًا أو سوطين. [صفة الصفوة 4/ 430]. * وقال قتادة رحمه الله: ابن آدم إن كنت لا تريد أن تأتي الخير إلا بنشاط، فإن نفسك إلى السآمة وإلى الفترة وإلى الملل أميل، ولكن المؤمن هو المتحامل، والمؤمن المتقوى، وأن المؤمنين هم العجاجون إلى الله بالليل والنهار. وما زال المؤمنون يقولون ربنا ربنا في السر والعلانية حتى استجاب لهم. [الحلية (تهذيبه) 1/ 408]. * وقال مالك بن دينار رحمه الله: يقولون الجهاد! أنا من نفسي في جهاد. (¬1) [الحلية (تهذيبه) 1/ 420]. * وقال حذيفة: وضع مالك بن دينار رحمه الله، رغيفا بين يديه، فقالت له نفسه: لو كان معه شيء آخر؟ قال: أنت ها هنا!، فمر به أعرابي مسكين، ¬

(¬1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ونفس الهوى والشهوة لا يعاقب عليه، بل على اتباعه والعمل به، فإذا كانت النفس تهوى وهو ينهاها كان نهيه عبادة لله، وعملًا صالحًا، وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (المجاهد من جاهد نفسه في ذات الله)، فيؤمر بجهادها كما يؤمر بجهاد من يأمر بالمعاصي ويدعو إليها، وهو إلي جهاد نفسه أحوج، فإن هذا فرض عين وذاك فرض كفاية، والصبر في هذا من أفضل الأعمال، فإن هذا الجهاد حقيقة ذلك الجهاد، فمن صبر عليه صبر على ذلك الجهاد. كما قال: (والمهاجر من هجر السيئات). مجموع الفتاوى 10/ 313

(و) فوائد أخرى

فقال: يا أعرابي، خذ هذا، فلما كان في الليلة القابلة، رضيت بالخبز، لم ترد معه غيره. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 98]. * وقال: محمد بن المنكدر رحمه الله: كابدتُ نفسي أربعين سنة حتى استقامت. [صفة الصفوة 2/ 479]. * وعن ابن أبي جميل، عن ابن المبارك رحمه الله أنه سأله رجل عن الرباط فقال: رابط بنفسك على الحق، حتى تقيمها على الحق، فذلك أفضل الرباط. [الحلية (تهذيبه) 3/ 40]. * وقال أبو يزيد البسطامي رحمه الله: دعوت نفسي إلى الله فأبت عليَّ واستصعبت، فتركتها ومضيت إلى الله. [الحلية (تهذيبه) 3/ 248]. (و) فوائد أخرى: * قال مطرف بن عبد الله رحمه الله: كأن القلوب ليست منا، وكأن الحديث يعني به غيرنا. [الحلية (تهذيبه) 1/ 361]. * وكان يقال: مَنْ رضي عن نفسه كثر الساخطون عليه. [عيون الأخبار 1/ 326]. * وقال الحسن البصري رحمه الله: ليس بين العبد وبين ألاّ يكون في خير إلاّ أن يرى أن فيه خيرًا. [عيون الأخبار 1/ 326]. * وقال أيضًا رحمه الله: إن الرجل كان يشاك الشوكة يقول: إني لأعلم أنك بذنب وما ظلمني ربي - عزَّ وجلَّ. [الزهد للإمام أحمد / 477]. * وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: حسناتُكَ مِنْ عدوّكَ أكثرُ منها مِنْ صَدِيقكَ، لأن عدوّكَ إذا ذُكرتَ عنده يَغتابُكَ وإنما يَدفَع إليكَ المِسكينُ حسناتِهِ. [عيون الأخبار 2/ 410]. * وقيل لأيوبَ النبيّ - عليه السلام -: أيّ شيء كان أشدَّ عليك في بلائك؟ قال: شماتةُ الأعداء. (¬1) [عيون الأخبار 3/ 117]. * وقال الجنيد: الإنسان لا يعاب بما في طبعه إنما يعاب إذا فعل بما في طبعه. [الحلية (تهذيبه) 3/ 381]. ¬

(¬1) قيل لبعض حكماء العجم: بماذا ينتقم الإنسانُ من عدوّه؟ قال: بأن يزداد فضلًا في نفسه.

الأخوة والصحبة

الأخوة والصحبة (أ) فضل الأخوة والصحبة في الله، والإحسان إليهم: * عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: إن من الإيمان أن يحب الرجل الرجل ليس بينهما نسب قريب ولا مال أعطاه إياه ولا محبة إلا لله عز وجل. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 156]. * وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله استكمل الإيمان. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 157]. * وعن زجلة قالت: كنا مع أم الدرداء - رضي الله عنها - جلوسا فقال لها هشام بن إسماعيل: يا أم الدرداء ما أوثق عملك في نفسك؟ قالت: الحب في الله. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 157]. * وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: أحب في الله وأبغض في الله ووال في الله وعاد في الله فإنما تنال ولاية الله بذلك ولا يجد عبد طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصيامه حتى يكون كذلك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 157]. * وعن كعب الأحبار - رضي الله عنه - قال: رب قائم مشكور له، ورب نائم مغفور له، وذلك أن الرجلين يتحابان في الله، فقام أحدهما يصلي، فرضي الله صلاته ودعاءه، فلم يرد عليه من دعائه شيئًا، فذكر أخاه ذلك في دعائه من الليل، فقال: يا رب أخي فلان اغفر له فغفر الله له وهو نائم. [الحلية (تهذيبه) 2/ 253]. * وقال أبو ذر - رضي الله عنه -: الصاحب الصالح خير من الوحدة، والوحدة خير من صاحب السوء، ومُمِلُّ الخير خير من الصامت، والصامت خير من مُمِل الشر. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 535].

* وقال أبو جعفر الباقر: جاء رجل إلى الحسين بن علي - رضي الله عنه - فاستعان به في حاجة فوجده معتكفًا فاعتذر إليه، فذهب إلى الحسن - رضي الله عنه - فاستعان به فقضى حاجته، وقال: لقضاء حاجة أخ لي في الله أحب إلي من اعتكاف شهر. [البداية والنهاية 8/ 204]. * وقال عون بن عبد الله رحمه الله: ما تحابّ رجلان في الله، إلا كان أفضلهما أشدهما حبًا لصاحبه. [صفة الصفوة 3/ 71]. * وقال أيضًا رحمه الله: كان رجل يجالس قومًا، فترك مجالستهم، فأتيَ في منامه، فقيل له: تركتَ مجالستهم؟ لقد غُفر لهم بعدك سبعين مرة. [صفة الصفوة 3/ 71]. * وقال محمد بن سوقة رحمه الله: ما استفاد رجل أخًا في الله إلا رفعه الله بذلك درجة. [الحلية (تهذيبه) 2/ 129]. * وقال سفيان بن عيينة: نزل محمد بن المنكدر على محمد بن سوقة رحمه الله بالكوفة، فحمله على حمار، فسألوه فقالوا: يا عبد الله أيّ العمل أحب إليك؟ قال: إدخال السرور على المؤمن. قالوا: فما بقي مما يستلذ؟ قال: الإفضال على الإخوان. [صفة الصفوة]. * وعن عليِّ بن الحُسين رحمه الله، قال: فَقد الأحبَّةِ غُربة. [السير (تهذيبه) 2/ 554]. * وعن واصل مولى أبن عيينة قال: كنت مع محمد بن واسع رحمه الله بمرو، فأتاه عطاء بن مسلم ومعه ابنه عثمان، فقال عطاء لمحمد: أي عمل في الدنيا أفضل؟ قال: صحبة الأصحاب، ومحادثة الإخوان إذا اصطحبوا على البر والتقوى، فحينئذ يذهب الله بالخلاف من بينهم فواصلوا وتواصلوا ولا خير في صحبة الأصحاب ومحادثة الإخوان إذا كانوا عبيد بطونهم، لأنهم إذا كانوا كذلك ثبَّط بعضهم بعضًا عن الآخرة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 399، 400]. * وعن يحيى بن أبي كثير رحمه الله قال: لا يُؤذن للأسفل بزيارة الأعلى،

إلا من كان يزور في الله - عزَّ وجلَّ - فإنه يُؤذن له يزور من الجنة حيث يشاء. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 358]. * وقال أبو الحسين العتكي: سمعت إبراهيم الحَرْبي رحمه الله يقول لجماعةٍ عندَه: من تعُدُّون الغريبَ في زمانكم؟ فقال رجلٌ: الغريبُ: مَن نأى عن وطنه. وقال آخر: الغريب: من فارقَ أحبابَه. فقال إبراهيم: الغريبُ في زماننا: رجلٌ صالحٌ، عاشَ بين قومٍ صالحين، إن أمر بمعروفٍ آزروه، وإن نهى عن منكر عانوه، وإن احتاج إلى سبب من الدنيا مانوه، ثم ماتوا وتركوه. [السير (تهذيبه) 3/ 1095]. * وقال القاسم بن محمد رحمه الله: قد جعل الله في الصديق البارّ عِوَضًا من الرَّحِم المُدْبِرة. [عيون الأخبار 3/ 90]. * وعن مكحول رحمه الله قال: من أحب رجلًا صالحًا فإنما أحب الله. [الحلية (تهذيبه) 2/ 181]. * وعن كردم قال: قال محمد بن يوسف - وذكر الإخوان - فقال: وأين مثل الأخ الصالح؟ أهلك يقسمون ميراثك، وهو قد تفرد بجدثك (¬1)، يدعو لك وأنت بين أطباق الأرض. [الحلية (تهذيبه) 3/ 54]. * وعن أبي زرعة بن عمرو بن جرير رحمه الله قال: ما تحاب رجلان في الله - عزَّ وجلَّ - إلا كان أفضلهما أشدهما حبًا لصاحبه. [الزهد للإمام أحمد / 630]. * وعن قتادة رحمه الله قال: وجوه المتحابين من نور. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 158]. * وعن العوام بن حوشب قال: لقيت قتادة رحمه الله فقلت: أأحب في الله؟ قال: إنما أحببت ربك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 8/ 158]. ¬

(¬1) قال في لسان العرب: جدث: الجَدَثُ: القَبْر. والجمع أَجْداثٌ. وفي الحديث: نُبَوِّئهم أَجْداثَهم أَي نُنْزِلُهم قبورَهم؛ وقد قالوا: جَدَفٌ، فالفاء بدل من الثاء، لأَنهم قد أَجمعوا في الجمع على أَجْداثٍ، ولم يقولوا أَجْداف. لسان العرب , مادة: (جدث).

(ب) أقوال وآراء بعض السلف الذين يرون الإكثار من الإخوان والأصحاب

(ب) أقوال وآراء بعض السلف الذين يرون الإكثار من الإخوان والأصحاب: * وقال وهبُ بن مُنبِّه رحمه الله: استكثر من الإخوان ما استطعت، فإن استغنيت عنهم لم يضُرُّوك، وإن احتجت إليهم نفعوك. [السير (تهذيبه) 2/ 554]. * وقال الصعلوكي رحمه الله: إنا نحتاج إلى إخوان العُشرة لوقت العُسْرة. [السير (تهذيبه) 3/ 1337]. * وكان يقال: أعجزُ الناس مَنْ فرَّط في طلب الإخوان، وأعجزُ منه مَنْ ضَيَّع مَنْ ظَفِر به منهم. [عيون الأخبار 3/ 5]. * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 3/ 5]. لعمرُكَ ما مالُ الفتى بذخيرةٍ ... ولكنَّ إخوانَ الثقاتِ الذخائرُ * وكان يقال: الرجلُ بلا إخوانٍ كاليمين بلا شِمَالٍ. [عيون الأخبار 3/ 6]. * وقال إبراهيمُ النَّخَعيّ رحمه الله: إنّ المعرفةَ لتنفعُ عند الأسد الهصورِ والكلبِ العقورِ فكيف عند الكريم الحسيب!. [عيون الأخبار 3/ 20]. * وقال فرقد السبخي رحمه الله: الغريب من ليس له حبيب. [الحلية (تهذيبه) 1/ 446]. (جـ) أقوال وآراء بعض السلف الذين لا يرون الإكثار من الإخوان والأصحاب: * عن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - قال: إذا كثر الأخلاء كثر الغرماء. قيل لموسى - الراوي -: ما الغرماء؟ قال: الحقوق. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 532]. * وقال إبراهيم بن أدهم رحمه الله: إياك وكثرة الإخوان والمعارف. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 532]. * قال بشر بن منصور رحمه الله: أقلّ من معرفة الناس فإنك لا تدري ما يكون، قال: فإن كان شيء - يعني فضيحة في القيامة - كان من يعرفك قليلًا. [الحلية (تهذيبه) 2/ 331].

(د) قصص ومواقف في الإحسان إلى الأخ والصديق

* وقال الحميدي رحمه الله: لقاء الناس ليس يفيد شيئًا ... سوى الهَذَيان من قيلٍ وقال فأقلل من لقاء الناس إلا ... لأخذ العلم أو إصلاح حالِ [السير (تهذيبه) 4/ 1469]. * وعن سهل بن هاشم قال: قال لنا إبراهيم بن أدهم رحمه الله: أقلوا من الإخوان والأخلاء. [الحلية (تهذيبه) 2/ 486]. * وقال بشر بن منصور رحمه الله: أقل من معرفة الناس؛ فإنك لا تدري ما يكون، فإن كان سيء (يعني: فضيحة في الدنيا)؛ كان من يعرفك قليل. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 520]. * وقال رجل لداود الطائي رحمه الله: أوصني. قال: أقِلَّ من معرفة الناس. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 530]. (د) قصص ومواقف في الإحسان إلى الأخ والصديق: * عن أُمِّ الدرداء، قالت: كان لأبي الدرداء - رضي الله عنه - ست وثلاث مئة خليل في الله. يدعوا لهم في الصلاة، فقلتُ له في ذلك، فقال: إنه ليس رجلٌ يدعوا لأخيه في الغيب، إلاَّ وَكَّلَ الله به ملكين يقولان: ولك بمثل. أفلا أرغبُ أَنْ تدعُوا لي الملائكة. [السير (تهذيبه) 1/ 273]. * وقال علي بن محمد: كان سبب حبْس إبراهيم التيمي رحمه الله: أن الحجاج طلب إبراهيم النخعي، فجاء الذي طلبه، فقال: أريد إبراهيم، فقال إبراهيم التيمي: أنا إبراهيم، فأخذه وهو يعلم أنه إبراهيم النخعي. فلم يستَحِل أن يدله عليه، فجاء به الحجاج، فأمر بحبسه في الدّيماس، ولم يكن لهم ظلٌّ من الشمس ولا كِنٌّ من البَرْد، وكان كل اثنين في سلسلة، فتغير إبراهيم، فجاءته أمه في الحبس، فلم تعرفه حتى كلمها، فمات في السجن، فرأى الحجاج في منامه قائلًا يقول: مات في هذه الليلة رجل من أهل الجنة، فلما أصبح قال: هل مات الليلة أحد بواسط؟ قالوا: نعم، إبراهيم التيمي مات في الحبس فقال: حُلُمٌ نَزْغَةٌ من نزغات الشيطان، فأمر به فألقي على الكُناسة. [صفة الصفوة 3/ 63].

* وعن مهدي بن سابق قال: طلب ابن أخي محمد بن سوقة رحمه الله منه شيئًا. فبكى، فقال له: والله يا عَمّ لو علمت أن مسألتي تبلغ منك هذا ما سألتك، قال: ما بكيت لسؤالك، إنما بكيت؛ لأني لم أبتدئك قبل سؤالك. [صفة الصفوة 3/ 82]. * وعن مطرِّف بن الشخير رحمه الله أنَّه قال لِبعض إخوانه: يا أبا فلان إذا كانت لك حاجةٌ فلا تُكلِّمني واكتبها في رُقْعة فإني أكرهُ أن أرى في وجهك ذُلَّ السؤال. [السير (تهذيبه) 3/ 160]. * وعن معمر: أن طاووسًا رحمه الله أقام على رفيق له مريض حتى فاته الحج. [الحلية (تهذيبه) 2/ 30]. * وعن جرير بن حازم قال: كنا عند الحسن البصري رحمه الله فقال ابنه: خففوا عن الشيخ فإنه لم يطعم وقد انتصف النهار، فانتهره الحسن وقال: مه دعهم فوالله إن كان الرجل من المسلمين ليزور أخاه فيتحدثان ويذكران ربهما حتى يمنعه قائلته. [الزهد للإمام أحمد / 475]. * وقال يعقوبُ بن شيبة رحمه الله: أظَلَّ العيدُ رجلًا، وعِنْده مئة دينار لا يملكُ سواها، فكتب إليه صديق يسترعي منه نفقة، فأنفذ إليه بالمئة دينار، فلم يَنْشَبْ أن وردَ عليه رقعةٌ من بعض إخوانه يذكرُ أنَّه أيضا في هذا العيد في إضاقة، فوجَّه إليه بالصُّرَّة بعينها. قال: فبقي الأول لا شيء عنده، فاتفق أنَّه كتبَ إلى الثالث وهو صديقُه يذكرُ حاله، فبعثَ إليه الصُّرة بخَتْمِها. قال: فعرفَها، وركبَ إليه، وقال: خبِّرني ما شأنُ هذه الصُّرة؟ فأخبره الخبر، فركبا معًا إلى الذي أرسلها، وشرحوا القصة، ثم فتحوها واقتسموها. إسنادها صحيح. [السير (تهذيبه) 2/ 962، 963]. * وقال علي بن الحسن بن شقيق: كان ابن المبارك رحمه الله إذا كان وقت الحج، اجتمع إليه إخوانه من أهل مرو، فيقولون: نصحبك، فيقول: هاتوا نفقاتكم، فيأخذ نفقاتهم، فيجعلها في صندوق، ويقفل عليها، ثم يكتري له، ويخرجهم من مرو إلى بغداد، فلا يزال ينفق عليهم ويطعمهم أطيب الطعام، وأطيب الحلوى، ثم يخرجهم من بغداد بأحسن زي وأكمل مروءة، حتى

يصلوا إلى مدينة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فيقول لكل واحد: ما أمرك عيالك أن تشتري لهم من المدينة من طرفها؟ فيقول: كذا وكذا فيشتري لهم، ثم يخرجهم إلى مكة، فإذا قضوا حجهم، قال لكل واحد منهم: ما أمرك عيالك أن تشتري لهم من متاع مكة؟ فيقول: كذا وكذا، فيشتري لهم، ثم يخرجهم من مكة، فلا يزال ينفق عليهم إلى أن يصيروا إلى مرو، فيجصص بيوتهم وأبوابهم، فإذا كان بعد ثلاثة أيام، عمل لهم وليمة وكساهم، فإذا أكلوا وسروا، دعا بالصندوق، ففتحه ودفع إلى كل رجل منهم صرته، عليها اسمه. [السير (تهذيبه) 2/ 766]. * وعن محمد بن إبراهيم الحدثي أنه قال: حدثني أبي عن رجل قد سمّاه كان ينزل عليه عبد الله بن المبارك رحمه الله في بعض ما كان ومعه إخوان له، فشكى إليّ العزبة وأمرني أن أشتري له جارية. قال: فاشتريت له جارية وعرضتها عليه فرضيها، وقال: ابعث بها إلى المنزل. قال: فأتيت بها أهلي فأقامت حتى حاضت وطهرت، فأخبرته بذلك فقال لي: ابعث بها الليلة، فأتيت بناتي فأخبرتهن، فقمن إليها فمشطنها وهيأنها. قال: فلما صلى العشاء الآخرة وجهتها إليه، فلما أصبحنا قال للجارية: امضي إلى أهل فلان. قال: فجاءت الجارية فسألتها بناتي وأمهن عن حالها فقالت: ما وضع يده عليّ، قال: فغدوت إليه فقلت: يا أبا عبد الرحمن، شكوت إلي العزبة، وأمرتني فاشتريت لك جارية، وعرضتها عليك فرضيتها، وقامت بناتي فهيأنها، وإن أم فلان أخبرتني أنك لم تضع يدك عليها؟! قال لي: يا أبا فلان، القول ما قلت لك من شدة العزبة، لكني لما خلوت بها ذكرت إخواني فَتَذهَّمْت أن أنال شهوة لا ينالوها، وليس في يميني ما يسعهم. أخرج الجارية فبعها. وفي معنى هذه الحكاية قول الشاعر: وتركي مواساة الأخلاء بالذي ... تنال يدي ظلمٌ لهم وعقوق وإني لأستحيي من الناس أن أرى ... بحال اتساع والصديق مضيق [المنتظم 9/ 62]. * وعن جعفر قال: حدثنا بعض أصحابنا قال: كان مورق رحمه الله يتجر فيصيب المال، فلا تأتي عليه جمعة وعنده منه شيء، يلقى الأخ فيعطيه

أربعمائة خمسمائة ثلاثمائة، فيقول: ضعها عندك حتى نحتاج إليها ثم يلقاه بعد ذلك فيقول: شأنك بها. فيقول الأخ: لا حاجة لي فيها. فيقول: إنا والله ما نحن بآخذيها أبدًا فشأنك بها. وقال: كره أن يعطيهم على وجه الصدقة. [الحلية (تهذيبه) 1/ 374]. * وعن الأعمش قال: ربما دخلنا على خيثمة رحمه الله فيخرج السلة من تحت السرير فيها الخبيص والفالوذج، فيقول: ما أشتهيه، كلوا أما إني ما جعلته إلا لكم، وكان يصر الدراهم وكان موسرًا فإذا رأى الرجل من أصحابه منخرق القميص أو الرداء أو به خلة؛ تَحيَّنه، فإذا خرج من الباب خرج هو من باب آخر حتى يلقاه فيعطيه، فيقول: اشتر قميصا، اشتر رداء، اشتر حاجة كذا. [الحلية (تهذيبه) 2/ 63]. * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 1/ 129]. وإذا رأيتَ شقيقه وصديقه ... لم تدرِ أيُّهما أخو الأرحام * وعن مصعب بن أحمد بن مصعب قال: قدم أبو محمد المروزي رحمه الله على بغداد يريد مكة، فكنت أحب أن أصحبه، فأتيته فاستأذنته في الصحبة، فلم يأذن لي في تلك السنة، ثم قدم سنة ثانية وثالثة فأتيته فسلمت عليه وسألته فقال: اعزم على شرط يكون أحدنا الأمير لا يخالفه الآخر: فقلت: أنت الأمير! فقال: يا أبا محمد لا! بل أنت الأمير! فقلت: أنت أسن وأولى! فقال: نعم، ولا يجب أن تعصيني! فقلت: نعم! فخرجت معه، فكان إذا حضر الطعام يؤثرني فإذا عارضته بشيء قال: ألم أشترط عليك أن لا تخالفني؟ فكان هذا دأبنا، حتى ندمت على صحبته لما يلحق نفسه من الضرر، فأصابنا في بعض الأيام مطر شديد ونحن نسير، فقال لي: يا أبا محمد اطلب الميل: فلما رأينا الميل قال لي: اقعد في أصله! فأقعدني في أصله، وجعل يديه على الميل وهو قائم قد حنا علي وعليه كساء قد تجلل به يظللني به من المطر حتى تمنيت أني لم أخرج معه لما يلحق نفسه من الضرر، فلم يزل هذا دأبه حتى دخلنا مكة. [المنتظم 13/ 18، 19].

(هـ) الصبر عليهم، والتجاوز عن تقصيرهم، والتماس العذر لهم

(هـ) الصبر عليهم، والتجاوز عن تقصيرهم، والتماس العذر لهم: * قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: لا تظنَّ بكلمة خرجت من فيِّ مسلم شرا وأنت تجد لها في الخير محملا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 526]. * وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - في قول الله تبارك وتعالى: {وَلاَ تَسْتَوِي الحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت: 34، 35] قال: الرجل يشتمه أخوه، فيقول: إن كنتَ صادقا فغفر الله لي، وإن كنتَ كاذبا فغفر الله لك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 525]. * وعن يحيى بن حصين قال: سمعت طارق بن شهاب يقول: كان بين خالد وسعد - رضي الله عنهما - كلام فذهب رجل يقع في خالد عند سعد بن أبي وقاص فقال: مه، إن ما بيننا لم يبلغ ديننا. [الحلية (تهذيبه) 1/ 95]. * وعن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه قال: معاتبة الأخ خير لك من فقده، ومن لك بأخيك كله، أعط أخاك ولِن له، ولا تطع فيه حاسدًا فتكون مثله، غدًا يأتيك الموت فيكفيك فقده، وكيف تبكيه بعد الموت وفي حياته ما قد كنت تركت وصله؟ [الحلية (تهذيبه) 1/ 172]. * وعن عون بن عبد الله، عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه. قال: من يتفقد يفقد، ومن لا يَعُدَّ الصبر لفواجع الأمور يعجز. إن قارضت الناس قارضوك، وإن تركتهم لم يتركوك، قال: فما تأمرني؟ قال: اقرض من عرضك ليوم فقرك. [الحلية (تهذيبه) 1/ 175]. * وعن عمر بن عبد العزيز رحمه الله قال: إذا سمعت كلمةً من مسلم فاحملها على أحسن ما تجد، حتى لا تجد محملا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 525]. * وعن أبي قلابة رحمه الله قال: إذا بلغك عن أخيك شيْء تكرهه، فالتمس له العذْر جُهدَك، فإن لم تجد له عذرًا، فقل في نفسك: لعل لأخي عذرًا لا أعلمه. [صفة الصفوة 3/ 168، موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 525].

* وقال بعضهم: [عيون الأخبار 3/ 112]. إذا رأيتُ ازورارًا من أخي ثقةٍ ... ضاقتْ عليّ برُحْبِ الأرض أوطاني فإن صددتُ بوجهي كي أكافئه ... فالعين غَضْبَى وقلبي غيرُ غضبان * وعن عطاء الخراساني رحمه الله قال: تعاهدوا إخوانكم بعد ثلاث، فإن كانوا مرضى فعودوهم، وإن كانوا مشاغيل فأعينوهم، وإن كانوا نسوا فذكروهم، وكان يقال: امش ميلًا وعد مريضا، وامش ميلين وأصلح بين اثنين، وامش ثلاثًا وزر أخًا في الله. [الحلية (تهذيبه) 2/ 185]. * وقال محمد بن الحنفية رحمه الله: ليس بحكيم من لم يعاشر بالمعروف؛ من لا يجد بدًا من معاشرته، حتى يجعل الله له فرجًا ومخرجًا. [الحلية (تهذيبه) 1/ 504]. * وعن الحسن رحمه الله قال: التودد إلى الناس نصف العقل. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 526]. * وعن يونس بن عبد الأعلى قال: قال لي الشافعي رحمه الله: يا يونس إذا بلغك عن صديق لك ما تكرهه، فإياك أن تبادره بالعداوة وقطع الولاية، فتكون ممن أزال يقينه بشك، ولكن القه وقل له: بلغني عنك كذا وكذا، واحذر أن تسمي له المبلغ، فإن أنكر ذلك، فقل له: أنت أصدق وأبر لا تزيدن على ذلك شيئًا، وإن اعترف بذلك فرأيت له في ذلك وجهًا لعذر، فاقبل منه، وإن لم تر ذلك، فقل له: ماذا أردت بما بلغني عنك؟ فإن ذكر ما له وجه من العذر فاقبل منه، وإن لم تر لذلك وجهًا لعذر وضاق عليك المسلك، فحينئذ أثبتها عليه سيئة، ثم أنت في ذلك بالخيار: إن شئت كافأته بمثله من غير زيادة، وإن شئت عفوت عنه، والعفو أقرب للتقوى وأبلغ في الكرم لقول الله تعالى: {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40] فإن نازعتك نفسك بالمكافأة فاذكر فيما سبق له لديك من الإحسان فعدّها، ثم ابدر له إحسانًا بهذه السيئة، ولا تبخسن باقي إحسانه السالف بهذه السيئة، فإن ذلك الظلم بعينه. يا يونس إذا كان

لك صديق فشد يديك به، فإن اتخاذ الصديق صعب ومفارقته سهل. [صفة الصفوة 2/ 553]. * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 3/ 21]. أُغَمِّضُ للصديق عن المساوي ... مخافةَ أن أعيشَ بلا صديقِ * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 3/ 21]. ومن لا يُغَمِّضْ عينَه عن صديقه ... وعن بعض ما فيه يَمُتْ وهو عاتبُ ومَن يَتَتَبَّعْ جاهِدًا كلَّ عثرةٍ ... يَجِدْها ولا يَسلَمْ له الدهرَ صَاحِبُ * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 3/ 21]. إذا ما صديقي رابَني سُوءُ فِعلِهِ ... ولم يَكُ عمّا ساءني بمُفِيقِ صبرت على أشياء منه تريبني ... مخافة أن أبقى بغير صديق * وقيل لخالد بن صفوان رحمه الله: أيّ إخوانك أحبُّ إليك؟ قال: الذي يَغفِرُ زَلَلي، ويَقبَلُ عِلَلي، ويَسُدُّ خللي. [عيون الأخبار 3/ 22]. * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 3/ 23]. إذا أنتَ لم تَشرَبْ مرارا على القذى ... ظَمِئْتَ وأيّ الناسِ تَصفُو مَشَاربُهْ * ويُروى عن رجاء بن حيوة رحمه الله، قال: مَن لَم يُؤاخ إلاَّ من لا عيب فيه قلَّ صديقُه، ومَن لم يَرْضَ مِن صديقه إلاَّ بالإخلاص له دام سُخْطُهُ، ومن عاتب إخوانه على كُلِّ ذنب كثُرَ عدوُّه. [السير (تهذيبه) 2/ 558]. * وعن مغيرة قال: كان رجلٌ على حالٍ حسنة، فأحدث حدثًا أو أذنب ذَنْبًا، فرفضه أصحابه ونبذوه، فبلغ إبراهيم النخعي رحمه الله، فقال: مَهْ تدارَكُوه وعِظُوه ولا تدَعوه. [صفة الصفوة 3/ 61]. * وقال الحسن رحمه الله: المؤمنً لا يَحيفُ على مَنْ يُبغِضُ ولا يأثمُ فيمن يحبّ. [عيون الأخبار 3/ 14]. * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 3/ 15].

(و) نصائح وتوجيهات للصديق

وعينُ السّخطِ تُبصِرُ كلَّ عيبٍ ... وعينُ أخي الرضا عن ذاك تعْمى * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 3/ 16]. وعينُ الرّضا عن كلّ عيبٍ كليلةٌ ... ولكنّ عين السُّخطِ تُبدِي المساوِيَا (و) نصائح وتوجيهات للصديق: * عن بكر بن عبد الله المزني رحمه الله قال: تذلل المرء لإخوانه، تعظيم له في أنفسهم. [الحلية (تهذيبه) 1/ 371]. * وعن العُتْبيّ قال: قالت أعرابية لابنها: يا بنيّ، إياك وصُحْبةَ مَن مودّته بِشْرُهُ فإنه بمنزلة الريح. [عيون الأخبار 3/ 80]. * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 3/ 41]. إنَّ الهديَّةَ حُلوةٌ ... كالسِّحر تَجتَلِبُ القلوبَا تُدنِي البغيضَ من الهوى ... حتى تُصَيِّرَه قريباَ * وعن عبد الله بن طاووس رحمه الله قال: قال لي أبي: يا بني صاحب العقلاء تنسب إليهم، وإن لم تكن منهم، ولا تصاحب الجهال فتنسب إليهم وإن لم تكن منهم. [الحلية (تهذيبه) 2/ 31]. * وقال يحيى بن معاذ رحمه الله: ليكن حظ المؤمن منك ثلاثًا: إن لم تنفعْه فلا تضرّه، وإن لم تُفرحْه فلا تغمّه، وإن لم تمدحْه فلا تذمّه. [صفة الصفوة 4/ 340]. * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 3/ 33]. إذا شِئتَ أن تُقْلَى فَزُرْ متتابِعًا ... وإن شئت أن تزداد حُبًّا فزُرْ غِبَّا * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 3/ 23]. أقْلِل زيارتك الصّديـ ... ـقَ يراك كالثوب استجدَّهْ إنّ الصديق يُمِلُّه ... أَلاَّ يزالَ يراك عندَهْ * وعن جعفر بن برقان، قال لي ميمون بن مهران رحمه الله: يا جعفر! قل

لي في وجهي ما أكره، فإن الرجل لا ينصح أخاه حتى يقول له في وجهه ما يكره. [الحلية (تهذيبه) 2/ 54]. * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 3/ 193]. من عفّ خفّ على الصَّديقِ لقاؤه ... وأخو الحوائج وجهُه مَمْلولُ * وقال محمد بن سيرين رحمه الله: لا تكرم أخاك بما يكره. [الزهد للإمام أحمد / 515]. * وقال أيضًا رحمه الله: كانوا يقولون: لا تكرم صديقك بما يشق عليه. [الزهد للإمام أحمد / 515]. * وعن ابن سيرين رحمه الله أنه كان يقول: إنك إن كلفتني ما لم أطق ... ساءك ما سرك مني من خلق [الحلية (تهذيبه) 1/ 390]. * وقال مالك بن دينار رحمه الله: كل أخ وجليس وصاحب لا تستفيد منه في دينك خيرًا فانبذ عنك صحبته. [الحلية (تهذيبه) 2/ 334]. * وعن سفيان الثوري رحمه الله قال: اصحب من شئت ثم أغضبه ثم دسَّ إليه من يسأله عنك. [الحلية (تهذيبه) 2/ 375]. * وقال سفيان بن عيينة رحمه الله: كان يقال: أن يكون لك عدو صالح، خير من أن يكون لك صديق فاسد، لأن العدو الصالح يحجزه إيمانه أن يؤذيك أو ينالك بما تكره، والصديق الفاسد لا يبالي ما نال منك. [الحلية (تهذيبه) 2/ 432]. * وعن حاتم الأصم قال: قال لي شقيق البلخي رحمه الله: اصحب الناس كما تصحب النار، خذ منفعتها، واحذر أن تحرقك. [الحلية (تهذيبه) 2/ 507]. * وعن الجنيد بن محمد قال: كنت أعود السري السقطي رحمه الله في كل ثلاثة أيام عيادة السُّنَّة، فدخلت عليه وهو يجود بنفسه، فجلست عند رأسه،

(ز) فوائد أخرى

فبكيت وسقط من دموعي على خده، ففتح عينيه ونظر إليّ فقلت له: أوصني، فقال: لا تصحب الأشرار، ولا تشتغل عن الله بمجالسة الأخيار. [الحلية (تهذيبه) 3/ 289]. (ز) فوائد أخرى: * قال أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -: إن دعاء الأخ لأخيه في الله - عزَّ وجلَّ - يستجاب. [الزهد للإمام أحمد / 217]. * وعن العمريّ قال: قال رجلٌ لعمر بن الخطاّب رضى الله عنه: إنّ فلانًا رجلُ صدْقٍ. قال: سافرتَ معه؟ قال: لا. قال: فكانت بينك وبينه خصومةٌ؟ قال: لا. قال: فهل ائتمنته على شيءٍ؟ قال: لا. قال: فأنت الذي لا علم لَك به، أُراك رأيتَه يرفع رأسَه ويَخْفِضه في المسجد!. [عيون الأخبار 3/ 160]. * وسمع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - رجلا يثني على رجل فقال: أسافرت معه؟ قال: لا قال: أخالطته؟ قال: لا قال: والله الذي لا إله غيره ما تعرفه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 329]. * وقال عمرُ - رضي الله عنه - لأبي مريم السَّلُولي: والله لا أُحِبُّكَ حتى تُحِبَّ الأرضُ الدَّمَ. قال: فتَمنَعُنِي لذلك حقا؟ قال: لا. قال: فلا ضَيرَ. [عيون الأخبار 3/ 17]. * وقال رجل لأبي الدَّرْداء - رضي الله عنه -: إن فلانًا يُقْرِئك السلام؛ فقال: هديّةٌ حسنة ومَحْمَل خفيف. [عيون الأخبار 3/ 47]. * وقال أبو أيوب الأنصاري - رضي الله عنه -: من أراد أن يكثر علمه، ويعظم حلمه؛ فليجلس في غير مجلس عشيرته. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 519]. * وقال الحكيم رحمه الله: ثلاثة لا يُعرَفون إلا في ثلاثة مواطن: لا يُعرَف الحليم إلا عند الغضب، ولا الشجاع إلا في الحرب، ولا الأخ إلا عند الحاجة إليه. [عيون الأخبار 3/ 86]. * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 3/ 86]. فأنت أخِي ما لم تكن ليَ حاجةٌ ... فإن عرضَتْ أيقنتُ أن لا أخا ليا

* وقال أحمد بن أبي الحواريّ: سمعت أبا سليمان الداراني رحمه الله يقول: كنت أنظر إلى الأخ من إخواني بالعراق فأعمل على رؤيته شهرًا، وسمعته يقول: إنما الأخ الذي تعِظك رؤيته قبل أن يعظك بكَلامه. [صفة الصفوة 4/ 444]. * وعن عبد الله بن الوليد قال: قال لنا أبو جعفر محمد بن علي رحمه الله: يُدخل أحدكم يَده كيسَ صاحبه، فيأخذ ما يريد؟ قال: قلنا: لا. قال: فلستم إخوانًا كما تزعمون. [صفة الصفوة 2/ 460]. * وكان يقال: لا خير لك في صحبة من لا يرى لك مثل ما ترى له. [عيون الأخبار 3/ 23]. * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 3/ 81]. لعمرك ما وُدُّ اللسان بنافعٍ ... إذا لم يكن أصلُ المودّة في القلب * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 3/ 82]. ولا خير في وُدٍّ إذا لم يكن له ... على طول مرّ الحادثات بقاءُ * وعن مالك بن دينار رحمه الله قال: كل جليس لا تستفيد منه خيرًا فاجتنبه. [الحلية (تهذيبه) 1/ 425]. * وعن الزهري رحمه الله، قال: إذا طال المجلس، كان للشيطان فيه نصيب. [السير (تهذيبه) 2/ 607]. * وعن عبد الرحمن بن يعقوب قال: جاء رجل إلى إبراهيم بن أدهم رحمه الله يريد صحبته، فقال له إبراهيم: ما معك؟ فأخرج دراهم فأخذ منها إبراهيم دراهم فقال: اذهب فاشتر لنا موزًا، فقال الرجل: موزًا بهذا كله؟ فقال إبراهيم: ضم دراهمك وامض، ليس تقوى على صحبتنا. [الحلية (تهذيبه) 2/ 478]. * وقال بشر بن الحارث رحمه الله: لا تكون كاملًا حتى يأمنك عدوك، وكيف تكون خيّرًا وصديقك لا يأمنك. [الحلية (تهذيبه) 3/ 100].

* وقال المأمون رحمه الله: الإخوانُ ثلاثُ طبقاتٍ: طبقةٌ كالغذاء لا يُستغنَى عنه، وطبقةٌ كالدواء لا يُحتاجُ إليه إلا أحيانًا، وطبقة كالداء لا يحتاج إليه أبدًا. (¬1) [عيون الأخبار 3/ 7]. * وعن مجاهد رحمه الله قال: ثلاثٌ يُصْفِينَ لكَ ودَّ أخيكَ: أن تبدأَه بالسلام إذا لقِيتَه، وتوسعَ له في المجلس، وتَدْعُوَهُ بأحبّ أسمائه إليه. وثلاثٌ من العيّ: أن تعيبَ على الناس ما تأتي، وأن تَرَى من الناس ما يخفَى عليكَ من نفسكَ، وأن تُؤذِيَ جليسك فيما لا يَعْنِيك. [عيون الأخبار 3/ 13]. * وكان يقال: لا يكن حُبُّك كَلَفًا ولا بُغضُكَ تَلَفًا. أي: لا تسرف في حبك وبغضك. [عيون الأخبار 3/ 13]. * وعن داود بن الجراح قال: قال رجل لإبراهيم بن أدهم رحمه الله: قصدتك يا أبا إسحاق من خراسان لأصحبك، فقال له إبراهيم: على أن أكون بمالك أحق به منك، قال: لا، قال إبراهيم: قد صدقتني فنعم الصاحب أنت. [الحلية (تهذيبه) 2/ 489]. * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 3/ 34]. أبِلغْ أخًا ما توَلّى اللهُ صحبتناَ ... أنّي وإن كنتُ لا ألقاهُ ألقاهُ وأن طَرْفي موصولٌ برؤيته ... وإن تباعدَ عن مثوايَ مَثواهُ اللهُ يعلَمُ أني لستُ أذكره ... وكيف أذكره إذ لستُ أنساهُ ¬

(¬1) قيل لبعض حكماء العجم: أخوك أَحَبُّ إليك أم صديقُكَ؟ قال: إنما أُحِبُّ أخي إذا كان صديقًا. عيون الأخبار 3/ 10

التقوى

التقوى * عن قيس بن أبي حازم قال: قال علي - رضي الله عنه -: كونوا لقبول العمل أشد اهتمامًا منكم بالعمل، فإنه لن يقلَّ عمل مع التقوى، وكيف يقل عمل يتقبل. [الحلية (تهذيبه) 1/ 81]. * وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: يا حبذا نوم الأكياس، وإفطارهم، كيف يغبنون سهر الحمقى وصومهم؟ ومثقال ذرة من بِرٍّ مع تقوى ودين أعظم وأفضل وأرجح من أمثال الجبال من عبادة المغترين. [الحلية (تهذيبه) 1/ 168]. * وعن يحيى الغساني قال: جاء سائل إلى عبد الله بن عمر - رضي الله عنه -، فقال لابنه: أعطه دينارًا، فلما انصرف قال له ابنه: تقبَّل الله منك يا أبتاه. فقال: لو علمتُ أن الله يقبل مني سجدة واحدة، وصدقة درهمٍ لم يكن غائب أحبَّ إلي من الموت، أتدري ممن يتقبل؟ إنما يتقبل الله من المتقين. [صفة الصفوة 1/ 273]. * وقال نافع: خرجت مع ابن عمر - رضي الله عنه - في بعض نواحي المدينة ومعه أصحاب له، فوضعوا سُفْرةً فمرّ بهم راع، فقال له عبد الله: هلم يا راعي فأصِبْ من هذه السُفْرة. فقال: إني صائم. فقال له عبد الله: في مثل هذا اليوم الشديدِ حرُّه، وأنت في هذه الشّعاب في آثار هذه الغنم وبين الجبال ترعى هذه الغنم وأنت صائم؟ فقال الراعي: أبادر أيامي الخالية. فعجب ابن عمر، وقال: هل لك أن تبيعنا شاةً من غنمك نَجْتزِرها ونطعمك من لحمها ما تفطر عليه ونعطيك ثمنها؟ قال: ليست لي، إنها لمولاي، قال: فما عسَيت أن يقول لك مولاك إن قلتَ، أكلها الذئب؟ فمضى الراعي وهو رافع إصبعه إلى السماء، وهو يقول: فأين الله؟. قال: فلم يزل ابن عمر يقول: قال الراعي: فأين الله، فما عدا أن قدِم

المدينة، فبعث إلى سيده، فاشترى منه الراعي والغنمَ، فأعتق الراعي ووَهب له الغنم، رحمه الله [صفة الصفوة 1/ 2]. * وخطب رجلٌ إلى ابن عباس - رضي الله عنه - يتيمةً له؛ فقال ابن عباس - رضي الله عنه -: لا أرضاها لك. قال: ولِم، وفي حِجْرِك نشأَتْ؟ قال: لأنها تتشرّف وتنظر. قال: وما هذا! فقال ابن عباس - رضي الله عنه -: الآن لا أرضاك لها. [عيون الأخبار 4/ 307]. * وعن إبراهيم بن أبي بكر بن عياش رحمه الله قال: شهدت أبي عند الموت فبكيت، فقال: يا بني ما تبكي؟ فما أتى أبوك فاحشة قط. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 380]. * وقالت امرأة مسروق رحمه الله: ما كان مسروق يوجد إلا وساقاه قد انتفختا من طول الصلاة، فلما احتضر بكى، فقيل له: ما هذا الجزع؟ قال: مالي لا أجزع، وإنما هي ساعة، ولا أدري أين يُسلك بي؟ بين يديّ طريقان لا أدري إلى الجنة أم إلى النار؟. [صفة الصفوة 3/ 17]. * وعن محمد بن يوسف قال: قلت لسفيان الثوري رحمه الله: أرى الناس يقولون سفيان الثوري، وأنت تنام الليل، فقال لي: اسكت، مِلاكُ هذا الأَمر التقوى. [صفة الصفوة 3/ 103]. * وقال أبيّ: كان الرجل إذا سأل ابن سيرين رحمه الله عن الرؤيا قال: اتّق الله - عزَّ وجلَّ - في اليقظة، ولا يضرك ما رأيت في المنام. [صفة الصفوة 3/ 175]. * وعن قتادة رحمه الله قال: من يتق الله يكن الله معه، ومن يكن الله - عزَّ وجلَّ - معه فمعه الفئة التي لا تُغلب، والحارس الذي لا ينام، والهادي الذي لا يضلّ. [صفة الصفوة 3/ 185]. * وقال الأصمعي رحمه الله: قال أعرابي: خرجتُ في ليلة ظلماءَ، فإذا أنا بجارية كأنها عَلَم، فأردْتُها فقالت: ويلَك أمالَك زاجِرٌ من عَقل إذا لم يكن لك ناهٍ من دين؟ فقلت: إيه والله ما يرانا إلاَّ الكواكب، فقالت: وأين مُكَوكبها؟. [صفة الصفوة 4/ 563]. * وعن بكر المزني، قال: لمَّا كانَت فِتنَةُ ابن الأشعث قال طلق بن

حبيب رحمه الله: اتَّقُوها بالتقوى. فقيل له: صف لنا التقوى. فقال: العَمَلُ بطاعة الله، على نور من الله، رجاءَ ثوابِ الله، وتركُ معاصي الله، على نور من الله، مخافةَ عذابِ الله. * قال الذهبي رحمه الله: أبدعَ وأوجزَ، فلا تقوى إلاَّ بعَمَل، ولا عمل إلاَّ بتروٍّ من العِلم والاتِّباع، ولا ينفعُ ذلك إلاَّ بالإخلاص لله. لا ليقال فلان تارك للمعاصي بنور الفقه، إذ المعاصي يفتقر اجتنابُها إلى معرفتها، ويكونُ التَّركُ خَوفًا من الله، لا لِيُمدَحَ بتركها، فمن داوم على هذه الوصيَّة فقد فاز. [السير (تهذيبه) 2/ 566، 567]. * وعن سلام بن أبي مطيع أو غيره قال: ما كان يونس بن عبيد رحمه الله بأكثرهم صلاةً ولا صومًا، ولكن لا والله ما حضر حق لله إلا وهو متهيِّءٌ له. [السير (تهذيبه) 2/ 652]. * وقال بشر بن الحارث رحمه الله: لا تجد حلاوة العبادة حتى تجعل بينك وبين الشهوات سَدًَّا. [السير (تهذيبه) 2/ 886]. * وعن عون بن عبد الله قال: قال لرجل من الفقهاء: من يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب. فقال الفقيه: والله! إنه ليجعل لنا المخرج وما بلغنا من التقوى ما هو أهله، وإنه ليرزقنا وما اتقيناه كما ينبغي، وإنه ليجعل لنا من أمرنا يسرا وما اتقيناه، وإنا لنرجو الثالثة: ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرًا. [الحلية (تهذيبه) 2/ 97]. * وقال سفيان بن عيينة رحمه الله: إنما سموا المتقين لأنهم اتقوا ما لا يتقى. [الحلية (تهذيبه) 2/ 434]. * وعن داود الطائي رحمه الله قال: ما أخرج الله عبدًا من ذل المعاصي إلى عز التقوى، إلا أغناه بلا مال، وأعزه بلا عشيرة، وآنسه بلا أنيس. [الحلية (تهذيبه) 2/ 466]. * وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله: لو مر المطيعون بالمعاصي مطروحة في السكك ما التفتوا إليها. [الحلية (تهذيبه) 3/ 192].

* وعن أبي جعفر محمد بن جرير الطبري رحمه الله قال: كنت بمكة في سنة أربعين ومائتين فرأيت خُراسانيًا ينادي: معاشر الحاج من وجد هميانًا فيه ألف دينار فردَّه عليّ أضعف الله له الثواب، قال: فقام إليه شيخ من أهل مكة كبير من موالي جعفر بن محمد، فقال له: يا خراساني، بلدنا فقير أهله، شديد حاله، أيامه معدودة، ومواسمه منتظرة، فلعله بيد رجل مؤمن يرغب فيما تبذله له حلالًا يأخذه ويردّه عليك، قال الخُراساني: وكم يريد؟ قال العشر مائة دينار، قال: لا والله، لا أفعل ولكن أحيله على الله - عزَّ وجلَّ. قال: وافترقا. قال ابن جرير: فوقع لي أن الشيخ صاحب القريحة والواجد للهميان فاتبعته، فكان كما ظننت، فنزل إلى دار خلقة الباب والمدخل، فسمعته يقول: يا لبابة! قالت له: لبيك يا أبا غياث. قال: وجدت صاحب الهميان ينادي عليه مطلقًا فقلت له: قيده بأن تجعل لواجده شيئًا، فقال: كم؟ فقلت: عشرة، فقال: لا، ولكنا نحيله على الله - عزَّ وجلَّ - فأي شيء نعمل، ولا بد لي من ردّه، فقالت له: نقاسي الفقر معك منذ خمسين سنة ولك أربع بنات وأختان وأنا وأمي وأنت تاسع القوم، استنفقه واكسنا، ولعل الله يغنيك فتعطيه أو يكافئه عنك ويقضيه، فقال لها: لست أفعل ولا أحرق حشاشي بعد ست وثمانين سنة، قال: ثم سكت القوم وانصرفت. فلما كان من الغد على ساعات من النهار سمعت الخراساني يقول: يا معشر الحاج! وفد الله من الحاضر والبادي، من وجد هميانًا فيه ألف دينار فردّه أضعف الله له الثواب، قال: فقام إليه الشيخ وقال: يا خُراساني! قد قلت لك بالأمس ونصحتك وبلدنا والله فقير قليل الزرع والضرع، وقد قلت لك أن تدفع إلى واجده مائة دينار، فلعله أن يقع بيد رجل مؤمن يخاف الله - عزَّ وجلَّ - فامتنعت، فقل له عشرة دنانير منها، فيردّه عليك ويكون له في العشرة دنانير ستر وصيانة، قال: فقال له الخراساني: لا نفعل ولكن نحيله على الله - عزَّ وجلَّ - قال: ثم افترقا. فلما كان من الغد سمعت الخراساني ينادي ذلك النداء بعينه، فقام الشيخ فقال له: يا خراساني، قلت أول أمس العشر منه، وقلت لك عشر العشر أمس، واليوم أقول لك عشر العشر يشتري بنصف دينار قربة يستقي عليها للمقيمين

بمكة بالأجرة وبالنصف الآخر شاة يحلبها ويجعل ذلك لعياله غذاء، قال: لا نفعل، ولكن نحيله على الله - عزَّ وجلَّ - قال: فجذبه الشيخ جذبة وقال: تعال خذ هميانك، ودعني أنام الليل، وأرحني من محاسبتك، فقال له: امش بين يدي. فمشى الشيخ وتبعه الخراساني وتبعتهما، فدخل الشيخ فما لبث أن خرج وقال: ادخل يا خراساني، فدخل ودخلت فنبش تحت درجة له مزبلة، فنبش وأخرج منها الهميان أسود من خرق بخارية غلاظ وقال: هذا هميانك؟ فنظر إليه وقال: هذا همياني، قال: ثم حل رأسه من شد وثيق، ثم صب المال في حجر نفسه وقلبه مرارًا، وقال: هذه دنانيرنا، وأمسك فم الهميان بيده الشمال وردّ المال بيده اليمين فيه، وشده شدًا سهلًا ووضعه على كتفه، ثم أراد الخروج، فلما بلغ باب الدار رجع، وقال للشيخ: يا شيخ! مات أبي رحمه الله وترك من هذا ثلاثة آلاف دينار، فقال لي أخرج ثلثها ففرقه على أحق الناس عندك، وبع رحلي، واجعله نفقة لحجك! ففعلت ذلك وأخرجت ثلثها ألف دينار وشددتها في هذا الهميان، وما رأيت منذ خرجت من خُراسان إلى ها هنا رجلًا أحق به منك، خذه بارك الله لك فيه، قال: ثم ولى وتركه. قال: فوليت خلف الخُراساني فعدا أبو غياث فلحقني وردني، وكان شيخًا مشدود الوسط بشريط معصب الحاجبين، ذكر أن له ستًا وثمانين سنة، فقال لي: اجلس، فقد رأيتك تتبعني في أول يوم وعرفت خبرنا بالأمس واليوم، فسمعت أحمد بن يونس اليربوعي يقول: سمعت مالكًا يقول: سمعت نافعًا يقول: عن عبد الله بن عمر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعمر وعلي: إذا أتاكما بهدية بلا مسألة ولا استشراف نفس فاقبلاها ولا ترداها فترداها على الله - عزَّ وجلَّ - وهذه هدية من الله والهدية لمن حضر، ثم قال: يا لبابة، الهميان وادعي فلانة وفلانة وصاح ببناته وأخواته، وقال: ابسطوا حجوركم. فبسطت حجري، وما كان لهن قميص له حجر يبسطونه فمدوا أيديهم، وأقبل يعد دينارًا حتى إذا بلغ العاشر إلي قال: ولك دينارًا. حتى فرغ الهميان، وكانت ألفًا، فأصابني مائة دينار، فتداخلني من سرور غناهم أشد مما داخلني من سرور ما أصابني بالمائة دينار ...

قال ابن جرير: فودعته وكتبت بها العلم سنين أتقوت بها، وأشتري منها الورق، وأسافر وأعطي الأجرة، فلما كان بعد سنة ست وخمسين سألت عن الشيخ بمكة فقيل إنه قد مات بعد ذلك بشهور، ووجدت بناته ملوكًا تحت ملوك، وماتت الأختان وأمهن، وكنت أنزل على أزواجهن وأولادهن فأحدّثهم بذلك، فيستأنسون بي ويكرموني، ولقد حدثني محمد بن حيان البجلي في سنة تسعين ومائتين أنه لم يبق منهم أحد. فبارك الله لهم فيما صاروا إليه ورحمة الله عليهم أجمعين. [المنتظم 11/ 290 - 293]. * وقال خلاّدٌ الأرقَط: سمعتُ مشايخنا من أهل مكة يذكرون أن القَسّ (¬1)، وهو مولى لبني مخزوم، كان عند أهل مكة بمنزلة عَطاَء بن أبي رَباَح، وأنه مرّ يومًا بسَلاّمَةَ، وهي تُغَنِّي، فوقف يسمَع؛ فرآه مولاها فدنا منه فقال: هل لك في أن تدخُل وتستمع؟ فأبى، ولم يزل به فقال: أقعِدك في موضع لا تراها ولا تراك. ففعل، ثم غنت فأعجبته؛ فقال: هل لك في أن أُحَوِّلها إليك؟ فتأَبَّى. ثم أجاب، فلم يزلْ به حتى شُغِف بها وشُغِفت به، وعلم ذلك أهلُ مكة. فقالت له يومًا وقد خَلَوا: أنا والله أُحِبُّكَ؛ فقال: وأنا والله أُحِبُّكِ. قالت: فأنا أُحبّ أن أضَعَ فمي على فمكَ؛ قال: وأنا والله. قالت: وأنا والله أُحِبّ أن أضع صدري على صدرك؛ قال: وأنا والله. قالت: فما يمنعكَ؟ والله إن الموضعَ لخال! فأطرق ساعةً، ثم قال: إني سمعتُ الله يقول: {الْأَخِلاَّء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 67]، وأنا والله أكره أن تكون خُلَّةُ ما بيني وبينكِ عداوةً يومَ القيامة. ونهض وعاد إلى طريقته التي كان عليها. وفيه قيل: لقد فَتَنتْ رَيّا وسَلاّمةُ القَسَّا ... ولم تتركا للقسِّ عقلًا ولا نفسَا [عيون الأخبار 4/ 417]. ¬

(¬1) قال في الحاشية: هو عبد الرحمن بن أبي عمار من بني جشم بن معاوية, وكان فقيهًا عابدًا من عبّاد مكة, وكان يسمى القسّ لعبادته.

ما قيل في الحكمة والحكماء

ما قيل في الحكمة والحكماء (¬1) * قال بعض الحكماء من الصحابة - رضي الله عنه -: تقول الحكمةُ: مَن التمسني فلم يَجِدْنِي فَليفْعَلْ بأحسنِ ما يعْلم، وليترك أقبح ما يَعلم، فإذا فَعَلَ ذلك فأَنَا معه وإن لم يَعرِفْني. [عيون الأخبار 2/ 520]. * وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: العلماء كثير والحكماء قليل، وإنما يراد من العلم الحكمة، فمن أوتي الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا. وقال الفيض بن إسحاق: سمعت رجلًا يقول للفضيل رحمه الله: العلماء ورثة الأنبياء، فقال الفضيل: الحكماء ورثة الأنبياء. وقال رجل للفضيل: العلماء كثير، فقال الفضيل: الحكماء قليل. [الحلية (تهذيبه) 3/ 12]. ¬

(¬1) قال ابن القيم رحمه الله: الحكمة حكمتان: علمية، وعملية. فالعلمية: الإطلاع على بواطن الأشياء، ومعرفة ارتباط الأسباب بِمُسَبباتها خَلْقًا وأمرًا، قدرًا وشرعًا, والعملية: هي وضع الشيء في موضعه. وكل نظام الوجود مرتبط بهذه الصفة، وكل خلل في الوجود وفي العبد فسببه: الإخلال بها. فأكمل الناس: أوفرهم منها نصيبا، وأنقصهم وأبعدهم عن الكمال: أقلهم منها ميراثا. ولها ثلاثة أركان: العلم، والحلم، والأناة. وآفاتها أضدادها: الجهل، والطيش، والعجلة. فلا حكمة لجاهل، ولا طائش، ولا عَجول. ا. هـ بتصرف. مدارج السالكين 3/ 350 - 353

الاعتذار والرجوع إلى الحق

الاعتذار والرجوع إلى الحق * قال ابن كثير رحمه الله: سئل عبد الله بن الحسن رحمه الله عن مسألة فأخطأ في الجواب، فقال له قائل: الحكم فيها كذا وكذا فأطرق ساعة، ثم قال: إذًا أرجع وأنا صاغر، لأن أكون ذَنَبًا في الحق أحب إلي من أن أكون رأسا في الباطل. [البداية والنهاية 10/ 217]. * وقال ابن الجوزي رحمه الله: كان يُقرأ عند الوزير أبي المظفر ابن هبيرة رحمه الله الحديث في كل يوم بعد العصر فحضر فقيه مالكي فذكر مسألة فخالف فيها ذلك الفقيه فاتفق الوزير وجميع العلماء على شيء وذلك الفقيه يخالف فبدر من الوزير أن قال له أحمار أنت؟! أما ترى الكل يخالفونك وأنت مُصِرّ!، فلما كان في اليوم الثاني قال الوزير للجماعة: جرى مني بالأمس ما لا يليق بالأدب حتى قلت له تلك الكلمة فليقل لي كما قلت له، فما أنا إلا كأحدكم، فضج المجلس بالبكاء وأخذ ذلك الفقيه يعتذر ويقول: أنا أولى بالاعتذار، والوزير يقول: القصاص القصاص، فقال يوسف الدمشقي: يا مولانا إذا أبى القصاص فالفداء. فقال الوزير: له حكمه، فقال الرجل: نعمك علي كثيرة فأي حكم بقي لي، قال: لا بد، قال: علي بقية دين مائة دينار، فقال: يُعطى مائة دينار لإبراء ذمته ومائة لإبراء ذمتي فأحضرت في الحال فلما أخذها قال الوزير: عفا الله عنك وعني وغفر لك ولي. [المنتظم 18/ 168، 169]. * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 3/ 106]. لك الحقُّ إن تعتبْ عليَّ لأنني ... جَفَوتُ وإمّا تَغْتفرْ فلك الفضلُ * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 3/ 106].

لو كنتَ تعلم ما أقول عذرتَني ... أو كنتُ أجهل ما تقول عَذَلتُكا لكن جهِلتَ مقالتي فعذلتَني ... وعلمتُ أنك جاهلٌ فعَذرتُكا * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 3/ 108]. إذا ما امرؤٌ من ذنبه جاء تائبًا ... إليك فلم تَغْفِر له فلك الذنبُ * ووقع بين أبي مسلم رحمه الله وبين قائد له كلام، فأرْبَى عليه القائد إلى أن قال له: يا لَقِيط! فأطرق أبو مسلم، فلما سكتتْ عنه فورةُ الغضبِ ندِم وعلم أنه قد أخطأ واعتذر وقال: أيها الأمير، والله ما انبسطتُ حتى بسطتَني ولا نطقتُ حتى أنطقتَني فاغفر لي. قال: قد فعلتُ. فقال: إني أحبّ أن أستوثقَ لنفسي. فقال أبو مسلم: سبحان الله! كنتَ تُسيءَ وأُحسِن، فلما أحسنتَ أُسيء!. [عيون الأخبار 3/ 109]. * وكتب رجل إلى صديقٍ له: [عيون الأخبار 3/ 112]. لئن ساءني أن نلتني بمساءةٍ ... لقد سرّني أنِّي خطرتُ ببالكَ * وعن عبد الرحمن بن مهدي قال: كنا في جنازة فيها عبيد الله بن الحسن العنبري رحمه الله، وهو يومئذ قاضي البصرة، وموضعه في قومه، وقدره عند الناس، فتكلم في شيء فأخطأ، فقلت - وأنا يومئذ حدث - ليس هكذا، يا أبي عليك بالأثر، فتزايد علي الناس، فقال عبيد الله: دعوه، وكيف هو؟ فأخبرته فقال: صدقت يا غلام، إذًا أرجع إلى قولك وأنا صاغر. [الحلية (تهذيبه) 3/ 112]. * وقال ابن كثير رحمه الله: صنف الحافظ عبد الغني كتابا فيه أوهام الحاكم، فلما وقف عليه الحاكمُ رحمه الله جعل يقرؤه على الناس، ويعترف لعبد الغنيِّ بالفضل، ويشكره على ذلك، ويرجعُ إلى ما أصاب فيه من الردِّ عليه، رحمهما الله. [البداية والنهاية].

مخايل السؤدد وأسبابه، ومخايل السوء

مخايل السؤدد وأسبابه، ومخايل السوء * قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: السيد: الجواد حين يُسأل، الحليم حين يُسْتجهَل، البارّ بمن يعاشِر. [عيون الأخبار 1/ 258]. * وقال عمرو بنُ العاص - رضي الله عنه -: ليس العاقلُ مَنْ يعرفُ الخيرَ من الشرِّ، ولكن هو الذي يعرفُ خيرَ الشرَّين. [السير (تهذيبه) 1/ 336]. * وقال ابن عباس - رضي الله عنه -: ما بلغني عن أخٍ مكروهٌ قطّ إلا أنزلْته إحدى ثلاث منازل: إن كان فَوقي عرفتُ له قدْره، وإن كان نظيري تفضّلت عليه، وإن كان دوني لم أحفل به، هذه سيرتي في نفسي، فمن رغب عنها فأرضُ الله واسعة. [صفة الصفوة 1/ 371]. * وقال حاتمٌ رحمه الله: العاقل فَطِنٌ مُتغافلٌ. [عيون الأخبار 3/ 10]. * وقال الأحنف رحمه الله: ما نازَعَني أحدٌ إلاَّ أخذتُ أمري بأمور: إن كان فوقي، عرفتُ له، وإن كان دوني رفعتُ قدري عنه، وإن كان مثلي تفضَّلتُ عليه. [السير (تهذيبه) 1/ 451]. * وقال زياد بن الأحنف: قد بلغ الأحنف بن قيس رحمه الله من الشرف والسؤدد ما لا تنفعه معه الولاية، ولا يضره العزل. * وقال خالد بن صفوان: كان الأحنف بن قيس رحمه الله يفر من الشرف والشرف يتبعه. [المنتظم 6/ 95]. * وقال معاوية رضى الله عنه لعرابة بن أوس بن قيظي الأنصاري: بم سدت قومك؟ فقال: لستُ بسيدهم، ولكني رجل منهم، فعزم عليه فقال: أعطيتُ في نائبهم وحلمتُ عن سفيههم، وشددت على يدي حليمهم، فمن فعل منهم مثل فعلي فهو مثلي، ومن قصر عنه فأنا أفضل منه، ومن تجاوزه فهو أفضل مني. [الكامل في اللغة والأدب / 136].

* وقيل لَعَرابة الأوْسِيّ: بم سُدْتَ قومك؟ فقال بأربع: أنخدع لهم عن مالي، وأَذِلُّ لهم في عِرضي، ولا أحقِر صغيرهم، ولا أحسُد رفيعَهم. [عيون الأخبار 1/ 259]. * وقال محمد بن منصور رحمه الله: ستّ خصالٍ يعرف بها الجاهل: الغضب في غير شيء، والكلام في غير نفع، والعِظة في غير موضعها، وإفشاء السرّ، والثقة بكل أحدٍ، ولا يعرف صديقه من عدوه. [صفة الصفوة 2/ 641]. * وقال بعض السلف رحمه الله: وليُّ الله إذا زاد جاهه زاد تواضعه وإذا زاد ماله زاد سخاؤه وإذا زاد عمره زاد اجتهاده. [صفة الصفوة]. * وقال أيوب السختياني رحمه الله: لا يَنْبُل الرجل حتى تكون فيه خصلتان: بالعفّة عما في أيدي الناس، والتجاوز عما يكون منهم. [صفة الصفوة 3/ 210]. * وقال عَدِيّ بن حاتم - رضي الله عنه -: السيد: الذليل في نفسه، الأحمق في ماله، المُطَّرِح لحقده، المَعِنيِّ بأمر عامّته. [عيون الأخبار 1/ 258]. * وقيل لقَيْس بن عاصم رحمه الله: بم سدتَ قومك؟ فقال: ببذل القِرَى وترك المِرَا ونُصْرة المَوْلى. [عيون الأخبار 1/ 258]. * وقال علي بن عبد الله بن عباس رحمه الله: سادة الناس في الدنيا الأسخياء وفي الآخرة الأتقياء. [عيون الأخبار 1/ 258]. * وقال ابن السَّمّاك رحمه الله: هِمَّةُ العاقل في النجاة والهَرَب، وهِمَّة الأحمق في اللهو والطَّرب. [السير (تهذيبه) 2/ 761]. * وقال الشافعي رحمه الله: اللبيب العاقل هو الفطن المتغافل. [صفة الصفوة 2/ 554]. * وقال أيضًا رحمه الله: ليس العاقل الذي يدفع بين الخير والشر فيختار الخير، ولكن العاقل الذي يدفع بين الشرين فيختار أيسرهما. [الحلية (تهذيبه) 3/ 132].

حال السلف في باب المناظرة

حال السلف في باب المناظرة * عن مرة بن شرحبيل قال: سئل سلمان بن ربيعة عن فريضة فخالفه عمرو بن شرحبيل فغضب سلمان بن ربيعة ورفع صوته. فقال عمرو بن شرحبيل: والله لكذلك أنزلها الله تعالى! فأتيا أبا موسى الأشعري - رضي الله عنه - فقال: القول ما قال أبو ميسرة، وقال لسلمان: ما كان ينبغي لك أن تغضب إن أرشدك رجل. وقال لعمرو: قد كان ينبغي لك أن تساره ولا ترد عليه والناس يسمعون. [الحلية (تهذيبه) 2/ 70]. * وعن نوح قال: قيل لإياس بن معاوية رحمه الله: فيك أربع خصال: دمامة، وكثرة كلام، وإعجاب بنفسك، وتعجيلك بالقضاء. قال: أما الدمامة فالأمر فيها إلى غيري، وأما كثرة الكلام فبصواب أتكلم أم بخطأ؟ قالوا: بصواب. قال: فالإكثار من الصواب أمثل، وأما إعجابي بنفسي أفيعجبكم ما ترون مني؟ قالوا: نعم! قال: فإني أحق أن أعجب بنفسي، وأما قولكم إنك تعجل بالقضاء فكم هذه وأشار بيده خمسة، قالوا: خمسة. فقال: عجلتم، ألا قلتم واحد واثنين وثلاثة وأربعة وخمسة، قالوا: ما نعد شيئًا قد عرفناه، قال: فما أجس شيئًا قد تبين لي فيه الحكم. [الحلية (تهذيبه) 1/ 476]. * وعن علي بن الحسين رحمه الله قال: أتاني نفر من أهل العراق فقالوا في أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فلما فرغوا: قال لهم علي بن الحسين: ألا تخبرونني أنتم المهاجرون الأولون {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحشر: 8]؟ قالوا: لا! قال: فأنتم {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا

يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9] قالوا: لا! قال: أما أنتم فقد تبرأتم أن تكونوا من أحد هذين الفريقين، ثم قال: أشهد أنكم لستم من الذين قال الله - عزَّ وجلَّ -: {والَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [الحشر: 10] اخرجوا فعل الله بكم!! [الحلية (تهذيبه) 1/ 486]. * وعن أبي عبد الله الخواص قال: لما دخل حاتم الأصم رحمه الله بغداد اجتمع إليه أهلها فقالوا له: أنت رجل أعجمي، ليس يكلمك أحد إلا قطعته لأي معنى؟ قال حاتم: معي ثلاث خصال، أظهر بها على خصمي، قالوا: ما هي؟ قال: أفرح إذا أصاب خصمي، وأحزن إذا أخطأ، وأحفظ نفسي لأتجاهل عليه، فبلغ ذلك أحمد بن حنبل فقال: سبحان الله ما كان أعقله من رجل. [المنتظم 11/ 254]. * وقال الشافعي رحمه الله: ما ناظرت أحدًا فأحببت أن يُخطئ. [صفة الصفوة 2/ 552]. * وقال أيضًا رحمه الله: ما ناظرت أحدًا قط، إلا أحببت أن يوفّق ويسدد ويعان، ويكون عليه رعاية من الله وحفْظ، وما ناظرت أحدًا، إلا ولم أبال بيّن الله الحق على لساني أو لسانه. [صفة الصفوة 2/ 552]. * وقال أيضًا رحمه الله: ما ناظرت أحدًا قط إلا على النصيحة. [الحلية (تهذيبه) 3/ 126]. * وعن ابن أبي دؤاد أنه قال: أُدخل رجل من الخوارج على المأمون رحمه الله، فقال: ما حملك على خلافنا؟ قال: آية في كتاب الله - عزَّ وجلَّ - قال: وما هي، قال: قوله - تعالى -: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] قال له المأمون: ألك علم بأنها منزلة؟ قال: نعم.

قال: وما دليلك؟ قال: إجماع الأمة. قال: فكما رضيت بإجماعهم في التنزيل فارض بإجماعهم في التأويل. قال: صدقت، السلام عليك يا أمير المؤمنين. [المنتظم 10/ 56]. * وقال المأمون رحمه الله لمُرْتدٍّ إلى النصرانية: خَبِّرنا عن الشيء الذي أوحشَكَ من ديننا بعد أَنسِك به واستِيحاشِك ممّا كنتَ عليه، فإن وجدتَ عندنا دَواءَ دَائِك تعالجتَ به، وإن أَخطَأ به الشِّفَاءُ ونَبَا عن دائك الدَّواءُ كنتَ قد أعذرتَ ولم تَرْجِع على نفسك بلائمة، وإن قتلناك قتلناك بحُكْم الشريعة، وتَرْجِع أنت في نفسك إلى الاستبصار والثِّقَةِ، وتَعْلم أنّك لم تُقَصِّر في اجتهاد ولم تُفَرِّط في الدخول من باب الحزم، قال المُرْتَدُ: أوحشني ما رأيتُ من كثرة الاختلافِ فيكم، قال المأمون: لنا اختلافان: أحدُهما كالاختلاف في الأذان، والتكبير في الجنائز، والتشهُّد، وصلاة الأعياد، وتكبير التشريق، ووُجُوه القِراءات، ووجوه الفُتْيا، وهذا ليس باختلاف إنما هو تحبر وسعةٌ وتخفيف من المِحنة فمن أذّن مثنى وأقام فرادى ... ، ولا يَتَعايَرُون بذلك ولا يتَعَايبَوُن، والاختلافُ الآخرُ كنحو اختلافنا في تأويل الآية من كتابنا، وتَاويل الحَدِيث مع اجتماعنا على أصل التنزيل واتفاقنا على عَين الخبر، فإن كان الذي أوحشك هذا حتى أَنْكَرْتَ هذا الكتابَ، فقد يَنْبغي أن يكونَ اللفظُ بجميع التوراة والإنجيل مُتَّفَقًا على تأويله كما يكون متَّفقًا على تنزيله، ولا يكون بين جميع اليهود والنصارى اختلافٌ في شيءٍ من التأويلات، وينبغي لك أَلاَّ تَرْجِع إلا إلى لُغَةٍ لا اختلافَ في تأويل ألفاظها، ولو شاء الله أن يُنْزِلَ كُتُبَه ويَجْعَلَ كلامَ أنبيائِهِ وورثةِ رُسلِه لا يحتاج إلى تفسير لَفَعَل، ولكنَّا لم نَرَ شيئًا من الدِّين والدُّنيا دُفِع إلينا على الكفاية، ولو كان الأمرُ كذلك لسقَطَت البَلْوَى والمِحْنةُ، وذهبت المسابقةُ والمنافسة ولم يكن تفاضلٌ، وليس على هذا بَنَى الله الدنيا. قال المرتَدّ: أشهَدُ أَنْ لا إلَهَ إلا الله، وأن المَسِيح عَبْدٌ، وأنّ محمدًا صادِقٌ، وأنك أميرُ المؤمنين حَقًّا. [عيون الأخبار 2/ 552]. * وقال ابن الجوزي رحمه الله: كان محمد بن داود كثير المناظرة مع أبي العباس بن سريج رحمه الله، وكانا يحضران مجلس أبي عمر القاضي فتجري بينهما

المفاوضة، والمناظرة حتى يعجب الناس، فتكلما يومًا في مسألة، فقال له ابن سريج: أنت بكتاب الزهرة أشهر منك بهذا! فقال له: وبكتاب الزهرة تعيرني؟ والله ما تحسن تستتم قراءته، وذلك كتاب عملناه هزلًا فاعمل أنت مثله جدًا! فلما توفي محمد بن داود في رمضان هذه السنة جلس ابن سريج للعزاء ونحَّى مخاده وقال: ما آسى إلا على تراب أكل لسان محمد بن داود. [المنتظم 13/ 101].

الحكمة، وحسن التصرف، ولطف الكلام

الحكمة، وحسن التصرف، ولطف الكلام * عن عبد الله بن خالد العبسي أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - رأى قومًا مجتمعين على أمر كرهه، فسعى عليهم بالدرة فتفرقوا، وقام رجل منهم فضربه، وقال: ما حملك على أن قمت لي حتى ضربتك؟ ألا ذهبت كما ذهب أصحابك! قال: يا أمير المؤمنين! إن الله جعل حقك عليَّ - أو قال - على كل مسلم كحق الوالد على ولده، وإني لمَّا رأيتك سعيت كرهت أن أتعبك فقمت حتى تقضي مني حاجتك، قال: آلله كذلك حملك على ما صنعت؟! فحلف فأخذ بيده فجلسا فلم يزل له مكرما حتى فارق الدنيا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 233]. * وقال معاوية - رضي الله عنه -: لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولو أن بيني وبين الناس شعرةً ما انقطعت. قيل: وكيف ذاك؟ قال: كنت إذا مدّوها خلَّيتها وإذا خلَّوْها مددتها. [عيون الأخبار 1/ 53]. * وقال لعمرو بن العاص رضي الله عنهما: ما بلغَ من دَهَائكَ يا عمرو؟ قال عمرو: لم أدخُلْ في أمرٍ قطّ فكرِهتُه إلا خرجتُ منه. قال معاوية - رضي الله عنه -: لكنّي لم أدخُلْ في أمرٍ قطّ فأردتُ الخروجَ منه. [عيون الأخبار 1/ 322]. * وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: إني لأُجْمِع أن أُخرِج للمسلمين أَمرًا من العدل فأخاف أن لا تحتمله قلوبهم فأُخرج معه طمعًا من طمع الدنيا، فإن نفَرت القلوب من هذا سكنت إلى هذا. [عيون الأخبار 1/ 53]. * وعن جويرية بن أسماء قال: قال عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز لأبيه عمر رحمه الله: ما يمنعك أن تنفذ لرأيك في هذا الأمر؟ فوالله ما كنت أبالي أن تغلي بي وبك القدور في إنفاذ هذا الأمر، فقال عمر: إني أروض الناس

رياضة الصعب، فإن أبقاني الله مضيت لرأيي، وإن عجلت على منية فقد علم الله نيتي، إني أخاف إن بادهت الناس بالتي تقول: أن يلجئوني إلى السيف، ولا خير في خير لا يجيء إلا بالسيف. [الحلية (تهذيبه) 2/ 213]. * وقال ابن قتيبة رحمه الله: حدّثني الفضلُ بن محمد بن منصور بن زياد كاتب البرامكة قال: قال عبد الله بن طاهر ذاتَ يوم لرجل أمره بعمل: احذر أن تخطيء فأَعاقبك بكذا (لأمر عظيم) قلت له: أيها الأمير، من كانت هذه عقوبته على الخطأ فما ثوابُه على الإصابة!. [عيون الأخبار 2/ 595]. * وعن الشعبي قال: شهدت شريحًا رحمه الله وجاءته امرأة تخاصم رجلًا، فأرسلت عينيها فبكت، فقلت: أبا أمية ما أظن هذه البائسة إلا مظلومة، فقال: يا شعبي، إن أخوة يوسف جاؤوا أباهم عشاءً يبكون. [المنتظم 6/ 185]. * وقال أبو العباس: كان عبد الله بن يزيد رحمه الله أبو خالد من عقلاء الرجال، قال له عبد الملك يومًا: ما مالك؟ فقال: شيئان لا عيلة علي معهما، الرضا من الله، والغنى عن الناس. فلما نهض من بين يديه قيل له: هلا خبرته بمقدار مالك؟ فقال: لم يعد أن يكون قليلًا فيحقرني، أو كثيرًا فيحسدني. [الكامل في اللغة والأدب / 186]. * وعن أبي علي الحسن بن علي الدقاق أنه قال: جاءت امرأة فسألت حاتمًا رحمه الله عن مسألة، فاتفق أن خرج منها ريح لها صوت فخجلت، فقال لها حاتم: ارفعي من صوتك، فأرى من نفسه أنه أصم، فسُرَّت المرأة بذلك وقالت: إنه لم يسمع الصوت، فغلب عليه الأصم. [المنتظم 11/ 253]. * وعن حماد بن زيد قال: أتى محمد بن واسع رحمه الله رجلًا في حاجة لرجل فقال له: أتيتك في حاجة رفعتها إلى الله قبلك، فإن يأذن الله في قضائها قضيتها وكنت محمودًا، وإن لم يأذن الله في قضائها لم تقضها وكنت معذورًا. [الحلية (تهذيبه) 1/ 416]. * وعن عمرو بن حسان قال: كان سفيان الثوري رحمه الله نعم المداوي، إذا دخل البصرة حدث بفضائل علي، وإذا دخل الكوفة حدث بفضائل عثمان. [الحلية (تهذيبه) 2/ 384].

* وعن عيسى بن حازم قال: كنا مع إبراهيم بن أدهم رحمه الله في بيت ومعه أصحاب له، فأتوا ببطيخ فجعلوا يأكلون ويمزحون ويترامون بينهم، فدق رجل الباب فقال لهم إبراهيم: لا يتحركن أحد، قالوا: يا أبا إسحاق تعلمنا الرياء؟ نفعل في السر شيئًا لا نفعله في العلانية؟ فقال: اسكتوا إني أكره أن يعصى الله فيَّ وفيكم (¬1). [الحلية (تهذيبه) 2/ 478]. * وأحضر الرشيد رحمه الله رجلًا ليولِّيَه القضاء فقال له: إني لا أحسن القضاء ولا أنا فقيه. قال الرشيد: فيك ثلاث خلال: لك شرف والشرف يمنع صاحبه من الدناءة. ولك حلم يمنعك من العَجَلة، ومن لم يَعْجَل قلّ خطؤه. وأنت رجل تشاور في أمرك ومن شاور كثر صوابه، وأما الفقه فسينضم إليك من تتفقَّه به. فَولِي فما وجدوا فيه مطعنًا. [عيون الأخبار 1/ 60]. * وعن حسن الوصيف أنه قال: قعد المهدي رحمه الله قعودًا عامًا للناس، فدخل رجل في يده نعل في منديل، فقال: يا أمير المؤمنين، هذه نعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد أهديتها لك، فقال: هاتها، فدفعها إليه، فقلب باطنها ووضعها على عينيه وأمر للرجل بعشرة آلاف درهم، فلما أخذها وانصرف قال لجلسائه: أترون أني لم أعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يرها فضلًا على أن يكون لبسها، ولو كذبناه لقال للناس: أتيت أمير المؤمنين بنعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فردها عليّ وكان من يصدقه أكثر ممن يدفع خبره، إذ كان من شأن العامة الميل إلى أشكالها، والنصرة للضعيف على القوي، فاشترينا لسانه وقبلنا هديته وصدقنا قوله، ورأينا الذي فعلناه أنجح وأرجح. [المنتظم 8/ 211]. ¬

(¬1) قال في الحاشية: لعله أراد: أن يظن القادم إليهم ظن السوء فيهم, عند رؤيتهم وهم يلعبون؛ فيكون ذلك سبب معصيته لله تعالى بذلك الظن. قال ابن حجر في حديث أَنَسٍ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَيْرٍ قَالَ أَحْسِبُهُ فَطِيمًا وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَالَ يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ نُغَرٌ كَانَ يَلْعَبُ بِهِ: وَفِيهِ تَرْك التَّكَبُّر وَالتَّرَفُّع، وَالْفَرْق بَيْنَ كَوْن الْكَبِير فِي الطَّرِيق فَيَتَوَافَر أَوْ فِي الْبَيْت فَيَمْزَح، وَأَنَّ الَّذِي وَرَدَ فِي صِفَة الْمُنَافِق أَنَّ سِرّه يُخَالِف عَلَانِيَته لَيْسَ عَلَى عُمُومه.

وعن سليمان بن بلا، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن رحمه الله؛ أن رجلًا قال له: انعت لي أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما. فقال ربيعة: ما أدري كيف أنعتهما لك؟ أما هما فقد سبقا من كان معهما، وأتعبا من كان بعدهما. [الحلية (تهذيبه) 1/ 533]. * وعن أبي عاصم قال: اشترى أخٌ لشعبة رحمه الله من طعام السلطان فخسر هو وشركاؤه، فحُبس على ستة آلاف دينار تخصه، فخرج شعبة إلى المهدي ليكلمه فيه فلما دخل عليه قال له: يا أمير المؤمنين أنشدني قتادة وسماك بن حرب لأمية بن أبي الصلت: أأذكر حاجتي أم قد كفاني ... حياؤك إن شيمتك الحياء كريم لا يغيره صباح ... عن الخلق الكريم ولا مساء فأرضك أرض مكرمة بنتها ... بنو تيم وأنت لهم سماء فقال: لا يا أبا بسطام، لا تذكرها، قد عرفناها وقضيناها لك، ادفعوا إليه أخاه، ولا تلزموه شيئًا. [المنتظم 8/ 245]. * وعن إسحاق بن محمد قال: قال مالك بن سليمان: كان لإبراهيم بن طهمان رحمه الله جراية من بيت المال فاخرة، وكان يسخو بذلك، فسئل يومًا مسألة في مجلس الخليفة فقال: لا أدري. فقالوا له: تأخذ في كل شهر كذا وكذا ولا تُحسن مسألة؟ قال: إنما آخذه على ما أحسن، ولو أخذت على ما لا أحسن لفني بيت المال ولا يفنى ما لا أحسن. فأعجب أمير المؤمنين جوابه، وأمر له بجائزة فاخرة وزاد في جرايته. [المنتظم 8/ 265، 266]. * وقال المنصور ذات يومٍ لشبيب بن شيبة رحمه الله: عظني وأوجز فقال: يا أمير المؤمنين إن الله لم يرض من نفسه بأن يجعل فوقك أحدًا من خلقه، فلا ترض له من نفسك بأن يكون عبدًا له أشكر منك، فقال: والله لقد أوجزت. [المنتظم 8/ 273]. * وأتى رجلٌ بعضَ الولاة، وكان صديقه، فتشاغل عنه، فتراءى له يومًا؛ فقال: اعذرْني فإنّي مشغول. فقال: لولا الشغلُ ما أتيتُك. [عيون الأخبار 3/ 127]. * وقَدِم على زِيادٍ نفرٌ من الأعراب فقام خطيبُهم فقال: أصلح الله الأميرَ! نحن، وإن كانت نَزَعت بنا أنفُسُنا إليك وأنضينا ركائبنا نحوك التماسًا

لفضلِ عطائك، عالمون بأنه لا مانِعَ لما أعطى الله ولا مُعْطِيَ لما منع، وإنما أنت أيّها الأميرُ خازنٌ ونحنُ رائدون، فإنْ أُذنَ لك فأعطيتَ حمدْنا اللهَ وشكرناك، وإن لم يُؤذَنْ لك فمنعتَ حمدنا الله وعَذَرناك. ثم جلس؛ فقال زياد لجلسائه: تاللهِ ما رأيتُ كلامًا أبلغَ ولا أوجزَ ولا أنفعَ عاجلةً منه. ثم أمر لهم بما يُصْلِحُهم. [عيون الأخبار 3/ 128]. * وقال أبو سمَّاكٍ رحمه الله لرجلٍ: لم أصنْ وجهي عن الطَّلَبِ إليك، فصنْ وجهك عن ردِّي، وضعني من كرمِك بحيثُ وضعتُ نفسي من رجائك. [عيون الأخبار 3/ 129]. * وقال المنصور لرجلٍ أحْمَدَ منه أمرًا: سلْ حاجتَك. فقال: يُبقيك الله يا أمير المؤمنين. قال: سل، فليس يمكنك ذلك في كلّ وقتٍ. فقال: ولمَ يا أمير المؤمنين! فوالله لا أستقصر عمرَك ولا أرهبُ بُخْلَك ولا أَغنم مالكَ وإنّ سؤالكَ لزَيْنٌ، وإنّ عطاءك لشرف، وما على أحدٍ بذَل وجهه إليك نقصٌ ولا شينٌ. فأمَر حتّى مُليء فُوه دُرًّا. [عيون الأخبار 3/ 129]. وقال عبد الملك لرجل: ما لي أراك واجِمًا لا تَنْطق؟ قال: أشكو إليك ثِقلَ الشَّرَف؛ قال: أعِينوه على حمله. [عيون الأخبار 3/ 130]. * ووقفتْ عجوزٌ على قيس بن سعد - رضي الله عنه - فقالت: أشكو إليك قِلّة الجِرْذَانِ. قال: ما أحسنَ هذه الكنايةَ! إملأوا بيتها خبزًا ولحمًا وسمنًا وتمرًا. [عيون الأخبار 3/ 130]. * وقال رجل لمعاوية - رضي الله عنه -: أقْطِعْني الْبَحْريْن. قال: إني لا أصلُ إلى ذلك. قال: فاستَعمِلْني على البَصْرة. قال: ما أُريدُ عَزْل عاملها. قال: تأمرُ لي بألفين. قال: ذاك لك. فقيل له: ويْحَك! أرضيتَ بعد الأُولَيَيْنِ بهذا! قال: اسكتوا لولا الأُوليَان ما أعطيتُ هذه. [عيون الأخبار 3/ 132]. * وأتى العريان بن الهيثم رحمه الله عتاب بن ورقاء، وهو على أصبهان فقال: إنا أتيناك لا من حاجة عرضت ... ولا فروض تجازيها ولا نعم فإن تجد فهو شيء كنت تفعله ... وإن تكن علة نرجع ولم نلم فأعطاه مائة ألف درهم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 185].

حال السلف مع النعم، وشكر المنعم

حال السلف مع النعم، وشكر المُنعم (أ) حال السلف مع نعم الله وما قيل في ذلك (¬1): * قال أبو الدرداء - رضي الله عنه -: من لم يعرف نعمة الله عليه إلا في مطعمه ومشربه فقد قل علمه، وحضر عذابه. ومن لم يكن غنيًا عن الدنيا فلا دنيا له. [الحلية (تهذيبه) 1/ 167]. * وقال أيضًا - رضي الله عنه -: كم من نعمة لله تعالى في عرق ساكن. [الحلية (تهذيبه) 1/ 168]. * وكان أبو الدرداء - رضي الله عنه - يقول: ما بت ليلة فأصبحت لم يرمني الناس فيها بداهية إلا رأيت أن علي من الله تعالى فيه نعمة. [الحلية (تهذيبه) 1/ 176]. * وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: سمعت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يسلم على رجل، فرد عليه الرجل السلام، فقال عمر للرجل: كيف أنت؟ قال الرجل: أحمد الله إليك، قال عمر: هذا أردت منك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 493]. * وعن ابن عمر رضي الله عنه، قال: لعلنا نلتقي في اليوم مرارًا، ليسكن بعضنا ببعض، وأن نتقرب بذلك، إلا لنحمد الله عز جل. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 493]. * وعن أبي العالية رحمه الله قال: ما أدري أي النعمتين أفضل، أن هداني الله للإسلام أو عافاني من هذه الأهواء؟ [الحلية (تهذيبه) 1/ 367]. ¬

(¬1) قال ابن القيم رحمه الله: الشكر معه المزيد أبدًا، لقوله تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7] فمتى لم تر حالك في مزيد فاستقبل الشكر. ا. هـ بتصرف. مدارج السالكين 2/ 578

* وقال الحسن البصري رحمه الله لفَرْقَدٍ السَّبَخِيّ: يا أبا يعقوبَ، بلغني أنك لا تأكلُ الفالوذجَ. فقال: يا أبا سعيدٍ، أخافُ ألاّ أؤدِّيَ شكرَهُ. فقال: يا لُكَعُ! وهل تُؤدِّي شكرَ الماءِ البارد في الصّيفِ والحارِّ في الشتاء! أما سمعتَ قولَ الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172] [عيون الأخبار 3/ 204]. * وقال أيضًا رحمه الله: ما أنعم الله - عزَّ وجلَّ - على عبد نعمة فقال: الحمد لله، إلا كان ما أعطى أكثر مما أخذ. قال ابن أبي الدنيا رحمه الله: وبلغني عن سفيان بن عيينة رحمه الله أنه سئل عن هذا فقال: هذا خطأ، لا يكون فعل العبد أفضل من فعل الله - عزَّ وجلَّ. (¬1) [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 503]. * وعن ثابت، أن أبا العالية رحمه الله قال: إني لأرجو أن لا يهلك عبدٌ بين نِعمتين: نعمة يحمَدُ الله عليها وذنب يستغفرُ الله منه. [السير (تهذيبه) 1/ 479]. ¬

(¬1) قال ابن رجب رحمه الله: ولكن الصواب قول من صوَّبه - أي قول الحسن -، فإنَّ المرادَ بالنعم: النعم الدنيوية، كالعافية والرِّزق والصِّحَّة، ودفع المكروه، ونحو ذلك، والحمد هو مِنَ النِّعم الدينية، وكلاهما نعمةٌ مِنَ اللهِ، لكن نعمة الله على عبده بهدايته لشكر نعمه بالحمد عليها أفضل من نعمه الدنيوية على عبده، فإنَّ النعم الدنيوية إنْ لم يقترن بها الشُّكرُ، كانت بليةً كما قال أبو حازم: كلُّ نعمةٍ لا تقرِّبُ مِنَ الله فهي بليَّةٌ، فإذا وفَّقَ الله عبدَه للشكر على نعمه الدنيوية بالحمدِ أو غيره من أنواع الشكر، كانت هذه النعمةُ خيرًا من تلك النعم وأحبَّ إلى الله - عز وجل - منها، فإنَّ الله يُحِبُّ المحامدَ، ويرضى عن عبدِه أنْ يأكلَ الأكلة، فيحمده عليها، ويشرب الشربة، فيحمَده عليها، والثناء بالنِّعم والحمدُ عليها وشكرُها عندَ أهل الجود والكرم أحبُّ إليهم من أموالهم، فهم يبذلُونَها طلبًا للثناء، والله - عز وجل - أكرمُ الأكرمين، وأجودُ الأجودين، فهو يَبذُلُ نِعَمَهُ لعباده، ويطلب منهم الثناءَ بها، وذكرها، والحمد عليها، ويرضى منهم بذلك شكرًا عليها، وإنْ كان ذلك كلُّه من فضله عليهم، وهو غيرُ محتاجٍ إلى شكرهم، لكنَّه يُحِبُّ ذلك من عباده، حيث كان صلاحُ العبدِ وفلاحُه وكماله فيه. ومِن فضله أنَّه نسب الحمدَ والشُّكر إليهم، وإنْ كان من أعظم نِعَمِه عليهم، وهذا كما أنَّه أعطاهم ما أعطاهم من الأموال، ثم استقرض منهم بعضَهُ، ومدحهم بإعطائه، والكلُّ ملكُه، ومِنْ فضله، ولكن كرمه اقتضى ذلك، ومِنْ هُنا يُعلم معنى الأثرِ الذي جاء مرفوعًا وموقوفًا: ((الحمد لله حمدًا يُوافي نعمَه، ويكافئُ مزيده)). جامع العلوم والحكم

* وعن العُتْبيّ عن أبيه رحمه الله قال: كان يقال: إذا اشتكى الرجلُ ثم عُوفِي ولم يُحْدِث خيرًا ولم يَكُفّ عن سُوء، لقيتِ الملائكةُ بعضُها بعضًا وقالت: إن فلانًا داويناه فلم ينفَعْه الدواء. [عيون الأخبار 3/ 51]. * وقال سفيان بن عيينة رحمه الله: إن من شكر الله على النعمة أن تحمده عليها، وتستعين بها على طاعته، فما شكر الله من استعان بنعمته على معصيته. [الحلية (تهذيبه) 2/ 430]. * وقال أيضًا رحمه الله: قال أيوب - عليه السلام -: اللهم إنك تعلم أنه لم يعرض لي أمران قط، أحدهما لك فيه رضى والآخر لي فيه هوى، إلا آثرت الذي لك فيه رضى على الذي لي فيه هوى، قال: فنودي من غمامة من عشرة آلاف صوت: يا أيوب من فعل ذلك بك؟ قال: فوضع التراب على رأسه ثم قال: أنت أنت يا رب. [الحلية (تهذيبه) 2/ 435]. * وقال ابن عائشة: قال رجلٌ يومًا لابن عُيَيْنة رحمه الله: ما شيء تُحْدِثونه يا أبا محمد؟ قال: ما هو؟ قال: يقولون إن الله تعالى يقول: أيّما عَبدٍ كانت له إليَّ حاجةٌ فشغله الثناء عليَّ عن سؤال حاجته، أعطيته فوق أُمْنِيّته. فقال له: يابن أخي، وما تُنْكر من هذا! أما سمعتَ قول أُميّة بن أبي الصّلْت في عبد الله بن جُدْعان: إذا أثنى عليه المرءُ يومًا ... كفاهُ مِن تَعَرُّضِهِ الثناءُ [عيون الأخبار 3/ 174]. * وكان الحسن رحمه الله يقول إذا ابتدأ حديثه: (الحمد لله، اللهم ربنا لك الحمد كما خلقتنا ورزقتنا وهديتنا وعلمتنا وأنقذتنا وفرجت عنا، لك الحمد بالإسلام والقرآن، ولك الحمد بالأهل والمال والمعافاة، كبتَّ عدونا، وبسطت رزقنا، وأظهرت أمننا، وجمعت فرقتنا، وأحسنت معافاتنا، ومن كل - والله - ما سألناك ربنا أعطيتنا، فلك الحمد على ذلك حمدًا كثيرًا، لك الحمد بكل نعمةٍ أنعمت بها علينا في قديمٍ أو حديثٍ، أو سرٍّ أو علانيةٍ، أو خاصةٍ أو عامةٍ، أو حيٍّ أو ميِّتٍ، أو شاهدٍ أو غائبٍ، لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 467، 468].

* وعن الحسن رحمه الله، قال: إن الله - عزَّ وجلَّ - ليمتع بالنعمة بما شاء، فإذا لم يشكر قلبها عليها عذابًا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 480]. * وقال أبو سليمان الواسطيّ رحمه الله: ذكر النعمة يورث الحب لله - عزَّ وجلَّ. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 471]. * وعن عبد الله بن عمر بن عبد العزيز، قال: ما قلَّب عمر بن عبد العزيز رحمه الله بصره إلى نعمة أنعم الله - عزَّ وجلَّ - بها عليه إلا قال: اللهم إني أعوذ بك أن أبدل نعمتك كفرًا، أو أكفرها بعد معرفتها، أو أنساها فلا أثني بها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 486]. * وقال ابن أبي الدنيا: أنشدني محمود الوراق: إذا كان شكري نعمةَ الله نعمةً ... علي له في مثلها يجب الشكر فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله ... وإن طالت الأيام واتصل العمر إذا مس بالسراء عم سرورها ... وإن مس بالضراء أعقبها الأجر وما منهما إلا له فيه منة ... تضيق بها الأوهام والبر والبحر [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 485]. * وعن الحسن رحمه الله: {إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} [العاديات: 6] قال للكفور؛ يعدد المصائب وينسى النعم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 483]. * وقال ابن أبي الدنيا: أنشدنا محمود الوراق في ذلك: يا أيها الظالم في فعله ... والظلم مردود على من ظلم إلى متى أنت وحتى متى ... تشكو المصيبات وتنسى النعم [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 485]. * وعن الحسن رحمه الله، قال: أكثروا ذكر هذه النعمة فإن ذكرها شكرها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 475]. * وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: إن داود نبي الله - عليه السلام - ظن في نفسه أن أحدًا لم يمدح خالقه أفضل مما مدحه، وإن ملكا، نزل وهو قاعدٌ في المحراب والبركة إلى جنبه، فقال: يا داود افهم إلى ما تصوت الضفدع،

فأنصت داود، فإذا الضفدع يمدحه بمدحة لم يمدحه بها داود، فقال له الملك: كيف ترى يا داود؟ أفهمت ما قالت؟ قال: نعم، قال: ماذا قالت؟ قال: سبحانك وبحمدك منتهى علمك يا ربّ. قال داود: لا، والذي جعلني نبيه إني لم أمدحه بهذا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 476]. * وقال رجلٌ لأبي تميمة رحمه الله: كيف أصبحتَ؟ قال: أصبحت بين نعمتين، لا أدري أيتهما أفضل: ذنوب سترها الله - عزَّ وجلَّ - فلا يستطيع أن يعيرني بها أحدٌ، ومودةٌ قذفها الله - عزَّ وجلَّ - في قلب العباد لم يبلغها عملي. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 478]. * وعن محمد بن سوقة، قال: مررت مع عون بن عبد الله رحمه الله بالكوفة على قصر الحجاج، فقلت: لو رأيت ما نزل بنا ها هنا زمن الحجاج؟! فقال: مررت كأنك لم تدع إلى ضر مسك؛ ارجع فاحمد الله تعلى واشكره، ألم تسمع إلى قول الله - عزَّ وجلَّ -: {مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إلى ضُرٍّ مَسَّهُ} [يونس: 12]. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 483]. * وقال فضيل بن عياض رحمه الله: كان يقال: من عرف نعمة الله جل وعز بقلبه، وحمده بلسانه، لم يستتم ذلك حتى يرى الزيادة؛ لقول الله - عزَّ وجلَّ -: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7]. وقال: كان يقال: من شكر النعمة أن تحدِّث بها. وقال: قال الله - عزَّ وجلَّ -: " يا ابن آدم، إذا كُنْتَ تَقَلَّبُ في نعمتي وأنتَ تَقَلّبُ في مَعصيتي، فاحذرني لا أصرعُكَ بينَ معاصِيك. يا ابن آدم، اتقني ونَمْ حيثُ شِئْتَ ". [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 483]. * وقال ابن السماك: كتبت إلي محمد بن الحسن رحمه الله حين ولي القضاء بالرقة: أما بعد فلتكن التقوى من بالك على كل حالٍ، وخف الله - عزَّ وجلَّ - في كل نعمة عليك، لقلة الشكر عليها مع المعصية بها؛ فإن في النعمة حجةً وفيها تبعةٌ؛ فأما الحجة فيها فالمعصية بها، وأما التبعة فيها فقلة الشكر عليها؛ فعفا الله عنك كلما ضيعت من شكرٍ، أو ركبت من ذنبٍ، أو قصرت من حقٍّ. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 492].

* ومر الربيع بن أبي راشد رحمه الله برجل به زمانةٌ، فجلس يحمد الله - عزَّ وجلَّ - ويبكي، فمر به رجلٌ فقال: ما يبكيك رحمك الله؟ قال: ذكرت أهل الجنة وأهل النار، فشبهت أهل الجنة بأهل العافية، وأهل النار بأهل البلاء، فذلك الذي أبكاني. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 492]. * وعن سفيان رحمه الله في قول: {سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ} [القلم: 44]، قال: نسبغ عليهم النعم ونمنعهم الشكر. وقال غير سفيان: كلما أحدثوا ذنبًا أحدثت لهم نعمة. قال ابن داود: ونسوا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 504]. * وعن عبد الله بن أبي نوح رحمه الله، قال: قال لي رجل، على بعض السواحل: كم عاملته تبارك اسمه بما يكره فعاملك بما تحب؟ قلت: ما أحصي ذلك كثرةً. قال: فهل قصرت إليه في أمر كربك فخذلك؟ قالت: لا والله، ولكنه أحسن إلي فأعانني. قال: فهل سألته شيئًا قط فأعطاك؟ قلت: وهل منعني شيئًا سألته؟ ما سألته شيئًا قط إلا أعطاني، ولا استغثت به إلا أغثني. قال: أرأيت لو أن بعض بني آدم فعل بك هذه الخلال ما كان جزاؤه عندك؟ قلت: ما كنت أقدر له على مكافأة ولا جزاء. قال: فربك أحق وأحرى أن تدئب نفسك له في أداء شكر نعمته عليك، وهو المحسن قديمًا وحديثًا إليك؛ والله لشكره أيسر من مكافأة عباده، إنه تبارك وتعالى رضي بالحمد من العباد شكرًا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 511]. * وقال وهب بن منبه رحمه الله: عبد الله عابد خمسين عامًا، فأوحى إليه أني قد غفرت لك. قال: أي رب، وما تغفر لي ولم أذنب؟! فأذن الله لعرقٍ في عنقه فضرب عليه؛ فلم ينم ولم يصلِّ، ثم سكن فنام، فأتاه ملك فشكا إليه، فقال له: ما لقيت من ضربان العرق، فقال الملك: إن ربك يقول: عبادتك خمسين سنةً تعدل سكون ذا العرق. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 513]. * وقال بكر المزني رحمه الله: لقيت أخا من إخواني من الضعفاء فقلت: يا أخي، أوصني، قال: ما أدري ما أقول، غير أنه ينبغي لهذا العبد ألا يفتر عن الحمد والاستغفار؛ فإن ابن آدم بين نعمة وذنب، ولا تصلح النعمة إلا بالحمد

والشكر، ولا يصلح الذنب إلا بالتوبة والاستغفار، قال: فأوسعني علمًا ما شئت. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 514]. * وكان عروة رحمه الله إذا أتي بطعامه لم يزل مخمرًا حتى يقول هؤلاء الكلمات: الحمد لله الذي هدانا وأطعمنا، وسقانا ونعَّمنا، الله أكبر، اللهم ألْفَتنا نعمتُك ونحن بكل شرٍّ، فأصبحنا وأمسينا منها بكل خيرٍ، أسألك تمامها وشكرها، لا خير إلا خيرك، ولا إله غيرك، إله الصالحين ورب العالمين، الحمد لله، لا إله إلا الله، ما شاء الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وقنا عذاب النار. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 520]. * وقال بكر المزني رحمه الله: يا ابن آدم، إن أردت أن تعلم قدر ما أنعم الله عليك، فغمض عينيك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 524]. * وعن كعب رحمه الله، قال: ما أنعم الله على عبد من نعمة في الدنيا فشكرها لله وتواضع بها الله، إلا أعطاه الله نفعها في الدنيا، ورفع له بها درجة في الآخرة؛ وما أنعم الله على عبدٍ من نعمةٍ في الدنيا فلم يشكرها لله، ولم يتواضع بها لله، إلا منعه الله نفعها في الدنيا، وفتح له طبقًا من النار، يعذبه إن شاء، أو يتجاوز عنه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 526]. * وعن هشام بن سلمان، قال: كنت قاعدًا عند الحسن وبكر بن عبد الله المزني رحمهما الله، فقال له الحسن: هات يا أبا عبد الله دعوات لإخوانك، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: والله ما أدري أيُّ النعمتين أفضل علي وعليكم، أنعمة المسلك أم نعمة المخرج إذ أخرجه الله منا؟! قال الحسن: لقد قلت عجبًا يا بكر، إنها لمن نعمه العظام. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 527]. * وكتب بعض الحكماء إلى أخٍ له: أما بعد! يا أخي فقد أصبح بنا من نعم الله ما لا نحصيه مع كثرة ما نعصيه، فما ندري أيها نشكر؟ أجميل ما ظهر أم قبيح ما ستر؟. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 527]. * وعن مجاهد رحمه الله قال: أنه كان نوح عبدًا شكورًا، قال: لم يأكل شيئًا قط إلا حمد الله عليه، ولم يشرب شرابًا قط إلا حمد الله عليه، ولم يمش

(ب) حال السلف مع من أنعم عليهم من الخلق

مشيًا قط إلا حمد الله عليه، ولا يبطش بشيء قط إلا حمد الله عليه، فأثنى الله عليه {إنَّهَ كانَ عَبْدًا شَكُورًا} [الإسراء: 3]. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 532]. * وقال ابن شوذب رحمه الله: اجتمع قوم فتذاكروا أي النعم أفضل؟ فقال رجل: ما ستر الله به بعضنا عن بعض، قال: فيرون أن قول ذلك أرجح. [الحلية (تهذيبه) 2/ 283]. * وعن سلام بن أبي مطيع رحمه الله قال: كن لنعمة الله عليك في دينك، أشكر منك لنعمة الله عليك في دنياك. [الحلية (تهذيبه) 2/ 311]. * وعن إبراهيم بن أدهم رحمه الله: لا تجعل بينك وبين الله منعمًا، وعدَّ نعمةً من غيره عليك مغرمًا. [الحلية (تهذيبه) 2/ 490]. * وعن محمد بن سعيد قال: سمعت الجنيد بن محمد رحمه الله يقول - وسئل عن حقيقة الشكر - فقال: ألا يستعان بشيء من نعمه على معاصيه. [الحلية (تهذيبه) 3/ 380]. (ب) حال السلف مع من أنعم عليهم من الخلق: * قال رجل لسعيد بن جُبير رحمه الله: المجوسيُّ يوليني خيرًا فأشكرُه، ويُسلِّمُ عليَّ فأردُّ عليه. فقال سعيد: سألتُ ابن عبّاس - رضي الله عنه - عن نحو هذا، فقال لي: لو قال لي فرعونُ خيرًا لرددتُ عليه مثله. [عيون الأخبار 3/ 167]. * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 3/ 163]. فلو كان يستغني عن الشكر سيّدٌ ... لعِزّة مُلْكٍ أو علوّ مكانِ لما أمر اللهُ الجليلُ بشكره ... فقال اشكروني أيها الثَّقلانِ * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 3/ 167]. لأشكُرنَّك معروفًا هَمَمتَ به ... إنّ اهتمامَك بالمعروفِ معروفُ ولا ألومُك إن لم يُمضِه قَدَرٌ ... فالشيءُ بالقَدرِ المحتومِ مصروفُ * وقال بعضهم: لا تثِقْ بشكر من تُعْطيه حتى تمنَعه، فإنّ الصابرَ هو

الشاكر، والجازعَ هو الكافر. [عيون الأخبار 3/ 167]. * ويقال: الشكر ثلاثُ منازلَ: لِمن فوقك بالطاعةِ، ولِنظيرِكَ بالمكافأةِ، ولمن دونك بالإفضال عليه. [عيون الأخبار 3/ 169]. * وفد رجل على سليمانَ بن عبد الملك رحمه الله في خلافته؛ فقال له: ما أقدمك؟ قال: ما أقدمني عليك رَغْبَةٌ ولا رَهْبةٌ. قال: وكيف ذاك؟ قال: أما الرغبةُ فقد وصَلَتْ إلينا وفاضتْ في رحالنا وتناولها الأقصى والأدنى منّا، وأما الرّهَبةُ فقد أمِنّا بعدْلِ أمير المؤمنين علينا وحُسنِ سيرتِه فينا من الظلم، فنحن وفدُ الشكر. [عيون الأخبار 3/ 170]. * وكان يقال: أوّلُ منازِل الحمدِ السلامةُ من الذمّ. [عيون الأخبار 3/ 174]. * وقال بعض السلف رحمه الله: إن الرجل ليلقاني بالصحبة الحسنة فأرى أن سأموت قبل أن أكافئه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 197]. * وقال أبو معاوية بن الأسود رحمه الله: إن الرجل ليلقاني بما أحب، فلو حلَّ لي أن أسجد له لفعلت، الكريم يشكر القليل. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 197]. * وقال بعضهم: [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 198]. وإذا ادخرت صنيعة تبغي بها ... شكرًا فعند ذوى المكارم فادخر وإذا افتقرت فكن لعرضك صائنًا ... وعلى الخصاصة بالقناعة فاستتر * وكان يقال: من لم يشكر صاحبه على النية: لم يشكره على حسن الصنيعة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 199]. * وكان يقال: زكاة النعم: اتخاذ الصنائع والمعروف. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 198].

(جـ) فوائد أخرى

(جـ) فوائد أخرى: * عن قتادة قال: كان مطرف بن عبد الله رحمه الله يقول: إن من أحب عباد الله إلى الله الصبار الشكور، الذي إذا ابتلي صبر وإذا أعطي شكر. [الحلية (تهذيبه) 1/ 359]. * وعن عمرو بن السكن قال: كنت عند سفيان بن عيينة رحمه الله فقام إليه رجل من أهل بغداد فقال: يا أبا محمد أخبرني عن قول مطرف: لأن أعافى فأشكر أحب إليّ من أن أبتلى فأصبر. أهو أحب إليك؟ أم قول أخيه أبي العلاء: اللهم رضيت لنفسي ما رضيت لي. قال: فسكت سكتة ثم قال: قول مطرف أحب إليّ، فقال الرجل: كيف وقد رضي هذا لنفسه ما رضيه الله له. قال سفيان: إني قرأت القرآن، فوجدت صفة سليمان مع العافية التي كان فيها: {نعم العبد إنه أوابٌ} [ص: 30]، ووجدت صفة أيوب مع البلاء الذي كان فيه (نعم العبد إنه أوابٌ)، فاستوت الصفتان، وهذا معافى، وهذا مبتلى، فوجدت الشكر قد قام مقام الصبر، فلما اعتدلا، كانت العافية مع الشكر أحب إليّ من البلاء مع الصبر. [الحلية (تهذيبه) 1/ 367]. * وقال أبو جعفر المنصور رحمه الله لعبد الله بن الربيع الحارثى: إني وإياك كمجير أم عامر، قال: يا أمير المؤمنين وما مجير أم عامر؟ قال: خرج قوم يطلبون الصيد فلم يجدوا إلا الضبع، فألجئوها إلى خيمة أعرابي، فأرادوها فنادى: يا آل بيت فلان، فذهبوا وتركوها، فأقبل يغذوها باللحم واللبن حتى أسمنها، فخرج لحاجته وترك أخاه في جانب الخيمة مريضا، فرجع فوجد الضبع قد ذهبت، ووجد أخاه مقطعا، فأنشأ يقول: ومن يصنع المعروف في غير أهله ... يلاقي الذي لاقى مجيرُ أمِّ عامر ومن يصنع المعروف في غير أهله ... يلاقي الذي لاقى مجيرُ أمِّ عامر أذمَّ لها حين استجارت برحله ... لتأمن ألبان اللقاح الدرائر فأسمنها حتى إذا ما تكلمت ... فَرَته بأنيابٍ لها وأظافر فقل لذوي المعروف هذا جزاء من ... أراد يد المعروف من غير شاكر [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 201].

ذم الغفلة

ذم الغفلة * عن أحمد بن خضرويه رحمه الله أنه قال: لا نوم أثقل من الغفلة، ولا رق أملك من الشهوة، ولولا ثقل الغفلة لم تظفر بك الشهوة. [المنتظم 11/ 275].

ذم الجهل

ذم الجهل * قال عروة بن الزبير رحمه الله: يا بني تعلموا فإنكم إن تكونوا صغراء قوم، عسى أن تكونوا كبراءهم، واسوأتاه ماذا أقبح من شيخ جاهل. [الحلية (تهذيبه) 1/ 350]. * وعن أبي علي الحسين بن محمد الماسرجسي يحكي عن جده وغيره من أهل بيته قال: كان الحسن والحسين ابنا عيسى بن ماسرجسى يركبان معًا، فيتحير الناس في حسنهما وبزتهما، فاتفقا على أن يسلما فقصدا حفص بن عبد الرحمن ليسلما على يده، فقال لهما حفص: أنتما من أجلّ النصارى، وعبد الله بن المبارك خارج في هذه السنة إلى الحج، فإذا أسلمتما على يده كان ذلك أعظم عند المسلمين وأرفع لكما في عزكما وجاهكما، فإنه شيخ أهل المشرق والمغرب، فانصرفا عنه فمرض الحسين بن عيسى، فمات على نصرانيته قبل قدوم ابن المبارك، فلما قدم أسلم الحسن على يده. قال ابن الجوزي رحمه الله تعليقًا على هذه الرواية: " انظروا ما يعمل الجهل بأهله، فإنه لولا جهل حفص بن عبد الرحمن وقلة علمه لما أمرهما بتأخير الإسلام، لأنه لا يحل تأخيره، لكن الجهل يردي أصحابه. ولما أسلم الحسن سمع من ابن المبارك ورحل في طلب العلم، وقدم بغداد حاجًا، فحدَّث بها، فسمع منه أحمد بن حنبل، والبخاري، ومسلم، وابن أبي الدنيا، وعدّ في مجلسه بباب الطاق اثنتا عشرة ألف محبرة ". [المنتظم 11/ 276، 277]. * وقال أبو قُبيل: أُسرتُ ببلاد الروم فأصبتُ على ركن من أركانها: ولا تَصْحَبْ أخا الجهل ... وإيّاك وإيّاه فكم من جاهل أَرْدَى ... حليمًا حين آخاه

يُقَاسُ المرءُ بالمرء ... إذا ما هو مَا شَاهُ وللشيء على الشيء ... مقاييسٌ وأشباهُ وللقلب على القلب ... دليلٌ حينَ يلقاهُ [عيون الأخبار 3/ 82]. * وخرج الوليدُ بن يزيد حاجًّا ومعه عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر فكانا ببعض الطريق يَلْعَبان بالشِّطْرَنْج فاستأذن عليه رجلٌ من ثَقِيف فأَذِنَ له وسَتَرَ الشِّطْرَنْج بمنْدِيل، فلمّا دخل سلّم فسأله حاجَتَه؛ فقال له الوليد: أقرأتَ القرآن؟ قال: لا، يا أمير المؤمنين! شغلتني عنه أمورٌ وهَنَات. قال: أفتعرف الفِقْه؟ قال: لا. قال: أفَرَوْيت من الشِّعر شيئًا؟ قال: لا. قال: أفعلِمتَ من أيام العرب شيئًا؟ قال: لا. قال: فكَشَفَ المِنديل عن الشِّطْرَنْج وقال: شاهك. فقال له عبد الله بن معاوية: يا أمير المؤمنين! قال: اسْكُت فما معنا أحد. [عيون الأخبار 2/ 518]. * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 2/ 519]. الحِلْمُ والعِلْمُ خَلَّتا كَرمٍ ... للمرءِ زَيْنٌ إذا هما اجتمعا * وقال الخليل رحمه الله: منزلة الجهل بين الحياء والأَنَفة. [عيون الأخبار 2/ 521]. * وقال عبد الله بن المبارك رحمه الله: من كان فيه خلة من الجهل، كان من الجاهلين، أما سمعت الله تعالى قال لنوح - عليه السلام -: {إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي} [هود: 45] فقال الله: {إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [هود: 46]. [الحلية (تهذيبه) 3/ 39].

ذم الحمقى واللئام

ذم الحمقى واللئام * عن ميمون بن مهران قال: قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله لجلسائه: أخبروني بأحمق الناس؟ قالوا: رجل باع آخرته بدنياه، فقال عمر: أو أنبئكم بأحمق منه؟ قالوا: بلى، قال رجل باع آخرته بدنيا غيره. [الحلية (تهذيبه) 2/ 232]. * وعن وهب بن منبه رحمه الله: الأحمقُ إذا تكلَّم فضحهُ حمقُه، وإذا سكت فضحَهُ عِيُّه، وإذا عمِل أفسد، وإذا ترك أضاع، لا علمهُ يُعينُه، ولا عِلمُ غيره ينفعُه، تَوَدُّ أُمُّه أنها ثكِلَتْه، وامرأته لو عَدِمتهُ، ويتمنَّى جارُه منه الوحدة، ويجد جليسه منه الوَحشة. [السير (تهذيبه) 2/ 555]. * وعن كعب رحمه الله قال: إن لكل قوم كلبا فاتقه، لا يتصلن بك شره. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 62]. * وقال ابن أبي الدنيا رحمه الله: لكلب الألسن إن فكرت فيه ... أضر عليك من كلب الكلاب لأن الكلب لا يؤذي صديقًا ... وإن صديق هذا في عذاب [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 63]. * وعن أسماء بن عبيد، قال: بلغنا أن لقمان - عليه السلام - قال لابنه: حليم كلما لقيك قرعك بعصاه، خير من سفيه كلما لقيك سرك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 65، 66]. * وقال سفيان الثوري رحمه الله: وجدنا أصل كل عداوة اصطناع المعروف إلى اللئام. [الحلية (تهذيبه) 2/ 372]. * وقال محمد بن السماك رحمه الله: همة العاقل في النجاة والهرب، وهمة الأحمق في اللهو والطرب. [الحلية (تهذيبه) 3/ 44].

مواعظ، وخطب، ووصايا، وحكم

مواعظ، وخطب، ووصايا، وحِكَم (أ) مواعظ وخطب: * عن ابن عبد الله بن سابط قال: لما حضر أبا بكر - رضي الله عنه - الموت، دعا عمر رضي الله تعالى عنهما فقال له: اتق الله يا عمر، واعلم أن لله - عزَّ وجلَّ - عملًا بالنهار لا يقبله بالليل وعملًا بالليل لا يقبله بالنهار، وأنه لا يقبل نافلة حتى تؤدى الفريضة، وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه، يوم القيامة، باتباعهم الحق في الدنيا وثقله عليهم، وحق لميزان يوضع فيه الحق غدًا أن يكون ثقيلًا، وإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل في الدنيا وخفته عليهم وحق لميزان يوضع فيه الباطل غدًا أن يكون خفيفًا، وإن الله تعالى ذكر أهل الجنة فذكرهم بأحسن أعمالهم وتجاوز عن سيئاتهم، فإذا ذكرتهم قلت إني لأخاف أن لا ألحق بهم، وإن الله تعالى ذكر أهل النار فذكرهم بأسوأ أعمالهم ورد عليهم أحسنه، فإذا ذكرتهم قلت إني لأرجو أن لا أكون مع هؤلاء، ليكون العبد راغبًا راهبًا لا يتمنى على الله، ولا يقنط من رحمته - عزَّ وجلَّ - فإن أنت حفظت وصيتي فلا يكن غائب أحب إليك من الموت - وهو آتيك - وإن أنت ضيعت وصيتي فلا يكن غائب أبغض إليك من الموت - ولست بمعجزه. [الحلية (تهذيبه) 1/ 60]. * وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: لا تنظروا إلى صلاة امرىءٍ ولا صيامه، ولكن انظروا إلى صدق حديثه إذا حدث، وإلى ورعه إذا أشفى، وإلى أمانته إذا ائتمن. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 233، 234]. * وقال أيضًا - رضي الله عنه -: من كثر ضحكه قلت هيبته، ومن مزح استُخف به، ومن أكثر من شيء عُرف به، ومن كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه قل

حياؤه، ومن قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه قل خيره، ومن كثر أكله لم يجد لذكر الله لذة، ومن كثر نومه لم يجد في عمره بركة، ومن كثر كلامه في الناس سقط حقه عند الله، وخرج من الدنيا على غير الاستقامة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 79]. * وعن سعيد بن أبي هلال؛ أن أبا الدرداء - رضي الله عنه - كان يقول: يا معشر أهل دمشق ألا تستحيون؟ تجمعون ما لا تأكلون، وتبنون ما لا تسكنون، وتأملون ما لا تبلغون. قد كان القرون من قبلكم يجمعون فيوعون، ويأملون فيطيلون، وينبون فيوثقون. فأصبح جمعهم بورا، وأملهم غرورًا، وبيوتهم قبورًا. هذه عاد قد ملأت ما بين عدن إلى عمان أموالًا وأولادًا، فمن يشتري مني تركة آل عاد بدرهمين؟ [الحلية (تهذيبه) 1/ 174]. * وعن قسامة بن زهير قال: خطبنا أبو موسى - رضي الله عنه - بالبصرة فقال: يا أيها الناس ابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا فإن أهل النار يبكون الدموع حتى تنقطع ثم يبكون الدماء حتى لو أرسلت فيها السفن لبحرت. [الزهد للإمام أحمد / 355]. * وعنه قال: بلغني أن إبراهيم - عليه السلام - حدث نفسه أنه أرحم الخلق. قال: فرفعه الله تعالى حتى أشرف على أهل الأرض، فأبصر أعمالهم، فلما رآهم وما يفعلون. قال: يا رب دمر عليهم. فقال له ربه تعالى: أنا أرحم بعبادي منك يا إبراهيم، فأهبط فلعلهم يتوبون ويرجعون. [الحلية (تهذيبه) 1/ 467]. * وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه كان يقول إذا قعد: إنكم في ممر الليل والنهار في آجال منقوصة، وأعمال محفوظة، والموت يأتي بغتة، من زرع خيرًا فيوشك أن يحصد رغبة، ومن زرع شرًا يوشك أن يحصد ندامة، ولكل زارع مثل ما زرع، لا يَسبق بطيءٌ بحظه، ولا يُدرِك حريصٌ ما لم يقدَّر له، فمن أعطي خيرًا فالله أعطاه، ومن وقي شرًا فالله وقاه، والمتقون سادة، والعلماء، قادة، ومجالستهم زيادة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 506]. * وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: خمس لهن أحسن من الدُّهم المُوقَفة: لا تتكلم فيما لا يعنيك، فإنه فضل ولا آمن عليك الوزر، ولا تتكلم فيما يعنيك حتى تجد له موضعا، فإنه رُبَّ متكلم في أمر يعنيه قد وضعه في غير موضعه

فيعنت، ولا تمار حليما ولا سفيها، فإن الحليم يقليك، وإن السفيه يؤذيك، واذكر أخاك إذا تغيب عنك بما تحب أن يذكرك به، وأعفه عما تحب أن يعفيك منه، واعمل عمل رجل يرى أنه مجازى بالإحسان مأخوذ بالإجرام. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 88]. * وعن يونس بن جبير قال: شيعنا جندب بن عبد الله - رضي الله عنه - فلما بلغنا حصن المكاتب قلنا له أوصنا قال: أوصيكم بتقوى الله والقرآن فإنه نور الليل المظلم وهدى النهار فاعملوا به على ما كان من جهد وفاقة وإن عرض بلاء فقدم مالك دون نفسك فإن تجاوز البلاء فقدم مالك ونفسك دون دينك فإن المحروب من حرب دينه والمسلوب من سلب دينه، إنه لا غنى بعد النار ولا فاقة بعد الجنة وأن النار لا يفك أسيرها ولا يستغني فقيرها. [الزهد للإمام أحمد / 360]. * وعن علي بن الحسين رحمه الله قال: إذا كان يوم القيامة نادى مناد: لقيم أهل الفضل، فيقوم ناس من الناس، فيقال: انطلقوا إلى الجنة فتتلقاهم الملائكة فيقولون إلى أين؟ فيقولون: إلى الجنة، قالوا: قبل الحساب؟ قالوا: نعم! قالوا: من أنتم؟ قالوا: أهل الفضل، قالوا: وما كان فضلكم؟ قالوا: كنا إذا جهل علينا حلمنا، وإذا ظلمنا صبرنا، وإذا أسيئ علينا غفرنا، قالوا: ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين. ثم ينادي مناد: لِيَقُم أهل الصبر، فيقوم ناس من الناس، فيقال لهم: انطلقوا إلى الجنة، فتتلقاهم الملائكة، فيقال لهم مثل ذلك، فيقولون: نحن أهل الصبر. قالوا: ما كان صبركم؟ قالوا: صبرنا أنفسنا على طاعة الله، وصبرناها عن معصية الله - عزَّ وجلَّ. قالوا: ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين. ثم ينادي مناد: ليقم جيران الله في داره، فيقوم ناس من الناس، وهم قليل! فيقال لهم: انطلقوا إلى الجنة، فتتلقاهم الملائكة، فيقال لهم مثل ذلك. قالوا: وبما جاورتم الله في داره؟ قالوا: كنا نتزاور في الله - عزَّ وجلَّ - ونتجالس في الله، ونتباذل في الله. قالوا: ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين. [الحلية (تهذيبه) 1/ 488].

* وعن عيسى بن عمر قال: كان عمرو بن عتبة بن فرقد رحمه الله يخرج على فرسه ليلًا، فيقف على القبور فيقول: يا أهل القبور قد طويت الصحف، وقد رفعت الأعمال، ثم يبكي ويصف بين قدميه حتى يصبح، فيرجع فيشهد صلاة الصبح. [الحلية (تهذيبه) 2/ 73]. * وعن الأوزاعي رحمه الله أنه وعظ فقال في موعظته: (أيها الناس! تقووا بهذه النعم التي أصبحتم فيها على الهرب من نار الله - عزَّ وجلَّ - الموقدة التي تطلع على الأفئدة؛ فإنكم في دارٍ، الثواءُ فيها قليلُ، وأنتم فيها تؤجلون خلائف بعد القرون الذين استقبلوا من الدنيا أنفها وزهرتها، فهم كانوا أطول منكم أعمارًا، وأمدَّ أجسامًا، وأعظم آثارًا؛ فجردُّوا الجبالَ، وجابوا الصخور، ونقبوا في البلاد مؤيدين ببطش شديدٍ، وأجسام كالعماد؛ فما لبثت الأيام والليالي أن طوت مدتهم، وعفت آثارهم، وأخوت منازلهم، وأنست ذكرهم، فما تحس منهم من أحدٍ ولا تسمع لهم ركزًا؛ كانوا بلهو الأمل آمنين، لبيات قومٍ غافلين، ولصباح قومٍ نادمين. ثم إنكم قد علمتم الذي نزل بساحتهم بياتًا من عقوبة الله - عزَّ وجلَّ - فأصبح كثيرٌ منهم في ديارهم جاثمين، وأصبح الباقون ينظرون في آثار نقمة الله وزوال نعمه، ومساكن خاوية فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم، وعبرةً لمن يخشى، وأصبحتم من بعدهم في أجل منقوصٍ، ودنيا مقبوضةٍ، في زمانٍ قد ولى عفوه، وذهب رجاؤه، فلم يبق منه إلا حمة شرّ، وصبابة كدرٍ، وأهاويل عبر، وعقوبات غبر، وأرسال فتنٍ، وتتابع زلازل، ورذالة خلفٍ، بهم ظهر الفساد في البر والبحر. فلا تكونوا أشباهًا لمن خدعه الأملُ، وغره طول الأجل، فتبلغ بالأماني. فنسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن وعى نذره فانتهى، وعقل مسراه فمهد لنفسه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 473، 474]. * وعن عبيد بن عمير رحمه الله قال: كان لرجل ثلاثة أخلاء بعضهم أخص له من بعض، فنزلت به نازلة فلقي أخص الثلاثة به فقال: يا فلان إنه نزل بي

كذا وكذا وإني أحب أن تعينني، قال: ما أنا بالذي أفعل. فانطلق إلى الذي يليه في الخاصة فقال: يا فلان إنه قد نزل بي كذا وكذا وأنا أحب أن تعينني، قال: فأنطلق معك حتى تبلغ المكان الذي تريد، فإذا بلغت رجعت وتركتك. قال: فانطلق إلى أخص الثلاثة. فقال: يا فلان إنه قد نزل بي كذا وكذا فأنا أحب أن تعينني. قال: أنا أذهب معك حيث ذهبت، وأدخل معك حيث دخلت. قال: فالأول ماله خلفه في أهل ولم يتبعه منه شيء، والثاني أهله وعشيرته ذهبوا معه إلى قبره ثم رجعوا وتركوه، والثالث هو عمله وهو معه حيث ما ذهب ويدخل معه حيث ما دخل. [الحلية (تهذيبه) 2/ 8]. * وعن الحسن قال: مات أخ لنا فصلينا عليه فلما وضع في قبره ومد عليه الثوب، جاء صلة بن أشيم رحمه الله وأخذ بناحية الثوب ثم نادى: يا فلان بن فلان!. فإن تنج منها تنج من ذي عظيمة ... وإلا فإني لا أخالك ناجياَ قال: فبكى وأبكى الناس. [الحلية (تهذيبه) 1/ 377]. * وقال بلال بن سعد رحمه الله: يا أهلَ التُّقى! إنَّكم لَمْ تُخلقوا للفناء، وإنما تُنقلُونَ مِن دارٍ إلى دار، كما نُقِلتُم من الأصلاب إلى الأرحام، ومن الأرحام إلى الدنيا، ومن الدنيا إلى القبور، ومِن القبور إلى الموقف، ومن الموقف إلى الخُلُود في جنة أو نار. [السير (تهذيبه) 2/ 584]. * وعن الأوزاعي قال: سمعت بلال بن سعد رحمه الله يقول: وذكر الغساق فقال: لو أن قطعة منه وقعت إلى الأرض لأنتنت ما فيها. [الحلية (تهذيبه) 2/ 190]. * وقال أيضًا رحمه الله: إن الله يغفر الذنوب، ولكن لا يمحوها من الصحيفة، حتى يوقفه عليها يوم القيامة وإن تاب. [الحلية (تهذيبه) 2/ 190]. * وقال أيضًا رحمه الله: عبادَ الرحمن! هل جاءكم مخبر يخبركم أن شيئًا من أعمالكم تقبل منكم، أو شيئًا من خطاياكم غفر لكم؟ {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا

خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون: 115]، والله لو عجل لكم الثواب في الدنيا لاستقللتم كلكم ما افترض عليكم، أفترغبون في طاعة الله بتعجيل دنيا تفنى عن قريب، ولا ترغبون ولا تنافسون في جنة {أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوا وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ} [الرعد: 35]. [الحلية (تهذيبه) 2/ 192]. * وقال وهب بن منبه رحمه الله: من يرحم يُرحم، ومن يصمت يسلم، ومن يجهل يُغلب، ومن يعجل يخطئ، ومن يحرص على الشر لا يسلم، ومن لا يدع المراء يُشتم، ومن لا يكره الشتم يأثم، ومن يكره الشر يُعصم، ومن يتبع وصية الله يحفظ، ومن يحذر الله يأمن، ومن يتولى الله يُمنع، ومن لا يسأل الله يفتقر، ومن لا يكن مع الله يخذل، ومن يستعن بالله يظفر. [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 477، 478]. * وقال الحسن البصري رحمه الله: رحم الله رجلًا لم يغره كثرة ما يرى من كثرة الناس، ابن آدم إنك تموت وحدك، وتدخل القبر وحدك، وتبعث وحدك، وتحاسب وحدك، ابن آدم وأنت المعني وإياك يراد. [الحلية (تهذيبه) 1/ 339]. * وعن عباد بن راشد قال: سمعت الحسن البصري رحمه الله قرأ: {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ} [الإسراء: 13] لقد عدل عليك من جعلك حسيب نفسك. [الزهد للإمام أحمد / 485]. * وعن أبي زكريا التيمي قال: بينما سليمان بن عبد الملك في المسجد الحرام إذ أتي بحجر منقوش، فطلب من يقرأه له فأتي بوهب بن منبه رحمه الله فقرأه، فإذا فيه: ابن آدم إنك لو رأيت قرب ما بقي من أجلك لزهدت في طويل أملك، ولرغبت في الزيادة من عملك، ولقصرت من حرصك وحيلك، وإنما يلقاك غدًا ندمك، وقد زلت بك قدمك، وأسلمك أهلك وحشمك، فبان منك الوليد القريب، ورفضك الوالد والنسيب، فلا أنت إلى دنياك عائد، ولا في حسناتك زائد، فاعمل ليوم القيامة، قبل الحسرة والندامة. قال: فبكى سليمان بكاء شديدًا. [الحلية (تهذيبه) 2/ 51]. * وعن الحسن رحمه الله قال: (من علامات المسلم: قوة في دين، وحزم

في لين، وإيمان في يقين، وحلم في علم، وكَيس في رفق، وإعطاء في حق، وقصد في غنى، وتجمل في فاقة، وإحسان في قدرة، وطاعة معها نصيحة، وتورع في رغبة، وتعفف في جهد، وصبر في شدة، لا ترده رغبته، ولا يبدره لسانه، ولا يغلبه فرجه، ولا يميله هواه، ولا يفضحه بطنه، ولا يستخفه حرصه، ولا تقصر به نيته). [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 36]. * وعن ميمون رحمه الله قال: يا ابن آدم خفف عن ظهرك، فإن ظهرك لا يطيق كل الذي تحمل عليه من ظلم هذا، وأكل مال هذا، وشتم هذا، وكل هذا تحمله عل ظهرك فخفف عن ظهرك. [الحلية (تهذيبه) 2/ 56]. * وعن حصين قال: كان من كلام إبراهيم التيمي رحمه الله أنه يقول: أي حسرة أكبر على امرئ من أن يرى عبدًا كان له، خوله الله إياه في الدنيا، هو أفضل منزلة منه عند الله يوم القيامة؟ وأي حسرة على امرئ أكبر من أن يصيب مالًا فيرثه غيره، فيعمل فيه بطاعة الله تعالى، فيصير وزره عليه وأجره لغيره؟ وأي حسرة على امرئ أكبر من أن يرى من كان مكفوف البصر ففتح له عن بصره يوم القيامة وعمي هو؟ إن من كان قبلكم يفرون من الدنيا وهي مقبلة عليهم، ولهم من القدم مالهم، وأنتم تتبعونها وهي مدبرة عنكم، ولكم من الأحداث مالكم، فقيسوا أمركم وأمر القوم. [الحلية (تهذيبه) 2/ 89]. * وعن شفي الأصبحي رحمه الله قال: ترك الخطيئة أيسر من طلب التوبة. [الحلية (تهذيبه) 2/ 177]. * وقال الربيع بن برة رحمه الله: ابن آدم إنما أنت جيفة منتنة، طيب نسيمك ما ركب فيك من روح الحياة، فلو قد نزع منك روحك، ألقيت جثة ملقاة، وجيفة منتنة، وجسدًا خاويًا، قد جيف بعد طيب ريحه، واستوحش منه بعد الأنس بقربه، فأي الخليقة ابن آدم منك أجهل، وأي الخليقة منك أعجب، إذ كنت تعلم أن هذا مصيرك وأن التراب مقيلك، ثم أنت بعد هذا لطول جهلك تقر بالدنيا عينًا، أما سمعته يقول: {فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [سبأ: 19] أما والله ما حداك على الصبر والشكر إلا لعظيم ثوابهما عنده لأوليائه، أما سمعته يقول جل ثناؤه: {لَئِن

شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7] أو ما سمعته يقول عز شأنه: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10] فهاهما منزلتان عظيمتا الثواب عند الله قد بذلهما لك، يا ابن آدم فمن أعظم في الدنيا منك غفلة؟ أو من أطول في القيامة حسرة؟ إن كنت ترغب عما رغب لك فيه مولاك، وأنك تقرأ في الليل والنهار في الصباح والمساء {نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} [الأنفال: 40]. [الحلية (تهذيبه) 2/ 342]. * وعن زيد بن وهب رحمه الله قال: خرجت إلى الجبانة فجلست فيها إلى جنب حائط، فجاء رجل إلى قبر فسواه، ثم جاء فجلس إليّ، فقلت: من هذا؟ قال: أخي. قلت: أخ لك. قال: أخ لي في الإسلام رأيته البارحة فيما يرى النائم، فقلت: فلان قد عشت الحمد لله رب العالمين. قال: قد قلتها، لأن أكون أقدر على أن أقولها أحب إليّ من ملء الأرض وما فيها، ألم تر حين كانوا يدفنوني فإن فلانًا قام فصلى ركعتين، لأن أكون أقدر على أن أصليهما أحب إليّ من الدنيا وما فيها. [الحلية (تهذيبه) 2/ 77]. * وعن همام قال: سمعت أبا عمران الجوني رحمه الله يقول: ما من ليلة تأتي، إلا وتنادي: اعملوا فيَّ ما استطعتم من خير، فلن أرجع إليكم إلى يوم القيامة. [الحلية (تهذيبه) 1/ 402]. * وعن جعفر بن سليمان قال: سمعت أبا عمران الجوني رحمه الله يقول: حُدثت أن البهائم إذا رأت بني آدم قد تصدعوا من بين يدي الله تعالى صنفين: صنف إلى الجنة، وصنف إلى النار، تناديهم البهائم يا بني آدم الحمد الله الذي لم يجعلنا اليوم مثلكم، لا جنة نرجو ولا عقابا نخاف. [الحلية (تهذيبه) 1/ 402]. * وعن جعفر قال: سمعت ثابتًا رحمه الله يقول: وأي عبد أعظم حالًا من عبد يأتيه ملك الموت وحده، ويدخل قبره وحده، ويوقف بين يدي الله وحده، ومع ذلك ذنوب كثيرة ونعم من الله كثيرة. [الحلية (تهذيبه) 1/ 405]. * وعن مالك بن دينار رحمه الله قال: إذا أحس أهل النار في النار بضرب المقامع انغمسوا في حياض الجحيم فيذهبون سفالًا سفالًا كما يغرق الرجل في الماء في الدنيا يذهب سفالًا سفالًا. [الزهد للإمام أحمد / 534].

* وقال أيضًا: أتيت القبورَ فناديتُه ... ـنَّ أين المعظَّم والمحتقَرْ وأين المُدِلُّ بسلطانه ... وأين المزكَّى إذا ما افتخَرْ قال: فنوديت من بينها ولا أرى أحدًا: تفانَوْا جميعًا فما مُخبِرٌ ... وماتوا جميعًا وماتَ الخبَرْ تروحُ وتغدو بناتُ الثرى ... وتُمْحَى محاسنُ تلك الصُّوَرْ فيا سائلي عن أناسٍ مَضَوْا ... أَمَا لك فيما ترى مُعتبَرْ قال: فرجعت وأنا أبكي. [عيون الأخبار 2/ 679]. * وقال الربيع بن عبد الرحمن رحمه الله: إن لله عبادًا أخمصوا له البطون عن مطاعم الحرام، وغضوا له الجفون عن مناظر الآثام، وأهملوا له العيون لما اختلط عليهم الظلام، رجاء أن ينير ذلك لهم قلوبهم إذا تضمنتهم الأرض بين أطباقها، فهم في الدنيا مكتئبون، وإلى الآخرة متطلعون، نفذت أبصار قلوبهم بالغيب إلى الملكوت، فرأت فيه ما رجت من عظم ثواب الله، فازدادوا والله بذلك جدا واجتهادا عند معاينة أبصار قلوبهم ما انطوت عليه آمالهم، فهم الذين لا راحة لهم في الدنيا، وهم الذين تقر أعينهم غدا بطلعة ملك الموت عليهم، قال: ثم بكى حتى بل لحيته بالدموع. [الحلية (تهذيبه) 2/ 344]. * وعن سفيان بن عيينة رحمه الله قال: كان يقال: إن العاقل إذا لم ينتفع بقليل الموعظة، لم يزدد على الكثير منها إلا شرًا. [الحلية (تهذيبه) 2/ 430]. * وعنه رحمه الله قال: كان يقال: أشد الناس حسرة يوم القيامة ثلاثة، رجل كان له عبد فجاء يوم القيامة أفضل عملًا منه، ورجل له مال فلم يتصدق منه فمات فورثه غيره فتصدق منه، ورجل عالم لم ينتفع بعلمه، فعلمه غيره فانتفع به. [الحلية (تهذيبه) 2/ 436]. * وعن أبي أحمد قال: كان عمر بن عبد العزيز رحمه الله ليس له هِجيِّرَى إلا أن يقول: تُسَرُّ بما يَبلَى وتفرَحُ بالمنى ... كما اغترّ باللذّاتِ في النوم حالمُ

نهارُك يا مغرورُ سهوٌ وغَفْلةٌ ... وليلُك نومٌ والردَى لك لازمُ وسعيُك فيما سوف تكره غِبَّهُ ... كذلك في الدنيا تعيشُ البهائمُ كم من مستقبلٍ يومًا ليس بمستكمله، ومنتظِرٍ غدًا ليس من أجله، لو رأيتم الأجل ومسيرَه، لأبغضتم الأملَ وغرورَه. [عيون الأخبار 2/ 685]. * وعن هارون أبي محمد البربري؛ أن عمر بن عبد العزيز رحمه الله استعمل ميمون بن مهران على الجزيرة على قضائها وعلى خراجها، فكتب إليه ميمون يستعفيه، وقال: كلفتني ما لا أطيق، أقضي بين الناس وأنا شيخ كبير ضعيف رقيق، فكتب عمر إليه: اجبِ من الخراج الطيب، واقض ما استبان لك، فإذا التبس عليك أمر فارفعه إليّ فإن الناس لو كانوا إذا كبر عليهم أمر تركوه، ما قام دين ولا دنيا. [الحلية (تهذيبه) 2/ 55]. * وعن محمد الكوفي قال: شهدت عمر بن عبد العزيز رحمه الله يخطب، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إن الله تعالى خلق خلقه ثم أرقدهم، ثم يبعثهم من رقدتهم، فإما إلى جنة وإما إلى نار، والله إن كنا مصدقين بهذا إنا لحمقى، وإنا كنا مكذبين بهذا إنا لهلكى، ثم نزل. [الحلية (تهذيبه) 2/ 202]. * وعن عبد الله بن شوذب قال: حج سليمان ومعه عمر بن عبد العزيز رحمه الله، فخرج سليمان إلى الطائف فأصابه رعد وبرق ففزع سليمان فقال لعمر: ألا ترى ما هذا يا أبا حفص؟ قال: هذا عند نزول رحمته، فكيف لو كان عند نزول نقمته!! [الحلية (تهذيبه) 2/ 219]. * وعن يعقوب بن عبد الرحمن، عن أبيه قال: خطب عمر بن عبد العزيز رحمه الله هذه الخطبة، وكان آخر خطبة خطبها؛ حمد الله وأثنى عليه ثم قال: إنكم لم تخلقوا عبثًا، ولم تتركوا سدى، وإن لكم معادًا ينزل الله فيه، ليحكم بينكم ويفصل بينكم، وخاب وخسر من خرج من رحمة الله، وحرم جنة عرضها السموات والأرض، ألم تعلموا أنه لا يأمن غدًا إلا من حذر الله اليوم وخافه، وباع نافدًا بباق، وقليلًا بكثير، وخوفًا بأمان؟ ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين، وستصير من بعدكم للباقين، وكذلك حتى تردوا إلى خير

الوارثين. ثم إنكم تشيعون كل يوم غاديًا ورائحًا، قد قضى نحبه، وانقضى أجله، حتى تغيبوه في صدع من الأرض، في شق صدع، ثم تتركوه غير ممهد ولا موسد، فارق الأحباب، وباشر التراب، ووجه للحاسب، مرتهن بما عمل، غني عما ترك، فقير إلى ما قدم. فاتقوا الله وموافاته وحلول الموت بكم، أما والله إني لأقول هذا، وما أعلم عند أحد من الذنوب أكثر مما عندي، وأستغفر الله، وما منكم من أحد يبلغنا حاجته لا يسع له ما عندنا إلا تمنيت أن يبدأ بي وبخاصتي، حتى يكون عيشنا وعيشه واحدًا، أما والله لو أردت غير هذا من غضارة العيش لكان اللسان به ذلولًا، وكنت بأسبابه عالمًا، ولكن سبق من الله كتاب ناطق، وسنة عادلة، دل فيها على طاعته، ونهى فيها عن معصيته ثم رفع طرف ردائه فبكى وأبكى من حوله. [الحلية (تهذيبه) 2/ 222]. * وعن محمد بن كعب قال: لما استُخلف عمر رحمه الله بعث إليَّ وأنا بالمدينة، فقدمت عليه، فلما دخلت عليه، جعلت أنظر إليه نظرًا لا أصرف بصري عنه تعجبًا، فقال: يا ابن كعب إنك لتنظر إليّ نظرًا ما كنت تنظره!! قال: قلت: تعجبًا، قال: ما أعجبك؟ قلت: يا أمير المؤمنين أعجبني ما حال من لونك، ونحل من جسمك، ونفش من شعرك، قال: فكيف لو رأيتني بعد ثلاث وقد دليت في حفرتي - أو قبري - وسالت حدقتاي على وجنتي، وسال منخري صديدًا ودمًا، كنت لي أشد نكرة. [الحلية (تهذيبه) 2/ 238]. * وقال صالح بن عبد الجليل رحمه الله: ذهب المطيعون لله بلذيذ العيش في الدنيا والآخرة، يقول الله تعالى لهم يوم القيامة: رضيتم بي بدلًا دون خلقي، وآثرتموني على شهواتكم في الدنيا، فعندي اليوم فباشروها، فلكم اليوم عندي تحياتي وكرامتي، فبي فافرحوا، وبقربي فتنعموا، فوعزتي وجلالي ما خلقت الجنات إلا من أجلكم. [الحلية (تهذيبه) 3/ 180]. * وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله: قرأت في بعض الكتب يقول الله - عزَّ وجلَّ -: بعيني ما يتحمل المتحملون من أجلي، ويكابد المكابدون في طلب مرضاتي، فكيف بهم وقد صاروا في جواري، وتبحبحوا في رياض خلدي، فهنالك فليبشر المصغون إلى أعمالهم بالنظر العجيب من الحبيب القريب، ترون أن

أضيع لهم عملًا، وأنا أجود على المولين عني، فكيف بالمتقبلين عليّ؟ ما غضبت على أحد كغضبي على من أذنب ذنبًا فاستعظمه في جنب عفوي، فلو كنت معجلًا أحدًا وكانت العجلة من شأني لعاجلت القانطين من رحمتي، فأنا الديان الذي لا تحل معصيتي ولا أطاع إلا بفضل رحمتي، ولو لم أشكر عبادي إلا على خوفهم من المقام بين يدي لشكرتهم على ذلك، وجعلت ثوابهم الأمن مما خافوا، فكيف بعبادي لو قد رفعت قصورًا تحار لرؤيتها الأبصار، فيقولون: ربنا لمن هذه القصور؟ فأقول: لمن أذنب ذنبًا ولم يستعظمه في جنب عفوي، ألا وإني مكافئ على المدح فامدحوني. [الحلية (تهذيبه) 3/ 181]. * وعن عثمان بن عبد الحميد قال: دخل سابق البربري رحمه الله على عمر بن عبد العزيز، فقال له: عظني يا سابق وأوجز، قال: نعم يا أمير المؤمنين وأبلغ إن شاء الله، قال: هات فأنشده: إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى ... ووافيت بعد الموت من قد تزودا ندمت على أن لا تكون شركته ... وأرصدت قبل الموت ما كان أرصدا فبكى عمر حتى سقط مغشيًا عليه. [الحلية (تهذيبه) 2/ 229]. * وقال بعضهم: [البداية والنهاية 10/ 329]. ما شئت كان وإن لم أشأ ... وما شئتُ إن لم تشأ لم يكنْ خلقت العباد على ما علمتَ ... ففي العلم يجري الفتى والمسنّ فمنهم شقيٌّ ومنهم سعيدٌ ... ومنهم قبيحٌ ومنهم حسنْ على ذا مننْتَ وهذا خذلتَ ... وهذا أعنتَ وذا لم تعنْ * وعن يعقوب بن الوليد قال: سمعت أبا تراب رحمه الله يقول: يا أيها الناس، أنتم تحبون ثلاثة وليس هي لكم: تحبون النفس وهي لله، وتحبون الروح والروح لله، وتحبون المال والمال للورثة، وتطلبون اثنين ولا تجدونهما: الفرح والراحة وهما في الجنة. [الحلية (تهذيبه) 3/ 256]. * وقال مالك بن أنس رحمه الله: قال لقمان - عليه السلام - لابنه: يا بني إن الناس قد

تطاول عليهم ما يوعدون، وهم إلى الآخرة سراع يذهبون، وإنك قد استدبرت الدنيا منذ كنت، واستقبلت الآخرة، وإن دارًا تسير إليها، أقرب إليك من دار تخرج منها. [الحلية (تهذيبه) 2/ 354]. * وعن مكحول رحمه الله قال: كنا أجنّةً في بطون أُمّهاتنا فسَقَط من سَقَط وكنا فيمن بَقِي، ثم كنا مَرَاضع فَهَلك منا من هلك وبَقِي من بقي، وكنا أيفاعًا، وذكر مثل ذلك، ثم صِرنا شبّانا، وذكر مثل ذلك، ثم صرنا شيوخًا لا أبا لك فما ننتظر وما نريد! وهل بَقِيت حالةٌ ننتقل إليها. [عيون الأخبار 2/ 730]. * وقال أيضًا رحمه الله: بؤسًا لأهل النار، لو نظروا إلى زوار الرحمن قد حملوا على النجائب، يزفون إلى الله زفًا، وحشروا وفدًا وفدًا، ونصبت لهم المنابر، ووضعت لهم الكراسي، وأقبل عليهم الجليل جلّ جلاله بوجهه، ليسرهم وهو يقول: إليّ عبادي إليّ عبادي، إليّ أوليائي المطيعين، إليّ أحبائي المشتاقين، إليَّ أصفيائي المحزونين، ها أنذا اعرفوني، من كان منكم مشتاقًا أو محبًا أو متملقًا فليتمتع بالنظر إلي وجهي الكريم، فوعزتي وجلالي لأفرحنكم بجواري، ولأسرنكم بقربي، ولأبيحنكم كرامتي، من الغرفات تشرفون، وتتكئون على الأسرة، فتتملكون، تقيمون في دار المقامة أبدًا لا تظعنون، تأمنون فلا تحزنون، تصحون فلا تسقمون تتنعمون في رغد العيش لا تموتون، وتعانقون الحور الحسان فلا تملون ولا تسأمون، كلوا واشربوا هنيئًا، وتنعموا كثيرا بما أنحلتم الأبدان، وأنهكتم الأجساد، ولزمتم الصيام وسهرتم بالليل والناس نيام. [الحلية (تهذيبه) 2/ 491]. * وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: تريد الجنة مع النبيين والصديقين، وتريد أن تقف الموقف مع نوح وإبراهيم ومحمد عليهم الصلاة والسلام؟ بأي عمل وأي شهوة تركتها لله - عزَّ وجلَّ - وأي قريب باعدته في الله، وأي بعيد قربته في الله. [الحلية (تهذيبه) 3/ 10]. * وقال أيضًا رحمه الله: ما من ليلة اختلط ظلامها، وأرخى الليل سربال سترها، إلا نادى الجليل جل جلاله: من أعظم مني جودًا، والخلائق لي عاصون، وأنا لهم مراقب، أكلؤهم في مضاجعهم كأنهم لم يعصوني، وأتولى حفظهم

كأنهم لم يذنبوا، من بيني وبينهم، أجود بالفضل على العاصي، وأتفضل على المسيء، من ذا الذي دعاني فلم أسمع إليه؟ أو من ذا الذي سألني فلم أعطه؟ أم من ذا الذي أناخ ببابي ونحيته، أنا الفضل ومني الفضل، أنا الجود ومني الجود، أنا الكريم ومني الكرم، ومن كرمي أن أغفر للعاصي بعد المعاصي، ومن كرمي أن أعطي التائب كأنه لم يعصني، فأين عني تهرب الخلائق، وأين عن بابي يتنحى العاصون؟. [الحلية (تهذيبه) 3/ 12]. * وعن الحسن بن علي العابد قال: قال فضيل بن عياض رحمه الله لرجل: كم أتت عليك؟ قال: ستون سنة، قال: فأنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك توشك أن تبلغ، فقال الرجل: يا أبا علي إنا لله وإنا إليه راجعون، قال له الفضيل: تعلم ما تقول؟ قال الرجل: قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون. قال الفضيل: تعلم ما تفسيره؟ قال الرجل: فسره لنا يا أبا علي، قال: قولك إنا لله، تقول: أنا لله عبد وأنا إلى الله راجع، فمن علم أنه عبد الله وأنه إليه راجع، فليعلم بأنه موقوف، ومن علم بأنه موقوف، فليعلم بأنه مسؤول، ومن علم أنه مسؤول، فليعد للسؤال جوابًا، فقال الرجل: فما الحيلة؟ قال: [يسيرة] (¬1) قال: ما هي؟ قال: تحسن فيما بقي، يغفر لك ما مضى وما بقي، فإنك إن أسأت فيما بقي أخذت بما مضى وما بقي. [الحلية (تهذيبه) 3/ 28]. * وعن وهيب بن الورد رحمه الله قال: بلغنا أنه ما من ميت يموت، حتى يتراءى له ملكاه اللذان كانا يحفظان عليه عمله في الدنيا، فإن كان صحبهما بطاعة، قالا له: جزاك الله عنا من جليس خيرًا، فربَّ مجلس صدق قد أجلستناه، وعمل صالح قد أحضرتناه، وكلام حسن قد أسمعتناه، فجزاك الله عنا من جليس خيرًا، وإن كان صحبهما بغير ذلك، مما ليس لله برضى، قلبا عليه الثناء فقالا: لا جزاك الله عنا من جليس خيرًا، فرب مجلس سوء قد أجلستناه، وعمل غير صالح قد أحضرتناه، وكلام قبيح قد أسمعتناه، فلا ¬

(¬1) في الأصل: تستره. ولعله تصحيف.

جزاك الله عنا من جليس خيرًا. قال: فذاك شخوص بصر الميت إليهما، ولا يرجع إلى الدنيا أبدًا. [الحلية (تهذيبه) 3/ 34]. * وقال يحيى بن معاذ رحمه الله: لو رأت العقول بعيون الإيمان نزهة الجنة لذابت النفوس شوقًا، ولو أدركت القلوب كنه هذه المحبة لخالقها لانخلعت مفاصلها إليه ولها عليه، ولطارت الأرواح إليه من أبدانها دهشًا، فسبحان من أغفل الخليقة عن كنه هذه الأشياء، وألهاهم بالوصف عن حقائق هذه الأشياء. [الحلية (تهذيبه) 3/ 259]. * وقال ابن كثير رحمه الله: يقال: إنّ سَببَ وضْعِ الملك نور الدين محمود المكوسَ عن الناسِ أنَّ الواعِظَ أبا عثمان رحمه الله المُنْتَجَب بنَ أبي محمدٍ الواسطيَّ - وكان مِن الصالحِين الكبارِ - أنشد نورَ الدينِ: مثّلْ وقوفَك أيُّها المغْرورُ ... يومَ القيامة والسماءُ تَمُورُ إنْ قيلَ نورُ الدينِ رُحْتَ مُسلِّمًا ... فاحذَرْ بأنْ تبْقَى وما لَكَ نورُ أنَهَيتَ عن شُربِ الخمورِ وأنتَ مِن ... كأسِ المظالمِ طافحٌ مَخْمورُ عطَّلْتَ كاسات المُدامِ تعَفُّفا ... وعليكَ كاساتُ الحرام تدورُ ماذا تقولُ إذا نقلتَ إلى البِلى ... فرْدًا وجاءَكَ منكرٌ ونكيرُ وتعلَّقَتْ فيكَ الخُصوم وأنتَ في ... يومِ الحساب مُسَحَّبٌ مجرورُ وتفرَّقَتْ عنك الجنودُ وأنتَ في ... ضِيقِ اللُّحودِ مُوَسَّدٌ مقْبُورُ وودِدْتَ أنكَ ما وَلِيتَ ولايةً ... يومًا ولا قال الأنامُ أميرُ وبقيتَ بعدَ العزِّ رَهْنَ حُفَيْرَةٍ ... في عالمِ الموْتَى وأنتَ حقيرُ وحُشِرْتَ عُرْيانًا حزينًا باكيًا ... قلقًا وما لكَ في الأنامِ مُجيرُ أرضيتَ أنْ تحْيَا وقلبُكَ دارِسٌ ... عَافِي الخَرابِ وجسْمُكَ المعمُورُ أرضيتَ أنْ يحْظَى سواَكَ بقُربهِ ... أبدًا وأنتَ مبَعَّدٌ مهجورُ مهِّدْ لنفْسِكَ حُجَّةً تنْجُو بها ... يومَ المَعادِ لعلَّكَ المعذورُ فلمَّا سمعها الملكُ نورُ الدين بكَى، وأمرَ بوضْعِ المكوساتِ والضرائبِ في سائرِ بلادِه. [البداية والنهاية 12/ 364].

(ب) وصايا، وتوجيهات، وحكم

(ب) وصايا، وتوجيهات، وحِكَم: * قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: إن أخوف ما أخاف اتباع الهوى وطول الأمل. فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة. ألا وإن الدنيا قد ترحلت مدبرة، ألا وإن الآخرة قد ترحلت مقبلة، ولكل واحد منهما بنون. فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل. [الحلية (تهذيبه) 1/ 82]. * وقال أيضًا - رضي الله عنه -: ألا إن الفقيه كل الفقيه، الذي لا يقنط الناس من رحمة الله، ولا يؤمنهم من عذاب الله، ولا يرخص لهم في معاصي الله، ولا يدع القرآن رغبة عنه إلى غيره ولا خير في عبادة لا علم فيها، ولا خير في علم لا فهم فيه، ولا خير في قراءة لا تدبر فيها. [الحلية (تهذيبه) 1/ 83]. * وقال أيضًا - رضي الله عنه -: ثلاثة لا يعرفون إلا في ثلاث، لا يعرف الشجاع إلا في الحرب، ولا الحليم إلا عند الغضب، ولا الصديق إلا عند الحاجة. [الكامل في اللغة والأدب / 190]. * وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: لا يقلدن أحدكم دينه رجلًا، فإن آمن آمن، وإن كفر كفر؛ فإن كنتم لا بد مقتدين فاقتدوا بالميت فإن الحي لا يؤمن عليه الفتنة. [الحلية (تهذيبه) 1/ 123]. * وقال أيضًا - رضي الله عنه -: من تطاول تعظيمًا خفضه الله - عزَّ وجلَّ - ومن تواضع لله تخشعًا رفعه الله - عزَّ وجلَّ - وإن للملك لمَّة وللشيطان لمَّة، فلمة الملك إيعاد بالخير وتصديق بالحق، إذا رأيتم ذلك فاحمدوا الله - عزَّ وجلَّ - ولمة الشيطان إيعاد بالشر وتكذيب بالحق، فإذا رأيتم ذلك فتعوذوا بالله - عزَّ وجلَّ. [الزهد للإمام أحمد / 290]. * وعن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن أبيه. قال: أتاه رجل فقال: يا أبا عبد الرحمن علمني كلمات جوامع نوافع، فقال: اعبد الله ولا تشرك به شيئًا، وزل مع القرآن حيث زال، ومن جاءك بالحق فاقبل منه، وإن كان بعيدًا بغيضًا، ومن جاءك بالباطل، فاردد عليه وإن كان حبيبًا قريبًا. [الحلية (تهذيبه) 1/ 121].

* وقال - رضي الله عنه - لابنه: يا بني ليسعك بيتك، وأملك عليك لسانك، وابك من ذكر خطيئتك. [الزهد للإمام أحمد / 289]. * وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: لولا ثلاث صلح الناس: شح مطاع وهوى متبع وإعجاب كل ذي رأي برأيه. [الزهد للإمام أحمد / 258]. * وعن عبد الله بن سلمة قال: قال رجل لمعاذ بن جبل - رضي الله عنه -: علمني. قال: وهل أنت مطيعي؟ قال: إني على طاعتك لحريص. قال: صُمْ وأفطِر، وصلّ ونم، واكتسب ولا تأثم، ولا تموتن إلا وأنت مسلم، وإياك ودعوة المظلوم. [صفة الصفوة 1/ 231]. * وعن عِكرمة، عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: خذ الحكمة ممن سمعتَ؛ فإن الرجل ليتكلم بالحكمة، وليس بحكيم، فتكون كالرّمْية خرجت من غير رامٍ. [صفة الصفوة 1/ 373]. * وعن الشعبي قال: قال لي الأحنف بن قيس رحمه الله: يا شعبي: قلت: لبيك، قال: ثمانية إن أهينوا فلا يلوموا إلا أنفسهم، قلت: من هم؟ قال: الآتي إلى مائدة لم يُدْع إليها، والداخل بين اثنين في حديثهما ولم يُدْخلاه، والمتآمر على رب البيت في بيته، والمندلق بالدالة على السلطان، والجالس في المجلس الذي ليس له بأهل، والمقبل بحديثه إلى من لا يسمع منه، والطامع في فضل البخيل، والمنزل حاجته بعدوه. قال: يا شعبي، ألا أدلك على الداء الدوي؟ قلت: بلى، قال: الخلق الرديء واللسان البذيء. قال: قلت له: دلني على مروءة ليس فيها مرزية، فقال: بخٍ بخٍ يا شعبي، سألت عظيمًا، الخلق الشحيح والكف عن القبيح. [المنتظم 6/ 94، 95]. * وقال بعضهم: [موسوعة ابن أبي الدنيا 2/ 75]. فلا تعجل على أحد بظلم ... فإن الظلم مرتعه وخيم ولا تفحش وإن ملئت غيظًا ... على أحد فإن الفحش لؤم ولا تقطع أخًا لك عند ذنب ... فإن الذنب يغفره الكريم

ولكن دار عورته برقع ... كما قد ترقع الخَلِق القديم ولا تجزع لريب الدهر واصبر ... فإن الصبر في العقبى سليم فما جزع بمغن عنك شيئًا ... ولا ما فات يرجعه الهموم * وعن أبي السَّليل، قال: قال لي غنيم بن قيس - رضي الله عنه -: كنا نتواعظ في أول الإسلام بأربعة: اعمل في فراغك لشغلك واعمل في صحتك لسقمك واعمل في شبابك لكبرك واعمل في حياتك لموتك. [الزهد للإمام أحمد / 422]. * وعن الربيع بن أنس رحمه الله قال: مكتوب في الحكمة: من يصحب صاحب السوء لا تسلم، ومن يدخل مداخل السوء يُتهم، ومن لا يملك لسانه يندم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 335]. * وعن أبي حازم رحمه الله قال: انظر الذي تحب أن يكون معك في الآخرة فقدمه اليوم، وانظر الذي تكره أن يكون معك ثمَّ فاتركه اليوم. [الحلية (تهذيبه) 1/ 525]. * وعنه رحمه الله قال: كل عمل تكره الموت من أجله فاتركه، ثم لا يضرك متى مت. [الحلية (تهذيبه) 1/ 525]. * وعن الحسن البصري رحمه الله قال: إن الرجل ليدخل المدخل ويجلس المجلس أو يأكل الأكلة فيغير قلبه فإياكم والدخول على أهل البسطة فإن الدخول عليهم يغير قلب الرجل فيتسخط ما في يديه. [الزهد للإمام أحمد / 475]. * وقال أيضًا رحمه الله: حُسْنُ السؤالِ نصفُ العلمِ، ومُداراةُ الناسِ نصفُ العقلِ، والقصدُ في المعيشة نصفُ المؤونةِ. [عيون الأخبار 3/ 28]. * وقال عروة بن الزبير رحمه الله: إذا رأيتم خلة شر رائعة من رجل فاحذروه، وإن كان عند الناس رجل صدق، فإن لها عنده أخوات، وإذا رأيتم خلة خير رائعة من رجل فلا تقطعوا عنه إياسكم، وإن كان عند الناس رجل سوء، فإن لها عنده أخوات. [الحلية (تهذيبه) 1/ 350].

* وقال أيضًا رحمه الله: مكتوب في الحكمة: لا تخن الخائن، خيانته تكفيه. [الزهد للإمام أحمد / 209]. * وعن عون بن عبد الله رحمه الله قال: كان الفقهاء يتواصون بينهم بثلاث - ويكتب بذلك بعضهم إلى بعض -: من عمل لآخرته كفاه الله دنياه، ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته، ومن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس. [الحلية (تهذيبه) 2/ 97]. * وقال أيضًا رحمه الله: الخير من الله كثير، ولكنه لا يبصره من الناس إلا يسير، وهو للناس من الله معروض، ولكنه لا يبصره من لا ينظر إليه، ولا يجده من لا يبتغيه، ولا يستوجبه من لا يعلم به. ألم تروا إلى كثرة نجوم السماء فإنه لا يهتدي بها إلا العلماء. [الحلية (تهذيبه) 2/ 96]. * وقال مالك بن دينار رحمه الله: كان الأبرار يتواصون بثلاث؛ بسجن اللسان، وكثرة الاستغفار، والعزلة. [الحلية (تهذيبه) 1/ 427]. * وعن ابن أبي نجيح رحمه الله قال: قال سليمان بن داود - عليه السلام -: أوتينا ما أوتي الناس وما لم يؤتوا، وعلمنا ما علم الناس وما لم يعلموا، فلم نجد شيئًا أفضل من ثلاث كلمات الحلم في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى، وخشية الله في السر والعلانية. [الزهد للإمام أحمد / 108]. * وعن حفص بن عمرو - وهو ابن أخي سفيان الثوري رحمه الله - قال: كتب سفيان إلى عباد بن عباد: أما بعد، فإنك في زمان كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يتعوذون أن يدركوه، ولهم من العلم ما ليس لنا، ولهم من القدم ما ليس لنا، فكيف بنا حين أدركناه على قلة علم، وقلة صبر، وقلة أعوان على الخير، وفساد من الناس، وكدر من الدنيا. فعليك بالأمر الأول والتمسك به. وعليك بالخمول فإن هذا زمن خمول وعليك بالعزلة وقلة مخالطة الناس، فقد كان الناس إذا التقوا ينتفع بعضهم ببعض، فأما اليوم فقد ذهب ذاك، والنجاة في تركهم فيما نرى.

وإياك والأمراء أن تدنو منهم وتخالطهم في شيء من الأشياء، وإياك أن تخدع فيقال لك: تشفع وتدرأ عن مظلوم، أو ترد مظلمة، فإن ذلك خديعة إبليس، وإنما اتخذها فجار القراء سلمًا. وكان يقال: اتقوا فتنة العابد الجاهل، والعالم الفاجر، فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون. وما لقيت من المسألة والفتيا فاغتنم ذلك ولا تنافسهم فيه. وإياك أن تكون كمن يحب أن يُعْمَل بقوله أو يُنشر قوله، أو يسمع من قوله، فإذا ترك ذاك منه عرف فيه. وإياك وحب الرياسة فإن الرجل تكون الرياسة أحب إليه من الذهب والفضة، وهو باب غامض لا يبصره إلا البصير من العلماء السماسرة، فتفقد نفسك واعمل بنية، واعلم أنه قد دنا من الناس أمر يشتهي الرجل أن يموت. والسلام. [الحلية (تهذيبه) 2/ 366]. * وعن مبارك أبي حماد قال: سمعت سفيان الثوري رحمه الله يقرأ على علي بن الحسن السليمي: يا أخي لا تغبط أهل الشهوات بشهواتهم، ولا ما يتقلبون فيه من النعمة، فإن أمامهم يومًا تزل فيه الأقدام، وترعد فيه الأجسام، وتتغير فيه الألوان، ويطول فيه القيام، ويشتد فيه الحساب، وتتطاير فيه القلوب حتى تبلغ الحناجر، فيا لها من ندامة على ما أصابوا من هذه الشهوات ...... ولا تتهاون بالذنب الصغير، ولكن انظر من عصيت؟ عصيت ربًا عظيمًا يعاقب على الصغير، ويتجاوز عن الكبير، وإن أكيس الكيس من يدخل الجنة بذنب عمله فنصبه بين عينيه، ثم لم يزل حذرًا على نفسه من تلك الخطيئة، حتى فارق الدنيا ودخل الجنة، وإن أحمق الحمق من دخل النار بحسنة واحدة نصبها بين عينيه، ولم يزل يذكرها ويرجو ثوابها ويتهاون بالذنوب حتى فارق الدنيا ودخل النار. فكن يا أخي كيسًا حذرًا على ما زل منك ومضى، لا تدري ماذا يفعل

بك ربك فيه وما بقي من عمرك لا تدري ماذا يحدث لك فيه، فإن إبراهيم - عليه السلام - خليل الرحمن حذر على نفسه فسأل ربه فقال: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ} [إبراهيم: 35] وقال يوسف - عليه السلام -: {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف: 101] وقال موسى - عليه السلام -: {رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ} [القصص: 17] وقال شعيب - عليه السلام -: {وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللهُ رَبُّنَا} [الأعراف: 89] فهؤلاء أنبياؤه خافوا على أنفسهم، وإنما المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده. [الحلية (تهذيبه) 2/ 381]. * وعنه قال: سمعت سفيان الثوري رحمه الله يقول فيما أوصى به علي بن الحسن السلمي: عليك بالصدق في المواطن كلها، وإياك والكذب والخيانة ومجالسة أصحابها، فإنها وزر كله، وإياك يا أخي والرياء في القول والعمل فإنه شرك بعينه، وإياك والعجب فإن العمل الصالح لا يرفع فيه عجب. ولا تأخذن دينك إلا ممن هو مشفق على دينه، فإن مثل الذي هو غير مشفق على دينه، كمثل طبيب به داء لا يستطيع أن يعالج داء نفسه، وينصح لنفسه، كيف يعالج داء الناس وينصح لهم؟ فهذا الذي لا يشفق على دينه كيف يشفق على دينك؟ ويا أخي، إنما دينك لحمك ودمك، ابك على نفسك وارحمها، فإن أنت لم ترحمها لم ترحم، وليكن جليسك من يزهدك في الدنيا ويرغبك في الآخرة، وإياك ومجالسة أهل الدنيا الذين يخوضون في حديث الدنيا، فإنهم يفسدون عليك دينك وقلبك. وأكثر ذكر الموت، وأكثر الاستغفار مما قد سلف من ذنوبك، وسل الله السلامة لما بقي من عمرك. ثم عليك يا أخي بأدب حسن، وخلق حسن، ولا تخالفن الجماعة فإن الخير فيها، إلا من هو مكب على الدنيا، كالذي يعمر بيتًا ويخرب آخر. وانصح لكل مؤمن إذا سألك في أمر دينه، ولا تكتمن أحدًا من النصيحة

شيئًا إذا شاورك فيما كان لله فيه رضى، وإياك أن تخون مؤمنًا، فمن خان مؤمنًا فقد خان الله ورسوله، وإذا أحببت أخاك في الله فابذل له نفسك ومالك. وإياك والخصومات والجدال والمراء، فإنك تصير ظلومًا خوانا أثيما. وعليك بالصبر في المواطن كلها، فإن الصبر يجر إلى البر والبر يجر إلى الجنة، وإياك والحدة والغضب، فإنهما يجران إلى الفجور، والفجور يجر إلى النار. ولا تمارين عالمًا فيمقتك، وإن الاختلاف إلى العلماء رحمة، والانقطاع عنهم سخط الرحمن، وإن العلماء خزان الأنبياء وأصحاب مواريثهم. وعليك بالزهد يبصرك الله عورات الدنيا، وعليك بالورع يخفف الله حسابك، ودع كثيرا مما يريبك إلى ما لا يريبك تكن سليما، وادفع الشك باليقين يسلم لك دينك، وأمر بالمعروف وانه عن المنكر تكن حبيب الله. وابغض الفاسقين تطرد به الشياطين، وأقل الفرح والضحك بما تصيب من الدنيا تزدد قوة عند الله، واعمل لآخرتك يكفك الله أمر دنياك، وأحسن سريرتك يحسن الله علانيتك، وابك على خطيئتك تكن من أهل الرفيق الأعلى، ولا تكن غافلاً فإنه ليس يغفل عنك، وإن لله عليك حقوقًا وشروطًا كثيرة، وينبغي لك أن تؤديها، ولا تكونن غافلاً عنها، فإنه ليس يغفل عنك، وأنت محاسب بها يوم القيامة. وإذا أردت أمرًا من أمور الدنيا فعليك بالتؤدة، فإن رأيته موافقًا لأمر آخرتك فخذه، وإلا فقف عنه حتى تنظر إلى من أخذه كيف عمله فيها وكيف نجا منها؟ واسأل الله العافية، وإذا هممت بأمر من أمور الآخرة فشمر إليها وأسرع من قبل أن يحول بينها وبينك الشيطان. ولا تكونن أكولا لا تعمل بقدر ما تأكل فإنه يكره ذلك، ولا تأكل بغير نية ولا بغير شهوة، ولا تحشون بطنك فتقع جيفة لا تذكر الله، وأكثر من الهم والحزن، فإن أكثر ما يجد المؤمن في كتابه من الحسنات الهم والحزن. وإياك والطمع فيما في أيدي الناس، فإن الطمع هلاك الدين، وإياك

والرغبة فإن الرغبة تقسي القلب، وإياك والحرص على الدنيا، فإن الحرص مما يفضح الناس يوم القيامة، وكن طاهر القلب نقي الجسد من الذنوب والخطايا، نقي اليدين من المظالم، سليم القلب من الغش والمكر والخيانة، خالي البطن من الحرام، فإنه لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت. كف بصرك عن الناس، ولا تمشين بغير حاجة، ولا تكلمن بغير حكم، ولا تبطش بيدك إلى ما ليس لك، وكن خائفًا حزينا لما بقي من عمرك، لا تدري ما يحدث فيه من أمر دينك. وإياك أن تلي نفسك من الأمانة شيئًا، وكيف تليها وقد سماك الله ظلومًا جهولاً؟ أبوك آدم لم يبق فيها ولم يستكمل يوم حملها حتى وقع في الخطيئة، أقل العثرة، واقبل المعذرة واغفر الذنب، كن ممن يرجى خيره ويؤمن شره. لا تبغض أحدًا ممن يطيع الله، كن رحيمًا للعامة والخاصة، ولا تقطع رحمك، وصل من قطعك وصل رحمك وإن قطعك، وتجاوز عمن ظلمك تكن رفيق الأنبياء والشهداء. وأقلّ دخول السوق فإنهم ذئاب عليهم ثياب، وفيها مردة الشياطين من الجن والإنس، وإذا دخلتها فقد لزمك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنك لا ترى فيها إلا منكرًا، فقم على طرفها فقل: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيى ويميت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فقد بلغنا أنه يكتب لقائلها بكل من في السوق عجمي أو فصيح عشر حسنات، ولا تجلس فيها، واقض حاجتك وأنت قائم، يسلم لك دينك. وإياك أن يفارقك الدرهم فإنه أتم لعقلك، ولا تمنعن نفسك من الحلاوة فإنه يزيد في الحلم، وعليك باللحم ولا تدم عليه ولا تدعه أربعين يومًا فإنه يسيء خلقك ولا ترد الطيب فإنه يزيد في الدماغ، وعليك بالعدس فإنه يفرز الدموع ويرق القلب. وعليك باللباس الخشن تجد حلاوة الإيمان، وعليك بقلة الأكل تملك سهر الليل، وعليك بقلة الكلام يلين قلبك، وعليك بطول الصمت تملك الورع.

ولا تكونن حريصًا على الدنيا، ولا تكن حاسدًا تكن سريع الفهم، ولا تكن طعانًا تنج من ألسن الناس، وكن رحيمًا تكن محببًا إلى الناس، وارض بما قسم الله لك من الرزق تكن غنيًا، وتوكل على الله تكن قويًا، ولا تنازع أهل الدنيا في دنياهم يحبك الله ويحبك أهل الأرض، وكن متواضعًا تستكمل أعمال البر. اعمل بالعافية تأتك العافية من فوقك، كن عفوًا تظفر بحاجتك، كن رحيمًا يترحم عليك كل شيء. يا أخي لا تدع أيامك ولياليك وساعاتك تمر عليك باطلاً، وقدم من نفسك لنفسك ليوم العطش، يا أخي فإنك لا تروى يوم القيامة إلا بالرضى من الرحمن، ولا تدرك رضوانه إلا بطاعتك، وأكثر من النوافل تقربك إلى الله، وعليك بالسخاء تستر العورات، ويخفف الله عليك الحساب والأهوال، وعليك بكثرة المعروف يؤنسك الله في قبرك، واجتنب المحارم كلها، تجد حلاوة الإيمان. جالس أهل الورع وأهل التقى يصلح الله أمر دينك، وشاور في أمر دينك الذين يخشون الله، وسارع في الخيرات يحول الله بينك وبين معصيتك، وعليك بكثرة ذكر الله يزهدك الله في الدنيا، وعليك بذكر الموت، يهون الله عليك أمر الدنيا، واشتق إلى الجنة يوفق الله لك الطاعة، وأشفق من النار يهون الله عليك المصائب. أحب أهل الجنة تكن معهم يوم القيامة، وأبغض أهل المعاصي يحبك الله، والمؤمنون شهود الله في الأرض، ولا تسبن أحدًا من المؤمنين، ولا تحقرن شيئًا من المعروف ولا تنازع أهل الدنيا في دنياهم. وانظر يا أخي، أن يكون أول أمرك تقوى الله في السر والعلانية، واخش الله خشية من قد علم أنه ميت ومبعوث، ثم الحشر ثم الوقوف بين يدي الجبار - عزَّ وجلَّ - وتحاسب بعملك، ثم المصير إلى إحدى الدارين: إما جنة ناعمة خالدة، وإما نار فيها ألوان العذاب مع خلود لا موت فيه، وارج رجاء من علم أنه يعفو أو يعاقب، وبالله التوفيق لا رب غيره. [الحلية (تهذيبه) 2/ 409].

* وعن الهيثم حدثني بعض أصحاب جعفر بن محمد الصادق رحمه الله. قال: دخلت على جعفر وموسى بين يديه وهو يوصيه بهذه الوصية، فكان مما حفظت منها أن قال: يا بني، اقبل وصيتي واحفظ مقالتي فإنك إن حفظتها تعيش سعيدًا، وتموت حميدًا؛ يا بني، من رضي بما قسم له استغنى، ومن مدّ عينه إلى ما في يد غيره مات فقيرًا، ومن لم يرض بما قسمه الله له اتهم الله في قضائه. ومن استصغر زلة نفسه استعظم زلة غيره، ومن استصغر زلة غيره استعظم زلة نفسه؛ يا بني، من كشف حجاب غيره انكشفت عورات بيته، ومن سل سيف البغي قتل به، ومن احتفر لأخيه بئرًا سقط فيها. ومن داخل السفهاء حقر، ومن خالط العلماء وقر، ومن دخل مداخل السوء اتهم. يا بني، إياك أن تزري بالرجال فيزرى بك، وإياك والدخول فيما لا يعنيك فتذل لذلك. يا بني، قل الحق لك أو عليك تستشار (¬1) من بين أقرانك. يا بني، كن لكتاب الله تاليًا، وللإسلام فاشيًا، وبالمعروف آمرًا، وعن النكر ناهيًا، ولمن قطعك واصلاً، ولمن سكت عنك مبتدئا، ولمن سألك معطيًا. وإياك والنميمة فإنها تزرع الشحناء في قلوب الرجال، وإياك والتعرض لعيوب الناس، فمنزلة التعرض لعيوب الناس بمنزلة الهدف (¬2). ¬

(¬1) في الأصل: تستشان وهو تحريف كما في حاشية تهذيب الكمال 5/ 90 , والمثبت من تهذيب الكمال. (¬2) الهَدَفُ: كل شيء مرتفعٍ، من بناء أو كثيب رملٍ أو جبلٍ، ومنه سمِّي الغرض هَدَفًا. وبه شبِّه الرجلُ العظيم. وأَهْدَفَ على التلِّ: أشرفَ. وامرأةٌ مُهْدِفَةٌ، أي لَحيمَةٌ. وأَهْدَفَ إليه، أي لجأ. وأَهْدَفَ لك الشيءُ واسْتَهْدَفَ، أي انتصب. ويقال: رَكَبٌ مُسْتَهْدِفٌ، أي عريضٌ. والهِدْفَةُ: القِطعة من الناس والبيوت. الصحاح في اللغة , مادة: (هدف).

يا بني، إذا طلبت الجود فعليك بمعادنه، فإن للجود معادن، وللمعادن أصولاً، وللأصول فروعًا، وللفروع ثمرًا، ولا يطيب ثمر إلا بأصول، ولا أصل ثابت إلا بمعدن طيب. يا بني، إن زرت فزر الأخيار ولا تزر الفجار، فإنهم صخرة لا يتفجر ماؤها، وشجرة لا يخضر ورقها، وأرض لا يظهر عشبها. قال علي بن موسى: فما ترك هذه الوصية إلى أن توفي. [الحلية (تهذيبه) 1/ 513]. * وعن ابن السماك قال: أوصاني أخي داود الطائي رحمه الله بوصية: انظر أن لا يراك الله حيث نهاك، وأن لا يفقدك حيث أمرك، واستح في قربه منك وقدرته عليك. [الحلية (تهذيبه) 2/ 467]. * وعن أبي الجلد أن عيسى ابن مريم - عليه السلام - قال للحواريين: الحق أقول لكم ما الدنيا تريدون ولا الآخرة! قالوا: يا رسول الله فسر لنا هذا الأمر، فإنا قد كنا نرى أنا نريد إحداهما، قال: لو أردتم الدنيا لأطعتم رب الدنيا الذي مفاتيح خزائنها بيده فأعطاكم، ولو أردتم الآخرة لأطعتم رب الآخرة الذي يملكها فأعطاكموها ولكن لا هذه تريدون ولا تلك. [الزهد للإمام أحمد / 137]. * وقال شقيق البلخي رحمه الله: لو أن رجلاً أقام مائتي سنة لا يعرف هذه الأربعة أشياء لم ينج من النار إن شاء الله: أحدها معرفة الله، والثاني معرفة نفسه، والثالث معرفة أمر الله ونهيه، والرابع معرفة عدو الله وعدو نفسه. [الحلية (تهذيبه) 2/ 497]. * وقال أيضًا رحمه الله: استتمام صلاح عمل العبد بست خصال. تضرع دائم، وخوف من وعيده، والثاني: حسن ظنه بالمسلمين، والثالث: اشتغاله بعيبه لا يتفرغ لعيوب الناس، والرابع: يستر على أخيه عيبه، ولا يفشي في الناس عيبه رجاء رجوعه عن المعصية، واستصلاح ما أفسده من قبل، والخامس: ما اطلع عليه من خسة عملها استعظمها رجاء أن يرغب في الاستزادة منها، والسادسة: أن يكون صاحبه عنده مصيب. [الحلية (تهذيبه) 2/ 500]. * وعن أحمد بن عبد الله الزاهد قال: قال شقيق البلخي رحمه الله لأهل

مجلسه: أرأيتم إن أماتكم الله اليوم يطالبكم بصلاة غد؟ قالوا: لا، يوم لا نعيش فيه، كيف يطالبنا بصلاته؟ قال شقيق: فكما لا يطالبكم بصلاة غد، فأنتم لا تطلبوا منه رزق غد عسى أن لا تصيرون إلى غد. [الحلية (تهذيبه) 2/ 502]. * وقال حاتم الأصم رحمه الله: الشهوة في ثلاث: في الأكل والنظر واللسان، فاحفظ اللسان بالصدق والأكل بالثقة، والنظر بالعبرة. [الحلية (تهذيبه) 2/ 514]. * وقال أيضًا رحمه الله: تعهَّد نفسك في ثلاثة مواضع: إذا عملتَ فاذْكُر نظرَ الله إليك، وإذا تكلّمتَ فاذكر سَمْع الله إليك، وإذا سكتَّ فاذكُر عِلم الله فيك. [صفة الصفوة 4/ 392]. * وعن أبي تراب قال: قال شقيق لحاتم الأصم رحمهما الله: مذ أنت صحبتني أي شيء تعلمت؟ قال: ست كلمات. قال: أولهن؟ قال: رأيت كل الناس في شك من أمر الرزق وإني توكلت على الله تعالى: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا} [هود: 6]، فعلمت أني من هذه الدواب واحد، فلم أشغل نفسي بشيء قد تكفل لي به ربي. قال: أحسنت فما الثانية؟ قال: رأيت لكل إنسان صديقًا يفشي إليه سره ويشكو إليه أمره، فقلت: انظر من صديقي، فكل صديق وأخ رأيته قبل الموت، فأردت أن أتخذ صديقًا، يكون لي بعد الموت، فصادقت الخير ليكون معي إلى الصراط، ويثبتني بين يدي الله - عزَّ وجلَّ. قال: أصبت، فما الثالثة؟ قال: رأيت كل الناس لهم عدو، فقلت انظر من عدوي، فأما من أخذ مني شيئًا فليس هو عدوي، ولكن عدوي الذي إذا كنت في طاعة الله أمرني بمعصية الله، فرأيت ذلك إبليس وجنوده، فاتخذتهم عدوا، فوضعت الحرب بيني وبينهم، ووترت قوسي، ووصلت سهمي فلا أدعه يقربني. قال: أحسنت، فما الرابعة؟ قال: رأيت الناس لهم طالب، لكل واحد منهم واحدًا، فرأيت ذلك ملك الموت ففرغت له نفسي حتى إذا جاء لا ينبغي أن أمسكه فأمضى معه.

قال: أحسنت، فما الخامسة؟ قال: نظرت في هذا الخلق، فأحببت واحدًا، وأبغضت واحدا، فالذي أحببته لم يعطني، والذي أبغضته لم يأخذ مني شيئًا، فقلت: من أين أتيت هذا؟ فرأيت أني أتيت هذا من قبل الحسد، فطرحت الحسد من قلبي فأحببت الناس كلهم، فكل شيء لم أرضه لنفسي لم أرضه لهم. قال: أحسنت، فما السادسة؟ قال: رأيت الناس كلهم لهم بيت ومأوى، ورأيت مأواي القبر، فكل شيء قدرت عليه من الخير قدمته لنفسي، حتى أعمر قبري، فإن القبر إذا لم يكن عامرًا لم يستطع القيام فيه. فقال شقيق: عليك بهذه الخصال الستة فإنك لا تحتاج إلى علم غيره. [الحلية (تهذيبه) 2/ 510]. * وعن خالد الرَّبعي رحمه الله قال: كان لقمان - عليه السلام - عبدًا حبشيًا نجارًا فقال له سيده: اذبح لي شاة، فذبح له شاة فقال له: ائتني بأطيب مضغتين فيها فأتاه باللسان والقلب، فقال: أما كان فيها شيء أطيب من هذين؟ قال: لا، قال: فسكت عنه، ثم قال له: اذبح لي شاة، فذبح له شاة، فقال له: ألق أخبثهما مضغتين، فرمى باللسان والقلب، فقال: أمرتك أن تأتيني بأطيبهما مضغتين فأتيتني باللسان والقلب، وأمرتك أن تلقي أخبثهما مضغتين فألقيت اللسان والقلب، فقال: إنه ليس شيء بأطيب منهما إذا طابا، ولا أخبث منهما إذا خبثا. [الزهد للإمام أحمد / 126]. * وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: من وقي خمسًا فقد وقي شر الدنيا والآخرة: العجب، والرياء، والكبر، والإزراء والشهوة. [الحلية (تهذيبه) 14/ 3]. * وقال أيضًا رحمه الله: كفى بالله مُحَبًّا، وبالقرآن مؤنِسًا، وبالموت واعظًا، وبخشية الله علمًا، وبالاغترار جهلاً. [السير (تهذيبه) 2/ 779]. * وعن محمد بن يزيد بن خنيس قال: قال رجل: مررت ذات يوم بفضيل بن عياض رحمه الله فقلت له: أوصني بوصية ينفعني الله بها قال: يا عبد الله أخف مكانك، واحفظ لسانك، واستغفر لذنبك، وللمؤمنين والمؤمنات كما أمرك. [الحلية (تهذيبه) 3/ 16].

* وعن يوسف بن أسباط رحمه الله قال: كان يقال: اعمل عمل رجل لا ينجيه إلا عمله، وتوكل توكل رجل لا يصيبه إلا ما كتب له. [الحلية (تهذيبه) 3/ 57]. * وقال حذيفة المرعشي رحمه الله: إنك ربما أصبت الحكمة فوق مزبلة، فإذا أصبتها فخذها. [الحلية (تهذيبه) 3/ 64]. * وعن شميط بن عجلان رحمه الله قال: والله ما رأيت أبدانكم إلا مطاياكم إلى ربكم - عزَّ وجلَّ - قال: فانضوها في طاعة الله - عزَّ وجلَّ - بارك الله فيكم. [الزهد للإمام أحمد / 434]. * وكان يقال: انتزاعُ العادةِ ذنبٌ محسوبٌ. [عيون الأخبار 3/ 158]. * وعن أبي جعفر رحمه الله. قال: أشد الأعمال ثلاثة؛ ذكر الله على كل حال، وإنصافك من نفسك، ومواساة الأخ في المال. [الحلية (تهذيبه) 1/ 507]. * وعن زيد بن أسلم رحمه الله قال: يقال: إن لله عبادًا مفاتيح للخير مغاليق للشر، ولله تعالى عباد مغاليق للخير مفاتيح للشر. [الحلية (تهذيبه) 1/ 518]. * وقال مسلم بن قتيبة رحمه الله: الشباب الصحة، والسلطان الغنى، والمروءة الصبرُ على الرجال. [الكامل في اللغة والأدب]. * وقال إبراهيم الخواص رحمه الله: من لم تَبْكِ الدنيا عليه لم تَضْحك الآخرة إليه. [صفة الصفوة 4/ 348]. * وقال عبد الله بن المبارك: قيل لحمدون بن أحمد رحمه الله: ما بال كلام السلف أنفع من كلامنا قال: لأنهم تكلّموا لعِزّ الإسلام ونجاةِ النفوس ورضا الرحمن، ونحن نتكلم لعز النفوس وطلَب الدنيا ورضا الخَلْق. [صفة الصفوة 4/ 363]. * وعن عبد الله بن المبارك رحمه الله قال: إذا غَلَبَت محاسِنُ الرجل على مساوئه لم تُذكر المساوئُ، وإذا غلبت المساوئ على المحاسن لم تُذكر المحاسن. [السير (تهذيبه) 2/ 768]. * وقال سعيد بن يعقوب الطالقاني: قال رجل لابن المبارك رحمه الله: هل بقيَ مَن ينصح؟ قال: فقال: وهل تَعرف من يَقبل؟. [صفة الصفوة 4/ 379].

* وقال ميمونُ بن مِهْران رحمه الله: ثلاثة تُؤدّى إلى البَرِّ والفاجر: الأَمانَةُ، والعَهْدُ، وصِلَةُ الرَّحِم. [السير (تهذيبه) 2/ 581]. * وقال خالد بن صفوان رحمه الله: ثلاثة يُعرفُونَ عند ثلاثةٍ: الحَلِيمُ عند الغَضَب، والُشجَاعُ عِندَ اللِّقاء، والصديق عند النَّائبة. [السير (تهذيبه) 6/ 643]. * وقال الأصمعي رحمه الله: قال لي أبو عمرو بن العلاء رحمه الله: كن على حذرٍ من الكريم إذا أهنته، ومن اللئيم إذا أكرمتَه، ومن العاقل إذا أحرجته، ومن الأحمق إذا مازحته، ومن الفاجر إذا عاشرته. وليس من الأدب أن تُجيب من لا يسألُك، أو تسأل من لا يُجيبك أو تُحدِّث من لا ينصت لك. [السير (تهذيبه) 2/ 666]. * وقال عبدُ الله بنُ داود رحمه الله: مَنْ أمكنَ الناس من كل ما يريدون، أضَرُّوا بدينِهِ ودنياه. [السير (تهذيبه) 2/ 827]. * وقال الشافعيُّ رحمه الله: من تعلم القرآن عظُمت قيمتُه، ومن تكلَّم في الفقه نما قدرُه، ومن كتب الحديثَ قويت حُجَّتُه، ومن نظر في اللغة رقَّ طبعُه، ومن نظر في الحساب جزل رأيُه، ومن لم يَصُنْ نفسه لم ينفعه علمُه. [السير (تهذيبه) 2/ 846]. * وقال أيضًا رحمه الله: أشد الأعمال ثلاثة: الجود من قلة، والورع في خلوة، وكلمة الحق عند من يرجى ويخاف. [المنتظم 10/ 137]. * وقال الحكيم الترمذي رحمه الله: من جَهل أوصاف العبودية، فهو بنعوت أوصاف الرَّبَّانية أجْهل. [السير (تهذيبه) 3/ 1100]. * وقال أيضًا رحمه الله: صلاح خمسةٍ في خمسة: صلاحُ الصَّبي في المَكْتب، وصلاحُ الفتى في العِلْم، وصلاحُ الكَهْلِ في المسْجد، وصلاحُ المرأةِ في البَيْت، وصلاحُ المؤْذي في السِّجْن. [السير (تهذيبه) 3/ 1100]. * ومن كلام بُنان رحمه الله: متى يُفلح من يسرُّه ما يضرُّه؟!. [السير (تهذيبه) 3/ 1169]. * وعن محمد بن حامد الترمذي أنه قال: قال رجل لأحمد بن خضرويه رحمه الله: أوصني فقال: أمت نفسك حتى تحييها. [المنتظم 11/ 275].

* وعن هشام بن حسان قال: كنت أمشي خلف العلاء بن زياد العدوي رحمه الله، فكنت أتوقى الطين، قال: فدفعه إنسان فوقعت رجله في الطين فخاضه، فلما وصل إلى الباب وقف فقال: رأيت يا هشام؟ قلت نعم! قال: كذلك المرء المسلم يتوقى الذنوب فإذا وقع فيها خاضها. [الحلية (تهذيبه) 1/ 379]. * وقال بعضهم في النبي - صلى الله عليه وسلم -: [عيون الأخبار 1/ 257]. لو لم تكن فيه آياتٌ مُبَيّنة ... كانت بَدَاهته تُنبِيْك بالخبر * وعن حبيب بن حجر القَيْسيّ رحمه الله قال: كان يقال: ما أحسنَ الإيمانَ يَزينُه العِلْمُ وما أحسن العَملَ يَزينُه الرفقُ وما أُضيفَ شيءٌ إلى شيءٍ أَزْينَ مِن حلم إلى عِلمٍ ومِنْ عفوٍ إلى مَقْدِرَةٍ. [عيون الأخبار 2/ 524]. * وقال بعضهم: إذا خرج الكلامُ من القلب وَقَعَ في القلب، وإذا خرج من اللسان لم يُجاوِز الآذان. [عيون الأخبار 2/ 524]. * وقال أبو عبد الرحمن العمري رحمه الله: كما تحب أن يكون الله غدًا فكن أنت اليوم. (¬1) [الحلية (تهذيبه) 3/ 72]. * وعن مطرف رحمه الله قال: من أحب أن يعلم ما له عند الله فلينظر ما لله عنده. [الزهد للإمام أحمد / 417]. * وعن أبي بكر بن عياش رحمه الله قال: قال لي رجل مرة وأنا شاب: خلص رقبتك ما استطعت في الدنيا من رق الآخرة، فإن أسير الآخرة غير مفكوك أبدًا. قال أبو بكر: فما نسيتها أبدًا. [الحلية (تهذيبه) 3/ 81]. * وقال صالح المري رحمه الله: ما بينك وبين أن ترى الله عليك فيما تحب، إلا أن تعمل فيما بينك وبين خلقه فيما يحب، فحينئذ لا تفقد بره ولا تعدم في كل أمر خيره. [الحلية (تهذيبه) 2/ 309]. ¬

(¬1) المعنى: كما تحب أن يكون لك الله كما تحب يوم القيامة من إسعادك ورفعة درجاتك وإسكانك الجنة وإنجائك من النار: فكن أنت في هذه الحياة الدنيا كما يحب؛ بأن تعمل بطاعته وتنتهي عن معصيته.

* وقال وهب بن مُنبِّه رحمه الله: احفظوا عنِّي ثلاثًا: إيَّاكم وهوىً مُتَّبعًا، وقرينَ سُوْء، وإعجابَ المرء بنفسه. [السير (تهذيبه) 2/ 554]. * وقال أيضًا رحمه الله: المؤمن ينظرُ ليعلَم، ويتكلَّم ليفهمَ ويسكتُ ليسلمَ، ويخلوا ليغنم. [السير (تهذيبه) 2/ 554]. * وعن سفيان قال: كتب وهب بن منبه رحمه الله إلى مكحول: إنك امرؤ قد أصبت بما ظهر من علم الإسلام شرفا، فاطلب بما بطن من علم الإسلام محبة وزلفى. [الحلية (تهذيبه) 2/ 180]. * وقال مالك بن أنس رحمه الله: قال رجل: ما كنت لاعبًا فلا تلعبن بدينك. [الحلية (تهذيبه) 2/ 353]. * وقال محمد بن المبارك رحمه الله: تخاف أن يفوتك عند البقال من قطعتك، تبادر إليه وتبكر عليه، ولا تخاف أن يفوتك من الله ما تؤمل بكثرة القعود عنه والتشاغل عن المبادرة إليه. [الحلية (تهذيبه) 3/ 213]. * وقال ذو النون رحمه الله: ما طابت الدنيا إلا بذكره. ولا طابت الآخرة إلا بعفوه، ولا طابت الجنان إلا برؤيته. [الحلية (تهذيبه) 3/ 233]. * وعن أبي عثمان قال: سمعت ذا النون رحمه الله يقول: إن الله تعالى لم يمنع الجنة أعداءه بخلًا، ولكن صان أولياءه الذين أطاعوه، أن يجمع بينهم وبين أعدائه الذين عصوه. [الحلية (تهذيبه) 3/ 233]. * وقال يحيى بن معاذ رحمه الله: اترك الدنيا قبل أن تترك. واسترض ربك قبل ملاقاته، واعمر بيتك الذي تسكنه قبل انتقالك إليه - يعني القبر. [الحلية (تهذيبه) 3/ 259]. * وقال أيضًا رحمه الله: إنما ينبسطون إليه على قدر منازلهم لديه. [الحلية (تهذيبه) 3/ 259]. * قال أيضًا رحمه الله: من كان قلبه مع الحسنات لم تضره السيئات، ومن كان مع السيئات لم تنفعه الحسنات. [الحلية (تهذيبه) 3/ 259]. * وقال أيضًا رحمه الله: ليس بعارفٍ من لم يكن غاية أمله من ربه العفْو. [صفة الصفوة 4/ 341].

* وقال عبد الله بن سهل: نظر يحيى بن معاذ رحمه الله يومًا إلى إنسان، وهو يقبل ولدًا له صغيرًا فقال: أتحبه؟ قال: نعم. قال: هذا حبك له إذ ولدته فكيف بحب الله له إذ خلقه؟. [الحلية (تهذيبه) 3/ 258]. * وعن أبي محمد المرتعش قال: سمعت أبا الحسن النوري رحمه الله يقول ويوصي بعض أصحابه: عشرة - وأي عشرة - احتفظ بهن واعمل عليهن جهدك: فأولى ذلك: من رأيته يدعي مع الله - عزَّ وجلَّ - حالة تخرجه عن حد علم الشرع فلا تقربنَّ منه. والثانية: من رأيته يركن إلى غير أبناء جنسه ويخالطهم فلا تقربنَّ منه. والثالثة: من رأيته يسكن إلى الرئاسة والتعظيم له فلا تقربن منه، ولا ترتفق به، وإن أرفقك، ولا ترج له فلاحًا. والرابعة: فقير رجع إلى الدنيا، إن مت جوعًا فلا تقربنَّ منه ولا ترتفق به إن أرفقك، فإن رفقه يقسي قلبك أربعين صباحًا. والخامسة: من رأيته مستغنيًا بعلمه فلا تأمن جهله. والسادسة: من رأيته مدعيًا حالة باطنه لا يدل عليها، ولا يشهد عليها حفظ ظاهره، فاتهمه على دينه. والسابعة: من رأيته يرضى عن نفسه، ويسكن إلى وقته، فاعلم أنه مخدوع، فاحذره أشد الحذر. والثامنة: مريد يسمع القصائد ويميل إلى الرفاهة لا ترجونَّ خيره. (¬1) ¬

(¬1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ولِهذا نجد مَنْ أكثر من سماع القصائد لطلب صلاح قلبه تنقص رغبته في سماع القرآن , حتَّى رُبَّما كرهه. ومن أكثر من السفر إلى زيارة المشاهد ونحوها لا يبقى لحج البيت المحرم في قلبه من المحبة والتعظيم ما يكون في قلب من وسعته السنة. ومن أدمَنَ على أخذ الحكمة والآداب من كلام حكماء فارس والروم لا يبقى لحكمة الإسلام وآدابه في قلبه ذاك الموقع. ومَنْ أدْمَنْ على قصص الملوك وسيرهم لا يبقى لقصص الأنبياء وسيرهم في قلبه ذاك الاهتمام. ونظائر هذا كثيرة. اقتضاء الصراط المستقيم / 307، 308 وقال أيضًا: فإن القلب إذا تعود سماع القصائد والأبيات والتذ بها حصل له نفور عن سماع القرآن والآيات؛ فيستغني بسماع الشيطان عن سماع الرحمن. مجموع الفتاوى 11/ 246

والتاسعة: فقير لا تراه عند السماع حاضرًا فاتهمه، واعلم أنه منع بركة ذلك لتشويش سره، وتبديد همه. والعاشرة: من رأيته مطمئنًا إلى أصدقائه وإخوانه وأصحابه، مدعيًا لكمال الخلق بذلك، فاشهد بسخافة عقله ووهن ديانته. [الحلية (تهذيبه) 3/ 369]. * وعن عبد الله بن أحمد بن حنبل رحمه الله. قال: كنت جالسًا عند أبي رحمه الله يومًا، فنظر إلي رجلي وهما لينتان ليس فيهما شقاق، فقال لي: ما هذان الرجلان، لم لا تمشي حافيًا حتى تصير رجلين خشنتين. [الحلية (تهذيبه) 3/ 145].

ما قيل في العارف والمعرفة

ما قيل في العارف والمعرفة * قال رجلٌ لأبي سليمان الداراني رحمه الله: طوبى للزاهدين. فقال أبو سليمان: طوبى للعارفين. [الحلية (تهذيبه) 3/ 188]. * وقال أحمد بن أبي الحواري: قلت لأبي سليمان الداراني رحمه الله: سهرت ليلة في ذكر النساء إلى الصباح. قال: فتغير وجهه وغضب علي فقال: ويحك؛ أما استحييت منه يراك ساهرًا في ذكر النساء؟ ولكن كيف تستحي ممن لا تعرف؟ [الحلية (تهذيبه) 3/ 189]. * وقال بشر بن الحارث رحمه الله: من حرم المعرفة لم يجد للطاعة حلاوة، ومن لا يعرف ثواب الأعمال ثقلت عليه في جميع الأحوال، ومن زهد في الدنيا على حقيقة، كانت مؤنته خفيفة، ومن وهب له الرضا فقد بلغ أفضل الدرجات. [الحلية (تهذيبه) 3/ 99]. * وقال مظفر القرميسيني رحمه الله: العارف من جعل قلبه لمولاه وجسده لخلقه وأفضل ما يلقى به العبد ربه نصيحة من قلبه، وتوبة من ذنوبه. [الحلية (تهذيبه) 3/ 454]. * وقال أبو عثمان رحمه الله: حق لمن أعزه الله بالمعرفة، أن لا يذل نفسه بالمعصية. [الحلية (تهذيبه) 3/ 364].

حفظ الوقت

حفظ الوقت (¬1) * عن الأوزاعي رحمه الله أنه قال: ليس ساعة من ساعات الدنيا إلا وهي معروضة على العبد يوم القيامة يومًا فيومًا وساعة فساعة فلا تمر به ساعة لم يذكر الله فيها إلا تقطعت نفسه عليها حسرات، فكيف إذا مرت به ساعة مع ساعة ويوم مع يوم. [المنتظم 8/ 196]. * وعن عاصم الأحول قال: قال لي فضيل الرقاشي رحمه الله: يا هذا لا يشغلك كثرة الناس عن نفسك فإن الأمر يخلص إليك دونهم، وإياك أن تُذهب نهارك تقطعه ههنا وههنا فإنه محفوظ عليك، وما رأيت شيئًا قط أحسن طلبًا ولا أسرع إدراكًا من حسنة حديثة لذنب قديم. [الحلية (تهذيبه) 1/ 466]. * وعن إسماعيل بن زبان قال: قالت داية لداود الطائي رحمه الله: يا أبا سليمان أما تشتهي الخبز؟ قال: يا داية، بين مضغ الخبز وشرب الفتيت قراءة خمسين آية. [المنتظم 8/ 279]. * وعن الوليد بن عتبة قال: سمعت رجلًا قال لداود الطائي رحمه الله: يا ¬

(¬1) قال ابن القيم رحمه الله: وعمارة الوقت: الاشتغال في جميع آنائه بما يُقربه إلى الله أو يُعين على ذلك من مأكل أو مشرب أو منكح أو منام أو راحة، فإنه متى أخذها بنية القوة على ما يحبه الله وتجنب ما يُسخطه كانت من عمارة الوقت، وإن كان فيها أتم لذة، فلا تحسب عمارة الوقت بهجر اللذات والطيبات. فالمحب الصادق: ربما كان سيره القلبي في حال أكله وشربه وجماع أهله وراحته: أقوى من سيره البدني في بعض الأحيان. وقد حكي عن بعضهم: أنه كان يَرِدُ عليه وهو على بطن امرأته حال لا يعهدها في غيرها. ولا تعجل بالإنكار، وانظر إلى قلبك عند هجوم أعظم محبوب له عليك في هذه الحال كيف تراه؟ فكهذا حال غيرك. ا. هـ بتصرف. مدارج السالكين 2/ 189

أبا سليمان ألا تسرح لحيتك؟ قال: إني عنها مشغول. [الحلية (تهذيبه) 2/ 457]. * وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله: كلّ ما شغلَكَ عن الله - عزَّ وجلَّ - من أهْلٍ ومالٍ أو ولدٍ فهو عليك مَشُوم. صفة الصفوة 4/ 442 * وعن الحكم بن محمد قال: كتب محمد بن يوسف رحمه الله إلى أبي الحسن الأشهب: اغتنم ساعتك لا تغفل عنها، فإنك إن اغتنمتها شغلت عن غيرها. [الحلية (تهذيبه) 3/ 55]. * وعن محمد بن مودود الموصلي: قيل للمعافى بن عمران رحمه الله: ما ترى في الرجل يقرض الشعر ويقوله؟ قال: هو عمرك فأفنه فيما شئت. [الحلية (تهذيبه) 3/ 74]. * وقال يحيى بن معاذ رحمه الله: أعظم المصيبة على الحكيم في اليوم أن يمضي عنه، لا يأتيه فيه هدية من ربه - يعني حكمة جديدة. [الحلية (تهذيبه) 3/ 259]. * وقال عريف اليماني رحمه الله: إن من إعراض الله عن العبد أن يشغله بما لا ينفعه. [الحلية (تهذيبه) 3/ 295]. * وقال مظفر القرميسيني رحمه الله: ليس لك من عمرك إلا نفس واحدة فإن لم تفنها فيما لك فلا تفنها فيما عليك. [الحلية (تهذيبه) 3/ 454].

ذم الحسد

ذم الحسد * قال معاوية - رضي الله عنه -: كلّ الناس أستطِيعُ أن أُرضِيَه إلا حاسِدَ نعمةٍ فإنه لا يُرضِيه إلا زَوالُها. [عيون الأخبار 2/ 407]. * وقال ابن سيرين رحمه الله: ما حسدت رجلًا قط، إن كان من أولياء الله فكيف أحسده على شيء من حطام الدنيا. [الحلية (تهذيبه) 1/ 440]. * وقال روْحُ بن زِنْبَاع الجُذَاميُّ رحمه الله: كنتُ أرَى قومًا دُونِي في المنزلة عند السلطان يدخلونَ مداخلَ لا أدخلها فلما أذهبتُ عنّي الحسدَ دخلتُ حيثُ دخلوا. [عيون الأخبار 2/ 405]. * وقال عبد الملك رحمه الله للحجاج: إنه ليس من أحد إلا وهو يعرِفُ عيبَ نفسه فَعِبْ نفسَك قال: أَعْفنِي يا أمير المؤمنين. قال: لتَفعلنّ. قال: أنا لجوجٌ حقودٌ حسود. قال عبد الملك: ما في الشيطان شرٌّ مما ذكرت. [عيون الأخبار 2/ 405]. * وقيل للحسن البصري رحمه الله: أيَحْسُدُ المؤمنُ أخاه؟ قال: لا أبَا لَكَ، أَنِسيتَ إخوةَ يوسُفَ. [عيون الأخبار 2/ 406]. * وكان يقال: إذا أردت أن تْلَم مَن الحاسد فَعَمِّ عليه أُمُورَكَ. [عيون الأخبار 2/ 406]. * ويقال: إذا أراد الله أن يُسَلِّطَ على عبده عدوًّا لا يرحَمُه سلَّطَ عليه حاسدا. [عيون الأخبار 2/ 406]. * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 2/ 406]. حسَدُوا الفتَى إذ لم يَنَالُوا سعيَهُ ... فالقوم أعداءٌ له وخصوم كضرائرِ الحسْنَاءِ قُلنَ لوَجهها ... حَسَدًا وظُلمًا إنه لذمِيمُ

* وقال بعضهم: [عيون الأخبار 2/ 407]. كُلُّ العَدَاوةِ قد تُرْجَى إماتَتُهَا ... إلا عداوةَ مَنْ عاداكَ منْ حَسَدِ * وقال بعضهم: الحسدُ أوّلُ ذنبٍ عُصِيَ الله به في السماءِ، يعني حسدَ إبليسَ آدمَ، وأوّل ذنب عُصِي الله به في الأرض، يعني حسد ابن آدم أخاه حتى قتلَه. [عيون الأخبار 2/ 408]. * وقال الأصمعيّ رحمه الله: رأيت أعرابيًا قد أتتْ له مائةٌ وعشرون سنةً، فقلت له: ما أطوَل عمرَك! فقال: تركت الحسدَ فَبقِيتُ. [عيون الأخبار 2/ 408]. * وقال بعضهم: [البداية والنهاية 11/ 364]. إذا شئتَ أن تلقَى عدوَّك راغمًا ... وتقتله همّا وتحرقه غمّا فسام العلا وازدد من الفضْل إنّه ... من ازداد فضلًا زاد حاسده * وقال بعضهم: [البداية والنهاية 12/ 36]. ألا قلْ لمن كان لي حاسدًا ... أتدْري على من أسأتَ الأدبْ أسأتَ على الله في فعلهِ ... لأنّك لم ترض لي ما وهبْ فجازاك عني بأن زادني ... وسدَّ عليك وجوه الطلبْ * وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: الغبطة من الإيمان، والحسد من النفاق، والمؤمن يغبط ولا يحسد، والمنافق يحسد ولا يغبط. [الحلية (تهذيبه) 3/ 14].

العدل وذم الظلم

العدل وذم الظلم (¬1) * عن الشعبي قال: اشترى عمر - رضي الله عنه - فرسًا من رجل على أن ينظر إليه، فأخذ الفرس فسار به فعطب. فقال لصاحب الفرس: خذ فرسك؟ فقال: لا! قال: فاجعل بيني وبينك حكمًا. قال الرجل: شريح. قال: ومن شريح؟ قال: شريح العراقي. قال: فانطلقا إليه فقصا عليه القصة، فقال: يا أمير المؤمنين رد كما أخذته، أو خذ بما ابتعته. فقال عمر: وهل القضا إلا هذا، سر إلى الكوفة. فإنه لأول يوم عرفه يومئذ. [الحلية (تهذيبه) 2/ 69]. * ودخل عثمان بن عفان - رضي الله عنه - على غلام له يعلف ناقة، فرأى في علفها (شيئا كرهه)، فأخذ بأذن غلامه فعركها، ثم ندم فقال له: خذ بأذني فاعركها، فأبى الغلام، فلم يدعه (حتى أخذ) بأذنه، فجعل عثمان يقول له: شد، شد، حتى ظن أنه قد بلغ منه مثل ما بلغ منه، قال عثمان: واها (¬2) لقصاص الدنيا قبل قصاص الآخرة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 250]. * وقال أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه: إن أبغض الناس إلي أن أظلمه من لا يستعين علي إلا بالله - عزَّ وجلَّ. [الحلية (تهذيبه) 1/ 177]. ¬

(¬1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ولهذا قيل: إنَّ الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة , ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة. ويقال: الدنيا تدوم مع العدل والكفر , ولا تدوم مع الظلم والإسلام. وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - (ليس ذنب أسرع عقوبة من البغي وقطيعة الرحم). فالباغي يُصرع في الدنيا , وإن كان مغفورًا له مرحومًا في الآخرة ..... وذلك أنَّ العدل نظام كل شيء , فإذا أُقيم أمر الدنيا بالعدل قامت , وإن لم يكن لصاحبها في الآخرة من خلاق , ومتى لم تقم بالعدل لم تقم , وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يُجزى به في الآخرة. الاستقامة / 474، 475 (¬2) كلمة تعجب تقال للشيء الطيب الحسن.

* وعن الزهري، أن أبا الدرداء - رضي الله عنه -، انتهى إلى جارية له ترعى غنما، فأعطى جاريته فرسه، ثم قال: لا يغلبك، ثم طاف في غنمه، فانفلت الفرس، فجالت (¬1) الغنم حتى تكسر عامتها، فجاء أبو الدرداء إليها يشتد رافعا السوط، حتى إذا دنا منها كف وقال: لولا القود (¬2) لأوجعتك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 249]. * وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: يُؤخذ بيد العبد والأمة يوم القيامة، فينادي مناد على رءوس الأولين والآخرين: هذا فلان بن فلان، من كان له الحق فليأت إلى حقه، فتفرح المرأة أن يكون لها الحق على أبيها، أو أمها، أو أخيها، أو زوجها، ثم قرأ: {فلاَ أَنْسَاب بَيْنهمْ يَوْمئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون: 101]، فيغفر الله من حقه ما شاء، ولا يغفر من حقوق العباد شيئا، فينصب للناس فيقول: ائتوا إلى حقوقكم، فيقول: يا رب، فنيت الدنيا فمن أين أوتيهم حقوقهم؟، فيقول: خذوا من أعماله الصالحة فأعطوا إلى كل ذي حق بقدر طلبته، فإن كان وليا لله ففضل له مثقال ذرة ضاعفها الله له حتى يدخله بها الجنة، ثم قرأ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا} [النساء: 40] وإن كان عبدا شقيا قال: يا رب، فنيت حسناته، وبقي طالبون كثير، قال: خذوا من سيئاته فأضيفوها إلى سيئاته، ثم صكوا له صكا إلى النار. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 247]. * وقال أيضا - رضي الله عنه -: يجتمع الناس في صعيد واحد، بأرض بيضاء، كأنها سبيكة فضة، لم يُعص الله فيها، يكون أول كلام يتكلم به أن ينادي مناد: {لّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلّهِ الْوَاحِدِ الْقَهّارِ * الْيَوْمَ تُجْزَىَ كُلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لاَ ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [غافر 16، 17]، ثم يكون أول ما يُبدأ به من الخصومات في الدنيا، فيؤتى بالقاتل والمقتول، فيقال: لم قتلت هذا؟، فإن قال: قتلته لتكون العزة لله قال: فإنها له، وإن قال: قتلته لتكون العزة لفلان، قال: فإنها ليست له، ويبوء بإثمه فيقتله، ومن كان قتل بالغين ما ¬

(¬1) أي هاجت واضطربت. (¬2) القَوَد: القصاص ومجازاة الجاني بمثل صنيعه.

بلغوا، ويذوق الموت عدد ما ماتوا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 258]. * وكان معاوية - رضي الله عنه - يقول: إني لأستحيي أن أَظلِم من لا يجد عليّ ناصرًا إلا الله. [عيون الأخبار 1/ 115]. * وقال ابن عباس - رضي الله عنه -: لو أن جبلًا بغى على جبل لدُك الباغي. [الحلية (تهذيبه) 1/ 228]. * وعن عبد الله بن معاوية أن عبد المطلب جمع بنيه عند وفاته، وهم يومئذ عشرة، وأمرهم ونهاهم، وقال: إياكم والبغي، فوالله ما خلق الله - عزَّ وجلَّ - شيئا أعجل عقوبة من البغي، ولا رأيت أحدا بقي على البغي إلا إخوتكم من بني عبد شمس. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 235]. * وقال صيفي بن رباح التميمي رحمه الله لبنيه: يا بني اعلموا أن أسرع الجرم عقوبة البغي. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 240]. * وعن عبد الله بن عياش مولى بني جشم، عن أبيه، عن شيخ قد سماه - وكان قد أدرك سبب تسيير عامر بن عبد الله رحمه الله - قال: مر برجل من أعوان السلطان وهو يجر ذميًا، والذمي يستغيث به، قال: فأقبل على الذمي فقال: أديت جزيتك؟ قال: نعم! فأقبل عليه فقال: ما تريد منه؟ قال: أذهب به يكسح دار الأمير، قال: فأقبل على الذمي فقال: تطيب نفسك له بهذا، قال: يشغلني عن ضيعتي، قال: دعه، قال: لا أدعه، قال: دعه، قال: لا أدعه، قال: فوضع كساءه. ثم قال: لا تخفر ذمة محمد - صلى الله عليه وسلم - وأنا حي، ثم خلصه منه قال: فتراقى ذلك حتى كان سبب تسييره. [الحلية (تهذيبه) 1/ 302]. * وعن الحسن رحمه الله قال: كل بني آدم في عنقه قلادة يكتب فيها نسخة عمله، فإذا مات طويت وقُلِّدها، فإذا بعث نشرت له، وقيل له: {اِقْرَا كِتَابك كَفَى بِنَفْسِك الْيَوْم عَلَيْك حَسِيبًا} [الإسراء: 14]، ابن آدم، أنصفك من جعلك حسيب نفسك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 258]. * وسمع ابن سيرين رحمه الله رجلًا يدعو على من ظلمَه، فقال: اقصِر يا هذا، لا يَرْبَح عليك ظالمك. [عيون الأخبار 1/ 119].

* وقال بعضهم: [عيون الأخبار 1/ 119]. ما يدخُل السجنَ إنسانٌ فتسأله ... ما بالُ سجنك إلا قال مظلومُ * وعن حسان بن عطية رحمه الله قال: يعذب الله الظالم بالظالم، ثم يدخلهما النار جميعًا. [الحلية (تهذيبه) 2/ 268]. * وعن يحيى الشيباني رحمه الله قال: مكتوب في التوراة: كما تدين تدان، وبالكأس الذي تسقي به تشرب وزيادة، لأن البادي لا بد أن يزاد. [الحلية (تهذيبه) 2/ 276]. * وعن ضَمْرةَ، قال: كتب عُمرُ بنُ عبد العزيز رحمه الله إلى بعض عماله: أمَّا بعدُ، فإذا دَعَتْكَ قُدْرَتُك على النَّاس إلى ظُلمِهمْ، فاذكر قدرة الله تعالى عليك، ونَفَادَ ما تَأتِي إليهم، وبَقَاء ما يأَتُونَ إليك. [السير (تهذيبه) 2/ 589]. * وقال الأوزاعي رحمه الله: كان عمر بن عبد العزيز رحمه الله إذا أراد أن يُعاقِبَ رجلًا حبسه ثلاثًا، ثم عاقبه كراهية أن يعجلَ في أوَّل غضبه. [السير (تهذيبه) 2/ 590]. * وعن يحيى الغساني قال: لما ولاني عمر بن عبد العزيز رحمه الله الموصل، قدمتها فوجدتها من أكبر البلاد سرقًا ونقبًا، فكتبت إلى عمر أعلمه حال البلد، وأسأله آخذ من الناس بالمظنة، وأضربهم على التهمة، أو آخذهم بالبينة وما جرت عليه عادة الناس؟ فكتب إلي أن آخذ الناس بالبينة وما جرت عليه السُّنَّة، فإن لم يصلحهم الحق فلا أصلحهم الله. قال يحيى: ففعلت ذلك فما خرجت من الموصل حتى كانت من أصلح البلاد وأقله سرقًا ونقبًا. [الحلية (تهذيبه) 2/ 204]. * وعن رباح بن عبيدة قال: كنت قاعدًا عند عمر بن عبد العزيز رحمه الله، فذكر الحجاج فشتمته ووقعت فيه، فقال عمر: مهلًا يا رباح، إنه بلغني أن الرجل ليظلم بالمظلمة فلا يزال المظلوم يشتم الظالم وينتقصه حتى يستوفي حقه فيكون للظالم عليه الفضل. [الحلية (تهذيبه) 209/ 2، موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 369].

* وعن عبد العزيز قال: كتب بعض عمال عمر بن عبد العزيز رحمه الله إليه؛ أما بعد: فإن مدينتنا قد خربت. فإن رأى أمير المؤمنين أن يقطع لها مالًا يرمها به فعل. فكتب إليه عمر؛ أما بعد: فقد فهمت كتابك وما ذكرت أن مدينتكم قد خربت، فإذا قرأت كتابي هذا فحصنها بالعدل، ونق طرقها من الظلم، فإنه مرمتها والسلام. [الحلية (تهذيبه) 2/ 224]. * وقال الفضيلُ بن عياض رحمه الله: والله ما يَحِلُّ لك أن تؤذيَ كلبًا ولا خنزيرًا بغير حقٍّ، فكيف تُؤذي مسلمًا. [السير (تهذيبه) 2/ 774]. * وقال أيضًا رحمه الله: إني لأستحي من الله أن أشبع حتى أرى العدل قد بسط، وأرى الحق قد قام. [الحلية (تهذيبه) 3/ 26]. * وعن جعفر قال: سمعت أبا عمران رحمه الله يقول: بلغنا أنه إذا كان يوم القيامة، أمر الله تعالى بكل جبار، وكل شيطان، وكل من يخاف الناس من شره في الدنيا فيوثقون في الحديد، ثم أمر بهم إلى النار، ثم أوصدها عليهم - أي طبقها - فلا والله لا تستقر أقدامهم على قرار أبدًا، ولا والله ما ينظرون إلى أديم سماء أبدا، ولا والله لا تلتقي جفون أعينهم على غمض نوم أبدًا، ولا والله لا يذوقون فيها بارد شراب أبدًا. قال: ثم يقال لأهل الجنة: يا أهل الجنة افتحوا اليوم الأبواب فلا تخافوا شيطانًا ولا جبارًا، وكلوا اليوم واشربوا هنيئًا بما أسلفتم في الأيام الخالية. [الحلية (تهذيبه) 1/ 402]. * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 1/ 117]. تفرحُ أَن تغلبني ظالمًا ... والغالبُ المظلومُ لو تعلم * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 1/ 117]. ونستعدي الأمير إذا ظُلمنا ... فمن يُعْدِي إذا ظَلم الأميرُ * وعن يوسف بن أسباط رحمه الله قال: من دعا لظالم بالبقاء، فقد أحب أن يعصى الله. [الحلية (تهذيبه) 3/ 57]. * وعن محمد بن كعب القرظي رحمه الله، قال: ثلاث خصال من كن فيه كن عليه: البغي، والنكث، والمكر. وقرأ: {وَلاَ يَحِيقُ المَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ}

[فاطر: 43]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم} [يونس: 23]، {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِه} [الفتح: 10]. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 244]. * وقال الشافعي رحمه الله: بئسَ الزادُ إلى المَعَادِ العدوانُ على العباد. [السير (تهذيبه) 2/ 849]. * وعن قحطبة بن حميد أنه قال: كنت واقفًا على رأس المأمون رحمه الله يومًا وقد قعد للمظالم، فأطال الجلوس حتى زالت الشمس، وإذا امرأة قد أقبلت تعثر في ذيلها حتى وقفت على طرف البساط، فقالت: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. فنظر المأمون إلى يحيى بن أكثم، فأقبل يحيى عليها فقال: تكلمي. فقالت: يا أمير المؤمنين، قد حيل بيني وبين ضيعتي، وليس لي ناصر إلا الله. فقال لها يحيى بن أكثم: إن الوقت قد فات، ولكن عودي يوم الخميس. قال: فرجعت، فلما كان يوم الخميس قال المأمون: أوّل من يدعى المرأة المظلومة. فدعا بها. فقال: أين خصمك؟ قالت: واقف على رأسك يا أمير المؤمنين، قد حيل بيني وبينه. وأومأت إلى العباس ابنه. فقال لأحمد بن أبي خالد: خذ بيده وأقعده معها. ففعل، فتناظرا ساعة حتى علا صوتها عليه، فقال لها أحمد بن أبي خالد: إنك تناظرين الأمير أعزه الله بحضرة أمير المؤمنين أطال الله بقاءه، فأخفضي عليك. فقال له المأمون: دعها يا أحمد، فإن الحق أنطقها، والباطل أخرسه. فلم تزل تناظره حتى حكم لها المأمون عليه، وأمر بردّ ضيعتها، وأمر ابن أبي خالد أن يدفع لها عشرة آلاف درهم. [المنتظم 10/ 65]. * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 3/ 91]. وظلمُ ذَوِي القُرْبَى أشدُّ مَضاضةً ... على المرءِ من وَقْعِ الحُسَامِ المُهَنَّدِ * وعن عبد السميع بن داود العباسي قال: قصد ملك شاه رجلان من أهل البلاد السفلى من أرض العراق يعرفان: بابني غزال، من قرية تعرف بالحدادية، فتعلقا بركابه وقالا: نحن من أسفل واسط من قرية تعرف بالحدادية، مقطعة لخمارتكين الحلبي، صادرنا على ألف وستمائة دينار، وكسر

ثنيتي أحدنا - والثنيتان بيده -، وقد قصدناك أيها الملك لتقتص لنا منه، فقد شاع من عدلك ما حملنا على قصدك، فإن أخذت بحقنا كما أوجب الله عليك وإلا فالله الحاكم بالعدل بيننا. وفسر على السلطان ما قالاه. قال عبد السميع: فشاهدت السلطان وقد نزل عن فرسه وقال: ليمسك كل واحد منكما بطرف كمي واسحباني إلى دار حسن - وهو نظام الملك - فأفزعهما ذلك، ولم يقدما عليه، فأقسم عليهما إلا فعلا، فأخذ كل واحد منهما بطرف كمه وسارا به إلى باب النظام، فبلغه الخبر، فخرج مسرعًا وقبَّل الأرض بين يديه وقال: أيها السلطان المعظم، ما حملك على هذا؟ فقال: كيف يكون حالي غدًا بين يدي الله إذا طولبت بحقوق المسلمين وقد قلدتك هذا الأمر لتكفيني مثل هذا الموقف، فإن تطرق على الرعية ثلم لم يتطرق إلا بك وأنت المطالب، فانظر بين يديك، فقبَّل الأرض وسار في خدمته، وعاد من وقته، فكتب بعزل خمارتكين وحل اقطاعه، وردّ المال إليهما وقلع ثنيتيه إن ثبت عليه البينة، ووصلهما بمائة دينار، وعادا من وقتهما. [المنتظم 16/ 311، 312].

مكائد الشيطان ووسوسته، والحذر منه

مكائدُ الشيطان ووسوسته، والحذر منه * ذُكر الغيلان عند عمر - رضي الله عنه - فقال: إن أحدا لا يستطيع أن يتغير عن صورته التي خلقه الله تعالى عليه، ولكن لهم سحرة كسحرتكم، فإذا رأيتم من ذلك شيئا فأذِّنوا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 529]. * وعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: أُمرنا إذا رأينا الغول أن ننادي بالصلاة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 532]. * وعن ابن عباس رضى الله عنه. قال: لما ضرب الدينار والدرهم أخذه إبليس فوضعه على عينيه وقال: أنت ثمرة قلبي وقرة عيني، بك أطغي، وبك أكفر، وبك أدخل النار. رضيت من ابن آدم بحب الدنيا أن يعبدك. [الحلية (تهذيبه) 1/ 230]. * وخرج زيد بن ثابت - رضي الله عنه - إلى حائط له، فسمع فيه جلبة، فقال: ما هذا؟ قال رجل من الجن: أصابتنا السنة فأردنا أن نصيب من ثماركم أفتطيبونه؟ قال: نعم، ثم خرج الليلة التالية فسمع فيه أيضا جلبة، فقال: ما هذا؟ قال: رجل من الجن أصابتنا السنة فأردنا أن نصيب من ثماركم أفتطيبونه؟ قال: نعم فقال له زيد بن ثابت: ألا تخبرني ما الذي يعيذنا منكم؟ قال: آية الكرسي. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 534]. * وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: شيطان المؤمن مهزول. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 535]. * وعن أبي خالد الوابلي رحمه الله قال: خرجت وافدا إلى عمر رضي الله عنه، ومعي أهلي، فنزلنا منزلا وأهلي خلفي، فسمعت أصوات الغلمان وجلبتهم، فرفعت صوتي بالقرآن، فسمعت وجبة شيء طرح، فسألتهم فقالوا: أخذتنا

الشياطين، فلعبت بنا، فلما رفعت صوتك بالقرآن ألقونا وذهبوا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 535]. * وقال مطرّف بن الشخير رحمه الله: لو أن رجلًا رأى صيدًا والصيد لا يراه يختله أليس يوشك أن يأخذه، قالوا: بلى! قال: فإن الشيطان هو يرانا، ونحن لا نراه فيصيب منا. [الحلية (تهذيبه) 1/ 361]. * وقال أيضًا رحمه الله: إنّي وجدت ابن آدم كالشيْء الملقَى بين الله تعالى وبين الشيطان، فإن أراد الله أن ينعَشه اجترّه إليه، وإن أراد به غير ذلك خلّى بينه وبين عدوّه. [صفة الصفوة 3/ 158]. * وعن مجاهد رحمه الله قال: لم ير إبليس ابن آدم ساجدًا قط إلا التطم ودعا بالويل، ثم يقول: أمر هذا بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فلم أسجد فلي النار. [الحلية (تهذيبه) 2/ 11]. * وعن أبي الجلد رحمه الله قال: وجدت التسويف جندًا من جنود إبليس، قد أهلك خلقًا من خلق الله كثيرًا. [الحلية (تهذيبه) 2/ 259]. * وعن الحسن بن صالح رحمه الله، قال: إن الشَّيطانَ ليفتح للعبد تسعةً وتسعين بابًا من الخير، يريد بها بابًا من الشَّر. (¬1) [السير (تهذيبه) 2/ 703]. * ودخل أبو حازم رحمه الله المسجدَ فوَسْوَس إليه الشطانُ: إنك قد أحدثتَ بعد وُضُوئك. فقال: وقد بَلَغ هذا من نصحك! [عيون الأخبار 2/ 737]. * وعن أبي الجوزاء رحمه الله قال: والذي نفسي بيده، إن الشيطان ليلزم بالقلب، حتى ما يستطيع صاحبه ذكر الله. ألا ترونهم في المجالس يأتي على ¬

(¬1) قال ابن القيم رحمه الله: وهاهنا لطيفة للشيطان لا يتخلص منها إلا حاذق، وهي أن يظهر له في مظان الشر بعض شيء من الخير ويدعوه إلى تحصيله فإذا قرب منه ألقاه في الشبكة. عدة الصابرين / 86 وقال في إغاثة اللهفان: فكل صاحب باطل لا يتمكن من ترويج باطله إلا بإخراجه في قالب حق. وقال شيخ الإسلام رحمه الله: ولا ينفق - أي يروج - الباطل في الوجود إلا بشوب من الحق.

أحدهم عامة يومه لا يذكر الله إلا حالفًا، والذي نفس أبي الجوزاء بيده، ما له في القلب طرد إلا قول لا إله إلا الله، ثم قرأ {وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا} [الإسراء: 46] [الحلية (تهذيبه) 1/ 459]. * وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله: لا تجيء الوساوس إلا إلى كل قلب عامر، رأيت لصًا يأتي الخرابة ينقبها وهو يدخل من أي الأبواب شاء؟ إنما يجيء إلى بيت فيه رزم، وقد أقفل ينقبه ليستل الرزمة. [الحلية (تهذيبه) 3/ 183]. * وقال عبد الله بن سهل رحمه الله: سئل يحيى بن معاذ عن الوسوسة فقال: إن كانت الدنيا سجنك كان جسدك لها سجنًا، وإن كانت الدنيا روضتك كان جسدك لها بستانًا. [الحلية (تهذيبه) 3/ 263]. * وقال بعض السلف رحمه الله: أنت لا تطيع من يحسن إليك (¬1)، فكيف تُحسن إلى من يسيء إليك (¬2). [صفة الصفوة 4/ 485]. * وعن يزيد بن جابر رحمه الله قال: ما من أهل بيت من المسلمين إلا وفي سقف بيتهم من الجن من المسلمين، إذا وضع غذائهم نزلوا فتغدوا معهم، وإذا وضعوا عشاءهم نزلوا فتعشوا معهم، يدفع الله بهم عنه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 530]. * وعن قيس بن أبي حازم رحمه الله قال: ما من فراش يكون في بيت مفروشا لا ينام عليه أحد، إلا نام عليه الشيطان. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 530]. * وعن أبي الجوزاء رحمه الله قال: والذي نفسي بيده إن الشيطان لازم بالقلب، ما يستطيع صاحبه أن يذكر الله تعالى، أما ترونهم في مجالسهم وأسواقهم، يأتي على أحدهم عامة يومه لا يذكر الله تعالى إلا حالفا، ماله من القلب طرد، إلا قوله: لا إله إلا الله، ثم قرأ: {وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا} [الإسراء: 46]. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 536]. * وقال بعض السلف رحمه الله: الشيطان أشد بكاء على المؤمن إذا مات من بعض أهله، لما فاته من إفتانه إياه في الدنيا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 538]. ¬

(¬1) وهو الله. (¬2) وهو الشيطان.

* وعن الزهري رحمه الله قال: إبليس أبو الجن، كما أن آدم أبو الإنس، وآدم من الإنس، وهو أبوهم، وإبليس من الجن وهو أبوهم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 538]. * وعن الحسن رحمه الله قال: كانت شجرة تُعبد من دون الله، فجاء إنسان إليها، فقال: لأقطعن هذه الشجرة، فجاء ليقطعها غضبا لله، فلقيه الشيطان في صورة إنسان، فقال: ما تريد؟ قال: أريد أن أقطع هذه التي تعبد من دون الله، قال: إذا أنت لم تعبدها فما يضرك من عبدها؟ قال: لأقطعنها، فقال له الشيطان: هل لك فيما هو خير لك، لا تقطعها ولك ديناران كل يوم إذا أصبحت عند وسادتك، قال: فمن لي بذلك؟ قال: أنا لك، فرجع فأصبح فوجد دينارين عند وسادته، ثم أصبح فلم يجد شيئا، فقام غضبا ليقطعها، فتمثل له الشيطان في صورته، فقال: ما تريد؟ قال: أريد أن أقطع هذه الشجرة التي تعبد من دون الله، قال: كذبت ما لك إلى ذلك من سبيل، فذهب ليقطعها فضرب به الأرض وخنقه حتى كاد يقتله، قال: أتدري من أنا؟ أنا الشيطان، جئت أول مرة غضبًا لله فلم يكن لي سبيل، فخدعتك بالدينارين فتركتها، فلما جئت غضبا للدينارين سلطت عليك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4/ 546].

النصيحة والاستشارة والاستخارة

النصيحة والاستشارة والاستخارة * استشار عمر بن عبد العزيز رحمه الله في قوم يستعملهم، فقال له بعض أصحابه: عليك بأهل العُذْر. قال: ومن هم؟ قال: الذين إن عدلوا فهو ما رجوتَ منهم، وإن قصَّروا قال الناس: قد اجتهد عمر. [عيون الأخبار 1/ 60]. * وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: استخيروا الله ولا تَخَيَّروا عليه، فكم من عبد تخيّر لنفسه أمرًا كان هلاكه فيه! أَمَا رأيتموه سأل ربّه طَرَسُوسَ (¬1) فأُعطِيَها فأُسِرَ فصار نَصْرانيًا. (¬2) [عيون الأخبار 2/ 731]. * وكان بعض المتقدمين يكثر سؤال الشهادة فهتف به هاتف: إنك إن غزوت أسرت، وإن أُسِرْت تنصرت. فكف عن سؤاله. [الجامع المنتخب / 141]. * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 3/ 93]. ورُبَّ مُلِحٍّ على بُغيةٍ ... وفيها مَنيّتُه لو شَعَرْ * وعن إبراهيم بن المنذر قال: استشار زياد بن عبيد الله الحارثي عبيد الله بن عمر في أخيه أبي بكر أن يوليه القضاء، فأشار عليه به، فبعث إلى أبي بكر فامتنع عليه، فبعث زياد إلى عبيد الله يستعين به على أبي بكر، فقال أبو بكر لعبيد الله: أنشدك بالله أترى لي أن أَلِيَ القضاء؟ قال: اللهم لا. قال ¬

(¬1) قال في الحاشية: طرسوس: بلد بين أنطاكية وحلب وبلاد الروم , وكان الزهاد والصالحون يقصدونه لأنه من ثغور المسلمين. (¬2) قال ابن القيم رحمه الله: ولِيَعلم العاقل أن إجابة الله لسائليه ليست لكرامة كل سائل عليه، بل يسأله عبده الحاجة فيقضيها له وفيها هلاكه وشقوته. فاحذر كل الحذر أن تسأل شيئا مُعَيَّنًا خِيرته وعاقبته مغيبة عنك، وإذا لم تجد من سؤاله بُدًّا فعلِّقْه على شرط علمه تعالى فيه الخِيَرَة. وقدم بين يدي سؤالك الاستخارة. ا. هـ بتصرف. مدارج السالكين 1/ 169

زياد: سبحان الله! استشرتك فأشرت عليّ به ثم أسمعك تنهاه! قال: أيها الأمير استشرتني فاجتهدت لك رأيي ونصحتك، واستشارني فاجتهدت له رأيي ونصحته. [عيون الأخبار 1/ 71]. * وكان يقال: من أُعطي أربعًا لم يُمنَع أربعًا: من أُعطي الشكر لم يُمنع المزيد، ومن أُعطي التوبة لم يمنع القبول، ومن أعطي المشُورة لمن يمنع الصواب، ومن أعطي الاستخارة لم يمُنع الخِيرة. [عيون الأخبار 1/ 72]. * وقال أعرابي: ما غُبِنْتُ قط حتى يُغبَن قومي. قيل: وكيف ذلك؟ قال: لا أفعل شيئًا حتى أشاورهم. [عيون الأخبار 1/ 73]. * وقيل لرجل من بني عَبْس: ما أكثر صوابَكم! فقال: نحن ألف رجل وفينا حازم واحد ونحن نطيعه، فكأنا ألفُ حازم. ويقال: ليس بين الملك وبين أن يملِك رعيته أو تملكه إلا حزم أو توان. [عيون الأخبار 1/ 74].

ذم الغرور والعجب

ذم الغرور والعجب (¬1) * قال مالك بن دينار رحمه الله: أنا للقارئ الفاجر أخوف مني للفاجر المبرز بفجوره، إن هذا أبعدهما غرورًا. [الحلية (تهذيبه) 1/ 424]. * وقال هشام بن حسان رحمه الله: سيئة تسوءك خير من حسنة تُعجِبك. [عيون الأخبار 1/ 312]. ¬

(¬1) قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين عند قول الهروي: (وكل معصية عيرت بها أخاك فهي إليك): يحتمل أن يريد أن تعرف أن كل طاعة رضيتها منك فهي عليك، وكل معصية عَيّرْت بها أخاك فهو أعظم إثما من ذنبه وأشد من معصيته، لما فيه من صَولة الطاعة، وتزكية النفس وشكرها, والمناداة عليها بالبراءة من الذنب وأن أخاك باء به. ولعل كَسْرَتَه بذنبه، وما أحدث له من الذلة، والخضوع، والازدراء على نفسه، والتخلص من مرض الكبر، والعجب، ووقوفه بين يدي الله ناكس الرأس، خاشع الطرف، منكسر القلب: أنفع له وخير من صولة طاعتك، وتكثرك بها، والمِنَّة على الله وخلقه بها. فما أقرب هذا العاصي من رحمة الله، وما أقرب هذا المُدِلّ من مَقْت الله. فذنب تُذِل به لديه أحب إليه من طاعة تُدِل بها عليه، وإنك أن تبيت نائمًا وتصبح نادمًا خير من أن تبيت قائمًا وتصبح معجبًا، ولعل الله أسقاه بهذا الذنب دواء استخرج به داءً قاتلًا هو فيك وأنت لا تشعر. فلله في أهل طاعته ومعصيته أسرار لا يعلمها إلا هو ولا يطالعها إلا أهل البصائر فيعرفون منها بقدر ما تناله معارف البشر, ووراء ذلك مالا يطلع عليه الكرام الكاتبون, وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - (إذا زنت أمة أحدكم فليقم عليها الحد ولا يثرب) أي: لا يعير, من قول يوسف عليه السلام لإخوته {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} [يوسف: 92] فإن الميزان بيد الله والحكم لله, فالسوط الذي ضرب به هذا العاصي بيد مقلب القلوب, والقصد إقامة الحد لا التعيير والتثريب, ولا يأمن كرَّات القدر وسطوته إلا أهل الجهل بالله، وقد قال الله تعالى لأعلم الخلق به: {وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا} ... [الاسراء: 74] وقال يوسف الصديق: {وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [يوسف: 33].

* وقال أبو حازم رحمه الله: إن الرجل ليعمل السيئةَ ما عمِل حسنةً قطّ أنفعَ له منها وإنّه ليعمل الحسنةَ ما عمل سيّئةً قط أضرّ عليه منها. [عيون الأخبار 1/ 313]. * وقال محمود الورّاق: [عيون الأخبار 2/ 740]. يا ناظرًا يرنُو بعينَيْ راقد ... ومُشاهِدًا للأمر غيرَ مشاهد تصلُ الذنوبَ إلى الذنوب وترتجي ... دَرَكَ الجِنَانِ بها وفوزَ العابِد ونَسِيتَ أنّ الله أخرج آدمًا ... منها إلى الدنيا بذنبٍ واحدِ * وقال يحيى بن معاذ رحمه الله: ذنْب أفْتَقِر به إليه أحبّ إليّ من طاعة أفتخِر بها عليه. [صفة الصفوة 4/ 340]. * وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله: كيف يعجب عاقل بعمله؟ وإنما يعد العمل نعمة من الله، إنما ينبغي له أن يشكر ويتواضع، وإنما يعجب بعمله القدرية الذين يزعمون أنهم يعملون، فأما من زعم أنه مستعمل بأي شيء يعجب؟ [الحلية (تهذيبه) 3/ 187]. * وقال أبو عثمان الحيري رحمه الله: احتقار الناس في نفسك مرض لا يداوى. [الحلية (تهذيبه) 3/ 364].

ما قيل في العقل والعقلاء

ما قيل في العقل والعقلاء * عن ابن عباس - رضي الله عنه - في قوله: {قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ} [الفجر: 5] قال: الرجل ذو النُّهى والعقل. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 469]. * وعن كعب الأحبار رضي الله عنه. قال: تجد الرجل مستكثرًا من أنواع أعمال البر، ويبلغ صنائع المعروف، ويكابد سهر الليل، وظمأ الهواجر، ولعله لا يساوي في ذلك كله عند ربه جيفة حمار. قيل: وكيف ذلك يا أبا إسحاق؟ قال لقلة عقله وسوء رغبته، وتجد الرجل ينام الليل ويفطر النهار، ولا يعرف بشيء من البر، ولا صنائع المعروف، ولعله عند الله من المقربين، قيل: وكيف ذلك يا أبا إسحاق؟ قال لما قسم الله له من العقل، فإن الله تعالى فرض على عباده أن يعرفوه وأن يطيعوه وأن يعبدوه، وإنما عبده وعرفه وأطاعه من خلقه العاقلون، وأما الجهال فهم الذين جهلوه فلم يعرفوه ولم يطيعوه ولم يعبدوه. [الحلية (تهذيبه) 2/ 252]. * وقال حبيب الجَلاب: سألتُ ابن المبارك رحمه الله: ما خيرُ ما أعطي الإنسان؟ قال غريزة عقل. قلتُ: فإن لم يكن؟ قال: حُسْنُ أدب. قلتُ: فإن لم يكن؟ قال: أخٌ شفيق يستشيرُهُ. قلتُ: فإن لم يكن؟ قال: صَمتٌ طويل. قلت: فإن لم يكن؟ قال: موت عاجل. [السير (تهذيبه) 2/ 768]. * وعن مطرّف بن عبد الله رحمه الله أنه قال: ما أوتي عبدٌ بعدَ الإيمان أفضلَ من العقل. [صفة الصفوة 3/ 159، موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 467]. * وقال وهب بن منبه رحمه الله: إني وجدت في بعض ما أنزل الله على أنبيائه: أن الشيطان لم يكابد شيئًا أشد عليه من مؤمن عاقل، وأنه يكابد مائة ألف جاهل فيسخر بهم، حتى يركب رقابهم، فينقادون له حيث شاء، ويكابد المؤمن العاقل فيصعب عليه حتى لا ينال منه شيئًا. [الحلية (تهذيبه) 2/ 37].

* وقال أيضًا رحمه الله: لإزالة الجبل صخرة صخرة وحجرًا حجرًا، أيسر على الشيطان من مكابدة المؤمن العاقل، لأنه إذا كان مؤمنًا عاقلًا ذا بصيرة، فلهو أثقل على الشيطان من الجبال، وأصعب من الحديد، وأنه ليزايله بكل حيلة، فإذا لم يقدر أن يستزله قال: يا ويله ما له ولهذا لا حاجة لي بهذا، ولا طاقة لي بهذا، فيرفضه ويتحول إلى الجاهل، فيستأسره ويستمكن من قياده، حتى يسلمه إلى الفضائح التي يتعجل بها في عاجل الدنيا، كالجلد والحلق وتسخيم الوجوه والقطع والرجم والصلب. وأن الرجلين ليستويان في أعمال البر، فيكون بينهما كما بين المشرق والمغرب، أو أبعد إذا كان أحدهما أعقل من الآخر. [الحلية (تهذيبه) 2/ 37]. * وقال معاوية بن قرة رحمه الله: إن القوم ليحجون ويعتمرون ويجاهدون ويصلون ويصومون، وما يعطون يوم القيامة إلا على قدر عقولهم. [الحلية (تهذيبه) 1/ 398]. * وقال المؤتَمَن: كان الخطيبُ البغدادي رحمه الله يقول: من صَنّف فقد جعل عقله على طبق يعرضه على الناس. [السير (تهذيبه) 3/ 1413]. * وقيل لبعض الحكماء: متى يكون الأدبُ شرًّا مِن عدمه؟ قال: إذا كَبُرَ الأدبُ ونقصَ العقلُ. [عيون الأخبار 1/ 380]. * وكانوا يكرهون أن يزيد مَنطِقُ الرجل على عقله. [عيون الأخبار 1/ 380]. * ويقال: من لم يكن عقلُه أغلبَ خصال الخير عليه كان حَتْفُه في أغلب خصال الخير عليه. [عيون الأخبار 1/ 380]. * وقال وكيع بن الجراح رحمه الله: إنما العاقل من عقل عن الله أمره، ليس من عقل أمر دنياه. [الحلية (تهذيبه) 3/ 107]. * وقيل لقتادة رحمه الله: أي الناس أغبط؟ قال: أعقلهم، قيل: أعلمهم؟ قال: أعقلهم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 468]. * وعن علي بن غنام الكلابي قال: قال عامر بن قيس رحمه الله: إذا عَقَلَك عقْلك عما لا ينبغي فأنت عاقل.

قال علي رحمه الله: وإنما سمعي العقل عقلا من عقال الإبل. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 472]. * وعن سفيان بن عيينة رحمه الله قال: لا تنظروا إلى عقل الرجل في كلامه ولكن انظروا إلى عقله في مخارج أموره. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 473]. * وقال وكيع بن الجراح رحمه الله: العاقل من عقل الله - عزَّ وجلَّ - أمره، وليس من عقل تدبير دنياه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 473]. * وقال صالح بن عبد الكريم رحمه الله: جعل الله - عزَّ وجلَّ - رأس أمور العباد العقل، ودليلهم العلم، وسائقهم العمل، ومقوِّيَهم على ذلك الصبر. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 473]. * وقال بعض الحكماء: لا ينبغي لعاقل أن يعرض عقله للنظر في كل شيء، كما لا ينبغي أن يضرب بسيفه كل شيء. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 475]. * وعن محمد بن يحيى قال: قلنا للضحاك بن مزاحم رحمه الله: يا أبا القاسم ما أعبدَ فلانا وأورعه وأقرأه! قال: كيف عقله؟ قال: قلنا: نذكر لك عبادته وورعه وقراءته وتقول عقله؟ قال: ويحك إن الأحمق يصيب بحمقه مالا يصيب الفاجر بفجوره. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 475]. * وقال سفيان بن عيينة رحمه الله: ليس العاقل الذي يعرف الخير والشر، ولكن العاقل الذي يعرف الخير فيتبعه، ويعرف الشر فيتجنبه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 478]. * وعن عروة بن الزبير رحمه الله قال: ليس الرجل الذي إذا وقع في الأمر تخلص منه، ولكن الرجل يتوقى الأمور حتى لا يقع فيها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 478]. * وعن الحسن رحمه الله قال: فضل المَقال على الفِعال منقصة، وفضل الفِعال على المَقال مكرمة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 478]. * وقال بعض الخلفاء لجلسائه: من الغريب؟ فقالوا فأكثروا، فقال: الغريب هو الجاهل، أما سمعتم قول الشاعر:

يُعد رفيعَ القوم من كان عاقلًا ... وإِن لم يكنْ في قومهِ (¬1) بحسيب إِذا حلَّ أرضًا عاشَ فيها بعقلهِ ... وما عاقلٌ في بلدةٍ بغريب [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 478]. * وقال الشعبي رحمه الله: لا خير في علم بلا عقل، ومِن ثَمَّ قيل: ما عَبَد الله تعالى مثل حليم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 479]. * وعن محمد بن سيرين رحمه الله قال: كانوا يرون حسن السؤال يزيد في عقل الرجل. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 479]. * وقال ميمون بن مهران رحمه الله: التودد إلى الناس نصف العقل، وحسن المسألة نصف العلم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 480]. * وعن الخليل بن أحمد رحمه الله قال: الناس أربعة، فكلِّم ثلاثة وواحدا لا تكلمه، قال: رجل يعلم وهو يعلم أنه يعلم: فكلمه. ورجل لا يعلم ولا يعلم أنه لا يعلم فكلمه. ورجل لا يعلم وهو يعلم أنه لا يعلم فكلمه. ورجل لا يعلم وهو يرى أنه يعلم فلا تكلمه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 483]. * وعن أبي الأحوص رحمه الله قال: كان يقال: إن جاريت الأحمق كنت مثله، وإن سكت عنه سلمت منه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 483]. * وعن ابن جريج رحمه الله قال: قِوام المرء عقلُه، ولا دين لمن لا عقل له. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 483]. * وقيل لبعض الحكماء: أوصنا بأمر جامع، قال: احفظوا وعُوا: أنه ليس من أحد إلا ومعه قاضيان باطنان، أحدهما: ناصح والآخر: غاش، فأما الناصح فالعقل، وأما الغاش فالهوى، وهما ضدان، فأيهما مِلت معه وهَى الآخر. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 484]. ¬

(¬1) في الأصل: في فعله, وهو خطأ, وفي جميع المصادر الأخرى كمجمع الحكم والأمثال, وجواهر العرب: في قومه.

* وكلم رجلٌ رجلا من الملوك فلاينه، ثم أغلظ له، فقال له الملك: مالك لم تكلمني بهذا أولا؟ قال: لما كلمتك رأيت لك عقلا فعلمت أن عقلك لا يتركك تظلمني. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 484]. * وقال بعض أهل العلم: كلام العاقل وإن كان يسيرًا: عظيمٌ. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 488].

عناية السلف بالخواطر والأفكار

عناية السلف بالخواطر والأفكار (¬1) * قال مسروق رحمه الله: من راقب الله في خطرات قلبه: عصمه الله في حركات جوارحه. [صفة الصفوة 4/ 368]. ¬

(¬1) قال ابن القيم رحمه الله في الجواب الكافي: وأعلى الفكر وأجلها وأنفعها ما كان لله والدار الآخرة, فما كان لله فهو أنواع: الأول: الفكرة في آياته المنزلة وتعقلها, وفهمها, وفهم مراده منها, ولذلك أنزلها الله تعالى, لا لمجرد تلاوتها بل التلاوة وسيلة. قال بعض السلف: أنزل القرآن ليعمل به فاتخذوا تلاوته عملا. الثاني: الفكرة فى آياته المشهودة والاعتبار بها, والاستدلال بها على أسمائه وصفاته, وحكمته وإحسانه, وبره وجوده, وقد حث الله سبحانه عباده علي التفكر فى آياته وتدبرها وتعقلها وذم الغافل عن ذلك. الثالث: الفكرة فى آلائه وإحسانه, وإنعامه على خلقه بأصناف النعم, وسعة مغفرته ورحمته وحلمه, وهذه الأنواع الثلاثة تستخرج من القلب معرفة الله ومحبته وخوفه ورجاءه, ودوام الفكرة فى ذلك مع الذكر يصبغ القلب في المعرفة والمحبة صبغة تامة. الرابع: الفكرة فى عيوب النفس وآفاتها, وفى عيوب العمل, وهذه الفكرة عظيمة النفع, وهي باب كل خير, وتأثيرها في كسر النفس الأمارة بالسوء, ومتى كسرت عاشت النفس المطمئنة وانتعشت وصار الحكم لها, فحيى القلب, ودارت كلمته فى مملكته, وبث أمراءه وجنوده فى مصالحه. الخامس: الفكرة فى واجب الوقت ووظيفته وجمع الهم كله عليه, فالعارف ابن وقته, فإن أضاعه ضاعت عليه مصالحه كلها, فجميع المصالح إنما تنشأ من الوقت, فمتى أضاع الوقت لم يستدركه أبدا. قال الشافعي رضى الله عنه: صحبت الصوفية فلم أستفد منهم سوى حرفين, أحدهما: قولهم: الوقت سيف فإن لم تقطعه قطعك. وذكر الكلمة الأخرى: ونفسك إن أشغلتها بالحق وإلا اشتغلتك بالباطل. فوقت الإنسان هو عمره فى الحقيقة وهو مادة حياته الأبدية فى النعيم المقيم, ومادة المعيشة الضنك فى العذاب الأليم, وهو يمر أسرع من مر السحاب, فما كان من وقته لله وبالله فهو حياته وعمره, وغير ذلك ليس محسوبًا من حياته وإن عاش فيه عاش عيش البهائم, فإذا قطع وقته فى الغفلة والشهوة والأماني الباطلة, وكان خير ما قطعه بالنوم والبطالة فموت هذا خيرا له من حياته. وإذا كان العبد وهو في الصلاة ليس له من صلاته إلا ما عقل منها فليس له من عمره إلا ما كان فيه بالله وله, وما عدا هذه الأقسام من الخطرات والفكر فإما وساوس شيطانية, وإما أماني باطلة, وخدع كاذبة, بمنزلة خواطر المصابين في عقولهم من السكارى والمحشوشين والموسوسين. واعلم أن ورود الخاطر لا يضر, وإنما يضر استدعاؤه ومحادثته, فالخاطر كالمار على الطريق فإن لم تستدعه وتركته مر وانصرف عنك, وإن استدعيته سحرك بحديثه وخدعه وغروره, وهو أخف شىء على النفس الفارغة بالباطلة, وأثقل شىء على القلب والنفس الشريفة السماوية المطمئنة.

* وقال أبو تُراب النخشبي رحمه الله: احفظ همّك، فإنّه مُقَدِّمة الأشياء، فمن صحّ له هَمُّه صحّ له ما بعد ذلك من أفعاله وأحواله. [ذم الهوى / 121]. * وعن عبد الله بن المبارك قال: قلت لسفيان الثوري رحمه الله: أيؤاخذ العبد بالهمة! قال: إذا كانت عزمًا أخذ بها. [الحلية (تهذيبه) 2/ 369]. * وعن الحسن البصري رحمه الله قال: إياكم رحمكم الله وهذه الأماني فإنه لم يعط أحد بالأمنية خيرًا في الدنيا ولا في الآخرة. (¬1) [الزهد للإمام أحمد / 479]. * وقال أبو حفص رحمه الله: من لم يزن أفعاله وأحواله في كل وقت بالكتاب والسُّنَّة، ولم يتهم خواطره فلا تعده في ديوان الرجال. [الحلية (تهذيبه) 3/ 351]. * وقال ممشاد الدينوري رحمه الله: الهمة مقدمة الأشياء، فمن صلحت له همته وصدق فيها صلح له ما وراءها من الأعمال والأحوال. [الحلية (تهذيبه) 3/ 445]. ¬

(¬1) قال ابن القيم رحمه الله: فما قَطَعَ العَبدَ عن كمالهِ وفلاحِه وسعادتهِ العاجِلَةِ والآجِلَةِ قاطِعٌ أعظمُ من الوَهَمِ الغالبِ على النَّفسِ والخيالِ الذي هو مركبُها - بل بحرُها - الذي لا تنفَكُّ سابحَةً فيه , وإنَّما يُقطَعُ هذا العارضُ بفكرَةٍ صحيحةٍ وعزمٍ صادقٍ يُميِّزُ به بينَ الوَهم والحقيقَةِ. مفتاح دار السعادة 1/ 540

حفظ السمع عن الحرام

حفظ السمع عن الحرام * عن نافع قال: كنت مع ابن عمر - رضي الله عنه - في طريق فسمع زمارة راعي، فوضع إصبعيه في أذنيه، ثم عدل عن الطريق ثم قال: يا نافع أتسمع؟ قلت: لا، فأخرج إصبعيه من أذنيه، ثم عدل عن الطريق ثم قال: يا نافع! أتسمع؟ قلت: لا، فأخرج أصبعيه من أذنيه ثم عدل إلى الطريق، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صنع. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 207]. * وقال ابن مسعود - رضي الله عنه -: الغناء ينبت النفاق في القلب، كما ينبت الماء الزرع. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 283]. * وقال أنس - رضي الله عنه -: أخبث الكسب كسب الزمارة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 288]. * وذُكِر عند القاسم بن محمد رحمه الله الغناءُ والسلوُّ عنه، فقال لهم: أخبروني، إذا مُيِّزَ أهلُ الحقّ وأهلُ الباطل ففي أيّ الفريقين يكون الغناء؟ قالوا: في فريق الباطل. قال: فلا حاجة لي فيه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 284، عيون الأخبار 4/ 377]. * وقال الشعبي رحمه الله: لعن الله المغني والمغنى له. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 284]. * وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: الغناء رقية الزنا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 284]. * وقال الحسن رحمه الله: صوتان ملعونان: مزمار عند نعمة (¬1)، ورنة عند مصيبة، وقال: وذكر الله المؤمنين فقال: {فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ ¬

(¬1) في الأصل: نغمة, والمثبت هو الصواب.

وَالْمَحْرُوم} [المعارج: 24، 25] وجعلتم أنتم في أموالكم حقا معلوما للمغنية عند النعمة، وللنائحة عند المصيبة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 286]. * وعن مجاهد رحمه الله قال: في قول الله تعالى: ... {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} [الإسراء: 64] قال: المزمار، {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ} [الإسراء: 64] قال: كل راكب ركب من معصية الله فهو في خيل إبليس، وكل رِجْل سعت في معصية الله فهي في رجل إبليس. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 289]. * وقال سويد بن غفلة رحمه الله: الملائكة لا تدخل بيتا فيه دف. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 290]. * وقال الحسن رحمه الله: ليس الدف من سنة المسلمين في شيء. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 29]. * وكان عاصم بن هبيرة رحمه الله: لا يرى دفا إلا كسره فلما كبر أخذ دفا فجعل يطأ عليه برجليه فلم ينكسر فقال: لم يغلبني شيطان لهم غير هذا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 290]. * وقال إبراهيم رحمه الله: كانوا - يعني: أصحاب ابن مسعود -: يأخذون بأفواه السكك يخرقون الدفوف التي مع الجواري، كانوا يقفون في رؤوس الدروب لإزالة هذا المنكر. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 290].

حفظ البصر عن الحرام

حفظ البصر عن الحرام * عن أنس - رضي الله عنه - قال: إذا مرت بك امرأة فاغمض عينيك حتى تجاوزك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 206]. * وعن حبان بن موسى قال: سمعت عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - يقول: حفظ البصر أشد من حفظ اللسان. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 204]. * وعن غسان بن المفضل قال: حدثنا شيخ لنا يقال له أبو حكيم. قال: خرج حسان بن أبي سنان رحمه الله يوم العيد فلما رجع، قالت له امرأته: كم من امرأة حسنة نظرت إليها اليوم ورأيتها! فلما أكثرت. قال: ويحك ما نظرت إلا في إبهامي منذ خرجت من عندك حتى رجعت إليك. [الحلية (تهذيبه) 1/ 471]. * وعن عبد الله بن محمد الزراد قال: خرج حسان رحمه الله إلى العيد، فقيل له لما رجع: يا أبا عبد الله ما رأينا عيدًا أكثر نساء منه؟ قال: ما تلقتني امرأة حتى رجعت. [الحلية (تهذيبه) 1/ 471]. * وعن العلاء بن زياد رحمه الله قال: لا تتبع بصرك رداء المرأة فإن النظر يجعل شهوة في القلب. [الزهد للإمام أحمد / 436]. * وعن الحسن البصري رحمه الله قال: رب نظرة أوقعت في قلب صاحبها شهوة ورب شهوة أورثت صاحبها حزنًا طويلًا. [الزهد للإمام أحمد / 479]. * وقال إبراهيم بن أدهم رحمه الله: كثرة النظر إلى الباطل، تذهب بمعرفة الحق من القلب. [الحلية (تهذيبه) 2/ 486]. * وقال بعضهم: [عيون الأخبار 4/ 312]. وكنتَ متى أرسلتَ طرْفَك رائدًا ... لقَلْبك يومًا أتعبتْكَ المناظرُ رأيتَ الذي لا كُلُّه أنتَ قادرٌ ... عليه ولا عن بعضه أنتَ صابرُ

* وقال سفيان:: كان الربيع بن خثيم رحمه الله يغضّ بصره، فمرّ به نسوة، فأطْرَقَ حتى ظنَّ النسوةُ أنّه أعمى، فتعوَّذَنَ بالله من العمى؟!. [ذم الهوى / 86]. * وقال أبو بكر المروزي رحمه الله، قال: قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل رحمه الله: " رجل تاب وقال: لو ضرب ظهري بالسياط ما دخلت في معصية الله، إلا أنّه لا يدع النّظر؟! فقال: أيّ توبة هذه! ". [ذم الهوى / 82]. * وقال ابن الجوزي رحمه الله: كان في عصرنا أبو الحسن بن أحمد الحربي رحمه الله، لا يمشي إلاّ وعلى رأسه طرْحة، ليكفّ بذلك بصره عن الانطلاق. (¬1) [ذم الهوى / 85]. * وقال المسيح - عليه السلام -: لا يَزْنِي فَرْجُك ما غَضَضْتَ بصرَك. [عيون الأخبار 4/ 371]. * ومرّت أعرابيّةٌ بقوم من بني نُمَير، فأداموا النظرَ إليها، فقالت: يا بني نُمَير، والله ما أخذتم بواحدةٍ من اثنتين: لا بقول الله: {قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30] ولا بقول جرير: فَغُضَّ الطَّرْفَ إنك من نُمَيرٍ ... فلا كَعْبًا بلغتَ ولا كِلاَبا فاستحيا القومُ من كلامها وأطرقوا. [عيون الأخبار 4/ 372]. * ويقال: ربّ طَرْفٍ أفصح من لسانٍ. [عيون الأخبار 4/ 372]. ¬

(¬1) قال ابن الجوزي رحمه الله: اعلم وفّقك الله, أن البصرَ صاحبُ خبرِ القلب ينقل إليه أخبار المُبْصَرَات, وينقشُ فيه صورها فيجول فيها الفِكر, فشغله ذلك عن الفكر فيما ينفعه من أمر الآخرة. ولما كان إطلاق البصر سببًا لوقوع الهوى في القلب, أمَرَك الشرعُ بغضّ البصر عمّا يُخاف عواقبه, فإذا تعرَّضْتَ بالتّخلِيط وقد أُمِرْتَ بالحِمْية فوقَعْتَ إذًا في أذًى فلِمَ تضجُّ منْ أليم الألم! قال الله عز وجل: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30] , {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور: 31]. ثم أشار إلى مسبب هذا السبب, ونبّه على ما يؤول إليه هذا الشر بقوله: {وَيَحْفَظْوا فُرُوجَهُم} [النور: 30]. {وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور: 31]. ذم الهوى / 80

* وعن داود الطائي رحمه الله قال: كانوا يكرهون فضول النظر. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 204]. * وقال عمرو بن مرة رحمه الله: ما أحب أني بصير، كنت نظرت نظرة وأنا شاب. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 204]. * وعن وكيع، قال: خرجنا مع سفيان الثوري رحمه الله في يوم عيد فقال: إن أول ما نبدأ به في يومنا غض أبصارنا. * وعن كثير بن هشام، قال: كان سفيان الثوري رحمه الله قاعدًا بالبصرة فقيل له: هذا مساور بن سوار يمر، وكان على شرطة محمد بن سليمان، فوثب فدخل داره، وقال: أكره أن أرى من يعصي الله لا أستطيع أن أغير عليه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 206]. * وقال فضيل بن عياض رحمه الله: لا تنظروا إلى مراكبهم، فإن النظر إليه يطفىء نور الإنكار عليهم. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 206]. * وقال العلاء بن زياد رحمه الله: لا تتبع بصرك حسن ردف المرأة، فإن النظر يجعل الشهوة في القلب. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/ 207].

ذم المسكر

ذم المسكر * عن عبد الله بن عمر قال: قام عمر - رضي الله عنه - على منبر المدينة فقال: إن الخمر حرمت يوم حرمت وهي من خمسة: من العنب، والعسل، والتمر، والحنطة، والشعير، والخمرُ ما خامر العقل. رواه مسلم * وقال عثمان - رضي الله عنه -: الخمر مجمع الخبائث، ثم أنشأ يحدث عن بني إسرائيل قال إن رجلا خير بين أن يقتل صبيا أو يمحو كتابا أو يشرب خمرا فاختار أن يشرب الخمر ورأى أنها أهونهن فشربها فما هو إلا أن شربها حتى صنعهن جميعا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 254]. * وقال - رضي الله عنه -: إياكم والخمر، فإنها مفتاح كل شر، أُتي رجل فقيل له: إما أن تحرق هذا الكتاب، وإما أن تقتل هذا الصبي، وإما أن تسجد لهذا الصليب، وإما أن تفجر بهذه المرأة، وإما أن تشرب هذه الكأس، فلم ير شيئا أهون عليه من شرب الكأس، فشرب الكأس، ففجر بالمرأة، وقتل الصبي، وحرق الكتاب، وسجد للصليب، فهي مفتاح كل شر. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 254]. * وعن هشام بن محمد أن قيس بن عاصم حرم الخمر في الجاهلية، وقال: رأيت الخمر مصلحة وفيها ... مناقب تفسد المرء الكريما فلا والله أشربها صحيحًا ... ولا أشقى بها أبدًا سقيمًا ولا أعطي بها ثمنًا حياتي ... ولا أدعو لها أبدًا نديمًا إذا دارت حُمَيَّاها تعلَّت ... طوالع تسفه الرجل الحليما [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 263].

* وقال هشام بن محمد رحمه الله: حرم الخمر في الجاهلية: عفيف بن معدي كرب، وعامر بن ظرب، ومقيس بن صبابة، والأسلوم اليامي. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 264]. * وقال هشام بن محمد رحمه الله: شرب مقيس بن صبابة الخمر في الجاهلية فسكر، فجعل يخط ببوله، ويقول: نعامة أو بعير، فلما أفاق أُخبر بما صنع فحرمها، وأنشأ يقول رأيت الخمر طيَّبة وفيها ... خصالٌ كلها دنَس ذميم فلا والله أشربها حياتي ... طوال الدهر ما طلع النجوم [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 263]. * وعن أبي الزناد رحمه الله قال: ما مات أحد من قريش في الجاهلية حتى ترك الخمر استحياء مما فيها، من بينهم عبد الله بن جدعان، وحرب بن أمية، ولقد تاب ابن جدعان قبل أن يموت، فقال: شربت الخمر حتى قال قومي ... ألست من السقاة بمستفيق وحتى ما أُوَسَّد في منام ... أنام سوى الترب السحيق وحتى أُغلق الحانوت رهني ... وآنست الهوان من الصديق [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 263]. * وقيل للعباس بن مرداس بعدما كبر: ألا تأخذ من الشراب فإنه يزيد من جرأتك ويقويك؟ قال: أصبح سيد قومي وأمسي سفيههم؟ لا والله، لا يدخل جوفي شيء يحول بيني وبين عقلي أبدًا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 265]. * وقال ابن أبي الدنيا رحمه الله: وبلغني أن قيس بن عاصم قيل له في الجاهلية: تركت الشراب! قال: لأني رأيته مَتلفة للمال، داعيةٌ إلى شر المقال، مَذهبة بمروءات الرجال. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 265]. * وقال أبو الحسن - رجل من أهل البصرة -: أخبرني رجل أنه رأى في منامه أن الله قد غفر لأهل عرفات ما خلا رجل من أهل كورة كذا وكذا، قال الرجل: فأتيت مضاربهم فسألت عنهم فدلوني على خباء ذلك الرجل، فأتيته

فأخبرته بما رأيت، وقلت: أخبرني بذنبك، قال: كنت رجلا أتعاطى الشراب، وكانت والدتي تنهاني، فأتيت المنزل وأنا سكران، فحمَلت عليَّ، فحملتها حتى وضعتها في التنور وهو مسجور. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 266]. * وقال ابن أبي الدنيا: وحدثني محمد بن عبد الله القراطيسي رحمه الله قال: شرب رجل نبيذا فسكر، فنام عن العشاء الآخرة، فجعلت ابنة عم له تنبهه للصلاة، وكان لها دين وعقل، فلما ألحت عليه حلف بطلاقها البتة ألا يصلي ثلاثا، ثم عقد يمينه، فلما أصبح كبر عليه فراق ابنة عمه، فظل يومه لم يصل وليلته، ثم أصبح على ذلك، وعرضت له علة فمات، وفي نحو هذا يقول القائل: أتأمن أيها السكران جهلًا ... بأن تَفجاك في السكر المنية فتضْحى عِبرة للناس طُرًّا ... وتلقى الله من شر البريَّة [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 267]. * وقال عباد المنقري رحمه الله: لو كان العقل عِلقا يشترى، لتغالى الناس في شرائه، فالعجب من أقوام يشترون بأموالهم ما يُذهب بعقولهم!. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 267].

كتمان السر

كتمان السر * قال عمرو بن العاص - رضي الله عنه -: ما استودعتُ رجُلًا سرًّا فأفشاه فلمتُه، لأني كنت أضيق صدرًا حين استودعته. [عيون الأخبار 1/ 82، موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 245]. * وعن الحسن رحمه الله قال: إن من الخيانة أن تحدث بسر أخيك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 244]. * وكانت الحكماء تقول: سِرّك من دمك. والعرب تقول: من ارتادَ لسره موضِعًا فقد أذاعه. [عيون الأخبار 1/ 80]. وقال بعضهم: [عيون الأخبار 1/ 82]. إذا أنت لم تحفَظ لنفسك سرَّها ... فسرُّك عند الناس أفشَى وأضيعُ * وكان يقال: من ضاق قلبه اتسع لسانه. [عيون الأخبار 1/ 82]. * وقال ذو النون رحمه الله: صدور الأحرار قبور الأسرار. [الحلية (تهذيبه) 3/ 236].

المزاح، وآدابه

المزاح، وآدابه * قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: من مزح استخف به. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 239]. * وقال سعيد بن العاص - رضي الله عنه - لابنه: يا بني لا تمازح الشريف فيحقد عليك، ولا تمازح الدنيّ فيجترئ عليك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 240]. * وقال الأحنف بن قيس رحمه الله: من كثير كلامه وضحكه ومزاحه: قلت هيبته، ومن أكثر من شيء عُرف به. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 238]. * وقال محمد بن المنكدر رحمه الله: لا تمازح الصبيان، فتهون عليهم ويستخفون بحقك. [الحلية (تهذيبه) 497/ 1، موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 238]. * وقال مسعر بن كدام رحمه الله لابنه: إني نحلتك يا كدام نصيحتي ... فاسمع لقول أب عليك شفيق أما المُزاحة والمِراء فدعهما ... خُلقان لا أرضاهما لصديق إني بلوتهما فلم أحمَدْهما ... لمجاورٍ جارًا ولا لرفيق والجهل يزري بالفتى في قومه ... وعروقه في الناس أيَّ عروق [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 238]. * وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: اتقوا الله، وإيَّاي والمزاحة؛ فإنها تورث الضغينة، وتجر القبيحة، تحدثوا بالقرآن، وتجالسوا به، فإن ثقل عليكم فحديث حسن من حديث الرجال. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 239]. * وكان يقال: لكل شيء بذر، وبذر العداوة المزاح. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 241]. * وكان يقال: المزاح مسلبة للبهاء، مقطعة للصداقة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 242].

إجمام النفس وترويحها

إجمام النفس وترويحها (¬1) * قال علي بن أبي طالب رضى الله عنه: القلب إذا أكره عمي. [الكامل في اللغة والأدب / 489]. * وقال أيضا - رضي الله عنه -: إنه هذه القلوب تمَلّ كما تمل الأبدان، فالتمسوا لها من الحكمة طرفًا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 485]. * وقال أبو الدّرداء رضى الله عنه: إني لأستجمُّ نفسي بشيء من الباطل ليكون أقوى لها على الحقِّ. [الكامل في اللغة والأدب / 489]. * وقال ابن مسعود رضى الله عنه: القلوب تملُّ كما تملُّ الأبدان فابتغوا لها طرائف الحكمة. [الكامل في اللغة والأدب / 489]. * وقال رضى الله عنه: اسْتَبْق نفسك ولا تكرِهْها؛ فإنك إن أكرهت القلب على شيء عمي. [موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 485]. * وقال رضى الله عنه: "إن للقلوب شهوة وإقبالًا، وإن للقلوب فترة وإدبارًا، ¬

(¬1) قال ابن القيم رحمه الله: إن السرور والفرح يبسط النفس ويُنَمِّيها، ويُنْسِيها عيوبَها وآفاتَها ونقائصَها، إذ لو شهدت ذلك وأبصرته: لشغلها ذلك عن الفرح. والفرح بالنعمة قد ينسيه المُنْعِم، فيشتغل بالخَلْعة التي خلعها عليه عنه، فيطفح عليه السرور، حتى يغيب بنعمته عنه، وهنا يكون المكر إليه أقرب من اليد للفم. ومما يدل على أن الفرح من أسباب المكر ما لم يقارنه خوف: قوله تعالى {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ} [الأنعام: 44] وقال قوم قارون له {لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} [القصص: 76]. فالفرح متى كان بالله، وبما مَنَّ الله به، مقارِنًا للخوف والحذر: لم يضرَّ صاحبه، ومتى خلا عن ذلك: ضره ولا بُدَّ. ا. هـ بتصرف. مدارج السالكين 3/ 608

فاغتنموها عند شهوتها وإقبالها، ودعوها عند فترتها وإدبارها". (¬1) [صفة الصفوة 1/ 190]. * وقال عبد الله بن عمر بن عبد العزيز رحمه الله لأبيه يومًا: يا أبة، إنك تنام نوم القائلة، وذو الحاجة على بابك غير نائم؟ فقال له: يا بنيَّ، إنّ نفسي مطيّتي، فإن حملت عليها في التعب حسرتها. تأويل قوله: " حسرتها " بلغت بها أقصى غاية الإعياء. [الكامل في اللغة والأدب / 490]. * وقال بعضهم: [البداية والنهاية 11/ 364]. أفدْ طبعك المكدود بالجدِّ راحةً ... تجمَّ وعلله بشيءٍ من المزح ولكن إذا أعطيت ذلك فليكنْ ... بمقدار ما تعطي الطعام من الملح * وعن قسامة بن زهير رحمه الله قال: روحوا القلوب تعي الذكر. [الحلية (تهذيبه) 1/ 467]. * وقال وهب بن منبه رحمه الله: مكتوب في حكمة آل داود - عليهم السلام -: ينبغي ¬

(¬1) قال ابن القيم رحمه الله: وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - (إن لكل عامل شِرَّة، ولكل شِرَّة فترة) فالطالب الجاد لا بُدَّ أن تعرض له فترة فيشتاق في تلك الفترة إلى حاله وقت الطلب والاجتهاد. ولما فَتَر الوحي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: كان يغدو إلى شواهق الجبال ليلقي نفسه، فيبْدُو له جبريل عليه السلام فيقول له (إنك رسول الله) فيسْكن لذلك جَاشه، وتطمئن نفسه. فتَخَلُّلُ الفترات للسالكين أمرٌ لازم لا بد منه، فمن كانت فترته إلى مقاربة وتسديد، ولم تُخرجه من فرض، ولم تدخله في محرم: رُجي له أن يعود خيرًا مما كان. وفي هذه الفترات والغيوم والحُجب التي تعرض للسالكين من الحِكم مالا يعلم تفصيله إلا الله، وبها يتبين الصادق من الكاذب. فالكاذب: ينقلب على عَقِبَيْه، ويعود إلى رسوم طبيعته وهواه، والصادق: ينتظر الفرج ولا ييأس من رَوْح الله، ويلقي نفسه بالباب طريحًا ذليلًا مسكينًا، كالإناء الفارغ الذي لا شيء فيه البتة ينتظر أن يضع فيه مالك الإناء وصانعه ما يَصلح له، فإذا رأيته قد أقامك في هذا المقام: فاعلم أنه يريد أن يرحمك ويملأ إناءك، فإن وضعت القلب في غير هذا الموضع: فاعلم أنه قلب مضيع، فسل ربه ومن هو بين أصابعه أن يرده عليك ويجمع شملك به. ا. هـ بتصرف. مدارج السالكين 3/ 638 - 640

للعاقل أن لا يغفل عن أربع ساعات: ساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يناجي فيها ربه، وساعة يلقى فيها إخوانه الذين يخبرونه بعيوبه، ويصدقونه عن نفسه، وساعة يخلي بين نفسه وبين لذَّاتها فيما يحلّ ويجملّ، فإن في هذه الساعة عونًا على تلك الساعات، وفضلَ بلغة واستجماعًا للقلوب. [جامع العلوم والحكم / 396، موسوعة ابن أبي الدنيا 6/ 471]. * وعن الحسن رحمه الله أنه رخص في قمار البيض للصبيان، وكان ابن سيرين رحمه الله يكرهه، وكان ابن المسيب رحمه الله لا يرى بأسا بكسر البيض الذي يتقامر به الصبيان. * قال ابن أبي الدنيا رحمه الله: وكذلك الحسن إنما رخص في هذا لأنه رأى الصبيان غير مكلفين، فلم ير لفعلهم أثرا في التحريم، بخلاف البالغين فإن قمارهم معصية، وما يكسبونه به حرام. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/ 294].

موقف السلف من الرخص والأخذ بها

موقف السلف من الرخص والأخذ بها (¬1) * قال سليمان التيمي رحمه الله: لو أخذت برخصة كل عالم - أو زلة كل عالم - اجتمع فيك الشر كله. [الحلية (تهذيبه) 1/ 442]. * وقال المعتمر بن سليمان التيمي رحمه الله: قال أبي حين حضره الموت: يا معتمر، حدثني بالرخص لعلي ألقى الله - عزَّ وجلَّ - وأنا أحسن الظنّ به. [الحلية (تهذيبه) 1/ 442]. * وعن أبي أسامة قال: سمعت سفيان الثوري رحمه الله يقول: إنما العلم عندنا الرخص عن الثقة، فأما التشديد فكل إنسان يحسنه. [الحلية (تهذيبه) 2/ 364]. ¬

(¬1) قال ابن القيم رحمه الله: الرخصة نوعان: 1 - الرخصة المستقرة المعلومة من الشرع نصا، كأكل الميتة والدم عند الضرورة، فليس في تعاطي هذه الرخصة ما يوهن رغبته، ولا ينقص طلبه وإرادته البتة. 2 - رخص التأويلات واختلاف المذاهب، فهذه تتبعها حرام. ا. هـ بتصرف. مدارج السالكين 2/ 254 وقال ابن رجب رحمه الله: وقد يستدل بهذا - أي في حديث "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" - على أن الخروج من اختلاف العلماء أفضل لأنه أبعد عن الشبهة, ولكن المحققين من العلماء من أصحابنا وغيرهم على أن هذا ليس هو على إطلاقه, فإن من مسائل الاختلاف ما ثبت فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخصة ليس لها معارض, فاتباع تلك الرخصة أولى من اجتنابها ... وإن كان للرخصة معارض إما من سنة أخرى أو من عمل الأمة بخلافها, فالأولى ترك العمل بها, وكذا لو كان قد عمل بها شذوذ من الناس واشتهر في الأمة العمل بخلافها في أمصار المسلمين من عهد الصحابة رضي الله عنهم, فإن الأخذ بما عليه عمل المسلمين هو المتعين, فإن هذه الأمة قد أجارها الله أن يظهر أهل باطلها على أهل حقها, فما ظهر العمل به في القرون الثلاثة المفضلة فهو الحق وما عداه فهو باطل. جامع العلوم والحكم: 143، 144

ما قيل في الزمان

ما قيل في الزمان * عن زياد بن جرير قال: أتيت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال: يا زياد أفي هدم أنتم أم في بناء؟ قال: قلت: لا بل في بناء. فقال عمر: أما إن الزمان ينهدم بزلة عالم، وجدال منافق، أو أئمة مضلين. [الحلية (تهذيبه) 2/ 84]. * وقال ابن الجوزي رحمه الله: كان الوليد بن عبد الملك صاحب بناء واتخاذ مصانع، وكان الناس يلتقون في زمانه فيسأل بعضهم بعضًا عن البناء والمصانع، فولي سليمان، وكان صاحب نكاح وطعام، وكان الناس يلتقون فيسأل الرجلُ الرجلَ عن التزويج والجواري، فلما ولي عمر بن عبد العزيز رحمه الله كانوا يلتقون فيقول الرجل للرجل: ما وردك الليلة؟ وكم تحفط من القرآن؟ ومتى تختم؟. [المنتظم 6/ 268 - 269]. * وقال عروة بن الزبير رحمه الله: الناس بأزمنتهم أشبه منهم بآبائهم وأمهاتهم. [الحلية (تهذيبه) 1/ 350]. * وعن مطرف بن الشخير رحمه الله قال: عقول الناس على قدر زمانهم. [الحلية (تهذيبه) 1/ 361].

ما قيل في المساجد

ما قيل في المساجد * عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - أنه قال: ما من رجل يغدو إلى المسجد بخير يتعلمه أو يُعَلّمه إلا كتب الله له أجر المجاهد ولا ينقلب إلا غانمًا. [الزهد للإمام أحمد / 254 - 256]. * وعن أبي إدريس الخولاني رحمه الله قال: المساجد مجالس الكرام. [الحلية (تهذيبه) 2/ 162]. * وعن حسان بن عطية رحمه الله قال: كانوا يمسكون عن ذكر النساء وعن الخنا في المساجد. [الحلية (تهذيبه) 2/ 266]. * وعن مالك قال: رأى عطاء بن يسار رحمه الله رجلًا يبيع في المسجد فدعاه فقال: هذه سوق الآخرة فإذا أردت البيع فاخرج إلى سوق الدنيا. [الزهد للإمام أحمد / 531]. * وعن عمرو بن ميمون رحمه الله قال: المساجد بيوت الله، وحق على المزور أن يكرم زائره. [الحلية (تهذيبه) 2/ 71].

العمر والشيب

العمر والشيب * قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لابنه: أما ينهاك شمَطَاتك (¬1) عن معاصي الله. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 562]. * وعن سعيد بن مسلمة قال: رأيت الحجاج بن أرطاة رحمه الله يخضب بالسواد، ورأيت ابن أبي ليلى رحمه الله يخضب بالسواد، ورأيت أبا يعقوب العامري رحمه الله يخضب بالسواد، ورأيت ابن جريح رحمه الله يخضب بالسواد، ثم ترك بعدُ فجعل يخضب بالحناء والكتم (¬2). [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 558]. * وكان الحسين بن علي - رضي الله عنه -، وعبد الله بن جعفر، وعبد الرحمن بن الأسود رحمهما الله يخضبون بالوَسْمَة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 560]. * وعن يحيى بن سعيد رحمه الله قال: بلغنا أنه من أهان ذا شيبة: لم يمت حتى يبعث الله عليه من يهين شيبه إذا شاب. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 560]. * ودخل قوم على أعرابي يعودونه، فقال له بعضهم: كم أتى عليك؟ قال: خمسون ومائة سنة، فقالوا: عمر والله، فقال: لا تقولوا ذاك، فوالله لو استكملتموها لاستقللتموها. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 561]. * وقال ابن المبارك رحمه الله: ما أسرع هذه الأيام في هدم عمرنا، وأسرع هذا العام في هدم شهره، وأسرع هذا الشهر في هدم يومه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 526]. * وكان عون بن عبد الله رحمه الله يضع يده تحت لحيته، ثم يميلها إلى ¬

(¬1) هي الشعرات البيضاء في الشعر الأسود. (¬2) الكَتَمُ: نبات فيه حُمرة يخلط مع الوسْمة للخضاب الأَسود. والوسْمة: نبت يُختضب بورقه.

وجهه، ثم ينظر إليها فيبكي، ويقول: إلهي ارحم شيبتي. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 563]. * وقال السري السقطي رحمه الله: إن اغتممت بما يَنقُص من مالك، فابْكِ على ما ينقص من عُمرك. [صفة الصفوة 2/ 627]. * وقال الربيع بن عبد الرحمن رحمه الله: إنما يحب البقاء من كان عمره له غُنْما، وزيادة في عمله، فأما من غَبن عمرَه، واستنَّ له هواه، فلا خير له في طول الحياة. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 564]. * وقال عبد العزيز بن أبي رواد رحمه الله: من لم يتعظ بثلاث لم يتعظ بشيء: الإسلام، والقرآن، والشيب. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 564]. * ودخل على الهيثم بن الأسود رحمه الله فقيل له: كيف تجدك؟ قال: أجدني والله قد اسود مني ما أحب أن يبيض، وابيض مني ما أحب أن يسود، واشتد مني ما أحب أن يلين، ولان مني ما أحب أن يشتد، وسأنبئك عن آيات الكبر: تقارب الخَطْو ونقصٌ في البصر ... وقِلَّة الطُّعم إذا الزاد حضر وقلة النوم إذا الليل اعتكر ... وكثرة النسيان فيما يُدَّكر وتركي الحسناء في قَبْل الطُّهُر ... والناس يبلون كما يبلى الشجر [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 566]. * وعن عبد الله بن عبيدة قال: لما رأى إبراهيم الشيب قال: مرحبًا بالحلم والعلم، الحمد لله الذي أخرجني من الشباب سالمًا. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 568]. * واعتم شهر بن حوشب رحمه الله وهو يريد سلطانا يأتيه، ثم أخذ المرآة ينظر في وجهه وعمامته، فنظر إلى لحيته فرأى شيبة فأخذها بيده، ثم نقض عمامته، وهو يقول: السلطان بعد الشيب، السلطان بعد الشيب. [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 569].

* وكان أبو عبيدة النحوي رحمه الله إذا أراد أن يقوم تمثل أبيان أبي الطيخان القيني: حنَتْني حانياتُ الدهر حتى ... كأني خاتِلٌ يَدْنو (¬1) لصيدِ قريبُ الخَطو يحسب من رآني ... -ولست مقيدًا- أني بقيد [موسوعة ابن أبي الدنيا 7/ 570]. ¬

(¬1) في الأصل: بدنو, وهو خطأ مطبعي.

فوائد متفرقة

فوائد متفرقة * عن أبي ظبية قال: مرض عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، فعاده عثمان، وقال: ما تشتكي؟ قال: ذُنوبي، قال: فما تشتهي؟ قال: رحمةَ ربي، قال: ألا آمر لك بطبيب؟ قال: الطبيبُ أمرضني. قال: ألا آمر لك بعطاء؟ قال: لا حاجةَ لي فيه. [السير (تهذيبه) 1/ 197]. * وقال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: ثلاث أعجبتني حتى أضحكتني: مؤمل دنيا والموت يطلبه، وغافل وليس بمغفول عنه، وضاحك ملء فيه لا يدري أساخط ربّ العالمين عليه، أم راض عنه. وثلاث أحزنّني حتى أبكينني فراق محمد وحزْبه، وهول المطلع، والوقوف بين يدي ربي - عزَّ وجلَّ - ولا أدري إلى جنة أو إلى نار. [صفة الصفوة 1/ 259]. * وكانت عائشة - رضي الله عنها - ربّما قالت: والّذي زيّن الرجالَ باللّحَى. [عيون الأخبار 4/ 344]. * وعن عمران بن حصين - رضي الله عنه - قال: ما مسست فرجي بيميني منذ بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. [الزهد للإمام أحمد / 277]. * وعن كعب - رضي الله عنه - قال: إن الكلام الطيب حول العرش له دوي كدوي النحل يذكر صاحبه. [الزهد للإمام أحمد / 419]. * عن راشد بن سعد رحمه الله أنه قيل له: ما النعيم؟ قال: طيب النفس، قيل: فما الغنى؟ قال: صحة الجسد. [الزهد للإمام أحمد / 648]. * وقال بعض السلف رحمه الله: هلك الناس في حرفين: اشتغال بنافلة وتضييع فريضة، وعمل بالجوارح بلا مواطئة القلب عليه، وإنما منعوا الوصول بتضييع الأصول. [صفة الصفوة 2/ 639].

* وعن خيثمة رحمه الله قال: تقول الملائكة: يا ربّ عبدُك المؤمن تزْوِي عنه الدنيا، وتُعرّضه للبلاء؟ قال: فيقول للملائكة: اكشفوا لهم عن ثوابه، فإذا رأوا ثوابه قالوا: يا ربّ لا يضره ما أصابه في الدنيا. قال: ويقولون: عبدك الكافر تَزِوِي عنه البلاءَ، وتبسط له الدنيا؟ قال: فيقول للملائكة: اكشفوا لهم عن عقابه، قال: فإذا رأوا عقابه قالوا: يا ربِّ لا ينفعه ما أصابه من الدنيا. [صفة الصفوة]. * وقال السري السقطي رحمه الله: لو أشفقت هذه النفوس على أديانها شفقتَها على أولادها، لاقت السرور في مَعادها. [صفة الصفوة 2/ 632]. * وقال عثمان النهدي رحمه الله: كنا في الجاهليَّة نعبُد حجرًا، فسمعنا مناديًا ينادي: يا أهلَ الرِّحال، إن رَّبكم قد هلك، فالتمسوا رّبًا، فخرجنا على كُلِّ صعبٍ وذَلُول، فبينا نحنُ كذلك إذ سمعنا مناديًا ينادي: إنا قد وجدنا ربَّكُم أو شبهه، فجئنا فإذا حَجَرٌ فنحرنا عليه الجُزُر. [السير (تهذيبه) 1/ 471]. * وما أصدق قول أبي العتاهية رحمه الله: [السير (تهذيبه) 2/ 866]. إنَّ الشَّبابَ والفراغَ والجِدَة ... مفسدةٌ لِلمَرءِ أيُّ مَفسَدَة حَسْبُكَ مِمَّا تَبْتَغِيهِ القُوتُ ... ما أكثر القُوتَ لِمَنْ يَمُوتُ هيَ المَقادِيرُ فلُمني أَو فَذَرْ ... إنْ كُنتُ أخطأتُ فما أخطأ القَدَرْ * وعن أبي الفضل بن إسحاق بن محمود أنه قال: كان أبو عبد الله المروزي رحمه الله يتمنى على كبر سنه أن يولد له ابن فكنا عنده يومًا من الأيام، فتقدم إليه رجل من أصحابه فسارَّه في أذنه بشيء فرفع أبو عبد الله يديه فقال: {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ} [إبراهيم: 39]. ثم مسح وجهه بباطن كفيه ورجع إلى ما كان فيه فرأينا أنه استعمل في تلك الكلمة الواحدة ثلاث سنن: إحداها أنه سمى الولد، والثانية أنه حمد الله تعالى على الموهبة، والثالثة: أنه سماه إسماعيل لأنه وُلِدَ على كِبَر سِنِّه، وقد قال الله - عزَّ وجلَّ -: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90]. [المنتظم 13/ 55].

* وقال الفتح بن خاقان رحمه الله: دخلت يومًا على المتوكل فرأيته مطرقًا يتفكر فقلت له: ما هذا الفكر يا أمير المؤمنين؟ فوالله ما على الأرض أطيب منك عيشًا ولا أنعم منك بالًا، فقال: يا فتح، أطيب عيشًا مني رجل له دار واسعة، وزوجة صالحة، ومعيشة حاضرة، لا يعرفنا فنؤذيه، ولا يحتاج إلينا فنزدريه. [المنتظم 11/ 182]. * وعن عبد الملك بن أبجر رحمه الله أنه قال: ما من الناس إلا مُبْتَلىً بعافية لينظر كيف شكره - أو ببليه لينظر كيف صبره. [المنتظم 8/ 125]. * وعن مسعر بن كدام رحمه الله أنه قال: من أهمته نفسه تبين ذلك عليه. [المنتظم 8/ 159]. * وعن عمارة بن مهران المعولي قال: قال لي محمد بن واسع رحمه الله: ما أعجب إليّ منزلك. قال: قلت: وما يعجبك من منزلي وهو عند القبور. قال: وما عليك، يقلون الأذى ويذكرونك الآخرة. [الحلية (تهذيبه) 1/ 413]. * وعن الأصْمَعِيّ رحمه الله قال: سمِعتُ مَوْلًى لآلِ عُمَر بنِ الخطّاب يقول: أَخَدَ عبدُ الملك بنُ مَرْوانَ رجلًا كان يَرَى رَأي الخوارج، رأي شَبِيب، فقال له: ألستَ القائل: ومِنّا سُوَيْدٌ البَطِينُ وقَعْنَبٌ ... ومِنّا أَمِيرُ المؤمنين شَبيبُ فقال: إنما قلتُ: (ومنا أميرَ المؤمنين شبيبُ) بالنصب، أي يا أميرَ المؤمنين. فأمر بتخلِية سبيله. [عيون الأخبار 2/ 553]. * وعن عبد الله بن أحمد بن حنبل رحمه الله قال: رأيت أبي آخذًا شعرة من شعر النبي - صلى الله عليه وسلم - فيضعها على فيه يقبلها، وأحسب أني رأيته يضعها على عينيه، ويغمسها في الماء ثم يشربه ثم يستشفي بها ورأيته غير مرة يشرب ماء زمزم يستشفي به ويمسح به يديه ووجهه. [الحلية (تهذيبه) 3/ 145].

الخاتمة

الخاتمة هذا ما تيسر جمعه وترتيبه، فما كان من خيرٍ من الله، وما كان من نقصٍ وتقصيرٍ فمن نفسي والشيطان، وأسأل الله جل وعلا أن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المراجع

المراجع العقيدة: 1 - اقتضاء الصراط المستقيم، لشيخ الإسلام ابن تيمية، تعليق فضيلة الشيخ: محمد بن صالح العثيمين، تحقيق: محمود بن الجميل، طبع دار الأنصار للنشر والتوزيع. 2 - الشريعة، للآجرى، تحقيق الشيخ: عبد الرزاق المهدي، طبع: دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع. 3 - شرح السنة، للبربهاري، تحقيق: خالد بن قاسم الرّدادي، طبع دار السلف، دار الصميعي. 4 - عقيدة السلف وأصحاب الحديث، للصابوني، تحقيق: ناصر الجديع، طبع دار العاصمة للنشر والتوزيع. الأدب: 1 - الكامل في اللغة والأدب، للمبرد، تحقيق: د. يحي مراد، طبع مؤسسة المختار للنشر والتوزيع. 2 - عيون الأخبار، لابن قتيبة، تحقيق: د. محمد الإسكندراني، طبع دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع. السير والتراجم: 1 - تهذيب سير أعلام النبلاء، للدكتور: محمد موسى الشريف، طبع دار الأندلس الخضراء للنشر والتوزيع. 2 - تهذيب حلية الأولياء، للشيخ: صالح الشامي، طبع دار القلم، الدار الشامية. 3 - صفة الصفوة، لابن الجوزي، تحقيق: الشيخ عبد الرحمن اللاذقي، والشيخ حياة شيحا اللاذقي، طبع دار المعرفة. 4 - الزهد، للإمام أحمد، تحقيق: الشيخ يحيي الأزهري، طبع دار ابن رجب.

التواريخ

التواريخ: 1 - المنتظم، لابن الجوزي، تحقيق: الشيخ محمد عبد القادر عطا، والشيخ مصطفى عبد القادر عطا، طبع دار الكتب العلمية. 2 - البداية والنهاية، لابن كثير، تحقيق: مجموعة من المشايخ، تحت إشراف فضيلة الشيخ مصطفى العدوي، طبع دار ابن رجب. شروح الأحاديث: 1 - الجامع المنتخب من رسائل الحافظ ابن رجب، للشيخ: محمد العمري، طبع مؤسسة فؤاد بعينو للتجليد. 2 - جامع العلوم والحكم، لابن رجب، تحقيق الشيخ: فؤاد بن علي حافظ، طبع مؤسسة الريان. السلوك، والرقاق: 1 - مدارج السالكين، لابن القيم، تحقيق: الشيخ عبد العزيز بن ناصر الجليل، طبع دار طيبة. 2 - مفتاح دار السعادة، لابن القيم، تحقيق: الشيخ علي بن حسن الحلبي، طبع دار ابن القيم، دار ابن عفان. 3 - ذم الهوى، لابن الجوزي، تحقيق: الشيخ خالد عبد اللطيف السبع العلمي، طبع دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع. 4 - موسوعة الإمام ابن أبي الدنيا، طبع: المكتبة العصرية، بيروت. اللغة: 1 - القاموس المحيط، للفيروزآبادي. 2 - لسان العرب، لابن منظور. كتب أخرى: 1 - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا. 2 - بدائع الفوائد، لابن القيم، تحقيق: علي بن محمد العمراني، طبع دار عالم الفوائد. 3 - كتب الأحاديث، كصحيح البخاري ومسلم والترمذي وغيرها.

§1/1