حياة التابعين

ياسر الحمداني

مِاْئَةٌ وَعِشْرُونَ تَرْجَمَةً مخْتَارَةً مِنْ خَمْسَةِ آلاَفِ تَرْجَمَة [حَيَاةُ التَّابِعِين] «مخْتَصَرُ سِيَرِ أَعْلاَمِ النُّبَلاَءِ لِلإِمَامِ الذَّهَبيّ 0 تِلْمِيذِ شَيْخِ الإِسْلاَمِ ابْنِ تَيْمِيَة» إِعْدَادُ الكَاتِبِ الإِسْلاَمِيّ يَاسِرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ محْمُودٍ الحَمَدَاني حُقُوقُ الطَّبْعِ مَكْفُولَةٌ لِكُلِّ مُسْلِم

مقدمة

الْكَاتِبُ في سُطُور: ـ الاسْمُ: يَاسِر أَحْمَد محْمُود أَحْمَد [الاِسْمُ الأَدَبيُّ الَّذِي أَكْتُبُ بِهِ: يَاسِر الحَمَدَاني] ـ المُؤَهِّلُ الدِّرَاسِي: تخَرَّجْتُ مِن أَحَدِ مَعَاهِدِ الدُّعَاةِ التَّابِعَةِ لِلْجَمْعِيَّة الشَّرْعِيَّة بِتَقْدِير جَيِّد 0 ـ بَدَأَتْ صَدَاقَتي بِالتُّرَاثِ مِن عِشْرِينَ سَنَة، قَضَّيْتُهَا بِفَضْلِ اللهِ جَلَّ وَعَلاَ أَجْمَعُ نَوَادِرَ وَجَوَاهِرَ الحَدِيثِ النَّبَوِيِّ وَالشِّعْرِ الْعَرَبيِّ وَالحِكَمِ وَالأَمْثَال 0

النَّشَاطُ الدِّينيُّ وَالأَدَبيّ: طُبِعَتْ وَنُشِرَتْ لي عِدَّةُ مُؤَلَّفَات، وَهِيَ عَلَى التَّرْتِيب: 1 التَّبرُّجُ وَالسُّفُور، وَغَلاءُ المُهُور، وَأَسْبَابُ تَفَشِّي الزِّنَا وَالفُجُور طُبِعَتْ مِنهُ الطَّبْعَةُ الأُولىَ عَلَى نَفَقَتي الشَّخْصِيَّة، وَنَفَدَتِ الكِمِّيَّة {2000م} 2 الرِّضَا بِالْقَضَاءِ وَالقَدَر: طُبِعَ عَلَى نَفَقَتي الشَّخْصِيَّة، وَنَفَدَتِ الطَّبْعَةُ مِنَ الأَسْوَاق {2001م} 3 القَنَاعَةُ وَالرِّضَا: طُبِعَ عَلَى نَفَقَتي الشَّخْصِيَّة، وَنَفَدَتِ الطَّبْعَةُ مِنَ الأَسْوَاق {2002م}

4 إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ الله: طُبِعَ عَلَى نَفَقَتي الشَّخْصِيَّة، نَفَدَتِ الطَّبْعَةُ مِنَ الأَسْوَاق {2002م} 5 التَّبرُّجُ وَالسُّفُور، وَغَلاءُ المُهُور، وَأَسْبَابُ تَفَشِّي الزِّنَا وَالفُجُور طُبِعَتْ مِنهُ الطَّبْعَةُ الثَّانِيَةُ في دَارِ هَاشِم لِلتُّرَاث، وَنَفَدَتِ الكِمِّيَّة 0 {2003م} 6 الرِّضَا بِقِسْمَةِ الأَرْزَاق: طُبِعَ في دَارِ الْكُتُبِ العِلْمِيَّة 0 بَيرُوت 0 {2004م} 7 جَوَاهِرُ مِن أَقوَالِ الرَّسُول: طُبِعَ في دَارِ الحَرَمَين 0 مِصْر 0 {2008م} ـ نَشَرَتْ لي كُبْرَيَاتُ الصُّحُفِ المِصْرِيَّة: كَالأَخْبَارِ وَالْوَفْدِ وَعَقِيدَتي وَآفَاق عَرَبِيَّة 0 ـ كَمَا قَدَّمْتُ عِدَّةَ حَلْقَاتٍ دِينِيَّة وَأَدَبِيَّة؛ لِلإِذَاعَةِ المِصْرِيَّة 0 ـ كَمَا قَدَّمَتْ لي قَنَاةُ الرَّحْمَةِ قَصِيدَةً مُغَنَّاةً عَنِ الإِسَاءَةِ الدِّنمَارْكِيَّة بِعُنوَان «إِلاَّ الحَبِيب»

مقدمة الكتاب

المُقَدِّمَة تَبَارَكَ مَنْ لَهُ الحَمْدُ عَلَى الدَّوَام، تَبَارَكَ مَنْ لاَ يَغْفَلُ وَلاَ يَنَام، تَبَارَكَ ذُو الجَلاَلِ وَالإِكْرَام 00 فَالِقُ الإِصْبَاح، وَقَابِضُ الأَرْوَاح، وَمُرْسِلُ الرِّيَاح، الَّذِي لاَ يُحِيطُ بجَمَالِهِ مَدَّاح 0 لَهُ الحَمْدُ في الأُولى وَالآخِرَة، وَاسِعُ الرَّحْمَةِ وَاسِعُ المَغْفِرَة، سُبْحَانَه سُبحَانَه، لَهُ العِزَّةُ وَالجَبرُوت، وَلَهُ المُلكُ وَالمَلَكُوت، يُحْيى وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لاَ يَمُوت 00 يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ كُلُّ مَنْ في الأَرْضِ وَالسَّمَاوَات، بَدْءاً مِنَ الذَّرَّاتِ وَحَتىَّ المجَرَّات 00!! إِلَهِي وَمَوْلاَيَ مَا أَعْظَمَكْ ... وَمَنْ في الْوَرَى لاَ يَرَى أَنعُمَكْ {يَاسِر الحَمَدَاني}

نُسِيءُ إِلَيْكَا؛ وَتحْسِنُ إِلَيْنَا، فَمَا قَطَعْتَ إِحْسَانَكَ، وَلاَ نحْنُ اسْتَحْيَيْنَا 00!! اللَّهُمَّ اعْفُ عَنَّا وَلاَ تَلْعَنَّا، وَخُذْ بِأَيْدِينَا؛ حَتى نُرْضِيَكَ مِثْلَمَا تُرْضِينَا؛ الْعَبْدُ يَهْفُو وَالرَّبُّ يَعْفُو اعْفُ يَا مَوْلاَيَ عَنيِّ ... وَامْحُ مَا قَدْ كَانَ مِنيِّ لاَ تُعَذِّبْني فَإِنيِّ ... فِيكَ قَدْ أَحْسَنْتُ ظَنيِّ {يَاسِر الحَمَدَاني}

عَلَيْكَ اعْتِمَادِي وَفِيكَ اعْتِقَادِي ... وَحُبُّكَ زَادِي لِيَوْمِ اللِّقَاءْ فَأَنْتَ الْقَرِيبُ وَأَنْتَ الرَّقِيبُ ... وَأَنْتَ المجِيبُ سَمِيعُ الدُّعَاءْ دَعَاكَ خُشُوعِي وَسَالَتْ دُمُوعِي ... وَصَعَّدْتُ في اللَّيْلِ مُرَّ الْبُكَاءْ أَنِرْ لي الطَّرِيقَا وَكُنْ بي رَفِيقَا ... إِذَا اجْتَزْتُ ضِيقَا وَحَلَّ بَلاَءْ {الْبَيْتُ الأَوَّلُ لي، وَالْبَاقِي لِعِصَامِ الْغَزَالي بِتَصَرُّف}

أَنْتَ الَّذِي أَرْشَدْتَني مِنْ بَعْدِ مَا ... في الكَوْنِ كُنْتُ أَتِيهُ كَالحَيرَانِ وَزَرَعْتَ لي بَينَ القُلُوبِ محَبَّةً ... حَتىَّ أَحَبَّتْ يَاسِرَ الحَمَدَاني وَنَشَرْتَ لي في العَالمِينَ محَاسِنَاً ... وَسَتَرْتَ عَن أَبْصَارِهِمْ عِصْيَاني وَاللهِ لَوْ عَلِمُواْ بِمَا كَسَبَتْ يَدِي ... لأَبَى السَّلاَمَ عَلَيَّ مَنْ يَلقَاني يَا رَبِّ فَانْصُرْني عَلَى نَفْسِي بِمَا ... تَرْضَاهُ وَانْصُرْني عَلَى الشَّيْطَانِ {مِنْ نُونِيَّةِ الْقَحْطَاني بِتَصَرُّف}

إِلهِي لَقَدْ أَحْسَنْتَ رَغْمَ إِسَاءَتي ... إِلَيْكَ فَلَمْ يَنهَضْ بِإِحْسَانِكَ الشُّكْرُ فَمَنْ كَانَ مُعْتَذِرًا إِلَيْكَ بحُجَّةٍ ... فَعُذْرِيَ إِقْرَارِي بأَنْ لَيْسَ لي عُذْرُ أَتَيْتُكَ مُفْتَقِرًا إِلَيْكَ وَلَمْ يَكُنْ ... لِيُعْجِبَني لَوْلاَ محَبَّتُكَ الفَقْرُ {الْبَيْتَانِ الأَوَّلاَنِ لأَبي نُوَاس، وَيُنْسَبَانِ لمحْمُودٍ الْوَرَّاق، وَالأَخِيرُ لِلْبُحْتُرِيّ 0 بِتَصَرُّف}

وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَه، وَأَشْهَدُ أَنَّ محَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُه، أَرْسَلَهُ اللهُ هَادِيًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرَا، وَدَاعِيًا إِلى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرَا، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ سَارَ عَلَى دَرْبِهِ تَسْلِيمًا كَثِيرَا 00

أَنْتَ الَّذِي لَمَّا رُفِعْتَ إِلى السَّمَا ... بِكَ قَدْ سَمَتْ وَتَزَيَّنَتْ لِلِقَاكَا أَنْتَ الَّذِي مِنْ نُورِكَ البَدْرُ اكْتَسَى ... وَالشَّمْسُ قِنْدِيلٌ أَمَامَ ضِيَاكَا نَادَيْتَ أَشْجَارًا أَتَتْكَ مُطِيعَةً ... وَشَكَا الْبَعِيرُ إِلَيْكَ حِينَ رَآكَا وَالمَاءُ فَاضَ بِرَاحَتَيْكَ وَسَبَّحَتْ ... صُمُّ الحَصَى لِلَّهِ في يُمْنَاكَا وَالجِذْعُ حَنَّ إِلَيْكَ حِينَ تَرَكْتَهُ ... وَعَلَى سِوَاهُ أُوقِفَتْ قَدَمَاكَا مَاذَا يَقُولُ المَادِحُونَ وَمَا عَسَى ... أَنْ يَجْمَعَ الشُّعَرَاءُ مِنْ مَعْنَاكَا صَلَّى عَلَيْكَ اللَّهُ يَا عَلَمَ الهُدَى ... مَا اشْتَاقَ مُشْتَاقٌ إِلىَ رُؤْيَاكَا {شِهَابُ الدِّينِ الأَبْشِيهِيُّ صَاحِبُ المُسْتَطْرَف، بِشَيْءٍ مِنَ التَّصَرُّف}

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا محَمَّدٍ عَدَدَ أَوْرَاقِ الشَّجَر، وَعَدَدَ حَبَّاتِ المَطَر، وَعَدَدَ مَا خَلَقْتَ مِنَ البَشَر {إِعْدَادُ الكَاتِبِ الإِسْلاَمِيّ / يَاسِر الحَمَدَانِي}

نبذة عن الكتاب

نُبْذَةٌ عَن هَذَا المُخْتَصَر إِنَّ أَغْلَبَ المُخْتَصَرَاتِ وَجُلَّهَا 00 إِنْ لَمْ يَكُنْ كُلَّهَا: تَنَاوَلَتْ كِتَابَ «سِيَرِ أَعْلاَمِ النُّبَلاَء»: كَكِتَابٍ في الرِّجَال؛ لِذَا لَمْ يَنْتَفِعْ عَامَّةُ المُسْلِمِينَ بِالْكِتَابِ وَلاَ بمُخْتَصَرَاتِه: لِذَا تَنَاوَلَتُهُ بِاعْتِبَارِهِ كِتَابَ رَقَائِقَ وَأَدَب، وَرُبَمَا كَانَتْ رَقَائِقُهُ تِلْكَ هِيَ السِرُّ في إِخْرَاجِ وَرَوَاجِ هَذَا الْكِتَابِ الدَّفِين، مِنْ بَينِ كُتُبِ المُؤَلِّفِين، وَانْنِشَارِهِ بَينَ أَيْدِي المُثَقَّفِين؛ لِذَا قُمْتُ بِاخْتِصَارِهِ لِعَامَّةِ المُسْلِمِين؛ رَاجِيَاً أَرْحَمَ الرَّاحِمِين: أَنْ يَغْفِرَ لي بِهِ خَطِيئَتي يَوْمَ الدِّين 0

جَمَعْتُ في مخْتَصَرِي هَذَا أَرْوَعَ وَأَمْتَعَ مَا دَوَّنَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ عن أَئِمَّةِ المحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَالمُفَسِّرِينَ وَالزُّهَّاد، مِن أَقْوَالِهِمْ وَمَوَاقِفِهِمْ، وَاخْتَصَرْتُ بِالطَّبْعِ تَطْوِيلَهُ وَتَفْصِيلَهُ وَاسْتِفَاضَتَهُ في ذِكْرِ الشُّيُوخِ وَالتَّلاَمِذَة، وَانْتَقَيْتُ الجَيِّدَ وَالصَّحِيحَ مِنَ الْقَصَصِ الَّتي أَوْرَدَهَا عَن هَؤُلاَءِ الجَهَابِذَة، مُخْتَصِرَاً التَّعْلِيقَاتِ وَالتَّعْقِيبَات، مُقْتَصِرَاً بِالتَّأْكِيد: عَلَى كُلِّ نَادِرٍ وَمُفِيد؛ مِن هَذَا الْكِتَابِ الْفَرِيد 0 فَبَدَأْتُ أَعْرِضُ في سُطُور، كُلَّ مَا أُثِرَ مِنَ الدُّرُِّ المَنْثُور، وَالْقَوْلِ المَأْثُور: عَن أُوْلَئِكَ الْعُلَمَاءِ وَالحُفَّاظ؛ فَإِذَا بي أَعْثُرُ فِيهِ عَلَى كَلاَمٍ لَهُمْ كَالأَلْمَاظ؛ فَكِتَابُ سِيَرِ أَعْلاَمِ النُّبَلاَء، يُعَدُّ بِحَقٍّ نُزْهَةً لِلْعُقَلاَء؛

نَالَ حُبيِّ وَسَلَبَ لُبيِّ وَهُوَ جَدِيرٌ بِسَلْبِ الْقُلُوبِ وَالأَلْبَاب، فَإِنَّ التَّرَاجِمَ شَيْءٌ عُجَاب؛ وَلِذَا قَرَّرْتُ اخْتِصَارَ هَذَا الْكِتَاب، وَقَرَارُ اخْتِصَارِهِ جَاءَ بِاعْتِبَارِهِ كسَائِرِ كُتُبِ الأَخْبَار، لاَ يَخْلُو مِنَ الإِكْثَار؛ فَعَكَفْتُ عَدَّةَ أَشْهُرٍ عَلَيْه، أَجْمَعُ النَوَادِرَ وَالجَوَاهِرَ الَّتي بَينَ دَفَّتَيْه، وَعَنوَنْتُهَا بِعُنوَان: «حَيَاةُ التَّابِعِين» 0 كَانَ مَنهَجُ المُؤَلِّف [الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ] في سَرْدِ أَخْبَارِهِمْ: تَقْسِيمَهُمْ إِلىَ طَبَقَاتٍ بحَسْبِ الْفَتْرَةِ الزَّمَنِيَّة: فَبَدَأَ بِالصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ [مُتَجَاهِلاً الخُلَفَاءَ الأَرْبَعَة!!]، ثُمَّ انْطَلَقَ في ثَلاَثَةِ مجَلَّدَاتٍ رَتَّبَهُمْ حَسْبَ تَوَارِخِ وَفَاتِهِمْ: فَبَدَأَ بِمَنْ مَاتُواْ في حَيَاةِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،

وَانْتَهَى رَحِمَهُ اللهُ بِآخِرِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَفَاةً، وَقَدِ اخْتَصَرْتُ هَذِهِ المجَلَّدَاتِ الثَّلاَثَةِ بَعْدَ أَنْ زِدْتُ عَلَيْهَا مِثْلَيْهَا مِنْ صَحِيحِ الحَدِيثِ النَِّبَوِيِّ تحْتَ عُنوَان «أَصْحَابُ محَمَّد»، وَبَدَأْتُ اخْتِصَارِي في «حَيَاةِ التَّابِعِين» مِنَ المُجَلَّدِ الرَّابَِعِ إِلىَ آخِرِه، حَتىَّ وَصَلْتُ إِلىَ آخِرِه: لِيَكُونَ هَذَا المجَلَّدُ الَّذِي حَلَّ مِنْكَ الْيَدَا، خُلاَصَةَ عِشْرِينَ مجَلَّدَا، جَعَلَهُ اللهُ نُورَاً وَهُدَى وَمَضَى الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في ذِكْرِ التَّابِعِينَ تِبَاعَاً بحَسْبِ تَوَارِيخِ وَفَاتِهِمْ: الأَحْدَثَ فَالأَحْدَث 000 وَهَكَذَا 0 أَمَّا اخْتِصَارِي «حَيَاةُ التَّابِعِين»: فَقَسَّمْتُهُ إِلىَ طَبَقَاتٍ بحَسْبِ تَخَصُّصِهِمْ، وَرَتَّبْتُ شَخْصِيَّاتِ كُلِّ طَبَقَةٍ بِنَاءَاً عَلَى شُهْرَتِهِ؛ بَادِئَاً بِالأَشْهَرِ فَالأَقَلِّ شُهْرَة 0

أَبْوَابُ الْكِتَاب: الطَّبَقَةُ الأَوَّلىَ: أَوْرَدْتُ فِيهَا تَرَاجِمَ أَئِمَّةِ المحَدِّثِين [أَصْحَابِ الصِّحَاحِ وَالمَسَانِيدِ وَالسُّنَن] الطَّبَقَةُ الثَّانيَة: أَوْرَدْتُ فِيهَا تَرَاجِمَ كِبَارِ المحَدِّثِين [سَائِرَ عَمَالِيقِ الحَدِيثِ بِاسْتِثْنَاءِ النُّقَاد] الطَّبَقَةُ الثَّالِثَة: أَوْرَدْتُ فِيهَا تَرَاجِمَ النُّقَّادِ مِنَ المحَدِّثِين 0 الطَّبَقَةُ الرَّابِعَة: أَوْرَدْتُ فِيهَا تَرَاجِمَ أَعْلاَمِ الْفُقَهَاء 0 الطَّبَقَةُ الخَامِسَة: أَوْرَدْتُ فِيهَا تَرَاجِمَ أَعْلاَمِ المُفَسِّرِين 0 الطَّبَقَةُ السَّادِسَة: أَوْرَدْتُ فِيهَا تَرَاجِمَ أَعْلاَمِ الْقضَاةِ وَالْوُلاَةِ وَالنُّحَاة 0 الطَّبَقَةُ السَّابِعَة: أَوْرَدْتُ فِيهَا تَرَاجِمَ أَعْلاَمِ الزُّهَّاد 0 الطَّبَقَةُ الثَّامِنَة: أَوْرَدْتُ فِيهَا تَرَاجِمَ المَشَاهِيرِ مِنَ الْعَلَوِيِّين 0

وَعَرْضِي لِلتَّرْجَمَةِ كَانَ كَالتَّالي: ـ بَدَأْتُ بِذِكْرِ أَصَحِّ الأَقْوَالِ الَّتي رَجَّحَهَا الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في تَارِيخِ مَوَلِدِ وَوَفَاةِ صَاحِبِ التَّرْجَمَة 0 ـ ثُمَّ بَدَأْتُ أَذْكُرُ أَشْهَرَ شُيُوخِهِ، وَأَشْهَرَ تَلاَمِذَتِه 0 ـ ثُمَّ بَدَأْتُ أَذْكُرُ نُبْذَةً عَنْ نَشْأَتِهِ وَرِحْلاَتِهِ في طَلَبِ الْعِلْم، وَجِدِّهِ في تَحْصِيلِه 0 ـ ثُمَّ بَدَأْتُ في ذِكْرِ ثَنَاءِ الأَئِمَّةِ عَلَيْه 0 ـ ثُمَّ بَدَأْتُ أَذْكُرُ مَا قِيلَ عَنهُ في نُبُوغِهِ المُبَكِّرِ أَوْ عَبْقَرِيَّتِهِ 0 ـ ثُمَّ بَدَأْتُ أَذْكُرُ مَا قِيلَ عَن حِفْظِهِ وَسَعَةِ عِلْمِهِ 0

ـ ثُمَّ بَدَأْتُ أَذْكُرُ نُبْذَةً عَنْ صَلاَحِهِ وَتَقْوَاه، وَخُشُوعِهِ في الصَّلاَه، وَخَوْفِهِ مِنَ الله، وَوَرَعِهِ في فَتَاوَاه 0 ـ ثُمَّ بَدَأْتُ أَسْتَعْرِضُ حَيَاتَهُ وَمَا فِيهَا مِنَ المحَنِ وَالمُعَانَاة، وَأَخْبَارَهُ مَعَ كُلِّ مَن آذَاه 0 ـ ثُمَّ بَدَأْتُ أَعْرِضُ مَنهَجَهُ في الْفَتْوَى إِنْ كَانَ فَقِيهَاً، أَوْ مَنهَجَهُ في التَّفْسِيرِ إِنْ كَانَ مُفَسِّرَاً، أَوْ في التَّاْلِيف 0 ـ ثُمَّ بَدَأْتُ أَذْكُرُ نُبْذَةً عَنْ مجْلِسِهِ وَعَن حُبِّ النَّاسِ لَهُ 0 ـ ثُمَّ بَدَأْتُ أَذْكُرُ بَعْضَ كَرَامَاتِهِ 00 في حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ، وَبَعْضَ أَخْبَارِ مَنْ رَآهُ في مَنَامَاتِهِ 0

أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَتَقَبَّلَهُ مِنيِّ بِقَبُولٍ حَسَن، وَأَنْ يُوقِظَ بِهِ المُسْلِمِينَ مِنَ الْوَسَن، وَأَنْ يَكْفِيَني وَإِيَّاهُمْ شُرُورَ هَذَا الزَّمَن، وَأَنْ يُجَنِّبَنَا مَصَائِدَ الشَّيْطَانِ وَمُغْرِيَاتِ الْفِتَن، وَأَنْ يَجْعَلَ لحَيَاةِ التَّابِعِين: بَرَكَةً بَينَ المُسْلِمِين، وَأَنْ تَعْمُرَ بِهِ قُلُوبُ وَبُيُوتُ المُؤْمِنِين، وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى سَيِّدِ المُرْسَلِين، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِين 0 {الفَقِيرُ إِلىَ عَفْوِ الرَّحْمَنِ / يَاسِر الحَمَدَاني}

فَضْلُ التَّابِعِين: رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ عُرِفُواْ بِالتَّابِعِينَ لاِتِّبَاعِهِمْ آثَارَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآثَارَ مَنْ سَبَقَهُمْ مِنْ صَحَابَتِهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ، كَمَا سُمِّيَ الصَّحَابَةُ صَحَابَةً لِصُحْبَتِهِمُ لِلنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم 0

فضل التابعين

يَقُولُ ابْنُ مَنْظُورٍ الإِفْرِيقِيُّ صَاحِبُ لِسَانِ الْعَرَب: «تَبِعْتُ الشَّيْءَ تَبَعَاً: سِرْت في إِثْرِهِ، واتَّبَعَهُ وأَتْبَعَهُ وَتَتَبَّعَهُ قَفَاه» 0 [لِسَانُ الْعَرَب] قَالَ الحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيب: «التَّابِعِيُّ مَنْ صَحِبَ الصَّحَابيّ» [الإِمَامُ الْقُرْطُبيُّ في تَفْسِيرِه]

{وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنه} {التَّوْبَة/100} قَالَ قَتَادَةُ رَحِمَهُ اللهُ في هَذِهِ الآيَة: «وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ: التَّابِعُون» 0 [الإِمَامُ الرَّازِي في تَفْسِيرِه]

وَقَالَ عِكْرِمَةُ في قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالىَ: {وَآخَرِينَ مِنهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ}: «هُمُ التَّابِعُون» 0 [الإِمَامُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ الصَّنعَانيُّ في تَفْسِيرِه] قَالَ ابْنُ عَجِيبَةَ في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَة: {وَالَّذِينَ جَاءُواْ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تجْعَلْ في قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُواْ رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيم}: هُمُ التَّابِعُونَ بِإِحْسَانٍ إِلىَ يَوْمِ الْقِيَامَة» 0 [تَفْسِيرُ الْبَحْرِ المَدِيد لاِبْنِ عَجِيبَة]

عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: «سَأَلَ رَجُلٌ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ النَّاسِ خَيْر؟ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «الْقَرْنُ الَّذِي أَنَا فِيه، ثُمَّ الثَّاني، ثُمَّ الثَّالِث» 0 [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 2536 / عَبْد البَاقِي] عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال: «خَيْرُ أُمَّتي الَّذِينَ يَلُوني، ثمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثمَّ يجِيءُ قَوْمٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَه، وَيَمِينُهُ شَهَادَتَه» 0 [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 2533 / عَبْد البَاقِي]

أَمَّا سَائِرُ رَوَايَاتِ الصَِّحِيحَينِ فَتَقُول: «خَيْرُكُمْ قَرْني، خَيْرُ أُمَّتي قَرْني، خَيْرُ النَّاسِ قَرْني» 0 وَبِمَا أَنَّ الْقَرْنَ كَمَا في لِسَانِ الْعَرَبِ هُوَ الأُمَّة؛ وَمِنهُ قَوْلُهُ جَلَّ وَعَلاَ: {كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ} {الأَنعَام/6، مَرْيم/98، ص/3، ق/36} {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا القُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ} {يُونُس/13، الإِسْرَاء/17، طَهَ/128، القَصَص/78، السَّجْدَة/26، يَسِ/31} {ثُمَّ أَنشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنَاً آَخَرِين} {المُؤْمِنُون/31، الأَنعَام/6} {ثُمَّ أَنشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُونَاً آَخَرِين} {المُؤْمِنُون/42} {قَالَ فَمَا بَالُ القُرُونِ الأُولىَ} {طَهَ/51}

{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا القُرُونَ الأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاس} {القَصَص/43} فَالْقَرْنُ هُوَ الأُمَّة، وَقِيلَ في لِسَانِ الْعَرَبِ أَيْضَاً هُوَ عُمْرُ الأُمَّة، وَاخْتُلِفَ في تَقْدِيرِهِ: فَمِنهُمْ مَنْ ذَهَبَ إِلىَ أَنَّهُ مِنْ 60 إِلىَ 70 سَنَة؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: عَن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال: «أَعْمَارُ أُمَّتي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلىَ السَّبْعِين، وَأَقَلُّهُمْ مَنْ يَجُوزُ ذَلِك» 0 [صَحَّحَهُ الْعَلاَّمَةُ الأَلْبَانيُّ في سُنَنِ الإِمَامِ ابْنِ مَاجَةَ بِرَقْم: 4236، وَحَسَّنَهُ الأُسْتَاذ شُعيب الأَرْنَؤُوط في صَحِيحِ ابْنِ حِبَّان]

وَأَكْبَرُ وَأَشْهَرُ عُلَمَاءِ اللُّغَةِ عَلَى أَنَّ الْقَرْنَ هُوَ مِاْئَة سَنَة 0 فَلَوْ أَخَذْنَا بِهَذَا الْقَوْلِ يَكُونُ انْتِهَاءُ قَرْنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرْنِ الصَِّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ بَعْدَ مِاْئَةِ سَنَةٍ مِنْ تَارِيخِ الْبَعْثَة: [100 - 13 في مَكَّة] = سَنَة [87 هـ] وَانْتِهَاءُ قَرْنِ التَّابِعِين سَنَة [87 + 100] = [187 هـ] وَانْتِهَاءُ قَرْنِ تَابِعِي التَّابِعِين سَنَة [187 + 100] = [287 هـ]

وَلَوْ أَخَذْنَا بِالْقَوْلِ الأَوَّل [عُمْرِ الأُمَّة] يَكُونُ انْتِهَاءُ قَرْنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرْنِ الصَِّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ بانْتِهَاءِ عُمْرِ آخِرِ صَحَابيٍّ فِيه: أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ كَمَا سَيَأْتي 00 أَيْ سَنَة [93 هـ] وَانْتِهَاءُ قَرْنِ التَّابِعِين سَنَة [200 هـ] تَقْرِيبَاً وَانْتِهَاءُ قَرْنِ تَابِعِي التَّابِعِين سَنَة [303 هـ] تَقْرِيبَاً

عُمْرِ آخِرِ صَحَابيّ وَبِمَا أَنَّ الْقَرْنَ كَمَا في لِسَانِ الْعَرَبِ بِاخْتِصَارٍ هُوَ عُمْرُ أُمَّةٍ مِنَ الأُمَم: فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْنَا لمَعْرِفَةِ مَتىَ انْتَهَى قَرْنُ الصَّحَابَةِ أَنْ نَنْظُرَ آخِرَ المُعَمَّرِينَ مِنهُمْ 0 قَالَ خَيْرِ الدِّينِ الزِّرِكْلِيِّ في الأَعْلاَم: «آخِرُ الصَّحَابَةِ مَوْتَاً بِالْيَمَامَةِ فِيمَا قَالَهُ ابْنُ مَنْدَةَ الهِرْمَاسُ بْنُ زِيَادٍ الْبَاهِلِيّ» 0 [الأَعْلاَمُ لخَيْرِ الدِّينِ الزِّرِكْلِيّ]

قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلاَمِ النُّبَلاَء: «أَظُنُّ الهِرْمَاسَ بَقِيَ حَيَّاً إِلىَ حُدُودِ سَنَةِ 90 هـ» 0 [الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلاَمِ النُّبَلاَء 0 طَبْعَةِ مُؤَسَّسَةِ الرِّسَالَة 0 ص: 420/ 3] وَقَالَ قَتَادَة: «آخِرُ مَنْ مَاتَ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ بِدِمَشْق: وَاثِلَةُ بْنُ الأَسْقَع» 0 [الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلاَمِ النُّبَلاَء 0 طَبْعَةِ مُؤَسَّسَةِ الرِّسَالَة 0 ص: 361/ 3] وَرَوَى إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ خَالِدٍ أَنَّهُ قَال: «تُوُفِّيَ وَاثِلَةُ في سَنَةِ 83 هـ، وَهُوَ ابْنُ مِاْئَةٍ وَخَمْسِ سِنِين» 0 [الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلاَمِ النُّبَلاَء 0 طَبْعَةِ مُؤَسَّسَةِ الرِّسَالَة 0 ص: 361/ 3]

قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ مُعَلِّقَاً عَلَى هَذَا: «اعْتَمَدَهُ الإِمَامُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُه» 0 [الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلاَمِ النُّبَلاَء 0 طَبْعَةِ مُؤَسَّسَةِ الرِّسَالَة 0 ص: 420/ 3] وَذَكَرَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلاَمِ النُّبَلاَءِ في تَرْجَمَةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الحَارِثِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّهُ مَاتَ 83 هـ 0 وَذَكَرَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلاَمِ النُّبَلاَءِ في تَرْجَمَةِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّهُ مَاتَ 93 هـ 0

قَالَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ ابْنُ تَيْمِيَةَ في الْفَتَاوَى عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَهُ في الدُّنيَا وَالآخِرَة عَنْ فَضْلِ هَذِهِ الطَّبَقَة: «هَذِهِ الطَّبَقَةُ [مِنَ التَّابِعِين]: كَانَ لَهَا قُوَّةُ الحِفْظِ وَالفَهْم، وَالفِقْهُ في الدِّين، وَالبَصَرُ بِالتَّأْوِيل؛ فَفَجَّرَتْ مِنَ النُّصُوصِ أَنهَارَ العُلُوم، وَاسْتَنبَطَتْ مِنهَا الْكُنُوز، وَرُزِقَتْ فِيهَا فَهْمَاً خَاصَّاً 00 وَهَذَا الفَهْمُ هُوَ بمَنزِلَةِ الكَلأِ وَالعُشْبِ الَّذِي أَنْبَتَتْهُ الأَرْضُ الطَّيِّبَة، ثمَّ وَلِيَهَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَوْمٌ آخَرُون، حَفِظُواْ النُّصُوصَ الَّتي وَرِثُوهَا؛ فَكَانَ هَمَّهُمْ حِفْظُهَا وَضَبْطُهَا؛ فَنَفَعَ اللهُ بِهَا النَّاسَ فَشَرِبُواْ مِنهَا وَسَقَوْا وَرَعَوْا، وَرَوَواْ؛ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ 00

فَهَذَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَلَى صِغَرِ سِنِّهِ حَبْرُ الأُمَّة، وَتُرْجُمَانُ القُرْآن، فَاقَ النَّاسَ وَقَدْ سَمِعُواْ مَا سَمِع، وَحَفِظُواْ القُرْآنَ كَمَا حَفِظ، لَكِنَّ أَرْضَهُ كَانَتْ مَن أَطْيَبِ الأَرَاضِي وَأَقْبَلِهَا لِلزَّرْع؛ فَبَذَرَتْ فِيهَا النُّصُوصُ وَأَنْبَتَتْ مَنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيم 00 فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاء، وَاللهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيم 00

أَيْنَ تَقَعُ فَتَاوَى أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَتَفْسِيرُهُ وَاسْتِنْبَاطُهُ مِنْ فَتَاوَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَتَفْسِيرِه؟ وَأَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَحْفَظُ مِنهُ، بَلْ هُوَ حَافِظُ الأُمَّةِ عَلَى الإِطْلاَق: يُؤَدِّي الحَدِيثَ كَمَا سَمِعَهُ، وَيَدْرُسُهُ بِاللَّيْلِ دَرْسَاً؛ كَانَتْ هِمَّتُهُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ مَصْرُوفَةً إِلىَ الحِفْظِ وَتَبْلِيغِ مَا حَفِظَهُ كَمَا سَمِعَهُ، وَهِمَّةُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: مَصْرُوفَةً إِلىَ التَّفَقُّهِ وَالاِسْتِنْبَاطِ وَتَفْجِيرِ النُّصُوصِ وَشَقِّ الأَنهَار، وَاسْتِخْرَاجِ مَا فِيهَا مِنَ الْكُنُوز» 0 {إِعْدَادُ الكَاتِبِ الإِسْلاَمِيّ / يَاسِر الحَمَدَانِي}

أعلام أئمة المحدثين

أَعْلاَمُ أَئِمَّةِ المُحَدِّثِين: الإِمَامُ البُخَارِيّ هُوَ أَبُو عَبْدِ اللهِ محَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيْلَ بْنِ إِبْرَاهِيْمَ بْنِ المُغِيْرَةِ بْنِ بَرْدِزْبَهَ الْبُخَارِيّ، وُلِدَ الإِمَامُ البُخَارِيُّ سَنَةَ 194 هـ، وَتُوفِّيَ رَحِمَهُ اللهُ لَيْلَةَ الْفِطْرِ سَنَةَ 256 هـ بِكَرْمِينِيَّة 0 مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ نَشَأَ في بَيْتِ عِلْمٍ قَوْلُهُ: «سَمِعَ أَبي مِنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ رَحِمَهُ الله» 0

ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: عَلِيُّ بْنُ المَدِينيّ، وَمُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَد، وَمحَمَّدُ بْنُ بَشَّار، وَمحَمَّدُ بْنُ المُثَنىَّ، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيد، وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوْسَى، وَمُوْسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّبُوذَكِيُّ المِنْقَرِيّ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الله، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ يُوْسُف، وَمحَمَّدُ بْنُ يُوْسُفَ الْفِرَبْرِيّ، وَيَحْيىَ بْنُ بُكَيْر، وَالحُمَيْدِيّ 0 ـ عَدَدُ شُيُوخِهِ الْفَلَكِيّ: قَالَ جَعْفَرُ بْنُ محَمَّدٍ الْقَطَّانُ إِمَامُ كَرْمِينِيَّة [مَدِينَةٌ بَينَ بُخَارَى وَسَمَرْقَنْد]:

«سَمِعْتُ محَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ يَقُول: كَتَبْتُ عَن أَلْفِ شَيْخٍ وَأَكْثَر: عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنهُمْ عَشْرَةَ آلاَفٍ وَأَكْثَر، مَا عِنْدِي حَدِيثٌ إِلاَّ أَذْكُرُ إِسْنَادَه» 0 وَبِالتَّالي يَكُونُ مَا كَتَبَهُ الإِمَامُ الْبُخَارِيُّ 11.111 حَدِيثَاً وَأَثَرَاً × 1111 شَيْخَاً = 12344321 وَمِنْ ثَمَّ يُمْكِنُنَا الْقَوْلُ في ضَوْءِ هَذَا الأَثَر: أَنَّ الأَحَادِيثَ وَالآثَارَ مَعَاً: لاَ تَقِلُّ بحَالٍ عَنِ اثْنيْ عَشَرَ مِلْيُونَاً 00 [الأَثَر: هُوَ الْقَوْلُ المَأْثُورُ لِعُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ

وَالتَّابِعِين، قَدْ يَكُونُ حِكْمَةً أَوْ تَفْسِيرَاً] ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: الإِمَامُ مُسْلِم، وَالإِمَامُ التِّرْمِذِيّ، وَالإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ محَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَة 0 ـ كَيْفَ كَانَ هَذَا الإِمَام؛ قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَنَام: وَعَن محَمَّدِ بْنِ أَبي حَاتِمٍ الْوَرَّاق كَاتِبِ الإِمَامِ الْبُخَارِيِّ وَكَانَ يُرَافِقُهُ في حِلِّهِ وَتَرْحَالِهِ قَال: «كَانَ إِذَا كُنْتُ مَعَهُ في سَفَرٍ يَجْمَعُنَا بَيْتٌ وَاحِد: أَرَاهُ يَقُومُ في لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً إِلى عِشْرِينَ مَرَّة؛ في

كُلِّ ذَلِكَ يَأْخُذُ الْقَدَّاحَةَ فَيُورِي نَارَاً وَيُسْرِج، ثمَّ يُخْرِجُ أَحَادِيثَ فَيُعَلِّمُ عَلَيْهَا» وَفي سَنَدٍ آخَر: فَقَالَ لَهُ كَاتِبُهُ: «أَرَاكَ تَحْمِلُ عَلَى نَفْسِكَ وَلَمْ تُوقِظْني 00؟ قَالَ يَرْحَمُهُ الله: أَنْتَ شَابٌّ، وَلاَ أُحِبُّ أَن أُفْسِدَ عَلَيْكَ نَوْمَك» 0 ـ ثَنَاءُ الأَئِمَّهِ عَلَيْه، وَانْبِهَارُهُمْ بِعَبْقَرِيَّتِهِ النَّادِرَة: وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ الخَفَّاف: «حَدَّثَنَا محَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ الْعَالِمُ الَّذِي لَمْ أَرَ مِثْلَه» 0

وَقَالَ عَنهُ سُلَيْمُ بْنُ مجَاهِد: «مَا رَأَيْتُ بِعَيْني مُنْذُ سِتِّينَ سَنَة: أَفْقَهَ وَلاَ أَوْرَعَ وَلاَ أَزْهَدَ في الدُّنيَا مِنْ محَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيل» 0 ـ ثَنَاءُ الإِمَامِ ابْنِ خُزَيْمَةَ عَلَيْه: قَالَ الإِمَامُ ابْنُ خُزَيْمَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «مَا رَأَيْتُ تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ أَعْلَمَ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَحْفَظَ لَهُ مِنْ محَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ «البُخَارِيّ»» 0 ـ قَالُواْ عَنْ صَلاَحِهِ وَتَقْوَاه، وَخُشُوعِهِ في الصَّلاَه: وَقَالَ بَكْرُ بْنُ مُنِير:

«كَانَ محَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ يُصَلِّي ذَاتَ لَيْلَةٍ؛ فَلَسَعَهُ الزُّنْبُورُ سَبْعَ عَشْرَةَ مَرَّة» 0 وَعَن محَمَّدِ بْنِ أَبي حَاتِمٍ أَنَّهُ حَكَى نَفْسَ الْقِصَّةِ فَقَال: «وَقَدْ تَوَرَّمَ مِنْ ذَلِكَ جَسَدُه؛ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الْقَوْم: كَيْفَ لَمْ تَخْرُجْ مِنَ الصَّلاَةِ أَوَّلَ مَا أَبَرَك [أَيْ أَوَّلَ مَا لَسَعَك] 00؟! قَالَ يَرْحَمُهُ الله: كُنْتُ في سُورَةٍ؛ فَأَحْبَبْتُ أَن أُتِمَّهَا» 0

قَالَ محَمَّدُ بْنُ أَبي حَاتمٍ الْوَرَّاق: رَكِبْنَا يَوْمَاً إِلىَ الرَّمْيِ وَنحْنُ بِفِرَبْر [شَمَالَ بخَارَى بِأُوزْبَكِسْتَان] فَخَرَجْنَا إِلىَ الدَّرْبِ الَّذِي يُؤَدِّي إِلىَ الْفُرْضَة [أَيْ مَعْبَرُ النَّهْر] فَجَعَلْنَا نَرْمِي، وَأَصَابَ سَهْمُ أَبي عَبْدِ اللهِ وتِدَ الْقنْطَرَةِ الَّذِي عَلَى نهرِ وَرَّادَة؛ فَانْشَقَّ الْوَتِد؛ فَلَمَّا رَآهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ نَزَلَ عَنْ دَابَّتِهِ، فَأَخْرَجَ السَّهمَ مِنَ الْوَتِدِ وَتَرَكَ الرَّمْيَ وَقَالَ لَنَا ارْجِعُواْ؛ فَرَجَعْنَا مَعَهُ إِلىَ المَنْزِل؛ فَقَالَ رَحمَهُ اللهُ لي:

يَا أَبَا جَعْفَر؛ لي إِلَيْك حَاجَة؛ تَقْضِيهَا 00؟ قلْتُ: أَمْرُكَ طَاعَة؛ قَال: حَاجَةٌ مُهِمَّة، وَهُوَ يَتَنَفَّسُ الصُّعَدَاء [كِنَايَةٌ عَنْ صِدْقِ الْكَرْبِ وَالاِهْتِمَام] فَقَالَ لِمَنْ مَعَنَا: اذْهَبُواْ مَعَ أَبي جَعْفَرٍ حَتىَّ تُعِينُوهُ عَلَى مَا سَأَلْتُه؛ فَقُلْتُ: أَيَّةُ حَاجَةٍ هِي 00؟ قَالَ لي: تَضْمَنُ قَضَاءَهَا 00؟ قُلْتُ نَعَمْ، عَلَى الرَّأْسِ وَالعَيْن؛ قَال: يَنْبَغِي أَنْ تَصِيرَ إِلىَ صَاحِبِ الْقنطرَةِ فَتَقُولَ لَهُ: إِنَّا قَدْ أَخْلَلْنَا بِالوَتِد؛ فَنُحِبُّ أَنْ تَأَذَنَ لَنَا في إِقَامَةِ بَدَلِهِ

أَوْ تَأَخُذَ ثَمَنَهُ وَتجْعَلُنَا في حِلٍّ مِمَّا كَانَ منَّا، وَكَانَ صَاحِبَ الْقَنْطَرَةِ حُمَيْدُ بْنُ الأَخضرِ الْفِرَبْرِيّ؛ فَقَالَ لي: أَبْلِغْ أَبَا عَبْدِ اللهِ السَّلاَمَ وَقُلْ لَهُ: أَنْتَ في حِلٍّ مِمَّا كَانَ مِنْكَ وَقَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «جَمِيعُ مِلْكِي لَكَ الْفدَاء» 0 فَأَبْلَغْتُهُ رِسَالَتَهُ؛ فَتهلَّلَ وَجْهُهُ وَاسْتنَارَ وَأَظْهَرَ سُرُورَاً، وَقَرَأَ في ذَلِكَ اليَوْمِ عَلَى الْغُرَبَاءِ نَحْوَاً مِن خَمْسِمِاْئَةِ حَدِيث، وَتَصَدَّقَ بِثَلاَثِمِاْئَةِ دِرْهَم» 0

ـ قَالُواْ عَنْ جَوْدَةِ حِفْظِهِ وَنُبُوغِهِ المُبَكِّرِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ: وَعَنْ محَمَّدِ بْنِ أَبي حَاتمٍ الوَرَّاقِ عَن حَاشِدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ وَآخَرَ قَالاَ: «كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ البُخَارِيُّ يَخْتَلِفُ إِلى مَشَايِخِ البَصْرَةَ وَهُوَ غُلاَم، فَلاَ يَكْتُبُ شَيْئَا، حَتىَّ أَتَى عَلَى ذَلِكَ أَيَّام؛ فَكُنَّا نَقُولُ لَه: إِنَّكَ تخْتَلِفُ مَعَنَا وَلاَ تَكْتُب؛ فَمَاذَا تَصْنَع 00؟!

فَقَالَ لَنَا بَعْدَ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا: إِنَّكُمَا قَدْ أَكْثَرْتُمَا عَلَيَّ وَأَلحَحْتُمَا ـ أَيْ ضَايَقْتُمَاني بِسُؤَالِكُمَا، الَّذِي رُبَّمَا كَانَ يحْمِلُ سُخْرِيَةً بِالبُخَارِيّ، وَكَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ لَهُ بِلِسَانِ الحَال: مَا الَّذِي يجْعَلُكَ تُزَاحِمُنَا وَأَنْتَ لاَ تَزِيدُ عَلَى أَنْ تَلْهُوَ بِالغُدُوِّ وَالرَّوَاحِ إِلى مجَالِسِ العِلْم ـ فَقَالَ لَهُمَا الإِمَامُ البُخَارِيّ: فَاعْرِضَا عَلَيَّ مَا كَتَبْتُمَا؛ فَأَخْرَجْنَا إِلَيْهِ مَا كَانَ عِنْدَنَا، فَزَادَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفَ حَدِيث، فَقَرَأَهَا

كُلَّهَا عَنْ ظَهْرِ قَلْب؛ حَتىَّ جَعَلْنَا نَضْبِطُ كُتُبَنَا مِن حِفْظِهِ، ثُمَّ قَال: أَتَرَوْنَ أَنيِّ أَخْتَلِفُ هَدَرًا وَأُضَيِّعُ وَقْتي سُدَىً [أَيْ أَتَرَوْنَ أَنيِّ كُنْتُ أُهْدِرُ وَقْتي سُدَىً]؟ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لاَ يَتَقَدَّمُهُ أَحَد» قَالَ ابْنُ عَدِيّ: حَدَّثَني الْقُومِسِيُّ قَال: سَمِعْتُ ابْنَ خَمِيرَوَيْهِ قَال: سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُول: «أَحْفَظُ مِاْئَةَ أَلْفِ حَدِيثٍ صَحِيح، وَمِاْئَتيْ أَلْفِ حَدِيثٍ غَيْرِ صَحِيح» 0 وَعَن أَبي أَحْمَدَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَدِيٍّ الحَافِظِ أَنَّهُ قَالَ بِاخْتِصَار:

«لَمَّا قَدِمَ محَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ بَغْدَاد؛ سَمِعَ بِهِ أَصْحَابُ الحَدِيثِ فَاجْتَمَعُواْ، وَعَمَدُوا إِلى مِاْئَةِ حَدِيثٍ فَقَلَبُواْ مُتُونَهَا وَأَسَانِيدَهَا، وَجَعَلُواْ مَتنَ هَذَا إِسْنَادَ هَذَا، وَإِسْنَادَ هَذَا مَتنَ هَذَا، وَدَفَعُواْ إِلى كُل وَاحِدٍ مِنهُمْ عَشَرَةَ أَحَادِيث؛ لِيُلْقُوهَا عَلَيْهِ في المجْلِس؛ فَاجْتَمَعَ النَّاس، وَانْتُدِبَ أَحَدُهُمْ؛ فَسَأَلَ الْبُخَارِيَّ عَن حَدِيثٍ مِن عَشَرَتِه؟ فَقَالَ لاَ أَعْرِفُه، وَسَأَلَهُ عَن آخَر؟

فَقَالَ لاَ أَعْرِفُه، وَكَذَا حَتىَّ فَرَغَ مِن عَشَرَتِه، فَكَانَ الْفُقَهَاءُ يَلْتَفِتُ بَعْضُهُمْ إِلىَ بَعْضٍ وَيَقُولُون: الرَّجُلُ فَهِم، وَمَنْ كَانَ لاَ يَدْرِي مِنهُمْ كَانَ يَقْضِي عَلَى الْبُخَارِيِّ بِالْعَجْز، ثُمَّ انْتُدِبَ آخَرُ فَفَعَلَ كَمَا فَعَلَ الأَوَّل، وَالْبُخَارِيُّ في كُلِّ هَذَا يَقُولُ لاَ أَعْرِفُه، ثمَّ الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ إِلىَ تَمَامِ الْعَشَرَةِ نَفَر، وَهُوَ لاَ يَزِيدُهُمْ عَلَى قَوْلِهِ لاَ أَعْرِفُه؛ فَلَمَّا رَآهُمْ قَدْ فَرَغُواْ؛ الْتَفَتَ إِلى الأَوَّلِ مِنهُمْ فَقَال: أَمَّا حَدِيثُكَ

الأَوَّل: فَكَذَا وَكَذَا، وَأَمَّا حَدِيثُكَ الثَّاني: فَكَذَا وَكَذَا، وَأَمَّا حَدِيثُكَ الثَّالِث: فَكَذَا وَكَذَا، حَتىَّ أَجَابَ الْعَشَرَةَ أَفْرَاد، وَرَدَّ كُلَّ مَتنٍ إِلىَ إِسْنَادِه؛ فَأَقَرَّ لَهُ النَّاسُ بِالحِفْظ؛ وَقَطَعَتْ جَهِيزَةُ قَوْلَ كُلِّ خَطِيب» 0 ـ قَالُواْ عَنْ سَعَةِ عِلْمِهِ بِالحَدِيثِ وَعِلَلِه رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ: وَعَن أَبي حَامِدٍ الْقَصَّارِ عَنِ الإِمَامِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ جَاءَ إِلى الإِمَامِ الْبُخَارِيِّ فَقَبَّلَ بَينَ عَيْنَيْه، ثُمَّ سَأَلَهُ عَن عِلَِّةٍ خَفِيَّةٍ مِن عِلَلِ الحَدِيث؛

فَأَجَابَهُ الإِمَامُ الْبُخَارِيُّ إِجَابَةَ الطَّبِّ الْبَصِير؛ فَقَالَ لَهُ الإِمَامُ مُسْلِم: لاَ يُبْغِضُكَ إِلاَّ حَاسِد، وَأَشْهَدُ أَنَّهُ لَيْسَ في الدُّنيَا مِثْلُك» 0 ـ مجْلِسُ الإِمَامِ الْبُخَارِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ: وَقَالَ صَالحُ بْنُ محَمَّدٍ وَكَانَ يَحْضُرُ مجْلِسَ الإِمَامِ الْبُخَارِيّ: «كَانَ محَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ يَجْلِسُ بِبَغْدَاد، وَكُنْتُ أَسْتَمْلِي لَه، وَيَجْتَمِعُ في مجْلِسِهِ أَكْثَرُ مِن عِشْرِينَ أَلْفَاً» 0

ـ حِكَايَةُ تَأْلِيفِهِ لِكِتَابِهِ / الجَامِعِ الصَّحِيحِ المُسْنَد [صَحِيحِ الإِمَامِ الْبُخَارِي]: قَالَ الإِمَامُ البُخَارِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «صَنَّفْتُ كِتَابَ الصَّحِيحِ سِتَّ عَشَرَةَ سَنَة، خَرَّجْتُهُ مِنْ سِتِّمِاْئَةِ أَلْفِ حَدِيث» 0 [مِنْ كِتَابِ تَهْذِيبِ الْكَمَال، وَكِتَابِ سِيَرِ أَعْلاَمِ النُّبَلاَء] وَجَاءَ في كِتَابِ سِيَرِ أَعْلاَمِ النُّبَلاَءِ عَنِ الإِمَامِ البُخَارِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال:

«مَا وَضَعْتُ في كِتَابي الصَّحِيحِ حَدِيثًا؛ إِلاَّ اغْتَسَلْتُ قَبْلَ ذَلِكَ وَصَلَّيْتُ رَكْعَتَين» 0 وَعَن أَبي زَيْدٍ المَرْوَزِيِّ الْفَقِيهِ أَنَّهُ قَال: «كُنْتُ نَائِمَاً بَينَ الرُّكْنِ وَالمَقَام، فَرَأَيْتُ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لي: يَا أَبَا زَيْد؛ إِلى مَتىَ تَدْرُسُ كِتَابَ الشَّافِعِيِّ وَلاَ تَدْرُسُ كِتَابي 00؟ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله؛ وَمَا كِتَابُك 00؟ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «جَامِعُ محَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيل» 0

ـ محْنَةُ الإِمَامِ الْبُخَارِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ: وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ مَنْصَورٍ الشِّيرَازِيّ: «سَمِعْتُ بَعْضَ أَصْحَابِنَا يَقُول: لَمَّا قَدِمَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بُخَارَى نُصِبَ لَهُ الْقِبَابُ عَلَى فَرْسَخٍ مِنَ الْبَلَد [الْفَرْسَخ: ثَلاَثَةُ أَمْيَال] وَاسْتَقْبَلَهُ عَامَّةُ أَهْلِ الْبَلَد، حَتَّى لَمْ يَبْقَ مَذْكُورٌ إِلاَّ اسْتَقْبَلَهُ، وَنُثِرَ عَلَيْهِ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ وَالسُّكَّرُ الْكَثِير، فَبَقِيَ أَيَّامَاً؛ فَكَتَبَ بَعْدَ ذَلِكَ محَمَّدُ بْنُ يحْيى الذُّهْلِيُّ إِلىَ خَالِدِ بْنِ أَحْمَدَ

أَمِيرِ بخَارَى: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ أَظْهَرَ خِلاَفَ السُّنَّة؛ فَقَرَأَ كِتَابَهُ عَلَى أَهْلِ بخَارَى فَقَالُواْ: لاَ نُفَارِقُه؛ فَأَمَرَهُ الأَمِيرُ بِالخُرُوجِ مِنَ الْبَلَدِ فَخَرَج» ـ وُقُوفُ الإِمَامِ مُسْلِمٍ بجَانِبِهِ في محْنَتِه: وَقَالَ الإِمَامُ مُسْلِمٌ في تِلْكَ الأَثْنَاءِ وَكَانَ حَدِيثَ عَهْدٍ بِهِ: «فَوَالله مَا شَيَّعَهُ غَيرِي» 0 ـ صَبْرُ الإِمَامِ الْبُخَارِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِِ عَلَى مَا أَصَابَه:

وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَعْقِلِ النَّسَفِيّ: «رَأَيْتُ محَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ في الْيَوْمِ الَّذِي أَخْرَجَهُ فِيهِ مِنْ بخَارَى، فَتَقَدَّمْتُ إِلَيْهِ فَقُلْت: يَا أَبَا عَبْدِ الله؛ كَيْفَ تَرَى هَذَا الْيَوْمَ مِنَ الْيَوْمِ الَّذِي نُثِرَ عَلَيْكَ فِيهِ مَا نُثِر 00؟ فَقَالَ يَرْحَمُهُ الله: لاَ أُبَالي إِذَا سَلِمَ دِيني» 0 ـ انْتِقَامُ اللهِ مِن أُوْلَئِكَ الأَوْغَاد 00 (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالمِرْصَاد (:

وَعَن أَبي بَكْرِ بْنِ أَبي عَمْرٍو الحَافِظ: أَنَّ خَالِدَ بْنَ أَحْمَدَ الذُّهْلِيَّ الأَمِيرَ خَلِيفَةَ الطَّاهِرِيَّة [أَيْ كَانَ أَمِيرَاً لِلدَّوْلَةِ الطَّاهِرِيَة] بِبُخَارَى سَأَلَهُ أَنْ يَحْضُرَ مَنْزِلَهُ فَيَقْرَأُ «الجَامِعَ الصَّحِيحَ» وَ «التَّارِيخَ الْكَبِيرَ» عَلَى أَوْلاَدِهِ؛ فَامْتَنَعَ عَنِ الحُضُورِ عِنْدَه، فَرَاسَلَهُ بِأَنْ يَعْقِدَ مجْلِسَاً لأَوْلاَدِهِ لاَ يَحْضُرُهُ غَيْرُهُمْ؛ فَامْتَنَعَ وَقَال: لاَ أَخُصُّ أَحَدَاً؛ فَاسْتَعَانَ الأَمِيرُ بِحُرَيْثِ بْنِ أَبي الْوَرْقَاءِ وَغَيرِهِ حَتىَّ تََكَلَّمُواْ في

مَذْهَبِه، وَنَفَاهُ عَنِ الْبَلَد؛ فَدَعَا عَلَيْهِمْ؛ فَلَمْ يَأْتِ إِلاَّ شَهْرٌ حَتىَّ وَرَدَ أَمْرُ الطَّاهِرِيَّةِ بِأَنْ يُنَادَى عَلَى خَالِدٍ في الْبَلَد؛ فَنُودِيَ عَلَيْهِ عَلَى أَتَان 00!! وَأَمَّا حُرَيْثٌ فَإِنَّهُ ابْتُلِيَ بِأَهْلِهِ فَرَأَى فِيهَا مَا يَجِلُّ عَنِ الْوَصْف، وَأَمَّا فُلاَنٌ؛ فَابْتُلِيَ بِأَوْلاَدِهِ وَأَرَاهُ اللهُ فِيهِمُ الْبَلاَيَا» 0 ـ قَالُواْ في حُبِّهِمْ لِلإِمَامِ الْبُخَارِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

وَقَالَ يحْيىَ بْنُ جَعْفَرَ رَحِمَهُ الله تَعَالىَ: «لَوْ قَدَرْتُ أَن أَزِيدَ في عُمْرِ محَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ مِن عُمْرِي لَفَعَلْت، فَإِنَّ مَوْتي يَكُونُ مَوْتَ رَجُلٍ وَاحِد، وَمَوْتُهُ ذَهَابُ الْعِلْم» 0 ـ قَالُواْ عَنْ بَعْضِ كَرَامَاتِهِ في حَيَاتِهِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ اللهُ ذِكْرَه: وَعَنِ الْفَرْبَرِيِّ قَال: «رَأَيْتُ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النَّوْمِ فَقَالَ لي: أَيْنَ تُرِيد 00؟

فَقُلْتُ: أُرِيدُ محَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيّ؛ فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «أَقْرِئْهُ مِنيِّ السَّلاَم» 0 ـ قَالُواْ عَنْ بَعْضِ كَرَامَاتِهِ بَعْدَ مَمَاتِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ: قَالَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ آدَمَ الطَّوَاوِيسِيّ: «رَأَيْتُ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النَّوْمِ وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِن أَصْحَابِه، وَهُوَ وَاقِفٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مَوْضِعٍ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم؛ فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلاَم، فَقُلْتُ: مَا وُقُوفُكَ يَا رَسُولَ

الله 00؟ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: أَنْتَظِرُ محَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيّ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ بَلَغَني مَوْتُه؛ فَنَظَرْتُ فَإِذَا قَدْ مَاتَ في السَّاعَةِ الَّتي رَأَيْتُ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا» 0 وَقَالَ أَبُو مَنْصُورٍ غَالِبُ بْنُ جِبرِيل: «فَاحَ مِنْ تُرَابِ قَبرِهِ رَائِحَةُ غَالِيَةٍ أَطْيَبُ مِنَ المِسْك [الغَالِيَة: هِيَ خَلْطَةٌ عِطْرِيَّةٌ كَالخُمْرَة] فَدَامَ ذَلِكَ أَيَّامَاً، ثُمَّ عَلَتْ سَوَارٍ بِيضٌ في السَّمَاءِ مُسْتَطِيلَةٌ بِحِذَاءِ قَبرِه [أَيْ قُبَالَ

قَبرِه] فَجَعَلَ النَّاسُ يَخْتَلِفُونَ وَيَتَعَجَّبُون» 0 قَالَ أَبُو الْفَتْحِ نَصْرُ بْنُ الحَسَنِ السَّكْتيُّ السَّمَرْقَنْدِيّ: «قَحَطَ المَطَرُ عِنْدَنَا بِسَمَرْقَنْدَ في بَعْضِ الأَعْوَام؛ فَاسْتَسْقَى النَّاسُ مِرَارَاً فَلَمْ يُسْقَوْاْ؛ فَأَتَى رَجُلٌ صَالحٌ مَعْرُوفٌ بِالصَّلاَحِ إِلىَ قَاضِي سَمَرْقَنْدٍ فَقَالَ لَه: إِنيِّ رَأَيْتُ رَأْيَاً أَعْرِضُهُ عَلَيْك؛ قَالَ وَمَا هُوَ 00؟

قَال: أَرَى أَنْ تَخْرُجَ وَيَخْرُجَ النَّاسُ مَعَكَ إِلىَ قَبرِ الإِمَامِ محَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيِّ وَقَبرُهُ بِخَرْتَنْك، وَنَسْتَسْقِي عِنْدهُ فَعَسَى اللهُ أَنْ يَسْقِيَنَا؛ فَقَالَ الْقَاضِي: نِعْمَ مَا رَأَيْت 00 فَخَرَجَ الْقَاضِي وَالنَّاسُ مَعَه، وَاسْتَسْقَى الْقَاضِي بِالنَّاسِ وَبَكَى النَّاسُ عِنْدَ الْقَبر، وَتَشَفَّعُواْ بِصَاحِبِهِ، فَأَرْسَلَ اللهُ جَلَّ وَعَلاَ السَّمَاءَ بِمَاءٍ عَظِيمٍ غَزِير؛ أَقَامَ النَّاسُ مِن أَجْلِهِ بِخَرْتَنْكَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ أَوْ نَحْوَهَا لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ الْوُصُولَ إِلى سَمَرْقَنْدَ مِنْ كَثْرَةِ المَطَرِ وَغَزَارَتِه» 0

قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ السَِّلَفِيُّ الحَنْبَلِيُّ تِلْمِيذُ شَيْخِ الإِسْلاَمِ ابْنِ تَيْمِيَةَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ اللهُ ذِكْرَهُ في الدُّنيَا وَالآخِرَة: «الدُّعَاءُ مُسْتَجَابٌ عِنْد قُبُورِ الأَنْبيَاءِ وَالأَوْلِيَاء» 0

الإمام مسلم

الإِمَامُ مُسْلِم هُوَ الإِمَامُ الحَافِظُ الحُجَّةُ أَبُو الحُسَيْنِ مُسْلِمُ بْنُ الحَجَّاجِ بْنِ مُسْلِمِ بنِ وَرْدِ بْنِ كَوْشَاذَ القُشَيْرِيّ، النَّيْسَابُوْرِيّ 0 وُلِدَ الإِمَامُ مُسْلِمٌ سَنَةَ 204 هـ، وَتُوفِّيَ رَحِمَهُ اللهُ سَنَةَ 261 هـ بِنَيْسَابُوْر 0

ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: قَالَ الدَّارَقُطْنيّ: «لَوْلاَ البُخَارِيّ؛ مَا رَاحَ مُسْلِمٌ وَلاَ جَاء» 00 كَانَ مُسْلِمٌ تِلْمِيذَه 0 أَحْمَدُ بْنِ حَنْبَل، وَإِسْحَاقَ بْنُ رَاهَوَيْه، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، وَيحْيىَ بْنُ مَعِين، وَعَلِيُّ بْنُ الجَعْد، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ محَمَّدٍ الزُّهْرِيّ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ القَعْنَبيّ، وَسَعِيْدِ بنِ مَنْصُوْر، وَالتُّسْتَرِيّ، وَأَحْمَدُ بْنُ يُوْنُس، وَعَلِيُّ بْنُ نَصْر،

وَمحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَة، وَمحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْر، وَمحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ الدُّولاَبيِّ، وَهُدْبَة، وَهَنَِّاد، وَيحْيىَ بنُ يحْيىَ بنِ بَكْرِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّمِيْمِيّ 0 ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: التِّرْمِذِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ محَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَة، وَأَبُو عَوَانَة، وَنَصْرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ نَصْر، وَأَحْمَدُ بْنُ سَلَمَة، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ يحْيىَ السَّرَخْسِيُّ القَاضِي 0 ـ ثَنَاءُ الأَئِمَّهِ عَلَيْه، وَانْبِهَارُهُمْ بِعَبْقَرِيَّتِهِ النَّادِرَة:

قَالَ أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «رَأَيْتُ أَبَا زُرْعَةَ وَأَبَا حَاتِمٍ يُقَدِّمَانِ مُسْلِمَ بْنَ الحَجَّاجِ في مَعْرِفَةِ الصَّحِيْح عَلَى مَشَايِخِ عَصْرهِمَا» قَالَ محَمَّدَ بنُ بَشَّارٍ رَحِمَهُ اللهُ يَقُوْل: «حُفَّاظ الدُّنْيَا أَرْبَعَة: أَبُو زُرْعَةَ بِالرَّيّ، وَمُسْلِمٌ بِنَيْسَابُوْر، وَعَبْدُ اللهِ الدَّارِمِيُّ بِسَمَرْقَنْد، وَمحَمَّد بْنُ إِسْمَاعِيْلَ بِبُخَارَى» 0

وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوْبَ بْنِ الأَخْرَمِ الحَافِظ: «إِنَّمَا أَخْرَجَتْ نَيْسَابُوْرُ ثَلاَثَةَ رِجَال: مُحَمَّدُ بْنُ يحْيى، وَمُسْلِمُ بْنُ الحَجَّاج، وَإِبْرَاهِيْمُ بْنُ أَبي طَالِب» 0 قَالَ أَبُو عَمْرٍو بْنُ حَمْدَان: «سَأَلْتُ الحَافِظَ ابْنَ عقدَةَ عَنِ البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ أَيُّهُمَا أَعْلَم؟ فَقَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: كَانَ مُحَمَّدٌ عَالِمَاً، وَمُسْلِمٌ عَالِم» 0 ـ نُبْلُ الإِمَامِ مُسْلِمٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَعِزَّةُ نَفْسِهِ:

لَقدْ كَانَ الإِمَامُ مُسْلِمٌ مِنَ النُّبْلِ بِمَكَان، وَكَانَ لِشَيْخِهِ الْبُخَارِيِّ غَايَةً في الشُّكْرِ وَالْعِرْفَان، بِحَيْثُ كَانَ إِذَا وَقَعَ بَينَ الْبُخَارِيِّ وَبَينَ شُيُوخِ مُسْلِمٍ مَا يَقَعُ بَينَ الأَقْرَان؛ كَانَ يَخْتَارُ جَانِبَ الْبُخَارِيِّ حَيْثُ كَانَ يَرَاهُ دَائِمَاً عَلَى حَقّ؛ مِمَّا يَتَسَبَّبُ في أَنْ يَجِدَ شُيُوخُ مُسْلِمٍ عَلَيْهِ بَعْضَ الحُنْق؛ فَيَنَالُهُ بَعْضُ الأَذَى مِنهُمْ؛ فَمَا يَكُونُ مِن هَذَا النَّبِيلِ إِلاَّ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِمْ بِمَا كَتَبَ عَنهُمْ؛

حَتىَّ وَإِنْ كَتَبَ عَنهُمُ الزَِّمَانَ الطَّوِيل؛ فَلِلَّهِ دَرُّهُ مِنْ محَدِّثٍ نَبِيل، وَكَأَنَّهُ يَقُولُ لَهُمْ: لَن أَحْمِلَ عَنْكُمُ الْكَثِيرَ وَلاَ الْقَلِيل؛ مَا دُمْتُمْ تَقَعُونَ في أُسْتَاذِيَ الجَلِيل 00!! ـ حُبُّهُ لِشَيْخِهِ الإِمَامِ الْبُخَارِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْب: «كَانَ مُسْلِمٌ يُنَاضِل عَنِ الْبُخَارِيّ؛ حَتىَّ أَوَْحَشَ مَا بَيْنَهُ وَبَينَ مُحَمَّدِ بْنِ يحْيىَ الذُّهْلِيُّ بِسَبِبِه» 0 ـ رِفْعَةُ قَدْرِهِ وَرِئَاسَتُهُ في الحَدِيثِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «رَأَيْتُ شَيْخَاً حَسَنَ الْوَجْهِ وَالثِّيَاب، عَلَيْهِ رِدَاءٌ حَسَن، وَعِمَامَةٌ قَدْ أَرْخَاهَا بَينَ كَتِفَيْه؛ فَقِيْلَ هَذَا مُسْلِم، فَتَقَدَّمَ أَصْحَابُ السُّلْطَانِ فَقَالُواْ: قَدْ أَمَرَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْن: أَنْ يَكُوْنَ مُسْلِمُ بْنُ الحَجَّاجِ إِمَامَ المُسْلِمِيْن؛ فَقَدَّمُوهُ في الجَامِع؛ فَكَبَّرَ وَصَلَّى بِالنَّاس» 0 ـ دِقَّتُهُ في كِتَابَةِ الصَّحِيحِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ الإِمَامُ مُسْلِمٌ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

«مَا وَضَعْتُ في هَذَا المُسْنَدِ شَيْئَاً إِلاَّ بِحُجَّة، وَلاَ أَسْقَطْتُ شَيْئَاً مِنهُ إِلاَّ بِحُجَّة» 0 قَالَ الإِمَامُ مُسْلِمٌ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «عَرَضْتُ كِتَابي هَذَا المُسْنَدَ عَلَى أَبي زُرْعَة، فُكُلُّ مَا أَشَارَ عَلَيَّ في هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ لَهُ عِلَّةً وَسَبَبَاً تَرَكْتُهُ، وَكُلُّ مَا قَالَ إِنَّهُ صَحِيْحٌ لَيْسَ لَهُ عِلَّةٌ فَهُوَ الَّذِي أَخْرَجْت» 0 قَالَ الإِمَامُ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ الله: «صنَّفْتُ هَذَا المُسْنَدَ الصَّحِيحَ مِنْ ثَلاَثِمِاْئَةِ أَلْفِ حَدِيْثٍ مَسْمُوْعَة»

قَالَ أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَة رَحِمَهُ الله: «كُنْتُ مَعَ مُسْلِمٍ في تَأَلِيفِ صَحِيْحِهِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَة، وَهُوَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ حَدِيْث» 0 ـ قَالُواْ عَنْ صَحِيحِ الإِمَامِ مُسْلِمٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: قَالَ أَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُوْرِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «مَا تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ كِتَابٌ أَصَحُّ مِنْ كِتَابِ مُسْلِم» 0

الإمام أحمد بن حنبل

الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل وُلِدَ في رَبِيعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ 164 هـ، وَتُوُفِّيَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ اللهُ ذِكْرَهُ يَوْمَ الجُمُعَةِ سَنَةَ 241 هـ 0 ـ قَالُواْ عَنْ نَسَبِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: هُوَ الإِمَامُ الْفَقِيهُ المحَدِّثُ الحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ حَنْبَلِ بْنِ هِلاَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ إِدْرِيسَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَيَّانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَنَسِ بْنِ عَوْفٍ الذُّهْلِيُّ الشَّيْبَانيُّ المَرْوَزِيُّ الْبَغْدَادِيّ 0 وَنِسْبَتُهُ الَّتي يَنْبَغِي أَنْ يُلَقَّبَ بِهَا: أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ الذُّهْلِيّ 0

حَدَّثَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ الْوَرَّاقُ عَن أَبي زُرْعَةَ الرَّازِي قَال: «إِنَّ أَحْمَدَ أَصْلَه بَصْرِيّ» 0 ـ نُبْذَةٌ عَنْ نَشْأَتِهِ وَزَوْجَاتِهِ وَآلِ بَيْتِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: رَوَى أَبُو بَكْرٍ الخَلاََّلُ في كِتَابِهِ «أَخْلاَقِ أَحْمَد» عَنْ زُهَيْرِ بْنِ صَالِحٍ قَال: «تَزَوَّجَ جَدِّي عَبَّاسَةَ بِنْتَ الْفَضْل، فَلَمْ يُولَدْ لَهُ مِنْهَا غَيْرُ أَبي» 0 كَانَ محَمَّدٌ وَالِدُ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ مِن أَجْنَادِ مَرْو، مَاتَ شَابَّاً لَهُ نَحْوٌ مِنْ ثَلاَثِينَ سَنَة؛ فَنَشَأَ الإِمَامُ أَحْمَدُ يَتِيمَاً فَوَلِيَتْهُ أُمُّه، وَقِيلَ إِنَّ أُمَّهُ تَحَوَّلَتْ مِنْ مَرْوَ وَهِيَ حَامِلٌ بِه 0

قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَلاََّل: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيُّ أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ رَحمَهُ اللهُ قَال: «مَا تَزَوَّجْتُ إِلاََّ بَعْدَ الأَرْبَعِين» 0 قَالَ ابْنُ عَمِّهِ حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ حَنْبَل: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ رَحمَهُ اللهُ يَقُول: «تَزَوَّجْتُ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً؛ فَرَزَقَ اللهُ خَيْرَاً كَثِيرَاً» 0 قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَلاََّل: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ المَرُّوذِيَّ عَن أَبي عَبْدِ اللهِ رَحمَهُ اللهُ أَنَّهُ ذَكَرَ أَهْلَهُ فَتَرَحَّمَ عَلَيْهَا رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ ثُمَّ قَال: «مَكَثْنَا عِشْرِينَ سَنَة؛ مَا اخْتَلَفْنَا في كَلِمَة» 0

وَقَالَ زُهَيْر: «لَمَّا تُوُفِّيَتْ أُمُّ عَبْدِ الله؛ اشْتَرَى جَدِّي «حُسْن»، فَوَلَدَتْ لَهُ زَيْنَب، وَالحَسَنَ وَالحُسَيْنَ تَوْأَمَاً، وَمَاتَا بِالقُرْبِ مِنْ وِلاَدَتِهِمَا، ثُمَّ وَلَدَتِ الحَسَنَ وَمحَمَّدَاً، فَعَاشَا نَحْوَ الأَرْبَعِين، ثُمَّ وَلَدَتْ بَعْدَهُمَا سَعِيدَاً» 0 حَدَّثَ أَبُو بَكْرٍ الخَلاََّلُ قَال: حَدَّثَنَا محَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ بَحْرٍ قَال: «سَمِعْتُ حُسْنَ أُمَّ وَلَدِ أَبي عَبْدِ اللهِ تَقُول: قُلْتُ لِمَوْلاَيَ: اصْرِفْ

فَرْدَ خَلْخَالي؛ قَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: وَتَطِيبُ نَفْسُك 00؟ قُلْتُ: نَعَمْ؛ فَبِيعَ بِثَمَانيَةِ دَنَانِيرَ وَنِصْف، وَفَرَّقَهَا وَقْتَ حَمْلِي؛ وَكَانَ إِذَا لَمْ يَكُن عِنْدَهُ شَيْء، فَرِحَ يَوْمَهُ، وَقَالَ يَوْمَاً: أُرِيد أَحْتَجِمُ، وَمَا مَعَهُ شَيْءٌ، فَبِعْتُ نَصِيفَاً مِن غَزْلٍ بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ، فَاشتَرَيْتُ لَحمَاً بِنِصْفٍ، وَأَعْطَى الحَجَّامَ دِرْهَمَاً؛ قَالَتْ: وَاشْتَرَيْتُ طِيبَاً بِدِرْهَم، وَلَمَّا خَرَجَ إِلىَ سُرَّ مَنْ رَأَى، كُنْتُ قَدْ غَزَلْتُ غَزلاً لَيِّنَاً، وَعَمِلْتُ ثَوبَاً

حَسَنَاً، فَلَمَّا قَدِمَ، أَخْرَجتُه إِلَيْهِ، وَكُنْتُ قَدْ أُعْطِيْتُ كِرَاءَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ دِرْهَمَاً مِنَ الْغَلَّة، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ قَال: مَا أُرِيدُهُ؛ قُلْتُ: يَا مَوْلاَيَ؛ عِنْدِي غَيْرُ هَذَا؛ فَدَفَعْتُ الثَّوْبَ إِلىَ فُورَانَ [مِنْ تَلاَمِذَةِ أَحْمَد]، فَبَاعَهَ بِاثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمَاً، وَغَزَلْتُ ثَوْبَاً كَبِيرَاً فَقَال: لاَ تَقْطَعِيهِ، دَعِيه؛ فَكَانَ كَفَنَهُ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه» 0

وَكَانَ صَالِحٌ أَكْبرَ وَلَدِ الإِمَامِ أَحْمَد؛ فَوَلِيَ قَضَاءَ أَصْبَهَان، وَمَاتَ بهَا سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّينَ وَمِاْئَتَين، عَنْ نَيِّفٍ وَسِتِّينَ سَنَة 0 قَالَ أَبُو وَلِيدٍ الطَّيَالِسِيّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ كِبَارِ المحَدِّثِين: «وَخَلَّفَ ضِمْنَ مَا خَلَّفَ ابْنَاً مُحَدِّثَاً ثِقَةً يُقَالُ لَهُ زُهَيرُ بْنُ صَالح، مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِمِاْئَة» 0 وَأَمَّا الْوَلَدُ الثَّاني: فَالحَافِظُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللهِ بْنُ الإِمَامِ أَحْمَد، رَاوِيَةُ أَبِيه، مِنْ كِبَارِ الأَئِمَّة، مَاتَ سَنَةَ تِسْعِينَ

وَمائَتَين، عَنْ سَبْعٍ وَسَبْعِينَ سَنَة، وَلَهُ تَرْجَمَةٌ أَفْرَدْتُهَا 0 وَأَمَّا الْوَلَدُ الثَّالِث: فَهُوَ سَعِيدُ بْنُ أَحْمَد، وُلِدَ لأَحْمَدَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِخَمْسِينَ يَوْمَاً، فَكَبِرَ وَتَفَقَّهَ وَمَاتَ قَبْلَ أَخِيهِ عَبْدِ الله، وَأَمَّا حَسَنٌ وَمحَمَّدٌ وَزَيْنَب؛ فَلَمْ يَبْلُغْنَا شَيْءٌ مِن أَحْوَالِهِمْ 0 قَالَ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى وَالِدَيْه: «مَكَثَ أَبي بِالعَسْكَرِ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمَاً، وَرَأَيْتُ مَآقِيَهُ دَخَلَتَا في حَدَقَتَيْه» 0

ـ شَيْءٌ عَن أَحْوَالِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ في بَيْتِهِ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيُّ: «رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ عَامَّةَ جُلُوسِهِ في الْبَيْتِ مُتَرَبِّعَاً خَاشِعَاً، وَكُنْتُ أَدْخُلُ وَالجُزْءُ في يَدِهِ يَقْرَأ» 0 ـ قَالُواْ عَنْ صِفَاتِهِ الشَّكْلِيَّةِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ ابْنُ ذَرِيحٍ الْعُكْبَرِيّ: «طَلَبْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ رَحمَهُ اللهُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَكَانَ شَيْخَاً مَخْضُوبَاً، طُوَالاً أَسْمَرَ شَدِيدَ السُّمرَة»

قَال عَنهُ محَمَّدُ بْنُ عَبَّاسٍ النَّحْوِيّ: «رَأَيْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ حَسَنَ الْوَجْه، رَبْعَةً [أَيْ وَسَطَاً]، يَخْضِبُ بِالحِنَّاءِ خِضَابَاً لَيْسَ بِالقَاني [أَيْ لَيْسَ بِالشَّدِيدِ الحُمْرَة]، في لِحْيَتِه شَعَرَاتٌ سُود، وَرَأَيْتُ ثِيَابَهُ غِلاَظَاً بِيضَاً، وَرَأَيْتُهُ مُعْتَمَّاً وَعَلَيْهِ إِزَار» 0 ـ شَيْءٌ عَنْ مَلْبَسِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ: قَالَ عَبْدُ المَلِكِ المَيْمُونيّ:

«مَا رَأَيْتُ عِمَامَةَ أَبي عَبْدِ اللهِ قَطُّ إِلاََّ تَحْتَ ذِقْنِهِ، وَرَأَيْتُهُ يَكْرَهُ غَيْرَ ذَلِك» 0 قَالَ عَبْدُ المَلِكِ المَيْمُونيّ: «مَا رَأَيْتُ ثَوْبَاً أَنْقَى وَلاَ أَشَدَّ بَيَاضَاً مِنْ ثَوْبِ أَحْمَد» 0 ـ بَعْضُ شَمَائِلِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ رَحمَهُ اللهُ شَدِيدَ الحَيَاء، كَرِيمَ الأَخْلاَق، يُعْجِبُهُ السَّخَاء» 0 وَقَالَ عَبْدُ المَلِكِ المَيْمُونيّ:

«كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ رَحمَهُ اللهُ حَسَنَ الخُلُق، دَائِمَ الْبِشْر، يَحْتَمِلُ الأَذَى مِنَ الجَار» 0 حَدَّثَ ابْنُ المُنَادِي عَنْ جَدِّهِ أَبي جَعْفَرٍ قَال: «كَانَ أَحْمَدُ مِن أَحْيىَ النَّاسِ وَأَكْرَمِهِمْ وَأَحْسَنِهِمْ عِشْرَةً وَأَدَبَاً، كَثِيرَ الإِطْرَاق، لاَ يُسْمَعُ مِنهُ إِلاََّ المُذَاكَرَةُ لِلْحَدِيث، وَذِكْرُ الصَّالِحِينَ في وَقَارٍ وَسُكُون، وَلَفْظٍ حَسَن، وَإِذَا لَقِيَهُ إِنْسَانٌ بَشَّ بِهِ وَأَقْبَلَ عَلَيْه» 0

قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَلاََّل: حَدَّثَنَا محَمَّدُ بْنُ الحُسَيْنِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ المَرُّوذِيَّ قَال: «كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ رَحمَهُ اللهُ لاَ يَجْهَل، وَإِنْ جُهِلَ عَلَيْهِ حَلُمَ وَاحْتَمَلَ وَيَقُول: يَكْفِي الله، وَلَمْ يَكُنْ بِالحَقُودِ وَلاَ الْعَجُول، كَثِيرَ التَّوَاضُع، حَسَنَ الخُلُق، دَائِمَ الْبِشْر، لَيِّنَ الجَانِب، لَيْسَ بِفَظّ، وَكَانَ يحِبُّ في اللهِ وَيُبْغِضُ في الله، وَإِذَا كَانَ أَمْرٌ مِنَ الدِّينِ اشْتَدَّ لَهُ غَضَبُه، وَكَانَ يَحْتَمِلُ الأَذَى مِنَ الجِيرَان» 0

حَدَّثَ حَنْبَلٌ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ سُئِلَ عَن أَحَدِ أَصْحَابِ الأَهْوَاءِ وَالمَذَاهِبِ الخَبِيثَة؟ فَأَخْبَرَ بِمَذْهَبِهِ وَحَذَّرَ مِنهُ؛ فَانْدَفَعَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ محَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الخُتَّلِيُّ عَلَى الإِمَامِ أَحْمَدَ فَقَال: وَاللهِ لأَرُدَّنَّكَ إِلىَ مَحْبِسِكَ وَلأَدُقَّنَّ أَضْلاَعَك 00000 في كَلاَمٍ كَثِير؛ فَقَالَ لي أَبُو عَبْدِ اللهِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: لاَ تُكَلِّمْه وَلاَ تُجِبْه، وَأَخَذَ أَبُو عَبْدِ اللهِ نَعْلَيْهِ وَقَامَ فَدَخَلَ وَقَال: مُرِ السُّكَانَ أَنْ لاَ يُكلِّمُوهُ وَلاَ يَرُدُّواْ

عَلَيْه؛ فَمَا زَالَ يَصِيح، ثمَّ خَرَجَ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ ذَهَبَ هَذَا الخُتَّلِيُّ إِلىَ شُعَيْبٍ قَاضِي بَغْدَاد؛ فَقَالَ لَهُ: يَا عَدُوَّ الله؛ وَثبْتَ عَلَى أَحْمَدَ بِالأَمْس، فَنَهَرَهُ وَطَرَدَه» أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «لَمْ أَرَ الْفَقِيرَ في مَجْلِسٍ أَعَزَّ مِنهُ في مَجْلِسِ أَحْمَدَ، كَانَ مَائِلاً إِلَيْهِمْ، مُقَصِّرَاً عَن أَهْلِ الدُّنْيَا، وَكَانَ فِيهِ حِلْمٌ، وَلَمْ يَكُنْ بِالْعَجُول، وَكَانَ كَثِيرَ التَّوَاضُع، تَعْلُوهُ السَّكِينَةُ وَالوَقَار، وَإِذَا جَلَسَ في

مَجْلِسِهِ بَعْدَ الْعصرِ لِلْفُتْيَا: لاَ يَتَكَلَّمُ حَتىَّ يُسْأَل، وَإِذَا خَرَجَ إِلىَ مَسْجِدِهِ لَمْ يَتَصَدَّرْ» 0 قَالَ ابْنُ بَطَّة: سَمِعْتُ النَّجَّادَ يَقُول: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بْنَ المُطَّوِّعِيِّ يَقُول: اخْتَلَفْتُ إِلىَ أَبي عَبْدِ اللهِ ثِنْتيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وَهُوَ يَقْرَأُ «المُسْنَدَ» عَلَى أَوْلاَدِهِ، فَمَا كَتَبْتُ عَنهُ حَدِيثَاً وَاحِدَاً، إِنَّمَا كُنْتُ أَنْظُرُ إِلىَ هَدْيِهِ وَأَخْلاَقِه» 0

عَنِ الحُسَيْنِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنِ أَبِيهِ قَال: «كَانَ يَجْتَمِعُ في مجْلِسِ أَحْمَدَ زُهَاءُ خَمْسَةِ آلاَفٍ أَوْ يَزِيدُون، نَحْوَ خَمْسِمِاْئَةٍ يَكْتُبُون، وَالبَاقُونَ يَتَعلَّمُونَ مِنهُ حُسْنَ الأَدَبِ وَالسَّمْت» قَالَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرُّؤَاسِيّ: «يُقَال: لَمْ يَكُن أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ أَشْبَهَ هَدْيَاً وَسَمتَاً وَدَلاًَّ مِنْ ابْنِ مَسْعُودٍ بِالنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، وَكَانَ أَشبَهَ النَّاسِ بِهِ عَلْقَمَة، وَكَانَ أَشْبَهَ النَّاسِ بِعَلْقَمَةَ إِبْرَاهِيمُ النَّخْعِيّ، وَكَانَ

أَشْبَهَهُمْ بَإِبْرَاهِيمَ النَّخْعِيِّ مَنْصُورُ بْنُ المُعْتَمِر، وَأَشْبَهَ النَّاسِ بِهِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيّ، وَأَشْبَهَ النَّاسِ بِهِ وَكِيع، وَأَشْبَهَ النَّاسِ بوَكِيعٍ فِيمَا قَالَهُ محَمَّدُ بْنُ يُونُسَ الجَمَّالُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل» 0 ـ وَقَارُهُ وَرَزَانَتُه عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَكَيْفَ كَانَ رَجُلاً مَهِيبَاً: قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «كَانَ مَهِيبَاً في ذَاتِ الله، حَتىَّ لَقَالَ أَبُو عُبَيْد: مَا هِبْتُ أَحَدَاً في مَسْأَلَةٍ؛ مَا هِبْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَل» 0

قَالَ عَبْدُ المَلِكِ المَيْمُونيّ: قَالَ لي أَبُو عُبَيْد: «يَا أَبَا الحَسَن؛ قَدْ جَالَسْتُ أَبَا يُوسُفَ الْقَاضِي وَمحَمَّدَ بْنَ الحَسَن، وَيحْيىَ بْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّان، مَا هِبْتُ أَحَدَاً مَا هِبْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَل» حَدَّثَ الكُدَيْمِيُّ قَال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ المَدِينيِّ قَال: قَالَ لي أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «إِنيِّ لأَشْتَهِي أَن أَصْحَبَكَ إِلىَ مَكَّة، وَمَا يَمْنَعَني إِلاََّ خَوْفُ أَن أَمَلَّكَ أَوْ تَمَلَّني» 0

وَقَالَ عُلْوَانُ بْنُ الحُسَيْن: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَحْمَدَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى وَالِدَيْهِ قَال: «سُئِلَ أَبي: لِمَ لاَ تَصْحَبُ النَّاس 00؟ قَال: لِوَحْشَةِ الْفِرَاق» 00 أَيْ آُوثِرُ الْبِعَاد؛ لِيَبْقَى الْوِدَاد 0 قَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيّ: سَمِعْتُ بَعْضَ الْوَاسِطِيِّينَ يَقُول: «مَا رَأَيْتُ يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ تَرَكَ المُزَاحَ لأَحَدٍ إلاََّ لأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ» 0

قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَلاََّل: أَخْبَرَني محَمَّدُ بْنُ الحُسَيْن قَال: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيُّ قَال: «قَالَ جَارُنَا فُلاَن: دَخَلْتُ عَلَى إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الأَمِيرِ وَفُلاَنٍ وَفُلاَنٍ وَذَكَرَ سَلاَطِين؛ مَا رَأَيْتُ أَهْيَبَ مِن أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَل، سِرْتُ إِلَيْهِ أُكَلِّمُهُ في شَيْء؛ فَوَقَعَتْ عَلَيَّ الرِّعْدَةُ مِن هَيْبَتِهِ، وَلَقَدْ طَرَقَهُ الْكَلْبيُّ صَاحِبُ خَبَرِ السِّرِّ لَيلاً؛ فَمِن هَيْبَتِهِ لَمْ يَقْرَعُواْ، وَدَقُّواْ بَابَ عَمِّهِ» 0

ـ رِحْلَتُهُ في طَلَبِ الْعِلْم رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: طَلَبَ الْعِلْمَ رَحمَهُ اللهُ وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، في الْعَامِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ مَالِكٌ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْد 0 قَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيُّ رَحمَهُ الله: قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «كُنْتُ أُبَكِّرُ في الحَدِيث» وَقَالَ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ رَحمَهُ الله: سَمِعْتُ أَبي رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ يَقُول: «رُبَّمَا أَرَدْتُ الْبُكُورَ في الحَدِيث؛ فَتَأْخُذُ أُمِّي بِثَوْبي وَتَقُول: حَتىَّ يُؤَذِّنَ المُؤَذِّن» 00 أَيْ لِلْفَجْر

قَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ لي أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «اخْتَلَفْتُ إِلىَ الْكُتَّاب، ثُمَّ اختَلَفْتُ إِلىَ الدِّيوَانِ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَة» 0 حَدَّثَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيُّ قَال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ يَقُول: «مَاتَ هُشَيْمٌ وَلِي عِشْرُونَ سَنَةً، فَخَرَجْتُ وَكُنْت أُذَاكِرُ وَكِيعَاً بِحَدِيثِ الثَّوْرِيِّ، وَكَانَ رُبَّمَا ذَكَرَ عَشْرَةَ أَحَادِيثَ فَأَحْفَظُهَا؛ فَإِذَا قَامَ

قَالُواْ لي أَمْلِهَا عَلَيْنَا فَأُمْلِيهَا عَلَيْهِمْ» 0 حَدَّثَ ابْنُ أَبي حَاتمٍ الْوَرَّاقُ عَن صَالحِ بْنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَن أَبِيهِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «قَدِمَ ابْنُ المُبَارَكِ في سَنَةِ تِسْعٍ وَسَبْعِين؛ وَفِيهَا أَوَّلُ سَمَاعِي مِن هُشَيْم، فَذَهَبْتُ إِلىَ مَجْلِسِ ابْنِ المُبَارَكِ فَقَالُواْ: قَدْ خَرَجَ إِلىَ طَرَسُوس، وَكَتَبْتُ عَن هُشَيْمٍ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثَةِ آلاَف، ثُمَّ مَاتَ هُشَيْمٌ وَأَنَا ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً، أَحْفَظُ مَا سَمِعْتُ مِنهُ، فَخَرَجْتُ إِلىَ الْكُوفَةِ

سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَمَانين، وَأَوَّلُ رَحَلاَتي إِلىَ الْبَصْرَةِ كَانَتْ سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِين، وَخَرَجْتُ إِلىَ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ سنَةَ سَبْع، فَقَدِمْنَا وَقَدْ مَاتَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه، وَحَجَجْتُ خَمْسَ حِجَج، مِنهَا ثَلاَثٌ رَاجِلاً، أَنْفَقْتُ في إِحْدَاهَا ثَلاَثِينَ دِرْهَمَاً، وَلَوْ كَانَ عِنْدِي خَمْسُونَ دِرْهَمَاً، لَخَرَجْتُ إِلىَ جَرِيرٍ بِالرَّيّ، وَكَتَبْتُ عَن إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ في أَلْوَاح، وَصَلَّيْتُ خَلْفَهُ غَيْرَ مَرَّةٍ، فَكَانَ يُسَلِّمُ وَاحِدَةً» 0

قَالَ عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ رَحمَهُ الله: سَمِعْتُ الإِمَامَ أَحْمَدَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ يَقُول: «أَوَّلُ مَا طَلبْتُ: اخْتَلَفْتُ إِلىَ أَبي يُوسُفَ الْقَاضِي» 00 صَاحِبِ أَبي حَنِيفَة 0 قَالَ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ رَحمَهُ الله: كَتَبَ أَبي عَن أَبي يُوسُفَ وَمحَمَّدِ بْنِ الحَسَنِ الْكُتُب، وَكَانَ يحْفَظُهَا» 0 قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «كَتَبْنَا عَن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ نحْوَ عَشْرَةِ آلاَف، وَكَتَبْنَا حَدِيثَ غُنْدَرٍ عَلَى الْوَجْه؛ أَعْطَانَا الْكُتُبَ فَكُنَّا نَنْسَخُ

مِنهَا» 0 قَالَ أَحْمَدُ الدَّوْرَقِيّ: لَمَّا قَدِمَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ مِن عِنْدِ عَبْدِ الرَّزَّاق؛ رَأَيْتُ بِهِ شُحُوبَاً بِمَكَّة، وَقَدْ تَبَيَّنَ عَلَيْهِ النَّصَبُ وَالتَّعَب، فَكَلَّمْتُهُ فَقَال: هَيِّنٌ فِيمَا اسْتَفَدْنَا مِن عَبْدِ الرَّزَّاق» 0 ـ قَالُواْ عَنْ تَدْوِينِهِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ لِلْحَدِيثِ النَّبَوِيّ: حَدَّثَ أَحْمَدُ الدَّوْرَقِيُّ عَن أَبي عَبْدِ اللهِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ قَال:

«نَحْنُ كَتَبْنَا الحَدِيثَ مِنْ سِتَّةِ وُجُوهٍ وَسَبْعَةٍ لَمْ نَضْبِطْهُ، فَكَيْفَ يَضْبِطُهُ مَنْ كَتَبَهُ مِن وَجْهٍ وَاحِد؟ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «حُزِرَتْ كُتُبُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ يَوْمَ مَاتَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه؛ فَبَلَغَتِ اثْنيْ عَشَرَ حِمْلاً وَعِدْلاً» 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: سَمِعَ مِن إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ قَلِيلاً، وَمِن هُشَيْمِ بْنِ بَشِيرٍ فَأَكْثَرَ وَجَوَّد، وَوَكِيعٍ فَأَكْثَرَ عَنهُ، وَغُنْدَر، وَيحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ فَبَالَغَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ

مَهْدِيّ، وَقُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيد، وَعَلِيِّ بْنِ المَدِينيّ، وَأَبي بَكْرٍ بْنِ أَبي شَيْبَة، وَجَمَاعَةٍ أَقْرَانِه، وَمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيّ، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ الهِلاَلِيّ، وَالقَاضِي أَبي يُوسُف، وَيُوسُفَ بْنِ المَاجَشُون، وَخَالِدِ بْنِ الحَارِث، وَحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الجُعْفِيّ، وَأَبي بَكْرٍ بْنِ عَيَّاش، وَأَبي خَالِدٍ الأَحْمَر، وَعَبِيدَةَ بْنِ حُمَيْدٍ الحَذَّاء، وَابْنِ عُلَيَّة، وَعَبْدِ الرَّزَّاق، وَيَزِيدَ بْنِ هَارُون، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْر، وَمحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ

الشَّافِعِيّ، وَأَبي نُعَيْم، وَيحْيىَ بْنِ آدَم، وَعَفَّانَ بْنِ مُسْلِم، وَحَفْصِ بْنِ غِيَاث، وَعَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ، وَأَبي النَّضْر، وَمحَمَّدِ بْنِ فُضَيْل، وَالوَلِيدِ بْنِ مُسْلِم، وَمَخْلَدِ بْنِ يَزِيدَ الحَرَّانيِّ، وَمِن عَبَّادِ بْنِ عَبَّادٍ، وَأَبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئ، وَمحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ الحَرَّانيّ، وَبِشْرِ بْنِ المُفَضَّل، وَعَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِث، وَسُلَيْمَانَ بْنِ حَرْب، وَعَبْدَةَ بْنِ سُلَيْمَان، وَخَلاَئِق 0

قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ في «مُسْنِدِهِ» عَنْ قُتَيْبَةَ كَثِيرَاً» ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ مِنْ شُيُوخِهِ: عَبْدُ الرَّزَّاق، وَعَلِيُّ بْنُ المَدِينيّ، وَوَكِيعُ بْنُ الجَرَّاح، وَيحْيىَ بْنُ آدَم، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيّ، وَالإِمَامُ الشَّافِعِيّ، لَكِنَّهُ لَمْ يُسَمِّهِ، بَلْ كَانَ يَقُولُ حَدَّثَني الثِّقَة 0

وَحَدَّثَ عَنهُ مِنَ الأَئِمَّةِ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ بِجُملَةٍ وَافِرَة، وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَة، وَحَدَّثَ عَنهُ وَلَدَاهُ صَالِحٌ وَعَبْدُ الله، وَابْنُ عَمِّهِ حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاق، وَيحْيىَ بْنُ مَعِين، وَعَبَّاسٌ الدُّورِيّ، وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي، وَأَبُو حَاتمٍ الرَّازِي، وَأَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، وَإِسْحَاقُ الْكَوْسَج، وَأَحْمَدُ بْنُ الْفُرَات، وَمحَمَّدُ بْنُ يحْيىَ الذُّهْلِيّ، وَأَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيّ، وَأَبُو قِلاَبَةَ الرَّقَاشِيّ، وَأَحْمَدُ بْنُ

عَلِيٍّ الأَبَّار، وَأَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيّ، وَمُوسَى بْنُ هَارُون، وَالحُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيّ، وَأُمَمٌ سِوَاهُمْ 0 ـ قَالُواْ عَن حِفْظِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ: قَالَ الإِمَامُ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي: «كَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَحْفَظُ أَلْفَ أَلْفِ حَدِيث» 0 [مِنْ كِتَابِ تَهْذِيبِ الْكَمَال] قَالَ عَبْدُ اللهِ ابْنُ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى وَالِدَيْهِ قَال:

«قَالَ لي أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي: أَبُوكَ يَحْفَظُ أَلفَ أَلفِ حَدِيث؛ فَقِيلَ لَهُ: وَمَا يُدْرِيك 00؟ قَال: ذَاكَرْتُهُ» 0 قَالَ الحُسَيْنُ بْنُ الحَسَنِ أَبُو مَعِينٍ الرَّازِي: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ المَدِينيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ يَقُول: «لَيْسَ في أَصْحَابِنَا أَحْفَظُ مِن أَحْمَد، بَلَغَني أَنَّهُ لاَ يُحَدِّثُ إِلاََّ مِنْ كِتَاب، وَلَنَا فِيهِ أُسْوَة» 0 قَالَ ابْنُ أَبي حَاتمٍ الْوَرَّاق: سَأَلْتُ أَبي عَن عَلِيِّ بْنِ المَدِينيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَيُّهُمَا أَحْفَظ؟ فَقَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

كَانَا في الحِفْظِ مُتَقَارِبَين، وَكَانَ أَحْمَدُ أَفْقَه، إِذَا رَأَيْتَ مَنْ يُحِبُّ أَحْمَد؛ فَاعْلَمْ أَنَّهُ صَاحِبُ سُنَّة» قَالَ ابْنُ أَبي حَاتمٍ الْوَرَّاق: قَالَ سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو: يَا أَبَا زُرْعَةَ، أَأَنْتَ أَحْفَظُ أَمْ أَحْمَد؟ قَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ: بَلْ أَحْمَد؛ قُلْتُ: كَيْفَ عَلِمْت 00؟ قَال: وَجَدْتُ كُتُبَه، لَيْسَ في أَوَائِلِ الأَجْزَاءِ أَسْمَاءُ الَّذِينَ حَدَّثُوه، فَكَانَ يحْفَظُ كُلَّ جُزءٍ مِمَّنْ سَمِعَهُ، وَأَنَا لاَ أَقْدِرُ عَلَى هَذَا» 0

قَالَ حَسَنُ بْنُ مُنَبِّه: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ الرَّازِي رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ يَقُول: «أَخرَجَ إِلَيَّ أَبُو عَبْدِ اللهِ أَجْزَاءً كُلُّهَا سُفْيَانُ سُفْيَان، لَيْسَ عَلَى حَدِيثٍ مِنهَا: حَدَّثَنَا فُلاَن، فَظَنَنْتُهَا عَنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَانْتَخَبْتُ مِنهَا؛ فَلَمَّا قَرَأَ ذَلِكَ عَلَيَّ جَعَلَ يَقُول: حَدَّثَنَا وَكِيع، وَيحْيىَ بْنُ آدَم، وَحَدَّثَنَا فُلاَن؛ فَعَجِبْتُ، وَلَمْ أَقْدِرْ أَنَا عَلَى هَذَا» 0 قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَل: سَمِعْتُ أَبي رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ يَقُول:

«خَالَفَ وَكِيعٌ ابْنَ مَهْدِيٍّ في نَحْوٍ مِنْ سِتِّينَ حَدِيثَاً مِن حَدِيثِ سُفْيَان» 00 أَيِ الثَّوْرِيّ 0 حَدَّثَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيُّ قَال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَال: قَالَ لي أَبي: «خُذْ أَيَّ كِتَابٍ شِئْتَ مِنْ كُتُبِ وَكِيعٍ مِنَ المُصَنَّف، فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَسْأَلَني عَنِ الْكَلاَمِ حَتىَّ أُخْبِرَكَ بِالإِسْنَاد، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تُخْبِرَني بِالإِسْنَادِ حَتىَّ أُخْبِرَكَ أَنَا بِالكَلاَم» 0

قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَبَّاس: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ رَحمَهُ اللهُ ذَكَرَ أَصْحَابَ الحَدِيثِ فَقَال: «أَعْلَمُهُمْ بِحَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيّ: أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل» 0 قَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيّ: قَالَ لي أَبُو عَبْدِ اللهِ رَحمَهُ الله: كُنَّا عِنْد يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه، فَوَهِمَ في شَيْء؛ فَكَلَّمتُه؛ فَأَخْرَجَ كِتَابَهُ فَوَجَدَهُ كَمَا قُلْتُ؛ فَغَيَّرَهُ؛ فَكَانَ إِذَا جَلَسَ يَقُول: يَا ابْنَ حَنْبَل؛ ادْنُ، يَا ابْنَ حَنْبَل؛ ادْنُ هَا هُنَا، وَمَرِضْتُ فَعَادَني»

0 ـ قَالُواْ عَنْ مَعْرِفَتِهِ بِعِلَلِ الحَدِيثِ وَبَصَرِهِ بِالرِّجَالِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَلاََّل: حَدَّثَنَا محَمَّدُ بْنُ يَاسِينَ الْبَلَدِيُّ قَال: سَمِعْتُ ابْنَ أَبي أُوَيْسٍ وَقِيلَ لَهُ: «ذَهَبَ أَصْحَابُ الحَدِيث؛ فَقَال: مَا أَبْقَى اللهُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَل؛ فَلَمْ يَذْهَبْ أَصْحَابُ الحَدِيث» وَقَالَ عَمْرٌو النَّاقِد: «إِذَا وَافَقَني أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَلَى حَدِيثٍ؛ لاَ أُبَالِي مَن خَالَفَني»

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ شَمَّاسٍ: سَأَْلنَا وَكِيعَاً عَن خَارِجَةَ بْنِ مُصْعَبٍ فَقَال: «نَهَاني أَحْمَدُ أَن أُحَدِّثَ عَنهُ» 00 قَالَ هَذَا وَهُوَ مِنْ شُيُوخِ أَحْمَد 0 قَالَ أَبُو يحْيىَ النَّاقِد: كُنَّا عِنْدَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَرْعَرَةَ؛ فَذَكَرُواْ يَعْلَى بْنَ عَاصِم؛ فَقَالَ رَجُل: «أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يُضَعِّفُه؛ فَقَالَ رَجُل: وَمَا يَضُرُّهُ إِذَا كَانَ ثِقَةً 00؟ فَقَالَ ابْنُ عَرْعَرَة: وَاللهِ لَوْ تَكَلَّمَ أَحْمَدُ في عَلْقَمَةَ وَالأَسْوَدِ لَضَرَّهُمَا» 0

حَدَّثَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَن أَبِيهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه قَال: «قَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: يَا أَبَا عَبْدِ الله؛ إِذَا صَحَّ عِنْدَكُمُ الحَدِيثُ فَأَخْبِرُونَا حَتىَّ نَرْجِعَ إِلَيْه، أَنْتُم أَعْلَمُ بِالأَخْبَارِ الصِّحَاحِ مِنَّا، فَإِذَا كَانَ خَبَرٌ صَحِيحٌ، فَأَعْلِمْني حَتىَّ أَذهبَ إِلَيْهِ كُوفِيَّاً كَانَ أَوْ بَصْرِيَّاً أَوْ شَامِيَّاً» قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ مُعَلِّقَاً:

«لَمْ يَحْتَجْ إِلىَ أَنْ يَقُولَ أَوْ مِصْرِيَّاً؛ لأَنَّهُ كَانَ أَعْلَمَ بحَدِيثِ مِصْرَ مِنهُ» 0 ـ قَالُواْ عَنْ سَعَةِ عِلْمِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ: قَالَ عَنهُ إِبْرَاهِيمُ الحَرْبيّ: «رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ كَأَنَّ اللهَ جَمَعَ لَهُ عِلْمَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِين» وَقَالَ آخَر: «مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً أَعْلَمَ بِفِقْهِ الحَدِيثِ وَمَعَانيهِ مِن أَحْمَد» 0 وَعَن عَبْدِ الْوَهَّابِ الْوَرَّاقِ أَنَّهُ قَال: «لَمَّا قَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم:

عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال: «إِنَّ القُرْآنَ لَمْ يَنْزِلْ يُكَذِّبُ بَعْضُهُ بَعْضًا، بَلْ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا؛ فَمَا عَرَفْتُمْ مِنْهُ فَاعْمَلُواْ بِهِ، وَمَا جَهِلْتُمْ مِنْهُ فَرُدُّوهُ إِلى عَالِمِه» 0 [صَحَّحَهُ الْعَلاَّمَة أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْم: 6702، وَالأَلْبَانيُّ في شَرْحِ الْعَقِيدَةِ الطَّحَاوِيَّةِ بِرَقْم: 218، رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَد]

قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ الْوَرَّاق: رَدَدْنَاهُ إِلىَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه؛ وَكَانَ أَعْلَمَ أَهْلِ زَمَانِه» 0 ـ قَالُواْ عَنْ بَصَرِهِ بِالتَّفْسِير رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ: وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَة: «سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بْنَ رَاهَوَيْهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ يَقُول: «كُنْتُ أُجَالِسُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَيحْيىَ بْنَ مَعِينٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمَا وَنَتَذَاكَر؛ فَأَقُول: مَا فِقْهُهُ 00؟ مَا تَفْسِيرُهُ 00؟ فَيَسْكُتُونَ إِلاََّ أَحْمَد» 0 ـ قَالُواْ عَنْ فِقْهِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ:

قَالَ صَالِحُ بْنُ محَمَّدٍ [جَزَرَة]: «أَفْقَهُ مَن أَدْرَكْتُ في الحَدِيث: أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه» قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَلاََّل: «كَانَ أَحْمَدُ قَدْ كَتَبَ كُتُبَ الرَّأْيِ وَحَفِظَهَا، ثمَّ لَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا» حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ قَال: سَمِعْتُ محَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ الْبُوشَنْجِيَّ وَذكرَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ فَقَال: «هُوَ عِنْدِي أَفْضَلُ وَأَفْقَهُ مِنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيّ» 0

قَالَ محَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ الطِّهْرَانيّ: سَمِعْتُ أَبَا ثَوْرٍ الْفَقِيهَ يَقُول: «أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَفْقَهُ مِنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيّ» 0 قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبي حَاتِم: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي أَنَّهُ سُئِلَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «اخْتِيَارُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَمْ قَوْلُ الشَّافِعِيّ 00؟ قَال: بَلِ اخْتِيَارُ أَحْمَدَ فَإِسْحَاق» 0

حَدَّثَ أَبُو بَكْرٍ الخَلاََّلُ قَال: حَدَّثَنَا محَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ قَال: حَدَّثَنَا الأَثْرَمُ قَال: حَدَّثَني بَعْضُ مَنْ كَانَ مَعَ أَبي عَبْدِ اللهِ أَنَّهُمْ كَانُواْ يَجْتَمِعُونَ عِنْدَ يحْيىَ بْنِ آدَم، فَيَتَشَاغَلُونَ عَنِ الحَدِيثِ بِمُنَاظَرَةِ أَحْمَدَ يحْيىَ بْنَ آدَمَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُمَا، وَيَرْتَفِعُ الصَّوْتُ بَيْنَهُمَا، وَكَانَ يحْيىَ بْنُ آدَمَ وَاحِدَ أَهْلِ زَمَانِهِ في الْفِقْه» ـ إِحْيَاؤُهُ لِلسُّنَّةِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ:

وَقَالَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَيْضَاً: «لَوْلاَ أَحْمَد؛ لأَحْدَثُواْ في الدِّين» 0 قِيلَ لأَبي مُسْهِرٍ الْغَسَّانيّ: «تَعْرِفُ مَنْ يحْفَظُ عَلَى الأُمَّةِ أَمْرَ دِينِهَا 00؟ قَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: شَابٌّ في نَاحِيَةِ المَشْرِق» 0 [يَعْني أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه] قَالَ عَلِيُّ بْنُ خَلَف: «سَمِعْتُ الإِمَامَ الحُمَيْدِيَّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ يَقُول: مَا دُمْتُ بِالحِجَاز، وَأَحْمَدُ بِالعِرَاق، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ بِخُرَاسَان: لاَ يَغْلِبُنَا أَحَد» 0

أَيْ مِن أَصْحَابِ الأَهْوَاء: كَالْقَدَرِيَّةِ وَالجَهْمِيَّةِ وَالخَوَارِج 0 ـ ثَنَاءُ الأَئِمَّهِ عَلَيْه، رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ: وَقَالَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَيْضَاً: «أَحْمَدُ إِمَامُ الدُّنْيَا» 0 وَقَالَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَيْضَاً: «لَوْلاَ الثَّوْرِيُّ لَمَاتَ الْوَرَع، وَلَوْلاَ أَحْمَد؛ لأَحْدَثُواْ في الدِّين، أَحْمَدُ إِمَامُ الدُّنْيَا» 0 قَالَ عَنهُ الإِمَامُ عَبْدُ الرَّزَّاق: «مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً أَفقَهَ وَلاَ أَوْرَعَ مِن أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَل» 0

قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ مُعَلِّقَاً: «قَالَ هَذَا؛ وَقَدْ رَأَى مِثْلَ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكٍ وَابْنِ جُرَيْج» 0 وَقَالَ عَنهُ حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «مَا قَدِمَ الْكُوفَةَ مِثْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَل» 0 وَقَالَ عَنهُ الحَافِظُ الهَيْثَمُ بْنُ جَمِيل: «إِن عَاشَ أَحْمَد؛ سَيَكُونُ حُجَّةً عَلَى أَهْلِ زَمَانِه» وَقَالَ عَنهُ أَبُو خَيْثَمَة: «مَا رَأَيْتُ مِثْلَ أَحْمَد، وَلاَ أَشَدَّ مِنهُ قَلْبَاً» 0

قَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ محَمَّدٍ الخَلاََّل: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيُّ عَن خُضْرٍ المَرُّوذِيِّ بِطَرَسُوسَ قَال: «سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بْنَ رَاهَوَيْهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَال: سَمِعْتُ يحْيىَ بْنَ آدَمَ يَقُول: أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إِمَامُنَا» 0 وَقَالَ عَنهُ نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيّ: «أَحْمَدُ: أَفْضَلُ أَهْلِ زَمَانِهِ» 0 قَالَ عَنهُ الأَثْرَم: «لَيْسَ في شَرْقٍ وَلاَ غَرْبٍ مِثْلُه» 0

قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَلاََّل: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيُّ قَال: سَمِعْتُ عَبْدَ الْوَهَّابِ الْوَارَّقَ يَقُول: «أَبُو عَبْدِ اللهِ إِمَامُنَا، وَهُوَ مِنَ الرَّاسِخِينَ في الْعِلْم» 0 قَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ محَمَّدٍ الخَلاََّل: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ شَمَّاسٍ قَال: سَمِعْتُ وَكِيعَاً وَحَفْصَ بْنَ غِيَاثٍ يَقُولاَن: مَا قَدِمَ الْكُوفَةَ مِثْلُ ذَاكَ الْفَتىَ» 00 يَعْنِيَانِ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه 0 وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ خَشْرَم: سَمِعْتُ بِشْرَ بْنَ الحَارِثِ يَقُول:

«أَنَا أُسْأَلُ عَن أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَل 00؟ إِنَّ أَحْمَدَ أُدْخِلَ الْكُور، فَخَرَجَ ذَهَبَاً أَحْمَر» 0 وَرُوِيَ عَن أَبي عَبْدِ اللهِ الْبُوشَنْجِيِّ أَنَّهُ قَال: «مَا رَأَيْتُ أَجْمَعَ في كُلِّ شَيْءٍ مِن أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَلاَ أَعْقَلَ مِنهُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه» 0 قَالَ صَالِحُ بْنُ عَلِيٍّ الحَلَبيّ: سَمِعْتُ أَبَا هَمَّامٍ السَّكُونيَّ يَقُول: «مَا رَأَيْتُ مِثْلَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه» 0

قَالَ إِبْرَاهِيمُ الحَرْبيّ: «عَالِمُ وَقْتِهِ: سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ في زَمَانِهِ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ في زَمَانِهِ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ في زَمَانِهِ» 0 وَقَالَ أَبُو عُبَيْد: «إِنيِّ لأَتَدَيَّنُ بِذِكْرِ أَحْمَد؛ مَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَعْلَمَ بِالسُّنَّةِ مِنهُ» 0 أَيْ لأَتَعَبَّدُ بِذِكْرِهِ؛ لأَنَّهُ لاَ يُذْكَرُ اسْمُهُ إِلاَّ ذُكِرَتِ السُّنَّةُ وَذُكِرَ الزُّهْدُ وَالْوَرَع 0 وَقَالَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيد [أَحَدُ شُيُوخِ الإِمَامِ الْبُخَارِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه]:

«خَيْرُ أَهْلِ زَمَاننَا: ابْنُ المُبَارَك، ثُمَّ هَذَا الشَّابّ: [يَعْني أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه] وَإِذَا رَأَيْتَ رَجُلاً يُحِبُّ أَحْمَد؛ فَاعْلَمْ أَنَّهُ صَاحِبُ سُنَّة» 0 قَالَ أَبُو عَلِيٍّ بْنُ شَاذَان: قَالَ لي محَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيّ: قَالَ إِبْرَاهِيمُ الحَرْبيُّ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى وَالِدَيْه: وَاللهِ لَوْ رَأَى ابْنُ عُيَيْنَةَ أَبَاكَ لَقَامَ إِلَيْه» 0

حَدَّثَ أَحْمَدُ بْنُ أَبي الحَوَارِيِّ عَنِ الهَيْثَمِ بْنِ جَمِيلٍ عَنْ شَرِيكٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «لَمْ يَزَلْ لِكُلِّ قَوْمٍ حُجَّةٌ في أَهْلِ زَمَانِهِمْ، وَإِنَّ فُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ حُجَّةٌ لأَهْلِ زَمَانِه، فَقَامَ فَتىً مِنْ مَجْلِسِ الهَيْثَم، فَلَمَّا تَوَارَى قَالَ الهَيْثَم: إِن عَاشَ هَذَا الْفَتى، يَكُونُ حُجَّةً لأَهْلِ زَمَانِهِ؛ قِيل: مَنْ كَانَ الْفَتى 00؟ قَال: أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه» 0

قَالَ شُجَاعُ بْنُ مَخْلَد: سَمِعْتُ أَبَا الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيَّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ يَقُول: «مَا بِالمِصْرَيْنِ [أَيِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ] رَجُلٌ أَكْرَمُ عَلَيَّ مِن أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه» 0 ـ دِفَاعُهُمْ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَلاََّل: «بُلِينَا بِقَوْمٍ جُهَّال، يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ عُلَمَاء، فَإذَا ذَكَرْنَا فَضَائِلَ أَبي عَبْدِ الله: يُخْرِجُهُمُ الحَسَدُ إِلىَ أَنْ يَقُولَ بَعْضُهُمْ فِيمَا أَخْبَرَني ثِقَةٌ عَنهُ: أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَبِيُّهُمْ» 0

قَالَ ابْنُ عَقِيل: «مِن عَجِيبِ مَا سَمِعْتُهُ عَن هَؤُلاَءِ الأَحدَاثِ الجُهَّالِ أَنَّهُمْ يَقُولُون: «أَحْمَدُ لَيْسَ بِفَقِيه، لَكِنَّهُ مُحَدِّث» 0 قَالَ أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ المُقْرِئ: سَمِعْتُ الحُسَيْنَ الْكَرَابيْسِيَّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ يَقُول: «مَثَلُ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه [أَيْ يَذْكُرُونَهُ بِسُوء]: مَثَلُ قَوْمٍ يَجِيئُونَ إِلىَ أَبي قُبَيْسٍ [جَبَلٌ بمَكَّة] يُرِيدُونَ أَنْ يَهْدِمُوهُ بِالمَعَاوِل» 0

ـ ثَنَاءُ عَلِيِّ بْنَ المَدِينيِّ [شَيْخِ الإِمَامِ الْبُخَارِيِّ]: قَالَ عَلِيُّ بْنُ المَدِينيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «أَعَزَّ اللهُ الدِّينَ بِالصِّدِّيقِ يَوْمَ الرِّدَّة، وَبِأَحْمَدَ يَوْمِ المحْنَة» قَالَ عَلِيُّ بْنُ المَدِينيِّ [شَيْخُ الإِمَامِ الْبُخَارِيِّ] عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ قَال: «أَمَرَني سَيِّدِي أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنْ لاَ أُحَدِّثَ إِلاََّ مِنْ كِتَاب» 0 قَالَ محَمَّدُ بْنُ عَبْدُوَيْه: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ المَدِينيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ يَقُول: «أَحْمَدُ أَفْضَلُ عِنْدِي مِنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ في زَمَانِه» 00 هَذَا؛ رَغْمَ أَنَّ سَعِيدَاً مَاتَ شَهِيدَاً 0

ـ ثَنَاءُ يحْيىَ بْنِ مَعِينٍ عَلَيْه: وَرَوَى عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ عَنْ يحْيىَ بْنِ مَعِينٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «مَا رَأَيْتُ مِثْلَ أَحْمَد» 0 وَقَالَ يحْيىَ بْنُ مَعِينٍ رَحمَهُ الله: «أَرَادُواْ أَن أَكُونَ مِثْلَ أَحْمَدَ، وَاللهِ لاَ أَكُونُ مِثْلَهُ أَبَدَا» 0 ـ ثَنَاءُ الإِمَامَ النَّسَائِيِّ عَلَيْه: وَقَالَ عَنهُ الإِمَامُ النَّسَائِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «جَمَعَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ المَعْرِفَةَ بِالحَدِيثِ وَالفِقْهِ وَالوَرَعَ وَالزُّهْدَ وَالصَّبر»

ـ ثَنَاءُ الإِمَامَ الذَّهَبيِّ عَلَيْه: قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «كَانَ أَحْمَدُ عَظِيمَ الشَّأْن، رَأْسَاً في الحَدِيثِ وَفي الْفِقْهِ وَفي التَّأَلُّه [أَيِ الْعِبَادَة]، أَثْنىَ عَلَيْهِ خَلْقٌ مِن خُصُومِهِ؛ فَمَا الظَّنُّ بِإِخْوَانِهِ وَأَقْرَانِهِ» 00؟

قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحمَهُ الله: «وَاللهِ لَقَدْ بَلَغَ في الْفِقْهِ خَاصَّةً رُتْبَةَ اللَّيْثِ بْنِ سَعْد، وَمَالِك، وَالشَّافِعِيّ، وَأَبي يُوسُفَ الْقَاضِي، وَفي الزُّهْدِ وَالوَرَع: رُتْبَةَ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاض، وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَم، وَفي الحِفْظ: رُتْبَةَ شُعْبَة، وَيَحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّان، وَعَلِيِّ بْنِ المَدِينيّ، وَلَكِنَّ الجَاهِلَ لاَ يَعْلَمُ رُتْبَةَ نَفْسِه؛ فَكَيْفَ يَعْرِفُ رُتْبَةَ غَيْرِه» 0

ـ ثَنَاءُ الإِمَامَ الشَّافِعِيَّ عَلَيْه: قَالَ حَرْمَلَة: سَمِعْتُ الإِمَامَ الشَّافِعِيَّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ يَقُول: «خَرَجْتُ مِنْ بَغْدَاد؛ فَمَا خَلَّفْتُ بِهَا رَجُلاً؛ أَفْضَلَ وَلاَ أَعْلَمَ وَلاَ أَفْقَهَ وَلاَ أَتْقَى مِن أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَل» 0 حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ عَن أَبِيهِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَال: «مَا رَأَى الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ مِثْلَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمَا» 0

ـ ثَنَاءُ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَلَيْه: قَالَ مُهَنىَّ بْنُ يحْيىَ: قَدْ رَأَيْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ، وَوَكِيعَاً، وَبَقِيَّةَ، وَعَبْدَ الرَّزَّاق، وَضَمْرَة، وَالنَّاس؛ مَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَجْمَعَ مِن أَحْمَدَ في عِلْمِهِ وَزُهْدِهِ وَوَرَعِه 000، وَذَكَرَ أَشْيَاء» 0 قَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «قُلْتُ لأَحْمَد: أَكَانَ أُغْمِيَ عَلَيْكَ أَوْ غُشِي عَلَيْكَ عِنْدَ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَة؟

قَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ نَعَمْ، في دِهْلِيزِهِ، زَحَمَني النَّاسُ، فَأُغْمِيَ عَلَيّ؛ فَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ يَوْمَئِذٍ: كَيْفَ أُحَدِّثُ وَقَدْ مَاتَ خَيْرُ النَّاس» 00؟ ـ ثَنَاءُ يحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَلَيْه: قَالَ الْقَوَارِيرِيّ: قَالَ يحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّان: «مَا قَدِمَ عَلَيْنَا مِثْلُ هَذَيْن: أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل، وَيحْيىَ بْنِ مَعِينٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمَا» 0 قَالَ الْقَوَارِيرِيّ: قَالَ يحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّان: «مَا قَدِمَ عَلَيَّ مِنْ بَغْدَادَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِن أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه»

ـ قَالُواْ في المُفَاضَلَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْه رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ: وَقَالَ عَنهُ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي: «أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: أَكْبَرُ وَأَفْقَهُ مِن إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْه، مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً أَكْمَلَ مِن أَحْمَد» حَدَّثَ ابْنُ سَلْمٍ عَنْ محَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ المَرْوَزِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ: أَكَانَ أَحْمَدُ أَكْثرَ حَدِيثَاً أَمْ إِسْحَاق؟ قَال: بَلْ أَحْمَدُ أَكْثَرُ حَدِيثَاً وَأَوْرَع، أَحْمَدُ فَاقَ أَهْلَ زَمَانِِهِ» 0

ـ قَالُواْ عَنْ تَوَاضُعِهِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَه: قَالَ يحْيىَ بْنُ مَعِينٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «مَا رَأَيْتُ مِثْلَ أَحْمَدَ رَحمَهُ الله؛ صَحِبْنَاهُ خَمْسِينَ سَنَة؛ فَمَا افْتَخَرَ عَلَيْنَا بِشَيْءٍ مِمَّا كَانَ فِيهِ مِنَ الخَيْر» 0 قَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ ذَكرَ أَخْلاَقَ الْوَرِعينَ ثُمَّ قَال: «أَسْأَلُ اللهَ أَنْ لاَ يَمْقُتَنَا؛ أَيْنَ نَحْنُ مِن هَؤُلاَء» 00؟

قَالَ محَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ بْنِ هَارُون: «رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ رَحمَهُ اللهُ إِذَا مَشَى في الطَّرِيق: يَكْرَهُ أَنْ يَتْبَعَهُ أَحَد» 0 قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاج: سَمِعْتُ فَتْحَ بْنَ نُوحٍ قَال: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُول: «أَشْتَهِي مَا لاَ يَكُون: أَشْتَهِي مَكَانَاً لاَ يَكُونُ فِيهِ أَحَدٌ مِنَ النَّاس» 0 قَالَ عَبْدُ المَلِكِ المَيْمُونيّ: «قَالَ الإِمَامُ أَحْمَد: رَأَيْتُ الخَلوَةَ أَرْوَحَ لِقَلْبي» 0

قَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيّ: أَدْخلْتُ إِبْرَاهِيمَ الحُصْرِيَّ عَلَى أَبي عَبْدِ اللهِ وَكَانَ رَجُلاً صَالحَاً فَقَال: إِنَّ أُمِّي رَأَتْ لَكَ مَنَامَاً، هُوَ كَذَا وَكَذَا، وَذَكَرَتِ الجَنَّة؛ فَقَال: يَا أَخِي، إِنَّ سَهْلَ بْنَ سَلاَمَةَ كَانَ النَّاسُ يُخْبرُونَهُ بمِثْلِ هَذَا وَخَرَجَ إِلىَ سَفْكِ الدِّمَاء، ثمَّ قَالَ رَحمَهُ الله: الرُّؤْيَا تَسُرُّ المُؤْمِنَ وَلاَ تَغُرُّه» قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَلاََّل: حَدَّثَنَا محَمَّدُ بْنُ المُنْذِرِ قَال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الحَسَنِ التِّرْمِذِيُّ قَال:

«رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ رَحمَهُ اللهُ يَشْتَرِي الخُبْزَ مِنَ السُّوق، وَيَحْمِلُهُ في الزَّنْبيل [الزَّنْبيل: هُوَ الْقُفَّة]، وَرَأَيْتُهُ يَشْتَرِي الْبَاقِلاََّءَ غَيْرَ مَرَّةٍ وَيَجْعَلُهَا في خِرْقَةٍ، فَيَحْمِلُهَا آخِذَاً بِيَدِ عَبْدِ اللهِ ابْنِهِ» 0 قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَال: حَدَّثَنَا أَبي رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ وَذُكِرَ عِنْدَهُ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ فَقَالَ [أَيِ الإِمَامُ أَحْمَد]:

«مَا اسْتفَادَ مِنَّا أَكْثَرَ مِمَّا اسْتَفَدْنَا مِنهُ» 0 حَدَّثَ ابْنُ المُنَادِي عَنْ جَدِّهِ أَبي جَعْفَرٍ قَال: «كَانَ يَتَوَاضَعُ لِلشُّيُوخِ شَدِيدَاً، وَكَانُواْ يُعَظِّمُونَهُ، وَكَانَ يَفْعَلُ بِيَحْيىَ بْنِ مَعِينٍ مَا لَمْ أَرَهُ يَعْمَلُ بِغَيْرِهِ مِنَ التَّوَاضُعِ وَالتَّكْرِيمِ وَالتَّبْجِيل، كَانَ يحْيىَ أَكْبَرَ مِنهُ بِسَبْعِ سِنِين» 0 ـ قَالُواْ عَنْ نُبْلِ أَخْلاَقِهِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ اللهُ ذِكْرَه: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ محَمَّدٍ الْوَرَّاق:

«كُنْتُ في مَجْلِسِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ فَقَال: مِن أَيْنَ أَقْبَلْتُمْ 00؟ قُلْنَا: مِنْ مَجْلِسِ أَبي كُرَيْب؛ فَقَال: اكْتُبُواْ عَنهُ؛ فَإِنَّه شَيْخٌ صَالِح؛ فَقُلْنَا: إِنَّه يَطْعُنُ عَلَيْك؟! فَقَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ اللهُ ذِكْرَه: فَأَيُّ شَيْءٍ حِيلَتي؛ شَيْخٌ صَالِحٌ قَدْ بُلِيَ بي» 0 ـ قَالُواْ عَنْ تَقْدِيرِ الأَئِمَّةِ لَهُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ:

قَالَ أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ الْقَطَّان: مَا رَأَيْتُ يَزِيدَ لأَحَدٍ أَشَدَّ تَعْظِيمَاً مِنهُ لأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَل، وَلاَ أَكْرَمَ أَحَدَاً مِثْلَه؛ كَانَ يُقْعِدُهُ إِلىَ جَنْبِهِ، وَيُوَقِّرُهُ وَلاَ يُمَازِحُه» 0 حَدَّثَ الْعَبَّاسُ بْنُ محَمَّدٍ الخَلاََّلُ عَن أَبي بَكْرٍ المَرُّوذِيُّ عَنْ محَمَّدِ بْنِ يحْيىَ الْقَطَّانِ قَال: «رَأَيْتُ أَبي مُكْرِمَاً لأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَل؛ لَقَدْ بَذَلَ لَهُ كُتُبَهُ أَوْ حَدِيثَه» 0

قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَلاََّل: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى وَالِدَيْهِ قَال: رَأَيْتُ كَثِيرَاً مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالفُقَهَاءِ وَالمُحَدِّثِينَ وَبَني هَاشِمٍ وَقُرَيْشٍ وَالأَنْصَارِ يُقَبِّلُونَ أَبي؛ بَعْضُهُمْ يدَهُ، وَبَعْضُهُمْ رَأْسَهُ، وَيُعَظِّمُونَهُ تَعْظِيمَاً: لَمْ أَرَهُمْ يَفْعَلُونَهُ بِأَحَدٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ غَيْرِهِ، وَلَمْ أَرَهُ يَشْتَهِي ذَلِك» 0 ـ حُبُّ النَّاسِ لَهُ، وَتَقْدِيرُهُمْ لَهُ:

وَأَحَبَِّهُ النَّاسُ حُبَّاً جَمَّاً وَتَعَصَّبُواْ لَهُ؛ حَتىَّ أَنَّ شَيْخَ الإِسْلاَمِ الإِمَامَ الحَافِظَ أَبَا إِسْمَاعِيلَ الهَرَوِيَّ كَانَ يُنْشِدُ عَلَى مِنْبَرِهِ: أَنَا حَنْبَلِيٌّ مَا حَييْتُ وَإِن أَمُتْ ... فَوَصِيَّتي لِلنَّاسِ أَنْ يَتَحَنْبَلُواْ قَالَ المُزَنيُّ: قَالَ لي الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «رَأَيْتَ بِبَغْدَادَ شَابَّاً؛ إِذَا قَالَ «حَدَّثَنَا»؛ قَالَ النَّاسُ كُلُّهُمْ: صَدَقَ؛ قُلْتُ: وَمَن هُوَ 00؟! قَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه» 0

عَنِ الحُسَيْنِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنِ أَبِيهِ قَال: «كَانَ يَجْتَمِعُ في مجْلِسِ أَحْمَدَ زُهَاءُ خَمْسَةِ آلاَفٍ أَوْ يَزِيدُون، نَحْوَ خَمْسِمِاْئَةٍ يَكْتُبُون، وَالبَاقُونَ يَتَعلَّمُونَ مِنهُ حُسْنَ الأَدَبِ وَالسَّمْت» ـ قَالُواْ عَن حُسْنِ عِبَادَتِهِ لله، رَحمَهُ الله: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى وَالِدَيْه: «كَانَ أَبي رَحمَهُ اللهُ يَقْرَأُ كُلَّ يَوْمٍ سُبْعَاً، وَكَانَ يَنَامُ نَوْمَةً خَفِيفَةً بَعْدَ الْعِشَاء، ثُمَّ يَقُومُ إِلىَ الصَّبَاحِ يُصَلِّي وَيَدْعُو» 0

قَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُومُ لوِرْدِهِ قَرِيبَاً مِنْ نِصْفِ اللَّيْل، حَتىَّ يُقَارِبَ السَّحَر، وَرَأَيْتُه يَرْكَعُ فِيمَا بَيْنَ المَغْرِبِ وَالْعِشَاء» 0 قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى وَالِدَيْه: «كَانَ أَبي يُصَلِّي في كُلِّ يَوْمٍ وَلَيلةٍ ثَلاَثَمِاْئَةِ رَكْعَة، فَلَمَّا مَرِضَ مِن تِلْكَ الأَسْوَاطِ أَضْعَفَتْه؛ فَكَانَ يُصَلِّي كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مِاْئَةً وَخَمْسِينَ رَكْعَةً» 0

قَالَ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «رُبَّمَا سَمِعْتُ أَبي في السَّحَرِ يَدْعُو لأَقْوامٍ بِأَسْمَائِهِمْ، وَكَانَ يُكْثِرُ الدُّعَاءَ وَيُخْفِيه، وَيُصَلِّي بَينَ الْعِشَاءَيْن؛ فَإِذَا صَلَّى عِشَاءَ الآخِرَةِ رَكعَ رَكَعَاتٍ صَالِحَةً، ثمَّ يُوترُ، وَينَامُ نَوْمَةً خَفِيفَةً، ثمَّ يَقُومُ فيُصَلِّي، وَكَانَتْ قِرَاءَتُهُ ليِّنَةً، حَتىَّ رُبَّمَا لَمْ أَفْهَمْ بَعْضَهَا، وَكَانَ يَصُومُ وَيُدْمِنُ، ثُمَّ يُفْطرُ مَا شَاءَ الله، وَلاَ يَتْرُكُ صَوْمَ الاِثْنَيْنِ وَالخَمِيسِ وَالأَيَّامِ الْبِيض، فَلَمَّا رَجَعَ

مِنَ الْعَسْكَرِ أَدْمَنَ الصَّوْمَ إِلىَ أَنْ مَات» 00 الْعَسْكَر: مَدِينَةٌ بِالأَهْوَازِ جَنُوبَ الْعِرَاق قَالَ عَبْدُ المَلِكِ المَيْمُونيّ: «قَالَ ليَ الْقَاضِي محَمَّدُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيّ: قَالَ لي أَحْمَد: أَبُوكَ أَحَدُ السِّتَّةِ الَّذِينَ أَدْعُو لَهُمْ سَحَرَاً» 0 قَالَ عَبْدُ اللهِ رَحمَهُ الله: خَرَجَ أَبي إِلىَ طَرَسُوسَ مَاشِيَاً [أَيْ مِنْ بَغْدَادَ إِلىَ جَنُوبِ تُرْكِيَا مَاشِيَاً] قَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ رَحمَهُ اللهُ يَقُول:

«حَجَجْتُ عَلَى قَدَمَيَّ حَجَّتَين، وَكَفَاني إِلىَ مَكَّةَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ دِرْهَمَاً» 0 ـ قَالُواْ عَنْ صَلاَحِهِ وَتَقْوَاه، رَحمَهُ الله: قَالَ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «رَأَيْتُ أَبي حَرَّجَ عَلَى النَّملِ أَنْ يُخْرَجُواْ مِنْ دَارِهِ» 0 قَالَ رَجُلٌ خُرَسَانيّ: «عِنْدنَا بِخُرَاسَانَ يَظُنُّونَ أَنَّ أَحْمَدَ لاَ يُشْبِهُ الْبَشَر: يَظُنُّونَ أَنَّهُ مِنَ المَلاَئِكَة» 0 وَقَالَ عَنهُ محَمَّدُ بْنُ يحْيىَ الذُّهْلِيّ: «جَعَلْتُ أَحْمَدَ إِمَامَاً فِيمَا بَيْني وَبَيْنَ الله» 0

أَيْ كُلُّ مَا عَجَزْتُ عَنْ الاِجْتِهَادِ فِيه: قَلَّدْتُ فِيه: هَذَا الْفَقِيه 0 حَدَّثَ أَبُو بَكْرٍ الخَلاََّلُ قَال: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيُّ قَال: قَالَ لي أَبُو عَبْدِ اللهِ رَحمَهُ الله: «مَا كَتَبْتُ حَدِيثَاً إِلاََّ وَقَدْ عَمِلْتُ بِهِ؛ حَتىَّ مَرَّ بي أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم احْتَجَمَ وَأَعْطَى أَبَا طَيْبَةَ دِينَارَاً؛ فَاحْتَجَمْتُ وَأَعْطيْتُ الحجَّامَ دِينَارَاً» 0 قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ سُفْيَان: سَمِعْتُ عَاصِمَ بْنَ عِصَامٍ الْبَيْهَقِيَّ يَقُول:

«بِتُّ لَيْلَةً عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه؛ فَجَاءَ بِمَاءٍ فَوَضَعَهُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ نَظَرَ إِلىَ المَاءِ بحَالِهِ فَقَال: سُبْحَان الله؛ رَجُلٌ يَطْلُبُ الْعِلْمَ لاَ يَكُونُ لَهُ وِردٌ بِاللَّيْل» 0 ـ قَالُواْ عَن خَوْفِهِ مِنَ الله، رَحمَهُ الله: قَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيّ: بَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ في مَرَضِ المَوْتِ دَمَاً عَبِيطَاً [أَيْ غَلِيظَاً كَأَنَِّهُ مُوشِكٌ عَلَى التَّجَلُّط]؛ فَأَرَيْتُهُ الطَّبِيب؛ فَقَال: هَذَا رَجُلٌ قَدْ فَتَّتَ الْغَمُّ أَوِ الخَوْفُ جَوْفَه» 0

قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَلاََّل: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيُّ، سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ رَحمَهُ اللهُ يَقُول: «الخَوْفُ مَنَعَني أَكْلَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَمَا اشْتَهَيْتُه» 0 ـ زُهْدُهُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ مَعَ الْفَقْرِ وَرِقَّةِ الحَال: وَقَالَ عَنهُ الإِمَامُ أَبُو دَاوُدَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «كَانَتْ مجَالِسُ أَحْمَدَ رَحمَهُ اللهُ مَجَالِسَ الآخِرَة: لاَ يُذْكَرُ فِيهَا شَيْءٌ مِن أَمْرِ الدُّنْيَا، مَا رَأَيْتُهُ ذَكَرَ الدُّنْيَا قَطّ» 0

قَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ إِذَا ذَكَرَ المَوْتَ خَنَقَتْهُ الْعَبرَة، وَكَانَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ يَقُول: الخَوْفُ يَمْنَعُني أَكْلَ الطَّعَامِ وَالشَّرَاب، وَإِذَا ذَكَرْتُ المَوْتَ هَانَ عَلَيَّ كُلُّ أَمْرِ الدُّنْيَا، إِنَّمَا هُوَ طَعَامٌ دُونَ طَعَام [أَيْ طَعَامُ الأَغْنِيَاءِ يُشْبِعُ وَطَعَامُنَا يُشْبِع، كِلاَهُمَا طَعَام] وَلِباسٌ دُونَ لِباس [أَيْ وَهَذَا لِبَاسٌ وَهَذَا لِبَاس]، وَإِنَّهَا أَيَّامٌ قَلاَئِل» 0

وَقَالَ ابْنُهُ صَالِحٌ أَيْضاً رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى وَالِدَيْه: «كُنَّا رُبَّمَا اشْتَرَيْنَا الشَّيْءَ فَنَسْتُرُهُ مِنهُ لِئَلاََّ يُوَبِّخَنَا عَلَيْه» 0 قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ هَانِئ: أَخْبَرَني يُوسُفُ بْنُ الضَّحَّاكِ قَال: حَدَّثَني ابْنُ جَبَلَةَ قَال: «كُنْتُ عَلَى بَابِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحمَهُ اللهُ وَالبَابُ مُجَاف [أَيْ مَرْدُود]، وَأُمُّ وَلَدِهِ تُكَلِّمُهُ وَتَقُول: أَنَا مَعَكَ في ضِيق، وَأَهْلُ صَالِحٍ يَأْكُلُونَ وَيَفْعَلُون؛ وَهُوَ يَقُول: قُولِي خَيرَاً؛ وَخَرَجَ الصَّبيُّ مَعَهُ؛ فَبَكَى؛ فَقَالَ لَهُ: مَا تُرِيد 00؟ قَالَ زَبِيب؛ قَال: اذْهَبْ، خُذْ مِنَ الْبَقَّال» 0

قَالَ أَبُو نُعَيْم: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بْنُ محَمَّدٍ قَال: حَدَّثَنَا شَاكِرُ بْنُ جَعْفَرٍ قَال: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ محَمَّدٍ التُّسْتَرِيَّ يَقُول: ذَكَرُواْ أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ أَتَى عَلَيْهِ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ مَا طَعِمَ فِيهَا؛ فَبَعَثَ إِلىَ صَدِيقٍ لَهُ فَاقْتَرَضَ مِنهُ دَقِيقَاً، فَجَهَّزُوهُ بِسُرْعَةٍ؛ فَقَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ: كَيْفَ ذَا 00؟

قَالُواْ: تَنُّورُ صَالِحٍ مُسْجَر؛ فَخَبَزْنَا فِيه؛ فَقَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: ارْفَعُواْ؛ وَأَمَرَ بِسَدِّ بَابٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَالِح؛ قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ شَارِحَاً السَّبَبَ في ذَلِك: لِكَوْنِهِ أَخَذَ جَائِزَةَ المُتَوَكِّل» 0 رَوَى الخُلْدِيُّ عَن أَحْمَدُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ مَسْرُوقٍ قَال: قَالَ ليَ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ رَحمَهُ الله: «دَخَلَ عَلَيَّ أَبي يَعُودُني في مَرَضِي؛ فَقُلْتُ: يَا أَبَتِ؛ عِنْدَنَا شَيْءٌ مِمَّا كَانَ يَبَرُّنَا بِهِ المُتَوَكِّل؛ أَفَأَحُجُّ مِنهُ 00؟

قَالَ نَعَمْ؛ قُلْتُ: فَإذَا كَانَ هَذَا عِنْدَكَ هَكَذَا، فَلِمَ لاَ تَأْخُذُ مِنهُ 00؟ قَال: لَيْسَ هُوَ عِنْدِي حَرَام، وَلَكِنْ تَنَزَّهْتُ عَنهُ» 0 حَدَّثَ أَبُو بَكْرٍ الخَلاََّلُ قَال: أَخْبَرَنَا محَمَّدُ بْنُ أَبي هَارُونَ قَال: حَدَّثَنَا الأَثْرَمُ قَال: «أُخْبِرْتُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ لأَبي عَبْدِ اللهِ رَحمَهُ الله: إِنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ الأَمِينَ سَأَلَني أَنَّ أَلْتَمِسَ لَهُ قَاضِيَاً لِلْيَمَن، وَأَنْت تُحِبُّ الخُرُوجَ إِلىَ عَبْدِ الرَّزَّاق [وَكَانَ بِالْيَمَن]؛ فَقَدْ نِلْتَ حَاجَتَك، وَتَقْضِي

بِالحَقّ؛ فَقَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ لِلإِمَامِ الشَّافِعِيّ: يَا أَبَا عَبْدِ الله؛ إِنْ سَمِعْتُ هَذَا مِنْكَ ثَانيَةً، لَمْ تَرَني عِنْدَك» قَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «رَأَيْتُ طَبِيبَاً نَصْرَانيَّاً خَرَجَ مِن عِنْدِ أَحْمَدَ وَمَعَهُ رَاهِبٌ؛ فَسَأَلْتُهُ [أَيْ سَأَلَ الطَّبِيبَ] فَقَال: إِنَّهُ سَأَلَني أَنْ يَجِيءَ مَعِي لِيَرَى أَبَا عَبْدِ الله، وَأَدْخَلْتُ نَصْرَانيَّاً عَلَى أَبي عَبْدِ اللهِ فَقَالَ لَهُ: إِنيِّ لأَشْتَهِي أَن أَرَاك مُنْذُ سِنِين، مَا بَقَاؤُكَ صلاَحٌ لِلإِسْلاَمِ

وَحْدَهُمْ، بَلْ لِلْخَلقِ جَمِيعَاً، وَلَيْسَ مِن أَصْحَابنَا أَحَدٌ إِلاََّ وَقَدْ رَضِيَ بِك؛ فَقَال: يَا أَبَا بَكْر، إِذَا عَرَفَ الرَّجُلُ نَفْسَهُ؛ فَمَا يَنْفَعُهُ كَلاَمُ النَّاس» 0 ـ عِفَّتُهُ وَعِزَّةُ نَفْسِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ: قَالَ أَبُو إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيّ: «جَاءَ رَجُلٌ بِعَشْرَةِ آلاَفٍ مِنْ رِبْحِ تِجَارَتِهِ إِلىَ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ فَرَدَّهَا» 0

حَدَّثَ الإِمَامُ الطَّبَرَانيُّ قَال: حَدَّثَنَا محَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْبَرْبرِيُّ قَال: «حُمِلَ إِلىَ الحَسَنِ الجَرَوِيِّ مِيرَاثُهُ مِنْ مِصْرَ مِاْئَةَ أَلْفِ دِينَار؛ فَأَتَى أَحْمَدَ بِثَلاَثَةِ آلاَفِ دِينَار؛ فَمَا قَبِلَهَا» 0 قَالَ ابْنُهُ عَبْدُ الله رَحمَهُ الله: سَمِعْتُ فُورَانَ [أَحَدَ تَلاَمِذَةِ الإِمَامِ أَحْمَدَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ] يَقُول: «مَرضَ أَبُو عَبْدِ الله؛ فَعَادَهُ النَّاس، وَعَادَهُ عَلِيُّ بْنُ الجَعْد؛ فَتَرَكَ عِنْدَ رَأْسِهِ صُرَّةً؛ فَقُلْتُ لَهُ عَنهَا فَقَال: مَا رَأَيْتُ، اذْهَبْ

فَرُدَّهَا إِلَيْه» 0 قَالَ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ رَحمَهُ الله: قُلْتُ لأَبي: بَلَغَني أَنَّ عَبْدَ الرَّزَّاقِ عَرَضَ عَلَيْكَ دَنَانِير 00؟ قَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: نَعَمْ، وَأَعْطَاني يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ خَمْسَمِاْئَةِ دِرْهَمٍ فَلَمْ أَقبَلْ» 0 قَالَ الإِمَامُ الطَّبَرَانيُّ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَال: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بْنَ رَاهَوَيْهِ يَقُول: «لَمَّا خَرَجَ أَحْمَدُ إِلىَ عَبْدِ الرَّزَّاق: انْقَطَعَتْ بِهِ النَّفقَة؛ فَأَكْرَى نَفْسَهُ لَدَى بَعْضِ الجَمَّالِينَ إِلىَ أَنْ وَافَى صَنْعَاء، وَعَرَضَ عَلَيْهِ

أَصْحَابُه المُوَاسَاةَ فَلَمْ يَأْخُذْ» 0 قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ بَكْرَانَ بْنَ أَحْمَدَ الحَنْظَلِيَّ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ أَحْمَدَ عَن أَبِيهِ قَال: قَدِمْتُ صَنْعَاء، أَنَا وَيحْيىَ بْنُ مَعِينٍ، فَمَضَيْتُ إِلىَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ في قَريَتِهِ، وَتَخَلَّف يحْيىَ، فَلَمَّا ذَهَبْتُ أَدُقُّ الْبَابَ، قَالَ لي بَقَّالٌ تُجَاهَ دَارِهِ: مَهْ؛ لاَ تَدُقَّ فَإِنَّ الشَّيْخَ يُهَاب [أَيْ فَظٌّ غَلِيظ]؛ فَجَلَسْتُ حَتىَّ إِذَا كَانَ قَبْلَ المَغْرِبِ خَرَج؛ فَوَثَبْتُ إِلَيْهِ وَفي يَدِي أَحَادِيثُ انْتَقَيْتُهَا، فَسَلَّمْتُ

وَقُلْتُ: حَدِّثْني بِهَذِهِ رَحِمَكَ اللهُ فَإِنيِّ رَجُلٌ غَرِيب؛ قَال: وَمَن أَنْتَ وَزَبَرَني 00؟ قُلْتُ: أَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل؛ فَتَقَاصَرَ [أَيْ خَفَّفَ مِن حِدَّتِهِ]، وَضَمَّني إِلَيْهِ وَقَال: بِاللهِ أَنْتَ أَبُو عَبْدِ الله 00؟ ثُمَّ أَخَذَ الأَحَادِيثَ وَجَعَلَ يَقْرَؤُهَا حَتىَّ أَظْلَم» 00 أَيْ دَخَلَ عَلَيْهِ اللَّيْل 0 حَدَّثَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ الأَنْصَارِيُّ عَن أَبي يَعْقُوبَ عَنْ زَاهِرِ بْنِ أَحْمَدَ قَال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُبَشِّرٍ قَال: سَمِعْتُ الرَّمَادِيَّ قَال: سَمِعْتُ عَبْدَ

الرَّزَّاقِ وَذَكَرَ الإِمَامَ أَحْمَد؛ فَدَمَعَتْ عَينُهُ وَقَال: قَدِمَ وَبَلَغَني أَنَّ نَفَقَتَهُ نَفِدَتْ؛ فَأَخَذْتُ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ وَعَرَضتُهَا عَلَيْه؛ فَتَبَسَّمَ وَقَال: يَا أَبَا بَكْر، لَوْ قَبِلْتُ شَيْئَاً مِنَ النَّاسِ، قَبِلْتُ مِنْكَ، وَلَمْ يَقْبَلْ مِنيِّ شَيْئَاً» 0 أَتَاهُ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ يَحْضُرُ مَعَهُ مجْلِسَ ابْنِ عُيَيْنَةَ رَحمَهُ اللهُ فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ قَائِلاً: «سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ، أَأَدْخُل 00؟

فَقَال: لاَ، ثُمَّ قَال: ادْخُلْ؛ فَدَخَلْتُ، وَإِذَا عَلَيْهِ قِطْعَةُ لِبْدٍ خَلِق [أَيْ كِلِيمٍ قَدِيم]، فَقُلْتُ: لِمَ حَجَبْتَني 00؟ فَقَال: حَتىَّ اسْتَتَرْت؛ فَقُلْتُ: مَا شَأْنُك 00؟ قَال: سُرِقَتْ ثِيَابي؛ قَال: فَبَادَرْتُ إِلىَ مَنْزِلِي، فَجِئْتُهُ بِمِاْئَةِ دِرْهَم، فَعَرَضتُهَا عَلَيْه؛ فَامْتَنَعَ، فَقُلْتُ: قَرْضَاً؛ فَأَبَى، حَتىَّ بَلَغْتُ عِشْرِينَ دِرْهَمَاً؛ وَيَأْبَى؛ فَقُمْتُ وَقُلْتُ: مَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَقْتُلَ نَفْسَك؛ قَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: ارْجِعْ؛ فَرَجَعْتُ، فَقَال: أَلَيْسَ قَدْ

سَمِعْتَ مَعِيَ مِنِ ابْنِ عُيَيْنَة؟ قُلْتُ: بَلَى؛ قَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: تُحِبُّ أَن أَنْسَخَهُ لَك 00؟ قُلْتُ: نَعَمْ؛ قَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: اشْتَرِ لي وَرَقَاً؛ فَكَتَبَ بِدَرَاهِم؛ اكْتَسَى مِنهَا ثَوْبَيْن» 0 قَالَ صَالحُ بْنُ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قُلْتُ لأَبي: «بَلَغَني أَنَّ أَحْمَدَ الدَّوْرَقِيَّ أُعْطِيَ أَلْفَ دِينَار؛ فَقَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَه: يَا بُنيَّ 00 (وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ({طه/131}

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى وَالِدَيْه: حَدَّثَني إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبي الحَارِثِ قَال: «مَرَّ بِنَا الإِمَامُ أَحْمَد؛ فَقُلْنَا لإِنْسَان: اتْبَعْهُ وَانْظُرْ أَيْنَ يَذْهَب؛ فَقَال: جَاءَ إِلىَ حَنَّكٍ المَرْوَزِيِّ، فَمَا كَانَ إِلاََّ سَاعَةً حَتىَّ خَرَج؛ فَقُلْتُ لِحَنَّكٍ بَعْد: جَاءَكَ أَبُو عَبْدِ الله 00؟ قَال: هُوَ صَدِيقٌ لي، اسْتَقْرَضَ مِنيِّ مائَتيْ دِرْهَم، فَجَاءَني بِهَا، فَقُلْتُ: مَا نَوَيْتُ أَخْذَهَا؛ فَقَال: وَأَنَا مَا نَويْتُ إِلاََّ أَن أَرُدَّهَا إِلَيْك

» 0 حَدَّثَ أَبُو بَكْرٍ الخَلاََّل عَن أَبي غَالِبٍ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ قَال: حَدَّثَني صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ قَال: «جَاءَتَني حُسْنُ فَقَالَتْ: قَدْ جَاءَ رَجُلٌ بِتِلِّيسَةٍ فِيهَا فَاكِهَةٌ يَابسَةٌ وَبِكِتَاب؛ فَقُمْتُ فَقَرَأْتُ الْكِتَابَ فَإِذَا فِيه: يَا أَبَا عَبْدِ الله، أَبْضَعْتُ لَكَ بِضَاعَةً إِلىَ سَمَرْقَنْد، فَرَبِحْت؛ فَبَعَثْتُ بِذَلِكَ إِلَيْكَ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ وَفَاكِهَةً أَنَا لَقَطْتُهَا مِنْ بُسْتَاني وَرِثْتُهُ مِن أَبي؛ قَال: فَجَمَعْتُ الصِّبْيَانَ وَدَخَلْنَا، فَبَكَيْتُ وَقُلْتُ: يَا أَبَتِ، مَا

تَرِقُّ لي مِن أَكْلِ الزَّكَاة 00؟! ثُمَّ كَشَفَ عَنْ رَأْسِ الصِّبْيَةِ وَبَكَيْتُ؛ فَقَال: مِن أَيْنَ عَلِمْت 00؟ دَعْ حَتىَّ أَسْتخِيرَ اللهَ اللَّيْلَة؛ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ قَالَ رَحمَهُ الله: اسْتَخَرْتُ اللهَ فَعَزَمَ لي أَنْ لاَ آخُذَهَا، وَفَتَحَ التَّلِّيسَةَ فَفَرَّقهَا عَلَى الصِّبْيَان، وَكَانَ عِنْدَهُ ثَوْبٌ عُشَارِيّ؛ فَبَعَثَ بِهِ إِلىَ الرَّجُلِ وَرَدَّ المَال» أَيْ أَعْطَاهُ الثّوْبَ مَكَانَ الْفَاكِهَةِ الَّتي أَخَذَهَا، أَمَّا المَالُ فَلَمْ يَأْخُذْهُ 0

ـ كَيْفَ كَانَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ يَحْتَمِلُ الجُوعَ الشَّدِيدَ وَلاَ يَسْأَلُ النَّاسَ شَيْئَا: حَدَّثَ أَبُو إِسْحَاقَ الجَوْزَجَانيُّ قَال: «كَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يُصَلِّي بِعَبْدِ الرَّزَّاقِ فَسَهَا؛ فَسَأَلَ عَنهُ عَبْدُ الرَّزَّاق؛ فَأُخْبِرَ أَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ مُنْذُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ شَيْئَاً» 0 قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «خَلَّفَ لَهُ أَبُوهُ طَرْزَاً [أَيْ بَيْتَاً يُؤَجَّر] وَدَارَاً يَسْكُنُهَا؛ فَكَانَ يَكْرِي تِلْكَ الطَّرَزَ وَيَتَعَفَّفُ بِهَا» 0

قَالَ أَحْمَدُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الخَالِق: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيُّ قَال: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ رَحمَهُ الله: «كُنَّا نَخْرُجُ إِلىَ اللِّقَاط» 0 وَكَذَا حَدَّثَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّرَسُوسِيُّ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ كَانَ يَخْرُجُ لِللِّقَاط 00 أَيْ يَخْرُجُ ضِمْنَ الأَنْفَار؛ الَّتي تخْرُجُ في جَمْعِ المحَاصِيلِ وَالثُِّمَار 0 قَالَ محَمَّدُ بْنُ أَبي حَاتِمٍ الْوَرَّاق: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ قَال:

«بَلَغَني أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ رَهَنَ نَعْلَهُ عِنْد خَبَّازٍ بِاليَمَن، وَأَكْرَى نَفْسَهُ مِنْ جَمَّالين عِنْدَ خُرُوجِه، وَعَرضَ عَلَيْهِ الإِمَامُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ دَنَانِيرَ صَالِحَةً؛ فَلَمْ يَقْبَلْهَا» 0 قَالَ صَالح: «وَكَانَ رُبَّمَا أَخَذَ الْقَدُومَ وَخَرَجَ إِلىَ دَار السكَّان، يَعْمَلُ الشَّيْءَ بِيَدِه» قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «وَرُبَّمَا نَسَخَ بِأُجْرَة، وَرُبَّمَا عَمِلَ التِّكَك [أَيْ في فَتْلِ الحِبَال]، وَأَجَّرَ نَفْسَهُ لِجَمَّال» 0

قَالَ أَحْمَدُ بْنُ مَرْوَانَ الدِّينَوَرِيّ: حَدَّثَنَا إِدْرِيسُ الحَدَّادُ قَال: كَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إِذَا ضَاقَ بِهِ الأَمْرُ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَجَّرَ نَفْسَهُ مِنَ الحَاكَةِ فَسَوَّى لَهُمْ؛ فَلَمَّا كَانَ أَيَّامَ المحْنَةِ وَصُرِفَ إِلىَ بَيْتِهِ: حُمِلَ إِلَيْهِ مَالٌ فَرَدَّهُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلىَ رَغِيف؛ فَجَعَلَ عَمُّهُ إِسْحَاقُ يَحْسُبُ مَا يَرُدّ؛ فَإِذَا هُوَ نَحْوُ خَمْسِمِاْئَةِ أَلْف؛ فَقَال: يَا عمّ؛ لَوْ طَلَبْنَاهُ لَمْ يَأْتِنَا، وَإِنَّمَا أَتَانَا لَمَّا تَرَكْنَاه» 0

رَوَى الخُلْدِيُّ عَن أَحْمَدُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ مَسْرُوقٍ قَال: قَالَ ليَ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ رَحمَهُ الله: «دَخَلَ عَلَيَّ أَبي يَعُودُني في مَرَضِي؛ فَقُلْتُ: يَا أَبَتِ؛ عِنْدَنَا شَيْءٌ مِمَّا كَانَ يَبَرُّنَا بِهِ المُتَوَكِّل؛ أَفَأَحُجُّ مِنهُ 00؟ قَالَ نَعَمْ؛ قُلْتُ: فَإذَا كَانَ هَذَا عِنْدَكَ هَكَذَا، فَلِمَ لاَ تَأْخُذُ مِنهُ 00؟ قَال: لَيْسَ هُوَ عِنْدِي حَرَام، وَلَكِنْ تَنَزَّهْتُ عَنهُ» 0

قَالَ ابْنُهُ صَالِحٌ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى وَالِدَيْه: قَالَ لي أَبي رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: كَانَتْ أُمُّكَ في الْغَلاَءِ تَغْزِلُ غَزْلاً رَقِيقَاً، فَتَبِيعُ الأَسْتَارَ بِدِرْهَمَيْنِ أَوْ نَحْوِهِ؛ فَكَانَ ذَلِكَ قُوتَنَا» 0

حَدَّثَ أَبُو بَكْرٍ الخَلاََّلُ قَال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ فَقَال: «قَالَ أَبُو سَعِيدٍ بْنُ أَبي حَنِيفَةَ المُؤَدِّب: كُنْتُ آتي أَبَاك، فَيَدْفَعُ إِلَيَّ الثَّلاَثَةَ دَرَاهِمَ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَر، وَيَقْعُدُ مَعِي فَيَتَحَدَّث، وَرُبَّمَا أَعْطَاني الشَّيْءَ وَيَقُول: أَعْطَيتُكَ نِصْفَ مَا عِنْدَنَا؛ فَجِئْتُ يَوْمَاً فَأَطلْتُ الْقُعُودَ أَنَا وَهُو؛ ثمَّ خَرَجَ وَمَعَهُ تَحْتَ كِسَائِهِ أَرْبَعَةُ أَرْغِفَةٍ فَقَال: هَذَا نِصْفُ مَا عِنْدَنَا؛ فَقُلْتُ: هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِن أَرْبَعَةِ آلاَفٍ مِن غَيْرِك» 0

ـ خَبَرُ المحْنَة: قَالَ عَلِيُّ بْنُ المَدِينيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «أَعَزَّ اللهُ الدِّينَ بِالصِّدِّيقِ يَوْمَ الرِّدَّة، وَبِأَحْمَدَ يَوْمِ المِحْنَة» 0

قَالَ نَصْرُ بْنُ أَبي نَصْرٍ الطُّوسِيُّ قَال: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ خُشَيْشٍ قَال: سَمِعْتُ أَبَا الحَدِيدِ الصُّوفِيَّ بِمِصْرَ عَنِ أَبِيهِ عَنِ المُزَنيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَوْمَ المِحْنَة، وَأَبُو بَكْرٍ يَوْمَ الرِّدَّة، وَعُمَرُ يَوْمَ السَّقيفَة» 0 ـ مِحْنَةُ المَأْمُون: قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحمَهُ الله: «كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَة، وَدِينُهُمْ قَائِمَاً في خِلاَفَةِ أَبي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا؛ فَلَمَّا اسْتُشْهِدَ قُفْلُ بَابِ

الْفِتْنَةِ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَانْكَسَرَ الْبَاب: قَامَ رُؤُوسُ الشَّرِّ عَلَى الشَّهِيدِ عُثْمَانَ حَتىَّ ذُبِحَ صَبرَاً؛ وَتَفرَّقتِ الْكَلِمَة، وَتَمَّتْ وَقعَةُ الجَمَل، ثُمَّ وَقعَةُ صِفِّين؛ فَظَهَرَتِ الخَوَارِج، وَكُفِّرَتْ سَادَةَ الصَّحَابَة، ثمَّ ظَهَرَتِ الرَّوَافِضُ وَالنَّوَاصِب، وَفي آخِرِ زَمَنِ الصَّحَابَةِ ظَهَرَتِ الْقَدَرِيَّة، ثُمَّ ظَهَرَتِ المُعْتَزِلَةُ بِالبَصْرَةِ وَالجَهْمِيَّة، وَالمُجَسِّمَةُ بِخُرَاسَانَ في أَثْنَاء عَصْرِ التَّابِعِين، مَعَ ظُهُورِ السُّنَّةِ وَأَهْلِهَا إِلىَ بَعْدِ المائَتَين؛

فَظَهَرَ الخَلِيفَةُ المَأْمُونُ وَكَانَ ذَكِيَّاً مُتَكَلِّمَاً، لَهُ نَظَرٌ في المَعْقُول؛ فَاسْتَجْلَبَ كُتُبَ الأَوَائِلِ وَعَرَّبَ الْفَلْسَفَةَ اليُونَانِيَّة، وَقَامَ في ذَلِكَ وَقَعَد، وَأَدْنىَ وَأَقْصَى، وَرَفَعَتِ الجَهْمِيَّةُ وَالمُعْتَزِلَةُ رُؤُوسَهَا، بَلْ وَالشِّيعَةُ أَيْضَاً، وَآلَ بِهِ الحَالُ أَن حَمَلَ الأُمَّةَ عَلَى الْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآن، وَامْتَحَنَ في ذَلِكَ الْعُلَمَاء؛ فَلَمْ يُمْهَلْ، وَهَلَكَ لِعَامِهِ هَذَا 00

وَخَلَّى بَعْدَهُ شَرَّاً وَبَلاَءً في الدِّين؛ فَإِنَّ الأُمَّةَ مَا زَالتْ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ كَلاَمُ اللهِ جَلَّ جَلاَلهُ وَوَحْيُهُ وَتَنْزِيلُه، لاَ يَعْرِفُونَ غَيْرَ ذَلِك، حَتىَّ نَبَغَ لهَؤُلاَءِ الضُّلاَّلِ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ كَلاَمُ اللهِ مَخْلُوقٌ مَجْعُول، وَأَنَّهُ إِنَّمَا أُضِيفَ إِلىَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ إِضَافَةَ تَشْرِيفٍ، كَبَيْتِ الله، وَنَاقَةُ الله؛ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ الْعُلَمَاء، وَلَمْ تَكُنِ الجَهْمِيَّةُ يُظْهِرُونَ في دَوْلَةِ المَهْدِيِّ وَالرَّشِيدِ وَالأَمِين؛ فَلَمَّا وَلِيَ المَأْمُونُ

وَكَانَ مِنهُمْ أَظْهَرَ مَقَالَتَهُمْ» 0 رَوَى أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ عَنْ محَمَّدِ بْنِ نُوحٍ قَال: إِنَّ الرَّشِيدَ قَال: بَلَغَني أَنَّ بِشْرَ بْنَ غِيَاثٍ المَرِيسِيَّ يَقُول: الْقُرْآنُ مَخْلُوق؛ فَلِلِّهِ عَلَيَّ إِن أَظْفَرَني بِهِ لأَقْتُلَنَّه؛ قَالَ الدَّوْرَقِيّ: فَكَانَ مُتَوَارِيَاً أَيَّامَ الرَّشِيد؛ فَلَمَّا مَاتَ الرَّشِيدُ ظَهَرَ وَأَظْهَرَ المَقَالَة، وَدَعَا إِلىَ الضَّلاَلَة» 0 قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه:

«كَانَ المَأْمُونُ في الْبِدَايَةِ يَنْظُرُ وَيُنَاظِرُ في تِلْكَ المَسْأَلَة، وَبَقِيَ مُتَوقِّفَاً في الدُّعَاءِ إِلىَ بِدْعَتِه» 0 قَالَ أَبُو الْفَرَجِ ابْنُ الجَوْزِيّ: «خَالَطَه قَوْمٌ مِنَ المُعْتَزِلَةِ فَحَسَّنُواْ لَهُ الْقَوْلَ بِخَلقِ الْقُرْآن، وَكَانَ يَتَرَدَّدُ وَيُرَاقِبُ سَائِرَ الشُّيُوخ، ثُمَّ قَوِيَ عَزْمُهُ وَامْتَحَنَ النَّاس» 0 قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمّ: أَخْبَرَنَا يحْيىَ بْنُ أَبي طَالِبٍ قَال: أَخْبَرَني الحَسَنُ بْنُ شَاذَانَ قَال:

حَدَّثَني ابْنُ عَرْعَرَةَ قَال: حَدَّثَني ابْنُ أَكْثَمَ قَال: قَالَ لَنَا المَأْمُون: لَوْلاَ مَكَانُ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ لأَظهرْتُ أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوق؛ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ جُلَسَائِه: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ وَمَنْ يَزِيدُ حَتىَّ يُتَّقَى؟ قَال: وَيْحَك؛ إِنيِّ أَخَافُ إِن أَظْهَرْتُهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَيَّ فَيَخْتلِفَ النَّاسُ وَتَكُونَ فِتْنَة، وَأَنَا أَكْرَهُ الْفِتْنَة؛ فَقَالَ الرَّجُل: فَأَنَا أَخْبُرُ ذَلِكَ مِنهُ؛ قَالَ لَهُ: نَعَمْ؛ فَخَرَجَ إِلىَ وَاسِط، فَجَاءَ إِلىَ يَزِيدَ وَقَال: يَا أَبَا خَالِد؛ إِنَّ

أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ يُقْرِئُكَ السَّلاَمَ وَيَقُولُ لَك: إِنيِّ أُرِيدُ أَن أُظْهِرَ خَلْقَ الْقُرْآن؛ فَقَال: كَذَبْتَ عَلَى أَمِيرِ المُؤْمِنِين، أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ لاَ يَحْمِلُ النَّاسَ عَلَى مَا لاَ يَعْرِفُونَهُ، فَإِنْ كُنْتَ صَادِقَاً، فَاقعُدْ؛ فَإذَا اجْتَمَعَ النَّاسُ في المَجْلِسِ فَقُلْ؛ فَلَمَّا أَنْ كَانَ الْغَدُ، اجْتَمَعُواْ، فَقَامَ فَقَالَ كَمَقَالَتِهِ؛ فَقَالَ يَزِيد: كَذَبْتَ عَلَى أَمِيرِ المُؤْمِنِين، إِنَّه لاَ يحْمِلُ النَّاسَ عَلَى مَا لاَ يَعْرِفُونَهُ وَمَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَد؛ فَقَدِمَ وَقَال: يَا

أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ كُنْتُ 000 وَقَصَّ عَلَيْه؛ قَالَ وَيْحَكَ يُلْعَبُ بِك» 0 قَالَ ابْنُهُ صَالِحٌ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «امْتُحِنَ الْقَوْم، وَوُجِّهَ بِمَنِ امْتَنَعَ إِلىَ الحَبْس؛ فَأَجَابَ الْقَوْمُ جَمِيعَاً غَيرَ أَرْبَعَة: أَبي، وَمحَمَّدُ بْنُ نُوح، وَالقَوَارِيرِيّ، وَالحَسَنُ بْنُ حَمَّاد، ثُمَّ أَجَابَ هَذَانِ وَبَقِيَ أَبي وَمحَمَّدٌ في الحَبْسِ أَيَّامَاً، ثمَّ جَاءَ كِتَابٌ مِنْ طَرَسُوسَ بِحَمْلهِمَا مُقَيَّدَيْنِ زَمِيلَين»

قَال الإِمَامُ الطَّبَرَانيّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ قَال: حَدَّثَني أَبُو مَعْمَرٍ الْقَطِيعِيُّ قَال: «لَمَّا أُحْضِرْنَا إِلىَ دَارِ السُّلْطَانِ أَيَّامَ المِحْنَة؛ وَكَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قَدْ أُحْضِر؛ فَلَمَّا رَأَى النَّاسَ يُجِيبُونَ وَكَانَ رَجُلاً لَيِّنَاً؛ انْتَفَخَتْ أَوْدَاجُهُ وَاحْمرَّتْ عَيْنَاهُ وَذَهَبَ ذَلِكَ اللِّين» 0 قَالَ شَيْخُ الإِسْلاَم: أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْقُوبَ قَال: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بْنُ محَمَّدٍ الخَفَّافُ قَال: «سَمِعْتُ ابْنَ أَبي أُسَامَةَ يَقُول:

حُكِيَ لَنَا أَنَّ أَحْمَدَ قِيلَ لَهُ أَيَّامَ المِحْنَة: يَا أَبَا عَبْدِ الله؛ أَوَلاَ تَرَى الحَقَّ كَيْفَ ظَهرَ عَلَيْهِ الْبَاطِل؟ قَال: كَلاََّ، إِنَّ ظُهُورَ الْبَاطِلِ عَلَى الحَقِّ أَنْ تَنْتَقِلَ الْقُلُوبُ مِنَ الهُدَى إِلىَ الضَّلاَلَة، وَقُلُوبُنَا بَعْدُ لاَزمَةٌ لِلْحقّ» 0 قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمّ: حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ قَال: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ الأَنْبَارِيَّ يَقُول:

«لَمَّا حُمِلَ أَحْمَدُ إِلىَ المَأْمُون: أُخْبِرْتُ؛ فَعَبَرْتُ الْفُرَات، فَإذَا هُوَ جَالِسٌ في الخَان، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَال: يَا أَبَا جَعْفَر، تَعَنَّيْت؛ فَقُلْتُ: يَا هَذَا، أَنْتَ اليَوْمَ رَأْس، وَالنَّاسُ يَقْتَدُونَ بِك، فَوَاللهِ لَئِن أَجَبْتَ إِلىَ خَلْقِ الْقُرْآنِ لَيُجِيبَنَّ خَلْق، وَإِن أَنْتَ لَمْ تُجِبْ لَيَمْتَنِعَنَّ خَلْقٌ مِنَ النَّاسِ كَثِير، وَمَعَ هَذَا: فَإِنَّ الرَّجُلَ إِنْ لَمْ يَقْتُلْكَ فَإِنَّكَ تَمُوْت، لاَبُدَّ مِنَ المَوْت؛ فَاتَّقِ اللهَ وَلاَ تُجِبْ؛ فَجَعَلَ أَحْمَدُ يَبْكِي

وَيَقُول: مَا شَاءَ اللهُ كَان، ثمَّ قَال: يَا أَبَا جَعْفَر؛ أَعِدْ عَلَيَّ؛ فَأَعَدْتُ عَلَيْه؛ وَهُوَ يَقُول: مَا شَاءَ اللهُ كَان» 0 قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ محَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبُوشَنْجِيّ: «جَعَلُواْ يُذَاكِرُونَ أَبَا عَبْدِ اللهِ بِالرَّقَّةِ في التَّقِيَّةِ وَمَا رُوِيَ فِيهَا؛ فَقَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: كَيْفَ تَصْنَعُونَ بحَدِيثِ خَبَّاب: «إِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانَ يُنْشَرُ أَحَدُهُمْ بِالمِنْشَارِ لاَ يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِه» 00 فَأَيِسْنَا مِنهُ، وَقَال: لَسْتُ أُبالِي بِالحَبْس؛ مَا هُوَ

وَمَنْزِلِي إِلاََّ وَاحِد، وَلاَ قَتْلاً بِالسَّيْف؛ إِنَّمَا أَخَافُ فِتْنَةَ السَّوْط؛ فَسَمِعَهُ بَعْضُ أَهْل الحَبْسِ فَقَال: لاَ عَلَيْكَ يَا أَبَا عَبْدِ الله؛ فَمَا هُوَ إِلاََّ سَوْطَان، ثمَّ لاَ تَدْرِي أَيْنَ يَقَعُ الْبَاقِي، فَكَأَنَّهُ سُرِّي عَنهُ» 0 ـ مِحْنَةُ المُعْتَصِم: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ محَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبُوشَنْجِيّ: «حَدَّثَني مَن أَثِقُ بِهِ عَنْ محَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُصْعَبٍ [وَهُوَ يَوْمَئِذٍ صَاحِبُ شُرطَةِ المُعْتَصِمِ خِلاَفَةً لأَخِيهِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ] قَال: مَا

رَأَيْتُ أَحَدَاً لَمْ يُدَاخِلِ السُّلْطَانَ وَلاَ خَالَطَ المُلُوكَ أَثْبَتَ قَلْبَاً مِن أَحْمَدَ يَوْمَئِذٍ، مَا نَحْنُ في عَيْنِهِ إِلاََّ كَأَمْثَالِ الذُّبَاب» 0 قَالَ ابْنُهُ صَالِح: حُمِلَ أَبي وَمحَمَّدُ بْنُ نُوحٍ مِنْ بَغْدَادَ مُقَيَّدَيْن؛ فَصِرْنَا مَعَهُمَا إِلىَ الأَنْبَار؛ فَسَأَلَ أَبُو بَكْرٍ الأَحْوَلُ أَبي: يَا أَبَا عَبْدِ الله؛ إِن عُرِضْتَ عَلَى السَّيْفِ تُجِيب 00؟

قَال: لاَ؛ ثُمَّ سُيِّرَا؛ فَسَمِعْتُ أَبي يَقُول: سِرْنَا إِلىَ الرَّحْبَة، وَرَحَلْنَا مِنهَا في جَوْفِ اللَّيْل، فَعَرَضَ لَنَا رَجُلٌ فَقَال: أَيُّكُمْ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل 00؟ فَقِيلَ لَهُ: هَذَا؛ فَقَالَ لِلْجمَّال: عَلَى رِسْلِك، ثُمَّ قَال: يَا هَذَا، مَا عَلَيْكَ أَنْ تُقْتَلَ هَا هُنَا، وَتَدْخُلَ الجَنَّة 00؟ ثمَّ قَال: أَسْتوْدِعُكَ الله، وَمَضَى؛ فَسَأَلْتُ عَنهُ، فَقِيلَ لي: هَذَا رَجُلٌ مِن الْعَرَبِ مِنْ رَبِيعَةَ يَعْمَلُ الشَّعْرَ في الْبَادِيَةِ يُقَالُ لَهُ جَابِرُ بْنُ عَامِر، يُذْكَرُ بِخَيْر» 00 أَيْ

حَسَنُ السِّيرَة، محمُودُ السَّرِيرَة قَالَ أَحْمَدُ بْنُ أَبي الحَوَارِيّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الله قَال: قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل: «مَا سَمِعْتُ كَلِمَةً مُنْذُ وَقعْتُ في هَذَا الأَمْرِ أَقوَى مِنْ كَلِمَةِ أَعْرَابيٍّ كَلَّمني بِهَا في رَحْبَةِ طَوْق: قَالَ يَا أَحْمَد؛ إِنْ يَقْتُلْكَ الحَقُّ مُتَّ شَهِيدَاً، وَإِن عِشْتَ عِشْتَ حَمِيدَاً؛ فَقَوَّى قَلْبي» 0

قَالَ ابْنُهُ صَالِح: قَالَ أَبي رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «لَمَّا صِرْنَا إِلىَ أَذَنَة [بَلْدَةٌ جَنُوبَ تُرْكِيَا]، وَرَحَلْنَا مِنهَا في جَوْفِ اللَّيْلِ وَفُتِحَ لَنَا بَابُهَا؛ إِذَا رَجُلٌ قَدْ دَخَلَ فَقَال: الْبُشْرَىَ؛ قَدْ مَاتَ الرَّجُل [يَعْني: المَأْمُون]؛ قَالَ أَبي: كُنْتُ أَدْعُو اللهَ أَنْ لاَ أَرَاه» 0

قَالَ ابْنُهُ صَالِحٌ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: لَمَّا صَدَرَ أَبي وَمحَمَّدُ بْنُ نُوحٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُمَا إِلىَ طَرَسُوس، رُدَّا في أَقْيَادِهِمَا؛ فَلَمَّا صَارَ إِلىَ الرَّقَّةِ حُمِلاَ في سَفِينَة، فَلَمَّا وَصَلاَ إِلىَ عَانَةَ تُوُفِّيَ محَمَّدٌ وَفُكَّ قَيْدُه، وَصَلَّى عَلَيْهِ أَبي، قَالَ حَنْبَل: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله: مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً عَلَى حدَاثَةِ سِنِّهِ وَقدْرِ عِلْمِهِ أَقْوَمَ

بِأَمْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ محَمَّدِ بْنِ نُوح، إِنيِّ لأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدْ خُتِمَ لَهُ بِخَيْر؛ قَالَ لي ذَاتَ يَوْم: يَا أَبَا عَبْدِ الله؛ الله الله؛ إِنَّكَ لَسْتَ مِثْلِي؛ أَنْتَ رَجُلٌ يُقْتَدَى بِك؛ قَدْ مَدَّ الخَلْقُ أَعْنَاقَهُمْ إِلَيْكَ لِمَا يَكُونُ مِنْك؛ فَاتَّقِ اللهَ وَاثْبُتْ لأَمْرِ اللهِ جَلَّ وَعَلاَ، فَمَاتَ وَصَلَّيْتُ عَلَيْهِ وَدَفَنْتُهُ بِعَانَة» 00 عَانَة: بَلْدَةٌ عَلَى الْفُرَاتِ بِشَمَالِ الْعِرَاق 0

قَالَ ابْنُهُ صَالِحٌ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «صَارَ أَبي إِلىَ بَغْدَادَ مُقَيَّدَاً، فَمَكَثَ بِاليَاسِرِيَّة أَيَّامَاً، ثُمَّ حُبِسَ في دَارٍ اكْتُرِيَتْ عِنْدَ دَارِ عُمَارَة، ثُمَّ حُوِّلَ إِلىَ حَبْسِ الْعَامَّةِ في دَربِ المَوْصِليَّة 00 قَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: كُنْتُ أُصلِّي بأَهْلِ السِّجْنِ وَأَنَا مُقَيَّد؛ فَلَمَّا كَانَ في رَمَضَانَ سَنَةَ تِسْعَ عَشَرَةَ [بَعْدَ مَوْتِ المَأْمُونِ بأَرْبَعَةَ عَشَرَ شَهْرَاً] حُوِّلْتُ إِلىَ دَارِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَالي بَغْدَاد» 0

قَالَ حَنْبَل: حُبِسَ أَبُو عَبْدِ اللهِ في دَارِ عُمَارَةَ بِبَغْدَادَ في إِصْطَبْلِ الأَمِيرِ محَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيم، أَخِي إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيم، وَكَانَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ في حَبْسٍ ضَيِّق، وَمَرِضَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ في رَمَضَان، فَحُوِّلَ بَعْدَ قَلِيلٍ إِلىَ سِجْنِ الْعَامَّة، فَمَكَثَ في السِّجْنِ نحْوَاً مِنْ ثَلاَثِينَ شَهْرَاً، وَكُنَّا نَأْتِيه، فَقَرَأَ عَلَيَّ كِتَابَ «الإِرْجَاءِ» وَغَيْرَهُ في الحَبْس، وَرَأَيْتُهُ يُصَلِّي بِهِمْ في الْقَيْد» 0

قَالَ ابْنُهُ صَالِحٌ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «قَالَ أَبي: كَانَ يُوجَّهُ إِلَيَّ كلَّ يَوْمٍ بِرَجُلَيْن، أَحَدُهُمَا يُقَالُ لَهُ: أَحْمَدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رَبَاح، وَالآخرُ أَبُو شُعَيْبٍ الحجَّام؛ فَلاَ يَزَالاَنِ يُنَاظِرَانِني؛ حَتىَّ إِذَا قَامَا؛ دُعِيَ بِقَيْدٍ فَزِيدَ في قُيُودِي؛ فَصَارَ في رِجْلِيَّ أَرْبَعَةُ أَقْيَاد؛ فَلَمَّا كَانَ في اليَوْمِ الثَّالِث: دَخَلَ عَلَيَّ رَجُلاَن، فَنَاظرَني أَحَدُهُمَا؛ فَقُلْتُ لَهُ: مَا تَقُولُ في عِلْمِ الله 00؟

قَالَ مَخْلُوق؛ فَقُلْتُ: كَفَرْتَ بِالله؛ قَالَ الرَّسُولُ الَّذِي كَانَ يَحْضرُ مِنْ قَبْلِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيم: إِنَّ هَذَا رَسُولُ أَمِيرِ المُؤْمِنِين؛ فَقُلْتُ: إِنَّ هَذَا قَدْ كَفر، فَلَمَّا كَانَ في اللَّيْلَةِ الرَّابِعَة، وَجَّهَ المُعْتَصِمُ إِلىَ إِسْحَاقَ فَأَمَرَهُ بِحَمْلِي إِلَيْه؛ فَأُدْخِلْتُ عَلَى إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ فَقَال: يَا أَحْمَد، إِنَّهَا وَاللهِ نَفْسُك، إِنَّه لاَ يَقْتُلُكَ بِالسَّيْف، إٍِنَّهُ قَدْ آلَى إِنْ لَمْ تُجبْه أَنْ يَضْرِبَكَ ضَربَاً بَعْدَ ضَرب، وَأَنْ يَقْتُلَكَ في مَوْضِعٍ

لاَ يُرَى فِيهِ شَمسٌ وَلاَ قَمَر، أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللهُ (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنَا عَرَبِيَّاً ( أَفيَكُونُ مَجْعُولاً إِلاََّ مَخْلُوقَاً 00؟ فَقُلْتُ: فَقَدْ قَالَ جَلَّ جَلاَلهُ: (فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُول ({الْفِيل/5} أَفَخَلَقَهُمْ؟ أَمْ صَيَّرَهُمْ؟ وَهَذِهِ عِدَّةُ آيَاتٍ تُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ الإِمَامُ أَحْمَد: وَقَالَ تَعَالىَ: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا مِنَ الجِنِّ وَالإِنْسِ نجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الأَسْفَلِين ({فُصِّلَت/29}

وَقَالَ تَعَالىَ: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُواْ السَّيِّئَاتِ أَنْ نجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يحْكُمُون ({الجَاثِيَة/21} وَقَالَ تَعَالىَ: (وَقَدِمْنَا إِلى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورَا ({الفُرْقَان/23} وَقَالَ تَعَالىَ: (وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُواْ الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً ({الفُرْقَان/37}

وَقَالَ تَعَالىَ: (وَظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ في ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُور ({سَبَأ/19} وَقَالَ تَعَالىَ: (فَأَرَادُواْ بِهِ كَيْدَاً فَجَعَلْنَاهُمُ الأَسْفَلِين ({الصَّافَّات/98} وَقَالَ تَعَالىَ: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُواْ لَنَا عَابِدِين ({الأَنْبِيَاء/73}

فَسَكَت؛ فَلَمَّا صِرْنَا إِلىَ المَوْضِعِ المَعْرُوفِ بِبَابِ الْبُسْتَان: أُخْرِجْتُ، وَجِيءَ بِدَابَّة؛ فَأُرْكِبْتُ وَعَلَيَّ الأَقْيَاد، مَا مَعِي مَنْ يُمْسِكُني، فَكِدْتُ غَيْرَ مَرَّةٍ أَن أَخِرَّ عَلَى وَجْهِي لِثِقَلِ الْقُيود، فَجِيءَ بي إِلىَ دَارِ المُعْتَصِم؛ فَأُدْخِلْتُ حُجْرَةً، ثمَّ أُدْخِلْتُ بَيْتَاً، وَأُقْفِلَ الْبَابُ عَليَّ في جَوْفِ اللَّيْلِ وَلاَ سِرَاج؛ فَأَرَدْتُ الْوضُوء؛ فَمَدَدْتُ يَدِي؛ فَإذَا أَنَا بَإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ وَطسْتٌ مَوْضُوع، فَتَوَضَّأْتُ وَصَلَّيْت، فلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَخْرَجْتُ

تِكَّتي [أَيْ حَبْلَ سِرْوَالي]، وَشَدَدْتُ بِهَا الأَقْيَادَ أَحْمِلُهَا [أَيْ بَدَلاً مِنْ جَرِّهَا وَهِيَ مِن حَدِيدٍ ثَقِيل] وَعَطَفْتُ سَرَاويلِي، فَجَاءَ رَسُولُ المُعْتَصِمِ فَقَال: أَجِبْ؛ فَأَخَذَ بِيَدِي وَأَدْخَلَني عَلَيْه، وَالتِّكَّةُ في يَدِي أَحْمِلُ بِهَا الأَقْيَاد، وَإِذَا هُوَ جَالِسٌ وَأَحْمَدُ بْنُ أَبي دُوَادَ حَاضِر، وَقَدْ جَمَعَ خَلْقَاً كَثِيرَاً مِن أَصْحَابِهِ؛ فَقَالَ لي المُعْتَصِم: ادْنُه 00 ادْنُه؛ فَلَمْ يَزَلْ يُدْنِيني حَتىَّ قَرُبْتُ مِنهُ، ثمَّ قَال: اجْلِسْ؛ فَجَلَسْتُ وَقَدْ أَثْقَلَتْني

الأَقْيَاد، فَمَكَثْتُ قَلِيلاً، ثُمَّ قُلْتُ: أَتَأْذَنُ في الْكَلاَم 00؟ قَالَ تَكَلَّمْ؛ فَقُلْتُ: إِلىَ مَا دَعَا اللهُ وَرَسُولُه 00؟ فَسَكَتَ هُنَيَّةً، ثُمَّ قَال: إِلىَ شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاََّ الله؛ فَقُلْتُ: فَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاََّ الله؛ ثُمَّ قُلْتُ: إِنَّ جَدَّك ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُول: لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلُوهُ عَنِ الإِيمَان 00؟ فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «أَتَدْرُونَ مَا الإِيمَان» 00؟

قَالُواْ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَم؛ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاََّ اللهُ وَأَنَّ محَمَّدَاً رَسُولُ الله، وَإِقَامُ الصَّلاَة، وَإِيتَاءُ الزَّكَاة، وَأَنَّ تُعْطُواْ الخُمُسَ مِنَ المَغْنَم» 0 فَقَالَ المُعْتَصِم: لَوْلاَ أَنيِّ وَجَدْتُكَ في يَدِ مَنْ كَانَ قَبْلِي: مَا عَرَضْتُ لَك، ثُمَّ قَال: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ إِسْحَاق؛ أَلَمْ آمُرْكَ بِرَفْعِ المِحْنَة 00؟

فَقُلْتُ: اللهُ أَكْبَرُ إِنَّ في هَذَا لَفَرَجَاً لِلْمُسْلِمِين؛ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: نَاظِرُوهُ وَكَلِّمُوه، يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ كَلِّمْه؛ فَقَال: مَا تَقُولُ في الْقُرْآن 00؟ قُلْتُ: مَا تَقُولُ أَنْتَ في عِلْمِ الله 00؟ فَسَكَتَ، فَقَالَ لي بَعْضُهُمْ: أَلَيْسَ قَالَ اللهُ تَعَالىَ: (اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْء ([الرَّعْد/16} وَالقُرْآنُ أَلَيْسَ شَيْئَاً 00؟ فَقُلْتُ: قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلّ: (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ ({الأَحقَاف/25} فَدَمَّرتْ إِلاََّ مَا أَرَادَ الله 00؟

فَقَالَ بَعْضُهُمْ: (مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَث ({الأَنْبيَاء/2} أَفَيَكُونُ مُحْدَثٌ إِلاََّ مَخْلُوقَاً 00؟ فَقُلْتُ: قَالَ اللهُ جَلَّ جَلاَله: (ص، وَالقُرْآنِ ذِي الذِّكْر ({ص/1} فَالذِّكرُ هُوَ الْقُرْآن، وَتِلْكَ لَيْسَ فِيهَا أَلِفٌ وَلاَم 00 [أَيْ لَيْسَتْ مُعَرَّفَة] وَذَكرَ بَعْضُهُمْ حَدِيثَ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: «إِنَّ اللهَ خَلَقَ الذِّكْرَ» 0 فَقُلْتُ: هَذَا خَطأٌ، حَدَّثَنَا غَيْرُ وَاحِدٍ: «إِنَّ اللهَ كَتَبَ الذِّكْرَ» 0 وَاحتجُواْ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنه:

«مَا خَلَقَ اللهُ مِنْ جَنَّةٍ وَلاَ نَارٍ وَلاَ سَمَاءٍ وَلاَ أَرْضٍ أَعْظَمَ مِنْ آيَةِ الْكُرْسِيِّ» 0 فَقُلْتُ: إِنَّمَا وَقَعَ الخَلْقُ عَلَى الجَنَّةِ وَالنَّارِ وَالسَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَلَمْ يَقَعْ عَلَى الْقُرْآن؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: حَدِيثُ خَبَّابٍ: «يَا هَنَتَاهُ، تَقَرَّبْ إِلىَ اللهِ بِمَا اسْتَطَعْتَ، فَإِنَّكَ لَنْ تَتَقَّربَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ كَلاَمِهِ» 00 فَقُلْتُ: هَكَذَا هُو، قَالَ صَالِح: وَجَعَلَ ابْنُ أَبي دُوَادَ يَنْظُرُ إِلىَ أَبي كَالمُغْضَب

قَالَ أَبي: وَكَانَ يَتَكَلَّمُ هَذَا؛ فَأَرُدُّ عَلَيْه، وَيَتَكَلَّمُ هَذَا؛ فَأَرُدُّ عَلَيْه، فَإِذَا انْقَطَعَ الرَّجُلُ مِنهُمْ اعْتَرَضَ ابْنُ أَبي دُوَادَ فَيَقُول: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين، هُوَ وَاللهِ ضَالٌّ مُضِلٌّ مُبْتَدِع؛ فَيَقُولُ المُعْتَصِم: كَلِّمُوهُ وَنَاظِرُوه؛ فَيُكلِّمُني هَذَا فَأَردُّ عَلَيْه، وَيُكَلُّمُني هَذَا فَأَردُّ عَلَيْه، فَإِذَا انْقَطَعُواْ يَقُولُ المُعْتَصِم: وَيْحَكَ يَا أَحْمَدُ مَا تَقُول 00؟

فَأَقُول: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ أَعْطُوني شَيْئَاً مِنْ كِتَابِ اللهِ أَوْ سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتىَّ أَقُولَ بِهِ؛ فَيَقُولُ أَحْمَدُ بْنُ أَبي دُوَاد: أَنْتَ لاَ تَقُولُ إِلاََّ مَا في الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّة 00؟ فَقُلْتُ لَهُ: تَأَوَّلْتَ تَأْوِيلاً فَأَنْتَ أَعْلَم، وَمَا تَأَوَّلْتُ مَا يُحْبَسُ عَلَيْهِ وَلاَ يُقَيَّدُ عَلَيْه» 0 أَيْ: وَمَا قُلْتُ مَا يَسْتَوْجِبُ الْقَيْدَ وَالحَبْس 0

قَالَ حَنْبَل: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله: «لَقَدِ احْتَجُّواْ عَلَيَّ بِشَيْءٍ مَا يَضِيقُ بِهِ صَدْرِي وَلاَ يَنْطَلِقُ لِسَاني: أَنْكَرُواْ الآثَار، وَمَا ظَنَنْتُهُمْ عَلَى هَذَا حَتىَّ سَمِعْتُه، وَجَعَلُواْ يَرُوغُون: يَقُولُ الخَصْمُ كَذَا وَكَذَا، فَاحْتَجَجْتُ عَلَيْهِمْ مِنَ القُرْآنِ بِقَولِه تَعَالى: (يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِر ( أَفَهَذَا مُنْكَرٌ عِنْدَكُمْ؟ [فَإِنَّ المَفْهُومَ مِنْ كَلاَمِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّهُ دَعَاهُمْ لِمَنْ يَسْمَعُ وَيُبْصِر]

فَقَالُواْ: شَبَّهَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين 00 شَبَّه» 00!! عَن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَال: «قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ? إِنَّهُ كَانَ سَمِيعَاً بَصِيرَاً ? فَوَضَعَ إِصْبَعَةَ الدُّعَاءِ عَلَى عَيْنَيْهِ وَإِبْهَامَيْهِ عَلَى أُذُنَيْه» 0 [قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الإِمَامِ مُسْلِم، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 63]

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ محَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبُوشَنْجِيّ: حَدَّثَني بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ أَبي دُوَادَ أَقْبَلَ عَلَى أَحْمَدَ يُكَلِّمُهُ؛ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْه؛ حَتىَّ قَالَ المُعْتَصِم: يَا أَحْمَد؛ أَلاَ تُكَلِّمُ أَبَا عَبْدِ الله؟ فَقُلْتُ: لَسْتُ أَعْرِفُهُ مِن أَهْلِ الْعِلْمِ فَأُكَلِّمَه» 00 الإِمَامُ أَحْمَدُ لَيْسَ مِن أَهْلِ الْعِلْم؛ أَبْعَدَكَ الله

قَالَ ابْنُهُ صَالِح: «وَجَعَلَ ابْنُ أَبي دُوَادَ يَقُول: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ وَاللهِ لَئِن أَجَابَك، لَهُوَ أَحَبُّ إِليَّ مِن أَلْفِ دِينَارٍ وَمِاْئَةِ أَلْفِ دِينَار 000 فَيَعُدُّ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَعُدّ؛ فَقَال: لَئِن أَجَابَني لأُطْلِقَنَّ عَنهُ بِيَدِي، وَلأَرْكَبَنَّ إِلَيْهِ بِجُنْدِي، وَلأَطَأَنَّ عَقِبَه [أَيْ أَقْتَدِي بِهِ وَأَسْتَشِيرُه] ثُمَّ قَال: يَا أَحْمَد، وَاللهِ إِنيِّ عَلَيْكَ لَشَفِيق، وَإِنيِّ لأُشْفِقُ عَلَيْكَ شَفَقَتي عَلَى ابْنيَ هَارُون 00 مَا تَقُول 00؟

فَأَقُول: أَعْطُوني شَيْئَاً مِنْ كِتَابِ اللهِ جَلَّ وَعَلاَ، أَوْ سُنَّةِ رَسُولِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم 0 فَلَمَّا طَالَ المَجْلِسُ: ضَجِرَ وَقَال: قُومُواْ، وَحَبَسَني عِنْدَه، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ يُكَلِّمُني، يَقُول: وَيْحَكَ أَجِبْني؛ فَقَالَ الإِمَامُ أَحْمَد: وَيْحَكَ أَلَمْ تَكنْ تَأْتِينَا؟ [أَيْ تَطْلُبُ الْعِلْمَ بَينَ يَدَيّ] فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ لِلْخَلِيفَةِ المُعْتَصِم: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ أَعْرِفُهُ مُنْذُ ثَلاَثِينَ سَنَة، يَرَى طَاعتَكَ وَالحَجَّ وَالجِهَادَ مَعَك

؛ فَيَقُول: وَاللهِ إِنَّهُ لَعَالِم، وَإِنَّهُ لَفَقِيه، وَمَا يَسُوءُني أَنْ يَكُونَ مَعِي يَرُدُّ عَنيِّ أَهْلَ المِلَل، ثُمَّ قَال: مَا كُنْتَ تَعْرِفُ صَالِحَاً الرَّشِيدِيّ 00؟ قُلْتُ: قَدْ سَمِعْتُ بِهِ؛ قَال: كَانَ مُؤَدِّبي، وَكَانَ في ذَلِكَ المَوْضِعِ جَالِسَاً، وَأَشَارَ إِلىَ نَاحِيَةٍ مِنَ الدَّار، فَسَأَلَني عَنِ الْقُرْآن؛ فَخَالَفَني؛ فَأَمَرْتُ بِهِ فُوُطِئَ وَسُحِب؛ يَا أَحْمَد؛ أَجِبْني إِلىَ شَيْءٍ لَكَ فِيهِ أَدْنىَ فَرَجٍ حَتىَّ أُطْلِقَ عَنْكَ بِيَدِي؛ قُلْتُ: أَعْطُوني شَيْئَاً مِنْ كِتَابِ اللهِ أَوْ

سُنَّةِ رَسُولِه؛ فَطَالَ المَجْلِس، وَقَامَ الخَلِيفَةُ وَرُدِدْتُ إِلىَ المَوْضِع، فلَمَّا كَانَ بَعْدَ المَغْرِبِ وَجَّهَ إِلَيَّ رَجُلَيْنِ مِن أَصْحَابِ ابْنِ أَبي دَاوُد، يَبِيتَانِ عِنْدِي وَيُنَاظرَانِني وَيُقِيمَانِ مَعِي، حَتىَّ إِذَا كَانَ وَقْتُ الإِفْطَارِ جِيءَ بِالطَّعَام، وَيَجْتَهِدَانِ بي أَن أُفْطِرَ فَلاَ أَفْعَل، وَوجَّهَ المُعْتَصِمُ إِلَيَّ ابْنَ أَبي دُوَادَ في اللَّيْلِ فَقَال: يَقُولُ لَكَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ مَا تَقُول 00؟

فَأَرُدُّ عَلَيْهِ نَحْوَاً مِمَّا كُنْتُ أَرُدّ؛ فَقَالَ ابْنُ أَبي دُوَاد: وَاللهِ لَقَدْ كَتَبَ اسْمَكَ في السَّبْعَة: يحْيىَ بْنِ مَعِينٍ وَغَيْرِه؛ فَمَحَوْتُهُ، وَلَقَدْ سَاءَني أَخْذُهُمْ إِيَّاك، ثُمَّ يَقُول: إِنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ قَدْ حَلَفَ أَنْ يَضْرِبَكَ ضَرْبَاً بَعْدَ ضَرْب، وَأَنْ يُلْقِيَكَ في مَوْضِعٍ لاَ تَرَى فِيهِ الشَّمْس، وَيَقُول [أَيِ المُعْتَصِم]: إِن أَجَابَني جِئْتُ إِلَيْهِ حَتىَّ أُطْلِقَ عَنهُ بِيَدِي، ثمَّ انْصَرَف، فَلَمَّا أَصبَحْنَا؛ جَاءَ رَسُولُهُ فَأَخَذَ بِيَدِي حَتىَّ ذَهَبَ بي إِلَيْه؛

فَقَالَ لَهُمْ: نَاظِرُوهُ وَكَلِّمُوه؛ فَجَعَلُواْ يُنَاظِرُونَني فَأَردُّ عَلَيْهِمْ؛ فَإذَا جَاؤُواْ بِشَيْءٍ مِنَ الْكَلاَمِ مِمَّا لَيْسَ في الْكِتَابِ وَالسُّنَّة قُلْتُ: مَا أَدْرِي مَا هَذَا؛ فَيَقُولُون: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ إِذَا تَوَجَّهَتْ لَهُ الحجَّةُ عَلَيْنَا ثَبَتَ، وَإِذَا كَلَّمْنَاهُ بِشَيْءٍ يَقُولُ لاَ أَدْرِي مَا هَذَا؛ فَقَالَ نَاظِرُوه؛ فَقَالَ رَجُل: يَا أَحْمَد؛ أَرَاكَ تَذْكُرُ الحَدِيثَ وَتَنْتَحِلُه [أَيْ تَدَّعِيه]؛ فَقُلْتُ: مَا تَقُولُ في قَوْلِهِ:

(يُوصِيكُمُ اللهُ في أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْن ({النِّسَاء/11} 00؟ قَال: خصَّ اللهُ بِهَا المُؤْمِنِين؛ قُلْتُ: مَا تَقُولُ إِنْ كَانَ قَاتلاً أَوْ عَبدَاً 00؟ [الحُكْمُ يَخْتَلِف] فَسَكَتَ، وَإِنَّمَا احْتَجَجْتُ عَلَيْهِمْ بِهَذَا؛ لأَنَّهُمْ كَانُواْ يَحْتَجُّونَ بِظَاهِرِ الْقُرْآن 0 فحَيْثُ قَالَ لي: أَرَاكَ تَنْتَحِلُ الحَدِيثَ احْتَجَجْتُ بِشَيْءٍ مِنَ القُرْآنِ عَامٍّ خَصَّصَتْهُ السُّنَّة: فَالسُّنَّةُ خَصَّصَتِ الْقَاتِلَ وَالعبد؛ فَأَخْرَجَتْهُمَا مِنَ الْعُمُوم، فَلَمْ يَزَالُواْ كَذَلِكَ إِلىَ قُرْبِ

الزَّوَال، فَلَمَّا ضَجِرَ قَالَ قُومُواْ، ثُمَّ خَلاَ بي وَبعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاق، فَلَمْ يَزَلْ يُكَلِّمُني، ثُمَّ قَامَ وَدَخَلَ وَرُدِدْتُ إِلىَ المَوْضِع، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الثَّالِثَةُ، قُلْتُ: خَلِيقٌ أَنْ يحْدُثَ غَدَاً مِن أَمْرِي شَيْء؛ فَقُلْتُ لِلْمُوكَّلِ بي: أُرِيدُ خَيْطَاً؛ فَجَاءَني بخَيْطٍ فَشَدَدْتُ بِهِ الأَقْيَادَ وَرَدَدْتُ التِّكَّةَ إِلىَ سَرَاويلِي مَخَافَةَ أَنْ يحْدُثَ مِن أَمْرِي شَيْءٌ فَأَتَعَرَّى، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أُدْخِلْتُ إِلىَ الدَّار؛ فَإذَا هِيَ غَاصَّةٌ [أَيْ

بِالنَّاس]، فَجَعَلْتُ أُدْخَلُ مِنْ مَوْضِعٍ إِلىَ مَوْضِع، وَقَوْمٌ مَعَهُمُ السُّيُوف، وَقَوْمٌ مَعَهُمُ السِّيَاطُ وَغَيْرُ ذَلِك، وَلَمْ يَكُنْ في اليَومِينِ المَاضِيَينِ كَبِيرُ أَحَدٍ مِن هَؤُلاَء؛ فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَيْهِ قَالَ اقْعُدْ، ثمَّ قَال: نَاظِرُوهُ وَكَلِّمُوه؛ فَجَعَلُواْ يُنَاظِرُونَني، يَتَكَلَّمُ هَذَا فَأَرُدُّ عَلَيْه، وَيَتَكَلَّمُ هَذَا فَأَرُدُّ عَلَيْه، وَجَعَلَ صَوْتي يَعْلُو أَصْوَاتَهُمْ، فَجَعَلَ بَعْضُ مَن هُوَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِي يُومِئُ إِلَيَّ بِيَدِهِ؛ فَلَمَّا طَالَ المَجْلِسُ نَحَّاني،

ثُمَّ خَلاَ بِهِمْ، ثُمَّ نَحَّاهُمْ وَردَّني إِلىَ عِنْدِهِ وَقَال: وَيْحَكَ يَا أَحْمَد؛ أَجِبْني حَتىَّ أُطْلِقَ عَنْكَ بِيَدِي؛ فرددْتُ عَلَيْهِ نَحْوَ ردِّي؛ فَقَال: عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ 000 وَذَكَرَ اللَّعْنَ خُذُوه، اسْحَبُوه، خَلِّعُوه؛ فَسُحِبْتُ وَخُلِّعْت؛ قَال: وَقَدْ كَانَ صَارَ إِلَيَّ شَعَرٌ مِنْ شَعَرِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كُمِّ قَمِيصِي؛ فَوَجَّهَ إِلَيَّ إِسْحَاقَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ يَقُول: مَا هَذَا المَصْرُور 00؟

قُلْتُ شَعْرٌ مِنْ شَعَرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، وَسَعَى بَعْضُهُمْ لِيُخَرِّقَ الْقمِيصَ عَنيِّ؛ فَقَالَ المُعْتَصِم: لاَ تَخَرِّقُوه؛ فَنُزِعَ؛ فَظَننْتُ أَنَّهُ إِنَّمَا دُرِئَ عَنِ الْقمِيصِ الخَرْقُ بِالشَّعَر، وَجَلَسَ المُعْتَصِمُ عَلَى كُرْسِيٍّ ثمَّ قَال: الْعُقَابَينِ وَالسِّيَاط؛ فَجِيءَ بِالعُقَابَينِ فَمُدَّتْ يَدَاي، فَقَالَ بَعْضُ مَن حَضَرَ خَلْفِي: خُذْ نَاتِئَ الخَشبَتَينِ بِيَدَيْكَ وَشُدَّ عَلَيْهِمَا؛ فَلَمْ أَفْهَمْ مَا قَال؛ فَتَخَلَّعَتْ يَدَاي» 0

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ محَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبُوشَنْجِيّ: ذَكَرُواْ أَنَّ المُعْتَصِمَ أَلاَنَ في أَمْرِ أَحْمَدَ لَمَّا عُلِّقَ في الْعُقَابَين، وَرَأَى ثبَاتَهُ وَتَصْمِيمَهُ وَصَلاَبَتَه، حَتىَّ أَغْرَاهُ أَحْمَدُ بْنُ أَبي دُوَادَ وَقَال: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ إِنْ تَرَكْتَهُ قِيلَ قَدْ تَرَكَ مَذْهَبَ المَأْمُونِ وَسَخِطَ قَوْلَه؛ فَهَاجَهُ ذَلِكَ عَلَى ضَرْبِهِ» 0 وَقَالَ ابْنُهُ صَالِح: «قَالَ أَبي: وَلَمَّا جِيءَ بِالسِّيَاطِ نَظَرَ إِلَيْهَا المُعْتَصِمُ فَقَال: ائْتُوني بِغَيْرِهَا، ثمَّ قَالَ لِلْجَلاََّدِينَ

تَقَدَّمُواْ؛ فَجَعَلَ يَتَقَدَّمُ إِلَيَّ الرَّجُلُ مِنهُمْ فيَضْرِبُني سَوْطَين؛ فَيَقُولُ لَهُ: شُدَّ قَطَعَ اللهُ يَدَك، ثُمَّ يَتَنَحَّى وَيَتَقَدَّمُ آخَرُ فَيَضْرِبُني سَوْطَين، وَهُوَ يَقُولُ في كُلِّ ذَلِكَ شُدّ، قَطَعَ اللهُ يَدَك؛ فَلَمَّا ضُربْتُ سَبْعَةَ عَشَرَ سَوْطَاً قَامَ إِلَيَّ المُعْتَصِمُ فَقَال: يَا أَحْمَد، عَلاَمَ تَقْتُلُ نَفْسَك؟ إِنيِّ وَاللهِ عَلَيْكَ لَشَفِيق؛ وَجَعَلَ عُجَيْفٌ يَنخَسُني بِقَائِمَةِ سَيْفِهِ وَيَقُول: أَتُرِيدُ أَنْ تَغْلِبَ هَؤُلاَءِ كُلَّهُمْ؟

وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَقُول: وَيْلَك؛ إِمَامُكَ عَلَى رَأْسِكَ قَائِم، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ دَمُهُ في عُنُقِي، اقْتُلْهُ؛ فَأَقُول: أَعْطُوني شَيْئَاً مِنْ كِتَابِ اللهِ أَوْ سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ أَقُولُ بِهِ؛ فَرَجَعَ وَجَلَسَ وَقَالَ لِلْجلاََّد: تَقَدَّمْ وَأَوْجِعْ قَطَعَ اللهُ يَدَك، ثمَّ قَامَ الثَّانيَةَ وَجَعَلَ يَقُولُ وَيْحَكَ يَا أَحْمَدُ أَجِبْني؛ فَجَعَلُواْ يُقْبِلُونَ عَلَيَّ وَيَقُولُون: يَا أَحْمَد؛ إِمَامُكَ عَلَى رَأْسِكَ قَائِم، وَجَعَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَقُول: مَنْ صَنَعَ مِن

أَصْحَابِكَ في هَذَا الأَمْرِ مَا تَصْنَع 00؟ وَالمُعْتَصِمُ يَقُول: أَجِبْني إِلىَ شَيْءٍ لَكَ فِيهِ أَدْنىَ فَرَجٍ حَتىَّ أُطْلِقَ عَنْكَ بِيَدِي، ثمَّ رَجَعَ وَقَالَ لِلْجَلاََّد: تَقَدَّمْ؛ فَجَعَلَ يَضْرِبُني سَوْطَينِ وَيَتَنَحَّى، وَهُوَ في خِلاَلِ ذَلِكَ يَقُول: شُدَّ قَطَعَ اللهُ يَدَك؛ فَذَهَبَ عَقْلِي، ثمَّ أَفَقْتُ بَعْد، فَإِذَا الأَقْيَادُ قَدْ أُطْلِقَتْ عَنيِّ؛ فَقَالَ لي رَجُلٌ مِمَّن حَضَر: كَبَبْنَاكَ عَلَى وَجْهِكَ وَطَرَحْنَا عَلَى ظَهْرِكَ بَارِيَّةً [أَيْ حَصِيرَاً] وَدُسْنَاك؛ قَالَ أَبي: فَمَا شَعَرْتُ بِذَلِك

، وَأَتَوْني بِسَوِيقٍ وَقَالُواْ: اشْرَبْ وَتَقَيَّأْ؛ فَقُلْتُ لاَ أُفْطِر، ثُمَّ جِيءَ بي إِلىَ دَارِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيم؛ فَحَضَرْتُ الظُّهْر، فَتَقَدَّمَ ابْنُ سَمَاعَةَ فَصَلَّى، فَلَمَّا انْفَتَلَ مِنْ صَلاَتِهِ قَالَ لي: صَلَّيْتَ وَالدَّمُ يَسِيلُ في ثَوْبِك 00؟ قُلْتُ: قَدْ صَلَّى عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمَاً، قَالَ صَالِح: ثمَّ خُلِّيَ عَنهُ فَصَارَ إِلىَ مَنْزِلِه، وَكَانَ مُكْثُهُ في السِّجْنِ مُنْذُ أُخِذَ إِلىَ أَنْ ضُرِبَ وَخُلِّيَ عَنهُ ثَمَانيَةً وَعِشْرِينَ شَهْرَاً 0

قَالَ صَالِح: وَلَقَدْ حَدَّثَني أَحَدُ الرَّجلَينِ اللَّذيْنِ كَانَا مَعَهُ فَقَال: يَا ابْنَ أَخِي؛ رَحْمَةُ اللهِ عَلَى أَبي عَبْدِ الله؛ وَاللهِ ما رَأَيْتُ أَحَدَاً يُشْبِهُهُ، وَلَقَدْ جَعَلْتُ أَقُولُ لَهُ في وَقْتِ مَا يُوَجَّهُ إِلَيْنَا بِالطَّعَام: يَا أَبَا عَبْدِ الله، أَنْتَ صَائِمٌ وَأَنْتَ في مَوْضِعِ تَفِئَة [أَيْ قَرِيبٍ مِنَ الْقُدُومِ عَلَى الله]، وَلَقَدْ عَطِشَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ فَقَالَ لِصَاحِبِ الشَّرَاب: نَاوِلْني؛ فَنَاوَلَهُ قَدَحَاً فِيهِ مَاءٌ وثَلْج؛ فَأَخَذَهُ وَنَظَرَ فِيهِ ثُمَّ رَدَّهُ وَلَمْ

يَشْرَبْ، فَجَعَلْتُ أَعْجَبُ مِنْ صَبْرِهِ عَلَى الجُوعِ وَالعطشِ وَهُوَ فِيمَا هُوَ فِيهِ مِنَ الهَوْل، قَالَ صَالِح: فَكُنْتُ أَلْتَمِسُ وَأَحْتَالُ أَن أُوَصِّلَ إِلَيْهِ طعَامَاً أَوْ رَغِيفَاً في تِلْكَ الأَيَّامِ فَلَمْ أَقْدِرْ، وَأَخْبَرَني رَجُلٌ حَضَرَهُ أَنَّهُ تَفَقَّدَهُ في الأَيَّامِ الثَّلاَثَةِ وَهُمْ يُنَاظِرُونَهُ؛ فَمَا لَحَنَ في كَلِمَة؛ فَقَال: مَا ظَننْتُ أَنَّ أَحَدَاً يَكُونُ في مِثْلِ شَجَاعَتِهِ وَشِدَّةِ قَلْبِه 0 قَالَ ابْنُ عَمِّهِ حَنْبَل: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ رَحمَهُ اللهُ يَقُول:

«ذَهَبَ عَقْلِي مِرَارَاً؛ فَكَانَ إِذَا رُفِعَ عَنيِّ الضَّرْبُ رَجَعَتْ إِلَيَّ نَفْسِي، وَإِذَا اسْتَرْخَيْتُ وَسَقَطْتُ رُفِعَ الضَّرْب، أَصَابَني ذَلِكَ مِرَارَاً، وَرَأَيْتُ المُعْتَصِمَ قَاعِدَاً في الشَّمْسِ بِغَيْرِ مِظَلَّة؛ فَسَمِعْتُهُ وَقَد أَفَقْتُ يَقُولُ لاِبْنِ أَبي دُوَاد: لَقَدِ ارْتَكَبْتُ إِثْمَاً في أَمْرِ هَذَا الرَّجُل؛ فَقَال: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين، إِنَّهُ وَاللهِ كَافِرٌ مُشْرِك، قَدْ أَشْرَكَ مِن غَيْرِ وَجْه؛ فَلاَ يَزَالُ بِهِ حَتىَّ يَصْرِفَهُ عَمَّا يُرِيد، وَقَدْ كَانَ أَرَادَ تَخْلِيَتي بِلاَ ضَرْب

؛ فَلَمْ يَدَعْهُ وَلاَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيم» 0 عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال: «مَنْ وَلِيَ مِنْكُمْ عَمَلاً، فَأَرَادَ اللهُ بِهِ خَيرَاً: جَعَلَ لَهُ وَزِيرَاً صَالِحَاً، إِنْ نَسِيَ ذَكَّرَه، وَإِنْ ذَكَرَ أَعَانَه» 0 [صَحَّحَهُ الْعَلاَّمَةُ الأَلْبَانيُّ في الصَّحِيحِ وَالصَّحِيحَةِ بِرَقْمَيْ: 6596، 489، وَفي سُنَنِ الإِمَامِ النَّسَائِيِّ بِرَقْم: 4204]

عَن أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال: «مَا بَعَثَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالىَ مِنْ نَبيٍّ وَلاَ اسْتَخْلَفَ مِن خَلِيفَةٍ: إِلاَّ كَانَتْ لَهُ بِطَانَتَان: بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالمَعْرُوفِ وَتَحُضُّهُ عَلَيْه، وَبِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالشَّرِّ وَتَحُضُّهُ عَلَيْه؛ فَالمَعْصُومُ مَن عَصَمَ اللهُ جَلَّ وَعَلاَ» [رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 7198 / فَتْح]

عَن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال: «مَا مِنْ وَالٍ إِلاَّ وَلَهُ بِطَانَتَان: بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَاهُ عَنِ المُنْكَر، وَبِطَانَةٌ لاَ تَأْلُوهُ خَبَالاً ـ أَيْ لاَ تُقَصِّرُ في تَضْلِيلِهِ ـ فَمَنْ وُقِيَ شَرَّهَا فَقَدْ وُقِيَ، وَهُوَ مِنَ الَّتي تَغْلِبُ عَلَيْهِ مِنهُمَا» 0 [صَحَّحَهُ الْعَلاَّمَةُ الأَلْبَانيُّ في سُنَنِ الإِمَامِ النَّسَائِيِّ بِرَقْم: 4201، وَالأُسْتَاذ وَحُسَيْن سَلِيم أَسَد في مُسْنَدِ الإِمَامِ أَبي يَعْلَى بِرَقْم: 6000]

قَالَ حَنْبَل: بَلَغَني أَنَّ المُعْتَصِمَ قَالَ لاَِبْنِ أَبي دُوَادَ بَعْدَ مَا ضُرِبَ أَبُو عَبْدِ الله: كَمْ ضُرِبَ؟ قَال: أَرْبَعَةً أَوْ نَيِّفَاً وَثَلاَثِينَ سَوْطَاً» 0 قَالَ محَمَّدُ بْنُ أَبي حَاتِمٍ الْوَرَّاق: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ محَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الأَسَدِيُّ قَال: «لَمَّا حُملَ أَحْمَدُ لِيُضْرَب: جَاؤُواْ إِلىَ بِشْرِ بْنِ الحَارِثِ وَقَالُواْ: قَدْ وَجبَ عَلَيْكَ أَنْ تَتَكَلَّم؛ فَقَال: أَتُرِيدُونَ مِنيِّ أَقُومَ مَقَامَ الأَنْبِيَاء؛ لَيْسَ ذَا عِنْدِي، حَفِظَ اللهُ أَحْمَدَ مِنْ بَينِ يَدَيْهِ

وَمِن خَلْفِه» قَالَ محَمَّدُ بْنُ أَبي حَاتِمٍ الْوَرَّاق: حَدَّثَنَا محَمَّدُ بْنُ المُثَنىَّ صَاحِبُ بِشْرٍ قَال: قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ: قِيلَ لي: اكْتُبْ ثَلاَثَ كَلِمَاتٍ وَيُخَلَّى سَبِيلُك؛ فَقُلْتُ: هَاتُواْ، قَالُواْ: اكْتُبْ: اللهُ قَدِيمٌ لَمْ يَزَلْ؛ فَكَتَبْت؛ فَقَالُواْ: اكْتُبْ: كُلُّ شَيْءٍ دُونَ اللهِ مَخْلُوق؛ قُلْتُ: أَمَّا هَذِهِ فَلاَ، وَرَمَيْتُ بِالقَلَم» 0 قَالَ أَبُو الْفَضْلِ عُبَيْدُ اللهِ الزُّهْرِيّ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

«قُلْتُ وَأَبُو عَبْدِ اللهِ بَيْنَ الْعُقَابَين: يَا أُسْتَاذ؛ قَالَ اللهُ جَلَّ وَعَلاَ: (لاَ تَقْتُلُواْ أَنْفُسَكُمْ ({النِّسَاء} قَالَ رَحمَهُ اللهُ: يَا مَرُّوذِيّ؛ اخْرُجْ وَانْظُرْ؛ فَخَرَجْتُ إِلىَ رَحْبَةِ دَارِ الخِلاَفَة؛ فَرَأَيْتُ خَلْقَاً لاَ يُحْصِيهِمْ إِلاََّ الله، وَالصُّحُفُ في أَيْدِيهِمْ، وَالأَقْلاَمُ وَالمَحَابِر، فَقَالَ لَهُمُ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيّ: مَاذَا تَعْمَلُون؟ قَالُواْ: نَنْظُرُ مَا يَقُولُ أَحْمَدُ فَنَكْتُبُه؛ فَدَخَلَ فَأَخْبَرَهُ؛ فَقَال: يَا مَرُّوذِيُّ أُضِلُّ هَؤُلاَءِ كُلَّهُمْ»؟

قَالَ حَنْبَل: «قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ رَحمَهُ الله: قَالَ بُرْغُوثُ [يَوْمَ المِحْنَة]: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين، هُوَ كَافِرٌ حلاَلُ الدَّم، اضْرِبْ عُنُقَه، وَدَمُهُ في عُنُقِي، وَقَالَ شُعَيْبٌ كَذَلِكَ أَيْضَاً؛ فَلَمْ يَلْتَفِتْ أَبُو إِسْحَاقَ إِلَيْهِمَا، قَالَ أَبُو عَبْدِ الله: لَمْ يَكُنْ في الْقَوْمِ أَشَدُّ تَكْفِيرَاً لي مِنهُمَا، وَأَمَّا ابْنُ سِمَاعَةَ فَقَال: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ إِنَّه مِن أَهْلِ بَيْتِ شَرَفٍ ولَهُمْ قَدَم، وَلَعَلَّهُ يَصِيرُ إِلىَ الَّذِي عَلَيْهِ أَمِيرُ المُؤْمِنِين، فَكَأَنَّه رقَّ

عِنْدَهَا، وَكَانَ إِذَا كَلَّمَني ابْنُ أَبي دُوَادَ لَمْ أَلْتَفِتْ إِلىَ كَلاَمِه، وَإِذَا كلَّمَني أَبُو إِسْحَاقَ أَلَنْتُ لَهُ الْقَوْل؛ فَقَالَ في اليَوْمِ الثَّالِث: أَجِبْني يَا أَحْمَد، فَإِنَّهُ بَلَغَني أَنَّكَ تحِبُّ الرِّئَاسَة؛ وَذَلِكَ لَمَّا أَوْغَرُواْ قَلْبَه عَلَيّ، وَجَعَلَ بَرْغُوثُ يَقُول: قَالَ الجَبْرِيُّ كَذَا وَكَذَا [يَقْصِدُ لَعَنَهُ اللهُ الإِمَامَ أَحْمَد] 00 كَلاَمٌ هُوَ الْكُفْرُ بِالله، فَجَعَلْتُ أَقُولُ مَا أَدْرِي مَا هَذَا، إِلاََّ أَنيِّ أَعْلَمُ أَنَّهُ أَحَدٌ صَمَدٌ لاَ شِبْهَ لَهُ وَلاَ عِدْل،

وَهُوَ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ، فَسَكَتَ أَخْزَاهُ الله، ثُمَّ قَالَ ليَ المُعْتَصِم: يَا أَحْمَد؛ إِنيِّ لأُشْفِقُ عَلَيْكَ شَفَقَتي عَلَى ابْني هَارُون؛ فَأَجِبْني، وَاللهِ لَودِدْتُ أَنيِّ لَمْ أَكُن عَرَفْتُكَ يَا أَحْمَد؛ اللهَ اللهَ في دَمِك؛ فلَمَّا كَانَ في آخِرِ ذَلِكَ قَال: لَعَنَكَ الله؛ لَقَدْ طَمِعْتُ أَنْ تُجِيبَني، ثمَّ قَال: خُذُوهُ وَاسْحَبُوه [أَيْ عَلَى الْعَرُوسَة]؛ فَأُخِذْتُ ثُمَّ خُلِّعْت، وَجِيءَ بِعُقَابَيْنِ وَأَسْيَاط، وَكَانَ مَعِي شَعَرٌ مِنْ شَعَرِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، ثمَّ صُيِّرْتُ

بَيْنَ الْعُقَابين؛ فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين، اللهَ اللهَ، إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قَال: «لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاََّ اللهُ وَأَنيِّ رَسُولُ اللهِ إِلاََّ بِإِحْدَى ثَلاَث» 0 يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ فِيمَ تَسْتَحِلُّ دَمِي 00؟! اللهَ اللهَ لاَ تَلْقَ اللهَ وَبَيْني وَبَيْنَكَ مُطَالَبَة، اذْكُرْ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ وُقُوفَكَ بَينَ يَدَيِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ كَوُقُوفي بَيْن يَدَيْك، وَرَاقِبِ اللهَ جَلَّ جَلاَله؛ فَكَأَنَّهُ أَمْسَك؛ فَخَافَ ابْنُ أَبي دُوَادَ

أَنْ يَكُونَ مِنهُ عَطْفٌ أَوْ رَأْفَةٌ فَقَال: إِنَّه كَافِرٌ بِاللهِ تَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ ضَالٌّ مُضِلّ» 00!! حَدَّثَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الحَارِثِ الْعُبَادِيُّ قَال: قَال أَبُو محَمَّدٍ الطُّفَاوِيّ: «أَخْبِرْني بِمَا صَنعُواْ بِك 00؟ قَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: لَمَّا ضُربْتُ بِالسِّيَاط: جَعَلْتُ أَذْكُرُ كَلاَمَ الأَعْرَابيّ، ثمَّ جَاءَ ذَاكَ الطَّوِيلُ اللِّحْيَةِ [يَعْني عُجَيفَاً] فَضَرَبَني بِقَائِمِ السَّيْف، ثمَّ جَاءَ ذَاكَ فَقُلْتُ: قَدْ جَاءَ الْفَرَج 000 يَضْرِبُ عُنُقِي فَأَسْتَرِيح؛ فَقَال لَهُ ابْن سَمَاعَة: يَا

أَمِيرَ المُؤْمِنِين، اضْرِبْ عُنُقَهُ وَدمُهُ في رَقَبَتي؛ فَقَالَ ابْنُ أَبي دُوَاد: لاَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ لاَ تَفْعَلْ؛ فَإِنَّهُ إِنْ قُتلَ أَوْ مَاتَ في دَارِكَ قَالَ النَّاس: صَبَرَ حَتىَّ قُتِلَ فَاتَّخَذَهُ النَّاسُ إِمَامَاً وَثَبَتُواْ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْه، وَلَكِن أَطْلِقْهُ السَّاعَة؛ فَإِنْ مَاتَ خَارجَاً مِنْ مَنْزِلِكَ شَكَّ النَّاسُ في أَمْرِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَجَابَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَمْ يُجِبْ» 0 حَدَّثَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الجَرَوِيِّ قَال:

«دَخَلْتُ أَنَا وَالحَارِثُ بْنُ مِسْكِينٍ عَلَى أَحْمَدَ حِدْثَانَ ضَرْبِهِ؛ فَقَالَ لَنَا: ضُربْتُ فَسَقَطْتُ، وَسَمِعْتُ ذَاكَ [يَعْني ابْنَ أَبي دُوَادَ] يَقُول: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ هُوَ وَاللهِ ضَالٌّ مُضِلّ؛ فَقَالَ لَهُ الحَارِث: أَخْبَرَني يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ عَنِ الإِمَامِ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ سُعِيَ بِهِ حَتىَّ ضُرِبَ بِالسِّيَاطِ وَعُلِّقَتْ كُتُبُهُ في عُنُقِه، ثمَّ قَالَ الإِمَامُ مَالِك: وَقَدْ ضُرِبَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ وَحُلِقَ رَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ، وَضُرِبَ أَبُو الزِّنَاد، وَضُرِبَ محَمَّدُ

بْنُ المُنْكَدِرِ وَأَصْحَابٌ لَهُ في حَمَّامٍ بِالسِّيَاط، وَمَا ذكرَ مَالِكٌ نَفْسَهُ، فَأُعْجِبَ أَحْمَدُ بِقَوْلِ الحَارِثِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمَا» 0 قَالَ مَكِّيُّ بْنُ عَبْدَان: «ضَربَ جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ مَالِكَاً تِسْعِينَ سَوْطَاً سنَةَ 147 هـ» وَرُوِيَ عَنْ محَمَّدِ بْنِ أَبي سَمِينَةَ عَنْ شَابَاصَ التَّائِبِ قَال: «لَقَدْ ضُرِبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ ثَمَانِينَ سَوْطَاً، لَوْ ضَرَبْتَهُ عَلَى فِيلٍ لَهَدَّتْهُ» 0

قَالَ محَمَّدُ بْنُ أَبي حَاتِمٍ الْوَرَّاق: «سَمِعْتُ أَبي يَقُول: أَتيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ بَعْدَ مَا ضُرِبَ بِثَلاَثِ سِنِينَ أَوْ نَحْوِهَا؛ فَجَرَى ذِكْرُ الضَّرْبِ فَقُلْتُ لَهُ: ذَهَبَ عَنْكَ أَلَمُ الضَّرب 00؟ فَأَخْرَجَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ يَدَيْه، وَقبضَ كُوعَيْهِ اليَمِينَ وَاليسَارَ وَقَال: هَذَا: كَأَنَّهُ يَقُولُ قَدْ خُلِعَا» 0 حَدَّثَ ابْنُ أَبي حَاتمٍ الْوَرَّاقُ عَن أَبي زُرْعَةَ الرَّازِي أَنَّ المُعْتَصِمَ حِينَ خَشِيَ مِنْ ثَوْرَةِ الْعَامَّةِ غَضَبَاً عَلَى الإِمَامِ أَحْمَدَ مِنَ التَّلَفِ أَخْرَجَهُ

لِلنَّاسِ وَقَال: انْظُرُواْ إِلَيْه؛ أَلَيْسَ هُوَ صَحِيحَ الْبَدَن؟ قَالُواْ: نَعَمْ، قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي: وَلَوْلاَ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لكُنْتُ أَخَافُ أَنْ يَقَعَ شَيْءٌ لاَ يُقَامُ لَه؛ فَلَمَّا قَالَ قَدْ سَلَّمْتُه إِلَيْكُمْ صَحِيحَ الْبَدَنِ هَدأَ النَّاسُ وَسَكَنُواْ، وَلَوْ خَرَجَ عَلَيْهِ عَامَّةُ بَغْدَادَ رُبَّمَا عَجِزَ عَنهُمْ» 0 قَالَ ابْنُ عَمِّهِ حَنْبَل: «لَمَّا أَمْرَ المُعْتَصِمُ بِتَخْلِيَةِ أَبي عَبْدِ الله: خَلَعَ عَلَيْهِ مُبَطَّنَةً وَقَمِيصَاً وَطَيْلَسَانَاً، وَقَلَنْسُوَةً وَخُفَّاً،

فَبَينَا نَحْنُ عَلَى بَابِ الدَّارِ، وَالنَّاسُ في المَيدَانِ وَالدُّرُوبِ وَغَيْرِهَا وَقَدْ غُلَّقَتِ الأَسْوَاق؛ إِذْ خَرَجَ أَبُو عَبْدِ اللهِ عَلَى دَابَّةٍ مِنْ دَارِ المُعْتَصِمِ في تِلْكَ الثِّيَاب، وَأَحْمَدُ بْنُ أَبي دُوَادَ عَنْ يَمِينِه، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَالي بَغْدَادَ عَنْ يسَارِه، فَلَمَّا صَارَ في الدِّهْلِيزِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ قَالَ لَهُمُ ابْنُ أَبي دُوَاد: اكْشِفُواْ رَأْسَهُ، وَبَعَثَ إِلىَ وَالِدِي وَإِلىَ جِيرَانِنَا وَمَشَايِخِ المَحَالِّ فَجُمِعُواْ وَأُدْخِلُواْ عَلَيْه، فَقَالَ لَهُمْ: هَذَا

أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل، وَإِنْ كَانَ فِيكُمْ مَنْ يَعْرِفُهُ؛ وَإِلاََّ فَلْيَعْرِفْه» 00 قَالَ هَذَا تَهْدِئَةً لِلنَّاس 0 قَالَ حَنْبَل: «فَلَمَّا ذَهَبَ لِيَنْزِلَ احْتَضَنْتُهُ وَلَمْ أَعْلَمْ، فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى مَوْضِعِ الضَّرْب؛ فَصَاحَ رَحمَهُ الله؛ فَنَحَّيْتُ يَدِي؛ فَنَزَلَ مُتَوَكِّئَاً عَلَيَّ وَأَغْلَقَ الْبَاب، وَدَخَلْنَا مَعَهُ، فَرَمَى بِنَفْسِهِ عَلَى وَجْهِهِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَتَحَرَّكَ إِلاََّ بِجَهْدٍ، وَنَزَعَ مَا كَانَ خُلِعَ عَلَيْهِ فَأَمَرَ بِهِ فَبِيعَ وَتَصَدَّقَ بِثَمَنِه» 0

قَالَ محَمَّدُ بْنُ أَبي حَاتمٍ الْوَرَّاق: قَالَ أَبُو الْفَضْلِ صَالِح: «خُلِّيَ عَنهُ فَصَارَ إِلىَ المَنْزِل، وَوُجِّهَ إِلىَ المَطْبَق [كَالمُسْتَشْفَى]، فَجِيءَ بِرَجُلٍ مِمَّنْ يُبْصِرُ الضَّرْبَ وَالْعِلاَجَ فَنَظَر إِلىَ ضَرْبِهِ فَقَال: قَدْ رَأَيْتُ مَنْ ضُربَ أَلْفَ سَوْط؛ مَا رَأَيْتُ ضَرْبَاً مِثْلَ هَذَا؛ لَقَدْ جُرَّ عَلَيْهِ مِن خَلْفِهِ وَمِنْ قُدَّامِهِ، ثُمَّ أَخَذَ مِيلاً [أَيْ عُودَاً]، فَأَدْخَلَهُ في بَعْضِ تِلْكَ الجِرَاحَاتِ [لِيَسْبُرَ غَوْرَهَا، وَلِيَعْرِفَ هَلْ هِيَ جِرَاحَاتٌ سَطْحِيَّةٌ أَمْ عَمِيقَة]،

فَنَظَر إِلَيْهِ فَقَال: لَمْ يُنْقَبْ 00؟ وَجَعَلَ يَأْتِيهِ بِالمَرَاهِمِ يُعَالِجُه، وَكَانَ قَدْ أَصَابَ وَجْهَهُ غَيْرُ ضَرْبَة، وَمَكَثَ مُنْكَبَّاً عَلَى وَجْهِه مَا شَاءَ الله، ثمَّ قَالَ لَهُ: إِنَّ هَا هُنَا شَيْئَاً أُرِيدُ أَن أَقْطَعَه؛ فَجَاءَ بحَدِيدَةٍ فَجَعَلَ يُعلِّقُ اللَّحْمَ بِهَا فَيَقْطَعُهُ بِسِكِّينٍ مَعَهُ، وَهُوَ صَابرٌ لِذَلِكَ يَجْهَرُ بحَمْدِ اللهِ في ذَلِك، فَبَرَأَ مِنهُ، وَلَمْ يَزَلْ يَتَوَجَّعُ مِنْ مَوَاضِعَ مِنهُ، وَكَانَ أَثَرُ الضَّرْبِ بَيِّنَاً في ظَهْرِه إِلىَ أَنْ تُوُفِّيَ، وَدَخَلْتُ عَلَيْهِ

يَوْمَاً فَقُلْتُ لَهُ: بَلَغَني أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَيْكَ فَقَالَ اجْعَلْني في حِلٍّ إذْ لَمْ أَقُمْ بِنُصْرَتِكَ فَقُلْتَ: لاَ أَجْعَلُ أَحَدَاً في حِلّ؛ فَتَبَسَّمَ أَبي وَسَكَتَ، وَسَمِعْتُ أَبي يَقُول: لَقَدْ جَعَلْتُ المَيِّتَ في حِلٍّ مِنْ ضَرْبِهِ إِيَّاي [أَيِ المُعْتَصِم] ثمَّ قَال: مَرَرْتُ بِهَذِه الآيَة: (فَمَن عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى الله ({الشُّورَى/40} فَنَظَرْتُ في تَفْسِيرِهَا؛ فَإذَا هُوَ مَا أَخْبَرَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ أَخْبَرَنَا المُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ قَال:

أَخْبَرَني مَنْ سَمِعَ الحَسَنَ يَقُول: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ جَثَتِ الأُمَمُ كُلُّهَا بَينَ يَدَيِ اللهِ رَبِّ الْعَالِمِين، ثُمَّ نُودِيَ أَنْ لاَ يَقُومَ إِلاََّ مَن أَجْرُه عَلَى الله؛ فَلاَ يَقُومُ إِلاََّ مَن عَفَا في الدُّنْيَا» 0 فَجَعَلْتُ المَيِّتَ في حِلّ، ثُمَّ قَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: وَمَا عَلَى رَجُلٍ أَنْ لاَ يُعَذِّبَ اللهُ أَحَدَاً بِسَبِبِه» 0 قَالَ أَبُو الحُسَيْنِ بْنُ المُنَادِي: حَدَّثَني جَدِّي أَبُو جَعْفَرٍ قَال:

«لَقِيْتُ أَبَا عَبْدِ الله؛ فرَأَيْتُ في يَدَيْهِ مِجْمَرَةً يُسخِّنُ خِرْقَةً، ثمَّ يَجْعَلُهَا عَلَى جَنْبِهِ مِنَ الضَّرْب، فَقَال: يَا أَبَا جَعْفَر؛ مَا كَانَ في الْقَوْمِ أَرَأَفُ بي مِنَ المُعْتَصِم» 00 المِجْمَرَة: الَّتي يُوضَعُ فِيهَا الجَمْر قَالَ ابْنُ عَمِّهِ حَنْبَل: «لَمَّا أَرَدْنَا عِلاَجَهُ؛ خِفْنَا أَنْ يَدُسَّ ابْنُ أَبي دُوَادَ إِلىَ المُعَالِجِ فَيُلْقِيَ في دَوَائِهِ سُمَّاً؛ فَعَمِلْنَا الدَّوَاءَ وَالمَرْهَمَ عِنْدنَا فَكَانَ في بَرْنِيَّةٍ؛ فَإِذَا دَاوَاهُ رَفَعْنَاهَا، وَكَانَ إِذَا أَصَابَهُ الْبَرْدُ

ضَرَبَ عَلَيْه» 00 أَيْ آلَمَهُ 0 قَالَ محَمَّدُ بْنُ أَبي حَاتِمٍ الْوَرَّاق: حَدَّثَني أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ قَال: «بَلَغَني أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ جَعَلَ المُعْتَصِمَ في حِلٍّ يَوْمَ فَتْحِ عَاصِمَةِ بَابَكَ وَظَفَرِهِ بِهَا، أَوْ يَوْمَ فَتْحِ عَمُّورِيَّة، فَقَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: هُوَ في حِلٍّ مِنْ ضَرْبي» 0 قَالَ حَنْبَل: «سَمِعْتُهُ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ يَقُول: كُلُّ مَنْ ذَكَرَني فَفِي حِلٍّ؛ إِلاََّ مُبْتَدِعَاً، وَقَدْ جَعَلْتُ أَبَا إِسْحَاقَ [يَعْني الخَلِيفَةَ المُعْتَصِمَ] في حِلٍّ؛ رَأَيْتُ اللهَ

عَزَّ وَجَلَّ يَقُول: (وَلْيَعْفُواْ وَلْيَصْفَحُواْ أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُم ({النُّور/22} وَأَمَرَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أَبَا بَكْرٍ بِالعَفْوِ في قِصَّةِ مِسْطَح، وَقَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ اللهُ ذِكْرَه: وَمَا يَنْفَعُكَ أَنْ يُعَذِّبَ اللهُ أَخَاكَ المُسْلِمَ بِسَبَبِك» 00؟! ـ مِحْنَةُ الْوَاثِق: قَالَ حَنْبَل: «لَمْ يَزَلْ أَبُو عَبْدِ اللهِ بَعْدَ أَنْ بَرِئَ مِنَ الضَّرْبِ يَحْضُرُ الجُمُعَةَ وَالجَمَاعَةَ وَيُحَدِّثُ وَيُفْتي حَتىَّ مَاتَ المُعْتَصِمُ وَوَلِيَ ابْنُهُ الْوَاثِق؛

فَأَظْهَرَ مَا أَظْهَرَ مِنَ المِحْنَةِ وَالمَيْلِ إِلىَ أَحْمَدَ بْنِ أَبي دُوَادَ وَأَصْحَابِه؛ فَلَمَّا اشْتَدَّ الأَمْرُ عَلَى أَهْلِ بَغْدَاد، وَأَظْهَرَتِ الْقُضَاةُ المِحْنَةَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَفُرِّقَ بَيْنَ فَضْلٍ الأَنْمَاطِيِّ وَبَيْنَ امْرَأَتِه، وَبَيْنَ أَبي صَالِحٍ وَبَيْنَ امْرَأَتِه، كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ يَشْهَدُ الجُمُعَةَ وَيُعِيدُ الصَّلاَةَ إِذَا رَجَعَ وَيَقُول: تُؤْتىَ الجُمُعَةُ لِفَضْلِهَا، وَالصَّلاَةُ تُعَادُ خَلْفَ مَنْ قَالَ بِهَذِهِ المَقَالَة؛ فَجَاءَ نَفرٌ إِلىَ أَبي عَبْدِ اللهِ فَقَالُواْ: هَذَا

الأَمْرُ قَدْ فَشَا وَتفَاقم، وَنَحْنُ نَخَافُهُ عَلَى أَكْثَرَ مِن هَذَا، وَذَكَرُواْ ابْنَ أَبي دُوَادَ عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَأَنَّهُ عَلَى أَنْ يَأْمُرَ المُعَلِّمِينَ بِتَعْلِيمِ الصِّبْيَانِ في المكَاتِبِ الْقُرْآنُ كَذَا وَكَذَا، فَنَحْنُ لاَ نَرْضَى بِإِمَارَتِه؛ فَمَنَعَهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَأَمَرَهُمْ بِالصَّبْر، فَبَيْنَمَا نَحْنُ في أَيَّامِ الْوَاثِقِ إِذْ جَاءَ يَعْقُوبُ لَيْلاً بِرِسَالَةِ الأَمِيرِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ إِلىَ أَبي عَبْدِ اللهِ يَقُولُ لَكَ الأَمِير: إِنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ قَدْ ذَكَرَك؛ فَلاَ

يَجْتَمِعَنَّ إِلَيْكَ أَحَد، وَلاَ تُسَاكِنيِّ بِأَرْضٍ وَلاَ مَدينَةٍ أَنَا فِيهَا؛ فَاذْهَبْ حَيْثُ شِئْتَ مِن أَرْضِ الله؛ فَاخْتَفَى أَبُو عَبْدِ اللهِ بَقِيَّةَ حَيَاةِ الْوَاثِق، وَكَانَتْ تِلْكَ فِتْنَةً، وَقُتِلَ أَحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ الخُزَاعِيّ، وَلَمْ يَزَلْ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُخْتَفِيَاً في الْبَيْتِ لاَ يَخْرُجُ إِلىَ صَلاَةٍ وَلاَ إِلىَ غَيْرِهَا حَتىَّ هَلَكَ الْوَاثِق» 0 قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَانِئ: «اخْتَفَى أَبُو عَبْدِ اللهِ عِنْدِي ثَلاَثَاً ثمَّ قَال: اطْلُبْ لي مَوْضِعَاً؛ قُلْتُ: لاَ آمَنُ عَلَيْك 00 قَالَ

افْعَلْ؛ فَإِذَا فَعَلْتَ أَفَدْتُك؛ فَطَلَبْتُ لَهُ مَوْضِعَاً، فَلَمَّا خَرَجَ قَال: اخْتَفَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم في الْغَارِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ تَحَوَّل» 00 عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَه؛ حَتىَّ في هُرُوبِهِ يَقْتَدِي بمَحْبُوبِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم 0 كَتَبَ الحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الجَعْدِ قَاضِي بَغْدَادَ إِلىَ ابْنِ أَبي دُوَاد: «إِنَّ أَحْمَدَ قَدِ انْبَسَطَ في الحَدِيث؛ فَبَلَغَ ذَلِكَ الإِمَامَ أَحْمَد؛ فَقَطَعَ الحَدِيثَ إِلىَ أَنْ تُوُفِّيَ» 0

قَالَ ابْنُهُ صَالِح: «وَجَّهَ إِسْحَاقُ إِلىَ أَبي: الْزَمْ بَيْتَكَ وَلاَ تَخْرجْ إِلىَ جَمَاعَةٍ وَلاَ جُمُعَة، وَإِلاََّ نَزَلَ بِكَ مَا نَزَلَ بِكَ أَيَّامَ المُعْتَصِم» 0 ـ قِصَّتُهُ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَأَثَابَ صَبرَهُ مَعَ الخَلِيفَةِ المُتَوَكِّل: قَالَ ابْنُ عَمِّهِ حَنْبَل: «وَلِيَ المُتَوَكِّلُ جَعْفَرٌ، فَأَظْهَرَ السُّنَّةَ وَفَرَّجَ عَنِ النَّاس، وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ يُحَدِّثُنَا وَيُحَدِّثُ أَصْحَابَهُ في أَيَّامِ المُتَوَكِّل» 0 قَالَ ابْنُ عَمِّهِ حَنْبَل:

«إِنَّ المُتَوَكِّلَ ذَكَرَهُ، وَكَتَبَ إِلىَ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ في إِخْرَاجِهِ إِلَيْه؛ فَجَاءَ رَسُولُ إِسْحَاقَ إِلىَ أَبي عَبْدِ اللهِ يَأْمُرُهُ بِالحُضُور؛ فَمَضَى أَبُو عَبْدِ اللهِ ثمَّ رَجَع، فَسَأَلَهُ أَبي عَمَّا دُعِيَ لَهُ 00؟ فَقَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: قَرَأَ عَلَيَّ كِتَابَ جَعْفَرٍ يَأْمُرُني بِالخُرُوجِ إِلىَ الْعَسكر [بِسُرَّ مَنْ رَأَى] وَقَالَ لي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيم: مَا تَقُولُ في الْقُرْآن 00؟

فَقُلْتُ: إِنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ قَدْ نَهَى عَن هَذَا؛ فَقَالَ لي: لاَ تُعْلِمْ أَحَدَاً أَنيِّ سَأَلْتُكَ عَنِ الْقُرْآن؛ فَقُلْتُ لَهُ: مَسْأَلَةُ مُسْتَرْشِدٍ أَوْ مَسْأَلَةُ مُتَعَنِّت 00؟ قَال: بَلْ مُسْتَرْشِد؛ قُلْتُ: الْقُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ لَيْسَ بِمَخْلُوق» 0 قَالَ صَالحُ بْنُ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ أَبي عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: قَالَ لي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيم: اجعَلْني في حِلٍّ مِن حُضُورِي ضَرْبَك؛ فَقُلْتُ: قَدْ جَعَلْتُ كُلَّ مَن حَضَرَني في حِلّ، وَقَالَ لي: مِن أَيْنَ قُلْتَ:

إِنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ 00؟ فَقُلْتُ: قَالَ اللهُ جَلَّ وَعَلاَ: (أَلاَ لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْر ({الأَعْرَاف/54} فَفَرَّقَ بَيْنَ الخَلْقِ وَالأَمْر؛ فَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيم: الأَمْرُ مَخْلُوق؛ ثمَّ قَال: يَا سُبْحَانَ الله؛ أَمَخْلُوقٌ يَخْلُقُ خَلْقَاً 00؟! [أَيْ إِنْ كَانَتْ «كُنْ» مَخْلُوقَةً؛ أَمَخْلُوقٌ يَخْلُقُ خَلْقَاً] 00؟! ثُمَّ قَالَ لي [أَيْ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ يَقُولُ لِلإِمَامِ أَحْمَد]: عَمَّنْ تَحْكِي أَنَّهُ لَيْسَ بِمَخْلُوق 00؟

قُلْتُ: عَنْ جَعْفَرِ بْنِ محَمَّدٍ قَال: لَيْسَ بِخَالِقٍ وَلاَ مَخْلُوق» 0 قَالَ حَنْبَل: لَمْ يَكُن عِنْدَ أَبي عَبْدِ اللهِ مَا يَتَحَمَّلُ بِهِ أَوْ يُنْفِقُهُ، وَكَانَتْ عِنْدِي مِاْئَةُ دِرْهَم؛ فَأَتَيْتُ بِهَا أَبي؛ فَذَهَبَ بِهَا إِلَيْه، فَأَصْلَحَ بِهَا مَا احْتَاجَ إِلَيْهِ وَاكْتَرَى وَخَرَج، وَلَمْ يَمْضِ إِلىَ محَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَلاَ سَلَّمَ عَلَيْه؛ فَكَتَبَ بِذَلِكَ محَمَّدٌ إِلىَ أَبِيه؛ فَحَقَدَهَا إِسْحَاقُ عَلَيْهِ وَقَال: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ إِنَّ أَحْمَدَ خَرَجَ مِنْ بَغْدَادَ

وَلَمْ يَأْتِ مَولاَكَ محَمَّدَاً؛ فَقَالَ المُتَوَكِّلُ: يُرَدُّ وَلَوْ وَطِئَ بِسَاطِي، وَكَانَ أَحْمَدُ قَدْ بَلَغَ بُصْرَى [مَدِينَةٌ جَنُوبَ سُورِيَّةَ قُرْبَ الأُرْدُن]؛ فَرُدَّ، فَرَجَعَ وَامْتَنَعَ مِنَ الحَدِيثِ إِلاََّ لِوَلَدِهِ وَلَنَا، وَرُبَّمَا قَرَأَ عَلَيْنَا في مَنْزِلِنَا، ثُمَّ إِنَّ رَافِعَاً رَفَعَ إِلىَ المُتَوَكِّلِ: إِنَّ أَحْمَدَ رَبَّصَ عَلَوِيَّاً في مَنْزِلِهِ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَهُ وَيُبَايِعَ عَلَيْه، وَلَمْ يَكُن عِنْدنَا عِلم؛ فَبَينَا نحْنُ ذَاتَ لَيْلَةٍ نِيَامٌ في الصَّيْف؛ سَمِعْنَا الجَلَبَةَ

وَرَأَيْنَا النِّيرَانَ في دَارِ أَبي عَبْدِ الله؛ فَأَسْرَعْنَا، وَإِذَا بِهِ قَاعِدٌ في إِزَار، وَمُظَفَّرُ بْنُ الْكَلْبيِّ صَاحِبُ الخَبَرِ وَجَمَاعَةٌ مَعَهُمْ؛ فَقَرَأَ صَاحِبُ الخَبَرِ كِتَابَ المُتَوَكِّل: «وَرَدَ عَلَى أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ أَنَّ عِندَكُمْ عَلَوِيَّاً رَبَّصْتَهُ لِتُبَايِعَ لَهُ وَتُظْهِرَهُ 00000 في كَلاَمٍ طَوِيل، ثُمَّ قَالَ لَهُ مُظَفَّر: مَا تَقُول 00؟ قَال: مَا أَعْرِفُ مِن هَذَا شَيْئَاً، وَإِنيِّ لأَرَى لَهُ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ في عُسْرِي وَيُسْرِي وَمَنْشَطِي وَمَكْرَهِي وَأَثَرَةٍ عَلَيّ، وَإِنيِّ

لأَدْعُو اللهَ لَهُ بِالتَّسْدِيدِ وَالتَّوْفِيقِ في اللَّيْلِ وَالنَّهَار 00000 في كَلاَمٍ كَثِير؛ فَقَالَ مُظَفَّر: قَدْ أَمَرَني أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ أَن أُحَلِّفَك؛ فَأَحْلَفَهُ بِالطَّلاَقِ ثَلاَثَاً أَنَّ مَا عِنْدَهُ طِلْبَةَ أَمِيرِ المُؤْمِنِين، ثُمَّ فَتَّشواْ مَنْزِلَ أَبي عَبْدِ اللهِ وَالسَّرْبَ وَالغُرَفَ وَالسُّطُوح، وَفَتَّشُواْ تَابُوتَ الْكُتُب، وَفَتَّشُواْ النِّسَاءَ وَالمَنَازِل؛ فَلَمْ يَرَوْا شَيْئَاً؛ فَوَلَّواْ مُدْبِرِين، وَرَدَّ اللهُ كَيْدَ الخَائِنِين، وَكُتِبَ بِذَلِكَ إِلىَ المُتَوَكِّل؛ فَوَقَعَ ذَلِكَ

مِنهُ مَوْقِعَاً حَسَنَاً، وَعَلِمَ أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ مَكْذُوبٌ عَلَيْه، وَكَانَ الَّذِي دَسَّ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِن أَهْلِ الْبِدَع، وَلَمْ يَمُتْ حَتىَّ بَيَّنَ اللهُ أَمْرَهُ لِلْمُسْلِمِين: وَهُوَ ابْنُ الثَّلْجِيّ» وَفي رِوَايَةٍ أُخْرَى لاِبْنِ الْكَلْبيّ: «أُرِيدُ أَن أُفتِّشَ مَنْزِلَكَ وَمَنْزِلَ ابْنِك؛ فَقَامَ مُظَفَّرٌ وَابْنُ الْكَلْبيِّ وَامْرَأَتَانِ مَعَهُمَا؛ فَفَتَّشواْ، وَدَلَّوْاْ شَمْعَةً في الْبِئْرِ وَنَظَرُواْ فِيهَا، ثُمَّ خَرَجُواْ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ يَوْمَيْن: وَرَدَ كِتَابُ عَلِيِّ بْنِ الجَهْم:

إِنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ قَدْ صَحَّ عِنْدَهُ بَرَاءتُك 000» 0 وَيُكْمِلُ حَنْبَلٌ رِوَايَتَهُ قَائِلاً: «فلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ بِبَابِ الدَّار: إِذَا يَعْقُوبُ أَحَدُ حُجَّابِ المُتَوَكِّلِ قَدْ جَاءَ فَاسْتَأْذَنَ عَلَى أَبي عَبْدِ الله؛ فَدَخَلَ وَدَخَلَ أَبي وَأَنَا، وَمَعَ بَعْضِ غِلْمَانِهِ بَدْرَةٌ عَلَى بَغْل، وَمَعَهُ كِتَابُ المُتَوَكِّل؛ فَقَرَأَهُ عَلَى أَبي عَبْدِ الله: «إِنَّه صَحَّ عِنْدَ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ بَرَاءَةُ سَاحَتِك، وَقَدْ وَجَّهَ إِلَيْكَ بِهَذَا المَالِ تَسْتَعِينُ بِهِ»

فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهُ رَحمَهُ اللهُ وَقَال: مَا لي إِلَيْهِ حَاجَة؛ فَقَال: يَا أَبَا عَبْدِ الله؛ اقْبَلْ مِن أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ مَا أَمَرَكَ بِه؛ فَإِنَّهُ خَيْرٌ لَكَ عِنْدَه، فَإِنَّكَ إِنْ رَدَدْتَهُ خِفْتُ أَنْ يَظُنَّ بِكَ سُوءَاً؛ فَحِينَئِذٍ قَبِلهَا، فَلَمَّا خَرَجَ قَال: يَا أَبَا عَلِيّ؛ قُلْتُ لَبَّيْك؛ قَال: ارْفَعْ هَذِهِ الْبَدْرَةَ وَضَعْهَا تَحْتَهَا أَيْ تَحْتَ الْبَغْلَة، ثُمَّ تَمَلْمَلَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ عَلَى فِرَاشِهِ فَمَا نَامَ حَتىَّ دَعَا بَعْضَ أَصْفِيَائِهِ فَكَتَبُواْ مَنْ يَعْرِفُونَ مِن أَهْلِ

البِرِّ وَالصَّلاَحِ مِنْ فُقَرَاءِ طَلَبَةِ الْعِلْم؛ فَفَرَّقهَا كُلَّهَا مَا بَيْنَ الخَمْسِينَ إِلىَ الماْئَةِ وَالماْئَتَيْن؛ فَمَا بَقِيَ في الْكِيسِ دِرْهَم، فلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِك، مَاتَ الأَمِيرُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُهُ محَمَّد، ثمَّ وَلِيَ بَغْدَادَ عَبْدُ اللهِ بْنُ إِسْحَاق؛ فَجَاءَ رَسُولٌ إِلىَ أَبي عَبْدِ اللهِ فَذَهَبَ إِلَيْه، فَقَرَأَ عَلَيْهِ كِتَابَ المُتَوَكِّل، وَقَالَ لَه: يَأْمرُكَ بِالخُرُوج [يَعْني: إِلىَ سَامَرَّاء]؛ فَقَالَ رَحمَهُ الله: أَنَا شَيْخٌ ضَعِيفٌ عَليل؛ فَكَتَبَ لَهُ بِذَلِك

ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ يَرُدُّ عَلَيْه؛ فَوَرَدَ جَوَابُ الْكِتَاب: إِنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ يَأْمُرُهُ بِالخُرُوج؛ فَوجَّهَ عَبْدُ اللهِ بْنُ إِسْحَاقَ أَجْنَادَاً فَبَاتُواْ عَلَى بَابِنَا أَيَّامَاً، حَتىَّ تَهَيَّأَ أَبُو عَبْدِ اللهِ لِلْخُرُوج، فَخَرَجَ وَمَعَهُ صَالِحٌ وَعَبْدُ اللهِ وَأَبي» 0 ـ زُهْدُهُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ مَعَ الْغِنى وَكَثْرَةِ المَال: قَالَ ابْنُ عَمِّهِ حَنْبَل: أَخْبَرَني أَبي إِسْحَاقُ رَحمَهُ اللهُ قَال:

«دَخلْنَا إِلىَ الْعَسْكَر؛ فَإِذَا نَحْنُ بِمَوْكِبٍ عَظِيمٍ مُقْبِل؛ فَلَمَّا حَاذَى بِنَا قَالُواْ: هَذَا وَصِيف، وَإِذَا بِفَارِسٍ قَدْ أَقْبَلَ فَقَالَ لأَبي عَبْدِ الله: الأَمِيرُ يُقْرِئُكَ السَّلاَمَ وَيَقُولُ لَك: إِنَّ اللهَ قَدْ أَمْكَنَكَ مِن عَدُوِّكَ [يَقْصِدُ ابْنَ أَبي دُوَاد] وَأَمِيرُ المُؤْمِنِينَ يَقْبَلُ مِنْك؛ فَلاَ تَدَعْ شَيْئَاً إِلاََّ تَكَلَّمْتَ بِه؛ فَمَا رَدَّ عَلَيْهِ أَبُو عَبْدِ اللهِ شَيْئَاً، وَجَعَلْتُ أَنَا أَدْعُو لأَمِيرِ المُؤْمِنِين، وَدَعَوْتُ لِوَصِيف، وَمَضَيْنَا فَأُنْزِلْنَا في دَارِ

إِيتَاخ، وَلَمْ يَعْرِفْ أَبُو عَبْدِ الله؛ فَسَأَلَ بَعْدُ لِمَن هَذِهِ الدَّار 00؟ قَالُواْ: هَذِهِ دَارُ إِيتَاخ؛ قَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: حَوِّلُوني، اكْتَرُواْ لي دَارَاً؛ قَالُواْ: هَذِهِ دَارٌ أَنْزَلَكَهَا أَمِيرُ المُؤْمِنِين؛ قَال: لاَ أَبِيْتُ هَا هُنَا، وَلَمْ يَزَلْ حَتىَّ اكْتَرَيْنَا لَهُ دَارَاً، وَكَانَتْ تَأْتِينَا في كُلِّ يَوْمٍ مَائِدَةٌ فِيهَا أَلْوَانٌ يَأْمُرُ بِهَا المُتَوَكِّل، وَالثَّلْجُ وَالفَاكِهَةُ وَغَيْرُ ذَلِك؛ فَمَا ذَاقَ مِنهَا أَبُو عَبْدِ اللهِ شَيْئَاً وَلاَ نَظَرَ إِلَيْهَا، وَكَانَ

نَفَقَةُ المَائِدَةِ في اليَوْم: مِاْئَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمَاً، وَكَانَ يحْيىَ بْنُ خَاقَانَ وَابْنُهُ عُبَيْدُ الله، وَعَلِيُّ بْنُ الجَهْمِ يخْتَلِفُونَ إِلىَ أَبي عَبْدِ اللهِ بِرَسَائِلِ المُتَوَكِّل، وَدَامتِ الْعِلَّةُ بِأَبي عَبْدِ اللهِ وَضَعُفَ ضَعْفَاً شَدِيدَاً، وَكَانَ يُوَاصِلُ الصِّيَام، وَمَكَثَ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ لاَ يَأْكُلُ وَلاَ يَشْرَب، فَفِي الثَّامِنِ دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَقَدْ كَادَ أَنْ يُطْفَأ [أَيْ يَمُوت]، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ الله؛ ابْنُ الزُّبَيْرِ كَانَ يُوَاصِلُ سَبْعَةً، وَهَذَا لَكَ اليَوْمَ

ثَمَانيَةُ أَيَّام؛ قَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ: إِنيِّ مُطِيق؛ قُلْتُ: بِحَقِّي عَلَيْك؛ قَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ فَإِنيِّ أَفْعَل؛ فَأَتَيْتُهُ بِسَوِيق، فَشَرِب، وَوجَّهَ إِلَيْهِ المُتَوَكِّلُ بِمَالٍ عَظِيمٍ فَرَدَّهُ، فَقَالَ لَهُ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ يحْيىَ بْنِ خَاقَان: إِنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَدْفَعَهَا إِلىَ وَلَدِكَ وَأَهْلِك؛ قَال: هُمْ مُسْتَغْنُون؛ فَرَدَّهَا عَلَيْه، فَأَخَذَهَا عُبَيْدُ اللهِ فَقَسَّمَهَا عَلَى وَلَدِه، ثُمَّ أَجْرَى المُتَوَكِّلُ عَلَى أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ في كُلِّ شَهْرٍ

أَرْبَعَةَ آلاَف، فَبَعَثَ إِلَيْهِ أَبُو عَبْدِ اللهِ إِنَّهُمْ في كِفَايَة، وَلَيْسَتْ بِهِمْ حَاجَة؛ فَبَعَثَ إِلَيْهِ المُتَوَكِّل: إِنَّمَا هَذَا لِوَلَدِك؛ فَمَا لَكَ وَلِهَذَا 00؟ فَأَمْسَكَ أَبُو عَبْدِ الله؛ فَلَمْ يَزَلْ يُجْرَى عَلَيْنَا حَتىَّ مَاتَ المُتَوَكِّل، وَجَرَى بَيْنَ أَبي عَبْدِ اللهِ وَبَيْنَ أَبي كَلاَمٌ كَثِير: قَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ الله: يَا عَمّ؛ مَا بَقِيَ مِن أَعْمَارِنَا، كَأَنَّكَ بِالأَمْرِ قَدْ نَزَل؛ فَاللهَ اللهَ؛ فَإِنَّ أَوْلاَدَنَا إِنَّمَا يُرِِيدُونَ أَنْ يَأْكُلُواْ بِنَا، وَإِنَّمَا هِيَ

أَيَّامٌ قَلاَئِل، وَإِنَّ هَذِهِ فِتْنَة؛ قَالَ أَبي لأَبي عَبْدِ الله: أَرْجُو أَنْ يُؤَمِّنَكَ اللهُ مِمَّا تَحْذَر؛ قَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: كَيْفَ وَأَنْتُمْ لاَ تَتْرُكُونَ طَعَامَهُمْ وَلاَ جَوَائِزَهُمْ 00؟ لَوْ تَرَكْتُمُوهَا لَتَرَكُوكُمْ؛ مَاذَا نَنْتَظِر 00؟ إِنَّمَا هُوَ المَوْت؛ فَإِمَّا إِلىَ جنَّةٍ وَإِمَّا إِلىَ نَار، فَطُوبىَ لِمَنْ قَدِمَ عَلَى خَيْر؛ فَقُلْتُ: أَلَيْسَ قَدْ أَمَرْتَ مَا جَاءَكَ مِن هَذَا المَالِ مِن غَيْرِ إِشْرَافِ نَفْسٍ وَلاَ مَسْأَلَةٍ أَنْ تَأْخُذَه 00؟

قَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: قَدْ أَخذْتُ مَرَّةً بِلاَ إِشرَافِ نَفْس؛ فَالثَّانيَة؛ وَالثَّالِثَة 00؟ أَلَمْ تَسْتَشْرِفْ نَفْسُك 00؟ قُلْتُ: أَفَلَمْ يَأْخُذِ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا 00؟ فَقَال: مَا هَذَا وَذَاك، وَقَال: لَوْ أَعْلَمُ أَنَّ هَذَا المَالَ يُؤْخَذُ مِنْ وَجْهِه، وَلاَ يَكُونُ فِيهِ ظُلْمٌ وَلاَ حَيْف، لَمْ أُبالِ» 0 قَالَ ابْنُهُ صَالِحٌ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى وَالِدَيْه: قَدِمَ المُتَوَكِّلُ فَنَزَلَ الشَّمَّاسِيَّة؛ يُرِيدُ المَدَائِن؛ فَقَالَ لي أَبي: أُحِبُّ أَنْ لاَ تَذْهَبَ

إِلَيْهِمْ تُنَبِّهُ عَلَيّ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ يَوْمٍ أَنَا قَاعِدٌ، وَكَانَ يَوْمَاً مَطيرَاً، فَإذَا بِيَحْيىَ بْنِ خَاقَانَ قَدْ جَاءَ في مَوْكِبٍ عَظِيمٍ وَالمَطَرُ عَلَيْه، فَقَالَ لي: سُبْحَانَ الله؛ لَمْ تَصِرْ إِلَيْنَا حَتىَّ تُبْلِغَ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ السَّلاَمَ عَنْ شَيْخِكَ حَتىَّ وَجَّهَ بي، ثُمَّ نَزَلَ خَارِجَ الزُّقَاق؛ فَجَهِدْتُ بِهِ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى الدَّابَةِ فَلَمْ يَفْعَلْ، فَجَعَلَ يَخُوضَ المَطَر، فَلَمَّا وَصلَ نَزَعَ جُرْمُوقَهُ وَدَخَلَ [أَيْ خُفَّهُ]، وَأَبي في الزَّاويَةِ عَلَيْهِ كسَاء، فَسَلَّمَ

عَلَيْهِ وَقبَّلَ جَبْهَتَهُ، وَسَاءَلَهُ عَن حَالِهِ وَقَال: أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ يُقْرِئُكَ السَّلاَمَ وَيَقُولُ لَك: كَيْفَ أَنْتَ في نَفْسِك، وَكَيْفَ حَالُك 00؟ وَقَدْ أَنِسْتُ بِقُرْبِك، وَيَسْأَلُكَ أَنْ تَدْعُوَ لَهُ؛ فَقَالَ رَحمَهُ الله: مَا يَأْتي عَلَيَّ يَوْمٌ إِلاََّ وَأَنَا أَدْعُو اللهَ لَهُ، ثُمَّ قَال: قَدْ وَجَّهَ مَعِي أَلْفَ دِينَارٍ تُفرِّقُهَا عَلَى أَهْلِ الحَاجَة؛ فَقَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: يَا أَبَا زَكَرِيَّا؛ أَنَا في بَيْتٍ مُنْقَطِع، وَقَدْ أَعْفَاني مِنْ كُلِّ مَا أَكْرَه، وَهَذَا مِمَّا أَكْرَه؛

فَقَال: يَا أَبَا عَبْدِ الله، الخُلَفَاءُ لاَ يَحْتَمِلُونَ هَذَا؛ فَقَال: يَا أَبَا زَكَرِيَّا، تَلَطَّفْ في ذَلِك، وَدَعَا لَهُ، فَقَامَ يَحْيىَ، فَلَمَّا صَارَ إِلىَ الْبَابِ رَجَعَ وَقَال: هَكَذَا لَوْ وَجَّهَ إِلَيْكَ بَعْضُ إِخْوَانِكَ كُنْتَ تَفْعَل 00؟ قَال: نَعَمْ؛ قَالَ صَالِح: فَلَمَّا صِرْنَا إِلىَ الدِّهْلِيزِ قَال: أَمَرَني أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ أَدْفَعُهَا إِلَيْكَ تُفَرِّقهَا؛ فَقُلْتُ: تَكُونُ عِنْدَكَ إِلىَ أَنْ تَمْضِيَ هَذِهِ الأَيَّام» 0

قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَلاََّل: حَدَّثَني محَمَّدُ بْنُ الحُسَيْنِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ المَرُّوذِيَّ حَدَّثهُمْ فَقَال: «كُنْتُ رُبَّمَا بَللْتُ خُبْزَهُ بِالمَاءِ فَيَأْكُلُهُ بِالمِلْحِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه، وَمُنْذ دَخَلْنَا الْعَسْكَرَ إِلىَ أَن خَرَجْنَا، مَا ذَاقَ طَبِيخَاً وَلاَ دَسَمَاً» 0 قَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيّ: «أَنْبَهَني أَبُو عَبْدِ اللهِ رَحمَهُ اللهُ لَيْلَةً وَكَانَ قَدْ وَاصَلَ الصِّيَامَ فَقَال: هُوَ ذَا يُدَارُ بي مِنَ الجُوع [أَيْ أَصَابَني دُوَار؛ مِنْ قِلَّةِ الطَّعَام]؛ فَأَطْعِمْني شَيْئَاً؛

فَجِئْتُهُ بِأَقَلَّ مِنْ رَغِيف؛ فَأَكَلَهُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَال: لَوْلاَ أَنيِّ أَخَافُ الْعَوْنَ عَلَى نَفْسِي مَا أَكَلْت، وَكَانَ يَقُومُ إِلىَ المَخْرَجِ فَيَقْعُدُ يَسْتَريحُ مِنَ الجُوع، حَتىَّ إِنْ كُنْتُ لأَبُلُّ الخِرْقَةَ؛ فَيُلْقِيهَا عَلَى وَجْهِهِ لِتَرْجِعَ نَفْسُهُ إِلَيْهِ، حَتىَّ إِنَّهُ أَوْصَى مِنَ الضَّعْفِ مِن غَيْرِ مَرَض» 0 ـ عَوْدَتُهُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ إِلىَ مَوْطِنِه:

قَالَ حَنْبَل: «وَلَمَّا طَالَتْ عِلَّةُ أَبي عَبْدِ اللهِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ كَانَ المُتَوَكِّلُ يَبْعَثُ بِابْنِ مَاسَوَيْه الطَّبِيب، فَيَصِفُ لَهُ الأَدْوِيَةَ فَلاَ يَتَعَالَج، وَيَدْخُلُ ابْنُ مَاسَوَيْهِ عَلَيْهِ فَيَقُول: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ لَيْسَتْ بِأَحْمَدَ عِلَّة، إِنَّمَا هُوَ مِنْ قِلَّةِ الطَّعَامِ وَالصِّيَامِ وَالعِبَادَة؛ فَيَسْكُتُ المُتَوَكِّل، وَبَلَغَ أُمَّ المُتَوَكِّلِ خَبَرُ أَبي عَبْدِ الله؛ فَقَالَتْ لاِِبْنِهَا: أَشْتَهِي أَن أَرَى هَذَا الرَّجُل؛ فَوَجَّهَ المُتَوَكِّلُ إِلىَ أَبي عَبْدِ اللهِ

يَسْأَلُهُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى ابْنِهِ المُعْتَزِّ وَيَدْعُوَ لَهُ وَيُسَلِّمَ عَلَيْه، وَيَجْعَلَهُ في حِجْرِهِ؛ فَامْتَنَعَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه، ثمَّ أَجَابَ رَحمَهُ اللهُ رَجَاءَ أَنْ يُطْلَقَ وَيَنحَدِرَ إِلىَ بَغْدَاد؛ فَوَجَّهَ إِلَيْهِ المُتَوَكِّلُ خِلْعَةً وَأَتَوْهُ بِدَابَّةٍ يَرْكَبُهَا؛ فَامْتَنَعَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه؛ وَكَانَتْ عَلَيْهِ مِيثَرَةُ نُمُور، فَقُدِّمَ إِلَيْهِ بَغْلٌ لِتَاجِرٍ فَرَكِبَهُ، وَجَلَسَ المُتَوَكِّلُ مَعَ أُمِّهِ في مَجْلِسٍ مِنَ المَكَان، وَعَلَى المَجْلِسِ سِتْرٌ رَقِيق، فَدَخَلَ أَبُو عَبْدِ

اللهِ عَلَى المُعْتَزّ، وَنَظَرَ إِلَيْهِ المُتَوَكِّلُ وَأُمُّهُ؛ فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَتْ: يَا بُنيَّ، اللهَ اللهَ في هَذَا الرَّجُل؛ فَلَيْسَ هَذَا مِمَّنْ يُرِيدُ مَا عِنْدَكُمْ، وَلاَ المَصْلَحَةُ أَنْ تَحْبِسَه عَنْ مَنْزِلِهِ؛ فَأْئْذَنْ لَهُ لِيَذْهَب، وَدَامَتْ عِلَّةُ أَبي عَبْدِ اللهِ رَحمَهُ الله، وَبَلَغَ المُتَوَكِّلَ مَا هُوَ فِيه، وَكَلَّمَهُ يحْيىَ بْنُ خَاقَانَ أَيْضَاً، وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَجُلٌ لاَ يُرِيدُ الدُّنْيَا؛ فَأَذِنَ لَهُ في الاِنْصِرَاف؛ فَجَاءَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ يحْيىَ وَقْتَ الْعَصْرِ فَقَال:

إِنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ قَدْ أَذِنَ لَكَ في الرُّجُوعِ إِلىَ بَغْدَاد؛ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ الله: اطْلُبُواْ لي زَوْرَقَاً أَنحَدِرِ السَّاعَة؛ فَطَلَبُواْ لَهُ زَوْرَقَاً فَانْحَدَرَ لِوَقْتِِهِ» قَالَ حَنْبَل: «فَمَا عَلِمْنَا بِقُدُومِهِ حَتىَّ قِيلَ: إِنَّهُ قَدْ وَافَى؛ فَاسْتَقْبَلْتُهُ بِنَاحِيَةِ الْقَطِيعَةِ، وَقَدْ خَرَجَ مِنَ الزَّوْرَقِ، فَمَشَيْتُ مَعَهُ، فَقَالَ لي: تَقَدَّمْ لاَ يَرَاكَ النَّاسُ فَيَعْرِفُونَني، فَتَقَدَّمْتُهُ؛ فَلَمَّا وَصَلَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: أَلْقَى نَفْسَهُ عَلَى قَفَاهُ مِنَ التَّعَبِ

وَالإِعْيَاء، وَكَانَ رُبَّمَا اسْتَعَارَ الشَّيْءَ مِنْ مَنْزِلِنَا وَمَنْزِلِ وَلَدِهِ، فَلَمَّا صَارَ إِلَيْنَا مِنْ مَالِ السُّلْطَانِ مَا صَارَ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِك، حَتىَّ لَقَدْ وُصِفَ لَهُ في عِلَّتِهِ قَرْعَةٌ تُشْوَى، فَعَلِمَ أَنَّهَا شُوِيَتْ في تَنُّورِ صَالِحٍ فَلَمْ يَسْتَعمِلْهَا، وَمِثلُ هَذَا كَثِير» ـ رِوَايَاتُ ابْنِهِ صَالِحٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى وَالِدَيْه:

ذَكَرَ صَالِحٌ قِصَّةَ خُرُوجِ أَبِيهِ إِلىَ الْعَسْكَرِ وَرُجُوعِهِ وَتَفْتِيشِ بُيُوتِهِمْ عَلَى الْعَلَوِيِّ وَخَبرَ البَدرَة، وَأَنَّ الإِمَامَ أَحْمَدَ بَكَى وَقَال: سَلِمْتُ مِنهُمْ حَتىَّ إِذَا كُنْتُ في آخِرِ عُمُرِي بُلِيْتُ بِهِمْ، عَزمْتُ عَلَيْكَ أَنْ تُفرِّقَهَا غَدَاً، فَلَمَّا أَصْبَحَ، جَاءَهُ حَسَنُ بْنُ الْبَزَّارِ فَقَال: جِئني يَا صَالحُ بِمِيزَان، وَجِّهُواْ إِلىَ أَبْنَاءِ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَار، وَإِلىَ فُلاَنٍ وَفُلاَن، حَتىَّ فَرَّقَ الجَمِيعَ وَنَحْنُ في حَالٍ اللهُ بِهَا عَلِيم؛ فَكَتَبَ صَاحِبُ الْبَرِيد:

إِنَّه تَصدَّقَ بِالكُلِّ في يَوْمِهِ، حَتىَّ بِالكِيس 00!! قَالَ صَالِح: وَدَخَلْنَا الْعَسْكَر، ثمَّ جَاءَ في إِثْرِنَا وَصِيفٌ يُرِيدُ الدَّار، وَوَجَّهَ إِلىَ أَبي يَحْيىَ بْنِ هَرْثَمَة، فَقَال: يُقْرِئُكَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ السَّلاَمَ وَيَقُولُ لَك: الحَمْدُ للهِ الَّذِي لَمْ يُشْمِتْ بِكَ أَهْلَ الْبِدَع، قَدْ عَلِمتَ حَالَ ابْنِ أَبي دُوَادَ [أَيْ مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ فَسَادِ الاِعْتِقَاد]، فَيَنْبَغِي أَنْ تَتَكَلَّمَ فِيهِ بِمَا يَجِبُ لله، وَمَضَى يحْيىَ وَأُنْزِلَ أَبي في دَارِ إِيتَاخ، فَجَاءَ عَلِيُّ بْنُ الجَهْمِ

فَقَال: قَدْ أَمَرَ لَكُمْ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ بِعَشْرَةِ آلاَفٍ مَكَانَ الَّتي فَرَّقَهَا، وَأَنْ لاَ يَعْلَمَ شَيْخُكُمْ بِذَلِكَ فَيَغْتَمّ» 0 وَزَادَ صَالِحٌ في رِوَايَتِهِ أَيْضَاً فَقَال: «أَخْبَرَني بَعْضُ الخَدَمِ أَنَّ المُتَوَكِّلَ كَانَ قَاعِدَاً وَرَاءَ السِّتْر؛ فَقَالَ لأُمِّهِ: يَا أُمَّه، قَدْ أَنَارَتِ الدَّار، قَالَ صَالِح: فَلَمَّا جَاءَ نَزَعَ الثِّيَابَ وَجَعَلَ يَبْكِي، وَقَال: سَلِمْتُ مِن هَؤُلاَءِ مُنْذُ سِتِّينَ سَنَة، حَتىَّ إِذَا كَانَ في آخِرِ عُمُرِي بُلِيْتُ بِهِمْ، مَا أَحْسَبُني سَلِمْتُ مِنْ

دُخُولي عَلَى هَذَا الْغُلاَم؛ فَكَيْفَ بِمَنْ يَجِبُ عَلَيَّ نُصْحُه 00؟ يَا صَالِح؛ وَجِّهْ بِهَذِهِ الثِّيَابِ إِلىَ بَغْدَادَ لِتُبَاعَ وَيُتَصَدَّقُ بِثَمَنِهَا، وَلاَ يَشْتَرِي أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنهَا شَيْئَاً، وَجَعَلَتْ رُسُلُ المُتَوَكِّلِ تَأْتِيهِ يَسْأَلُونَه عَن خَبَرِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه، وَيَرْجِعُونَ فَيَقُولُون: هُوَ ضَعِيف، وَفي خِلاَلِ ذَلِكَ يَقُولُون: يَا أَبَا عَبْدِ الله؛ لاَ بُدَّ مِن أَنْ يَرَاك، وَجَاءَهُ يَعْقُوبُ فَقَال: أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ مُشْتَاقٌ إِلَيْكَ وَيَقُول: انْظُرْ يَوْمَاً تَسِيرُ فِيهِ

حَتىَّ أُعَرِّفَه؛ فَقَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: ذَاكَ إِلَيْكُمْ؛ فَقَال: يَوْمُ الأَربِعَاء» 0 ـ كَيْفَ أَلْقَى اللهُ جَلَّ وَعَلاَ محَبَّتَهُ في قَلْبِ المُتَوَكِّلِ رَغْمَ زُهْدِهِ في دِينَارِهِ وَجِوَارِهِ: قَالَ ابْنُهُ صَالِح: «كَانَ يخْتِمُ الْقُرْآنَ مِنْ جُمُعَةٍ إِلىَ جُمُعَة، وَإِذَا خَتَمَ دَعَا وَنحْنُ نُؤَمِّن، فَلَمَّا كَانَ غَدَاةَ الجُمُعَة: وَجَّهَ إِلَيَّ وَإِلىَ أَخِي، فَلَمَّا خَتَمَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ: جَعَلَ يَدْعُو وَنحْنُ نُؤَمِّن، ثمَّ قَال: وَاللهِ لَقَدْ تَمنَّيْتُ المَوْتَ في الأَمْرِ الَّذِي

كَان [أَيِ المحْنَة]، وَإِنيِّ لأَتَمَنىَّ المَوْتَ في هَذَا وَذَاك، [أَيْ أَتَمَنىَّ المَوْتَ هَرَبَاً مِنَ المُقَابَلَة؛ كَمَا كُنْتُ أَتَمَنَّاهُ خَوْفَ المحْنَة] إِنَّ هَذَا فِتْنَةُ الدُّنْيا، وَذَاكَ فِتنَةُ الدِّين، ثمَّ جَعَل عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ يَضُمُّ أَصَابِعَهُ وَيَقُول: لَوْ كَانَتْ نَفْسِي في يَدِي لأَرْسَلْتُهَا 00 ثُمَّ يَفْتَحُ أَصَابِعَه، وَكَانَ المُتَوَكِّلُ يُكْثِرُ السُّؤَالَ عَنهُ، وَفي خِلاَلِ ذَلِكَ يَأْمُرُ لَنَا بِالمَالِ وَيَقُول: لاَ يَعْلَمْ شَيْخُهُمْ فَيَغْتَمّ؛ مَا يُرِيدُ مِنهُمْ 00؟ إِنْ كَانَ هُوَ

لاَ يُرِيدُ الدُّنْيَا، فَلِمَ يَمْنَعُهُمْ 00؟ وَقَالُواْ لِلْمُتَوَكِّل: إِنَّه لاَ يَأْكُلُ مِنْ طَعَامِكَ وَلاَ يَجْلِسُ عَلَى فِرَاشِك، وَيُحرِّمُ الَّذِي تَشْرَب 00؟! فَقَالَ غَفَرَ اللهُ لَه: لَوْ نُشِرَ المُعْتَصِمُ وَقَالَ لي فِيهِ شَيْئَاً: لَمْ أَقْبَلْ مِنهُ» 0 قَالَ ابْنُهُ صَالِحٌ أَيْضَاً: ثمَّ انحدرْتُ إِلىَ بَغْدَادَ وَخَلَّفْتُ عَبْدَ اللهِ عِنْدَه، فَإذَا عَبْدُ اللهِ قَدْ قَدِمَ؛ فَقُلْتُ: مَا لَكَ 00؟

قَال: أَمَرَني أَن أَنْحَدِرَ وَقَال: قُلْ لِصَالِح: لاَ تَخْرُجْ؛ فَأَنْتُمْ كُنْتُمْ آفَتي، وَاللهِ لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِن أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت: مَا أَخْرَجْتُ وَاحِدَاً مِنْكُمْ مَعِي، لَولاَكُمْ لِمَنْ كانتْ تُوضَعُ هَذِهِ المَائِدَة، وَتُفْرَشُ الْفُرُش، وَتُجْرَى الأُجُور 00؟ قَالَ صَالِح: فَلَمَّا سَافَرْنَا: رُفِعَتِ المَائِدَةُ وَالفُرُشُ وَكُلُّ مَا أُقِيمَ لَنَا» 0 وَقَالَ صَالِح: بَعَثَ المُتَوَكِّلُ إِلىَ أَبي بِأَلْفِ دِينَارٍ لِيُقَسِّمَهَا؛ فَجَاءَهُ عَلِيُّ بْنُ الجَهْمِ في جَوْفِ اللَّيْل، ثمَّ جَاءَ عُبَيْدُ

اللهِ بِأَلْفِ دِينَارٍ فَقَال: إِنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ قَدْ أَذِنَ لَكَ وَأَمْرَ لَكَ بِهَذَا؛ فَقَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: قَدْ أَعْفَاني أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ مِمَّا أَكْرَه؛ فَكَتَبَ إِلىَ محَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ في بِرِّهِ وَتَعَاهُدِه، فَقَدِمَ عَلَيْنَا ثمَّ قَال: يَا صَالِح؛ قُلْتُ لَبَّيْك؛ قَال: أُحِبُّ أَنْ تَدَعَ هَذَا الرِّزْقَ فَإِنَّمَا تَأْخُذُونَهُ بِسَبَبي؛ فَسَكَتَ؛ فَقَالَ مَا لَك 00؟

قُلْتُ: أَكْرَهُ أَن أُعْطِيَكَ بِلِسَاني وَأُخَالِفَ إِلىَ غَيْرِه، وَلَيْسَ في الْقَوْمِ أَكْثَرُ عِيَالاً مِنيِّ، وَلاَ أَعْذَر، وَقَدْ كُنْتُ أَشْكُو إِلَيْك؛ فَهَجَرَنَا أَبي وَسَدَّ الأَبْوَابَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، وَتَحَامَى مَنَازِلَنَا [أَي تَجَنَّبَهَا]، ثُمَّ أُخْبِرَ بِأَخْذِ عَمِّهِ؛ فَقَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: نَافَقْتَني وَكَذَبْتَني، ثمَّ هَجَرَهُ وَتَرَكَ الصَّلاَةَ في المَسْجَد، وَخَرَجَ إِلىَ مَسْجِدٍ آخَرَ يُصَلِّي فِيه، ثمَّ إِنَّ الخَبَرَ بَلَغَ المُتَوَكِّلَ فَأَمَرَ بحَمْلِ مَا اجْتَمَعَ لَهُمْ مِن عَشْرَةِ

أَشْهُرٍ إِلَيْهِمْ؛ فَكَانَ أَرْبَعِينَ أَلْفَ دِرْهَم، وَإِنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ أُخْبِرَ بِذَلِكَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ؛ فَسَكَتَ قَلِيلاً وَأَطْرَقَ، ثمَّ قَال: مَا حِيلَتي إِن أَرَدْتُ أَمْرَاً، وَأَرَادَ اللهُ أَمْرَاً 00؟ قَالَ صَالِح: وَكَانَ رَسُولُ المُتَوَكِّلِ يَأْتي أَبي يُبْلِغُهُ السَّلاَمَ وَيَسْأَلُهُ عَن حَالِهِ» 0 ـ شَتَّانَ بَينَ سُؤَالِ المُتَوَكِّلِ وَسُؤَالِ الْوَاثِق: حَدَّثَ أَبُو نُعَيْمٍ قَال: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ قَال:

«كَتبَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ يحْيىَ بْنِ خَاقَانَ إِلىَ أَبي يُخبرُه أَنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ أَمَرني أَن أَكْتُبَ إِلَيْكَ أَسْأَلَكَ عَنِ الْقُرْآن، لاَ مَسْأَلَةَ امْتِحَان، لَكِنْ مَسْأَلَةَ مَعْرِفَةٍ وَتَبْصِرَة؛ فَأَمْلَى عَلَيَّ أَبي: إِلىَ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ يحْيىَ بْنِ خَاقَان: «بِسْمِ اللهِ الرَِّحْمَنِ الرَِّحِيم 00 أَحْسَنَ اللهُ عَاقِبَتَكَ أَبَا الحَسَنِ في الأُمُورِ كُلِّهَا، وَدَفَعَ عَنْكَ المَكَارِهَ بِرَحْمَتِه، قَدْ كَتبْتُ إِلَيْكَ رَضِيَ اللهُ عَنْكَ بِالَّذِي سَأَلَ عَنهُ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ بِأَمْرِ الْقُرْآنِ

بِمَا حَضَرَني، وَإِنيِّ أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُدِيمَ تَوفيقَ أَمِيرِ المُؤْمِنِين؛ فَقَدْ كَانَ النَّاسُ في خَوضٍ مِنَ الْبَاطِلِ وَاخْتِلاَفٍ شَدِيد؛ حَتىَّ أَفْضَتِ الخِلاَفَةُ إِلىَ أَمِيرِ المُؤْمِنِين؛ فَنَفَى اللهُ بِهِ كُلَّ بِدعَة، وَانجَلَى عَنِ النَّاسِ مَا كَانُواْ فِيهِ مِنَ الذُّلِّ وَضِيقِ المحَابِس؛ فَصَرَفَ اللهُ ذَلِكَ كُلَّه، وَذُهِبَ بِهِ بِأَمِيرِ المُؤْمِنِين، وَوَقَعَ ذَلِكَ مِنَ المُسْلِمِينَ مَوْقِعَاً عَظِيمَاً، وَدَعَوُاْ اللهَ لأَمِيرِ المُؤْمِنِين، وَأَسأَلُ اللهَ أَنْ يَسْتَجِيبَ في أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ

صَالِحَ الدُّعَاء، وَأَنْ يُتِمَّ ذَلِكَ لأَمِيرِ المُؤْمِنِين، وَأَنْ يَزِيدَ في نِيَّتِه، وَأَنْ يُعِينَه عَلَى مَا هُوَ عَلَيْه؛ فَقَدْ ذُكِرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَال: لاَ تَضْرِبُواْ كِتَابَ اللهِ بَعْضَهُ بِبَعْض، فَإِنَّهُ يُوقِعُ الشَّكَّ في قُلُوبِكُمْ» ثُمَّ ذَكَرَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ عِدَّةَ أَحَادِيثَ في شَأْنِ الاِخْتِلاَفِ وَالنِّزَاعِ في الْقُرْآن، ثُمَّ تَكَلَّمَ عَن أَصْحَابِ الأَهْوَاءِ وَأَهْلِ الْكَلاَم، وَنَقَلَ رَحمَهُ اللهُ بَعْضَ مَا قَالَهُ أَئِمَّةُ التَّابِعِينَ مِنَ التَّحْذِيرَاتِ مِنهُمْ وَمِنْ

مجَالَسَتِهِمْ قَالَ أَبُو قِلاَبَة: «لاَ تُجَالِسُواْ أَهْلَ الأَهوَاء؛ فَإِنيِّ لاَ آمَنُ أَنْ يَغْمِسُوكُمْ في ضَلاَلَتِهِمْ، وَيُلَبِّسُواْ عَلَيْكُمْ بَعْضَ مَا تَعْرِفُون» 0 وَقَالَ رَجُلٌ مِن أَهْلِ الْبِدَعِ لأَيُّوبَ السِّخْتِيَانيّ: يَا أَبَا بَكْر، أَسْأَلُكَ عَنْ كَلِمَةٍ 00؟ فَوَلَّى وَهُوَ يَقُولُ بِيَدِهِ: لاَ، وَلاَ نِصْفَ كَلِمَة» 0 ثمَّ بَدَأَ رَحمَهُ اللهُ يَتَكَلَّمُ عَنْ قَضِيَّةِ خَلْقِ الْقُرْآنِ في تحَفُّظٍ شَدِيد، بِكَلاَمٍ لَيْسَ فِيهِ جَدِيد، عَمَّا قَالَهُ في المُنَاظَرَه، إِلاَّ أَنَّهُ قَالَ آخِرَه:

قَالَ جَلَّ وَعَلاَ: (الرَّحْمَن {1} عَلَّمَ الْقُرْآن {2} خَلَقَ الإِنْسَان {3} عَلَّمَهُ الْبَيَان ({الرَّحْمن} فَأَخْبَرَ جَلَّ جَلاَلهُ أَنَّ الْقُرْآنَ مِن عِلْمِه، ثُمَّ فَسَّرَ بِذَلِكَ الإِمَامُ أَحْمَدُ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ قَوْلَهُ تَعَالىَ: (وَلَئِن اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ، مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلاَ نَصِير ( {البَقَرَة/120} فَفِي الآيَاتِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ الَّذِي جَاءهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْقُرْآن» 0

ـ عَقِيدَتُهُ وَمَذْهَبُهُ وَكَلاَمُهُ في الإِيمَانِيَّاتِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ الإِمَامُ أَبُو دَاوُدَ صَاحِبُ السُّنَن: سَمِعْتُ الإِمَامَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ يَقُول: «الإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَل، يَزِيدُ وَيَنْقُص، الْبِرُّ كُلُّهُ مِنَ الإِيمَان، وَالمَعَاصِي تُنْقِصُ الإِيمَان» 0 حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنُ زُورَانَ عَن أَحْمَدَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَال:

«إِنَّ الإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَنِيَّة، وَتَمَسُّكٌ بِالسُّنَّة، وَالإِيمَانُ يَزِيدُ وَيَنْقُص، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الإِيمَانَ قَوْلٌ وَالأَعْمَالَ شَرَائِعُ فَهُوَ جَهْمِيّ، وَمَنْ لَمْ يَرَ الاِسْتِثْنَاءَ في الإِيمَانِ فَهُوَ مُرْجِئ [أَيْ وَصَفَ كُلَّ أَحَدٍ بِأَنَّهُ مُؤْمِن: وَلَمْ يَسْتَثْنِ السَّارِقَ وَالْقَاتِلَ وَالمُفْتَرِي] وَالزِّنىَ وَالسَّرِقَةُ وَقَتْلُ النَّفْسِ وَالشِّرْك:

كُلُّهَا بِقَضَاءٍ وَقَدَرٍ مِن غَيرِ أَنْ يَكُونَ لأَحَدٍ عَلَى اللهِ حُجَّة، وَاللهُ تَعَالَى عَلَى الْعَرْشِ، وَالكُرْسِيُّ مَوْضِعُ قَدَمَيه، وَلِلْعَرْشِ حَمَلَة، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ أَلْفَاظَنَا بِالقُرْآنِ وَتلاَوَتَنَا لَهُ مَخْلُوقَةٌ وَأَنَّ القُرْآنَ كَلاَمُ اللهِ فَهُوَ جَهْمِيّ، وَمَنْ لَمْ يُكَفِّرْهُ فَهُوَ مِثْلُه» 0 قَالَ ابْنُ عَمِّهِ حَنْبَل: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ عَنِ الأَحَادِيثِ الَّتي تُرْوَى عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «إِنَّ اللهَ يَنْزِلُ إِلىَ سَمَاءِ الدُّنْيَا» 0

فَقَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: نُؤْمِنُ بِهَا وَنُصَدِّقُ بِهَا وَلاَ نَرُدُّ شَيْئَاً مِنهَا؛ إِذَا كَانَتْ أَسَانيْدَ صَحِيحَةً، وَلاَ نَرُدُّ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قَوْلَهُ؛ لِعِلْمِنَا أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ الحَقّ» 0 قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيم الْبَغَوِيّ: سَمِعْتُ الإِمَامَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ يَقُول: «مَنْ قَالَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِر» 00 وَرَوَى ذَلِكَ أَيْضَاً سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَد

وَقَالَ أَبُو إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيّ: سَمِعْتُ الإِمَامَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ يَقُول: «مَنْ قَالَ الْقُرْآنُ مُحْدَثٌ فَهُوَ كَافِر» 0 وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ الحَسَنِ السَّرَّاج: «سَأَلْتُ الإِمَامَ أَحْمَدَ عَمَّنْ يَقُولُ لَفْظي بِالقُرْآنِ مَخْلُوق 00؟ فَقَالَ رَحمَهُ الله: جَهْمِيّ» 0 قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «الَّذِي اسْتَقَرَّ الحَالُ عَلَيْهِ أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ كَانَ يَقُول:

مَنْ قَالَ لَفْظِي بِالقُرْآنِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ فَهُوَ مُبْتَدِع، وَأَنَّهُ قَال: مَنْ قَال: لَفْظي بِالقُرْآنِ مَخْلُوقٌ فَهُوَ جَهْمِيّ؛ فَكَانَ رَحمَهُ اللهُ لاَ يَقُولُ هَذَا وَلاَ ذَاك، وَرُبَّمَا أَوْضَحَ ذَلِكَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ فَقَال: مَنْ قَالَ لَفْظِي بِالقُرْآنِ مَخْلُوقٌ يُرِيدُ بِهِ الْقُرْآنَ فَهُوَ جَهْمِيّ» 0 قَالَ أَحْمَدُ بْنُ زَنْجُويَةَ: سَمِعْتُ الإِمَامَ أَحْمَدَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ يَقُول: اللَّفظيَّةُ شَرٌّ مِنَ الجَهْمِيَّة» وَقَالَ ابْنُهُ صَالِح: سَمِعْتُ أَبي رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ يَقُول:

«الجَهْمِيَّةُ ثَلاَثُ فِرَق: فِرْقَةٌ قَالَتْ: الْقُرْآنُ مَخْلُوق، وَفِرْقَةٌ قَالُواْ: كَلاَمُ اللهِ وَسَكَتُواْ، وَفِرْقَةٌ قَالُواْ: لَفْظُنَا بِهِ مَخْلُوق، ثُمَّ قَالَ أَبي: لاَ يُصَلَّى خَلْفَ وَاقِفِيٍّ، وَلاَ لَفْظِيّ» 0 وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيّ: «أَخْبرْتُ أَبَا عَبْدِ الله رَحمَهُ اللهُ أَنَّ أَبَا شُعَيْبٍ السُّوسِيَّ الرَّقِّيَّ، فَرَّقَ بَيْنَ ابْنَتِهِ وَزَوْجِهَا لَمَّا وَقَفَ في الْقُرْآنِ فَقَال: أَحْسَنَ عَافَاهُ اللهُ وَجَعَلَ يَدْعُو لَهُ» 0

قَالَ الحَكَمُ بْنُ مَعْبَد: «حَدَّثَني أَحْمَدُ الدَّوْرَقِيُّ قَال: قُلْتُ لأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحمَهُ الله: مَا تَقُولُ في هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: لَفْظي بِالقُرْآنِ مَخْلُوق 00؟ فَرَأَيْتُهُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ اسْتَوَى وَاجْتَمَعَ وَقَال: هَذَا شرٌّ مِنْ قَوْلِ الجَهْمِيَّة؛ مَنْ زَعَمَ هَذَا، فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ جِبْرِيلَ تَكَلَّمَ بِمَخْلُوق، وَجَاءَ إِلىَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بِمَخْلُوق» 0

قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحمَهُ الله: «وَمَعُلُومٌ أَنَّ التَّلَفُّظَ شَيْءٌ مِنْ كَسْبِ الْقَارِئِ غَيْرِ المَلْفُوظ، وَالقِرَاءَةُ غَيْرُ الشَّيْءِ المَقْرُوء، وَالتِّلاَوَةُ وَحُسْنُهَا وَتجْوِيدُهَا غَيْرُ المَتْلُوّ، وَصَوْتُ الْقَارِئِ مِنْ كَسْبِهِ؛ فَهُوَ يُحْدِثُ التَّلفُّظَ وَالصَّوْتَ وَالحَرَكَةَ وَالنُّطْق، وَإِخْرَاجَ الْكَلِمَات؛ مِن أَدَوَاتِهِ المَخْلُوقَة، وَلَمْ يُحْدِثْ كَلِمَاتِ الْقُرْآنِ وَلاَ تَرْتِيبَهُ وَلاَ تَأْلِيفَهُ وَلاَ مَعَانِيَهُ» 0

وَكَانَ أَوَّلَ مَن أَحْدَثَ الْقَوْلَ بِالتَّلَفُّظِ وَالمَلْفُوظِ أَبُو عَلِيٍّ الحُسَيْنُ الْكَرَابِيسِيّ 00 قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ مُعَلِّقَاً: «وَلاَ رَيْبَ أَنَّ مَا ابْتَدَعَهُ الْكَرَابيْسِيُّ وَحَرَّرَهُ في مَسْأَلَةِ التَّلَفُّظِ وَأَنَّهُ مَخْلُوقٌ هُوَ حَقّ، لَكِن أَبَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ لِئَلاََّ يُتَذَرَّعَ بِهِ إِلىَ الْقَوْلِ بخَلْقِ الْقُرْآن، فَسُدَّ الْبَاب» قَالَ الحَاكِم: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمّ قَال: سَمِعْتُ محَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ الصَّغَانيَّ قَال:

سَمِعْتُ فُورَانَ صَاحِبَ أَحْمَدَ يَقُول: قُلْتُ: فَاللَّفظيَّةُ تَعُدُّهُمْ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ في جُمْلَةِ الجَهْمِيَّة؟ فَقَال: لاَ، الجَهْمِيَّةُ الَّذِينَ قَالُواْ: الْقُرْآنُ مَخْلُوق» 0 قَالَ ابْنُهُ صَالِح: سَمِعْتُ أَبي رَحمَهُ اللهُ يَقُول: «مَنْ زَعَمَ أَنَّ أَسْمَاءَ اللهِ مَخْلُوقَةٌ فَقَدْ كَفَر» ـ إِفْحَامُ ابْنِ أَبي دُوَاد، كَفَى اللهُ الْعِبَاد، شَرَّ أَمْثَالِهِ في كُلِّ وَاد: حَدَّثَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ يحْيىَ عَن إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَسْبَاطٍ قَال:

«حُمِلَ شَيْخٌ مُقَيَّدٌ فَأُدْخِلَ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ أَبي دُوَادَ [الَّذِي ابْتَدَعَ فِتْنَةَ خَلْقِ الْقُرْآنِ وَتَوَلىَّ كِبرَهَا] فَقَالَ لاِبْنِ أَبي دُوَادَ بحُضُورِ الْوَاثِق: أَخْبِرْني عَمَّا دَعَوْتمُ النَّاسَ إِلَيْه: أَعَلِمَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا دَعَا إِلَيْهِ أَمْ شَيْءٌ لَمْ يَعْلَمْهُ 00؟ قَال: بَلْ عَلِمَهُ؛ قَالَ الشَّيْخ: فَكَانَ يَسَعُهُ أَنْ لاَ يَدْعُوَ النَّاسَ إِلَيْهِ وَأَنْتُم لاَ يَسَعُكُمْ 00؟

فَبُهِتُواْ؛ وَضَحِكَ الْوَاثِقُ وَقَامَ قَابِضَاً عَلَى فَمِهِ، فَدَخَلَ غُرْفَةً وَمَدَّ رِجْلَيْهِ وَقَال: أَمْرٌ وَسِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السُّكُوتُ عَنهُ أَلاَ يَسَعُنَا 00؟! ثُمَّ أَمَرَ بِالشَّيْخِ أَنْ يُعْطَى ثَلاَثَمِاْئَةِ دِينَار، وَأَنْ يُرَدَّ إِلىَ بَلَدِهِ» 0 حَدَّثَ طَاهِرُ بْنُ خَلَفٍ عَنِ المُهْتَدِي بِاللهِ بْنِ الْوَاثِقِ قَال: «كَانَ أَبي إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَ رَجُلاً أَحْضَرَنَا؛ فَأُتي بِشَيْخٍ مَخْضُوبٍ مُقَيَّد؛ فَقَالَ أَبي: ائِذَنُواْ لأَحْمَدَ بْنِ أَبي دُوَادَ وَأَصْحَابِه

؛ وَأُدْخِلَ الشَّيْخُ فَقَال: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ فَقَال: لاَ سَلَّمَ اللهُ عَلَيْك، قَال: بِئْسَ مَا أَدَّبَكَ مُؤَدِّبُك، قَالَ جَلَّ وَعَلاَ: ? وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحَيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنهَا أَوْ رُدُّوهَا ? {النِّسَاء/ 86} فَقَالَ ابْنُ أَبي دُوَاد: الرَّجُلُ مُتَكَلِّم؛ قَالَ الْوَاثِق: كَلِّمْه؛ فَقَال: يَا شَيْخ؛ مَا تَقُولُ في الْقُرْآن؟ قَالَ لَمْ تُنْصِفْني وَليَ السُّؤَال، قَال: سَلْ؛ قَال: مَا تَقُولُ أَنْت 00؟

قَالَ ابْنُ أَبي دُوَاد: مَخْلُوق؛ قَالَ الشَّيْخ: هَذَا شَيْءٌ عَلِمَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَالخُلَفَاءُ أَمْ لَمْ يَعْلَمُوه 00؟ فَقَال: شَيْءٌ لَمْ يَعْلَمُوه؛ قَالَ الشَّيْخ: سُبْحَانَ الله؛ شَيْءٌ لَمْ يَعْلَمُوهُ وَعَلِمْتَهُ أَنْت 00؟ فَخَجِلَ وَقَالَ أَقِلْني؛ قَالَ الشَّيْخ: المَسْأَلَةُ بِحَالِهَا: مَا تَقُولُ في الْقُرْآن 00؟ قَالَ ابْنُ أَبي دُوَاد: مَخْلُوق؛ قَالَ الشَّيْخ: شَيْءٌ عَلِمَهُ رَسُولُ الله 00؟

قَالَ ابْنُ أَبي دُوَاد: عَلِمَهُ؛ قَالَ الشَّيْخ: أَعَلِمَهُ وَلَمْ يَدْعُ النَّاسَ إِلَيْه 00؟ قَالَ ابْنُ أَبي دُوَاد: نَعَمْ؛ قَالَ الشَّيْخ: فَوَسِعَهُ ذَلِك 00؟ قَالَ ابْنُ أَبي دُوَاد: نَعَمْ؛ قَالَ الشَّيْخ: أَفَلاَ وَسِعَكَ مَا وَسِعَهُ، وَوَسِعَ الخُلَفَاءَ بَعْدَه 00؟ فَقَامَ الْوَاثِقُ فَدَخَلَ الخَلْوَةَ وَاسْتَلقَى وَهُوَ يَقُول: شَيْءٌ لَمْ يَعْلَمْهُ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ أَبُو بَكْرٍ وَلاَ عُمَرُ وَلاَ عُثْمَانُ وَلاَ عَلِيّ؛ عَلِمْتَهُ أَنْتَ 00؟!

سُبْحَانَ الله؛ عَرَفُوهُ وَلَمْ يَدْعُواْ إِلَيْهِ النَّاس؛ فَهَلاََّ وَسِعَكَ مَا وَسِعَهُمْ 00؟! ثمَّ أَمْرَ بِرَفْعِ قَيْدِ الشَّيْخِ وَأَمَرَ لَهُ بِأَرْبَعِمِاْئَةِ دِينَار، وَسَقَطَ مِن عَيْنِهِ ابْنُ أَبي دُوَادَ وَلَمْ يَمْتَحِنْ بَعْدَهَا أَحَدَاً» 0 حَدَّثَ أَحْمَدُ بْنُ السِّنْدِيِّ الحَدَّادُ عَن أَحْمَدَ بْنِ المُمْتَنِعِ عَنْ صَالحِ بْنِ عَلِيٍّ الهَاشِمِيِّ قَال: «حَضَرْتُ المُهْتَدِي بِاللهِ وَقَدْ جَلَسَ وَالرِّقَاعُ تُقْرَأُ عَلَيْه، وَيَأْمُرُ بِالتَّوقِيعِ عَلَيْهَا، فَسَرَّني ذَلِك، وَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْه؛

فَفَطِنَ لِذَلِكَ وَنَظَرَ إِلَيَّ؛ فَغَضَضْتُ عَنهُ؛ فَقَالَ لي: في نَفْسِكَ شَيْءٌ تُحِبُّ أَنْ تَقُولَه، فَلَمَّا انْفَضَّ المَجْلِسُ أُدخِلْتُ مَجْلِسَهُ فَقَال: تَقُولُ مَا دَارَ في نَفْسِكَ أَوْ أَقُولُهُ لَك؟ قُلْتُ: الَّذِي تَرَاهُ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ فَقَال: لَقَدِ اسْتَحسَنْتَ مَا رَأَيْتَ مِنَّا فَقُلْتُ في نَفْسِك: أَيُّ خَلِيفَةٍ خَلِيفَتُنَا إِنْ لَمْ يَكُنْ يَقُولُ الْقُرْآنُ مَخْلُوق 00؟ فَوَرَدَ عَلَيَّ أَمْرٌ عَظِيم، ثُمَّ قُلْتُ: يَا نَفْسُ هَلْ تَمُوتِينَ قَبْلَ أَجَلِك 00؟

فَقُلْتُ: نَعَمْ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ فَأَطْرَقَ بُرْهَةً ثمَّ قَال: اسْمَعْ، فَوَاللهِ لَتَسْمَعَنَّ الحَقّ؛ فَسُرِّيَ عَنيِّ، فَقَال: مَا زِلْتُ أَقُولُ «الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ» صَدْرَاً مِن أَيَّامِ الْوَاثِقِ حَتىَّ جِيءَ لَهُ بِشَيْخٍ مِن أَذَنَة ـ مِنْ مَوَاني تُرْكِيَا بجَنُوبِهَا أَقْصَى يمِينِ المُتَوَسِّط، بِالْقُرْبِ مِن حُدُودِهَا مَعَ سُورِيَّة ـ فَأُدْخِلَ مُقَيَّدَاً، وَهُوَ شَيْخٌ جَمِيلٌ حَسَنُ الشَّيْبَة، فَرَأَيْتُ الْوَاثِقَ اسْتَحْيَا مِنهُ وَرَقَّ لَهُ، فَمَا زَالَ يُدْنِيهِ حَتىَّ قَرُبَ مِنهُ، وَجَلَسَ؛

فَقَالَ لَهُ الْوَاثِق: نَاظِرِ ابْنَ أَبي دُوَاد؛ قَال: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ إِنَّهُ يَضْعُفُ عَنِ المُنَاظَرَة؛ فَغَضِبَ الْوَاثِقُ وَقَالَ لَه: أَبُو عَبْدِ اللهِ يَضْعُفُ عَنْ مُنَاظَرَتِكَ أَنْتَ 00؟ قَال: هَوِّن عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ وَائْذَنْ لي، وَاحْفَظْ عَلَيَّ وَعَلَيْه، ثُمَّ قَال: يَا أَحْمَد، أَخْبِرْني عَنْ مَقَالَتِكَ هَذِهِ، هِيَ مَقَالَةٌ وَاجِبَةٌ دَاخِلَةٌ في عَقْدِ الدِّينِ فَلاَ يَكُونُ الدِّينُ كَامِلاً حَتىَّ تُقَال 00؟

قَال: نَعَمْ؛ قَال: فَأَخْبِرْني عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَعَثَهُ الله: هَلْ سَتَرَ شَيْئَاً مِمَّا أُمِرَ بِهِ؟ قَال: لاَ؛ قَال: فَدَعَا إِلىَ مَقَالَتِكَ هَذِهِ 00؟ فَسَكَتَ؛ فَقَالَ الشَّيْخ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين 00 [وَاحِدَة]؛ قَالَ الْوَاثِق: [وَاحِدَة] ثُمَّ قَال: أَخْبِرْني عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالىَ حِينَ قَالَ: ? اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ? {المَائِدَة/3}

أَكَانَ اللهُ هُوَ الصَّادِقُ في إِكْمَالِ دِينِنَا أَوْ أَنْتَ الصَّادِقُ في نُقْصَانِهِ حَتىَّ يَكْمُلَ بِمَقَالَتِك 00؟ فَسَكَتَ أَحْمَد؛ فَقَالَ الشَّيْخ: [اثْنَتَانِ] يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ قَالَ نَعَمْ؛ فَقَال: أَخْبِرْني عَنْ مَقَالَتِكَ هَذِهِ: أَعَلِمَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ جَهِلَهَا 00؟ قَال: عَلِمَهَا؛ قَالَ فَدَعَا إِلَيْهَا 00؟ فَسَكَت؛ قَالَ الشَّيْخ: [ثَلاَثَة]

ثُمَّ قَال: فَاَتَّسَعَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُمْسِكَ عَنهَا، وَلَمْ يُطَالِبْ أُمَّتَهُ بِهَا 00؟ قَال: نَعَمْ، قَالَ الشَّيْخ: وَاتَّسَعَ ذَلِكَ لأَبي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيّ 00؟ قَالَ نَعَمْ؛ فَأَعْرَضَ الشَّيْخُ عَنهُ وَقَال: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ قَدْ قَدَّمْتُ الْقَوْلَ بِأَنَّ أَحْمَدَ يَضْعُفُ عَنِ المُنَاظَرَة، يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ إِنْ لَمْ يتَّسِعْ لَكَ الإِمْسَاكُ عَن هَذِهِ المَقَالَةِ الَّتي زَعَمَ هَذَا أَنَّهُ اتَّسَعَ لِلنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

وَأَصْحَابِهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمُ الإِمْسَاكُ عَنهَا: فَلاَ وَسَّعَ اللهُ عَلَيْك 0 قَالَ الْوَاثِق: نَعَمْ، كَذَا هُوَ، اقْطَعُواْ قَيْدَ الشَّيْخ، فَلَمَّا قَطَعُوه: ضَرَبَ بِيَدِهِ، فَأَخَذَهُ؛ فَقَالَ لَهُ الْوَاثِق: لِمَ أَخَذْتَهُ 00؟ قَال: لأَنيِّ نَوَيْتُ أَن أُوصِيَ أَنْ يُجْعَلَ مَعِيَ في كَفَني لأُخَاصِمَ هَذَا [أَيِ ابْنَ أَبي دُوَاد] بِهِ عِنْدَ الله، ثُمَّ بَكَى، فَبَكَى الْوَاثِقُ وَبَكَيْنَا، ثُمَّ سَأَلَهُ الْوَاثِقُ أَنْ يُحَالَّه [أَيْ يُسَامحَهُ وَيجْعَلَهُ في حِلّ]، وَأَمَرَ لَهُ بِصِلَةٍ؛ فَقَالَ الشَّيْخ: لاَ

حَاجَةَ لي بِهَا؛ ثمَّ قَالَ المُهْتَدِي: فَرَجَعْتُ عَن هَذِهِ المَقَالَة، وَأَظُنُّ الْوَاثِقَ رَجَعَ عَنهَا يَوْمَئِذٍ» 0 قَالَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشِّيرَازِيِّ الحَافِظ: «هَذَا الأَذَنيُّ هُوَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللهِ بْنُ محَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الأَذْرَمِيّ» 0 عَجِبتُ وَاللهِ لِهَؤُلاَءِ الجُهَلاَء؛ قَالُواْ فِيمَا نَقَلَ عَنهُمُ الإِمَامُ الذَّهَبيّ: تَعَالىَ اللهُ أَنْ يُوصَفَ بِأَنَّهُ مُتَكَلِّم؛ فَوَصَفُوهُ بِأَقْبَحَ مِنْ ذَلِك، أَلاَ لاَ يَهْلِكُ عَلَى اللهِ إِلاَّ هَالِك، هَلَكَ ثُمَّ هَلَكَ

المُتَنَطِّعُون 00 إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون 0 اللَّهُمَّ أَدْرِكْ هَذِهِ الأُمَّةَ المِسْكِينَةَ بِأَلْفِ قَبِيلَةٍ نَبِيلَة؛ أَقَلُّهَا كَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبي هُرَيْرَةَ وَمُصْعَبِ بْنِ عُمَير وَبِأَلْفِ قَبِيلَةٍ نَبِيلَةٍ في الحَدِيثِ أَقَلُّهَا مِن كَالإِمَامِ أَحْمَدَ وَالإِمَامِ البُْخَارِيّ 0

وَبِأَلْفِ قَبِيلَةٍ نَبِيلَةٍ في الْفِقْهِ أَقَلُّهَا مِن كَالإِمَامِ أَبي حَنِيفَةَ وَالإِمَامِ الشَّافِعِيِّ وََرَبِيعَةَ وَالشَّعْبيِّ وَأَبي الزِّنَاد وَبِأَلْفِ قَبِيلَةٍ نَبِيلَةٍ في الجُودِ الْعِلْمِ أَقَلُّهَا مِن كَالإِمَامِ ابْنِ المُبَارَكِ وَالإِمَامِ اللَّيْثِ ابْنِ سَعْد 0 وَبِأَلْفِ قَبِيلَةٍ نَبِيلَةٍ في في الْفِكْرِ وَالتَّبَحُّرِ أَقَلُّهَا مِن كَالإِمَامِ ابْنِ تَيْمِيَةَ وَالإِمَامِ ابْنِ كَثِير 0

وَبِأَلْفِ قَبِيلَةٍ نَبِيلَةٍ في التَّفْسِيرِ أَقَلُّهَا كَابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ وَمُقَاتِلٍ ومجَاهِدٍ وَالإِمَامَينِ الطَّبرِيِّ والْقُرْطُبيّ وَبِأَلْفِ قَبِيلَةٍ نَبِيلَةٍ في نَقْدِ الرِّجَالِ وَعِلَلِ الحَدِيثِ أَقَلُّهَا مِن كَأَبي زُرْعَةَ الرَّازِي وَأَبي حَاتمٍ الرَّازِي، وَشُعْبَةَ وَيحْيىَ بْنِ مَعِين، وَيَحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيّ، وَعَلِيِّ بْنِ المَدِينيّ 0 وَبِأَلْفِ قَبِيلَةٍ نَبِيلَةٍ في الزُّهْدِ أَقَلُّهَا كَوَكِيعٍ وَالثَّوْرِيِّ وَعَمْرِو بْنِ قَيْسٍ وَابْنِ عَوْنٍ وَالسِّخْتِيَانيّ 0 وَبِأَلْفِ قَبِيلَةٍ نَبِيلَةٍ في سَعَةِ التَّصْنِيفِ أَقَلُّهَا كَالإِمَامِ الذَّهَبيِّ وَالإِمَامِ السُّيُوطِيّ 0

{وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُون} {إِبْرَاهِيم} قَالَ أَحْمَدُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ الحُسَيْنِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الرَّازِي: حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَبِيبٍ قَال: سَمِعْتُ المِسْعَرِيَّ محَمَّدَ بْنَ وَهْبٍ قَال: كُنْتُ مُؤَدِّبَاً لِلْمُتَوَكِّل؛ فَلَمَّا اسْتُخْلِفَ أَدْنَاني، وَكَانَ يَسْأَلُني وَأُجِيبُهُ عَلَى مَذْهَبِ الحَدِيثِ وَالعِلْم، وَإِنَّهُ جلَسَ لِلْخَاصَّةِ يَوْمَاً، ثمَّ قَامَ حَتىَّ دَخَلَ بَيْتَاً لَهُ مِنْ قَوَارِير؛ سَقْفُهُ وَحِيطَانُهُ وَأَرْضُه، وَقَدْ أُجْرِيَ لَهُ

المَاءُ فِيهِ يَتَقَّلبُ فِيه؛ فَمَنْ دَخَلَهُ فَكَأَنَّهُ في جَوفِ المَاءِ جَالِس، وَجَلَسَ عَنْ يَمِينِه الْفَتْحُ بْنُ خَاقَان، وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ يَحْيىَ بْنِ خَاقَان، وَعَنْ يَسَارِهِ بُغَا الْكَبِير، وَوَصِيف، وَأَنَا وَاقف؛ إِذ ضَحِكَ؛ فَأَرمَّ الْقَوْمُ [أَيْ صَمَتُواْ]، فَقَال: أَلاَ تَسْأَلوني مِن مَا ضَحِكْت 00؟ إِنيِّ ذَاتَ يَوْمٍ وَاقِفٌ عَلَى رَأْسِ الْوَاثِق، وَقَدْ قَعَدَ لِلْخَاصَّة، ثمَّ دَخَلَ هُنَا، وَرُمْتُ الدُّخُولَ فَمُنِعْت، وَوَقَفْتُ حَيْثُ ذَاكَ الخَادِمُ وَاقِفٌ وَعِنْدَهُ ابْنُ أَبي دُوَاد، وَابْنُ

الزَّيَّات، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيم؛ فَقَالَ الْوَاثِق: لَقَدْ فكَّرْتُ فِيمَا دَعوْتُ إِلَيْهِ النَّاسَ مِن أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوق، وَسُرْعَةِ إِجَابَةِ مَن أَجَابَنَا وَشِدَّةِ خِلاَفِ مَن خَالَفَنَا مَعَ الضَّرْبِ وَالسَّيْف؛ فَوَجَدْتُ مَن أَجَابَنَا رَغِبَ فِيمَا في أَيْدِينَا، وَوَجَدْتُ مَن خَالَفَنَا مَنَعَهُ دِينُهُ وَوَرَعُه؛ فَدَخَلَ قَلْبي مِنْ ذَلِكَ شَكّ؛ حَتىَّ هَمَمْتُ بِتَرْكِ ذَلِك؛ فَقَالَ ابْنُ أَبي دُوَاد: اللهَ اللهَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ أَنْ تُمِيتَ سُنَّةً قَدْ أَحْيَيْتَهَا، وَأْنْ تُبْطِلَ دِينَاً

قَدْ أَقْمْتَه؛ ثُمَّ أَطْرَقُواْ، وَخَافَ ابْنُ أَبي دُوَادَ فَقَال: وَاللهِ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ إِنَّ هَذَا الْقَوْلَ الَّذِي تَدْعُو النَّاسَ إِلَيْهِ لَهُوَ الدِّينُ الَّذِي ارْتَضَاهُ اللهُ لأَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِه، وَبَعَثَ بِهِ نَبِيَّهُ، وَلَكِنَّ النَّاسَ عَمُواْ عَنْ قَبُولِه؛ قَالَ الْوَاثِق: فَبَاهَلُوني عَلَى ذَلِك [أَيْ خَادَعُوني وَأَضَلُّوني]؛ فَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ أَبي دُوَاد: ضَرَبَهُ اللهُ بِالفَالِجِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَا يَقُولُ حَقَّاً [أَيْ يَدْعُو عَلَى نَفْسِهِ]، وَقَالَ ابْنُ الزَّيَّات: وَهُوَ فَسَمَّرَ

اللهُ بَدَنَه بِمَسَامِيرَ في الدُّنْيَا قَبْلَ الآخِرَةِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَا يَقُولُ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ حَقَّاً بِأَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوق، وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيم: وَهُوَ؛ فَأَنْتَنَ اللهُ رِيحَهُ في الدُّنْيَا إِنْ لَمْ يَكُنْ مَا يَقُولُ حَقَّاً، وَقَالَ نجَاح: وَهُوَ؛ فَقَتَلَهُ اللهُ في أَضْيَقِ مَحْبِس، وَقَالَ إِيتَاخ: وَهُوَ؛ فَغَرَّقَهُ الله، فَقَالَ الْوَاثِق: وَهُوَ فَأَحْرَقَ اللهُ بَدَنَهُ بِالنَّارِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَا يَقُولُ حَقَّاً مِن أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوق، فَأَضْحَكُ أَنَّهُ لَمْ يَدْعُ أَحَدٌ

مِنهُمْ يَوْمَئِذٍ عَلَى نَفْسِهِ بِشَيْءٍ إِلاََّ اسْتُجِيبَ لَهُ: أَمَّا ابْنُ أَبي دُوَادَ، فَقَدْ ضَربَهُ اللهُ بِالفَالِج، وَأَمَّا ابْنُ الزَّيَّات: فَأَنَا أَقْعَدْتُهُ في تَنُّورٍِ مِن حَدِيدٍ وَسَمَّرْتُ بَدَنَهُ بِمَسَامِير، وَأَمَّا إِسْحَاق: فَأَقْبَلَ يَعْرَقُ في مَرَضِهِ عَرَقَاً مُنْتِنَاً حَتىَّ هَرَبَ مِنهُ الحمِيمُ وَالقَرِيب، وَأَمَّا نَجَاح: فَأَنَا بَنَيْتُ عَلَيْهِ بَيْتَاً ذِرَاعَاً في ذِرَاعَيْنِ حَتىَّ مَات، وَأَمَّا إِيتَاخ: فَكتبْتُ إِلىَ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَقَدْ رَجَعَ مِنَ الحَجِّ فَقيَّدَهُ

وَغرَّقَهُ، وَأَمَّا الْوَاثِق: فَذَكَرَ المُتَوَكِّلُ عَنهُ مِنْ سُوءِ المَصْرَع: شَيْئَاً مِنهُ الْقَلْبُ يَفْزَع، وَالنَّفْسُ تَجْزَع: فَابْتُلِيَ بِمَرَضٍ وَصَفَ لَهُ الأَطِبَّاءُ كَيَّ جِسْمِهِ بِالنَّارِ لِيَذْهَبَ مَا في جَوْفِهِ؛ فَزَادَتْ عَلَيْهِ النَّارُ فَقَتَلَتْهُ كَمَا اخْتَارَ في الدُّعَاءِ عَلَى نَفْسِهِ إِنْ لَمْ يَكُنِ الْقُرْآنُ مخْلُوقَاً كَمَا ادَّعَى؛ فَسُبْحَانَ مَنْ شَفَا صُدُورَنَا في أُوْلَئِكَ الأَوْغَاد 00 (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالمِرْصَاد (» 0 ـ قَالُواْ عَنْ مُؤَلَّفَاتِهِ، التَّفْسِيرِ الْكَبِيرِ المَفْقُود:

قَالَ ابْنُ الجَوْزِيّ: كَانَ الإِمَامُ أَحْمَدُ لاَ يَرَى وَضْعَ الْكُتُب، وَيَنْهَى عَنْ كِتَابَةِ كَلاَمِهِ وَمَسَائِلِه، وَلَوْ رَأَى ذَلِكَ لَكَانَتْ لَهُ تَصَانيْفُ كَثِيرَة، وَصَنَّفَ «المُسْنَدَ» وَهُوَ ثَلاَثُونَ أَلْفَ حَدِيث، وَكَانَ يَقُولُ لاَِبْنِهِ عَبْدِ الله: احْتَفِظْ بِهَذَا «المُسْنَدِ»؛ فَإِنَّهُ سَيَكُونُ لِلنَّاسِ إِمَامَا، وَ «التَّفْسِير»: وَهُوَ مِاْئَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفَاً [أَيْ أثَرَاً]، وَ «النَّاسِخَ وَالمَنْسُوخ»، وَ «التَّارِيخ»، وَ «حَدِيثَ شُعْبَةَ»، وَ «المُقَدَّمَ وَالمُؤَخَّرَ في

الْقُرْآن»، وَ «جَوَابَاتِ الْقُرْآن»، وَ «المَنَاسِكَ» الْكَبِيرَ وَالصَّغِيرَ، وَأَشْيَاءَ أُخَر» 0 قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ مُضِيفَاً: «وَكِتَابَ «الإِيمَان»، وَكِتَابَ «الأَشْرِبَة»، وَرَأَيْتُ لَهُ وَرَقَةً مِنْ كِتَابِ «الْفَرَائِض»، وَذَكَرَ «تَفْسِيرَ أَحْمَدَ» أَبُو الحُسَينِ بْنُ المُنَادِي فَقَالَ في «تَارِيخِه»: لَمْ يكُن أَحَدٌ أَرْوَى في الدُّنْيَا عَنِ أَبِيهِ مِن عَبْدِ اللهِ بْنِ أَحْمَد؛ لأَنَّه سَمِعَ مِنهُ «المُسْنَدَ» وَهُوَ ثَلاَثُونَ أَلْفَاً، وَ «التَّفْسِير» وَهُوَ مِاْئَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفَاً، سَمِعَ ثُلُثَيْه، وَالبَاقِي رِوَايَة» 0

ـ مُسْنَدُ الإِمَامِ أَحْمَد: قَالَ ابْنُ السَّمَّاك: حَدَّثَنَا حَنْبَلٌ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ قَال: «هَذَا الْكِتَابُ جَمَعْتُهُ وَانْتَقَيْتُهُ مِن أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِمِاْئَةِ أَلْفٍ وَخَمْسِينَ أَلْفَاً» 0 وَقَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا: «لَمْ أَذْكُرْ فِيهِ مَا أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى تَرْكِه» 0 [النُّكَتُ لاِبْنِ بَهَادِرَ الزَّرْكَشِيّ]

قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ مُعَلِّقَاً: «فِيهِ جُمْلَةٌ مِنَ الأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ مِمَّا يَسُوغُ نَقْلُهَا وَلاَ يجِبُ الاِِحْتِجَاجُ بِهَا، وَفِيهِ أَحَادِيثُ مَعْدُودَةٌ شِبْهُ مَوْضُوعَة، وَلَكِنَّهَا قَطْرَةٌ في بحر، وَفي المُسْنَدِ زِيَادَاتٌ جَمَّةٌ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ أَحْمَد» 0 وَقَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ أَيْضَاً: وَلَهُ [يَعْني: أَبَا عَبْدِ الله] مِنَ المُصَنَّفَاتِ: كِتَابُ «نَفْيِ التَّشْبِيه» مُجَلَّدَة، وَكِتَابُ «الإِمَامَةِ» مُجَلَّدَةٌ صَغِيرَة، وَكِتَابُ «الرَّدِّ عَلَى الزَّنَادِقَةِ» ثَلاَثَةُ أَجْزَاء،

وَكِتَابُ «الزُّهْدِ» مُجَلَّدٌ كَبِير، وَكِتَابُ «الرِّسَالَة» في الصَّلاَة 0 قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ عَنْ كِتَابِ «الرِّسَالَةِ» هَذَا: «هُوَ مَوْضُوعٌ عَلَى الإِمَامِ رَحمَهُ الله» قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «وَكِتَابُ «فَضَائِلِ الصَّحَابَة» مُجَلَّدَة» 0 قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «فِيهِ زِيَادَاتٌ لاِبْنِهِ ِعَبْدِ الله، وَلأَبي بَكْرٍ الْقَطِيعِيِّ صَاحِبِه» 0

قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «هَذَا خِلاَفَ مَا نَقَلَهُ عَنهُ أُمَمٌ مِنْ تَلاَمِذَتِهِ مِن أَقْوَالِهِ وَفَتَاوِيه، وَقَدْ جَمَعَ أَبُو بَكْرٍ الخَلاََّلُ مَا عِنْدَ هَؤُلاَءِ مِن أَقْوَالِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ وَفَتَاوِيهِ وَكَلاَمِه في الْعِلَلِ وَالرِّجَالِ وَالسُّنَّةِ وَالفُرُوع؛ حَتىَّ حَصَلَ عِنْدَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا لاَ يُوصَفُ كَثْرَةً، وَشَرَّقَ وَغَرَّبَ في تَحْصِيلِهِ، وَكَتَبَ عَنْ نَحْوِ مِاْئَةِ رَجُلٍ مِن أَصْحَابِ الإِمَامِ أَحْمَد، ثُمَّ كَتَبَ كَثِيرَاً مِنْ ذَلِكَ عَنِ أَصْحَابِهِ وَأَصْحَابِ

أَصْحَابِهِ، وَبَعْضُهُ عَنْ رَجُلٍ عَن آخَرَ عَن آخَرَ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه، ثُمَّ أَخَذَ في تَرْتِيبِ ذَلِكَ وَتَهْذِيبِهِ وَتَبْوِيبِِهِ؛ وَعَمِلَ كِتَابَ «الْعِلْم»، وَكِتَابَ «الْعِلَل»، وَكِتَابَ «السُّنَّة»، كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الثَّلاَثَةِ في ثَلاَثِ مُجَلَّدَات، وَيَرْوِي في غُضُونِ ذَلِكَ مِنَ الأَحَادِيثِ الْعَالِيَةِ عِنْدَهُ عَن أَقرَانِ أَحْمَدَ مِن أَصْحَابِ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَوَكِيع، وَبَقِيَّةَ مِمَّا يُشْهَدُ لَهُ بِالإِمَامَةِ وَالتَّقَدُّم، وَأَلَّفَ كِتَابَ «الجَامِعِ» في بِضْعَةَ

عَشَرَ مُجَلَّدَةً أَوْ أَكْثَر» 0 وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَلاََّلُ في كِتَابِ «أَخْلاَقِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ»: لَمْ يَكُن أَحَدٌ فِيمَا عَلِمْتُ عُنِيَ بمَسَائِلِ أَبي عَبْدِ اللهِ قَطُّ مَا عُنِيْتُ بِهَا أَنَا، وَكَذَلِكَ كَانَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ، كَانَ يَقُولُ لي: «إِنَّه لَمْ يُعْنَ أَحَدٌ بِمَسَائِلِ أَبي عَبْدِ اللهِ مَا عُنِيتَ بِهَا أَنْت، إِلاََّ رَجُلٌ بِهَمْدَانَ يُقَالُ لَهُ مَتَّوَيْه، وَاسْمُهُ محَمَّدُ بْنُ أَبي عَبْدِ الله؛ جَمَعَ سَبْعِينَ جُزءَاً كِبَارَاً»، وَمَوْلِدُ

الخَلاََّلِ كَانَ في حَيَاةِ الإِمَامِ أَحْمَد، يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ رَآهُ وَهُوَ صَبيّ» 0 ـ كِتَابُ الزُّهْد: حَدَّثَ أَبُو بَكْرٍ الخَلاََّلُ عَنْ محَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ السِّمْسَارِ عَن إِسْحَاقَ بْنِ هَانِئٍ أَنَّ الإِمَامَ أَحْمَدَ دَعَاهُ لِيَقْرَأَ عَلَيْهِ شَيْئَاً مِنْ كِتَابِ الزُّهْد [مِنْ لِلإِمَامِ أَحْمَد] قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ هَانِئ: «فَبَكَّرْتُ إِلَيْهِ وَقُلْتُ لأُمِّ وَلَدِهِ: أَعْطِيني حَصِيرَاً وَمِخَدَّةً، وَبَسَطْتُ في الدِّهْلِيز؛ فَخَرَجَ أَبُو عَبْدِ اللهِ وَمَعَهُ الْكُتُبُ وَالمِحْبرَة؛ فَقَال: مَا هَذَا 00؟

فَقُلْتُ: لِنَجْلِسَ عَلَيْه؛ فَقَال: ارْفَعْهُ؛ فَإِنَّ الزُّهْدَ لاَ يَحْسُنُ إِلاََّ بِالزُّهْد؛ فَرَفَعْتُهُ وَجَلَسْنَا عَلَى التُّرَاب» ـ مِن أَقْوَالِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ ابْنُ عَدِيّ: قَالَ الجُرْجَانيّ: سَمِعْتُ عَمَّارَ بْنَ رَجَاءَ قَال: سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُول: «طَلَبُ إِسْنَادِ الْعُلُوِّ مِنَ السُّنَّة» 0 قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحمَهُ الله: «صَحَّ مِنَ الحَدِيثِ سَبْعُمِاْئَةِ أَلْفِ حَدِيثٍ وَكَسْر» قَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيّ: قُلْتُ لأَحْمَد: كَيْفَ أَصْبَحْت 00؟

قَال: كَيْفَ أَصْبَحَ مَنْ رَبُّهُ يُطَالِبُهُ بِأَدَاءِ الْفَرَائِض، وَنَبِيُّهُ يُطَالِبُهُ بِأَدَاءِ السُّنَّة، وَالمَلَكَانِ يُطَالِبَانِهِ بِتَصْحِيحِ الْعَمَل، وَنَفْسُهُ تُطَالِبُهُ بِهَوَاهَا، وَإِبْلِيسُ يُطَالِبُهُ بِالفَحْشَاء، وَمَلَكُ المَوْتِ يُرَاقِبُ قَبْضَ رُوحِهِ، وَعِيَالُهُ يُطَالِبُونَهُ بِالنَّفَقَة» 00؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ رَحمَهُ اللهُ يَقُول: «مَنْ تَعَاطَى الْكَلاَمَ لاَ يُفْلِح، مَنْ تَعَاطَى الْكَلاَمَ لَمْ يَخْلُ مِن أَنْ يَتَجَهَّم» 0

قَالَ ابْنُ عَمِّهِ حَنْبَل: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ رَحمَهُ اللهُ يَقُول: «مَن أَحَبَّ الْكَلاَمَ لَمْ يُفْلِحْ؛ لأَنَّهُ يَؤُولُ أَمْرُهُمْ إِلىَ حَيْرَة، عَلَيْكُمْ بِالسُّنَّةِ وَالحَدِيث، وَإِيَّاكُمْ وَالخَوْضَ في الجِدَالِ وَالمِرَاء 00 أَدْرَكْنَا النَّاسَ وَمَا يَعْرِفُونَ هَذَا الْكَلاَم، عَاقِبَةُ الْكَلاَمِ لاَ تَؤُولُ إِلىَ خَيْر» 0 قَالَ عَبْدُ المَلِكِ المَيْمُونيّ: «قَالَ ليَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: يَا أَبَا الحَسَن؛ إِيَّاكَ أَنْ تَتَكلَّمَ في مَسْأَلَةٍ لَيْسَ لَكَ فِيهَا إِمَام» 0

نَهَى الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَهُ في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ نَهَى عَنْ تَقْلِيدِهِ وَتَقْلِيدِ غَيْرِهِ مِنَ العُلَمَاءِ في الفُرُوعِ وَقَال: لاَ تُقَلِّدْ دِينَك الرِّجَال؛ فَإِنَّهُمْ لَنْ يَسْلَمُواْ أَنْ يَغْلَطُواْ» 0 [الْفَتَاوَى الْكُبْرَى لِشَيْخِ الإِسْلاَمِ ابْنِ تَيْمِيَة] وَقَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «لاَ تُقَلِّدْني وَلاَ مَالِكَاً وَلاَ الثَّوْرِيَّ وَلاَ الشَّافِعِيّ» 0 [الْفَتَاوَى الْكُبْرَى لِشَيْخِ الإِسْلاَمِ ابْنِ تَيْمِيَة] قَالَ أَحْمَدُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الأَدَمِيّ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ قَال: سَمِعْتُ الإِمَامَ أَحْمَدَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ يَقُول: «مَنْ ردَّ حَدِيثَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فَهُوَ عَلَى شَفَا هَلكَةٍ»

حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْوَرَّاقُ قَال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِسْحَاقَ الْبَغَوِيُّ قَال: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ محَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الصَّفَّارُ قَال: كُنَّا عِنْدَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ فَقُلْت: ادْعُ اللهَ لَنَا؛ فَقَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّكَ لَنَا عَلَى أَكْثَرَ مِمَّا نُحِبّ، فَاجْعَلْنَا لَكَ عَلَى مَا تُحِبُّ، اللَّهُمَّ إِنَا نَسأَلُكَ بِالقُدْرَةِ الَّتي قُلْتَ لِلسَّموَاتِ وَالأَرْض: {ائْتِيَا طَوْعَاً أَوْ كَرْهَاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِين} {فُصِّلَت/11} اللَّهُمَّ وَفِّقنَا لِمَرْضَاتِك، اللَّهُمَّ إِنَا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفَقْرِ إِلاََّ إِلَيْك، وَمِنَ الذُّلِّ إِلاََّ لَك» 0

ـ بَعْضُ فَتَاوَاه؛ رَحمَهُ الله: قَالَ الحَاكِم: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَافِظُ قَال: سَمِعْتُ محَمَّدَ بْنَ المُسَيَّبِ قَال: سَمِعْتُ زَكَرِيَّا بْنَ يحْيىَ الضَّرِيرَ يَقُول: قُلْتُ لأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَل: كَمْ يَكْفِي الرَّجُلَ مِنَ الحَدِيثِ حَتىَّ يَكُونَ مُفْتِيَاً 00؟ يَكْفِيهِ مِاْئَةُ أَلْف 00؟ قَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: لاَ 00000 إِلىَ أَنْ قُلْتُ: فَيَكْفِيهِ خَمْسُمِاْئَةِ أَلْفِ حَدِيث 00؟ قَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: أَرْجُو» 0 قَالَ إِبْرَاهِيمُ الحَرْبيّ: «سُئِلَ الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنِ المُسْلِمِ يَقُولُ لِلنَّصْرَانيِّ «أَكْرَمَكَ الله» 0 قَالَ نَعَمْ؛ يَنوِي بِهَا الإِسْلاَم» 0

قَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيّ: «سُئِلَ رَحمَهُ اللهُ عَنِ الْقِرَاءَةِ بِالأَلحَانِ فَقَال: هَذِهِ بِدْعَةٌ لاَ تُسْمَع» الْيَوْمَ المُقْرِئُ لاَ يُعْتَرَفُ بِهِ في الإِذَاعَةِ وَالتِّلِيفِزْيُون وَالنَّقَابَةِ وَالجِهَاتِ الرَّسْمِيَّة: إِلاَّ إِذَا كَانَ حَاصِلاً عَلَى إِجَازَةٍ بِدِرَاسَةِ المَقَامَاتِ مِنَ المَعَاهِدِ المُوسِيقِيَّة 0 قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحمَهُ الله: «ثَبَتَ أَنَّ عَبْدَ اللهِ سَأَلَ أَبَاهُ عَمَّنْ يَلْمَسُ رُمَّانَةَ مِنْبَرِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَمَسُّ الحُجْرَةَ النَّبَوِيَّة؛ فَقَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: لاَ أَرَى بِذَلِكَ بَأْسَاً» 0 قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى وَالِدَيْه: «رَأَيْتُ أَبي يَأْخُذُ شَعْرَةً مِن شَعَرِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَضَعُهَا عَلَى فِيهِ يُقَبِّلُهَا، وَرَأَيْتُهُ يَضَعُهَا عَلَى عَيْنِهِ وَيَغْمِسُهَا في المَاءِ وَيَشْرَبُه يَسْتَشْفِي بِه» 0

قَالَ محَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الْعُكْبَرِيّ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ الحَرْبيَّ يَقُول: التَّابِعُونَ كُلُّهُمْ، وَآخِرُهُمْ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَهُوَ عِنْدِي أَجَلُّهُمْ يَقُولُون: «مَن حلَفَ بِالطَّلاَقِ أَنْ لاَ يَفْعَلَ شَيْئَاً ثُمَّ فَعَلَهُ نَاسِيَاً؛ كُلُّهُمْ يُلْزِمُونَهُ الطَّلاَق» 0 قَالَ مُوسَى بْنُ هَارُون: سُئِلَ الإِمَامُ أَحْمَدُ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ: أَيْنَ نَطْلُبُ الْبُدَلاَء 00؟ فَسَكَتَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ ثُمَّ قَال: إِنْ لَمْ يَكُنْ مِن أَصْحَابِ الحَدِيثِ فَلاَ أَدْرِي» 0 قَالَ حَنْبَل: قُلْتُ لأَبي عَبْدِ الله: إِنيِّ أَجِدُ بَلَّةً بَعْدَ الْوُضُوء؛ فَقَال: ضَعْ يَدَكَ في سَفْلَتِك، وَاسْلُتْ مَا ثَمَّ [أَيْ ذَلِكَ الْبَلَل] حَتىَّ يَنْزِل، وَتَتَرَدَّدْ قَلِيلاً ـ أَيْ تَخْطُو خُطْوَات ـ وَالْهُ عَنهُ، وَلاَ تَجْعَلْ ذَلِكَ مِن هَمِّك؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ وَسَاوِسِ الشَّيَاطِين» 0

قَالَ أَبُو مُسْلِمٍ محَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيل: حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ قَال: «مَضَيْتُ مَعَ أَبي يَوْمَ جُمُعَةٍ إِلىَ الجَامِع؛ فَوَافَقْنَا النَّاسَ قَدِ انْصَرَفُواْ؛ فَدَخَلَ إِلىَ المَسْجَدِ وَكَانَ مَعَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَانِئ؛ فَتَقَدَّمَ أَبي فَصَلَّى بِنَا الظُّهْرَ أَرْبَعَاً، وَقَالَ غَفَرَ اللهُ لَهُ: قَدْ فَعَلَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ بعَلْقَمَةَ وَالأَسْوَد» 0 قَالَ أَبُو مُسْلِمٍ محَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيل: حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى وَالِدَيْهِ قَال: «كَانَ أَبي رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ إِذَا دَخَلَ مَقْبَرَةً: خَلَعَ نَعْلَيهِ وَأَمْسَكَهُمَا بِيَدِه» 0

عَن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الجُهَنيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال: «لأَن أَمْشِيَ عَلَى جَمْرَةٍ أَوْ سَيْف: أَحَبُّ إِليَّ مِن أَن أَمْشِيَ عَلَى قَبْرِ امْرِئٍ مُسْلِم، وَمَا أُبَالي وَسْطَ القُبُورِ قَضَيْتُ حَاجَتي أَمْ وَسْطَ السُّوق» 0 [قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في السِّيَر: إِسْنَادُهُ صَالح 0 صَحَّحَهُ الْعَلاَّمَةُ الأَلبَانيُّ في أَحْكَامِ الجَنَائِزِ وَفي سُنَنِ الإِمَامِ ابْنِ مَاجَة] عَن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال: «لأَنْ يَطَأَ الرَّجِلُ عَلَى جَمْرَة: خَيرٌ لَهُ مِن أَن يَطَأَ عَلَى قَبر» 0 [صَحَّحَهُ الْعَلاَّمَةُ الأَلبَانيُّ في «الجَامِعِ» بِرَقْم: (9175/ 5044)، رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ في الحِلْيَة]

ـ خَبرُ مَرَضِهِ وَوَفَاتِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ: قَالَ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ رَحمَهُ الله: سَمِعْتُ أَبي رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ يَقُول: «اسْتَكْمَلْتُ سَبْعَاً وَسَبْعِينَ سَنَةً، وَدَخَلْتُ في ثَمَانٍ؛ فَحُمَّ مِنْ لَيْلَتِهِ وَمَاتَ اليَوْمَ الْعَاشِر» 0 كَأَنَّهُ قَدْ حَسَدَ نَفْسَهُ؛ أَوْ كَأَنَّ اللهَ جَلَّ جَلاَلهُ لَمْ يَقْبِضْهُ إِلَيْه؛ إِلاَّ بَعْدَمَا رَأَى مِنهُ اسْتِطَالَتَهُ وَمَلاَلَتَه 0 وَقَالَ ابْنُهُ صَالِح: لَمَّا كَانَ أَوَّلُ رَبِيعٍ الأَوَّلِ مَنْ سَنَةِ 241 هـ: حُمَّ أَبي لَيْلَةَ الأَربِعَاء، وَبَاتَ وَهُوَ مَحْمُوم، يَتَنَفَّسُ تَنَفُّسَاً شَدِيدَاً، ثُمَّ أَرَادَ الْقِيَامَ فَقَال: خُذْ بِيَدِي؛ فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ؛ فَلَمَّا صَارَ إِلىَ الخَلاَء:

ضَعُفَ وَتَوَكَّأَ عَلَيّ، وَكَانَ يَخْتَلِفُ إِلَيْهِ غَيْرُ مُتَطَبِّبٍ كُلُّهُمْ مُسْلِمُون؛ فَوَصَفَ لَهُ مُتَطَبِّبٌ قَرْعَةً تُشْوَى، وَيُسْقَى مَاءَهَا، وَهَذَا كَانَ يَوْمَ الثُّلاَثَاء، فَقَال: يَا صَالِح؛ قُلْتُ: لَبَّيْك؛ قَال: لاَ تُشْوَى في مَنْزِلِكَ وَلاَ في مَنْزِلِ أَخِيك، وَصَارَ الْفَتْحُ بْنُ سَهْلٍ إِلىَ الْبَابِ لِيَعُودَه، فَحَجَبْتُهُ، وَأَتىَ ابْنُ عَلِيِّ بْنِ الجَعْدِ فَحَبَسْتُه، وَكَثُرَ النَّاس؛ فَقَال: فَمَا تَرَى 00؟ قُلْتُ: تَأْذَنُ لَهُمْ فَيَدْعُونَ لَك؛ قَال: أَسْتَخِيرُ الله؛ فَجَعَلُواْ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِ أَفْوَاجَاً؛ حَتىَّ تَمْتَلِئَ الدَّار؛ فَيَسْأَلُونَهُ وَيَدْعُونَ لَهُ وَيَخْرُجُون، وَيَدْخُلُ فَوجٌ، وَكَثُرَ النَّاس، وَامْتَلأَ الشَّارِع، وَأَغْلَقْنَا بَابَ الزُّقَاق، وَجَاءَ جَارٌ لَنَا قَدْ خَضَبَ؛ فَقَالَ أَبي: إِنيِّ لأَرَى الرَّجُلَ يُحْيِي شَيْئَاً مِنَ السُّنَّةِ فَأَفْرَحُ بِه؛ فَقَالَ لي: وَجِّهْ فَاشْتَرِ تَمْرَاً، وَكَفِّرْ عَنيِّ كَفَّارَةَ يَمِين؛ وَقَال: اقْرَأْ عَلَيَّ الْوَصِيَّة؛

فَقَرَأْتُهَا؛ فَأَقَرَّهَا، وكُنْت أَنَامُ إِلىَ جَنْبِهِ؛ حَتىَّ إِذَا أَرَادَ حَاجَةً أُنَاوِلُه، وَجَعَلَ يُحرِّكُ لِسَانَهُ، وَلَمْ يَئِنَّ إِلاََّ في اللَّيْلَةِ الَّتي تُوُفِّيَ فِيهَا، وَلَمْ يَزَلْ يُصَلِّي قَائِمَاً، أُمْسِكُهُ فَيَرْكَعُ وَأُمْسِكُهُ فَيَسْجُد، وَأَرْفَعُهُ في رُكُوعِه، وَاجْتَمَعتْ عَلَيْهِ أَوجَاعُ الحُصْر [أَيِ احْتِبَاسُ الْبَوْلُ أَوِ الْغَائِط]، وَلَمْ يَزَلْ عَقْلُهُ ثَابِتَاً؛ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ لاَِثْنَتيْ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَبِيعٍ الأَوَّلِ لِسَاعَتَينِ مِنَ النَّهَارِ تُوُفِّي» 0

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيّ: «مَرِضَ الإِمَامُ أَحْمَدُ تِسْعَةَ أَيَّامٍ، وَكَانَ رُبَّمَا أَذِنَ لِلنَّاسِ فَيَدْخُلُونَ عَلَيْهِ أَفْوَاجَاً، يُسَلِّمُونَ وَيَرُدُّ بِيَدِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه، وَتَسَامَعَ النَّاسُ وَكَثُرُواْ، حَتىَّ أُغْلِقَ بَابُ الزُّقَاق؛ فَمَلأَ النَّاسُ الشَّوَارعَ وَالمَسَاجِد؛ حَتىَّ تَعَطَّلَ بَعْضُ الْبَاعَة، وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ رُبَّمَا تَسَلَّق، وَجَاءَهُ حَاجِبُ ابْنِ طَاهِرٍ فَقَال: إِنَّ الأَمِيرَ يُقْرِئُكَ السَّلاَم، وَهُوَ يَشْتَهِي أَنْ يَرَاك؛ فَقَال: هَذَا مِمَّا أَكْرَه، وَأَمِيرُ المُؤْمِنِينَ قَد أَعْفَاني مِمَّا أَكْرَه،

وَأَصْحَابُ الخَبَرِ يَكْتُبُونَ بِخَبَرِهِ إِلىَ الْعَسْكَر، وَالبَرِيدُ يَخْتَلِفُ كُلَّ يَوْم، وَجَاءَ بَنُو هَاشِمٍ فَدَخلُواْ عَلَيْه، وَجَعَلُواْ يَبْكُونَ عَلَيْه، وَجَاءَ قَوْمٌ مِنَ الْقُضَاةِ وَغَيْرِهِمْ فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُمْ، وَدَخَلَ عَلَيْهِ شَيْخٌ فَقَال: اذْكُرْ وُقُوفَكَ بَيْنَ يَدَيِ الله؛ فَشَهِقَ أَبُو عَبْدِ اللهِ وَسَالَتْ دُمُوعُهُ، فلَمَّا كَانَ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ قَال: ادْعُواْ لِيَ الصِّبْيَانَ بِلِسَانٍ ثَقِيل؛ فَجَعَلُواْ يَنْضَمُّونَ إِلَيْه، وَجَعَلَ يَشُمُّهُمْ وَيَمْسَحُ رُؤُوسَهُمْ وَعَينُهُ تَدْمَعُ، وَأَدْخَلْتُ تَحْتَهُ الطَّسْتَ، فَرَأَيْتُ بَولَهُ دَمَاً عَبِِيطَاً؛ فَقُلْتُ لِلطَّبِيبِ فَقَال: هَذَا رَجُلٌ قَدْ فَتَّتَ الحُزْنُ وَالغَمُّ جَوْفَه، وَاشْتَدَّتْ عِلَّتُهُ يَوْمَ الخَمِيس، وَوَضَّأْتُهُ فَقَال: خَلِّلِ الأَصَابِع، فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الجُمُعَةِ ثَقُلَ، وَقُبِضَ صَدْرَ النَّهَار، فَصَاحَ النَّاسُ وَعَلَتِ الأَصْوَاْتُ بِالْبُكَاء؛ حَتىَّ كَأَنَّ الدُّنْيَا قَدِ ارْتَجَّتْ، وَامْتَلأَتِ السِّكَكُ وَالشَّوَارِع» 0

حَدَّثَ أَبُو بَكْرٍ الخَلاََّلُ قَال: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيُّ قَال: «أُخْرِجَتِ الجَنَازَةُ بَعْد مُنْصَرَفِ النَّاسِ مِنَ الجُمُعَة» 0 عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَوْمَ الجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الجُمُعَة؛ إِلاَّ وَقَاهُ اللهُ فِتْنَةَ القَبر» 0 [صَحَّحَهُ الْعَلاَّمَة أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْم: 6646، وَحَسَّنَهُ الْعَلاَّمَةُ الأَلبَانيُّ في سُنَنِ الإِمَامِ التِّرْمِذِيِّ بِرَقْم: 1074]

قَالَ صَالِحُ بْنُ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «وَجَّهَ ابْنُ طَاهِرٍ [نَائِبَ بَغْدَادَ] بِحَاجِبِهِ مُظَفَّرٍ وَمَعَهُ غُلاَمَانِ مَعَهُمَا مَنَادِيلُ فِيهَا ثِيَابٌ وَطِيب، فَقَالُواْ: الأَمِيرُ يُقْرِئُكَ السَّلاَمَ، وَيَقُولُ: قَدْ فَعَلْتُ مَا لَوْ كَانَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ حَاضِرَهُ كَانَ يَفْعَلُه؛ فَقُلْتُ: أَقْرِئِ الأَمِيرَ السَّلاَمَ وَقُلْ لَهُ: إِنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ قَدْ أَعْفَى أَبَا عَبْدِ اللهِ في حَيَاتِه مِمَّا يَكْرَهُ، وَلاَ أُحِبُّ أَن أُتْبِعَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ بِمَا كَانَ يَكْرَه» 0

قَالَ صَالِحُ بْنُ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «وَكَانَتِ الجَارِيَةُ قَدْ غَزَلَتْ لَهُ ثَوْبَاً عُشَارِيَّاً قُوِّمَ بِثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ دِرْهَمَاً، لِيَقْطَعَ مِنهُ قَمِيصَيْن، فَقَطَعْنَا لَهُ لُفَافَتَين، وَأَخَذْنَا مِنْ فُورَانَ لُفَافَةً أُخْرَى، فَأَدْرَجْنَاهُ في ثَلاَثِ لَفَائِف، وَاشْتَرَيْنَا لَهُ حَنُوطَاً، فَطَيَّبْنَاهُ وَكَفَّنَّاه، وَحَضَرَ نحْوُ مِاْئَةٍ مِنْ بَني هَاشِمٍ وَنحْنُ نُكَفِّنُهُ وَجَعَلُواْ يُقَبِّلُونَ جَبْهَتَهُ؛ حَتىَّ رَفَعْنَاهُ عَلَى السَّرِير» 00 أَيِ الخَشَبَة 0 قَالَ ابْنُهُ عَبْدُ الله: «صَلَّى علَى أَبي محَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ طَاهِرٍ غَلَبَنَا عَلَى الصَّلاَةِ عَلَيْه، وَقَدْ كُنَّا صَلَّيْنَا عَلَيْهِ نَحْنُ وَالهَاشَمِيُّونَ في الدَّار» 0

وَقَالَ ابْنُهُ صَالِح: وَجَّهَ ابْنُ طَاهِرٍ إِلَيَّ: مَنْ يُصَلِّي عَلَى أَبي عَبْدِ الله 00؟ قُلْتُ: أَنَا، فَلَمَّا صِرْنَا إِلىَ الصَّحْرَاء: إِذَا بِابْنِ طَاهِرٍ وَاقِف، فَخَطَا إِلَيْنَا خُطُوَاتٍ وَعَزَّانَا، وَوُضَعَ السَّرِير؛ فَلَمَّا انْتَظَرْتُ هُنَيَّةً، تَقَدَّمْتُ، وَجَعَلْنَا نُسَوِّي الصُّفُوف؛ فَجَاءَني ابْنُ طَاهِرٍ، فَقَبَضَ هَذَا عَلَى يَدِي، وَمحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ عَلَى يَدِي وَقَالُواْ: الأَمِير؛ فَمَانَعْتُهُمْ؛ فَنَحَّيَاني وَصَلَّى هُوَ، وَلَمْ يَعلَمِ النَّاسُ بِذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ في الْغَدِ،

عَلِمُواْ، فَجَعَلُواْ يَجِيئُونَ، وَيُصَلُّونَ عَلَى الْقَبْر، وَمَكَثَ النَّاسُ مَا شَاءَ اللهُ يَأْتُونَ فَيُصَلُّونَ عَلَى الْقَبْر» 0 ـ بَلَغَ حِفْظُهُ أَلْفَ أَلْف؛ فَبَلَغَتْ جِنَازَتُهُ أَلْفَ أَلْف 00!! حَدَّثَ أَبُو بَكْرٍ الخَلاََّلُ قَال: سَمِعْتُ عَبْدَ الْوَهَّابِ الْوَرَّاقَ يَقُول: «مَا بَلَغَنَا أَنَّ جَمْعَاً في الجَاهِلِيَّةِ وَلاَ الإِسْلاَمِ مِثْلُهُ؛ حَتىَّ بَلَغَنَا أَنَّ المَوْضِعَ مُسِحَ وَحُزِرَ عَلَى الصَّحِيح؛ فَإذَا هُوَ نَحْوٌ مِن أَلْفِ أَلْف، وَحَزرْنَا حَوْلَ الْقُبُورِ نَحْوَاً مِنْ سِتِّينَ أَلفَ

امْرَأَة، وَفَتَحَ النَّاسُ أَبوَابَ المَنَازِل في الشَّوَارِعِ وَالدُّرُوبِ يُنَادُونَ مَن أَرَادَ الْوُضُوء» 0 وَرَوَى عَبْدُ اللهِ بْنُ إِسْحَاقَ الخُرَاسَانيُّ عَنْ بُنَانَ بْنِ أَحْمَدَ الْقَصَبَانيِّ أَنَّهُ قَال: «كَانَتِ الصُّفُوفُ مِنَ المَيْدَانِ إِلىَ قَنْطَرَةِ بَابِ الْقطيعَة، وَحُزِرَ مَن حَضَرَهَا مِنَ الرِّجَالِ بِثَمَانِمِاْئَةِ أَلْف، وَمِنَ النِّسَاءِ بِسِتِّينَ أَلْفَ امْرَأَة، وَنَظَرُواْ فِيمَنْ صَلَّى الْعَصْرَ يَوْمَئِذٍ في مَسْجِدِ الرُّصَافَة: فَكَانُواْ نَيِّفَاً وَعِشْرِينَ أَلْفَاً» 0

قَالَ جَعْفَرُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ الحُسَيْنِ النَّيْسَابُورِيّ: حَدَّثَني فَتْحُ بْنُ الحَجَّاجِ قَال: «سَمِعْتُ في دَارِ ابْنِ طَاهِرٍ الأَمِيرِ أَنَّ الأَمِيرَ بَعَثَ عِشْرِينَ رَجُلاً، فَحَزَرُواْ كَمْ صَلَّى عَلَى الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه؛ فَحَزَرُواْ؛ فَبَلَغَ أَلْفَ أَلْفٍ وَثَمَانِينَ أَلْفَاً، سِوَى مَنْ كَانَ في السُّفُن» أَيْ في الطَّرِيق 0

قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبي حَاتِمٍ الْوَرَّاق: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ الرَّازِي عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ يَقُول: «بَلَغَني أَنَّ المُتَوَكِّلَ أَمَرَ أَنْ يُمسَحَ المَوْضِعُ الَّذِي وَقَفَ عَلَيْهِ النَّاسُ حَيْثُ صُلِّيَ عَلَى أَحْمَدَ، فَبَلَغَ مَقَامَ أَلفَيْ أَلْفٍ وَخَمْسَِمِاْئَةِ أَلْف» لَمْ أَقْرَأْ فِيمَا فَرَأْتُ عَن أَحَدٍ مِنَ التَّابِعِينَ أَنَّهُ صَلَّى عَلَيْهِ مِثْلُ هَذَا الْعَدَدِ مِنَ المُسْلِمِين؛ إِلاَّ محَمَّدُ بْنُ أَسْلَم: فَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ صَلَّى عَلَيْهِ أَلْفُ أَلفٍ مِنَ النَّاس، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَلْفُ أَلفٍ وَمِاْئَةُ أَلْفٍ، يَقُولُ صَالِحُهُمْ وَطَالِحُهُمْ: لَمْ نَعْرِفْ لِهَذَا الرَّجُلِ نَظِيرَاً» 00 فَقَدْ كَانَ أَيْضَاً عَابِدَاً زَاهِدَاً

قَالَ السُّلَمِيّ: «حَضَرْتُ جِنَازَةَ أَبي الْفَتْحِ الْقَوَّاسِ مَعَ الدَّارَقُطْنيّ؛ فَلَمَّا نَظَرَ إِلىَ الجَمعِ قَال: سَمِعْتُ أَبَا سَهْلٍ بْنَ زِيَادٍ يَقُول: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَحْمَدَ يَقُول: سَمِعْتُ أَبي يَقُول: «قُولُواْ لأَهْلِ الْبِدَع: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ يَوْمُ الجنَائِز» 0 وَقَالَ صَالح: «قَالَ أَبي في مَرَضِهِ: أَخْرِجْ كِتَابَ عَبْدِ اللهِ بْنِ إِدْرِيسَ وَاقرَأْ عَليَّ حَدِيثَ لَيْثٍ أَنَّ طَاوُوسَاً كَانَ يَكْرَهُ الأَنِينَ في المَرَض؛ فَمَا سَمِعْتُ لأَبي أَنِينَاً حَتىَّ مَات» 0 وَقَالَ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ رَحمَهُ الله: قَالَ أَبي عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: أَخْرِجْ حَدِيثَ الأَنِين؛ فَقَرَأْتُهُ عَلَيْه؛ فَمَا سُمِعَ لَهُ أَنِينٌ حَتىَّ مَات» 0

قَالَ صَالِح: «جَعَلَ أَبي يُحَرِّكُ لِسَانَهُ إِلىَ أَنْ تُوُفِّيَ» 0 قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَلاََّل: سَمِعْتُ ابْنَ أَبي صَالِحٍ الْقَنْطَرِيَّ يَقُول: «شَهِدْتُ المَوْسِمَ أَرْبَعِينَ عَامَاً، فَمَا رَأَيْتُ جَمْعَاً قَطُّ مِثْلَ هَذَا» 00 أَيْ مَشْهَدَ جِنَازَةِ أَبي عَبْدِ الله قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَلاََّل: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ المَرُّوذِيَّ رَحمَهُ اللهُ يَقُولُ عَن عَلِيِّ بْنِ مَهْرُوَيْهِ عَن خَالَتِهِ قَالَتْ: مَا صَلَّوْا بِبَغْدَادَ في مَسْجِدٍ الْعَصْرَ يَوْمَ وَفَاةِ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه» 0

حَدَّثَ أَبُو بَكْرٍ الخَلاََّلُ قَال: حَدَّثَنَا محَمَّدُ بْنُ حِصْنٍ قَال: «بَلَغَني أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ لَمَّا مَاتَ فَوَصَلَ الخَبَرُ إِلىَ الشَّاش [مِنْ مُدُنِ سَمَرْقَنْد]، سَعَى بَعْضُهُمْ إِلىَ بَعْضٍ قَالُواْ: قُومُواْ حَتىَّ نُصَلِّيَ عَلَى أَحْمَدَ كَمَا صَلَّى النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم عَلَى النَّجَاشِيّ؛ فَخَرَجُواْ إِلىَ المُصَلَّى؛ فَصَفُّواْ وَصَلُّواْ عَلَيْه» 0

حَدَّثَ ظُفَرُ عَنِ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَن أَحْمَدَ بْنِ الْوَرَّاقِ عَن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ محَمَّدٍ قَال: «أَسْلَمْ يَوْمَ مَاتَ عَشْرَةُ آلاَفٍ مِنَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالمَجُوس» 0 وَقَالَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ ابْنُ تَيْمِيَةَ في الْفَتَاوَى عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَهُ في الدُّنيَا وَالآخِرَة: «مَسَحَ المُتَوَكِّلُ مَوْضِعَ الصَّلاَةِ عَلَيْهِ فَوَجَدَ أَلْفَ أَلْفٍ وَسِتَّمِاْئَةِ أَلْف؛ سِوَى مَنْ صَلَّى في الخَانَاتِ وَالبُيُوت، وَأَسْلَمَ يَوْمَئِذٍ مِنَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى عِشْرُونَ أَلْفَاً» 0

ـ قَالُواْ عَنْ بَعْضِ كَرَامَاتِه: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَل: «اسْتَأْذَنَ دَاوُدُ عَلَى أَبي؛ فَقَال: مَن هَذَا؟ دَاوُد؟ لاَ جَبَرَ وِدُّ اللهِ قَلْبَه، وَدَوَّدَ اللهُ قَبْرَه؛ فَمَاتَ مُدَوَّدَاً» 0 [الْفَتَاوَى الْكُبْرَى لِشَيْخِ الإِسْلاَمِ ابْنِ تَيْمِيَة]

قَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيُّ رَحمَهُ الله: قَدِمَ رَجُلٌ مِن طَرَسُوسَ فَقَال: كُنَّا في بِلاَدِ الرُّومِ في الْغَزْوِ إِذْ هَدَأَ اللَّيْلُ رَفَعُواْ أَصْوَاتَهُمْ بِالدُّعَاء: ادعُواْ لأَبي عَبْدِ الله، وَكُنَّا نَمُدُّ المِنْجَنِيق، وَنَرْمِي عَن أَبي عَبْدِ الله، وَلَقَدْ رُمِيَ عَنهُ بحَجَرٍ، وَالعِلْجُ عَلَى الحِصْنِ مُتَتَرِّسٌ بَدَرَقَة؛ فَذَهَبَتْ بِرَأْسِهِ وَبَالدَّرَقَة» وَقَالَ عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبي فَزَارَةَ جَارُنَا فَقَال: كَانَتْ أُمِّي مُقْعَدَةً مِنْ نَحْوِ عِشْرِينَ سَنَة؛ فَقَالَتْ لي يَوْمَاً: اذهَبْ إِلىَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فَسَلْهُ أَنْ يَدعُوَ لي؛ فَأَتَيْتُ فَدَقَقْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ في دِهْلِيزِهِ فَقَال: مَن هَذَا 00؟

قُلْتُ: رَجُلٌ سَأَلَتْني أُمِّي وَهِيَ مُقْعَدَةٌ أَن أَسْأَلكَ الدُّعَاء؛ فَسَمِعْتُ كَلاَمَهُ كَلاَمَ رَجُلٍ مُغْضَبٍ فَقَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: نَحْنُ أَحْوَجُ أَنْ تَدْعُوَ اللهَ لَنَا؛ فَوَلَّيْتُ مُنْصَرِفَاً؛ فَخَرَجَتْ عَجُوزٌ فَقَالَتْ: قَدْ تَرَكْتُهُ يَدْعُو لَهَا؛ فَجِئْتُ إِلىَ بَيْتِنَا وَدَقَقْتُ الْبَاب؛ فَخَرَجَتْ أُمِّي عَلَى رِجْلَيْهَا تَمْشِي» 0 [قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلاَمِ النُّبَلاَء: هَذِهِ الْوَاقعَةُ نَقَلَهَا ثِقَتَانِ عَن عَبَّاسٍ الدُّورِيّ]

قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ رَحمَهُ الله: «وَلَمَّا وَقَعَ الْغَرَقُ بِبَغْدَادَ في سَنَةِ 554 هـ وَغَرِقتْ كُتُبي، سَلِمَ لي مُجَلَّدٌ فِيهِ وَرَقتَانِ بِخَطِّ الإِمَام» 0 حَدَّثَ ابْنُ شَاذَانَ قَال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَال: حَدَّثَتْني فَاطِمَةُ بِنْتُ أَحْمَدَ قَالَتْ: «وَقَعَ الحَرِيقُ في بَيْتِ أَخِي صَالح ـ وَكَانَ قَدْ تَزَوَّجَ بِفَتَاةٍ فَحَمَلُواْ إِلَيْهِ جِهَازَاً شَبِيهَاً بِأَرْبَعَةِ آلاَفِ دِينَار ـ فَأَكَلَتْهُ النَّار؛ فَجَعَلَ صَالِحٌ يَقُول «مَا غَمَّني مَا ذَهَبَ إِلاََّ ثَوْبٌ لأَبي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ أَتَبَرَّكُ بِهِ وَأُصَلِّي فِيه» فَطُفِئَ الحَرِيقُ وَدَخَلُواْ؛ فَوَجَدُواْ الثَّوْبَ عَلَى سَريرٍ قَدْ أَكَلَتِ النَّارُ مَا حَوْلَهُ وَسَلِمَ» 0

قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «وَكَذَا اسْتَفَاضَ وَثَبَتَ أَنَّ الْغَرَقَ الْكَائِنَ بَعْدَ الْعِشْرِينَ وَسَبْعِمِاْئَةٍ بِبَغْدَادَ عَامَ عَلَى المَقَابِرِ حَوْلَ مَقْبَرَةِ الإِمَامِ أَحْمَد، وَأَنَّ المَاءَ دَخَلَ في الدِّهْلِيزِ عُلُوَّ ذِرَاع، وَوَقَفَ بِقُدْرَةِ اللهِ فَلَمْ يَصِلْ إِلى الْقَبر، وَبَقِيَتِ الحُصُرُ حَوْلَ قَبْرِ الإِمَامِ بِغُبارِهَا؛ وَكَانَ ذَلِكَ آيَةً» حَدَّثَ أَبُو بَكْرٍ الخَلاََّلُ قَال: «حَدَّثَني أَحْمَدُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ محْمُودٍ قَال: «كُنْتُ في الْبَحْرِ مُقْبِلاً مِنْ نَاحِيَةِ السِّنْدِ في اللَّيْل؛ فَإِذَا هَاتِفٌ يَقُول: مَاتَ الْعَبْدُ الصَّالِح؛ فَقُلْتُ لِبَعْضِ مَنْ مَعَنَا: مَن هَذَا 00؟ قَال: هَذَا مِنْ صَالِحِي الجِنّ، وَمَاتَ أَحْمَدُ تِلْكَ اللَّيْلَة» 0

ـ بَعْضُ مَا رُؤِيَ عَلَيْهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ مِنَ المَنَامَاتِ الحَسَنَةِ بَعْدَ وَفَاتِهِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَه: قَالَ محَمَّدُ بْنُ أَبي حَاتِمٍ الْوَرَّاقُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: سَمِعْتُ أَبي رَحمَهُ اللهُ يَقُول: «رَأَيْتُ الإِمَامَ أَحْمَدَ رَحمَهُ اللهُ في المَنَام، فَرَأَيْتُهُ أَضْخَمَ مِمَّا كَانَ وَأَحْسَنَ وَجْهَاً وَسِحْنَةً مِمَّا كَان؛ فَجَعَلْتُ أَسْأَلُهُ الحَدِيثَ وَأُذَاكِرُه» 0 قَالَ محَمَّدُ بْنُ أَبي حَاتمٍ الْوَرَّاقُ رَحمَهُ الله: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ الحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى يَقُول: «رَأَيْتُ رَجُلاً مِن أَهْلِ الحَدِيثِ تُوُفِّيَ فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِك 00؟ قَال: غَفَرَ لي، فَقُلْتُ: بِالله 00؟

قَالَ بِاللهِ إِنَّه غَفَرَ لي؛ فَقُلْتُ: بِمَاذَا غَفَرَ اللهُ لَك 00؟ قَال: بِمَحَبَّتي أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَل» 0 قَالَ محَمَّدُ بْنُ أَبي حَاتِمٍ الْوَرَّاق: «حَدَّثَنَا محَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَن أَخِي أَبي عَقِيلٍ قَال: «رَأَيْتُ شَابَّاً تُوُفِّيَ بِقَزْوِينَ فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ بِكَ رَبُّك؟ قَال: غَفَرَ لي، وَرَأَيْتُهُ مُسْتَعجِلاً؛ فَسَأَلْتُهُ 00؟! فَقَال: لأَنَّ أَهْلَ السَّمَوَاتِ قَدِ اشْتُغِلُواْ بِعَقْدِ الأَلْوِيَةِ لاِسْتِقْبَالِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَل، وَأَنَا أُرِيدُ اسْتِقبَالَهُ؛ وَكَانَ أَحْمَدُ تُوُفِّيَ تِلْكَ الأَيَّام» 0

قَالَ محَمَّدُ بْنُ أَبي حَاتِمٍ الْوَرَّاق: حَدَّثَنَا محَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَال: حَدَّثَنَا الهَيْثَمُ بْنُ خَالُوَيْهِ قَال: رَأَيْتُ السِّنْدِيَّ في النَّوْمِ فَقُلْتُ: مَا حَالُكَ 00؟ قَال: أَنَا بِخَيْر، لَكِنِ اشْتُغِلُواْ عَنيِّ بِمَجِيءِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه» 0

حَدَّثَ يَزِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ طَهْمَانَ عَن عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ قَال: «جَاءَني شَيْخٌ، فَخَلاَ بي، فَقَال: رَأَيْتُ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قَاعِدَاً، وَمَعَهُ أَحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: عَلَى فُلاَنٍ لَعنَةُ اللهِ ثَلاَثَ مَرَّات، وَعَلَى فُلاَنٍ وَفُلاَن، فَإِنَّهُمَا يَكِيدَانِ الدِّينَ وَأَهلَه، وَيَكِيدَانِ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ رَحمَهُ اللهُ وَالقَوَارِيرِيّ، وَلَيْسَ يَصِلاَنِ إِلىَ شَيْءٍ مِنهُمَا إِنْ شَاءَ الله، ثمَّ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: أَقْرِئْ أَحْمَدَ وَالقَوَارِيرِيَّ السَّلاَمَ وَقُلْ لَهُمَا: جَزَاكُمَا اللهُ خَيرَاً عَنيِّ وَعَن أُمَّتي» 0

حَدَّثَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ النَّهَاوَنْدِيُّ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَن أَبِيهِ قَال: «رَأَيْتُ رَبَّ الْعِزَّةِ جَلَّ جَلاَلهُ في المَنَام؛ فَقُلْتُ: يَا رَبّ، مَا أَفْضَلَ مَا تَقَرَّبَ بِهِ إِلَيْك المُتَقَرِّبُون 00؟ قَالَ جَلَّ وَعَلاَ: بِكَلاَمِي يَا أَحْمَد؛ قُلْتُ: يَا رَبّ، بِفَهْمٍ أَوْ بِغَيْرِ فَهْم 00؟ قَال: بِفَهْمٍ وَبِغَيْرِ فَهْم» 0

قَالَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ ابْنُ تَيْمِيَةَ في الفَتَاوَى: «قَدْ يَرَى المُؤْمِنُ رَبَّهُ في المَنَامِ في صُوَرٍ مُتَنَوِّعَةٍ عَلَى قَدْرِ إيمَانِهِ وَيَقِينِهِ؛ فَإِذَا كَانَ إيمَانُهُ صَحِيحًا لَمْ يَرَهُ إلاَّ في صُورَةٍ حَسَنَة، وَإِذَا كَانَ في إيمَانِهِ نَقْصٌ رَأَى مَا يُشْبِهُ إيمَانَهُ، وَرُؤْيَا المَنَامِ لَهَا حُكْمٌ غَيْرُ رُؤْيَا الحَقِيقَةِ في اليَقَظَة، وَلَهَا تَعْبِيرٌ وَتَأْوِيل؛ لِمَا فِيهَا مِنَ الأَمْثَالِ المَضْرُوبَةِ لِلْحَقَائِق،

وَقَدْ يحْصُلُ لِبَعْضِ النَّاسِ في الْيَقَظَةِ أَيْضَاً مِنَ الرُّؤْيَا نَظِيرُ مَا يحْصُلُ لِلنَّائِمِ في المَنَام: فَيَرَى بِقَلْبِهِ مِثْلَ مَا يَرَى النَّائِم، وَقَدْ يَتَجَلَّى لَهُ مِنْ الحَقَائِقِ مَا يَشْهَدُهُ بِقَلْبِهِ، فَهَذَا كُلُّهُ يَقَعُ في الدُّنْيَا، وَرُبَّمَا غَلَبَ عَلَى أَحَدِهِمْ مَا يَشْهَدُهُ قَلْبُهُ، وَتَجْمَعُهُ حَوَاسُّهُ؛ فَيَظُنُّ أَنَّهُ رَأَى ذَلِكَ بِعَيْنَيْ رَأْسِهِ؛ حَتىَّ يَسْتَيْقِظَ فَيَعْلَمَ أَنَّهُ مَنَامٌ وَرُبَّمَا عَلِمَ في المَنَامِ أَنَّهُ مَنَام» 0 [الفَتَاوَى الكُبرَى لِشَيْخِ الإِسْلامِ ابْنِ تَيْمِيَة]

حَدَّثَ أَبُو بَكْرٍ محَمَّدُ بْنُ الحُسَيْنِ عَن عَزْرَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ وَطَالُوْتَ بْنِ لُقْمَانَ قَالاَ: «سَمِعْنَا زَكَرِيَّا بْنَ يحْيىَ السِّمْسَارَ يَقُول: رَأَيْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ في المَنَامِ عَلَى رَأْسِهِ تَاجٌ مُرَصَّعٌ بِالجَوْهَر؛ قُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِك 00؟ قَال: غَفَرَ لي وَأَدْنَاني، وَتَوَّجَني بِيَدِهِ بِهَذَا التَّاج، وَقَالَ لي جَلَّ وَعَلاَ: هَذَا؛ بِقَولِكَ «الْقُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوق»» 0

زَادَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ خَفِيفٍ الصُّوفِيُّ عَن أَبي الْقَاسِمِ الْقَصْرِيِّ عَنِ الإِمَامِ ابْنِ خُزَيْمَةَ قَال: «وَتَوَّجَني وَأَلْبَسَني جَلَّ جَلاَلهُ نَعْلَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ وَقَال: يَا أَحْمَد؛ هَذَا بِقَوْلِكَ الْقُرْآنُ كَلاَمِي» 0 قَالَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ الأَنْصَارِيّ: سَمِعْتُ بَعْضَ أَهْلِ بَاخَرْزَ وَهِيَ مِنْ نَوَاحِي نَيْسَابُورَ يَقُول: «رَأَيْتُ كأَنَّ الْقِيَامَةَ قَدْ قَامَتْ، وَإِذَا بِرَجُلٍ عَلَى فَرَسٍ بِهِ مِنَ الحُسْنِ مَا اللهُ بِهِ عَلِيم، وَمُنَادٍ يُنَادِي: أَلاَ لاَ يَتَقَدَّمَنَّهُ اليَوْمَ أَحَد؛ قُلْتُ: مَن هَذَا 00؟ قَالُواْ: أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه» 0

وَجَاءَ في «مَنَاقِبِ أَحْمَدَ» لِشَيْخِ الإِسْلاَمِ ابْنِ تَيْمِيَة: «عَن عَلِيِّ بْنِ المُوَفَّقِ قَال: «رَأَيْتُ كَأَنيِّ دَخَلْتُ الجَنَّةَ فَإِذَا بِثَلاَثَة: رَجُلٌ قَاعِدٌ عَلَى مَائِدَةٍ؛ قَدْ وَكَّلَ اللهُ بِهِ مَلَكَيْن: فَمَلَكٌ يُطْعِمُهُ، وَمَلَكٌ يَسْقِيه، وَآخَرُ وَاقِفٌ عَلَى بَابِ الجَنَّةِ يَنْظُرُ في وُجُوهِ قَوْمٍ فَيُدْخِلُهُمُ الجَنَّة، وَآخَرُ وَاقِفٌ في وَسَطِ الجَنَّةِ شَاخِصٌ بِبَصَرِهِ إِلىَ الْعَرْش؛ يَنْظُرُ إِلىَ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالىَ؛ فَقُلْتُ لِرُضْوَان: مَن هَؤُلاَء 00؟

قَال: الأَوَّل: بِشْرٌ الحَافِي؛ خَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا وَهُوَ جَائِعٌ عَطْشَان 00!! وَالوَاقِفُ في الْوَسَط: هُوَ مَعْرُوفٌ الْكَرْخِيّ؛ عَبَدَ اللهَ شَوْقَاً لِلنَّظَرِ إِلَيْه؛ فَأُعْطِيَهُ 00!! وَالوَاقِفُ في بَابِ الجَنَّة: فَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل؛ أُمِرَ أَنْ يَنْظُرَ في وُجُوهِ أَهْلِ السُّنَّةِ فَيُدْخِلَهُمُ الجَنَّة» 0

وَذَكَرَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ بِإِسْنَادٍ طَوِيلٍ عَنْ محَمَّدِ بْنِ يحْيىَ الرَّمْلِيِّ قَاضِي دِمَشْقَ قَال: «دَخَلْتُ الْعِرَاقَ وَالحِجَاز، وَكَتَبْت، فَمِنْ كَثْرَةِ الاِخْتِلاَفِ لَمْ أَدْرِ بِأَيِّهَا آخُذ، فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ اهْدِني؛ فَنِمْتُ؛ فَرَأَيْتُ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وَقَدْ أَسْنَدَ ظَهْرَهُ إِلىَ الْكَعْبَة، وَعَنْ يَمِينِهِ الشَّافِعِيّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل، وَهُوَ يَبْتَسِمُ إِلَيْهِمَا؛ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله؛ بِمَ آخُذ 00؟ فَأَوْمَأَ إِلىَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمَا وَقَال: {أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالحُكْمَ وَالنُّبُوَّة} {الأَنْعَام/89}

أَيْ عَلَى أَمْثَالِ هَؤلاَءِ تَنْزِلُ الْكُتُبُ وَالحِكْمَةُ وَالنُّبُوَّة 0 قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ قَال: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ قَال: كُنْتُ مَعَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ في مَسْجِدِهِ، وَهُوَ يَقْرَأُ كِتَابَ «الأَشْرِبَةِ» إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ فَسَلَّمَ ثُمَّ قَال: مَنْ فِيكُمْ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل 00؟ فَقَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: أَنَا أَحْمَد؛ فَقَال: أَتَيْتُكَ مِن أَرْبَعِمِاْئَةِ فَرْسَخٍ بَرَّاً وَبَحْرَاً: كُنْتُ بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ أَتَاني آتٍ فَقَال: إِنيِّ أَنَا الخَضِر؛

فَرُحْ إِلىَ بَغْدَادَ وَسَلْ عَن أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَقُلْ لَهُ: إِنَّ سَاكِنَ الْعَرْشِ وَالمَلاَئِكَةَ الَّذِينَ حَوْلَ الْعَرْشِ رَاضُونَ عَنْكَ بِمَا صَبَّرْتَ بِهِ نَفْسَك؛ فَقَالَ الإِمَامُ أَحْمَد: مَا شَاءَ الله، لاَ قُوَّةَ إِلاََّ بِالله؛ ثُمَّ قَالَ لِلرَّجُل: أَلَكَ حَاجَة 00؟ قَالَ لاَ، إِنَّمَا جِئْتُكَ لِهَذَا، فَوَدَّعَهُ وَانْصَرَف» 0

حَدَّثَ الإِمَامُ الطَّبَرَانيُّ عَن أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الأَبَّارِ عَن حُبَيْشِ بْنِ أَبي الْوَرْدِ قَال: «رَأَيْتُ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المَنَامِ فَقُلْتُ: يَا نَبيَّ الله؛ مَا بَالُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَل 00؟ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: سَيَأْتِيكَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَسَلْه، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَم؛ فَسَأَلْتُهُ؟ فَقَال: أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ بُلِيَ في السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاء؛ فَوُجِدَ صَادِقَاً؛ فَأُلْحِقَ بِالصِّدِّيقِين» 0 {وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقَا} {النِّسَاء/69}

حَدَّثَ أَبُو بَكْرٍ الخَلاََّلُ قَال: «حَدَّثَنَا أَبُو يحْيىَ النَّاقِدُ عَن حَجَّاجِ بْنِ الشَّاعِرِ قَال: «رَأَيْتُ عَمَّاً لي في المَنَام، كَانَ قَدْ كَتَبَ عَن هُشَيْمٍ، فَسَأَلْتُهُ عَن أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحمَهُ اللهُ فَقَال: ذَاكَ مِن أَصْحَابِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنه» 0

حَدَّثَ أَبُو بَكْرٍ الخَلاََّلُ قَال: «حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ محَمَّدٍ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبي قُرَّةَ قَال: رَأَيْتُ في النَّوْمِ كَأَنيِّ دَخَلْتُ الجَنَّةَ، فَإِذَا قَصْرٌ مِنْ فِضَّة، فَانْفَتَحَ بَابُهُ، فَخَرَجَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل، وَعَلَيْهِ رِدَاءٌ مِنْ نُور، فَقَالَ لي: قَدْ جِئْت 00؟ قُلْتُ: نَعَمْ» 0

وَهَذِهِ المَنَامَات: قَلِيلٌ مِنْ كَثِيرٍ مِمَّا أَوْرَدَهُ الذَّهَبيُّ وَابْنُ الجَوْزِيِّ وَابْنُ البَنَّاء قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَلاََّل: «حَدَّثَنَا محَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ عَن عُبَيْدِ بْنِ شَرِيكٍ قَال: مَاتَ مُخَنَّثٌ؛ فَرُئِيَ في النَّوْمِ فَقَال: قَدْ غُفِرَ لي؛ دُفِنَ عِنْدَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل؛ فَغُفِرَ لأَهْلِ الْقُبُور» 0

حَدَّثَ أَبُو بَكْرٍ الخَلاََّلُ قَال: أَخْبَرَني عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بِالرَّقَّةِ عَنْ نَصْرِ بْنِ عَبْدِ المَلِكِ السِّنْجَارِيِّ عَنِ الأَثْرَمِ قَال: «سَمِعْتُ أَبَا محَمَّدٍ فُورَانَ يَقُول: رَأَى إِنْسَانٌ رُؤْيَا فَقَال: رَأَيْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: إِلىَ مَا صِرْت 00؟ قَال: أَنَا مَعَ الْعَشْرَة [أَيِ المُبَشَّرِين]، قُلْتُ: أَنْتَ عَاشِرُ الْقَوْم 00؟ قَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ: لاَ، أَنَا حَادِي عَشَر» 0

قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَلاََّل: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَال: حَدَّثَنَا محَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْوَزَّانُ قَال: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الأَذْرَمِيُّ قَال: حَدَّثَنَا بُنْدَارُ بْنُ بَشَّارٍ قَال: «رَأَيْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: إِلىَ مَا صِرْتَ 00؟ قَال: إِلىَ أَكْثَرَ مِمَّا أَمَّلْت؛ فَقُلْتُ: مَا هَذَا في كُمِّك 00؟ قَال: دُرٌّ وَيَاقُوت، قَدِمَتْ عَلَيْنَا رُوحُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه؛ فَأَمَرَ اللهُ أَنْ يُنْثَرَ عَلَيْهِ ذَلِك، فَهَذَا نَصِيبي» 0

الإمام أبو داود

الإِمَامُ أَبُو دَاوُد هُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ الأَشْعَثِ بْنُ شَدَّاد الأَزْدِيُّ السِّجِسْتَانيّ 0 وُلِدَ الإِمَامُ أَبُو دَاوُدَ سَنَةَ 202 هـ، وَتُوفِّيَ رَحِمَهُ اللهُ سَنَةَ 275 هـ 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: أَحْمَدُ بْنِ حَنْبَل، وَإِسْحَاقَ بْنُ رَاهَوَيْه، مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَد، وَعَلِيُّ بْنُ المَدِينيّ، وَعَلِيُّ بْنُ الجَعْد، وَيحْيىَ بْنُ مَعِيْن، أَبُو الوَلِيْدِ الطَّيَالِسِيّ، وَمحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ الدُّولاَبيِّ، وَمحَمَّدُ بْنُ المِنهَال، وَالقَعْنَبيّ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ حَرْب، أَحْمَدُ بْنُ يُوْنُس، وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوْسَى 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: الإِمَامُ التِّرْمِذِيّ، وَالإِمَامُ النَّسَائِيّ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبي الدُّنْيَا، وَأَبُو بِشْرٍ الدُّوَلاَبِيُّ الحَافِظ، وَمحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الفِرْيَابِيّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ محَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عُثْمَانَ الآجُرِّيُّ الحَافِظ، وَأَبُو عَوَانَة ـ قَالُواْ عَنْ كَثْرَةِ حِفْظِهِ: قَالَ يُونُسُ بْنُ حَبِيب: «قَدِمَ عَلَيْنَا أَبُو دَاوُدَ وَأَمْلَى عَلَيْنَا مِن حِفْظِهِ مِاْئَةَ أَلْفِ حَدِيث»

[مِنْ كِتَابِ تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ لِلإِمَامِ ابْنِ حَجَر] ـ قَالُواْ عَنْ تَمَكُّنِهِ في عُلُومِ الحَدِيث: وَقَالَ الإِمَامُ المُحَدِّثُ الحَسَنُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ الحَسَنِ الصَّاغَانِيّ: «لُيِّنَ لأَبي دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيِّ الحَدِيْث؛ كَمَا لُيِّنَ لِدَاوُدَ الحَدِيْد» 0 قَالَ الحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللهِ ابْنُ مَنْدَة: «الَّذِيْنَ خَرَّجُواْ وَمَيَّزُواْ الثَّابِتَ مِنَ المَعْلُول، وَالخَطَأَ مِنَ الصَّوَاب: أَرْبَعَة: الْبُخَارِيّ، وَمُسْلِم، ثُمَّ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ» 0

ـ ثَنَاءُ الأَئِمَّهِ عَلَيْه، وَانْبِهَارُهُمْ بِعَبْقَرِيَّتِهِ النَّادِرَة: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ النَّيْسَابُورِيُّ صَاحِبُ المُسْتَدْرَك: «أَبُو دَاوُدَ إِمَامُ أَهْلِ الحَدِيْثِ في عَصْرِهِ بِلاَ مُدَافَعَة، سَمِعَ بِمِصْرَ وَالحِجَازِ وَالشَّامِ وَالعِرَاقَيْن [أَيِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَة] وَخُرَاسَان» وَقَالَ أَبُو حَاتمٍ ابْنُ حِبَّان: «أَبُو دَاوُدَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَحَدُ أَئِمَّةِ الدُّنْيَا فِقْهاً وَعِلْماً وَحِفْظاً، وَنُسْكاً وَوَرَعَاً وَإِتْقَانَاً، جَمَعَ وَصَنَّفَ وَذَبَّ عَنِ السُّنَن» 0

ـ كِتَابَتُهُ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ لِلسُّنَن: قَالَ الإِمَامُ أَبُو دَاوُدَ رَحمَهُ الله: «كَتَبْتُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسَمِاْئَةِ أَلْفِ حَدِيث، انْتَخَبْتُ مِنهَا مَا ضَمَّنْتُهُ هَذَا الْكِتَاب ـ أَيِ السُّنَن ـ جَمَعْتُ فِيهِ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ وَثَمَانِمِاْئَةِ حَدِيث، ذَكَرْتُ الصَّحِيْحَ، وَمَا يُشْبِهُهُ وَيُقَارِبُه» 0

ـ قَالُواْ عَنِ السُّنَن: قَالَ محَمَّدُ بْنُ مَخْلَد: «لَمَّا صَنَّفَ رَحِمَهُ اللهُ كِتَابَ السُّنَنِ وَقَرَأَهُ عَلَى النَّاس: صَارَ كِتَابُهُ لأَصْحَابِ الحَدِيْثِ كَالمُصْحَفِ يَتَّبِعُونَهُ وَلاَ يخَالِفُوْنَه، وَأَقَرَّ لَهُ أَهْلُ زَمَانِهِ بِالحِفْظِ وَالتَّقَدُّم فِيه» 0

ـ حُبُّهُمْ لِلإِمَامِ أَبي دَاوُدَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: قَالَ الْقَاضِي أَحْمَدُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ اللَّيْث: «جَاءَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ التُّسْتَرِيُّ الزَّاهِدُ إِلىَ أَبي دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيّ؛ فَقِيل: يَا أَبَا دَاوُد؛ هَذَا سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ جَاءَكَ زَائِراً؛ فَرَحَّبَ بِهِ وَأَجْلَسَهُ، فَقَالَ سَهْل: يَا أَبَا دَاوُد؛ لي إلَيْكَ حَاجَة؛ قَالَ وَمَا هِيَ 00؟ قَال: حَتىَّ تَقُوْلَ قَدْ قَضَيْتُهَا؛ مَعَ الإِمَكَان؛ قَالَ نَعَمْ، قَال: أَخْرِجْ إِليَّ لِسَانَكَ الَّذِي تُحَدِّثُ بِهِ أَحَادِيْثَ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتىَّ أُقَبِّلَه؛ فَأَخْرَجَ إِلَيْهِ لِسَانَهُ فَقَبَّلَه» 0

ـ قَالُواْ عَنْ تَمَكُّنِهِ في عُلُومِ الحَدِيث: قَالَ عَنهُ الحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الخَلاَّل: «أَبُو دَاوُدَ الإِمَامُ المُقَدَّمُ في زَمَانِهِ؛ رَجُلٌ لَمْ يَسْبِقْهُ إِلىَ مَعْرِفَتِهِ بِتَخْرِيجِ العُلُوْمِ وَبَصَرِهِ بِمَوَاضِعِهِ أَحَدٌ في زَمَانِه» 0 وَقَالَ عَنهُ أَحْمَدُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ يَاسِين: «كَانَ أَبُو دَاوُدَ رَحمَهُ اللهُ أَحَدَ حُفَّاظِ الإِسْلاَمِ لحَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِلْمِهِ وَعِلَلِهِ وَسَنَدِه» 0

ـ قَالُواْ عَنْ صَلاَحِهِ وَتَقْوَاه، وَخَوْفِهِ مِنَ الله: قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الحَافِظُ مُوْسَى بْنُ هَارُوْن: «مَا رَأَيْتُ أَفْضَلَ مِن أَبي دَاوُد» وَقَالَ عَنهُ أَحْمَدُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ يَاسِين: «كَانَ أَبُو دَاوُدَ رَحمَهُ اللهُ في أَعْلَى دَرَجَةِ النُّسْكِ وَالعَفَافِ وَالصَّلاَحِ وَالوَرَع، مِنْ فُرْسَانِ الحَدِيْث» وَقَالَ عَنهُ الحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الخَلاَّل: «رَجُلٌ وَرِعٌ مُقَدَّم، سَمِعَ مِنهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلَ حَدِيْثاً وَاحِدَاً كَانَ أَبُو دَاوُدَ يَذْكُرُه» 0

أبو داود الطيالسي

أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيّ هُوَ الإِمَامُ الحَافِظُ الْكَبِيرُ صَاحِبُ المُسْنَدِ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ الجَارُودِ الْبَصْرِيّ وُلِدَ سَنَةَ 131 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 203 هـ 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: سَمِعَ شُعْبَةَ بْنَ الحَجَّاج، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيّ، وَبِسْطَامَ بْنَ مُسْلِم، وَأَبَا خَلْدَةَ خَالِدَ بْنَ دِينَار، وَقُرَّةَ بْنَ خَالِد، وَالحَمَّادَيْن، وَابْنَ أَبي ذِئْب، وَزَائِدَة، وَإِسْرَائِيلَ بْنَ يُونُس، وَهَمَّامَ بْنَ يحْيىَ 0

وَسَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ المُبَارَك، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَة، وَخَلْقَاً سِوَاهُمْ، وَقِيلَ إِنَّهُ لَقِيَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَوْن ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: رَوَى عَنهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل، وَعَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ الْفَلاََّس، وَمحَمَّدُ بْنُ بَشَّار، وَيَعْقُوبُ الدَّوْرَقِيّ، وَعَبَّاسٌ الدُّورِيّ، وَأَحْمَدُ بْنُ الْفُرَات، وَخَلْقٌ كَثِير 0 ـ رِحْلَتُهُ في طَلَبِ الْعِلْم: حَدَّثَ عَامِرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الأَصْبَهَانيُّ عَن أَبي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «كَتَبْتُ عَن أَلْفِ شَيْخ» 0

ـ قَالُواْ في تَوْثِيقِهِ: حَدَّثَ أَحْمَدُ بْنُ الْفُرَاتِ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَالَ عَن أَبي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيّ: «ثِقَةٌ صَدُوق» 0 وَقَالَ عَنهُ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْعِجْلِيّ: «أَبُو دَاوُدَ ثِقَة، كَثِيرُ الحِفْظ» 0 وَقَالَ عَنهُ الإِمَامُ النَّسَائِيّ: «ثِقَةٌ مِن أَصْدَقِ النَّاسِ لَهْجَةً» 0 وَقَالَ عَنهُ ابْنُ عَدِيٍّ في الْكَامِل: «مُتَيَقِّظٌ ثَبْت» 0

قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «اسْتَشْهَدَ بِهِ الإِمَامُ الْبُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ» 0 ـ قَالُواْ في المُفَاضَلَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمَا: قَالَ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيد: «سَأَلْتُ يحْيىَ بْنَ مَعِينٍ عَن أَصْحَابِ شُعْبَةَ بْنِ الحَجَّاجِ فَقُلْتُ: أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَوْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيّ 00؟ فَقَال: أَبُو دَاوُدَ أَعْلَمُ بِه» 0

قَالَ أَحْمَدُ بْنُ الْفُرَاتِ رَحمَهُ الله: «مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً أَكْثَرَ في شُعْبَةَ مِن أَبي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيّ» 0 قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «أَبُو دَاوُدَ هُوَ أَصْدَقُ النَّاس» 0 ـ قَالُواْ عَن حِفْظِهِ: قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ: «كَانَ شُعْبَةُ بْنُ الحَجَّاجِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ يُحَدِّث؛ فَإِذَا قَامَ قَعَدَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ وَأَمْلَى مِن حِفْظِهِ مَا مَرَّ في المَجْلِس» 0

حَدَّثَ أَبُو حَفْصٍ الْفَلاََّس عَن أَبي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «أَسْرُدُ ثَلاَثِينَ أَلْفَ حَدِيثٍ وَلاَ فَخْر، وَفي صَدْرِي اثْنَا عَشَرَ أَلْفَاً لِعُثْمَانَ الْبُرِّيّ؛ مَا سَأَلَني عَنهَا أَحَدٌ مِن أَهْلِ الْبَصْرَة؛ فَخَرَجْتُ إِلىَ أَصْبَهَانَ فَبَثَثْتُهَا فِيهِمْ» 0 قَالَ عُمَرُ بْنُ شَبَّة: «كَتَبُواْ عَن أَبي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ بِأَصْبَهَانَ أَرْبَعِينَ أَلْفَ حَدِيث، وَكَانَ لَيْسَ مَعَهُ كِتَاب» 0

قَالَ أَبُو حَفْصٍ الْفَلاََّس: «مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً أَحْفَظَ مِن أَبي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيّ» قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ مُعَلِّقَاً: «قَالَ مِثْلَ هَذَا وَقَدْ صَحِبَ يحْيىَ بْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّان، وَعَبْدَ الرَِّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ، وَرَافَقَ عَلِيَّ بْنَ المَدِينِيّ» 0 حَدَّثَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ النَّضْرِ عَن عَلِيِّ بْنَ المَدِينيِّ [شَيْخِ الإِمَامِ الْبُخَارِيِّ] عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ قَال: «مَا رَأَيْتُ أَحْفَظَ مِن أَبي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيّ» 0

قَالَ وَكِيعُ بْنُ الجَرَّاح: «مَا بَقِيَ أَحَدٌ أَحْفَظَ لِحَدِيثٍ طَوِيلٍ مِن أَبي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيّ؛ فَذُكِرَ ذَلِكَ لأَبي دَاوُدَ غَفَرَ اللهُ لَهُ فَقَال: قُلْ لَهُ: وَلاَ قَصِير» 0 ـ ثَنَاءُ الأَئِمَّهِ عَلَيْه، رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ: حَدَّثَ حَفْصُ بْنُ عُمَرَ المِهْرِقَانيُّ عَنْ وَكِيعِ بْنِ الجَرَّاحِ قَال: «أَبُو دَاوُدَ جَبَلُ الْعِلْم» 0 ـ بُكَاءُ طُلاَِّبِهِ عَلَيْه، رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ: حَدَّثَ عَبْدُ اللهِ بْنُ محَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْقَزْوِينيُّ عَن إِبْرَاهِيمَ الأَصْبَهَانيِّ عَنْ بُنْدَارٍ رَحمَهُ اللهُ قَال: «مَا بَكَيْتُ عَلَى أَحَدٍ مِنَ المُحَدِّثِينَ مَا بَكَيْتُ عَلَى أَبي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيّ»

الإمام الترمذي

الإِمَامُ التِّرْمِذِيّ هُوَ الإِمَامُ الحَافِظُ الْعَلَمُ محَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ يَزِيدَ بْنِ سَوْرَة السُّلَمِيُّ التِّرْمِذِيّ وُلِدَ سَنَةَ 210 هـ، وَتُوُفِّيَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ سَنَةَ 279 هـ 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: حَدَّثَ عَنِ الإِمَامِ الْبُخَارِيِّ وَعَنْ شَيْخِهِ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيد، وإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْه، وَأَبي كُرَيْب، وَأَحْمَدَ بْنِ مَنِيع، وَأَبي مُصْعَبٍ الزُّهْرِيّ، وَعَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ الْفَلاََّس، وإِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الهَرَوِيّ، وَهَنَّادِ بْنِ السَّرِيّ، وَيُوسُفَ بْنِ حَمَّادٍ المَعْنيّ، وَسُوَيْدِ بْنِ نَصْرٍ المَرْوَزِيّ، وَهِشَامِ بْنِ عَمَّار 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّث عَنهُ أَسَدُ بْنُ حَمْدَوَيْه النَّسَفِيّ، وحَمَّادُ بْنُ شَاكِرٍ الْوَرَّاق، وَالرَّبِيعُ بْنُ حَيَّانَ الْبَاهِلِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ نَصْر، وَعَبْدُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ محْمُودٍ النَّسَفِيّ، وَعَلِيُّ بْنُ عُمَرَ بْنِ كُلْثُومٍ السَّمَرْقَنْدِيّ ـ قَالُواْ عَن حِفْظِهِ وَجَمْعِهِ وَتَدْوِينِهِ لِلْحَدِيثِ النَّبَوِيّ: قَالَ عَنهُ الإِمَامُ ابْنُ حِبَّانَ في «الثِّقَات»: «كَانَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ مِمَّنْ جَمَعَ وَصَنَّفَ وحَفِظَ وذَاكَر» 0 قَالَ أَبُو سَعْدٍ الإِدْرِيسِيّ: «كَانَ أَبُو عِيسَى يُضْرَبُ بِه المَثَلُ في الحِفْظ» 0

ـ قَالُواْ عَن عِلْمِهِ وَمُؤَلَّفَاتِه رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ ابْنُ تَيْمِيَةَ في الْفَتَاوَى عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَهُ في الدُّنيَا وَالآخِرَة: «أَوَّلُ مَن عُرِفَ أَنَّهُ قَسَّمَ الحَدِيثَ إِلىَ ثَلاَثَةِ أَقْسَام «صَحِيح، وَحَسَن، وَضَعِيف»: هُوَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ في جَامِعِه» 0 [الْفَتَاوَى الْكُبْرَى لِشَيْخِ الإِسْلاَمِ ابْنِ تَيْمِيَة]

قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «صَنَّفَ الجَامِعَ وَكِتَابَ الْعِلَل» 0 قَالَ اِبْنُ طَاهِرٍ في كِتَابِهِ «المَنثَوْر»: «سَمِعْتُ شَيْخَ الإِسْلاَمِ الأَنْصَارِيَّ يَقُول: «جَامِعُ» التِّرْمِذِيِّ أَنْفَعُ مِنْ كِتَابِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِم؛ لأَنَّهُمَا لاَ يَقِفُ عَلَى الْفَائِدَةِ مِنهُمَا إِلاََّ المُتَبَحِّرُ الْعَالِم، وَ «الجَامِعُ» يَصِلُ إِلىَ فَائِدَتِهِ كُلُّ أَحَد»

ـ قَالُواْ عَنْ كَثْرَةِ بُكَائِهِ مِن خَشْيَةِ الله: قَالَ الحَاكِم: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ عَلَّك يَقُول: مَاتَ الْبُخَارِيُّ فَلَمْ يُخَلِّفْ بِخُرَاسَانَ مِثْلَ أَبي عِيسَى في الْعِلْمِ وَالحِفْظِ وَالوَرَعِ وَالزُّهْد، بَكَى حَتىَّ عَمِيَ وَبَقِيَ ضَرِيرَاً» 0

الإمام ابن ماجة

الإِمَامُ ابْنُ مَاجَة هُوَ الإِمَامُ الحَافِظُ الحُجَّةُ المُفَسِّرُ أَبُو عَبْدِ اللهِ محَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ مَاجَةَ الْقَزْوِينيُّ صَاحِبُ «السُّنَن» وَ «التَّارِيخِ» وَ «التَّفْسِيرِ»، وَحَافِظُ قَزْوِينَ في عَصْرِه وُلِدَ سَنَةَ 209 هـ، وَتُوُفِّيَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ في رَمَضَانَ سَنَةَ 273 هـ، قَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ: «عَرَضْتُ هَذِهِ «السُّنَنَ» عَلَى أَبي زُرْعَةَ الرَّازِي؛ فَنَظَر فِيهَا وَقَال: أَظُنُّ إِنْ وَقَعَ هَذَا في أَيْدِي النَّاسِ تَعَطَّلَتْ هَذِهِ الجَوَامِعُ أَوْ أَكْثَرُهَا، ثُمَّ قَال: لَعَلَّ لاَ يَكُونُ فِيهِ تَمَامُ ثَلاَثِينَ حَدِيثَاً، مِمَّا في إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ، أَوْ نَحْوُ ذَلِك» 00 وَهَذَا الَّذِي قَدَّرَهُ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي هُوَ الحَدِيثُ الشَّدِيدُ الضَّعْف، أَمَّا مِنْ وِجْهَةِ نَظَرِ الإِمَامِ الذَّهَبيّ: فَالْعَدَدُ يَرْبُو عَلَى الأَلْف

الإمام النسائي

الإِمَامُ النَّسَائِيّ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ عَلِيٍّ هُوَ الإِمَامُ الحَافِظُ نَاقِدُ الحَدِيثِ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ الخُرَاسَانيّ وُلِدَ بِنَسَا [تَقَعُ شَرْقَ إِيرَان] سَنَةَ 303 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 95 هـ 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: سَمِعَ مِن إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْه، وَهِشَامِ بْنِ عَمَّار، وَأَحْمَدَ بْنِ مَنِيع، وَبِشْرِ بْنِ هِلاَلٍ الصَّوَّاف، وَالحَارِثِ بْنِ مِسْكِين، وَالْبَزَّار، وَعَمْرو بْنِ عَلِيٍّ الْفَلاََّس، وَمحَمَّدِ بْنِ بَشَّار، وَمحَمَّدِ بْنِ قُدَامَةَ المَصِّيصِيّ، وَمحَمَّدِ بْنِ المُثَنىّ، وَنَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيّ، وَهَنَّادِ بْنِ السَّرِيّ، وَيَعْقُوبَ الدَّوْرَقِيّ 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ عَنهُ أَبُو بِشْرٍ الدُّولاَبيّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيّ، وَأَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُورِيّ، وَالإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الطَّبَرَانيّ، وَخَلْقٌ كَثِيرٌ 0 ـ قَالُواْ عَنْ صِفَاتِهِ الشَّكْلِيَّةِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ عَنْ صِفَاتِهِ: «كَانَ شَيْخَاً مَهِيبَاً مَلِيحَ الْوَجْهِ ظَاهِرَ الدَّمِ حَسَنَ الشَّيْبَة» 0

ـ رِحْلَتُهُ في طَلَبِ الْعِلْم رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحمَهُ الله: «جَالَ في طَلَبِ الْعِلْمِ في خُرَاسَان، وَالحِجَاز، وَمِصْر، وَالعِرَاق، وَالجَزِيرَة، وَالشَّام، أَيِ في المُدُنِ السَّوَاحِلِيَّة، ثمَّ اسْتَوْطَنَ مِصْر، وَرَحَلَ الحُفَّاظُ إِلَيْه» 0 ـ ثَنَاءُ الأَئِمَّهِ عَلَيْه، رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ: قَالَ الحَاكِم: «مَنْ نَظَرَ في «سُنَنِهِ»: تَحَيَّرَ في حُسْنِ كَلاَمِه» 0 قَالَ الحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُورِيّ: «أَخْبَرَنَا الإِمَامُ في الحَدِيثِ بِلاَ مُدَافَعَةٍ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيّ» 0

قَالَ الإِمَامُ الدَّارَقُطْنيّ: «كَانَ أَبُو بَكْرٍ بْنُ الحَدَّادِ لاَ يُحَدِّثْ إِلاَّ عَنِ النَّسَائِيِّ وَيَقُول: رَضِيْتُ بِهِ حُجَّةً بَيْني وَبَيْنَ اللهِ تَعَالىَ» 00 أَيِ ائْتَمَنْتُهُ أَن آخُذَ عَنهُ دِيني 0 ـ ثَنَاءُ الدَّارَقُطْنيِّ عَلَيْه: قَالَ عَنهُ أَبُو الحَسَنِ الدَّارَقُطْنيّ: «أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُقَدَّمٌ عَلَى كُلِّ مَنْ يُذْكَرُ بِهَذَا الْعِلْمِ مِن أَهْلِ عَصْرِه» 0

ـ ثَنَاءُ الإِمَامِ الذَّهَبيِّ عَلَيْه: قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «كَانَ مِنْ بُحُورِ الْعِلْم، مَعَ الْفَهْمِ وَالإِتْقَان، وَالبَصَرِ وَنَقْدِ الرِّجَالِ وَحُسْنِ التَّأْلِيف» 0 ـ قَالُواْ عَنْ مَعْرِفَتِهِ بِعِلَلِ الحَدِيثِ وَبَصَرِهِ بِالرِّجَالِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَهُ في الدُّنيَا وَالآخِرَة: «هُوَ أَحْذَقُ بِالحَدِيثِ وَعِلَلِهِ وَرِجَالِهِ مِنْ مُسْلِم، وَمِن أَبي دَاوُد، وَمِن أَبي عِيسَى التِّرْمِذِيّ، وَهُوَ جَارٍ في مِضْمَارِ الْبُخَارِي، وَأَبي زُرْعَةَ الرَّازِي» 0

قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الدَّارَقُطْنيّ: «كَانَ أَفْقَهَ مَشَايِخِ مِصْرَ في عَصْرِهِ وَأَعْلَمَهُمْ بِالحَدِيثِ وَالرِّجَال» 0 قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «لَمْ يَبْقَ لَهُ نَظِيرٌ في هَذَا الشَّأْن» قَالَ الحَافِظُ ابْنُ طَاهِرٍ: قَالَ سَعْدُ بْنُ عَلِيٍّ الزِّنْجَانيّ: «لأَبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ شَرْطَاً في الرِّجَالِ أَشَدَّ مِنْ شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمَا» 0 قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ مُعَلِّقَاً عَلَى هَذَا: «صَدَقَ؛ فَإِنَّهُ لَيَّنَ جَمَاعَةً مِنْ رِجَالِ صَحِيحَيِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِم» 0

ـ قَالُواْ عَن حِفْظِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ: قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحمَهُ الله: «لَمْ يَكُن أَحَدٌ في رَأْسِ الثَّلاَثِمِاْئَةٍ أَحْفَظ مِنَ النَّسَائِيّ» ـ أَشْهَرُ مُؤَلَّفَاتِه رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: صَنَّفَ «مُسْنَدَ عَلِيّ» وَكِتَابَاً حَافِلاً في الْكُنىَ، وَكِتَاب «خَصَائِص عَلِيٍّ» وَهُوَ دَاخِلٌ في «سُنَنِهِ الْكَبِير» وَكَذَلِكَ كِتَابُ «عَمَل يَوْمٍ وَليْلَة 0 مُجَلَّد»، هُوَ مِن جُمْلَةِ «السُّنَنِ الْكَبِيرِ» وَلَهُ كِتَابُ «التَّفْسِير 0 مُجَلَّد»، وَكِتَابِ «الضُّعَفَاء» وَأَشْيَاء 0

ـ خَبَرُ وَفَاتِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ وَحُسْنُ خَاتِمَتِه: قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الدَّارَقُطْنيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «قَتَلَهُ خَوَارِجُ دِمَشْق، وَأَدْرَكَ الشَّهَادَة، وَأَوْصَى فَقَال: احْمِلُوني إِلىَ مَكَّة؛ فَحُمِلَ وَتُوُفِّيَ بِهَا، وَهُوَ مَدْفُونٌ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَة، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ في شَعْبَانَ سَنَةَ 303 هـ» 0

الإمام الدارمي

الإِمَامُ الدَّارِمِيّ هُوَ الإِمَامُ الحَافِظُ أَبُو محَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْفَضْلِ التَّمِيمِيُّ السَّمَرْقَنْدِيُّ الدَّارِمِيّ 0 وُلِدَ سَنَةَ 181، تُوُفِّيَ يَوْمَ التَّروِيَةِ وَدُفِنَ يَوْمَ عَرَفَةَ الجُمُعَة سَنَةَ 255 هـ 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: حَدَّثَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُون، وَالنَّضْرِ بْنِ شُمَيْل، وَأَبي عَاصِمٍ النَّبِيل، وَعُبَيْدِ اللهِ بْنِ مُوسَى، وَأَبي مُسْهِرٍ الْغَسَّانيّ، وَمحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْفِرْيَابيّ، وَعَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِث، وَأَبي نُعَيْم، وَعَفَّانَ بْنِ مُسْلِم، وَأَبي الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيّ، وَالإِمَامِ مُسْلِم، وَخَلْقٍ آخَرِين 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ الإِمَامُ مُسْلِم، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَرَجَاءُ بْنُ مُرَجَّى، وَمحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ بُنْدَار، وَمحَمَّدُ بْنُ يحْيىَ وَهُمْ أَكْبَرُ مِنهُ، وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي، وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِي، وَصَالِحُ بْنُ محَمَّدٍ جَزَرَة، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبي طَالِب، وَجَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ فَارِس، وَجَعْفَرٌ الْفِرْيَابيّ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَد، وَمحَمَّدُ بْنُ النَّضْرِ الجَارُودِيّ، وَعِيسَى بْنُ عُمَرَ السَمَرْقَنْدِيُّ رَاوِي «مُسْنَدِهِ» عَنه، وَآخَرُون 0

ـ قَالُواْ عَن حِفْظِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ: قَالَ رَجَاءُ بْنُ مُرَجَّى: «رَأَيْتُ سُلَيْمَانَ الشَّاذَكُونيَّ، وَإِسْحَاقَ بْنَ رَاهَوَيْه رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمَا وَسَمَّى جَمَاعَةً؛ فَمَا رَأَيْتُ أَحْفَظَ مِن عَبْدِ اللهِ الدَّارِمِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه» 0 قَالَ محَمَّدُ بْنُ بَشَّار [مِنْ شُيُوخِ الْبُخَارِيّ]: «حُفَّاظُ الدُّنْيَا أَرْبَعَةٌ: أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي، وَمُسْلِمٌ بِنَيْسَابُور، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِسَمَرْقَنْد، وَمحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بِبُخَارَى» 0

قَالَ نُعَيْمُ بْنُ نَاعِم: سَمِعْتُ محَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ يَقُول: «غَلَبَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ بِالحِفْظِ وَالوَرَع» 0 ـ قَالُواْ عَنْ بَصَرِهِ بِالرِّجَالِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ سُلَيْمَانَ الْبَلْخِيّ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنْ يحْيىَ الحِمَّانيِّ فَقَال: «تَرَكْنَاهُ لِقَوْلِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَن؛ إِنَّهُ إِمَام» 00 أَيْ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيّ 0

ـ ثَنَاءُ الأَئِمَّهِ عَلَيْه، رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ: رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبي حَاتِمٍ الرَّازِي عَن أَبِيهِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ قَال: «عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَن: إِمَامُ أَهْلِ زَمَانِه» 0 قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْوَرَّاق: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الأَشَجَّ يَقُول: «عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِمَامُنَا» 0 ـ قَالُواْ عَنْ وَرَعِهِ وَصَلاَحِهِ وَتَقْوَاه، وَحُسْنِ عِبَادَتِهِ لله:

قَالَ عَنهُ محَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَنْصُورٍ الشِّيرَازِيّ: «كَانَ عَبْدُ اللهِ عَلَى غَايَةٍ مِنَ الْعَقلِ وَالدِّيَانَة، يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ في الحِلْمِ وَالدِّرَايَة، وَالحِفْظِ وَالعِبَادَةِ وَالزَّهَّادَة، أَظْهَرَ عِلْمَ الحَدِيثِ وَالآثَارَ بِسَمَرْقَنْد، وَذَبَّ عَنهَا الْكَذِب، وَكَانَ مُفَسِّرَاً كَامِلاً، وَفَقِيهَاً عَالِمَاً» 0 قَالَ أَبُو حَاتمٍ الرَّازِي عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ:

«كَانَ الإِمَامُ الدَّارِمِيُّ مِنَ الحُفَّاظِ المُتْقِنِين، وَأَهْلِ الْوَرَعِ في الدِّين، مِمَّن حَفِظَ وَجَمَعَ وتَقَفَّهَ وَصَنَّفَ وَحَدَّث، أَظْهَرَ السُّنَّةَ بِبَلَدِهِ وَدَعَا إِلَيْهَا، وَذَبَّ عَن حَرِيمِهَا، وَقَمَعَ مَن خَالفَهَا» 0 قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيب: «كَانَ أَحَدَ الرَّحَّالِينَ في الحَدِيث، وَالمَوصُوفِينَ بِحِفْظِهِ وَجَمْعِهِ وَالإِتْقَانِ فِيه، مَعَ الثِّقَةِ وَالصِّدْق، وَالوَرَعِ وَالزُّهْد، وَاسْتُقْضِيَ عَلَى سَمَرْقَنْدَ فَأَبَى، فَأَلَحَّ السُّلْطَانُ عَلَيْهِ حَتىَّ يُقَلِّدَهُ، فَقَضَى قَضِيَّةً

وَاحِدَةً ثمَّ اسْتَعْفَى فَأُعْفِيَ، وَكَانَ عَلَى غَايَةِ الْعَقلِ وَنِهَايَةِ الْفَضْل، يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ في الدَّيَانَةِ وَالحِلْمِ وَالرَّزَانَة، وَالاِجْتِهَادِ وَالعِبَادَةِ وَالزَّهَادِة، وَالتَّقَلُّلِ مِنَ الدُّنيَا، صَنَّفَ «المُسْنَدَ» وَ «التَّفْسِيرَ» وَ «الجَامِع»» 0 ـ قَالُواْ عَنْ زُهْدِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: بَلَغَنَا عَن أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ ذَكَرَ الإِمَامَ الدَّارِمِيَّ فَقَال: «عُرِضَتْ عَلَيْهِ الدُّنْيَا فَلَمْ

يَقْبَلْ» 0 ـ حُزْنُ الإِمَامِ الْبُخَارِيِّ عَلَيْه: قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ خَلَف: «كُنَّا عِنْدَ محَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيّ؛ فَوَرَدَ عَلَيْهِ كِتَابٌ فِيهِ نَعْيُّ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَن؛ فَنَكَّسَ رَأْسَهُ، ثمَّ رَفَعَ وَاسْتَرْجَعَ، وَجَعَلَ رَحمَهُ اللهُ: تَسِيلُ دُمُوعُهُ عَلَى خَدَّيْه، ثمَّ أَنْشَأَ يَقُول: إِنْ تَبْقَ تُفْجَعْ بِالأَحِبَّةِ كُلِّهِمْ ... وَفَنَاءُ نَفْسِكَ لاَ أَبَاً لَكَ أَفْجَعُ» 0

الإمام ابن خزيمة

الإِمَامُ ابْنُ خُزَيْمَة هُوَ الإِمَامُ الحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ محَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ صَالِحِ بْنِ بَكْرٍ السُّلَمِيُّ النَّيْسَابُورِيّ 0 وُلِدَ سَنَةَ 223 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 311 هـ 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: سَمِعَ مِن إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْه، وَمحْمُودِ بْنِ غَيْلاَن، وَأَحْمَدَ بْنِ مَنِيع، وَأَبي كُرَيْب، وَأَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيّ، وَأَبي سَعِيدٍ الأَشَجّ، وَمحَمَّدِ بْنِ بَشَّار، وَمحَمَّدِ بْنِ مُثَنىَّ، وَيُونُسَ بْنِ عَبْدِ الأَعْلَى، وَأُمَمٍ سِوَاهُمْ 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ الإِمَامُ الْبُخَارِيّ، وَمُسْلِمٌ في غَيْرِ «الصَّحِيحَيْن»، وَالإِمَامُ ابْنُ حِبَّان، وَابْنُ عَدِيّ، وَمحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الحَكَمِ أَحَدُ شُيُوخِهِ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبي طَالِب، وَأَبُو الْعَبَّاسِ الدَّغُولِيّ 0 ـ قَالُواْ عَن حِفْظِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ: قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الحَافِظ: «كَانَ الإِمَامُ ابْنُ خُزَيْمَةَ رَحمَهُ اللهُ يَحْفَظُ الْفِقْهِيَّاتِ مِن حَدِيثِهِ كَمَا يَحْفَظُ الْقَارِئُ السُّورَة» 0

ـ قَالُواْ عَنْ سَعَةِ عِلْمِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ: قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحمَهُ الله: «عُنِيَ في حَدَاثَتِهِ بِالحَدِيثِ وَالْفِقْهِ حَتىَّ صَارَ يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ في سَعَةِ الْعِلْمِ وَالإِتْقَان» 0 ـ ثَنَاءُ الأَئِمَّهِ عَلَيْه، رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ: قَالَ محَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ الطُّوسِيّ: قَالَ لَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَان: هَلْ تَعْرِفُونَ ابْنَ خُزَيْمَة 00؟ قُلْنَا: نَعَمْ؛ قَال: اسْتَفَدْنَا مِنهُ أَكْثَرَ مَا اسْتَفَادَ مِنَّا» 0 قَالَ الحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُورِيّ: «لَمْ أَرَ أَحَدَاً مِثْلَ ابْنِ خُزَيْمَة» 0

قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ مُعَلِّقَاً عَلَى هَذَا: «يَقُولُ مِثْلَ هَذَا وَقَدْ رَأَى النَّسَائِيّ» 0 قَالَ حَمْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ المُعَدَّل: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ خَالِدٍ الأَصْبَهَانيَّ يَقُول: «سُئِلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبي حَاتِمٍ عَن أَبي بَكْرٍ بْنِ خُزَيْمَةَ فقَال: وَيْحَكُمْ؛ هُوَ يُسْأَلُ عَنَّا، وَلاَ نُسْأَلُ عَنْهُ؛ هُوَ إِمَامٌ يُقْتَدَى بِه» 0 ـ ثَنَاءُ الإِمَامِ ابْنِ حِبَّانَ عَلَيْه: قَالَ عَنهُ الإِمَامُ ابْنُ حِبَّان:

«مَا رَأَيْتُ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مَنْ يحْفَظُ صِنَاعَةَ السُّنَنِ وَيحْفَظُ أَلْفَاظَهَا الصِّحَاحَ وَزِيَادَاتِهَا؛ حَتىَّ كَأَنَّ السُّنَنَ كُلَّهَا بَيْنَ عَيْنَيْه: إِلاََّ محَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ فَقَط» 0 ـ ثَنَاءُ الدَّارَقُطْنيِّ عَلَيْه: قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الدَّارَقُطْنيّ: «كَانَ ابْنُ خُزَيْمَةَ إِمَامَاً ثَبْتَاً مَعْدُومَ النَّظِير» 0 ـ قَالُواْ عَن حُسْنِ مُعْتَقَدِهِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَه:

قَالَ الحَاكِم: سَمِعْتُ محَمَّدَ بْنَ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ قَال: سَمِعْتُ ابْنَ خُزَيْمَةَ رَحمَهُ اللهُ يَقُول: «مَنْ لَمْ يُقِرَّ بِأَنَّ اللهَ عَلَى عَرْشِهِ قَدِ اسْتَوَى فَوْقَ سَبْعِ سَمَاوَاتِهِ: فَهُوَ كَافِرٌ حَلاَلُ الدَّم، وَكَانَ مَالُهُ فَيْئَاً» 0 قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ حَسَّانُ بْنُ محَمَّدٍ الْفَقِيه: سَمِعْتُ الإِمَامَ ابْنَ خُزَيْمَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ يَقُول: «القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ تَعَالىَ، وَمَنْ قَال: إِنَّهُ مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِرٌ يُسْتَتَاب؛ فَإِنْ تَابَ وَإِلاََّ قُتِلَ، وَلاَ يُدْفَنُ في

مَقَابِرِ المُسْلِمِين» 0 ـ بَعْضُ مَا رُؤِيَ عَلَيْهِ مِنَ المَنَامَاتِ الحَسَنَةِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ: قَالَ أَبُو بِشْرٍ الْقَطَّان: «رَأَى جَارٌ لاِبْنِ خُزَيْمَةَ مِن أَهْلِ الْعِلْمِ كَأَنَّ لَوْحَاً عَلَيْهِ صُورَةُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَابْنُ خُزَيْمَةَ يَصْقُلُه؛ فَقَالَ المُعَبِّر: هَذَا رَجُلٌ يُحْيِي سُنَّةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم»

قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ المَضَارِب: «رَأَيْتُ ابْنَ خُزَيْمَةَ في النَّوْمِ فَقُلْتُ: جَزَاكَ اللهُ عَنِ الإِسْلاَمِ خَيْرَاً؛ فَقَال: كَذَا قَالَ لي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ في السَّمَاء» 0 ـ قَالُواْ عَنْ يَقِينِهِ في الله، وَصِدْقِهِ في التَّوَكُّلِ عَلَى الله: قَالَ الخَطِيب: حَدَّثَني أَبُو الْفَرَجِ محَمَّدُ بْنُ عبيدِ اللهِ الشِّيرَازيُّ الخَرْجُوشِيُّ قَال:

«سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ مَنْصُورٍ الشِّيرَازِيَّ قَال: سَمِعْتُ محَمَّدَ بْنَ أَحْمَدَ الصَّحَّافَ السِّجِسْتَانيَّ قَال: سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ الْبَكْرِيَّ يَقُول: جَمَعَتِ الرِّحْلَةُ بَيْنَ محَمَّدِ بْنِ جَرِير، وَمحَمَّدِ بْنِ خُزَيْمَة، وَمحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ المَرْوَزِيّ، وَمحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ الرُّويَاني بِمِصْر؛ فَأَرْمَلُواْ [أَيْ نَفِدَ زَادُهُمْ] وَلَمْ يَبْقَ عِنْدَهُمْ مَا يقُوتُهُمْ، وَأَضَرَّ بِهِمُ الجُوع، فَاجْتَمَعُواْ لَيْلَةً في مَنْزِلٍ كَانُواْ يَأْوُونَ إِلَيْه؛ فَاتَّفَقَ رأَيُهُمْ عَلَى أَنْ

يَسْتَهِمُواْ وَيَضْربُواْ الْقُرْعَة، فَمَن خَرَجَتْ عَلَيْهِ الْقُرعَةُ سَأَلَ لأَصْحَابِهِ الطَّعَام؛ فَخَرَجَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى ابْنِ خُزَيْمَة؛ فَقَالَ لأَصْحَابِهِ: أَمْهِلُوني حَتىَّ أُصَلِّيَ صَلاَةَ الحَاجَة؛ فَانْدَفَعَ في الصَّلاَة؛ فَإِذَا هُمْ بِالشُّمُوعِ وَخَصِيٍّ مِنْ قِبَلِ وَالِي مِصْرَ يَدُقُّ الْبَاب؛ فَفَتَحُواْ؛ فَقَال: أَيُّكُمْ محَمَّدُ بْنُ نَصْر؟ فَقِيل: هُوَ ذَا؛ فَأَخْرَجَ صُرَّةً فِيهَا خَمْسُونَ دِينَارَاً فَدَفَعَهَا إِلَيْه، ثمَّ قَال: وَأَيُّكُمْ محَمَّدُ بْنُ جَرِير؟

فَأَعْطَاهُ خَمْسِينَ دِينَارَاً، وَكَذَلِكَ لِلرُّويَانيِّ وَابْن خُزَيْمَة، ثمَّ قَال: إِنَّ الأَمِيرَ كَانَ قَائِلاً بِالأَمْسِ فَرَأَى في المَنَامِ أَنَّ المَحَامِدَ جِيَاعٌ قَدْ طَوَوْا كَشْحَهُمْ [أَيْ بَاتُواْ جِيَاعَاً]؛ فَأَنْفَذَ إِلَيْكُمْ هَذِهِ الصُّرَرَ وَأَقْسَمَ عَلَيْكُمْ: إِذَا نَفِدَتْ فَابْعَثُواْ إِلَيَّ أَحَدَكُمْ» 0

الإمام ابن حبان

الإِمَامُ ابْنُ حِبَّان هُوَ الإِمَامُ الْعَلاََّمَةُ الحَافِظُ محَمَّدُ بْنُ حِبَّانَ بْنِ أَحْمَدَ التَّمِيمِيُّ الدَّارِمِيُّ الْبُسْتيّ [كُنيَتُهُ أَبُو حَاتمٍ] وُلِدَ سَنَةَ 273 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 354 هـ 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: سَمِعَ مِن أَبي عبدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيّ، وَأَبي يَعْلَى أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ المَوْصِلِيّ، وَابْنِ خُزَيْمَة، وَالسَّرَّاج، وَالمَاسَرْجِسِيّ، وَمحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ بْنُ قُتَيْبَة، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ محَمَّدِ بْنِ سَلْم، وَخَلْقٍ آخَرَ كَثِيرِين 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ مَنْدَة، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِم، وَأَبُو الحَسَنِ محَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ هَارُونَ الزَّوْزَنيّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُمْ 0 ـ نُبْذَةٌ عَنهُ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَهُ في الدُّنيَا وَالآخِرَة: قَالَ أَبُو سَعْدٍ الإِدْرِيسِيّ: «كَانَ عَلَى قَضَاءِ سَمَرْقَنْدَ زمَانَاً، وَكَانَ مِنْ فُقَهَاءِ الدِّين، وَحفَّاظِ الآثَارِ، عَالِمَاً بِالطّبِّ، وَبَالنُّجُوم [أَيْ بِالْفَلَك]، وَفُنُونِ الْعِلْم» 0

ـ قَالُواْ عَن عَدَدِ شُيُوخِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ ابْنُ حِبَّانَ في أَثنَاءِ كِتَابِ «الأَنوَاع»: «لَعَلَّنَا قَدْ كَتَبْنَا عَن أَكْثَرَ مِن أَلْفَيْ شَيْخ» 0 قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ مُعَلِّقَاً: «كَذَا فَلْتَكُنِ الهِمَم، هَذَا مَعَ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْفِقْهِ وَالعَرَبِيَّة، وَالْفَضَائِلِ الْبَاهرَة، وَكَثْرَةِ التَّصَانيْف» 0 ـ قَالُواْ في تَوْثِيقِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيب: «كَانَ ابْنُ حِبَّانَ ثِقَةً نَبِيلاً، فَهِمَاً» 00 أَيْ ذَكِيَّاً

ـ قَالُواْ عَنْ سَعَةِ عِلْمِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِم: «كَانَ ابْنُ حِبَّانَ مِن أَوْعِيَةِ الْعِلْم: في الْفِقْهِ، وَاللُّغةِ، وَالحَدِيث، وَالْوَعْظ، وَمِن عُقَلاَءِ الرِّجَال» 0 ـ قَالُواْ عَنْ مُؤَلَّفَاتِه رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ أَبُو سَعْدٍ الإِدْرِيسِيّ: «صَنَّفَ المُسْنَدَ الصَّحِيح، وَكِتَابَ «الأَنواعِ وَالتقَاسيم» وَ «التَّاريخ» وَ «الضُّعَفَاء»، وَفَقَّهَ النَّاسَ بِسَمَرْقَنْد» 0

قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيب: ذَكَرَ مَسْعُودُ بْنُ نَاصِرٍ السِّجْزِيُّ تَصَانيْفَ ابْنِ حِبَّانَ رَحمَهُ اللهُ فَقَال: «تَاريخُ الثِّقَات» وَ «عِلَلُ أَوهَامِ المُؤرخينَ 0 مجَلَّد» وَ «عِلَلُ منَاقبِ الزُّهْرِيّ 0 عِشْرُونَ جُزْءَا» وَ «عِلَلُ حَدِيثِ مَالِكٍ 0 عَشْرَةُ أَجْزَاء» وَ «عِلَلُ مَا أَسْنَدَ أَبُو حَنِيفَة 0 عَشْرَةُ أَجْزَاء» وَ «مَا خَالفَ فِيهِ سُفْيَانُ شُعْبَةَ 0 ثَلاَثَةُ أَجْزَاء» وَ «مَا خَالفَ فِيهِ شُعْبَةُ سُفْيَانَ 0 جُزْءَان» 0 «مَا انْفَرَدَ بِهِ أَهْلُ المَدِينَةِ مِنَ السُّنَنِ 0 مجَلَّد» وَ «مَا انْفَرَدَ بِهِ المَكِّيُّون 0 مجَيْلِيد» وَ «مَا انْفَرَدَ بِهِ أَهْلُ الْعِرَاق 0 مجَلَّد» وَ «مَا انفردَ بِهِ أَهْلُ خُرَاسَان 0 مجَيْلِيد» وَ «مَا انْفَرَدَ بِهِ ابْنُ عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ وَأَوْ شُعبَةُ عَنْ قَتَادَة 0 مجَيْلِيد» وَ «غَرَائِبُ الأَخبارِ 0 مجَلَّد»

وَ «غَرَائِبُ الْكُوفِيِّين 0 عَشْرَةُ أَجْزَاء» وَ «غَرَائِبُ أَهْلِ الْبَصْرَة 0 ثمَانِيَةُ أَجْزَاء» وَ «الْكِنىَ 0 مجَيْلِيد» وَ «الْفَصْلُ وَالْوَصْلُ 0 مجَلَّد» وَ «الْفَصْلُ بَيْنَ حَدِيثِ أَشْعَثَ بْنِ عَبْدِ الملكِ وَوَأَشْعَثَ بْنِ سَوَّار 0 جُزْءَان» وَ «مَوْقُوفُ مَا رُفع 0 عَشْرَةُ أَجْزَاء»، «مَنَاقِبُ مَالِك» وَ «مَنَاقِبُ الشَّافِعِيّ» وَكِتَابُ «المُعْجَمِ عَلَى المُدُن 0 عَشْرَةُ أَجْزَاء» وَ «الأَبْوَابُ المُتَفَرِّقة 0 ثَلاَثَةُ مجَلَّدَات» وَ «أَنوَاعُ الْعُلُومِ وَأَوْصَافِهَا 0 ثَلاَثَةُ مجَلَّدَات» وَ «الهدَايَةُ إِلىَ علمِ السُّنَن 0 مجَلَّد» وَ «قَبُولُ الأَخْبَار»، وَأَشْيَاء» 0

قَالَ مَسْعُودُ بْنُ نَاصِرٍ مُعَلِّقَاً عَلَى هَذَا: «وَهَذِهِ التَّوَالِيفُ إِنَّمَا يُوجَدُ مِنهَا النَّزْرُ اليَسِير؛ وَكَانَ قَدْ وَقَفَ كتُبَهُ في دَارٍ، فَكَانَ السَّبَبُ في ذهَابِهَا مَعَ تَطَاوُلِ الزَّمَانِ ضَعْفُ أَمْرِ السُّلْطَان، وَاسْتِيلاَءُ المُفْسِدِين» 0

ـ دِفَاعُ الإِمَامِ الذَّهَبيِّ عَنهُ: قَالَ أَبُو إِسْمَاعِيلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ محَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ مُؤَلِّفُ كِتَابِ «ذمِّ الْكَلاَم»: سَمِعْتُ عبدَ الصَّمدِ بْنَ محَمَّدِ بْنِ محَمَّدٍ قَال: سَمِعْتُ أَبي يَقُول: أَنْكَرُواْ عَلَى أَبي حَاتِمٍ بْنِ حِبَّانَ قَوْلَهُ «النُّبُوَّةُ الْعِلْمُ وَالعَمَل» فَحَكَمُواْ عَلَيْهِ بِالزَّنْدَقَة، وَهُجِرَ وَكُتِبَ فِيهِ إِلىَ الخَلِيفَةِ فَكَتَبَ بِقَتْلِه» 0

قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ مُعَلِّقَاً عَلَى هَذَا: «هَذِهِ حِكَايَةٌ غَرِيبَة، وَابنُ حِبَّانَ مِنْ كبارِ الأَئِمَّة، وَلَسْنَا نَدَّعِي فِيهِ الْعِصْمَةَ مِنَ الخَطَأ، لَكِنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ الَّتي أَطْلَقَهَا قَدْ يُطْلِقُهَا المُسْلِمُ وَيُطْلِقُهَا الزِّنْدِيقُ الْفَيْلَسُوف؛ فَإِطْلاَقُ المُسْلِمِ لَهَا لاَ يَنْبَغِي، لَكِنْ يُعْتَذَرُ عَنهُ فَنَقُول: لَمْ يُردْ حَصْرَ المُبْتَدَإِِ في الخَبَر، وَنَظِيرُ ذَلِكَ قولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «الحَجُّ عَرَفَة» وَمَعْلُومٌ أَنَّ الحَاجَّ لاَ يَصْيرُ بِمُجَرَّدِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ حَاجَّاً، بَلْ بَقِيَ عَلَيْهِ فُرُوضٌ وَواجِبَات، وَإِنَّمَا ذَكَرَ مُهِمَّ الحَجّ،

وَكَذَا هَذَا ذَكَرَ مُهمَّ النُّبُوَّة؛ إِذْ مِن أَكْمَلِ صِفَاتِ النَّبيِّ كَمَالُ الْعِلْمِ وَالعَمَل: فَلاَ يَكُونُ أَحَدٌ نَبِيَّاً إِلاََّ بِوجُودِهِمَا، وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ بَرَّزَ فِيهِمَا نَبِيَّاً؛ لأَنَّ النُّبُوَّةَ مَوْهِبَةٌ مِنَ الحَقِّ تَعَالىَ، لاَ حِيلَةَ لِلْعَبْدِ في اكْتِسَابِهَا، بَلْ بِهَا يَتَوَلَّدُ الْعِلْمُ اللَّدُنِّيُّ وَالعَمَلُ الصَّالِح، وَأَمَّا الْفَيْلَسُوفُ فَيَقُول: النُّبُوَّةُ مُكْتَسَبَةٌ يُنْتِجُهَا الْعِلْمُ وَالْعَمَل، فَهَذَا كُفْر، وَلاَ يُرِيدُهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِي أَصْلاً، وَحَاشَاهُ» 0

الإمام أبو يعلى

الإِمَامُ أَبُو يَعْلَى هُوَ الإِمَامُ الحَافِظُ أَبُو يَعْلَى أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ المُثَنىَّ بْنِ يحْيىَ بْنِ عِيسَى بْنِ هِلاَلٍ التَّمِيمِيُّ المَوْصِلِيُّ مُحَدِّثُ المَوْصِلِ وَصَاحِبُ «المُسْنَدِ» وَ «المُعْجَم» وُلِدَ سَنَةَ 210 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 307 هـ 0

ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: سَمِعَ مِن أَحْمَدَ بْنِ عِيسَى التُّسْتَرِيّ، وَأَحْمَدَ بْنِ مَنِيع، وَعَلِيِّ بْنِ المَدِينيّ، وَالأَزْرَقِ بْنِ عَلِيّ، وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الهَرَوِيّ، وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ محَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَة، وَمحَمَّدِ بْنِ يحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّان، وَعَمْرٍو النَّاقِد، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عَوْن، وَالحَارِثِ بْنِ سُرَيْج، وَالحَارِثِ بْنِ مِسْكِين، وَيحْيىَ الحِمَّانيّ، وَمحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْر، وَيحْيىَ بْنِ مَعِين، وَأَبي بَكْرٍ بْنِ أَبي شَيْبَة، وَعُثْمَانَ بْنِ أَبي شَيْبَة، وهُدْبَةَ بْنِ خَالِد، وَأَبي خَيْثَمَةَ زُهَيْرِ بْنِ حَرْب، وَعُبيدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيّ، وَأَبي كُرَيْب، وَعَلِيِّ بْنِ الجَعْد، وَسَعِيدِ بْنِ مُطَرّفٍ الْبَاهِلِيّ، وَسَهلِ بْنِ زَنْجَلَةَ الرَّازِيّ، وَشَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخ، وَمحَمَّدِ بْنِ مِنْهَالٍ الضَّرِير،

وَمحَمَّدِ بْنِ مِنْهَالٍ الأَنْمَاطِيّ، وَالحَسَنِ بْنِ عِيسَى بْنِ مَاسَرْجِس، وَأَبي الرَّبِيعِ الزَّهْرَانيّ، وَخَالِدِ بْنِ مِرْدَاس، وَخَلِيفَةَ بْنِ خَيَّاط، وَعَمْرِو بْنِ أَبي عَاصِمٍ النَّبِيل، وَأُمَيَّةَ بْنِ بِسْطَام، وَأَبي إِبْرَاهِيمَ التَّرْجُمَانيّ، وخَلَفِ بْنِ هِشَامٍ الْبَزَّار، وَمحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ الطَّحَّان، وَحَفْصِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الحُلْوَانيّ، وَزَكَرِيَّا بْنِ يَحْيىَ الرَّقَاشِيّ، وَخَلْقٍ كَثِيرٍ مَذْكُورِينَ في مُعْجَمِه 0 قَالَ ابْنُ المُقْرِئ: سَمِعْتُ أَبَا يَعْلَى رَحمَهُ اللهُ يَقُول: عَامَّةُ سَمَاعِي بِالبَصْرَةِ مَعَ أَبي زُرْعَة» 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ الحَافِظُ أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ في «الْكُنىَ»، وَالإِمَامُ الطَّبَرَانيّ، وَأَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَدِيٍّ [صَاحِبُ كِتَابِ الْكَامِلِ في الضُّعَفَاء]، وَابْنُ السُّنِّيّ

، وَأَبُو الشَّيْخ، وَخَلْقٌ كَثِير ـ ثَنَاءُ الإِمَامِ الذَّهَبيِّ عَلَيْه: قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيّ: «انْتَهَى إِلَيْهِ عُلوُّ الإِسْنَاد، وَازْدَحَمَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ الحَدِيث» 0 ـ قَالُواْ عَنْ فِقْهِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ: قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيّ: «أَخَذَ الْفِقْهَ عَن أَصْحَابِ أَبي يُوسُفَ صَاحِبَ أَبي حَنِيفَة» قَالَ الحَافِظُ عَبْدُ الْغَنيِّ الأَزْدِيّ: «كَانَ عَلَى رَأْيِ أَبي حَنِيفَة» 0 ـ قَالُواْ عَن حِفْظِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِم:

«كُنْت أَرَى أَبَا عَلِيٍّ الحَافِظَ مُعْجَبَاً بِأَبي يَعْلَى المَوْصِلِيِّ وَحِفْظِهِ وَإِتْقَانِهِ، وَحفْظِهِ لحَدِيثِهِ» 0 ـ قَالُواْ في تَوْثِيقِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ: وَثَّقَهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِي وَغَيْرُه» 0 قَالَ عَنهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِم: «هُوَ ثِقَةٌ مَأْمُون» 0 قَالَ السُّلَمِيّ: قَالَ عَنهُ الدَّارَقُطْنيّ: «ثِقَةٌ مَأْمُون» 0 قَالَ الحَافِظُ عَبْدُ الْغَنيِّ الأَزْدِيّ: «أَبُو يَعْلَى أَحَدُ الثِّقَاتِ الأَثْبَات» 0

ـ قَالُواْ عَنْ ضَبْطِهِ وَإِتْقَانِهِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَه: قَالَ الإِمَامُ ابْنُ حِبَّانَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «هُوَ مِنَ المُتْقِنِينَ المُوَاظِبِينَ عَلَى رِعَايَةِ الدِّين» 0 ـ قَالُواْ عَنْ صَلاَحِهِ وَحُسْنِ أَخْلاَقِهِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَه: قَالَ عَنهُ يَزِيدُ بْنُ محَمَّدٍ الأَزْدِيُّ في «تَارِيخ المَوْصِل»: «كَانَ مِن أَهْلِ الصِّدْقِ وَالأَمَانَةِ وَالدِّينِ وَالحِلْم» 0 ـ قَالُواْ عَنْ زُهْدِهِ وَإِخْلاَصِهِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَه: وَقَالَ الحَافِظُ ابْنُ عَدِيٍّ: «مَا سَمِعْتُ مُسْنَدَاً عَلَى الْوَجْهِ إِلاََّ «مُسْنَدَ أَبي يَعْلَى»؛ لأَنَّه كَانَ يُحَدِّثُ للهِ عَزَّ وَجَلّ» 0

ـ قَالُواْ عَنْ مُؤَلَّفَاتِه رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ عَنهُ يَزِيدُ بْنُ محَمَّدٍ الأَزْدِيُّ في «تَارِيخ المَوْصِل»: «صَنَّفَ المُسْنَدَ وَكُتُبَاً في الزُّهْدِ وَالرقَائِق، وَخَرَّجَ الْفَوَائِد، وَكَانَ عَاقِلاً حَلِيمَاً صَبُورَاً حَسَنَ الأَدب» 0 ـ قَالُواْ عَنْ مُسْنَدِهِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَه: قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانيّ: سَمِعْتُ إِسْمَاعِيلَ بْنَ محَمَّدِ بْنِ الْفَضْل التَّيْمِيِّ الحَافِظَ يَقُول: «مُسْنَدُ أَبي يَعْلَى: كَالبَحْر يَكُونُ مجْتَمَعَ الأَنهَار» 0

الإمام الطبراني

الإِمَامُ الطَّبَرَاني هُوَ الإِمَامُ الحَافِظُ الثِّقَةُ الرَّحَّالُ الجَوَّالُ أَبُو الْقَاسِمِ سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَيُّوبَ بْنِ مُطَيْرٍ الطَّبَرَانيّ وُلِدَ سَنَةَ 260 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 360 هـ 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: سَمِعَ مِن عَبْدِ اللهِ بْن أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَل، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ الحُسَيْنِ المَصِّيصِيّ، وَعَلِيِّ بْنِ عبدِ الصَّمد، وَعَمْرِو بْنِ أَبي سَلَمَةَ التِّنِّيسِيّ، وَرَوَى عَن أَبي زُرْعَةَ الرَّازِي الدِّمَشْقِيّ 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ عَنهُ الحَافِظُ ابْنُ عُقْدَةَ وَهُوَ مِنْ شُيُوخِه، وَابنُ مَنْدَة، وَأَبُو بَكْرٍ بْنُ مَرْدَوَيْه، وَأَبُو نُعَيْم، وَأَبُو سَعِيدٍ النَّقَّاش، وَالحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ المَرْزُبان، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ الصَّفَّار، وَآخَرُون 0 ـ قَالُواْ عَن عَدَدِ شُيُوخِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «سَمِعَ مِنْ نَحْوِ أَلْفِ شَيْخٍ أَوْ يَزِيدُون» 0

ـ قَالُواْ عَنْ سَعَةِ حِفْظِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ: سُئِلَ الحَافِظُ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الشِّيرَازِيُّ عَنِ الإِمَامِ الطَّبَرَانيِّ فَقَال: «كَتَبْتُ عَنهُ ثَلاَثَمِاْئَةِ أَلْفِ حَدِيث» 0 رَوَى أَبُو المكَارمِ اللَّبَّانُ عَن غَانِمٍ الْبُرجِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ محَمَّدِ بْنِ الهَيْثَمِ يَقُول: سَمِعْتُ أَبا جَعْفَرٍ بْنَ أَبي السَّرِيِّ قَال: قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ ابْنُ عُقدَةَ [وَكَانَ آيَةً في دِقَّةِ الحِفْظ]: «مَا أَعْرِفُ لأَبي الْقَاسِمِ [أَيِ الطَّبرَانيِّ] نَظِيرَاً» 0

قَالَ أَبُو الحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ فَارِسَ اللُّغَوِيّ: سَمِعْتُ الأُسْتَاذَ الْوَزِيرَ ابْنَ الْعَمِيدِ يَقُول: مَا كُنْتُ أَظنُّ أَنَّ في الدُّنْيَا حَلاَوَةً أَلذَّ مِنَ الرِّئَاسَةِ وَالْوَزَارَةِ الَّتي أَنَا فِيهَا؛ حَتىَّ شَاهدْتُ مُذَاكَرَةَ أَبي الْقَاسِمِ الطَّبَرَانيِّ وَأَبي بَكْرٍ الجِعَابيِّ بحَضْرَتي، فَكَانَ الطَّبَرَانيُّ يَغْلِبُ أَبَا بَكْرٍ بكَثْرَةِ حِفْظِهِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَغْلِبُ بِفِطْنَتِهِ وَذَكَائِهِ حَتىَّ ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُما، وَلاَ يَكَادُ أَحَدُهُمَا يَغْلِبُ صَاحِبَهُ؛

فَقَالَ الجِعَابيّ: عِنْدِي حَدِيثٌ لَيْسَ في الدُّنْيَا إِلاََّ عِنْدِي؛ فَقَالَ لَهُ الطَّبَرَانيُّ هَاتِهِ؛ فَقَال: حَدَّثَنَا أَبُو خَلِيفَةَ الجُمَحِيُّ قَال: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَيُّوبَ 000 وَحَدَّثَ بِحَدِيث، فَقَالَ الطَّبَرَانيّ: أَخْبَرَنَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ أَيُّوب، وَمِنيِّ سَمِعَهُ أَبُو خَلِيفَة؛ فَاسْمَعْ مِنيِّ حَتىَّ يَعْلُوَ فِيهِ إِسْنَادُك؛ فَخَجِلَ الجِعَابيّ؛ فَوَدِدْتُ أَنَّ الْوزَارَةَ لَمْ تَكُن، وَكُنْتُ أَنَا الطَّبَرَانيُّ وَفَرِحْتُ كَفَرَحِهِ: أَيْ بِالظَّفَرِ عَلَى الجِعَابيّ؛ فَقَدْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ الجِعَابيُّ آيَةً في الحِفْظِ نَادِرَةً مِنْ نَوَادِرِ الزَِّمَان» 0

ـ ثَنَاءُ الأَئِمَّهِ عَلَيْه، رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبي عَلِيٍّ المُعَدَّل: «الطَّبَرَانيُّ أَشْهَرُ مِن أَنْ يَدُلَّ عَلَى فَضْلِهِ وَعِلْمِهِ أَحَد، كَانَ وَاسِعَ الْعِلْمِ كَثِيرَ التَّصَانِيف، وَقِيلَ ذَهَبَتْ عَيْنَاهُ في آخِرِ أَيَّامِهِ» 0

ـ قَالُواْ عَنْ تَقْدِيرِ الشُّيُوخِ لَهُ: قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظ: «سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ بُنْدَارَ يَقُول: حَضَرْتُ مَجْلِسَ عَبْدَان، فَخَرَجَ ليُمْلِي؛ فَجَعَلَ المُسْتَمْلِي يَقُولُ لَهُ: إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُمْلِيَ فَيَقُول: حَتىَّ يَحْضُرَ الطَّبَرَاني؛ فَأَقْبَلَ أَبُو الْقَاسِمِ بَعْدَ سَاعَةٍ متَّزِرَاً بِإِزَارٍ مُرْتَدِيَاً بآخَرَ، وَمَعَهُ أَجْزَاء، وَقَدْ تَبِعَهُ نحْوٌ مِن عِشْرِينَ نَفْسَاً مِنَ الْغرباءِ مِنْ بلدَانٍ شَتىَّ حَتىَّ يُفيدَهُمْ الحَدِيث» 0

قَالَ أَبُو بَكْرٍ بْنُ مَرْدَوَيْه في «تَارِيخِهِ»: «لَمَّا قَدِمَ الطَّبَرَانيُّ إِلىَ أَصْبَهَانَ قبَّلَهُ أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ رُسْتُمَ الْعَامِلُ، وَضَمَّهُ إِلَيْه، وَأَنْزَلَهُ المَدِينَةَ وَأَحْسَنَ مَعُونَتَهُ، وَجَعَلَ لَهُ مَعْلُومَاً مِنْ دَارِ الخَرَاجِ فَكَانَ يَقْبِضُهُ إِلىَ أَنْ مَات» 0 ـ قَالُواْ عَنْ عِفَّتِهِ وَعِزَّةِ نَفْسِهِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَهُ في الدُّنيَا وَالآخِرَة:

قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ السُّلَمِيّ: «سَمِعْتُ الإِمَامَ الطَّبَرَانيَّ يَقُول: لَمَّا قَدِمَ أَبُو عَلِيٍّ بْنُ رُسْتُمَ بْنِ فَارِسَ دَخَلْتُ عَلَيْه؛ فَدَخَلَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْكُتَّاب؛ فَصَبَّ عَلَى رِجْلِهِ خَمْسَمِاْئَةِ دِرْهَم، فَلَمَّا خَرَجَ الْكَاتِبُ أَعْطَانيْهَا، فَلَمَّا دَخَلَتْ بْنتُهُ أُمُّ عَدْنَانَ صَبَّتْ عَلَى رِجْلِهِ خَمْسَمِاْئَةٍ؛ فَقُمْتُ؛ فَقَال: إِلىَ أَيْن 00؟ قُلْتُ: قُمْتُ لِئَلاََّ تَقُولَ جَلَسْتُ لِهَذَا؛ فَقَال: ارْفَعْ هَذِهِ أَيْضَاً، فَلَمَّا كَانَ آخِرَ أَمْرِهِ تَكَلَّمَ في أَبي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا بِبَعْضِ الشَّيْء؛ فَخَرَجْتُ وَلَمْ أَعُدْ إِلَيْهِ بَعْد» 0

ـ قَالُواْ عَنْ مُؤَلَّفَاتِه رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحمَهُ الله: «مِنْ تَوَالِيفِهِ: «المُعْجَمُ الصَّغِير 0 مُجَلَّد» عَنْ كُلِّ شَيْخٍ حَدِيث وَ «المُعْجَمُ الْكَبِير 0 ثَمَانِ مُجَلَّدَات» وَهُوَ مُعْجَمُ أَسْمَاءِ الصَّحَابةِ وَترَاجِمِهِمْ وَمَا رَوَوْهُ، لَكنْ لَيْسَ فِيهِ مُسْندُ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، وَلاَ اسْتَوْعَبَ حَدِيثَ الصَّحَابَةِ المُكْثِرِين وَ «المُعْجَمُ الأَوْسَط 0 خَمْسَ مجَلَّدَات» عَلَى مَشَايِخِهِ المُكْثِرِين، وَغَرَائِبُ مَا عِنْدَهُ عَنْ كُلِّ وَاحِد» 0

قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «وَلأَبي الْقَاسِمِ مِنَ التَّصَانيْفِ كِتَابُ «السُّنَّة 0 مُجَلَّد» وَ «الدُّعَاء 0 مُجَلَّد» وَ «الطوالاِت 0 مُجَيْلِيد» وَ «مُسْنَدِ شُعْبَةَ 0 كَبِير»، «مُسْنَدُ سُفْيَان» وَ «مَسَانيْدِ الشَّامِيِّين» وَ «التَّفْسِير 0 كَبِيرٌ جِدَّاً» وَ «الأَوَائِل» وَ «الرَّمْي» وَ «المنَاسِك» وَ «النَّوَادِر» وَ «دلاَئِلِ النُّبُوَّة 0 مُجَلَّد» وَ «عِشْرَةِ النِّسَاء»، وَأَشْيَاءُ سِوَى ذَلِكَ لَمْ نَقِفْ عَلَيْهَا،

مِنهَا: «مُسْنَدُ عَائِشَة»، «مُسْندُ أَبي هُرَيْرَة»، «مُسْندُ أَبي ذَرّ»، «مَعْرِفَةُ الصَّحَابَة» وَ «الْعِلْم»، «الرُّؤْيَة»، «فَضْلُ الْعَرَب»، «الجُود»، «الْفَرَائِض»، «منَاقِبُ أَحْمَد» وَ «كِتَابُ الأَشْرِبَة»، «كِتَابُ الأَلْوِيَةِ في خِلاَفَةِ أَبي بَكْرٍ وَعُمَر»، وَغَيْرُ ذَلِك، وَقَدْ سَمَّاهَا الحَافِظُ يحْيىَ بْنُ مَنْدَة، وَأَكْثَرُهَا مَسَانِيدُ حُفَّاظٍ لَمْ نَرَهَا» 0

قَالَ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْفَقِيه: «سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ بْنَ حَمْدَانَ وَأَبا الحَسَنِ المَدِينيَّ وَغيرَهُمَا يَقُولُون: سَمِعْنَا الطَّبَرَانيَّ يَقُول: «هَذَا الْكِتَابُ رُوحي»: يَعْني «المُعْجَمَ الأَوسطَ»» 0

إسحاق بن راهويه

إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْه هُوَ الإِمَامُ الْكَبِيرُ شَيْخُ المَشْرِقِ وَسَيِّدُ الحُفَّاظ / أَبُو يَعْقُوبَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَخْلَدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَطَرِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ غَالِبِ بْنِ رَاهَوَيْه التَّمِيمِيّ 0 وُلِدَ سَنَةَ 161 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 238 هـ 0

ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: سَمِعَ مِن عَبْدِ اللهِ بْنِ المُبَارَكِ، وَسَمِعَ الفُضَيْلَ بْنَ عِيَاض، وَمُعْتَمِرَ بْنَ سُلَيْمَان، وَعَبْدَ الرَّزَّاق، وَعَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ محَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيّ، وَأَبَا خَالِدٍ الأَحْمَر، وَسُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَة، وَعِيسَى بْنَ يُونُس، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ وَهْب، وَغُنْدَرَاً / محَمَّدَ بْنَ جَعْفَر، وَالوَلِيدَ بْنَ مُسْلِم، وَيحْيىَ بْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّان، وَوَكِيعَ بْنَ الجَرَّاحِ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنَ عُلَيَّة، وَحَفْصَ بْنَ غِيَاث، وَيَزِيدَ بْنَ هَارُون، وَيحْيىَ بْنَ آدَم، وَالنَّضْرَ بْنَ شُمَيْل، وَأَسْبَاطَ بْنَ محَمَّد، وَبَقِيَّةَ بْنَ الْوَلِيد، وَأَبَا بَكْرٍ بْنَ عَيَّاش، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيّ، وَأُمَمَاً بِخُرَاسَانَ وَالعِرَاقِ وَالحِجَازِ وَاليَمَنِ وَالشَّام 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيد، وَيحْيىَ بْنُ آدَم [وَهُمَا مِنْ شُيُوخِهِ] وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَيحْيىَ بْنُ مَعِينٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَمحَمَّدُ بْنُ يحْيىَ، وَمحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيّ، وَمُسْلِمُ بْنُ الحَجَّاجِ في «صَحِيحَيْهِمَا»، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ في «سُنَنِهِمَا»، وَمحَمَّدُ بْنُ عِيسَى السُّلَمِيُّ في «جَامِعِه» وَأَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبي طَالِبٍ، وَمُوسَى بْنُ هَارُون، وَمحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ المَرْوَزِيّ، وَجَعْفَرٌ الْفِرْيَابيّ، وَدَاوُدٌ الظَاهِرِيّ، وَالحُسَيْنُ بْنُ محَمَّدٍ الْقَبَّانيّ، وَمحَمَّدُ بْنُ النَّضْرِ الجَارُودِيّ، وَأَبُو الْعَبَّاسِ المُلَقَّبُ بِالسَّرَّاج 0 خَاتِمَةُ أَصْحَابِهِ، وَخَلْقٌ سِوَاهُمْ 0

قَالَ محَمَّدُ بْنُ رَافِع: قَالَ لي إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْه؛ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «كَتَبَ عَنيِّ يحْيىَ بْنُ آدَمَ رَحمَهُ اللهُ أَلْفَيْ حَدِيث» 0 ـ قَالُواْ عَنْ جَوْدَةِ حِفْظِهِ وَإِتْقَانِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيد: الحُفَّاظُ بِخُرَاسَان: «إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْه، ثُمَّ عَبْدُ اللهِ الدَّارِمِيّ، ثُمَّ محَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيل الْبُخَارِيّ» 0 رَوَى الحَافِظُ ابْنُ عَدِيٍّ عَنْ يحْيىَ بْنِ زَكَرِيَّا بْنِ حَيَّوَيْهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا دَاوُدَ الخَفَّافَ يَقُول:

«أَمْلَى عَلَيْنَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ أَحَدَ عَشَرَ أَلْفَ حَدِيثٍ مِن حِفْظِهِ، ثمَّ قَرَأَهَا عَلَيْنَا فَمَا زَادَ حَرْفَاً، وَلاَ نَقصَ حَرْفَاً» 0 قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبي طَالِب: «فَاتَني عَن إِسْحَاقَ مجْلِسٌ مِنْ مُسْنَدِهِ، وَكَانَ يُمِلُّهُ حِفْظَاً، فَتَرَدَّدْتُ إِلَيْهِ مِرَارَاً لِيُعِيدَهُ؛ فَتَعَذَّرَ؛ فَقَصَدْتُهُ يَوْمَاً لأَسْأَلَهُ إِعَادَتَهُ وَقَدْ حَمَلْتُ إِلَيْهِ حِنْطَةً مِنَ الرُّسْتَاقِ فَقَالَ لي: تَقُومُ عِنْدِي وَتَكْتُبُ وَزْنَ هَذِهِ الحِنْطَة؛ فَإِذَا فَرَغْتَ أَعَدْتُ لَك؛ فَفَعَلْتُ

ذَلِك؛ فَسَأَلَني عَن أَوَّلِ حَدِيثٍ مِنَ المَجْلِس، ثُمَّ اتَّكَأَ عَلَى عِضَادَةِ الْبَابِ فَأَعَادَ المجْلِسَ حِفْظَاً، وَكَانَ قَدْ أَمْلَى «المُسْنَدَ» كُلَّهُ حِفْظَاً» 0 قَالَ أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَة: سَمِعْتُ أَبَا حَاتِمٍ الرَّازِي يَقُول: «ذَكَرْتُ لأَبي زُرْعَةَ الرَّازِي حِفْظَ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه؛ فَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي: مَا رُئِيَ أَحْفَظُ مِن إِسْحَاق 00!!

ثمَّ قَالَ أَبُو حَاتمٍ الرَّازِي: وَالعَجَبُ مِن إِتْقَانِهِ وَسَلاَمَتِهِ مِنَ الْغَلَطِ مَعَ مَا رُزِقَ مِنَ الحِفْظ؛ فَقُلْتُ: إِنَّهُ أَمْلَى التَّفْسِيرَ عَنْ ظَهرِ قَلْبِهِ؛ قَال: وَهَذَا أَعْجَب؛ فَإِنَّ ضَبْطَ الأَحَادِيثِ المُسْنَدَةِ أَسْهَلُ وَأَهْوَنُ مِنْ ضَبْطِ أَسَانيْدِ التَّفْسِيرِ وَأَلْفَاظِهَا» 0 ـ كَلاَمُهُ هُوَ عَنْ مَدَى حِفْظِهِ وَإِتْقَانِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ محَمَّدُ بْنُ يحْيىَ بْنِ خَالِد: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بْنَ رَاهَوَيْهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ يَقُول:

«أَحْفَظُ أَرْبَعَةَ آلاَفِ حَدِيثٍ مُزَوَّرَة» 0 قَالَ عَلِيُّ بْنُ خَشْرَم: قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ: «مَا كُنْتُ أَسْمَعُ شَيْئَاً إِلاََّ حَفِظْتُهُ، وَكَأَنيِّ أَنْظُرُ إِلىَ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ أَلْفَ حَدِيثٍ في كُتُبي» 0 قَالَ أَبُو دَاوُدَ الخَفَّاف: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بْنَ رَاهَوَيْه؛ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ يَقُول: «لَكَأَنيِّ أَنْظُرُ إِلىَ مِاْئَةِ أَلْفِ حَدِيثٍ في كُتُبي، وَثَلاَثِينَ أَلْفَاً أَسْرُدُهَا» 0 وَعَن إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال:

«مَا سَمِعْتُ شَيْئَاً إِلاََّ وَحَفِظْتُه، وَلاَ حَفِظْتُ شَيْئَاً قَطُّ فَنَسِيتُه» 0 قَالَ أَبُو يَزِيدَ محَمَّدُ بْنُ يحْيىَ بْنِ خَالِد: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بْنَ رَاهَوَيْه؛ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ يَقُول: «أَحْفَظُ سَبْعِينَ أَلْفَ حَدِيثٍ عَنْ ظَهْرِ قَلْبي» 0 ـ قَالُواْ عَن عِلْمِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيّ: سَمِعْتُ يحْيىَ بْنَ يحْيىَ التَّمِيمِيَّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ يَقُول: «إِسْحَاقُ أَكْثَرُ عِلْمَاً مِنيِّ» 0

قَالَ أَحْمَدُ بْنُ كَامِل: أَخْبَرَنَا أَبُو يحْيىَ الشَّعْرَانيُّ قَال: «كُنْتُ إِذَا ذَاكَرْتُ إِسْحَاقَ الْعِلْمَ وَجَدْتُهُ فِيهِ بحْرَاً فَرْدَاً، فَإِذَا جِئْتُ إِلىَ أَمْرِ الدُّنْيَا، رَأَيْتُهُ لاَ رَأْيَ لَه» 0 ـ قَالُواْ عَن عِلْمِهِ بِالتَّفْسِيرِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ كَامِل: أَخْبَرَنَا أَبُو يحْيىَ الشَّعْرَانيُّ قَال: «مَا رَأَيْتُ بِيَدِهِ كِتَابَاً قَطّ، وَمَا كَانَ يحَدِّثُ إِلاََّ حِفْظَاً» 0 قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

«قَدْ كَانَ مَعَ حِفْظهِ إِمَامَاً في التَّفْسِير، رَأْسَاً في الْفِقْه، مِن أَئِمَّةِ الاِجْتِهَاد» 0 قَالَ الحَاكِم: سَمِعْتُ يحْيىَ بْنَ محَمَّدٍ الْعَنْبَرِيَّ قَال: سَمِعْتُ محَمَّدَ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ بَالُوَيْه، سَمِعْتُ إِسْحَاقَ يَقُول: دَخَلْتُ عَلَى ابْنِ طَاهِر، فَإِذَا عِنْدَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبي صَالِحٍ، فَقَالَ لَهُ: يَا إِبْرَاهِيم؛ مَا تَقُولُ في غَسِيلِ الثِّيَاب 00؟ قَال: فَرِيضَة؛ قَال: مِن أَيْنَ تَقُول 00؟ قَال: مِنْ قَوْلِهِ تَعَالى: {وِثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} {المُدَّثِر/4}

فَكَأَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ طَاهِرٍ اسْتَحْسَنَهُ؛ فَقُلْتُ: أَعَزَّ اللهُ الأَمِير؛ كَذِبٌ هَذَا؛ أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ قَال: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ سِمَاكٍ عَن عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَال: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} قَال: «قَلْبَكَ فَنَقِّهِ» 0 وَأَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ زِنْبَاعَ قَال: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ قَال: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} قَال: «عَمَلَكَ فَأَصْلِحْه» 0

ثمَّ ذَكَرَ إِسْحَاقُ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنه: «مَنْ قَالَ في الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّار» فَقَالَ ابْنُ طَاهِر: يَا إِبْرَاهِيم؛ إِيَّاكَ أَنْ تَنْطِقَ في الْقُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْم» 0 ـ كَلاَمُهُ في الإِيمَانِيَّاتِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانيُّ صَاحِبُ السُّنَن: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بْنَ رَاهَوَيْهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ يَقُول: «مَنْ قَالَ «لاَ أَقُولُ مَخْلُوقٌ، وَلاَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ» فَهُوَ جَهْمِيّ» 0

قَالَ حَرْبٌ الْكَرْمَانيّ: قُلْتُ لإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْه، رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاََّ هُوَ رَابِعُهُم} المُجَادَلَة/7} كَيْفَ تَقُولُ فِيه 00؟ قَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: حَيْثُمَا كُنْت: فَهُوَ أَقْرَبُ إِلَيْكَ مِن حَبْلِ الْوَرِيد، وَهُوَ بَائِنٌ مِن خَلْقِهِ، وَأَبْيَنُ شَيْءٍ في ذَلِكَ قَوْلُهُ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} {طَهَ/5}

قَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيّ: «حَدَّثَنَا محَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ النَّيْسَابُورِيُّ قَال: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الخَفَّافُ قَال: قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْه، رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «إِجْمَاعُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ تَعَالىَ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى، وَيَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ في أَسْفَلِ الأَرْضِ السَّابِعَة» 0 فَهُوَ الْْقَرِيبُ الْبَعِيد: قَرِيبٌ رَقِيبٌ سَمِيعٌ مجِيب، يَسْمَعُ وَيَرَى، كُلَّ مَا يَجْرِي بَينَ الْوَرَى، رَغْمَ ابْتِعَادِ مَكَانِهِ بِالنِّسْبَةِ لَنَا، كَالنَّمْلَةِ تَكُونُ في

كَفِّكَ تُحِيطُ بِهَا عِلْمَاً وَلاَ تُحِيطُ بِكَ عِلْمَا 0 {لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِير} {الأَنعَام/103} ـ ثَنَاءُ الأَئِمَّهِ عَلَيْه، رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ حَاشِدُ بْنُ إِسْمَاعِيل: سَمِعْتُ وَهْبَ بْنَ جَرِيرٍ رَحمَهُ اللهُ يَقُول: «جَزَى اللهُ إِسْحَاقَ بْنَ رَاهَوَيْه، وَصَدَقَةَ بْنَ الْفَضْل، وَيَعْمَرَ عَنِ الإِسْلاَمِ خَيْرَاً؛ أَحْيَوُا السُّنَةَ بِالمَشْرِق» 0

قَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّاد: «إِذَا رَأَيْتَ الخُرَاسَانيَّ يَتَكَلَّمُ في إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْه: فَاتَّهِمْهُ في دِينِه» قَالَ أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ: «قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِي وَقَدْ ذُكِرَ لَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل رَحمَهُ الله، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه؛ فَقَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «لاَ أَعْلَمُ في دَهْرٍ وَلاَ عَصْرٍ مِثْلَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْن» قَالَ السَّرَّاج: أَخْبَرَني عَبْدُ اللهِ بْنُ محَمَّدٍ قَال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ الْبُخَارِيَّ رَحمَهُ اللهُ يَقُول:

قَالَ عَلِيُّ بْنُ حُجْر: «لَمْ يُخَلِّفْ إِسْحَاقُ يَوْمَ فَارَقَ مِثْلَهُ بِخُرَاسَانَ عِلْمَاً وَفِقْهَاً» 0 ـ ثَنَاءُ الإِمَامِ ابْنِ خُزَيْمَةَ عَلَيْه: وَقَالَ عَنهُ إِمَامُ الأَئِمَّةِ ابْنُ خُزَيْمَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «وَاللهِ لَوْ كَانَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ في التَّابِعِينَ لأَقَرُّواْ لَهُ بِحِفْظِهِ وَعِلْمِهِ وَفِقْهِه» 0 ـ ثَنَاءُ الإِمَامِ النَّسَائِيِّ عَلَيْه:

وَقَالَ عَنهُ الإِمَامُ النَّسَائِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ أَحَدُ الأَئِمَّة، ثِقَةٌ مَأْمُون» وَقَالَ عَنهُ الإِمَامُ النَّسَائِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَيْضَاً: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ ذُؤَيْبٍ يَقُول: «مَا أَعْلَمُ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مِثْلَ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه» 0 ـ ثَنَاءُ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَلَيْه: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَفْصٍ السَّعْدِيّ [شَيْخُ ابْنِ عَدِيّ]: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ رَحمَهُ اللهُ يَقُول:

«لَمْ يَعْبُرِ الجِسْرَ إِلىَ خُرَاسَانَ مِثْلُ إِسْحَاق، وَإِنْ كَانَ يُخَالِفُنَا في أَشْيَاء؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَمْ يَزَلْ يُخَالِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضَاً» 0 قَالَ حَنْبَلٌ [ابْنُ عَمِّ الإِمَامِ أَحْمَد]: «سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ [أَيِ الإِمَامَ أَحْمَدَ] وَسُئِلَ عَن إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ فَقَال: مِثْلُ إِسْحَاقَ يُسْأَلُ عَنهُ 00؟ إِسْحَاقُ عِنْدَنَا إِمَام» 0 وَقَالَ عَنهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضَاً: «لاَ أَعْرِفُ لإِسْحَاقَ في الدُّنْيَا نَظِيرَاً» 0

ـ ثَنَاءُ الإِمَامِ يحْيىَ بْنُ مَعِينٍ عَلَيْه: قَالَ الحَاكِم: أَخْبَرَني الحَسَنُ بْنُ خَالِدِ بْنِ محَمَّدٍ الصَّائِغُ قَال: حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ زَكَرِيَّا قَال: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ قَال: عَنْ يحْيىَ بْنُ مَعِينٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ عَن إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْه: «أَبُو يَعْقُوبَ أَمِيرُ المُؤْمِنِين» 00 أَيْ في الحَدِيث 0 ـ قَالُواْ عَنْ صَلاَحِهِ وَتَقْوَاه، وَحُسْنِ عِبَادَتِهِ لله:

قَالَ الحَاكِم: سَمِعْتُ الْعَنْبَرِيَّ قَال: سَمِعْتُ أَبي قَال: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ محَمَّدٍ الْفَرَّاءَ قَال: «دَخَلْتُ عَلَى يحْيىَ بْنِ يحْيىَ، فَسَأَلْتُهُ عَن إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْه، رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه 00؟ فَقَال: لَيَوْمٌ مِن إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْه: أَحَبُّ إِلَيَّ مِن عُمُرِي» 0 ـ الْكَذَّابُونَ وَوَاضِعُو الحَدِيث وَقَى اللهُ المُسْلِمِينَ شُرُورَهُمْ: حَدَّثَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ الْقَاضِي قَال: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بْنَ رَاهَوَيْهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ يَقُول:

«تَابَ رَجُلٌ مِن الزَّنْدَقَة، وَكَانَ يَبْكِي، وَيَقُولُ: كَيْفَ تُقْبَلُ تَوْبَتي، وَقَدْ زَوَّرْتُ أَرْبَعَةَ آلاَفِ حَدِيثٍ تَدُورُ في أَيدِي النَّاس» 00؟! قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِي في مُقَدِّمَةِ كِتَابِ «الضُّعَفَاء»: «أَخْبَرَنَا محَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ محَمَّدٍ الهَمَذَانيُّ قَال: حَدَّثَنَا أَبُو يحْيىَ المُسْتَمْلِي قَال: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الجَوْزَجَانيُّ قَال: حَدَّثَني أَبُو عَبْدِ اللهِ الْبَصْرِيُّ قَال: أَتَيْتُ إِسْحَاقَ بْنَ رَاهَوَيْهِ فَسَأَلْتُهُ شَيْئَاً؛ فَقَال: صَنَعَ اللهُ لَك؛ قُلْتُ:

لَمْ أَسْأَلْكَ صُنْعَ الله؛ إِنَّمَا سَأَلْتُكَ صَدَقَةً؛ فَقَال: لَطَفَ اللهُ لَك؛ قُلْتُ: لَمْ أَسْأَلْكَ لُطْفَ الله، إِنَّمَا سَأَلْتُكَ صَدَقَةً؛ فَغَضِبَ، وَقَال: الصَّدَقَةُ لاَ تَحِلُّ لَك؛ قُلْتُ: وَلِمَ؟ قَال: لأَنَّ جَرِيرَاً حَدَّثَنَا عَنِ الأَعْمَشِ عَن أَبي صَالِحٍ عَن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «لاَ تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، وَلاَ لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ» 0 [قَوَّاهُ إِسْنَادَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في السِّيَر 0 صَحَّحَهُ أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَد، وَالأَلبَانيُّ في سُنَنِ ابْنِ مَاجَةَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَأَبي دَاوُد]

فَقُلْتُ: تَرَفَّقْ يَرْحَمْكَ الله؛ فَمَعِي حَدِيثٌ في كَرَاهِيَةِ الْعَمَل؛ قَالَ إِسْحَاق: وَمَا هُوَ 00؟ قُلْتُ: حَدَّثَني أَبُو عَبْدِ اللهِ الصَّادِقُ النَّاطِقُ عَنِ أَفْشِينَ عَن إِيتَاخَ عَنْ سِيمَاءَ الصَّغِيرِ عَن عُجَيْفِ بْنِ عَنْبَسَةَ عَنْ زُغْلُمُجَ بْنِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ أَنَّهُ قَال: «العَمَلُ شُؤمٌ، وَتَرْكُهُ خَيْرٌ، تَقْعُدُ تَمَنىَّ، خَيْرٌ مِن أَنْ تَعْمَلَ تَعَنىَّ» 0

فَضَحِكَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْه؛ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه، وَذَهَبَ غَضَبُهُ وَقَال: زِدْنَا؛ فَقُلْتُ: وَحَدَّثَنَا الصَّادِقُ النَّاطِقُ بإِسْنَادِهِ عَن عُجَيْفٍ قَال: قَعَدَ زُغْلُمُجُ في جُلَسَائِهِ فَقَال: أَخْبِرُوني بِأَعْقَلِ النَّاس 00؟ فَأَخْبَرَ كُلُّ وَاحِدٍ بِمَا عِنْدَه؛ فَقَال: لَمْ تُصِيبُواْ، بَلْ أَعْقَلُ النَّاسِ الَّذِي لاَ يَعْمَل؛ لأَنَّ مِنَ الْعَمَلِ يَجِيءُ التَّعَب، وَمِنَ التَّعَبِ يَجِيءُ المَرَض، وَمِنَ المَرَضِ يَجِيءُ المَوْت، وَمَن عَمِلَ فَقَدْ أَعَانَ عَلَى نَفْسِه؛ وَاللهُ يَقُول: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنْفُسَكُمْ} [النِّسَاءُ: 29]

فَقَال: زِدْنَا مِن حَدِيثِك؛ فَقَال: وَحَدَّثَني أَبُو عَبْدِ اللهِ الصَّادِقُ النَّاطِقُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ زُغْلُمُجَ قَال: مَن أَطْعَمَ أَخَاهُ شِوَاءً، غَفَرَ اللهُ لَهُ عَدَدَ النَّوَى، وَمَن أَطْعَمَ أَخَاهُ هَرِيسَةًَ، غَفَرَ لَهُ مِثْلَ الْكَنِيسَةِ، وَمَن أَطعَمَ أَخَاهُ جَنْب، غَفَرَ اللهُ لَهُ كُلَّ ذَنْب؛ فَضَحِكَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْه؛ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ وَغَفَرَ اللهُ لَهُ وَلِوَالِدَيْهِ وَأَمَرَ لَهُ بِدِرْهَمَيْنِ وَرَغِيفَيْن» 00 أَوْرَدَهَا الإِمَامُ ابْنُ حِبَّانَ وَلَمْ يُضَعِّفْهَا 0

ـ بَعْضُ مَا رُؤِيَ فِيهِ مِنَ المَنَامَاتِ الحَسَنَة رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ الحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو المُسْتَمْلِي: أَخْبَرَني عَلِيُّ بْنُ سَلَمَةَ الْكَرَابيْسِيُّ وَهُوَ مِنَ الصَّالحِينَ قَال: رَأَيْتُ لَيْلَةَ مَاتَ إِسْحَاقُ الحَنْظَلِيُّ، كَأَنَّ قَمَرَاً ارْتَفَعَ مِنَ الأَرْضِ إِلىَ السَّمَاءِ مِنْ سِكَّةِ إِسْحَاقَ، ثُمَّ نَزَلَ فَسَقَطَ في المَوْضِعِ الَّذِي دُفِنَ فِيهِ إِسْحَاق، وَلَمْ أَشْعُرْ بِمَوْتِهِ، فَلَمَّا غَدَوْتُ إِذَا بِحَفَّارٍ يَحْفِرُ قَبْرَ إِسْحَاقَ في المَوْضِعِ الَّذِي رَأَيْتُ الْقَمَرَ وَقَعَ فِيه» 0

الإمام الحميدي

الإِمَامُ الحُمَيْدِيّ هُوَ الإِمَامُ الْفَقِيهُ الحَافِظُ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيرِ بْنِ عِيسَى الْقُرَشِيُّ الأَسَدِيُّ الحُمَيْدِيُّ المَكِّيُّ صَاحِبُ المُسْنَد تُوُفِّيَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ سَنَةَ 219 هـ بِمَكَّةَ شَرَِّفَهَا الله 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: حَدَّثَ عَن الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاض، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ فَأَكْثَرَ عَنهُ وَجَوَّد، وَوَكِيع، وَالشَّافِعِيّ 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ الإِمَامُ الْبُخَارِيّ، وَيَعْقُوبُ الْفَسَوِيّ، وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي، وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِي، وَالذُّهْلِيّ، وَيَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَة، وَأَبُو بَكْرٍ محَمَّدُ بْنُ إِدْرِيس المَكِّيُّ وَرَّاقُهُ، وَخَلْقٌ سِوَاهُمْ 0 ـ قَالُواْ في تَوْثِيقِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ عَنهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِي عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «أَثْبَتُ النَّاسِ في ابْنِ عُيَيْنَةَ الحُمَيْدِيُّ، وَهُوَ رَئِيسُ أَصْحَابِ ابْنِ عُيَيْنَة، وَهُوَ ثِقَةٌ إِمَام» 0

ـ دَأَبُهُ في طَلَبِ الْعِلْمِ وَلُزُومُهُ لِلْمَشَايِخ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ الحُمَيْدِيّ: «جَالَسْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً أَوْ نَحْوَهَا» 0 ـ ثَنَاءُ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحْمَهُ اللهُ عَلَيْه: قَالَ عَنهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «الحُمَيْدِيُّ عِنْدَنَا إِمَام» 0 ـ قَالَ عَنِهُ الإِمَامُ الْبُخَارِيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: حَدَّثَ أَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاجُ عَنْ محَمَّدَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ [الْبُخَارِيِّ] عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ قَال: «الحُمَيْدِيُّ إِمَامٌ في الحَدِيث» 0

ـ ثَنَاءُ الإِمَامِ الشّافِعِيِّ رَحْمَهُ اللهُ عَلَيْه: حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ قَال: «كَانَ يحْفَظُ لِسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَشْرَةَ آلاَفِ حَدِيث» 0 ـ قَالَ عَنِهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْه، رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ المَرْوَزِيُّ عَن إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ رَحمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَال: «الأَئِمَّةُ في زَمَانِنَا: الشَّافِعِيّ، وَالحُمَيْدِيّ، وَأَبُو عُبَيْد» 0 ـ قَالُواْ عَنْ تَقْوَاه، إِخْلاَصِهِ لله، رَحمَهُ الله: قَالَ عَنهُ يَعْقُوبُ الْفَسَوِيّ: «مَا لَقِيْتُ أَنْصَحَ للإِسْلاَمِ وَأَهْلِهِ مِنهُ» 0

أبو بكر ابن أبي شيبة

أَبُو بَكْرٍ ابْنُ أَبي شَيْبَة أَبُو بَكْرٍ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ عَبْدُ اللهِ بْنُ محَمَّدٍ الْعَبْسِيُّ الْكُوفِيّ 0 وَهُوَ ابْنُ الْقَاضِي أَبي شَيْبَةَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُوَاسْتىَ الإِمَامُ الْعَلَمُ سَيِّدُ الحُفَّاظ 0 تُوُفِّيَ في المُحَرَّمِ سَنَةَ 235 هـ 0

أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: طَلَبَ أَبُو بَكْرٍ الْعِلْمَ وَهُوَ صَبِيٌّ، وَأَكْبَرُ شَيْخٍ لَهُ هُوَ شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْقَاضِي؛ سَمِعَ مِنهُ، وَمِن عَبْدِ اللهِ بْنِ المُبَارَك، وَأَبي خَالِدٍ الأَحْمَر، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَة، وَعَلِيِّ بْنِ مُسْهِر، وَهُشَيْمِ بْنِ بَشِير، وَوَكِيعِ بْنِ الجَرَّاح، وَيحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّان، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاش، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيم [ابْنُ عُلَيَّة]، وَخَلْقٍ كَثِيرٍ جُلُّهُمْ بِالعِرَاقِ وَالحِجَاز 0 ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَة، وَأَحْمَد، وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي، وَصَالِحٌ جَزَرَة، وَأَبُو يَعلَى المَوْصِلِيّ، وَجَعْفَرٌ الْفِرْيَابيّ، وَأَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيّ

ـ قَالُواْ عَن حِفْظِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: وَقَالَ عَنهُ أَبُو حَفْصٍ الْفَلاََّس: «مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً أَحْفَظَ مِن أَبي بَكْرٍ بْنِ أَبي شَيْبَة» 0 قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيّ: «كَانَ بَحْرَاً منْ بحُورِ الْعِلْم، وَبِهِ يُضْرَبُ المَثَلُ في قُوَّةِ الحِفْظ»

وَقَالَ عَنهُ الحَافِظُ صَالِحُ بْنُ محَمَّدٍ [جَزَرَة]: «أَعْلَمُ مَن أَدْرَكْتُ بِالحَدِيثِ وَعِلَلِهِ: عَلِيُّ بْنُ المَدِينيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه، وَأَعْلَمُهُمْ بِتَصْحِيفِ المَشَايِخ: يحْيىَ بْنُ مَعِينٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه، وَأَحْفَظُهُمْ عِنْدَ المُذَاكَرَة: أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبي شَيْبَةَ رَحمَهُ الله» 0 حَدَّثَ الحَافِظُ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ عُقْدَةَ عَن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خِرَاشٍ عَن أَبي زُرْعَةَ قَال: «مَا رَأَيْتُ أَحْفَظَ مِن أَبي بَكْرٍ بْنِ أَبي شَيْبَة؛ فَقُلْتُ: يَا أَبَا زُرْعَة؛ فَأَصْحَابُنَا الْبَغْدَادِيُّون 00؟

قَالَ رَحمَهُ الله: دَعْ أَصْحَابَكَ، فَإِنَّهُمْ أَصْحَابُ مخَارِيق، مَا رَأَيْتُ أَحْفَظَ مِن أَبي بَكْرٍ بْنِ أَبي شَيْبَة» المخْرَاق: هُوَ المِقْلاَعُ الَّذِي يُقْذَفُ بِهِ الصِّبْيَان، وَأَصْحَابُ مخَارِيق: أَيْ صِبْيَان 0 قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «كَانَ أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبي شَيْبَة قَوِيَّ النَّفْس [أَيْ شُجَاعَاً] بحَيْثُ إِنَّهُ اسْتَنْكَرَ حَدِيثَاً تَفَرَّدَ بِهِ يحْيىَ بْنُ مَعِينٍ عَن حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ فَقَال: مِن أَيْنَ لَهُ هَذَا 00؟ فَهَذِهِ كُتُبُ حَفْصٍ مَا فِيهَا هَذَا الحَدِيث» 0

ـ قَالُواْ عَنْ مُؤَلَّفَاتِهِ وَحُسْنِ تَرْتِيبِهَا وَتَبْوِيبِهَا: صَنَّفَ «المُسْنَد» وَ «الأَحْكَام» وَ «التَّفْسِير» 0 حَدَّثَ محَمَّدِ بْنِ عِمْرَانَ عَن عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ عَن أَحْمَدُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ المُرَبَّعِ عَن أَبي عُبَيْدٍ قَال: «رَبَّانيُّو الحَدِيثِ أَرْبَعَة: فَأَعْلَمَهُمْ بِالحَلاَلِ وَالحَرَامِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل، وَأَحْسَنُهُمْ سِيَاقَةً لِلْحَدِيثِ وَأَدَاءً: عَلِيُّ بْنُ المَدِينيّ، وَأَحْسَنُهُمْ وَضْعَاً لِكِتَاب: أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبي شَيْبَة، وَأَعلَمُهُمْ بِصَحِيحِ الحَدِيثِ وَسَقِيمِهِ: يحْيىَ بْنُ مَعِين» 0

معمر بن راشد

مَعْمَرُ بْنُ رَاشِد هُوَ الإِمَامُ الحَافِظُ شَيْخُ الإِسْلاَمِ أَبُو عُرْوَةَ بْنُ أَبي عَمْرٍو الأَزْدِيُّ الْبَصْرِيّ، نَزِيلُ اليَمَن، وُلِدَ سَنَةَ 95 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 153 هـ 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: حَدَّثَ عَنْ قَتَادَة، وَعَنِ الزُّهْرِيّ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَار، وَهَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ وَأَبي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيّ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ طَاوُوس، وَمَطَرٍ الْوَرَّاق، وَعَبْدِ الْكَرِيمِ الجَزَرِيّ، وَعَاصِمٍ الأَحْوَل، وَثَابِتٍ الْبُنَانيّ، وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانيّ، وَمحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِر، وَمَنْصُورِ بْنِ المُعْتَمِر، وَسُلَيْمَانَ الأَعْمَش، وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَم، وَزِيَادِ بْنِ عِلاَقَةَ، وَعَاصِمِ بْنِ أَبي النَّجُود، وَطَبَقَتِهِمْ 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانيّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيّ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَار، وَطَائِفَةٌ مِنْ شُيُوخِهِ، وَسَعِيدُ بْنُ أَبي عَرُوبَة، وَالسُّفْيَانَان، وَابْنُ المُبَارَك، وَغُنْدَر، وَابْنُ عُلَيَّة، وَمحَمَّدُ

بْنُ عَمْرٍو الْوَاقِدِيّ، وَمحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الصَّنْعَانيّ 0 وَهُوَ آخِرُ أَصْحَابِهِ مَوْتَاً؛ بَقِيَ إِلىَ آخِرِ سَنَةِ سِتَّ عَشْرَةَ وَمائَتَيْن 0 وَخَلْقٌ سِوَاهُمْ 0 ـ قَالَ عَنِهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل: قَالَ الإِمَامُ النَّسَائِيُّ في «الْكُنىَ»: «أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلَ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «مَا أَضُمُّ أَحَدَاً إِلىَ مَعْمَر؛ إِلاََّ وَجَدْتُ مَعْمَرَاً أَطْلَبَ لِلْحَدِيثِ مِنهُ؛ هُوَ أَوَّلُ مَنْ رَحَلَ إِلىَ اليَمَن» 0

قَالَ الْفَضْلُ بْنُ زِيَاد: «سَمِعْتُ الإِمَامَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُول: لَسْتَ تَضُمُّ مَعْمَرَاً إِلىَ أَحَدٍ؛ إِلاََّ وَجَدْتَهُ فَوْقَه» 0 ـ قَالَ عَنِهُ ابْنُ جُرَيْج رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ: حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ الحِمْصِيُّ عَنْ محَمَّدِ بْنِ رَجَاءَ عَن عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنَ جُرَيْجٍ قَال: «عَلَيْكُمْ بِهَذَا الرَّجُل [يَعْني مَعْمَرَاً]؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَبْقَ في زَمَانِهِ أَعْلَمُ مِنهُ» 0

ـ قَالَ عَنِهُ الإِمَامُ يَحْيىَ ِبْنُ مَعِين رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ: قَالَ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيد: «قُلْتُ لِيَحْيىَ ِبْنِ مَعِين: ابْنُ عُيَيْنَةَ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَوْ مَعْمَر 00؟ قَالَ رَحِمَهُ الله: مَعْمَر؛ قُلْتُ: فَمَعْمَرٌ أَمْ صَالِحُ بْنُ كَيْسَان 00؟ قَالَ رَحِمَهُ الله: مَعْمَرٌ إِلَيَّ أَحَبّ، وَصَالِحٌ ثِقَة؛ قُلْتُ: فَمَعْمَرٌ أَوْ يُونُسُ بْنُ عُبَيْد 00؟

قَالَ رَحِمَهُ الله: مَعْمَر؛ قُلْتُ: فَمَعْمَرٌ أَوْ مَالِك 00؟ قَالَ رَحِمَهُ الله: مَالِك» 0 ـ قَالُواْ عَن حِفْظِهِ: حَدَّثَ مُؤَمَّلُ بْنُ يَهَابَ عَن الإِمَامِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ قَال: «كَتَبْتُ عَنْ مَعْمَرٍ عَشْرَةَ آلاَفِ حَدِيث» 0 ـ قَالُواْ عَنْ زُهْدِهِ: قَالَ الإِمَامُ عَبْدُ الرَّزَّاق: «مَا نَعْلَمُ أَحَدَاً عَفَّ عَن هَذَا المَالِ إِلاََّ الثَّوْرِيَّ وَمَعْمَرَاً» 0

ـ قَالُواْ عَنْ وَرَعِهِ وَتَقْوَاه، وَإِخْلاَصِهِ لله: حَدَّثَ أَحْمَدُ بْنُ شَبَّوَيْهِ عَن الإِمَامِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «أَكَلَ مَعْمَرٌ مِن عِنْدِ أَهْلِهِ فَاكِهَةً، ثُمَّ سَأَلَ فَقِيل: هَدِيَّةٌ مِنْ فُلاَنَةٍ النَّوَّاحَة؛ فَقَامَ فَتَقَيَّأ» 0 حَدَّثَ أَحْمَدُ بْنُ شَبَّوَيْهِ عَن الإِمَامِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «بَعَثَ إِلَيْهِ مَعْنٌ وَالِي الْيَمَنِ بِذَهَبٍ؛ فَرَدَّهُ وَقَالَ لأَهْلِه: إِن عَلِمَ بِهَذَا غَيْرُنَا، لَمْ يَجْتَمِعْ رَأْسِي وَرَأْسُكِ أَبَدَاً» 0

ـ رِحْلَتُهُ إِلىَ الْيَمَن: قَالَ أَحْمَدُ الْعِجْلِيّ: «لَمَّا دَخَلَ مَعْمَرٌ صَنْعَاء؛ كَرِهُواْ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ؛ فَقَالَ لَهُمْ رَجُل: قَيِّدُوه؛ فَزَوَّجُوه» 0

أعلام الحفاظ

أَعْلاَمُ الحُفَّاظ: عِكْرِمَةُ مَوْلىَ ابْنِ عَبّاس بَرْبَرِيُّ الأَصْل، كَانَ لِحُصَيْنِ بْنِ أَبي الحُرِّ الْعَنْبَرِيّ، فَوَهَبَهُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنه 0 حَدَّثَ الإِمَامُ البُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَن عَلِيِّ بْنِ المَدِينيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «مَاتَ عِكْرِمَةُ رَحِمَهُ اللهُ بِالمَدِينَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمائَة» 0 قَالَ مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ الله: «تَزَوَّجَ عِكْرِمَةُ أُمَّ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ رَحِمَهُ الله»

ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: حَدَّثَ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَأَبي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِر، وَعَلِيِّ بْنِ أَبي طَالِبٍ وَصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ وَحَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ وَأَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ 0 ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ، وَالشَّعْبيّ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَار، وَأَبُو الشَّعْثَاءِ جَابِرُ بْنُ زَيْد، وَعَبْدُ الْكَرِيمِ الجَزَرِيّ، وَقَتَادَةُ، وَمَطَرٌ الْوَرَّاق، وَأَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانيّ، وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانيّ، وَحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاة،

وَحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ المَرْوَزِيّ، وَحُمَيْدٌ الطَّوِيل، وَخَالِدٌ الحَذَّاء، وَدَاوُدُ بْنُ أَبي هِنْد، وَسَعِيدُ بْنُ مَسْرُوق، وَسُفْيَانُ بْنُ دِينَارٍ التَّمَّار، وَالأَعْمَش، وَسِمَاكُ بْنُ حَرْب، وَصَالِحُ بْنُ رُسْتُمَ الخَزَّاز، وَعَاصِمُ بْنُ بَهْدَلَة، وَعَاصِمٌ الأَحْوَل، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ طَاوُوس، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ كَيْسَان، وَابْنُ جُرَيْجٍ [مُرْسَل] وَعَطَاءُ بْنُ السَّائِب، وَالفَضْلُ بْنُ مَيْمُون، وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّان، وَمُوسَى بْنُ مُسْلِمٍ الطَّحَّان، وَنِزَارُ بْنُ حَيَّان، وَهِشَامُ بْنُ حَسَّان، وَيَزِيدُ بْنُ أَبي سَعِيدٍ النَّحْوِيّ، وَأَبُو الأَشْهَبِ الْعُطَارِدِيّ، وَأُمَمٌ سِوَاهُمْ 0

ـ طَلَبُهُ لِلْعِلْم: حَدَّثَ حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ عَن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَّانَ عَن عِكْرِمَةَ رَحِمَهُ اللهُ قَال: «طَلَبْتُ الْعِلْمَ أَرْبَعِينَ سَنَة، وَكُنْت أُفْتي بِالبَابِ وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ في الدَّار» 0 ـ قَالُواْ عَنْ مَكَانَتِهِ الْعِلْمِيَّة:

قَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مَعْقِل: «لَمَّا قَدِمَ عِكْرِمَةُ رَحِمَهُ اللهُ الجُنْدَ، أَهْدَى لَهُ طَاوُوسٌ نُجُبَاً [أَيْ جِمَالاً] بِسِتِّينَ دِينَارَاً؛ فَقِيلَ لِطَاوُوس: مَا يَصْنَعُ هَذَا الْعَبْدُ بِنُجُبٍ بِسِتِّينَ دِينَارَاً؟ قَالَ رَحِمَهُ الله: أَتَرَوْني لاَ أَشْتَرِي عِلْمَ ابْنِ عَبَّاسٍ بِسِتِّينَ دِينَارَاً لِعَبْدِ اللهِ بْنِ طَاوُوس» 00 [ابْنُه] قَالَ يحْيىَ بْنُ مَعِينٍ رَحِمَهُ الله: «مَاتَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَعِكْرِمَةُ رَحِمَهُ اللهُ عَبْدٌ لَمْ يُعْتَقْ؛ فَبَاعَهُ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنه؛ فَقِيلَ لَهُ: تَبِيعُ عِلْمَ أَبِيك 00؟! فَاسْتَرَدَّه» 0

حَدَّثَ الْوَاقِدِيُّ عَن أَبي بَكْرٍ بْنِ أَبي سَبْرَةَ قَال: «بَاعَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ عِكْرِمَةَ مِن خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بِأَرْبَعَةِ آلاَفِ دِينَار؛ فَقَالَ لَهُ عِكْرِمَة: مَا خِيرَ لَك [أَيْ لَمْ يُقَدَّر لَكَ الخَير] بِعْتَ عِلْمَ أَبِيكَ بِأَرْبَعَةِ آلاَفِ دِينَار؟! فَاسْتَقَالَهُ [أَيْ رَجَعَ في الْبَيْع] فَأَقَالَهُ وَأَعْتَقَه» 0

ـ قَالُواْ عَنِ عِلْمِهِ: قَالَ مُغِيرَة: «قِيلَ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ رَحِمَهُ الله: تَعْلَمُ أَحَدَاً أَعْلَمَ مِنْك 00؟ قَالَ رَحِمَهُ اللهُ نَعَمْ: عِكْرِمَة» 0 قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَة: «سَمِعْتُ عَلِيَّاً كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ يَقُول: لَمْ يَكُنْ في مَوَالِي ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَغْزَرَ مِن عِكْرِمَة» 0 سُئِلَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِي عَنْ مَوَالي ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنه 00؟ فَقَالَ رَحِمَهُ الله: كُرَيْب، وَسُمَيْع، وَشُعْبَة، وَعِكْرِمَة؛ وَهُوَ أَعْلاَهُمْ»

حَدَّثَ ابْنُ فُضَيْلٍ عَن عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ قَال: «كُنْتُ جَالِسَاً مَعَ أَبي أُمَامَةَ بْنِ سَهْل؛ إِذْ جَاءَ عِكْرِمَةُ رَحِمَهُ اللهُ فَقَال: يَا أَبَا أُمَامَة؛ أُذَكِّرُكَ الله، هَلْ سَمِعْتَ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ يَقُول: مَا حَدَّثَكُمْ عَنيِّ عِكْرِمَةُ فَصَدِّقُوه؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ عَلَيّ 00؟ فَقَالَ أَبُو أُمَامَة: نَعَمْ» 0 حَدَّثَ دَاوُدُ بْنُ أَبي هِنْدٍ عَن عِكْرِمَةَ رَحِمَهُ اللهُ قَال: «قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ هَذِهِ الآيَة:

(لِمَ تَعِظُونَ قَوْمَاً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابَاً شَدِيدَاً ({الأَعْرَاف/164} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنه: لَمْ أَدْرِ: أَنَجَا الْقَوْمُ أَمْ هَلَكُواْ 00؟ قَالَ [أَيْ عِكْرِمَةُ رَحِمَهُ الله]: فَمَا زِلْتُ أُبَيِّنُ لَهُ أُبَصِّرُهُ حَتىَّ عَرَفَ أَنَّهُمْ قَدْ نَجَوْا؛ فَكَسَاني حُلَّةً» 0 ـ قَالُواْ عَنْ مَكَانَتِهِ في التَّفْسِير: سُئِلَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِي عَن عِكْرِمَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا أَيُّهُمَا أَعْلَمُ بِالتَّفْسِيرِ 00؟

فَقَالَ رَحِمَهُ الله: أَصْحَابُ ابْنِ عَبَّاسٍ عِيَالٌ عَلَى عِكْرِمَة» 0 حَدَّثَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبي خَالِدٍ عَنِ الشَّعْبيِّ أَنَّهُ قَال: «مَا بَقِيَ أَحَدٌ أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِن عِكْرِمَة» 0 قَالَ قَتَادَةُ رَحِمَهُ الله: «أَعْلَمُ النَّاسِ بِالحَلاَلِ وَالحَرَام: الحَسَنُ الْبَصْرِيّ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالمَنَاسِك: عَطَاء، وَأَعْلَمُهُمْ بِالتَّفْسِير: عِكْرِمَة» 0 قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيّ:

«خُذُواْ التَّفْسِيرَ عَن أَرْبَعَة: عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْر، وَمُجَاهِد، وَعِكْرِمَة، وَالضَّحَّاك» 0 ـ قَالُواْ عَنْ مَكَانَتِهِ في المَغَازِي: قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيّ: «الْوَجْهُ الَّذِي عَلَيْهِ فِيهِ عِكْرِمَةُ المَغَازِي، إِذَا تَكَلَّم فَسَمِعَهُ إِنْسَانٌ قَال: كَأَنَّهُ مُشْرِفٌ عَلَيْهِمْ يَرَاهُمْ» 0 ـ بَعْضُ نَوَادِرِه: حَدَّثَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَن أَيُّوبَ السِّخْتِيَانيِّ رَحِمَهُ اللهُ قَال:

«سَمِعْتُ رَجُلاً قَالَ لِعِكْرِمَةَ رَحِمَهُ الله: فُلاَنٌ قَذَفَني في النَّوْم؛ قَالَ رَحِمَهُ الله: اضْرِبْ ظِلَّهُ ثَمَانيْن» 0 حَدَّثَ حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَن عِكْرِمَةَ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ ذُكِرَتْ عِنْدَهُ كَرَاهَةُ الحِجَامَةِ لِلصَّائِم؛ فَقَالَ رَحِمَهُ الله: أَفَلاَ تُكْرَهُ لَهُ الخِرَاءة» 00؟! قَالَ أَبُو بَكْرٍ الهُذَلِيّ: «قُلْتُ لِلزُّهْرِيّ: إِنَّ عِكْرِمَةَ وَسَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا اخْتَلَفَا في رَجُلٍ مِنَ المُسْتَهْزِئِين: فَقَالَ سَعِيد: الحَارِثُ بْنُ غَيْطَلَة، وَقَالَ عِكْرِمَة:

الحَارِثُ بْنُ قَيْس؛ فَقَالَ رَحِمَهُ الله: صَدَقَا جَمِيعَاً؛ كَانَتْ أُمُّهُ تُدْعَى غَيْطَلَة، وَكَانَ أَبُوهُ يُدْعَى قَيْسَاً» 0 قَالَ سُلَيْمَانُ الأَحْوَل: «لَقِيتُ عِكْرِمَةَ رَحِمَهُ اللهُ وَمَعَهُ ابْنٌ لَهُ؛ قُلْتُ: أَيَحْفَظُ هَذَا مِن حَدِيثِكَ شَيْئَاً 00؟ قَالَ رَحِمَهُ الله: إِنَّهُ يُقَال: أَزْهَدُ النَّاسِ في عَالِمٍ أَهْلُه» 0 ـ مِن أَقْوَالِهِ رَحِمَهُ الله: حَدَّثَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَن أَيُّوبَ السِّخْتِيَانيِّ رَحِمَهُ اللهُ عَن عِكْرِمَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَال:

«إِنَّمَا أَنْزَل اللهُ مُتَشَابِهَ الْقُرْآنِ لِيُضِلَّ بِه» 0 ـ خَبَرُ وَفَاتِهِ رَحِمَهُ الله: حَدَّثَ أَبُو دَاوُدَ السِّنْجِيُّ عَنِ الأَصْمَعِيِّ عَنِ ابْنِ أَبي الزِّنَادِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَال: «مَاتَ كُثَيِّرُ عَزَّة، وَعِكْرِمَةُ مَوْلىَ ابْنِ عَبَّاسٍ في يَوْمٍ وَاحِد» 0 قَالَ ابْنِ أَبي الزِّنَاد: «فَأَخْبَرَني غَيْرُ الأَصْمَعِيِّ قَال: فَشَهِدَ النَّاسُ جِنَازَةَ كُثَيِّرٍ وَتَرَكُواْ جِنَازَةَ عِكْرِمَة» 00 كَانَ بَعْضُهُمْ يَتَّهِمُهُ في عَقِيدَتِه 0

حَدَّثَ يحْيىَ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَال: «مَاتَ عِكْرِمَةُ وَكُثَيِّرُ عَزَّةَ في يَوْمٍ وَاحِد؛ فَمَا شَهِدَهُمَا إِلاََّ سُودَانُ المَدِينَة» 0 ـ أَقْوَالُ مُنْصِفِيه، وَرَدُّهُمْ عَلَى مَا قِيلَ فِيه، مِن خُصُومِهِ وَمُخَالِفِيه: قَالَ أَحْمَدُ الْعِجْلِيّ: «مَكِّيٌّ تَابِعِيٌّ ثِقَة، بَرِيءٌ مِمَّا يَرْمِيهِ بِهِ النَّاسُ مِنَ الحَرُورِيَّة» 0 قَالَ الإِمَامُ الْبُخَارِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «لَيْسَ أَحَدٌ مِن أَصْحَابِنَا إِلاََّ وَهُوَ يحْتَجُّ بِعِكْرِمَة» 0

قَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرْوَزِيّ: «قُلْتُ لأَحْمَدَ رَحِمَهُ الله: يُحْتَجُّ بِحَدِيثِ عِكْرِمَة 00؟ قَالَ رَحِمَهُ الله: نَعَمْ يُحْتَجُّ بِه» 0 حَدَّثَ جَعْفَرُ بْنُ أَبي عُثْمَانَ الطَّيَالِسِيُّ عَنْ يحْيىَ بْنِ مَعِينٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَال: «إِذَا رَأَيْتَ إِنْسَانَاً يَقَعُ في عِكْرِمَةَ وَفي حَمَّادِ بْنِ سَلَمَة؛ فَاتَّهِمْهُ عَلَى الإِسْلاَم» 0

عروة بن الزبير

عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْر هُوَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلاَب، وُلِدَ سَنَةَ 23 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 93 هـ 0 قَالَ خَلِيفَة: «وُلِدَ عُرْوَةُ سَنَةَ 23 هـ» 0 قَالَ مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ الله: «وُلِدَ لَسِتِّ سِنِينَ خَلَتْ مِن خِلاَفَةِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنه» 0 كَانَ أَصْغَرَ مِن أَخِيهِ عَبْدِ اللهِ بِعِشْرِينَ سَنَة 0 وَقَالَ يحْيىَ بْنُ مَعِين: «كَانَ عُمُرُهُ يَوْمَئِذٍ [أَيْ يَوْمَ الجَمَل] ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَة» 0

ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: حَدَّثَ عَن أَبِيهِ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ لِصِغَرِه، وَعَن أُمِّهِ أَسْمَاءَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ابْنَةِ أَبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنه، وَعَن خَالَتِهِ أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، وَلاَزَمَهَا وَتَفَقَّهَ عَلَى يَدِهَا 0 وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبي طَالِب، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله، وَالحَسَنِ وَالحُسَيْنِ، وَمحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَة، وَأَبي هُرَيْرَة، وَابْنِ عَبَّاس، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِت، وَأَبي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيّ، وَالمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَة، وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْد،

وَمُعَاوِيَة، وَعَمْرِو بْنِ الْعَاص، وَابْنِهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، وَأُمِّ هَانِئ بِنْتِ أَبي طَالِبٍ، وَحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَر، وَخَلْقٍ سِوَاهُمْ 0 ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: وَحَدَّثَ عَنهُ أَوْلاَدُهُ الأَرْبَعَة يحْيىَ وَعُثْمَانُ وَهِشَامٌ وَمحَمَّد، وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَار، وَأَبُو الزِّنَاد، وَمحَمَّدُ بْنُ المُنْكَدِر، وَخَلْقٌ سِوَاهُمْ 0 ـ وَرَعُهُ وَتَقْوَاه، وَعِبَادَتُهُ لله:

حَدَّثَ ضَمْرَةُ عَنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَوْذَبٍ قَال: «كَانَ عُرْوَةُ يَقْرَأُ رُبُعَ الْقُرْآنِ كُلَّ يَوْمٍ في المُصْحَفِ نَظَرَاً، وَيَقُومُ بِهِ اللَّيْل، فَمَا تَرَكَهُ إِلاََّ لَيْلَةَ قُطِعَتْ رِجْلُه، وَكَانَ وَقَعَ فِيهَا الآكِلَةُ فَنُشِرَتْ، وَكَانَ إِذَا كَانَ أَيَّامَ الرُّطَبِ يَثْلِمُ حَائِطَه [أَيْ يجْمَعُهُ] ثمَّ يَأْذَنُ لِلنَّاسِ فِيهِ فَيَدْخُلُونَ يَأْكُلُونَ وَيحْمِلُون» حَدَّثَ أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَن هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَال:

«لَمَّا اتَّخَذَ عُرْوَةُ قَصْرَهُ بِالعَقِيقِ قَالَ لَهُ النَّاس: جَفَوْتَ مَسْجِدَ رَسُولَ اللهِ 00!! قَالَ رَضِيَ اللهُ عَنه: رَأَيْتُ مَسَاجِدَهُمْ لاَهِيَة، وَأَسْوَاقَهُمْ لاَغِيَة، وَالفَاحِشَةَ في فِجَاجِهِمْ عَالِيَة، فَكَانَ فِيمَا هُنَالِكَ عَمَّا هُمْ فِيهِ عَافِيَة» 0 حَدَّثَ أَبُو أُسَامَةَ عَن هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَهُوَ صَائِم، وَجَعَلُواْ يَقُولُونَ لَهُ أَفْطِرْ؛ فَلَمْ يُفْطِرْ» 0 ـ مَكَانَتُهُ الْعِلْمِيَّةُ وَحُبُّهُ لِلْعِلْم:

حَدَّثَ يحْيىَ بْنُ أَيُّوبَ عَن هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَال: «وَاللهِ مَا تَعَلَّمْنَا جُزْءَاً مِن أَلْفِ جُزْءٍ مِن حَدِيثِ أَبي» 0 حَدَّثَ عَلِيُّ بْنُ المَدِينِيّ [شَيْخُ الإِمَامِ البُخَارِيّ] عَنْ سُفْيَانَ الثّوْرِيِّ عَنِ الزُهْرِيِّ قَال: «رَأَيْتُ عُرْوَةَ بَحْرَاً لاَ تُكَدِّرُهُ الدِّلاَء» 0 قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيز: «مَا أَجِدُ أَعْلَمَ مِن عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللهُ عَنه، وَمَا أَعْلَمُهُ يَعْلَمُ شَيْئَاً أَجْهَلُه» 0

حَدَّثَ مَعْمَرٌ عَن هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَن أَبِيهِ أَنَّهُ أَحْرَقَ كُتُبَاً لَهُ فِيهَا فِقْهٌ ثُمَّ قَال: «لَوَدِدْتُ أَنيِّ كُنْتُ فَدَيْتُهَا بِأَهْلِي وَمَالِي» 00 أَحْرَقَهَا قَائِلاً: كِتَابُ اللهِ فِيهِ الْكِفَايَة 0 حَدَّثَ ابْنُ أَبي الزِّنَادِ عَن أَبِيهِ قَال: «مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً أَرْوَى لِلشِّعْرِ مِن عُرْوَة؛ فَقِيلَ لَهُ: مَا أَرْوَاكَ لِلشِّعْر 00!! فَقَال: مَا رِوَايَتي مَا في رِوَايَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا 00؟!

مَا كَانَ يَنْزِلُ بِهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهَا شَيْءٌ إِلاََّ أَنْشَدَتْ فِيهِ شِعْرَاً» 0 حَدَّثَ مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ عَن هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَن أَبِيهِ قَال: «لَقَدْ رَأَيْتُني قَبْلَ مَوْتِ عَائِشَةَ بِأَرْبَعِ حِجَجٍ وَأَنَا أَقُول: لَوْ مَاتَتِ اليَوْمَ مَا نَدِمْتُ عَلَى حَدِيثٍ عِنْدَهَا إِلاََّ وَقَدْ وَعَيْتُه، وَلَقَدْ كَانَ يَبْلُغُني عَنِ الصَّحَابيِّ الحَدِيثُ فَآتِيهِ فَأَجِدُهُ قَدْ قَالَ [أَيْ نَامَ الْقَيْلُولَة] فَأَجْلِسُ عَلَى بَابِهِ ثُمَّ أَسْأَلُهُ عَنه» 0

حَدَّثَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَن هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَن أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُول: «يَا بَنيَّ سَلُوني؛ فَلَقَدْ تُرِكْتُ حَتىَّ كِدْتُ أَنْسَى، وَإِنيِّ لأُسْأَلُ عَنِ الحَدِيثِ فَيُفْتَحُ لي حَدِيثُ يَوْمَيْن» 0 حَدَّثَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُهْرِيِّ قَال: «كَانَ عُرْوَةُ يَتَأَلَّفُ النَّاسَ عَلَى حَدِيثِه» 0 حَدَّثَ سُلَيْمَانُ بْنُ مَعْبَدٍ عَنِ الأَصْمَعِيِّ عَنِ ابْنِ أَبي الزِّنَادِ عَن أَبِيهِ قَال:

«اجْتَمَعَ في الحِجْرِ [أَيْ حِجْرِ إِسْمَاعِيلَ بِالْكَعْبَة] مُصْعَب، وَعَبْدُ الله [أَيْ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَير]، وَعُرْوَةُ بَنُو الزُّبَيْر، وَابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ فَقَالُواْ: تَمَنَّوْا؛ فَقَالَ عَبْدُ الله: أَمَّا أَنَا؛ فَأَتَمَنىَّ الخِلاَفَة، وَقَالَ عُرْوَة: أَتَمَنىَّ أَنْ يُؤْخَذَ عَنيِّ الْعِلْم، وَقَالَ مُصْعَب: أَمَّا أَنَا؛ فَأَتَمَنىَّ إِمْرَةَ الْعِرَاق، وَالجَمْعَ بَيْنَ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ وَسُكَيْنَةَ بِنْتِ الحُسَيْن، وَأَمَّا ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ فَقَال: أَتَمَنىَّ

المَغْفِرَة؛ فَنَالُواْ مَا تَمَنَّوْا، وَلَعَلَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَدْ غُفِرَ لَه» 0 حَدَّثَ ابْنُ أَبي الزِّنَادِ عَن حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَال: «لَقَدْ رَأَيْتُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَه» 0 ـ ذَكَاؤُهُ: وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَة: «لَمَّا قُتِلَ ابْنُ الزُّبَيْر؛ خَرَجَ عُرْوَةُ إِلىَ المَدِينَةِ بِالأَمْوَال، فَاسْتَدْعُوهَا ـ أَيْ طَلَبُوهَا ـ وَسَارَ إِلىَ عَبْدِ المَلِك؛ فَقَدِمَ عَلَيْهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَبْلَ الْبَرِيدِ بِالخَبَر؛ فَلَمَّا رَآهُ

زَالَ لَهُ عَنْ مَوْضِعِهِ وَجَعَلَ يَسْأَلُهُ: كَيْفَ أَبُو بَكْر 00؟ [يَعْني: عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْر] فَقَالَ رَضِيَ اللهُ عَنه: قُتِلَ رَحِمَهُ الله؛ فَنَزَلَ عَبْدُ المَلِكِ عَنِ السَّرِيرِ فَسَجَدَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ الحَجَّاجُ أَنَّ عُرْوَةَ قَدْ خَرَجَ، وَالأَمْوَالُ عِنْدَه؛ فَقَالَ عَبْدُ المَلِكِ في ذَلِك [أَيْ هَدَّدَ وَتَوَعَّد] فَقَالَ رَضِيَ اللهُ عَنه: مَا تَدَعُونَ الرَّجُلَ حَتىَّ يَأْخُذَ سَيْفَهُ فَيَمُوتَ كَرِيمَاً [كَأَنَّهُ يَقُولُ لَهُ: لاَ تَضْطَرَّني أَن أَصْنَعَ ذَلِك]

فَلَمَّا رَأَى عَبْدِ المَلِكِ ذَلِك؛ كَتَبَ إِلىَ الحَجَّاجِ أَن أَعْرِضْ عَنْ ذَلِك» 0 ـ هَيْبَتُهُ: حَدَّثَ مَعْمَرٌ عَنِ الزُهْرِيِّ قَال: «كُنْتُ آتي عُرْوَةَ فَأَجِلِسُ بِبَابِهِ مَلِيَّاً، وَلَوْ شِئْتُ أَن أَدْخُلَ دَخَلْت؛ فَأَرْجِعُ وَمَا أَدْخُلُ إِعْظَامَاً لَه» 0 ـ قَالُواْ عَنْ مَنَاقِبِهِ: قَالَ ابْنُ خَلِّكَان: «هُوَ الَّذِي حَفَرَ بِئْرَ عُرْوَةَ بِالمَدِينَة، وَمَا بِالمَدِينَةِ أَعْذَبُ مِنْ مَائِهَا» ـ زَوَاجُهُ مِنِ ابْنَةِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنه:

حَدَّثَ أَبُو الأَسْوَدِ عَن عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَال: «خَطَبْتُ إِلىَ ابْنِ عُمَرَ بِنْتَهُ سَوْدَةَ وَنَحْنُ في الطَّوَاف؛ فَلَمْ يُجِبْني بِشَيْء، فَلَمَّا دَخَلْتُ المَدِينَةَ بَعْدَهُ مَضَيْتُ إِلَيْه؛ فَقَالَ رَضِيَ اللهُ عَنه: أَكُنْتَ ذَكَرْتَ سَوْدَة 00؟ قُلْتُ نَعَمْ؛ قَالَ رَضِيَ اللهُ عَنه: إِنَّكَ ذَكَرْتَهَا وَنَحْنُ في الطَّوَاف؛ يَتَخَايَلُ اللهُ بَيْنَ أَعْيُنِنَا 00 أَفَلَكَ فِيهَا حَاجَة 00؟

قُلْتُ: أَحْرَصَ مَا كُنْت؛ قَالَ رَضِيَ اللهُ عَنه: يَا غُلاَم؛ ادْعُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبْدِ اللهِ وَنَافِعَاً مَوْلىَ عَبْدِ الله، ثُمَّ قَالَ لَهُمَا: هَذَا عُرْوَةُ بْنُ أَبي عَبْدِ اللهِ [كُنيَةُ الزُّبَيرِ بْنِ الْعَوَّامِ رَضِيَ اللهُ عَنه] وَقَدْ عَلِمْتُمَا حَالَه، وَقَدْ خَطَبَ إِليَّ سَوْدَة، وَقَدْ زَوَّجْتُهُ إِيَّاهَا بِمَا جَعَلَ اللهُ لِلْمُسْلِمَاتِ عَلَى المُسْلِمِينَ مِن إِمْسَاكٍ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٍ بِإِحْسَان، وَعَلَى أَنْ يَسْتَحِلَّهَا بِمَا يُسْتَحَلُّ بِهِ مِثْلُهَا، أَقَبِلْتَ يَا عُرْوَة 00؟ قُلْتُ نَعَمْ؛ قَالَ رَضِيَ اللهُ عَنه: بَارَكَ اللهُ لَك» 0

ـ بَعْضُ مَا لَقِيَهُ مِنَ الأَذَى: حَدَّثَ مُصْعَبُ بْنُ عُثْمَانَ عَن عَامِرِ بْنِ صَالِحٍ عَن هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَال: «قَدِمَ عُرْوَةُ عَلَى عَبْدِ المَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ فَأَجْلَسَهُ مَعَهُ عَلَى السَّرِير، فَجَاءَ قَوْمٌ فَوَقَعُواْ في عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْر؛ فَقَالَ عُرْوَة: إِنَّ عَبْدَ اللهِ أَخِي؛ فَإِذَا أَرَدْتُمْ أَنْ تَقَعُواْ فِيهِ فَلاَ تَأْذَنُواْ لي عَلَيْكُمْ» 0 وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْر؛ عَن هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْر؛ عَن أَبِيهِ قَال: «كَانَ يُقَال: أَزْهَدُ النَّاسِ في عَالِمٍ أَهْلُه» 0

ـ صَبرُهُ وَجَلَدُهُ: حَدَّثَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْغَفَّارِ عَن هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ أَبَاهُ وَقَعَتْ في رِجْلِهِ الآكِلَة؛ فَقِيلَ لَهُ: أَلاَ نَدْعُواْ لَكَ طَبِيبَاً 00؟ قَالَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: إِنَّ شِئْتُمْ [فَقَالَ الطَّبِيبُ لاَ بُدَّ مِنْ قَطْعِهَا] فَقَالُواْ: نَسْقِيكَ شَرَابَاً يَزُولُ فِيهِ عَقْلُك؛ فَأَبىَ؛ فَوُضِعَ المِنْشَارُ عَلَى رُكْبَتِهِ اليُسْرَى فَمَا سَمِعْنَا لَهُ حِسَّاً، فَلَمَّا قَطَعَهَا جَعَلَ يَقُول: لَئِن أَخَذْتَ لَقَدْ أَبْقَيْت، وَلَئِنِ ابْتَلَيْتَ لَقَدْ عَافَيْت، وَمَا تَرَكَ جُزْءَهُ بِالقُرْآنِ تِلْكَ اللَّيْلَة 00

وَأُصِيبَ عُرْوَةُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ بِابْنِهِ محَمَّدٍ في ذَلِكَ السَّفَر، رَكَضَتْهُ بَغْلَةٌ في اصْطَبْل، فَلَمْ يُسْمَعْ مِنهُ في ذَلِكَ كَلِمَةً [أَيْ كَلِمَةَ جَزَع] فَلَمَّا كَانَ بِوَادِي الْقُرَى قَال: لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبَا، اللَّهُمَّ كَانَ لي بَنُونَ سَبْعَة؛ فَأَخَذْتَ وَاحِدَاً وَأَبْقَيْتَ لي سِتَّة، وَكَانَ لي أَطْرَافٌ أَرْبَعَة؛ فَأَخَذْتَ طَرَفَاً وَأَبْقَيْتَ ثَلاَثَة، وَلَئِنِ ابْتَلَيْتَ لَقَدْ عَافَيْت، وَلَئِن أَخَذْتَ لَقَدْ أَبْقَيْت» 0

وَحَدَّثَ عَامِرُ بْنُ صَالِحٍ عَن هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّهُ قَال: «سَقَطَ أَخِي محَمَّدٌ مِن أَعْلَى سَطْحٍ في اصْطَبْلِ الْوَلِيد؛ فَضَرَبَتْهُ الدَّوَابُّ بِقَوَائِمِهَا فَقَتَلَتْه؛ فَأَتىَ عُرْوَةَ رَجُلٌ يُعَزِّيهِ فَقَال: إِنْ كُنْتَ تُعَزِّيني بِرِجْلِي؛ فَقَدِ احْتَسَبْتُهَا، قَالَ بَلْ أُعَزِّيكَ بمُحَمَّدٍ ابْنِك؛ قَال: وَمَا لَه 00؟ فَأَخْبَرَهُ؛ فَقَال: اللَّهُمَّ أَخَذْتَ عُضْوَاً وَتَرَكْتَ أَعْضَاءً، وَأَخَذْتَ ابْنَاً وَتَرَكْتَ أَبْنَاءً؛ فَلَمَّا قَدِمَ المَدِينَةَ أَتَاهُ ابْنُ المُنْكَدِرِ فَقَال: كَيْفَ كُنْت 00؟ قَالَ رَضِيَ اللهُ عَنه: لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبَا» 0 وَقَالَ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْر: «نَظَرَ أَبي إِلىَ رِجْلِهِ في الطَّسْتِ فَقَال: إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ أَنيِّ مَا مَشَيْتُ بِكِ إِلىَ مَعْصِيَةٍ قَطُّ وَأَنَا أَعْلَم» 0

أبو عثمان النهدي

أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيّ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُلٍّ أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ البَصْرِيّ 0 وُلِدَ سَنَةَ 35 ق0هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 95 هـ، كَانَ مِنَ المُعَمَّرِين 0 وُلِدَ سَنَةَ 33 ق0هـ تَقْرِيبَاً، وَتُوُفِّيَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ سَنَةَ 100 هـ، عَن عُمُرٍ يَزِيدُ عَلَى 130 سَنَة 0

رَوَى حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ رَحِمَهُ اللهُ عَنهُ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «بَلَغْتُ مِاْئَةً وَثَلاَثِينَ سَنَة» 0 وَحَدَّثَ عَبْدُ الْقَاهِرِ بْنُ السَّرِيِّ عَن أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَن أَبي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّهُ قَال: «أَتَتْ عَلَيَّ ثَلاَثُونَ وَمِاْئَةُ سَنَة، وَمَا شَيْءٌ إِلاََّ وَقَدْ أَنْكَرْتُهُ [أَيْ بَصَرِي وَحَافِظَتي 000 إِلخ]، خَلاَ أَمَلِي، فَإِنَّهُ كَمَا هُو» 0

ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: حَدَّثَ عَن عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَعَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ، وَعَن أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَبِلاَلٍ وَأَبي هُرَيْرَة، وَابْنِ عَبَّاس رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ، وَسعْدِ بْنِ أَبي وَقَّاصٍ وَسَلْمَانَ الفَارِسِيِّ وَحُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ، وَأَبي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، وَأَبي بَكْرَةَ الثّقَفِيّ، وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْد، وَسَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ، وَعَنْ طَائِفَةٍ سِوَاهُمْ 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ قَتَادَة، وَعَاصِمٌ الأَحْوَلُ، وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيّ، وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانيّ، وَخَالِدٌ الحَذَّاءُ 0 وَثَّقَهُ عَلِيُّ بْنُ المَدِينِيّ [شَيْخُ الإِمَامِ البُخَارِيّ]، وَأَبُو زُرْعَة، وَآخَرُون 0 أَصْلُهُ كُوفِيٌّ مِنْ قُضَاعَة، وَتَحَوَّلَ إِلىَ البَصْرَة؛ في خِلاَفَةِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنه 0

حَدَّثَ عَبْدُ القَاهِرِ بْنُ السَّرِيِّ عَن أَبيهِ عَنْ جَدِّهِ قَيْسِ بْنِ الهَيْثَمِ قَال: حَدَّثَ عَبْدُ الْقَاهِرِ بْنُ السَّرِيِّ عَن أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَال: «كَانَ أَبُو عُثْمَانَ مِنْ قُضَاعَة، وَسَكَنَ الْكُوفَة، فَلَمَّا قُتِلَ الحُسَيْنُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ تَحَوَّلَ إِلىَ الْبَصْرَةِ وَقَال: لاَ أَسْكُنُ بَلَدَاً قُتِلَ فِيهِ ابْنُ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم» 0 وَكَانَ أَيْضَاً مِنَ المُخَضْرَمِين [أَيِ الَّذِينَ عَاشُواْ في الجَاهِلِيَّةِ وَالإِسْلاَم]

حَدَّثَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَن حَجَّاجِ بْنِ أَبي زَيْنَبَ عَن أَبي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَال: «كُنَّا في الجَاهِلِيَّةِ نَعْبُدُ حَجَرَاً، فَسَمِعْنَا مُنَادِيَاً يُنَادِي: يَا أَهْلَ الرِّحَال؛ إِنَّ رَبَّكُمْ قَدْ هَلَكَ فَالْتَمِسُواْ رَبَّاً؛ فَخَرَجْنَا عَلَى كُلِّ صَعْبٍ وَذَلُول [أَيْ رَكِبْنَا جِمَالَنَا] فَبَيْنَا نحْنُ كَذَلِكَ إِذْ سَمِعْنَا مُنَادِيَاً يُنَادِي: إِنَّا قَدْ وَجَدْنَا رَبَّكُمْ أَوْ شِبْهَهُ؛ فَجِئْنَا فَإِذَا حَجَرٌ؛ فَنَحَرْنَا عَلَيْهِ الجُزُر» 0

وَحَدَّثَ عَاصِمٌ الأَحْوَلُ عَن أَبي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «رَأَيْت يَغُوثَ صَنَمَاً مِنْ رَصَاصٍ يُحْمَلُ عَلَى جَمَلٍ أَجْرَد [أَيْ عَتِيقٍ قَصِيرِ الشَّعْرِ نَاعِمِه] فَإِذَا بَلَغَ وَادِيَاً بَرَك فِيهِ قَالُواْ: قَدْ رَضِي لَكُمْ رَبُّكُمْ هَذَا الوَادِي» 0 قَالَ أَبُو نَصْرٍ الكَلاَبَاذِيّ: «أَسْلَمَ أَبُو عُثْمَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَرَهُ» غَزَا أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ في خِلاَفَةِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَبَعْدَهَا عِدَّةَ غَزَوَات، فَشَهِدَ اليَرْمُوك، وَالقَادِسِيَّة، وَجَلُولاَء، وَتُسْتَر، وَنَهَاوَنْد، وَأَذْرَبَيْجَان، وَمِهْرَان، وَرُسْتُم 0

وَقَالَ رَضِيَ اللهُ عَنه: «أَتَيْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ بِالبِشَارَةِ يَوْمَ نَهَاوَنْد» 0 وَحَجَّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ سِتِّينَ مَرَّةً مَا بَيْنَ حِجَّةٍ وَعُمْرَة» 0 وَقَالَ رَضِيَ اللهُ عَنه: «صَحِبْتُ سَلْمَانَ الفَارِسِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ثِنْتيْ عَشْرَةَ سَنَة» 0 حَدَّثَ مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَن أَبيهِ قَال: «إِنيِّ لأَحْسِبُ أَنَّ أَبَا عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ كَانَ لاَ يُصِيبُ دُنْيَا، كَانَ لَيْلَهُ قَائِمَاً، وَنَهَارَهُ صَائِمَاً، وَإِنْ كَانَ لَيُصَلِّي حَتىَّ يُغْشَى عَلَيْه» 0 وَقَالَ مُعَاذُ بْنُ مُعَاذ: «كَانُواْ يَرَوْنَ أَنَّ عِبَادَةَ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيّ: مِن أَبي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ أَخَذَهَا 00 رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمَا» 0

ثابت البناني

ثَابِتٌ الْبُنَانيّ هُوَ ثَابِتُ بْنُ أَسْلَمَ أَبُو محَمَّدٍ الْبُنَانيّ 0 وُلِدَ رَحِمَهُ اللهُ سَنَةَ 41 هـ في خِلاَفَةِ مُعَاوِيَة، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 127 هـ 0 قَالَ محَمَّدُ بْنُ ثَابِتٍ الْبُنَانيّ: «مَاتَ ثَابِتٌ سَنَةَ 127 هـ، وَهُوَ ابْنُ 86 سَنَة» 0

ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: حَدَّثَ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ في «مُسْلِمٍ» وَعَن عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ المُزَنِيِّ في «سُنَنِ النَّسَائِيّ»، وَعَن عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ في «الْبُخَارِيِّ» وَعَن أَبي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ في «التِّرْمِذِيِّ» وَ «النَّسَائِيِّ» وَعَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَمُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللهِ وَأَبي رَافِعٍ الصَّائِغ، وَأَبي بُرْدَةَ بْنِ أَبي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ وَأَبي عُثْمَانَ النَّهْدِيّ، وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْب، وَمُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّة، وَشَهْرِ بْنِ حَوْشَب، وَخَلْقٍ سِوَاهُمْ

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ عَطَاءُ بْنُ أَبي رَبَاح، وَقَتَادَة، وَابْنُ جُدْعَان، وَيُونُسُ بْنُ عُبَيْد، وَحُمَيْدٌ الطَّوِيل، وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيّ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيّ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ المُثَنىّ، وَدَاوُدُ بْنُ أَبي هِنْد، وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، وَيَزِيدُ بْنُ أَبي زِيَاد، وَابْنُ شَوْذَب، وَمَعْمَر، وَشُعْبَة، وَسُلَيْمَانُ بْنُ المُغِيرَة، وَسَلاََّمُ بْنُ مِسْكِين، وَحَاتِمُ بْنُ مَيْمُون، وَالحَكَمُ بْنُ عَطِيَّة، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَة، وَحَمَّادُ بْنُ يحْيىَ الأَبَحّ، وَبَكْرُ بْنُ

خُنَيْس، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْد، وَمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَة، وَهَارُونُ بْنُ مُوسَى النَّحْوِيّ، وَأَبُو عَوَانَةَ الْوَضَّاح، وَعُمَارَةُ بْنُ زَاذَان، وَابْنُهُ محَمَّدُ بْنُ ثَابِت، وَجَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُمْ كَثِير 0 ـ قَالُواْ عَنِ حِفْظِهِ: حَدَّثَ أَبُو طَالِبٍ أَنَّهُ سَأَلَ الإِمَامَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانيِّ 00؟ فَقَالَ رَحِمَهُ الله: «ثَابِتٌ تَثَبَّتَ في الحَدِيث» 0 قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِي رَحِمَهُ الله:

«أَثْبَتُ أَصْحَابِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنه: الزُّهْرِيّ، ثُمَّ ثَابِت، ثُمَّ قَتَادَة» 0 حَدَّثَ غَالِبٌ الْقَطَّانُ عَنْ بَكْرٍ المُزَنِيِّ قَال: «مَن أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلىَ أَحْفَظِ أَهْلِ زَمَانِهِ فَلْيَنْظُرْ إِلىَ قَتَادَة» 0 قَالَ ابْنُ عَدِيّ: «هُوَ مِنْ تَابِعِي أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَزُهَّادِهِمْ وَمُحَدِّثِيهِمْ، كَتَبَ عَنهُ الأَئِمَّة، وَأَرْوَى النَّاسِ عَنهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَة، وَأَحَادِيثُهُ مُسْتقِيمَةٌ إِذَا رَوَى عَنهُ ثِقَة، وَمَا وَقَعَ في حَدِيثِهِ مِنَ النُّكِرَةِ إِنَّمَا هُوَ مِنَ

الرَّاوِي عَنهُ؛ فَقَدْ رَوَى عَنهُ جَمَاعَةٌ مَجْهُولُونَ ضُعَفَاء» 0 حَدَّثَ عَلِيُّ بْنُ المَدِينيّ: عَن عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَوْ بَهْزٍ عَن حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ قَال: «كُنْتُ أَسْمَعُ أَنَّ الْقُصَّاصَ لاَ يحْفَظُونَ الحَدِيث؛ فَكُنْتُ أَقْلِبُ الأَحَادِيثَ عَلَى ثَابِتٍ الْبُنَانيّ: أَجْعَلُ أَنَسَاً لاِبْنِ أَبي لَيْلَى وَبِالعَكْس؛ أُشَوِّشُهَا عَلَيْه؛ فَيَجِيءُ بِهَا عَلَى الاِسْتِوَاء» 0 ـ قَالُواْ عَنْ صَلاَحِهِ وَتَقْوَاه، وَعِبَادَتِهِ لله:

حَدَّثَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَن أَبِيهِ عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّهُ قَال: «إِنَّ لِلْخَيْرِ أَهْلاً؛ وَإِنَّ ثَابِتَاً هَذَا مِنْ مَفَاتِيحِ الخَيْر» 0 حَدَّثَ عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ عَن أَبِيهِ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانيِّ قَال: «صَحِبْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَرْبَعِينَ سَنَةً؛ مَا رَأَيْتُ أَعَبْدَ مِنهُ» 0 حَدَّثَ ابْنُ أَبي رَزِينٍ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «كَابَدْتُ الصَّلاَةَ عِشْرِينَ سَنَة، وَتَنَعَّمْتُ بِهَا عِشْرِينَ سَنَة» 0

حَدَّثَ عَفَّانُ عَن حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ قَال: «كَانَ ثَابِتٌ يَقُول: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ أَعْطَيْتَ أَحَدَاً الصَّلاَةَ في قَبْرِهِ فَأَعْطِني الصَّلاَةَ في قَبْرِي» 0 فَيُقَال: «إِنَّ هَذِهِ الدَّعْوَةَ اسْتُجِيبَتْ لَهُ، وَإِنَّهُ رُئِيَ بَعْدَ مَوْتِهِ يُصَلِّي في قَبْرِهِ فِيمَا قِيل» حَدَّثَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَن أَبِيهِ عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّهُ قَالَ يَوْمَاً: «إِنَّ لِلْخَيْرِ مَفَاتِيح، وَإِنَّ ثَابِتَاً مِنْ مَفَاتِيحِ الخَيْر» 0

حَدَّثَ غَالِبٌ الْقَطَّانُ عَنْ بَكْرٍ المُزَنِيِّ قَال: «مَن أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلىَ أَعْبَدِ أَهْلِ زَمَانِهِ فَلْيَنْظُرْ إِلىَ ثَابِتٍ الْبُنَانيّ؛ فَمَا أَدْرَكْنَا الَّذِي هُوَ أَعَبْدُ مِنهُ» وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَان: «بَكَى ثَابِتٌ حَتىَّ كَادَتْ عَيْنُهُ تَذْهَب؛ فَنَهَاهُ الْكَحَّالُ عَنِ الْبُكَاء؛ فَقَالَ رَحِمَهُ الله: فَمَا خَيْرُهُمَا إِذَا لَمْ يَبْكِيَا، وَأَبَى أَنْ يُعَالَج» 0 قَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَة: «قَرَأَ ثَابِتٌ الْبُنَانيّ: {أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً} {الكَهْف/37} وَهُوَ يُصَلِّي صَلاَةَ اللَّيْلِ يَنْتَحِبُ وَيُرَدِّدُهَا» 0

أبو العالية

أَبُو العَالِيَة هُوَ الإِمَامُ المُقْرِئُ الحَافِظُ المُفَسِّرُ المحَدِّثُ أَبُو العَالِيَةِ رُفَيْعُ بْنُ مِهْرَانَ الرِّيَاحِيُّ البَصْرِيّ 0 وُلِدَ سَنَةَ قَبْلَ الهِجْرَةِ بِبِضْعِ سِنِين، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 93 هـ 0 وَقَالَ الإِمَامُ البُخَارِيُّ وَغَيْرُه: «مَاتَ سَنَةَ 93 هـ» 0 أَسْلَمَ في خِلاَفَةِ أَبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَدَخَلَ عَلَيْه 0

ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: سَمِعَ مِن عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأُبَيٍّ وَأَبي ذَرٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ وَأَبي مُوسَى وَأَبي أَيُّوبَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ 0 وَحَفِظَ القُرْآنَ وَقَرَأَهُ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ثُمَّ تَصَدَّرَ لِلدَّعْوَةِ حَتىَّ ذَاعَ صِيتُه 0 قَالَ أَبُو عَمْرٍو الدَّانيّ: «أَخَذَ أَبُو العَالِيَةِ الْقِرَاءةَ عَن أُبَيٍّ وَزَيْدٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ، وَيُقَالُ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى عُمَر رَضِيَ اللهُ عَنه»

وَحَدَّثَ مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَن هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ عَن حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: «قَالَ لي أَبُو العَالِيَة: قَرَأْتُ القُرْآنَ عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ثَلاَثَ مِرَار» 0 وَثَّقَهُ الحَافِظَان: أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي، وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِي، قَرَأَ عَلَيْهِ أَبُو عَمْرٍو بْنُ الْعَلاَء 0 وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبي دَاوُد: «وَلَيْسَ أَحَدٌ بَعْدَ الصَّحَابَةِ أَعْلَمَ بِالقُرْآنِ مِن أَبي العَالِيَة، وَبَعْدَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنه» 0

ـ مِن أَقْوَالِ الإِمَامِ أَبي الْعَالِيَة: حَدَّثَ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِي عَنِ الرَّبيعِ بْنِ أَنَسٍ عَن أَبي العَالِيَةِ أَنَّهُ قَال: «كُنْتُ أَرْحَلُ إِلىَ الرَّجُلِ مَسِيرَةَ أَيَّامٍ لأَسْمَعَ مِنهُ، فَأَتَفَقَّدُ صَلاَتَهُ؛ فَإِنْ وَجَدْتُهُ يُحْسِنُهَا؛ أَقَمْتُ عَلَيْه، وَإِن وَجَدْتُهُ يُضِيِّعُهَا؛ رَحَلْتُ وَلَمْ أَسْمَعْ مِنه، وَقُلْتُ: هُوَ لِمَا سِوَاهَا أَضْيَع» حَدَّثَ أَبُو خَلْدَةَ عَن أَبي العَالِيَةِ أَنَّهُ قَال: «مَا مَسَسْتُ ذَكَرِي بِيَمِيني مُنْذُ سِتِّينَ أَوْ سَبْعِينَ سَنَة» 0

حَدَّثَ أَبُو خَلْدَةَ عَن أَبي العَالِيَةِ أَنَّهُ قَال: «تَعَلَّمُواْ القُرْآنَ خَمْسَ آيَاتٍ خَمْسَ آيَات؛ فَإِنَّهُ أَحْفَظُ عَلَيْكُمْ؛ وَجِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَانَ يَنْزِلُ بِهِ خَمْسَ آيَاتٍ خَمْسَ آيَات» 0

سعيد بن المسيب

سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّب هُوَ الإِمَامُ أَبُو محَمَّدٍ سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ بْنِ حَزْنٍ القُرَشِيُّ المَخْزُومِيُّ سَيِّدُ التَّابِعِين، وُلِدَ أَوَاخِرَ سَنَةَ 12 هـ لِسَنَتَيْنِ مَضَتَا مِن خِلاَفَةِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنه، وَقِيلَ لأَرْبَعٍ مَضَيْنَ مِنهَا بِالمَدِينَة، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ أَوَاخِرَ 95 هـ 0 حَدَّثَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّهُ قَال: «وُلِدْتُ لِسَنَتَيْنِ مَضَتَا مِن خِلاَفَةِ عُمَر» 0 وَكَانَتْ خِلاَفَتُهُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَشْرَ سِنِينَ وَأَرْبَعَةَ أَشْهُر 0 تُوُفِّيَ سَنَةَ 94 هـ، وَقِيلَ 93 هـ، وَقِيلَ 95 هـ 0

وَكَانَ زَوْجَ ابْنَةِ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنه، وَأَعْلَمَ النَّاسِ بِحَدِيثِهِ رَضِيَ اللهُ عَنه 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ وَمَنْ سَمِعَ مِنهُمْ أَوْ رَوَى عَنهُمْ: حَدَّثَ الوَاقِدِيُّ عَن هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّن أَخَذَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ عِلْمَهُ 00؟

فَقَال: عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنه، وَجَالَسَ سعْدَاً وَابْنَ عَبَّاسٍ وَابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ 0 وَدَخَلَ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا 0 وَسَمِعَ مِن عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَصُهَيْبٍ وَمحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَة رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ 0 وَجُلُّ رِوَايَتِهِ المُسْنَدَةِ عَن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ؛ كَانَ زَوْجَ ابْنَتِه 0 وَسَمِعَ مِن أَصْحَابِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا 0

وَكَانَ يُقَال: لَيْسَ أَحَدٌ أَعْلَمَ بِكُلِّ مَا قَضَى بِهِ عُمَرُ وَعُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا مِنهُ» 0 وَبِالإِضَافَةِ إِلىَ هَؤُلاَءِ النُّبَلاَءِ سَمِعَ مِن أَبي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنه 0 وَرَوَى مُرْسِلاً عَن أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَبِلاَلٍ وَسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَأَبي ذرٍّ وَأَبي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ 0 وَرِوَايَتُهُ عَن عَلِيٍّ وَسَعْدٍ وَعُثْمَانَ وَأَبي مُوسَى وَعَائِشَةَ وَأُمِّ شَرِيكٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو وَأَبي سَعِيدٍ

وَأَبيهِ المُسَيَّبِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ في «الصَّحِيحَيْنِ» وَعَن حَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ وَصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَمَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ وَمُعَاوِيَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ في «مُسْلِم» وَرِوَايَتُهُ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا وَغَيْرِهِمَا في «البُخَارِيِّ» 0 وَرِوَايَتُهُ عَن عُمَرَ في «السُّنَنِ الأَرْبَعَة» 0 وَأَرْسَلَ عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَن أَبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنه 0

قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيّ: «مَرَاسِيلُ سَعِيدٍ مُحْتَجٌّ بِهَا» 0 قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل: «مُرْسَلاَتُ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ صِحَاح» 0 حَدَّثَ مَعْنُ بْنُ عِيسَى الْقَزَّاز عَنِ الإِمَامِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «قَالَ ابْنُ المُسَيَّب: إِنْ كُنْتُ لأَسِيرُ الأَيَّامَ وَاللَّيَالِيَ في طَلَبِ الحَدِيثِ الوَاحِد» 0 ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه:

رَوَى عَنهُ خَلْقٌ كَثِير: مِنهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَرْمَلَة، وَعَبْدُ الكَرِيمِ الجَزَرِيّ، وَعَطَاءٌ الخُرَاسَانيّ، وَعُقْبَةُ بْنُ حُرَيْث، وَعَلِيُّ بْنُ جُدْعَان، وَعَمْرُو بْنُ شُعَيْب، وَعَمْرُو بْنُ دِينَار، وَقَتَادَة، وَمحَمَّدُ بْنُ صَفْوَان، وَمحَمَّدُ الْبَاقِر، وَالزُّهْرِيّ، وَابْنُ المُنْكَدِر، وَمَعْبَدُ بْنُ هُرْمُز، وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَان، وَيحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيّ 0 وَكَانَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ مِمَّنْ فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِمْ في الْعِلْمِ وَالعَمَل 0 ـ قَالُواْ عَنِ عِلْمِهِ:

وَقَالَ عَنهُ قَتَادَةُ وَمَكْحُولٌ وَالزُّهْرِيُّ وَآخَرُونَ وَاللَّفْظُ لِقَتَادَة: «مَا رَأَيْتُ أَعْلَمَ مِنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّب» 0 قَال عَنهُ مَكْحُول: «سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ عَالِمُ العُلَمَاء» 0 وَقَال مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَان: «أَتَيْتُ المَدِينَةَ فَسَأَلْتُ عَن أَفْقَهِ أَهْلِهَا؛ فَدُفِعْتُ إِلىَ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه» 0 قَالَ عَنهُ عَلِيُّ بْنُ المَدِينِيّ [شَيْخُ الإِمَامِ البُخَارِيّ]:

«لاَ أَعْلَمُ في التَّابِعِينَ أَحَدَاً أَوْسَعَ عِلْمَاً مِنِ ابْنِ المُسَيَّبِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه، هُوَ عِنْدِي أَجَلُّ التَّابِعِين» 0 ـ قَالُواْ عَنْ فِقْهِهِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى الإِفْتَاء: قَالَ عَنهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنه: «هُوَ وَاللهِ أَحَدُ المُفْتِين» 0 وَعَنْ قُدَامَةَ بْنِ مُوسَى أَنَّهُ قَال: «كَانَ ابْنُ المُسَيَّبِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ يُفْتي وَالصَّحَابَةُ أَحْيَاء» وَعَنْ محَمَّدِ بْنِ يحْيىَ بْنِ حَبَّانَ قَال:

«كَانَ المُقَدَّمَ في الفَتْوَى في دَهْرِهِ: سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه، وَيُقَالَ لَهُ «فَقِيهُ الفُقَهَاء»» وَحَدَّثَ مَعْنُ بْنُ عِيسَى الْقَزَّاز عَنِ الإِمَامِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «كَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ لاَ يَقْضِي بِقَضِيَّةٍ؛ حَتىَّ يَسْأَلَ سَعِيدَ بْنَ المُسَيَّبِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه، فَأَرْسَل إِلَيْهِ إِنْسَانَاً يَسْأَلُهُ فَدَعَاه؛ فَجَاءَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه؛ فَقَالَ عُمَرُ لَهُ: أَخْطَأَ الرَّسُول، إِنَّمَا أَرْسَلْنَاهُ يَسْأَلُكَ في مَجْلِسِك» 0

ـ وَرَعُهُ وَتَقْوَاه، وَعِبَادَتُهُ لله: حَدَّثَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَرْمَلَة عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «مَا فَاتَتْني الصَّلاَةُ في جَمَاعَةٍ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَة» 0 حَدَّثَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَن عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «مَا أَذَّنَ المُؤَذِّنُ مُنْذُ ثَلاَثِينَ سَنَة؛ إِلاََّ وَأَنَا في المَسْجِد» 0

[قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلاَمِ النُّبَلاَء: إِسْنَادُهُ ثَابِت 0 طَبْعَةِ مُؤَسَّسَةِ الرِّسَالَة 0 ص: 222/ 4] حَدَّثَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَرْمَلَة عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «حَجَجْتُ أَرْبَعِينَ حِجَّة» 0 وَحَدَّثَ سَلاََّمُ بْنُ مِسْكِينٍ عَن عِمْرَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَال: «كَانَ لِسَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ في بَيْتِ المَالِ بِضْعَةٌ وَثَلاَثُونَ أَلْفَاً عَطَاؤُه، وَكَانَ يُدْعَى إِلَيْهَا فَيَأْبَى وَيَقُول: لاَ حَاجَةَ لي فِيهَا حَتىَّ يحْكُمَ اللهُ

بَيْني وَبَيْنَ بَني مَرْوَان» 0 حَدَّثَ الإِمَامُ مَالِكٌ عَنْ يحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ قَال: «سُئِلَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ عَن آيَةٍ فَقَال: لاَ أَقُولُ في القُرْآنِ شَيْئَاً» 0 وَلِهَذَا قَلَّ مَا نُقِل عَنهُ في التَّفْسِير 0 ـ صَبرُهُ وَجَلَدُهُ وَثَبَاتُهُ عَلَى رَأْيِهِ وَإِن أُوذِيَ في الله: رَوَى عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ أَنَّ جَابِرَ بْنَ الأَسْوَدِ بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيَّ عَامِلُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَلَى المَدِينَةِ بَاعَدَ اللهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ في الآخِرَةِ ضَرَبَهُ سِتِّينَ سَوْطَاً لِيَأْخُذَ مِنهُ الْبَيْعَةَ

لاِبْنِ الزُّبَير؛ فَأَبىَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَال: لاَ، حَتىَّ يَجْتَمِعَ النَّاس؛ فَضُرِبَ سِتِّينَ سَوْطَاً؛ فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ الزُّبَيْر؛ فَكَتَبَ إِلىَ جَابِرٍ يَلُومُهُ وَيَقُول: مَا لَنَا وَلِسَعِيدٍ، دَعْه» 0 وَحَدَّثَ عِمْرَانُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الخُزَاعِيِّ أَنَّهُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ضُرِبَ أَيْضَاً سِتِّينَ سَوْطَاً وَسُجِنَ عَلَى بَيْعَةِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ المَلِكِ وَطِيفَ بِهِ في المَدِينَة، وَضُرِبَ مِاْئَةَ سَوْطٍ عَلَى بَيْعَةِ سُلَيْمَانَ وَالْوَلِيد 0

وَقَالَ أَبُو المَلِيحِ الرَّقِّيّ: «حَدَّثَني غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّ عَبْدَ المَلِكِ ضَرَبَ سَعِيدَ بْنَ المُسَيَّبِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ خَمْسِينَ سَوْطَاً، وَأَقَامَهُ بِالحَرَّةِ وَأَلْبَسَهُ تُبَّانَ شَعْر» 0 الحَرَّة: هِيَ أَرْضٌ ذَاتُ حِجَارَةٍ سَوْدَاءَ عَلَى بُعْدِ لَيْلَتَينِ مِنَ المَدِينَةِ بِالدَّابَّةِ المُسْرِعَة {لِسَانُ الْعَرَب} وَالتُّبَّان: سِرْوَالٌ صغيرٌ مِقْدَارُ شِبْرٍ يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ المُغَلَّظَةَ فَقَطْ 0 {لِسَانُ الْعَرَب} حَدَّثَ أَبُو عَاصِمٍ النَّبيلُ عَن أَبي يُونُسَ أَنَّهُ قَال:

«دَخَلْتُ مَسْجِدَ المَدِينَة؛ فَإِذَا سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ جَالِسٌ وَحْدَه؛ فَقُلْتُ: مَا شَأْنُه 00؟ قِيل: نُهِيَ أَنْ يُجَالِسَهُ أَحَد» 0 حَدَّثَ هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «جَلَدُوني، وَمَنَعُواْ النَّاسَ أَنْ يُجَالِسُوني» 0 وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ حَدَّثَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ أَنَّهُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قِيلَ لَهُ ادْعُ عَلَى بَني أُمَيَّةَ فَلَمْ يَدْعُ عَلَيْهِمْ وَإِنَّمَا دَعَا بِالْعِزَّةِ لِلدِّين، وَبِالْعَافِيَةِ لِلْمُسْلِمِين 0

ـ نُبْلُهُ وَعَقْلُهُ وَتَيْسِيرُهُ في تَزْوِيجِ ابْنَتِه، وَكَانَتْ فَرِيدَةً في زَمَانِهَا: حَدَّثَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلَ رَحِمَهُ اللهُ عَنِ الحَسَنِ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ رَبيعَةَ عَن إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الكِنَانيِّ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ المُسَيَّبِ زَوَّجَ ابْنَتَهُ بِدِرْهَمَيْن» 0 حَدَّثَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ مُسْلِمٍ الزَّنْجِيِّ عَنْ يَسَارِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ زَوَّجَ ابْنَةً لَهُ عَلَى دِرْهَمَيْنِ مِنِ ابْنِ أَخِيه» 0

حَدَّثَ أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبي دَاوُدَ قَال: «كَانَتْ بِنْتُ سَعِيدٍ قَدْ خَطَبَهَا عَبْدُ المَلِكِ لاِبْنِهِ الوَلِيدِ فَأَبَى عَلَيْه؛ فَلَمْ يَزَلْ يحْتَالُ عَبْدُ المَلِكِ عَلَيْهِ حَتىَّ ضَرَبَهُ مِاْئَةَ سَوْطٍ في يَوْمٍ بَارِد، وَصَبَّ عَلَيْهِ جَرَّةَ مَاءٍ وَأَلْبَسَهُ جُبَّةَ صُوف 0 ثُمَّ قَال: حَدَّثَني أَحْمَدُ ابْنُ أَخِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْب، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ وَهْب، عَن عَطَّافِ بْنِ خَالِد، عَنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَة، عَنِ ابْنِ أَبي وَدَاعَةَ [اسْمُهُ كَثِيرٌ] قَال:

كُنْتُ أُجَالِسُ سَعِيدَ بْنَ المُسَيَّبِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه، فَفَقَدَني أَيَّامَاً، فَلَمَّا جِئْتُهُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَال: أَيْنَ كُنْت؟ قُلْت: تُوُفِّيَتْ أَهْلِي فَاشْتَغَلْتُ بِهَا؛ فَقَال: أَلاَ أَخْبَرْتَنَا فَشَهِدْنَاهَا 00؟ ثُمَّ قَال: هَلِ اسْتَحْدَثْتَ امْرَأَةً 00؟ فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ الله، وَمَنْ يُزَوِّجُني وَمَا أَمْلِكُ إِلاََّ دِرْهَمَيْنِ أَوْ ثَلاَثَة 00؟ قَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: أَنَا؛ فَقُلْتُ: وَتَفْعَل 00؟

قَالَ نَعَمْ، ثُمَّ تَحَمَّدَ وَصَلَّى عَلَى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَوَّجَني عَلَى دِرْهَمَيْنِ أَوْ ثَلاَثَة؛ فَقُمْتُ وَمَا أَدْرِي مَا أَصْنَعُ مِنَ الفَرَح، فَصِرْتُ إِلىَ مَنْزِلي وَجَعَلْتُ أَتَفَكَّرُ فِيمَن أَسْتدِين، فَصَلَّيْتُ المَغْرِبَ وَرَجَعْتُ إِلىَ مَنْزِلِي وَكُنْتُ وَحْدِي صَائِمَاً؛ فَقَدَّمْتُ عَشَائِي أُفْطِرُ وَكَانَ خُبْزَاً وَزَيْتَاً، فَإِذَا بَابي يُقْرَع؛ فَقُلْتُ: مَن هَذَا 00؟

فَقَالَ سَعِيد؛ فَأَفْكَرْتُ في كُلِّ مَنِ اسْمُهُ سَعِيدٌ إِلاََّ ابْنَ المُسَيَّب؛ فَإِنَّهُ لَمْ يُرَ أَرْبَعِينَ سَنَةً إِلاََّ بَيْنَ بَيْتِهِ وَالمَسْجِد؛ فَخَرَجْتُ فَإِذَا سَعِيدٌ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه؛ فَظَنَنْتُ أَنَّهُ قَدْ بَدَا لَه؛ فَقُلْتُ: يَا أَبَا محَمَّد؛ أَلاَ أَرْسَلْتَ إِلَيَّ فَآتِيَك 00؟ قَالَ لاَ، أَنْتَ أَحَقُّ أَنْ تُؤْتَى، إِنَّكَ كُنْتَ رَجُلاً عَزَبَاً فَتَزَوَّجْت؛ فَكَرِهْتُ أَنْ تَبِيتَ اللَّيْلَةَ وَحْدَك، وَهَذِهِ امْرَأَتُك 00 فَإِذَا هِيَ قَائِمَةٌ مِن خَلْفِهِ في طُولِهِ، ثمَّ أَخَذَ بيَدِهَا

فَدَفَعَهَا في البَابِ وَرَدَّ البَاب؛ فَسَقَطَتِ المَرْأَةُ مِنَ الحِيَاء؛ فَاسْتَوْثَقْتُ مِنَ البَابِ ثمَّ وَضَعْتُ القَصْعَةَ في ظِلِّ السِّرَاجِ لَكِي لاَ تَرَاهُ ـ أَيْ وَضَعَ قَصْعَةَ الزَّيْتِ وَالخُبزَ في خَيَالِ قَاعِدَةِ السِّرَاجِ كَيْ لاَ تَرَاهُ فَتَجْزَعُ لِشَظَفِ عَيْشِي وَتَوَاضُعِ طَعَامِي ـ ثُمَّ صَعِدْتُ السَّطْحَ فَرَمَيْتُ الجِيرَان، فَجَاؤُوني فَقَالُواْ: مَا شَأْنُك 00؟

فَأَخْبَرْتُهُمْ وَنَزَلُواْ إِلَيْهَا، وَبَلَغَ أُمِّي فَجَاءتْ وَقَالَتْ: وَجْهِي مِنْ وَجْهِكَ حَرَامٌ إِنْ مَسَسْتَهَا قَبْلَ أَن أُصْلِحَهَا إِلىَ ثَلاَثَةِ أَيَّام [وَفي رِوَايَةٍ: وَجْهِي مِنْ وَجْهِكَ حَرَامٌ إِن أَفْضَيْتَ إِلَيْهَا حَتىَّ أَصْنَعَ بِهَا صَالِحَ مَا يُصْنَعُ بِنِسَاءِ قُرَيْش] فَأَقَمْتُ ثَلاَثَاً ثمَّ دَخَلْتُ بهَا، فَإِذَا هِيَ مِن أَجْمَلِ النَّاسِ وَأَحْفَظِ النَّاسِ لِكِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلّ، وَأَعْلَمِهِمْ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، وَأَعْرَفِهِمْ بِحَقِّ الزَّوْج، فَمَكَثْتُ

شَهْرَاً لاَ آتي سَعِيدَ بْنَ المُسَيَّب، ثُمَّ أَتَيْتُهُ وَهُوَ في حَلْقَتِهِ، فَسَلَّمْتُ فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلاَمَ وَلَمْ يُكَلِّمْني حَتىَّ تَقَوَّضَ المَجْلِس، فَلَمَّا لَمْ يَبْقَ غَيْرِي قَال: مَا حَالُ ذَلِكَ الإِنْسَان 00؟ قُلْتُ: خَيْرٌ يَا أَبَا محَمَّد 00 عَلَى مَا يُحِبُّ الصَّدِيقُ وَيَكْرَهُ العَدُوّ 0 قَال: إِنْ رَابَكَ شَيْءٌ فَالْعَصَا، فَانْصَرَفْتُ إِلىَ مَنْزِلي، فَوَجَّهَ إِلَيَّ بِعِشْرِينَ أَلْفَ دِرْهَم» 0

لَكَ اللهُ يَا أَبَا وَدَاعَة 00 يَبْدُو أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْعَابِدِين؛ فَأَبىَ اللهُ إِلاَّ أَنْ يَجْمَعَ لَهُ الجَمَالَ وَالمَالَ وَالحَسَبَ وَالدِّين، إِنَّكَ لَذُو حَظٍّ عَظِيم 00!! عَسَى رَبُّنَا أَنْ يَرْزُقَنَا خَيْرَاً مِنهَا إِنَّا إِلى رَبِّنَا رَاغِبُون 00 أَلاَ فَلْيَتَعَلَّمِ الآبَاءُ كَيْفَ يَتَخَيَّرُونَ لِنُطَفِهِمْ؛ فَرَحِمَ اللهُ سَعِيدَ بْنَ المُسَيَّبَ لِمَا فَعَلَهُ مَعَ أَبي وَدَاعَة؛ فَمَا أَنْبَلَهُ وَأَكْرَمَ طِبَاعَه، اللَّهُمَّ أَعِدَّ لَهُ مِنَ الْكَرَامَة؛ مَا لاَ يَحْلُمُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَة 0

ـ مَعْرِفَتُهُ بِتَعْبِيرِ الرُّؤَى وَتَأْوِيلِ الأَحَادِيث: قَالَ الوَاقِدِيّ: «كَانَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ مِن أَعْبَرِ النَّاسِ لِلرُّؤْيَا؛ أَخَذَ ذَلِكَ عَن أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، وَأَخَذَتْهُ أَسْمَاءُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا عَن أَبيهَا رَضِيَ اللهُ عَنه» 0

ثمَّ سَاقَ الوَاقِدِيُّ عِدَّةَ مَنَامَاتٍ ذَكَرَهَا عَنهُ ابْنُ سَعْدٍ في «الطَّبَقَاتِ» مِنهَا: حَدَّثَ مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ عَنِ الوَلِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مُسَافِعٍ عَن عُمَرَ بْنِ حَبيبِ بْنِ قُلَيْعٍ قَال: «كُنْتُ جَالِسَاً عِنْد سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ يَوْمَاً وَقَدْ ضَاقَتْ بيَ الأَشْيَاءُ وَرَهِقَني دَيْن، فَجَاءهُ رَجُلٌ فَقَال: رَأَيْتُ كَأَنيِّ أَخَذْتُ عَبْدَ المَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ فَأَضْجَعْتُهُ إِلىَ الأَرْضِ وَبَطَحْتُهُ؛ فَأَوْتَدْتُ في ظَهْرِهِ أَرْبَعَةَ أَوْتَاد؛ قَال: مَا أَنْتَ رَأَيْتَهَا، قَالَ بَلَى، قَال: لاَ أُخْبِرُكَ أَوْ تُخْبِرَني 0

قَال: ابْنُ الزُّبَيْرِ رَآهَا وَهُوَ بَعَثَني إِلَيْك 0 قَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: لَئِنْ صَدَقَتْ رُؤْيَاه؛ قَتَلَهُ عَبْدُ المَلِك، وَخَرَجَ مِنْ صُلْبِ عَبْدِ المَلِكِ أَرْبَعَةٌ كُلُّهُمْ يَكُونُ خَلِيفَة؛ فَرَحلْتُ إِلىَ عَبْدِ المَلِكِ بِالشَّامِ فَأَخْبَرْتُهُ؛ فَسُرَّ وَسَأَلَني عَنْ سَعِيدٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَن حَالِهِ؛ فَأَخْبَرْتُهُ، وَأَمَرَ بِقَضَاءِ دَيْني وَأَصَبْتُ مِنهُ خَيْرَاً» 0

حَدَّثَ الحَكَمُ بْنُ القَاسِمِ عَن إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبي حَكِيمٍ قَال: قَالَ رَجُل: رَأَيْتُ كَأَنَّ عَبْدَ المَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ يَبُولُ في قِبْلَةِ مَسْجِدِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ مِرَارٍ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِسَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ فَقَال: إِنْ صَدَقَتْ رُؤْيَاك: قَامَ فِيهِ مِنْ صُلْبِهِ أَرْبَعَةُ خُلَفَاء» 0 وَحَدَّثَ عَبْدُ السَّلاَمِ بْنُ حَفْصٍ عَنْ شَرِيكِ بْنِ أَبي نَمِرٍ قَال: «قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ المُسَيَّب: رَأَيْتُ كَأَنَّ أَسْنَاني سَقَطَتْ في يَدِي ثُمَّ دَفَنْتُهَا؛ فَقَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: إِنْ صَدَقَتْ رُؤْيَاك: دَفَنْتَ أَسْنَانَكَ مِن أَهْلِ بَيْتِك» 0 أَيْ أَكَابِرَهُمْ سِنَّاً 0

وَحَدَّثَ ابْنُ أَبي ذِئْبٍ عَنْ مُسْلِمٍ الحَنَّاطِ قَال: «قَالَ رَجُلٌ لاِبْنِ المُسَيَّب: رَأَيْتُ أَنيِّ أَبُولُ في يَدِي؛ فَقَالَ لَه: اتَّقِ اللهَ فَإِنَّ تَحْتَكَ ذَاتُ مَحْرَم؛ فَنَظَرَ فَإِذَا امْرَأَةٌ بَيْنَهُمَا رَضَاع» 0 وَحَدَّثَ ابْنُ أَبي ذِئْبٍ عَنْ مُسْلِمٍ الحَنَّاطِ أَيْضَاً قَال: «وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: إِنيِّ رَأَيْتُ كَأَنَّ حَمَامَةً وَقَعَتْ عَلَى المَنَارَة؛ فَقَال: يَتَزَوَّجُ الحَجَّاجُ ابْنَةَ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ رَضِيَ اللهُ عَنه» 0

وَحَدَّثَ ابْنُ أَبي ذِئْبٍ عَنْ مُسْلِمٍ الحَنَّاطِ أَيْضَاً عَنهُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «الكَبْلُ في النَّوْمِ ثَبَاتٌ في الدِّين» 0 وَحَدَّثَ ابْنُ أَبي ذِئْبٍ عَنْ مُسْلِمٍ الحَنَّاطِ أَيْضَاً عَنهُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: يَا أَبَا محَمَّد؛ رَأَيْتُ كَأَنيِّ في الظِّلِ فَقُمْتُ إِلىَ الشَّمْس؛ فَقَال: إِنْ صَدَقَتْ رُؤْيَاكَ لَتَخْرُجَنَّ مِنَ الإِسْلاَم؛ قَال: يَا أَبَا محَمَّد، إِنيِّ أَرَاني أُخْرِجْتُ حَتىَّ أُدْخِلْتُ في الشَّمْسِ فَجَلَسْت؛ قَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: تُكْرَهُ عَلَى الكُفْر، فَأُسِرَ

وَأُكْرِهَ عَلَى الكُفْر، ثُمَّ رَجَعَ فَكَانَ يُخْبِرُ بِهَذَا بِالمَدِينَة» 0 وَحَدَّثَ عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ عَن عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ السَّائِبِ قَال: «قَالَ رَجُلٌ لاِبْنِ المُسَيَّبِ إِنَّهُ رَأَى كَأَنَّهُ يَخُوضُ النَّار؛ فَقَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: لاَ تَمُوتُ حَتىَّ تَرْكَبَ البَحْر، وَتَمُوتُ قَتِيلاً؛ فَرَكِبَ البَحْرَ وَأَشْفَى عَلَى الهَلَكَة، وَقُتِلَ يَوْمَ قُدَيْد» 0 قُدَيْد: مَوْضِعٌ بَينَ مَكَّةَ وَالمَدِينَةِ عَلَى سَاحِلِ البَحْر 0

وَحَدَّثَ صَالِحُ بْنُ خَوَّاتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «آخِرُ الرُّؤْيَا: أَرْبَعُونَ سَنَة» 00 يَعْني: أَقْصَى مُدَّةٍ لِوُقُوعِهَا 0 وَحَدَّثَ سَلاََّمُ بْنُ مِسْكِينٍ عَن عِمْرَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَال: «رَأَى الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ كَأَنَّ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ: «قُلْ هُوَ اللهُ أَحَد» فَاسْتَبْشَرَ بِهِ وَأَهْلُ بَيْتِه، فَقَصُّوهَا عَلَى سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ فَقَال: إِنْ صَدَقَتْ رُؤْيَاهُ فَقَلَّمَا بَقِيَ مِن أَجَلِه؛ فَمَاتَ بَعْدَ أَيَّام» 0

ـ مِن أَقْوَالِ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ: مِن أَقْوَالِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَوْلُه: «مَنِ اسْتَغْنىَ بِاللهِ افْتَقَرَ النَّاسُ إِلَيْه» 0 وَحَدَّثَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَن عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنهُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «مَا أَيِسَ الشَّيْطَانُ مِنْ شَيْءٍ إِلاََّ أَتَاهُ مِنْ قِبَلِ النِّسَاء» 0 وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَة: «قَالَ لَنَا سَعِيدٌ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَثَمَانيْنَ سَنَةً وَقَدْ ذَهَبَتْ إِحْدَى عَيْنَيْهِ وَهُوَ يَعْشُو بِالأُخْرَى: مَا شَيْءٌ أَخَوْفُ عِنْدِي مِنَ النِّسَاء» 0

حَدَّثَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَن عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ قَال: «قَالَ لي سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قُلْ لِقَائِدِكَ يَقُومُ فَيَنْظُرُ إِلىَ وَجْهِ هَذَا الرَّجُلِ وَإِلىَ جَسَدِه؛ فَقَامَ وَجَاءَ فَقَال: رَأَيْتُ وَجْهَ زِنْجِيٍّ [أَيْ وَجْهَاً أَسْوَد] وَجَسَدُهُ أَبْيَض؛ فَقَالَ سَعِيدٌ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: إِنَّ هَذَا سَبَّ هَؤُلاَء: طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ وَعَلِيَّاً رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، فَنَهَيْتُهُ فَأَبَى؛ فَدَعَوْتُ اللهَ عَلَيْه، قُلْتُ: إِنْ كُنْتَ كَاذِبَاً فَسَوَّدَ اللهُ وَجْهَك؛ فَخَرَجَتْ بِوَجْهِهِ قُرْحَةٌ فَاسْوَدَّ وَجْهُه» 0

مطرف بن عبد الله

مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ الله هُوَ الإِمَامُ القُدْوَةُ الحَافِظُ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ الحَرَشِيُّ العَامِرِيُّ البَصْرِيّ 0 وُلِدَ سَنَةَ 1 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 86 هـ 0 قَالَ خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاط: «مَاتَ مُطَرِّفٌ سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانيْن» 0 قَالَ أَخُو مُطَرِّفٍ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّير: «مُطَرِّفٌ أَكْبَرُ مِنيِّ بِعَشْرِ سِنِين، وَأَنَا أَكْبَرُ مِنَ الحَسَنِ البَصْرِيِّ بِعَشْرِ سِنِين» 0

قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في السِّيَر: «هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَوْلِدَ مُطَرِّفٍ كَانَ عَامَ بَدْرٍ أَوْ عَامَ أُحُد، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَ مِن عُمَرَ وَأُبَيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا» 0 قَابَلَ الإِمَامَ عَلِيٍّ وَجَرَى بَيْنَهُمَا حَدِيث 00 حَدَّثَ ابْنُ أَبي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مُطَرِّفٍ أَنَّهُ قَال: «لَقِيتُ عَلِيَّاً كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ فَقَالَ لي: يَا أَبَا عَبْدِ الله؛ مَا بَطَّأَ بِك 00؟ أَحُبُّ عُثْمَانَ 00؟

ثُمَّ قَالَ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَه: لَئِنْ قُلْتَ ذَاك؛ لَقَدْ كَانَ أَوْصَلَنَا لِلرَّحِم، وَأَتْقَانَا لِلرَّبّ» 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: حَدَّثَ عَن أَبيهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ رَضِيَ اللهُ عَنه، وَعَن عَلِيٍّ وَعَمَّارٍ وَأَبي ذَرٍّ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ، وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، وَمُعَاوِيَةَ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَعَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ المُزَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ وَغَيْرِهِمْ 0 ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه:

حَدَّثَ عَنهُ الحَسَنُ البَصْرِيّ، وَأَخُوهُ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الله، وَأَبُو التَّيَّاحِ يَزِيدُ بْنُ حُمَيْد، وَثَابِتٌ البُنَانيّ، وَقَتَادَة، وَغَيْلاَنُ بْنُ جَرِير، وَمحَمَّدُ بْنُ وَاسِع، وَأَبُو نَضْرَةَ العَبْدِيّ، وَحُمَيْدُ بْنُ هِلاَل، وَغَيرُهُمْ 0 ـ صَلاَحُهُ وَشَمَائِلُه: قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْب: «كَانَ مُطَرِّفٌ مُجَابَ الدَّعْوَة» 0 حَدَّثَ مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ عَن غَيْلاَنَ بْنِ جَرِيرٍ أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ مُطَرِّفٍ وَبَينَ رَجُلٍ كَلاَم، فَكَذَبَ عَلَيْه؛ فَقَالَ مُطَرِّف: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ

كَاذِبَاً فَأَمِتْه؛ فَخَرَّ مَيْتَاً مَكَانَه؛ فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلىَ زِيَادٍ فَقَال: قَتَلْتَ الرَّجُل؛ قَالَ لاَ، وَلَكِنَّهَا دَعْوَةٌ وَافَقَتْ أَجَلاً» 0 حَدَّثَ مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ قَال: «كَانَ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَصَاحِبٌ لَهُ سَرَيَا في لَيْلَةٍ مُظْلِمَة؛ فَإِذَا طَرَفُ سَوْطِ أَحَدِهِمَا عِنْدَهُ ضَوْء؛ فَقَال: أَمَا إِنَّهُ لَوْ حَدَّثْنَا النَّاسَ بِهَذَا كَذَّبُونَا؛ فَقَالَ مُطَرِّف: المُكَذِّبُ بِنِعْمَةِ اللهِ أَكْذَب» 0

حَدَّثَ مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ عَن غَيْلاَنَ بْنِ جَرِيرٍ قَال: «أَقْبَلَ مُطَرِّفٌ مَعَ ابْنِ أَخٍ لَهُ مِنَ البَادِيَةِ وَكَانَ يَبْدُو [أَيْ يَزُورُ الْبَادِيَة] فَبَيْنَا هُوَ يَسِير؛ سَمِعَ في طَرَفِ سَوْطِهِ كَالتَّسْبيح؛ فَقَالَ لَهُ ابْنُ أَخِيه: لَوْ حَدَّثْنَا النَّاسَ بِهَذَا كَذَّبُونَا؛ فَقَال: المُكَذِّبُ أَكْذَبُ النَّاس» 0 وَحَدَّثَ أَبُو التَّيَّاحِ قَال: «كَانَ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللهِ يَبْدُو؛ فَإِذَا كَانَ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ أَدْلَجَ عَلَى فَرَسِه، فَرُبَّمَا نَوَّرَ لَهُ سَوْطُه، فَأَدْلَجَ لَيْلَةً؛

حَتىَّ إِذَا كَانَ عِنْدَ القُبُورِ هَوَّمَ عَلَى فَرَسِه ـ أَيْ غَشِيَهُ النُّعَاس ـ قَال: فَرَأَيْتُ أَهْلَ القُبُور 00 صَاحِبَ كُلِّ قَبْرٍ جَالِسَاً عَلَى قَبْرِه، فَلَمَّا رَأَوْني قَالُواْ: هَذَا مُطَرِّفٌ يَأْتي الجُمُعَة؛ قُلْتُ: أَتُعَلِّمُونَ عِنْدَكُمْ يَوْمَ الجُمُعَة 00؟ قَالُواْ: نَعَمْ، نَعْلَمُ مِمَّا تَقُولُ الطَّيْرُ فِيه؛ قُلْتُ: وَمَا تَقُولُ الطَّيْر 00؟ قَالُواْ: تَقُول: سَلاَمٌ سَلاَمٌ مِنْ يَوْمٍ صَالح» 00 أَيْ كَفَانَا اللهُ شَرَّكَ مِنْ يَوْمٍ صَالح؛ فَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَة

[ذَكَرَهَا الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلاَمِ النُّبَلاَءِ وَقَال: إِسْنَادُهَا صَحِيح 0 طَبْعَةِ مُؤَسَّسَةِ الرِّسَالَة 0 ص: 194/ 4] قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ المُغِيرَة: «كَانَ مُطَرِّفٌ إِذَا دَخَلَ بَيْتَه: سَبَّحَتْ مَعَهُ آنِيَةُ بَيْتِه» 0 حَدَّثَ الحَسَنُ بْنُ عَمْرٍو الفَزَارِيُّ عَنْ ثَابِتٍ البُنَانيِّ وَرَجُلٍ آخَرَ أَنَّهُمَا دَخَلاَ عَلَى مُطَرِّفٍ وَهُوَ مُغْمَىً عَلَيْه [أَيْ يَحْتَضِر] فَسَطَعَتْ مَعَهُ ثَلاَثَةُ أَنْوَار: نُورٌ مِنْ رَأْسِهِ، وَنُورٌ مِنْ وَسَطِهِ، وَنُورٌ مِنْ رِجْلَيْه، فَهَالَنَا ذَلِك؛

فَأَفَاقَ رَحِمَهُ الله؛ فَقُلْنَا: كَيْفَ أَنْتَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ 00؟ قَال: صَالِحٌ [أَيْ بخَير] فَقِيل: لَقَدْ رَأَيْنَا شَيْئَاً هَالَنَا؛ قَال: وَمَا هُوَ 00؟ قُلْنَا: أَنوَارٌ سَطَعَتْ مِنْك؛ قَال: وَقَدْ رَأَيْتُمْ ذَلِك 00؟ قَالُواْ: نَعَمْ؛ قَال: تِلْكَ تَنْزِيلُ السَّجْدَة، وَهِيَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ آيَة، سَطَعَ أَوَّلُهَا مِنْ رَأْسِي، وَوَسَطُهَا مِنْ وَسَطِي، وَآخِرُهَا مِنْ قَدَمَيَّ، وَقَدْ صُوِّرَتْ تَشْفَعُ لي» 0 ـ مِن أَقْوَالِ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ الله: قَالَ مُطَرِّف:

«إِنَّ هَذَا المَوْتَ قَدْ أَفْسَدَ عَلَى أَهْلِ النَّعِيمِ نَعِيمَهُمْ؛ فَاطْلُبُواْ نَعِيمَاً لاَ مَوْتَ فِيه» 0 حَدَّثَ مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ عَنْ مُطَرِّفٍ أَنَّهُ قَال: «لَقَدْ كَادَ خَوْفُ النَّارِ يَحُولُ بَيْني وَبَيْنَ أَن أَسْأَلَ اللهَ الجَنَّة» 0 قَالَ محَمَّدُ بْنُ وَاسِع: «كَانَ مُطَرِّفٌ يَقُول: اللَّهُمَّ ارْضَ عَنَّا؛ فَإِنْ لَمْ تَرْضَ عَنَّا فَاعْفُ عَنَّا؛ فَإِنَّ المَوْلىَ قَدْ يَعْفُو عَن عَبْدِهِ وَهُوَ عَنهُ غَيْرُ رَاضٍ» 0

قَالَ مُطَرِّفٌ لِبَعْضِ إِخْوَانِه: «يَا أَبَا فُلاَن؛ إِذَا كَانَتْ لَكَ حَاجَة؛ فَلاَ تُكَلِّمْني وَاكْتُبْهَا في رُقْعَة؛ فَإِنيِّ أَكْرَهُ أَن أَرَى في وَجْهِكَ ذُلَّ السُّؤَال» 0 ـ فِكْرُهُ وَعَقْلُه: حَدَّثَ مُطَرِّفٌ قَال: «كُنَّا نَأْتي زَيْدَ بْنَ صُوحَان، فَكَانَ يَقُول: يَا عِبَادَ الله؛ أَكْرِمُواْ وَأَجْمِلُواْ؛ فَإِنَّمَا وَسِيلَةُ العِبَادِ إِلىَ اللهِ بِخَصْلَتَيْن: الخَوْفِ وَالطَّمَع 00

فَأَتَيْتُهُ ذَاتَ يَوْمٍ وَقَدْ كَتَبُواْ كِتَابَاً، فَنَسَّقُواْ كَلاَمَاً مِن هَذَا النَّحْو: إِنَّ اللهَ رَبُّنَا، وَمحَمَّدٌ نَبيُّنَا، وَالقُرْآنُ إِمَامُنَا، وَمَنْ كَانَ مَعَنَا كُنَّا وَكُنَّا، وَمَن خَالَفَنَا كَانَتْ يَدُنَا عَلَيْه، وَكُنَّا وَكُنَّا 00 فَجَعَلَ يُعْرَضُ الكِتَابُ عَلَيْهِمْ رَجُلاً رَجُلاً فَيَقُولُون: أَقْرَرْتَ يَا فُلاَن 00؟ حَتىَّ انْتَهَوْا إِلَيَّ فَقَالُواْ: أَقْرَرْتَ يَا غُلاَمُ 00؟ قُلْتُ لاَ؛ قَالَ زَيْدُ بْنُ صُوحَان: لاَ تَعْجَلُواْ عَلَى الغُلاَم، مَا تَقُولُ يَا غُلاَم 00؟

قُلْتُ: إِنَّ اللهَ قَدْ أَخَذَ عَلَيَّ عَهْدَاً في كِتَابِهِ؛ فَلَن أُحْدِثَ عَهْدَاً سِوَى العَهْدِ الَّذِي أَخَذَهُ عَلَيّ؛ فَرَجَعَ القَوْمُ مِن عِنْدِ آخِرِهِمْ مَا أَقَرَّ مِنهُمْ أَحَد، وَكَانُواْ زُهَاءَ ثَلاَثِينَ نَفْسَاً» 0 أَرَادَ رَحِمَهُ اللهُ قَوْلَهُ جَلَّ وَعَلاَ: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَني آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُواْ يَوْمَ القِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَن هَذَا غَافِلِين ( {الأَعْرَاف/172}

قَالَ العِجْلِيّ: «كَانَ ثِقَةً، لَمْ يَنْجُ بِالْبَصْرَةِ مِنْ فِتْنَةِ ابْنِ الأَشْعَثِ إِلاََّ هُوَ وَابْنُ سِيرِين، وَلَمْ يَنْجُ مِنهَا بِالْكُوفَةِ إِلاََّ خَيْثَمَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ» 0 حَدَّثَ أَبُو عَقِيلٍ بَشِيرُ بْنُ عُقْبَةَ قَال: «قُلْتُ لِيَزِيدَ بْنِ الشِّخِّير: مَا كَانَ مُطَرِّفٌ يَصْنَعُ إِذَا هَاجَ النَّاسُ 00؟ قَال: يَلْزَمُ قَعْرَ بَيْتِهِ وَلاَ يَقْرَبُ لَهُمْ جُمُعَةً وَلاَ جَمَاعَةً حَتىَّ تَنْجَلِي» 0 قَالَ حُمَيْدُ بْنُ هِلاَل:

«أَتَتِ الحَرُورِيَّةُ مُطَرِّفَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَدْعُونَهُ إِلىَ رَأْيِهِمْ فَقَال: يَا هَؤُلاَء؛ لَوْ كَانَ لي نَفْسَان: بَايَعْتُكُمْ بِإِحْدَاهُمَا، وَأَمْسَكْتُ الأُخْرَى؛ فَإِنْ كَانَ الَّذِي تَقُولُونَ هُدَىً؛ أَتْبَعْتُهَا الأُخْرَى، وَإِنْ كَانَ ضَلاَلَةً؛ هَلَكَتْ نَفْسٌ وَبَقِيَتْ لي نَفْس، وَلَكِن هِيَ نَفْسٌ وَاحِدَةٌ لاَ أُغِرِّرُ بِهَا» 0 حَدَّثَ حَمَّادُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبي هِنْدٍ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال:

«لَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَصْعَدَ فَيُلْقِي نَفْسَهُ مِنْ شَاهِقٍ وَيَقُول: قَدَّرَ لي رَبيِّ، وَلَكِنْ يحْذَرُ وَيجْتَهِدُ وَيَتَّقِي، فَإِن أَصَابَهُ شَيْء: عَلِمَ أَنَّهُ لَنْ يُصِيبَهُ إِلاََّ مَا كَتَبَ اللهُ لَه» 0 عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال: «مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَك، وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَك» 0 [صَحَّحَهُ الْعَلاَّمَةُ الأَلبَانيُّ في سُنَنِ الإِمَامَينِ ابْنِ مَاجَةَ وَأَبي دَاوُدَ بِرَقْمَيْ: 77، 4700]

ابن شهاب الزهري

ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيّ وُلِدَ سَنَةَ 51 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 123 هـ 0 قَالَ يحْيىَ الْقَطَّان: تُوُفِّيَ الزُّهْرِيُّ سَنَةَ أَرْبَعٍ أَوْ ثَلاَثٍ وَعِشْرِينَ وَمائَة، وَتَابَعَهُ يحْيىَ بْنُ مَعِين 0 وَقَالَ عِدَّةٌ مِنهُمْ مَعْنُ بْنُ عِيسَى وَسُفْيَانُ ابْنُ عُيَيْنَةَ وَابْنُ أَخِي الزُّهْرِيّ: مَاتَ سَنَةَ 124 هـ 0 زَادَ الْوَاقِدِيّ: وَهُوَ ابْنُ 72 سَنَة 0 وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ في طَبَقَاتِهِ وَخَلِيفَةُ وَالزُّبَيْر: مَاتَ لِسَبْعَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ سَنَةَ 124 هـ 0

هُوَ محَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ شِهَابِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الحَارِثِ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كِلاَبِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ الإِمَامُ الْعَلَمُ الحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْقُرَشِيُّ الزُّهْرِيُّ المَدَنِيّ 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: رَوَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ شَيْئَاً قَلِيلاً، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَ مِنهُمَا وَرَأَى أَبَا هُرَيْرَةَ وَغَيْرَه، وَرَوَى عَن عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الَّتي رُبِّيَتْ في حَجْرِ أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَة

رَضِيَ اللهُ عَنْهَا 0 قَالَ أَحْمَدُ الْعِجْلِيُّ: سَمِعَ ابْنُ شِهَابٍ مِنِ ابْنِ عُمَرَ ثَلاَثَةَ أَحَادِيث 0 وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ قَال: سَمِعَ الزُّهْرِيُّ مِنِ ابْنِ عُمَرَ حَدِيثَيْن 0 وَلَزِمَ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ حَتىَّ أَخَذَ عَنهُ كُلَّ مَا عِنْدَه 0 وَرَوَى عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْد، وَأَنَسِ بْنِ مَالِك، وَأَبي الطُّفَيْلِ عَامِر، وَسَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ وَجَالَسَه ثَمَانيَ سَنَوَات، وَتَفَقَّهَ بِهِ، وَرَوَى عَن عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاص، وَعَلِيِّ بْنِ الحُسَيْن،

وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْر، وَقَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْب، وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ الله، وَمحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِم، وَمحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِير، وَأَبي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَن، وَعُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَة، وَعُثْمَانَ بْنِ إِسْحَاقَ الْعَامِرِيّ، وَالقَاسِمِ بْنِ محَمَّد، وَخَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِت، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِك، وَأَبَانَ بْنِ عُثْمَان، وَلَهُ عَن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ في «جَامِعِ التِّرْمِذِيّ» 0 ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه:

حَدَّثَ عَنهُ عَطَاءُ بْنُ أَبي رَبَاح [وَهُوَ أَكْبَرُ مِنهُ] وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيز [وَمَاتَ عُمَرُ قَبْلَه بِبِضْعٍ وَعِشْرِينَ سَنَة] وَعَمْرُو بْنُ دِينَار، وَعَمْرُو بْنُ شُعَيْب، وَقَتَادَةُ بْنُ دِعَامَة، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَم، وَمَنْصُورُ بْنُ المُعْتَمِر، وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانيّ، وَيحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيّ، وَأَبُو الزِّنَاد، وَابْنُ جُرَيْج، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ المَاجِشُون، وَمَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَالإِمَامُ مَالِكُ بْنُ أَنَس، وَالإِمَامُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْد، وَابْنُ أَبي ذِئْب، وَابْنُ إِسْحَاق، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَة، وَأُمَمٌ سِوَاهُمْ 0

ـ حِرْصُهُ عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ وَتَدْوِينِه: حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ بْنِ زبَالَةَ عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ قَال: «أَوَّلُ مَنْ دَوَّنَ الْعِلْمَ وَكَتَبَهُ: ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيّ» 0 حَدَّثَ أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْدٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنِ الإِمَامِ الزُّهْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «قَالَ ليَ الْقَاسِمُ بْنُ محَمَّد: أَرَاكَ تحرِصُ عَلَى الطَّلَب [أَيْ طَلَبِ الْعِلْم] أَفَلاَ أَدلُّكَ عَلَى وِعَائِهِ 00؟ قُلْتُ: بَلَى؛ قَال: عَلَيْكَ بِعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَن؛ فَإِنَّهَا كَانَتْ في حَجْرِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا؛ فَأَتَيْتُهَا فَوَجَدتُهَا بَحْرَاً لاَ يُنْزَف» 0

حَدَّثَ أَبُو صَالِحٍ عَنِ الإِمَامِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ رَحِمَهُ اللهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «وَاللهِ مَا نَشَرَ أَحَدٌ الْعِلْمَ نَشْرِي، وَلاَ صَبَرَ عَلَيْهِ صَبْرِي، وَلَقَدْ كُنَّا نَجلِسُ إِلىَ ابْنِ المُسَيَّب؛ فَمَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنَّا أَنْ يَسْأَلَه عَنْ شَيْءٍ إِلاََّ أَنْ يَبتَدِئَ الحَدِيث، أَوْ يَأْتِيَ رَجُلٌ يَسْأَلَه عَنْ شَيْءٍ» 0

ـ قَالُواْ عَنِ عِلْمِهِ: حَدَّثَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَن أَبِيهِ قَال: «مَا رُؤِيَ أَحَدٌ جَمَعَ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا جَمَعَ ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيّ» 0 حَدَّثَ خَالِدُ بْنُ نِزَارٍ الأَيْلِيُّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «كَانَ الزُّهْرِيُّ أَعْلَمَ أَهْلِ المَدِينَة» 0

حَدَّثَ الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ قَالَ عَنهُ: «مَا كَانَ إِلاََّ بحْرَاً» 0 حَدَّثَ وُهَيْبٌ عَن أَيُّوبَ السِّخْتِيَانيِّ رَحِمَهُ اللهُ قَال: «مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً أَعْلَمَ مِنَ الزُّهْرِيّ؛ فَقَالَ لَهُ صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَة: وَلاَ الحَسَنُ الْبَصْرِيّ 00؟ فَقَالَ رَحِمَهُ الله: مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً أَعْلَمَ مِنَ الزُّهْرِيّ» 0

حَدَّثَ بَقِيَّةُ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ أَبي حَمْزَةَ قَال: «قِيلَ لِمَكْحُول: مَن أَعْلَمُ مَنْ لَقِيت 00؟ قَالَ ابْنُ شِهَاب، قِيلَ ثُمَّ مَن 00؟ قَالَ ابْنُ شِهَاب، قِيلَ ثُمَّ مَن 00؟ قَال: ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيّ» 0

حَدَّثَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ رَجُلٍ قَال: «قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ الله: عَلَيْكُمْ بِابْنِ شِهَابٍ هَذَا؛ فَإِنَّكُمْ لاَ تَلْقَوْنَ أَحَدَاً أَعْلَمَ بِالسُّنَّةِ المَاضِيَةِ مِنهُ» 0 وَكَذَا حَدَّثَ سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّهُمَا قَالاَ: «مَا بَقِيَ أَحَدٌ أَعْلَمَ بِسُنَّةٍ مَاضِيَةٍ مِنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيّ» وَقَالَ عَنهُ مَكْحُولٌ أَيْضَاً: «ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ أَعْلَمُ النَّاس» 0

حَدَّثَ الإِمَامُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ رَحِمَهُ اللهُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَال: «قُلْتُ لِعِرَاكِ بْنِ مَالِك: مَن أَفْقَهُ أَهْلِ المَدِينَة 00؟ قَال: أَمَّا أَعْلَمُهم بِقَضَايَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَضَايَا أَبي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَأَفْقَهُهُمْ، وَأَعْلَمُهُمْ بِمَا مَضَى مِن أَمرِ النَّاس: فَسَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ رَحِمَهُ الله، وَأَمَّا أَغزَرُهُمْ حَدِيثَاً: فَعُرْوَة، وَلاَ تَشَاءُ أَنْ تُفَجِّرَ مِن عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَحِمَهُ اللهُ بَحْرَاً إِلاََّ فَجَّرْتَه، وَأَعْلَمُهُمْ عِنْدِي جَمِيعَاً: ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيّ؛ فَإِنَّهُ جَمَعَ عِلْمَهُمْ جَمِيعَاً إِلىَ عِلْمِه» 0

حَدَّثَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَال: «كُنَّا نَرَى أَنَّا قَدْ أَكْثَرْنَا عَنِ الزُّهْرِيّ؛ حَتىَّ قُتِلَ الْوَلِيد [وَكَانَ الْوَلِيدُ يَبْعَثُ كُتَّابَهُ فَيَكْتُبُونَ عَنهُ] فَإِذَا الدَّفَاتِرُ قَدْ حُمِلَتْ عَلَى الدَّوَابِّ مِن خَزَائِنِهِ يَقُول» 00 مِن عِلْمِ الزُّهْرِيّ 0 حَدَّثَ الْعَدْنِيُّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «كَانُواْ يَرَوْنَ يَوْمَ مَاتَ الزُّهْرِيُّ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَعْلَمَ بِالسُّنَّةِ مِنهُ» 0 ـ قَالُواْ عَنْ فِقْهِهِ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ المَدِينِيّ [شَيْخُ الإِمَامِ البُخَارِيّ]: «أَفْتىَ أَرْبَعَة: الحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَة، وَحَمَّادُ بْنُ أَبي سُلَيْمَان، وَقَتَادَة، وَابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيّ، وَالزُّهْرِيُّ عِنْدِي أَفْقَهُهُمْ» 0

ـ بَعْضٌ مِنْ فَتَاوَاه رَحِمَهُ الله: حَدَّثَ سَعِيدُ بْنُ أَبي مَرْيَمَ عَنْ يحْيىَ بْنِ أَيُّوبَ وَنَافِعِ بْنِ يَزِيدَ عَن عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «مِنْ سُنَّةِ الصَّلاَةِ أَنْ تَقرَأَ بِسْمِ اللهِ الرَِّحْمَنِ الرَِّحِيمِ ثمَّ فَاتحَةَ الْكِتَاب ثمَّ تَقرَأُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ثُمَّ تَقرَأُ سُورَةً، وَكَانَ ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ يَقُول: أَوَّلُ مَنْ قَرَأَ بِـ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سِرَّاً بِالمَدِينَة: عَمْرُو بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاص» 0 حَدَّثَ ضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ رَجَاءِ بْنِ أَبي سَلَمَةَ عَن أَبي رَزِينٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «أَعْيَا الْفُقَهَاءَ وَأَعجَزَهُمْ أَنْ يَعْرِفُواْ نَاسِخَ حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَنْسُوخِه» 0

ـ قَالُواْ عَنِ حِفْظِهِ: حَدَّثَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَن عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَال: «مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً أَنَصَّ لِلْحَدِيثِ مِنَ الزُّهْرِيّ» وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِي: «أَثْبَتُ أَصْحَابِ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنه: الزُّهْرِيّ» 0 حَدَّثَ شُعَيْبُ بْنُ أَبي حَمْزَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «اخْتَلَفْتُ مِنَ الحِجَازِ إِلىَ الشَّامِ خَمْسَاً وَأَرْبَعِينَ سَنَة، فَمَا اسْتَطْرَفْتُ حَدِيثَاً وَاحِدَاً، وَلاَ وَجَدْتُ مَنْ يُطْرِفُني حَدِيثَاً» 0 حَدَّثَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الإِمَامِ الزُّهْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «مَا اسْتَعَدْتُ حَدِيثَاً قَطّ، وَمَا شَكَكْتُ في حَدِيثٍ إِلاََّ حَدِيثَاً وَاحِدَاً، فَسَأَلْتُ صَاحِبي؛ فَإِذَا هُوَ كَمَا حَفِظْت» 0

ـ ثَنَاءُ الأَئِمَّهِ عَلَيْه، وَانْبِهَارُهُمْ بِعَبْقَرِيَّتِهِ النَّادِرَة: حَدَّثَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ عَنِ الإِمَامِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «بَقِيَ ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيّ؛ وَمَا لَهُ في النَّاسِ نَظِير» 0 حَدَّثَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَن أَبي بَكْرٍ الهُذَلِيِّ أَنَّهُ قَالَ عَنهُ وَقَدْ جَالَسَ الحَسَنَ وَابْنَ سِيرِين: «لَمْ أَرَ مِثْلَ هَذَا قَطّ» 00 يَعْني الزُّهْرِيّ 0

حَدَّثَ عَنْبَسَةُ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «قَالَ لي سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ رَحِمَهُ الله: مَا مَاتَ مَنْ تَرَكَ مِثْلَك» حَدَّثَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ عَنِ الإِمَامِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «قَدِمَ ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ المَدِينَة؛ فَأَخَذَ بِيَدِ رَبِيعَةَ وَدَخَلاَ إِلىَ بَيْتِ الدِّيوَان؛ فَمَا خَرَجَا إِلىَ الْعَصْر؛ فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيّ: مَا ظَنَنْتُ أَنَّ بِالمَدِينَةِ مِثْلَك، وَخَرَجَ رَبِيعَةُ وَهُوَ يَقُول: مَا ظَنَنْتُ أَنَّ أَحَدَاً بَلَغَ مِنَ الْعِلْمِ مَا بَلَغَ ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيّ» 0

ـ قَالُواْ عَنْ زُهْدِهِ: حَدَّثَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَن عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَال: «الدَّرَاهِمُ مِنهُ؛ كَانَتْ عِنْدَه بِمَنْزِلَةِ الْبَعْر» ـ قَالُواْ عَنْ بَلاَغَتِهِ وَحُسْنِ حَدِيثِهِ وَكَيْفَ كَانَ مُنَسَّقَاً: قَالَ محَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَسْكَر: «سَمِعْتُ الإِمَامَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللهُ يَقُول: «الزُّهْرِيُّ أَحْسَنُ النَّاسِ حَدِيثَاً، وَأَجْوَدُ النَّاسِ إِسْنَادَاً» 0

حَدَّثَ المِنْقَرِيُّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَن عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَال: «جَالَسْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ وَابْنَ عُمَرَ وَجَابِرَاً وَعُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ؛ فَلَمْ أَرَ أَحَدَاً أَنْسَقَ لِلْحَدِيثِ مِنَ الزُّهْرِيّ» 0 ـ قَالُواْ عَنْ مَنَاقِبِهِ: حَدَّثَ يَعْقُوبُ السَّدُوسِيُّ عَنِ الحُلْوَانيِّ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَن عَمِّهِ عن الزُّهْرِيِّ قَال: «وَاللهِ لَوْ نَادَى مُنَادٍ مِنَ السَّمَاء: إِنَّ اللهَ أَحَلَّ الْكَذِبَ مَا كَذَبْتُ» 0

ـ قَالُواْ عَنْ صَلاَحِهِ وَتَقْوَاه، وَعِبَادَتِهِ لله: حَدَّثَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ رَحِمَهُ اللهُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَن أَبي جَبَلَةَ قَال: «كُنْتُ مَعَ ابْنِ شِهَابٍ في سَفَر؛ فَصَامَ يَوْمَ عَاشُورَاء، فَقِيلَ لَهُ: لِمَ تَصُومُ وَأَنْتَ تُفْطِرُ في رَمَضَانَ في السَّفَر 00؟! قَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: إِنَّ رَمَضَانَ لَهُ عِدَّةٌ مِن أَيَّامٍ أُخَر، وَإِنَّ عَاشُورَاءَ يَفُوت» 0

ـ قَالُواْ عَنْ شَجَاعَتِهِ وَحِرْصِهِ علَى مَصْلَحَةِ المُسْلِمِين: حَدَّثَ الْوَاقِدِيُّ عَن أَبي الزِّنَادِ قَال: «كَانَ الزُّهْرِيُّ يَقدَحُ أَبَدَاً عِنْدَ هِشَامٍ في الْوَلِيدِ بْنِ يَزِيدَ وَيَعِيبُه، وَيَذْكُرُ أُمُورَاً عَظِيمَةً؛ حَتىَّ يَذْكُرَ الصِّبْيَانَ وَأَنَّهُمْ يُخْضَبُونَ لَهُ بِالحِنَّاء، وَيَقُولُ لِهِشَام: مَا يَحِلُّ لَكَ إِلاََّ خَلْعُه؛ فَكَانَ هِشَامٌ لاَ يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ لِلْعَقْدِ الَّذِي عُقِدَ لَهُ، وَلاَ يَكْرَهُ مَا صَنَعَ الزُّهْرِيُّ رَجَاءَ أَنْ يُؤَلِّبَ عَلَيْهِ النَّاس؛ فَكُنْتُ [أَيْ أَبُو الزِّنَادِ ابْنُ ذَكْوَان] يَوْمَاً عِنْدَه في نَاحِيَةِ الْفُسْطَاط، أَسْمَعُ ذَمَّ الزُّهْرِيِّ لِلْوَلِيد، فَجَاءَ الحَاجِبُ فَقَال: هَذَا الْوَلِيدُ بِالْبَاب 00

قَالَ هِشَام: أَدخِلْهُ؛ فَأَوسَعَ لَهُ عَلَى فِرَاشِهِ وَأَنَا أَعْرِفُ في وَجْهِ الْوَلِيدِ الْغَضَبَ وَالشَرّ؛ فَلَمَّا اسْتُخْلِفَ الْوَلِيدُ بَعَثَ إِلَيَّ وَإِلىَ ابْنِ المُنْكَدِرِ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَرَبِيعَة؛ فَأَرسَلَ إِلَيَّ لَيْلَةً مُخْلِيَاً، وَقَدَّمَ الْعَشَاءَ وَقَال: حَدِيثٌ حَدَثَ يَا ابْنَ ذَكْوَان: أَرَأَيْتَ يَوْمَ دَخَلْتُ عَلَى الأَحْوَل ـ أَيْ هِشَام ـ وَأَنْتَ عِنْدَه، وَالزُّهْرِيُّ يَقْدَحُ فِيَّ؛ أَفَتَحْفَظُ مِنْ كَلاَمِه شَيْئَاً 00؟

قُلْتُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ أَذْكُرُ يَوْمَ دَخَلْتَ وَالْغَضَبُ في وَجْهِكَ أَعْرِفُه؛ قَالَ هِشَام: كَانَ الخَادِمُ الَّذِي رَأَيْتَ عَلَى رَأْسِ هِشَامٍ يَنْقُلُ ذَلِكَ كُلَّهُ إِلَيَّ وَأَنَا عَلَى الْبَابِ قَبْلَ أَن أَدْخُلَ إِلَيْكُمْ، وَأَخْبَرَني أَنَّكَ لَمْ تَنطِقْ بِشَيْء، قُلْتُ: نَعَمْ؛ قَالَ هِشَام: قَدْ كُنْتُ عَاهَدْتُ اللهَ لَئِن أَمْكَنَني اللهُ الْقُدرَةَ بِمِثْلِ هَذَا اليَوْمِ أَن أَقتُلَ الزُّهْرِيّ» 0

ـ قَالُواْ عَنْ تَوَاضُعِهِ: حَدَّثَ الحُمَيْدِيُّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ قَال: «قِيلَ لِلزُّهْرِيّ: لَوْ أَنَّكَ سَكَنْتَ المَدِينَة، وَرُحْتَ إِلىَ مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَبْرِهِ تُعَلِّمُ النَّاسَ مِنْك 00؟ قَالَ رَحِمَهُ الله: إِنَّهُ لَيْسَ يَنْبَغِي أَن أَفْعَلَ حَتىَّ أَزْهَدَ في الدُّنْيَا وَأَرْغَبَ في الآخِرَة؛ ثمَّ قَالَ سُفْيَان: وَمَنْ كَانَ مِثْلُ الزُّهْرِيّ» 00؟

حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ المَكِّيُّ عَنْ سُفْيَانَ الثّوْرِيِّ عَنِ الإِمَامِ الزُّهْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «كُنْتُ أَحْسِبُ أَنيِّ قَدْ أَصَبْتُ مِنَ الْعِلْم؛ حَتىَّ جَالَسْتُ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَة؛ فَكَأَنَّمَا كُنْتُ في شِعْبٍ مِنَ الشِّعَاب» 0

ـ قَالُواْ عَنِ عَجَائِبِهِ في الْبَذْلِ وَالسَّخَاءِ وَتَفَرُّدِه: حَدَّثَ أَبُو صَالِحٍ عَنِ الإِمَامِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «كَانَ ابْنُ شِهَابٍ يَخْتِمُ حَدِيثَه بِدُعَاءٍ جَامِعٍ يَقُولُ فِيه: اللَّهُمَّ أَسْأَلُكَ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ أَحَاطَ بِهِ عِلْمُكَ في الدُّنْيَا وَالآخِرَة، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ كُلِّ شَرٍّ أَحَاطَ بِهِ عِلْمُكَ في الدُّنْيَا وَالآخِرَة 00 وَكَانَ مِن أَسْخَى مَنْ رَأَيْت؛ كَانَ يُعْطِي 00 فَإِذَا فَرَغَ مَا مَعَهُ يَسْتَلِفُ مِن عَبِيدِهِ وَيَقُول: يَا فُلاَن؛ أَسْلِفْني كَمَا تَعْرِفُ وَأُضْعِفُ لَكَ كَمَا تَعْلَم، وَكَانَ يُطْعِمُ النَّاسَ الثَّرِيدَ وَيَسْقِيهِمُ الْعَسَل» 0

حَدَّثَ سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ ضِمَامٍ عَن عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ قَال: «إِنَّ ابْنَ شِهَابٍ كَانَ يخْرُجُ إِلىَ الأَعرَابِ يُفَقِّهُهُمْ؛ فَجَاءَ أَعْرَابيٌّ وَقَدْ نَفِدَ مَا بِيَدِه؛ فَمدَّ الزُّهْرِيُّ يَدَهُ إِلىَ عِمَامَتي فَأَخَذَهَا فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا وَقَال: يَا عُقَيْل؛ أُعْطِيكَ خَيْرَاً مِنهَا» 0

حَدَّثَ يَعْقُوبُ السَّدُوسِيُّ عَنِ الحُلْوَانيِّ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللهُ عَن عَمِّهِ قَال: «نَزَلَ ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ بِمَاءٍ مِنَ المِيَاه [أَيْ بحَيٍّ مِنَ الأَحْيَاء] فَالْتَمَسَ سلفَاً فَلَمْ يجِدْ، فَأَمَرَ بِرَاحِلَتِه فَنُحِرَتْ، وَدَعَا إِلَيْهَا أَهْلَ المَاء؛ فَمَرَّ بِهِ عَمُّهُ؛ فَدَعَاهُ إِلىَ الْغَدَاءِ فَقَال: يَا ابْنَ أَخِي؛ إِنَّ مُرُوءةَ سَنَةٍ تَذْهَبُ بِذُلِّ الْوَجْهِ سَاعَة؛ قَالَ رَحِمَهُ الله: يَا عَمّ؛ انْزِلْ فَاطْعَمْ وَإِلاََّ فَامضِ رَاشِدَاً 0

وَنَزَلَ مَرَّةً بِمَاءٍ، فَشَكَا إِلَيْهِ أَهْلُ المَاء: أَنَّ لَهُمْ ثَمَانيَ عَشْرَةَ امْرَأَةً عُمْرِيَّة [أَيْ مُعَمَّرَات] لَيْسَ لَهُنَّ خَادِم؛ فَاسْتَسْلَفَ ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ ثَمَانيَةَ عَشَرَ أَلفَاً؛ وَأَخْدَمَ كُلَّ وَاحِدَةٍ خَادِمَاً بِأَلْف» 0 حَدَّثَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ الحِزَامِيُّ عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنِ الإِمَامِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «كَانَ ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ مِن أَسْخَى النَّاس؛ فَلَمَّا أَصَابَ تِلْكَ الأَمْوَالَ قَالَ لَهُ مَوْلَىً لَهُ وَهُوَ يَعِظُهُ: قَدْ رَأَيْتَ مَا مَرَّ عَلَيْكَ مِنَ الضِّيق؛ فَانْظُرْ كَيْفَ تَكُون: أَمْسِكْ عَلَيْكَ مَالَك 00 قَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: إِنَّ الْكَرِيمَ لاَ تُحَنِّكُهُ التَّجَارِب» 0

قَالَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيز: «قَضَى هِشَامٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ سَبْعَةَ آلاَفِ دِينَار [وَفي رِوَايَةٍ ثَمَانيَةَ عَشَرَ أَلْفَ دِينَارٍ] وَقَالَ لَهُ: لاَ تَعُدْ لِمِثْلِهَا؛ تُدَّان [أَيْ تَرْكَبُكَ الدُّيُون] فَقَالَ رَحِمَهُ الله: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ حَدَّثَني سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ رَحِمَهُ اللهُ عَن أَبي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ يُلْدَغُ المُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ» 00 فَقَضَاهَا عَنهُ، فَمَا مَاتَ الزُّهْرِيُّ حَتىَّ اسْتَدَانَ مِثْلَهَا؛ فَبِيعَتْ شَغْبٌ [حَدِيقَةٌ لَهُ] فَقُضِيَ دَيْنُه» 0

ـ مِن أَقْوَالِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ ابْنُ أَبي رَوَّادٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «الْعَمَائِمُ تِيجَانُ الْعَرَب، وَالحِبْوَةُ حِيطَانُ الْعَرَب» 0 الحِبْوَة: جِلْسَةٌ تَكْتِيفُ الرُّكْبَتَينِ بِالذِّرَاعَين حَدَّثَ الْوَلِيدُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ الْعِجْلِيِّ عَنِ الإِمَامِ الزُّهْرِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «الحَافِظُ لاَ يُولَدُ إِلاََّ في كُلِّ أَرْبَعِينَ سَنَةً مَرَّة» 0

حَدَّثَ مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «إِذَا طَالَ المَجْلِس؛ كَانَ لِلشَّيْطَانِ فِيهِ نَصِيب» 0 حَدَّثَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ رَحِمَهُ اللهُ قَال: «حَدَّثَ الإِمَامُ الزُّهْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ يَوْمَاً بحَدِيث؛ فَقُلْتُ: هَاتِه بِلاَ إِسْنَاد؛ قَالَ رَحِمَهُ الله: أَتَرْقَى السَّطْحَ بِلاَ سُلَّم» 00؟ حَدَّثَ إِسْمَاعِيلُ المَكِّيُّ عَنِ الإِمَامِ الزُّهْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَحفَظَ الحَدِيث؛ فَلْيَأْكُلِ الزَّبِيب» 0

قَالَ الحَاكِمُ مُعَلِّقَاً: «لأَنَّ زَبِيبَ الحِجَازِ حَارٌّ حُلْو، رَقِيقٌ فِيهِ يُبْس؛ مُقَطِّعٌ لِلْبَلْغَم» 0 حَدَّثَ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ عَن حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ رَحِمَهُ اللهُ قَال: «كَانَ الزُّهْرِيُّ يُحَدِّثُ ثُمَّ يَقُول: هَاتُواْ مِن أَشْعَارِكُمْ وَأَحَادِيثِكُمُ؛ فَإِنَّ الأُذُنَ مَجَّاجَة، وَإِنَّ لِلنَّفْسِ حَمْضَة» 0

ـ بَعْضُ نَوَادِرِه: حَدَّثَ مَعْمَرٌ عَنِ الإِمَامِ الزُّهْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «يَا أَهْلَ الْعِرَاق؛ يَخْرُجُ الحَدِيثُ مِن عِنْدِنَا شِبْرَاً، وَيَصِيرُ عِنْدَكُمْ ذِرَاعَاً» حَدَّثَ عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَال: «إِنَّ الزُّهْرِيَّ كَانَ يَبْتَغِي الْعِلْمَ مِن عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ وَغَيْرِه؛ فَيَأْتي جَارِيَةً لَهُ وَهِيَ نَائِمَة؛ فَيُوقِظُهَا وَيَقُولُ لَهَا: حَدَّثَني فُلاَنٌ بِكَذَا، وَحَدَّثَني فُلاَنٌ بِكَذَا؛ فَتَقُولُ الجَارِيَة: مَا لي وَلِهَذَا 00؟ فَيَقُول: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ لاَ تَنْتَفِعِي بِه، وَلَكِنْ سَمِعْتُ الآن؛ فَأَرَدْتُ أَن أَسْتَذكِرَه» 0

سفيان الثوري

سُفْيَانُ الثَّوْرِيّ هُوَ الإِمَامُ الْفَقِيهُ الحَافِظُ سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ الثَّوْرِيّ 0 وُلِدَ سَنَةَ 97 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 161 هـ، شُيُوخُ مِثْلُهُ وَتَلاَمِذَتُهُ: أَكْثَرُ مِن أَنْ يُحْصِيَهُمْ كِتَاب 0 قَال يحْيىَ بْنُ مَعِينٍ رَحِمَهُ اللهُ: «لَيْسَ أَحَدٌ في حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ يُشْبِهُ هَؤُلاَء: ابْنُ المُبَارَك، وَيحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّان، وَوَكِيع، وَعَبْدُ الرَّحْمَن بْنُ مَهْدِيّ»

ـ ثَنَاءُ الأَئِمَّهِ عَلَيْه؛ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: وَقَالَ عَنهُ بِشْرٌ الحَافِي: «سُفْيَانُ في زَمَانِهِ؛ كَأَبي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا في زَمَانِهِمَا» 0 وَحَدَّثَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ قَال: «مَا رَأَيْتُ مِثْلَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيّ» 0 وَقَالَ عَبَّاسٌ الدُّورِيّ: «رَأَيْتُ يحْيىَ بْنَ مَعِينٍ، لاَ يُقدِّمُ عَلَى سُفْيَانَ أَحَدَاً في زَمَانِهِ: في الْفِقْهِ، وَالحَدِيثِ، وَالزُّهْدِ وَكُلِّ شَيْء» 0 قَالَ عَنهُ الخُرَيْبيّ: «مَا رَأَيْتُ مُحَدِّثَاً أَفْضَلَ مِنَ الثَّوْرِيّ» 0

وَقَالَ الْبَرَاءُ بْنُ رُتَيْم: «سَمِعْتُ يُونُسَ بْنَ عُبَيْدٍ يَقُول: مَا رَأَيْتُ أَفْضَلَ مِنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيّ؛ فَقِيلَ لَهُ: فَقَدْ رَأَيْتَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخْعِيِّ وَعَطَاءَ بْنَ أَبي رَبَاحٍ وَمُجَاهِدَاً؛ وَتَقُولُ هَذَا 00؟ قَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: هُوَ مَا أَقُول: مَا رَأَيْتُ أَفْضَلَ مِنْ سُفْيَان» 0 وَقَالَ عَنهُ إِسْحَاقُ الْفَزَارِيُّ: «مَا رَأَيْتُ مِثْلَ الثَّوْرِيّ» 0 حَدَّثَ الْفَضْلُ بْنُ محَمَّدٍ الشَّعْرَانيُّ عَنْ يحْيىَ بْنِ أَكْثَمَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَال:

«كَانَ في النَّاسِ رُؤَسَاء: كَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ رَأْسَاً في الحَدِيث، وَأَبُو حَنِيفَةَ رَأْسَاً في الْقِيَاس، وَالْكِسَائِيُّ رَأْسَاً في الْقُرَّاء؛ فَلَمْ يَبْقَ اليَوْمَ رَأْسٌ في فَنٍّ مِنَ الْفُنُون» 0 قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحِمَهُ اللهُ مُعَلُِّقَاً: «كَانَ بَعْدَ طَبَقَةِ هَؤُلاَءِ رُؤُوس: فَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ رَأْسَاً في الحَدِيث، وَأَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرٌ رَأْسَاً في اللُّغَة، وَالإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَأْسَاً في الْفِقْه، وَيحْيىَ الزُّبَيْرِيُّ رَأْسَاً في الْقِرَاءات، وَمَعْرُوفٌ

الْكَرْخِيُّ رَأْسَاً في الزُّهد، ثُمَّ كَانَ بَعْدَهُمْ: عَلِيُّ بْنُ المَدِينِيِّ [شَيْخُ الإِمَامِ البُخَارِيِّ] رَأْسَاً في الحَدِيثِ وَعِلَلِه، وَالإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَأْسَاً في الْفِقْهِ وَالسُّنَّة، وَأَبُو عُمَرَ الدُّورِيُّ رَأْسَاً في الْقِرَاءات، وَابْنُ الأَعْرَابيِّ رَأْسَاً في اللُّغَة، وَالسَّرِيُّ السَّقَطِيُّ رَأْسَاً في الزُّهد، وَيُمْكِنُ أَنْ نَذْكُرَ في كُلِّ طَبَقَةٍ بَعْدَ ذَلِكَ أَئِمَّةً عَلَى هَذَا النَّمَطِ إِلىَ زَمَانِنَا» 0 ـ ثَنَاءُ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَل رَحِمَهُ اللهُ عَلَيْه:

وَحَدَّثَ المَرُّوذِيُّ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَل رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «أَتَدْرِي مَنِ الإِمَامُ 00؟ الإِمَامُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيّ، لاَ يَتَقَدَّمُهُ أَحَدٌ في قَلْبي» 0 ـ ثَنَاءُ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللهُ عَلَيْه: قَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «مَالِكٌ كَالنَّجْم، وَهُوَ وَسُفْيَانُ [الثَّوْرِيُّ] الْقَرِينَان» ـ ثَنَاءُ الإِمَامِ عَبْدِ اللهِ بْنِ المُبَارَكِ رَحِمَهُ اللهُ عَلَيْه: قَالَ عَنهُ الإِمَامُ عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَك:

«كَتَبْتُ عَن أَلفٍ وَمِاْئَةِ شَيْخ، مَا كَتَبْتُ عَن أَفْضَلَ مِنْ سُفْيَان» 0 وَقَالَ عَنهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ أَيْضَاً: «مَا نُعِتَ لي أَحَدٌ فَرَأَيْتُهُ؛ إِلاََّ وَجَدْتُهُ دُونَ نَعْتِهِ؛ إِلاََّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيّ» 0 ـ ثَنَاءُ الإِمَامِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانيِّ رَحِمَهُ اللهُ عَلَيْه: وَحَدَّثَ ابْنُ شَوْذَبٍ عَن أَيُّوبَ السِّخْتِيَانيِّ رَحِمَهُ الله: «مَا قَدِمَ عَلَيْنَا مِنَ الْكُوفَةِ أَحَدٌ أَفْضَلُ مِنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيّ» 0 ـ ثَنَاءُ شُعْبَةَ بْنِ الحَجَّاجِ رَحِمَهُ اللهُ عَلَيْه:

وَحَدَّثَ أَبُو قَطَنٍ عَنْ شُعْبَةَ رَحِمَهُ اللهُ أَنّهُ قَال: «إِنَّ سُفْيَانَ سَادَ النَّاسَ بِالوَرَعِ وَالعِلْم» ـ ثَنَاءُ يحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ رَحِمَهُ اللهُ عَلَيْه: قَالَ يحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «مَا في الْقَوْمِ أَصَحُّ حَدِيثَاً مِنْ مَالِك؛ كَانَ إِمَامَاً في الحَدِيث، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فَوْقَهُ في كُلِّ شَيْء» ـ ثَنَاءُ أَبي بَكْرٍ بْنِ عيَّاشٍ رَحِمَهُ اللهُ عَلَيْه:

وَقَالَ عَنهُ أَبُو بَكْرٍ بْنُ عَيَّاش: «إِنيِّ لأَرَى الرَّجُلَ يَصْحَبُ سُفْيَانَ فَيَعْظُمُ في عَيْني» ـ قَالُواْ عَنْ مَكَانَتِهِ في الحَدِيثِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: وَحَدَّثَ يَعْقُوبُ الحَضْرَمِيُّ عَنْ شُعْبَةَ رَحِمَهُ اللهُ أَنّهُ قَال: «سُفْيَانُ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ في الحَدِيث» 0 قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ رَحِمَهُ الله: «مَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَعْرَفَ بِالحَدِيثِ مِنَ الثَّوْرِيّ»

وَقَالَ عَنهُ يحْيىَ بْنُ مَعِين: «لم يَكُن أَحَدٌ أَعْلَمَ بحَدِيثِ الأَعْمَش، وَمَنْصُورِ بْنِ المُعْتَمِر، وَأَبي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيّ، مِنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيّ» 0 قَالَ يحْيىَ بْنِ مَعِين: «مَا خَالَفَ أَحَدٌ سُفْيَانَ في شَيْءٍ، إِلاَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ سُفْيَان» وَحَدَّثَ أَبُو عُبَيْدَةَ الآجُرِّيُّ عَن أَبي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ قَال: «لَيْسَ يخْتَلِفُ سُفْيَانُ وَشُعْبَةُ في شَيْءٍ إِلاََّ يَظْفَرُ بِهِ سُفْيَان، خَالَفَهُ في أَكْثَرَ مِن خَمْسِينَ حَدِيثَاً، الْقَوْلُ فِيهَا قَوْلُ سُفْيَان» 0

ـ قَالُواْ عَنِ حِفْظِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ الْقَطَّان، وَعَبْدُ الرَّحْمَن: «مَا رَأَيْنَا أَحْفَظَ مِنْ سُفْيَان» 0 وَقَالَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ محَمَّدِ بْنِ المَهْدِيّ: «مَا رَأَيْتُ أَحْفَظَ لِلْحَدِيثِ مِنَ الثَّوْرِيّ» 0 حَدَّثَ ابْنُ حُمَيْدٍ عَنْ مِهْرَانَ الرَّازِيِّ قَال: «كَتَبْتُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَصْنَافَهُ ـ أَيْ تَصَانِيفَهُ ـ فَضَاعَ مِنيِّ كِتَابُ الدِّيَات؛ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَال: إِذَا وَجَدْتَني خَالِيَاً فَاذْكُرْ لي حَتىَّ أُمِلَّهُ عَلَيْك؛ فَحَجَّ رَحِمَهُ الله، فَلَمَّا

دَخَلَ مَكَّةَ طَافَ بِالبَيْتِ وَسَعَى، ثُمَّ اضْطَجَعَ رَحِمَهُ الله، فَذَكَّرْتُهُ؛ فَجَعَلَ يُمْلِي عَلَيَّ الْكِتَابَ بَابَاً في إِثرِ بَاب، حَتىَّ أَمْلاَهُ جَمِيعَهُ مِن حِفْظِه» 0 حَدَّثَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ أَبي السَّفَرِ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ محَمَّدٍ المَفْلُوجِ عَنْ يحْيىَ بْنِ يَمَانٍ قَال: «قَدْ كَتَبْتُ عَنهُ عِشْرِينَ أَلْفَاً، وَأَخْبَرَني الأَشْجَعِيُّ أَنَّهُ كَتَبَ عَنهُ ثَلاَثِينَ أَلْفَاً» 0 حَدَّثَ يحْيىَ بْنُ يَمَانٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال:

«إِنيِّ لأَمُرُّ بِالحَائِكِ فَأَسُدُّ أُذُنيَّ مَخَافَةَ أَن أَحْفَظَ مَا يَقُول» 0 قَالَ عَلِيُّ بْنُ المَدِينِيِّ [شَيْخُ الإِمَامِ البُخَارِيّ]: «لاَ أَعْلَمُ سُفْيَانَ صَحَّفَ في شَيْءٍ قَطّ؛ إِلاََّ في اسْمِ امْرَأَةِ أَبي عُبَيْدَة: كَانَ يَقُولُ حُفَيْنَة» 00 وَصَوَابُهَا بِالجِيم 0 ـ قَالُواْ في المُوَازَنَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شُعْبَةَ بْنِ الحَجَّاجِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمَا: وَقَالَ عَنهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِي: «سُفْيَانُ فَقِيهٌ حَافِظٌ زَاهِدٌ إِمَام، هُوَ أَحْفَظُ مِنْ شُعْبَة»

وَقَالَ عَنهُ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي: «سُفْيَانُ أَحْفَظُ مِنْ شُعْبَةَ في الإِسْنَادِ وَالمَتن» 0 وَحَدَّثَ ابْنُ عَرْعَرَةَ عَنْ يحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ رَحِمَهُ اللهُ أَنّهُ قَال: «سُفْيَانُ أَثْبَتُ مِنْ شُعْبَةَ وَأَعْلَمَ بِالرِّجَال» 0 وَقَالَ يحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّان: «لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِليَّ مِنْ شُعْبَة، وَلاَ يَعْدِلُهُ أَحَدٌ عِنْدِي، وَإِذَا خَالَفَهُ سُفْيَانُ أَخَذْتُ بِقَوْلِ سُفْيَان»

حَدَّثَ الزَّعْفَرَانيُّ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ سَأَلَ عَفَّان: أَيُّهُمَا أَكْثَرُ غَلطَاً: سُفْيَانُ أَوْ شُعْبَة 00؟ قَالَ رَحِمَهُ الله: شُعْبَةُ بِكَثِير» 0 وَرَوَى وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ رَحِمَهُ اللهُ قَال: «سُفْيَانُ أَحْفَظُ مِنيِّ» 0 ـ قَالُواْ في المُوَازَنَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الأَعْمَش رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمَا: حَدَّثَ أَبُو قُدَامَةَ عَنْ يحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال:

«مَا كَتَبْتُ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الأَعْمَش: أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا كَتَبْتُهُ عَنِ الأَعْمَش» 0 وَحَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ يحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ رَحِمَهُ اللهُ أَنّهُ قَال: «سُفْيَانُ أَعْلَمُ بِحَدِيثِ الأَعْمَشِ مِنَ الأَعْمَش» 0 ـ قَالُواْ عَنِ عِلْمِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ وَكِيع: «كَانَ سُفْيَانُ بَحْرَاً» 0 قَالَ عَنهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَك: «مَا أَعْلَمُ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ أَعْلَمَ مِنْ سُفْيَان» 0

وَحَدَّثَ ضَمْرَةُ عَنِ المُثَنىَّ بْنِ الصَّبَّاحِ قَال: «سُفْيَانُ عَالِمُ الأُمَّةِ وَعَابِدُهَا» 0 حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ مُشْكَانَ عَن الإِمَامِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ المُبَارَكِ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «كُنْتُ أَقْعُدُ إِلىَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ فَيُحَدِّث؛ فَأَقُول: مَا بَقِيَ مِن عِلْمِهِ شَيْءٌ إِلاََّ وَقَدْ سَمِعْتُه، ثُمَّ أَقْعُدُ عِنْدَهُ مَجْلِسَاً آخَرَ فَيُحَدِّث، فَأَقُول: مَا سَمِعْتُ مِن عِلْمِهِ شَيْئَا» 0

وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْه: «سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ وَذَكَرَ سُفْيَان، وَشُعْبَة، وَمَالِكَاً، وَابْنَ المُبَارَكِ فَقَال: أَعْلَمُهُمْ بِالعِلْمِ سُفْيَان» 00 الْعِلْمُ هُنَا هُوَ عِلْمُ الْفِقْهِ أَوِ الحَدِيث ـ قَالُواْ عَنْ فِقْهِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: وَقَالَ عَنهُ الخُرَيْبيّ: «مَا رَأَيْتُ أَفْقَهَ مِنْ سُفْيَان» 0 وَقَالَ عَنهُ زَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةَ الثَّقَفِيّ: «سُفْيَانُ أَفْقَهُ أَهْلِ الدُّنْيَا» 0

وَحَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ زُنْبُورٍ عَنْ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللهُ أَنّهُ قَال: «كَانَ سُفْيَانُ وَاللهِ أَعْلَمَ مِن أَبي حَنِيفَة» 0 قَالَ يحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّان: «سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فَوْقَ مَالِكٍ في كُلِّ شَيْء» 0 وَقَالَ عَنهُ سُفْيَانُ بْنِ عُيَيْنَة: «مَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَعْلَمَ بِالحَلاَلِ وَالحَرَامِ مِنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيّ» حَدَّثَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «سَلُوني عَن عِلْمِ الْقُرْآنِ وَالمَنَاسِك؛ فَإِنيِّ عَالِمٌ بِهِمَا» 0

ـ قَالُواْ عَنْ زُهْدِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيّ: «نَقَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ رَحِمَهُ اللهُ كَانَ مُسْتَكِينَاً في لِبَاسِهِ، عَلَيْهِ ثِيَابٌ رَثَّة» 0 قَالَ عَنهُ يحْيىَ بْنُ يَمَان: «مَا رَأَيْتُ مِثْلَ سُفْيَان؛ أَقْبَلَتِ الدُّنْيَا عَلَيْه؛ فَصَرَفَ وَجْهَهُ عَنهَا» 0 ـ قَالُواْ عَنْ وَرَعِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ عَنهُ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «لَوْلاَ سُفْيَان؛ لَمَاتَ الْوَرَع» 0

حَدَّثَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «مَا بَلَغَني عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثٌ قَطّ: إِلاََّ عَمِلْتُ بِهِ وَلَوْ مَرَّة» 0 ـ نَشَاطُهُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ في الأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَر: قَالَ شُجَاعُ بْنُ الْوَلِيد: «كُنْتُ أَحجُّ مَعَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَحِمَهُ الله؛ فَمَا يَكَادُ لِسَانُهُ يَفْتُرُ مِنَ الأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ ذَاهِبَاً وَرَاجِعَاً» 0

ـ قَالُواْ عَنْ شَجَاعَةِ هَذَا الإِمَام، وَجُرْأَتِهِ عَلَى الحُكَّامِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ الفِرْيَابيُّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «دَخَلْتُ عَلَى الخَلِيفَةِ المَهْدِيِّ فَقُلْتُ: بَلَغَني أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنْفَقَ في حَجَّتِهِ اثْنيْ عَشَرَ دِينَارَاً؛ وَأَنْتَ فِيمَا أَنْتَ فِيه؛ فَغَضِبَ وَقَال: تُرِيدُ أَن أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الَّذِي أَنْتَ فِيه [أَيْ مِنَ التّقَشُّف] قُلْتُ: إِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلَ مَا أَنَا فِيه؛ فَفِي دُونِ مَا أَنْتَ فِيه» 0

دَخَلَ عَبْدُ الصَّمَدِ عَمُّ الخَلِيفَةِ المَنْصُورِ عَلَى سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ يَعُودُهُ، فَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلىَ الحَائِطِ وَلَمْ يَرُدَّ السَّلاَم؛ فَقَالَ عَبْدُ الصَّمَد: يَا سَيْف [خَادِمُه]؛ أَظُنُّ أَبَا عَبْدِ اللهِ نَائِمَاً؛ قَال: أَحْسِبُ ذَاكَ أَصْلَحَكَ الله؛ فَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيّ: لاَ تَكْذِبْ، لَسْتُ بِنَائِم 00 فَقَالَ عَبْدُ الصَّمَد: يَا أَبَا عَبْدِ الله؛ لَكَ حَاجَةٌ 00؟

قَالَ رَحِمَهُ الله: نَعَمْ: ثَلاَثُ حَوَائِج: لاَ تَعُودَ إِلَيَّ ثَانيَةً، وَلاَ تَشْهدَ جِنَازَتي، وَلاَ تَترَحَّمَ عَلَيّ؛ فَخَجِلَ عَبْدُ الصَّمَدِ وَقَام، فَلَمَّا خَرَجَ قَال: وَاللهِ لقَدْ هَمَمْتُ أَنْ لاَ أَخْرُجَ إِلاََّ وَرَأْسُهُ مَعِي» 0 ـ قَالُواْ عَنِ عَفَافِهِ وَعِزَّةِ نَفْسِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ محَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّاب: «مَا رَأَيْتُ الأَمِيرَ وَالغَنيَّ أَذَلَّ مِنهُ في مَجْلِسِ سُفْيَان» 0 حَدَّثَ يحْيىَ بْنُ يَمَانٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ:

«ادْنُ مِنيِّ؛ لَوْ كُنْتَ غَنِيَّاً مَا أَدْنَيْتُك» 0 ـ هَيْبَتُهُ وَجَلاَلُهُ وَوَقَارُهُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الإِمَامِ الأَوْزَاعِيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «لَوْ قِيلَ اخْتَرْ لِهَذِهِ الأُمَّةِ رَجُلاً يَقُومُ فِيهَا بِكِتَابِ اللهِ جَلَّ وَعَلاَ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم؛ لاَخْتَرْتُ لَهُمْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيّ» 0 قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ رَحِمَهُ الله: «مَا كُنْتُ أَقدِرُ أَن أَنْظُرَ إِلىَ سُفْيَانَ اسْتِحْيَاءً وَهَيْبَةً مِنهُ» 0

ـ قَالُواْ عَنْ تَوَاضُعِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ خَلَفُ بْنُ تَمِيمٍ رَحِمَهُ الله: «رَأَيْتُ الثَّوْرِيَّ بِمَكَّةَ وَقَدْ كَثُرُواْ عَلَيْه؛ فَقَالَ رَحِمَهُ الله: «إِنَّا لله؛ أَخَافُ أَنْ يَكُونَ اللهُ قَدْ ضَيَّعَ هَذِهِ الأُمَّةَ حَيْثُ احْتَاجَ النَّاسُ إِلىَ مِثْلِي» 0 حَدَّثَ أَبُو قُدَامَةَ السَّرَخْسِيُّ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللهُ قَال: «كَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ إِذَا قِيلَ لَهُ إِنَّهُ رُؤِيَ في المَنَامِ يَقُول: أَنَا أَعْرَفُ بِنَفْسِي مِن أَصْحَابِ المَنَامَات»

قَالَ الإِمَامُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ رَحِمَهُ الله: «رَأَيْتُ سُفْيَانَ بِصَنْعَاءَ يُمْلِي عَلَى صَبِيّ» 0 ـ اسْتِحْضَارُهُ النِّيَّةَ في طَلَبِ الْعِلْم: حَدَّثَ عَلِيُّ بْنُ ثَابِتٍ الجَزَرِيُّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «طَلَبْتُ الْعِلْمَ فَلَمْ يَكُنْ لي نِيَّة، ثُمَّ رَزَقَني اللهُ النِّيَّة» 0 ـ عَقِيدَتُهُ وَمَذْهَبُهُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: سُئِلَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ عَن أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ فَقَال: «أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءَتْ» 0

حَدَّثَ أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «الإِيمَانُ يَزِيدُ وَيَنْقُص» 0 حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَسْكَرٍ عَنِ الإِمَامِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «سَمِعْتُ مَالِكَاً وَالأَوْزَاعِيَّ وَابْنَ جُرَيْجٍ وَالثَّوْرِيَّ وَمَعْمَرَاً يَقُولُون: الإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَل، يَزِيدُ وَيَنْقُص» ـ دِفَاعُ الأَئِمِّةِ عَنهُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ رَحِمَهُ الله:

«يَزْعُمُونَ أَنَّ سُفْيَانَ كَانَ يَشْرَبُ النَّبِيذ؛ أَشْهَدُ لقَدْ وُصِفَ لَهُ دَوَاءً فَقُلْتُ: نَأْتِيكَ بِنَبِيذ 00؟ فَقَالَ رَحِمَهُ الله: لاَ؛ ائْتِني بِعَسَلٍ وَمَاء» 0 ـ قَالُواْ عَنِ خَوْفِهِ مِنْ سُؤَالِ اللهِ لَهُ: مَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عَلِمْت: حَدَّثَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «مَا أَخَافُ عَلَى شَيْءٍ أَنْ يُدْخِلَني النَّارَ إِلاََّ الحَدِيث» 0 حَدَّثَ أَبُو أُسَامَةَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال:

«وَدِدْتُ أَنَّ يَدِي قُطِعَتْ وَلَمْ أَطْلُبْ حَدِيثَاً» 0 حَدَّثَ أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «وَدِدْتُ أَنيِّ أَنْجُو مِن هَذَا الأَمْرِ كَفَافَاً، لاَ عَلَيَّ وَلاَ لي» 0 وَقَالَ رَحِمَهُ الله: «وَدِدْتُ أَنيِّ قَرَأْتُ الْقُرْآنَ وَوَقَفْتُ عِنْدَهُ لَمْ أَتَجَاوَزْهُ إِلىَ غَيْرِه» 0 ـ ذِكْرُهُ لِلْمَوْتِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: وَقَالَ عَنهُ قَبِيصَةُ: «مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً كَانَ أَكْثَرَ ذِكْرَاً لِلْمَوْتِ مِنهُ» 0

قَالَ أَبُو نُعَيْم: «كَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ إِذَا ذَكَرَ المَوْتَ لَمْ يُنْتَفَعْ بِهِ أَيَّامَاً» 0 ـ خَوْفُهُ مِنْ سُوءِ الخَاتِمَةِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ رُسْتَهُ عَن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «بَاتَ سُفْيَانُ رَحِمَهُ اللهُ عِنْدِي فَجَعَلَ يَبْكِي؛ فَقِيلَ لَهُ؛ فَقَال: لَذُنُوبي عِنْدِي أَهْوَنُ مِنْ ذَا 00 وَرَفَعَ شَيْئَاً مِنَ الأَرْض؛ إِنيِّ أَخَافُ أَن أُسْلَبَ الإِيمَانَ قَبْلَ أَن أَمُوت» 0

ـ تَفَكُّرُهُ في الآخِرَةِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: وَحَدَّثَ عَبْدُ اللهِ بْنُ خُبَيْقٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ أَسْبَاطٍ قَال: «قَالَ لي سُفْيَانُ بَعْدَ الْعِشَاء: نَاوِلْني المِطْهَرَةَ أَتَوَضَّأْ؛ فَنَاوَلْتُهُ؛ فَأَخَذَهَا بِيَمِينِهِ، وَوَضَعَ يَسَارَهُ عَلَى خَدِّهِ، فَبَقِيَ مُفَكِّرَاً، وَنِمْت 00 ثُمَّ قُمْتُ وَقْتَ الْفَجْر؛ فَإِذَا المِطْهَرَةُ في يَدِهِ كَمَا هِيَ؛ فَقُلْتُ: هَذَا الْفَجْرُ قَدْ طَلع؛ فَقَال: لَمْ أَزَلْ مُنْذُ نَاوَلْتَني المِطْهَرَةَ أَتَفَكَّرُ في الآخِرَةِ حَتىَّ السَّاعَة»

حَدَّثَ أَبُو الْعَيْنَاءِ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ خُبَيْقٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ أَسْبَاطٍ قَال: «كَانَ سُفْيَانُ إِذَا أَخَذَ في ذِكْرِ الآخِرَةِ يَبُولُ الدَّم» 0 قَالَ أَبُو أُسَامَة: «مَرِضَ سُفْيَان؛ فَذَهَبْتُ بِمَائِهِ إِلىَ الطَّبِيبِ فَقَال: هَذَا بَولُ رَاهِب، هَذَا رَجُلٌ قَدْ فَتَّتَ الحُزْنُ كَبِدَهُ؛ مَا لَهُ دَوَاء» 0 ـ قَالُواْ عَنْ صَلاَحِهِ وَتَقْوَاه: حَدَّثَ أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ عَنْ محَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه أَنَّهُ قَال:

«مَا رَأَيْتُ بِالْكُوفَةِ رَجُلاً أَتْبَعَ لِلسُّنَّة، وَلاَ أَودُّ أَنيِّ في مِسْلاَخِهِ مِنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيّ» 0 المَسْلاَخ: هُوَ الجِلْد؛ لأَنَّهُ يُسْلَخ 0 ـ قَالُواْ عَنِ خَوْفِهِ مِنَ الله: حَدَّثَ عَثَّامُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه أَنَّهُ قَال: «لَقَدْ خِفْتُ اللهَ خَوْفَاً؛ عَجَبَاً لِي كَيْفَ لاَ أَمُوْت 00؟ وَلَكِنْ لي أَجَل، وَدِدْتُ أَنَّهُ خُفِّفَ عَنيِّ مِنَ الخَوْف؛ أَخَافُ أَنْ يَذْهَبَ عَقْلِي» 0

قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ رَحِمَهُ الله: «كُنْتُ أَرْمُقُ سُفْيَانَ في اللَّيْلَةِ بَعْدَ اللَّيْلَةِ يَنهَضُ مَرْعُوبَاً يُنَادِي: النَّارَ النَّارَ؛ شَغَلَني ذِكْرُ النَّارِ عَنِ النَّوْمِ وَالشَّهَوَات» 0 قَالَ يُوسُفُ بْنُ أَسْبَاطٍ رَحِمَهُ الله: «كَانَ سُفْيَانُ يَبُولُ الدَّمَ مِنْ طُولِ حُزنِهِ وَفِكْرَتِه» 0 ـ خُشُوعُهُ في الصَّلاَة: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ رَحِمَهُ الله: «كُنْتُ لاَ أَسْتَطِيعُ سَمَاعَ قِرَاءَةِ سُفْيَانَ مِنْ كَثْرَةِ بُكَائِه» 0 ـ بُكَاؤُهُ مِنِ خَشْيَةِ الله:

الْتَقَى سُفْيَانُ وَالفُضَيْلُ فَتَذَاكرَا؛ فَبَكَيَا؛ فَقَالَ سُفْيَان: «إِنيِّ لأَرْجُو أَنْ يَكُونَ مَجْلِسُنَا هَذَا أَعْظَمَ مَجْلِسٍ جَلَسْنَاهُ بَركَةً 0 فَقَالَ لَهُ فُضَيْلٌ: لَكِنيِّ أَخَافُ أَنْ يَكُونَ أَعْظَمَ مَجْلِسٍ جَلَسْنَاهُ شُؤْمَاً، أَلَيْسَ نَظَرتَ إِلىَ أَحْسَنِ مَا عِنْدَكَ، فَتَزَيَّنْتَ بِهِ لي، وَتزَيَّنْتُ لَكَ، فَعَبَدْتَني وَعَبَدْتُك 00؟ فَبَكَى سُفْيَانُ حَتىَّ علاَ نَحِيبُهُ، ثُمَّ قَال: أَحْيَيْتَني، أَحْيَاكَ الله» 0 ـ بَعْضُ نَوَادِرِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

قَالَ قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ رَحِمَهُ الله: «كَانَ سُفْيَانُ مَزَّاحَاً» 0 حَدَّثَ زَيْدُ بْنُ أَبي الزَّرْقَاءِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لأَصْحَابِ الحَدِيث: «تَقَدَّمُواْ يَا مَعْشَرَ الضُّعَفَاء» 0 قَالَ مِهْرَانُ الرَّازِي: «رَأَيْتُ الثَّوْرِيَّ إِذَا خَلَعَ ثِيَابَهُ طَوَاهَا وَقَال: إِذَا طُوِيَتْ رَجَعَتْ إِلَيْهَا نَفْسُهَا» 0 قَالَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْعِجْلِيِّ رَحِمَهُ الله:

«آجَرَ سُفْيَانُ رَحِمَهُ اللهُ نَفْسَه مِنْ جَمَّالٍ إِلىَ مَكَّة؛ فَأَمَرُوهُ يَعْمَلُ لَهُمْ خُبزَةً، فَلَمْ تَجِئْ جَيِّدَةً؛ فَضَرَبَهُ الجَمَّال، فَلَمَّا قَدِمُواْ مَكَّةَ دَخَلَ الجَمَّال؛ فَإِذَا سُفْيَانُ قَدِ اجْتَمَعَ حَوْلَهُ النَّاس؛ فَسَأَلَ فَقَالُواْ: هَذَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيّ؛ فَلَمَّا انْفَضَّ عَنهُ النَّاسُ تَقَدَّمَ الجمَّالُ إِلَيْهِ وَقَال: لَمْ نَعْرِفْكَ يَا أَبَا عَبْدِ الله؛ قَالَ لَهُ: مَنْ يُفْسِدُ طَعَامَ النَّاسِ يُصِيبُهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِك» 0

حَدَّثَ أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ عَن أَبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَارِثِيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «دَفَنَ سُفْيَانُ كُتُبَهُ فَكُنْتُ أُعِينُهُ عَلَيْهَا؛ فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ الله؛ وَفي الرِّكَازِ الخُمْس؛ فَقَال: خُذْ مَا شِئْت؛ فَعَزَلْتُ مِنهَا شَيْئَاً كَانَ يُحَدِّثُني مِنهُ» 0 حَدَّثَ يحْيىَ بْنُ يَمَانٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «إِنيِّ لأَمُرُّ بِالحَائِكِ فَأَسُدُّ أُذُنيَّ مَخَافَةَ أَن أَحْفَظَ مَا يَقُول» 0 ـ مِن أَقْوَالِهِ رَحِمَهُ الله:

حَدَّثَ الْفِرْيَابيُّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَهُ في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ أَنَّهُ قَال: «مَا عَمَلٌ أَفْضَلُ مِنَ الحَدِيثِ إِذَا صَحَّتِ النِّيَّةُ فِيه» 0 حَدَّثَ قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَهُ في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ أَنَّهُ قَال: «المَلاَئِكَةُ حُرَّاسُ السَّمَاء، وَأَصْحَابُ الحَدِيثِ حُرَّاسُ الأَرْض» 0 حَدَّثَ حَاتِمُ بْنُ الْوَلِيدِ الْكَرْمَانيُّ عَنْ يحْيىَ بْنِ أَبي بُكَيْرٍ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال:

«قِيلَ لِسُفْيَانَ الثَّوْرِيّ: إِلىَ مَتىَ تَطْلُبُ الحَدِيث 00؟ قَالَ رَحِمَهُ الله: وَأَيُّ خَيْرٍ أَنَا فِيهِ خَيْرٌ مِنَ الحَدِيثِ فَأَصِيرَ إِلَيْه؛ إِنَّ الحَدِيثَ خَيرُ عُلُومِ الدُّنْيَا» 00؟ حَدَّثَ يحْيىَ بْنُ يَمَانٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «اصْحَبْ مَنْ شِئْتَ ثُمَّ أَغْضِبْهُ، ثُمَّ دُسَّ إِلَيْهِ مَنْ يَسْأَلُهُ عَنْك» 0 حَدَّثَ يحْيىَ بْنُ يَمَانٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «المَالُ دَاءُ هَذِهِ الأُمَّة، وَالعَالِمُ طَبِيبُ هَذِهِ الأُمَّة؛

فَإِذَا جَرَّ الْعَالِمُ الدَّاءَ إِلىَ نَفْسِهِ؛ فَمَتىَ يُبرِئُ النَّاس» 00؟ حَدَّثَ يحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «إِنَّ أَقْبَحَ الرَّعِيَّة: مَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الآخِرَة» 0 قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَهُ في الدُّنيَا وَالآخِرَة: «إِنَّ هَؤُلاَءِ المُلُوكَ قَدْ تَرَكُواْ لَكُمُ الآخِرَة؛ فَاتْرُكُواْ لَهُمُ الدُّنْيَا» 0

حَدَّثَ خَالِدُ بْنُ نِزَارٍ الأَيْلِيُّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «الزُّهْدُ زُهْدَان: زُهْدُ فَرِيضَة، وَزُهْدُ نَافِلَة: فَالفَرْضُ: أَنْ تَدَعَ الْفَخْرَ وَالكِبْرَ وَالعُلُوّ، وَالرِّيَاءَ وَالسُّمْعَة، وَالتَّزَيُّنَ لِلنَّاس 00 وَأَمَّا زُهدُ النَّافِلَة: فَأَنْ تَدَعَ مَا أَعْطَاكَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالىَ مِنَ الحَلاَل؛ فَإِذَا تَرَكْتَ شَيْئَاً مِنْ ذَلِك؛ صَارَ فَرِيضَةً عَلَيْكَ أَلاََّ تَتْرُكَهُ إِلاََّ لله» 0

حَدَّثَ خَلَفُ بْنُ تَمِيمٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «مَن أَحَبَّ أَفْخَاذَ النِّسَاءِ لَمْ يُفْلِحْ» 0 حَدَّثَ عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَهُ في الدُّنيَا وَالآخِرَة أَنَّهُ قَال: «اسْتَوْصُواْ بِأَهْلِ السُّنَّةِ خَيْرَاً؛ فَإِنَّهُمْ غُرَبَاء» 0 قَالَ عَطَاءُ بْنُ مُسْلِم: «قَالَ لي الثَّوْرِيّ: إِذَا كُنْتَ بِالشَّامِ فَاذْكُرْ مَنَاقِبَ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَه، وَإِذَا كُنْتَ بِالكُوفَةِ فَاذْكُرْ مَنَاقِبَ أَبي بَكْرٍ

وَعُمَر رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا» 0 وَنَظَرَ إِلَيْهِ رَجُلٌ وَفي يَدِهِ دَنَانِيرُ فَقَال: «يَا أَبَا عَبْدِ الله؛ تُمْسِكُ هَذِهِ الدَّنَانِير 00؟ قَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: اسْكُتْ؛ فَلَوْلاَهَا لَتَمَنْدَلَ بِنَا المُلُوك» 00 أَيْ لاَتَّخَذُونَا مَنَادِيلَ لأَوْسَاخِهِمْ: نُحِلُّ لَهُمْ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ، وَنُحَرِّمُ عَلَى النَّاسِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَهُمْ 0 وَحَدَّثَ رَوَّادُ بْنُ الجَرَّاحِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال:

«كَانَ المَالُ فِيمَا مَضَى يُكْرَه؛ فَأَمَّا اليَوْم: فَهُوَ تُرْسُ المُؤْمِن» 0 حَدَّثَ أَبُو هِشَامٍ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «لَيْسَ الزُّهدُ بِأَكْلِ الْغَلِيظِ وَلُبْسِ الخَشِن، وَلَكِنَّهُ قِصَرُ الأَمَل، وَارْتِقَابُ الأَجَل» 0 حَدَّثَ يَعْلَى بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «لَوْ كَانَ مَعَكُمْ مَنْ يَرْفَعُ حَدِيثَكُمْ إِلىَ السُّلْطَان؛ أَكُنْتُمْ تَتَكَلَّمُونَ بِشَيْء 00؟

قُلْنَا: لاَ؛ قَالَ رَحِمَهُ الله: فَإِنَّ مَعَكُمْ مَنْ يَرْفَعُ الحَدِيثَ إِلىَ الله» 0 قَالَ الفِرْيَابيّ: «سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ يَقُولاَن: «لَمَّا أُلْقِيَ دَانيَالُ في الجُبِّ مَعَ السِّبَاعِ قَال: إِلَهِي؛ بِالْعَارِ وَالخِزْيِ الَّذِي أَصَبْنَا سَلَّطْتَ عَلَيْنَا مَنْ لاَ يَعْرِفُك» 0 قَالَ يَزِيدُ بْنُ محَمَّدٍ الأَزْدِيُّ في «تَارِيخِ المَوْصِل»: سَمِعْتُ أَبَا يَعْلَى المَوْصِلِيَِّ يَقُول: سَمِعْتُ ابْنَ قُدَامَةَ قَال: سَمِعْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ

ذِكْرَهُ يَقُول: «مَا تمتَّعَ مُتمتِّعٌ بِمِثْلِ ذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلّ؛ قَالَ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلاَم: مَا أَحْلَى ذِكْرَ اللهِ في أَفْوَاهُ المُتَعَبِّدِين» قَالَ عَثَّامُ بْنُ عَلِيٍّ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ يَقُول: «لاَ يَجْتَمِعُ حُبُّ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا: إِلاََّ في قُلُوبِ نُبَلاَءِ الرِّجَال» 0 ـ خَبَرُ وَفَاتِهِ رَحِمَهُ الله: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ رَحِمَهُ الله:

«كَانَ سُفْيَانُ رَحِمَهُ اللهُ يَتَمَنىَّ المَوْتَ لِيَسْلَمَ مِن هَؤُلاَء؛ فَلَمَّا مَرِضَ كَرِهَهُ، وَقَالَ لي: اقْرَأْ عَلَيَّ «يَسِ»، فَإِنَّهُ يُقَال: يُخَفَّفُ عَنِ المَرِيض؛ فَقَرَأْتُ؛ فَمَا فَرَغْتُ حَتىَّ طُفِئَ» 0 وَأُخْرِجَ بِجِنَازَتِهِ عَلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ بَغْتَةً؛ فَشَهِدَهُ الخَلْق 00 وَصَلَّى عَلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ أَبْجَرَ الْكُوفِيّ؛ بِوَصِيَّةٍ مِنْ سُفْيَانَ، لِصَلاَحِه» 0

قَالَ سُعَيْرُ بْنُ الخِمْسِ: «رَأَيْتُ سُفْيَانَ في المَنَامِ، يَطِيرُ مِنْ نَخْلَةٍ إِلىَ نَخْلَةٍ وَهُوَ يَقْرَأُ: (الحَمْدُ للهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَه ({الزُّمَر/74} وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ: «لَقِيْتُ يَزِيدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ صَبِيحَةَ اللَّيْلَةِ الَّتي مَاتَ فِيهَا سُفْيَانُ رَحِمَهُ اللهُ فَقَالَ لي [أَيْ يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيم]: قِيلَ ليَ اللَّيْلَةَ في مَنَامِي: مَاتَ أَمِيرُ المُؤْمِنِين 00 فَقُلْتُ لِلَّذِي يَقُولُ في المَنَام: مَاتَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيّ 00؟ قَال: نَعَمْ» 0

حَدَّثَ مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَن أَبِيهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «رَأَيْتُ الثَّوْرِيَّ في النَّوْمِ فَقُلْتُ: مَا وَجَدْتَ أَفْضَل 00؟ قَالَ رَحِمَهُ الله: الحَدِيث» 0 قَالَ مُصْعَبُ بْنُ المِقْدَام: «رَأَيْتُ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النَّوْمِ آخِذَاً بيَدِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ وَهُوَ يَجْزِيهِ خَيْرَاً» 00 أَيْ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَهُ «جَزَاكَ اللهُ عَنيِّ خَيرَاً»

حَدَّثَ أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ عَن إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَعْيَنَ رَحِمَهُ اللهُ قَال: «رَأَيْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ رَحِمَهُ اللهُ فَقُلْتُ: مَا صَنَعْت 00؟ قَالَ رَحِمَهُ الله: أَنَا مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَة» 0 ـ بَعْضُ كَرَامَاتِه رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ الإِمَامُ الطَّبَرَانيُّ عَن عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَن عَارِمٍ قَال: «أَتَيْتُ أَبَا مَنْصُورٍ أَعُودُهُ، فَقَالَ لي: بَاتَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ في هَذَا الْبَيْت، وَكَانَ هُنَا بُلْبُلٌ لاِبْني، فَقَال: مَا بَالُ هَذَا مَحْبُوسَاً؛ لَوْ خُلِّيَ عَنهُ؛ قُلْتُ: هُوَ لاِبْني، وَهُوَ يَهَبُهُ لَك؛ قَالَ رَحِمَهُ الله: لاَ، وَلَكِن أُعْطِيهِ دِينَارَاً [أَيْ آخُذُهُ بِثَمَن] قَال: فَأَخَذَهُ رَحِمَهُ اللهُ فَخَلَّى عَنه،

فَكَانَ يَذْهَبُ وَيَرْعَى، فَيَجِيءُ بِالعَشِيِّ فَيَكُونُ في نَاحِيَةِ الْبَيْت؛ فَلَمَّا مَاتَ سُفْيَانُ تَبِعَ جِنَازَتَهُ، فَكَانَ يَضْطَرِبُ عَلَى قَبْرِه ـ أَيْ يَتَمَرَّغُ فَوْقَ قَبْرِه ـ ثمَّ اخْتَلَفَ بَعْدَ ذَلِكَ لَيَالِيَ إِلىَ قَبْرِهِ، فَكَانَ رُبَّمَا بَاتَ عَلَيْهِ، وَرُبَّمَا رَجَعَ إِلىَ الْبَيْت، ثُمَّ وَجَدُوهُ مَيِّتَاً عِنْدَ قَبْرِهِ؛ فَدُفِنَ عِنْدَه» 0 ـ ذِكْرُ أَصْحَابِهِ لَهُ بَعْدَ مَوْتِه رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ الْفِرْيَابيّ: «زَارَني عَبْد اللهِ بْنُ المُبَارَكِ رَحِمَهُ اللهُ فَقَال: أَخْرِجْ إِليَّ حَدِيثَ الثَّوْرِيّ؛ فَأَخْرَجْتُهُ إِلَيْه؛ فَجَعَلَ يَبْكِي حَتىَّ أَخْضَلَ لِحْيَتَهُ وَقَال: رَحِمَهُ الله؛ مَا أَرَى أَنيِّ أَرَى مِثْلَهُ أَبَدَاً» 0

سفيان بن عيينة

سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَة هُوَ الإِمَامُ الحَافِظُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ بْنِ أَبي عِمْرَانَ مَيْمُونٍ الهِلاَلِيّ 0 وُلِدَ بِالكُوفَةِ سَنَةَ 107 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 198 هـ 0 بَدَأَ الرِّحْلَةَ في طَلَبِ الْعِلْمِ ذَلِكَ الحَافِظُ الْكَبِير: وَهُوَ غُلاَمٌ صَغِير، عُمْرُهُ لاَ يَتَجَاوَزُ اثْنيْ عَشَرَ عَامَاً

ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: سَمِعَ مِن عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَأَكْثَرَ عَنهُ، وَالزُّهْرِيّ، وَعَاصِمِ بْنِ أَبي النَّجُود، وَأَبي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيّ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَار، وَابْنِ جُرَيْج، وَمحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِر، وَعَبْدِ الْكَرِيمِ الجَزَرِيّ، وَعَطَاءِ بْنِ السَّائِب، وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانيّ، وَمَنْصُورِ بْنِ المُعْتَمِر، وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَة، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيل، وَسُلَيْمَانَ الأَعْمَش، وَيحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيّ، وَابْنِ عَجْلاَن، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي لَيْلَى، وَسُفْيَانَ الثَوْرِيّ، وَشُعْبَة، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ طَاوُوس، وَجَامِعِ بْنِ أَبي رَاشِد، وَأَبي الزِّنَادِ عَبْدِ اللهِ بْنِ ذَكْوَان، وَصَفْوَانَ بْنِ سُلَيْم، وَزَائِدَةَ بْنِ قُدَامَةَ، وَأَبي حَازِمٍ الأَعْرَج، وَصَدَقَةَ بْنِ يَسَار، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ أَبي نَجِيح، وَخَلْقٍ كَثِير 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ الأَعْمَشُ، وَابْنُ جُرَيْج، وَشُعْبَةُ [وَهَؤُلاَءِ مِنْ شُيُوخِهِ] وَحَمَّادُ بْنُ زَيْد، وَالشَّافِعِيّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَك، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيّ، وَيحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّان، وَالحُمَيْدِيّ، وَيحْيىَ بْنُ مَعِين، وَعَلِيُّ بْنُ المَدِينيّ، وَمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَان، وَأَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبي شَيْبَة، وَعَبْدُ الرَّزَّاق، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْه، وَمحَمَّدُ بْنُ المُثَنىَّ، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُور، وَعَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ الْفَلاََّس، وَأَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيّ، وَمحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْر، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ الرَّمَادِيّ، وَمِنْ كِبَارِ المُكْثِرِينَ عَنهُ: أَحْمَد، وَالحُمَيْدِيّ، وَالشَّافِعِيّ، وَابْنُ المَدِينيّ، وَإِبْرَاهِيمُ الرَّمَادِيّ 0

ـ قَالُواْ عَنْ جَمْعِهِ لِلْحَدِيثِ النَّبَوِيّ: قَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً أَجْمَعَ لِمُتَفَرِّقٍ مِنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَة» ـ قَالُواْ عَنِ حِفْظِهِ: حَدَّثَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ محَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «ابْنُ عُيَيْنَةَ أَحْفَظُ مِن حَمَّادِ بْنِ زَيْد» 0 قَالَ يحْيىَ بْنُ آدَم: «مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً يُخْتَبَرُ حَدِيثُهُ إِلاََّ وَيُخْطِئ؛ إِلاََّ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَة»

حَدَّثَ مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَال: «مَا كَتَبْتُ شَيْئَاً إِلاََّ حَفِظْتُهُ قَبْلَ أَن أَكْتُبَه» 0 ـ قَالُواْ عَنْ تَوْثِيقِهِ: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْعِجْلِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «كَانَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ثَبْتَاً في الحَدِيث، وَكَانَ حَدِيثُهُ نحْوَاً مِنْ سَبْعَةِ آلاَف، وَلَمْ تَكُنْ لَهُ كُتُب» 0 قَالَ بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «مَا رَأَيْتُ مِثْلَ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه؛ فَقِيلَ لَهُ: وَلاَ شُعْبَة 00؟ قَال: وَلاَ شُعْبَة» 0 قَالَ عَلِيُّ بْنُ المَدِينيّ [شَيْخُ الإِمَامِ البُخَارِيّ]:

«مَا في أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَحَدٌ أَتْقَنُ مِنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَة» 0 قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِي رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ إِمَامٌ ثِقَة، كَانَ أَعْلَمَ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ مِنْ شُعْبَة، وَأَثْبَتُ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ هُوَ وَمَالِكٌ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمْ» 0 قَالَ يحْيىَ بْنُ مَعِينٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «هُوَ أَثْبَتُ النَّاسِ في عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ» 0 ـ ثَنَاءُ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللهُ عَلَيْه:

حَدَّثَ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّدَفِيُّ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «مَا رَأَيْتُ أَفْقَهَ مِنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَة، وَلاَ أَسْكَتَ عَنِ الْفُتْيَا مِنهُ» 0 قَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «الْعِلْمُ يَدُورُ عَلَى ثَلاَثَة: مَالِك، وَاللَّيْث، وَابْنِ عُيَيْنَة» 0 قَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «لَوْلاَ مَالِكٌ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، لَذَهَبَ عِلْمُ الحِجَاز»

قَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «وَجَدْتُ أَحَادِيثَ الأَحكَامِ كُلَّهَا عِنْدَ ابْنِ عُيَيْنَة؛ سِوَى سِتَّةِ أَحَادِيث، وَوَجَدْتُهَا كُلَّهَا عِنْدَ مَالِكٍ سِوَى ثَلاَثِينَ حَدِيثَاً» 0 حَدَّثَ يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «مَالِكٌ وَابْنُ عُيَيْنَةَ الْقَرِينَان» 0 ـ قَالُواْ في المُفَاضَلَةِ بَيْنَهُ وَبَينَ الإِمَامِ مَالِكٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ في جَمْعِ لأَحَادِيثِ الأَحْكَام:

حَدَّثَ الْبُوَيْطِيُّ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَال: «أُصُولُ الأَحكَامِ نَيِّفٌ وَخَمْسُمِاْئَةِ حَدِيث، كُلُّهَا عِنْدَ مَالِكٍ إِلاََّ ثَلاَثِينَ حَدِيثَاً، وَكُلُّهَا عِنْدَ ابْنِ عُيَيْنَةَ إِلاََّ سِتَّةَ أَحَادِيث» 0 [وَثَّقَهَا الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلاَمِ النُّبَلاَء 0 طَبْعَةِ مُؤَسَّسَةِ الرِّسَالَة 0 ص: 460/ 8] ـ قَالُواْ عَنِ عِلْمِهِ وَبَرَاعَتِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَيْضَاً في التَّفْسِير:

حَدَّثَ حَرْملَةُ بْنُ يحْيىَ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً فِيهِ مِن آلَةِ الْعِلْم: مَا في سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَة، وَمَا رَأَيْتُ أَكَفَّ عَنِ الْفُتْيَا مِنهُ، وَمَا رَأَيْتُ أَحَدَاً أَحْسَنَ تَفْسِيرَاً لِلْحَدِيثِ مِنهُ» 0 قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «لاَ أَعْلَمُ أَحَدَاً أَعْلَمَ بِتَفْسِيرِ الْقُرْآنِ مِنِ ابْنِ عُيَيْنَة» وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

«عِنْدَ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ مِنْ مَعْرِفَتِهِ بِالقُرْآنِ وَتَفْسِيرِ الحَدِيثِ مَا لَمْ يَكُن عِنْدَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيّ» 0 ـ قَالُواْ عَنْ تَوَاضُعِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَمَّارٍ عَن عُمَرَ بْنِ شَبَّةَ عَن عُبَيْدِ بْنِ جَنَّادٍ قَال: «سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ رَحْمَهُ اللهُ وَسَأَلُوهُ أَنْ يُحَدِّثَهُمْ؛ فَقَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «مَا أُرَاكُمْ لِلْحَدِيثِ مَوْضِعَاً، وَلاَ أُرَاني أَنْ يُؤْخَذَ عَنيِّ أَهْلاً، فَمَا مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ: إِلاََّ

كَمَا قَالَ الأُوَل: افْتَضَحُواْ فَاصْطَلَحُواْ» قَالَ عَلِيُّ بْنُ المَدِينيّ [شَيْخُ الإِمَامِ البُخَارِيّ]: «كَانَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ إِذَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ يَقُول: لاَ أُحْسِن؛ فَنَقُول: مَنْ نَسْأَل 00؟ فَيَقُولُ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: سَلِ الْعُلَمَاء» 0 ـ عَقِيدَتُهُ وَمَذْهَبُهُ وَكَلاَمُهُ في الإِيمَانِيَّاتِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ الحَافِظُ بْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنْ محَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ مُوسَى عَنْ محَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ قَال:

«رَأَيْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ سَأَلَهُ رَجُل: مَا تَقُولُ في الْقُرْآن 00؟ قَال: كَلاَمُ اللهِ مِنهُ خَرَجَ وَإِلَيْهِ يَعُود» 0 حَدَّثَ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ عَن أَحْمَدَ بْنِ نَصْرٍ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ بَعْضِ أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ فَقَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «هِيَ كَمَا جَاءتْ، نُقِرُّ بِهَا، وَنُحَدِّثُ بِهَا بِلاَ كَيْف» 0 حَدَّثَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الجَوْهَرِيُّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال:

«الإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَل، يَزِيدُ وَيَنْقُص» 0 حَدَّثَ الإِمَامُ الطَّبَرَانيُّ عَنْ بِشْرِ بْنِ مُوسَى عَنِ الحُمَيْدِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَال: «قِيلَ لِسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: إِنَّ بِشْرَاً المَرِيسِيَّ يَقُول: إِنَّ اللهَ جَلَّ وَعَلاَ لاَ يُرَى يَوْمَ الْقِيَامَة؛ فَقَالَ رَحْمَهُ الله: قَاتَلَهُ الله؛ أَلَمْ يَسْمَعْ إِلىَ قَوْلِهِ جَلَّ وَعَلاَ: (كَلاََّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لمَحْجُوبُون (

فَإِذَا احْتَجَبَ عَنِ المُؤْمِنِينَ أَيْضَاً؛ فَأَيُّ فَضْلٍ لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْكُفَّار» 00 [المُطَفِّفِين: 15] حَدَّثَ أَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاجُ عَن عَبَّاسِ بْنِ أَبي طَالِبٍ عَن أَبي بَكْرٍ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَفَّانَ عَنْ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ عَنْ بَعْضِ كَلاَمِ الْقَدَرِيَّة: «مَا أَشْبَهَ هَذَا بِكَلاَمِ النَّصَارَى؛ فَلاَ تُجَالِسُوهُمْ» 0 ـ قَالُواْ عَنْ شَجَاعَتِهِ وَجُرْأَتِهِ في قَوْلِ الحَقّ: قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

«دَخَلَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَلَى مَعْنِ بْنِ زَائِدَةَ [أَمِيرِ اليَمَن] فَجَعَلَ يَعِظُه» 0 ـ قَالُواْ عَنْ تَقَشُّفِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ حَرْملَةُ بْنُ يحْيىَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَالَ لَهُ مُشِيرَاً إِلىَ خُبْز الشَّعِير: «هَذَا طَعَامِي مُنْذُ سِتِّينَ سَنَة» 0 ـ قَالُواْ عَنْ بَلاَغَتِهِ وَحُسْنِ مَنْطِقِهِ: قَالَ الإِمَامُ عَبْدُ الرَّزَّاق: «مَا رَأَيْتُ بَعْدَ ابْنِ جُرَيْجٍ مِثْلَ ابْنِ عُيَيْنَةَ في حُسْنِ المَنْطِق» ـ بَعْضُ نَوَادِرِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

حَدَّثَ عَمَّارُ بْنُ عَلِيٍّ اللُّورِيِّ عَن أَحْمَدَ بْنِ النَّضْرِ الهِلاَلِيِّ عَن أَبِيهِ قَال: «كُنْتُ في مَجْلِسِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه، فَنَظَرَ إِلىَ صَبيّ، فَكَأَنَّ أَهْلَ المَسْجِدِ تَهَاوَنُواْ بِهِ لِصِغَرِهِ؛ فَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَة: (كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ ({النِّسَاء/94} ثمَّ قَال: يَا نَضْر؛ لَوْ رَأَيْتَني وَلي عَشْرُ سِنِين، طُولِي خَمْسَةُ أَشْبَار، وَوَجْهِي كَالدِّينَار، وَأَنَا كشُعْلَةِ نَار، ثِيَابي صِغَار، وَأَكمَامِي قِصَار، وَذَيْلِي

بِمِقْدَار، وَنَعْلِي كآذَانِ الْفَار، أَخْتَلِفُ إِلىَ عُلَمَاءِ الأَمْصَار، كَالزُّهْرِيِّ وَعَمْرِو بْنِ دِينَار، أَجْلِسُ بَيْنهُمْ كَالمِسْمَار، مِحْبَرتي كَالجَوْزَةِ، وَمَقْلَمَتي كَالمَوْزَة، وَقَلَمِي كَاللَّوزَة، فَإِذَا أَتَيْتُ قَالُواْ: أَوْسِعُواْ لِلشَّيْخِ الصَّغِير، ثمَّ ضَحِكَ» ـ مَا قِيلَ في هَذَا الحَافِظِ الجَلِيل، مِنَ النَِّظْمِ الجَمِيل: قَالَ الشَّاعِرُ الخُطَيْمُ في مَدِيحِهِ: يَا قَاصِدَ الْبَيْتِ إِنْ لاَقَيْتَ إِنْسَانَا ... بَلِّغْ سَلاَمِي لجَارَ الْبَيْتِ سُفْيَانَا

شَيْخُ الحَدِيثِ وَمَنْ ذَاعَتْ فَضَائِلُهُ ... وَكَانَ في الجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ مِيزَانَا يَضُمُّ عَمْرَاً إِلىَ الزُّهْرِيِّ يُسْنِدُهُ ... وَابْنَ السَّبِيعِيِّ أَيْضَاً وَابْنَ جُدْعَانَا فَعَنْهُمُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ يُوسِعُنَا ... عِلْمَاً وَفِقْهَاً وَأَخْلاَقَاً وَإِيمَانَا وَحَدَّثَ الرِّيَاشِيُّ عَنِ الأَصْمَعِيِّ أَيْضَاً غَفَرَ اللهُ لَهُ أَنَّهُ رَثَاهُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه 0 ـ خَبَرُ وَفَاتِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ وَحُسْنُ خَاتِمَتِه:

حَدَّثَ سُلَيْمَانُ بْنُ أَيُّوبَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «شَهِدْتُ ثَمَانيْنَ مَوْقِفَاً» 00 أَيْ مِنْ مَوَاقِفَ عَرَفَة 0 يُرْوَى أَنَّهُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ كَانَ يَقُولُ في كُلِّ مَوْقِفٍ: «اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْهُ آخِرَ الْعَهدِ مِنْك، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ لَمْ يَقُلْ شَيْئَاً؛ وَقَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَدِ اسْتَحْيَيْتُ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلّ» 0 ـ بَعْضُ أَقْوَالِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

حَدَّثَ الحُمَيْدِيُّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «لاَ تَدْخُلُ هَذِهِ المَحَابِرُ بَيْتَ رَجُلٍ؛ إِلاََّ أَشْقَى أَهْلَهُ وَوَلَدَه» 0 قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ مَرَّةً لِرَجُلٍ: مَا حِرْفَتُك 00؟ قَال: طَلَبُ الحَدِيث؛ قَالَ سُفْيَان: بَشِّرْ أَهْلَكَ بِالإِفْلاَس» 0 حَدَّثَ عَلِيُّ بْنُ الجَعْدِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «مَن زِيدَ في عَقْلِهِ: نَقَصَ مِنْ رِزْقِهِ» 0

حَدَّثَ سُنَيْدُ بْنُ دَاوُدَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «مَنْ كَانَتْ مَعْصِيَتُهُ في الشَّهْوَةِ فَارْجُ لَهُ، وَمَنْ كَانَتْ مَعْصِيَتُهُ في الْكِبْرِ فَاخْشَ عَلَيْه؛ فَإِنَّ آدَمَ عَصَى مُشْتَهِيَاً فَغُفِرَ لَه، وَإِبْلِيسَ عَصَى مُتَكَبِّرَاً فَلُعِن» 00 أَيْ طُرِدَ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلّ 0 ـ أَقْوَالُهُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ عَنْ شَرَفِ الحَدِيثِ وَالمحَدِّثِين:

{وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقَا} {النِّسَاء/69} حَدَّثَ عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ عَنْ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ في هَذِهِ الآيَة: «الصَّالِحُون: هُمْ أَصْحَابُ الحَدِيث» 0 حَدَّثَ أَحْمَدُ بْنُ زَيْدٍ عَن إِبْرَاهِيمَ بْنِ المُنْذِرِ عَنْ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «أَنَا أَحقُّ بِالبُكَاءِ مِنَ الحُطَيْئَة؛ هُوَ يَبْكِي عَلَى الشِّعْر، وَأَنَا أَبْكِي عَلَى الحَدِيث» 0

الأعمش

الأَعْمَش هُوَ الإِمَامُ الحَافِظُ شَيْخُ المُقْرِئِينَ وَالمُحَدِّثِينَ سُلَيْمَانُ الأَعْمَشُ ابْنُ مِهْرَانَ الكَاهِلِيُّ الكُوفِيّ 0 وُلِدَ في طَبْرِسْتَانَ سَنَةَ 61 هـ، وَتُوُفِّيَ بِالكُوفَةِ سَنَةَ 148 هـ 0 [اتُّهِمَ بِالتَِّدْلِيس: وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الْكَذِبِ الخَفِيف، أَوِ الْغِشِّ في التَّحْدِيث: كَأَنْ يَقُولَ الرَّاوِي أَخْبرَني فُلاَنٌ بِالحِجَاز؛ فَتَتَوَهَّمَ أَنَّهُ رَحَلَ في طَلَبِ الْعِلْمِ إِلىَ الحِجَاز، بَيْنَمَا لَمْ يَفْعَلْ 0

أَوْ أَنْ يَقُولَ لَك: حَدَّثَني محَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيل 00 أَوْ دَعْنَا مِنَ الْبُخَارِيِّ لِشُهْرَتِه؛ فَهُوَ أَكْبَرُ مِن يُتَقَوَّلَ عَلَى لِسَانِهِ مَا لَمْ يَقُلْ لِتَشَابُهِ الأَسْمَاء: يَقُولُ مَثَلاً: حَدَّثَني يحْيىَ ابْنُ مَعِين، أَوْ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَة، فَتَقُولُ لَهُ لَقَدْ حَصَّلْتُ عِلْمَ يحْيى أَوْ سُفْيَانَ فَلَمْ يُحَدِّثَا بِمِثْلِ هَذَا 00؟!

فَيَقُولُ لَك: لي جَارٌ أَوْ صَدِيقٌ أَمِين، اسْمُهُ يحْيىَ ابْنُ مَعِين، أَوْ لَنَا قَرِيبٌ أَتَى إِلَيْنَا: اسْمُهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَة 000 وَهَكَذَا 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: رَأَى أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَحَكَى عَنهُ 0 وَرَوَى عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبي أَوْفَى رَضِيَ اللهُ عَنه، وَعَن أَبي عَمْرٍو الشَّيْبَانيّ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَير، وَأَبي صَالِحٍ السَّمَّان، وَمُجَاهِد، وَأَبي ظَبْيَان، وَخَيْثَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَن، وَزِرِّ بْنِ حُبَيْش، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي

لَيْلَى، وَالمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْد، وَالوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنه، وَتَمِيمِ بْنِ سَلَمَةَ، وَسَالِمِ بْنِ أَبي الجَعْد، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ مُرَّةَ الهَمْدَانيِّ، وَقَيْسِ بْنِ أَبي حَازِمٍ، وَأَبي العَالِيَةِ الرِّيَاحِيِّ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاء، وَثَابِتِ بْنِ عُبَيْد، وَأَبي بِشْر، وَذَرِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنه، وَالشَّعْبيّ، وَالمِنهَالِ بْنِ عَمْرو، وَعَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، وَغَيْرُهُمْ كَثِير 0 ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه:

رَوَى عَنهُ وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانيّ، أَبُو إِسْحَاقَ السَّبيعِيّ، وَعَاصِمُ بْنُ أَبي النَّجُود، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَم، وَالإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ النُّعْمَان، وَالأَوْزَاعِيّ، وَشُعْبَة، وَمَعْمَر، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيّ، وَعَلِيُّ بْنُ مُسْهِر، وَوَكِيع، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَة، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْر، وَخَالِدٌ الحَذَّاء، وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيّ، وَأَبُو نُعَيْم، وَسَعِيدُ بْنُ أَبي عَرُوبَة، وَيحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ القَطَّانُ، وَصَفْوَانُ بْنُ سُلَيْم، وَسُهَيْلُ بْنُ أَبي صَالِح، وَأَبَانُ بْنُ تَغْلِب،

وَيُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، وَجَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، وَخَلْقٌ كَثِيرٌ 0 قَالَ عَنهُ يحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ القَطَّان: «هُوَ عَلاََّمَةُ الإِسْلاَم» 0 وَقَالَ عَنهُ زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ خَيْثَمَة: «مَا أَدْرَكتُ أَحَدَاً أَعْقَلَ مِنَ الأَعْمَشِ وَمُغِيرَة» وَقَالَ عَنهُ زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَة: «مَا أَدْرَكتُ أَحَدَاً أَعْقَلَ مِنَ الأَعْمَشِ وَمُغِيرَة» 0 ـ مَكَانَتُهُ في الْقِرَاءَات: قَرَأَ القُرْآنَ عَلَى يحْيىَ بْنِ وَثَّاب [مُقْرِئِ العِرَاق]

وَقَرَأَ عَلَيْهِ حَمْزَةُ الزَّيَّات، وَزَائِدَةُ بْنُ قُدَامَة 0 وَقَرَأَ الكَسَائِيُّ عَلَى زَائِدَةَ بِحُرُوفِ الأَعْمَش 0 قَالَ عَنهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «كَانَ أَقْرَأَهُمْ لِلْقُرْآن، وَأَحْفَظَهُم لِلْحَدِيث، وَأَعْلَمَهُمْ بِالْفَرَائِض» 0 وَقَالَ عَنهُ أَبُو بَكْرٍ بْنُ عَيَّاش: «كَانَ الأَعْمَشُ يَعْرِضُ الْقُرْآنَ فَيُمْسِكُونَ عَلَيْهِ المَصَاحِف؛ فَلاَ يُخْطِئُ في حَرْف» 0 وَقَالَ عَنهُ هُشَيْم:

«مَا رَأَيْتُ بِالْكُوفَةِ أَحَدَاً أَقرَأَ لِكِتَابِ اللهِ جَلَّ وَعَلاَ وَلاَ أَجْوَدَ حَدِيثَاً مِنَ الأَعْمَش» 0 ـ مَكَانَتُهُ في عُلُومِ الحَدِيث: قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَة: «كَانَ الأَعْمَشُ أَقْرَأَهُم لِكِتَابِ الله، وَأَحْفَظَهُم لِلْحَدِيث، وَأَعْلَمَهُمْ بِالْفَرَائِض» 0 وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بْنُ عَيَّاش: «كُنَّا نُسَمِّي الأَعْمَشَ سَيِّدَ المُحَدِّثِين» 0 وَقَالَ عَنهُ القَاسِمُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَن: «مَا أَحَدٌ أَعْلَمَ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ مِنَ الأَعْمَش» 0

وَقَالَ عَنهُ الإِمَامُ النَّسَائِيّ: «ثِقَةٌ ثَبْت» 0 وَقَالَ عَنهُ أَحْمَدُ العِجْلِيّ: «الأَعْمَشُ ثِقَةٌ ثَبْت، كَانَ مُحَدِّثَ الكُوفَةِ في زَمَانِه» 0 قَالَ عَلِيُّ بْنُ المَدِينِيِّ [شَيْخُ الإِمَامِ البُخَارِيّ]: «لَهُ نَحْوٌ مِن أَلْفٍ وَثَلاَثِماْئَةِ حَدِيث» ـ شُحُّهُ بِالتَّحْدِيث: عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ قَال: «خَرَجَ الأَعْمَشُ إِلىَ بَعْضِ السَّوَاد [أَيْ إِلىَ بَعْضِ النَّاس] فَأَتَاهُ قَوْمٌ فَسَأَلُوهُ عَنِ الحَدِيث 00؟ فَقَالَ لَهُ جُلَسَاؤُهُ: لَوْ حَدَّثْتَ هَؤُلاَءِ المَسَاكِينَ 00؟

فَقَالَ: مَنْ يُعَلِّقُ الدُّرَّ عَلَى الخَنَازِيرِ 00؟! وَكَانَ الأَعْمَش يَقُولُ مُؤَكِّدَاً ذَلِك: «لاَ تَنْثُرُواْ اللُّؤْلُؤَ تَحْتَ أَظلاَفِ الخنَازِير» 0 قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيس: «قُلْتُ لِلأَعْمَش: يَا أَبَا محَمَّد؛ مَا يَمْنَعُكَ مِن أَخْذِ شَعْرِكَ؟ قَال: كَثْرَةُ فُضُولِ الحَجَّامِين، قُلْتُ: فَأَنَا أَجِيئُكَ بِحَجَّامٍ لاَ يُكَلِّمُكَ حَتىَّ تَفرَغ؛ فَأَتَيْتُ جُنَيْدَاً الحَجَّام، وَكَانَ مُحَدِّثَاً؛ فَأَوْصَيْتُهُ؛ فَقَالَ نَعَمْ، فَلَمَّا أَخَذَ نِصْفَ شَعْرِه قَال: يَا أَبَا محَمَّد 00

كَيْفَ حَدِيثُ حَبِيبِ بْنِ أَبي ثَابِتٍ في المُسْتَحَاضَةِ 00؟ فَصَاحَ صَيْحَةً وَقَامَ يَعْدُو، وَبَقِيَ نِصْفُ شَعْرِه بَعْدَ شَهْرٍ غَيْرَ مَجْزُوز» 0 قَالَ نُعَيْم: «وَسَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ [الزَّاهِدَ المجَاهِدَ المَعْرُوفَ] يَقُول: «سَمِعْتُ الأَعْمَشَ يَحْلِفُ أَنْ لاَ يُحَدِّثَني، وَيَقُول: لاَ أُحَدِّثُ قَوْمَاً وَهَذَا التُّركِيُّ فِيهِم» 0 وَهَذِهِ عَلَى رِفْعَةِ مَكَانَتِهِ مِن أَكْبَرَ مَسَاوِيه؛ كَيْفَ يَضِنُّ بحَدِيثِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَائِلِيه؟!

يَزْعُمُ بِذَلِكَ أَنَّهُ يَصُونُ الْعِلْمِ عَن أَيْدِي الجُهَّال 00!! سُبْحَانَ الله؛ فَلِمَنِ الْعِلْمُ إِذَن إِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْجُهَّال؛ وَالمُصِيبَةُ الْكُبرَى أَنْ تجِدَ في زَمَانِنَا مَنْ يَسِيرُ عَلَى نَفْسِ المِنوَال، وَيُقَدِّمُ التَّبرِيرَاتِ وَيَلْتَمِسُ المَعَاذِير؛ لهَذَا الْعَالِمِ الْكَبِير، وَالمحَدِّثِ الشَّهِير، سُوءُ فَهْمٍ بِهِ يُضْرَبُ المَثَل، وَمِنَ الخَوْفِ مَا قَتَل 00 أَلاَ يَرْحَمُ اللهُ أُوْلي الأَحْلاَمِ وَالنُّهَى 0 أَيْنَ هَذَا الْعَالِمُ الْكَبِير؛ مِن هَذَا الحَدِيثِ الخَطِير 00؟!

عَن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال: «مَثَلُ الَّذِي يَتَعَلَّمُ العِلْمَ ثُمَّ لاَ يُحَدِّثُ بِه: كَمَثَلِ الَّذِي يَكْنِزُ الكَنْزَ فَلاَ يُنْفِقُ مِنه» 0 [صَحَّحَهُ الْعَلاَّمَةُ الأَلبَانيُّ في الصَّحِيحِ وَالصَّحِيحَةِ بِرَقْمَيْ: 5835، 3479، أَخْرَجَهُ الإِمَامُ الطَّبرَانيُّ في الأَوْسَطِ وَالْكَبِير] أَلَمْ يَتَدَبَّرْ في حَالِهِ قَوْلُهُ تَعَالىَ: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ البَيِّنَاتِ وَالهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ في

الكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُون ({البَقَرَة/159} وَقَالَ أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَر: «سُئِلَ الأَعْمَشُ عَن حَدِيثٍ؛ فَقَالَ لاِبْنِ المُخْتَار: تَرَى أَحَدَاً مِن أَصْحَابِ الحَدِيث 00؟ فَغَمَّضَ عَيْنَيْهِ وَقَال: لاَ أَرَى أَحَدَاً يَا أَبَا محَمَّد ـ قَالَ لاَ أَرَى أَحَدَاً بَعْدَ إِغْمَاضِ عَيْنَيْهِ؛ لِئَلاَّ تُكْتَبَ كِذْبَةً عَلَيْهِ ـ فَحَدَّثَ بِه» 0

قَالَ عِيسَى بْنُ يُونُس: «خَرَجْنَا في جِنَازَةٍ وَرَجُلٌ يَقُودُهُ؛ فَلَمَّا رَجَعْنَا عَدَلَ بِهِ، فَلَمَّا أَصْحَرَ [أَيْ دَخَلَ الصَّحْرَاءَ] قَال: أَتَدْرِي أَيْنَ أَنْت 00؟ أَنْتَ في جَبَّانَةِ كَذَا، وَلاَ أَرُدُّكَ حَتىَّ تَمْلأَ أَلْوَاحِي حَدِيثَاً؛ قَالَ اكْتُبْ، فَلَمَّا مَلأَ الأَلْوَاحَ رَدَّه، فَلَمَّا دَخَلَ الكُوفَةَ دَفعَ أَلْوَاحَهُ لإِنْسَانٍ، فَلَمَّا أَنِ انْتَهَى الأَعْمَشُ إِلىَ بَابِهِ تَعَلَّقَ بِهِ وَقَال: خُذُواْ الأَلْوَاحَ مِنَ الْفَاسِق؛ فَقَال: يَا أَبَا محَمَّد؛ قَدْ فَات [أَيْ فَاتَ أَوَانُ ذَلِك؛

لأَنَّهُ دَفَعَهَا لِصَاحِبِه] فَلَمَّا أَيِسَ مِنهُ قَال: كُلُّ مَا حَدَّثْتُكَ بِهِ كَذِب؛ قَال: أَنْتَ أَعْلَمُ بِاللهِ مِن أَنْ تَكْذِب» 0 حَقَّاً: «لاَ يُؤْكَلُ الجَوْزُ إِلاَّ حِينَ يَنْكَسِرُ» 0 [إِلْيَاس فَرَحَات] كَانَ الأَعْمَش يَقُول: «كُنْتُ آتي مُجَاهِدَاً فَيَقُول: لَوْ كُنْتُ أُطِيقُ المَشْيَ لَجِئْتُك» وَقَال: «كُنْتُ إِذَا خَلَوتُ بِأَبي إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا بِحَدِيثِ عَبْدِ اللهِ غَضَّاً لَيْسَ عَلَيْهِ غُبَار» فَلَيْتَهُ فَعَلَ مَعَ تَلاَمِذَتِهِ كَمَا صَنَعَ مَعَهُ شُيُوخُه 00

قَالَ وَكِيع: «جَاؤُواْ إِلىَ الأَعْمَشِ يَوْمَاً؛ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ وَقَال: لَوْلاَ أَنَّ في مَنْزِلي مَن هُوَ أَبغَضُ إِليَّ مِنْكُمْ؛ مَا خَرَجتُ إِلَيْكُمْ» 0 ـ بَعْضُ نَوَادِرِه: وَكَانَ لَهُ وَلدٌ مُغفَّل، قَالَ لَهُ يَوْمَاً: اذْهَبْ فَاشْتَرِ لَنَا حَبْلاً لِلْغَسِيل؛ فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَتِ؛ طُولُ كَمْ 00؟ قَال: عَشْرَةُ أَذْرُع، قَالَ في عَرْضِ كَمْ 00؟ قَال: في عَرْضِ مُصِيبَتي فِيك» 0 عَن حُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ قَال: «قَرَأْتُ عَلَى الأَعْمَشِ فَقُلْتُ لَه: كَيْفَ رَأَيْتَ قِرَاءتي؟

قَال: مَا قَرَأَ عَلَيَّ عِلجٌ أَقرَأُ مِنْك» 0 قَالَ عِيسَى بْنُ يُونُس: «أَتىَ الأَعْمَشَ أَضْيَافٌ؛ فَأَخرَجَ إِلَيْهِم رَغِيفَيْنِ فَأَكَلُوهُمَا، فَدَخَلَ فَأَخرَجَ لَهُم نِصْفَ حَبْلِ قَتّ [مِن عَلَفِ الدَّوَابّ] فَوَضَعَهُ عَلَى الخِوَانِ وَقَال: أَكَلْتُمْ قُوتَ عِيَالي فَهَذَا قُوتُ شَاتي فَكُلُوه» 0 قَالَ أَبُو بَكْرٍ بْنُ عَيَّاش: «رَأَيْتُ الأَعْمَشَ يَلْبَسُ قَمِيصَاً مَقْلُوبَاً وَيَقُول: النَّاسُ مجَانِين؛ يجْعَلُونَ الخَشِنَ مُقَابلَ جُلُودِهِمْ» 0

وَلَبِسَ مَرَّةً فَرْوَاً مَقْلُوبَاً؛ فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا محَمَّد؛ لَوْ لَبِسْتَهَا وَصُوفُهَا إِلىَ دَاخِلٍ كَانَ أَدْفَأَ لَك؛ قَال: كُنْتَ أَشَرْتَ عَلَى الكَبْشِ بِهَذِهِ المَشُورَة» 0 ـ مَنَاقِبُه: وَقَالَ عَنهُ عِيسَى بْنُ يُونُسَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «لَمْ نَرَ نَحْنُ مِثْلَ الأَعْمَش، وَمَا رَأَيْتُ الأَغْنِيَاءَ عِنْدَ أَحَدٍ أَحْقَرَ مِنهُمْ عِنْدَهُ مَعَ فَقْرِهِ وَحَاجَتِه» وَقَالَ عَنهُ وَكِيعُ بْنُ الجَرَّاحِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

«كَانَ الأَعْمَشُ قَرِيبَاً مِنْ سَبْعِينَ سَنَةً: لَمْ تَفُتْهُ التَّكْبيرَةُ الأُولىَ» 0 وَقَالَ عَنهُ يحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ القَطَّانُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «كَانَ مِنَ النُّسَّاك، وَكَانَ مُحَافِظَاً عَلَى الصَّلاَةِ في جَمَاعَة، وَعَلَى الصَّفِّ الأَوَّل، وَهُوَ عَلاََّمَةُ الإِسْلاَم» 0 وَقَالَ الأَعْمَشُ لِتَلاَمِذَتِهِ وَمُرِيدِيه: «مَا أَطَفْتُمْ بِأَحَدٍ إِلاََّ حَمَلْتُمُوهُ عَلَى الكَذِب» 0

يَعْني بِتَحْرِيجِهِمْ لِلشَّيْخ، وَحَمْلِهِمْ إِيَّاهُ بِإِحْرَاجِهِ بِالأَسْئِلَةِ عَلَى إِلْقَاءِ الْفُتْيَا؛ بِدُونِ رَوِيَّة، وَبِسُؤَالِهِ عَن حَالِ أَقْرَانِهِ مِنْ مُعَاصِرِيه، وَقَدْ يَكُونُونَ لاَ يُعْجِبُونَه؛ فَإِمَّا أَنْ يُجِيبَهُمْ بِالصَّرَاحَةِ وَالصِّدْق؛ فَيَتَّهِمُهُ خُصُومُهُ بِالْوَقَاحَةِ وَالحُنْق 00!! وَإِمَّا أَنْ يُظْهِرَ خِلاَفَ مَا يُبْطِنُ وَيُضْطَرُّ النِّفَاق؛ فَيُفْسِدَ مَا بَيْنَهُ وَبَينَ الخَلاَّق 00!!

أبو مسعود الرازي

أَبُو مَسْعُودٍ الرَّازِي هُوَ مُحَدِّثُ أَصْبَهَانَ الإِمَامُ الحَافِظُ الحُجَّةُ أَبُو مَسْعُودٍ الرَّازِي أَحْمَدُ بْنُ الْفُرَاتِ بْنِ خَالِد 0 وُلِدَ سَنَةَ 188 هـ في خِلاَفَةِ هَارُونَ الرَّشِيد، وَتُوُفِّيَ في شَعْبَانَ سَنَةَ 258 هـ 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ نُمَيْر، وَحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ الجُعْفِيّ، وَيَزِيدَ بْنَ هَارُون، وَأَبَا دَاوُدَ الطَّيَالِسِيّ، وَيحْيىَ بْنَ آدَم، وَعَبْدَ الرَّزَّاقِ بْنَ هَمَّام، وَمحَمَّدَ بْنَ يُوسُفَ الْفِرْيَابيّ، وَمُؤَمَّلَ بْنَ إِسْمَاعِيل، وَعُبَيْدَ اللهِ بْنَ مُوسَى، وَأَبَا نُعَيْم،

وَعَفَّانَ بْنَ مُسْلِم، وَأَبَا صَالحٍ الْكَاتِب، وَأَبَا الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيّ، وَأَبَا اليَمَان، وَأَبَا أُسَامَة، وَأَبَا بَكْرٍ بْنَ أَبي شَيْبَة، وَخَلْقَاً كَثِيرَاً 0 ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ الإِمَامُ أَبُو دَاوُدَ في «سُنَنِه»، وَأَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبي عَاصِم، وَمحَمَّدُ بْنُ يحْيىَ بْنِ مَنْدَة، وَجَعْفَرٌ الْفِرْيَابيّ، وَمحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ بْنِ المُهَلَّب، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يحْيىَ بْنِ مَنْدَةَ [أَخُو محَمَّد]، وَأَحْمَدُ بْنُ محْمُودِ بْنِ صَبِيح، وَأَبُو محَمَّدٍ بْنُ فَارِس [شَيْخُ أَبي

نُعَيْمٍ الحَافِظ]، وَخَلْقٌ كَثِير 0 ـ رِحْلَتُِهُ المُبَكِّرَةُ في طَلَبِ الْعِلْمِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: ارْتَحَلَ إِلىَ الْعِرَاقِ وَالشَّامِ وَالحِجَازِ وَاليَمَن، وَلَحِقَ الْكِبَار 0 قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ الرَّازِي عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَه: «كَتَبْتُ الحَدِيثَ وَأَنَا ابْنُ اثْنَتيْ عَشْرَةَ سَنَة» ـ قَالُواْ عَنْ كِتَابَتِهِ وَتَدْوِينِهِ لِلْحَدِيثِ النَّبَوِيّ: قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ الرَّازِي عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «كَتَبْتُ عَن أَلْفٍ وَسَبْعِمِاْئَةِ شَيْخ» 0

وَقَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَه: «كَتَبْتُ أَلْفَ أَلْفِ حَدِيث، وَخَمْسَمِاْئَةِ أَلْفِ حَدِيث» 0 وَيُمْكِنُ أَنْ نَسْتَنْتِجَ مِمَّا حَفِظَهُ الإِمَامُ أَحْمَد، وَمِمَّا كَتَبَهُ يَحْيىَ بْنُ مَعِينٍ وَأَبُو مَسْعُودٍ الرَّازِي: أَنَّ أَحَادِيثَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ تَقِلُّ بحَالٍ مِنَ الأَحْوَالِ عَنْ مِلْيُونَ وَنِصْف [بمَجْمُوعِ أَسَانِيدِهَا وَطُرُقِهَا المُخْتَلِفَة، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَوِ اتَّفَقَتْ مُتُونُهَا] أَيْ نُصُوصُهَا، لاَ سِيَّمَا إِذَا نَظَرْنَا إِلى مَا عِنْدَ غَيرِ هَؤُلاَءِ

في العُصُورِ المُخْتَلِفَة، كَانَ هَذَا هُوَ تَقْدِيرُنَا فِيمَا مَضَى؛ حَتىَّ عَثَرْنَا عَلَى هَذَا الأَثَر: قَالَ جَعْفَرُ بْنُ محَمَّدٍ الْقَطَّانُ إِمَامُ كَرْمِينِيَّة [مَدِينَةٌ بَينَ بُخَارَى وَسَمَرْقَنْد]: «سَمِعْتُ محَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ يَقُول: كَتَبْتُ عَن أَلْفِ شَيْخٍ وَأَكْثَر: عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنهُمْ عَشْرَةَ آلاَفٍ وَأَكْثَر، مَا عِنْدِي حَدِيثٌ إِلاَّ أَذْكُرُ إِسْنَادَه» 0 وَبِالتَّالي يَكُونُ مَا كَتَبَهُ الإِمَامُ الْبُخَارِيُّ 11.111 حَدِيثَاً وَأَثَرَاً × 1111 شَيْخَاً = 12344321

وَمِنْ ثَمَّ يُمْكِنُنَا الْقَوْلُ في ضَوْءِ هَذَا الأَثَر: أَنَّ الأَحَادِيثَ وَالآثَارَ مَعَاً: لاَ تَقِلُّ بحَالٍ عَنِ اثْنيْ عَشَرَ مِلْيُونَاً 00 [الأَثَر: هُوَ الْقَوْلُ المَأْثُورُ لِعُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِين، قَدْ يَكُونُ حِكْمَةً أَوْ تَفْسِيرَاً] ـ قَالُواْ عَنْ جَوْدَةِ حِفْظِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ أَبُو عِمْرَانَ الطَّرَسُوسِيّ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الأَثْرَمَ يَقُول: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُول:

«مَا تَحْتَ أَديمِ السَّمَاءِ أَحْفَظَ لأَخْبَارِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِن أَبي مَسْعُودٍ الرَّازِي» 0 قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ الرَّازِي قَال: كُنَّا نَتَذَاكَرُ الأَبْوَاب، فَخَاضُواْ في بَابٍ فجَاؤُواْ فِيهِ بخَمْسَةِ أَحَادِيث؛ فَجِئْتُ بِسَادِس؛ فَنَخَسَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ في صَدْرِي لإِعْجَابِهِ بي» 0 قَالَ حُمَيْدُ بْنُ الرَّبِيع: قَدِمَ أَبُو مَسْعُودٍ الأَصْبَهَانيُّ مِصْرَ، فَاسْتَلْقَى عَلَى قَفَاهُ وَقَالَ لَنَا:

خُذُواْ حَدِيثَ أَهْلِ مِصْر؛ فَجَعَلَ يَقْرَأُ عَلَيْنَا شَيْخَاً شَيْخَاً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَلْقَاهُمْ» 0 قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ مُفَسِّرَاً ذَلِكَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ فَقَال: «كَانَ قَدْ نَظَرَ في حَدِيثِ مَشَايِخِ مِصْرَ مِنْ كُتُبِ الرَّحَّالِينَ وَوَعَاه» 0 ـ إِعْجَابُ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ بِهِ وَثَنَاؤُهُ عَلَيْه: رَوَى يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَن أَحْمَدَ بْنِ دَلَّوَيْهِ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال:

«مَا أَعْرِفُ اليَوْمَ أَسودَ الرَّأْسِ [أَيْ شَابَّاً] أَعْرَفَ بِمُسْنَدَاتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنهُ» 0 ـ بَعْضُ أَقْوَالِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ محْمُودِ بْنِ صَبِيح: سَمِعْتُ أَبَا مَسْعُودٍ الرَّازِي يَقُول: «وَدِدْتُ أَنيِّ أُقْتَلُ في حُبِّ أَبي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا» 0

أبو العباس ابن عقدة

أَبُو الْعَبَّاسِ ابْنُ عُقْدَة هُوَ عَلَمُ الحَدِيثِ وَنَادرَةُ الزَّمَانِ الْعَلاََّمَةُ الحَافِظُ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الْكُوفِيّ 0 وُلِدَ سَنَةَ 249 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 332 هـ 0 قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحمَهُ الله: ««وعُقْدَةُ»: لَقَبُ أَبِيهِ النَّحْوِيِّ الْبَارِع: محَمَّدُ بْنُ سَعِيد؛ وَلُقِّبَ بِذَلِكَ لِتَعْقِيدِهِ في التَّصْرِيف، وَهُوَ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْعَاملين» 0 قَالَ الدَّارَقُطْنيّ: «كَانَ أَبُوهُ عُقْدَةَ أَنحَى النَّاس» 0

ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: سَمِعَ مِنْ عَبْد المَلِكِ بْن محَمَّدٍ الرَّقَاشِيّ، وَأَبي بَكْرٍ بْنِ أَبي الدُّنْيَا، وَإِبْرَاهِيمَ بْن أَبي بَكْرٍ بْنِ أَبي شَيْبَة، وَأَحْمَد بْن أَبي خَيْثَمَة، وَإِسْحَاقَ بْن إِبْرَاهِيمَ الْعُقَيْلِيّ، وَمحَمَّد بْن أَحْمَدَ بْنِ الحَسَنِ الْقَطَوَانيّ، وَأَحْمَد بْن يَحْيىَ الصُّوفِيّ، وَإِبْرَاهِيم بْن عَبْدِ اللهِ الْقَصَّار، وَالحَسَن بْن جَعْفَر بْنِ مِدْرَار، وَالحَسَن بْن عُتْبَةَ الْكِنْدِيّ، وَمحَمَّد بْن سَعِيدٍ الْعَوْفِيّ، وَأَبي الأَحْوَصِ الْعُكْبَرِيّ، وَأُمَمٍ سِوَاهِمْ 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: رَوَى عَنهُ الإِمَامُ الطَّبَرَانيّ، وَالحَافِظُ ابْنُ عَدِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ بْنُ الجِعَابيّ، وَابْنُ المُظَفَّر، وَأَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُورِيُّ، وَابْنُ المُقْرِئ، وَابْنُ شَاهِين، وَعُمَر بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْكَتَّاني، وَأَبُو عُبَيْدٍ اللهِ المَرْزُبَانيّ، وَابْن جُمَيْعٍ الْغَسَّانيّ، وَأَبُو عُمَرَ بْنُ مَهْدِيّ، وَخَلاَئِقُ غَيرُهُمْ، وَكَانَ يُوَرِّقُ بِالْكُوفَةِ وَيُعَلِّمُ الْقُرْآنَ وَالأَدَب 0

ـ قَالُواْ عَنْ كَثْرَةِ مَا دَوَِّنَهُ مِنَ الأَحَادِيثِ وَالآثَار: قَالَ الصُّورِيّ: وَقَالَ لي أَبُو سَعْدٍ المَالِينيُّ: أَرَادَ ابْنُ عُقْدَة أَنْ يَنْتقلَ، فَاسْتَأْجَرَ مَنْ يحْمِلُ كُتُبَه، وَشَارط الَحمَّالين أَنْ يَدْفَعَ إِلىَ كُلِّ وَاحِدٍ دَانِقَاً [الدَّانِقُ: سُدْسُ الدِّرْهَم]؛ فَوَزَن لَهُمْ أُجُورَهُمْ مِاْئَةَ دِرْهَم، وَكَانَتْ كُتُبُهُ سِتَّمِاْئَةِ حَمْلَة» 0 قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «جَمَعَ التَّرَاجِمَ وَالأَبْوَابَ وَانْتَشَرَ حَدِيثُهُ وَبَعُدَ صِيتُهُ، وَكَتَبَ عَنْ كُلِّ مَنْ دَبَّ وَدَرَجَ مِنَ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ وَالمجَاهِيل، جَمَع الْغَثَّ إِلىَ السَّمِين، وَالخَرَزَ إِلىَ الدُّرِّ الثَّمِين» 0

ـ قَالُواْ عَنْ سَعَةِ حِفْظِهِ: قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْعَلاَء: أَخْبَرَنَا محَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ النَّجَّارِ قَال: «كَانَ أَحْفَظَ مَنْ كَانَ في عَصْرِنَا لِلْحَدِيث» 0 قَالَ الحَاكِم: سَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ النَِّيْسَابُورِيَّ الحَافِظَ يَقُول: «مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً أَحْفَظَ لِحَدِيثِ الْكُوفِيّين مِن أَبي الْعَبَّاسِ بْنِ عُقْدَة» 0 قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيب: حَدَّثَني محَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصُّورِيُّ قَال: سَمِعْتُ عَبْدَ الْغنيِّ بْنَ سَعِيدٍ قَال: سَمِعْتُ أَبَا الْفَضْل الْوَزِير يَقُول: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ عُمَرَ الدَّارَقُطْنيَّ رَحمَهُ اللهُ يَقُول: «أَجْمَعَ أَهْلُ الْكُوفَة أَنَّهُ لَمْ يُرَ مِنْ زَمَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ إِلىَ زَمَنِ أَبي الْعَبَّاسِ بْنِ عُقْدَةَ أَحْفَظَ مِنهُ» 0

قَالَ محَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ النَّيْسَابُورِيّ: حَدَّثَنَا محَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الحَافِظُ قَال: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بْنَ أَبي دَارِمٍ الحَافِظَ يَقُول: سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْن محَمَّدِ بْنِ سَعِيد [ابْنَ عُقْدَةَ] يَقُول: «أَحْفَظُ لأَهْلِ الْبَيْت: ثَلاَثَمِاْئَةِ أَلْفِ حَدِيث» 0 قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ التَّنُوخِيُّ مِن حِفْظِهِ: سَمِعْتُ أَبَا الحَسَنِ محَمَّدَ بْنَ عُمَرَ الْعَلَوِيَّ يَقُول:

قَالَ لَهُ أَبي: يَا أَبَا الْعَبَّاس؛ بَلَغَني مِن حِفْظِكَ لِلْحَدِيثِ مَا اسْتكْثَرْتُه؛ فَكَمْ تَحْفَظ 00؟ قَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ: أَحْفَظُ بِالأَسَانِيدِ وَالمتُونِ خَمْسِينَ وَمِاْئَتيْ أَلْفِ حَدِيث، وَأُذَاكِرُ بِالأَسَانِيدِ وَبَعْضِ المُتُونِ وَالمَرَاسِيلِ وَالمَقَاطِيعِ بِسِتِّمِاْئَةِ أَلْفِ حَدِيث» 0 يُقْصَدُ بِالمقَاطيع: أَقْوَالُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ في الْفِقْهِ وَالتَّفْسِيْر، أَمَّا المَرَاسِيل: فَهُوَ كُلُّ نَقَلَهُ السَّادَةُ التَّابِعُونَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُبَاشَرَةً؛

بِإِسْقَاطِ ذِكْرِ الصَّحَابيّ 0 ـ قَالُواْ عَنْ سَعَةِ عِلْمِهِ: قَالَ محَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مَخْلَدٍ الْوَرَّاقُ بِحَضْرَةِ الْبَرْقَانيّ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ الْفَارِسِيَّ يَقُول: أَقمْتُ مَعَ إِخْوَتي بِالكُوفَةِ عِدَّةَ سِنِينَ نَكْتُبُ عَنِ ابْنِ عُقْدَة، فَلَمَّا أَرَدْنَا الاِنْصِرَافَ وَدَّعْنَاه؛ فَقَال: قَدِ اكْتَفَيْتُمْ بِمَا سَمِعْتُمْ مِنيِّ 00؟! أَقَلُّ شَيْخٍ سَمِعْتُ مِنهُ: عِنْدِي عَنْهُ: مِاْئَةُ أَلْفِ حَدِيث؛ فَقُلْتُ: أَيُّهَا الشَّيْخ؛ نَحْنُ أَرْبَعَةُ إِخْوَة، قَدْ كَتَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا عَنْكَ

مِاْئَةَ أَلْفِ حَدِيث» 0 قَالَ الصُّورِيّ: قَالَ لي عَبْدُ الْغنيّ: سَمِعْتُ الدَّارَقُطْنيَّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ يَقُول: «ابْنُ عُقْدَةَ يَعْلَمُ مَا عِنْد النَّاس، وَلاَ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا عِنْدَه» 0 ـ قَالُواْ عَنْ دِقَّتِهِ حِفْظِهِ لِلْمُتُونِ وَأَسْمَاءِ الرِّجَال: قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ محَمَّدُ بْنُ عِيسَى الهَمَذَانيّ: حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ الحَافِظُ قَال: «سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ الزَّعْفَرَانيَّ يَقُول: رَوَى ابْنُ صَاعِدٍ بِبَغْدَادَ حَدِيثَاً أَخْطَأَ في إِسنَادِهِ؛ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ ابْنُ

عُقْدَةَ؛ فَخَرَجَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ ابْنِ صَاعِدٍ وَارْتَفَعُواْ إِلىَ الْوَزِيرِ عَلِيِّ بْنِ عِيسَى وَحَبَسَ ابْنَ عُقْدَة؛ فَقَالَ الْوَزِير: مَنْ نَسْأَلُ وَنَرْجِعُ إِلَيْه 00؟ فَقَالُواْ: ابْنُ أَبي حَاتم؛ فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْوَزِيرُ يَسْأَلُهُ؛ فَنَظَرَ وَتَأَمَّلَ؛ فَإِذَا الحَدِيثُ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ عُقْدَة، فَكَتَبَ إِلَيْهِ بِذَلِك؛ فَأَطْلَقَ ابْنَ عُقْدَةَ وَارْتَفَعَ شَأْنُه» 0 ـ شَيْءٌ مِنْ نَوَادِرِهِ غَفَرَ اللهُ لَهُ:

قَالَ الصُّورِيّ: قَالَ لي زَيْد بْنُ جَعْفَرٍ الْعَلَوِيّ: قَالَ لَنَا عَلِيُّ بْنُ محَمَّدٍ التَّمَّار: قَالَ لَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ عُقْدَة: كَانَ قُدَّامِي كِتَابٌ فِيهِ نَحْوُ خَمْسمِاْئَةِ حَدِيثٍ عَن حَبِيبِ بْنِ أَبي ثَابِتٍ الأَسَدِيِّ لاَ أَعْرِفُ لَهُ طَرِيقَاً [أَيْ لاَ يَذْكُرُ كَيْفَ وَصَلَ إِلَيْه] قَالَ التَّمَّار: فَلَمَّا كَانَ يَوْمٌ مِنَ الأَيَّام: قَالَ لِبَعْضِ وَرَّاقِيه: قُمْ بِنَا إِلىَ بَجِيلَة [مَوْضِعِ المُغَنِّيَات]؛ فَقَال: أَيْشْ نَعْمَل 00؟

قَال: بَلَى، تعَالَ فَإِنَّهَا فَائِدَةٌ لَك، فَامتَنَعْتُ؛ فَغَلَبَني عَلَى المجِيء، فَجِئْنَا جَمِيعَاً إِلىَ المَوْضِع 00 فَقَالَ لي: سَلْ عَنْ قُصَيْعَةَ المُخنَّث؛ فَقُلْتُ: اللهَ اللهَ يَا سَيِّدِي؛ ذَا فَضِيحَة؛ فَحْمَلَني الْغَيْظُ فَدَخَلْتُ؛ فَسَأَلْتُ عَنْ قُصَيْعَةَ؛ فَخَرَجَ إِلَيَّ رَجُلٌ في عُنُقِهِ طَبْلٌ مُخَضَّبٌ بِالحِنَّاء، فَجِئْتُ بِهِ إِلَيْه؛ فَقَال: يَا هَذَا امْضِ، فَاطْرَحْ مَا عَلَيْكَ وَالْبِسْ قَمِيصَكَ وَعَاوِدْ؛ فَمَضَى وَلَبِسَ قَمِيصَهُ وَعَاد، فَقَال: مَا اسْمُكَ 00؟

قَال: قُصَيْعَة، فَقَالَ: مَا اسْمُكَ عَلَى الحَقِيقَة 00؟ قَال: محَمَّدُ بْنُ عَلِيّ، قَالَ صَدَقْت، ابْنُ مَن 00؟ قَالَ ابْنُ حَمْزَة، قَالَ ابْنُ مَن 00؟ قَالَ لاَ أَدْرِي وَاللهِ يَا أُسْتَاذِي؛ قَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَهُ في الدُّنيَا وَالآخِرَة: ابْنُ حَمْزَةَ بْنِ فُلاَنِ بْنِ فُلاَنِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ أَبي ثَابِتٍ الأَسَدِيّ؛ فَأَخْرَجَ مِنْ كُمِّهِ الجُزْءَ فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ فَقَال: أَمْسِكْ هَذَا؛ فَأَخَذَهُ؛ فَقَال: ادْفَعْهُ إِلَيّ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: قُمْ فَانْصَرِفْ، ثُمَّ جَعَلَ أَبُو الْعَبَّاسِ يَقُول: دَفَعَ إِلَيَّ فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ كِتَابَ جَدِّهِ؛ فَكَانَ فِيهِ كَذَا وَكَذَا» 0

أبو بكر بن محمد بن الجعابي

أَبُو بَكْرِ بْنُ محَمَّدِ بْنِ الجَعَّابيّ هُوَ الحَافِظُ الْبَارِعُ أَبُو بَكْرٍ محَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ محَمَّدِ بْنِ سَلْمٍ التَّمِيمِيُّ الْبَغْدَادِيُّ الجِعَابيّ 0 وُلِدَ سَنَةَ 284 هـ، وَتُوُفِّيَ في رَجَبٍ سَنَةَ 355 هـ 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: سَمِعَ مِنْ وَجَعْفَرِ بْنِ محَمَّدٍ الْفِرْيَابيّ، وَمحَمَّدِ بْنِ يحْيىَ المَرْوَزِيّ، وَيُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، وَمحَمَّدِ بْنِ الحَسَنِ بْنِ سَمَاعَةَ، وَيحْيىَ بْنِ محَمَّدٍ الحِنَّائِيّ، وَقَاسِمِ المطرِّزِ، وَآخَرِينَ مِنْ طَبَقَتِهِمْ 0

وَأَمَّا أَكْبَرُ شُيُوخِهِ عَلَى الإِطْلاَقِ تَأْثِيرَاً فِيه: الحَافِظُ أَبُو الْعَبَّاسِ ابْنُ عُقْدَة 0 ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ أَبُو الحَسَنِ الدَّارَقُطْنيّ، وَابنُ مَنْدَة، وَالحَاكِم، وَمحَمَّدُ بْنُ الحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّان، وَالقَاضِي أَبُو عُمَرَ الهَاشِمِيُّ الْبَصْرِيُّ، وَخَلْقٌ آخرُهُمْ موتَاً أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظ 0 ـ قَالُواْ عَنْ سَعَةِ حِفْظِهِ:

قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «بَرَعَ في الحِفْظِ وَبَلَغَ فِيهِ المُنْتَهَى» 0 قَالَ عَنهُ أَبُو عَلِيٍّ التَّنُوخِيّ: «مَا شَاهَدْنَا أَحَدَاً أَحْفَظَ مِن أَبي بَكْرٍ بْنِ الجِعَابيّ» 0 قَالَ عَنهُ الحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُورِيّ: «مَا رَأَيْتُ في أَصْحَابِنَا أَحْفَظَ مِن ابْنِ الجِعَابيّ» قَالَ ابْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّان: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ ابْنَ الجِعَابيّ يَقُول: دَخَلْتُ الرَّقَّة [مَدِينَةٌ تَقَعُ شَرْقَ حَلَبَ علَى نَهْرِ الْفُرَات، كَانَتْ مِن أَهَمِّ المُدُنِ أَيَّامَ بَني

الْعَبَّاسِ بَنىَ بِهَا الرَّشِيدُ قَصْرَ السَّلاَم] وَكَانَ لي ثَمَّ قِمَطْرَانُ كُتُب [أَيْ صُنْدُوقَان]، فَجَاءَ غُلاَمِي مَغْمُومَاً وَقَدْ ضَاعَتِ الْكُتُب؛ فَقُلْتُ: يَا بُنيَّ لاَ تَغْتَمّ؛ فَإِنَّ فِيهَا مِاْئَتيْ أَلْفِ حَدِيثٍ لاَ يُشْكِلُ عَلَيَّ حَدِيثٌ مِنهَا 00 لاَ إِسْنَادُهُ وَلاَ مَتْنُه» ـ عَدَدُ مَا كَانَ مَعَهُ مِن أَحَادِيثِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: قَالَ الشَّيْبَانيّ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيبُ قَال: حَدَّثَني الحَسَنُ بْنُ محَمَّدٍ الأَشْقَرُ قَال: سَمِعْتُ أَبَا عُمَرَ الْقَاسِمَ بْنَ

جَعْفَرٍ الهَاشِمِيَّ قَال: سَمِعْتُ ابْنَ الجِعَابيّ يَقُول: «أَحْفَظُ أَرْبَعَمِاْئَةِ أَلْفِ حَدِيث، وَأُذَاكِرُ بِسِتِّمِاْئَةِ أَلْفِ حَدِيث» 0 ـ قَالُواْ عَنْ تَمَكِّنِهِ في الجَرْحِ وَالتَّعْدِيل، وَمَعْرِفَةِ عللِ الحَدِيث: قَالَ عَنهُ أَبُو عَلِيٍّ التَّنُوخِيّ: «كَانَ إِمَامَاً في مَعْرِفَةِ الْعللِ وَالرِّجَالِ وَتوَاريخهم، وَمَا يُطْعَنُ عَلَى الْوَاحدِ مِنهُمْ [أَيْ وَمَا قِيلَ فِيهِ مِنَ الجَرْح]، لَمْ يَبْقَ في زَمَانِهِ مَنْ يَتَقَدَّمُه» 0

ـ حَجْمُ مجْلِسِهِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَهُ في الدُّنيَا وَالآخِرَة: قَالَ الخَطِيبُ: سَمِعْتُ ابْنَ رَزْقَوَيْه يَقُول: كَانَ ابْنُ الجِعَابيِّ يَمْتَلِئُ مَجْلِسَهُ، وَتَمْتَلِئُ السِّكَّةَ الَّتي يُمْلِي فِيهَا وَالطَّرِيق، وَيحْضُرُهُ الدَّارَقُطْنيُّ، وَابنُ المُظَفَّرِ، وَيُمْلِيَانِ مِن حِفْظِه» 0 ـ بَعْضُ مَا أُخِذَ عَلَيْهِ غَفَرَ اللهُ لَهُ: قَالَ محَمَّدُ بْنُ عبيدِ اللهِ المُسَبِّحِيّ: «كَانَ ابْنُ الجِعَابيِّ قَدْ صَحِبَ قَوْمَاً مِنَ المُتَكَلِّمِين؛ فَسَقَطَ عِنْدَ كَثِيرٍ مِن أَصْحَابِ الحَدِيث» 0

حماد بن سلمة

حَمَّادُ بْنُ سَلَمَة هُوَ الإِمَامُ الْقُدْوَةُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ دِينَارٍ أَبُو سَلَمَةَ الْبَصْرِيُّ النَّحْوِيُّ ابْنُ أُخْتِ حُمَيْدٍ الطَّوِيل 0 وُلِدَ سَنَةَ 91 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 167 هـ 0 سَمِعَ ابْنَ أَبي مُلَيْكَة، وَهُوَ أَكْبَرُ شُيُوخِه، وَأَنَسَ بْنَ سِيرِين، وَثَابِتَاً الْبُنَانيّ، وَعَمَّارَ بْنَ أَبي عَمَّار، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ كَثِيرٍ الدَّارِيَّ المُقْرِئ، وَقَتَادَةَ بْنَ دِعَامَة، وَسِمَاكَ بْنَ حَرْب، وَحَمِيدَاً الطَّوِيلَ خَالَهُ، وَحَمَّادَ بْنَ أَبي سُلَيْمَانَ الْفَقِيه،

وَسَعْدَ بْنَ جُمْهَان، وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانيَّ، وَيُونُسَ بْنَ عُبَيْد، وَعَمْرَو بْنَ دِينَار، وَأَبَا الزُّبَيْرِ المَكِّيّ، وَمحَمَّدَ بْنَ وَاسِع، وَمَطَرَ بْنَ طَهْمَانَ الْوَرَّاق، وَيَزِيدَ الرَّقَاشِيّ، وَأَبَا التَّيَّاحِ الضُّبَعِيَّ يَزِيد، وَعَطَاءَ بْنَ السَّائِبِ، وَأُمَمَاً سِوَاهُمْ 0 حَدَّثَ عَنهُ ابْنُ جُرَيْج، وَعَبْدُ اللهِ المُبَارَك، وَيحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّان، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَعَفَّان، وَالقَعْنَبيّ، وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيل، وَشَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخ،

وَهُدْبَةُ بْنُ خَالِد 0 ـ تَوْثِيقُ الأَئِمَّهِ لَه: حَدَّثَ الْبَغَوِيُّ عَنْ محَمَّدِ بْنِ مُطَهِّرٍ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عِنْدَنَا مِنَ الثِّقَات، مَا نَزْدَادُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ إِلاََّ بَصِيرَةً رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه» 0 قَالَ عَنهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «هُوَ أَعْلَمُ مِن غَيْرِهِ بِحَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَان» 0 وَقَالَ عَنهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَيْضَاً رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

«أَعْلَمُ النَّاسِ بِثَابِتٍ الْبُنَانيِّ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَة، وَهُوَ أَثْبَتُهُمْ في حُمَيْدٍ الطَّوِيل» 0 حَدَّثَ أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ عَنْ يحْيىَ بْنِ مَعِينٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «أَثْبَتُ النَّاسِ في ثَابِتٍ: حَمَّادُ بْنُ سَلَمَة» 0 وَقَالَ عَنهُ عَلِيُّ بْنُ المَدِينِيّ [شَيْخُ الإِمَامِ البُخَارِيِّ] وَغَيْرُه: «لَمْ يَكُنْ في أَصْحَابِ ثَابِتٍ أَثْبَتُ مِن حَمَّادِ بْنِ سَلَمَة» 0 وَقَالَ عَنهُ أَيْضَاً عَلِيُّ بْنُ المَدِينِيّ [شَيْخُ الإِمَامِ البُخَارِيّ]:

«هُوَ عِنْدِي حُجَّةٌ في رِجَال، وَهُوَ أَعْلَمُ النَّاسِ بِثَابِتٍ الْبُنَانيّ، وَعَمَّارِ بْنِ أَبي عَمَّار، وَمَنْ تَكَلَّمَ في حَمَّادٍ فَاتَّهَمُوهُ في الدِّين» 00 أَيْ أَنَّهُ سلِيمُ المُعْتَقَدِ فَوْقَ الشُّبُهَات 0 قَالَ عَنهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «إِنَّهُ لَمَّا طَعَنَ في السِّنِّ سَاءَ حِفْظُه؛ فَلِذَلِكَ لَمْ يَحْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيّ، وَأَمَّا مُسْلِم؛ فَاجْتَهَدَ فِيهِ، وَأَخْرَجَ مِن حَدِيثِهِ عَنْ ثَابِتٍ، مِمَّا سَمِعَ مِنهُ قَبْلَ تَغَيُّرِه، وَمَا عَن غَيرِ ثَابِتٍ فَأَخْرَجَ

نحْوَ اثْنيْ عَشَرَ حَدِيثَاً في الشَّوَاهِدِ دُونَ الاِحْتِجَاج» وَقَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «لَيْسَ هُوَ في الإِتْقَانِ كَحَمَّادِ بْنِ زَيْد» 0 قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «أَنىَّ يَبْلُغُ أَبُو بَكْرٍ بْنُ عَيَّاشٍ مَبْلَغَ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ في إِتْقَانِه، أَمْ في جَمْعِه، أَمْ في عِلْمِه، أَمْ في ضَبْطِه» 0 ـ قَالُواْ عَن حِفْظِهِ: قَالَ عَمْرُو بْنُ عَاصِم: «كَتَبْتُ عَن حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِضْعَةَ عَشَرَ أَلْفَاً» 0

حَدَّثَ جَعْفَرٌ الطَّيَالِسِيُّ عَن عَفَّانَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «كَتَبْتُ عَن حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِضْعَةَ عَشَرَ أَلْفَاً» 0 قَالَ عَنهُ عَلِيُّ بْنُ المَدِينِيّ [شَيْخُ الإِمَامِ البُخَارِيّ]: «كَانَ عِنْدَ يحْيىَ بْنِ ضُرَيْسٍ الرَّازِيِّ عَن حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَشْرَةُ آلاَفِ حَدِيث» 0 ـ قَالُواْ عَن عِلْمِهِ: وَقَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «كَانَ بَحْرَاً مِنْ بُحُورِ الْعِلْم» 0 ـ قَالُواْ عَن عِلْمِهِ بِالْعَرَبِيَّة:

قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحِمَهُ الله: «وَكَانَ مَعَ إِمَامَتِهِ في الحَدِيثِ إِمَامَاً كَبِيرَاً في الْعَرَبِيَّة، فَقِيهَاً، فَصِيحَاً، رَأْسَاً في السُّنَّةِ، صَاحِبَ تَصَانيْف» 0 قَالَ يُونُسُ بْنُ عُبَيْد: «مِن حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ تَعَلَّمْتُ الْعَرَبِيَّة» 0 ـ ثَنَاءُ الأَئِمَّهِ عَلَيْهِ: قَالَ عَنهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «إِذَا رَأَيْتَ مَنْ يَغْمِزُهُ فَاتَّهِمْهُ؛ فَإِنَّهُ كَانَ شَدِيدَاً عَلَى أَهْلِ الْبِدَع» 0

وَقَالَ عَنهُ شِهَابُ بْنُ مَعْمَرٍ الْبَلْخِيّ: «كَانَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ يُعَدُّ مِنَ الأَبْدَال» 0 ـ قَالُواْ عَنْ صَلاَحِهِ وَتَقْوَاه، وَحُسْنِ عِبَادَتِهِ لله: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «لَوْ قِيلَ لِحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ إِنَّكَ تَمُوْتُ غَدَاً؛ مَا قَدِرَ أَنَّ يَزِيدَ في الْعَمَلِ شَيْئَاً» 0 قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيّ: «كَانَتْ أَوْقَاتُهُ مَعْمُورَةً بِالتَّعَبُّدِ وَالأَوْرَاد» 0

قَالَ عَنهُ عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «قَدْ رَأَيْتُ مَن هُوَ أَعْبَدُ مِن حَمَّادِ بْنِ سَلَمَة؛ لَكِنْ مَا رَأَيْتُ أَشدَّ مُوَاظِبَةً عَلَى الخَيْرِ وَقِرَاءةِ الْقُرْآنِ وَالعَمَلِ للهِ جَلَّ وَعَلاَ مِنهُ» 0 قَالَ مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّبُوذَكِي: «لَوْ قُلْتُ لَكُمْ إِنِّي مَا رَأَيْتُ حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ ضَاحِكَاً لَصَدَقْت؛ كَانَ مَشْغُولاً: إِمَّا أَنْ يُحَدِّثَ، أَوْ يَقْرَأَ، أَوْ يُسبِّحَ، أَوْ يُصَلِّي، قَدْ قَسَّمَ النَّهَارَ عَلَى ذَلِك» 0

حَدَّثَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْعِجْلِيُّ عَن أَبِيهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «كَانَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ لاَ يُحَدِّثُ حَتىَّ يَقْرَأَ مِاْئَةَ آيَةٍ نَظَرَاً في المُصْحَف» 0 يخْشَى لاِنْشِغَالِهِ بِالحَدِيثِ أَنْ يَكُونَ مِمَّنِ اتَّخَذُواْ هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورَا رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه 0 حَدَّثَ أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ عَنْ يحْيىَ بْنِ مَعِينٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «إِذَا رَأَيْتَ إِنْسَانَاً يَقَعُ في عِكْرِمَةَ وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمَا؛ فَاتَّهِمْهُ عَلَى الإِسْلاَم» 0

ـ قَالُواْ عَنْ زُهْدِهِ: قَالَ قُدَامَةُ التَّمِيمِيُّ رَحِمَهُ الله: «كُنْتُ آتي حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ في سُوقِهِ؛ فَإِذَا رَبِحَ في ثَوْبٍ حَبَّةً أَوْ حَبَّتَين [أَيْ وَلَوْ رِبْحَاً قَلِيلاً جِدَّاً] شَدَّ جَوْنَتَهَ، وَلَمْ يَبِعْ شَيْئَاً، فَكُنْتُ أَظُنُّ ذَلِكَ يَقُوتُه» 0 حَدَّثَ أَبُو سَلَمَةَ التَّبُوذَكِي؛ عَن حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «إِنْ دَعَاكَ الأَمِيرُ لِتَقْرَأَ عَلَيْهِ {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَد} {الإِخْلاَص/1} فَلاَ تَأْتِه»

ـ قَالُواْ عَنِ إِخْلاَصِهِ: قَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «مَا كُنَّا نَرَى مَنْ يَتَعلَّمُ بِنِيَّةٍ غَيْرَ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَة» 0 حَدَّثَ إِسْحَاقُ بْنُ الطَّبَّاعِ عَن حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «مَنْ طَلَبَ الحَدِيثَ لِغَيْرِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالىَ مُكِرَ بِه» 0

حَدَّثَ حَاتِمُ بْنُ اللَّيْثِ عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَن حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «مَا كُنَّا نَأْتي أَحَدَاً نَتَعَلَّمُ شَيْئَاً بِنِيَّةٍ في ذَلِكَ الزَّمَان؛ إِلاََّ حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه» 0 ـ حِكَايَتُهُ مَعَ التَّحْدِيثِ وَالْوَعْظ: قَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «مَا كَانَ مِنْ نِيَّتي أَن أُحَدِّثَ؛ حَتىَّ قَالَ لي أَيُّوبُ السِّخْتِيَانيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ في النَّوْم: حَدِّثْ» 0 حَدَّثَ المُفَضَّلُ الْغَلاَبيُّ عَن قُرَيْشِ بْنِ أَنَسٍ عَن حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «مَا كَانَ مِنْ شَأْني أَن أَرْوِيَ أَبَدَاً حَتىَّ رَأَيْتُ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانيَّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ في النَّوْمِ فَقَالَ لي: حَدِّثْ؛ فَإِنَّ النَّاسَ يُقْبِلُون» 0

رَوَى ابْنُ سَعْدٍ عَن أَبي عَبْدِ اللهِ التَّمِيمِيِّ عَن أَبي خَالِدٍ الرَّازِيِّ عَن حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ قَال: «أَخَذَ إِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بِيَدِي وَأَنَا غُلاَمٌ فَقَال: لاَ تَمُوْتُ حَتىَّ تَقُصّ [أَيْ تَعِظ] أَمَّا إِنيِّ قَدْ قُلْتُ هَذَا لِخَالِكَ [يَعْني حُمَيْدَاً الطَّوِيل] فَمَا مَاتَ حَمَّادٌ حَتىَّ قَصّ 00 قَالَ أَبُو خَالِدٍ الرَّازِي: قُلْتُ لِحَمَّادٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: أَنْتَ قَصَصْت 00؟ قَالَ نَعَمْ» 0 قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «الْقَاصُّ هُوَ الْوَاعِظ» 0

ـ قَالُواْ عَنْ سَلاَمَةِ مُعْتَقَدِه: حَدَّثَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ المُغِيرَةِ عَن حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ بِحَدِيثِ نُزُولِ الرَّبِّ جَلَّ وَعَلاَ فَقَال: مَنْ رَأَيْتُمُوهُ يُنْكِرُ هَذَا فَاتَّهِمُوه» 0 ـ قَالُواْ عَنِ حُسْنِ ظَنِّهِ بِاللهِ جَلَّ وَعَلاَ: حَدَّثَ الحَسَنُ بْنُ محَمَّدٍ التَّاجِرُ عَنْ محَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: سَمِعْتُ بَعْضَ أَصْحَابِنَا يَقُول: عَادَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه؛ فَقَالَ سُفْيَان: يَا أَبَا سَلَمَة؛ أَتُرَى الله يَغْفِرُ لِمِثْلِي؟ فَقَالَ حَمَّادٌ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: وَاللهِ لَوْ خُيِّرْتُ بَيْنَ مُحَاسَبَةِ اللهِ إِيَّاي؛ وَبَيْنَ مُحَاسَبَةِ أَبَوَيَّ؛ لاَخْتَرْتُ مُحَاسَبَةَ الله؛ وَذَلِكَ لأَنَّ اللهَ أَرْحَمُ بي مِن أَبَوَيَّ»

ـ عَاقِبَةُ التَّوَاني في طَلَبِ الْعِلْم: حَدَّثَ عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ عَن حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَّهُ قَال: «قَدِمْتُ مَكَّةَ وَعَطَاءُ بْنُ أَبي رَبَاحٍ حَيٌّ في شَهْرِ رَمَضَان؛ فَقُلْتُ: إِذَا أَفطَرْتُ دَخَلْتُ عَلَيْه [أَيْ بَعْدَ عِيدِ الْفِطْر] فَمَاتَ في رَمَضَان» 0 ـ قَالُواْ عَنِ حُسْنِ خَاتِمَتِه رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ يُونُسُ بْنُ محَمَّدٍ المُؤَدِّب: «مَاتَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ في الصَّلاَةِ في المَسْجِد»

حماد بن زيد

حَمَّادُ بْنُ زَيْد هُوَ العَلاََّمَةُ الحَافِظُ الثَّبْتُ المُحَدِّثُ الضَّرِيرُ أَبُو إِسْمَاعِيلَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدِ بْنِ دِرْهَمٍ الأَزْدِيّ 0 وُلِدَ سَنَةَ 98 هـ، وَتُوُفِّيَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ سَنَةَ 179 هـ يَوْمَ الجُمُعَةِ في رَمَضَان 0

ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: سَمِعَ مِن أَنَسِ بْنِ سِيرِين، وَعَمْرِو بْنِ دِينَار، وَثَابِتٍ الْبُنَانيّ، وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانيّ، وَبِشْرِ بْنِ حَرْب، وَعَاصِمِ بْنِ أَبي النَّجُود، وَمحَمَّدِ بْنِ وَاسِع، وَمَطَرٍ الْوَرَّاق، وَأَبي التَّيَّاح، وَمَنْصُورِ بْنِ المُعْتَمِر، وَدَاوُدَ بْنِ أَبي هِنْد، وَيُونُسَ بْنِ عُبَيْد، وَأَبي حَازِمٍ الأَعْرَج، وَخَلْقٍ كَثِيرٍ 0 ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: رَوَى عَنهُ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيّ، وَشُعْبَة [وَهُمْ مِنْ شُيُوخِهِ] وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَمُسَدَّد، وَسُلَيْمَانُ بْنُ حَرْب، وَعَلِيُّ بْنُ المَدِينيّ [شَيْخُ الإِمَامِ البُخَارِيّ] وَأُمَمٌ سِوَاهُمْ 0

ـ قَالُواْ عَنْ دَأَبِهِ في طَلَبِ الْعِلْمِ وَالتَّرَدُّدِ عَلَى المَشَايِخ: قَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «جَالَسْتُ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانيَّ عِشْرِينَ سَنَة» 0 ـ ثَنَاءُ الأَئِمَّهِ عَلَيْه: حَدَّثَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الجَوْهَرِيُّ عَن أَبي أُسَامَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «كُنْتُ إِذَا رَأَيْتُ حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قُلْتُ: أَدَّبَهُ كِسْرَى، وَفَقَّهَهُ عُمَر رَضِيَ اللهُ عَنه» 0

قَالَ عَنهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «أَئِمَّةُ النَّاسِ في زَمَانِهِمْ أَرْبَعَة: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ بِالْكُوفَة، وَمَالِكٌ بِالحِجَاز، وَالأَوْزَاعِيُّ بِالشَّام، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ بِالبَصْرَة» 0 ـ قَالُواْ عَن حِفْظِهِ: قَالَ عَنهُ يحْيىَ بْنُ مَعِينٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «لَيْسَ أَحَدٌ أَثْبَتَ مِن حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه» وَقَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «هُوَ نَظِيرُ مَالِكٍ في التَّثَبُّت» 0

وَقَالَ عَنهُ يحْيىَ بْنُ يحْيىَ النَّيْسَابُورِيّ: «مَا رَأَيْتُ شَيْخَاً أَحْفَظَ مِن حَمَّادِ بْنِ زَيْد» 0 وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْعِجْلِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ثِقَة، وَحَدِيثُهُ أَرْبَعَةُ آلاَفِ حَدِيث، كَانَ يحْفَظُهَا، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كِتَاب» 0 وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خِرَاشٍ الحَافِظُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «لَمْ يُخْطِئْ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ في حَدِيثٍ قَطّ» 0 ـ قَالُواْ عَن عِلْمِهِ:

حَدَّثَ سُلَيْمَانُ بْنُ أَيُّوبَ عَن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً أَعْلَمَ مِن حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه؛ لاَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ وَلاَ مَالِكٌ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمَا» 0 ـ قَالُواْ عَنْ فِقْهِهِ: قَالَ عَنهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَيْضَاً: «مَا رَأَيْتُ بِالبَصْرَةِ أَحَدَاً أَفْقَهَ مِنهُ» 0

ـ قَالُواْ عَن عَقْلِهِ وَذَكَائِه: قَالَ عَنهُ محَمَّدُ بْنُ عِيسَى الطَّبَّاع: «مَا رَأَيْتُ أَعْقَلَ مِن حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه» 0 ـ قَالُواْ عَنْ صَلاَحِهِ وَتَقْوَاه، وَحُسْنِ عِبَادَتِهِ لله: وَقَالَ عَنهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ مِن أَئِمَّةِ المُسْلِمِين، مِن أَهْلِ الدِّين، هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِن حَمَّادِ بْنِ سَلَمَة» 0

ـ مِن أَقْوَالِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ وَزِيرٍ الْوَاسِطِيُّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «قُلْتُ لِحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: هَلْ ذَكَرَ اللهُ أَصْحَابَ الحَدِيثِ في الْقُرْآن 00؟ قَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: بَلَى؛ اللهُ تَعَالَى يَقُول: (وَمَا كَانَ المُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُواْ كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُواْ في الدِّينِ وَلِيُنْذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يحْذَرُون ({التَّوْبَة/122}»

ـ قَالُواْ عَنهُ بَعْدَ مَوْتِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ عَن أَبي عَاصِمٍ النَّبِيلِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «مَاتَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ يَوْم مَاتَ، وَلاَ أَعْلَمُ لَهُ في الإِسْلاَمِ نَظِيرَاً في هَيئَتِه وَدَلِّهِ» 0 وَحِينَ سَمِعَ يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ رَحِمَهُ اللهُ بِمَوْتِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَال: «مَاتَ اليَوْمَ سَيِّدُ المُسْلِمِين» 0

عمرو بن دينار

عَمْرُو بْنُ دِينَار [الجُمَحِيّ] وُلِدَ في إِمْرَةِ مُعَاوِيَةَ، سَنَةَ 45 هـ أَوْ 46 هـ 0 وَقَالَ عَنهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَة: «كَانَ عَمْرٌو مِن أَبْنَاءِ الْفُرْس» 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: وَسَمِعَ مِنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله، وَابْنِ عُمَر، وَأَنَسِ بْنِ مَالِك، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَر، وَسَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيّ، وَالبَرَاءَ بْنَ عَازِب، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرو، وَأَبَا هُرَيْرَة، وَزَيْدَ بْنَ أَرْقَم، وَالمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ، وَغَيْرِهِمْ، وَسَمِعَ مِنَ التَّابِعِينَ طَاوُوسَاً، وَسَعِيدَ بْنَ جُبَيْر، وَيَنْزِلُ إِلَى محَمَّدٍ الْبَاقِرِ وَنَحْوِه 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبي مُلَيْكَة [وَهُوَ أَكْبَرُ مِنه]، وَقَتَادَةُ بْنُ دِعَامَة، وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانيّ، وَالزُّهْرِيّ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبي نَجِيح، وَجَعْفَرٌ الصَّادِق، وَعَبْدُ المَلِكِ بْنُ مَيْسَرَة، وَابْنُ جُرَيْج، وَشُعْبَة، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيّ، وَالحَمَّادَان [حَمَّادُ بْنُ زَيْد، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَة] وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَان، وَأَبُو عَوَانَة، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَة، وَخَلْقٌ كَثِير، وَقِيلَ أَيْضَاً أَنَّ نَافِعَاً مَوْلىَ ابْنِ عُمَرَ مِمَّنْ رَوَى عَنهُ

ـ قَالُواْ عَنْ جَمْعِهِ لِلْحَدِيثِ النَّبَوِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ المَدِينيّ [شَيْخُ الإِمَامِ البُخَارِيّ]: «عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَكْبَرُ مِنَ الزُّهْرِيّ؛ سَمِعَ مِنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَمَا سَمِعَ الزُّهْرِيُّ مِنهُ» 0 ـ دِفَاعُ يحْيىَ بْنِ مَعِينٍ عَنهُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ: قَالَ عَنهُ يحْيىَ بْنُ مَعِين: «أَهْلُ المَدِينَةِ لاَ يَرْضَوْنَ عَمْرَاً، يَرْمُونَهُ بِالتَّشَيُّعِ وَالتَّحَامُلِ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْر، وَلاَ بَأْسَ بِهِ، هُوَ بَرِيءٌ مِمَّا يَقُولُون» 0

ـ قَالُواْ عَنْ مَنَاقِبِهِ: حَدَّثَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَن أَبِيهِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ قَال: «كَانَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ جَزَّأَ اللَّيْلَ ثَلاَثَةَ أَجزَاء: ثُلُثَاً يَنَام، وَثُلُثَاً يَدْرُسُ حَدِيثَه، وَثُلُثَاً يُصَلِّي» 0 حَدَّثَ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ السَّلُولِيُّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ رَحِمَهُ اللهُ قَال: «قَالَ محَمَّدٌ الْبَاقِر: إِنَّهُ لَيَزِيدُني في الحَجِّ رَغبَةً: لِقَاءُ عَمْرِو بْنِ دِينَار» 0

وَكَانَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ رَجُلاً أَدْرَدَ قَدْ سَقَطَتْ أَسْنَانُه 00 قَالَ عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ ذَكْوَانَ الْعَنْبَرِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «قَعَدْتُ إِلَيْهِ فَلَمْ أَفْهَمْ كَلاَمَه؛ فَلَمَّا بَلَغَ هَذَا الْقَوْلُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَال: صدَقَ، أَدْرَكْنَا عَمْرَاً وَقَدْ سَقَطَتْ أَسْنَانُه، وَبَقِيَ لَهُ نَابٌ وَاحِد؛ فَلَوْلاَ أَنَّا أَطَلْنَا مُجَالَسَتَهُ مَا فَهِمْنَا عَنه» 0 [قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في تخْرِيجِهِ لهَذَا الأَثَرِ بِسِيَرِ أَعْلاَمِ النُّبَلاَءِ طَبْعَةِ الرِّسَالَة: هَذِهِ حِكَايَةٌ صَحِيحَةُ الإِسْنَاد 0 ص: 301/ 8]

ـ قَالُواْ عَن حِفْظِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ: قَالَ عَنهُ الإِمَامُ النَّسَائِيّ: «عَمْرٌو ثِقَةٌ ثَبْت» 0 وَقَالَ عَنهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَة: «عَمْرٌو ثِقَةٌ ثِقَةٌ ثِقَة» 0 قَالَ عَنهُ شُعْبَة: «مَا رَأَيْتُ في الحَدِيثِ أَثْبَتَ مِن عَمْرِو بْنِ دِينَار» 0 قَالَ عَنهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل: «هُوَ أَثْبَتُ النَّاسِ في عَطَاء بْنِ أَبي رَبَاح» حَدَّثَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الطَّالَقَانيُّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ رَحِمَهُ اللهُ قَال: «قَالُواْ لِعَطَاء: بِمَنْ تَأْمُرُنَا 00؟ قَالَ رَحِمَهُ الله: بِعَمْرِو بْنِ دِينَار» 0

حَدَّثَ هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ قَال: «قُلْتُ لِمِسْعَر: مَنْ رَأَيْتَ أَشَدَّ تَثَبُّتَاً في الحَدِيثِ مِمَّنْ رَأَيْتَ 00؟ قَالَ رَحِمَهُ الله: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَن، وَعَمْرِو بْنِ دِينَار» ـ قَالُواْ عَن عِلْمِهِ: حَدَّثَ الزُّهْرِيُّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبي نَجِيحٍ قَال: «لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِنَا أَعْلَمُ مِن عَمْرِو بْنِ دِينَار، وَلاَ في جَمِيعِ الأَرْض» 0

ـ قَالُواْ عَنْ فِقْهِهِ: حَدَّثَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ رَحِمَهُ اللهُ قَال: «مَا كَانَ عِنْدَنَا أَحَدٌ أَفْقَهُ مِن عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَلاَ أَعْلَمُ وَلاَ أَحْفَظُ مِنه» 0 قَالَ عَنهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبي نَجِيح: «مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً قَطُّ أَفْقَهَ مِن عَمْرِو بْنِ دِينَار؛ لاَ عَطَاءَاً، وَلاَ مُجَاهِدَاً، وَلاَ طَاوُوسَاً» 0 المَقْصُودُ بِعَطَاءٍ هُنَا: هُوَ عَطَاءُ بْنُ رَبَاح 0 قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيّ: «كَانَ مِن أَوْعِيَةِ الْعِلْمِ وَأَئِمَّةِ الاِجْتِهَاد، أَفْتىَ بِمَكَّةَ ثَلاَثِينَ سَنَةً» 0

ابن جريج

ابْنُ جُرَيْج هُوَ الإِمَامُ الحَافِظُ ابْنُ جُرَيْجٍ الأُمَوِيُّ عَبْدُ المَلِكِ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ جُرَيْج 0 وُلِدَ سَنَةَ 80 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 150 هـ 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: حَدَّثَ عَن عَطَاءِ بْنِ أَبي رَبَاح، وَعَنِ ابْنِ أَبي مُلَيْكَة، وَعَنْ نَافِعٍ مَوْلىَ ابْنِ عُمَر [أَيْ خَادِمُه]

وَعَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَان، وَعَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَك، وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَعَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَار، وَعَنْ محَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِر، وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَم، وَعَنْ الزُّهْرِيّ، وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ طَاوُوس، وَعَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْر، وَعَن عَبْدِ اللهِ بْنِ كَيْسَان، وَعَن جَعْفَرٍ الصَّادِق، وَعَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَة، وَعَن إِبْرَاهِيمَ بْنِ محَمَّدِ بْنِ أَبي عَطَاءٍ وَهُوَ ابْنُ أَبي يحْيىَ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبي أَيُّوب، وَعَن إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّة، وَعَنْ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِد، وَعَن يحْيىَ بْنِ أَيُّوبَ وَكَانَ مِنْ بُحُورِ العِلْم، وَعن خَلْقٍ كَثِير، وَأَخَذَ القِرَاءاتِ عَنْ مُجَاهِدٍ حَرفَيْن 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ الأَوْزَاعِيّ، وَاللَّيْثُ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَة، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْد، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيّ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَة، وَابْنُ عُلَيَّة، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْب، وَيحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ القَطَّانُ، وَمحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ الأَبْرَشُ، وَوَكِيعٌ، وَغَيْرُهُمْ كَثِير قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَل: «قُلْتُ لأَبي: مَن أَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ الْكُتُب؟ قَالَ رَحِمَهُ الله: ابْنُ جُرَيْج، وَابْنُ أَبي عَرُوبَة» 0

قَالَ ابْنُ جُرَيْج: «كُنْتُ أَتتبَّعُ الأَشعَارَ العَرَبيَّةَ وَالأَنسَاب؛ فَقِيلَ لي: لَوْ لَزِمْتَ عَطَاءً فَلَزِمْتُه» 0 قَالَ ابْنُ جُرَيْج: «أَتَيْتُ عَطَاءً وَأَنَا أُرِيدُ هَذَا الشَّأْن، وَعِنْدَه عَبْدُ اللهِ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ عُمَير؛ فَقَالَ ليَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ: قَرَأْتَ القُرْآن 00؟ قُلْتُ: لاَ؛ قَالَ فَاذهَبْ فَاقْرَأْهُ ثُمَّ اطلُبِ العِلْم؛ فَذَهَبْتُ فَغَبَرْتُ زَمَانَاً حَتىَّ قَرَأْتُ القُرْآن، ثُمَّ جِئْتُ عَطَاءً وَعِنْدَهُ عَبْدُ اللهِ فَقَال: قَرَأْتَ الفَرِيضَة 00؟ [أَيِ الْفَرَائِض: المَوَارِيث] قُلْتُ: لاَ، قَال: فَتَعلَّمِ الْفَرِيضَةَ ثمَّ اطلُبِ العِلْم؛ فَطَلَبْتُ الفَرِيضَةَ ثمَّ جِئْت،

فَقَال: الآنَ فَاطْلُبِ العِلْم؛ فَلَزِمْتُ عَطَاءً سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَة، وَكَانَ يَبيتُ في المَسْجِدِ عِشْرِينَ سَنَة» 0 قَالَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَة: «سَمِعْتُ ابْنَ جُرَيْجٍ يَقُول: مَا دَوَّنَ العِلْمَ تَدْوِيني أَحَد» 0 قَالَ ابْنُ جُرَيْج: «جَالَسْتُ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ بَعْدَ مَا فَرَغْتُ مِن عَطَاءٍ تِسْعَ سِنِين» 0 قَالَ طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو المَكِّيّ: «قُلْتُ لِعَطَاء: مَنْ نَسْأَلُ بَعْدَك يَا أَبَا محَمَّد؟ قَال: هَذَا الْفَتىَ إِن عَاشَ «يَعْني ابْنَ جُرَيْج»» 0

عبد الكريم الجزري

عَبْدُ الكَرِيمِ الجَزَرِيّ هُوَ الإِمَامُ الحَافِظُ عَبْدُ الكَرِيمِ بنُ مَالِكٍ أَبُو سَعِيدٍ الجَزَرِيُّ الحَرَّانيّ، تُوُفِّيَ سَنَةَ 127 هـ 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: سَعِيدُ بْنِ المُسَيَّب، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا، وَطَاوُوس، وَمُجَاهِدُ بْنُ جَبْر، وَعِكْرِمَة 0 ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: ابْنُ جُرَيْج، وَشُعْبَة، وَمَعْمَر، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيّ، وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَة، وَالإِمَامُ مَالِكُ بْنُ أَنَس 0

قَالَ عَنهُ أَبُو عَرُوبَةَ الحَرَّانيّ: «هُوَ ثَبْتٌ عِنْدَ العَارِفِينَ بِالنَّقْل» 0 قَالَ الفَسَوِيّ: «قَدْ رَوَى مَالِكٌ [وَكَانَ يَنْتَقِي الرِّجَالَ] عَن عَبْدِ الكَرِيمِ الجَزَرِيّ» 0 وَقَالَ عَنهُ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَة: «لَمْ أَرَ مِثْلَه» 0 وَقَالَ عَنهُ عَلِيُّ بنُ المَدِينِيّ [شَيْخُ الإِمَامِ البُخَارِيّ]: «ثَبْتٌ ثَبْتٌ ثِقَة» 0

إبراهيم الحربي

إِبْرَاهِيمُ الحَرْبيّ هُوَ الإِمَامُ الحَافِظُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ بَشِيرٍ الْبَغْدَادِيُّ الحَرْبيّ، وُلِدَ سَنَةَ 198 هـ 0 تُوُفِّيَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ يَوْمَ الاثْنَيْنِ سَنَةَ 285 هـ في أَيَّام المعْتَضِد 0

ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: سَمِعَ مِنْ مُسَدَّدِ بْنِ مُسَرْهَد، وَمُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ المِنْقَرِيُّ التَِّبُوذَكِي، وَعَلِيِّ بْنِ الجَعْد [الثَّلاَثَةُ شُيوخِ الإِمَامِ الْبُخَارِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه]، وَسَمِعَ مِنَ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَل، وَأَبي الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيّ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْر، وَسُلَيْمَانَ بْنِ حَرْب، وَأَبي بَكْرٍ بْنِ أَبي شَيْبَة، وَأَبي عُبَيْدٍ الْقَاسِمِ بْنِ سَلاََّم، وَعَفَّانَ بْنِ مُسْلِم، وَأَبي نُعَيْمٍ الحَافِظ، وَبُنْدَار، وَخَلْقٍ كَثِير 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ أَبُو محَمَّدٍ بْنُ صَاعِد، وَأَبُو عَمْرٍو بْنُ السَّمَّاك، وَأَبُو بَكْرٍ النَّجَّاد، وَخَلْقٌ كَثِير 0 ـ رِحْلَتُِهُ المُبَكِّرَةُ في طَلَبِ الْعِلْمِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «طَلَبَ الْعِلْمَ وَهُوَ حَدَث» 0 ـ قَالُواْ عَن عِلْمِهِ بِالْعَرَبِيَّةِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ ثَعْلَب [أَحَدُ أَئِمَّةِ النَِّحْوِ الْكِبَار]: «مَا فَقَدْتُ إِبْرَاهِيمَ الحَرْبيَّ مِنْ مَجْلِسِ لُغَةٍ وَلاَ نَحْوٍ مِن خَمْسِينَ سَنَة» 0

وَيُرْوَى أَنَّ إِبْرَاهِيمَ لمَا صَنَّفَ «غَرِيبَ الحَدِيثِ» وَهُوَ كِتَابٌ نَفِيسٌ كَامِلٌ في مَعْنَاهُ قَالَ ثَعْلَب: مَا لإِبْرَاهِيمَ وَغَرِيبِ الحَدِيث 00؟ رَجُلٌ مُحَدِّث، ثُمَّ حَضَرَ مَجْلِسَهُ؛ فَلَمَّا حَضَرَ المَجْلِسَ سَجَدَ ثَعْلَبٌ وَقَال: مَا ظَنَنْتُ أَنَّ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مِثْلُ هَذَا الرَّجُل» 0 ـ ثَنَاءُ الأَئِمَّهِ عَلَيْه، رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ أَبُو الحَسَنِ الدَّارَقُطْنيُّ: «إِبْرَاهِيمُ إِمَامٌ بَارِعٌ في كُلِّ عِلْمٍ، صَدُوق» 0

رَوَى المُخْلِصُ عَن أَبِيهِ قَال: سُئِلَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي عَالِمُ الْعِرَاقِ عَن إِبْرَاهِيمَ الحَرْبيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ فَقَال: جَبَلٌ نُفِخَ فِيهِ الرُّوح» 0 قَالَ الحُسَيْنُ بْنُ فَهْمٍ الحَافِظ: لاَ تَرَى عَيْنَاكَ مِثْلَ إِبْرَاهِيمَ الحَرْبيِّ إِمَامِ الدُّنْيَا؛ لَقَدْ رَأَيْتُ وَجَالَسْتُ الْعُلَمَاء؛ فَمَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَكْمَلَ مِنهُ» 0 قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ محَمَّدَ بْنَ صَالِحٍ الْقَاضِي يَقُول:

«لاَ نَعْلَمُ بَغْدَادَ أَخْرَجَتْ مِثْلَ إِبْرَاهِيمَ الحَرْبيَّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ في الأَدَبِ وَالفِقْهِ وَالحَدِيثِ وَالزُّهْد» 0 قَالَ عَنهُ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيبُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «كَانَ إِمَامَاً في الْعِلْم، رَأْسَاً في الزُّهْد، عَارِفَاً بِالفِقْه، بَصِيرَاً بِالأَحْكَام، حَافِظَاً لِلْحَدِيث، مُمَيِّزَاً لِعِلَلِه، قَيِّمَاً بِالأَدَب، عَلاَّمَةً في اللُّغَة، صَنَّفَ «غَرِيبَ الحَدِيثِ»، وَكُتُبَاً كَثِيرَة» 0

قَالَ الْقِفْطِيُّ في «تَارِيخِ النُّحَاة»: كَانَ إِبْرَاهِيم الحَرْبيُّ رَأْسَاً في الزُّهْدِ، عَارِفَاً بالمذَاهب، بَصِيرَاً بِالحديث، حَافِظَاً لَه، له في اللُّغَة كِتَاب «غَرِيب الحَدِيث»، وَهُوَ مِن أَنْفَسِ الْكُتُب وَأَكْبَرُهَا في هَذَا النَّوْع» 0 ـ قَالُواْ عَنْ تَوَاضُعِهِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَه: قَالَ ابْنُ بَشْكُوَالٍ في أَخْبَار إِبْرَاهِيم الحَرْبيّ: نَقَلْتُ مِنْ كِتَاب ابْنِ عَتَّاب: كَانَ إِبْرَاهِيم الحَرْبيُّ رَجُلاً صَالحَاً مِن أَهْلِ الْعِلْم؛ بَلَغَهُ أَنَّ قَوْمَاً مِنَ الَّذِينَ كَانُواْ

يُجَالِسُونَهُ يُفَضِّلُونَهُ عَلَى أَحْمَد؛ فَوَقَّفَهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَأَقَرُّواْ بِه؛ فَقَال: ظَلَمْتُمُوني بِتَفْضِيلِكُمْ لي عَلَى رَجُلٍ لاَ أُشْبِهُهُ وَلاَ أَلحَقُ بِهِ في حَال مِن أَحْوَالِه؛ فَأُقْسِمُ بِاللهِ لاَ أَسْمَعْتُكُمْ شَيْئَاً مِنَ الْعِلْمِ أَبَدَاً؛ فَلاَ تَأَتُوني بَعْدَ يَوْمِكُمْ هَذَا» ـ قَالُواْ عَنْ زُهْدِهِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيّ: سَأَلت الدَّارَقُطْنِيّ عَن إِبْرَاهِيمَ الحَرْبيِّ فَقَال:

كَانَ يُقَاس بِأَحْمَدَ بْن حَنْبَلٍ رَحمَهُ اللهُ في زُهْدِهِ وَعِلْمِهِ وَوَرَعِه» 0 قَالَ إِبْرَاهِيمُ الحَرْبيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَه: «أَقَمْتُ ثَلاَثِينَ سَنَةً، كُلَّ لَيْلَةٍ إِذَا أَوَيْتُ إِلىَ فِرَاشِي: لَوْ أَعْطَيْتُ رَغِيفَيَّ جَارَتي لاَحْتَجْتُ إِلَيْهِمَا» قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ بُكَيْرٍ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ الحَرْبيّ يَقُول: «مَا كُنَّا نَعْرِفُ مِن هَذِهِ الأَطْبِخَةِ شَيْئَاً، كُنْتُ أَجِيء مِن عَشِيٍّ إِلىَ عَشِيٍّ وَقَدْ هَيَأَتْ لي أُمِّي باذِنْجَانَةً مَشْوِيَّةً أَوْ لُعْقَةَ بُنّ

[أَيْ دُهْن]، أَوْ باقَةَ فُجْل» 0 قِيلَ إِنَّ المعتضد نَفَّذَ إِلىَ إِبْرَاهِيمَ الحَرْبيِّ عَشْرَةَ آلاَف؛ فَرَدَّهَا، ثُمَّ سَيَّرَ لَهُ مَرَّةً أُخْرَى أَلْفَ دِينَارٍ فَرَدَّهَا» 0 وَرَوَى المُخْلِصُ عَن أَبِيهِ أَنَّ المُعْتَضِدَ بَعَثَ إِلىَ إِبْرَاهِيمَ الحَرْبيِّ بِمَالٍ؛ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ أَوْحَشَ رَدٍّ وَقَال: رُدَّهَا إِلىَ مِن أَخَذَتهَا مِنهُ وَهُوَ محْتَاجٌ إِلىَ فِلْس» 0

وَقِيلَ: إِنَّ المُعْتَضِدَ لَمَّا نَفَّذَ إِلىَ الحَرْبيَّ بِالعَشْرَةِ آلاَفٍ فَرَدَّهَا قِيلَ لَهُ: فَرِّقْهَا؛ فَأَبَى، ثُمَّ لمَا مَرِضَ سَيَّرَ إِلَيْهِ المُعْتَضِدُ أَلْفَ دِينَارٍ فَلَمْ يَقْبَلْهَا، فَخَاصَمَتْهُ بِنْتُهُ فَقَال: أَتخْشَينَ إِذَا مِتُّ الْفَقْر 00؟ قَالَتْ: نَعَم؛ قَال: في تِلْكَ الزَّاويَة: اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ جُزْءٍ حَدِيثيَةٍ وَلُغَويَّةٍ وَغَيْر ذَلِكَ كَتَبْتُهَا بخَطِّي، فَبِيعِي مِنهَا كُلَّ يَوْمٍ جُزءَاً بِدِرْهَمٍ وَأَنْفِقِيه» 0 ـ قَالُواْ عَنْ وَرَعِهِ وَتَقْوَاه، وَمُرَاقَبَتِهِ لله:

وَرَوَى أَبُو الْفَضْلِ عُبَيْدِ اللهِ الزُّهْرِيِّ عَن أَبِيهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَن إِبْرَاهِيمَ الحَرْبيِّ قَال: «مَا أَنْشَدْتُ بَيْتَاً قَطُّ إِلاََّ قَرَأْتُ بَعْدَهُ «قُلْ هُوَ الله أَحَد» ثَلاَثَاً» 0 قَالَ أَبُو ذَرٍّ الهَرَوِيّ: سَمِعْتُ أَبَا طَاهِرٍ المُخْلِصَ قَال: سَمِعْتُ أَبي قَال: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ الحَرْبيَّ وَكَانَ وَعَدَنَا أَنْ يُمِلَّ عَلَيْنَا مَسْأَلَةً في الاِسْمِ وَالمُسَمَّى، وَكَانَ يجْتَمِعُ في مَجْلِسِهِ ثَلاَثُونَ أَلْفَ مِحْبرَة، وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ مُقِلاًَّ، وَكَانَتْ لَهُ غُرْفَةٌ يَصْعَدُ

فَيُشْرِفُ مِنهَا عَلَى النَّاس، فِيهَا كُوَّةٌ إِلىَ الشَّارع، فَلَمَّا اجْتَمَعَ النَّاسُ أَشْرَفَ عَلَيْهَا فَقَالَ لَهُمْ: قَدْ كُنْتُ وَعَدْتُكُمْ أَن أُمْلِي عَلَيْكُمْ في الاِسْمِ وَالمُسَمَّى، ثُمَّ نَظَرْتُ فَإِذَا لَمْ يَتَقَدَّمْني في الْكَلاَمِ فِيهَا إِمَامٌ يُقْتَدَى بِهِ، فرَأَيْتُ الْكَلاَمَ فِيهِ بِدْعَة؛ فَقَامَ النَّاسُ وَانْصَرَفُواْ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ الجُمُعَةِ أَتَاهُ رَجُل، وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ لاَ يَقْعُدُ إِلاََّ وَحْدَه، فَسَأَلَهُ عَن هَذِهِ المَسْأَلَةِ فَقَال: أَلَمْ تحْضُرْ مجْلِسَنَا بِالأَمْس؟

قَالَ بَلَى، فَقَال: أَتَعْرِفُ الْعِلْمَ كُلَّه 00؟ قَالَ لاَ؛ قَال: فَاجْعَلْ هَذَا مِمَّا لَمْ تَعْرِفْ» 0 قَالَ إِبْرَاهِيمُ بِالإِسْنَاد: مَا انْتَفَعْتُ مِن عِلْمِي قَطُّ إِلاََّ بِنِصْفِ حَبَّة، وَقَفْتُ عَلَى إِنْسَان، فَدَفَعْتُ إِلَيْهِ قِطْعَةً أَشْتَرِي حَاجَةً؛ فَأَصَابَ فِيهَا دَانقَاً، إِلاََّ نِصْفَ حَبَّة، فَسَأَلَني عَنْ مَسْأَلَةٍ فَأَجَبْتُهُ، ثُمَّ قَالَ لِلغُلاَم: أَعْطِ أَبَا إِسْحَاق بِدَانِقٍ وَلاَ تحُطُّهُ بِنِصْفِ حَبَّة» 0 ـ قَالُواْ عَنْ بَعْضِ كَرَامَاتِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

ويُروَى أَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ الحَرْبيَّ لَمَّا دَخَلَ عَلَى إِسْمَاعِيلَ الْقَاضِي، بَادَرَ أَبُو عُمَرَ محَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْقَاضِي إِلىَ نَعْلِهِ فَأَخَذَهَا فَمَسَحَهَا مِنَ الْغُبَار؛ فَدَعَا لَهُ وَقَال: أَعَزَّكَ اللهُ في الدُّنْيَا وَالآخِرَة، فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو عُمَرَ رُؤِيَ في النَّوْمِ فَقِيلَ لَه: مَا فَعَلَ اللهُ بِك 00؟ قَال: أَعَزَّني في الدُّنْيَا وَالآخِرَة؛ بِدَعْوَةِ الرَّجُلِ الصَّالِح» 0

قَالَ المَسْعُودِيّ: كَانَتْ وَفَاةُ الحَرْبيِّ المُحَدِّثِ الْفَقِيهِ في الجَانِبِ الْغَرْبيّ، وَلَهُ نَيِّفٌ وَثَمَانُونَ سَنَة، وَكَانَ صَدُوقَاً عَالِمَاً فَصِيحَاً، جَوَّادَاً عَفِيفَاً زَاهِدَاً عَابِدَاً نَاسِكَاً، وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ ضَاحِكَ السِّنّ، ظَرِيفَ الطَّبْع، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ تكبُّرٌ وَلاَ تَجَبُّر، رُبَّمَا مَزَحَ مَعَ أَصْدِقَائِهِ بِمَا يُسْتَحْسَنُ مِنهُ وَيُسْتَقْبَحُ مِن غَيْره، وَكَانَ شَيْخَ الْبَغْدَادِيِّينَ في وَقْتِه، وَظَرِيفَهُمْ وَزَاهِدَهُمْ وَنَاسِكَهُمْ، وَمُسْنَدَهُمْ في الحَدِيث، وَكَانَ يَتَفَقَّهُ لأَهْلِ الْعِرَاق، وَكَانَ لَهُ مَجْلِسٌ في الجَامِعِ الْغربيِّ يَوْمَ الجُمُعَة، أَخْبَرَني إِبْرَاهِيمُ بْنُ جَابِرٍ قَال: كُنْتُ أَجْلِسُ في حَلْقَةِ إِبْرَاهِيمَ الحَرْبيّ، وَكَانَ يَجْلِسُ إِلَيْنَا غُلاَمَانِ في نهَايَةِ الحُسَنِ وَالجَمَالِ مِنَ الصُّورَةِ وَالبِزَّة [أَيِ الهَيْئَةِ وَالثِّيَاب]،

وَكَأَنَّهُمَا رُوحٌ في جَسَد، إِنْ قَامَا قَامَا مَعَاً، وَإِن حَضَرَا حضَرَا مَعَاً، فَلَمَّا كَانَ في بَعْضِ الجُمَعِ حَضَرَ أَحَدُهُمَا وقَدْ بَانَ الاِصْفِرَارُ في وِجْهِهِ وَالاَنْكِسَارُ في عَيْنَيه، فَلَمَّا كَانَتِ الجُمُعَةُ الثَّانِيَةُ حَضَرَ الْغَائِبُ وَلَمْ يحْضُرِ الَّذِي حَضَرَ مِنهُمَا في الجُمُعَة الأُولىَ، وَإِذِ الصُّفْرَةُ وَالاَنْكِسَارُ بَيِّنٌ في لَوْنِهِ؛ فَقُلْتُ: إِنَّ ذَلِكَ لِلْفِرَاقِ الْوَاقِعِ بَيْنَهُمَا، وَذَلِكَ لِلأُلْفَةِ الجَامِعَةِ بَيْنَهُمَا؛ فَلَمْ يَزَالاَ يَتَسَابَقَانِ في كُلِّ جُمُعَةٍ إِلىَ الحَلْقَة؛ فَأَيُّهُمَا سَبَقَ إِلىَ الحَلْقَةِ لَمْ يَجْلِسِ الآخَر؛ فَلَمَّا كَانَ في بَعْضِ الجُمَعِ حَضَرَ أَحَدُهُمَا، فَجَلَسَ إِلَيْنَا، ثمَّ جَاءَ الآخَرُ فَأَشْرَفَ عَلَى الحَلْقَة، فَوَجَدَ صَاحِبَهُ قَدْ سَبَق، وَإِذَا المَسْبُوقُ قَدْ أَخَذَتْهُ الْعَبْرَة، فَتَبَيَّنْتُ ذَلِكَ مِنهُ في دَائِرَةِ عَيْنَيْه، وَإِذَا في يُسْرَاهُ رِقَاعٌ صِغَارٌ مَكْتُوبَة، فَقَبَضَ بِيَمِينِهِ رُقْعَةً مِنهَا وَحَذَفَ بِهَا في وَسْطِ الحَلْقَة،

وَانْسَابَ في النَّاسِ مُسْتَخْفِيَاً، وَأَنَا أَرْمُقُهُ، وَكَانَ ثمَّ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ حَرْبَوَيْه؛ فَنَشَرَ الرُّقْعَةَ وَقَرَأَهَا؛ فَإِذَا فِيهَا دُعَاءٌ أَنْ يُدْعَى لِصَاحِبِهَا مَرِيضَاً كَانَ أَوْ غَيْرَ ذَلِك، وَيُؤَمِّنَ عَلَى الدُّعَاءِ مِن حَضَرَ؛ فَقَالَ الشَّيْخ: اللَّهُمَّ اجْمَعْ بَيْنَهُمَا، وَأَلِّفْ قُلُوبَهُمَا، وَاجْعَلْ ذَلِكَ فِيمَا يُقرِّبُ مِنْك؛ وَأَمَّنَ الحَاضِرُونَ عَلَى دُعَائِه، ثُمَّ طَوَى الرُّقْعَةَ وَحَذَفَني بِهَا، فَتَأَمَّلْتُ مَا فِيهَا؛ فَإِذَا فِيهَا مَكْتُوبٌ: عَفَا الله عَن عَبْدٍ أَعَانَ بِدَعْوَةٍ ... لِخِلَّيْنِ كَانَا دَائِمِينِ عَلَى الْوُدِّ إِلىَ أَنْ وَشَى وَاشِي الهَوَى بِنَمِيمَةٍ ... إِلىَ ذَاكَ مِن هَذَا فَحَالاَ عَنِ الْعهْدِ

فلَمَّا كَانَ في الجُمُعَة الثَّانيَةِ حَضَرَا جَمِيعَاً؛ وَإِذَا الاِصْفِرَارُ وَالاِنْكِسَارُ قَدْ زَال؛ فَقُلْتُ لاِبْنِ حَرْبَوَيْه: إِنيِّ أَرَى الدَّعْوَةَ قَدْ أُجِيبَتْ، وَأَنَّ دُعَاءَ الشَّيْخِ كَانَ عَلَى التَّمَام، فَلَمَّا كَانَ في تِلْكَ السَّنَةِ كُنْتُ فِيمَن حَجَّ؛ فَكَأَنيِّ أَنْظُرُ إِلىَ الْغُلاَمَينِ مُحْرِمَيْنِ بَيْنَ مِنىً وَعَرَفَة، فَلَمْ أَزَلْ أَرَاهُمَا مُتَآلِفَينِ إِلىَ أَنْ تَكَهَّلاَ» 0

ـ مِن أَقْوَالِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ التَّمِيمِيّ الحَنْبَلِيّ: أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ الْعَتَكِيُّ قَال: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ الحَرْبيَّ يَقُولُ لجَمَاعَة عِنْدَهُ: «مِنْ تَعُدُّونَ الْغَرِيبَ في زمَانِكُمْ 00؟ فَقَالَ رَجُل: الْغَرِيبُ مِنْ نَأْى عَنْ وَطَنِه، وَقَالَ آخِر: الْغَرِيبُ مِنْ فَارَقَ أَحْبَابَه؛ فَقَالَ إِبْرَاهِيم: الْغَرِيبُ في زَمَانِنَا: رَجُلٌ صَالِحٌ عَاشَ بَيْنَ قَوْمٍ صَالحِين؛ إِن أَمَرَ بِمَعْرُوفٍ آزَرُوه، وَإِنْ نَهَى عَنْ مُنْكَرٍ أَعَانُوه، وَإِنِ احْتَاجَ إِلىَ سَبَبٍ مِنَ الدُّنْيَا مَانُوه، ثُمَّ مَاتُواْ وَتَرَكُوه» 0 [مَانُوه: أَيْ مَوَّنُوه]

الفريابي

الْفِرْيَابيّ هُوَ الإِمَامُ الحَافِظُ الثَّبْتُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ جَعْفَرُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ الحَسَنِ بْنِ المُسْتَفَاضِ الْفِرْيَابيّ، وُلِدَ سَنَةَ 207 هـ، وَتُوُفِّيَ في المحَرَّمِ سَنَةَ 301 هـ ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: حَدَّثَ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيد، وَأَبي حَفْصٍ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ الْفَلاََّس، وَأَبي كُرَيْبٍ محَمَّدِ بْنِ الْعَلاَء، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْه، وَعَلِيِّ بْنِ المَدِينيّ، وَهِشَامِ بْنِ عَمَّار، وَشَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخ، وَمحَمَّدِ بْنِ عَائِذ، وَأَبي بَكْرٍ بْنِ أَبي شَيْبَة، وَهُدْبَةَ بْنِ خَالِد، وَأَبي مُصْعَبٍ الزُّهْرِيّ، وَأَبي قُدَامَةَ السَّرَخْسِيّ، وَأَبي جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيِّ، وَمحَمَّدِ بْنِ مُصَفَّى، وَخَلْقٍ كَثِير، وَصَنَّفَ التَّصَانيْفَ النَّافِعَة 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانيّ، وَأَبُو بَكْرٍ الْقَطِيعِيّ، وَأَبُو أَحْمَدَ بْنُ عدَيّ، وَأَبُو بَكْرٍ الجِعَابيّ، وَأَبُو بَكْرٍ الآجُرِّيّ 0 ـ قَالُواْ عَنْ رِحْلَتِهِ في طَلَبِ الْعِلْمِ وَالتَّرَدُّدِ عَلَى المَشَايِخ: قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «ارْتَحَلَ مِنْ فِرْيَابَ وَهِيَ مَدِينَةٌ مِنْ بِلاَدِ التُّرْكِ إِلىَ بِلاَدِ مَا وَرَاءِ النَّهْر، وَإِلىَ خُرَاسَان، وَالعِرَاق، وَالحِجَاز، وَالشَّام، وَمِصْر، وَالجَزِيرَة، وَلَقِيَ الأَعْلاَمَ، وَتَمَيَّزَ في الحَدِيث، وَوَلِيَ قَضَاءَ الدِّينَوَر» 00 مَدِينَةٌ بِالْكُوفَة 0

ـ قَالُواْ في تَوْثِيقِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ كَامِل: «كَانَ الْفِرْيَابيُّ مَأْمُونَاً، مَوْثُوقَاً بِه» 0 قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيّ: «جَعْفَرٌ الْفِرْيَابيُّ ثِقَةٌ مُتْقِن» 0

ـ قَالُواْ عَنْ دِقَّتِهِ وَضَبْطِهِ وَإِتْقَانِهِ وَتحَرِّيهِ في تَدْوِينِ الحَدِيثِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ بْنُ الصَّوَافِ: سَمِعْتُ الْفِرْيَابيَّ يَقُول: «كُلُّ مَنْ لَقِيتُهُ لَمْ أَسْمَعْ مِنهُ إِلاََّ مِنْ لَفْظِهِ [أَيْ لَمْ أَكْتُبْ عَنْ رَجُلٍ عَنهُ، وَإِنَّمَا كَتَبْتُ عَنهُ مُبَاشَرَةً بِدُونِ وَاسِطَة]، إِلاََّ مَا كَانَ مِنْ شَيْخَيْن: أَبي مُصْعَب؛ فَإِنَّهُ ثَقُلَ لِسَانُه، وَالمُعَلَّى بْنِ مَهْدِيّ، وَكَتَبْتُ مِنْ سَنَةِ 224 هـ» 0 أَيْ كَانَ عُمْرُهُ آنَذَاكَ سَبْعَةَ عَشَرَ عَامَاً 0

ـ ثَنَاءُ الأَئِمَّهِ عَلَيْه، رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيب: «الْفِرْيَابيُّ قَاضِي الدِّينَوَر: مِن أَوْعِيَةِ الْعِلْم» 0 وَقَالَ الخَطِيب: «جَعْفَرٌ الْفِرْيَابيُّ قَاضِي الدِّينَوَر: كَانَ ثِقَةً، حُجَّةً، مِن أَوْعِيَةِ الْعِلْم، وَمِن أَهْلِ المَعْرِفَةِ وَالفَهْم، طَوَّفَ شَرْقَاً وَغَرْبَاً وَلَقِيَ الأَعْلاَم» 0 ـ قَالُواْ عَنْ تَرْكِهِ لِلتَِّحْدِيثِ لَمَّا أَحَسَّ في عَقْلِهِ تَغَيُّرَاً رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ الحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُورِيّ: «دَخَلْتُ بَغْدَادَ وَالفِرْيَابيُّ حَيٌّ، وَقَدْ أَمْسَكَ عَنِ التَّحْدِيث» 0

قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحمَهُ الله: «آنَسَ مِنْ نَفْسِهِ تَغَيُّرَاً؛ فَتَوَرَّعَ وَتَرَكَ الرِّوَايَة» 00 أَيْ نِسْيَانَاً قَالَ الدَّارَقُطْنيُّ رَحمَهُ الله: «قَطَعَ الْفِرْيَابيُّ الحَدِيثَ في شَوَّالٍ سَنَةَ 300 هـ» 0 ـ قَالُواْ عَنْ زُهْدِهِ في دُنيَاه، وَخَوْفِهِ مِنَ الله، وَكَيْفَ حَفَرَ قَبرَهُ وَهُوَ عَلَى قَيْدِ الحَيَاة: قَالَ أَبُو حَفْصٍ بْنُ شَاهِين: «كَانَ قَدْ حَفَرَ لِنَفْسِهِ قَبْرَاً في مَقَابِرِ أَبي أَيُّوبَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِخَمْسِ سِنِين، وَلَمْ يُقْضَ أَنْ يُدْفَنَ فِيه» 0

ـ حُبُّ النَّاسِ لَهُ وَحَجْمُ مجْلِسِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ الحَافِظُ ابْنُ عَدِيّ: «رَأَيْتُ مجْلِسَ الْفِرْيَابيِّ يُحْزَرُ فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفَ مِحْبَرَة، وَكَانَ الْوَاحِدُ يحْتَاجُ أَنْ يَبِيتَ في المَجْلِسِ لِيَجِدَ مَعَ الْغَدِ مَوْضِعَاً» 0 قَالَ أَبُو حَفْصٍ الزَّيَّات: لَمَّا وَرَدَ الْفِرْيَابيُّ إِلىَ بَغْدَاد: اسْتُقْبِلَ بِالطَّيَّارَات، وَالزَّبَازِب [أَيِ الزَّوَارِق]، وَوُعِدَ لَهُ النَّاسُ إِلىَ شَارِعِ المَنَارِ لِيَسْمَعُواْ مِنهُ؛ فَحَضَرَ مَن حُزِرُواْ فَقِيل: كَانُواْ نَحْوَ ثَلاَثِينَ أَلْفَاً، وَكَانَ المُسْتَمْلُونَ ثَلاَثَمِاْئَةٍ وَسِتَّةَ عَشَرَ نَفْسَاً» 0

قَالَ أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَدِيٍّ [صَاحِبُ الْكَامِل]: «كُنَّا نَشْهَدُ مَجْلِسَ جَعْفَرٍ الْفِرْيَابيّ، وَفِيهِ عَشْرَةُ آلاَفٍ أَوْ أَكْثَر» 0 قَالَ أَبُو الْفَضْلِ الزُّهْرِيّ: لَمَّا سَمِعْتُ مِنَ الْفِرْيَابيّ: كَانَ في مجْلِسِهِ مِن أَصْحَابِ المحَابِرِ مَنْ يَكْتُبَ حُدُودَ عَشْرَةِ آلاَفِ إِنْسَان، مَا بَقِيَ مِنهُمْ غَيرِي، هَذَا سِوَى مَنْ لاَ يَكْتُب، ثمَّ جَعَلَ يَبْكِي» 0 قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيّ: «سَمَاعُهُ مِنهُ كَانَ في سَنَةِ 298 هـ» 0

عبد الغني المقدسي

الحَافِظُ عَبْدُ الْغَنيِّ المَقْدِسِيّ هُوَ الإِمَامُ الْكَبِيرُ الحَافِظُ الْقُدْوَةُ الْعَابِدُ المجَاهِدُ الآمِرُ بِالمَعْرُوفِ النَّاهِي عَنِ المُنْكَرِ تَقِيُّ الدِّينِ أَبُو محَمَّدٍ عَبْدُ الْغَنيِّ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ سُرُورِ بْنِ رَافِعِ بْنِ حَسَنِ بْنِ جَعْفَرٍ المَقْدِسِيُّ الدُِّمَشْقِيّ 0 وُلِدَ سَنَةَ 541 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 600 هـ 0

ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: سَمِعَ أَبَا الْفَتْحِ ابْنَ الْبَطِّيّ، وَأَبَا الحَسَنِ عَلِيَّ بْنَ رَبَاحٍ الْفَرَّاء، وَالشَّيْخَ عَبْدَ الْقَادِرِ الجِيلاَنيّ، وَهِبَةَ اللهِ بْنَ هِلاَلٍ الدَّقَّاق، وَأَبَا زُرْعَةَ الرَّازِي المَقْدِسِيّ، وَالحَافِظَ أَبَا طَاهِرٍ السِّلَفِيَّ وَكَتَبَ عَنهُ نَحْوَاً مِن أَلْفِ جُزْءٍ، وَأَبَا المَعَالي بْنَ صَابر، وَالحَافِظَ أَبَا مُوسَى المَدِينيّ، وَأَبَا الْفَضْلِ الطُّوسِيّ 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ ابْنُ خَالِهِ الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّينِ ابْنُ قُدَامَةَ صَاحِبُ المُغْني، وَالحَافِظُ عِزُّ الدِّينِ محَمَّد، وَالحَافِظُ ضِيَاءُ الدِّينِ المَقْدِسِيّ [ابْنُ بِنْتِ خَالِ صَاحِبِ التَّرْجَمَة]، وَالحَافِظُ أَبُو مُوسَى عَبْدُ الله، والفَقِيهُ أَبُو سُلَيْمَانَ أَوْلاَدُه، وَالشِّهَابُ الْقُوصِيّ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الجَبَّارِ الْقَلاَنسِيّ، وَآخَرُون

ـ صِفَاتُهُ الشَّكْلِيَّة: قَالَ ضِيَاءُ الدِّينِ المَقْدِسِيّ: «وَكَانَ لَيْسَ بِالأَبِْيضِ الأَمْهَقِ، بَلْ يَمِيلُ إِلىَ السُّمرَةِ، حَسَنَ الشَّعْرِ، كَثَّ اللِّحْيَة، وَاسِعَ الجَبِين، عَظِيمَ الخَلْق، تَامَّ الْقَامَة، كَأَنَّ النُّورَ يَخْرُجُ مِنْ وَجهِهِ، وَكَانَ قَدْ ضعُفَ بَصَرُهُ مِنَ الْبُكَاءِ وَالنَّسْخِ وَالمُطَالَعَة» 0 ـ محَافَظَتُهُ الشَّدِيدَةُ عَلَى وَقْتِهِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: قَالَ ضِيَاءُ الدِّينِ المَقْدِسِيّ: قَالَ أَخُوهُ الشَّيْخُ الْعِمَاد: «مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً أَشَدَّ محَافِظَةً عَلَى وَقْتِهِ مِن أَخِي» 0

قَالَ ضِيَاءُ الدِّينِ المَقْدِسِيّ:سَمِعْتُ نَصْرَ بْنَ رِضْوَانَ المُقْرِئَ يَقُول: «مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً عَلَى سِيرَةِ الحَافِظ؛ كَانَ مُشْتَغِلاً طُولَ زَمَانِهِ» 0 ـ رِحْلَتُِهُ الْوَاسِعَةُ في طَلَبِ الْعِلْمِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحمَهُ الله: «سَمِعَ الْكَثِيرَ بِدِمَشْقَ، وَالإِسْكَنْدَرِيَّة، وَبَيْتَ المَقْدِس، وَمِصْر، وَبَغْدَاد، وَالمَوْصِل، وَأَصْبَهَانَ، وَهَمَذَانَ، وَحَرَّان [مَدِينَةٌ بجَنُوبِ تُرْكِيَا، شَمَالَ الرِّقَّةِ بِسُورِيَّة]، وَكَتَبَ رَحمَهُ اللهُ الْكَثِير»

0 قَالَ عَنهُ ضِيَاءُ الدِّينِ المَقْدِسِيّ: «رَحَلَ إِلىَ بَغْدَادَ مرَّتين، وَإِلىَ مِصْرَ مرَّتين، سَافرَ إِلىَ بَغْدَادَ هُوَ وَابْنُ خَالِهِ الشَّيْخُ المُوَفَّقُ في أَوَّلِ سَنَةِ إِحْدَى وَسِتِّينَ، فَكَانَا يَخْرُجَانِ مَعَاً، وَيَذْهَبُ أَحدُهُمَا في صُحْبَة رفِيقِهِ إِلىَ دَرْسِهِ وَسَمَاعِهِ، وَخوَّفَهُمَا النَّاسُ مِن أَهْلِ بَغْدَاد، وَكَانَ الحَافِظُ مَيْلُهُ إِلىَ الحَدِيثِ وَالمُوَفَّقُ يُرِيدُ الْفِقْه، فَتفقَّهَ الحَافِظُ وَسَمِعَ المُوَفَّقُ مَعَهُ الْكَثِير، فَلَمَّا رَآهُمَا الْعُقَلاَءُ عَلَى التَّصَوُّنِ وَقِلَّةِ

المُخَالَطَةِ أَحَبُّوهُمَا وَأَحْسَنُواْ إِلَيهُمَا، وَحصَّلاَ عِلْمَاً جَمَّاً، فَأَقَامَا بِبَغْدَادَ نَحْوَ أَرْبَعِ سِنِين، وَنَزَلاَ أَوَّلاً عِنْد الشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِر، فَأَحْسَنَ إِلَيهِمَا، ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ قُدُومِهِمَا بخَمْسِينَ لَيْلَةً، ثمَّ اشْتَغَلاَ بِالفِقْهِ وَالاِخْتِلاَفِ عَلَى مُوسَى بْنِ المَدِينيّ، وَرَحَلَ الحَافِظُ إِلىَ السِّلَفِيِّ فَأَقَامَ مُدَّةً، ثُمَّ سَافرَ إِلىَ أَصْبَهَانَ فَأَقَامَ بِهَا مُدَّةً وَحَصَّلَ الْكتُبَ الجيِّدَة» 0 ـ قَالُواْ عَن عِلْمِهِ بِالرِّجَالِ وَبَصَرِهِ بِعِلَلِ الحَدِيث:

قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «قَالَ أَبُو المُظَفَّرِ الْوَاعِظُ في كِتَابِهِ «مِرَآة الزَّمَان»: «ضَعُفَ بَصَرُهُ مِنْ كَثْرَةِ الْبُكَاءِ وَالمُطَالَعَة، وَكَانَ أَوْحَدَ زَمَانِهِ في عِلْمِ الحَدِيث» 0 قَالَ ضِيَاءُ الدِّينِ المَقْدِسِيّ: كَانَ شَيْخُنَا الحَافِظُ عَبْدُ الْغَنيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَهُ في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ لاَ يَكَادُ يُسْأَلُ عَن حَدِيثٍ إِلاََّ ذَكَرَهُ وَبَيَّنَهُ، وَذَكَرَ صِحَّتَهُ أَوْ سَقَمَه، وَلاَ يُسْأَلُ عَنْ رَجُلٍ إِلاََّ قَال: هُوَ فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ الْفُلاَنيّ، وَيَذْكُرُ نَسَبَهُ؛ فَكَانَ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ في الحَدِيث» 0

قَالَ ضِيَاءُ الدِّينِ المَقْدِسِيّ: وَسَمِعْتُ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ عَبْدِ المَلِكِ الشَّيْبَانيَّ قَال: سَمِعْتُ التَّاجَ الْكِنْدِيَّ يَقُول: «لَمْ يَكُنْ بَعْدَ الدَّارَقُطْنيِّ مِثْلُ الحَافِظِ عَبْدِ الْغَنيّ» 0 قَالَ أَبُو مُوسَى المَدِينيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَه: «قَلَّ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا يَفْهَمُ هَذَا الشَّأْنَ كَفَهْمِ الشَّيْخِ الإِمَامِ أَبي محَمَّدٍ عَبْدِ الْغَنيِّ المَقْدِسِيِّ، وَقَدْ وُفِّقَ لِتَبْيِينِ هَذِهِ الْغَلَطَات، وَلَوْ كَانَ الدَّارَقُطْنيُّ وَأَمْثَالُهُ في الأَحْيَاءِ لَصَوَّبُواْ فِعْلَهُ، وَقَلَّ مَنْ يَفْهَمُ في زَمَانِنَا مَا فَهِمَ زَادَهُ اللهُ عِلْمَاً وَتَوْفِيقَاً» 0

ـ قَالُواْ عَن حِفْظِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ ضِيَاءُ الدِّينِ المَقْدِسِيّ: وَسَمِعْتُ إِسْمَاعِيلَ بْنَ ظَفَرٍ يَقُول: «رَأَيْتُ الحَافِظَ عَبْدِ الْغَنيِّ عَلَى المِنْبَرِ غَيْرَ مَرَّةٍ يَقُولُونَ لَهُ: اقْرَأْ لَنَا مِن غَيْرِ كِتَاب؛ فَيَقْرَأُ أَحَادِيثَ بِأَسَانِيدِهَا مِن حِفْظِه» 0

قَالَ ضِيَاءُ الدِّينِ المَقْدِسِيّ: وَسَمِعْتُ إِسْمَاعِيلَ بْنَ ظَفَرٍ يَقُول: «قَالَ رَجُلٌ لِلْحَافِظِ عَبْدِ الْغَنيّ: رَجُلٌ حَلَفَ بِالطَّلاَقِ أَنَّكَ تَحْفَظُ مِاْئَةَ أَلْفِ حَدِيث؛ فَقَال: لَوْ قَالَ أَكْثَرَ لَصَدَق» 00 أَيْ لَوْ قَالَ أَكْثَرَ مِنْ مِاْئَةِ أَلْفِ حَدِيثٍ لَكَانَ صَادِقَاً 0 قَالَ رَبِيعةُ الصَّنْعَانيّ: «حَضَرْتُ الحَافِظَ أَبَا مُوسَى المَدِينيّ، وَهَذَا الحَافِظَ عَبْدَ الْغَنيّ؛ فَرَأَيْتُ عَبْدَ الْغَنيِّ أَحْفَظَ مِنهُ» 0

ـ قَالُواْ عَنْ مُؤَلَّفَاتِه: كِتَابُ «المِصْبَاحِ في عُيونِ الأَحَادِيثِ الصِّحَاح» مُشْتَمِلٌ عَلَى أَحَادِيثِ «الصَّحِيحَيْن»، فَهُوَ مُسْتخرَجٌ عَلَيْهِمَا بِأَسَانِيدِه 0 في ثَمَانيَةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءَاً وَ «نِهَايَةِ المُرَادِ في السُّنَن» نَحْوُ مِاْئَتيْ جُزْءٍ لَمْ يُبَيِّضْهُ وَ «اليَوَاقِيت 0 مُجَلَّد» وَ «تُحْفَة الطَّالبينَ في الجِهَادِ وَالمُجَاهِدِينَ 0 مُجَلَّد» وَ «فَضَائِل خَيْرِ الْبرِيَّةِ 0 أَرْبَعَةُ أَجْزَاء» وَ «الرَّوْضَة 0 مُجَلَّد» وَ «التَّهجُّد 0 جُزْآن» وَ «الْفَرَج 0 جُزْآن» وَ «الصِّلاَت إِلىَ الأَمْوَات 0 جُزْآن» وَ «

الصِّفَات 0 جُزْآن» وَ «مِحْنَة الإِمَامِ أَحْمَدَ 0 جُزْآن» وَ «ذَمُّ الرِّيَاء 0 جُزْء» وَ «ذَمّ الْغِيبَةِ 0 جُزْء» 0 وَ «التَّرْغِيبُ في الدُّعَاء 0 جُزْء» وَ «فَضَائِل مَكَّةَ 0 أَرْبَعَةُ أَجْزَاء» وَ «الأَمْر بِالمَعْرُوف 0 جُزْء» وَ «فَضْلُ رَمَضَانَ 0 جُزْء» وَ «فَضْلُ الصَّدَقَةِ 0 جُزْء» وَ «فَضْلُ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ 0 جُزْء» وَ «فَضَائِل الحَجِّ 0 جُزْء» وَ «فَضْلُ رَجَب» وَ «وَفَاة النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم 0 جُزْء» وَ «الأَقسَام الَّتي أَقْسَمَ بِهَا النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم»

وَ «الأَرْبَعِينَ» [بِسَنَدٍ وَاحِدٍ]، وَ «أَرْبَعِينَ مِنْ كَلاَمِ رَبِّ الْعَالِمِينَ» وَ «الأَرْبَعِين» آخَرُ وَ «الأَرْبَعِينَ» رَابِعُ وَ «اعْتِقَادُ الشَّافِعِيّ 0 جُزْء» وَ «الحِكَايَاتِ 0 سَبْعَةُ أَجزَاء» وَ «تَحَقِيقُ مُشْكِلِ الأَلْفَاظ 0 مجلَّدَيْن» وَ «الجَامِعُ الصَّغِيرِ في الأَحكَام» لَمْ يَتِمَّ وَ «ذِكْرُ الْقُبُور 0 جُزْء» وَ «الأَحَادِيثُ وَالحِكَايَات 0 مِاْئَةُ جُزْء» كَانَ يَقْرَؤُهَا لِلْعَامَّة وَ «مَنَاقِبُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيز 0 جُزْء» وَوَعِدَّةُ أَجْزَاءٍ في «مَنَاقِبِ الصَّحَابَة»،

وَأَشْيَاءَ كَثِيرَةً جِدَّاً مَا تَمَّتْ، وَالجَمِيعُ بِأَسَانِيدِهِ، بِخَطِّهِ المَلِيحِ الشَّدِيدِ السُّرْعَة وَ «الأَحْكَامِ الْكُبْرَى 0 مُجَلَّد» وَ «الصُّغْرَى 0 مُجَيْلِيد» وَ «دُرَرُ الأَثر 0 مُجَلَّد» وَ «السَّيرَة 0 جُزْءٌ كَبِير» وَ «الأَدْعِيَة الصَّحيحَة 0 جُزْء» وَ «تَبِيينُ الإِصَابَةِ لأَوهَامٍ حصلَتْ لأَبي نُعَيْمٍ في مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ 0 جُزْآن» يَدُلاَّنِ عَلَى بَرَاعَتِهِ وَحِفْظِهِ وَ «الْكَمَالُ في مَعْرِفَةِ رِجَالِ الْكُتُبِ السِّتَّة» في أَرْبَعَةِ أَسْفَار، يَرْوِي فِيهَا بِأَسَانِيدِه» 0

ـ ثَنَاءُ الإِمَامِ الذَّهَبيِّ عَلَيْه: قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحمَهُ الله: «لَمْ يَزَلْ يَطْلُبُ الْعِلْمَ وَيَسْمَعُ وَيَكْتُبُ وَيَسْهَرُ وَيَدْأَب، وَيَأْمُرُ بِالمَعْرُوفِ وَيَنَهَى عَنِ المُنْكَر، وَيَتَّقِي اللهَ وَيَتَعَبَّد، وَيَصُومُ وَيَتَهَجَّد، وَيَنْشُرُ الْعِلْمَ إِلىَ أَنْ مَات» ـ قَالُواْ عَن هِمَّتِهِ الْعَالِيَةِ في نَشْرِ عُلُومِ الحَدِيث: قَالَ ضِيَاءُ الدِّينِ المَقْدِسِيّ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمَ بْنَ محَمَّدٍ الحَافِظَ يَقُول:

«مَا رَأَيْتُ الحَدِيثَ في الشَّامِ كُلِّهِ إِلاََّ بِبَرَكَةِ الحَافِظ؛ فَإِنَّ كُلَّ مَنْ سَأَلتُهُ يَقُول: أَوَّلَ مَا سَمِعْتُ عَلَى الحَافِظِ عَبْدِ الْغَنيّ، وَهُوَ الَّذِي حَرَّضَني» 0 ـ يَوْمٌ مِن أَيَّامِ الحَافِظِ عَبْدِ الْغَنيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ ضِيَاءُ الدِّينِ المَقْدِسِيّ: «كَانَ لاَ يُضيِّعُ شَيْئَاً مِنْ زَمَانِهِ بِلاَ فَائِدَة، فَإِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي الْفَجْر، وَيُلَقِّنُ الْقُرْآن، وَرُبَّمَا أَقْرَأَ شَيْئَاً مِنَ الحَدِيثِ تَلْقِينَاً، ثُمَّ يَقُومُ فَيَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي ثَلاَثَمِاْئَةِ رَكْعَة

00 بِالفَاتِحَةِ وَالمُعَوِّذَتَين 00 إِلىَ قَبْلِ الظُّهْر، وَيَنَامُ نَوْمَةً، ثُمَّ يُصَلِّي الظُّهْر، وَيَشْتَغِلُ إِمَّا بِالتَّسْمِيع أَوْ بِالنَّسْخِ إِلىَ المَغْرِب، فَإِنْ كَانَ صَائِمَاً أَفْطَرَ، وَإِلاََّ صَلَّى مِنَ المَغْرِبِ إِلىَ الْعِشَاء، وَيُصَلِّي الْعِشَاءَ وَيَنَامُ إِلىَ نِصْفِ اللَّيْلِ أَوْ بَعْدَه، ثُمَّ يَقُومُ كَأَنَّ إِنْسَانَاً يُوقِظُه، فَيُصَلِّي لَحْظَةً ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي إِلىَ قُرْبِ الْفَجْر، وَرُبَّمَا تَوَضَّأَ سَبْعَ مَرَّاتٍ أَوْ ثَمَانِيَاً في اللَّيْلِ وَيَقُول: مَا تَطِيبُ ليَ

الصَّلاَةُ إِلاََّ مَا دَامَتْ أَعْضَائِي رَطْبَةً، ثُمَّ يَنَامُ نَوْمَةً يَسِيرَةً إِلىَ الْفَجْر، وَهَذَا دَأْبُه» 0 ـ قَالُواْ عَنْ صَلاَحِهِ وَتَقْوَاه، وَخُشُوعِهِ في الصَّلاَة، وَحُسْنِ عِبَادَتِهِ لله: قَالَ ضِيَاءُ الدِّينِ المَقْدِسِيّ: سَمِعْتُ محْمُودَ بْنَ سَلاَمَةَ التَّاجِرَ الحَرَّانيَّ يَقُول: «كَانَ الحَافِظُ عَبْدُ الْغَنيِّ نَازِلاً عِنْدِي بِأَصْبَهَان، فَمَا كَانَ يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلاََّ قَلِيلاً، بَلْ يُصَلِّي وَيَقْرَأُ وَيَبْكِي» 00!!

قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «قَالَ أَبُو المُظَفَّرِ الْوَاعِظُ في كِتَابِهِ «مِرَآة الزَّمَان»: «كَانَ يُصَلِّي كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثَلاَثَمِاْئَةِ رَكْعَة، وَيَقوم اللَّيْل، وَيحْمِلُ مَا أَمْكَنَهُ إِلىَ بُيُوتِ الأَرَامِلِ وَالْيَتَامَى سِرَّاً وَضَعُفَ بَصَرُهُ مِنْ كَثْرَةِ الْبُكَاءِ وَالمُطَالَعَة» 0 ـ قَالُواْ عَنْ تَوَاضُعِهِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَهُ في الدُّنيَا وَالآخِرَة:

قَالَ ضِيَاءُ الدِّينِ المَقْدِسِيّ: سَمِعْتُ ابْنَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَقُول: سَمِعْتُ بَعْضَ أَهْلِنَا يَقُول: إِنَّ الحَافِظَ سُئِلَ: لِمَ لاَ تَقْرَأُ مِن غَيْرِ كِتَاب 00؟ قَال: أَخَافُ الْعُجْب» 0 ـ حِلْمُهُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ الضِّيَاءُ المَقْدِسِيّ: «وَكُنَّا أَحْدَاثَاً نَكْتُبُ الحَدِيثَ حَوْلَهُ، فَضَحِكْنَا مِنْ شَيْءٍ وَطَالَ ضَحِكُنَا؛ فَتَبَسَّمَ وَلَمْ يَحْرَدْ عَلَيْنَا»

ـ مجْلِسُهُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ ضِيَاءُ الدِّينِ المَقْدِسِيّ: «كَانَ رَحمَهُ اللهُ يَقْرَأُ الحَدِيثَ يَوْمَ الجُمُعَةِ وَلَيْلَةَ الخَمِيسِ بِجَامِعِ دِمَشْقَ، وَيَجْتَمِعُ لَهُ خَلْق، وَكَانَ يَقْرَأُ وَيَبْكِي وَيُبْكِي النَّاسَ كَثِيرَاً، حَتىَّ إِنَّ مَن حَضَرَهُ مَرَّةً لاَ يَكَادُ يَتْرُكُه، وَكَانَ إِذَا فَرَغَ دَعَا دُعَاءً كَثِيرَاً» 0 ـ حُبُّ النَّاسِ لَهُ وَمَكَانَتُهُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ في صُدُورِهِمْ: قَالَ ضِيَاءُ الدِّينِ المَقْدِسِيّ: «مَا أَعْرفُ أَحَدَاً مِن أَهْلِ السُّنَّةِ رَآهُ إِلاََّ أَحَبَّهُ وَمَدَحَهُ كَثِيرَاً»

قَالَ الضِّيَاءُ المَقْدِسِيّ: «وَلَمَّا وَصَلَ إِلىَ مِصْرَ كُنَّا بِهَا، فَكَانَ إِذَا خَرَجَ لِلْجُمُعَةِ لاَ نَقْدِرُ نَمْشِي مَعَهُ مِنْ كَثْرَةِ الخَلْق، يَتَبَرَّكُونَ بِهِ وَيَجْتَمِعُونَ حَوْلَه» 0 قَالَ ضِيَاءُ الدِّينِ المَقْدِسِيّ: «سَمِعْتُ محْمُودَ بْنَ سَلاَمَةَ الحَرَّانيَّ بِأَصْبَهَانَ يَقُول: «كَانَ يَصْطَفُّ النَّاسُ في السُّوقِ يَنْظُرُونَ إِلَيْه، وَلَوْ أَقَامَ بِأَصْبَهَانَ مُدَّةً وَأَرَادَ أَنْ يَمْلِكَهَا لَمَلَكَهَا» ـ قَالُواْ عَنْ بِرِّهِ بِطَلَبَةِ الْعِلْمِ وَإِحْسَانِهِ إِلىَ المُسْلِمِين:

قَالَ ابْنُ خَالِهِ الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّين: «كَانَ الحَافِظُ يُؤْثِرُ بِمَا تَصِلُ يَدُهُ إِلَيْهِ سِرَّاً وَعَلاَنِيَّة، ثُمَّ سَرَدَ حِكَايَاتٍ في إِعْطَائِهِ جُمْلَةَ دَرَاهِمَ لِغَيْرِ وَاحِد» 0 وَقَالَ ضِيَاءُ الدِّينِ المَقْدِسِيّ: «كَانَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ يُكْرِمُ الطَّلبَةَ، وَيُحْسِنُ إِلَيْهِمْ» 0 قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «قَالَ أَبُو المُظَفَّرِ الْوَاعِظُ في كِتَابِهِ «مِرَآة الزَّمَان»: «كَانَ يحْمِلُ مَا أَمْكَنَهُ إِلىَ بُيُوتِ الأَرَامِلِ وَالْيَتَامَى سِرَّاً» 0

قَالَ الضِّيَاءُ المَقْدِسِيّ: «كَانَ سَخِيَّاً جَوَّادَاً لاَ يَدَّخِرُ دِينَارَاً وَلاَ دِرْهَمَاً مَهْمَا حَصَّلَ إِلاَّ أَخْرَجَهُ، لَقَدْ سَمِعْتُ عَنهُ أَنَّهُ كَانَ يَخْرُجُ في اللَّيْلِ بِقِفَافِ الدَّقِيقِ إِلىَ بُيُوتٍ مُتَنَكِّرَاً في الظُّلْمَةِ فَيُعْطِيهِمْ وَلاَ يُعْرَف، وَكَانَ يُفْتَحُ عَلَيْهِ بِالثِّيَابِ فَيُعْطِي النَّاسَ وَثَوْبُهُ مُرَقَّع» 0 قَالَ ضِيَاءُ الدِّينِ المَقْدِسِيّ: سَمِعْتُ سُلَيْمَان الأَسْعَرْدِيَّ يَقُول:

«بَعَثَ الأَفْضَلُ ابْنَ صَلاَحِ الدِّينِ إِلىَ الحَافِظِ بِنَفَقَةٍ وَقَمْحٍ كَثِير، فَفَرَّقَهُ كُلَّه» 0 قَالَ ضِيَاءُ الدِّينِ المَقْدِسِيّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الْعِرَاقِيَّ قَال: حَدَّثَني مَنْصُورٌ الْغَضَارِيُّ قَال: «شَاهَدْتُ الحَافِظَ في الْغَلاَءِ بِمِصْرَ وَهُوَ ثَلاَثَ لَيَالٍ يُؤْثِرُ بِعَشَائِهِ وَيَطْوِي، وَرَأَيْتُهُ يَوْمَاً قَدْ أُهدِيَ إِلَيْهِ مِشْمِشٌ؛ فَكَانَ يُفَرِّقُهُ وَهُوَ يَقُول:

(لَنْ تَنَالُواْ البِرَّ حَتىَّ تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيم ({آلِ عِمْرَان} وَقَدْ فُتح لَهُ بِكَثِيرٍ مِنَ الذَّهَبِ وَغَيْرِهِ؛ فَمَا كَانَ يَتْرُكُ شَيْئَاً حَتىَّ قَالَ ليَ ابْنُهُ أَبُو الْفَتْحِ يَوْمَاً: وَالِدِي يُعْطِي النَّاسَ الْكَثِيرَ وَنَحْنُ لاَ يَبْعَثُ إِلَيْنَا بِشَيْء» 0 ـ قَالُواْ عَنْ جِهَادِهِ في الأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَر عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَهُ في الدُّنيَا وَالآخِرَة:

قَالَ ابْنُ خَالِهِ المُوَفَّقُ صَاحِبُ المُغْني: «كَانَ الحَافِظ لاَ يَصْبِرُ عَن إِنْكَار المُنْكَرِ إِذَا رَآهُ» قَالَ ضِيَاءُ الدِّينِ المَقْدِسِيّ: «كَانَ لاَ يَرَى مُنْكرَاً إِلاََّ غَيَّرَهُ بِيَدِهِ أَوْ بِلِسَانِهِ، وَكَانَ لاَ تَأْخُذُهُ في اللهِ لَوْمَةُ لاَئِم» 0 قَالَ ابْنُ خَالِهِ المُوَفَّقُ رَحمَهُ الله: «كُنَّا مرَّة أَنْكَرْنَا عَلَى قَوْمٍ وَأَرَقْنَا خَمْرَهُمْ، وَتَضَارَبْنَا، فَسَمِعَ خَالِي أَبُو عُمَرَ، فَضَاقَ صَدْرُه، وَخَاصَمَنَا، فَلَمَّا جِئْنَا إِلىَ الحَافِظِ طَيَّبَ قُلُوبَنَا وَصَوَّبَ فِعْلَنَا

وَتَلاَ: ? وَانْهَ عَنِ المُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَك ?» وَقَالَ الضِّيَاءُ المَقْدِسِيّ: سَمِعْتُ نَصْرَ بْنَ رِضْوَانَ المُقْرِئَ يَقُول: «رَأَيْتُهُ مَرَّةً يُهْرِيقُ خَمْرَاً، فَجَبَذَ صَاحِبُ الخَمْرِ السَّيْفَ فَلَمْ يَخَفْ مِنهُ، وَأَخَذَهُ مَنْ يَدِهِ وَكَانَ قَوِيَّاً في بَدَنِه، وَكَثِيرَاً مَا كَانَ بِدِمَشْقَ يُنْكِرُ وَيَكْسِرُ الطَّنَابِيرَ وَالشَّبَّابَات» 00 أَيِ الطَّبْل 0

قَالَ ضِيَاءُ الدِّينِ المَقْدِسِيّ: «سَمِعْتُ بَعْضَ أَصْحَابِنَا يحْكِي عَنِ الأَمِيرِ دِرْبَاسَ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ الحَافِظِ إِلىَ المَلِكِ الْعَادِل، فَلَمَّا قَضَى المَلِكُ كَلاَمَهُ مَعَ الحَافِظِ جَعَلَ يَتَكَلَّمُ في أَمْرِ مَارْدِينَ وَحِصَارِهَا [حِصْنٌ لِلْمُسْلِمِينَ كَانَ بِتُرْكِيَا آنَذَاك]، فَسَمِعَ الحَافِظُ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ فَقَال: أَيْشْ هَذَا، وَأَنْتَ بَعْدُ تُرِيدُ قِتَالَ المُسْلِمِين، مَا تَشْكُرُ اللهَ فِيمَا أَعْطَاك، أَمَا 000؟! أَمَا 000؟! قَال: فَمَا أَعَادَ السُّلْطَانُ وَلاَ أَبْدَى 0

ثُمَّ قَامَ الحَافِظُ وَقُمْتُ مَعَه، فَقُلْتُ: أَيْشْ هَذَا 00؟ نَحْنُ كُنَّا نَخَافُ عَلَيْكَ مِن هَذَا، ثمَّ تَعْمَلُ هَذَا الْعَمَل 00؟ قَال: أَنَا إِذَا رَأَيْتُ شَيْئَاً لاَ أَقْدِرُ أَن أَصْبِر» 0 قَالَ الضِّيَاءُ المَقْدِسِيّ: «سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بْنَ أَحْمَدَ الطَّحَّانَ يَقُول: كَانَ بَعْضُ أَوْلاَدِ صَلاَحِ الدِّينِ قَدْ عُمِلَتْ لَهُمْ طَنَابِير، وَكَانُواْ في بُسْتَانٍ يَشْرَبُون، فَلَقِيَ الحَافِظُ الطَّنَابِيرَ فَكَسَّرَهَا، قَالَ الحَافِظُ عَبْدُ الْغَنيّ: فَلَمَّا كُنْتُ أَنَا وَعَبْدُ الهَادِي عِنْد حَمَّامِ

كَافُور: إِذَا قَوْمٌ كَثِيرٌ مَعَهُمْ عِصِيّ، فَخِفْتُ المَشْيَ وَجَعَلْتُ أَقُول: حَسْبيَ اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيل، فَلَمَّا صِرْتُ عَلَى الجِسْرِ لحِقُواْ صَاحِبي فَقَال: أَنَا مَا كَسَرْتُ لَكُمْ شَيْئَاً، هَذَا هُوَ الَّذِي كَسَر؛ قَال: فَإِذَا فَارِسٌ يَرْكُضُ، فَتَرَجَّلَ وَقبَّلَ يَدِي وَقَال: الصِّبْيَانُ مَا عَرَفُوك، وَكَانَ قَدْ وَضَع الله لَهُ هَيْبَةً في النُّفُوس» 0 قَالَ ضِيَاءُ الدِّينِ المَقْدِسِيّ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ ابْنَ الطَّحَّانِ، قَال:

«كَانُواْ في دَوْلَةِ الأَفْضَلِ جَعَلُواْ المَلاَهِيَ عِنْد الدَّرَج [أَيْ عَلَى مَدَاخِلِ الْقُصُور]، فَجَاءَ الحَافِظُ فَكَسَّرَ شَيْئَاً كَثِيرَاً، ثُمَّ صَعِدَ يَقْرَأُ الحَدِيث، فَجَاءَ رَسُولُ الْقَاضِي يَأْمُرُهُ بِالمَشْيِ إِلَيْهِ لِيُنَاظِرَهُ في الدُّفِّ وَالشَّبَّابَة؛ فَقَال: ذَاكَ عِنْدِي حَرَام، وَلاَ أَمْشِي إِلَيْه، ثُمَّ قرَأَ الحَدِيث؛ فَعَادَ الرَّسُولُ، فَقَال: لاَ بُدَّ مِنَ المَشْيِ إِلَيْه، أَنْتَ قَدْ بَطَّلْتَ هَذِهِ الأَشْيَاءَ عَلَى السُّلْطَان؛ فَقَالَ الحَافِظ: ضَرَبَ الله رَقَبَتَهُ وَرَقَبَةَ

السُّلْطَان؛ فَمَضَى الرَّسُولُ وَخِفْنَا، فَمَا جَاءَ أَحَد» 0 ـ محْنَةُ الإِمَامِ الحَافِظِ عَبْدِ الْغَنيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَهُ في الدُّنيَا وَالآخِرَة: قَالَ ضِيَاءُ الدِّينِ المَقْدِسِيّ: «كَانُواْ قَدْ أَوْغَرُواْ عَلَيْهِ صَدْرَ الْعَادِلِ وَتَكَلَّمُواْ فِيه، وَكَانَ بَعْضُهُمْ أَرْسَلَ إِلىَ الْعَادِلِ يَبْذُُلُ في قَتْلِ الحَافِظِ خَمْسَةَ آلاَفِ دِينَار» 0

قَالَ الضِّيَاءُ المَقْدِسِيّ: سَمِعْتُ محْمُودَ بْنَ سَلاَمَةَ الحَرَّانيَّ يَقُول: «كَثُرَ المُخَالفُونَ عَلَى الحَافِظِ وَنَالُواْ مِنهُ، حَتىَّ عَزَمَ المَلِكُ الْكَامِلُ عَلَى إِخْرَاجِهِ، وَاعْتُقِلَ في دَارِهِ أُسْبُوعَاً» 0 كَمَا فُعِلَ بِالإِمَامِ أَحْمَدَ عِنْدَمَا اعْتُقِلَ بِدَارِ المُعْتَصِم؛ لَيْتَهُ سَأَلَ اللهَ مَنْزِلَةَ الإِمَامِ أَحْمَدَ لاَ حَالَه قَالَ ضِيَاءُ الدِّينِ المَقْدِسِيّ: سَمِعْتُ أَبَا محَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن محَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الجَبَّارِ قَال:

«سَمِعْتُ الحَافِظَ يَقُول: سَأَلْتُ اللهَ أَنْ يَرْزُقني مِثْلَ حَالِ الإِمَامِ أَحْمَد؛ فَرَزَقَني صَلاَتَهُ، ثمَّ ابْتُلِي بَعْدَ ذَلِكَ وَأُوذِيَ» 0 قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ مُعَلِّقَاً عَلَى هَذَا: «جَرَّ هَذِهِ الْفِتْنَةَ نَشْرُ الحَافِظِ أَحَادِيثَ النُّزُولِ وَالصِّفَات؛ فَقَامُواْ عَلَيْهِ وَرَمَوْهُ بِالتَّجْسِيم، فَمَا دَارَى كَمَا كَانَ يُدَارِيهِمْ الشَّيْخُ المُوَفَّق» 0 قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «قَالَ أَبُو المُظَفَّرِ الْوَاعِظُ في كِتَابِهِ «مِرَآة الزَّمَان»:

«نَقِمُواْ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ في الْقُرْآنِ «كَلاَمُ اللهِ غَيْرَ مَخْلُوق»، وَارْتَفَعَتِ الأَصْوَات؛ فَقَالَ وَالِي الْقَلْعَةِ الصَّارِمُ بَرْغَش: كُلُّ هَؤُلاَءِ عَلَى ضلاَلَةٍ وَأَنْتَ عَلَى حَقّ 00؟ قَالَ نَعَمْ، فَأَمَرَ بِكَسْرِ مِنْبَرِهِ، وَخَرَجَ الحَافِظُ إِلىَ بَعْلَبَكّ [مَدِينَةٌ بِشَرْقِ لُبْنَان]، ثمَّ سَافَرَ إِلىَ مِصْر؛ فَأَفْتىَ فُقَهَاءُ مِصْرَ بِإِبَاحَةِ دَمِهِ، وَقَالُواْ: يُفْسِدُ عَقَائِدَ النَّاس، وَيَذْكُرَ التَّجْسِيم؛ فَكَتَبَ الْوَزِيرُ بِنَفْيِهِ إِلىَ المَغْرِب، فَمَاتَ الحَافِظُ قَبْلَ وُصُولِ

الْكِتَاب» 0 وَقَالَ ضِيَاءُ الدِّينِ المَقْدِسِيّ: سَمِعْتُ محْمُودَ بْنَ سَلاَمَةَ الحَرَّانيَّ الأَصْبَهَانيَّ يَقُول: «مَا أَخْرَجْنَا الحَافِظَ مِن أَصْبَهَانَ إِلاََّ في إِزَار، وَذَلِكَ أَنَّ بَيْتَ الخُجَنْدِيِّ كَانُواْ أَشَاعِرَةً يَتَعَصَّبُونَ لأَبي نُعَيْم، وَكَانُواْ رُؤَسَاءَ الْبَلَد» 0 قَالَ الضِّيَاءُ المَقْدِسِيّ: سَمِعْتُ الإِمَام عَبْد اللهِ بْن أَبي الحَسَنِ الجُبَّائِيّ بِأَصْبَهَانَ يَقُول:

«أَخَذَ أَبُو نُعَيْمٍ عَلَى ابْنِ مَنْدَةَ أَشْيَاءَ في كِتَابِ «الصَّحَابَة»؛ فَكَانَ الحَافِظُ أَبُو مُوسَى المَدِينيُّ يَشْتَهِي أَنْ يَأْخُذَ عَلَى أَبي نُعَيْمٍ في كِتَابِهِ الَّذِي في الصَّحَابَة؛ فَمَا كَانَ يَجْسُرُ عَلَى ذَلِك؛ لاِتِّصَالِ أَبي نُعَيْمٍ بِرُؤَسَاءَ الْبَلَد، فَلَمَّا قَدِمَ الحَافِظُ عَبْدُ الْغَنيِّ أَشَارَ إِلَيْهِ بِذَلِك؛ فَأَخَذَ عَلَى أَبي نُعَيْمٍ نَحْوَاً مِنْ مِاْئَتَيْنِ وَتِسْعِينَ مَوْضِعَاً، فَلَمَّا سَمِعَ بِذَلِكَ الصَّدْرُ الخُجَنْدِيُّ طَلَبَ عَبْدَ الْغَنيِّ وَأَرَادَ إِهْلاَكَهُ فَاخْتَفَى»

قَالَ ضِيَاءُ الدِّينِ المَقْدِسِيّ: سَمِعْتُ محْمُودَ بْنَ سَلاَمَةَ الحَرَّانيَّ الأَصْبَهَانيَّ يَقُول: «سَمِعْتُ الحَافِظَ يَقُول: كُنَّا بِالمَوْصِلِ نَسْمَعُ «الضُّعَفَاء» لأَبي جَعْفَرٍ الْعُقَيْلِيّ، فَأَخَذَني أَهْل المَوْصِل وَحَبَسُوني، وَأَرَادُواْ قَتْلِي مِن أَجْلِ ذِكْرِ شَيْءٍ فِيه، فَجَاءَني رَجُلٌ طَوِيلٌ مَعَهُ سَيْف، فَقُلْتُ: يَقْتُلُني وَأَسْترِيح، فَلَمْ يَصْنَعْ شَيْئَاً، ثُمَّ أَطْلَقُوني، فَقَلَعَ ابْنُ الْبَرْنيِّ الْوَاعِظُ الْكَرَّاسَ الَّذِي فِيهِ ذَلِكَ الشَّيْء، فَأَرْسَلُواْ وَفَتَّشُواْ الْكِتَابَ

فَلَمْ يَجِدُواْ شَيْئَاً، فَهَذَا سَبَبُ خَلاَصِه» 0 ـ إِنْصَافُ الأَئِمَّةِ لَهُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ ضِيَاءُ الدِّينِ المَقْدِسِيّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ محَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْغَنيِّ قَال: حَدَّثَني الشُّجَاعُ بْنُ أَبي زَكَرِيَّا الأَمِيرَ قَال: «قَالَ لي المَلِكُ الْكَامِلُ يَوْمَاً: هَا هُنَا فَقِيهٌ قَالُواْ إِنَّهُ كَافِر؛ فَقُلْتُ: لاَ أَعْرِفُهُ، قَالَ بَلَى، هُوَ مُحَدِّث؛ قُلْتُ: لَعَلَّهُ الحَافِظُ عَبْدُ الْغَنيّ 00؟

قَال: هَذَا هُو؛ فَقُلْتُ: أَيُّهَا المَلِك، الْعُلَمَاءُ أَحَدُهُمْ يَطْلُبُ الآخِرَة، وَآخَرُ يَطْلُبُ الدُّنْيَا 00 وَأَنْتَ هُنَا بَابُ الدُّنْيَا، فَهَذَا الرَّجُلُ جَاءَ إِلَيْكَ أَوْ تَشَفَّعَ يَطْلُبُ شَيْئَاً 00؟ قَالَ لاَ؛ قُلْتُ: فَوَاللهِ هَؤُلاَءِ يَحْسُدُونَهُ؛ فَهَلْ في هَذِهِ الْبِلاَدِ أَرْفَعُ مِنْك 00؟ قَالَ لاَ؛ قُلْتُ: هَذَا الرَّجُلُ أَرْفَعُ الْعُلَمَاءِ كَمَا أَنْتَ أَرْفَعُ النَّاس؛ قَالَ المَلِكُ الْكَامِل: جَزَاكَ اللهُ خَيرَاً كَمَا عَرَّفْتَني، ثُمَّ بَعَثْتُ رُقْعَةً إِلَيْهِ أُوصِيهِ بِهِ؛ فَطَلَبَني؛

فَجِئْتُ، وَإِذَا عِنْدَهُ شَيْخُ الشُّيُوخِ ابْنُ حَمُّوَيْه، وَعِزُّ الدِّينِ الزِّنجَارِيّ؛ فَقَالَ ليَ السُّلْطَان: نحْنُ في أَمْرِ الحَافِظ؛ فَقَال: أَيُّهَا المَلِك؛ الْقَوْمُ يَحْسُدُونَهُ، وَهَذَا الشَّيْخُ بَيْنَنَا يَعْني: شَيْخَ الشُّيُوخِ ابْنَ حَمُّوَيْه؛ فَحَلَّفْتُهُ: هَلْ سَمِعْتَ مِنَ الحَافِظِ كَلاَمَاً يُخْرِجُ عَنِ الإِسْلاَم 00؟ فَقَال: لاَ وَاللهِ، مَا سَمِعْتُ مِنهُ إِلاََّ كُلَّ جَمِيل» 0 ـ تَقْدِيرُ الخَلِيفَةِ الْعَادِلِ نُورِ الدِّينِ لَهُ وَخَوْفُهُ مِنه:

قَالَ ضِيَاءُ الدِّينِ المَقْدِسِيّ: رَأَيْتُ بِخَطِّ الحَافِظ: «وَالمَلِكُ الْعَادلُ اجْتَمَعت بِهِ، وَمَا رَأَيْتُ مِنهُ إِلاََّ الجَمِيل، فَأَقْبَل عَلَيَّ وَقَامَ إِليَّ وَالْتَزَمَني، وَدَعَوْتُ لَهُ، ثُمَّ قُلْتُ: عِنْدَنَا قُصُور؛ هُوَ الَّذِي يُوجِبُ التَّقْصِير؛ فَقَال: مَا عِنْدَكَ لاَ تَقْصِيرٌ وَلاَ قُصُور، وَذَكَرَ أَمْرَ السُّنَّةِ فَقَال: مَا عِنْدَكَ شَيْءٌ تُعَابُ بِهِ لاَ في الدِّينِ وَلاَ الدُّنْيَا، وَلاَ بُدَّ لِلنَّاسِ مِن حَاسِدِين» 0

قَالَ ضِيَاءُ الدِّينِ المَقْدِسِيّ: سَمِعْتُ فَضَائِلَ بْنَ محَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ سُرُورٍ المَقْدِسِيَّ يَقُول: «ذَكَرُواْ أَنَّ الْعَادِلَ [أَيْ نُورُ الدِّينِ] قَال: مَا خِفْتُ مِن أَحَدٍ مَا خِفْتُ مِن هَذَا؛ فَقُلْنَا: أَيُّهَا المَلِك هَذَا رَجُلٌ فَقِيه، قَال: لَمَّا دَخَلَ مَا خُيِّلَ إِلَيَّ إِلاََّ أَنَّهُ سَبُع» 0 ـ بَعْضُ كَرَامَاتِه، في حَيَاتِهِ، وَبَعْدَ مَمَاتِهِ، وَبَعْضُ مَنْ رَآهُ في مَنَامَاتِهِ:

قَالَ ضِيَاءُ الدِّينِ المَقْدِسِيّ: سَمِعْتُ أَبَا مُوسَى ابْنَ الحَافِظِ يَقُول: حَدَّثَني أَبُو محَمَّدٍ أَخُو اليَاسَمِينيِّ قَال: كُنْتُ يَوْمَاً عِنْدَ وَالِدك، فَقُلْتُ في نَفْسِي: أَشْتَهِي لَوْ أَنَّ الحَافِظ يُعْطِيني ثَوْبه حَتىَّ أُكَفَّنَ فِيه، فَلَمَّا أَرَدْتُ الْقِيَامَ خَلَعَ ثَوْبَهُ الَّذِي يَلِي جَسَدَهُ وَأَعْطَانِيه، وَبَقِيَ الثَّوْبُ عِنْدَنَا، كُلُّ مَنْ مَرِضَ تَرَكَوهُ عَلَيْهِ فَيُعَافَى» 0

قَالَ ضِيَاءُ الدِّينِ المَقْدِسِيّ: «رَأَيْتُ في النَّوْمِ بِمَرْوَ كَأَنَّ الْبُخَارِيَّ بَيْنَ يَدَيِ الحَافِظِ عَبْدِ الْغَنيِّ يَقْرَأُ عَلَيْهِ مِنْ جُزْء، وَكَانَ الحَافِظُ يَرُدُّ عَلَيْه» 0 أَيْ يُرَاجِعُهُ وَيَعْتَرِضُ عَلَيْهِ في بَعْضِ المَسَائِلِ وَالْعِلَل 0 قَالَ الضِّيَاءُ المَقْدِسِيّ: سَمِعْتُ أَبَا مُوسَى ابْنَ الحَافِظِ يَقُول: حَدَّثَني هِبَةُ اللهِ بْنُ حَيْدَرَةَ قَال: «لَمَّا خَرَجْتُ لِلصَّلاَةِ عَلَى الحَافِظِ لَقِيَني رَجُلٌ فَقَال:

أَنَا غَرِيبٌ رَأَيْتُ الْبَارِحَةَ كَأَنيِّ في أَرْضٍ بِهَا قَوْمٌ عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ بِيض، فَقُلْتُ: مَا هَؤُلاَء 00؟! قِيل: مَلاَئِكَةُ السَّمَاءِ نَزَلُواْ لِمَوْتِ الحَافِظ» 0 قَالَ الضِّيَاءُ المَقْدِسِيّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ يُونُسَ المَقْدِسِيّ الأَمِينَ يَقُول: رَأَيْتُ كَأَنيِّ بمَسْجِدِ الدَّيْرِ وَفِيهِ رِجَالٌ عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ بِيض؛ وَقَعَ في نَفْسِي أَنَّهُمْ مَلاَئِكَة، فَدَخَلَ الحَافِظُ عَبْدُ الْغَنيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَه؛ فَقَالُواْ بِأَجْمَعهِمْ: نَشْهَدُ بِاللهِ إِنَّكَ مِن أَهْلِ اليَمِين 00 مَرَّتَينِ أَوْ ثَلاَثَاً» 0

قَالَ ضِيَاءُ الدِّينِ المَقْدِسِيّ: سَمِعْتُ الْفَقِيهَ أَحْمَدَ بْنَ محَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْغَنيِّ يَقُول: ((رَأَيْتُ أَخَاكَ الْكَمَالَ عَبْدَ الرَّحِيمِ في النَّوْمِ فَقُلْتُ: يَا فُلاَن؛ أَيْنَ أَنْت 00؟ قَالَ رَحِمَهُ الله: في جَنَّةِ عَدْن؛ فَقُلْتُ: أَيُّمَا أَفْضَل: الحَافِظُ أَوِ الشَّيْخُ أَبُو عُمَر [ابْنُ قُدَامَةَ المَقْدِسِيُّ صَاحِبُ المُغْني]؛ فَقَال: مَا أَدْرِي، أَمَّا الحَافِظُ فُكُلَّ لَيْلَةِ جُمُعَةٍ يُنْصَبُ لَهُ كُرْسِيٌّ تَحْتَ الْعَرْشِ يَقْرَأُ عَلَيْهِ الحَدِيث، وَيُنْثَرُ عَلَيْهِ الدُّرُّ وَالجَوْهَر، وَهَذَا نَصِيبي مِنهُ، وَكَانَ في كُمِّهِ شَيْء)) 0

سليمان التيمي

سُلَيْمَانُ التَّيْمِيّ هُوَ الإِمَامُ الحَافِظُ سُلَيْمَانُ بْنُ طَرْخَانَ أَبُو المُعْتَمِرِ التَّيْمِيُّ الْبَصْرِيّ 0 وُلِدَ سَنَةَ 46 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 143 هـ 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: رَوَى عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنه، وَعَن أَبي عُثْمَانَ النَّهْدِيّ، وَيَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّير، وَطَاوُوس، وَأَبي مِجْلَز، وَالحَسَنِ الْبَصْرِيّ، وَطَلْقِ بْنِ حَبِيب، وَثَابِتٍ الْبُنَانيّ، وَقَتَادَة، وَالأَعْمَش 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ [أَحَدُ شُيُوخِهِ]، وَابْنُهُ مُعْتَمِر، وَشُعْبَة، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيّ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَة، وَيَزِيدُ بْنُ زُرَيْع، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَك، وَهُشَيْمُ بْنُ بَشِير، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَة، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيم [ابْنُ عُلَيَّة]، وَيحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّان، وَيَزِيدُ بْنُ هَارُون، وَيحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُمْ 0

ـ قَالُواْ في تَوْثِيقِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ الْبَكْرَاوِيُّ عَنْ شُعْبَةَ بْنِ الحَجَّاجِ قَال: «شَكُّ ابْنِ عَوْنٍ وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ يَقِين» 0 وَقَالَ عَنهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «هُوَ ثِقَة، وَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ في أَبي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ مِن عَاصِمٍ الأَحْوَل» 0 وَقَالَ عَنهُ يحْيىَ بْنُ مَعِينٍ وَالإِمَامُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا: «ثِقَة» 0 وَقَالَ عَنهُ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْعِجْلِيّ: «ثِقَةٌ مِن خِيَارِ أَهْلِ الْبَصْرَة» 0

ـ قَالُواْ عَن حِفْظِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ نَوْفَلُ بْنُ مُطَهِّرٍ عَنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ المُبَارَكِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «حُفَّاظُ الْبَصْرِيِّينَ ثَلاَثَة: سُلَيْمَانُ التَّيْمِيّ، وَعَاصِمٌ الأَحْوَل، وَدَاوُدُ بْنُ أَبي هِنْد، وَعَاصِمٌ أَحْفَظُهُمْ»

ـ عَقِيدَتُهُ وَمَذْهَبُهُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عِيسَى عَنْ مَهْدِيِّ بْنِ هِلاَلٍ قَال: «أَتَيْتُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيَّ، فَوَجَدْتُ عِنْدَه حَمَّادَ بْنَ زَيْد، وَيَزِيدَ بْنَ زُرَيْع، وَبِشْرَ بْنَ المُفَضَّل، وَأَصْحَابَنَا الْبَصْرِيِّين؛ فَكَانَ لاَ يُحَدِّثُ أَحَدَاً حَتىَّ يَمْتَحِنَهُ فَيَقُولَ لَه: الزِّنىَ بِقَدَر 00؟ فَإِنْ قَالَ نَعَمْ؛ اسْتَحْلَفَه أَنَّ هَذَا دِينُكَ الَّذِي تَدِينُ اللهَ بِهِ 00؟ فَإِن حَلَفَ حَدَّثَهُ خَمْسَةَ أَحَادِيث» 0

ـ قَالُواْ عَنْ صَلاَحِهِ وَتَقْوَاه، وَحُسْنِ عِبَادَتِهِ لله: حَدَّثَ الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ عَن حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَال: «مَا أَتَيْنَا سُلَيْمَانَ التَّيْمِيَّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ في سَاعَةٍ يُطَاعُ اللهُ فِيهَا إِلاََّ وَجَدْنَاهُ مُطِيعَاً، وَكُنَّا نَرَى أَنَّهُ لاَ يُحْسِنُ يَعْصِي الله» 0 وَقَالَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الحَمِيد: «إِنَّ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيَّ لَمْ تَمَرَّ سَاعَةٌ قَطُّ عَلَيْهِ إِلاََّ تَصَدَّقَ بِشَيْء؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ صَلَّى رَكْعَتَيْن» 0

حَدَّثَ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ عَن عَبَّاسِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ يحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ قَال: «خَرَجَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ إِلىَ مَكَّة؛ فَكَانَ يُصَلِّي الصُّبْحَ بِوُضُوءِ عِشَاءِ الآخِرَة» 0 حَدَّثَ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ عَنْ يحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «كَانَ عَامَّةُ دَهْرِ التَّيْمِيِّ يُصَلِّي الْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ بِوُضُوءٍ وَاحِد، وَكَانَ يُسَبِّحُ بَعْدَ الْعَصْرِ إِلىَ المَغْرِب» 0

حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى عَنْ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «مَكَثَ أَبي أَرْبَعِينَ سَنَةً يَصُومُ يَوْمَاً، وَيُفْطِرُ يَوْمَاً، وَيُصَلِّي صَلاَةَ الْفَجْرِ بِوُضُوءِ عِشَاءَ الآخِرَة» حَدَّثَ المُسَيَّبُ بْنُ وَاضِحٍ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «أَقَامَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ أَرْبَعِينَ سَنَةً إِمَامَ الجَامِعِ بِالبَصْرَة، يُصَلِّي الْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ بِوُضُوءٍ وَاحِد»

وَقَالَ عَنهُ ابْنُ سَعْدٍ في «طَبَقَاتِهِ»: «مِنَ الْعُبَّادِ المُجْتَهِدِين، كَثِيرُ الحَدِيث، ثِقَة، يُصَلِّي اللَّيْلَ كُلَّه بِوُضُوءِ عِشَاءِ الآخِرَة، وَكَانَ هُوَ وَابْنُه يَدُورَانِ بِاللَّيْلِ في المَسَاجِدِ فَيُصَلِّيَانِ في هَذَا المَسْجِدِ مَرَّةً، وَفي هَذَا المَسْجِدِ مَرَّةً؛ حَتىَّ يُصْبِحَا» 0 ـ قَالُواْ عَن خَوْفِهِ مِنَ الله: حَدَّثَ الرَّبِيعُ بْنُ يحْيىَ عَنْ شُعْبَةَ بْنِ الحَجَّاجِ قَال: «مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً أَصدَقَ مِنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه؛ كَانَ إِذَا حَدَّثَ عَنِ النَّبيِّ

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَغَيَّرَ لَوْنُه» 0 حَدَّثَ عَلِيُّ بْنُ المَدِينِيّ [شَيْخُ الإِمَامِ البُخَارِيِّ] عَنْ يحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ رَحمَهُ اللهُ قَال: «مَا جَلَسْتُ إِلىَ أَحَدٍ أَخَوْفَ للهِ مِنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه» 0 حَدَّثَ سَعِيدٌ الْكُرَيْزِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَامِرٍ الضُّبَعِيِّ قَال: «مَرِضَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ فَبَكَى؛ فَقِيلَ لَهُ: مَا يُبْكِيك 00؟

قَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: مَرَرْتُ عَلَى قَدَرِيٍّ فَسَلَّمْتُ عَلَيْه؛ فَأَخَافُ الحِسَابَ عَلَيْه» 0 ـ مِن أَقْوَالِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ خَالِدُ بْنُ الحَارِثِ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «لَوْ أَخَذتَ بِرُخْصَةِ كُلِّ عَالِم: اجْتَمَعَ فِيكَ الشَّرُّ كُلُّه» 0 قَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيّ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيُذْنِبُ الذَّنْبَ فَيُصبِحُ وَعَلَيْهِ مَذَلَّتُه» 0 حَدَّثَ مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَن أَبِيهِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال:

«أَمَا وَاللهِ لَوْ كُشِفَ الْغِطَاء؛ لَعَلِمَتِ الْقَدَرِيَّةُ أَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاََّمٍ لِلْعَبِيد» 0 لأَنَّهُمْ يَقُولُونَ أَنَّ الإِنْسَانَ مُجْبَرٌ مُسَيَّر، وَلَيْسَ بِمُخَيَّر، وَأَنَّ عَمَلَهُ عَلَيْهِ قُدِّر؛ تَعَالىَ اللهُ عَمَّا يَقُولُون ـ بَعْضُ كَرَامَاتِهِ بَعْدَ مَمَاتِهِ، وَبَعْضُ مَنْ رَآهُ فيِ مَنَامَاتِهِ: حَدَّثَ غَسَّانُ بْنُ المُفَضَّلِ عَن إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ قَال: «اسْتَعَارَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ مِنْ رَجُلٍ فَرْوَةً فَلَبِسَهَا ثُمَّ رَدَّهَا؛

قَالَ الرَّجُل: فَمَا زِلْتُ أَجِدُ فِيهَا رِيحَ المِسك 00!! وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ تَنَازُع؛ فَتَنَاولَ الرَّجُلُ سُلَيْمَانَ فَغَمَزَ بَطْنَه، فَجَفَّتْ يَدُ الرَّجُل» 0 حَدَّثَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الحَمِيدِ عَنْ رَقَبَةَ بْنِ مَصْقَلَةَ قَال: «رَأَيْتُ رَبَّ الْعِزَّةِ في المَنَامِ فَقَال: لأُكْرِمَنَّ مَثْوَى سُلَيْمَانَ التَّيْمِيّ؛ صَلَّى لِيَ الْفَجْرَ بِوُضُوءِ الْعِشَاءِ أَرْبَعِينَ سَنَة» 0

يزيد بن هارون

يَزِيدُ بْنُ هَارُون هُوَ الإِمَامُ الحَافِظ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ بْنِ زَاذَي السُّلَمِيُّ الْوَاسِطِيّ [وَاسِط: مَدِينَةٌ بِالْعِرَاقِ بَنَاهَا الحَجَّاج] وُلِدَ سَنَةَ 118 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 206 هـ 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: وَسَمِعَ مِنْ شُعْبَةَ بْنِ الحَجَّاج، وَسَعِيدِ بْنِ أَبي عَرُوبَة، وَشَرِيكِ بْنِ عَبْدِ الله، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيل، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاش، وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيّ، وَيحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ الْقَاضِي، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عَوْن، وَدَاوُدَ بْنِ أَبي هِنْد، وَبَهْزِ بْنِ حَكِيم، وَعَاصِمٍ الأَحْوَل، وَحَرِيزِ بْنِ عُثْمَان، وَشَيْبَانَ النَّحْوِيّ، وَخَلْقٍ كَثِير 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ عَلِيُّ بْنُ المَدِينيّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل، وَأَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبي شَيْبَة، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْب، وَالحَسَنُ بْنُ عَرَفَة، وَعَبْدُ اللهِ الدَّارِمِيّ، وَعَبَّاسٌ الدُّورِيّ، وَأَحْمَدُ بْنُ الْفُرَات، وَإِسْحَاقُ الْكَوْسَج، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مُنَيْر، وَمحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْر، وَالحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الخَلاََّل، وَأَحْمَدُ بْنُ سِنَان، وَأَحْمَدُ بْنُ الْوَلِيدِ الْفَحَّام، وَبَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيد، وَأَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الرُّهَاوِيّ، وَأَبُو قِلاَبَةَ الرَّقَاشِيّ، وَيَعْقُوبُ الدَّوْرَقِيّ، وَمحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْوَاسِطِيّ 0

ـ نُبْذَةٌ عَن نَشْأَتِهِ وَرِحْلَتِهِ في طَلَبِ الْعِلْمِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: رَوَى حَمْدَوَيْه بْنُ الخَطَّابِ، عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيِّ قَال: «أَصلُ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ مِنْ بُخَارَى» 0 ـ قَالُواْ عَنْ مَدَى تَوْثِيقِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: وَقَالَ يحْيىَ بْنُ مَعِين: «ثِقَة» 0

قَالَ يحْيىَ بْنُ مَعِينٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ مِثْلُ هُشَيْمٍ وَابْنِ عُلَيَّةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمَا» 0 قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «سَمَاعُ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ مِنْ سَعِيدِ بْنِ أَبي عَرُوبَةَ ضَعِيف؛ أَخْطَأَ في أَحَادِيث» 0 قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ مُعَلِّقَاً: «إِنَّمَا الضَّعْفُ فِيهَا مِنْ قِبَلِ سَعِيدِ بْنِ أَبي عَرُوبَة؛ لأَنَّهُ سَمِعَ مِنهُ بَعْدَ التَّغَيُّر» 0 حَدَّثَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي عَن أَبي بَكْرٍ بْنِ أَبي شَيْبَةَ قَال:

«مَا رَأَيْتُ أَتْقَنَ حِفْظَاً مَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُون» 0 وَقَالَ عَنهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِي: «ثِقَةٌ إِمَامٌ صَدُوقٌ لاَ يُسْأَلُ عَنْ مِثْلِهِ» 0 حَدَّثَ مُؤَمَّلُ بْنُ يَهَابَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «مَا دَلَّسْتُ حَدِيثَاً قَطُّ إِلاََّ حَدِيثَاً وَاحِدَاً عَن عَوْفٍ الأَعْرَابيّ؛ فَمَا بُورِكَ لي فِيه» 0 ـ قَالُواْ عَن حِفْظِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ عَلِيُّ بْنُ المَدِينِيّ [شَيْخُ الإِمَامِ البُخَارِيّ]: «مَا رَأَيْتُ أَحْفَظَ مَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُون»

وَقَالَ عَنهُ يحْيىَ بْنُ يحْيىَ التَّمِيمِيّ: «هُوَ أَحْفَظُ مِنْ وَكِيع» 0 وَقَالَ زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «مَا رَأَيْتُ لِيَزِيدَ كِتَابَاً قَطّ، وَلاَ حَدَّثَنَا إِلاََّ حِفْظَاً» وَقَالَ عَنهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «كَانَ يَزِيدُ حَافِظَاً مُتْقِنَاً» 0 قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي: «الإِتْقَانُ أَكْبَرُ مِن حِفْظِ السَّرْد» 0 قَالَ أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبي شَيْبَةَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ: «مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً أَتْقَنَ حِفْظَاً مَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُون»

حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ عَنْ يحْيىَ بْنِ يحْيىَ رَحمَهُ اللهُ قَال: «كَانَ بِالعِرَاقِ أَرْبَعَةٌ مِنَ الحُفَّاظ: شَيْخَان: يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ وَهُشَيْم، وَكَهْلاَن: وَكِيعُ بْنُ الجَرَاح، وَيَزِيدُ بْنُ هَارُون؛ وَيَزِيدُ أَحْفَظُهُمَا» 0 حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ عَنْ يحْيىَ بْنِ يحْيىَ رَحمَهُ اللهُ قَال: «كَانَ بِالعِرَاقِ أَرْبَعَةٌ مِنَ الحُفَّاظ: شَيْخَان: يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ وَهُشَيْم، وَكَهْلاَن: وَكِيعُ بْنُ الجَرَاحِ وَيَزِيدُ بْنُ هَارُون؛ وَيَزِيدُ أَحْفَظُهُمَا»

حَدَّثَ الأَبَّارُ عَن أَحْمَدَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «أَحْفَظُ عِشْرِينَ أَلْفَاً، فَمَنْ شَاءَ فَلْيُدْخِلْ فِيهَا حَرفَاً» 0 حَدَّثَ عَلِيُّ بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «أَحْفَظُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ أَلْفَ حَدِيثٍ بِالإِسْنَادِ وَلاَ فَخْر، وَأَحْفَظُ لِلشَّامِيِّينَ عِشْرِينَ أَلْفَ حَدِيث» ـ قَالُواْ عَنْ فِقْهِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

حَدَّثَ الْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ سُئِلَ: «يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ لَهُ فِقْه 00؟ قَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: نَعَمْ، مَا كَانَ أَذْكَاهُ وَأَفْهَمَهُ وَأَفْطَنَهُ» 0 ـ ثَنَاءُ الأَئِمَّهِ عَلَيْه، رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ عَن هُشَيْمٍ رَحمَهُ اللهُ قَال: «مَا بِالمِصْرَيْنِ مِثْلُ يَزِيدَ بْنِ هَارُون» 0 قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

«كَانَ يَزِيدُ يُعَدُّ مِنَ الآمِرِينَ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّاهِينَ عَنِ المُنْكَر» 0 ـ ثَنَاءُ الإِمَامِ الذَّهَبيِّ رَحْمَهُ اللهُ عَلَيْه: قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحمَهُ الله: «كَانَ رَأْسَاً في الْعِلْمِ وَالعَمَل، ثِقَةً حُجَّةً كَبِيرَ الشَّأْن» ـ عَقِيدَتُهُ وَمَذْهَبُهُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ عَنْ شَاذِّ بْنِ يحْيىَ عَنْ يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال:

«مَنْ قَالَ «الْقُرْآنُ مَخْلُوق» فَهُوَ زِنْدِيق، وَقَدْ كَانَ يَزِيدُ رَأْسَاً في السُّنَّة، مُعَادِيَاً لِلْجَهْمِيَّة، مُنْكِرَاً تَأْوِيلَهُمْ في مَسْأَلَةِ الاِسْتِوَاء» 0 ـ مجْلِسُ الحَافِظِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: وَحَدَّثَ يحْيىَ بْنُ أَبي طَالِبٍ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ كَانَ يَحْضُرُ مَجْلِسَهُ سَبْعُونَ أَلْفَاً» 0 قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

«احْتَفَلَ مُحَدِّثُو بَغْدَادَ وَأَهْلُهَا لِقُدُومِ يَزِيدَ بْنِ هَارُون، وَازْدَحَمُواْ عَلَيْهِ لِجَلاَلَتِهِ وَعُلُوِّ إِسْنَادِه» 0 ـ خَوْفُ الخَلِيفَةِ المَأْمُونِ مِنْ فَتَاوَاه، رَحمَهُ الله: حَدَّثَ يحْيىَ بْنُ أَبي طَالِبٍ الحَسَنُ بْنُ شَاذَانَ الحَافِظُ عَنِ ابْنِ عَرْعَرَةَ عَنْ يحْيىَ بْنِ أَكْثَمَ قَال: «قَالَ لَنَا المَأْمُون: لَوْلاَ مَكَانُ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ لأَظْهَرْتُ الْقُرْآنَ مَخْلُوق 0 فَقِيلَ لَه: وَمَنْ يَزِيدُ حَتىَّ يُتَّقَى 00؟

فَقَال: أَخَافُ إِن أَظْهَرْتُهُ، فَيَرُدُّ عَلَيَّ، فَيَخْتَلِفُ النَّاسُ، وَتَكُونُ فِتْنَة» 0 ـ قَالُواْ عَنْ صَلاَحِهِ وَتَقْوَاه، وَخُشُوعِهِ في الصَّلاَة، وَحُسْنِ عِبَادَتِهِ لله: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ سِنَان: «مَا رَأَيْتُ عَالِمَاً قَطُّ أَحْسَنَ صَلاَةً مَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُون؛ يَقُومُ كَأَنَّهُ أُسْطُوَانَة» 0 قَالَ أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ الْقَطَّان: «مَا رَأَيْنَا عَالِمَاً قَطُّ أَحْسَنَ صَلاَةً مَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُون؛ لَمْ يَكُنْ يَفتُرُ مِنْ صَلاَةٍ بِاللَّيْلَ وَالنَّهَار»

قَالَ عَاصِمُ بْنُ عَلِيّ: «كُنْتُ أَنَا وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عِنْدَ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيع، فَأَمَّا يَزِيدُ فَكَانَ إِذَا صَلَّى الْعَتَمَةَ لاَ يَزَالُ قَائِمَاً حَتىَّ يُصَلِّيَ الْغَدَاةَ بِذَلِكَ الْوُضُوءِ نَيِّفَاً وَأَرْبَعِينَ سَنَة» 0 قَالَ محَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغ: «قَالَ رَجُلٌ لِيَزِيدَ بْنِ هَارُون: كم جُزْؤُكَ 00؟ قَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: وَأَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ شَيْئَاً 00؟! إِذَنْ لاَ أَنَامَ اللهُ عَيْني» 0

قَالَ عَنهُ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْعِجْلِيّ: «يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مُتَعَبِّد، حَسَنُ الصَّلاَةِ جِدَّاً، يُصَلِّي الضُّحَى سِتَّ عَشْرَةَ رَكْعَةً، بِهَا مِنَ الجَوْدَةِ غَيْرُ قَلِيل» 0 قَالَ أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ رَحمَهُ الله: «كَانَ يَزِيدُ وَهُشَيْمٌ مَعْرُوفَيْنِ بِطُولِ صَلاَةٍ اللَّيْلَ وَالنَّهَار» ـ مِن أَقْوَالِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ ابْنُ المُقْرِئِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ قُتَيْبَةَ عَنْ مُؤَمَّلِ بْنِ يِهَابَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ قَال:

«اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْنَا مِنَ الثُّقَلاَء» 0 ـ قَالُواْ عَنْ كَرَامَاتِهِ بَعْدَ مَمَاتِهِ، وَمَنْ رَآهُ فيِ مَنَامَاتِهِ: قَالَ أَبُو نَافِعٍ سِبْطُ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه [أَيْ حَفِيدُهُ]: «كُنْتُ عِنْدَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَعِنْدَهُ رَجُلاَن، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: رَأَيْتُ يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ في المَنَام، فَقُلْتُ لَهُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِك 00؟ قَال: غَفَر لي وَشَفَّعَني، وَعَاتَبَني وَقَال: أَتُحَدِّثُ عَن حَرِيزِ بْنِ عُثْمَان 00؟!

فَقُلْتُ: يَا رَبّ، مَا عَلِمْتُ إِلاََّ خَيرَاً؛ قَالَ جَلَّ وَعَلاَ: إِنَّهُ يُبْغِضُ عَلِيَّاً كَرَّمَ اللهُ وَجْهَه، وَقَالَ الرَّجُلُ الآخَر: رَأَيْتُهُ في المَنَامِ فَقُلْتُ لَه: هَلْ أَتَاكَ مُنْكَرٌ وَنَكِير 00؟ قَال: إِي وَاللهِ، وَسَأَلاَني: مَنْ رَبُّكَ 00؟ وَمَا دِينُكَ 00؟ فَقُلْتُ: أَلِمِثْلِي يُقَالُ هَذَا، وَأَنَا كُنْتُ أُعَلِّمُ النَّاسَ بِهَذَا في دَارِ الدُّنْيَا 00؟ فَقَالاَ لي: صَدَقْت» 0

إسماعيل بن أبي خالد

إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبي خَالِد هُوَ الإِمَامُ الحَافِظُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبي خَالِدٍ البَجَلِيُّ الأَحْمَسِيُّ الكُوفِيّ 0 تُوُفِّيَ سَنَةَ 146 هـ 0 كَانَ مُحَدِّثَ الكُوفَةِ في زَمَانِهِ هُوَ وَالأَعْمَش 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: رَوَى عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبي أَوْفَى رَضِيَ اللهُ عَنهُ، وَأَبي جُحَيْفَةَ وَهْبٍ السُّوَائِيِّ، وَعَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ المَخْزُومِيِّ، وَلَهُم صُحْبَةٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ 0 وَرَوَى أَيْضَاً عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْش، وَالشَّعْبيّ، وَمحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنه 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: رَوَى عَنهُ شُعْبَة، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيّ، وَشَرِيك، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، وَعِيسَى بْنُ يُونُسَ، وَوَكِيع، وَيحْيىَ القَطَّان، وَيَزِيدُ بْنُ هَارُون، وَمحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ العَبْدِيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى 0 قَالَ عَنهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيّ: «حُفَّاظُ النَّاسِ ثَلاَثَة: إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبي خَالِد، وَعَبْدُ المَلِكِ بْنُ أَبي سُلَيْمَان، وَيحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيّ 00 وَإِسْمَاعِيلُ أَعْلَمُ النَّاسِ بِالشَّعْبيِّ وَأَثبَتُهُم فِيه» 0

وَقَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل: «أَصَحُّ النَّاسِ حَدِيثَاً عَنِ الشَّعْبيّ: ابْنُ أَبي خَالِد؛ ابْنُ أَبي خَالِد: يَشْرَبُ العِلْمَ شُربَاً» 0 وَقَالَ عَنهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِي: «لاَ أُقَدِّمُ عَلَيْهِ أَحَدَاً مِن أَصْحَابِ الشَّعْبيّ» 0 وَقَالَ عَنهُ محَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمَّارٍ المَوْصِلِيّ: «حُجَّة، إِذَا لَمْ يَكُن إِسْمَاعِيلُ حُجَّةً فَمَنْ يَكُونُ حُجَّة» 00؟! حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ عَن عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ قَال: «لَمْ يَزَلْ أَمْرُ بَني إِسْرَائِيلَ مُعْتَدِلاً حَتىَّ نَشَأَ فِيهِمْ أَبْنَاءُ سَبَايَا الأُمَم، فَقَالُواْ فِيهِمْ بِالرَّأْي؛ فَضَلُّواْ وَأَضَلُّواْ» 0

عبد الله بن وهب

عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْب هُوَ الإِمَامُ الحَافِظُ أَبُو محَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبِ بْنِ مُسْلِمٍ الْفِهْرِيُّ المِصْرِيّ 0 وُلِدَ سَنَةَ 125 هـ، وَتُوُفِّيَ في شَعْبَانَ سَنَةَ 197 هـ 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: رَوَى عَنِ الإِمَامِ مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْد، وَابْنِ جُرَيْج، وَحَيْوَةَ بْنِ شُرَيْح، وَحَرْملَةَ بْنِ عِمْرَان، وَابْنِ لَهِيعَة، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ الإِفْرِيقِيّ 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: رَوَى عَنهُ شَيْخُهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْد، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيّ، وَسَعِيدُ بْنُ أَبي مَرْيم، وَابْنُ التُّسْتَرِيّ، وَحَرْمَلَةُ بْنُ يحْيىَ، وَأَحْمَدُ بْنُ صَالح، وَيحْيىَ بْنُ أَيُّوبَ المَقَابِرِيّ، وَسُحْنُونُ بْنُ سَعِيدٍ عَالِمُ المَغْرِب، وَيحْيىَ بْنُ يحْيىَ اللَّيْثِيّ، وَالحَارِثُ بْنُ مِسْكِين، وَغَيْرُهُمْ 0 ـ رِحْلَتُِهُ المُبَكِّرَةُ في طَلَبِ الْعِلْمِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ عَنْ نَفْسِهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «طَلَبْتُ الْعِلْمَ وَأَنَا ابْنُ سَبْعَ عَشْرَة» 0

ـ قَالُواْ في تَوْثِيقِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ في «الْكَامِل»: «لاَ أَعْلَمُ لَهُ حَدِيثَاً مُنْكَرَاً مِنْ رِوَايَةِ ثِقَةٍ عَنهُ» 0 ـ ثَنَاءُ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَلَيْه: رَوَى إِبْرَاهِيمُ أَبُو طَالِبٍ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ قَال: «مَا أَصَحَّ حَدِيثَ ابْنِ وَهْبٍ وَأَثْبَتَهُ؛ يَفْصِلُ السَّمَاعَ مِنَ الْعَرْض» 0 ـ ثَنَاءُ الإِمَامِ مَالِكٍ عَلَيْه: كَانَ الإِمَامُ مَالِكٌ يَكْتُبُ إِلَيْهِ:

«إِلىَ عَبْدِ اللهِ بْنِ وَهْبٍ مُفْتي أَهْلِ مِصْر، وَلَمْ يَفْعَلْ هَذَا مَعَ غَيْرِه» 0 ـ ثَنَاءُ الإِمَامِ الذَّهَبيِّ عَلَيْه: وَقَالَ عَنهُ أَيْضَاً الإِمَامُ الذَّهَبيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «كَانَ مِن أَوْعِيَةِ الْعِلْمِ وَمِنْ كُنُوزِ الْعَمَل» 0 ـ ثَنَاءُ سَحْنُونَ فَقِيهِ المَغْرِبِ عَلَيْه: قَالَ سَحْنُون: «مَا عَمِيَتْ عَلَيَّ مَسْأَلَةٌ: إِلاََّ وَجَدْتُ فَرَجَهَا في كُتُبِ ابْنِ وَهْب» 0 ـ قَالُواْ عَنْ مُؤَلَّفَاتِه: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِح:

«صَنَّفَ ابْنُ وَهْبٍ مِاْئَةً وَعِشْرِينَ أَلْفَ حَدِيث، كُلُّهُ عِنْدَ حَرْمَلَةَ إِلاَّ حَدِيثَين» 0 ـ قَالُواْ عَنْ صَلاَحِهِ وَتَقْوَاه، وَمحَاسَبَتُهُ لِنَفْسِهِ رَحمَهُ الله: قَالَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ الْوَرَّاقِ عَن أَبِيهِ عَن حَرْمَلَةَ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ وَهْبٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَال: «نَذَرْتُ أَنيِّ كُلَّمَا اغْتَبْتُ إِنْسَانَاً أَن أَصُومَ يَوْمَاً؛ فَأَجْهَدَني؛ فَكُنْتُ أَغْتَابُ وَأَصُوم؛ فَنَوَيْتُ أَنيِّ كُلَمَّا اغْتَبْتُ إِنْسَانَاً أَن أَتَصَدَّقَ بِدِرْهَم؛ فَمِن حُبِّ الدَّرَاهِمِ تَرَكْتُ الْغِيبَة»

0 ـ حُزْنُ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ رَحْمَهُ اللهُ عَلَيْه: قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ بْنُ عَمْرٍو: «جَاءنَا نَعْيُ ابْنِ وَهْبٍ وَنحْنُ في مجْلِسِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ فَقَال: إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون، أُصِيبَ بِهِ المُسْلِمُونَ عَامَّةً، وَأُصِبْتُ بِهِ خَاصَّةً» 0 قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ مُفَسِّرَاً: «قَدْ كَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ لَهُ دُنْيَا وَثَرْوَة؛ فَكَانَ يَصِلُ سُفْيَانَ وَيَبَرُّه؛ فَلِهَذَا يَقُول: أُصِبْتُ بِهِ خَاصَّةً» 0

ـ قَالُواْ عَنْ كَرَامَاتِهِ بَعْدَ مَمَاتِهِ، وَمَنْ رَآهُ فيِ مَنَامَاتِهِ: حَدَّثَ الْعُتْبيُّ عَنْ سُحْنُونَ بْنِ سَعِيدٍ فَقِيهِ المَغْرِبِ أَنَّهُ رَأَى في النَّوْمِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ فَقَالَ لَهُ: «مَا فَعَلَ اللهُ بِك 00؟ قَال: وَجَدْتُ عِنْدَهُ مَا أَحْبَبْت، قُلْتُ: فَأَيَّ عَمَلٍ وَجَدْت 00؟ قَالَ تِلاَوَةُ الْقُرْآن، قُلْتُ: فَالمَسَائِل 00؟ فَأَشَارَ يُلَشِّيهَا [أَيْ وَجَدْتُهَا لاَ شَيْء]، وَسَأَلتُهُ عَنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ وَهْبٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ فَقَال: في عِلِّيِّين»

أبو إسحاق الفزاري

أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيّ هُوَ الإِمَامُ الحَافِظُ المُجَاهِدُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ الحَارِثِ بْنِ أَسْمَاءَ بْنِ خَارِجَةَ الْفَزَارِيُّ الشَّامِيّ 0 وُلِدَ سَنَةَ 78 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 186 هـ 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: حَدَّثَ عَن وَمَالِك، وَالأَوْزَاعِيّ، أَبي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيّ، وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَة، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيل، وَسُلَيْمَانَ الأَعْمَش، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيّ، وَيحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَزَائِدَةَ بْنِ قُدَامَة، وَخَالِدٍ الحَذَّاء، وَعَطَاءِ بْنِ السَّائِب، وَأَسْلَمَ المِنْقَرِيّ، وَعُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَر، وَابْنِ شَوْذَب، وَخَلْقٍ كَثِير

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ: الأَوْزَاعِيّ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيّ [وَهُمَا مِنْ شُيُوخِهِ]، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ، وَبَقِيَّة، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عَوْنٍ الخَرَّاز، وَعَمْرٌو النَّاقِد، وَأَبُو نُعَيْمٍ الحَلَبيُّ، وَخَلْقٌ كَثِير 0 ـ قَالُواْ عَنْ مَدَى تَوْثِيقِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: ذَكَرَهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِي فَقَال: «الثِّقَةُ المَأْمُونُ الإِمَام» 0 وَقَالَ عَنهُ الإِمَامُ النَّسَائِيّ: «ثِقَةٌ مَأْمُون، أَحَدُ الأَئِمَّة» 0

قَالَ محَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الأَصْبَهَانيُّ الْبَنَّاء: «حَدَّثَ الإِمَامُ الأَوْزَاعِيُّ رَحمَهُ اللهُ بحَدِيثٍ فَقَال: حَدَّثَني الصَّادِقُ المَصْدُوقُ أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيّ» ـ قَالُواْ عَنْ فِقْهِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَال عَلِيُّ بْنُ بَكَّارٍ الزَّاهِد: «رَأَيْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَوْنٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ فَمَنْ بَعْدَهُ؛ مَا رَأَيْتُ فِيهِمْ أَفْقَهَ مِن أَبي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيّ» 0 ـ قَالُواْ عَنْ مُصَنَّفَاتِهِ في السِّيَرِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

حَدَّثَ الخَلِيلِيُّ عَنِ الحُمَيْدِيِّ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَال: «لَمْ يُصَنِّفْ أَحَدٌ في السِّيَرِ مِثْلَ كِتَابِ أَبي إِسْحَاق» 0 وَلاَ تَخْلِطَنَّ بَينَ أَبي إِسْحَاقَ وَابْنِ إِسْحَاقَ صَاحِبِ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ الَّتي هَذَِّبَهَا ابْنُ هِشَام 0 ـ ثَنَاءُ الأَئِمَّهِ عَلَيْه، وَتَوْثِيقُهُمْ لَه: قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيّ: «كَانَ مِن أَئِمَّةِ الحَدِيث» 0 قَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «تُوُفِّيَ أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنهُ» 0

قَال سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «وَاللهِ مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً أُقَدِّمُهُ عَلَى أَبي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيّ» 0 قَالَ عَنهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِي: «اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ الْفَزَارِيَّ إِمَامٌ يُقْتَدَى بِهِ بِلاَ مُدَافَعَة» 0 قَالَ الحُمَيْدِيّ: «جَاءَ رَجُلٌ إِلىَ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ فَقَال: حَدَّثَني أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ عَنْكَ بِكَذَا 00؟ فَقَال: وَيْحَكَ إِذَا سَمِعْتَ أَبَا إِسْحَاقَ يُحَدِّثُ عَنيِّ؛ فَلاَ يَضُرُّكَ أَنْ لاَ تَسْمَعَهُ مِنيِّ» 0

قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «كَانَ الإِمَامُ الأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ إِمَامَينِ في السُّنَّة» 0 ـ قَالُواْ عَنْ شَجَاعَتِهِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: قَالَ عَنهُ أَحْمَدُ الْعِجْلِيّ:

«أَمَرَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ سُلْطَانَاً وَنَهَاه؛ فَضَرَبَهُ مِاْئََتيْ سَوْط؛ فَغَضِبَ لَهُ الأَوْزَاعِيُّ وَتَكَلَّمَ في أَمرِه» 0 ـ قَالُواْ عَنْ تَفَانِيهِ في مَنْفَعَةِ المُسْلِمِين: قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الجَوْهَرِيّ: «قُلْتُ لأَبي أُسَامَةَ: أَيُّهُمَا أَفْضَل: الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ أَوْ أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيّ 00؟ فَقَالَ غَفَرَ اللهُ لَه: كَانَ الْفُضَيْلُ رَجُلَ نَفْسِهِ، وَكَانَ أَبُو إِسْحَاقَ رَجُلَ عَامَّة» 0 وَقَالَ عَنهُ أَحْمَدُ الْعِجْلِيّ:

«كَانَ ثِقَةً صَاحِبَ سُنَّةٍ صَالِحَاً، هُوَ الَّذِي أَدَّبَ أَهْلَ الثَّغْرِ وَعَلَّمَهُمْ السُّنَّة، وَكَانَ يَأْمُرُ وَيَنْهَى، وَإِذَا دَخَلَ الثَّغْرَ رَجُلٌ مُبْتَدِعٌ أَخْرَجَهُ، وَكَانَ كَثِيرَ الحَدِيث، وَلَهُ فِقْه» 0 ـ قَالُواْ عَن حُزْنِ المُسْلِمِينَ عَلَيْه، رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: لَمَّا مَاتَ أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَالَ عَطَاءُ بْنُ السَّائِب: «مَا دَخَلَ عَلَى الأُمَّةِ مِنْ مَوْتِ أَحَدٍ مَا دَخَلَ عَلَيْهِمْ مِنْ مَوْتِ أَبي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيّ» 0

ـ قَالُواْ عَنْ بَعْضِ مَا كَانَ لَهُ مِنَ الْكَرَامَات، وَمَا رُؤِيَ فِيهِ مِنَ المَنَامَات: حَدَّثَ أَبُو أُسَامَةَ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «رَأَيْتُ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النَّوْمِ وَإِلىَ جَنْبِهِ فُرْجَةٌ؛ فَذَهَبْتُ لأَجْلِسَ؛ فَقَالَ لي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: هَذَا مَجْلِسُ أَبي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيّ» 0

ابن أبي ذئب

ابْنُ أَبي ذِئْب هُوَ محَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ المُغِيرَةِ بْنِ الحَارِثِ بْنِ أَبي ذِئْبٍ الْعَامِرِيّ، وَاسْمُ أَبي ذِئْب: هِشَامُ بْنُ شُعْبَة 0 وُلِدَ سَنَةَ 80 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 159 هـ 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: حَدَّثَ عَن عِكْرِمَة، وَشُرَحْبيلَ بْنِ سَعْد، وَسَعِيدٍ المَقْبُرِيّ، وَنَافِع، وَشُعْبَةَ مَوْلىَ ابْنِ عَبَّاس، وَالحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيّ، وَابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيّ، وَالزِّبْرِقَانِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيّ، وَمحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِر، وَحَدَّثَ عَن خَلْقٍ سِوَاهُمْ كَثِير 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَك، وَيحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّان، وَابْنُ أَبي فُدَيْك، وَأَبُو نُعَيْم، وَوَكِيع، وَآدَمُ بْنُ أَبي إِيَاس، وَالقَعْنَبيّ، وَعَلِيُّ بْنُ الجَعْد، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْب، وَخَلْقٌ سِوَاهُمْ كَثِيرٌ 0 ـ ثَنَاءُ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللهُ عَلَيْه: قَالَ عَنهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل: «كَانَ يُشَبَّهُ بِسَعِيدِ بْنِ المُسَيَّب؛ فَقِيلَ لأَحْمَدَ: خَلَّفَ مِثْلَه 00؟ قَالَ لاَ، ثُمَّ قَالَ عَنهُ الإِمَامُ أَحْمَد:

كَانَ أَفْضَلَ مِنْ مَالِك، إِلاََّ أَنَّ مَالِكَاً رَحِمَهُ اللهُ أَشَدُّ تَنْقِيَةً لِلرِّجَالِ مِنهُ» 0 قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: «بَلَغَ ابْنَ أَبي ذِئْبٍ أَنَّ مَالِكَاً لَمْ يَأْخُذْ بِحَدِيثِ: «الْبَيِّعَانِ بِالخِيَار»؛ فَقَالَ رَحِمَهُ الله: يُسْتَتَاب؛ فَإِنْ تَابَ وَإِلاََّ ضُرِبَتْ عُنُقُه، ثُمَّ قَالَ أَحْمَدُ: هُوَ أَوْرَعُ وَأَقْوَلُ بِالحَقِّ مِنْ مَالِك» 0 ـ ثَنَاءُ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللهُ عَلَيْه:

حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ المُسَيَّبِ الأَرْغِيَانيُّ عنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الأَعْلَى عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيَّ قَال: «مَا فَاتَني أَحَدٌ فَأَسِفْتُ عَلَيْهِ مَا أَسِفْتُ عَلَى اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَابْنِ أَبي ذِئْب» 0 ـ دِفَاعُ الإِمَامِ الذّهَبيِّ عَنهُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذّهَبيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «وَكَانَ مِن أَوْرَعِ النَّاسِ وَأَوْدَعِهِمْ [أَيْ أَرَقِّهِمْ وَأَلْيَنِهِمْ جَانِباً]، وَرُمِيَ بِالقَدَر، وَمَا كَانَ قَدَرِيَّاً، لقَدْ كَانَ يَتَّقِي قَوْلَهُمْ وَيَعِيبُهُ، وَلَكِنَّهُ كَانَ

رَجُلاً كَرِيمَاً، يجْلِسُ إِلَيْهِ كُلُّ أَحَد، وَمَا كَانَ يَطْرُدُ أَحَدَاً، وَلاَ يَقُولُ لَهُ شَيْئَاً، وَإِنْ مَرِضَ عَادَهُ؛ فَكَانُواْ يَتَّهِمُونَه بِالقَدَرِ لِهَذَا وَشِبْهِه» 0 ـ قَالُواْ عَنْ وَرَعِهِ صَلاَحِهِ وَتَقْوَاه، وَعِبَادَتِهِ لله: قَالَ تِلْمِيذُهُ الْوَاقِدِيّ: «كَانَ يُصَلِّي اللَّيْلَ أَجْمَع، وَيَجْتَهِدُ في الْعِبَادَة، وَلَوْ قِيلَ لَهُ: إِنَّ الْقِيَامَةَ تَقُومُ غَدَاً؛ مَا كَانَ فِيهِ مَزِيدٌ مِنَ الاِجْتِهَاد، أَخْبَرَني أَخُوهُ، قَال: كَانَ أَخِي يَصُومُ يَوْمَاً وَيُفْطِرُ يَوْمَاً، ثُمَّ

سَرَدَ الصَّوْم [أَيْ وَاصَلَهُ]، وَكَانَ رَقِيقَ الحَال، يَتَعَشَّى الخُبْزَ وَالزَّيْت، وَلَهُ قَمِيصٌ وَطَيْلَسَانُ يَشْتُو فِيهِ وَيَصِيف، قَالَ: وَكَانَ مِنْ رِجَالِ النَّاسِ شَجَاعَةً وَقَوْلاً بِالحَقّ، وَكَانَ يحْفَظُ حَدِيثَهُ، لَمْ يَكُنْ لَهُ كِتَاب، وَكَانَ يَرُوحُ إِلىَ الجُمُعُةِ بَاكِرَاً، فَيُصَلِّي إِلىَ أَنْ يخْرُجَ الإِمَام، وَلَمَّا وَلِيَ المَدِينَةَ جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، بَعَثَ إِلىَ ابْنِ أَبي ذِئْبٍ بمائَةِ دِينَارٍ، فَاشْتَرَى مِنهَا سَاجَاً [مِعْطَفٌ دَاكِنُ اللَّوْن] كُرْدِيَّاً بِعَشْرَةِ دَنَانيْرَ،

فَلَبِسَه عُمُرَهُ، وَقَدِمَ بِهِ عَلَيْهِمْ بَغْدَادَ، فَلَمْ يَزَالُواْ بِهِ حَتىَّ قَبِلَ مِنهُمْ؛ فَأَعْطَوْهُ أَلفَ دِينَار» 0 ـ قَالُواْ عَنْ شَجَاعَتِهِ وَجُرْأَتِهِ في الحَقّ: قَالَ حَمَّادُ بْنُ خَالِد: «كَانَ يُشَبَّهَ بَابْنِ المُسَيَّبِ رَحِمَهُ الله، وَمَا كَانَ هُوَ وَمَالِكٌ في مَوْضِعٍ عِنْدَ سُلْطَان؛ إِلاََّ تَكَلَّمَ ابْنُ أَبي ذِئْبٍ بِالحَقّ، وَالأَمْرِ وَالنَّهْي، وَمَالِكٌ سَاكِت» 0 قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ:

«دَخَلَ عَلَى أَبي جَعْفَرٍ المَنْصُور؛ فَلَمْ يَهُلْهُ أَنْ قَالَ لَهُ الحَقّ، وَقَالَ لَه: الظُّلْمُ بِبَابِكَ فَاش» 0 حَدَّثَ الْبَغَوِيُّ عَن هَارُونَ بْنِ سُفْيَانَ عَن أَبي نُعَيْمٍ قَال: «حَجَجْتُ عَامَ حَجَّ أَبُو جَعْفَر، وَمَعَهُ ابْنُ أَبي ذِئْب، وَمَالِكُ بْنُ أَنَس؛ فَدَعَا ابْنَ أَبي ذِئْبٍ فَأَقعَدَهُ مَعَهُ عَلَى دَارِ النَّدْوَة؛ فَقَالَ لَهُ: مَا تَقُولُ في الحَسَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَسَن [أَمِيرِ المَدِينَة] 00؟

فَقَالَ رَحِمَهُ الله: إِنَّهُ لَيَتَحَرَّى الْعَدْل، فَقَالَ لَهُ: مَا تَقُولُ فِيَّ [كَرَّرَهَا مَرَّتَيْن] 00؟ فَقَالَ رَحِمَهُ الله: وَرَبِّ هَذِهِ الْبَنِيَّة؛ إِنَّكَ لَجَائِر؛ فَأَخَذَ الرَّبِيعُ الحَاجِبُ بِلِحْيَتِهِ؛ فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَر: كُفَّ يَا ابْنَ اللَّخْنَاء، ثُمَّ أَمَرَ لاِبْنِ أَبي ذِئْبٍ بِثَلاَثِمِاْئَةِ دِينَار» 0 ـ خَبَرُ وَفَاتِهِ رَحِمَهُ الله: قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «أَدْرَكَهُ الأَجَلُ بِالْكُوفَةِ غَرِيبَاً، وَذَاكَ في سَنَةِ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ وَمِاْئَة» 0

عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّهُ قَال: «تُوُفِّيَ رَجُلٌ بِالمَدِينَةِ مِمَّنْ وُلِدَ بِالمَدِينَة، فَصَلَّى عَلَيْهِ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَال: «يَا لَيْتَهُ مَاتَ في غَيْرِ مَوْلِدِه» 0 فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ النَّاس: وَلِمَ يَا رَسُولَ الله 00؟! قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا مَاتَ في غَيْرِ مَوْلِدِهِ: قِيسَ لَهُ مِنْ مَوْلِدِهِ إِلى مُنْقَطَعِ أَثَرِهِ في الجَنَّة» 0 [صَحَّحَهُ الْعَلاَّمَة أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْم: 6656، وَحَسَّنَهُ الْعَلاَّمَة الأَلبَانيُّ في الجَامِعِ الصَّحِيحِ وَفي مِشْكَاةِ المَصَابِيحِ بِرَقْمَيْ: 1616، 1593، كَمَا حَسَّنَهُ أَيْضَاً في سُنَنيِ الإِمَامَينِ «النَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَةَ» بِرَقْمَيْ: 1832، 1614]

القعنبي

الْقَعْنَبيّ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَة هُوَ الإِمَامُ الثَّبْتُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَارِثِيُّ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ المَدَنيُّ نَزَلَ الْبَصْرَةَ ثمَّ مَكَّة وُلِدَ سَنَةَ 133 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 221 هـ 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: سَمِعَ مِن أَفْلَحَ بْنِ حُمَيْد، وَابْنِ أَبي ذِئْب، وَشُعْبَةَ بْنِ الحَجَّاج، وَيَزِيدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التُّسْتَرِيّ، وَمَالِكِ بْنِ أَنَس، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْد، وَالدَّرَاوَرْدِيّ، وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَة، وَعِدَّة 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ الإِمَامُ الْبُخَارِيّ، وَمُسْلِم، وَأَبُو دَاوُد، وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِي، وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي 0 ـ قَالُواْ في تَوْثِيقِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ عَنهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِي: «ثِقَةٌ حُجَّةٌ لَمْ أَرَ أَخْشَعَ مِنهُ» 0

قَالَ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيد: «ذَكَرَ عَلِيُّ بْنُ المَدِينيِّ أَصْحَابَ مَالِكٍ فَقِيلَ لَهُ: «مَعْنُ بْنُ عِيسَى ثُمَّ الْقَعْنَبيّ؛ قَال عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: لاَ، بَلِ الْقَعْنَبيُّ ثُمَّ مَعْنُ بْنُ عِيسَى» 0 حَدَّثَ الإِمَامُ ابْنُ خُزَيْمَةَ عَنْ نَصْرِ بْنِ مَرْزُوقٍ أَنَّهُ قَال: «أَثْبَتُ النَّاسِ في «المُوَطَّإِ» الْقَعْنَبيّ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ بَعْدَه» 0 حَدَّثَ عَبْدُ اللهِ بْنُ محَمَّدٍ الْقَزْوِينيُّ عَنِ المَيْمُونيِّ عَنِ الْقَعْنَبيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «اخْتَلَفْتُ إِلىَ مَالِكٍ ثَلاَثِينَ سَنَة، مَا مِن حَدِيثٍ في «المُوَطَّأِ» إِلاََّ لَوْ شِئْتُ قُلْتُ سَمِعْتُهُ مِرَارَاً»

ـ قَالُواْ عَن بِدَايَةِ جُلُوسِهِ لِلدَّعْوَةِ إِلىَ الله، وَنَشْرِهِ لِحَدِيثِ رَسُولِ الله: قَالَ أَبُو سَبْرَةَ المَدِينيّ: «قُلْتُ لِلْقَعْنَبيّ: حَدَّثْتَ وَلَمْ تَكُنْ تُحَدِّث؛ قَال: إِنيِّ أُرِيْتُ كَأَنَّ الْقِيَامَةَ قَدْ قَامَتْ، فَصِيحَ بِأَهْلِ الْعِلْم؛ فَقَامُواْ وَقُمْتُ مَعَهُمْ، فَنُودِيَ بي أَنِ اجْلِسْ؛ فَقُلْتُ: إِلَهِي أَلَمْ أَكُن أَطْلُبُ الْعِلْم 00؟!

قَالَ جَلَّ جَلاَلهُ بَلَى، وَلَكِنَّهُمْ نَشَرُواْ وَأَخْفَيْتَهُ؛ فَحَدَّثْت» 0 ـ قَالُواْ عَن إِخْلاَصِهِ لله: قَالَ يحْيىَ بْنُ مَعِينٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «مَا رَأَيْتُ رَجُلاً يُحَدِّثُ للهِ إِلاََّ وَكِيعَاً وَالقَعْنَبيّ» 0 قَالَ أَبُو حَفْصٍ الْفَلاََّس: «كَانَ الْقَعْنَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ مُجَابَ الدَّعْوَة» 0 ـ قَالُواْ عَن خُشُوعِهِ في الصَّلاَة: قَالَ عَنهُ أَبُو حَاتِمٍ الْوَرَّاق: «لَمْ أَرَ أَخْشَعَ مِنهُ» 0

قَالَ عَنهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِي، وَأَبُو حَاتِمٍ الْوَرَّاق: «لَمْ أَرَ أَخْشَعَ مِنهُ» 0 ـ قَالُواْ عَن خَوْفِهِ مِنَ الله: حَدَّثَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الهَيْثَمِ عَنْ جَدِّهِ قَال: «كُنَّا إِذَا أَتَيْنَا الْقَعْنَبيَّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ خَرَجَ إِلَيْنَا كَأَنَّهُ مُشْرِفٌ عَلَى جَهَنَّم» 00 أَيْ عَلَيْهِ مِنَ الحُزْنِ مَا اللهُ بِهِ عَلِيم 0 ـ قَالُواْ عَن حُسْنِ عِبَادَتِهِ لله: كَانَ يُسَمَّى الرَّاهِبُ لاِجْتِهَادِهِ في الْعِبَادتِهِ 0 قَالَ محَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْفَرَّاء:

«سَمِعْتُهُمْ بِالْبَصْرَةِ يَقُولُون: عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبيُّ مِنَ الأَبْدَال» 0 حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الزُّهَيْرِيُّ عَنِ الحُنَيْنيِّ قَال: «كُنَّا عِنْدَ مَالِكٍ، فَقَدِمَ الْقَعْنَبيُّ مِنْ سَفَرٍ؛ فَقَالَ الإِمَامُ مَالِكٌ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: قُومُواْ بِنَا إِلىَ خَيْرِ أَهْلِ الأَرْض» 0 ـ قَالُواْ عَنْ صَلاَحِهِ وَتَقْوَاه: وَقَالَ عَنهُ عَبْدُ اللهِ الخُرَيْبيُّ وَكَانَ كَبِيرَ الْقَدْر: «حَدَّثَني الْقَعْنَبيُّ عَنْ مَالِك؛ وَهُوَ وَاللهِ عِنْدِي خَيْرٌ مِنْ مَالِك» 0

ـ قَالُواْ عَنْ مَكَانَتِهِ وَعُلُوِّ قَدْرِه: قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي: «مَا كَتَبْتُ عَن أَحَدٍ أَجَلَّ في عَيْني مِنَ الْقَعْنَبيّ» 0 حَدَّثَ أَبُو إِسْحَاقَ المُسْتَمْلِي عَن أَحْمَدَ بْنِ مُنِيرٍ الْبَلْخِيِّ عَن حَمْدَانَ الْبَلْخِيِّ قَال: «مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً إِذَا رُؤِيَ ذُكِرَ اللهُ تَعَالىَ إِلاََّ الْقَعْنَبيَّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه؛ فَإِنَّهُ كَانَ إِذَا مَرَّ بِمَجْلِسٍ يَقُولُونَ «لاَ إِلَهَ إِلاََّ الله»» 0

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ: «مَن أَوْلِيَاءُ اللهِ تَعَالىَ» 00؟ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «الَّذِينَ إِذَا رُؤُواْ؛ ذُكِرَ اللهُ تَعَالىَ» 0 [صَحَّحَهُ الأَلْبَانيُّ في الصَّحِيحِ وَالصَّحِيحَةِ بِرَقْمَيْ: 2587، 1733، رَوَاهُ الحَكِيمُ وَالبَزَّارُ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَالنَّسَائِيُّ في السُّنَنِ الكُبْرَى]

الأشجعي

الأَشْجَعِيّ هُوَ الإِمَامُ الحَافِظُ الثَّبْتُ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُبَيْدِ الرَّحْمَنِ الأَشْجَعِيّ 0 كَانَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ مِن أَهْلِ الْكُوفَة، فَلَمْ يَزَلْ بِبَغْدَادَ حَتىَّ تُوُفِّيَ سَنَةَ 182 هـ 0 حَدَّثَ عَن هِشَامِ بْنِ عُرْوَة، وَشُعْبَةَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيّ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبي خَالِد، وَجَمَاعَة 0 حَدَّثَ عَنهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَك، وَالإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل، وَأَبُو خَيْثَمَة، وَعُثْمَانُ بْنُ أَبي شَيْبَة 0

ـ قَالُواْ عَنْ تَدْوِينِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ لِلْحَدِيثِ النَّبَوِيّ: قَالَ الأَشْجَعِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «كَتَبْتُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ ثَلاَثِينَ أَلْفَاً» 0 حَدَّثَ الإِمَامُ أَبُو دَاوُدَ صَاحِبُ السُّنَنِ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلَ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «كَانَ الأَشْجَعِيُّ يَكْتُبُ في المَجْلِس؛ فَمِنْ ذَاكَ صَحَّ حَدِيثُه» 0 وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ في «طَبَقَاتِهِ»: «رَوَى الأَشْجَعِيُّ كُتُبَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِهَا، وَرَوَى عَنهُ «الجَامِع»» 0

ـ قَالُواْ عَنْ تَوْثِيقِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: وَقَالَ عَنهُ يحْيىَ بْنُ مَعِين: «الأَشْجَعِيُّ ثِقَةٌ مَأْمُون» 0 قَالَ عَنهُ الإِمَامُ النَّسَائِيّ: «ثِقَة» 0 حَدَّثَ أَحْمَدُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ مُحْرِزٍ عَنْ يحْيىَ بْنِ مَعِينٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَال: «مَا كَانَ بِالكُوفَةِ أَحَدٌ أَعْلَمَ بِسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ مِنَ الأَشْجَعِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه؛ كَانَ أَعْلَمَ بِهِ مِنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيّ، وَمِنْ يحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّان 000، وَسَمَّى جَمَاعَةً» 0

ـ قَالُواْ عَنْ تَوَاضُعِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الرُّهَاوِيُّ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ عُقْبَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَال: «لَمَّا مَاتَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَرَادُواْ الأَشْجَعِيَّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ عَلَى أَنْ يَقْعُدَ مَكَانَهُ فَأَبَى؛ حَتىَّ كَلَّمُواْ زَائِدَةَ بْنَ قُدَامَةَ فَقَعَد» 0

هشام الدستوائي

هِشَامٌ الدَّسْتَوَائِيّ [أَبُو بَكْرٍ بْنُ سَنْبَرٍ الْبَصْرِيّ] كَانَ يُتَاجِرُ في الْقِمَاشِ الَّذِي يُجْلَبُ مِنْ دَسْتُوَا؛ وَلِذَا قِيلَ لَهُ الدَّسْتَوَائِيِّ 0 وَدَسْتُواْ: بَلْدَةٌ بِالأَهْوَاز؛ شَمَالَ شَرْقِ الخَلِيجِ العَرَبيّ، جَنُوبَ الحُدُودِ الْعِرَاقِيَّةِ الإِيرَانِيَّة 0 وُلِدَ سَنَةَ 75 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 152 هـ وَقِيلَ 153 هـ 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: حَدَّثَ عَنْ يحْيىَ بْنِ أَبي كَثِير، وَقَتَادَة، وَمَطَرٍ الْوَرَّاق، وَعَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَة، وَعَامِرٍ الأَحْوَل، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ أَبي نَجِيحٍ، وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانيّ، وَبُدَيْلِ بْنِ مَيْسَرَة، وَمَعْمَرِ بْنِ رَاشِد 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ ابْنَاهُ مُعَاذٌ وَعَبْدُ الله، وَشُعْبَة، وَابْنُ المُبَارَك، وَابْنُ عُلَيَّة، وَيحْيىَ الْقَطَّان، وَوَكِيع، وَغُنْدَر، وَيَزِيدُ بْنُ هَارُون، وَأَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيّ، وَأَبُو نُعَيْم، وَأَبُو سَلَمَةَ التَّبُوذَكِي 0 ـ قَالُواْ عَن حِفْظِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ: قَالَ يَزِيدُ بْنُ زُرَيْع: «سَمِعْتُ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانيَّ يَأْمُرُنَا بِهِشَامِ بْنِ أَبي عَبْدِ اللهِ الدَّسْتَوَائِيِّ وَيَحُثُّ عَلَى الأَخْذِ عَنهُ» 0

حَدَّثَ يحْيىَ بْنُ مَعِين: عَنْ شُعْبَةَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ قَال: «هِشَامٌ أَعْلَمُ بِحَدِيثِ قَتَادَةَ مِنيِّ، وَأَكْثَرُ مُجَالَسَةً لَهُ مِنيِّ» 0 قَالَ يحْيىَ بْنُ مَعِين: «كَانَ يحْيىَ الْقَطَّانُ إِذَا سَمِعَ الحَدِيثَ مِن هِشَامٍ الدَّسْتَوَائِيّ؛ لاَ يُبَالِي أَنْ لاَ يَسْمَعَهُ مِن غَيْرِه» 0 حَدَّثَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِي عَن أَبي غَسَّانَ التُّسْتَرِيِّ عَن أَبي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ رَحِمَهُ اللهُ قَال: «كَانَ هِشَامٌ الدَّسْتَوَائِيُّ أَمِيرَ المُؤْمِنِين» 00 أَيْ في الحَدِيث 0

قَالَ الْعِجْلِيّ: «هِشَامٌ بَصْرِيٌّ ثِقَة، ثَبْتٌ في الحَدِيث، كَانَ أَرْوَى النَّاسِ عَنْ ثَلاَثَة: قَتَادَة، وَحَمَّادِ بْنِ أَبي سُلَيْم، وَيحْيىَ بْنِ أَبي كَثِير» 0 قَالَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ الرَّازِي: «سَأَلْتُ أَبي، وَأَبَا زُرْعَة: مَن أَحَبُّ إِلَيْكُمَا مِن أَصْحَابِ يحْيىَ بْنِ أَبي كَثِير 00؟ قَالاَ: هِشَامٌ الدَّسْتَوَائِيّ، قُلْتُ لَهُمَا: وَالأَوْزَاعِيّ 00؟ قَالاَ: بَعْدَه» 0

ـ ثَنَاءُ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللهُ عَلَيْه: قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل: «الدَّسْتَوَائِيُّ لاَ تَسْأَلْ عَنهُ أَحَدَاً؛ مَا أَرَى النَّاسَ يَرْوُونَ عَن أَحَدٍ أَثْبَتَ مِنهُ» 0 ـ قَالُواْ عَنْ تَوَاضُعِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ: حَدَّثَ عَوْنُ بْنُ عُمَارَةَ عَن هِشَامٍ الدَّسْتَوَائِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «وَاللهِ مَا أَسْتَطِيعُ أَن أَقُولَ إِنيِّ ذَهَبْتُ يَوْمَاً قَطُّ أَطْلُبُ الحَدِيثَ أُرِيدُ بِهِ وَجْهَ اللهِ جَلَّ وَعَلاَ» 0

حَدَّثَ أُمَيَّةُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ شُعْبَةَ رَحِمَهُ اللهُ قَال: «مَا مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَقُولُ إِنَّهُ طَلَبَ الحَدِيثَ يُرِيدُ بِهِ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلاََّ هِشَامَاً الدَّسْتَوَائِيّ، كَانَ يَقُول: لَيْتَنَا نَنْجُو مِن هَذَا الحَدِيثِ كَفَافَاً، لاَ لَنَا وَلاَ عَلَيْنَا 00 [أَيْ وَلاَ نُسْأَلَ مَاذَا عَمِلْنَا فِيمَا عَلِمْنَا] ثُمَّ قَالَ شُعْبَةُ مُعَلِّقَاً: إِذَا كَانَ هِشَامٌ يَقُولُ هَذَا، فَكَيْفَ نَحْن» 00؟! ـ قَالُواْ عَنْ صَلاَحِهِ وَتَقْوَاه، وَخَوْفِهِ مِنَ الله: قَالَ شَاذُ بْنُ فَيَّاض: «بَكَى هِشَامٌ الدَّسْتَوَائِيُّ حَتىَّ فَسَدَتْ عَيْنُه؛ فَكَانَتْ مَفْتُوحَةً وَهُوَ لاَ يَكَادُ يُبْصِرُ بِهَا» 0

ابن علية

إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيم [ابْنُ عُلَيَّة] هُوَ الإِمَامُ الْعَلاََّمَةُ الحَافِظُ الثَّبْتُ ابْنُ عُلَيَّةَ أَبُو بِشْرٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مِقْسَمٍ الأَسَدِيّ 0 وُلِدَ سَنَةَ 110 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 193 هـ 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: سَمِعَ محَمَّدَ بْنَ المُنْكَدِر، وَيُونُسَ بْنَ عُبَيْد، وَحُمَيْدَاً الطَّوِيل، وَعَطَاءَ بْنَ السَّائِب، وَابْنَ جُرَيْج، وَخَالِدَاً الحَذَّاء، وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيّ، وَدَاوُدَ بْنَ أَبي هِنْد، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ أَبي نَجِيح، وَخَلْقَاً كَثِيرَاً 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: رَوَى عَنهُ ابْنُ جُرَيْج، وَشُعْبَة [وَهُمَا مِنْ شُيُوخِهِ]، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْد، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، وَعَلِيُّ بْنُ المَدِينيّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل، وَأَبُو خَيْثَمَة، وَيَحْيىَ بْنُ مَعِين، وَأَبُو حَفْصٍ الْفَلاََّس، وَأَحْمَدُ بْنُ مَنِيع، وَنَصْرُ بْنُ عَلِيّ، وَالحَسَنُ بْنُ عَرَفَة، وَمحَمَّدُ بْنُ المُثَنىَّ، وَخَلْقٌ كَثِير 0

ـ نُبْذَةٌ عَنهُ وَعَن أَوْلاَدِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: تَكَلَّمَ في الْقُرْآنِ غَفَرَ اللهُ لَهُ ثُمَّ تَابَ قَبِلَ اللهُ مِنهُ 0 حَدَّثَ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ يَزِيدَ مَرْدَوَيْه عَن إِسْمَاعِيلَ ابْنَ عُلَيَّةَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُول: «الْقُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوق» 0 وَمِن أَشْهَرِ أَبْنَائِهِ: قَاضِي دِمَشْقَ أَبُو بَكْرٍ محَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ابْنِ عُلَيَّةَ شَيْخُ الإِمَامِ النَّسَائِيّ، وَهُوَ ثِقَةٌ حَافِظٌ مَاتَ أَبُوهُ وَهُوَ صَبيّ، وَلَهُ ابْنٌ آخَرُ جَهْمِيٌّ شَيْطَانٌ اسْمُهُ

إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيل، كَانَ يَقُولُ بخَلْقِ الْقُرْآنِ وَيُنَاظِر، وَابْنٌ آخَرُ اسْمُهُ حَمَّادُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ [مِنْ شُيُوخِ الإِمَامِ مُسْلِم] ـ قَالُواْ في تَوْثِيقِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ أَحْمَدُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ مُحْرِزٍ عَنْ يحْيىَ بْنِ مَعِينٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «كَانَ إِسْمَاعِيلُ ثِقَةً مَأْمُونَاً صَدُوقَاً، مُسْلِمَاً وَرِعَاً تَقِيَّاً» 0 قَالَ يحْيىَ بْنُ مَعِينٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «كَانَ ابْنُ عُلَيَّةَ غَفَرَ اللهُ لَهُ ثِقَةً تَقِيَّاً وَرِعَاً» 0

حَدَّثَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَن أَبِيهِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «إِسْمَاعِيلَ المُنْتَهَى في التَّثَبُّتِ بِالبَصْرَة» 0 وَقَالَ الإِمَامُ النَّسَائِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «ابْنُ عُلَيَّةَ: ثِقَةٌ ثَبْت» 0 قَالَ عَلِيُّ بْنُ المَدِينِيّ [شَيْخُ الإِمَامِ البُخَارِيّ]: «مَا أَقُولُ إِنَّ أَحَدَاً أَثْبَتُ في الحَدِيثِ مِن إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّة» 0 قَالَ يَعْقُوبُ السَّدُوسِيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «ابْنُ عُلَيَّةَ ثَبْتٌ جِدَّاً» 0 قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه:

«اتَّفَقَ عُلَمَاءُ الأُمَّةِ عَلَى الاِحْتِجَاجِ بِإِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْعَدْلِ المَأْمُون» 0 ـ قَالُواْ عَنْ مَدَى تَوْثِيقِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ عَلِيُّ بْنُ المَدِينيِّ عَنْ يحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ قَال: «ابْنُ عُلَيَّةَ أَثْبَتُ مِنْ وُهَيْبٍ» وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «هُوَ أَثْبَتُ مِن هُشَيْم» 0 ـ قَالُواْ عَن حِفْظِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: وَقَالَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

«كَانُواْ يَقُولُون: الحُفَّاظُ أَرْبَعَة: إِسْمَاعِيل، وَوُهَيْب، وَعَبْدُ الْوَارِث، وَيَزِيدُ بْنُ زُرَيْع» 0 وَقَالَ زِيَادُ بْنُ أَيُّوب: «مَا رَأَيْتُ لإِسْمَاعِيلَ ابْنِ عُلَيَّةَ كِتَابَاً قَطّ» 0 وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانيُّ [صَاحِبُ السُّنَن]: «مَا أَحَدٌ مِنَ المُحَدِّثِينَ إِلاََّ وَقَدْ أَخْطَأ؛ إِلاََّ إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ وَبِشْرُ بْنُ المُفَضَّل» 0 وَكَانَ يُقَال: «ابْنُ عُلَيَّةَ يَعُدُّ الحُرُوف» 00 أَيْ لأَنَِّهُ لاَ يَسْقُطُ مِنهُ حَرْف 0

حَدَّثَ يَعْقُوبُ السَّدُوسِيُّ عَنِ الهَيْثَمِ بْنِ خَالِدٍ قَال: «اجْتَمَعَ حُفَّاظُ الْبَصْرَة؛ فَقَالَ أَهْلُ الْكُوفَة لَهُمْ: نَحُّواْ عَنَّا إِسْمَاعِيلَ وَهَاتُواْ مَنْ شِئْتُمْ» 0 وَقَالَ عَفَّان: «كُنَّا عِنْدَ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه، فَأَخْطَأَ في حَدِيث، وَكَانَ لاَ يَرْجِعُ إِلىَ قَوْلِ أَحَد؛ فَقِيلَ لَهُ: قَدْ خُولِفْتَ فِيه؛ قَالَ غَفَرَ اللهُ لَه: مَن 00؟

قَالُواْ: حَمَّادُ بْنُ زَيْد؛ فَلَمْ يَلْتَفِتْ؛ فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ إِسْمَاعِيلَ ابْنَ عُلَيَّةَ يُخَالِفُك؛ فَقَامَ وَدَخَل، ثُمَّ خَرَجَ فَقَال: الْقَوْلُ مَا قَالَ إِسْمَاعِيل» 0 ـ قَالُواْ عَنْ تَمَكُّنِهِ في عُلُومِ الحَدِيث رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ شُعْبَةَ بْنِ الحَجَِّاجِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَالَ عَنهُ: «إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ سَيِّدُ المُحَدِّثِين» 0

قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «كَانَ فَقِيهَاً إِمَامَاً مُفْتِيَاً مِن أَئِمَّةِ الحَدِيث» 0 قَالَ غُنْدَر: «نَشَأْتُ في الحَدِيثِ يَوْمَ نَشَأْت؛ وَلَيْسَ أَحَدٌ يُقَدَّمُ في الحَدِيثِ عَلَى ابْنِ عُلَيَّة» 0 حَدَّثَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الهَرَوِيُّ عَنْ يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَال: «دَخَلْتُ الْبَصْرَةَ وَمَا بِهَا خَلْقٌ يُفَضَّلُ عَلَى ابْنِ عُلَيَّةَ في الحَدِيث» 0

حَدَّثَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَن أَبِيهِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «فَاتَني مَالِكٌ رَحمَهُ الله؛ فَأَخْلَفَ اللهُ عَلَيَّ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَة، وَفَاتَني حَمَّادُ بْنُ زَيْد؛ فَأَخْلَفَ اللهُ عَلَيَّ إِسْمَاعِيلَ ابْنَ عُلَيَّة» قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «كَانَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ لاَ يَفْرَقُ [أَيْ يَفْزَعُ] مِنْ مُخَالفَةِ وُهَيْبٍ وَالثَّقَفِيّ، وَيَفْرَقُ مِن إِسْمَاعِيلَ إِذَا خَالَفَه» 0 ـ قَالُواْ عَنْ فِقْهِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

حَدَّثَ عَلِيُّ بْنُ الجَعْدِ عَنْ شُعْبَةَ بْنِ الحَجَِّاجِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «ابْنُ عُلَيَّةَ رَيْحَانَةُ الْفُقَهَاء» 0 ـ قَالُواْ عَنْ صَلاَحِهِ وَتَقْوَاه، وَحُسْنِ عِبَادَتِهِ لله: قَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَخَالِدُ بْنُ الحَارِثِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُمَا: «كُنَّا نُشَبِّهُ ابْن عُلَيَّةَ بيُونُسَ بْنِ عُبَيْد» 00 وَمَا أَدْرَاكَ مَنْ يُونُسُ بْنُ عُبَيْد: كَانَ آيَةً في الْوَرَع

غندر

غُنْدَر هُوَ الحَافِظُ المُجَوِّدُ الثَّبْتُ التَّاجُ أَبُو عَبْدِ اللهِ غُنْدَرٌ محَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الهُذَلِيُّ الْكَرَابيْسِيُّ 0 وُلِدَ سَنَةَ 117 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 193 هـ 0 قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «ابْنُ جُرَيْجٍ غَفَرَ اللهُ لَهُ هُوَ الَّذِينَ سَمَّاهُ غُنْدَرَاً؛ وَذَلِكَ لأَنَّهُ تَعَنَّتَ ابْنَ جُرَيْجٍ في الأَخْذِ وَشَغَّبَ عَلَيْهِ أَهْلَ الحِجَاز؛ فَقَالَ لَهُ: مَا أَنْتَ إِلاََّ غُنْدَر» 0 وَالْغُنْدُر: هُوَ الْغُلاَمُ السَّمِينُ الْغَلِيظ 0

ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: رَوَى عَن حُسَينٍ المُعَلِّم، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبي هِنْد، وَعَوْفٍ الأَعْرَابيّ، وَابْنِ جُرَيْج، وَجَعْفَرِ بْنِ مَيْمُونٍ الأَنْمَاطِيّ، وَمَعْمَر، وَسَعِيدِ بْنِ أَبي عَرُوبَة، وَشُعْبَةَ فَأَكْثَرَ عَنهُ وَجَوَّدَ وَحَرَّر 0 ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: رَوَى عَنهُ عَلِيُّ بْنُ المَدِينيّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل، وَيَحْيىَ بْنُ مَعِين، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْه، وَأَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبي شَيْبَة، وَعَمْرُو بْنُ عَلِيّ، وَمحَمَّدُ بْنُ بَشَّار، وَمحَمَّدُ بْنُ المُثَنىّ، وَخَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاط، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَة، وَسُلَيْمَانُ بْنُ أَيُّوبَ صَاحِبُ الْبَصْرِيِّ، وَنَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، وَآخَرُون 0

ـ دَأَبُهُ في طَلَبِ الْعِلْمِ: حَدَّثَ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل عَن غُنْدَرٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَال: «لَزِمْتُ شُعْبَةَ عِشْرِينَ سَنَة» 0 ـ قَالُواْ في تَوْثِيقِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ عَنهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِي: «كَانَ غُنْدَرٌ صَدُوقَاً مُؤَدِّيَاً، وَفي حَدِيثِ شُعْبَةَ ثِقَةً» 0

قَالَ عَنهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيّ: «كُنَّا نَسْتَفِيدُ مِنْ كُتُبِ غُنْدَرٍ في حَيَاةِ شُعْبَة» 0 أَيْ كَانُواْ يَكْتُبُونَ عَنهُ أَحَادِيثَهُ عَنْ شُعْبَةَ في حَيَاةِ شُعْبَة، وَهَذَا لاَ يَعْني أَنَّهُمْ لاَ يَأْخُذُونَ عَنْ شُعْبَة قَالَ عَنهُ عَلِيُّ بْنُ المَدِينِيّ [شَيْخُ الإِمَامِ البُخَارِيّ]: «هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ في شُعْبَةَ مِن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيّ» 0 وَأَقَرَّ بِذَلِكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ فَقَال: «غُنْدَرٌ في شُعْبَةَ، أَثْبَتُ مِنيِّ» 0

حَدَّثَ سَلَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «إِذَا اخْتَلَفَ النَّاسُ في حَدِيثِ شُعْبَة؛ فَكِتَابُ غُنْدَرٍ حَكَمٌ بَيْنَهُمْ» 0 ـ قَالُواْ عَنْ ضَبْطِهِ وَإِتْقَانِهِ في تَدْوِينِ الحَدِيث رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ عَنهُ يحْيىَ بْنُ مَعِينٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «كَانَ أَصَحَّ النَّاسِ كِتَابَاً، وَأَرَادَ بَعْضُ النَّاسِ أَنْ يُخَطِّئَ غُنْدَرَاً فَلَمْ يَقْدِرْ» 0

قَالَ عَنهُ يحْيىَ بْنُ مَعِينٍ رَحمَهُ الله: «أَخْرَجَ غُنْدَرٌ إِلَيْنَا ذَاتَ يَوْمٍ جِرَابَاً فِيهِ كُتُبٌ فَقَال: اجْهَدُواْ أَنْ تُخْرِجُواْ فِيهَا خَطَأً؛ فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ شَيْئَاً» 0 ـ قَالُواْ عَنْ صَلاَحِهِ وَتَقْوَاه، وَحُسْنِ عِبَادَتِهِ لله: قَالَ يحْيىَ بْنُ مَعِينٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «كَانَ يَصُومُ يَوْمَاً وَيُفْطِرُ يَوْمَاً مُنْذُ خَمْسِينَ سَنَةً» 0 ـ بَعْضُ نَوَادِرِهِ غَفَرَ اللهُ لَهُ:

حَدَّثَ عَبَّاسٌ عَنْ يحْيىَ بْنِ مَعِينٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّ غُنْدُرَاً اشْتَرَى سَمَكَاً وَقَالَ لأَهْلِهِ أَصْلِحُوه، وَنَامَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ فَأَكَلَ عِيَالُهُ السَّمَكَ، وَلَطَخُواْ يَدَهُ، فَلَمَّا انْتَبَهَ، قَال: هَاتُواْ السَّمَك 00 قَالُواْ: قَدْ أَكَلْت؛ فَقَالَ لاَ؛ قَالُواْ: فَشُمَّ يَدَك، فَفَعَلَ ثُمَّ قَال: صَدَقْتُمْ، وَلَكِنْ مَا شَبِعْت، وَفي رِوَايَةٍ أُُخْرَى لِلْحُسَينِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَّ غُنْدَرَاً رَحمَهُ اللهُ قَالَ لَهُمْ: «أَفَمَا كَانَ يَدُلُّني بَطْني» 00؟! قَالَ غُنْدَرٌ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «صُمْتُ يَوْمَاً فَأَكَلْتُ فِيهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ نَاسِيَاً، ثُمَّ أَتْمَمْتُ صَوْمِي» 0

مكحول الدمشقي

مَكْحُولٌ الدِّمَشْقِيّ عَالِمُ أَهْلِ الشَّام، تُوُفِّيَ سَنَةَ 112 هـ، وَقِيلَ 114 هـ، وَقِيلَ 116 هـ، وَقِيلَ 118 هـ 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: رَوَى عَن أَبي مُسْلِمٍ الخَوْلاَنِيِّ، وَمَسْرُوق، وَحَدَّثَ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَع رَضِيَ اللهُ عَنه، وَأَبي أُمَامَةَ البَاهِلِيّ رَضِيَ اللهُ عَنه، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنه، وَشُرَحْبِيلَ بْنِ السِّمْطِ، وَسَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَيْرِيزٍ، وَجُبَيْرِ بْنِ نُفَيْر رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ، وَأُمِّ الدَّرْدَاء رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، وَطَاوُوس،

وَكَثِيرِ بْنِ مُرَّة، وَكُرَيْبٍ خَادِمِ سَيِّدِنَا ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنه، وَعَنْبَسَةَ بْنِ أَبي سُفْيَانَ، وَأَبي مُرَّةَ الطَّائِفِيِّ، وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْم ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ الزُّهْرِيّ، وَرَبِيعَةُ الرَّأْي، وَزَيْدُ بْنُ وَاقِدٍ، وَعَامِرٌ الأَحْوَل، وَابْنُ عَوْن، وَابْنُ عَجْلاَن، وَبُرْدُ بْنُ سِنَانٍ، وَيَزِيدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِر، وَمحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاق، وَحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاة، وَعِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، وَمحَمَّدُ بْنُ رَاشِدٍ المَكْحُولِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُمْ كَثِير 0

قَالَ مَكْحُول: «طُفْتُ الأَرْضَ كُلَّهَا في طَلَبِ العِلْم» 0 وَقَالَ في ذَلِكَ أَيْضَاً وَكَانَ عَبْدَاً فَأُعْتِق: «عُتِقْتُ بِمِصْر؛ فَلَمْ أَدَعْ بِهَا عِلْمَاً إِلاََّ احْتَوَيْتُ عَلَيْهِ فِيمَا أَرَى، ثُمَّ أَتَيْتُ العِرَاق؛ فَلَمْ أَدَعْ بِهَا عِلْمَاً إِلاََّ احْتَوَيْتُ عَلَيْهِ فِيمَا أَرَى، ثُمَّ أَتَيْتُ المَدِينَة؛ فَلَمْ أَدَعْ بِهَا عِلْمَاً

إِلاََّ احْتَوَيْتُ عَلَيْه، ثمَّ أَتَيْتُ الشَّامَ فَغَرْبَلْتُهَا 00 كُلُّ ذَلِكَ أَسْأَلُ عَنِ النَّفَل ـ أَيْ أُعْطِيَاتُ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِن خُمُسِه ـ فَلَمْ أَجِدْ أَحَدَاً يُخْبِرُني عَنهُ، حَتىَّ مَرَرْتُ بِشَيْخٍ مِنْ بَني تَمِيمٍ يُقَالُ لَهُ زِيَادُ بْنُ جَارِيَةَ جَالِسَاً عَلَى كُرْسِيّ، فَسَأَلْتُهُ فَقَال: حَدَّثَني حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ قَال: «شَهِدْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَلَ في البُدَاءةِ الرُّبُع، وَفي الرَّجْعَةِ الثُّلُث» 0 قَالَ عَنهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِي: «مَا بِالشَّامِ أَحَدٌ أَفْقَهُ مِنْ مَكْحُول» 0

مكحول الأزدي

مَكْحُولٌ الأَزْدِيّ هُوَ مَكْحُولٌ الأَزْدِيُّ الْبَصْرِيّ 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: رَوَى عَنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ 0 ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: رَوَى عَنهُ الأَوْزَاعِيّ، وَالشَّعْبيّ، وَسَعِيدُ بْنُ المُسَيَّب، وَهَارُونُ بْنُ مُوسَى النَّحْوِيّ 0 قَالَ عَنهُ شُعْبَة: «كَانَ مَكْحُولٌ أَفْقَهَ أَهْلِ الشَّام» 0 كَانَ يَقُولُ مَكْحُول:

«بِأَيِّ وَجْهٍ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ؛ وَقَدْ زَهَّدَكُمْ في أَمْرٍ فَرَغِبْتُمْ فِيه، وَرَغَّبَكُمْ في أَمْرٍ فَزَهِدْتُمْ فِيه» 00؟ أَيْ بِأَيِّ وَجْهٍ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ وَقَدْ رَغَّبَكُمْ في الدِّينِ فَزَهِدْتُمْ فِيه، وَزَهَّدَكُمْ في الدُّنيَا فَرَغِبْتُمْ فِيهَا 0 وَكَانَ غَفَرَ اللهُ لَهُ يَقُول: «لأَن أُقَدَّمَ فَتُضْرَبَ عُنُقِي: أَحَبُّ إِليَّ مِن أَن أَلِيَ القَضَاء» 0

يحيى بن يحيى التميمي

يحْيىَ بْنُ يحْيىَ التَّمِيمِيّ هُوَ عَالِمُ خُرَاسَانَ أَبُو زَكَرِيَّا يحْيىَ بْنُ يحْيىَ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المِنْقَرِيُّ التَّمِيمِيُّ النَّيْسَابُورِيّ 0 وُلِدَ سَنَةَ 142 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 226 هـ 0 ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: كَتَبَ الإِمَامِ مَالِك، وَشَرِيكٍ الْقَاضِي، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْد، وَابْنِ أَبي الزِّنَاد، وَأُمَمٍ سِوَاهُمْ 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ الإِمَامَانِ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِم، وَمحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ المَرْوَزِيّ، وَعُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيّ، وَمحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ الْقُشَيْرِيّ، وَمحَمَّدُ بْنُ يحْيىَ الذُّهْلِيّ، وَزَكَرِيَّا بْنُ دَاوُدَ الخَفَّاف، وَعَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ الصَّفَّار، وَخَلاَئِق 0 ـ قَالُواْ عَنْ صِفَاتِهِ الشَّكْلِيَّة: قَالَ عَنهُ أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ المَرْوَزِيّ: «كَانَ ثِقَةً، حَسَنَ الْوَجْهِ طَوِيلَ اللِّحْيَةِ، خَيِّرَاً فَاضِلاً صَائِنَاً لِنَفْسِه» 0

ـ رِحْلَتُِهُ في طَلَبِ الْعِلْمِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: كَتَبَ عَنْ مَشَايِخِ بَلَدِهِ، وَرَحَلَ إِلىَ الحِجَازِ وَالعِرَاقِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ وَكَتَبَ عَنْ مَشَايِخِهَا 0 ـ قَالُواْ في تَوْثِيقِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ عَنهُ الإِمَامُ النَّسَائِيّ: «ثِقَةٌ ثَبْت» 0 وَقَالَ عَنهُ الإِمَامُ النَّسَائِيُّ في مَوْضِعٍ آخَر: «يحْيىَ بْنُ يحْيىَ النَّيْسَابُورِيُّ الثِّقَةُ المَأْمُون» 0

ـ ثَنَاءُ الأَئِمَّهِ عَلَيْه، رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ عَنهُ أَبُو أَحْمَدَ الْفَرَّاء: «كَانَ إِمَامَاً وَقُدْوَةً وَنُورَاً للإِسْلاَم» 0 قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ محَمَّدِ بْنِ مُسْلِم: كُنْتُ مَعَ أَبي عَبْدِ اللهِ المَرْوَزِيِّ فَقُلْتُ: «مَن أَدْرَكْتَ مِنَ المَشَايِخِ عَلَى سُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم 00؟ فَقَال: مَا أَعْلَمُ، إِلاََّ أَنْ يَكُونَ يحْيىَ بْنَ يحْيىَ» 0 ـ قَالَ عَنِهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْه، رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ يحْيىَ بْنُ محَمَّدِ بْنِ يحْيىَ عَن إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَال: «مَا رَأَيْتُ مِثْلَ يحْيىَ بْنِ يحْيىَ» 0

حَدَّثَ أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلِ عَن أَبي الطَّيِّبِ المَكْفُوفِ عَن إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَال: «أَصْبَحَ يحْيىَ بْنُ يحْيىَ: إِمَامَ أَهْلِ الشَّرْقِ وَالغَرْب» 0 ـ قَالَ عَنِهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ ذَكَرَ يحْيىَ بْنَ يحْيىَ التَّمِيمِيَّ فَذَكَرَ مِنْ فَضْلِهِ وَإِتْقَانِهِ أَمْرَاً عَظِيمَاً» 0

حَدَّثَ أَبُو دَاوُدَ الخَفَّافُ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَالَ عَنهُ: «مَا رَأَى النَّاسُ مِثْلَه» 0 حَدَّثَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الْغَسِيلِيُّ عَنْ صَالِحِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَن أَبِيهِ قَال: «مَا أَخْرَجَتْ خُرَاسَانُ بَعْدَ ابْنِ المُبَارَكِ مِثْلَ يحْيىَ بْنِ يحْيىَ التَّمِيمِيّ» 0 حَدَّثَ الأَثْرَمُ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ ذَكَرَ يحْيىَ بْنَ يحْيىَ التَّمِيمِيَّ فَقَال: بَخٍ بَخٍ؛ ثُمَّ ذَكَرَ قُتَيْبَةَ بْنَ سَعِيدٍ فَأَثْنىَ عَلَيْه، ثُمَّ قَال:

إِلاََّ أَنَّ يحْيىَ بْنَ يحْيىَ التَّمِيمِيَّ شَيْءٌ آخَر» 0 ـ ثَنَاءُ الإِمَامِ الذَّهَبيِّ رَحْمَهُ اللهُ عَلَيْه: قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحمَهُ الله: «لَمْ يَكُنْ بخُرَاسَانَ بَعْدَهُ مِثْلُهُ، إِلاََّ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْه» ـ قَالُواْ عَن عِلْمِهِ وَمَكَانَتِهِ بَينَ المحَدِّثِين رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبَصْرِيُّ عَن أَبي أَحْمَدَ الْفَرَّاءِ عَنِ الحُسَيْنَ بْنَ مَنْصُورٍ قَال:

«كُنَّا عِنْدَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ؛ فَرَوَى حَدِيثَاً عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه؛ فَقُلْتُ: خَالَفَكَ يحْيىَ بْنُ يحْيىَ؛ فَقَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: كَيْفَ قَالَ يحْيىَ 00؟ فَأَخْبَرْتُهُ؛ فَضَرَبَ عَلَى حَدِيثِهِ وَقَال: لاَ خَيْرَ فِيمَا خَالَفَ فِيهِ يحْيىَ بْنُ يحْيىَ» 0 حَدَّثَ خُشْنَامُ بْنُ سَعِيدٍ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ قَال: «كَانَ يحْيىَ بْنُ يحْيىَ عِنْدِي إِمَامَاً، وَلَوْ كَانَتْ عِنْدِي نَفَقَةٌ لَرَحَلْتُ إِلَيْه» 0

حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَخْرَمُ عَنْ يحْيىَ بْنِ محَمَّدِ بْنِ يحْيىَ الذُّهْلِيِّ قَال: «كَانَ أَبي يَرْجِعُ في المُشْكِلاَتِ إِلىَ يحْيىَ بْنِ يحْيىَ وَيَقُول: هُوَ إِمَامٌ فِيمَا بَيْني وَبَيْنَ الله» 0 ـ مَا قِيلَ فِيهِ مِنَ الْكَلِمَات، بَعْدَ المَمَات، وَمَا رُؤِيَ فِيهِ مِنَ المَنَامَات: حَدَّثَ أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ عَن إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَال: «مَاتَ يحْيىَ بْنُ يحْيىَ يَوْم مَاتَ وَهُوَ إِمَامٌ لأَهْلِ الدُّنْيَا» 0

حَدَّثَ أَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاجُ عَنِ الحُسَينِ بْنِ عَبْدَشَ وَكَانَ ثِقَةً عَنْ محَمَّدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُ قَال: «رَأَيْتُ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المَنَامِ فَقُلْتُ: عَمَّن أَكْتُب 00؟ فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: عَنْ يحْيىَ بْنِ يحْيىَ» 0 حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ عَنِ الحُسَينِ بْنِ مَنْصُورٍ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ طَاهِرٍ الأَمِيرِ قَال:

«رَأَيْتُ في النَّوْمِ في رَمَضَانَ كَأَنَّ كِتَابَاً أُدْلِيَ مِنَ السَّمَاء؛ فَقِيلَ لي: هَذَا الْكِتَابُ فِيهِ اسْمُ مَن غُفِرَ لَه؛ فَقُمْتُ فَتَصَفَّحْتُ فِيه؛ فَإِذَا فِيه: بِسْمِ اللهِ الرَِّحْمَنِ الرَِّحِيم: يحْيىَ بْنُ يحْيىَ» 0 حَدَّثَ الحَاكِمُ عَن أَبِيهِ عَن أَبي عَمْرٍو الْعَمْرَوِيِّ وَالي الْبَلَدِ قَال: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ ذَاتَ لَيْلَةٍ عَلَى السَّطْح: إِذْ رَأَيْتُ نُورَاً يَسْطَعُ إِلىَ السَّمَاءِ، مِنْ قَبْرٍ في مَقْبَرَةِ الحُسَين؛ كَأَنَّهُ مَنَارَةٌ بَيْضَاء؛ فَدَعَوْتُ بِغُلاَمٍ لي رَامٍ فَقُلْتُ: ارْمِ ذَاكَ الْقَبْرَ الَّذِي يَسْطَعُ مِنهُ النُّور؛ فَفَعَل، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ؛ بَكَّرْتُ بِنَفْسِي؛ فَإِذَا النَّشَّابَةُ في قَبْرِ يحْيىَ بْنِ يحْيىَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه» 0

القواريري

الْقَوَارِيرِيّ هُوَ الإِمَامُ المُحَدِّثُ الحَافِظُ أَبُو سَعِيدٍ الْبَصْرِيُّ الْقَوَارِيرِيُّ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ الزَّجَّاج 0 وُلِدَ سَنَةَ 152 هـ، وَتُوُفِّيَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ يَوْمَ الجُمُعَةِ سَنَةَ 235 هـ 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: وَحَدَّثَ عَن حَمَّادِ بْنِ زَيْد، وَعَبْدِ الْوَارِث، وَعَبْدِ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيّ، وَخَالِدِ بْنِ الحَارِث، وَغُنْدَر، وَالْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاض، وَيَزِيدَ بْنِ زُرَيْع، وَيُوسُفَ بْنِ المَاجَشُون، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَة، وَأَبي عَوَانَة، وَهُشَيْمِ بْنِ بَشِير، وَيحْيىَ بْنِ أَبي زَائِدَة، وَخَلْقٍ كَثِير 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ الأَئِمَّةُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَد، وَصَالِحُ بْنُ محَمَّدٍ جَزَرَة، وَأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيّ، وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي، وَأَبُو حَاتمٍ الرَّازِي، وَجَعْفَرٌ الْفِرْيَابيّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُمْ 0 ـ جَمْعُهُ وَتَدْوِينُهُ وَحِفْظُهُ لِلْحَدِيثِ النَّبَوِيّ: ذَكَرَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحمَهُ اللهُ في تَرْجَمَتِهِ أَنَّهُ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ جَمَعَ وَدَوَّنَ الْكَثِير قَالَ ابْنُ الأَنْبَارِيّ: سَمِعْتُ ثَعْلَبَاً يَقُول: «سَمِعْتُ مِن عُبَيْدِ اللهِ الْقَوَارِيرِيِّ مِاْئَةَ أَلْفِ حَدِيث» 0

ـ قَالُواْ عَنْ صَلاَحِهِ وَتَقْوَاه، وَحُسْنِ عِبَادَتِهِ لله: قَالَ ابْنُ رِزْقُوَيْه: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الحَسَنِ الْقَطِيعِيَّ قَال: سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِم الْبَغَوِيَّ قَال: «سَمِعْتُ عُبَيْدَ اللهِ الْقَوَارِيرِيَّ يَقُول: لَمْ تَكُنْ تَكَادُ تَفُوتُني صَلاَةُ الْعَتَمَةِ في جَمَاعَة، فَنَزَلَ بي ضَيْف؛ فَشُغِلْتُ بِهِ، فَخَرَجْتُ أَطْلُبُ الصَّلاَةَ في قَبَائِلِ الْبَصْرَة؛ فَإِذَا النَّاسُ قَدْ صَلَّوْاْ؛ فَقُلْتُ في نَفْسِي: يُرْوَى عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال: «صَلاَةُ الجَمِيعِ تَفْضُلُ عَلَى صَلاَةِ الْفَذِّ إِحْدَى وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» 0

وَرُوِيَ: «خَمْسَاً وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» 0 وَرُوِيَ: «سَبْعَاً وَعِشْرِين» 0 فَانْقَلَبْتُ إِلىَ مَنْزِلي، فَصَلَّيْتُ الْعَتَمَةَ سَبْعَاً وَعِشْرِينَ مَرَّةً، ثمَّ رَقَدْتُ، فَرَأَيْتُني مَعَ قَوْمٍ رَاكِبي أَفْرَاس، وَأَنَا رَاكِب، وَنَحْنُ نَتَجَارَى، وَأَفرَاسُهُمْ تَسْبِقُ فَرَسِي، فَجَعَلْتُ أَضْرِبُهُ لأَلحَقَهُمْ، فَالْتَفَتَ إِلَيَّ آخِرُهُمْ فَقَال: لاَ تُجْهِدْ فَرَسَك؛ فَلَسْتَ بِلاَحِقِنَا؛ فَقُلْتُ: وَلِمَ 00؟! قَال: لأَنَّا صَلَّيْنَا الْعَتَمَةَ في جَمَاعَةٍ» 0

ـ بَعْضُ مَا رُؤِيَ فِيهِ مِنَ المَنَامَاتِ الحَسَنَة رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبي اليَمَانِ قَال: سَمِعْتُ حَفْصَ بْنَ عَمْرٍو الرَّبَالِيَّ يَقُول: «رَأَيْتُ عُبَيْدَ اللهِ الْقَوَارِيرِيَّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ في المَنَامِ فَقُلْتُ: مَا صَنَعَ اللهُ بِك 00؟ فَقَالَ لي: غَفَرَ لي، وَعَاتَبَني 0 وَقَال: يَا عُبَيْدَ اللهِ أَخَذْتَ مِن هَؤُلاَءِ الْقَوْم 00؟ فَقُلْتُ: يَا رَبِّ، أَنْتَ أَحْوَجْتَني إِلَيْهِمْ، وَلَوْ لَمْ تُحْوِجْني، لَمْ آخُذْ؛ فَقَالَ لي: إِذَا قَدِمُواْ عَلَيْنَا، كَافَأْنَاهُمْ عَنْك، ثُمَّ قَالَ لي: أَمَا تَرْضَى أَنْ كَتَبْتُكَ في أُمِّ الْكِتَابِ سَعِيدَاً» 00؟

أبو كريب

أَبُو كُرَيْب هُوَ الحَافِظُ الثِّقَةُ الإِمَامُ شَيْخُ المُحَدِّثِينَ أَبُو كُرَيْبٍ محَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ بْنِ كُرَيْبٍ الهَمْدَانيُّ الْكُوفِيّ 0 وُلِدَ سَنَةَ 161 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 248 هـ 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: حَدَّثَ عَن أَبي بَكْرٍ بْنِ عَيَّاش، وَهُشَيْمِ بْنِ بَشِير، وَيحْيىَ بْنِ أَبي زَائِدَة، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ المُبَارَك، وَأَبي خَالِدٍ الأَحْمَرِ، وَابْنِ عُلَيَّة، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَة، وَحَفْصِ بْنِ غِيَاث، وَمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَان، وَيحْيىَ بْنِ يَمَان، وَخَلْقٍ كَثِيرٍ، وَارْتَحَلَ وَجَمَعَ وَصَنَّفَ 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ أَصْحَابُ الْكُتُبُ السِّتَّة [الأَئِمَّةُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَوَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَةَ وَالتِّرْمِذِيّ]، وَمحَمَّدُ بْنُ يحْيىَ الذُّهْلِيّ، وَأَبُو زُرْعَةَ

الرَّازِي، وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِي، وَابْنُ أَبي الدُّنْيَا، وَابْنُ خُزَيْمَة، وَأَبُو يَعْلَى، وَجَعْفَرٌ الْفِرْيَابيّ، وَأَحْمَدُ بْنُ يحْيىَ التُّسْتَرِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ محَمَّدُ بْنُ هَارُونَ الرُّويَانيّ، وَأَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاج، وَأُمَمٌ سِوَاهُمْ 0 ـ قَالُواْ عَنْ صَلاَحِهِ وَتَقْوَاه، وَنَدَمِهِ عَلَى ذَنْبِهِ في حَقِّ الله: قَالَ حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِر: سَمِعْتُ الإِمَامَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ يَقُول:

«لَوْ حَدَّثْتُ عَمَّن أَجَابَ في المِحْنَةِ لَحَدَّثْتُ عَنِ اثْنَيْن: أَبي مَعْمَرٍ، وَأَبي كُرَيْب؛ أَمَّا أَبُو مَعْمَر: فَلَمْ يَزَلْ بَعْدَ مَا أَجَابَ يَذُمُّ نَفْسَه عَلَى إِجَابَتِه وَامْتِحَانِه، وَيُحَسِّنُ أَمْرَ مَنْ لَمْ يُجِبْ، وَأَمَّا أَبُو كُرَيْب: فَأُجْرِيَ عَلَيْهِ دِينَارَانِ وَهُوَ مُحْتَاجٌ فَتَرَكَهُمَا؛ لَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ أُجْرِيَ عَلَيْهِ لِذَلِك» 0 ـ قَالُواْ عَن حِفْظِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ الخَفَّاف:

«مَا رَأَيْتُ مِنَ المَشَايِخِ بَعْدَ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْه: أَحْفَظَ مِن أَبي كُرَيْب» 0 قَالَ مُوسَى بْنُ إِسْحَاقَ: «سَمِعْتُ مِن أَبي كُرَيْبٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ مِاْئَةَ أَلْفِ حَدِيث» 0 سُئِلَ الحَافِظُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبي طَالِبٍ عَن أَحْفَظِ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَقَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «لَمْ أَرَ بَعْدَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَحْفَظَ مِن أَبي كُرَيْبٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمَا» 0

قَالَ الحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُورِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ ابْنَ عُقْدَةَ يُقَدِّمُ أَبَا كُرَيْبٍ في الحِفْظِ وَالكَثْرَةِ عَلَى جَمِيعِ مَشَايِخِهِمْ وَيَقُول: ظَهَرَ لأَبي كُرَيْبٍ بِالكُوفَةِ ثَلاَثُمِاْئَةِ أَلْفِ حَدِيث» 0 ـ بَعْضُ نَوَادِرِهِ غَفَرَ اللهُ لَه: قَالَ محَمَّدُ بْنُ حَامِدِ بْنِ إِدْرِيسَ الْبُخَارِيّ: عَنْ صَالِحِ بْنِ محَمَّدٍ جَزَرَةَ قَال: «غَلَبَتِ اليُبُوسَةُ مَرَّةً عَلَى رَأْسِ أَبي كُرَيْبٍ؛ فَجِيءَ بِالطَّبِيبِ فَقَال: يَنْبَغِي أَنْ يُغَلَّفَ رَأْسُهُ بِالفَالُوذَج؛ فَفَعَلُواْ؛ فَجَعَلَ يَتَنَاوَلُهُ مِنْ رَأْسِهِ وَيَضَعُهُ في فِيهِ وَيَقُول: بَطْني أَحْوَجُ إِلَيْهِ مِنْ رَأْسِي» 0

خالد بن الحارث

خَالِدُ بْنُ الحَارِث هُوَ هُوَ الحَافِظُ الحُجَّةُ الإِمَامُ خَالِدُ بْنُ الحَارِثِ أَبُو عُثْمَانَ الهُجَيْمِيُّ الْبَصْرِيُّ التَّمِيمِيّ [وَبَنُو الهُجَيْم: مِنْ بَني الْعَنْبَرِ مِنْ تَمِيم] وُلِدَ سَنَةَ 120 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 186 هـ 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: رَوَى عَن هِشَامِ بْنِ عُرْوَة، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيل، وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانيّ، وَعَوْف، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عَوْن، وَسَعِيدِ بْنِ أَبي عَرُوبَة، وَشُعْبَةَ بْنِ الحَجَّاج، وَابْنِ عَجْلاَن، وَحُسَيْنٍ المُعَلِّم، وَخَلْقٍ كَثِير 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ شُعْبَةُ [وَهُوَ مِنْ شُيُوخِهِ]، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل، وَابْنُ المَدِينيّ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْه، وَمُسَدَّد، وَنَصْرُ بْنُ عَلِيّ، وَحُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَة، وَمحَمَّدُ بْنُ المُثَنىَّ، وَالحَسَنُ بْنُ عَرَفَة 0 ـ قَالُواْ في تَوْثِيقِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ الأَثْرَمُ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «إِلَيْهِ المُنْتَهَى في التَّثَبُّتِ بِالبَصْرَة» 0

قَالَ عَنهُ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «كَانَ يُقَالُ لَهُ [أَيْ يُلَقَّبُ]: خَالِدٌ الصَّدُوق» قَالَ عَنهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِي رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «ثِقَةٌ إِمَام» 0 قَالَ عَنهُ الإِمَامُ النَّسَائِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «ثِقَةٌ ثَبْت» 0 ـ قَالُواْ عَن حِفْظِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ المَرُّوذِيُّ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «كَانَ خَالِدُ بْنُ الحَارِثِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ يَجِيءُ بِالحَدِيثِ كَمَا يَسْمَع» 0

ـ قَالُواْ عَن عِلْمِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «كَانَ مِن أَوْعِيَةِ الْعِلْم» 0 ـ ثَنَاءُ الأَئِمَّهِ عَلَيْه، رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ يحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً خَيْرَاً مِنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَخَالِدِ بْنِ الحَارِث عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُمَا» 0

ابن المقرئ

ابْنُ المُقْرِئ هُوَ الشَّيْخُ الحَافِظُ الجَوَّالُ أَبُو بَكْرٍ محَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيٍّ الأَصْبَهَانيُّ الشَّهِيرُ بِابْنِ المُقْرِئ 0 وُلِدَ سَنَةَ 285 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 381 هـ 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: سَمِعَ مِن إِبْرَاهِيمَ بْنِ محَمَّدِ بْنِ الحَسَنِ بْنِ مَتُّوَيْه، وَعُمَرَ بْنِ أَبي غَيْلاَن، وَأَحْمَدَ بْنِ الحَسَنِ الصُّوفِيّ، وَأَبي بَكْرٍ الْبَاغَنْدِيّ، وَأَبي يَعْلَى المَوْصِلِيّ، وَابْنِ قُتَيْبَةَ بعسْقَلاَن، وَأَحْمَدَ بْنِ هِشَامِ بْنِ عَمَّار، وَسَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيز، وَالحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْقَطَّان، وَأَبي جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيّ 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ حَمْزَةَ الحَافِظ، وَأَبُو الشَّيْخِ بْنُ حَيَّان [وَهُمَا أَكْبرُ مِنهُ]، وَأَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظ، وَأَبُو بَكْرٍ بْنُ مَرْدَوَيْه، وَأَبُو سَعِيدٍ النَّقَّاش، وَمحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْبَقَّال،وَحمْزَةُ بْنُ يُوسُفَ السَّهْمِيّ، وَمحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْواحدِ الجَوْهَرِيّ، وَمحَمَّدُ بْنُ طَاهِرٍ الهَاشِمِيُّ النَّقِيب، وَأَبُو زَيْدٍ محَمَّدُ بْنُ سَلاَمَة، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْوَزَّان، وَأَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بْنُ محْمُودٍ الثَّقَفِيّ، وَأَبُو طَاهِرٍ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْكَاتِب، وَمحَمَّدُ بْنُ طَاهِرِ بْنِ طَبَاطَبَا الْعَلَوِيّ، وَأَبُو سَعْدٍ محَمَّدُ بْنُ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنِ بَطَّة، وَأَبُو الطَّيِّبِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ عُمَرَ بْنِ شَمَّة، وَأَحْمَدُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ الصَّائِغ، وَأَبُو مَنْصُورٍ محَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ الصَّوَّاف 0

ـ رِحْلَتُِهُ في طَلَبِ الْعِلْمِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: تَرْجَمَ لَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ فَقَالَ عَنهُ: «صَاحِبُ الرِّحْلَةِ الْوَاسِعَة» 0

قَالَ أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بْنُ محْمُود: سَمِعْتُ ابْنَ المُقْرِئِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَهُ في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ يَقُول: «طِفْتُ الشَّرْقَ وَالْغَرْبَ أَرْبَعَ مَرَّات» 0 رَوَى رَجُلاَنِ عَنِ ابْنِ المُقْرِئِ قَال: «مَشَيْتُ بِسَبَبِ نُسْخَةِ مُفَضَّلِ بْنِ فَضَالَةَ سَبْعِينَ مَرْحَلَة، وَلَوْ عُرِضَتْ عَلَى خبَّازٍ بِرَغيفٍ لم يَقْبَلْهَا» ـ مَذْهَبُهُ في الجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ وَعُلُومِ الحَدِيثِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ مَهْدِيّ: سَمِعْتُ ابْنَ المُقْرِئِ يَقُول:

«مَذْهَبي في الأُصُول: مَذْهَبُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَبي زُرْعَةَ الرَّازِي رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمَا» 0 ـ ثَنَاءُ الأَئِمَّهِ عَلَيْه، رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ عَنهُ الحَافِظُ أَبُو نُعَيْم: «مُحَدِّثٌ كَبِيرٌ ثِقَةٌ صَاحِبُ مَسَانِيد، سَمِعَ مَا لاَ يُحْصَى كَثْرَةً» قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «انْتَقَى لِنَفْسِهِ فَوَائِدَ وَغَرَائِب، وَصَنَّفَ «مُسْنَدَاً» للإمَامِ أَبي حَنِيفَة، وَرَوَى كُتُبَاً كِبَارَاً» 0

ـ بَعْضُ كَرَامَاتِهِ في حَيَاتِهِ، وَبَعْضُ مَنْ رَآهُ في مَنَامَاتِهِ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبي عَلِيّ: كَانَ ابْنُ المُقْرِئِ رَحمَهُ اللهُ يَقُول: «كُنْتُ أَنَا وَالطَّبَرَانيُّ وَأَبُو الشَّيْخِ بِالمَدِينَة؛ فضَاقَ بِنَا الْوَقْت؛ فَوَاصَلْنَا ذَلِكَ اليَوْمَ [أَيْ وَاصَلْنَا الصِّيَامَ إِلىَ الْفَجْر]، فَلَمَّا كَانَ وَقْتُ الْعِشَاءِ حَضَرْتُ الْقَبْرَ وَقُلْت: يَا رَسُولَ الله؛ الجُوع؛ فَقَالَ لي الإِمَامُ الطَّبَرَانيّ: اجْلِسْ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الرِّزْقُ أَوِ المَوْت؛ فَقُمْتُ أَنَا وَأَبُو الشَّيْخ؛ فَحَضَرَ

الْبَابَ عَلَوِيٌّ؛ فَفَتَحْنَا لَهُ؛ فَإِذَا مَعَهُ غُلاَمَانِ بِقُفَّتَيْنِ فِيهِمَا شَيْءٌ كَثِير، وَقَال: شَكَوْتُمُوني إِلىَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم 00؟ رَأَيْتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النَّوْم؛ فَأَمَرَني بِحَمْلِ شَيْءٍ إِلَيْكُمْ» 0 قَالَ الحَافِظُ أَبُو مُوسَى المَدِينيّ: حَدَّثَنَا مَعْمَرُ بْنُ الْفَاخِرِ قَال: حَدَّثَنَا عَمِّي قَال: سَمِعْتُ أَبَا نَصْرٍ بْنَ أَبي الحَسَنِ يَقُول: سَمِعْتُ ابْنَ سَلاَمَةَ يَقُول: قَالَ الصَّاحبُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبَّاد: «كُنْتُ نَائِمَاً، فرَأَيْتُ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النَّوْمِ يَقُولُ لي: «أَنْتَ نَائِمٌ وَوَلِيٌّ مِن أَوْلِيَاءِ اللهِ عَلَى بَابِك» 00؟! فَانْتَبَهْتُ وَدَعَوْتُ وَقُلْتُ: مَنْ بِالبَاب 00؟ فَقَال: أَبُو بَكْرٍ بْنُ المُقْرِئِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه» 0

هشيم بن بشير

هُشَيْمُ بْنُ بَشِير هُوَ الإِمَامُ الحَافِظُ أَبُو مُعَاوِيَةَ هُشَيْمُ بْنُ بَشِيرِ بْنِ أَبي خَازِم، وَاسْمُ أَبي خَازِم: قَاسِمُ بْنُ دِينَار، مُحَدِّثُ بَغْدَادَ وَحَافِظُهَا السَّلَمِيُّ الْوَاسِطِيّ 0 وُلِدَ سَنَةَ 104 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 183 هـ 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: أَخَذَ عَنِ الزُّهْرِيّ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَار، [لَمْ يُكثِرْ عَنْهُمَا]، وَهُمَا أَكْبَرُ شُيُوخِه، وَرَوَى عَن أَيُّوبَ السِّخْتِيَانيّ، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيل، وَالأَعْمَش، مَنْصُورِ بْنِ زَاذَان، وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيّ، وَأَبي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانيّ، وَيحْيىَ بْنِ سَعِيد، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ أَبي صَالِحٍ السَّمَّان، وَعَطَاءِ بْنِ السَّائِب، وَخَلْقٍ سِوَاهُمْ 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ شُعْبَة، وَسُفْيَان الثّوْرِيّ، وَابْنُ إِسْحَاق [وَهُمْ مِن أَشْيَاخِه]، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْد 00 وَالإِمَامُ أَحْمَد، وَعَلِيُّ بْنُ المَدِينيّ، وَمُسَدَّد [أَشْهَرُ شُيُوخِ الإِمَامِ الْبُخَارِيّ]، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَك، وَيحْيىَ بْنُ سَعِيد الْقَطَّانُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيّ، وَعَفَّان، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيد، وَعَمْرٌو النَّاقِد، وَابْنُ الصَّبَّاحِ الدُّولاَبيّ، وَالجَرْجَرَائِيّ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الهَرَوِيّ، وَخَلْقٌ كَثِير 0

ـ قَالُواْ عَن حِرْصِهِ في طَلَبِ الْعِلْم: قَالَ إِبْرَاهِيمُ الحَرْبيّ: «كَانَ وَالِدُ هُشَيْمٍ صَاحِبَ صِحْنَاءَ وَكَامَخ [أَيْ يَبِيعُ الطَّعَام] فَكَانَ يَمْنَعُ هُشَيْمَاً مِنَ الطَّلب؛ فَكَتَبَ الْعِلْمَ حَتىَّ نَاظرَ أَبَا شَيْبَةَ الْقَاضِي وَجَالَسَهُ في الْفِقْه، فَمَرِضَ هُشَيْم؛ فَجَاءَ أَبُو شَيْبَةَ الْقَاضِي يَعُودُهُ؛ فَمَضَى رَجُلٌ إِلىَ بَشِيرٍ فَقَال: الحَقِ ابْنَك، فَقَدْ جَاءَ الْقَاضِي يَعُودُه، فَجَاءَ فَوَجَدَ الْقَاضِي في دَارِهِ؛ فَقَال: مَتىَ أَمَّلْتُ أَنَا هَذَا 00؟!

قَدْ كُنْتُ يَا بُنيَّ أَمْنعُك؛ أَمَّا اليَوْمَ فَلاَ بَقِيْتُ أَمْنَعُك» 0 ـ قَالُواْ عَنْ جَمْعِهِ وَحِفْظِهِ: سَكَنَ بَغْدَادَ وَنَشرَ الْعِلْمَ بِهَا وَصنَّفَ تَصَانيْفَ كَثِيرَة 0 قَالَ يَعْقُوبُ الدَّوْرَقِيّ: «كَانَ عِنْدَ هُشَيْمٍ عِشْرُونَ أَلفَ حَدِيث» 0 قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيّ: «كَانَ هُشَيْمٌ أَحْفَظَ لِلْحَدِيثِ مِنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيّ» 0 قَالَ الإِمَامُ أَبُو دَاوُدَ [صَاحِبُ السُّنَن]: «مَا رُئِيَ لِوَكِيعٍ كِتَابٌ قَطّ، وَلاَ لِهُشَيْم، وَلاَ لِحَمَّادِ بْنِ زَيْد، وَلاَ لِمَعْمَر» 0

قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيّ: «كَانَ رَأْسَاً في الحِفْظ؛ إِلاََّ أَنَّهُ صَاحِبُ تَدْلِيسٍ كَثِير» 0 وَيَبْدُو أَنَّ شُهْرَتَهُ بِالتَّدْلِيسِ كَانَتْ بِسَبَبِ رِوَايَتِهِ عَنْ شُيُوخِ التَّدْلِيسِ كَأَبي الجَهْمِ وَالحسَنِ وَغَيرِهِمْ ـ قَالُواْ عَنْ صَلاَحِهِ وَتَقْوَاه، وَحُسْنِ عِبَادَتِهِ لله: وَرَوَى ابْنُ أَبي الدُّنْيَا عَن عَمْرِو بْنِ عَوْنٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَال: «مَكَثَ هُشَيْمٌ يُصَلِّي الْفَجْرَ بِوُضُوءِ الْعشَاءِ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ عِشْرِينَ سَنَة» 0 ـ قَالُواْ عَنْ مَنَاقِبِهِ وَكَرَامَاتِه:

حَدَّثَ يحْيىَ بْنُ أَيُّوبَ الْعَابِدُ عَنْ نَصْرِ بْنِ بسَّامٍ وَآخَرِينَ قَالُواْ: «أَتَيْنَا مَعْرُوفَاً الْكَرْخِيَّ فَقَال: رَأَيْتُ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المَنَامِ وَهُوَ يَقُولُ لهُشَيْم: «جَزَاكَ اللهُ عَن أُمَّتي خَيْرَاً» 0 ـ مِن أَقْوَالِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: سُئِلَ هُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ عَنِ التَّفسِيرِ كَيْفَ صَارَ فِيهِ الاِختلاَف 00؟ قَال: قَالُواْ بِرَأْيِهِمْ؛ فَاخْتلفُواْ» 0

أبو بكر بن عياش

أَبُو بَكْرٍ بْنُ عَيَّاش هُوَ المُحَدِّثُ الْفَقِيهُ المُقْرِئُ أَبُو بَكْرٍ بْنُ عَيَّاشِ بْنِ سَالِمٍ الأَسَدِيُّ الكُوفِيّ 0 اخْتُلِفَ في اسْمِهِ اخْتِلاَفَاً كَبِيرَاً فَقِيلَ أَنَّ «أَبُو بَكْرٍ» هُوَ اسْمُهُ الَّذِي سَمَّاهُ بِهِ أَبُوه، وَقِيلَ: فَقِيلَ شُعْبَة، وَقِيلَ محَمَّد، وَقِيلَ مُطَرِّف، وَقِيلَ رُؤْبَة، وَقِيلَ عَتِيق، وَقِيلَ سَالِم، وَقِيلَ أَحْمَد، وَقِيلَ عَنْتَرَة، وَقِيلَ قَاسِم، وَقِيلَ حُسَيْن، وَقِيلَ عَطَاء، وَقِيلَ حَمَّاد، وَقِيلَ عَبْدُ الله 0

وُلِدَ سَنَةَ 95 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 193 هـ، وَكَانَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ مَاهِرَاً حَاذِقَاً مُتْقِنَاً في الْقِرَاءَات؛ فَقَرَأَ الْقُرْآنَ وَجَوَّدَهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ عَلَى الإِمَامِ عَاصِم بْنِ أَبي النَّجُود [الشَّهِيرِ أَيْضَاً بِابْنِ بَهْدَلَة]، وَعَرَضَه أَيْضَاً عَلَى عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ وَأَسْلَمَ المِنْقَرِيّ، أَمَّا الحَدِيثُ فَيَأْتي فِيهِ بِغَرَائِبَ وَمَنَاكِير 0

ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: حَدَّثَ عَن عَاصِمِ بْنِ أَبي النَّجُود [ابْنِ بَهْدَلَة]، وَأَبي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيّ، وَعَبْدِ المَلِكِ بْنِ عُمَيْر، وَحَدَّثَهُ صَالِحٌ مَوْلىَ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ [عَن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنه]، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيل، وَالأَعْمَش، وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَة، وَمَنْصُورِ بْنِ المُعْتَمِر، وَإِسْمَاعِيلَ السُّدِّيّ، وَهِشَامِ بْنِ حَسَّان، وَسُفْيَانَ التَّمَّار

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَك، وَوَكِيع، وَأَبُو دَاوُدَ صَاحِبُ السُّنَن، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْه، وَأَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبي شَيْبَة، وَمحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْر، وَالْكَسَائِيّ 0 وَفي الْقِرَاءَاتِ أَخَذَ عَنهُ الحُرُوفَ تَحْرِيرَاً وَإِتْقَانَاً يحْيىَ بْنُ آدَم 00 عَالِمُ الْكُوفَة، وَاشْتُهِرَتْ قِرَاءةُ عَاصِمٍ مِن هَذَا الْوَجْه، وَتَلَقَّتْهَا الأُمَّةُ بِالقَبُول، وَتَلَقَّاهَا عَنهُ أَهْلُ الْعِرَاق 0

ـ قَالُواْ عَنْ دَأَبِهِ في طَلَبِ الْعِلْمِ وَالتَّرَدُّدِ عَلَى المَشَايِخ: حَدَّثَ عُبَيْدُ بْنُ يَعِيشَ عَن أَبي بَكْرٍ بْنِ عَيَّاشٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً أَقرَأَ مِن عَاصِم؛ فَقَرَأْتُ عَلَيْه، وَمَا رَأَيْتُ أَحَدَاً أَفْقَهَ مِنَ المُغِيرَة؛ فَلَزِمْتُه» 0 حَدَّثَ يحْيىَ بْنُ آدَمَ عَن أَبي بَكْرٍ بْنِ عَيَّاشٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «اخْتَلَفْتُ إِلىَ عَاصِمٍ نحْوَاً مِنْ ثَلاَثِ سِنِينَ، في الحَرِّ وَالشِّتَاءِ وَالمَطَرِ، حَتىَّ رُبَّمَا اسْتَحْيَيْتُ مِن أَهْلِ مَسْجِدِ

بَني كَاهِل» ـ قَالُواْ عَنْ مَدَى تَوْثِيقِهِ وَسُوءِ حِفْظِهِ غَفَرَ اللهُ لَه: قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ الحَافِظُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «لَمْ يَكُنْ في شُيُوخِنَا أَحَدٌ أَكْثَرُ غَلَطَاً مِن أَبي بَكْرٍ بْنِ عَيَّاشٍ غَفَرَ اللهُ لَه» 0 قَالَ محَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْر: «أَبُو بَكْرٍ ضَعِيفٌ في الأَعْمَشِ وَغَيْرِه» 0 قَالَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ الرَّازِي: «سَأَلْتُ أَبي عَن أَبي بَكْرٍ بْنِ عَيَّاش، وَأَبي الأَحْوَص؟

فَقَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: مَا أَقْرَبَهُمَا، لاَ أُبَالِي بِأَيِّهِمَا بَدَأْت، وَقَالَ أَبي رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: أَبُو بَكْرٍ وَشَرِيكٌ في الحِفْظِ سَوَاء، غَيْرَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَصَحُّ كِتَابَاً» 0 قَالَ عَنهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل: «ثِقَةٌ رُبَّمَا غَلِطَ غَفَرَ اللهُ لَه، صَاحِبُ قُرْآنٍ وَخَيْر» 0 قَالَ عَنهُ ابْنُ عَدِيّ: «لَمْ أَرَ لَهُ حَدِيثَاً مُنْكَرَاً مِنْ رِوَايَةِ ثِقَةٍ عَنهُ» 0 حَدَّثَ مُهَنَّا بْنُ يحْيىَ عَن الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال:

«أَبُو بَكْرٍ كَثِيرُ الْغَلَطِ جِدَّاً» 0 ـ قَوْلُ المُنْصِفِينَ لَهُ، وَالمُدَافِعِينَ عَنهُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: وَقَالَ عَنهُ يحْيىَ بْنُ مَعِين: «ثِقَة» 0 حَدَّثَ مُهَنَّا بْنُ يحْيىَ عَن الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «كُتُبُهُ لَيْسَ فِيهَا خَطَأ» 0 حَدَّثَ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ عَنْ يحْيىَ بْنِ مَعِينٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «الحَسَنُ بْنُ عَيَّاشٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ وَأَخُوهُ أَبُو بَكْرٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ ثِقَتَان» 0

وَلِذَا لاَ نَعْجَبُ إِذَا عَرَفْنَا أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ الْبُخَارِيَّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ رَوَى لَهُ في الصَّحِيحِ أَكْثَرَ مِن حَدِيث ـ مَكَانَتُهُ في الْقِرَاءَاتِ وَعُلُومِ الْقُرْآن: قَالَ أَبُو بَكْرٍ بْنُ عَيَّاشٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «فَارَقْتُ عَاصِمَاً وَمَا أُسْقِطَ مِنَ الْقُرْآنِ حَرفَاً» 0 قَالَ أَبُو بَكْرٍ بْنُ عَيَّاشٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «إِمَامُنَا [أَيْ عَاصِمُ بْنُ بَهْدَلَة] يَهْمِزُ «مُؤْصَدَةً»؛ فَأَشْتَهِي أَن أَسُدَّ أُذُنيَّ إِذَا هَمَزَهَا» 00 أَيْ يُرِيدُ قِرَاءَتَهَا مُوصَدَة 0

قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ: «قَيِّمٌ بِحَرْفِ عَاصِم، وَقَدْ خَالَفَهُ حَفْصٌ في أَزْيَدَ مِن خَمْسِمِاْئَةِ حَرْف، وَحَفْصٌ أَيْضَاً حُجَّةٌ في الْقِرَاءَةِ لَيِّنٌ في الحَدِيث» 0 ـ بَعْضٌ مِنْ فَتَاوَاه رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قُلْتُ لأَبي بَكْرٍ بْنِ عَيَّاش: لي جَارٌ رَافِضِيٌّ قَدْ مَرِض؛ قَالَ ثَبَّتَهُ ذُو الجَلاَلِ عِنْدَ السُّؤَالِ: عُدْهُ مِثْلَ مَا تَعُودُ اليَهُودِيَّ وَالنَّصْرَانيّ» 0 ـ مَوَاقِفُهُ مَعَ الخَلِيفَةِ هَارُونَ الرَّشِيد:

قَالَ عُثْمَانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «أَحْضَرَ هَارُونُ الرَّشِيدُ أَبَا بَكْرٍ بْنَ عَيَّاشٍ مِنَ الْكُوفَة؛ فَجَاءَ وَمَعَهُ وَكِيع؛ فَدَخَلَ وَوَكِيعٌ يَقُودُهُ؛ فَأَدْنَاهُ الرَّشِيدُ وَقَالَ لَه: قَدْ أَدْرَكْتَ أَيَّامَ بَني أُمَيَّةَ وَأَيَّامَنَا؛ فَأَيُّنَا خَيْر 00؟ قَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: أَنْتُمْ أَقْوَمُ بِالصَّلاَة، وَأُوْلَئِكَ كَانُواْ أَنْفَعَ لِلنَّاس؛ فَأَجَازَهُ الرَّشِيدُ بِسِتَّةِ آلاَفِ دِينَارٍ وَصَرَفَه، وَأَجَازَ وَكِيعَاً بِثَلاَثَةِ آلاَف» 0

حَدَّثَ الحَسَنُ بْنُ عُلَيْلٍ عَنْ محَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَن أَبي بَكْرٍ بْنِ عَيَّاشٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَال: قَالَ لي الرَّشِيد: كَيْفَ اسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنه 00؟ قُلْتُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ سَكَتَ الله، وَسَكَتَ رَسُولُهُ، وَسَكَتَ المُؤْمِنُون؛ فَقَالَ لَهُ الرَّشِيد: وَاللهِ مَا زِدْتَني إِلاََّ عَمَىً 00!! قُلْتُ: مَرِضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثمَانيَةَ أَيَّام؛ فَدَخَلَ عَلَيْهِ بِلاَلٌ رَضِيَ اللهُ عَنهُ فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم:

«مُرُواْ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ يُصَلِّي بِالنَّاس» 0 فَصَلَّى بِالنَّاسِ ثَمَانيَةَ أَيَّامٍ وَالوَحْيُ يَنْزِل؛ فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسُكُوتِ اللهِ جَلَّ في عُلاَه، وَسَكَتَ المُؤْمِنُونَ لِسُكُوتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم؛ فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ وَقَال: بَارَكَ اللهُ فِيك» 0 ـ قَالُواْ عَنْ بَعْضِ نَوَادِرِهِ غَفَرَ اللهُ لَهُ: كَانَ تَلاَمِذَتُهُ يُثْقِلُونَ عَلَيْهِ كَثِيرَاً بِالجِدَالِ وَالسُّؤَال؛ حَتىَّ كَانَ في بَلاَء؛ مِن هَؤُلاَءِ الثُّقَلاَء 0

حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ الْفَرَجِ عَن خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْكُوفِيِّ قَال: «كَانَ في سِكَّةِ أَبي بَكْرٍ بْنِ عَيَّاشٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ كَلْبٌ إِذَا رَأَى صَاحِبَ مِحْبَرَةٍ حَمَلَ عَلَيْهِ [أَيْ جَرَى خَلْفَه]؛ فَأَطْعَمَهُ أَصْحَابُ الحَدِيثِ شَيْئَاً فَقَتَلُوه؛ فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ بْنُ عَيَّاش؛ فَلَمَّا رَآهُ مَيْتَاً قَال: إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون؛ ذَهَبَ الَّذِي كَانَ يَأْمُرُ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنِ المُنْكَر» 00!! ـ قَالُواْ عَنْ صَلاَحِهِ وَتَقْوَاه، وَحُسْنِ عِبَادَتِهِ لله:

قَالَ عَنهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً أَسرَعَ إِلىَ السُّنَّةِ مِن أَبي بَكْرٍ بْنِ عَيَّاشٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه» قَالَ الأَحْمَسِيّ: «مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً أَحْسَنَ صَلاَةً مِن أَبي بَكْرٍ بْنِ عَيَّاشٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه» 0 قَالَ الحَافِظُ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «كَانَ أَبُو بَكْرٍ مَعْرُوفَاً بِالصَّلاَحِ وَالْوَرَع، وَكَانَ لَهُ فِقْهٌ وَعِلْمُ بِالأَخْبَار، وَفي حَدِيثِهِ اضْطِرَاب»

قَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «كَانَ أَبُو بَكْرٍ بْنُ عَيَّاشٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ خَيِّرَاً فَاضِلاً، لَمْ يَضَعْ جَنْبَهُ عَلَى الأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَة» 0 حَدَّثَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ مَسْرُوقٍ عَنْ يحْيىَ الحِمَّانيِّ قَال: «لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا بَكْرٍ بْنَ عَيَّاشٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ الْوَفَاةُ بَكَتْ أُخْتُهُ؛ فَقَالَ لَهَا: مَا يُبْكِيك 00؟ انْظُرِي إِلىَ تِلكَ الزَّاوِيَة؛ فَقَدْ خَتَمَ أَخُوكِ فِيهَا ثَمَانيَةَ عَشَرَ أَلْفَ خَتْمَة» 0 رُوِيَ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ بْنَ عَيَّاشٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ مَكَثَ نحْوَاً مِن أَرْبَعِينَ سَنَةً يَخْتِمُ الْقُرْآنَ في كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مَرَّة» 0

ـ قَالُواْ عَنْ بَعْضِ كَرَامَات: حَدَّثَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ عَن أَبي بَكْرٍ بْنِ عَيَّاشٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «رَأَيْتُ الدُّنْيَا في النَّوْمِ عَجُوزَاً مُشَوَّهَةً» 0 حَدَّثَ يحْيىَ بْنُ عَبْدِ الحَمِيدِ الحِمَّانيُّ عَن أَبي بَكْرٍ بْنِ عَيَّاشٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «جِئْتُ لَيْلَةً إِلىَ زَمْزَم؛ فَاسْتَقَيْتُ مِنهُ دَلْوَاً لَبَنَاً وَعَسَلاً» 0

ـ مِن أَقْوَالِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ عَن أَبي بَكْرٍ بْنِ عَيَّاشٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «سَخَاءُ الحَدِيث: كَسَخَاءِ المَال» 0 قَالَ أَبُو بَكْرٍ بْنُ عَيَّاشٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «وَدِدْتُ أَنَّهُ صُفِحَ لي عَمَّا كَانَ مِنيِّ في الشَّبَابِ وَأَنَّ يَدَيَّ قُطِعَتَا» 0 حَدَّثَ بِشْرُ بْنُ الحَارِثِ عَن أَبي بَكْرٍ بْنِ عَيَّاشٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ دَعَا اللهَ جَلَّ في عُلاَه يَوْمَاً فَقَال: «يَا مَلَكَيَّ ادْعُوَا اللهَ لي؛ فَإِنَّكُمَا أَطْوَعُ للهِ مِنيِّ»

ابن لهيعة

ابْنُ لَهِيعَة هُوَ الإِمَامُ المحَدِّثُ المِصْرِيُّ الْقَاضِي عَبْدُ اللهِ بْنُ لَهِيعَةَ بْنِ عُقْبَةَ الحَضْرَمِيّ 0 وُلِدَ سَنَةَ 96 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 174 هـ 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: سَمِعَ مِن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ الأَعْرَج؛ صَاحِبِ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، وَمِنْ مُوسَى بْنِ وَرْدَان، وَعَطَاءِ بْنِ أَبي رَبَاح، وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْب، وَعَمْرِو بْنِ دِينَار، وَيَزِيدَ بْنِ أَبي حَبِيب، وَقِيلَ عَن عِكْرِمَةَ مَوْلىَ ابْنِ عَبَّاسٍ إِنْ صَحَّ ذَلِك، وَكَعْبِ بْنِ عَلْقَمَة، وَأَبي الأَسْوَدِ محَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَتِيمِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَير، وَمحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِر، وَيَزِيدَ بْنِ عَمْرٍو المَعَافِرِيّ،

وَشُرَحْبيلَ بْنِ شَرِيكٍ المَعَافِرِيّ، وَعُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ، وَعَمْرِو بْنِ جَابِرٍ الحَضْرَمِيِّ، وَأَبي يُونُسَ مَوْلىَ أَبي هُرَيْرَةَ، وَخَلْقٍ كَثِير 0 ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: رَوَى عَنهُ حَفِيدُهُ أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الله، وَعَمْرُو بْنُ الحَارِث، وَالأَوْزَاعِيّ، وَشُعْبَة، وَالثَّوْرِيُّ [وَمَاتُواْ قَبْلَهُ]، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْد، وَمَالِكٌ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِاسْمِهِ، وَابْنُ المُبَارَك، وَالوَلِيدُ بْنُ مُسْلِم، وَابْنُ وَهْب، وَزَيْدُ بْنُ الحُبَاب، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئ، وَمَرْوَانُ بْنُ محَمَّد، وَسَعِيدُ بْنُ أَبي مَرْيَم، وَيحْيىَ بْنُ بُكَيْر،

وَحَسَّانُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْوَاسِطِيّ، وَأَبُو صَالِحٍ الْكَاتِب، وَالقَعْنَبيّ، وَعَمْرُو بْنُ خَالِد، وَكَامِلُ بْنُ طَلْحَة، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيد، وَمحَمَّدُ بْنُ رُمْح، وَخَلْقٌ كَثِير ـ ثَنَاءُ الأَئِمَّهِ عَلَيْه: حَدَّثَ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ مَوْتِ ابْنِ لَهِيعَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «مَا خَلَّفَ بَعْدَهُ مِثْلَه» 0

وَقَالَ عَنهُ أَحْمَدُ بْنُ صَالِح: «كَانَ ابْنُ لَهِيعَةَ صَحِيحَ الْكِتَابِ طَلاََّبَاً لِلْعِلْم» 0 قَالَ عَنهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «مَنْ كَانَ مِثْلَ ابْنِ لَهِيعَةَ بِمِصْرَ في كَثْرَةِ حَدِيثِهِ وَضَبْطِهِ وَإِتْقَانِه» 00؟ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «حَجَجْتُ حِجَجَاً لأَلْقَى ابْنَ لَهِيعَة رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه» 0 حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال:

«وَدِدْتُ أَنيِّ سَمِعْتُ مِنِ ابْنِ لَهِيعَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ خَمْسَمِاْئَةِ حَدِيثٍ، وَأَنيِّ غَرِمْتُ مُوَدَّى أَيْ دِيَةً» حَدَّثَ أَبُو الطَّاهِرِ بْنُ السَّرْحِ عَنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ وَهْبٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «حَدَّثَني وَاللهِ الصَّادِقُ الْبَارُّ عَبْدُ اللهِ بْنُ لَهِيعَة» 0 ـ احْتِرَاقُ كُتُبِهِ: حَدَّثَ الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ يحْيىَ بْنِ بُكَيْرٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «احْتَرَقَ مَنْزِلُ ابْنِ لَهِيعَةَ وَكُتُبُهُ في سَنَةِ سَبْعِين» 0

قَالَ عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ السَّهْمِيّ: «احْتَرَقَتْ دَارُ ابْنِ لَهِيعَةَ وَكُتُبُهُ، وَسَلِمَتْ أُصُولُهُ» أُصُولُهُ هُنَا: أَيْ مُسْوَدَّاتُهُ الَّتي نَقَلَ مِنهَا 0 حَدَّثَ عَلِيُّ بْنُ المَدِينِيِّ [شَيْخُ الإِمَامِ البُخَارِيِّ] عَن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: «تَحْمِلُ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ الْقَصِيرَ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ 00؟ قَالَ غَفَرَ اللهُ لَه: لاَ أَحْمِلُ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ قَلِيلاً وَلاَ كَثِيرَاً» 0 قَالَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

«لَمَّا احْتَرَقَتْ كُتُبُ ابْنِ لَهِيعَةَ بَعَثَ إِلَيْهِ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ مِنَ الْغَدِ بِأَلْفِ دِينَارٍ» 0 ـ قَالُواْ عَنْ سُوءِ حِفْظِهِ: قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «لاَ رَيْبَ أَنَّ ابْنَ لَهِيعَةَ كَانَ عَالِمَ الدِّيَارِ المِصْرِيَّةِ، هُوَ وَاللَّيْثُ مَعَاً، كَمَا كَانَ الإِمَامُ مَالِكٌ في ذَلِكَ الْعَصْرِ عَالِمَ المَدِينَةِ، وَالأَوْزَاعِيُّ عَالِمَ الشَّامِ، وَمَعْمَرٌ عَالِمَ اليَمَن، وَشُعْبَةُ وَالثَّوْرِيُّ عَالِمَا الْعِرَاق، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ

عَالِمَ خُرَاسَان، وَلَكِنَّ ابْنَ لَهِيعَةَ تَهَاوَنَ بِالإِتْقَان، وَرَوَى مَنَاكِير؛ فَانْحَطَّ عَنْ رُتْبَةِ الاِحْتِجَاجِ بِهِ عِنْدَهُمْ، وَبَعْضُ الحُفَّاظِ يَرْوِي حَدِيثَهُ وَيَذْكُرُهُ في الشَّوَاهِدِ وَالاِعْتِبَارَاتِ وَالزُّهْدِ وَالمَلاَحِمِ لاَ في الأُصُول» 0 ـ دِفَاعُ الأَئِمَّةِ عَنهُ: قَالَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «قَالَ لي أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: أَحَادِيثُكَ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ صِحَاح» 0

عَزَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ سُوءَ حِفْظِهِ إِلىَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ كِتَاب؛ فَكَانَ حَدِيثُهُ يُؤْخَذُ مِنْ تَلاَمِذَتِه، وَلَمْ يَكُونُواْ سَوَاءً في الضَّبْطِ وَالإِتْقَان؛ وَلِذَا جَاءَتْ أَحَادِيثُهُ بَعْضُهَا في غَايَةِ الإِتْقَانِ وَالصَّفَاء، وَبَعْضُهَا كَثِيرَ الأَخْطَاء 0 حَدَّثَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الجُنَيْدِ عَنْ يحْيىَ بْنِ مَعِينٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «كَتَبْتُ حَدِيثَ ابْنِ لَهِيعَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه» 0

رَغْمَ أَنَّهُ هُوَ وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي مِمَّنْ رَفَضُواْ الاِحْتِجَاجَ بِهِ 0 حَدَّثَ الْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «مَنْ كَتَبَ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَدِيمَاً؛ فَسَمَاعُهُ صَحِيح» 0 وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ بْنُ حِبَّانَ الْبُسْتِيّ: «كَانَ مِن أَصْحَابِنَا يَقُولُون: سَمَاعُ مَنْ سَمِعَ مِنِ ابْنِ لَهِيعَةَ قَبْلَ احْتِرَاقِ كُتُبِهِ، مِثْلَ الْعَبَادِلَة: ابْنِ المُبَارَكِ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ وَهْب، وَالمُقْرِئِ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ

مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبيّ: فَسَمَاعُهُمْ صَحِيح، وَمَنْ سَمِعَ بَعْدَ احْترَاقِ كُتُبِهِ فَسَمَاعُهُ لَيْسَ بِشَيْء» 0 قَالَ عَنهُ ابْنُ عَدِيٍّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «أَحَادِيثُهُ أَحَادِيثُ حِسَانٌ مَعَ مَا قَدْ ضَعَّفُوه؛ فَيُكْتَبُ حَدِيثُه، وَقَدْ حَدَّثَ عَنهُ مَالِكٌ وَشُعْبَةُ وَاللَّيْثُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمْ» 0 ـ قَالُواْ عَن عِلْمِهِ: قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «كَانَ مِن أَوْعِيَةِ الْعِلْم» 0

حَدَّثَ زَيْدُ بْنُ الحُبَابِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «عِنْدَ ابْنِ لَهِيعَةَ الأُصُول، وَعِنْدَنَا الْفُرُوع» 0 قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «كَانَ مِنْ بُحُورِ الْعِلْمِ عَلَى لِينٍ في حَدِيثِه» 0 قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «لَقِيَ جَمَاعَةً مِن أَصْحَابِ أَبي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ» 0

قَالَ عَنهُ رَوْحُ بْنُ صَلاَح: «لَقِيَ ابْنُ لَهِيعَةَ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ تَابِعِيَّاً» 0 وَكَانَ ابْنُ لَهِيعَةَ يُكْنىَّ أَبَا خَرِيطَة؛ حَيْثُ كَانَتْ لَهُ خَرِيطَةٌ مُعَلَّقَةٌ في عُنُقِهِ يَدُورُ بِهَا في مِصْر: فَكُلَّمَا قَدِمَ قَوْمٌ كَانَ يَدُورُ عَلَيْهِمْ، فَإِذَا رَأَى شَيْخَاً سَأَلَه مَنْ لَقِيتَ وَعَمَّنْ كَتَبت؛ فَإِنْ وَجَدَ عِنْدَهُ شَيْئَاً كَتَبَ عَنهُ؛ فَلِذَلِكَ كَانَ يُكْنىَّ أَبَا خَرِيطَة 0

ابن أبي داود

ابْنُ أَبي دَاوُد هُوَ الْعَلاََّمَةُ الحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الأَشْعَثِ السِّجِسْتَانيُّ صَاحِبُ التَّصَانيْف 0 وُلِدَ بِسِجِسْتَانَ سَنَةَ 230 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 316 هـ 0

ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: رَوَى عَن أَبِيهِ الإِمَامِ أَبي دَاوُدَ صَاحِِبِ السُّنَن، وَإِبْرَاهِيمَ الحَرْبيّ، وَمحَمَّدِ بْنِ أَسْلَم الطُّوسِيّ، وَعَلِيِّ بْنِ خَشْرَم، وَمحَمَّدِ بْنِ بَشَّار [أَحَدِ شُيُوخِ الإِمَامِ الْبُخَارِيّ]، وَهَارُونَ بْنِ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ، وَمحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ المُرَادِيّ، وَأَبي سَعِيدٍ الأَشَجّ، وَإِسْحَاقَ الْكَوْسَج، وَعَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ الْفَلاََّس، وَالحَسَنِ بْنِ عَرَفَة، وَمحَمَّدِ بْنِ يحْيىَ الذُّهْلِيّ، وَنَصْرِ بْنِ عَلِيّ، وخَلْقٍ كَثَيْرٍ بِخُرَاسَانَ وَالحِجَازِ وَالعِرَاقِ وَمِصْرَ وَالشَّامِ وَأَصْبَهَانَ وَفَارِس» 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ خَلْقٌ كَثِير، مِنْهُمُ الإِمَامُ ابْنُ حِبَّان، وَأَبُو أَحْمَدَ الحَاكِم، وَأَبُو الحَسَنِ الدَّارَقُطْنيّ 0 ـ رِحْلَتُِهُ المُبَكِّرَةُ في طَلَبِ الْعِلْمِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «سَافَرَ بِهِ أَبُوهُ وَهُوَ صَبيّ؛ فَكَانَ يَقُول: رَأَيْتُ جِنَازَةَ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه» 0

حَدَّثَ المُسَلَّمُ بْنُ محَمَّدٍ وَغَيْرُهُ عَن أَبي اليُمْنِ الْكِنْدِيِّ عَن أَبي مَنْصُورٍ الشَّيْبَانيِّ عَن أَبي بَكْرٍ الخَطِيبِ قَال: «عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبي دَاوُدَ رَحمَهُ اللهُ رَحَلَ بِهِ أَبُوهُ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ مِنْ سِجِسْتَانَ يَطُوفُ بِهِ شَرْقَاً وَغَرْبَاً: بِخُرَاسَانَ وَالجِبَالِ وَأَصْبَهَانَ وَفَارِس، وَالبَصْرَةِ وَبَغْدَادَ وَالكُوفَةِ وَمَكَّةَ وَالمَدِينَة، وَالشَّامِ وَمِصْرَ وَالجَزِيرَةِ وَالثُّغُور، يَسْمَعُ وَيَكْتُب، وَاسْتَوْطَنَ بَغْدَاد» 0

كَانَ يَقُولُ رَحمَهُ الله: «دَخَلْتُ الْكُوفَةَ وَمَعِيَ دِرْهَمٌ وَاحِد؛ فَأَخَذْتُ بِهِ ثَلاَثِينَ مُدَّاً بَاقِلاََّء؛ فَكُنْتُ آكُلُ مِنهُ وَأَكْتُبُ عَن أَبي سَعِيدٍ الأَشَجّ؛ فَمَا فَرَغَ الْبَاقِلاََّ حَتىَّ كَتَبْتُ عَنهُ ثَلاَثِينَ أَلْفَ حَدِيث» ـ قَالُواْ عَنْ جَوْدَةِ حِفْظِهِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: أَكْثَرُواْ في قُوَّةِ حَافِظَتِهِ حَتىَّ قَالُواْ إِنَِّهُ كَانَ أَحْفَظَ مِن أَبِيه؛ وَنَاهِيكَ بِالإِمَامِ أَبي دَاوُدَ في قُوَّةِ الحِفْظ

قَالَ أَبُو بَكْرٍ بْنُ شَاذَانَ: قَالَ الإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبي دَاوُدَ سُلَيْمَانَ بْنِ الأَشْعَثِ السِّجِسْتَانيّ: «قَدِمْتُ سِجِسْتَانَ فَسَأَلُوني أَنْ أُحَدِّثَهُمْ؛ فَأَملَيْتُ عَلَيْهِمْ مِن حِفْظِي ثَلاَثِينَ أَلفَ حَدِيثٍ، فَلَمَّا قَدِمْتُ بَغْدَادَ فَخَطَّأَني الْبَغْدَادِيُّونَ في سِتَّةِ أَحَادِيث، مِنهَا ثَلاَثَةُ أَحَادِيثَ حَدَّثْتُ بِهَا كَمَا حُدِّثْت، وثَلاَثَةٌ أَخْطَأْتُ فِيهَا» 0 قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِم: سَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ الحَافِظَ قَال: سَمِعْتُ ابْنَ أَبي دَاوُدَ يَقُول: «حَدَّثْتُ مِن حِفْظِي بِأَصْبَهَانَ بِسِتَّةٍ وَثَلاَثِينَ أَلْفَاً، أَلْزَمُوني الْوَهْمَ فِيهَا في سَبْعَةِ أَحَادِيث؛ فَلَمَّا انْصَرَفْتُ وَجَدْتُ في كِتَابي خَمْسَةً مِنهَا عَلَى مَا كُنْتُ حَدَّثْتُهُمْ بِه» 0

ـ قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ عَنْ سَعَةِ عِلْمِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحمَهُ الله: «كَانَ مِنْ بحُورِ الْعِلْمِ بحَيْثُ إِنَّ بَعْضَهُمْ فَضَّلَهُ عَلَى أَبِيه» ـ قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَهُ في الدِّفَاعِ عَنهُ غَفَرَ اللهُ لَه:

قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحمَهُ اللهُ عَنهُ بِاخْتِصَار: «كَانَتْ لَهُ عَثَرَاتٌ في شَبَابِهِ اتُّهِمَ لأَجْلِهَا تَارَةً بِأَنَّهُ كَذَّاب، وَأُخْرَى بِأَنَّهُ نَاصِبيّ، ثُمَّ إِنَّهُ ارْعَوَى حِينَ شَاخَ وَلَزِمَ الصِّدْقَ وَالتُّقَى» 0 قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَه مُعَلِّقَاً عَلَى إِحْدَى شَطَحَاتِهِ غَفَرَ اللهُ لَه: «وَقَدْ أَخْطَأَ ابْنُ أَبي دَاوُدَ في عِبَارَتِهِ وَقَوْلِهِ، وَلَهُ عَلَى خَطَئِهِ أَجْرٌ وَاحِد، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الثِّقَةِ أَنْ لاَ يُخْطِئَ وَلاَ يَغْلَطَ وَلاَ

يَسْهُو، وَالرَّجُلُ فَمِنْ كِبَارِ عُلَمَاءِ الإِسْلاَم، وَمِن أَوْثَقِ الحُفَّاظِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه» 0 ـ قَالُواْ عَنْ مُؤَلَّفَاتِه: قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيّ: «صَنَّفَ «السُّنَن» وَ «المَصَاحِف» وَ «شَرِيعَةَ المقَارِئ» وَ «النَّاسِخَ وَالمَنْسُوخ» وَ «الْبَعْث» وَأَشْيَاءَ أُخَر» 0 حَدَّثَ المُسَلَّمُ بْنُ محَمَّدٍ وَغَيْرُهُ عَن أَبي اليُمْنِ الْكِنْدِيِّ عَن أَبي مَنْصُورٍ الشَّيْبَانيِّ عَن أَبي بَكْرٍ الخَطِيبِ قَال: «صَنَّفَ «المُسْنَدَ»، وَ «السُّنَنَ»، وَ «التَّفْسِيرَ»، وَ «الْقِرَاءات»،

وَ «النَّاسِخَ وَالمَنْسُوخ»، وَغَيْرَ ذَلِك، وَكَانَ فَقِيهَاً عَالِمَاً حَافِظَاً» 0 ـ قَالُواْ عَنْ كَثْرَةِ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ مِنَ المُسْلِمِينَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ محَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّير: «كَانَ ابْنُ أَبي دَاوُدَ رَحمَهُ اللهُ زَاهِدَاً نَاسِكَاً، صَلَّى عَلَيْهِ يَوْمَ مَاتَ نَحْوٌ مِنْ ثَلاَثِمِاْئَةِ أَلْفِ إِنْسَانٍ وَأَكْثَر» 0

عبد الرحمن بن القاسم

عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِم هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ الْعُتَقِيُّ المِصْرِيُّ عَالِمُ الدِّيَّار المِصْرِيَّة وَمُفْتِيهَا صَاحِبُ الإِمَامِ مَالِك 0 وُلِدَ سَنَةَ 132 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 191 هـ 0 وَهُوَ غَيرُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ محَمَّدِ بْنِ أَبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 126 هـ 0

ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: رَوَى عَنِ الإِمَامِ مَالِك، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شُرَيْح، وَنَافِعِ بْنِ أَبي نُعَيْمٍ المُقْرِئ، وَبَكْرِ بْنِ مُضَر 0 ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: وَرَوَى عَنهُ أَصْبَغ، وَالحَارِثُ بْنُ مِسْكِين، وَسُحْنُون، وَعِيسَى بْنُ مَثْرُود 0

ـ نُبْذَةٌ عَن حَيَاتِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: كَانَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ ذَا مَالٍ وَدُنْيَا؛ فَأَنْفَقَهَا في طَلَبِ الْعِلْم 0 وَكَانَ يَمْتَنِعُ مِنْ جَوَائِزِ السُّلْطَان، وَلَهُ قَدَمٌ في الْوَرَعِ وَالتَّأَلُّه [أَيِ التَّنَسُّك] ـ قَالُواْ في تَوْثِيقِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ عَنهُ الإِمَامُ النَّسَائِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «ثِقَةٌ مَأْمُون» 0

ـ ثَنَاءُ الإِمَامِ مَالِكٍ رَحْمَهُ اللهُ عَلَيْه: وَعَنِ الإِمَامِ مَالِكٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ فَقَال: «عَافَاهُ اللهُ جَلَّ جَلاَلهُ؛ مَثَلُهُ كَمَثَلِ جِرَابٍ مَمْلُوءٍ مِسْكَاً» 0 وَسُئِلَ عَنهُ الإِمَامُ مَالِكٌ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَنِ ابْنِ وَهْبٍ فَقَال: «ابْنُ وَهْبٍ رَجُلٌ عَالِم، وَابْنُ الْقَاسِمِ فَقِيه» 0

حَدَّثَ مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللهِ رَحِمَهُ اللهُ عَنِ الإِمَامِ مَالِكٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «لَقَدْ كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ القَاسِمِ رَحِمَهُ اللهُ يَذْكُرُ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُنْظَرُ إِلىَ لَوْنِهِ كَأَنَّهُ نُزِفَ مِنهُ الدَّمُ وَقَدْ جَفَّ لِسَانُهُ في فَمِهِ؛ هَيْبَةً لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم» 0 ـ قَالُواْ عَنْ صَلاَحِهِ وَتَقْوَاه، وَحُسْنِ عِبَادَتِهِ لله: قَالَ أَسَدُ بْنُ الْفُرَاتِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ يَخْتِمُ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَتْمَتَيْن» 0

ـ قَالُواْ عَنْ رِحْلَتِهِ في طَلَبِ الْعِلْمِ وَالتَّرَدُّدِ عَلَى المَشَايِخ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «خَرَجْتُ إِلىَ الحِجَازِ اثْنَتيْ عَشْرَةَ مَرَّةً، أَنْفَقْتُ في كُلِّ مَرَّةٍ أَلْفَ دِينَار» حَدَّثَ أَحْمَدُ ابْنُ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ عَن عَمِّهِ قَال: «خَرَجْتُ أَنَا وَابْنُ الْقَاسِمِ بِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً إِلىَ الإِمَامِ مَالِكٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه؛ فَسَنَةً أَسْأَلُ أَنَا مَالِكَاً، وَسَنَةً يَسْأَلُهُ ابْنُ الْقَاسِم» 0

ـ قَالُواْ عَنْ مَنَاقِبِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ الحَارِثُ بْنُ مِسْكِينٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «كَانَ في ابْنِ الْقَاسِم الْعِبَادَةُ وَالسَّخَاء، وَالشَّجَاعَةُ وَالعِلْم، وَالوَرَعُ وَالزُّهْد» 0

ـ قَالُواْ عَنْ كَرَامَاتِهِ بَعْدَ مَمَاتِهِ، وَمَا رُؤِيَ فِيهِ مِنَ المَنَامَاتِ الحَسَنَة رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ محَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: أَخْبَرَني ثِقَةٌ ثِقَةٌ عَن عَلِيِّ بْنِ مَعْبَدٍ قَال: «رَأَيْتُ ابْنَ الْقَاسِمِ في النَّوْمِ فَقُلْتُ: كَيْفَ وَجَدْتَ المَسَائِل؟ ـ أَيِ المَسَائِلَ الْفِقْهِيَّة ـ فَقَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: أُفٍّ أُفٍّ [أَيْ لَقِيتُ شَرَّاً]، قُلْتُ: فَمَا أَحْسَنُ مَا وَجَدْت 00؟

قَال: الرِّبَاطُ بِالثَّغْر، ثُمَّ قَالَ [الَّذِي رَآهُ]: وَرَأَيْتُ ابْنَ وَهْبٍ أَحْسَنَ حَالاً مِنهُ» 0 قَالَ سُحْنُونُ بْنُ سَعِيدٍ فَقِيهُ المَغْرِب: «رَأَيْتُهُ في النَّوْمِ فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِك 00؟ قَال: وَجَدْتُ عِنْدَهُ مَا أَحْبَبْت، قُلْتُ: فَأَيَّ عَمَلٍ وَجَدْت 00؟ قَالَ تِلاَوَةُ الْقُرْآن، قُلْتُ: فَالمَسَائِل 00؟ فَأَشَارَ يُلَشِّيهَا [أَيْ وَجَدْتُهَا لاَ شَيْء]، وَسَأَلْتُهُ عَنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ وَهْبٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ فَقَال: في عِلِّيِّين» 0

القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق

الْقَاسِمُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ أَبي بَكْرٍ الصِّدِّيق تُوُفِّيَ أَوَاخِرَ سَنَةِ 106 هـ 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: رُبِّيَ الْقَاسِمُ في حِجْرِ عَمَّتِهِ أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، وَتَفَقَّهَ عَلَى يَدِهَا وَأَكْثَرَ عَنهَا 0 وَرَوَى عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مُرْسَلاً، وَعَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ مُرْسَلاً، وَعَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْس، وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ جَدَّتِه، وَأَبي هُرَيْرَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، وَمُعَاوِيَةَ 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ ابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَن، وَالشَّعْبيّ، ووَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ الله، وَالزُّهْرِيّ، وَابْنُ أَبي مُلَيْكَة، وَحُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانيّ، وَرَبِيعَةُ الرَّأْي، وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَر، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عَوْنٍ، وَجَعْفَرٌ الصَّادِق، وَيحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيّ، وَأَبُو الزِّنَاد، وَعِيسَى بْنُ مَيْمُونٍ الْوَاسِطِيّ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيّ، وَصَالِحُ بْنُ كَيْسَان، وَعَبَّادُ بْنُ مَنْصُور، وَخَلْقٌ كَثِير 0

قَالَ ابْنُ سَعْدٍ في الطَّبَقَات: «أُمُّهُ سَوْدَة، وَكَانَ ثِقَةً عَالِمَاً رَفِيعَاً فَقِيهَاً إِمَامَاً وَرِعَاً كَثِيرَ الحَدِيث» 0 ـ قَالُواْ عَن عِلْمِهِ: حَدَّثَ خَالِدُ بْنُ نِزَارٍ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ رَحِمَهُ اللهُ قَال: «أَعْلَمُ النَّاسِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ثَلاَثَة: الْقَاسِم، وَعُرْوَة، وَعَمْرَة» 0

ـ قَالُواْ عَن حِفْظِهِ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَوْنٍ رَحِمَهُ الله: «كَانَ الْقَاسِمُ وَابْنُ سِيرِينَ وَرَجَاءُ بْنُ حَيْوَة: يحَدِّثُونَ بِالحَدِيثِ عَلَى حُرُوفِه، وَكَانَ الحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخْعِيُّ وَالشَّعْبيّ: يحَدِّثُونَ بِالمَعَاني» 0 ـ قَالُواْ عَنْ مَنَاقِبِهِ: حَدَّثَ ابْنُ شَوْذَبٍ عَنْ يحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ قَال: «مَا أَدْرَكْنَا بِالمَدِينَةِ أَحَدَاً نُفَضِّلُهُ عَلَى الْقَاسِمِ بْنِ محَمَّد» 0

حَدَّثَ وُهَيْبٌ عَن أَيُّوبَ السِّخْتِيَانيِّ رَحِمَهُ اللهُ قَال: «مَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَفْضَلَ مِنهُ، وَلَقَدْ تَرَكَ مِاْئَةَ أَلْفٍ وَهِيَ لَهُ حَلاَل» 0 قَالَ عَنهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ: «كَانَ أَفْضَلَ أَهْلِ زَمَانِهِ» 0 [رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 1754 / فَتْح]

حَدَّثَ ابْنُ وَهْبٍ عَنِ الإِمَامِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «إِنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللهُ قَال: لَوْ كَانَ إِلَيَّ مِن هَذَا الأَمْرِ شَيْءٌ [أَيْ وِلاَيَةُ الْعَهْد] مَا عَصَّبْتُهُ إِلاََّ بِالقَاسِمِ بْنِ محَمَّد» 0 ـ قَالُواْ عَنْ فِقْهِهِ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْب: «ذَكَرَ الإِمَامُ مَالِكٌ الْقَاسِمَ بْنَ محَمَّدٍ فَقَال: كَانَ مِنْ فُقَهَاءِ هَذِهِ الأُمَّة» 0 قَالَ أَبُو الزِّنَادِ: «مَا كَانَ الْقَاسِمُ يُجِيبُ إِلاََّ في الشَّيْءِ الظَّاهِر» 0 ـ مِن أَقْوَالِهِ رَحِمَهُ الله:

حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبَكْرِيُّ عَن أَبِيهِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ محَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «قَدْ جَعَلَ اللهُ جَلَّ وَعَلاَ في الصَّدِيقِ الْبَارِّ المُقْبِل: عِوَضَاً مِنْ ذِي الرَّحِمِ الْعَاقِّ المُدْبِر» 0 ـ خَبَرُ وَفَاتِهِ رَحِمَهُ الله: مَاتَ رَحِمَهُ اللهُ بِقُدَيْد [مَوْضِعٌ بَينَ مَكَّةَ وَالمَدِينَةِ عَلَى سَاحِلِ البَحْر] فَقَالَ رَحِمَهُ الله: كَفِّنُوني في ثِيَابيَ الَّتي كُنْتُ أُصَلِّي فِيهَا: قَمِيصِي وَرِدَائِي؛ هَكَذَا كُفِّنَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنه، وَأَوْصَى رَحِمَهُ اللهُ أَنْ لاَ

يُبْنىَ عَلَى قَبْرِه» 0

أعلام نقاد المحدثين

أَعْلاَمُ نُقَّادِ المحَدِّثِين: شُعْبَةُ بْنُ الحَجَّاج هُوَ الإِمَامُ الحَافِظُ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ في الحَدِيثِ أَبُو بِسْطَامَ الأَزْدِيّ: شُعْبَةُ بْنُ الحَجَّاجِ بْنِ الْوَرْدِ الأَزْدِيُّ الْعَتَكِيُّ الْوَاسِطِيُّ عَالِمُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَشَيْخُهَا، وُلِدَ سَنَةَ 80 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 160 هـ 0 رَأَى أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَعَمْرَو بْنَ سَلَمَةَ الجَرْمِيّ، وَسَمِعَ مِن 400 شَيْخٍ مِنَ التَّابِعِين 0

حَدَّثَ عَن أَنَسِ بْنِ سِيرِين، وَسَعِيدِ بْنِ أَبي سَعِيدٍ المَقْبُرِيّ، وَقَتَادَةَ بْنِ دِعَامَة، وَمُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّة، وَعَمْرِو بْنِ دِينَار، وَيحْيىَ بْنِ أَبي كَثِير، وَطَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّف، وَالمِنْهَالِ بْنِ عَمْرو، وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانيّ، وَمَنْصُورِ بْنِ المُعْتَمِر، وَغَيرِهِمْ، وَرَأَى نَاجِيَةَ بْنَ كَعْبٍ شَيْخَ أَبي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيّ حَدَّثَ عَنهُ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانيُّ وَالأَعْمَشُ وَمَنْصُورُ بْنُ المُعْتَمِرِ وَمَطَرٌ الْوَرَّاقُ وَدَاوُدُ بْنُ أَبي هِنْد

[وَهَؤُلاَءِ هُمْ بَعْضُ شُيُوخِه] وَابْنُ إِسْحَاقَ صَاحِبُ السِّيَر، وَأَبَانُ بْنُ تَغْلِب، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيّ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَان، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيد، وَعَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ الْكِسَائِيّ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّة، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَك، وَمحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَر، وَأَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيّ، وَبِشْرُ بْنُ المُفَضَّل، وَخَالِدُ بْنُ الحَارِث، وَبِشْرُ بْنُ مَنْصُور، وَبَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيد، وَالحَمَّادَان، وَأَبُو خَالِدٍ الأَحْمَر، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَة، وَشَرِيكٌ الْقَاضِي

، وَيحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّان، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيّ، وَوَكِيع، وَالنَّضْرُ بْنُ شُمَيْل، وَهَارُونُ الرَّشِيد، وَيُونُسُ بْنُ بُكَيْر، وَأَبُو يُوسُفَ القَاضِي، وَأَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيّ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ حَرْب، وَالقَعْنَبيّ، وَسَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ أَبُو زَيْدٍ الهَرَوِيّ، وَأَبُو عَاصِمٍ النَّبِيل، وَعَبْدُ المَلِكِ الأَصْمَعِيّ، وَقُرَّةُ بْنُ حَبِيب، وَيحْيىَ بْنُ كَثِيرٍ أَبُو غَسَّان، وَعَلِيُّ بْنُ الجَعْد، وَشَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخ، وَأُمَمٌ سِوَاهُمْ 0

قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيّ: «رَوَى عَنهُ عَالَمٌ عَظِيم، وَانْتَشَرَ حَدِيثَهُ في الآفَاق» 0 قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيّ: «وَكَانَ أَبُو بِسْطَامَ إِمَامَاً ثَبْتَاً، حُجَّةً، نَاقِدَاً جِهْبِذَاً، صَالحَاً زَاهِدَاً، قَانِعَاً بِالقُوت، رَأْسَاً في الْعِلْمِ وَالعَمَل، مُنْقَطِعَ الْقَرِين، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ جَرَّحَ وَعَدَّل، أَخَذَ عَنهُ هَذَا الشَّأْنَ يحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّان، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَطَائِفَة» 0 ـ تَحَرِّيهِ رَحِمَهُ اللهُ في اخْتِيَارِ الشُّيُوخ:

حَدَّثَ أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ عَنْ محَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ المَدَائِنيُّ عَنْ وَرْقَاءَ قَال: «قُلْتُ لِشُعْبَة: لِمَ تَرَكْتَ حَدِيثَ أَبي الزُّبَيْر 00؟ قَالَ رَحِمَهُ الله: رَأَيْتُهُ يَزِنُ فَاسْتَرْجَحَ في المِيزَان؛ فَتَرَكْتُه» 0 ـ قَالُواْ عَنِ عَدَدِ شُيُوخِهِ: قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيّ: «ذَكَرَ شَيْخُنَا أَبُو الحَجَّاجِ في «تَهْذِيبِهِ»: لِشُعْبَةَ ثَلاَثُمِاْئَةِ شَيْخٍ سَمَّاهُمْ» 0 ـ قَالُواْ عَنْ تَقْدِيرِهِ لِشُيُوخِهِ:

حَدَّثَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ عَنْ يحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ شُعْبَةَ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «كُلُّ مَنْ كَتَبْتُ عَنهُ حَدِيثَاً فَأَنَا لَهُ عَبْد» 0 حَدَّثَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ عَنْ شُعْبَةَ بْنِ الحَجَّاجِ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «أَنَا عَبْدٌ لِمَن عِنْدَهُ حَدِيثَان» 0 ـ قَالُواْ عَنِ حِفْظِهِ: حَدَّثَ أَبُو الْوَلِيدِ عَنْ شُعْبَةَ بْنِ الحَجَّاجِ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «كُنْتُ آتي قَتَادَةَ فَأَسْأَلُهُ عَن حَدِيثَيْنِ فَيُحَدِّثُني، ثُمَّ يَقُولُ رَحِمَهُ الله: أَزِيدُك 00؟

فَأَقُولُ لاَ؛ حَتىَّ أَحْفَظَهُمَا وَأُتْقِنَهُمَا» 0 قَالَ أَبُو الْوَلِيد: «قَالَ لي حَمَّادُ بْنُ زَيْد: إِذَا خَالَفني شُعْبَةُ في حَدِيثٍ صِرْتُ إِلىَ قَوْلِهِ؛ قُلْتُ: كَيْفَ يَا أَبَا إِسْمَاعِيل 00؟ قَال: إِنَّ شُعْبَةَ كَانَ لاَ يَرْضَى أَنْ يَسْمَعَ الحَدِيثَ عِشْرِينَ مَرَّةً؛ وَأَنَا أَرْضَى أَن أَسْمَعَهُ مَرَّةً» 0 قَالَ أَبُو الْوَلِيد: «سَأَلْتُ شُعْبَةَ عَن حَدِيثٍ فَقَال: وَاللهِ لاَ حَدَّثْتُكَ بِهِ؛ قُلْتُ وَلِمَ؟! قَالَ رَحِمَهُ الله: لأَنيِّ لَمْ أَسْمَعْهُ إِلاََّ مَرَّةً» 0

حَدَّثَ شُعَيْبُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ شُعْبَةَ بْنِ الحَجَّاجِ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «اخْتلَفْتُ إِلىَ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ رَحِمَهُ اللهُ خَمْسَمِاْئَةِ مَرَّة؛ وَمَا سَمِعْتُ مِنهُ إِلاََّ مِاْئَةَ حَدِيث» 0 حَدَّثَ صَالِحُ بْنُ محَمَّدٍ جَزَرَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ الْقَزَّازِ عَن أَبي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ قَال: «سَمِعْتُ مِنْ شُعْبَةَ سَبْعَةَ آلاَفِ حَدِيث، وَسَمِعَ مِنهُ غُنْدَرٌ سَبْعَةَ آلاَف» 0

قَالَ يحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّان: «كَانَ شُعْبَةُ أَمَرَّ في الأَحَادِيثِ الطِّوَالِ مِنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيّ» أَيْ أَسْرَعَ مُرُورَاً فِيهَا؛ يَسْتَدِلُّ بِذَلِكَ عَلَى جَوْدَةِ حِفْظِهِ وَإِتْقَانِه 0 ـ قَالُواْ عَنِ عِلْمِهِ بِالشِّعْر: قَالَ الأَصْمَعِيّ: «لَمْ نَرَ قَطُّ أَعْلَمَ مِنْ شُعْبَةَ بِالشِّعْر، قَالَ لي: كُنْتُ أَلْزَمُ الطِّرِمَّاح؛ فَمَرَرْتُ يَوْمَاً بِالحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ وَهُوَ يُحَدِّث؛ فَأَعْجَبَني الحَدِيثُ وَقُلْت: هَذَا أَحْسَنُ مِنَ الشِّعْر، فَمِنْ يَوْمَئِذٍ طَلبْتُ الحَدِيث» 00 مَا أَشْبَهَ

أَمْرَهُ بِأَمْرِي 00!! حَدَّثَ عَلِيُّ بْنُ نَصْرٍ الجَهْضَمِيُّ عَنْ شُعْبَةَ بْنِ الحَجَّاجِ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «كَانَ قَتَادَةُ يَسْأَلُني عَنِ الشِّعر؛ فَقُلْتُ لَهُ: أُنْشِدُكَ بَيْتَاً وَتُحدِّثُني حَدِيثَاً» 0 ـ قَالُواْ عَنْ بَلاَغَتِهِ وَحُسْنِ حَدِيثِهِ: حَدَّثَ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ عَن عَفَّانَ عَنْ يحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً قَطُّ أَحْسَنَ حَدِيثَاً مِنْ شُعْبَة» 0 ـ قَالُواْ عَنْ وَرَعِهِ وَأَمَانَتِهِ في نَقْلِ الحَدِيث:

حَدَّثَ بِشْرُ بْنُ عُمَرَ الزَّهْرَانيُّ عَنْ شُعْبَةَ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «لأَن أَخِرَّ مِنَ السَّمَاء، أَوْ مِنْ فَوْقِ هَذَا الْقَصْر؛ أَحَبُّ إِلَيَّ مِن أَن أَقُولَ «قَالَ الحَكَمُ» لِشَيْءٍ لَمْ أَسْمَعْه مِنهُ» 0 حَدَّثَ حَاتمٌ الأَصَمُّ عَنِ الصَّاغَانيِّ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ شُعْبَةَ بْنِ الحَجَّاجِ رَحِمَهُ اللهُ قَال: «لأَن أُقَدَّمَ فَتُضْرَبَ عُنُقِي؛ أَحَبُّ إِلَيَّ مِن أَن أُحَدِّثَ عَن أَبي هَارُونَ الْعَبْدِيّ» 0

حَدَّثَ أَبُو زَيْدٍ الهَرَوِيُّ عَنْ شُعْبَةَ بْنِ الحَجَّاجِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَهُ في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ أَنَّهُ قَال: «لأَن أَقَعَ مِنَ السَّمَاء ِإِلىَ الأَرْض؛ أَحَبُّ إِلَيَّ مِن أَن أُدَلِّس» 0 حَدَّثَ أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ شُعْبَةَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ قَال: «لأَن أَزْنيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِن أَن أُدَلِّس» 0 بَلْ وَكَانَ يَبْلُغُ بِهِ خَوْفُ الرِّيَاءِ وَخَوْفُهُ مِنْ سُؤَالِ اللهِ لَهُ غَدَاً مَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عَلِمْتَ حَدَّ قَوْلِهِ:

وَحَدَّثَ أَبُو قَطَنٍ عَنْ شُعْبَةَ بْنِ الحَجَّاجِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَهُ في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ أَنَّهُ قَال: «وَدِدْتُ أَنيِّ وَقَّادُ حَمَّام؛ وَأَنيِّ لَمْ أَعْرِفِ الحَدِيث» 0 حَدَّثَ أَبُو قَطَنٍ أَيْضَاً عَنْ شُعْبَةَ بْنِ الحَجَّاجِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَهُ في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ أَنَّهُ قَال: «مَا شَيْءٌ أَخَوْفُ عِنْدِي مِن أَنْ يُدْخِلَني النَّارَ مِنَ الحَدِيث» 0 عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال:

«مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدَاً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّار» 0 [رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 1291 / فَتْح، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 3 / عَبْد البَاقِي] حَدَّثَ المُبَرِّدُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ محَمَّدٍ المُهَلَّبيِّ عَنِ الأَصْمَعِيِّ عَنْ شُعْبَةَ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «مَا أَعْلَمُ أَحَدَاً فَتَّشَ الحَدِيثَ كَتَفْتِيشِي؛ وَقَفْتُ عَلَى أَنَّ ثَلاَثَةَ أَرْبَاعِهِ كَذِب» 0

قَالَ سَعْدُ بْنُ شُعْبَة: «أَوْصَى أَبي رَحِمَهُ اللهُ إِذَا مَاتَ أَن أَغْسِلَ كُتُبَهُ؛ فَغَسَلْتُهَا» 0 قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ مُعَلِّقَاً: «وَهَذَا قَدْ فَعَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ بِالغَسْلِ وَبِالحَرْقِ وَبِالدَّفْن؛ خَوْفَاً مِن أَنْ تَقعَ في يَدِ إِنْسَانٍ وَاهٍ يَزِيدُ فِيهَا أَوْ يُغِيِّرُهَا» 0 قَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيّ: «كَانَ شُعْبَةُ يَجِيءُ إِلىَ الرَّجُل [أَيِ الَّذِي لَيْسَ أَهْلاً لِلْحَدِيثِ] فَيَقُول: لاَ تُحدِّثْ؛ وَإِلاََّ اسْتَعْدَيْتُ عَلَيْكَ السُّلْطَان» 0

ـ ثَنَاءُ الأَئِمَّهِ عَلَيْه، وَانْبِهَارُهُمْ بِعَبْقَرِيَّتِهِ النَّادِرَة: حَدَّثَ ابْنُ زَنْجَوَيْهِ عَنْ يَعْقُوبَ الحَضْرَمِيِّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ قَال: «شُعْبَةُ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ في الحَدِيث» 0 قَالَ يحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّان: «لاَ يَعْدِلُ شُعْبَةَ عِنْدِي أَحَد» 0 حَدَّثَ أَبُو حَاتمٍ بْنُ حِبَّانَ عَنِ السَّرَّاجِ عَنِ الدَّارِمِيِّ عَنِ النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ رَحِمَهُ اللهُ قَال: «كَانَ سُلَيْمَانُ بْنُ المُغِيرَةِ رَحِمَهُ اللهُ يَقُول: شُعْبَةُ سَيِّدُ المُحَدِّثِين» 0

قَالَ سَلْمُ بْنُ قُتَيْبَة: «أَتَيْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ فَقَال: مَا فَعَلَ أُسْتَاذُنَا شُعْبَة» 00؟ ـ ثَنَاءُ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللهُ عَلَيْه: قَالَ عَنهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل: «كَانَ شُعْبَةُ رَحِمَهُ اللهُ أُمَّةً وَحدَهُ في هَذَا الشَّأْن» 0 قَالَ عَنهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل: «شُعْبَةُ أَثْبَتُ مِنَ الأَعْمَشِ في الحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَة، وَشُعْبَةُ أَحْسَنُ حَدِيثَاً مِنَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيّ، قَدْ رَوَى عَنْ ثَلاَثِينَ كُوفِيَّاً لَمْ يَلْقَهُمْ سُفْيَان» 0

ـ ثَنَاءُ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللهُ عَلَيْه: قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الشَّافِعِيّ: «لَوْلاَ شُعْبَةُ لَمَا عُرِفَ الحَدِيثُ بِالعِرَاق» 0 ـ ثَنَاءُ الإِمَامِ النَّسَائِيِّ رَحِمَهُ اللهُ عَلَيْه: حَدَّثَ الحَسَنُ بْنُ رُشَيْقٍ عَنِ الإِمَامِ النَّسَائِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «أُمَنَاءُ اللهِ عَلَى حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاَثَة: شُعْبَة، وَمَالِك، وَيحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّان» ـ قَالُواْ عَنْ وَرَعِهِ صَلاَحِهِ وَتَقْوَاه، وَحُسْنِ عِبَادَتِهِ لله:

قَالَ عَفَّان: «كَانَ شُعْبَةُ مِنَ الْعُبَّاد» 0 قَالَ أَبُو بَحْرٍ الْبَكْرَاوِيّ: «مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً أَعبَدَ للهِ مِنْ شُعْبَةَ، لَقَدْ عَبَدَ اللهَ حَتىَّ جَفَّ جِلْدُهُ عَلَى عَظْمِهِ وَاسْوَدّ» 0 قَالَ عُمَرُ بْنُ هَارُون: «كَانَ شُعْبَةُ يَصُومُ الدَّهْرَ كُلَّه» 0 حَدَّثَ الْبَغَوِيُّ عَنْ جَدِّهِ أَحْمَدَ بْنِ مَنِيعٍ عَن أَبي قُطْنٍ قَال: «مَا رَأَيْتُ شُعْبَةَ رَكَعَ قَطّ؛ إِلاََّ ظَنَنْتُ أَنَّهُ نَسِيَ، وَلاَ قَعَدَ بَيْنَ السَّجْدَتَين؛ إِلاََّ ظَنَنْتُ أَنَّهُ نَسِيَ» 0

حَدَّثَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ بْنِ الحَجَّاجِ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «إِنَّ هَذَا الحَدِيثِ يَصُدُّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ وَعَنْ صِلَةِ الرَّحِم؛ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُون» 00؟ ـ قَالُواْ عَنْ زُهْدِهِ: قَالَ عَنهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيّ: «مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً أَكْثَرَ تَقَشُّفَاً مِنْ شُعْبَة» 0

ـ سَخَاؤُهُ وَبِرُّهُ بِالمَسَاكِين: قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْل: «مَا رَأَيْتُ أَرْحَمَ بِمِسْكِينٍ مِنْ شُعْبَة» 0 قَالَ يحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّان: «كَانَ شُعْبَةُ مِن أَرَقِّ النَّاس، يُعْطِي السَّائِلَ مَا أَمْكَنَه» 0 قَالَ مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيم: «كَانَ شُعْبَةُ رَحِمَهُ اللهُ إِذَا قَامَ سَائِلٌ في مَجْلِسِهِ؛ لاَ يُحَدِّثُ حَتىَّ يُعْطَى أَوْ يُضْمَنَ لَه» 0

قَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيّ: «كُنَّا عِنْدَ شُعْبَةَ رَحِمَهُ الله، فَجَاءَ سُلَيْمَانُ بْنُ المُغِيرَةِ يَبْكِي وَقَال: مَاتَ حِمَارِي، وَذَهَبَتْ مِنيِّ الجُمُعَة، وَذهَبَتْ حَوَائِجِي؛ قَالَ رَحِمَهُ الله: بِكَمْ أَخَذْتَه 00؟ قَال: بِثَلاَثَةِ دَنَانِير؛ قَالَ شُعْبَة: فَعِنْدِي ثَلاَثَةُ دَنَانِير، وَاللهِ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهَا، ثمَّ دَفَعَهَا إِلَيْه» 0

حَدَّثَ أَحْمَدُ بْنُ الحُسَيْنِ عَن أَبي حَفْصٍ الْفَلاََّسِ عَن أَبي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ رَحِمَهُ اللهُ قَال: «كُنَّا عِنْدَ شُعْبَةَ نَكْتُبُ مَا يُمْلِي، فَسَأَلَ سَائِل؛ فَقَالَ شُعْبَة: تَصَدَّقُواْ؛ فَلَمْ يَتَصَدَّقْ أَحَد؛ فَقَالَ رَحِمَهُ الله: تَصَدَّقُواْ؛ فَإِنَّ أَبَا إِسْحَاقَ حَدَّثَني عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَعْقِلٍ عَن عَدِيِّ بْنِ حَاتمٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَال:

قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «اتَّقُواْ النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ» 0 فَلَمْ يَتَصَدَّقْ أَحَد؛ فَقَالَ رَحِمَهُ الله: تَصَدَّقُواْ؛ فَإِنَّ عَمْرَو بْنَ مُرَّةَ حَدَّثَني عَن خَيْثَمَةَ عَن عَدِيِّ بْنِ حَاتمٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «اتَّقُواْ النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَة؛ فَإِنْ لَمْ تَجِدُواْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَة» فَلَمْ يَتَصَدَّقْ أَحَد؛ فَقَالَ رَحِمَهُ اللهُ تَصَدَّقُواْ؛ فَإِنَّ مُحِلاًَّ الضَّبيَّ حَدَّثَني عَن عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «وَاسْتَتِرُواْ مِنَ النَّارِ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَة؛ فَإِنْ لَمْ تَجِدُواْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَة» 0

فَلَمْ يَتَصدَّقْ أَحَد؛ فَقَالَ رَحِمَهُ الله: قُومُواْ عَنيِّ؛ فَوَاللهِ لاَ حَدَّثْتُكُمْ ثَلاَثَةَ أَشْهُر، ثُمَّ دَخَلَ مَنْزِلَهُ، فَأَخْرَجَ رَحِمَهُ اللهُ عَجِينَاً فَأَعْطَاهُ السَّائِلَ فَقَال: خُذْ هَذَا؛ فَإِنَّهُ طَعَامُنَا اليَوْم» 0 ـ قَالُواْ عَنْ مَنَاقِبِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ عَنهُ يحْيىَ بْنُ مَعِين: «شُعْبَةُ إِمَامُ المُتَّقِين» 0

وَقَالَ عَنهُ أَبُو زَيْدٍ الأَنْصَارِيّ: «هَلِ الْعُلَمَاءُ إِلاََّ شُعْبَةٌ مِنْ شُعْبَة» 00؟ حَدَّثَ يحْيىَ بْنُ أَبي طَالِبٍ عَن أَبي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ رَحِمَهُ اللهُ قَال: «كُنْتُ يَوْمَاً بِبَابِ شُعْبَةَ وَكَانَ المَسْجِدُ مَلِيئَاً، فَخَرَجَ شُعْبَةُ رَحِمَهُ الله، فَاتَّكَأَ عَلَيَّ وَقَال: يَا سُلَيْمَان؛ تُرَى هَؤُلاَءِ كُلُّهُمْ يَخْرُجُونَ مُحَدِّثِين 00؟ قُلْتُ: لاَ، قَالَ صَدَقْت، وَلاَ خَمْسَة؛ يَكْتُبُ أَحَدُهُمْ في صِغَرِهِ؛ ثمَّ إِذَا كَبِرَ تَرَكَهُ أَوْ يَشْتَغِلُ بِالفَسَاد ـ أَيْ بِالْقَضَاء أَوْ يُحَدِّثُ النَّاسَ بِسُوءِ حِفْظ ـ قَالَ سُلَيْمَان [أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيّ]: ثُمَّ نَظَرْتُ بَعْدَ ذَلِك؛ فَمَا خَرَجَ مِنْهُمْ خَمْسَة» 0

ـ خَبَرُ وَفَاتِهِ رَحِمَهُ اللهُ وَحُسْنُ خَاتِمَتِه: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَك: «كُنْتُ عِنْدَ سُفْيَانَ الثَوْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ إِذْ جَاءَهُ مَوْتُ شُعْبَة؛ فَقَالَ رَحِمَهُ الله: مَاتَ الحَدِيث» 0 رَوَى ابْنُ أَبي الدُّنْيَا عَن خَالِدِ بْنِ خِدَاشٍ عَن حَرِيشِ بْنِ أُخْتِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ قَال: «رَأَيْتُ شُعْبَةَ في النَّوْمِ فَقُلْتُ: أَيَّ الأَعْمَالِ وَجَدْتَ أَشَدَّ عَلَيْك 00؟ قَالَ رَحِمَهُ الله: التَّجَوُّزُ في الرِّجَال» 00 أَيِ التَّسَاهُلَ في بَعْضِ المُتَكَلَّمِ فِيهِمْ 0

حَدَّثَ عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ محَمَّدٍ الحَبْحَابيِّ عَن أَبِيهِ قَال: «لَمَّا مَاتَ شُعْبَةُ رَحِمَهُ اللهُ أُرِيتُهُ بَعْدَ سَبْعَةِ أَيَّامٍ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ مِسْعَرٍ وَعَلَيْهِمَا قَمِيصَا نُور، فَقُلْتُ: يَا أَبَا بِسْطَام؛ مَا فَعَلَ اللهُ بِك؟ قَال: غَفَر لي؛ قُلْتُ: بِمَاذَا 00؟

قَال: بِصِدْقِي في رِوَايَةِ الحَدِيثِ وَنَشْرِي لَهُ، وَأَدَائِي الأَمَانَةَ فِيه، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُول: حَبَاني إِلَهِي في الجِنَانِ بِقُبَّةٍ ... لَهَا أَلْفُ بَابٍ مِنْ لُجَيْنٍ وَجَوْهَرُ شَرَابي رَحِيقٌ في الجِنَانِ وَحِلْيَتي ... مِنَ الذَّهَبِ الإِبْرِيزِ وَالتَّاجُ مَرْمَرُ وَزَوَّجَني بِالحُورِ فِيهَا خَصَّني ... بِقَصْرٍ عَقِيقٍ تُرْبَةُ الْقَصْرِ عَنْبَرُ وَقَالَ لِيَ الرَّحْمَنُ يَا شُعْبَةُ الَّذِي ... تَبَحَّرَ في جَمْعِ الْعُلُومِ فَأَكْثَرُ تَنَعَّمْ بِقُرْبي إِنَّني عَنْكَ في رِضَىً ... وَعَن عَبْدِيَ الْقَوَّامِ بِاللَّيْلِ مِسْعَرُ

كَفَى مِسْعَرَاً عِزَّاً بِأَنْ سَيَزُورُني ... فَأَكْشِفُ حُجْبي ثُمَّ أُدْنِيهِ يَنْظُرُ ـ مِن أَقْوَالِهِ رَحِمَهُ الله: حَدَّثَ ابْنُ حِبَّانَ عَنْ مَكْحُولٍ عَنِ النَّضْرِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ مُؤَمَّلِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ شُعْبَةَ قَال: «كُلُّ حَدِيثٍ لَيْسَ فِيهِ حَدَّثَنَا؛ فَهُوَ مِثْلُ الرَّجُلِ في فَلاَةٍ مَعَهُ بَعِيرٌ بِلاَ خِطَام» 0 قَالَ سَلْمُ بْنُ قُتَيْبَة: «سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُولُ لأَصْحَابِ الحَدِيث: «يَا قَوْمُ إِنَّكُمْ كُلَّمَا تَقدَّمْتُمْ في الحَدِيثِ تَأَخَّرْتُمْ في الْقُرْآن» 0 ـ بَعْضُ نَوَادِرِه:

حَدَّثَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ عَنْ شُعْبَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إِذَا أَرَادَ التَّحَدُّثَ في الجَرْحِ وَالتَّعْدِيل: «تَعَالَوْا نَغْتَابُ في الله» 0 قَالَ مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيم: «سُئِلَ شُعْبَةُ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَوْنٍ فَقَال: سَمْنٌ وَعَسَل؛ قِيل: فَمَا تَقُولُ في هِشَامِ بْنِ حَسَّان 00؟ فَقَال: خَلٌّ وَزَيْت؛ قِيل: فَمَا تَقُولُ في أَبي بَكْرٍ الهُذَلِيّ 00؟ قَال: دَعْني لاَ أَقِيءُ بِه» 0 وَقَالَ شُعْبَةُ رَحمَهُ الله: «سَمَّيْتُ ابْني سَعْدَاً؛ فَمَا سَعِدَ وَلاَ أَفلَح» 0

حَدَّثَ سَعْدَوَيْهِ عَن أَشْعَثَ أَبي الرَّبِيعِ السَّمَّانِ قَال: «قَالَ لي شُعْبَة: لَزِمْتَ السُّوقَ فَأَفْلَحْت، وَلَزِمْتُ أَنَا الحَدِيثَ فَأَفْلَسْت» 0 قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ رَحِمَهُ الله: «سَمِعْتُ شُعْبَةَ رَحِمَهُ اللهُ يَقُول: «مَنْ طَلَبَ الحَدِيثَ أَفْلَس، بِعْتُ طَسْتَ أُمِّي بِسَبْعَةِ دَنَانِير» 0 حَدَّثَ أَبُو نُوحٍ قُرَاد عَنْ شُعْبَةَ بْنِ الحَجَّاجِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَال: «إِذَا رَأَيْتَ المِحْبَرَةَ في بَيْتِ إِنْسَانٍ؛ فَارْحَمْهُ، وَإِنْ كَانَ في كُمِّكَ شَيْءٌ؛ فَأَطْعِمْهُ» 0

علي بن المديني

عَلِيُّ بْنُ المَدِينيّ [شَيْخُ الإِمَامِ البُخَارِيّ] هُوَ الإِمَامُ الحُجَّةُ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ في الحَدِيثِ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ نَجِيحِ بْنِ بَكْرِ بْنِ سَعْدٍ السَّعْدِيُّ الْبَصْرِيُّ المَعْرُوفُ بِابْنِ المَدِينيّ، شَيْخِ الإِمَامِ البُخَارِيّ 0 وُلِدَ بِالبَصْرَةِ سَنَةَ 161 هـ، وَتُوُفِّيَ بِسُرَّ مَنْ رَأَى سَنَةَ 234 هـ 0

ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: سَمِعَ حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ، وَيحْيىَ بْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّان، وَهُشَيْمَ بْنَ بَشِير، وَمُعْتَمِرَ بْنَ سُلَيْمَان، وَغُنْدَرَاً، وَيَزِيدَ بْنَ زُرَيْع، وَسُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَة، وَعَبْدَ الرَّزَّاق، وَخَالِدَ بْنَ الحَارِث، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ وَهْب، وَيُوسُفَ بْنَ المَاجَشُون، وَعَبْدَ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيّ، وَالوَلِيدَ بْنَ مُسْلِم، وَخَلْقَاً كَثِيرَاً 0 حَدَّثَ قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «بَرَعَ في هَذَا الشَّأْنِ وَجَمَعَ وَصَنَّفَ وَسَادَ الحُفَّاظَ في مَعْرِفَةِ الْعِلَل، وَيُقَالُ إِنَّ تَصَانيْفَهُ بَلَغَتْ مائَتيْ مُصَنَّف» 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ الأَئِمَّةُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الْبُخَارِيّ، وَأَبُو دَاوُد، وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِي، وَصَالِحُ بْنُ محَمَّدٍ جَزَرَة، وَأَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ الصَّاغَانيّ، وَرَوَى عَنهُ جَمَاعَةٌ مِنْ شُيُوخِهِ مِنْهُمْ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَة 0 ـ نُبْذَةٌ عَن نَشْأَتِهِ في بَيْتِ عِلْم رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: كَانَ أَبُوهُ مُحَدِّثَاً مَشْهُورَاً لَيِّنَ الحَدِيث، سَمِعَ مِن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِم 0

ـ قَالُواْ عَنْ مَكَانَتِهِ في الحَدِيثِ وَعِلَلِه، وَمَعْرِفَتِهِ بِالرِّجَال: قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِي: «كَانَ ابْنُ المَدِينيِّ عَلَمَاً في النَّاسِ في مَعْرِفَةِ الحَدِيثِ وَالعِلَل» 0 ـ تحَرِّيهِ في تَدْوِينِ الحَدِيث: حَدَّثَ أَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاجُ عَنْ محَمَّدِ بْنِ يُونُسَ عَن عَلِيِّ بْنِ المَدِينيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ قَال: «تَرَكْتُ مِن حَدِيثِي مِاْئَةَ أَلْفِ حَدِيث؛ مِنهَا ثَلاَثُونَ أَلْفَاً لِعَبَّادِ بْنِ صُهَيْب» 0

حَدَّثَ أَبُو أُمَيَّةَ الطَّرَسُوسِيُّ عَن عَلِيِّ بْنِ المَدِينيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ قَال: «رُبَّمَا أَذَّكَّرُ الحَدِيثَ في اللَّيْل؛ فَآمُرُ الجَارِيَةَ تُسْرِجَ السِّرَاجَ فَأَنْظُرَ فِيه» 0 ـ قَالُواْ عَنِ حِفْظِهِ: قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «كَانَ أَعْلَمَنَا بِالرِّجَال: يحْيىَ بْنُ مَعِين، وَأَحْفَظَنَا لِلأَبْوَاب: سُلَيْمَانُ الشَّاذَكُونيّ، وَأَحْفَظَنَا لِلطِّوَال: عَلِيُّ بْنُ المَدِينيّ» 0 ـ ثَنَاءُ الأَئِمَّهِ عَلَيْه، رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

قَالَ الْفرْهَيَانيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الحُفَّاظ: «أَعْلَمُ أَهْلِ زَمَانِهِ بِعِلَلِ الحَدِيثِ عَلِيُّ بْنُ المَدِينيّ» 0 قَالَ عَبَّاسٌ الْعَنْبَرِيّ: «كَانَ النَّاسُ يَكْتُبُونَ قِيَامَهُ وَقُعُودَهُ وَلِبَاسَهُ، وَكُلَّ شَيْءٍ يَقُولُ أَوْ يَفْعَلُ أَوْ نَحْوَ هَذَا» 0 قَالَ أَبُو يحْيىَ محَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيم: «كَانَ عَلِيُّ بْنُ المَدِينيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ إِذَا قَدِمَ بَغْدَاد: تَصَدَّرَ الحَلْقَة، فَجَاءَ يحْيىَ بْنُ مَعِين، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل، وَالمُعَيْطِيّ، وَالنَّاسُ يَتَنَاظَرُون؛ فَإِذَا

اختَلَفُواْ في شَيْءٍ؛ تَكَلَّمَ فِيهِ عَلِيُّ بْنُ المَدِينيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه» 0 ـ ثَنَاءُ الإِمَامِ الْبُخَارِيِّ رَحْمَهُ اللهُ عَلَيْه: قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَعْقِل: «سَمِعْتُ الإِمَامَ الْبُخَارِيَّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ يَقُول: مَا اسْتَصْغَرْتُ نَفْسِي عِنْدَ أَحَدٍ؛ إِلاََّ عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ المَدِينِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه» 0 حَدَّثَ أَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاجُ عَنِ الإِمَامِ الْبُخَارِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: مَا تَشْتَهِي 00؟

فَقَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: أَن أَقْدَمَ الْعِرَاقَ وَعَلِيُّ بْنُ المَدِينيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ حَيٌّ فَأُجَالِسَه» 0 ـ ثَنَاءُ الإِمَامِ النَّسَائِيِّ رَحْمَهُ اللهُ عَلَيْه: حَدَّثَ عَبْدُ الْغَنيِّ بْنُ سَعِيدٍ عَن وَلِيدِ بْنِ الْقَاسِمِ عَن أَبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيَّ قَال: «كَأَنَّ اللهَ خَلَقَ عَلِيَّ بْنَ المَدِينيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ لِهَذَا الشَّأْن» 0 ـ ثَنَاءُ يحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ رَحْمَهُ اللهُ عَلَيْه:

حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ ابْنِ أُخْتِ غَزَالٍ عَنِ الْقَوَارِيرِيِّ عَنْ يحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ قَال: «النَّاسُ يَلُومُونَني في قُعُودِي مَعَ عَلِيِّ بْنِ المَدِينيّ؛ وَأَنَا أَتَعَلَّمُ مِنهُ أَكثَرَ مِمَّا يَتَعَلَّمُ مِنيِّ» 0 حَدَّثَ صَالِحٌ جَزَرَةُ عَنِ الْقَوَارِيرِيِّ عَن عَبَّاسٍ الْعَنْبَرِيِّ عَنْ يحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ أَنَّهُ كَانَ غَفَرَ اللهُ لَهُ كَثِيرَاً مَا يَقُول: لاَ أُحَدِّثُ شَهْرَاً؛ فَإِذَا جَاءَ عَلِيُّ بْنُ المَدِينيِّ رَحمَهُ اللهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الشَّهْرِ حَدَّثَهُ؛ فَقِيلَ لَهُ في

ذَلِكَ فَقَال: إِنيِّ أَسْتَثْني عَلِيَّاً؛ فَنَحْنُ نَسْتَفِيدُ مِنهُ أَكْثَرَ مِمَّا يَسْتَفِيدُ مِنَّا» 0 ـ ثَنَاءُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ رَحْمَهُ اللهُ عَلَيْه: حَدَّثَ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْعَظِيمِ عَنْ رَوْحِ بْنِ عَبْدِ المُؤْمِنِ عَن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ قَال: «عَلِيُّ بْنُ المَدِينيِّ أَعْلَمُ النَّاسِ بحَدِيثِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَاصَّةً بحَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَة» ـ ثَنَاءُ الإِمَامِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَة رَحْمَهُ اللهُ عَلَيْه:

قَالَ خَلَفُ بْنُ الْوَلِيدِ الجَوْهَرِيّ: «خَرَجَ عَلَيْنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ يَوْمَاً، وَمَعَنَا عَلِيُّ بْنُ المَدِينيّ؛ فَقَال: لَوْلاَ عَلِيٌّ؛ لَمْ أَخرُجْ إِلَيْكُمْ» 0 قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «تَلُومُونَني عَلَى حُبِّ عَلِيِّ بْنِ المَدِينيّ، وَاللهِ لَقَدْ كُنْتُ أَتَعَلَّمُ مِنهُ أَكْثَرَ مِمَّا يَتَعَلَّمُ مِنيِّ» 0 قَالَ الْعَبَّاسُ الْعَنْبَرِيّ: «كَانَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ يُسَمِّي عَلِيَّ بْنَ المَدِينيِّ: حَيَّةَ الْوَادِي»

ـ قَالُواْ في المُفَاضَلَةِ بَيْنَهُ وَبَينَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَيحْيىَ بْنِ مَعِينٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمَا: حَدَّثَ أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّيّ: «قِيلَ لأَبي دَاوُد: أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَعْلَمُ أَمْ عَلِيُّ بْنُ المَدِينيّ؟ فَقَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: عَلِيٌّ أَعْلَمُ بِاخْتِلاَفِ الحَدِيثِ مِن أَحْمَد» 0 قَالَ عَبْدُ المُؤْمِنِ النَّسَفِيّ: «سَأَلْتُ صَالِحَ بْنَ محَمَّدٍ [جَزَرَة]: هَلْ كَانَ يحْيىَ بْنُ مَعِينٍ يحْفَظ 00؟ فَقَال: لاَ، إِنَّمَا كَانَ عِنْدَهُ مَعْرِفَة؛ قُلْتُ: فَعَلِيُّ بْنُ المَدِينيّ 00؟

قَال: كَانَ يحْفَظُ وَيَعْرِف» 0 حَدَّثَ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الْبُجَيْرِيُّ عَنِ الأَعْيَنِ قَال: «رَأَيْتُ عَلِيَّ بْنَ المَدِينيِّ مُستَلْقِيَاً، وأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ يَمِينِهِ، وَيحْيىَ بْنُ مَعِينٍ عَنْ يَسَارهِ؛ وَهُوَ يُمْلِي عَلَيْهِمَا» 0 ـ مَا رَآهُ وَمَا رُؤِيَ فِيهِ مِنَ المَنَامَاتِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ أَبُو قُدَامَةَ السَّرَخْسِيُّ عَن عَلِيِّ بْنِ المَدِينيّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال:

«رَأَيْتُ كَأَنَّ الثُّرَيَّا تَدَلَّتْ حَتىَّ تَنَاوَلْتُهَا؛ قَالَ أَبُو قُدَامَةَ السَّرَخْسِيّ: صَدَّقَ اللهُ رُؤْيَاه؛ فَقَدْ بَلَغَ في الحَدِيثِ مَبْلَغَاً لَمْ يَبْلُغْهُ أَحَد» 0 حَدَّثَ يَعْقُوبُ الْفَسَوِيُّ عَن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي عَبَّادٍ الْقَلْزُمِيِّ قَال: «جَاءنَا عَلِيُّ بْنُ المَدِينيِّ رَحمَهُ اللهُ يَوْمَاً فَقَال: رَأَيْتُ في هَذِهِ اللَّيْلَةِ كَأَنيِّ مَدَدْتُ يَدِي فَتَنَاوَلْتُ أَنْجُمَاً؛ فَمَضَينَا مَعَهُ إِلىَ مُعَبِّرٍ فَقَال: سَتَنَالُ عِلْمَاً؛ فَانْظُرْ كَيْفَ تَكُون» 0

قَالَ أَزْهَرُ بْنُ جَمِيل: «كُنَّا عِنْدَ يحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّان ـ أَنَا وَعَبْدُ الرَّحْمَن ـ وَسُفْيَانُ الرُّؤَاسِيّ؛ وَعَلِيُّ بْنُ المَدِينيِّ وَغَيْرُهُمْ؛ إذْ جَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ مُنْتَقِعَ اللَّوْن، أَشْعَثَ، فَسَلَّم؛ فَقَالَ لَهُ يحْيىَ: مَا حَالُكَ أَبَا سَعِيد 00؟ قَال: خَيْر، رَأَيْتُ الْبَارِحَةَ في المَنَامِ كَأَنَّ قَوْمَاً مِن أَصْحَابِنَا قَدْ نُكِسُواْ؛ قَالَ عَلِيُّ بْنُ المَدِينيّ: يَا أَبَا سَعِيد، هُوَ خَيْر؛ قَالَ اللهُ جَلَّ وَعَلاَ: {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ في الخَلْق}

{يس/68} قَال: اسْكُتْ؛ فَوَاللهِ إِنَّكَ لَفي الْقَوْم» 0 ـ خَبَرُهُ في محْنَةِ خَلْقِ الْقُرْآنِ غَفَرَ اللهُ لَه: كَانَ الإِمَامُ أَحْمَدُ قَدِ احْتَجَّ في محْنَتِهِ بحَدِيثٍ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم؛ فَبَعَثَ ابْنُ أَبي دُوَادَ إِلىَ عَلِيِّ بْنِ المَدِينيِّ مَنْ يَسْأَلُهُ عَن هَذَا الحَدِيث؛ فَضَعَّفَهُ ابْنُ المَدِينيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ لِعِلَِّةٍ خَفِيَّةٍ فِيه؛ وَأَظْهَرَ إِجَابَتَهُمْ؛ فَكَانَ ذَلِكَ مِن أَقْوَى الأَسْبَابِ لِضَرْبِ الإِمَامِ أَحْمَدَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه 0

رَوَى ابْنُ عَدِيٍّ عَنْ مُسَدَّدِ بْنِ أَبي يُوسُفَ الْقُلُوسِيِّ عَن أَبِيهِ قَال: «قُلْتُ لاَِبْنِ المَدِينيّ: مِثْلُكَ يُجِيبُ إِلىَ مَا أَجَبْتَ إِلَيْه 00؟ فَقَال: يَا أَبَا يُوسُف؛ مَا أَهْوَنَ السَّيْفَ عَلَيْك» 0 قَالَ ابْنُ عَمَّارٍ المَوْصِلِيُّ في «تَارِيخِهِ»: «قَالَ لي عَلِيُّ بْنُ المَدِينيّ: مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تُكَفِّرَ الجَهْمِيَّة 00؟ [وَكُنْتُ مِنْ قَبْلُ لاَ أُكَفِّرُهُمْ]

فَلَمَّا أَجَابَ عَلِيٌّ إِلىَ المِحْنَة: كَتَبْتُ إِلَيْهِ أُذَكِّرُهُ مَا قَالَ لي، وَأُذَكِّرُهُ الله؛ فَأَخْبَرَني رَجُلٌ عَنهُ: أَنَّه بَكَى حِينَ قَرَأَ كِتَابي، ثُمَّ رَأَيْتُهُ بَعْدُ فَقَالَ لي: مَا في قَلْبيَ مِمَّا قُلْتُ، وَلَكِنيِّ خِفْتُ أَن أُقْتَل، وَتَعْلَمُ ضَعْفِيَ أَنيِّ لَوْ ضُرِبْتُ سَوْطَاً وَاحِدَاً لَمُتُّ؛ قَالَ ابْنُ عَمَّار: وَدَفَعَ عَنيِّ عَلِيٌّ امْتِحَانَ ابْنِ أَبي دُوَادَ إِيَّاي، شَفَعَ فِيَّ، وَدَفَعَ عَن غَيرِ وَاحِدٍ مِن أَهْلِ المَوْصِلِ مِن أَجْلِي، فَمَا أَجَابَ إِلاََّ خَوْفَاً»

قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبي حَاتِمٍ الْوَرَّاق: «كَانَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي غَفَرَ اللهُ لَهُ تَرَكَ الرِّوَايَةَ عَن عَلِيِّ بْنِ المَدِينيِّ مِن أَجْلِ مَا بَدَا مِنهُ في المِحْنَة» 0 قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ مُعَلِّقَاً: «هَذَا أَمْرٌ فِيهِ ضِيق؛ فَلاَ حَرَجَ عَلَى مَن أَجَابَ في المِحْنَة، بَلْ وَلاَ عَلَى مَن أُكْرِهَ عَلَى صَرِيحِ الْكُفْرِ عَمَلاً بِالآيَة: {إِلاَّ مَن أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَان} [النَّحْل: 106]

عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال: «تَجَاوَزَ اللهُ عَن أُمَّتي الخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُواْ عَلَيْه» 0 [قَالَ فِيهِ الإِمَامُ الذَّهَبيّ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَين، وَصَحَّحَهُ الْعَلاَّمَةُ الأَلبَانيُّ في سُنَنِ الإِمَامِ ابْنِ مَاجَة، رَوَاهُ الحَاكِم] حَدَّثَ المَرُّوذِيُّ عَن عَبَّاسٍ الْعَنْبَرِيِّ قَال: «قِيلَ لِعَلِيِّ بْنِ المَدِينيّ: إِنَّهُمْ لاَ يَقْبَلُونَ مِنْك، إِنَّمَا يَقْبَلُونَ مِن أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَل 00

قَالَ غَفَرَ اللهُ لَه: قَوِيَ أَحْمَدُ عَلَى السَّوْطِ وَأَنَا لاَ أَقْوَى» 0 حَدَّثَ أَبُو بَكْرٍ الجُرْجَانيُّ عَن أَبي الْعَيْنَاءِ قَال: «دَخَلَ عَلِيُّ بْنُ المَدِينيِّ عَلَىَ أَحْمَدَ بْنِ أَبي دُوَادَ بَعْدَ مِحْنَةِ الإِمَامِ أَحْمَدَ وَمَا جَرَى لَه، فَنَاوَلَهُ رُقْعَةً، وَقَال: هَذِهِ طُرِحَتْ في دَارِي؛ فَإذَا فِيهَا: يَا ابْنَ المَدِينيِّ الَّذِي شُرِعَتْ لَهُ ... دُنْيَا فَجَادَ بِدِينِهِ لِيَنَالَهَا مَاذَا دَعَاكَ إِلىَ اعْتِقَادِ مَقَالَةٍ ... قَدْ كَانَ عِنْدَكَ كَافِرَاً مَنْ قَالَهَا

أَمْرٌ بَدَا لَكَ رُشْدُهُ فَقَبِلْتَه ... أَمْ زَهْرَةُ الدُّنْيَا أَرَدْتَ نَوَالَهَا فَلَقَدَ عَهِدْتُكَ لاَ أَبَا لَكَ مَرَّةً ... صَعْبَ المَقَالَةِ عِنْدَمَا تُدْعَى لَهَا ثُمَّ دَعَا لَهُ بِخَمْسَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ وَقَالَ لَه: اصْرِفْهَا في نَفَقَاتِكَ وَصَدَقَاتِك» 0 نُسِبَتْ هَذِهِ الأَبْيَاتُ لِلإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَل 0 حَدَّثَ ابْنُ مَخْلَدٍ الْعَطَّارُ عَنْ محَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ عَن عَلِيِّ بْنِ المَدِينيِّ أَنَّهُ قَالَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرَيْن:

«القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوق، وَمَنْ قَالَ مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِر» 0 ـ أَشْهَرُ مُؤَلَّفَاتِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ عَنْ قَاضِي الْقُضَاةِ محَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ الهَاشِمِيِّ قَال: «هَذِهِ أَسَامِي مُصَنَّفَاتِ عَلِيِّ بْنِ المَدِينيّ: «الأَسْمَاءُ وَالكُنَى/8»، «اخْتِلاَفُ الحَدِيثِ/5»، «الضُّعَفَاءُ/10»، «المُدَلِّسُونَ/5»، «أَوَّلُ مَنْ فَحَصَ عَنِ الرِّجَالِ/1»، «الطَّبَقَاْتُ/10»، «عِللُ المُسْنَدِ/30»، «مَنْ لاَ يُحْتَجُّ بِهِ وَلاَ يَسْقُطُ/2»، «عِلَلُ

حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ/13»، «مَنْ رَوَى عَمَّنْ لَمْ يَرَهُ/1»، «الْعِلَلُ مِنْ رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ الْقَاضِي/14»، «التَّارِيخُ/10»، «سُؤَالاِتُ يحْيىَ الْقَطَّان/2»، «سُؤَالُ يحْيىَ وَابْنِ مَهْدِيٍّ عَنِ الرِّجَال/5»، «الْغَرِيب/5»، «مَنْ نَزَلَ مِنَ الصَّحَابَةِ النَّوَاحِي/5»، «الْعَرْضُ عَلَى المُحَدِّثِ/2»، «الأَسَانيْدُ الشَّاذَّةُ/2»، «مَن حَدَّثَ وَرَجَعَ عَنهُ/2»، «الثِّقَاْتُ/10»، «الأَشْرِبَةُ/3»، «مَن عُرِفَ بِلَقَبِهِ/؟»، «الإِخْوَةُ وَالأَخَوَاْت/3»، «مَن عُرِفَ بِغَيْرِ اسْمِ

أَبِيهِ/2»، «الْعِلَلُ المُتَفَرِّقَةُ/30»، «مَذَاهِبُ المُحَدِّثِين/2» 00 [الرَّقْمُ المجَاوِرُ لاِسْمِ الْكِتَابِ هُوَ عَدَدُ المجَلَّدَات] ثُمَّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيب: جَمِيعُ هَذِهِ الْكُتُبِ انْقَرَضَتْ، رَأَيْنَا مِنهَا أَرْبَعَةَ كُتُبٍ أَوْ خَمْسَةً» 0 ـ مِن أَقْوَالِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ عَن عَلِيِّ بْنِ المَدِينيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «التَّفَقُّةُ في مَعَاني الحَدِيثِ نِصْفُ الْعِلْم، وَمَعْرِفَةُ الرِّجَالِ نِصْفُ الْعِلْم» 0

يحيى بن معين

يَحْيىَ بْنُ مَعِين هُوَ الإِمَامُ الحَافِظُ شَيْخُ المُحَدِّثِينَ أَبُو زَكَرِيَّا يحْيىَ بْنُ مَعِينِ بْنِ عَوْنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ بِسْطَامَ المُرِّيّ 0 وُلِدَ سَنَةَ 158 هـ، وَتُوُفِّيَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ سَنَةَ 233 هـ 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: وَسَمِعَ مِن عَبْدِ اللهِ بْنِ المُبَارَك، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَة، وَغُنْدَر، وَوَكِيعٍ، وَيحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّان، وَعَبْدِ الرَّحمَنِ بْنِ مَهْدِيّ، وَعَفَّانَ بْنِ مُسْلِم، وَعَبْدِ الرَّزَّاق، وَمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَان، وَعَبَّادِ بْنِ عَبَّاد، وَهُشَيْمِ بْنِ بَشِير، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاش، وَأَبي حَفْصٍ الأَبَّار، وَخَلْقٍ بِالعِرَاقِ وَالحِجَازِ وَمِصْرَ وَالشَّام

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: رَوَى عَنهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل، وَالبُخَارِيّ، وَمُسْلِم، وَأَبُو دَاوُد، وَأَبُو زُرْعَة، وَأَبُو حَاتمٍ الرَّازِي، وَأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيّ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَهَنَّادُ بْنُ السَّرِيّ، وَعَبَّاسٌ الدُّورِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ الصَّاغَانيّ، وَصَالِحُ بْنُ محَمَّدِ جَزَرَة، وَأَبُو

بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ المَرْوَزِيّ، وَمحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبي شَيْبَة، وَإِسْحَاقُ الْكَوْسَج، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَل، وَجَعْفَرٌ الْفِرْيَابيّ، وَمُوسَى بْنُ هَارُون، وَأَحْمَدُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ التَّمَّار، وَأَحْمَدُ بْنُ الحَسَنِ بْنُ عَبْدِ الجَبَّارِ الصُّوفِيّ، وَخَلاَئِق 0 ـ نُبْذَةٌ عَنْ نَشْأَتِهِ وَرِحْلَتِهِ في طَلَبِ الْعِلْمِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

قَالَ عَنهُ شَيْخٌ مِنْ قَرَابَتِهِ: «كَانَ مَعِينٌ عَلَى خَرَاجِ الرَّيِّ فَمَات؛ فَخَلَّفَ لِيحْيىَ ابْنِهِ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَم؛ أَنْفَقَهَا كُلَّهَا عَلَى الحَدِيثِ حَتىَّ لَمْ يَبْقَ لَهُ نَعلٌ يَلْبَسُه» 0 ـ قَالُواْ عَنْ كِتَابَتِهِ وَتَدْوِينِهِ لأَحَادِيثِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «كَتَبَ الْعِلْمَ وَهُوَ ابْنُ عِشْرِينَ سَنَة» 0 قَالَ محَمَّدُ بْنُ سَعْد:

«يحْيىَ بْنُ مَعِينٍ أَكْثَرَ مِنْ كِتَابَةِ الحَدِيثِ وَعُرِفَ بِهِ، وَكَانَ لاَ يَكَادُ يُحَدِّث» 0 وَجَاءَ في «تَارِيخ دِمَشْقَ» مِنْ طَرِيقِ محَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ عَنْ يحْيىَ بْنِ مَعِينٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ قَال: «كَتَبْتُ بِيَدِي أَلْفَ أَلْفِ حَدِيث» 0 حَدَّثَ أَبُو الحَسَنِ بْنُ الْبَرَاءِ عَن عَلِيِّ بْنِ المَدِينيِّ [شَيْخِ الإِمَامِ البُخَارِيِّ] عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ قَال: «لاَ نَعْلَمُ أَحَدَاً مِنْ لَدُن آدَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَتَبَ مِنَ الحَدِيثِ مَا كَتَبَ يحْيىَ بْنُ مَعِينٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه» 0

حَدَّثَ عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ عَنْ يحْيىَ بْنِ مَعِينٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ قَال: «لَوْ لَمْ نَكْتُبِ الحَدِيثَ خَمْسِينَ مَرَّةً مَا عَرَفْنَاه» 0 قَالَ مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى: «كَانَ يحْيىَ بْنُ مَعِينٍ يَكْتُبُ الحَدِيثَ نَيِّفَاً وَخَمْسِينَ مَرَّةً» 0 حَدَّثَ عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ عَنْ يحْيىَ بْنِ مَعِينٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ قَال: «لَوْ لَمْ نَكْتُبِ الحَدِيثَ مِنْ ثَلاَثِينَ وَجْهَاً، مَا عَقَلْنَاه» 00 أَيْ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَة 0

حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ محَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ عَنْ يحْيىَ بْنِ مَعِينٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ قَال: «كَتَبْتُ بِيَدِي أَلْفَ أَلفِ حَدِيث، وَكُلُّ حَدِيثٍ لاَ يُوجَدُ هَا هُنَا، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلىَ أَسْفَاطِ ـ أَيْ جَوَالِق ـ فَهُوَ كَذِب» 0 حَدَّثَ صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ الحَافِظُ عَن أَبي عَبْدِ اللهِ محَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَن أَبِيهِ قَال: «خَلَّفَ يحْيىَ مِنَ الْكُتُبِ مِاْئَةَ قِمَطْر، وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ قِمَطْرَاً، وَأَرْبَعَةَ حِبَابٍ شَرَابِيَّةٍ مَمْلُوءةٍ كُتُبَاً» 0 [الْقِمَطْر: شَيْءٌ كَالصُّنْدُوقِ تُصَانُ فِيهِ الْكُتُب، وَالحِبَابُ الشَّرَابِيَّةُ أَظُنُّهَا الجَوَالِقُ الصُّوف]

حَدَّثَ عَبْدُ المُؤْمِنِ عَنْ صَالِحٍ جَزَرَةَ رَحمَهُ اللهُ قَال: «ذُكِرَ لي أَنَّ يحْيىَ بْنَ مَعِينٍ خَلَّفَ مِنَ الْكُتُبِ ثَلاَثِينَ قِمَطْرَاً وَعِشْرِينَ حُبَّاً؛ فَطَلَبَ يحْيىَ بْنُ أَكْثَمَ كُتُبَهُ بِمائَتيْ دِينَار؛ فَلَمْ يَدَعْ أَبُو خَيْثَمَةَ أَنْ تُبَاع» 0 ـ قَالُواْ عَنْ جَوْدَةِ حِفْظِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبي مَهْزُولٍ عَنْ محَمَّدِ بْنِ حَفْصٍ عَن عَمْرٍو النَّاقِدِ قَال: «مَا كَانَ في أَصْحَابِنَا أَعْلَمَ بِالإِسْنَادِ مِنْ يحْيىَ؛ مَا قَدَرَ أَحَدٌ يَقْلِبَ عَلَيْهِ إِسْنَادَاً قَطّ» 0 حَدَّثَ عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ عَنْ يحْيىَ بْنِ مَعِينٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ قَال: «حَضَرْتُ نُعَيْمَ بْنَ حَمَّادٍ بِمِصْر؛ فَجَعَلَ يَقْرَأُ كِتَابَاً صَنَّفَهُ فَقَال: حَدَّثَنَا ابْنُ المُبَارَكِ عَنِ ابْنِ عَوْن، وَذَكَرَ أَحَادِيث؛ فَقُلْتُ: لَيْسَ ذَا عَنِ ابْنِ المُبَارَك؛ فَغَضِبَ وَقَال: تَرُدُّ

عَلَيَّ 00؟ قُلْتُ: إِي وَاللهِ؛ أُرِيدُ زَيْنَك؛ فَأَبَى أَنْ يَرْجِعَ؛ فَلَمَّا رَأَيْتُهُ لاَ يَرْجِعُ قُلْتُ: لاَ وَاللهِ؛ مَا سَمِعْتَ هَذِهِ مِن ابْنِ المُبَارَك، وَلاَ سَمِعَهَا هُوَ مِن ابْنِ عَوْنٍ قَطّ؛ فَغَضِبَ وَغَضِبَ مَنْ كَانَ عِنْدَه، وَقَامَ فَدَخَلَ فَأَخْرَجَ صَحَائِفَ، فَجَعَلَ يَقُولُ وَهِيَ بِيَدِهِ: أَيْنَ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ يحْيىَ بْنَ مَعِينٍ لَيْسَ بِأَمِيرِ المُؤْمِنِينَ في الحَدِيث 00؟

نَعَمْ يَا أَبَا زَكَرِيَّا 00 غَلِطْت، وَإِنَّمَا رَوَى هَذِهِ الأَحَادِيثَ غَيْرُ ابْنِ المُبَارَكِ عَنِ ابْنِ عَوْن» 0 ـ قَالُواْ عَنْ مَدَى تَوْثِيقِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ عَنهُ الإِمَامُ النَّسَائِيّ: «أَبُو زَكَرِيَّا أَحَدُ الأَئِمَّةِ في الحَدِيث، ثِقَةٌ مَأْمُون» 0 ـ قَالُواْ عَنْ ذَكَائِهِ وَحُسْنِ اسْتِيعَابِهِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: حَدَّثَ أَبُو الحَسَنِ بْنُ الْبَرَاءِ عَن عَلِيِّ بْنِ المَدِينيِّ [شَيْخِ الإِمَامِ البُخَارِيِّ] عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ قَال:

«مَا رَأَيْتُ يحْيىَ اسْتَفْهَمَ حَدِيثَاً قَطُّ وَلاَ رَدَّه» 0 ـ قَالُواْ عَنْ تَمَكُّنِهِ في عُلُومِ الحَدِيثِ وَعِلَلِه، وَمَعْرِفَتِهِ بِالرِّجَال: قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «كَانَ أَعْلَمَنَا بِالرِّجَال: يحْيىَ بْنُ مَعِينٍ رَحمَهُ الله، وَأَحْفَظَنَا لِلأَبْوَاب: سُلَيْمَانُ الشَّاذَكُونيّ، وَأَحْفَظَنَا لِلطِّوَال: عَلِيُّ بْنُ المَدِينيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمَا» 0 [الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلاَمِ النُّبَلاَء 0 طَبْعَةِ مُؤَسَّسَةِ الرِّسَالَة 0 ص: 87/ 11]

حَدَّثَ يحْيىَ بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ حَيَّوَيْهِ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ إِسْحَاقَ عَن هَارُونَ بْنِ مَعْرُوفٍ قَال: «قَدِمَ عَلَيْنَا شَيْخٌ؛ فَبَكَّرْتُ عَلَيْه؛ فَسَأَلْنَاهُ أَنْ يُمْلِيَ عَلَيْنَا؛ فَأَخَذَ الْكِتَاب، وَإِذَا الْبَابُ يُدَقّ؛ فَقَالَ الشَّيْخ: مَن هَذَا 00؟ قَال: أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل؛ فَأَذِنَ لَهُ، وَالشَّيْخُ عَلَى حَالَتِهِ لَمْ يَتَحَرَّكْ، فَإِذَا آخَرُ يَدُقُّ الْبَاب؛ فَقَال: مَنْ ذَا 00؟

قَال: أَحْمَدُ الدَّوْرَقِيّ؛ فَأَذِنَ لَهُ وَلَمْ يَتَحَرَّكْ، ثمَّ ابْنُ الرُّومِيِّ فَكَذَلِك، ثمَّ أَبُو خَيْثَمَةَ فَكَذَلِك، ثُمَّ دُقَّ الْبَاب؛ فَقَال: مَنْ ذَا 00؟ قَال: يحْيىَ بْنُ مَعِين؛ فَرَأَيْتُ الشَّيْخَ ارْتَعَدَتْ يَدُهُ وَسَقَطَ مِنهُ الْكِتَاب» 0 ـ قَالَ عَنِهُ أَبُو حَاتمٍ الرَّازِي رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ الهَمَذَانيُّ عَن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَمْدَانَ عَن أَبي حَاتمٍ الرَّازِي قَال:

«إِذَا رَأَيْتَ الْبَغْدَادِيَّ يُحِبُّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَل؛ فَاعْلَمْ أَنَّهُ صَاحِبُ سُنَّة 00 وَإِذَا رَأَيْتَهُ يُبْغِضُ يحْيىَ بْنَ مَعِين؛ فَاعلَمْ أَنَّهُ كَذَّاب» 0 وَقَالَ محَمَّدُ بْنُ هَارُونَ الْفَلاََّس: «إِذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ يَقَعُ في يحْيىَ بْنِ مَعِينٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه؛ فَاعْلَمْ أَنَّهُ كَذَّابٌ يَضَعُ الحَدِيث؛ وَإِنَّمَا يُبْغِضُهُ لِمَا يُبَيِّنُ مِن أَمْرِ الْكَذَّابين» 0 ـ قَالَ عَنِهُ يحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

حَدَّثَ عُبَيْدُ اللهِ القَوَارِيرِيُّ عَنْ يحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «مَا قَدِمَ عَلَيْنَا مِثْلُ هَذَيْن: أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل، وَيحْيىَ بْنُ مَعِين» 0 ـ ثَنَاءُ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحْمَهُ اللهُ عَلَيْه: حَدَّثَ عَبْدُ الخَالِقِ عَن أَبي عَمْرٍو عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «السَّمَاعُ مِنْ يحْيىَ بْنِ مَعِين: شِفَاءٌ لِمَا في الصُّدُور» 0

حَدَّثَ أَبُو مُقَاتِلٍ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «هَا هُنَا رَجُلٌ خَلَقَهُ اللهُ لِهَذَا الشَّأْن، يُظْهِرُ كَذِبَ الْكَذَّابين» 00 يَعْني: يحْيىَ بْنَ مَعِين 0 حَدَّثَ أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ محَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «كُلُّ حَدِيثٍ لاَ يَعْرِفُهُ يحْيىَ بْنُ مَعِينٍ فَلَيْسَ هُوَ بِحَدِيث» 0 ـ ثَنَاءُ عَلِيِّ بْنِ المَدِينيِّ [شَيْخِ الإِمَامِ البُخَارِيِّ] رَحْمَهُ اللهُ عَلَيْه:

قَالَ عَنهُ عَلِيُّ بْنُ المَدِينيّ [شَيْخُ الإِمَامِ البُخَارِيِّ] عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «مَا رَأَيْتُ في النَّاسِ مِثْلَه» حَدَّثَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُرِّيُّ عَن أَحْمَدَ بْنِ يحْيىَ الجَارُودِ عَن عَلِيِّ بْنِ المَدِينيِّ أَنَّهُ ذَكَرَ سَعِيدَ بْنَ أَبي عَرُوبَة، وَمَعْمَرَاً، وَشُعْبَة، وَحَمَّادَ بْنَ سَلَمَة، وَسُفْيَانَ الثَِّوْرِيّ، وَسُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَة، وَمَالِكَاً، وَالأَوْزَاعِيّ، وَابْنَ إِسْحَاقَ السّبِيعِيّ، وَهُشَيْمَ بْنَ بَشِير، وَأَبَا عَوَانَة، وَيحْيىَ بْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّان، وَيحْيىَ بْنَ أَبي

زَائِدَة، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ المُبَارَك، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيّ، وَيحْيىَ بْنَ آدَمَ وَقَال: صَارَ عِلْمُ هَؤُلاَءِ جَمِيعِهِمْ إِلىَ يحْيىَ بْنِ مَعِين» 0 حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبي شَيْبَةَ عَن عَلِيِّ بْنِ المَدِينيِّ [شَيْخِ الإِمَامِ البُخَارِيِّ] قَال: «كُنْتُ إِذَا قَدِمْتُ إِلىَ بَغْدَادَ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَة: كَانَ الَّذِي يُذَاكِرُني أَحْمَد، فَرُبَّمَا اخْتَلَفْنَا في الشَّيْء؛ فَنَسْأَلُ أَبَا زَكَرِيَّا، فَيَقُومُ فَيُخْرِجَهُ، مَا كَانَ أَعْرَفَهُ» 0

ـ قَالُواْ في المُفَاضَلَةِ بَيْنَهُ وَبَينَ عَلِيِّ بْنِ المَدِينيِّ [شَيْخِ الإِمَامِ البُخَارِيِّ] رَحْمَهُ اللهُ عَلَيْه: قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّيّ: «قُلْتُ لأَبي دَاوُد: أَيُّمَا أَعْلمُ بِالرِّجَال: يحْيىَ بْنُ مَعِين، أَوْ عَلِيُّ بْنُ المَدِينيّ 00؟ قَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: يحْيىَ بْنُ مَعِين» 0 ـ قَالُواْ في المُفَاضَلَةِ بَيْنَهُ وَبَينَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ عَبْدُ المُؤْمِنِ النَّسَفِيّ:

«سَأَلْتُ صَالِحَ بْنَ محَمَّدٍ [جَزَرَة]: مَن أَعْلَمُ بِالحَدِيث: يحْيىَ بْنُ مَعِين، أَوْ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل؟ فَقَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: أَحْمَدُ أَعْلَمُ بِالفِقْهِ وَالاِخْتِلاَف، وَأَمَّا يحْيىَ: فَأَعْلَمُ بِالرِّجَالِ وَالكُنىَ» 0 ـ قَالُواْ في الثَّلاَثَةِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمْ: رَوَى عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبي زِيَادٍ الْقَطَوَانيُّ عَن أَبي عُبَيْدٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَال:

«انْتَهَى الحَدِيثُ إِلىَ أَرْبَعَة: أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَل؛ وَهُوَ أَفْقَهُهُمْ فِيه، وَإِلىَ يحْيىَ بْنِ مَعِين؛ وَهُوَ أَكْتَبُهُمْ لَه، وَإِلىَ عَلِيِّ بْنِ المَدِينِيّ؛ وَهُوَ أَعْلَمُهُمْ بِه، وَإِلىَ أَبي بَكْرٍ بْنِ أَبي شَيْبَة؛ وَهُوَ أَحْفَظُهُمْ لَه» 0 وَفي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَن أَبي عُبَيْدٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «وَإِلىَ يحْيىَ بْنِ مَعِين، وَهُوَ أَعْلَمُهُمْ بِصَحِيحِهِ وَسَقِيمِه» 0 رَوَى ابْنُ عَدِيٍّ عَنْ مُوسَى بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ الأَشْيَبِ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ قَال:

«كَانَ أَحْمَدُ وَيحْيىَ وَعَلِيٌّ عِنْدَ عَفَّانَ بْنِ مُسْلِمٍ أَوْ عِنْدَ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْب؛ فَأَتىَ بِصَكٍّ فَشَهِدُواْ فِيه، وَكَتَبَ يحْيىَ فِيه؛ فَقَالَ عَفَّان: أَمَّا أَنْتَ يَا أَحْمَد: فَضَعِيفٌ في إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْد، وَأَمَّا أَنْتَ يَا عَلِيّ: فَضَعِيفٌ في حَمَّادِ بْنِ زَيْد، وَأَمَّا أَنْتَ يَا يحْيىَ: فَضَعِيفٌ في ابْنِ المُبَارَك؛ فَقَالَ يحْيىَ: وَأَمَّا أَنْتَ يَا عَفَّان: فَضَعِيفٌ في شُعْبَة» 00 وَالضَّعْفُ هُنَا لَيْسَ ضَعْفَ الإِسْنَاد، وَإِنَّمَا هُوَ ضَعْفُ التَّمَكُّن

قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ مُعَلِّقَاً: «كُلٌّ مِنهُمْ صَغِيرٌ في شَيْخِهِ ذَلِكَ وَمُقِلٌّ عَنه» ـ ذَبُّهُ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ عَن أَحَادِيثِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: وَلَمْ يَسْتَثْنِ في الذَّبِّ عَن حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدَاً مِنَ النَّقْدِ حَتىَّ شُيُوخَهُ 00 قَالَ أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيّ: خَرَجْتُ مَعَ أَحْمَدَ وَيحْيىَ إِلىَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ خَادِمَاً لَهُمَا، فَلَمَّا عُدْنَا إِلىَ الْكُوفَةِ قَالَ يحْيىَ بْنُ مَعِين: أُرِيدُ أَن

أَخْتَبِرَ أَبَا نُعَيْم؛ فَقَالَ لَهُ الإِمَامُ أَحْمَد: لاَ تُرِدْ، فَالرَّجُلُ ثِقَة؛ قَالَ يحْيىَ: لاَ بُدَّ لي؛ فَأَخَذَ وَرَقَةً فَكَتَبَ فِيهَا ثَلاَثِينَ حَدِيثَاً، وَجَعَلَ عَلَى رَأْسِ كُلِّ عَشرَةٍ مِنهَا حَدِيثَاً لَيْسَ مِن حَدِيثِه، ثمَّ إِنَّهُمْ جَاؤُواْ إِلىَ أَبي نُعَيْم، فَخَرَجَ وَجَلَسَ عَلَى دُكَّانِهِ، وَأَخَذَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ فَأَجْلَسَهُ عَنْ يَمِينِهِ، وَيحْيىَ عَنْ يَسَارِهِ، وَجلَسْتُ أَسْفَلَ الدُّكَّان 0

ثُمَّ أَخْرَجَ يحْيىَ الطَّبَقَ فَقَرَأَ عَلَيْهِ عَشْرَةَ أَحَادِيث، فَلَمَّا قَرَأَ الحَادِيَ عَشَرَ قَالَ أَبُو نُعَيْم: لَيْسَ هَذَا مِن حَدِيثي؛ اضْرِبْ عَلَيْه [أَيِ امْحُهُ]، ثُمَّ قَرَأَ الْعُشْرَ الثَّاني، وَأَبُو نُعَيْمٍ سَاكِت، فَقَرَأَ الحَدِيثَ الثَّانيَ فَقَالَ أَبُو نُعَيْم: لَيْسَ هَذَا مِن حَدِيثِي؛ فَاضْرِبْ عَلَيْه [أَيِ امْحُهُ]، ثُمَّ قَرَأَ الْعُشْرَ الثَّالِثَ فَلَمَّا قَرَأَ الحَدِيثَ الحَادِيَ عَشَرَ تَغيَّرَ أَبُو نُعَيْمٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَانقَلَبَتْ عَيْنَاه، ثمَّ أَقْبَلَ عَلَى يحْيىَ فَقَال: أَمَّا

هَذَا وَأَشَارَ إِلىَ أَحْمَد: فَأَوْرَعُ مِن أَنْ يَعْمَلَ مِثْلَ هَذَا، وَأَمَّا هَذَا [يُرِيدُني] فَأَقَلُّ مِن أَنْ يَفْعَلَ ذَاك، وَلَكِن هَذَا مِنْ فِعْلِكَ يَا مخْبَثَان، وَأَخْرَجَ رِجْلَهُ فَرَفَسَ يحْيىَ فَرَمَى بِهِ مِنَ الدُّكَّان» 0 فَقَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ لِيَحْيىَ: أَلَمْ أَمْنَعْكَ وَأَقُلْ لَكَ إِنَّهُ ثَبْت؛ قَالَ يحْيىَ بْنُ مَعِين: وَاللهِ لَرَفْسَتُهُ لي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ سَفْرَتي» 0

لأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ ثَبْتٌ وَأَنيِّ عَلَى الخَبِيرِ سَقَطْت، وَأَنَّ سَفَرِي لَمْ يَكُن هَبَاءً 0 ـ قَالُواْ عَنْ وَرَعِهِ في حَدِيثِهِ وَحُكْمِهِ عَلَى الرِّجَالِ في غَيرِ تَعَنُّت عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: حَدَّثَ ابْنُ الْغَلاَبيِّ عَنْ يحْيىَ بْنِ مَعِينٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَهُ قَال: «إِنيِّ لأُحَدِّثُ بِالحَدِيثِ فَأَسْهَرُ لَهُ؛ مَخَافَةَ أَن أَكُونَ قَدْ أَخطَأْتُ فِيه» 0 حَدَّثَ عَبْدُ الخَالِقِ بْنُ مَنْصُورٍ عَنِ ابْنِ الرُّومِيِّ أَنَّهُ قَال:

«مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً قَطُّ يَقُولُ الحَقَّ في المَشَايِخِ غَيْرَ يحْيىَ بْنِ مَعِين، وَغَيْرُهُ كَانَ يَتَحَامَلُ بِالقَوْل» 0 قَالَ عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ بْنِ الجُنَيْدِ: سَمِعْتُ يحْيىَ بْنَ مَعِينٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَهُ يَقُول: «إِنَّا لَنَطْعَنُ عَلَى أَقْوَامٍ؛ لَعَلَّهُمْ قَدْ حَطُّواْ رِحَالَهُمْ في الجَنَّةِ مِن أَكْثَرَ مِنْ مِاْئَةِ سَنَة» 0 أَيْ يَتَأَثَّمُ لِكَلاَمِهِ بِالجَرْحِ وَالتَّضْعِيفِ عَن أُنَاسٍ لَعَلَّهُمْ أَكْثَرُ مِنهُ صَلاَحَاً وَأَتْقَى مِنهُ لله؛ لَوْلاَ أَمَانَةُ الذَّبِّ عَنْ سُنَّةِ

النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَرْحِ الزَّيْفِ عَنهَا مَا قَالَ في حَقِّهِمْ شَيْئَاً 0 قَالَ ابْنُ مَهْرَوَيْهِ رَحمَهُ الله: «دَخَلْتُ عَلَى أَبي حَاتِمٍ الرَّازِي وَهُوَ يَقْرَأُ عَلَى النَّاسِ كِتَابَ «الجَرْحِ وَالتَّعْدِيل»؛ فَحَدَّثْتُهُ بِهَذِهِ الحِكَايَة؛ فَبَكَى وَارْتَعَدَتْ يَدَاهُ حَتىَّ سَقَطَ الْكِتَابُ مِنْ يَدِهِ، وَجَعَلَ يَبْكِي وَيَسْتَعِيدُني الحِكَايَة» 0 قَالَ هَارُونُ بْنُ بَشِيرٍ الرَّازِي: «رَأَيْتُ يحْيىَ بْنَ مَعِينٍ اسْتَقبَلَ الْقِبْلَةَ رَافِعَاً يَدَيْهِ يَقُول:

اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ تَكَلَّمْتُ في رَجُلٍ وَلَيْسَ هُوَ عِنْدِي كَذَّابَاً؛ فَلاَ تَغْفِرْ لي» 0 ـ نُبْلُ أَخْلاَقِهِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: قَالَ يحْيىَ بْنُ مَعِينٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَهُ قَال: «مَا رَأَيْتُ عَلَى رَجُلٍ خَطَأً إِلاََّ سَتَرتُهُ وَأَحْبَبْتُ أَن أُزَيِّنَ أَمْرَه، وَمَا اسْتَقبَلْتُ رَجُلاً في وَجْهِهِ بِأَمْرٍ يَكْرَهُه، وَلَكِن أُبَيِّنُ لَهُ خَطَأَهُ فِيمَا بَيْني وَبَيْنَهُ؛ فَإِنْ قَبِلَ ذَلِكَ وَإِلاَ تَرَكْتُهُ» 0

حَدَّثَ الحَسَنُ بْنُ عَلِيلٍ عَنْ يحْيىَ بْنِ مَعِينٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَهُ قَال: «أَخْطَأَ عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ غَفَرَ اللهُ لَهُ في نَيِّفٍ وَعِشْرِينَ حَدِيثَاً، مَا أَعْلَمْتُ بِهَا أَحَدَاً، وَأَعْلَمتُه سِرَّاً، وَلَقَدْ طَلَبَ إِلَيَّ خَلَفُ بْنُ سَالِمٍ أَن أُخْبِرَهُ بِهَا فَمَا عَرَّفتُه؛ كَانَ يُحِبُّ أَنْ يَجِدَ عَلَيْه» 0 ـ بَعْضُ نَوَادِرِهِ غَفَرَ اللهُ لَهُ: حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دَاوُدَ عَنْ يحْيىَ بْنِ مَعِينٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ قَال:

«أَشْتَهِي أَن أَقَعَ عَلَى شَيْخٍ ثِقَة، عِنْدَهُ بَيْتٌ مُلِئَ بِكُتُب، أَكْتُبُ عَنهُ وَحْدِي» 0 رَوَى الأَبَّارُ في «تَارِيخِهِ» عَنْ يحْيىَ بْنِ مَعِينٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَهُ قَال: «كَتَبْنَا عَنِ الْكَذَّابِينَ وَسَجَرْنَا بِهِ التَّنُّور، وَأَخْرَجْنَا بِهِ خُبْزَاً نَضِيجَاً» 0 قَالَ جَعْفَرُ بْنُ أَبي عُثْمَان: «كُنَّا عِنْدَ يحْيىَ بْنِ مَعِين؛ فَجَاءَهُ رَجُلٌ مُستَعجِلٌ فَقَال: يَا أَبَا زَكَرِيَّا؛ حَدِّثْني بِشَيْءٍ أَذْكُرْكَ بِه؛ فَقَالَ يحْيىَ: اذْكُرْني أَنَّكَ سَأَلْتَني أَن أُحَدِّثَكَ

فَلَمْ أَفْعَلْ» حَدَّثَ الحَاكِمُ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ عَن إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْبَكْرِيِّ عَنْ جَعْفَرٍ الطَّيَالِسِيِّ قَال: «صَلَّى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيحْيىَ بْنُ مَعِينٍ في مَسْجِدِ الرُّصَافَة، فَقَامَ قَاصٌّ فَقَال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيحْيىَ بْنُ مَعِينٍ قَالاَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاق، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ أَنَسٍ قَال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «مَنْ قَال: لاَ إِلَهَ إِلاََّ الله: خَلَقَ اللهُ مِنْ كُلِّ كَلِمَةٍ

مِنهَا طَيْرَاً، مِنْقَارُهُ مِنْ ذَهَب، وَرِيشُهُ مِنْ مَرْجَان 000 إِلخ» 00 وَأَخَذَ في قِصَّةٍ نَحْوَ عِشْرِينَ وَرَقَة فَجَعَلَ أَحْمَدُ يَنْظُرُ إِلىَ يحْيىَ، وَيحْيىَ يَنْظُرُ إِلىَ أَحْمَدَ وَهُمَا يَقُولاَن: مَا سَمِعْنَا بِهَذَا إِلاََّ السَّاعَة؛ فَسَكَتَا حَتىَّ فَرَغَ مِنْ قَصَصِهِ، وَأَخَذَ قِطَاعَهُ [أَيِ الْغَلَّةَ وَالتَّمْر]، ثُمَّ قَعَدَ يَنْتَظِرُ بِقُبَّتِهَا، فَأَشَارَ إِلَيْهِ يحْيىَ؛ فَجَاءَ مُتَوَهِّمَاً لِنَوَالٍ مِنهُ، فَقَال: مَن حَدَّثَكَ بِهَذَا الحَدِيث 00؟

فَقَال: أَحْمَدُ وَيحْيىَ بْنُ مَعِين؛ فَقَال: أَنَا يحْيىَ وَهَذَا أَحْمَد، مَا سَمِعْنَا بِهَذَا قَطّ، فَإِنْ كَانَ وَلاَ بُدَّ مِنَ الْكَذِبِ فَعَلَى غَيْرِنَا؛ فَقَال: أَنْتَ يحْيىَ بْنُ مَعِين 00؟ قَالَ نَعَمْ؛ قَال: لَمْ أَزَلْ أَسْمَعُ أَنَّ يحْيىَ بْنَ مَعِينٍ أَحْمَقُ وَمَا عَلِمْتُ إِلاََّ السَّاعَة، كَأَنَّهُ لَيْسَ في الدُّنْيَا يحْيىَ بْنُ مَعِينٍ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ غَيرَكُمَا؛ كَتَبْتُ عَنْ سَبْعَةَ عَشَرَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَيحْيىَ بْنَ مَعِين؛ فَوَضَعَ أَحْمَدُ كُمَّهُ عَلَى وَجْهِهِ [أَيْ أُلْقِيَ عَلَيْهِ

الضَّحِكُ] وَقَال: دَعْهُ يَقُوم؛ فَقَامَ كَالمُستَهْزِئِ مِنهُمَا» ـ مِن أَقْوَالِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ نَصْرُ بْنُ زَكَرِيَّا عَنْ محَمَّدِ بْنِ يحْيىَ الذُّهْلِيِّ عَنْ يحْيىَ بْنِ مَعِينٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «الذَّبُّ عَنِ السُّنَّةِ أَفْضَلُ مِنَ الجِهَادِ في سَبِيلِ الله؛ فَقِيلَ لِيَحْيىَ بْنِ يحْيىَ التَّمِيمِيّ: الرَّجُلُ يُنْفِقُ مَالَهُ وَيُتْعِبُ نَفْسَهُ وَيُجَاهِد؛ فَهَذَا أَفْضَلُ مِنهُ 00؟ [أَيْ أَفَصَاحِبُ الحَدِيثِ أَفْضَل 00؟!] قَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: نَعَمْ بِكَثِير» 0

حَدَّثَ أَحْمَدُ بْنُ عُقْبَةَ عَنْ يحْيىَ بْنِ مَعِينٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ قَال: «مَنْ لَمْ يَكُنْ سَمْحَاً في الحَدِيثِ كَانَ كَذَّابَاً؛ قِيل: كَيْفَ يَكُونُ سَمْحَاً 00؟ قَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: إِذَا شَكَّ في حَدِيثِهِ تَرَكَه» 0 ـ بَعْضٌ مِنْ فَتَاوَاه رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ ابْنُ الجُنَيْدِ عَنْ يحْيىَ بْنِ مَعِينٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ قَال: «تَحْرِيمُ النَّبِيذِ صَحِيحٌ وَلَكِن أَقِفُ وَلاَ أُحَرِّمُه؛ قَدْ شَرِبَهُ قَوْمٌ صَالِحُونَ بِأَحَادِيثَ صِحَاح، وَحَرَّمَهُ قَوْمٌ صَالِحُونَ بِأَحَادِيثَ صِحَاح»

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الجُنَيْد: «قُلْتُ لِيحْيىَ بْنِ مَعِين: تَرَى أَنْ يَنْظُرَ الرَّجُلُ في رَأْيِ الشَّافِعِيِّ وَأَبي حَنِيفَة 00؟ قَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: مَا أَرَى لأَحَدٍ أَنْ يَنْظُرَ في رَأْيِ الشَّافِعِيّ؛ يَنْظُرُ في رَأْيِ أَبي حَنِيفَةَ أَحَبُّ إِلَيّ» وَلاَ شَكَّ أَنَّهُ ـ وَإِنْ كَانَ حَنَفِيَّ المَذْهَب ـ لَمْ يَطَّلِعْ بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ عَلَى فِقْهِ الشَّافِعِيِّ وَفَتَاوَاه، وَكَلاَمَهُ في الأُصُول؛ وَإِلاَّ لَتَلَقَّاهُ بِالْقَبُول، لاَ سِيَّمَا أَنَّ الإِمَامَ الشَّافِعِيَّ كَانَ لاَ

يَزَالُ في بِدَايَةِ أَمْرِه، وَلَمْ يَكُ مَذْهَبُهُ قَدِ انْتَشَرَ بَعْدُ الاِنْتِشَارَ الَّذِي يَضَعُهُ في مَوْضِعِ مُقَارَنَةٍ بِمَذْهَبِ الإِمَامِ أَبي حَنِيفَةَ، ثمَّ إِنَّ الرَّجُلَ فَاضَلَ بَيْنَهُمَا في الرَّأْي؛ وَكُلُّنَا يَعْرِفُ أَنَّ الإِمَامَ أَبَا حَنِيفَةَ إِمَامُ أَهْلِ الرَّأْيِ بِلاَ مُنَازِع ـ بَعْضُ كَرَامَاتِه، في حَيَاتِهِ، وَخَبرُ وَفَاتِه، وَبَعْضُ مَنْ رَآهُ في مَنَامَاتِهِ: حَدَّثَ الأَصَمُّ عَن عَبَّاسٍ الدُّورِيِّ عَنْ يحْيىَ بْنِ مَعِينٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ قَال:

«كُنَّا بِقَريَةٍ مِنْ قُرَى مِصْرَ وَلَمْ يَكُنْ مَعَنَا شَيْء، وَلاَ ثَمَّ شَيْءٌ نَشْتَرِيه؛ فَلَمَّا أَصْبَحْنَا، إِذَا نَحْنُ بِزِنْبِيلٍ مُلِئَ بِسَمَكٍ مَشْوِيّ، وَلَيْسَ عِنْدَ أَحَد؛ فَسَأَلُوني؛ فَقُلْتُ: اقْتَسِمُوهُ وَكُلُوه؛ فَإِنيِّ أَظُنُّ أَنَّهُ رِزْقٌ رَزَقَكُمُ اللهُ تَعَالى» 0 حَدَّثَ عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ عَنْ يحْيىَ بْنِ مَعِينٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ قَال: «كُنْتُ إِذَا دَخَلْتُ مَنْزِلي بِاللَّيْلِ قَرَأْتُ آيَةَ الْكُرْسِيِّ عَلَى دَارِي وَعِيَاليَ خَمْسَ مَرَّات؛ فَبَيْنَا أَنَا أَقْرَأُ إِذَا شَيْءٌ

يُكَلِّمُني: كَمْ تَقرَأُ هَذَا 00؟ كَأَنْ لَيْسَ إِنْسَانٌ يُحْسِنُ يَقْرَأُ غَيْرَك 00؟ فَقُلْتُ: أَرَى هَذَا يَسُوؤُك 00؟ وَاللهِ لأَزِيدَنَّك؛ فَصِرْتُ أَقرَؤُهَا في اللَّيْلَةِ خَمْسِينَ مَرَّة» 0 حَدَّثَ عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ بْنِ حِبَّانَ عَنْ يحْيىَ الأَحْوَلِ عَنْ يحْيىَ بْنِ مَعِينٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ قَال: «لَمَّا كَانَ الحُسَيْنُ بْنُ حِبَّانَ بِآخِرِ رَمَقٍ قَالَ لي: يَا أَبَا زَكَرِيَّا؛ أَتَرَى مَا مَكْتُوبٌ عَلَى الخَيْمَة؟

قُلْتُ: مَا أَرَى شَيْئَاً؛ قَال: بَلَى أَرَى مَكْتُوبَاً: «يحْيىَ بْنُ مَعِين: يَفْصِلُ بَيْنَ الظَّالِمِين» 00 ثُمَّ خَرَجَتْ نَفْسُه» 0 حَدَّثَ أَبُو نُعَيْمٍ عَن أَبي الشَّيْخِ عَن إِسْحَاقَ بْنِ بُنَانٍ عَن حُبَيْشِ بْنِ مُبَشِّرٍ قَال: «كَانَ يحْيىَ بْنُ مَعِينٍ يَحُجُّ فَيَذْهَبُ إِلىَ مَكَّةَ عَلَى المَدِينَةِ وَيَرْجِعُ عَلَيْهَا [أَيْ يَمُرُّ بِالمَدِينَةِ في الذَّهَابِ وَالْعَوْدَة] فَلَمَّا كَانَ آخِرُ حَجَّةٍ حَجَّهَا: رَجَعَ عَلَى المَدِينَةِ فَأَقَامَ بِهَا يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً ثُمَّ خَرَج، حَتىَّ نَزَلَ المَنْزِلَ

مَعَ رُفَقَائِه، فَبَاتُواْ، فَرَأَى في النَّوْمِ هَاتِفَاً يَهْتِفُ بِهِ: يَا أَبَا زَكَرِيَّا؛ أَتَرْغَبُ عَنْ جِوَارِي 00؟ فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ لِرُفَقَائِه: امْضُواْ فَإِنيِّ رَاجِعٌ إِلىَ المَدِينَة؛ فَمَضَوْا، وَرَجَعَ، فَأَقَامَ بِهَا رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ ثَلاَثَاً ثُمَّ مَات، فَحُمِلَ عَلَى أَعوَادِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَلَّى عَلَيْهِ النَّاسُ وَجَعَلُواْ يَقُولُون: هَذَا الذَّابُّ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَذِب» 0

قَالَ عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ رَحمَهُ الله: «مَاتَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ فَحُمِلَ عَلَى أَعْوَادِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُودِيَ بَينَ يَدَيْه: هَذَا الَّذِي كَانَ يَنْفِي الْكَذِبَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم» 00 وَدُفِنَ بِالْبَقِيع وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ كُزَالٍ في رِوَايَةٍ أُخْرَى: «كُنْتُ مَعَ يحْيىَ بْنِ مَعِينٍ بِالمَدِينَة، فَمِرَضَ وَتُوُفِّيَ بِهَا، فَحُمِلَ عَلَى سَرِيرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجُلٌ يُنَادِي بَيْنَ يَدَيْه: هَذَا الَّذِي كَانَ يَنْفِي الْكَذِبَ عَن حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم» 0

حَدَّثَ جَعْفَرُ بْنُ أَبي عُثْمَانَ وَالحُسَينُ بْنُ الخَصِيبِ عَن حُبَيْشِ بْنِ مُبَشِّرِ الْفَقِيهِ الثِّقَةِ قَال: «رَأَيْتُ يحْيىَ بْنَ مَعِينٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ في النَّوْم؛ فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِك 00؟ قَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: أَعْطَاني وَحَبَاني وَزَوَّجَني ثَلاَثَمِاْئَةِ حَوْرَاء، وَمَهَّدَ لي بَيْنَ النَّاس» 0

أبو زرعة الرازي

أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي هُوَ سَيِّدُ الحُفَّاظِ الإِمَامُ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ فَرُّوخٍ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي مُحَدِّثُ الرَّيّ 0 وَدُخُولُ الزَّايِ في نِسْبَتِهِ عَلَى غَيْرِ قِيَاس، كَالمَرْوَزِيّ؛ لِتَعَذُّرِ قَوْلِنَا رَايِيّ، وَلِتَشَابُهِ قَوْلِنَا مَرْوِيّ، وُلِدَ سَنَةَ 200 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 263 هـ 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: سَمِعَ مِن عَبْدِ اللهِ بْنِ صَالِحٍ الْعِجْلِيّ، وَأَبي نُعَيْمٍ الحَافِظ، وَيحْيىَ بْنِ بُكَيْر، وَمُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَالقَعْنَبيّ، وَقَبِيصَةَ بْنِ عُقْبَة، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَل، وَمُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيل، وَأَبي الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيّ

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ أَبُو حَفْصٍ الْفَلاََّس، وَحَرْمَلَةُ بْنُ يحْيىَ، وَيُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، وَالرَّبِيعُ المُرَادِيُّ [وَهُمْ مِنْ شُيُوخِهِ] وَابْنُ وَارَة، وَأَبُو حَاتمٍ الرَّازِي، وَالإِمَامُ مُسْلِمُ بْنُ الحَجَّاج، وَخَلْقٌ مِن أَقْرَانِهِ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَل، وَأَبُو عَوَانَةَ الإِسْفَرَايِينيّ، وَإِبْرَاهِيمُ الحَرْبيّ، وَقَاسمٌ المُطَرِّز وَآخَرُون

ـ رِحْلَتُِهُ المُبَكِّرَةُ في طَلَبِ الْعِلْمِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيّ: «طَلَبَ هَذَا الشَّأْنَ وَهُوَ حَدَث، وَارْتَحَلَ إِلىَ الحِجَازِ وَالشَّام، وَمِصْرَ وَالعِرَاق، وَالجَزِيرَةِ وَخُرَاسَان، وَكَتَبَ مَا لاَ يُوصَفُ كَثْرَةً» 0 ذَكَرَ الحَاكِمُ في كِتَابِهِ «الجَامِعِ لِرُوَاةِ الأَخْبَار»: «ارْتَحَلَ مِنَ الرَّيِّ وَهُوَ ابْنُ ثلاَثَ عَشْرَةَ سَنَة، وَأَقَامَ بِالكُوفَةِ عَشْرَةَ أَشْهُر، ثُمَّ رَجَعَ إِلىَ الرَّيّ، ثمَّ خَرَجَ في رِحْلَتِهِ الثَّانيَةِ وَغَابَ عَنْ وَطَنِهِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَة، وَجَلَسَ للتَّحْدِيثِ وَهُوَ ابْنُ ثِنْتَيْنِ وَثَلاَثِينَ سَنَة» 0

ـ كِتَابَتُهُ وَتَدْوِينُهُ لِلْحَدِيثِ النَّبَوِيّ: وَقَالَ صَالِحُ بْنُ محَمَّدٍ [جَزَرَة]: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ الرَّازِي عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَه يَقُول: «كَتَبْتُ عَن إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسَى الرَّازِي مِاْئَةَ أَلْفِ حَدِيث، وَعَن أَبي بَكْرٍ بْنِ أَبي شَيْبَةَ مِاْئَةَ أَلْف» قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبي حَاتِمٍ الْوَرَّاق: «حَدَّثَني مَن عَدَّ كِتَابَ الْوُضُوءِ وَالصَّلاَةِ فَبَلَغَ ثَمَانيَةَ عَشَرَ أَلْفَ حَدِيث» 0

ـ قَالُواْ عَنْ جَوْدَةِ حِفْظِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ ابْنُ عَدِيّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ محَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ قَال: حَدَّثَني الحَضْرَمِيُّ قَال: قَالَ أَبُو بَكْرٍ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «مَا رَأَيْتُ أَحْفَظَ مِن أَبي زُرْعَةَ الرَّازِي» 0 قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَه: «هَذَا الْفَتىَ [يَعْني أَبَا زُرْعَةَ الرَّازِي]: قَدْ حَفِظَ سِتَّمِاْئَةِ أَلْفِ حَدِيث» 0

قَالَ ابْنُ مَنْدَةَ الحَافِظ: سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ محَمَّدَ بْنَ جَعْفَرٍ يَقُول: قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي: «أَحْفَظُ ماْئَتيْ أَلفِ حَدِيثٍ كَمَا يحْفَظُ الإِنسَانُ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَد، وَفي المُذَاكَرَةِ ثَلاَثَمِاْئَةِ أَلْفِ حَدِيث» قَالَ الحَاكِم: سَمِعْتُ أَبَا حَامِدٍ أَحْمَدَ بْنَ محَمَّدٍ قَال: سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ الثَّقَفِيَّ يَقُول: «لَمَّا انْصَرَفَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ [شَيْخُ الإِمَامِ البُخَارِيِّ] إِلىَ الرَّيِّ [بَلْدَةِ أَبي زُرْعَةَ الرَّازِي]، سَأَلُوهُ أَنْ يُحَدِّثَهُمْ؛ فَامْتَنَعَ

فَقَال: أُحَدِّثُكُمْ بَعْدَ أَن حَضَرَ مَجْلِسِي أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل، وَيحْيىَ بْنُ مَعِين، وَعَلِيُّ بْنُ المَدِينيِّ، وَأَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبي شَيْبَة، وَأَبُو خَيْثَمَة 00؟ قَالُواْ لَهُ: فَإِنَّ عِنْدَنَا غُلاَمَاً يَسْرُدُ كُلَّ مَا حَدَّثْتَ بِهِ مَجْلِسَاً مَجْلِسَاً، قُمْ يَا أَبَا زُرْعَة؛ فَقَامَ فَسَرَدَ كُلَّ مَا حَدَّثَ بِهِ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيد، فَحَدَّثَهُمْ قُتَيْبَة» 0 قَالَ أَبُو عَلِيٍّ صَالِحُ بْنُ محَمَّد [جَزَرَة]: قَالَ لي أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي:

«مُرَّ بِنَا إِلىَ سُلَيْمَانَ الشَّاذَكُونيِّ نُذَاكِرُه؛ فَذَهَبْنَا، فَمَا زَالَ يُذَاكِرُهُ حَتىَّ عَجَزَ الشَّاذَكُونيُّ عَن حِفْظِهِ؛ فَلَمَّا أَعْيَاهُ أَلْقَى عَلَيْهِ حَدِيثَاً مِن حَدِيثِ الرَّازِيِّينَ فَلَمْ يَعْرِفْهُ أَبُو زُرْعَة؛ فَقَالَ سُلَيْمَان: يَا سُبْحَانَ الله؛ حَدِيثُ بَلَدِكَ هَذَا مُخْرَجُهُ مِن عِنْدِكُمْ 00؟ وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي سَاكِتٌ وَالشَّاذَكُونيُّ يُخَجِّلُه، وَيُرِي مَن حَضَرَ أَنَّهُ قَدْ عَجَزَ، فَلَمَّا خَرَجْنَا؛ رَأَيْتُ أَبَا زُرْعَةَ الرَّازِي قَدِ اغْتَمَّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَال

: لاَ أَدْرِي مِن أَيْنَ جَاءَ بِهَذَا 00؟ فَقُلْتُ لَهُ: وَضَعَهُ في الْوَقْتِ كَيْ تَعْجِزَ وتَخْجَل؛ قَال: هَكَذَا 00؟ قُلْتُ نَعَمْ؛ فَسُرِّيَ عَنهُ» 0 قَالَ ابْنُ جَوْصَا: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ الجَوْزَجَانيَّ يَقُول: «كُنَّا عِنْدَ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَلَمْ يَأْذَنْ لَنَا أَيَّامَاً، ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ فَقَال: بَلَغَني وُرُودُ هَذَا الْغُلاَمِ [يَعْني أَبَا زُرْعَةَ الرَّازِي]؛ فَدَرَسْتُ لِلاِلْتِِقَاءِ بِهِ ثَلاَثَمِاْئَةِ أَلْفِ حَدِيث» 0 ـ ثَنَاءُ الأَئِمَّهِ عَلَيْه، رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

قَالَ ابْنُ عَدِيّ: سَمِعْتُ محَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ المُقْرِئَ قَال: سَمِعْتُ فَضْلَكَ الصَّائِغَ يَقُول: قَالَ أَبُو مُصْعَبٍ الزُّهْرِيّ: «لَقِيْتُ مَالِكَاً وَغَيْرَهُ؛ فَمَا رَأَتْ عَيْنَايَ مِثْلَ أَبي زُرْعَة» 0 قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيبُ: «كَانَ إِمَامَاً رَبَّانيَّاً، حَافِظَاً مُتْقِنَاً مُكْثِرَاً» 0 قَالَ عَنهُ الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَان: «إِنَّ أَبَا زُرْعَةَ الرَّازِي آيَةٌ، وَإِنَّ اللهَ إِذَا جَعَلَ إِنسَانَاً آيَةً، أَبَانَهُ مِنْ شَكْلِهِ؛ حَتىَّ لاَ يَكُونَ لَهُ ثَانٍ» 00 أَيْ مَيَّزَهُ بَيْنَ

نُظَرَائِهِ حَتىَّ لاَ يَكُونَ لَهُ ثَانٍ 0 قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ محَمَّدٍ الْقَزْوِينيّ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى يَوْمَاً فَقَال: حَدَّثَني أَبُو زُرْعَة؛ فَقِيلَ لَهُ: مَن هَذَا 00؟ فَقَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: إِنَّ أَبَا زُرْعَةَ الرَّازِي أَشْهَرُ في الدُّنْيَا مِنَ الدُّنْيَا» 0 قَالَ سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الْبَرْذَعِيّ: سَمِعْتُ محَمَّدَ بْنَ يحْيىَ يَقُول: «لاَ يَزَالُ المُسْلِمُونَ بِخَيْرٍ مَا أَبْقَى اللهُ لَهُمْ مِثْلَ أَبي زُرْعَةَ الرَّازِي يُعَلِّمُ النَّاس، وَمَا كَانَ اللهُ لِيَتْرُكَ الأَرْضَ

إِلاََّ وَفِيهَا مِثْلُ أَبي زُرْعَةَ الرَّازِي، يُعَلِّمُ النَّاسَ مَا جَهِلُوه» 0 ـ ثَنَاءُ الإِمَامِ إِسْحَاقَ بْنَ رَاهَوَيْهِ عَلَيْه: قَالَ الحَافِظُ ابْنُ عَدِيّ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بْنَ عُثْمَانَ قَال: سَمِعْتُ ابْنَ وَارَةَ قَال: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بْنَ رَاهَوَيْهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ يَقُول: كُلُّ حَدِيثٍ لاَ يَعْرِفُهُ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي، فلَيْسَ لَهُ أَصْل» ـ ثَنَاءُ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَلَيْه:

قَالَ عُمَرُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ إِسْحَاق: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ قَال: سَمِعْتُ أَبي يَقُول: «مَا جَاوَزَ الجِسْرَ أَحَدٌ أَفْقَهُ مِن إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْه، وَلاَ أَحْفَظُ مِن أَبي زُرْعَة» 0 قَالَ محَمَّدُ بْنُ أَبي حَاتِمٍ الْوَرَّاق: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ قَال: «سَمِعْتُ الإِمَامَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ يَدْعُو اللهَ لأَبي زُرْعَة» 0

ـ قَالَ عَنِهُ أَبُو حَاتمٍ الرَّازِي رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ ابْنُ عَدِيّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْقَطَّانُ قَال: حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِي عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ قَال: «مَا خَلَّفَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ عِلْمَاً وَفَهْمَاً وَصِيَانَةً وَحِذْقَاً، وَهَذَا مَا لاَ يُرْتَابُ فِيه، وَلاَ أَعْلَمُ مِنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ مَنْ كَانَ يَفْهَمُ هَذَا الشَّأْنَ مِثْلَه» 0 ـ قَالُواْ عَنْ تَوَاضُعِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

قَالَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ الْوَرَّاق: سَمِعْتُ يُونُسَ بْنَ عَبْدِ الأَعْلَى يَقُول: «مَا رَأَيْتُ أَكْثَرَ تَوَاضُعَاً مِن أَبي زُرْعَةَ الرَّازِي» 0 ـ قَالُواْ عَنْ زُهْدِهِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَه: قَالَ ابْنُ عَدِيّ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ صَفْوَانَ قَال: سَمِعْتُ أَبَا حَاتمٍ الرَّازِي رَحمَهُ اللهُ يَقُول: «أَزْهَدُ مَنْ رَأَيْتُ أَرْبَعَة: آدَمُ بْنُ أَبي إِيَاس، وثَابِتُ بْنُ محَمَّد، وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي، وَذَكَرَ آخَر»

ـ حُسْنُ خَاتِمَتِه رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ محَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وَرَّاقُ الإِمَامِ أَبي زُرْعَةَ الرَّازِي: حَضَرْنَا أَبَا زُرْعَةَ الرَّازِي وَهُوَ في السَّوْق [أَيْ في النَّزْع: أَيْ يُحْتَضَر]، وَعِنْدَهُ أَبُو حَاتمٍ الرَّازِي، وَابْنُ وَارَة، وَالمُنْذِرُ بْنُ شَاذَانَ وَغَيْرُهُمْ؛ فَذَكَرُواْ حَدِيثَ التَّلْقِين: «لَقِّنُواْ مَوْتَاكُمْ: لاَ إِلَهَ إِلاََّ الله» وَاسْتَحْيَوْاْ مِن أَبي زُرْعَةَ الرَّازِي أَنْ يُلَقِّنُوه؛ فَقَالُواْ: تَعَالَوْاْ نَذْكُرُ الحَدِيث؛ فَقَالَ ابْنُ وَارَة: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ قَال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ صَالِحٍ، وَجَعَلَ يَقُول: ابْنُ أَبي عَرِيب، وَلَمْ يُجَاوِزْهُ،

وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِي: حَدَّثَنَا بُنْدَار قَال: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ عَن عَبْدِ الحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ صَالِحٍ وَلَمْ يُجَاوِزْهُ، وَالبَاقُونَ سَكَتُواْ؛ فَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي وَهُوَ في السَّوْق ـ أَيْ في النَّزْعِ الأَخِير ـ حَدَّثَنَا بُنْدارٌ قَال: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ قَال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبي عَرِيبٍ عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «مَنْ كَانَ آخِرَ كَلاَمِهِ: لاَ إِلَهَ إِلاََّ الله: دَخَلَ الجَنَّة» 00 وَتُوُفِّيَ رَحمَهُ الله» 0

ـ مِن أَقْوَالِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ ابْنُ أَبي حَاتمٍ الْوَرَّاق: قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَه: عَجِبْتُ مِمَّنْ يُفْتي في مَسَائِلَ الطَّلاَقِ يحْفَظُ أَقَلَّ مِنْ مِاْئَةِ أَلْفِ حَدِيث» 0 ـ بَعْضُ كَلاَمِهِ في الرِّجَالِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَه: «يُعْجِبُني كَثِيرَاً كَلاَمَ أَبي زُرْعَةَ الرَّازِي في الجَرْحِ وَالتَّعْدِيل، يَبِينُ عَلَيْهِ الْوَرَعُ وَالمَخْبَرَة [أَيِ الخِبرَة]، بخِلاَفِ رَفِيقِهِ أَبي حَاتمٍ الرَّازِي؛ فَإِنَّهُ جَرَّاح» أَيْ يَمِيلُ إِلىَ الجَرْح: أَيْ فِيهِ تَعَنُّت 0

قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بْنَ عُثْمَانَ التُّسْتَرِيَّ قَال: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ الرَّازِي يَقُول: كُلُّ شَيْءٍ قَالَ الحَسَنُ «قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» وَجَدْتُ لَهُ أَصْلاً، إِلاََّ أَرْبَعَةَ أَحَادِيث» 0 قَالَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ الْوَرَّاق: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ الرَّازِي يَقُول: «مَا أَعْرِفُ في أَصْحَابِنَا أَسْودَ الرَّأْسِ [أَيْ شَابَّاً] أَفْقَهَ مِن أَحْمَد، وَسَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ الرَّازِي وَسُئِلَ عَنْ مُرْسَلاَتِ الثَّوْرِيِّ، وَمُرْسَلاَتِ شُعبَةَ فَقَال: الثَّوْرِيُّ تَسَاهَلَ في الرِّجَالِ، وَشُعْبَةُ لاَ يُدَلِّسُ وَلاَ يُرْسِل، قِيلَ لَهُ: فَمَالِكٌ مُرْسَلاَتُهُ أَثْبَتُ أَمِ الأَوْزَاعِيّ 00؟

قَال: مَالِكٌ لاَ يكَادُ يُرْسِلُ إِلاََّ عَنْ قَوْمٍ ثِقَات، مَالِكٌ مُتَثَبِّتٌ في أَهْلِ بَلَدِه جِدَّاً، فَإِنْ تَسَاهَلَ فَإِنَّمَا يَتَسَاهَلُ في قَوْمٍ غُرَبَاءَ لاَ يَعْرِفُهُمْ» 0 ـ بَعْضُ مَا رُؤِيَ عَلَيْهِ مِنَ المَنَامَاتِ الحَسَنَةِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: ذَكَرَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَرْبٍ الْعَسْكرِيُّ أَنَّهُ رَأَى أَبَا زُرْعةَ الرَّازِي وَهُوَ يَؤُمُّ المَلاَئِكَةَ في السَّمَاءِ الرَّابِعَة؛ فَقُلْتُ: بِمَ نِلْتَ هَذِهِ المَنْزِلَة 00؟

قَال: بِرَفْعِ اليَدَيْنِ في الصَّلاَةِ عِنْدَ الرُّكُوع، وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنهُ» 0 حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ أَبي حَاتِمٍ الْوَرَّاقُ عَنْ محَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ وَارَةَ الحَافِظِ قَال: «رَأَيْتُ أَبَا زُرْعَةَ رَحمَهُ اللهُ في المَنَامِ فَقُلْتُ لَهُ: مَا حَالُك 00؟ قَال: أَحْمَدُ اللهَ عَلَى الأَحْوَالِ كُلِّهَا، إِنَّني حَضَرْتُ، فَوَقَفْت بَيْنَ يَدَيِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ لي: يَا عُبَيْدَ الله؛ لِمَ تَذَرَّعْتَ في الْقَوْلِ في عِبَادِي 00؟

قُلْتُ: يَا رَبِّ إِنَّهُمْ حَاوَلُواْ دِينَك؛ فَقَال: صَدَقْت، ثُمَّ أُتِيَ بِطَاهِرٍ الخَلْقَاني، فَاسْتَعْدَيْتُ عَلَيْهِ إِلىَ رَبيِّ؛ فَضُرِبَ الحَدَّ مِاْئَةً، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ إِلىَ الحَبْس، ثمَّ قَالَ جَلَّ جَلاَله: أَلحِقُواْ عُبَيْدَ اللهِ بِأَصْحَابِهِ، وَبأَبي عَبْدِ اللهِ وَأَبي عَبْدِ اللهِ وَأَبي عَبْدِ الله: سُفْيَانَ الثَّوْرِيّ، وَمَالِكِ بْنِ أَنَس، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَل» حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ قَال: سَمِعْتُ محَمَّدَ بْنَ مُسْلِمِ بْنِ وَارَةَ يَقُول:

رَأَيْتُ أَبَا زُرْعَةَ في المَنَامِ فَقُلْتُ لَهُ: مَا حَالُكَ يَا أَبَا زُرْعَة 00؟ قَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: أَحْمُدُ اللهَ عَلَى أَحْوَالي كُلِّهَا: إِنيِّ حَضَرْتُ فَوَقَفْتُ بَينَ يَدَيِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ لي: يَا عُبَيْدَ الله؛ لِمَ تَذَرَّعْتَ الْقَوْلَ في عِبَادِي 00؟ [أَيْ أَطْلَقْتَ الْعَنَانَ وَأَطَلْتَ اللِّسَان] قُلْتُ: يَا رَبّ؛ إِنَّهُمْ حَاوَلُواْ دِينَك؛ قَالَ صَدَقْت، ثُمَّ أُتِيَ بِطَاهِرٍ الخُلْقَانيّ؛ فَاسْتَعْدَيْتُ عَلَيْهِ رَبيِّ جَلَّ وَعَلاَ؛ فَضُرِبَ الحَدَّ مِاْئَةً، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ إِلىَ

الحَبْس، ثُمَّ قَال: أَلْحِقُواْ عُبَيْدَ اللهِ بِأَصْحَابِهِ: أَبي عَبْدِ اللهِ وَأَبي عَبْدِ اللهِ وَأَبي عَبْدِ الله: سُفْيَانَ الثَّوْرِيّ، وَمَالِكِ بْنِ أَنَس، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَل» [قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلاَمِ النُّبَلاَء: إِسْنَادُهَا كَالشَّمْس: أَيْ لاَ يخْتَلِفُ عَلَيْهِ اثْنَان 0 طَبْعَةِ الرِّسَالَة 0 ص: 86/ 13] قَالَ أَبُو الحَسَنِ الْبُنَانيّ: حَدَّثَنَا محَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الهَيْثَمِ الْفَسَوِيُّ قَال:

«لَمَّا قَدِمَ حَمْدُونُ الْبَرْذَعِيُّ عَلَى أَبي زُرْعَةَ الرَّازِي لِكِتَابَةِ الحَدِيث: دَخَلَ رَحمَهُ اللهُ فَرَأَى في دَارِهِ أَوَانيَ وَفُرُشَاً كَثِيرَةً، وَكَانَ ذَلِكَ لأَخِيه؛ فَهَمَّ حَمْدُونُ أَنْ يَرْجِعَ وَلاَ يَكْتبَ عَنهُ شَيْئَا؛ فَلَمَّا كَانَ مِنَ اللَّيْل: رَأَى كَأَنَّهُ عَلَى شَطِّ بِرْكَة، وَرَأَى ظِلَّ شَخْصٍ في المَاءِ فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ الَّذِي زَهِدْتَ في أَبي زُرْعَةَ الرَّازِي 00؟! أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ كَانَ مِنَ الأَبْدَال؛ فَلَمَّا مَاتَ أَبْدَلَ اللهُ مَكَانَهُ أَبَا زُرْعَة» 0

الأَبْدَالُ هُمْ قَوْمٌ ذَكَرَتْهُمْ عِدَّةٌ مِنَ الأَحَادِيثِ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضَاً: تَقُولُ أَنَّهُمْ أَرْبَعُونَ رَجُلاً مِنَ الصَّالحِينَ الصِّدِّيقِين، كُلُّ وَاحِدٍ مِنهُمْ أُمَّةٌ كَالْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلاَم، يَرْحَمُ اللهُ بهِمُ أَهْلَ الْقُرَى، وَيَصْرِفُ اللهُ بهِمُ الْعَذَابَ عَنِ الْوَرَى، اللَّهُمَّ اجْعَلْني خَيرَ أَهْلِ زَمَاني، وَاغْفِرْ لي مَا مَضَى مِن عِصْيَاني، وَاجْعَلْني أَبرَّ أَهْلِ البِرُِّ وَالإِحْسَانِ، وَأَتْقَى أَهْلِ التُّقَى وَالإِيمَانِ، وَأَحْرَصَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْقُرْآنِ: عَلَى نَشْرِهِمَا بِكُلِّ مَكَانِ، وَصَلُِّ اللَّهُمَّ عَلَى نَبِيِّكَ الْعَدْنَانِ 0 عَبْدُكَ الحَمَدَاني

أبو حاتم الرازي

أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِي هُوَ الإِمَامُ الحَافِظُ النَّاقِدُ شَيْخُ المحَدِّثِينَ أَبُو حَاتمٍ الرَّازِي محَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ بْنِ المُنْذِر بْنِ دَاوُدَ بْنِ مِهْرَان وُلِدَ سَنَةَ 195 هـ، وَتُوُفِّيَ في شَعْبَانَ سَنَةَ 277 هـ 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: سَمِعَ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ مُوسَى وَيحْيىَ بْنَ بُكَيْر [كِلاَهُمَا كَانَ مِنْ شُيُوخِ الإِمَامِ الْبُخَارِيّ]، وَقَبِيصَة، وَمحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيّ، وَأَبَا نُعَيْمٍ الحَافِظ،

وَعَفَّانَ بْنَ مُسْلِم، وَسَعِيدَ بْنَ أَبي مَرْيم، وَأَبَا مُسْهِرٍ الْغَسَّانيّ، وَالرَّبِيعَ المُرَادِيّ، وَأَبَا الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيّ، وَأَبَا زَيْدٍ الأَنْصَارِيَّ النَّحْوِيّ، وَبُنْدَار، وَأَبَا اليَمَان، وَأَبَا حَفْصٍ الْفَلاََّس، وَابْنَ وَارَة، وَالأَصْمَعِيّ، وَخَلْقَاً كَثِيرَاً 0 قَالَ الخَلِيلِيُّ: قَالَ لي أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِي اللَّبَّانُ الحَافِظ: «قَدْ جَمَعْتُ مَنْ رَوَى عَنهُمْ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِي فَبَلَغُواْ: قَرِيبَاً مِنْ ثَلاَثَةِ آلاَف» 0 ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه:

حَدَّثَ عَنهُ وَلَدُهُ الحَافِظُ الإِمَامُ أَبُو محَمَّدٍ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي حَاتم، وَيُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، [شَيْخُه]، وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي رَفِيقُهُ وَقَرِيبُهُ، وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي الدِّمَشْقِيّ، وَإِبْرَاهِيمُ الحَرْبيّ، وَأَحْمَدُ الرَّمَادِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبي الدُّنْيَا، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الْبُخَارِيُّ فِيمَا قِيل، وَأَبُو دَاوُد، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيّ، وَأَبُو عَوَانَةَ الإِسْفَرَايِينيّ، وَأَبُو بِشْرٍ الدُّولاَبيّ، وَخَلْقٌ كَثِير 0

ـ نُبْذَةٌ عَن نَشْأَتِهِ وَرِحْلَتِهِ في طَلَبِ الْعِلْمِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيّ: «كَانَ مِنْ بحُورِ الْعِلْم، طَوَّفَ الْبِلاَد، وَبَرَعَ في المَتْنِ وَالإِسْنَاد، وَجَمَعَ وَصَنَّفَ وَجَرَّحَ وَعَدَّل، وَصَحَّحَ وَعَلَّل، وَأَوَّلُ كِتَابِهِ لِلْحَدِيثِ كَانَ في سَنَةِ تِسْعٍ وَمِاْئَتَين» 0

قَالَ ابْنُهُ محَمَّدُ بْنُ أَبي حَاتم: «سَمِعْتُ أَبي يَقُول: أَوَّلَ سَنَةٍ خَرَجْتُ في طَلَبِ الحَدِيثِ أَقَمْتُ سَبْعَ سِنِين، أَحْصَيْتُ مَا مَشَيْتُ عَلَى قَدَمِي زِيَادَةً عَلَى أَلفِ فَرْسَخ، ثُمَّ تَرَكْتُ الْعَدَدَ بَعْدَ ذَلِك، وَخَرَجْتُ مِنَ الْبَحْرَيْنِ إِلىَ مِصْرَ مَاشِيَاً، ثمَّ إِلىَ الرَّمْلَةِ مَاشِيَاً، ثمَّ إِلىَ دِمَشْقَ مَاشِيَاً، ثُمَّ أَنْطَاكِيَةَ وَطَرَسُوسَ مَاشِيَاً، ثمَّ رَجَعْتُ إِلىَ حِمْصَ مَاشِيَاً، ثمَّ إِلىَ الرَّقَّةِ مَاشِيَاً، ثمَّ رَكِبْتُ إِلىَ الْعِرَاق، كُلُّ هَذَا في سَفَرِي الأَوَّلِ وَأَنَا ابْنُ عِشْرِينَ سَنَة، وَسِرْتُ مِنَ الْكُوفَةِ إِلىَ بَغْدَادَ مَا لاَ أُحْصِي كَمْ مَرَّةً» 0

الْفَرْسَخ: مَسَافَةُ 5 كم، وَحِمْصُ وَالرَّقَّةُ مَدِينَتَانِ سُورِيَّتَان، وَالرَّمْلَةُ مَدِينَةٌ فِلَسْطِينِيَّة 0 ـ ثَنَاءُ الأَئِمَّهِ عَلَيْه، رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ الخَلِيلِيّ: سَمِعْتُ جَدِّي وَجَمَاعَةً سَمِعُواْ عَلِيَّ بْنَ إِبْرَاهِيمَ الْقَطَّانَ يَقُول: «مَا رَأَيْتُ مِثْلَ أَبي حَاتِم؛ فَقُلْنَا لَهُ: قَدْ رَأَيْتَ إِبْرَاهِيمَ الحَرْبيَّ وَإِسْمَاعِيلَ الْقَاضِي 00؟ قَال: مَا رَأَيْتُ أَجْمَعَ مِن أَبي حَاتِمٍ وَلاَ أَفْضَلَ مِنهُ» 0

قَالَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ الْوَرَّاق: سَمِعْتُ يُونُسَ بْنَ عَبْدِ الأَعْلَى عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَه يَقُول: «أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي وَأَبُو حَاتمٍ الرَّازِي: إِمَامَا خُرَاسَان؛ بَقَاؤُهُمَا صَلاَحٌ لِلْمُسْلِمِين، وَدَعَا لَهُمَا» 0 قَالَ الحَافِظُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خِرَاشٍ: «كَانَ أَبُو حَاتمٍ الرَّازِي مِن أَهْلِ الأَمَانَةِ وَالمَعْرِفَة» 0 وَقَالَ هِبَةُ الله بْنُ الحَسَنِ بْنِ مَنْصُور: «كَانَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِي إِمَامَاً حَافِظَاً مُتَثَبِّتَاً، وَذَكَرَهُ في شُيُوخِ الْبُخَارِي» 0

ـ قَالَ عَنِهُ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ ابْنُهُ محَمَّدُ ابْنُ أَبي حَاتمٍ الْوَرَّاق: قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي لأَبي: «رُبَّمَا أَشُكُّ في شَيْءٍ أَوْ يَتَخَالَجُني في حَدِيث؛ فَإِلىَ أَن أَلْتَقِي مَعَكَ لاَ أَجِدُ مَنْ يَشْفِيني مِنهُ؛ قَالَ لَهُ أَبي: وَكَذَلِكَ أَمْرِي» 0

ـ قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ عَنْ دِقَّتِهِ في الحُكْمِ عَلَى الرِّجَال: قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَهُ: «إِذَا وَثَّقَ أَبُو حَاتمٍ الرَّازِي رَجُلاً فَتَمَسَّكْ بِقَولِهِ، فَإِنَّهُ لاَ يُوَثِّقُ إِلاََّ رَجُلاً صَحِيحَ الحَدِيث، وَإِذَا لَيَّنَ رَجُلاً أَوْ قَالَ فِيهِ لاَ يُحْتَجُّ بِهِ فَتَوَقَّفْ حَتىَّ تَرَى مَا قَالَ فِيهِ غَيْرُهُ؛ فَإِنْ وَثَّقَهُ أَحَدٌ فَلاَ تَبْنِ عَلَى تَجْرِيحِ أَبي حَاتِمٍ شَيْئَاً؛ فَإِنَّهُ مُتَعَنِّتٌ في الرِّجَال، قَدْ قَالَ في طَائِفَةٍ مِنْ رِجَالِ الصِّحِيحَينِ لَيْسَ بِحُجَّة، لَيْسَ بِقَوِيّ، وَنَحْوَ ذَلِك» 0

ـ قَالُواْ عَنْ تَمَكُّنِهِ في مَعْرِفَةِ الحَدِيث: قَالَ ابْنُهُ محَمَّدُ بْنُ أَبي حَاتم: سَمِعْتُ أَبي رَحمَهُ اللهُ يَقُول: قَدِمَ محَمَّدُ بْنُ يحْيىَ الذُّهْلِيُّ الرَّيّ؛ فَأَلقَيْتُ عَلَيْهِ ثَلاَثَةَ عَشَرَ حَدِيثَاً مِن حَدِيثِ الزُّهْرِيّ؛ فَلَمْ يَعْرِفْ مِنهَا إِلاََّ ثَلاَثَةَ أَحَادِيث، وَسَائِرُ ذَلِكَ لَمْ تَكُن عِنْدَهُ وَلَمْ يَعْرِفْهَا» 0

وَقَالَ ابْنُهُ محَمَّدُ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ في أَوَّلِ كِتَابِ «الجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ» لَه: «سَمِعْتُ أَبي يَقُول: جَاءني رَجُلٌ مِنْ أَجِلاَّءِ أَصْحَابِ الرَّأْيِ وَأَهْلِ الْفَهْمِ مِنهُمْ، وَمَعَهُ دَفْتَر، فَعَرَضَهُ عَلَيَّ، فَقُلْتُ في بَعْضِه: هَذَا حَدِيثٌ خَطَأ، قَدْ دَخَلَ لِصَاحِبِهِ حَدِيثٌ في حَدِيث، وَهَذَا بَاطِل، وَهَذَا مُنْكَر، وَسَائِرُ ذَلِكَ صِحَاح؛ فَقَالَ لي: مِنَ أَيْنَ عَلِمْتَ أَنَّ ذَاكَ خَطَأ، وَذَاكَ بَاطِلٌ وَذَاكَ كَذِب 00؟ أَأَخْبَرَكَ رَاوِي هَذَا الْكِتَابِ بِأَنيِّ غَلِطْتُ، أَوْ بِأَنيِّ كَذَبْتُ في حَدِيثِ كَذَا 00؟

قُلْتُ لاَ، مَا أَدْرِي غَيرَ أَنيِّ أَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الحَدِيثَ خَطَأٌ، وَأَنَّ هَذَا بَاطِل؛ فَقَال: تَدَّعِي الْغَيْب؟ قُلْتُ: مَا هَذَا ادِّعَاءُ غَيْب؛ قَال: فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى مَا قُلْت 00؟ قُلْتُ: سَلْ عَمَّا قُلْتُ مَنْ يُحْسِنُ مِثْلَ هَذَا، فَإِنِ اتَّفَقْنَا عَلِمْتَ أَنَّا لَمْ نُجَازِفْ وَلَمْ نَقُلْهُ إِلاََّ بِفَهْم؛ قَال: وَيَقُولُ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي كَقَوْلِك 00؟!

قُلْتُ: نَعْم؛ قَال: هَذَا عَجَب؛ فَكَتَبَ في دَفْتَرِهِ أَلْفَاظِي في تِلْكَ الأَحَادِيث، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيَّ بَعْدُ وَقَدْ كَتَبَ أَلْفَاظَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي في تِلْكَ الأَحَادِيث، فَقَال: مَا قُلْتَ إِنَّهُ كَذِب: قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي: هُوَ بَاطِل؛ قُلْتُ: الْكَذِبُ وَالبَاطِلُ وَاحِد، وَمَا قُلْتَ إِنَّهُ مُنْكَرٌ قَال: هُوَ مُنْكَر، كَمَا قُلْت، وَمَا قُلْتَ إِنَّهُ صَحِيحٌ قَال: هُوَ صَحِيح، ثمَّ قَال: مَا أَعْجَبَ هَذَا تَتَّفَقَان مِن غَيْر مُوَاطَأَةٍ فِيمَا بَيْنَكُمَا [أَيْ دُونَمَا

اتِّصَالٍ بَيْنَكُمَا]؛ قُلْتُ: فَعِنْدَ ذَلِكَ عَلِمْتَ أَنَّا لَمْ نُجَازِفْ، وَأَنَّا قُلْنَا بِعِلْمٍ وَمَعْرِفَةٍ قَدْ أُوتِينَاه، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ: أَنَّ دِينَارَاً بَهْرَجَاً [أَيْ زَائِفَاً] يُحْمَلُ إِلىَ النَّاقِدِ فَيَقُول: هَذَا بَهْرَج؛ فَإِنْ قِيلَ لَهُ: مِن أَيْنَ قُلْتَ إِنَّ هَذَا بَهْرَج 00؟ هَلْ كُنْتَ حَاضِرَاً حِينَ بُهْرِجَ هَذَا الدِّينَار 00؟ قَال لاَ، وإِنْ قِيلَ: أَخْبَرَكَ الَّذِي بَهْرَجَهُ 00؟ قَالَ لاَ، قِيلَ: فَمَن أَيْنَ قُلْتَ 00؟

قَال: عِلْمَاً رُزِقْتُه؛ وَكَذَلِكَ نَحْنُ رُزِقْنَا مَعْرِفَةَ ذَلِك» 0 ـ بَعْضُ مَا رَآه [رَحمَهُ اللهُ] في طَلَبِ الْعِلْمِ مِنَ المُعَانَاة: قَالَ ابْنُهُ محَمَّدُ بْنُ أَبي حَاتم: سَمِعْتُ أَبي يَقُول: بَقِيْتُ في سَنَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ، ثَمَانيَةَ أَشْهُرٍ بِالبَصْرَة، وَكَانَ في نَفْسِي أَن أُقِيمَ سَنَةً؛ فَانْقَطَعَتْ نَفَقَتي؛ فَجَعَلْتُ أَبِيعُ ثِيَابي حَتىَّ نَفِدَتْ، وَبَقِيتُ بِلاَ نَفَقَة، وَمَضَيْتُ أَطُوفُ مَعَ صَدِيقٍ لي إِلىَ المَشْيَخَةِ وَأَسْمَعُ إِلىَ المَسَاء، فَانْصَرَفَ رَفِيقِي، وَرجَعْتُ إِلىَ بَيْتي،

فَجَعَلْتُ أَشْرَبُ المَاءَ مِنَ الجُوع، ثُمَّ أَصْبَحْتُ، فَغَدَا عَلَيَّ رَفِيقِي، فَجَعَلْتُ أَطُوفُ مَعَهُ في سَمَاعِ الحَدِيثِ عَلَى جُوعٍ شَدِيد، وَانْصَرَفْتُ جَائِعَاً، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ غَدَا عَلَيَّ فَقَال: مُرَّ بِنَا إِلىَ المَشَايِخ؛ قُلْتُ: أَنَا ضَعِيفٌ لاَ يُمْكِنُني؛ قَال: مَا ضَعَّفَك 00؟ قُلْتُ: لاَ أَكْتُمُكُ أَمْرِي، قَدْ مَضَى يَوْمَانِ مَا طَعِمْتُ فِيهِمَا شَيْئَاً؛ فَقَال: قَدْ بَقِيَ مَعِيَ دِينَار؛ فَنِصْفُهُ لَك، وَنَجْعَلُ النِّصْفَ الآخَرَ في الْكِرَاء» 0

قَالَ ابْنُهُ محَمَّدُ بْنُ أَبي حَاتِم: سَمِعْتُ أَبي يَقُول: خَرَجْنَا مِنَ المَدِينَةِ إِلىَ الجَعْفَرِيِّةَ وَرَكِبْنَا الْبَحْر، فَهَاجَتِ الرِّيحُ في وَجُوهِنَا، فَبَقِينَا في الْبَحْرِ ثَلاَثَةَ أَشْهُر، حَتىَّ ضَاقتْ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الحَنَاجِر، وَفَنيَ مَا كَانَ مَعَنَا مِنَ المَاءِ وَالطَّعَام، حَتىَّ وَصَلْنَا إِلىَ الْبَرِّ فَنَزَلْنَا، فَمَشَيْنَا يَوْمَاً لَمْ نَأْكلْ وَلَمْ نَشْرَبْ، وَيَوْمَاً آخَرَ كَمِثْلِه، وَيَوْمَاً ثَالِثَاً كَمِثْلِه، حَتىَّ إِذَا أَمْسَيْنَا صَلَّيْنَا وَأَلْقَيْنَا بِأَنْفُسِنَا حَيْثُ كُنَّا

، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ جَعَلْنَا نَمْشِي عَلَى قَدْرِ طَاقَتِنَا، وَكُنَّا ثَلاَثَةَ أَنْفُس: شَيْخٌ نَيْسَابُورِيّ، وَأَبُو زُهَيْرٍ المَرُّوذِيّ، فَسَقَطَ الشَّيْخُ مَغْشِيَّاً عَلَيْه؛ فَجِئْنَا نُحَرِّكُهُ وَهُوَ لاَ يَعْقِل؛ فَتَرَكْنَاهُ وَمَشَيْنَا قَدْرَ فَرْسَخ؛ فَضَعُفْتُ وَسَقَطْتُ مَغْشِيَّاً عَلِيّ، وَمَضَى صَاحِبي يَمْشِي؛ فَبَصُرَ مِنْ بُعْدٍ بِقَوْمٍ قَرَّبُواْ سَفِينَتَهُمْ مِنَ الْبِرِّ وَنَزَلُواْ عَلَى بِئْرِ مُوسَى؛ فَلَمَّا عَايَنَهُمْ لَوَّحَ بِثَوْبِهِ إِلَيْهِمْ؛ فَجَاؤُوهُ مَعَهُمُ مَاءٌ في

إِدْاوَة؛ فَسَقَوْهُ وَأَخَذُواْ بِيَدِهِ؛ فَقَالَ لَهُمْ: الحَقُواْ رَفِيقَيْنِ لي؛ فَمَا شَعَرْتُ إِلاََّ بِرَجُلٍ يَصُبُّ المَاءَ عَلَى وَجْهِي؛ فَفَتَّحْتُ عَيْنيَّ فَقُلْتُ: اسْقِني؛ فَصَبَّ مِنَ المَاءِ في مَشْربَةٍ قَلِيلاً؛ فَشَرِبْتُ وَرَجَعَتْ إِليَّ نَفْسِي، ثُمَّ سَقَاني قَلِيلاً وَأَخَذَ بِيَدِي، فَقُلْتُ: وَرَائِي شَيْخٌ مُلْقَىً، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَيْهِ وَأَخَذَ بِيَدِي، وَأَنَا أَمشِي وَأَجُرُّ رِجْلَيَّ؛ حَتىَّ إِذَا بَلَغْتُ سَفِينَتَهُمْ، أَتَوْاْ بِالشَّيْخِ وَأَحْسَنُواْ إِليْنَا؛ فَبَقِينَا أَيَّامَاً

حَتىَّ رَجَعَتْ إِلَيْنَا أَنْفُسُنَا، ثمَّ كَتَبُواْ لَنَا كِتَابَاً إِلىَ وَالي مَدِينَةٍ يُقَالُ لهَا رَايَة، وَزَوَّدُونَا مِنَ الْكَعْكِ وَالسَّوِيقِ وَالمَاء، فَلَمْ نَزَلْ نَمْشِي حَتىَّ نَفِدَ مَا كَانَ مَعَنَا مِنَ المَاءِ وَالقُوت، فَجَعَلْنَا نَمْشِي جِيَاعَاً عَلَى شَطِّ الْبَحْر، حَتىَّ عَنَّتْ لَنَا سُلَحْفَاةٌ مِثْلُ التُّرْس، فَعَمَدْنَا إِلىَ حَجَرٍ كَبِيرٍ فَضَرَبْنَا عَلَى ظَهْرِهَا فَانْفَلَقَ، فَإِذَا فِيهَا مِثْلُ صُفْرَةِ الْبَيْض؛ فَتَحَسَّيْنَاهُ حَتىَّ سَكَنَ عَنَّا الجُوعَ ثُمَّ وَصَلْنَا إِلىَ المَدِينَةِ وَأَوْصَلْنَا الْكِتَابَ إِلىَ عَامِلِهَا، فَأَنْزَلَنَا في دَارِهِ، فَكَانَ يُقَدِّمُ لَنَا كُلَّ يَوْمٍ الْقَرْعَ وَيَقُولُ لخَادِمِهِ: هَاتي لَهُمْ اليَقْطِينَ المُبَارَكِ، فَيُقَدِّمُهُ مَعَ الخُبْزِ أَيَّامَاً؛ فَقَالَ وَاحِدٌ مِنَّا: أَلاَ تَدْعُو بِاللَّحْمِ المَشْؤُوم 00؟! فَسَمِعَ صَاحِبُ الدَّار؛ فَأَتَانَا بَعْدَ ذَلِكَ بِاللَّحْمِ» 0

[ابنه] عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي

[ابْنُهُ] عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبي حَاتِمٍ الرَّازِي كَانَ عَابِدَاً زَاهِدَاً وَرِعَاً مِمَّنْ يخَافُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّه؛ حَتىَّ كَانُواْ يَعُدُّونَهُ مِنَ الأَبْدَال 0 قَالَ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الرَّازِي الخَطِيبُ في تَرْجَمَةٍ عَمِلَهَا لاِبْنِ أَبي حَاتِم: «كَانَ رَحمَهُ اللهُ قَدْ كَسَاهُ اللهُ جَلَّ وَعَلاَ نُورَاً وَبَهَاءً؛ يُسَرُّ مَنْ نَظَرَ إِلَيْه»

قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الرَّازِي: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ الرَّقَّامُ قَال: سَمِعْتُ الحَسَنَ الدَّارَسْتِينيَّ قَال: «سَمِعْتُ أَبَا حَاتِمٍ يَقُول: قَالَ لي أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي: مَا رَأَيْتُ أَحْرَصَ عَلَى طَلَبِ الحَدِيثِ مِنْك؛ فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ ابْني لَحَرِيص؛ فَقَال: «مَن أَشْبَهَ أَبَاهُ فَمَا ظَلَم»» 0

ـ دَأَبُهُ في تحْصِيلِ الْعِلْمِ وَمُذَاكَرَتِه، عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَه: قَالَ الرَّقَّام: سَأَلْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ [ابْنَهُ] عَنِ اتِّفَاقِ السَّمَاعِ لَهُ وَعَنْ سُؤَالاِتِهِ لأَبِيهِ فَقَال: «رُبَّمَا كَانَ يَأْكُلُ وَأَقْرَأُ عَلَيْه، وَيَمْشِي وَأَقْرَأُ عَلَيْه، وَيَدْخُلُ الخَلاَءَ وَأَقْرَأُ عَلَيْه، وَيَدْخُلُ الْبَيْتَ في طَلَبِ شَيْءٍ وَأَقْرَأُ عَلَيْه» 0 ـ بَعْضُ مَا رَآه [رَحمَهُ اللهُ] في طَلَبِ الْعِلْمِ مِنَ المُعَانَاة، شَابَهَ في ذَلِكَ أَبَاه:

قَالَ الرَّازِي: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَحْمَدَ الخُوَارِزْمِيَّ يَقُول: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبي حَاتِمٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَه يَقُول: كُنَّا بِمِصْرَ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ لَمْ نَأْكُلْ فِيهَا مَرَقَة؛ كُلُّ نَهَارِنَا مُقَسَّمٌ لِمَجَالِسِ الشُّيُوخ، وَبَاللَّيْل: النَّسْخُ وَالمُقَابَلَة [أَيْ مُقَابَلَةُ الأَحَادِيثِ الجَدِيدَةِ عَلَى الْقَدِيمَة]، فَأَتَيْنَا يَوْمَاً أَنَا وَرَفِيقٌ لي شَيْخَاً، فَقَالُواْ: هُوَ عَلِيل، فَرَأَيْنَا في طَرِيقِنَا سَمَكَةً أَعْجَبَنَا؛ فَاشْتَرَيْنَاه، فَلَمَّا صِرْنَا

إِلىَ الْبَيْتِ: حَضَرَ وَقْتُ مَجْلِس؛ فَلَمْ يُمْكِنَّا إِصْلاَحُهُ، وَمَضَيْنَا إِلىَ المَجْلِس، فَلَمْ نَزَلْ حَتىَّ أَتَتْ عَلَيْهِ ثَلاَثَةُ أَيَّام، وَكَادَ أَنْ يَتَغَيَّر؛ فَأَكَلْنَاهُ نَيِّئََاً، لَمْ يَكُنْ لَنَا أَنْ نَشْوِيَه؛ ثُمَّ قَال: لاَ يُسْتَطَاعُ الْعِلْمُ بِرَاحَةِ الجَسَد» 0 ـ بَعْضُ نَوَادِرِهِ غَفَرَ اللهُ لَهُ: قَالَ عُمَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الهَرَوِيُّ الزَّاهِد: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ الصَّفَّارُ قَال:

سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبي حَاتِمٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ يَقُول: وَقَعَ عِنْدَنَا الْغَلاَء؛ فَأَنْفَذَ بَعْضُ أَصْدِقَائِي حُبُوبَاً مِن أَصْبَهَان، وَسَأَلَني أَن أَشْتَرِيَ لَهُ دَارَاً عِنْدَنَا، فَإِذَا جَاءَ يَنْزِلُ فِيهَا، فَبِعْتُهَا بِعِشْرِينَ أَلْفَاً، وَأَنْفَقْتُهَا في الْفُقَرَاء، وَكَتَبْتُ إِلَيْه: اشْتَرَيْتُ لَكَ بِهَا قَصْرَاً في الجَنَّة؛ فَبَعَثَ يَقُول: رَضِيْت؛ فَاكْتُبْ لي عَلَى نَفْسِكَ بِذَلِكَ صَكَّاً [أَيْ عَقْدَاً]؛ فَفَعَلْت؛ فَأُرِيْتُ في المَنَام: «قَدْ وَفَّيْنَا بِمَا ضَمِنْت، وَلاَ تَعُدْ لِمِثْلِ هَذَا» 0

يحيى بن سعيد القطان

يحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّان هُوَ الإِمَامُ الحَافِظ أَبُو سَعِيدٍ يحْيىَ بْنُ سَعِيدِ بْنِ فَرُّوخٍ الْقَطَّانُ التَّمِيمِيُّ الْبَصْرِيّ وُلِدَ سَنَةَ 121 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 198 هـ 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: سَمِعَ هِشَامَ بْنَ عُرْوَة، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ عَوْن، وَشُعْبَةَ بْنَ الحَجَِّاج، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيّ، وَالأَعْمَش، وَحُمَيدَاً الطَّوِيل، وَابْنَ أَبي عَرُوبَة، وَعَطَاءَ بْنَ السَّائِب، وَحُسَيْنَاً المُعَلِّم، وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيّ، وَيحْيىَ بْنَ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيّ،

وَإِسْمَاعِيلَ بْنَ أَبي خَالِد، وَعُبَيْدَ اللهِ بْنَ عُمَر، وَبَهْزَ بْنَ حَكِيم، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ حَرْمَلَةَ الأَسْلَمِيّ، وَمحَمَّدَ بْنَ عَجْلاَن، وَخَلْقَاً كَثِيرَاً 0 ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: رَوَى عَنهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيّ، وَشُعْبَةُ، وَمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَان [وَهُمْ مِنْ شُيُوخِهِ] وَعَفَّان، وَمُسَدَّد، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، وَعَلِيُّ بْنُ المَدِينِيّ [شَيْخُ الإِمَامِ البُخَارِيّ]، وَيحْيىَ بْنُ بُكَيْر، وَالإِمَامُ أَحْمَد،

وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْه، وَمحَمّدُ بْنُ المُثَنىَّ، وَنَصْرُ بْنُ عَلِيّ، وَأَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ الْقَطَّان، وَإِسْحَاقُ الْكَوْسَج، وَيَعْقُوبُ الدَّوْرَقِيّ، وَخَلْقٌ كَثِير 0 ـ نُبْذَةٌ عَن نَشْأَتِهِ وَرِحْلَتِهِ في طَلَبِ الْعِلْمِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحمَهُ الله: «عُنيَ بهَذَا الشَّأْنِ أَتَمَّ عِنَايَةٍٍ، وَرَحَلَ فِيهِ وَسَادَ الأَقْرَان، وَانْتَهَى إِلَيْهِ الحِفْظ، وَتَكَلَّمَ في الْعِلَلِ وَالرِّجَال، وَتَخَرَّجَ بِهِ الحُفَّاظ: كَمُسَدَّد، وَعَلِيِّ بْنِ المَدِينِيّ [شَيْخُ

الإِمَامِ البُخَارِيّ]، وَأَبي حَفْصٍ الفَلاََّس، وَكَانَ في الْفُرُوعِ عَلَى مَذْهَبِ أَبي حَنِيفَةَ فِيمَا بَلَغَنَا إِذَا لَمْ يَجِدِ النَّصّ» 0 قَالَ يحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ: «لَزِمْتُ شُعْبَةَ عِشْرِينَ سَنَةً» 0 ـ قَالُواْ عَنْ مَكَانَتِهِ الْعِلْمِيَّة: حَدَّثَ أَبُو بَكْرٍ الصَّغَانيُّ عَنْ يحْيىَ بْنِ مَعِينٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «يحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: فَوْقَ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ وَخَالِدِ بْنِ الحَارِثِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمَا» 0

قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِي: «إِذَا اخْتَلَفَ ابْنُ المُبَارَك، وَيحْيىَ الْقَطَّان، وَابْنُ عُيَيْنَةَ في حَدِيث؛ آخُذُ بِقَوْلِ يحْيىَ الْقَطَّان» 0 ـ قَالُواْ عَن حِفْظِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً أَقَلَّ خَطَأً مِنْ يحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّان، ثُمَّ قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: وَمَنْ يَعْرَى مِنَ الخَطَأِ وَالتَّصْحِيف» 00؟ ـ قَالُواْ في تَوْثِيقِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

قَالَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ رَحمَهُ الله: «كَانَ يحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ثِقَةً مَأْمُونَاً رَفِيعَاً حُجَّة» 0 حَدَّثَ عَبْدُ اللهِ بْنُ بِشْرٍ الطَّالقَانيُّ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «يحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ أَثْبَتُ النَّاس» 0 قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: «إِلىَ يحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ المُنْتَهَى في التَّثَبُّت» 0 قَالَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْعِجْلِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

«كَانَ يحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّان: نَقِيَّ الحَدِيث، لاَ يُحَدِّثُ إِلاََّ عَنْ ثِقَة» 0 ـ قَالُواْ عَنْ تَمَكُّنِهِ في عُلُومِ الحَدِيثِ وَالرِّجَال رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ عَلِيُّ بْنُ المَدِينيِّ [شَيْخُ الإِمَامِ البُخَارِيّ]: «مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً أَعْلَمَ بِالرِّجَالِ مَنْ يحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّان» 0 حَدَّثَ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ سُلَيْمَانَ الْبَلْخِيُّ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال:

«مَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَوْزَنَ بِقَوْمٍ مِن غَيْرِ مُحَابَاةٍ، وَلاَ أَشَدَّ تَثَبُّتَاً في أُمُورِ الرِّجَالِ مَنْ يحْيىَ بْنِ سَعِيد» وَقَالَ الإِمَامُ النَّسَائِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «أُمَنَاءُ اللهِ عَلَى حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: شُعْبَة، وَمَالِك، وَيحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّان» 0 قَالَ جَعْفَرُ بْنُ أَبي عُثْمَانَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «قُلْتُ لِيَحْيىَ ِبْنِ مَعِينٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: اخْتَلَفَ يحْيى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّان، وَوَكِيعُ بْنُ الجَرَّاح 00؟

قَالَ يحْيىَ ِبْنُ مَعِين: الْقَوْلُ قَوْلُ يحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّان» 0 قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ: «كَانَ يحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ غَفَرَ اللهُ لَهُ مُتَعَنِّتَاً في نَقدِ الرِّجَال، فَإِذَا رَأَيْتَهُ قَدْ وَثَّقَ شَيْخَاً فَاعْتمِدْ عَلَيْه، أَمَّا إِذَا لَيَّنَ أَحَدَاً؛ فَتَأَنَّ في أَمرِهِ حَتىَّ تَرَى قَوْلَ غَيرِهِ فِيه؛ فَقَدْ لَيَّنَ مِثْلَ إِسْرَائِيلَ وَهَمَّامٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمَا وَجَمَاعَةً احْتَجَّ بِهِمُ الشَّيْخَان، وَلَهُ كِتَابٌ في الضُّعفَاءِ لَمْ أَقِفْ عَلَيْه، يَنْقُلُ

مِنهُ ابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُه» ـ ثَنَاءُ الأَئِمَّهِ عَلَيْه، رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ محَمَّدُ بْنُ بُنْدَارَ الجُرْجَانيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «قُلْتُ لاِبْنِ المَدِينيِّ [شَيْخِ الإِمَامِ البُخَارِيّ]: مَن أَنْفَعُ مَنْ رَأَيْتَ لِلإِسْلاَمِ وَأَهْلِهِ 00؟ قَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ: يحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّان» 0 قَالَ بُنْدَار: «يحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّان: إِمَامُ أَهْلِ زَمَانِه» 0 ـ ثَنَاءُ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحْمَهُ اللهُ عَلَيْه:

قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «مَا رَأَيْتُ بِعَيْنيَّ مِثْلَ يحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّان» حَدَّثَ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «مَا كَتَبْتُ الحَدِيثَ إِلاَّ عَنْ مِثْلِ يحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّان» 0 حَدَّثَ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَن أَبي عَبْدِ اللهِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ قَال:

«انْتَهَى الْعِلْمُ إِلىَ أَرْبَعَة: إِلىَ ابْنِ المُبَارَك، وَوَكِيع، وَيحْيىَ الْقَطَّان، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيّ، فَأَمَّا ابْنُ المُبَارَكِ فَأَجْمَعُهُمْ، وَأَمَّا وَكِيعٌ فَأَسْرَدُهُمْ، وَأَمَّا يحْيىَ فَأَتْقَنُهُمْ، وَأَمَّا عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَجِهْبِذ» ـ ثَنَاءُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ رَحْمَهُ اللهُ عَلَيْه: حَدَّثَ يحْيىَ بْنُ مَعِينٍ عَن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «لاَ تَرَى بِعَيْنَيْكَ مِثْلَ يحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّان» 0

ـ قَالُواْ عَنْ تَوَاضُعِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ المَرْوَزِيُّ الحَافِظ: «أَتَيْتُ يحْيىَ بْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانَ أَسْأَلُهُ؛ فَقَالَ لي عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: الْزَمْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيّ» 0 يَقُولُ هَذَا عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ تِلْمِيذُه 0 قَالَ الحَافِظُ ابْنُ عَمَّار: «كُنْتَ إِذَا نَظَرْتَ إِلىَ يحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّان؛ ظَنَنْتَ أَنَّهُ لاَ يُحْسِنُ شَيْئَاً بِزِيِّ التُّجَّار؛ فَإِذَا تَكَلَّمَ أَنْصَتَ لَهُ الْفُقَهَاء» 0

قَالَ يحْيىَ بْنُ مَعِينٍ رَحمَهُ الله: «جَعَلَ جَارٌ لَهُ يَشْتُمُهُ وَيَقَعُ فِيهِ وَيَقُول: هَذَا الخُوزِيّ، وَنَحْنُ في المَسْجَد؛ فَجَعَلَ يَبْكِي وَيَقُولُ: صَدَقَ، وَمَن أَنَا؟ وَمَا أَنَا؟» 0 كَفَانَا اللهُ شَرَّ جَارِ السَّوْء، وَدَارِ السَّوْء 0 ـ قَالُواْ عَنْ صَلاَحِهِ وَتَقْوَاه، وَحُسْنِ عِبَادَتِهِ لله: قَالَ ابْنُ أَبي عُمَر: «مَا رَأَيْتُ بَعْدَ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَعْبَدَ مِنْ وَكِيع» 0 قَالَ يحْيىَ بْنُ مَعِينٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

«إِنَّ يحْيىَ بْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّان: لَمْ يَفُتْهُ الزَّوَالُ في المَسْجَدِ أَرْبَعِينَ سَنَةً» 0 قَالَ يحْيىَ بْنُ مَعِين: «أَقَامَ يحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عِشْرِينَ سَنَةً يَخْتِمُ الْقُرْآنَ كُلَّ لَيْلَة» حَدَّثَ عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ خَاقَانَ عَن عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَال: «كَانَ يحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّان: يَخْتِمُ الْقُرْآن؛ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَة، وَيَدْعُو لأَلْفِ إِنْسَان، ثُمَّ يَخْرُجُ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ بَعْدَ الْعَصْرِ فَيُحَدِّثُ النَّاس» 0

حَدَّثَ الإِمَامُ ابْنُ خُزَيْمَةَ عَنْ بُنْدَارٍ قَال: «اخْتَلَفْتُ إِلىَ يحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ رَحمَهُ اللهُ أَكْثَرَ مِن عِشْرِينَ سَنَة، مَا أَظُنُّهُ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ عَصَى اللهَ قَطّ، لَمْ يَكُنْ مِنَ الدُّنْيَا في شَيْء» 0 ـ قَالُواْ عَنْ صَعَقِهِ عِنْدَ سَمَاعِهِ لِكَلاَمِ الله: قَالَ عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ قَال: «كَانَ يحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ إِذَا قُرِئ عِنْدَهُ الْقُرْآنُ سَقَطَ حَتىَّ يُصِيبَ وَجْهُهُ الأَرْض» 0 قَالَ عَلِيُّ بْنُ المَدِينيِّ [شَيْخُ الإِمَامِ البُخَارِيّ]:

«كُنَّا عِنْدَ يحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّان؛ فَقَرَأَ رَجُلٌ سُورَةَ الدُّخَان؛ فَصَعِقَ يحْيىَ وَغُشِيَ عَلَيْه» 0 قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «لَوْ قَدِرَ أَحَدٌ أَنْ يَدْفَعَ هَذَا عَنْ نَفْسِهِ لَدَفَعَهُ يحْيىَ» 00 أَيِ الصَّعْقَ عِنْدَ سَمَاعِ الْقُرْآن 0 ـ قَالُواْ عَنْ زُهْدِهِ في دُنيَاه، وَخَوْفِهِ مِنَ الله: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ يحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّان:

«مَا أَعْلَمُ أَنيِّ رَأَيْتُ جَدِّي قَهْقَهَ قَطّ، وَلاَ دَخَلَ حَمَّامَاً قَطّ، وَلاَ اكْتَحَلَ وَلاَ ادَّهَن» 0 قَالَ أَحْمَدُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ يحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّان: «لَمْ يَكُنْ جَدِّي رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ يَمْزَحُ وَلاَ يَضْحَكُ إِلاََّ تَبَسُّمَاً» 0 ـ قَالُواْ عَن إِخْلاَصِهِ لله: قَالَ يحْيىَ بْنُ مَعِينٍ رَحمَهُ الله: «كَانَ يحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ يَجِيءُ مَعَهُ بِمِسْبَاح، فَيُدْخِلُ يَدَهُ في ثِيَابِهِ فَيُسَبِّح» 0 ـ مِن أَقْوَالِهِ رَحمَهُ الله:

حَدَّثَ عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ عَنْ يحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «لَوْ لَمْ أَرْوِ إِلاََّ عَمَّن أَرْضَى، لَمْ أَرْوِ إِلاََّ عَن خَمْسَة» 0 قَالَ أَبُو حَفْصٍ الْفَلاََّس: «كَانَ هِجِّيرَى يحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ إِذَا سَكَتَ ثُمَّ تَكَلَّمَ [أَيْ قَوْلَتُهُ المُكَرَّرَةُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه]: يَقُول: يُحْيِي وَيُمِيْتُ وَإِلَيْهِ المَصِير» 0 ـ بَعْضُ كَرَامَاتِه، في حَيَاتِهِ، وَبَعْدَ مَمَاتِهِ، وَبَعْضُ مَنْ رَآهُ في مَنَامَاتِهِ: قَالَ عَفَّانُ بْنُ مُسْلِم:

«رَأَى رَجُلٌ لِيَحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ قَبْلَ مَوْتِهِ: أَنْ بَشِّرْ يحْيىَ بْنَ سَعِيدٍ بِأَمَانٍ مِنَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَة» 0 حَدَّثَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَنْبَرِيُّ عَنْ زُهَيْرٍ الْبَابيِّ قَال: «رَأَيْتُ يحْيىَ بْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانَ في النَّومِ عَلَيْهِ قمِيصٌ بَيْنَ كَتِفَيْهِ مَكْتُوبٌ عَلَيْه: بِسْمِ اللهِ الرَِّحْمَنِ الرَِّحِيم: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيم} {غَافِر} بَرَاءةٌ لِيحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ مِنَ النَّار» 0

حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدَةَ الْعُصْفُرِيُّ عَن عَلِيَّ بْنِ المَدِينيِّ شَيْخِ الإِمَامِ البُخَارِيِّ قَال: «رَأَيْتُ خَالِدَ بْنَ الحَارِثِ في النَّومِ فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِك؟ قَال: غَفَرَ لي؛ عَلَى أَنَّ الأَمْرَ شَدِيد، قُلْتُ: فَمَا فَعلَ يحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّان 00؟ قَال: نَرَاهُ كَمَا يُرَى الْكَوْكَبُ الدُّرِّيُّ في أُفُقِ السَّمَاء» 0

عبد الرحمن بن مهدي

عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيّ هُوَ سَيِّدُ الحُفَّاظِ الإِمَامُ النَّاقِدُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيِّ بْنِ حَسَّانَ الأَزْدِيُّ الْبَصْرِيُّ الْعَنْبَرِيّ 0 وُلِدَ سَنَةَ 135 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 198 هـ 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: سَمِعَ وَهِشَامَاً الدَّسْتَوَائِيّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيّ، وَشُعْبَةَ بْنَ الحَجَّاج، وَعَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ المَاجَشُون، وَعَبْدَ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ، وَيحْيىَ بْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّان، وَحَمَّادَ بْنَ سَلَمَة، وَالإِمَامَ مَالِك، وَالمَسْعُودِيّ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْب، وَعِكْرِمَةَ بْنَ عَمَّار، وَعُمَرَ بْنَ أَبي زَائِدَة، وَأُمَمَاً سِوَاهُمْ 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْب [وَهُمَا مِنْ شُيُوخِهِ]، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْه، وَالإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل، وَيحْيىَ بْنُ بُكَير، وَأَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبي شَيْبَة، وَعَلِيُّ بْنُ المَدِينيّ [شَيْخُ الإِمَامِ البُخَارِيِّ]، وَمحَمَّدُ بْنُ مَاهَانَ زَنْبَقَة، وَأَبُو خَيْثَمَة، وَالقَوَارِيرِيّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ رُسْتَة، وَبُنْدَار، وَأَحْمَدُ بْنُ سِنَان، وَمحَمَّدُ بْنُ يحْيىَ، وَخَلْقٌ يَتَعَذَّرُ حَصْرُهُمْ 0

ـ رِحْلَتُِهُ المُبَكِّرَةُ في طَلَبِ الْعِلْمِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ بِاخْتِصَار: «طَلَبَ هَذَا الشَّأْنَ وَهُوَ ابْنُ بِضْعَ عَشْرَةَ سَنَة، وَكَانَ إِمَامَاً، حُجَّةً، قُدوَةً في الْعِلْمِ وَالعَمَل» 0 حَدَّثَ ابْنُ أَبي حَاتمٍ الْوَرَّاقُ عَن أَحْمَدَ بْنِ سِنَانٍ عَن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ رَحمَهُ اللهُ قَال: «لَزِمْتُ مَالِكَاً حَتىَّ مَلَّني» 0 ـ قَالُواْ في تَوْثِيقِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ عَلِيُّ بْنُ المَدِينيِّ [شَيْخُ الإِمَامِ البُخَارِيِّ] رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «أَوْثَقُ أَصْحَابِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: يحْيىَ الْقَطَّان، وَعَبْدُ الرَّحْمَن» 0

قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «عَبْدُ الرَّحْمَنِ ثِقَة، خِيَارٌ، صَالِحٌ، مُسْلِمٌ، مِنْ مَعَادِنِ الصِّدْق» 0 قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «إِذَا حَدَّثَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ رَجُلٍ فَهُوَ ثِقَة»

حَدَّثَ المَرُّوذِيُّ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ يَجِيءُ بِالحَدِيثِ كَمَا يَسْمَع» 0 حَدَّثَ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ سُلَيْمَانَ الْبَلْخِيُّ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «كَفَاكَ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ مَعْرِفَةً وَإِتْقَانَاً» 0

قَالَ محَمَّدُ بْنُ أَبي بَكْرٍ المُقَدَّمِيُّ: «مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً أَتْقَنَ لِمَا سَمِعَ، وَلِمَا لَمْ يَسْمَعْ، وَلِحَدِيثِ النَّاسِ مِن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيّ، إِمَامٌ، ثَبْتٌ، أَثْبَتُ مَنْ يحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيّ، وَأَتْقَنُ مِنْ وَكِيع، كَانَ عَرَضَ حَدِيثَهُ عَلَى سُفْيَان» 0 ـ قَالُواْ عَن حِفْظِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيّ: «أَمْلَى عَلَيَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ عِشْرِينَ أَلْفَ حَدِيثٍ حِفْظَاً» 0

قَالَ محَمَّدُ بْنُ يحْيىَ الذُّهْلِيّ: «مَا رَأَيْتُ في يَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ غَفَرَ اللهُ لَهُ كِتَابَاً قَطّ» 00 أَي: كَانَ يُحَدِّثُ حِفْظَاً 0 حَدَّثَ يُوسُفُ بْنُ ضَحَّاكٍ عَنِ الْقَوَارِيرِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ يَعْرِفُ حَدِيثَهُ وَحَدِيثَ غَيْرِه» 0

ـ قَالُواْ عَنْ فِقْهِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ الْقَطَّانُ عَن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ رَحمَهُ اللهُ قَال: ((أَفْتىَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ في مَسْأَلَةٍ؛ فَرَآني كَأَنيِّ أَنْكَرْتُ فُتْيَاه؛ فَقَالَ رَحمَهُ الله: أَنْتَ مَا تَقُول 00؟ قُلْتُ: كَذَا وَكَذَا، خِلاَفَ قَوْلِهِ)) 0

قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ رُسْتَه: «سَأَلْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ عَنِ الرَّجُلِ يَبْني بِأَهْلِهِ: أَيَتْرُكُ الجَمَاعَةَ أَيَّامَاً 00؟ قَالَ لاَ، وَلاَ صَلاَةً وَاحِدَة» 0 ـ حُبُّ الأَئِمَّهِ لَهُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ أَيُّوبُ بْنُ المُتَوَكِّلِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «كَانَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ رَحمَهُ اللهُ إِذَا نَظَرَ إِلىَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ في مَجْلِسِهِ؛ تَهَلَّلَ وَجْهُهُ فَرَحَاً» 0

حَدَّثَ أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ الْقَطَّانُ عَنْ مَهْدِيِّ بْنِ حَسَّانَ قَال: «كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَكُونُ عِنْدَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَشْرَةَ أَيَّامٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمَاً بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار، فَإِذَا جَاءَنَا سَاعَةً؛ جَاءَ رَسُولُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ في أَثَرِهِ يَطْلُبُهُ؛ فَيَدَعُنَا وَيَذْهَبُ مَعَه» 0 ـ ثَنَاؤُهُمْ عَلَيْه، رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ أَيُّوبُ بْنُ المُتَوَكِّلِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «كُنَّا إِذَا أَرَدْنَا أَنْ نَنْظُرَ إِلىَ الدِّينِ وَالدُّنْيَا: ذَهَبْنَا إِلىَ دَارِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه» 0

ـ قَالَ عَنِهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «إِذَا اخْتَلَفَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَوَكِيع: فَعَبْدُ الرَّحْمَنِ أَثْبَت؛ لأَنَّهُ أَقْرَبُ عَهدَاً بِالكِتَاب، وَاخْتَلَفَا في نَحْوٍ مِن خَمْسِينَ حَدِيثَاً لِلثَّوْرِيّ؛ فَنَظَرْنَا؛ فَإِذَا عَامَّةُ الصَّوَابِ في يَدِ عَبْدِ الرَّحْمَن»

ـ ثَنَاءُ الإِمَامِ الشّافِعِيِّ رَحْمَهُ اللهُ عَلَيْه: حَدَّثَ الخَلِيلِيُّ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَحمَهُ اللهُ قَال: «لاَ أَعْرِفُ لَهُ نَظِيرَاً في هَذَا الشَّأْن» ـ ثَنَاءُ عَلِيِّ بْنِ المَدِينيِّ [شَيْخِ الإِمَامِ البُخَارِيِّ] رَحْمَهُ اللهُ عَلَيْه: حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ أَبي صَفْوَان عَن عَلِيِّ بْنِ المَدِينيِّ [شَيْخِ الإِمَامِ البُخَارِيِّ] عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ قَال: «لَوْ أُخِذْتُ، فَحُلِّفْتُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالمَقَام؛ لَحَلَفْتُ بِاللهِ أَنيِّ لَمْ أَرَ أَحَدَاً قَطُّ أَعْلَمَ بِالحَدِيثِ مِن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه» 0

قَالَ عَلِيُّ بْنُ المَدِينيِّ [شَيْخُ الإِمَامِ البُخَارِيِّ] رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «دَخَلْتُ عَلَى امْرَأَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه، وَكُنْتُ أَزُورُهَا بَعْد مَوْتِهِ؛ فَرَأَيْتُ سَوَادَاً في الْقِبْلَةِ فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟! قَالَتْ: مَوْضِعُ اسْتِرَاحَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه؛ كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْل، فَإِذَا غَلَبَهُ النَّوم: وَضَعَ جَبْهَتَهُ عَلَيْه» 0

ـ قَالُواْ في المُفَاضَلَةِ بَيْنَهُ وَبَينَ أُسْتَاذِهِ يحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّان رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحمَهُ اللهُ: «عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ أَفْقَهُ مِنْ يحْيىَ الْقَطَّان» 0 قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِي عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «سُئِلَ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ عَنْ يحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّان، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، فَقَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: ابْنُ مَهْدِيٍّ أَكْثَرُ حَدِيثَاً»

حَدَّثَ سَهْلُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَال: «وَقَعْتُ بَيْنَ أَسَدَيْن: عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيّ، وَيحْيىَ الْقَطَّان 00 عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُمَا» 0 قَالَ صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ المَرْوَزِيُّ الحَافِظ: «أَتَيْتُ يحْيىَ بْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانَ أَسْأَلُهُ؛ فَقَالَ لي عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: الْزَمْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيّ» 0

ـ قَالُواْ عَنْ تَمَكُّنِهِ في عُلُومِ الحَدِيثِ وَالرِّجَال رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي عَن عَلِيِّ بْنِ المَدِينيِّ [شَيْخِ الإِمَامِ البُخَارِيِّ] رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَال: «أَعْلَمُ النَّاسِ بِالحَدِيثِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيّ» 0 قَالَ عَلِيُّ بْنُ المَدِينيِّ [شَيْخُ الإِمَامِ البُخَارِيِّ] رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «كَانَ عِلْمُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ رَحمَهُ اللهُ في الحَدِيثِ كَالسِّحْر» 0

قَالَ محَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمَّار: «رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ رَحمَهُ اللهُ في تَصَانيْفِهِ: أَلْفَيْ حَدِيثٍ عَنْ يحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه؛ فَحَدَّثَ بِهَا وَيحْيىَ حَيّ» 0 قَالَ الإِمَامُ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانيُّ [صَاحِبُ السُّنَنِ] رَحمَهُ الله: «الْتَقَى وَكِيعُ بْنُ الجَرَّاح، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمَا في الحَرَمِ بَعْدَ الْعِشَاء؛ فَتَوَاقَفَا؛ حَتىَّ سُمِعَ أَذَانُ الصُّبْح»

ـ عَقِيدَتُهُ وَمَذْهَبُهُ رَحمَهُ الله، وَشِدَّتُهُ في أَمْرِ دِينِ اللهِ: حَدَّثَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ رُسْتَه عَن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَالَ أَيْضَاً: «الجَهْمِيَّةُ يُرِيدُونَ أَنْ يَنفُواْ الْكَلاَمَ عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلّ، وَأَنْ يَكُونَ الْقُرْآنُ كَلاَمَ اللهِ جَلَّ وَعَلاَ، وَأَنْ يَكُونَ تَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ كَلَّمَ مُوسَى، وَقَدْ أَكَّدَهُ تَعَالىَ فَقَالَ: {وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمَا} {النِّسَاء/164}

حَدَّثَ أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبي الأَسْوَدِ عَن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَالَ عَنهُمْ: «مَا كُنْتُ لأُنَاكِحَهُمْ، وَلاَ أُصَلِّيَ خَلْفَهُمْ» 0 نَقَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ عَن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «إِنَّ الجَهْمِيَّةَ أَرَادُواْ أَنْ يَنْفُواْ أَنْ يَكُونَ اللهُ جَلَّ جَلاَلهُ كَلَّمَ مُوسَى، وَأَنْ يَكُونَ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش؛ أَرَى أَنْ يُسْتَتَابُواْ، فَإِنْ تَابُواْ؛ وَإِلاََّ ضُرِبَتْ أَعْنَاقُهُمْ» 0

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ زِيَادٍ سَبَلاَن: «قُلْتُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: مَا تَقُولُ فِيمَنْ يَقُولُ الْقُرْآنُ مَخْلُوق 00؟ فَقَال: لَوْ كَانَ لي سُلْطَان: لَقُمْتُ عَلَى الجِسْر؛ فَلاَ يَمُرُّ بي أَحَدٌ إِلاََّ سَأَلْتُهُ؛ فَإِذَا قَالَ مَخْلُوق: ضَرَبْتُ عُنُقَهُ وَأَلقَيْتُهُ في المَاء» 0 ـ مُنَاظَرَةٌ بَيْنَهُ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَبَينَ أَحَدِ المُشَبِّهَة:

قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ رُسْتَه: «سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ يَقُولُ لِفَتىً مِنْ وَلَدِ الأَمِيرِ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَان: بَلَغَني أَنَّكَ تَتَكَلَّمُ في الرَّبِّ وَتَصِفُهُ وَتُشَبِّهُه؛ قَالَ نَعَمْ؛ نَظَرْنَا فَلَمْ نَرَ مِن خَلْقِ اللهِ شَيْئَاً أَحْسَنَ مِنَ الإِنْسَان؛ يُشِيرُ إِلىَ قَوْلِهِ تَعَالىَ: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ في أَحْسَنِ تَقْوِيم} {التِّين/4}

فَأَخَذَ يَتَكَلَّمُ في الصِّفَةِ وَالقَامَة؛ فَقَالَ لَهُ: رُوَيْدَكَ يَا بُنيَّ حَتىَّ نَتَكَلَّمَ أَوَّلَ شَيْءٍ في المَخْلُوق؛ فَإِن عَجَزْنَا عَنهُ فَنَحْنُ عَنِ الخَالِقِ أَعْجَز؛ أَخْبِرْني عَمَّا حَدَّثَ شُعْبَةُ عَنِ الشَّيْبَانيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّهُ قَالَ في قَوْلِهِ تَعَالىَ: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} {النَّجْم/18}

قَالَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: رَأَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِبْرِيلَ لَهُ سِتُّمِاْئَةِ جَنَاح؛ فَبَقِيَ الْغُلاَمُ يَنْظُرُ فَقَال: أَنَا أُهَوِّنُ عَلَيْك؛ صِفْ لي خَلْقَاً لَهُ ثَلاَثَةُ أَجْنِحَة، وَرُكِّبَ الجَنَاحُ الثَّالِثُ مِنهُ مَوْضِعَاً حَتىَّ أَعْلَم؛ قَال: يَا أَبَا سَعِيد؛ عَجَزْنَا عَنْ صِفَةِ المَخْلُوق؛ فَأُشْهِدُكَ أَنيِّ قَدْ عَجَزْتُ وَرَجَعْت» 0 ـ قَالُواْ عَنْ صَلاَحِهِ وَتَقْوَاه، وَحُسْنِ عِبَادَتِهِ لله: قَالَ عَلِيُّ بْنُ المَدِينيِّ [شَيْخُ الإِمَامِ البُخَارِيِّ] رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

«كَانَ وِرْدُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ كُلَّ لَيْلَةٍ: نِصْفَ الْقُرْآن» 0 حَدَّثَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ رُسْتَهُ عَنْ يحْيىَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ أَنَّ أَبَاهُ رَحمَهُ اللهُ قَامَ لَيْلَةً، ـ وَكَانَ يُحْيِي اللَّيْلَ كُلَّه ـ فَلَمَّا طَلَعَ الْفَجْر: رَمَى بِنَفْسِهِ عَلَى الْفِرَاشِ حَتىَّ طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَلَمْ يُصَلِّ الصُّبْح؛ فَجَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ لاَ يَجْعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الأَرْضِ شَيْئَاً شَهْرَيْن؛ فَتَقَرَّحَ فَخِذَاه»

ـ قَالُواْ عَنْ وَقَارِهِ في مجْلِسِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ سِنَان: «كَانَ لاَ يُتَحَدَّثُ في مَجْلِسِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ رَحمَهُ الله، وَلاَ يُبْرَى قَلَم، وَلاَ يَتَبَسَّمُ أَحَد، وَلاَ يَقُومُ أَحَد، كَأَنَّ عَلَى رُؤُوسِهِمُ الطَّير، أَوْ كَأَنَّهُمْ في صَلاَة، فَإِذَا رَأَى أَحَدَاً مِنْهُمْ تَبَسَّمَ أَوْ تَحَدَّثَ؛ لَبِسَ نَعْلَهُ وَخَرَجَ غَفَرَ اللهُ لَه» 0 ـ أُمْنِيَّاتُهُ الْعِلْمِيَّةُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

حَدَّثَ بُنْدَارُ عَن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ قَال: «لَوِ اسْتَقبَلْتُ مِن أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت؛ لَكَتَبْتُ تَفْسِيرَ الحَدِيثِ إِلىَ جَنْبِهِ، وَلأَتَيْتُ المَدِينَةَ حَتىَّ أَنْظُرَ في كُتُبِ قَوْمٍ سَمِعْتُ مِنْهُمْ» ـ مِن أَقْوَالِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ أَبُو قُدَامَةَ عَن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «لأَن أَعْرِفَ عِلَّةَ حَدِيث؛ أَحَبُّ إِلَيَّ مِن أَن أَسْتَفِيدَ عَشْرَةَ أَحَادِيث» 0

حَدَّثَ عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «مَعْرِفَةُ الحَدِيثِ إِلهَام» 0 حَدَّثَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ عَن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «فِتْنَةُ الحَدِيثِ أَشَدُّ مِنْ فِتْنَةِ المَالِ وَالوَلَد» 0 عَنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «مَنْ طَلَبَ الْعَرَبِيَّةَ فَآخِرُهُ مُؤَدِّب، وَمَنْ طَلَبَ الشِّعْرَ فَآخِرُهُ شَاعِرٌ يَهْجُو أَوْ يَمْدَحُ بِالبَاطِل، وَمَنْ طَلَبَ الْكَلاَمَ فَآخِرُ أَمْرِهِ الزَّنْدَقَة، وَمَنْ طَلَبَ الحَدِيث: فَإِنْ قَامَ بِهِ؛ كَانَ إِمَامَاً» 0

الإمام الدارقطني

الإِمَامُ الدَّارَقُطْنيّ هُوَ الإِمَامُ المُحَدِّثُ الحَافِظُ النَّاقِدُ المُقْرِئُ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَحْمَدَ الْبَغْدَادِيُّ الدَّارَقُطْنيّ وُلِدَ سَنَةَ 306 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 385 هـ 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: سَمِعَ وَهُوَ صَبيٌّ مِن أَبي الْقَاسِمِ الْبَغَوِيّ، وَيحْيىَ بْنِ محَمَّدِ بْنِ صَاعِد، وَأَبي بَكْرٍ بْنِ أَبي دَاوُد، وَأَبي عُمَرَ محَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ الْقَاضِي [الَّذِي قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيّ: كَانَ عَدِيمَ النَّظِيرِ عَقْلاً وَحِلْمَاً وَذَكَاءً؛ بحَيْثُ إِنَّ الرَّجُلَ كَانَ إِذَا بَالَغَ في وَصْفِ شَخْصٍ قَال: كَأَنَّهُ أَبُو عُمَرَ الْقَاضِي]

وَسَمِعَ مِنَ الحُسَيْنِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ المَحَامِلِيّ، وَأَبي الْعَبَّاسِ بْنِ عُقْدَة، وَمحَمَّدِ بْنِ مَخْلَدٍ الْعَطَّار، وَجَعْفَرِ بْنِ محَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ الصَّيْدَلِيّ، وَأَبي طَالِبٍ أَحْمَدَ بْنِ نَصْرٍ الحَافِظ، وَإِسْمَاعِيلَ الصَّفَّار، وَابْنِ المُظَفَّر، وَابْنِ حَيَّوَيْهِ النَّيْسَابُورِيّ، وَأَبي الطَّاهِرِ الذُّهْلِيّ، وَخَلْقٍ كَثِير 0 قَرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى أَبي بَكْرٍ النَّقَّاش، وَعَلِيِّ بْنِ ذُؤَابَةَ الْقَزَّازِ وَغَيْرِهِمْ، وَأَبي الحُسَيْنِ أَحْمَدَ بْنِ بُويَان، وَأَحْمَدَ بْنَ محَمَّدٍ الدِّيبَاجِيِّ، وَسَمِعَ الحُرُوفَ السَّبْعَةِ مِن أَبي بَكْرٍ بْنِ مُجَاهِد، وَتَصَدَّرَ في آخِرِ أَيَّامِهِ للإِقْرَاء، لَكِنْ لَمْ يَبْلُغْنَا ذِكرُ مَنْ قَرَأَ عَلَيْه، وَسَأَفْحَصُ عَنْ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ الله 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ عَنهُ الحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِم، وَالحَافِظُ عَبْدُ الْغنيّ، وَالفَقِيهُ أَبُو حَامِدٍ الإِسْفَرَايِينيّ، وَأَبُو مَسْعُودٍ الدِّمَشْقِيّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ الأَصْبَهَانيّ، وَأَبُو بَكْرٍ الْبَرْقَانيّ، وَالقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيّ، وَحَمْزَةُ بْنُ يُوسُفَ السَّهْمِيّ، وَأَحْمَدُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ الحَارِثِ الأَصْبَهَانيُّ النَّحْوِيُّ، وَأَبُو الحَسَنِ ابْنُ السِّمْسَارِ الدِّمَشْقِيّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُمْ مِنَ الْبَغَادِدَةِ وَالدَّمَاشِقَةِ وَالمِصْرِيِّينَ وَالرَّحَّالِين 0

ـ رِحْلَتُِهُ المُبَكِّرَةُ في طَلَبِ الْعِلْمِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ أَبُو الْفَتْحِ بْنُ أَبي الْفَوَارِس: «كُنَّا نَمُرُّ إِلىَ الْبَغَوِيِّ، وَالدَّارَقُطْنيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ صَبيٌّ يَمْشِي خَلْفَنَا بِيَدِهِ رَغِيفٌ عَلَيْهِ كَامَخ» 0 قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «ارْتَحَلَ في الْكُهُولَةِ إِلىَ الشَّامِ وَمِصْر» 0 قَالَ الحَاكِم: «دَخَلَ الدَّارَقُطْنيُّ الشَّامَ وَمِصْرَ عَلَى كِبَرِ السِّنّ، وَحَجَّ وَاسْتَفَادَ وَأَفَاد، وَمُصَنَّفَاتُهُ يَطُولُ ذِكْرُهَا» 0

ـ جَمْعُهُ وَتَدْوِينُهُ لِلْحَدِيثِ النَّبَوِيّ: رَوَى الصُّورِيُّ وَالحَافِظُ أَبُو ذَرٍّ الهَرَوِيُّ عَنْ رَجَاءَ بْنِ محَمَّدٍ المِصْرِيِّ أَنَّهُ قَال: «قُلْتُ لِلدَّارَقُطْنيّ: رَأَيْتَ مِثْلَ نَفْسِك 00؟ قَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَهُ في الدُّنيَا وَالآخِرَة: قَالَ اللهُ جَلَّ وَعَلاَ: {فَلاَ تُزَكُّواْ أَنْفُسَكُمْ} [النَّجم: 32]

فَأَلْحَحْتُ عَلَيْهِ؛ فَقَالَ غَفَرَ اللهُ لَهُ: لَمْ أَرَ أَحدَاً جَمعَ مَا جَمَعْت» 0 ـ ثَنَاءُ الأَئِمَّهِ عَلَيْه، رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الْقَاضِي أَبُو الطَيِّبِ الطَّبَرِيّ: كَانَ الدَّارَقُطْنيُّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ في الحَدِيث» قَالَ الصُّورِيّ: سَمِعْتُ الحَافِظَ عَبْدَ الْغنيِّ يَقُول: أَحْسَنُ النَّاسِ كَلاَمَاً عَلَى حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاَثَةٌ: ابْنُ المَدِينيِّ في وَقْتِه، وَمُوسَى بْنُ هَارُونَ [يَعْني ابْنَ الحَمَّالِ] في وَقْتِه، وَالدَّارَقُطْنيُّ في

وَقْتِه» 0 كَانَ الحَافِظُ عَبْدُ الْغنيِّ الأَزْدِيُّ إِذَا حَكَى عَنِ الدَّارَقُطْنيِّ يَقُول: «قَالَ أُسْتَاذِي» 0 ـ قَالَ عَنِهُ الحَاكِمُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ الحَاكِم: حَجَّ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ ابْنُ أَبي ذُهْلٍ [الإِمَامُ الحَافِظُ النَّبِيل؛ الَّذِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَى خَمْسَةِ آلاَفِ بَيْت]، كَانَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَهُ في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ يَصِفُ حِفْظَ الإِمَامِ الدَِّرَقُطْنيِّ وَتَفَرُّدَهُ بِالتَّقَدُّمِ حَتىَّ اسْتَنْكَرْتُ وَصْفَهُ، إِلىَ أَن حَجَجْتُ فَجِئْتُ بَغْدَادَ وَأَقَمْتُ

بِهَا أَزْيَدَ مِن أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَكَثُرَ اجْتِمَاعُنَا بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار؛ فَصَادَفْتُهُ فَوْقَ مَا وَصفَهُ ابْنُ أَبي ذُهْل؛ فَسَأَلتُهُ عَنِ الْعِلَلِ وَالشُّيُوخ، وَلَهُ مُصنَّفَاتٌ يَطُولُ ذِكْرُهَا» 0 ـ قَالُواْ عَنْ جَوْدَةِ حِفْظِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ الخَطِيب: حَدَّثَنَا الأَزْهَرِيُّ قَال: بَلَغَني أَنَّ الدَّارَقُطْنيَّ حَضَرَ في حدَاثَتِهِ مجْلِسَ إِسْمَاعِيلَ الصَّفَّار، فَجَعَلَ يَنْسَخُ جُزءَاً كَانَ مَعَه، وَإِسْمَاعِيلُ يُمْلِي، فَقَالَ رَجُلٌ: لاَ يَصِحُّ سَمَاعُكَ وَأَنْتَ تَنْسَخ، فَقَالَ

الدَّارَقُطْنيّ: فَهْمِي للإِمْلاَءِ خلاَفُ فَهْمِك، كَمْ تحْفَظُ مِمَّا أَمْلَى الشَّيْخ 00؟ فَقَال: لاَ أَحْفَظ، فَقَالَ الدَّارَقُطْنيُّ رَحمَهُ الله: أَمْلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ حَدِيثَاً، الأَوَّلُ عَنْ فُلاَنٍ عَنْ فُلاَن، وَمَتْنُهُ كَذَا وَكَذَا، وَالحَدِيثُ الثَّاني عَنْ فُلاَنٍ عَنْ فُلاَن، وَمَتْنُهُ كَذَا وَكَذَا، وَمَرَّ في ذَلِكَ حَتىَّ أَتَىَ عَلَى الأَحَادِيث، فَتَعَجَّبَ النَّاسُ مِنهُ» 0 قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَرْقَانيّ: «كَانَ الدَّارَقُطْنيُّ رَحمَهُ اللهُ يُمْلِي عَلَيَّ «الْعِلَلَ» مِن حِفْظِه» 0

قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ مُعَلِّقَاً عَلَى هَذَا: «إِنْ كَانَ كِتَابُ «الْعِلَلِ» المَوْجُودُ قَدْ أَمْلاَهُ الدَّارَقُطْنيُّ مِن حِفْظِهِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الحكَايَة: فَهَذَا أَمْرٌ عَظِيم؛ يُقْضَى بِهِ للدَّارَقُطْنيِّ أَنَّهُ أَحْفَظُ أَهْلِ الدُّنْيَا» 0 قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيب: «سَأَلْتُ الْبَرْقَانيَّ: هَلْ كَانَ أَبُو الحَسَنِ يُمْلِي عَلَيْك «الْعِلَلَ» مِن حِفْظِهِ 00؟ قَالَ نَعَمْ؛ أَنَا الَّذِي جَمَعْتُهَا، وَقَرَأَهَا النَّاسُ مِنْ نُسْخَتي» 0 ـ قَالُواْ عَنْ سَعَةِ عِلْمِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

قَالَ الأَزْهَرِيّ: كَانَ الدَّارَقُطْنيُّ ذَكِيَّاً إِذَا ذُكِرَ شَيْءٌ مِنَ الْعِلْمِ أَيُّ نَوْعٍ كَانَ وُجِدَ عِنْدَهُ مِنهُ نَصِيبٌ وَافِر؛ حَدَّثَني محَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ النِّعَاليُّ أَنَّهُ حَضَرَ مَعَ أَبي الحَسَنِ دَعْوَةً عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ لَيْلَةً، فَجَرَى شَيْءٌ مِنْ ذِكْرِ الأَكَلَة؛ فَانْدَفَعَ أَبُو الحَسَنِ يُورِدُ أَخْبَارَ الأَكَلَةِ وَحكَايَاتِهِمْ وَنوَادِرِهِمْ 000 حَتىَّ قَطَعَ أَكْثَرَ لَيْلَتِهِ بِذَلِك» 0

قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيب: «كَانَ الدَّارَقُطْنيُّ فَرِيدَ عَصْرِهِ، وَقرِيعَ دَهْرِهِ، وَنَسِيجَ وَحْدِهِ، وَإِمَامَ وَقْتِهِ، انْتَهَى إِلَيْهِ عُلُوُّ الأَثرِ وَالمَعْرِفَةِ بِعِلَلِ الحَدِيثِ وَأَسْمَاءِ الرِّجَال، مَعَ الصِّدْقِ وَالثِّقَة، وَصِحَّةِ الاِعْتِقَادِ وَالاِضْطلاَعِ في عُلُومٍ سِوَى الحَدِيث، مِنهَا الْقِرَاءَات؛ فَإِنَّهُ لَهُ فِيهَا كِتَابٌ مُخْتَصَرٌ جَمعَ الأُصُولَ في أَبْوابٍ عَقَدَهَا في أَوَّلِ الْكِتَاب، وَسَمِعْتُ بَعْضَ مَنْ يَعْتَني بِالقِرَاءَاتِ يَقُول: لَمْ يُسْبَقْ أَبُو الحَسَنِ إِلىَ طرِيقَتِهِ في

هَذَا، وَصَارَ الْقُرَّاءُ بَعْدَهُ يَسْلُكُونَ ذَلِك، وَمِنهَا المَعْرِفَةُ بِمذَاهِبِ الْفُقَهَاء، فَإِنَّ كِتَابَهُ «السُّنَنَ» يَدُلُّ عَلَى ذَلِك، وَبلَغَني أَنَّهُ دَرَسَ فِقْهَ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَبي سَعِيدٍ الإِصْطَخَرِيّ، وَقِيلَ عَلَى غَيْرِه، وَمِنهَا المَعْرِفَةُ بِالأَدَبِ وَالشِّعْر، حَدَّثَني حَمْزَةُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ طَاهِرٍ أَنَّ الدَّارَقُطْنيَّ كَانَ يَحْفَظُ «دِيوَانَ السَّيِّدِ الحِمْيَرِيّ»؛ فَنُسِبَ لِذَا إِلىَ التَّشَيُّع» 0

ـ مَكَانَتُهُ في الْقِرَاءَاتِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَهُ في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ: قَالَ عَنهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ في كِتَابِ «مُزَكَّى الأَخْبَار»: «أَبُو الحَسَنِ صَارَ وَاحِدَ عَصْرِهِ في الحِفْظِ وَالفَهْمِ وَالوَرَع، وَإِمَامَاً بَينَ الْقُرَّاءِ وَالنَّحْوِيِّين» 0 قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَه: «صَنَّفَ التَّصَانِيف، وَسَارَ ذِكْرُهُ في الدُّنْيَا، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ في الْقِرَاءَاتِ، وَعَقَدَ لَهَا أَبْوَابَاً قَبْلَ فَرْشِ الحُرُوف» 0

قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَيْضَاً: «كَانَ مِنْ بُحُورِ الْعِلْمِ وَمِن أَئِمَّةِ الدُّنْيَا، انْتَهَى إِلَيْهِ الحِفْظُ وَمَعْرِفَةُ عِلَلِ الحَدِيثِ وَرجَالِه، مَعَ التَّقَدُّمِ في الْقِرَاءَاتِ وَطُرُقِهَا، وَقُوَّةِ المُشَارَكَةِ في الْفِقْهِ وَالاِخْتِلاَفِ وَالمَغَازِي وَأَيَّامِ النَّاسِ وَغَيْرِ ذَلِك» 0 ـ قَالُواْ عَن بَصَرِهِ في الْعَرَبِيَّةِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه:

قَالَ الحَافِظُ أَبُو ذَرٍّ الهَرَوِيّ: سَمِعْتُ أَنَّ الدَّارَقُطْنيَّ قَرأَ كِتَابَ «النَّسَبِ» عَلَى مُسْلِمٍ الْعَلَوِيّ؛ فَقَالَ لَهُ المُعَيْطِيُّ الأَدِيبُ بَعْدَ الْقِرَاءَة: يَا أَبَا الحَسَن، أَنْتَ أَجْرَأُ مِن خَاصِي الأَسَد؛ تَقْرَأُ مِثْلَ هَذَا الْكِتَابِ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الشِّعرِ وَالأَدَبِ فَلاَ يُؤْخَذُ فِيهِ عَلَيْكَ لَحْنَة، وَتَعَجَّبَ مِنهُ» ـ قَالُواْ عَنْ تَمَكُّنِهِ في عُلُومِ الحَدِيث:

قَالَ الأَزْهَرِيّ: «رَأَيْتُ ابْنَ أَبي الْفَوَارِسِ سَأَلَ الدَّارَقُطْنيَّ عَن عِلَّةِ حَدِيثٍ أَوِ اسْمٍ؛ فَأَجَابَ ثُمَّ قَال: يَا أَبَا الْفَتْح؛ لَيْسَ بَيْنَ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ مَنْ يَعْرِفُ هَذَا غَيْرِي» 0 وَقَالَ عَنهُ الحَاكِمُ أَيْضَاً: قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيّ: «شَهِدْتُ بِاللهِ أَنَّ شَيْخَنَا الدَّارَقُطْنيَّ لَمْ يُخَلِّفْ عَلَى أَدِيمِ الأَرْضِ مِثْلَهُ في مَعْرِفَةِ حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، وَكذَلِكَ أَحَادِيثَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَتْبَاعِهِمْ» 0

ـ قَالَ في المُفَاضَلَةِ بَيْنَ الإِمَامَينِ النَّسَائِيِّ وَابْنِ خُزَيْمَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمَا: قَالَ حَمْزَةُ السَّهْمِيّ: «سُئِلَ أَبُو الحَسَن: إِذَا حدَّثَ النَّسَائِيُّ وَابنُ خُزَيْمَةَ بِحَدِيثٍ: أَيُّهُمَا نُقَدِّم 00؟ فَقَال: النَّسَائِيّ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِثْلُه [أَيْ لَمْ يَكُن أَحَدٌ مِثْلُه]، وَلاَ أُقَدِّمُ عَلَيْهِ أَحدَاً» 0 ـ قَالُواْ عَنْ وَرَعِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: صَحَّ عَنِ الدَّارَقُطْنيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَهُ في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ أَنَّهُ قَال: «مَا شَيْءٌ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِن عِلْمِ الْكَلاَم» 0

ـ بَعْضُ مَا رُؤِيَ عَلَيْهِ مِنَ المَنَامَاتِ الحَسَنَةِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَهُ في الدُّنيَا وَالآخِرَة: قَالَ الخَطِيبُ في تَرْجَمَتِهِ: حَدَّثَني أَبُو نَصْرٍ عَلِيُّ بْنُ هِبَةِ اللهِ بْنِ مَاكُولاَ قَال: «رَأَيْتُ كَأَنيِّ أَسْأَلُ عَن حَالِ الدَّارَقُطْنيِّ في الآخِرَةِ؛ فَقِيلَ لي: ذَاكَ يُدْعَى في الجَنَّةِ الإِمَام» 0

الحاكم أبو عبد الله

أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِم هُوَ الإِمَامُ الحَافِظُ النَّاقِدُ محَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ محَمَّدِ بْنِ حَمْدُوَيْه الضَّبِّيُّ الطَّهْمَانيُّ النَّيْسَابُورِيّ 0 وُلِدَ سَنَةَ 321 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 403 هـ 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ عَن أَبِيه، وَكَانَ أَبُوهُ قَدْ رَأَى مُسْلِمَاً صَاحِبَ «الصَّحِيح»، وَحَدَّثَ عَنْ محَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ المُذَكِّرّ، وَمحَمَّدِ بْن يَعْقُوبَ الأَصَمّ، وَمحَمَّدِ بْن يَعْقُوبَ الشَّيْبَانيّ ابْنِ الأَخْرَم، وَمحَمَّدِ بْن عَبْدِ اللهِ بْن أَحْمَدَ الصَّفَّار، وَأَبي جَعْفَرٍ محَمَّدِ بْن محَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَغْدَادِيّ الجَمَّال،

وَمحَمَّدِ بْن المُؤَمَّل المَاسَرْجِسِيّ، وَعُثْمَانَ بْنِ أَحْمَدَ الدَّقَّاق الْبَغْدَادِيّ، وَأَبي بَكْرٍ النَّجَّاد، وَعَبْدِ اللهِ بْنُ دُرُسْتَوَيْه، وَأَبي سَهْلٍ بْن زِيَاد، وَالحُسَيْن بْن الحَسَنِ الطُّوسِيّ 0 ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ عَنهُ الدَّارَقُطْنيّ [وَهُوَ مِنْ شُيُوخِهِ]، وَأَبُو الْفَتْح بْنُ أَبي الْفَوَارِس، وَأَبُو الْعَلاَءِ الْوَاسِطِيّ، وَمحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ، وَأَبُو ذَرّ الهَرَوِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيّ، وَأَبُو الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيّ، وَأَبُو صَالِحٍ المُؤَذِّن، وَالزَّكِيُّ عَبْدُ الحَمِيدِ الْبَحِيرِيّ، وَعُثْمَانُ بْنُ محَمَّدٍ المَحْمِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ خَلَف الشِّيرَازِيّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُمْ 0

ـ رِحْلَتُِهُ المُبَكِّرَةُ في طَلَبِ الْعِلْمِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «طَلَبَ هَذَا الشَّأْنَ في صِغَرِهِ بِعِنَايَةِ وَالِدِهِ وَخَالِه، وَأَوَّلُ سَمَاعِهِ كَانَ في سَنَةِ ثَلاَثِين [وَعُمْرُهُ تِسْعُ سِنِين]، وَقَدِ اسْتملَى عَلَى الإِمَامِ ابْنِ حِبَّان سَنَةَ 334 هـ وَهُوَ ابْنُ ثلاَثَ عَشْرَةَ سَنَة» قَالَ جَعْفَرُ بْنُ عَلِيٍّ: أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ قَال: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الجَبَّارِ قَال: «سَمِعْتُ الخَلِيلَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الحَافِظَ ذَكَرَ الحَاكِمَ وَعَظَّمَهُ وَقَال: لَهُ رِحْلَتَانِ إِلىَ الْعِرَاقِ وَالحِجَاز، الثَّانيَةُ مِنهُمَا في سَنَةِ 68هـ، وَنَاظَرَ الدَّارَقُطْنيَّ فَرَضِيَهُ، وَهُوَ ثِقَةٌ وَاسِعُ الْعِلْم، بَلَغَتْ تَصَانِيفُه قَرِيبَاً مِن خَمْسمِاْئَةِ جُزْء، يَسْتَقْصِي في ذَلِك، يُؤلِّفُ الْغَثَّ وَالسَّمِين، ثُمَّ يَتَكَلَّمُ عَلَيْه، فَيُبَيِّنُ ذَلِك»

ـ عَدَدُ شُيُوخِهِ الْفَلَكِيّ: قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «سَمِعَ مِنْ نحْوِ أَلْفِي شَيْخ، يَنْقُصُونَ أَوْ يَزِيدُون، فَلَقَدْ سَمِعَ بِنَيْسَابُورَ وَحْدَهَا مِن أَلْفِ نَفْس» ـ قَالُواْ عَنْ تَبَحُّرِهِ في عُلُومِ الحَدِيثِ وَعِلَلِه، وَمَعْرِفَتِهِ بِالرِّجَال: قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

«صَنَّفَ وَخَرَّجَ وَجَرَّحَ وَعَدَّل، وَصَحَّحَ وَعَلَّل، وَكَانَ مِنْ بُحُورِ الْعِلْمِ عَلَى تَشَيُّعٍ قَلِيلٍ فِيه، وَأَخَذَ فُنُونَ الحَدِيثِ عَن أَبي عَلِيٍّ النَّيْسَابُورِيِّ الحَافِظِ وَالجِعَابيِّ وَالدَّارَقُطْنيّ» 0 قَالَ جَعْفَرُ بْنُ عَلِيٍّ: أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ قَال: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الجَبَّارِ قَال: «سَمِعْتُ الخَلِيلَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الحَافِظَ ذَكَرَ الحَاكِمَ وَعَظَّمَهُ وَقَال: كُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الضُّعَفَاءِ الَّذِينَ نَشَأُواْ بَعْدَ الثَّلاَثِمِاْئَةِ بِنَيْسَابُورَ وَغَيرِهَا مِنْ

شُيُوخِ خُرَاسَان، وَكَانَ يُبَيِّنُ مِن غَيْرِ مُحَابَاة» 0 ـ قَالُواْ عَنْ كَثْرَةِ تَآلِيفِهِ، وَحُسْنِ تَصْنِيفِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ أَبُو حَازِمٍ عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَبْدَوِيُّ الحَافِظ: «سَمِعْتُ الحَاكِم أَبَا عَبْدِ اللهِ إِمَامَ أَهْلِ الحَدِيثِ في عَصْرِهِ يَقُول: شَرِبْتُ مَاءَ زَمْزَم، وَسَأَلْتُ اللهَ أَنْ يَرْزُقَني حُسْنَ التَّصْنِيف» 0 قَالَ ابْنُ طَاهِر: «سَأَلْتُ سَعْدَ بْن عَلِيٍّ الحَافِظ عَن أَرْبَعَة تَعَاصَرُواْ: أَيُّهُمْ أَحْفَظ 00؟ قَال: مَن 00؟

قُلْتُ: الدَّارَقُطْنيّ، وَعَبْدُ الْغَنيّ، وَابْنُ مَنْدَةَ، وَالحَاكِم؛ فَقَال: أَمَا الدَّارَقُطْنيُّ فَأَعْلَمُهُمْ بِالعِلَل، وَأَمَّا عَبْدُ الْغَني فَأَعْلَمُهُمْ بِالأَنْسَابِ، وَأَمَّا ابْنُ مَنْدَةَ فَأَكْثَرُهُمْ حَدِيثَاً مَعَ مَعْرِفَةٍ تَامَّة، وَأَمَّا الحَاكِمُ فَأَحْسَنُهُمْ تَصْنِيفَاً» 0 قَالَ جَعْفَرُ بْنُ عَلِيٍّ: أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ قَال: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الجَبَّارِ قَال:

«سَمِعْتُ الخَلِيلَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الحَافِظَ ذَكَرَ الحَاكِمَ وَعَظَّمَهُ وَقَال: قَالَ لي: أَعْلَمُ بِأَنَّ خُرَاسَان وَمَا وَرَاءَ النَّهرِ، لِكُلِّ بَلَدَةٍ تَاريخٌ صَنَّفَهُ عَالِمٌ مِنهَا، وَوَجَدْتُ نَيْسَابُورَ مَعَ كَثْرَةِ الْعُلَمَاء بِهَا لَمْ يُصنِّفُواْ فِيهِ شَيْئَاً، فَدَعَاني ذَلِكَ إِلىَ أَنْ صَنَّفْتُ «تَارِيخَ النِّيْسَابُورِيِّين» فتَأَمَّلْهُ، وَلَمْ يَسْبِقْهُ إِلىَ ذَلِكَ أَحَد، وَصَنَّفَ لأَبي عَلِيٍّ بْنِ سَيْمَجُورَ كِتَابَاً في أَيَّامِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَزْوَاجِهِ وَأَحَادِيثِهِ

وَسَمَّاهُ: «الإِكْلِيل»، لَمْ أَرَ أَحَدَاً رَتَّبَ ذَلِكَ التَّرَتِيب» 0 حَدَّثَ أَبُو سَعْدٍ الصَّفَّارُ عَن عَبْدِ الْغَافِرِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ قَال: «الحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللهِ إِمَامُ أَهْلِ الحَدِيثِ في عَصْرِه، ذَاكَرَ مِثْلَ الجِعَابيِّ، وَأَبي عَلِيٍّ المَاسرْجِسِيِّ الحَافِظ، الَّذِي كَانَ أَحْفَظَ زَمَانِهِ، وَقَدْ شَرَعَ الحَاكِمُ في التَّصْنِيف سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِين [أَيْ وَعُمْرُهُ سِتَّةَ عَشَرَ عَامَاً]، فَاتَّفَقَ لَهُ مِنَ التَّصَانِيفِ مَا لَعَلَّهُ يَبْلُغُ قَرِيبَاً مِن أَلْفِ جُزْءٍ مِنْ تخْرِيجِ

الصَّحِيحَيْن، وَالْعِلَلِ وَالتَّرَاجِمِ وَالأَبْوَابِ وَالشُّيُوخ، ثُمَّ المجْمُوعَات، مِثْلَ «مَعْرِفَةِ عُلُومِ الحَدِيث»، وَ «مُسْتَدْرَكِ الصَّحِيحَيْن»، وَ «تَارِيخ النِّيْسَابُورِيِّين»، وَكِتَابُ «مُزْكِي الأَخْبَار» وَ «المَدْخَلُ إِلىَ عِلْمِ الصَّحِيح»، وَكِتَابُ «الإِكْلِيل»، وَ «فَضَائِلُ الشَّافِعِيّ»، وَغَيْرَ ذَلِك» 0 ـ قَالُواْ عَنْ جَوْدَةِ حِفْظِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ الْعَبْدَوِيّ: قَالَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيّ: قَالَ أَبُو الحُسَيْنِ الحَجَّاجِي الحَافِظ:

«أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ الْبَيِّعِ [أَيِ الحَاكِمُ] أَحْفَظُ مِنيِّ» 0 وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيَّ يَقُول: «سأَلْتُ الدَّارَقُطْنِيّ: أَيهُمَا أَحْفَظُ: ابْنُ مَنْدَةَ أَوِ ابْنُ الْبَيِّع [أَيِ الحَاكِم] 00؟ فَقَال: ابْنُ الْبَيِّعِ أَتْقَنُ حِفْظَاً» 0 ـ قَالُواْ عَنْ سَعَةِ عِلْمِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ أَبُو حَازِمٍ: أَقَمْتُ عِنْدَ أَبي عَبْدِ اللهِ الْعُصْمِيّ قَرِيبَاً مِنْ ثَلاَثِ سِنِين، وَلَمْ أَرَ في جُمْلَةِ مَشَايِخِنَا أَتْقَنَ مِنهُ وَلاَ أَكْثَرَ تَنْقِيرَاً، وَكَانَ إِذَا أَشْكَلَ

عَلَيْهِ شَيْء: أَمَرَني أَن أَكْتُبَ إِلىَ الحَاكِمِ أَبي عَبْدِ اللهِ، فَإِذَا وَردَ جَوَابُ كِتَابِه، حَكَمَ بِهِ، وَقَطَعَ بِقَولِه» 0 ـ ثَنَاءُ الأَئِمَّهِ عَلَيْه، رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ عَنهُ أَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُورِيُّ الحَافِظ: «إِذَا رَأَيْتُهُ رَأَيْتُ أَلْفَ رَجُلٍ مِن أَصْحَابِ الحَدِيث» 0 حَدَّثَ أَبُو سَعْدٍ الصَّفَّارُ عَن عَبْدِ الْغَافِرِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ قَال:

«سَمِعْتُ مَشَايِخَنَا يَذْكُرُونَ أَيَّامَهُ وَيحَكُونَ أَنَّ مُقَدَّمِي عَصْرِهِ مِثْلَ أَبي سَهْلٍ الصُّعْلُوكِيِّ وَالإِمَامِ ابْنِ فُورَكَ وَسَائِرِ الأَئِمَّةِ يُقَدِّمُونَهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَيُرَاعُونَ حقَّ فَضْلِهِ وَيَعْرِفُونَ لَهُ الحُرْمَةَ الأَكِيدَة، ثُمَّ أَطْنَبَ عَبْدُ الْغَافِرِ في نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ تَعَظِيمِهِ وَقَال: هَذِهِ الجُمَلُ الْيَسِيرَةُ هِيَ غَيْضٌ مِنْ فَيْضِ سِيرَتِهِ وَأَحْوَالِه، وَمنْ تَأَمَّلَ كَلاَمَهُ في تَصَانِيفِهِ وَتَصَرُّفَهُ في أَمَالِيه، وَنَظَرَهُ في طُرُقِ الحَدِيث، أَذْعَنَ بِفَضْلِهِ

وَاعْتَرَفَ لَهُ بِالمَزِيَّةِ عَلَى مَنْ تَقَدَّمَه، وَإِتْعَابِهِ لمَنْ بَعْدَه، وَتَعْجِيزِهِ لِللاَّحِقِينَ عَنْ بُلُوَغِ شَأْوِهِ، عَاشَ حَمِيدَاً، وَلَمْ يُخلِّف في وَقْتِهِ مِثْلَه» 0 ـ دِفَاعُ الأَئِمَّةِ عَنهُ: قَالَ أَبو نُعَيمٍ الحَدَّاد: سَمِعْتُ الحَسَنَ بْن أَحْمَدَ السَّمَرْقَنْدِيَّ الحَافِظَ، سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّاذْيَاخِي الحَاكِم يَقُول: كُنَّا في مجْلِس السَّيِّد أَبي الحَسَن، فسُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ عَن حَدِيثِ الطَّير، فَقَال: لاَ يَصِحّ، وَلَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِن

عَلِيٍّ بَعْدَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» قَالَ المُظَفَّرُ بْنُ حَمْزَةَ بِجُرْجَانَ، سَمِعْتُ أَبَا سَعْدٍ المَالِينيَّ يَقُول: «طَالعْتُ كِتَابَ «المُسْتَدْرَكِ عَلَى الشَّيْخَينِ» الَّذِي صَنَّفَهُ الحَاكِمُ مِن أَوَّلِهِ إِلىَ آخِرِه فَلَمْ أَرَ فِيهِ حَدِيثَاً عَلَى شَرْطِهِمَا» قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ مُعَلِّقَاً عَلَى هَذَا: «هَذِهِ مُكَابَرَةٌ وَغُلُوّ، وَلَيْسَتْ رُتْبَةُ أَبي سَعْدٍ أَنْ يَحْكُمَ بِهَذَا، بَلْ في «المُسْتَدْرَكِ» شَيْءٌ كَثِيرٌ عَلَى شَرْطِهِمَا، وَشَيءٌ كَثِيرٌ عَلَى شَرْطِ

أَحَدِهِمَا، وَلَعَلَّ مَجْمُوع ذَلِكَ ثُلثُ الْكِتَابِ بَلْ أَقلُّ، فَإِنَّ في كَثِير مِنْ ذَلِكَ أَحَادِيثَ في الظَّاهِر عَلَى شَرْطِ أَحَدِهِمَا أَوْ كِلَيْهِمَا، وَفي الْبَاطِنِ لَهَا عِلَلٌ خَفِيَّة مُؤَثِّرَة، وَقِطْعَةٌ مِنَ الْكِتَاب إِسْنَادُهَا صَالِحٌ وَحَسَنٌ وَجَيِّد، وَذَلِكَ نَحْو رُبُعِه، وَبَاقِي الْكِتَاب مَنَاكِير وَعجَائِبُ، وَفي غُضُون ذَلِكَ أَحَادِيثُ نَحْوُ المِاْئَةِ يَشْهَدُ الْقَلْبُ بِبُطْلاَنهَا، كُنْتُ قَدْ أَفْرَدْتُ مِنْهَا جُزْءَاً، وَحَدِيثُ الطَّير بِالنِّسبَة إِلَيْهَا سَمَاء، وَبِكُلِّ حَالٍ فَهُوَ

كِتَابٌ مُفِيدٌ قَدِ اخْتَصَرْتُهُ» 0 ـ عَقِيدَتُهُ وَمَذْهَبُهُ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: قَالَ زَيْدُ بْنُ الحَسَن: أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ قَال: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيبُ قَال: «كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ الْبَيِّعِ الحَاكِمُ ثِقَةً، أَوَّلُ سَمَاعِهِ سنَةَ ثَلاَثِينَ وَثَلاَثِمِاْئَةٍ، وَكَانَ يَمِيلُ إِلىَ التَّشَيُّع؛ فَحَدَّثَني إِبْرَاهِيمُ بْنُ محَمَّدٍ الأُرْمَوِيُّ بِنَيْسَابُورَ وَكَانَ صَالحَاً عَالِمَاً قَال: جَمَعَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ أَحَادِيثَ زَعَمَ أَنَّهَا صِحَاحٌ عَلَى شَرْطِ

الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِم، مِنهَا حَدِيثُ الطَّير، وَحَدِيث: «مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاَه»، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ الحَدِيثِ ذَلِكَ وَلَمْ يَلْتَفتُواْ إِلىَ قَوْله» ـ بَعْضُ مَا رُؤِيَ عَلَيْهِ مِنَ المَنَامَاتِ الحَسَنَةِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ الحَسَنُ بْنُ أَشعث الْقُرَشِيّ: «رَأَيْت الحَاكِمَ في المَنَامِ عَلَى فَرَسٍ في هَيْئَةٍ حَسَنَة وَهُوَ يَقُول: النَّجَاة؛ فَقُلْتُ لَهُ: أَيُّهَا الحَاكِم؛ في مَاذَا 00؟ قَال: في كِتْبَةِ الحَدِيث» 00 أَيِ انْجُواْ بِأَنْفُسِكُمْ مِنَ الزَِّلَلِ فِيهَا؛ فَإِنيِّ مَا نجَوْتُ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنْفُس

عفان بن مسلم

عَفَّانُ بْنُ مُسْلِم هُوَ مُحَدِّثُ الْعِرَاقِ الإِمَامُ الحَافِظُ أَبُو عُثْمَانَ عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَصْرِيُّ الصَّفَّار 0 وُلِدَ سَنَةَ 134 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 220 هـ 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: سَمِعَ مِنْ شُعْبَة، وَهِشَامٍ الدَّسْتَوَائِيّ، وَحَمَّادَ بْنِ زَيْد، وَحَمَّادَ بْنِ سَلَمَة، وَغَيرِهِمْ 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ الإِمَامُ الْبُخَارِيّ [وَحَدِيثُهُ في الْكُتُبِ السِّتَّة]، وَحَدَّثَ عَنهُ أَيْضَاً أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل، وَعَلِيُّ بْنُ المَدِينيّ [شَيْخُ الإِمَامِ البُخَارِيّ]، وَيحْيىَ بْنُ مَعِين، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْه، وَالفَلاََّس، وَأَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبي شَيْبَة، وَمحَمَّدُ بْنُ نُمَيْر، وَأَبَو زُرْعَةَ الرَّازِي، وَأَبُو حَاتمٍ الرَّازِي، وَأَبُو خَيْثَمَة، وَالقَوَارِيرِيّ، وَابْنُ سَعْدٍ [صَاحِبُ الطَّبَقَات]، وَالزَّعْفَرَانيّ، وَخَلْقٌ كَثِير 0 ـ قَالُواْ عَنْ ضَبْطِ كُتُبِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «كَانَ هَؤُلاَءِ هُمْ أَصْحَابَ الشَّكْل [أَيْ تَشْكِيلِ الحُرُوف]: عَفَّان، وَبَهْز، وَحَبَّان» 0

حَدَّثَ جَعْفَرُ بْنُ أَبي عُثْمَانَ الطَّيَالِسِيُّ عَن عَفَّانَ بْنِ مُسْلِمٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «كَتَبْتُ عَن حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَشْرَةَ آلاَفِ حَدِيث؛ مَا حَدَّثْتُ مِنهَا بِأَلْفَيْن، وَكَتَبْتُ عَن عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ سِتَّةَ آلاَفِ حَدِيث؛ مَا حَدَّثْتُ مِنهَا بِأَلْف، وَكَتَبْتُ عَنْ وُهَيْبٍ أَرْبَعَةَ آلاَف؛ مَا حَدَّثْتُ مِنهَا بِأَلْف» 0

ـ قَالُواْ في تَوْثِيقِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «مَا فَوْقَ عَفَّانَ أَحَدٌ في الثِّقَة» 0 قَالَ عَنهُ ابْنُ عَدِيٍّ في «الْكَامِلِ»: «عَفَّانُ أَشْهَرُ وَأَوْثَقُ مِن أَنْ يُقَالَ فِيهِ شَيْء» 0 رَوَى عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ عَن أَبِيهِِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «لَزِمَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ عَشْرَ سِنِين، وَكَانَ أَثْبَتَ مِن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيّ» 0

قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِي عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ رَحمَهُ اللهُ إِمَامٌ ثِقَةٌ مَتِينٌ مُتْقِن» 0 قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَة: «عَفَّانُ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مُتْقِن، صَحِيحُ الْكِتَابِ قَلِيلُ الخَطَأ» 0 وَقَالَ عَنهُ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْعِجْلِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «ثِقَةٌ ثَبْتٌ صَاحِبُ سُنَّة» 0 حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ بَحْرٍ عَن أَبي حَفْصٍ الْفَلاََّسِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال:

«رَأَيْتُ يحْيىَ بْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانَ يَوْمَاً حَدَّثَ بحَدِيث، فَقَالَ لَهُ عَفَّان: لَيْسَ هُوَ هَكَذَا؛ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ، أَتَيْتُ يحْيىَ؛ فَقَال: هُوَ كَمَا قَالَ عَفَّان، وَلَقَدْ سَأَلْتُ اللهَ أَنْ لاَ يَكُونَ عِنْدِي عَلَى خِلاَفِ مَا قَالَ عَفَّان» 0 سُبْحَانَ الله؛ يَوَدُّ لَوْ كَانَ الخَطَأُ في حِفْظِهِ وَلَيْسَ في حِفْظِ عَفَّان؛ لأَنَّ عَفَّانَ كَانَ لَهُمْ مَرْجِعَا 0 حَدَّثَ الْقَوَارِيرِيُّ عَنْ يحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ أَنَّهُ قَالَ لَهُ:

«مَا أَحَدٌ يُخَالِفُني في الحَدِيثِ أَشَدُّ عَلَيَّ مِن عَفَّانَ بْنِ مُسْلِمٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه» 0 لأَنّهُ لاَ يُخَالِفُ كَمَا بَيَّنَّا إِلاَّ بِيَقِين؛ لجَوْدَةِ حِفْظِهِ وَفَرْطِ وَضَبْطِهِ وَإِتْقَانِه 0 ـ قَالُواْ عَنْ دِقَّتِهِ وَتَعَنُّتِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ في نَقْدِ الرِّجَال: قَالَ عَلِيُّ بْنُ المَدِينيّ [شَيْخُ الإِمَامِ البُخَارِيّ]: «عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ وَأَبُو نُعَيْمٍ لاَ أَقْبَلُ قَوْلَهُمَا في الرِّجَال؛ لاَ يَدَعُونَ أَحَدَاً إِلاََّ وَقَعُواْ فِيه» 0

قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «يَعْني: أَنَّهُ لاَ يَخْتَارُ قَوْلَهُمَا في الجَرْحِ لِتَشْدِيدِهِمَا، فَأَمَّا إِذَا وَثَّقَا أَحَدَاً فَنَاهِيكَ بِهِ» 00 أَيْ فَطُوبَى لَهُ؛ فَتَوْثِيقُهُمْ مُنْتَهَى التَّوْثِيق 0 ـ قَالُواْ في المُفَاضَلَةِ بَيْنَهُ وَبَينَ أَبي نُعَيْمٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَن، وَيحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّان رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئُ عَنِ المُعَيْطِيِّ أَنَّهُ قَال: «عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ: أَثْبَتُ مِنْ يحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّان» 0

حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ فَهْمٍ عَنْ يحْيىَ بْنِ مَعِينٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: أَثْبَتُ مِن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيّ؛ مَا أَخْطَأَ عَفَّانُ قَطُّ إِلاََّ مَرَّة» 0 حَدَّثَ عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ عَنْ يحْيىَ بْنِ مَعِينٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «كَانَ وَاللهِ عَفَّانُ أَثْبَتَ مِن أَبي نُعَيْمٍ في حَمَّادِ بْنِ سَلَمَة» 0 قَالَ يحْيىَ بْنُ مَعِينٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه:

«إِذَا اخْتَلَفَ أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ وَعَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ عَن حَمَّادِ بْنِ سَلَمَة؛ فَالقَوْلُ قَوْلُ عَفَّان؛ عَفَّانُ أَثْبَتُ مِنهُ وَأَكْيَسُ في كُلِّ شَيْء، وَأَبُو الْوَلِيدِ ثِقَةٌ ثَبْت، وَعَفَّانُ أَثْبَتُ مِن أَبي نُعَيْمٍ الحَافِظ» قَالَ الزَّعْفَرَانيّ: «رَأَيْتُ يحْيىَ بْنَ مَعِينٍ رَحمَهُ اللهُ يَعْرِضُ عَلَى عَفَّانَ بْنِ مُسْلِمٍ مَا سَمِعَهُ مِنْ يحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّان» قَالَ عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه:

«اخْتَلَفَ يحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ في حَدِيث؛ فَبَعَثَا يَسْأَلاَني» 0 ـ وَرَعُهُ وَتَقْوَاه، رَحمَهُ الله: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْعِجْلِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: كَانَ عَلَى مَسَائِلِ مُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ الْقَاضِي، فَجُعِلَ لَهُ عَشْرَةُ آلاَفِ دِينَارٍ عَلَى أَنْ يَقِفَ عَنْ تَعْدِيلِ رَجُل: فَلاَ يَقُولَ «عَدْلٌ» وَلاَ «غَيرُ عَدْل» فَأَبَى عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَقَال: لاَ أُبْطِلُ حَقَّاً مِنَ الحُقُوق» 0

حَدَّثَ الْقَاسِمُ بْنُ أَبي صَالِحٍ عَن إِبْرَاهِيمَ بْنِ دَيْزِيلَ قَال: «لَمَّا دُعِيَ عَفَّانُ لِلْمِحْنَةِ كُنْتُ آخِذَاً بِلِجَامِ حِمَارِه، فَلَمَّا حَضَرَ عُرِضَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ بخَلْقِ الْقُرْآن؛ فَامْتَنَعَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنْ يُجِيب؛ فَقِيلَ لَهُ: يُحْبَسُ عَطَاؤُك؟ [وَكَانَ يُعْطَى في كُلِّ شَهْرٍ أَلْفَ دِرْهَم] فَقَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ: {وَفي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُون} {الذَّارِيَات/22} فَلَمَّا رَجَعَ إِلىَ دَارِهِ عَذَلَهُ نِسَاؤُهُ وَمَنْ في دَارِه؛ وَكَانَ في دَارِهِ نَحْوُ أَرْبَعِينَ إِنْسَانَاً؛ فَدَقَّ عَلَيْهِ دَاقٌّ الْبَاب؛ فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ وَمَعَهُ كِيسٌ فِيهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَال: ثَبَّتَكَ اللهُ يَا أَبَا عُثْمَانُ كَمَا ثَبَّتَّ الدِّين، وَهَذَا في كُلِّ شَهْر»

أبو حفص الفلاس

أَبُو حَفْصٍ الْفَلاََّس هُوَ الإِمَامُ النَّاقِدُ الحَافِظُ أَبُو حَفْصٍ الْفَلاََّسُ عَمْرُو بْنُ عَلِيِّ بْنِ بَحْرِ بْنِ كَنِيزٍ الْبَاهِلِيُّ الْبَصْرِيّ 0 وُلِدَ سَنَةَ 164 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 249 هـ 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: حَدَّثَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْع، وَخَالِدِ بْنِ الحَارِث، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَة، وَيحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّان، وَغُندَر، وَوَكِيعٍ، وَيَزِيدَ بْنِ هَارُون، وَمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَان، وَسُلَيْمَانَ بْنِ حَرْب، وَخَلْقٍ سِوَاهُمْ 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ الأَئِمَّةُ السِّتَّةُ في كُتُبِهِمْ، وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي، وَأَبُو حَاتمٍ الرَّازِي، وَابْنُ أَبي الدُّنْيَا، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَد، وَجَعْفَرٌ الْفِرْيَابيّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُمْ 0 ـ قَالُواْ في تَوْثِيقِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِي رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «بَصْرِيٌّ صَدُوق، كَانَ أَرْشَقَ مِن عَلِيِّ بْنِ المَدِينيّ» 0 أَيْ أَحْسَنَ تَسْدِيدَاً 0

ـ رِحْلَتُِهُ المُبَكِّرَةُ في طَلَبِ الْعِلْمِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ أَبُو حَفْصٍ الْفَلاََّس: «حَضَرْتُ مَجْلِسَ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَأَنَا صَبيٌّ وَضِيء [أَيْ حَسَنُ الصُّورَة]، فَأَخَذَ رَجُلٌ بِخَدِّي؛ فَفَرَرْتُ فَلَمْ أَعُدْ» 00 حَقَّاً إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِين؛ اللَّهُمَّ اهْدِ كُلَّ مَنِ ابْتُلِيَ بِهَذَا الدَّاءِ اللَّعِين 0

ـ قَالُواْ عَنْ كِتَابَتِهِ وَتَدْوِينِهِ لِلْحَدِيثِ النَّبَوِيّ: قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «صَنَّفَ وَجَمَع» 0 ـ ثَنَاءُ الأَئِمَّهِ عَلَيْه، رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ ابْنُ إِشْكَابٍ الحَافِظ: «مَا رَأَيْتُ مِثْلَ أَبي حَفْصٍ الْفَلاََّسِ، كَانَ يُحْسِنُ كُلَّ شَيْء» قَالَ ابْنُ مُكْرَم: «مَا قَدِمَ عَلَيْنَا بَعْدَ عَلِيِّ بْنِ المَدِينيِّ رَحمَهُ اللهُ مِثْلُ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ الْفَلاََّس»

أبو بكر الخطيب

أَبُو بَكْرٍ الخَطِيب الإِمَامُ الحَافِظُ النَّاقِدُ أَوْحَدُ عَصْرِهِ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتِ الخَطِيبُ الْبَغْدَادِيّ 0 وُلِدَ سَنَةَ 392 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 463 هـ 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: سَمِعَ أَبَا عُمَر بْن مَهْدِيّ الْفَارِسِيّ، وَأَحْمَدَ بْنَ محَمَّدِ بْنِ الصَّلْت الأَهْوَازِيّ، وَأَبَا الحُسَيْنِ بْنَ المُتَيَّم، وَحُسَيْنَ بْنَ الحَسَنِ الجوَالِيقِي، وَأَبَا الْفَتْح بْنَ أَبي الْفوَارس، وَأَبَا الْعَلاَء محَمَّدَ بْن الحَسَنِ الْوَرَّاق، وَأَبَا سَعِيدٍ الصَّيْرَفِيّ، وَأَبَا الحَسَنِ بْنَ رَزْقَوَيْه، وَعَبْدَ الصَّمد بْن المَأْمُون، وَأَبَا الحُسَيْنِ بْنَ بِشْرَان،

وَأَبَا الْقَاسِمِ عَبْد الرَّحْمَنِ السَّرَّاج، وَسَعْدَ بْنَ محَمَّدٍ الشَّيْبَانيّ، وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنَ محَمَّدٍ السُّتُورِي، وَالحُسَيْنَ بْنَ محَمَّدٍ الصَّائِغ، وَعَلِيَّ بْنَ الْقَاسِمِ الشَّاهد، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ الجَمَّال، وَأَبَا نُعَيْمٍ الحَافِظ، وَالحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ السَّابورِي، وَالْقَاضِيَ أَبَا بَكْرٍ الحِيرِيّ، وَأَبَا نَصْرٍ الْكسَّار، وَمحَمَّدَ بْنَ عِيسَى، وَعَلِيّ بْن محَمَّدٍ الطِّرَازِي، وَالحَافِظ أَبَا حَازِمٍ الْعَبدُوِي، وَمحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَهْرِيَار 00 وَسَمِعَ مِنْ تَلاَمِذَتِهِ نَصْرَاً المَقْدِسِيّ، وَابْنِ مَاكُولاَ، وَالحُمَيْدِيَّ الأَنْدَلُسِيّ 0 وَقرَأَ «صَحِيحَ الْبُخَارِي» عَلَى كَرِيمَةَ المَرْوَزِيَّةَ في أَيَّامِ المَوْسِم 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ عَنهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَرْقَانيّ [وَهُوَ مِنْ شُيُوخِهِ]، وَأَبُو نَصْرٍ بْنُ مَاكُولاَ، وَالفَقِيهُ نَصْرٌ المَقْدِسِيّ، وَالحُمَيْدِيُّ الأَنْدَلُسِيّ، وَأَبُو الْفَضْلِ بْنُ خَيْرُون، وَالمُبَارَكُ بْنُ الطُّيُورِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ بْنُ الخَاضِبَة، وَأُبَيٌّ النَّرْسِيّ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ السَّمَرْقَنْدِيّ، وَمحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبي الْعَلاَءِ المَصِّيصِيّ، وَأَحْمَدُ بْنُ أَحْمَدَ المُتَوَكِّلِيّ، وَأَبُو مَنْصُورٍ الشَّيْبَانيُّ [رَاوِي تَارِيخِهِ]، وَقَاضِي المَارِسْتَانَ أَبُو بَكْر، وَأَبُو الحَسَنِ بْنُ سَعِيد، وَأَبُو مَنْصُورٍ بْنُ خَيْرُونَ المُقْرِئ، وَالزَّاهِدُ يُوسُفُ بْنُ أَيُّوبَ الهَمَذَانيّ، وَأَبُو الْقَاسِمِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ السَّمَرْقَنْدِيّ، وَأَبُو الحُسَيْنِ بْنُ أَبي يَعْلَى، وَعَدَدٌ يَطُولُ ذِكْرُهُمْ 0

ـ رِحْلَتُِهُ المُبَكِّرَةُ في طَلَبِ الْعِلْمِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ بْنُ خَيْرُون: حَدَّثَنَا الخَطِيبُ أَنَّهُ وُلِدَ في جُمَادَى الآخِرَة سَنَةَ 392 هـ، وَأَوَّلُ سَمَاعِهِ كَانَ في المُحَرَّمِ سَنَةَ 403 هـ» 0 قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَه: «كَانَ أَبُوهُ خَطِيبَاً، وَتَلاَ الْقُرْآن عَلَى أَبي حَفْصٍ الْكَتَّانيّ، فَحَضَّهُ عَلَى السَّمَاعِ وَالفِقْه؛ فَسَمِعَ وَهُوَ ابْنُ 11 سَنَة، وَارْتَحَلَ إِلىَ الْبَصْرَةِ وَهُوَ ابْنُ 20 سَنَة، وَإِلىَ نَيْسَابُورَ وَهُوَ ابْنُ 23 سَنَة، وَإِلىَ الشَّامِ وَهُوَ كَهْل، وَإِلىَ مَكَّةَ وَغَيْرِ ذَلِك» 0

ـ قَالُواْ عَنْ تَمَكُّنِهِ في مَعْرِفَةِ الحَدِيث: قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَه: «كَتَبَ الْكَثِيرَ وَتَقَدَّمَ وَبَزَّ الأَقْرَانَ في هَذَا الشَّأْن [أَيْ عُلُومِ الحَدِيث]، فَجَمَعَ وَصَنَّفَ وَصحَّح، وَعَلَّلَ وَجَرَّحَ، وَعَدَّلَ وَأَرَّخَ وَأَوْضَح، وَصَارَ أَحْفَظَ أَهْلِ عَصْرِهِ عَلَى الإِطْلاَق» 0 ـ قَالُواْ عَنْ فِقْهِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «كَانَ مِنْ كِبَارِ الشَّافِعِيَّة، تَفَقَّهَ عَلَى أَبي الحَسَنِ بْن المحَامِلِيّ، وَالقَاضِي أَبي الطَّيِّب الطَّبرِي» 0

ـ عَقِيدَتُهُ وَمَذْهَبُهُ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: قَالَ أَبُو عَلِيٍّ بْنُ الخَلاََّل: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ الهَمْدَانيُّ قَال: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ قَال: أَخْبَرَنَا محَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقٍ الزَّعْفَرَانيُّ قَال: حَدَّثَنَا الحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيبُ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ قَال: «فَإِذَا قُلْنَا للهِ يَدٌ وَسَمْعٌ وَبَصَر، فَإِنَّمَا هِيَ صِفَاتٌ أَثْبَتَهَا اللهُ لِنَفْسِهِ، وَلاَ نَقُولُ إِنَّ مَعْنىَ اليَدِ الْقُدْرَة، وَلاَ إِنَّ مَعْنىَ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ الْعِلْم، وَلاَ نَقُولُ إِنَّهَا جَوَارح» 0

ـ قَالُواْ عَنْ زُهْدِهِ وَعِفَّتِهِ وَعُلُوِّ هِمَِّتِه عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَهُ في الدُّنيَا وَالآخِرَة: قَالَ السَّمْعَانيّ: سَمِعْتُ مَسْعُودَ بْنَ محَمَّدٍ يَقُول: سَمِعْتُ الْفَضْلَ بْنَ عُمَرَ النَّسَوِيَّ يَقُول: كُنْتُ بِجَامِعِ صُورٍ عِنْدَ أَبي بَكْرٍ الخَطِيب؛ فَدَخَلَ عَلَوِيٌّ وَفي كُمِّهِ دَنَانِيرُ فَقَال: هَذَا الذَّهبُ تَصْرِفُهُ في مُهِمَّاتِك؛ فَقَطَّبَ في وَجْهِهِ [أَيْ أَبْدَى لَهُ تَغَيُّظَاً وَزَفِيرَا]، وَقَال: لاَ حَاجَةَ لي فِيه؛ فَقَال: كَأَنَّكَ تَسْتَقِلُّهُ، وَأَرْسَلَهُ مِنْ كُمِّهِ عَلَى

سَجَّادَةِ الخَطِيبِ وَقَال: هَذِهِ ثَلاَثُمِاْئَةِ دِينَار؛ فَقَامَ الخَطِيبُ خَجِلاً مُحْمَرَّاً وَجْهُهُ وَأَخَذَ سَجَّادَتَهُ فَسَقَطَتِ الدَّنَانِير، فَمَا أَنْسَى عِزَّهُ وَذُلَّ الْعَلَوِيّ وَهُوَ يَلْتَقِطُ الدَّنَانِيرَ مِنْ شُقُوقِ الحصِير» 0 ـ قَالُواْ عَنْ نُبْلِهِ وَبِرِّهِ بِطَلَبَةِ الْعِلْمِ الْفُقَرَاء عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: وَقَالَ مَكِّيٌّ الرُّمَيْلِي: «مَرِضَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيبُ وَاشْتَدَّ بِهِ الحَالُ فَوَقَّفَ كُتُبَهُ عَلَى يَدِهِ، وَفرَّقَ جَمِيعَ مَالِهِ في وُجُوهِ الْبِرّ، وَعَلَى المُحَدِّثِين» 0

قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ عَلِيُّ بْنُ عَلِيٍّ الأَمِين: لَمَّا رَجَعَ الخَطِيبُ مِنَ الشَّامِ كَانَتْ لَهُ ثَرْوَةٌ مِنَ الثِّيَابِ وَالذَّهَب، وَمَا كَانَ لَهُ عَقِب [أَيْ وَارِث]، فَكَتَبَ إِلىَ الْقَائِمِ بِأَمْرِ الله: إِنَّ مَالي يَصِيرُ إِلىَ بَيْتِ مَال، فَائْذَنْ لي حَتىَّ أُفَرِّقَهُ فِيمَنْ شِئْتَ؛ فَأَذِنَ لَهُ؛ فَفَرَّقَهَا عَلَى المُحَدِّثِين» 0 رَزَقَ اللهُ الأُمَّةَ أَمْثَالَكَ يَا ابْنَ الخَطِيب؛ لاَ سِيَّمَا في هَذَا الزَّمَنِ الْعَصِيب، الَّذِي كَثُرَ فِيهِ الْعِدَى وَقَلِّ الحَبِيب 00

قَالَ الحَافِظُ ابْنُ نَاصِر: أَخْبَرتَني أُمِّي أَن أَبي حَدَّثَهَا قَال: كُنْتُ أَدْخُلُ عَلَى الخَطِيب، وَأُمَرِّضُهُ، فَقُلْتُ لَهُ يَوْمَاً: يَا سَيِّدِي؛ إِنَّ أَبَا الْفَضْلِ بْنَ خَيْرُونَ لَمْ يُعْطني شَيْئَاً مِنَ الذَّهَبِ الَّذِي أَمَرْتَهُ أَنْ يُفَرِّقَهُ عَلَى أَصْحَابِ الحَدِيث؛ فَرَفَعَ الخَطِيبُ رَأْسَهُ مِنَ المَخَدَّة، وَقَال: خُذْ هَذِهِ الخِرْقَة، بَارَكَ الله لَكَ فِيهَا؛ فَكَانَ فِيهَا أَرْبَعُونَ دِينَارَاً، فَأَنْفَقْتُهَا مُدَّةً في طَلَبِ الْعِلْم» 0

قَالَ مَكِّيُّ الرُّمَيْلِيّ: «دُفِنَ بجَنْبِ قَبْرِ بِشْرٍ الحَافِي» 0 ـ بَعْضُ مَا رُؤِيَ عَلَيْهِ مِنَ المَنَامَاتِ الحَسَنَةِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ غِيثٌ الأَرْمَنَازِي: قَالَ مَكِّيُّ الرُّمَيْلِيّ: كُنْتُ نَائِمَاً بِبَغْدَادَ في رَبِيعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ 463 هـ، فَرَأَيْتُ كَأَنَا اجْتمَعَنَا عِنْد أَبي بَكْرٍ الخَطِيبِ في مَنْزِلِهِ لقِرَاءَةِ «التَّارِيخِ» عَلَى الْعَادَة؛ فَكَأَنَّ الخَطِيبَ جَالِسٌ وَالشَّيْخُ أَبُو الْفَتْحِ نَصْرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ المَقْدِسِيُّ عَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ يَمِينِ نَصْرٍ رَجُلٌ لَمْ

أَعْرِفْهُ، فَسَأَلْتُ عَنهُ فَقِيل: هَذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ لِيَسْمَعَ «التَّارِيخ»؛ فقُلْتُ في نَفْسِي: هَذِهِ جَلاَلَةٌ لأَبي بَكْرٍ إِذْ يَحْضُرُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجْلِسَه» 0 قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَهُ في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ مُعَلِّقَاً عَلَى هَذَا: «هَذَا ردٌّ لِقَوْلِ مَنْ يَعِيبُ «التَّارِيخَ» وَيَذْكُرُ أَنَّ فِيهِ تحَامُلاً عَلَى أَقْوَام» 0

قَالَ أَبُو الحَسَنِ محَمَّدُ بْنُ مَرْزُوق: حَدَّثَني الْفَقِيهُ الصَّالحُ حسنُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَصْرِيّ قَال: «رَأَيْتُ الخَطِيبَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ في المَنَامِ وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ بِيضٌ حِسَانٌ وَعِمَامَةٌ بَيْضَاءُ وَهُوَ فَرْحَانُ يَتَبَسَّم، فَلاَ أَدْرِي قُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟ أَوْ هُوَ بَدَأَني فَقَال: غَفَرَ اللهُ لي وَرَحِمَني» 0 قَالَ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْن: رَأَيْتُ بَعْد مَوْتِ الخَطِيبِ كَأَنَّ شَخْصَاً قَائِمَاً بحِذَائِي؛ فَأَردْتُ أَن أَسَأَلَهُ عَن أَبي بَكْرٍ الخَطِيب، فَقَالَ لي ابْتدَاءً: أُنْزِلَ وَسَطَ الجَنَّة حَيْثُ يَتعَارَفُ الأَبْرَار» 0

قَالَ تَعَالىَ في الْقُرْآنِ الْكَرِيم: {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيم} {الاِنْفِطَار/13، 22} قَالَ أَبُو الْفَضْلِ بْنُ خَيْرُون: «جَاءَني بَعْضُ الصَّالحِينَ وَأَخْبَرَني لَمَّا مَاتَ الخَطِيبُ أَنَّهُ رَآهُ في النَّوْمِ فَقَالَ لَه: كَيْفَ حَالُك 00؟ قَال: أَنَا في رَوْحٍ وَرَيْحَانٍ وَجَنَّةِ نَعِيم» 0

ـ أَشْهَرُ مُؤَلَّفَاتِه رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانيّ: لِلْخَطِيبِ سِتَّةٌ وَخَمْسُونَ مُصَنَّفَاً: «التَّارِيخ» [106 أَجْزَاء]، «شرف أَصْحَاب الحَدِيث» [3 أَجْزَاء]، «الجَامِع» [15 جُزْءَاً]، «الْكفَايَة» [13 جُزْءَاً]، «السَّابِقُ وَاللاَحِق» [10 أَجْزَاء]، «المُتَّفِقُ وَالمُفْتَرِق» [18 جُزْءَاً]، «المُكْمَلُ في المُهْمَل» [6 أَجْزَاء]، «غنيَة المقتبس في تَمِييز الملتبس»، «مِنْ وَافقت كُنْيَته اسْم أَبِيهِ»، «الأَسْمَاء المبهمَة» [مُجَلَّد]، «الموضح» [14 جُزْءَاً]، «من حَدَّثَ وَنسِي» [جُزْء]، «التَّطْفِيل» [3 أَجْزَاء]، «

قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانيّ: لِلْخَطِيبِ سِتَّةٌ وَخَمْسُونَ مُصَنَّفَاً: " التَّارِيخ " [106 أَجْزَاء]، " شَرَفُ أَصْحَاب الحَدِيث " [3 أَجْزَاء]، " الجَامِع " [15 جُزْءَاً]، " الْكِفَايَة " [13 جُزْءَاً]، " السَّابِقُ وَالَّلاَحِق " [10 أَجْزَاء]، " المُتَّفِقُ وَالمُفْتَرِق " [18 جُزْءَاً]، " المُكْمَلُ في المُهْمَل " [6 أَجْزَاء]، " غُنيَةُ المُقْتَبِس في تَمْيِيزِ المُلْتَبِس "، " مِنْ وَافَقَتْ كُنْيَته اسْمَ أَبِيه "، " الأَسْمَاءُ المُبْهَمَة " [مُجَلَّد]، " المُوَضَّح " [14 جُزْءَاً]، " مَن حَدَّثَ وَنَسِيَ " [جُزْء]، " التَّطْفِيل

" [3 أَجْزَاء]، " الْقُنُوت " [3 أَجْزَاء]، " الرُّوَاةُ عَنْ مَالِك " [3 أَجْزَاء]، " الْفَقِيهُ وَالمُتَفَقِّه " [مُجَلَّد]، " تَمْيِيزُ مُتَّصِلِ الأَسَانِيد " [مجلد]، " الحِيَل " [3 أَجْزَاء]، " الإِنْبَاءُ عَنِ الأَبْنَاء " [جُزْء]، " الرِّحْلَة " [جُزْء]، " الاِحْتِجَاجُ بِالشَّافِعِيّ " [جُزْء]، " الْبُخَلاَء " فِي [4 أَجْزَاء]

" المُؤْتَنِف؛ في تَكْمِيلِ المُؤْتَلِف "، " كِتَاب الْبَسْمَلَة وَأَنَّهَا مِنَ الْفَاتِحَة "، " الجَهْرُ بِالْبَسْمَلَة " [جُزْآن]، " مَقْلُوبُ الأَسْمَاءِ وَالأَنْسَاب " [مُجَلَّد]، " جُزْءُ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِد "، " أَسْمَاءُ المُدَلِّسِين "، " اقْتِضَاءُ الْعِلْمِ الْعمل "، " تَقْيِيدُ الْعِلْم " [ثَلاَثَةُ أَجْزَاء]، " الْقَوْلُ في النُّجُوم " [جُزْء]، " رِوَايَةُ الصَّحَابَةِ عَنْ تَابِعِيّ " [جُزْء]، " إِجَازَةُ المَعْدُومِ وَالمَجْهُول " [جُزْء]، " صَلاَةُ التَّسَابِيح " [جُزْء]، " مُسْنَدُ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّاد " [جُزْء]، " النَّهْيُ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكّ "

" مَا فِيهِ سِتَّةٌ تَابِعِيُّون " [جُزْء]، وَقَدْ سَرَدَ ابْنُ النَّجَّارِ أَسْمَاءَ تَوَالِيفِ الخَطِيبِ فَزَادَ أَيْضَاً: " مُعْجَمُ الرُّوَاةِ عَنْ شُعْبَةَ " [8 أَجْزَاء]، " المُؤْتَلِفُ وَالمُخْتَلِف " [24 جُزْءَاً]، " المُسَلْسَلاَت " [3 أَجْزَاء]، " الرُّبَاعِيَّات " [3 أَجْزَاء]، " طُرُقُ قَبْضِ الْعِلْم " [3 أَجْزَاء]، " غُسْلُ الجُمُعَة " [ثَلاَثَة أَجْزَاء]، " الإِجَازَةُ لِلْمَجْهُول "، " حَدِيثُ محَمَّدِ بْنِ سُوقَة " [أَرْبَعَةُ أَجْزَاء]» 0

ـ بَعْضٌ من أَشْعَارِهِ وَنَظْمِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: وَلِلْخَطِيبِ نَظْمٌ جَيِّد؛ قَالَ غَيْثُ بْنُ عَلِيّ: أَنْشَدَنَا الخَطِيبُ لِنَفْسِهِ: إِنْ كُنْتَ تَبغِي الرَّشَادَ مَحْضَاً ... لأَمْرِ دُنْيَاكَ وَالمَعَاد فَخَالِفِ النَفْسَ في هَوَاهَا ... إِنَّ الهَوَى جَامِعُ الْفَسَادِ

وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ النَّسِيب: أَنْشَدَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيبُ لِنَفْسِهِ: لاَ تَغْبِطَنَّ أَخَا الدُّنْيَا لِزُخْرُفِهَا ... وَلاَ لِلَذَّةِ وَقْتٍ عَجَّلَتْ فَرَحَا فَالدَّهْرُ أَسْرَعُ شَيْءٍ في تَقَلُّبِهِ ... وَفِعْلُهُ بَيِّنٌ لِلْخَلْقِ قَدْ وَضَحَا كَمْ شَارِبٍ عَسَلاً فِيهِ مَنِيَّتُهُ ... وَكمْ تَقَلَّدَ سَيْفَاً مَنْ بِهِ ذُبِحَا

ـ بَعْضُ مَا قِيلَ مِنَ الشِّعْرِ الجَمِيل، في هَذَا الْعَالِمِ الجَلِيل: قَالَ أَبُو الخَطَّاب بْن الجَرَّاحِ المُقْرِئُ يَرْثِي الخَطِيبَ بِأَبِيَات مِنهَا: فَاقَ الخَطِيبُ الْوَرَى صِدْقَاً وَمَعْرِفَةً ... وَأَعْجَزَ النَّاسَ في تَصْنِيفِهِ الْكُتُبَا حَمَى الشَّرِيعَةِ مِن غَاوٍ يُدَنِّسُهَا ... بِوَضْعِهِ وَنفَى التَّدْلِيسَ وَالكَذِبَا جَلَى محَاسِن بَغْدَادٍ فَأَوْدَعَهَا ... تَارِيخَهُ مُخْلِصَاً للَّهِ مُحْتَسِبَا وَقَالَ في النَّاسِ بِالقِسْطَاسِ مُنحَرِفَاً ... عَنِ الهَوَى وَأَزَالَ الشَّكَّ وَالرِّيَبَا

ابن الصلاح الصفدي

ابْنُ الصَّلاَحِ الصَّفَدِي هُوَ الإِمَامُ الحَافِظُ تَقِيُّ الدِّينِ أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ ابْنُ الصَّلاَحِ الْكُرْدِيُّ المَوْصِلِيُّ الصَِّفَدِيّ، وُلِدَ سَنَةَ 577 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 643 هـ 0 [صَاحِبُ أَشْهَرِ كِتَابٍ في عُلُومِ الحَدِيث، وَالَّذِي عُرِفَ بِاسْمِهِ: «مُقَدِّمَةُ ابْنِ الصَّلاَح»، وَهُوَ غَيرُ ابْنِ الصَّلاَحِ المُؤَرِّخِ صَاحِبِ الْوَافي بِالْوَفِيَّاتِ وَتِلْمِيذِ الإِمَامِ الذَّهَبيِّ المُتَوَفَّى سَنَةَ 764 هـ]

ـ ثَنَاءُ الأَئِمَّهِ عَلَيْه، رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: ذَكَرَهُ المُحَدِّثُ عُمَرُ بْنُ الحَاجِبِ في «مُعْجَمِهِ» فَقَال: «إِمَامٌ وَرِعٌ وَافِرُ الْعَقْل، حَسَنُ السَّمْت، مُتَبَحِّرٌ في الأُصُولِ وَالفُرُوع، بِالغَ في الطَّلَب؛ حَتىَّ صَارَ يُضْرَبُ بِهِ المَثَل، وَأَجْهَدَ نَفْسَهُ في الطَّاعَةِ وَالعِبَادَة» 0

وَقَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ [وَهُوَ أَحَدُ شُيُوخِ الذَّهَبيّ]: «كَانَ ذَا جَلاَلَةٍ عَجِيبَةٍ وَوقَارٍ وَهَيْبَة، وَفَصَاحَةٍ وَعِلْمٍ نَافِع، وَكَانَ مَتِينَ الدِّين، سَلَفِيَّ الجُمْلَة، صَحِيحَ النِّحْلَة [أَيِ الْعَقِيدَة]، كَافَّاً عَنِ الخَوْضِ في مَزَلاََّتِ الأَقْدَام، مُؤْمِنَاً بِاللهِ وَبِمَا جَاءَ عَنِ اللهِ مِن أَسْمَائِهِ وَنُعُوتِهِ الحُسْنىَ، حَسَنَ الْبِزَّة ـ أَيِ الهَيْئَة ـ وَافِرَ الحُرْمَة، مُعَظَّمَاً عِنْدَ السُّلْطَان، وَقَدْ سَمِعَ الْكَثِيرَ بِمَرْوَ مِنْ محَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ المُوسَوِيِّ وَأَبي جَعْفَرٍ محَمَّدِ بْنِ محَمَّدٍ السَّنْجِيّ، وَمحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ المَسْعُودِيّ، وَكَانَ مَعَ تَبَحُّرِهِ في الْفِقْهِ مُجَوِّدَاً لِمَا يَنْقُلُه، قَوِيَّ المَادَّةِ مِنَ اللُّغَةِ وَالعَرَبِيَّةِ [أَيْ في اللُّغَةِ وَالنَِّحْو]، مُتَفَنِّنَاً في الحَدِيث، مُتَصَوِّنَاً، مُكِبَّاً عَلَى الْعِلْم، عَدِيمَ النَّظِيرِ في زَمَانِهِ، وَلَهُ مَسْأَلَةٌ لَيْسَتْ مِنْ قَوَاعِدِهِ شَذَّ فِيهَا،

وَهِيَ صَلاَةُ الرَّغَائِب 00 قَوَّاهَا وَنَصَرَهَا مَعَ أَنَّ حَدِيثَهَا بَاطِلٌ بِلاَ تَرَدُّد، وَلَكِنْ لَهُ إِصَابَاتٌ وَفَضَائِل، وَمِنْ فَتَاوِيهِ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ يَشْتَغِلُ بِالمَنْطِقِ وَالفَلْسَفَةِ فَأَجَابَ قَائِلاً: الْفَلْسَفَة: أُسُّ السَّفَه، وَمَادَةُ الحَيرَةِ وَالضَّلاَل، وَمثَارُ الزَّيْغِ وَالزَّنْدَقَة، وَمَنْ تَفَلْسَفَ عَمِيَتْ بَصِيرتُهُ عَنْ مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ المُؤيَّدَةِ بِالبَرَاهِين 00 وَمَنْ تَلبَّسَ بِهَا قَارَنَهُ الخِذْلاَنُ وَالحِرْمَان، وَاسْتَحْوَذَ عَلَيْهِ الشَّيْطَان 000، إِلىَ أَنْ قَال: هِيَ قَعَاقِعُ قَدْ أَغْنىَ اللهُ عَنهَا كُلَّ صَحِيحِ الذِّهْن، فَالوَاجِبُ عَلَى السُّلْطَانِ أَعزَّهُ اللهُ أَنْ يَدْفَعَ عَنِ المُسْلِمِينَ شَرَّ هَؤُلاَءِ المَشَائِيم» 0

الإمام الذهبي

الإِمَامُ الذَّهَبيّ [صَاحِبُ كِتَاب / سِيَرِ أَعْلاَمِ النُّبلاَء] هُوَ الإِمَامُ المُؤَرِّخُ الحَافِظُ محَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ قَيْمَازَ المُلَقَّبُ بِالذَّهَبيّ وُلِدَ سَنَة / 692 هـ، وَتُوُفِّيَ رَحِمَهُ اللهُ سَنَةَ 748 هـ 0 لَهُ رِحْلاَتٌ عِدَّةٌ في طَلَبِ الْعِلْمِ إِلىَ الحِجَازِ وَمِصْرَ وَالشَّام [مَنْشَئِهُ وَمَسْقَطِ رَأْسِه] حَصَّلَ خِلاَلَهَا الْكَثِيرَ مِنَ اللُّغَةِ وَالتَّارِيخِ وَالنَِّحْوِ وَالأَدَب، كَمَا حَصَّلَ قَدْرَاً لَيْسَ ضَئِيلاً في الْقِرَاءَات، وَاجْتَهَدَ في طَلَبِ الحَدِيثِ وَعُلُومِهِ وَبَزَغَ نَجْمُهُ وَنَبَغَ عِلْمُهُ وَفَهْمُهُ في عِلَلِ الحَدِيثِ وَالجَرْحِ وَالتَّعْدِيل، وَصَنَّفَ المُصَنَّفَاتِ في ذَلِك، كَمَا تَرَكَ تُرَاثَاً ضَخْمَاً في التَّارِيخِ وَالتَّرَاجِم 0

ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: دَرَسَ عَلَى شَيْخِ الْعَرَبِيَّةَ وَالأَدَبَ في مِصْرَ عَلَى يَدِ الشَّيْخِ بَهَاءِ الدِّينِ محَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ المَعْرُوفِ بِابْنِ النَّحَّاس، المُتَوَفىَّ سَنَة 698 هـ 0 وَأَخَذَ النَّحْوَ عَلَى شَيْخِهِ أَبي عَبْدِ اللهِ محَمَّدِ بْنِ أَبي الْعَلاَءِ النُّصَيْبيِّ المُتَوَفىَّ سَنَة 695 هـ، حَيْثُ سَمِعَ مِنهُ «الحَاجِبِيَّةَ» في النَّحْو 0

وَأَخَذَ الْقِرَاءَاتِ عَلَى أَيْدِي خَلْقٍ كَثِيرٍ مِنَ الشُّيُوخِ أَبْرَزُهُمْ صَدْرُ الدِّينِ سَحْنُون 0 حَتىَّ لَقَدْ بَلَغَ مِنْ رُسُوخِ قَدَمِهِ في الْقِرَاءَاتِ حَدَّ أَنْ ذَكَرَ ابْنُ نَاصِرِ الدِّينِ الدِّمَشْقِيُّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 842 هـ في كِتَابِهِ الرَّدِّ الْوَافِرِ أَنَّهُ كَانَ «إِمَامَاً في الْقِرَاءَات» 0 وَأَخَذَ سَائِرَ الْفُرُوعَ مِنْ فِقْهٍ وَفِكْرٍ وَحَدِيثٍ وَعَقَائِدَ عَلَى أَيْدِي: تَقِيِّ الدِّينِ السُّبْكِيّ، المُتَوَفىَّ سَنَة 756 هـ 0

وَجَمَالِ الدِّينِ أَبي الحَجَّاجِ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُزِّيِّ الشَّافِعِيّ «654 ـ 742 هـ» وَجَمَالِ الدِّينِ أَبي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ محَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الحَلَبيِّ المَعْرُوفِ بِابْنِ الظَّاهِرِيّ 0 «696 ـ 626 هـ» وَتَقِيِّ الدِّينِ أَبي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الحَلِيمِ المَعْرُوفِ بِابْنِ تَيْمِيَةَ الحَرَّانيّ «661 ـ 728 هـ» وَعَلَمِ الدِّينِ أَبي محَمَّدٍ الْقَاسِمِ بْنِ محَمَّدٍ الْبِرْزَاليّ «661 ـ 739 هـ» 0 ابْنُ دَقِيقِ الْعِيد المُتَوَفىَّ سَنَة 702 هـ 0 ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه:

تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيّ، المُتَوَفىَّ سَنَة 771 هـ 0 قَالَ ابْنُ قَاضِي شُهْبَةَ الأَسَدِيُّ في الإِعْلاَم: «سَمِعَ مِنهُ السُّبْكِيُّ وَالبِرْزَاليُّ وَالْعَلاَئِيُّ وَابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ رَافِعٍ وَابْنُ رَجَب» 00 وَغَيرُهُمْ كَثِير وَهَذَا الأَخِير: هُوَ الحَافِظُ أَبُو الْفِدَاءِ عِمَادُ الدِّينِ ابْنُ كَثِير / صَاحِبُ التَّفْسِير المُتَوَفىَّ سَنَة 774 هـ، وَصَاحِبُ كِتَابِ «الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَة» وَالَّذِي تَولىَّ بَعْدَ وَفَاةِ الإِمَامِ الذَّهَبيِّ مَشْيَخَةَ تُرْبَةِ أُمِّ الصَّالح ـ أَشْهَرُ مُؤَلَّفَاتِه:

يَأْتي في مُقَدِّمَةِ مُؤَلَّفَاتِهِ في التَّارِيخِ كِتَابُهُ الْعَظِيم «تَارِيخُ الإِسْلاَم، وَوَفِيَّاتُ المَشَاهِيرِ وَالأَعْلاَم» وَ «دُوَلِ الإِسْلاَم» 0 وَيَأْتي في مُقَدِّمَةِ مُؤَلَّفَاتِهِ في التَّرَاجِمِ كِتَابُهُ النَّفِيس «سِيَرُ أَعْلاَمِ النُّبَلاَءِ» 0 وَالَّذِي طَوَّفْنَا بَينَ بَسَاتِينِهِ في تَرَاجِمِ الحُفَّاظ؛ فَقَطَفْنَا لَكُمْ مِنهَا الْيَاقُوتَ وَالمَرْجَانَ وَالأَلْمَاظ 0

وَمِنْ مُصَنَّفَاتِهِ في الْقِرَاءَاتِ كِتَابُ «التَّلْوِيحَاتِ في عِلْمِ الْقِرَاءَات» وَكِتَابِ «مَعْرِفَةِ الْقُرَّاءِ الْكِبَارِ عَلَى الطََّبَقَاتِ وَالأَعْصَار» الَّذِي هُوَ بِكُتُبِ التَّرَاجِمِ أَشْبَهُ مِنْ كُتُبِ الْقراءات 0 وَقَدْ شَهِدَ لَهُ ابْنُ الجَزْرِيِّ بِالإِحْسَانِ فِيه؛ لِذَلِكَ اقْتَبَسَ جُلَّهُ في كِتَابِهِ «غَايَةِ النِّهَايَة» كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ في المُقَدِّمَة، وَوَصَفَهُ شَمْسُ الدِّينِ السَّخَاوِيُّ في الإِعْلاَنِ بِأَنَّهُ «كِتَابٌ حَافِل» 0

أَمَّا عَنْ مُؤَلَّفَاتِهِ في الْعَقَائِدِ وَالْفِقْه: فَيَأْتي في مُقَدِّمَتِهَا كِتَابُهُ «الأَرْبَعِين في صِفَاتِ رَبِّ الْعَالمِين» وَكِتَابُ «الْعَرْش» وَكِتَابُ «مَسْأَلَةُ الْوَعِيد» وغيرها، وَأَشْهَرُهَا كِتَابُهُ المَعْرُوف «الْعُلُوُّ لِلْعَلِيِّ الْغَفَّار» الَّذِي حَقَّقَهُ وَاخْتَصَرَهُ الأَلْبَانيّ 0 أَمَّا كُتُبُهُ في الرِّجَالِ وَالجَرْحِ وَالتَّعْدِيل؛ فَيَأْتي في مُقَدِّمَتِهَا كِتَابُهُ الْعَظِيم «مِيزَانُ الاِعْتِدَال؛ في نَقْدِ الرِّجَال» وَالَّذِي اعْتَبَرَهُ مُعَاصِرُوهُ وَمَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ مِن أَحْسَنِ

كُتُبِهِ وَأَجَلِّهَا 0 تَنَاوَلَ فِيهِ عَدَدَاً كَبِيرَاً مِنَ الحُفَّاظِ وَالْعُلَمَاءِ ورِجَالِ الجَرْحِ وَالتَّعْدِيل: بِالنَّقْدِ اسْتِدْرَاكَاً أَوْ تَعْقِيبَاً أَوْ تَلْخِيصَاً 0 كَذَلِكَ في الجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ كَتَبَ أَيْضَاً رِسَالَةً بِعُنوَان «ذِكْرِ مَنْ يُؤْتَمَنُ قَوْلُهُ في الجَرْحِ وَالتَّعْدِيل» تَكَلَّمَ فِيهَا عَن أُصُولِ النَّقْدِ وَطَبَقَاتِ النُّقَّاد وَفَنَّدَ أَقْوَالَهُمْ تَفْنِيدَا 0 ـ أَشْهَرُ مخْتَصَرَاتِه:

كَمَا قَدَّمَ لِلْمَكْتَبَةِ الْعَرَبِيَّةِ الْعَدِيدَ مِنَ المخْتَصَرَاتِ يَأْتي في مُقَدِّمَتِهَا اخْتِصَارُهُ لِتَارِيخِ بَغْدَادَ لِلْخَطِيبِ الْبُغْدَادِيِّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 463 هـ، وَاخْتِصَارُهُ لِلذُّيُولِ الَّتي وُضِعَتْ عَلَيْهِ لاِبْنِ السَّمْعَانيِّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 562 هـ، وَابْنِ الدُّبَيْثِيِّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 637 هـ، وَابْنِ النَّجَّارِ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 643 هـ 0 وَاخْتِصَارُهُ لِتَارِيخِ دِمَشْقَ لاِبْنِ عَسَاكِرَ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 571 هـ 0

وَاخْتِصَارُهُ لِتَارِيخِ نَيْسَابُورَ لأَبي عَبْدِ اللهِ الحَاكِمِ النَّيْسَابُورِي المُتَوَفىَّ سَنَةَ 405 هـ، وَلِتَارِيخِ خَوَارِزْمَ لاِبْنِ أَرْسَلاَنَ الخَوَارِزْمِيِّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 568 هـ وَمِنْ كُتُبِ الْوَفِيَّاتِ اخْتِصَارُهُ لِكِتَابِ «التَّكْمِلَة؛ لِوَفِيَّاتِ النَّقَلَة» لِزَكِيِّ الدِّينِ المُنْذِرِيِّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 656 هـ وَصِلَتِهِ لِلْحُسَيْنيِّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 695 هـ 0

وَاخْتِصَارُهُ لِتَارِيخِ أَبي شَامَةَ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 665 هـ وَتَارِيخِ أَبي الْفِدَاءِ ابْنِ كَثِيرٍ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 732 هـ إِلخ وَالَّذِي نَعْرِفُهُ بِالْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَة 0 وَمِنْ كُتُبِ الأَنْسَابِ اخْتِصَارُهُ لِكِتَابِ الأَنْسَابِ لأَبي سَعْدٍ السَّمْعَانيِّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 562 هـ 0 وَمِنْ كُتُبِ الصَّحَابَةِ اخْتِصَارُهُ لِكِتَابِ أَسَدِ الْغَابَةِ لاِبْنِ الأَثِيرِ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 630 هـ 0 وَمِنْ كُتبِ الرِّجَالِ اخْتِصَارُهُ لِكِتَابِ تَهْذِيبِ الْكَمَال لأَبي الحَجَّاجِ المزِّيِّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 742 هـ 0

وَاخْتِصَارُهُ لمُعْجَمِ الشُّيُوخِ لاِبْنِ عَسَاكِرَ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 571 هـ 00 وَغَيرُهَا كَثِير 0 وَكَانَتْ هَذِهِ الاِخْتِصَارَات: هِيَ خَيرَ مَرْحَلَةٍ انْتِقَالِيَّةٍ صَنَعَتْ مِنهُ نجْمَاً في سَمَاءِ المُؤَلِّفِين، وَأَكْسَبَتْهُ مَلَكَةً أَتْحَفَتْنَا بِالدُّرِّ الثَّمِين 0 وَهُوَ فَوْقَ هَذَا في هَذِهِ الاِخْتِصَارَات: لَيْسَ مجَرَِّدَ نَاقِلٍ لأَلْفَاظِ وَعِبَارَات، بَلْ لَهُ مِنَ التَّعْلِيقَاتِ الدَّقِيقَة، وَالاِسْتِدْرَاكَاتِ الْعَمِيقَة، وَالْعِبَارَاتِ الرَّشِيقَة: مَا تَقَرُّ بِهِ الْعُيُون، وَيَطْرَبُ لَهُ المُثَقَّفُون 0

كَمَا في كِتَابِ «الْكَاشِف» في المُصْطَلَح، الَّذِي مِنْ كِتَابِ «تَهْذِيبِ الْكَمَال» لأَبي الحَجَّاجِ المزِّيِّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 742 هـ؛ فَعَلَّقَ في مُخْتَصَرِهِ عَلى آرَاءِ بَعْضِ أَئِمَّةِ الجَرْحِ وَالتَّعْدِيل فَخَطَّأَ بَعْضَهَا، كَمَا حَقَّقَ كَثِيرَاً مِنْ تَرَاجِمِ الْكِتَابِ تحْقِيقَاً دَقِيقَاً 0 وَمِن أَشْهَرِ مَا تَظْهَرُ فِيهِ بَرَاعَةُ الإِمَامِ الذَّهَبيِّ في النَّقْدِ وَالتَّحْقِيقِ في مخْتَصَرَاتِهِ تَعْلِيقَاتُهُ عَلَى كِتَابِ

«المُسْتَدْرَكِ عَلَى الصَّحِيحَينِ لأَبي عَبْدِ اللهِ الحَاكِمِ النَّيْسَابُورِي المُتَوَفىَّ سَنَةَ 405 هـ» الَّذِي أَخَذَ عَلَى نَفْسِهِ في مُؤَلَّفِهِ أَنْ لاَ يُورِدَ مِنَ الأَحَادِيثِ إِلاَّ مَا هُوَ عَلَى شَرْطِ الإِمَامِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِم، مِمَّا لَمْ يَذْكُرَاهُ في صَحِيحَيْهِمَا؛ فَأَظْهَرَ الإِمَامُ بِمَا لَهُ مِنَ الدِّرَايَةِ وَالمَلَكَةِ في عُلُومِ الحَدِيثِ غَلَطَ الحَاكِمِ وَأَوْهَامَهُ: حَيْثُ بَيَّنَ أَنَّ نِصْفَ الْكِتَابِ فَقَطْ هُوَ الَّذِي عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَينِ أَوْ أَحَدِهِمَا، وَأَنَّ النِّصْفَ الآخَرَ لاَ

يَخْلُو مِنَ الْعِلَل، بَلْ كَشَفَ الطَّامَّةَ الْكُبرَى: أَلاَ وَهِيَ أَنَّ في الْكِتَابِ مَا لاَ يَقِلُّ عَنْ ثَلاَثِمِاْئَةِ حَدِيثٍ مَا بَينَ بَعْضُهَا مُنْكَر، أَوْ وَاهِي الإِسْنَاد، أَوْ مَوْضُوع 0 وَمِنْ تَصَرُّفَاتِهِ في مخْتَصَرَاتِهِ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالىَ مَا فَعَلَهُ في كِتَابِ الْعِلَلِ لاِبْنِ الجَوْزِيِّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 597 هـ: حَيْثُ لَمْ يَقْنَعْ بِاخْتِصَارِهِ فَحَسْب؛ حَتىَّ خَرَّجَ أَحَادِيثَهُ 0 كَمَا اخْتَصَرَ رَحِمَهُ اللهُ كِتَابَ «السُّنَنِ الْكُبْرَى لِلإِمَامِ الْبَيْهَقِيِّ المُتَوَفىَّ سَنَة 458 هـ» 0

فَعَلَّقَ عَلَى أَسَانِيدِهِ بِكَلاَمٍ يَدُلُّ عَلَى تَبَحُّرِهِ في المُصْطَلَح، وَوَضَعَ رُمُوزَاً عَلَى الأَحَادِيثِ المَرْوِيَّةِ في الصَّحِيحَينِ وَفي السُّنَنِ الأَرْبَع، وَخَرَّجَ الأَحَادِيثَ الَّتي لَمْ تَرِدْ في هَذِهِ الْكُتُبِ السِّتَّة 0 كَمَا اخْتَصَرَ رَحِمَهُ اللهُ في الشِّعْرِ كِتَابَ «الخريدة لِلْعِمَادِ الأَصْبَهَانيِّ الْقُرَشِيِّ المُتَوَفىَّ سَنَة 596 هـ» 0 كَمَا اخْتَصَرَ كِتَابَاتٍ أُخْرَى لِكِبَارِ الْعُلَمَاءِ مِثْلِ زَكِيِّ الدِّينِ البِرْزَاليِّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 636 هـ» 0

وَفَخْرِ الدِّينِ ابْنِ الْبُخَارِيِّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 690 هـ» 0 وَشِهَابِ الدِّينِ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ الأَبْرَقُوهِي المُتَوَفىَّ سَنَةَ 701 هـ» 0 وَضِيَاءِ الدِّينِ المَقْدِسِيِّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 643 هـ» 0 وَغَيرُهُمْ كَثِير 0 وَمِمَّا اخْتَصَرَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ مِنْ كُتُبِ الْعَقَائِدِ كِتَابُ «الْبَعْثِ وَالنُّشُور» وَكِتَابُ «الْقَدَر» لِلإِمَامِ الْبَيْهَقِيِّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 458 هـ، وَكِتَابُ «الْفَارُوقِ في الصِّفَات» لِشَيْخِ الإِسْلاَمِ الأَنْصَارِيِّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 481 هـ، وَكِتَابُ «مِنهَاجِ

الاِعْتِدَالِ في نَقْضِ كَلاَمِ أَهْلِ الرَّفْضِ وَالاِعْتِزَال» لِرَفِيقِهِ وَشَيْخِهِ تَقِيِّ الدِّينِ ابْنِ تَيْمِيَة؛ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 728 هـ 0 لَقَدْ كَانَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحِمَهُ اللهُ عَالمَاً مَوْسُوعِيَّاً، حَيْثُ تَرَكَ ثَرْوَةً ضَخْمَةً مِنَ المُؤَلَّفَاتِ وَالمُخْتَصَرَاتِ أَتْعَبَتِ الْبَاحِثِينَ وَالمحَقِّقِين 00 وَصَفَهُ الإِمَامُ ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلاَنيُّ في الدُّرَرِ الْكَامِنَةِ بِأَنَّهُ كَانَ أَكْثَرَ أَهْلِ عَصْرِهِ تَصْنِيفَاً، مُعْظَمُهَا في الحَدِيثِ وَالتَّرَاجِم 0

ـ عَمْلَقَةُ هَذَا الإِمَامِ الْفَرْد: وَيُعْجِبُكَ في كُتُبِهِ جَمْعَاء: أَنَّهُ لاَ يُورِدُ حَدِيثَاً فِيهِ ضَعْفُ مَتْنٍ أَوْ ظَلاَمُ إِسْنَادٍ إِلاَّ بَيَّنَهُ لَك 0 وَبَلَغَ مِنْ فَضْلِهِ أَنَّ الحَافِظَ ابْنَ حَجَرٍ الْعَسْقَلاَنيَّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 852 هـ شَرِبَ مَاءَ زَمْزَمٍ سَائِلاً اللهَ أَنْ يَصِلَ إِلىَ مَرْتَبَةِ الإِمَامِ الذَّهَبيِّ في الحِفْظِ وَالْفِطْنَة [أَخْبرَ عَنهُ بِذَلِكَ تِلْمِيذُهُ السَّخَاوِيُّ في الإِعْلاَن]

وَحِينَمَا كَتَبَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ كِتَابَهُ «تَذْكِرَةَ الحُفَّاظ» وَرَتَّبَهُ عَلَى الطَّبَقَات؛ تَنَاوَلَ في نِهَايَةِ كُلِّ طَبَقَةٍ الأَوْضَاعَ السِّيَاسِيَّةَ وَالثَّقَافِيَّةَ وَالاِجْتِمَاعِيَّةَ وَالاِقْتِصَادِيَّةَ الَّتي سَادَتْ عَصْرَهَا، فَأَجْمَلَ ذَلِكَ في فَقْرَاتٍ قَلِيلَة؛ دَلَّتْ عَلَى سَعَةِ أُفُقِهِ وَقُدْرَتِهِ البَارِعَةِ عَلَى اسْتِيعَابِ الحِقْبِ الزَّمَنِيَّةِ لِلْعَالَمِ الإِسْلاَمِيِّ المُمْتَدِّ في عِبَارَاتٍ قَصِيرَة؛ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى عُمْقِ الرُّؤْيَةِ وَنَفَاذِ الْبَصِيرَة 0

ـ عَدَالَتُهُ في أَحْكَامِه، وَإِنْصَافُهُ في كَلاَمِه: وَهُوَ في أَحْكَامِهِ وَاسِعَ الأُفُق، حَسَنَ الخُلُق، أَمِينٌ مُنْصِف، فِيمَا يُؤَلِّفُ وَيُصَنِّف 0 وَلِلإِمَامِ الذَّهَبيِّ رِسَالَتَانِ يَرُدُّ فِيهِمَا عَلَى جِمْلَةٍ مِن عُلَمَاءِ الجَرْحِ وَالتَّعْدِيل: رِسَالَةٌ في «الرُّوَاةِ الثِّقَاتِ المُتَكَلَّمِ فِيهِمْ بِمَا لاَ يُوجِبُ رَدَّهُمْ» وَالأُخْرَى في «مَنْ تُكُلِّمَ فِيهِ وَهُوَ مُوَثَّق» 0 وَلَهُ رِسَالَةٌ لَمْ تُطْبَعْ بِعُنوَان: «الرَّدُّ عَلَى ابْنِ الْقَطَّان» المُتَوَفىَّ سَنَةَ 268 هـ

وَلَمْ يَقْتَصِرْ نَقْدُ الإِمَامِ الذَّهَبيِّ عَلَى الرِّجَالِ فَحَسْب، بَلْ تَعَدَّى ذَلِكَ إِلىَ نَقْدِ بَعْضِ المُؤَلَّفَات: فَانْتَقَدَ مَثَلاً كِتَابَ «الضُّعَفَاءِ» لأَبي جَعْفَرٍ محَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو الْعُقَيْلِيِّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 322 هـ؛ لإِيرَادِهِ بَعْضَ الثِّقَات: وَمِنهُمْ حَافِظُ عَصْرِهِ عَلِيُّ بْنُ المَدِينيِّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 234 هـ 0 فَقَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في تَرْجَمَةِ ابْنِ المَدِينيِّ في المِيزَان: «ذَكَرَهُ الْعُقَيْلِيُّ في «الضُّعَفَاءِ» فَبِئْسَ مَا صَنَع» وَرَدَّ عَلَيْهِ حِينَمَا نَقَلَ قَوْلَ

عَبْدِ اللهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلَ: «كَانَ أَبي حَدَّثَنَا عَنهُ ثُمَّ أَمْسَكَ عَنِ اسْمِهِ، ثمَّ تَرَكَ حَدِيثَهُ» رَدَّ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ هَذَا الاِدِّعَاءَ قَائِلاً: «بَلْ حَدِيثُهُ عَنهُ في مُسْنَدِهِ» وَهَذَا رَدٌّ مُفْحِمٌ مِنَ الإِمَامِ الذَّهَبيّ، ثمَّ قَالَ بَعْدَ هَذَا: «وَهَذَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْبُخَارِيُّ ـ وَنَاهِيكَ بِهِ ـ قَدْ شَحَنَ صَحِيحَهُ بحَدِيثِ ابْنِ المَدِينيّ» 0

وَلَمْ يَقْتَصِرْ دَوْرُ الإِمَامِ الذَّهَبيِّ في نَقْدِهِ لِلْكُتُبِ عَلَى إِيرَادِ مَسَاوِئِهَا؛ بَلْ كَثِيرَاً مَا نَرَاهُ يُسْهِبُ في ذِكْرِ محَاسِنِهَا، فَقَدْ سَبَقَ أَنْ قَالَ إِنَّ كِتَابَ الْعُقَيْلِيِّ مُفِيد، وَقَالَ عَنِ «الْكَامِلِ في الضُّعَفَاءِ» لاِبْنِ عَدِيٍّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 365 هـ في مِيزَانِ الاِعْتِدَال: «أَكْمَلُ الْكُتُبِ وَأَجَلُّهَا في ذَلِك» 0 وَقَالَ في تَرْجَمَةِ الدَّارَ قُطْنيِّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 385 هـ بِتَذْكِرَةِ الحُفَّاظ: «وَإِذَا شِئْتَ أَنْ تَتَبَيَّنَ بَرَاعَةَ هَذَا الإِمَامِ الْفَرْد؛

فَطَالِعِ الْعِلَلَ لَه؛ فَإِنَّكَ تَنْدَهِشُ وَيَطُولُ تَعَجُّبُك» 0 وَكَانَ يَرْحَمُهُ اللهُ يَتَحَلَّى في رُدُودِهِ الْعِلْمِيَّةِ عَلَى مخَالِفِيهِ يَتَّسِمُ بِالطَّابَعِ المَوْضُوعِيّ 00 وَالذَّهَبيُّ لَمْ يَكُنْ بِالمُسْتَوَى الَّذِي يُزْرِي بِصَاحِبِهِ مِن حَيْثُ النَّظَرِ في كُتُبِ الْفِقْهِ وَأَقْوَالِ الأَئِمَّة؛ قَالَ ابْنُ نَاصِرِ الدِّينِ الدِّمَشْقِيُّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 842 هـ في كِتَابِهِ الرَّدِّ الْوَافِر: «لَهُ دُرْبَةٌ بِمَذَاهِبِ الأَئِمَّة» 0

ـ قَالُواْ عَنِ الإِمَامِ الذَّهَبيّ: كَانَ زَاهِدَاً وَرِعَاً حَسَنَ الدِّيَانَة [أَيْ سَلِيمَ المُعْتَقَد] كَمَا كَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ بِمَشَاهِيرِ قُرَّاءِ زَمَانِهِ وَبِالْكَثِيرِ مِنْ كِبَارِ الزُّهَّادِ وَالْعُبَّادِ وَالنَّاسِكِين، وَالمُعْتَدِلِينَ مِنَ المُتَصَوُِّفِينَ غَيرِ الشَّاطِحِين 0 قَالَ عَنهُ تِلْمِيذُهُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ رَافِعٍ السُّلاَمِيُّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 774 هـ: «كَانَ خَيِّرَاً صَالحَاً مُتَوَاضِعَاً حَسَنَ الخُلُقِ حُلْوَ المحَاضَرَة، غَالِبُ أَوْقَاتِهِ في الجَمْعِ وَالاِخْتِصَار وَالاِشْتِغَالِ بِالْعِبَادَة، لَهُ وِرْدٌ بِاللَّيْل [أَيْ قِيَامٌ

بِاللَّيْل] وَعِنْدَهُ مُرُوءَةٌ وَعَصَبِيَّةٌ وَكَرَم» 00 الْعَصَبِيَّةُ هُنَا هِيَ الاِنْتِمَاء 0 وَقَالَ عَنهُ الزَّرْكَشِيُّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 794 هـ: «كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الزُّهْدِ التَّامِّ وَالإِيثَارِ الْعَامِّ وَالسَّبْقِ إِلىَ الخَيْرَات» 0 هَذَا عَنْ صَلاَحِهِ وَخُلُقِهِ 00 وَلَكِنْ مَاذَا عَنْ مَكَانَتِهِ الْعِلْمِيَّةِ وَإِبْدَاعِهِ في الجَرْحِ وَالتَّعْدِيل 00؟

ـ قَالُواْ عَنْ مَكَانَتِهِ الْعِلْمِيَّةِ وَإِبْدَاعِهِ في الجَرْحِ وَالتَّعْدِيل: صَدَقَ تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ في عِنْدَمَا وَصَفَهُ فَقَالَ: «شَيْخُ الجَرْحِ وَالتَّعْدِيل» وَقَالَ عَنهُ ابْنُ نَاصِرِ الدِّينِ الدِّمَشْقِيُّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 842 هـ في «الرَّدِّ الْوَافِر»: «نَاقِدُ المحَدِّثِينَ وَإِمَامُ المُعَدِّلِينَ وَالمُجَرِّحِين، كَانَ آيَةً في نَقْدِ الرِّجَال، عُمْدَةً في الجَرْحِ وَالتَّعْدِيل» 0 وَقَالَ عَنهُ شَمْسُ الدِّينِ السَّخَاوِيُّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 902 هـ في الإِعْلاَن: «وَهُوَ مِن أَهْلِ الاِسْتِقْرَاءِ التَّامِّ في نَقْدِ الرِّجَال» 0

هَذَا وَغَيرُهُ مِمَّا جَعَلَ أَحْكَامَ الإِمَامِ الذَّهَبيِّ لَدَى المُؤَرِّخِينَ وَرِجَالِ الحَدِيثِ وَكُتَّابِ الرَّائِقِ بمَثَابَةِ خَاتَمِ النَّسْر 0 وَوَصَفَهُ شَيْخُهُ وَرَفِيقُهُ عَلَمُ الدِّينِ أَبُو محَمَّدٍ الْقَاسِمُ بْنُ محَمَّدٍ الْبِرْزَاليُّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 739 هـ في مُعْجَمِ شُيُوخِهِ فَقَالَ عَنهُ وَالإِمَامُ الذَّهَبيُّ كَانَ لاَ زَالَ شَابَّاً في مُقْتَبَلِ الْعُمُر: «رَجُلٌ فَاضِلٌ صَحِيحُ الذِّهْن، اشْتَغَلَ وَرَحَلَ وَكَتَبَ الْكَثِير، وَلَهُ تَصَانِيفُ وَاخْتِصَارَاتٌ مُفِيدَة، وَلَهُ مَعْرِفَةٌ بشيوخ القراءات» 0

وَقَالَ عَنهُ تِلْمِيذُهُ صَلاَحُ الدِّينِ الصَّفَدِيُّ [ابْنُ الصَِّلاَح] المُتَوَفىَّ سَنَةَ 764 هـ في الْوَافي: «الشَّيْخُ الإِمَامُ الْعَلاَّمَةُ الحَافِظُ شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللهِ الذَّهَبيّ: حَافِظٌ لاَ يُجَارَى، وَلاَفِظٌ لاَ يُبَارَى، أَتْقَنَ الحَدِيثَ وَرِجَالَه، وَنَظَرَ عِلَلَهُ وَأَحْوَالَه، وَعَرَفَ تَرَاجِمَ النَّاس، وَأَزَالَ الإِبْهَامَ في تَوَارِيخِهِمْ وَالاِلْتِبَاس، ذِهْنٌ يَتَوَقَّدُ ذَكَاؤُه، وَصَحَّ إِلىَ الذَّهَبِ نِسْبَتُهُ وَانْتِمَاؤُه، جَمَعَ الْكَثِير، وَنَفَعَ الجَمَّ الْغَفِير، وَأَكْثَرَ مِنَ التَّصْنِيف، وَوَفَّرَ بِالاِخْتِصَارِ مَؤُونَةَ التَّطْوِيلِ في التَّأْلِيف، اجْتَمَعْتُ بِهِ وَأَخَذْتُ عَنهُ، وَقَرَأْتُ عَلَيْهِ كَثِيرَاً مِنْ تَصَانِيفِهِ،

فَلَمْ أَجِدْ عِنْدَهُ جُمُودَ جُمُودَ المُحَدِّثِين، وَلاَ كَوْدَنَةَ النَّقَلَة، بَلْ هُوَ فَقِيهُ النَّظَر، لَهُ دُرْبَةٌ بِأَقْوَالِ النَّاسِ وَمَذَاهِبِ الأَئِمَّة» 0 وَبِرَغْمِ مخَالَفَاتِ تَاجِ الدِّينِ السُّبْكِيِّ لِشَيْخِهِ الإِمَامِ الذَّهَبيِّ في بَعْضِ المَسَائِلِ وَرَدِّهِ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ قَالَ في حَقِّه: «شَيْخُنَا وَأُسْتَاذُنَا، الإِمَامُ الحَافِظ، محَدِّثُ الْعَصْر، اشْتَمَلَ عَصْرُنَا عَلَى أَرْبَعَةٍ مِنَ الحُفَّاظ، بَيْنَهُمْ عُمُومٌ وَخُصُوص [أَيْ عَامَّتُهُمْ مِنَ الحُفَّاظ، وَإِنِ اخْتَصَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنهُمْ بِالتَّفَرُّدِ في فَرْعٍ مِنَ الْفُرُوع] المُزِّيُّ وَالبِرْزَاليُّ وَالذَّهَبيُّ وَالشَّيْخُ الإِمَامُ الْوَالِد [أَيْ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيّ] لاَ خَامِسَ لهَؤُلاَءِ في عَصْرِهِمْ، وَأَمَّا أُسْتَاذُنَا أَبُو عَبْدِ الله:

فَبَصَرٌ لاَ نَظِيرَ لَه، وَكَنْزٌ هُوَ المَلْجَأُ إِذَا نَزَلَتْ المُعْضِلَة، إِمَامُ الْوُجُودِ حِفْظَاً، وَذَهَبُ الْعَصْرِ مَعْنىً وَلَفْظَاً، وَشَيْخُ الجَرْحِ وَالتَّعْدِيل، وَرَجُلُ الرِّجَالِ في كُلِّ سَبِيل، وَهُوَ الَّذِي خَرَّجْنَا في هَذِهِ الصِّنَاعَة، وَأَدْخَلَنَا في عِدَادِ الجَمَاعَه» وَقَالَ عَنهُ تِلْمِيذُهُ أَبُو الْفِدَاءِ عِمَادُ الدِّينِ بْنُ كَثِيرٍ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 774 هـ في الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَة: «الشَّيْخُ الحَافِظُ الْكَبِيرُ مُؤَرِّخُ الإِسْلاَمِ وَشَيْخُ المحَدِّثِين، وَقَدْ خُتِمَ بِهِ شُيُوخُ الحَدِيثِ وَحُفَّاظُه» 0

وَحِينَ قَدِمَ الْعَلاَّمَةُ أَبُو عَبْدِ اللهِ محَمَّدُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ المَوْصِلِيُّ الأَصْل، الطَّرَابُلْسِيُّ دِمَشْقَ سَنَةَ 734 هـ وَدَرَسَ عَلَى الإِمَامِ الذَّهَبيِّ في تِلْكَ السَّنَةِ قَالَ فِيه: مَا زِلْتُ بِالسَّمْعِ أَهْوَاكُمْ وَمَا ذُكِرَتْ ... أَخْبَارُكُمْ قَطُّ إِلاَّ مِلْتُ مِنْ طَرَبِ وَلَيْسَ مِن عَجَبٍ أَنْ مِلْتُ نَحْوَكُمُ ... فَالنَّاسُ في طَبْعِهِمْ مَيْلٌ إِلىَ الذَّهَبِ وَقَالَ ابْنُ نَاصِرٍ في الرَّدِّ الْوَافِر: «الحَافِظُ الهُمَام، مُفِيدُ الشَّام، وَمُؤَرِّخُ الإِسْلاَم» 0

وَقَالَ فِيهِ الإِمَامُ جَلاَلُ الدِّينِ السِّيُوطِيّ: «إِنَّ المحَدِّثِينَ عِيَالٌ في الرِّجَالِ وَغَيرِهَا مِنْ فُنُونِ الحَدِيثِ عَلَى أَرْبَعَة: المُزِّيّ، وَالذَّهَبيّ، وَالْعِرَاقِيّ، وَابْنِ حَجَر» 0 وَقَالَ فِيهِ بَدْرُ الدِّينِ الْعَيْنيُّ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 855 هـ: «الشَّيْخُ الإِمَامُ الْعَالِمُ الْعَلاَّمَةُ الحَافِظُ المُؤَرِّخُ شَيْخُ المحَدِّثِين» 0 وَقَالَ فِيهِ سِبْطُ بْنُ حَجَرٍ المُتَوَفىَّ سَنَةَ 899 هـ في «رَوْنَقِ الأَلْفَاظ»: «للهِ دَرُّهُ مِن إِمَامٍ محَدِّث؛ فَكَمْ دَخَلَ في جَمِيعِ الْفُنُونِ وَخَرَّجَ وَصَحَّح، وَعَدَّلَ وَجَرَّح، وَأَتْقَنَ هَذِهِ الصِّنَاعَة؛ فَهُوَ الإِمَامُ سَيِّدُ الحُفَّاظِ إِمَامُ المحَدِّثِينَ قُدْوَةُ النَّاقِدِين» 0

وَيَكْفِيهِ شَرَفَاً أَنَّهُ أَفْنىَ حَيَاتَهُ في تحْقِيقِ أَحَادِيثِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَدْرِيسِهَا 0 وَلِذَا أَمَّهُ طَلَبَةُ الْعِلْمِ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ وَصَوْب 0 [هَذِهِ التَّرْجَمَةُ مُخْتَصَرَةٌ مِنْ بحْثٍ طَوِيلٍ لِلدُّكْتُور بَشَّار عَوَّاد مَعْرُوف حَوْلَ حَيَاةِ الإِمَامِ الذَّهَبيّ، قَدَّمَ بِهَا سِيَر أَعْلاَمِ النُّبَلاَء]

أعلام الفقهاء

أَعْلاَمُ الْفُقَهَاء: الإِمَامُ أَبُو حَنِيفَة هُوَ الإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ النُّعْمَانُ بْنُ ثَابِتِ التَّيْمِيُّ الكُوفِيّ 0 وُلِدَ سَنَةَ 80 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 150 هـ، وَأَصْلُهُ مِنْ بِلاَدِ الفُرْس 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: رَوَى عَن عَطَاءِ بْنِ أَبي رَبَاح، وَهُوَ أَكْبَرُ شُيُوخِهِ، وَعَنِ الشَّعْبيِّ، وَعَنْ طَاوُوس، وَعِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّار، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُز، وَعَمْرِو بْنِ دِينَار، وَنَافِعٍ مَوْلىَ ابْنِ عُمَر، وَقَتَادَة، وَعَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَد، وَحَمَّادِ بْنِ أَبي سُلَيْمَان 0

وَتَفَقَّهَ عَلَى يَدَيْه، وَسِمَاكِ بْنِ حَرْب، وَعَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَة، وَأَبي الزِّنَاد، وَمحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِر، وَأَبي إِسْحَاقَ السَّبيعِيّ، وَمَنْصُورِ بْنِ المُعْتَمِر، وَابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيّ، وَأَبي حَصِينٍ الأَسَدِيّ، وَعَطَاءِ بْنِ السَّائِب، وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَة، وَسَعِيدِ بْنِ مَسْرُوق، وَعَبْدِ المَلِكِ بْنِ عُمَيْر، وَزِيَادِ بْنِ عِلاَقَة، وَأَبي جَعْفَرٍ البَاقِر، وَخَلْقٍ سِوَاهُمْ 0 كَمَا رَوَى عَنْ شَيْبَانَ النَّحْوِيّ [وَهُوَ أَصْغَرُ مِنْهُ] وَعَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَهُوَ كَذَلِك 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ خَلْقٌ كَثِير، مِنهُم إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَان / عَالِمُ خُرَاسَان، وَأَسْبَاطُ بْنُ محَمَّدٍ، وَإِسْحَاقُ الأَزْرَقُ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ يحْيىَ الصَّيْرَفِيُّ، وَأَيُّوبُ بْنُ هَانِئ، وَالحَارِثُ بْنُ نَبْهَان، وَالحَسَنُ بْنُ فُرَاتٍ القَزَّاز، وَابْنُهُ حَمَّادُ بْنُ أَبي حَنِيفَة، وَحَمْزَةُ الزَّيَّات [وَهُوَ مِن أَقْرَانِه]، وَخَارِجَةُ بْنُ مُصْعَب، وَدَاوُدُ الطَّائِيّ، وَزُفَرُ بْنُ الهُذَيْل التَّمِيمِيُّ الفَقِيه، وَزَيْدُ بْنُ الحُبَاب، وَسَلْمُ بْنُ سَالِمٍ البَلْخِيّ، وَسَهْلُ بْنُ مُزَاحِم، وَعَامِرُ بْنُ الفُرَات، وَعَائِذُ بْنُ حَبِيب، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَك، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ المُقْرِئ،

وَعَبْدُ الرَّزَّاق، وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، وَعَتَّابُ بْنُ محَمَّد، وَعَلِيُّ بْنُ ظَبْيَانَ القَاضِي، وَعَلِيُّ بْنُ عَاصِم، وَعَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ القَاضِي، وَأَبُو قَطَنٍ عَمْرُو بْنُ الهَيْثَم، وَعِيسَى بْنُ يُونُس، وَأَبُو نُعَيْم، وَالفَضْلُ بْنُ مُوسَى، وَمحَمَّدُ بْنُ أَبَانٍ العَنْبَرِيّ، وَمحَمَّدُ بْنُ بِشْر، وَمحَمَّدُ بْنُ القَاسِمِ الأَسَدِيّ، وَمحَمَّدُ بْنُ مَسْرُوقٍ الكُوفِيّ، وَمحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الوَاسِطِيّ، وَمَرْوَانُ بْنُ سَالِم، وَنُوحُ بْنُ دَرَّاجٍ القَاضِي، وَنُوحُ بْنُ أَبي مَرْيَمَ الجَامِع، وَهُشَيْم، وَهَيَّاجُ بْنُ بِسْطَام، وَوَكِيع، وَيحْيىَ بْنُ أَيُّوبَ المِصْرِيّ، وَيَزِيدُ بْنُ زُرَيْع،

وَيَزِيدُ بْنُ هَارُون، وَيُونُسُ بْنُ بُكَيْر، وَأَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيّ، وَأَبُو حَمْزَةَ السُّكَّرِيّ، وَأَبُو سَعْدٍ الصَّاغَانيّ، وَأَبُو يُوسُفَ القَاضِي 0 قَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: كَانَ خَزَّازَاً يَبيعُ الخَزّ 0 [الخَزّ: هُوَ الحَرِير، وَالخَزَّاز: هُوَ بَائِعُ الخَزّ]

وَقَدْ وُلِدَ أَبُوهُ ثَابِتٌ عَلَى الإِسْلاَم، مِنْ نَسَا [مَدِينَةٌ بخُرَاسَان: بِشَرْقِ إِيرَان] وَقِيلَ بَلْ مِنْ تِرْمِذ [بَلَدِ الإِمَامِ التِّرْمِذِيّ]، وَقِيلَ بَلْ مِنْ بَابِل، وَقِيلَ ثَابِتٌ وَالِدُهُ مِن الأَنْبَار 0 وُلدَ جَدِّي في سَنَةِ ثَمَانيْنَ، وَذَهَبَ ثَابِتٌ إِلىَ عَلِيّ [لَعَلَّهُ عَلِيُّ بْنُ المَدِينِيّ / شَيْخُ الإِمَامِ البُخَارِيّ] ذَهَبَ إِلَيْهِ بِأَبي حَنِيفَةَ وَهُوَ صَغِير؛ فَدَعَا لَهُ بِالبَرَكَةِ فِيهِ وَفي ذُرِّيَتِِهِ؛ وَنَحْنُ نَرْجُو مِنَ اللهِ أَنْ يَكُونَ اسْتَجَابَ ذَلِكَ لِعَلِيٍّ رَحِمَهُ اللهُ

فِينَا 0 ضَرَبَه ابْنُ هُبَيْرَةَ عَلَى القَضَاء؛ فَأَبىَ أَنْ يَكُونَ قَاضِيَاً رَحِمَهُ الله 0 ـ قِصَّتُهُ مَعَ الْفِقْه: قَالَ الإِمَامُ أَبُو حَنِيفَة: «كُنْتُ أَنْظُرُ في الْكَلاَم [أَيْ في الْفَلْسَفَة] حَتىَّ بَلَغْتُ فِيهِ مَبْلَغَاً يُشَارُ إِلَيَّ فِيهِ بِالأَصَابِع، وَكُنَّا نَجلِسُ بِالقُرْبِ مِن حَلْقَةِ حَمَّادِ بْنِ أَبي سُلَيْمَان، فَجَاءتْني امْرَأَةٌ يَوْمَاً فَقَالَتْ لي: رَجُلٌ لَهُ امْرَأَةٌ أَمَةٌ أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا لِلسُّنَّة [أَيْ عَلَى السُّنَّةِ] كَمْ يُطَلَّقُهَا 00؟

فَلَمْ أَدرِ مَا أَقُول؛ فَأَمَرْتُهَا أَنْ تَسْأَلَ حَمَّادَاً ثُمَّ تَرْجِعَ تُخْبِرَني؛ فَسَأَلْتُهُ فَقَال: يُطَلِّقُهَا وَهِيَ طَاهِرٌ مِنَ الحَيْضِ وَالجِمَاعِ تَطْلِيقَةً، ثمَّ يَتْرُكُهَا حَتىَّ تحِيضَ حَيْضَتَين، فَإِذَا اغْتَسَلَتْ فَقَدْ حَلَّتْ لِلأَزْوَاج، فَرَجَعَتْ فَأَخْبَرَتْني؛ فَقُلْتُ: لاَ حَاجَةَ لي في الكَلاَم؛ وَأَخَذْتُ نَعْلِي فَجَلَسْتُ إِلىَ حَمَّاد، فَكُنْتُ أَسْمَعُ مَسَائِلَهُ فَأَحْفَظُ قَوْلَهُ، ثُمَّ يُعِيدُهَا مِنَ الغَدِ فَأَقْرَأُهَا وَيُخْطِئُ أَصْحَابُه؛ فَقَال: لاَ يَجْلِسْ في صَدْرِ الحَلْقَةِ

بِحِذَائِي غَيْرُ أَبي حَنِيفَة؛ فَصَحِبْتُهُ عَشْرَ سِنِين، ثُمَّ نَازَعَتْني نَفْسِي الطَّلَبَ لِلرِّئَاسَة؛ فَأَحْبَبْتُ أَن أَعتَزِلَه وَأَجلِسَ في حَلْقَةٍ لِنَفْسِي، فَخَرَجْتُ يَوْمَاً بِالعَشِيِّ وَعَزْمِي أَن أَفْعَل، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ لَمْ تَطِبْ نَفْسِي أَن أَعتَزِلَه، فَجَاءهُ تِلْكَ اللَّيلَةَ نَعْيُ قَرَابَةٍ لَهُ قَدْ مَاتَ بِالبَصْرَةِ وَتَرَكَ مَالاً وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُه؛ فَأَمَرَني أَن أَجْلِسَ مَكَانَهُ، فَمَا هُوَ إِلاََّ أَن خَرَجَ حَتىَّ وَرَدَتْ عَلَيَّ مَسَائِلُ لَمْ أَسْمَعْهَا مِنهُ، فَكُنْتُ أُجِيبُ

وَأَكْتُبُ جَوَابي، فَغَابَ شَهْرَيْن، ثُمَّ قَدِمَ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ المَسَائِل، وَكَانَتْ نَحْوَاً مِنْ سِتِّينَ مَسْأَلَة، فَوَافَقَني في أَرْبَعِينَ، وَخَالَفَني في عِشْرِين، فَآلَيْتُ عَلَى نَفْسِي أَلاََّ أُفَارِقَه حَتىَّ يَمُوت» 0 وَفي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَن أَبي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَال: «قَدِمْتُ البَصْرَة؛ فَظَنَنْتُ أَنيِّ لاَ أُسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ إِلاََّ أَجَبْتُ فِيه؛ فَسَأَلُوني عَن أَشْيَاءَ لَمْ يَكُن عِنْدِي فِيهَا جَوَاب؛ فَجَعَلْتُ عَلَى نَفْسِي أَلاََّ أُفَارِقَ حَمَّادَاً حَتىَّ يَمُوت؛ فَصَحِبْتُهُ ثَمَانيَ

عَشْرَةَ سَنَة» 0 ـ قَالُواْ عَنْ مَكَانَةِ الإِمَامِ أَبي حَنِيفَة: قَالَ يحْيىَ بْنُ مَعِين: «كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ ثِقَةً في الحَدِيث» 0 وَقَالَ شَيْخُ المُحَدِّثِينَ الإِمَامُ الحَافِظ / عَلِيُّ بْنُ عَاصِم: «لَوْ وُزِنَ عِلْمُ الإِمَامِ أَبي حَنِيفَةَ بِعِلْمِ أَهْلِ زَمَانِهِ لَرَجَحَ عَلَيْهِم» 0 حَدَّثَ أَبُو وَهْبٍ محَمَّدُ بْنُ مُزَاحِمٍ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «أَفْقَهُ النَّاسِ أَبُو حَنِيفَة، مَا رَأَيْتُ في الْفِقْهِ مِثْلَه» 0

وَقَالَ ابْنُ المُبَارَكِ أَيْضَاً: «أَبُو حَنِيفَةَ أَفْقَهُ النَّاس» 0 وَسُئِلَ ابْنُ المُبَارَك: مَالِكٌ أَفْقَهُ أَوْ أَبُو حَنِيفَةَ 00؟ قَالَ أَبُو حَنِيفَة» 0 قَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيّ: «قِيلَ لِمَالِك: هَلْ رَأَيْتَ أَبَا حَنِيفَةَ 00؟ قَالَ نَعَمْ: رَأَيْتُ رَجُلاً؛ لَوْ كَلَّمَكَ في هَذِهِ السَّارِيَةِ أَنْ يَجْعَلَهَا ذَهَبَاً؛ لَقَامَ بِحُجَّتِِه» 0 وَسُئِلَ الأَعْمَشُ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَقَال: «إِنَّمَا يُحْسِنُ هَذَا النُّعْمَانُ بْنُ ثَابِتٍ الخَزَّاز، وَأَظُنُّهُ بُورِكَ لَهُ في عِلْمِه» 0

وَقَالَ عَنهُ الإِمَامُ الشَّافِعِيّ: «النَّاسُ في الْفِقْهِ عِيَالٌ عَلَى أَبي حَنِيفَة» 0 أَيْ نَسَجُواْ عَلَى مِنوَالِه، وَسَارُواْ عَلَى مِثَالِه 0 وَقَالَ الخُرَيْبيّ: «مَا يَقَعُ في أَبي حَنِيفَةَ إِلاََّ حَاسِدٌ أَوْ جَاهِل» 0 ـ قَالُواْ عَنْ شَمَائِلِه: وَقَالَ عَنهُ شَرِيك: «كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ طَوِيلَ الصَّمْتِ كَثِيرَ العَقْل» 0 وَقَالَ عَنهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَك: «مَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَوْقَرَ في مَجْلِسِهِ وَلاَ أَحْسَنَ سَمْتَاً وَحِلْمَاً مِن أَبي حَنِيفَة» 0

وَقَالَ عَنهُ يَزِيدُ بْنُ هَارُون: «مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً أَحْلَمَ مِن أَبي حَنِيفَة» 0 ـ وَرَعُ الإِمَامِ أَبي حَنِيفَةَ وَصَلاَحِه: قَالَ المُثَنَّى بْنُ رَجَاء: «جَعَلَ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى نَفْسِهِ إِن حَلَفَ بِاللهِ صَادِقَاً أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدِينَار، وَكَانَ إِذَا أَنفَقَ عَلَى عِيَالِهِ نَفَقَةً تَصَدَّقَ بِمِثْلِهَا» 0 وَقَالَ عَنهُ أَبُو عَاصِمٍ النَّبيل: «كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يُسَمَّى الوَتِد؛ لِكَثْرَةِ صَلاَتِه» 0 قَالَ أَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي [صَاحِبُ أَبي حَنِيفَة]:

«بَيْنَمَا أَنَا أَمشِي مَعَ أَبي حَنِيفَةَ، إِذْ سَمِعْتُ رَجُلاً يَقُولُ لآخَر: هَذَا أَبُو حَنِيفَةَ لاَ يَنَامُ اللَّيل؛ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: وَاللهِ لاَ يُتَحَدَّثُ عَنيِّ بِمَا لَمْ أَفْعَلْ؛ فَكَانَ يُحْيِي اللَّيْلَ صَلاَةً وَتَضَرُّعَاً وَدُعَاءً» وَقَالَ عَنهُ أَبُو يُوسُفَ القَاضِي: «كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَخْتِمُ القُرْآنَ كُلَّ لَيْلَةٍ في رَكْعَة» 0 وَقَالَ عَنهُ عَبْدُ الحَمِيدِ الحِمَّانيُّ أَنَّهُ صَحِبَ أَبَا حَنِيفَةَ سِتَّةَ أَشْهُر؛ قَال:

«فَمَا رَأَيْتُهُ صَلَّى الغَدَاةَ إِلاََّ بِوُضُوءِ عِشَاءِ الآخِرَة، وَكَانَ يَخْتِمُ كُلَّ لَيْلَةٍ عِنْدَ السَّحَر» 0 وَقَالَ عَنهُ أَسَدُ بْنُ عَمْرو: «إِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ صَلَّى العِشَاءَ وَالصُّبْحَ بِوُضُوءٍ أَرْبَعِينَ سَنَة» يُرْوَى عَنهُ أَنَّهُ خَتَمَ القُرْآنَ سَبْعَةَ آلاَفِ مَرَّة» 0 عَنِ القَاسِمِ بْنِ مَعْنٍ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَامَ لَيْلَةً يُرَدِّدُ قَوْلَه تَعَالى: (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرّ ({القَمَرُ/46} وَيَبْكِي وَيَتَضَرَّعُ إِلىَ الفَجْر» 0

وَعَنْ زَيْدِ بْنِ كُمَيْتٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلاً يَقُولُ لأَبي حَنِيفَة: «اتَّقِ الله؛ فَانْتَفَضَ وَاصفَرَّ وَأَطرَقَ وَقَال: جَزَاكَ اللهَ خَيْرَاً؛ مَا أَحْوَجَ النَّاسَ كُلَّ وَقْتٍ إِلىَ مَنْ يَقُولُ لَهُمْ مِثْلَ هَذَا» 0 ـ إِكْرَاهُهُ عَلَى تَوَليِّ الْقَضَاء، وَمَا لَقِيَهُ في ذَلِكَ مِنَ الْبَلاء: وَرُوِيَ عَنهُ أَنَّهُ ضُرِبَ غَيْرَ مَرَّةٍ عَلَى أَنْ يَلِيَ القَضَاءَ فَلَمْ يُجِبْ» 0

وَقَالَ الفَقِيهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الصَّيْمَرِيّ: «لَمْ يَقْبَلِ الْعَهْدَ بِالقَضَاء؛ فَضُرِبَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَحُبِسَ وَمَاتَ في السِّجْن» 0 دَعَا المَنْصُورُ أَبَا حَنِيفَةَ إِلىَ القَضَاءِ فَامْتَنَع؛ فَقَال: أَتَرْغَبُ عَمَّا نحْنُ فِيهِ؟ فَقَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ: لاَ أَصْلُح؛ قَالَ كَذَبْت؛ قَال: فَقَدْ حَكَمَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عَلَيَّ أَنيِّ لاَ أَصْلُح؛ فَإِنْ كُنْتُ كَاذِبَاً فَلاَ أَصْلُح، وَإِنْ كُنْتُ صَادِقَاً؛ فَقَدْ أَخْبَرتُكُمْ أَنيِّ لاَ أَصْلُح؛ فَحَبَسَهُ» 0 وَقَالَ بِشْرُ بْنُ الوَلِيدِ في رِوَايَةٍ أُخْرَى: «طَلَبَ المَنْصُورُ أَبَا حَنِيفَةَ فَأَرَادَه عَلَى القَضَاء، وَحَلَفَ لَيَلِيَنّ، فَأَبَى وَحَلَفَ إِنيِّ لاَ أَفْعَل؛ فَقَالَ حَاجِبُهُ الرَّبيع: تَرَى أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ يَحْلِفُ وَأَنْتَ تَحْلِف 00؟

قَال: أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عَلَى كَفَّارَةِ يَمِينِه أَقْدَرُ مِنيِّ؛ فَأَمَرَ بِهِ إِلىَ السِّجْن، فَمَاتَ فِيهِ بِبَغْدَاد» 0 وَرُوِيَ أَنَّ المَنْصُورَ قَالَ لَهُ كَذَبْت، بَلْ تَصْلُح؛ فَقَال: كَيْفَ يحِلُّ أَنْ تُوَلِّيَ مَنْ يَكْذِب؟! وَقِيل: إِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَلِيَ لَهُ فَقَضَى قَضِيَّةً وَاحِدَةً، وَبَقِيَ يَوْمَيْنِ ثُمَّ اشْتَكَى سِتَّةَ أَيَّامٍ وَتُوُفِّيَ» 0

ـ مِن أَقْوَالِ الإِمَامِ أَبي حَنِيفَة: مِن أَقْوَالِ الإِمَامِ أَبي حَنِيفَة: «مَا جَاءَ عَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَى الرَّأْسِ وَالعَين، وَمَا جَاءَ عَنِ الصَّحَابَةِ اخْتَرْنَا، وَمَا كَانَ مِن غَيْرِ ذَلِك؛ فَهُمْ رِجَالٌ وَنَحْنُ رِجَال» 0

الإمام مالك

الإِمَامُ مَالِك هُوَ الْفَقِيهُ الحُجَّةُ إِمَامُ دَارِ الهِجْرَةِ الإِمَامُ مَالِكُ بْنُ أَنَس 0 [وَلَيْسَ أَبُوهُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ الصَّحَابيَّ رَضِيَ اللهُ عَنه، وَإِنْ كَانَ أَيْضَاً اسْمُ والِدِ الإِمَامِ مَالِك: أَنَسُ بْنُ مَالِك؛ لأَنَّ اسْمَهُ بِالْكَامِلِ هُوَ: مَالِكُ بْنُ أَنَسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَبي عَامِرٍ بْنِ عَمْرِو بْنِ الحَارِثِ بْنِ غَيْمَانَ إِلخ، بَيْنَمَا اسْمُ سَيِّدِنَا أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الصَّحَابيِّ بِالْكَامِلِ هُوَ: أَنَسُ بْنُ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ ضَمْضَم]

وَأُمُّهُ عَالِيَةُ بِنْتُ شَرِيكٍ الأَزْدِيَّة 0 وُلِدَ سَنَةَ 93 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 179 هـ 0 وَأَعمَامُه: أَبُو سُهَيْلٍ نَافِع، وَأُوَيْس، وَالرَّبِيع، وَالنَّضْر، أَوْلاَدُ أَبي عَامِر 0 وَقَدْ رَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ وَالِدِه أَنَس، وَعَن عَمَّيْهِ أُوَيْسٍ وَأَبي سُهَيْل 0 وُلِدَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ عَامَ مَوْتِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ خَادِمِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، وَنَشَأَ في صَوْنٍ وَرَفَاهِيَةٍ وَتَجمُّل 0

وَطَلَبَ الْعِلْمَ وَهُوَ حَدَثٌ بُعَيْدَ مَوْتِ الْقَاسِم بْنِ محَمَّد، وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: حُمَيْدٌ الطَّوِيل، رَبِيعَةُ الرَّأْي، أَيُّوبُ السِّخْتِيَاني، صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْم، أَبُو الزِّنَادِ عَبْدُ اللهِ بْنُ ذَكْوَان، عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِم، عَبْدُ الْكَرِيمِ الجَزَرِيّ، عَطَاءٌ الخُرَاسَانيّ، الزُّهْرِيّ، محَمَّدُ بْنُ المُنْكَدِر، نَافِع 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ مِنْ شُيُوخِهِ: عَمُّهُ أَبُو سُهَيْل، وَالزُّهْرِيُّ، وَيحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّان 0 وَمِن أَقْرَانِهِ: مَعْمَر، وَابْنُ جُرَيْج، وَأَبُو حَنِيفَةَ النُّعْمَان، وَالأَوْزَاعِيّ، وَشُعْبَة، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيّ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْد، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْد، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَة، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَك، وَابْنُ أَبي الزِّنَاد، وَابْنُ عُلَيَّة [إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيم]، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِم، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيّ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْب، وَوَكِيعٌ، وَالوَلِيدُ بْنُ مُسْلِم،

وَالإِمَامُ الشَّافِعِيّ، وَأَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيّ، وَأَبُو عَاصِمٍ النَّبِيل، وَعَبْدُ الرَّزَّاق، وَأَبُو مُسْهِرٍ الدِّمَشْقِيّ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ التِّنِّيسِيّ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبيّ، وَعَلِيُّ بْنُ الجَعْد، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُور، وَيحْيىَ بْنُ بُكَيْر، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيد، وَإِسْحَاقُ بْنُ الْفُرَات، وَخَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ، وَسَعِيدُ بْنُ أَبي مَرْيم، وَأَبُو نُعَيْم، وَمحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيّ، وَأَبُو الأَحْوَصِ محَمَّدُ بْنُ حِبَّانَ الْبَغَوِيّ 0

حَدَّثَ مَعْنٌ عَنِ الوَاقِدِيِّ عَنْ محَمَّدُ بْنِ الضَّحَّاكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «حَمَلَتْ أُمُّ مَالِكٍ بِمَالِكٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ ثَلاَثَ سنِين» 0 ـ قَالُواْ عَنْ صِفَاتِهِ الشَّكْلِيَّة: قَالَ عِيسَى بْنُ عُمَر: «مَا رَأَيْتُ قَطُّ بَيَاضَاً، وَلاَ حُمْرَةً أَحْسَنَ مِنْ وَجْهِ مَالِك، وَلاَ أَشَدَّ بَيَاضِ ثَوْبٍ مِنْ مَالِكٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه» 0

رَوَى ابْنُ سَعْدٍ في الطَّبَقَاتِ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّ إِمَامَنَا كَانَ أَزْرَقَ الْعِين» وَقَالَ عَنهُ أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيل: «مَا رَأَيْتُ مُحَدِّثَاً أَحْسَنَ وَجْهَاً مِنْ مَالِكٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه» كَانَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ شَدِيدَ الْبَيَاضِ إِلىَ صُفْرَة، أَعْيَن، وَكَانَ يُوَفِّرُ سَبَلَتَهُ وَيحْتَجُّ بِفَتْلِ عُمَرَ شَارِبَه» 00 السَّبَلَة: هِيَ إِحْدَى نَاحِيَتيِ الشَّارِب 0 وَقَالَ عَنهُ أَبُو مُصْعَب: «كَانَ مَالِكٌ مِن أَحْسَنِ النَّاسِ وَجْهَاً» 0

ـ قَالُواْ عَنْ صَبرِهِ وَدَأَبِهِ في طَلَبِ الْعِلْم: حَدَّثَ ابْنُ الْبَرْقِيِّ عَن عُثْمَانَ بْنِ كِنَانَةَ عَنِ الإِمَامِ مَالِكٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «رُبَّمَا جَلَسَ إِلَيْنَا الشَّيْخُ فَيُحَدِّثُ جُلَّ نَهَارِه؛ مَا نَأْخُذُ عَنهُ حَدِيثَاً وَاحِدَاً» 0 طَلبَ مَالِكٌ الْعِلْمَ وَهُوَ ابْنُ بِضْعَ عَشْرَةَ سَنَة، وَجَلَسَ لِلْفُتْيَا وَالإِفَادَةِ وَلَهُ إِحْدَى وَعِشْرُونَ سَنَة، وَحَدَّثَ عَنهُ جَمَاعَةٌ وَهُوَ شَابٌّ طَرِيّ، وَبَدَأَ يَقْصِدِهُ طَلبَةُ الْعِلْمِ مِنَ الآفَاقِ في آخِرِ دَوْلَةِ المَنْصُور،

وَازْدَحَمُواْ عَلَيْهِ في خِلاَفَةِ الرَّشِيدِ إِلىَ أَنْ مَات 0 قَالَ الحَافِظُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ في كِتَابِهِ «التَّمْهِيد»: «إِنَّ عَبْدَ اللهِ الْعُمَرِيَّ الْعَابِدَ كَتَبَ إِلىَ مَالِكٍ يَحُضُّهُ عَلَى الاِنْفِرَادِ وَالعَمَل؛ فَكَتَبَ إِلَيْهِ مَالِك: إِنَّ اللهَ جَلَّ جَلاَلهُ قَسَّمَ الأَعْمَالَ كَمَا قَسَّمَ الأَرْزَاق؛ فَرُبَّ رَجُلٍ فُتِحَ لَهُ في الصَّلاَةِ وَلَمْ يُفتَحْ لَهُ في الصَّوْم، وَآخَرَ فُتِحَ لَهُ في الصَّدَقَةِ وَلَمْ يُفتَحْ لَهُ في الصَّوْم، وَآخَرَ فُتِحَ لَهُ في الجِهَاد 00

فَنَشْرُ الْعِلْمِ مِن أَفْضَلِ أَعْمَالِ الْبِرّ، وَقَدْ رَضِيْتُ بِمَا فُتِحَ لي فِيه، وَمَا أَظُنُّ مَا أَنَا فِيهِ بِدُونِ مَا أَنْتَ فِيه [أَيْ وَمَا أَظُنُّ أَنيِّ محْرُومٌ مِنْ بَعْضِ الْعِبَادَة] وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ كِلاَنَا عَلَى خَيْرٍ وَبِرّ» 0 ـ قَالُواْ عَنِ حِفْظِهِ: حَدَّثَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي عَن عَتِيقِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنِ الإِمَامِ مَالِكٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال:

«حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ بِبِضْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ حَدِيثَاً ثمَّ قَالَ في الْيَوْمِ التَِّالي: أَعِدْهَا عَلَيّ؛ فَأَعَدْتُ عَلَيْهِ مِنهَا أَرْبَعِينَ حَدِيثَاً؛ فَقَالَ الزُّهْرِيّ: مَا كُنْتُ أَرَى أَنَّهُ بَقِيَ مَنْ يَحْفَظُ هَذَا غَيْرِي» ـ قَالُواْ عَنِ عِلْمِهِ بِالرِّجَال: حَدَّثَ عَلِيُّ بْنُ المَدِينيِّ [شَيْخُ الإِمَامِ البُخَارِيّ] عَنْ سُفْيَانَ الثّوْرِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «رَحِمَ اللهُ مَالِكَاً؛ مَا كَانَ أَشَدَّ انْتِقَادِهِ لِلرِّجَال» 0

ـ قَالُواْ عَنْ صِحَّةِ حَدِيثِه: قَالَ يحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّان: «مَا في الْقَوْمِ أَصَحُّ حَدِيثَاً مِنْ مَالِك؛ كَانَ إِمَامَاً في الحَدِيث» قَالَ عَنهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيّ: «لاَ أُقَدِّمُ عَلَى مَالِكٍ في صِحَّةِ الحَدِيثِ أَحَدَاً» 0 قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «كَانَ إِذَا شَكَّ في حَدِيثٍ طَرَحَهُ كُلَّه» 0 ـ قَالُواْ عَنْ فِقْهِهِ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

«حَجَجْتُ سَنَةَ 148 هـ وَصَائِحٌ يَصِيح: لاَ يُفْتي النَّاسَ إِلاََّ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَابْنُ المَاجِشُون» 0 قَالَ ابْنُ السَّرْح: سَمِعْتُ عبدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ قَال: سَمِعْتُ مَالِكَاً يَقُول: «مَا أَحَدٌ مِمَّنْ تَعَلَّمْتُ مِنهُ الْعِلْمَ إِلاََّ صَارَ إِليَّ حَتىَّ سَأَلَني عَن أَمْرِ دينِه» 0 ـ تَرَدُّدُهُ قَبْلِ بَدْءِ جُلُوسِهِ لِتَدْرِيسِ الْفِقْهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

حَدَّثَ أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ محَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنِ المُفَضَّلِ الجَنَدِيُّ عَن أَبي مُصْعَبٍ عَنِ الإِمَامِ مَالِكٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «سَمِعْتُ مَالِكَاً يَقُول: مَا أَفْتَيْتُ حَتىَّ شَهِدَ لي سَبْعُونَ أَنيِّ أَهْلٌ لِذَلِك» حَدَّثَ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ عَن خَلَفِ بْنِ عُمَرَ عَنِ الإِمَامِ مَالِكٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «مَا أَجَبْتُ في الْفَتْوَى حَتىَّ سَأَلْتُ مَن هُوَ أَعْلَمُ مِنيِّ: هَلْ تَرَاني مَوْضِعَاً لِذَلِك 00؟

سَأَلْتُ رَبِيعَةَ، وَسَأَلْتُ يحْيىَ بْنَ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ فَأَمَرَاني بِذَلِك؛ فَقُلْتُ: فَلَو نَهَوْك 00؟ قَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: كُنْتُ أَنْتَهِي، لاَ يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يَبْذُلَ نَفْسَه حَتىَّ يَسْأَلَ مَن هُوَ أَعْلَمُ مِنهُ» 0 حَدَّثَ أَشْهَبُ عَن عَبْدِ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ يَحْكِي رُؤْيَا رَآهَا: «دَخَلْتُ مَسْجِدَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَافَيْتُهُ يَخْطُب؛ إِذْ أَقْبَلَ مَالِكٌ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه، فَلَمَّا أَبْصَرَهُ النَّبيُّ صَلَّى

اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: «إِلَيَّ، إِلِيَّ»؛ فَأَقْبَلَ حَتىَّ دَنَا مِنهُ؛ فَسَلَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمَهُ مِن خِنْصَرِهِ فَوَضَعَهُ في خِنْصَرِ مَالِك» 0 قَالَ خَلَفُ بْنُ عُمَر: «وَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقَال: مَا تَرَى 00؟ فَإِذَا رُؤْيَا بَعَثَهَا بَعْضُ إِخْوَانِهِ يَقُولُ: رَأَيْتُ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المَنَامِ في مَسْجِدٍ قَدِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُمْ: إِنيِّ قَدْ خَبَأْتُ تحْتَ مِنْبَرِي طِيبَاً أَوْ عِلْمَاً، وَأَمَرْتُ مَالِكَاً أَنْ يُفرِّقَهُ عَلَى النَّاس

؛ فَانْصَرَفَ النَّاسُ وَهُمْ يَقُولُون: إِذَاً يُنَفِّذُ مَالِكٌ مَا أَمرَهُ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثمَّ بَكَى رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه» قَالَ أَبُو مُصْعَبٍ: «كَانَ مَالِكٌ لاَ يُحَدِّثُ إِلاََّ وَهُوَ عَلَى طَهَارَةٍ إِجْلاَلاً لِلْحَدِيث» 0 ـ قَالُواْ عَنْ وَرَعِهِ في الإِفْتَاءِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ لُبَابَةَ الأَنْدَلُسِيُّ عَنْ مَالِكِ بْنِ عَلِيٍّ الْقُرَشِيِّ عَنِ الْقَعْنَبيِّ قَال:

«دَخَلْتُ عَلَى الإِمَامِ مَالِكٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ فَوَجَدْتُهُ بَاكِيَاً فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ الله؛ مَا الَّذِي يُبْكِيك؟ قَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ: يَا ابْنَ قَعْنَب؛ عَلَى مَا فَرَطَ مِنيِّ، لَيْتَني جُلِدْتُ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَكَلَّمْتُ بِهَا في هَذَا الأَمْرِ بِسَوْطٍ وَلَمْ يَكُنْ فَرَطَ مِنيِّ مَا فَرَطَ مِن هَذَا الرَّأْيِ وَهَذِهِ المَسَائِل» 0 حَدَّثَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ وَهْبٍ عَنِ الإِمَامِ مَالِكٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال:

«لَقَدْ سَمِعْتُ مِنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً مَا حَدَّثْتُ بِهَا قَطُّ وَلاَ أُحَدِّثُ بِهَا» 0 قَالَ الهَيْثَمُ بْنُ جَمِيل: «سَمِعْتُ مَالِكَاً رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ سُئِلَ عَنْ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ مَسْأَلَةً، فَأَجَابَ في اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِينَ مِنهَا بِـ لاَ أَدْرِي» 0 قَالَ خَالِدُ بْنُ خِدَاش: «قَدِمْتُ عَلَى مَالِكٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ بِأَرْبَعِينَ مَسْأَلَة؛ فَمَا أَجَابَني مِنهَا إِلاََّ في خَمْسِ مَسَائِل» 0 ـ ثَنَاءُ الأَئِمَّهِ عَلَيْه:

قَالَ عَنهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيّ: «مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً أَعْقَلَ مِنْ مَالِك» 0 قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «لَوْلاَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ لَضَلَلْنَا» 0 وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَيْضَاً: «مَا نَقَلْنَا مِن أَدَبِ مَالِكٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه؛ أَكْثَرُ مِمَّا تَعْلَّمْنَا مِن عِلْمِه» 0 حَدَّثَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبيُّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَال: «مَا تَرَكَ مَالِكٌ عَلَى ظَهْرِ الأَرْض مِثْلَه» 0

ـ ثَنَاءُ الإِمَامِ أَحْمَدَ عَلَيْه: قَالَ عَنهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «هُوَ إِمَامٌ في الحَدِيثِ وَفي الْفِقْه» 0 قَالَ عَبْدُ السَّلاَمِ بْنُ عَاصِم: «قُلْتُ لأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: رَجُلٌ يُحِبُّ أَنْ يَحْفَظَ حَدِيثَ رَجُلٍ بِعَيْنِه 00؟ قَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: يَحْفَظُ حَدِيثَ مَالِك؛ قُلْتُ: فَرَأْيٌ 00؟ [أَيْ فَإِن أَرَادَ أَنْ يَحْفَظَ رَأْيَاً؟] قَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: رَأْيُ مَالِك» 0 ـ ثَنَاءُ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَلَيْه:

قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «مَالِكٌ مُعَلِّمِي، وَعَنهُ أَخَذْتُ الْعِلْم» 0 وَقَالَ عَنهُ الإِمَامُ الشَّافِعِيّ: «إِذَا ذُكِرَ الْعُلَمَاءُ فَمَالِكٌ النَّجْم» 0 قَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «مَالِكٌ كَالنَّجْم، وَهُوَ وَسُفْيَانُ [الثَّوْرِيُّ] الْقَرِينَان» ـ ثَنَاءُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَلَيْه: قَالَ عَنهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَة: «مَالِكٌ عَالِمُ أَهْلِ الحِجَاز، وَهُوَ حُجَّةُ زَمَانِه» 0 ـ ثَنَاءُ يحْيىَ بْنِ مَعِينٍ عَلَيْه:

قَالَ عَنهُ يحْيىَ بْنُ مَعِين: «مَالِكٌ مِن حُجَجِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالىَ عَلَى خَلْقِه» 0 ـ قَالُواْ في المُفَاضَلَةِ بَيْنَهُ وَبَينَ الإِمَامِ أَبي حَنِيفَة، وَفي كُلٍّ خَير: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَصْرٍ عَنْ محَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الحَكَمِ سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «قَالَ لي محَمَّدُ بْنُ الحَسَن [تِلْمِيذُ الإِمَامِ أَبي حَنِيفَة]: صَاحِبُنَا أَعْلَمُ مِنْ صَاحِبِكُمْ [يُرِيدُ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَعْلَمُ مِنْ مَالِكٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه]،

وَمَا كَانَ لِصَاحِبِكُمْ أَنْ يَتَكَلَّم، وَمَا كَانَ لِصَاحِبِنَا أَنْ يَسكُت؛ فَغَضِبْتُ وَقُلْتُ: نَشَدْتُكَ اللهَ؛ مَن أَعْلَمُ بِالسُّنَّةِ [أَيْ بِالحَدِيث] مَالِكٌ أَوْ صَاحِبُكُمْ 00؟ فَقَال: مَالِك، لَكِنْ صَاحِبُنَا أَقْيَس؛ فَقُلْتُ: نَعَمْ، وَمَالِكٌ أَعْلَمُ بِكِتَابِ الله، وَنَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِه، وَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِن أَبي حَنِيفَة؛ وَمَنْ كَانَ أَعْلَمَ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَانَ أَوْلىَ بِالكَلاَم»

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الحَكَم: «سَمِعْتُ الإِمَامَ الشَّافِعِيَّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ يَقُول: «قَالَ لي محَمَّدُ بْنُ الحَسَن [تِلْمِيذُ الإِمَامِ أَبي حَنِيفَة]: أَيُّهُمَا أَعْلَم: صَاحِبُنَا أَمْ صَاحِبُكُمْ 00؟ قُلْتُ: عَلَى الإِنْصَاف 00؟ قَال: نَعَمْ؛ قُلْتُ: أَنْشُدُكَ بِالله؛ مَن أَعْلَمُ بِالقُرْآن 00؟ قَالَ صَاحِبُكُمْ؛ قُلْتُ: مَن أَعْلَمُ بِالسُّنَّة 00؟ قَالَ صَاحِبُكُمْ؛ قُلْتُ: فَمَن أَعْلَمُ بِأَقَاوِيلِ الصَّحَابَةِ وَالمُتَقَدِّمِين 00؟

قَالَ صَاحِبُكُمْ؛ قُلْتُ: فَلَمْ يَبْقَ إِلاََّ الْقِيَاس، وَالقِيَاسُ لاَ يَكُونُ إِلاََّ عَلَى هَذِهِ الأَشْيَاء؛ فَمَنْ لَمْ يَعْرِفِ الأُصُولَ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ يَقِيس» 00؟ ـ قَالُواْ في المُفَاضَلَةِ بَيْنَهُ وَبَينَ رَبِيعَةَ الرَّأْي، وَفي كُلٍّ خَير: قَالَ مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ الله: «كَانَتْ حَلْقَةُ مَالِكٍ في زَمَنِ رَبِيعَةَ مِثْلَ حَلْقَةِ رَبِيعَةَ وَأَكْبَر، وَقَدْ أَفْتىَ مَعَهُ عِنْدَ السُّلْطَان» 0 ـ قَالُواْ عَنْ كِتَابِهِ المُوَطَّأ:

قَالَ خَالِدُ بْنُ نِزَارٍ الأَيْلِيّ: «بَعَثَ المَنْصُورُ إِلىَ مَالِكٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ حِينَ قَدِمَ المَدِينَةَ فَقَال: إِنَّ النَّاسَ قَدِ اخْتَلَفُواْ بِالعِرَاق؛ فَضَعْ كِتَابَاً نَجْمَعُهُمْ عَلَيْه؛ فَوَضَعَ المُوَطَّأَ» 0 قَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «مَا في الأَرْضِ كِتَابٌ في الْعِلْمِ أَكْثَرُ صَوَابَاً مِن المُوَطَّأ» قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ مُعَلِّقَاً: «قَالَ هَذَا قَبْلَ أَنْ يُؤَلَّفَ الصَّحِيحَان» 0

وَحَدَّثَ بُنْدَارُ عَن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «مَا نَعْرِفُ كِتَابَاً في الإِسْلاَمِ بَعْدَ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَصَحَّ مِنْ «مُوَطَّإِ الإِمَامِ مَالِك»» 0 ـ رَفْضُهُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنْ يُصْبِحَ المُوَطَّأُ كِتَابَاً لِزَامَاً عَلَى الْقُضَاةِ وَالْفُقَهَاءِ الأَخْذُ بِأَحْكَامِه: قَالَ ابْنُ سَعْدٍ في طَبَقَاتِهِ: «حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ عُمَرَ عَنِ الإِمَامِ مَالِكٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال:

«لَمَّا حَجَّ المَنْصُورُ دَعَاني فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَحَادَثْتُهُ، وَسَأَلَني فَأَجَبْتُهُ؛ فَقَال: عَزمْتُ أَن آمُرَ بِكُتُبِكَ هَذِهِ [يَعْني المُوَطَّأَ] فَتُنْسَخَ نُسَخَاً، ثُمَّ أَبعَثَ إِلىَ كُلِّ مِصْرٍ مِن أَمْصَارِ المُسْلِمِينَ بِنُسخَةٍ، وَآمُرَهُمْ أَنْ يَعْمَلُواْ بِمَا فِيهَا وَيَدَعُواْ مَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْعِلْمِ المُحْدَث؛ فَإِنيِّ رَأَيْتُ أَصْلَ الْعِلْمِ رِوَايَةُ أَهْلِ المَدِينَةِ وَعِلْمُهُمْ؛ قُلْتُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ لاَ تَفْعَلْ؛ فَإِنَّ النَّاسَ قَدْ سِيقَتْ إِلَيْهِمْ أَقَاوِيلُ وَسَمِعُواْ

أَحَادِيثَ وَرَوَوْاْ رِوَايَات، وَأَخَذَ كُلُّ قَوْمٍ بِمَا سِيقَ إِلَيْهِمْ وَعَمِلُواْ بِهِ، وَدَانُواْ بِهِ، مِنِ اخْتِلاَفِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ، وَإِنَّ رَدَّهُمْ عَمَّا اعْتَقَدُوهُ شَدِيد؛ فَدَعِ النَّاسَ وَمَا هُمْ عَلَيْه، وَمَا اخْتَارَ أَهْلُ كُلِّ بَلَدٍ لأَنْفُسِهِمْ؛ فَقَالَ المَنْصُور: لَعَمْرِي، لَوْ طَاوَعْتَني لأَمَرْتُ بِذَلِك» 0 ـ إِعْجَابُ الخَلِيفَةِ المَنْصُورِ وَانْبِهَارُهُ بِالإِمَامِ مَالِكٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

قَالَ أَبُو مُصْعَب: «سَمِعْتُ مَالِكَاً رَحْمَهُ اللهُ يَقُول: دَخَلْتُ عَلَى أَبي جَعْفَرٍ أَمِيرِ المُؤْمِنِين، وَقَدْ نَزَلَ عَلَى مِثَالٍ لَهُ [أَيْ فِرَاش] وَإِذَا عَلَى بِسَاطِه دَابَّتَان، مَا تَرُوثَانِ وَلاَ تَبُولاَن، وَجَاءَ صبيٌّ يَخْرُجُ ثُمَّ يَرْجِع، فَقَالَ لي: أَتَدْرِي مَن هَذَا 00؟ قُلْتُ: لاَ؛ قَال: هَذَا ابْني، وَإِنَّمَا يَفْزَعُ مِن هَيْبَتِك، ثمَّ سَاءَلَني عَن أَشْيَاءَ مِنهَا حَلاَلٌ وَمِنهَا حَرَام، ثُمَّ قَالَ لي: أَنْتَ وَاللهِ أَعْقَلُ النَّاسِ وَأَعْلَمُ النَّاس؛ قُلْتُ: لاَ وَاللهِ يَا أَمِيرَ

المُؤْمِنِين؛ قَال: بَلَى، وَلَكِنَّكَ تَكْتُم، ثُمَّ قَال: وَاللهِ لَئِنْ بَقِيْتَ لأَكْتُبَنَّ قَوْلَكَ كَمَا تُكْتَبُ المَصَاحِف، وَلأَبْعَثَنَّ بِهِ إِلىَ الآفَاقِ فَلأَحْمِلَنَّهُمْ عَلَيْه» 0 ـ قَالُواْ عَنِ هَيْبَتِهِ وَوَقَارِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ عَنهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً أَهْيَبَ وَلاَ أَتَمَّ عَقْلاً مِنْ مَالِك، وَلاَ أَشَدَّ تَقوَىً» 0 قَالَ مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللهِ في الإِمَامِ مَالِكٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

يَدَعُ الجَوَابَ فَلاَ يُرَاجَعُ هَيْبَةً ... وَكَأَنَّهُ بِوَقَارِهِ سُلْطَانُ قَالَ أَبُو مُصْعَبٍ: «كَانُواْ يَزْدَحِمُونَ عَلَى بَابِ مَالِكٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ حَتىَّ يَقْتَتِلُواْ مِنَ الزِّحَام، وَكُنَّا إِذَا كُنَّا عِنْدَهُ؛ لاَ يَلْتَفِْتُ ذَا إِلىَ ذَا، قَائِلُونَ بِرُؤُوسِهِمْ هَكَذَا، وَكَانَتِ السَّلاَطِينُ تَهَابُهُ»؟ ـ قَالُواْ عَنْ شَجَاعَتِهِ وَجُرْأَتِهِ في الحَقِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

حَدَّثَ أَبُو حَاتمٍ الرَّازِي عَن عَبْدِ المُتَعَالِ بْنِ صَالحٍ أَنَّهُ قَال: «قِيلَ لِمَالِك: إِنَّكَ تَدْخُلُ عَلَى السُّلْطَانِ وَهُمْ يَظْلِمُونَ وَيَجُورُون؛ فَقَال: يَرْحَمُكَ الله؛ فَأَيْنَ المُكَلِّمُ بِالحَقّ» 0 حَدَّثَ أَحْمَدُ بْنُ مَسْعُودٍ المَقْدِسِيُّ عَن إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الحُنَيْنيِّ قَال: «كَانَ مَالِكٌ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ يَقُول: وَاللهِ مَا دَخَلْتُ عَلَى مَلِكٍ مِن هَؤُلاَءِ المُلُوكِ حَتىَّ أَصِلَ إِلَيْهِ إِلاََّ نَزَعَ اللهُ جَلَّ وَعَلاَ هَيْبَتَه مِنْ صَدْرِي» 0

حَدَّثَ نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيُّ عَن حُسَيْنِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّهُ قَال: «قَدِمَ المَهْدِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ فَبَعَثَ إِلىَ مَالِكٍ بِأَلْفَيْ دِينَارٍ أَوْ بِثَلاَثَةِ آلاَفِ دِينَار، ثمَّ أَتَاهُ الرَّبِيعُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَال: إِنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ يُحبُّ أَنْ تُعَادِلَهُ إِلىَ مَدِينَةِ السَّلاَم؛ فَقَال: قَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «المَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَو كَانُواْ يَعْلَمُون» وَالمَالُ عِنْدِي عَلَى حَالِه» 0

حَدَّثَ يَاسِينُ بْنُ عَبْدِ الأَحَدِ عَن عُمَرَ بْنِ المُحَبِّرِ الرُّعَيْنيِّ قَال: «قَدِمَ المَهْدِيُّ المَدِينَة، فَبَعَثَ إِلىَ الإِمَامِ مَالِكٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ فَأَتَاه؛ فَقَالَ لِهَارُونَ وَمُوسَى: اسْمَعَا مِنهُ؛ فَبَعَثَا إِلَيْهِ فَلَمْ يُجِبْهُمَا؛ فَأَعْلَمَا المَهْدِيَّ؛ فَكلَّمَهُ فَقَال: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ الْعِلْمُ يُؤْتىَ أَهْلُه؛ فَقَالَ صَدَقَ مَالِك؛ صِيرَا إِلَيْه؛ فَلَمَّا صَارَا إِلَيْهِ قَالَ لَهُ مُؤَدِّبُهُمَا: اقْرَأْ عَلَيْنَا؛ فَقَال: إِنَّ أَهْلَ المَدِينَةِ يَقْرَؤُونَ عَلَى الْعَالِمِ

كَمَا يَقْرَأُ الصِّبْيَانُ عَلَى المُعَلِّم، فَإِذَا أَخْطَؤُواْ أَفْتَاهُمْ؛ فَرَجَعُواْ إِلىَ المَهْدِيِّ، فَبَعَثَ إِلىَ مَالِكٍ فَكلَّمَه، فَذَكَرَ لَهُ الإِمَامُ مَالِكٌ أَمْرَ السَّلَف؛ فَقَالَ المَهْدِيُّ لَهُمْ: في هَؤُلاَءِ قُدْوَة؛ صِيرُواْ إِلَيْهِ فَاقْرَؤُواْ عَلَيْه؛ فَفَعَلُواْ» ـ سَبَبُ ضَرْبِهِ بِالسِّيَاطِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ ابْنُ سَعْدٍ في «طَبَقَاتِهِ»: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ قَال: «لَمَّا دُعِيَ مَالِكٌ وَشُووِرَ وَسُمِعَ مِنهُ وَقُبِلَ قَوْلُهُ؛ حُسِدَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه، وَبَغَوْهُ بِكُلِّ

شَيْء؛ فَلَمَّا وَلِيَ جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ المَدِينَةَ سَعَوْا بِهِ إِلَيْه، وَأَكْثَرُواْ عَلَيْه، وَقَالُواْ: لاَ يَرَى أَيْمَانَ بَيْعَتِكُمْ هَذِهِ بِشَيْء، وَهُوَ يَأْخُذُ بِحَدِيثٍ رَوَاهُ عَنْ ثَابِتِ بْنِ الأَحْنَفِ في طَلاَقِ المُكْرَهِ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ عِنْدَه؛ فَغَضِبَ جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَان؛ فَدَعَا بِمَالِكٍ فَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِمَا رُفِعَ إِلَيْهِ عَنهُ؛ فَأَمَرَ بِِتَجْرِيدِهِ وَضَرْبِهِ بِالسِّيَاط، وَجُبِذَتْ يَدُهُ حَتىَّ انْخَلَعَتْ مِنْ كَتِفِهِ، وَارتُكِبَ مِنهُ أَمْرٌ عَظِيم؛ فَوَاللهِ مَا زَالَ مَالِكٌ

بَعْدُ في رِفْعَةٍ وَعُلُوّ» 0 حَدَّثَ الْعَبَّاسُ عَن إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَمَّادٍ أَنَّهُ كَانَ يَنْظُرُ إِلىَ الإِمَامِ مَالِكٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ إِذَا أُقِيمَ مِنْ مَجْلِسِهِ؛ حَمَلَ يَدَهُ بِالأُخْرَى» 0 قَالَ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «كَانَ خَاتِمُ مَالِكٍ، الَّذِي مَاتَ وَهُوَ في يَدِهِ، فَصُّهُ أَسْوَدُ حَجَرِيٌّ، وَنَقْشُهُ: حَسْبيَ اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيل» 0

وَرُوِيَ أَنَّ الخَلِيفَةَ المَنْصُورَ حَجَّ وَأَقَادَ مَالِكَاً مِنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ الَّذِي كَانَ ضَرَبَه؛ فَأَبَى مَالِكٌ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَال: مَعَاذَ الله» 0 ـ عَقِيدَتُهُ وَمَذْهَبُه: حَدَّثَ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ سُرَيْجِ بْنِ النُّعْمَانِ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ نَافِعٍ عَنِ الإِمَامِ مَالِكٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «اللهُ في السَّمَاءِ وَعِلْمُهُ في كُلِّ مَكَانٍ لاَ يَخْلُو مِنهُ شَيْء» 0 قَالَ الإِمَامُ مَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمَا: «الإِيمَان قَوْلٌ وَعَمَل، يَزِيدُ وَيَنْقُص، وَبَعْضُهُ أَفْضَلُ مِنْ بَعْض» 0

حَدَّثَ الحَارِثُ بْنُ مِسْكِينٍ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ وَهْبٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «لَوْلاَ أَنيِّ أَدْرَكْتُ مَالِكَاً وَاللَّيْثَ لَضَلَلْت» 0 حَدَّثَ يُونُسُ الصَّدَفِيُّ عَن أَشْهَبَ عَنِ الإِمَامِ مَالِكٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «الْقَدَرِيَّةُ، لاَ تُنَاكِحُوهُمْ، وَلاَ تُصَلُّواْ خَلْفَهُمْ» 0 حَدَّثَ أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ وَهْبٍ عَنِ الإِمَامِ مَالِكٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «لاَ يُسْتَتَابُ مَنْ سَبَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْكُفَّارِ وَالمُسْلِمِين» 0

ـ قَالُواْ عَنِ حُسْنِ خَاتِمَتِه: حَدَّثَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَن أَسَدِ بْنِ مُوسَى قَال: «رَأَيْتُ مَالِكَاً رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَعَلَيْهِ طَوِيلَةٌ وَثِيَابٌ خُضْر، وَهُوَ عَلَى نَاقَةٍ يَطِيرُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْض؛ فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ الله؛ أَلَيْسَ قَدْ مُتَّ 00؟ قَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: بَلَى؛ فَقُلْتُ: فَإِلاَمَ صِرْت 00؟ فَقَال: قَدِمْتُ عَلَى رَبِّي، وَكَلَّمَني كِفَاحَاً [أَيْ وَجْهَاً لِوَجْه] وَقَال: سَلْني أُعْطِكَ، وَتَمَنَّ عَلَيَّ أُرْضِك» 0

ـ مِن أَقْوَالِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ حَرْملَةُ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ وَهْبٍ عَنِ الإِمَامِ مَالِكٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «الْعِلْمُ يَنْقُصُ وَلاَ يَزِيد، وَلَمْ يَزَلِ الْعِلْمُ يَنْقُصُ بَعْدَ الأَنْبيَاءِ وَالْكُتُب» 0 حَدَّثَ حَرْملَةُ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ وَهْبٍ عَنِ الإِمَامِ مَالِكٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «فَسَادٌ عَظِيمٌ أَنْ يَتَكَلَّمَ الإِنسَانُ بِكُلِّ مَا يَسْمَع» 0

قَالَ الإِمَامُ مَالِكٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «جُنَّةُ الْعَالِمِ «لاَ أَدْرِي»؛ فَإِذَا أَغْفَلَهَا أُصِيبَتْ مَقَاتِلُه» 0 حَدَّثَ عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ عَنِ الإِمَامِ مَالِكٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزٍ قَال: «يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنْ يُورِّثَ جُلَسَاءَهُ قَوْلَ «لاَ أَدْرِي»؛ حَتىَّ يَكُونَ ذَلِكَ أَصْلاً يَفْزَعُونَ إِلَيْه» 0 حَدَّثَ الْفِرْيَابيُّ عَنِ الحُلْوَانيِّ عَن إِسْحَاقَ بْنِ عِيسَى عَنِ الإِمَامِ مَالِكٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «أَكُلَّمَا جَاءَنَا رَجُلٌ أَجْدَلُ مِنْ رَجُلٍ تَرَكْنَا مَا نَزَلَ بِهِ جِبْرِيلُ عَلَى محَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجَدَلِه» 00؟

قَالَ مَخْلَدُ بْنُ خِدَاش: «سَأَلْتُ الإِمَامَ مَالِكَاً رَحْمَهُ اللهُ عَنِ الشِّطْرَنْجِ فَقَال: أَحَقٌّ هُوَ؟ فَقُلْتُ: لاَ؛ قَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: {فَمَاذَا بَعْدَ الحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَل} {يُونُس/32} ـ أَشْهَرُ مُؤَلَّفَاتِه: المُوَطَّأ في الحَدِيث، وَالمُدَوَّنَةُ في الْفِقْهِ المَالِكِي [كَتَبَهَا تَلاَمِذَتُه]

الإمام الأوزاعي

الإِمَامُ الأَوْزَاعِيّ هُوَ شَيْخُ الإِسْلاَم، وَعَالِمُ أَهْلِ الشَّام: أَبُو عَمْرٍو الأَوْزَاعِيّ 0 عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرِو بْنِ يُحْمَد وُلِدَ سَنَةَ 88 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 157 هـ 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: حَدَّثَ عَن عَطَاءِ بْنِ أَبي رَبَاح، وَأَبي جَعْفَرٍ الْبَاقِر، وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْب، وَمَكْحُول، وَقَتَادَة، وَبِلاَلِ بْنِ سَعْد، وَالزُّهْرِيّ، وَيَحْيىَ بْنِ أَبي كَثِير، وَحَسَّانِ بْنِ عَطِيَّة، وَيُونُسَ بْنِ مَيْسَرَة،

وَمحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِم، وَعَطَاءٍ الخُرَاسَانيّ، وَعَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَد، وَمحَمَّدِ بْنِ سِيرِين، وَمحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِر، وَمَيْمُونِ بْنِ مِهْرَان، وَنَافِعٍ مَوْلىَ ابْنِ عُمَر، وَخَلْقٍ كَثِير 0 ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: رَوَى عَنهُ: ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيّ، وَيحْيىَ بْنُ أَبي كَثِير [وَهُمَا مِنْ شُيُوخِهِ وَشُعْبَة]، وَالثَّوْرِيّ، وَالإِمَامُ مَالِك، وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيز، وَابْنُ المُبَارَك، وَأَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيّ، وَبَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيد،

وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، وَيَحْيىَ الْقَطَّان، وَمحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرْيَابيّ، وَأَبُو المُغِيرَةِ الحِمْصِيّ، وَأَبُو عَاصِمٍ النَّبِيل، وَمحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ المَصِّيصِيّ، وَعَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْوَاحِد، وَخَلْقٌ كَثِيرٌ 0 ـ نُبْذَةٌ مخْتَصَرَةٌ عَنْ نَشْأَتِهِ رَحِمَهُ الله: حَدَّثَ الْفَسَوِيُّ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ مَزْيَدٍ عَنْ شُيُوخِهِ قَالُواْ: «قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: مَاتَ أَبي وَأَنَا صَغِيرٌ، فَذَهَبتُ أَلعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَمَرَّ بِنَا فُلاَنٌ وَذَكَرَ شَيْخَاً جَلِيلاً مِنَ الْعَرَبِ

فَفَرَّ الصِّبْيَانُ حِينَ رَأَوْهُ، وَثَبَتُّ أَنَا، فَقَالَ: ابْنُ مَن أَنْت 00؟ فَأَخْبَرْتُهُ؛ فَقَالَ يَا ابْنَ أَخِي؛ يَرْحَمُ اللهُ أَبَاك، فَذَهَبَ بي إِلىَ بَيْتِهِ، فَكُنْتُ مَعَهُ حَتىَّ بَلَغْت، فَأَلحَقَني في الدِّيوَان، وَضَرَبَ عَلَيْنَا بَعثَاً إِلىَ الْيَمَامَة، فَلَمَّا قَدِمْنَاهَا، وَدَخَلنَا مَسْجِدَ الجَامِعِ، وَخَرَجنَا، قَالَ لي رَجُلٌ مِن أَصْحَابِنَا: رَأَيْتُ يحْيىَ بْنَ أَبي كَثِيرٍ مُعْجَبَاً بِكَ، يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ في هَذَا الْبَعْثِ أَهْدَى مِن هَذَا الشَّابِّ

قَالَ: فَجَالَسْتُهُ، فَكَتَبْتُ عَنهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ كِتَابَاً، أَوْ ثَلاَثَةَ عَشَرَ، فَاحْتَرَقَ كُلُّه» 00!! ـ قَالُواْ عَنْ صَلاَحِهِ وَتَقْوَاه، وَعِبَادَتِهِ لله: قَالَ صَفْوَانُ بْنُ صَالِح: «كَانَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ يَقُول: مَا رَأَيتُ أَكْثَرَ اجْتِهَادَاً في الْعِبَادَةِ مِنَ الأَوْزَاعِيّ» 0 حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ سَمَاعَةَ الرَّمْلِيُّ عَنْ ضَمْرَةَ بْنَ رَبِيعَةَ قَال:

«حَجَجْنَا مَعَ الأَوْزَاعِيِّ سَنَةَ خَمْسِينَ وَمائَة؛ فَمَا رَأَيْتُهُ مُضْطَجِعَاً في المَحْمَلِ في لِيلٍ وَلاَ نَهَارٍ قَطّ؛ كَانَ يُصَلِّي، فَإِذَا غَلَبَهُ النَّوْمُ اسْتَنَدَ إِلىَ الْقَتْب» 0 حَدَّثَ ابْنُ زَبْرٍ عَن إِسْحَاقَ بْنِ خَالِدٍ عَن أَبي مُسْهِرٍ قَال: «مَا رُئِيَ الأَوْزَاعِيُّ بَاكِيَاً قَطّ، وَلاَ ضَاحِكَاً حَتىَّ تَبدُوَ نَوَاجِذُه، وَإِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ أَحْيَانَاً كَمَا رُوِيَ في الحَدِيث، وَكَانَ يُحْيِي اللَّيْلَ صَلاَةً وَقُرْآنَاً وَبُكَاءً، وَأَخْبَرَني بَعْضُ إِخْوَاني مِن أَهْلِ بَيْرُوتَ أَنَّ

أُمَّهُ كَانَتْ تَدْخُلُ مَنْزِلَ الأَوْزَاعِيِّ وَتَتَفَّقَدُ مَوْضِعَ مُصَلاََّهُ فَتَجِدُهُ رَطْبَاً مِنْ دُمُوعِهِ في اللَّيْل» 0 ـ قَالُواْ عَنْ طَلَبِهِ لِلْعِلْمِ وَتَدْوِينِهِ لَه: قَالَ الإِمَامُ عَبْدُ الرَّزَّاق: «أَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ ابْنُ جُرَيْج، وَصَنَّفَ الأَوْزَاعِيّ» 0 قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيّ: «هُوَ أَوَّلُ مَنْ دَوَّنَ الْعِلْمَ بِالشَّام» 0 ـ قَالُواْ عَنِ عِلْمِهِ: قَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاش:

«سَمِعْتُ النَّاسَ في سَنَةِ أَرْبَعِينَ وَمِاْئَةٍ يَقُولُون: الأَوْزَاعِيُّ اليَوْمَ عَالِمُ الأُمَّة» 0 حَدَّثَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاش عَنْ محَمَّدِ بْنِ شُعَيْبٍ قَال: «قُلْتُ لأُمَيَّةَ بْنِ يَزِيد: أَيْنَ الأَوْزَاعِيُّ مِنْ مَكْحُول 00؟ قَال: هُوَ عِنْدَنَا أَرْفَعُ مِنْ مَكْحُول» 0 قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «بِلاَ رَيْب؛ هُوَ أَوسَعُ دَائِرَةً في الْعِلْمِ مِنْ مَكْحُول» 0

حَدَّثَ الحَكَمُ بْنُ مُوسَى عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَال: «مَا كُنْتُ أَحْرِصُ عَلَى السَّمَاعِ مِنَ الأَوْزَاعِيِّ حَتىَّ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المَنَامِ وَالأَوْزَاعِيُّ إِلىَ جَنْبِه؛ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله؛ عَمَّن أَحْمِلُ الْعِلْم 00؟ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «عَن هَذَا»، وَأَشَارَ إِلىَ الأَوْزَاعِيّ» 0 ـ قَالُواْ عَنْ فِقْهِهِ: قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيّ:

«كَانَ لَهُ مَذْهَبٌ مُسْتَقِلٌّ مَشْهُور، عَمِلَ بِهِ فُقَهَاءُ الشَّامِ مُدَّةً، وَفُقَهَاءُ الأَنْدَلُسِ، ثمَّ انْدَثَر» 0 حَدَّثَ أَبُو مُسْهِرٍ عَنِ الهِقْلِ بْنِ زِيَادٍ قَال: «أَجَابَ الأَوْزَاعِيُّ في سَبْعِينَ أَلْفَ مَسْأَلَة» حَدَّثَ العَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ محَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ قَال: «كُنَّا عِنْدَ أَبي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيّ؛ فَذَكَرَ الإِمَامَ الأَوْزَاعِيَّ فَقَال: ذَاكَ رَجُلٌ كَانَ شَأْنُهُ عَجَبَاً؛ كَانَ يُسْأَلُ عَنِ الشَّيْءِ عِنْدَنَا فِيهِ الأَثَر؛ فَيَرُدُّ وَاللهِ الجَوَابَ كَمَا هُوَ

في الأَثَر، لاَ يُقَدِّمُ مِنهُ وَلاَ يُؤَخِّر» حَدَّثَ العَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ عَن عَبَّاسِ بْنِ نَجِيحٍ الدِّمَشْقِيِّ عَن عَوْنِ بْنِ حَكِيمٍ أَنَّهُ قَال: «حَجَجْتُ مَعَ الأَوْزَاعِيّ؛ فَلَمَّا أَتىَ المَدِينَةَ وَأَتىَ المَسْجِدَ بَلَغَ مَالِكَاً مَقْدَمُهُ، فَأَتَاهُ فَسَلَّمَ عَلَيْه، فَلَمَّا صَلَّيَا الظُّهرَ تَذَاكَرَا أَبْوَابَ الْعِلْم؛ فَلَمْ يَذْكُرَا بَابَاً إِلاََّ ذَهَبَ عَلَيْهِ الأَوْزَاعِيُّ فِيه، ثُمَّ صَلَّوُاْ الْعَصْرَ فَتَذَاكَرَا، كُلٌّ يَذْهَبُ عَلَيْهِ الأَوْزَاعِيُّ فِيمَا يَأْخُذَانِ فِيه؛ حَتىَّ

اصْفَرَّتِ الشَّمْسُ أَوْ قَرُبَ اصْفِرَارُهَا» 0 ـ بَعْضٌ مِنْ فَتَاوَاه رَحِمَهُ الله: قَالَ الوَلِيدُ بْنُ مَزْيَد: «سُئِلَ الأَوْزَاعِيُّ عَن إِمَامٍ تَرَكَ سَجدَةً سَاهِيَاً حَتىَّ قَامَ وَتَفَرَّقَ النَّاس؛ قَالَ رَحِمَهُ الله: يَسْجُدُ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنهُمْ سَجْدَةً وَهُمْ مُتَفَرِّقُون» 0 وَقَالَ بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ التِّنِّيسِيّ: «قِيلَ لِلأَوْزَاعِيّ: يَا أَبَا عَمْرو؛ الرَّجُلُ يَسْمَعُ الحَدِيثَ عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ لَحْن؛ أَيُقِيمُهُ عَلَى عَرَبِيَّتِه 00؟

قَالَ رَحِمَهُ الله: نَعَمْ؛ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يَتَكَلَّمُ إِلاََّ بِعَرَبِيّ» 00 أَيْ يُبَرِّرُ التَّصْوِيب وَحَدَّثَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنِ الإِمَامِ الأَوْزَاعِيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «لاَ بَأْسَ بِإِصْلاَحِ اللَّحْنِ وَالخَطَأِ في الحَدِيث» 0 ـ ثَنَاءُ الأَئِمَّهِ عَلَيْه، وَانْبِهَارُهُمْ بِعَبْقَرِيَّتِهِ النَّادِرَة: قَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيد: «مَا رَأَيْتُ أَبي يَتَعَجَّبُ مِنْ شَيْءٍ في الدُّنْيَا، تَعَجُّبَهُ مِنَ الأَوْزَاعِيِّ، فَكَانَ يَقُول:

سُبْحَانَكَ، تَفْعَلُ مَا تَشَاء؛ كَانَ الأَوْزَاعِيُّ يَتِيمَاً فَقِيرَاً في حَجْرِ أُمِّه، تَنقُلُهُ مِنْ بَلَدٍ إِلىَ بَلَد، وَقَدْ جَرَى حُكْمُكَ فِيهِ أَنْ بَلَّغْتَهُ حَيْثُ رَأَيتُه، يَا بُنيّ؛ عَجَزَتِ المُلُوكُ أَنْ تُؤَدِّبَ نَفْسَهَا وَأَوْلاَدَهَا أَدَبَ الأَوْزَاعِيِّ لِنَفْسِه، مَا سَمِعْتُ مِنهُ كَلِمَةً قَطُّ فَاضِلَةً إِلاََّ احْتَاجَ مُسْتَمِعُهَا إِلىَ إِثْبَاتِهَا عَنهُ [أَيْ تَدْوِينُهَا] وَلاَ رَأَيْتُهُ ضَاحِكَاً قَطُّ حَتىَّ يُقَهْقِه، وَلقَدْ كَانَ إِذَا أَخَذَ في ذِكْرِ المَعَادِ، أَقُولُ في نَفْسِي: أَتُرَى في

المَجْلِسِ قَلْبٌ لَمْ يَبْكِ» 00؟! ـ ثَنَاءُ الإِمَامِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللهُ عَلَيْه: حَدَّثَ مَسْلَمَةُ بْنُ ثَابِتٍ عَنِ الإِمَامِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللهُ قَال: «الأَوْزَاعِيُّ إِمَامٌ يُقْتَدَى بِه» 0 ـ ثَنَاءُ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللهُ عَلَيْه: حَدَّثَ الرَّبِيعُ المُرَادِيُّ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللهُ قَال: «مَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَشْبَهَ فِقْهُهُ بِحَدِيثِهِ مِنَ الأَوْزَاعِيّ» 00 أَيْ لاَ تُخَالِفُ الأَحَادِيثُ فَتَاوَاه 0 ـ ثَنَاءُ الإِمَامِ عَبْدِ اللهِ بْنِ المُبَارَكِ رَحِمَهُ اللهُ عَلَيْه:

حَدَّثَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ المُبَارَكِ رَحِمَهُ اللهُ قَال: «لَوْ قِيلَ لي: اخْتَرْ لِهَذِهِ الأُمَّة؛ لاَخْتَرتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ وَالأَوْزَاعِيّ، وَلَوْ قِيلَ لي: اخْتَرْ أَحَدَهُمَا؛ لاَخْتَرْتُ الأَوْزَاعِيّ؛ لأَنَّهُ أَرْفَقُ الرَّجُلَين» 0 ـ إِجْلاَلُ الإِمَامِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ لَه: حَدَّثَ الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ الْبَيْرُوتِيُّ عَنْ وَلَدٍ مِن أَوْلاَدِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَال:

«بَلَغَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ وَهُوَ بِمَكَّةَ مَقْدَمُ الأَوْزَاعِيّ؛ فَخَرَجَ حَتىَّ لَقِيَهُ بِذِي طُوَىً، فَلَمَّا لَقِيَهُ حَلَّ رَسَنَ الْبَعِيرِ مِنَ الْقِطَارِ فَوَضَعَهُ عَلَى رَقْبَتِه، فَجَعَلَ يَتَخَلَّلُ بِهِ، فَإِذَا مَرَّ بجَمَاعَةٍ قَال: الطَّرِيقَ لِلشَّيْخ» ـ قَالُواْ عَنْ بَرَاعَتِهِ وَبَلاَغَتِهِ في الْكِتَابَةِ وَالإِنْشَاء: وَحَدَّثَ مَنْصُورُ بْنُ أَبي مُزَاحِمٍ عَن أَبي عُبَيْدِ اللهِ كَاتِبِ المَنْصُورِ قَال:

«كَانَتْ تَرِدُ عَلَى الخَلِيفَةِ المَنْصُورِ كُتُبٌ مِنَ الأَوْزَاعِيِّ نَتَعَجَّبُ مِنهَا، وَيَعْجَزُ كُتَّابُهُ عَنهَا؛ فَكَانَتْ تُنْسَخُ في دَفَاتِرَ وَتُوضَعُ بَيْنَ يَدَيِ المَنْصُور؛ فَيُكْثِرُ النَّظَرَ فِيهَا اسْتِحْسَانَاً لأَلفَاظِهَا؛ فَقَالَ الخَلِيفَةُ لِسُلَيْمَانَ بْنِ مُجَالِدٍ وَكَانَ مِن أَحْظَى كُتَّابِهِ عِنْدَه: يَنْبَغِي أَنْ تُجِيبَ الأَوْزَاعِيَّ عَنْ كُتُبِهِ جَوَابَاً تَامَّاً؛ قَال: وَاللهِ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ مَا أُحْسِنُ ذَلِك، وَإِنَّمَا أَرُدُّ عَلَيْهِ مَا أُحسِن، وَإِنَّ لَهُ نَظْمَاً في الْكُتُبِ

لاَ أَظُنُّ أَحَدَاً مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ يَقْدِرُ عَلَى إِجَابَتِهِ عَنه، وَأَنَا أَسْتَعِينُ بِأَلفَاظِهِ عَلَى مَنْ لاَ يَعْرِفُهَا مِمَّنْ نُكَاتِبُهُ في الآفَاق» 0 ـ قَالُواْ عَنْ بَلاَغَتِهِ في مَوَاعِظِِه: حَدَّثَ أَبُو صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ عَنِ الهِقْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنِ الإِمَامِ الأَوْزَاعِيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ وَعَظَ فَقَالَ في مَوْعِظَتِه: أَيُّهَا النَّاس؛ تَقَوَّوْا بِهَذِهِ النِّعَمِ الَّتي أَصْبَحْتُمْ فِيهَا عَلَى الهَرَبِ مِنْ نَارِ اللهِ المُوقَدَة، الَّتي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَة، فَإِنَّكُمْ في دَار:

الثَّوَاءُ فِيهَا قَلِيل، وَقَدْ آذَنَ عَنهَا الرَّحِيل، سَكَنَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ فَأَثَارُوهَا وَعَمَرُوهَا، كَانُواْ أَطوَلَ مِنْكُمْ أَعمَارَاً، مَشَواْ في مَنَاكِبِهَا وَنَقَّبُواْ في الْبِلاَد، وَكَانُواْ أُوْلي بَأْسٍ شَدِيد، فَمَا لَبِثُواْ أَنْ صَارُواْ كَحَبُِّ الحَصِيد، فَهَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِن أَحَدٍ وَلاَ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزَا، أَلهَاهُمُ الأَمَل؛ حَتىَّ بَاغَتَهُمُ الأَجَل، فَأَصْبَحُواْ في دِيَارِهِمْ جَاثِمِين؛ فَسَاءَ صَبَاحُ المُنْذَرِين، ثُمَّ إِنَّكُمْ قَدْ عَلِمْتُمْ مَا نَزَلَ بِسَاحْتِهِمْ بَيَاتَاً،

فَأَصْبَحُواْ رُفَاتَاً، كَأَعْجَازِ نَخْلٍ خَاوِيَة، مَسَاكِنُهُمْ خَالِيَة، فَمَا تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَة» 0 ـ قَالُواْ عَنْ مَنَاقِبِهِ: حَدَّثَ مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ عَنِ الإِمَامِ الأَوْزَاعِيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «كُنَّا نَضْحَكُ وَنَمْزَح؛ فَلَمَّا صِرْنَا يُقْتَدَى بِنَا؛ خَشِيتُ أَنْ لاَ يَسَعَنَا التَّبَسُّم» 0 حَدَّثَ الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَال: «مَا رَأَيتُ أَحَدَاً أَحْلَمَ وَلاَ أَكْمَلَ وَلاَ أَحْمَلَ فِيمَا حُمِّلَ مِنَ الإِمَامِ الأَوْزَاعِيّ» 0

حَدَّثَ الحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَن عَمْرِو بْنِ أَبي سَلَمَةَ عَنِ الإِمَامِ الأَوْزَاعِيِّ رَحِمَهُ اللهُ قَال: «رَأَيتُ كَأَنَّ مَلَكَينِ عَرَجَا بي، وَأَوْقَفَاني بَيْنَ يَدَي رَبِّ الْعِزَّةِ جَلَّ جَلاَلهُ فَقَالَ لي: أَنْتَ عَبْدِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ الَّذِي تَأْمُرُ بِالمَعْرُوف 00؟ فَقُلْتُ: بِعِزَّتِكَ أَنْتَ أَعْلَم؛ فَهَبَطَا بي حَتىَّ رَدَّاني إِلىَ مَكَاني» 0 حَدَّثَ أَبُو فَرْوَةَ يَزِيدُ بْنُ محَمَّدٍ الرُّهَاوِيُّ عَنِ الإِمَامِ الأَوْزَاعِيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال

«مَا أَخَذْنَا الْعَطَاءَ حَتىَّ شَهِدْنَا عَلَى عَلِيٍّ بِالنِّفَاقِ وَتَبَرَّأْنَا مِنهُ، وَأُخِذَ عَلَيْنَا بِذَلِكَ الطَّلاَقُ وَالعِتَاقُ وَأَيْمَانُ الْبَيْعَة؛ فَلَمَّا عَقَلْتُ أَمْرِي؛ سَأَلْتُ مَكْحُولاً، وَيحْيىَ بْنَ أَبي كَثِير، وَعَطَاءَ بْنَ أَبي رَبَاح، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْر؛ فَقَالُواْ: لَيْسَ عَلَيْكَ شَيْء؛ إِنَّمَا أَنْتَ مُكْرَه 00 فَلَمْ تَقَرَّ عَيْني، حَتىَّ فَارَقْتُ نِسَائِي وَأَعتَقْتُ رَقِيقِي وَخَرَجْتُ مِنْ مَالِي وَكَفَّرْتُ أَيْمَاني 00!!

فَأَخْبِرْني: سُفْيَانُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِك» 00؟ ـ شَجَاعَتُهُ في كَلِمَةِ الحَقّ: حَدَّثَ عَبْدُ الحَمِيدِ بْنُ بَكَّارٍ عَنِ ابْنِ أَبي الْعِشْرِينَ أَنَّهُ قَال: «سَمِعْتُ أَمِيرَاً كَانَ بِالسَّاحِلِ يَقُولُ وَقَدْ دَفَنَّا الأَوْزَاعِيَّ وَنحْنُ عِنْدَ الْقَبْر: رَحِمَكَ اللهُ أَبَا عَمْرو، فَلَقَدْ كُنْتُ أَخَافُكَ أَكْثَرَ مِمَّنْ وَلاََّني» 0 حَدَّثَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنِ الْفِرْيَابيِّ عَنِ الإِمَامِ الأَوْزَاعِيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال:

«لَمَّا فَرَغَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَلِيٍّ [عَمُّ السَّفَّاحِ] مِنْ قَتْلِ بَني أُمَيَّة؛ بَعَثَ إِلَيَّ، وَكَانَ قَتَلَ يَوْمَئِذٍ نَيِّفَاً وَسَبْعِينَ مِنْهُمْ في مَشْهَدٍ وَاحِد» 0 سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَن أَبي خُلَيْدٍ عُتْبَةَ بْنِ حَمَّادٍ الْقَارِئِ عَنِ الإِمَامِ الأَوْزَاعِيِّ قَال: «بَعَثَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَلِيٍّ إِلَيّ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيّ، وَقَدِمْتُ، فَدَخَلْتُ وَالنَّاسُ سِمَاطَان [فَرِيقَان] فَقَال: مَا تَقُولُ في مَخْرَجِنَا وَمَا نَحْنُ فِيه 00؟

قُلْتُ: أَصلَحَ اللهُ الأَمِير، قَدْ كَانَ بَيْني وَبَيْنَ دَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ مَوَدَّة [أَيْ أَخُو عَبْدِ اللهِ بْنِ عَلِيّ] قَالَ: لَتُخْبِرَنيِّ؛ فَتَفَكَّرْتُ ثُمَّ قُلْت: لأَصْدُقَنَّه، وَاسْتَبسَلْتُ لِلْمَوْت 00 ثُمَّ رَوَيْتُ لَهُ عَنْ يحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ حَدِيثَ الأَعْمَال، وَبِيَدِهِ قَضِيبٌ يَنْكُتُ بِهِ، ثُمَّ قَال: يَا عَبْدَ الرَّحْمَن؛ مَا تَقُولُ في قَتْلِ أَهْلِ هَذَا الْبَيْت 00؟ قُلْتُ: عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال:

«لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنيِّ رَسُولُ اللهِ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَث: الثَّيِّبُ الزَّاني، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْس، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ المُفَارِقُ لِلْجَمَاعَة» 0 [رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 6878 / فَتْح، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ وَاللَّفْظُ لَهُ بِرَقْم: 1676 / عَبْد البَاقِي] فَقَال: أَخْبِرْني عَنِ الخِلاَفَة؛ وَصِيَّةٌ لَنَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 00؟

فَقُلْتُ: لَوْ كَانَتْ وَصِيَّةً مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تَرَكَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَحَدَاً يَتَقَدَّمُه 0 قَال: فَمَا تَقُولُ في أَمْوَالِ بَني أُمَيَّة 00؟ قُلْتُ: إِنْ كَانَتْ لَهُمْ حَلاَلاً؛ فَهِيَ عَلَيْكَ حَرَام، وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِمْ حَرَامَاً، فَهِيَ عَلَيْكَ أَحرَم؛ فَأَمَرَني، فَأُخْرِجْت 0 وَفي رِوَايَةٍ أُخْرَى يَقول: فَجَعَلْتُ لاَ أَخطُو خُطوَةً إِلاََّ قُلْتُ: إِنَّ رَأْسِي يَقَعُ عِنْدَهَا» 0

حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ خَلَفِ بْنِ المَرْزُبَانِ عَن أَبي نَشِيطٍ محَمَّدِ بْنِ هَارُونَ عَنِ الْفِرْيَابيِّ أَنَّهُ قَال: «اجْتَمَعَ الثَّوْرِيُّ وَالأَوْزَاعِيُّ وَعَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ بِمَكَّة، فَقَالَ الثَّوْرِيُّ لِلأَوْزَاعِيّ: حَدِّثْنَا يَا أَبَا عَمْرٍو حَدِيثَكَ مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَلِيّ 00؟ قَالَ رَحِمَهُ الله: نَعَمْ، لَمَّا قَدِمَ الشَّامَ، وَقَتَلَ بَني أُمَيَّة؛ جَلَسَ يَوْمَاً عَلَى سَرِيرِه، وَعَبَّأَ أَصْحَابَهُ أَرْبَعَةَ أَصْنَاف: صِنْفٌ مَعَهُمُ السُّيُوفُ المُسَلَّلَة، وَصِنْفٌ مَعَهُمُ الجَزَرَةُ [عَلَّهَا

سَوَاطِيرُ الجَزَّارِين] وَصِنْفٌ مَعَهُمُ الأَعْمِدَة، وَصِنْفٌ مَعَهُمُ الْكَافِركُوب، ثُمَّ بَعَثَ إِلَيّ؛ فَلَمَّا صِرْتُ بِالبَابِ أَنْزَلُوني، وَأَخَذَ اثْنَانِ بَعْضُدَيَّ وَأَدْخَلُوني بَيْنَ الصُّفُوف، حَتىَّ أَقَامُوني مُقَامَاً يَسْمَعُ كَلاَمِي، فَسَلَّمْتُ، فَقَال: أَنْتَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو الأَوْزَاعِيّ 00؟ قُلْتُ: نَعَمْ، أَصْلَحَ اللهُ الأَمِير 0 قَال: مَا تَقُولُ في دِمَاءِ بَني أُمَيَّة 00؟

فَسَأَلَ مَسْأَلَةَ رَجُلٍ يُرِيدُ أَنْ يَقْتُلَ رَجُلاً؛ فَقُلْتُ: قَدْ كَانَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ عُهُود؛ فَقَال: وَيْحَك؛ اجْعَلْني وَإِيَّاهُمْ لاَ عَهْدَ بَيْنَنَا 0 فَأَجْهَشَتْ نَفْسِي، وَكَرِهَتِ الْقَتْل، فَذَكَرْتُ مُقَامِي بَيْنَ يَدَيِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلَفَظْتُهَا، فَقُلْتُ: دِمَاؤُهُمْ عَلَيْكَ حَرَام؛ فَغَضِبَ وَانْتَفَخَتْ عَيْنَاهُ وَأَوْدَاجُه، فَقَالَ لي: وَيْحَك؛ وَلِمَ 00؟! قُلْتُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم:

«لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاََّ بِإِحْدَى ثَلاَث: ثَيِّبٍ زَانٍ، وَنَفْسٍ بِنَفْس، وَتَارِكٍ لِدِينِه» 0 قَالَ: وَيْحَك؛ أَوَلَيْسَ الأَمْرُ لَنَا دِيَانَة 00؟! قُلْتُ: وَكَيْفَ ذَاكَ 00؟ قَالَ: أَلَيْسَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَوْصَى إِلىَ عَلِيّ 00؟ قُلْتُ: لَوْ أَوْصَى إِلَيْه؛ مَا حَكَّمَ الحَكَمَيْن 0 فَسَكَتَ وَقَدِ اجْتَمَعَ غَضَبَاً؛ فَجَعَلْتُ أَتَوَقَّعُ رَأْسِي تَقَعُ بَيْنَ يَدَيّ 00

فَقَالَ بيَدِهِ هَكَذَا أَوْمَأَ أَن أَخْرِجُوه؛ فَخَرَجْتُ فَرَكِبْتُ دَابَّتي، فَلَمَّا سِرْتُ غَيْرَ بَعِيدٍ إِذَا فَارِسٌ يَتْلُوني، فَنَزَلْتُ إِلىَ الأَرْضِ فَقُلْتُ: قَدْ بَعَثَ لِيَأْخُذَ رَأْسِي، أُصَلِّي رَكْعَتَيْن، فَكَبَّرْتُ، فَجَاءَ وَأَنَا قَائِمٌ أُصَلِّي؛ فَسَلَّمَ وَقَال: إِنَّ الأَمِيرَ قَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ بِهَذِهِ الدَّنَانيْر؛ فَخُذْهَا؛ فَأَخَذْتُهَا فَفَرَّقتُهَا قَبْلَ أَن أَدْخُلَ مَنْزِلِي» 0

قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ مُعَلِّقَاً: «قَدْ كَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَلِيٍّ قَائِدَاً جَبَّارَاً، سَفَّاكَاً لِلدِّمَاء، صَعْبَ المِرَاس، مُسْتَخِفَّاً بِالنَّاس، وَمَعَ هَذَا؛ فَالإِمَامُ الأَوزَاعِيُّ يَصْدَعُهُ بِمُرِّ الحَقِّ كَمَا تَرَى، لاَ كَخَلْقٍ مِن عُلَمَاءِ السُّوءِ الْيَوْم، الَّذِينَ يُحَسِّنُونَ لِلأُمَرَاءِ مَا يَقْتَحِمُونَ بِهِ مِنَ الظُّلمِ وَالعَسْف، وَيَقْلِبُونَ لَهُمُ الْبَاطِلَ حَقَّاً وَالحَقَّ بَاطِلاً؛ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنىَّ يُؤْفَكُون» 0 ـ مِن أَقْوَالِهِ رَحِمَهُ الله:

حَدَّثَ الوَلِيدُ بْنُ مَزْيَدٍ عَنِ الإِمَامِ الأَوْزَاعِيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «لاَ يَنْبَغِي لِلإِمَامِ أَنْ يَخُصَّ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ مِنَ الدُّعَاء، فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ خَانَهُمْ» 0 حَدَّثَ مَرْوَانُ الطَّاطَرِيُّ عَنِ الإِمَامِ الأَوْزَاعِيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «مَن أَطَال قِيَامَ اللَّيْل؛ هَوَّنَ اللهُ عَلَيْهِ وُقُوفَ يَوْمِ الْقِيَامَة» 0 حَدَّثَ بَقِيَّةُ وَالوَلِيدُ بْنُ مَزْيَدٍ عَنِ الإِمَامِ الأَوْزَاعِيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال:

«لاَ يَجْتَمِعُ حُبُّ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا إِلاََّ في قَلْبِ مُؤْمِن» 0 حَدَّثَ الوَلِيدُ بْنُ مَزْيَدٍ عَنِ الإِمَامِ الأَوْزَاعِيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «إِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ شَرَّاً؛ فَتَحَ عَلَيْهِمُ الجَدَل، وَمَنَعَهُمُ الْعَمَل» 0 حَدَّثَ الوَلِيدُ بْنُ مَزْيَدٍ عَنِ الإِمَامِ الأَوْزَاعِيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «إِنَّ المُؤْمِنَ يَقُولُ قَلِيلاً وَيَعمَلُ كَثِيرَاً، وَإِنَّ المُنَافِقَ يَتَكَلَّمُ كَثِيرَاً وَيَعْمَلُ قَلِيلاً» 0

حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ عَنِ الإِمَامِ الأَوْزَاعِيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «مَن أَخَذَ بِنَوَادِرِ الْعُلَمَاء؛ خَرَجَ مِنَ الإِسْلاَم» 0 حَدَّثَ العَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ عَن أَبي عَبْدِ اللهِ بْنِ فُلاَنٍ عَنِ الإِمَامِ الأَوْزَاعِيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «نَتَجَنَّبُ مِنْ قَوْلِ أَهْلِ الْعِرَاقِ خَمْسَاً، وَمِنْ قَوْلِ أَهْلِ الحِجَازِ خَمْسَاً: مِنْ قَوْلِ أَهْلِ الْعِرَاق: شُرْبَ المُسْكِر، وَالأَكْلَ عِنْدَ الْفَجْرِ في رَمَضَان، وَلاَ جُمُعَةَ إِلاََّ في سَبْعَةِ أَمصَار، وَتَأَخَيْرَ الْعَصْرِ حَتىَّ

يَكُونَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ أَرْبَعَةَ أَمثَالِه، وَالفِرَارَ يَوْمَ الزَّحف 0 وَمِنْ قَوْلِ أَهْلِ الحِجَاز: اسْتِمَاعَ المَلاَهِي، وَالجَمعَ بَينَ الصَّلاَتَينِ مِن غَيرِ عُذْر، وَالمُتْعَةَ بِالنِّسَاء، وَالدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَينِ وَالدِّينَارَ بِالدِّينَارَيْن 0 يَدَاً بيَد، وَإِتْيَانَ النِّسَاءِ في أَدْبَارِهنّ» 0 ـ خَبَرُ وَفَاتِهِ وَبَعْضُ كَرَامَاتِهِ رَحِمَهُ الله: حَدَّثَ العَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ الْبَيْرُوتِيُّ عَن عَبْدِ الحَمِيدِ بْنِ بَكَّارٍ عَنْ محَمَّدِ بْنِ شُعَيْبٍ قَال:

«جلَسْتُ إِلىَ شَيْخٍ في الجَامِعِ فَقَال: أَنَا مَيِّتٌ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ اليَوْمُ أَتَيتُه 00 فَإِذَا بِهِ يَتَفَلَّى في الصَّحْن، فَقَال: مَا أَخَذْتُمُ السَّرِير [أَيِ النَّعْش] خُذُوهُ قَبْلَ أَنْ تُسْبَقُواْ إِلَيْه؛ قُلْتُ: مَا تَقُولُ رَحِمَكَ الله 00؟ قَال: هُوَ الَّذِي أَقُولُ لَك، رَأَيْتُ في المَنَامِ كَأَنَّ طَائِرَاً وَقَعَ عَلَى رُكْنٍ مِن أَركَانِ هَذِهِ الْقُبَّة، فَسَمِعْتُهُ يَقُول: فُلاَنٌ قَدَرِيّ، وَفُلاَنٌ كَذَا، وَعُثْمَانُ بْنُ أَبي الْعَاتِكَةِ نِعْمَ الرَّجُل، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ

الأَوْزَاعِيُّ خَيْرُ مَنْ يَمْشِي عَلَى الأَرْض، وَأَنْتَ مَيِّتٌ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، قَال: فَمَا جَاءتِ الظُّهْرُ حَتىَّ مَات، وَأُخْرِجَ بِجَنَازَتِه» 0 حَدَّثَ عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ عَنْ يحْيىَ بْنِ مَعِينٍ قَال: «مَاتَ الإِمَامُ الأَوْزَاعِيُّ في الحَمَّام» 0 حَدَّثَ أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى المِصْرِيُّ عَن خَيْرَانَ بْنِ الْعَلاَءِ عَنِ الإِمَامِ الأَوْزَاعِيِّ رَحِمَهُ اللهُ قَال:

«دَخَلَ الإِمَامُ الأَوْزَاعِيُّ الحَمَّام، وَكَانَ لِصَاحِبِ الحَمَّامِ حَاجَة؛ فَأَغلَقَ عَلَيْهِ الْبَابَ وَذَهَب، ثُمَّ جَاءَ فَفَتَح؛ فَوَجَدَ الإِمَامَ الأَوْزَاعِيَّ مَيِّتَاً مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَة» 0 حَدَّثَ إِسْحَاقُ بْنُ خَالِدٍ عَن أَبي مُسْهِرٍ أَنَّهُ قَال: «بَلَغَنَا مَوْتُ الإِمَامِ الأَوْزَاعِيّ، وَأَنَّ امْرَأَتَهُ أَغْلَقَتْ عَلَيْهِ بَابَ الحَمَّامِ غَيرَ مُتَعَمِّدَة؛ فَمَاتَ رَحِمَهُ الله، فَأَمَرَهَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِعَتقِ رَقَبَة» 0

حَدَّثَ العَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ مَزْيَدٍ عَن عُقْبَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ قَال: «سَبَبُ مَوْتِ الإِمَامِ الأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ اخْتَضَبَ وَدَخَلَ الحَمَّامَ الَّذِي في مَنْزِلِه، وَأَدْخَلَتْ مَعَهُ امْرَأَتُهُ كَانُونَاً فِيهِ فَحم؛ لِئَلاََّ يُصِيبَهُ الْبَرْد، وَأَغْلَقَتْ عَلَيْهِ مِنْ بَرَّا، فَلَمَّا هَاجَ الْفَحْمُ ضَعُفَتْ نَفْسُهُ، وَعَالَجَ الْبَابَ لِيَفْتَحَهُ؛ فَامْتَنَعَ عَلَيْه، فَأَلْقَى نَفْسَهُ، فَوَجَدْنَاهُ مُوَسِّدَاً ذِرَاعَهُ إِلىَ الْقِبْلَة» 0

تُوُفِّيَ ابْنٌ لأَحَدِ الصَّالحِين؛ فَحَزِنَ لِذَلِكَ حُزْنًا شَدِيدَاً؛ فَقِيلَ لَهُ: اصْبرْ وَاحْتَسِبْ، كُلُّنَا إِلى فَنَاء 00 فَقَال: أَنَاْ لَمْ أَبْكِ لأَنَّهُ مَات، وَإِنمَا لِمَوْتِهِ في الكَنِيف؛ فَوَاسَوْهُ وَصَبَّرُوهُ عَلَى أَمْرِه، وَإِنْ كَانُواْ قَدْ عَذَرُوهُ في قِلَّةِ صَبرِه، وَلَمْ تَكَدْ تَمْضِ ثَلاَثَةُ أَيَّام؛ حَتىَّ رَآهُ أَبُوهُ في المَنَام؛ فَوَجَدَهُ مُكَرَّمًا مُنَعَّمًا أَشَدَّ مَا يَكُونُ التَّنعِيم، وَلَيْسَ مِن أَصْحَابِ الجَحِيم؛ فَسَأَلَهُ عَنِ السّبَب؟!

فَقَال: لأَنيِّ دَخَلْتُ الحَمَّام؛ عَلَى هَدِيِ النَّبيِّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلاَم؛ فَكَتَبَ اللهُ لي حُسْنَ الخِتَام!! [قِصَّةٌ وَاقِعِيَّةٌ عَن أَحَدِ الدُّعَاة] قَالَ محَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيّ: «كُنْتُ عِنْدَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ فَجَاءهُ رَجُلٌ فَقَال: رَأَيْتُ كَأَنَّ رَيْحَانَةً مِنَ المَغْرِبِ رُفِعَتْ؛ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ رَحِمَهُ الله: إِنْ صَدَقَتْ رُؤْيَاكَ فَقَدْ مَاتَ الأَوْزَاعِيّ؛ فَكَتَبُواْ ذَلِك؛ فَوُجِدَ كَذَلِكَ في ذَلِكَ اليَوْم» 0

رَوَى ابْنُ أَبي الدُّنْيَا عَن أَبي جَعْفَرٍ الآدَمِيِّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ مَذْعُورٍ قَال: «رَأَيْتُ الإِمَامَ الأَوْزَاعِيَّ في مَنَامِي، فَقُلْتُ: دُلَّني عَلَى دَرَجَةٍ أَتَقَرَّبُ بِهَا إِلىَ الله؛ فَقَالَ رَحِمَهُ الله: مَا رَأَيْتُ هُنَاكَ أَرْفَعَ مِنْ دَرَجَةِ الْعُلَمَاء، وَمِنْ بَعْدِهَا دَرَجَةُ المَحْزُونِين» 0

حَدَّثَ الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ عَن سَالِمِ بْنِ المُنْذِرِ قَال: «لَمَّا سَمِعْتُ الضَّجَّةَ بِوَفَاةِ الإِمَامِ الأَوْزَاعِيِّ خَرَجْت؛ فَأَوَّلُ مَنْ رَأَيْتُ نَصْرَانيَّاً قَدْ ذَرَّ عَلَى رَأْسِهِ الرَّمَاد، فَلَمْ يَزَلِ المُسْلِمُونَ مِن أَهْلِ بَيْرُوتَ يَعْرِفُونَ لَهُ ذَلِك، وَخَرَجْنَا في جَنَازَتِهِ أَرْبَعَةَ أُمَم، فَحَمَلَهُ المُسْلِمُون، وَخَرَجَتِ اليَهُودُ في نَاحِيَة، وَالنَّصَارَى في نَاحِيَة، وَالقِبْطُ في نَاحِيَة» 0

الإمام الشافعي

الإِمَامُ الشَّافِعِيّ هُوَ الإِمَامُ الْفَقِيهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ محَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ بْنِ الْعَبَّاسِ الْقُرَشِيُّ المُطَّلِبيُّ الشَّافِعِيّ، وُلِدَ سَنَةَ 150 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 204 هـ 0 حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الحَكَمِ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «وُلِدْتُ بِغَزَّةَ سَنَةَ خَمْسِينَ وَمائَة، وَحُمِلْتُ إِلىَ مَكَّةَ ابْنَ سَنَتَيْن» 0 حَدَّثَ الزُّبَيْرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ عَن عَلِيِّ بْنِ محَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَال: «وُلِدَ الشَّافِعِيُّ يَوْمَ مَاتَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمَا» 0

ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: أَخَذَ الْعِلْمَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَة، وَوَكِيعِ بْنِ الجَرَّاح، وَعَنْ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ الزَّنْجِيّ [مُفْتي مَكَّة] وَدَاوُدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَطَّار، وَعَمِّهِ محَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ شَافِعٍ [ابْنُ عَمِّ الْعَبَّاسِ جَدِّ الشَّافِعِيّ] وَالْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاض، وَحَمَلَ عَن إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبي يحْيىَ فَأَكْثَرَ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، وَعَنْ مُطَرِّفِ بْنِ مَازِن، وَبِبَغْدَادَ عَنْ محَمَّدِ بْنِ الحَسَنِ فَقِيهِ الْعِرَاق، وَلاَزَمَهُ حَتىَّ حَمَلَ عَنهُ وِقْرَ بَعِير 0

وَعَن إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيم [ابْنُ عُلَيَّة]، وَحَمَلَ عَنِ الإِمَامِ مَالِكٍ «المُوَطَّأَ» وَعَرَضَهُ عَلَيْهِ حِفْظَاً ـ شَيْخُهُ في الْقِرَاءَات: حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الحَكَمِ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «قرأْتُ الْقُرْآنَ عَلَى إِسْمَاعِيلَ بْنِ قُسْطَنْطِين، وَقَرَأْتُ عَلَى شِبْل، وَقَرَأَ شِبْلٌ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ كَثِير، وَقَرَأَ عَبْدُ اللهِ بْنُ كَثِيرٍ عَلَى مُجَاهِد، وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنه 0

وَكَانَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ قُسْطَنْطِينَ يَقُول: الْقُرَانُ اسْمٌ، لَيْسَ بِمَهْمُوز، وَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْ «قَرَأْتُ» وَلَوْ أُخِذَ مِنْ «قَرَأْتُ» كَانَ كُلُّ مَا قُرِئَ قُرْآنَاً، وَلَكِنَّهُ اسْمٌ لِلْقُرَان، مِثْلُ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيل» ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل، وَالإِمَامُ الحُمَيْدِيّ، وَإِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه، وَيُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، وَأَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلاََّم، وَالرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ المُرَادِيّ، وَمحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الحَكَم، وَحُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ الكَرَابِيْسِيّ 0

ـ نُبْذَةٌ عَنْ نَشْأَتِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: وُلِدَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ بِغَزَّة، وَمَاتَ أَبُوهُ إِدْرِيسُ شَابَّاً، فَنَشَأَ محَمَّدٌ يَتِيمَاً في حَجْرِ أُمِّهِ، فَخَافَتْ عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ فَتَحَوَّلَتْ بِهِ إِلىَ مَحْتِدِهِ وَهُوَ ابْنُ عَامَيْن؛ فَنَشَأَ بِمَكَّةَ، وَأَقْبَلَ عَلَى الرَّمْي، حَتىَّ فَاقَ فِيهِ الأَقْرَان، وَصَارَ يُصِيبُ مِن عَشْرَةِ أَسْهُمٍ تِسْعَة، ثمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْعَرَبِيَّةِ وَالشَّرْعِ فَبَرَعَ فِيهِمَا وَبَزَغَ نَجْمُه، ثُمَّ حُبِّبَ

إِلَيْهِ الْفِقْهُ فَأَتَى فِيهِ بِشَيْءٍ عُجَاب، وَصَنَّفَ فِيهِ مَا بَهَرَ أُوْلي الأَلْبَاب 0 ارْتَحَلَ وَهُوَ ابْنُ نَيِّفٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً إِلىَ المَدِينَة، وَأَفْتىَ وَتَأَهَّلَ لِلإِمَامَة 0 فَصَنَّفَ التَّصَانيْفَ، وَدَوَّنَ الْعِلْمَ، وَرَدَّ عَلَى الأَئِمَّةِ مُتَّبِعَاً الأَثَرَ، وَصَنَّفَ في أُصُولِ الْفِقْهِ وَفُرُوعِهِ، وَبَعُدَ صِيتُهُ وَرَحَلَ إِلَيْهِ وَتَكَاثَرَ عَلَيْهِ طُلاَّبُ الْعِلْم 0 حَدَّثَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ الْوَرَّاقُ عَن عَمْرِو بْنِ سَوَّادٍ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال:

«وُلِدْتُ بِعَسْقَلاَن [مَدِينَةٌ جَنُوبَ فِلَسْطِينَ عَلَى المُتَوَسِّط] فَلَمَّا أَتىَ عَلَيَّ سَنَتَانِ حَمَلَتْني أُمِّي إِلىَ مَكَّة» حَدَّثَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ الْوَرَّاقُ عَنِ ابْنِ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ وُلِدَ بِاليَمَن، وَإِنَّ أُمَّهُ أَزْدِيَّة، قَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «خَافَتْ أُمِّي عَلَيَّ الضَّيْعَةَ فَقَالَتْ: الحَقْ بِأَهْلِكَ فَتَكُونَ مِثْلَهُمْ؛ فَإِنيِّ أَخَافُ عَلَيْكَ أَنْ تُغْلَبَ عَلَى نَسَبِك؛ فَجَهَّزَتْني إِلىَ مَكَّة،

فَقَدِمْتُهَا يَوْمَئِذٍ وَأَنَا ابْنُ عَشْرِ سِنِين، فَصِرْتُ إِلىَ نَسِيبٍ لي، وَجَعَلْتُ أَطْلُبُ الْعِلْمَ فَيَقُولُ لي: لاَ تَشْتَغِلْ بِهَذَا وَأَقبِلْ عَلَى مَا يَنْفَعُك، فَجُعِلَتْ لَذَّتي في الْعِلْم» ـ بَعْضٌ مِنْ مُعَانَاتِه، وَفَقْرُهُ في بِدَايَةِ حَيَاتِه: حَدَّثَ الحُمَيْدِيُّ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «كُنْتُ يَتِيمَاً في حَجْرِ أُمِّي، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مَا تُعْطِيني لِلْمُعَلِّم، وَكَانَ المُعَلِّمُ قَدْ رَضِيَ مِنيِّ أَن أَقُومَ عَلَى الصِّبْيَانِ إِذَا غَابَ وَأُخَفِّفَ

عَنهُ» 0 حَدَّثَ عَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «أَفْلَسْتُ مِنْ دَهْرِي ثَلاَثَ إِفْلاَسَات؛ فَكُنْتُ أَبِيعُ قَلِيلِي وَكَثِيرِي؛ حَتىَّ حُلِيَّ بِنْتي وَزَوْجَتي» 0 ـ قَالُواْ عَن هِوَايَاتِهِ في بِدَايَةِ حَيَاتِه قَبْلَ اشْتِغَالِهِ بِالْعِلْم غَفَرَ اللهُ لَه: حَدَّثَ الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ المُؤَذِّنُ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال:

«كُنْتُ أَلْزَمُ الرَّمْيَ، حَتىَّ كَانَ الطَّبِيبُ يَقُولُ لي: أَخَافُ أَنْ يُصِيبَكَ السُّلُّ مِنْ كَثْرَةِ وُقُوفِكَ في الحَرّ، وَكُنْتُ أُصِيبُ مِنَ الْعَشَرَةِ تِسْعَةً» 0 حَدَّثَ عَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «كَانَتْ نَهْمَتي في الرَّمْيِ وَطَلَبِ الْعِلْم؛ فَنِلْتُ مِنَ الرَّمْيِ حَتىَّ كُنْتُ أُصِيبُ مِن عَشْرَةٍ عَشْرَة» ـ قَالُواْ عَنْ صِفَاتِهِ الشَّكْلِيَّة:

قَالَ المُزَنيّ: «مَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ وَجْهَاً مِنَ الشَّافِعِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه، وَكَانَ رُبَّمَا قَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ فَلاَ يَفْضُلُ عَنْ قَبْضَتِه» 0 قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ بُرَانَة: «كَانَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ جَسِيمَاً طُوَالاً نَبِيلاً جَمِيلاً» قَالَ الزَّعْفَرَانيّ: «كَانَ يَخْضِبُ بِالحِنَّاء، وَكَانَ خَفِيفَ الْعَارِضَين» 00 أَيِ اللِّحْيَة 0 ـ رِحْلَتُهُ المُبَكِّرَةُ في طَلَبِ الْعِلْم:

قَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «أَتَيْتُ مَالِكَاً وَأَنَا ابْنُ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَة» 0 حَدَّثَ حَرْمَلَةُ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «كُنْتُ أُقْرِئُ النَّاسَ وَأَنَا ابْنُ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَة، وَحَفِظْتُ «المُوَطَّأَ» قَبْلَ أَن أَحْتَلِم» 0 ـ هِمَّتُهُ في تحْصِيلِ وَتَدْوِينِ الْعِلْم: حَدَّثَ الحُمَيْدِيُّ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال:

«كُنْتُ أَنْظُرُ إِلىَ الْعَظْمِ يَلُوحُ [أَيْ أُبْصِرُهُ]، فَأَكْتُبُ فِيهِ الحَدِيثَ أَوِ المَسْأَلَة، وَكَانَتْ لَنَا جَرَّةٌ قَدِيمَة؛ فَإِذَا امْتَلأَ الْعَظْمُ طَرَحْتُهُ في الجَرَّة» 0 قَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيّ: «كُنْتُ أَكْتُبُ في الأَكْتَافِ وَالعِظَام، وَكُنْتُ أَذْهَبُ إِلىَ الدِّيوَانِ فَأَسْتَوْهِبُ الظُّهُورَ فَأَكْتُبُ فِيهَا» 00 أَيِ الجُلُودَ الَّتي كُتِبَ عَلَيْهَا فَأَكْتُبُ عَلَى ظَهْرِهَا 0 حَدَّثَ أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ النَّيْسَابُورِيُّ عَن أَبي بَكْرٍ محَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ وَرَّاقِ الحُمَيْدِيِّ قَال:

«سَمِعْتُ الحُمَيْدِيَّ يَقُول: قَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: خَرَجْتُ إِلىَ اليَمَنِ في طَلَبِ كُتُبِ الْفِرَاسَةِ حَتىَّ كَتَبْتُهَا وَجَمَعْتُهَا» 0 ـ بِدَايَةُ ظُهُورِ مَلَكَةِ الإِبْدَاعِ لَدَى هَذَا الإِمَامِ الْعَظِيمِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: حَدَّثَ أَحْمَدُ بْنُ أَبي سُرَيْجٍ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «قَدْ أَنْفَقْتُ عَلَى كُتُبِ محَمَّدٍ سِتِّينَ دِينَارَاً، ثمَّ تَدَبَّرْتُهَا فَوَضَعْتُ إِلىَ جَنْبِ كُلِّ مَسْأَلَةٍ حَدِيثَاً» 0

أَيْ بَدَأَ في وَضْعِ التَّعْلِيقَاتِ عَلَيْهَا، وَهِيَ مَرْحَلَةٌ انْتِقَالِيَّةٌ لاَ بُدَّ مِنهَا في رِحْلَةِ الإِبْدَاع 0 محَمَّدٌ هَذَا: هُوَ محَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ فَقِيهُ الْعِرَاق، وَأَحَدُ أَصْحَابِ الإِمَامِ أَبي حَنِيفَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه 0 ـ كَيْفَ كَانَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ عَالِمَاً مَوْسُوعِيَّاً: قَالَ مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ الله: «مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً أَعْلَمَ بِأَيَّامِ النَّاسِ مِنَ الشَّافِعِيّ» 0 قَالَ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّدَفِيّ:

«كَانَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ إِذَا أَخَذَ في أَيَّامِ النَّاسِ قُلْتَ هَذِهِ صِنَاعَتُه» 0 نَقَلَ الإِمَامُ ابْنُ سُرَيْجٍ عَنْ بَعْضِ النَّسَّابِينَ قَال: «كَانَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ مِن أَعْلَمِ النَّاسِ بِالأَنْسَاب؛ لَقَدِ اجْتَمَعْنَا مَعَهُ لَيْلَةً؛ فَذَاكَرَنَا بِأَنْسَابِ النِّسَاءِ إِلىَ الصَّبَاحِ وَقَال: أَنْسَابُ الرِّجَالِ يَعْرِفُهَا كُلُّ أَحَد» 0

قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «وَمِنْ بَعْضِ فُنُونِ هَذَا الإِمَامِ الطِّبّ، كَانَ يَدْرِيه، نَقَلَ ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ، فَمِنْ كَلاَمِهِ في الطِّبِّ قَوْلُهُ: عَجَبَاً لِمَنْ يَدْخُلُ الحَمَّامَ ثُمَّ لاَ يَأْكُلُ مِنْ سَاعَتِهِ كَيْفَ يَعِيش، وَعَجَبَاً لِمَنْ يحْتَجِمُ ثُمَّ يَأْكُلُ مِنْ سَاعَتِهِ كَيْفَ يَعِيش» 0 قَالَ حَرْمَلَة: «كَانَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ يَتَلَهَّفُ عَلَى مَا ضَيَّعَ المُسْلِمُونَ مِنَ الطِّبِّ وَيَقُول: ضَيَّعُواْ ثُلُثَ الْعِلْمِ وَوَكَلُوهُ إِلىَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى» 0

حَدَّثَ حَرْمَلَةُ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «مَن أَكَلَ الأُتْرُجَّ ثُمَّ نَام؛ لَمْ آمَن أَنْ تُصِيبَهُ ذُبْحَة» 0 حَدَّثَ الجَوْزَجَانيُّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «ثَلاَثَةُ أَشْيَاءٍ دَوَاءُ مَنْ لاَ دَوَاءَ لَهُ، وَأَعْيَتِ الأَطِبَّاءَ مُدَاوَاتُهُ: الْعِنَب، وَلَبَنُ اللِّقَاح [أَيِ الإِبِل]، وَقَصَبُ السُّكَّر، لَوْلاَ قَصَبُ السُّكَّر؛ مَا أَقَمْتُ بِبَلَدِكُمْ، وسَمِعْتُهُ يَقُول: كَانَ غُلاَمِي أَعْشَى، لَمْ

يَكُنْ يُبْصِرُ بَابَ الدَّار؛ فَأَخَذْتُ لَهُ زِيَادَةَ الْكَبِدِ فَكَحَّلْتُهُ بِهَا فَأَبْصَر» 0 وَقَالَ أَيْضَاً الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ: «عَجَبَاً لِمَنْ تَعَشَّى الْبَيْضَ المَسْلُوقَ فَنَامَ كَيْفَ لاَ يَمُوت» 0 وَقَالَ أَيْضَاً الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ: «الْفُولُ يَزِيدُ في الدِّمَاغ، وَالدِّمَاغُ يَزِيدُ في الْعَقْل» 0 وَقَالَ أَيْضَاً الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ: «لَمْ أَرَ أَنْفَعَ لِلْوَبَاءِ مِنَ الْبَنَفْسَجِ يُدْهَنُ بِهِ وَيُشْرَب» 0

ـ قَالُواْ عَنْ تَمَكُّنِهِ في اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّة: قَالَ عَنهُ ثَعْلَبُ إِمَامُ النَّحْو: «الشَّافِعِيُّ إِمَامٌ في اللُّغَة» 0 حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «الشَّافِعِيُّ فَيْلَسُوفٌ في أَرْبَعَةِ أَشْيَاء: في اللُّغَة، وَاختِلاَفِ النَّاس، وَالمَعَاني، وَالفِقْه» 0 قَالَ المُبَرِّدُ عَالِمُ اللُّغَة: «كَانَ الشَّافِعِيُّ مِن أَشْعَرِ النَّاسِ وَآدَبِ النَّاسِ وَأَعْرَفِهِمْ بِالقِرَاءَات»

حَدَّثَ أَبُو نُعَيْمٍ الجُرْجَانيُّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ أَنَّهُ قَال: «لَوْ رَأَيْتَ الشَّافِعِيَّ وَحُسْنَ بَيَانِهِ وَفصَاحتِهِ لَعَجِبْتَ، وَلَوْ أَنَّهُ أَلَّفَ هَذِهِ الْكُتُبَ عَلَى عَرَبِيَّتِهِ الَّتي كَانَ يَتَكَلَّمُ بِهَا مَعَنَا في المُنَاظَرَة؛ لَمْ نَقْدِرْ عَلَى قِرَاءَةِ كُتُبِهِ لِفَصَاحتِهِ وَغَرَائِبِ أَلْفَاظِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ في تَأْلِيفِهِ يُوَضِّحُ لِلْعَوَامّ» 0 قَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه:

«أَقَمْتُ في بُطُونِ الْعَرَبِ عِشْرِينَ سَنَة؛ آخُذُ أَشعَارَهَا وَلُغَاتِهَا، وَحَفِظْتُ الْقُرْآن، فَمَا عَلِمْتُ أَنَّه مَرَّ بي حَرْفٌ إِلاََّ وَقَدْ عَلِمْتُ المَعْنىَ فِيهِ وَالمُرَادَ مِنهُ، مَا خَلاَ حَرْفَيْنِ أَحَدُهُمَا: دَسَّاهَا» 0 قَالَ الأَصْمَعِيّ: «أَخَذْتُ شِعْرَ هُذَيْلٍ عَنِ الشَّافِعِيّ» 0 وَحَدَّثَ الزُّبَيْرُ بْنُ بكَّارٍ أَنَّهُ أَخَذَ شِعْرَ هُذَيْلٍ وَوقَائِعَهَا عَن عَمِّهِ مُصْعَبِ بْنِ عَبْدِ الله، وَالَّذِي أَخَذْهُمَا بِدَوْرِهِ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ حِفْظَاً» 0

رَوَى المُبَرَّدُ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَنْشَدَ قَائِلاً: فلَوْلاَ الشِّعْرُ بِالعُلَمَاءِ يُزْرِي ... لكُنْتُ اليَوْمَ أَشْعَرَ مِنْ لَبِيدِ وَلَوْلاَ خَشْيَةُ الرَّحْمَنِ رَبيِّ ... حَسِبْتُ النَّاسَ كُلَّهُمُ عَبِيدِي ـ قَالُواْ عَنْ بَلاَغَتِهِ وَحُسْنِ حَدِيثِهِ وَكَيْفَ كَانَ مُنَسَّقَاً: قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «كَانَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحمَهُ اللهُ مِن أَفْصَحِ النَّاس» قَالَ أَحْمَدُ بْنُ صَالح:

«كَانَ الشَّافِعِيُّ إِذَا تَكَلَّم؛ كَأَنَّ صَوتَهُ صَوْتُ صَنْجٍ وَجَرَس، مِن حُسْنِ صَوْتِهِ» 0 قَالَ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّدَفِيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «مَا كَانَ الشَّافِعِيُّ إِلاََّ سَاحِرَاً، مَا كُنَّا نَدْرِي مَا يَقُولُ إِذَا قَعَدْنَا حَوْلَه، كَأَنَّ أَلفَاظَهُ سُكَّر» 0 قَالَ عَبْدُ المَلِكِ بْنُ هِشَامٍ اللُّغَوِيّ: «طَالَتْ مُجَالَسَتُنَا لِلشَّافِعِيّ؛ فَمَا سَمِعْتُ مِنهُ لَحْنَةً قَطّ» 0 ـ قَالُواْ في تَوْثِيقِهِ:

وَقَالَ عَنهُ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «مَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ حَدِيثٌ فِيهِ غَلَط» 0 قَالَ الإِمَامُ عَنهُ الإِمَامُ أَبُو دَاوُدَ [صَاحِبُ السُّنَن]: «مَا أَعْلَمُ لِلشَّافِعِيِّ حَدِيثَاً خَطَأً» 0 وَقَالَ عَنهُ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي أَيْضَاً عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «محَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ صَدُوق» 0 ـ قَالُواْ عَنْ جَوْدَةِ حِفْظِهِ: حَدَّثَ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الطَّائِيُّ الأَقْطَعُ عَنِ المُزَنيِّ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال:

«حَفِظْتُ الْقُرْآنَ وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِين، وَحَفِظْتُ «المُوَطَّأَ» وَأَنَا ابْنُ عَشْر» 0 قَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «قَرَأْتُ عَلَيْه؛ فَكانَ رُبَّمَا قَالَ لي لِشَيْءٍ قَدْ مَرَّ أَعِدْهُ؛ فَأُعِيدُهُ حِفْظَاً، فَكَأَنَّهُ أَعْجَبَهُ ذَلِك» 0 ـ قَالُواْ عَنْ فِقْهِهِ: قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبي طَالِبٍ الحَافِظ: «سَأَلْتُ أَبَا قُدَامَةَ السَّرَخْسِيَّ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَبي عُبَيْدٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ فَقَال: الشَّافِعِيُّ أَفْقَهُهُمْ» 0

ـ كَلاَمُهُ في الأُصُولِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: حَدَّثَ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ وَالْقِيَاسُ وَالإِجْمَاع: أَكْبَرُ مِنَ الحَدِيثِ المُنْفَرِد» 0 حَدَّثَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ الْوَرَّاقُ عَنْ يُونُسَ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «الإِجْمَاعُ أَكْبَرُ مِنَ الحَدِيثِ المُنْفَرِد، وَالحَدِيثُ عَلَى ظَاهِرِه، وَإِذَا احْتَمَلَ الحَدِيثُ مَعَانيَ فَمَا أَشْبَهَ ظَاهِرَه، وَلَيْسَ المُنْقَطِعُ بِشَيْء [أَيِ

الَّذِي لَمْ يَتَّصِلْ إِسْنَادُه]، مَا عَدَا مُنْقَطِعِ ابْنِ المُسَيَّب، وَكُلاًَّ رَأَيْتُهُ اسْتَعْمَلَ الحَدِيثَ المُنْفَرِد» 0 حَدَّثَ أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «المُحْدَثَاتُ مِنَ الأُمُورِ ضَرْبَان: مَا أُحْدِثَ يُخَالِفُ كِتَابَاً، أَوْ سُنَّةً، أَوِ أَثَرَاً، أَوِ إِجْمَاعَاً، فَهَذِهِ الْبِدْعَةُ ضَلاَلَة، وَمَا أُحْدِثَ مِنَ الخَيْرِ لاَ خِلاَفَ فِيهِ لِوَاحِدٍ مِن هَذَا، فَهَذِهِ مُحْدَثَةٌ غَيْرُ مَذْمُومَة، قَدْ قَالَ

عُمَرُ في قِيَامِ رَمَضَان: نِعْمَتِ الْبِدْعَةُ هَذِهِ» 0 حَدَّثَ الزُّبَيْرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ عَنِ الْفِرْيَابيِّ عَنِ المُزَنيِّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَال: «كُنَّا يَوْمَاً عِنْد الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ إِذْ جَاءَ شَيْخٌ عَلَيْهِ ثِيَابٌ صُوف، وَفي يَدِهِ عُكَّازَة؛ فَقَامَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَسَوَّى عَلَيْهِ ثِيَابَهُ، وَسَلَّمَ الشَّيْخُ وَجَلَس، وَأَخَذَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحمَهُ اللهُ يَنْظُرُ إِلىَ الشَّيْخِ هَيْبَةً لَه؛ إِذْ قَالَ الشَّيْخ: أَسْأَل

00؟ قَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: سَلْ؛ قَالَ الشَّيْخ: مَا الحُجَّةُ في دِينِ الله 00؟ قَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيّ: كِتَابُ الله، قَالَ الشَّيْخ: ثُمَّ مَاذَا 00؟ قَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيّ: سُنَّةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، قَالَ الشَّيْخ: ثُمَّ مَاذَا 00؟ قَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيّ: اتِّفَاقُ الأُمَّة، قَالَ الشَّيْخ: مِن أَيْنَ قُلْتَ اتِّفَاقُ الأُمَّة 00؟

فَتَدَبَّرَ الشَّافِعِيُّ سَاعَةً؛ فَقَالَ الشَّيْخ: قَدْ أَجَّلْتُكَ ثَلاَثَاً؛ فَإِنْ جِئْتَ بِحُجَّةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ وَإِلاََّ تُبْ إِلىَ اللهِ تَعَالى؛ فَتَغَيَّرَ لُونُ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه، ثُمَّ ذَهَبَ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلىَ اليَوْمِ الثَّالِثِ بَينَ الظُّهْرِ وَالعَصْر، وَقَدِ انْتَفَخَ وَجْهُهُ وَيَدَاهُ وَرِجْلاَهُ وَهُوَ مِسْقَام [أَيْ شَدِيدُ المَرَض]، فَجَلَسَ، فَلَمْ يَكُنْ بِأَسْرَعَ مِن أَنْ جَاءَ الشَّيْخُ فَسَلَّمَ وَجَلَسَ فَقَالَ حَاجَتي؛ فَقَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: نَعَمْ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم؛

قَالَ اللهُ تَعَالىَ: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيرَ سِبيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرَا} {النِّسَاء/115} قَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيّ: فَلاَ يُصْلِيهِ جَهَنَّمَ لأَجْلِ خِلاَفِ المُؤْمِنِينَ إِلاََّ وَهُوَ فَرْض 0 قَالَ صَدَقْت، وَقَامَ فَذَهَب 00!! فَقَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: قَرَأْتُ الْقُرْآنَ في كُلِّ يَوْمٍ وَليلَةٍ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ حَتىَّ وَقَفْتُ عَلَيْه» 0

ـ تَقْدِيمُهُ لِلْحَدِيثِ عَلَى الرَّأْي: حَدَّثَ أَحْمَدُ بْنُ الْعَبَّاسِ النَّسَائِيُّ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً أَتْبَعَ لِلأَثرِ مِنَ الشَّافِعِيّ» 0 قَالَ محَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ وَارَة: «سَأَلْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: مَا تَرَى لي مِنَ الْكُتُبِ أَن أَنْظُرُ فِيه: رَأْيُ مَالِك، أَوِ الثَّوْرِيّ، أَوِ الأَوْزَاعِيّ 00؟

فَقَالَ لي قَوْلاً أُجِلُّهُمْ أَن أَذْكُرَه، وَقَالَ غَفَرَ اللهُ لَهُ: عَلَيْكَ بِالشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ أَكْثَرُهُمْ صَوَابَاً وَأَتْبَعُهُمْ لِلآثَار» 0 حَدَّثَ حَرْمَلَةُ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «سُمِّيْتُ بِبَغْدَاد: نَاصِرَ الحَدِيث» 0

حَدَّثَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَن أَبِيهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَال: «قَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه [لِلإِمَامِ أَحْمَدَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمَا]: أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِالأَخْبَارِ الصِّحَاحِ مِنَّا؛ فَإِذَا كَانَ خَبَرٌ صَحِيحٌ فَأَعْلِمْني حَتىَّ أَذْهَبَ إِلَيْه 00 كُوفِيَّاً كَانَ أَوْ بَصْرِيَّاً أَوْ شَامِيَّاً» 0 وَمِنْ جَيِّدِ مَا قِيلَ مِنَ التَّأْوِيلِ في تَعْلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَوْ مِصْرِيَّاً: أَنَّ الإِمَامَ الشَّافِعِيَّ كَانَ أَعْلَمَ بِأَحَادِيثَ مِصْرَ مِنَ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمَاوَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُمَا 0

قَالَ الإِمَامُ الحُمَيْدِيّ: «رَوَى يَوْمَاً الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ حَدِيثَاً فَقُلْتُ: أَتَأْخُذُ بِهِ 00؟ فَقَال: رَأَيْتَني خَرَجْتُ مِنْ كَنِيسَةٍ أَوْ عَلَيَّ زِنَّارٌ حَتىَّ إِذَا سَمِعْتُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَاً لاَ أَقُولُ بِه» 00؟ حَدَّثَ الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «أَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّني، وَأَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّني؛ إِذَا رَوَيْتُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَاً فَلَمْ أَقُلْ بِه»

حَدَّثَ أَبُو ثَوْرٍ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «كُلُّ حَدِيثٍ عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ قَوْلِي، وَإِنْ لَمْ تَسْمَعُوهُ مِنيِّ» 0 حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «إِذَا وَجَدْتُم في كتَابي خِلاَفَ سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُولُواْ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعُواْ مَا قُلْت» 0

وَيُرْوَى عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «إِذَا صَحَّ الحَدِيثُ فَهُوَ مَذْهَبي، وَإِذَا صَحَّ الحَدِيثُ فَاضْرِبُواْ بِقَوْلِي الحَائِط» 0 ـ بَعْضُ فَتَاوَاه؛ رَحِمَهُ الله: حَدَّثَ الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «مَن حَلَفَ بِاسْمٍ مِن أَسْمَاءِ اللهِ فَحَنَثَ؛ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَة؛ لأَنَّ اسْمَ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوق، وَمَن حَلَفَ بِالْكَعْبَةِ أَوْ بِالصَّفَا وَالمَرْوَة؛ فَلَيْسَ عَلَيْهِ كَفَّارَة؛ لأَنَّهُ مَخْلُوق، وَذَاكَ

غَيْرُ مَخْلُوق» 0 قَالَ حَرْمَلَة: «سُئِلَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ عَنْ رَجُلٍ في فَمِهِ تَمْرَةٌ فَقَال: إِن أَكَلْتُهَا فَامْرَأَتي طَالِق، وَإِنْ طَرَحْتُهَا فَامرَأَتي طَالِق 00؟ قَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: يَأْكلُ نِصْفَاً وَيَطْرَحُ النِّصْف» 0 حَدَّثَ السَّاجِيُّ عَن إِبْرَاهِيمَ بْنِ زِيَادٍ الأُبُلِّيِّ عَنِ الْبُوَيْطِيِّ قَال: «سَأَلْتُ الإِمَامَ الشَّافِعِيَّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: أُصَلِّي خَلْفَ الرَّافِضِيّ 00؟

قَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: لاَ تُصَلِّ خَلْفَ الرَّافِضِيّ، وَلاَ الْقَدَرِيّ، وَلاَ المُرْجِئ؛ قُلْتُ: صِفْهُمْ لَنَا 00؟ قَال: مَنْ قَالَ الإِيمَانُ قَوْلٌ فَهُوَ مُرْجِئ، وَمَنْ قَالَ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ لَيْسَا بِإِمَامَينِ فَهُوَ رَافِضِيّ، وَمَنْ جَعَلَ المَشِيئَةَ إِلىَ نَفْسِهِ فَهُوَ قَدَرِيّ» 00 أَيْ نَفَى أَنَّ اللهَ تَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ يَهْدِي وَيُضِلُّ مَنْ يَشَاء ـ حِفْظُهُ لِصِحَّتِه: حَدَّثَ أَبُو عَوَانَةَ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال:

«مَا شَبِعْتُ مُنْذُ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً إِلاََّ مَرَّةً؛ فَأَدْخَلْتُ يَدِي فَتَقَيَّأْتُهَا؛ لأَنَّ الشِّبَعَ يُثَقِّلُ الْبَدَن، وَيُقَسِّي الْقَلْب، وَيُزِيلُ الْفِطْنَة، وَيجلِبُ النَّوْم، وَيُضْعِفُ عَنِ الْعِبَادَة» 0 ـ حِفْظُهُ لمُرُوءَتِه: قَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «لَو أَعْلَمُ أَنَّ المَاءَ الْبَارِدَ يُنْقِصُ مُرُوءَتي مَا شَرِبْتُه» 0 ـ بَعْضُ مَا لَقِيَهُ مِنَ الحَاقِدِينَ وَالحَاسِدِين:

حَدَّثَ أَبُو الشَّيْخِ الحَافِظُ وَغَيْرُهُ أَنَّ الإِمَامَ الشَّافِعِيَّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ لَمَّا دَخَلَ مِصْرَ أَتَاهُ جِلَّةُ أَصْحَابِ مَالِكٍ [أَيْ أَجِلاَّؤُهُمْ]، وَأَقْبَلُواْ عَلَيْه؛ فَلَمَّا أَنْ رَأَوهُ يُخَالِفُ مَالِكَاً وَيَنْقُضُ عَلَيْه، جَفَوهُ وَتَنَكَّرُواْ لَهُ؛ فَأَنْشَأَ غَفَرَ اللهُ لَهُ يَقُول: أَأَنْثُرُ دُرَّاً بَيْنَ سَارِحَةِ النَّعَمْ ... وَأَنْظِمُ مَنْثُورَاً لِرَاعِيَةِ الْغَنَمْ لَعَمْرِي لَئِنْ ضُيِّعْتُ في شَرِّ بَلْدَةٍ ... فلَسْتُ مُضِيعَاً بَيْنَهُمْ غُرَرَ الحِكَمْ

فَإِنْ فَرَّجَ اللَّهُ اللَّطِيفُ بِلُطْفِهِ ... وَصَادَفْتُ أَهْلاً لِلْعُلُومِ وَلِلْحِكَمْ بَثَثْتُ مُفِيدَاً وَاسْتفَدْتُ وِدَادَهُمْ ... وَإِلاََّ فَمَخْزُونٌ لَدَيَّ وَمُكْتَتَمْ وَمَنْ مَنَحَ الجُهَّالَ عِلْمَاً أَضَاعَهُ ... وَمَنْ مَنَعَ المُسْتَوْجِبينَ فَقَدْ ظَلَمْ حَدَّثَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ مَنْدَه؛ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ أَنَّ أَصْحَابَ مَالِكٍ بَلَغَ مِن حِقْدِهِمْ عَلَى الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُمْ كَانُواْ يَدْعُونَ في سُجُودِهِمْ عَلَيْهِ بِالمَوْت» 00!! ـ عَقِيدَتُهُ وَمَذْهَبُه:

رَمَاهُ شَانِئُوهُ بِالتَّشَيُّع؛ حَسَدَاً مِن عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ 00 قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «لَوْ كَانَ شِيعِيَّاً وَحَاشَاهُ؛ مِنْ ذَلِكَ لَمَا قَالَ: الخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ خَمْسَة؛ بَدَأَ بِالصِّدِّيقِ، وَخَتَمَ بِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيز» 0 حَدَّثَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِي عَن حَرْمَلَةَ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «الخُلَفَاءُ خَمْسَة: أَبُو بَكْر، وَعُمَر، وَعُثْمَان، وَعلِيّ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيز» 0

قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحمَهُ الله: «مَنْ زَعَمَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ يَتَشَيَّع: فَهُوَ مُفْتَرٍ لاَ يَدْرِي مَا يَقُول» قَالَ عَنهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «كَانَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحمَهُ اللهُ إِذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ الخَبَرُ قَلَّدَهُ، وَخَيْرُ خَصْلَةٍ كَانَتْ فِيه: لَمْ يَكُنْ يَشْتَهِي الْكَلاَم، إِنَّمَا هِمَّتُهُ الْفِقْه» 0 المَقْصُودُ بِالْكَلاَمِ هُنَا: أَيْ كَلاَمُ أَصْحَابُ الأَهْوَاءِ كَالْقَدَرِيَّةِ وَالجَهْمِيَّة 0

حَدَّثَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ محَمَّدِ بْنِ دَاوُدَ قَال: «لَمْ يُحْفَظْ في دَهْرِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ كُلِّهِ أَنَّهُ تَكَلَّمَ في شَيْءٍ مِنَ الأَهْوَاء» 0 حَدَّثَ الحُسَينُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ المَحَامِلِيُّ عَنِ المُزَنيِّ قَال: «سَأَلْتُ الإِمَامَ الشَّافِعِيَّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ مِنَ الْكَلاَمِ فَقَال: سَلْني عَنْ شَيْءٍ إِذَا أَخْطَأْتُ فِيهِ قُلْتَ أَخْطَأْت، وَلاَ تَسْأَلْني عَنْ شَيْءٍ إِذَا أَخْطَأْتُ فِيهِ قُلْتَ كَفَرْت» 0

رَوَى الهَكَّارِيُّ في «عَقِيدَةِ الشَّافِعِيِّ» بِإِسْنَادِهِ عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّدَفيِّ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَالَ عَنْ صِفَاتِ اللهِ جَلَّ وَعَلاَ: «للهِ أَسْمَاءٌ وَصِفَاتٌ جَاءَ بِهَا كِتَابُهُ، وَأَخْبَرَ بِهَا نَبِيُّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ، لاَ يَسَعُ أَحَدَاً قَامَتْ عَلَيْهِ الحُجَّةُ رَدَّهَا؛ لأَنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِهَا، وَصَحَّ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَوْلُ بِهَا؛ فَإِن خَالَفَ ذَلِكَ بَعْدَ ثُبُوتِ الحُجَّةِ

عَلَيْهِ فَهُوَ كَافِر؛ فَأَمَّا قَبْلَ ثُبُوتِ الحُجَّةِ فَمَعْذُورٌ بِالجَهْل؛ لأَنَّ عِلْمَ ذَلِكَ لاَ يُدْرَكُ بِالعَقْل، وَلاَ بِالرَّوِيَّةِ وَالفِكْر؛ وَلاَ نُكَفِّرُ بِالجَهْلِ بِهَا أَحَدَاً؛ إِلاََّ بَعْدَ انْتِهَاءِ الخَبَرِ إِلَيْهِ بِهَا، وَنُثْبِتُ هَذِهِ الصَّفَاتِ وَنَنْفِي عَنهَا التَّشْبيه؛ كَمَا نَفَاهُ عَنْ نَفْسِهِ جَلَّ وَعَلاَ فَقَال: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير ({الشُّورَى/11} ـ رَأْيُهُ فِيمَنْ قَالُواْ أَنَّ الْقُرْآنَ مخْلُوق؛ نَعُوذُ بِاللهِ مِمَّا قَالُواْ:

حَدَّثَ الحَاكِمُ عَن أَبي سَعِيدٍ بْنِ أَبي عُثْمَانَ عَنِ الحَسَنِ بْنِ صَاحِبٍ الشَّاشِيِّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْقُرْآنِ فَقَال: «الْقُرْآنُ كَلاَمُ الله؛ مَنْ قَال مَخْلُوقٌ فَقَدْ كَفَر» 0 [صَحَّحَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ إِسْنَادَهَا في سِيَرِ أَعْلاَمِ النُّبَلاَء 0 طَبْعَةِ مُؤَسَّسَةِ الرِّسَالَة 0 ص: 19/ 10] حَدَّثَ أَبُو بَكْرٍ محَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ الإِمَامُ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَال:

«كَلَّمَ الإِمَامَ الشَّافِعِيَّ حَفْصٌ الْفَرْد، فَقَالَ حَفْص: الْقُرْآنُ مَخْلُوق؛ فَقَالَ لَهُ الإِمَامُ الشَّافِعِيّ: كَفَرْتَ بِاللهِ الْعَظِيم» 0 حَدَّثَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ الْوَرَّاقُ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَال: «سَأَلَ حَفْصٌ الْفَرْدُ محمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الحَكَم: مَا تَقُولُ في الْقُرْآنِ؟ فَأَبَى أَنْ يُجِيبَهُ، فَسَأَلَ يُوسُفَ بْنَ عَمْرٍو فَلَمْ يُجِبْهُ وَأَشَارَ إِلىَ الشَّافِعِيّ، فَسَأَلَ حَفْصٌ الشَّافِعِيَّ وَاحْتَجَّ عَلَيْه [أَيْ أَلْقَى إِلَيْهِ بِمَا في يَدَيْه]؛ فَطَالَتْ مِنهُ

المُنَاظَرَة؛ فَقَامَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ بِالحُجَّةِ عَلَيْه: بِأَنَّ الْقُرْآنَ كَلاَمُ اللهِ غَيرُ مَخْلُوق، وَبِكفْرِ حَفْص» 0 حَدَّثَ الإِمَامُ ابْنُ خُزَيْمَةَ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَال: «لَمَّا كَلَّمَ الإِمَامَ الشَّافِعِيَّ حَفْصٌ الْفَرْد: قَالَ حَفْص: الْقُرْآنُ مَخْلُوق؛ فَقَالَ لَهُ الإِمَامُ الشَّافِعِيّ: كَفَرْتَ بِاللهِ الْعَظِيم» 0 حَدَّثَ اللَّخْمِيُّ عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّدَفِيِّ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال:

«إِذَا سَمِعْتَ الرَّجُلَ يَقُول: الاِسْمُ غَيْرُ المُسَمَّى، وَالشَّيْءُ غَيْرُ المُشَيّ، فَاشْهَدْ عَلَيْهِ بِالزَّنْدَقَة» حَدَّثَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَشْعَرِيُّ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «مَذْهَبي في أَهْلِ الْكَلاَمِ تَقْنِيعُ رُؤُوسِهِمْ بِالسِّيَاطِ، وَتَشْرِيدُهُمْ في الْبِلاَد» 0 حَدَّثَ الزَّعْفَرَانيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال:

«حُكْمِي في أَهْلِ الْكَلاَمِ أَنْ يُضْرَبُواْ بِالجَرِيدِ وَالنِّعَال، وَيُحْمَلُواْ عَلَى الإِبِلِ وَيُطَافُ بِهِمْ في الْعَشَائِر؛ يُنَادَى عَلَيْهِمْ: هَذَا جَزَاءُ مَنْ تَرَكَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَأَقْبَلَ عَلَى الْكَلاَم» 0 حَدَّثَ ابْنُ أَبي حَاتمٍ الْوَرَّاقُ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «لَوْ أَرَدْتُ أَن أَضَعَ عَلَى كُلِّ مُخَالفٍ كِتَابَاً لَفَعَلْت؛ وَلَكِنْ لَيْسَ الْكَلاَمُ مِنْ شَأْني، وَلاَ أُحِبُّ أَنْ يُنْسَبَ إِلَيَّ مِنهُ شَيْء» 0

ـ جَانِبٌ مِنَ اسْتِدْلاَلِهِ في الرَّدِّ عَلَى أَصْحَابِ الأَهْوَاء: حَدَّثَ الْبُوَيْطِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَالَ يَسْتَدِلُّ عَلَى أَنَّ كَلاَمَ اللهِ لَيْسَ بمَخْلُوق: «إِنَّمَا خَلَقَ اللهُ الخَلْقَ بِـ «كُن» فَإِذَا كَانَتْ «كُن» مَخْلُوقَةً؛ فَكَأَنَّ مَخْلُوقَاً خُلِقَ بِمَخْلُوق» قَالَ المُزَنيّ: «لَمَّا وَافَى الشَّافِعِيُّ مِصْرَ قُلْتُ في نَفْسِي: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُخْرِجُ مَا في ضَمِيرِي مِن أَمْرِ التَّوْحِيد: فَهُو» 0

حَدَّثَ الزَّعْفَرَانيُّ عَن عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ بَشَّارٍ الأَنْمَاطيِّ عَنِ المُزَنيِّ قَال: «كُنْتُ أَنْظُرُ في الْكَلاَمِ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ الشَّافِعِيّ؛ فَلَمَّا قَدِمَ أَتَيْتُهُ فَسَأَلْتُهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ مِنَ الْكَلاَم؛ فَقَالَ لي: تَدْرِي أَيْنَ أَنْت 00؟ قُلْتُ نَعَمْ: في مَسْجِدِ الْفُسْطَاط؛ قَالَ لي: أَنْتَ في تَارَان [قَالَ عُثْمَان: وَتَارَان: مَوْضِعٌ في بَحْرِ الْقُلْزُمِ لاَ تَكَادُ تَسْلَمُ مِنهُ سَفِينَة] ثُمَّ أَلْقَى عَلَيَّ مَسْأَلَةً في الْفِقْهِ فَأَجَبْتُ؛ فَأَدْخَلَ شَيْئَاً أَفْسَدَ جَوَابي؛

فَأَجَبْتُ بِغَيْرِ ذَلِك؛ فَأَدْخَلَ شَيْئَاً أَفْسَدَ جَوَابي، فَجَعَلْتُ كُلَّمَا أَجَبْتُ بِشَيْءٍ أَفْسَدَهُ، ثُمَّ قَالَ لي: هَذَا الْفِقْهُ الَّذِي هُوَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ يَدْخُلُهُ مِثْلُ هَذَا؛ فَكَيْفَ الْكَلاَمُ في رَبِّ الْعَالِمِينَ الَّذِي فِيهِ الزَّلَلُ كَثِير 00؟ فَتَرَكْتُ الْكَلاَمَ وَأَقْبَلْتُ عَلَى الْفِقْه» 0 حَدَّثَ عَلِيُّ بْنُ محَمَّدِ بْنِ أَبَانَ الْقَاضِي عَن أَبي يحْيىَ زَكَرِيَّا السَّاجِيِّ عَنِ المُزَنيِّ قَال:

«إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُخْرِجُ مَا في ضَمِيرِي، وَمَا تَعَلَّقَ بِهِ خَاطِرِي مِن أَمْرِ التَّوْحِيدِ فَالشَّافِعِيّ، فَصِرْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ في مَسْجِدِ مِصْر، فَلَمَّا جَثَوْتُ بَينَ يَدَيْهِ، قُلْتُ: هَجَسَ في ضَمِيرِي مَسْأَلَةٌ في التَّوْحِيد، فَعَلِمْتُ أَنَّ أَحَدَاً لاَ يَعْلَمُ عِلْمَك، فَمَا الَّذِي عِنْدَك 00؟ فَكَلَّمْتُهُ فَغَضِبَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَقَال: أَتَدْرِي أَيْنَ أَنْت 00؟ هَذَا المَوْضِعُ الَّذِي غَرِقَ فِيهِ فِرْعَوْن [أَيْ أَنْتَ الآنَ في لُجِّ الْبَحْر]

أَبَلَغَكَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِالسُّؤَالِ عَنْ ذَلِك 00؟ قُلْتُ: لاَ؛ قَال: هَلْ تَكَلَّمَ فِيهِ الصَّحَابَة 00؟ قُلْتُ: لاَ، قَال: تَدْرِي كَمْ نَجْمَاً في السَّمَاء 00؟ قُلْتُ: لاَ، قَال: فَكَوْكَبٌ مِنهَا تَعْرِفُ جِنْسَهُ أَوْ طُلُوعَهُ أَوْ أُفُولَهُ أَوْ مِمَّا خُلِق 00؟ قُلْتُ: لاَ؛ قَالَ يَرْحمَهُ الله: فَشَيْءٌ تَرَاهُ بِعَيْنِكَ مِنَ الخَلْقِ لَسْتَ تَعْرِفُه؛ تَتَكَلَّمُ في عِلْمِ خَالِقِهِ 00؟

ثمَّ سَأَلَني عَنْ مَسْأَلَةٍ في الْوُضُوءِ فَأَخْطَأْتُ فِيهَا، فَفَرَّعَهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ فَلَمْ أُصِبْ في شَيْء مِنهُ؛ فَقَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: شَيْءٌ تَحْتَاجُ إِلَيْهِ في اليَوْمِ خَمْسَ مَرَّاتٍ تَدَعُ عِلْمَهُ، وَتَتَكَلَّفُ عِلْمَ الخَالِق؛ إِذَا هَجَسَ في ضَمِيرِكَ ذَلِكَ فَارْجِعْ إِلىَ اللهِ وَإِلىَ قَوْلِهِ تعَالىَ: (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَ إِلهَ إِلاََّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيم ... إِنَّ في خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْض 000 الآيَة ({البَقَرَةُ: 163، 164}

فَاسْتَدِلَّ بِالمَخْلُوقِ عَلَى الخَالِق، وَلاَ تَتَكَلَّفْ عِلْمَ مَا لَمْ يَبْلُغْهُ عَقْلُك؛ فَتُبْت» 0 ـ قَالُواْ عَنْ قُوَّةِ حُجَّتِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ: «لَوْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَاظَرَ عَلَى أَنَّ هَذَا الْعَمُودَ الحَجَرَ خَشَبٌ لَغَلَب؛ لاَِقْتِدَارِهِ عَلَى المُنَاظَرَة» 0 قَالَ محَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الحَكَم: «مَا رَأَيْتُ الشَّافِعِيَّ يُنَاظِرُ أَحَدَاً إِلاََّ رَحِمْتُهُ، وَلَوْ رَأَيْتَ الشَّافِعِيَّ يُنَاظِرُكَ: لَظَنَنْتَ أَنَّهُ سَبْعٌ يَأْكُلُك،

وَهُوَ الَّذِي عَلَّمَ النَّاسَ الحُجَج» 0 حَدَّثَ أَبُو حَاتمٍ الرَّازِي عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الأَعْلَى عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «نَاظَرْتُ يَوْمَاً محَمَّدَ بْنَ الحَسَنِ فَاشتَدَّتْ مُنَاظَرَتي لَه؛ فَجَعَلَتْ أَوْدَاجُهُ تَنْتَفِخُ وَأَزْرَارُهُ تَنْقَطِع» ـ انْبِهَارُ شُيُوخِهِ وَمُعَاصِرِيهِ بِذَكَائِهِ وَعَبْقَرِيَّتِهِ النَّادِرَة: حَدَّثَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَالَ لَهُ:

«تَعَالَ حَتىَّ أُرِيَكَ مَنْ لَمْ يُرَ مِثْلُه؛ فَذَهَبَ بي إِلىَ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه» 0 قَالَ أَبُو عُبَيْد، وَيُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّدَفِيّ: «مَا رَأَيْتُ أَعْقَلَ مِنَ الشَّافِعِيّ» 0 وَقَالَ عَنهُ أَيْضَاً يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّدَفِيّ: «لَوْ جُمِعَتْ أُمَّةٌ لَوَسِعَهُمْ عَقْلُه» 0 حَدَّثَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الصَّاغَانيُّ عَنْ يحْيىَ بْنِ أَكْثَمَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَالَ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيّ:

«كَانَ رَجُلاً قُرَشِيَّ الْعَقْلِ وَالفَهْمِ وَالذِّهْن، صَافِيَ الْعَقْلِ وَالفَهْمِ وَالدِّمَاغ، سَرِيعَ الإِصَابَة، وَلَوْ كَانَ أَكْثَرَ سَمَاعَاً لِلْحَدِيثِ لاَسْتَغْنَتْ أُمَّةُ محَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ عَن غَيْرِهِ مِنَ الْفُقَهَاء» 0 ـ شَهَادَةُ شُيُوخِهِ لَهُ أَنَّهُ بَلَغَ مَبْلَغَ الإِفْتَاء، وَأَصْبَحَ لَهُ الحَقُّ في أَنْ تَكُونَ لَهُ حَلْقَةٌ كَالْعُلَمَاء: حَدَّثَ الرَّبِيعُ عَنِ الحُمَيْدِيِّ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ الزَّنْجيِّ أَنَّهُ قَالَ لِلشَّافِعِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُمَا:

«أَفْتِ يَا أَبَا عَبْدِ الله؛ فَقَدْ آنَ لَكَ وَاللهِ أَنْ تُفْتيَ 00 وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَة» 0 قَالَ محَمَّدُ بْنُ بِنْتِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَحمَهُ الله: «كَانَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ [وَهُوَ أَحَدُ شُيُوخِهِ] إِذَا جَاءَهُ شَيْءٌ مِنَ التَّفْسِيرِ وَالْفُتْيَا: الْتَفَتَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ إِلىَ الشَّافِعِيِّ فَقَال: سَلُواْ هَذَا» 0 ـ ثَنَاءُ الأَئِمَّهِ عَلَيْه، رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ أَبُو ثَوْرٍ الْكَلْبيّ: «مَا رَأَيْتُ مِثْلَ الشَّافِعِيّ» 0

قَالَ أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْد: «مَا ظَنَنْتُ أَنيِّ أَعِيشُ حَتىَّ أَرَى مِثْلَ الشَّافِعِيّ» 0 قَالَ مَعْمَرُ بْنُ شَبِيب: «سَمِعْتُ الخَلِيفَةَ المَأْمُونَ يَقُول: قَدِ امْتَحَنْتُ محَمَّدَ بْنَ إِدْرِيسَ في كُلِّ شَيْء؛ فَوَجَدْتُهُ كَامِلاً» ـ ثَنَاءُ الأُمَّهِ عَلَيْه، رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ حَرْمَلَةُ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «سُمِّيْتُ بِبَغْدَاد: نَاصِرَ الحَدِيث» ـ ثَنَاءُ الإِمَامِ الذَّهَبيِّ رَحِمَهُ اللهُ عَلَيْه:

قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ: «رَحِمَ اللهُ الشَّافِعِيّ، وَأَيْنَ مِثْلُ الشَّافِعِيِّ في صِدْقِهِ وَشَرَفِهِ وَنُبلِهِ وَسَعَةِ عِلْمِهِ وَفَرْطِ ذَكَائِهِ وَنَصْرِهِ لِلْحَقِّ وَكَثْرَةِ مَنَاقبِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه» 0 قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «لاَ نُلاَمُ وَاللهِ عَلَى حُبِّ هَذَا الإِمَام» 0 ـ ثَنَاءُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِِ عَلَيْه: وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ:

«مَا تَكَلَّمَ أَحَدٌ بِالرَّأْيِ إِلاَّ وَالشَّافِعِيُّ أَكْثَرُ اتِّبَاعَاً مِنهُ، وَأَقَلُّ خَطَأً مِنهُ، الشَّافِعِيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ إِمَام» حَدَّثَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ عَن إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ غَفَرَ اللهُ لَهُ قَال: «مَا كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ في هَذَا المَحَلّ، وَلَوْ عَلِمْتُ لَمْ أُفَارقْه» 0 ـ ثَنَاءُ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللهُ عَلَيْه: حَدَّثَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَالَ لَهُ:

«تَعَالَ حَتىَّ أُرِيَكَ مَنْ لَمْ يُرَ مِثْلُه؛ فَذَهَبَ بي إِلىَ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه» 0 حَدَّثَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ النَّضْرِ الأَزْدِيِّ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الشَّافِعِيِّ فَقَال: «لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنَا بِهِ، لَقَدْ كُنَّا تَعَلَّمْنَا كَلاَمَ الْقَوْمِ وَكَتَبْنَا كُتُبَهُمْ؛ حَتىَّ قَدِمَ عَلَيْنَا؛ فَلَمَّا سَمِعْنَا كَلاَمَهُ عَلِمْنَا أَنَّهُ أَعْلَمُ مِن غَيْرِه، وَقَدْ جَالَسْنَاهُ الأَيَّامَ وَاللَّيَالِيَ فَمَا رَأَيْنَا مِنهُ إِلاََّ كُلَّ خَيْر» 0

حَدَّثَ الفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «مَا أَحَدٌ مَسَّ مِحْبَرَةً وَلاَ قَلَمَاً؛ إِلاََّ وَلِلشَّافِعِيِّ في عُنُقِه مِنَّة» 0 حَدَّثَ المَرُّوذِيُّ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «إِذَا سُئِلْتُ عَنْ مَسْأَلَةٍ لاَ أَعْرِفُ فِيهَا خَبَرَاً: قُلْتُ فِيهَا بِقَولِ الشَّافِعِيّ؛ لأَنَّهُ إِمَامٌ قُرَشِيّ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال: «عَالِمُ قُرَيْشٍ يَمْلأُ الأَرْضَ عِلْمَاً

» [أَنْكَرَهُ الحُوَيْنيّ]» قَالَ عَبْدُ المَلِكِ المَيْمُونيّ: «قَالَ ليَ الْقَاضِي محَمَّدُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيّ: قَالَ لي أَحْمَد: أَبُوكَ أَحَدُ السِّتَّةِ الَّذِينَ أَدْعُو لَهُمْ سَحَرَاً» 0 قَالَ إِبْرَاهِيمُ الحَرْبيّ: «سَأَلْتُ الإِمَامَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ: مَا تَقُولُ في مَالِك؟ قَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَرَأْيٌ ضَعِيف، قُلْتُ: فَالأَوْزَاعِيّ 00؟ قَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: حَدِيثٌ ضَعِيفٌ وَرَأْيٌ ضَعِيف، قُلْتُ: فَالشَّافِعِيّ 00؟

قَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَرَأْيٌ صَحِيح» 0 وَهَذِهِ سَقْطَةٌ مِنْ سَقَطَاتِ الإِمَامِ أَحْمَدَ غَفَرَ اللهُ لَهُ في حَقِّ الإِمَامِ الأَوزَاعِيّ، مَا كُنَّا لِنَذْكُرَهَا لَوْلاَ حُبُّنَا لِلشّافِعِيّ 0 ـ مجْلِسُ الإِمَامِ الشَّافِعِيّ: حَدَّثَ أَبُو عَلِيٍّ بْنُ حَمَكَان عَن أَبي إِسْحَاقَ المُزَكَّي عَنِ ابْنِ خُزَيْمَةَ عَنِ الرَّبِيعِ قَال: «أَصْحَابُ مَالِكٍ كَانُواْ يَفْخَرُونَ فَيَقُولُون: إِنَّهُ يحْضُرُ مَجْلِسَ مَالِكٍ نَحْوٌ مِنْ سِتِّينَ مُعَمَّمَاً، وَاللهِ لَقَدْ عَدَدْتُ في مَجْلِسِ الشَّافِعِيِّ

ثَلاَثَمِاْئَةِ مُعَمَّمٍ سِوَى مَنْ شَذَّ عَنيِّ» 0 ـ قَالُواْ عَن إِخْلاَصِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ حَرْمَلَةُ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «وَدِدْتُ أَنَّ كُلَّ عِلْمٍ أُعَلِّمُهُ تَعَلَّمَهُ النَّاس: أُؤْجَرُ عَلَيْهِ وَلاَ يحْمَدُونَني» 0 حَدَّثَ أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال:

«بِودِّي أَنَّ جَمِيعَ الخَلْقِ تَعَلَّمُواْ هَذَا الْكِتَابَ [أَيِ الرِّسَالَةَ] عَلَى أَنْ لاَ يُنْسَبَ إِلَيَّ مِنهُ شَيْءٌ» 0 ـ قَالُواْ عَنْ صَلاَحِهِ وَتَقْوَاه، وَحُسْنِ عِبَادَتِهِ لله: حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ الْعَكَرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَال: «كَانَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ قَدْ جَزَّأَ اللَّيْل: فَثُلُثُهُ الأَوَّلُ يَكْتُب، وَالثَّاني يُصَلِّي، وَالثَّالِثُ يَنَام» 0 حَدَّثَ زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ عَنْ محَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَن حُسَيْنٍ الْكَرَابِيسِيِّ قَال:

«بِتُّ مَعَ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ لَيْلَةً؛ فَكَانَ يُصَلِّي نَحْوَ ثُلُثِ اللَّيْلِ، فَمَا رَأَيْتُهُ يَزِيدُ عَلَى خَمْسِينَ آيَةً، فَإِذَا أَكْثَرَ فَمِاْئَةَ آيَة، وَكَانَ لاَ يَمُرُّ بآيَةِ رَحمَةٍ إِلاََّ سَأَلَ الله عَزَّ وَجَلّ، وَلاَ بِآيَةِ عَذَابٍ إِلاََّ تَعَوَّذ» 0 حَدَّثَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ الْوَرَّاقُ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَال: «كَانَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ في شَهْرِ رَمَضَانَ سِتِّينَ خَتْمَة، كُلُّ ذَلِكَ في صَلاَة»

حَدَّثَ أَبُو بَكْرٍ بْنُ زِيَادٍ النَّيْسَابُورِيُّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَال: «كَانَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ في كُلِّ رَمَضَانَ سِتِّينَ خَتْمَة، وَفي كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثِينَ خَتْمَة» ـ قَالُواْ عَن حُسْنِ وُضُوئِهِ وَاقْتِصَادِهِ في المَاءِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ محَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الحَكَم: «مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً أَقَلَّ صَبَّاً لِلْمَاءِ في تَمَامِ التَّطَهُّرِ مِنَ الإِمَامِ الشَّافِعِيّ» 0 ـ قَالُواْ عَنْ وَرَعِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

حَدَّثَ الزُّبَيْرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ عَن إِبْرَاهِيمَ بْنِ الحَسَنِ الصُّوفِيِّ عَن حَرْمَلَةَ قَال: «سَمِعْتُ الإِمَامَ الشَّافِعِيَّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ يَقُول: مَا حَلَفْتُ بِاللهِ صَادِقَاً وَلاَ كَاذِبَاً» 0 ـ قَالُواْ عَن خَوْفِهِ مِنَ الله، رَحمَهُ الله: حَدَّثَ تَمِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ سَعِيدٍ قَال: «كُنْتُ عِنْدَ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَة؛ فَجَاءَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ فَسَلَّمَ وَجَلَس؛ فَرَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ حَدِيثَاً رَقِيقَاً؛ فَغُشِيَ عَلَى الشَّافِعِيّ؛ فَقِيل: يَا أَبَا

محَمَّد، مَاتَ محَمَّدُ بْنُ إدْرِيس؛ فَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَة: إِنْ كَانَ مَاتَ، فَقَدْ مَاتَ أَفْضَلُ أَهْلِ زَمَانِه» ـ قَالُواْ عَن حُبِّهِ لآلِ الْبَيْت، رَحمَهُ الله: حَدَّثَ الزُّبَيْرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ عَن حَمْزَةَ بْنِ عَلِيٍّ الجَوْهَرِيِّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَال: «حَجَجْنَا مَعَ الشَّافِعِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه؛ فَمَا ارْتَقَى شَرَفَاً، وَلاَ هَبَطَ وَادِيَاً: إِلاََّ وَهُوَ يَبْكِي وَيُنْشِد: إِنْ كَانَ رَفْضَاً حُبُّ آلِ محَمَّدٍ ... فَلْيَشْهَدِ الثَّقَلاَنِ أَنيِّ رَافِضِي

[الشَّرَف: هُوَ كُلُّ مَا ارْتَفَعَ مِنَ الأَرْض] 00 وَهُوَ صَاحِبُ الْبَيْتَينِ الشَِّهِيرَيْن: يا آلَ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ حُبَّكُمُ ... فَرْضٌ مِنَ اللَّهِ في القُرآنِ أَنْزَلَهُ يَكْفِيكُمُ مِن عَظِيمِ الْفَخْرِ أَنَّكُمُ ... مَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْكُمْ لاَ صَلاَةَ لَهُ ـ مَا بَلَغَهُ حُبُّهُمْ لِلإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ الإِمَامُ الإِمَامُ أَبُو دَاوُدَ [صَاحِبُ السُّنَن]: «مَا رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ [يَعْني الإِمَامَ أَحْمَد] يَمِيلُ إِلىَ أَحَدٍ مَيْلَهُ إِلىَ الإِمَامِ الشَّافِعِيّ» 0

حَدَّثَ المَرُّوذِيُّ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «إِنيِّ لأَدْعُو لِلشَّافِعِيِّ مُنْذُ أَرْبَعينَ سَنَةٍ في صَلاَتي» 0 حَدَّثَ المَيْمُونيُّ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «سِتَّةٌ أَدْعُو لَهُمْ سَحَرَاً، الشَّافِعِيُّ أَحَدُهُمُ» 0 حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ هَارُونَ الزِّنْجَانيُّ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَن أَبِيهِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ قَال:

«أَيَّ رَجُلٍ كَانَ الشَّافِعِيّ؛ فَإِنيِّ سَمِعْتُكَ تُكْثِرُ مِنَ الدُّعَاءِ لَهُ 00؟ قَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: يَا بُنيّ؛ كَانَ كَالشَّمْسِ لِلدُّنْيَا، وَكَالعَافِيَةِ لِلنَّاس؛ فَهَلْ لِهَذَيْنِ مِن خَلَف، أَوْ عَنهُمَا مِن عِوَض» 00؟ حَدَّثَ الحَارِثُ بْنُ سُرَيْجٍ عَنْ يحْيىَ الْقَطَّانِ أَنَّهُ كَانَ يخُصُّ الإِمَامَ الشَّافِعِيَّ بِالدُّعَاء» 0 حَدَّثَ الزَّعْفَرَانيُّ عَنْ يحْيىَ بْنِ مَعِينٍ عَنْ يحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال:

«أَنَا أَدْعُو اللهَ لِلشَّافِعِيِّ في صَلاَتي مُنْذُ أَرْبَعِ سِنِين» 0 حَدَّثَ أَبُو ثَوْرٍ عَن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «مَا أُصَلِّي صَلاَةً إِلاََّ وَأَنَا أَدْعُو لِلإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فِيهَا» 0 قَالَ أَبُو بَكْرٍ بْنُ خَلاََّد: «أَنَا أَدْعُو اللهَ في دُبُرِ صَلاَتي لِلإِمَامِ الشَّافِعِيّ» 0 ـ قَالُواْ عَنْ سَخَائِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

قَالَ محَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الحَكَم: «كَانَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ أَسْخَى النَّاسِ بِمَا يجِد، وَكَانَ يَمُرُّ بِنَا؛ فَإِنْ وَجَدَني، وَإِلاََّ قَال: قُولُواْ لمحَمَّدٍ إِذَا جَاءَ يَأْتي المَنْزِل؛ فَإِنيِّ لاَ أَتَغَدَّى حَتىَّ يَجِيء» حَدَّثَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ الأَصْبَهَانيُّ عَن أَبي ثَوْرٍ قَال: «كَانَ الشَّافِعِيُّ مِن أَسْمَحِ النَّاس؛ يَشْتَرِي الجَارِيَةَ الصَّنَاعَ الَّتي تَطْبُخُ وَتعْمَلُ الحَلْوَاءَ وَيَقُولُ لَنَا: اشْتَهُواْ مَا أَرَدْتُمْ» 0

حَدَّثَ الإِمَامُ أَبُو دَاوُدَ عَن أَبي ثَوْرٍ قَال: «قَلَّ مَا كَانَ يُمْسِكُ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ الشَّيْءَ مِنْ سَمَاحَتِه» 00 أَيْ لِفَرْطِ سَخَائِهِ 0 قَالَ عَمْرُو بْنُ سَوَّاد: «كَانَ الشَّافِعِيُّ أَسْخَى النَّاسِ عَلَى الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالطَّعَام» قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَان: «كَانَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحمَهُ اللهُ مَارَّاً بِالحَذَّائِين؛ فَسَقَطَ سَوْطُه؛ فَوَثَبَ غُلاَمٌ وَمَسَحَهُ بِكُمِّهِ وَنَاوَلَهُ إِيَّاه؛ فَأَعْطَاهُ رَحمَهُ اللهُ سَبْعَةَ دَنَانِير» 0

قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَان: «تَزَوَّجْتُ؛ فَسَأَلَني الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ كَمْ أَصْدَقْتَهَا 00؟ قُلْتُ: «ثَلاَثِينَ دِينَارَاً، عَجَّلْتُ مِنهَا سِتَّةً» فَأَعْطَاني أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ دِينَارَاً» 0 حَدَّثَ أَبُو جَعْفَرٍ التِّرْمِذِيُّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَال يحْكِي عَنْ سَخَاءِ الإِمَامِ الشَّافِعِيّ: «نَاولَهُ إِنْسَانٌ رُقْعَةً يَقُولُ فِيهَا: إِنَّني بَقَّالٌ رَأْسُ مَالي دِرْهَم، وَقَدْ تَزَوَّجْتُ فَأَعِنيِّ؛ فَقَال: يَا رَبِيع، أَعْطِهِ ثَلاَثِينَ دِينَارَاً، وَاعْذِرْني عِنْدَه؛ فَقُلْتُ:

أَصْلَحَكَ الله؛ إِنَّ هَذَا يَكْفِيهِ عَشرَةُ دَرَاهِمْ؛ فَقَالَ رَحمَهُ الله: وَيْحَك؛ وَمَا يَصْنَعُ بِثَلاَثِين؟! أَفي كَذَا، أَمْ في كَذَا؟! يَعُدُّ مَا يَصْنَعُ في جِهَازِهِ أَعْطِه» حَدَّثَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ الْوَرَّاقُ عَن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ محَمَّدِ بْنِ رَوْحٍ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْقُرَشِيِّ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الخَلِيفَةَ هَارُونَ الرَّشِيدَ أَمَرَ لَكَ بخَمْسَةِ آلاَفِ دِينَار؛ فَدَعَا بِحَجَّامٍ فَأَخَذَ شَعْرَهُ؛ فَأَعْطَاهُ رَحمَهُ اللهُ خَمْسِينَ دِينَارَاً، ثمَّ

أَخَذَ رِقَاعَاً فَصَرَّ صُررَاً وَفَرَّقَهَا في الْقُرَشِيِّينَ الَّذِينَ هُمْ بِالحَضْرَةِ وَمَنْ بِمَكَّة؛ حَتىَّ مَا رَجَعَ إِلىَ بَيْتِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ إِلاََّ بِأَقَلَّ مِنْ مِاْئَةِ دِينَار» حَدَّثَ أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ أَنَّهُ قَال: «قَدِمَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ صَنْعَاءَ وَمَعَهُ عَشْرَةُ آلاَفِ دِينَار؛ فضُرِبَتْ لَهُ خَيْمَةٌ، فَجَاءَ قَوْمٌ فَسَأَلُوه؛ فَمَا قُلِعَتِ الخَيْمَةُ وَمَعَهُ مِنهَا شَيْءٌ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه» 0

ـ قَالُواْ عَنْ نُبْلِهِ وَشَهَامَتِهِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: قَالَ يُونُسُ الصَّدَفِيّ: «مَا رَأَيْتُ أَعْقَلَ مِنَ الشَّافِعِيّ؛ نَاظَرْتُهُ يَوْمَاً في مَسْأَلَةٍ ثمَّ افْتَرَقْنَا، وَلَقِيَني فَأَخَذَ بِيَدِي ثُمَّ قَال: يَا أَبَا مُوسَى؛ أَلاَ يَسْتَقِيمُ أَنْ نَكُونَ إِخْوَانَاً وَإِنْ لَمْ نَتَّفِقْ في مَسْأَلَة» ـ قَالُواْ عَنْ مرَضِهِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: حَدَّثَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِي عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّدَفيِّ قَال: «مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً لَقِيَ مِنَ السُّقْمِ مَا لَقِيَ الإِمَامُ الشَّافِعِيّ» 0

حَدَّثَ أَبُو بَكْرٍ بْنُ زِيَادٍ النَّيْسَابُورِيُّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَال: «كَانَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ يُحَدِّثُ وَطَسْتٌ تَحْتَه» 0 ـ قَالُواْ عَنْ مُؤَلَّفَاتِه: حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْفَرَجِيُّ عَن عَلِيِّ بْنِ المَدِينيِّ [شَيْخِ الإِمَامِ البُخَارِيّ] أَنَّهُ قَال: «عَلَيْكُمْ بِكُتُبِ الشَّافِعِيّ» 0 حَدَّثَ أَبُو بَكْرٍ الصَّوْمَعِيُّ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «صَاحِبُ الحَدِيثِ لاَ يَشْبَعُ مِنْ كُتُبِ الشَّافِعِيّ» 0

قَالَ يحْيىَ بْنُ مَنْصُورٍ الْقَاضِي: «سَأَلْتُ إِمَامَ الأَئِمَّةِ أَبَا بَكْرٍ محَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: هَلْ تَعْرِفُ سُنَّةً لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحَلاَلِ وَالحَرَامِ لَمْ يُودِعْهَا الشَّافِعِيُّ كُتُبَه؟ قَال: لاَ» 0 قَالَ محَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ وَارَة: «سَأَلْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ: مَا تَرَى في كُتُبِ الشَّافِعِيِّ الَّتي عِنْدَ الْعِرَاقِيِّين، أَهِيَ أَحَبُّ إِليَكَ أَوِ الَّتي بِمِصْر 00؟

قَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: عَلَيْكَ بِالكُتُبِ الَّتي عَمِلَهَا بِمِصْر؛ فَإِنَّهُ وَضَعَ هَذِهِ الْكُتُبَ بِالعِرَاقِ وَلَمْ يُحْكِمْهَا، ثُمَّ رَجَعَ إِلىَ مِصْرَ فَأَحْكَمَ تِلْك» 0 حَدَّثَ عَبْدُ اللهِ بْنُ نَاجِيَةَ الحَافِظُ عَنْ محَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ وَارَةَ قَال: «قَدِمْتُ مِنْ مِصْرَ، فَأَتَيْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ فَقَالَ لي: كَتَبْتَ كُتُبَ الشَّافِعِيّ 00؟

قُلْتُ: لاَ، قَال: فَرَّطْتَ، مَا عَرَفْنَا الْعُمُومَ مِنَ الخُصُوص، وَنَاسِخَ الحَدِيثِ مِنْ مَنْسُوخِهِ؛ حَتىَّ جَالَسْنَا الشَّافِعِيّ؛ فَحَمَلَني ذَلِكَ عَلَى الرُّجُوعِ إِلىَ مِصْرَ فَكَتَبْتُهَا» 0 حَدَّثَ الإِمَامُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّدَفِيِّ عَن أَبي الْعَبَّاسِ الأَصَمِّ أَنَّهُ قَال: «قَالَ أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ النَّيْسَابُورِيّ: تَزَوَّجَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْه بِامْرَأَةِ رَجُلٍ كَانَ عِنْدَهُ كُتُبُ الشَّافِعِيِّ مَات؛ لَمْ يَتَزَوَّجْ بِهَا إِلاََّ لِلْكُتُب» 0

ـ بَعْضُ نَوَادِرِه: قَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «مَا أَفْلَحَ سَمِينٌ قَطّ؛ إِلاََّ أَنْ يَكُونَ محَمَّدَ بْنَ الحَسَن؛ قِيلَ: وَلَمَ 00؟! قَالَ رَحمَهُ الله: لأَنَّ الْعَاقِلَ لاَ يَعْدُو مِن إِحْدَى خَلَّتَين: إِمَّا يَغْتَمُّ لآخِرَتِه، أَوْ لِدُنْيَاه، وَالشَّحْمُ مَعَ الْغَمِّ لاَ يَنْعَقِد» ـ بَعْضُ أَقْوَالِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ ابْنُ أَبي حَاتمٍ الْوَرَّاقُ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال:

«قِرَاءَةُ الحَدِيثِ خَيْرٌ مِنْ صَلاَةِ التَّطَوُّع، وَقَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: طَلَبُ الْعِلْمِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاَةِ النَّافلَة» حَدَّثَ زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ، عَنِ الْبُوَيْطِيِّ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «عَلَيْكُمْ بِأَصْحَابِ الحَدِيثِ فَإِنَّهُمْ أَكْثَرُ النَّاسِ صَوَابَاً» 0 حَدَّثَ الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَالَ لأَصْحَابِ الحَدِيث: «أَنْتُم الصَّيَادِلَة، وَنَحْنُ الأَطِبَّاء» 0

وَيُرْوَى بِطَرِيقَيْنِ عَنِ الْبُوَيْطِيِّ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «إِذَا رَأَيْتُ رَجُلاً مِن أَصْحَابِ الحَدِيث: فَكَأَنيِّ رَأَيْتُ رَجُلاً مِن أَصْحَابِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، جَزَاهُمُ اللهُ خَيْرَاً؛ هُمْ حَفِظُواْ لَنَا الأَصْل؛ فَلَهُمْ عَلَيْنَا الْفَضْل» 0 وَيُرْوَى عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «لَوْلاَ المَحَابر؛ لَخَطَبَتِ الزَّنَادقَةُ عَلَى المَنَابر» 0

قَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «عَلاَمَةُ الصَّدِيقِ أَنْ يَكُونَ لِصَدِيقِ صَدِيقِهِ صَدِيقَاً» قَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «مَنْ نَمَّ لَكَ، نَمَّ عَلَيْك» 0 حَدَّثَ الزُّبَيْرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ عَن أَبي بَكْرٍ محَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَال: «قَالَ ليَ الإِمَامُ الشَّافِعِيّ: عَلَيْكَ بِالزُّهْد؛ فَإِنَّ الزُّهْدَ عَلَى الزَّاهِد: أَحْسَنُ مِنَ الحُلِيِّ عَلَى المَرْأَة»

حَدَّثَ مُوسَى بْنُ سَهْلٍ الجَوْنيُّ عَن أَحْمَدَ بْنِ صَالحٍ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «تَعَبَّدْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَرَأَّس [أَيْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَشْتَهِر]؛ فَإِنَّكَ إِنْ تَرَأَّسْتَ لَمْ تَقْدِرْ أَنْ تَتَعَبَّدْ» 0 حَدَّثَ الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «المِرَاءُ في الدِّينِ يُقَسِّي الْقَلْبَ، وَيُورِثُ الضَّغَائِن» 0 حَدَّثَ المُزَنيُّ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَالَ لأَصْحَابِ الحَدِيث:

«مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ عَظُمَتْ قِيمَتُه، وَمَنْ تَكَلَّمَ في الْفِقْهِ نَمَا قَدْرُه، وَمَنْ كَتَبَ الحَدِيثَ قَوِيَتْ حُجَّتُه، وَمَنْ نَظَرَ في اللُّغَةِ [أَيِ في الشِّعْرِ وَالأَدَبِ وَالرَّقَائِقِ] رَقَّ طَبْعُه، وَمَنْ نَظَرَ في الحِسَابِ جَزُلَ رَأْيُه، وَمَنْ لَمْ يَصُنْ نَفْسَهُ لَمْ يَنْفَعْهُ عِلْمُه» 0 قَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «بِئْسَ الزَّادُ إِلىَ المَعَاد: الْعُدْوَانُ عَلَى الْعِبَاد» 0 قَالَ جَلَّ وَعَلاَ: (وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ المُعْتَدِين ({البَقَرَة/190}

عَنْ يَزِيدَ بْنِ شَجَرَةَ الرَّهَاوِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَال: «لجَهَنَّمَ سَاحِلٌ كَسَاحِلِ الْبَحْر، فِيهِ هَوَامٌّ وَحَيَّاتٌ كَالنَّخْل، وَعَقَارِبُ كَالْبِغَال، فَإِذَا اسْتَغَاثَ أَهْلُ جَهَنَّمَ أَنْ يُخَفَّفَ عَنهُمْ؛ قِيلَ اخْرُجُواْ إِلىَ السَّاحِل؛ فَيَخْرُجُونَ فَيَأْخُذُ الهَوَامُّ بِشِفَاهِهِمْ وَوُجُوهِهِمْ وَمَا شَاءَ اللهُ فَتَكْشُطُهَا؛ فَيَسْتَغِيثُونَ فِرَارَاً مِنهَا إِلىَ النَّار، وَيُسَلَّطُ عَلَيْهِمُ الجَرَب؛ فَيَحُكُّ الْوَاحِدُ جِلْدَهُ حَتىَّ يَبْدُوَ الْعَظْم؛ فَيُقَالُ لأَحَدِهِمْ: يَا فُلاَن؛ هَلْ

يُؤْذِيكَ هَذَا 00؟ فَيَقُولُ نَعَمْ؛ فَيُقَالُ لَه: ذَلِكَ بِمَا كُنْتَ تُؤْذِي المُؤْمِنِين» 0 [صَحَّحَهُ الْعَلاَّمَةُ الأَلْبَانيُّ في صَحِيحِ التَّرْغِيب ح 0 ر: 3677، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَك، وَالأَصْبَهَانيُّ في التَّرْغِيب] حَدَّثَ الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ المُؤَذِّنُ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «لاَ يَبْلُغُ في هَذَا الشَّأْنِ رَجُلٌ حَتىَّ يُضِرَّ بِهِ الْفَقْرُ وَيُؤْثِرَهُ عَلَى كُلِّ شَيْء» 0

قَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «اللَّبِيبُ الْعَاقِل: هُوَ الْفَطِنُ المُتَغَافِل» 0 حَدَّثَ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّدَفِيُّ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «لَيْسَ إِلىَ السَّلاَمَةِ مِنَ النَّاسِ سَبِيل؛ فَانْظُرِ الَّذِي فِيهِ صَلاَحُكَ فَالْزَمْهُ» 0 حَدَّثَ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّدَفِيُّ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال:

«رِضَى النَّاسِ غَايَةٌ لاَ تُدْرَك، وَلَيْسَ إِلىَ السَّلاَمَةِ مِنهُمْ سَبِيل؛ فَعَلَيْكَ بِمَا يَنْفَعُكَ فَالْزَمْهُ» 0 حَدَّثَ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «الاِنْقِبَاضُ عَنِ النَّاسِ مَكْسَبَةٌ لِلْعَدَاوَة، وَالاِنبِسَاطُ إِلَيْهِمْ مَجْلَبَةٌ لقُرَنَاءِ السُّوء؛ فَكُنْ بَينَ المُنْقَبِضِ وَالمُنْبَسِط» 0 قَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «سِيَاسَةُ النَّاسِ أَشَدُّ مِنْ سِيَاسَةِ الدَّوَابّ» 0

حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ فَهْدٍ المِصْرِيُّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «مَنِ اسْتُغْضِبَ فَلَمْ يَغْضَبْ؛ فَهُوَ حِمَار، وَمَنِ اسْتُرْضِي فَلَمْ يَرْضَ فَهُوَ شَيْطَان» 0 قَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «مَا رَفَعْتُ مِن أَحَدٍ فَوقَ مَنْزِلَتِهِ؛ إِلاََّ وَضَعَ مِنيِّ بِمِقْدَارِ مَا رَفَعْتُ مِنهُ» 0 إِذَا أَنْتَ أَكْرَمْتَ الكَرِيمَ مَلَكْتَهُ ... وَإِن أَنْتَ أَكْرَمْتَ اللَّئِيمَ تمَرَّدَا {المُتَنَبيِّ}

وَمَنْ يَجْعَلِ المَعْرُوفَ في غَيْرِ أَهْلِهِ ... يَكُن حَمْدُهُ ذَمَّاً عَلَيْهِ وَيَنْدَمِ {زُهَيرُ بْنُ أَبي سُلْمَى} حَدَّثَ الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «تَجَاوَزَ اللهُ عَمَّا في الْقُلُوب، وَكَتَبَ عَلَى النَّاسِ الأَفْعَالَ وَالأَقَاوِيل» 0 حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ يحْيىَ بْنِ آدَمَ عَنِ ابْنِ عَبْدِ الحَكَمِ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال:

«لَوْ عَلِمَ النَّاسُ مَا في الْكَلاَمِ وَالأَهْوَاء: لَفَرُّواْ مِنهُ كَمَا يَفِرُّونَ مِنَ الأَسَد» 0 حَدَّثَ جَمَاعَةٌ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «لأَنْ يَلْقَى اللهَ الْعَبْدُ بِكُلِّ ذَنْبٍ إِلاََّ الشِّرْك: خَيْرٌ مِن أَنْ يَلْقَاهُ بِشَيْءٍ مِنَ الأَهوَاء» 0 حَدَّثَ ابْنُ أَبي حَاتمٍ الْوَرَّاقُ عَنْ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى أَنَّهُ قَالَ لِلإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه:

صَاحِبُنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ يَقُول: «لَوْ رَأَيْتَ صَاحِبَ هَوَىً يَمْشِي عَلَى المَاءِ مَا قَبِلْتُه» 0 فَقَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «لَوْ رَأَيْتُهُ يَمْشِي في الهَوَاءِ، لَمَا قَبِلْتُه» 0 حَدَّثَ صَالِحُ بْنُ محَمَّدٍ جَزَرَةُ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ قَال: «لاَ أَعْلَمُ عِلْمَاً بَعْدَ الحَلاَلِ وَالحَرَامِ أَنْبَلَ مِنَ الطِّبّ، إِلاََّ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ غَلَبُونَا عَلَيْه» 0

حَدَّثَ أَبُو سَعِيدٍ بْنُ يُونُسَ عَنِ الحُسَينِ بْنِ محَمَّدِ بْنِ الضَّحَّاكِ الْفَارِسِيِّ عَنِ المُزَنيِّ قَال: «سَمِعْتُ الإِمَامَ الشَّافِعِيَّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ قَال: أَيُّمَا أَهْلُ بَيْتٍ لَمْ يَخْرُجْ نِسَاؤُهُمْ إِلىَ رِجَالِ غَيْرِهِمْ، وَرِجَالُهُمْ إِلىَ نِسَاءِ غَيْرِهِمْ؛ إِلاََّ وَكَانَ في أَوْلاَدِهِمْ حُمْق» 0 ـ بَعْضُ كَلِمََاتِهِ، يَوْمَ وَفََاتِهِ، رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

حَدَّثَ الإِمَامُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ عَنِ المُزَنيِّ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ أَنْشَدَ وَهُوَ عَلَى فِرَاشِ المَوْت: وَلَمَّا قَسَا قَلْبي وَضَاقَتْ مَذَاهِبي ... جَعَلْتُ رَجَائِي دُونَ عَفْوِكَ سُلَّمَا تَعَاظَمَني ذَنْبي فَلَمَّا قَرَنْتُهُ ... بِعَفْوِكَ رَبيِّ كَانَ عَفْوُكَ أَعْظَمَا فَمَا زِلْتَ ذَا عَفْوٍ عَنِ الذَّنْبِ لَمْ تَزَلْ ... تَجُودُ وَتَعْفُو مِنَّةً وَتَكَرُّمَا فَإِنْ تَنْتَقِمْ مِنيِّ فَلَسْتُ بِيَائِسٍ ... وَلَوْ دَخَلَتْ نَفْسِي بِجُرْمِي جَهَنَّمَا

ـ قَالُواْ عَنْ كَرَامَاتِهِ، في حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ، وَمَنْ رَآهُ في مَنَامَاتِهِ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ الحَكَم: «لَمَّا حَمَلَتْ وَالِدَةُ الشَّافِعِيِّ بِهِ؛ رَأَتْ كَأَنَّ المُشْتَرِي خَرَجَ مِنْ فَرْجِهَا، حَتىَّ انْقَضَّ بِمِصْرَ، ثمَّ وَقَعَ في كُلِّ بَلْدَةٍ مِنهُ شَظِيَّةٌ، فَتَأَوَلَّهُ المُعَبِّرُونَ أَنَّهَا تَلِدُ عَالِمَاً، يَخُصُّ عِلْمَهُ أَهْلَ مِصْر، ثُمَّ يَتَفَرَّقُ في الْبُلْدَان» 0

الليث بن سعد

اللَّيْثُ بْنُ سَعْد هُوَ الإِمَامُ الحَافِظُ شَيْخُ الإِسْلاَمِ وَعَالِمُ الدِّيَارِ المِصْرِيَّة: اللَّيْثُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْفَهْمِيّ، كُنيَتُهُ: أَبُو الحَارِثِ الْفَهْمِيّ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْفُرسِ مِن أَهْلِ أَصْبَهَان، وَلاَ مُنَافَاةَ بَيْنَ الْقَوْلَيْن 0 وُلِدَ سَنَةَ 94 هـ بِقَرْقَشَنْدَة [بَلْدَةٌ مِصْرِيَّة تَقَعُ جَنُوبَ مَدِينَةِ طُوخ؛ بمُحَافَظَةِ الْقَلْيُوبِيَّة، وَقِيلَ قَلْقَشَنْدَة، وَإِلَيْهَا يُنْسَبُ أَيْضَاً أَبُو الْعَبَّاسِ الْقَلْقَشَنْدِيّ: صَاحِبُ صُبْحِ الأَعْشَى] وَتُوُفِّيَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ سَنَةَ 175 هـ، لَيْلَةَ الجُمُعَةِ لِلنِّصْفِ مِنْ شَعْبَان 0

ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: عَطَاءَ بْنَ أَبي رَبَاح، وَابْنَ أَبي مُلَيْكَة، وَنَافِعَاً مَوْلىَ ابْنِ عُمَر، وَسَعِيدَ بْنَ أَبي سَعِيدٍ المَقْبُرِيّ، وَابْنَ شِهَابٍ الزُّهْرِيّ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِم، وَالحَارِثَ بْنَ يَعْقُوب، وَهِشَامَ بْنَ عُرْوَة، وَصَفْوَانَ بْنَ سُلَيْم، وَأَبَا الزِّنَاد، وَقَتَادَة، وَمحَمَّدَ بْنَ يحْيىَ بْنِ حَبَّان، وَيحْيىَ بْنَ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيَّ 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: رَوَى عَنهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْهُمُ ابْنُ عَجْلاَنَ [شَيْخُهُ]، وَابْنُ لَهِيعَة، وَهُشَيْم، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْب، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَك، وَعَطَّافُ بْنُ خَالِد، وَالقَعْنَبيّ، وَسَعِيدُ بْنُ أَبي مَرْيم، وَيحْيىَ بْنُ يحْيىَ اللَّيْثِيّ، وَيحْيىَ بْنُ يحْيىَ التَّمِيمِيّ، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيد، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ التِّنِّيسِيّ، وَعِيسَى بْنُ حَمَّاد، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ الْكَاتِب، وَعَمْرُو بْنُ خَالِد، وَمحَمَّدُ بْنُ رُمْح 0

ـ قَالُواْ عَنْ صِفَاتِهِ الشَّكْلِيَّة رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «كَانَ اللَّيْثُ أَكْبَرَ مِنِ ابْنِ لَهِيعَةَ بِثَلاَثِ سِنِين؛ وَإِذَا نَظَرْتَ تَقُول: ذَا ابْنٌ، وَذَا أَبٌ» 00 يَعْني أَنَّ اللَّيْثَ ابْنٌ، وَابْنَ لَهِيعَةَ أَبُوه 0 ـ بَعْضُ صِفَاتِهِ الأُخْرَى رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ يحْيىَ بْنُ بُكَيْرٍ رَحْمَهُ الله: «كَانَ اللَّيْثُ فَقِيهَ الْبَدَن [أَيْ لَهُ هَيْئَةُ الْفُقَهَاء] عَرَبيَّ اللِّسَان، يُحْسِنُ الْقُرْآنَ وَالنَّحْوَ، وَيَحْفَظُ الحَدِيثَ وَالشِّعْر

، حَسَنَ المُذَاكَرَة 000 فَمَا زَالَ يَذْكُرُ خِصَالاً جَمِيلَةً، وَيَعْقِدُ بيَدِهِ، حَتىَّ عَقَدَ عَشْرَة: لَمْ أَرَ مِثْلَه» 0 ـ هِمَّتُهُ وَنِيَّتُهُ في طَلَبِ الْعِلْم، وَجِدُّهُ في ذَلِك: رَوَى يحْيىَ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «كَتَبْتُ مِن عِلْمِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ عِلْمَاً كَثِيرَاً، وَطَلَبْتُ رُكُوبَ الْبَرِيدِ إِلَيْهِ إِلىَ الرُّصَافَة؛ فَخِفْتُ أَنْ لاَ يَكُونَ ذَلِكَ للهِ جَلَّ وَعَلاَ فَتَرَكْتُه» 0 ـ قَالُواْ عَنْ سَعَةِ عِلْمِهِ:

حَدَّثَ عَبْدُ المَلِكِ بْنُ شُعَيْبٍ عَن أَبِيهِ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ قَال: «قِيلَ لِلَّيْث: أَمْتَعَ اللهُ بِك، إِنَّا نَسْمَعُ مِنْك الحَدِيثَ لَيْسَ في كُتُبِك 00؟ فَقَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: أَوَ كُلُّ مَا في صَدْرِي في كُتُبي 00؟ لَوْ كَتَبْتُ مَا في صَدْرِي؛ مَا وَسِعَهُ هَذَا المَرْكَب» 0 حَدَّثَ الْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «لَيْثٌ كَثِيرُ الْعِلْم، صَحِيحُ الحَدِيث» 0 ـ قَالُواْ عَنْ فِقْهِهِ:

حَدَّثَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «اللَّيْثُ أَفْقَهُ مِنْ مَالِك؛ إِلاََّ أَنَّ أَصْحَابَه لَمْ يَقُومُواْ بِهِ» 0 حَدَّثَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي عَنْ يحْيىَ بْنِ بُكَيْرٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «اللَّيْثُ أَفْقَهُ مِنْ مَالِك، وَلَكِنَّ الحُظْوَةَ لِمَالِكٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه» 0 حَدَّثَ يحْيىَ بْنُ بُكَيْرٍ عَن عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ محَمَّدٍ:

«رَأَيْتُ اللَّيْثَ عِنْدَ رَبِيعَةَ يُنَاظِرُهُمْ في المَسَائِلِ وَقَدْ فَرْفَرَ أَهْلَ الحَلْقَة» 0 ـ قَالُواْ عَنِ حِفْظِهِ وَتَوْثِيقِهِ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ المَدِينيّ [شَيْخُ الإِمَامِ البُخَارِيّ]: «اللَّيْثُ ثَبْت» 0 وَقَالَ عَنهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «هُوَ ثَبْتٌ في حَدِيثِهِ جِدَّاً» 0 حَدَّثَ أَحْمَدُ بْنُ سَعْدٍ الزُّهْرِيُّ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «اللَّيْثُ ثِقَةٌ ثَبْت» 0

حَدَّثَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ عَن أَبِيهِ قَال: «أَصَحُّ النَّاسِ حَدِيثَاً عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ لَيْثُ بْنُ سَعْد» 0 وَقَالَ عَنهُ الإِمَامُ النَّسَائِيُّ وَالْعِجْلِيّ: «اللَّيْثُ ثِقَة» 0 وَقَالَ عَنهُ ابْنُ خِرَاشٍ: «صَدُوقٌ صَحِيحُ الحَدِيث» 0 حَدَّثَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَن أَبِيهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «أَصَحُّ النَّاسِ حَدِيثَاً عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيّ: اللَّيْثُ بْنُ سَعْد رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه؛ يَفْصِلُ مَا رَوَى عَن أَبي

هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، وَمَا عَن أَبِيهِ عَن أَبي هُرَيْرَة» 0 حَدَّثَ سَعِيدُ بْنُ أَبي مَرْيَمَ عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «قَدِمْتُ مَكَّة، فَجِئْتُ أَبَا الزُّبَيْر؛ فَدَفَعَ إِلَيَّ كِتَابَيْن؛ فَانْقَلْبْتُ بِهِمَا 00 ثُمَّ قُلْتُ: لَوْ عَاوَدْتُهُ فَسَأَلتُهُ: أَسَمِعْتَ هَذَا كُلَّهُ مِنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنه 00؟ فَقَال: مِنهُ مَا سَمِعْتُهُ، وَمِنهُ مَا حُدِّثْتُ بِهِ؛ فَقُلْتُ لَهُ: عَلِّمْ لي عَلَى مَا سَمِعْت 00؟

فَعَلَّمَ لي عَلَى هَذَا الَّذِي عِنْدِي» 0 ـ عَقِيدَتُهُ وَمَذْهَبُه: رَوَى أَبُو بَكْرٍ الخَلاََّلُ عَن أَحْمَدَ بْنِ محَمَّدٍ عَنِ الهَيْثَمِ بْنِ خَارِجَةَ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَال: «سَأَلْتُ مَالِكَاً وَالثَّوْرِيَّ وَاللَّيْثَ وَالأَوْزَاعِيَّ عَنِ الأَخْبَارِ الَّتي في الصِّفَاتِ فَقَالُواْ: أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءَتْ» ـ ثَنَاءُ الأَئِمَّهِ عَلَيْه، وَانْبِهَارُهُمْ بِعَبْقَرِيَّتِهِ النَّادِرَة: وَرَوَى عَبْدُ المَلِكِ بْنُ يحْيىَ بْنِ بُكَيْرٍ عَن أَبِيهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال:

«مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً أَكمَلَ مِنَ اللَّيْث» 0 حَدَّثَ أَبُو إِسْحَاقَ الهَرَوِيُّ عَنِ الإِمَامِ الدَّارِمِيِّ عَنْ يحْيىَ بْنِ بُكَيْرٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «لَمْ أَرَ مِثْلَ اللَّيْث» 0 حَدَّثَ سَعِيدٌ الآدَمُ عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ كَثِيرٍ قَال: «اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ سَيِّدُنَا وَإِمَامُنَا وَعَالِمُنَا» 0 حَدَّثَ الحَسَنُ بْنُ يُوسُفَ الطَّرَائِفِيُّ عَن الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ وَهْبٍ قَال: «لَوْلاَ مَالِكُ بْنُ أَنَس، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْد؛ لَضَلَّ النَّاس» 0

حَدَّثَ أَحْمَدُ الأَبَّارُ عَن أَبي طَاهِرٍ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ وَهْبٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «لَوْلاَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ هَلَكْت؛ كُنْتُ أَظُنُّ كُلَّ مَا جَاءَ عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفْعَلُ بِه» 0 أَيْ عَرَفَ بِهِمَا النَّاسِخَ وَالمَنْسُوخ، وَالْعَامَّ وَالخَاصّ، وَالمجْمَلَ وَالمُبَيَّن 0 ـ ثَنَاءُ الإِمَامِ أَحْمَدَ عَلَيْه: حَدَّثَ الإِمَامُ أَبُو دَاوُدَ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال:

«لَيْسَ في المِصْرِيِّينَ أَصَحُّ حَدِيثَاً مِنَ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه» 0 ـ ثَنَاءُ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَلَيْه: حَدَّثَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «اللَّيْثُ أَفْقَهُ مِنْ مَالِك؛ إِلاََّ أَنَّ أَصْحَابَه لَمْ يَقُومُواْ بِهِ» 0 حَدَّثَ حَرْملَةُ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «اللَّيْث أَتْبَعُ لِلأَثَرِ مِنْ مَالِكٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمَا» 0

قَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «الْعِلْمُ يَدُورُ عَلَى ثَلاَثَة: مَالِكِ بْنِ أَنَس، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَة رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمْ» 0 حَدَّثَ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّدَفِيُّ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «مَا فَاتَني أَحَدٌ كَانَ أَشَدَّ عَلَيَّ مِنَ اللَّيْثِ وَابْنِ أَبي ذِئْب، وَاللَّيْثُ أَتْبَعُ لِلأَثرِ مِنْ مَالِك» 0 ـ ثَنَاءُ الإِمَامِ مَالِكٍ عَلَيْه:

حَدَّثَ هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ وَهْبٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «كُلُّ مَا كَانَ في كُتُبِ مَالِكٍ «وَأَخْبَرَني مَن أَرْضَى مِن أَهْلِ الْعِلْمِ» فَهُوَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ» 0 عَن أَبي صَالِحٍ كَاتِبِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «كُنَّا عَلَى بَابِ مَالِك، فَامْتَنَعَ عَنِ الحَدِيث؛ فَقُلْتُ: مَا يُشْبُهُ هَذَا صَاحِبَنَا 00؟ فَسَمِعَهَا مَالِكٌ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه؛ فَأَدْخَلَنَا وَقَال: مَنْ صَاحِبُكُمْ 00؟

قُلْتُ: اللَّيْث؛ قَال: تُشَبِّهُونَنَا بِرَجُلٍ: كَتَبْتُ إِلَيْهِ في قَلِيلِ عُصْفُرٍ نَصْبُغُ بِهِ ثِيَابَ صِبْيَانِنَا؛ فَأَنفَذَ مِنهُ مَا بِعْنَا فَضْلَتَهُ بِأَلْفِ دِينَار» 0 ـ مَنْ فَاضَلُواْ بَيْنَهُ وَبَينَ الإِمَامِ مَالِك، وَفي كُلٍّ خَير: حَدَّثَ حَرْملَةُ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «اللَّيْث أَتْبَعُ لِلأَثَرِ مِنْ مَالِكٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمَا» 0 حَدَّثَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال:

«اللَّيْثُ أَفْقَهُ مِنْ مَالِك؛ إِلاََّ أَنَّ أَصْحَابَه لَمْ يَقُومُواْ بِهِ» 0 حَدَّثَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي عَنْ يحْيىَ بْنِ بُكَيْرٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «اللَّيْثُ أَفْقَهُ مِنْ مَالِك، وَلَكِنَّ الحُظْوَةَ لِمَالِكٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه» 0 وَرَوَى الخَطِيبُ في تَارِيخِهِ عَنْ محَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ يحْيىَ بْنِ بُكَيْرٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال:

«أُخْبِرْتُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبي أَيُّوبَ أَنَّهُ قَال: لَوْ أَنَّ مَالِكَاً وَاللَّيْثَ اجْتَمَعَا، لَكَانَ مَالِكٌ عِنْد اللَّيْثِ أَخْرَس، وَلَبَاعَ اللَّيْثُ مَالِكَاً فِيمَنْ يَزِيد» 00 أَيْ بَاعَهُ بَيْعَ الْعَبيد؛ كِنَايَةٌ عَنْ تَفَاوُتِ المَنْزِلَةِ بَيْنَهُمَا ـ إِعْجَابُ الخَلِيفَةِ أَبي جَعْفَرٍ المَنْصُورِ بِهِ وَثَنَاؤُهُ عَلَيْه: حَدَّثَ يحْيىَ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَن أَبِيهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال:

«لَمَّا وَدَّعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ المَنْصُورَ بِبَيْتِ المَقْدِسِ قَال: أَعْجَبَني مَا رَأَيْتُ مِنْ شِدَّةِ عَقْلِك، وَالحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ في رَعِيَّتي مِثْلَك» 0 ـ قَالُواْ عَنْ مَنَاقِبِهِ: حَدَّثَ جَعْفَرُ بْنُ محَمَّدٍ الرَّسْعَنيُّ عَن عُثْمَانَ بْنِ صَالِحٍ قَال: «كَانَ أَهْلُ مِصْرَ يَنْتَقِصُونَ عُثْمَان؛ حَتىَّ نَشَأَ فِيهِمُ اللَّيْث؛ فَحَدَّثَهُمْ بِفَضَائِلِهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ فَكَفُّواْ، وَكَانَ أَهْلُ حِمْصَ يَنْتَقِصُونَ عَلِيَّاً كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ حَتىَّ نَشَأَ فِيهِمْ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاش؛

فَحَدَّثهُمْ بِفَضَائِلِ عَلِيٍّ، فَكَفُّواْ عَنْ ذَلِك» 0 ـ رَفْضُهُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنْ يَحْكُمَ مِصْر، أَوْ أَنْ يَتَوَلىَّ أَيَّ مَنْصِب: حَدَّثَ الْفَسَوِيُّ عَنْ يحْيىَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنِ الإِمَامِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «قَالَ لي أَبُو جَعْفَرٍ المَنْصُور: تَلِي لي مِصْر 00؟ قُلْتُ لاَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين، إِنيِّ أَضْعُفُ عَنْ ذَلِك، إِنيِّ رَجُلٌ مِنَ المَوَالِي؛ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ المَنْصُور: مَا بِكَ ضَعْفٌ مَعِي، وَلَكِنْ ضَعُفَتْ نِيَّتُكَ في الْعَمَل لي» 0

حَدَّثَ يحْيىَ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «قَالَ ليَ الخَلِيفَةُ المَنْصُور: تَلِي لي مِصْر» 00؟ فَاسْتَعْفَيْت؛ قَال: أَمَّا إِذْ أَبَيْت؛ فَدُلَّني عَلَى رَجُلٍ أُقلِّدُهُ مِصْر؛ قُلْتُ: عُثْمَانُ بْنُ الحَكَمِ الجُذَامِيّ؛ رَجُلٌ لَهُ صَلاَحٌ وَلَهُ عَشِيرَة؛ فَبَلَغَ عُثْمَانَ ذَلِك؛ فَعَاهَدَ اللهَ أَلاََّ يُكَلِّمَ اللَّيْث» 0 قَالَ صَالِحٌ لِعَمْرِو بْنِ الحَارِث:

«لاَ أَدَعُ اللَّيْثَ حَتىَّ يَتَوَلَّى لي؛ فَقَالَ عَمْرو: لاَ يَفْعَل؛ قَال: لأَضْرِبَنَّ عُنُقَه؛ فَجَاءَهُ عَمْرٌو فَحَذَّرَهُ؛ فَوَلِيَ دِيوَانَ الْعَطَاء، وَوَلِيَ الجَزِيرَةَ أَيَّامَ أَبي جَعْفَر، وَوَلِيَ الدِّيوَانَ أَيَّامَ المَهْدِيّ» 0 قَالَ ابْنُ وَزِير: «كَانَ أُمَرَاءُ مِصْرَ لاَ يَقْطَعُونَ أَمْرَاً إِلاََّ بِمَشُورَتِه» 0 ـ بَعْضُ نَوَادِرِه: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الحَكَم: «كُنَّا في مجْلِسِ اللَّيْثِ فَذُكِرَ الْعَدَس؛ فَقَالَ مَسْلَمَةُ بْنُ عَلِيّ: بَارَكَ فِيهِ سَبْعُونَ نَبِيَّاً؛ فَقَضَى

اللَّيْثُ صَلاَتَه وَقَال: وَلاَ نَبيٌّ وَاحِد؛ إِنَّهُ بَاردٌ مُؤْذٍ» 0 ـ حِكَايَتُهُ مَعَ الخَلِيفَةِ هَارُونَ الرَّشِيد: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ الْكَاتِب: «أَعْضَلَتِ الرَّشِيدَ مَسْأَلَة؛ فَجَمَعَ لَهَا فُقَهَاءَ الأَرْض؛ حَتىَّ أَشْخَصَ اللَّيْثَ [أَيِ اسْتَقْدَمَهُ فَسَأَلَهُ فِيهَا] فَأَخْرَجَهُ مِنهَا» 0 قَالَ الحَسَنُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ مُلَيْح: «سَمِعْتُ في مَجْلِسِ يُسْرٍ أَبَا الحَسَنِ [خَادِمَ الرَّشِيدِ] وَكَانَ قَدْ عَمِيَ مِنَ الْكِبَرِ قَال: كُنْتُ غُلاَمَاً لِزُبَيْدَة [امْرَأَةُ الرَّشِيد] وَأُتِيَ بِاللَّيْثِ

بْنِ سَعْدٍ تَسْتَفْتِيهِ، فَكُنْتُ وَاقِفَاً عَلَى رَأْسِ سَتيِّ زُبَيْدَة، خَلْفَ السِّتَارَة، فَسَأَلَهُ الرَّشِيدُ فَقَال: حَلَفْتُ إِنَّ لِيَ جَنَّتَيْن؟ فَاسْتَحْلَفَهُ اللَّيْثُ ثَلاَثَاً: إِنَّكَ تَخَافُ الله 00؟ فَحَلَفَ لَهُ؛ فَقَال: قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلّ: {وَلِمَن خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَان} {الرَّحْمَن/16} فَأَقطَعَهُ الرَّشِيدُ قَطَائِعَ كَثِيرَةً بِمِصْر» 0 ـ قَالُواْ عَنْ سَعَةِ مَالِهِ وَغِنَاه:

حَدَّثَ أَبُو عَمْرٍو الحِيرِيُّ عَنْ محَمَّدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ قَالَ وَسُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ إِلىَ جَنْبِه: «خَرَجَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ يَوْمَاً؛ فَقَوَّمُواْ ثِيَابَهُ وَدَابَّتَهُ وَخَاتَمَهُ وَمَا عَلَيْه: ثَمَانيَةَ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ إِلىَ عِشْرِينَ أَلْفَاً 00!! فَقَالَ سُلَيْمَان: لَكِن خَرَجَ عَلَيْنَا شُعْبَةُ يَوْمَاً؛ فَقَوَّمُواْ حِمَارَهُ وَسَرْجَهُ وَلِجَامَهُ: ثَمَانيَةَ عَشَرَ دِرْهَمَاً إِلىَ عِشْرِينَ دِرْهَمَاً» 0

ـ كَيْفَ رَغْمَ غِنَاه؛ لَمْ تجِبْ عَلَيْهِ قَطُّ زَكَاة؛ لأَنَّهُ كَانَ يُنْفِقُ كُلَّ مَالِهِ قَبْلَ الحَوْلِ في سَبِيلِ الله: حَدَّثَ عَبْدُ المَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَن أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «مَا وَجَبَتْ عَلَيَّ زَكَاةٌ مُنْذُ بَلَغْت» 0 حَدَّثَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ أَنَّهُ قَال: «يَسْتَغِلُّ أَبي في السَّنَةِ مَا بَيْنَ عِشْرِينَ أَلْفَ دِينَارٍ إِلىَ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ أَلْفَاً، تَأْتي عَلَيْهِ السَّنَةُ

وَعَلَيْهِ دَيْن» 0 وَحَدَّثَ إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الرَّمْلِيُّ عَنْ محَمَّدِ بْنِ رُمْحٍ قَال: «كَانَ دَخْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ في كُلِّ سَنَةٍ ثَمَانِينَ أَلْفَ دِينَار، مَا أَوْجَبَ اللهُ عَلَيْهِ زَكَاةً قَطّ» 0 وَلاَ تَضَعْ في حُسْبَانِكَ أَخَا الإِسْلاَمِ أَنَّ الدِّينَارَ المَذْكُورَ هُوَ الدِّينَارُ الْكُوَيْتي 00!! كَلاَّ 00 لأَنَّ الدِّينَارَ قَدِيمَاً كَانَ مِنْ ذَهَب، وَهُوَ يَزِنُ الآنَ كَمَا يَقُولُ عُلَمَاءُ الصَّرْفِ وَمُؤَرِّخُو الاِقْتِصَاد: [4.25] جِرَامٍ ذَهَب 0

ـ قَالُواْ عَنْ جُودِهِ وَسَخَائِهِ وَبِرِّهِ بِالمَسَاكِين: قَالَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «كَانَ اللَّيْثُ يَتَصَدَّقُ كُلَّ يَوْمٍ عَلَى ثَلاَثِمِاْئَةِ مِسْكِين» 0 حَدَّثَ إِسْمَاعِيلُ سَمَّوَيْه عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ صَالِحٍ قَال: «صَحِبْتُ اللَّيْثَ عِشْرِينَ سَنَة؛ لاَ يَتَغَدَّى وَلاَ يَتَعَشَّى إِلاََّ مَعَ النَّاس، وَكَانَ لاَ يَأْكُلُ إِلاََّ بِلَحمٍ» 0

حَدَّثَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَمْرٍو الْغَافِقِيُّ عَن أَشْهَبَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَال: «كَانَ اللَّيْثُ يَجْلِسُ كُلَّ يَوْمٍ لِحَوَائِجِ النَّاس، لاَ يَسْأَلُهُ أَحَدٌ فَيَرُدّه، كَبُرَتْ حَاجَتُهُ أَوْ صَغُرَتْ، وَكَانَ يُطْعِمُ النَّاسَ في الشِّتَاءِ الهَرَائِسَ بِعَسَلِ النَّحْلِ وَسَمْنِ الْبَقَر، وَفي الصَّيْفِ سَوِيقَ اللَّوْزِ في السُّكَّر» 0 قَالَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلىَ اللَّيْثِ فَقَالَتْ: يَا أَبَا الحَارِث؛ إِنَّ ابْنَاً ليَ عَلِيلٌ وَاشْتَهَى عَسَلاً؛ فَقَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: يَا غُلاَم، أَعْطِهَا مِرْطَاً مِن عَسَل» 0 المِرْط: عِشْرُونَ وَمِاْئَةُ رَطْل 0

وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ الْكَاتِب: «سَأَلَتِ امْرَأَةٌ اللَّيْثَ مَنَّاً مِن عَسَل؛ فَأَمَرَ لَهَا بِزِقٍّ وَقَال: سَأَلَتْ عَلَى قَدْرِهَا، وَأَعْطَيْنَاهَا عَلَى قَدْرِ السَّعَةِ عَلَيْنَا» 0 الزِّقّ: هُوَ الْوِعَاء، أَمَّا المَنّ: فَهُوَ مِكْيَالٌ مَعْلُوم، وَالمَعْنى: سَأَلَتْ عَلَى قَدْرِهَا وَأَعْطَيْنَاهَا عَلَى قَدَرِنَا

ـ قَالُواْ عَنِ حِكَايَاتِهِ الْعَجِيبَةِ في الْكَرَم: قَالَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «لَمَّا احْتَرَقَتْ كُتُبُ ابْنِ لَهِيعَة؛ بَعَثَ إِلَيْهِ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ مِنَ الْغَدِ بِأَلْفِ دِينَار» 0 قَالَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «أَعْطَى مَنْصُورَ بْنَ عَمَّارٍ الْوَاعِظَ أَلْفَ دِينَارٍ وَجَارِيَةً تَسْوَى ثَلاَثَمِاْئَةِ دِينَار» 0 حَدَّثَ صَالِحٌ الهَمَذَانيُّ عَنْ محَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ الصَّيْدَلاَنيِّ عَنْ محَمَّدِ بْنِ صَالحٍ الأَشَجِّ قَال: «وَصَلَ مَالِكَاً بِأَلْفِ دِينَار» 0

حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عِيَاضٍ المُفْرِضُ عَن حَرْملَةَ قَال: «كَانَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ يَصِلُ مَالِكَاً بِمِاْئَةِ دِينَارٍ في السَّنَة؛ فَكَتَبَ مَالِكٌ إِلَيْهِ: عَلَيَّ دَيْن؛ فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِخَمْسِمِاْئَةِ دِينَار، فَسَمِعْتُ ابْنَ وَهْبٍ يَقُول: كَتَبَ مَالِكٌ إِلىَ اللَّيْثِ: إِنيِّ أُرِيدُ أَن أُدخِلَ بِنْتي عَلَى زَوْجِهَا؛ فَأُحِبُّ أَنْ تَبْعَثَ لي بِشَيْءٍ مِن عُصْفُر [أَيِ الْكُرْكُم، وَقِيلَ الزَّعْفَرَان] فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِثَلاَثِينَ حِمْلاً عُصْفُرَاً، فَبَاعَ مِنهُ بِخَمْسِمِاْئَةِ دِينَار، وَبَقِيَ عِنْدَهُ فَضْلَة» 0

حَدَّثَ الإِمَامُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ قَال: «كَانَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ يَسْتَغِلُّ عِشْرِينَ أَلْفَ دِينَارٍ في كُلِّ سَنَة، وَقَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: مَا وَجَبَتْ عَلَيَّ زَكَاةٌ قَطّ» 0 قَالَ الحَارِثُ بْنُ مِسْكِين: «اشْتَرَى قَوْمٌ مِنَ اللَّيْثِ ثَمَرَةً، فَاسْتَغْلَوْهَا، فَاسْتَقَالُوهُ، فَأَقَالَهُمْ، ثمَّ دَعَا بخَرِيطَةٍ فِيهَا أَكْيَاسٌ، فَأَمَرَ لَهُمْ بخَمْسِينَ دِينَارَاً، فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ الحَارِثُ في ذَلِك 00!!

فَقَال: اللَّهُمَّ غَفْرَاً؛ إِنَّهُمْ قَدْ كَانُواْ أَمَّلُواْ فِيهَا أَمَلاً؛ فَأَحْبَبْتُ أَن أُعَوِّضَهُمْ مِن أَمَلِهِمْ بِهَذَا» 0 حَدَّثَ أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ قَال: «خَرَجْتُ حَاجَّاً مَعَ أَبي، فَقَدِمَ المَدِينَة، فَبَعَثَ إِلَيْهِ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ بِطَبَقِ رُطَب؛ فَجَعَلَ عَلَى الطَّبَقِ أَلْفَ دِينَارٍ وَرَدَّهُ إِلَيْه» 0

حَدَّثَ الْبَرْقَانيُّ عَن أَبي إِسْحَاقَ المُزَكَّي عَنِ السَّرَّاجِ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَال: «قَفَلْنَا مَعَ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ رَحْمَهُ اللهُ مِنَ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ وَكَانَ مَعَهُ ثَلاَثُ سُفُن: سَفِينَةٌ فِيهَا مَطْبَخُه، وَسَفِينَةٌ فِيهَا عَائِلَتُهُ، وَسَفِينَةٌ فِيهَا أَضْيَافُه» 0

ـ حُزْنُ النَّاسِ عَلَيْه: حَدَّثَ سَعِيدٌ الآدَمُ عَن خَالِدِ بْنِ عَبْدِ السَّلاَمِ الصَّدَفِيِّ قَال: «شَهِدْتُ جَنَازَةَ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ مَعَ وَالِدِي؛ فَمَا رَأَيْتُ جَنَازَةً قَطُّ أَعْظَمَ مِنهَا: رَأَيْتُ النَّاسَ كُلَّهُمْ عَلَيْهِمُ الحُزْن، وَهُمْ يُعَزِّي بَعْضُهُمْ بَعْضَاً وَيبْكُون؛ فَقُلْتُ: يَا أَبتِ؛ كَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ صَاحِبُ هَذِهِ الجَنَازَة؛ فَقَال: يَا بُنيّ؛ لاَ تَرَى مِثْلَهُ أَبَدَاً» 0

الشعبي

الشَّعْبيّ هُوَ عَامِرُ بْنُ شَرَاحِيلَ بْن عَبْدِ بْنِ ذِي كِبَارٍ الشَّهِيرُ بِالشَّعْبيّ 0 وَقِيلَ هُوَ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ الله، وَكَانَتْ أُمُّهُ مِنْ سَبيِ جَلُولاَء 0 [جَلُولاَء: مَوْضِعٌ شَرْقَ بَغْدَاد، وَهِيَ اسْمُ نَهْرٍ يَصُبُّ في دِجْلَةَ جَرَتْ عَلَى ضِفَافِهِ وَقْعَةٌ مَعَ الْفُرْسِ كَانَتْ في خِلاَفَةِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَه] وَكَانَتْ جَلُولاَءُ سَنَةِ 17 هـ 0 تُوُفِّيَ سَنَةَ 104 هـ، عَنْ ثِنْتَينِ وَثَمَانِينَ سَنَة 0

وُلِدَ في خِلاَفَةِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ لِسِتِّ سِنِينَ خَلَتْ مِنهَا، وَقِيلَ وُلِدَ سَنَةَ 21 هـ 0 قَالَ أَحْمَدُ بْنُ يُونُس: «وُلِدَ الشَّعْبيُّ سَنَةَ 28 هـ» 0 قَالَ شُعْبَة: «قَالَ لي أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيّ: الشَّعْبيُّ أَكْبَرُ مِنيِّ بِسَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْن» 0 قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ مُعَقِّبَاً: «وَإِنَّمَا وُلِدَ أَبُو إِسْحَاقَ بَعْد سَنَةِ 32 هـ» 0

قَالَ عَاصِمٌ الأَحْوَل: «كَانَ الشَّعْبيُّ أَكْثَرَ حَدِيثَاً مِنَ الحَسَن، وَأَسَنَّ مِنهُ بِسَنَتَيْن» 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: حَدَّثَ عَن عِدَّةٍ مِنْ كُبَرَاءِ الصَّحَابَةِ كَسَعْدِ بْنِ أَبي وَقَّاص، وَسَعِيدِ بْنِ زَيْد، وَأَبي مُوسَى الأَشْعَرِيّ، وَأَبي هُرَيْرَة، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاس، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَر، وَأَنَسِ بْنِ مَالِك، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرو، وَجَابِر، وَسَمُرَةَ بْنِ جُنْدَب، وَالنُّعْمَانِ بْنِ بَشِير، وَالبَرَاءِ بْنِ عَازِب، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ أَبي أَوْفَى، وَعَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيّ، وَجَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الله،

وَأَبي مَسْعُودٍ الأنْصَارِيّ، وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَة، وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْن، وَعَدِيِّ بْنِ حَاتِم، وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْد، وَالمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَة، وَكَعْبِ بْنِ عُجْرَة، وَزَيْدِ بْن أَرْقَم، وَالأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ الْكِنْدِيّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، وَالمِقْدَامِ بْن مَعْدِي كَرِب، وَعَائِشَة، وَمَيْمُونَة، وَأُمِّ سَلَمَة، وَأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْس، وَأُمِّ هَانِئ رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ 0 وَحَدَّثَ مِنَ التَّابِعِينَ عَن عَلْقَمَة، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي لَيْلَى، وَشُرَيْحٍ القَاضِي، وَآخَرِين 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: رَوَى عَنهُ وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيّ، وَدَاوُدُ بْنُ أَبي هِنْدٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عَوْن، وَعَاصِمٌ الأَحْوَل، وَمَكْحُولٌ الشَّامِيّ، وَعَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، وَمُجَالِد، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبي لَيْلَى، وَأَبُو حَنِيفَة، وَعِيسَى بْنُ أَبي عِيسَى الحَنَّاط، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عَيَّاشٍ المَنْتُوف، وَخَلْقٌ كَثِير 0 حَدَّثَ شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ الشَّعْبيِّ قَال: أَدْرَكْتُ خَمْسَمِاْئَةٍ مِن أَصْحَابِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم» 0

ـ قَالَ عَنهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ: قَالَ عَنهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «لَمْ يُدْرَكْ مِثْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ في زَمَانِهِ، وَلاَ مِثْلُ الشَّعْبيِّ في زَمَانِهِ، وَلاَ مِثْلُ الثَّوْرِيِّ في زَمَانِهِ» 0 ـ قَالُواْ عَنِ عِلْمِهِ: قَالَ عَنهُ مَكْحُول: «مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً أَعْلَمَ مِنَ الشَّعْبيّ» 0 حَدَّثَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبي هِنْدٍ قَال: «مَا جَالَسْتُ أَحَدَاً أَعْلَمَ مِنَ الشَّعْبيّ» 0

وَقَالَ عَنهُ عَاصِمُ بْنُ سُلَيْمَان: «مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً أَعْلَمَ بِحَدِيثِ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَالبَصْرَةِ وَالحِجَازِ وَالآفَاقِ مِنَ الشَّعْبيّ» 0 حَدَّثَ ابْنُ شُبْرُمَةَ عَنِ الشَّعْبيِّ أَنَّهُ قَال: «مَا سَمِعْتُ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً رَجُلاً يُحَدِّثُ بِحَدِيثٍ إِلاََّ أَنَا أَعْلَمُ بِهِ مِنهُ، وَلَقَدْ نَسِيتُ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَوْ حَفِظَهُ رَجُلٌ لَكَانَ بِهِ عَالِمَاً» 0

ـ قَالُواْ عَنِ حِفْظِهِ: حَدَّثَ شَرِيكٌ عَن عَبْدِ المَلِكِ بْنِ عُمَيرٍ قَال: «مَرَّ ابْنُ عُمَرَ بِالشَّعْبيِّ وَهُوَ يَقْرَأُ المَغَازِي؛ فَقَالَ رَضِيَ اللهُ عَنه: كَأَنَّ هَذَا كَانَ شَاهِدَاً مَعَنَا، وَلَهُوَ أَحْفَظُ لَهَا مِنيِّ وَأَعْلَم» 0 حَدَّثَ نُوحُ بْنُ قَيْسٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ وَادِعٍ الرَّاسِبيِّ عَنِ الشَّعْبيِّ قَال: «مَا أَرْوِي شَيْئَاً أَقَلَّ مِنَ الشِّعْر، وَلَوْ شِئْتُ لأَنْشَدْتُكُمْ شَهْرَاً لاَ أُعِيد» 0

ـ قَالُواْ عَنْ فِقْهِهِ: قَالَ عَنهُ أَبُو حَصِينٍ قَال: «مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً قَطُّ كَانَ أَفْقَهَ مِنَ الشَّعْبيّ» 0 حَدَّثَ عَلِيُّ بْنُ الْقَاسِمِ عَن أَبِي بَكْرٍ الهُذَلِيِّ عَنْ محَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ قَالَ لَه: «الْزَمِ الشَّعْبيّ؛ فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يُسْتَفْتىَ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَافِرُون» 0

ـ مُرَاعَاتُهُ للهِ في فَتْوَاه: حَدَّثَ أَبُو شِهَابٍ عَنِ الصَّلْتِ بْنِ بَهْرَام قَال: «مَا بَلَغَ أَحَدٌ مَبْلَغَ الشَّعْبيِّ أَكْثَرَ مِنهُ يَقُول: لاَ أَدْرِي» 00 أَيْ في كَثْرَةِ قَوْلِهِ لاَ أَدْرِي 0 حَدَّثَ أَبُو عَاصِمٍ عَنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَوْنٍ رَحِمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَال: «كَانَ الشَّعْبيُّ إِذَا جَاءهُ شَيْءٌ [أَيْ شَكَّ فِيه] اتَّقَاه، وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ النَّخْعِيُّ يَقُولُ وَيَقُول» 0

حَدَّثَ جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ عَنْ محَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي لَيْلَى أَنَّهُ قَال: «كَانَ إِبْرَاهِيمُ صَاحِبَ قِيَاس، وَالشَّعْبيُّ صَاحِبَ آثَار» 0 حَدَّثَ ابْنُ المُبَارَكِ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَوْنٍ رَحِمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَال: «كَانَ الشَّعْبيُّ مُنْبَسِطَاً، وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ مُنْقَبِضَاً، فَإِذَا وَقَعَتِ الْفَتْوَى: انْقَبَضَ الشَّعْبيُّ وَانْبَسَطَ إِبْرَاهِيم» 0

وَمِمَّا يُنْبِيكَ عَنْ تَسَرُّعِ إِبْرَاهِيمَ النَّخْعِيِّ وَاجْتِرَائِهِ في إفْتَائِهِ قَوْلُهُ: «الجَهْرُ بِـ «بِسْمِ اللهِ الرَِّحْمَنِ الرَِّحِيم» بِدْعَة» 00 أَيْ في الْفَاتِحَةِ في الصَّلاَة 0 ـ وَرَعُهُ وَتَقْوَاه، وَعِبَادَتُهُ لله: رَوَى إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ عَنِ الشَّعْبيِّ أَنَّهُ قَال: «مَا مَاتَ ذُو قَرَابَةٍ لي وَعَلَيْهِ دَيْن؛ إِلاََّ وَقَضَيْتُ عَنه، وَلاَ ضَرَبْتُ مَمْلُوكَاً لي قَطّ، وَلاَ حَلَلْتُ حَبْوَتي إِلىَ شَيْءٍ مِمَّا يَنْظُرُ النَّاس» 0 ـ تَوَاضُعُهُ رَحِمَهُ الله:

حَدَّثَ أَبُو نُعَيْمٍ عَن أَبي الجَابيَةِ الْفَرَّاءِ عَنِ الشَّعْبيِّ قَال: «إِنَّا لَسْنَا بِالفُقَهَاء، وَلَكِنَّا سَمِعْنَا الحَدِيثَ فَرَوَيْنَاه» 0 ـ مِن أَقْوَالِ الشَّعْبيّ: حَدَّثَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ عَنِ الشَّعْبيِّ قَال: «إِنَّمَا سُمِّيَ هَوَىً؛ لأَنَّهُ يَهْوِي بِأَصْحَابِه» 0 حَدَّثَ مُجَالِدٌ عَنِ الشَّعْبيِّ قَال: «نِعْمَ الشَّيْء: الْغَوْغَاء؛ يَسُدُّونَ السَّيْل، وَيُطْفِئُونَ الحَرِيق، وَيَشْغَبُونَ عَلَى وُلاَةِ السَّوْء» 0

حَدَّثَ خَالِدٌ الحَذَّاءُ عَن حُصَيْنٍ عَنِ الشَّعْبيِّ قَال: «مَا كُذِبَ عَلَى أَحَدٍ في هَذِهِ الأُمَّةِ مَا كُذِبَ عَلَى عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَه» 0 حَدَّثَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبي خَالِدٍ عَنِ الشَّعْبيِّ عَن عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ قَال: «أَفْرَطَ نَاسٌ في حُبِّ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ كَمَا أَفْرَطَتِ النَّصَارَى في حُبِّ المَسِيح» 0 ـ بَعْضُ نَوَادِرِ الشَّعْبيّ: قَالَ مُجَالِد: «إِنَّ رَجُلاً مُغَفَّلاً لَقِيَ الشَّعْبيَّ وَمَعَهُ امْرَأَةٌ تَمْشِي فَقَال: أَيُّكُمَا الشَّعْبيّ؟ قَالَ: هَذِه» 00!!

قَالَ عَامِرُ بْنُ يِسَاف: «قَالَ لي الشَّعْبيّ: امْضِ بِنَا نَفِرَّ مِن أَصْحَابِ الحَدِيث؛ فَخَرَجْنَا، فَمَرَّ بِنَا شَيْخٌ، فَقَالَ لَهُ الشَّعْبيّ: مَا صَنعَتُك 00؟ قَال: رَفَّاء [أَيْ خَيَّاط] قَال: عِنْدَنَا دَنٌّ مَكْسُور؛ تَرْفُوهُ لَنَا 00؟ [الدَّنّ: إِنَاءٌ مِنْ فَخَّار، وَتَرْفُوهُ أَيْ تُخَيِّطُه] قَال: إِن هَيَّأْتَ لي سُلُوكَاً مِنْ رَمْلٍ رَفَوْتُه؛ فَضَحِكَ الشَّعْبيُّ حَتىَّ اسْتَلْقَى» 0 ـ ذَكَاؤُهُ:

قَالَ ابْنُ عَائِشَة: «وَجَّهَ عَبْدُ المَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ الشَّعْبيَّ إِلىَ مَلِكِ الرُّومِ [أَيْ بَعَثَهُ رَسُولاً] فَلَمَّا انْصَرَفَ مِن عِنْدِهِ قَال [أَيِ الخَلِيفَةُ عَبْدُ المَلِكِ بْنُ مَرْوَان]: يَا شَعْبيّ؛ أَتَدْرِي مَا كَتَبَ بِهِ إِلَيَّ مَلِكُ الرُّوم 00؟ قَال: وَمَا كَتَبَ بِهِ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين 00؟ قَال: كُنْتُ أَتَعَجَّبُ لأَهْلِ دِيَانَتِك؛ كَيْفَ لَمْ يَسْتَخْلِفُواْ عَلَيْهِمْ رَسُولَك 00؟! قُلْتُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ لأَنَّهُ رَآني وَلَمْ يَرَكْ» 0

ربيعة الرأي

رَبِيعَةُ الرَّأْي هُوَ الإِمَامُ الْفَقِيهُ مُفْتي المَدِينَةِ رَبِيعَةُ الرَّأْيُ بْنُ أَبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَرُّوخٍ التَّيْمِيّ، تُوُفِّيَ سَنَةَ 136 هـ ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: رَوَى عَن أَنَسِ بْنِ مَالِك، وَسَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، وَعَطَاءِ بْنِ يَسَار، وَالقَاسِمِ بْنِ محَمَّدٍ، وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، وَمحَمَّدِ بْنِ يحْيىَ بْنِ حَبَّانَ، وَآخَرِين 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: رَوَى عَنهُ يحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيّ، وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيّ، وَسُهَيْلُ بْنُ أَبي صَالِح، وَالأَوْزَاعِيّ، وَشُعْبَة، وَالإِمَامُ مَالِك، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيّ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَة، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَة، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَمِسْعَر، وَنَافِعٌ عَالِمُ الْقِرَاءَات، وَأَبُو بَكْرٍ بْنُ عَيَّاش، وَابْنُ المُبَارَك، وَخَلْقٌ وَغَيرُهُمْ كَثِير 0 وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْب: «أَنْفَقَ رَبِيعَةُ عَلَى إِخْوَانِهِ أَرْبَعِينَ أَلْفَ دِينَار، ثُمَّ جَعَلَ يَسْأَلُ إِخْوَانَهُ في إِخْوَانِه» 0

وَقَالَ الإِمَامُ مَالِك: «ذَهَبتْ حَلاَوَةُ الفِقْهِ مُنْذُ مَاتَ رَبِيعَةُ بْنُ أَبي عَبْدِ الرَّحْمَن» 0 كَانَ القَاسِمُ إِذَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ في كِتَابِ اللهِ أَوْ في سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَهُم بِهِ؛ وَإِلاََّ قَال: «سَلُواْ رَبِيعَةَ أَوْ سَالِمَاً» 0 وَقَالَ عَنهُ يحْيىَ بْنُ سَعِيد: «مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً أَفطنَ مِنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبي عَبْدِ الرَّحْمَن» 0 وَقَالَ عَنهُ سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْعَنْبَرِيّ: «مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً أَعْلَمَ مِنْ رَبِيعَةَ الرَّأْي» 0

قِيلَ لَهُ: وَلاَ الحَسَنُ وَابْنُ سِيرِين 00؟ قَال: وَلاَ الحَسَنُ وَابْنُ سِيرِين» 0 وَقَالَ عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ أَبي سَلَمَة: «تَقُولُونَ رَبِيعَةُ الرَّأْي 00 وَاللهِ مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً أَحْفَظَ لِسُنَّةٍ مِنهُ» 0 قَالَ الإِمَامُ مَالِك: «قَدِمَ رَبِيعَةُ عَلَى أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ فَأَمرَ لَهُ بِجَارِيَة؛ فَأَبَى؛ فَأَعْطَاهُ خَمْسَةَ آلاَفٍ لِيَشْتَرِيَ بِهَا جَارِيَةً فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا» 0 وَمِنْ كَلِمَاتِ رَبِيعَةَ الرَّأْي: «العِلْمُ وَسِيلَة؛ إِلىَ كُلِّ فَضِيلَة» 0

حَدَّثَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ عَنِ الإِمَامِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللهُ قَال: «قَدِمَ ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ المَدِينَة؛ فَأَخَذَ بِيَدِ رَبِيعَةَ وَدَخَلاَ إِلىَ بَيْتِ الدِّيوَان؛ فَمَا خَرَجَا إِلىَ الْعَصْر؛ فَقَالَ ابْنُ شِهَاب: مَا ظَنَنْتُ أَنَّ بِالمَدِينَةِ مِثْلَك، وَخَرَجَ رَبِيعَةُ وَهُوَ يَقُول: مَا ظَنَنْتُ أَنَّ أَحَدَاً بَلَغَ مِنَ الْعِلْمِ مَا بَلَغَ ابْنُ شِهَابٍ «الزُّهْرِيّ»» 0

حَدَّثَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ عَنِ الإِمَامِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «قَدِمَ ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ المَدِينَة؛ فَأَخَذَ بِيَدِ رَبِيعَةَ وَدَخَلاَ إِلىَ بَيْتِ الدِّيوَان؛ فَمَا خَرَجَا إِلىَ الْعَصْر؛ فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيّ: مَا ظَنَنْتُ أَنَّ بِالمَدِينَةِ مِثْلَك، وَخَرَجَ رَبِيعَةُ وَهُوَ يَقُول: مَا ظَنَنْتُ أَنَّ أَحَدَاً بَلَغَ مِنَ الْعِلْمِ مَا بَلَغَ ابْنُ شِهَابٍ «الزُّهْرِيّ»» 0

وَقَالَ عَنهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْد: «صَارَ رَبِيعَةُ إِلىَ فِقهٍ وَفَضْل، وَمَا كَانَ بِالمَدِينَةِ رَجُلٌ أَسْخَى بِمَا في يَدَيْهِ لِصَدِيقٍ أَوْ لاِبْنِ صَدِيقٍ أَوْ لِباغٍ يَبْتَغِيهِ مِنهُ، كَانَ يَسْتَصْحِبُهُ القَوْمُ فَيَأْبَى صُحْبَةَ أَحَدٍ؛ إِلاََّ أَحَدَاً لاَ يَتزوَّدُ مَعَه، وَلَمْ يَكُنْ في يَدِهِ مَا يَحْمِلُ ذَلِك» 0 أَيْ لاَ يَجِدُ مَا يَحْمِلُهُمْ عَلَيْه، وَلَكِنَّهُ لَمْ تَعَوَّدَ بَسْطَ يَدَيْه 0

أبو يوسف القاضي

أَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي [صَاحِبُ أَبي حَنِيفَة] هُوَ الإِمَامُ المُجْتَهِدُ المُحَدِّثُ قَاضِي الْقُضَاةِ أَبُو يُوسُفَ يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْكُوفِيُّ الأَنْصَارِيّ 0 وُلِدَ سَنَةَ 113 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 182 هـ 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: حَدَّثَ عَن هِشَامِ بْنِ عُرْوَة، وَأَبي حَنِيفَة، وَيحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيّ، وَعَطَاءِ بْنِ السَّائِب، وَأَبي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانيِّ، وَالأَعْمَش، وَحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاة

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ يحْيىَ بْنُ مَعِين، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل، وَعَلِيُّ بْنُ الجَعْد، وَأَسَدُ بْنُ الْفُرَات، وَابْنُ سَمَاعَة، وَهِلاَلٌ الرَّأْي، وَعَمْرٌو النَّاقِد، وَمُعَلَّى بْنِ مَنْصُور، وَمحَمَّدُ بْنُ الحَسَن، وَعِدَّة 0 ـ نُبْذَةٌ عَن حَالَتِهِ الاِجْتِمَاعِيَّةِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: كَانَ ابْنَاً لِرَجُلٍ فَقِير، لَهُ حَانُوتٌ صَغِير؛ فَكَانَ الإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ يَتَعَاهَدُ أَبَا يُوسُفَ بِالدَّرَاهِم، المِاْئَةَ بَعْدَ المِاْئَة، فَلَزِمَهُ أَبُو يُوسُفَ وَتَفَقَّهَ عَلَى يَدَيْه، وَهُوَ أَنْبَلُ تَلاَمِذَتِهِ وَأَعْلَمُهُمْ 0

ـ قَالُواْ عَنْ دَأَبِهِ في طَلَبِ الْعِلْمِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ أَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي: «صَحِبْتُ أَبَا حَنِيفَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً» 0 ـ غَلَبَةُ شُهْرَتِهِ كَفَقِيهٍ عَلَى شُهْرَتِهِ كَمُحَدِّثٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ بَكَّارُ بْنُ قُتَيْبَةَ عَن أَبي الْوَلِيدِ قَال: «لَمَّا قَدِمَ أَبُو يُوسُفَ الْبَصْرَةَ مَعَ الرَّشِيد؛ اجْتَمَعَ الْفُقَهَاءُ وَالمُحَدِّثُونَ عَلَى بَابِه» 0 ـ كَانَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ عَالِمَاً مَوْسُوعِيَّاً: قَالَ هِلاَلٌ الرَّأْي:

«كَانَ أَبُو يُوسُفَ يَحْفَظُ التَّفْسِيرَ وَيَحْفَظُ المَغَازِي وَأَيَّامَ الْعَرَب، وَكَانَ الْفِقْهُ أَحَدَ عُلُومِهِ» 0 قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «بَلَغَ أَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي مِنْ رِئَاسَةِ الْعِلْمِ مَا لاَ مَزِيدَ عَلَيْه، كَانَ الرَّشِيدُ يُبَالِغُ في إِجْلاَلِه» 0 ـ قَالُواْ عَنْ مَكَانَتِهِ في الحَدِيث: قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «كَانَ أَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي مُنْصِفَاً في الحَدِيث» ـ قَالُواْ في تَوْثِيقِهِ:

قَالَ عَنهُ الإِمَامُ النَّسَائِيُّ في «طَبَقَاتِ الحَنَفِيَّة»: «أَبُو يُوسُفَ ثِقَة» 0 قَالَ عَنهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِي: «يُكْتَبُ حَدِيثُه» 0 ـ قَالُواْ عَنْ جَوْدَةِ حِفْظِهِ: حَدَّثَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبي دَاوُدَ الْبُرُلُّسِيُّ عَنْ يحْيى بْنِ مَعِينٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَال: «مَا رَأَيْتُ في أَصْحَابِ الرَّأْيِ أَثْبَتَ في الحَدِيثِ وَلاَ أَحْفَظَ وَلاَ أَصَحَّ رِوَايَةً مِن أَبي يُوسُف» 0 ـ قَالُواْ عَنْ رُسُوخِ قَدَمِهِ في الْفِقْهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَال يحْيىَ بْنُ خَالِدٍ الْبَرْمَكِيّ:

«قَدِمَ أَبُو يُوسُفَ وَأَقَلُّ مَا فِيهِ الْفِقْه؛ فَمَا لَبِثَ أَنْ مَلأَ بِفِقْهِهِ الخَافِقَيْن» 0 ـ ثَنَاءُ الإِمَامِ أَبي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللهُ عَلَيْه: قَالَ محَمَّدُ بْنُ الحَسَن: «مَرِضَ أَبُو يُوسُف؛ فَعَادَهُ أَبُو حَنِيفَةَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه، فَلَمَّا خَرَجَ قَال: إِنْ يَمُتْ هَذَا الْفَتى: فَهُوَ أَعْلَمُ مَن عَلَيْهَا» 0 ـ ثَنَاءُ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللهُ عَلَيْه:

قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «أَوَّلُ مَا كَتَبْتُ الحَدِيث: اخْتَلَفْتُ إِلىَ أَبي يُوسُف؛ وَكَانَ أَمْيَلَ إِلىَ المحَدِّثِينَ مِن أَبي حَنِيفَةَ وَمحَمَّد» 00 أَيِ ابْنُ الحَسَن، أَشْهَرُ تَلاَمِذَةِ أَبي حَنِيفَة ـ قَالُواْ عَنْ وَرَعِهِ صَلاَحِهِ وَتَقْوَاه، وَحُسْنِ عِبَادَتِهِ لله: قَالَ عَنهُ ابْنُ سَمَاعَة: «كَانَ وِرْدُ أَبي يُوسُفَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ في اليَوْمِ مِاْئَتيْ رَكْعَة» 0 ـ مِن أَقْوَالِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

حَدَّثَ بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ عَن أَبي يُوسُفَ الْقَاضِي عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «مَنْ طَلَبَ المَالَ بِالكِيمِيَاءِ أَفلَس، وَمَنْ طَلَبَ الدِّينَ بِالكَلاَمِ تَزَنْدَق، وَمَنْ تَتَبَّعَ غَرِيبَ الحَدِيثِ كُذِّب» 0

أبو الزناد عبد الله بن ذكوان

أَبُو الزِّنَادِ عَبْدُ اللهِ بْنُ ذَكْوَان وُلِدَ هَذَا الإِمَامُ الْفَقِيهُ الحَافِظُ سَنَةَ 65 هـ، وَتُوُفِّيَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ سَنَةَ 130 هـ 0 حَدَّثَ الإِمَامُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَن عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ قَال: «دَخَلَ أَبُو الزِّنَادِ مَسْجِدَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ مِنَ الأَتْبَاعِ مِثْلُ مَا مَعَ السُّلْطَان، فَمِنْ سَائِلٍ عَنْ فَرِيضَة، وَمِنْ سَائِلٍ عَنِ الحِسَاب، وَمِنْ سَائِلٍ عَنِ الشِّعر، وَمِنْ سَائِلٍ عَنِ الحَدِيث، وَمِنْ سَائِلٍ عَنْ مُعْضِلَة» 0

حَدَّثَ يحْيىَ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «رَأَيْتُ أَبَا الزِّنَادِ رَحِمَهُ اللهُ وَخَلْفَهُ ثَلاَثُمِاْئَةِ تَابِعٍ مِنْ طَالِبِ فِقْهٍ وَشِعْرٍ وَصُنُوف؛ ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ بَقِيَ وَحْدَهُ وَأَقْبَلُواْ عَلَى رَبِيعَة؛ فَكَانَ أَبُو الزِّنَادِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَهُ يَقُول: شِبْرٌ مِن حُظْوَة [أَيْ حَظّ]: خَيْرٌ مِنْ بَاعٍ مِن عِلْم» 0 حَدَّثَ أَبُو يُوسُفَ عَن أَبي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللهُ قَال: «قَدِمتُ المَدِينَةَ فَأَتَيْتُ أَبَا الزِّنَاد، وَرَأَيْتُ رَبِيعَة؛ فَإِذَا النَّاسُ عَلَى رَبِيعَةَ وَأَبُو الزِّنَادِ أَفْقَهُ الرَّجُلَيْن، فَقُلْتُ لَهُ: أَنْتَ أَفْقَهُ أَهْلِ بَلَدِكَ وَالعَمَلُ عَلَى رَبِيعَةَ 00؟ فَقَالَ رَحِمَهُ الله: وَيْحَك؛ كَفٌّ مِن حَظّ: خَيْرٌ مِنْ جِرَابٍ مِن عِلْم» 0

أعلام المفسرين

أَعْلاَمُ المُفَسِّرِين: مُجَاهِد هُوَ شَيْخُ الْقُرَّاءِ وَالمُفَسِّرِينَ الإِمَامُ مُجَاهِدُ بْنُ جَبْرٍ أَبُو الحَجَّاجِ المَكِّيُّ المَخْزُومِيُّ الأَسْوَد، وُلِدَ سَنَةَ 20 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 102 هـ، وَقِيلَ سَنَةَ 103 هـ، وَقِيلَ سَنَةَ 104 هـ 0 حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَال: «بَلَغ مُجَاهِدٌ 83 سَنَة» 0

ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: رَوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَأَكْثَرَ وَجَوَّد، وَأَخَذَ عَنهُ الْقُرْآنَ وَالتَّفْسِيرَ وَالفِقْه 0 وَرَوَى عَن أَبي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ وَسَعْدِ بْنِ أَبي وَقَّاصٍ وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو وَابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَأَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، وَأُمِّ هَانِئ 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: وَتَلاَ وَقَرَأَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ عَلَى رَأْسِهِمْ أَبُو عَمْرٍو بْنُ الْعَلاَء 0 وَحَدَّثَ عَنهُ عِكْرِمَةُ وَطَاوُوسٌ وَعَطَاء 0 وَهُمْ مِن أَقْرَانِهِ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَابْنُ أَبي نَجِيح، وَمَنْصُورُ بْنُ المُعْتَمِر، وَسُلَيْمَانُ الأَعْمَش، وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانيّ، وَابْنُ عَوْن، وَعُمَرُ بْنُ ذَرّ، وَقَتَادَةُ بْنُ دِعَامَة، وَالفَضْلُ بْنُ مَيْمُون، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُهَاجِر، وَحُمَيْدٌ الأَعْرَج، وَبُكَيْرُ بْنُ الأَخْنَس، وَخُصَيْف، وَسُلَيْمَانُ الأَحْوَل، وَعَبْدُ الْكَرِيمِ الجَزَرِيّ، وَخَلْقٌ كَثِير 0

ـ نِيَّتُهُ رَحِمَهُ اللهُ في طَلَبِ الْعِلْم: قَالَ مُجَاهِد: «طَلَبْنَا هَذَا الْعِلْمَ، وَمَا لَنَا فِيهِ كَبِيرُ نِيَّةٍ، ثُمَّ رَزَقَ اللهُ النِّيَّةَ بَعْد» 0 ـ مَكَانَتُهُ في الْقِرَاءَاتِ وَعُلُومِ الْقُرْآن: حَدَّثَ الأَنْصَارِيُّ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ مَيْمُونٍ قَال: «سَمِعْتُ مُجَاهِدَاً يَقُول: عَرَضْتُ الْقُرْآنَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ثَلاَثِينَ مَرَّة» 0

حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَن أَبَانَ بْنِ صَالحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَال: «عَرَضْتُ الْقُرْآنَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ثَلاَثَ عَرْضَات، أُوقِفُهُ عَلَى كُلِّ آيَةٍ أَسْأَلُهُ فِيمَ نَزَلَتْ وَكَيْف» 00؟ [قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الإِمَامِ مُسْلِم، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 3105] حَدَّثَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ عَن إِسْمَاعِيلَ بْنِ قُسْطَنْطِينَ قَال: «قَرَأْتُ عَلَى شِبْلِ بْنِ عَبَّاد، وَقَرَأَ عَلَى ابْنِ كَثِير، وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ عَلَى مُجَاهِد، وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنه» 0 قَالَ عَنهُ قَتَادَة: «أَعْلَمُ مَنْ بَقِيَ بِالتَّفْسِيرِ مُجَاهِد» 0

ـ قَالُواْ عَن عِلْمِهِ: حَدَّثَ مَطَرٌ الْوَرَّاقُ عَنْ قَتَادَةَ رَحِمَهُ اللهُ قَال: «أَعْلَمُ مَنْ بَقِيَ بِالحَلاَلِ وَالحَرَام: الزُّهْرِيّ، وَأَعْلَمُ مَنْ بَقِيَ بِالقُرْآن: مُجَاهِد» 0 ـ إِكْرَامُ الصَّحَابَةِ لَهُ: قَالَ مُجَاهِد: «صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَأَنَا أُرِيدُ أَن أَخْدُمَهُ فَكَانَ يَخْدُمُني» 0

وَحَدَّثَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُهَاجِرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ في مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ قَال: «رُبَّمَا أَخَذَ ابْنُ عُمَرَ لي بِالرِّكَابِ رَضِيَ اللهُ عَنه» 0 ـ وَرَعُهُ وَتَقْوَاه، وَعِبَادَتُهُ لله: وَبَلَغَ مِن عَظِيمِ تَوَاضُعِهِ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُول: «لاَ تُنَوِّهُواْ بي في الخَلْق» 0 وَقَالَ عَنهُ الأَعْمَش: «كَانَ مُجَاهِدٌ كَأَنَّهُ حَمَّال [لِرَثَاثَةِ هَيْئَتِه] فَإِذَا نَطَقَ خَرَجَ مِنْ فِيهِ اللُّؤْلُؤ» 0 ـ عَقِيدَتُهُ وَمَذْهَبُه:

حَدَّثَ يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَال: «مَا أَدْرِي أَيُّ النِّعْمَتَيْنِ أَعْظَم: أَن هَدَاني لِلإِسْلاَم، أَوْ عَافَاني مِن هَذِهِ الأَهْوَاءِ 00؟ قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيّ: «مِثْلُ الرَّفْض، وَالقَدَر، وَالتَّجَهُّم» 0 حَدَّثَ يحْيىَ بْنُ سُلَيْمٍ عَن عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ مُجَاهِدٍ قَال: «كُنْتُ عِنْدَ أَبي [أَيْ مجَاهِد] فَجَاءَ وَلَدُهُ يَعْقُوبُ فَقَال: يَا أَبَتَاه؛ إِنَّ لَنَا أَصْحَابَاً يَزْعُمُونَ أَنَّ إِيمَانَ أَهْلِ السَّمَاءِ وَأَهْلِ الأَرْضِ وَاحِد؛ فَقَالَ رَحِمَهُ اللهُ: يَا بُنيّ؛ مَا هَؤُلاَءِ بِأَصْحَابي؛ لاَ يجْعَلُ اللهُ مَن هُوَ مُنْغَمِسٌ في الخَطَايَا كَمَنْ لاَ ذَنْبَ لَه» 0

ـ غَرَائِبُهُ وَعَجَائِبُه: حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الرَّازِيُّ الحَافِظُ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْقُدُّوسِ عَنِ الأَعْمَشِ قَال: «كَانَ مُجَاهِدٌ لاَ يَسْمَعُ بِأُعْجُوبَةٍ إِلاََّ ذَهَبَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا 00 ذَهَبَ إِلىَ بِئْرِ بَرَهُوتَ بِحَضْرَمَوْتَ [الَّذِي وَرَدَتْ آثَارٌ صَحِيحَةٌ تَذْكُرُ أَنَّ أَرْوَاحَ الْكُفَّارِ تُحْبَسُ فِيه] وَذَهَب إِلىَ بَابِلَ وَعَلَيْهَا وَالٍ؛ فَقَالَ لَهُ مُجَاهِد: تَعْرِضُ عَلِيَّ هَارُوتَ وَمَارُوت؛ فَدَعَا رَجُلاً مِنَ السَّحَرَةِ فَقَالَ اذْهَبْ بِهِِ؛ فَقَالَ اليَهُودِيّ: بِشَرْطِ أَنْ لاَ تَدْعُوَ اللهَ عِنْدَهُمَا؛ قَالَ مُجَاهِد: فَذَهَبَ بي إِلىَ قَلْعَة، فَقَطَعَ مِنهَا حَجَرَاً ثُمَّ قَال: خُذْ بِرِجْلِي [يَبْدُو أَنَّهُمَا دَخَلاَ سِرْدَابَاً] فَهَوَى بِهِ،

حَتىَّ انْتَهَى إِلىَ جَوْبَة [أَيْ حُفْرَةٍ عَمِيقَة] فَإِذَا هُمَا مُعَلَّقَانِ مُنَكَّسَانِ كَالجَبَلَيْن، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمَا قُلْتُ سُبْحَانَ اللهِ خَالِقِكُمَا؛ فَاضْطَرَبَا؛ فَكَأَنَّ الجِبَالَ تَدَكْدَكَتْ [أَيْ تَهَدَّمَتْ] فَغُشِيَ عَلَيَّ وَعَلَى اليَهُودِيّ، ثمَّ أَفَاقَ قَبْلِي فَقَال: أَهْلَكْتَ نَفْسَكَ وَأَهْلَكْتَني» 0 ـ حُسْنُ خَاتِمَتِه: قَالَ أَبُو نُعَيْمٌ وَالمَدَائِنِيّ، وَالهَيْثَمُ بْنُ عَدِيّ: «مَاتَ مُجَاهِد؛ وَهُوَ سَاجِد» 0

قتادة

قَتَادَة هُوَ قَتَادَةُ بْنُ دِعَامَةَ بْنِ قَتَادَةَ بْنِ عَزِيزٍ السَّدُوسِيّ، وَقِيلَ ابْنُ دِعَامَةَ بْنِ عُكَابَة وُلِدَ سَنَةَ 60 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 117 هـ 0 قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ وَخَلِيفَةُ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: «مَاتَ قَتَادَةُ رَحِمَهُ اللهُ سَنَةَ 117 بِوَاسِط» 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: وَرَوَى عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ سَرْجِس، وَأَنَسِ بْنِ مَالِك، وَسَعِيدِ بْنِ المُسَيَّب، وَأَبي الْعَالِيَة، وَصَفْوَانَ بْنِ مُحْرِز، وَأَبي عُثْمَانَ النَّهْدِيّ، وَزُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى،

وَالنَّضْرِ بْنِ أَنَس، وَعِكْرِمَةَ مَوْلىَ ابْنِ عَبَّاس، وَأَبي المَلِيحِ بْنِ أُسَامَة، وَالحَسَنِ الْبَصْرِيّ، وَبَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ المُزَنِيِّ، وَعَطَاءِ بْنِ أَبي رَبَاحٍ، وَمُعَاذَةَ الْعَدَوِيَّة، وَخَالِدِ بْنِ عُرْفُطَة، وَسَالِمِ بْنِ أَبي الجَعْد، وَشَهْرِ بْنِ حَوْشَب، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيق، وَمُطَرِّفِ بْنِ الشِّخِّير، وَمحَمَّدِ بْنِ سِيرِين، وَنَصْرِ بْنِ عَاصِمٍ اللَّيْثِيّ، وَأَبي مِجْلَز، وَأَبي أَيُّوبَ المَرَاغِيّ، وَعَن عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَسَفِينَةَ، وَأَبي هُرَيْرَةَ مُرْسَلاً 0 وَعَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ، وَقَزَعَةَ بْنِ يحْيىَ، وَعَامِرٍ الشَّعْبيِّ، وَخَلْقٍ كَثِيرٍ 0 وَكَانَ مِن أَوْعِيَةِ الْعِلْم، وَمِمَّنْ يُضرَبُ بِهِ المَثَلُ في قُوَّةِ وَسُرْعَةِ الحِفظ 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: رَوَى عَنهُ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانيّ، وَسَعِيدُ بْنُ أَبي عَرُوبَة، وَمَعْمَرُ بْنُ رَاشِد، وَالأَوْزَاعِيّ، وَمِسْعَرُ بْنُ كِدَام، وَشُعْبَةُ بْنُ الحَجَّاج، وَجَرِيرُ بْنُ حَازِم، وَشَيْبَانُ النَّحْوِيّ، وَهَمَّامُ بْنُ يحْيىَ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَة، وَأَبَانُ الْعَطَّار، وَسَلاَمُ بْنُ أَبي مُطِيع، وَخُلَيْدُ بْنُ دَعْلَج، وَيَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التُّسْتَرِيّ، وَأَبُو عَوَانَةَ الْوَضَّاح، وَخَلْقٌ سِوَاهُمْ كَثِير 0 وَاتُّهِمَ بِأَشْيَاءَ في الْقَدَر؛ نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَغْفِرَ لَه 0

حَدَّثَ وَكِيعٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبي عَرُوبَةَ وَهِشَامٍ الدَّسْتَوَائِيِّ وَغَيْرِهِمَا عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ قَال: «كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ إِلاََّ المَعَاصِي» 0 وَهَذَا عَفَا اللهُ عَنهُ خَطَأٌ مِنهُ أَرَادَ بِهِ تَنْزِيهَ اللهِ مِن أَنْ يَجْرِيَ شَيْءٌ عَلَى غَيرِ مُرَادِه 0 وَالمَعَاصِي وَإِنْ كَانَ اللهُ لاَ يُرِيدُهَا؛ إِلاَّ أَنَّهُ تَقَدَِّسَتْ أَسْمَاؤُهُ لاَ يُعْجِزُهُ إِيقَافَهَا عَنِ الجَرَيَان، وَلَكِنَّهُ سُبْحَانَهُ لاَ يُرِيدُ بِذَلِكَ سَلْبَ الحُرِّيَّةِ عَنِ الإِنْسَان، وَلَوْ كَانَتِ المَعَاصِي لَيْسَتْ بِقَدَرِ اللهِ

عَلَى حَدِّ قَوْلِ قَتَادَةَ غَفَرَ اللهُ لَه؛ لَكَانَ في الْكَوْنِ أَشْيَاءُ لاَ تَجْرِي بِقَدَرِ الله، بَلْ وَلَقَادَ ذَلِكَ إِلىَ الْقَوْلِ بِأَنَّ ثَمَّ خَالِقَاً غَيرَ الله [وَالْعِيَاذُ بِالله] فَالمَعَاصِي تَجْرِي بِقَدَرِ الله؛ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلّ: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَر} {القَمَر/49} فَهِيَ شَيْءٌ مِنْ كُلِّ شَيْء: بِقَدَرِ الله، وَلَكِنْ لَيْسَتْ بِإِرَادَةِ الله: أَيْ بِرَغْبَةِ اللهِ جَلَّ وَعَلاَ وَإِرَادَتِه، وَبِلَفْظٍ مُهَذَّبٍ مُؤَدَّب: لاَ يَرْضَاهَا اللهُ عَزَّ وَجَلّ، وَلَكِنَّهُ سُبْحَانَهُ

يُمْهِلُ صَاحِبَهَا وَيُؤَخِّرُهُ لِيَوْمِ الدِّين وَقَتَادَةُ معَ هَذَا مَا كَفَّ أَحَدٌ عَنْ صِدْقِهِ وَعَدَالَتِه 00 قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيّ: «لَعَلَّ اللهَ جَلَّ جَلاَلهُ يَعْذُرُ أَمْثَالَه مِمَّنْ تَلبَّسَ بِبِدعَةٍ يُرِيدُ بِهَا تَعْظِيمَهُ جَلَّ وَعَلاَ وَتَنزِيهَه، وَبَذَلَ وِسْعَه، وَاللهُ حَكَمٌ عَدلٌ لَطِيفٌ بِعِبَادِه، وَلاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَل 00 ثمَّ إِنَّ الْكَبِيرَ مِن أَئِمَّةِ الْعِلْمِ إِذَا كَثُرَ صَوَابُهُ وَعُلِمَ تَحَرِّيهِ لِلْحقِّ وَاتَّسَعَ عِلْمُهُ وَظَهَرَ ذَكَاؤُهُ وَعُرِفَ صَلاَحُهُ وَوَرَعُهُ

وَاتِّبَاعُه: يُغْفَرُ لَهُ زَلَلُهُ، وَلاَ نُضِلِّلْهُ وَنَطرْحُهُ وَنَنْسَى مَحَاسِنَهُ 00 نَعَم، وَلاَ نَقْتَدِي بِهِ في بِدْعَتِه وَخَطَئِه، وَنَرْجُو لَهُ التَّوْبَةَ مِنْ ذَلِك» 0 ـ قَالُواْ عَنْ صَلاَحِهِ وَتَقْوَاه، وَعِبَادَتِهِ لله، وَوَرَعِهِ في فَتْوَاه: قَالَ أَبُو هِلاَلٍ الرَّاسِبيّ: «سَأَلْتُ قَتَادَةَ رَحِمَهُ اللهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَقَالَ لاَ أَدْرِي؛ فَقُلْتُ: قُلْ فِيهَا بِرَأْيك؛ قَالَ رَحِمَهُ الله: مَا قُلْتُ بِرَأْيٍ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَة» 0 ـ قَالُواْ عَنْ فِقْهِهِ:

رَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مَعْمَرٍ أَنَّهُ قَال: «لَمْ أَرَ في هَؤُلاَءِ أَفْقَهَ مِنَ الزُّهْرِيّ، وَقَتَادَة، وَحَمَّاد» 0 ـ مِن أَقْوَالِهِ رَحِمَهُ الله: قَالَ أَبُو هِلاَلٍ الرَّاسِبيّ: «سَمِعْتُ قَتَادَةَ رَحِمَهُ اللهُ يَقُول: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَشْبَعُ مِنَ الْكَلاَم؛ كَمَا يَشْبَعُ مِنَ الطَّعَام» 0 قَالَ أَبُو هِلاَلٍ الرَّاسِبيّ: «سَمِعْتُهُ يَقُول: الحِفظُ في الصِّغَرِ كَالنَّقشِ في الحَجَر» 0 ـ قَالُواْ عَن عِلْمِهِ:

حَدَّثَ أَبُو هِلاَلٍ الرَّاسِبيُّ عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ قَال: «مَا زَالَ قَتَادَةُ مُتَعَلِّمَاً حَتىَّ مَات» قَالَ فِيهِ أَبُو عَمْرٍو بْنُ الْعَلاَء: «كَانَ قَتَادَةُ رَحِمَهُ اللهُ مِن أَنْسبِ النَّاس» 0 ـ قَالُواْ عَنْ ذَكَائِهِ وَفِطْنَتِه عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: حَدَّثَ ابْنُ أَبي عَاصِمٍ عَن هُدْبَةَ عَن هَمَّامِ بْنِ يحْيىَ عَنْ قَتَادَةَ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «قَالَ لي سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ رَحِمَهُ الله: لَمْ أَرَ أَحَدَاً أَسْأَلُهُ عَمَّا يُخْتَلَفُ فِيهِ مِنْك» 0

حَدَّثَ سَلاََّمُ بْنُ مِسْكِينٍ عَن عِمْرَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ لِقَتَادَة: «مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ اللهَ خَلَقَ مِثْلَك» 0 وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيّ: «وَهَلْ كَانَ في الدُّنْيَا مِثْلُ قَتَادَة» 0 قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ الله: «كَانَ قَتَادَةُ عَالِمَاً بِالتَّفْسِيرِ وَبِاخْتِلاَفِ الْعُلَمَاء، ثُمَّ وَصَفَه بِالْفِقْهِ وَالحِفْظِ وَأَطنَبَ في ذِكْرِهِ، وَقَالَ في النِّهَايَة: قَلَّمَا تَجِدُ مَنْ يَتَقَدَّمُه» 0

ـ قَالُواْ عَن حِفْظِهِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ الله: «كَانَ قَتَادَةُ أَحْفَظَ أَهْلِ الْبَصْرَة، لاَ يَسْمَعُ شَيْئَاً إِلاََّ حَفِظَه؛ قُرِئَ عَلَيْهِ صَحِيفَةُ جَابِرٍ مَرَّةً وَاحِدَةً فَحَفِظَهَا» 0 نَقَلَ الْقِفْطِيُّ في تَارِيخِهِ: «إِنَّ الرَّجُلَيْنِ مِنْ بَني أُمَيَّةَ كَانَا يخْتَلِفَانِ في الْبَيْتِ مِنَ الشِّعر؛ فَيُبْرِدَانِ بَرَيْدَاً إِلىَ الْعِرَاقِ يَسْأَلاَنِ قَتَادَةَ عَنهُ» 0 قَالَ مَعْمَر: «جَاءَ رَجُلٌ إِلىَ محَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ رَحِمَهُ اللهُ فَقَال: رَأَيْتُ كَأَنَّ حَمَامَةً الْتَقَمَتْ لُؤْلُؤَةً؛ فَخَرَجَتْ مِنهَا كَمَا دَخَلَتْ 00؟ [أَيْ بِلاَ زِيَادَةٍ وَلاَ نُقْصَان]

فَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ رَحِمَهُ الله: ذَاكَ قَتَادَة؛ فَهُوَ أَحْفَظُ النَّاس» 0 حَدَّثَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «مَا سَمِعَتْ أُذُنَايَ شَيْئَاً قَطُّ إِلاََّ وَعَاهُ قَلْبي» 0 ـ بَعْضُ نَوَادِرِه غَفَرَ اللهُ لَه: حَدَّثَ نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ عَن أَبِيهِ عَن خَالِدِ بْنِ قَيْسٍ قَال: «قَالَ قَتَادَة: مَا نَسِيتُ شَيْئَاً، ثُمَّ قَال: يَا غُلاَم؛ نَاولْني نَعْلِي؛ قَال: نَعْلُكَ في رِجْلِك» 0

سعيد بن جبير

سَعِيدُ بْنُ جُبَيْر هُوَ الإِمَامُ الحَافِظُ المُقْرِئُ المُفَسِّرُ الشَّهِيدُ أَبُو عَبْدِ اللهِ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ هِشَامٍ الْوَالِبيُّ الْكُوفِيّ 0 وُلِدَ رَحِمَهُ اللهُ سَنَةَ 38 هـ في خِلاَفَةِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَه، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 95 هـ؛ قَتَلَهُ الحَجَّاجُ أَبْعَدَهُ الله 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: كَمَا رَوَى عَن أَبي هُرَيْرَة، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَر، وَأَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ، وَأَبي مُوسَى الأَشْعَرِيّ، عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّل، وَعَدِيِّ بْنِ حَاتِم، وَأَبي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيّ، وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: قَالَ أَبُو الشَّيْخِ: «قَدِمَ رَحِمَهُ اللهُ أَصْبَهَانَ زَمَنَ الحَجَّاجِ أَبْعَدَهُ اللهُ وَأَخَذُواْ عَنه» 0 حَدَّثَ عَنهُ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانيّ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَة، وَسُلَيْمَانُ الأَحْوَل، وَسُلَيْمَانُ الأَعْمَش، وَسِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، وَأَبُو سِنَان، وَعَبْدُ الْكَرِيمِ الجَزَرِيُّ، وَعَدِيُّ بْنُ ثَابِت، وَعَطَاءُ بْنُ السَّائِب، وَعَمْرُو بْنُ دِينَار، وَمَالِكُ بْنُ دِينَار، وَالزُّهْرِيّ، وَمحَمَّدُ بْنُ وَاسِع، وَالمِنْهَالُ بْنُ عَمْرو، وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَان، وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيّ، وَأَبُو حَصِينٍ الأَسَدِيّ، وَخَلْقٌ كَثِير 0

ـ مَكَانَتُهُ في الْقِرَاءَاتِ وَعُلُومِ الْقُرْآنِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: أَخَذَ الْقُرْآنَ وَالْقِرَاءَاتِ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآن، وَبَرَعَ في عُلُومِ الْقرْآنِ حَتىَّ أَصْبَحَ فِيهَا إِمَامَاً وَقَرَأَ عَلَيْهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ عَلَى رَأْسِهِمْ أَبُو عَمْرٍو بْنُ الْعَلاَء 0 قَالَ ابْنُ شِهَاب: «كَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ يَؤُمُّنَا، يُرَجِّعُ صَوْتَهُ بِالقُرْآن» 0 ـ قَالُواْ عَنِ عِلْمِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ أَحمَدَ بْنِ الْبَرَاءِ عَن عَلِيِّ بْنِ المَدِينيِّ قَال: «لَيْسَ في أَصْحَابِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ مِثْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ رَحِمَهُ الله؛ قِيلَ وَلاَ طَاوُوس؟ قَالَ وَلاَ طَاوُوسٌ وَلاَ أَحَد» 0

حَدَّثَ عَبْدُ السَّلاَمِ بْنُ حَرْبٍ عَن خُصَيْفٍ قَال: «كَانَ أَعْلَمَهُمْ بِالقُرْآنِ مُجَاهِد، وَأَعْلَمَهُمْ بِالحَجِّ عَطَاء، وَأَعْلَمَهُمْ بِالحَلاَلِ وَالحَرَامِ طَاوُوس، وَأَعْلَمَهُمْ بِالطَّلاَقِ سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّب، وَأَجْمَعَهُمْ لِهَذِهِ الْعُلُوم: سَعِيدُ بْنُ جُبَيْر» 0

ـ قَالُواْ عَنْ مَنَاقِبِهِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: رَوَى ضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ عَن أَصْبَغَ بْنِ زَيْدٍ قَال: «كَانَ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ دِيك، كَانَ يَقُوم مِنَ اللَّيْلِ بِصِيَاحِهِ، فَلَمْ يَصِحْ لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالي حَتىَّ أَصْبَح، فَلَمْ يُصَلِّ سَعِيدٌ رَحِمَهُ اللهُ تِلْكَ اللَّيْلَة، فَشَقَّ عَلَيْهِ فَقَال: مَا لَهُ قَطَعَ اللهُ صَوْتَه 00؟! فَمَا سُمِعَ لَهُ صَوْتٌ بَعْد؛ فَقَالَتْ لَهُ أُمُّه: يَا بُنيّ؛ لاَ تَدْعُ عَلَى شَيْءٍ بَعْدَهَا» 0 حَدَّثَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَن أَبي سِنَانٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «لَدَغَتْني عَقْرَب؛ فَأَقْسَمَتْ عَلَيَّ أُمِّي أَن أَسْتَرْقِيَ، فَأَعْطَيْتُ الرَّاقِيَ يَدِيَ الَّتي لَمْ تُلْدَغْ وََكَرِهْتُ أَن أُحَنِّثَهَا» 0

ـ قَالُواْ عَنْ فِقْهِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ جَعْفَرُ بْنُ أَبي المُغِيرَة: «كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ بَعْدَ مَا عَمِيَ إِذَا أَتَاهُ أَهْلُ الْكُوفَةِ يَسْأَلُونَهُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ يَقُول: تَسْأَلُوني وَفِيكُمْ ابْنُ أُمِّ دَهْمَاء «يَعْني سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ رَحِمَهُ الله»» 0 حَدَّثَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَن أَسْلَمَ المِنْقَرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ رَحِمَهُ اللهُ قَال: «سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنْ فَرِيضَةٍ فَقَال: ائْتِ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْر؛ فَإِنَّهُ أَعْلَمُ بِالحِسَابِ مِنيِّ، وَهُوَ يَفْرِضُ فِيهَا مَا أَفْرِض» 0

0 ـ خَبَرُهُ مَعَ الحَجَّاجِ أَبْعَدَهُ الله: قَال الإِمَامُ الذَّهَبيّ: «قِيَامُ الْقُرَّاءِ عَلَى الحَجَّاجِ كَانَ في سَنَةِ 82 هـ، وَمَا ظَفِرُواْ بِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ رَحِمَهُ اللهُ إِلاَّ سَنَةَ 95 هـ، السَّنَةَ الَّتي قَلَعَ اللهُ فِيهَا الحَجَّاج» 0 أَيْ أَنَّ سَعِيدَاً ظَلَّ طَرِيدَاً شَرِيدَاً بَعِيدَاً عَن أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَة 0 حَدَّثَ صَالِحُ بْنُ عُمَرَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبي هِنْدٍ قَال: «لَمَّا أَخَذَ الحَجَّاجُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ رَحِمَهُ اللهُ قَال: مَا أُرَاني إِلاََّ مَقْتُولاً؛

وَسَأُخْبِرُكُمْ: إِنيِّ كُنْتُ أَنَا وَصَاحِبَانِ لي دَعَوْنَا حِينَ وَجَدْنَا حَلاَوَةَ الدُّعَاء، ثمَّ سَأَلْنَا اللهَ الشَّهَادَة؛ فَكِلاَ صَاحِبيَّ رُزِقَهَا، وَأَنَا أَنْتَظِرُهَا» 0 قَالَ الإِمَامُ أَحْمَد: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ خَالِدٍ عَن أُمَيَّةَ بْنِ شِبْلٍ عَن عُثْمَانَ بْنِ بُوذَوَيْهِ قَال: يَا أَبَا عَبْدِ الله، كَمْ لَكَ مُنْذُ خِفْتَ مِنَ الحَجَّاج 00؟ «كُنْتُ مَعَ وَهْبٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ يَوْمَ عَرَفَةَ بِنَخِيلِ ابْنِ عَامِر، فَقَالَ لَهُ وَهْب:

يَا أَبَا عَبْدِ الله، كَمْ لَكَ مُنْذُ خِفْتَ مِنَ الحَجَّاج 00؟ قَالَ: خَرَجْتُ عَنِ امْرَأَتي وَهِيَ حَامِل، فَجَاءَني الَّذِي في بَطْنِهَا وَقَدْ خَرَجَ وَجْهُه» 0 حَدَّثَ أَبُو حُذَيْفَةَ النَّهْدِيُّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَن عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبي حُسَيْنٍ قَال: «حِينَ دُعِيَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ رَحِمَهُ اللهُ لِلْقَتْلِ جَعَلَ ابْنُهُ يَبْكِي؛ فَقَالَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ 00؟! مَا بَقَاءُ أَبِيكَ بَعْدَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ سَنَة» 0

عَن أَبي بَكْرٍ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبي زِيَادٍ [أَحَدُ أَصْحَابِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ رَحِمَهُ اللهُ] قَال: «أَتَيْنَا سَعِيدَاً رَحِمَهُ اللهُ فَإِذَا هُوَ طَيِّبُ النَّفْسِ وَبِنْتُهُ في حَجْرِهِ؛ فَبَكَتْ، وَشَيَّعْنَاهُ إِلىَ بَابِ الجِسْرِ، فَقَالَ الحَرَسُ لَه: أَعْطِنَا كَفِيلاً؛ فَإِنَّا نَخَافُ أَنْ تُغْرِقَ نَفْسَك؛ قَالَ [أَيْ يَزِيدُ بْنُ أَبي زِيَاد]: فَكُنْتُ فِيمَنْ كُفِلَ بِه» 0

رَوَى عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى عَن الرَّبِيعِ بْنِ أَبي صَالِحٍ قَال: «دَخَلْتُ عَلَى سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ رَحِمَهُ اللهُ حِينَ جِيءَ بِهِ إِلىَ الحَجَّاج؛ فَبَكَى رَجُل، فَقَالَ سَعِيدٌ رَحِمَهُ الله: مَا يُبْكِيكَ 00؟! قَال: لِمَا أَصَابَك؛ قَال: فَلاَ تَبْكِ؛ كَانَ في عِلْمِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَكُونَ هَذَا، ثُمَّ تَلاَ رَحِمَهُ الله: {مَا أَصَابَكَ مِنْ مُصِيبَةٍ في الأَرْضِ وَلاَ في أَنْفُسِكُمْ إِلاََّ في كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} [الحَدِيد: 22]

حَدَّثَ حَامِدُ بْنُ يحْيىَ الْبَلْخِيُّ عَن أَبي مُقَاتِلٍ حَفْصٍ السَّمَرْقَنْدِيِّ عَن عَوْنِ بْنِ أَبي شَدَّادٍ أَنَّ الحَجَّاجَ لَمْ يَزَلْ يَجِدُّ في طَلَبِهِ بِكُلِّ مَكَان، وَيَبُثُّ عَلَيْهِ الْعُيُونَ وَالأَعْوَان؛ حَتىَّ وَصَلَ إِلىَ مَكَانِهِ؛ فَوَجَّهَ إِلَيْهِ قَائِدَاً في عِشْرِينَ مِن أَعْوَانِه؛ فَلَمْ يَزَالُواْ يَتَحَسَّسُونَ وَيَتَجَسَّسُونَ حَتىَّ خَلَصُواْ إِلَيْهِ وَقَبَضُواْ عَلَيْه؛ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنىَ عَلَيْهِ وَقَامَ مَعَهُمْ، حَتىَّ انْتَهَواْ إِلىَ دَيْرِ رَاهِبٍ فَقَالَ لَهُمْ: يَا مَعْشَرَ الْفُرْسَانِ

أَصَبْتُمْ صَاحِبَكُمْ 00؟ قَالُواْ نَعَمْ؛ فَقَال: اصْعَدُواْ؛ فَإِنَّ اللَّبُؤَةَ وَالأَسَدَ يَأْوِيَانِ حَوْلَ الدَّيْر 0 فَفَعَلُواْ، وَأَبَى سَعِيدٌ أَنْ يَدْخُل؛ فَقَالُواْ: مَا نَرَاكَ إِلاََّ تُرِيدُ الهَرَبَ مِنَّا 0 قَالَ رَحِمَهُ الله: لا، وَلَكِنْ لاَ أَدْخُلُ مَنْزِلَ مُشْرِكٍ أَبَدَا 0 قَالُواْ: فَإِنَّا لاَ نَدَعُك؛ فَإِنَّ السِّبَاعَ تَقْتُلُك 0 قَالَ لاَ ضَيْر؛ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي يَصْرِفُهَا عَنيِّ وَيَجْعَلُهَا حَرَسَاً تَحْرُسُني 0 قَالُواْ: فَأَنْتَ مِنَ الأَنْبيَاءِ 00!! [يَسْتَهْزِئُون]

قَالَ رَحِمَهُ الله: مَا أَنَا مِنَ الأَنْبيَاء، وَلَكِن عَبْدٌ مِن عَبِيدِ اللهِ جَلَّ جَلاَلهُ مُذْنِب 0 فَأَخَذُواْ مِنهُ المَوَاثِيقَ أَلاَّ يَبرَحَ المَكَان؛ فَأَعْطَاهُمْ أَغْلَظَ الأَيْمَان؛ فَرَضُواْ بِذَلِكَ مِنهُ، فَقَالَ لَهُمْ الرَّاهِب: اصْعَدُواْ وَأَوْتِرُواْ الْقِسِّيَّ لِتُنَفِّرُواْ السِّبَاعَ عَن هَذَا الْعَبْدِ الصَّالِح، فَلَمَّا صَعِدُواْ وَأَوْتَرُواْ الْقِسِّيّ؛ إِذَا هُمْ بِلَبْوَةٍ قَدْ أَقْبَلَتْ، فَلَمَّا دَنَتْ مِنْ سَعِيدٍ تَحَكَّكَتْ بِهِ [أَيِ حَكَّتْ جِسْمَهَا بِهِ] وَتَمَسَّحَتْ بِهِ، ثُمَّ رَبَضَتْ

قَرِيبَاً مِنهُ، وَأَقْبَلَ الأَسَدُ فَصَنَعَ مِثْلَ ذَلِك 0 فَلَمَّا رَأَواْ ذَلِك؛ أَصْبَحُواْ فَنَزَلُواْ إِلَيْه، فَسَأَلَهُ الرَّاهِبُ عَنْ شَرَائِعِ دِينِهِ وَسُنَنِهِ؛ فَفَسَّرَ لَهُ سَعِيدٌ ذَلِكَ كُلَّهُ؛ فَأَسْلَم، وَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَى سَعِيدٍ يَعْتَذِرُونَ إِلَيْه، وَيُقَبِّلُونَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْه، وَيَأْخُذُونَ التُّرَابَ الَّذِي وَطِئَهُ فَيَقُولُون: يَا سَعِيد؛ حَلَّفَنَا الحَجَّاجُ بِالطَّلاَقِ وَالعَتَاقِ إِنْ نَحْنُ رَأَيْنَاكَ وَتَرَكْنَاكَ فَمُرْنَا بِمَا شِئْت 00؟

قَالَ رَحِمَهُ الله: امْضُواْ لأَمْرِكُمْ؛ فَإِنيِّ لاَئِذٌ بِخَالِقِي، وَلاَ رَادَّ لِقَضَائِه 0 فَسَارُواْ حَتىَّ بَلَغُواْ وَاسِط؛ فَقَالَ سَعِيد: قَدْ تَحَرَّمْتُ بِكُمْ وَصَحِبْتُكُمْ، وَلَسْتُ أَشُكُّ أَنَّ أَجَلِي قَدْ حَضَر؛ فَدَعُوني اللَّيْلَةَ آخُذْ أُهْبَةَ المَوْت، وَأَسْتَعِدَّ لِمُنْكَرٍ وَنَكِير، وَأَذْكُرْ عَذَابَ الْقَبْر، فَإِذَا أَصْبَحْتُمْ؛ فَالمِيعَادُ بَيْنَنَا المَكَانُ الَّذِي تُرِيدُون؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَتُرِيدُونَ أَثَرَاً بَعْدَ عَيْن ـ

أَيْ أَتُرِيدُونَ بَعْدَ رُؤْيَتِهِ رَأْيَ الْعَينِ أَنْ تَطْلُبُواْ غَدَاً أَثَرَهُ بَعْدَ عَيْن ـ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ بَلَغْتُمْ مَأْمَنَكُمْ وَدَنَتْ مِنْكُمْ جَوَائِزَ الأَمِير؛ فَلاَ تَعْجَزُواْ عَنهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ وَكَانُواْ أَقْرَبَ مِن أُوْلَئِكَ إِلىَ الخَير: يُعْطِيكُمْ مِثْلَمَا أَعْطَاكُمْ لَيْلَةَ الدَّيْر، وَيْلَكُمْ؛ أَمَا لَكُمْ عِبْرَةٌ بِمَا فَعَلَ بِهِ الأَسَد؟!

فَنَظَرُواْ إِلىَ سَعِيدٍ وَقَدْ دَمَعَتْ عَيْنَاهُ وَشَعِثَ رَأْسُهُ وَاغْبَرَّ لَوْنُهُ وَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ وَلَمْ يَضْحَكْ مُنْذُ لَقُوهُ وَصَحِبُوه؛ فَقَالُواْ: يَا خَيْرَ أَهْلِ الأَرْض؛ لَيْتَنَا لَمْ نَعْرِفْكَ وَلَمْ نُسَرَّحْ إِلَيْك، الْوَيْلُ لَنَا وَيْلاً طَوِيلاً، كَيْفَ ابْتُلِينَا بِك، اعْذِرْنَا عِنْدَ خَالِقِنَا يَوْمَ الحَشْرِ الأَكْبَر؛ فَإِنَّهُ الْقَاضِي الأَكْبَرُ وَالعَدْلُ الَّذِي لاَ يَجُور؛ قَالَ رَحِمَهُ الله: مَا أَعْذَرَني لَكُمْ وَأَرْضَاني لِمَا سَبَقَ مِن عِلْمِ اللهِ فِيّ 0

فَلَمَّا فَرَغُواْ مِنَ الْبُكَاءِ وَالمُجَاوَبَةِ قَالَ كَفِيلُه: أَسْأَلُكَ بِاللهِ إِلاَّ زَوَّدْتَنَا مِنْ دُعَائِكَ وَكَلاَمِك؛ فَإِنَّا لَنْ نَلْقَى مِثْلَكَ أَبَدَاً؛ فَفَعَلَ ذَلِك؛ فَخَلَّوْا سَبِيلَهُ، فَغَسَلَ رَأْسَهُ وَمِدْرَعَتَهُ وَكِسَاءهُ، وَهُمْ مُحْتَفُونَ اللَّيْلَ كُلَّهُ يُنَادُونَ بِالوَيْلِ وَاللَّهْف 0 فَلَمَّا انْشَقَّ عَمُودُ الصُّبْحِ جَاءَهُمْ سَعِيدٌ فَقَرَعَ الْبَاب؛ فَنَزَلُواْ وَبَكَوْاْ مَعَهُ وَذَهَبُواْ بِهِ إِلىَ الحَجَّاجِ، وَمَعَهُ آخَر؛ فَدَخَلاَ، فَقَالَ الحَجَّاج: أَتَيْتُمُوني بِسَعِيدِ بْنِ

جُبَيْر 00؟ قَالُواْ نَعَمْ، وَعَايَنَّا مِنهُ الْعَجَب؛ فَصَرَفَ بِوَجْهِهِ عَنهُمْ وَقَال: أَدْخِلُوهُ عَلَيّ 0 فَخَرَجَ قَائِدُهُمْ إِلىَ سَعِيدٍ فَقَالَ لَه: أَسْتَوْدِعُكَ اللهَ وَأَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلاَم 0 ثُمَّ قَالَ لَهُ الحَجَّاجُ بَعْدَ كَلاَمٍ جَرَى فِيه؛ مَا يَنُمُّ عَنْ تَشَفِّيه: اخْتَرْ أَيَّ قِتْلَةٍ تُرِيدُ أَن أَقْتُلَك 00؟ قَال: اخْتَرْ لِنَفْسِكَ يَا حَجَّاج؛ فَوَاللهِ مَا تَقْتُلُني قِتْلَةً إِلاََّ قَتَلْتُكَ في الآخِرَةِ قَتْلَةً مِثْلَهَا وَشَرَّاً مِنهَا 0 قَال: فَتُرِيدُ أَن أَعْفُوَ عَنْكَ 00؟

قَالَ رَحِمَهُ الله: إِنْ كَانَ الْعَفْو؛ فَمِنَ الله، وَأَمَّا أَنْتَ فَلاَ بَرَاءةَ لَكَ وَلاَ عُذْر 0 قَال: اذْهبُواْ بِهِ فَاقْتُلُوه 0 فَلَمَّا خَرَجَ مِنَ الْبَابِ رَحِمَهُ اللهُ ضَحِك؛ فَأُخْبِرَ الحَجَّاجُ بِذَلِك؛ فَأَمَرَهُمْ بِرَدِّهِ؛ فَقَال: مَا أَضْحَكَكَ 00؟ قَالَ رَحِمَهُ الله: عَجِبْتُ مِنْ جُرْأَتِكَ عَلَى اللهِ وَحِلْمِهِ عَنْك 00!! فَأَمَرَ بِالنِّطْعِ فَبُسِطَ وَقَالَ اقْتُلُوه 0 فَقَالَ رَحِمَهُ الله: {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفَاً وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِين}

{الأَنعَام/79} قَالَ أَبْعَدَهُ الله: شُدُّواْ بِهِ لِغَيْرِ الْقِبْلَة 0 قَالَ رَحِمَهُ اللهُ: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ الله} {البَقَرَة/115} قَالَ أَبْعَدَهُ الله: كُبُّوهُ لِوَجْهِه 0 قَالَ رَحِمَهُ اللهُ: {مِنهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} {طَهَ/55} قَالَ أَبْعَدَهُ الله: اذْبَحُوه 0 قَالَ رَحِمَهُ اللهُ: إِنيِّ أَشْهَدُ وَأُحَاجُّ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاََّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ محَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُه، خُذْهَا مِنيِّ حَتىَّ تَلْقَاني يَوْمَ

الْقِيَامَة، ثمَّ دَعَا اللهَ سَعِيدٌ وَقَال: اللَّهُمَّ لاَ تُسَلِّطْهُ عَلَى أَحَدٍ يَقْتُلُهُ بَعْدِي، فَذُبِحَ عَلَى النَّطْع 0 حَدَّثَ هَارُونُ الحَمَّالُ عَنْ محَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ المَخْزُومِيِّ عَنْ مَالِكٌ عَنْ يحْيىَ بْنِ سَعِيد، عَنْ كَاتِبِ الحَجَّاجِ قَال: كُنْتُ أَكْتُبُ لِلْحَجَّاجِ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلاَمٌ يَسْتَخِفُّني وَيَسْتَحْسِنُ كِتَابَتي، وَأَدْخُلُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إِذْن، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ بَعْدَ مَا قَتَلَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ وَهُوَ في قُبَّةٍ لَهُ لَهَا أَرْبَعَةُ أَبْوَاب، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ مِمَّا

يَلِي ظَهْرَهُ فَسَمِعْتُهُ يَقُول: مَا لي وَلِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْر، فَخَرَجْتُ رُوَيْدَاً وَعَلِمْتُ أَنَّهُ إِن عَلِمَ بي قَتَلَني [لأَنَّهُ اطَّلَعَ مِنهُ عَلَى لحْظَةِ ضَعْفٍ قَدْ يُفْشِيهَا] فَلَمْ يَنْشَبْ قَلِيلاً حَتىَّ مَات 0 حَدَّثَ خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ عَن أَبِيهِ قَال: «شَهِدْتُ مَقْتَلَ سَعِيد، فَلَمَّا بَانَ رَأْسُهُ قَال: لاَ إِلَهَ إِلاََّ الله، لاَ إِلَهَ إِلاََّ الله، وَلَمْ يُتِمَّ الثَّالِثَة» 0

قَالَ الإِمَامُ مَالِك: «لَمَّا قُتِلَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ رَحِمَهُ اللهُ خَرَجَ مِنهُ دَمٌ كَثِيرٌ حَتىَّ رَاعَ الحَجَّاج؛ فَدَعَا طَبِيبَاً فَقَالَ لَه: مَا بَالُ دَمِ هَذَا كَثِير 00؟ قَال: إِن أَمَّنْتَني أَخْبَرْتُك؛ فَأَمَّنَهُ فَقَال: قَتَلْتَهُ وَنَفْسُهُ مَعَه» 00 أَيْ غَيرَ هَائِبِ المَوْت 0 بِسْمِ اللهِ الرَِّحْمَنِ الرَِّحِيم: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ المُطْمَئِنَّة {27} ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّة {28} فَادْخُلِي في عِبَادِي {29} وَادْخُلِي جَنَّتي} {الفَجْر}

الإمام الطبري

الإِمَامُ الطَّبَرِيّ هُوَ المُؤَرِّخُ وَإِمَامُ التَّفْسِيرِ وَعَالِمُ الْعَصْر: أَبُو جَعْفَرٍ محَمَّدُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ كَثِيرٍ الطَّبَرِيّ، مِن أَهْلِ آمُلَ طَبَرِسْتَان [بِتُرْكُمَانِسْتَان] 0 وُلِدَ سَنَةَ 224 هـ بِآمُل، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 310 هـ وَدُفِنَ بِبَغْدَادَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه 0

ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: سَمِعَ محَمَّدَ بْنَ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ أَبي الشَّوَارِب، وَأَحْمَدَ بْنَ مَنِيع، وَأَبَا كُرَيْبٍ محَمَّدَ بْنَ الْعَلاَء، وَهَنَّاد بْنَ السَّرِيّ، وَأَبَا هَمَّام السَّكُونِيّ، وَبُنْدَارَاً، وَمحَمَّدَ بْنَ المُثَنىَّ، وَيُونُسَ بْنَ عَبْدِ الأَعْلَى، وَأَحْمَدَ بْنَ المِقْدَامِ الْعِجْلِيّ، وَالحَسَنَ بْنَ عَرَفَة، وَيَعْقُوبَ الدَّوْرَقِيّ، وَنَصْرَ بْنَ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيّ، وَعَمْرو بْنَ عَلِيٍّ الْفَلاََّس، وَأَحْمَدَ بْنَ أَبي سُرَيْج الرَّازِيّ، وَمحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّنْعَانيّ، وَعَبْدَةَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الصَّفَّار، وَسُفْيَانَ بْنَ وَكِيع، وَالحَسَنَ بْنَ الصَّبَّاحِ الْبَزَّار، وَأُمَمَاً سِوَاهُمْ 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانيّ، وَالحَافِظُ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيّ، وَخَلْقٌ كَثِيرٌ ـ قَالُواْ عَنْ صِفَاتِهِ الشَّكْلِيَّةِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ كَامِل: لَمْ يُغَيِّرْ شَيْبَهُ، وَكَانَ السَّوَادُ فِيهِ كَثِيرَاً، وَكَانَ أَسْمَرَ إِلىَ الأُدْمَة ـ أَيْ شَدِيدَ السُّمْرَة ـ أَعْيَنَ [أَيْ وَاسِعَ الْعَيْنَين] نَحِيفَ الجِسْم، طَوِيلاً فَصِيحَاً» 0

ـ نُبْذَةٌ عَن حَيَاتِهِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَهُ في الدُّنيَا وَالآخِرَة: قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «رَحَلَ مِن آمُلَ [مَسْقَطِ رَأْسِهِ] لَمَّا تَرَعْرَعَ وَحَفِظَ الْقُرْآن، وَسَمَحَ لَهُ أَبُوهُ في أَسْفَارِه، وَكَانَ طُولَ حَيَاتِهِ يَمُدُّهُ بِالشَّيْءِ بَعْدَ الشَّيْءِ إِلىَ الْبُلْدَان، فَيَقْتَاتُ بِهِ، سَمِعْتُهُ يَوْمَاً يَقُول: أَبْطَأَتْ عَنيِّ نَفَقَةُ وَالِدِي فَاضْطُرِرْتُ إِلىَ فَتْقِ كُمَّيْ قَمِيصِي فَبِعْتُهُمَا» 0 قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحمَهُ الله: «اسْتَقَرَّ في أَوَاخِرِ أَمْرِهِ بِبَغْدَاد» 0

ـ رِحْلَتُهُ في طَلَبِ الْعِلْمِ: قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَه: «طَلَبَ الْعِلْمَ بَعْدَ الأَرْبَعِينَ وَمِاْئَتَيْن، وَأَكْثَرَ التَّرْحَال، وَلقِي نُبَلاَءَ الرِّجَال» 0 قَالَ الْفَرْغَانيّ: حَدَّثَني هَارُونُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَال: قَالَ لي أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيّ: أَظْهَرْتُ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ وَاقْتَدَيْتُ بِهِ بِبَغْدَادَ عَشْرَ سِنِين، وَتَلَقَّاهُ مِنيِّ ابْنُ بَشَّارٍ الأَحْوَلُ أُسْتَاذُ ابْنِ سُرَيْج» 0

ـ بَعْضُ مَا لَقِيَهُ مِنَ الْعَذَابَاتِ في سَبِيلِ طَلَبِ الْعِلْمِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: قَالَ الخَطِيب: حَدَّثَني أَبُو الْفَرَجِ محَمَّدُ بْنُ عبيدِ اللهِ الشِّيرَازيُّ الخَرْجُوشِيُّ قَال: «سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ مَنْصُورٍ الشِّيرَازِيَّ قَال: سَمِعْتُ محَمَّدَ بْنَ أَحْمَدَ الصَّحَّافَ السِّجِسْتَانيَّ قَال: سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ الْبَكْرِيَّ يَقُول: جَمَعَتِ الرِّحْلَةُ بَيْنَ محَمَّدِ بْنِ جَرِير، وَمحَمَّدِ بْنِ خُزَيْمَة، وَمحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ المَرْوَزِيّ، وَمحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ الرُّويَاني بِمِصْر؛ فَأَرْمَلُواْ [أَيْ نَفِدَ زَادُهُمْ] وَلَمْ يَبْقَ عِنْدَهُمْ مَا يقُوتُهُمْ، وَأَضَرَّ بِهِمُ الجُوع، فَاجْتَمَعُواْ لَيْلَةً في مَنْزِلٍ كَانُواْ يَأْوُونَ إِلَيْه؛

فَاتَّفَقَ رأَيُهُمْ عَلَى أَنْ يَسْتَهِمُواْ وَيَضْربُواْ الْقُرْعَة، فَمَن خَرَجَتْ عَلَيْهِ الْقُرعَةُ سَأَلَ لأَصْحَابِهِ الطَّعَام؛ فَخَرَجَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى ابْنِ خُزَيْمَة؛ فَقَالَ لأَصْحَابِهِ: أَمْهِلُوني حَتىَّ أُصَلِّيَ صَلاَةَ الحَاجَة؛ فَانْدَفَعَ في الصَّلاَة؛ فَإِذَا هُمْ بِالشُّمُوعِ وَخَصِيٍّ مِنْ قِبَلِ وَالِي مِصْرَ يَدُقُّ الْبَاب؛ فَفَتَحُواْ؛ فَقَال: أَيُّكُمْ محَمَّدُ بْنُ نَصْر 00؟ فَقِيل: هُوَ ذَا؛ فَأَخْرَجَ صُرَّةً فِيهَا خَمْسُونَ دِينَارَاً فَدَفَعَهَا إِلَيْه، ثمَّ قَال: وَأَيُّكُمْ محَمَّدُ بْنُ جَرِير 00؟

فَأَعْطَاهُ خَمْسِينَ دِينَارَاً، وَكَذَلِكَ لِلرُّويَانيِّ وَابْن خُزَيْمَة، ثمَّ قَال: إِنَّ الأَمِيرَ كَانَ قَائِلاً بِالأَمْسِ فَرَأَى في المَنَامِ أَنَّ المَحَامِدَ جِيَاعٌ قَدْ طَوَوْا كَشْحَهُمْ [أَيْ بَاتُواْ جِيَاعَاً]؛ فَأَنْفَذَ إِلَيْكُمْ هَذِهِ الصُّرَرَ وَأَقْسَمَ عَلَيْكُمْ: إِذَا نَفِدَتْ فَابْعَثُواْ إِلَيَّ أَحَدَكُمْ» 0 قَالَ أَبُو محَمَّدٍ الْفَرْغَانيُّ في «ذَيْلِ تَارِيخِهِ» عَلَى «تَارِيخِ الطَّبَرِيّ»: «حَدَّثَني أَبُو عَلِيٍّ هَارُونُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ لَمَّا دَخَلَ بَغْدَادَ كَانَتْ مَعَهُ بِضَاعَةٌ يَتَقَوَّتُ مِنهَا، فَسُرِقَتْ فَأَفْضَى بِهِ الحَالُ إِلىَ بَيْعِ ثِيَابِهِ، وَكُمَّيْ قَمِيصِهِ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْدِقَائِهِ: تَنْشَطُ لتَأَدِيبِ بَعْضِ وَلَدِ الْوَزِيرِ أَبي الحَسَنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ يحْيىَ بْنِ خَاقَان 00؟

قَال: نَعَمْ؛ فَمَضَى الرَّجُل، فَأَحْكَمَ لَهُ أَمْرَهُ، وَعَادَ فَأَوْصَلَهُ إِلىَ الْوَزِيرِ بَعْدَ أَن أَعَارَهُ مَا يَلْبَسُه؛ فَقرَّبَهُ الْوَزِيرُ وَرَفَعَ مَجْلِسَهُ، وَأَجْرَى عَلَيْهِ عَشْرَة دَنَانِيرَ في الشَّهْر؛ فَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَوْقَاتَ طَلَبِهِ لِلْعِلْمِ وَالصَّلوَاتِ وَالرَّاحَة، وَسَأَلَ إِسْلاَفَهُ رِزْقَ شَهْر؛ فَفَعَل، وَأُدْخِلَ في حُجْرَةِ التَّأَدِيب، وَخَرَجَ إِلَيْهِ الصَّبيُّ وَهُوَ أَبُو يحْيىَ فَلَمَّا كتَّبَهُ أَخَذَ الخَادِمُ اللَّوْحَ وَدَخَلُواْ مُسْتَبْشِرِين؛ فَلَمْ تَبْقَ جَارِيَةٌ إِلاََّ

أَهْدَتْ إِلَيْهِ صِينِيَّةً فِيهَا درَاهُمُ وَدَنَانِير، فَرَدَّ الجَمِيعَ وَقَال: قَدْ شُورِطْتُ عَلَى شَيْءٍ فَلاَ آخُذُ سِوَاه؛ فَدَرَى الْوَزِير بِذَلِكَ فَأَدْخَلَهُ إِلَيْهِ وَسَأَلَهُ فَقَال: هَؤُلاَءِ عَبِيدٌ وَهُمْ لاَ يَمْلِكُون؛ فَعَظُمَ ذَلِكَ في نَفْسِه» ـ قَالُواْ عَنْ فِقْهِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَه: «كَانَ مِنْ كِبَارِ أَئِمَّةِ الاِجْتِهَاد» 0

قَالَ هَارُونُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيز: لَمَّا اتَّسَعَ عِلْمُهُ؛ أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ وَبَحْثُهُ إِلىَ مَا اخْتَارَهُ في كُتُبِهِ» ـ قَالُواْ عَنْ سَعَةِ عِلْمِهِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَهُ في الدُّنيَا وَالآخِرَة: قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيّ: «كَانَ ثِقَةً صَادِقَاً حَافِظَاً، رَأْسَاً في التَّفْسِير، إِمَامَاً في الْفِقْه، وَالإِجْمَاعِ وَالاِخْتِلاَف، عَلاََّمَةٌ في التَّارِيخِ وَأَيَّامِ النَّاس، عَارِفَاً بِالقِرَاءَاتِ وَبَاللُّغَةِ وَغَيْرِ ذَلِك، قَرَأَ الْقُرْآنَ بِبَيْرُوتَ عَلَى الْعَبَّاسِ بْنِ الْوَلِيد

» 0 قَالَ الخَطِيب: محَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ بْنِ يَزِيدَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ غَالِب: كَانَ أَحَدُ أَئِمَّةِ الْعُلَمَاء، يُحْكَمُ بِقَوْلِهِ وَيُرْجَعُ إِلىَ رأَيِهِ؛ لمَعْرِفَتِهِ وَفَضْلِه، وَكَانَ قَدْ جَمَعَ مِنَ الْعُلُومِ مَا لَمْ يُشَارِكْهُ فِيهِ أَحَدٌ مِن أَهْلِ عَصْرِه؛ فَكَانَ رَحمَهُ اللهُ حَافِظَاً لِكِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلّ، عَارِفَاً بِالقِرَاءَات، بَصِيرَاً بِالمَعَاني، فَقِيهَاً في أَحْكَامِ الْقُرْآن، عَالِمَاً بِالسُّنَنِ وَطُرُقِهَا، صَحيحِهَا وَسَقيمِهَا، وَنَاسِخِهَا وَمَنْسُوخِهَا، عَارِفَاً بِأَقْوَالِ

الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِين، عَارِفَاً بِأَيَّامِ النَّاسِ وَأَخْبَارِهِمْ» 0 قَالَ الحَاكِم: سَمِعْتُ حُسَيْنَكَ بْنَ عَلِيٍّ يَقُول: «أَوَّلُ مَا سَأَلَني الإِمَامُ ابْنُ خُزَيْمَةَ قَالَ لي: كَتَبْتَ عَنْ محَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبرِيّ 00؟ قُلْتُ: لاَ، قَالَ وَلِمَ 00؟ قُلْتُ: لأَنَّهُ كَانَ لاَ يَظْهَر، وَكَانَتِ الحَنَابِلَةُ تَمْنَعُ مِنَ الدُّخُولِ عَلَيْه [أَيْ يَنهَوْنَ عَنهُ]؛ قَال: بِئْسَ مَا فَعَلْت، لَيْتَكَ لَمْ تَكْتُبْ عَنْ كُلِّ مَنْ كَتَبْتَ عَنهُمْ وَسَمِعْتَ مِن أَبي جَعْفَر» 0

قَالَ القَاضِي أَبُو عَبْدِ اللهِ الْقُضَاعِيّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ نَصْرٍ بْن الصَّبَّاح قَال: حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ عبيدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ السِّمْسَار، وَأَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَقِيلٍ الْوَرَّاقُ فَقَالاَ: «إِنَّ أَبَا جَعْفَرٍ الطَّبرِيَّ قَالَ لأَصْحَابِهِ: هَلْ تَنْشَطُونَ لتَارِيخِ الْعَالَم 00 مِن آدَمَ إِلىَ وَقْتِنَا 00؟ قَالُواْ: كَمْ قَدْرُه 00؟ فَذَكَرَ نَحْو ثَلاَثِينَ أَلْفِ وَرَقَة؛ فَقَالُواْ: هَذَا مِمَّا تَفْنىَ الأَعْمَارُ قَبْل تَمَامِه؛ فَقَال: إِنَّا لله 00 مَاتَتِ الهِمَم؛ فَاخْتَصَرَ ذَلِكَ في نَحْوِ

ثَلاَثَةِ آلاَفِ وَرَقَة، وَلَمَّا أَن أَرَادَ أَنْ يُمْلِي التَّفْسِيرَ قَالَ لَهُمْ نَحْوَاً مِنْ ذَلِك، ثُمَّ أَمْلاَهُ عَلَى نَحْوٍ مِنْ قَدْرِ «التَّارِيخ»» 0 ـ ثَنَاءُ الإِمَامِ الذَّهَبيِّ عَلَيْه: قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَه: «كَانَ مِن أَفْرَادِ الزَّمَانِ عِلْمَاً وَذكَاءً وَكَثْرَةَ تَصَانيْف، قلَّ أَنْ تَرَى الْعُيُونُ مِثْلَه» 0 ـ ثَنَاءُ الإِمَامِ ابْنِ خُزَيْمَة عَلَيْه:

قَالَ الحَاكِم: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بْنَ بَالَوَيْهِ يَقُول: قَالَ ليَ الإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ بْنُ خُزَيْمَة: «مَا أَعْلَمُ عَلَى أَديمِ الأَرْضِ أَعْلَمَ مِنْ محَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِي، وَلَقَدْ ظَلَمَتْهُ الحَنَابِلَة» 0 ـ دِفَاعُ الإِمَامِ الذَّهَبيِّ عَنهُ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَهُ في الدُّنيَا وَالآخِرَة: قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيّ: «كَانَ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ رِجَال الْكَمَال، وَشُنِّعَ عَلَيْهِ بِيَسِيرِ تَشَيُّع، وَمَا رَأَيْنَا إِلاََّ خَيْرَاً، وَبَعْضُهُمْ يَنْقِلُ عَنهُ أَنَّهُ كَانَ يُجِيزُ مَسْحَ

الرِّجْلَيْنِ في الْوُضُوء، وَلَمْ نَرَ في كُتُبِهِ» ـ بَعْضُ مَا لَقِيَهُ مِنَ المُتَشَدِّدِين؛ بِاسْمِ الدِّين: قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «وَقَدْ وَقَعَ بَيْنَ ابْنِ جَرِيرٍ وَبَيْنَ أَبي بَكْرٍ ابْن أَبي دَاوُد، وَكَانَ كُلٌّ مِنهُمَا لاَ يُنْصِفُ الآخَر، وَكَانَتِ الحَنَابِلَةُ حِزْبَ أَبي بَكْرٍ بْنِ أَبي دَاوُد، فَكَثُرُواْ وَشَغَّبُواْ عَلَى ابْنِ جَرِيرٍ وَنَالَهُ أَذَىً؛ حَتىَّ لَزِمَ بَيْتَهُ، نَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الهوَى» 0 ـ قَالُواْ عَن عَقِيدَتِه رَحمَهُ الله:

أَبُو الْفَتْح بْنُ أَبي الْفَوَارِس: أَخْبَرَنَا محَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ سَهْلِ صَاحِبِ محَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ قَال: «سَمِعْتُ محَمَّدَ بْنَ جَرِيرٍ رَحمَهُ اللهُ وَهُوَ يُكَلِّمُ ابْنَ صَالِحٍ الأَعْلَم، وَجرَى ذِكْرُ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ فَقَالَ محَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ: مَنْ قَال: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا لَيْسَا بِإِمَامَيْ هُدَىً، إِيش هُوَ 00؟ قَال: مُبْتَدِع؛ فَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَه: إِنْكَارَاً عَلَيْهِ: مُبْتَدِع؟! مُبْتَدِع؟! هَذَا يُقْتَل»

ـ قَالُواْ عَنْ نِضَالِهِ الْكَبِير، وَقَنَاعَتِهِ بِالْيَسِير: قَالَ عَنهُ أَبُو محَمَّدٍ الْفَرْغَانيّ: «كَانَ مِمَّنْ لاَ تَأْخُذُهُ في اللهِ لَوْمَةُ لاَئِم، مَعَ عَظِيمِ مَا يَلْحَقُهُ مِنَ الأَذَى وَالشَّنَاعَات، إِمَّا مِنْ جَاهِلٍ، أَوْ حَاسِد، أَوْ مُلْحِد؛ فَأَمَّا أَهْلُ الدِّينِ وَالعِلْم، فغيرُ مُنْكِرِينَ عِلْمَهُ وَزُهْدَهُ في الدُّنْيَا وَرَفْضَهُ لَهَا وَقَنَاعَتَهُ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ بِمَا كَانَ يَرِدُ عَلَيْهِ مِن حِصَّةٍ مِنْ ضَيْعَةٍ خَلَّفَهَا لَهُ أَبُوهُ بطَبَرِسْتَانَ يَسِيرَة» 0

ـ قَالُواْ عَنْ زُهْدِهِ وَإِخْلاَصِهِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: أَمْلَى كِتَابَاً عَلَى الخَلِيفَةِ المُكْتَفِي؛ فَأُخْرِجَتْ لَهُ جَائِزَةٌ؛ فَامْتَنَعَ مِنْ قَبُولهَا، وَكَذَا الْتَمَسَ مِنهُ الْوَزِيرُ أَنْ يَعْمَلَ لَهُ كِتَابَاً في الْفِقْه؛ فَأَلَّفَ لَهُ كِتَابَ «الخَفِيف» فَوَجَّهَ إِلَيْهِ بِأَلْفِ دِينَارٍ فَرَدَّهَا؛ قِيلَ لَهُ: تَصَدَّقْ بِهَا؛ فَلَمْ يَفْعَلْ وَقَال: «أَنْتُمْ أَوْلىَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَعْرَفُ بِمَنْ تَصَّدَّقُونَ عَلَيْه» 0

قَالَ الْفَرْغَانيّ: كَتَبَ إِلَيَّ المرَاغِيُّ: «لَمَّا تَقَلَّدَ الخَاقَانيُّ الْوِزَارَةَ وَجَّهَ إِلىَ أَبي جَعْفَرٍ الطَّبَرِيِّ بِمَالٍ كَثِير؛ فَامْتَنَعَ مِنْ قَبُولِه؛ فَعَرَضَ عَلَيْهِ الْقَضَاء؛ فَامْتَنَعَ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ المَظَالِم؛ فَأَبَى!! فَعَاتَبَهُ أَصْحَابُهُ وَقَالُواْ: لَكَ في هَذَا ثَوَاب، وَتُحْيِي سُنَّةً قَدْ دَرَسَتْ، وَطَمِعُواْ في قَبُولِهِ المَظَالِم؛ فَبَاكَرُوهُ لِيَرْكَبَ مَعَهُمْ لِقَبُولِ ذَلِك؛ فَانْتَهَرَهُمْ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَهُ وَقَال: قَدْ كُنْتُ أَظُنُّ أَنيِّ لَوْ رَغبْتُ في ذَلِكَ لَنَهَيْتُمُوني عَنهُ؛ فَانْصَرَفْنَا خَجِلِين» 0

ـ قَالُواْ عَنْ نُبْلِهِ وَمُرُوءَتِهِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَهُ في الدُّنيَا وَالآخِرَة: قَالَ أَبُو محَمَّدٍ الْفَرْغَانيُّ في «ذَيْلِ تَارِيخِهِ» عَلَى «تَارِيخِ الطَّبَرِيّ»: «كَانَ رُبَّمَا أَهْدَى إِلَيْهِ بَعْضُ أَصْدِقَائِهِ الشَّيْءَ فيَقْبَلُه، وَيُكَافِئُهُ أَضْعَافَاً لِعِظَمِ مُرُوءَتِهِ» 0 ـ قَالُواْ عَنْ صَلاَحِهِ وَتَقْوَاه، وَحُسْنِ تَوَكُّلِهِ عَلَى الله: قَالَ أَبُو محَمَّدٍ الْفَرْغَانيّ: حَدَّثَني هَارُونُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَال: قَالَ أَبُو جَعْفَر [أَيِ الطَِّبرِيّ]: «اسْتَخَرْتُ اللهَ وَسَأَلْتُهُ الْعَوْنَ عَلَى مَا نَوَيْتُهُ مِنْ تَصْنيفِ التَّفْسِيرِ قَبْلَ أَن أَعْمَلَهُ ثَلاَثَ سِنِينَ فَأَعَانَني» 0

ـ قَالُواْ عَنْ كَثْرَةِ مُؤَلَّفَاتِه: قَالَ الخَطِيب: «سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ عُبَيدِ اللهِ اللُّغَوِيَّ يحْكِي أَنَّ محَمَّدَ بْنَ جَرِيرٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ مَكَثَ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَكْتُبُ في كُلِّ يَوْمٍ مِنهَا أَرْبَعِينَ وَرَقَةً» 0

قَالَ الخَطِيب: لَهُ الْكِتَابُ المَشْهُورُ في «أَخْبَارِ الأُمَمِ وَتَارِيخهِمْ» وَلَهُ كِتَابُ «التَّفْسِير» لَمْ يُصَنَّفْ مِثْلُه، وَكِتَابٌ سَمَّاه: «تَهْذِيبَ الآثَار» لَمْ أَرَ سِوَاهُ في مَعْنَاه، لَكِنْ لَمْ يُتِمَّه، وَلَهُ في أُصُولِ الْفِقْهِ وَفُرُوعِهِ كُتُبٌ كَثِيرَةٌ مِن أَقَاوِيلِ الْفُقَهَاء، وَتَفَرَّدَ بِمَسَائِلَ حُفِظَت عَنهُ» 0 قَالَ أَبُو محَمَّدٍ الْفَرْغَانيّ: تَمَّ مِنْ كُتُبِ محَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَه:

1 ـ كِتَاب «التَّفْسِير» الَّذِي لَوِ ادَّعَى عَالِمٌ أَنْ يصَنِّف مِنهُ عَشْرَة كُتُبْ، كُلُّ كِتَابٍ مِنهَا في عِلْمٍ مُفْرَدٍ مُسْتَقْصَىً لَفَعَل 0 2 ـ وَكِتَابُ «التَّارِيخ» إِلىَ عَصْرِه 0 3 ـ وَكِتَابُ «تَارِيخِ الرِّجَال» مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَإِلىَ شُيُوخه الَّذِينَ لَقِيَهُمْ 0 4 ـ وَكِتَابُ «لَطِيفِ الْقَوْلِ في أَحْكَامِ شرَائِعِ الإِسْلاَم» وَهُوَ مَذْهَبُهُ الَّذِي اخْتَارَهُ وَجَوَّدَهُ وَاحتجَّ لَهُ، وَهُوَ ثَلاَثَةٌ وَثَمَانُونَ كِتَابَاً 0 5 ـ وَكِتَابُ «الْقِرَاءَاتِ وَالتَّنْزِيلِ وَالْعَدَد» 0

6 ـ وَكِتَابُ «اخْتِلاَفِ عُلَمَاءِ الأَمَصَار» 0 7 ـ وَكِتَابُ «الخَفِيفِ في أَحْكَامِ شَرَائِعِ الإِسْلاَم» وَهُوَ مُخْتَصَرٌ لَطِيف 0 8 ـ وَكِتَابُ «التَّبْصِيرِ» وَهُوَ رسَالَةٌ إِلىَ أَهْل طَبَرِسْتَان، يشرحُ فِيهَا مَا تقلَّده مِن أُصُول الدِّين 9 ـ وَكِتَابُ «تَهْذِيبِ الآثَار» وَهُوَ مِنْ عجَائِبِ كُتُبِه، ابْتِدَاءً بِمَا أَسْنَدَهُ الصِّدِّيقُ مِمَّا صَحَّ عِنْدَهُ سَنَدُهُ، وَتَكَلَّمَ عَلَى كُلِّ حَدِيثٍ مِنهُ بِعِلَلِهِ وَطُرُقِه، ثمَّ فِقْهِهِ، وَاخْتِلاَفِ الْعُلَمَاءِ وَحُجَجِهِمْ، وَمَا فِيهِ مِنَ المَعَاني وَالغَريب، وَالرَّدّ عَلَى المُلْحِدِين، فَتَمَّ مِنهُ مُسْندُ الْعَشْرَةِ وَأَهْلِ الْبَيْتِ وَالموَالي، وَبَعْضُ «مُسْنَدِ ابْنِ عَبَّاس»، فَمَاتَ قَبْلَ تَمَامِهِ؛ قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ مُعَلِّقَاً: «هَذَا لَوْ تَمَّ لكَانَ يَجِيءُ في مِاْئَةِ مُجَلَّد» 0

10 ـ وَكِتَابُ «الْبَسِيط» أَخَرَجَ مِنهُ كِتَاب «الطهَارَة» فَجَاءَ في نَحْوٍ مِن أَلفٍ وَخَمْسِمِاْئَة وَرقَة، لأَنَّه ذكرَ في كُلِّ بَابٍ مِنهُ اخْتِلاَفَ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِين، وَحجَّة كُلِّ قَوْل، وَخَرَجَ مِنهُ أَيْضَاً أَكْثَر كِتَاب «الصَّلاَة»، وَخَرَجَ مِنهُ «آدَابُ الحُكَّام» 0 11 ـ وَكِتَابُ «المحَاضِر وَالسجلاَت» 0 12 ـ وَكِتَابُ «تَرْتِيبُ الْعُلَمَاء» وَهُوَ مِنْ كُتُبِهِ النَّفِيسَة، ابْتَدَأَهُ بِآدَابِ النُّفُوسِ وَأَقْوَالِ الصُّوفِيَّة، وَلَمْ يُتِمَّه 0

13 ـ وَكِتَابُ «المنَاسِك» 0 14 ـ وَكِتَابُ «شَرْحِ السُّنَّة» وَهُوَ لَطِيف، بَيَّنَ فِيهِ مَذْهَبَهُ وَاعْتِقَادَه 0 15 ـ وَكِتَابُ «المُسْنَد» المُخَرَّج، يَأْتي فِيهِ عَلَى جَمِيعِ مَا رَوَاهُ الصَّحَابيُّ مِنْ صَحِيحٍ وَسقيم، وَلَمْ يُتِمَّه، وَلَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ بْنَ أَبي دَاوُدَ

تَكَلَّمَ في حَدِيث غَدِيرِ خُمّ [يُوصِي النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ بِأَهْلِ بَيْتِهِ خَيرَاً 0 وَهُوَ في صَحِيحِ مُسْلِم]: عَمِلَ كِتَابَ «الْفَضَائِل» فَبَدَأَ بِفَضْلِ أَبي بَكْرٍ وعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا، وَتَكَلَّمَ عَلَى تَصْحِيحِ حَدِيثِ غَدِيرِ خُمَّ وَاحْتَجَّ لِتَصْحِيحِهِ، وَلَمْ يُتِمَّ الْكِتَاب» ـ قَالُواْ عَنْ تَفْسِيرِهِ «جَامِعِ الْبَيَانِ في تَفْسِيرِ الْقُرْآن»: قَالَ الخَطِيب: بَلَغَني عَن أَبي حَامِد أَحْمَدَ بْنِ أَبي طَاهِرٍ الإِسْفَرَايِينيُّ الْفَقِيهُ أَنَّهُ قَال:

«لَوْ سَافَرَ رَجُلٌ إِلىَ الصِّينِ حَتىَّ يُحصِّلَ تَفْسِيرَ محَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ لَمْ يَكُنْ كَثِيرَاً» 0 ـ نَمَاذِجُ مِنْ شِعْرِهِ الرَّقِيق: قَالَ مخْلَدُ الْبَاقَرْحِي: أَنْشَدَنَا محَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ لِنَفْسِهِ: إِذَا أَعْسَرْتُ لَمْ يَعْلَمْ رَفِيقِي ... وَأَسْتَغْني فَيَسْتَغْني صَدِيقِي حَيَائِي حَافِظٌ لي مَاءَ وَجْهِي ... وَخِلِّي لاَ يَمُرُّ مَعِي بِضِيقِ وَلَوْ أَنيِّ سَمَحْتُ بِمَاءِ وَجْهِي ... لكُنْتُ وَصَلْتُ لِلْقَدْرِ الخَلِيقِ ـ خَبَرُ وَفَاتِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

قَالَ أَبُو محَمَّدٍ الْفَرْغَانيّ: حَدَّثَني أَبُو بَكْرٍ الدِّينَوَرِيُّ قَال: «لَمَّا كَانَ وَقْتُ صَلاَةِ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمِ الاِثْنَيْنِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ في آخِرِهِ ابْنُ جَرِيرٍ طَلَبَ مَاءً لِيُجَدِّدَ وُضُوءَهُ؛ فَقِيلَ لَهُ: تُؤَخِّرُ الظُّهْرَ تجْمَعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَصْر؛ فَأَبَى وَصَلَّى الظُّهْرَ مُفْرَدَةً وَالْعَصْرَ في وَقْتِهَا أَتَمَّ صَلاَةً وَأَحْسَنَهَا، وَحَضَرَ وَقْتَ مَوْتِهِ جَمَاعَةٌ: مِنهُمْ أَبُو بَكْرٍ بْنُ كَامِلٍ، فَقِيلَ لَهُ قَبْلَ خُرُوجِ رُوحِهِ: يَا أَبَا جَعْفَرٍ؛ أَنْتَ الحجَّةُ

فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الله فِيمَا نَدِينُ بِهِ، فَهَلْ مِنْ شَيْءٍ تُوصِينَا بِهِ مِن أَمْرِ دِينِنَا، وَبِيِّنَةٍ لَنَا نَرْجُو بِهَا السَّلاَمَةَ في مَعَادِنَا 00؟ فَقَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَه: الَّذِي أَدِينُ اللهَ بِهِ وَأُوصِيكُمْ: هُوَ مَا ثَبَّتُّ في كُتُبي، فَاعْمَلُواْ بِهِ وَعَلَيْه، وَأَكْثَرَ مِنَ التَّشَهُّدِ وَذِكْرِ اللهِ جَلَّ جَلاَلهُ، وَمَسَحَ يَدَهُ عَلَى وَجْهِهِ وَغَمَّضَ بَصَرَهُ بِيَدِهِ، وَبَسَطَهَا وَقَدْ فَارقَتْ رُوحُهُ الدُّنْيَا» 0 قَالَ أَحْمَدُ بْنُ كَامِل: «شَيَّعَهُ مَنْ لاَ يُحْصِيهُمْ إِلاََّ اللهُ جَلَّ وَعَلاَ، وَصُلِّيَ عَلَى قَبْرِهِ عِدَّةَ شُهُورٍ لَيْلاً وَنهَارَاً، وَرَثَاهُ خَلْقٌ مِنَ الأُدَبَاءِ وَأَهْلِ الدِّين»

ـ بَعْضُ مَا قِيلَ فِيهِ مِنَ المَرَاثِي عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَهُ في الدُّنيَا وَالآخِرَة: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ أَحْمَدُ بْنُ هِبَةِ اللهِ قَال: أَخْبَرَنَا المُسْلِمُ بْنُ أَحْمَدَ المَازِنِيُّ قَال: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الحَسَنِ الحَافِظُ بِبَعْلَبَكَّ سَنَة 551 هـ قَال: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الحُسَيْنيُّ قَال: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الحَافِظُ قَال: قَرَأْتُ عَلَى أَبي الحَسَنِ هِبَةِ اللهِ بْنِ الحَسَنِ الأَدِيب لاِبْنِ دُرَيْد: لَنْ تَسْتَطِيعَ لأَمْرِ اللَّهِ تَعْقِيبَا ... فَاسْتَنْجِدِ الصَّبْرَ تَلْقَى فِيهِ تَرْطِيبَا بَعْضُ الأَعَاجِيبِ مَا جَاءَ الزَّمَانُ بِهِ ... وَكَمْ يَسُوقُ لَنَا الدَّهْرُ الأَعَاجِيبَا كَانَتْ حَيَاتُكَ لِلدُّنْيَا وَسَاكِنِهَا ... نُورَاً فَأَصْبَحَ عَنهَا النُّورُ مَحْجُوبَا

فَابْكُواْ لِفِقْدَانِ مَن أَمْسَى بِمَصْرَعِهِ ... نُورُ الهُدَى وَبهَاءُ الْعِلْمِ مَسْلُوبَا كَانَ الزَّمَانُ بِهِ تَصْفُو مَشَارِبُهُ ... فَالآنَ أَصْبَحَ بِالتَّكْدِيرِ مَشْبُوبَا إِنَّ المنيَّةَ لَمْ تُتْلِفْ بِهِ رَجُلاً ... بَلْ أَتْلَفَتْ عَلَمَاً لِلدِّينِ مَنْصُوبَا إِنَّا إِلىَ اللَّهِ يَوْمَاً رَاجِعُونَ بِمَا ... قَضَاهُ نَرْضَاهُ مَكْرُوهَا وَمَحْبُوبَا لاَ يَأْمَنُ الْعَجْزَ وَالتَّقْصِيرَ مَادِحُهُ ... وَلاَ يَخَافُ عَلَى الإِطْنَابِ تَكْذِيبَا خُسُوفُ بَدْرِكَ أَعْمَانَا وَحَيَّرَنَا ... قَدْ كُنْتَ نُورَاً يُضِيءُ لَنَا المحَارِيبَا لَوْ تَعْلَمُ الأَرْضُ مَنْ وَارَتْ بِبَاطِنِهَا ... لاَزَّيَّنَتْ لَكَ إِجْلاَلاً وَتَرْحِيبَا وَدَّتْ جَمِيعُ بِقَاعِ الأَرْضِ لَوْ جُعِلَتْ ... قَبْرَاً لَهُ لِتَنَالَ بِقُرْبِهِ طِيبَا

أعلام القضاة والولاة والنحاة

أَعْلاَمُ الْقضَاةِ وَالْوُلاَةِ وَالنُّحَاة: عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيز هُوَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مَرْوَانَ بْنِ الحَكَمِ بْنِ أَبي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلاَبٍ الأُمَوِيّ، الإِمَامُ الْعَادِلُ الْفَاضِلُ، الْعَابِدُ الزَّاهِدُ التَّقِيُّ الْوَرِع 0 أَمُّهُ هِيَ ابْنَةُ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنه 0

ـ مَوْلِدُه: وُلِدَ رَحِمَهُ اللهُ سَنَةَ 63 هـ، وَتُوُفِّيَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ يَوْمَ الجُمُعَةِ سَنَةَ 101 هـ 0 حَدَّثَ الْفَلاََّسُ عَنِ الخُرَيْبيِّ قَال: «الأَعْمَش، وَهِشَامُ بْنُ عُرْوَة، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيز، وَطَلْحَةُ بْنُ يحْيىَ: وُلِدُواْ سَنَةَ مَقْتَلِ الحُسَيْنِ رَضِيَ اللهُ عَنه: سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّين، وَكَذَلِكَ قَالَ خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ في مَوْلِدِه» 0

ـ إِمْرَتُهُ لِلْمَدِينَةِ قَبْلَ تَوَلِّيهِ الخِلاَفَتِه: قَالَ أَبُو مُسْهِر: «وَلِيَ عُمَرُ المَدِينَةَ في إِمْرَةِ الْوَلِيدِ مِنْ سَنَةِ 86 هـ إِلىَ سَنَةِ 93 هـ» ـ حَجُّه: قَالَ أَبُو بَكْرٍ بْنُ عَيَّاش: «حَجَّ بِالنَّاسِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللهُ غَيْرَ مَرَّة، أَوَّلُهَا سَنَةَ 89 هـ» 0

ـ تَارِيخُ تَوَلِّيهِ الخِلاَفَتِه: قَالَ ابْنُ إِسْحَاق: «مَاتَ سُلَيْمَانُ يَوْمَ الجُمُعَةِ عَاشِرَ صَفَرٍ سَنَةَ 99 هـ» 0 ـ فَتْرَةُ خِلاَفَتِه: كَانَتْ خِلاَفَتُهُ سَنَتَيْنِ وَخَمْسَةَ أَشْهُرٍ وَأَيَّامَاً 0

ـ وَفَاتُه: وَحَدَّثَ خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ وَغَيْرُهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَاتَ يَوْمَ الجُمُعَةِ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ رَجَبٍ سَنَةَ إِحْدَى وَمِاْئَة، بِدَيْرِ سَمْعَانَ مِن أَرْضِ حِمْص» 0 حَدَّثَ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَاصِمٍ قَال: «إِنَّهُ مَاتَ لِخَمْسٍ مَضَيْنَ مِنْ رَجَبٍ يَوْمَ الخَمِيس، وَدُفِنَ بِدَيْرِ سَمْعَان، وَصَلَّى عَلَيْهِ مَسْلَمَةُ بْنُ عَبْدِ المَلِك» 0

ـ عُمْرُهُ: عَاشَ رَحِمَهُ اللهُ تِسْعَاً وَثَلاَثِينَ سَنَةً وَنِصْفَاً 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: حَدَّثَ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ 0 وَحَدَّثَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّب، وَعُرْوَة، وَعَامِرِ بْنِ سَعْد، وَيُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلاَمٍ 0 وَأَرْسَلَ عَن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَخَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمٍ وَغَيْرِهِمَا 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ أَبُو سَلَمَةَ [أَحَدُ شُيُوخِهِ] وَرَجَاءُ بْنُ حَيْوَة، وَابْنُ المُنْكَدِر، وَالزُّهْرِيّ، وَعَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيد، وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانيّ، وَتَوْبَةُ الْعَنْبَرِيّ، وَحُمَيْدٌ الطَّوِيل، وَابْنُهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَر، وَأَخُوهُ زَبَّان، وَصَخْرُ

بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَرْمَلَة، وَابْنُهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَر، وَعَمْرُو بْنُ مُهَاجِر، وَمحَمَّدُ بْنُ أَبي سُوَيْدٍ الثَّقَفِيُّ، وَيحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيّ، وَيَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ المُغِيرَةِ، وَخَلْقٌ سِوَاهُمْ 0 ـ أَوْلاَدُهُ وَزَوْجَاتُهُ غَيرَ فَاطِمَة: لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنَ الْوَلَد: ابْنُهُ عَبْدُ المَلِك [الَّذِي تُوُفِّيَ قَبْلَه] وَعَبْدُ اللهِ الَّذِي وَلِيَ الْعِرَاق، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ الَّذِي وَلِيَ الحَرَمَيْن، وَعَاصِم، وَحَفْص، وَإِسْمَاعِيل، وَعُبَيْدُ الله، وَإِسْحَاق،

وَيَعْقُوب، وَيَزِيد، وَإِصْبَغ، وَالوَلِيد، وَزَبَّان، وَآدَم، وَإِبْرَاهِيم 0 أُمُّ إِبْرَاهِيمَ كَلْبيَّة، وَسَائِرُهُمْ لِعَلاََّت [أَيْ لِضَرَائِر] ـ صِفَاتُهُ الشَّكْلِيَّة: ذَكَرَ صِفَتَهُ سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ فَقَال: «كَانَ أَسْمَر، رَقِيقَ الْوَجْهِ حَسَنَه، نَحِيفَ الجِسْم، حَسَنَ اللِّحْيَة، غَائِرَ الْعَيْنَيْن، بِجَبْهَتِهِ أَثَرُ نَفْحَةِ دَابَّة، قَدْ وَخَطَهُ الشَّيْب» 0

ـ نُبُوءَةُ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِظُهُورِ إِمَامٍ عَادِلٍ في نَسْلِهِ وَذُرِّيَّتُه: إِنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَال: «إِنَّ مِنْ وَلَدِي رَجُلاً بِوَجْهِهِ شَتَر [أَيْ شَجَج] يَمْلأُ الأَرْضَ عَدْلاً» 0 حَدَّثَ جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ قَال: «بَلَغنَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَال: إِنَّ مِنْ وَلَدِي رَجُلاً بِوَجْهِهِ شَيْن؛ يَلِي فَيَمْلأُ الأَرْضَ عَدْلاً 00 قَالَ نَافِع: فَلاَ أَحْسِبُهُ إِلاََّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيز رَحِمَهُ الله» 0

حَدَّثَ مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ عن عُبَيْدُ اللهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ قَال: «كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ يَقُول: لَيْتَ شِعْرِي؛ مَن هَذَا الَّذِي مِنْ وَلَدِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ في وَجْهِهِ عَلاَمَة، يَمْلأُ الأَرْضَ عَدْلاً» قَالَ ضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَة: «دَخَلَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللهُ إِلىَ إِصْطَبْلِ أَبِيهِ وَهُوَ غُلاَم، فَضَرَبَهُ فَرَسٌ فَشَجَّهُ؛ فَجَعَلَ أَبُوهُ يَمْسَحُ عَنهُ الدَّمَ وَيَقُول: إِنْ كُنْتَ أَشَجَّ بَني أُمَيَّةَ إِنَّكَ إِذَاً لَسَعِيد» 0

حَدَّثَ أَبُو خَيْثَمَةَ عَنِ المُفَضَّلُ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبي هِنْدٍ قَال: «دَخَلَ عَلَيْنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللهُ مِن هَذَا الْبَابِ [بَابٌ مِن أَبْوَابِ مَسْجِدِ المَدِينَة] فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْم: بَعَثَ إِلَيْنَا هَذَا الْفَاسِقُ بَابْنِهِ هَذَا يَتَعَلَّمُ الْفَرَائِضَ وَالسُّنَن، وَزَعَمَ أَنَّهُ يَكُونُ خَلِيفَةً بَعْدَهُ وَيَسِيرُ بِسِيرَةِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنه؛ قَالَ دَاوُدُ بْنُ أَبي هِنْد: فَوَاللهِ مَا مَاتَ حَتىَّ رَأَيْنَا ذَلِكَ فِيه»

ـ صَلاَحُهُ المُبَكِّر: حَدَّثَ ضِمَامُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَن أَبي قَبِيلٍ قَال: «إِنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللهُ بَكَى وَهُوَ غُلاَمٌ صَغِير؛ فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ أُمُّهُ وَقَالَتْ: مَا يُبْكِيكَ 00؟ قَالَ رَحِمَهُ الله: ذَكَرْتُ المَوْت؛ وَكَانَ يَوْمَئِذٍ قَدْ جَمَعَ الْقُرْآن؛ فَبَكَتْ أُمُّهُ حِينَ بَلَغهَا ذَلِك» 0 ـ قَالُواْ عَنِْ فِقْهِهِ وَعِلْمِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: وَفي رِوَايَةٍ أُخْرَى بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّهُ قَال: «مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً أَشْبَهَ صَلاَةً بِصَلاَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِن هَذَا الفَتىَ؛ كَانَ يُخَفِّفُ في تَمَام» 0 [حَسَّنَهُ الأُسْتَاذ شُعَيْب الأَرْنَؤُوط في تحْقِيقِهِ لِلْمُسْنَدِ بِرَقْم: 13672]

حَدَّثَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَن عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَال: «كَانَتِ الْعُلَمَاءُ مَعَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ تَلاَمِذَةً» 0 حَدَّثَ مُبَشِّرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ وَعَنْ مُجَاهِدٍ قَالاَ: «أَتَيْنَا عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللهُ وَنَحْنُ نَرَى أَنَّهُ يحْتَاجُ إِلَيْنَا؛ فَمَا كُنَّا مَعَهُ إِلاََّ تَلاَمِذَةً» 0 ـ بَعْضُ أَخْبَارِهِ عِنْدَمَا كَانَ وَالِيَاً عَلَى المَدِينَة: قَالَ أَبُو مُسْهِر: «وَلِيَ عُمَرُ المَدِينَةَ في إِمْرَةِ الْوَلِيدِ مِنْ سَنَةِ 86 هـ إِلىَ سَنَةِ 93 هـ»

قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَزِيدَ الأَيْلِيّ: «حَجَّ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ المَلِكِ وَمَعَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ الله، فَأَصَابَهُمْ بَرْقٌ وَرَعْدٌ حَتىَّ كَادَتْ تَنْخَلِعُ قُلُوبُهُمْ؛ فَقَالَ سُلَيْمَان: يَا أَبَا حَفْص 00 هَلْ رَأَيْتَ مِثْلَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ قَطّ، أَوْ سَمِعْتَ بِهَا 00؟ قَالَ رَحِمَهُ الله: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ هَذَا صَوْتُ رَحْمَةِ الله؛ فَكَيْفَ لَوْ سَمِعْتَ صَوْتَ عَذَابِ الله»؟

قَالَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيز: «وَلِيَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ المَلِكِ فَقَالَ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيز: يَا أَبَا حَفْص؛ إِنَّا وَلِينَا مَا قَدْ تَرَى، وَلَمْ يَكُنْ لَنَا بِتَدْبيرِهِ عِلْم؛ فَمَا رَأَيْتَ مِنْ مَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ فَمُرْ بِهِ؛ فَكَانَ مِنْ ذَلِكَ عَزْلُ عُمَّالِ الحَجَّاج، وَأُقِيمَتِ الصَّلَوَاتُ في أَوْقَاتِهَا بَعْدَ مَا كَانَتْ أُمِيتَتْ عَنْ وَقْتِهَا، مَعَ أُمُورٍ جَلِيلَةٍ كَانَ يَسْمَعُ مِن عُمَرَ فِيهَا 00

وَقِيلَ إِنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ عَبْدِ المَلِكِ حَجَّ؛ فَرَأَى الخَلاَئِقَ بِالمَوْقِف؛ فَقَالَ لِعُمَر: أَمَا تَرَى هَذَا الخَلْقَ الَّذِي لاَ يُحْصِي عَدَدَهُمْ إِلاََّ اللهُ 00؟ قَالَ رَحِمَهُ الله: هَؤُلاَءِ اليَوْمَ رَعِيَّتُك، وَهُمْ غَدَاً خُصَمَاؤُك؛ فَبَكَى بُكَاءً شَدِيدَاً» 0 ـ وَفَاةُ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ المَلِكِ وَعَهْدُهُ بِالْوِلاَيَةِ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيز: قَالَ ابْنُ إِسْحَاق: «مَاتَ سُلَيْمَانُ يَوْمَ الجُمُعَةِ عَاشِرَ صَفَرٍ سَنَةَ 99 هـ» 0

حَدَّثَ المَدَائِنيُّ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَن هِزَّانَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ رَجَاءَ بْنِ حَيْوَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ المَلِكِ أَنَّهُ قَالَ لِرَجَاءَ حِينَ حَضَرَهُ المَوْت: «مَنْ تَرَى لِهَذَا الأَمْرِ 00؟ فَقَالَ رَجَاء: اتَّقِ الله؛ فَإِنَّكَ قَادِمٌ عَلَى اللهِ جَلَّ جَلاَلهُ وَسَائِلُكَ عَن هَذَا الأَمْرِ وَمَا صَنَعْتَ فِيه؛ قَالَ سُلَيْمَان: فَمَنْ تَرَى 00؟ قُلْتُ: عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيز؛ قَال: كَيْفَ أَصْنَعُ بِعَهْدِ عَبْدِ المَلِكِ إِلىَ الْوَلِيدِ وَإِلَيَّ في ابْنيْ عَاتِكَةَ أَيُّهُمَا بَقِيَ 00؟

قُلْتُ: تَجْعَلُهُ مِنْ بَعْدِه؛ قَالَ أَصَبْت، جِئْني بِصَحِيفَة؛ فَأَتَيْتُهُ بِصَحِيفَة؛ فَكَتَبَ عَهْدَ عُمَرَ رَحِمَهُ اللهُ وَيَزِيدَ بْنِ عَبْدِ المَلِكِ مِنْ بَعْد، ثمَّ دَعَوْتُ رِجَالاً فَدَخَلُواْ، فَقَال: عَهْدِي في هَذِهِ الصَّحِيفَةِ مَعَ رَجَاء؛ اشْهَدُواْ وَاخْتِمُواْ الصَّحِيفَة؛ فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ مَات، فَكَفَفْتُ النِّسَاءَ عَنِ الصِّيَاحِ وَخَرَجْتُ إِلىَ النَّاس» حَدَّثَ الْوَاقِدِيُّ، وَالوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَّانٍ الْكِنَانيِّ قَال:

«لَمَّا مَرِضَ سُلَيْمَانُ بِدَابِقَ قَال: يَا رَجَاء؛ أَسْتَخْلِفُ ابْني 00؟ قَالَ رَحِمَهُ الله: ابْنُكَ غَائِب 0 قَال: فَالآخَر 00؟ قَالَ رَحِمَهُ الله: هُوَ صَغِير 0 قَال: فَمَنْ تَرَى 00؟ قَالَ رَحِمَهُ الله: عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيز 0 قَال: أَتَخَوَّفُ بَني عَبْدِ المَلِكِ أَنْ لاَ يَرْضَوْا 00 قَالَ رَحِمَهُ الله: فَوَلِّهِ، وَمِنْ بَعْدِهِ يَزِيدَ بْنَ عَبْدِ المَلِك، وَتَكْتُبُ كِتَابَاً وَتَخْتِمُهُ، وَتَدْعُوهُمْ إِلىَ بَيْعَةٍ مَخْتُومٍ عَلَيْهَا؛ فَكَتَبَ الْعَهْدَ وَخَتَمَهُ، فَخَرَجَ رَجَاءُ فَقَال: إِنَّ أَمِيرَ

المُؤْمِنِينَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُبَايِعُواْ لِمَنْ في هَذَا الْكِتَاب؛ قَالُواْ: وَمَنْ فِيهِ 00؟ قَالَ رَحِمَهُ الله: مَخْتُوم، وَلاَ تُخْبَرُونَ بِمَنْ فِيهِ حَتىَّ يَمُوت؛ فَامْتَنَعُواْ؛ فَقَالَ سُلَيْمَان: انْطَلِقْ إِلىَ أَصْحَابِ الشُّرَطِ وَنَادِ الصَّلاَةُ جَامِعَة، وَمُرْهُمْ بِالبَيْعَة، فَمَن أَبَى فَاضْرِبْ عُنُقَه؛ فَفَعَلَ فَبَايَعُواْ، قَالَ رَجَاء: فَلَمَّا خَرَجُواْ أَتَاني هِشَامٌ في مَوْكِبِهِ فَقَال: قَدْ عَلِمْتُ مَوْقِفَكَ مِنَّا، وَأَنَا أَتَخَوَّفُ أَنْ يَكُونَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ أَزَالَهَا عَنيِّ؛

فَأَعْلِمْني مَا دَامَ في الأَمْرِ نَفَس [أَيْ مَا دَامَ حَيَّا] 00؟ قُلْتُ: سُبْحَانَ الله؛ يَسْتَكْتِمُني أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ وَأُطْلِعُك؟ لاَ يَكُونُ ذَاكَ أَبَدَاً؛ فَأَدَارَني وَأَلاَصَني ـ أَيْ اسْتَدَارَ النَّاحِيَةَ الأُخْرَى وَحَاوَلَ أَنْ يَخْدَعَني وَيَأْخُذَ الْكِتَاب ـ فَأَبَيْتُ عَلَيْهِ فَانْصَرَف، فَبَيْنَا أَنَا أَسِيرُ إِذْ سَمِعْتُ جَلَبَةً خَلْفِي؛ فَإِذَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللهُ فَقَال: يَا رَجَاء؛ قَدْ وَقَعَ في نَفْسِي أَمْرٌ كَبِيرٌ مِن هَذَا الرَّجُل؛ أَتَخَوَّفُ أَنْ يَكُونَ جَعَلَهَا

إِلَيَّ وَلَسْتُ أَقُومُ بِهَذَا الشَّأْن، فَأَعْلِمْني مَا دَامَ في الأَمْرِ نَفَسٌ لَعَلِّي أَتَخَلَّص؛ قُلْتُ: سُبْحَانَ الله؛ يَسْتَكْتِمُني أَمْرَاً أُطْلِعُكَ عَلَيْه؟ قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَة: «حَدَّثَني مَنْ شَهِدَ دَابِقَ [مَوْضِعٌ غَرْبَ حَلَب] وَكَانَ مُجْتَمَعَ غَزْوِ النَّاس، فَمَاتَ سُلَيْمَانُ بِدَابِق، وَرَجَاءُ بْنُ حَيْوَةَ صَاحِبُ أَمْرِهِ وَمَشُورَتِه، فَخَرَجَ إِلىَ النَّاسِ فَأَعْلَمَهُمْ بِمَوْتِهِ، وَصَعِدَ المِنْبَرَ فَأَعْلَمَهُمْ بِمَوْتِهِ وَقَال: إِنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ كَتَبَ كِتَابَاً وَعَهِدَ

عَهْدَاً، أَفَسَامِعُونَ أَنْتُم وَمُطِيعُون 00؟ قَالُواْ: نَعَمْ 00 وَقَالَ هِشَام: نَسْمَعُ وَنُطِيعُ إِنْ كَانَ فِيهِ اسْتِخْلاَفُ رَجُلٍ مِنْ بَني عَبْدِ المَلِك 00 فَجَذَبَهُ النَّاسُ حَتىَّ سَقَطَ إِلىَ الأَرْضِ وَقَالُواْ: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا 00 فَقَالَ رَجَاء: قُمْ يَا عُمَر 00 فَقَالَ عُمَر: وَاللهِ إِنَّ هَذَا لأَمْرٌ مَا سَأَلْتُهُ اللهَ قَطّ» 0 قَالَ رَجَاءُ بْنُ حَيْوَة: «ثَقُلَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ المَلِك، وَلَمَّا مَاتَ أَجْلَسْتُهُ وَسَنَّدْتُهُ وَهَيَّأْتُهُ، ثُمَّ خَرَجْتُ إِلىَ النَّاسِ فَقَالُواْ: كَيْفَ

أَصْبَحَ أَمِيرُ المُؤْمِنِين 00؟ قُلْتُ: أَصْبَحَ سَاكِنَاً فَادْخُلُواْ سَلِّمُواْ عَلَيْهِ وَبَايِعُواْ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى مَا في الْعَهْد؛ فَدَخَلُواْ وَقُمْتُ عِنْدَه، وَقُلْتُ: إِنَّهُ يَأْمُرُكُمْ بِالوُقُوف، ثُمَّ أَخَذْتُ الْكِتَابَ مِنْ جَيْبِهِ وَقُلْتُ: إِنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُبَايِعُواْ عَلَى مَا في هَذَا الْكِتَاب؛ فَبَايَعُواْ وَبَسَطُواْ أَيْدِيَهِمْ، فَلَمَّا فَرَغُواْ قُلْتُ: آجَرَكُمُ اللهُ في أَمِيرِ المُؤْمِنِين؛ قَالُواْ: فَمَن 00؟

فَفَتَحْتُ الْكِتَاب؛ فَإِذَا فِيهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ الله، فَتَغَيَّرَتْ وَجُوهُ بَني عَبْدِ المَلِك، فَلَمَّا سَمِعُواْ وَبَعْدَهُ يَزِيدُ تَرَاجَعُواْ، وَطُلِبَ عُمَرُ فَإِذَا هُوَ في المَسْجِد؛ فَأَتَوْهُ وَسَلَّمُواْ عَلَيْهِ بِالخِلاَفَةِ، فَعَقِرَ [أَيْ لَمْ تحْمِلْهُ رِجْلاَهُ مِنَ الدَّهْشَة] فَلَمْ يَسْتَطِعِ النُّهُوضَ حَتىَّ أَخَذُواْ بَضَبُعَيْهِ فَأَصْعَدُوهُ المِنْبَر؛ فَجَلَسَ طَوِيلاً لاَ يَتَكَلَّم؛ فَقَالَ رَجَاء: أَلاَ تَقُومُونَ إِلىَ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ فَتُبَايِعُونَه 00؟

فَنَهَضُواْ إِلَيْهِ وَمَدَّ يَدَهُ إِلَيْهِمْ» 0 ـ اهْتِمَامُهُ بِقَضَاءِ حَوَائِجِ المُسْلِمِين، وَنُصْرَةِ المَظْلُومِين: حَدَّثَ سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَن عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ: «إِنَّ مَوْلَىً لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ لَهُ بَعْدَ جَنَازَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ المَلِك: مَا لي أَرَاكَ مُغْتَمَّاً 00؟ قَالَ رَحِمَهُ الله: لِمِثْلِ مَا أَنَا فِيهِ فَلْيُغْتَمّ؛ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الأُمَّةِ إِلاََّ وَأَنَا أُرِيدُ أَن أُوَصِّلَ إِلَيْهِ حَقَّهُ غَيْرَ كَاتِبٍ إِلَيَّ فِيهِ وَلاَ طَالِبِهِ

مِنيِّ [أَيْ وَأَنىَّ لي أَن أَعْلَمَ بحَقِّ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ إِلَيَّ وَلَمْ يَكْتُبْ إِلَيّ]» 00؟! حَدَّثَ عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ عَن عَطَاءِ بْنِ أَبي رَبَاحٍ قَال: «حَدَّثَتْني فَاطِمَةُ امْرَأَةُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ فَإِذَا هُوَ في مُصَلاََّه، يَدُهُ عَلَى خَدِّهِ، سَائِلَةٌ دُمُوعُهُ؛ فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ أَلِشَيْءٍ حَدَث 00؟

قَالَ رَحِمَهُ الله: يَا فَاطِمَة؛ إِنيِّ تَقَلَّدْتُ أَمْرَ أُمَّةِ محَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَفَكَّرْتُ في الْفَقِيرِ الجَائِع، وَالمَرِيضِ الضَّائِع، وَالعَارِي المَجْهُود، وَالمَظْلُومِ المَقْهُور، وَالغَرِيبِ المَأْسُور، وَالكَبِيرِ وَذِي الْعِيَالِ في أَقْطَارِ الأَرْض؛ فَعَلِمْتُ أَنَّ رَبيِّ سَيَسْأَلُني عَنهُمْ، وَأَنَّ خَصْمَهُمْ دُونَهُمْ محَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم؛ فَخَشِيتُ أَلاََّ تَثْبُتَ لي حُجَّةٌ عِنْدَ خُصُومَتِهِ؛ فَرَحِمْتُ نَفْسِي فَبَكَيْت» 00 رَحِمَهُ اللهُ تَعَالىَ 0

ـ إِرْسَاءُ قَوَاعِدِ الْعَدْلِ مِن أَوَّلِ يَوْمٍ: حَدَّثَ ابْنُ سَعْدٍ في «طَبَقَاتِهِ» عَنْ محَمَّدُ بْنُ عُمَرَ عَنِ ابْنُ أَبي الزِّنَادِ عَن أَبِيهِ قَال: «لَمَّا قَدِمَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللهُ المَدِينَةَ وَالِيَاً دَعَا عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيرِ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ وَالقَاسِمَ بْنَ محَمَّدٍ وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ فَقَالَ لَهُمْ: إِنيِّ دَعَوْتُكُمْ لأَمْرٍ تُؤْجَرُونَ فِيهِ، وَنَكُونُ فِيهِ أَعْوَانَاً عَلَى الحَقّ: مَا أُرِيدُ أَن أَقْطَعَ أَمرَاً إِلاََّ

بِرَأْيِكُمْ، أَوْ بِرَأْيِ مَن حَضَرَ مِنْكُمْ؛ فَإِنْ رَأَيْتُم أَحَدَاً يَتَعَدَّى، أَوْ بَلَغَكُمْ عَن عَامِلٍ ظُلاَمَةٌ؛ فَأُحَرِّجُ بِاللهِ عَلَى مَنْ بَلَغَهُ ذَلِكَ إِلاََّ أَبْلَغَني؛ فَجَزَّوْهُ خَيْرَاً وَافْتَرَقُواْ» 0 ـ رَدُّهُ لِلأَمْوَالِ الَّتي اغْتَصَبَهَا بَنُو أُمَيَّة: قَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْد: «بَدَأَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِأَهْلِ بَيْتِهِ فَأَخَذَ مَا بِأَيْدِيهِمْ، وَسَمَّى أَمْوَالَهُمْ مَظَالِم؛ فَفَزِعَتْ بَنُو أُمَيَّةَ إِلىَ عَمَّتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ مَرْوَان؛ فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ إِنيِّ قَدْ

عَنَّاني أَمْر؛ فَأَتَتْهُ لَيْلاً، فَأَنْزَلَهَا عَنْ دَابَّتِهَا، فَلَمَّا أَخَذَتْ مَجْلِسَهَا قَال: يَا عَمَّة؛ أَنْتِ أَوْلىَ بِالكَلاَم؛ قَالَتْ: تَكَلَّمْ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ قَالَ رَحِمَهُ الله: إِنَّ اللهَ بَعَثَ محَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحْمَةً وَلَمْ يَبْعَثْهُ عَذَابَاً، وَاخْتَارَ لَهُ مَا عِنْدَهُ؛ فَتَرَكَ لَهُمْ نَهْرَاً شُرْبُهُمْ سَوَاء، ثمَّ قَامَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ فَتَرَكَ النَّهْرَ عَلَى حَالِهِ، ثمَّ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنه؛ فَعَمِلَ عَمَلَ صَاحِبِهِ، ثمَّ لَمْ يَزَلِ

النَّهْرُ يَشْتَقُّ مِنهُ يَزِيدُ وَمَرْوَانُ وَعَبْدُ المَلِك، وَالوَلِيدُ وَسُلَيْمَان؛ حَتىَّ أَفْضَى الأَمْرُ إِلَيَّ وَقَدْ يَبِسَ النَّهْرُ الأَعْظَم [أَيْ بَيْتُ المَال] وَلَنْ يَرْوِيَ أَهْلَهُ حَتىَّ يَعُودَ إِلىَ مَا كَانَ عَلَيْه؛ فَقَالَتْ رَحِمَهَا الله: حَسْبُكَ فَلَسْتُ بِذَاكِرَةٍ لَكَ شَيْئَاً، وَرَجَعَتْ فَأَبْلَغَتْهُمْ كَلاَمَه» 0 حَدَّثَ الْفِرْيَابيُّ عَنِ الإِمَامِ الأَوْزَاعِيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «إِنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللهُ جَلَسَ في بَيْتِهِ وَعِنْدَهُ أَشْرَافُ بَني أُمَيَّة؛

فَقَالَ رَحِمَهُ اللهُ: أَتُحِبُّونَ أَن أُوَّلِيَ كُلَّ رَجُلٍ مِنْكُمْ جُنْدَاً مِن هَذِهِ الأَجْنَاد 00؟ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ: لِمَ تَعْرِضُ عَلَيْنَا مَا لاَ تَفْعَلُه 00؟ قَالَ رَحِمَهُ الله: تَرَوْنَ بِسَاطِي هَذَا 00؟ إِنيِّ لأَعْلَمُ أَنَّهُ يَصِيرُ إِلىَ بِلَىً، وَإِنيِّ أَكْرَهُ أَنْ تُدَنِّسُوهُ عَلَيَّ بِأَرْجُلِكُمْ؛ فَكَيْفَ أُوَلِّيكُمْ دِيني 00؟ وَأُوَلِّيكُمْ أَعْرَاضَ المُسْلِمِينَ وَأَبْشَارَهُمْ تَحْكُمُونَ فِيهِمْ 00؟ هَيْهَاتَ هَيْهَات 00 قَالُواْ: لِمَ؛ أَمَا لَنَا قَرَابَة 00؟ أَمَا لَنَا حَقّ 00؟

قَالَ رَحِمَهُ الله: مَا أَنْتُم وَأَقْصَى رَجُلٍ مِنَ المُسْلِمِينَ عِنْدِي في هَذَا الأَمْرِ إِلاََّ سَوَاء» 0 ـ عُزُوفُهُ عَنِ الْبَذَخِ وَالسَّرَفِ وَالتَّرَف: حَدَّثَ دَاوُدُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبي سُهَيْلٍ عَنْ رَجَاءَ بْنِ حَيْوَةَ أَنَّهُ زَادَ فَقَال: «فَصَلَّى عَلَى سُلَيْمَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيز، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ دَفْنِهِ أُتِيَ بِمَرَاكِبِ الخِلاَفَةِ فَقَال: دَابَّتي أَرْفَقُ لي، فَرَكِبَ بَغْلَتَهُ، ثمَّ قِيل: تَنْزِلُ مَنْزِلَ الخِلاَفَة؛ فَأَبىَ وَقَال: في فُسْطَاطِي كِفَايَة»

حَدَّثَ خَالِدُ بْنُ مِرْدَاسٍ عَنِ الحَكَمِ بْنِ عُمَرَ قَال: «شَهِدْتُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللهُ حِينَ جَاءهُ أَصْحَابُ مَرَاكِبِ الخِلاَفَةِ يَسْأَلُونَهُ الْعَلُوفَةَ وَرِزْقَ خَدَمِهَا؛ فَقَالَ رَحِمَهُ الله: ابْعَثْ بِهَا إِلىَ أَمْصَارِ الشَّامِ يَبِيعُونَهَا، وَاجْعَلْ أَثَمَانَهَا في مَالِ الله، تَكْفِيني بَغْلَتي هَذِهِ الشَّهْبَاء» 0 ـ أَخْذُهُ بِالْقَصْدِ وَالاِعْتِدَال، وَحِفَاظُهُ عَلَى بَيْتِ المَال:

حَدَّثَ عُمَرُ بْنُ مَيْمُونٍ عَن أَبِيهِ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَال: «مَا زِلْتُ أَلْطُفُ في أَمْرِ الأُمَّةِ أَنَا وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَتىَّ قُلْتُ لَهُ: مَا شَأْنُ هَذِهِ الطَّوَامِيرِ [أَيِ الصُّحُفُ الْكَبِيرَة] الَّتي تَكْتُبُ فِيهَا بِالقَلَمِ الجَلِيلِ وَهِيَ مِنْ بَيْتِ المَالِ 00؟! فَكَتَبَ إِلىَ الآفَاقِ بِتَرْكِهِ؛ فَكَانَتْ كُتُبُهُ نَحْوَ شِبْر» 0 حَدَّثَ يحْيىَ بْنُ أَبي غَنِيَّةَ عَن حَفْصِ بْنِ عُمَرَ بْن أَبي الزُّبَيْرِ قَال:

«كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللهُ إِلىَ أَبي بَكْرٍ بْنِ حَزْم: أَن أَدِقَّ قَلَمَك، وَقَارِبْ بَينَ أَسْطُرِك؛ فَإِنيِّ أَكْرَهُ أَن أُخْرِجَ مِن أَمْوَالِ المُسْلِمِينَ مَا لاَ يَنْتَفِعُونَ بِه» 0 قَالَ الإِمَامُ مَالِك: «أُتِيَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِعَنْبَرَةٍ [أَيْ في الْغَنَائِم]؛ فَأَمْسَكَ عَلَى أَنْفِهِ مخَافَةَ أَنْ يَجِدَ رِيحَهَا» 0 وَفي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِلإِمَامِ مَالِكٍ أَيْضَاً أَنَّهُ رَحِمَهُ اللهُ سَدَّ أَنْفَهُ وَقَدْ أُحْضِرَ مِسْكٌ مِنَ الخَزَائِن»

ـ أَمْرُهُ بِالمَعْرُوفِ وَنَهْيُهُ عَنِ المُنْكَر، وَإِزَالَةُ الْبِدَع: قَالَ الحَكَمُ بْنُ عُمَرَ الرُّعَيْنيّ: «كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللهُ إِلىَ أَصْحَابِ الطَّرْز: «لاَ تَجْعَلُواْ سَدَى الخَزِّ [أَيِ الْبِطَانَةَ] إِلاََّ مِنْ قُطْن، وَلاَ تَجْعَلُواْ فِيهِ إِبْرِيسَم» 00 أَيْ حَرِيرَاً 0 حَدَّثَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَن عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبي حُسَينٍ قَال: «كَانَ مُؤَذِّنٌ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِذَا أَذَّنَ رَعَّدَ [أَيْ رَجَّعَ بِتَطْرِيب] فَبَعَثَ إِلَيْهِ أَذِّن أَذَانَاً سَمْحَاً

وَلاَ تَغُنَّه؛ وَإِلاََّ فَاجْلِسْ في بَيْتِك» ـ مَعْرِفَتُهُ بِرُوحِ الإِسْلاَم، المُرَادَةِ مِنَ الأَحْكَام: حَدَّثَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَن أَبِيهِ قَال: «إِنَّ حَيَّانَ بْنَ شُرَيْحٍ عَامِلَ مِصْرَ عَلَى جِزْيَةِ الأَقْبَاطِ كَتَبَ إِلىَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ الله: إِنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ قَدْ أَشْرَعُواْ في الإِسْلاَم [أَيْ دَخَلُواْ شُرَّعَاً: أَيْ بِكَثْرَة] فَانْكَسَرَتِ الجِزْيَة؛ فَكَتَبَ إِلَيْهِ رَحِمَهُ اللهُ يَقُول: إِنَّ اللهَ بَعَثَ محَمَّدَاً صَلَّى اللهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَاعِيَاً وَلَمْ يَبْعَثْهُ جَابيَاً، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْعَوْدَة» 0 ـ وَرَعُهُ وَتَقْوَاه، وَعِبَادَتُهُ لله، وَمُرَاقَبَتُهُ للهِ في أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِه: حَدَّثَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ رَجُلٍ عَن عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللهُ قَال: «مَا كَذَبْتُ مُنْذُ عَلِمْتُ أَنَّ الْكَذِبَ يَضُرُّ أَهْلَه» 0 ـ خَوْفُهُ مِنَ الله: حَدَّثَ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ مُغِيرَةَ بْنِ حَكِيمٍ قَال: «قَالَتْ فَاطِمَةُ امْرَأَتُهُ رَحِمَهَا الله: كَانَ إِذَا صَلَّى الْعِشَاءَ قَعَدَ في مَسْجِدِهِ، ثمَّ

يَرْفَعُ يَدَيْه؛ فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتىَّ تَغْلِبَهُ عَيْنُهُ، ثمَّ يَنْتَبِه، فَلاَ يَزَالُ يَدْعُو رَافِعَاً يَدَيْهِ يَبْكِي حَتىَّ تَغْلِبَهُ عَيْنُه، يَفْعَلُ ذَلِكَ لَيْلَهُ أَجْمَع» 0 ـ كَثْرَةُ ذِكْرِهِ لِِلْمَوْت: قَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبي رَبَاح: «كَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللهُ يَجْمَعُ كُلَّ لَيْلَةٍ الْفُقَهَاء؛ فَيَتَذَاكَرُونَ المَوْتَ وَالقِيَامَةَ وَالآخِرَةَ وَيَبْكُون» 0 قَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبي عَرُوبَة:

«كَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللهُ إِذَا ذُكِرَ المَوْتُ اضْطَرَبَتْ أَوْصَالُه» 0 وَمِمَّا رُوِيَ لَهُ مِنَ الشِّعْرِ بِتَصَرُّفٍ يَسِير: نَهَارُكَ يَا مَغْرُورُ سَهْوٌ وَغَفْلَةٌ ... وَلَيْلُكَ نَوْمٌ وَالرَّدَى لَكَ لاَزِمُ تُسَرُّ بِمَا يَفْنىَ وَتَفْرَحُ بِالمُنىَ ... كَمَا سُرَّ بِاللَّذَاتِ في النَّوْمِ حَالِمُ وَتَسْعَى إِلىَ مَا سَوْفَ تَكْرَهُ غِبَّهُ ... كَذَلِكَ في الدُّنْيَا تَعِيشُ الْبَهَائِمُ ـ قَالُواْ عَنِْ زُهْدِهِ وَتَقَشُّفِه:

حَدَّثَ فِطْرُ بْنُ حَمَّاد بْن وَاقِدٍ عَن أَبِيهِ قَال: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ دِينَارٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ يَقُول: «النَّاسُ يَقُولُونَ عَنيِّ زَاهِد؛ إِنَّمَا الزَّاهِدُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيز؛ أَتَتْهُ الدُّنْيَا فَاغِرَةً فَاهَا فَأَعْرَضَ عَنهَا» حَدَّثَ يَعْقُوبُ الْفَسَوِيُّ عَن إِبْرَاهِيمَ بْنِ هِشَامِ بْنِ يحْيىَ عَن أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَال: «كُنْتُ أَنَا وَابْنُ أَبي زَكَرِيَّا بِبَابِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ الله؛ فَسَمِعْنَا بُكَاءً؛ فَقِيل: خَيَّرَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ امْرَأَتَهُ بَيْنَ أَنْ

تُقِيمَ في مَنْزِلِهَا عَلَى حَالِهِ [أَيْ مِنَ الزُّهْدِ وَالتّقَشُّف] وَأَعْلَمَهَا أَنَّهُ قَدْ شُغِلَ بِمَا في عُنُقِهِ عَنِ النِّسَاء، وَبَيْنَ أَنْ تَلْحَقَ بِمَنْزِلِ أَبِيهَا؛ فَبَكَتْ؛ فَبَكَتْ جَوَارِيهَا» 0 قَالَ مَسْلَمَةُ بْنُ عَبْدِ المَلِك [أَخُو امْرَأَتِه]: «دَخَلْتُ عَلَى عُمَرَ وَقَمِيصُهُ وَسِخ؛ فَقُلْتُ لاَمْرَأَتِهِ وَهِيَ أُخْتُ مَسْلَمَة: اغْسِلُوه؛ قَالَتْ: نَفْعَل، ثُمَّ عُدْتُ فَإِذَا الْقَمِيصُ عَلَى حَالِهِ؛ فَقُلْتُ لَهَا فَقَالَتْ: وَاللهِ مَا لَهُ قَمِيصٌ غَيْرُه» 0

حَدَّثَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَن عَمْرِو بْنِ مُهَاجِرٍ قَال: «اشْتَهَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللهُ تُفَّاحَاً؛ فَأَهْدَى لَهُ رَجُلٌ مِن أَهْلِ بَيْتِهِ تُفَّاحَاً فَقَال: مَا أَطْيَبَ رِيحَهُ وَأَحْسَنَهُ وَقَال: ارْفَعْهُ يَا غُلاَمُ لِلَّذِي أَتىَ بِهِ، وَأَقْرِ مَوْلاَكَ السَّلاَمَ وَقُلْ لَهُ: إِنَّ هَدِيَّتَكَ وَقَعَتْ عِنْدَنَا بحَيْثُ تُحِبّ؛ فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ ابْنُ عَمِّكَ وَرَجُلٌ مِن أَهْلِ بَيْتِك، وَقَدْ بَلَغَكَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْكُلُ الهَدِيَّة؛ قَالَ وَيْحَك؛ إِنَّ الهَدِيَّةَ كَانَتْ لَهُ هَدِيَّة، وَهِيَ اليَوْمَ لَنَا رَشْوَة» 0

ـ قَالُواْ عَنِ عَدْلِهِ: حَدَّثَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، وَعَبَّادُ بْنُ السَّمَّاك، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَحَرْمَلَةُ وَاللَّفْظُ لَهُ قَال: «سَمِعْتُ الإِمَامَ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللهُ يَقُول: الخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ خَمْسَة: أَبُو بَكْر، وَعُمَر، وَعُثْمَان، وَعَلِيّ رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيز» 0 حَدَّثَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ عَن عُمَرَ بْنِ أَسِيدٍ قَال: «وَاللهِ مَا مَاتَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللهُ حَتىَّ جَعَلَ الرَّجُلُ يَأْتِينَا بِالمَالِ الْعَظِيمِ فَيَقُول: اجْعَلُواْ هَذَا حَيْثُ تَرَوْن؛ فَمَا يَبْرَحُ يَرْجِعُ بِمَالِهِ كُلِّهِ؛ قَدْ أَغْنىَ عُمَرُ النَّاسَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه» 0

قَالَ الإِمَامُ الأَوْزَاعِيّ: «كَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُعَاقِبَ رَجُلاً حَبَسَهُ ثَلاَثَاً ثُمَّ عَاقَبَه؛ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَعْجَلَ في أَوَّلِ غَضَبِه» 0 ـ اتِّهَامُهُ لِنَفْسِه: قَالَ الإِمَامُ مَالِكٌ في «المُوَطَّأ»: «بَلَغَني أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللهُ حِينَ خَرَجَ مِنَ المَدِينَة؛ الْتَفَتَ إِلَيْهَا فَبَكَى رَحِمَهُ اللهُ ثمَّ قَال: يَا مُزَاحِم [خَادِمُه]: أَتَخْشَى أَنْ نَكُونَ مِمَّنْ نَفَتْهُ المَدِينَة»

حَدَّثَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَن أَيُّوبَ السِّخْتِيَانيِّ رَحِمَهُ الله، وَابْنُ شَوْذَبٍ عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاق قَالاَ: «قِيلَ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ الله: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ لَوْ أَتَيْتَ المَدِينَة؛ فَإِنْ قَضَى اللهُ مَوْتَاً دُفِنْتَ في مَوْضِعِ الْقَبْرِ الرَّابِعِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم 00؟ قَالَ رَحِمَهُ الله: وَاللهِ لأَنْ يُعَذِّبَني اللهُ بِغَيرِ النَّار؛ أَحَبُّ إِلَيَّ مِن أَنْ يَعْلَمَ مِنْ قَلْبي أَنيِّ أُرَاني لِذَلِكَ أَهْلاً» 0

ـ تَوَاضُعُهُ: قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللهُ قَال: «قَالَ لي رَجَاءُ بْنُ حَيْوَة: مَا أَكْمَلَ مُرُوءةَ أَبِيك؛ سَمَرْتُ عِنْدَهُ، فَعَشِيَ السِّرَاجُ [أَيْ خَبَتْ نَارُهُ كَمَا لَوْ نَفِدَ زَيْتُه] وَإِلىَ جَانِبِهِ وَصِيفٌ نَام [أَيْ خَادِمٌ نَائِم] قُلْتُ: أَلاَ أُنَبِّهُهُ 00؟

قَالَ رَحِمَهُ الله: لاَ، دَعْهُ؛ قُلْتُ: أَنَا أَقُوم؛ قَالَ لاَ، لَيْسَ مِنْ مُرُوءةِ الرَّجُلِ اسْتِخْدَامُهُ ضَيْفَه؛ فَقَامَ رَحِمَهُ اللهُ إِلىَ بَطَّةِ الزَّيْتِ فَأَصْلَحَ السِّرَاج، ثُمَّ رَجَعَ وَقَال: قُمْتُ وَأَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيز، وَرَجَعْتُ وَأَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيز» 00 رَحِمَهُ اللهُ تَعَالىَ 0 حَدَّثَ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ الحِمْصِيُّ عَن خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ جَعْوَنَةَ قَال:

«دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللهُ فَقَال: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ إِنَّ مَنْ قَبْلَكَ كَانَتِ الخِلاَفَةُ لَهُمْ زَيْنَاً، وَأَنْتَ زَيْنُ الخِلاَفَة؛ فَأَعْرَضَ عَنهُ» 0 ـ ثَنَاءُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَلَيْه: عَن أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّهُ قَال: «مَا رَأَيْتُ إِمَامَاً أَشْبَهَ صَلاَةً بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِن إِمَامِكُمْ» [يَعْني رَضِيَ اللهُ عَنهُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه؛ وَكَانَ رَحِمَهُ اللهُ لاَ يُطِيلُ القِرَاءَة] [حَسَّنَهُ الأُسْتَاذ شُعَيْب الأَرْنَؤُوط في تحْقِيقِهِ لِلْمُسْنَدِ بِرَقْم: 13307]

وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَم: «فَكَانَ عُمَرُ يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُود، وَيُخَفِّفُ الْقِيَامَ وَالقُعُود» 0 ـ ثَنَاءُ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ عَلَيْه: قَالَ عَنهُ محَمَّدٌ الْبَاقِر: «لِكُلِّ قَوْمٍ نَجِيبَة، وَإِنَّ نَجِيبَةَ بَني أُمَيَّةَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيز، إِنَّهُ يُبْعَثُ أُمَّةً وَحْدَه» 0

حَدَّثَ ابْنُ المُبَارَكِ عَن هِشَامِ بْنِ الْغَازِ عَنْ مَكْحُولٍ قَال: «لَوْ حَلَفْتُ لَصَدَقْت: مَا رَأَيْتُ أَزْهَدَ وَلاَ أَخَوْفَ للهِ عَزَّ وَجَلَّ مِن عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ الله» 0 ـ مِنْ كَلِمَاتِهِ الْبَلِيغَةِ وَأَقْوَالِهِ الحَكِيمَة: قَالَ ضَمْرَة: «كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللهُ إِلىَ بَعْضِ عُمَّالِهِ: «أَمَّا بَعْد؛ فَإِذَا دَعَتْكَ قُدْرَتُكَ عَلَى النَّاسِ إِلىَ ظُلْمِهِمْ، فَاذْكُرْ قُدْرَةَ اللهِ جَلَّ جَلاَلهُ عَلَيْك»

قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَة: «قَالَ رَجُلٌ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيز: جَزَاكَ اللهُ عَنِ الإِسْلاَمِ خَيرَاً؛ فَقَالَ رَحِمَهُ الله: بَلْ جَزَى اللهُ الإِسْلاَمَ عَنيِّ خَيْرَاً» 0 ـ قَالُواْ عَنِ خَبَرِ قَتْلِهِ بِالسُّمِّ وَعَفْوِهِ عَنْ قَاتِلِه: حَدَّثَ أَبُو عُمَيْرٍ بْنُ النَّحَّاسِ عَنْ ضَمْرَةَ عَن عَلِيِّ بْنِ أَبي حَمَلَةَ قَال: «لَقِيَني يَهُودِيٌّ فَقَال: إِنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللهُ سَيَلِي، ثمَّ لَقِيَني آخِرَ وِلاَيَةِ عُمَرَ فَقَال: إِنَّ صَاحِبَكَ قَدْ سُقِيَ؛ فَمُرْهُ فَلْيَتَدَارَكْ

نَفْسَه؛ فَأَعْلَمْتُ عُمَرَ رَحِمَهُ اللهُ فَقَال: قَاتَلَهُ اللهُ مَا أَعْلَمَه؛ لَقَدْ عَلِمْتُ السَّاعَةَ الَّتي سُقِيتُ فِيهَا، وَلَوْ كَانَ شِفَائِي أَن أَمْسَحَ شَحْمَةَ أُذُني مَا فَعَلْت» 0 حَدَّثَ مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ مَعْرُوفِ بْنِ مُشْكَانَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَال: «قَالَ لي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ [في مَرَضِهِ بَعْدَ شُرْبِهِ لِلسُّمّ]: يَا مُجَاهِد؛ مَا يَقُولُ النَّاسُ فِيَّ 00؟

قُلْت: يَقُولُونَ مَسْحُور؛ قَالَ رَحِمَهُ الله: مَا أَنَا بِمَسْحُور، ثُمَّ دَعَا غُلاَمَاً لَهُ فَقَال: وَيَحَك؛ مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ سَقَيْتَني السُّمّ 00؟ قَال: أَلْفُ دِينَارٍ أُعْطِيتُهَا، وَأَن أُعْتَق؛ قَالَ رَحِمَهُ الله: هَاتِهَا؛ فَجَاءَ بِهَا فَأَلْقَاهَا في بَيْتِ المَال، وَقَالَ رَحِمَهُ الله: اذْهَبْ حَيْثُ لاَ يَرَاكَ أَحَد» 0 ـ اللَّحَظَاتُ الأَخِيرَةُ مِن حَيَاتِهِ رَحِمَهُ الله: قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَة: «قُلْتُ لِعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَر: مَا آخِرُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ أَبُوك 00؟

فَقَال: كَانَ لَهُ مِنَ الْوَلَدِ أَنَا وَعَبْدُ اللهِ وَعَاصِمٌ وَإِبْرَاهِيم، وَكُنَّا أُغَيْلِمَةً؛ فَجِئْنَا كَالمُسَلِّمِينَ عَلَيْهِ وَالمُوَدِّعِينَ لَهُ؛ فَقِيلَ لَهُ: تَرَكْتَ وَلَدَكَ لَيْسَ لَهُ مَال، وَلَمْ تُؤْوِهِمْ إِلىَ أَحَد 00 فَقَالَ رَحِمَهُ الله: مَا كُنْتُ لأُعْطِيَهُمْ مَا لَيْسَ لَهُمْ، وَمَا كُنْتُ لآخُذَ مِنهُمْ حَقَّاً هُوَ لَهُمْ، وَإِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ فِيهِمْ، الَّذِي يَتَوَلَّى الصَّالِحِين، إِنَّمَا هُمْ أَحَدُ رَجُلَيْن: صَالِحٌ أَوْ فَاسِق» 0

يُشِيرُ بِذَلِكَ رَحِمَهُ اللهُ إِلىَ قَوْلِهِ جَلَّ وَعَلاَ: (وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِين ({الأَعْرَاف/196} ـ حُسْنُ خَاتِمَتِه: قَالَ لَيْثُ بْنُ أَبي رُقَيَّةَ: «إِنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللهُ قَالَ أَجْلِسُوني؛ فَأَجْلَسُوه، فَقَالَ رَحِمَهُ الله: أَنَا الَّذِي أَمَرْتَني فَقَصَّرْت، وَنَهَيْتَني فَعَصَيْت 00 ثَلاَثَاً، وَلَكِنْ لاَ إِلَهَ إِلاََّ الله، ثُمَّ أَحَدَّ النَّظَرَ رَحِمَهُ اللهُ وَقَال: إِنيِّ لأَرَى خُضْرَةً مَا هُمْ بِإِنْسٍ وَلاَ جِنّ، ثُمَّ قُبِضَ رَحِمَهُ الله» 0

قَالَ عُبَيْدُ بْنُ حَسَّان: «لَمَّا احْتُضِرَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللهُ قَال: اخْرُجُواْ عَنيِّ؛ فَقَعَدَ مَسْلَمَةُ وَفَاطِمَةُ عَلَى الْبَاب؛ فَسَمِعُوهُ يَقُول: مَرْحَبَاً بِهَذِهِ الْوُجُوه، لَيْسَتْ بِوُجُوهِ إِنْسٍ وَلاَ جَانّ، ثُمَّ تَلاَ رَحِمَهُ الله: (تِلكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوَّاً في الأَرْضِ وَلاَ فَسَادَاً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِين ({القَصَص/83}

ثمَّ هَدَأَ الصَّوْت؛ فَقَالَ مَسْلَمَةُ لِفَاطِمَة: قَدْ قُبِضَ صَاحِبُكِ؛ فَدَخَلُواْ فَوَجَدُوهُ قَدْ قُبِضَ رَحِمَهُ الله» حَدَّثَ رَجَاءُ بْنُ حَيْوَةَ رَحِمَهُ اللهُ عَن عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَالَ لَهُ: «كُنْ فِيمَنْ يُغَسِّلُني وَتَدْخُلُ قَبْرِي، فَإِذَا وَضَعْتُمُوني في لَحْدِي؛ فَحُلَّ الْعُقَدَ ثمَّ انْظُرْ إِلىَ وَجْهِي؛ فَإِنيِّ قَدْ دَفَنْتُ ثَلاَثَةً مِنَ الخُلَفَاء، كُلُّهُمْ إِذَا أَنَا وَضَعْتُهُ في لَحْدِهِ حَلَلْتُ الْعُقَدَ ثُمَّ نَظَرْتُ إِلَيْه؛ فَإِذَا وَجْهُهُ مُسْوَدٌّ إِلىَ

غَيْرِ الْقِبْلَة؛ قَالَ رَجَاء: فَدَخَلْتُ الْقَبْرَ، وَحَلَلْتُ الْعُقَد؛ فَإِذَا وَجْهُهُ كَالقَرَاطِيسِ في الْقِبْلَة» 00 أَيْ كَالصُّحُفِ الْبَيْضَاء ـ قَالُواْ عَنِْ مَوْتِ عُمَر: حَدَّثَ هِشَامُ بْنُ حَسَّانٍ عَن خَالِدٍ الرَّبَعِيِّ قَال: «إِنَّا نجِدُ في التَّوْرَاة: أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ تَبْكِي عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللهُ أَرْبَعِينَ صَبَاحَاً» قَالَ هِشَامُ بْنُ حَسَّان: «لَمَّا جَاءَ نَعْيُهُ إِلىَ الحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَال: مَاتَ خَيْرُ النَّاس» ـ قَبْرُهُ:

حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيُّ عَن إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ قَال: «إِنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللهُ اشْتَرَى مَوْضِعَ قَبْرِهِ قَبْل أَنْ يَمُوتَ بِعَشْرَةِ دَنَانيْر» 0 حَدَّثَ سُلَيْمَانُ بْنُ عُمَيْرٍ الرَّقِّيُّ عَن أَبي أُمَيَّةَ الخَصِيِّ غُلاَمِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللهُ قَال: «بَعَثَني عُمَرُ بِدِينَارَيْنِ إِلىَ أَهْلِ الدَّيْرِ فَقَال: إِنْ بِعْتُمُوني مَوْضِعَ قَبْرِي؛ وَإِلاََّ تَحَوَّلْتُ عَنْكُمْ» 0

ـ زِيَارَةُ الصَّالحِينَ لِقَبرِ عُمَر: حَدَّثَ ابْنُ وَهْبٍ عَنِ الإِمَامِ مَالِكٍ قَال: «إِنَّ صَالِحَ بْنَ عَلِيٍّ [الأَمِيرَ] سَأَلَ عَنْ قَبْرِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَلَمْ يجِدْ مَنْ يُخْبِرُه؛ حَتىَّ دُلَّ عَلَى رَاهِبٍ فَسَأَلَهُ فَقَال: قَبْرَ الصِّدِّيقِ تُرِيدُون 00؟ هُوَ في تِلْكَ المَزْرَعَة» 0

قَالَ هِشَامُ بْنُ الْغَاز: «نَزَلْنَا مَنْزِلاً مَرْجِعَنَا مِنْ دَابِق؛ فَلَمَّا ارْتَحَلْنَا مَضَى مَكْحُول، وَلَمْ نَعْلَمْ أَيْنَ ذَهَب؛ فَسِرْنَا كَثِيرَاً حَتىَّ جَاءَ رَحِمَهُ الله؛ فَقُلْنَا: أَيْنَ ذَهَبْت 00؟ قَالَ رَحِمَهُ الله: أَتَيْتُ قَبْرَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللهُ وَهُوَ عَلَى خَمْسَةِ أَمْيَالٍ مِنَ المَنْزِلِ فَدَعَوْتُ لَهُ، ثُمَّ قَالَ رَحِمَهُ الله: لَوْ حَلَفْتُ مَا اسْتَثْنَيْت: مَا كَانَ في زَمَانِهِ أَحَدٌ أَخَوْفَ للهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلاَ أَزْهَدَ في الدُّنْيَا مِنهُ» 0

ـ بَعْضٌ مِنْ مَرَاثِيه، الَّتي قِيلَتْ فِيه: وَلِكُثَيِّرِ عَزَّةَ شِعْرٌ غَزِيرُ الْعَبْرَةِ يَفِيضُ بِالحَسْرَة، أَعْجَبَني مِنهُ بَيْتٌ نَظَمْتُ أَجَزْتُهُ بِآخَر: النَّاسُ دَمْعُهُمُ عَلَيْكَ غَزِيرُ ... وَالحُزْنُ في كُلِّ الْقُلُوبِ كَبِيرُ فَجَمِيعُهُمْ يُثْني وَإِنْ لَمْ تُولِهِمْ ... خَيْرَاً لأَنَّكَ بِالثَّنَاءِ جَدِيرُ [الْبَيْتُ الأَوَّلُ لي، وَالثَّاني لِكُثَيِّر عَزَّة بِتَصَرُّف 0 الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلاَمِ النُّبَلاَء 0 طَبْعَةِ مُؤَسَّسَةِ الرِّسَالَة 0 ص: 145/ 5]

شريح القاضي

شُرَيْحٌ القَاضِي هُوَ أَبُو أُمَيَّةَ شُرَيْحُ بْنُ الحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الجَهْمِ الكِنْدِيُّ قَاضِي الكُوفَة 0 وَيُقَال: شُرَيْحُ بْنُ شَرَاحِيلَ أَوِ ابْنُ شُرَحْبيل 0 وَيُقَال: وَهُوَ مِن أَوْلاَدِ الفُرْسِ الَّذِينَ كَانُواْ بِاليَمَن 0 وَهُوَ مِمَّن أَسْلَمَ في حَيَاةِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَانْتَقَلَ مِنَ اليَمَنِ زَمَنَ الصِّدِّيق 0 وُلِدَ سَنَةَ 70 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 180 هـ 0

ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: حَدَّثَ عَن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَعَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنه مُقِلاًّ الحَدِيث 0 ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ قَيْسُ بْنُ أَبي حَازِم، وَالشَّعْبيُّ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَمحَمَّدُ بْنُ سِيرِين، وَغَيْرُهُمْ 0

قَالَ الشَّعْبيّ: كَتَبَ عُمَرُ إِلىَ شُرَيْحٍ: إِذَا أَتَاكَ أَمْرٌ في كِتَابِ اللهِ فَاقْضِ بِهِ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ في كِتَابِ اللهِ وَكَانَ في سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاقْضِ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا؛ فَاقْضِ بِمَا قَضَى بِهِ أَئِمَّةُ الهُدَى، فَإِنْ لَمْ يَكُن؛ فَأَنْتَ بِالخِيَار: إِنْ شِئْتَ تَجْتَهِدُ رَأْيَك، وَإِنْ شِئْتَ تُؤَامِرُني، وَلاَ أَرَى مُؤَامَرَتَكَ إِيَّايَ إِلاََّ أَسْلَمَ لَك 0 وَلاََّهُ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَضَاءَ الكُوفَة، فَأَقَامَ عَلَى قَضَائِهَا سِتِّينَ سَنَة، وَقَضَى بِالبَصْرَةِ سَنَة 0 وَفَدَ زَمَنَ مُعَاوِيَةَ إِلىَ دِمَشْق، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ قَاضِي المِصْرَيْن، وَكَانَ شَاعِرَاً قَائِفَاً 0

حَدَّثَ مُجَالِدٌ عَنِ الشَّعْبيِّ أَنَّ عُمَرَ رَزَقَ شُرَيْحَاً مِاْئَةَ دِرْهَمٍ عَلَى القَضَاء 0 وَعَنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي لَيْلَى أَنَّ عَلِيَّاً كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ جَعَلَ عَطَاءَهُ خَمْسَمِاْئَة» 0 حَدَّثَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنِ الإِمَامِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ أَنَّهُ قَالَ لَه [أَيْ لِشُرَيْحٍ الْقَاضِي]: «اذْهَبْ فَأَنْتَ أَقْضَى العَرَب» 0 قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ: «كَانَ شُرَيْحٌ يَقْضِي بِقَضَاءِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنه» 0

قَالَ ابْنُ أَبي خَالِد: «رَأَيْتُ شُرَيْحَاً يَقْضِي وَعَلَيْهِ مِطْرَفُ خَزٍّ وَبُرْنُس، وَرَأَيْتُهُ مُعْتَمَّاً قَدْ أَرْسَلَهَا مِن خَلْفِه» 0 البُرْنُس: هُوَ الْبَالْطُو أَوِ الجَاكِت [السّويتَر] بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ لَهُ غِطَاءٌ لِلرَّأْسِ مِنهُ، المِطْرَف: هُوَ رِدَاءٌ مِن خَزٍّ مُعَلَّمُ الطَّرَفَين [شَالٌ كَبِيرٌ لَهُ شَرَاشِيبُ مِنَ الطَّرَفَين] الخَزُّ يُطْلَقُ عَلَى نَوْعَينِ مِنَ الثِّيَاب: الصُّوفِ المُطَعَّمِ بِبَعْضِ خُيُوطِ الحَرِير، وَعَلَى الحَرِيرِ الخَالِص، وَالأَخِيرُ هُوَ المَنهِيُّ عَنهُ، أمَّا الأَوَّلُ فَقَدْ لَبِسَهُ الْكَثِيرُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِين 0

قَالَ محَمَّدُ بْنُ سِيرِين: «كَانَ إِذَا قِيلَ لِشُرَيْحٍ كَيْفَ أَصْبَحْت 00؟ قَال: «أَصْبَحْتُ وَشَطْرُ النَّاسِ عَلَيَّ غِضَاب» 0 حَدَّثَ إِبْرَاهِيمُ النّخْعِيُّ عَنْ شُرَيْحٍ الْقَاضِي أَنَّهُ قَال: «مَا شَدَدْتُ لَهَوَاتي عَلَى خَصْم [أَيْ تَغَيَّظْتُ عَلَيْه] وَلاَ لَقَّنْتُ خَصْمَاً حُجَّةً قَطّ» 0

حَدَّثَ ابْنُ عَوْنٍ عَن إِبْرَاهِيمَ النّخْعِيِّ أَنَّهُ قَال: «أَقَرَّ رَجُلٌ عِنْدَ شُرَيْحٍ ثمَّ ذَهَبَ يُنْكِر؛ فَقَالَ [أَيْ شُرَيْحٌ الْقَاضِي]: قَدْ شَهِدَ عَلَيْكَ ابْنُ أُخْتِ خَالَتِك» 0 وَعَنِ الشَّعْبيِّ عَنْ شُرَيْحٍ الْقَاضِي أَنَّهُ قَال: «إِنيِّ لأُصَابُ بِالمُصِيبَةِ فَأَحْمَدُ اللهَ عَلَيْهَا أَرْبَعَ مَرَّات؛ أَحْمَدُ إِذْ لَمْ يَكُن أَعْظَمَ مِنهَا، وَأَحْمَدُ إِذْ رَزَقَني الصَّبْرَ عَلَيْهَا، وَأَحْمَدُ إِذْ وَفَّقَني لِلاِسْتِرْجَاعِ لِمَا أَرْجُو مِنَ الثَّوَاب، وَأَحْمَدُ إِذْ لَمْ يَجْعَلْهَا في دِيني» 0 قَالَ مُغِيرَة: «كَانَ لِشُرَيْحٍ بَيْتٌ يَخْلُو فِيهِ يَوْمَ الجُمُعَة، لاَ يَدْرِي النَّاسُ مَا يَصْنَعُ فِيه» 0

وَقِيلَ إِنَّهُ اسْتَعْفَى مِنَ القَضَاءِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالىَ، عَاشَ مِاْئَةَ عَامٍ وَعَشْرَا 0 وَرُوِيَ لِشُرَيْحٍ مِنَ الشِّعْرِ قَوْلُه: رَأَيْتُ رِجَالاً يَضْرِبُونَ نِسَاءهُمْ ... فَشُلَّتْ يَمِيني يَوْمَ تُضْرَبُ زَيْنَبُ فَزَيْنَبُ شَمْسٌ وَالنِّسَاءُ كَوَاكِبُ ... إِذَا طَلَعتْ لَمْ يَبْدُ مِنهُنَّ كَوْكَبُ {شُرَيْحٌ الْقَاضِي} أَلاَ فَلْيَتَعَلَّمِ الأَزْوَاج 00 وَللهِ دَرُّهَا مِنِ امْرَأَةٍ تِلْكَ الَّتي مَدَحَهَا شُرَيْحٌ الْقَاضِي عَسَى رَبُّنَا أَنْ يَرْزُقَنَا خَيْرَاً مِنهَا إِنَّا إِلى رَبِّنَا رَاغِبُون 0

الأصمعي

الأَصْمَعِيّ وُلِدَ سَنَةَ 127 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 215 هـ 0 هُوَ اللُّغَوِيُّ الأَدِيبُ الحَافِظ: عَبْدُ المَلِكِ بْنُ قَرِيبِ بْنِ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَصْمَع [أَبُو سَعِيد] حَدَّثَ عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ عَنْ يحْيىَ بْنِ مَعِينٍ عَنِ الأَصْمَعِيِّ قَال: «سَمِعَ مِنيِّ مَالِكُ بْنُ أَنَس» حَدَّثَ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ عَنِ الأَصْمَعِيِّ قَال: «أَحْفَظُ سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفِ أُرْجُوزَة» 0

قَالَ محَمَّدُ بْنُ الأَعْرَابيّ: «شَهِدْتُ الأَصْمَعِيَّ وَقَدْ أَنْشَدَ نَحْوَاً مِنْ مَائَتيْ بَيْتٍ؛ مَا فِيهَا بَيْتٌ عَرَفْنَاهُ» حَدَّثَ الرَّبِيعُ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «مَا عَبَّرَ أَحَدٌ عَنِ الْعَرَبِ بِأَحْسَنَ مِن عِبَارَةِ الأَصْمَعِيّ» 0 قَالَ يحْيىَ بْنُ مَعِين: «كَانَ الأَصْمَعِيُّ مِن أَعْلَمِ النَّاسِ في فَنِّه» 0 قَالَ نَصْرٌ الجَهْضَمِيّ: «كَانَ الأَصْمَعِيُّ يَتَّقِي أَنْ يُفَسِّرَ الحَدِيثَ كَمَا يَتَّقِي أَنْ يُفَسِّرَ الْقُرْآن» 0 قَالَ المُبَرِّد: «كَانَ الأَصْمَعِيُّ بَحْرَاً في اللُّغَةِ لاَ نَعْرِفُ مِثْلَهُ فِيهَا» 0

حَدَّثَ أَبُو الْعَيْنَاءِ عَنِ الأَصْمَعِيِّ قَال: «دَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو عُبَيْدَةَ عَلَى الْفَضْلِ بْنِ الرَّبِيع، فَقَال: يَا أَصْمَعِيّ؛ كَمْ كِتَابُكَ في الخَيْل 00؟ قُلْتُ: جِلْد؛ فَسَأَلَ أَبَا عُبَيْدَةَ عَنْ ذَلِكَ فَقَال: خَمْسُونَ جِلْدَاً؛ فَأَمَرَ بِإِحْضَارِ الْكِتَابَيْنِ وَأَحْضَرَ فَرَسَاً، فَقَالَ لأَبي عُبَيْدَة: اقرَأْ كِتَابَكَ حَرْفَاً حَرْفَاً وضَعْ يَدَكَ عَلَى مَوْضِعٍ مَوْضِع؛ قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: لَسْتُ بِبَيْطَار؛ إِنَّمَا هَذَا شَيْءٌ أَخَذْتُهُ مِنَ الْعَرَب؛ فَقَالَ لي: قُمْ فَضَعْ يَدَك؛ فَقُمْتُ فَحَسَرْتُ عَنْ ذِرَاعِيَّ وَسَاقِيَّ ثُمَّ وَثَبْتُ، فَأَخَذْتُ بِأُذُنِ الْفَرَس، ثُمَّ وَضَعْتُ يَدِي عَلَى نَاصِيَتِهِ، فَجَعَلْتُ أَقْبِضُ مِنهُ بِشَيْءٍ شَيْءٍ وَأَقُولُ هَذَا اسْمُهُ كَذَا،

وَأُنْشِدُ فِيهِ شِعْرَاً، حَتىَّ بَلَغْتُ حَافِرَهُ؛ فَأَمَرَ لي بِالفَرَس؛ فَكُنْتُ إِذَا أَرَدْتُ أَن أَغِيظَ أَبَا عُبَيْدَةَ رَكِبْتُ الْفَرَسَ وَأَتَيْتُه» 0 قَالَ الأَصْمَعِيّ: «نِلْتُ مَا نِلْتُ بِالمُلَح» 0 قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «كَتَبَ شَيْئَاً لاَ يُحْصَى عَنِ الْعَرَب، وَكَانَ ذَا حِفْظٍ وَذكَاءٍ وَلُطْفِ عِبارَةٍ فَسَاد» 0

رَوَى ثَعْلَبٌ عَن أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ النَّحْوِيِّ قَال: «قَدِمَ الحَسَنُ بْنُ سَهْلٍ فَجَمَعَ أَهْلَ الأَدَب فَحَضَرْت، وَوَقَّعَ الحَسَنُ خَمْسِينَ رُقْعَةً، وَجَرَى ذِكْرُ الحُفَّاظ؛ فَذَكَرْنَا الزُّهْرِيَّ وَقَتَادَة؛ فَقَالَ الأَصْمَعِيّ: فَأَنَا أُعِيدُ مَا وَقَّعَ بِهِ الأَمِيرُ عَلَى التَّوَالي [أَيْ عَلَى التَّرْتِيب]؛ فَأُحْضِرَتِ الرِّقَاع؛ فَقَالَ الأَصْمَعِيّ: صَاحِبُ الرُّقْعَةِ الأُولىَ كَذَا وَكَذَا، وَاسْمُهُ كَذَا وَكَذَا، وَوقَّعَ لَهُ بِكَذَا وَكَذَا، وَالرُّقْعَةُ الثَّانيَةُ كَذَا وَكَذَا، وَالثَّالِثَةُ كَذَا وَكَذَا 000

حَتىَّ أَتَى عَلَى نَيِّفٍ وَأَرْبَعِينَ رُقْعَة؛ فَقَالَ نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيّ: أَيُّهَا المَرْء؛ أَبْقِ عَلَى نَفْسِكَ مِنَ الْعَين، ثُمَّ قَال: يَا غُلاَم؛ احْمِلْ مَعَهُ خَمْسِينَ أَلْفَاً» 0 وَقَالَ عَمْرُو بْنُ مَرْزُوق: «رَأَيْتُ الأَصْمَعِيَّ وَسِيبَوَيْهِ يَتَنَاظرَان؛ فَقَالَ يُونُسُ بْنُ حَبِيب: الحَقُّ مَعَ سِيبَوَيْه؛ وَهَذَا يَغْلِبُهُ بِلِسَانِه» 0

أعلام العلويين [الأشراف]

أَعْلاَمُ الْعَلَوِيِّين [الأَشْرَاف]: بِسْمِ اللهِ الرَِّحْمَنِ الرَِّحِيم: {قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرَاً إِلاَّ المَوَدَّةَ في القُرْبىَ} {الشُّورَى/23} يا آلَ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ حُبَّكُمُ ... فَرْضٌ مِنَ اللَّهِ في القُرآنِ أَنْزَلَهُ يَكْفِيكُمُ مِن عَظِيمِ الْفَخْرِ أَنَّكُمُ ... مَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْكُمْ لاَ صَلاَةَ لَهُ {الإِمَامُ الشَّافِعِيّ}

علي زين العابدين

عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْن [زَيْنُ الْعَابِدِين] هُوَ زَيْنُ الْعَابِدِينَ عَلِيُّ بْنُ الحُسَينِ بْنِ الإِمَامِ عَلِيِّ بْنِ أَبي طَالِبٍ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ الهَاشِمِيُّ الْعَلَوِيُّ المَدَنِيّ 0 وَالِدُ محَمَّدٍ الْبَاقِر، وَجَدُّ جَعْفَرٍ الصَّادِق سَلاَمُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْت قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «كَانَ يُسَمَّى زَيْنَ الْعَابِدِينَ لِعِبَادَتِه» وُلِدَ سَنَةَ 38 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 94 هـ 0 قَالَ الْوَاقِدِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَالبُخَارِيُّ وَالفَلاََّس: «مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِين» وَقَالَ محَمَّدٌ الْبَاقِر [أَبُو جَعْفَرٍ الصَّادِق]: «عَاشَ أَبي ثَمَانيَاً وَخَمْسِينَ سَنَة» وَأُمُّهُ اسْمُهَا: سُلاَفَةُ بِنْتُ مَلِكِ الْفُرْسِ يَزْدَجِرْد 0

حَدَّثَ عَن أَبِيهِ الحُسَينِ سَيِّدِ شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّة، وَكَانَ مَعَهُ يَوْمَ كَرْبَلاَءَ وَلَهُ ثَلاَثٌ وَعِشْرُونَ سَنَة، وَكَانَ يَوْمَئِذٍ مَوْعُوكَاً فَلَمْ يُقَاتِلْ، وَلاَ تَعَرَّضُواْ لَهُ 00 بَلْ أَحْضَرُوهُ مَعَ آلِهِ إِلىَ دِمَشْق، فَأَكْرَمَهُ يَزِيدُ وَرَدَّهُ مَعَ آلِهِ إِلىَ المَدِينَة» 0 وَحَدَّثَ في «الصَّحِيحَينِ» عَنْ جَدِّهِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ مُرْسَلاً، وَعَنْ صَفِيَّةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، وَفي «مُسْلِمٍ» عَن أَبي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ، وَحَدَّثَ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ عَن أَبي رَافِعٍ مَوْلىَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، وَعَن عَمِّهِ الحَسَن، وَعَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَأُمِّ سَلَمَة، وَعَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَحَدَّثَ عَنهُ أَوْلاَدُهُ محَمَّدٌ الْبَاقِر [أَبُو جَعْفَرٍ الصَّادِق] وَزَيْدٌ المَقْتُول، وَعُمَرُ وَعَبْدُ اللهِ وَالحُسَين 0

كَمَا حَدَّثَ عَنهُ الزُّهْرِيّ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَار، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَم، وَيحْيىَ بْنُ سَعِيد، وَأَبُو الزِّنَاد، وَعَلِيُّ بْنُ جُدْعَان، وَهِشَامُ بْنُ عُرْوَة، وَمحَمَّدُ بْنُ الْفُرَات، وَالمِنْهَالُ بْنُ عَمْرو، وَطَاوُوس 00 قَالَ ابْنُ سَعْدٍ في «الطَّبَقَات»: «هُوَ عَلِيٌّ الأَصْغَر، وَأَمَّا أَخُوهُ عَلِيٌّ الأَكْبَر؛ فَقُتِلَ مَعَ أَبِيهِ بِكَرْبَلاَء» 0

ـ وَرَعُهُ وَتَقْوَاه، وَعِبَادَتُهُ لله: قَالَ عَنهُ الإِمَامُ مَالِكٍ رَحِمَهُ الله: «لَمْ يَكُنْ في أَهْلِ الْبَيْتِ مِثْلُه» 0 وَقَالَ عَنهُ سَعِيدُ ِبْنُ المُسَيَّبِ رَحِمَهُ الله: «مَا رَأَيْتُ أَوْرَعَ مِنه» 0 قَالَ مَعْمَر: «كَانَ الزُّهْرِيُّ إِذَا ذُكِرَ عَلِيَّ بْنَ الحُسَيْنِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَال: لَمْ أَرَ في أَهْلِ بَيْتِهِ أَفْضَلَ مِنهُ» 0

وَحَدَّثَ مَعْمَرٌ عَنِ الزُهْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «لَمْ أُدْرِكْ مِن أَهْلِ الْبَيْتِ أَفَضْلَ مِن عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ رَضِيَ اللهُ عَنه» 0 رَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُهْرِيِّ قَال: «مَا رَأَيْتُ قُرَشِيَاً أَفَضْلَ مِن عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْن» 0

وَحَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ أَبي مَعْشَرٍ السِّنْدِيُّ عَن أَبي نُوحٍ الأَنْصَارِيِّ قَال: «وَقَعَ حَرِيقٌ في بَيْتٍ فِيهِ عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَهُوَ سَاجِد؛ فَجَعَلُواْ يَقُولُون: يَا ابْنَ رَسُولِ الله؛ النَّار 00 فَمَا رَفَعَ رَأْسَهُ حَتىَّ طُفِئَتْ؛ فَقِيلَ لَهُ في ذَلِكَ فَقَال: أَلْهَتْني عَنهَا النَّارُ الأُخْرَى» 0 وَحَدَّثَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ محَمَّدٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «حَجَّ عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ رَضِيَ اللهُ عَنه، فَلَمَّا أَحْرَمَ اصْفَرَّ وَانْتَفَضَ وَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُلَبيِّ؛ فَقِيلَ لَهُ: أَلاَ تُلَبِّي 00؟

قَال: أَخْشَى أَن أَقُولَ لَبَّيْك؛ فَيُقَالُ لي: لاَ لَبَّيْكَ وَلاَ سَعْدَيْك، فَلَمَّا لَبىَّ غُشِيَ عَلَيْهِ وَسَقَطَ مِنْ رَاحِلَتِه، فَلَمْ يَزَلْ بَعْضُ ذَلِكَ بِهِ حَتىَّ قَضَى حَجَّه» 0 ـ قَالُواْ عَنِْ مَنَاقِبِهِ: حَدَّثَ سُفْيَانَ بْنُ عُيَيْنَةَ عَن أَبي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ: «إِنَّ عَلِيَّ بْنَ الحُسَيْنِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ كَانَ يحْمِلُ الخُبْزَ بِاللَّيْلِ عَلَى ظَهْرِهِ يَتْبَعُ بِهِ المَسَاكِينَ في الظُّلْمَةِ»

حَدَّثَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ محَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَّهُ قَال: «كَانَ نَاسٌ مِن أَهْلِ المَدِينَةِ يَعِيشُونَ لاَ يَدْرُونَ مِن أَيْنَ كَانَ مَعَاشُهُمْ؛ فَلَمَّا مَاتَ عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ فَقَدُواْ ذَلِكَ الَّذِي كَانُواْ يُؤْتَوْنَهُ بِاللَّيْل» 0 حَدَّثَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الحَمِيدِ عَن عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ قَال: «لَمَّا مَاتَ عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ رَضِيَ اللهُ عَنه؛ وَجَدُواْ بِظَهْرِهِ أَثَرَاً مِمَّا كَانَ يَنْقُلُ الجُرُب [جَمْعُ جِرَاب] بِاللَّيْلِ إِلىَ مَنَازِلِ الأَرَامِل»

وَقَالَ شَيْبَةُ بْنُ نَعَامَة: «لَمَّا مَاتَ عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ رَضِيَ اللهُ عَنه؛ وَجَدُوهُ يَعُولَ أَهْلَ مِاْئَةِ بَيْت» حَتىَّ قَالَ بَعْضُهُمْ: «مَا فَقَدْنَا صَدَقَةَ السِّرِّ حَتىَّ تُوُفِّيَ عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ رَضِيَ اللهُ عَنه» 0 حَدَّثَ حُسَيْنُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ زَيْنِ الْعَابِدِينَ عَنْ جَدِّهِ زَيْنِ الْعَابِدِينَ عَلِيِّ بْنِ الحُسَينِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّهُ كَانَ يَشْتَرِي كِسَاءَ الخَزِّ بِخَمْسِينَ دِينَارَاً يَشْتُو فِيه، ثُمَّ يَبِيعُهُ وَيَتَصَدَّقُ بِثَمَنِه» 0

الخَزُّ يُطْلَقُ عَلَى نَوْعَينِ مِنَ الثِّيَاب: الصُّوفِ المُطَعَّمِ بِبَعْضِ خُيُوطِ الحَرِير، وَعَلَى الحَرِيرِ الخَالِص، وَالأَخِيرُ هُوَ المَنهِيُّ عَنهُ، أَمَّا الأَوَّلُ فَقَدْ لَبِسَهُ الْكَثِيرُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِين 0 حَدَّثَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الشَّيْبَانيُّ عَن أَبي يَعْقُوبَ المَدَنِيِّ قَال: «كَانَ بَيْنَ الحَسَنِ بْنِ الحَسَنِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَبَينَ ابْنِ عَمِّهِ عَلِيِّ بْنِ الحُسَينِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ شَيْء؛ فَمَا تَرَكَ الحَسَنُ شَيْئَاً إِلاََّ قَالَهُ، وَعَلِيٌّ سَاكِت، ثمَّ ذَهَبَ الحَسَن،

فَلَمَّا كَانَ في اللَّيْلِ أَتَاهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنه، فَخَرَج، فَقَالَ زَيْنُ الْعَابِدِينَ عَلِيُّ بْنُ الحُسَينِ رَضِيَ اللهُ عَنه: يَا ابْنَ عَمِّي؛ إِنْ كُنْتَ صَادِقَاً؛ فَغَفَرَ اللهُ لي، وَإِنْ كُنْتَ كَاذِبَاً؛ فَغَفَرَ اللهُ لَك، السَّلاَمُ عَلَيْك؛ فَالْتَزَمَهُ الحَسَنُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَبَكَى؛ حَتىَّ رَثَى لَه» 00 أَيْ حَتىَّ رَحِمَهُ زَيْنُ الْعَابِدِينَ عَلِيُّ بْنُ الحُسَينِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَسَامحَه 0 ـ قَالُواْ عَنِْ فِقْهِهِ:

قَالَ أَبُو حَازِمٍ المَدَنِيّ: «مَا رَأَيْتُ هَاشِمِيَّاً أَفْقَهَ مِن عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ رَضِيَ اللهُ عَنه؛ سَمِعْتُهُ وَقَدْ سُئِلَ كَيْفَ كَانَتْ مَنْزِلَةُ أَبي بَكْرٍ وَعُمَرَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم 00؟ فَأَشَارَ بيَدِهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ إِلىَ الْقَبْرِ ثُمَّ قَال: بِمَنْزِلَتِهِمَا مِنهُ السَّاعَة» 0 ـ مِن أَقْوَالِ زَيْنِ الْعَابِدِينَ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ رَضِيَ اللهُ عَنه:

مِن أَقْوَالِ زَيْنِ الْعَابِدِينَ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَوْلُه: «فَقْدُ الأَحِبَّةِ غُرْبَة» 0 قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَم: «كَانَ مِنْ دُعَاءِ زَيْنِ الْعَابِدِينَ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَوْلُه: «اللَّهُمَّ لاَ تَكِلْني إِلىَ نَفْسِي فَأَعْجَزَ عَنهَا، وَلاَ تَكِلْني إِلىَ المَخْلُوقِينَ فَيُضَيِّعُوني» 0 ـ قِصَّتُهُ مَعَ الْفَرَزْدَق: حَجَّ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ المَلِكِ قُبَيْلَ وِلاَيَتِهِ الخِلاَفَة؛ فَكَانَ إِذَا أَرَادَ اسْتِلاَمَ الحَجَرِ زُوحِمَ عَلَيْه، وَإِذَا دَنَا زَيْنُ

ـ قَالُواْ عَنِْ تَوَاضُعِهِ: جَاءَهُ قَوْمٌ مِنَ الْكُوفِيِّين؛ فَقَالَ لَهُمْ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: «يَا أَهْلَ الْعِرَاق؛ أَحِبُّونَا حُبَّ الإِسْلاَم؛ سَمِعْتُ أَبي يَقُول: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «يَا أَيُّهَا النَّاس: لاَ تَرْفَعُوني فَوْقَ قَدْرِي؛ فَإِنَّ اللهَ اتَّخَذَني عَبْدَاً قَبْلَ أَنْ يَتَّخِذَني نَبِيَّا» 0 [صَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 4825]

الْعَابِدِينَ عَلِيُّ بْنُ الحُسَينِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ مِنَ الحَجَرِ تَفَرَّقَ النَّاسُ عَنهُ إِجْلاَلاً لَهُ رَضِيَ اللهُ عَنه؛ فَأَغْضَبَ ذَلِكَ هِشَامَاً فَقَال: مَن هَذَا 00؟ فَمَا أَعْرِفُه 00؟ فَابْتَدَرَهُ الْفَرَزْدَقُ مُرْتَجِلاً في ذَلِكَ قَصِيدَتَهُ الشَّهِيرَة: هَذَا الَّذِي تَعْرِفُ الْبَطْحَاءُ وَطْأَتَهُ ... وَالبَيْتُ يَعْرِفُهُ وَالحِلُّ وَالحَرَمُ هَذَا ابْنُ خَيْرِ عِبَادِ اللهِ كُلِّهِمِ ... هَذَا التَّقِيُّ النَّقِيُّ الطَّاهِرُ الْعَلَمُ إِذَا رَأَتْهُ قُرَيْشٌ قَالَ قَائِلُهَا ... إِلىَ مَكَارِمِ هَذَا يَنْتَهِي الْكَرَمُ

يُغْضِي حَيَاءً وَيُغْضَى مِنْ مَهَابَتِهِ ... فَمَا يُكَلَّمُ إِلاََّ حِينَ يَبْتَسِمُ هَذَا ابْنُ فَاطِمَةٍ إِنْ كُنْتَ تَجْهَلُهُ ... بِجَدِّهِ أَنْبِيَاءُ اللَّهِ قَدْ خُتِمُواْ مَا قَالَ لاَ قَطُّ إِلاَّ في تَشَهُّدِهِ ... لَوْلاَ التَّشَهُّدُ كَانَتْ لاَؤُهُ نَعَمُ هَذَا ابْنُ آلِ رَسُولِ اللهِ سَادَتِنَا ... لَوْ قِيلَ مَن خَيرُ أَهْلِ الأَرْضِ قِيلَ هُمُ فَأَمَرَ هِشَامٌ بِحَبْسِ الْفَرَزْدَق، فَحُبِسَ بِعُسْفَان، وَبَعَثَ إِلَيْهِ زَيْنُ الْعَابِدِينَ عَلِيُّ بْنُ الحُسَينِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ بِاثْنيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَقَال: اعْذِرْ أَبَا فَرَاس؛ فَرَدَّهَا رَحِمَهُ اللهُ وَقَال: مَا قُلْتُ ذَلِكَ إِلاََّ غَضَبَاً للهِ وَلِرَسُولِه؛ فَرَدَّهَا إِلَيْهِ وَقَال: بِحَقِّي عَلَيْكَ لَمَا قَبِلْتَهَا؛ فَقَدْ عَلِمَ اللهُ نِيَّتَكَ وَرَأَى مَكَانَك؛ فَقَبِلَهَا

جعفر الصادق

جَعْفَرٌ الصَّادِق هُوَ جَعْفَرُ بْنُ محَمَّدٍ الْبَاقِرِ ابْنِ زَيْنِ الْعَابِدِينَ عَلِيٍّ بْنِ الحُسَيْنِ بْنِ الإِمَامِ عَلِيِّ بْنِ أَبي طَالِبٍ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ أُمُّه: أُمُّ فَرْوَةَ بِنْتُ القَاسِمِ بْنِ محَمَّدِ بْنِ أَبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنه 0 وَأُمُّهَا: أَسْمَاءُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنه؛ وَلِهَذَا كَانَ يَقُولُ رَضِيَ اللهُ عَنه: «وَلَدَني أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ مَرَّتَيْن» 0 وُلِدَ سَنَةَ 80 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 148 هـ 0

ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: حَدَّثَ عَن أَبيهِ أَبي جَعْفَرٍ البَاقِرِ رَضِيَ اللهُ عَنه، وَعَن عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، وَعَن عَطَاءِ بْنِ أَبي رَبَاحٍ وَرِوَايَتُه في «صَحِيحِ الإِمَامِ مُسْلِمٍ»، كَمَا حَدَّثَ عَنِ القَاسِمِ بْنِ محَمَّدٍ رَضِيَ اللهُ عَنه، وَعَنْ محَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِر، وَعَن الزُّهْرِيّ، وَغَيْرِهِم، وَلَمْ يُكْثِرْ إِلاََّ عَن أَبيه 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنْهُ ابْنُهُ مُوسَى الكَاظِم، وَيحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيّ، وَالإِمَامُ أَبُو حَنِيفَة، وَأَبَانُ بْنُ تَغْلِب، وَابْنُ جُرَيْج، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيّ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَة، وَشُعْبَة، وَالإِمَامُ مَالِك، وَالحَسَنُ بْنُ عَيَّاش، وَزُهَيْرُ بْنُ محَمَّد، وَحَفْصُ بْنُ غِيَاث، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مَيْمُون، وَمحَمَّدُ بْنُ ثَابِتٍ البُنَانيّ، وَمحَمَّدُ بْنُ مَيْمُونٍ الزَّعْفَرَانيّ، وَمُسْلِمٌ الزَّنْجِيّ، وَيحْيىَ القَطَّان، وَآخَرُون 0

قَالَ عَنهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْه: «قُلْتُ لِلشَّافِعِيِّ في مُنَاظَرَةٍ جَرَتْ: كَيْفَ جَعْفَرُ بْنُ محَمَّدٍ عِنْدَك 00؟ قَالَ رَفَعَ اللهُ ذِكْرَه: «ثِقَة» 0 وَقَالَ عَنهُ يحْيىَ بْنُ مَعِين: «جَعْفَرُ بْنُ محَمَّد: ثِقَةٌ مَأْمُون» 0 وَقَالَ يحْيىَ بْنُ مَعِينٍ وَقَدِ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ البَصْرِيُّونَ فَقَالُواْ: «لاَ تُحَدِّثْنَا عَنْ ثَلاَثَة: أَشْعَثَ بْنِ عَبْدِ المَلِك، وَعَمْرِو بْنِ عُبَيْد، وَجَعْفَرِ بْنِ محَمَّد؛ فَقَال: أَمَّا أَشْعَث؛ فَهُوَ لَكُمْ، وَأَمَّا

عَمْرٌو فَأَنْتُم أَعْلَمُ بِهِ، وَأَمَّا جَعْفَر: فَلَوْ كُنْتُمْ بِالْكُوفَةِ لأَخَذَتْكُمُ النِّعَالُ المُطْرَقَة [أَيِ الثَّقِيلَة]» 0 وَسُئِلَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي عَنْ جَعْفَرِ بْنِ محَمَّدٍ عَن أَبيه، وَعَنْ سُهَيْلٍ عَن أَبيهِ، وَعَنِ العَلاَءِ عَن أَبيهِ أَيُّهَا أَصَحّ 00؟ قَال: لاَ يُقْرَنُ جَعْفَرٌ إِلىَ هَؤُلاَء» 0 وَقَالَ عَنهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِي: «جَعْفَرٌ لاَ يُسْأَلُ عَنْ مِثْلِه» 0

وَقَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «جَعْفَرٌ ثِقَةٌ صَدُوق؛ مَا هُوَ في الثَّبْتِ كَشُعْبَة، وَهُوَ أَوْثَقُ مِنْ سُهَيْلٍ وَابْنِ إِسْحَاق، وَهُوَ في وَزْنِ ابْنِ أَبي ذِئْبٍ، وَنَحْوِه» 0 وَسُئِلَ الإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ النُّعْمَان: مَن أَفْقَهُ مَنْ رَأَيْت 00؟ قَال: مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً أَفْقَهَ مِنْ جَعْفَرِ بْنِ محَمَّد» 0 وَقَالَ زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُدَيْج: «قَالَ أَبي لِجَعْفَرِ بْنِ محَمَّدٍ رَضِيَ اللهُ عَنه: إِنَّ لي جَارَاً يَزْعُمُ أَنَّكَ تَبرَأُ مِن أَبي بَكْرٍ وَعُمَر 00؟!

فَقَالَ رَضِيَ اللهُ عَنه: بَرِئَ اللهُ مِنْ جَارِك، وَاللهِ إِنيِّ لأَرْجُو أَنْ يَنْفَعَني اللهُ بِقَرَابَتي مِن أَبي بَكْر رَضِيَ اللهُ عَنه» وَقِيلَ لَهُ في ذَلِكَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ مَرَّةً أُخْرَى فَقَال: «أَيَسُبُّ الرَّجُلُ جَدَّه؛ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ جَدِّي، لاَ نَالَتْني شَفَاعَةُ محَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ القِيَامَةِ إِنْ لَمْ أَكُن أَتَوَلاََّهُمَا وَأَبرَأُ مِن عَدوِّهِمَا»

وَقَالَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ في مَوْضِعٍ آخَر: «مَا أَرْجُو مِنْ شَفَاعَةِ عَلَيٍّ شَيْئَا؛ إِلاََّ وَأَنَا أَرْجُو مِنْ شَفَاعَةِ أَبي بَكْرٍ مِثْلَه؛ لَقَدْ وَلَدَني مَرَّتَيْن» 0 وَقَالَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ في مَوْضِعٍ آخَرَ لِسَائِلِه: «إِنَّكَ تَسْأَلُني عَنْ رَجُلَينِ قَدْ أَكَلاَ مِنْ ثمَارِ الجَنَّة» رَوَى يحْيىَ بْنُ أَبي بُكَيْرٍ عَن هَيَّاجِ بْنِ بِسْطَامَ قَال: «كَانَ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ يُطْعِمُ حَتىَّ لاَ يَبْقَى لِعِيَالِه شَيْء» 0

قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيّ: «قَدِمْتُ مَكَّة؛ فَإِذَا أَنَا بِأَبي عَبْدِ اللهِ جَعْفَرِ بْنِ محَمَّدٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ [جَعْفَرٍ الصَّادِق] قَدْ أَنَاخَ بِالأَبْطَح [أَيْ بِمِنىً] فَقُلْتُ: يَا ابْنَ رَسُولِ الله؛ لِمَ جُعِلَ المَوْقِفُ مِنْ وَرَاءِ الحَرَمِ وَلَمْ يُصَيَّرْ في المَشْعَرِ الحَرَام [أَيْ بِالمُزْدَلِفَة] 00؟ فَقَال: الكَعْبَةُ بَيْتُ الله، وَالحَرَمُ حِجَابُه، وَالمَوْقِفُ بَابُه، فَلَمَّا قَصَدَهُ الْوَافِدُونَ أَوْقَفَهَمْ بِالبَابِ يَتَضَرَّعُون، فَلَمَّا أَذِنَ لَهُمْ في الدُّخُولِ أَدْنَاهُمْ مِنَ البَابِ

الثَّاني وَهُوَ المُزْدَلِفَة؛ فَلَمَّا نَظَرَ إِلىَ كَثْرَةِ تَضَرُّعِهِمْ وَطُولِ اجْتِهَادِهِمْ رَحِمَهُمْ؛ فَأَمَرَهُمْ بِتَقْرِيبِ قُرْبَانِهِمْ، فَلَمَّا قَرَّبُواْ قُرْبَانَهُمْ وَقَضَوْاْ تَفَثَهُمْ، وَتَطَهَّرُواْ مِنَ الذُّنُوبِ الَّتي كَانَتْ حِجَابَاً بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ: أَمَرَهُمْ بِزِيَارَةِ بَيْتِه عَلَى طَهَارَة 0 قُلْتُ: فَلِمَ كُرِهَ الصَّومُ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ 00؟ قَالَ رَضِيَ اللهُ عَنه: لأَنَّهُمْ في ضِيَافَةِ الله، وَلاَ يَجِبُ عَلَى الضَّيفِ أَنْ يَصُومَ عِنْدَ مَن أَضَافَه» 0

وَقَعَ ذُبَابٌ عَلَى أَبي جَعْفَرٍ المَنْصُور؛ فَذَبَّهُ عَنهُ؛ فَأَلَحَّ؛ فَقَالَ لِجَعْفَرٍ الصَّادِقِ وَكَانَ مَعَه: لِمَ خَلَقَ اللهُ الذُّبَاب 00؟ قَالَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: لِيُذِلَّ بِهِ الجَبَابِرَة» 0 عَنِ الرَّبيعِ بْنِ يُونُسَ [حَاجِبِ أَبي جَعْفَرٍ المَنْصُور] أَنَّهُ قَال: «دَعَاني المَنْصُورُ فَقَال: إِنَّ جَعْفَرَ بْنَ محَمَّدٍ [أَيْ جَعْفَرٌ الصَّادِق] يُلْحِدُ في سُلْطَاني؛ قَتَلَني اللهُ إِنْ لَمْ أَقتُلْهُ؛ فَأَتَيْتُهُ فَقُلْت: أَجِبْ أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ فَتَطَهَّرَ وَلَبِسَ ثِيَابَاً أَحْسِبُهُ جُدُدَاً؛

فَأَقبَلْتُ بِهِ فَاسْتَأْذَنتُ لَه؛ فَقَالَ [أَيْ أَبُو جَعْفَرٍ المَنْصُور: أَدخِلْهُ؛ قَتَلَني اللهُ إِنْ لَمْ أَقتُلْهُ؛ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ مُقْبِلاً قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ فَتَلَقَّاهُ وَقَال: مَرْحَبَاً بِالنَّقِيِّ السَّاحَة، البَرِيءِ مِنَ الدَّغَلِ وَالخِيَانَة، أَخِي وَابْنِ عَمِّي، فَأَقْعَدَهُ مَعَهُ عَلَى سَرِيرِهِ، وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ، وَسَأَلَهُ عَن حَالِهِ، ثُمَّ قَال: سَلْني عَن حَاجَتِك 00؟

فَقَال: أَهْلُ مَكَّةَ وَالمَدِينَةِ قَدْ تَأَخَّرَ عَطَاؤُهُمْ؛ فَتَأْمُرَ لَهُمْ بِهِ؛ قَالَ أَفْعَل، ثُمَّ قَال: يَا جَارِيَة؛ ائْتِني بِالتُّحْفَة 00 فَأَتَتْهُ بِمُدْهِنٍ زُجَاجٍ فِيهِ غَالِيَة [ضَرْبٌ مِنَ الْعُطُورِ مُخَلَّطٌ كَالخُمْرَة] فَغَلَّفَهُ بيَدِهِ [أَيْ عَطَّرَهُ بِنَفْسِه] وَانْصَرَف رَضِيَ اللهُ عَنه؛ فَاتَّبَعْتُهُ فَقُلْت: يَا ابْنَ رَسُولِ الله؛ أَتَيْتُ بِكَ وَلاَ أَشُكُّ أَنَّهُ قَاتِلُك، فَكَانَ مِنهُ مَا رَأَيْت، وَقَدْ رَأَيْتُكَ تُحَرِّكُ شَفَتَيْكَ بِشَيْءٍ عِنْدَ الدُّخُولِ فَمَا هُوَ 00؟

قَالَ رَضِيَ اللهُ عَنه: قُلْتُ: اللَّهُمَّ احْرُسْني بِعَيْنِكَ الَّتي لاَ تَنَام، وَاكْنُفْني بِرُكْنِكَ الَّذِي لاَ يُرَام ـ أَيْ لاَ يُنَال ـ وَاحْفَظْني بِقُدْرَتِكَ عَلَيّ، وَلاَ تُهلِكْني وَأَنْتَ رَجَائِي، رَبِّ كَمْ مِنْ نَعْمَةٍ أَنعَمْتَ بِهَا عَلَيَّ قَلَّ لَكَ عِنْدَهَا شُكْرِي، وَكَم مِنْ بَلِيَّةٍ ابْتَلَيْتَني بِهَا قَلَّ لَهَا عِنْدَكَ صَبْرِي 00؟ فَيَا مَنْ قَلَّ عِنْدَ نِعْمَتِهِ شُكْرِي فَلَمْ يحْرِمْني، وَيَا مَنْ قَلَّ عِنْدَ بَلِيَّتِهِ صَبرِي فَلَمْ يخْذُلْني، وَيَا مَنْ رَآني عَلَى المَعَاصِي فَلَمْ يَفضَحْني،

وَيَا ذَا النِّعَمِ الَّتي لاَ تُحْصَى أَبَدَاً، وَيَا ذَا المَعْرُوفِ الَّذِي لاَ يَنْقَطِعُ أَبَدَاً؛ أَعِنيِّ عَلَى دِيني بِدُنْيَا، وَعَلَى آخِرَتي بِتَقْوَى، وَاحْفَظْني فِيمَا غِبْتُ عَنهُ، وَلاَ تَكِلْني إِلىَ نَفْسِي فِيمَا خَطَرَتْ، يَا مَنْ لاَ تَضُرُّهُ الذُّنُوب، وَلاَ تَنْقُصُهُ المَغْفِرَة؛ اغْفِرْ لي مَا لاَ يَضُرُّك، وَأَعْطِني مَا لاَ يَنْقُصُك، يَا وَهَّاب؛ أَسْأَلُك فَرَجَاً قَرِيبَا، وَصَبرَاً جَمِيلاَ، وَالْعَافِيَةَ مِنْ جَمِيعِ البَلاَيَا، وَشُكْرَ الْعَافِيَة» 0

وَعَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ [حَفِيدُ حَفِيدِ الإِمَامِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ] أَنَّهُ قَال: «لاَ يَتِمُّ المَعْرُوفُ إِلاََّ بِثَلاَثَة: بِتَعْجِيلِهِ، وَتَصْغِيرِهِ، وَسَتْرِهِ» 0 وَعَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ [حَفِيدُ حَفِيدِ الإِمَامِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ] أَنَّهُ قَال: «إِذَا بَلَغَكَ عَن أَخِيكَ مَا يَسُوؤُكَ فَلاَ تَغتَمّ؛ فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ كَمَا يَقُول: كَانَتْ عُقوبَةً عُجِّلَتْ، وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ مَا يَقُول: كَانَتْ حَسَنَةً لَمْ تَعْمَلْهَا؛ قَالَ مُوسَى

عَلَيْهِ السَّلاَم: يَا رَبّ؛ أَسْأَلُكَ أَلاََّ يَذْكُرَني أَحَدٌ إِلاَ بِخَيْر؛ قَالَ جَلَّ جَلاَلهُ: مَا فَعَلْتُ ذَلِكَ بِنَفْسِي» 0 قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيّ: «دَخَلْتُ عَلَى جَعْفَرِ بْنِ محَمَّدٍ [الصَّادِق] وَعَلَيْهِ جُبَّةُ خَزٍّ دَكْنَاء، وَكِسَاءُ خَزٍّ أَيْدِجَانيّ؛ فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِ تَعَجُّبَاً؛ فَقَال: مَا لَكَ يَا ثَوْرِيّ 00؟ قُلْتُ: يَا ابْنَ رَسُولِ الله؛ لَيْسَ هَذَا مِنْ لِبَاسِكَ وَلاَ لِبَاسِ آبَائِك؛ فَقَال: كَانَ ذَاكَ زَمَانَاً مُقَتِّرَاً؛ وَكَانُواْ يَعْمَلُونَ عَلَى قَدْرِ إِقْتَارِهِ

وَإِفْقَارِهِ، وَهَذَا زَمَانٌ قَدْ أُسْبِلَ كُلُّ شَيْءٍ فِيهِ 00 ثمَّ حَسَرَ عَنْ رُدْنِ جُبَّتِهِ [أَيْ كَشَفَ عَنْ كُمِّهَا] فَإِذَا فِيهَا جُبَّةُ صُوفٍ بَيْضَاء، يَقْصُرُ الذَّيْلُ عَنِ الذَّيل [أَيْ طَرَفُهَا مِن أَسْفَل: أَقْصَرُ مِنْ تِلْكَ الخَارِجِيَّة] وَقَالَ رَضِيَ اللهُ عَنه: لَبِسْنَا هَذَا للهِ وَهَذَا لَكُمْ؛ فَمَا كَانَ للهِ أَخْفَيْنَاه، وَمَا كَانَ لَكُمْ أَبْدَيْنَاه» 0

موسى الكاظم

مُوسَى الكَاظِم هُوَ الإِمَامُ القُدْوَةُ أَبُو الحَسَنِ العَلَوِيّ، وَالِدُ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرِّضِي، وَابْنُ جَعْفَرٍ الصَّادِق؛ ابْنِ محَمَّدٍ الْبَاقِر، ابْنِ زَيْنِ الْعَابِدِينَ عَلِيِّ بْنِ الحُسَينِ بْنِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَه 0 وُلِدَ سَنَةَ 128 هـ، حَبَسَهُ الرَّشِيدُ بهَا إِلىَ أَنْ تُوُفِّيَ في محْبَسِهِ سَنَةَ 183 هـ 0

ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: حَدَّثَ عَن أَبيهِ جَعْفَرٍ الصَّادِق 0 ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنْهُ أَوْلاَدُهُ عَلِيٌّ وَإِبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ وَحُسَينٌ رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ، وَأَخَوَاهُ عَلِيٌّ وَمحَمَّدٌ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا، وَمحَمَّدُ بْنُ صَدَقَةَ العَنْبَرِيّ 0 وَرِوَايَتُه يَسِيرَةٌ لأَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ أَوَانِ الرِّوَايَةِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه 0 وَقَالَ عَنهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِي: «ثِقَةٌ صَدُوق، إِمَامٌ مِن أَئِمَّةِ المُسْلِمِين» 0

ـ سَخَاوَةُ نَفْسِهِ وَأَرْيَحِيَّتُهُ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَهُ في الدُّنيَا وَالآخِرَة: قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيب: أَنْبَأَنَا الحَسَنُ بْنُ أَبي بَكْرٍ قَال: أَنْبَأَنَا الحَسَنُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ يحْيىَ الْعَلَوِيُّ قَال: حَدَّثَني جَدِّي يحْيىَ بْنُ الحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ الحُسَيْنِ بْنِ زَيْنِ الْعَابِدِينَ قَال: «كَانَ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ يُدْعَى العَبْدَ الصَّالِحَ مِن عِبَادَتِهِ وَاجْتِهَادِه، وَكَانَ سَخِيَّاً جَوَّادَاً كَرِيمَاً؛ يَبْلُغُه عَنِ الرَّجُلِ أَنَّهُ يُؤْذِيهِ فَيَبْعَثُ إِلَيْهِ بِصُرَّةٍ فِيهَا أَلْفُ دِينَار، وَكَانَ يَصُرُّ الصُّرَرَ بِثَلاَثِمِاْئَةِ دِينَارٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ وَمائَتَيْن، ثُمَّ يُقَسِّمُهَا بِالمَدِينَة، فَمَنْ جَاءَتْهُ صُرَّةٌ اسْتَغنىَ» 0

كَانَ بِالمَدِينَةِ رَجُلٌ مِن أَوْلاَدِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ يُؤْذِيهِ وَيَشْتُمُ عَلِيَّاً كَرَّمَ اللهُ وَجْهَه؛ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ حَاشِيَتِه: دَعْنَا نَقْتُلْه؛ فَنَهَاهُمْ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَزَجَرَهُمْ، ثُمَّ رَكِبَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ إِلَيْهِ في مَزْرَعَتِهِ فَوَجَدَهُ يَزْرَعُهَا؛ فَدَخَلَ بِحِمَارِهِ؛ فَصَاحَ الْعُمَرِيّ: لاَ تُوطِئْ زَرْعَنَا؛ فَوَطِئَ بِالحِمَارِ حَتىَّ وَصَلَ إِلَيْه؛ فَنَزَلَ عِنْدَهُ وَضَاحَكَهُ [أَيِ اسْتَأْنَسَ الحَدِيثَ بِلِسَانِهِ الْعَذْبِ وَعِبَارَتِهِ الحُلْوَة] ثُمَّ قَالَ لَهُ رَضِيَ اللهُ عَنه: كَمْ غَرِمْتَ في زَرْعِكَ هَذَا 00؟ [أَيْ كَمْ أَنْفَقْتَ في زَرْعِ حَقْلِكَ هَذَا]

قَالَ ماْئَةُ دِينَارٍ، قَالَ رَضِيَ اللهُ عَنه: فَكَمْ تَرْجُو 00؟ قَالَ لاَ أَعْلَمُ الغَيْب، وَأَرْجُو أَنْ يَجِيئَني مِاْئَتَا دِينَار؛ فَأَعْطَاهُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ثَلاَثَمِاْئَةِ دِينَارٍ وَقَال: هَذَا زَرْعُكَ عَلَى حَالِه؛ فَقَامَ العُمَرِيُّ فَقَبَّلَ رَأْسَهُ وَقَال: اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالاَِتِه، وَجَعَلَ يَدْعُو لَهُ كُلَّ وَقْت؛ فَقَالَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ لِخَاصَّتِه الَّذِينَ أَرَادُواْ قَتْلَ العُمَرِيّ: أَيُّمَا هُوَ خَيْر: مَا أَرَدْتُمْ، أَوْ مَا أَرَدْتُ أَن أُصْلِحَ أَمرَهُ بِهَذَا المِقْدَارِ 00؟

أعلام الزهاد

أَعْلاَمُ الزُّهَّاد [1]: أَيُّوبُ السِّخْتِيَانيّ هُوَ الإِمَامُ الحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ أَيُّوبُ بْنُ أَبي تَمِيمَةَ كَيْسَانَ العَنَزِيُّ السِّخْتِيَانيُّ البَصْرِيُّ الآدَمِيّ، وَهُوَ أَحَدُ رِجَالِ الشَّيْخَينِ البُخَارِيِّ وَمُسْلِم 0 وُلِدَ سَنَةَ 68 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 131 هـ 0

ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَأَبُو العَالِيَةِ الرِّيَاحِيّ، وَعَبْدُ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ، وَأَبُو قِلاَبَةَ الجَرْمِيِّ، وَمجَاهِدُ بْنُ جَبْر، وَالحَسَنُ الْبَصْرِيّ، وَمحَمَّدُ بْنُ سِيرِين، وَمُعَاذَةُ العَدَوِيَّة، وَأَبُو رَجَاءٍ عِمْرَانُ بْنُ مِلْحَانَ العُطَارِدِيّ، وَعِكْرِمَةُ مَوْلىَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنه، وَأَبُو مِجْلَزٍ لاَحِقُ بْنُ حُمَيْد، وَحَفْصَةُ بِنْتُ سِيرِين، وَيُوسُفُ بْنُ مَاهَك، وَعَطَاءُ بْنُ أَبي رَبَاح، وَنَافِعٌ مَوْلىَ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنه، وَالقَاسِمُ بْنُ محَمَّد، وَابْنُ أَبي مُلَيْكَةَ رَضِيَ اللهُ عَنه، وَقَتَادَة، وَخَلْقٌ سِوَاهُم 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: وَالزُّهْرِيّ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَة، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْد، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيّ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَة، وَشُعْبَة، وَالأَعْمَشُ، وَالإِمَامُ مَالِك، وَقَتَادَة وَهُوَ مِنْ شُيُوخِهِ وَلَكِنْ رَوَى عَنهُ، محَمَّدُ بْنُ سِيرِين، وَمَعْمَر، وَعَمْرُو بْنُ دِينَار، وَعَمْرُو بنُ دِينَار، وَعَبْدُ الوَارِث، وَأُمَمٌ سِوَاهُم 0 ـ قَالُواْ في تَوْثِيقِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: سُئِلَ عَنهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِي فَقَال: «ثِقَةٌ لاَ يُسْأَلُ عَنْ مِثْلِه» 0

قَالُواْ لِلإِمَامِِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللهُ في شَأْنِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ فَقَال: «مَا حَدَّثتُكُمْ عَن أَحَدٍ إِلاََّ وَأَيُّوبُ أَوْثَقُ مِنهُ» 0 ـ قَالُواْ عَن حِفْظِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: وَقَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ: «إِلَيْهِ المُنْتَهَى في الإِتْقَان» 0 ـ قَالُواْ عَنْ فِقْهِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: وَكَانَ شُعْبَةُ يَقُول: «حَدَّثَني أَيُّوبُ سَيِّدُ الفُقَهَاء» 0 ـ ثَنَاءُ الأَئِمَّهِ عَلَيْه؛ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

وَقَالَ عَنهُ الحُمَيْدِيُّ صَاحِبُ المُسْنَد: «مَا رَأَيْتُ مِثْلَ أَيُّوب» 0 وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْد: «أَيُّوبُ عِنْدِي أَفْضَلُ مَنْ جَالَسْتُه، وَأَشَدُّهُ اتِّبَاعَاً لِلسُّنَّة» 0 وَقَالَ عَنهُ الحَسَنُ الْبَصْرِيّ: «أَيُّوبُ سَيِّدُ شَبَابِ أَهْلِ البَصْرَة» 0 وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْد: «مَا رَأَيْتُ رَجُلاً قَطُّ أَشَدَّ تَبُسُّمَاً في وَجُوهِ الرِّجَالِ مِن أَيُّوب» وَقَالَ يُونُسُ بْنُ عُبَيْد: «مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً أَنْصَحَ لِلْعَامَّةِ مِن أَيُّوبَ وَالحَسَن» 0

وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْد: «لَمْ يَكُن أَحَدٌ أَكْرَمَ عَلَى ابْنِ سِيرِينَ مِن أَيُّوب» 0 ـ قَالُواْ عَنْ تَوَاضُعِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْد: «كُنْتُ أَمْشِي مَعَهُ رَحِمَهُ اللهُ فَيَأْخُذُ في طُرُقٍ؛ إِنيِّ لأَعْجَبُ لَهُ كَيْفَ يَهْتَدِي لَهَا؛ فِرَارَاً مِنَ النَّاسِ أَنْ يُقَالَ هَذَا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانيّ» 0 ـ قَالُواْ عَنْ صَلاَحِهِ وَتَقْوَاه، وَإِخْلاَصِهِ لله، وَإِجْلاَلِهِ لحَدِيثِ رَسُولِ اللهِ:

وَقَالَ عَنهُ الإِمَامُ مَالِكُ بْنُ أَنَس: «كُنَّا نَدْخُلُ عَلَى أَيُّوبَ السِّخْتِيَانيّ؛ فَإِذَا ذَكرْنَا لَهُ حَدِيثَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَكَى حَتىَّ نَرْحَمَهُ» 0 وَقَالَ عَنهُ سَلاَمُ بْنُ أَبي مُطِيع: «كَانَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانيُّ يَرْحَمُهُ اللهُ يَقُومُ اللَّيلَ كُلَّهُ فَيُخْفِي ذَلِكَ؛ فَإِذَا كَانَ عِنْدَ الصُّبْحِ رَفعَ صَوْتَهُ كَأَنَّهُ قَامَ تِلْكَ السَّاعَة» 0 ـ مِن أَقْوَالِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: وَكَانَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ يَقُول:

«لِيتَّقِ اللهَ رَجُل؛ فَإِنْ زَهِدَ فَلاَ يَجْعَلَنَّ زُهْدَهُ عَذَابَاً عَلَى النَّاس» 0 وَكَانَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ يَقُول: «إِذَا ذُكِرَ الصَّالِحُونَ كُنْتُ عَنهُمْ بِمَعْزِل» 0 وَقَالَ رَحِمَهُ الله: «لاَ خَبِيثَ أَخْبَثُ مِنْ قَارِئٍ فَاجِر» 0 وَقَالَ رَحِمَهُ الله: «إِنيِّ وَجَدْتُ أَعْلَمَ النَّاسِ بِالقَضَاءِ أَشَدَّهُمْ مِنهُ فِرَارَاً، وَأَشَدَّهُمْ مِنهُ فَرَقَاً» وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْد: «سَمِعْتُ أَيُّوبَ قِيلَ لَه: مَا لَكَ لاَ تَنْظُرُ في هَذَا [يَعْني: الرَّأْي]؟

فَقَالَ يَرْحَمُهُ الله: قِيلَ لِلْحِمَارِ أَلاَ تَجْتَرّ 00؟ فَقَال: أَكْرَهُ مَضْغَ البَاطِل» 0 ـ قَالُواْ عَنْ بَعْضِ كَرَامَات: وَقَالَ أَبُو يَعْمُرَ السَّعْدِيُّ المَرْوَزِيّ: «كَانَ أَيُّوبُ في طَرِيقِ مَكَّة؛ فَأَصَابَ النَّاسَ عَطَشٌ حَتىَّ خَافُواْ؛ فَقَالَ أَيُّوبُ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ: أَتَكْتُمُونَ عَلَيّ 00؟ قَالُواْ نَعَمْ؛ فَدَوَّرَ رِدَاءَهُ وَدَعَا؛ فَنَبَعَ المَاءُ وَسَقَوُاْ الجِمَالَ وَرَوَوْاْ، ثُمَّ أَمَرَّ يَدَهُ عَلَى المَوْضِع؛ فَعَادَ كَمَا كَان» 0

[الإِمَامُ الذَّهَبيُّ نَقْلاً عَنْ «شَمَائِلِ الزُّهَّادِ» لاِبْنِ عَقِيلٍ الْبَلْخِيِّ في سِيَرِ أَعْلاَمِ النُّبَلاَء 0 طَبْعَةِ مُؤَسَّسَةِ الرِّسَالَة 0 ص: 23/ 6] وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْد: «غَدَا عَلَيَّ مَيْمُونٌ أَبُو حَمْزَةَ يَوْمَ الجُمُعَةِ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَقَال: إِنيِّ رَأَيْتُ البَارِحَةَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا في النَّوْم؛ فَقُلْتُ لَهُمَا: مَا جَاءَ بِكُمَا 00؟ قَالاَ: جِئْنَا نُصَلِّي عَلَى أَيُّوبَ السِّخْتِيَانيّ؛ قَالَ [أَيْ حَمَّادُ بْنُ زَيْد]: وَلَمْ يَكُن [أَيْ أَبُو حَمْزَة] عَلِمَ بِمَوْتِه؛ فَقِيلَ لَه: قَدْ مَاتَ أَيُّوبُ البَارِحَة» 0

عمرو بن قيس الكوفي

عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ الكُوفِيّ هُوَ الحَافِظُ عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ الْكُوفِيُّ المُلاَئِيُّ البَزَّاز، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 146 هـ 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: حَدَّثَ عَن عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ المَخْزُومِيّ، وَعَطَاءِ بْنِ أَبي رَبَاح، وَأَبي إِسْحَاقَ السَّبيعِيّ 0 ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيّ، وَأَبُو خَالِدٍ الأَحْمَر، وَالمُحَارِبيّ 0 قَالَ عَنهُ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي: «ثِقَةٌ مَأْمُون» 0

ـ قَالُواْ عَنْ تَوَاضُعِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: كَانَ يُقْرِئُ النَّاسَ فَيَقْعُدُ بَينَ يَدَيِ الطَّالِب» 0 ـ بُكَاؤُهُ عَلَى حَالِ المُسْلِمِينَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: وَكَانَ إِذَا نَظَرَ إِلىَ أَهْلِ السُّوقِ بَكَى وَقَال: مَا أَغْفَلَ هَؤُلاَءِ عَمَّا أُعِدَّ لَهُمْ»

ـ قَالُواْ عَنْ صَلاَحِهِ وَتَقْوَاه، وَبُكَائِهِ مِن خَشْيَةِ الله، وَاجْتِهَادِهِ في عِبَادَةِ الله: قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيّ: «عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ هُوَ الَّذِي أَدَّبَني: عَلَّمَني قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَالْفَرَائِض، وَكُنْتُ أَطْلُبُه في سُوقِهِ، فَإِنْ لَمْ أَجِدْهُ فَفِي بَيْتِهِ: إِمَّا يُصَلِّي، أَوْ يَقْرَأُ في المُصْحَف؛ كَأَنَّهُ يُبَادِرُ أَمرَاً يَفُوتُه، فَإِنْ لَمْ أَجِدْهُ وَجَدْتُهُ في المَسْجِدٍ قَاعِدَاً يَبْكِي، أَوْ أَجِدُهُ في المَقْبَرَةِ يَنُوحُ عَلَى نَفْسِه» 0 وَمِنْ كَلِمَاتِ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ قَوْلُه: «إِذَا اشْتَغَلْتَ بِنَفْسِكَ ذَهِلْتَ عَنِ النَّاس» 0

ـ قَالُواْ عَنْ بَعْضِ كَرَامَات: قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيّ: «لَمَّا مَاتَ رَحمَهُ اللهُ غَلَّقَ أَهْلُ الْكُوفَةِ أَبْوَابَهُمْ وَخَرَجُواْ بجِنَازتِه، فَلَمَّا أَخْرَجُوهُ رَحمَهُ اللهُ إِلىَ الجِبَالِ وَبَرَزُواْ بِسَرِيرِهِ؛ وَكَانَ أَوْصَى أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ أَبُو حَيَّانَ التَّيْمِيّ؛ تَقدَّمَ أَبُو حَيَّانَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعَاً، وَسَمِعُواْ صَائِحَاً يَصِيح: «قَدْ جَاءَ المُحْسِن، قَدْ جَاءَ المُحْسِنُ عَمْرُو بْنُ قَيْس» وَإِذَا البَرِّيَّةُ مَمْلُوءَةٌ مِنْ طَيرٍ أَبْيَضَ لَمْ يُرَ عَلَى خِلْقَتِهَا وَحُسْنِهَا؛ فَعَجِبَ النَّاس؛ فَقَالَ أَبُو حَيَّانَ التَّيْمِيّ: مِن أَيِّ شَيْءٍ تَعْجَبُون 00؟ هَذِهِ مَلاَئِكَةٌ جَاءَتْ فَشَهِدَتْ عَمْرَاً» 0

{إِنَّ الَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِالجَنَّةِ الَّتي كُنْتُمْ تُوعَدُون} {فُصِّلَت/30} وَقَالَ أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَر: «فَرَأَوُاْ الصَّحْرَاءَ مَمْلُوءةً مِنَ الرِّجَال، عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ بِيض، فَلَمَّا صُلِّيَ عَلَيْهِ فُقِدُواْ؛ فَكَتَبَ صَاحِبُ الْبَرِيدِ بِذَلِكَ إِلىَ الأَمِيرِ عِيسَى بْنِ مُوسَى؛ فَقَالَ لاِبْنِ شُبْرُمَة: كَيْفَ لَمْ تَكُونُواْ تَذْكُرُونَ لي هَذَا 00؟ قَال: كَانَ يَقُولُ لاَ تَذْكُرُوني عِنْدَه» 0

عبد الله بن عون

عَبْدُ اللهِ بْنُ عَوْن هُوَ الإِمَامُ الحَافِظُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَوْنِ بْنِ أَرْطَبَانَ المُزَنِيّ 0 وُلِدَ سَنَةَ 66 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 151 هـ 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: حَدَّثَ عَنِ الشَّعْبيّ، وَالحَسَن، وَمحَمَّدِ ابْنِ سِيرِين، وَالقَاسِمِ بْنِ محَمَّد، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، وَمُجَاهِد، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْر، وَمَكْحُول، وَرَجَاءِ بْنِ حَيْوَة، وَعَنْ نَافِع، وَعَن خَلْقٍ غَيرِهِمْ كَثِير

0 ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: رَوَى عَنْهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيّ، وَشُعْبَة، وَابْنُ المُبَارَك، وَالنَّضْرُ بْنُ شُمَيْل، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّة، وَيَزِيدُ بْنُ هَارُون، وَإِسْحَاقُ الأَزْرَق، وَمحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيّ، وَالأَصْمَعِيّ، وَآخَرُون 0 ـ ثَنَاءُ الأَئِمَّهِ عَلَيْه؛ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيّ: «كَانَ ابْنُ عَوْنٍ عدِيمَ النَّظِيرِ في وَقْتِهِ زُهْدَاً وَصَلاَحَاً» 0 وَقَالَ عَنهُ أَبُو الأَحْوَص: «كَانَ يُقَالُ لاِبْنِ عَوْن: سَيِّدُ القُرَّاءِ في زَمَانِه» 0

وَسُئِلَ يحْيى بْنُ مَعِينٍ عَنهُ فَقَال: «هُوَ في كُلِّ شَيْءٍ ثِقَة» 0 وَقَالَ عَنهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيّ: «مَا كَانَ بِالْعِرَاقِ أَحَدٌ أَعْلَمَ بِالسُّنَّةِ مِنِ ابْنِ عَوْن» قَالَ مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيم: «سُئِلَ شُعْبَةُ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَوْنٍ فَقَال: سَمْنٌ وَعَسَل» 0 وَقَالَ عَنهُ شُعْبَة: «شَكُّ ابْنِ عَوْن؛ أَحَبُّ إِليَّ مِنْ يَقِينِ غَيْرِه» 0 وَقَالَ عَنهُ شُعْبَةُ أَيْضَاً:

«مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً مِن أَصْحَابِ الحَدِيثِ إِلاََّ وَهُوَ يُدَلِّس؛ إِلاََّ ابْنَ عَوْن، وَعَمْرَو بْنَ مُرَّة» 0 وَقَالَ عَنهُ شُعْبَةُ أَيْضَاً: «مَا رَأَيْتُ قَطُّ مِثْلَ أَيُّوبَ، وَيُونُسَ، وَابْنِ عَوْن» 0 وَكَذَا أَبُو عَوَانَةَ قَالَ عَنهُ: «رَأَيْتُ الكُوفَةَ وَرَأَيْتُ النَّاس؛ مَا رَأَيْتُ مِثْلَ أَيُّوبَ وَيُونُسَ وَابْنِ عَوْن» 0 وَكَذَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ عَنهُ: «فُقَهَاؤُنَا: أَيُّوبُ وَيُونُسُ وَابْنُ عَوْن» 0

وَكَذَا الإِمَامُ الذَّهَبيُّ أَيْضَاً قَالَ عَنهُ: «هَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةُ أَنْجُمُ البَصْرَةِ في الحِفْظِ وَفي الفِقْهِ وَفي الْعِبَادَةِ وَالفَضْل، وَرَابِعُهُمْ: سُلَيْمَانُ التَّيْمِيّ» 0 وَقَالَ عَنهُ الأَوْزَاعِيّ: «إِذَا مَاتَ ابْنُ عَوْنٍ وَالثَّوْرِيّ: اسْتَوَى النَّاس» 0 وَقَالَ عَنهُمَا الأَوْزَاعِيُّ أَيْضَاً: «لَوْ خُيِّرْتُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ مَنْ يَنْظُرُ لَهَا؛ مَا اخْتَرْتُ إِلاََّ سُفْيَانَ وَابْنَ عَوْن» 0 وَقَالَ عَنهُ هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ وَعُثْمَانُ البَتِّيّ: «لَمْ تَرَ عَيْنَايَ مِثْلَه» 0

قَالَ هَذَا وَقَدْ رَأَى الحَسَنَ البَصْرِيَّ عَلَى زُهْدِهِ وَفِقْهِهِ 0 وَقَالَ ابْنُ المُبَارَك: «مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً أَفْضَلَ مِنِ ابْنِ عَوْن» 0 وَقَالَ عَنهُ ابْنُ المُبَارَكِ أَيْضَاً: «مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً مِمَّنْ ذُكِرَ لي؛ إِلاََّ كَانَ إِذْ رَأَيْتُهُ دُونَ مَا ذُكِرَ لي؛ إِلاََّ ابْنَ عَوْن، وَحَيْوَةَ بْنَ شُرِيح» 0 ـ قَالُواْ عَنْ صَلاَحِهِ وَتَقْوَاه، وَحُسْنِ عِبَادَتِهِ لله: عَن خَارِجَةَ بْنِ مُصْعَبٍ قَال:

«صَحِبْتُ ابْنَ عَوْنٍ أَرْبَعَاً وَعِشْرِينَ سَنَة؛ فَمَا أَعْلَمُ أَنَّ المَلاَئِكَةَ كَتَبَتْ عَلَيْهِ خَطِيئَة» 0 أَيْ لَمْ يَرَهُ عَلَى مَعْصِيَةٍ قَطّ، وَلاَ سَمِعَهُ اغْتَابَ إِنْسَانَاً 0 وَكَذَا خَارِجَةُ بْنُ مُصْعَبٍ قَالَ عَنهُ: «جَالَسْتُ ابْنَ عَوْنٍ عِشْرِينَ سَنَة؛ فَلَمْ أَظُنَّ أَنَّ المَلَكَيْنِ كَتَبَا عَلَيْهِ سُوءَاً» 0 وَقَالَ بَكَّارُ بْنُ محَمَّد: «صَحِبتُهُ دَهْرَاً؛ فَمَا سَمِعْتُهُ حَالِفَاً عَلَى يمِينٍ بَرَّةٍ وَلاَ فَاجِرَة، كَانَ طَيِّبَ الرِّيح، لَيِّنَ الكُسْوَة، وَكَانَ يَتَمَنىَّ أَنْ يَرَى

النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النَّوْم؛ فَلَمْ يَرَهُ إِلاََّ قَبْلَ مَوْتِهِ بِيَسِير؛ فَسُرَّ بِذَلِكَ سُرُورَاً شَدِيدَاً» 0 خَاضَ النَّاسُ في شَأْنِ بِلاَلِ بْن أَبي بُرْدَةَ وَظُلْمِهِ، إِلاَّ أَنَّ ابْنَ عَوْنٍ كَانَ يَأْبى أَنْ يَخُوضَ مَعَ الخَائِضِين؛ فَقِيلَ لَهُ لَقَدْ فَعَلَ بِكَ وَفَعَل؛ فَقَال: «إِنَّ الرَّجُلَ يَكُونَ مَظْلُومَاً؛ فَلاَ يَزَالُ يَقُولُ حَتىَّ يَكُونَ ظَالِمَاً، مَا أَظُنُّ أَحَدَاً مِنْكُمْ أَشدَّ عَلَى بِلاَلٍ مِنيِّ؛ وَكَانَ قَدْ ضَرَبَهُ بِالسِّيَاطِ ظُلْمَاً» 0

قَالَ قُرَّةُ بْنُ خَالِد: «كُنَّا نَعْجَبُ مِنْ وَرعِ محَمَّدِ بْنِ سِيرِين؛ فَأَنْسَانَاهُ ابْنُ عَوْن» 0 وَقَالَ عَنهُ بَكَّارُ بْنُ محَمَّد: «كَانَ ابْنُ عَوْنٍ يَصُومُ يَوْمَاً وَيُفْطِرُ يَوْمَاً» 0 سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عَوْنٍ الحَافِظَ فَقَال: أَرَى قَوْمَاً يَتَكَلَّمُونَ في القَدَر؛ أَفَأَسْمَعُ مِنهُمْ 00؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَوْن: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ في آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُم حَتىَّ يَخُوضُواْ في حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِين} {الأَنعَام}

ـ قَالُواْ عَنْ شَجَاعَتِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: وَقَالَ مُفَضَّلُ بْنُ لاَحِق: «كُنَّا بِأَرْضِ الرُّوم؛ فَخَرَجَ رُومِيٌّ يَدْعُو إِلىَ المُبَارَزَة؛ فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَتَلَه، ثُمَّ دَخَلَ في النَّاس، فَجَعَلْتُ أَلُوذُ بِهِ لأَعْرِفَهُ وَعَلَيْهِ المِغْفَر؛ فَوَضَعَ المِغْفَرَ يَمْسَحُ وَجْهَهُ فَإِذَا ابْنُ عَوْن» 0 ـ قَالُواْ عَنْ بَعْضِ كَرَامَات: وَقَالَ محَمَّدُ بْنُ فَضَاء: «رَأَيْتُ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المَنَامِ فَقَال: «زُورُواْ ابْنَ عَوْن؛ فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَه، أَوْ: فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّه وَرَسُولَه»

محمد بن المنكدر

محَمَّدُ بْنُ المُنْكَدِر هُوَ محَمَّدُ بْنُ المُنْكَدِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْقُرَشِيُّ التَّيْمِيّ 0 وُلِدَ سَنَةَ بِضْعٍ وَثَلاَثِينَ هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 131 هـ 0 قَالَ الْوَاقِدِيُّ وَابْنُ المَدِينِيّ [شَيْخُ الإِمَامِ البُخَارِيّ] وَخَلِيفَةُ وَجَمَاعَة: مَاتَ ابْنُ المُنْكَدِرِ سَنَةَ ثَلاَثِينَ وَمِاْئَة، وَقَالَ الْفَسَوِيّ: سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِينَ وَمائَة 0 حَدَّثَ عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ سَلْمَانَ وَأَبي رَافِعٍ وَأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ وَأَبي قَتَادَةَ مُرْسِلاً 0

ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: رَوَى عَن عَائِشَةَ وَأَبي هُرَيْرَة، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ، وَأُمَيْمَةَ بِنْتِ رُقَيْقَة، وَأَنَسِ بْنِ مَالِك، وَأَبي أُمَامَةَ بْنِ سَهْل، وَسَعِيدِ بْنِ المُسَيَّب، وَعُرْوَة، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْر، وَأَبِيهِ المُنْكَدِر، وَخَلْقٍ سِوَاهُمْ كَثِير 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: وَرَوَى عَنهُ عَمْرُو بْنُ دِينَار، وَهِشَامُ بْنُ عُرْوَة، وَأَبُو حَازِمٍ الأَعْرَج، وَمحَمَّدُ بْنُ وَاسِع، وَالزُّهْرِيّ، وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَر، وَابْنُ جُرَيْج، وَمَعْمَر، وَمَالِك، وَجَعْفَرٌ الصَّادِق، وَشُعْبَة، وَالسُّفْيَانَان [الثَّوْرِيُّ وَابْنُ عُيَيْنَة] وَالأَوْزَاعِيّ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ المَاجِشُون، وَأَبُو حَنِيفَة، وَأَبُو عَوَانَة، وَيُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ المَاجِشُون، وَيُوسُفُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّبِيعِيّ، وَخَلْقٌ كَثِير 0

ـ قَالُواْ عَنْ صَلاَحِهِ وَتَقْوَاه، وَعِبَادَتِهِ لله: قَالَ يحْيىَ بْنُ بُكَيْر: «محَمَّدٌ، وَأَبُو بَكْر، وَعُمَر: لاَ يُدْرَى أَيُّهُمْ أَفْضَل»؟ محَمَّدٌ هَذَا: هُوَ محَمَّدُ بْنُ المُنْكَدِرِ رَحمَهُ الله، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ أَخَوَاه 0 حَدَّثَ سَهْلُ بْنُ محْمُودٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ قَال: «تَعَبَّدَ ابْنُ المُنْكَدِرِ رَحِمَهُ اللهُ وَهُوَ غُلاَم، وَكَانُواْ أَهْلَ بَيْتِ عِبَادَة» 0 حَدَّثَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْه؛ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَالَ عَنْ محَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِر: «كَانَ مِنْ مَعَادِنِ الصِّدْق، وَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ الصَّالِحُون، وَلَمْ يُدْرِكْ أَحَدَاً أَجْدَرَ أَنْ يَقْبَلَ النَّاسُ مِنهُ إِذَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنه» 0

كَانَ محَمَّدُ بْنُ المُنْكَدِرِ رَحِمَهُ اللهُ إِذَا بَكَى؛ مَسَحَ وَجْهَهُ وَلِحْيَتَهُ مِنْ دُمُوعِهِ رَحِمَهُ اللهُ وَقَال: بَلَغَني أَنَّ النَّارَ لاَ تَأْكُلُ مَوْضِعَاً مَسَّتْه الدُّمُوع» 0 حَدَّثَ الفَسَوِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ بِشْرٍ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ قَال: «خَرَجَ نَاسٌ غُزَاةً في الصَّائِفَة، فِيهِمْ محَمَّدُ بْنُ المُنْكَدِر؛ فَبَيْنَا هُمْ يَسِيرُونَ في السَّاقَةِ قَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: أَشْتَهِي جُبْنَاً رَطْبَاً؛ قَالَ محَمَّدُ بْنُ المُنْكَدِرِ رَحِمَهُ الله: فَاسْتَطْعِمْهُ الله؛ فَإِنَّهُ قَادِر؛ فَدَعَا الْقَوْم؛ فَلَمْ يَسِيرُواْ إِلاََّ شَيْئَاً حَتىَّ وَجدُواْ مِكْتَلاً؛ فَإِذَا هُوَ جُبنٌ رَطْب؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ كَانَ لِهَذَا عَسَل 00 فَقَالَ محَمَّدُ بْنُ المُنْكَدِرِ رَحِمَهُ الله: الَّذِي أَطْعَمَكُمُوهُ قَادِرٌ عَلَى ذَلِك؛ فَدَعَوْاْ؛

فَسَارُواْ قَلِيلاً، فَوَجَدُواْ فَاقِرَةَ عَسَل [أَيْ جَرَّةَ عَسَل] عَلَى الطَّرِيق؛ فَنَزَلُواْ فَأَكَلُواْ الجُبنَ وَالعَسَل» ـ ثَنَاءُ الأَئِمَّهِ عَلَيْه: وَقَالَ عَنهُ الإِمَامُ مَالِك: «كَانَ ابْنُ المُنْكَدِرِ رَحِمَهُ اللهُ سَيِّدَ الْقُرَّاء» 0

ـ قَالُواْ عَنْ مَنَاقِبِهِ: وَقَالَ محَمَّدُ بْنُ المُنْكَدِرِ رَحِمَهُ الله: «كَابَدْتُ نَفْسِي أَرْبَعِينَ سَنَة؛ حَتىَّ اسْتَقَامَتْ» 0 قَالَ ابْنُ المَاجِشُون: «إِنَّ رُؤْيَةَ محَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ لَتَنْفَعُني في دِيني» 0

ـ قَالُواْ عَنْ جُودِهِ وَسَخَائِهِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَه: قَالَ أَبُو مَعْشَر: «كَانَ سَيِّدَاً يُطْعِمُ الطَّعَام، وَيَجْتَمِعُ عِنْدَه الْقُرَّاء» 0 حَدَّثَ أَبُو مُعَاوِيَةَ عَن عُثْمَانَ بْنِ وَاقِدٍ رَحِمَهُ اللهُ قَال: «قِيلَ لاِبْنِ المُنْكَدِر: أَيُّ الدُّنْيَا أَحَبُّ إِلَيْك 00؟ قَالَ رَحِمَهُ الله: الإِفْضَالُ عَلَى الإِخْوَان» 0

قَالَ أَبُو مَعْشَرٍ السِّنْدِيّ: «بَعَثَ محَمَّدُ بْنُ المُنْكَدِرِ رَحِمَهُ اللهُ إِلىَ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ بِأَرْبَعِينَ دِينَارَاً، ثُمَّ قَالَ لِبَنِيه: يَا بَنِيّ؛ مَا ظَنُّكُمْ بِمَنْ فَرَّغَ صَفْوَانَ بْنَ سُلَيْمٍ لِعِبَادَةِ رَبِّه» 0 وَيُرْوَى أَنَّهُ حَجَّ رَحِمَهُ الله؛ فَوَهَبَ كُلَّ مَا مَعَهُ، حَتىَّ بَقِيَ في إِزَار؛ فَلَمَّا نَزَلَ بِالرَّوْحَاء؛ قَالَ وَكِيلُه: مَا بَقِيَ مَعَنَا دِرْهَم؛ فَرَفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّلبِيَة؛ فَلَبَّى أَصْحَابُهُ وَلَبَّى النَّاس 00 وَبِالمَاءِ محَمَّدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ المَلِك؛ فَقَال: إِنيِّ أَظُنُّ محَمَّدَ بْنَ المُنْكَدِرِ بِالمَاء؛ فَنَظَرُواْ فَقَالُواْ: نَعَمْ؛ قَالَ هِشَام: مَا أَظُنُّ مَعَهُ شَيْئَاً؛ احْمِلُواْ إِلَيْهِ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ؛ فَأَتَوْهُ بِهَا» 0

حَدَّثَ أَبُو الْعَبَّاسِ الهَرَوِيُّ عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الأَعْلَى عَنِ ابْنِ وَهْبٍ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ قَال: «قَالَ محَمَّدُ بْنُ المُنْكَدِرِ رَحِمَهُ الله: إِنيِّ لَلَيْلَةً مُوَاجِهٌ هَذَا المِنْبَرَ في جَوْفِ اللَّيْلِ أَدْعُو؛ إِذَا إِنْسَانٌ عِنْدَ أُسْطُوَانَةٍ مُقَنِّعٌ رَأْسَهُ؛ فَأَسْمَعُهُ يَقُول: أَيْ رَبّ؛ إِنَّ الْقَحْطَ قَدِ اشْتَدَّ عَلَى عِبَادِك؛ وَإِنيِّ مُقسِمٌ عَلَيْكَ يَا رَبِّ إِلاََّ سَقَيْتَهُمْ؛ فَمَا كَانَ إِلاََّ سَاعَة؛ إِذَا سَحَابَةٌ قَدْ أَقْبَلَتْ، ثُمَّ أَرْسَلَهَا الله، وَكَانَ عَزِيزَاً عَلَى ابْنِ المُنْكَدِرِ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ أَحَدٌ مِن أَهْلِ الخَيْرِ فَقَال: هَذَا بِالمَدِينَةِ وَلاَ أَعْرِفُه!!

فَلَمَّا سَلَّمَ الإِمَامُ تَقَنَّعَ وَانْصَرَف، وَمحَمَّدُ بْنُ المُنْكَدِرِ وَرَاءَه؛ حَتىَّ أَتىَ دَارَ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، فَدَخَلَ مَوْضِعَاً، فَفَتَحَ وَدَخَل، قَالَ محَمَّدُ بْنُ المُنْكَدِرِ رَحِمَهُ الله: وَرَجَعْت؛ فَلَمَّا سَبَّحْتُ أَتَيْتُهُ، فَقُلْت: أَأَدْخُل 00؟ قَالَ ادْخُلْ؛ فَإِذَا هُوَ يُنَجِّرُ أَقْدَاحَاً؛ فَقُلْتُ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ أَصْلَحَكَ الله 00؟ قَالَ رَحِمَهُ الله: فَاسْتَشْهَرَهَا وَأَعْظَمَهَا مِنيِّ؛ فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ قُلْتُ: إِنيِّ سَمِعْتُ إِقْسَامَكَ الْبَارِحَةَ عَلَى الله، يَا أَخِي 00 هَلْ لَكَ في نَفَقَةٍ تُغْنِيكَ عَن هَذَا وَتُفَرِّغُكَ لِمَا تُرِيدُ مِنَ الآخِرَة؟

قَالَ رَحِمَهُ الله: لاَ، وَلَكِن غَيْرَ ذَلِك: لاَ تَذْكُرْني لأَحَد، وَلاَ تَذْكُرْ هَذَا لأَحَدٍ حَتىَّ أَمُوت، وَلاَ تَأْتِني يَا ابْنَ المُنْكَدِر؛ فَإِنَّكَ إِنْ تَأْتِني شَهَرْتَني لِلنَّاس؛ فَقُلْتُ: إِنيِّ أُحِبُّ أَن أَلْقَاك؛ قَال: الْقَني في المَسْجِد، وَكَانَ فَارِسِيَّاً، فَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ المُنْكَدِرِ لأَحَدٍ حَتىَّ مَاتَ الرَّجُل 00 قَالَ ابْنُ وَهْب: بَلَغَني أَنَّهُ انْتقَلَ مِنْ تِلْكَ الدَّارِ فَلَمْ يُرَ، وَلَمْ يُدْرَ أَيْنَ ذَهَب؛ فَقَالَ أَهْلُ تِلْكَ الدَّار: اللهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ابْنِ المُنْكَدِر؛ أَخْرَجَ عَنَّا الرَّجُلَ الصَّالِح» 0

ـ قَالُواْ عَنْ بَعْضِ كَرَامَاتهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: رَوَى ابْنُ أَبي الدُّنْيَا عَنْ سُوَيْدِ بْنِ سَعِيدٍ عَن خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ اليَمَامِيِّ قَال: «اسْتُودِعَ محَمَّدُ بْنُ المُنْكَدِرِ وَدِيعَةً؛ فَاحْتَاجَ فَأَنْفَقَهَا؛ فَجَاءَ صَاحِبُهَا فَطَلَبَهَا؛ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى وَدَعَا فَقَال: يَا سَادَّ السِّمَاءَ بِالهوَاء، وَيَا كَابِسَ الأَرْضِ عَلَى المَاء، وَيَا وَاحِدُ قَبْلَ كُلِّ أَحَدٍ وَبَعْدَ كُلِّ أَحَد؛ أَدِّ عَنيِّ أَمَانَتي؛ فَسَمِعَ قَائِلاً يَقُول: خُذْ هَذِهِ فَأَدِّ بِهَا عَن أَمَانَتِك وَاقْصِرْ في الخُطبَة؛ فَإِنَّكَ لَنْ تَرَاني؛ قِيل: كَانَتْ مِاْئَةَ دِينَار؛ فَإِذَا بِصُرَّةٍ في نَعْلِهِ؛ فَأَدَّاهَا إِلىَ صَاحِبِهَا 00 قَالَ الْوَاقِدِيّ: فَأَصْحَابُنَا يَتَحَدَّثُونَ أَنَّ الَّذِي وَضَعهَا عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْر؛ كَانَ كَثِيرَاً مَا يَفْعَلُ مِثْلَ هَذَا» 0

ـ مِن أَقْوَالِهِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَه: حَدَّثَ أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ عَنْ محَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ عَنْ محَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «نِعْمَ الْعَوْنُ عَلَى تَقْوَى اللهِ الْغِنىَ» 0 حَدَّثَ أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ عَنْ محَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ عَنْ محَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «إِنَّ اللهَ جَلَّ جَلاَلهُ يحْفَظُ الْعَبْدَ المُؤْمِنَ في وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِه، وَيحْفَظُهُ في دُوَيْرَتِهِ، وَدُوَيْرَاتٍ حَوْلَهُ؛ فَمَا يَزَالُونَ في حِفْظٍ أَوْ في عَافِيَةٍ مَا كَانَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ» 0

ـ خَوْفُهُ مِنَ الله؛ حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاة: حَدَّثَ عَفِيفُ بْنُ سَالِمٍ عَن عِكْرِمَةَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ محَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ أَنَّهُ جَزِعَ عِنْدَ المَوْت؛ فَقِيلَ لَهُ: لِمَ تَجْزَع 00؟! قَالَ رَحِمَهُ الله: أَخْشَى آيَةً مِنْ كِتَابِ الله: ? وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللهِ مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُون ? {الزُّمَر/47} فَأَنَا أَخْشَى أَنْ يَبْدُوَ لي مِنَ اللهِ مَا لَمْ أَكُن أَحْتَسِب» 0

حيوة بن شريح

حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْح هُوَ الإِمَامُ الفَقِيهُ حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحِ بْنِ صَفْوَانَ أَبُو زُرْعَةَ التُّجِيبيُّ المِصْرِيّ، شَيْخُ الدِّيَارِ المِصْرِيَّة 0 تُوُفِّيَ سَنَةَ 158 هـ 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: حَدَّثَ عَنْ رَبِيعَةَ القَصِير، وَعُقْبَةَ بْنِ مُسْلِم، وَأَبي يُونُسَ سُلَيْمِ بْنِ جُبَيْر، وَيَزِيدَ بْنِ أَبي حَبيب 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ ابْنُ المُبَارَك، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْب، وَالمُقْرِئ، وَأَبُو عَاصِمٍ النَّبِيل، وَآخَرُون 0 ـ قَالُواْ عَن إِخْلاَصِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ عَنهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْب: «مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً أَشَدَّ اسْتِخفَاءً بِعَمَلِهِ مِن حَيْوَة، وَكَانَ يُعْرَفُ بِالإِجَابَة» 00 أَيْ في الدُّعَاء 0 ـ ثَنَاءُ عَبْدِ اللهِ بْنِ المُبَارَكِ رَحْمَهُ اللهُ عَلَيْه: وَقَالَ عَنهُ ابْنُ المُبَارَك: «وُصِفَ لي حَيْوَة؛ فَكَانَتْ رُؤْيتُهُ أَكْثَرَ مِنْ صِفَتِه»

وَقَالَ عَنهُ ابْنُ المُبَارَكِ أَيْضَاً: «مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً مِمَّنْ ذُكِرَ لي؛ إِلاََّ كَانَ إِذْ رَأَيْتُهُ دُونَ مَا ذُكِرَ لي؛ إِلاََّ ابْنَ عَوْن، وَحَيْوَةَ بْنَ شُرِيح» 0 ـ قَالُواْ عَنْ يَقِينِهِ في اللهِ جَلَّ وَعَلاَ: وَقَالَ عَنهُ ابْنُ وَهْبٍ أَيْضَاً: «كَانَ حَيْوَةُ رَحِمَهُ اللهُ يَأْخُذُ عَطَاءَهُ في السَّنَةِ سِتِّينَ دِينَارَاً، فَلَمْ يَطْلَعْ إِلىَ مَنْزِلِهِ حَتىَّ يَتَصَدَّقَ بهَا، ثمَّ يجِيءُ إِلىَ مَنْزِلِهِ فَيَجِدَهَا تحْتَ فِرَاشِه؛ وَبَلغَ ذَلِكَ ابْنَ عَمِّهِ؛ فَأَخَذَ عَطَاءهُ، فَتَصَدَّقَ بِهِ

كُلِّه، وَجَاءَ إِلىَ تحْتِ فِرَاشِهِ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئَاً؛ فَشَكَا إِلىَ حَيْوَةَ، فَقَال: أَنَا أَعْطَيْتُ رَبيِّ بِيَقِين، وَأَنْتَ أَعْطَيْتَهُ تَجْرِبَة، وَكُنَّا نَجلِسُ إِلىَ حَيْوَةَ في الفِقْهِ فَيَقُول: أَبْدَلَني اللهُ بِكُمْ عَمُودَاً أَقُومُ وَرَاءهُ أُصَلِّي، ثُمَّ فَعَلَ ذَلِك» 0 ـ بَعْضُ كَرَامَاتِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ خَالِدٌ الفَزْر: «كَانَ حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ مِنَ البَكَّائِين، وَكَانَ ضَيِّقَ الحَالِ جِدَّاً ـ أَيْ كَانَ فَقِيرَاً مِسْكِينَاً ـ فَجَلَسْتُ وَهُوَ مُتَخَلٍّ يَدْعُو فَقُلْتُ: لَوْ دَعَوتَ اللهَ أَنْ يُوسِّعَ عَلَيْك 00؟!

فَالْتَفَتَ يَمِينَاً وَشِمَالاً، فَلَمْ يَرَ أَحَدَاً، فَأَخَذَ حَصَاةً، فَرَمَى بِهَا إِلَيّ؛ فَإِذَا هِيَ تِبرَةٌ في كَفِّي ـ أَيْ قِطْعَةٌ مِنْ ذَهَب ـ وَاللهِ مَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ مِنهَا، ثمَّ قَالَ رَحِمَهُ الله: هُوَ أَعْلَمُ بِمَا يُصْلِحُ عِبَادَه؛ فَقُلْتُ: مَا أَصْنَعُ بِهَذِهِ 00؟ قَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: اسْتَنْفِقْهَا» 00 أَيْ أَنْفِقْهَا عَلَى نَفْسِك 0

عبد الله بن المبارك

عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَك هُوَ الإِمَامُ الزَّاهِدُ المجَاهِدُ الحَافِظُ عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ بْنِ وَاضِحٍ الحَنْظَلِيّ 0 كُنيَتُهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَن، تُرْكِيُّ الأَصْل، وَكَانَتْ أُمُّهُ خُوَارِزْميَّة 0 وُلِدَ سَنَةَ 118 هـ، وَتُوُفِّيَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ في رَمَضَانَ سَنَةَ 181 هـ 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: سَمِعَ مِنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيّ، وَعَاصِمٍ الأَحْوَل، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيل، وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَة، وَالأَعْمَش، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبي خَالِد، وَبُرِيدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبي بُردَة، وَخَالِدٍ الحَذَّاء، وَيحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيّ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عَوْن،

وَمُوسَى بْنِ عُقْبَة، وَحَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ المِصْرِيّ، وَالأَوْزَاعِيّ، وَأَبي حَنِيفَة، وَمَالِك، وَاللَّيْث، وَشُعْبَة، وَابْنِ أَبي ذِئْب، وَالسُّفْيَانَين، وَالحَمَّادَيْن، وَمَعْمَر، وَابْنِ جُرَيْج، وَابْنِ لَهِيعَة، وَهُشَيْم، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاش، وَبَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيد، وَخَلْقٍ كَثِير 0 ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ مَعْمَر، وَالثَّوْرِيّ، وَبَقِيَّةُ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ، وَالقَطَّانُ، وَعَفَّانُ، وَيحْيىَ بْنُ مَعِينٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، وَأَبُو أُسَامَةَ، وَأَبُو سَلَمَةَ المِنْقَرِيّ، وَعَبْدَانُ، وَأُمَمٌ يَتَعَذَّرُ إِحصَاؤُهُمْ 0

ـ رِحْلَتُهُ في طَلَبِ الْعِلْمِ: طَلَبَ الْعِلْمَ وَهُوَ ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً، وَبَلَغَ بِهِ الحِرْصُ عَلَيْهِ حَدَّ أَنْ دَخَلَ السِّجنَ لِيَسْمَعَ مِنَ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ الخُرَاسَانيّ، فَسمِعَ مِنهُ أَرْبَعِينَ حَدِيثَاً، أَكْثَرَ مِنَ التَّطْوَافِ وَالتَّرْحَال؛ في طَلَبِ الْعِلْمِ وَالْغَزْوِ وَالتِّجَارَةِ، ارْتَحَلَ إِلى الحَرَمَيْنِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ وَالعِرَاقِ وَالجَزِيرَةِ وَخُرَاسَانَ 0 قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل: «لَمْ يَكُن أَحَدٌ في زَمَانِ ابْنِ المُبَارَكِ أَطْلَبَ لِلْعِلْمِ مِنهُ» 0 قَالَ عَنهُ أَبُو أُسَامَةَ رَحْمَهُ الله: «مَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَطْلَبَ لِلْعِلْمِ مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه، وَهُوَ في المُحَدِّثِينَ مِثْلُ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ في النَّاس» 0

حَدَّثَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الْبُنَانيُّ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «حَمَلْتُ الْعِلْمَ عَن أَرْبَعَةِ آلاَفِ شَيْخ، فَرَويْتُ عَن أَلْفِ شَيْخ» 0 رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ المُبَارَكِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: إِلىَ مَتىَ تَكْتُبُ الْعِلْم 00؟ قَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: لَعَلَّ الْكَلِمَةَ الَّتي أَنْتَفِعُ بِهَا لَمْ أَكْتُبْهَا بَعْد» 0 ـ قَالُواْ عَنْ كَثْرَةِ اطِّلاَعِهِ في الْكُتُب:

قَالَ شَقِيقٌ الْبَلْخِيّ: «قِيلَ لاِبْنِ المُبَارَك: إِذَا أَنْتَ صَلَّيْتَ لِمَ لاَ تَجْلِسُ مَعَنَا 00؟! قَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: أَجْلِسُ مَعَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِين؛ أَنْظُرُ في كُتُبِهِمْ وَآثَارِهِمْ، فَمَا أَصْنَعُ مَعَكُمْ 00؟ أَنْتُمْ تَغْتَابُونَ النَّاس» 0 قَالَ عَنهُ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّاد: «كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ يُكْثِرُ الجُلُوسَ في بَيْتِهِ؛ فَقِيلَ لَهُ: أَلاَ تَسْتَوحِشُ 00؟

فَقَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: كَيْفَ أَسْتَوحِشُ وَأَنَا مَعَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِه 00؟ عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال: «مَنهُومَانِ لاَ يَشْبَعَان: مَنْهُومٌ في عِلْمٍ لاَ يَشْبَع، وَمَنهُومٌ في دُنْيَا لاَ يَشْبَع» 0 [قَالَ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا وَلَمْ أَجِدْ لَهُ عِلَّة، وَصَحَّحَهُ الْعَلاَّمَةُ الأَلْبَانيُّ في الجَامِعِ الصَّحِيحِ وَمِشْكَاةِ المَصَابِيح]

حَدَّثَ الدَّغُولِيُّ عَنْ يحْيىَ بْنِ زَكَرِيَّا عَنْ محَمَّدِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ مُسَاوِرٍ عَن أَبِيهِ قَال: «قُلْتُ لاِبْنِ المُبَارَك: هَلْ تَتَحَفَّظُ الحَدِيث 00؟ فَقَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: مَا تحَفَّظْتُ حَدِيثَاً قَطّ، إِنَّمَا آخُذُ الْكِتَابَ فَأَنْظُرُ فِيه؛ فَمَا اشْتَهَيْتُهُ عَلِقَ بِقَلْبي» قَالَ أَبُو صَالِحٍ الْفَرَّاء: «سَأَلْتُ ابْنَ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ عَنْ كِتَابَةِ الْعِلْم 00؟ فَقَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: لَوْلاَ الْكِتَابُ مَا حَفِظْنَا، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

الحِبْرُ في الثَّوْب: خَلُوقُ الْعُلَمَاء» 00 أَيْ حِلْيَةُ ثِيَابِهِمْ وَبُقَعُهُ عِنْدَهُمْ: كَبُقَعِ المِسْكِ عِنْدَنَا 0 ـ قَالُواْ عَنْ تَوْثِيقِهِ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيس: «كُلُّ حَدِيثٍ لاَ يَعْرِفُهُ ابْنُ المُبَارَك؛ فَنَحْنُ مِنهُ بَرَاء» 0 قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيّ: «حَدِيثُهُ حُجَّةٌ بِالإِجْمَاع، وَهُوَ في المَسَانيْدِ وَالأُصُول» 0 وَقَالَ عَنهُ ابْنُ خِرَاشٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «ابْنُ المُبَارَكِ مَرْوَزِيٌّ ثِقَة» 0

قَالَ أَحْمَدُ الْعِجْلِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «ابْنُ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ ثِقَة، ثَبْتٌ في الحَدِيث» 0 قَالَ الإِمَامُ النَّسَائِيّ: «أَثْبَتُ النَّاسِ في الأَوْزَاعِيّ: عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه» 0 سُئِلَ إِبْرَاهِيمُ الحَرْبيّ: «إِذَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَعْمَر 00؟ قَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: الْقَوْلُ قَوْلُ ابْنِ المُبَارَك» 0 حَدَّثَ محْمُودُ بْنُ وَالاَن عَنْ محَمَّدِ بْنِ مُوسَى عَن إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسَى رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال:

«كُنْتُ عِنْدَ يحْيىَ بْنِ مَعِينٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه، فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَال: مَن أَثْبَتُ في مَعْمَر: ابْنُ المُبَارَك، أَوْ عَبْدُ الرَّزَّاق 00؟ وَكَانَ مُتَّكِئَاً فَجَلَس، وَقَال: كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ خَيْرَاً مِن عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَمِن أَهْلِ قَرْيَتِه رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمَا، كَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ: سَيِّدَاً مِنْ سَادَاتِ المُسْلِمِين» 0

حَدَّثَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الجُنَيْدِ عَنْ يحْيىَ بْنِ مَعِينٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ وَقَدْ ذَكَرُواْ عَبْدَ اللهِ بْنَ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه؛ فَقَالَ رَجُل: إِنَّهُ لَمْ يَكُن حَافِظَاً؛ فَقَالَ يحْيىَ بْنُ مَعِينٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «كَانَ عَبْدُ اللهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ كَيِّسَاً، مُسْتَثْبِتَاً، ثِقَة، وَكَانَ عَالِمَاً، صَحِيحَ الحَدِيث، وَكَانَتْ كُتُبُهُ الَّتي يُحَدِّثُ بِهَا: عِشْرِينَ أَلْفَ حَدِيث، أَوْ وَاحِدَاً وَعِشْرِينَ أَلْفَاً» 0 ـ قَالُواْ عَن حِفْظِهِ:

حَدَّثَ الحَسَنُ بْنُ عِيسَى عَنْ صَخْرٍ [صَدِيقِ ابْنِ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ] قَال: «كُنَّا غِلْمَانَاً في الْكُتَّاب، فَمَرَرْتُ أَنَا وَابْنُ المُبَارَكِ رَحْمَهُ اللهُ وَرَجُلٌ يخْطُب، فَخَطَبَ خُطْبَةً طَوِيلَة، فَلَمَّا فَرَغَ، قَالَ لي ابْنُ المُبَارَك: قَدْ حَفِظْتُهَا؛ فَسَمِعَهُ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَقَال: هَاتِهَا؛ فَأَعَادَهَا وَقَدْ حَفِظَهَا» 0 حَدَّثَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال:

«قَالَ لي أَبي: لَئِنْ وَجَدْتُ كُتُبَكَ لأُحَرِقَنَّهَا؛ قُلْتُ: وَمَا عَلَيَّ مِنْ ذَلِكَ وَهِيَ في صَدْرِي» 0 ـ قَالُواْ عَنْ مَكَانَتِهِ في الحَدِيث: حَدَّثَ هَاشِمُ بْنُ مَرْثَدٍ عَن عُثْمَانَ بْنِ طَالُوتَ عَن عَلِيِّ بْنِ المَدِينيّ [شَيْخِ الْبُخَارِيّ] قَال: «انْتَهَى الْعِلْمُ [أَيْ عِلْمُ الحَدِيثِ] إِلىَ رَجُلَيْن: إِلىَ عَبْدِ اللهِ بْنِ المُبَارَك، ثُمَّ إِلىَ يحْيىَ بْنِ مَعِين» 0 حَدَّثَ أَحْمَدُ بْنُ يحْيىَ بْنِ الجَارُودِ عَن عَلِيِّ بْنِ المَدِينيّ [شَيْخِ الإِمَامِ الْبُخَارِيّ] قَال:

«عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ أَوْسَعُ عِلْمَاً مِن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيّ، وَيحْيىَ بْنِ آدَم» 0 حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَن أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ الدَّارِمِيِّ عَن أَبي إِسْحَاقَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَال: «سَأَلْتُ ابْنَ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ عَنِ الرَّجُلِ يُصَلِّي عَن أَبَوَيهِ فَقَال: مَنْ يَرْوِيه 00؟ قُلْتُ: شِهَابُ بْنُ خِرَاش؛ قَال: ثِقَةٌ، عَمَّن 00؟ قُلْتُ: عَنِ الحَجَّاجِ بْنِ دِينَار؛ قَال: ثِقَةٌ، عَمَّن 00؟ قُلْتُ: عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 0

قَال: بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَفَاوِزُ تَنْقَطِعُ فِيهَا أَعْنَاقُ الإِبِل» 0 قَالَ فَضَالَة: «كُنْتُ أُجَالِسُهُمْ بِالكُوفَة، فَإِذَا تَشَاجَرُواْ في حَدِيثٍ قَالُواْ: مُرُّواْ بِنَا إِلىَ هَذَا الطَّبِيبِ حَتىَّ نَسْأَلَهُ: يَعْنُونَ ابْنَ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه» 0 قَالَ المُسَيَّبُ بْنُ وَاضِحٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «رَأَيْتُ أَبَا إِسْحَاقَ الْفَزَارِيَّ [المحَدِّثَ الحَافِظَ] بَيْنَ يَدَيِ ابْنِ المُبَارَكِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ قَاعِدَاً يَسْأَلُه» 0

قَالَ عَلِيُّ بْنُ الحَسَنِ بْنِ شَقِيق: «قُمْتُ لأَخْرُجَ مَعَ ابْنِ المُبَارَكِ في لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ مِنَ المَسْجِد، فَذَاكَرَني عِنْد الْبَابِ بِحَدِيثٍ أَوْ ذَاكَرْتُه؛ فَمَا زِلْنَا نَتَذَاكَرُ حَتىَّ جَاءَ المُؤَذِّنُ لِلصُّبْح» 0 حَدَّثَ عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ الْفَرَائِضِيُّ عَن عَلِيِّ بْنِ صَدَقَةَ عَن أَبي أُسَامَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ عَنهُ: «ابْنُ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ في المُحَدِّثِين: مِثْلُ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ في النَّاس» 0 ـ قَالُواْ عَنْ سَعَةِ عِلْمِهِ:

حَدَّثَ عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ عَنْ يحْيىَ بْنِ آدَمَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَال: «كُنْتُ إِذَا طَلَبْتُ دَقِيقَ المَسَائِلِ فَلَمْ أَجِدْهُ في كُتُبِ ابْنِ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه؛ أَيِسْتُ مِنهُ» 0 قَالَ مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَان: «مَا رَأَيْتُ مِثْلَ ابْنِ المُبَارَكِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه؛ تُصِيبُ عِنْدَهُ الشَّيءَ الَّذِي لاَ تُصِيبُهُ عِنْدَ أَحَد» 0 ـ قَالُواْ عَنْ فِقْهِهِ:

حَدَّثَ أَبُو مَعْشَرٍ حَمْدَوَيْه بْنُ الخَطَّابِ عَنْ نَصْرِ بْنِ المُغِيرَةِ عَن إِبْرَاهِيمَ بْنِ شَمَّاسٍ قَال: «رَأَيْتُ أَفْقَهَ النَّاسِ ابْنَ المُبَارَك، وَأَوْرَعَ النَّاسِ الْفُضَيْل، وَأَحْفَظَ النَّاسِ وَكِيعَ بْنَ الجَرَّاح» 0 جَاءَ في «تَارِيخِ أَبي عُمَرَ الصَّدَفِيِّ» عَنْ محَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ عَنْ يحْيىَ بْنِ يحْيىَ اللَّيْثِيِّ قَال: «كُنَّا عِنْدَ مَالِكٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه، فَاسْتُؤْذِنَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ المُبَارَكِ بِالدُّخُول؛ فَأَذِنَ لَه؛ فَرَأَيْنَا مَالِكَاً تَزَحْزَحَ لَهُ في مَجْلِسِهِ ثُمَّ

أَقْعَدَهُ بِلَصْقِهِ، وَمَا رَأَيْتُ مَالِكَاً تَزَحْزَحَ لأَحَدٍ في مَجْلِسِهِ غَيْرِه 00 فَكَانَ الْقَارِئُ يَقْرَأُ عَلَى مَالِك، فَرُبَّمَا مَرَّ بِشَيْءٍ؛ فَيَسْأَلُهُ الإِمَامُ مَالِك: مَا مَذْهَبُكُمْ في هَذَا 00؟ أَوْ: مَا عِنْدَكُمْ في هَذَا 00؟ فَرَأَيْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يُجَاوِبُه، ثُمَّ قَامَ فَخَرَجَ، فَأُعْجِبَ مَالِكٌ بِأَدَبِهِ، ثُمَّ قَالَ لَنَا الإِمَامُ مَالِك: هَذَا ابْنُ المُبَارَكِ فَقِيهُ خُرَاسَان» 0 ـ عَقِيدَتُهُ وَمَذْهَبُه:

حَدَّثَ ابْنُ أَبي رِزْمَةَ عَن عَلِيِّ بْنِ الحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «إِنَّا لَنَحْكِي كَلاَمَ اليَهُودِ وَالنَّصَارِى، وَلاَ نَسْتَطِيعُ أَنْ نَحْكِيَ كَلاَمَ الجَهْمِيَّة» 0 حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ عَن أَبي يحْيىَ عَن عَلِيِّ بْنِ الحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ قَال: «قُلْتُ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: كَيْفَ يُعْرَفُ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلّ 00؟

قَالَ جَلَّ جَلاَله: في السَّمَاءِ عَلَى الْعَرْش؛ قُلْتُ لَهُ: إِنَّ الجَهْمِيَّةَ تَقُولُ هَذَا؛ قَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: لاَ نَقُولُ كَمَا قَالَتِ الجَهْمِيَّةُ «هُوَ مَعَنَا هَا هُنَا»» 0 قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيّ: «الجَهْمِيَّةُ يَقُولُون: إِنَّ الْبَارِي تَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ في كُلِّ مَكَان، وَالسَّلَفُ يَقُولُونَ: إِنَّ عِلْمَ الْبَارِي في كُلِّ مَكَان، وَيَحْتَجُّونَ بِقَوْلِهِ جَلَّ وَعَلاَ: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُمْ ({الحَدِيد/4} يَعْني: بِالعِلْم» 0

حَدَّثَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ في كِتَابِ «الرَّدِّ عَلَى الجَهْمِيَّةِ» عَن أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيِّ عَن عَلِيِّ بْنِ الحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ قَال: «سَأَلْتُ ابْنَ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: كَيْفَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَعْرِفَ رَبَّنَا 00؟ قَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: عَلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ عَلَى عَرْشِه، وَلاَ نَقُولُ كَمَا تَقُولُ الجَهْمِيَّة: إِنَّهُ هَا هُنَا في الأَرْض» 0

وَرَوَى عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ في هَذَا الْكِتَابِ بِإِسْنَادِهِ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّ رَجُلاً قَالَ لَه: «يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَن؛ قَدْ خِفْتُ اللهَ تَعَالىَ مِنْ كَثْرَةِ مَا أَدْعُو عَلَى الجَهْمِيَّة؟ قَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: لاَ تَخَفْ، فَإِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ إِلَهَكَ الَّذِي في السَّمَاءِ لَيْسَ بِشَيْء» 0 ـ ثَنَاءُ الأَئِمَّهِ عَلَيْه، وَانْبِهَارُهُمْ بِعَبْقَرِيَّتِهِ النَّادِرَة:

حَدَّثَ أَبُو حَاتمٍ الرَّازِي عَنِ ابْنِ الطَّبَّاعِ عَن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «الأَئِمَّةُ أَرْبَعَة: سُفْيَانُ الثَّوْرِي، وَمَالِك، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْد، وَابْنُ المُبَارَك» 0 حَدَّثَ المُسَيَّبُ بْنُ وَاضِحٍ عَن أَبي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «ابْنُ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: إِمَامُ المُسْلِمِينَ أَجْمَعِين» 0 قَالَ عُبَيْدُ بْنُ جَنَّاد: «قَالَ لي عَطَاءُ بْنُ مُسْلِم: رَأَيْتَ ابْنَ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه 00؟

قُلْتُ: نَعَمْ؛ قَال: مَا رَأَيْتَ وَلاَ تَرَى مِثْلَه» 0 قَالَ أَسْوَدُ بْنُ سَالِمٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ إِمَامَاً يُقْتَدَى بِهِ، كَانَ مِن أَثبَتِ النَّاسِ في السُّنَّةِ، إِذَا رَأَيْتَ رَجُلاً يَغْمِزُ عَبْدَ اللهِ بْنَ المُبَارَكِ رَحْمَهُ اللهُ فَاتَّهِمْهُ عَلَى الإِسْلاَم» ـ قَالُواْ في المُفَاضَلَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ في الْعِلْمِ وَالْفَضْل: حَدَّثَ أَبُو نَشِيطٍ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال:

«قُلْتُ لاِبْنِ مَهْدِيٍّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: أَيُّهُمَا أَفْضَل: ابْنُ المُبَارَكِ أَوْ سُفْيَانُ الثَّوْرِيّ 00؟ قَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: ابْنُ المُبَارَك؛ قُلْتُ: إِنَّ النَّاسَ يُخَالِفُونَك؛ قَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: إِنَّهُمْ لَمْ يُجَرِّبُواْ، مَا رَأَيْتُ مِثْلَ ابْنِ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه» 0 حَدَّثَ أَحْمَدُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ يحْيىَ بْنِ مَعِينٍ عَن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ قَال: «ابْنُ المُبَارَك: أَعْلَمُ مِنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيّ» 0

قَالَ محَمَّدُ بْنُ أَعْيَن: «سَمِعْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ رَحْمَهُ اللهُ وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ أَصْحَابُ الحَدِيثِ فَقَالُواْ لَه: جَالَسْتَ الثَّوْرِيَّ وَسَمِعْتَ مِنهُ، وَمِنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ المُبَارَك؛ فَأَيُّهُمَا أَرْجَح 00؟ قَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: لَوْ أَنَّ سُفْيَانَ جَهِدَ عَلَى أَنْ يَكُونَ يَوْمَاً مِثْلَ عَبْدِ اللهِ بْنِ المُبَارَك: لَمْ يَقْدِرْ» 0 ـ قَالُواْ في المُفَاضَلَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَكِيعِ بْنِ الجَرَّاحِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ في الضَّبْطِ وَالتَوْثِيق:

قَالَ في ذَلِكَ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «كَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ يُحَدِّثُ مِنْ كِتَاب؛ لاَ يَكَادُ أَنْ يَكُونَ لَهُ سَقْطٌ كَثِير، وَكَانَ وَكِيعٌ رَحْمَهُ اللهُ يُحَدِّثُ مِن حِفْظِهِ؛ فَكَانَ يَكُونُ لَهُ سَقْطٌ كَمَا يَكُونُ حَفْظُ الرَّجُل» 0 ـ قَالَ عَنِهُ يحْيىَ بْنُ مَعِينٍ عَنهُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ جَعْفَرُ بْنُ أَبي عُثْمَانَ عَنْ يَحْيىَ ِبْنِ مَعِينٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ عَنِ ابْنِ المُبَارَك:

«ذَاكَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ في الحَدِيث» 0 ـ قَالَ عَنِهُ شُعْبَةُ بْنُ الحَجَّاجِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ عَنهُ شُعْبَةُ بْنُ الحَجَّاج رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «مَا قَدِمَ عَلَيْنَا أَحَدٌ مِثْلُ ابْنِ المُبَارَك» 0 ـ قَالَ عَنِهُ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ المُنْذِرِ عَنْ محَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الحُسَينِ الْقُرَشِيِّ عَن أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَةَ قَال:

«كَانَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَمَشْيَخَةٌ جُلُوسَاً في المَسْجِدِ الحَرَام؛ فَطَلَعَ ابْنُ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ مِنَ الثَّنِيَّة، فَقَالَ سُفْيَانُ: هَذَا رَجُلُ أَهْلِ المَشْرِق 0 فَقَالَ الْفُضَيْل: رَجُلُ أَهْلِ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا» 0 ـ ثَنَاءُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَلَيْه، وَاعْتِرَافُهُ بِفَضْلِ ابْنِ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ بحْرٍ الدِّمَشْقِيِّ عَن عِمْرَانَ بْنِ مُوسَى الطَّرَسُوسِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال:

«سَأَلَ رَجُلٌ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه؛ فَقَالَ لَهُ سُفْيَان: مِن أَيْنَ أَنْت 00؟ قَالَ الرَّجُل: مَن أَهْلِ المَشْرِق، قَال سُفْيَانُ الثَّوْرِيّ: أَوَلَيْسَ عِنْدَكُمْ أَعْلَمُ أَهْلِ المَشْرِق 00؟ قَالَ الرَّجُل: وَمَن هُوَ 00؟ قَال سُفْيَان: عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَك، قَالَ الرَّجُل: وَهُوَ أَعْلَمُ أَهْلِ المَشْرِق 00؟! قَال سُفْيَان: نَعَمْ، وَأَهْلِ المَغْرِب» 0 حَدَّثَ عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ عَن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي جَمِيلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَال:

«كُنَّا حَوْلَ ابْنِ المُبَارَكِ بمَكَّة، فَقُلْنَا لَهُ: يَا عَالِمَ الشَّرقِ حَدِّثْنَا، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ قَرِيبٌ مِنَّا يَسْمَع؛ فَقَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: وَيْحَكُمْ عَالِمَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا» 0 حَدَّثَ أَبُو الْعَوَّامِ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «إِنيِّ لأَشْتَهِي مِن عُمُرِي كُلِّهِ: أَن أَكُونَ سَنَةً مِثْلَ ابْنِ المُبَارَك؛ فَمَا أَقْدِرُ أَن أَكُونَ وَلاَ ثَلاَثَةَ أَيَّام» ـ قَالُواْ عَنْ تَفَرُّدِهِ:

حَدَّثَ نُوحُ بْنُ حَبِيبٍ عَن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ أَنَّهُ قَالَ عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ: «كَانَ نَسِيجَ وَحْدِه» 00 أَيْ مُتَفَرِّدَاً بَينَ أَقْرَانِهِ لاَ نَظِيرَ لَه 0 حَدَّثَ أَبُو سَلَمَةَ التَّبُوذَكِيُّ عَنْ سَلاََّمِ بْنِ أَبي مُطِيعٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «مَا خَلَّفَ ابْنُ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ بِالمَشْرِقِ مِثْلَه» 0 حَدَّثَ عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنِ الحَسَنِ بْنِ عَرَفَةَ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال:

«اسْتَعَرْتُ قَلَمَاً بِأَرْضِ الشَّام؛ فَذَهَبْتُ عَلَى أَن أَرُدَّهُ، فَلَمَّا قَدِمْتُ مَرْو [مَدِينَةٌ بخُرَاسَان: شَرْقَ إِيرَان] نَظَرْتُ؛ فَإِذَا هُوَ مَعِي، فَرَجَعْتُ إِلىَ الشَّامِ حَتىَّ رَدَدْتُهُ عَلَى صَاحِبِه» 0 حَدَّثَ عُبَيْدُ بْنُ جَنَّادٍ عَنِ الْعُمَرِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «مَا رَأَيْتُ في دَهْرِنَا هَذَا مَنْ يَصْلُحُ لِهَذَا الأَمْر [يَعْني الخِلاَفَة]: إِلاََّ ابْنَ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه» 0 ـ قَالُواْ عَنْ تَعَدُّدِ محَاسِنِهِ وَكَثْرَةِ خِصَالِ الخَيرِ فِيه:

حَدَّثَ الدَّغُولِيُّ عَن عَبْدِ المَجِيدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ وَهْبِ بْنِ زَمْعَةَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ خَالِدٍ قَال: «تَعَرَّفْتُ إِلىَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ بِعَبْدِ اللهِ بْنِ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: فَقَالَ إِسْمَاعِيل: مَا عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مِثْلُ ابْنِ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه، وَلاَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ جَلَّ وَعَلاَ خَلَقَ خَصْلَةً مِن خِصَالِ الخَيْر؛ إِلاََّ وَقَدْ جَعَلَهَا في عَبْدِ اللهِ بْنِ المُبَارَك» 0

قَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ مُصْعَبٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «جَمَعَ عَبْدُ اللهِ ابْنُ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ الحَدِيث، وَالفِقْه، وَالعَرَبِيَّة، وَأَيَّامَ النَّاس، وَالشَّجَاعَة، وَالسَّخَاء» 0 قَالَ خَادِمُهُ الحَسَنُ بْنُ عِيسَى: «اجْتَمَعَ الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، وَمَخْلَدُ بْنُ الحُسَينِ فَقَالُواْ: تَعَالَوْا نَعُدُّ خِصَالَ ابْنِ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ مِن أَبْوَابِ الخَيْر؛ فَقَالُواْ: الْعِلْم، وَالْفِقْه، وَالأَدَب، وَالنَّحْو، وَاللُّغَة، وَالزُّهْد، وَالفَصَاحَة، وَالشِّعْر، وَقِيَامُ

اللَّيْل، وَالعِبَادَة، وَالحَجّ، وَالغَزْو، وَالشَّجَاعَة، وَالفُرُوسِيَّة، وَالقُوَّة، وَتَرْكُ الْكَلاَمِ فِيمَا لاَ يَعْنِيه، وَالإِنْصَاف، وَقِلَّةُ الخِلاَفِ عَلَى أَصْحَابِه» 0 ـ قَالُواْ عَنْ شَجَاعَتِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِي عَن عَبْدَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ المَرْوَزِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَال: «كُنَّا سَرِيَّةً مَعَ ابْنِ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ في بِلاَدِ الرُّوم؛ فَصَادَفْنَا الْعَدُوّ، فَلَمَّا الْتَقَى الجَمْعَان، خَرَجَ رَجُلٌ مِنَ الْعَدُوِّ فَدَعَا إِلىَ

المُبَارَزَة، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَجُلٌ؛ فَقَتَلَهُ الرُّومِيّ، ثُمَّ آخَر، فَقَتَلَه، ثُمَّ آخَر، فَقَتَلَه، ثُمَّ دَعَا إِلىَ المُبَارَزَة؛ فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَطَارَدَهُ سَاعَةً، فَطَعَنَهُ المُسْلِمُ فَقَتَلَه، فَازْدَحَمَ إِلَيْهِ النَّاس؛ فَنَظَرْتُ فَإِذَا هُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه، وَإِذَا هُوَ يَسْتُرُ وَجْهَهُ بِكُمِّهِ، فَأَخَذْتُ بِطَرَفِ كُمِّهِ فَمَدَدْتُهُ، فَإِذَا هُوَ هُوَ، فَقَال: وَأَنْتَ يَا أَبَا عَمْرٍو مِمَّنْ يُشَنِّعُ عَلَيْنَا» 0

حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ المُثَنىَّ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ سِنَانٍ قَال: «كُنْتُ مَعَ ابْنِ المُبَارَكِ وَمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بِطَرَسُوس، فَصَاحَ النَّاسُ: النَّفِيرَ النَّفِير؛ فَخَرَجَ ابْنُ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ وَالنَّاس، فَلَمَّا اصطَفَّ الجَمْعَانِ خَرَجَ رُومِيٌّ فَطَلَبَ المُبَارَزَة؛ فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَشَدَّ الْعِلْجُ عَلَيْهِ فَقَتَلَه؛ حَتىَّ قَتَلَ سِتَّةً مِنَ المُسْلِمِين، وَجَعَلَ يَتَبَخْتَرُ بَينَ الصَّفَّينِ يَطْلُبُ المُبَارَزَة، وَلاَ يَخْرُجُ إِلَيْهِ أَحَد؛ فَالْتَفَتَ إِلَيَّ ابْنُ

المُبَارَكِ فَقَال: يَا فُلاَن؛ إِنْ قُتِلْتُ فَافْعَلْ كَذَا وَكَذَا، ثمَّ حَرَّكَ دَابَّتَهُ وَبَرَزَ لِلْعِلْج؛ فَعَالَجَ مَعَهُ سَاعَةً فَقَتَلَ الْعِلْج، وَطَلَبَ المُبَارَزَة، فَبَرَزَ لَهُ عِلْجٌ آخَرُ فَقَتَلَه، حَتىَّ قَتَلَ سِتَّةَ عُلُوج، وَطَلَبَ المُبَارَزَة؛ فَكَأَنَّهُمْ كَاعُواْ عَنهُ [أَيْ جَبُنُواْ] فَضَرَبَ دَابَّتَهُ، وَطَرَدَ [أَيْ دَخَلَ سَرِيعَاً مُسْتَخْفِيَاً مِنَ الْعُيُونِ] بَيْنَ الصَّفَّيْنِ ثُمَّ غَابَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ فَلَمْ نَشْعُرْ بِشَيْء، وَإِذَا أَنَا بِهِ في المَوْضِعِ الَّذِي كَان، فَقَالَ لي

: يَا عَبْدَ الله؛ لَئِن حَدَّثْتَ بِهَذَا أَحَدَاً وَأَنَا حَيّ 000 فَذَكَرَ كَلِمَةً» 0 ـ قَالُواْ عَنْ تَوَاضُعِهِ: سُئِلَ ابْنُ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ بِحُضُورِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَقَال: «إِنَّا نُهِينَا أَنْ نَتَكَلَّمَ عِنْد أَكَابِرِنَا» 0 ـ قَالُواْ عَنْ صَلاَحِهِ وَتَقْوَاه، وَحُسْنِ عِبَادَتِهِ لله: قَالَ مَخْلَدُ بْنُ الحُسَيْنِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «جَالَسْتُ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانيّ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ عَوْن؛ فَلَمْ أَجِدْ فِيهِمْ مَن أُفَضِّلُهُ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ

المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه» 0 قَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّاد: «قَالَ رَجُلٌ لاِبْنِ المُبَارَكِ: قَرَأْتُ الْبَارِحَةَ الْقُرْآنَ في رَكْعَة؛ فَقَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: لَكِنيِّ أَعْرِفُ رَجُلاً لَمْ يَزَلِ الْبَارِحَةَ يُكَرِّرُ (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (إِلىَ الصُّبْح، مَا قَدِرَ أَنْ يَتَجَاوَزَهَا» 00 [يَعْني نَفْسَهُ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه] وَقَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّاد: «مَا رَأَيْتُ أَعْقَلَ وَلاَ أَكْثَرَ اجْتِهَادَاً في الْعِبَادَةِ مِن عَبْدِ اللهِ بْنِ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه» 0

حَدَّثَ الْقَاسِمُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ سَعِيدٍ قَال: «رَأَيْتُ ابْنَ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ بِمَكَّةَ لَدَىَ زَمْزَم؛ فَاسْتَقَى شَربَةً، ثُمَّ اسْتَقبَلَ الْقِبْلَةَ فَقَال: اللَّهُمَّ إِنَّ ابْنَ المُؤَمَّلِ عَبْدَ اللهِ المَكِّيَّ حَدَّثَنَا عَنْ محَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدَ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَال: عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال: «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَه» 0

[صَحَّحَهُ الْعَلاَّمَةُ الأَلْبَانيُّ في سُنَنِ الإِمَامِ ابْنِ مَاجَةَ بِرَقْم: 3062] وَهَذَا أَشرَبُهُ لِعَطَشِ الْقِيَامَة، ثُمَّ شَرِبَهُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه» 0 ـ قَالُواْ عَنْ شِدَّةِ حُبِّ النَّاسِ لَهُ وَالْتِفَافُهُمْ حَوْلَه: حَدَّثَ عُمَرُ بْنُ مُدْرِكٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَن أَشْعَثَ بْنِ شُعْبَةَ المَصِّيصِيِّ قَال: «قَدِمَ الرَّشِيدُ الرَّقَّة [مَدِينَةٌ تَقَعُ شَرْقَ حَلَبَ علَى نَهْرِ الْفُرَات] فَانْجَفَلَ النَّاسُ خَلْفَ ابْنِ المُبَارَك، وَتَقَطَّعَتِ النِّعَالُ وَارتَفَعَتِ الْغَبَرَة؛

فَأَشرَفَتْ أُمُّ وَلَدٍ لأَمِيرِ المُؤْمِنِينَ مِنْ بُرْجِ قَصْرِ الخَشَبِ فَقَالَتْ: مَا هَذَا 00؟ قَالُواْ: عَالِمٌ مِن أَهْلِ خُرَاسَانَ قَدِم؛ قَالَتْ: هَذَا وَاللهِ المُلْك، لاَ مُلْكُ هَارُونَ الَّذِي لاَ يَجْمَعُ النَّاسَ إِلاََّ بِشُرَطٍ وَأَعْوَان» 0 ـ قَالُواْ عَنِ أَدَبِهِ وَنُبْلِ شَمَائِلِه: حَدَّثَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «السَّيْفُ الَّذِي وَقَعَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ فِتْنَة؛ وَلاَ أَقُولُ لأَحَدٍ مِنهُمْ هُوَ مَفْتُون» 0

قَالَ إِسْمَاعِيلُ الخُطَبيّ: «بَلَغَني عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ أَنَّهُ حضَرَ عِنْدَ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ فَقَالَ أَصْحَابُ الحَدِيثِ لِحَمَّادٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: سَلْ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ [أَيِ ابْنَ المُبَارَكِ] أَنْ يُحَدِّثَنَا 00 فَقَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَن؛ تُحِدِّثُهُمْ 00؟ فَإِنَّهُمْ قَدْ سَأَلُوني 00؟ قَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: سُبْحَانَ اللهِ يَا أَبَا إِسْمَاعِيل؛ أُحَدِّثُ وَأَنْتَ حَاضِر 00؟

فَقَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: أَقسَمْتُ عَلَيْكَ لَتَفْعَلَنَّ؛ فَقَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «خُذُواْ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ حَمَّادُ بْنُ زَيْد» 00 فَمَا حَدَّثَ بحَرْفٍ إِلاََّ عَن حَمَّاد» 0 ـ قَالُواْ عَن عَجِيبِ حِكَايَاتِهِ في الْكَرَمِ الْبَذْلِ وَالْعَطَاء: قَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّاد: «قَدِمَ عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَيْلَةَ عَلَى يُونُسَ بْنِ يَزِيد، وَمَعَهُ غُلاَمٌ مُفرَّغٌ لِعَمَلِ الْفَالُوذَج، يَتَّخِذُهُ لِلْمُحَدِّثِين» 0

أَيْلَة: هِيَ إِيلاَت: وَهِيَ آخِرُ نُقْطَةٍ عَلَى طَرْفِ خَلِيجِ الْعَقَبَةِ شَمَالاً 0 ـ مَائِدَةُ ابْنِ المُبَارَكِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: قَالَ حِبَّانُ بْنُ مُوسَى: «رَأَيْتُ سُفرَةَ ابْنِ المُبَارَكِ حُمِلَتْ عَلَى عَجَلَة» 0 وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الطَّالقَانيّ: «رَأَيْتُ بَعِيرَيْنِ مُحَمَّلَيْنِ دَجَاجَاً مَشْوِيَاً لِسُفْرَةِ ابْنِ المُبَارَك» 0 ـ نَمَاذِجُ مِنْ قَضَائِهِ لِلدَِّيْنِ عَنِ المَدِينِين: حَدَّثَ عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَال:

«كَانَ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ سَبْعُمِاْئَةِ دِرْهَم؛ فَجَاءَ إِلىَ ابْنِ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ فَسَأَلَهُ أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَه؛ فَأَعْطَاهُ سَبْعَةَ آلاَفِ دِرْهَم» 0 قَالَ المُسَيَّبُ بْنُ وَاضِح: «أَرْسَلَ ابْنُ المُبَارَكِ إِلىَ أَبي بَكْرٍ بْنِ عَيَّاشٍ بِأَرْبَعِينَ أَلْفَ دِرْهَم، وَقَالَ لَهُ: سُدَّ بِهَذِهِ فِتْنَةَ الْقَوْمِ عَنْك» 0 حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ المُنْذِرِ عَن يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ محَمَّدِ بْنِ عِيسَى رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال:

«كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ كَثِيرَ الاِخْتِلاَفِ إِلىَ طَرَسُوس، وَكَانَ يَنْزِلُ في خَان، فَكَانَ شَابٌّ يَخْتَلِفُ إِلَيْهِ وَيَقُومُ بحَوَائِجِهِ وَيَسْمَعُ مِنهُ الحَدِيث؛ فَقَدِمَ عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ مَرَّةً، فَلَمْ يَرَه، فَخَرَجَ في النَّفِيرِ مُسْتَعجِلاً، فَلَمَّا رَجَعَ سَأَلَ عَنِ الشَّابِّ فَقِيلَ لَه: مَحْبُوسٌ عَلَى عَشْرَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ؛ فَاسْتَدَلَّ عَلَى الْغَرِيمِ وَوَزَنَ لَهُ عَشْرَةَ آلاَف، وَحَلَّفَهُ أَلاََّ يُخْبِرَ أَحَدَاً مَا عَاش؛ فَأُخْرِجَ الرَّجُلُ، وَسَارَ ابْنُ

المُبَارَكِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه، فَلَحِقَهُ الْفَتىَ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنَ الرَّقَّةِ فَقَالَ لَهُ: يَا فَتىَ أَيْنَ كُنْتَ؟ قَال: كُنْتُ مَحْبُوسَاً بِدَيْنٍ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَن 0 قَال: وَكَيْفَ خَلُصْتَ 00؟ قَال: جَاءَ رَجُلٌ فَقَضَى دَيْني، وَلَمْ أَدْرِ مَن هُوَ 0 قَال: فَاحْمَدِ الله؛ وَلَمْ يَعْلَمِ الرَّجُلُ إِلاََّ بَعْدَ مَوْتِ عَبْدِ اللهِ بْنِ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه» 0 ـ نَمَاذِجُ مِن إِنْفَاقِهِ عَلَى رفْقَتِهِ مِنَ المُسْلِمِينَ في رِحْلاَتِ الحَجِّ وَالْعُمْرَة:

حَدَّثَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ الدَّوْرَقِيُّ عَنْ محَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ عَن أَبِيهِ قَال: «كَانَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ يُنْفِقُ عَلَى الْفُقَرَاءِ في كُلِّ سَنَةٍ: مِاْئَةَ أَلْفِ دِرْهَم» 0 حَدَّثَ الدَّغُولِيُّ عَن عَبْدِ المَجِيدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ وَهْبِ بْنِ زَمْعَةَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ خَالِدٍ قَال: «حَدَّثَني أَصْحَابي أَنَّهُمْ صَحِبُوهُ مِنْ مِصْرَ إِلىَ مَكَّةَ، فَكَانَ يُطْعِمُهُمُ الخَبِيص وَهُوَ الدَّهْرَ صَائِم»

حَدَّثَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ الدَّوْرَقِيُّ عَنْ محَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ عَن أَبِيهِ قَال: «كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ وَقْتُ الحجِّ، اجْتَمَعَ إِلَيْهِ إِخْوَانُهُ مِن أَهْلِ مَرْوَ فَيَقُولُون: نَصْحَبُك؛ فَيَقُولُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: هَاتُواْ نَفَقَاتِكُمْ؛ فَيَأْخُذُ نَفَقَاتِهِمْ فَيَجْعَلُهَا في صُنْدُوق، وَيَكْتُبُ عَلَيْهَا أَسْمَاءَهُمْ وَيَقْفِلُ عَلَيْهَا، ثُمَّ يَكتَرِي لَهُمْ [أَيْ يَسْتَأْجِرُ لَهُمُ الدَّوَابّ] وَيُخْرِجُهُمْ مِنْ مَرْوَ إِلىَ بَغْدَاد، فَلاَ يَزَالُ يُنفِقُ عَلَيْهِمْ وَيُطعِمُهُمْ أَطْيَبَ الطَّعَام، وَأَطْيَبَ الحَلوَى، ثُمَّ يُخْرِجُهُمْ مِنْ بَغْدَادَ بِأَحْسَنِ زِيّ، وَأَكْمَلِ مُرُوءةٍ، حَتىَّ يَصِلُواْ إِلىَ مَدِينَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ لِكُلِّ وَاحِد: مَا أَمَرَكَ عِيَالُكَ أَنْ تَشتَرِيَ لَهُمْ مِنَ المَدِينَةِ مِنْ طُرَفِهَا 00؟

فَيَقُول: كَذَا وَكَذَا، ثمَّ يُخْرِجُهُمْ إِلىَ مَكَّة، فَإِذَا قَضَوْا حَجَّهُمْ، قَالَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنهُمْ: مَا أَمَرَكَ عِيَالُكَ أَنْ تَشتَرِيَ لَهُمْ مِنْ مَتَاعِ مَكَّة 00؟ فَيَقُول: كَذَا وَكَذَا؛ فَيَشْتَرِي لَهُمْ، ثُمَّ يُخْرِجُهُمْ مِنْ مَكَّة؛ فَلاَ يَزَالُ يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ إِلىَ أَنْ يَصِيرُواْ إِلىَ مَرْو، فَيُجَصِّصُ بُيُوتَهُمْ وَأَبْوَابَهُمْ، فَإِذَا كَانَ بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّام، عَمِلَ لَهُمْ وَلِيمَةً وَكَسَاهُمْ، فَإِذَا أَكَلُواْ وَسُرُّواْ، دَعَا بِالصُّنْدُوقِ فَفَتَحَهُ، وَدَفَعَ إِلىَ كُلِّ رَجُلٍ مِنهُمْ صُرَّتَهُ عَلَيْهَا اسْمُه 00

قَالَ أَبي: أَخْبَرَني خَادمُهُ أَنَّهُ عَمِلَ آخِرَ سُفْرَةٍ سَافَرَهَا دَعْوَةً، فَقَدَّمَ إِلىَ النَّاسِ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ خِوَانَاً فَالُوذَج» 0 ـ نَمَاذِجُ مِن إِنْفَاقِهِ عَلَى طَلَبَةِ الْعِلْمِ الْفُقَرَاء: حَدَّثَ الفَتْحُ بْنُ سُخْرُفٍ عَن عَبَّاسِ بْنِ يَزِيدَ عَن حِبَّانَ بْنِ مُوسَى رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «عُوتِبَ ابْنُ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ فِيمَا يُفَرِّقُ مِنَ المَالِ في الْبُلْدَانِ دُونَ بَلَدِهِ، فَقَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: إِنيِّ أَعْرِفُ مَكَانَ قَوْمٍ لَهُمْ فَضْلٌ وَصِدْق،

طَلَبُواْ الحَدِيثَ فَأَحْسَنُواْ طَلَبَهُ لِحَاجَةِ النَّاسِ إِلَيْهِمْ، احْتَاجُواْ؛ فَإِنْ تَرَكْنَاهُمْ: ضَاعَ عِلْمُهُمْ، وَإِن أَعَنَّاهُمْ: بَثُّواْ الْعِلْمَ لأُمَّةِ محَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ أَعْلَمُ بَعْدَ النُّبُوَّةِ أَفْضَلَ مِنْ بَثِّ الْعِلْم» 0 حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ عَن أَبِيهِ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ لِلْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمَا: «لَوْلاَكَ وَأَصْحَابُكَ مَا اتَّجَرْت» 00 كَانَ يُنْفِقُ

عَلَيْهِمْ حَدَّثَ عُبَيْدُ اللهِ الْعَيْشِيُّ عَنِ الحَمَّادَيْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ المُبَارَكِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُول: «لَوْلاَ خَمْسَةٌ مَا اتَّجَرْت: السُّفْيَانَان، وَفُضَيْلُ بْنُ عِيَاض، وَابْنُ السَّمَّاك، وَابْنُ عُلَيَّة» 0 كَانَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ 0 ـ قَالُواْ عَنْ نَظْمِهِ لِلشِّعْر: قَالَ عَنهُ أَحْمَدُ الْعِجْلِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «رَجُلٌ صَالِحٌ يَقُولُ الشِّعْر، وَكَانَ جَامِعَاً لِلْعِلْم»

قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيّ: «كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ شَاعِرَاً مُحْسِنَاً، قَوَّالاً بِالحَقّ» 0 حَدَّثَ أَبُو أَحْمَدَ محَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ عَنِ الخَلِيلِ بْنِ أَحْمَدَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَال: «كَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ إِذَا خَرَجَ إِلىَ مَكَّةَ قَال: بُغْضُ الحَيَاةِ وَخَوْفُ اللهِ أَقْدَمَني ... وَبَيْعُ نَفْسِي بِمَا لَيْسَتْ لَهُ ثَمَنَا إِنيِّ وَزَنْتُ الَّذِي يَبْقَى لِيَعْدِلَهُ ... مَا لَيْسَ يَبْقَى فَلاَ وَاللهِ مَا اتَّزَنَا

قَالَ الحَسَنُ بْنُ حَمَّاد: «دَخَلَ أَبُو أُسَامَةَ عَلَى ابْنِ المُبَارَك، فَوَجَدَ في وَجْهِه عَبْدُ اللهِ أَثَرَ الضُّرّ، فَسَأَلَهُ فَلَمْ يُخْبِرْهُ، فَلَمَّا خَرَجَ بَعَثَ إِلَيْهِ أَرْبَعَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ وَكَتَبَ إِلَيْهِ [بِتَصَرُّف]: خِلٌّ خَلاَ مِنْ مَالِهِ ... وَمِنَ المُرُوءةِ مَا خَلاَ وَبِرَغْمِ رِقَّةِ حَالِهِ ... لاَ يَرْتَضِي أَنْ يَسْأَلاَ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ جَمِيلٍ المَرْوَزِيّ: «قِيلَ لاِبْنِ المُبَارَكِ: إِنَّ إِسْمَاعِيلَ بْنَ عُلَيَّةَ قَدْ وَلِي الْقَضَاء؛ فَكَتَبَ إِلَيْهِ:

يَا جَاعِلَ الْعِلْمِ لَهُ بَازِيَاً ... يَصْطَادُ أَمْوَالَ المَسَاكِينِ احْتَلْتَ لِلدُّنْيَا وَلَذَّاتِهَا ... بِحِيلَةٍ تَذْهَبُ بِالدِّينِ فِصِرْتَ مجْنُونَاً بِهَا بَعْد مَا ... كُنْتَ دَوَاءً لِلمَجَانيْنِ أَيْنَ رِوَايَاتُكَ في سَرْدِهَا ... عَنِ ابْنِ عَوْنٍ وَابْنِ سِيرِينِ أَيْنَ رِوَايَاتُكَ فِيمَا مَضَى ... في تَرْكِ أَبْوَابِ السَّلاَطِينِ إِنْ قُلْتَ أُكْرِهْتُ فَدَعْ عَنْكَ ذَا ... زَلَّ حِمَارُ الْعِلْمِ في الطِّينِ الْبَازِي: نَوْعٌ مِنَ الصُّقُور 0

حَدَّثَ عَبْدُ اللهِ بْنُ محَمَّدٍ قَاضِي نَصِيِبين عَنْ محَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبي سُكَيْنَةَ قَال: «أَمْلَى عَلَيَّ ابْنُ المُبَارَكِ سَنَةَ 177 هـ، وَأَنْفَذَهَا مَعِي إِلىَ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ مِنْ طَرَسُوس: يَا عَابِدَ الحَرَمِينِ لَوْ أَبْصَرْتَنَا ... لَعَلِمْتَ أَنَّكَ في الْعِبَادَةِ تَلْعَبُ مَنْ كَانَ يَخْضِبُ خَدَّهُ بِدُمُوعِهِ ... فَنُحُورُنَا بِدِمَائِنَا تَتَخَضَّبُ أَوْ كَانَ يُتْعِبُ خَيْلَهُ في بَاطِلٍ ... فَخُيُولُنَا يَوْمَ المَعَارِكِ تَتْعَبُ

إِنَّا أَتَانَا مِنْ كَلاَمِ نَبِيِّنَا ... قَوْلٌ صَحِيحٌ صَادِقٌ لاَ يُكْذَبُ لاَ يُجْمَعَانِ غُبَارُ خَيْلِ اللهِ في ... أَنْفِ امْرِئٍ أَبَدَاً وَنَارٌ تَلْهَبُ فَلَقِيْتُ الْفُضَيْلَ بِكِتَابِهِ في الحَرَم، فَقَرَأَهُ وَبَكَى ثُمَّ قَال: صَدَقَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَنَصَح» 0 قَالَ ابْنُ سَهْمٍ الأَنْطَاكِيّ: «سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يُنْشِد: وَالنَّارُ مُوقَدَةٌ وَالخَلْقُ مُورَدَةٌ ... وَلَيْسَ يَدْرُونَ مَنْ يَنْجُو وَمَنْ يَقَعُ طَالَ الْبُكَاءُ فَلَمْ يَنْفَعْ تَضَرُّعُهُمْ ... هَيْهَاتَ لاَ حَسْرَةٌ تُغْني وَلاَ جَزَعُ

إِذِ النَّبِيُّونَ وَالأَشْهَادُ قَائِمَةٌ ... وَالإِنْسُ وَالجِنُّ وَالأَمْلاَكُ قَدْ خَشَعُواْ فَكَيْفَ قَرَّتْ لأَهْلِ الْعِلْمِ أَعْيُنُهُمْ ... أَوِ اسْتَلَذُّواْ نَعِيمَ الْعَيْشِ أَوْ هَجَعُواْ قَالَ حِبَّانُ بْنُ مُوسَى: «سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ يُنْشِد: كَيْفَ الْقَرَارُ وَكَيْفَ يَهْدَأُ مُسْلِمٌ ... وَالمُسْلِمَاْتُ مَعَ الْعَدُوِّ المُعْتَدِي القَائِلاَتُ إِذَا خَشِينَ فَضِيحَةً ... جَهدَ المَقَالَةِ لَيْتَنَا لَمْ نُولَدِ مَا تَسْتَطِيعُ وَمَا لَهَا مِن حِيلَةٍ ... في ضَعْفِهَا إِلاََّ التَّسَتُّرُ بِاليَدِ

وَرَوَى إِسْحَاقُ بْنُ سُنَيْنٍ لاِبْنِ المُبَارَكِ في الْفِرَقِ الضَّالَّةِ كَالجَهْمِيَّةِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَأَصْحَابِ الأَهْوَاء، الَّذِينَ خَرَجَتْ مِنهُمُ الخَوَارِجُ عَلَى الخُلَفَاء، وَاسْتَحَلُّواْ الدِّمَاء؛ فَقَالَ آخِرَ الْقَصِيدَةِ بَعْدَ ذِكْرِ هَؤُلاَء: كَمْ يَدْفَعُ اللهُ بِالسُّلْطَانِ مِن خَطَرٍ ... عَنِ البِْلاَدِ لَوِ اسْتَشْرَى لآذَانَا لَوْلاَ الأَئِمَّةُ لَمْ تَأْمَنْ لَنَا سُبُلٌ ... وَكَانَ أَضْعَفُنَا نَهْبَاً لأَقْوَانَا

أَعْجَبَ الخَلِيفَةَ هَارُونَ الرَّشِيدَ هَذَانِ الْبَيْتَان، فَلَمَّا أَنْ بَلَغَهُ مَوْتُ ابْنِ المُبَارَكِ بِهِيتَ قَال: «إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون؛ يَا فَضْلُ إِيذَنْ لِلنَّاسِ يُعَزُّونَنَا في ابْنِ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه؛ أَمَا هُوَ الْقَائِل: كَمْ يَدْفَعُ اللهُ بِالسُّلْطَانِ مِن خَطَرٍ ... 000000 الْبَيْتَين فَمَنِ الَّذِي يَسْمَعُ هَذَا مِنَ ابْنِ المُبَارَكِ وَلاَ يَعْرِفُ حَقَّنَا» 00؟ هِيت: بَلْدَةٌ عَلَى نَهْرِ الْفُرَاتِ في الطَّرِيقِ بَينَ الْعِرَاقِ وَالشَّام 0

حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ مَخْلَدٍ عَن عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ حُمَيْدٍ عَن عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عَبْدِ الحَكَمِ قَال: «لَمَّا مَاتَ ابْنُ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه؛ بَلَغَني أَنَّ هَارُونَ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ قَال: مَاتَ سَيِّدُ الْعُلَمَاء» 0 ـ مَا قِيلَ في هَذَا الْعَالِمِ الجَلِيل؛ مِنَ الشِّعْرِ الجَمِيل: قَالَ محْمُودُ بْنُ وَالاَن: «سَمِعْتُ عَمَّارَ بْنَ الحَسَنِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ يَمْدَحُ ابْنَ المُبَارَكِ يَقُول: إِذَا غَابَ عَبْدُ اللهِ في أَيِّ بَلْدَةٍ ... فَقَدْ غَابَ عَنهَا نُورُهَا وَجَمَالُهَا

قَالَ أَحَدُ الشُّعَرَاءِ الصَّالحِين: مَرَرْتُ بِقَبْرِ ابْنِ المُبَارَكِ غَدْوَةً ... فَأَوْسَعَني وَعْظَاً وَلَيْسَ بِنَاطِقِ وَقَدْ كُنْتُ بِالعِلْمِ الَّذِي في جَوَانِحِي ... غَنِيَّاً وَبِالشَّيْبِ الَّذِي في مَفَارِقِي وَلَكِن أَرَى الذِّكْرَى تُنَبِّهُ عَاقِلاً ... إِذَا هِيَ جَاءَتْ مِنْ رِجَالِ الحَقَائِقِ ـ مِن أَقْوَالِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «لِيَكُن عُمْدَتُكُمُ الأَثَر؛ وَخُذُواْ مِنَ الرَّأْيِ مَا يُفَسِّرُ لَكُمُ الحَدِيث» 0

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَال: «في صَحِيحِ الحَدِيثِ شُغْلٌ عَنْ سَقِيمِه» 0 قَالَ عَبْدَانُ بْنُ عُثْمَان: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ المُبَارَكِ عَبْدَ اللهِ بْنَ المُبَارَكِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَهُ في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ يَقُول: «الإِسْنَادُ مِنَ الدِّينِ، وَلَوْلاَ الإِسْنَادُ لَقَالَ مَنْ شَاءَ مَا شَاء» 0 [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ في مُقَدِّمَةِ صَحِيحِه]

وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «رُبَّ عَمَلٍ صَغِيرٍ تُكَثِّرُهُ النِّيَّة، وَرُبَّ عَمَلٍ كَثِيرٍ تُصَغِّرُهُ النِّيَّة» 0 حَدَّثَ عَبْدَانُ بْنُ عُثْمَانَ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «إِذَا غَلَبَتْ محَاسِنُ الرَّجُلِ عَلَى مَسَاوِئِه؛ لَمْ تُذْكَرِ المَسَاوِئ، وَإِذَا غَلَبَتِ المَسَاوِئُ عَلَى المحَاسِن؛ لَمْ تُذْكَرِ المحَاسِن» 0

حَدَّثَ أَبُو صَالِحٍ الْفَرَّاءُ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «الحِبْرُ في الثَّوْب: خَلُوقُ الْعُلَمَاء» 00 أَيْ حِلْيَةُ ثِيَابِهِمْ وَبُقَعُهُ عِنْدَهُمْ: كَبُقَعِ المِسْكِ عِنْدَنَا 0 حَدَّثَ أَبُو صَالِحٍ الْفَرَّاءُ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «تَوَاطُؤُ الجِيرَانِ عَلَى شَيْء: أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ شَهَادَةِ عَدْلَيْن» 0 أَيْ شَهَادَةُ جَمَاعَةٍ مِن أَنْصَافِ العُدُول: أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ اثْنَين 0 وَسُئِلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: مَنِ السِّفْلَة 00؟ قَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: الَّذِي يَدُورُ عَلَى الْقُضَاةِ يَطْلُبُ الشَّهَادَات» 0

عَن عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال: «خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ [قَالَهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثَاً] ثمَّ يَكُونُ بَعْدَهُمْ قَوْمٌ: يَشْهَدُونَ وَلاَ يُسْتَشْهَدُون، وَيخُونُونَ وَلاَ يُؤْتَمَنُون، وَيَنْذِرُونَ وَلاَ يَفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ» 0 [رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: (6428 / فَتْح)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 2535 / عَبْد البَاقِي] يَشْهَدُونَ وَلاَ يُسْتَشْهَدُون: أَيْ يَشْهَدُونَ وَلَيْسُواْ أَهْلاً لِلشَّهَادَة، أَوْ يَعْرِضُونَ الشَّهَادَةَ مِن غَيرِ أَنْ يُطْلَبَ مِنهُمْ 0

وَسُئِلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: مَنِ النَّاس 00؟ فَقَال: الْعُلَمَاء، قِيلَ لَه: فَمَنِ المُلُوك 00؟ قَال: الزُّهَّاد، قِيلَ لَه: فَمَنِ الْغَوْغَاء 00؟ قَال: خُزَيْمَةُ وَأَصْحَابُهُ يَعْني: [أَحَدُ الأُمَرَاءِ الظَّلَمَةِ في زَمَانِه] قِيلَ: فَمَنِ السَّفِلَة 00؟ قَال: الَّذِينَ يَعِيشُونَ بِدِينِهِمْ» 0

ـ حَالُهُ عَلَى فِرَاشِ المَوْت، وَكَيْفَ كَانَ حَرِيصَاً عَلَى الْوَرَع؛ حَتىَّ وَرُوحُهُ تُنْتَزَع رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ الحَسَنُ بْنُ الرَّبِيع: «لَمَّا احْتُضِرَ عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ في السَّفَرِ قَال: أَشْتَهِي سَوِيقَاً؛ فَلَمْ نَجِدْه إِلاََّ عِنْدَ رَجُلٍ كَانَ يَعْمَلُ لِلسُّلْطَان، وَكَانَ مَعَنَا في السَّفِينَة؛ فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِعَبْدِ الله، فَقَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: دَعُوه؛ فَمَاتَ وَلَمْ يَشْرَبْه» 0

حَدَّثَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْعِجْلِيُّ عَن أَبِيهِ قَال: «لَمَّا احْتُضِرَ ابْنُ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه؛ جَعَلَ رَجُلٌ يُلَقِّنُهُ «لاَ إِلَهَ إِلاََّ الله» فَأَكْثَرَ عَلَيْه، فَقَالَ لَهُ: لَسْتَ تُحْسِن، وَأَخَافُ أَنْ تُؤْذِيَ مُسْلِمَاً بَعْدِي، إِذَا لَقَّنْتَني، فَقُلْتَ «لاَ إِلَهَ إِلاََّ الله» ثُمَّ لَمْ أُحْدِثْ كَلاَمَاً بَعْدَهَا؛ فَدَعْني، فَإِذَا أَحْدَثْتُ كَلاَمَاً: فَلَقِّنيِّ حَتىَّ تَكُونَ آخِرَ كَلاَمِي» 0

ـ أَشْهَرُ مُؤَلَّفَاتِه: كِتَابُ الزُّهْد لاِبْنِ المُبَارَك 0 ـ قَالُواْ عَنْ بَعْضِ كَرَامَاتِهِ في حَيَاتِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «مَرَّ ابْنُ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ بِرَجُلٍ أَعْمَى، فَقَالَ لَه: أَسْأَلُكَ أَنْ تَدْعُوَ لي أَنْ يَرُدَّ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيَّ بَصَرِي؛ فَدَعَا اللهَ جَلَّ وَعَلاَ وَأَنَا أَنْظُرُ فَارْتَدَّ بَصِيرَا» 0

ـ قَالُواْ عَنْ بَعْضِ كَرَامَاتِهِ بَعْدَ مَمَاتِهِ، وَمَا رُؤِيَ فِيهِ مِنَ المَنَامَاتِ الحَسَنَة رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ محَمَّدٍ النَّسَفِيّ: سَمِعْتُ أَبَا حَاتِمٍ الْفِرَبْرِيَّ يَقُول: «رَأَيْتُ ابْنَ المُبَارَكِ وَاقِفَاً عَلَى بَابِ الجَنَّةِ بِيَدِهِ مِفْتَاح، فَقُلْتُ: مَا يُوقِفُكَ هَهُنَا؟ قَال: هَذَا مِفْتَاحُ الجَنَّة، دَفَعَهُ إِلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَال: حَتىَّ أَزُورَ الرَّبَّ تَبَارَكَ وَتَعَالىَ، فَكُن أَمِيني في السَّمَاءِ كَمَا كُنْتَ أَمِيني في الأَرْض» 0

وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ المِصِّيصِيّ: «رَأَيْتُ الحَارِثَ بْنَ عَطِيَّةَ في النَّوم، فَسَأَلتُهُ؛ فَقَال: غُفِر لي، قُلْتُ: فَابْنُ المُبَارَك 00؟ قَال: بَخٍ بَخٍ، ذَاكَ في عِلِّيِّين، مِمَّنْ يَلِجُ عَلَى اللهِ جَلَّ جَلاَلهُ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْن» 0

حَدَّثَ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ عَنْ محَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «رَأَيْتُ ابْنَ المُبَارَكِ في النَّومِ فَقُلْتُ: أَيُّ الْعَمْلِ أَفْضَل 00؟ قَال: الأَمْرُ الَّذِي كُنْتُ فِيه؛ قُلْتُ: الرِّبَاطُ وَالجِهَاد 00؟ قَالَ نَعَمْ، قُلْتُ: فَمَا صَنَعَ بِكَ رَبُّك 00؟ قَال: غَفَرَ لي مَغْفِرَةً مَا بَعْدَهَا مَغْفِرَة» 0

وَقَالَ نَوْفَل: «رَأَيْتُ ابْنَ المُبَارَكِ في النَّومِ فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِك 00؟ قَال: غَفَرَ لي بِرِحْلَتي في الحَدِيث، عَلَيْكَ بِالقُرْآن، عَلَيْكَ بِالقُرْآن» 0 حَدَّثَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ السَّوَاقُ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ عَدِيٍّ قَال: «رَأَيْتُ ابْنَ المُبَارَكِ في النَّوْمِ فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِك 00؟ قَال: غَفَرَ لي بِرِحْلَتي» 0

الحسن البصري

الحَسَنُ الْبَصْرِيّ هُوَ: الحَسَنُ بْنُ أَبي الحَسَنِ يَسَارٍ أَبُو سَعِيدٍ مَوْلىَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنه 0 وُلِدَ سَنَةَ 22 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 110 هـ 0 قَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّة: «مَاتَ الحَسَنُ في رَجَبٍ سَنَةَ عَشْرٍ وَمائَة» 0 وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الحَسَن «إِنَّ أَبَاهُ عَاشَ نَحْوَاً مِنْ ثَمَانٍ وَثَمَانيْنَ سَنَة» 0 قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيّ: «عَاشَ محَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ بَعْدَ الحَسَنِ مِاْئَةَ يَوْم» 0

حَدَّثَ عَبْدُ السَّلاَمِ بْنُ مُطَهَّرٍ عَن غَاضِرَةَ بِنْتِ قَرْهَدٍ الْعَوْفِيِّ قَالَتْ: «مَوْلىَ أَبي اليَسَرِ كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو السُّلَمِيّ، وَكَانَتْ أُمُّ الحَسَنِ مَوْلاَةً لأُمِّ المُؤْمِنِينَ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا» 0 حَدَّثَ الحَجَّاجُ بْنُ نُصَيْرٍ قَال: «سُبِيَتْ أُمُّ الحَسَنِ الْبَصْرِيِّ مِنْ مَيْسَانَ وَهِيَ حَامِلٌ بِه، وَوَلَدَتْهُ بِالمَدِينَة» 00 مَيْسَان: مَدِينَةٌ عِرَاقِيَّةٌ عَلَى نَهْرِ دِجْلَة، شَمَالَ شَرْقِ الْبَصْرَة 0

ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: حَدَّثَ عَن عَبْدِ اللهِ ابْنِ عَبَّاس، وَأَنَسِ بْنِ مَالِك، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله، وَسَمُرَةَ بْنِ جُنْدَب، وَأَبي بَكْرَةَ الثَّقَفِيّ، وَالنُّعْمَانِ بْنِ بَشِير، وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْن، وَالمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَة، وَعَمْرِو بْنِ تَغْلِب، وَمَعْقِلِ بْنِ يَسَار، وَخَلْقٍ مِنَ الصَّحَابَة، وَرَوَى أَيْضَاً عَن خَلْقٍ مِنَ التَّابِعِين 0 وَقَرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الرَّقَاشِيّ 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانيّ، وَشَيْبَانُ النَّحْوِيّ، وَيُونُسُ بْنُ عُبَيْد، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عَوْن، وَحُمَيْدٌ الطَّوِيل، وَثَابِتٌ الْبُنَانيّ، وَمَالِكُ بْنُ دِينَار، وَيَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التُّسْتَرِيّ، وَقُرَّةُ بْنُ خَالِد، وَعَبَّادُ بْنُ رَاشِد، وَشَبِيبُ بْنُ شَيْبَة، وَأَشْعَثُ بْنُ سَوَّار، وَأَبُو الأَشْهَب، وَأُمَمٌ سِوَاهُمْ 0 وَقَدْ رَوَى بِالإِرسَالِ عَنْ طَائِفَة: كَعَلِيٍّ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنهُمَا، وَلاَ مِن أَبي مُوسَى، وَلاَ مِن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرو، وَلاَ مِن عَمْرِو بْنِ تَغْلِب،

وَلاَ مِن عِمْرَانَ بْنِ حُصَين، وَلاَ مِن أَبي بَرْزَةَ، وَلاَ مِن أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَلاَ مِنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلاَ مِن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَلاَ مِن أَبي ثَعْلَبَةَ، وَلاَ مِن أَبي بَكْرَةَ، وَلاَ مِن أَبي هُرَيْرَةَ، وَلاَ مِنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ الله، وَلاَ مِن أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ 0 ـ قَالُواْ عَن عِلْمِهِ: حَدَّثَ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّهُ قَال: «اخْتَلَفْتُ إِلىَ الحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَشْرَ سِنِينَ أَوْ مَا شَاءَ الله؛ فَلَيْسَ مِنْ يَوْمٍ إِلاََّ

أَسْمَعُ مِنهُ مَا لَمْ أَسْمَعْ قَبْلَ ذَلِك» 0 قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي: «كُلُّ شَيْءٍ قَالَ الحَسَنُ الْبَصْرِيُّ «قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم» وَجَدْتَ لَهُ أَصْلاً ثَابِتَاً، مَا خَلاَ أَرْبَعَةِ أَحَادِيث» 0 قَالَ يَعْقُوبُ الْفَسَوِيّ: «سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ التَّبُوذَكِيَّ يَقُول: حَفِظْتُ عَنِ الحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ثَمَانيَةَ آلاَفِ مَسْأَلَة» 0 ـ قَالُواْ عَنْ فِقْهِهِ: قَالَ عَنهُ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانيُّ رَحِمَهُ الله:

«لَوْ رَأَيْتَ الحَسَنَ الْبَصْرِيَّ رَحِمَهُ الله؛ لَقُلْتَ إِنَّكَ لَمْ تُجَالِسْ فَقِيهَاً قَطّ» 0 وَقَالَ قَتَادَة: «كَانَ الحَسَنُ الْبَصْرِيُّ مِن أَعْلَمِ النَّاسِ بِالحَلاَلِ وَالحَرَام» 0 ـ قَالُواْ عَنْ شَجَاعَتِه: قَالَ هِشَامُ بْنُ حَسَّان: «كَانَ الحَسَنُ الْبَصْرِيُّ أَشْجَعَ أَهْلِ زَمَانِه» 0 قَالَ جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَان: «كَانَ الحَسَنُ الْبَصْرِيُّ مِن أَشَدِّ النَّاس؛ وَكَانَ المُهَلَّبُ بْنُ أَبي صُفْرَةَ إِذَا قَاتَلَ المُشْرِكِينَ يُقَدِّمُه» ـ عَقِيدَتُهُ وَمَذْهَبُه:

جَاءَ عَنهُ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ خَاضَ في بَعْضِ أُمُورِ الْقَدَر، وَلَكِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ رَجَعَ غَفَرَ اللهُ لَه 0 قَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيّ: «رَجَعَ الحَسَنُ الْبَصْرِيُّ عَنْ قَوْلِهِ في الْقَدَر» 0 حَدَّثَ حَمَّادُ بْنُ زَيْد عَن أَيُّوبَ السِّخْتِسَانيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «أَدْرَكْتُ الحَسَنَ الْبَصْرِيَّ وَاللهِ وَمَا يَقُولُه» 00 أَيِ الْكَلاَمُ في الْقَدَر، وَكَانَ قَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ ثمَّ رَجَع حَدَّثَ حَمَّادُ بْنُ زَيْد عَن أَيُّوبَ السِّخْتِسَانيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال:

«كَذَبَ عَلَى الحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ضَرْبَانِ مِنَ النَّاس: قَوْمٌ الْقَدَرُ رَأْيُهُم؛ لِيُنْفِقُوهُ في النَّاسِ بِالحَسَن، وَقَوْمٌ في صُدُورِهِمْ شَنَآنٌ وَبُغْضٌ لِلْحَسَن» 0 ـ قَالُواْ عَنْ زُهْدِهِ: حَدَّثَ ابْنُ شَوْذَبٍ عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ قَال: «دَخَلْنَا عَلَى الحَسَنِ الْبَصْرِيِّ نَعُودُهُ؛ فَمَا كَانَ في الْبَيْتِ شَيْءٌ: لاَ فِرَاشٌ وَلاَ بِسَاطٌ وَلاَ وِسَادَةٌ وَلاَ حَصِير، إِلاََّ سَرِيرٌ مَرْمُولٌ هُوَ عَلَيْه» 00 أَيْ مَفْرُوشٌ عَلَيْهِ الرَّمْل 0 ـ قَالُواْ عَنْ مَنَاقِبِهِ:

حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ سَلاََّمٍ عَن أَبي عَمْرٍو الشَّعَّابِ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ دَعَا لَهُ وَقَال: «اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ في الدِّين، وَحَبِّبْهُ إِلىَ النَّاس» 0 وَقِيلَ إِنَّ ثَدْيَ أُمِّ سَلَمَةَ دَرَّ عَلَيْه، وَرَضِعَهَا غَيْرَ مَرَّة 0 قَالَ عَنهُ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَعَنْ وَالِدِهِ قَال: «مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً أَشْبَهَ بِأَصْحَابِ محَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنه» 0

قَالَ عَنهُ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْس: «مَا لَقِيتُ أَحَدَاً بَعْدَ الحَسَنِ إِلاََّ صَغُرَ في عَيْني» 0 قَالَ عَنهُ قَتَادَةُ وَحُمَيْد، وَيُونُسُ بْنُ عُبَيْد: «مَا كَانَ أَحَدٌ أَكْمَلَ مُرُوءةً مِنَ الحَسَن» حَدَّثَ عَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ ابْنِ المُسَيَّبِ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ وَالقَاسِمِ بْنِ محَمَّدٍ أَنَّهُمْ قَالُواْ: «مَا رَأَيْتُ مِثْلَ الحَسَنِ الْبَصْرِيّ، وَلَوْ أَدْرَكَ الصَّحَابَةَ وَلَهُ مِثْلُ أَسْنَانِهِمْ مَا تَقَدَّمُوه» 0

حَدَّثَ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِث عَنْ محَمَّدِ بْنِ ذَكْوَانَ عَن خَالِدِ بْنِ صَفْوَانَ قَال: «لَقِيتُ مَسْلَمَةَ بْنَ عَبْدِ المَلِكِ فَقَال: يَا خَالِد؛ أَخْبِرْني عَن حَسَنِ أَهْلِ الْبَصْرَة 00؟ قُلْتُ: أَصْلَحَكَ الله؛ أُخْبِرُكَ عَنهُ بِعِلْم: أَنَا جَارُهُ إِلىَ جَنْبِه، وَجَلِيسُهُ في مَجْلِسِه، وَأَعْلَمُ مَنْ قِبَلِي بِهِ: أَشْبَهُ النَّاسِ سَرِيرَةً بِعَلاَنِيَة، وَأَشْبَهُهُ قَوْلاً بِفِعْل، إِنْ قَعَدَ عَلَى أَمْرٍ قَامَ بِهِ، وَإِنْ قَامَ عَلَى أَمْرٍ قَعَدَ عَلَيْه، وَإِن أَمَرَ بِأَمْرٍ كَانَ أَعْمَلَ

النَّاسِ بِهِ، وَإِنْ نَهَى عَنْ شَيْءٍ كَانَ أَتْرَكَ النَّاسِ لَهُ، رَأَيْتُهُ مُسْتَغْنِيَاً عَنِ النَّاس، وَرَأَيْتُ النَّاسَ مُحْتَاجِينَ إِلَيْه؛ قَالَ مَسْلَمَةُ بْنُ عَبْدِ المَلِك: حَسْبُك، كَيْفَ يَضِلُّ قَوْمٌ هَذَا فِيهِمْ» 00؟ ـ وَرَعُهُ وَتَقْوَاه، وَعِبَادَتُهُ لله: وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عِيسَى اليَشْكُرِيّ: «مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً أَطْوَلَ حُزْنَاً مِنَ الحَسَنِ الْبَصْرِيّ؛ مَا رَأَيْتُهُ إِلاََّ حَسِبْتُهُ حَدِيثَ عَهْدٍ بِمُصِيبَة» 0

حَدَّثَ أَحْمَدُ بْنُ زِيَادٍ عَن عِصْمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ الخَزَّاز عَنْ فُضَيْلِ بْنِ جَعْفَرٍ قَال: «خَرَجَ الحَسَنُ مِن عِنْدِ ابْنِ هُبَيرَةَ فَإِذَا هُوَ بِالقُرَّاءِ عَلَى الْبَاب؛ فَقَالَ لَهُمْ رَحِمَهُ الله: «مَا يُجْلِسُكُمْ هَا هُنَا؟! تُرِيدُونَ الدُّخُولَ عَلَى هَؤُلاَءِ الخُبَثَاء؛ أَمَا وَاللهِ مَا مُجَالَسَتُهُمْ مُجَالَسَةُ الأَبرَار؛ تَفَرَّقُواْ فَرَّقَ اللهُ بَيْنَ أَرْوَاحِكُمْ وَأَجَسَادِكُمْ؛ قَدْ فَرْطَحْتُمْ نِعَالَكُمْ، وَشَمَّرْتُم ثِيَابَكُمْ، وَجَزَزْتُم شُعُورَكُمْ 00 فَضَحْتُمُ الْقُرَّاءَ فَضَحَكُمُ

الله، وَاللهِ لَوْ زَهِدْتُم فِيمَا عِنْدَهُمْ لَرَغِبُواْ فِيمَا عِنْدَكُمْ، وَلَكِنَّكُمْ رَغِبْتُمْ فِيمَا عِنْدَهُمْ فَزَهِدُواْ فِيكُمْ» 0 ـ قَالُواْ عَنْ بَلاَغَةِ مَوَاعِظِِه: قَالَ عَنهُ محَمَّدٌ الْبَاقِرُ رَحِمَهُ الله: «ذَاكَ الَّذِي يُشْبِهُ كَلاَمُهُ كَلاَمَ الأَنْبيَاء» 0 حَدَّثَ حَمَّادُ بْنُ زَيْد عَن أَيُّوبَ السِّخْتِسَانيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «كَانَ الحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يَتَكَلَّمُ بِكَلاَمٍ كَأَنَّهُ الدُّرّ، فَتَكَلَّمَ قَوْمٌ مِنْ بَعْدِهِ بِكَلاَمٍ يَخْرُجُ مِن أَفْوَاهِهِمْ كَأَنَّهُ الْقَيْء» 0

وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو بْنُ الْعَلاَء: «مَا رَأَيْتُ أَفْصَحَ مِنَ الحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ وَالحَجَّاج» ـ مِن أَقْوَالِ الإِمَامِ الحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: حَدَّثَ صَالِحٌ المُرِّيُّ عَنِ الحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُول: «ابْنَ آدَم؛ إِنَّمَا أَنْتَ أَيَّامٌ؛ كُلَّمَا ذَهَبَ يَوْمٌ ذَهَبَ بَعْضُك» 0 وَعَنِ الحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ في مَوَاعِظِهِ: «ابْنَ آدَم؛ السِّكِّينُ تُحَدّ، وَالكَبْشُ يُعْلَف، وَالتَّنُّورُ يُسْجَر» 0

حَدَّثَ مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ عَنِ الحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «فَضَحَ المَوْتُ الدُّنْيَا؛ فَلَمْ يَتْرُكْ فِيهَا لِذِي لُبٍّ فَرَحَاً» 0 حَدَّثَ ثَابِتٌ الْبُنَانيُّ عَنِ الحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «ضَحِكُ المُؤْمِنِ غَفْلَةٌ مِنْ قَلْبِه» 0 كَانَ الحَسَنُ الْبَصْرِيُّ إِذَا حَدَّثَ بحَدِيثِ أَنِينِ وَحَنِينِ جِذْعِ النَّخْلَةِ بَكَى رَحِمَهُ اللهُ ثمَّ قَال: «يَا عِبَادَ الله؛ الخَشَبَةُ تَحِنُّ إِلىَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَوْقَاً إِلَيْه؛ فَأَنْتُم أَحَقّ» 0

حَدَّثَ أَبُو عُبَيْدَةَ النَّاجِيُّ عَنِ الحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ قَال: «ابْنَ آدَم؛ تَرْكُ الخَطِيئَةِ أَهْوَنُ عَلَيْكَ مِنْ مُعَالَجَةِ التَّوْبَة، مَا يُؤْمِنُكَ أَنْ تَكُونَ أَصَبْتَ كَبِيرَةً أُغْلِقَ دُونَهَا بَابُ التَّوْبَة» 0 حَدَّثَ الأَشْجَعِيُّ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنِ الحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «إِنَّ أَزْهَدَ النَّاسِ في الْعَالِمِ جِيرَانُه، وَشَرَّ النَّاسِ لِلْمَيِّتِ أَهْلُه؛ يَبْكُونَ عَلَيْهِ وَلاَ يَقْضُونَ دَيْنَه» 0

حَدَّثَ عَلْقَمَةُ بْنُ مَرْثَدٍ عَنِ الحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «وَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُ أَقْوَامَاً: كَانَتِ الدُّنْيَا أَهْوَنَ عَلَى أَحَدِهِمْ مِنَ التُّرَابِ تَحْتَ قَدَمَيْه، وَلَقَدْ رَأَيْتُ أَقْوَامَاً: يُمْسِي أَحَدُهُمْ وَلاَ يَجِدُ عِنْدَهُ إِلاََّ قُوتَاً فَيَقُول: لاَ أَجْعَلُ هَذَا كُلَّهُ في بَطْني؛ فَيَتَصَدَّقُ بِبَعْضِهِ، وَلَعَلَّهُ أَجْوَعُ إِلَيْه؛ مِمَّنْ يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَيْه» 0

حَدَّثَ ابْنُ المُبَارَكِ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ صُبَيْحٍ عَنِ الحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «المُؤْمِنُ مَن عَلِمَ أَنَّ مَا قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا قَال، وَالمُؤْمِنُ أَحْسَنُ النَّاسِ عَمَلاً، وَأَشَدُّ النَّاسِ وَجَلاً، فَلَو أَنْفَقَ جَبَلاً مِنْ مَالٍ، مَا أَمِنَ دُونَ أَنْ يُعَايِن [أَيْ يَرَى نَفْسَهُ في الجَنَّة] لاَ يَزْدَادُ صَلاَحَاً وَبِرَّاً إِلاََّ ازْدَادَ فَرَقَاً، وَالمُنَافِقُ يَقُول: سَوَادُ النَّاسِ كَثِيرٌ وَسَيُغْفَرُ لي، وَلاَ بَأْسَ عَلَيّ، فَيُسِيءُ الْعَمَلَ وَيَتَمَنىَّ عَلَى الله» 0 ـ وَفَاتُهُ رَحِمَهُ الله: وَيُرْوَى أَنَّهُ حِينَ احْتُضِرَ أُغْمِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَفَاقَ رَحِمَهُ اللهُ إِفَاقَةً فَقَال: «لَقَدْ نَبَّهْتُمُوني مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُون، وَمَقَامٍ كَرِيم» 0

محمد بن سيرين

محَمَّدُ بْنُ سِيرِين هُوَ أَبُو بَكْرٍ محَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ الأَنْصَارِيّ، تُوُفِّيَ سَنَةَ 110 هـ 0 قَالَ أَنَسُ بْنُ سِيرِين [أَخُو محَمَّدِ بْنِ سِيرِين]: «وُلِدَ أَخِي محَمَّدٌ لِسَنَتَيْنِ بَقِيَتَا مِن خِلاَفَةِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنه، وَوُلِدْتُ بَعْدَهُ بِسَنَةٍ قَابِلَة» 0 حَدَّثَ عَارِمٌ عَن حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ قَال: «عَاشَ محَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ نَيِّفَاً وَثَمَانيْنَ سَنَة» 0

حَدَّثَ مَيْسَرَةُ عَنْ مُعَلَّى بْنِ هِلاَلٍ عَنْ يُونُسَ بْنٍ عُبَيْدٍ أَنَّهُ قَال: «مَاتَ محَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ رَحِمَهُ اللهُ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ سَنَة» 0 قَالَ غَيْرُ وَاحِد: «مَاتَ محَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ بَعْدَ الحَسَنِ الْبَصْرِيِّ بِمِاْئَةِ يَوْم، سَنَةَ عَشْرٍ وَمائَةٍ» أُمُّهُ اسْمُهَا صَفِيَّة، كَانَتْ مَوْلاَةً لأَبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنه 0 وَكَانَ أَبُوهُ مِنْ سَبْيِ جَرْجَرَايَا، تَمَلَّكَهُ أَنَسٌ رَضِيَ اللهُ عَنه، ثُمَّ كَاتَبَهُ عَلَى أُلُوفٍ مِنَ المَالِ فَوَفَّاه، وَعَجَّلَ لَهُ مَالَ الْكِتَابَةِ قَبْلَ حُلُولِ الأَجَل 0

ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: قَالَ هِشَامُ بْنُ حَسَّان: «أَدْرَكَ محَمَّدٌ ثَلاَثِينَ صَحَابِيَّاً» 0 سَمِع أَبَا هُرَيْرَةَ، وَأَنَسَ بْنَ مَالِك، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاس، وَعِمْرَانَ بْنَ حُصَيْن، وَعَدِيَّ بْنَ حَاتِم، وَعَبْدَ اللهِ عُمَر، وَأَبَا بَكْرَةَ الثَّقَفِيّ، وَشُرَيْحَاً الْقَاضِي، وَخَلْقَاً سِوَاهُمْ كَثِير ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: رَوَى عَنهُ قَتَادَة، وَأَيُّوب، وَيُونُسُ بْنُ عُبَيْد، وَعَبْدُ اللهِ عَوْن، وَخَالِدٌ الحَذَّاء، وَهِشَامُ بْنُ حَسَّان، وَعَوْفٌ الأَعْرَابيّ، وَمَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُون، وَيَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التُّسْتَرِيّ، وَسَعِيدُ بْنُ أَبي عَرُوبَة، وَشَبِيبُ بْنُ شَيْبَة، وَقُرَّةُ بْنُ خَالِد، وَسُلَيْمَانُ بْنُ المُغِيرَة 0

ـ بَعْضُ صِفَاتِهِ المَظْهَرِيَّة: حَدَّثَ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَطِيَّةَ قَال: «رَأَيْتُ ابْنَ سِيرِينَ قَصِيرَاً، عَظِيمَ الْبَطْن، لَهُ وَفْرَةٌ [أَيْ شَعَرٌ وَفِير] يَفْرِقُ شَعْرَه، كَثِيرَ المُزَاحِ وَالضَّحِك، يَخْضِبُ بِالحِنَّاء» 0 قَالَ محَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ المُفَسِّر: «كَانَ ابْنُ سِيرِينَ فَقِيهَاً، عَالِمَاً، وَرِعَاً، أَدِيبَاً، كَثِيرَ الحَدِيث، صَدُوقَاً، شَهِدَ لَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالفَضْلِ بِذَلِك، وَهُوَ حُجَّة» 0

ـ هَيْبَتُهُ وَصَلاَحُه: قَالَ أَبُو عَوَانَة: «رَأَيْتُ محَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ في السُّوق؛ فَمَا رَآهُ أَحَدٌ إِلاََّ ذَكَرَ الله» 0 عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ: «مَن أَوْلِيَاءُ اللهِ تَعَالىَ» 00؟ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «الَّذِينَ إِذَا رُؤُواْ؛ ذُكِرَ اللهُ تَعَالىَ» 0 [صَحَّحَهُ الأَلْبَانيُّ في الصَّحِيحِ وَالصَّحِيحَةِ بِرَقْمَيْ: 2587، 1733، رَوَاهُ الحَكِيمُ وَالبَزَّارُ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَالنَّسَائِيُّ في السُّنَنِ الكُبْرَى]

ـ قَالُواْ عَن حِفْظِهِ: حَدَّثَ الأَنْصَارِيُّ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَوْنٍ رَحِمَهُ اللهُ قَال: «كَانَ إِبْرَاهِيمُ النَّخْعِيُّ وَالحَسَنُ وَالشَّعْبيّ: يَأْتُونَ بِالحَدِيثِ عَلَى المَعَاني، وَكَانَ الْقَاسِمُ بْنُ محَمَّد، وَمحَمَّدُ بْنُ سِيرِين، وَرَجَاءُ بْنُ حَيْوَة: يُقَيِّدُونَ الحَدِيثَ عَلَى حُرُوفِه» 0 قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَوْنٍ رَحِمَهُ الله: «كَانَ محَمَّدٌ يَأْتي بِالحَدِيثِ عَلَى حُرُوفِه، وَكَانَ الحَسَنُ صَاحِبَ مَعْنىً» ـ قَالُواْ عَنْ ذَكَائِهِ وَفِطْنَتِه: قَالَ ابْنُ يُونُس: «كَانَ ابْنُ سِيرِينَ أَفْطَنَ مِنَ الحَسَنِ في أَشْيَاء» 0

ـ قَالُواْ عَنْ مَكَانَتِهِ: حَدَّثَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَوْنٍ رَحِمَهُ اللهُ قَال: «ثَلاَثَةٌ لَمْ تَرَ عَيْنَايَ مِثْلَهُمْ: ابْنُ سِيرِينَ بِالعِرَاق، وَالقَاسِمُ بْنُ محَمَّدٍ بِالحِجَاز، وَرَجَاءُ بْنُ حَيْوَةَ بِالشَّام؛ كَأَنَّهُمُ التَقَوْا فَتَوَاصَوْا» 0 قَالَ ثَابِتٌ الْبُنَانيّ: «كَانَ الحَسَنُ الْبَصْرِيُّ مُتَوَارِيَاً مِنَ الحَجَّاج؛ فَمَاتَتْ بِنْتٌ لَه؛ فَبَكَى رَحِمَهُ اللهُ حَتىَّ ارْتَفَعَ نَحِيبُه، ثُمَّ قَالَ لي: اذْهبْ إِلىَ محَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ فَقُلْ لَهُ لِيُصَلِّ عَلَيْهَا؛ فَعُرِفَ أَنَّهُ لاَ يَعْدِلُ بِابْنِ سِيرِينَ رَحِمَهُ اللهُ أَحَدَاً» 0

ـ قَالُواْ عَن عِلْمِهِ بِالْقَضَاء: حَدَّثَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَن عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ قَال: «لَمْ يَكُنْ بِالبَصْرَةِ أَحَدٌ أَعْلَمَ بِالقَضَاءِ مِنِ ابْنِ سِيرِين» 0 ـ مَعْرِفَتُهُ بِتَعْبِيرِ الرُّؤَى وَتَأْوِيلِ الأَحَادِيث: قَالَ مَعْمَر: «جَاءَ رَجُلٌ إِلىَ محَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ رَحِمَهُ اللهُ فَقَال: رَأَيْتُ كَأَنَّ حَمَامَةً الْتَقَمَتْ لُؤْلُؤَةً؛ فَخَرَجَتْ مِنهَا أَعْظَمَ مَا كَانَتْ، وَرَأَيْتُ حَمَامَةً أُخْرَى التَقَمَتْ لُؤْلُؤَةً؛ فَخَرَجَتْ أَصْغَرَ مِمَّا دَخَلَتْ، وَرَأَيْتُ أُخْرَى الْتَقَمَتْ لُؤْلُؤَةً؛ فَخَرَجَتْ كَمَا دَخَلَتْ 00؟

فَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ رَحِمَهُ الله: أَمَّا الأُولىَ: فَذَاكَ الحَسَن؛ يَسْمَعُ الحَدِيثَ فَيُجَوِّدُهُ بِمَنْطِقِهِ وَيَصِلُ فِيهِ مِنْ مَوَاعِظِه، وَأَمَّا الَّتي صَغُرَتْ فَأَنَا؛ أَسْمَعُ الحَدِيثَ فَأُسْقِطُ مِنه، وَأَمَّا الَّتي خَرَجَتْ كَمَا دَخَلَتْ فَقَتَادَة؛ فَهُوَ أَحْفَظُ النَّاس» 0 حَدَّثَ عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ مُسْلِمٍ المَرْوَزِيِّ قَال: «كُنْتُ أُجَالِسُ ابْنَ سِيرِين، فَتَرَكْتُهُ وَجَالَسْتُ الإِبَاضِيَّة؛ فَرَأَيْتُ كَأَنيِّ مَعَ قَوْمٍ يحْمِلُونَ جِنَازَةَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم؛ فَأَتَيْتُ ابْنَ سِيرِينَ فَذَكَرْتُهُ لَهُ؛ فَقَال: مَالَكَ جَالَسْتَ أَقْوَامَاً يُرِيدُونَ أَنْ يَدْفِنُواْ مَا جَاءَ بِهِ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم» 0

قَالَ هِشَامُ بْنُ حَسَّان: «أَتَى رَجُلٌ ابْنَ سِيرِينَ فَقَال: رَأَيْتُ كَأَنَّ بيَدِي قَدَحَاً مِنْ زُجَاجٍ فِيهِ مَاء؛ فَانْكَسَرَ الْقَدَحُ وَبَقِيَ المَاء؛ فَقَالَ لَهُ رَحِمَهُ الله: اتَّقِ اللهَ فَإِنَّك لَمْ تَرَ شَيْئَاً؛ فَقَالَ: سُبْحَانَ الله؛ قَالَ ابْنُ سِيرِين: فَمَنْ كَذَبَ فَمَا عَلَيَّ [أَيْ فَمَنْ كَذَب مِنْكُمْ فَمَا ذَنْبي أَنَا] 00؟! ثمَّ عَبَّرَهَا ابْنُ سِيرِينَ لَهُ فَقَال: سَتَلِدُ امْرَأَتُكَ وَتَمُوت، وَيَبْقَى وَلَدُهَا؛ فَلَمَّا خَرَجَ الرَّجُلُ قَال: وَاللهِ مَا رَأَيْتُ شَيْئَاً؛ فَمَا لَبِثَ أَنَّ وُلِدَ لَهُ وَمَاتَتِ امْرَأَتُه» وَقَالَ هِشَامُ بْنُ حَسَّان: «وَدَخَلَ آخَرُ فَقَال: رَأَيْتُ كَأَنيِّ وَجَارِيَةً سَوْدَاءَ نَأْكُلُ في قَصْعَةٍ سَمَكَة؛ قَالَ رَحِمَهُ الله: أَتُهَيِّئُ لي طَعَامَاً وَتَدْعُوني 00؟

قَالَ نَعَمْ؛ فَفَعَل، فَلَمَّا وُضِعَتِ المَائِدَةُ إِذَا جَارِيَةٌ سَوْدَاء؛ فَقَالَ لَهُ محَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ رَحِمَهُ الله: هَلْ أَصَبْتَ هَذِهِ 00؟ قَالَ لاَ؛ قَالَ رَحِمَهُ الله: فَادْخُلْ بِهَا المَخْدَع؛ فَدَخَلَ وَصَاحَ: يَا أَبَا بَكْر؛ رَجُلٌ وَاللهِ؛ فَقَال: هَذَا الَّذِي شَارَكَكَ في أَهْلِك» 0 قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيّ: «قَدْ جَاءَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ في التَّعْبيرِ عَجَائِبُ يَطُولُ ذِكْرُهَا، وَكَانَ لَهُ في ذَلِكَ تَأْيِيدٌ إِلَهِيّ» 0

ـ مُرُوءَتُهُ: حَدَّثَ قُرَيْشُ بْنُ أَنَسٍ عَن عَبْدِ الحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ السَّجَّانَ قَالَ لاِبْنِ سِيرِينَ رَحِمَهُ الله: إِذَا كَانَ اللَّيْلُ فَاذْهَبْ إِلىَ أَهْلِك، فَإِذَا أَصْبَحْتَ فَتَعَالَ؛ قَالَ رَحِمَهُ الله: لاَ وَاللهِ، لاَ أَكُونُ لَكَ عَوْنَاً عَلَى خِيَانَةِ السُّلْطَان» 0 ـ عِبَادَتُهُ لله: حَدَّثَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَن أَيُّوبَ السِّخْتِيَانيِّ رَحِمَهُ اللهُ قَال: «كَانَ محَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ رَحِمَهُ اللهُ يَصُومُ يَوْمَاً وَيُفْطِرُ يَوْمَاً» 0

حَدَّثَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَن أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ [أَخُو محَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ] قَال: «كَانَ لِمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ رَحِمَهُ اللهُ سَبْعَةُ أَوْرَاد، فَإِذَا فَاتَهُ شَيْءٌ مِنَ اللَّيْلِ قَرَأَهُ بِالنَّهَار» 0 ـ وَرَعُهُ وَتَقْوَاه: حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْبَاهِلِيُّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «لَمْ يَكُنْ كُوفِيٌّ وَلاَ بَصْرِيٌّ لَهُ مِثْلُ وَرَعِ محَمَّدِ بْنِ سِيرِين» 0 قَالَ بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ المُزَنِيّ:

«مَن أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلىَ أَوْرَعِ مَن أَدْرَكْنَا؛ فَلْيَنْظُرْ إِلىَ محَمَّدِ بْنِ سِيرِين» 0 ـ وَرَعُهُ في التِّجَارَة: حَدَّثَ أَبُو شِهَابٍ الحَنَّاطُ عَن هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ أَنَّ ابْنَ سِيرِينَ اشْتَرَى بَيْعَاً مِنْ مَنُونِيَّا، فَأَشْرَفَ فِيهِ عَلَى رِبْحِ ثَمَانيْنَ أَلْفَاً، فَعَرَضَ في قَلْبِهِ شَيْءٌ فَتَرَكَه، مَا هُوَ وَاللهِ بِرِبَاً» 0 المَنُونيّ: هوَ الدَّهْرِيّ، الَّذِي يُنْكِرُ الْبَعْثَ وَخَلْقَ اللهِ لِلأَشْيَاء 0 قَالَ هِشَامُ بْنُ حَسَّان:

«تَرَكَ محَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ رَحِمَهُ اللهُ أَرْبَعِينَ أَلْفَاً في شَيْءٍ مَا يَرَوْنَ بِهِ اليَوْمَ بَأْسَاً» 0 حَدَّثَ أَبُو كُدَيْنَةَ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَوْنٍ رَحِمَهُ اللهُ قَال: «كَانَ محَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ رَحِمَهُ اللهُ إِذَا وَقَعَ عِنْدَهُ دِرْهَمُ زَيْفٍ أَوْ سُتُّوق [أَيْ مَمْسُوحٌ أَوْ قَدِيمٌ جِدَّاً] لَمْ يَشْتَرِ بِهِ، فَمَاتَ يَوْمَ مَاتَ وَعِنْدَهُ خَمْسُمِاْئَةٍ زُيُوفَاً وَسُتُّوقَةً» 0 ـ وَرَعُهُ في فَتَاوَاه: قَالَ ابْنُ شُبْرُمَة:

«دَخَلْتُ عَلَى محَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ بِوَاسِط؛ فَلَمْ أَرَ أَجْبَنَ مِنهُ في فَتْوَى، وَلاَ أَجْرَأَ مِنهُ عَلَى رُؤْيَا» 0 حَدَّثَ حَمَّادٌ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَوْنٍ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ سَمِعَ محَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ رَحِمَهُ اللهُ يَنهَى عَنِ الجِدَال، إِلاََّ رَجَاءَ إِنْ كَلَّمْتَهُ أَنْ يَرْجِع» 0 ـ اعْتِزَالُهُ الدُّخُولَ عَلَى السَّلاَطِين: حَدَّثَ ضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ رَحِمَهُ اللهُ قَال:

«كَانَ الحَسَنُ يَجِيءُ إِلىَ السُّلْطَانِ وَيَعِيبُهُمْ، وَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ لاَ يَجِيءُ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَعِيبُهُمْ» 0 قَالَ هِشَامُ بْنُ حَسَّان: «مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً عِنْدَ السُّلْطَانِ أَصْلَبَ مِنِ ابْنِ سِيرِين» 0 حَدَّثَ مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَوْنٍ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللهُ بَعَثَ إِلىَ الحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ [أَيْ بِعَطَاء] فَقَبِلَ، وَبَعَثَ إِلىَ ابْنِ سِيرِينَ رَحِمَهُ اللهُ فَلَمْ يَقْبَلْ» 0 ـ نَوَادِرُه:

قَالَ يُونُسُ بْنُ عُبَيْد: «كَانَ محَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ رَحِمَهُ اللهُ صَاحِبَ ضَحِكٍ وَمُزَاح» 0 وَحَدَّثَ خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ عَنْ مَهْدِيِّ بْنِ مَيْمُونٍ قَال: «رَأَيْتُ محَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ رَحِمَهُ اللهُ يُحَدِّثُ بِأَحَادِيثِ النَّاسِ [أَيْ يُشَارِكُ عَامَّةَ النَّاسِ في بَعْضِ مَا يَتَحَدَّثُون] وَيُنْشِدُ الشِّعْر، وَيَضْحَكُ حَتىَّ يَمِيل؛ فَإِذَا جَاءَ بِالحَدِيثِ مِنَ المُسْنَد؛ كَلَحَ وَتَقَبَّض» 00 أَيْ بَدَا عَلَى وَجْهِهِ الخُشُوع 0 ـ حِكَايَتُهُ مَعَ الْوَسْوَاس:

حَدَّثَ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ عَن عُمَارَةُ بْنِ مِهْرَانَ قَال: «كُنَّا في جِنَازَة حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ [أُخْتُ محَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ رَحِمَهُ الله] فَوُضِعَتِ الجَنَازَة، وَدَخَلَ محَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ صِهْرِيجَاً يَتَوَضَّأ؛ فَقَالَ الحَسَن: أَيْنَ هُوَ 00؟ قَالُواْ: يَتَوَضَّأ: صَبَّاً صَبَّاً، دَلْكَاً دَلْكَاً، عَذَابٌ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى أَهْلِه» 0 حَدَّثَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَوْنٍ رَحِمَهُ اللهُ قَال: «إِنَّ محَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ رَحِمَهُ اللهُ كَانَ يَغْتَسِلُ كُلَّ يَوْم» 0

قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيّ: «كَانَ رَحِمَهُ اللهُ مَشْهُورَاً بِالوَسْوَاس» 0 وَقَالَ مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُون: «رَأَيْتُهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ بَلَغَ عَضَلَةَ سَاقَيْه» 0 عَن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال: «إِنَّ أُمَّتي يُدْعَوْنَ يَوْمَ القِيَامَةِ غُرَّاً محَجَّلِينَ مِن آثَارِ الوُضُوء؛ فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَليَفْعَلْ» 0

[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: (136 / فَتْح)، وَالإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 246 / عَبْد البَاقِي] ـ حِرْصُهُ عَلَى السُّنَّة: قَالَ محَمَّدُ بْنُ عَمْرو: «سَمِعْتُ محَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ يَقُول: عَقَقْتُ عَنْ نَفْسِي بُخْتِيَّة» 0 ـ حِفْظُهُ لِلِسَانِهِ عَن غِيبَةِ المُسْلِمِين: حَدَّثَ أَزْهَرُ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَوْنٍ رَحِمَهُ اللهُ قَال: «كَانُواْ إِذَا ذَكَرُواْ عِنْدَ محَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ رَحِمَهُ اللهُ رَجُلاً بِسَيِّئَة؛ ذَكَرَهُ هُوَ بِأَحْسَنِ مَا يَعْلَم» 0

قَالَ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ: «كُنْتُ عِنْدَ محَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ رَحِمَهُ الله؛ فَذُكِرَ رَجُلٌ فَقَال: ذَاكَ الأَسْوَد 00؟ ثُمَّ قَالَ رَحِمَهُ الله: إِنَّا لله؛ إِنيِّ اغْتَبْتُه» 0 وَحَدَّثَ هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ محَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ رَحِمَهُ اللهُ قَال: «قُلْتُ مَرَّةً لِرَجُل: يَا مُفْلِس؛ فَعُوقِبْت» 00 أَيْ عَاقَبَني اللهُ بِبَلاَء 0 قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانيُّ مُعَقُِّبَاً عَلَى هَذَا:

«قَلَّتْ ذُنُوبُ الْقَوْم؛ فَعَرَفُواْ مِن أَيْنَ أُتُواْ، وَكَثُرَتْ ذُنُوبُنَا؛ فَلَمْ نَدْرِ مِن أَيْنَ نُؤْتىَ» 0 ـ تَوْبِيخُهُ لإِخْوَانِهِ عَلَى الْغِيبَة: جَاءهُ نَاسٌ فَقَالُواْ: إِنَّا نِلْنَا مِنْك؛ فَاجْعَلْنَا في حِلّ؛ قَالَ رَحِمَهُ الله: «لاَ أُحِلُّ لَكُمْ شَيْئَاً حَرَّمَهُ الله» 0 ـ بِرُّهُ بِأُمِّه: حَدَّثَ هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَن حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِين [أُخْتُ محَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ رَحِمَهُ الله] قَالَتْ:

«كَانَتْ وَالِدَةُ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ رَحِمَهُ اللهُ حِجَازِيَّة، وَكَانَ يُعْجِبُهَا الصِّبْغ؛ وَكَانَ محَمَّدٌ إِذَا اشْتَرَى لَهَا ثَوْبَاً؛ اشْتَرَى أَلْيَنَ مَا يَجِد، فَإِذَا كَانَ عِيدٌ صَبَغَ لَهَا ثِيَابَاً، وَمَا رَأَيْتُهُ رَافِعَاً صَوْتَهُ عَلَيْهَا، كَانَ إِذَا كَلَّمَهَا كَالمُصْغِي إِلَيْهَا» 0 حَدَّثَ بَكَّارُ بْنُ محَمَّدٍ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَوْنٍ رَحِمَهُ اللهُ قَال: «إِنَّ محَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ رَحِمَهُ اللهُ كَانَ إِذَا كَانَ عِنْدَ أُمِّهِ؛ لَوْ رَآهُ رَجُلٌ لاَ يَعْرِفُه؛ ظَنَّ أَنَّ بِهِ مَرَضَاً مِن

خَفْضِ كَلاَمِهِ عِنْدَهَا» 0 ـ حُسْنُ خَاتِمَتِهِ رَحِمَهُ الله: حَدَّثَ أَبُو بَكْرٍ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ مُغِيرَةَ بْنِ حَفْصٍ أَنَّهُ سَأَلَ محَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ رَحِمَهُ اللهُ فَقَال: «رَأَيْتُ كَأَنَّ الجَوْزَاءَ تَقَدَّمَتِ الثُّرَيَّا؛ قَالَ رَحِمَهُ الله: هَذَا الحَسَنُ الْبَصرِيُّ يَمُوتُ قَبْلِي، ثمَّ أَتْبَعُهُ، وَهُوَ أَرْفَعُ مِنيِّ» 0 حَدَّثَ أَبُو صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ عَنْ يحْيىَ بْنِ أَيُّوبَ قَال:

«إِنَّ رَجُلَيْنِ تَآخَيَا؛ فَتَعَاهَدَا: إِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الآخَرِ أَنْ يُخْبِرَهُ بِمَا وَجَد، فَمَاتَ أَحَدُهُمَا؛ فَرَآهُ الآخَرُ في النَّوْم؛ فَسَأَلَهُ عَنِ الحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رَحِمَهُ الله 00؟ قَال: ذَاكَ مَلِكٌ في الجَنَّةِ لاَ يُعْصَي؛ قَالَ: فَابْنُ سِيرِينَ رَحِمَهُ الله 00؟ قَال: ذَاكَ فِيمَا شَاءَ وَاشْتَهَى، شَتَّانَ مَا بَيْنَهُمَا؛ قَال: فَبِأَيِّ شَيْءٍ أَدْرَكَ الحَسَنُ الْبَصْرِيّ 00؟ قَال: بِشِدَّةِ الخَوْفِ وَالحُزْن» 0

حَدَّثَ المُحَارِبيُّ عَن حَجَّاجِ بْنِ دِينَارٍ قَال: «كَانَ الحَكَمُ بْنُ جَحْلٍ صَدِيقَاً لاِبْنِ سِيرِينَ رَحِمَهُ الله، فَحَزِنَ عَلَى محَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ حَتىَّ كَانَ يُعَاد [أَيْ حَتىَّ مَرِضَ فَعَادَهُ أَصْحَابُه] ثُمَّ قَال: رَأَيْتُهُ في المَنَامِ في حَالِ كَذَا وَكَذَا، فَسَأَلْتُهُ لَمَّا سَرَّني: مَا فَعَلَ الحَسَن 00؟ قَال: رُفِعَ فَوْقِي سَبْعِينَ دَرَجَة؛ قُلْتُ: بِمَ؛ فَقَدْ كُنَّا نَرَى أَنَّكَ فَوْقَه 00؟! قَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: بِطُولِ الحُزْن» 0

حَدَّثَ هُشَيْمٌ عَنْ مَنْصُورٍ قَال: «كَانَ محَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ رَحِمَهُ اللهُ يَضْحَكُ حَتىَّ تَدْمَعَ عَيْنَاه، وَكَانَ الحَسَنُ يُحَدِّثُنَا وَيَبْكِي» 0 ـ قَضَاءُ ابْنِهِ لِدُيُونِه، وَبَرَكَةُ ذَلِكَ عَلَيْه: حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ بَكَّارِ بْنِ محَمَّدٍ السِّيرِينيِّ عَن أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ محَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَال: «لَمَّا ضَمِنْتُ عَلَى أَبي دَيْنَهُ قَالَ لي: بِالوَفَاء 00؟ قُلْتُ: بِالوَفَاء؛ فَدَعَى لي بِخَيْر؛ فَقضَى عَبْدُ اللهِ عَنهُ ثَلاَثِينَ أَلْفَ دِرْهَم، فَمَا مَاتَ عَبْدُ اللهِ حَتىَّ قَوَّمْنَا مَالَهُ ثَلاَثَمِاْئَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ نَحْوَهَا» 0

ـ مِن أَقْوَالِ ابْنِ سِيرِين: حَدَّثَ قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ محَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «ذَهَب الْعِلْم، وَبَقِيَتْ مِنهُ شَذَرَاتٌ في أَوْعِيَةٍ شَتىَّ» 0 حَدَّثَ مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ قَال: «أَكَلْتُ عِنْدَ ابْنِ سِيرِينَ فَقَال: إِنَّ الطَّعَامَ أَهْوَنُ مِن أَنْ يُقْسَمَ عَلَيْه» 0 حَدَّثَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَن أَيُّوبَ السِّخْتِسَانيِّ رَحِمَهُ اللهُ عَنْ محَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِين؛ فَانْظُرُواْ عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دَيْنَكُمْ» 00 وَتُنْسَبُ هَذِهِ الْعِبَارَةُ أَيْضَاً لِلإِمَامِ مَالِك 0

الفضيل بن عياض

الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاض هُوَ الإِمَامُ الْقُدْوَةُ الثَّبْتُ الزَّاهِدُ الْعَابِدُ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضِ بْنِ مَسْعُودِ بْنِ بِشْرٍ التَّمِيمِيُّ الخُرَاسَانيّ وُلِدَ: بِسَمَرْقَنْدَ، وَنَشَأَ بِأَبِيوَرْد، وَارْتَحَلَ في طَلَبِ الْعِلْم 0 وُلِدَ سَنَةَ 107 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 187 هـ 0 قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «كَانَ يَعِيشُ مِنْ صِلَةِ ابْنِ المُبَارَكِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَنَحْوِهِ مِن أَهْلِ الخَيْر، وَيَمْتَنِعُ مِنْ جَوَائِزِ المُلُوك» 0

ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: حَدَّثَ عَنْ شُيُوخِ الكُوفَةِ كَمَنْصُورٍ، وَالأَعْمَشِ، وَعَطَاءِ بْنِ السَّائِب، وَصَفْوَانَ بْنِ سُلَيْم، وَأَبي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانيّ، وَيحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيّ، وَهِشَامِ بْنِ حَسَّان، وَابْنِ أَبي لَيْلَى، وَمُجَالِد، وَجَعْفَرٍ الصَّادِق، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيل، وَخَلْقٍ سِوَاهُمْ مِنَ الْكُوفِيِّينَ وَالحِجَازِيِّين 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ ابْنُ المُبَارَك، وَيحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّان، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيّ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَة، وَالأَصْمَعِيّ، وَعَبْدُ الرَّزَّاق، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيّ، وَالشَّافِعِيّ، وَأَحْمَدُ بْنُ يُونُس، وَيحْيىَ بْنُ يحْيىَ التَّمِيمِيّ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْب، وَمُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَد، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيد، وَبِشْرٌ الحَافِي، وَالسَّرِيُّ السَّقَطِيّ، وَأَحْمَدُ بْنُ المِقْدَام، وَالحُمَيْدِيّ، وَعَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مَرْدَوَيْه، وَابْنُ قُدَامَةَ المِصِّيصِيّ، وَخَلْقٌ كَثِير 0

ـ قَالُواْ عَنْ تَوْثِيقِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ عَنهُ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْعِجْلِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «كُوفِيٌّ ثِقَة، رَجُلٌ صَالِحٌ مُتَعَبِّد» 0 وَقَالَ عَنهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَِّازِي: «صَدُوق» 0 وَقَالَ عَنهُ الدَّارَقُطْنيّ: «ثِقَة» 0 وَقَالَ عَنهُ الإِمَامُ النَّسَائِيّ: «ثِقَةٌ مَأْمُون، رَجُلٌ صَالِح» 0 حَدَّثَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ محَمَّدٍ الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قَال: «فُضَيْلٌ ثِقَة»

ـ تَقْدِيرُ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ لَهُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الأَشْعَث: «رَأَيْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ يُقَبِّلُ يَدَ الْفُضَيْلِ مَرَّتَيْن» 0 ـ ثَنَاءُ الأَئِمَّهِ عَلَيْه، وَتَوْثِيقُهُمْ لَه: قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْل: «سَمِعْتُ الرَّشِيدَ يَقُول: «مَا رَأَيْتُ في الْعُلَمَاءِ أَهْيَبَ مِنْ مَالِك، وَلاَ أَوْرَعَ مِنَ الْفُضَيْل» 0

حَدَّثَ أَحْمَدُ بْنُ أَبي الحَوَارِيِّ عَنِ الهَيْثَمِ بْنِ جَمِيلٍ عَنْ شَرِيكٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «لَمْ يَزَلْ لِكُلِّ قَوْمٍ حُجَّةٌ في أَهْلِ زَمَانِهِمْ، وَإِنَّ فُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ حُجَّةٌ لأَهْلِ زَمَانِه» 0 ـ ثَنَاءُ عَبْدِ اللهِ بْنِ المُبَارَكِ رَحْمَهُ اللهُ عَلَيْه: حَدَّثَ أَبُو وَهْبٍ محَمَّدُ بْنُ مُزَاحِمٍ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «رَأَيْتُ أَعَبْدَ النَّاسِ: عَبْدَ الْعَزِيز بْنَ أَبي رَوَّاد، وَأَورَعَ النَّاسِ: الْفُضَيْلَ بْنَ عِيَاض» 0 حَدَّثَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ شَمَّاسٍ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «مَا بَقِيَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ عِنْدِي أَفْضَلُ مِنَ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاض» 0

حَدَّثَ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مَرْدَوَيْهِ الصَّائِغُ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «إِنَّ الْفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ صَدَقَ اللهَ جَلَّ وَعَلاَ؛ فَأَجْرَى الحِكْمَةَ عَلَى لِسَانِه» 0 حَدَّثَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَفَّانَ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «مَا بَقِيَ في الحِجَازِ أَحَدٌ مِنَ الأَبْدَالِ إِلاََّ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، وَابْنُهُ عَلِيّ» ـ قَالُواْ عَنْ تَوَاضُعِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ الحُسَيْنُ بْنُ زِيَادٍ المَرْوَزِيُّ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رَحمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَال: «لَوْ حَلَفْتُ أَنيِّ مُرَاءٍ، كَانَ أَيْسَرَ عِنْدِي مِن أَن أَحْلِفَ أَنيِّ لَسْتُ بِمُرَاءٍ»

ـ قَالُواْ عَنْ صَلاَحِهِ وَتَقْوَاه، وَخُشُوعِهِ في الصَّلاَة، وَحُسْنِ عِبَادَتِهِ لله: حَدَّثَ المُفَضَّلُ الجَنَدِيُّ عَن إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَال: «مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً أَخَوْفَ عَلَى نَفْسِهِ، وَلاَ أَرْجَى لِلنَّاسِ مِنَ الْفُضَيْل؛ كَانَتْ قِرَاءتُهُ حَزِينَةً شَهِيَّة، بَطِيئَةً مُتَرسِّلَة، كَأَنَّهُ يُخَاطِبُ إِنْسَانَاً، وَكَانَ إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا ذِكْرُ الجَنَّة: يُرَدِّدُ فِيهَا، وَسَأَل، وَكَانَ أَكْثَرُ صَلاَتِهِ بِاللَّيْلِ قَاعِدَاً، يُلْقَى لَهُ الحَصِيرُ في مَسْجِدِهِ، فَيُصَلِّي في أَوَّلِ اللَّيْلِ سَاعَةً، ثمَّ تَغْلِبُهُ عَيْنُه؛ فَيُلْقِي نَفْسَهُ عَلَى الحَصِيرِ فَيَنَامُ قَلِيلاً، ثمَّ يَقُوم، فَإِذَا غَلَبَهُ النَّوْمُ نَامَ قَلِيلاً، ثمَّ يَقُوم 00 هَكَذَا حَتىَّ يُصْبِح» 0

ـ قَالُواْ عَنِ خَوْفِهِ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلّ: قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الأَشْعَث: «مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً كَانَ اللهُ جَلَّ وَعَلاَ في صَدْرِهِ أَعْظَمَ مِنَ الْفُضَيْل؛ كَانَ إِذَا ذَكَرَ اللهَ جَلَّ وَعَلاَ أَوْ ذُكِرَ عِنْدَهُ أَوْ سَمِعَ الْقُرْآن: ظَهَرَ بِهِ الخَوْفُ وَالحُزْنُ وَفَاضَتْ عَيْنَاهُ وَبَكَى، حَتىَّ يَرْحَمَهُ مَنْ يحْضُرُهُ، وَكَانَ دَائِمَ الحُزْن، شَدِيدَ الْفِكرَة، مَا رَأَيْتُ رَجُلاً يُرِيدُ اللهَ بِعِلْمِهِ وَعَمَلِه، وَأَخْذِهِ وَعَطَائِه، وَمَنعِهِ وَبَذْلِه، وَبُغْضِهِ وَحُبِّه، وَخِصَالِهِ كُلِّهَا غَيرَه؛ كُنَّا إِذَا خَرَجْنَا مَعَهُ في جَنَازَة: لاَ يَزَالُ يَعِظُ وَيُذَكِّرُ وَيَبْكِي 00 كَأَنَّهُ مُوَدِّعٌ أَصْحَابَهُ ذَاهِبٌ إِلى الآخِرَة 00 حَتىَّ يَبْلُغَ المَقَابِر، فَيَجْلِسُ مَكَانَهُ بَيْنَ المَوْتىَ مِنَ الحُزْنِ وَالبُكَاء؛ حَتىَّ يَقُومَ وَكَأَنَّهُ رَجَعَ مِنَ الآخِرَةِ يُخْبِرُ عَنهَا» 0

ـ قَالُواْ عَنِ خُشُوعِهِ وَبُكَائِهِ مِن خَشْيَةِ الله: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «إِذَا نَظَرْتُ إِلىَ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ: جَدَّدَ لِيَ الحُزْن، وَمَقَتُّ نَفْسِي، ثُمَّ بَكَى رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه» 0 قَالَ سَهْلُ بْنُ رَاهَوَيْه: «قُلْتُ لِسُفْيَانَ ِبْنِ عُيَيْنَة: أَلاَ تَرَى إِلىَ الْفُضَيْلِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ لاَ تَكَادُ تَجِفُّ لَهُ دَمْعَة 00؟ قَالَ سُفْيَانُ ِبْنُ عُيَيْنَة: إِذَا قَرِحَ الْقَلْب: نَدِيَتِ الْعَيْنَان» 0

ـ مَوَاعِظُهُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ لِطَلَبَةِ الحَدِيث: رَأَى الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَوْمَاً مِن أَصْحَابِ الحَدِيثِ يَمْزَحُونَ وَيَضْحَكُون؛ فَنَادَاهُمْ: مَهْلاً يَا وَرثَةَ الأَنْبيَاءِ مَهْلاً؛ إِنَّكُمْ أَئِمَّةٌ يُقْتَدَى بِكُمْ» 0 حَدَّثَ المُفَضَّلُ الجَنَدِيُّ عَن إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْفُضَيْلِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ لَه: «لَوْ أَنَّكَ طَلَبتَ مِنيِّ الدَّنَانيرَ، كَانَ أَيْسَرَ عَلَيَّ مِن أَنْ تَطلُبَ مِنيِّ الحَدِيث؛ فَقُلْتُ: لَوْ حَدَّثْتَني بِأَحَادِيثَ فَوَائِدَ لَيْسَتْ عِنْدِي، كَانَ أَحَبَّ إِليَّ مِن أَنْ تهَبَ لي عَدَدَهَا دَنَانِير؛ قَالَ: إِنَّكَ مَفْتُون،

وَاللهِ لَوْ عَمِلْتَ بمَا سَمِعْتَ لَكَانَ لَكَ في ذَلِكَ شُغُلٌ عَمَّا لم تَسْمَعْ؛ سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ مِهْرَانَ يَقُول: إِذَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْكَ طَعَامٌ تَأْكُلُه، فَتَأْخُذُ اللُّقمَةَ، فَتَرْمِي بِهَا خَلْفَ ظَهْرِكَ، مَتىَ تَشْبَع» 00؟ ـ مَوَاعِظُهُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ لِلدُّعَاةِ وَالْعُلَمَاء: حَدَّثَ أَحْمَدُ بْنُ أَبي الحَوَارِيِّ عَن أَبي عَبْدِ اللهِ الأَنْطَاكِيِّ قَال: «اجْتَمَعَ الْفُضَيْلُ وَالثَّوْرِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمَا فَتَذَاكَرَا؛ فَرَقَّ سُفْيَانُ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَبَكَى، ثُمَّ قَال: أَرْجُو أَنْ يَكُونَ هَذَا المَجْلِسُ عَلَيْنَا رَحْمَةً وَبَرَكَةً؛ فَقَالَ لَهُ الْفُضَيْل: لَكِنيِّ يَا أَبَا عَبْدِ الله؛ أَخَافُ أَنْ لاَ يَكُونَ أَضَرَّ

عَلَيْنَا مِنهُ؛ أَلَسْتَ تَخَلَّصْتَ إِلىَ أَحْسَنِ حَدِيثِكَ، وَتَخَلَّصْتُ أَنَا إِلىَ أَحْسَنِ حَدِيثِي 00 فَتَزَيَّنْتَ لي وَتَزَيَّنْتُ لَك 00؟ فَبَكَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَال: أَحْيَيْتَني أَحْيَاكَ الله» 0 حَدَّثَ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ عَن عَلِيِّ بْنِ الحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ قَال: «بَلَغَ الْفُضَيْلَ أَنَّ حَرِيزَاً يُرِيدُ أَنْ يَأْتِيَهُ؛ فَأَقفَلَ الْبَابَ مِن خَارِج؛ فَجَاءَ فَرَأَى الْبَابَ مُقْفَلاً؛ فَرَجَعَ، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: حَرِيز؛ قَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

مَا يَصْنَعُ بي؛ يُظْهِرُ لي مَحَاسِنَ كَلاَمِهِ، وَأُظْهِرُ لَهُ مَحَاسِنَ كَلاَمِي؛ فَلاَ يَتَزَيَّنُ لي وَلاَ أَتَزَيَّنُ لَهُ خَيْرٌ لَنَا جَمِيعَاً» 00!! وَذَلِكَ أَنَّ قُطُوفَ المَوَاعِظِ لَيْسَتْ فَاكِهَةً تُلْقِيهَا لِلنَّاسِ في محَاضَرَة، وَلَكِنَّهَا تَذْكِرَة، وَزَادٌ إِلىَ الآخِرَة ـ مَوَاعِظُهُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ لِلْخَلِيفَةِ هَارُونَ الرَّشِيد: قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الجَوْهَرِيُّ عَنِ الخَلِيفَةِ المَأْمُونِ أَنَّهُ قَالَ له: «قَالَ لي الرَّشِيد:

«مَا رَأَتْ عَيْنَايَ مِثْلَ فُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه؛ دَخَلْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ لي: فَرِّغْ قَلْبَكَ لِلْحُزنِ وَالخَوْفِ حَتىَّ يَسْكُنَاهُ فَيَقْطَعَاكَ عَنِ المَعَاصِي وَيُبَاعِدَاكَ مِنَ النَّار» 0 حَدَّثَ عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ عَنْ محَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْبَارِيِّ عَنِ الْفُضَيْلِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «لَمَّا قَدِمَ هَارُونُ الرَّشِيدِ إِلىَ مَكَّة: قَعَدَ في الحِجْرِ هُوَ وَوَلَدُهُ وَقَوْمٌ مِنَ الهَاشِمِيِّين، وَأَحضَرُواْ المَشَايِخ، فَبَعَثَوْاْ إِلَيَّ؛ فَأَرَدْتُ أَنْ لاَ أَذهَب

؛ فَاسْتَشَرْتُ جَارِي فَقَال: اذْهبْ؛ لَعَلَّهُ يُرِيدُ أَنْ تَعِظَه، فَدَخَلْتُ المَسْجِدَ فَقُلْتُ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛ فَرَدَّ عَلَيَّ، وَقَالَ اقعُدْ، ثمَّ قَال: إِنَّمَا دَعَونَاكَ لِتُحَدِّثنَا بِشَيْءٍ وَتَعِظَنَا؛ فَأَقْبَلْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا حَسَنَ الْوَجْه، حِسَابُ الخَلْقِ كُلِّهُمْ عَلَيْك؛ فَجَعَلَ يَبْكِي وَيَشْهَق، فَرَدَّدْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ يَبْكِي، حَتىَّ جَاءَ الخَدَمُ فَحَمَلُوني وَأَخْرَجُوني، وَقَال: اذْهَبْ بِسَلاَم» 0

حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ سَعْدَانَ الحَرَّانيُّ عَن أَبي عُمَرَ النَّحْوِيِّ الجَرْمِيِّ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ الرَّبِيعِ قَال: «حَجَّ الخَلِيفَةُ هَارُونُ الرَّشِيدُ فَقَالَ لي: وَيْحَكَ قَدْ حَكَّ في نَفْسِي شَيْءٌ، فَانْظُرْ لي رَجُلاً أَسْأَلُه؟ فَقُلْتُ: هَا هُنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَة؛ فَقَال: امْضِ بِنَا إِلَيْه، فَأَتَيْنَاه، فَقَرَعْتُ بَابَهُ فَقَال: مَنْ ذَا؟ فَقُلْتُ: أَجِبْ أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ فَخَرَجَ مُسْرِعَاً فَقَال: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ لَوْ أَرْسَلتَ إِلَيَّ، أَتَيْتُك 0

فَحَكَى لَهُ الرَّشِيدُ عَمَّا أَقْدَمَه؛ فَحَدَّثَهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَة سَاعَةً، ثُمَّ سَأَلَهُ الرَّشِيد: عَلَيْكَ دَين؟ قَالَ نَعَمْ؛ فَقَالَ لي: اقْضِ دَيْنَه، فَلَمَّا خَرَجْنَا قَال: مَا أَغْنىَ عَنيِّ صَاحِبُكَ شَيْئَاً؛ قُلْتُ: هَا هُنَا عَبْدُ الرَّزَّاق؛ قَال: امْضِ بِنَا إِلَيْه؛ فَأَتَيْنَاه، فَقَرَعْتُ الْبَاب؛ فَخَرَجَ وَحَادَثَه سَاعَةً، ثمَّ قَالَ لَهُ: عَلَيْكَ دَين 00؟

قَالَ نَعَمْ؛ قَال: أَبَا عَبَّاسٍ؛ اقْضِ دَيْنَه، فَلَمَّا خَرَجْنَا قَال: مَا أَغْنىَ عَنيِّ صَاحِبُك شَيْئَاً؛ انْظُرْ لي رَجُلاً أَسْأَلُه؛ قُلْتُ: هَا هُنَا الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاض؛ قَال: امْضِ بِنَا إِلَيْه؛ فَأَتَيْنَاه، فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، يَتْلُو آيَةً يُرَدِّدُهَا؛ فَقَال: اقْرَعِ الْبَاب؛ فَقَرَعْتُ؛ فَقَال: مَن هَذَا 00؟ قُلْتُ: أَجِبْ أَمِيرَ المُؤْمِنِين 0 قَال: مَا لي وَلأَمِيرِ المُؤْمِنِين 00؟

قُلْتُ: سُبْحَانَ الله؛ أَمَا عَلَيْكَ طَاعَة 00؟ [أَيْ أَيْنَ مَا أَوْجَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ مِنْ طَاعَةِ أُوْلي الأَمْر] فَنَزَلَ فَفَتَحَ الْبَاب، ثُمَّ ارْتَقَى إِلىَ الْغُرفَةِ فَأَطْفَأَ السِّرَاج، ثُمَّ الْتَجَأَ إِلىَ زَاوِيَةٍ؛ فَدَخَلْنَا؛ فَجَعَلْنَا نَجُولُ عَلَيْهِ بِأَيْدِينَا، فَسَبَقَتْ كَفُّ هَارُونَ إِلَيْهِ قَبْلِي، فَقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

يَا لهَا مِنْ كَفٍّ مَا أَلْيَنَهَا إِنْ نجَتْ غَدَاً مِن عَذَابِ الله؛ فَقُلْتُ في نَفْسِي: لَيُكَلِّمَنَّهُ اللَّيْلَةَ بِكَلاَمٍ نَقِيّ؛ مِنْ قَلْبٍ تَقِيّ 00 فَحَكَى لَهُ الرَّشِيدُ عَمَّا أَقْدَمَه؛ فَقَالَ لَهُ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: إِنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ لَمَّا وَلِيَ الخِلاَفَة؛ دَعَا سَالِمَ بْنَ عَبْدِ الله، وَمحَمَّدَ بْنَ كَعْب، وَرَجَاءَ بْنَ حَيْوَة؛ فَقَالَ لَهُمْ: «إِنيِّ قَدِ ابْتُلِيْتُ بِهَذَا الْبَلاَء؛ فَأَشِيرُواْ عَلَيّ» 00؟

فَعَدَّ الخِلاَفَةَ بَلاَءً، وَعَدَدْتَهَا أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ نِعمَةً 00!! فَقَالَ لَهُ سَالِمٌ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: إِن أَرَدْتَ النَّجَاةَ فَصُمِ الدُّنْيَا، وَلْيَكُن إِفْطَارُكَ مِنهَا المَوْت 0 وَقَالَ لَهُ محَمَّدُ بْنُ كَعْب رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: إِن أَرَدْتَ النَّجَاةَ مِن عَذَابِ الله، فَلْيَكُنْ كَبِيرُ المُسْلِمِينَ عِنْدَك أَبَاً، وَأَوْسَطُهُمْ أَخَاً، وَأَصْغَرُهُمْ وَلدَاً؛ فَوَقِّرْ أَبَاكَ وَأَكْرِمْ أَخَاكَ وَتَحَنَّن عَلَى وَلَدِك 0

وَقَالَ لَهُ رَجَاءُ بْنُ حَيْوَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: إِن أَرَدْتَ النَّجَاةَ مِن عَذَابِ الله؛ فَأَحِبَّ لِلْمُسْلِمِينَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِك، وَاكْرَهْ لَهُمْ مَا تَكْرَهُ لِنَفْسِك، ثُمَّ مُتْ إِذَا شِئْت 0 وَإِنيِّ أَقُولُ لَكَ هَذَا، وَإِنيِّ أَخَافُ عَلَيْكَ أَشَدَّ الخَوْفِ يَوْمَاً تَزِلُّ فِيهِ الأَقْدَام؛ فَهَلْ مَعَكَ رَحِمَكَ اللهُ مَنْ يُشِيرُ عَلَيْكَ بِمِثْلِ هَذَا 00؟ فَبَكَى بُكَاءً شَدِيدَاً حَتىَّ غُشِيَ عَلَيْه؛ فَقُلْتُ لَهُ: ارْفُقْ بِأَمِيرِ المُؤْمِنِين 00

فَقَال: يَا ابْنَ أُمِّ الرَّبِيع؛ تَقْتُلُهُ أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ وَأَرْفُقُ بِهِ أَنَا 0 ثُمَّ أَفَاقَ الرَّشِيدُ فَقَالَ لَهُ زِدْني رَحِمَكَ الله؛ قَال: بَلَغَني أَنَّ عَامِلاً لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ شُكِيَ لَهُ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: يَا أَخِي؛ أُذَكِّرُكَ طُولَ سَهِرِ أَهْلِ النَّارِ في النَّار، مَعَ خُلُودِ الأَبَد، وَإِيَّاكَ أَنْ يُنْصَرَفَ بِكَ مِن عِنْدِ اللهِ فَيَكُونَ آخِرَ الْعَهدِ وَانقِطَاعَ الرَّجَاء 00 [أَيْ يُؤْمَرُ بِكَ إِلىَ النَّار]

فَلَمَّا قَرَأَ الْكِتَابَ طَوَى الْبِلاَدَ حَتىَّ قَدِمَ عَلَيْه؛ فَقَالَ لَهُ عُمَر: مَا أَقْدَمَك 00؟ قَال: خَلَعْتَ قَلْبي بِكِتَابِك، لاَ أَعُودُ إِلىَ وِلاَيَةٍ حَتىَّ أَلْقَى الله؛ فَبَكَى هَارُونُ بُكَاءً شَدِيدَاً 0 فَقَالَ لَهُ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ إِنَّ الْعَبَّاسَ عَمَّ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ إِلَيْهِ فَقَال أَمِّرْني؛ فَقَالَ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم:

«إِنَّ الإِمَارَةَ حَسْرَةٌ وَنَدَامَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَة؛ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لاَ تَكُونَ أَمِيرَاً فَافْعَلْ» 0 فَبَكَى هَارُونُ، وَقَال: زِدْني؛ قَالَ لَهُ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: يَا حَسَنَ الْوَجْه؛ أَنْتَ الَّذِي يَسْأَلُكَ اللهُ عَن هَذَا الخَلْقِ يَوْمَ الْقِيَامَة؛ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَقِيَ هَذَا الْوَجْهَ مِنَ النَّارِ فَافْعَلْ، وَإِيَّاكَ أَنْ تُصْبِحَ وَتُمسِيَ وَفي قَلْبِكَ غِشٌّ لأَحَدٍ مِنْ رَعِيَّتِك، فَإِنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال:

«مَن أَصْبَحَ لَهُمْ غَاشَّاً، لَمْ يُرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّة» 0 فَبَكَى هَارُونُ الرَّشِيد، ثُمَّ قَالَ لَه: عَلَيْكَ دَين 00؟ قَالَ نَعَمْ: دَينٌ لِرَبيِّ لَمْ يُحَاسِبْني عَلَيْه؛ فَالوَيْلُ لي إِنْ سَاءَلَني، وَالوَيلُ لي إِنْ نَاقَشَني 0 قَال: إِنَّمَا أَعْني مِنْ دَينِ الْعِبَاد 00؟ قَال: إِنَّ رَبِّي لَمْ يَأْمُرْني بِهَذَا، أَمَرَني أَن أَصْدُقَ وَعْدَه، وَأُطِيعَ أَمْرَه، فَقَالَ عَزَّ وَجَلّ:

(وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُون {56} مَا أُرِيدُ مِنهُمْ مِن رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُون {57} إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِين ({الذَّارِيَات} فَقَال: هَذِهِ أَلفُ دِينَار، خُذْهَا فَأَنْفِقْهَا عَلَى عِيَالِك، وَتَقَوَّ بِهَا عَلَى عِبَادَةِ رَبِّك 00 فَقَال: سُبْحَانَ الله 00 أَنَا أَدُلُّكَ عَلَى طَرِيقِ النَّجَاة، وَأَنْتَ تُكَافِئُني بِمِثْلِ هَذَا، سَلَّمَكَ الله،

ثمَّ صَمَتَ، فَلَمْ يُكَلِّمْنَا، فَخَرَجْنَا، فَقَالَ هَارُون: أَبَا عَبَّاس؛ إِذَا دَلَلْتَني فَدُلَّني عَلَى مِثْلِ هَذَا، هَذَا سَيِّدُ المُسْلِمِين، فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَائِهِ فَقَالَتْ: قَدْ تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ مِنَ الضِّيق؛ فَلَو قَبِلْتَ هَذَا المَال 00؟ قَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ: كَمَثَلِ قَوْمٍ لَهُمْ بَعِيرٌ يَأْكُلُونَ مِنْ كَسْبِهِ؛ فَلَمَّا كَبِرَ نحَرُوهُ فَأَكَلُواْ لَحْمَه، فَلَمَّا سَمِعَ هَارُونُ هَذَا الْكَلاَمَ قَال: نَدْخُلُ فَعَسَى أَنْ يَقْبَلَ المَال 0

فَلَمَّا عَلِمَ الْفُضَيْلُ خَرَجَ فَجَلَسَ في السَّطحِ عَلَى بَابِ الْغُرفَة [أَيْ لِيَنْظُرَ هَلِ انْصَرَفَا أَمْ سَمِعَاهَا] فَجَاءَ هَارُونُ فَجَلَسَ إِلىَ جَنْبِهِ، فَجَعَلَ يُكَلِّمُهُ فَلاَ يُجِيبُه، فَبَيْنَا نحْنُ كَذَلِكَ إِذْ خَرَجَتْ جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ: يَا هَذَا؛ قَدْ آذَيْتَ الشَّيْخَ مُنْذُ اللَّيْلَة؛ فَانْصَرِفْ؛ فَانْصَرَفْنَا» 0 ـ مِن أَقْوَالِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ عَبْدَوَيْهِ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «تَرْكُ الْعَمْلِ مِن أَجْلِ النَّاسِ رِيَاء، وَالعَمْلُ مِن أَجْلِ النَّاسِ شِرْك، وَالإِخْلاَصُ أَنْ يُعَافِيَكَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنهُمَا» 0 قَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «لاَ يَكُونُ الْعَبْدُ مِنَ المُتَّقِينَ حَتىَّ يَأْمَنَهُ عَدُوُّه» 0 حَدَّثَ فَيْضُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال:

«وَاللهِ مَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تُؤْذِيَ كَلْبَاً وَلاَ خِنْزِيرَاً بِغَيْرِ حَقّ؛ فَكَيْفَ تُؤْذِي مُسْلِمَاً» 00؟ قَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «بِقَدْرِ مَا يَصْغُرُ الذَّنْبُ عِنْدَك: يَعْظُمُ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلّ، وَبِقَدْرِ مَا يَعْظُمُ عِنْدَك: يَصغُرُ عِنْدَ الله عَزَّ وَجَلّ» 0 حَدَّثَ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مَرْدَوَيْه: عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال:

«لَمْ يَتَزَيَّنِ النَّاسُ بِشَيْءٍ أَفْضَلَ مِنَ الصِّدْق، وَطَلَبِ الحَلاَل؛ فَقَالَ ابْنُهُ عَلِيّ: يَا أَبَتِ؛ إِنَّ الحَلاَلَ عَزِيز [أَيْ قَلِيل] قَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: يَا بُنيّ، وَإِنَّ قَلِيلَهُ عِنْدَ اللهِ كَثِير» 0 حَدَّثَ السَّرِيُّ السَّقْطِيُّ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «مَن خَافَ اللهَ عَزَّ وَجَلّ: لَمْ يَضُرَّهُ أَحَد، وَمَن خَافَ غَيْرَ اللهِ عَزَّ وَجَلّ: لَمْ يَنْفَعْهُ أَحَد» 0

حَدَّثَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الأَشْعَثِ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «رَهْبَةُ الْعَبْدِ مِنَ الله: عَلَى قَدْرِ عِلْمِهِ بِالله، وَزُهْدُهُ في الدُّنْيَا عَلَى: قَدْرِ رَغْبَتِهِ في الآخِرَة، وَمَن عَمِلَ بمَا عَلِم: اسْتَغنىَ عَمَّا لاَ يَعْلَم، وَمَن عَمِلَ بمَا عَلِم: وَفَّقَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِعِلْمِ ماَ لاَ يَعْلَم» حَدَّثَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الأَشْعَثِ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال:

«أَكْذَبُ النَّاس: الْعَائِدُ في ذَنْبِهِ، وَأَجْهَلُ النَّاس: المُدِلُّ بحَسَنَاتِهِ، وَأَعْلَمُ النَّاسِ بِاللهِ أَخْوَفُهُمْ مِنه، لَنْ يَكْمُلَ عَبْدٌ حَتىَّ يُؤْثِرَ دِينَهُ عَلَى شَهْوَتِه، وَلَنْ يَهْلِكَ عَبدٌ حَتىَّ يُؤْثِرَ شَهْوَتَه عَلَى دِينِه» 0 قَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «لاَ يَبْلُغُ الْعَبْدُ حَقِيقَةَ الإِيمَان: حَتىَّ يَعُدَّ الْبَلاَءَ نِعْمَةً، وَالرَّخَاءَ مُصِيبَةً، وَحَتىَّ لاَ يُحِبَّ أَنْ يُحْمَدَ عَلَى عِبَادَةِ الله» 0

حَدَّثَ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ يَزِيدَ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «وَاسَوْأَتَاهُ وَاللهِ مِنْكَ وَإِن عَفَوْت» 0 حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شَقِيقٍ عَن أَبي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيِّ عَنِ الْفُضَيْلِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «لَوْ خُيِّرْتُ بَيْنَ أَن أَعِيشَ كَلْبَاً وَأَمُوتَ كَلْبَاً وَلاَ أَرَى يَوْمَ الْقِيَامَة؛ لاَخْتَرْتُ ذَلِك» 0 حَدَّثَ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ يَزِيدَ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال:

«إِذَا أَحَبَّ اللهُ عَبْدَاً: أَكْثَرَ غَمَّه، وَإِذَا أَبْغَضَ عَبدَاً: وَسَّعَ عَلَيْهِ دُنْيَاه» 0 حَدَّثَ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ يَزِيدَ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «الخَوْفُ أَفْضَلُ مِنَ الرَّجَاءِ مَا دَامَ الرَّجُلُ صَحِيحَاً؛ فَإِذَا نَزَلَ بِهِ المَوْتُ فَالرَّجَاءُ أَفْضَل» 0 قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ مُفَسِّرَاً: «وَذَلِكَ لِقَوْلِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «لاَ يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلاََّ وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللهِ عَزَّ وَجَلّ» 0

[الإِمَامُ مُسْلِمٌ في كِتَابِ الجَنَّةِ وَصِفَةِ نَعِيمِهَا وَأَهْلِهَا، بَاب: الأَمْرِ بحُسْنِ الظَّنِّ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَ المَوْت بِرَقْم: 2877] حَدَّثَ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ يَزِيدَ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «وَعِزَّتِهِ جَلَّ وَعَلاَ: لَوْ أَدْخَلَني النَّارَ مَا أَيِسْت» 0 حَدَّثَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الأَشْعَثِ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال:

«بَلَغَني أَنَّ الْعُلَمَاءَ فِيمَا مَضَى: كَانُواْ إِذَا تَعَلَّمُواْ عَمِلُواْ، وَإِذَا عَمِلُواْ شُغِلُواْ، وَإِذَا شُغِلُواْ فُقِدُواْ، وَإِذَا فُقِدُواْ طُلِبُواْ، فَإِذَا طُلِبُواْ هَرَبُواْ» 0 قَالَ الأَصْمَعِيّ: «نَظرَ الْفُضَيْلُ إِلىَ رَجُلٍ يَشْكُو إِلىَ رَجُلٍ فَقَالَ لِلشَّاكِي: يَا هَذَا؛ تَشْكُو مَنْ يَرْحَمُكَ إِلىَ مَنْ لاَ يَرْحَمُك» 00؟ حَدَّثَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال:

«يُغْفَرُ لِلْجَاهِلِ سَبْعُونَ ذَنْبَاً مَا لاَ يُغْفَرُ لِلْعَالِمِ ذَنْبٌ وَاحِد» 0 حَدَّثَ أَبُو النَّضْرِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنْ يحْيىَ بْنِ يُوسُفَ عَنِ الْفُضَيْلِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَال: «إِنيِّ رَأَيْتُ النَّاسَ يَغُوصُونَ عَلَى النَّارِ غَوْصَاً شَدِيدَاً، وَيَطْلُبُونَهَا طَلَبَاً حَثِيثَاً، أَمَا وَاللهِ لَوْ طَلَبُواْ الجَنَّةَ بِمِثْلِهَا أَوْ أَيْسَرَ لَنَالُوهَا» 0

حَدَّثَ فَيْضُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «لَيْسَتِ الدُّنْيَا دَارَ إِقَامَةٍ، وَإِنَّمَا آدَمُ أُهْبِطَ إِلَيْهَا عُقُوبَةً، أَلاَ تَرَى كَيْفَ يَزْوِيهَا عَنهُ، وَيُمَرِّرُهَا عَلَيْهِ بِالجُوع، وَالعُرِي، وَالحَاجَة، كَمَا تَصْنَعُ الْوَالِدَةُ الشَّفِيقَةُ بِوَلَدِهَا، تَسقِيهِ مَرَّةً حُضَضَاً، وَمَرَّةً صَبِرَاً؛ تُرِيدُ بِذَلِكَ مَا هُوَ خَيْرٌ لَه» 00 الحُضَض: دَوَاءٌ يُتَّخَذُ مِن أَبْوَالِ الإِبِل، وَالصَّبِر: الصَّبَِّار 0

حَدَّثَ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ يَزِيدَ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «إِنَّهُمَا عَالِمَان: فَعَالِمُ الدُّنْيَا عِلْمُهُ مَنْشُور، وَعَالِمُ الآخِرَةِ عِلْمُهُ مَسْتُور، احْذَرُواْ عَالِمَ الدُّنْيَا، الْعُلَمَاءُ كَثِير، وَالحُكمَاءُ قَلِيل» 0 حَدَّثَ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ يَزِيدَ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «لَوْ أَنَّ لي دَعْوَةً مُسْتَجَابَةً مَا جَعَلْتُهَا إِلاََّ في الإِمَام؛ فَصَلاَحُ الإِمَامِ صَلاَحُ الْبِلاَدِ وَالعِبَاد» 0

حَدَّثَ فَيْضُ بْنُ وَثِيقٍ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لاَ تَكُونَ مُحَدِّثَاً، وَلاَ قَارِئَاً، وَلاَ مُتَكَلِّمَاً؛ فَافْعَلْ؛ إِنْ كُنْتَ بَلِيغَاً قَالُواْ: مَا أَبْلَغَهُ وَأَحْسَنَ حَدِيثَه أَوْ مَا أَحْسَنَ صَوْتَهُ؛ فَيُعْجِبُكَ ذَلِكَ فَتَنْتَفِخ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَلِيغَاً وَلاَ حَسَنَ الصَّوت، قَالُواْ: لَيْسَ يُحْسِنُ يُحَدِّثُ، وَلَيْسَ صَوْتُهُ بِحَسَنٍ، فَيُحْزِنُكَ ذَلِك، وَيَشُقُّ عَلَيْك؛ فَتكُونَ مُرَائِيَاً، وَإِذَا جَلَسْتَ فَتَكَلَّمْتَ؛ فَلَمْ

تُبَالِ مَنْ ذَمَّكَ وَمَنْ مَدَحَكَ فَتَكَلَّمْ» 0 قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ مُعَلُِّقَاً: «فَقَدْ تَرَى الرَّجُلَ وَرِعَاً في مَأْكَلِهِ، وَمَلْبَسِه، وَمُعَامَلَتِه، وَإِذَا تحدَّثَ تَدْخُلُ عَلَيْهِ الدَّوَاخِلُ مِن حَدِيثِهِ، فَإِمَّا أَنْ يَتَحَرَّى الصِّدْقَ فَلاَ يَكْمُلُ الصِّدْق، وَإِمَّا أَنْ يَصْدُقَ، فَيُنَمِّقَ حَدِيثَه فَيُمْدَحَ عَلَى فَصَاحَتِهِ فَيُعْجِبُهُ ذَلِك» 0 قَالَ الْفُضَيْلُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

«يَا مِسْكِين؛ أَنْتَ مُسِيءٌ وَتَرَى أَنَّكَ مُحْسِن، وَأَنْتَ جَاهِل، وَتَرَى أَنَّكَ عَالِم، وَتَبْخَل، وَتَرَى أَنَّكَ كَرِيم، وَأَحْمَقُ، وَتَرَى أَنَّك عَاقِل، أَجَلُكَ قَصِيرٌ قَصِير، وَأَمَلُكَ طَوِيلٌ طَوِيل» 0 قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ مُعَلُِّقَاً: «إِي وَاللهِ، صَدَقَ، وَأَنْتَ ظَالِم، وَتَرَى أَنَّك مَظْلُوم، وَآكِلٌ لِلْحَرَام، وَتَرَى أَنَّك مُتَوَرِّع، وَفَاسِق، وَتَعْتَقِدُ أَنَّكَ عَدْل، وَطَالِبُ الْعِلْمِ لِلدُّنْيَا، وَتَرَى أَنَّك تَطْلُبُهُ لِلآخِرَة» 0

حَدَّثَ عَبْدُ اللهِ بْنُ خُبَيْقٍ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَال: «تَبَاعَدْ مِنَ الْقُرَّاء، فَإِنَّهُمْ إِن أَحَبُّوكَ مَدَحُوكَ بِمَا لَيْسَ فِيك، وَإِن غَضِبُواْ: شَهِدُواْ عَلَيْكَ، وَقُبِلَ مِنهُمْ» 0 حَدَّثَ فَيْضُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ مَالِكٍ وَقَدْ سَأَلَهُ: يَا أَبَا عَلِيّ [كُنيَةُ الْفُضَيْل] مَا الخَلاَصُ مِمَّا نَحْنُ فِيه 00؟

قَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: أَخْبِرْني، مَن أَطَاعَ اللهَ عَزَّ وَجَلّ: هَلْ تَضُرُّهُ مَعْصِيَةُ أَحَد 00؟ [أَيْ ذُنُوبُ أَحَد] قَالَ لاَ؛ قَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: فَمَنْ يَعْصِي اللهَ عَزَّ وَجَلّ: هَلْ تَنْفَعُهُ طَاعَةُ أَحَد 00؟ قَال لاَ؛ قَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: هُوَ الخَلاَص، إِن أَرَدْتَ الخَلاَص» 0 ـ نَمَاذِجُ مِنْ شِعْرِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ بَعْضُهُمْ: «كُنَّا جُلُوسَاً عِنْد الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ، فَقُلْنَا لَهُ: كَمْ سِنُّك 00؟ فَقَالَ بِتَصَرُّف:

بَلَغْتُ الثَّمَانِينَ أَوْ جُزْتُهَا ... فَمَاذَا أُؤَمِّلُ أَوْ أَنْتَظِرْ عَلَتْني السِّنُونَ فَأَبْلَيْنَني ... فَقَلَّ الْكَلاَمُ وَكَلَّ الْبَصَرْ ـ حَالُهُ عَلَى فِرَاشِ المَرَض رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الأَشْعَثِ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ في مَرَضِهِ: «ارْحَمْني بِحُبيِّ إِيَّاك» 0

حَدَّثَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الأَشْعَثِ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ أَيْضَاً: «مَسَّنيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِين» 0 ـ مَا رُؤِيَ فِيهِ مِنَ المَنَامَاتِ الحَسَنَة رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ عَلِيُّ بْنُ الحَسَنِ بْنُ شَقِيق: «مَا رَأَيْتُ أَنْصَحَ لِلْمُسْلِمِينَ وَلاَ أَخَوْفَ عَلَيْهِمْ مِنهُ، وَلَقَدْ رَأْيْتُهُ في المَنَامِ قَائِمَاً عَلَى صُنْدُوقٍ يُعْطِي المَصَاحِف، وَالنَّاسُ حَوْلَهُ، فِيهِمْ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَة، وَهَارُونُ أَمِيرُ المُؤْمِنِين؛ فَمَا رَأْيْتُهُ يُوَدِّعُ أَحَدَاً، فَيَقْدِرُ أَنْ يُتِمَّ وَدَاعَه» 0

الربيع بن خثيم

الرَّبيعُ بْنُ خُثَيْم هُوَ الإِمَامُ القُدْوَةُ العَابِدُ الزَّاهِدُ الرَّبيعُ بْنُ خُثَيْمِ بْنِ عَائِذٍ أَبُو يَزِيدَ الثَّوْرِيّ 0 أَدْرَكَ زَمَانَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَرْسَلَ عَنهُ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 65 هـ ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: حَدَّثَ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَأَبي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَعَمْرِو بْنِ مَيْمُون، وَهُوَ قَلِيلُ الرِّوَايَةِ، إِلاََّ أَنَّهُ كَبيرُ الشَّأْن 0 ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ: الشَّعْبيّ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ، وَهُبَيْرَةُ بْنُ خُزَيْمَة، وَآخَرُون 0

وَكَانَ يُعَدُّ مِن عُقَلاَءِ الرِّجَال 0 حَدَّثَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَن أَبِيهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّهُ قَالَ لِلرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ وَكَانَ يَدْخُلُ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنه؛ فَقَالَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ لِلرَّبِيع: «يَا أَبَا يَزِيد؛ لَوْ رَآكَ رَسُولُ اللهِ لأَحَبَّك، وَمَا رَأَيْتُكَ إِلاََّ ذَكَرْتُ المُخْبِتِين» 0 [وَثَّقَهُ الإِمَامُ الهَيْثَمِيُّ في المجْمَع، رَوَاهُ الإِمَامُ الطَّبرَانيُّ في الكَبِير] فَهَذِهِ مَنْقَبَةٌ عَظِيمَةٌ لِلرَّبِيع، وَشَهَادَةٌ لَهَا قَدْرُهَا مِنْ صَحَابيٍّ رَفِيع 0

ـ بَعْضُ مَنَاقِبِهِ: قَالَ مُنْذِرٌ الثَّوْرِيّ: «إِنَّ الرَّبيعَ رَحِمَهُ اللهُ كَانَ إِذَا أَخَذَ عَطَاءهُ؛ فَرَّقَهُ وَتَرَكَ قَدْرَ مَا يَكْفِيه» 0 قَالَ الشَّعْبيّ: «مَا رَأَيْتُ قَوْمَاً قَطُّ أَكْثَرَ عِلْمَاً، وَلاَ أَعْظَمَ حِلْمَاً، وَلاَ أَكَفَّ عَنِ الدُّنْيَا: مِن أَصْحَابِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنه، وَلَوْلاَ مَا سَبَقَهُمْ بِهِ الصَّحَابَةُ مَا قَدَّمْنَا عَلَيْهِمْ أَحَدَا» 0 قَالَ الشَّعْبيّ: «كَانَ الرَّبيعُ أَوْرَعَ أَصْحَابِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنه» 0

حَدَّثَ الأَعْمَشُ عَنْ مُنْذِرٍ الثَّوْرِيِّ قَال: «إِنَّ الرَّبيعَ أَخَذَ يُطْعِمُ مُصَابَاً خَبِيصَاً [نَوْعٌ مِنَ الحَلْوَيَات] فَقِيلَ لَهُ: مَا يُدْرِيهِ مَا أَكَل 00؟ قَالَ رَحِمَهُ الله: لَكِنَّ اللهَ يَدْرِي» 0 ـ مِن أَقْوَالِ الرَّبيعِ بْنِ خُثَيْمٍ: حَدَّثَ سَعِيدُ بْنُ مَسْرُوقٍ عَنْ مُنْذِرٍ الثَّوْرِيِّ عَنِ الرَّبيعِ بْنِ خُثَيْمٍ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُول: «مَا خَيِّرُكُمْ اليَوْمَ بِخَيِّر، وَلَكِنَّهُ خَيْرٌ مِن آخِرَ شَرٍّ مِنهُ» 0

وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيّ: «كَانَ الرَّبيعُ بْنُ خُثَيْمٍ رَحِمَهُ اللهُ إِذَا قِيلَ لَهُ: كَيْفَ أَصْبَحْتُمْ 00؟ قَال: ضُعَفَاءَ مُذْنِبِين؛ نَأْكُلُ أَرْزَاقَنَا، وَنَنْتَظِرُ آجَالَنَا» 0 حَدَّثَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ عَنِ ابْنَةٍ لِلرَّبيعِ بْنُ خُثَيْمٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا قَالَتْ: «كُنْتُ أَقُول: يَا أَبَتَاه؛ أَلاَ تَنَام 00؟! فَيَقُولُ رَحِمَهُ الله: كَيْفَ يَنَامُ مَنْ يَخَافُ البَيَات» 00 أَيْ يُبَيِّتَهُ المَوْتُ لَيْلاً 0

إبراهيم بن أدهم

إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَم ـ حِكَايَتُهُ مَعَ الزُّهْدِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ: حَدَّثَ أَبُو نُعَيْمٍ عَن إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنِ السَّرَّاجِ عَن إِبْرَاهِيمَ بْنِ بَشَّارٍ قَال: «قُلْتُ لإِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَم: كَيْفَ كَانَ بَدْءُ أَمرِك 00؟ قَالَ رَحِمَهُ الله: غَيْرُ ذَا أَوْلىَ بِك؛ قُلْتُ: أَخْبِرْني لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَنْفَعَنَا بِهِ يَوْمَاً 00؟ قَال: كَانَ أَبي مِنَ المُلُوكِ المَيَاسِير، وَحُبِّبَ إِلَيْنَا الصَّيْد؛ فَرَكِبْتُ، فَثَارَ أَرْنَبٌ أَوْ ثَعْلَبٌ؛ فَحرَّكْتُ فَرَسِي؛ فَسَمِعْتُ نِدَاءً مِنْ وَرَائِي: «لَيْسَ لِذَا خُلِقْتَ، وَلاَ بِذَا أُمِرْت» 0 فَوَقَفْتُ أَنْظُرُ يَمْنَةً وَيَسْرَة؛ فَلَمْ أَرَ أَحَدَاً؛ فَقُلْتُ: لَعَنَ اللهُ إِبْلِيس، ثمَّ حَرَّكْتُ فَرَسِي؛

فَسَمِعْتُ نِدَاءً أَجْهَرَ مِنْ ذَلِك: «يَا إِبْرَاهِيم؛ لَيْسَ لِذَا خُلِقْت، وَلاَ بِذَا أُمِرْت» 0 فَوَقَفْتُ أَنْظُرُ فَلاَ أَرَى أَحَدَاً؛ فَقُلْتُ: لَعَنَ اللهُ إِبْلِيس؛ فَسَمِعْتُ نِدَاءً مِنْ سَرْجِي بِذَاك، فَقُلْتُ: أُنْبِهْتُ، أُنْبِهْت؛ جَاءَني نَذِير، وَاللهِ لاَ عَصَيْتُ اللهَ بَعْدَ يَوْمِي مَا عَصَمَني الله 0 فَرَجَعْتُ إِلىَ أَهْلِي فَخَلَّيْتُ فَرَسِي، ثمَّ جِئْتُ إِلىَ رُعَاةٍ لأَبي فَأَخَذْتُ جُبَّةً وَأَلقَيْتُ بِثِيَابي إِلَيْه» قَالَ عَلِيُّ بْنُ محَمَّدٍ المِصْرِيُّ الْوَاعِظُ [في رِسَالَةِ الْقُشَيْرِيِّ]: «فَنَزَلَ فَصَادفَ رَاعِيَاً لأَبِيهِ؛ فَأَخَذَ عَبَاءتَهُ وَأَعْطَاهُ فَرَسَهُ وَمَا مَعَهُ وَدَخَلَ الْبَادِيَة، وَصَحِبَ الثَّوْرِيَّ وَالْفُضَيْلَ بْنَ عِيَاض، وَدَخَلَ الشَّام، كَانَ يَأْكُلُ مِنَ الحَصَادِ وَحِفْظِ الْبَسَاتِين» 0

حَدَّثَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَن عَبْدِ اللهِ ِبْنِ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِِ أَنَّهُ قَالَ عَنهُ: «مَا رَأَيْتُهُ يُظْهِرُ تَسْبِيحَاً وَلاَ شَيْئَاً مِنَ الخَير، وَلاَ أَكَلَ مَعَ قَوْمٍ قَطُّ إِلاََّ كَانَ آخِرَ مَنْ يَرْفَعُ يَدَه» ـ ثَنَاءُ الأَئِمَّهِ عَلَيْه: حَدَّثَ أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِِ أَنَّهُ قَالَ عَنهُ: «كَانَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ رَحِمَهُ اللهُ يُشْبِهُ إِبْرَاهِيمَ الخَلِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَم، وَلَوْ كَانَ في الصَّحَابَةِ لَكَانَ رَجُلاً فَاضِلاً» 0 قَالَ بِشْرٌ الحَافِي رَحِمَهُ الله: «مَا أَعْرِفُ عَالِمَاً إِلاََّ وَقَدْ أَكَلَ بِدِينِهِ؛ إِلاََّ وُهَيْبَ بْنَ الْوَرْد، وَإِبْرَاهِيمَ بْنَ أَدْهَم، وَيُوسُفَ بْنَ أَسْبَاط، وَسَلْمَ الخَوَّاص» 0

ـ مِن أَقْوَالِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ: قَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ: «الزُّهْدُ: زُهْدُ فَرْض: وَهُوَ الزُّهْدُ في الحَرَام، وَزُهْدُ سَلاَمَة: وَهُوَ الزُّهْدُ في الشُّبُهَات، وَزُهْدُ فَضْل: وَهُوَ الزُّهْدُ في الحَلاَل» قَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ: «كُلُّ مَلِكٍ لاَ يَكُونُ عَادِلاً؛ فَهُوَ وَاللِّصُّ سَوَاء، وَكُلُّ عَالِمٍ لاَ يَكُونُ تَقِيَّاً؛ فَهُوَ وَالذِّئْبُ سَوَاء، وَكُلُّ مَنْ ذَلَّ لِغَيْرِ الله؛ فَهُوَ وَالكَلْبُ سَوَاء» 0

معروف الكرخي

مَعْرُوفٌ الْكَرْخِيّ هُوَ الْعَابِدُ الزَّاهِدُ مَعْرُوفٌ الْكَرْخِيّ 0 كُنيَتُهُ أَبُو مَحْفُوظٍ الْبَغْدَادِيّ، وَاسْمُ أَبِيهِ فَيْرُوزٌ 0 تُوُفِّيَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ سَنَةَ 200 هـ 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: حَدَّثَ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ صَبِيح، وَبَكْرِ بْنِ خُنَيْس، وَابْنِ السَّمَّاك، وَحَدَّثَ عَن غَيْرِهِمْ شَيْئَاً قَلِيلاً

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: وَحَدَّثَ عَنهُ خَلَفُ بْنُ هِشَام، وَزَكَرِيَّا بْنُ يحْيىَ بْنِ أَسَد، وَيحْيىَ بْنُ أَبي طَالِب 0 ـ نُبْذَةٌ عَنْ نَشْأَتِه: كَانَ أَبَوَاهُ نَصْرَانيَّيْن، فَأَسلَمَاهُ إِلىَ مُؤَدِّبٍ كَانَ يَقُولُ لَهُ: قُلْ ثَالِثُ ثَلاَثَة؛ فَيَقُول: بَلْ هُوَ الْوَاحِد؛ فَيَضْرِبُهُ مُؤَدِّبُهُ فَيَهْرُبُ مِنهُ؛ فَكَانَ وَالِدَاهُ يَقُولاَن: لَيْتَهُ رَجَع، ثمَّ إِنَّ أَبَوَيْهِ أَسْلَمَا» 0

ـ ثَنَاءُ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحْمَهُ اللهُ عَلَيْه: ذُكِرَ مَعْرُوفٌ الْكَرْخِيُّ عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلَ فَقِيل: قَصِيرُ الْعِلْم؛ فَزَجَرَهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَقَالَ لَهُ: «أَمْسِكْ، وَهَلْ يُرَادُ مِنَ الْعِلْمِ إِلاََّ مَا وَصَلَ إِلَيْهِ مَعْرُوف» 00؟ ـ ثَنَاءُ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ رَحْمَهُ اللهُ عَلَيْه: حَدَّثَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ شَدَّادٍ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ عَنهُ: «لاَ يَزَالُ أَهْلُ تِلْكَ المَدِينَةِ بِخَيْرٍ مَا بَقِيَ فِيهِمْ» 0

ـ قَالُواْ عَنِ خُشُوعِهِ وَتَقْوَاه، وَخَوْفِهِ مِنَ الله: حَدَّثَ السَّرَّاجُ عَن أَبي بَكْرٍ بْنِ أَبي طَالِبٍ قَالَ عَنهُ: «أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ فَارْتَعَدَ وَقَفَّ شَعرُهُ وَانْحَنىَ حَتىَّ كَادَ يَسْقُط» 0 ـ قَالُواْ عَنْ رِقَّةِ قَلْبِهِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: قَالَ عُبَيْدُ بْنُ محَمَّدٍ الْوَرَّاق: «مَرَّ مَعْرُوفٌ الْكَرْخِيُّ وَهُوَ صَائِمٌ بِسَقَّاءٍ يَقُول: رَحِمَ اللهُ مَنْ شَرِب؛ فَشَرِبَ رَجَاءَ الرَّحْمَة»

ـ ذِكْرُهُ للهِ كَثِيرَا: قَالَ محَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ الطُّوسِيّ: «قَعَدْتُ مَرَّةً إِلىَ مَعْرُوفٍ الْكَرْخِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ؛ فَلَعَلَّهُ قَالَ «وَاغَوْثَاهُ يَا اللهُ» عَشْرَةَ آلاَفِ مَرَّة، وَتَلاَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} {الأَنْفَال/9} ـ بَعْضُ نَوَادِرِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَصَّ إِنْسَانٌ شَارِبَ مَعْرُوفٍ الْكَرْخِيّ؛ فَلَمْ يَفْتُرْ مِنَ الذِّكْر؛ فَقَالَ الحَلاَّق: كَيْفَ أَقُصّ؟ فَقَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه، وَرَفَعَ ذِكْرَه: «أَنْتَ تَعْمَل، وَأَنَا أَعمَل» 0

ـ مِن أَقْوَالِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ مَعْرُوفٌ الْكَرْخِيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «إِذَا أَرَادَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعَبْدٍ شَرَّاً؛ أَغْلَقَ عَنهُ بَابَ الْعَمَل، وَفَتَحَ عَلَيْهِ بَابَ الجَدَل» 0 قَالَ مَعْرُوفٌ الْكَرْخِيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «مَنْ كَابَرَ اللهَ جَلَّ وَعَلاَ صَرَعَه، وَمَنْ نَازَعَهُ قَمَعَه، وَمَنْ مَاكَرَهُ خَدَعَه، وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ مَنَعَه، وَمَنْ تَوَاضَعَ لَهُ رَفَعَه» 0 قَالَ مَعْرُوفٌ الْكَرْخِيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «مَنْ لَعَنَ إِمَامَهُ؛ حُرِمَ عَدْلَه» 0

ـ بَعْضُ كَرَامَاتِهِ؛ في حَيَاتِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ ابْنُ شِيرَوَيْه: «قُلْتُ لِمَعْرُوفٍ الْكَرْخِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: بَلَغَني أَنَّكَ تَمْشِي عَلَى المَاء؟ قَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: مَا وَقعَ هَذَا؛ وَلَكِن إِذَا هَمَمْتُ بِالعُبُور: جُمِعَ لي طَرَفَا النَّهْرِ فَأَتَخَطَّاه» 0 حَدَّثَ ابْنُ مَسْرُوقٍ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ أَخِي مَعْرُوفٍ الْكَرْخِيِّ أَنَّ مَعْرُوفَاً اسْتَسْقَى لَهُمْ في يَوْمٍ حَارّ؛ فَمَا اسْتَتَمُّواْ رَفْعَ ثِيَابِهِمْ حَتىَّ مُطِرُواْ» 0

قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحمَهُ الله: «وَقَدِ اسْتُجِيبَ دُعَاءُ مَعْرُوفٍ الْكَرْخِيِّ غَيرَ مَرَّة، وَأَفْرَدَ الإِمَامُ أَبُو الْفَرَجِ ابْنُ الجَوْزِيِّ مَنَاقِبَهُ في أَرْبَعِ كَرَارِيس» 0 ـ بَعْضُ مَرْوِيَّاتِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ مَعْرُوفٌ الْكَرْخِيُّ عَنْ بَكْرِ بْنِ خُنَيْسٍ قَال: «إِنَّ في جَهَنَّمَ لَوَادِيَاً تَتَعَوَّذُ جَهَنَّمُ مِنهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعَ مَرَّات، وَإِنَّ في الْوَادِي لَجُبَّاً يَتَعَوَّذُ الْوَادِي وَجَهَنَّمُ مِنهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعَ مَرَّات، وَإِنَّ فِيهِ لحَيَّةً يَتَعَوَّذُ الجُبُّ وَالوَادِي وَجَهَنَّمُ مِنهَا كُلَّ يَوْمٍ سَبْعَ مَرَّات، يُبْدَأُ بِفَسَقَةِ حَمَلَةِ الْقُرْآن؛ فَيَقُولُون: أَيْ رَبّ؛ بُدِئَ بِنَا قَبْلَ عَبَدَةِ الأَوْثَان 00؟ قِيلَ لَهُمْ: لَيْسَ مَنْ يَعْلَمُ كَمَنْ لاَ يَعْلَم» 0

ذو النون المصري

ذُو النُّونِ المِصْرِيّ هُوَ الْعَالِمُ الْوَاعِظُ البَلِيغُ الزَّاهِدُ الْعَابِدُ الحَكِيمُ شَيْخُ الدِّيَارِ المِصْرِيَّةِ: ثَوْبَانُ بْنُ إِبْرَاهِيم 0 وَقِيلَ فَيْضُ بْنُ أَحْمَد، وَقِيلَ فَيْضُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ النُّوبيُّ الإِخْمِيمِيّ، كُنيَتُهُ أَبُو الْفَيْض 0 تُوُفِّيَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ سَنَةَ 245 هـ 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: رَوَى عَنِ الإِمَامِ مَالِك، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْد، وَابْنِ لَهِيعَة، وَالْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاض، وَسَلْمٍ الخَوَّاص، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَة، وَطَائِفَةٍ آخَرِين 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: رَوَى عَنهُ أَحْمَدُ بْنُ صَبِيحٍ الْفَيُّومِيّ، وَالإِمَامُ الجُنَيْدُ بْنُ محَمَّدٍ الزَّاهِدُ، وَآخَرُون 0 ـ قِصَّةُ تَوْبَتِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ يُوسُفُ بْنُ الحُسَيْنِ الرَّازِي: «حَضَرْتُ ذَا النُّونِ فَقِيلَ لَه: يَا أَبَا الْفَيْض، مَا كَانَ سَبَبُ تَوْبَتِك 00؟

قَالَ رَحمَهُ اللهُ: نِمْتُ في الصَّحْرَاء؛ فَفَتَحْتُ عَيْني؛ فَإِذَا قُنْبَرَةٌ عَمْيَاءُ سَقَطَتْ مِنْ وَكْر؛ فَانْشَقَّتِ الأَرْض، فَخَرَجَ مِنهَا سُكُرُّجَتَانِ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ، في إِحْدَاهُمَا سِمْسِم، وَفي الأُخْرَى مَاء، فَأَكَلَتْ وَشَرِبَتْ؛ فَقُلْتُ: حَسْبي؛ فَتُبْتُ وَلَزِمْتُ الْبَاب، إِلىَ أَنْ قَبِلَني» 0 الْقُنْبَرَة: هِيَ الْقُبَّرَة، وَهِيَ طَائِرٌ كَالحُمَّرَة، وَالسُّكُرُّجَة: طَبَقٌ صَغِير، وَالْوَكْر: هُوَ الْعُشّ 0

ـ شَيْءٌ مِن أَخْبَارِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ أَيُّوبُ مُؤَدِّبُ ذِي النُّون: «جَاءَ أَصْحَابُ المَطَالِبِ ذَا النُّون، فَخَرَجَ مَعَهُمْ إِلىَ قِفْطَ [بِصَعِيدِ مِصْر بَلَدٌ غَنيٌّ بِالآثَار]، فَحَفَرُواْ مَقْبَرَةً؛ فَوَجَدُواْ لَوْحَاً فِيه: اسْمُ اللهِ الأَعْظَم؛ فَأَخَذَهُ ذُو النُّون، وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ مَا وَجَدُواْ» 0 ـ قَالُواْ عَنْ بَلاَغَةِ مَوَاعِظِهِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: قَالَ السُّلَمِيّ: «حَمَلُوهُ مِنْ مِصْرَ إِلىَ المُتَوَكِّلِ لِيَعِظَهُ، وَكَانَ إِذَا ذُكِرَ بَيْنَ يَدَيِ المُتَوَكِّل أَهْلُ الْوَرَعِ بَكَى» 0

ـ بَعْضُ كَرَامَاتِهِ؛ في حَيَاتِهِ وَمَمَاتِهِ: قَالَ محَمَّدُ بْنُ الْفَرْخِيّ: كُنْت مَعَ ذِي النُّونِ في زَوْرَق، فَمَرَّ بِنَا زَوْرَقٌ آخَر؛ فَقِيلَ لِذِي النُّون: إِنَّ هَؤُلاَءِ يَمُرُّونَ إِلىَ السُّلْطَانِ يَشْهَدُونَ عَلَيْكَ بِالكُفْر؛ فَقَال: اللَّهُمَّ إِنْ كَانُواْ كَاذِبينَ فَغَرِّقْهُمْ؛ فَانْقَلَبَ الزَّوْرَقُ وَغَرِقُواْ؛ فَقُلْتُ لَهُ: فَمَا بَالُ المَلاََّح 00؟ قَال: لِمَ حَمَلَهُمْ وَهُوَ يَعْلَمُ قَصْدَهُمْ 00؟

وَلأَنْ يَقِفُواْ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ غَرْقَى، خَيْرٌ لَهُمْ مِن أَنْ يَقِفُواْ شُهُودَ زُور، ثمَّ انْتَفَضَ وَتَغَيَّرَ وَقَال: وَعِزَّتِكَ لاَ أَدْعُو عَلَى أَحَدٍ بَعْدَهَا، ثمَّ دَعَاهُ أَمِيرُ مِصْرَ وَسَأَلَهُ عَنِ اعْتِقَادِهِ؛ فَتَكَلَّمَ؛ فَرَضِيَ أَمْرَه، وَطَلَبَهُ المُتَوَكِّل؛ فَلَمَّا سَمِعَ كَلاَمَهُ وَلِعَ بِهِ وَأَحَبَّه، وَكَانَ يَقُول: إِذَا ذُكِرَ الصَّالِحُونَ فَحَيَّ هَلاَ بِذِي النُّون» 0

قَالَ يُوسُفُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَغْدَادِيّ: كَانَ أَهْلُ نَاحِيَتِه يُسَمُّونَهُ الزِّنْدِيق، فَلَمَّا مَاتَ أَظلَّتْ الطَّيْرُ جِنَازَتَه؛ فَاحْتَرَمُواْ بَعْدُ قَبْرَه» 00!! هَكَذَا دَائِمَاً: «أَوَّلُ مَا يَضِيعُ العَالِمُ بَينَ أَهْلِه» 00!! أَلُو الْفَضْلِ في أَوْطَانِهِمْ غُرَبَاءُ تَفِرُّ وَتَنأَى عَنهُمُ القُرَبَاءُ {أَبُو العَلاَءِ المَعَرِّيّ}

حَدَّثَ عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَن هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ عَن أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّهُ قَال: «أَزْهَدُ النَّاسِ في عَالِمٍ أَهْلُه» 0 حَدَّثَ يحْيىَ بْنُ مَعِينٍ الأَشْجَعِيُّ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنِ الحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «أَزْهَدُ النَّاسِ في الْعَالِمِ جِيرَانُه» 0

وكيع بن الجراح

وَكِيعُ بْنُ الجَرَّاح هُوَ الإِمَامُ المحَدِّثُ الحَافِظُ أَبُو سُفْيَانَ وَكِيعُ بْنُ الجَرَّاحِ بْنِ مَلِيحِ بْنِ عَدِيٍّ الرُّؤَاسِيُّ الْكُوفِيُّ 0 وُلِدَ سَنَةَ 129 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 197 هـ رَاجِعَاً مِنَ الحَجِّ تَقَبَّلَ اللهُ مِنهُ ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: وَسَمِعَ مِن هِشَامِ بْنِ عُرْوَة، وَسُلَيْمَانَ الأَعْمَش، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبي خَالِد، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عَوْن، وَابْنِ جُرَيْج، وَالأَوْزَاعِيّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيّ، وَشُعْبَةَ بْنِ الحَجَّاج، وَعَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبي لَيْلَى، وَابْنِ أَبي ذِئْب، وَمِسْعَرِ بْنِ كِدَام، وَخَالِدِ بْنِ طَهْمَان، وَسَعِيدِ بْنِ السَّائِب، وَشَرِيك، وَآخَرِين 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ [أَحَدُ شُيُوخِهِ]، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَك، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيّ، وَالإِمَامُ أَحْمَد، وَالإِمَامُ الشَّافِعِيُّ، وَيحْيى بْنُ مَعِينٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْه، وَالحُمَيْدِيّ، وَمُسَدَّد، وَأَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، وَعَلِيُّ بْنُ المَدِينيّ، وَأَبُو كُرَيْب، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْر، وَيحْيىَ بْنُ آدَم، وَأَبُو خَيْثَمَة، وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الجَبَّارِ الْعُطَارِدِيّ، وَأُمَمٌ سِوَاهُمْ 0

ـ نُبْذَةٌ عَن حَيَاتِهِ الشَّخْصِيَّة: قَالَ يحْيىَ بْنُ أَيُّوبَ المَقَابِرِيّ: «وَرِثَ وَكِيعٌ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ مِن أُمِّهِ مِاْئَةَ أَلْفِ دِرْهَم» 0 ـ نُبْذَةٌ عَنْ صِفَاتِهِ الشَّكْلِيَّة: قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «كَانَ وَكِيعٌ أَسْمَرَ ضَخْمَاً سَمِينَاً» 0

ـ قَالُواْ عَنْ وَقَارِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ سَلْمُ بْنُ جُنَادَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «جَالَسْتُ وَكِيعَاً سَبْعَ سِنِين؛ فَمَا رَأَيْتُهُ بَزَقَ وَلاَ مَسَّ حَصَاةً، وَلاَ جَلَسَ مِجْلِسَاً فَتَحَرَّك، وَمَا رَأَيْتُهُ إِلاََّ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَة، وَمَا رَأَيْتُهُ يَحْلِف» قَالَ محَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْر: «كَانُواْ إِذَا رَأَوْا وَكِيعَاً سَكَتُواْ» 00 أَيْ لحِفْظِهِ إِجْلاَلاً لَهُ 0

ـ قَالُواْ عَنِ حِرْصِهِ وَدَأَبِهِ في طَلَبِ الْعِلْم عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: حَدَّثَ محْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ عَنْ وَكِيعٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «اخْتَلَفْتُ إِلىَ الأَعْمَشِ سِنِين» 0 ـ قَالُواْ عَن حِفْظِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ سُلَيْمَانَ الْبَلْخِيُّ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «مَا رَأَيْتُ أَحْفَظَ مِنْ وَكِيع» 0 حَدَّثَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَن أَبِيهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «كَانَ وَكِيعٌ حَافِظَاً حَافِظَاً، مَا رَأَيْتُ مِثْلَه» 0

قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ: «كَانَ وَكِيعٌ مَطْبُوعَ الحِفْظ» 0 حَدَّثَ صَالِحُ بْنُ محَمَّدٍ جَزَرَةُ عَنْ يحْيىَ بْنِ مَعِينٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً أَحْفَظَ مِنْ وَكِيع» 0 حَدَّثَ يحْيىَ بْنُ مَعِينٍ عَنْ وَكِيعِ بْنِ الجَرَّاحِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «مَا كَتَبْتُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ قَطّ؛ كُنْتُ أَتَحَفَّظ، فَإِذَا رَجَعْتُ إِلىَ المَنْزِلِ كَتَبْتُهَا» 0

قَالَ قَاسِمُ بْنُ يَزِيدَ الجَرْمِيّ: «كَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ رَحمَهُ اللهُ يَدعُو وَكِيعَاً وَهُوَ غُلاَمٌ [بَعْدَ انْتِهَاءِ الدَّرْسِ] فَيَقُول: يَا رُؤَاسِيُّ تَعَالَ؛ أَيَّ شَيْءٍ سَمِعْت 00؟ فَيَقُول: حَدَّثَني فُلاَنٌ بِكَذَا، وَسُفْيَانُ يَتَبَسَّمُ وَيَتَعَجَّبُ مِن حِفْظِه» 0 قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ: «حِفْظِي وَحِفْظُ ابْن المُبَارَكِ تَكَلُّف، وَحِفْظُ وَكِيعٍ أَصْلِيّ؛ قَامَ وَكِيعٌ فَاسْتَنَدَ وَحَدَّثَ بِسَبْعِمِاْئَةِ حَدِيثٍ حِفْظَاً» 0

قَالَ محْمُودُ بْنُ آدَم: «تَذَاكَرَ بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ وَوَكِيعٌ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمَا لَيْلَةً وَأَنَا أَرَاهُمَا: مِنَ الْعِشَاءِ إِلىَ الصُّبْح؛ فَقُلْتُ لِبِشْرٍ: كَيْفَ رَأَيْتَهُ 00؟ قَال: مَا رَأَيْتُ أَحْفَظَ مِنهُ» 0 قَالَ مَنْصُورُ بْنُ عَمَّار: «مَا كَانَ بِالْكُوفَةِ في زَمَانِ وَكِيعٍ أَفْقَهُ وَلاَ أَعْلَمُ بِالحَدِيثِ مِنهُ، وَكَانَ جِهْبِذَاً، سَمِعْتُهُ يَقُول: مَا نَظَرْتُ في كِتَابٍ مُنْذُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَة، إِلاََّ في صَحِيفَةٍ يَوْمَاً؛ فَقُلْتُ لَهُ: عَدُّواْ عَلَيْكَ بِالبَصْرَةِ أَرْبَعَةَ

أَحَادِيثَ غَلِطْتَ فِيهَا 00؟! قَال: حَدَّثْتُهُمْ بِعَبَّادَانَ بِنَحْوٍ مِن أَلفٍ وَخَمْسِمِاْئَة؛ أَرْبَعَةُ أَحَادِيثَ لَيْسَتْ بِكَثِيرَةٍ في ذَلِك» 0 ـ قَالُواْ في تَوْثِيقِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ عَلِيُّ بْنُ المَدِينيّ [شَيْخُ الإِمَامِ البُخَارِيّ]: «أَوْثَقُ أَصْحَابِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَحمَهُ الله: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيّ، وَيحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ القَطَّان، وَوَكِيعُ بْنُ الجَرَّاح» 0 حَدَّثَ أَحْمَدُ بْنُ أَبي الحَوَارِيِّ عَن يحْيىَ بْنِ مَعِينٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال:

«الثَّبْتُ عِنْدنَا بِالْعِرَاق: وَكِيعُ بْنُ الجَرَّاح» 0 قَالَ أَحْمَدُ الْعِجْلِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «وَكِيع: كُوفِيٌّ ثِقَة، عَابِدٌ صَالِح، أَدِيبٌ مِن حُفَّاظِ الحَدِيث، وَكَانَ مُفْتِيَاً» 0 قَالَ محَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ في طَبَقَاتِهِ: «كَانَ وَكِيعٌ ثِقَةً مَأْمُونَاً عَالِيَاً رَفِيعَاً كَثِيرَ الحَدِيثِ حُجَّة» ـ قَالُواْ عَنْ مَكَانَتِهِ الْعِلْمِيَّة: قَالَ يحْيىَ بْنُ يَمَانٍ: «لَمَّا مَاتَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ؛ جَلَسَ وَكِيعٌ مَوْضِعَه» 0

قَالَ الْقَعْنَبيّ: «كُنَّا عِنْدَ حَمَّادِ بْنِ زَيْد؛ فَلَمَّا خَرَجَ وَكِيعٌ قَالُواْ: هَذَا رَاويَةُ سُفْيَان» قَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «إِنْ شِئْتُمْ قُلْتُ أَرْجَحُ مِنْ سُفْيَانَ الثََّوْرِيّ» 0 ـ ثَنَاءُ الأَئِمَّهِ عَلَيْه؛ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ ابْنُ عَدِيٍّ عَنْ نُوحِ بْنِ حَبِيبٍ عَنِ الإِمَامِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال:

«رَأَيْتُ الثَّوْرِيَّ وَابْنَ عُيَيْنَةَ وَمَعْمَرَاً وَمَالِكَاً رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمْ، وَرَأَيْتُ وَرَأَيْت؛ فَمَا رَأَتْ عَيْنَايَ قَطُّ مِثْلَ وَكِيعِ بْنِ الجَرَّاح» 0 قَالَ الْفَضْلُ بْنُ عَنْبَسَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «مَا رَأَيْتُ مِثْلَ وَكِيعٍ مِنْ ثَلاَثِينَ سَنَة» 0 ـ ثَنَاءُ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحْمَهُ اللهُ عَلَيْه: قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً أَوْعَى لِلْعِلْمِ وَلاَ أَحْفَظَ مِنْ وَكِيع» 0

حَدَّثَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَن أَبِيهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «مَا رَأَيْتُ مِثْلَه» 0 حَدَّثَ بِشْرُ بْنُ مُوسَى عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «مَا رَأَيْتُ قَطُّ مِثْلَ وَكِيعٍ في الْعِلْمِ وَالحِفْظِ وَالإِسْنَادِ وَالأَبْوَاب، مَعَ خُشُوعٍ وَوَرَع» 0 حَدَّثَ إِبْرَاهِيمُ الحَرْبيُّ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَحمَهُ اللهُ قَال: «مَا رَأَتْ عَيْنَايَ مِثْلَ وَكِيعٍ قَطّ؛ يَحْفَظُ الحَدِيثَ جَيِّدَاً، وَيُذَاكِرُ بِالفِقْه، فَيُحْسِنُ مَعَ وَرَعٍ

وَاجْتِهَاد، وَلاَ يَتَكَلَّمُ في أَحَد» 0 حَدَّثَ الحَافِظُ أَحْمَدُ بْنُ سَهْلٍ النَّيْسَابُورِيّ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ قَال: «كَانَ وَكِيعٌ إِمَامَ المُسْلِمِينَ في زَمَانِهِ» 0 ـ ثَنَاءُ يحْيىَ بْنِ مَعِينٍ رَحْمَهُ اللهُ عَلَيْه: حَدَّثَ عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ بْنِ حِبَّانَ عَن أَبِيهِ عَنْ يحْيىَ بْنِ مَعِينٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «مَا رَأَيْتُ أَفْضَلَ مِنْ وَكِيعِ بْنِ الجَرَّاح» 0

قَالَ يحْيىَ بْنُ مَعِينٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «وَكِيعٌ في زَمَانِهِ: كَالأَوْزَاعِيِّ في زَمَانِه» 0 ـ ثَنَاءُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَحْمَهُ اللهُ عَلَيْه: حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ الأَخْنَسِيُّ عَنْ يحْيىَ بْنِ يَمَانٍ قَال: «نَظرَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ رَحمَهُ اللهُ إِلىَ عَيْنيْ وَكِيعٍ فَقَال: لاَ يَمُوْتُ هَذَا الرُّؤَاسِيُّ حَتىَّ يَكُونَ لَهُ شَأْن، فَمَاتَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه، وَجَلَسَ وَكِيعٌ مَكَانَه» 0 ـ ثَنَاءُ عَبْدِ اللهِ بْنِ المُبَارَكِ رَحْمَهُ اللهُ عَلَيْه:

حَدَّثَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ جَرِيرٍ قَال: «جَاءَني عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ رَحمَهُ اللهُ فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَن؛ مَنْ رَجُلُ الْكُوفَةِ اليَوْمَ 00؟ فَسَكَتَ عَنيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ ثُمَّ قَال: رَجُلُ المِصْرَيْنِ [أَيِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَة]: وَكِيعُ بْنُ الجَرَّاح» 0 ـ ثَنَاءُ الأَعْمَشِ عَلَيْه: حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ التَّيْمِيُّ عَنْ وَكِيعِ بْنِ الجَرَّاحِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «أَتَيْتُ الأَعْمَشَ فَقُلْتُ حَدِّثْني؛ قَال: مَا اسْمُك 00؟

قُلْتُ: وَكِيع؛ قَال: اسْمٌ نَبِيل، مَا أَحْسِبُ إِلاََّ سَيَكُونُ لَكَ نَبَأ» 00 وَقَدْ كَان 0 ـ ثَنَاءُ الإِمَامِ الذَّهَبيِّ رَحْمَهُ اللهُ عَلَيْه: قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «كَانَ رَحمَهُ اللهُ أَجْرَهُ مِنْ بحُورِ الْعِلْمِ وَأَئِمَّةِ الحِفْظ» 0 قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «رَضِيَ اللهُ عَنْ وَكِيع، وَأَيْنَ مِثْلُ وَكِيع» 00؟ ـ قَالُواْ في المُفَاضَلَةِ بَيْنَهُ، وَبَينَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمَا:

قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «كَانَ وَكِيعٌ أَحْفَظَ مِن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِكَثِير» حَدَّثَ عَبَّاسٌ وَابْنُ أَبي خَيْثَمَةَ عَنْ يحْيىَ بْنِ مَعِينٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «مَنْ فَضَّلَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ عَلَى وَكِيع؛ فَعَلَيهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِين» 0 قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «سُئِلَ أَبُو دَاوُدَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ: أَيُّمَا أَحْفَظ: وَكِيعٌ أَوْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيّ 00؟

قَال: وَكِيعٌ أَحْفَظ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ أَتْقَن، وَقَدِ الْتَقَيَا بَعْدَ الْعِشَاءِ في المَسْجَدِ الحَرَام، فَتَوَاقَفَا، حَتىَّ سَمِعَا أَذَانَ الصُّبْح» 0 ـ قَالُواْ في المُفَاضَلَةِ بَيْنَهُ، وَبَينَ يحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمَا: قَالَ محَمَّدُ بْنُ عَامِرٍ المَصِّيصِيّ: «سَأَلْتُ أَحْمَدَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ: وَكِيعٌ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَوْ يحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّان 00؟ قَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: وَكِيع 00

قُلْتُ: كَيْفَ فَضَّلتَه عَلَى يحْيىَ، وَيحْيىَ وَمَكَانُهُ مِنَ الْعِلْمِ وَالحِفْظِ وَالإِتْقَانِ مَا قَدْ عَلِمْت 00؟ قَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: وَكِيعٌ كَانَ صَدِيقَاً لِحَفْصِ بْنِ غِيَاث؛ فَلَمَّا وَلِيَ الْقَضَاءَ هَجَرَه، وَإِنَّ يحْيىَ كَانَ صَدِيقَاً لِمُعَاذِ بْنِ مُعَاذ، فَلَمَّا وَلِيَ الْقَضَاءَ لَمْ يَهْجُرْهُ يحْيىَ» 0 قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِي رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «سُئِلَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ عَنْ يحْيىَ وَابْنِ مَهْدِيٍّ وَوَكِيعٍ فَقَال: وَكِيعٌ أَسْرَدُهُمْ» 0

ـ قَالُواْ عَنْ تَوَاضُعِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ أَحْمَدُ بْنُ أَبي الحَوَارِيِّ عَنْ وَكِيعِ بْنِ الجَرَّاحِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «مَا نَعِيشُ إِلاََّ في سُتْرَةٍ، وَلَوْ كُشِفَ الْغِطَاءُ لَكُشِفَ عَن أَمْرٍ عَظِيم» 0 رُوِيَ عَنْ وَكِيعٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّ رَجُلاً أَبْعَدَهُ اللهُ أَغْلَظَ لَهُ في الْقَوْل؛ فَدَخَلَ بَيْتَاً فَعَفَّرَ وَجْهَهُ، ثُمَّ خَرَجَ إِلىَ الرَّجُلِ فَقَال: زِدْ وَكِيعَاً بِذَنْبِهِ؛ فَلَولاَهُ مَا سُلِّطْتَ عَلَيْه» 0

ـ قَالُواْ عَنْ صَلاَحِهِ وَتَقْوَاه، وَبُكَائِهِ مِن خَشْيَةِ الله، وَاجْتِهَادِهِ في عِبَادَةِ الله: قَالَ مَنْصُورُ بْنُ عَمَّارٍ رَحمَهُ الله: «كَانَ وَكِيعٌ يَصُومُ الدَّهْر، وَيُفْطِرُ يَوْمَ الشَّكِّ وَالعِيد، وَأُخْبِرْتُ أَنَّهُ كَانَ يَشْتَكِي إِذَا أَفْطَرَ في هَذِهِ الأَيَّام» 0 أَيْ لاَ تَقُلْ إِنَّ هَذَا كَانَ يُوهِنُ قُوَاه، بَلْ كَانَ لاَ يَمْرَضُ إِلاَّ إِذَا أَفْطَرَ رَحمَهُ الله 0 حَدَّثَ الفَضْلُ بْنُ محَمَّدٍ الشَّعْرَانيُّ عَنْ يحْيىَ بْنِ أَكْثَمَ قَال:

«صَحِبْتُ وَكِيعَاً في الحَضَرِ وَالسَّفَر: كَانَ يَصُومُ الدَّهْر، وَيَخْتِمُ الْقُرْآنَ كُلَّ لَيْلَة» 0 حَدَّثَ تَمْتَامٌ عَنْ يحْيى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ وَكِيعٍ الَّذِينَ كَانُواْ يَلْزَمُونَهُ قَال: «إِنَّ وَكِيعَاً رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ كَانَ لاَ يَنَامُ حَتىَّ يَقْرَأَ جُزْءَهُ مِنْ كُلِّ لَيْلَةٍ: ثُلُثَ الْقُرْآن، ثمَّ يَقُومُ في آخِرِ اللَّيْلِ فَيَقْرَأُ المُفَصَّل، ثُمَّ يَجْلِسُ فَيَأْخُذُ في الاِسْتِغْفَارِ حَتىَّ يَطْلُعَ الْفَجْر» 0 حَدَّثَ أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ عَن إِبْرَاهِيمَ بْنِ وَكِيعٍ قَال:

«كَانَ أَبي يُصَلِّي؛ فَلاَ يَبْقَى في دَارِنَا أَحَدٌ إِلاََّ صَلَّى، حَتىَّ جَارِيَةٌ لَنَا سَوْدَاء» 0 ـ قَالُواْ عَنِ خَوْفِهِ مِنَ اللهِ، وَخُشُوعِهِ في الصَّلاَة: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ سِنَان: «رَأَيْتُ وَكِيعَاً إِذَا قَامَ في الصَّلاَة: لَيْسَ يَتَحَرَّكُ مِنهُ شَيْء، لاَ يَزُولُ وَلاَ يَمِيلُ عَلَى رِجْلٍ دُونَ الأُخْرَى» 0 قَالَ أَحْمَدُ بْنُ أَبي الحَوَارِيِّ زَاهِدُ دِمَشْق: «مَا رَأَيْتُ فِيمَنْ لَقِيْتُ أَخْشَعَ مِنْ وَكِيع»

قَالَ مَرْوَانُ بْنُ محَمَّدٍ الطَّاطَرِيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «مَا رَأَيْتُ فِيمَنْ رَأَيْتُ أَخْشَعَ مِنْ وَكِيع، وَمَا وُصِفَ لي أَحَدٌ قَطُّ إِلاََّ رَأَيْتُهُ دُونَ الصِّفَة، إِلاََّ وَكِيعَ بْنَ الجَرَّاح، رَأَيْتُهُ فَوْقَ مَا وُصِفَ لي» ـ قَالُواْ عَنِْ نُبْلِهِ وَمحَاسَبَتِهِ لِنَفْسِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ أَبُو حَفْصٍ الْفَلاََّس: «مَا سَمِعْتُ وَكِيعَاً رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ ذَاكِرَاً أَحَدَاً بِسُوءٍ قَطّ» 0

وَصَلَ وَكِيعٌ إِنْسَانَاً مَرَّةً بِصُرَّةِ دَنَانِيرَ لِكَوْنِهِ كَتَبَ مِنْ مِحْبَرَةِ ذَلِكَ الإِنْسَانِ وَقَال: «اعْذِرْ؛ فَلاَ أَمْلِكُ غَيْرَهَا» 0 ـ عُرِضَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَأَبىَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: قَالَ محَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْوَرَّاق: «عُرِضَ الْقَضَاءُ عَلَى وَكِيعٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ فَامْتَنَع» 0 ـ حُبُّ النَّاسِ لَهُ وَالْتِفَافُهُمْ حَوْلَهُ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: حَدَّثَ أَحْمَدُ بْنُ أَبي خَيْثَمَةَ عَنْ محَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ عَن حُسَيْنٍ أَخِي زَيْدَانَ قَال:

«كُنْتُ مَعَ وَكِيعٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه؛ فَأَقْبَلْنَا جَمِيعَاً مِنَ المَصِّيصَةِ أَوْ طَرْسُوس، فَأَتَيْنَا الشَّام؛ فَمَا أَتَيْنَا بَلَدَاً إِلاََّ اسْتَقْبَلَنَا وَالِيهَا، وَشَهِدْنَا الجُمُعَةَ بِدِمَشْق، فَلَمَّا سَلَّمَ الإِمَامُ أَطَافُواْ بِوَكِيعٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ؛ فَمَا انْصَرَفَ إِلىَ أَهْلِهِ إِلاَّ بلَيْل، قَالَ ابْنَهُ: رَأَيْتُ في جَسَدِ أَبي آثَارَ خُضْرَةٍ مِمَّا زُوحِمَ ذَلِكَ اليَوْم» ـ بَعْضُ نَوَادِرِهِ غَفَرَ اللهُ لَهُ:

حَدَّثَ جَعْفَرٌ الطَّيَالِسِيُّ عَنْ يحْيىَ بْنِ مَعِينٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «سَمِعْتُ رَجُلاً يَسْأَلُ وَكِيعَاً فَقَال: يَا أَبَا سُفْيَان؛ شَرِبْتُ الْبَارِحَةَ نَبِيذَاً، فَرَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ كَأَنَّ رَجُلاً يَقُول: شَرِبْتَ خَمرَاً؛ فَقَالَ لَهُ: ذَلِكَ الشَّيْطَان» 0 حَيْثُ كَانَ يَرَى غَفَرَ اللهُ لَهُ حِلَّ النَّبِيذِ الَّذِي لاَ يُسْكِرُ الْقَلِيلُ مِنهُ 0

قَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ رَحمَهُ الله: «قَدِمَ وَكِيعُ بْنُ الجَرَّاحِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ مَكَّةَ وَكَانَ سَمِينَاً؛ فَقَالَ لَهُ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ: مَا هَذَا السِّمَنُ وَأَنْتَ رَاهِبُ الْعِرَاق 00؟ قَال: هَذَا مِنْ فَرَحِي بِالإِسْلاَم» 0 قَالَ عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «مَا رَأَيْتُ بِيَدِ وَكِيعٍ كِتَابَاً قَطّ، إِنَّمَا هُوَ حِفْظ، فَسَأَلْتُهُ عَن أَدْوِيَةِ الحِفْظ؛ فَقَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: إِن عَلَّمْتُكَ الدَّوَاءَ اسْتَعْمَلْتَه 00؟

قُلْتُ: إِي وَالله؛ قَال: تَرْكُ المَعَاصِي، مَا جَرَّبْتُ مِثْلَهُ لِلْحِفْظ» 0 ـ مِن أَقْوَالِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ طَاهِرُ بْنُ محَمَّدٍ المَصِّيصِيُّ عَنْ وَكِيعِ بْنِ الجَرَّاحِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ الصَّلاَةَ أَفْضَلُ مِنَ الحَدِيثِ مَا حَدَّثْتُكُمْ» 0 حَدَّثَ عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ عَنْ وَكِيعِ بْنِ الجَرَّاحِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال: «لاَ يَكْمُلُ الرَّجُلُ حَتىَّ يَكْتُبَ عَمَّن هُوَ فَوْقَهُ، وَعَمَّن هُوَ مِثْلُهُ، وَعَمَّن هُوَ دُونَه» 0

ـ قَالُواْ عَنْ كَرَامَاتِهِ؛ في حَيَاتِهِ وَمَمَاتِهِ: حَدَّثَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ عَن أَبي جَعْفَرٍ الجَمَّالِ قَال: «أَتَيْنَا وَكِيعَاً؛ فَخَرَجَ بَعْدَ سَاعَةٍ وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ مَغْسُولَة، فَلَمَّا بَصُرْنَا بِهِ؛ فَزِعْنَا مِنَ النُّورِ الَّذِي رَأَيْنَاهُ يَتَلأْلأُ مِنْ وَجْهِه؛ فَقَالَ رَجُلٌ بِجَنْبي: أَهَذَا مَلَك 00؟ فَتَعَجَّبْنَا مِنْ ذَلِكَ النُّور» 0 قَالَ عَلِيُّ بْنُ عَثَّام: «مَرِضَ وَكِيعٌ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه؛ فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فَقَال: إِنَّ سُفْيَانَ رَحمَهُ اللهُ أَتَاني فَبَشَّرَني بِجِوَارِهِ؛ فَأَنَا مُبَادِرٌ إِلَيْه» 0

منصور بن عمار

مَنْصُورُ بْنُ عَمَّار هُوَ الوَاعِظُ الرَّبَانيُّ الْبَلِيغُ الصَّالِحُ السُّلَمِيُّ الخُرَاسَانيّ [وَقِيلَ الْبَصْرِيّ]: مَنْصُورُ بْنُ عَمَّارِ بْنِ كَثِير تُوُفِّيَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ في حُدُودِ 200 هـ 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: رَوَى عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْد، وَابْنِ لَهِيعَة، وَمَعْرُوفٍ الخَيَّاط، وَهِقْلِ بْنِ زِيَاد، وَالمُنْكَدِرِ بْنِ محَمَّد 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ ابْنَاهُ سُلَيْمٌ وَدَاوُد، وَزُهَيْرُ بْنُ عَبَّاد، وَعَلِيُّ بْنُ خَشْرَم، وَمَنْصُورُ بْنُ الحَارِث 0 ضَعَّفَهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَِّازِي، وَأَنْكَرَ حَدِيثَهُ ابْنُ عَدِيّ 0 ـ قَالُواْ عَنْ بَلاَغَةِ مَوَاعِظِِهِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه، وَكَيْفَ انْبَهَرَ بِهِ الْعَامَِّةُ وَالخَاصَّة:

قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «كَانَ عَدِيمَ النَّظِيرِ في المَوْعِظَةِ وَالتَّذكِير» 0 قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «وَعَظَ بِالعِرَاقِ وَالشَّامِ وَمِصْر، وَبَعُدَ صِيتُهُ وَتَزَاحمَ عَلَيْهِ الخَلْق، وَكَانَ يَنْطَوِي عَلَى زُهْدٍ وَتَأَلُّهٍ وَخَشْيَة [أَيْ تَعَبُّدٍ وَخَشْيَة]، لِوَعْظِهِ وَقْعٌ في النُّفُوس» 0 ذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ في «تَارِيخِهِ» أَنَّ اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ حَضَرَ وَعْظَهُ فَأَعْجَبَهُ وَنَفَّذَ إِلَيْهِ بِأَلْفِ دِينَارٍ، وَقِيلَ

أَقْطَعَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ فَدَّانَاً» 0 قِيلَ إِنَّ الرَّشِيدَ لَمَّا سَمِعَ وَعْظَ مَنْصُورِ بْنِ عَمَّارٍ رَحِمَهُ اللهُ قَالَ لَه: مَن أَيْنَ تَعَلَّمْتَ هَذَا؟ قَال: تَفِلَ في فِيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النَّوْمِ وَقَالَ لي: يَا مَنْصُورُ قُلْ» 0 ـ قَالُواْ عَنْ تَوَاضُعِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: وَيَبْدُو أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ هَنَاتٌ تُؤْخَذُ عَلَيْه؛ قَالَ لَهُ عَبْدَكَ الْعَابِد: «قِيلَ لِمَنْصُورِ بْنِ عَمَِّار: تَتَكَلَّمُ بِهَذَا الْكَلاَم؛ وَنَرَى مِنْكَ أَشْيَاء 00؟

قَالَ غَفَرَ اللهُ لَهُ: احْسِبُوني دُرَّةً عَلَى كُنَاسَة» 0 ـ قَالُواْ عَنْ كَرَامَاتِهِ في حَيَاتِهِ بَعْدَ مَمَاتِهِ، وَمَا رُؤِيَ فِيهِ مِنَ المَنَامَاتِ الحَسَنَة رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ أَبُو شُعَيْبٍ الحَرَّانيُّ عَن عَلِيِّ بْنِ خَشْرَمٍ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ عَمَّارٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَال: «لَمَّا قَدِمْتُ مِصْر: كَانُواْ في قَحْط، فَلَمَّا صَلَّوُاْ الجُمُعَةَ ضَجُّواْ بِالبُكَاءِ وَالدُّعَاء، فَحَضَرَتْني نِيَّة، فَصِرْتُ إِلىَ الصَّحْنِ وَقُلْتُ: يَا قَوْم؛ تَقَرَّبُواْ إِلىَ اللهِ بِالصَّدَقَة؛ فَمَا

تُقُرِّبَ بِمِثْلِهَا، ثُمَّ رَمَيْتُ بِكِسَائِي، فَقُلْتُ هَذَا جُهْدِي، فَتَصَدَّقُواْ، حَتىَّ جَعَلَتِ المَرْأَةُ تُلْقِي خُرْصَهَا، حَتىَّ فَاضَ الْكِسَاء، ثمَّ هَطَلَتِ السَّمَاءُ وَخَرَجُواْ في الطِّين، فَدَفَعْتُهُ إِلىَ اللَّيْثِ وَابْنِ لَهِيعَة؛ فَنَظَرَا إِلىَ كَثْرَةِ المَال؛ فَوَكَّلُواْ بِهِ الثِّقَات، وَرُحْتُ أَنَا إِلىَ الإِسْكَنْدَرِيَّة، فَبَيْنَا أَنَا أَطُوفُ عَلَى حِصْنِهَا، إِذَا رَجُلٌ يَرْمُقُني، قُلْتُ: مَا لَكَ 00؟ قَال: أَنْتَ المُتَكَلِّمُ يَوْمَ الجُمُعَة 00؟ قُلْتُ: نَعَمْ؛ قَال: صِرْتَ فِتْنَةً؛ قَالُواْ: إِنَّكَ الخَضِر، دَعَا فَأُجِيب؛ قُلْتُ: بَلْ أَنَا الْعَبْدُ الخَاطِئ؛ فَقَدِمْتُ مِصْر؛ فَأَقْطَعَني اللَّيْثُ خَمْسَةَ عَشَرَ فَدَّانَاً» 0

وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ في رِوَايَةٍ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ عَمَّارٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ زَادَ فَقَال: «وَأَخْرَجَ ليَ جَارِيَةً تُعَدُّ قِيمَتُهَا ثَلاَثَمِاْئَةِ دِينَارٍ وَأَلْفَ دِينَارٍ وَقَال: لاَ تُعْلِمْ بِهَا ابْني فَتَهُونَ عَلَيْه» 0 حَدَّثَ أَحْمَدُ بْنُ أَبي الحَوَارِيِّ عَن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُطَرِّفٍ قَال: «رُؤِيَ مَنْصُورُ بْنُ عَمَّارٍ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ فَقِيلَ لَه: مَا فَعَلَ اللهُ بِك 00؟ قَال: غَفَرَ لي جَلَّ وَعَلاَ، وَقَالَ لي عَزَّ وَجَلّ: يَا مَنْصُور؛ غَفَرْتُ لَكَ عَلَى تَخْلِيطٍ فِيكَ كَثِير، إِلاََّ أَنَّكَ كُنْتَ تَحُوشُ النَّاسَ إِلىَ ذِكْرِي» 0

يزيد بن زريع

يَزِيدُ بْنُ زُرَيْع هُوَ المُحَدِّثُ الحَافِظُ يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ أَبُو مُعَاوِيَةَ الْعَيْشِيُّ الْبَصْرِيّ 0 وُلِدَ سَنَةَ 101 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 182 هـ 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: رَوَى عَن أَيُّوبَ السِّخْتِيَانيّ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عَوْن، وَيُونُسَ بْنِ عُبَيْد، وَخَالِدٍ الحَذَّاء، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيل، وَدَاوُدَ بْنِ أَبي هِنْد، وَابْنِ أَبي عَرُوبَة، وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيّ، وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، وَطَائِفَة 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: رَوَى عَنهُ مُسَدَّد، وَعَلِيُّ بْنُ المَدِينيّ، وَمحَمَّدُ بْنُ المِنْهَالِ الضَّرِيرُ [مِنْ شُيُوخُ الْبُخَارِيّ]، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيّ، وَأُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَام، وَنَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيّ [مِنْ شُيُوخِ مُسْلِم] وَخَلْقٌ كَثِير 0 ـ ثَنَاءُ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحْمَهُ اللهُ عَلَيْه: قَالَ عَنِهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «كَانَ رَيْحَانَةَ الْبَصْرَةِ، مَا أَتْقَنَهُ وَمَا أَحْفَظَه» 0

ـ ثَنَاءُ الأَئِمَّهِ عَلَيْه، وَتَوْثِيقُهُمْ لَه: قَالَ عَنِهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِي رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «ثِقَةٌ إِمَام» 0 قَالَ عَنِهُ يحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «لَمْ يَكُن هَا هُنَا أَحَدٌ أَثْبَتَ مِنهُ» 0 حَدَّثَ عَبْدُ الخَالِقِ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ يحْيىَ بْنِ مَعِينٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «ثِقَةٌ مَأْمُون» 0 حَدَّثَ مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ يحْيىَ بْنِ مَعِينٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «هُوَ أَثْبَتُ شُيُوخِ الْبَصْرِيِّين» 0

قَالَ عَنِهُ بِشْرٌ الحَافِي رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «كَانَ يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ مُتْقِنَاً حَافِظَاً، مَا أَعْلَمُ أَنيِّ رَأَيْتُ مِثْلَهُ وَمِثْلَ صحَّةِ حَدِيثِه» 0 ـ قَالُواْ عَنْ صَلاَحِهِ وَتَقْوَاه، وَحُسْنِ عِبَادَتِهِ لله: قَالَ عَنهُ الإِمَامُ ابْنُ حِبَّان: «كَانَ مِن أَوْرَعِ أَهْلِ زَمَانِهِ» 0 قَالَ عَنِهُ أَبُو عَوَانَةَ الْوَضَّاحُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «صَحِبْتُ يَزِيدَ بْنَ زُرَيْعٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَرْبَعِينَ سَنَةً؛ يَزدَادُ في كُلِّ سَنَةٍ خَيْرَاً» 0

وَقَالَ عَنِهُ نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيّ [مِنْ شُيُوخِ مُسْلِم]: «رَأَيْتُ يَزِيدَ بْنَ زُرَيْعٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ في المَنَامِ فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِك 00؟ قَال: أُدْخِلْتُ الجَنَّة؛ قُلْتُ: بِمَاذَا 00؟ قَال: بِكَثْرَةِ الصَّلاَة» 0 ـ مِن أَقْوَالِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ صَالِحُ بْنُ حَاتِمٍ بْنِ وَرْدَانَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «لِكُلِّ دِينٍ فُرْسَان، وَفُرْسَانُ هَذَا الدِّينِ أَصْحَابُ الأَسَانيْد» 0

داود الطائي

دَاوُدٌ الطَّائِيّ هُوَ الإِمَامُ الْفَقِيهُ الْقُدْوَةُ الزَّاهِدُ دَاوُدُ الطَّائِيُّ الْكُوفِيّ: أَبُو سُلَيْمَانَ بْنُ نُصَيْرٍ 0 وُلِدَ بَعْدَ سَنَةَ 100 هـ بِسَنَوَات، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 162 هـ وَقِيلَ سَنَةَ 165 هـ 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: رَوَى عَن عَبْدِ المَلِكِ بْنِ عُمَيْر، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيل، وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَة، وَسُلَيْمَانَ الأَعْمَش 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ ابْنُ عُلَيَّة، وَزَافِرُ بْنُ سُلَيْمَان، وَمُصْعَبُ بْنُ المِقْدَام، وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ السَّلُولِيّ، وَأَبُو نُعَيْم، وَآخَرُون 0 وَكَانَ مِنْ كِبَارِ أَئِمَّةِ الْفَقْهِ وَالرَّأْي؛ بَرَعَ في الْعِلْمِ بِمَذْهَبِ الإِمَامِ أَبي حَنِيفَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه 00 ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى خَاصَّةِ أَمْرِهِ وَلَزِمَ الصَّمْت، وَآثَرَ الخُمُولَ وَفَرَّ بِدِينِه 0

ـ قَالُواْ عَن عُزْلَتِهِ وَانْزِوَائِهِ رَغْمَ عِلْمِهِ وَتَفَرُّدِه: كَانَ الثَّوْرِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِِ يُعَظِّمُهُ وَيَقُول: «أَبْصَرَ دَاوُدٌ الطَّائِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِِ أَمرَه» 0 قَالَ عَنهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «هَلِ الأَمْرُ إِلاََّ مَا كَانَ عَلَيْهِ دَاوُدٌ الطَّائِيّ» وَقِيلَ إِنَّهُ غَرَّقَ كُتُبَه 00 وَسَأَلَهُ زَائِدَةُ بْنُ قُدَامَ الثَّقَفِيُّ عَنْ تَفْسِيرِ آيَةٍ فَقَال: «يَا فُلاَن؛ انْقَطَعَ الجَوَاب» 0

وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «كَانَ دَاوُدٌ الطَّائِيُّ مِمَّن عَلِمَ وَفَقِهَ، وَنَفَدَ في الْكَلاَم، فَحَذَفَ إِنْسَانَاً [أَيْ رَمَاهُ بِشَيْء] فَقَالَ لَهُ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ الله: يَا أَبَا سُلَيْمَانَ طَالَ لِسَانُكَ وَيَدُك؛ فَاخْتَلَفَ بَعْدَ ذَلِكَ سَنَةً لاَ يَسْأَلُ وَلاَ يُجِيب» 0 هَذَّبَ نَفْسَهُ وَدرَّبَهَا حَتىَّ قَوِيَ عَلَى الْعُزلَة 0 ـ قَالُواْ عَنْ زُهْدِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ حَفْصٌ الجُعْفِيُّ رَحِمَهُ الله: «وَرِثَ دَاوُدٌ الطَّائِيُّ رَحمَهُ اللهُ مِن أُمِّهِ أَرْبَعَمِاْئَةِ دِرْهَم؛ فَمَكَثَ يَتَقَوَّتُ بِهَا ثَلاَثِينَ عَامَاً، فَلَمَّا نَفِدَتْ؛ جَعَلَ يَنْقُضُ سُقُوفَ الدُّوَيْرَةِ فَيَبِيعُهَا» 0

قَالَ عَطَاءُ بْنُ مُسْلِم: «عَاشَ دَاوُدٌ الطَّائِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ عِشْرِينَ سَنَةً بِثَلاَثِمِاْئَةِ دِرْهَم» 0 لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِ جِنَازَتِه، حَتىَّ قِيلَ: بَاتَ النَّاسُ ثَلاَثَ لَيَالٍ مَخَافَةَ أَنْ يَفُوتَهُمْ شُهُودُه 00 ـ مِن أَقْوَالِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ لَهُ رَجُلٌ أَوْصِني؛ فَقَالَ لَهُ: «اتَّقِ اللهَ جَلَّ وَعَلاَ وَبِرَّ وَالِدَيك، وَيْحَكَ صُمِ الدُّنْيَا، وَاجْعَلْ فِطْرَكَ المَوْت، وَاجْتَنِبِ النَّاسَ غَيْرَ تَارِكٍ لِجَمَاعَتِهِمْ» 0

صفوان بن سليم

صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْم وُلِدَ سَنَةَ 60 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 132 هـ 0 قَالَ الْوَاقِدِيُّ وَابْنُ سَعْدٍ في الطَّبَقَاتِ وَخَلِيفَةُ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْر: مَاتَ صَفْوَانُ سَنَةَ 132 هـ، وَقَالَ أَبُو حَسَّانٍ الزِّيَادِيّ: عَاشَ 72 سَنَة 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: حَدَّثَ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِك، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله 0 وَعَن: حُمَيْدٍ، وَعَطَاءِ بْنِ يَسَار، وَنَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِم، وَطَاوُوس، وَسَعِيدِ بْنِ المُسَيَّب، وَسَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ الأَزْرَقِيّ، وَسَلْمَانَ الأَغَرّ، وَالْقَاسِمِ بْنِ محَمَّد، وَخَلْقٍ سِوَاهُمْ كَثِير 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ يَزِيدُ بْنُ أَبي حَبِيب، وَمُوسَى بْنُ عُقْبَة، وَابْنُ جُرَيْج، وَابْنُ عَجْلاَن، وَمَالِك، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْد، وَالسُّفْيَانَان، وَخَلْقٌ كَثِير، آخِرُهُمْ وَفَاةً: أَبُو ضَمْرَةَ اللَّيْثِيّ 0 ـ ثَنَاءُ الإِمَامِ أَحْمَدَ عَلَيْه: قَالَ عَنهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلَ رَحِمَهُ الله: «مِنَ الثِّقَات، يُسْتَشْفَى بِحَدِيثِهِ، وَيَنْزِلُ الْقَطْرُ مِنَ السَّمَاءِ بِذِكْرِه» 0 وَرَوَى عَبْدُ اللهِ بْنُ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلَ عَن أَبِيهِ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَالَ عَنهُ: «ثِقَةٌ مِن خِيَارِ عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِين» 0

ـ قَالُواْ عَنْ زُهْدِهِ: حَدَّثَ كَثِيرُ بْنُ يحْيىَ عَن أَبِيهِ قَال: «قَدِمَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ المَلِكِ المَدِينَةَ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَامِلٌ عَلَيْهَا؛ فَصَلَّى بِالنَّاسِ الظُّهر، ثمَّ فَتحَ بَابَ المَقْصُورَةِ وَاسْتَنَدَ إِلىَ المحْرَابِ وَاسْتَقبَلَ النَّاسَ بِوَجْهِهِ؛ فَنَظَرَ إِلىَ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، فَقَالَ لِعُمَرَ رَحِمَهُ الله: مَن هَذَا 00؟ مَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ سَمْتَاً مِنهُ؛ قَالَ رَحِمَهُ الله: صَفْوَان0 قَالَ الخَلِيفَة: يَا غُلاَم؛ كِيسٌ فِيهِ خَمْسُمِاْئَةِ دِينَار 0

فَأَتَاهُ بِهِ؛ فَقَالَ لِخَادِمِهِ: اذْهَبْ بِهَا إِلىَ ذَلِكَ الْقَائِم؛ فَأَتَى حَتىَّ جَلَسَ إِلىَ صَفْوَانَ وَهُوَ يُصَلِّي، فَلَمَّا سَلَّمَ أَقْبَلَ عَلَيْه؛ فَقَالَ رَحِمَهُ الله: مَا حَاجَتُكَ 00؟ قَال: يَقُولُ أَمِيرُ المُؤْمِنِين: اسْتَعِنْ بِهَذِهِ عَلَى زَمَانِكَ وَعِيَالِك 00 فَقَالَ صَفْوَانُ رَحِمَهُ الله: لَسْتُ الَّذِي أُرْسِلْتَ إِلَيْه؛ قَالَ أَلسْتَ صَفْوَانَ بْنَ سُلَيْم 00؟ قَالَ بَلَى؛ قَالَ: فَإِلَيْكَ أُرْسِلْت؛ قَالَ اذْهَبْ فَاسْتَثْبِتْ؛ فَوَلَّى الْغُلاَم، وَأَخَذَ صَفْوَانُ رَحِمَهُ اللهُ نَعْلَيْهِ وَخَرَج؛ فَلَمْ يُرَ بِهَا حَتىَّ خَرَجَ سُلَيْمَانُ مِنَ المَدِينَة» 0

ـ قَالُواْ عَنْ صَلاَحِهِ وَتَقْوَاه، وَخَوْفِهِ مِنَ الله: حَدَّثَ مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللهِ رَحِمَهُ اللهُ عَنِ الإِمَامِ مَالِكٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «لَقَدْ كُنْتُ آتي صَفْوَانَ بْنَ سُلَيْمٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ وَكَانَ مِنَ المُتَعَبِّدِينَ المجْتَهِدِين: فَإِذَا ذُكِرَ عِنْدَهُ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَكَى، فَلاَ يَزَالُ يَبْكِي حَتىَّ يَقُومَ النَّاسُ عَنهُ وَيَتْرُكُوه» 0

حَدَّثَ قُدَامَةُ بْنُ محَمَّدٍ الخَشْرَمِيُّ عَنْ محَمَّدِ بْنِ صَالحٍ التَّمَّارِ قَال: «كَانَ صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ يَأْتي الْبَقِيعَ كُلَّ أَيَّامٍ فَيَمُرُّ بي، فَاتَّبَعْتُهُ ذَاتَ يَوْمٍ وَقُلْتُ لأَنْظُرَنَّ مَا يَصْنَع؛ فَقنَّعَ رَأْسَهُ وَجَلَسَ إِلىَ قَبْرٍ مِنهَا، فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتىَّ رَحِمْتُه، وَظَنَنْتُ أَنَّهُ قَبْرُ بَعْضِ أَهْلِه 00 وَمَرَّ بي مَرَّةً أُخْرَى؛ فَاتَّبَعْتُهُ، فَقَعَدَ إِلىَ جَنْبِ قَبْرٍ غَيْرِهِ فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِك 00!! فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِمُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ وَقُلْتُ لَهُ: إِنَّمَا ظَنَنْتُ أَنَّهُ قَبْرُ بَعْضِ أَهْلِه؛ فَقَالَ محَمَّد: كُلُّهم أَهْلُهُ وَإِخْوَتُه، إِنَّمَا هُوَ رَجُلٌ يُحَرِّكُ قَلْبَهُ بِذِكْرِ الأَمْوَاتِ كُلَّمَا عَرَضَتْ لَهُ قَسْوَة 00 ثُمَّ جَعَلَ محَمَّدُ بْنُ المُنْكَدِرِ يَمُرُّ بي بَعْدَهَا فَيَأْتي الْبَقِيع» 0

قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيّ: «فَأَخْبَرَني الحَفَّارُ الَّذِي يَحْفِرُ قُبُورَ أَهْلِ المَدِينَةِ قَال: «حَفَرْتُ قَبْرَ رَجُل؛ فَإِذَا أَنَا قَدْ وَقَعْتُ عَلَى قَبْر؛ فَوَافَيْتُ جُمْجُمَةً؛ فَإِذَا السُّجُودُ قَدْ أَثَّرَ في عِظَامِ الجُمجُمَة؛ فَقُلْتُ لإِنْسَانٍ: قَبْرُ مَن هَذَا 00؟ فَقَال: أَوَ مَا تَدْرِي 00؟ هَذَا قَبْرُ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْم» 0

حَدَّثَ سَهْلُ بْنُ عَاصِمٍ عَنْ محَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ قَال: «قَالَ صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ رَحِمَهُ الله: أُعْطِي اللهَ عَهدَاً أَنْ لاَ أَضَعَ جَنْبي عَلَى فِرَاشٍ حَتىَّ أَلحَقَ بِرَبيِّ؛ [يُرِيدُ الْعَمَلَ بِقَوْلِهِ تَعَالى: «تَتَجَافىَ جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِع»] فَبَلَغَني أَنَّ صَفْوَانَ رَحِمَهُ اللهُ عَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ أَرْبَعِينَ سَنَةً لَمْ يَضَعْ جَنْبَهُ؛ فَلَمَّا نَزَلَ بِهِ المَوْتُ قِيلَ لَهُ: رَحِمَكَ الله؛ أَلاَ تَضْطَجِعُ 00؟ قَالَ رَحِمَهُ الله: مَا وَفَّيْتُ للهِ بِالْعَهْدِ إِذَاً؛ فَأُسْنِدَ رَحِمَهُ الله، فَمَا زَالَ كَذَلِكَ حَتىَّ خَرَجَتْ نَفْسُه» 0

العلاء بن زياد

الْعَلاَءُ بْنُ زِيَاد هُوَ العَابِدُ الزَّاهِدُ العَلاَءُ بْنُ زِيَادِ بْنِ مَطَرِ بْنِ شُرَيْحٍ العَدَوِيُّ البَصْرِيّ 0 تُوُفِّيَ في أَخَرَةِ وِلاَيَةِ الحَجَّاجِ سَنَةَ 94 هـ 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: حَدَّثَ عَن عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْن، وَأَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا، وَغَيْرِهِمْ 0 ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: رَوَى عَنهُ الحَسَنُ البَصْرِيّ، وَقَتَادَة، وَإِسْحَاقُ بْنُ سُوَيْد، وَآخَرُون 0 وَكَانَ رَجُلاً تَقِيَّاً قَانِتَاً لله، بَكَّاءً مِن خَشْيَةِ الله 0

قَالَ قَتَادَة: «كَانَ العَلاَءُ بْنُ زِيَادٍ قَدْ بَكَى حَتىَّ غَشِيَ بَصَرُه، وَكَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْرَأَ أَوْ يَتَكَلَّمَ جَهَشَهُ البُكَاء، وَكَانَ أَبُوهُ قَدْ بَكَى حَتىَّ عَمِي» 0 وَقَالَ أَوْفَى بْنُ دِلْهَم: «كَانَ لِلْعَلاَءِ بْنِ زِيَادٍ مَالٌ وَرَقِيق؛ فَأَعْتَقَ بَعْضَهُمْ وَبَاعَ بَعْضَهُمْ، وَتَعَبَّدَ وَاجْتَهَدَ وَبَالَغ؛ فَكُلِّمَ في ذَلِكَ فَقَال: إِنَّمَا أَتَذَلَّلُ للهِ لَعَلَّهُ يَرْحَمُني» 0

وَقَالَ هِشَامُ بْنُ حَسَّان: «كَانَ الْعَلاَءُ يَصُومُ حَتىَّ يَخْضَرّ، وَيُصَلِّي حَتىَّ يَسْقُط؛ فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَنَسٌ وَالحَسَنُ فَقَالاَ: إِنَّ اللهَ لَمْ يَأْمُرْكَ بِهَذَا كُلِّه» 0 وَقَالَ هِشَامُ بْنُ حَسَّان: «كَانَ قُوتُ العَلاَءِ بْنِ زِيَادٍ رَغِيفَاً كُلَّ يَوْم» 0 وَحَدَّثَ هِشَامُ بْنُ زِيَادٍ أَخُو العَلاَءِ فَقَال: «إِنَّ الْعَلاَءَ كَانَ يُحْيِي لَيْلَةَ الجُمُعَة، فَنَامَ لَيْلَةَ جُمُعَة؛ فَأَتَاهُ مَن أَخَذَ بِنَاصِيَتِهِ فَقَال: قُمْ يَا ابْنَ زِيَادٍ فَاذْكُرِ اللهَ يَذْكُرْك؛ فَقَامَ؛ فَمَا زَالَتْ

تِلْكَ الشَّعْرَاتُ الَّتي أَخَذَهَا مِنهُ قَائِمَةً حَتىَّ مَات» 0 وَحَدَّثَ عَبْدُ الوَاحِدِ بْنُ زَيْدٍ قَال: «أَتىَ رَجُلٌ العَلاَءَ بْنَ زِيَادٍ فَقَال: «أَتَاني آتٍ في مَنَامِي فَقَال: ائْتِ الْعَلاَءَ بْنَ زِيَادٍ فَقُلْ لَهُ: لِمَ تَبْكِي؛ قَدْ غُفِرَ لَك 00؟! فَبَكَى رَحِمَهُ اللهُ وَقَال: الآنَ حِينَ لاَ أَهْدَأ» 0 وَحَدَّثَ عُبَيْدُ اللهِ العَنْسِيُّ عَنْ سَلَمَة بْنِ سَعِيدٍ قَال:

«رُؤِيَ الْعَلاَءُ بْنُ زِيَادٍ أَنَّهُ مِن أَهْلِ الجَنَّة؛ فَمَكَثَ ثَلاَثَاً لاَ تَرْقَأُ لَهُ دَمْعَةٌ وَلاَ يَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ وَلاَ يَذُوقُ طَعَامَاً؛ فَأَتَاهُ الحَسَنُ فَقَال: أَيْ أَخِي؛ أَتَقْتُلُ نَفْسَكَ أَنْ بُشِّرْتَ بِالجَنَّة 00؟! فَازْدَادَ بُكَاءً؛ فَلَمْ يُفَارِقْهُ حَتىَّ أَمْسَى، وَكَانَ صَائِمَاً فَطَعِمَ شَيْئَاً» 0 وَحَدَّثَ جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ عَن هِشَامِ بْنِ زِيَادٍ أَخِي الْعَلاَءِ قَال:

«تَجَهَّزَ رَجُلٌ مِن أَهْلِ الشَّامِ لِلْحَجّ؛ فَأَتَاهُ آتٍ في مَنَامِهِ: ائْتِ البَصْرَةَ، فَائْتِ الْعَلاَءَ بْنَ زِيَاد، فَإِنَّهُ رَجُلٌ رَبْعَةٌ أَقْصَمُ الثَّنِيَّةِ بَسَّامٌ؛ فَبَشِّرْهُ بِالجَنَّة 00 [أَقْصَمُ الثَّنِيَّة: أَيْ مَكْسُورُ السِّنِّ الأَمَامِيَّة] فَقَال: رُؤْيَا لَيْسَتْ بِشَيْء؛ فَأَتَاهُ في اللَّيْلَةِ الثَّانيَة، ثُمَّ في الثَّالِثَة، وَجَاءهُ بِوَعِيدٍ؛ فَأَصْبَحَ وَتَجَهَّزَ إِلىَ العِرَاق، فَلَمَّا خَرَجَ مِنَ البُيُوتِ إِذَا الَّذِي أَتَاهُ في مَنَامَهِ يَسِيرُ بَيْنَ يَدَيْه [أيِ الآتي الَّذِي أَتَاهُ

في الرُّؤْيَا فَأَمَرَهُ وَزَجَرَهُ، رَآهُ في الْيَقَظَةِ كَعَلاَمَةٍ عَلَى صِدْقِ الرُّؤْيَا وَأَنَّهَا لَيْسَتْ أَضْغَاثَ أَحْلاَم] فَإِذَا نَزَلَ فَقَدَهُ؛ فَجَاءَ فَوَقَفَ عَلَى بَابِ العَلاَء، فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ فَقَال: أَنْتَ الْعَلاَء 00؟ قُلْتُ لاَ، انْزِلْ رَحِمَكَ اللهُ فَضَعْ رَحْلَك؛ قَالَ لاَ، أَيْنَ العَلاَء 00؟ قُلْتُ في المَسْجِد؛ فَجَاءَ العَلاَء، فَلَمَّا رَأَى الرَّجُلَ تَبَسَّمَ فَبَدَتْ ثَنِيَّتُه [أَيْ ظَهَرَتْ سِنُّهُ المَكْسُورَة] فَقَال: هَذَا وَالله هُو 0

فَقَالَ العَلاَء: هَلاََّ حَطَطْتَ رَحْلَ الرَّجُل، أَلاَ أَنْزَلْتَه 00؟ قَالَ: قُلْتُ لَهُ فَأَبَى؛ قَالَ العَلاَء: انْزِلْ رَحِمَكَ الله؛ قَالَ أَخْلِني [أَيْ فَأَخْلِ الطَّرِيق] فَدَخَلَ الْعَلاَءُ مَنْزِلَهُ وَقَال: يَا أَسْمَاء؛ تَحَوَّلِي؛ فَدَخَلَ الرَّجُلُ فَبَشَّرَهُ بِرُؤْيَاهُ ثُمَّ خَرَجَ فَرَكِب 00 فَأَغْلَقَ العَلاَءُ بَابَهُ وَبَكَى ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةً، لاَ يَذُوقُ فِيهَا طَعَامَاً وَلاَ شَرَابَاً 0 فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ في خِلاَلِ بُكَائِهِ: أَنَا 00؟ أَنَا 00؟

وَكُنَّا نَهَابُهُ أَنْ نَفْتَحَ بَابَهُ، وَخَشِيتُ أَنْ يَمُوت؛ فَأَتَيْتُ الحَسَنَ فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِك؛ فَجَاءَ فَدَقَّ عَلَيْه؛ فَفَتَحَ وَبِهِ مِنَ الضُّرِّ شَيْءٌ اللهُ بِهِ عَلِيم 0 ثُمَّ تَكَلَّمَ الحَسَنُ فَقَال: وَمِن أَهْلِ الجَنَّةِ إِنْ شَاءَ الله 00؟ أَفَقَاتِلٌ نَفْسَكَ أَنْت 00؟ قَالَ هِشَام: فَحَدَّثَنَا العَلاَءُ لي وَللْحَسَنِ بِالرُّؤْيَا وَقَال: لاَ تُحَدِّثُواْ بِهَا مَا كُنْتُ حَيَّا» 0 اللَّهُمَّ احْشُرْنَا في زُمْرَةِ هَؤُلاَءِ الصَّالحِين، وَاجْعَلْ أَفْئِدَتَهُمْ تَهْوِي إِلَيْنَا، في الدُّنيَا وَالآخِرَة 0

سعيد بن عبد العزيز

سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيز هُوَ الإِمَامُ الْقُدْوَةُ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبي يحْيىَ التَّنُوخِيُّ الدِّمَشْقِيّ 0 وُلِدَ سَنَةَ 90 هـ في حَيَاةِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 167 هـ 0 وَقَرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى ابْنِ عَامِرٍ وَيَزِيدَ بْنِ أَبي مَالِك 0 وَتَلاَ عَلَيْهِ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ وَأَبُو مُسْهِر 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: حَدَّثَ عَنْ مَكْحُول، وَالزُّهْرِيّ، وَنَافِعٍ مَوْلىَ ابْنِ عُمَر، وَيُونُسَ بْنِ مَيْسَرَة، وَعِدَّة 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِم، وَأَبُو مُسْهِر، وَأَبُو اليَمَانِ الحِمْصِيّ، وَابْنُ المُبَارَك، وَوَكِيع، وَابْنُ شَابُور، وَيحْيىَ بْنُ حَمْزَة، وَبَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيد، وَأَبُو عَاصِمٍ النَّبِيل، وَعَبْدُ الرَّزَّاق، وَأَبُو نَصْرٍ التَّمَّار، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ التِّنِّيسِيّ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ كَثِيرٍ المُقْرِئُ الطَّوِيلُ، وَالوَلِيدُ بْنُ مَزْيَدٍ الْعُذْرِيّ، وَآخَرُون، وَحَدَّثَ عَنهُ مِن أَقْرَانِهِ شُعْبَةُ وَالثَّوْرِيّ 0

وَانتَهَتْ إِلَيْهِ مَشْيَخَةُ الْعِلْمِ بَعْدَ الأَوْزَاعِيِّ بِالشَّام، عَاشَ بَعْدَهُ عَشْرَةَ أَعْوَام 0 وَقَدْ جَمَعَ الإِمَامُ الطَّبَرَانيُّ مَرْوِيَّاتِ سَعِيدٍ في جُزْءٍ وَاحِدٍ 0 ـ قَالُواْ عَنْ فِقْهِهِ: قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مَزْيَد: «كَانَ الإِمَامُ الأَوْزَاعِيُّ إِذَا سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَاضِرٌ قَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: سَلُواْ أَبَا محَمَّد» 0 قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِي رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «كَانَ أَبُو مُسْهِرٍ يُقدِّمُ سَعِيدَاً عَلَى الأَوْزَاعِيّ» 0

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ [صَاحِبُ المُسْتَدْرَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه]: «سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لأَهْلِ الشَّام؛ كَمَالِكٍ لأَهْلِ المَدِينَةِ في التَّقَدُّمِ وَالفِقْهِ وَالأَمَانَة» 0 قَالَ عَنهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ في مُسْنَدِه: «لَيْسَ بِالشَّامِ رَجُلٌ أَصَحَّ حَدِيثَاً مِنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيز» 0 ـ قَالُواْ عَنِ خُشُوعِهِ وَبُكَائِهِ مِن خَشْيَةِ الله: حَدَّثَ أَبُو زُرْعَةَ عَن أَبي النَّضْرِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: كُنْتُ أَسْمَعُ وَقْعَ دُمُوعِ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَلَى الحَصِيرِ في الصَّلاَةِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه» 0

حَدَّثَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَرْوَانُ بْنُ محَمَّدٍ الطَّاطَرِيُّ عَنْ محَمَّدِ بْنِ المُبَارَكِ الصُّورِيِّ أَنَّهُ قَال: «كَانَ سَعِيدٌ إِذَا فَاتَتْهُ صَلاَةُ الجَمَاعَةِ بَكَى» 0 حَدَّثَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ عَن أَبي مُسْهِرٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «مَا رَأَيْتُ سَعِيدَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ ضَحِكَ قَطُّ وَلاَ تَبَسَّم، وَلاَ شَكَا شَيْئَاً قَطّ» 0 قَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: «سَمِعْتُ رَجُلاً يَقُولُ لِسَعِيدٍ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيز: أَطَالَ اللهُ بَقَاءَك؛ فَقَال: بَلْ عَجَّلَ اللهُ بي إِلىَ رَحْمَتِه» 0

المعافى بن عمران

المُعَافَى بْنُ عِمْرَان هُوَ الإِمَامُ الحَافِظ المُعَافَى بْنُ عِمْرَانَ بْنِ نُفَيْلِ بْنِ جَابِرِ بْنِ جَبَلَةَ الأَزْدِيُّ المَوْصِلِيّ 0 وُلِدَ سَنَةَ 125 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 185 هـ 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: سَمِعَ مِن هِشَامَ بْنَ حَسَّان، وَابْنَ جُرَيْج، وَالأَوْزَاعِيّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيّ، وَمِسْعَرَ بْنَ كِدَام، وَابْنَ أَبي عَرُوبَة، وَمَالِكَ بْنَ مِغْوَل، وَمُوسَى بْنَ عُبَيْدَة، وَيُونُسَ بْنَ أَبي إِسْحَاق، وَخَلْقَاً سِوَاهُمْ 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ مُوسَى بْنُ أَعْيَن، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَك، وَبَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيد، وَوَكِيعُ بْنُ الجَرَّاح [وَهُمْ مِنْ جِيلِهِ] وَبِشْرُ بْنُ الحَارِث، وَالحَسَنُ بْنُ بِشْر، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الهَرَوِيّ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبي خِدَاش، وَوَلَدُهُ أَحْمَدُ بْنُ المُعَافَى، وَعَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ فُلَيْحٍ المَكِّيّ، وَمُوسَى بْنُ مَرْوَانَ الرَّقِّيّ 0 ـ قَالُواْ عَنْ تَوْثِيقِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ عَنهُ يحْيىَ بْنُ مَعِينٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «المُعَافَى ثِقَة» 0 وَقَالَ وَكِيعُ بْنُ الجَرَّاحِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «حَدَّثَ المُعَافَى عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَكَانَ مِنَ الثِّقَات» 0

ـ قَالُواْ عَن عِلْمِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «امْتَحِنُواْ أَهْلَ المَوْصِلِ بِالمُعَافَى» 0 أَيِ احْكُمُواْ عَلَيْهِمْ بِعِلْمِهِ: أَيْ حَسْبُكُمْ مِن عِلْمِ أَهْلِ المَوْصِلِ بِهَذَا المَوْصِلِيِّ إِذَا رَأَيْتُمُوه 0 قَال عَنهُ الإِمَامُ الأَوْزَاعِيّ: «لاَ أُقَدِّمُ عَلَى المُعَافَى المَوْصِلِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَحَدَاً» 0

ـ ثَنَاءُ الأَئِمَّهِ عَلَيْه؛ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحِمَهُ الله: «كَانَ مِن أَئِمَّةِ الْعِلْمِ وَالعَمَل، قَلَّ أَنْ تَرَى الْعُيُونُ مِثْلَه» قَالَ أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «كَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ يَقُول: المُعَافَى بْنُ عِمْرَان: يَاقُوتَةُ الْعُلَمَاء» 0

قَال محَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَارَة: «رَأَيْتُ المُعَافَى بْنَ عِمْرَانَ وَلَمْ أَرَ أَفْضَلَ مِنهُ» 0 وَقَالَ الهَيْثَمُ بْنُ خَارِجَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «مَا رَأَيْتُ رَجُلاً آدَبَ مِنَ المُعَافىَ بْنِ عِمْرَان» 0 ـ قَالُواْ عَنْ صَلاَحِهِ وَتَقْوَاه، وَأَحْوَالِهِ مَعَ الله: حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمَّارٍ عَن عِيسَى بْنِ يُونُسَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَال: «يُرِيدُ بِعِلْمِهِ اللهَ تَعَالىَ» 0

حَدَّثَ بِشْرٌ الحَافِي عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إِذَا حَدَّثَ عَنهُ: «حَدَّثَ الرَّجُلُ الصَّالِح» 0 قَالَ بِشْرُ بْنُ الحَارِثِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «إِنيِّ لأَذْكُرُ المُعَافَى رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ اليَوْم؛ فَأَنْتَفِعُ بِذِكْرِهِ» رَوَى جَمَاعَةٌ عَن بِشْرٌ الحَافِي رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «كَانَ المُعَافَى في الْفَرَحِ وَالحَزَنِ وَاحِدَاً، قَتَلَتِ الخَوَارِجُ لَهُ وَلَدَيْنِ فَمَا تَبََيَّنَ عَلَيْهِ شَيْء، وَجَمَعَ أَصْحَابَهُ وَأَطْعَمَهُمْ ثُمَّ

قَالَ لَهُمْ: آجَرَكُمُ اللهُ في فُلاَنٍ وَفُلاَن» 0 ـ قَالُواْ عَنْ جُودِهِ وَسَخَائِهِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: وَقَالَ الهَيْثَمُ بْنُ خَارِجَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «بَلَغَنَا أَنَّهُ كَانَ أَحَدَ الأَسْخِيَاءِ المَوْصُوفِين، أَفْنىَ مَالَهُ الجُود، كَانَ إِذَا جَاءَهُ مَغَلُّهُ [أَيْ حَصَادُهُ]، أَرْسَلَ مِنهُ إِلىَ أَصْحَابِهِ مَا يَكْفِيهِمْ سَنَةً، وَكَانُواْ أَرْبَعَةً وَثَلاَثِينَ رَجُلاً» 0 قَالَ عَنهُ بِشْرٌ الحَافِي رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «كَانَ المُعَافَى صَاحِبَ دُنْيَا وَاسِعَةٍ وَضِيَاعٍ كَثِيرَة»

ـ مِن أَقْوَالِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَ المُعَافىَ بْنُ عِمْرَانَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَن حَجَّاجِ بْنِ فُرَافِصَةَ عَنْ بُدَيْلٍ رَحمَهُ اللهُ قَال: «مَن عَرَفَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَحَبَّه، وَمَن أَبْصَرَ الدُّنْيَا زَهِدَ فِيهَا» 0 حَدَّثَ المُعَافىَ بْنُ عِمْرَانَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَن حَجَّاجِ بْنِ فُرَافِصَةَ عَنْ بُدَيْلٍ رَحمَهُ اللهُ قَال: «المُؤْمِنُ لاَ يَلْهُو حَتىَّ يَغْفُل، فَإِذَا تَذَكَّرَ حَزِن» 0

حَدَّثَ بِشْرُ بْنُ الحَارِثِ عَنِ المُعَافَى بْنِ عِمْرَانَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «إِذَا لَمْ يَكُنْ للهِ في الْعَبْدِ حَاجَةٌ: نَبَذَهُ إِلىَ السُّلْطَان» 0 أَيْ هَيّأَ لَهُ الْعَمَلَ لَدَى السَّلاَطِين 0 حَدَّثَ بِشْرٌ الحَافي عَنِ المُعَافىَ بْنِ عِمْرَانَ أَنَّ رَجُلاً قَالَ لَهُ مَرَّةً: «مَا أَشَدَّ الْبَرْدَ اليَوْم؛ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ المُعَافَى وَقَال: اسْتَدْفَأْتَ الآن 00؟! [أَيْ هَلْ أَغْنَتْ هَذِهِ الشَّكْوَى عَنْكَ شَيْئَا] لَوْ سَكَتَّ لَكَانَ خَيْرَاً لَك» 0

أحمد بن أبي الحواري

أَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ أَبي الحَوَارِيّ هُوَ الْعَابِدُ الزَّاهِدُ أَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ أَبي الحَوَارِيِّ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَيْمُونٍ الثَّعْلَبيُّ الْغَطَفَانيُّ الدِّمَشْقِيّ 0 وُلِدَ سَنَةَ 164 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 246 هـ 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: وَسَمِعَ مِنْ: سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَة، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ إِدْرِيس، وَالوَلِيدِ بْنِ مُسْلِم، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ وَهْب، وَأَبي الحَسَنِ الْكِسَائِيّ، وَوَكِيعِ بْنِ الجَرَّاح، وَحَفْصِ بْنِ غِيَاث، وَشُعَيْبِ بْنِ حَرْب، وَدَخَلَ دِمَشْقَ فَصَحِبَ الشَّيْخَ أَبَا سُلَيْمَانَ الدَّارَانيَّ مُدَّةً، كَمَا أَخَذَ عَن أَبي مُسْهِرٍ الْغَسَّانيّ 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ سَلَمَةُ بْنُ شَبِيب، وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي، وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِي، وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَة، وَابْنُهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَد، وَيُوسُفُ بْنُ الحُسَيْنِ الرَّازِي، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ نَائِلَةَ الأَصْبَهَانيّ، وَخَلْقٌ كَثِير ـ قَالُواْ عَنْ صَلاَحِهِ وَتَقْوَاه، وَخُشُوعِهِ في الصَّلاَة، وَحُسْنِ عِبَادَتِهِ لله: قَالَ فَيَّاضُ بْنُ زُهَيْر: سَمِعْتُ يحْيىَ بْنَ مَعِينٍ أَنَّهُ ذكَرَ أَحْمَدَ بْنَ أَبي الحَوَارِيِّ فَقَال: «أَظُنُّ أَهْلَ الشَّامِ يَسْقِيهُمُ اللهُ بِهِ الْغَيْث» 0

حَدَّثَ هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيُّ عَنْ يحْيىَ بْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ ذكَرَ أَحْمَدَ بْنَ أَبي الحَوَارِيِّ فَقَال: «أَهْلُ الشَّامِ بِهِ يُمْطَرُون» 0 قَالَ أَحْمَدُ بْنُ عَطَاء: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ أَبي الحَوَارِيِّ يَقُول: «كُنَّا نَسْمَعُ بُكَاءَ أَبي بِاللَّيْلِ حَتىَّ نَقُول: قَدْ مَات، ثمَّ نَسْمَعُ ضِحْكَهُ حَتىَّ نَقُول: قَدْ جُنَّ» 0

قَالَ محَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ الحِمْصِيّ: رَأَيْتُ أَحْمَدَ بْنَ أَبي الحَوَارِيِّ بِأَنْطَرْسُوس [بَلْدَةٌ لُبْنَانِيَّة]، فَلَمَّا صَلَّى الْعَتَمَةَ قَامَ يُصَلِّي؛ فَاسْتَفْتَحَ بِـ {الحَمْدُ لله} إِلىَ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين}، فَطُفْتُ الحَائِطَ [أَيِ البُسْتَانَ] كُلَّهُ، ثمَّ رَجَعْت؛ فَإِذَا هُوَ لاَ يُجَاوِزُهَا، ثمَّ نِمْت، ثمَّ مَرَرْتُ في السَّحَرِ وَهُوَ يَقْرَأ: {إِيَّاكَ نَعْبُد}، فَلَمْ يَزَلْ يُرَدِّدُهَا إِلىَ الصُّبْح» 0

ـ قَالُواْ عَنْ سِيَاحَتِهِ في الأَرْضِ طَلَبَاً لِلْحِكْمَةِ وَالتَّصَوُّفِ المُعْتَدِل: قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ في «تَارِيخِ الصُّوفِيَّة»: «سَمِعْتُ محَمَّدَ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ مَطَرٍ قَال: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ يُوسُفَ الهِسِنْجَانيَّ يَقُول: رَمَى أَحْمَدُ بْنُ أَبي الحَوَارِيِّ بِكُتُبِهِ في الْبَحْرِ وَقَال: نِعْمَ الدَّلِيلُ كُنْتِ؛ وَالاِشْتِغَالُ بِالدَّلِيلِ بَعْدَ الْوُصُولِ فُضُول» 0

قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ في كِتَابِهِ «تَارِيخِ الصُّوفِيَّة»: «سَمِعْتُ محَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الطَّبَرِيَّ يَقُول: سَمِعْتُ يُوسُفَ بْنَ الحُسَيْنِ يَقُول: طَلَبَ أَحْمَدُ بْنُ أَبي الحَوَارِيِّ الْعِلْمَ ثَلاَثِينَ سَنَة، ثمَّ حَمَلَ كُتُبَهُ كُلَّهَا إِلىَ الْبَحْرِ فَغَرَّقَهَا وَقَال: يَا عِلْم؛ لَمْ أَفْعَلْ بِكَ هَذَا اسْتِخْفَافَاً، وَلَكِنْ لَمَّا اهْتَدَيْتُ بِكَ اسْتَغْنَيْتُ عَنْك» 0

ـ ثَنَاءُ الأَئِمَّهِ عَلَيْه؛ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: ذَكَرَ محْمُودُ بْنُ خَالِدٍ أَحْمَدَ بْنَ أَبي الحَوَارِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ فَقَال: «مَا أَظُنُّ بَقِيَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مِثْلُه» 0 قَالَ الإِمَامُ الجُنَيْد: «أَحْمَدُ بْنُ أَبي الحَوَارِيّ: رَيْحَانَةُ الشَّام» 0 قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحمَهُ الله: «عُنِيَ بهَذَا الشَّأْنِ [أَيِ التَّصَوُّفُ أَتَمَّ الْعِنَايَة] أَتَمَّ عِنَايَةٍ» 0 قَالَ محَمَّدُ بْنُ أَبي حَاتِمٍ الْوَرَّاق: سَمِعْتُ أَبي يُحْسِنُ الثَنَاءَ عَلَيْهِ وَيُطْنِبُ فِيه» 0

ـ عَقِيدَتُهُ وَمَذْهَبُهُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ أَبُو الدَّحْدَاحِ الدِّمَشْقِيّ: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بْنُ حَامِد: «وَرَدَ كِتَابُ المَأْمُونِ عَلَى إِسْحَاقَ بْنِ يحْيىَ أَمِيرِ دِمَشْق: أَن أَحْضِرِ المحَدِّثِينَ بِدِمَشْقَ فَامْتَحِنْهُمْ؛ فَأَحْضَرَ هِشَامَ بْنَ عَمَّار، وَسُلَيْمَانَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَن، وَابْنَ ذَكْوَانَ، وَابْنَ أَبي الحَوَارِيّ؛ فَامْتَحَنَهُمُ امْتِحَانَاً لَيْسَ بِالشَّدِيد، فَأَجَابُواْ خَلاَ أَحْمَدَ بْنَ أَبي الحَوَارِيّ؛ فَجَعَلَ يَرْفُقُ بِهِ وَيَقُول:

أَليْسَ السَّمَاوَاْتُ مَخْلُوقَةً 00؟ أَلَيْسَ الأَرْضُ مَخْلُوقَةً 00؟! وَأَحْمَدُ بْنُ أَبي الحَوَارِيِّ يَأْبَى أَنْ يُطِيعَه؛ فَسَجَنَهُ في دَارِ الحِجَارَة، ثُمَّ أَجَابَ بَعْدُ فَأَطْلَقَهُ» 0 قَالَ أَحْمَدُ السُّلَمِيُّ في كِتَابِهِ «مِحَنِ الصُّوفِيَّة»: أَحْمَدُ بْنُ أَبي الحَوَارِيِّ شَهِدَ عَلَيْهِ قَوْمٌ أَنَّهُ يُفَضِّلُ الأَوْلِيَاءَ عَلَى الأَنْبيَاء، وَبَذَلُواْ الخُطُوطَ عَلَيْه؛ فَهَرَبَ مِنْ دِمَشْقَ إِلىَ مَكَّة؛ حَتىَّ كَتَبَ إِلَيْهِ السُّلْطَانُ يَسْأَلُهُ أَنْ يَرْجِعَ فَرَجَع» 0

ـ دِفَاعُ الإِمَامِ الذَّهَبيِّ عَنهُ: قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ اللهُ ذِكْرَهُ مُعَلِّقَاً عَلَى هَذَا: «إِنْ صَحَّتِ الحِكَايَة: فَهَذَا مِنْ كَذِبِهِمْ عَلَى أَحْمَد؛ فَهُوَ كَانَ أَعْلَمَ بِاللهِ مِن أَنْ يَقُولَ ذَلِك» 0 ـ مِن أَقْوَالِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الحَلَبيّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ أَبي الحَوَارِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ يَقُول: «مَن عَمِلَ بِلاَ اتِّبَاعِ سُنَّة: فَعَمَلُهُ بَاطِل» 0 قَالَ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاق: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَائِلَةَ قَال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبي الحَوَارِيِّ قَال: «سَمِعْتُ شُعَيْبَ بْنَ حَرْبٍ يَقُولُ لِرَجُل: إِنْ دَخَلْتَ الْقَبْرَ وَمَعَكَ الإِسْلاَمُ فَأَبْشِرْ» 0

ابن سمعون

ابْنُ سَمْعُون المُحَدِّثُ الإِمَامُ الْوَاعِظُ الْكَبِيرُ / أَبُو الحُسَيْنِ محَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَنْبَسٍ الْبَغْدَادِيّ، شَيْخُ زَمَانِهِ بِبَغْدَاد، وَ «سَمْعُون»: هُوَ لَقَبُ جَدِّهِ إِسْمَاعِيل 0 وُلِدَ سَنَةَ 300 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 387 هـ 0 ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ: سَمِعَ أَبَا بَكْرٍ بْنَ أَبي دَاوُد، وَمحَمَّدَ بْنَ مَخْلَدٍ الْعَطَّار، وَمحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْبَخْتَرِيّ، وَعِدَّةً 0

ـ أَشْهَرُ تَلاَمِذَتِه: حَدَّثَ عَنهُ الحَسَنُ بْنُ محَمَّدٍ الخَلاََّل، وَأَبُو طَالِبٍ الْعُشَارِيّ، وَأَبُو الحُسَيْنِ بْنُ الأَبَنُوسِيّ، وَخَدِيجَةُ بِنْتُ محَمَّدٍ الشَّاهَجَانِيَّةُ، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ حَمَّدُوهُ الحَنْبَلِيُّ، وَآخرُون 0

ـ نُبْذَةٌ عَن حَيَاتِهِ الشَّخْصِيَّة: قَالَ نَصْرُ اللهِ بْنُ محَمَّد: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ نَصْرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَال: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الزَّعْفَرَانيُّ قَال: حَدَّثَني أَبُو محَمَّدٍ السُّنِّيُّ صَاحِبُ أَبي الحُسَيْنِ بْنِ سَمْعُونَ قَال: «كَانَ ابْنُ سَمْعُونَ في أَوَّلِ أَمْرِهِ يَنْسَخُ بِالأُجْرَةِ وَيُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ وَأُمِّه؛ فَقَالَ لَهَا يَوْمَاً: أُحِبُّ أَن أَحُجّ؛ فَقَالَتْ: وَكَيْفَ يُمْكِنُكَ 00؟

فَغَلَبَ عَلَيْهَا النَّوْم، فَنَامَتْ وَانْتَبَهَتْ بَعْدَ سَاعَةٍ فَقَالَتْ: يَا وَلَدِي؛ حُجَّ، رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النَّوْمِ يَقُول: دَعِيهِ يَحُجُّ فَإِنَّ الخَيْرَ لَهُ في حَجِّهِ، فَفَرِحَ وَبَاعَ دَفَاتِرَهُ، وَدَفَعَ إِلَيْهَا مِنْ ثَمَنِهَا، وَخَرَجَ مَعَ الْوَفْد» 0 ـ ثَنَاءُ الأَئِمَّهِ عَلَيْه؛ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ عَنهُ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيب: «كَانَ أَوْحَدَ دَهْرِهِ وَفَرْدَ عَصْرِهِ في الْكَلاَمِ عَلَى عِلْمِ الخَوَاطِر، دَوَّنَ النَّاسُ حِكَمَهُ وَجَمَعُواْ كلاَمَهُ، وَكَانَ بَعْضُ شُيُوخِنَا إِذَا حَدَّثَ عَنهُ يَقُول: حَدَّثَنَا الشَّيْخُ الجَلِيلُ المُنْطَقُ بِالحِكْمَة» 0

ـ قَالُواْ عَنْ شَجَاعَتِهِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَهُ في الدُّنيَا وَالآخِرَة: قَالَ الخَطِيب: حَدَّثَنَا الْوَزِيرُ أَبُو الْقَاسِمِ قَال: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ بْنُ أَبي مُوسَى الهَاشِمِيُّ قَال: «حَكَى لي مَوْلىَ الطَّائِعِ أَنَّ الطَّائِعَ أَمْرَهُ فَأَحْضَرَ ابْنَ سَمْعُون؛ فرَأَيْتُ الطَّائِعَ غضبَان، وَكَانَ ذَا حِدَّةٍ؛ فَسَلَّمَ ابْنُ سَمْعُونَ بِالخِلاَفَة، ثمَّ أَخَذَ في وَعْظِهِ فَقَال: رُوِيَ عَن أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عليٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ كَذَا، وَوَعَظَ حَتىَّ بَكَى الطَّائِعُ وَسُمِعَ شَهِيقُه، وَابْتَلَّ مِنْدِيلٌ مِنْ دُمُوعِهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ سُئِلَ الطَّائِعُ عَنْ سَبَبِ طَلَبِهِ فَقَال: رُفِعَ إِليَّ أَنَّهُ يَنْتَقِصُ عَلِيَّاً، فَأَرَدْتُ أُقَابِلَهُ، فَلَمَّا حَضَرَ افْتَتَحَ بِذِكْرِهِ وَالصَّلاَةِ عَلَيْه، وَأَعَادَ وَأَبْدَى في ذِكْرِهِ، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ وُفِّق، وَلَعَلَّهُ كُوشِفَ بِذَلِك» 0

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْقُضَاعِيّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ نَصْرٍ قَال: حَدَّثَنَا أَبُو الثَّنَاءِ شُكْرٌ الْعَضُدِيُّ قَال: «لَمَّا دَخَلَ عَضُدُ الدَّوْلَةِ بَغْدَادَ وَقَدْ هَلَكَ أَهْلُهَا قَتْلاً وَخَوْفَاً وَجُوعَاً؛ لِلفِتنِ الَّتي اتَّصَلَتْ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ قَال: آفَةُ هَؤُلاَء: الْقُصَّاص [أَيْ مَا أَغْرَى بَيْنَهُمْ إِلاَّ الْوُعَّاظُ وَالخُطَبَاء]؛ فَمَنَعَهُمْ وَقَال: مَن خَالَفَ أَبَاحَ دَمَهُ؛ فَعَرفَ ابْنُ سَمْعُونَ رَحمَهُ الله؛ فَجَلَسَ عَلَى كُرْسيِّهِ ـ أَيْ يَعِظُ النَِّاس ـ فَأَمَرَني عَضُدُ الدَّوْلَةِ فَأَحْضَرْتُه؛ فَدَخَلَ رَجُلٌ عَلَيْهِ نُور؛ قَالَ شُكْر: فَجَلَسَ جَنْبي غَيْرَ مُكْتَرِثٍ؛ فَقُلْتُ: إِنَّ هَذَا المَلِكَ جَبَّارٌ عَظِيم،

مَا أُوثِرُ لَكَ مُخَالَفَتَه، وَإِنيِّ مُوَصِّلُكَ إِلَيْه؛ فَقَبِّلِ الأَرْضَ بَينَ يَدَيْه، وَتَلَطَّفْ وَلاَ تُوغِرَنَّ صَدْرَهُ عَلَيْكَ وَاسْتَعِنْ بِاللهِ عَلَيْه؛ فَدَخَلَ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلىَ دَارِ عِزِّ الدَّوْلَةِ الَّتي شَهِدَتْ مَصْرَعَهُ ثُمَّ تَلاَ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَة} [هُود: 102] ثمَّ حَوَّلَ وَجْهَهُ وَقَرَأَ: {ثمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ في الأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُون} [يُونُس: 14] ثُمَّ أَخَذَ في وَعْظِهِ فَأَتَىَ بِالْعَجَب؛ فَدَمَعَتْ عَينُ المَلِك، وَمَا رَأَيْتُ ذَلِكَ مِنهُ قَطّ، وَشَرَّكَ كُمَّهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَلَمَّا خَرَجَ أَبُو الحُسَينِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَهُ في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ قَالَ لَهُ عَضُدُ الدَّوْلَة: اذْهَبْ إِلَيْهِ بثَلاَثَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ وَعَشْرَةِ أَثْوَابٍ مِنَ الخِزَانَة؛ فَإِنِ امْتَنَعَ فَقُلْ لَهُ: فَرِّقْهَا في أَصْحَابِك،

وَإِنْ قَبِلَهَا فَجِئْني بِرَأْسِهِ؛ فَفَعَلْت؛ فَقَال: إِنَّ ثِيَابي هَذِهِ فُصِّلَتْ مِنْ نحْوِ أَرْبَعينَ سَنَةً أَلْبَسُهَا يَوْمَ خُرُوجِي وَأَطْوِيهَا عِنْدَ رُجُوعِي، وَفِيهَا مُتْعَةٌ وَبَقِيَّة، وَنَفَقَتي مِن أُجْرَةِ دَارٍ خَلَّفَهَا أَبي، فَمَا أَصْنَعُ بِهَذَا 00؟ قُلْتُ: فَرِّقْهَا عَلَى أَصْحَابِك؛ قَال: مَا في أَصْحَابي فَقير؛ فَعُدْتُ فَأَخْبَرْتُه 0 فَقَالَ أَبْعَدَهُ الله: الحَمْدُ للهِ الَّذِي سَلَّمَهُ مِنَّا وَسَلَّمَنَا مِنهُ» 0

ـ بَعْضُ كَرَامَاتِهِ؛ في حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيب: حَدَّثَنَا محَمَّدُ بْنُ محَمَّدٍ الظَّاهِرِيُّ قَال: سَمِعْتُ ابْنَ سَمْعُونَ يَذْكُرُ أَنَّهُ أَتَىَ بَيْتَ المَقْدِسِ وَمَعَهُ تَمْر، فَطَالَبَتْهُ نَفْسُهُ بِرُطَب؛ فَلاَمَهَا، فَعَمِدَ إِلىَ التَّمْرِ وَقْتَ إِفْطَارِهِ فَوَجَدَهُ رُطَبَاً؛ فَلَمْ يَأْكُلْ مِنهُ، ثمَّ ثَانيَ لَيْلَةٍ وَجَدَهُ تَمْرَاً» 0

قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيب: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ عَلِيٍّ الْبَادِيَّ قَال: سَمِعْتُ أَبَا الْفَتْحِ الْقَوَّاسَ قَال: «لَحِقَتْني إِضَاقَةٌ، فَأَخَذْتُ قَوْسَاً وَخُفَّيْنِ لأَبِيعَهُمَا؛ فَقُلْتُ: أَحْضُرُ مَجْلِسَ ابْنِ سَمْعُونَ ثمَّ أَبِيع، فَحَضَرْتُ؛ فَلَمَّا فَرَغَ نَادَاني: يَا أَبَا الْفَتْح؛ لاَ تَبِعِ الخُفَّيْنِ وَالقَوْسَ فَإِنَّ اللهَ سيَأْتِيكَ بِرِزْقٍ مِن عِنْدِهِ» 0 قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيب: حَدَّثَنَا الْوَزِيرُ أَبُو الْقَاسِمِ قَال: حَدَّثَني أَبُو طَاهِرٍ بْنُ الْعَلاََّفِ قَال: «حَضَرْتُ ابْنَ سَمْعُونَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَهُوَ يَعِظُ وَأَبُو الْفَتْحِ الْقَوَّاسُ إِلىَ جَنْبِ الْكُرْسِيّ؛ فَنَعِسَ؛ فَأَمْسَكَ أَبُو الحُسَيْنِ عَنِ الْكَلاَمِ سَاعَةً حَتىَّ اسْتيقظَ أَبُو الْفَتْح؛ فَقَالَ لَهُ أَبُو الحُسَيْن: رَأَيْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في نَوْمِك 00؟ قَالَ نَعَمْ؛ فَقَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: لِذَلِكَ أَمْسَكْتُ خَوْفَاً أَنْ تَنْزَعِج» 0

ـ مِن أَقْوَالِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ أَبُو محَمَّدٍ الخَلاََّل: قَالَ لي ابْنُ سَمْعُون: مَا اسْمُك 00؟ قُلْتُ: حَسَن؛ قَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: قَدْ أَعْطَاكَ اللهُ الاِسْمَ فَسَلْهُ المَعْنىَ»

ابن طاهر المقدسي

ابْنُ طَاهِرٍ المَقْدِسِيّ هُوَ محَمَّدُ بْنُ طَاهِرِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ المَقْدِسِيّ 0 وُلِدَ بِبَيْتِ المَقْدِسِ سَنَةَ 408 هـ، وَتُوُفِّيَ بُعَيْدَ قُدُومِهِ مِنَ الحَجِّ في يَوْمَ الجُمُعَةِ سَنَةَ 507 هـ 0 قَالَ عَنهُ الحَافِظُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ محَمَّدٍ الطَّلْحِيّ: «أَحْفَظُ مَنْ رَأَيْت: محَمَّدُ بْنُ طَاهِر» 0 وَقَالَ عَنهُ أَبُو زَكَرِيَّا يحْيىَ بْنُ مَنْدَة: «كَانَ ابْنُ طَاهِرٍ أَحَدَ الحُفَّاظ، حَسَنَ الاِعْتِقَاد، جَمِيلَ الطَّرِيقَة، صَدُوقَاً، عَالِمَاً بِالصَّحِيحِ وَالسَّقِيم، كَثِيرَ التَّصَانِيف، لاَزمَاً لِلأَثر» 0

وَقَالَ عَنهُ أَبُو الحَسَنِ الْفَقِيهُ الكَرْجِيّ: «مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ لَهُ نَظير» 0 وَقَالَ عَنهُ شَيْخُ الإِسْلاَمِ عَبْدُ اللهِ بْنُ محَمَّدٍ الهَرَوِيّ: «يَنْبَغِي لِصَاحِبِ الحَدِيثِ أَنْ يَكُونَ سَرِيعَ القِرَاءَةِ سَرِيعَ النَّسْخِ سَرِيعَ المَشْي، وَقَدْ جَمَعَ اللهُ هَذِهِ الخِصَالَ في هَذَا الشَّابّ؛ وَأَشَارَ إِلىَ ابْنِ طَاهِرٍ وَكَانَ بَيْنَ يَدَيْه» وَقَالَ بَعْضُهُمْ: «كَانَ ابْنُ طَاهِرٍ يَمْشِي في لَيْلَةٍ وَاحِدَة: قَرِيبَاً مِنْ سَبْعَةَ عَشَرَ فَرْسَخَاً»

وَقَالَ عَنهُ شِيرَوَيْهِ بْنُ شَهْرَدَارَ في «تَارِيخَ هَمَذَان»: «دَخَلَ الشَّامَ وَالحِجَازَ وَمِصْرَ وَالعِرَاقَ وَخُرَاسَان، وَكَتَبَ عَن عَامَّةِ مَشَايِخِ الْوَقْتِ وَرَوَى عَنهُمْ، وَكَانَ ثِقَةً صَدُوقَاً، حَافِظَاً، عَالِمَاً بِالصَّحِيحِ وَالسَّقيم، حَسَنَ المَعْرِفَةِ بِالرِّجَال وَالمُتُون، كَثِيرَ التَّصَانيْفِ جَيِّدَ الخَطّ، لاَزِمَاً لِلأَثر، بَعِيدَاً مِنَ الفُضُولِ وَالتَّعصُّب، خَفِيفَ الرُّوح، قَوِيَّ السَّيرِ في السَّفَر، كَثِيرَ الحَجّ وَالعُمْرَة، مَاتَ بِبَغْدَادَ مُنْصَرِفَاً مِنَ الحَجّ» 0

وَسَمِعَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ مَنْ يَحُطُّ مِنْ قَدْرِه، وَيَأْبُنُهُ بِقِلَّةِ المَعْرِفَةِ بِالحَدِيثِ فَقَالَ لَه: «يَا ذَا الرَّجُلِ أَقْصِرْ؛ فَابْنُ طَاهِرٍ أَحْفَظُ مِنْكَ بِكَثِير» 0 قَالَ محَمَّدُ بْنُ طَاهِرِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ المَقْدِسِيِّ عَنْ نَفْسِهِ: «كَتَبتُ الصَّحِيحَينِ وَسُنَنَ أَبي دَاوُدَ سَبْعَ مَرَّاتٍ بِالأُجرَة، وَكَتَبتُ سُنَنَ ابْنِ مَاجَةَ عَشْرَ مَرَّات» 0

وَقَالَ عَنْ نَفْسِهِ: «بُلْتُ الدَّمَ في طَلَبِ الحَدِيثِ مرَّتين، مرَّةً بِبَغْدَاد، وَأُخْرَى بِمَكَّة، كُنْتُ أَمْشِي حَافِيَاً في الحرّ، فَلَحِقَني ذَلِك، وَمَا رَكِبْتُ دَابَّةً قَطُّ في طَلَبِ الحَدِيث، وَكُنْتُ أَحْمِلُ كُتُبي عَلَى ظَهرِي، وَمَا سَأَلْتُ في حَالِ الطَّلَب أَحَدَاً، كُنْتُ أَعِيشُ عَلَى مَا يَأْتي» 0 وَقَالَ محَمَّدُ بْنُ طَاهِرِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ المَقْدِسِيِّ عَنْ نَفْسِهِ: «لاَ أَعْرِفُ أَحَدَاً أَعْلَم بِنَسَبِ هَذَا السَّيِّدِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنيِّ، وَآثَارِهِ وَأَحْوَالِه» 0

وَقَالَ ابْنُ طَاهِرٍ يَحْكِي رَحَلاَتِهِ في طَلَبِ الحَدِيث: «رَحَلْتُ مِنْ طُوسٍ إِلىَ أَصْبَهَانَ لأَجْلِ حَدِيث أَبي زُرْعَةَ الرَّازِيِّ الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنهُ؛ ذَاكرني بِهِ بَعْضُ الرَّحَّالَةِ بِاللَّيْل، فَلَمَّا أَصْبَحتُ سِرْتُ إِلىَ أَصْبَهَانَ وَلَمْ أَحْلُلْ عَنيِّ [أَيْ أَمْتَعَتي] حَتىَّ دَخَلتُ عَلَى الشَّيْخ أَبي عَمْرو، فَقرَأْتُهُ عَلَيْهِ عَن أَبِيهِ عَنِ القَطَّانِ عَن أَبي زُرْعَة، وَدَفَعَ إِليَّ ثَلاَثَةَ أَرْغِفَةٍ وَكُمَّثْرَاتَيْن، فَمَا كَانَ لي قوتٌ تِلْكَ اللَّيْلَةَ غَيْرَه، ثُمَّ لَزِمتُهُ إِلىَ أَن حصَّلْتُ مَا أُرِيد، ثُمَّ خَرَجْتُ إِلىَ بَغْدَاد، فَلَمَّا عُدْتُ، كَانَ قَدْ تُوُفِّي» 00 أَيْ صَاحِبُهُ الَّذِي رَاجَعَهُ الحَدِيث، طُوس: مَدِينَةٌ مِنْ مُدُنِ خُرَاسَان، بِأَقْصَى شَرْقِ إِيرَان، وَأَصْبَهَانُ مَدِينَةٌ وَسْطَ إِيرَان 0

وَقَالَ محَمَّدُ بْنُ طَاهِرِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ المَقْدِسِيِّ يَحْكِي عَنْ نَفْسِهِ: «كُنْت يَوْمَاً أَقرَأُ عَلَى أَبي إِسْحَاقَ الحَبَّالِ جُزْءَاً، فَجَاءني رَجُلٌ مِن أَهْلِ بَلَدِي وَأَسَرَّ إِليَّ كَلاَمَاً قَالَ فِيه: إِنَّ أَخَاكَ قَدْ وَصَلَ مِنَ الشَّام، وَذَلِكَ بَعْدَ دُخُولِ التُّرْكِ بَيْتَ المَقْدِسِ وَقَتْلِ النَّاسِ بِهَا، فَأَخَذْتُ في الْقِرَاءَةِ فَاخْتَلَطَتْ عَلَيَّ السُّطُورُ وَلَمْ يُمْكِنيِّ أَقْرَأ؛ فَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: مَا لَك 00؟ قُلْتُ: خَيْر، قَال: لاَ بُدَّ أَنْ تُخْبِرَني؛ فَأَخْبَرْتُهُ؛ فَقَال: وَكَمْ لَكَ لَمْ تَرَ أَخَاك 00؟ قُلْتُ سِنِين؛ قَالَ يَرْحَمُهُ الله: وَلِمَ لاَ تَذْهَبُ إِلَيْه 00؟

فَلَمَّا كَانَ بُكْرَةَ الْيَوْمِ الرَّابِعِ قُلْتُ في نَفْسِي: لَوْ كَانَ ليَ الْيَوْمَ كَاغَدٌ: لَمْ يُمْكِنيِّ أَن أَكْتُبَ مِنَ الجُوع، فَجَعَلْتُ الدِّرْهَمَ في فَمِي، وَخَرَجْتُ لأَشْتَرِيَ خُبْزَاً، فَبَلَعْتُهُ؛ وَوَقَعَ عَلَيَّ الضَّحِك؛ فَلَقِيَني صَدِيقٌ وَأَنَا أَضْحَكُ فَقَال: مَا أَضْحَكَك 00؟ قُلْتُ: خَيْر، فَأَلَحَّ عَلِيّ، وَأَبَيْتُ أَن أُخْبِرَهُ؛ فَحَلَفَ بِالطَّلاَقِ لَتَصْدُقَنيِّ، فَأَخْبَرتُهُ؛ فَأَدْخَلَني مَنْزِلَهُ وَتَكَلَّفَ أَطْعِمَةً، فَلَمَّا خَرَجْنَا لِصَلاَةِ الظُّهْر؛ اجْتَمَع بِهِ بَعْضُ وُكَلاَءِ عَامِلِ تَنِّيسِ بْنِ قَادُوسَ فَسَأَلَهُ عَنيِّ [أَيْ سَأَلَ صَاحِبي عَنيِّ] 00؟ فَقَالَ هُوَ هَذَا، قَال: إِنَّ صَاحِبي [أَيْ رَيِّسِي صَاحِبُ تَنِّيس] مُنْذُ شَهْرٍ أَمَرَ بي أَن أُوَصِّلَ إِلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ عَشْرَةَ دَرَاهمَ قِيمَتُهَا رُبْعُ دِينَار، وَسَهَوْتُ عَنهُ، فَأَخَذَ مِنهُ ثَلاَثَمِاْئَة» 0

§1/1