حمد الله ذاته الكريمه في آيات كتابه الحكيمة

عماد بن زهير حافظ

مقدمة

المقدمة الحمد لله الذي حمد ذاته الكريمة قبل أن يحمده الحامدون، وأشهد أن لا إله إلا الله سبّحت بحمده الملائكة المقربون، وأشهد أنّ نبينا وسيدنا محمداً عبد الله ورسوله الصادق المأمون، صلّى الله وسلّم عليه وعلى آله وصحبه عدد ما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون. وبعد؛ لمّا منّ الله ـ تبارك وتعالى ـ بما يسّر لي من الدراسة والبحث حول مواضع تسبيحه لذاته العليّة في آيات كتابه السنيّة؛ عقدت العزم على تتبّع مواضع حمده تعالى لذاته؛ لِما أنّ الحمد صنو التسبيح وقرينه من جهة، ولِما أنّ حمده سبحانه لذاته في أمر من الأمور يدلّ على أهمية وعظم شأن ذلك الأمر من جهة أخرى؛ إذ يخصّه عزّ وجلّ بهذا المقام الخاص اللائق بجلاله وعظمته. هذا وقد قيل في سبب حمده لذاته تعالى أنه لمّا علم عجز عباده عن القيام بواجب حمده مع عظم نعمه وآلائه حمد نفسه بنفسه في الأزل، وليدلّ على كونه محموداً أزلاً وأبداً بحمده سواء حمد أو لم يحمد، فهو مستغن بذلك عن حمد الحامدين، وليومئ ـ أيضاً ـ أنه لايليق بذاته إلا حمده الصادر عنه سبحانه. وعلى هذا فحريّ بي أن أتأمّل في هذه المواضع القرآنية وأفيد منها في إظهار عظمة الله تبارك وتعالى بصفاته العليا وآياته الكبرى ونعمه العظمى التي لا تعدّ ولاتحصى. ومن بعد التتبع لتلك المواضع وجدت أن الله عزوجلّ حمد ذاته الكريمة في خمسة عشر موضعاً عند أمور مختلفة وشؤون شتى. فشرعت في دراستها وتحليلها وكشف لطائفها وأسرارها متوكلاً على الله تعالى طالباً منه السداد والهدى. ولقد قسّمت هذه الدراسة إلى أربعة عشر فصلاً، لكلّ موضع فصل مستقلّ

- به، إلا موضعي سورة سبأ فقد جعلتهما في فصل واحد لورودهما في آية واحدة. ومن ثمّ بينتُ تلك المواضع حسب ترتيب سورها في المصحف الشريف. - ومهّدت لهذه الدراسة بتمهيد في معنى الحمد وتعريفه ومشتقاته والفرق بينه وبين الشكر والمدح. وأتبعت فصولها بخاتمة للبحث ذكرت فيها أهمّ النتائج والمقترحات. - أمّا منهجي في بيان هذه المواضع الكريمة فإني أذكر وجه الحكمة في مجيء الحمد في موضعه وغاية إيراده، وهذا يُلْزِمُنِي أن أبيِّن ما قبل الموضع وما بعده في أغلب الأحيان لكشف وجه الصلة والمناسبة، وأذكر في ذلك كلام المفسرين بما أراه مناسباً وراجحاً وقريباً من المعنى الظاهر دون اللجوء إلى مناسبات بعيدة في التأويل ومتكلّفة. - كما أني أعمد إلى ذكر بعض اللطائف حول الآيات التي أتناولها بالبيان، والتي أرى من المناسب ذكرها لما فيها من زيادة إيضاح أو تأكيد لمعنى أو كشف لسرٍّ بلاغي أو لغوي يبيِّن جمال النصّ القرآني الكريم. - ثم إني قد أذكر في الهامش بعض الاستطرادات التي أرى أنه ليس من المناسب إدخالها في متن الفقرات الأصلية للبحث، ولكن إيرادي لها بسبب ما أخشاه من لبس عند القارئ أو وهم يزول بها. هذا مع ما أذكر فيه من التعريف بالأعلام الوارد ذكرهم في المتن. وأخيراً أسأل الله تعالى أن يتقبل بحثي هذا في ميزان حسناتي يوم ألقاه وأن يغفر لي ما كان فيه من خطأ أو نسيان.آمين وصلى الله وسلّم وبارك على نبينا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن اهتدى بهديه واستنّ بسنته إلى يوم الدين.

تمهيد

التمهيد (في معنى الحمد وتعريفه ومشتقاته والفرق بينه وبين الشكر والحمد) يحسن بي وأنا أتعرض للحديث عن حمد الله ذاته الشريفة أن أمهِّد له ببيان معنى الحمد وتعريفه وذكر أهم مشتقاته والفروق بينه وبين الشكر والمدح للتقارب المعنوي بينها. فأقول والله المستعان سبحانه: الحمد في اللغة: مصدر حَمِد. وهو ضد الذم ومنه المحمدة خلاف المذمّة. وعُرِّف بأنّه: الثناء باللسان على الجميل الاختياري. فيقال: حمدتُ الرّجل أي أثنيت عليه بفعله الجميل الصادر عن اختياره (1) . ـ هذا ولقد كثرت مشتقاته التي ارتبط أكثرها بحمد الله تعالى خاصة. ومنها: التحميد. وهو أبلغ من الحمد، والمراد به حمد الله مرّة بعد مرّة. ومنها: رجلٌ حُمَدَة وحمّاد ومحمّد، وذلك بأنه يحمد الله مرة بعد مرة، أو أنه كثير الحمد. و" محمد" ـ أيضاً ـ هو من كثُرت خصاله المحمودة ـ و"أَحمد" صار أمره إلى الحمد، أو فعل ما يحمد عليه ـ وفي المثل: والعَوْدُ أحمدُ (2) ، أي أكثر حمداً؛ لأنّ الإنسان لايعود إلى شيء غالباً إلا بعد خيريته، أو معناه: إذا ابتدأ المعروف جلب الحمد لنفسه؛ فإذا أعاد كان أحمد أي أكسب للحمد له، أو هو أفعَل من المفعول، أي الابتداء محمود والعود أحقّ بأن يحمدوه. - وفلان محمود إذا حُمِد. - والحَمْدلة هي حكاية قول (الحمد لله) .

_ (1) انظر: لسان العرب لابن منظور ج3 ص155؛ البحر المحيط لأبي حيان ج1 ص18؛ فتح القدير للشوكاني ج1 ص68. (2) هو من قول الشاعر: فلم تجرِ إلا جئت في الخير سابق ولا عُدْتَ إلا أنت في العود أحمد. (لسان العرب ج3/ص158) .

- وحُماداك أن تفعل كذا أي: غايتك المحمودة. - والحميد هو الله تعالى، وهو من صفاته العليا وأسمائه الحسنى، بمعنى المحمود على كلّ حال (1) . - وقد اختلف في الحمد والشكر والمدح هل هي ألفاظ متباينة أم مترادفة أم بينها عموم وخصوص مطلق أو من وجه؟ فمن قال بالتباين نظر إلى ما انفرد به كل واحد منها من المعنى، ومن قال بالترادف نظر إلى جهة اتحادها واستعمال كل واحد منها في مكان الآخر، وأما من قال باجتماعها وافتراقها ما بين خصوص وعموم فقد نظر إلى الأمرين المذكورين آنفاً. وهذا هو الأولى وهو ما عليه الأكثر. وعلى هذا فيسوغ ـ ههنا ـ النظر إلى ما تميّز به كلّ لفظ عن الآخر وبيان الفرق بينها؛ لما يترتّب عليه من وضع رسم وحدٍّ لمعنى حمد الله تعالى الذي هو مقصود هذا البحث وغايته. - أما الفرق بين الحمد والشكر فخلاصة ما قيل فيه أن الحمد هو الثناء على المحمود بجميل صفاته وأفعاله وإنعامه؛ والشكر هو الثناء على المحمود بإنعامه فقط. وعلى هذا فالحمد أعمّ من الشكر فكلّ شكر حمد وليس كل حمد شكراً. ولذلك ورد حمد الله تعالى نفسه ولم يرد شكرها. وأما الفرق بين الحمد والمدح فإن المدح أعم من الحمد؛ وذلك لأن المدح يحصل للعاقل ولغير العاقل، ولايلزم فيه كون الممدوح مختاراً، ولهذا يكون وصف اللؤلؤة بصفائها مدحاً لا حمداً، وقد يكون المدح ـ أيضاً ـ عن ظن وبصفة

_ (1) انظر: لسان العرب لابن منظور ج3 ص 155 – 157؛ مختار الصحاح للرازي ص 153؛ تهذيب الصحاح لمحمود الزنجاني ج1 ص215؛ ترتيب القاموس المحيط للطاهر الزاوي ج 1ص 702-704؛ المفردات للراغب الأصفهاني ص131؛ الكليات لأبي البقاء الكفوي ص 365.

- مستحسنة وإن كان في الممدوح نقص ما، أما الحمد فإنّه لايكون إلا للفاعل المختار على كون الصفات المحمودة له صفات كمال، كما يكون صادراً عن علم لا عن ظن؛ وعلى ما يكون منه من نعمة أو إحسان. - وبهذا يقال في الفرق بين هذه الثلاثة: المدح أعمّ من الحمد؛ والحمد أعمّ من الشكر (1) . - وعلى ما سبق بيانه فإنّ قول القائل: (الحمد لله) يعني الثناء على الله ـ تعالى ـ بصفاته الذاتية الكاملة التي لا يشوبها نقص؛ وبنعمه التي لا تعدّ ولاتحصى. - ولهذا فإنّ (أل) التعريف في (الحمد) هي لاستغراق جميع أفراده، واللام في (لله) لام الملك والاختصاص أو الاستحقاق، فجميع أفراد الحمد مختصة بالله تعالى؛ إذ هو المنعم الكامل في صفاته؛ وحمد غيره لا اعتداد به؛ لأنّ ما صدر منه من نعمة فإنما مرجعها حقيقة إلى الله تعالى، وهو سبحانه الذي أجراها على يديه. فالحمد الكامل الخالص لايكون إلا لله تعالى وهو المستحق له دون سواه (2) . وقد دلّ إعراب هذه الجملة الكريمة ـ أيضاً ـ إلى هذا المعنى؛ فقد أشار

_ (1) انظر: تفسير البغوي ج1 ص39؛ الكشاف للزمخشري ج1 ص7؛ النكت والعيون للماوردي ج1 ص55؛ التفسير الكبير للفخر الرازي ج12 ص142؛ البحر المحيط لأبي حيان ج1 ص18؛ زاد المسير لابن الجوزي ج1 ص11؛ المفردات للراغب الأصفهاني ص 131؛ لسان العرب لابن منظور ج3ص156-157؛ مختار الصحاح للرازي ص153؛ فتح القدير للشوكاني ج1 ص68. (2) انظر: تفسير ابن جرير الطبري ج7 ص82؛ تفسير البغوي ج1 ص39؛ فتح القدير للشوكاني ج1 ص68؛ أضواء البيان للشنقيطي ج1 ص101.

- ابن الجوزي (1) في تفسيره إلى هذا بقوله: ((الحمد رفع بالابتداء، ولله الخبر، والمعنى الحمد ثابت لله ومستقرّ له (2)) ) . وبهذه الأسطر أرجو أن أكون قد مهدت للحديث عن مواضع حمد الله ذاته في كتابه الكريم. ولله الحمد والمنّة.

_ (1) هو عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي القرشي البغدادي، أبو الفرج (508-597?) : علامة عصره في التاريخ والحديث، كثير التصانيف، مولده ووفاته ببغداد، ونسبته إلى (مشرعية الجوز) من محالّها. من أشهر مصنفاته: زاد المسير في علم التفسير ـ صيد الخاطر ـ مناقب بغداد ـ نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر. (انظر: وفيات الأعيان لابن خلكان ج1 ص279؛ البداية والنهاية لابن كثير ج13 ص31-33؛ الكامل لابن الأثير ج10 ص228؛ الأعلام للزركلي ج3ص316-317) . (2) زاد المسير لابن الجوزي: ج 1 ص 11.

الفصل الأول: حمد الله ذاته الكريمة في فاتحة الكتاب

الفصل الأول: حمد الله ذاته الكريمة في فاتحة الكتاب المبحث الأول: في وجه الحكمة بافتتاح الفاتحة بحمد الله ذاته الكريمة ... الفصل الأول: حمد الله ذاته الكريمة في فاتحة الكتاب قال الله تعالى: {الحمد لله رب العالمين} (1) . المبحث الأول: في وجه الحكمة بافتتاح الفاتحة بحمد الله ذاته الكريمة مما يدلّ على عظم مقام الحمد عند الله ـ تعالى ـ أن افتتح به كتابه الكريم وصدّر آياته به. هذا وقد اجتهد أهل التفسير في بيان أوجه الحكمة في ذلك، منها: أنّ نعمة تنزيل القرآن الكريم هي أعظم النعم الدالة على جلائل صفاته تعالى وكمالها؛ خاصة وأنّه قد اشتمل القرآن الكريم على كمال المعنى واللفظ والغاية؛ فكان افتتاحه أولى المواطن بثناء الله تبارك وتعالى على ذاته. وهو في ذات الوقت أمرٌ لعباده بحمده وتذكير لهم بعظمة وجمال صفات منزِّله ـ سبحانه ـ وجزيل نعمته عليهم بإنزال كتابه عليهم وحفظه وتوفيقهم لتلاوته وسماعه وفهمه؛ وإذ فيه سعادتهم في الدارين (2) . ومنها ـ كذلك ـ أنّه لما كانت سورة الفاتحة مُنَزَّلةً من القرآن منزلة الديباجة من الكتاب، أو المقدّمة للخطبة، جعل افتتاحها بالحمد لله؛ وليكون سنة ماضية من بعد في افتتاح كل كلام مهم وعظيم، يقول ابن عاشور (3) (رحمه الله تعالى) في

_ (1) سورة الفاتحة: الآية (1) أو (2) على الخلاف المشهور هل البسملة آية من الفاتحة أم لا؟ (2) انظر: تفسير الطبري ج1 ص 46؛ التحرير والتنوير لابن عاشور ج1 ص 158. (3) هو محمد الطاهر بن عاشور (1297-1393?) : رئيس المفتين المالكيين بتونس، وشيخ جامع الزيتونة وفروعه بتونس، مولده ووفاته ودراسته بها. عيّن عام (1932م) شيخاً للإسلام مالكياً، وهو من أعضاء المجمعين العربيين في دمشق والقاهرة. له مصنفات مطبوعة من أشهرها: مقاصد الشريعة – التحرير والتنوير في التفسير – أصول النظام الاجتماعي في الإسلام. (انظر: الأعلام للزركلي ج6 ص 174) .

ذلك: ((فكان افتتاح الكلام بالتحميد سنة الكتاب المجيد لكل بليغ مجيد، فلم يزل المسلمون من يومئذ يلقِّبون كل كلام نفيس لم يشتمل في طالعه على الحمد بالأبتر أخذاً من حديث أبي هريرة (1) رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((كلّ أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله أو بالحمد فهو أقطع (2)) )

_ (1) هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي (21ق –59?) صحابي جليل، أكثر الصحابة حفظاً للحديث ورواية له، نشأ يتيماً ضعيفاً في الجاهلية، وقدم إلى المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر، فأسلم سنة 7هـ، ولزم النبي صلى الله عليه وسلم فروى عنه (5374) حديثاً، نقلها عنه أكثر من ثمانمائة رجل من صحابي وتابعي، ولي إمرة المدينة مدة، واستعمله عمر رضي الله عنه فترة على البحرين، وكان أكثر مقامه بالمدينة وتوفي بها. (انظر: صفة الصفوة ج1 ص685-694؛ الإصابة في الكنى ج4 ص 201-208؛ أسد الغابة ج5 ص318-321؛ الأعلام للزركلي ج3 ص 34) . (2) أخرجه ابن ماجه في سننه: كتاب النكاح (9) باب (19) خطبة النكاح، حديث (1894) بهذا اللفظ (أقطع) والمراد أي مقطوع من البركة. وقال السندي في سنده: الحديث قد حسّنه ابن الصلاح والنووي. وأخرجه ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه (سنن ابن ماجه. تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي ج1 ص610) .ولقد صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه رقم 2065. ورواه أبو داود بلفظ (كل كلام لايبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم) أي منقطع أبتر لا نظام له. والمعنى متقارب لما سبق. قال أبو داود: رواه يونس وعقيل وشعيب وسعيد بن عبد العزيز عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً. وقال الحافظ المنذري: وأخرجه النسائي مسنداً ومرسلاً. (انظر: سنن أبي داود، إعداد وتعليق: عزت عبيد الدعاس وعادل السيد. ج 5 كتاب الأدب (35) باب في الخطبة (22) حديث (4841) ص 173، وانظر (مختصر سنن أبي داود للمنذري ج7 ص189 حديث (4673) .

وقد لُقِّبت خطبة زياد بن أبي سفيان التي خطبها بالبصرة بالبتراء لأنه لم يفتتحها بالحمد.. (1)) ) . ومنها ـ أيضاً ـ أنه لما كانت الفاتحة مناجاة للخالق –عزوجل ـ بما لايهتدي إلى الإحاطة بها في كلامه غيره ـ تعالى ـ قدّم الحمد لذاته وجعله في أولها، وليضعه المناجون له في كلّ مناجاتهم ودعائهم له؛ جرياً على طريقة بلغاء العرب عند مخاطبة العظماء بافتتاح خطابهم إياهم وطلبتهم بالثناء والذكر الجميل. قال أمية بن أبي الصلت يمدح عبد الله بن جدعان: أأذكر حاجتي أم قد كفاني ... حياؤك إنّ شيمتك الحياء إذا أثنى عليك المرء يوماً ... كفاه عن تعرّضه الثناء (2) وقد دلّ على كون الفاتحة مناجاة لله عزوجل الحديث المروي عن أبي هريرة رضي الله عنه وفيه قوله: فإنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال الله تعالى: أثنى عليّ عبدي، فإذا قال: مالك يوم الدين. قال: مجدني عبدي، وقال مرة: فوّض إليّ عبدي، فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال: اهدنا الصراط

_ (1) انظر: التحرير والتنوير ج 1 ص 154. (2) انظر: المرجع السابق ج1 ص 154، وأمية بن عبد الله أبي الصَّلت بن أبي ربيعة بن عوف الثقفي: شاعر جاهلي حكيم من أهل الطائف، وهو ممّن حرّموا على أنفسهم الخمر ونبذوا عبادة الأوثان في الجاهلية، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه لم يسلم، توفي عام 5?. (انظر: الأعلام للزركلي ج2 ص23) وعبد الله بن جدعان هو التيمي القرشي أحد الأجواد المشهورين في الجاهلية، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم قبل النبوة، له أخبار كثيرة، وسمّاه اليعقوبي بين حكام العرب في الجاهلية. (انظر: الأعلام للزركلي ج4 ص76) .

المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولاالضالين. قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل (1)) ) . ومن ذهب إلى أنّ قوله تعالى {بسم الله الرحمن الرحيم} أوّل آية من سورة الفاتحة؛ فيكون قوله تعالى {الحمد لله رب العالمين} الآية الثانية، وقد ذكروا مناسبة ورود الحمد بعد البسملة بأنه لما كانت البسملة نوعاً من الحمد ناسب تعقيبها وإردافها باسم الحمد الكليّ {الحمد لله} الجامع لجميع أفراده البالغ أقصى درجات الكمال (2) . وهي مناسبة لطيفة سائغة. وإضافة إلى ما سبق ذكره فبالنظر إلى ما من أجله سميت الفاتحة بأمّ القرآن لاشتمال محتوياتها على أنواع مقاصد القرآن وهي ثلاثة أنواع: الثناء على الله ثناء جامعاً لوصفه بجميع المحامد وتنزيهه عن جميع النقائص، ولإثبات تفرّده بالإلهية وإثبات البعث والجزاء، وذلك من قوله {الحمد لله رب العالمين} إلى قوله {مالك يوم الدين} ، والأوامر والنواهي من قوله {إياك نعبد} ، والوعد والوعيد من قوله {صراط الذين أنعمت عليهم} إلى آخرها، فهذه هي أنواع مقاصد القرآن (3) . فبذلك كان الحمد لله هو أحد أركان هذه المقاصد بل من أولاها وأحراها بالتقديم لصلته وارتباطه بذات الله ـ تعالى ـ وإثبات صفات الكمال لها وتنزيهه عن كل نقص. وبهذا النظر يثبت للمتأمّل من هذه الجهة سرٌّ آخر من أسرار تقدّم الحمد ووجوده في هذا المقام الأعلى. والله أعلم بمراده.

_ (1) رواه مسلم في صحيحه: كتاب الصلاة – باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، حديث (35) (صحيح مسلم بشرح النووي ج2 ص27) . (2) انظر: نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي ج1 ص 14؛ روح المعاني للآلوسي ج1 ص 67. (3) انظر: التحرير والتنوير لابن عاشور ج1 ص 133.

المبحث الثاني: في وجه الحكمة في إسناد الحمد إلى اسم الذات الإلهية وماجاء بعده من أوصاف

المبحث الثاني: في وجه الحكمة في إسناد الحمد إلى اسم الذات الإلهية وما جاء بعده من أوصاف. الذي يلحظه المتأمّل أنّ الحمد أُسْنِد أوّل ما أُسْنِد إلى اسم الذات الإلهية (الله) ؛ وهذا هو شأن الحمد في جميع مواضع ذكره في القرآن الكريم، والحكمة في ذلك ـ والله أعلم بمراده ـ التنبيه على استحقاقه تعالى للحمد أوّلاً لذاته لا لشيء غيرها، باعتبار أنها حائزة لجميع الكمالات الإلهية؛ وأنها مصدر جميع الوجود وما فيه من الخيرات والنعم (1) . ومن بعد إسناد الحمد لاسم ذاته تنبيهاً على الاستحقاق الذاتي أتبعه ـ سبحانه ـ بأربعة أوصاف له تعالى؛ ليؤذن باستحقاقه الوصفي للحمد ـ أيضاً ـ كما استحقّه بذاته؛ وذلك باعتبار تعلّقها وآثارها (2) . وهذه الأوصاف أوّلها (ربّ العالمين) وقد تكرّر هذا الوصف لله تعالى في القرآن الكريم بشأن استحقاق الحمد في سبعة مواضع (3) ، ولا ريب أنّ هذا يدلّ على

_ (1) انظر: تفسير أبي السعود ج 3 ص 104؛ نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي ج1 ص 14؛ تفسير المنار لمحمد رشيد رضا ج1 ص 50؛ التحرير والتنوير لابن عاشور ج1 ص 166. (2) انظر: تفسير المنار لمحمد رشيد رضا ج1 ص50؛ التحرير والتنوير لابن عاشور ج1 ص 166. (3) في سورة الفاتحة، وسورة يونس الآية (10) في قوله {..وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين} ، وفي سورة الصافات الآية (182) في قوله تعالى {والحمد لله رب العالمين} ، وفي سورة الزمر الآية (75) بقوله {وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين} ، وبسورة غافر الآية (65) في قوله {فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين} ، وفي سورة الجاثية الآية (36) بقوله {فلله الحمد رب السموات ورب الأرض رب العالمين} .

أنّ استحقاق الله تعالى للحمد بربوبيته للعالمين (1) هو في أوّل درجات الاستحقاق الوصفي وأعلاها؛ ذلك بأنّ ربوبيته تعالى للعالمين تقتضي تربيته لهم وتدبيره وإصلاحه لأمورهم وشؤونهم بما أسبغ عليهم من نعمه الظاهرة والباطنة (2) . وثاني الأوصاف وثالثها الوصفان الجليلان (الرحمن الرحيم) ، والإتيان بهما في مقام الحمد ـ هنا ـ لتأكيد استحقاقه تعالى له؛ إذ إنّ من رحمته تعالى بخلقه ما يتقلّبون فيه من نعمه وإحسانه صباح مساء. قال الفخر الرازي (3) في تفسيره الكبير: ((فاعلم أنّ الرحمن الرحيم عبارة عن التخليص من أنواع الآفات؛ وعن إيصال الخيرات إلى أصحاب الحاجات (4)) ) . وفي وجه الحكمة في ذكر هاتين الصفتين الجليلتين لله تعالى بعد وصفه برب العالمين ذكر المفسرون أمرين: (أحدهما) الإشارة إلى أن تربيته سبحانه للعالمين ليست لحاجة به إليهم كجلب منفعة أو دفع مضرّة، وإنّما هي لعموم رحمته وشمول إحسانه. و (ثانيهما) البيان بأنّ ربوبيته ربوبية رحمة وإحسان لا ربوبية قهر

_ (1) الراجح في معنى (العالمين) أنّه جمع العالَم (بفتح اللام) وهو كل موجود سوى الله تعالى. وهو مأخوذ من العلم والعلامة لأنه يدل على موجده. ودليله قوله تعالى {قال فرعون وما رب العالمين. قال رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين} الشعراء 23 – 24. (انظر: فتح القدير للشوكاني ج1 ص71؛ أضواء البيان للشنقيطي ج1ص101) . (2) انظر: تفسير الطبري ج1 ص48؛ تفسير البغوي ج1 ص39-40؛ نظم الدرر للبقاعي ج1 ص14؛ تفسير المراغي ج1 ص30. (3) هو محمدبن عمربن الحسن بن الحسين التيمي البكري، أبو عبد الله (544-606هـ) : الإمام المفسر، قرشي النسب، أصله من طبرستان، ومولده في الريّ وإليها نسبته، ويقال له: (ابن خطيب الريّ) ، رحل إلى خوارزم وما وراء النهر وخراسان وتوفي في هراة. من أشهر مصنفاته: مفاتيح الغيب (التفسير الكبير) والمحصول في علم الأصول (انظر: لسان الميزان لابن حجر ج 4 ص 426؛ طبقات الشافعية للسبكي ج 5 ص 33؛ البداية والنهاية لابن كثير ج 13 ص 60؛ الأعلام للزركلي ج6 ص 313) . (4) التفسير الكبير للفخر الرازي: ج1 ص 7.

وجبروت كما قد يفهمه البعض، وفي هذا جمع لهم بين الترغيب والترهيب ليقبلوا على ما يرضيه بنفوس مطمئنة وصدور منشرحة (1) . وآخر الأوصاف الإلهية في هذا المقام (مالك يوم الدين) ، ولا ريب أنّ هذا الوصف يدلّ ـ أيضاً ـ على استحقاقه ـ تعالى ـ الحمد دون سواه؛ فمن كان مالكاً ليوم الثواب والعقاب وبيده جزاء خلقه على ما قدّموه في دنياهم مع بسطه لهم من نعمه وإحسانه فهو حقيق بأن لا يحمد إلا هو. وقد أشار إلى ذلك قوله عزوجل بآخر سورة الزمر في ختام مشهد القضاء: {وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين} (2) . وإجمالاً لما سبق ذكره ـ من البيان والتفصيل ـ أقول: إنّ هذه الصفات هي بمثابة التعليل لاستحقاقه الوصفي للحمد بعد استحقاقه الذاتي، وفي ذات الوقت تدلّ على أنّ من كان هذه صفاته لم يكن أحد أحقّ منه بالحمد والثناء. وفي هذا يقول ابن عاشور: ((إجراء هذه الأوصاف الجليلة على اسمه تعالى إيماء بأنّ موصوفها حقيق بالحمد الكامل الذي أعربت عنه جملة (الحمد لله) ؛ لأنّ تقييد مفاد الكلام بأوصاف متعلّق ذلك المفاد يشعر بمناسبة بين تلك الأوصاف وبين مفاد الكلام)) (3) . لطائف: الأولى: لابن قيم الجوزية (4) كلام حسن حول ما تدلّ عليه هذه الأوصاف في

_ (1) انظر: فتح القدير للشوكاني ج1 ص71؛ تفسير المنار لمحمد رشيد رضا ج1 ص 51؛ تفسير المراغي ج1ص 31. (2) سورة الزمر: الآية (75) . (3) التحرير والتنوير: ج1 ص 177. (4) هو محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي الدمشقي، أبو عبد الله، شمس الدين (691-751هـ) : الإمام المشهور بابن قيم الجوزية، مولده ووفاته بدمشق، تتلمذ لشيخ الإسلام ابن تيمية حتى كان لايخرج عن شيء من أقواله؛ بل ينتصر له في جميع ما يصدر عنه، وهو الذي هذّب كتبه ونشر علمه، وسجن معه في قلعة دمشق، وأطلق بعد موته. من أشهر مؤلفاته: إعلام الموقعين – زاد المعاد- مدارج السالكين. (انظر: الدرر الكامنة لابن حجر ج3 ص400؛ البداية والنهاية لابن كثير ج14 ص 246؛ شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي ج6 ص168؛ الأعلام للزركلي ج6 ص 56) .

هذا المقام إذ يقول: ((في ذكر هذه الأسماء بعد الحمد، وإيقاع الحمد على مضمونها ومقتضاها ما يدلّ على أنّه محمود في إلهيته، محمود في ربوبيته، محمود في رحمانيته، محمود في ملكه، وأنه إله محمود، ورب محمود، ورحمان محمود، وملك محمود. فله بذلك جميع أقسام الكمال: كمال من هذا الاسم بمفرده، وكمال من الآخر بمفرده، وكمال من اقتران أحدهما بالآخر..)) (1) . الثانية: وفي وجه افتتاح الفاتحة بالحمد دون التسبيح مع كون التخلية مقدّمة على التحلية قال الفخر الرازي: ((إنّ التحميد يدلّ على التسبيح دلالة التضمّن، فإن التسبيح يدلّ على كونه مبرءاً في ذاته وصفاته عن النقائص والآفات، والتحميد يدلّ مع حصول تلك الصفة على كونه محسناً إلى الخلق منعماً عليهم رحيماً بهم، فالتسبيح إشارة إلى كونه تعالى تاماً والتحميد يدلّ على كونه تعالى فوق التمام)) (2) . والثالثة: في وجه تقديم الرحمن على الرحيم بقوله تعالى: {الرحمن الرحيم} يقول ابن عاشور: ((تقديم الرحمن على الرحيم لأنّ الصيغة الدالة على الاتصاف الذاتي أولى بالتقديم في التوصيف من الصفة الدالة على كثرة متعلّقاتها)) (3) . وبهذه اللطائف المفيدة المعتبرة أختم الحديث عن هذا الموضع من مواضع حمد الله ذاته الكريمة، وهو فاتحة المواضع كما هو فاتحة الكتاب ولله الحمد والمنة.

_ (1) مدارج السالكين: ج1 ص 35. (2) التفسير الكبير للفخر الرازي: ج1 ص 224. (3) التحرير والتنوير لابن عاشور: ج1 ص 172.

الفصل الثاني: حمد الله ذاته الكريمة في فاتحة سورة الأنعام

الفصل الثاني: حمد الله ذاته الكريمة في فاتحة سورة الأنعام المبحث الأول: في مناسبة فاتحة السورة بالحمد بخاتمة السورة قبلها. ... الفصل الثاني: حمد الله ذاته الكريمة في فاتحة سورة الأنعام قال الله تعالى {الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون} (1) . المبحث الأول: في مناسبة فاتحة السورة بالحمد بخاتمة السورة قبلها. ذكر السيوطي (2) في كتابه (أسرار ترتيب القرآن) أنه قال بعض أهل العلم في مناسبة فاتحة هذه السورة بخاتمة سورة المائدة قبلها أنّ هذه افتتحت بالحمد وتلك خُتِمت بفصل القضاء للتلازم بين الأمرين كما قال تعالى {وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين} (3) .وأضاف على ما ذكره سابقاً فقال: ((وقد ظهر لي ـ بفضل الله ـ أنّه لما ذكر في آخر المائدة {لله ملك السموات والأرض وما فيهن} (4) على سبيل الإجمال افتتح هذه السورة بشرح ذلك وتفصيله، فبدأ

_ (1) سورة الأنعام: الآية (1) . (2) هو عبد الرحمن بن أبي بكر محمد بن سابق الدين الخضيري السيوطي، جلال الدين (849-911?) : إمام حافظ مؤرخ أديب، نشأ في القاهرة يتيماً، ولما بلغ أربعين سنة اعتزل الناس فألف أكثر كتبه، وبقي على ذلك إلى أن توفي، له نحو 600 مصنف، من أشهرها: الإتقان في علوم القرآن – تاريخ الخلفاء – الدر المنثور في التفسير المأثور – الجامع الصغير في الحديث – تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي في مصطلح الحديث. (انظر: شذرات الذهب في أخبار من ذهب ج8 ص51؛ الضوء اللامع لأهل القرن التاسع للسخاوي ج4 ص65؛ الأعلام للزركلي ج3 ص 301-302) . (3) سورة الزمر: الآية (75) . (4) سورة المائدة: الآية (120) .

بذكر أنه خلق السموات والأرض وضمّ إليه أنّه جعل الظلمات والنور وهو بعض ما تضمنه قوله (ومافيهن) في آخر المائدة، وضمّن قوله (الحمد لله) أوّل الأنعام أنّ له ملك جميع المحامد وهو من بسط {لله ملك السموات والأرض وما فيهن} )) (1) ، فهذه المناسبة خاصة في وجه ارتباط السورتين من حيث ختام السابقة وابتداء اللاحقة وهي مناسبة لطيفة أحببت الإشارة إليها والتذكير بها.

_ (1) أسرار ترتيب القرآن للسيوطي: ص 97.

المبحث الثاني: في غاية حمد الله ذاته بالآية وصلته بما بعده

المبحث الثاني: في غاية حمد الله ذاته بالآية وصلته بما بعده إنّ سورة الأنعام التي جاءت هذه الآية في فاتحتها تعدّ أصلاً عظيماً في محاجة المشركين وغيرهم من المكذبين والمبتدعين (1) ، وكانت هذه الآية هي بداية المحاجة لهم والردّ عليهم بما يبطل شركهم ويدحض ضلالهم.وافتتاحها بحمد الله ذاته الكريمة يعتبر أول سبل إقامة الحجة على المشركين الذين اتخذوا شركاء لله من أوثان وأصنام؛ ذلك أنّ هذه الجملة (الحمد لله) تفيد ـ كما بينت سابقاً ـ استحقاقه تعالى الحمد وحده واختصاصه به دون غيره، وبذلك فهي ردٌّ عليهم في حمدهم لأصنامهم وأوثانهم بما تخيّلوه من إسدائها إليهم نعماً ونصراً وتفريج كربات، وما اقتضاه ذلك من عبادتهم إياها؛ ولا ريب أنّ العبادة هي أقصى غايات الشكر الذي رأسه الحمد (2) . ولهذا قال ابن جرير الطبري (3) في هذا المقام: ((الحمد الكامل لله وحده لا شريك له دون جميع الأنداد والآلهة ودون ما سواه مما تعبده كفرة خلقه من الأوثان والأصنام. وهذا كلام مخرجه مخرج الخبر ينحى به نحو الأمر يقول: أخلصوا الحمد والشكر للذي خلقكم وخلق السموات والأرض ولا

_ (1) انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج6 ص 383. (2) انظر: تفسير أبي السعود ج3 ص 104؛ فتح القدير للشوكاني ج2 ص 102؛ محاسن التأويل للقاسمي ج6 ص 455؛ التحرير والتنوير لابن عاشور ج7 ص 125 –126. (3) هو محمد بن جرير بن يزيد الطبري، أبو جعفر (224-310هـ) : المؤرخ المفسر الإمام، ولد في آمل طبرستان واستوطن بغداد وتوفي بها، عرض عليه القضاء فامتنع والمظالم فأبى، من أشهر مؤلفاته: أخبار الرسل والملوك (تاريخ الطبري) – جامع البيان في تفسير القرآن – اختلاف الفقهاء (انظر: تذكرة الحفاظ للذهبي ج2 ص351؛ البداية والنهاية ج11 ص156-158؛ لسان الميزان لابن حجر ج5 ص 100-103؛ سير أعلام النبلاء للذهبي ج14 ص267-282؛ الأعلام للزركلي ج6 ص69) .

تشركوا معه في ذلك أحداً شيئاً فإن المستوجب عليكم بالحمد بأياديه عندكم ونعمه عليكم لامن تعبدونه من دونه وتجعلونه له شريكاً من خلقه)) (1) . وبعد حمده تعالى لذاته ذكر بعضاً من عظائم آثاره وجلائل أفعاله وآلائه الدالّة على قدرته العظيمة الكاملة الموجبة لاستحقاقه الحمد واستقلاله به إضافة إلى الاستحقاق الذاتي، وذلك هو قوله تعالى {الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور} وهذه الجملة من الآية هي بمثابة الوصف له تعالى؛ إذ الموصول ـ ههنا ـ في محلّ الصفة لاسم الجلالة، وهي في نفس الأمر لها مفهوم العلة للحمد؛ فهو حقيق بالحمد وحدد دون سواه بسبب ما عُلِم من صفاته الذاتية الكاملة وأفعاله وآلائه ونعمه الجسيمة (2) .

_ (1) تفسير الطبري: ج7 ص92. (2) انظر: تفسير أبي السعود ج3 ص104؛ تفسير الآلوسي ج7 ص80؛ فتح القدير للشوكاني ج2 ص102؛ التحرير والتنوير لابن عاشور ح7 ص126؛ محاسن التأويل للقاسمي ج6 ص450.

المبحث الثالث: في بيان قوله تعالى: {الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور}

المبحث الثالث: في بيان قوله تعالى: {الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور} أخبر الله تعالى عن قدرته العظيمة الكاملة بخلق السموات والأرض وجعله الظلمات والنور، وإنّما خصّ خلق السموات والأرض بالذكر دون غيرهما من المخلوقات ـ في هذا المقام لكونهما أعظمها ولاشتمالهما على جملة الآثار العلوية والسفلية وعامة الآلاء والنعم الجليّة والخفيّة التي أجلّها نعمة الوجود الكافية في إيجاب حمده تعالى على كلّ موجود، هذا بالإضافة إلى ما فيهما من أنواع وفنون النعم الأنفسية والآفاقية المنوط بها مصالح العباد ومنافعهم في المعاش والمعاد (1) . وأما الظلمات والنور فجمهور المفسرين على أن المراد بهما سواد الليل وضياء النهار (2) ، وتخصيص جعلهما بالذكر في هذا المقام لاستواء جميع الناس في إدراكهما والشعور بهما (3) ، مع كونهما أمرين خطيرين ونعمتين عظيمتين مرتبطتين بانتظام الحياة والمعاش على هذا الكون. قال الله تعالى {وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلاً من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب..} الآية (4) . لطائف: الأولى: إنّ في ذكر هذه المخلوقات الأربعة (السموات والأرض والظلمات والنور) تعريضاً بإبطال عقائد كفار العرب من مشركين وصابئة ومجوس

_ (1) انظر: تفسير البغوي ج2 ص 83؛ تفسير أبي السعود ج3 ص 104. (2) انظر: تفسير القرطبي ج6 ص 386. (3) انظر: التحرير والتنوير ج7 ص127. (4) انظر: تفسير ابن كثير ج2 ص 123. والآية بسورة الإسراء رقم:12.

ونصارى، إذ إنّهم قد أثبتوا آلهة غير الله تعالى من هذه الأربع، فالمشركون أثبتوا آلهة من الأرض، والصابئة أثبتوا آلهة من الكواكب السماوية، والنصارى أثبتوا إلهية عيسى عليه السلام أو عيسى ومريم عليهما السلام وهما من الموجودات الأرضية، والمجوس وهم المانوية ألّهوا النور والظلمة فجعلوا النور إله الخير والظلمة إله الشر؛ فأخبرهم الله عزوجل أنه خالق السموات والأرض أي وبما فيهن وخالق الظلمات والنور، فكيف يجعلون المخلوق إلهاً ويساوونه بالخالق سبحانه؟! (1) الثانية: إنّ التعبير بالخلق في شأن السموات والأرض؛ وبالجعل في شأن الظلمات والنور دلالة على فرق دقيق بين الكلمتين أشار إليه ابن عاشور إذ قال: ((التفرقة بين جعل وخلق معدود من فصاحة الكلمات، وإن لكل كلمة مع صاحبتهما مقاماً، وهو ما يسمى برشاقة الكلمة، ففعل (خَلَق) أليق بإيجاد الذوات، وفعل (جَعَل) أليق بإيجاد أعراض الذوات وأحوالها ونظامها)) (2) . الثالثة: وإنّ في تقديم السموات على الأرض والظلمات على النور مراعاة لترتيب الوجود، فإنّ السموات تقدّم وجودها على الأرض كما هي على حالها الآن، والظلمات سابقة النور، فإن النور حصل بعد خلق الذوات المضيئة وكانت الظلمة عامة (3) .والله أعلم بمراده.

_ (1) انظر: التحرير والتنوير لابن عاشور ج7 ص 127. (2) المرجع السابق: ج7 ص 127. (3) انظر: تفسير أبي السعود ج3 ص 105؛ التحرير والتنوير ج7 ص 127.

المبحث الرابع: في وجه العطف بقوله تعالى {ثم الذين كفروا بربهم يعدلون}

المبحث الرابع: في وجه العطف بقوله تعالى {ثم الذين كفروا بربهم يعدلون} يجيء ختام هذه الآية الكريمة ـ عطفاًعلى ما سبق ذكره في أولها بقوله {ثم الذين كفروا بربهم يعدلون} ويحتمل أن يكون معطوفاً على قوله (الحمد الله) على معنى أنّ الله حقيق بالحمد على كل ما خلق لأنه ما خلقه إلا نعمة منه {ثم الذين كفروا بربهم يعدلون} (1) أي يسوّون بينه تعالى وبين غيره في العبادة فيكفرون بنعمته، ويحتمل أن يكون معطوفاً على قوله {الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور} على معنى أنه خلق هذه الأشياء العظيمة التي لا يقدر عليها أحد سواه؛ ثم إنّهم يعدلون به جماداً لا يقدر على شيء أصلاً (2) . والإتيان بحرف العطف (ثم) للتعجب من حال هؤلاء المشركين؛ والإنكار عليهم؛ واستبعاد أن يعدلوا به تعالى غيره مع وضوح وبيان آيات قدرته ودلائل نعمته وإحسانه (3) . وبالتالي فهي دالة على قبح المشركين وسوء طويتهم. وفي هذا يذكر القرطبي (4) قول

_ (1) قال البغوي في تفسيره: (يعدلون) يشركون، وأصله خلق مساواة الشيء بالشيء ومنه العدل، أي يعدلون بالله غير الله تعالى، يقال عدلت هذا بهذا إذا ساويته (تفسير البغوي ج2 ص84) وانظر (المفردات للراغب ص 325) . (2) انظر: التفسير الكبير للفخر الرازي ج12 ص152؛ فتح القدير للشوكاني ج2 ص103 (3) انظر: تفسير الطبري ج7 ص92-93؛ التفسير الكبير الفخر الرازي ج12 ص152؛ تفسير النسفي ج2ص2؛فتح القدير للشوكاني ج2ص103؛ التحرير والتنوير ج7 ص128-129. (4) هو محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي الأندلسي، أبو عبد الله، القرطبي: من كبار المفسرين، صالح متعبد، من أهل قرطبة، رحل إلى الشرق واستقر بمنية ابن خصيب في شمالي أسيوط بمصر وتوفي بها عام 671هـ. (انظر: الأعلام للزركلي ج5 ص322) .

ابن عطية (1) إذ قال: ((فـ (ثم) دالة على قبح المشركين؛ لأن المعنى: أنّ خلق السموات والأرض قد تقرر وآياته قد سطعت وإنعامه بذلك قد تبين، ثم بعد ذلك كله عدلوا بربهم، فهذا كما تقول: يا فلان أعطيتك وأكرمتك وأحسنت إليك ثم تشتمني. ولو وقع العطف بالواو في هذا ونحوه لم يلزم التوبيخ كلزومه بثمّ)) (2) . لطائف: الأولى: إنّ تقديم (بربهم) على الفعل (يعدلون) لزيادة الاهتمام والمسارعة إلى تحقيق مدار الإنكار والاستبعاد؛ مع المحافظة والمراعاة للفواصل. الثانية: وإنّ حذف المفعول ـ ههنا ـ لظهوره، أو لتوجيه الإنكار إلى نفس الفعل بتنزيله منزلة اللازم إيذاناً بأنه المدار في الاستبعاد والإنكار لا خصوصية المفعول. الثالثة: ثم إن في وضع الربّ في قوله: (بربّهم) موضع ضميره زيادة للتشنيع على المشركين والتقبيح لهم (3) . وبهذه اللطائف يتم الكلام حول هذا الموضع من مواضع حمد الله ذاته الشريفة ولله الحمد والمنة.

_ (1) هو عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن عطية المحاربي، من محارب قيس، الغرناطي، أبو محمد (481-542?) : مفسر وفقيه، أندلسي من أهل غرناطة، وله شعر، ولي قضاء المرية، وكان يكثر الغزوات في جيوش الملثمين وتوفي بلورقة. من أشهر كتبه: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز. (انظر: بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة للسيوطي ص 295؛ نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب للمقري ج1 ص593؛ الأعلام للزركلي ج3 ص282) . (2) تفسير القرطبي: ج6 ص 387. (3) انظر: تفسير أبي السعود ج3 ص 105.

الفصل الثالث: حمد الله ذاته الكريمة عند هلاك الظالمين في آية سورة الأنعام

الفصل الثالث: حمد الله ذاته الكريمة عند هلاك الظالمين في آية سورة الأنعام المبحث الأول: في وجه صلة آية الحمد بما قبلها ... الفصل الثالث: حمد الله ذاته الكريمة عند هلاك الظالمين في آية سورة الأنعام قال الله تعالى {فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله ربّ العالمين} (1) المبحث الأول: في وجه صلة آية الحمد بما قبلها تأتي هذه الآية الكريمة في ختام آيات أخبر الله فيها عن أمم من خلقه ـ ممن كفر به وأشرك في عبادته وعصاه ـ بما ابتلاهم به من حال الضرّاء وحال السرّاء لعلهم يرجعون عن كفرهم وشركهم؛ ولكنهم ازدادوا بعداً وقست قلوبهم ونسوا ما ذُكِّروا به وجحدوا نعمة الله بعد أن جاءتهم فأخذهم الله بغتة وأهلكهم بسبب عنادهم وإصرارهم على كفرهم به. وتلكم الآيات هي قوله تعالى {ولقد أرسلنا إلى أمم ممن قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرّعون. فلولا إذ جاءهم بأسنا تصرّعوا ولكن قست قلوبهم وزيّن لهم الشيطان ما كانوا يعملون.فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أؤتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون} (2) . فكانت من بعد هذه الآية، وصُدِّرت بحرف العطف (الفاء) لعطفها على ما قبلها إذ قال تعالى (فقطع دابر القوم الذين ظلموا) ، والعطف على جملة (أخذناهم بغتة) أي فأخذناهم أخذ الاستئصال فلم يبق منهم أحد أبداً (3) .

_ (1) سورة الأنعام: الآية (45) . (2) سورة الأنعام: الآيات (42-44) . ومعنى (مبلسون) أي: آيسون من كلّ خير (تفسير ابن كثير: ج2 ص 132) . (3) انظر: محاسن التأويل للقاسمي ج6 ص520؛ التحرير والتنوير ج7 ص 231.والدابر اسم فاعل من دَبَره إذا مشى وراءه، والمصدر الدبُور، ودابر الناس آخرهم، وهو مشتق من الدُبُر وهو الوراء. وقطع الدابر كناية عن استئصال الجميع لأن ذهاب آخر الشيء يستلزم ذهاب ما قبله. وقال الأصمعي: الدابر الأصل، ومنه قطع الله دابره أي أصله. (انظر: التفسير الكبير للفخر الرازي ج12 ص226؛ محاسن التأويل ج6 ص520؛ التحرير والتنوير ج7 ص231) .

لطيفة: إنّ الإتيان بالاسم الظاهر موضع الضمير للإشعار بعلة الحكم، فإنّ هلاكهم بسبب ظلمهم الذي هو وضع الكفر موضع الشكر وإقامة المعاصي مقام الطاعات (1) . وإنّما وُصِف المشركون بالذين ظلموا لأن الشرك هو أعظم الظلم إذ هو اعتداء على حق الله على عباده من التوحيد، كما أنه يستتبع مظالم عدة لأن أصحابه لا يؤمنون بشرع يزع الناس عن الظلم (2) .

_ (1) انظر: تفسير أبي السعود ج3 ص 134. (2) التحرير والتنوير لابن عاشور: ج7 ص 231.

المبحث الثاني: في بيان حمد الله ذاته العلية في الآية وغايته

المبحث الثاني: في بيان حمد الله ذاته العليّة في الآية وغايته يحمد الله ذاته العليّة في الشطر الثاني من الآية بقوله: {والحمد لله رب العالمين} ، ويجوز أن تكون معطوفة على قوله تعالى {ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك} وما اتصل بعدها من الآيات عطف غرض على غرض، ويجوز أن تكون اعتراضاً تذييلياً فتكون الواو اعتراضية (1) . وعلى كلّ حال فإنّ حمد الله ذاته في هذا الموضع له غاية وحكمة والظاهر في ذلك أنه إنّما حمد الله ذاته ـ ههنا ـ لِما قضى به من إهلاك الظالمين؛ إذ إنّ في هلاكهم إصلاحاً لأهل الأرض وتخليصاً لهم من سوء عقائدهم وشرّ أعمالهم وظلمهم، وبه يعود العدل والحقّ بعد الجور والضلال.. ولاريب أنّ هذا من عظيم نعم الله على خلقه، وهو مقام من مقامات استحقاق الله سبحانه للحمد والثناء. كما أنّ هلاك الكفرة الظالمين يستتبع نعماً أخرى غير ما ذكر بشأن الناس عامة، إذ فيه أيضاً إنعام على رسل الله عليهم السلام ودعاته الصالحين بإظهار حججهم ونصرهم على أعدائهم وإعلاء كلمة الحق التي جاءوا بها. وكل ذلك نعم جليلة حقيق به تعالى أن يحمد ذاته عليها (2) . ونظير ذلك قوله تعالى بشأن هلاك قوم لوط عليه السلام: {وأمطرنا عليهم مطراً فساء مطر المنذرين. قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى..} الآية (3) ، فإن قوله تعالى {قل الحمد لله} جاء بعد بيانه ـ عزّوجلّ ـ لما حلّ من الهلاك بقوم لوط،

_ (1) انظر: التحرير والتنوير لابن عاشور ج7 ص232. (2) انظر: تفسير الطبري ج7 ص 124-125؛ التفسير الكبير للفخر الرازي ج 12 ص 226-227؛ تفسير أبي السعود ج3 ص 134؛ تفسير القرطبي ج6 ص427؛ زاد المسير لابن الجوزي ج 3 ص 41؛ تفسير الخازن ج2 ص134؛ تفسير الآلوسي ح7 ص 152؛ فتح القدير للشوكاني ج2 ص121؛ التحرير والتنوير ج7 ص 232. (3) سورة النمل: الآيتان (58-59) ، وانظر: محاسن التأويل للقاسمي ج6 ص521.

وإن كان في هذا المقام أمر منه سبحانه لحمده؛ ولكن يدلّ على حمده لذاته إذ إنّه هو الآمر به والمريد له تعالى. هذا وإن تعلّق الحمد لذاته بوصف رب العالمين ناسب هذا المقام؛ لما أن ربوبيته تعالى للعالمين ـ كما سبق بيانه ـ تقتضي تدبير شؤونهم ورعاية أحوالهم ومصالحهم وتربيتهم بالعدل، ولاشك أنّ هلاك الظالمين الكفرة هو من أعظم ما يكون من تدبير شؤون العالمين ورعاية مصالحهم وإقامة الحق والعدل وتربيتهم عليه وبه؛ فلله الحمد رب العالمين. لطيفتان: الأولى: قال الزمخشري (1) في شأن حمد الله لذاته الكريمة ههنا أنه ((إيذان بوجوب الحمد عند هلاك الظلمة؛ وأنه من أجلّ النعم وأجزل القِسَم)) (2) . والثانية: قال القرطبي فيما عرّضت به هذه الآية: ((وتضمنت هذه الآية الحجة على وجوب ترك الظلم لما يعقب من قطع الدابر إلى العذاب الدائم مع استحقاق القاطع الحمد من كلّ حامد)) (3) . وبهاتين اللطيفتين يتم الكلام حول هذا الموضع ولله الحمد والمنة.

_ (1) هو: محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي الزمخشري، جار الله، أبو القاسم (467-538) : ولد في زمخشر (من قرى خوارزم) وسافر إلى مكة وجاور بها زمناً فلقب بجار الله، وتنقل إلى البلدان ثم عاد إلى الجرجانية (من قرى خوارزم) فتوفي بها. أشهر كتبه: الكشاف في تفسير القرآن – أساس البلاغة – المقامات. وكان معتزلي المذهب مجاهراً شديد الإنكار على المتصوّفة. (انظر: لسان الميزان لابن حجر ج6 ص4؛ وفيات الأعيان لابن خلكان ج2 ص81؛ مفتاح السعادة ومصباح السيادة لطاش كبرى زادة ج 1 ص 431؛ الأعلام للزركلي ج7 ص 178) . (2) تفسير الكشاف: ج2 ص 14. (3) تفسير القرطبي: ج2 ص 427.

الفصل الرابع: حمد الله ذاته الكريمة عند إظهار الحجة في آية سورة النحل

الفصل الرابع: حمد الله ذاته الكريمة عند إظهار الحجة في آية سورة النحل المبحث الأول: في بيان الآية وصلتها بما قبلها ... الفصل الرابع: حمد الله ذاته الكريمة عند إظهار الحجة في آية سورة النحل قال الله تعالى {ضرب الله مثلاً عبداً مملوكاً لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقاً حسناً فهو ينفق منه سراً وجهراً هل يستوون الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون} (1) . المبحث الأول: في بيان الآية وصلتها بما قبلها لما نهى الله ـ تعالى ـ المشركين عن ضرب الأمثال المتضمنة للتسوية بينه وبين خلقه وهو ما جاء في قوله تعالى {ويعبدون من دون الله مالا يملك لهم رزقاً من السموات والأرض شيئاً ولا يستطيعون. فلا تضربوا لله الأمثال إنّ الله يعلم وأنتم لا تعلمون} (2) فلمّا نهاهم عن ذلك ضرب ـ سبحانه ـ مثلاً (3) له ولمن يُعبد من دونه من الأوثان والأصنام برجلين أحدهما عبد مملوك أي رقيق لا يملك نفسه ولا يملك من المال والدنيا شيئاً، والثاني حرّ غني قد رزقه الله رزقاً حسناً من جميع أصناف المال وهو كريم محبٌّ للإحسان فهو ينفق منه سراً وجهراً، وإظهاراً للحجة في هذا المثل المضروب قال تعالى بعده (هل يستوون) ، أي هل يستوي هذا وذاك؟! والجواب بلا شك: لا يستويان؛ مع أنهما مخلوقان وغير محال

_ (1) سورة النحل: الآية (75) . (2) سورة النحل: الآيتان (73-74) . (3) في لسان العرب لابن منظور: ((ضرب الله مثلاً أي وصف وبيّن، وقولهم: ضرب له المثل بكذا إنّما معناه بيّن له ضرْباً من الأمثال أي صنفاً منها، وقد تكرر في الحديث ضرب الأمثال، وهو اعتبار الشيء بغيره وتمثيله به)) (لسان العرب: ج1 ص 549-550) . ولقد ذكر الله تعالى في كتابة ثلاثة وأربعين مثلاً في موضوعات شتى. ومن الكتب التي أفردت في هذا الباب كتاب (الأمثال في القرآن الكريم) لابن قيم الجوزية، وقد حقّقه: سعيد محمد نمر الخطيب، طبعة دار المعرفة ببيروت.

استواؤهما، فإذا كان لايستويان فكيف يستوي المخلوق والعبد الذي ليس له ملك ولاقدرة ولا استطاعة بل هو فقير من كل الوجوه بالربّ المالك لجميع الممالك القادر على كل شيء سبحانه، بل وكيف بالأوثان والأصنام الجامدة العاجزة عن كل شيء؟! والمراد: فكيف تجعلونها أيها المشركون شركاء لي تعبدونها من دوني مع هذا التفاوت العظيم والفرق المبين (1) . وإلى هذا المعنى ذهب جمهور المفسرين، وقد ذهب البعض منهم كابن جرير الطبري إلى أنّ هذا المثل ضربه الله للكافر من عبيده والمؤمن به، فأمّا مثل الكافر فإنه لايعمل بطاعة الله ولا يأتي خيراً ولاينفق من ماله شيئاً في سبيل الله فهو كالعبد المملوك الذي لا يقدر على شيء فينفقه، وأما المؤمن بالله فإنه يعمل بطاعته وينفق ماله في سبيله كالحرّ الذي آتاه الله مالاً فهو ينفق منه سراً وجهراً (2) . ولكن القول الأول هو الأولى والأقرب؛ لأنّ ما قبل هذه الآية من الآيات ـ كما بينته سابقاً ـ بل وما بعدها إنما جاءت في إثبات التوحيد وفي الردّ على القائلين بالشرك، فحمل هذا المثل على هذا المعنى هو الأولى، وما نُقِل عن ابن عباس رضي الله عنهما (3) في القول الثاني لم يصح؛ لأنه روي بسند مسلسل

_ (1) انظر: تفسير القرطبي ج10 ص 146-147؛ تفسير أبي السعود ج5 ص129، التفسير الكبير للفخر الرازي ج20ص83؛ أمثال القرآن لابن القيم ص 204-205؛ تفسير الآلوسي ج14 ص194-195؛ محاسن التأويل للقاسمي ج10 ص134-135؛ تفسير السعدي ج4 ص221-222؛ التحرير والتنوير لابن عاشور ج14 ص225. (2) انظر: تفسير الطبري ج14 ص100؛ تفسير البغوي ج3ص78؛ تفسير ابن كثير ج 2 ص578. (3) هو: عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي، أبو العباس (3ق. هـ-68هـ) : حبر الأمة، ولد بمكة ونشأ في عصر النبوة فلازم النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه الأحاديث، شهد مع علي الجمل وصفين. سكن الطائف ومات بها. (انظر: أسد الغابة لعز الدين بن الأثير أبي الحسن علي بن محمد الجزري ج3 ص186-190؛ الإصابة لابن حجر ج2 ص322-326؛ الأعلام للزركلي ج4 ص95) .

بالضعفاء. ولابن القيم كلام مفيد في ترجيح القول الأول بعد إيراده للقولين حيث قال: ((والقول الأول أشبه، فإنه أظهر في بطلان الشرك؛ وأوضح عند المخاطب وأعظم في إقامة الحجة وأقرب نسباً بقوله تعالى {ويعبدون من دون الله ما لايملك لهم رزقاً من السموات والأرض شيئاً ولا يستطعيون فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون} (1) ثم قال {ضرب الله مثلاً} ، ومن لوازم هذا المثل وأحكامه أن يكون المؤمن الموحِّد كمن رزقه منه رزقاً حسناً والكافر المشرك كالعبد المملوك الذي لايقدر على شيء، فهذا ممّا نبّه عليه المثل وأرشد إليه فذكره ابن عباس رضي الله عنه منبهاً على إرادته؛ لأنّ الآية اختصت به فتأمّله فإنّك تجده كثيراً في كلام ابن عباس رضي الله عنه وغيره من السلف في فهم القرآن فيظنّ الظانّ أنّ ذلك هو معنى الآية التي لا معنى لها غيره فيحكيه قوله)) (2) . لطائف: الأولى: إنّ في إبهام المثل أولاً (ضرب الله مثلاً) ثم بيانه بما ذكر ما لايخفى من الفخامة والجزالة (3) . الثانية: في قوله تعالى {.. ومن رزقناه منا رزقاً حسناً فهو ينفق منه سراً وجهراً} . إيثار لما عليه النظم الكريم من الجملة الاسمية الفعلية الخبر؛ وذلك للدلالة على ثبات الإنفاق واستمراره التجدّدي (4) .

_ (1) سورة النحل: الآيتان (73-74) . (2) الأمثال في القرآن الكريم لابن قيم الجوزية: ص 205 – 206. (3) انظر: تفسير أبي السعود ج5 ص 129. (4) انظر: المرجع السابق ج5 ص 129.

الثالثة: وإنّ في العدول عن تطبيق القرينتين بأن يقال وحراً مالكاً للأموال كما قال (عبداً مملوكاً) ـ مع كونه أدلّ على تباين الحال بينه وبين قسيمه ـ توخياً لتحقيق الحق بأنّ الأحرار أيضاً تحت ربقة عبوديته تعالى، وأنّ مالكيتهم لما يملكونه ليست إلا بأن يرزقهم الله تعالى إياه من غير أن يكون لهم مدخل في ذلك (1) . والرابعة: في قوله تعالى (هل يستوون) الاستفهام للإنكار، وجمع الضمير للإيذان بأنّ المراد بما ذكر من اتصف بالأوصاف المذكورة من الجنسين لا فردان معيّنان منهما، هذا مع أنّ (من) اسم يصلح للواحد والاثنين والجمع (2) .

_ (1) انظر: المرجع السابق ج5 ص 129. (2) انظر تفسير البغوي ج3 ص 78؛ تفسير أبي السعود ج5 ص129.

المبحث الثاني: في بيان موضع الحمد وغايته

المبحث الثاني: في بيان موضع الحمد وغايته يحمد الله ذاته الشريفة بعد ضربه لهذا المثل المقصود منه إبطال ما عليه المشركون من الشرك به، وذلك بنفي التساوي بينه تعالى وبين ما يشركون. وقد جاء الحمد بقوله {الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون} . وإنما حمد الله ذاته ـ في هذا المقام ـ لظهور البينة وقوّة الحجة على المشركين بهذا المثل المطابق للغرض والكاشف عن المقصود (1) . وقيل ـ أيضاً ـ في مناسبة مجيء الحمد هنا: أي على ما هدى أولياءه وأنعم عليهم بالتوحيد، أو الحمد كله لله لا يستحقّه شيء من الأصنام؛ إذ تبيّن من المثل اختصاص الله بالإنعام فوجب أن يختصّ بالحمد وحده (2) . وأرى أنّ المناسبة الأولى هي الأقوى، لِما أنّ المقام ـ ههنا ـ في ضرب المثل الذي يراد به إثبات الحجة على المشركين ونقض شركهم، ويؤيده ـ أيضاً ـ ما عُقِّب به الحمد بقوله {بل أكثرهم لا يعلمون} والمراد أي أكثرهم لا يعلمون قوة هذه الحجة وظهور البينة عليهم بهذا المثل مع أنها في غاية ظهورها ونهاية وضوحها. وإن كان القولان الآخران مرادين ومعتبرين والله أعلم بمراده. لطيفتان: الأولى: في حمد الله ذاته في هذا المقام إشارة إلى المؤمنين بأن يحمدوه سبحانه عند ظهور الحقّ وبيان حجّته وإلزام المعرضين به. الثانية: في قوله تعالى {بل أكثرهم لايعلمون} أُسْنِد نفي العلم إلى أكثرهم للإشعار

_ (1) انظر: تفسير ابن كثير ج2 ص 578؛ التفسير الكبير للفخر الرازي ج20 ص85؛ محاسن التأويل للقاسمي ج10 ص 135. (2) انظر: تفسير الطبري ج14 ص100؛ تفسير القرطبي ج10 ص 148؛ تفسير أبي السعود ج5 ص130؛ التفسير الكبير للفخر الرازي ج20 ص 85؛ التحرير والتنوير ج14 ص 226.

بأنّ بعضهم يعلمون الحق، ولكنهم لا يعملون به استكباراً وعناداً، ويتضمّن النصّ بهذا ذماً لأكثرهم بالصراحة وذماً لأقلّهم بوصمة المكابرة والعناد بطريق التعريض (1) . والله أعلم بمراده. وبهاتين اللطيفتين يتم الحديث عن هذا الموضع من مواضع حمد الله لذاته ولله الحمد والمنة.

_ (1) انظر: تفسير أبي السعود ج5 ص 130؛ التحرير والتنوير ج14 ص 226.

الفصل الخامس: حمد الله ذاته الكريمة على إنزال كتابه في فاتحة سورة الكهف

الفصل الخامس: حمد الله ذاته الكريمة على إنزال كتابه في فاتحة سورة الكهف المبحث الأول: في بيان موضع حمد الله ذاته وغايته ... الفصل الخامس: حمد الله ذاته الكريمة على إنزال كتابه في فاتحة سورة الكهف قال الله تعالى {الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً. قيماً لينذر باساً شديداً من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً حسناً، ماكثين فيه أبدا} (1) . المبحث الأول: في بيان موضع حمد الله ذاته وغايته تفتتح هذه السورة الكريمة بحمد الله ذاته الشريفة، وجاء من بعد الوصف له تعالى بالموصول ليفيد التنويه بمضمون الصلة؛ وليفيد (أيضاً) بيان سبب استحقاقه تعالى للحمد ههنا. وعلى هذا لمّا كان إنزال القرآن الكريم على النبي صلى الله عليه وسلم أجزل وأعظم نعماء الله على عباده المؤمنين لأنه سبيل سعادتهم في الدارين، وهو في نفس الأمر من أعظم نعمه على رسوله صلىالله عليه وسلم بأن جعله واسطة ذلك القرآن ومبلّغه ومبيّنه.. لمّا كان الأمر كذلك حمد الله ذاته على إنزال كتابه على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وفيه ـ بلا ريب ـ إشارة إلى عظم شأن القرآن الكريم (2) . وإنّما خصّ رسوله صلى الله عليه وسلم بالذكر؛ لأنّ إنزال القرآن عليه كان نعمة عليه بالخصوص ـ كما بينت سابقاً ـ وعلى سائر الناس بالعموم (3) .

_ (1) سورة الكهف: الآيات (1-3) . (2) انظر: تفسير الطبري ج15 ص 126؛ تفسير البحر المحيط لأبي حيان ج6 ص95؛ تفسير ابن كثير ج3 ص 71؛ تفسير أبي السعود ج5 ص 202؛ تفسير الخازن ج4 ص 191؛ حاشية الجمل علىالجلالين ج3 ص2؛ محاسن التأويل للقاسمي ج11 ص5؛ تفسير السعدي ج5 ص5 –6؛ التحرير والتنوير ج15 ص246. (3) انظر: تفسير البغوي ج3 ص 143.

ولا يخفى أنّ في حمد الله ذاته في هذا الموضع يتضمّن إرشاداً لعباده أن يحمدوه سبحانه على إرسال الرسول صلى الله عليه وسلّم إليهم وإنزال الكتاب عليهم (1) . لطائف: الأولى: في مناسبة افتتاح سورة الكهف بالحمد بالسورة قبلها ذكر السيوطي في كتابه أسرار ترتيب القرآن أنّ بعض العلماء قال: مناسبة وضعها بعد سورة الإسراء افتتاح تلك بالتسبيح وهذه بالتحميد، وهما مقترنان في القرآن وسائر الكلام بحيث يسبق التسبيح التحميد. ثم أضاف إلى قولهم قائلاً: مع اختتام ما قبلها بالتحميد أيضاً. أي في قوله تعالى في خاتمة سورة الإسراء {وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً..} الآية (2) ، وذلك من وجوه المناسبة بتشابه الأطراف (3) . الثانية: إنّ في إيثار إنزال القرآن الكريم من بين سائر صفاته تعالى ـ في هذا المقام ـ تنبيهاً على أنّه من أعظم نعمائه؛ فإنه الهادي إلى ما فيه كمال العباد والداعي إلى ما به ينتظم صلاح المعاش والعباد ولا شيء في معناه ما يماثله (4) . والثالثة: إنّ في وصف الرسول صلى الله عليه وسلم ـ في هذا الموضع ـ بوصف العبودية لله تعالى تنبيهاً على بلوغه إلى أعلى معارج العبادة ومقاماتها؛ وتشريفاً له أيّ تشريف. ومثله قوله تعالى {تبارك الذي نزل الفرقان على

_ (1) انظر: تفسير السعدي ج5 ص5. (2) سورة الإسراء: الآية (111) . (3) أسرار ترتيب القرآن للسيوطي ص 113-114. (4) محاسن التأويل للقاسمي: ج11 ص5.

عبده ليكون للعالمين نذيراً} (1) ونظيره ـ أيضاً ـ في مقام الإسراء والمعراج بقوله تعالى {سبحان الذي أسرى بعبده..} الآية (2) . وهو في أعلى المقامات والقرب من الله تعالى (3) . وذكر الآلوسي (4) أنّ في هذا أيضاً إشعاراً بأنّ شأن الرسول أن يكون عبداً للمرسل لا كما زعمت النصارى في حق عيسى عليه السلام (5) . وهو معنى صحيح؛ ولكن ما ذكر من المعنى السابق أنسب للمقام وأوجه. والله أعلم بمراده.

_ (1) سورة الفرقان: الآية 1. (2) سورة الإسراء. الآية (1) . (3) انظر: تفسير أبي السعود ج5 ص 202. (4) هو محمود بن عبد الله الحسيني الآلوسي، شهاب الدين، أبو الثناء (1217-1270?) ، مفسر ومحدث وأديب، من أهل بغداد، مولده ووفاته بها، كان سلفي الاعتقاد مجتهداً، تقلّد الإفتاء ببلده عام 1248هـ، وعزل فانقطع للعلم ثم سافر عام 1262? إلى الموصل فالآستانة ومرّ بماردين وسيواس ثم عاد إلى بغداد إلى أن توفي بها. من أشهر كتبه: روح المعاني – المقامات. ونسبته إلى جزيرة (آلوس) في وسط الفرات. (انظر: الأعلام للزركلي ج7ص176) . (5) روح المعاني للآلوسي: ج 3ص 11.

المبحث الثاني: في ذكر أوصاف الكتاب وصلتها باستحقاق الحمد

المبحث الثاني: في ذكر أوصاف الكتاب وصلتها باستحقاق الحمد وصف الله ـ تبارك وتعالى ـ كتابه الكريم في مقام الحمد بإنزاله بصفات تدلّ على أنّه حقيق أن يحمد الله نفسه الشريفة على إنزاله وأن يتمدّح إلى عباده به. وتلكم الصفات (أولها) في قوله تعالى: (ولم يجعل له عوجاً) وهو وصف كمال له بنفي وجود شيء من العوج به كاختلال في النظم وتنافر في المعنى أو انحراف عن الدعوة إلى الحق؛ بل هو في غاية الكمال من صحة المعاني والسلامة من الخطأ والاختلاف والتضاد. وهذا الوصف الذاتي له يقتضي أنه أهلٌ للانتفاع به (1) . و (ثانيها) في قوله تعالى (قيّماً..) والقيِّم: صفة مبالغة من القيام الذي يطلق على دوام تعهّد شيء وملازمة صلاحه؛ لأنّ التعهد يستلزم القيام لرؤية الشيء والتيقظ لأحواله، والمراد بهذا الوصف في شأن القرآن الكريم أنه قيّم على هدي الأمة وإصلاحها بكلّ ما يحقّق لها الخير في مصالحها الدينية والدنيوية. وهذا الوصف يقتضي أنّ كماله متعدٍّ بالنفع (2) . وأقول: إنّ هذين الوصفين بدلالتهما على كمال هذا الكتاب الكريم بكونه في ذاته أهلاً للانتفاع به وكونه متعدّياً بالنفع فيهما إظهار وإشعار لاستحقاقه تعالى الحمد على إنزال القرآن الكريم، فالإتيان بهما مناسب لمقام الحمد ههنا. لطيفة: يذكر ابن عاشور في قوله تعالى (ولم يجعل له عوجاً) أنّه إنّما عُدّي الجعل

_ (1) انظر: تفسير أبي السعود ج5 ص202؛ تفسير ابن كثير ج3 ص 71؛ تفسير السعدي ج5 ص5-6؛ التحرير والتنوير ج15 ص 248. (2) انظر: تفسير أبي السعود ج 5 ص 202؛ التحرير والتنوير ج15 ص 248.

باللام دون (في) لأنّ العوج المعنوي يناسبه حرف الاختصاص دون حرف الظرفية، لأنّ الظرفية من علائق الأجسام، وأمّا معنى الاختصاص فهو أعمّ (1) . وهذا الذي ذكره أمر دقيق يحسن التنبيه إليه. وبهذه اللطيفة يتم الكلام حول الموضع ولله الحمد والمنة.

_ (1) انظر: التحرير والتنوير: ج 15ص 248.

الفصل السادس: حمد الله ذاته في معرض إثبات إلهيته بآية سورة القصص

الفصل السادس: حمد الله ذاته في معرض إثبات إلهيته بآية سورة القصص المبحث الأول: في بيان صلة الآية بما قبلها وغاية حمد الله ذاته فيها. ... الفصل السادس: حمد الله ذاته في معرض إثبات إلهيته بآية سورة القصص قال الله تعالى {وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون} (1) المبحث الأول: في بيان صلة الآية بما قبلها وغاية حمد الله ذاته فيها. هذه الآية الكريمة معطوفة على ما قبلها من قوله تعالى {وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون. وربك يعلم ما تكنّ صدورهم وما يعلنون} (2) ؛ ذلك أنه بعد أن أخبر الله تعالى بأنه المنفرد بالخلق والاختيار وليس له في ذلك منازع ولا مزاحم ولا معقّب؛ ثم نزّه ذاته من أن يشرك به من الأصنام أو الأنداد التي لا تخلق ولا تختار شيئاً، ومن بعد أخبر أنه بسبب علمه لما تخفيه صدور عباده وما يعلنونه من أقوال وأفعال فهو المستحقّ والمنفرد بأن يختار لهم ما يشاء دون سواه.. بعد هذا البيان والإخبار منه ـ عزوجل ـ عطف عليه إثبات ألوهيته بقوله: (وهو الله لا إله إلا هو) ، وهو كالنتيجة والتقرير لما قبله؛ ذلك أنّ من كان بيده الخلق والتقدير والاختيار، ومن كان عليماً بخفايا الصدور وعلانية الأمور، فهو الإله الواحد الحق الذي لا يكون التوجه إلا إليه ولا تصرف العبادة إلاّ له، ولا يرجع في الحكم إلا لما يختاره ويقضي به.. ومن ثم أتبع إثباته لألوهيته بحمده ذاته الشريفة بقوله {له الحمد في الأولى والآخرة} ، وهو بمثابة الاستدلال والتعليل لثبوت إلهيته ونفيها عما سواه؛ ذلك أنّه تعالى هو الذي قد أحاط بكلّ أوصاف الكمال والجلال وهو المنعم على خلقه مؤمنهم وكافرهم فله الحمد والثناء التامّان في الدنيا والآخرة، وليس ذلك لشيء سواه؛ وبهذا فهو المستحقّ للألوهية وحده سبحانه (3) .

_ (1) سورة القصص: الآية (70) . (2) سورة القصص: الآيتان (68-69) . (3) انظر: تفسير ابن كثير ج3 ص397؛ تفسير القرطبي ج13ص307؛ نظم الدرر البقاعي ج5 ص513؛ تفسير الآلوسي ج20 ص106؛ تفسير المهايمي ج2 ص123؛ محاسن التأويل ج13 ص124؛ تفسير المراغي ج20 ص87؛ التحرير والتنوير ج20 ص 166.

المبحث الثاني: في بيان جملة الحمد (له الحمد في الأولى والآخرة) وما بعدها

المبحث الثاني: في بيان جملة الحمد (له الحمد في الأولى والآخرة) وما بعدها حمد الله ذاته الكريمة ـ ههنا ـ بقوله (له الحمد في الأولى والآخرة) ، وقوله (له الحمد) هو في معنى قوله (الحمد لله) والتي سبق بيانها؛ وذلك لأن اللام في قوله (له) هي للملك والاستحقاق، والضمير يرجع إلى اسم الجلالة، والتعريف في الحمد للجنس المفيد للاستغراق، هذا مع إفادة تقديم المجرور الاهتمام بضمير الجلالة والاختصاص (1) . وإنّما اختلف التعبير ـ ههنا ـ لما اقتضاه سياق الكلام في الآية. وأمّا ذِكْرُ أنّ له الحمد في الأولى والآخرة فلإفادة التعميم لاستحقاقه الحمد في الدارين؛ لِما أنه ذو الصفات الكاملة والمنعم على عباده في الدنيا والآخرة، ويحمده المؤمنون في الآخرة كما حمدوه في الدنيا كما أخبر الله عنهم بقوله سبحانه {وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء..} الآية (2) . أقول: وفيه مزيد تفخيم لشأن حمده ذاته تعالى في مقام إثبات ألوهيته. مطلب: ومن بعد حمده تعالى لذاته يعطف عليه إثبات أنّ الحكم له بقوله (وله

_ (1) انظر: التحرير والتنوير لابن عاشور ج20 ص167؛ ج21 ص65-66. (2) انظر: الكشاف للزمخشري ج3 ص177؛ التفسير الكبير للفخر الرازي ج25 ص10؛ تفسير أبي السعود ج7 ص23؛ حاشية الجمل على الجلالين ج3 ص 358؛ تفسير الآلوسي ج20 ص 106؛ محاسن التأويل للقاسمي ج13ص124. والآية بسورة الزمر رقم (74) .

الحكم) ، وهو تتمة للاستدلال والتعليل لإثبات ألوهيته ونفيها عمن سواه. والمراد: أي له الحكم في الدارين أيضاً، وحُذِف المتعلق بالحكم لدلالة قوله قبلها (في الأولى والآخرة) (1) ؛ فمن كان له الحكم والقضاء في الدنيا والآخرة على عباده فهو المستحق للألوهية وحده. ويعطف عليه أيضاً بما يكون خاتمة للاستدلال والتعليل على ألوهيته بقوله: (وإليه ترجعون) ، أي فمن كان مرجعكم ومصيركم إليه فاتقوه ووحّدوه ولا تصرفوا شيئاً من الألوهية إلا له؛ فهو المستحق لها الفرد الصمد دون سواه. لطيفة: إنّ في تقديم المجرور بقوله تعالى (وإليه ترجعون) اهتماماً بالانتهاء إليه سبحانه وإلى حكمه وقضائه، مع مراعاة الفاصلة (2) . والله أعلم بمراده. وبهذه اللطيفة يتم الحديث عن هذا الموضع ولله الحمد والمنة.

_ (1) انظر: التحرير والتنوير لابن عاشور ج 20 ص 167. (2) انظر: المرجع السابق ج20 ص 168.

الفصل السابع: حمد الله ذاته إثر الوعد والوعيد في آية سورة الروم

الفصل السابع: حمد الله ذاته إثر الوعد والوعيد في آية سورة الروم المبحث الأول: في بيان مناسبة مجيء الحمد وعطفه على التسبيح في موضعه من السورة ... الفصل السابع: حمد الله ذاته إثر الوعد والوعيد في آية سورة الروم قال الله تعالى {فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون. وله الحمد في السموات والأرض وعشياً وحين تظهرون} (1) . المبحث الأول: في بيان مناسبة مجيء الحمد وعطفه على التسبيح في موضعه من السورة يحمد الله ذاته الكريمة بالعطف على تنزيهه لها قبله؛ بعد أن بيّن سبحانه في الآيات السابقة حال فريقي المؤمنين العاملين بالصالحات والكافرين المكذبين بالآيات وما لهما من الثواب والعقاب وهي قوله تعالى {ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون. فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون. وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون} (2) ؛ وذلك لكي يرشد عباده بما ينجيهم من العذاب ويفضي بهم إلى الثواب، وهو تنزيههم له تعالى عن كل ما لا يليق بجلاله وكماله؛ وحمدهم له على ما أنعم به عليهم من نعمه العظيمة وآلائه الجليلة إذ قال {فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السموات والأرض وعشياً وحين تظهرون} (3) . ويدلّ على هذه المناسبة اقتران التسبيح بالفاء، وهي لترتيب ما بعدها

_ (1) سورة الروم: الآيتان (17-18) . (2) سورة الروم: الآيات (14-16) . (3) انظر: التفسير الكبير للفخر الرازي ج25 ص 104؛ تفسير أبي السعود ج7 ص54؛ تفسير الثعالبي ج3ص200؛ حاشية الجمل على الجلالين ج3 ص 387؛ محاسن التأويل للقاسمي ج 13 ص170؛ فتح القدير للشوكاني ج4 ص212.

على ما قبلها، ومن ثمّ عطف عليه حمده لذاته سبحانه.فقوله تعالى (فسبحان الله) خبر في معنى الأمر بالتسبيح لخلقه، فإذا كان الله تعالى ينزه ذاته عن كل ما لا يليق بها فعباده مأمورون بلا ريب في تحقيق ذلك، وكذلك الشأن في قوله {وله الحمد في السموات والأرض..} فإن حمده لذاته والإخبار عنه فيه إرشاد وأمر لحمده على أبلغ وجه وآكده (1) . لطيفتان: الأولى: إنّ في توسيط الحمد ومجيئه معترضاً بين أوقات التسبيح اعتناءً واهتماماً بشأنه؛ وإشعاراً بأنّ حقّهما أن يجمع بينهما (2) . الثانية: وفي حكمة اقتران الحمد بالتسبيح والجمع بينهما في هذا المقام؛ بل وفي غيره من آيات القرآن الكريم يقول ابن كثير (3) رحمه الله تعالى: ((ولمّا كان التسبيح يتضمّن التنزيه والتبرئة من النقص بدلالة المطابقة ويستلزم إثبات الكمال، كما أن الحمد يدلّ على إثبات صفات الكمال مطابقة ويستلزم التنزيه من النقص قُرن بينهما" (4) .

_ (1) انظر: تفسير أبي السعود ج 7 ص 54. (2) انظر: تفسير أبي السعود ج7 ص54؛ محاسن التأويل ج13 ص170؛ فتح القدير للشوكاني ج4 ص212. (3) هو إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضو بن درع القرشي البصروي ثم الدمشقي، أبو الفداء، عماد الدين: حافظ مؤرخ ومفسر وفقيه. ولد في قرية من أعمال بصرى الشام عام 701?، وانتقل مع أخ له إلى دمشق عام 706?، ورحل في طلب العلم وتوفي في دمشق عام 774?. ومن أشهر مؤلفاته: البداية والنهاية، تفسير القرآن العظيم، الباعث الحثيث إلى معرفة علوم الحديث، الفصول في اختصار سيرة الرسول (انظر: الدرر الكامنة لابن حجر ج1 ص 371؛ النجوم الزاهرة لابن تغري بردي ج9 ص 292؛ طبقات الشافعية للسبكي ج6 ص84؛ الأعلام للزركلي ج1 ص320) . (4) تفسير ابن كثير ج4 ص25. أقول: وأشدّ من ذلك اقتراناً التسبيح بحمد الله مثل قوله تعالى (وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم) ومنه أيضاً إخباره عن الملائكة بقولهم: (ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك) وفي ذلك قال الزمخشري: (ونحن نسبح بحمدك) بحمدك في موضع الحال أي نسبح حامدين لك ومتلبسين بحمدك لأنّه لولا إنعامك علينا بالتوفيق واللطف لم نتمكن من عبادتك (ج1 ص61) والفخر الرازي يقول: أي: إنا إذا سبحناك فنحمدك سبحانك يعني ليس تسبيحنا تسبيحاً من غير استحقاق بل تستحق بحمدك وجلالك هذا التسبيح وهو معنى آخر (التفسير الكبير ج2 ص173) .

المبحث الثاني: في بيان حمد الله لذاته وصلته بما بعده

المبحث الثاني: في بيان حمد الله لذاته وصلته بما بعده اعتماداً على ما سبق ذكره بأنّ حمد الله ذاته الكريمة معطوف على تسبيحه لها؛ فإنّ الأوقات التي ذكرت هي محلٌّ لهما كذلك وهي أربعة أوقات: (حين تمسون ـ حين تصبحون ـ عشياً ـ وحين تظهرون) وقد ذُكر في وجه تخصيصهما بتلك الأوقات أنّه للدلالة على أنّ ما يحدث فيها من آيات قدرته وأحكام رحمته ونعمته هي شواهد ناطقة بتنزهه تعالى واستحقاقه للحمد، وموجبة لتسبيحه وتحميده حتماً (1) . أقول: وهذا الكلام في غاية الصحة وهو مبني على تأمّل وإدراك بالغ، ويضاف إليه ما أشار إليه ابن عاشور في أنّ هذه الظروف متعلّقة بما في إنشاء التنزيه من معنى الفعل، أي ينشأ تنزيه الله في هذه الأوقات وهي الأجزاء التي يتجزأ الزمان منها، والمقصود التأبيد أي على الدوام، وإنّما سلك مسلك الإطناب لأنه مناسب لمقام الثناء (2) . وهي إشارة حسنة لا تتعارض مع ما ذُكِر قبلها. هذا ويرى ابن عباس رضي الله عنهما أنّ تسبيح الله تعالى وتحميده في هذه الأوقات إشارة إلى الصلوات الخمس. (3) وعلى هذا فالتعبير بالتسبيح

_ (1) انظر: تفسير ابن كثير ج3 ص428؛ تفسير أبي السعود ج7 ص 54-55؛ تفسير الآلوسي ج21 ص29. (2) انظر: التحرير والتنوير ج21 ص 65. (3) انظر: تفسير ابن عباس ومروياته في التفسير من كتب السنة لعبد العزيز الحميدي ج2 ص 718 –719. والأثر بهذا عن ابن عباس حسن الإسناد.

والتحميد ـ ههنا ـ هو من باب إطلاق الجزء على الكلّ؛ حيث إنّ الصلاة تشتمل عليهما.وللشيخ عبد الرحمن السعدي (1) إضافة متميّزة في ماذكره ابن عباس رضي الله عنه حيث قال: ((فهذه الأوقات أوقات الصلوات الخمس أمر الله عباده بالتسبيح فيها والحمد، ويدخل في ذلك الواجب منه كالمشتملة عليه الصلوات الخمس، والمستحب كأذكار الصباح والمساء وأدبار الصلوات وما يقترن بها من النوافل؛ لأنّ هذه الأوقات التي اختارها الله لأوقات المفروضات هي أفضل الأوقات؛ فالتسبيح والتحميد فيها والعبادة فيها أفضل من غيرها)) (2) . ثمّ إنّ جعل الحمد له سبحانه في السموات والأرض فيه تفخيم وتعظيم لشأن حمده تعالى، فهناك قال: (في الأولى والآخرة) وههنا قال (في السموات والأرض) ، وفيه إشارة ـ أيضاً ـ إلى أنّه لا يستحقّ الحمد أحدٌ سواه، إذ إنّ حمده قد استغرق وأحاط بكل الأزمنة والأمكنة والأحوال،،وسواءٌ حمده الناس أم لم يحمدوه فهو الغنيّ الحميد. وقد ذكر ابن كثير في معنى قوله تعالى {وله الحمد في السموات والأرض} أي هو المحمود على ما خلق في السموات والأرض (3) . وهو كلام موجزٌ مؤكِّدٌ لما ذكرته آنفاً.

_ (1) هو عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي التميمي (1307 – 1378?) مفسر من علماء الحنابلة، من أهل نجد، مولده ووفاته في عنيزة بالقصيم، وهو أول من أنشأ مكتبة فيها عام 1358?، وله نحو ثلاثون كتاباً منها: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، القواعد الحسان في تفسير القرآن، القواعد والأصول الجامعة في أصول الفقه. (انظر: الأعلام للزركلي ج3 ص 340) . (2) تفسيرالسعدي: ج 6 ص117. (3) تفسير ابن كثير: ج3ص 428.

مطلب: يجيء بعد التسبيح والحمد قوله تعالى {يخرج الحيّ من الميت ويخرج الميت من الحي ويحي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون. ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم أنتم بشر تنتشرون..} الآيات (1) . وفي هذه الآيات بيان لتصرّفه تعالى في المخلوقات بالإيجاد وبالإحياء بعد الموت، مع ذكره لعدد من نعمه وآلائه، وهي بهذا تُبيّن أنّه سبحانه هو الإله المستحقّ للثناء والتقديس، فلها موقع العلّة لما قبلها من التسبيح والتحميد (2) . لطيفة: إنّ في تقديم (عشياً) على (حين تُظهرون) مراعاة للفواصل وتغيير الأسلوب، ولما أنّه لايجيء منه الفعل بمعنى الدخول في العشي كالمساء والصباح والظهيرة (3) . والله أعلم بمراده. وبهذه اللطيفة أختم الكلام حول هذا الموضع من مواضع حمد الله ذاته ولله الحمد المنة.

_ (1) انظر: الآيات بسورةالروم من الآية (19) إلى الآية (27) . (2) انظر: تفسير التحرير والتنوير ج 21 ص 67؛ تفسير المراغي ج 21 ص 36. (3) انظر: تفسير أبي السعود ج70 ص 55.

الفصل الثامن: حمد الله ذاته الكريمة في فاتحة سورة سبأ

الفصل الثامن: حمد الله ذاته الكريمة في فاتحة سورة سبأ المبحث الأول: في بيان الموضع الأول وغايته وصلته ... الفصل الثامن: حمد الله ذاته الكريمة في فاتحة سورة سبأ قال الله تعالى {الحمد لله الذي له ما في السموات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير} (1) . هذه الآية الكريمة اشتملت على موضعين لحمد الله ذاته الشريفة، موضع في افتتاحها وموضع آخر في شطرها الثاني، وسأبيّن كلّ موضع منهما في بحث مستقل به على ما يلي: المبحث الأول: في بيان الموضع الأول وغايته وصلته هذه السورة الكريمة هي إحدى خمس سور في القرآن الكريم افتتحت بحمد الله ذاته، وجميعها سور مكية، وهي: الفاتحة ـ الأنعام ـ الكهف ـ وسبأ ـ وفاطر. ومن حسن وضع ترتيبها في المصحف أنّها جاءت في بداية كلِّ ربع من القرآن، فكانت أرباع القرآن كلّها مفتتحة بالحمد. وفي هذا إشارة لطيفة يدركها المتأمّل في كتاب الله عزّوجلّ، وقد ذكر الفخر الرازي وجهاً في ذلك حيث قال: ((والحكمة فيها أنّ نعم الله مع كثرتها وعدم قدرتنا على إحصائها منحصرة في قسمين: نعمة الإيجاد ونعمة الإبقاء، فإنّ الله تعالى خلقنا أولاً برحمته وخلق لنا ما نقوم به، وهذه النعمة توجد مرة أخرى بالإعادة فإنه يخلقنا مرة أخرى ويخلق لنا ما يدوم، فلنا حالتان الابتداء والإعادة، وفي كلّ حالة له تعالى علينا نعمتان: نعمة الإيجاد ونعمة الإبقاء فقال في النصف الأول (الربع الثاني) : {الحمد لله الذي خلق السموات الأرض وجعل الظلمات والنور} الآية (2)

_ (1) سورة سبأ: الآية رقم (1) . (2) سورة الأنعام: الآية (1) .

إشارة إلى الشكر على نعمة الإيجاد ويدلّ عليه قوله تعالى فيه {هو الذي خلقكم من طين..} الآية (1) . إشارة إلى الإيجاد الأوّل، وقال في السورة الثانية (الربع الثالث) {الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب} الآية (2) ، إشارة إلى الشكر على نعمة الإبقاء، فإنّ الشرائع بها البقاء، ولولا شرع ينقاد له الخلق لاتّبع كلّ واحد هواه ولوقعت المنازعات في المشتبهات وأدى إلى التقاتل والتفاني، ثمّ قال في هذه السورة {الحمد لله الذي له ما في السموات وما في الأرض} ، إشارة إلى نعمة الإيجاد الثاني، ويدل عليه قوله تعالى (وله الحمد في الآخرة) ، وقال في فاطر {الحمد لله فاطر السموات والأرض} (3) الآية إشارة إلى نعمة الإبقاء ويدل عليه قوله تعالى {جاعل الملائكة رسلاً..} والملائكة بأجمعهم لايكونون رسلاً إلا يوم القيامة يرسلهم الله مسلِّمين كما قال تعالى {وتتلقّاهم الملائكة..} (4) الآية. وقال تعالى عنهم {سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين} (5) وفاتحة الكتاب (الربع الأول) لمّا اشتملت على ذكر النعمتين بقوله تعالى {الحمد لله رب العالمين} (6) إشارة إلى النعمة العاجلة، وقوله {مالك يوم الدين} (7) إشارة إلى النعمة الآجلة قرئت في الافتتاح وفي الاختتام)) (8) هذا وبالنظر إلى موضوعات هذه السورة الكريمة فإنّ افتتاحها بالحمد

_ (1) سورة الأنعام: الآية (2) . (2) سورة الكهف: الآية (1) . (3) سورة فاطر: الآية (1) . (4) سورة الأنبياء: الآية (103) . (5) سورة الزمر: الآية (73) . (6) سورة الفاتحة: الآية (2) . (7) سورة الفاتحة: الآية (4) . (8) التفسير الكبير للفخر الرازي: ج25 ص 238 – 239.

للتنبيه على أنّها تتضمّن من دلائل تفرّده بالإلهية واتصافه بصفات العظمة والكمال مما يقتضي إنشاء الحمد له والإخبار باختصاصه به (1) . مطلب: يصف الله تعالى ذاته الكريمة بعد حمده لها بقوله {الذي له ما في السموات وما في الأرض} ، وهذا الوصف يقتضي أنّ كل ما في السموات والأرض ملك له سبحانه، وهو يفيد بذلك بيان علّة استحقاقه للحمد؛ لأن ملكه للسموات والأرض وما فيهما ملك حقيقي؛ إذ هو سبب إيجاد تلك المملوكات، وذلك الإيجاد عمل جميل يستحق صاحبه الثناء والحمد، وأيضاً يتضمّن هذا الإيجاد نعماً جمة ظاهرة وباطنة وهي تقتضي كذلك الحمد له تعالى، فكان وصفه عزّوجلّ بالملك بياناً لعلّة الحمد. (2) والله أعلم. ثمّ إنّ في هذه الصلة ـ أيضاً ـ تعريضاً بكفران الكافرين المشركين الذين حمدوا أشياء في هذا الكون ـ والتي من جملتها الإنسان ـ وهي تحت ملكوته سبحانه وحكمه، وليس لها من الملك شيء، وهي ليس لها ـ في حدّ ذاتها ـ استحقاق الوجود فضلاً عمّا عداه من صفاتها، بل كلّ ذلك نعم فائضة عليها من جهته تعالى، وما كان هذا شأنه فهو بمعزل عن استحقاق الحمد، وبهذا يظهر لهم اختصاص جميع أفراده به تعالى. (3)

_ (1) انظر: التحرير والتنوير لابن عاشور ج22 ص 135. (2) انظر: تفسير ابن كثير ج3 ص 533؛ تفسير القرطبي ج16ص259؛ تفسير أبي السعود ج7 ص120، تفسير الخازن ج5 ص 281؛ تفسير السعدي ج6 ص256؛ التحرير والتنوير ج22 ص 135. (3) انظر: تفسير الطبري ج22ص 42؛ تفسير أبي السعودج7 ص 120؛ التحرير والتنوير ج22ص136.

لطيفة: إنّ في وصفه تعالى بأنّ له ما في السموات وما في الأرض إيذاناً بأنّ كونه مالكاً لكلّ الأشياء يوجب كونه محموداً على كلّ لسان؛ لأنّ الكلّ إذا كان له فكلّ من ينتفع بشيء من ذلك كان منتفعاً بنعمه تعالى. (1)

_ (1) رغائب الفرقان للنيسابوري: ج 22 ص 40.

المبحث الثاني: في بيان الموضع الثاني للحمد وغايته

المبحث الثاني: في بيان الموضع الثاني للحمد وغايته قال الله تعالى: {وله الحمد في الآخرة} لما علم من وصفه تعالى بقوله {الذي له ما في السموات وما في الأرض} أنّ له الحمد في الدنيا أتبعه ببيان أنّ له الحمد في الآخرة كذلك لِما انّه هو المالك لها أيضاً فقال عزّ وجلّ: {وله الحمد في الآخرة} ـ هذا مع كونه سبحانه هو المنعم فيهما جميعاً ـ وذلك تنبيهاً إلى اختصاصه بالحمد في الدارين، فهو المعبود أبداً والمحمود على طول المدى، ولا يشركه في ذلك أحد من دونه، وإضافة إلى هذه الحكمة فإنه يظهر في الآخرة من حمده سبحانه والثناء عليه ما لايكون في الدنيا، فإذا قضى الله بين الخلائق كلّهم ورأى الناس والخلق كلّهم كمال عدله وقسطه حمدوه على ذلك، وكذلك ما يظهر من حمده في دار النعيم والثواب. وقد أشرت إلى هذا فيما قبل. كما أنّ الإتيان ببيان أنّ له الحمد في الآخرة فيه إشارة إلى أنه يتكشّف لمن كان يحمد غيره في الدنيا ويلتبس عليه ذلك حقيقة ما جهلوه وأنكروه فيتمحّض له الحمد والثناء فلا يحمد في الآخرة أحد إلا هو سبحانه، فالناس يومئذ في عالم الحق ولا تلتبس عليهم الصور (1) .

_ (1) انظر: تفسير الطبري ج22 ص 42؛ تفسير ابن كثير ج3 ص 533؛ تفسير أبي السعود ج7 ص 120؛ حاشية الجمل على الجلالين ج3 ص 459؛ فتح القدير للشوكاني ج4 ص 302؛ تفسير السعدي ج6 ص 256-257؛ التحرير والتنوير ج22 ص 136.

المبحث الثالث: في وجه ختم الآية بصفتي (الحكيم الخبير)

المبحث الثالث: في وجه ختم الآية بصفتي (الحكيم الخبير) في وجه ختم هذه الآية الكريمة بهاتين الصفتين لله تبارك وتعالى أمران: (أحدهما) الإيذان بأنّه سبحانه كما يستحقّ الحمد لأنه منعم في الدنيا والآخرة يستحقّه كذلك لأنّه جلّ شأنه منعوت بالكمال الاختياري (1) . (ثانيهما) التتميم لمعنى كونه تعالى منعماً بأنّه عظيم الحكمة خبير بمواضع الاستحقاق والاستيجاب عالم بدقائق الأشياء وأسرارها، فهو بذلك الحقيق بالحمد دون غيره وبالعبادة دون سواه. ويكون المقصود من هذا التتميم بهاتين الصفتين من بعد استحماق وتقبيح الذين أقبلوا في شؤونهم على آلهة سوى الله، وهو سبحانه المتمكّن بتصرّفه بحكمته وخبرته (2) . وببيان هذه الحكمة في مجيء خاتمة الآية بهاتين الصفتين لله تعالى يتمّ الحديث حول هذا الموضع من مواضع الحمد. ولله الحمد والمنة.

_ (1) انظر: تفسير الآلوسي ج22 ص 104. (2) انظر: تفسير الآلوسي ج22 ص 104؛ التحرير والتنوير ج22 ص 136 – 137.

الفصل التاسع: حمد الله ذاته الكريمة في فاتحة سورة فاطر

الفصل التاسع: حمد الله ذاته الكريمة في فاتحة سورة فاطر المبحث الأول: في بيان حمد الله ذاته في افتتاح السورة وغايته. ... الفصل التاسع: حمد الله ذاته الكريمة في فاتحة سورة فاطر قال الله تعالى {الحمد لله فاطر السموات والأرض جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إنّ الله على كل شيء قدير} (1) . المبحث الأول: في بيان حمد الله ذاته في افتتاح السورة وغايته. مطلب: في مناسبة افتتاح السورة بالحمد بالسورة قبلها. في مناسبة افتتاح هذه السورة بحمد الله ذاته الشريفة لخاتمة السورة قبلها (سورة سبأ) قال بعض أهل العلم أنّه لما ذُكِر في آخر سورة سبأ هلاك المشركين وإنزالهم منازل العذاب في الآخرة بقوله تعالى {وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل إنهم كانوا في شك مريب} (2) ناسب أن يحمد الله تعالى ذاته بعدها على إهلاك المشركين الظالمين وإنزال العذاب بهم، كما مرّ في سورة الأنعام عند قوله تعالى {فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين} (3) وهو نظير اتصال أول الأنعام بفصل القضاء والمختتم به المائدة (4) . والله أعلم. مطلب: وفي مناسبة افتتاح هذه السورة بحمد الله ذاته الكريمة نظراً إلى ما حوته من موضوعات واشتملت عليه من أغراض فقد قال الصاوي (5) في حاشيته على

_ (1) سورةفاطر: الآية (1) . (2) سورة سبأ: الآية (54) . (3) سورة الأنعام: الآية (45) . (4) انظر: نظم الدرر في تناسب الآيات والسور ج 6 ص 200؛ أسرار ترتيب القرآن للسيوطي ص 137؛ روح المعاني للآلوسي ج22 ص 161. (5) هو أحمد بن محمد الخلوتي، الشهير بالصّاوي (1175-1241هـ) : فقيه مالكي، نسبته إلى صاء الحجر في إقليم الغربية بمصر، من أهم كتبه: حاشية على تفسير الجلالين، وحواش على بعض كتب الشيخ أحمد الدردير في فقه المالكية، وتوفي بالمدينة المنورة (انظر: الأعلام للزركلي ج1 ص 246) .

الجلالين: ((حكمة افتتاحها بالحمد لأنّ فيها تفصيل النعم الدينية والدنيوية التي احتوت عليها الفاتحة)) (1) ، وقد نظر ابن عاشور إلى الهدف الأول التي اشتملت عليه السورة والذي كان أحد وسائله ما فُصِّل فيها من النعم الدينية والدنيوية إذ قال: ((اشتملت هذه السورة على إثبات تفرد الله تعالى بالإلهية فافتتحت بما يدلّ على أنّه مستحقّ للحمد على ما أبدع من الكائنات الدالّ إبداعها على تفرّده تعالى بالإلهية (2) . وأضاف ـ أيضاً ـ قائلاً: ((وافتتاحها بالحمد لله مؤذن بأنَّ صفاتٍ من عظمة الله ستذكر فيها، وإجراء صفات الأفعال على اسم الجلالة من خلقه السموات والأرض وأفضل ما فيها من الملائكة والمرسلين مؤذن بأنّ السورة جاءت لإثبات التوحيد وتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم وإيذان باستحقاق الله الحمد دون غيره)) (3) . مطلب: في وجه اقتران الحمد بعد اسم الجلالة بقوله تعالى {فاطر السموات والأرض..} الآية. أثنى الله تعالىعلى ذاته المقدّسة ومدحها بوصفه بأنّه فاطر (4) السموات

_ (1) حاشية الصّاوي على الجلالين: ج3 ص 309. (2) انظر: التحرير والتنوير ج22 ص 247. (3) انظر: المرجع السابق ج22 ص 248. (4) فاطر: فاعل الفَطْر، وهو الخلق والابتداء والاختراع، وفيه معنى التكون سريعاً؛ لأنه مشتق من الفطر وهو الشقّ، وقيل: الفطر: الشقّ عن الشيء بإظهاره للحسن، يقال: فطر ناب الناقة إذا طلع، وفطر دمه إذا أخرجه. ومنه تفطّر الشيء تشقق، وسيف فُطارأي فيه تشقق. والمراد بفاطر السموات والأرض أي مبدعهما من غير مثال يحتذيه ولا قانون ينتحيه. (انظر: تفسير الماوردي ج3ص 368؛ تفسير القرطبي ج14 ص319؛ تفسير أبي السعود ج7 ص141؛ لسان العرب ج5 ص65-66؛ التحرير والتنوير ج22ص249) .

والأرض جاعل (1) الملائكة رسلاً..إلخ، وهما وصفان يدلاّن على كمال عظمته وعظيم قدرته، وكذلك يدلان على جزيل نعمائه وجليل آلائه على عباده بما خلق في السموات والأرض وما بينهما وبما أرسل ملائكته إلى رسله بوحيه الهادي وبما يكون لهم من أعمال تكون سبباً في إسعاد العباد في الدنيا والآخرة، وهو سبحانه – بهذين الوصفين الدالّين على ذلك – المستحقّ للحمد الكامل والثناء الشامل دون غيره، وهو بحمده لذاته لاستحقاقه يعلّم عباده أن يحمدوه ويأمرهم أن يوحِّدوه دون سواه (2) .

_ (1) جاعل: يطلق بمعنى مكوّن وبمعنى مصيّر. وكلاهما صحيح في معنى جاعل الملائكة أولي أجنحة (انظر: التحرير والتنوير ج22 ص 249) . (2) انظر: أضواء البيان للشنقيطي ج6 ص 633-634؛ تفسير السعدي ج6ص 298؛ حاشية الصاوي علىالجلالين ج3 ص 308-309؛ التحرير والتنوير ج22 ص 248.

المبحث الثاني: في صلة آية الحمد بالآية بعدها

المبحث الثاني: في صلة آية الحمد بالآية بعدها يجيء بعد آية الحمد قوله تعالى {ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم} (1) وهو عطف على قوله تعالى {فاطر السموات والأرض…} الآية وتقديره: وفاتح الرحمة للناس وممسكها عنهم فلا يقدر أحد على إمساك ما فتحه ولا فتح ما أمسكه (2) . والرحمة المذكورة في الآية عامة في كل ما يرحم الله به خلقه من الإنعام الدنيوي والأخروي، وهي من مسوّغات العطف على ما قبلها، إذ إنّه ممّا يستحق به الحمد سبحانه رحمته بخلقه، والرحمة ـ بلا ريب ـ هي أمّ النعم وأصلها. ومن ثمّ جاء الختم مناسباً بقوله تعالى {وهو العزيز الحكيم} ؛ وذلك لما حوته هذه الآية الكريمة من شأن فتحه تعالى لرحمته وإمساكها، فهو العزيز أي الغالب القادر على الإرسال والإمساك؛ وهو الحكيم الذي يرسل ويمسك ما تقتضي الحكمة إرساله وإمساكه (3) . لطيفة: قال الآلوسي: ((وفي اختيار لفظ الفتح رمز إلى أن الرحمة من أنفس الخزائن وأعزّها منالاً، وتنكيرها للإشاعة والإبهام)) (4) . وبهذه اللطيفة المفيدة يتمّ الكلام حول هذا الموضع.. ولله الحمد والمنة.

_ (1) سورة فاطر: الآية (2) . (2) انظر: التحرير والتنوير لابن عاشور ج22 ص 252. (3) انظر: الكشاف للزمخشري ج3 ص 267. (4) روح المعاني للآلوسي: ج22ص 164.

الفصل العاشر: حمد الله ذاته الكريمة في خاتمة سورة الصافات

الفصل العاشر: حمد الله ذاته الكريمة في خاتمة سورة الصافات المبحث الأول: في بيان موضع الحمد ومناسبته لما قبله ... الفصل العاشر: حمد الله ذاته الكريمة في خاتمة سورة الصافات قال الله تعالى: {سبحان ربك رب العزة عما يصفون. وسلام على المرسلين. والحمد لله رب العالمين} (1) المبحث الأول: في بيان موضع الحمد ومناسبته لما قبله إنّ موضع حمد الله ذاته الكريمة ـ ههنا ـ يجيء في آخر ثلاث آيات كريمات شكّلت بمجموعها خاتمة لسورة الصافات بأجمل وأبدع ما يكون من ختام في تناسق نظم ومعنى وبيان. هذا وفي مناسبة حمد الله ذاته ـ في هذا المقام ـ وجهان ذكرهما المفسرون. وجه نُظِر فيه إلى مجمل ماحوته سورة الصافات، ووجه روعي فيه النظر إلى أقرب الآيات مكاناً لآية الحمد، وكلا الوجهين هما في محلّ الاعتبار. أمّا بالنظر إلى أقرب الآيات مكاناً للحمد فوجهه أنّه بعد أن أخبر الله تعالى عن سنته الماضية بنصرة رسله وأوليائه وإهلاكه لأعداء دينه وشريعته بقوله تعالى {ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين.إنهم لهم المنصورون. وإن جندنا لهم الغالبون} الآيات، هذه السنّة التي تترتب عليها نعمٌ جمةٌ ومصالح عظيمة من إظهار أسماء الله الحسنى وشرائعه العليا وإصلاح أمر الدنيا والآخرة (2) .. حينذاك ناسب أن يحمد الله تعالى ذاته عند ذكره لهذه السنّة الإلهية المنبئة عن كمال عدله وإحسانه، وصفاته العليا كلّها؛ وعظيم إنعامه وكرمه وجوده، وقيل أيضاً: إنّه

_ (1) سورة الصافات: الآيات (180 – 182) . (2) انظر: تفسير القرطبي ج16 ص142؛ تفسير أبي السعود ج7 ص212؛ تفسير الجلالين ج3 ص350؛ محاسن التأويل للقاسمي ج14ص140؛ فتح القدير للشوكاني ج4ص401. والآيات بسورة الصافات (171-179) .

لمّا أثنى سبحانه على المرسلين بقوله قبل الحمد {وسلام على المرسلين} حمد ذاته على إرسالهم مبشرين ومنذرين، فإن ما بالمرسلين من فضل وشأن إنّما هو من عند الله وهم في ذات الأمر نعمة ورحمة على عباده (1) . وهو وجه لطيف سائغ أيضاً. وأمّا بالنظر إلى ما حوته هذه السورة الكريمة من ذكر ما قاله المشركون في الله تعالى، ونسبوا إليه مما هو منزّه عنه، وماعاناه المرسلون من جهتهم، وما خوّلوه في العاقبة من النصرة عليهم، ناسب بذلك ختمها بهذه الآيات الثلاث التي يأتي في بدايتها تنزيه الله ذاته عمّا وصفه به المشركون ومن بعد يتوسّطها التسليم على المرسلين وتُختم بحمده تعالى لذاته على ما قيّض لهم من حسن المآل والعواقب (2) . وفي مثل هذا يقول ابن عاشور: ((هذه الآية فذلكة لما احتوت عليه السورة من الأغراض، إذ جمعت تنزيه الله والثناء على الرسل والملائكة وحمد الله على ما سبق ذكره من نعمة على المسلمين من هدى ونصر وفوز بالنعيم المقيم)) (3) . وأقول: إنّ جميع ما ذكر من علّة لمجيء الحمد في هذا المقام صالح للاعتبار والاستدلال وإظهار وجه المناسبة والحكمة، ويحتمل أنّ الكلّ مراد، والله أعلم بمراده.

_ (1) انظر: تفسير الطبري ج23 ص74؛ محاسن التأويل للقاسمي ج14 ص140؛ فتح القدير للشوكاني ج4 ص401. (2) انظر: الكشاف للزمخشري ج3 ص315. (3) التحرير والتنوير: ج23 ص198-199.

المبحث الثاني: في وجه ذكر السلام على المرسلين بين التسبيح والحمد

المبحث الثاني: في وجه ذكر السلام على المرسلين بين التسبيح والحمد مع ما ذُكر من قبل في شأن ذكر السلام على المرسلين بالنظر إلى ما حوته سورة الصافات؛ فلعلّ إيراده بين التسبيح والحمد ـ أيضاً ـ من وجهة أخرى هو تمهيد لختم السورة الكريمة بالحمد، مع ما فيه من الإشعار بأنّ توفيقه تعالى للتسليم عليهم من جملة نعمه الموجبة للحمد (1) . ويدلّ على هذا الأمر اقتران الحمد بالسلام في غير موضع من القرآن كقوله سبحانه وتعالى {قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى..} (2) ، ويشبهه كذلك قوله عزوجل: {دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين} (3) . وللآلوسي إضافة حسنة في هذا الشأن يجدر ذكرها إذ يقول: ((وقد يقال: تقديم التنزيه لأهميته ذاتاً ومقاماً، ولمّا كان التنزيه عمّا يصف المشركون وقد ذكر عزّوجلّ إرشاد الرسل إياهم وتحذيرهم لهم من أن يصفوه سبحانه بما لا يليق به تعالى وضمّن ذلك الإشارة إلى سوء حالهم وفظاعة منقلبهم أردف جلّ وعلا ذلك بالإشارة إلى حسن حال المرسلين الداعين إلى تنزيهه تعالى عما يصفه به المشركون، وفيه من الاهتمام بأمر التنزيه ما فيه، وأتى عزوجل بالحمد للإشارة إلى أنّه سبحانه متصف بالصفات الثبوتية كما أنّه سبحانه متصف بالصفات السلبية، وهذا وإن استدعى إيقاع الحمد بعد التسبيح بلا فصل؛ إلاّ أنّ الفصل بينهما هنا بالسلام على المرسلين مما اقتضاه مقام ذكرهم فيما مرّ..)) (4)

_ (1) انظر: تفسير أبي السعود ج7 ص212. (2) سورة النمل: الآية (59) . (3) سورة يونس: الآية (10) ، وانظر: أضواء البيان للشنقيطي ج6 ص698. (4) روح المعاني للآلوسي: ج23 ص158.

لطيفتان: الأولى: إنّ في قوله تعالى {وسلام على المرسلين} تشريفاً للرسل كلّهم بعد تنزيهه تعالى؛ وتنويهاً بشأنهم؛ وإيذاناً بأنّهم سالمون من كل المكاره فائزون بكل المآرب (1) . الثانية: إنّ في الانتقال من الآيات السابقة في السورة إلى التسبيح والتسليم والتحميد إيذاناً بانتهاء السورة على طريقة براعة الختم مع كونها من جوامع الكلم (2) . وبهاتين اللطيفتين ينتهي الحديث عن موضع من مواضع حمد الله ذاته في كتابه الكريم ولله الحمد والمنة.

_ (1) انظر: المرجع السابق ج23 ص 158. (2) انظر: المرجع السابق ج23 ص158؛ التحرير والتنوير لابن عاشور ج23 ص199.

الفصل الحادي عشر: حمد الله ذاته الكريمة عند ضرب المثل بآية سورة الزمر

الفصل الحادي عشر: حمد الله ذاته الكريمة عند ضرب المثل بآية سورة الزمر المبحث الأول: في صلة آية الحمد بما قبلها وبيان المثل فيها ... الفصل الحادي عشر: حمد الله ذاته الكريمة عند ضرب المثل بآية سورة الزمر قال الله تعالى {ضرب الله مثلاً رجلاً فيه شركاء متشاكسون ورجلاً سلماً لرجل هل يستويان مثلاً الحمد لله بل أكثرهم لايعلمون} (1) . المبحث الأول: في صلة آية الحمد بما قبلها وبيان المثل فيها مطلب: في صلة الآية بما قبلها. يذكر الله ـ تبارك وتعالى ـ قبل آية الحمد أهمية ضرب الأمثال في القرآن الكريم وحكمته؛ وذلك تمهيداً لما ذُكر فيها من المثل؛ وليجذب الانتباه للتدبّر والتأمّل وأخذ العبرة؛ إذ قال سبحانه {ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كلّ مثل لعلهم يتذكرون. قرآناً عربياً غير ذي عوج لعلهم يتقون} (2) .فالغاية والحكمة من ضرب الأمثال ـ كما أخبر سبحانه ـ هي التذكّر والاتعاظ بها وتحصيل التقوى (3) . وبهذه الغاية وتلكم الحكمة ينبغي أن تَرِد العقول والأفهام موارد الأمثال القرآنية لتحقق ما أراده الحقّ عزَّوجلَّ في ذلك. مطلب: في بيان المثل القرآني في الآية. وبعد بيانه ـ تعالى ـ لحكمة وأهمية ضرب الأمثال في كتابه الكريم يضرب سبحانه مثلاً للكافر المشرك به والمؤمن الموحّد له؛ ليدلّ على قبح الشرك وشناعته؛ وحسن الإيمان بالله وفضيلته. وقدّم مثل المشرك إظهاراً لحقيقة الشرك وسوء حال أهله، وليقارنه بما

_ (1) سورة الزمر: الآية (29) . (2) سورة الزمر: الآيتان (27-28) . (3) انظر: تفسير أبي السعود ج7 ص 253؛ تفسير السعدي ج6 ص468.

بعده من مثل المؤمن، فينجلي من بعد الحقّ وتثبت البيّنة والحجّة. أما مثل المشرك بالله فهو ما جاء في قوله تعالى {ضرب الله مثلاً رجلاً (1) فيه شركاء متشاكسون} (2) والمراد: مثل المشرك بالله كمثل الرجل المملوك الذي يشترك في ملكيته سادة مختلفون متضادون عسرون لايتفقون على شيء؛ وذلك لشكاسة أخلاقهم وسوء طباعهم، فيتجاذبونه ويتعاورونه في مهمّاتهم المتباينة ورغباتهم المختلفة بقدر نصيب كلّ واحد منهم وملكه فيه؛ فيبقى ـ والحال هذا ـ ضائعاً حائراً متردداً أيّهم يعتمد أمره ويتبع، إن أرضى أحدهم غضب الآخر؛ فهمّه مُشاع وقلبه أوزاع، فأنّىله الراحة والاستقرار والاطمئنان، كذلك حال المشرك بالله في تقسّم عقله وتوزّع قلبه بين آلهة متعددة فهو في شك وحيرة وتخبّط وضلال لايستقيم له حال ولا يطمئن له بال (3) . وأمّا مثل المؤمن بالله فهو ما أخبر عنه تعالى بقوله {ورجلاً سلماً لرجل} (4) أي

_ (1) (مثلا) مفعول ثان لضرب، و (رجلاً) مفعوله الأول، أُخِّر عن الثاني للتشويق إليه وليتصل به ما هو من تتمة التي هي العمدة في التمثيل. أو (مثلاً) مفعول ضرب، و (رجلاً) بدل منه. (انظر: تفسير الآلوسي ج23 ص262) . (2) قال ابن منظور في لسان العرب: ((الشُّكُس والشَّكِسُ والشَّرِسُ جميعاً: السيء الخُلُق)) . (لسان العرب: ج6 ص112) ويمثله قال الرازي في مختار الصحاح: رجل شَكْس بوزن فَلْس أي صعب الخُلُق (ص344) . (3) انظر: تفسير الطبري ج23 ص136-137؛ تفسير ابن كثير ج4 ص52؛ تفسير القرطبي ج16 ص253؛ تفسير أبي السعود ج7 ص253؛ تفسير الآلوسي ج23ص262؛ تفسير السعدي ج6 ص468؛ التحرير والتنوير ج23ص401-402. (4) قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب: (سالماً لرجل) بصيغة اسم الفاعل، أي خالصاً من الشركة، وقرأ الجمهور (سلماً) وهو اسم مصدر: سَلِم له إذا خلص، فهو على حذف مضاف أي ذا سلامة وذا خلوص من الشركة، والوصف به للمبالغة. (انظر: النشر في القراءات العشر لابن الجزري ج2 ص362؛ الغاية في القراءات العشر لأحمد بن الحسين ابن مهران النيسابوري، تحقيق محمد غياث الجنباز ص 252؛ رغائب الفرقان للنيسابوري ج23ص12؛ التحرير والتنوير ج23ص401) .

كمثل الرجل المملوك الذي ليس له إلا سيّد واحد فيكون خالصاً له؛ ولا سبيل لغيره عليه البتة، يعرف ما يرضيه فيؤمّل رضاه ويتجنب سخطه وغضبه، فهمّه واحد وقلبه مجتمع، فيكون بهذا مستقرّ الحال ومطمئنّ البال، وكذلك حال المؤمن بالله تعالى الذي اتخذ الله رباً واحداً فتوجّه إليه بالعبادة دون سواه خالصاً له من كلّ شريك فاستقامت حاله واطمأنّت نفسه وسعد بربّه وهنأ برضاه وقربه (1) . وتتمّة لبيان هذا المثل القرآني أتى سبحانه بما يدلّ علىالتفاوت بين الرجلين المملوكين فقال تعالى {هل يستويان مثلاً} ؟ ويجوز أن يكون هذا الاستفهام تقريرياً أو إنكارياً، والإتيان فيه بـ (هل) لتحقيق التقرير أو الإنكار (2) . وفيه يقول أبو السعود (3) : ((إنكار واستبعاد لاستوائهما ونفيٌ له على أبلغ وجه وآكده، وإيذان بأنّ ذلك من الجلاء والظهور بحيث لايقدر أحد

_ (1) انظر: تفسير الطبري ج23 ص137؛ تفسير الماوردي ج3 ص468، تفسير القرطبي ج16 ص253؛ تفسير ابن كثير ج4 ص52؛ تفسير أبي السعود ج7ص253؛ تفسير السعدي ج6 ص469؛ التحرير والتنوير ج23 ص402. (2) انظر: التحرير والتنوير لابن عاشور ج23 ص 402. (3) هو محمد بن محمد بن مصطفى العمادي (898-982?) : مفسر شاعر، من علماء الترك المستعربين، ولد بقرب القسطنطينية، ودرس ودرّس في بلاد متعددة، وتقلّد القضاء في بروسة فالقسطنطينية فالروم إيلي، وأضيف إليه الإفتاء عام 952هـ. من أشهر كتبه: إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم في التفسير (انظر: شذرات الذهب في أخبار من ذهب لابن العماد الحنبلي ج8 ص398؛ الأعلام للزركلي ج7ص59) .

3 أن يتفوّه باستوائهما أو يتلعثم في الحكم بتباينهما ضرورة أنّ أحدهما في أعلى عليين والآخر في أسفل سافلين، وهو السرّ في إبهام الفاضل والمفضول)) (1) . وانتصاب (مثلاً) على التمييز، والاقتصار فيه على الواحد لبيان الجنس، والمراد: هل يستوي حالاهما وصفتاهما (2) . وبهذا الاستفهام يتمّ المثل المضروب، وبه تقوم الحجّة ويثبت البرهان على المشركين بفساد معتقدهم وقبح حالهم وصنيعهم.

_ (1) تفسير أبي السعود: ج7 ص253. (2) المرجع السابق: ج7 ص253.

المبحث الثاني: في بيان موضع الحمد وغايته

المبحث الثاني: في بيان موضع الحمد وغايته وبعد بيان هذا المثل يحمد الله ذاته الكريمة بقوله {الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون} وعلى القول بأنّ الاستفهام الذي سبق الحمد تقريري؛ فتكون جملة الحمد استئنافاً في محلّ الجواب له، وموقعها كموقع النتيجة من الدليل، فيقدّر أنّ المخاطبين قد أقرّوا بعدم استواء حال الرجلين؛ لأنّ مثل هذا الاستفهام لا ينتظر السائل جواباً عنه، فيصحّ أن يتولى الجواب عنه قبل أن يجيبه المسؤول، ولمّا وافق ما قُدِّر من جوابهم بغيته تعالى حمد سبحانه ذاته على نهوض حجته وإثبات برهانه. وأمَا على أنّ الاستفهام للإنكار فتكون جملة الحمد معترضة بين الإنكار وبين الإضراب الانتقالي، وذلك إثباتاً منه تعالى بأن الحمد له ولا يستحقه أحدٌ سواه بعد بطلان قول المشركين بإثبات الشركاء والأنداد؛ وثبوت أن لا إله إلا هو الواحد الأحد الحقّ (1) . وعلى ما سبق ذكره يتبيّن أنّ غاية حمد الله ذاته وحكمته في هذا المقام لأمرين: (أحدهما) لظهور الحجة وقيام البيّنة على المشركين بهذا المثل وإلزامهم بالحقّ الذي لامحيد عنه ولا مناص؛ فلم يبق لهم بعده عذر ولا ينهض لهم عقبه برهان. (ثانيهما) لإثبات أنّ الله هو المستحقّ له دون سواه بعد بطلان إلهية كلّ الشركاء والأنداد. مطلب: ثم إنّ الإضراب المتصل بالحمد بقوله تعالى {بل أكثرهم لا يعلمون} يحتمل عدة وجوه ذكرها المفسرون على ما يلي:

_ (1) انظر: تفسير الطبري ج23 ص138؛ تفسير الكشاف للزمخشري ج3 ص346؛ تفسير الماوردي ج3 ص468؛ تفسير ابن كثير ج4 ص52؛ التفسير الكبير للفخر الرازي ج26 ص278؛ تفسير البحر المحيط ج7 ص425؛ تفسير أبي السعود ج7 ص253؛ تفسير السعدي ج6 ص469؛ التحرير والتنوير لابن عاشور ج23 ص403.

(أحدها) أنّ أكثر الناس وهم المشركون لا يعلمون ذلك المثل بما ظهر فيه من الحقّ واليقين مع كمال ظهوره فيبقون في شركهم وضلالهم (1) . (ثانيها) أنهم لايعلمون أنه الله سبحانه هو الإله الحقّ المعبود الذي يجب أن يحمد دون سواه؛ فيشركون به غيره تبعاً لذلك (2) . و (ثالثها) أنهم لايعلمون ما يصيرون إليه من العذاب من جرّاء شركهم ولو أيقنوا حقاً لآمنوا ولما بقوا على شركهم ولكنّهم كذّبوا الله ورسوله صلىالله عليه وسلم (3) . أقول: وجميع هذه الوجوه سائغة ومحتملة، وتصدق كلها على حال أولئك المشركين. والله أعلم بمراده. لطيفة: إنّ في حمد الله ذاته الكريمة ـ في هذا المقام ـ تنبيهاً للمؤمنين به على أنّ ما لهم من مزيّة الإيمان هو من توفيقه وفضله تعالى؛ وأنّها نعمة جليلة وكرامة عظيمة موجبة عليهم أن يداوموا على حمده وإخلاص العبادة له، أو على أن بيانه تعالى بضرب المثل أنّ لهم المثل الأعلى وللمشركين مثل السوء صنع جميل ولطف تام منه عزّوجلّ مستوجب لحمده وإخلاص العبادة له أيضاً (4) . وبهذه اللطيفة يكمل الحديث عن هذا الموضع القرآني من مواضع حمد الله ذاته؛ ولله الحمد والمنة.

_ (1) انظر: تفسير الماوردي ج3 ص468؛ تفسير ابن كثير ج4 ص52؛ التفسير الكبير للفخر الرازي ج26 ص278؛ تفسير أبي السعود ج7 ص253. (2) انظر: الكشاف للزمخشري ج3 ص346؛ البحر المحيط لأبي حيان ج7 ص425؛ التفسير الكبير للفخر الرازي ج26ص278. (3) انظر: تفسير السعدي: ج6 ص469. (4) انظر: تفسير أبي السعود ج7 ص253؛ فتح القدير للشوكاني ج4 ص445.

الفصل الثاني عشر: حمد الله ذاته الكريمة في آية سورة غافر

الفصل الثاني عشر: حمد الله ذاته الكريمة في آية سورة غافر المبحث الأول: في صلة آية الحمد بما قبلها ... الفصل الثاني عشر: حمد الله ذاته الكريمة في آية سورة غافر قال الله تعالى {هو الحيّ لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين} (1) المبحث الأول: في صلة آية الحمد بما قبلها تجيء هذه الآية التي يحمد الله ذاته الشريفة في خاتمتها بعد آيات يذكر الله تعالى فيها عدداً من نعمه على عباده التي جعلها دلائل لإثبات ألوهيته ووحدانيته؛ وتوجيه الخلق إلى عبادته وحده والإخلاص له دون سواه. ولقد ابتدأت هذه الجولة من الآيات في ذكر دلائله في الكون والأنفس والآفاق من قوله تعالى {الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصراً إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لايشكرون} (2) ،ثم يأتي بعدها قوله سبحانه {الله الذي جعل لكم الأرض قراراً والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله ربّ العالمين} (3) ، ومن بعدها تجيء آية الحمد وتفتتح بوصفه تعالى (الحيّ) الدالّ والمستلزم لأوصاف الكمال والجلال من العلم والقدرة وغيرها مما يثبت استحقاقه التام لإلهيته ووحدانيته مع ما سبق ذكره من إنعامه وأفضاله. وكان هذا الوصف الجليل (الحيّ) كالمقدّمة والدليل لقوله بعده (لا إله إلا هو) ؛ وذلك لأنّ كل من سواه لا حياة له كاملة فهو معرّض للزوال والفناء، وبالتالي فكيف يكون إلهاً مدبراً للعالم؟! وبعد اتضاح الدلالة على انفراده عزّوجلّ بالإلهية فرّع عليه الأمر بعبادته وحده بلا شريك فقال سبحانه {فادعوه مخلصين له الدين} (4) .

_ (1) سورة غافر: الآية (65) . (2) سورة غافر: الآية (61) . (3) سورة غافر: الآية (64) . (4) انظر: التفسير الكبيرللفخر الرازي ج27 ص84؛ نظم الدرر في تناسب الآيات والسور ج 6 ص533؛ فتح القدير للشوكاني ج4 ص480؛ تفسير المراغي ج24 ص90؛ تفسير السعدي ج6 ص454؛ التحرير والتنوير لابن عاشور ج24 ص192-193.

المبحث الثاني: في بيان موضع الحمد وغايته

المبحث الثاني: في بيان موضع الحمد وغايته ولما ذكر الله تعالى ما ذكر من نعمه وآلائه على عباده مما جعلها دلائل لإثبات ألوهيته، ووصف بعدها ذاته المقدسة بما يدلّ على إحاطته بأوصاف الكمال والجلال ناسب أن يحمد ذاته الكريمة العليّة إثر ذلك إظهاراً وإثباتاً منه لاستحقاقه الحمد دون سائر ما يعبده المشركون ويتخذونهم أولياء من دونه فقال عزّ من قائل: {الحمد لله رب العالمين} ، وبلا شك أنّ في حمده لذاته في هذا المقام أمراً لعباده أن يحمدوه بما أنّه أهل للحمد والثناء على نعمائه وكمال أوصافه (1) . ولصاحب نظم الدرر (البقاعي) (2) نظرة سائغة لطيفة في مجيء الحمد في ختام هذه الآية وهي في محلّ الاعتبار، حيث نظر إلى ما حوته الآية من الأمر بالتوجّه إلى الله وعبادته وتوحيده فقال: ((ولمّا أمر بقصر الهمم عليه علّله بقوله {الحمد لله رب العالمين} )) (3) فهو قد جعل بكلامه ـ هذا ـ الحمد علّة لِما في الآية

_ (1) انظر: تفسير البغوي ج4 ص104؛ التفسير الكبير للفخر الرازي ج27 ص84؛ محاسن التأويل للقاسمي ج14 ص247؛ تفسير السعدي ج6 ص545-546. (2) هو إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط بن علي بن أبي بكر البقاعي، أبو الحسن برهان الدين (809-885?) : مؤرخ أديب مفسر، أصله من البقاع في سورية، سكن دمشق ورحل إلى بيت المقدس والقاهرة، وتوفي بدمشق، له مؤلفات عدة في التاريخ والأدب والتفسير. (انظر: الضوء اللامع لأهل القرن التاسع للسخاوي ج1 ص101-111؛ شذرات الذهب ج7 ص339؛ البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع ج1 ص19؛ الأعلام للزركلي ج1 ص56) . (3) نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي: ج6 ص533.

من الأمر بعبادة الله وتوحيده، أي بما أنّ الله هو المستحقّ للحمد بأوصافه الكاملة ونعمه الجزيلة فهو الذي ينبغي أن يوحّد ويعبد دون سواه. لطيفتان: الأولى: في قوله تعالى {الحمد لله رب العالمين} بعد قوله {لا إله إلا هو} قال ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى: ((وكان جماعة من أهل العلم يأمرون من قال: لا إله إلا الله؛ أن يُتبع ذلك الحمد لله ربّ العالمين تأوّلاً منهم هذه الآية بأنّها أمر من الله بقيل ذلك)) (1) . الثانية: إنّ في إظهار اسم الجلالة في موضع الإضمار بقوله {الحمد لله رب العالمين} إشارة إلى أنّ له سبحانه من الصفات العلى ما لاينحصر، فالمسمّى بهذا الاسم جامع لجميع معاني الأسماء الحسنى لذاته (2) . وبهاتين اللطيفتين يتم الكلام حول هذا الموضع ولله الحمد والمنة.

_ (1) تفسير الطبري: ج24 ص 53. (2) انظر: نظم الدرر للبقاعي ج6 ص533.

الفصل الثالث عشر: حمد الله ذاته الكريمة في خاتمة سورة الجاثية

الفصل الثالث عشر: حمد الله ذاته الكريمة في خاتمة سورة الجاثية المبحث الأول: في بيان موضع الحمد وصلته بما قبله ... الفصل الثالث عشر: حمد الله ذاته الكريمة في خاتمة سورة الجاثية قال الله تعالى {فلله الحمد ربّ السموات والأرض ربّ العالمين. وله الكبرياء في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم} (1) المبحث الأول: في بيان موضع الحمد وصلته بما قبله يجيء حمد الله ذاته الكريمة في هذا الموضع بخاتمة السورة مقترناً بالفاء تفريعاً على ما احتوت عليه السورة من ذكر آلاء الله وأفضاله وألطافه فيما خلق وأرشد وسخّر وأقام من نظم العدالة؛ وعلى ما انطوت عليه ـ أيضاً ـ من الدلائل الآفاقية والأنفسية والبراهين الساطعة والنصوص اللامعة في المبدأ والمعاد، وعلى ما أتى فيها من الوعيد للمعرضين والاحتجاج عليهم.. ولمّا كان ذلك كلّه من الحق ـ سبحانه وتعالى ـ بما يدلّ على اتصافه بصفات الكمال والعظمة والجلال؛ كان من الحقيق والمناسب في هذا المقام أن يحمد الله ذاته عنده وكان جديراً بقصره على ذاته دون سواه (2) . لطيفة: إنّ في تقديم (لله) بقوله تعالى {فلله الحمد} إفادة للاختصاص والتأكيد، فالحمد الحقّ الكامل مختصّ به تعالى مؤكّد له دون غيره (3) .

_ (1) سورة الجاثية: الآيتان (36-37) . (2) انظر: تفسير الطبري ج25 ص96؛ التفسير الكبير للفخر الرازي ج27 ص275؛ تفسير الآلوسي ج26 ص2-3؛ تفسير السعدي ج7 ص35؛ التحرير والتنوير ج25 ص37؛ التفسير الواضح لمحمد محمود حجازي ج2 ص399. (3) انظر: تفسير الآلوسي ج26 ص3؛ التحرير والتنوير لابن عاشور ج25 ص 377.

مطلب: يصف الله تبارك وتعالى ذاته المقدسة بعد حمده لها بـ {ربِّ السموات ورب الأرض رب العالمين} ليشير بذلك إلى علّة قصر الحمد عليه سبحانه، فربوبيته ـ عزّوجلّ ـ للسموات والأرض وما فيهما من العالمين سبب لاستحقاقه الحمد وقصره عليه دون سواه؛ إذ الكلّ مربوب لله تعالى وهو المنعم عليهم بفضله وكرمه وإحسانه (1) . وفيه كذلك تعريض بالمشركين الذين اتخذوا مع الله شركاء؛ وهو ربّ كل شيء، فعليهم أن يقلعوا عن شركهم ويوحِّدوه ويخلصوا له العبادة. وللآلوسي إضافة حسنة على ما سبق ذكره بهذا الوصف إذ يقول إنّ فيه ـ أيضاً ـ إشارة إلى أنّ كفرهم لا يؤثّر شيئاً في ربوبيته تعالى ولا يسدّ طريق إحسانه ورحمته عزّوجلّ؛ وإنما هم قد ظلموا أنفسهم بذلك الكفر. (2) . لطيفتان: الأولى: إنّ تكرير الربّ في قوله تعالى (وربِّ الأرض) للتأكيد والإيذان بأنّ ربوبيته تعالى لكلّ منهما بطريق الأصالة، مع ما فيه ـ أيضاً ـ من التنويه بشأن الربوبية (3) . الثانية: إنّ في اتباع (ربّ السموات ورب الأرض) بـ (رب العالمين) تأكيداً لكون سكان السموات والأرض محقوقين بأن يحمدوه سبحانه، لأنّه خالق العوالم التي هم منتفعون بها وخالق ذواتهم فيها كذلك (4) .

_ (1) انظر: التفسير الكبير للفخر الرازي ج27 ص275؛ تفسير الآلوسي ج26 ص3؛ تفسير السعدي ج7 ص35؛ التحرير والتنوير ج25 ص377. (2) انظر: تفسير الآلوسي ج26 ص3. (3) انظر: تفسير أبي السعود ج8 ص76؛ التحرير والتنوير ج25 ص377. (4) انظر: التحرير والتنوير ج25 ص 378.

المبحث الثاني: في صلة آية الحمد بما بعدها

المبحث الثاني: في صلة آية الحمد بما بعدها مطلب: بعد أن حمد الله ذاته في الآية السابقة وأتبع بوصفها بربوبيته للسموات والأرض والعالمين أثبت لها ثلاث صفات جاءت في الآية التي تليها بقوله {وله الكبرياء في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم} (1) . (فأولها) : صفة (الكبرياء) وهي مشتقة من الكِبْر، وجاءت على وزن (فِعْلِيَاء) وهو بناء مبالغة (2) . وقال الراغب (3) في مفرداته: ((الكبرياء الترفّع عن الانقياد وذلك لايستحقه غير الله تعالى)) (4) . ومن لوازم هذه الصفة لله تعالى العظمة والجلال والسلطان والعلوّ، وبها فسِّرت هذه الصفة عند أكثر المفسرين (5) . وقد دلّ من الآية على اختصاص الكبرياء به تعالى وحصره في ذاته الشريفة تقديم المجرور في قوله (وله الكبرياء) ، ومما دلّ عليه ـ أيضاً ـ ما روي في الصحيح عن أبي سعيد الخدري (6) وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلىالله عليه

_ (1) سورة الجاثية: الآية (37) . (2) انظر: لسان العرب لابن منظور ج5 ص125-126؛ تفسير الثعالبي ج4 ص148. (3) هو الحسين بن محمد بن المفضل، أبو القاسم الأصفهاني أو الاًصبهاني المعروف بالراغب: أديب من الحكماء العلماء، من أهل (أصبهان) سكن بغداد واشتهر حتى كان يقرن بالإمام الغزالي، توفي عام 502?، من أشهر مؤلفاته: المفردات في غريب القرآن، محاضرات الأدباء، الذريعة إلى مكارم الشريعة. (انظر: بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة للسيوطي ص 396؛ كشف الظنون لحاجي خليفة ج1 ص 36؛ الأعلام للزركلي ج2 ص255) . (4) المفردات للراغب الأصفهاني ص 422. (5) انظر: تفسير الطبري ج25 ص97؛ محاسن التأويل للقاسمي ج14 ص398؛ فتح القدير للشوكاني ج5 ص12؛ تفسير السعدي ج7 ص35. (6) هو سعد بن مالك بن سنان الخدري الأنصاري الخزرجي، أبو سعيد (10ق?–74?) : صحابي جليل، كان من ملازمي النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه أحاديث كثيرة غزا اثنتي عشرة غزوة، وتوفي بالمدينة المنورة. (انظر: أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير الجزري ج2 ص213 ص142؛ الأعلام للزركلي ج3 ص87) .

وسلم: ((العزّ إزاره والكبرياء رداؤه فمن ينازعني عذبته)) (1) ،كيف وهي صفة منبئة عن كمال الذات وكمال الوجود (2) ، ولا يكون هذا إلا لله تعالى وحده. وإنّما خصّ ذكر الكبرياء في السموات والأرض لظهور آثارها وأحكامها فيهما (3) . هذا ووجه الحكمة في إثبات هذه الصفة لله تعالى في هذا المقام لأمرين: (أحدهما) الدلالة على أنّه تعالى هو المستحقّ للحمد دون سواه من كلّ ما يُشْرَك به ويُعبد من دونه؛ وذلك لأنّ له الكبرياء وحده لا لغيره. (وثانيهما) ليدلّ سبحانه على أنّ استدعاء خلقه لحمده إنّما هو لنفعهم وتزكية نفوسهم وإلاّ فإنّه غني عنهم، وأنّهم إن حمدوه وجب أن يعرفوا أنّه

_ (1) رواه الإمام مسلم في صحيحه: كتاب البر – باب تحريم الكبر، حديث 133؛ ج5 ص 480 (صحيح مسلم بشرح النووي – طبعة الشعب) وقال النووي: الضمير في (إزاره ورداؤه) يعود إلى الله تعالى للعلم به، وفيه محذوف تقديره. قال الله تعالى (فمن ينازعني ذلك عذبته) وعند أبي داود في سننه عن أبي هريرة قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((قال الله عزوجل: الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحداً منهما قذفته في النار)) . كتاب اللباس: باب ما جاء في الكبر، حديث 3932، ج6 ص53-54. (مختصر سنن أبي داود للمنذري) ، وبمثله عند ابن ماجة ولفظه: ((ألقيته في جهنم)) كتاب الزهد – باب البراءة من الكبر والتواضع، حديث 4147، ج2 ص1397. (2) انظر: التحرير والتنوير لابن عاشور ج25 ص378؛ لسان العرب لابن منظور ج5 ص125-126. (3) انظر: تفسير أبي السعود ج8 ص76؛ فتح القدير للشوكاني ج5 ص12.

أعلى وأكبر من أن يكون له الحمد الذي ذكروه لائقاً بإنعامه؛ بل هو أكبر من حمدهم وأياديه أعلى وأجلّ من شكرهم (1) . لطيفة: للشيخ عبد الرحمن السعدي كلام لطيف ومعتبر في اقتران الكبرياء بالحمد في هذا الموضع الكريم إذ يقول: ((فالحمد فيه الثناء على الله بصفات الكمال ومحبته وإكرامه؛ والكبرياء فيها عظمته وجلاله. والعبادة مبنية على ركنين: محبة الله والذلّ له. وهما ناشئان عن العلم بمحامد الله وجلاله وكبريائه)) (2) . مطلب: وثاني الصفات وثالثها في هذه الآية الكريمة للحقّ سبحانه قوله {وهو العزيز الحكيم} وبها تختم الآية والسورة، ومجيء هاتين الصفتين ـ في هذا المقام الجليل وختامه ـ لتأكيد استحقاقه تعالى للحمد والثناء مع ما قبلها من الربوبية والكبرياء؛ وذلك أنّ العزّة لله تشمل معاني القدرة والاختيار، والحكمة تجمع معاني تمام العلم وعمومه، وهذا يفيد أنّه ـ تعالى ـ لكمال قدرته واختياره يقدر على خلق أيّ شيء أراده؛ ولكمال حكمته بعلمه يخصّ كلّ نوع من مخلوقاته بآثار الحكمة والرحمة والفضل والإنعام، فلا إله إلا هو ولا محسن ولا منعم ومتفضّل إلاّ هو سبحانه (3) . لطيفتان: الأولى: إنّ في هاتين الآيتين إرشاداً إلى أوامر جليلة فكأنّه قيل: له الحمد سبحانه

_ (1) انظر: التفسير الكبير للفخر الرازي ج27 ص275؛ التحرير والتنوير ج25 ص378. (2) تفسير السعدي: 7 ص 35. (3) انظر: التفسير الكبير للفخر الرازي ج27 ص275؛ تفسير الآلوسي ج26 ص3؛ تفسير السعدي ج7 ص35؛ التحرير والتنوير ج25 ص378.

فاحمدوه وحده واعبدوه ولاتشركوا به شيئاً؛ وله الكبرياء فكبِّروه وعظّموه، وهو العزيز الحكيم فأطيعوه في كلّ أمر ولاتعصوه (1) . الثانية: وبهذه الخاتمة الرائعة من قوله تعالى: {فلله الحمد رب السموات..} الآيتان؛ آذن الكلام بانتهاء السورة الكريمة، فهو من براعة ختم السور القرآنية (2) . وبهاتين اللطيفتين يتمّ الكلام حول هذا الموضع من مواضع حمد الله ذاته في كتابه ولله الحمد والمنة.

_ (1) انظر: تفسير أبي السعود ج8 ص76؛ تفسير الآلوسي ج26 ص3؛ التفسير الواضح لمحمد محمود حجازي ج2 ص399. (2) انظر: التحرير والتنوير ج25 ص378؛ التفسير الواضح ج2 ص399.

الفصل الرابع عشر: حمد الله ذاته الكريمة في فاتحة سورة التغابن

الفصل الرابع عشر: حمد الله ذاته الكريمة في فاتحة سورة التغابن المبحث الأول: في وجه الحكمة بافتتاح السورة بهذه الآية ... الفصل الرابع عشر: حمد الله ذاته الكريمة في فاتحة سورة التغابن قال الله تعالى {يُسَبِّحُ لله ما في السموات وما في الأرض له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير} (1) المبحث الأول: في وجه الحكمة بافتتاح السورة بهذه الآية لَمّا كان أكثر ما احتوت عليه سورة التغابن هو إبطال إشراك المشركين بالله تعالى؛ وزجرهم عنه وعمّا يتفرّع منه من إنكارهم للبعث وتكذيبهم للرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن الذي أنزل عليه، والتي تعدّ أصولاً لضلالهم بدأت السورة بالإعلان عن ضلالهم وكفرانهم بالمنعم عليهم سبحانه، وذلك ببيان أنّ ما في السموات وما في الأرض يسبِّح الله تعالى عمّا لا يليق بجلاله وكماله من الشرك به ومن كلّ شائبة نقص. أي وأنتم أيها المشركون بخلاف ذلك، ففيه معنى التعريض بالمشركين الذين لم ينزِّهوه ولم يوقِّروه فنسبوا إليه الشركاء والأنداد تعالى الله عمّا يقولون علواً كبيراً، مع ما يفيده ذلك ـ أيضاً ابتداءً ـ من تقرير تنزيه الله تعالى وقوّة سلطانه ليزداد الذين آمنوا إيماناً وليكون لهم تعليماً وامتناناً (2) . ويؤيِّد هذا المعنى الذي من أجله افتتحت هذه السورة بهذه الآية ما جاء بعدها مباشرة من قوله تعالى {هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير} (3) ؛ إذ هي تقرير لما أفادته وإبانة للمقصود على وجه التصريح بأنّ الذين

_ (1) سورة التغابن: الآية (1) . (2) انظر: التحرير والتنوير لابن عاشور ج28 ص260. (3) سورة التغابن: الآية (2) .

أشركوا بالله قد كفروا بنعمته وبخلقهم زيادة على جحدهم دلائل تنزهه تعالى عن النقص الذي اعتقدوه له، ولذلك قدّم (فمنكم كافر) على (ومنكم مؤمن) لأن الشِّقّ الأوّل هو المقصود بهذا الكلام تعريضاً وتصريحاً (1) . لطيفة: إنّ مجيء فعل التسبيح في قوله تعالى {يسبح لله ما في السموات وما في الأرض} بصيغة المضارع للدلالة على تجدّده ودوامه، وقد سبق نظيره في فاتحة سورة الجمعة بقوله تعالى {يسبح لله ما في السموات وما في الأرض الملك القدوس العزيز الحكيم} ، (2) وإنّما جيء به في فواتح سور المسبِّحات الأخرى (الحديد – الحشر – الصف) بصيغة الماضي للدلالة على أن التسبيح قد استقرّ في قديم الأزمان، فحصل من هذا التنوّع بين الماضي والمضارع كلا المعنيين المرادين (3) والله أعلم بمراده.

_ (1) انظر: التحرير والتنوير لابن عاشور 28 ص262. (2) سورة الجمعة: الآية (1) . (3) انظر: التحريروالتنوير ج28 ص 260. وقال أبو يحيى زكريا الأنصاري في كتابه فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن: ((عبّر هنا (أي في سورة الحديد) وفي الحشر والصف بالماضي، وفي الجمعة والتغابن بالمضارع، وفي الأعلىبالأمر، وفي الإسراء بالمصدر استيعاباً للجهات المشهورة لهذه الكلمة، وبدأ بالمصدر في الإسراء لأنه الأصل، ثم بالماضي لسبق زمنه، ثم بالمضارع لشموله الحال والمستقبل، ثم بالأمر لخصوصه بالحال مع تأخره في النطق به في قولهم: فعل-يفعل-افعل)) (فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن ص 551) .

المبحث الثاني: في بيان موضع حمدالله ذاته الكريمة في الآية وغايته

المبحث الثاني: في بيان موضع حمدالله ذاته الكريمة في الآية وغايته بعد إيراد الله ـ عزّوجلّ ـ لتسبيح ما في السموات ومافي الأرض له سبحانه؛ أتبعه بقوله {له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير} وهو استئناف واقع موقع التعليل لمضمون التسبيح قبله (1) ، فإنّ تنزيه جميع الموجودات له تعالى عن الشركاء والنقائص لِمَا أنّه سبحانه هو المالك لكلّ شيء في الوجود والمتصرّف فيه بحكمته وإرادته بما يشاء تصرّف المالك المنفرد في ملكه، ولما أنه كذلك الموصوف بالإحاطة بجميع صفات الكمال والمنعم على خلقه بنعمه التي لا تعدّ ولا تحصى؛ ولِما أنّه أيضاً القدير على كلّ شيء فلا يعجزه أمر أراده. وبهذا كانت هذه الجملة الاستئنافية المعطوفة أجزاؤها على بعض قد شكّلت بمجملها تعليلاً لتنزيه ما في السموات وما في الأرض لله تعالى، فسبحان من له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. لطيفة: في وجه اقتران الحمد والملك المنبيء عن الحكم لله تعالى في هذا المقام كلام لطيف للشيخ عطية محمد سالم رحمه الله تعالى (2) في أضواء البيان إذ يقول:

_ (1) انظر: تفسير ابن كثير ج4 ص374؛ نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي ج3 ص80؛ التحرير والتنوير ج28 ص 261؛ التفسير الواضح لمحمد محمود حجازي ج2 ص508. (2) هو الشيخ عطية محمد سالم، ولد بقرية ريفية في مديرية الشرقية بمصر عام 1346?، بدأ دراسته الدينية بعد مجيئه إلى المدينة المنورة عام 1364? في المسجد النبوي الشريف، ومن أشهر مشايخه الشيخ محمد الأمين الشنقيطي والشيخ عبد الرحمن الإفريقي والشيخ محمد التركي والشيخ حماد الأنصاري، ودرّس بالمسجد النبوي الشريف لمدة طويلة، وله مؤلفات كثيرة مشهورة، توفي عام 1420? بالمدينة المنورة.

((والتذييل هنا بصفات الكمال لله تعالى بقوله {له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير} للإشعار بأنّ الملك لله وحده لا شريك له نافذ فيه أمره ماض فيه حكمه بيده أزمّة أمره كما في قوله تعالى {تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير} (1) وكقوله تعالى {إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون} (2) ، ومن قدرته على كل شيء وتصريفه لأمور ملكه كيف يشاء أن جعل العالم كله يسبح له بحمده تنفيذاً لحكمه فيه كما في قوله تعالى {له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون} (3) فجمع الحمد والحكم معاً لجلالة قدرته وكمال صفاته)) (4) . وبهذه اللطيفة أختم الكلام حول آخر مواضع حمد الله ذاته الكريمة في آيات كتابه الحكيمة ولله الحمد والمنة.

_ (1) سورة تبارك: الآية (1) . (2) سورةيس: الآية (82) . (3) سورة القصص: الآية (70) . (4) أضواء البيان تكملة الشيخ عطية سالم: ج8 ص 331.

الخاتمة

الخاتمة وبعد هذا التطواف في رحاب الآيات القرآنية التي حمد الله تعالى فيها ذاته المقدّسة ـ بأبلغ وجه وآكده في خمسة عشر موضعاً من أعظم المواضع وأشرفها مكاناً وبياناً ـ يدرك المتأمّل أهمية هذه الدراسة بما حوته من إظهار حِكَمه تعالى لحمده ذاته؛ إذ جاء في فاتحة كتابه وأربع سور غيرها وكانت جميعها في بدايات أرباع القرآن الكريم، كما ختم به سبحانه بعض السور وتخلّل بين الآيات في سور أخرى. هذا وتنوَّعت حِكَم مجيء الحمد في مواضعه بين إثبات ربوبيّته وألوهيته تعالى، وإظهار أسمائه الحسنى وصفاته العليا، وعند ذكر أعظم نعمه سبحانه الدينية والدنيوية والأخروية، وعند ظهور الحقّ وإرشاد الخلق بإثبات الحجّة وقيام البيّنة، كما كان من حكَمه في ذكر ما أقامه عزّ وجلّ من نظم العدالة وتسخيره هذا الكون بما فيه من النعم، وإظهار الدلائل في الآفاق والأنفس.. وإني أقترح بعد هذه الدراسة أن تتبع بدراسة المواضع القرآنية الأخرى التي جاءت في شأن حمد الله تعالى من قِبَل ملائكته ورسله والمؤمنين، لِما فيه من إظهار جوانب مهمّة ومتمّمة. فلله الحمد كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وسبحانه لا نحصي ثناءً عليه. وختاماً أسأل الله تعالى أن يتقبّل عملي هذا وأن يجعله حجّة لي في ميزان حسناتي يوم ألقاه. إنه وليّ ذلك والقادر عليه. وصلّى الله وسلّم وبارك على نبيّنا وسيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

مصادر ومراجع

مصادر ومراجع ... فهرس المراجع 1- الإتقان في علوم القرآن: السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن. 2ج. بيروت – لبنان: المكتبة الثقافية. 2- إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم: أبو السعود: محمد بن محمد العمادي.9ج. بيروت – لبنان: دار إحياء التراث العربي. 3- أسد الغابة في معرفة الصحابة: ابن الأثير الجزري، أبو الحسن علي بن محمد. 5ج، دار الفكر. 4- أسرار ترتيب القرآن: السيوطي، جلال الدين، تحقيق: عبد القادر أحمد عطا. الطبعة الثانية 1398?، القاهرة: دار الاعتصام. 5- الإصابة في تمييز الصحابة: ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي بن محمد ابن علي، بيروت: دار الكتاب العربي، 4ج. 6- أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن: الشنقيطي، محمد الأمين بن محمد المختار الجكني. 10ج. 1393?/1983م. 7- الأعلام: الزركلي، خير الدين. الطبعة السادسة. 8ج. بيروت: دار العلم للملايين، 1984م. 8- الأمثال في القرآن الكريم: ابن قيم الجوزية. تحقيق: سعيد محمد نمر الخطيب، الطبعة الثانية 1403? – 1983م. بيروت: دار المعرفة. 9- البداية والنهاية: أبو الفداء، إسماعيل بن كثير الدمشقي، الطبعة الأولى. 7ج. بيروت: دار الكتب العلمية. تحقيق: أحمد أبو ملحم – علي نجيب – فؤاد السيد – مهدي ناصر الدين. 10- البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع: الشوكاني، محمد بن علي. 2ج. طبع بمصر 1348?.

1- بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة: السيوطي، جلال الدين، طبع بمصر 1326?. 2- تبصير الرحمن وتيسير المنّان: المهايمي، علي بن أحمد بن إبراهيم، الطبعة الثانية. 2ج. بيروت: عالم الكتب، 1403? /1983م. 3- تذكرة الحفاظ: الذهبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان. 4ج. طبع في حيدرآباد 1333 –1334?. 4- ترتيب القاموس المحيط: الزاوي، الطاهر أحمد. الطبعة الثالثة – 4ج. بيروت: دار الفكر. 5- تفسير ابن عباس ومروياته في التفسير من كتب السنة: الحميدي، عبد العزيز ابن عبد الله. 2 ج. الرياض: طبع بشركة العبيكان للطباعة والنشر – مكة المكرمة: مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى. 6- تفسير البحر المحيط: أبو حيان، محمد بن يوسف الأندلسي الغرناطي، الطبعة الثانية. 8ج. بيروت: دار الفكر، 1403? – 1983م. 7- تفسير التحرير والتنوير: ابن عاشور، محمد الطاهر. 30ج. تونس: الدار التونسية للنشر، الجزائر: المؤسسة الوطنية للكتاب 1984م. 8- تفسير الجلالين: على حاشية الصاوي. 9- تفسير القرآن العظيم: أبو الفداء، إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي. 4ج. بيروت: دار المعرفة، 1405?. 10- تفسير المراغي، أحمد مصطفى. 20ج. بيروت: دار إحياء التراث العربي. 11- تفسير المنار: رضا، محمد رشيد. الطبعة الثانية. 12ج. بيروت: دار المعرفة. 12- تفسير النسفي، عبد الله بن أحمد بن محمود. الطبعة الأولى. 2ج. بيروت: دارالكتاب العربي، 1402? – 1982م. تهذيب الصحاح: الزنجاني، محمود بن أحمد. تحقيق: عبد السلام هارون – أحمد

1- عبد الغفور عطار. مصر: دار المعارف. 3ج. 2- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنّان: السعدي، عبد الرحمن بن ناصر. تحقيق: محمد زهري النجار. 7ج. الرياض: الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، 1404?. 3- جامع البيان في تفسير القرآن: الطبري، محمد بن جرير. 30 ج. بيروت: دار المعرفة، 1403?/1983م. 4- الجامع لأحكام القرآن: القرطبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري. الطبعة الثانية. 20ج. بيروت: دار الكتاب العربي. 5- الجواهر الحسان في تفسير القرآن: الثعالبي، عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف. 4ج. بيروت: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات. 6- حاشية الجمل على تفسير الجلالين (الفتوحات الإلهية) : العجيلي الشافعي، سلمان بن عمر، الشهير بالجمل. 4ج. بيروت – لبنان: دار إحياء التراث الغربي. 7- حاشية الصاوي على تفسير الجلالين: الصاوي، أحمد بن محمد.4ج. بيروت: دار إحياء التراث العربي. 8- الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة: ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي. 4ج. طبع في حيدر آباد 1945 – 1950م. 9- روح المعاني في تفسير القرآن الكريم والسبع المثاني: الآلوسي، أبو الفضل، شهاب الدين السيد محمود. 30ج. بيروت: دار إحياء التراث العربي. 10- زاد المسير في علم التفسير: ابن الجوزي، أبو الفرج جمال الدين عبد الرحمن بن علي بن محمد. الطبعة الثالثة. 9ج.دمشق – بيروت: المكتب الإسلامي، 1404?. سنن أبي داود: أبو داود، سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي. إعداد

1- وتعليق: عزت عبيد الدعاس – عادل السيد. الطبعة الأولى. 5ج. سوريا – لبنان: دارالحديث، 1388?. 2- سنن ابن ماجه: ابن ماجه، أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني. تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي. 2ج. بيروت: دار الفكر. 3- سير أعلام النبلاء: الذهبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان. الطبعة الأولى. بيروت: مؤسسة الرسالة. 4- شذرات الذهب في أخبار من ذهب: ابن العماد الحنبلي. بيروت: دار إحياء التراث العربي. 5- صحيح مسلم بشرح النووي: القشيري، مسلم بن الحجاج – النووي، يحيى ابن شرف، تحقيق وإشراف: عبد الله أحمد أبو زينة. 5ج. القاهرة. كتاب الشعب. 6- صفة الصفوة: ابن الجوزي، جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي ابن محمد. تحقيق: محمود فاخوري – محمد رواس قلعه جي. الطبعة الثالثة. 4ج. بيروت – لبنان. دار المعرفة 1405?. 7- الضوء اللامع لأهل القرن التاسع: السخاوي. 12ج. طبع في مصر 1353 –1355?. 8- طبقات الشافعية الكبرى: تاج الدين السبكي. 6ج. طبع بمصر 1324?. 9- الغاية في القراءات العشر: النيسابوري، الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين بن مهران. تحقيق: محمد غياث الجنباز. الطبعة الأولى، 1405? – 1985م. الرياض: شركة العبيكان. 10- غرائب القرآن ورغائب الفرقان: النيسابوري، نظام الدين بن محمد بن حسين القمي. تحقيق: إبراهيم عطوة عوض. الطبعة الأولى. 30ج. مصر: شركة ومكتبة مصطفى البابي الحلبي وأولاده.

1- فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن: الأنصاري، أبو يحيى زكريا. تحقيق: محمد علي الصابوني. الطبعة الأولى. بيروت: دار القرآن الكريم، 1403? – 1983م. 2- فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية في علم التفسير: الشوكاني، محمد ابن علي. تحقيق: عبد الرحمن عميرة – الطبعة الأولى. 6ج، مصر: دار الوفاء، 1415?. 3- الكامل: ابن الأثير. 12ج. طبع بمصر 1303?. 4- كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون: حاجي خليفة. 2ج. طبع في إسطنبول 1360?. 5- الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل: الزمخشري، أبو القاسم جار الله محمد بن عمر.4ج. بيروت: دار المعرفة. 6- الكليات: الكفوي، أبو البقاء أيوب بن موسى الحسيني. تحقيق: عدنان درويش. محمد المصري. الطبعة الثانية، 1413?. بيروت: مؤسسة الرسالة. 7- لباب التأويل في معاني التنزيل: الخازن، علاء الدين علي بن محمد بن إبراهيم البغدادي: 7ج. بيروت: دار الفكر، 1399?. 8- لسان العرب: ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم. 15ج. بيروت: دار الفكر – دار صادر. 9- لسان الميزان: ابن حجر العسقلاني. الطبعة الثانية، 1390?. 7ج. بيروت، مؤسسة الأعلمي. 10- محاسن التأويل: القاسمي، محمد جمال الدين، علق عليه: محمد فؤاد عبد الباقي. الطبعة الثانية 170ج. بيروت: دارالفكر، 1398?. 11- مختار الصحاح: الرازي، محمد أبو بكر بن عبد القادر. بيروت – دمشق: مؤسسة علوم القرآن،1398?

1- مختصر سنن أبي داود: الحافظ المنذري، عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله بن سلامة بن سعد. تحقيق: أحمد محمد شاكر – محمد حامد الفقي. 8 ج. بيروت – لبنان: دارالمعرفة، 1400? –1980م. 2- مدارج السالكين: ابن قيم الجوزية. تحقيق: محمد حامد الفقي. 3ج. بيروت – لبنان: دار الكتاب العربي. الطبعة الثانية، 1393? –1973م. 3- معالم التنزيل: البغوي، أبو محمد الحسين بن مسعود الفراء. تحقيق: خالد عبد الرحمن العك – مروان سوار. 4ج. بيروت: دار المعرفة. الطبعة الثانية، 1413? – 1992م. 4- المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم: وضعه محمد فؤاد عبد الباقي. بيروت: دار المعرفة. الطبعة الرابعة 1414? – 1994م. 5- مفاتيح الغيب (التفسير الكبير) :الفخر الرازي، أبو عبد الله محمد بن عمر بن حسين. الطبعة الثالثة. 30ج. بيروت: دار إحياء التراث العربي. 6- مفتاح السعادة ومصباح السيادة: طاش كبرى زاده. 2ج. الطبعة الأولى. حيدرآباد: مطبعة دار المعارف النظامية، 1329?. 7- المفردات في غريب القرآن: الراغب الأصفهاني، أبو القاسم الحسين بن محمد. تحقيق: محمد سيد كيلاني. بيروت: دار المعرفة. 8- النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة: جمال الدين يوسف بن تغري بردي. القاهرة: دار الكتب المصرية. 9- النشر في القراءات العشر: ابن الجزري، محمد بن محمد الدمشقي. أشرف على تصحيحه ومراجعته: علي محمد الضَبَّاع. 2ج. بيروت – لبنان: دار الكتب العلمية. نظم الدرر في تناسب الآيات والسور: البقاعي، برهان الدين أبو الحسن إبراهيم بن عمر. الطبعة الأولى. 8ج. بيروت ـ لبنان: دار الكتب

1- العلمية، 1415?. 2- نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب: المقري، 4ج. طبع بمصر 1302?. 3- النكت والعيون: الماوردي، أبو الحسن علي بن حبيب. تحقيق: خضر محمد خضر. راجعه: عبد الستار أبوغدة. الطبعة الأولى، الكويت: طباعة مقهوى. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. التراث الإسلامي، 1403?. 4- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان: ابن خلكان. 2ج. طبع بمصر 1310?.

§1/1