حلية المحاضرة

ابن المظفر الحاتمي

الجزء الأول في صناعة الشعر وأنواعه بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم قال أبو علي، محمد بن الحسن بن المظفر الحاتمي رحمه الله تعالى، ورضي عنه، بمنه وكرمه وفضله في صناعة الشعر وأنواعه المقدمة 1- أما بعد حمد الله عز وجل، والصلاة على رسوله وآله، فإن أشرف الكلام ما سهل سبيله، وقرب مأخذه، وبعد مرامه، واعتدلت أقسامه، ورقت حواشيه، وأرهفت هواديه وتواليه، وفتق المشكل، وطبق المفصل، واستعبد الأسماع، وأصاب الغرض، وانتظم المقصد، وانتهزت فيه الفرصة، وأخذ بأقطار البلاغة، واكتفى بالوحي والإشارة، واسترجعت به القلوب النافرة بعد النفار، وثنيت إليه أعنة الأسماع والأبصار، وكنت بأوائله مكتفياً، وبأواخره مستغنياً، فإذا كان اللفظ فصيحاً، والمعنى صريحاً، واللسان بالبيان مطرداً، والصواب مجيداً، والآلة مسعدة، والبديهة مسعفة، والألفاظ متناسجة، غير مفتقرة إلى تأويل، والمعاني والحجج عند الحاجة ماثلة، والأسماع قابلة، والقلوب نحو الكلام منعطفة، والأفهام للمخاطب على قدر فهمه واقعاً، والذهن مجتمعاً، والبصيرة قادحة، والقائل موجزاً في موضع الإيجاز، مطيلاً إذا حسنت الإطالة، وافقا عند الكفاية، وكان اللبس مأموناً، وشمائل القول حلوة، والقدرة على التصرف عاضدة والطبع الذي هو دعامة المنطق متدفقاً، والفصول ملتحمة، والفضول مجذوذة، والفصول مقسومة، وموارد الكلام عذبة، ومصادره رحبة، خارجة عن الشركة، سليمة من تكلف الصنعة، فتلك هي البلاغة، وهناك انتظام شمل الإبانة، وقد قال بعضهم: "إن زهيراً وضع فضول الكلام" بقوله طويل: وما كان من خير أتوه فإنما ... توارثه أباء أبائهم قبل وهل ينبت الخطي إلى وشيجه ... وتغرس إلا في منابتها النخل" 2- قال أبو علي: وقد تصفحت صحف البلاغة، واستقريت أساليب البيان والفصاحة، فوجدت العرب أرباب الكلام، وملاك رق المعاني والألفاظ، إيجازاً في حال الحاجة إلى الإيجاز، وإطالة وتوسعاً عند الحاجة إلى الإطالة والإسهاب واتساعاً لما انفردت به لغتهم دون اللغات من أصناف البديع، كالتجنيس، والتطبيق، والاستعارة، والإشارة، وكالوحي، والتشبيه، والاستثناء، والمظافرة، والتبليغ، والترديد، والتصدير، والتسهيم، والتقسيم، والتتميم، والتسميط، والتبيين، والترصيع، والتلميح، والتلويح، والتوشيح، والموازنة، والمقابلة، والاستطراد والمماثلة، والتكافؤ، والمبالغة والالتفات، والمساواة، والإيهام، وأبدع حشو، والإغراق، وأحسن ابتداء، وألطف بيت، والقوافي المتمكنة، وأحكم بيت على ثلاثة أمثال، وأحكم بيت على مثلين، وأبدع أمثال الإعجاز، وشوارد الأمثال، وغير ذلك من أفانين البديع، التي كشفت مطلوبها، وأشرت إلى محاسن الصنعة فيها، في كتابي الموسوم "بالحالي والعاطل- في صنعة الشعر" وهو مما يستشف هناك جواهره، فتشف أساريرها، وترعى تلاعه، فترق أزاهيرها. وأشير في كتابي هذا إلى بعض إشارة يقضيها هذا التصنيف بحول الله وقوته. 3- ووجدت البلاغة منقسمة قسمين: منظوماً، ومنثوراً، وأولى هذين القسمين بالمزية -والقدم للمتقدم- المنظوم، فإنه أبدع مطالع، وأنصع مقاطع، وأطول عناناً، وأفصح لساناً، وأنور أنجماً، وأنفذ أسهماً، وأشرد مثلاً، وأسير لفظاً ومعنى، ألا ترى إلى قول المسيب بن علس كامل: فلأهدين مع الرياح قصيدة ... مني مغلغلة إلى القعقاع ترد المياه فلا تزال غريبة ... في القوم بين تمثل وسماع وقول الأعشى طويل: وإن عتاق العيس سوف يزوركم ... ثناء على أعجازهن معلق به تنقض الأحلاس في كل منزل ... وتعقد أطراف الحبال وتطلق يقول: إذا رحلوا وحطوا تمثلوا بهذه القصيدة. 4- قال أبو علي: والمنظوم أرشق في الأسماع، وأعلق بالطباع، وأبقى مياسم، وأذكى مناسم، وأخلد عمراً، وأجمع لأفانين البديع التي قدمت ذكرها شملاً، ألا ترى إلى قول الخنساء متقارب: وقافية مثل حد السنا ... ن تبقى، ويذهب من قالها نطقت ابن عمرو فسهلتها ... ولم ينطق الناس أمثالها وكما قال بشار طويل: ومثلك قد سيرته بقصيدة ... فسار، ولم يبرح عراص المنازل

رميت بها وغرباً فأصبحت به ... الأرض ملأى من مقيم وراحل وقال ابن حازم وافر: فأبعثهن أربعة وخمساً ... بألفاظ مثقفة عذاب وكن إذا وسمت بهن قوماً ... كأطواق الحمائم في الرقاب وهن وإن أقمت مسافرات ... تهادها الرواة مع الركاب 5- قال أبو علي: والمنظوم أهز لعطف الكريم، وأجمع لشتات محاسنه، كما أنه أفل لغرب اللئيم، وأبدى بصفحة مطاعته، وكذلك قال تأبط شراً طويل: وإني لمهد من ثنائي فقاصد ... به لابن عم الصدق شمس بن مالك أهز به في ندوة الحي عطفه ... كما هز عطفي بالهجان الأوراك هذا إذا كان لفظه حر الطينة، ومعناه سليماً من اللبس والشركة، وكان كما قال موسى بن جابر الحنفي طويل: من الواضحات الغر يخرج وحده ... ويلوي عليه رأسه كل شاعر وكما قال جرير طويل: وعاو عوى من غير شيء رميته ... بقافية أنفاذها تقطر الدما خروج بأفواه الرواة كأنها ... قرى هندواني إذا هز صماً وكما قال عبد العزيز بن حاتم بن النعمان الأصم-وهو الذي كان يهاجي الفرزدق بسيط: ألق قذى الشعر عنه حين أقرضه ... فما بشعري من عيب ولا ذام كأنما اصطفى شعري وأغرفه ... من لج بحر غزير زاخر طام منه غرائب أمثال مشهرة ... ملمومة زانها وصفي وإحكامي 6- قال أبو علي: فإذا كان غير معتدل النظم، ولا متناسب القسمة، ولا مقبول العبارة، وكانت معانيه بعيدة، وألفاظه شريدة، كما قال الشاعر طويل: وبعض قريض القوم أولاد علة ... يكد لسان الناطق المتحفظ فسيلم المنثور-وإن عطل من حلي البيان، وتعرى من حلل الإحسان أعذب شرباً، وأكرم عرفاً، ألا ترى إلى قول عروة بن أذينة كامل: فاسق العدو بكأسه واعلم له ... بالغيب إن كان قبل سقاكها واجز الكرامة من ترى أن لونه ... يوماً بذلت كرامة لجزاكها فهذا من التركيب الوحشي المضطرب، والنسخ المختلف، وقوله في البيت "واعلم له بالغيب" مستهجن، مشترك الصنعة، متباين البنية، و"له" رديئة الموقع، بشعة المستمع، والبيت الثاني، تقديره أن يقول: فاجر الكرامة من ترى أن لو بذلت يوماً كرامة، لجزاكها، وانظر إلى قول الآخر خفيف: لم يضرها والحمد لله شيء ... وانثنت نحو عرف نفس ذهول فتأمل هذا المصراع الأخير من هذا البيت، فإنك تجد بعض ألفاظه تتبرأ من بعض، فالسبب الذي: ثقل معه هذا البيت على اللسان، تقارب حروف الحلق في قوله: "وانثنت نحو عرف نفس ذهول" لأنهم لا يكادون يجمعونها إلا بحواجز لتنافرها، وقد اتفق ذلك لجماعة من حذاق الشعراء، وصناع الكلام، فانظر إلى تفاوت ما بين هذا النظم، وبين قول أبي حية النميري الطويل: رمتني وستر الله بيني وبينها ... عشية أرام الناس رميم رميم التي قالت لجارات بيتها ... ضمنت لكم أن لا يزال يهيم فلو كنت أسطيع الرماء رميتها ... ولكن عهدي بالنضال قديم 7- قال أبو علي: وهذا كلام، ليس فيه فضل عن معناه، والمنثور مطلق من عقال القوافي، فإذا صفا جوهره، وطاب عنصره، ولطفت استعارته ورشقت عبارته، كاد يساوي المنظوم، لولا ما انفرد به المنظوم من فضيلة الوزن والقافية، وغيرهما مما عينت وأعين عليه، فمن بديع الاستعارة في المنثور، قول بعض الأعراب: "خرجت في ليلة حندس قد ألفت على الأرض أكارها فمحت صور الأبدان، فما كدنا نتعارف إلا بالأذان فهذا بارع من الاستعارة في وصف ظلمة الليل، إلا أنك إذا ماثلته بالمنظوم في معناه، وجدت التفاوت بين الإحسان والإساءة، والزيادة والنقيصة، فيما سأقرأ، ظاهراً. 8- قال أبو علي: أنشدنا محمد بن عبد الواحد عن أحمد بن يحيى عن أبي نصر عن الأصمعي لأبي محكان العدوي طويل: وليل يقول الناس عن ظلماته ... سواء صحيحات العيون وعورها كأن لنا منه بيوتاً حصينة ... مسوح أعاليها وساج كسورها الساج: الطيلسان، والكسور: جمع كسر، وهو جانب البيت. وقول الحماني العلوي ألطف في معناه، وأليق في مسراه حيث يقول بسيط: كأنما الطرف يرمي في جوانبه ... عن العمى وكأن النجم قنديل

على أنه ربما اتفق -في النادر الذي لا يقع يمثله حكم -للبليغ في صناعة النثر، معنى انتظمه الشعر، فتكون لمنثوره لوطة بالقلب، وتعلق بالنفس، ليس لمنظومه، كما قال بعض المتقدمين في وصف جارية: "كاد الغزال يكونها، لولا الشذى، ونشوز قرنه" فنثر هذا، بعض البلغاء فقال: "كاد الغزالي يكونها، لولا ما تم منها ونقص منه" ولعمري إن هذه، ألفاظ رطبة عذبة، لكن القضية تقع على ما يوجه الأكثر، وبالمنظوم سبقت العرب إلى وصف الطلول والآثار، والبكاء على معالم الديار، وتأبين ما تعفى من مراسمها بالرياح، والأمطار، ووصف ما محته الأيام من محاسن صورها، وطوته بالبلى من أردية مغانيها، وأحالته من أعيان معانيها، وما اختلقته العهاد من جديد معاهدها، وأبقته الأنواء من أواريها وأوتادها، ولعبت به الحوادث من ملاعبها، وأبدعته من وصف بالي من آياتها بالبهجة والنضرة والتضوع بنسيم الأحبة، واستضحاك رسومها بعد خلوها من ساكنها كما قال الأخطل: الطويل: لا سماء محتل بناظرة البشر ... قديم ولما يعفه سالف الدهر يكاد من العرفان يضحك رسمه ... فكم من ليال للديار ومن شهر وقال آخر منسرح: شطت بهم عنك لية قذف ... غادرت الشعب غير ملتئم واستودعت نشرها الديار فما ... تزداد إلا طيباً على القدم 9- قال أبو علي: وأحسب أن أول من أشار إلى هذا المعنى، أبو صخر الهذلي في قوله الطويل: لليلي بذات الجيش دار عرفتها ... وأخرى بدار البين آياتها سطر كأنهما م الآن لم يتغيرا ... وقد مر للدارين من بعدنا عصر فأخذ أبو نواس هذا المعنى فقال وأحسن طويل: لمن دمن تزداد طيب نسيم ... على طول ما أذوت وحسن رسوم تجافى البلى عنهن حتى كأنما ... لبسن على القواء ثوب نعيم إلى غير ذلك مما تصرفت فيه، من مذاهب الكلام، في ذم الشيب، ومدح الشباب، وتشوق الأحباب، وتقييد المآثر والأنساب، والحنين إلى الأوطان، والتفجع على الجيران، ونعيق الغربان، والتشوف بالنيران، وضرب الأمثال، والفخر بمعالي الأفعال، ومقارعة الأبطال، وذكر الوقائع والحروب والأيام، والتمدح بقرى الضيفان، ومنازلة الفرسان، وطعن الكماة واقتناص الأقران، وبذل المال، وحماية الجار، والتخرق في العطاء، والإيثار بالبلغ، والجود بالنفس عند اللقاء، ووصف الإبل في فري الغلاة، وهتك جلابيب الظلماء، وامتطاء مطا البيداء، ونعتها بالضمور، والنحول، وغئور العيون، وجزع المجاهل، وطيء المناهل، ونعت الخيل في خلقها بالعتق الكرم، وفي خلقها بمعرفة الوحي والإشارة، وتشبيهها بالسباع في سعة جلودها ووثبها، وبالنعام بطول قوائمها، وسعة فرها، وبالحمار في تلاحك خلقه، وشدة خلقته، وبالظباء في أطر عراقيبها، وبالعقبان والطير في انقضاضها، وتمثيل سرعتها بوشك الفراق، وجري السيل، وتضرم الحريق، وإنبات الدلو، وتدهدي الحجر، وغليان المرجل، وهزيز الريح، وذكر المياه العذبة، والآجنة، وممادح الملوك وأهاجيها، وتأبين الأموات ومرائيها، ومدح الجود والتحلي به، وذم البخل والإشفاء منه، والتشبيب والغزل، ومحادثة النساء، وذكر الوفاء لهن، والإقامة على عهودهن، ووصف خلقهن وأخلاقهن، وآبائهن وانقيادهن، وذكر الوفاء بهن، وحسن الوصف، ودقة المعنى، وصواب المصدر، والقصد للحاجة، واستنطاق الربع، وإنطاق القلب وترجيع الشك في موضع اليقين، وطلاوة الاعتذار. (1) مثال ذلك: وقلت أشمس أم مصابيح بيعة ... بدت لك خلف السجف أم أنت حالم وعطف المساءة على العذال: لا تلمن وأنت زينتها لي ... أنت مثل الشيطان للإنسان وتبخيل المنازل واختصار الخبر: ألم تسأل الأطلال والمتربعا ... ببطن حليات دوارس بلقعا يبخلن أو يخبرن بالعلم بعدما ... فكأن فؤاداً كان قدماً مفجعاً وأيسر النوم: نام صبحي وبات نومي أسيراً

الفصل الأول

وإغذاذ السير، وتحير ماء الشباب، وإعلان الحب وإمراره، وإنكاح النوم وإغلاق الرهن، وإهدار القتل، وإدراك الثأر، ومعاتبة الآلاف، ووميض البروق وشيم ضيائها، واعتلاج الفكر، وهيج الذكر، ووصف الخصب، والجدب، والسحاب والغيث، والروض والكلأ، ونعوت الوحش والقفر، وذكر الغنى والفقر، والهداية والقيافة والعيافة، والعي والبلاغة، وما لهوا به من الطرد والقنص، والمأكل والمشرب، ووصفهما، وتشبيهات الخمر لوناً، وطعماً، ونشراً والتمدح بالسبق إلى شربها وإباء قبول العذل فيها وغير ذلك مما لو ذهبت إلى تعديد مذاهبه، وإيضاح مآربه، ونهج معالمه، وإضحاك مباسمة، والأخبار عن توسعها فيه، وتناولها البعيد من غاياته في القريب من أوجهها وإشاراتها إليه، لجريت طلق الجموح في مضمار لا ينتهي إلى غاية إلا مع الكد والإطالة، واستخدام طول المدة. 10قال أبو علي: وقد رأيت أن أفترع كتاباً أشرع فيه لمحاسن الشعر شريعة ترد القرائح مائها، وترود مساقط أندائها، وتشيم بروق أنوائها، وتستهدي بنجوم سمائها، واقصره على فقره النادرة، وغرر معانيه المتنافرة، ولمعه البارعة، وكواكبه الصادعة، وأقسامه المختارة، وهي ثلاثة: مثل شرود، وتشبيه رائع، واستعارة واقعة، وأودعه من ذلك ما وقع إجماع نقاد الكلام، والعلماء بسرائر الشعر، على أنه أشعر ما قيل في معناه من كل نوع، تتناوله المحاضرة، وتتهادى جواهره المذاكرة، وتتعاط بلاغته الألسنة، ويكون لعطل اللفظ حلياً، وللاختيار رونقاً، وللأسماع علقاً ولشمل الاختصار جامعاً، وافتتح القول فيه ببندٍ من فنون البديع، ولمع من الاستعارات اللطفية، والمجازات التي توسعت العرب فيها، إذ كان من عادتها الاختصار والحذف والإيجاز والإيماء والاكتفاء باللمحة الدالة، والإشارة إلى المقصد، والاستغناء بالقليل عن الكثير إذا كانوا محتاجين إلى ذلك، لارتجال الخطيب في الحروب، والكلام عند البديهة في المقامات، لإطفاء جمرة الحرب، وإصلاح ذات البين، فجعلوا موضع كلامهم على التوسع والمجاز، ومعنى المجاز، طريق القول ومأخذه، والمجاز: مصدر جزت مجازاً، كما تقول: قمت مقاماً قال الأصمعي: "كلام العرب إنما هو مثال شبيه بالوحي، لا سيما الشعر، لأنه موضع اضطرار، إذ كان على روي واحد، ووزن لابد من إقامته، وكانت حروف بعضه أقل من حروف بعض عدداً وأثقل وزناً، فإذا لم يستقم للشاعر أن يضع الحرف موضعه لاختلاف الوزن، وضع مكانه ما يدل عليه، مما يسلم به بناؤه الذي ذهب إليه كقول مزرد طويل: فما رقد الولدان حتى رأيته ... على البكر يمريه بساق وحافر فجعل للإنسان حافراً، ولا حافر له". 11 قال أبو علي، فهذه مخيلة من القول، إن استطار بارقها، اقتبس سناه، أو صدق قولها غمر ضياه فأثرى بقلوب الأدباء ثراه وكان خليقاً أن يغادر بكل قرارة غديراً، ويخلف بكل ربوة روضاً منيراً. ومن الله عز وجل استمد معونته وتوفيقه. الفصل الأول من محاسن الشعر أحسن ما ورد من بديع الاستعارة 12قال أبو علي الحاتمي: أخبرني أبو جعفر محمد بن عبد الله بن حمدون، قال: حدثني أبو الفضل العباس بن محمد بن حمدون قال: حدثني أبو الحسن علي بن يحيى المنجم عن إسحاق الموصلي عن أبي عمرو بن العلاء، قال: كانت يدي في يد الفرزدق وأنشدته قول ذي الرمة طويل: أقامت به حتى ذوي العود في الثرى ... وساق الثريا في ملاءته الفجر قال: فقال لي: أأرشدك، أم أدعك؟ قلت: بل أرشدني! فقال: "إن العود لا يذوي أو يجف الثرى وإنما الشعر "حتى ذوي العود والثرى" قال أبو عمرو: ولا أعلم قولاً أحسن من قوله "وساق الثريا في ملاءته الفجر، فصير للفجر ملاءة، ولا ملاءة له وإنما استعار هذه اللفظة، وهو من عجيب الاستعارات. 13أخبرني محمد بن يحيى الصولي، قال: اجتمعت أنا، وجماعة من فرسان الشعر عند ابن المعتز، وكان يتحقق بعلم البديع تحققاً ينصر دعواه في لسان مذاكرته، فلم يبق مسلك من مسالك الشعر، إلا وسلكنا من شعبنا من شعابه، وأوردنا أحسن ما قيل في معناه، إلى أن قال أبو العباس: ما أحسن استعارة للعرب اشتمل عليها بيت من الشعر؟ قال الأسدي: قول السيد كامل: وغداة ريح قد وزعت وقرة ... إذا أصبحت بيد الشمال زمامها

قال أبو العباس: هذا بيت جمع الاستعارة، والمطابقة، لأنه جاء فيه بالإحياء

فجعل للشمال يداً وزماماً، قال أبو العباس: هذا حسن، وغير أحسن منه وقد أخذه من قوله ثعلبة بن صعير المازني كامل: فتذكرا ثقلاً رثيداً بعدما ... ألقت ذكاء يمينها في كافر قال: وقول ذي الرمة أعجب إليّ منه وإن تأخر زمانه طويل: ألا طرقت ميي هيوماً بذكرها ... وأيدي الثريا جنح للمغارب فقال بعضهم: بل قول لبيد كامل: ولقد حميت الحي تحمل شكتي ... فرط وشاحي إذ غدوت لجامها فقال أبو العباس: هذا حسن ولكن يعدل عنه إلى قول لبيد فقال آخر: قول الهذلي كامل: ولو أنني استودعته الشمس لارتقت ... إليه المنايا عينها ورسولها قال أبو العباس: هذا بديع، وأبدع منه في استعارة لطيفة، لفظ (الاستيداع) في قول الحصين بن الحمام المري لأنه جمع الاستعارة والمقابلة في قوله الطويل: نطاردهم نستودع البيض هامهم ... ويستودعونا السمهري المقوما فقال بعضنا: بل قول ذي الرمة الطويل: أقامت به حتى ذوى العود في الثرى ... ولف الثريا في ملاءته الفجر فقال أبو العباس: هذا لعمري نهاية الخيرة، وذو الرمة أبدع الناس استعارة، إلا أن الصواب، "حتى ذوي العود والثرى "بواو النسق، لأن العود لا يذوي ما دام في الثرى قال محمد بن يحيى الصولي: فكأنه نبهني على ذي الرمة، فقلت: بل قوله الطويل: ولما رأيت الليلَ، والشمس حية ... حياة الذي يقضي حشاشة نازع فقال أبو العباس: اقتدحت زندك يا أبا بكر فأورى! هذا بارع جداً. ولكن سبقه إلى هذه الاستعارة جرير، وبيته أحسن بقوله بسيط: تحيي الروامس ربعها فتجده ... بعد البلى، وتميته الأمطار قال أبو العباس: هذا بيت جمع الاستعارة، والمطابقة، لأنه جاء فيه بالإحياء والإماتة، والبلى والجدة، ولكن ذو الرمة قد استوفى ذكر الإحياء والإماتة في موضع آخر وأحسن في قوله الطويل: ونشوان من طول النعاس كأنه ... بحبلين من مشطونة يترجح إذا مات فوق الرجل أحييت روحه ... بذكراك، والعيس المراسيل جنح قال أبو بكر: فما أحد انصرف من ذلك المجلس، إلا وقد غمره من بحر أبي العباس، في علم الشعر، وحسن تصرفه فيه، والكلام عليه، ما غاض معينه، ولم ينهض إلا بعد ما زودنا من بره، وملاطفته، نهاية ما اتسعت به حاله. أحسن ما ورد في الوحي والإشارة 14أخبرنا محمد بن عبد الواحد، قال: حدثنا أحمد بن يحيى، قال: كان ابن الأعرابي يتعجب من قول ارطأة بن سهية الطويل: فقلت لها يا أم بيضاء إنه ... هريق شبابي واستشن أديمي قال أبو علي: ولا أعلم استعارة أبدع من هذه. 15 قال أحمد بن يحيى: وأنا أقول: إنه من بارع الاستعارة قول الآخر يصف ناقته كامل: فوضعت رحلي فوق ناجية ... يقتات شحم سنامها الرجل 16 قال أبو علي: وأبدع بيت قيل في الاستعارة، قول الآخر يصف سحائب طويل: إذا ما هبطن الأرض قد مات عودها ... بكين بها حتى يعيش هشيم لأنه جمع لطيف الاستعارة، وحسن الطباق في قريب من العبارة. 17 أخبرنا أبو علي، قال: أخبرني علي بن هرون، قال: أخبرني أبي هارن بن علي عن حماد بن إسحاق، وتشير إلى أنها من محاسنة، فما هي: قال: قول الشاعر بسيط: أوردته وصدور العيس مسنفة ... والليل بالكوكب الدري منحور وقول الآخر وافر: جعلنا السيف بين بين الجيد منه ... وبين سواد لحييه عذار ثم قال: ألا ترى إلى قوله "أوردته وصدور العيس مسنفة" وقد أشار إلى الفجر إشارة ظريفة بغير لفظه!؟ قال: ثم قال لي: هذا هو الوحي. ومثاله قول جاهلي. جعلت يدي وشاحاً له ... وبعض الفوارس لا يعتنق قال: فقوله "جعلت يدي وشاحاً له" إشارة بديعة بغير لفظ الاعتناق، وهي دالة عليه. 18 قال أبو علي: وحكي عن عيسى بن عبد العزيز الطاهري، قال: جمعني وقدامة الكاتب مجلس، ولم أر أفرس منه في بيت شعر، فسألته عن الإشارة فقال: "هي اشتمال اللفظ القليل على المعاني الكثيرة، باللمحة الدالة" فقلت: أذكر أحسن ما يحضرك في ذلك؟ فقال: لم يأت أحد بمثل قول زهير وافر: فإني لو لقيتك فاتجهنا ... لكان لكل منكرة كفاء قال وقول امرئ القيس طويل:

أبدع أبيات المطابقة

على هيكل يعطيك قبل سؤاله ... أفانين جري غير كز ولا وان قال: وقال لي قائل: ما اشتملت عليه، لفظة "أفانين" مما، لو عد لكان كثيراً، وما اقترن بها من جميع أصناف الجودة طوعاً، عن غير طلب، ولا مسألة، ثم نفى عنه الكزازة والوني، وهما، أكبر معائب الخيل التي يرتبطها الفرسان للمنازل. أبدع أبيات المطابقة 19 قال أبو علي: أخبرنا أبو الفرج علي بن الحسين القرشي، قال: قلت لأبي الحسن علي بن سليمان الأخفش- وكان أعلم من شاهدته، بالشعر-: أجد قوماً يخالفون في الطباق، فطائفة تزعم - والأكثر-: بأنه ذكر الشيء وضده، فيجمعهما اللفظ فهماً، لا المعنى، وطائفة تخالف ذلك فتقول: هو اشتراك المعنيين في لفظ واحد كقول زياد الأعجم أبدع أبيات المطابقة 19 قال أبو علي: أخبرنا أبو الفرج علي بن الحسين القرشي، قال: قلت لأبي الحسن علي بن سليمان الأخفش- وكان أعلم من شاهدته، بالشعر-: أجد قوماً يخالفون في الطباق، فطائفة تزعم -والأكثر-: بأنه ذكر الشيء وضده، فيجمعهما اللفظ فهماً، لا المعنى، وطائفة تخالف ذلك فتقول: هو اشتراك المعنيين في لفظ واحد كقول زياد الأعجم طويل: ونبئهم يستنصرون بكاهل ... وللؤم فيهم كاهل وسنام فقوله "كاهل" للقبيلة، وقوله "كاهل" للعضو عندهم، هو المطابقة، قال فقال الأخفش: من هذا الذي يقول هذا؟ قلت: قدامة، وغيره، فأما قدامة فقد أنشد بسيط: وأقطع الهوجل مستأنساً ... بهوجل عيرانة عنتريس -هوجل: واسعة السير- فقال: هذا يا بني هو التنجيس، ومن زعم أنه طباق، فقد ادعى خلافاً على الخليل والأصمعي فقيل: أفكانا يعرفان هذا! فقال: سبحان الله!! وهل غيرهما في علم الشعر، وتمييز خبيثه من طيبه!؟. قلت: فأنشدني أحسن طباق للعرب، قال: قول عبد الله بن الزبير الأسدي وافراً: رمى الحدثان نسوة آل حرب ... بمقدار سمدن له سموداً فرد شعورهن السود بيضا ... ورد وجوههن البيض سودا وقول طفيل الغنوي يصف فرساً بسيط: بساهم الوجه لم تقطع أباجله ... يصان وهو ليوم الروع مبذول 20- قال أبو الفرج علي بن الحسين القرشي -وهو الناقل عن الأخفش-: وأنا أقول إن أحسن بيت في الطباق قول الشاعر بسيط: للسود في السود آثار تركن بها ... لمعاً من البيض يثني أعين البيض 21- قال أبو علي: ومن بديع الطباق قول عمرو بن كلثوم وافر: فإنا نورد الرايات بيضاً ... ونصدرهن حمراً قد روينا قال أبو علي: فطابق بين الإيراد والإصدار، والبياض الحمرة، ولو اتفق لعمرو بن كلثوم تقابل الري بالظماء، لكان أبرع بيت قالته العرب في الطباق. 22- قال أبو علي: وقد أخذ هذا أبو الشيص فاستوفى المعنى فقال طويل: فأوردها بيضاً ظماء صدورها ... واصدرها بالري ألوانها حمر 23- قال أبو علي: وأخبرنا عبيد الله بن أحمد بن دريد، عن أبي حاتم، قال سألت الأصمعي عن صنعة الشعر، فذكر في بعض قوله: المطابقة، وقال: أصلها وضع الرجل موضع اليد، وأنشد متقارب: وخيل يطابق بالدراعين ... طباق الكلاب يطأن الهراسا قال: فقلت: أنشدني أحسن بيتٍ قالته العرب في الطباق، فقال قول زهير بن أبي سلمى بسيط: ليث بعثر يصطاد الرجال إذا ... ما كذب الليث عن أقراه صدقا وقول الفرزدق كامل: يستيقظون إلى نهاق حميرهم ... وتنام أعينهم عن الأوتار لعن الإله بني كليب إنهم ... لا يغدرون ولا يفون لجار وإنما أخذه من قول ثمامة بن المحير الذهلي بسيط: قوم تنام عن الأوتار أعينهم ... ولا تنام نوكاهم عن السرق. قال: فقال الأصمعي: لا أعرف طباقاً أحسن من هذين. أحسن ما قيل في المجانسة وهي اتفاق اللفظ واختلاف المعنى 24 قال أبو علي: أخبرني علي بن هارون المنجم، قال: سألت أن أحسن ما ورد من ذلك للعرب، قول ذي الرمة طويل: كأن البري والعاج عيجت متونها ... على عشر نهى به السيل أبطح 25 قال الحاتمي: وأنا أقول: من بديع التجنيس قول جرير وافر: كأنك لم تسر ببلاد نعم ... ولم تنظر بناظرة الخياما وقول الآخر طويل: وما زال معقولاً عقال عن الندى ... وما زال محبوساً عن الخير حابس

أحسن ما قيل في التقسيم

ومن هذا أخذ أبو تمام قوله طويل: وإن بين حيطانا عليه فإنما ... أولئك عقالاته معاقلة وأحسن ما ورد لمحدث قول عبد الله بن طاهر طويل: وإني للثغر المخيف لكالئي ... وللثغر يجري ظلمه لرشوف وأحسن من هذا كله قول أبي تمام طويل: عداك حر الثغور المستضامة عن ... برد الثغور وعن سلسالها الخصب ........ أحسن ما قيل في التقسيم 26 قال أبو علي: أخبرنا يحيى بن علي بن هارون ...... أحسن من قول نصيب طويل: فقال فريق القوم: لا، وفريقهم: ... نعم، وفريق قال: ويحك ما ندري ومثله قول بشار طويل: بضرب يضوق الموت من ذاق طعمه ... ويدرك من نجي الفرار مثالبه فراح فريق في الإسار، ومثله ... قتيل، ومثل لاذ بالبحر هاربه 27 قال أبو علي:......... 28 وقال علي بن هرون: وأنا أقول: إن أحسن ما قيل في ذلك قول عنترة كامل: إن يلحقوا أكرر، وإن يستلحموا ... اشدد وإن يلفوا بضنك انزل 29 وقال أبو علي: وأنا أقول، لا أعرف أحسن تقسيماً من قول الأسعر الجعفي في وصف فرس بسيط: أما إذا استقبلته فكأنه ... باز يكفكف أن يطير وقد رأى أما إذا استدبرته فتسوقه ... ساق قموص الوقع عارية النسا أما إذا استعرضته متمطراً ... فتقول هذا مثل سرحان الغضا إني رأيت الخيل عزاً ظاهراً ... تنجي من الغُمى ويكشفن الدجى 30وشبيه هذا، قول امرئ القيس متقارب: واركب في الروع خيفانة ... كسا وجهها سعف منتشر أن أقبلت قلت: دباءة ... من الخضر مغموسة في الغدر وإن أدبرت قلت أثفية ... ملمة ليس فيها أثر وإن أعرضت قلت: سرعوفة ... لها ذنب خلفها مسيطر 31وقد اقتفى هذا التقسيم رجل من عبد القيس وأحسن لأنه استوعب الأقسام في صفة الفيل، في إقباله وإدباره، واستعراضه، وزاد قسماً رابعاً في حال وصفه فقال كامل: وعلى قدام حملت شكة حازم ... في الروع ليس فؤاده بمثقل أما إذا ما أقبلت فمطارة ... كالجذع شذبة نفي المنجل أما إذا ما أدبرت فنعامة ... تنفي سنابكها ملاب الجندل أما إذا ما استعرضت فقبيلة ... ضخم مكان حزامها والمركل وإذا وضعت وضعت جوز دؤاده ... وإذا ملكت علاءها لم تفثل وكأن خيرني المزاد مؤكداً ... يعلى به كفل شديد الموصل فاعتامها بصري لعلمي أنها ... عدوى ثقيل في الرعيل الأول 32 وقال عبيد بن الأبرص سالكاً هذا المذهب في التقسيم كامل: أما إذا استقبلتها فكأنها ... ذبلت من الهندي غير ينوس أما إذا ما أدبرت فكأنها ... قارورة صفراء ذات ملوس وإذا اقتنصنا لا يجب خضابها ... وكأن بركتها مداك عروس 33 وقد سلك أنيف بن جبلة الضبي سبيل هؤلاء في التقسم، واصفاً الفرس في ثلاث حالاته، فقال وأحسن كامل: ولقد شهدت الخيل يحمي شكتي ... عند كسرحان القصية قرهب أما إذا استقبلته فكأنه ... في العين جذع من أراك مشذب وإذا اعترضت به استوت أفناؤه ... فكأنه مستديراً متصوب 34 قال أبو علي: أخبرني محمد بن يحيى عن أبي العيناء قال: "أجمع العلماء بالشعر أن أحسن تقسيم قيل قول عمر بن أبي ربيعة طويل: نهيم إلى نعم، فلا الشمل جامع ... ولا الحبل موصول ولا الحب مقصر ولا قرب نعم ... إن دنت لك نافع ولا نأيها يسلي، ولا أنت صابر 35 قلت إن أحداً بعده سرق هذا التقسيم منه، إلا الحاكي، حيث يقول طويل: وكذبت طرفي عنك والطرف صادق ... وأسمعت أذني فيك ما ليس تسمع ولم أسكن الأرض التي تسكنينها ... لئلا يقولوا: صابر ليس يجزع فلا كمدي يفنى ولا لك رقة ... ولا عنك إقصاراً، ولا فيك مطمع لقيت أموراً فيك لم ألق مثلها ... وأعظم منها، منك ما أتوقع 36 قال أبو علي: وأخبرني عبد الله بن جعفر عن محمد بن يزيد، قال: لم أسمع أحسن من تقسيم بشر بن اردريج طويل: فإن تكن الدنيا بلبنى تقلبت ... فللدهر والدنيا بطون واظهر

أحسن ما ورد في المقابلة

لقد كان فيها للأمانة موضع ... وللقلب مرتاد وللعين ممنظر وللحاتم الصديان ريُّ بريقها ... وللمرح الذيال طيب ومسكر أحسن ما ورد في المقابلة 37 قال أبو علي: أخبرني علي بن الحسين القرشي قال: سألت قدامة في المقابلة فقال: "هو أن يضع الشاعر المعاني، يعتمد التوفيق بين بعضها وبعض، والمخالفة، فيأتي مع المخالف بما يخالف، وفي الموافق بما يوافق، على الصحة، ويشترط شرطاً، ويعدد أحوالاً في أحد المعنيين، فيجب أن يأتي فيما يوافقه بمثل الذي شرطه، وفيما يخالفه بأضداد ذلك. قال: فقلت: أنشدني أحسن ما قيل في ذلك، فقال: "لا أعرف أحسن من قول الشاعر طويل: فيا عجباً كيف اتفقنا فناصح ... وفي، ومطوي على الغل غادر فجعل بإزاء "ناصح"، "مطوي" على الغل، وبإزاء "وفي" "غادر". قال: وقول الطرماح بن حكيم الطائي وافر: أسرناهم، وأنعمنا عليهم ... وأسقينا دماءهم الترابا فما صبروا لبأس بعد حرب ... ولا أدوا لحسن يد ثواباً فجعل بإزاء: أن سقوا دماءهم التراب، وقاتلوهم، أن يصبروا، وإزاء: أن أنعموا عليهم، أن يثيبوا، قال: فهذه المقابلة. 38 قال أبو علي: سألت علي بن هرون عن المقابلة، فقال: كان يحيى بن علي بن نجم يقول: "وأحسن ما قيل في المقابلة، قول عمرو بن كلثوم وافر: ورثنا المجد عن آباء صدق ... ونورثها إذا متنا بنينا وقول النابغة الجعدي طويل: فتى تم فيه ما يسر صديقه ... على أن فيه ما يسوء الأعاديا أحسن ما قيل في التسهيم 39 قال أبو علي: قلت لعلي بن هرون المنجم: ما رأيت أعلم بصناعة الشعر منك في التسهيم فقال: وهذا لقب اخترعناه نحن. قلت: وما كيفته؟ فأجابني بجواب لم يبرزه في عبارة يحكيها عن غيره: "إن صفة الشعر المسهم، أن يسبق المستمع إلى قوافيه، قبل أن ينتهي إليها راويه، منذ الشطر الأول قبل أن يخرج إلى الشطر الأخير، ومن قبل أن يسمعه، "قال: "وأحسن ما قيل في ذلك قول جنوب أخت عمرو ذي الكلب ترثي أخاها عمراً متقارب: وأقسمت يا عمرو لو نبهاك ... إذ نبها منك داء عضالاً إذن نبها ليث عريسة ... مفتياً مفيداً نفوساً ومالاً وخرق تجاوزت مجهوله ... بوجناء حرف تشكي الكلالا فكنت النهار به شمسه ... وكنت دجى الليل فيه الهلالا 40 قال أبو علي: فالنظر إلى ديباجة هذا الكلام ما أصفاها، وإلى تقسيماته ما أوفاها وانظر إلى قولها "مفيداً" ووصفها إياه بالشمس في النهار، والهلال في الليل، تجد المطمع الممتنع، القريب البعيد. أحسن ما قيل في التتميم 41 قال أبو علي: وهو أن يذكر الشاعر معنىً، فلا يغادر شيئاً يتم به، ويتكامل الاشتقاق معه، فيه، إلا أتى به، فأحسن ما قيل في ذلك قول طرفة بسيط: فسقى ديارك ... غير مفسدها صوب الربيع، وديمة تهمي فقد تم الإحسان في المعنى الذي ذهب إليه، بقوله "غير مفسدها". ولا أعلم أحداً تقدمه في الاحتراس لدار عند استسقائه لها، من إفسادها وتعفيتها، ألا ترى أنهم على ذي الرمة قوله طويل: ألا يا سلمى يا دار مي على البلى ... ولا زال منهلاً بجرعائك القطر فالغيب لاحق به في ذلك، من أجل أن في دعائه للدار بانهلال القطر عليها، تعفية لرسومها، ومحواً لآياتها. 42 ومما يتلو هذا البيت في الإحسان، قول نافع بن خليفة الغنوي طويل: رجال إذا لم يضمن الحق منهم ... ويعطوه عاثوا بالسيوف القواضب فإن المعنى، تم بقوله ويعطوه، وإلا كان ناقصاً. أحسن ما قيل في الترديد 43 هو تعليق الشاعر لفظة في البيت، متعلقة بمعنى، ثم يرددها فيه بعينها، ويعلقها بمعنى آخر في البيت نفسه ويرد هذا للمحدثين، لكنني سأورد أحسن ما في معناه لمتقدم. 44 قال أبو علي: وجدت أن أبا حية النميري، سبق إلى الإحسان جميع من تقدمه من الشعراء في قوله طويل: ألا حي من أجل الحبيب المغانيا ... لبسن البلى مما لبسن اللياليا إذا ما تقاضى المرء يوم وليلة ... تقاضاه شيء لا يمل التقاضيا

45أخبرنا عبد الله بن جعفر بن درستويه، قال أخبرني علي بن مهدي الكسوري عن حبيب: لا

صر بالمصراع الأول، فأحسن الابتداء، وردَّد في المصراع الثاني، فأحسن الترديد، وكذلك قوله "إذا ما تقاضى المرء يوم وليلة" ومثله: 45أخبرنا عبد الله بن جعفر بن درستويه، قال أخبرني علي بن مهدي الكسوري عن حبيب: لا أعلم أحداً أحسن في صناعة الترديد من زهير في قوله بسيط: من يلق يوماً على علاته هرماً ... يلق السماحة منه والندى خلقاً 46 قال أبو علي: وقد أحسن الخليع الباهلي في ترديده بقوله طويل: لقد ملأت عيني بغر محاسن ... ملأن فؤادي لوعة وهموماً وأحسن أبو نواس في قوله بسيط: صفراء لا تنزل الأحزان ساحتها ... لو مسها حجر مسته سراء ولعلي بن جبلة -على تأخر زمانه- في قوله يصف فرساً كامل: مضطرب يرتج من أقطاره ... كالماء جالت فيه ريح فاضطرب إذاً تظنينا به صدقنا ... وإن تظني فوته العير كذب لا يبلغ الجهد به راكبه ... وتبلغ الريح به حيث أحب أبدع ما قيل في التتبيع 47-قال أبو علي: هو أن يريد الشاعر معنى، فلا يأتي باللفظ الدال عليه، بل بلفظ تابع له، فإذا دل التابع، أبان عن المتبوع، وأحسن ما قيل في ذلك، وأبدعه، قول عمر بن أبي ربيعة طويل: بعيدة مهوى القرطي، إمالنوفل ... أبوها، وإما عبد شمس وهاشم إنما ذهب إلى وصف طول الجيد، فلم يذكره بلفظه الخاص به، بل أتى بمعنى بدل على طول الجيد، وهو قوله: "بعيدة مهوى القرطي". 48 قال أبو علي: وأبدع من هذا في التتبيع قول امرئ القيس طويل: ويضحي فتيت المسك فوق فراشها ... نؤوم الضحى لم تنطلق عن تفضل قال أبو علي: إنما أراد أن يذكر ترفه هذه المرأة، وأن لها من يكفيها. فأتى باللفظ التابع لذلك. أبدع ما قيل في التبليغ 9- وقد سماه قوم: الإيغال 49 قال أبو علي: هو أن يأتي الشاعر بالمعنى في البيت تماماً، قبل انتهائه إلى القافية، ثم يأتي بها لحاجة الشعر إليها، فتزيد البيت نصاعة، والمعنى بلغاً إلى الغاية القصوى في الجودة، وأبدع ما قيل في ذلك قول امرئ القيس طويل: كأن عيون الوحش حول خبائنا ... وأوحلنا الجزع الذي لم يثقب فقد تم الوصف قبل القافيه، وذلك أن "عيون الوحش" إذا ماتت وتغيرت هيئتها، أشبهت الجذع، ثم أتى بالقافية، ثم أكد المعنى البعيد في التأكيد، لأن تشبيه عيون الوحش بالجذع الذي لم يثقب، أوقع في التشبيه، وزعم الأصمعي، أنه إذا كان كذلك، كان أصفى له وأحسن. وقول امرئ القيس أيضاً طويل: إذا ما جرى شأوين وابتل عطفه ... تقول هزيز الريح مرت بأثاب فقد تم الوصف بالتشبيه قبل القافية، فلما أتى بها، زاد المعنىبراعة، ونصاعة، وذلك لأن "الأثأب" شجر يكون للريح في أغصانه حفيف شديد. 50قال أبو علي: أخبرنا عبد الله بن جعفر عن المبرد عن التوزي قال: قلت للأصمعي من أشعر الناس؟ قال: "من يأتي إلى المعنى الخسيس فيجعله بلفظه حسناً، ويأتي إلى المعنى الكبير فيجعله بلفظه خسيساً. أو ينقضي كلامه قبل القافية، فإذا احتاج إليها، أفاد بها معنى "قال: قلت: نحو من؟ قال نحو الأعشى إذ يقول- بسيط: كناطح صخرة يوماً ليفلقها ... فلم يضرها، وأوهى قرنه الوعل فقد تم المعنى بقوله "وأوهى قرنه" فلما احتاج إلى القافية، قال: "الوعل". قال: قلت: وكيف صار الوعل مفضلاً على كل ما ينطح؟ قال: لأنه ينحط من قنة الجبل على قرنه، فلا يضيره، قال، قلت: ثم نحو من؟ أيضاً؟ قال: نحو قول ذي الرمة، حيث يقول طويل" قف الفيس في أطلال فاسأل ... ربوعاً كأخلاق الرداء ... فتمم كلامه، ثم احتاج إلى القافية فزاد شيئاً فقال: "المسلسل" وقوله طويل. أظن الذي يجدي عليك سؤالها ... دموعاً كتبديد الجمان ... فتمم كلامه، ثم احتاج إلى القافية فزاد شيئاً أيضاً فقال: "المفصل". أبدع ما قيل في الالتفات وقد سماه قوم الاعتراض 51 قال أبو علي: هو أن يكون الشاعر أخذ في معنى فيعدل عنه إلى غيره، قبل أن يتم الأول، ثم يعود إلي فيتمه، فيكون فيما عدل إليه مبالغة في الأول، وزيادة في حسنه. 52 واختلفوا في أحسن ما قيل في هذا النوع، فقال: قوم: قول النابغة وافر:

53 قال أبو علي: وهذا مثل قول الأخطل:

ألا زعمت بنو سعد بأني ... ألا كذبت كبير السن فاني فقوله "ألا كذبت" اعتراض بين أول الكلام وآخره، وفيه مبالغة فيما أراده. وقالوا بل قول كثير وافر: لو أن الباخلين ... وأنت منهم رأوك تعلموا منك المطالا فقوله "وأنت منهم" اعتراض في الكلام، وزيادة حسنة فيه، قبل أن يتم ما ابتدأ به وأحسن من ذلك قول جرير طويل: فظلوا بيوم ... دع أخاك بمثله على مشرع يروى ولما يصرد 53 قال أبو علي: وهذا مثل قول الأخطل: فإني إن أفتك يفتك مني ... فلا تسبق به علق نفيس فقول فلا تسبق اعتراض لطيف مرض. 54أخبرنا محمد بن يحيى الصولي قال أخبرنا يحيى بن علي عن أبيه، عن إسحاق بن إبراهيم الموصلي،: قال لي الأصمعي: أتعرف التفاتات جرير؟ قلت: وما هي؟ فأنشدني وافر: أنس، إذ تودعني سليمى ... بفرع بشامة سقي البشام ألا تراه مقبلاً شعره، ثم التفت إلى البشام، فدعا له!؟ أحسن ما قيل في التصدير 55 قال أبو علي: هو أن يبدأ الشاعر بكلمة في البيت: في أوله أو في عجزه، أو في النصف منه، ثم يردها في النصف الأخير فإذا نظم الشعر على هذه الصنعة تهيأ استخراج قوافيه، قبل أن يطرق أسماع مستمعيه، وقال: هو الشعر الجيد، وأحسن ما قيل في ذلك قول عامر بن الطفيل طويل: وكنت سناماً في فزارة تامكاً ... وفي كل حين ذروة وسنام 56 وقال آخرون: بل قول جرير طويل: سقى الرمل جون مستهل ربابه ... وما ذاك إلا حب من حل بالرمل 57 وقال آخرون: بل قول الآخر طويل: سريع إلى ابن العم يشتم عرضه ... وليس إلى داعي الندى بسريع 58 وقال أبو علي: وأنا أقول: بل قول ابن أحمر طويل: تغمرت منها بعدما بعد الصبا ... ولم يرو من ذي حاجة من تغمرا حسن ما قيل في الاستثناء 59 قال أبو علي: وأحسب أن أول من بدأ به، النابغة. فأحسن كل الإحسان في قوله طويل: ولا غيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب فان هذا تأكيد للمدح بما يشبه الذم، فمن أحسن ما ورد في هذا النوع الربيع بن ضبيع الفزاري طويل: فنيت ولا يفنى صنيعي ومنطقي ... وكل امرئ إلا أحاديثه فان 60 وقال الآخرون: بل قول الآخر طويل: فلا تبعدن إلا من السوء إنني ... إليك وإن شطت بك الدار نازع 61 وقيل بل قول العكلي كامل: في كفه معطية منوع ... موثقة صابرة جزوع 62 وقال آخرون بل قول الآخر في وصف مروق السهم: "حتى نجا من جوفه وما جا"وفي معناه لآخر "غادر داء ومجا صحيحاً". 63 وقال أبو علي: وأنا أستحسن قول أبي هفان طويل: فإن تسألني عنا فإنا حلى العلا ... بني عامر، والأرض ذات المناكب ولا عيب فينا غير أن سماحنا ... أضربنا، والبأس من كل جانب وأفنى الردى أعمارنا غير ظالم ... وأفنى الندى أموالنا غير عائب أبونا أب لو كان للناس كلهم ... أباً واحداً أغناهم بالمناقب وتروي لغيره ... أنه أحسن استثناء في هذا الباب، وتعمد التقدم على الذبياني وهو قول النابغة الجعدي طويل: فتى كملت أخلاقه غير أنه ... جواد فما يبقى من المال باقيا فتى تم فيه ما يسر صديقه ... على أن فيه ما يسوء الأعاديا فقوله "غير أنه جواد" في البيت الأول، وقوله في الثاني "على أن فيه ما يسوء الأعاديا" أبرع الاستثناء وألطفه. أبدع ما قيل في الاستطراد 64 قال أبو علي: هذا باب أعجب به المحدثون جداً، وتخيلوا أنهم لم يسبقوا إليه، وليس الأمر كذلك. 65 أخبرني محمد بن يحيى الصولي، قال: حدثني علي بن محمد الأنباري، قال: سمعت البحتري يقول: أنشدني أبو تمام قطعة يهجو عثمان بن إدريس السامي بسيط: وسابح هطل التعداء هتان ... على الجراء أمين غير خوان أظمى الفصوص ولم تظمأ قوائمه ... فخل عينيك في ظمآن ريان فلو تراه مشيحاً والحصى زيم ... بين السنابك من مثنى ووحدان أيقنت ... إن لم تثبت أن حافره من صخر تدمر أو من وجه عثمان

66 قال محمد بن يحيى: فاحتذى هذا البحتري، فقال في قصيدة يمدح بها محمد بن علي

قال، ثم قال: ما هذا الشعر؟ فقلت: لا أدري! فقال: هذا هو المستطرد، -أو قال الاستطراد- قال: قلت: فما معنى ذلك؟ قال يريد وصف الفرس، وهو يريد هجاء عثمان. 66 قال محمد بن يحيى: فاحتذى هذا البحتري، فقال في قصيدة يمدح بها محمد بن علي القمي، ويصف فيها الفرس كامل: وأغر في الزمن البهيم محجل ... قد رحت منه على أغر محجل كالهيكل الجني، إلا أنه ... في الحسن جاء كصورة في هيكل ملك العيون فإن بدا أعطيته ... نظر المحب إلى الحبيب المقبل ما إن يعاف قذى ولو أوردته ... يوماً خلائق حمدويه الأحول 67 قال أبو علي: حمدويه هذا، كان عدواً للمدوح. فاستطرد به في شعره، وهو من أصحاب البحتري، وقيل له إنه مستعاب بهذا البيت، قال: ولم!؟ قالوا: "لأنك سرقته من أبي تمام"، فقال: "أعاب على أخذي من أبي تمام؟! والله ما قلت شعراً قط إلا بعد أن أخطرت شعره بفكري" قال: "فأسقط البيت من بعد فليس يكاد يوجد في أكثر النسخ". 68 قال أبو علي: وأبو تمام إنما أخذ هذا الاستطراد من قول الفرزدق طويل: كأن.. الأزد حول ابن مسمع ... إذا عرفت أفواه بكر بن وائل فقد تعاور هذا المعنى طائفة من الشعراء قديماً، وحديثاً، وأول من ذكره السموأل وكل آخر تبع له، في قوله طويل: وإنا أناس ما نرى القتل سبة ... إذا ما رأته عامر وسلول يقرب حب الموت آجالنا لنا ... وتكرهه آجالهم فتطول 69 ومن بديع هذا الباب قول الآخر طويل: خليلي من كعب أعينا أخاكما ... على دهره، إن الكريم معين ولا تبخلا بخل ابن قزعة إنه ... مخافة أن يرجى نداه حزين إذا جئته في حاجة سد بابه ... فلم تلقه إلا وأنت كمين 70 وأتى جرير بهذا فحثا في وجوه السابقين إلى هذا المعنى، فضلاً عمن تلاهم، فإنه استطرد باثنين في بيت واحد، وهجا فيه واحداً فقال بسيط: لما وضعت على الفرزدق ميسمى ... وعلى البعيث جدعت أنف الأخطل 71 قال أبو علي: ويعترض في هذا خبر أنا ذاكره: حكى أصحابنا: أن حماد عجرد لما هجا بشارا فقال طويل: نسبت لبرد وأنت لغيره ... فهبك لبرد.. أمك من برد وذكر راوية بشار، إنه لما سمع هذا البيت، بكى، وقال ماله لعنه الله! كنت أحوم حول هذا المعنى لأفخر به فلا يطردني، إلى أن سبقني إليه. وليس له، وإنما أراد قول جرير: "لما وضعت على الفرزدق ميسمى" وذكر البيت. 72 قال أبو علي: هذا عندي خبره، فيستحيل مثله عن بشار، إذ لا يشبه من بيت جرير شيئاً البته، وإنما أخذه من قول الأول: أساير.. بنكر.. حقاً بيننا ... ولا عن..... 73 قال أبو علي وقد يقع من هذا الاستطراد ما يخرج به من ثم إلى مدح كقول زهير بسيط: إن البخيل ملوم حيث كان ول ... كن الجواد على علاته هرم 74 أو يستطرد من مدح إلى ذم كقول بكر بن النطاح يمدح مالك بن طوق طويل: عرضت عليها ما أرادت من المنى ... لترضى، فقالت: قم فجئني بكوكب فقلت لها هذا التعنت كله ... كمن يشتهي من لحم عنقاء مغرب سلي كل أمر يستقيم طلابه ... ولا تذهبي يا بدر بي كل مذهب فأقسم لو أصبحت في عز مالك ... وقدرته ما نال ذلك مطلبي فتى شقيت أمواله بسماحه ... كما شقيت قيس بأرماح تغلب أحسن ما قيل في التشبيه 75 قال أبو علي: أجمع أهل العلم بالشعر كأبي عمرو بن العلاء، والأصمعي، وغيرهما، بأن أحسن التشبيه ما يقابل به مشبهان بمشبهين، فإن أحداً لم يقل في ذلك أحسن من قول امرئ القيس طويل: كان قلوب الطير رطباً ويابساً ... لدى وكرها العناب والحشف البالي شبه القلوب رطبة، بالعناب، ويابسة، بالحشف البالي، وإنما خص القلوب لأنها أطيبها، فإذا صادت الطير جاءت بقلوبها إلى أفراخها، قال الأصمعي: "إذا كانت الطير تزق منها، فهو أسرع لطيرانها"، وزعم بعض أصحابنا: أن الجارح لا يأكل شيئاً من قلوب الطير، وإنما خص القلوب لبقائها في وكر العقاب، تلك التي ذكرها.

76 قال أبو علي: وأخبرني الصولي عن أبي العيناء قال: قال بشار: "مازلت منذ سمعت قول

76 قال أبو علي: وأخبرني الصولي عن أبي العيناء قال: قال بشار: "مازلت منذ سمعت قول امرئ القيس (كأن قلوب الطير رطباً) وأنا أراود نفسي أن أقابل مشبهين بمشبهين فلا أستطيع ذلك، إلى أن قلت طويل: كأن مثال النفع فوق رؤوسنا ... وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه فشبهت النقع بالليل، والسيوف بالكواكب قال بشار: ولا بأس أيضاً بشيء قلته في هذا المعنى، فأوردته في أقرب لفظ، بسيط: من كل مشتهر في كف مشتهر ... كأن غرته والسيف نجمان قال: "فشبهت غرة الفضل والسيف بنجمين". 77 فقال أبو علي: فانبعث مسلم فقال لهم بسيط: في جحفل تشرق الأرض الفضاء به ... كالليل أنجمه القضبان والأسل فأخذه منصور الثمري فقال بسيط: ليل من النقع لا شمس ولا قمر ... إلا جبينك والمذروبة الشرع فقال العتابي بسيط: تهمي سنابكها من فوق أرؤسهم ... سقفاً كواكبه البيض المباتير 78 قال أبو علي: وقد استكثر الشعراء من التشبيه ومهروا فيه وفي أفانينه، ولم يخل شاعر قديم منه. 79 والآن، أذكر لمعاً من محاسنه التي وقع الإجماع على أنها أبدع ما قيل فيه، تتعلق بالحفظ، وتتصل بالمحاضرة بإذن الله ومشيئته. 80 قال أبو علي: أخبرني أبو عبد الله الحكيمي قال: أخبرني أحمد ابن يحيى قال: حدثنا الزبير عن الأصمعي، قال: استدعاني الرشيد في بعض الليالي وقد تصرمت قطعة من الليل. فراعني رسله، ولم أفتأ أن مثلت بحضرته، فإذا في المجلس يحيى بن خالد، وجعفر، والفضل، فلما لحظني الرشيد استدعاني، فدنوت، فتبين ما بنفسي من الوجل فقال لي "ليفرخ روعك فما أردناك إلا لما يراد له مثلك" فمكثت هينئة إلى أن أبت إلى نفسي، بعد أن كادت تطير شعاعاً، فقال: "إني نازعت هؤلاء القوم- وأشار إلى يحيى، وجعفر، والفضل -في أشعر بيت قالته العرب في التشبيه، ولم يقع إجماعنا على بيت نركن إليه دون غيره. فأردناك لفصل هذه القضية، واجتناء ثمرة الصواب فيها "فقلت: "يا أمير المؤمنين، إن التعيين على بيت واحدٍ، في نوعٍ، قد توسعت العرب فيه، والقصر عليه صعب ولكن أحسن الناس تشبيهاً امرؤ القيس، قال في ماذا؟ قلت: في قوله طويل: كأن قلوب الطير رطباً ويابساً ... لدى وكرها العناب والحشف البالي "وقوله" طويل: كأن عيون الوحش حول خبائنا ... وأرحلنا الجزع الذي لم يثقب "وقوله" متقارب: ولو عن نثا غيره جاءني ... وجرح اللسان كجرح اليد "وقوله" طويل: سموت إليها بعدما نام أهلها ... سمو حباب الماء حالاً على حال قال: فالتفت إلى يحيى، فقال: "هذه واحدة -وقد نص على أن أمرأ القيس أبرع الناس تشبيهاً -قال يحيى: "هني لك يا أمير المؤمنين. "قال: ثم قال لي الرشيد: فما أبرع تشبيهاته عندك؟ قلت: قوله يصف فرساً" متقارب: كأن تشوفه بالضحى ... تشوف أزرق ذي مخلب إذا بز عنه جلال له ... يقول سليب ولم يسلب قال: فقال الرشيد: "هذا أحسن، وأحسن منه قوله طويل: فرحنا بكابن الماء يجنب وسطنا ... تصوب فيه العين طوراً وترتقي 81 قال: فقال جعفر: "يا أمير المؤمنين! ما هذا هو الحكيم. "قال: فقال الرشيد: "وكيف!؟ " قال: "يذكر أمير المؤمنين، ما كان اختياره وقع عليه، ونذكر ما اخترناه، ويكون الحكم واقعاً من بعد، "قال: فقال الرشيد: "أفرض! "، "قال الأصمعي" فاستحسنتها منه، يقال افرض الرؤوس: إذا قارب الصواب، "قال: ثم قال الرشيد: "بل تبدأ يا يحيى، "فقال يحيى: "أشعر الناس تشبيهاً للنابغة في قوله كامل: نظرت إليك بحاجة لم تقضها ... نظر السقيم إلى وجوه العود وفي قوله طويل: فإنك كالليل الذي هو مدركي ... وإن خلت أن المنتآى عنك واسع وفي قوله بسيط: من وحش وجرة موشي أكارعه ... طاوى المصير كسيف الصيقل الرد 82 قال الأصمعي: "قلت أما تشبيهه مرض الطرف فحسن إلا أنه قد هجنه بذكر العلة، وتشبيهه المحب بالعليل، والأحسن قول عدي بن الرقاع العاملي كامل: وكأنها بين النساء أعارها ... عينيه أحور من جآذر جاسم وسنان أقصده النعاس فرنقت ... في عينه سنة وليس بنائم

83 قال الأصمعي: "فاستبشر الرشيد، وبرقت أسارير وجهه، حتى خلت برقا يومض منها،

وأما تشبيهه الإدراك بالليل، فقد ساوى الليل والنهار فيما يدركانه، وإنما كان سبيله أن يأتي بما ليس له قسيم، حتى يأتي بمعنى ينفرد به، ولو شاء قائل أن يقول إن قول البحتري في هذا أحسن، لوجد مساغاً إلى ذلك، حين يقول طويل: فلو كنت بالعنقاء أو بأسومها ... لخلتك إلا أن تصد تراني أما قوله "طاوي المصير، كسيف الصيقل الفرد" فالطرماح أحق بهذا المعنى لأنه أخذه فجرده وزاد عليه وقال كامل: يبدو، وتضمره البلاد كأنه ... سيف على شرف يسل ويغمد فقد جمع في هذا البيت استعارة لطيفة بقوله "وتضمره" وتشبيه اثنين باثنين، بقوله: "يبدو ويخفى، ويسل ويغمد" جمع حسن التقسيم، وصحة المقابلة". 83 قال الأصمعي: "فاستبشر الرشيد، وبرقت أسارير وجهه، حتى خلت برقاً يومض منها، وقال يحيني: فضلناك ورب الكعبة -واستقبح يحيى، فكأن الرماد ذر على وجهه- فقال الفضل: لا تعجل يا أمير المؤمنين حتى أمر ما قلته أيضاً على سمعه، فقال: "قل! ". 84 فقال الفضل: "أحسن الناس تشبيهاً طرفة في قوله طويل: يشق حباب الماء حيزومها بها ... كما قسم التراب المقابل باليد وفي قوله طويل: لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى ... لكالطول المرخى وثنياه في اليد وفي قوله طويل: ووجه كأن الشمس ألقت قناعها ... عليه، نقي اللون لم يتخدد 85 قال: "فقلت هذا حسن، وغيره أحسن منه وقد شاركه في هذا المعنى جماعة من الشعراء قبل وبعد، فطرفة صاحب واحدة لا يقطع بقوله في سواها وإنما يعد من أصحاب الواحدة". 86 قال: "ومن أصحاب الواحدة؟ "قلت: "الحارث بن حلزة في قوله خفيف: اذنتنا ببينها أسماء ... رب ثاو يمل منه الثواء والأسعر الجعفي في قصيدته التي أولها: خل دار قلبك من سليمى ما ... شفى ولقد عيب عليها فيما مضى والأفوه الأودي في قوله رمل: إن ترى رأسي فيه نزع ... وشواتي خلة فيها دوار وعلقمة بن عبدة في قوله طويل: طحا بك قلب في الحسان طروب ... بعيد الشباب عصر حين مشيب وسويد بن أبي كاهل في قوله رمل: بسطت رابعة الحبل لنا ... فوصلنا الحبل منها ما اتسع وعمرو بن كلثوم في قوله وافر: أمن ريحانة السميع ... يورقني وأصحابي هجوع فاستخف الرشيد الأريحية وقال: "ادنه، فإنك جحيش وحدك" فزاد في عيني نبلاً. 87 فقال جعفر متمثلاً: "ليت قليلاً يلحق الهيجا حمل" يعرض بأنه قد يجوز أن يدرك هو، بما يحاوله، فقال الرشيد: "فاتتك والله السوابق، وجئت سكيتاً ذا روائد أربعاً" -قال- "ورأيت الحمية في وجهه" فقال جعفر: "على شريطة حلمك يا أمير المؤمنين" قال: "أتراه يسع غيرك، ويضيق عنك!؟ "فقال جعفر: "لست أنص على شاعر واحد أنه صاحب أحسن بيت واحد تشبيهاً، ولكن قول امرئ القيس طويل: كأن غلامي إذا علا ظهر متنه ... على ظهر باز في السماء محلق وقول عدي بن الرقاع كامل: يتعاوران من الغبار ملاءة ... غبراء محكمة، هما نسجاها تطوي إذا وردا مكاناً جاسياً ... وإذا السنابك أسهلت نشراها وقول النابغة طويل: فإنك شمس والملوك كواكب ... إذا طلعت لم يبد منهن كوكب 88 قال الأصمعي: "هذا كله حسن بارع، وغيره أحسن منه. وإنما يجب أن يقال التعيين على ما يفترعه" قائله، فلم يتعرض له، أو تعرض له شاعر بعده، فوقع دونه، فأما قول امرئ القيس "على ظهر باز في السماء محلق" فمن قول أبي دؤاد. متقارب: إذا شاء راكبه ضمه ... كما ضم باز إليه الجناحا وأما قول عدي بن الرقاع "يتعاوران من الغبار ملاءة" فمن قول الخنساء كامل: جاري أباه فأقبلا وهما ... يتعاوران ملاءة الخضر وأول من أطلق هذا المعنى، شاعر جاهلي قديم من بني عقيل، فقال طويل: ألا يا ديار الحي بالبردان ... عفت حجج بعدي لهن ثمان فلم يبق منها غير نوي مهدم ... وغير أثاف كالركي رهان وأثار هلب أزرق اللون دابر ... عفته الريح والأنواء كل مكان قفار مرورات يحاربها القطا ... ويضحي بها الجأيان يعتركان يثيران من نسج الغبار عليهما ... فميصين: أسمالاً ويرتديان

89 قال الأصمعي: فكأني والله ألقمت جعفرا حجرا، فاهتز الرشيد فوق سريره سرورا،

وقد شارك عدياً أبو النجم، وأورده في أخصر لفظ، فقال يصف عيراً وأتانا وما أثاراه من الغبار بعدوهما رجز: ألقى تحيت القاع من غبارها ... سرباله، وانتاع في سربالها وأما قول النابغة: "فإنك شمس إلخ" فقد تقدمه فيه شاعر قديم من شعراء كنده، يمدح عمرو بن عند، وهو أحق به من النابغة، إذ كان أبا عذرها، فقال طويل: تكاد تميد الأرض بالناس أن رأوا ... لعمرو بن عند غضبة وهو عاتب هو الشمس وافت يوم سعد فأفضلت ... على كل ضوء والملوك كواكب 89 قال الأصمعي: فكأني والله ألقمت جعفراً حجراً، فاهتز الرشيد فوق سريره سروراً، وكان يطير عنه عجباً وطرباً، وقال: "لله درك يا أصمعي! اسمع الآن ما كان وقع اختياري عليه "فقلت: ليقل أمير المؤمنين، أحسن الله توفيقه" فقال: "عينت على ثلاثة أشعار، أقسم بالله أني أملك قصب السبق بأحدها، "فقال يحيى: "بعض على همتك، فأبى الله إلا أن يكون الفضل كله لك" ثم قال الرشيد: "أتعرف يا أصمعي تشبيهاً أفخم وأعظم، في أحقر مشبه وأصغره، وأندر شيء في أحسن معرض، من قول عنترة، الذي لم يسبقه إليه سابق، ولا نازعه منازع، ولا طمع في مجاراته فيه طامع، حين شبه ذباب الروض العازب في قوله كامل: وخلا الذباب بها يغني وحده ... غرداً كفعل الشارب المترنم هزجاً يحك ذراعه بذراعه ... فعل المكب على الزناد الأجذم ثم يا أصمعي، هذا من التشبيهات العقم التي لا تنتج، وشبهت بالريح العقيم التي لا تنتج ثمرة، ولا تلقح شجرة فقلت: "كذلك هو يا أمير المؤمنين! وعزك آليت ما سمعت أحداً قط وصف شعراً أحسن من هذه الصفة، ولا استطاع بلوغ هذه الغاية" فقال: "مهلاً لا تعجل، أترعف أحسن من قول الحطيئة يصف بغام ناقته؟ أو تعلم أحداً قبله، أو بعده، شبه تشبيهه فيه حيث يقول طويل: ترى بين لحييها إذا ما ترغمت ... لعاباً كبيت العنكبوت المودح" فقلت: "لا، والله! ما علمت أحداً تقدمه، ولا أشار إلى هذا التشبيه قبله، أو بعده" قال: "أتعرف أوقع أو أبدع من تشبيه الشماخبنعامة سقط ريشها وبقي أثره؟ بسيط: كأنما منثنى أقماع ما مرطت ... من العفاء بليتيها الثآليل فقلت: "لا، والله" 90 فالتفت إلى يحيى، فقال: "أوجب؟ " قال: "وجب! " قال: "أفنزيدك؟ "قال: "وأي، هو خيركم فزدني منه، يا أمير المؤمنين قال: "وقول النابغة الجعدي طويل: رمى ضرع ناب فاستهل بطعنة ... كحاشية البرد اليماني المسهم ثم التفت إلى الفضل، فقال: "أوجب؟ " قال: وجب! " قال: "أزيدك؟ " قال: "ذاك إلى أمير المؤمنين" قال: "قول الأعرابي طويل: بها ضرب أذناب العطايا كأنها ... ملاعب ولدان تحط وتمصع ثم التفت إلى جعفر فقال: "أوجب" قال: "وجب" قال: "أزيدك!؟ قال: "لأمير المؤمنين علو الرأي" قال: "قول عدي بن الرقاع كامل: تزجي أغن كأن إبرة روقه ... قلم أصاب من الدواة مدادها 91 فقلت: "يا أمير المؤمنين، هذا بيت حسد عليه عدياً، جرير! "فقال: "وكيف ذاك! " قلت: "زعم أبو عمرو بن العلاء: أن جريراً قال: لما ابتدأ عدي نشد: كامل: عرف الديار توهماً فاعتادها ... من بعد ما شمل البلى أبلادها "قلت في نفسي، قد ركب والله مركباً صعباً، سيبدع فيه "فما زال يتخلص من حسن إلى أحسن إلى أن قال: تزجى أغن كأن إبرة روقه "قال فرحمته، وظننت أن عادته تقصر به، فلما قال: "قلم أصاب من الدواة مدادها" حالت الرحمة حسداً". 92 قال: "لله درك يا أصمعي، "ثم أطرق، ورفع رأسه، وقال: "أتراك تغنيني عن عقلي بانحطاطك في شعبي؟! "فقلت: "كلا، يا أمير المؤمنين، إنك لتجل عن الحرش! " فقال: "انظر حسناً" قلت: "قد نظرت، قال: "فالسبق عنه؟ " قلت: "لأمير المؤمنين" قال: "فقد أسهمت لك فيه العشر، والعشر كثير! ثم رمى بطرفه إلى يحيى، فقال: "المال الساعة، وأوكى لك" قال: "فما كان ساعة، حتى نضدت البدر بين يديه، إلى أن كادت تحول بيني وبينه، ورأيت ضوء الصبح قد غلب على ضوء الشمع، فأشار إلى خادم على رأسه (كم؟) فقال: (ثلاث آلاف درهم) ، فقال: (دونك فاحتمل ثلاثين بدرة وانصرف بها إلى منزلك) ونهض عن مجلسه، وأمر الخدم بمعاونتي على تعجل حملها، فحمل كل خادم بدرة، لا يكاد يستقل بحملها.

93 قال أبو علي: وأخبرنا محمد بن عبد الواحد، عن أحمد بن يحيى، عن أبي نصر، عن

وكانت أسعد ليلة ابتسم فيها الصباح عن أحد بالغنى. 93 قال أبو علي: وأخبرنا محمد بن عبد الواحد، عن أحمد بن يحيى، عن أبي نصر، عن الأصمعي قال: اجمع أبو عمرو بن العلاء، وخلف الأحمر، ويونس -وهؤلاء أهل العلم بالشعر- أن التشبيهات العقم، التي انفرد بها أصحابها، ولم يشركهم فيها غيرهم ممن تقدم، ولا ممن تأخر أبيات معدوات: أحدها-قول عنترة في تشبيه حنك الغراب بالجلمين كامل: ظعن الذين فراقهم أتوقع ... وجرى بينهم الغراب الأبقع حرق الجناح كأن لحيي رأسه ... جلمان بالأخبار هش مولع ثانيها- وقول عدي بن الرقاع في تشبيه قرن الظبي كامل: تزجى أغن كأن إبرة روقه ... قلم أصاب من الدواة مدادها ثالثها- وقول الراعي يصف ناقصاً، جعد الرأس، دنس الثياب كامل: فكأن فروة رأسه من شعره ... رعيت فأنبت جانباها فلفلاً رابعاً وقول بشر بن أبي خازم بن عمرو الأسدي إذ حفر أصله الثور بأظلافه بالأعنة طويل: يثير ويبدى عن عروق كأنها ... أعنة خراز تخط وتبشر شبه عروق الأرطي بحمرة الأعنة، أي كأنها أعنة خراز بين جديد وبالٍ. خامسها وقول الطرماح في وصف النعام بسيط: مجتاب شملة برجد لسراته ... قدراً، وأسلم ما سواه البرجد سادسها وقول ذي الرمة في تشبيه الليل، ولم يقل أحد قبله، ولا بعده، في هذا المعنى مثله إلا إنهم قد شبهوا الليل بالطيلسان في خضرته وأمواج البحر وغير ذلك -طويل: وليل كجلباب العروس أدرعته ... بأربعة والشخص في العين واحد أحم علافي، وأبيض صارم ... وأعيس مهري، وأروع ما جد سابعها وقول مضرس بن ربعي في صفه نعامة بسيط: صفراء عارية الأكارع، رأسها ... مثل المدق، وأنفها كالمبرد 94 قال الأصمعي: ومن هذه التشبيهات التي سبق إليها قائلوها، وقصر عنها طالبوها، بل لم يتعرض لها متعرض من الشعراء، قول النابغة في تشبيه النسور طويل: تراهن خلف القوم خزراً عيونها ... جلوس الشيوخ في ثياب المرئب ولقد أحسنت أخت ذي الكلب في قولها بسيط: تمشي النسور إليه وهي لاهية ... مشي العذارى عليهن الجلابيب قال: وقول عبد الله بن الزبير الأسدي في تشبيه رأس القطاة بالجوزة طويل: تقلب للإصغاء رأساً كأنها ... يتيمة جوز اعترتها المكاسر. قال أبو علي: الزبير: البئر المطوية بالحجارة، والزبير الداهية، والزبير: الكتاب المكتوب، أخذ من المزبر وهو القلم وقوله أيضاً طويل: جرى.. الحيات فيها كأنها ... مصانع.. لأن ارحل مرت نطفة بين البراتي كأنها ... سقط من الجوانح.. مقبل لأصهب صيفي مشته خطيم ... إذا حضرت تسديه حبة فلفل تقلب رأساً كال ... وو أنا ... نورد قطاة غلست ورد منهل 95 قال أبو العباس، وأنا أقول: قول ذي الرمة في تشبيه الرمل بأوراك العذارى -وهذا من احتيال الشعراء-طويل: ورمل كأوراك العذاراى قطعته ... إذا لبسته المظلمات الحنادس وقول رجل من باهلة يشبه بغي رجل ذكره وافر: وبغيك يا ابن جزء في تماد ... كسيل الأكم يبتدر الوهادا وقول امرئ القيس طويل: كأن عروساً يوم جلوة أهلها ... عليها شنوف الدر هضبة أسلاف وأخذه أبو ذؤيب فقال في صفة عقبة بسيط: كأنها كاعب حسناء زينها ... حلي وأترفها طعم وإصلاح 96 وقال أبو علي: أخبرني محمد بن عبد الواحد، قال: أخبرني ابن ابي حية عن الجاحظ قال: "لا نعلم في الأرض شاعراً تقدم في تشبيه مصيب تام، في معنى غريب عجيب، أو في معنى شريف كريم، أو في معنى بديع مخترع، إلا وكل من جاء من الشعراء بعده، أو معه، إن هو لم يغر على لفظه فيسرق بعضه، أو يدعيه بأسره، فإنه لا يدع أن يستعين بالمعنى، ويجعل نفسه شريكاً له فيه، أو كالمعنى الذي يتنازعه الشعراء بينهم، فتختلف ألفاظهم، وأعاريض أشعارهم، ولا يكون أحد منهم أحق بذلك المعنى من صاحبه، ولعله أن يجحد أن يكون سمع بذلك المعنى قط، وقال خطر على بالي من غير سماع، كما خطر على بال الأول، هذا، إذا قر بما به، إلا ما كان من قول عنترة في وصف الذباب، فإنه وصف فأجاد.

97 قال أبو علي: أخبرني أبي، قال أخبرني أبو عمرو بن سعيد الكاتب، قال أخبرني أحمد

فتحامى معناه جميع الشعراء، فلم يعرض له أحد منهم، ولقد عرض له بعض المحدثين، ممن كان يحسن القول، فبلغ من استكراهه لذلك المعنى، ومن اضطراره فيه إلى أن صار فيه دليلاً على سوء طبعه، مهجناً ما تقدم من إحسانه" قال: "وذلك قول عنترة كامل: وخلا الذبا ببها يغني وحده ... غردا كفعل الشارب المترنم وذكر البيتين. 97 قال أبو علي: أخبرني أبي، قال أخبرني أبو عمرو بن سعيد الكاتب، قال أخبرني أحمد بن يحيى عن السيري عن ابن عائشة قال: "لا أعلم أحداً شبه رجلاً بريح عادٍ، إلا السيد الحميري، فإنه ابتدع من هذا المعنى ما لم يتقدمه أحد إليه، ولا تعرض له بعده معترض، فقال في علي بن أبي طالب رضي الله عنه بسيط: لكن أبو حسن والله أيده ... قد كان عند اللقا للطعن معتاداً إذا رأى معشراً حرباً أنامهم ... إنامة الريح في أبياتهم عاداً. 98 قال أبو علي، وأنا أقول: إن من أحسن التشبيهات قول حميد بن ثور الهلالي طويل: أرقت لبرق آخر الليل يلمع ... سرى دائباً فيها يهب ويهجع دجا الليل واستن استناناً رفيفه ... كما استن في الغاب الحريق المشعشع سرى كاحتساء الطير والليل ضارب ... بأرواقه والصبح قد كان يسطع وقول الشماخ وافر: لليلى بالعنيزة ضوء نار ... تلوح كأنها الشعرى العبور إذا ما قلت أخمدها زهاها ... سواد الليل والريح الدبور وقول امرئ القيس طويل: جمعت ردينياً كأن سنانه ... سنا لهب لم يستعر بدخان الفصل الثاني أبدع حشو انتظمه بيت أورد لإقامة وزنه 99- قال أبو علي: وهذا باب لطيف جداً، لا يتيقظ له إلا من كان متوقد القريحة متباصر الآلة؛ طباً بمجاري الكلام؛ عارفاً بأسرار الشعر؛ متصرفاً في معرفة أفانينه، ولا أعلم أحد أحسن فيه إحسان طرفة في قوله بسيط: فسقى ديارك غير مفسدها ... صواب الربيع وديمة تهمي لأنه احترس للدار من تعفية آثارها؛ ومحو رسومها؛ بقوله "غير مفسدها" وسلم من التعلق على بيت ذي الرمة طويل: ألا يا اسلمي يا دارمي على البلى ... ولا زال منهلاً بجرعائك القطر فإن جماعة من أصحابنا؛ تتبعوا قوله "لا زال منهلاً بجرعائك" قالوا وإذا كان الأمر كذلك؛ طمس معالمها؛ وعفى رسومها، ولعمري إن في ذلك بعض التعلق؛ ولكنه -الباين- قد احترس من هذا الاعتراض؛ احتراساً قدمه في صدر البيت في قوله "اسلمي على البلى" فدعا لها بالسلامة على تعاقب الأحوال؛ وتصرفها؛ التي توجب بلى الدار؛ واندرس الآثار؛ ثم استسقى لها بأن قال "ولا زال منهلاً بجرعائك القطر" فتعلق المعنى الثاني بالأول؛ ودخل تحت الدعاء لها بالسلامة، وإنما ذهب في الدعاء لها بقوله: "ولا زال منهلاً بجرعائك القطر" إلى قول القائل "ما زلت آتيك" يريد أكثر من إتيانك؛ لا أنه أراد أن إتيانه لا ينقطع عنه، إلا أنه لا يقع تعاقب فيه، ألا ترى إلى قول كثير وافر: وما زالت رقاك تسل ضغني ... وتخرج من مكامنها ضبابي ويحويني لك الحاوون حتى ... أجابت حية تحت اللضاب فقوله "وما زالت رقاك" غير دال على أنها دائمة الاتصال، غير منقطعة الانفصال، وإنما يذهب بهذه الكلمة مثل هذا الموضع وإضرابه إلى ما ذكر آنفاً دون غيره، من الملازمة، والمخالفة التي لا ينقطع بها انقطاع. 100-ومثل هذا في براعة الحشو، قول الأخطل بسيط: وأقسم المجد -حقاً- لا يحالفهم حتى يحالف بطن الراحة الشعر فقوله "حقاًط حشو أفاد أحسن معنى، ووقع أحسن موقع. 101- ومن بارع هذا المعنى قول امرئ القيس طويل: كأن عيون الوحش حول خبائنا ... وأرحلنا الجزع الذي لم يثقب فلو قال: كأن عيون الوحش الجزع الذي لم يثقب، واستقام الوزن بذلك، لكان التشبيه تاماً واقعاً، فلما لم يقم الوزن، أورد في المعنى زيادة بارعة، رائعة، لأن قوله "حول خبائنا وأرحلنا" إخبار عن كثرته، وتمدح منه بأنه مرزوق في صيده. 102- وقال الفرزدق طويل: وقد خفت حتى لو أرى الموت مقبلاً ... ليأخذوني، والموت يكره زائره لكان من الحجاج أهون روعة ... إذا هو أغفى وهو سام نواظره

106- وأقبح من هذين البيتينقول الأعشى كامل:

فانظر إلى لطفه في قوله "إذا هو أغفى" ليكون أشد مبالغة في الوصف، إذ شبهة عند إغفائه، فما ظنك به ناظراً، أو متأملاً؟! ثم نزهة عن الإغضاء. فقال: "وهو سام نواظره" وهذه مواضع لطيفة، لا يطالعها إلا من شف جوهره، وساعدته قريحته. 103- قال أبو علي: ومن بديع هذا الباب قول عبد الله بن المعتز -على تأخر زمانه- طويل: وخيل طواها القود حتى كأنها ... أنابيب سمر من قنا الخط ذبل صبينا عليها ظالمين سياطنا ... فطارت بها أيد سراع وأرجل فانظر إلى قوله "ظالمين" ما أعجبها، وأحسن موقعها، لأن قوله "ظالمين" ناف عنها هجنة الإبطاء، وفخر بأن ضربها كان من غير إحواج منها إليه البتة. وأحسبه نظر إلى قول أعرابي متقدم طويل: وعود قليل الذنب عاودت ضربه ... إذا هاج شوقي من معاهدها ذكر وقلت له ذلفاء ويحك سببت ... لك الضرب فاصبر إن عادتك الصبر 104- فشتان بين هذا وبين قول أوس بن حجر طويل: وهم لمقل المال أولاد علة ... وإن كان محضاً في العمومة مخولاً فذكره للمال، مع قوله "مقل" حشو لا فائدة فيه. 105- وقد عيب على أبي العيال الهذلي قوله مجزوء الكامل: ذكرت أخي فعاودني ... صداع الرأس والوصب فذكر الرأس، مع ذكر الصداع، فضل، لو طرحه لاستغنى عن إيراده. 106- وأقبح من هذين البيتينقول الأعشى كامل: فرميت غفلة قلبه عن شاته ... فأصبت حبة قلبها وطحالها فتكرير ذكر القلب، لا فائدة فيه، وهجن البيت بقوله "وطالحها" أقبح تهجين، وقد احتج قوم "طحالها"، لأنه أراد: أصبت مقتلها، إذا كان الطحال مقتلاً. 107 ودون ذلك قول ديك الجن كامل: فتنفست في البيت إذ مزجت ... بالماء، واستلت سنا اللهب كتنفس الريحان ما زجه ... من ورد جور ناضر الشعب فقوله "بالماء" مع ذكره "مزجت" لا فائدة فيه، لأنه مستغن بقوله "مزجت" عن ذكر الماء، وإنما اعتمد فيه على قول أبي نواس كامل: سلبوا قناع الطين عن رمق ... حيي الحياة مشارف الحتف فتنفست في البيت إذ مزجت ... كتنفس الريحان في الأنف أبدع بيت قيل في الإغراق وبعضهم يسميه الغلو 108 قال أبو علي: وجدت العلماء بالشعر يعيبون على أبيات الإغراق، ويختلفون في استهجانها واستحسانها، ويعجب بعض منهم بها، وذلك على حسب ما يوافق طباعه واختياره، ويرون أنها من إبداع الشاعر الذي يوجب الفضلة له، ويقولون: إن أحسن الشعر أكذبه، وإن العلو إنما يراد بله المبالغة، قالوا: وإذا أتى الشاعر من الغلو بما يخرج به عن الموجود، ويدخل في باب المعدوم، فإنما يراد به المثل، وبلوغ الغاية في النعت. واحتجوا بقول النابغة -وقد سئل من أشعر الناس؟ فقال-: "من استجيد كذبه، وأضحك رديه" وقد طعن قوم على هذا المذهب، لمنافاته الحقيقة، وأنه لا يصح عند التأمل والفكرة. 109 وأنا ذاكر من أعيان أبيات الإغراق، وما يتعلق بالمذاكرة، إذ كان كتابي هذا مقصوراً على ما جانبها، وناسبها. 110 فمن الأبيات المشار إليها في الإغراق، قول قيس بن الخطيميصف طعنة طويل: طعنت ابن عبد القيس طعنة ثائر ... لها نفذ لولا الشعاع أضاءها ملكت بها كفى فانهرت فتقها ... يرى قائم من دونها ما وراءها -أنهرت: وسعت- 111قال أبو علي: وقول عنترة في مثل ذلك من وصف طعنة كامل: برحبة الفرعين يهدي جرسها ... بالليل معتس السباع الضرم 112 ومن الإغراق، قول النمر بن تولبيصف سيفاً بسيط: ابقى الحوادث والأيام من نمر ... أسباد سيف قديم أثرد باد تظل تحفر عنه إن ضربت به ... بعد الذراعين والساقين والهادي 113 وفي قول النابغة في هذا المعنى إغراق، إلا أنه أسفر مطلعاً وأسهل مشرعاً طويل: نقد السلوقي المضاعف نسجه ... وتوقد بالصفاح نار الحباحب 114 قال آخر في وصف ضربة، وأغرق سريع) ضربته في الملتقى ضربة ... فبان عن منكبه الكاهل فصار ما بينهما رهوة ... يمشي بها الرامح والنابل قال أبو علي: النبال: الذي يعمل النبل، والنابل: الذي يحمل النبل، وكذلك سياف وسايف، ورماح ورامح، وما جرى مجراه.

115 ومن الإغراق قول النابعة يصف حوم الطير حول العسكر توقعا للقتل طويل:

115 ومن الإغراق قول النابعة يصف حوم الطير حول العسكر توقعاً للقتل طويل: جوانح قد أيقن أن قبيله ... إذا ما التقى الجمعان أول غالب فجعل الطير توقن بأنه غالب. 116 وقد تقدمه الأفوه الأودي إلى هذا المعنى بقوله رمل: وترى الطير على آثارنا ... رأي عين ثقة أن ستمار 117 قال أبو علي: ولكن من أين للأفوه الأودي، ابتداء النابغة: بما يحسن عند السامع، عما ينقاد له القول، قبل استمامه؟ هو طويل: إذا ما غزوا بالجيش حلق فوقهم ... عصائب طير تهتدي بعصائب فقدَّم في هذا البيت معنى ما تحلق الطير من أجله، ثم أوضحه بقوله طويل: يصاحبنهم حتى يغرن مغارهم ... من الضاربات بالدماء الدوارب تراهن خلف القوم خزراً عيونها ... جلوس الشيوخ في مسوك الأرانب لهن عليهم عادة قد عرفنها ... إذا وضعوا الخطي فوق الكواثب 118 فتبعه حميد بن ثور الهلالي فقال طويل: إذا ما غزا يوماً رأيت غيابة ... من الطير يرقبن الذي هو صانع فهم بأمر ثم أزمع غيره ... وإن ضاق أمر مرة فهو واسع (119) فتلاهم أبو نواس فقال وأحسن مديد: تتأيا الطير غدوته ... ثقة بالشبع من جزره قال أبو علي: وحكى عمر الوراق، قال: "رأيت أبا نواس ينشد: وإذا مج القنا علقا ... وتراءى الموت في صوره راح في ثنيي مفاضته ... أسد يدمي شبا ظفره تتأيا الطير غدوته ... ثقة بالشبع من جزره فقلت له ما تركت للنابغة شيئاً؟ فقال: "اسكت؟ فلئن كان سبق إليه، لما انصاعت الأتباع له". 120 قال أبو علي: وأحمد من هذا مذهباً، وأسلم تركيباً، قول أبي تمام -على تأخر زمانه- طويل: تسربل سربالاً من الصبر وارتدى ... عليه بعضب في الكريهة فاصل وقد ظللت أعقاب رايته ضحى ... بعقبان طير في السماء نواهل أقامت مع الرايات حتى كأنها ... مع الجيش إلا أنها لم تقاتل 121ومن هذا قول الراجز، يصف فرساً له، وهو أول من نطق به راجز: جاء كلمع البرق جاش ناظره ... يسبح أعلاه ويطفو آخره فما تمس الأرض منه حافره 122 واعتمد خلف الأحمر على هذا المعنى فقال يصف ثوراً وحشياً، إلا أنه أتى فكاد يخرج بها عن حبل المحال كامل: فكأنما جهدت اليته ... ألا تمس الأرض أربعه 123 وقال أبو نواس رجز: ما إن يقعن الأرض إلى فرطاً ... كأنما يعجلن شيئاً لقطاً 124 قال أبو علي: ومن بعيد الإغراق قول مهلهل وافر: فلولا الريح اسمع أهل حجر ... صليل البيض تقرع بالذكور إذ كان بين حجر وبين موضع الوقعة التي ذكرها مسافة بعيدة جداً. 125 ومن بعيد الأغواق، قول الآخر في صفة الناقة: ويمنعها من أن تطير زمامها 126 قال أبو علي: وأحمد منه، ما أنشدناه محمد بن عبد الواحد أحمد بن يحيى لأبي هفان رجز: تسمع للريح إذا ما سارا ... بين سواريه رحاً دواراً لو أنه طار بعيرا طارا 127 وفي مثله قول معاوية بن مرداس، يصف فرساً بسيط: يكاد في شأوه لولا اسكته ... لو طار ذو حافر من سرعة طارا 128 ونحوه قول سلمة بن عوف في فرس عامر بن الطفيل طويل: فلو أنها تجري على الأرض أدركت ... ولكنما يطلبن تمثال طائر 129 ويجري معه قول ابن مقبل طويل: كأن يديه والغلام يجله ... جناحان من سواذق حين شمرا -السواذنيق: الصقر، والشاهين، أيضاً، والأجدل: والصقر، والمضر: حي النسر. 130 وبيت امرئ القيس أحسن وأشبه وأحسبه أول من طرق هذا المعنى، بقوله طويل: كأن غلامي إذا علا حال متنه ... على ظهر باز في السماء محلق 131 ومثل ذلك قول سلمان بن ربيعة بن زبان متقارب: وليلة أفنيت ريعانها ... بعجلزة جمزي المدخر جموح لجري إذا عوفيت ... وإن نوزفت برزت بالخصر سبوح إذا اعتزمت في العنا ... ن مروح معلمة كالحجر فلو طار ذو حافر قبلها ... لطارت، ولكنه لم يطر فما سوذنيق على مرفأ ... خفيف الفؤاد حديد النظر رأى أن ينافسها بالعرا ... فبادر ولجات الخمر

-قال أبو علي: الريعان، أول كل شيء والعجلزة: الصلبة، تجمع على عجالز، وقوله:

بأسرع منها ولا مفزع=يقمصه رخصه بالوتر -قال أبو علي: الريعان، أول كل شيء والعجلزة: الصلبة، تجمع على عجالز، وقوله: "نوزفت" من نزيف البئر، و"اعتزمت": أعطت أقصى ما عندها، والسوذنيق: الشاهين، وقالوا: الصقر والأجدل: الصقر. والخمر: ما واراك من شجر أو غيره، وسميت الخمر خمراً من ذلك، لأنها تواري العقل، والمفزع: السهم العريض. 132 ومن هذا النوع قول الراجز: يا رب مهر مزعوق ... مقيل أو مغبوق من لين الدهم الروق ... متى شتى كالذعلوق أسرع من طرف الموق ... وطائر وذي فوق وكل شيء مخلوق -المزعوق: النشيط، والذعلوق: الغصن، مقيل: شرب القايلة، وهو نصف النهار. 133 وقد أحسن بعض المحدثين بقوله في صفة سرعة فرس رجز: يكاد أن تسبقه أفياؤه ... كأنما قدامه وراؤه 134 ومن الإغراق في اللمس، قول أبي صخر الهذلي طويل: تكاد يدي تندى إذا ما لمستها ... وينبت في أطرافها الورق الخضر 135 ومن التسليم لدخول "لو" فيه، قول زهير بسيط: لو كان يقعد فوق النجم من كرم ... قوم بأولهم أو مجدهم قعدوا فأخذه أبو دلامه فقال بسيط: لو كان يقعد فوق النجم من كرم ... قوم لقيل اقعدوا يا آل عباس 136 قال أبو علي: ووجدتهم يستحسنون قول قيس بن الذريح طويل: فلو أن ليلى العامرية سلمت ... عليّ ودوني تربة وصفائح أسلمت تسليم البشاشة أو زفا ... إليها صدى من جانب القبر صادح 137 وهذان البيتان ينظران إلى قول الأعشى سريع: لو اسندت ميتاً إلى نحرها ... عاش ولم ينقل إلى قابر حتى يقول الناس مما رأوا ... يا عجباً للميت الناشر 138 وقد صرح أبو النجم بسرقته فقال رجز: لو أسندت ميتاً إليها لنشر ... أو مسحت عن عين أعمى لنظر 139 قال أبوعلي: أنشدني أبو عبد الله الحكيمي قال: أنشدني أحمد بن يحيى قال: ولا أعرف في الإغراق أبعد منها لجرير وافراً: فلو وضعت بني نمير=على خبث الحديد إذن لذابا -وصفهم بكثرة الفسق، يقول: يكادون يذيبون خبث الحديد من شدته وتلهبه. إذا غضبت عليك بنو تميم ... حسبت الناس كلهم غضابا 140 وأخذ هذا المعنى -وهو معنى البيت الأخير- أبو نواس. ونقله من القبيل إلى رجل واحد، فقال وأحسن سريع: وليس لله بمستنكر ... أن يجمع العالم في واحد 141 ومن الإغراق البعيد قول أبي العجل القيني طويل: أضاءت لهم أحسابهم وحلومهم ... دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبه 142 وقو أبي وجزة السعدي وافر: ألا عللاني فالتعلل أروح ... وينطق ما شاء اللسان المصرح بإجانة لو كان يكرع بازل ... من البخت فيها ظل بالسيف يسبح أَحْسَنُ اِبْتِدَاءٍ ابْتَدَأَ بِهِ شاعرٌ قصيدتَه 143 قال أبو علي: أخبرنا محمد بن عبد الواحد قال: أخبرنا أحمد بن يحيى، عن أبي نصر، عن الأصمعي، قال: "لامرئ القيس بيت لم يسبقه إليه أحد، ولا ابتدأ بمثله شاعر، وقف فيه واستوقف، وبَكَى واستبكى، وذكر الأحبة والمنازل، وَوَصَفَ الدّمَنَ فقال: طويل: قفا نبك من ذكرى حبيبٍ ومنزل ... يسقط اللِّوى بيْن الدَّخول فحوملِ 144 أخبرنا عبد الله بن جعفر بن درستويه، عن محمد بن يزيد قال أخبرنا أبو العالية عن الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء قال: "الابتداءات البارعة التي تقدم أصحابُها فيها خمسة: أولها: قول النابغة طويل: كِلِيني لهمٍّ يا أُمَيْمَةَ ناصبٍ ... وليل أقاسيه بَطِيء الكواكبِ وقوله أيضاً بسيط: يا دار ميَّة بالعلياء فالسَّنَد ... أَقْوَتْ وطال علَيْها سالفُ ألأَبَدِ ثانيها: وقول علقمة بن عبدة طويل: طَحَا بِكَ قلْبٌ في الحِسانِ طَرُوبُ ... بُعَيْدَ الشباب عصْرَ حينَ مشيب وقوله بسيط: هَلْ ما عَلِمْتَ وما استُودعْتَ مكتومُ ... أم حَبْلُها إِذ نأتك اليَومَ مَصْرُومُ ثالثها وقول امرئ القيس طويل: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... يسقط اللوى بين الدخول فحومل ولم يَسْبِقْه أَحَدٌ إليه.

145 قال أبو علي: أخبرنا محمد بن عبد الواحد عن أحمد بن يحيى عن الأثرم عن أبي

145 قال أبو علي: أخبرنا محمد بن عبد الواحد عن أحمد بن يحيى عن الأثرم عن أبي عبيدة عن أبي عمرو بن العلاءِ قال: "أَحْسَنُ ابتداء في الجاهلية قَوْلُ امريءِ القيس طويل: أَلاَ عِمْ صَبَاحاً أَيُّها الطَّلَلُ البالي ... وهل يعمن من كان في العصر الخالي وقوله "قفا نبك" إلىآخر البيت، لأنَّهُ وقف واستوقف، وبَكَى واسْتَبْكَى، وذكر الأحِبَّة والمنازل، وَوَصَفَ الدّمَنَ" "وفي الإسلام، القُطَامِيُّ في قوله بسيط: إِنَّا مُحيُّوكَ فاسلَم أيُّها الطلل ... وإن بَلِيتَ وإن أعيابك الطِّيلُ" "ومن المُحْدَثين، بشار في قوله طويل: أَبَى طَلَلٌ بالجَزْع أن يتكلَّمَا ... وماذا عليه لَوْ أجاب مُتَيَّماً 146 قال أبو علي: أخبرنا محمد بن عبد الواحد، عن محمد بن يزيد قال: أخبرنا سعيد بن هارون الأشنانداني، عن التَّوزِي، قال: سمعت الأصمعي يقول: "لم يبتدئ أحد من الشعراء بأحسن ما ابتدأ به أَوْسُ بن حَجَر منسرح: أَيْتُها النفسُ اجْمِلِي جَزَعَاً ... إِنَّ الَّذِي تحذَرين قَدْ وَقَعَا إِنَّ الَّذي جمع الشجاعة والنَّجْد ... ةَ والحزْمَ والنَّدَى جُمَعَا الألمعي الذي يَظُنُّ بك الظَّنَّ ... كَأَنْ قَدْ رأى وَقَدْ سَمِعَا لأنه افتتح المرثية بلفظٍ نطق به على المذهبِ الذي ذهبَ إليه منها في القصيدة، فأَشْعَرَكَ بِمُرادِه، في أوَّل بيتٍ، وهذا نهايةُ وصفِ الشِّعْر، والشاعر". 147 قال: "وقول أبي ذُؤَيْب، لأنه ابتدأ كَلامه في أوله، بما دلَّ عَلَى آخر غَرضهِ فَقال كامل: أَمِنَ المَنُون وريبها تَتَوجَّعُ ... والدَّهرُ ليْس بِمُعْتِبٍ من يَجْزَعُ 2- وإنِّي لأعْجَبُ كيف لَمْ يَقُلْ الناسُ إنَّ أشعر بيت قالتهُ العربُ كامل: والنفسُ راغبةٌ إذا رغَّبْتَها ... وإِذا تُرَدُّ إلى قليلٍ تَقْنَعُ 148 قال أبو علي: أخبرني محمد بن عبد الواحد، عن أبي ذكروان عن التوزي قال: سمعتُ أبا عمرو بن العلاء يقول: "أحسن المراثي ابتداءً وتبعاً قول أوس" وذكر الثلاثة أبيات. 149 قال أبو علي: أخبرني أبو عبد اله الحكيمي قال أخبرني أحمد بن يحيى عن عبد الرحمن عن عمه قال: "اخبثُ النَّس أوائلَ شِعْرٍ، النابغةُ الذبياني، والفرذدق. وأجْوَدُهُم أوائلَ شعرٍ، قيسُ بن الخيطم وجريرُ وأنشد لقيس طويل: أَتَعْرِفُ رسماً كاطِّراد المذاهب ... لِعمرةَ وحْشاً غيرَ مَوْقِفِ رَاكِبِ قال: "وقوله -ولا أعرف في الطَّيْفِ مثلَه كامل: أَنَّي سَرَيتِ وكُنْتِ غَيْرَ سَروبِ ... وتُقَرَّبُ الأحلامُ غيرَ قَريب مَا َتْمَنِعي يقْظَي فَقَدْ تُوُتِيْنَهُ ... في النوم غير مُصَرَّدٍ، مَحْسُوبِ -قال أبو علي: قوله "ما تمني يقظي" مأخوذ من قول الأعشى، أو قول الأعشى مأخوذ منه كامل: يَجْحَدْون ديني بالنهار واقتضى ... ديني إذا وَقَذَ النُّعاسُ الرُّقَّدا والأعْشَى اعتمد فيه على قول عمرو بن قميئة متقارب: نَأَتْكَ أمَامَةُ إلاَّ سؤالا ... وإِلا خيالاً يُوافِي خيالا يوافي مع الليل ميعادها ... ويأتي مَعَ الصُّبْح إلا زيادلاً 150 قال الأصمعي: "وقد أحسن الأعشى في البتدائه طويل: كَفَى بالذي تُولِيَنُه لو تَجَنَّبَا ... شفاءً لِسقْمٍ بعد ما عاد أشيبا" 151 قال أبو علي: ومن بديع ابتداءات المحْدَثين قول أبي نواس منسرح: أعطَتْك ريحانها العُقَارُ ... وحان من لَيْلنا انْسِفَارُ وقوله طويل: لمن دمن تزداد طيب نسيم ... على طول ما أذوت وحسن رسوم تُجَافي البِلَى حتى كأنما ... لبِسْنَ على الاِقواء ثوْبَ نعيم وقوله طويل: أَلاَ لاَ أَرَى مِثْلي امتَرى اليَومُ في رسَمٍ ... تَوََّمُهُ عينِي ويلفظُهُ وَهْمِي وقوله طويل: أَتَتْ صُوَرُ الأشياءِ بيني وبَيْنَهُ ... فَظَنِّي كَلاَ ظَنِّي، وعِلمي كلا عِلْمِي 152 والسابقُ إلى هذا المعنى امْرُؤُ القيس بقوله متقارب: لِمَنْ طَلَلٌ "داثِر" آيُهُ ... اضَرَّ بِهِ سَالِفُ الأَحْرُسِ تنكره العينُ مِنْ جادث ... ويَعْرِفُه شغف الأنْفُسِ

153 وقد اتبع امرأ القيس طريح بن إسماعيل الثقفي فقال كامل:

153 وقد اتَّبَع امرأ القيس طُرَيْحُ بنُ إسماعيل الثَّقفي فقال كامل: تَستَخبرُ الدِّمَنض القِفَارَ وَلضمْ يَكُنْ ... لِتَرُدَّ مُخْبرةً على مستخْبِرِ فظَلَلْتَ تحكُمُ بين قلبٍ عارفٍ ... مَغْنَى أحِبَّتِهِ، وطَرفٍ مُنْكِرِ 154 وأحسن أبو نواس في ابتدائه حيث يقول كامل: صفة الطلول بلاغةُ القُدْمِ ... فاجعَلْ صفاتِك لابْنَةِ الكَرْمِ لا تَخْدَعنَّ عن التي جعلَتْ ... سُقْم الصحيح وصِحَّةَ السقْمِ والبيت الثاني من ذهين البيتين أَخَذَهُ من قول الأعشى متقارب: وَكَأسٍ شَرِبْتُ عَلَى لَذَّةٍ ... وأخرى تَأَوَّلْتُ مِنْهابِها 155 كقول أبي نواس بسيط: سَاعٍ بكأسٍ إلى ناسٍ على طَرَبٍ ... كِلاَهُما عَجَبٌ في منظَرٍ عَجَبِ قامت تُرِينِي وَأمْر الليل مجتمعٌ ... صُبْحاً تولَّد بين الماءِ والعِنبِ كأنَّ صُغْرَى وكُبْرَى من فَواقِعهَا ... حَصباءُ دُرٍ عَلَى أَرْض من الذَّهَبِ قال أوب علي: وأكثر ابتداءاته واتباعها مقصورة. 156 ولا أعلم أحداً من المحُحدَثين بعد أبي نواس، تناضر إحسانه في ابتدائاته مثل أبي تمام. فإنه أحسن كل الإحسان في قوله كامل: بِأربْعُ لَوْ رَبَعُوا عَلَى ابْنِ هُمُوم ... مُسْتَسْلِمٍ لِجَوى الفراق سَقِيمِ وقوله بسيط: يَا بُعْدَ غَايَةِ دَمْع العين إنْ بعدُوا ... هي الصَّبابةُ طولَ الدَّهْرِ والسهد وقوله طويل: قِفُوا جَدِّدوا من عهدكم بالمعاهِدِ ... وإِنْ هِيَ لم تَسْمَعُ لنشدَانِ ناشِد ويُروى "وَإِنْ لَمْ تُصِخْ سَمْعاً لِنِشْدانِ ناشد". 3- ومن بديع ابتداءاته بسيط: السَّيْفُ أصدَقُ أنْباءً منَ الكتب ... في حَدِّه الحَدُّ بين الجدِّ واللَّعِبِ 4- وإن كان قد أخذ المصراع الأول من قوله: مَحَا السَّيفُ ما قال ابنُ دَارَةَ أَجْمَعَا" 157 ومن الإراق قوله خفيف: أيُّها البَرْقُ بِتْ بأعْلَى البُراق ... وأغدُ فيها بِوَابِلٍ غَيْدَاقِ وتَعَلَّمْ بأَنَّهُ، مالأَنْوَا ... ئِكَ، إِنْ لَمْ تُرَوِّها مِنْ خَلاَقِ مِنْ طالما التقت أدْمُعُ المزْ ... نِ عليها وأدْمُع العُشَّاقِ فَقَدْ أَحْسَنَ في الثلاثة الأبيات، إحساناً لا يختلُّ على نقاد الكلام، وجَهَابِذَةِ الألفاظِ. 158 وما أحسن فيه كل الإحسان، حتى لو شئت أن أقول إنه يجري وأوس بن حجر في مضمار واحد، قوله مبتدئاً مرثية طويل: اصم بك الناعي وإن كان اسمعا ... وأصبح مغنى الجود بعدك بلقعا -فلا أعلم نظيراً لقول أوس بن حجر: "أيتها النفس أجملي جزعاً" إلا هذا. 159 ومن ابتداءات البحتري، التي وفق فيها قوله كامل: عارضتنا أصلاً فقلنا: الربرب ... حتى أضاء الأقحوان الأشنب وقوله وافر: أناة أيها الفلك المدار ... انهباً ما تقسم أم جبار وقوم يزعمون أنه أحسن في قوله طويل: ضمان على عينيكم إني لا أسلو ... وإن فؤادي من جوى بك لا يخلو. 160 قال ألو علي: أخبرني أبو عمرو قال أخبرنا أحمد بن يحيى عن أبي عبد الله القمي قال: سمعت ابن الأعرابيغير مرة يقول: "ما ظننت أن أحداً في زماننا يحسن أن يبتديء فيقول كما قال إسحاق الموصلي خفيف: هل إلى أن تنام عيني سبيل ... إن عهدي بالنوم عهد طويل ولا كما قال أبو نواس كامل: صفة الطلول بلاغة القدم ... فاجعل صفاتك لابنة الكرم تصف الطلول على السمكاع بها ... أفذوا العيان كأنت في العلم وإذا نعت الشيء متبعاً ... لم يخل من زلل ومن وهم قال: "ولم يقل في معنى هذه الأيات أحدٌ مثلها". 161 قال أبو علي: أما أبيات أبي نواس هذه، فلا يستطيع أحد مماثلتها في معناها بشيء من أشعار المتقدمين، ولا المتأخرين ابتداعاً للمعنى، وإحساناً في الصفة، ودقة في النسج، وأما بيت إسحاق الموصلي، فعذب المشرب، متوقد الكوكب، لولا أن قول أبي نواس، كدر صفوه، وكذب نوءه، وهو كامل: رسم الكرى بين الجفون محيل ... عفى عليه بكاً عليك طويل يا ناظراً ما أقلعت لحظاتها ... حتى تشخص بينهن قتيل

162 قال أبو علي: أخبرني أبو عبد الله محمد بن أحمد البزاز، قال حدثني إبراهيم بن

162 قال أبو علي: أخبرني أبو عبد الله محمد بن أحمد البزاز، قال حدثني إبراهيم بن موسى مولى بني هاشم عن عبد الله بن عمرو قال أخبرني أبي عن مسافر القرفساني، قال: "ورد على العتابي -وهو بحلب- عشرة من الكتاب من أهل قنسرين، فرأوا في يده رقعة ينظر فيها، فقال: (أنظرتم إلى الرقعة التي كانت في يدي؟ قالوا: نعم قال: لقد سلك صاحبها وادياً ما سلكه غيره، فلله دره" وكانت فيها أبيات أبي نواس وهي كامل: رسم الكرى بين الجفون محيل ... عفى عليه بكاً عليك طويل وبعدها كامل: أحللت قلبي من هواك محلة ... ما حلها المشروب والمأكول ألطف بيت تخلص به شاعر من وصف إلى مدح أو ذم 163 قال أبو علي: من حكم النسيب الذي يفتتح به الشاعر كلامه، أن يكون ممتزجاً بما بعده من مدح، أو ذم، أو غيرهما غير منفصل منه. فإن القصيدة مثلها مثل خلق الإنسان في اتصال بعض أعضائه ببعض، فمتى انفصل واحد عن الآخر، أو باينه في صحة التركيب، غادر بالجسم عاهة، تتخون محاسنه، وتعفى معالم جماله، ووجدت حذاق الشعراء، وأرباب الصناعة من المحدثين، محترسين من مثل هذه الحال، احتراساً يجنبهم شوائب النقصان، ويقف بهم على محجة الإحسان، حتى يقع الاتصال، ويؤمن الانفصال، وتأتي القصيدة في تناسب صدورها وأعجازها، وانتظام نسيبها بمديحها كالرسالة البليغة، والخطبة الموجزة، لا ينفصل جزء منها عن جزء -كقول مسلم بن الوليد، وهو من بارع التخلص طويل: أجدك هل تدرين أن رب ليلة ... كأن دجاها من قرونك ينشر نصبت لها حتى تجلت بغرة ... كغرة يحيى حين يذكر جعفر وقول بكر بن النطاح متقارب: ودوية خلقت للسراب ... فأمواجه بيها ترزخر كأن حنيفة تحميهم ... فأليتهم خشن أوزر وهذا مذهب اختص به المحدثون، لتوقد خواطرهم، ولطف أفكارهم، واعتمادهم البديع وأفانينه في أشعارهم، فكأنه مذهب سهلوا حزنه، ونهجوا رسمه، وأما الفحول الأوائل، ومن تلاهم من المخضرمين، والإسلاميين، فمذهبهم المتعالم فيه: "عد عن كذا، إلى كذا" وقصارى كل رجل منهم، وصف ناقته بالعتق، والكرم، والنجابة، والنجاء، وأنه امتطاها وادرع عليها جلباب ليل، وتجاوز بها {بها جوف} نتوفة إلى الممدوح. وهذه الطريق المهيع، والمحجة اللهجم وربما اتفق لأحدهم معنى لطيف تخلص به إلى غرضه ولم يتعمده إلا أن طبعه السليم ساقه إليه، وصرفه المستقيم أضاء له مناره وأوقد له باليفاع ناره في ال شعر،. 164 فمن أحسن تخلص تخلص به شاعر إلى معتمده قول النابغة الذبياني طويل: فاسبل منيعبرة فرددتها ... على النحر، منها مستهل ودامع على حين عاتبت تالمشيب على الصبا ... وقلت: ألما أصح والشيب وازع وقد حال منهم دون ذلك شاغل ... مكان الشغاف تبتغينه الأصابع وعيد أبي قابوس في غير كنهه ... أتاني ودوني راكس والوضاجع فهذا كلام متناسج تقتضي أوائله أواخره، ولا يتميز منه شيء، عن شيء، ثم اعترض ذلك من وصف حاله، عند علمه بوعيده، وتشبيهه نفسه بالسليم من ذكر الحية، ووصفها بسوء سمها، وتناذره الرقية إياها، ما أبدع فيه كل الإبداع، فقال: فبت كأني عاورتني ضئيلة ... من الرقش في أنيابها السم ناقع يسهد من نوح العشاء سليمها ... بحلي النساء في يديه قعاقع تناذرها الراقون من سوء سمها ... تطلقه طوراً وطوراً تراجع ثم عاد عاطفاً كلامه على ما تقدم من تخلصه فقال: وأخبرت ... خير الناس أنك لمتني وتلك التي تستك منها أمسك مخافة أن قد قلت سوف أناله ... وذلك من تلقاء مثلك راح 165 فلو توصل إلى ذلك بعض صناع المحدثين الحذاق والذين واصلوا تفتيش المعاني، وفتحوا أبواب البديع، واجتنبوا ثمرة الآداب، وفحوا زهر الكلام، لكان معجزاً عيباً فكيف بجهل بدوي، إنما يغترف من قليب قلبه، ويستمد عفو هاجشه. 166- ومن التخلص اللطيف إلى الخروج، قول حسان بن ثابت كامل: إن كنت كاذبة الذي حدثتني ... فنجوت منجى الحارث بن هشام ترك الأحبة أن يقاتل دونهم ... ونجا برأس طمرة ولجام ويروى "والرماح تنوشهم". فهذا تخلص إلى الهجاء لطيف، ومثله قل أبي الشمقمق متقارب:

167- ومن التخلص البديع إلى المدح قول الآخر طويل:

وأحببت من أجلها الباخلي ... ن، حتى رمقت ابن سلم سعيدا إذا سيل عرفاً كسا وجهه ... ثياباً من اللوم صفراً وسوداً 167- ومن التخلص البديع إلى المدح قول الآخر طويل: دعون الهوى ثم ارتمين قلوينا ... بأسهم أعداء وهن صديق فلا وصل والحجاج بيني وبينهم ... وأوزر مغبر العجاج عميق ومن يأمن الحجاج أما عقابه ... فمر مغبر عقده فوثيق 168 قال أبو علي: أخبرنا محمد بن عبد الواحد عن أحمد بن يحيى عن عمر بن شبة عن أبي عبيدة قال: "أحسن تخلص للعرب تخلصت به من بكاء طلل، ووصف إبل وتحمل أظعان، وتصدع جيران، بغير (دع ذا، وعد عما ترى) . واذكر كذا من صدر إلى عجز، لا يتعداه، شاعر إلى سواه، ولا يعلقه بما عداه: - قول زهير بسيط: إن البخيل ملوم حيث كان ول ... كن الجواد على علاوته هرم - وقول الأعشى يمدح الأسود مخاطباً ابنته خفيف: لا تشتكي إلىَّ وانتجعي الأسود أهل الندى وأهل الفعال - وقوله خفيف: فعلى مثلها أزور بني قي ... س إذا شط بالحبيب الفراق - وقوله كامل: نحو ابن سلمى حارث قطعت ... عرض النجاد مطيتي تضع ورث السيادة عن أوائله ... فأتم أحسن ما هم صنعوا - وقول حاتم الطائي بسيط: إن كنت كارهة معيشتنا ... هاتا فحلي في بني بدر - وقول ذي الرمة، يمدح هلال بن أحوز طويل: حنت إلى نعم الدهنا فقلت لها ... أمي هلالاً على التوفيق والرشد 169- قال ابو علي: ومن أحسن ما قيل في مخاطبة الناقة قول الفرذدق وافر: على من تلفتين وأنت تحتي ... وخير الناس كلهم أمامي متى تردي الرصافة تستريحي ... من الأنساع والدبر الدوام 170 وينظر إلى هذا البيت قول لأبي نواس طويل: وإذا المطي بنا بلغن محمداً ... فظهورهن على الرجال حرام قربننا من خير من وطيء الرثى ... فلها علينا حرمة وذمام 171 أخبرني علي بن هرون قال: سألت أبي، عن أحسن تخلص، تخلص به شاعر إلى مدح أو هجو. فقال: "هذا يا بني مذهب انفرد به المحدثون، وقل ما يتفق الإحسان فيه لمتقدم، فأما ما وجدت أهلنا مجتمعين على أنه، لم يتوصل أحد بمثله إلى مدح، فقول محمد بن وهيب كامل: ما زال يلثمني مراشفه ... ويعلني ألابريق والقدح حتى استرد الليل خلعته ... وبدا خلال سواده وضح وبدا الصباح كأن غرته ... وجه الخليفة حين يمتدح 172- " وقال علي بن الجهم بسيط: وليلة كحلت بالنفس مقلتها ... ألقت قاع الدجى في كل أخدود قد كاد تغرقني أمواج ظلمتها ... لولا اقتباس سنا وجه ابن داود فقوله: (كحلت بالنفس مقلتها) مأخوذ من قول ذي الرمة: (والليل قد صبغ الحصى بمداد) . 173 وقد أخذ هذا أبو نواس فقال وافر: أبن لي كيف صرت إلى نديمي ... وجفن الليل مكتحل بقار 174 "وأخذ أبو تمام هذا المعنى فقال طويل: إليك قطعنا جنح ليل كأنما ... اكتحلت كل العيون بإثمد" 175 "وقد أخذ لفظ الأعرابي المتقدم، أبو نواس فقال رجز: قد اغتدى والليل كالمداد ... والصبح ينفيه عن البلاد ففي المشيب حالك السواد" 176 وإنما نظر في هذا المعنى إلى قول أعرابي بسيط: أقول والنجم قد مالت أواخره ... إلى المغيب: تبين نظرة حار المحه من سنا برق رأى بصري ... أم وجه نعم بدائلي أم سنا نار بل وجه نعم بداء والليل معتكر ... فلاح من بين حجاب وأستار 177 قال: "ومن لطف التخلص، وإن لم يقصد شاعر مدحاً، ولا ذماً، قول البحتري بسيط: بين الشقيقة فاللوى فالأجرع ... من حسبن على الرياح الأربع فكأنما ضمنت معالمها الذي ... ضمنته أحشاء المحب الموجع" 178 قال ثم قال: "وبل قول محمد بن وهيب أولى به. فإنه أحسن في تخلصه من وصف الديار، إلى وصف شوقه، فقال- وأتبعه البحتري بما قدمنا ذكره -كامل: طللان طال عليهما الأبد ... دثرا فلا علم ولا قصد لبسا البلى فكأنما وجدا ... بعد الأحبة مثل ما أجد" 179 قال أبو الحسن علي بن هرون، وأنا أقول: "إن البحتري أحسن كل الإحسان في قوله البيت كامل:

180 قال أبو علي: أخبرني عبد الله بن جعفر بن درستويه، قال: (قال لي البحتري -وقد

لا أجعل الأعوام حادثة ... تخبر عن عيسى بن إبراهيم لي بعد - وقد أحسن وهب الهمذاني في قوله خفيف: واطلب الريف يا نديمي والر ... ريف من الأرض حيث إسماعيل - وأحسن البحتري في قوله كامل: سقيت رباك بكل نوء جاعل ... من وبله حقاً لها معلوماً ولو أنني أعطيت منهن المنى ... لسقيتهن بكف إبراهيما 180 قال أبو علي: أخبرني عبد الله بن جعفر بن درستويه، قال: (قال لي البحتري -وقد اجتمعنا على سلوة عند أبي العباس المبرد، وسلكنا مسلكاً من المذاكرة- "أشعرت أني سبقت النس كلهم إلى قولي طويل: شقائق يحملن الندى فكأنه ... دموع التصابي في خدود الخرائد كأن يد الفتح بن خاقان أقبلت ... تليها بتلك البارقات الرواعد قال: "فاستحسن ذلك المبرد استحساناً اعترف فيه وقال: (ما سمعت بمثل هذه الألفاظ الرطبة، ولا بمثل هذه العبارة العذبة، لأحد تقدمك، ولا تأخر عنك) ". فاعترته أريحية جر بها رداء العجب. 181 قال أبو محمد "فكأني أعجبني ما يعجب الناس من المراجعة في القول، فقلت: يا أبا عبادة إنك لم تسبق إلى هذا المعنى، بل سبقك إليه سعيد بن حميد الكاتب إلى البيت الأول بقوله كامل: عذب الفراق لنا غداة وداعنا ... ثم اجترعناه كسم ناقع فكأنما أثر الدموع بخدها ... طل سقيط فوق ورد يافع -وشركك فيه أبو العباس الناشيء لما أنشد هذا قال متقارب: بكت للفراق فقد راعني ... بكاء الحبيب لبعد الديار كأن الدموع على خذها ... بقية طل على جلنار -وما أساء علي بن العباس الرومي بقوله -بل زاد في إحسانه عليك- منسرح: لو كنت يوم الفراق حاضرنا ... وهن يطفئن لوعة الوج لم تر إلا دموع باكية ... تهجع من مقلة على خد كأن تلك الدموع قطر ندى يقطر من نرجس على ورد وسبقك أبو تمام إلى معنى البيتين معاً بقوله كامل: من كل زاهر ترقرق بالندى ... فكأنها عين إليك تحدر تبدو، ويحجبها الجحيم كأنها ... عذراء تبدو مرة وتخطر خلق أطل من الربيع كأنه ... وجه الإمام وهديه المتنشر في الأرض من عدل الإمام وجوده ... ومن الربيع الغض مرج تزهر ينسى الربيع وما يروض فعله ... أبداً على طول اليالي يذكر قال: "فشق ذلك عليه، وحل حبوته ونهض، فكان آخر عهدي بمؤانسته، وغلظ ذلك على محمد بن يزيد، وقدح في حالي عنده". 182 قال أبو علي وجمعني ورجلاً من مشايخ البصرة -ومن يومأ إلى مجلسه بالشعر- مجلس بعض الرؤساء، وكان خبر ذلك الشيخ، سبق إلي في عصبيته لبحتري، وتفضيله إياه، على أبي تمام، ووجدت صاحب المجلس، يؤثر سماع كلامنا في هذا المعنى، فأنشأت قولاً، أنحيت فيه على البحتري إنحاء، أسرفت فيه، واقتدحت زناد الشيخ به، فتكلم، وتكلمت. وخضنا في أفانين من التفضيل، والمماثلة، فعلوته في جميعها علواً شهده من حضر المجلس. وكانوا جلة الوقت، وأعيان أهل الأدب بالبصرة. 183 فاضطر إلى أن قال: "ما يحسن أبو تمام يبتدئ، ولا يخرج ولا يختم، فلو لم يكن للبحتري من فضل عليه، إلا حسن ابتداءاته، ولطف خروجه، وبراعة انتهائه، لوجب أن يقع التسليم له، فكيف بأوابده التي تزداد على التكرار حظوة وجدة؟! " ثم أقبل علي وقال: "فأيت يذهب عن ابتداءاته؟ كامل: عاضننا أصلاً فقلنا: الربرب ... حتى أضاء الأقحوان الأشنب -وأني لأبي تمام بمثل خروجه حيث يقول طويل: أدارهم الأولى بدارة جلجل ... سقاك الحيا روحاته وبواكره وجاءك يحكي يوسف بن محمد ... فروتك رياه وجادك ماطره -وقد كرر هذا، وزاد فيه بقوله بسيط: تنصب البرق مختالاً فقلت له ... لوجدت جود بني يزداد لم تزد -ومن هذا هذا الذي ألطف مخرجاً؟ من وصف روض، إلى مدح! فقال أحسن من قوله؟! طويل: كأن سناها بالعشي لصاحبها ... تبلج عيسى حين يلفظ بالوعد -الناس كلهم طويل: أتتك القوافي نازعات قواصداً ... يسير ضاحي وشيها وينمنم ومشرقة في النظم غراً يزيدها ... بهاء وحسناً أنها لك تنظم -وقوله في هذا المعنى طويلي: ألست الموالي فيك نظم قصائد ... هي الأنجم اقتادت مع الليل أنجما

184 قال أبو علي: وكنت ساكتا، إلى أن استتم كأمه، فكأنه جماعة أعجبهم ذلك، عصبية

ثناء كأن الروض فيه منورا ... ضحى وكأن الوشى فيه مسهماً -ولقد تقدم البحتري الناس كلهم طويل: ولو أن مشتاقاً تكلف غير ما ... في وسعه لمشى إليك المنبر 184 قال أبو علي: وكنت ساكتاً، إلى أن استتم كأمه، فكأنه جماعة أعجبهم ذلك، عصبية علي، لا على أبي تمام، فإني كنت كالشجاع معترضاً في لهواتهم. وأسر كل واحد منهم إلى صاحبه سراً يومئ إليه باستيلاء الرجل عليَّ. فلما استتم كلامه، وبرقت له بارقة طمع في تسليمي له ابتدأت فقلت: 185 لست ممن يقعقع له بالحصى ولا يقرع له بالعصى! لا إله إلا الله!! أستنت الفصال، حتى القرعي؟! يا سبحان الله! هل هذه المعاني إلا عون مفترعة قد تقدم أبو تمام إلى سبك نضارها؟!! وافتضاض أبكارها!؟ وجرى البحتري على وتيرته، في انتزاع أقفلها واتباعها!! -فأما قوله: "عارضننا أصلاً فقلنا الربرب" فمن قول أبي الجويرة العبدي كامل: سلمن نحوي مودعين بمقلة ... فكأنما نظرت إلينا الربرب وقرأن نحوي مودعين تحية ... كادت تكلمنا وإن لم تعرب -وأما قوله في وصف الغيث للدار طويل: وجاءك يحكي يوسف بن محمد ... فروتك رياه وجادك ماطره -وقوله في هذا المعنى: "لوجدت جود بني يزداد لم تزد" فمن قول أبي تمام كامل: ولنؤيها في القلب نوي شفه ... وله بظاعنها وبالمتخلف وكأنما استسقى لهن محمد ... فرسومهن من الحيا في زخرف -ومن قوله الذي تقدم فيه كل أحد، لفظاً رشيقاً ومعنى بديعاً خفيف: ديمة سمحة القياد سكوب ... مستغيث بها الثرى المكروب أيها الغيث حي أهلاً بمغدا ... ك، وعند السرى وحيث تؤوب لأبي جعفر خلائق تحكي ... هن قد يشبه النجيب النجيب أنت فينا في ذا الزمان غريب ... وهو فينا في كل وقت غريب -وقوله طويل: كأن سناها بالعشي لصاحبها ... تبلج عيسى حين يلفظ بالوعد فإنما نظر فيه إلى قول دعبل متقارب: وميثاء خضراء زريبة ... بها النور يلمع من كل فن ضحوكا إذا لاعبتها الرياح ... تأود كالشارب المرجحن فشبه صحبى نوارها ... بيربوع كسرى ووشى اليمن فقلت: بعدتم، ولكنني ... أشبهه بجناب الحسن فتى لا يرى المال إلا العطا ... ولا الكنز إلا اعتقاد المنن -وأما قوله في صفة القوافي: "يسير ضاحي وشيها وينمنم" وقوله في "وكأن الوشي فيها مسهماً" فمن قول أبي تمام كامل: دانوا بها عقد النسيب ونمنموا ... من وشيه نسقاً لها وقصيداً -ومن قوله الذي أبدع فيه طويل: ووالله لا أنفك أهدي شواردا ... إليك، يحملن الثناء المنخلا تخال به برداً عليك محبباً ... وتحسبه دراً عليك مفصلا ألذ من السلوى وأطيب نفحة ... من المسك مفتوتاً وأيسر محملا أخف على روح وأثقل قيمة ... وأقصر في شجع الجليل وأطولا ويزهى به قوم ولم يمدحوا به ... إذا مثل الرواي به أو تمثلا -وقول البحتري: "هي الأنجم اقتادت مع الليل أنجماً" مأخوذ من قول أبي تمام، ومقصر فيه كل التقصير، عن استيفاء إحسانه حين يقول طويل: اصخ تستمع در القوافي ما لها ... كواكب إلا أنهن سعود ولا يمكن الأخلاق منها فإنما ... يلذ لباس البرد وهو جديد 186 قال أبو علي: فقلت له، هذا حال صاحبك، فيما عددته من محاسنه التي هتكت فيها ستر عواره، ونشرت مطاوي أسراره. حتى استوضحت الجماعة أن إحسانه فيها عارية مرتجعة، ووديعة منتزعة. 187 فاسمع ما قاله أبو تمام في نحو أبياتك -التي أوجبت الفضل في أساليبها لصاحبك- حين قال مبتدئاً كامل: لا أنت، أنت ولا الديار ديار ... خف الهوى وتولت الأوطار كانت مجاورة الطلول وأهلها ... زمناً عذاب الورد فهي بحار -وقوله كامل: رقت حواشي الدهر فهي تمرمر ... وغذا الثرى في حليه يتكسر -وقوله كامل: أرأيت أي سوالف وخدود ... عنت لنا بين اللوى فزرود وهل يستطيع أحد يبتدئ بمثل ابتدائه كامل: طلل الجميع لقد عفوت حميداً ... وكفى على زرء بذاك شهيدا دمن كأن البين أصبح طالبا ... دمناً لدى أرامها وحقودا -أو مثل قوله مبتدئاً كامل:

188 ومن بديع الخروج قول علي بن الجهم طويل:

يا دار در عليك إرهام الندى ... واهتز روضك في الثرى فترأدا وكسيت من خلع الحيا مستأسدا ... أنفاً يغادر روضه مستأسدا أو مثل قوله: سرت تستجير الدمع خوف ندى غد ... وعاد قتاداً عندها كل مرقد فأذرى لها الاشفاق دمعاً موردا ... من الدم يجري فوق خد مورد -وقد أحسن حين ابتدأ فقال وافر: نوار في صواحبها نوار ... كما فاجاك سرب أو صوار يكذب حاسد فنأت قلوب ... أطاعت واشياً ونأت ديار -وقوله كامل: ما في وقوفك ساعة من باس ... تقضي ذمام الأربع الأدراس فعل عينك أن تجود بمائها ... والدمع منه مغزل ومواس -وقوله خفيف: ما عهدنا كذا نحيب المشوق ... كيف آفة المعشوق -وقوله كامل: دمن الم بها فقال سلام ... كم حل عقدة صبره الألمام ومن اقتضاباته العجيبة قوله طويل: لهان علينا أن نقول وتفعلا ... ونذكر بعض القول منك وتفضلا -ومن قوله أيضاً مقتضياً كامل: ألحق أبلج والسيوف عوار ... فحذار من أسد العرين حذار ومما تقدم فيه كل أحد، في حسن التخلص إلى المدح قوله بسيط: إساءة الحادثات استبطي نفقاً ... فقد أظنك إحسان بن حسان -وقوله طويل: إذا العيس لاقت بي أبا دلف فقد ... تقطه ما بيني وبين النوائب -وقوله بسيط: لم يجتمع قط في مصر ولا طرف ... محمد بن أبي مروان والنوب -وقوله، المنقطع ونه كل أحد في هذا المعنى كاملي: إن الذي خلق الخلائق قاتها ... أقواتها لتصرف الأحراس فالأرض، معروف السماء قرى لها ... وبنو الرجاء لهم بنو العباس القوم ظل الله اسكن دينه ... فيهم وهم جبل الملوك الراسي -وقوله أيضاً كامل: عامي وعام العيس بين وديقة ... مسجورة وتنوفة صهيود حتى أغادر كل يوم بالفلا ... للطير عيداً من بنات العيد هيهات منها روضة محمودة ... حتى تحل بأحمد المحمود بمعرس العرب الذي وجدت به ... أمن المروع وعصرة المنجود -ومن أبدع ابتداءاته قوله كامل: أسقى طلولهم أجش هزيم ... وعددت عليهم نضرة ونعيم جادت معاهدهم عهاد سحابة ... ما عهدها عند الديار ذميم ثم تخلص إلى المدح فقال -وأحسن كل الإحسان: لا والذي هو عالم أن النوى ... صبر وأن أبا الحسين كريم ما زلت عن سنن الوداد ولا غدت ... نفسي على إلف سواك تحوم ثم عاد إلى المدح فقال: لمحمد بن الهيثم بن شبانة ... مجد إلى جنب السماك مقيم ملك إذا نسب الندى من ملتقى ... طرفيه، فهو له أخ وحميم -وأبو تمام الذي وصف القوافي، بما لا يستطيع أحد وصفها بمثله فقال طويل: فإن أنا لم يحمدك عني صاغراً ... عدوك، فاعلم أنني غير حامد بسياحة تنساق من غير سائق ... وتنقاد في الآفاق من غير قائد محببة ما إن تزال ترى لها ... إلى كل أفق وافداً غير وافد -وهو الذي قال أيضاً كامل: جاءتك من نظم اللسان قصيدة ... سمطان فيها اللؤلؤ المكنون إنسية وحشية كثرت بها ... حركات أهل الأرض وهي سكون ينبوعها خضل، وحلي قريضها ... حلي الهدى ونسيجها موضوم أما المعاني فهي أبكار إذا ... نضت، ولكن القوافي عون -وقال أيضاً وأبدع في وصفها كامل: لم تلق حلية منطق إلا وقد ... سبقت سوابقها إليك جيادي أبقين في أعناق مجدك جواهراً ... أبقى من الأطواق في الأجياد فهل يستطيع أحد أن ينسب هذا، إلى شيء من السرق والاحتذاء؟ وهل يستطيع مماثلته بشيء من أشعار البحتري؟ وأشعار المحدثين في عصره أو قبله، فعيي عن الجواب، قصوراً عن الحجة، واحجم إحجام عاجز عن المساجلة وحكمت لي الجماعة عليه بالفلج والغلبة ولم ينصرف من المجلس حتى اعترف بتقديم أبي تمام على جميع المحدثين، في صنعة البديع، واختراع المعاني. وكان يوماً مشهوداً. 188 ومن بديع الخروج قول علي بن الجهم طويل: وسائرة ترتاد أرضاً تجودها ... شغلت بها عيناً قليلاً هجودها أتتنا بها ريح الصبا فكأنها ... فتاة تزجيها عجوز تقودها

189 وقد أخذ هذا التشبيه معكوسا أبو العتاهية فقال وافر:

فما برحت بغداد حتى تفجرت ... بأودية ما تستفيق مدودها فلما قضت حق العراق وأهله ... أتاها من الريح الشمال بريدها فمرت تفوت الطرف سعياً كأنها ... جود عبيد الله ولت بنودها يريد انصراف عبيد الله بن يحيى بن خاقان عن (الجعفري) إلى (سر من رأى) عند قتل المتوكل. 189 وقد أخذ هذا التشبيه معكوساً أبو العتاهية فقال وافر: ورايات يحل النصر فيها ... تمر كأنها قطع السحاب وهذا من حذق الشاعر، ولطفه. 190 ومن مليح التخلص قول ديك الجن خفيف: وغرير يقضي بحكمين: في الرا ... ح بعدل، وفي الهوى بمحال للنقا، وردفه، والخطوط ما ح ... مل ليناً، وجيده للغزال فعلت مقلتاه بالصب ما تفعل ... جدوى يديك بالأموال 191 وقول الآخر: أيام غصن الشباب يهتز كال ... أسمر في راحة ابن حماد أبدع ما قيل في القوافي المتمكنة 192 قال أبو علي: من حكم الشاعر -إذا اعتمد بناء قصيدة- أن يتخير من القوافي أسهلها لفظاً، وأوضحها معنى، وينفي الجافي عنها، ويميز القلق منها، ويسوق البيت إلى القافية لطفاً، حتى يكون لفقه وطبقه. فإنه إذا اعتمد ذلك، وقعت القافية مستقرة غير قلقة ولا نافرة. حتى لو أراد مريد أن يبدلها بغيرها، لم يستطع ذلك. 1- فمن أحسن القوافي المستقرة قول زهير "طويل: وأعلم علم اليوم والأمس قبله ... ولكنني عن علم ما في غد عم فقوله "عم" واقعة موقعاً لطيفاً. 2- وقوله طويل: وخرق كأن الطير في منزلاته ... على جيف الحسرى مجالس تنتحي وقع موقعاً شريفاً. 3- وقوله طويل: وقد كنت من سلمى سنين ثمانيا ... على صبر أمر ما يمر وما يحلو الصير: صير الباب، والصير: الطرف، والصير: الصحناة، فقوله "يحلو" واقعة أحسن موقع، وأبدعه. 193 قال أو علي: أخبرني علي بن سلمان قال: سمعت محمد بن يزيد يقول: "ما أعرف قافية أحسن موقعاً من قول الحطيئة وافر: هم القوم الذين إذا ألمت ... ممن الأيام مظلمة أضاؤوا فلقوله "اضاؤوا" من "مظلمة" موقع حسن جداً. 194 وقول الصمة القشيري طويل: ألا يا غرابي بيتها لا تصدعا ... وطيرا جميعاً بالهوى، أوقعا معاً فقوله "أوقعا معاً" وقع وقعاً حسناً، لم يتفق مثله لأحد، إلا متمم حيث يقول طويل: فلما تفرقنا كأن ومالكاً ... لكول اجتماع لم نبت ليلة معاً وقول الأعشى لأمتقارب: وكأن شربت على لذة ... وأخرى تداويت منها بها فقوله "منها بها" لطيفة الموقع جداً. 195 أخبرني عبد الله بن جعفر بن درستويه عن محمد بن يزيد عن المازني، عن الأصمعي، عن أبي عمرو بن العلاء قال "القوافي المتمكنة التي وفق أصحابها لها، خمس: 1- أحدها: قول الأعشى كامل: وإذا تكون كتيبة ملمومة ... خرساء يخشى الذائدون نزالها كنت المقدم غير لا بس جنة ... بالسيف تضرب معلماً أبطالها وعلمت أن النفس تلقى حتفها ... ما كان خالقها المليك قضى لها قال أبو عمرو: أردت قوله "قضى لها"، لحسن موقعها، لا يستطيع أحد مماثلته. 2- والثانية: قول قيس بن الخطيم طويل: خليلي، لا والله، لا أملك الذي ... قضى الله في ليلي ولا ما قضى ليا 19 قال محمد بن يزيد: "ومثل قوله (ليا) في هذا الموضوع، وحسن موقعها قول الآخر طويل: ولو أن واش باليمامة داره ... وداري بأقصى حضرموت اهتدى ليا وقال عبد يغوث طويل: ألا لا تلوماني كفى اللوم ما بيا ... فما لكما في اللوم خير ولا ليا 3- 197 قال أبو عمر: "والقافية الثالثة، قول الفرودق طويل: وإن تهج آل الزبرقان فإنما ... هجوتم طوال الشم من هضب يذبل وقد ينبح الكلب النجوم ودونه ... فراسخ تغضي الطرف للمتأمل أرى الليل يجلوه النهار ولا أرى ... عظام المخازي من عطية تنجلي قال أبو عمر: أردت قوله "تنجلي" فإنها متمكنة جداً. 4- والقافية الرابعة: قول أبي كبير الهذلي كامل: ومعابلاً صلع الظبات كأنها ... جمر بمسكهة تشب لمصطلي قال: أردت قوله "مصطلي" فإنها لطيفة جداً.

198 قال أبو علي: أحسن القوافي عندي تمكنا وألطفها موقعا قول امرئ القيس طويل:

5- قال أبو عمرو: والقافية الخامسة: قول ذي الرمة وافر: أراح فريق جيرتك الجمالا ... كأنهم يريدون احتمالا فكدت أموت من جزع عليهم ... ولم أر ثوي الأظعان بالا قال: فلقوله "بالا" موقع حسن لا يستطيع أحد مماثلته". 198 قال أبو علي: أحسن القوافي عندي تمكناً وألطفها موقعاً قول امرئ القيس طويل: بعثنا ربيئاً قبل ذلك مخملاً ... كئب الغضا يمشي الضراء ويتقي فقوله "يتقي" مستقرة في أحسن مستقر. 199 وقول الحطيئة بسيط: دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي فقوله "الكاسي" واقعة موقعاً عجيباً. 200 قال أبو علي: وقد اتبع هذا البيت الأعشى فقال طويل: أبا ثابت لا تعلقنك رماحنا ... أبا ثابت واقعد فإنك طاعم 201 وقول النابغة كامل: كالأقحوان غداة غب سمائة ... جفت أعاليه وأسفله ندى زعم الهمام ولم أذقه بأنه ... يشفي برياريقه العطش الصدى ويروى "بطيب لثاتها". فقوله "ندى" و"العطش الصدى" واقعتان أحسن المواقع وأعجبه. أحكم بيت اشتمل على ثلاثة أمثال سائرة 202 قال أبو علي: أكثر ما يتفق مثل في شعر مطبوع، أو لفظ مصنوع، لبعد مرامه، وفوت مطلبه. وقد قال زهير فأحسن طويل: وفي الحلم إذهان وفي العفو دربة ... وفي الصدق منجاة من الشر فأصدق فهذه، ثلاثة أمثال بارعة، كل مثل منها سائر، "قائم بنفسه، ولم يتكامل البيت، ثم كمله فقال":"من الشر فأصدق". فزاد المعنى تماماً؟ 203 ومثل ذلك قول النابغة كامل: الرفق يمن والأناة سعادة ... فتأن في رفق تلاق نجاحاً فهذه ثلاثة أمثال، كل منها مكتف بنفسه، وغير مفتقر إلى صاحبه، فلم يتكامل نظم البيت ثم تممه، فزاد فيه زيادة أحسن فيها كل الإحسان بقوله "تلاق نجاحاً". 204 وقول صالح بن عبد القدوس خفيف: كل آت لا بد آت وذو الجهل ... معنى، والغم والهم فضل ففي هذا البيت ثلاثة أمثال. 205 وقال عامر بن صعصعة الفقسعي بسيط: "العلم يجلو العمى" -فهذا مثل- "والجهل مهلكة" -فهذا مثل، ثم قال: "واللاعب الرفل الأذيال مكذوب". 206 وتلا ذلك، بيت يشتمل على مثلين، فأوردته في هذا الباب لأني لم أحب إفراده عنه. ولن يفوتك حظ أنت نائله ... يهدي وما حم أن يلقاك مجلوب وفي هذا البيت مثلان، وفي الذي تقدمه، ثلاثة أمثال بارعة، بعيدة 207 ويتلوه قوله: وكل ذي غاية يجري إلى أجل ... والخير والشر في الألواح مكتوب فسبيل هذا، في الاشتمال على مثلين، سبيل ما تقدمه. أحكم بيت اشتمل على مثلين 208 أخبركم أبو علي قال: أخبرنا محمد بن عبد الواحد قال، أخبرنا أحمد بن يحيى عن عمر بن شيبة قال: "قيل للفزدق: (أي بيت قالته العرب أحكم؟) قال: (ما اشتمل على مثلين، يستغنى في التمثيل بكل واحد منهما، على حدته عن صاحبه) قال: ثم أنشد قول امرئ القيس كامل: الله أنجح ما طلبت به ... والبر خير حقيبة الرجل 209 أخبركم أبو علي قال: أخبرنا محمد بن عبد الواحد عن أحمد ابن يحيى قال: "قيل لحماد الرواية: (بأي شيء فضل النابغة؟) فقال: (إن النابغة إن تمثلت ببيت من شعره، اكتفيت به، مثل قوله طويل: حلفت فلم أترك لنفسك ريبة ... وليس وراء الله للمرء مذهب وإن تمثلت بنصف بيت من شعره، اكتفيت به، وهو "ليس وراء الله للمرء مذهب" بل وإن تمثلت بربع بيت من شعره، اكتفيت، وهو قوله "أي الرجال المهذب") . 210 أخبركم أبو علي قال: أخبرنا أو الحسن بن أبي غشان البصري عن الفضل بن الحباب عن محمد بن سلام عن شبيب بن شبة قال: سمعت مسلم بن قتيبة يقول: "من الشعر أبيات، يستغنى في المثل بأعجازها عن صدورها، وبصدورها عن أعجازها، مثل قول النابغة طويل: ولست بمستبق أخا لا تمله ... على شعث أي الرجال المهذب؟ فهذا مثل سائر، فلك أن تقول: "ولست بمستبق أخاً لا تلمه" فيكون مثلاً سائراً". 1- "وقول الحطيئة بسيط: من يفعل الخبر لا يعدم جوازيه ... فيه مثل سائر، ثم قال: لا يذهب العرف بين الله والناس". 211 قال أو علي: مثل قول النابغة، قول الآخر كامل:

212 ومثله قول بشار طويل:

وحذرت من أمر فمر بجانب- فهذا مثل سائر، ثم يتمثل فيقول: لم ألقه، ولقيت ما لم أحذر. 212 ومثله قول بشار طويل: وما قارع الأقوام مثل مشيع ... أريب، ولا جلى العمى مثل عالم فلك أن تتمثل فتقول "وما قارع الأقوام مثل مشيع" وأن تزيد فتقول "أريب" وأن تتمثل بباقيه فتقول "ولا جلي العمى مثل عالم". 213 ومثله قول بشار أيضاً كامل: تأتي المقيم ... وما سعى حاجاته عدد الحصى ويخيب سعي الطالب فإن شئت أن تتمثل فتقول "تأتي القميم، وما سعى حاجاته" وتسكت، وإن شئت أن تتمثل فتقول "وتأتي المقيم وما سعى، حاجاته عدد الحصى" وتسكت، وتتمثل بباقيه، فتقول "يخيب سعي الطالب". 214 وقال علباء، -رجل من بني أسد- كامل: والعيش منقطع وإن أحببته فهذا مثل موجز، ثم قال: والموت مورده الهيوب النافر. 215 ومثله قول النظار الفقعسي كامل: قد تخفر المغتر غرته فهذا مثل قديم في نصف هذا البيت، ثم قال: وتزل بالمتثبت النعل. فأتى بمثل آخر. 216 ونظير هذا، قول الحكيم بن الحجاج بن ثعلبة وافر: وقد يدنوا الصغير إلى هداه ... ويدبر بعد وفرته الكبير 217قال أبو علي: أخبرنا عبيد الله بن أحمد قال أخبرنا محمد بن الحسن بن دريد قال أخبرنا أبو حاتم عن الأصمعي قال: "تزعموا أنه ليس في الشعر بيت أوله مثل، وآخره مثل، إلا ثلاثة أبيات، وهي: 1- قول الحطيئة بسيط: من يفعل الخير لا يعدم جوازيه ... لا يذهب العرف بين الله والناس 2- وقول امرئ القيس وافر: وافلتهن علباء جريضاً ... ولو أدركنه صفر الوطاب وقاهم جدهم ببني أبيهم ... وبالأشقين ما كان العقاب 218 قال أو علي: قوله "صفر الوطاب": قتل، فخلت وطابه من اللبن الذي كان يسقيه الأضياف -وهو أول من نظق بهذا المعنى. وفي قوله "صفر الوطاب" معنى آخر حسن، وهو أنه قتل بخلاء جسمه عند موته من روحه كما يخلو الوطب من اللبن. 219 فأخذه الأعشى فقال خفيف: رب رفد هرقته ذلك اليو ... م، وأسرى من معشر اقتال 220 وأخذه الآخر، فقال بسيط: جفتنه بإزاء الحوض قد كفئت ... بثني صفين يعلو فوقها القتر يقول: قتل، فكفت، أي قلبت. وكانت من قبل سعيدة لإطعام الضيفان. 221 أخبرهم أبو علي: قال أخبرني أبي قال أخبرني أبو عمرو بن سعيد الكاتب قال أخبرنا محمد بن يحيى عن ابن سلام قال: "ليس من بيت إلا وفيه مطعن إلا قول الحطيئة من يفعل الخير لا يعدم جوازيه" وذكر البيت وقول طرفة طويل: ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً ... ويأتيك بالأحبار من لم تزود ومنه ومن لا يتق الشتم يشتم ... ومن لا يكرم نفسه لا يكرم وقول امرئ القيس "الله أنجح ما طلبت له" وذكر البيت. 22 قال أبو علي: وأن أذكر من أبيات الشعر الذي يتمثل بصدورها وأعجازها ما يوضح سقوط قول الأصمعي، الذي تقدم ذكره. 1- فمن ذلك قول امرئ القيس طويل: فإنك لم يفخر عليك ضعيف فهذا مثل سائر. ثم قال: ولم يغلبك مثل مغلب فأتى به بمثل سائر. 2- وقول زهير طويل: ومن يجعل المعروف من دون عرضه ... يفره، فهذا مثل مكتف بنفسه ثم قال: ومن يغترب يحسب عدواً صديقه فأتي بمثل آخر، وفي هذه القصيدة يقول: ومن يغترب يحسب عدواً صديقه ... ومن لا يكرم نفسه لا يكرم وفي صدر هذا البيت وعجزه، مثلان سائران. 3- وقول المتلمس الضبيعي طويل: لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا ... وما علم الإنسان إلا ليعلما في كل مصرع من هذا البيت مثل مكتف بنفسه وكذلك قوله أيضاً وافر: قليل المال تصلحه فيبقى ... ولا يبقى الكثير مع الفساد 4- وقول عبيد بن الأبرص مخلع البسيط: من يسأل الناس يحرموه ... وسائل الله لا يخيب وقد أخذ هذا المعنى، الأعشى فقال: "ومن يكثر التساؤل لا بد محرم". 5- وقول لبيد طويل: ألا كل شيء ... ما خلا الله باطل وكل نعيم لا محال زائل 6- وقول الحطيئة طويل: متى تقد بالباطل الحق بابه ... فإن قدت بالحق الرواسي تنقد 7- وقول زهير طويل:

223 أخبرهم أبو علي قال أخبرنا محمد بن يحيى الصولي قال أخبرنا أبو العيناء قال

ومن لا يذد عن حوضه بسلاحه ... يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم ففي كل بيت من هذه الأبيات مثلان سائران، إن تمثل بكل منهما، لم يفتقر إلى صاحبه. 8- وكذلك قول ابن مفرغ الحميري مجزوء الكامل: العبد يقرع بالعصا ثم قال- والحر تكفيه الملامة 9- فأخذ هذا بشار فقال رجز: الحر يلحى والعصا للعبد ... وليس للمحلف مثل الرد 10- وقول عبد الله بن جعفر بن معاوية بن جعفر طويل: فعين الرضل عن كل عيب كليلة ... ولكن عين السخط تبدي المساويا 223 أخبرهم أبو علي قال أخبرنا محمد بن يحيى الصولي قال أخبرنا أبو العيناء قال أخبرني أبو العالي قال: "اجتمع عند بلال بن أبي بردة، أبو عمرو بن العلاء، وعيسى بن عمر، وعبد الله بن أبي إسحاق النحوي فقال: (أنشدوني أبياتاً تكتفي أنصافها بأنفسها) . 1- فأنشد أبو عمرو، لأبي ذؤيب كامل: أمن المنون وريبها تتوجع وسكت ثم قال: والدهر ليس بمعتب من يجزع. 2- وأنشد عيسى بن عمر للنمر بن تولب طويل: يود الفتى طول السلامة والبقا ثم سكت ثم قال: فكيف ترى طول السلامة يفعل 3- وأنشد ابن أبي إسحاق لحميد بن ثور الهلالي طويل: أرى بصري قد رابني بعد صحة ثم سكت، ثم قال: وحسبك داء أن تصح وتسلما 224 قال أبو علي: ومن الأبيات التي يتمثل بصدورها وأعجازها قول القطامي بسيط: قد يدرك المتأني بعض حاجاته -فهذا مثل سائر، ثم قال: وقد يكون مع المستعجل الزلل. وقوله بسيط: والناس من يلق خيراً قائلون له ... ما يشتهي، ولام المخطئ الهبل 225 أنشدهم أبو علي قال: أنشدنا أبو عمرو القطربلي قال: أنشدني أحمد بن يحيى من هذا النوع بسيط: عليك بالقصد فيما أنت فاعل ... إن التخلق يأتي دونه الخلق 226 أخبرنا محمد بن يحيى قال: قال رجل لأبي العباس المبرد "ليس في التأني أحسن من قول القطامي" بسيط: قد يدرك المتأني بعض حاجاته ... وقد يكون مع المستعجل الزلل قال المبرد: "أخذه من قول عدي بن زيد" سريع: قد يدرك المبطئ من حظه ... والخير قد يسبق جهد الحريص قال أبو علي: وفي كل بيت من هذين البيتين مثلان، كل واحد منهما مكتف بنفسه. 227 ومما يشتمل على مثلين، قول عمرو بن براقة الهمذاني بسيط: فما هداك إلى أرض كعالمها ثم قال- ولا أعانك في عزم كعزام 1- وقول عبد الله بن همام السلولي طويل: وساع مع السلطان ليس بناصح ثم قال- ومحترس من مثله وهو حارس 2- وقول الآخر مجزوء البسيط: والصدق أنفع ما حضرت به ثم قال- ولربما نفع الفتى كذبه 3- وقول جمانة الجعفي طويل: ومستعجل والمكث أدنى لرشده ثم قال- ولم يدر في استعجاله ما يبادر قال أبو علي: وهذا البيت ينظر إلى قول عدي بن زيد المتقدم. 4- وقول مغلس بن لقيط طويل: فإنك لا تعطي امرءاً غير حظه ... ولا تمنع الشق الذي الغيث ماطره 5- وقول ابن هرمة مخلع البسيط: لم تهنأ العاشقين ما وعدت ثم قال- وكان خير الهبات أهناها 228 شئا الفرزدق: من أشعر الناس؟ فقال: بشر بن أبي حازم الطبعي في قوله وافر: ثوى في ملحد لا بد منه ... كفى بالموت نأياً واغترابا وسئل جرير، فقال: بشر في قوله: رهين بلى وكل فتى سبيلي ... فشقي وانتحبي انتحابا فأجمعا جميعاً على بشر، قال أبو علي: ففي كل بيت من هذين البيتين، مثلان، يتمثل بكل واحد منهما على حدته، وكأن صدروهما مكفوفة من أعجازهما. فإذا اعتبرت ذلك، وجدته قد وضح طريقه. 229 وقول صالح بن عبد القدوس خفيف: قد يلام البرئ من غير ذنب ثم قال- وقصي من المريب الذنوب 1- وقول بشار طويل: وما الناس إلا حافظ ومضيع ثم قال- وما لاعيش إلا ما تطيب عواقبه 2- وقوله أيضاً كامل: خفض على عقب الزمان العاقب ثم قال- ليس النجاح مع الحريص الدائب 3- وقوله أيضاً لبسيط: اليوم خمر، ويبدو في غد خبر ثم قال- والدهر من بين إنعام وإيناس 4- وقوله أيضاً طويل:

أبدع أمثال الأعجاز

يقوت الغني قوماً يخفون للغنى ثم قال- ويلقى رباحاً آخرون قعود 5- وقوله أيضاً خفيف: حارد الضغن إلى غرته ثم قال- وأين الشريك في المراينا 6- وقوله أيضاً بسيط: المال زين وفي الأولاد مكرمة ثم قال- والسقم ينسيك ذكر المال والولد 7- وقوله أيضاً خفيف: خير إخوانك المشارك في المر ثم قال- وأين الشريك في المرأينا 8- وقول صالح بن عبد القدوس طويل: وإن عناء أن تفهم جاهلاً -ثم قال- ويحسب جهلاً أنه منك أفهم 9- وقول أبي بكر العرزومي طويل: يفر جبان القوم عن أمر نفسه ثم قال- ويحمي شجلع القوم من لا يناسبه 10- وقوله طويل: ويرزق معروف الجواد عدوه ثم قال- ويحوم معروف البخيل أقاربه أبدع أمثال الأعجاز 230 قال أبو علي: أخبرنا عبيد الله بن أحمد أخبرنا محمد بن الحسن بن دريد عنعبد الرحمن عن الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء قال: "اجتمع ثلاثة من الرواة فقالوا: (أي بيت أشعر وأحكم وأوجز؟) . فقال الأول: قول حميد بن ثور الهلالي: وحسبك داء أن تصح وتسلما. وقال الثاني: قول الهذلي: نوكل بالأدنى وإن جل ما يمضي. وقال الثالث: قول أبي قيس بن الأسلت: كل امرئ في أمره ساع". 231 وأخبرني محمد بن عبد الواحد عن أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي عن المفضل الضبي عن حماد الراوية قال: "أوجز الأمثال قول النابغة: ولا قرار على زار من الأسد. وقوله: إذاً فلا رفعت سوطي إلى يدي وليس وراء الله للمرء مذهب". 232 قال أبو علي: أخبرنا محمد بن يحيى الصولي عن أبي العيناء عن الأصمعي قال: "سمعت خلفاً الأحمر يقول (احكم مثل سيرته العرب قول النابغة: وذلك من تلقاء مثلك رائع 1- وقول أنس بن مدرك الخثعمي: لأمر ما يسود من يسود 2- وقول أبي خراش: نوكل بالأدنى وإن جل ما يمضي 3- وقول عروة بن الورد: ومبلغ نفس عذرها مثل منجح 4- وقول جرير: رأيت المرء يسلب ما استعارا 233 حدثنا عبد الله بن جعفر قال أخبرنا محمد بن يزيد المبرد قال: "من أحكم البيوت مما يتمثل بأعجازها، فيستغني بها عن صدورها: 1- مثل قول الطائية: وكيف بتركي يا بن أم الطبائعا 2- وقول الآخر: وكل امرئ جار على ما تعودا 3- وقول الآخر: إن الندى حيث ترى الصغاطا 4- ومثله: والمشرب العذب كثير الزحام 5- وقول عنترة -وهو مما سبق إليه-: والكفر مخبثة لنفس المنعم 6- وقول جرير: ليت التشكي كان بالعواد 6- وقول مالك بن الريب: وكل بلاد أوطنت كبلادي 8- وقول النابغة: لمبلغك الواشي أغش وأكذب 9- وقوله: ولكن ما وراءك يا عصام 10- وقول أبي ذؤيب: وإذا ترد إلى قليل تقنع 11- وقول الآخر: إن التخلق يأتي دونه الخلق 12- وقول الآخر: وكل امرئ ... إلا أحاديثه فان 13- وقول دريد بن الصمة: يضع الهناء مواضع النقب -قال أبو علي: هذا من أحسن الأمثال وأبرعها، وقد در ذلك على إحسان صاحبها، لأن أشعر الشعراء، من قصد إلى المعنى الصغير فأورده في اللفظ الكبير، وذلك أن دريداً رأى الخنساء، تهني بعيراً لها فقال بسيط: ما إن رأيت ولا سمعت بمثله ... كاليوم هانئ أينق جرب تبذلاً تبدو محاسنه ... يضع الهناء مواضع النقب 14- قال المبرد: وقول البلوى: إن بني عمك فيهم رماح 15- وقول الحطيئة: ولو ترى طارداً للمرء كالياس 16- وقول الأخطل: والقول ينفذ ملا تنفذ الإبر -وإنما أخذ هذا من قول طرفة بن العبد طويل: رأيت القوافي يتلجن مولجاً ... تضايق عنها أن تولجها الإبر 17- وقول الآخر: إن كنت ريحاً فقد لاقيت إعصارا وقول الآخر: سقط العشاء به على سرحان 19- وقول عبدة بن الطبيب: والعيش شح وإشفاق وتأميل وقول عمر بن أبي ربيعة: إنما العاجز من لا يستبد 21- وقوله أيضاً: حسن في كل عين من تود 22- وقوله أيضاً:

234 قال أبو علي: ومن الأعجاز السائرة في الأمثال قول الشاعر:

وقديماً كان في الناس الحسد 23- وقول نصيب: ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب 24- وقول زهير: وكانوا قديماً من مناياهم القتل 25- وقوله أيضاً: على آثار من ذهب الفعاء 26- وقوله: ولا محالة أن يشتاق من عشقا 27- وقول امرئ القيس: وكل غريب للغريب نسيب 28- وقول الآخر: وتعلم قوسي حين أنزع من ترمي 29- وقول ابن الدمينة على ذاك قرب الدار خير من البعد 234 قال أبو علي: ومن الأعجاز السائرة في الأمثال قول الشاعر: إن الشفيق بسوء ظن مولع أخذه من قول آخر، إلا أنه أحسن فيه وتقدم على المتقدم طويل: وإن ابن عم المرء من ساء ظنه ... ولما يسر والليل خضر جوانبه هذا منظوم من قولهم: "ابن عمك من ساء ظنه شفقة عليك". 1- قول عويف: عند الشدائد تذهب الأحقاد 2- وقول الآخر: ولقد يجاء إلى ذوي الأحقاد 3- وقول الأعشى: وللفضل أولى في المسير والحق 4- وقول امرئ القيس: وجرح اللسان كجرح اليد 5- وقول الأعشى: ومن يكثر التسآل لا بد يحرم 6- وقول مسافر بن أبي عمرو: وأنت على الأدنى صرود مجدد -الصرود: حلمة الثدي، والمجدد: لا لين فيه. 7- وقول عبيد الأبرص: وفي حياتي ما زودتني زادي 8- وقول حسان بن ثابت: ويبلغ ما لا يبلغ السيف مذودي 9- وقول ذي الأصبع العدواني: سيلقى الشامتون كما لقينا 10- وقوله أيضاً: يد تشج وأخرى منك تأسوني 11- وقول توبة بن مضرس السعدي: ويلعب ريب الدهر بالحازم الجلد 12- وقول طرفة: حنانيك بعض الشعر أهون من بعض 13- وقد أخذه أبو خراش الهذلي فقال طويل: حمدت إلهي بعد عروة إذ نجا ... خراش وبعض الشر أهون من بعض 14- وقول أبي أثيلة أني قتلت وأنت الحازم البطل 15- وقول عنترة: إني امرؤ سأموت إن لم أقتل 16- وقول الأفوه الأودي: ولا عماد إذا لم ترس أوتاد 17- وقول ابن الزبعري: وسواء قبر مثر أو مقل 18- وهذا البيت ينظر إلى قول طرفة طويل: أرى قبر نحام بخيل بماله ... كقبر غوي في البطالة مفسد 19- وقول ابن الزبعرى أيضاً: وإذا زالت بك الدار فزل 20- ومثله: وإذا نبا بك منزل متحول 21- ومثله: وفي الأرض عن دار القلى فتحول 22- وقول بشار بن برد: والدر يقطعه جفاء الحالب 23- وقول إياس بن القائف: وترمي النوى بالمقترين المراميا 24- وقول عروة بن الورد: ومن يسأل الصعلوك أين مذاهبه 25- وقول الحارث بن حلزة: فبئس مستودع العلم القراطسي 26- وقول الاضبط بن قريع: من قر عيناً بعشه نفعه 27- وقول أبي دؤاد الإيادي: لا يرسل الساق إلا ممسكاً ساقاً 28- وقول أبي رمح الخزاعي: وخيلك كالمرعاة في الجبل الوعر 29- وقوله أيضاً: ولا حق بالبغضاء والنظر الشزر 30- ومثله قول رجل من ثقيف: تخبرك العيون عن القلوب 31- ومثله قول بشار بن برد: شبا الحرب خير من قبول السلام 32- وقول الفرزدق: وقد يملأ القطر الإناء فيفعم 33- وقول زيادة بن العبدي: أبى منبت العيدان أن يتغيرا 34- وهو مأخوذ من قول زهير بن أبي سلمى طويل: وما يك من خير أتوه فإنما ... توارثه آباء آبائهم قبل وهل ينبت الخطي إلا وشيجه ... وتغرس إلا في منابتها النخل 35- وقول بشار: وما كل حين يتبع القلب صاحبه 36- وقوله: على فتكة فالفتك صعب مراكبه 37- وقول الحطيئة: ويقني الحياء المرء والروح شاجره 38- وقول طرفة: إذا ذل مولى المرء فهو ذليل 38- وقول صريع: والناس سوال وبخال 39- وقوله: وما علمت ما أحدثته المقادر 40- وقوله: فعين الصبا فيها مراد ومنظر 41- وقوله: قليل قذاة العين غير قليل 42- وقول الأعشى: إذا أنت لم تبرا من الداء فاسقم -يقول: إذا لم تصح مودتك في نفس صديقك، فيصورك بصورة مدخول النية. فكن له كذلك، فإنه لا ينفعك نصحك له. 43- وقول المتلمس:

وكيف توقى ظهر ما أنت راكبه 44- وقول بشار: وللفقر خير من سؤال بخيل 45- وقوله: ولا تبلغ العليا بغير المكارم 46- وقوله: وليس إلى أهل السماء سبيل 47- وقوله: ولك قريب لا ينال بعيد 48- وقوله: إذا هم لم يذكر رضى من تغضبا 49- وقوله: وللخير بين الصالحين طريق 50- وقوله: لا يبتني المجد إلا كل محسود 51- وقوله: ليس في منع غير ذي الحق بخل 52- وقوله: ينام وما نامت بليل عقاربه 53- وقول الآخر: ليس بين الميت والحي ود 54- وقول صالح بن عبد القدوس: قد تنلجي الغمرات وهي شدائد 55- وقوله: وإن ضاق رزق مرة فهو وواسع 56- وقول لبيد: ومن يبك حولاً كاملاً فقد اعتذر 57- وقوله: ومن الرزء صغير وجلل 58- وقول الآخر: قد ذل من ليس له ناصر 59- وقول الحارث بن وعلة: والشيء تحقره وقد ينمي 60- وقول عمر بن أبي ربيعة المخزومي: وما على الحر إلا الحلف مجتهداً 61- وقول ابن أم صاحب: لبئست الختان، الجهل والجبن 62- وقول الأعشى: والدهر يعقب صالحاً بفساد 63- وقول القطامي: وقد يهون على المستنجح العمل 64- وقول الآخر: لكل أناس من تغيرهم جبر 65- وقول أبي حفص الشطرنجي: لو صح منك الهوى أرشدت الجمل 66- وقول الآخر: بل قد يرجى الشيء وهو بعيد 67- وقول قنعب بن أم صاحب: وكنت منهم على الأمر الذي زكنوا 68- وقول الآخر: وما كل من أوليته نعمة شكر 69- وقول الآخر: وعند جهينة الخبر اليقين 70- وقول الآخر: وما كل من أوليته نعمة يقضي 710- وقول الرقاشي: وصاحب الذنب المكروه يصطبر 72- وقول الآخر: والموت حتم في رقاب العباد 73- وقول طرفة: ويأتيك بالأخبار من لم تزود 74- وقول امرئ القيس: وبالأشقين ما كان العقاب 75- وقول بشار: وهل يبكي من الطرب الجليد 76- وقول البعيث: وهل يحفظ الأسرار إلا أمينها 77- وقول أحيحة بن الجلاح: إن الكريم على الإخوان ذو المال 78- وقول خالد بن عمرو: وظن السوء عيب للكرام 79- وقول المسيب بن ثعلبة: محا السيف ما قال ابن دارة أجمعا 80- وقول مغلس بن لقيط: وينجيك من عار الذنوب اجتنابها 81- وقول أبي تمام: البين أكثر من شوقي وأحزاني 82- وقول الآخر: مراد لعمري ما أردت قريب 83- وقول ربيعة بن عبيد: إن الرزية مثل قتل ذؤاب 84- وقول أبي سماك: وليس لصداع في فؤادي شاعب 85- وقول سالم بن عبد الله الأسدي: ويبقى الود ما بقي العتاب 86- وقول حضرمي بن عامر الأسدي: ولقد يجاء إلى ذوي الأحقاد 87- وقول معروف بن الكميت: وكل فتى للنائبات بمرصد 88- وقوله: إن الليالي للفتيان تنقلب 89- وقول اآخر: وليس لرحل حطه الله حامل 90- وقول الآخر: والنجح يتلف بين العجز والضجر 91- وقول علي رضي الله عنه: فلا وربك ما فازوا وما ظفروا 92- وقول نصيح بن منظور: وإن غداً للناظرين قريب وقول أبي تمام: ولكن خير الخير عندي المعجل 94- وقول أشجع: وما أخر الحزم رأي قدم الحذرا 95- وقول ابن أبي عيينة: والصبر من كل أمر فائت خلف 96- وقول أبي الأسود الدؤلي: وما كل مؤت نصحه بلبيب 97- وقول الآخر: فبينما العسر إذ دارت مياسير 98- وقول النابغة: وهل يأتمن ذو أمة وهو طائع 99- وقوله: سبق الجواد إذا استولى على الأمد 100- وقول الآخر: ذهب القضاء بحيلة الأقوام 101- وقول الآخر: وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر 102- وقول ابن الأحنف: من عالج الشوق لا يستبعد الدارا 103- وقول مسلم: فإن بليت فإن الشيب يسليني 104- وقول رجل من همدان: وذو الحلم معني وآخر جاهله 105- وقول ابن الزبعرى: وعدلنا ميل بدر فاعتدل 106- وقول الآخر: ولكل نافرة نافرة

شوارد الأمثال

107- وقول أبي بكر العرزمي: ولكل جنب مصرع 108- وقول الآخر: لكل عادات إثارة 109- وقول النظار الفقعسي: ولكل فرع ثابت أصل 110- وقول الآخر: ما له عد من نفره 111- وقول قيس: ألا كل أمر حم لا بد واقع 112- وقول الآخر: فأول راضي سنة من يسيرها 113- وقول عبيد بن الأبرص: والشيب شين لمن يشيب 114- وقول الآخر: ألا ليت بين الحي لم يجر طائره شوارد الأمثال 235 أشرد مثل قيل في اصطناع المعروف قول الحطيئة بسيط: من يصنع الخير لا يعدم جوازيه ... لا يذهب العرف بين الله والناس أخبرهم أبو علي قال: أخبرني أبي، عن أبي عرمو بن سعيد القطربلي قال: "ليس من بيت إلا وفيه لطاعن، مطعن، إلا قول الحطيئة -من يصنع الخير لا يعدم جوازيه" وذكر البيت. 1- وقول طرفة طويل: ستبدي لك الأيام ما كنت جالهاً ... ويأتيك بالأخبار من لم تزود 2- وقول عيد بن زيد طويل: عن المرء لا تسال، وسل عن قرينه ... فكل قرين بالمقارن مقتدي 3- قال أبو علي: أخبرني محمد بن عبد الواحد عن أحمد بن يحيى عن عمر بن شبة عن أبي نعيم وأبي حماد قال: حدثنا سفيان، عن ليث عن طاوس عن ابن عباس فقال: "إنها لكلمة نبي -ويأتيك بالأخبار من لم تزود". 4- قال أبو علي: وأخبرني محمد بن يحيى عن أبي الحسن الأسدي عن الرياشي عن الأصمعي قال: "ما رأيت شعراً قد أشبه بالسنة من قول عيد بن زيد -عن المرء لا تسأل واسأل عن قرينه" وذكر البيت. 236- قال أبو علي: ومن شوارد الأمثال في الحض على اصطناع المعروف، قول عبيد الأبرص بسيط: الخير يبقى وإن طال الزمان به ... والشر أخبث ما أوعيت من زاد 1- واشرد مثل قيل في الوصاة ببر الحي قبل وفاته قوله أيضاً بسيط: أبلغ أبا كرب عني وأخوته ... قولاً سيذهب غوراً بعد أنجاد لألفينك بعد الموت تندبني ... وفي حياتي ما زودتني زادي 237 وأشرد بيت قيل في وعظ أبناء الدنيا قول علقمة بن عبدة بسيط: وكل قوم وإن عزوا وإن كثروا ... عزيزهم بأثافي الدهر موجوم وكل حصن وإن طالت سلامته ... على دعائمه لا بد مهزوم 238 وأشرد مثل قيل في وصف أحوال النساء قول علقمة أيضاً طويل: فإن تسألوني بالنساء فإنني ... بصير بأدواء النساء طبيب يردن ثراء المال حيث علمنه ... وشرخ الشباب عندهن عجيب إذا شاب راس المرء أو قل ماله ... فليس له في ودهن نصيب 1- قال أبو علي: هذا مأخوذ من قول امرئ القيس طويل: أراهن لا يحببن من قل ماله ... ولا من رأين الشيب فيه وقوسا 2- وقول الأعشى في هذا المعنى كامل: وأرى الغواني لا يواصلن امرءاً ... فقد الشباب، وقد يصلن الأمردا 3- فأخذ هذا المعنى أبو تمام فقال كامل: أحلى الرجال من النساء موقعاً ... من كان أشبههم بهن خدود 239 وأشرد مثل قيل في قسم الأرزاق قول علقمة بسيط: ومطعم الغنم يوم الغنم مطعمه ... أنى توجه والمحروم محروم يقول: من كان مرزوقاً الغنم، ينعم الناس، ومن كان محروماً، لم ينل شيئاً. 240 وأشرد مثل قيل في وصف أحوال الناس في حالة الغنى والفقر قول أوس بن حجر طويل: وإني رأيت الناس إلا أقلهم ... خفاف العهود يكثرون التنقلا بني أم ذي المال الكثير يرونه ... وإن كان عبداً سيد الأمر حجفلا وهم لمقل المال أولاد علة ... وإن كان محضاً في العمومة مخولا 241 قال أبو علي: ومثله قول الأسعر الجعفي كامل: إخوان صدق لو رأوك بغبطة ... وإذا افتقرت إليهم فهم العدا 1- وأول من نطق بهذا المعنى مرقش في قوله طويل: فمن يلق خيراً يحمد الناس أمره ... ومن يغو لا يعدم على الغي لائما 2- وأخذ هذا المعنى القطامي فقال بسيط: ولاناس من يلق خيراً قائلون له ... ما يشتهي ولأم المخطيء الهبل وهذا البيت أشهر وأسير وأخص. 3- وينظر إلى هذا المعنى قول زيد بن عمرو بن نفيل خفيف: ويكآن من يكن له نشب يح ... بب ومن يقتر يعش عيش صر ويجنب سر الندي ولكن ... أخا المال محضر كل سر

242 وأشرد مثل فيل في وصف الإخوان قول أوس بن حجر طويل:

242 وأشرد مثل فيل في وصف الإخوان قول أوس بن حجر طويل: وليس أخوك الدائم العهد بالذي ... يسؤوك إن ولى، ويرضيك مقبلا ولكن أخوك النأي إن كنت آمنا ... وصاحبك الأدنى إذا الأمر أعضلا قال أبو علي: أراد النائي، وهو البعيد، فأقام المصدر مقامه. 1- فأخذ هذا إبراهيم بن العباس الصولي فأحسن بقوله وافر: ولكن الجواد أبا هشام ... كريم الصد مأمون المغيب بطيء عنك ما استغنيت عنه ... وطلاع إليك مع الخطوب 2- وكرر هذا المعنى فقال رمل: أسد ضار إلا استخبرته ... وأب بر إذا ما قدرا يعلم الأبعد إن أثرى ولا ... يعلم الأدنى إذا ما افتقرا 3- والبيت الثاني من هذين البيتين، أخذه من قول المتنخل الهذلي متقارب: أبو مالك قاصر فقره ... على نفسه ومشيع غناه إذا سدته سدت مطوعة ... ومهما وكلت إليه كفاه 243 قال أبو علي: وأشرد مثل قيل في انتظار الفرج قول قيس ابن الخطيم وافر: وكل شديد نزلت بقوم ... سيأتي بعد شدتها رخاء فقل للمتقي عرض المنايا ... توق ينفعك الرقاء 1- أخذ هذا المعنى من قول زهير طويل: ومن هاب أسباب المنية يلقها ... ولو رام أسباب السماء بسلم 244 وأشرد مثل قيل في تغطي عيوب المحبوب عند محبه طويل: فعين الرضى عن كل عيب كليلة ... ولكن عين السخط تبدي المساويا 1- أخذ هذا أبو العتاهية فقال منسرح: والمرء يعمى عمن يحب فإن ... أقصر عن بعض ما به أبصر 2- قال أبو علي: وفصل الخطاب في هذا، قول رسول الله: "حبك الشيء يعمي ويصم". 245 وأشرد مثل قيل في الغقدام، قول قيس بن الخطيم طويل: وإني في الحرب الضروس موكل ... بإقدام نفس لا أريد بقاءها متى يأت هذا الموت لا تبق حاجة ... لنفسي إلا قد قضيت قضاءها 246 أخبرهم أبو علي، عن محمد بن يحيى الصولي عن أبي العيناء عن محمد بن سعيد قال أخبرنا هشام بن محمد الشائب الكلبي أن عبد الملك بن مروان قال يوماً لجلسائه: "من أشجع الناس؟ " فقال قائل: عمرو بن الأطنابة، حيث يقول وافر: وقولي كلما جشأت، وجاشت ... مكانك تحمدي أو تستريحي 1- وقال آخر: بل قول عمرو بن معدي كرب يقول طويل: وجاشت إلى النفس أول مرة ... فردت على مكروهها فاستقرت 2- وقال آخر: بل قول عامر بن الطفيل حيث يقول طويل: أقول لنفس لا يجاد بمثلها ... أقلي مراحاً إنني غير مدبر 3- وقال آخر -بل قول عنترة حيث يقول بسيط: إذ يتقون بي الأسنة لم أخم ... عنها، ولكني تضايق مقدمي فقال عبد الملك: بل أشجع الناس العباس بن مرداس السلمي في قوله وافر: أشد على الكتيبة لا أبالي ... أحتفي كان فيها أم سواها 5- وقول قيس بن الخطيم في قوله طويل: وإني لى الحرب العوان موكل ... بإقدام نفس لا أريد بقاءها 6- والمزني حيث يقول وافر: دعوت بني قحافة فاستجابوا ... فقلت ردوا فقد طاب الورود 247 وأرد مثل قيل في وصف مضاء اللسان قول حسان بن ثابت طويل: لساني وسيفي صارمان كلاهما ... ويبلغ ما لا يبلغ السيف، مذودي 1- وقد أخذ هذا، آخر فقال: وللسيف أشوى وقعة من لسانيا 248 وأشرد مثل قيل في ضياع فضل العديم الفاضل، واستتار فضل الغي الجاهل قول حسان بن ثابت خفيف: رب علم أضاعه عدم الما ... ل، وجهل غطى عليه النعيم 1- قال أبو علي: أخبرنا عيسى بن عبد العزيز عن أحمد بن زكرياء الحرنبل قال: "بينما حسان في أطمه -وذلك في الجاهلية- إنه قام في جوف الليل، فصاح بالخزرج، فجاؤوه وقد فزعوا، وقالوا: "ما لك يا ابن القريعة؟ " قال: "بيت قلته، فخفت أن أموت قبل أن أصبح، فيذهب ضيعة، خذوه عني." قالوا: "وما قلت؟ " قال: قلت: رب علم أضاعه عدم الما ... ل، وجهل غطى عليه النعيم 249 واشرد مثل قيل في الحض على طلب الغنى قول كعب بن سعد الغوي بسيط: اعص العواذل وأرم الليل عن عرض ... بذي سبيب يقاسي ليله خبباً حتى تمول مالاً أو يقال فتى ... لاقى التي تشعب الفتيان فانشعبا

250 قال أبو علي: وأشرد مثل قيل في رياضة النفس، وملها على القناعة بالبلغة قول أبي

وكان أبو عبيدة يسمي هذين البيتين "درتي الغواص" لأن الدرة إذا أصابها الغواص لم يصب مثلها، حتى ينفق في طلبها أضعاف ثمن التي أصاب، وهذان البيتان قتلا خلقاً كثيراً، كان أحدهم ينقض رأسه يتمثل بهما، ثم يخرج -زعم- يطلب أن يتمول، فيقتل ألف قبل أن يتمول واحد. 250 قال أبو علي: وأشرد مثل قيل في رياضة النفس، وملها على القناعة بالبلغة قول أبي ذؤيب الهذلي كامل: والنفس راغبة إذا رغبتها ... وإذا ترد إلى قليل تقنع قال أخبرنا أبو علي عن محمد بن يحيى عن أبي العيناء، قال: سمعت الأصمعي يقول: "إني لأعجب كيف لم يقل إن أشعر بيت قالته العرب (والنفس راغبة إذا رغبتها) وذكر البيت. 251 قال أبو علي: واشرد بيت قيل في اختيار قرناء الصدق، وماثلة مذهب كل واحد منهم بمذهب قرينه، قول عدي بن زيد طويل: عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه ... فكل قرين بالمقارن مقتدي أخبرنا أبو علي أخبرهم أبو الحسن العروضي عن محمد بن أحمد الأسدي عن الحسن بن عليل العنزي قال حذثني عقبة بن قبيصة بن السؤاي قال حدثني علي بن عبد الحميد الشيباني قال أخبرنا مندل عن الحن البصري قال: قال رسول الله: "كلمة ابن ألقيت على لسان شاعر- فإن القرين بالمقارن مقتد". 252 قال أبو علي: وأشرد مثل قيل في العتذار من الفرار قول الحارث بن هشام كامل: الله يعلم ما تركت قتالهم ... حتى رموا فرسي بأشقر مزبد وعلمت أني إن أقاتل واحداً ... أقتل، ولا يضرر عدوي مشهدي فصددت عنهم والأحبة فيهم ... طعماً لهم بلقاء يوم مفسد وروي خلف الحمر "رصداً لهم" وأنكر "طعماً". 253 أخرهم أبو علي قال أخبرنا ابن أبي غسان عن الفضل بن الحباب عن محمد بن سلام قال: أخبرنا أبان عن عثمان البجلي قال: لما طلب عبد الرحمن محمد بن الأشعث إلى كابل هربا من الحجاج. قال له ملكها: "طلبت أمراً عظيماً، وفررت منه مرة ها هنا، ومرة ها هنا" قال، فقال له "أيها الملك أما سمعت قول شاعرنا؟ " قال: وما قال؟ فأنشد قول الحارث بن هشام المتقدم وفسره له، فقال: "يا معشر العرب حسنتم كل شيء، حتى حسنتم الفرار". 254 وقال خلف الأحمر: بل قول مسرة بن أبي وهب المخزومي أشرد في هذا المعنى طويل: لعمرك ما وليت ظهري محمداً ... وأصحابه جنباً ولا خيفة القتل ولكنني قلبت أمري فلم أجد ... لسيفي غنى أني ضربت ولا نبلي وقفت فلما خفت ضيعة موقفي ... رجعت لعود كالهزير أبي الشبل 255 قال أبو علي واشرد مثل قيل في التعزي عن الحظ الفائت قول البعيث المجاشعي: طويل: فلا تكثرن في إثر شيء ندامة ... إذا نزعته من يديك النوازع أخبرنا أبو علي، أخبرنا عبد الله بن جعفر عن محمد بن يزيد قال قال العتبي: كنا عند خلف الأحمر، ومعه الأصمعي، فجعل يتلهف على أشياء فاتته، فقال خلف: "ما أحسن ما أدبا به البعيث لو قبلنا منه" وأنشدهم البيت. 256 أخبرهم أبو علي عن عبيد الله بن أحمد النحوي عن محمد بن الحسن عن أبي حاتم، عن أبي عبيدة، قال: كتب الحجاج إلى قتيبة بن مسلم: "أما بعد، فإني أكتب إليك في أمر أنا أعلم به منك، وأبلغ قولاً، ولكنني أريد أن أبلو ما عندك، فلا ترين يا ابن أم قتيبة أني أحتاج إليك فأسألك، لفضل ما عندك، فلا تحدثين نفسك بذلك، فتعجب بها. أخبرني عن ثلاثة أبيات، وهي أمثال قد حفظها الناس، من قائلوها؟ فأما البيت الأول فهو سريع: لا تسكع الشول بأغبارها ... إنك لا تدري من الناتج والقائل طويل: كمرضعة أولاد أخرى وضيعت ... بنيها، ولم ترقع بذلك مرقعا والقائل وافر: إذا لم تستطع شيئاً فدعه ... وجاوز إلى ما تستطيع وأخبرني عن أشعر شعرائنا اليوم، وأخبرني عن أشعر شعراء الجاهلية، والإسلام. وإياك يا ابن أم قتيبة أن تدليك العصبية في الأهوية، فإني ناظر "أين يقع كتابي من قولي، ثم عاره على أهل العلم إن شاء الله".

257 فكتب إليه قتيبة: "أما بعد، فإني أتاني كتاب الأمير يسألني عن أمر هو أعلم به

257 فكتب إليه قتيبة: "أما بعد، فإني أتاني كتاب الأمير يسألني عن أمر هو أعلم به مني، وإن قبله من أهل الشام، وأهل العراق من هو أحسن نظراً مني، وهل أنا إلا غلام شاب، في أودية الأمير؟ فأما تسكع الشول بأغبارها فللحرث بن حلزة، وأما قول "إذا لم تستطع شيئاً فدعه" فلعمرو بن معدي كرب، وأما قول "كمرضعة أولاد أخرى" فلجدل الطعان الكناني، ووأما أشعر شعراء الجاهلية، والإسلام، فامرؤ القيس، وأكثرهم مثلاً طرفة بن العبد، وأما أشعر شعرائنا اليوم، فأفخرهم الفرزدق، وأهجاهم جرير، وأنعتهم الأخطل، فهذا الذي بلغه علمي، والأمير أصوب قولاً، وأبلغ علماً وأفضل رأياَ". 258 قال أبو علي: وأشرد مثل في صلة البعيد، وقطع القريب قول مسافر بن أبي عمرو، وقيل هو لزاد الراكب طويل: تمد إلى الأقصى ما أنت فسد ... تودد الأقصى الذي تتودد 259 وأشرد مثل قيل في إخوان الصدق قوله أيضاً طويل: أخوك الذي إن تجن يوماً عظيمة ... بيت ساهراً، والمستزيفون رقد المستزيفون: الذين لا يخلصون المودة. 1- ومثله طويل: أخوك الذي إن أحرضتك ملمة ... من الدهر لم يبرح لسرك واجماً وليس أخوك الذي ... إن تشغبت عليك أمور ظل يلحاك لائماً 260 وأشرد مثل قيل في الرجل يؤتى من قبل ناصره، قول عدي ابن زيد رمل: لو بغير الماء حلقي شرق ... كنت كالغصان بالماء اعتصاري 261 وأشرد مثل قيل في إدراك المبطئ حظه، وفوت الساعي له إياه قوله سريع: قد يدرك المبطئ من حظه ... والخير قد يسبق جهد الحريص1 1- وينظر إلى هذا المعنى قول القطامي بسيط: قد يدرك المتأني بعض حاجاته ... وقد يكون مع المستعجل الزلل2 262 وأشرد مثل قيل في تمني الإنسان، أن يكون من الجمادات قول ابن مقبل بسيط: ما أنعم العيش لو أن الفتى حجر ... تنبو الحوادث عنه وهو ملموم3 263 وفي ميميته مثل سائر، وشارد، في شدة التوقي، وأنه لا يدفع مقدوراً بسيط: لا يحرز المرء أنحاء البلاد ولا ... تبنى له في السماوات السلالسم 264 وقالت الخرنق4 في خران أخيها طويل: أقلب عيني في الفوارس لا أرى ... خراناً وعيني كالجماد من القطر 265 وينظر إلى البيت الأول قول بشار بسيط: قومي اغتقيني فما صيغ الفتى حجراً ... لكن رهينة أجداث وأورماس5 266 وأشرد مثل قيل في التحذير من المنون قول طرفة طويل: لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى ... لكالطول المرخي وثناياه باليد6 -يقول: إن الإنسان في قبضة الموت كالفرس يكون في الطول، وهو الحبل، يرخى له صاحبه فيرعى، وإذا أراده جذبه7 إليه- 267 وأشرد مثل قيل في التفجع على الشباب قول حميد بن ثور الهلالي طويل: ليالي أبصار الغوانب وسمعها ... إلي، وإذ ريحي لهن جنوب وإذ شعري صناف ولوني مذهب ... وإذ لي في البابهن نصيب فلا يبعد الله الشباب وقولنا ... إذا ما صبونا صبوة: سنتوب8 1- وقيل بل قول محمد بن حازم بسيط: لا تكذبن فما الدينا بأجمعها ... من الشباب بيوم واحد بدل9 2- وقيل بل قول منصور النمري بسيط: ما كنت أوفى شبابي كنه غرته ... حتى انقضى، فإذا الدنيا له تبع10 268 وأشرد مثل قيل في تباين حالتي الميت، والحي، قول متمم بن نويرة طويل: وكنا كندماني جذيمة حقبة ... من الدهر حتى قيل: لن يتصدعا فلما تفرقنا، كأني ومالكاً ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معاً11 269 وأشرد مثل قيل في الاعتذار للمتراخي عن طلب الثأر، قول الأجدع الهمذاني طويل: فلو أن قومي أنطقتني رماحهم ... نطقت، ولكن الرماح أجرت12 270 وأشرد مثل قيل في الوصاة بحفظ اللسان قول امرئ القيس الكندي طويل: إذ المرء لم يحزن عليه لسانه ... فليس على شيء سواه بحزان13 1- وينظر إلى هذا المعنى قول طرفة طويل: وإن لسان المرء ما لم تكن له ... حصاة على عوراته لدليل14 الحصاة: العقل. والحصاة: الجبن. وحصاة القلب: حبته. 271 وأشرد مثل قيل في التفجع على فقد الإخوان قول امرئ القيس طويل:

272 وأشرد مثل قيل في الملل من طول العمر قول زهير طويل:

إذا قلت هذا صاحب قد رضيته ... وقرت به العينان بدلت آخراً15 272 وأشرد مثل قيل في الملل من طول العمر قول زهير طويل: سئمت تكاليف الحياة من يعش ... ثمانين حولاً لا أبا لك يسأم16 1- ينظر إلأى هذا المعنى قول لبيد كامل: ولقد سئمت من الحياة وطولها ... وسؤال هذا الخلق: كيف لبيد؟ 17 2- وكرر هذا المعنى فقال رمل: فمتى أهلك فلا أحفل به ... بجلي الآن من العيش بجل من حياة قد سئمت طولها ... وجدير طول عيش أن يمل18 273 وأشرد مثل ما قيل في التبرء من علم ما لم يقع قول زهير طويل: وأعلم ما في اليوم والأمس قبله ... ولكنني عن علم ما في غد عم19 274 وأشرد مثل قيل في الوصاة بخشونة الجانب قوله طويل: ومن لا يذد عن حوضه بسلاحه ... يهدم، ومن لا يظلم الناس يظلم20 1- وينظر إلى هذا قول القطامي وافر: تراهم يغمزون من استركوا ... ويجتبنون من صدق المصاعا21 2- ويجوز أن يكون أخذه من قول النابغة الذبياني بسيط: تعدو الذئاب على من لا كلاب له ... وتتقى مربض المستنفر الحامي22 275 وأشرد مثل قيل في إكرام النفس، والترفع عن الدناءة قوله طويل: ومن يغترب يحسب عدواً صديقه ... ومن لا يكرم نفسه لا يكرم23 1- وينظر إلى هذا المعنى قول الآخر طويل: وإني لمكرم لمكرم نفسه ... وأبتذل المرء الذي لا يصونها متى ماتهن نفسي على من أوده ... أهنه، ولا يكرم علي مهينها 276 واشرد مثل فيل في شبه الناس بآبائهم -إن مجداً فمجداً، وإن لوماً فلوماً- قول زهير طويل: وما كان من خير أتوه فإنما ... توارثه آباء آبائهم قبل وهل ينبت الخطي إلا وشيجه ... وتغرس إلا في منابتها النخل24 277 وأشرد مثل قيل في ترك الإلحاج بالعتب قول النابغة كامل: واستبق ودك للصديق ولا تكن ... قتباً يعض بغارب ملحاحاً25 2- قال أبو علي: أنشدنا محمد بن عبد الواحد عنأحمد بن يحيى، عن ابن الأعرابي مجزوء الكامل: عنف العتاب ملحة ... فتوق من عنف العتاب واستبق خلة من تلو ... م، فذاك أدنى للإياب وأصفح عن الأمر الذي ... إعلانه هتك الحجاب 278 وأشرد مثل قيل في التحذير من فعل السوء خوفاً من العاقبة عليه قول عمرو بن كلثوم وافر: ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا26 قال المبرد: يريد فنعاقبهم، فأخرجه بلفظ فعلهم، ومثله قول الله جل وعز: (ومكروا ومكر الله) 27 ومثله (إنما نحن مستهزئون، والله يستهزئ بهم) 28. 1- ومثل هذا قول الشاعر وافر: وخيل قد لفت لها بخيل ... تحية بينهم ضرب وجيع29 والتحية لا تكون بالضرب وهذه مكافأة خرجت بلفظ الذنب، ليتطابق الكلام، إذ كان مثله من فعل الضرب. 2- قال أبو علي: مثل هذا قول الشاعر طويل: أخاف زياداً أن يكون ثوابه ... أداهم سوداً أو محدرجة سمراً -يريد يالأداهم: القيود، وبالمحدرجة: السياط، فجعلها ثواباً أخرجها بلفظ الجزاء- 3- وقال آخر بسيط: بشر سعيد بن منصور بقافية ... مثل القلادة في جيد ابن منصور فجعل هجاءه بشرى له. 279 وأشرد مثل قيل في تلأسي قول الخنساء وافر: فلولا كثرة الباكلين حولي ... على إخوانهم لقتلت نفسي وما يبكون مثل أخي ولكن ... أعزي النفس عنه بالتأسي30 280 وأشرد مثل قيل في تذكر المصائب قول متمم بن نويرة طويل: وقالوا أتبكي كل قبر رأيته ... لميت ثوى بين اللوى فالدكادك فقلت لهم إن الأسى يبعث الأسى ... دعوني، فهذا كله قبر مالك31 281 وأشرد مثل قيل في تفاضل المصائب قول هشام أخي ذي الرمة طويل: تعزبت عن أفى بغيلان بعده ... عزاء وجفن العين بالدمع مترع ولم تنسني أوفى المصيبات بعده ... ولكن نكء القرح بالقرح أوجع32 282 واشرد مثل قيل في العدول عما لا يستطاع قول الأعشى طويل: إذا حاجة ولتلك لا تستطيعها ... أدر طرفاً عن غيرها حين تسبق33

283 وأشرد مثل35 قيل في وضع الشيء في موضعه، وإقراره في مقره، قول الأعشى منسرح:

1- وأول من نظق بهذا المعنى امرؤ القيس، فأتى به في أحسن لفظ فقال: "وخير ما رمت فاسأل". ومن هذا، أخذ عمرو بن معدي كرب قوله وافر: إذا لم تستطع شيئاً فدعه ... وجاوزه إلى ما تستطيع34 283 وأشرد مثل35 قيل في وضع الشيء في موضعه، وإقراره في مقره، قول الأعشى منسرح: والشعر قلدته سلامة ذا فا ... ئش، والشيء حيث ما جعلا والشعر يستنزل الكريم كما ... استنزل رعد السحابة السبلا 284 أخبرهم أبو علي عن أبي عبد الله الحكيمي عن أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي قال: لما أنشد الأعشى سلامة ذا فائش، مرتجلاً قصيدته التي أولها نسرح: إن محلاً وإن مرتحلاً ... وإن في السفر إذ مضوا مهلا استأثر الله بالوفاء وبال ... عدل، وولى الملامة الرجلا والشعر قلدته سلامة ذا فا ... ئش، والشيء حيثما جعلا والشعر يستنزل الكريم كما ... استنزل رعد السحابة السبلا36 فقال سلامة ذو فائش: "لعمري إن الشيء حيث ما جعل". وأمر له بإهاب مملوء عنبراً، فأتى به المدينة، فباعه بثلاث مائة ناقة حمر الحدق. 285 وأشرد مثل37 قيل في شماتة الشامت بنوب الدهر قول عدي ابن زيد خفيف: أيها الشامت المعير بالد ... هر، أأنت المفرد الموفور!؟ من رأيت المنون خلدن أم من ... ذا عليه من أن يضام خفير38 1- وينظر إلى هذا المعنى قول الأعشى -إلا أنه فخر بالمنية فأحسن- فقال طويل: فما ميتة إن متها عاجز ... بعار إذا ما غالت النفس غولها39 286 وأشرد مثل قيل في نصراف النفس عن الشيء نزاهة قول حسان بن ثابت طويل: إذا انصرفت نفسي عن الشيء مرة ... فلست إليه آخر الدهر مقبلا40 1- وقال آخر طويل: إذا انصرفت نفسي عن الشيء لم تعد ... إليه بوجه آخر الدهر تقبل41 287 وأشرد مثل قيل في انقياد الحق إلى قائده، وإبطال الباطل عن رائده قول قيس بن الخطيم طويل: متى ما تقد بالباطل الحق يأبه ... وإن قدت بالحق الرواسي تنقد42 288 وأشرد مثل قيل في ميل43 الجانب للصديق، وخشونته للعدو، قوله أيضاً طويل: أعز على الباغي ويغلظ جانبي ... وذو الود أحلولي له وألين44 289 واشرد مثل قيل فياصطلاء الحرب كرهاً قوله طويل: إذا لم يكن عن غاية الحرب مدفع ... فأهلاً بها إذ لم تزل في المراحب45 190 وأشرد مثل قيل في اليأس من أوبه الغائب قول بشر بن أبي خازم وافر: تسائل عن أبيها كل ركب ... ولم تعلم بأن السهم صابا فرجي الخبر وانتظري إيابي ... إذا ما القارظ العنزي آبا46 291 وأشرد مثل قيل في بيع ما يضن به عند الحاجة إليه قول الأول طويل: وقد تخرج الحاجات يا أم مالك ... كرائم من رب بهن ضنين47 292 وأشرد مثل قيل في التربص قول قواص بن عتبة الأودي -وخطب بنت عم له كان يهواها، فلم يزوجها، وزوجت من غيره- طويل: تربص بها ريب المنون لعلها ... تطلق يوماً أو يموت حميمها48 يعني ابن عمها الشخص49 الذي زوجها. 293 وأشرد مثل قيل في استمداد الأعوان قول الآخر كامل: تقد المواقد ما حششت بها ... فإذا حششت بواحد لم يثقب 294 وأشرد مثل قيل في الفتك قول جرير طويل: فلا تقربن أمر الصريمة بامرئ ... إذا رام أمراً عوقته عواذله فما التفك ما آمرت فيه ولا الذي ... تخبر من لا قيت أنك فاعله50 295 وأشرد مثل قيل في قساوة القلب قول مهلهل بن ربيعة التغلبي بسيط: وقيل هو للمخبل51: يبكي علينا ولا نبكي على أحد ... لنحن أغلظ أكباداً من الإبل52 296 وأشرد مثل قيل في طلب التوفيق من الله تعالى ذكره، قول عيد بن زيد طويل: أعاذل ما أدنى الرشاد من الفتى ... وأبعده منه إذا لم يسدد53 297 وأشرد مثل قيل في ظلم الأقربين قوله طويل: وظلم ذوي القربى أشد مضاضة ... على المرء من وقع الحسام المهند54 298 وأشرد مثل قيل في الحض على الإعراض عن هجر القول قول أوس بن حجر طويل: إذا أنت لم تعرض عن الجهل والخنا ... أصبت حليماً أو أصابك جاهل55 29956 وأشرد مثل قيل في البغي قول المتلمس طويل:

300 وأشرد مثل فيل في الفخر بالأمهات قوله أيضا:

1 ... أحاريث إنا لو تساط دماؤنا تزايلن حتى لا يمس دم دما57 -حكى ذلك أبو عبيدة، وزعم أنه أشرد مثل قيل في البغي- 300 وأشرد مثل فيل في الفخر بالأمهات قوله أيضاً: 2 ... يعيرني أمي رجال، ولن ترى أخا كرم، إلا بأن يتكرما 3 ... وهل لي أم غيرها إن تركتها أبى الله إلا أن أكون لها ابنا58 301 وأشرد مثل قيل في اعتداد بني العم، والكف عن مقابلتهم59 على فعلهم، قوله أيضاً: 4 ... وما كنت مثل قاطع كفه بكف له أخرى، فأصبح أجذما 5 ... يداه أصابت هذه حتف هذه فلم تجد الأخرى عليها تقدما 6 ... فلما استقاد الكف بالكف لم يجد له دركاً في أن يبين فأحجما 7 ... فأطرق إطراق الشجاع، ولو يرى مساغاً لنابيه الشجاع لصمما60 -قال أبو عبيدة: يريد أنه فيما صنع به أخواله بمنزلة من قطع إحدى يديه بالأخرى، فلو هجاهم وكافأهم، كان بمنزلة من قطع يده بيده، فيبقى أجذم، عنهم، قال أبو علي: والبيت الأخير يضرب مثلاً للرجل يقصر، إلى أن تمكنه فرصة. 302 قال أبو عبيدة: "ولم يسمع لأحد بمثل هذه الأبيات حكمة وأمثالاً، من أولها إلى آخرها، وفيها من الأمثال السائرة ما يضرب مثلاً للحكيم يذكر عند نسيانه": 8 ... لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا وما علم الإنسان إلا ليعلما61 "وفيها من شارد الأمثال": إذا لم يزل حبل القرينين يلتوي ... فلا بد يوماً من قوى أن تجدما62 303 وأشرد مثل قيل في تنقل الأحوال، ووشك زوالها، قول لبيد منسرح: كل بني حرة مصيرهم ... قل، وإن كثروا من العدد إن يغبطوا، يهبطوا وإن أمروا ... يوماً يصيروا للثكل والنكد63 304 وأشرد مثل قيل في عود الإنسان إلى طبيعته، إن تخلق بغير خلقة قول ذي الأصبع العدواني بسيط: كل ارمئ راجع يوماً لشيمته ... وإن تخلق أخلاقاً إلى حين64 1- وقيل بل قول الآخر طويل: ومن يبتدع ما ليس من سوس نفسه ... يدعه، ويغلبه على النفس جنحها65 305 وأشرد مثل قيل في فرقة الأحباب قول المهول طويل: وكل مصيبات الزمان وجدتها ... سوى فرقة الأحباب هينة الخطب66 306 وأشرد مثل قيل في لهج الرجل ذي العيب، بعيب غيره، قرل رجل من ثقيف وافر: وأجرأ من رأيت بظهر غيب ... على عيب الرجال، ذوو العيوب67 1- وقيل بل قول الآخر طويل: يروم أذى الأحرار كل ملام ... وينظق بالعوراء من كان أعورا68 307 وأشرد مثل قيل في بث القبح ونشره، وطي الجميل وستره قول الآخر بسيط: إن يسمعوا الخير يخفوه، وغن سمعوا ... شراً أذيع، وإن لم يسمعوا كذبوا69 1- وكأن هذا من قول ابن أم صاحب بسيط: صم إذا سمعوا خيراً ذكرت به ... وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا70 308 وأشرد مثل قيل في قطع سبل المعروف بكفره قول عنترة كامل: نبئت عمراً غير شاكر نعمتي ... والكفر مخبثة لنفس المنعم71 309 وأشرد مثل قيل في إباء الظلم ولين الكنف عند المياسرة قوله أيضاً كامل: أثني علي بما علمت فإنني ... سمح مخالفتي إذا لم أظلم إذا ظلمت فإن ظلمي باسل ... مر مذاقته كطعم العلقم72 310 قال أبو علي: قوله: "أثني علي بما علمت" من قول امرئ القيس كامل: وشمائلي ما قد علمت وما ... نبحث كلابك طارقاً مثلي73 311 وقد أتى عنترة بهذا اللفظ بعينه في موضع آخر من القصيدة فقال كامل: إذا صحوت فما أقصر عن ندى ... وكما علمت شمائلي وتكرمي74 312 وأشرد مثل قيل في الوعظ بالأيام قول عدي بن زيد طويل: كفى واعظاً للمرء أيام دهره ... تروح له بالموعظات وتغتدي75 313 وأشرد مثل قيل في الحض على المجازاة عن الخير والشر قوله طويل: إذا أنت لم تنفع بودك أهلها ... ولم تنك بالبؤسى عدوك فابعد76 1- وأخذ هذبب الآخر فقال طويل: إذا أنا لم أجز المودة أهلها ... ولم أشتم الجبس اللئيم المذمما77 ففيم عرفت الخير والشر باسمه ... وشق لي الله المسامع والفما78

314 وأشرد مثل قيل في مدح الواجد والمعدم إذا كانا كريمين، قول زهير طويل:

314 وأشرد مثل قيل في مدح الواجد والمعدم إذا كانا كريمين، قول زهير طويل: على مكثريهم رزق من يعتريهم ... وعند المقلين السماحة والبذل79 315 وأشرد مثل قيل في تخير المنون للكرام قول طرفة طويل: أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي ... عقيلة مال الفاحش المتشدد80 316 وأشرد مثل قيل في إجابة المتضرع قوله أيضاً طويل: إذا القوم قالوا: من فتى؟ خلت أنني عيت، فلم أكسل ولم أتلبد81 317 وأشرد مثل قيل في استصغار المشقة قول الآخر طويل: وما كل كلب نابح يختفر له ... ولا كل ما طن الذباب أراع82 1- ومثله كامل: أو كلما طن الذباب زجرته ... إن الذباب إذن علي كريم83 318 وأشرد مثل قيل في مقابلة الشيء بمثله، قول عمرو بن براقة الهمداني طويل: وكنت إذا قوم غزوني غزوتهم ... فهل أنا في ذا، يال همدان ظالم؟ 84 319 وأشرد مثل قيل في تجنب إتيان ما ينهى عن مثله قول سابق البربري طامل: لا تنه عن خلق وتركب مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم85 320 وأشرد مثل قيل في الغنى بعد الفقر قول العجير السلولي متقارب: ويفتقر المرء حتى يشيب ... ويدرك بعد المشيب الغنى 321 وأشرد مثل قيل في النهي عن ازدراء الرجال قول شبيب بن البرصاء86 مخلع البسيط: رأوه فازدروه وهو حر ... وينفع أهله الرجل القبيح87 322 وأشرد مثل قيل في عطاء البخيل قول اليهوي كامل: إن يمنعوا منعوا القليل، وإن هم ... أعطوا، فما يعطي اللئام جزيلا 323 وأشرد مثل قيل في التندم على الفائت، وقلة السرور بما ينال، قول أعشى همدان كامل: إذا نلت لم افرح بشيء نلته ... وإذا سبقت به فلا أتلهف88 324 وأشرد مثل قيل في التجبر في الحرب قول قيس بن الخطيم طويل: وإذا ما فررنا كان أسوا فرارنا ... صدود الخدود وازورار المناكب صدود الخدود والقنا متناحر ... ولا تبرح الأقدام عند التضارب89 325 وأشرد مثل قيل في فوت الكثير بالتنظف إلى اليسير قول الآخر وافر: وكم من أكلة منعت أخاهابلذة ساعة أكلات دهر 326 وأشرد مثل قيل في الرجل يسعى لما فيه هلاكه، ولا يعلم، قول الآخر وافر: وكم من طالب يسعى لأمر ... وفيه هلاكه لو كان يدري 327 وأشرد مثل قيل في فناء الأهل والأحبة قول ابن هرمة خفيف: ما أظن الزمان يا أم عمرو ... تاركاً إن هلكت من يبكيني90 -قال: فيقال إنه لما مات، لم ير أحد خلف جنازته إلأا أربعة أعبد سودان، كانوا له- 328 وأشرد مثل قيل في العز بمضامة العشيرة، والذل في انحرافها، قول عبد الله بن أبي بن سلول91 طويل: متى يكن مولاك خصمك جاهداً ... تذل، ويصرعك الذين تصارع ولا ينهض البازي بغير جناحه=وإن جز يوماً ريشه فهو واقع 329 وأشرد مثل قيل في البعث على السفر، قول معقر بن حمار البارقي92 يخاطب امرأته طويل: تهيبك الأسفار من خشية الردى ... وكم قد رأينا من رد لا يسافر93 1- وشبيه بهذا قول الآخر متقارب: أفي الطوف خفت علي الردى ... وكم من رد أهله لم يرم 330 واشرد مثل قيل في جزع الرجل لغيره أو غضبه فيصاب في نفسه بما هو أعظم من ذلك، قول كامل: غضبت تميم، أن تقتل عاقر ... يوم النسار، فأعقبوا بالصليم 331 وأشرد مثل قيل في تنقل الأحوال قول ابن أحمر سريع: إن الفتى يقتر بعد الغنى ... ويغتني بعد ما يفتقر هل يهلكني بسط ما في يدي ... أو يخلدني منع ما أدخر 1- وقيل بل قول خوطب بن رئاب طويل: يعيش الفتى بالفقر يوماً وبالغنى ... وكل كأن لم يلق حين يزايله 332 وأشرد مثل قيل في الأطماع بالمحبوب قول أبي حفص الشطرنجي خفيف: عرضن للذي يحب بعشق ... ثم دعه يروضه إبليس94 -ولو شاء قائل أن يقول (إن هذا لأقوى95 بيت قيل) وجد مقالاً- 333 وأشرد مثل قيل في الحض على الصبر، توقعاً للفرج قول أعشى همدان كامل: ومتى تصبك من الحوادث نكبة ... فاصبر فكل ضبابة تتكشف96 334 وأشرد مثل قيل في اغتفار ذنب السكران، قول العطوي97 وافر:

335 وأشرد مثل قيل في الحض على صالح الأعمال، قول الحارث ابن حلزة سريع:

ومن حكمت كأسك فيه فاحكم ... له باقالة عند العثار 335 وأشرد مثل قيل في الحض على صالح الأعمال، قول الحارث ابن حلزة سريع: ما بين ما تحمد فيه وما ... يدعو إليك الذم إلا قليل 336 وأشرد98 مثل قيل في الشماتة بالنعي، قول أعشى همدان للفرزدق عند موت جرير99 طويل: أقول له لما أتاني نعيه ... به لأبكي ... 100 337 وأشرد مثل قيل في الحض على الصبقر عند اللقاء قول عمرو ابن الإطنابة وافر: أبت لي عفتي، وأبى بلائي ... وأخذي الحمد بالثمن الربيح وإقدامي على المكروه نفسي=وضربي هامة البطل المشيح -المشيح: الجاد في أمره. والإطنابة101: وتر القوس، إذا جرت، وقيل الإطنابة: سير يشد في وتر القوس- وقولي كلما جشأت وجاشت ... مكانك تحمدي أو تستريحي102 338 وأشرد مثل قيل في النهي عن الحسد، على تطاول العمر قول عمرو بن قميئة منسرح: لا تغبط المرء أن يقال له ... أمسى فلان لعمره حكما إن سره طول عمره فلقد ... أضحى على الوجه طول ما سلما103 339 وأشرد مثل قيل في الحض على مخاطرة النفس في طلب المال قول النمر بن تولب كامل: خاطر بنفسك كي تصيب غنيمة ... إن الجلوس مع العيال قبيح المال فيه مجلة ومهابة ... والفقر فيه مذلة وقبوح104 340 واشرد مثل قيل في طلب الشيء، حتى إذا أدركه طالبه، قصر عنه، قول مالك بن خريم105 رمل: حرق قيس على البلاد حت ... ى إذا ما اضطرمت أجذما 341 وأشرد مثل قيل في سيادة الأصاغر الأكابر قول الأفوه الأودي بسيط: لا يصلح الناس فوضى، لا سراة لهم ... ولا سراة إذا جهالهم سادوا تهدى الأمور بأهل الرأي ما صلحوا ... فإن تولوا فبالأشرار تنقاد106 342 وأشرد مثل قيل في تجافي عشرة الجافي وإن كان ممن ينتفع بعشرته، قول بشار كامل: فإذا جفوت قطعت عنك منافعي ... والدر يقطعه جفاء الحالب107 343 وأشرد مثل قيل في التسلية عن فراق الأحبة قول زهير بن جناب الكلبي108 وافر: إذا ما شئت أن تسلا حبيباً ... فأكثر دونه عدد الليالي فما سلى حبيبك مثل نأي ... ولا بلى جيددك كابتذال 1- وقيل بن عمر بن أبي ربيعة طويل: أمت حبها واجعل قديم وصالها ... وعشرتها يوماً كمن لا تعاشر وهبها كشيء قد مضى أو كنازح ... به الدار، أو من غيبته المقابر فكالناس علقت الرباب فلا تكن ... أحاديث من يبدو، ومن هو حاضر 344 وأشرد مثل قيل في الرجل يطرح في الرخاء، ويدعي عند الشدة والبلاء، قول ابن أحمر الكناني كامل: وإذا تكون كريهة أدعى لها ... وإذا يحاس بيدعى جندب 345 وأشرد مثل قيل في الاستبداد دون الجار، بجانب المرعى، وعذب المورد، قوله أيضاً كامل: ولمالك أنف البلاد ورعيها ... ولنا الثماد ورعيهن المجدب 346 وأشرد مثل قيل في تسليط المستغاث به على المستغيث قول الممزق طويل: فإن كنت مأكولاً، فكن خير آكل ... وإلا فأدركني ولما أمزق 347 وأشر د مثل قيل في تلهف المعدم على قصوره، عن بذل الجود، وتحمل المغارم قول خالد بن علقمة الدرامي طويل: وقد يقصر القل الفتى دون همه ... وقد كان لولا القل طلاع أنجد 348!. 349 وأشرد مثل قيل في الجبن قول نهشل بن حريطويل: فلو أن لي نفسين كنت مقاتلاً ... بإحداهما حتى تموت وأسلما 350 واشرد مثل قيل في الاحتفاظ بالمال قول منصور بن منجوف بن مرة السلمي طويل: وأدفع عن املي الحقوق وإنه ... لجم، وإن الدهر جم عجائبه 351 وأشرد مثل قيل في اليأئس من صلاح الأ, لاد مع فساد الآباء قول الفرزدق طويل: ترجي ربيع أن يجيء صغارها ... بخير، وقد أعيا ربيعاً كبارها 352 وأشرد مثل قيل في الانتظار بالعدو، واختلاف الليل والنهار، قول الآخر خفيف: لا يغرنك عشاء سكان ... قد يوافي بالمنيات السحر 353 وأشرد مثل قيل في الفخر بالقتل قول الآخر بسيط: إن يقتلوك فقد قتلت خيارهم ... والليث أكرم ما يموت قتيلا 354 وينظر إلى هذا المعنى قول عباية بن حصن كامل:

355 قال الصولي: قال لي علي بن العباس بعقب هذا الخبر، "ونقد الشعر، وترتيب الكلام،

إن يقتلوك فقد هتكت سارتهم ... بعتيبة الجادي عن إيهاب ولهذا البيت خبر، أنا ذاكره بعد، أخبرني عبد الله بن جعفر بن درستويه قال: أخبرني علي بن العباس النوبختي قال: رأيت البحتري يوماً، ومعي دفتر. فقال: "ما هذا؟ " قتل: "شعر اليشكري" قال: "وإلى أين تمضي؟ " قلت: "إلى أبي العباس ثعلب أقرأه عليه". قال: "قد رأيت أبا عباسكم هذا منذ أيام، عند ابن ثاوبه، فما رأيته ناقداً للشعر، ولا مميزاً لألفاظه، ورأيته يستحسن شيئاً وينشده، وما ذلك استجادة لا بأحسن الشعر! ولا بأفضله" قال: فقلت: "أما نقده وتمييزه، فهذه صناعة أخرى، ولكن هو أعرف الناس بإعراب الشعر وغريبه، فما كان ينشد؟ " قال: "قول الحارث بن وعلة كامل: قومي هم قتلوا أميم أخي ... فإذا رميت يصيبني سهمي فلئن عفوت لأعفون جللاً ... ولئن سطوت لأوهنن عظمي قال: فقلت: "والله ما أنشد إلا أحسن معنى ولفظ" قال: "فأين الشعر الذي في هعروق الذهب؟ " قتل: "مثل ماذا؟ " قال: "مثل قول داود بن ربيعة الأسدي كامل: إن يقتلوك فقد هتكتت بيوتهم ... بعتبة بن الحارث شهاب بأحبهم فقداً إلى أعدائهم ... وأشدهم فقداً على الأصحاب" قال: فإذا هو لا يعجبه من الشعر إلا ما وافق طبعه! 355 قال الصولي: قال لي علي بن العباس بعقب هذا الخبر، "ونقد الشعر، وترتيب الكلام، ووضعه، مواضعه، والاستعارة ونفي المستكره والجاسي، صنعة" بنفسها، هذا شاعر مثل البحتري، مال إلى ما وافق طبعه، وألفه واعتاده". 356 وأشرد مثل قيل في الحض على ادخار العمل الصالح قول الأخطل كامل: وإذا افتقرت إلى الذخائر لم تجد ... شيئاً يكون كصالح الأعمال 357 وأشرد مثل قيل في اليأس من التصابي قوله أيضاً كامل: وإذا دعونك عمهن فإنه ... سبب يرزيدك عندهن خبالا 358 وأشرد مثل قيل في اليأس من تلافي ما تفاقم صدعه، قول رجل من أزد عمان مخلع البسيط: والثوب إن أنهج فيه البلى ... أعمى على ذي الحيلة الراقع 359 وأشرد مثل قيل في تفاوت قسم الأرزاق قول الآخر طويل: وليس الغنى والفقر من حيلة الفتى ... ولكن أحاظ قسمت وجدود 360 وأشرد مثل قيل في فوت المجد من لم ينله صغيراً قول المعلوط السعدي طويل: إذا المرء المروءة ناشئاً ... فمطلبها كهلاً عليه شديد 361 وأشرد مثل قيل في الاستيلاء باللوم قول زيادة العذري طويل: يلام رجال قبل تجريب أمرهم ... وكيف يلام المرء حتى يجربا 362 وأشرد مثل قيل في ستر الفواحش قول زهير كامل: فالستر دون الفاحشات وما ... يلقاك دون الخير من ستر 363 وأشرد مثل قيل في حماسة عرض الوالد، قوله أيضاً طويل: أبيت فلا أهجو الصديق ومن يبع ... بعرض أبيه في المعاشر ينفق 364 وأشرد مثل قيل في استعمال الأناة، والوصاة بها قوله أيضاً طويل: ومن لا يقدم رجله مطمئنة ... فيثبتها في مستوى الأرض يزهق 1- فنظر إلى هذا المعنى القطامي نظراً خفياً، فقال بسيط: قد يدرك المتأني بعض حاجته ... وقد يكون مع المستعجل الزلل 365 وأشرد مثل قيل في إكرام النفس عن ملاحاة ذوي الخنى قول زهير طويل: وذي خطل في القول يحسب أنه ... مصيب فما يلمم به، فهو قائله عبأت له حلمي وأكرمت غيره ... وأعرضت عنه وهو باد مقاتله -قوله غيره: يعني نفسه- 366 وأشرد مثل قيل في فضل الحكم، قوله أيضاً وافر: فإن الحق مقطعه ثلاث ... يمين، أو نفار، أو جلاء 367 وأشرد مثل قيل في حمل المذنب على البرئ، قول النابغة طويل: أكلفتني ذنب امرئ وتركته ... كذي العر يكوب غيره وهو راتع 368 وأشرد مثل قيل في الهم قول الأعشى طويل: لعمرك ما شف الفتى مثل همه ... إذا حاجه بين الحيازم حلت 369 وأشرد مثل قيل في صفاء الود، وصحة المشايعة، قول النابغة وافر: فلو كفى اليمين بغتك خوفاً ... لأفردت اليمين عن الشمال 1- أخذ هذا المعنى من قول عمرو بن قميئة وافر: فإني لو تطالبني يميني ... خلافك ما وصلت بها شمالا 2- وقد أخذ خذا المثقب العبدي فقال وافر:

370 وأشرد مثل قيل في اليأس من صلاح الإنسان قول النابغة وافر:

فإني لو تطالبني شمالي ... خلافك ما وفيت بها يميني إذا لقطعتها، ولقلت: بيني ... كذلك أجتوي من يجتويني 370 وأشرد مثل قيل في اليأس من صلاح الإنسان قول النابغة وافر: فإنك سوف تقصد أو تناهي ... إذا ما شبت أو شاب الغراب 371 وأشرد مثل قيل في الاستبصار في تعاقب الأحوال والأيام قوله أيضاً طويل: ولا يحسبون الخير، لا شر بعده ... ولا يحسبون الشر ضربة لازب 372 وأشرد مثل قيل في تجافي الظنون بالمودة، وإن نازعت نحوه نوازع الهوى والمحبة، قول أي صخر الهذلي، ولم يسبق إليه طويل: ولا خير في وصل الظون إذا دنا ... ولا لذة بالليل ينزلها القسر 373 وأشرد مثل قيل في الاستعفاف قول عبيد بن الأبرص مخلع البسيط: من يسأل الناس يحرموه ... وسائل الله لا يخيب 374 وأشرد مثل قيل في حفظ المال وتثميره، قول المتلمس: قليل المال لا تصلحة فيبقى ... ولا يبقى الكثير مع الفساد وحفظ المال أيسر من بغاه ... وسير في البلاد بغير زاد 375 وأشرد مثل قيل في تبليغ العذر في الطلب قول عروة بن الورد طويل: لتبلغ عذراً أو تفيد غنيمة ... ومبلغ نفيس عذرها مثل منجح 376 وأشرد مثل قيل في إدراك الثأر قول مهلهل ولم يسبقه إليه أحد بسيط: لقد قتلت بين بكر بربهم ... حتى بكيت، وما بيكي لهم أحد 377 وأشرد مثل قيل في مكاشرة بعض الأعداء، وإعدادهم لمن هو أشد منهم عداوه، قل مرادس الأسدي كامل: وذوي ضباب مظهرين عداوة ... وغري الصدور الأكتاد ناستيهم بغضاءهم، ورفوثهم ... وهم إذا حسب الصديق أعاد كيما أعدهم لأبعد منهم ... ولقد يجاء إلى ذوي الأحقاد 378 واشرد مثل قيل في الحض على ملاقاة الناس جميعاً بالبشر قول صالح بن عبد القدوس طويل: ولاق ببشر من لقيت تكن له ... صديقاً، وإن أمسى مصراً على حقد 379 وأشرد مثل قيل في وضع المعروف في غير موضعه، قوله أيضاً كامل: شر المواهب ما تجود به ... في غير محمدة ولا أحسان 380 وأشرد مثل قيل في الرضى بتحمل الأذى، واغتفار الذنوب، ما لم تقع فيها مكاشفة من الأعداء، قوله كامل: اغفر ذنوب أخيك ما حصرت ... دون الجوانح، وارض بالستر 381 وأشرد مثل قيل في الاحتراس ممن تقدم منك القبيح إليه، قوله أيضاً بسيط: إذا وترت أمراً فاحذر عواقبه ... من يزرع الشوك لا يحصد به عنباً 1- أخذه منكلام عيسى عليه السلام: "وتعملون السيئات، وترجون أن تجاوز بما يجازى بها أهل الحسنات، أجل! لا يجتنى من الشوك العنب. 382 وأشرد مثل قيل لمحدث، في النهي عن مجازاة سفه السفيه قول أبي بكر العرزمي كامل: وإذا جريت مع الشفيه كما جرى ... فكلاكما في جربه مذموم وإذا عتبت على السفيه ولمسته ... في مثل ما يأتي فأنت ملوم 383وأشرد مثل قيل في تعز الكريم، بالتسليم دون الاقتضاء قول الآخر كامل: وإذا طلبت إلى كريم حاجة ... فلقاؤه يكفيك والتسليم 1- وقول الآخر طويل: أروح بتسليم وأغدو بمثله ... وحسبك بالتسليم مني تقاضيا 384 وأشرد مثل قيل في ترك الاحتفال بصداقة الأحمق قول صالح بن عبد القدوس كامل: ولأن يعادي علا خير له ... من أن يكون له صديق أحمق 385 وأشرد مثل قيل في الإبقاء على أسباب المودة، قول العرزمي طويل: إذا أنت عاديت أمرءاً بعد خلة ... فدع في غد للصلح والعود موضعاً 386 وأشرد مثل قيل في الاستبدال بالبلاد عند نبوها، قول مسلم بسيط: تلقى بكل بلاد مررت بها ... أهلاً بأهل وجيراناً بجيران 387 واشرد مثل قيل في نبو اللئيم عن إخوانه بالرخاء، قوله أيضاً بسيط: كالكلب إن جاع لم يعدمك بصبة ... وإن ينل شبعة ينبح من الأشر 388 وأشرد مثل قيل في الإحسان إلى من يعتقد الإساءة إليك قول الآخر طويل: وكنت له كالمسمن كلبه ... وإن يستطعه كلبه فهو آكله 389 واشرد مثل قيل في إعراض الطالب عن مطلبه، إذا لم يواته قول زهير وافر: وقد طالبتها ولكل شيء ... وإن طالت لجاجته انتهاء

390 وأشرد مثل قيل في نشر العدو قبائح الأعمال، وطيه رابحات الأعمال، قول الأعشى

390 وأشرد مثل قيل في نشر العدو قبائح الأعمال، وطيه رابحات الأعمال، قول الأعشى طويل: وتدفن منه الصالحات وإن يسيء ... يكن ما أساء النار في رأس كبكبا 391 وأشرد مثل قيل في قرب البعيد ووده، وبعد القريب أيضاً، إذا كان يتجنبه قوله أيضاً طويل: لا تطلبن الود من متباعد ... ولا تنأ عن ذي بغضة إن تقربا فإن القريب من يقرب نفسه ... لعمر أبيك الخير لا من تنسبا 392 وأشرد مثل قيل في تجنب الدهر، والدهر مقبل معتد ما أنشده أبو معلم طويل: يعيش علي الدهر مكتف ... وإن ... غنتصرت على الدهر 396 وأشرد مثل قيل في الاستراحة إلى الشكوى قول بشار طويل: ولا بد من شكوى إلى ذي حفيظة ... إذا جعلت أسرار نفسي تطلع 397 وأشرد مثل قيل في الرجل تسيء غليه، وتستنصحع قول الأول طويل: تريدونني سوءاً وتستنصحونني ... ومن ذا الذي يعطي مودته قسرا 398 وأشرد مثل قيل في تهجين التأميل، قول بشار كامل: ترجو غداً، وغد كحاملة ... في الحي لا يدرون ما تلد 399 واشرد مثل قيل في الرجل يعتمد الإحسان فيصوره أعداؤه بصورة الإساءة قول أبي حنش الفزاري وافر: وكم من موقف حسن أحليت ... محاسنه فعد من الذنوب -أخذ هذا القول أبو تمام فقال طويل: فإن كان ذنبي أن أحسن مطلبي ... أساء ففي سوء القضا لي العذر 400 وأشرد مثل قيل في الحض على إنفاق المال، والتوكل على الله تعالى قول جميل طويل: كلو اليوم نم رزق الإله واشكروا ... فإن على الرحمن رزقكم غدا 401 وأشرد مثل قيل في تقلب العادات قول الأعشى طامل: عودت كندة عادة فاصبر لها ... واغفر لجاهلها ورو سجالها 402 وأشرد مثل قيل في تكذيب الطير والكهانة، قول لبيد طويل: لعمرك ما تدري الضوارب بالحصى ... ولا زاجرات الطير ما الله صانع 403 وأشرد مثل قيل في مداراة الناس، قول زهير طويل: ومن لا يصانع في أمور كثيرة ... يضس بأنياب ويوطأ بمنسم 404 وأشرد مثل قيل في وقاية العرض بالمال قول زهير أيضاً طويل: ومن يجعل المعروف من دون عرضه ... يفره ومن لا يتقي الشتم يشتم 405 واشرد مثل قيل في إعطاء الحق طوعاً قبل الاضطرار إلى إعطائه كرهاً قوله طويل: ومن يعص أطراف الزجاج فإنه ... يطيع العوالي ركبت كل لهذم -يريد أنهم كانوا إذا أرادوا الصلح، جاءوا برماح لا أسنة فيها، يقول لمن أبى السلم، ولا يطعنا، أطاع عند تركيب الزجاج على العوالي، فراسانها- 406 وأشرد مثل قيل في الاستغناء عمن ضن بمععروفه، قوله أيضاً طويل: ومن يك فضل فيبخل بفضله ... على قومه يستغن عنه ويذمم 407 وأشرد مثل قيل في تعيير الأموات بالأحياء قول الأشعر الجعفي كامل: أحياؤهم عار على موتاهم ... والميتون شرار من تحت الثرى أشعر بيت قالته العرب 408 قال أبو علي أخبرنا أبو حعفر محمد بن عمرو البختري، قال حدثنا سعدان بن نصر قال، أخبرنا سفيان بن عيينة، عن عبد الملك بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يقول: "أشعر كلمة قالتها العرب قول لبيد (ألا كل شيء ما خلا الله باطل". 409 أخبرنا محمد بن عبد الواحد قال، أخبرنا أحمد بن يحيى عن الأثرم عن أبي عبيدة عن يوسن بن حبيب، قال: "أشعر بيت قالته العرب، قول دريد بن الصمة طويل: بل التشكي للمصيبات ذاكر ... من اليوم أعقاب الأحاديث في غد 410 أخبرنا محمد بن عبد الواحد قال، أخبرنا أحمد بن يحيى، عن أبي نصر عن الأصمعي، قال: "العجب! كيف لم يقل الناس إن أشعر بيت قالته العرب، قول أبي ذؤيب كامل: والنفس راغبة إذا رغبتها ... وإذا ترد إلى قليل تقنع 411 أخبرنا أبو عبد الله الحكيمي قال، أخبرنا أحمد بن يحيى عن الزبير بن بكار قال حدثني عمر بن أبي بكر الموصلي عن عبد الله بن اببي عبيدة، عن عمار بن ياسر قال: "سالت كثيراً عن أشعر بيت قالته العرب، قال (قول زهير) طويل: فلما وردن الماء زرقاً جمامةوضعن عصى الحاضر المتخيم"

412 وأخبرنا أبو عمر قال أخبرنا أحمد بن يحيى عن الأثرم عن أبي عبيدة قال، قال

412 وأخبرنا أبو عمر قال أخبرنا أحمد بن يحيى عن الأثرم عن أبي عبيدة قال، قال مسلمة بن عبد الملك لعبد الله بن عبد الأعلى "أي بيت قالته العرب أشعر؟ " قال "قول القائل طويل: صبا ما صبا حتى علا الشيب رأسه ... فلما علاه قال للباطل أبعد" 413 أخبرنا أبو الحسن بن أبي غسان، قال أخبرني أبو الفضل بن الحباب عن محمد بن سلام قال: "أجمع جماعة" من الرواة أن أشعر نصف بيت قيل، قول أبي قيس بن الأسلت (كل امرئ في شأنه ساع) وكانت العرب لا تعد أبا قيس شاعراً" قال "فلما قال هذا المصراع عدته من الشعراء". 414 أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد العروضي قال، أخبرنا أبو الحسن الأسدي عن الرياشي عن الأصمعي عن ابي عمرو بن العلاء قال "اجمتع ثلاثة من الرواة، فقالوا: (أي نصف بيت أشعر، وأحكم وأوجز؟ فقال الأول: قول حميد بن ثور الهلالي "وحسبك داء أن تصح وتسلما"، وقال الثاني: قول الهذلي: "نوكل بالأدنى وإن جل ما يمضي" وقال الثالث: قول أبي ذؤيب "والدهر ليس بمعتب من يجزع. 415 أخبرنا علي بن هرون عن أبيه هرون عن أبيه علي وعن عمه يحيىقال: قال إسحاق بن إبراهيم، قيل لبشار: أي بيت قالته العرب أشعر؟ قال: "إن تفضيل بيت واحد لشديد، ولكن أحسن لبيد حيث يقول رمل: وأكذب النفس إذا حدثتها ... إن صدق النفس يزري بالأمل" 416 أخبرنا أبو عمر قال أخبرنا أحمد بن يحيى عن أبي نصر عن الأصمعي قال: "كان يقال: (ليس شعر أشعر وأجود من قول امرئ القيس وافر: ألا يا لهف نفسي إثر قوم ... هم كانوا الشفاء فلم يصابوا وقاهم جدهم ببني أبيهم ... وبالأشقين ما كان العقاب وأفلتهن علباء جريصاً ... ولو أدركنه صفر الوطاب) -قال أبو علي، قوله: "صفر الوطاب" فيه قولان، أحدهما: يقتل فتصفر وطابه من اللبن الذي كان يعد للأضياف، وصفرت: خلت. والقول الثاني، إن هذا مثل ضربه، يقول: (يقتل فيخلو جسمه من روحه) - 417 قال أبو علي: أشعر بيت قالته العرب، هو قول امرئ القيس كامل: الله أنجح ما طلبت به ... والبر خير حقيبة الرجل 1- وقوله أيضاً طويل: فإنك لم يفخر عليك كفاخر ... ضعيف، ولم يغلبك مثل مغلب أحسن بيت قالته العرب 418 أخبرنا محمد عبد الواحد، قال، أخبرنا أحمد بن يحيى، عن أبي نصر، عن الأصمعي قال: "لم يقل شعر قط أحسن من هذه الثلاثة المعاني: 1- قول كعب بن زهير في رسول الله بسيط: تحمله الناقة الأدماء متعجرفاً ... بالبرد كالبدر جلى ليلة الظلم وفي عطافيه أو أثناء بردته ... ما يعلم الله من دين ومن كرم" قال: "والجهال يروون البيت الأول لأبي دهبل". 2- "وقول الحارث بن حلزة خفيف: وفعلنا بهم كما يعفعل الله ... وما أن للخائنين دماء 3- وقول العجاج رجز: يحملن كل سؤدد وفخر ... يحملن ما تدري ومالا تدري ضخم الخوان ضمسي القدر ... أبيض وضاحاً كضوء البدر 419 أخبرنا الحسين بن صفوان الرذعي، عن علي بن زيد بن جدعان قال: تذاكروا أحسن بيت قيل من الشعر، فقال رجل: "ما سمعت أحسن من قول أبي طالب في النبي صلى الله عليه وسلم وافر: فشق له من اسمه ليجله ... فذو العرش محور، وهذا محمد 420 أخبرنا عبد الله بن جعفر قال، أخبرنا أحمد بن يحيى عن أبي نصر عن الأصمعي عن عمرو بن العلاء، قال: "ثلاثة أبيات قالها أصحابها، ولم يعرفوا قدر ما خرج من رؤوسهم وهي أحسن ما قالته العرب. 1- منها قول الفقيمي بسيط: ما كلف الله نفساً فوق ظاقتها ... ولا تجود يد إلا بما تجد 2- وقول الآخر طويل: ألا عائد بالله من عدم الغنى ... ومن رغبة يوماً إلى غير راغب 3- وقول المرقش طويل: ومن يلق خيراً يحمد الناس أمره ... ومن يغو لا يعدم على الغي لائماً أصدق بيت قالته العرب 421 أخبرنا محمد بن يحيى قال أخبرنا أبو العيناء عن الأصمعي قال: قال عبد الملك بن مروان يوماً لجلسائه: "أخبروني بأصدق بيت قالته العرب؟ " فقالوا: "قول الشاعرطويل: وما حملت ناقة فوق رحلها ... أبر وأوفى ذمة من محمد" قال: "فأخبروني بأكرم بيت قالته العرب؟ " قالوا: "قول الأخطل بسيط:

422 أخبرنا أبو عبد الله الحكيمي قال، أخبرنا أحمد بن أبي عيينة قال أخبرنا مصعب بن

قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم ... دون النساء ولو باتت بأطهار" 422 أخبرنا أبو عبد الله الحكيمي قال، أخبرنا أحمد بن أبي عيينة قال أخبرنا مصعب بن عبد الله الزبيري قال: (دخل ابن عياش على مسلم بن قتيبة -وبين يديه سلة زعفران فقال: "أنشدني بيتاً لا يستطيع إنسان أن يقول فيه كذبت! ولك هذه السلة". فأنشد طويل: وما حملت من ناقة فوق رحلها ... أبر وأوفى ذمة من محمد فقال: "خذها، لا بارك الله لك فيها") . 423 وحكى دعبل قال: "أصدق بيت قالته العرب بيت أنس بن أبي أسيد بن أناس وكان هجا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخافه، فأتاه يوم فتح مكة فأنشده هذا البيت فأمنه وهو "وما حملت من ناقة فوق رحلها" وذكر البيت". 424 أخبرنا محمد بن يحيى قال: أخبرنا أبو العيناء قال، سمعت الأصمعي يقول: "اصدق بيت قالته العرب بيت أبي ذؤيب كامل: والنفس راغبة إذا رغبتها ... وإذا ترد إلى قليل تقنع" 425 قال: وقال أبو عمر: "ما قالت العرب بيتاً أبدع منه". 426 أخبرنا أبو عمر عن أحمد بن يحيى عن أبي نصر عن الأصمعي قال: "أصدق بيت قالته العرب قول الحطيئة بسيط: من يفعل الخير لا يعدم جوازيه ... لا يذهب العرف بين الله والناس 427 أخبرنا أبو عبد الله الحكيمي قال، أخبرنا أحمد بن يحيى قال، قال حماد الرواية: "سألت الفرزدق، أي الشعراء أشعر في أشياء مختلفة؟ وأيهم أصدق بيت في الجاهلية؟ "قال" أصدق بيت قول امرئ القيس كامل: الله أنجح ما طلبت به ... والبر خير حقيبة الرجل قلت: فأي العرب كان أفخر في الجاهلية؟ " قال: الذي يقول طويل: فلو أن ما أسعى لأدنى معيشة ... كفاني، ولم أطلب قليل من المال ولكنما أسعى لمجد مؤثل ... وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي 428 قال الشيخ: "أصدق بيت قالته العرب عندي قول زهير طويل: فلا تكتمن الله ما في نفوسكم ... ليخفى، ومهما يكتم الله يعلم أكذب بيت قالته العرب 429 أخبرنا محمد بن عبد الواحد قال أخبرنا أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي قال: "أكذب بيت قالته العرب، قول الأعشى سريع: لو أسندت ميتاً إلى نحرها ... عاش، ولم ينقل إلى قابر حتى يقول الناس مما رأوا ... يا عجباً للميت الناشر 430 أخبرنا عبد الله بن جعفر عن المبرد عن الرياشي قال: (وقف أعرابي على حقلة في المسجد، وسألهم أن يسدلوا أطماراً عليه، قالوا "ما كنيتك؟ قال: "أبو وائل" قالوا: "اجلس يا وائل! علينا كسوتك" وحث أحدهم أصحابه عليه. فقال: بأبي أنت والله، لئن كنت متأخراً في القول، إنك لمتقدم في الفعل" قالفقلنا: "يا أبا وائل! أتقرض من الشعر شيتئاً؟ " فقال: "والله إني لأقول كريمه" فقلنا: "أنشدنا" قال "أنشدكم في صغير بابلي بسيط: لو أن زيدة كلمتني بعد ما ... نسيت نوائحي البكاء وأقبر لظننت ميت أعظمي سيجيبها ... أو أن باليها الرميم سينشر قال، قلنا: "يا أبا وائل! هل كان بينك وبينها ريبة؟ " قال: "كان أقرب ما أحل الله مما حرم: الإشارة من غير مساس، واللحظ من غير باس، وبالله لقد كنت أذكرها وبيني وبينها عقبة الظائف، فأحيا بذكرها، وتضر بني ضوائع المسك برياها، ولئن لم يكن العشق جنوناً، إنه لعصارة من السحر". 431 قال أحمد بن يحيى: "بل أكذب بيت قالته العرب قول الآخر طويل: ولقد نعرت بقندها نعرة ... خرت صوامعها وكل عمود 432 قال أبو عمر: قال غير أبي العباس: "ل أكذب منه قول الأول خفيف: وقتلناهم فبادوا جميعاً ... ونفخنا من سواهم فطاروا يال بكر انشروا لي كليباً ... يال بكر أين، أين الفرار 433 وحكى دعبل: إن أكذب بيت قالته العرب قول مهلهل وافر: فلولا الريح أسمع آل حجر ... صليل البيض تقرع بالذكور وكان منزله على شاطئ البحر الفرات من أرض الشام، وحجر هي: اليمامة. 434 قال دعبل "ومن أكذب الأبيات قول أبي الطمحان القيني طويل: أضاءت لهم احسابهم ووجوهم ... دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبة أنصف بيت قالته العرب

435 أخبرنا عبيد الله بن أحمد النحوي قال أخبرنا محمد بن الحسن بن دريرد قال،

435 أخبرنا عبيد الله بن أحمد النحوي قال أخبرنا محمد بن الحسن بن دريرد قال، أخبرنا السكن بن سعيد عن محمد بن عباد عن أبيه قال: (أنشد النبي صلى الله عليه وسلم حسان بن ثابت قوله وافر: 1 ... عفت ذات الأصابع فالجواء إلى عذراء منزلها خلاء حتى انتهى إلى قوله: 2 ... هجوت محمداً فاجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاء فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "جزاؤك على الله عز وجل الجنة يا حسان! " فلما انتهى إلى قوله: 3 ... فإن أبي، ووالدتي، وعرضي لعرض محمد منك وقاء قال له النبي صلى الله عليه وسلم "وقاك الله حر الناي" فلما قال: 4 ... أتهجو، ولست له بكفء فشركما لخيركما الفداء قال من حضر: "هذا أنصف بيت قالته العرب) . 436 أخبرنا البرذعي قال ابن أبي الدنيا قال حدثنا أحمد بن الحارث عن على بن عبد الله القرشي، أن معاوية قال يوماً "أيكم ينشدنا قصيدة أنصف فيها صاحبها"؟ فقالوا: فأكثروا، فلم يأتوا بشيء، فقال: "يا غلام! هات تلك الرقعة" فقرأ عليهم قصيدة مفضل العبدي وافر: 1 ... بكل قرارة منا ومنهم بنان فتى وجمجمة فليق 2 ... فأشبعنا الضباع وأشبوعها فراحت كلها تيق تفوق 3 ... قتلنا الفارس الوضاح منهم كأن فروع لمته العذوق 4 ... وقد قتلوا به منا غلاماً كريماً لم تخونه العروق 5 ... فأبكينا نساءهم وأبكوا نساء ما يسوغ لهن ريق وهذه القصيدة تسمى المنصفة. 437 أخبرنا محمد بن عبد الواحد، قال أخبرنا علي بن ديبس الكاتب، عن الخيرزان عن المدائني قال: قال دغفل النسابة: (قدمت على معاوية فقال: "يا دغفل! أخبرني عن أنصف العرب في أشعارها؟ "قال: قلت" الذي يقول طويل: 1 ... فلم أرى مثل الحي حياً مصبحا ولا مثلنا يوم التقينا فوارسا 2 ... أكثر وأحمى للحقيقة منهم وأضرب منا بالسيوف القوانسا 3 ... إذا شددنا شدة نصبوا لها صدور المذاكي والرماح الوداعسا 4 ... نطاعن عن أحسابنا برماحنا ونضربهم ضرب المذيد الخوامسا -المذيد: من أذاد، وهو غريب، طريف في كلام العرب- 438 قال أبو علي: وأنصف بيت قالته العرب عندي قول الأول طويل: نطاعنهم نستودع البيض هامهم ... ويستودعونا السمهري المقوما 439 وأنشدنا محمد بن عبد الواد قال، أنشدنا أحمد بن يحيى قال -ذها أنصف بيت قالته العرب، وهو قول عبد الشارق بن عبد العزى الجهني وافر: 1 ... شددنا شدة فقتلت منهم ثلاثة فتية وقتلت قينا 2 ... وشدوا أخرى فجروا بأرجل مثلهم، ورموا جوينا 3 ... وكان أخي جوين ذا حفاظ وكان الموت للفتيان زينا أفخر بيت قالته العرب 440 أخبرنا أبو عبيد الله بن أحمد قال أخبرنا محمد بن الحسن بن دريد قال أخبرنا عبد الرحمن بن أخي الأصمعي، عن عمه قال: "بلغني أن معاوية بن أبي سفيان قال: لدغفل النسبابة: "أي بيت قالته العرب أفخر وأسدى قال: قول الشاعر طويل: له همم لا ينتهي لكبارها ... وهمته الصغرى أجل من الدهر له راحة أن معشار جودها على البر ... بر أندى من البحر" 441 وحكى دغفل: "أن أفخر بيت قالته العرب قول كعب بن مالك الأنصاري طويل: وبئر بدر إذ يردوجوههم ... جبريل تحت لوائنا ومحمد 442 أخبرنا أبو عبد الله الحكيمي قال: أخبرنا أحمد بن يحيى قال: أفخر بيت قالته العرب، قول امرئ القيس بسيط: ما يمكر الناس منا يوم نملكهم ... كانوا عبيداً، وكنا نمحن أرباباً 443 قال أبو علي: وهذا عندي أفخر بيت قالته العرب، ويتلو هذا القول للفرزدق طويل: ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا ... وإن نحن أومأنا إلى الناس وقفوا 1- ويتلوا هذا قول جرير وافر: إذا غضبت عليك بنو تميم ... حسبت الناس كلهم غضبانا 444 وقأ أخبرني علي بن هرون عن أبيه وعمه أنشد جميل الفرزدق قوله طويل: يرى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا ... وإن نحن أومأنا إلى الناس وقفوا

445 أخبرني عيسى بن عبد العزيز قال، أخبرني عبد الله بن المعتز قال حدثني العنبري

فقال الفرزدق له: لتتدعن هذا البيت، أو أو لتدعن عرضك. فتركه جميل له، فانتحله الفرزدق وأدخله في قصيدته التي أولها طويل: عزفت بأعشاش، وما كدت تعزف ... وأنكرت من حدراء ما كنت تعرف 445 أخبرني عيسى بن عبد العزيز قال، أخبرني عبد الله بن المعتز قال حدثني العنبري قال حدثني عبد الله بن يحيى قال حدثني الزبير قال حدثني أبو مسلمة، موهوب بن رشيد قال: "مر الفرزدق بالمدينة بجميل -والناس مجتمعون عليه- وهو ينشد قصيدته التي يقول فيها طويل: ونحن منعنا يوم أول نساءنا ... ويوم أفي والأسنة ترعف (ثم مر فيها حتى انتهى إلى قوله "ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا" وذكر البيت "فقال الفرزدق: "ومن أحق بهذا منكم! " فقال جميل "أنشدك الله يا أبا فراس! " فقال الفرزدق "أنا أولى به منك! ") . 446 أخبرني علي بن الهيثم القرشي قال أخبرني الحرمي أبي العلاء فقال حدثني الزبير عن محمد بن إسماعيل عن عبد العزيز بن عمران عن محمد بن عبد العزيز عن أبي شهاب عن طلحة بن عبد الله بن عوف قال: لقي الفرزدق كثيراً يقارعة البلاط -وهو يمسي يريد المسجد- فقال له الفرزدق: "يا أبا صخر! أنت أنسب العرب حين تقول طويل: أريد لأنسى ذكرها فكأنما ... تمثل لي ليلى بكل سبيل" فقال له كثير: "وأنت يا أبا فراس أفخر الناس حين تقول: "ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا"وذكر البيت" قال عبد العزيز: "هذان البيتان لجميل سرق الفرزدق واحداً، وسرق كثير آخر" فقال له الفرزدق: "هل كانت أمك ترد البصرى؟! " قال: "لا ولكن أبي كثيراً ما كان يجدها! " قال طلحة بن عبد الله: "فوالذي نفسي بيده لعجبت من كثير جوابه، وما رأيت أحمق منه". أمدح بيت قالته العرب 447 أخبرنا أبو أحمد عيسى بن عبد العزيز الطاهري قال أخبرنا الدمشقي قال أبخرنا الزبير عن عمه قال: (قال عبد الملك بن مروان يوماً لأولاده -الوليد، سلميان، مسلمة-: "ما أمدح بيت قالته العرب؟ " قال: قال الوليد "قول الأخطل بسيط: صم عن الجهل عن قول الخنا ... خرس وإن ألمت بهم مكروهة صبروا شمس العداوة، حتى يستقادلهم ... وأعظم الناس أحلاماً إذا قدروا قال: وقال سلميان "بل قول عبد الله بن قيس الرقيات منسرح: 2 ... ما نقموا من بني أمية إلا أنهم يحلمون إن غضبوا وأنهم عدن الملوك فما ... تصلح إلا عليهم العرب وقال مسلمة: "بل قول جرير وافر: 3 ... ألستم خير من ركب المطايا وأندى العالمين بطون راح فقال عبد الملك: "بل قول حسان بن ثابت كامل: 4 ... بييض الوجوه كريمة أحسابهم شم الأنوف من الطراز الأول يخشون حتى ما تهر كلابهم=لا يسألون عن السواد المقبل") 448 أخبرنا محمد بن عبد الواحد أحمد بن يحيى عن عمر بن شبة قال: (لما حضرت الحطيئة الوفاة قال: أبلغوا الأنصار أن أخاهم أمدح الناس حيث يقول: "يخشون حتى ما تهر كلابهم" وذكر البيت) . 449 (وقال أبو العباس: "بل أمدح بيت قالته العرب قول الأعشى طويل: فتى لو ينادي الشمس ألقت قناعها ... أو القمر الساري لألقى المقالد قال أبو علي: قوله: "ينادي الشمس" أي يجلس معها في ناد. 450 "وقال غير أبي العباس ثعلب: "بل قول أبي الطمحان القيني طويل: أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم ... دجا الليل حتى نظم الجزع ساقبة" 451 قال أبو علي "وقد تنازع في تقديم هذا بيت قوم، فقال بعضهم: "بيت حسان بن ثابت في آل جفنة: "يخشون حتى ماتهر كلابهم" وذكر البيت. وبيت النابغة "بأنك شمس والملوك كواكب" وذكر البيت. وبيت القين أشعرهما. 452 وقالوا بل بيت زهير أشعر، وأمدح طويل: نراه إذا ما جئته متهللا ... كأنك معطيه الذي أنت سائله" 453 قال أبو علي: وكان الأعشى إذا مدح رفع، وإذا هجا وضع، وهذا نهاية الوصف في المدح.

454 أخبرنا عبيد الله بن أحمد قال أخبرنا محمد بن الحسن قال أخبرنا الرياشي قال

454 أخبرنا عبيد الله بن أحمد قال أخبرنا محمد بن الحسن قال أخبرنا الرياشي قال أخبرنا العتبي عن رجل من قيس عيلان قال: "كان الأعشى يوافي عكاظ في كل سنة وكان المحلق الكلابي مملقا مؤنساً، فقالت له امرأته: "يا أبا كلاب! ما يمنعك من التعرض لهذا الشاعر؟ فما رأيت أحداً أقطعه إلى نفسه إلا أكسبه خيراً" قال: "ويحك! ما عندي إلا ناقتي، وعليها الحمل! " قالت: "إن الله عز وجل يخلفها عليك"، قال "فهل لك من شراب؟ ومسوح" -أي طبيب- قالت "إن عندي ذخيرة لي ولعلي إن أجمعها لك فتلقه قبل أن يسبق إليه أحد" فلقيه -وابنه يقوده- وأخذ الخطام، فقال "ومن هذا الذي غلبنا على خطامنا؟ " قال "المحلق! " قال "شريف، كريم" فأناخ به فنحر له ناقته وكشط له عن سنامها وكبدها ثم سقاه، فأحاط به بناته يغمزنه ويمسحنه، فقال "من هؤلاء الجواري حولي؟ " قال "بنات أخيك، وهن ثمان" فقال "لئن بقيت لهن لأدعهن شريدتهن قليلة" وخرج ولم يقل فيه شيئاً ووافى عكاظ فإذا هو بسرحة، وقد اجتمع الناس إليها، وإذا الأعشى ينشد طويل: وإن امرءأ بيني وبينه ... ومن الأرض موماة وبيداء سملق لمحقوقة أن تستجيبي لصوته ... وأن تعلمي أن المعان موفق لعمري لقد لاحت عيون كثيرة ... إلى ضوء نار باليفاع تحرق تشب لمقرورين بصطيانها ... وبات على النار الندى والمحلق رضيعاً لبان ثدي أم تحالفا ... بأسحم داج عوض لا نتفرق فسلم عليه المحلق، فقال: "مرحباً، بسيد قومه! " ونادى بالعرب: "هل فيكم مبكر" يروح إليه الشريف الكرمي؟ " فما قام من مقعده، وفيهن إلا مخطوبة. 455 أخبرنا عبد الله بن جعفر قال: سمعت محمد بن يزيد يقول: "من حسن المدح وحر الكلام قول الأعشى في هذه القصيدة: ترى الجود يجري ظاهراً فوق وجهه ... كما زان متن الهندواني رونق أبا مسمع، صار الذي قد صنعتم ... فأنجد أقوام بذاك وأعرقوا وإن عتاق العيس سوف يزوركم ... ثناء على أعناقهن معلق به تنفض الأحلاس في كل منزل ... وتعقد أطراف الحبال وتطلق 456 أخبرني عبد الله بن جعفر قال أخبرنا محمد بن يزيد قال من ألفاظ العرب البينة، الفخمة، القريبة، المفهمة قول الحطيئة طويل: ووذاك فتى إن تأته في صنيعة=إلى ما له لا تأته بشفيع 1- وقول عنترة كامل: يخبرك من شهد رزق من يعتريهم ... وعند المقلين السماحة والبذل 457 وقال المبرد: ومن الشعراء من يجمل المديح، فيكون ذلك وجهاً من وجوهه حسناً، لبلوغه الإرادة، مع خلوه من الإطالة، وبعده عن الإكثار ودخوله في الاختصر، وذلك قول الحطيئة طويل: تزور امرءاً يؤتى على الحمد ما له ... ومن يعط أثمان المحامد يحمد يرى البخل لا يبقى على المرء ما له ... ويعلم أن المرء غير مخلد كسوب ومتلاف إذا ما سألته ... تهلل واهتز اهتزازاً المهند متى تأته تعشو إلى ضوء ناره ... تجد خير نار عندنا خير موقد وقد تصرف في أبياته، هذه، في أصناف المديح وأتى بجماع الوصف، وحمله المديح على سبيل الاقتصاد في البيت الآخير. 1- ومن ذلك قول الشماخ وافر: رأيت عرابة الأوسي يسمو ... إلى الخيران منقطع القرين إذا ما راية رفعت لمجد ... تلقاها عرابة بالمين 2- ومن أجمل ما قيل في هذا المعنى قول أبي دهبل كامل: عقم النساء فما يلدان شبيهه ... إن النساء بمثله عقم متقدم لنعم، ل"لا" متأخر ... سيان منه الوفر والعدم نزر الكلام من الحياء، نخاله ... ضمناً، وليس بجسمه سقم 458 قال أبو علي: وما أحسن أبياتاً أنشدناها أبو عمر عن ثعلب يعترض في أثنائها هذا المعنى طويل: تخالهم للحلم، صماً عن الخنا ... وخرساً عن الفحشاء عند التهاتر ومرضى إذا لوقوا، حياء وعفة ... وعند الحروب كالليوث الخوادر لهم عز إنصاف وذل تواضع ... بهم ولهم ذلت رقاب الجبابر كأن لهم وصفاً يخافون عاره ... وما وصفهم إلا اتقاء المعاير 1- وقد أخذ هذا البيت الأخير من قول ليلى الأخليلية كامل: لا تقربن الدهر آل محرق ... إن ظالماً أبداً وإن مظلوماً قوم رباط الخيل حول بيوتهم ... وأسنة رزق تخال نجوما

459 أخبرنا أبو الحسن العروضي قال: سمعت أبا محمد بن قتيبة يقول: أمدح بيت قالته

ومخرق عنه القميص تخاله ... وسط البيوت من الحياء سقيما حنى إذا رفع اللواء رأيته ... يوم الهياج على الخميس زعيما 459 أخبرنا أبو الحسن العروضي قال: سمعت أبا محمد بن قتيبة يقول: أمدح بيت قالته العرب قول زهير وافر: سواء عليه أي حين أتيته ... أساعة نحس تتقى أم بأسعد فلو كان حمد يخلد المرء لم يمت ... ولكن حمد المرء ليس بمخلد 1- قال: وغيري يقول بل بيت النابغة بسيط: كم قد أحل بدار الفقر بعد غنى ... عمرو، وكم راش عمرو، بعد إقتار يريش قوماً ويبري آخرين بهم ... لله من رائش عمرو، ومن بار 460 أخبرنا أبو عبد الله الحكيمي قال: أخبرنا محمد بن موسى قال أخبرنا ابن سلام قال: قال لي معاوي بن أبي عمرو بن العلاء، أي البيتين عندك أحسن؟ قول جرير وافر: ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح أم قول الأخطل بسيط: شمس المقاد حتى يستقاد لهم ... وأعظم الناس أحلاماً إذا قدروا قال: فقلت: "بل قول جرير أسهلهما وأيسرهما". 461 وأخبرني علي بن هرون قال: أخبرني أبي، قال: أجمع أهل العلم بالشعر على أن بيت أبي نواس أجود بيت في المدح للمولدين، وهو قوله بسيط: أنت الذي تأخذ الأيدي بحجزته ... إذا الزمان على أولاده كلحا وكلت بالدهر عيناً غير غافلة ... من جود كفك تأسو كلما جرحا 462 قال أبو علي: أخذ هذا البيت من قول الأول بسيط: بيض مرافقنا، تغلي مراجلنا ... نأسو بأموالنا آثار أيدينا 463 أخبرنا محمد بن عبد الواحد قال: أخبرنا أحمد بن يحيى قال: سمعت ابن الأعرابي يقول: أمدح بيت قاله مولد أبي نواس طويل: تغطيت من دهري بظل جناحة ... فيعني ترى دهري وليس يراني فلو تسأل الأيام ما اسمي ما درت ... وأين مكاني ما عرفن مكاني أهجى بيت قالته العرب 464 أخبرنا محمد بن عبد الواحد قال أخبرنا أحمد بن يحيى عن أبي نصر عن الأصمعي قال: أهجى بيت قالته العرب قول الأعشى في علقمة بن علاثة طويل: تبيتون في المشتى ملاء بطونكم ... وجاراتكم غرثى يبتن خمائصا 1- وقيل: بل قول عمرو بن معدي كرب طويل: ظللت كأني للرماح دريئة ... أقاتل عن أحساب جرم وفرت وأهجاهما بيت الأعشى. 465 أخبرنا أبو عبد الله الحكيمي قال: أخبرنا أحمد بن يحيى قال: أخبرنا عمر بن شبة قال: أخبرنا عبد الله بن حكيم قال: حدثني خالد بن سعيد عن أبيه قال: قال عبد الملك بن مروان: "والله ما يسرني أني هجيت بمثلما هجا به علقمة بن علاثة، من قول الأعشى" "تبيتون في المشتى" -وذكر البيت- وأن لي مثل كل شيء أصبحت أملكه. 466 أخبرنا أبو أحمد عيسى بن عبد العزيز الطاهري قال: أخبرنا الدمشقي قال: أخبرنا الزبير عن عمه قال: قال عبد الملك بن مروان يوماً لأولاده، الوليد، وسليمان، ومسلمة: "أي بيت قالته العرب أهجى؟ ". 1- قال الوليد: "بيت الأخطل بسيط: قوم إذا استنتج الأضياف كلبهم ... قالوا لأمهم بولي على النار 2- وقال سليمان: "بل قول زياد الأعجم بسيط: قالوا: الاسافر تهجونا، فقلت لهم ... ما كنت أحسبهم كانوا، ولا خلقوا 3- وقال مسلمة: "بل قول الراعي" بسيط: لو كنت من أحد يهجي هجوتكم ... يا ابن الرقاع ولكن لست من أحد تأتي قضاعة أن ترضى عماوتكم ... وابنا نزار، وأنتم بيضة البلد 4- فقال عبد الملك: "ل قول حسان بن ثابت بسيط: لا عيب في القوم من طول ومن قصر ... جسم البغال وأحلام العصافير 467 أخبرنا عبد الله بن جعفر قال: أخبرنا محمد بن يزيد قال "من الشعراء من يفرط في الهجاء، كما يغلو في المدح" فاستحسن قول الحطيئة طويل: كدحت بأظفاري، وأعملت معولي ... فصادفت جلموداً من الصخر أملسا تشاغل لما جئت في وجه حاجتي ... وأطرق حتى قلت قد مات أو عسى فأجمعت أن أنعاه حين رأيته ... يفوق فواق الموت حتى تنفسا فقلت له: لا بأس، لست بعائد ... فأفرخ، تعلوه السمادير مبلسا 468 أخبرني محمد بن أحمد الكاتب قال قيل لجرير: "أيكما أشعر؟ أنت في قولك كامل:

469 وروى الأصمعي: أن الفرزدق والأخطل اجتمعا، فقال الأخطل للفرزدق: "أنا والله

حي الغداة يرامة الأطلال ... رسماً تحل أهله فأحالا أم الأخطل في قوله كامل: كذبتك علينك أم رأيت بواسطة ... غلس الظلام من الرباب خيالا" فقال "هو أشعر مني، غير إني قد قلت في قصيدتي بيتاً، لو أن الأفاعي نهشت أسنانهم، ما حكوه بعده. وهو كامل: والتغلبي إذا تنحنح للقرى ... حك استه، وتمثل الأمثالا تلقاهم حلماء تلقهم عن أعدائهم ... وعلى الصديق تراهم جهالا 469 وروى الأصمعي: أن الفرزدق والأخطل اجتمعا، فقال الأخطل للفرزدق: "أنا والله أنت، أشعر من جرير، غير أنه رزق من سيرورة شعره ما لم نرزقه، لقد قلت بيتاً لا أحسب أحداً قال أهجى منه وهو بسيط: قوم إذا استنبح الأضياف كلبهم ... قالوا لأمهم بولي على النار وقال جرير: "والتغلبي إذا تنحنح للقرى" -وذكر البيت- فلم تبق سقاءة ولا أمة إلا روته قال الأصمعي: "فحكا له بسيرورة الشعر". 470 قال أبو علي: ووجدت جماعة من أصحابنا يقدمون قول التحكم الخضري وافر: ألم تر أنهم رقموا بلوم ... كما رقمت بأذرعها الحمير يطهر من يصوم، ومن يصلي ... ومرة ما يطهرها طهور 471 أخبرني ابن أبي غسان عن الفضل بن الحباب عن محمد بن سلام قال (قال النابغة الجعدي -وهو يهاجي أوس بن المغراء- "إني وإياه لنيتدر بيتاً لو قاله أحدنا غلب على صاحبه" فلما قال أوس طويل: ولست بعف عن شتيمة عامر ... ولا حابس عنها الغداة وعيدها ترى اللؤم ما عاشوا جديداً عليكم ... وأبقي ثياب اللابسين جديدها لعمرك ما تبلى سرابيل عامر ... من اللؤم ما دامت عليها جلودها قال النابغة: هذا البيت الذي كنا نبتدره وغلبت الناس أوس على النابغة) . 471 أخبرنا عبيد الله بن أحمد قال: أخبرنا محمد بن الحسن قال: أخبرنا أبو عثمان الأشنانداني عن التوزي عن أبي عبيدة عن يونس قال: وقال عبد الملك بن مروان يوماً -وعنده جلساؤه- "هل تعلمون أهل بيت قيل فيهم الشعر ودوا أنهم افتدوا منه بأرواحهم؟ " فقال: أسماء بن خارج الفزاري: "نحن يا أمير المؤمنين! " قال: "وما قيل فيكم؟ " قال قول الحارث بن طائع وافر: وما قومي بثعلبة بن سعد ... ولا بفزارة الشعر الرقابا فوالله يا أمير المؤمنين، إنني لألبس العمامة الصفيقة فيخيل إلي أن الشعر قفاي قد بدا منها. وقول قيس بن الخطيم وافر: هممنا بالإقامة ثم سرنا ... مسيرة حذيفة الخير بن بدر فما يسرنا أن لنا بها حمر النعم، فقال "هانئ بن قبيصة النميري": أولئك نحن يا أمير المؤمنين! فقال: "وما قيل فيكم؟ " قال: "قول جرير وافر: فغض الطرف أنك من نمير ... فلا كعباً بلغت ولا كلابا والله لو وودنا أنا قد فديناه بأموالنا وبقول زياد الأعجم وافر: لعمرك ما رماح بني نمير ... بطائشة القدود ولا قصار 472 أخبرنا محمد بن عبد الواحد قال أخبرنا محمد بن يحيى قال سمعت أبا العالية يقول: "أهجي ما قيل قول عويف بسيط: اللؤم أكرم من وبر ووالده ... واللؤم أكرم من وبر وما ولد واللؤم داء لوبر يقتلون به ... من لؤم أحسابهم أن يقتلوا قودا قال: "ونحوه قول الآخر وافر: أبوك، أبوك أربد غير شك ... أحلك في المخازي حيث حلا فما أبقاك كي تزداد لؤماً ... لألام من أبيك، ولا إذلالا 473 أخبرنا عبيد الله بن أحمد بن محمد بن الحسن قال: أخبرنا أبو حاتم عن العتبي قال: قال عبد الملك بن مروان لبني أمية: "أحسابكم أنسابكم، لا تعرضوها للهجاء، فإن الشعر باق ما بقي الدهر، ووالله ما يسرني أني هجيت ببيت الأعشى، وأن لي طلائع الأرض ذهباً وفضة -وهو قوله "تبيتون في المشتى ملاء قلوبكم" وذكر البيت- ووالله ما على من مدح بهذين البيتين، إلا يمدح بغيرهما. وهما قول زهير طويل: هنالك أن يستخولوا المال يخولوا ... وإن يسألوا يعطوا وإن ييسروا يغلوا على مكسريهم حق من يعتريهم ... وعند المقلين السماحة والبذل 474 وقال أبو هفان: "ولم يقل شعر قط -ولا يقال شعر- أهجى من قول عويف: "اللؤم أكرم من وبر ووالده" -وذكر البيت- وهذا الذي عنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (من قال في الإسلام شعراً مقتزعاً فلسانه هدر) ".

475 (قال: "وإنما قال أبو المعول الحميري لشبيب بن شبة طويل:

475 (قال: "وإنما قال أبو المعول الحميري لشبيب بن شبة طويل: ونح شبيباً عن قراع كتبيبة ... وأدن شبيباً من كلام يلزق فيروى أن شبيباً لم يخطب بعد هذا الشعر، إلا ورأت المتفقد الاضطراب في خطبته) . 476 أخبرنا عبد الله بن جعفر قال: أخبرنا محمد بن قتيبة قال: أخبرنا دعبل بن علي الشاعر قال: "أهجى بيت قول الطرماح في بني تميم: تميم بطرق اللؤم أهدى من القطا ... ولو سلك طرق المكام ظلت 477 (قال: قول الأخطل: "قوم إذا استنبح الأضياف كلبهم" -وذكر البيت-) . 478 (وقول الحطيئة للزبرقان: "دع المكارم لا ترحل لبغيتها" -وذكر البيت-) . 479 أخبرنا محمد بن عبد الواحد قال: أخبرنا السيار عن الناشئ قال: "أجمع مطيع بن إياس، ويحيى بن زياد، وحماد عجرد، وحفص بن أبي ودة، في مسجد الكوفة، فأمتروا أهجى بيت قالته العرب: فمحضوا الشعر، ثم اجتمع رأيهم على بيت الفرزدق في جرير كامل: أنتم قرارة كل معدن سوة ... ولكل سائلة تسيل قرار 480 قال أبو علي: والذي عندي، أن أهجى بيت قالته العرب قول الأخطل بسيط: قوم إذا استنبح الأضياف كلبهم ... قالوا لأمهم بولي على النار فإنه جمع فيه من أفانين الهجاء ما لم تجتمع في غيره من نسبهم إلى البخل لإطفاء النار لئلا يهتدي بها الأضياف، ثم بالبخل بإيقادها للسارين، لئلا يهتدوا بها، ثم بالضن بحطبها، ثم أخبر عن قتلها، ونزرها، ووصفا بأن بولة تطفئها، ثم خص بول العجوز وهو أقل من بول الشابة، ووصفهم بابتذال أمهاتهم في أثناء ذلك عنهم بالبخل بالماء، فلم يبق فن من فنون الهجاء السخيف إلا وقد اشتمل عليه هذا البيت. أشجع بيت قالته العرب 481 أخبرنا أبو عمر قال: أخبرنا أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي عن المفضل عن الشعبي قال: الأعشى أشجع الناس في بيت يقوله بسيط: قالوا: الطراد! فقلنا: تلك عادتنا ... أو تنزلون فإنا معشر نزل 482 قال أبو العباس، قال الأثرم عن أبي عبيدة: "أحسن بيت قيل في الشجاعة قول عباس بن مرداس السلمي: وافر: أشد على الكتيبة لا أبالي ... أختفي كان فيها أم سواها؟ 483 قال: "وأحسن بيت قيل في الإقدام قول كعب بن مالك الأنصاري كامل: نصل السيوف إن قصرنا بخطونا ... قدماً ونلحقها إذ لم تلحق" 484 قال: "وأحسن بيت قيل في الصبر عند الجوع قول عمرو بن الأطناب وافر: وقولي كلما جشأت وجاشت ... مكانك تحمدي أو تستريحي 1- وقول قطري بن الفجاءة وافر: فإنك لو سألت بقاء يوم ... على الأجل الذي لك لم تطاع 485 أخبرنا أبو عبد الله الحكيمي قال: أخبرنا أحمد بن يحيى قال: أخبرنا ابن الأعرابي عن المفضل قال: (قال عبد الملك بن مروان يوماً لولده: "أي بيت قالته العرب أشجع؟! " فقال الوليد: "قول عنترة كامل: إن المنية لو تمثل مثلت ... مثلي إذا نزلوا بضنك المنزل وقال سليمان: "بل قوله أيضاً كامل: يدعون عنتر والرماح كأنها ... أشطان بئر من لبان الأدهم" وقال مسلمة: "بل قول عنترة أيضاً كامل: وأنا المنية حين تشتجر القنا ... والطعن مني سابق الآجال" فقال عبد الملك: "بل قول عباس بن مرداس السلمي وافر: أشد على الكتيبة لا أبالي ... أختفي كأن فيها أم سواها 486 قال وأخبرني أبو علي الحسين بن صفوان البرزعي قال: أخرني ابن أبي الدنيا قال: أخبرني أبو عبد الله الحكيمي قال: قال لبشار بن برد: "أي بيت قيل أشجع"؟ فقال: "قول الشاعر طويل: إذا هم أمضى بين عينيه همه ... ونكب على ذكر العواقب جانبا 487 وأخبرني بعض أصحابنا قال أخبرني محمد بن إبراهيم قال أخبرني عبيد الله بن أبي سعد الوراق قال: حدثني محمد بن داود القلزمي قال: حدثني ابن المرزبان قال: حضرت مجلساً لأبي دلف القاسمي بن عيسى، لم أرى ولم أسمع بمثله، فيه بنوا عجل كلها، قضها، وقضيضها الأدنى منه، والأبعد، فسألهم القاسم عن أشجع قالته العرب. فقال أحدهم: قول عنترة كامل: إذ يتقون بي الأسنة لم أخن ... عنها، ولكني تضايق مقدمي وقال أحد بني القاسم: "قول قيس بن الخطيم طويل:

أشعر بيت قيل في الجبن

وإني لدى الحرب العواني موكل ... بتقديم نفس ما أريد بقاءها 3- وقال آخر: "بل قول عمرو بن الأطنابة"، "وقولي كلما جشأت وجاشت" -وذكر البيت-. 4- وقال آخر: بل قول المزني وافر: دعوت بني قحافة فاستجابوا ... فقلت ردوا فقد طاب الورود حتى ذكر نحو مائتي بيت (منها أبيات لأبي) تمام الطائي، فقال أبو دلف: "وهذا والله أشعر الأولين والآخرين حيث يقول طويل: فقد كان قوت الموت سهلاً فرده ... إليه الحفاظ المر والخلق الوعر ونفس تعاف الذم حتى كأنما ... هو الكفر يوم الروع أم دونه الكفر فأثبت في مستنقع الموت رجله ... وقال لها من تحت أخمصك الحشر غداً غدوة والحمد نسج رداؤه ... فلم ينصرف إلا وأكفانه الأجر" أشعر بيت قيل في الجبن 488 أخبرنا محمد بن عبد الواحد عن أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي عن المفضل عن الشعبي قال: "أشعر بيت قيل في الجبن قول جرير كامل: ما زلت تحسب كل شيء بعده ... خيلاً تكر عليكم ورجالا" قال: "وإنما أخذ هذا المعنى من قول الله تعالى: "يحسبون كل صيحة عليهم". 489 قال: "قول الطرماح مليح في هذا المعنى طويل: ولو أن حرقوصاً على ظهر قملة ... يكر لى صفي تميم لولت" 490 وقال المبرد "أحسن ما قيل في صفة الجبان قول الشاعر وافر: طليق الله لم يمنن عليه ... أبو داود وابن أبي كبير ولا الحجاج عيني بنت ماء ... تلقب طرفها حذر الصقور أشعر بيت قيل في السؤدد 491 حكى أبو هفان قال: "أشعر بيت قيل في السؤدد أربعة: 1- قول مهلهل بن ربيعة كامل: ضاعت أمور الناس بعدك كلها ... واستب بعدك يا كليب المجلس ولقد تكون جلالة ومهابة ... فهم ومقولهم أمامك إخرس 2- وقول عمر بن بياضة متقارب: ولدناك يا شيبة المكرما ... تساقي زوار أهل الحرم فأكرم بشيبة بيت الإله ... وأنت بنفسك بيت الكرم 492 قال أبو علي: والخبر في ذلك، أن عبد المطلب لما أسنت أهل مكة، وامتنع القطر، وأخلفت الأنواء، جمع الناس عبد المطلب، فاستقى بهم، فسقوا به. وفي ذلك خبر مستفيض تتداوله الرواة. ثم إن بلاد قيس أقحطت، فلم تكن لها مرعى، ولم تنبت كلأ فاجتمعت قيس للمشورة، وإجالة الرأي، فقالت فرقة منهم: "انتجعوا وادي بين تميم، وبلاد بني العنبر" وقالت فرقة منهم: "إن تميماً عدد كثير، لا يفضل عنهم ما يكفيهم" وقالت فرقة: "لينتجع ولد كل أب منكم بولد أب من غيركم، فاعقدوا بينكن حلفاً يشركونكم في ريفهم" فقام رجل مجمع الخلق، حسن الوجه، فقال: "يا معشر قيس! أنكم قد أصبحتم في أمر ليس بالهزل، وقد بلغني أن سيد البطحاء، استسقى فسقي، وشفع فشع، فاجعلوا قصدكم إليه واعتمادكم عليه، فإنه أنجح للطلب، وأقرب للنسب" فارتحلت قيس، وأسد، وهديل، ومن داناهم من مضر، حتى دخلوا على عبد المطلب بن هاشم فسلموا عليه وعظموه، فقال لهم: "أفلحت الوجوه! " فتكلم ذلك الوجوه المشير فقال: "يا أبا الحارث! نحن ذوو أرحامك الواشجات، أصابتك سنون مجدبات، أفقرن الغني منا، وأهزلن السمين من شائنا وإبلنا، وقد بلغنا خبرك، وبان لكنا أثرك فاشفع لنا إلى مشفك" فقال: "بالرحب والكرامة والبركة والسلامة، إلاهنا عظيم، وسيدنا كريم يجيب الدعاء ويكشف البلاء، وموعدكم في غد جبل عرفات" ثم غدا في ولده وولد أبيه من بني عبد مناف، فصعد الجبل، ثم صف ولده مما يليه، وولد أبيه خلفهم، وسائر بطون العرب خلف ولد أبيه، ثم تقدمهم عبد المطلب حاسراً فقال: "اللهم رب البرق الخاطف، والريح العاصف، والرعد القاصف، مالك الرقاب، ومسبب الأسباب، هذه مضر خير البشر قد شعثت شعورها واحدودبت ظهورها، وغارت عيونها ويبست جلودها، وقد صار أنضاء بعد نعيم ورغد، وعيش خفض، وقد جاؤوا إليك، وأناخوا بفنائك، يشكون سوء المال، وشدة الزمان، وضعفاً من الهزال، وخلفوا نساءاً ظلعاً، وأطفالاً رضعاً، وبهائم رتعاً، فأتح اللهم لهم ريحاً درارة، وسماء خرارة، تضحك أرضهم، وتذهب ضرهم، بسحابات مزن، تنسكب مطراً سحاً، متداركاً، متدافقاً، رويا".

493 قال ابن الكلبي: "وإنما سقي عبد المطلب وأبو طالب، ببركة النبي عليه سلام".

فلما فرغ عبد المطلب غنى كلامه حتى نشأت سحابة دكناء لها دوي، فرع عبد المطلب رأسه فقال: "إيه! هذا أوان خروجك، فسحا سحاً،! " "يا معشر قفيس! ارجعوا، فقد سقيتم". فرجعت قيس، وقد كثرت شياهها واخضرت أرضها، فلما مات عبد المطلب، زارت قيس قبره وأقاموا عليه ثلاثاً، ونحروا عنده البدن وقالوا: لا نلبس النعال بمكة، فلم يزالوا كذلك، حتى استسقى أبو طالب فسقي، فلبست قيس النعال. 493 قال ابن الكلبي: "وإنما سقي عبد المطلب وأبو طالب، ببركة النبي عليه سلام". 494 وقال أبو هفان: 3- والشعر الآخر، قول العباس بن عبد المطلب طويل: أبى قومنا أن ينصفونا فأنصفت ... قواطع في أيماننا تقطر الدم أبا طالب لا تقبل النصف منهما ... أبا طالب حتى تعق وتظلم 4- والشعر الرابع قول الزبير بن عبد المطلب كامل: إن القبائل من قريش كلها ... ليرون أنا هام أهل الأبطح وترى لنا فضلاً على ساداتها ... فضل المنار على الطريق الأوضح أشعر بيت قالته العرب في الاستحقار 495 أخبرنا محمد بن محمد مهدي الكاتب قال أخبرني إبراهيم بن محمد بن عرفة قال: أخبرني المبرد قال: قال بنو الديان الحارثيون، لحسان بن ثابت: "يا أبا الوليد! كنا نطول بأجسامنا، وببهائنا على الناس فتركتنا نستحي من ذكرها، لما قلت بسيط: لا بأس بالقوم من طول ومن قصر ... جسم البغال وأحلام العصافير دعو التحاجي وامشوا مشية أمماً ... إن الرجال أولوا قد، وتذكير" 496 أنشدنا أبو عمر قال: أنشدنا أحمد بن يحيى للحطيئة -ولم يقل في الاستحقار مثله- طويل: فمن أنتم؟ إنا نسينا من أنتم! ... وريحكم من أي ريح الأعاصر أأنتم أولى جئتم مع البقل والذر ... فطار فهذا شخصكم غير طائر 497 أخبرنا عبد الله بن جعفر بن درستويه قال: أخبرنا أبو محمد بن قتيبة قال: "أبلغ ما قيل في الاستحقار والقلة، قول الطرماح بسيط: لو كان يخفى على الرحمن من أحد ... من خلقه خفيف عنه بنو أسد 1- قال: "ونحوه قول الآخر متقارب: وأنت مليح كلحم الخوان ... فلا أنت حلو، ولا أنت مر -مليح: يغشى 2- قال: "والبارع من هذا، قول جرير في التيم وافر: فإنك لو رأيت عبيد تيم ... وتيماً، قلت أيهما العبيد؟ ويقضى الأمر حين تغيب تيم ... ولا يستأذنون وهم شهود أحكم بيت قالتها لعرب 498 أخبرنا عبيد الله بن أحمد قال: أخبرنا محمد بن الحسن بن دريد قال: أخبرنا الأشنانداني قال: أخبرنا العتبي قال: دخل الشعبي على عبد الملك بن مروان، فقال: "يا شعبي! أخبرني أحكم بيت قالته العرب وأوجزه؟ " فقال: "يا أمير المؤمنين، قول امرئ القيس بسيط: صبت عليه، ولم تنصب من أمم ... إن الشقاء على الأشقين مصبوب 2- وقول النابغة طويل: ولست بمستبق أخاً لا تلمه ... على شعث، أي الرجال المهذب؟ 3- وقول زهير طويل: ومن يجعل المعروف من دون عرضه ... يفره، ومن لا يتق الشتم يشتم 4- وقول عيد بن زيد طويل: عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه ... فكل قرين بالمقارن مقتدي 5- وقول طرفة طويل: ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً ... ويأتيك بالأخبار من لم تزود 6- وقول عبيد بن الأبرص مخلع البسيط: وكل ذي غيبة يؤوب ... وغائب الموت لا يؤوب ومن يسأل الناس يحرموه ... وسائل الله لا يخيب 7- وقول لبيد طويل: إذا المرء أسرى ليلة ظن أنه ... قضى عملاً والمرء ما عاش آمل 8- وقول الأعشى طويل: ومن يغترب عن قومه لا يزل يرى ... مصارع مظلوم مجراً ومسحبا 9- وقول الحارث بن حلزة طويل: ومن يلق خيراً يحمد الناس أمره ... ومن يغو لا يعدم على الغي لائما 10- وقول الشماخ طويل: وكل خليل غيرها ضم نفسه ... لوصل خليل، صارم أم معاون 449 فقال عبد الملك: "حجبتك يا شعبي، بقول طفيل الغنوي بسيط: ولا أخالس جاري عن حليلته ... ولا ابن عمي، غالتني إذاً غول حتى يقال ... وقد دليت في جدث أين ابن عوف، أبو قران مجعول

500 قال أبو لعي: وأنا أقول، إن قول قيس بن الخطيم في هذا المعنى، أحكم وأكرم،

500 قال أبو لعي: وأنا أقول، إن قول قيس بن الخطيم في هذا المعنى، أحكم وأكرم، وأخصر، وأسير، وأجمع للمعنى طويل: ومثلك قد أصبيت ليست بكنة ... ولا جارة، ولا حليلة صاحب أكرم بيت قيل 501 أخبرنا محمد بن عبد الواحد قال: أخبرنا أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي عن المفضل عن الشعبي قال: قال عبد الملك بن مروان لولده: "أي بيت قالته العرب أكرم؟. 1- فقال الوليد: "قول طرفة طويل: وأعسر أحياناً فتشتد عسرتي ... وأدرك ميسور الغنى ومعي عرضي" 2- وقال سليمان: "قول كثير "ويل: إذا قل مالي، زاد عرضي كرامة ... علي، ولم أتبع دفين المطامع" 3- وقال مسلمة: "بل قول عنترة كامل: ولقد أبيت على الطوى وأظله ... حتى أنال به كريم المأكل 4- فقال عبد الملك: بل قول كعب بن مالك طويل: يسودني المال القليل، إذا بدت ... مروءته فينا، وإن كان معدما 502 أخبرني علي بن الحسين القرشي قال: أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال: أخبرني أبو بكر القاسم بن محمد الأنباري قال: أخبرنا أحمد بن عبيد، قال: أخبرني أبو عبيدة قال: قال عبد الأعلى بن حماد الرسي: (اجتمع عند عبد الملك بن مروان، أناس فقال: "أنشدوني أكرم أربعة أبيات قالتها العرب في الجاهلية؟ " فقال روح بن زنباع كامل: منع البقاء تقلب الشمس ... وطلوعها من حيث لا تمسي تبدو لنا بيضاء بازغة ... وتغيب في صفراء كالورس تجري على كبد السماء كما ... يجري حمام الموت في النفس اليوم يعلم ما يجيء به ... ومضى بفضل قضائه أمس فقال: "أحسنت" " فأخبرني بأكرم بيت مدح به رجل قومه في حرب؟ " قال: "قول كعب بن مالك الأنصاري كامل: نصل السيوف إذا قصرن، بخطونا ... قدما، ونلحقها، إذا لم تلحق" قال: "فأخبرني بأفضل أبيات قيلت في جود؟ " قال: "قول حاتم الطائي طويل: تري أن ما أقيت لم أك ربه ... وإن يدي مما بخلت به صفر ألم تر أن المال غاد ورائح ... ويبقى من المال الأحاديث والذكر عنينا زماناً بالتصعلك والغنى ... فكلاً سقاناه بكأسيها الدهر فما زادنا بغياً على ذي قرابة ... غنانا، ولا أزرى بأحسابنا الفقر" قال: "فأخبرني عن أشعر الناس؟ " قال: "أشعرهم، الذي يقول طويل: كأن عيون الوحش حول خبائنا ... وأرحلنا الجزع الذي لم يثقب والذي يقول طويل: كأن قلوب الطير رطباً ويابساً ... لدى وكرها العناب والحشف البالي" قال: "فأنشدنا أوصف بيت قالته العرب؟ " قال: "أحسن بيت وصفاً، قول امرئ القيس طويل: وتعرف فيه من أبيه شمائلاً ... ومن خاله، ومن يزيد ومن حجر سماحة ذا، وبر ذا، ووفاء ذا ... ونائل ذا، إذا صحا، وإذا سكر 503 قال أحمد بن عيينة: ظن العرب مثل هذين البيتين كأنهما حديث وليسا بشعر". أحسن الهجاء 504 أخبرنا أبو عبد الله الحكيمي قال: أخبرنا أحمد بن يحيى النحوي قال: (قال أبو عمرو بن العلاء: "أحن الهجاء ما تنشده العذراء في خدرها، فلا يقبح منها وذلك مثل قول أوس بن حجر طويل: إذا ناقة شدت برحل ونمرق ... إلى حكم بعدي فضل ضلالها" 505 قال أبو عباس: "وأنا أقول بل مثل قول جرير أيضاً وافر: فغض الطرف إنك من نميز ... فلا كعباً بلغت ولا كلابا" 1- ومما لا يستهجن إنشاده، قوله أيضاً -وهو من أحسن ما قيل في معناه- كامل: والتغلبي إذا تنحنح للقرى ... حك استه وتمثل الأمثال" 507 وحكى محمد بن داود: طإن أمض ما هجي به أحد، قول عمرو بن معدي كرب طويل: ظللت كأني للرماح دريئة ... أقاتل عن أحساب جرم وولت") 509 أخبرنا محمد بن عبد الواحد قال: أخبرنا أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي قال:"أهجى بيت قيل وأمضه قول الشاعر طويل: وقد علمت عرساك أنك آئب ... تخبرهم عن جيشهم كل مربع" -قال ابن الأعرابي: أخبر أنه من عاداته أنه ينهزم فيتحدث بخبر جيشه- 510 أخبرنا الحكيمي قال: أخبرنا أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي عن المفضل قال: "يعجبني من الهجاء قول أوس بن حجر طويل: إذا ناقة شدت برحل ونمرق ... إلى حكم بعدي فضل ضلالها

أوجز شعر تضمن قصصا

كأني جلوت الشعر يوم مدحته ... صفا صخرة صماء صلد بلاها أوجز شعر تضمن قصصاً 51 أجمع علماء الشعر، وأرباب الكلام: أن أوجز شعر اقتصت فيه قصة، فورد منساق القصة، سهل الكلام، منسوق المعاني؛ واقعة كل كلمة منها، موقعها الذي أريدت به، من غير حشو مختلف، ولا خلل شائن، قول الأعشى -فيما اقتصه من خبر السموأل، والأدرع التي أودعه إياها امرؤ القيس عند قصد قيصر، ووفاء السموأل بها، حتى يسلمها بعد وفاته إلى أهله؛ وبذل دونها نفس ولده، حتى قتل صبراً بحضرته- بسيط: كن كالسموأل إذ طاف الهمام به ... في جحفل، كزهاء الليل جرار بالأبلق الفرد من تيماء منزله ... حصن حصين وجار غير دار إذ سامه خطتي خسف فقال له ... قل ما تقله، فإني سامع حار فقال: غدر وثكل أنت بينهما ... فاختر وما فيها حظ لمختار فشك غير طويل، ثم قال هل ... :اقتل أسيرك إني مانع جاري إن له خلفاً إن كنت قاتله ... وإن قتلت كريماً غير عوار مالاً كثيراً، وعرضاً غير ذي دنس ... وإخوة مثله ليسوا بأشرار جروا على أدب مني بلا ترف ... ولا، إذا شمرت حرب بأعمار وسوف يخفله عن كنت قاتله ... رب كريم وبيض ذات أطهار لا سرهن لدينا ضائع مذق ... وكاتمات إذا استودعن أسراري فقال تقدمة إذ قام يقتله ... أشرف سموأل فانظر للدم الجاري أأقتل ابنك صبراً، أو تجيء بها ... طوعاً، فأنكر هذا، أي إنكار فشك أوداجه، والصدر في مضض ... عليه، منطوياً كاللذع بالنار واختار أدراعه ألا يسب بها ... ولم يكن عنده فيها بختار وقال: لا أشتري عاراً بمكرمة ... فاختار مكرمة الدنيا على العار والصبر فيه قديم، شيمة خلق ... وزنده في الوفاء ثاقب الواري 512 فانظر إلى قوله: "اقتل ابنك صبراً أو تجيء بها" فأضمر الأدراع التي أودعه امرؤ القيس، ثم أظهرها في قوله: "واختار أدراع ألا يسب به" فتلافى ذلك الخلل بهذا الشرح، فاستغنى سامع هذه الأبيات عن اسماع القصة فيها لاشتمالها على الخبر كله بأوجر كلام وأحسن سياقة. الفصل الثالث باب أوجز ما ورد في التعريض النائب عن التصريح والاختصار النائب عن الإطالة 513 قول عمر ابن معد كرب طويل: فلو أن قومي أنطقتني رماحهم ... نطقت ولن الرماح أجرت يريد لو أن قوماً أغنوا في القتال وصدقوا المصارع، وطاعنوا برماحهم الأعداء، فنطقوا بمدحهم، وذكر حسن بلائهم، نطقت، ولكن الرماح أجرت أي شقت لساني كما يجر لسان الفصيل، ويريد أنها أسكتني، وذلم مثل قول الآخر طويل: بني عمنا، لا تذكروا الشعر بعدما ... دفنتم بصحراء الغميم القوافيا وأما قول ساعدة بنو جوية الهزلي طويل: وكنا أناساً أنطقتنا سيوفنا ... لنا في لقاء القوم حد وكوكب 514 ومن أحسن التعريض قول الآخر طويل: لعمري لنعم الحي حي بني كعب ... إذا نزل الخلخال منزلة القلب يقول: إذا ريعت صاحبة الخلخال، فأبدت ساقها وشمرت للهرب. ولا قلب: السوار بتديه المرأة إذا ريعت، لبست الخلخال في يدها دهشاً. 515 ومن التعريض اللطيف قول حميد بن ثور طويل: أرى بصري قد رابني بعد صحة ... وحسبك داء أن تصح وتسلم 516 ومن بديع الكلام في حسن الاختصار قول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى: "كفى بالسلامة داء". 517 وقد استحسنوا قول النمر بن تولب منسرح: لا تغبطن الذي يقال له ... أمسى فلان لأهله حكماً إن سره طول عمه فلقد ... أضحى على طول الوجه ما سلما 518 ومن الاختصار القريب قول لبيد رمل: وبنو الديان أعداء للا ... وعلى ألسنهم ذلت نعم زينت أحسابهم أنسابهم ... وكذلك الحلم زين للكرام باب أغزل بيت وأرق وأنسب بيت قالته العرب 519 وأخبرنا الرياشي عن الأصمعي قال: أغزل بيت قالته العرب، قول امرؤ القيس طويل: وما زرفت عيناك إلا لتقدحي ... بسهمك من أعشار قلب مقتل 520 وقال قوم: بل قوله أيضاَ طويل: أغرك مني أن حبك قاتلي ... وأنك مهما تأمر القلب يغفل

521 قال أبو العباس أحمد بن يحيى: أغزل بيت قالته العرب عندي بسيط:

521 قال أبو العباس أحمد بن يحيى: أغزل بيت قالته العرب عندي بسيط: غراء فرعاء مصقول عوارضها ... تمشي الهوينا كما يمشي الوجي الوحل 522 قال أبو علي هذا البيت قيل في الغزل، وإنما يتعلق بوصف النساء، وليس بأحسن بيت ووصف به النساء. ونتناول ما وصف به النساء في موضعه من هذا الكتاب بحول الله وقوته، بل أغزل بيت قالته العرب عندي قول أبي صخر الهزلي طويل: فيا حبها زدني جوى كل ليلة ... ويا سلوة الأيام موعدك الحشر 523 أخبرنا علي بن الحسين القرشي قال: أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال: أخبرني أحمد بن عبيد قال: أخبرني أبو عبيدة عن يحيى بن عنبسة وعوانة بن الحكم قال: (حضر عند عب الملك الشعراء وأصناف من أشراف العرب، فقال لهم: "أي بيت -فيما أنبأتموني- قالته العرب؟ أغزل؟ وأحسن في النسب؟ وأي بيت أفخر في المديح؟ وأي بيت أفحش في الهجاء؟ " قالوا: "كل ذلك يا أمير المؤمنين مختلف فيه، ولكل حسن من القول وقبيح، فأما أغزل بيت قالته العرب قول امرئ القيس طويل: وما ذرفت عيناك إلا لتقدحي ... بسهميك من أعشار قلب مقتل وأما أرق بيت قالته العرب فقول ابن أبي ربيعة خفيف: حبذا رجعها يديها إليها ... في يدي درعها تحل الأزرارا حين أهوت نحوي تميس نعيماً ... ثم مالت فوسدتني السوارا ثم قامت تمج في فيَّ مسكاً ... خالصاً خالط المدام العقارا وأما أمدح بيت قالته العرب فقول زهير طويل: تراه إذا ما جئته متهللاً ... وكأنك معطيه الذي أنت سائله وأما أفحش بيت قالته العرب فقول الأخطل بسيط: قوم إذا استنبح الأضياف كلبهم ... قالوا لأمهم بولي على النار 524 أخبرنا محمد بن عبد الواحد قال: أخبرنا أحمد بن يحيى عن أبي نصر والأثرم عن الأصمعي وعن أبي عمرو بن العلاء قالا: "أغزل بيت قالته العرب قول عمر بن أبي ربيعة رمل: فتضاحكن وقد قلن لها ... حسن في كل عين من تود وأظرف بيت قالته العرب قول ذي الرمة طويل: وتهجره إلا اختلاساً، نهارها ... وكم من محب رهبة العين هاجر 525 أخبرنا محمد بن عبد الواحد قال: أخبرنا أحمد بن يحيى وعمر بن شبة ... 21قال حدثني إبراهيم بن المنذر قال: حدثني معن قال: حدثني الأصمعي ... قال: خرجت أنا وسليمان مريدين إلى أبيه نتحدث عنده ... ويقدمه ... لكم أن نذهب إليه فنتحدث عنده فجالسناه، وثمة سأله يا أبا محجن: أي بيت سمعته قالت العرب أنسبه؟ قال: قول امرئ القيس طويل: أفاطم مهلاً بعض هذا التدلل ... وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي 526 أخبرنا علي بن الحسين قال: أخبرنا الحرمي بن أبي العلاء قال: خبرني أحمد بن عبيد بن ناصح عن عوانه23 عن عبد الله بن سليم العذري عن حارس الربان صاحب حرس الوليد بن عبد الملك قال: دعا عبد الملك بن مروان بنيه الوليد وسليمان ومسلمة فاستقراهم فقرأوا فأستنشدهم فأنشدوا أشعاراً لكل: فقال عبد الملك: "عليكم بشعر الأعشى، فإنه أخذ في كل فن فأحسن، ولم يمدح أحداً إلا رفعه، ولا هجا أحداً إلا وضعه، مع حلاوة شهرع، وكثرة مائة، وههذا علقمة بن علاثة، كان سيداً ضخماً في العدد الكثير، صار خامل الذكر مذ هجاه، وما زال عامر بن الطفيل مذكوراً مذ امتدحه. وهما من أهل بيت واحد" ثم قال: "قد رويتم فأكثرتم، فليأت كل رجل منك بأرق بيت رواه، ولا يستحيي من إنشاده غير مرفث، هات يا وليد! " فأنشده بسيط: ما مركب وركوب الخيل يعجبني ... كمركب بين دملوج وخلخال قال: "يا بني! وهل يكون من الشعر أرفث من هذا؟ هات يا سليمان" فأنشده: حبذا رجعها يديها إليه ... في يدي درعها تحل الأزارار فقال عبد الملك: "وهذ هذا إلا كالأول! ولقد أساء حيث جعلها تحل أزرارها، هات يا مسلمة فقال طويل: وما ذرفت عيناك إلا لتقدحي ... بسهميك في أعشار قلب مقتل

527 أخبرنا علي بن الحسين قال: أخبرني الحرمي بن أبي العلاء عن أحمد بن عبيد قال

فقال عبد الملك: "أنت يا مسلمة أقربهم إلى الصواب، ولكن إذا ذرفت عيناها وجداً به، فقد اتفقا في الحب ولم يبق إلا اللقاء، وإنما ينبغي للشاعر أن يكتسي منها الجفاء والمنه، ويكسوها المودة والهوى، أما مؤجلكم في هذا البيت ثلاثة أيام على أن لا تسألوا عنه أحداً، وإنما أبلوكم لأعلم كيف بصركم بالشعر، ولمن أتى به منكم حكمه" فخرج سليمان في بعض الثلاثة أيام ينبسط -أي يتنزه- فسمع ذا، بأعرابي يسوق ماعزاً له، وهو يقول بسيط: لو حز بالسيق رأسي في مودتها ... لمر يهوي سريعاً نحوها راسي فقال سليمان: صدق والله، هو، هو" فقال: "علي بالأعرابي" فأتى به، فقال: "من يقول هذا الشعر؟ " فقال: "عمر العذري" فوكل سليمان بالأعرابي، ثم رجع إلى أبيه فأنشده البيت، فقال عبد الملك: "أصبت ومن يقوله؟ " فقال: "عمر العذري" وحدثه بحديث الأعرابي فأمر بإحضاره، فأحضره، فقال له عبد الملك: "عمر!؟ فمن هو؟ " قال: "من عذرة" فقال: "عبد الملك لله درهم ذهبوا بحلو الحب ومره" فقال عبد الملك لسليمان: "قل حاجتك، ولا تنسى الأعرابي" قال: "أما الأعرابي فإني أصيره في سماري وصحابتي، وأما حاجتي فقد عقد أمير المؤمنين للوليد من بعده، فإن ود أن يوليني من بعد الوليد فليفعل". فسر بذلك عبد الملك، لم أرآه في طلبه معالي الأمور، فقال: "فقد أجابك أمير المؤمنين إلى ذلك، وإلى غيره فسل" فقال: "يا أذن لي أمير المؤمنين في الحج ويوليني الموسم" فقال: "قد فعل ذلك وأمر لك بألفي ألف درهم، تقتسمها مع أهل مكة والمدينة" فحج بالناس سليمان سنة إحدى وثمانين. 527 أخبرنا علي بن الحسين قال: أخبرني الحرمي بن أبي العلاء عن أحمد بن عبيد قال أخبرنا أبو عبيدة قال: أخبرنا عوانة بن الحكم وأبو يعقوب إسحاق الثقفي أن الوليد بن يزيد قال لأصحابه ذات ليلة: "أي بيت قالته العرب أعزل؟ " فقال بعضهم: قول جميل طويل: يموت الهوى مني إذا ما لقيتها ... ويحيا إذا فارقتها فيعود وقال آخر: بل قول ابن أبي ربيعة بسيط: كأنني يوم أمسي لا تكلمني ... ذو بغية يبتغي ما ليس موجوداً قال: فقال الوليد بل قول جميل طويل: ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بوادي القرى إني إذاً لسعيد لكل حديث بينهن بشاشة ... وكل قتيل عندهن شهيد فجعل حديثهن بشاشة، وقتيلهن شهيداً، وليس بعد هذا غاية. 528 أخبرني عيسى بن عبد العزيز الطاهري: قال: أخبرنا أبو الحسن الدمشقي قال أخبرني الزبير بن بكار قال حدثني خالد بن وضاح عن عبد الأعلى بن عبيد الله بن محمد بن صفوان الجمحي قال: "حملت ديا بعسكر المهدي، فركب المهدي يوماً، بين أبي عبد الله وعمر بن مزيغ وأنا وراءه في موكبه، على برذون، قطوف، فقال: (ما أنسب بيت قالته العرب؟) فقال أبو عبيد الله: قول امرئ القيس "ما ذرفت عيناك إلا لتقدحي" وذكر البيت فقال هذا أعرابي قح، فقال له عمر بن مزيغ بل كثير يا أمير المؤمنين طويل: أريد لأنسى ذكرها فكأنما ... تمثل لي ليلى بكل سبيل فقال: ما هذا بشيء، وما له يريد أن ينسى ذكرها حتى تمثل له؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، عندي حاجتك جعلني الله فداك قال: الحق بي فقلت لا لحاق بي، ليس ذلك في دابتي، فقال احملوه على دابة، قلت هذا أول الفتح، فحملت على دابة فلحقت فقال ما عندك؟ قتل قول الأحوص طويل: إذا قلت أني مشتف من لقائها ... وحم التلاقي بيننا زادني سقما فقال: أحسن والله، اقضوا دينه، فقضي ديني. 529 أخبرنا أبو محمد قال أخبرني أحمد بن يحيى عن الأثرم عن أبي عبيدة قال: قال عبد الملك بن مروان وعنده الوليد وسليمان ذات يوم: "أي بيت أرق وأمتن؟ " فقال الوليد: قول امرئ القيس "وما ذرفت عيناك" وذكر البيت، وقال سليمان قول كثير "أريد لا أنسى ذكرها" وذكر البيت، فقال: قاتل الله الأعرابي حيث يقول طويل: دعون الهوى حتى ارتمين قلوبنا ... بأعين أعداء وهن صديق 530 قال أبو علي: هذا البيت لجرير، وقد أخذه أبو نواس فأحسن قوله طويل: إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت ... له عن عدو في ثياب صديق ويقال أن المأمون قال: "لو نطقت الدنيا لما نطقت إلا ببيت أبي نواس" وذكر البيت.

531 قال أبو علي: والذي أراه أن أرق بيت قالته العرب قول عمر بن أبي ربيعة بسيط:

531 قال أبو علي: والذي أراه أن أرق بيت قالته العرب قول عمر بن أبي ربيعة بسيط: يرميننا لا يتقين بجنة ... إلا الصبي وعلمن أين مقتلي 532 أخبرنا أبو عبد الله الحكيمي قال: أخبرنا أحمد بن يحيى قال أخبرني السدرفي قال: قال لكثير أنت أنسب الناس! قال كلا! والله أنسب الناس الذي يقول طويل: وأنت الذي إن شئت أشقين عيشتي ... وإن شئت بعد الله أنعمت بالي وأنت التي ما من صديق ولا أخ ... يرى نضو ما أبقيت إلا رثى ليا 533 أخبرنا علي بن هارون قال سمعت أبي يقول: أغزل بيت قالته العرب بتميز وتحصيل لم يخرج إلى محال، ولا ممتنع، قول عمر ابن أبي ربيعة رمل: ليس حباً فوق ما أحببتكم ... غير أن أقتل نفسي أو أجن 534 قال أبو علي: وأغزل الأولين والآخرين عندي قيس بن ذريخ وهو الذي يقول طويل: وإن زماناً شتت الشمل بيننا ... وبينكم فيه العداء لمشؤم إلى الله أشكو فقد ليلى كما شكى ... إلى الله فقد الوالدين يتيم وفيها يقول: بكت دراهم من نأيهم فتهلهلت ... دموعي، فأي الجازعين الوم أمستكبر يبكي من الشوق والهوى ... أن آخر يبكي شجوه ويهيم 535 أخبرنا محمد بن عبد الواحد قال: أخبرنا أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي عن المفضل عن الشعبي قال: سألني عبد الملك بن مروان: أي بيت قالته العرب أرق؟ فقلت قول الشاعر طويل: فذقت وجلت واسبكرت وأكملت ... فلو جن إنسان من الحسن جنت 536 أخبرنا أبو عبيدة الله الحكيمي قال: أخبرنا ابن خيثمة عن عن مصعب بن عبد الله الزبيري قال: قال ابن أبي ثابت: أنسب بيت قالته العرب طويل: إذا نزوات أحدثت عند بيننا ... عتاياً تراضينا وعاد التعاطف 537 أخبرنا محمد بن عبد الواحد قال، أخبرنا أحمد بن يحيى عن عمر بن شبة عن الأصمعي قال: استنشدني بعض الأعراب أحسن ما قيل في الغزل فأنشدته من كل شي فجعل يقول: ليس بشيء، ليس بشيء، فغاظتني، فقلت فأنشدني في ذلك، فأنشدني لبعضهم كامل: أبت الوافد والثدي لقمصها ... مس البطون وإن تمس ظهورها وإذا الرياح تنسمت بنسيمها ... نبهن حاسدة وجهن غيورا 538 قال أبو علي: ولم أر بيتاً أغزل في شجاعة، وأشجع في غزل من قول عنترة كامل: إن تغدقي دوني القناع ... فإنني طب بأخذ الفارس المتلثم 539 أخبرنا أبو عمر محمد بن عبد الواحد قال: أخبرني أحمد بن يحيى عن الزبير بن بكار قال: أرق بيت قالته العرب قول جرير كامل: إن الذين غدوا بلبك غادروا ... وشل وشلاً وما يزال معينا غيض من عبراتهن وقلن لي ... ماذا لقيت من الهوى ولقين 540 قال أبو علي: هذان البيتان للمعلوط السعدي، وإنما انتحلهما جرير "غيض من عبراتهن": نقص، واستغيض: أخذ العبرة بأطراف الأصابع ونبذها وقد أخذ هذا ذو الرمة فكشفه طويل: ولما تلاقنيا جرت من عيوننا ... دموع وزرعن غربها بالأصابع ونلنا سقاطاً من حديث كأنه ... جنى النحل ممزوجاً بماء الوقائع 541 وقد زعم قوم أن أغزل بيت قالته العرب هو بسيط: إن العيون التي في طرفها مرض ... قتللنا ثم لم يحيين قتلانا يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به ... وهن أضعف خلق الله أركانا قوله "يحيين قتلانا" يريد أن الثأر لم يؤخذ منهن، وأنه لم يكن عندهن بما يدين به قتلته، وكانوا يرون أن الرجل إذا أدرك بثأره، فكأنه قد أحيا من قتل هل، والقول الصادع في هذا، قول الله عز وجل: "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب". أخنث بيت قالته العرب 542 أخبرنا أبو بكر محمد بن يحيى قال أخبرنا أبو الحسن الأسدي عن حماد بن إسحاق عن المدائني قال: قال صالح بن حسان يوماً لجلسائه: علمتم أن النابغة كان مخنثاً؟ قالوا: وما علمك بذلك؟ قال "أو سمعتم قوله؟ كامل: سقط النصيف ولم ترد إسقاطه ... فتناولته واتقتنا باليد بمخضب رخص كأن بنانه ... عنم على أغصانه لم يعقد لا، والله ما عرف تلك الإشارة إلا مخنث" قال: "وهل علمتم أن عامر ابن جوين كان أحمق؟ " قيل: وكيف؟ قال أما سمعتم قوله طويل: فما بيضة بات الظليم يحفها ... ويجعلها بين الجناح وحوصله

543 أخبرني أبو أحمد عيسى بن عبد العزيز الطاهري قال أخبرنا محمد بن زكرياء القلابي

بأحسن منها يوم قالت ألا ترى ... تبدل خليل، إنني متبدله فما أعجبته، وهي تقول هذه المقالة، إلا وهو أحمق، قال: والبيتان: الأول أخنث ما قيل، والآخران أحمق ما قيل. 543 أخبرني أبو أحمد عيسى بن عبد العزيز الطاهري قال أخبرنا محمد بن زكرياء القلابي عمن ذكره، قال: قال رجل من قيس عيلان لرجل من ربيعة: "صاحبكم الأعشى مخنث، حيث يقول بسيط: قالت هريرة لما جئت زائرها ... ويلي عليك، وويلي منك يا رجل والله ما خرج هذا إلا من فك مخنث" فقال له الربيعي: بل صاحبكم النابغة حيث يقول كامل: سقط النصيف ولم ترد إسقاطه ... فتناولته اتقتنا باليد قال: لا والله، ما أحسن هذه الإشارة إلا مخنث. 544 قال أبو علي: أخذ "سقط النصيف ولم ترد إسقاطه" أبو حية النميري فقال طويل: فردت قناعاً دونه الشمس واتقت ... بأحسن موصولين: كف ومعصم أخلب بيت قالته العرب 545 قال أبو علي: اختلفوا في ذلك، فزعم خلف الأحمر أن أخلب بيت قالته العرب، أبيات زهير طويل: تراه إذا ما جئته متهللاً ... كأنك معطيه الذي أنت سائله أخو ثقة لا تذهب الخمر ماله ... ولكنه قد يذهب المال نائله غدوت عليه غدوة فوجدته ... قعودا لديه بالصريم عوادله يفدينه طوراً وطوراً يلمنه ... وأعيا فما يدرين أين مخالقه فأعرضن منه هن طريم مرز ... جموع على الأمر الذي هو فاعله 546 وقال قوم: بل قول طفيل الغنوي طويل: جزى الله عنا جعفرا حين أزلقت ... بنا تعلنا في الواطئين فزت أبو أن يملونا ولو أن أمنا ... تلاقي الذي لا قوة منا لملت 547 وقال الأصمعي: بل قول حمزة بن بيض منسر: تقول لي والعيون هاجعة ... أقم علينا يوماً فلم أقم أي الوجوه انتجعت؟ قلت لها ... هذا أي وجه إلا إلى الحكم متى يقل حاجبا سرادقه ... هذا ابن بيض بالباب يبتسك قد كنت أسلمت فيك متقبلاً ... فهات إذ حل فاعطني سلمى أسلمت: أسلفت، والسلم: السلف: قوله "هذا ابن بيض بالباب يبتسم" ينظر إلى قول زهير "تراه إذا ما جئته متهللاً" البيت ينظر إلأى قول امرئ القيس -وهو أول من نطق بهذا المعنى طويل: سماحة ذا، وبردا، ووفاء ذا ... ونائل ذا، إذا صحا، وإذا سكر ثم تداولته الشعراء فقال عنترة كامل: إذا شربت فإنني مستهلك ... مالي، وعرضي وافر لم يكلم وإذا صحوت فما أقصر عن ندى ... وكما علمت شمائلي وتكرمي وقد أحسن لولا أنه أتى بالمعنى في بيتين اقتصر الأول منهما دليلاً74 على الثاني "كما علمت شمائلي وتكرمي" مأخوذ من قول امرئ القيس، وهو أول من نطق به كامل: وشمائلي ما قد علمت وما نبحت ... كلابك طارقا مثلي فأما قول طرفة رمل: وإذا ما شربوها وانتشوا ... وهبوا كل أمون وطمر فهذا ضعيف من جهة الشرط للعطاء، بالكسر والشرب، وعلى هذا أيضاً عيب قول حسان وافر: ونشربها فتتركنا ملوكاً ... وأسداً ما ينهنهنا اللقاء فأما قول أبي نواس طويل: فتى لا يلوك الخمر شحمة ماله ... ولكن إياد عود وبواد فعلى المذهب الأول، إلا أن "شحمة ماله" غثة الاستعارة، مستهجنة العبارة، وتلا هؤلاء البحتري على قلة إحسانه فقال "ويل: تكرمت من قبل الكؤوس عليهم ... فما استطعن أن يحدثن فيك تكرما 548 وأخبرنا أبو أحمد عيسى بن عبد العزيز الطاهري قال: أخبرنا الدمشقي عن الزبير بن بكار قال: أخبرني النضر بن شميل قال: دخلت على المأمون بمرو ذات يوم وعلى إطمار مخلقة، فقال: أتدخل على الخليفة في مثل هذه الأطمار؟ فقلت: إن حر مرو، ولا يدفع إلا بهذه الأخلاق، ورب مملول لا يستطاع فراقه، قال: ولكنك متقشف، ثم تجاذبنا الحديث.

أحسن ما قيل في حب الأوطان

فقال المأمون: حدثني هشيم عن مجاهد عن الشعبي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا تزوج الرجل المرأة لدينها، وجمالها، كان في سداد من عوز" وفتح السين، قلت صدق هشيم، يا أمير المؤمنين! حدثني عوف عن الحسن أن البني صلى الله عليه وسلم قال: "إذا تزوج الرجل المرأة لدينها وجمالها كان في ذلك سداد من عوز" وكسرت السين، وكان المأمون متكئاً فاستوى جالساً وقال: يا نضر! السداد بالفتح لحن؟! فقلت هو في هذا المكان لحن، وإنما لحنه هشيم لأنه كان لحانة، فقال: ما الفرق؟ فقلت: السداد بالفتح: القصد والتسهيل. والسداد بالكسر: البغلة وما يسد به الشيء، قال: هل تعرف العرب ذلك؟ قلت: هذا العرجي من ولد عثمان بن عفان يقول وافر: أضاعوني وأي فتى أضاعوا ... ليوم كريهة وسداد ثغر فأطرق المأمون ملياً، ثم قال: "قبح الله من لا أدب له" ثلاث مرات، قم قال: أنشدني أخلب بيت للعرب، قلت قول ابن بيض يا أمير المؤمنين "تقول لي والعيون هاجعة" وذكر البيت، فقال المأمون "لله درك لكان سبق إذا عن بالي ثم قال: هات أنشدني أقنع بيت قالته العرب، قلت قول ابن عبدل منسرح: لا أحتوي عللة الصديق ولا ... أتبع نفسي وجداً إذا ذهبا قد يرزق الخافض المقيم وما ... شد بعنس رحلاً ولا قتبا ويحرم الرزق ذو المطية والر ... حل، ومن لا يزال مغتربا فلم يكلمني عندها بشيء، وأخذ القرطاس، ومد يده إلى دواة، وجعل يكتب ما لا أعمله، ثم قال: يا نضر، كيف تأمر إذا أمرت أن يترب الكتاب؟ قلت: أتربه! قال" فمن الطين؟ قلت: طنه، قال: وهذه أحسن من الأولى، ثم ناول الكتاب الخادم، ومضى به إلى الفضل بن سهل، ففتح الكتاب، وقال: ما السبب الذي وصلك به أمير المؤمنين بخمسين ألفاً؟ فأخبرته، فقال لي: سبحان الله! ألحنت أمير المؤمنين؟! قتل: كلا أيها الوزير، وإنما لحنه هشيم لأنه كان لحانة، فقال: حدثني عن الخليل، قلت: قال الخليل: "أتيت أبا ربيعة الأعرابي، وكان من أعلم من رأيت، فإذا هو على سطح، فسلمنا، فرد علينا السلام وقال لنا: استووا، فبقينا متحيرين، ولم ندر ما قال، فقال لنا أعرابي إلى جنبه: يقول لكم ارتفعوا، فقال الخليل: هو من قول الله تعالى ثم استوى إلى السماء، وهي دخان" فصعدنا إليه، فقال: هل لكم في خبز فطير، ولبن هجير، وماء نمير؟ فقلت: الساعة فارقناه! فقال: سلاماً، فلم ندر ما هجير، وماء نمير؟ فقلت: الساعة فارقناه! فقال: سلاماً، فلم ندر ما قال؟ فقال الأعرابي: إنه يقول لكم شأنكم شاركة لا خير فيها ولا شر. فقال الخليل: هو من قول الله عز وجل "وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً" فقال الفضل: هذا أحسن مما قتله للخليفة، فزاني من عنده ثلاثين ألفاً، فانصرفت بثمانين ألفاً". قال أبو علي: قوله استوى: ارتفع، خطأ، لأنه، لم يكن عز وجل قبل ذلك في سفل فارتفع، والوجه أن معنى قوله تعالى "استوى": استولى. وينشدون رجز: قد استوى بشر على العراق ... بغير سيف ودم مهراق أحسن ما قيل في حب الأوطان 549 أخبرنا محمد بن يحيى قال: أحسن ما قيل في الرضى بالأوطان، أو محبتها ما أنشد فهي يحيى بن علي وغيره، وأجمعوا على تقدمه، وهو قو امرأة من العرب طويل: بلاد بها حل الشباب تمائمي ... وأول أرض مس جلدي ترابها وقال ابن ميادة طويل: ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بحرة ليلى حيث ربتني أهلي بلاد بها نيطت على تمائمي ... وقطعن عني حين أدركني عقلي فإن كنت عن تلك المواطن ما نعي ... فأيسر على الرزق واجمع إذا شملي 550 أخبرنا محمد بن عبد الواحد قال أخرنا أحمد بن يحيى قال أخبرني عبد الله بن درستويه: قال حدثني حفص بن الأوذع الطائي قال: كنت أسير ببلاد طيء فأبصرت جارية تسوق مهرانها فقلت: يا جارية، أي البلاد أحب إليك؟ قالت طويل: أحب بلاد الله ما بين منعج ... إلي وسلمى أن يصوب سحابها بلاد بها حل الشباب تمائمي ... وأول أرض مس جلدي ترابها 551 أخبرنا محمد بن يحيى قال: لم يكشف قناع الحي المعنى في حب الوطن ولا جاء بالعلة التي من أجلها له تحب، إلا ابن الرومي، فإنه جمع ما فرقه الناس، فقال في أبيات قصيدة يخاطب بها عبيد الهل بن عبد الله بن طاهر طويل:

552 على أنه قد نظر فيه إلى قول بشار طويل:

أعوذ بحقويك العزيزين أن أرى ... مقراً بذل يترك الوجه حالكا ولي وطن أليت ألا أبيعه ... وألا أرى غيري له الدهر مالكا عهدت به شرخ الشباب ونعمة ... كنعمة قوم أصبحوا في ظلالكا فقد ألفته النفس حتى كأنه ... لها بدن إن راح غودت هالكا وحبب أوطان الرجال إليهم=مأرب قضاها الشباب هنالكا إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهم ... عهود الصبا فيها فحنوا لذلكا 552 على أنه قد نظر فيه إلى قول بشار طويل: متى تعرف الدار التي بان أهلها ... بسعدى فإن الدمع منك قريب تذكرك الأهواء إذ أنت يافع ... لديها فمغناها إليك حبيب 553 أو إلى قول رجاء العتكي، بل هو بهذا أشبه طويل: أحن إلى الأراك صبابة ... لعهد الصبا فيه وتذكار أول كأن نسيم الريح في جنباته ... قسيم حبيب أو لقاء مؤملي فلله من أرض بها ذر شاربي ... حياة لهلك وخصباً لممحل 554 أو إلى قول الآخر طويل: ذكرت بلادي فاستهلت مدامعي ... لشروقي إلى عهد الصبا المتقادم حننت إلى أرض بها اخضر شاربي ... وقطع عني قبل عقد التمائم 55 حدثني أبو الحسن أحمد بن محمد العروضي قال: حدثني أحمد بن يحيى لبعض بن أسد: ......... ... ...... فيطيقه...... ......... ... ... من فؤاد فيصيبه ... 556 أخبرنا محمد بن يحيى عن عبد الرحمن عن عمه قال: قال لي الرشيد ما أحسن ما قيل في التوجع على الأوطان؟ قال: فابتدأت أنشده أبيات ابن ميادة التي يخاطب فيها الوليد بن يزيد، قال: فقال لي هذه مشهورة قال فقلت: قول أعرابي إذاً طويل: ألا حبذا نجد وطيب ترابه ... تصافحه أيدي الرياح الغرايب وعهد صبا فيه يقارعك الهوى ... يذلك أكواب لذاذ المشارب تنال الرضى منهن من كل مطلب ... عذاب الثنايا واردات الذوائب فقال: لا هذا مجهول، فقلت: يقول أمير المؤمنين، فقال: أبيات سوار بن المضارب وافر: سقى الله اليمامة من بلاد ... جوابحها كأرواح الغواني وجو زاهر للريح فيه ... نسيم ما يروع الترب وإن بها سقت الشباب إلفى مشيب ... يقبح عندما حسن الزمان قال أبو علي: هذه الأيات تروى لمالك بن الريب. 557 أنشدنا محمد بن عبد الواحد قال: أنشدنا أحمد بن يحيى بسيط: لا عهد لي بعد أيام الحمى بهم ... سقى الله أيام الحمى المطرا ما إن تذكرت أيام الشباب به ... إلا عصى الدمع أمر الصبر فانحدرا 558 ومن أحسن ما قيل في هذا المعنى قول يزيد بن مجالد الفزاري طويل: أيما دمتني وهب خضل الندى ... مسيل الربى حيث انحنى بكما الوهد ويا ربوة الربعين حييت ربوة ... على النأي مني واستهل بك الرعد فأنت التي يشفى فؤادي تربها ... لألفي بها قدما ويسقمه الوجد فإن تدعى نجداً أوعه ومن به ... وإن تسكنى نجداً فيا حبذا نجد قضيت الغواني غير أن مودة ... لذلفاء ما قضيت آخرها بعد وإن كان يوم الوعد أدنى لقائنا ... فلا تعليني أن أقول متى الوعد أبدع ما قيل في تفضيل سيد قبيلة على سيد أخرى وهي: المنافرة 559 أخبرنا علي بن أبي غسان قال أخبرنا أبو حذيفة أبو الفضل بن الحباب الجمحي قال أبخرنا محمد بن سلام عن يونس بن حبيب قال: "أشد الهجاء، الهجاء بالتفضيل وقال يونس بن حبيب: "إلى هذا أشار عمر بن الخطاب وكان أحسن إلى الحطيئة فأطلقه من حبسه أنه قال للحطيئة: "إياك والهجاء المقذع! " قال: وما المقذع يا أمير المؤمنين؟ قال "أن تقول هؤلاء أشرف من هؤلاء، وهؤلاء أفضل من هؤلاء وتبتني على مدح قوم، وذم لمن تفاخرهم شعراً". فقال الحطيئة: "أنت والله أكرم يا أمير المؤمنين وأعلم مني بمذاهب الشعراء". 560-أخبرنا محمد بن محمد بن يحيى قال أنبأنا العباس بن محمد الحمادي، قال سمعت أبا عثمان المازني يقول: حدثني من سمع خلفاً الأحمر يقول، "لما خاف الحطيئة وعيد عمر له لما هجا الزبرقان، عمل قصيدة، أولها وافر: ألا قالت أمامة هل تعزي ... فقلت أميم لو غلبت العزاء

561 ومما أحسن فيه كل الإحسان في هذا المعنى قوله بسيط:

فلما سمعها الزبرقان قال: ما هجيت بأشد منها. قال خلف الأحمر: لقد صدق لأن قوله فيها، وتفضيله من فضله بأبياتها، أبدع وأبرع من كل شيء قيل في معناه وهو قوله وافر: ألا أبلغ بني عوف بن كعب ... وهل حي على خلق سواء؟ عطارها وبهدلة بن عمرو ... فهل يشفي صدوركم الشفاء ألم أك نائياً فدعوتموني ... فجاءبي المواعد عواء ألم أك ضيفكم فتركتموني ... لكلبي في دياركم عواء ووانيت العشاء إلى شهيل ... أو الشعراء فطال بي الأناء ألم أك جاركم وتكون بيني ... وينكم المودة والإخاء ولما أن أتيتكم أبيتم ... وشر مواطن الحسب الأحباء ولما كنت جارهم حبوني ... وفيكم كان لو شئتم حباء فلما إن مدحت القوم قلتم ... هجوت وما يحل لي الهجاء فلم أشتم لكن حسباً ولكن ... حدوت بحيث يستمع الحداء فلا وأبيك ما ظلمت قريع ... بأن يبنوا المكارم حيث شاؤوا 561 ومما أحسن فيه كل الإحسان في هذا المعنى قوله بسيط: لقد مريتكم لو أن ردتكم ... يوماً يجيء بها مسحي وإبساسي وقد نظرتكم ما قبل عاشية ... للخمس طال بها حوزي وتنساسي الأبساس كلمة تسكن بها الناقة عنه الحلاب، يقال بس، بس، وتنساس. والحوز: السوق الشديد. والعاشية: الإبل التي تتعشى بعد الخمس، فعشاؤها طويل لأنها لا تتعشى إلا بعد خمسة أيام في عشوة الليل، فلذلك سميت عاشية. لما بدا لي منك غيب أنفسكم ... ولم يكن لجراحي فيكم آس أزمعت يأساً مريحاً من نوالكم ... ولن ترى طارداً للحر كاليأس وما كان ذنب بغيض لا أبا لكم ... في بأس جاء يحدو آخر المياس جار القوم أطالوا هون منزله ... وغادروه مقيماً بين أرماس ملوا قراه وهرته كلابهم ... وجرحوه بأنياب وأضراس لا ذنب للقوم إن كانت نفوسكم ... كفارك كرهت ثوبي وإلباسي من يفعل الخير لا يعدم جوازيه ... لا يذهب العرف بين الله والناس ما كان ذنبي أن أفلت معا ولكم ... من آل لأي صفاة أصلها رأسي دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي 562 قال أبو علي: والحطيئة إن كان محسناً في هذه الأبيات، متقدماً فيها جميع من سلك هذا السبيل، فإن ما اقتضى أسلوب الأعشى في تفصيله على علقمة بن علافة، عامر بن الطفيل. 563 أخبرنا أبو عبد الله الحكيمي عن أحمد بن يحيى عن عمر بن شبة، عن أبي عبيدة قال: لما تنافر عامر وعلقمة الجعفريان، فتنازعا الرياسة ليحكم بينهما، فشخص من بني مالك بن جعفر مع عامر، ومعه لبيد من ربيعة، وشخص بنو الأحوص بن جعفر مع علقمة ومعهم الحطيئة الشاعر ومع كل واحد منها ثلاثمائة بعير ومع أصحابه مائة، فلما بلغ هرماً دنوهما، استخفى. فجعلا يتهاتران فقال علقمة: أنا عفيف وأنت عاهر، وأنا ولود وأنت عاقر، وأنا أقرب إلى ربيعة منك، فقال عامر زجر: فأخرتني بشكر بن بكر ... والمنجين أهل سيف البحر والعبد عبد القيس أهل التمر ... هذا أوان أخذت بالنصر فقال لبيد على لسانه زجر: يا هرماً وأنت أهل عدل ... هل يذهبن حسبي وفضلي إن ولد الأحوص يوماً قبلي ... ثم لهن بانطلاق رسلي قد علموا أنا خيار الهبل وجعل الحطيئة يقول طويل: وما ينظر الحكام بالفصل بعدما ... بدا "واضح" ذو غرة وخجول إذ يسأل المعروف أربى عليهم ... بمستفرغ ماض الذنوب سجيل فلما رأوا هرماً لا يظهر لهم توجهوا إلى ... الأعشى حاسراً، وقد كان المشارك في وقت انصرافه من مدق قيس بن معدي كرب حتى قال وأجازه أيضاً بعد قوله بأن تضمن له ما أعطاه الخفرة في جواره. فقال الأعشى: ما الخطب؟ فأخبره، فرجع معه، وقال: إني قائل الشعر كما حكمتماني ثم أنا واقف في سوق عكاظ، فمنشدها، فأوعد أصحابك أن يعقروا الإبل وأن يحفظوا الشعر، وغدا الأعشى فقال، ورفع عقيرته بالغناء سريع: علقمة لا، لست إلى عامر ... الناقض الأوتار والواقر سدت بني الأحوص لم تعدهم ... وعامر ساد بني عامر ما يجعل الحد الظنون الذي ... جنب صوب اللجب الزاخر

أحسن ما قيل في الانسياق على سير الإبل

مثل الفراقتي إذا ما طما ... يقذف بالبوص والماهر حكمتموني فقضى بينكم ... أبلج مثل القمر الزاهر لا يأخذ الرشوة في حكمه ... ولا يبالي غبن الخاسر ولم يزد عمرو على هذه الأبيات، وشد أصحاب عامر على الإبل فعقروها، ونادوا "انفر عامر" ثم تفرقوا، وكان في سرعان عامر فتى قدم قبل القوم، فأورد فرسه، وهو رافع عقيرته يقول: "علقم لا لست إلى عامر" الأبيات، فسمعته مليكة بنت الحطيئة، فوضعت البوغاء على رأسها وهتفت وأحربها، هذا والله شعر أبي بصير، فلما تتوعد علقمة الأعشى زاد فيها: شاقك من قتلة أطلالها ... بالشط فالسبخ إلى حاجر وقال كلمته التي يقول فيها طويل: ما ذنبنا إن جاش بحر ابن عمكم ... وبحرك ساج ما يواري الدعامصا كلا أبويكم كان فرعاً دعامة ... ولكنهم زادوا وأصبحت ناقصا تبينتون في المشتى ملاء بطونكم ... وجارتكم غرثى يبتن خمائصا فلما سمع علقمة هذا لبيت رفع يديه إلى السماء وقال: اللهم العنه إن كان كاذباً، أبحق نفعل هذا بجيراننا؟ وما هجاني بشيء هو أشد علي من علي من هذا! قال: وسأل عمر بن الخطاب في ولايته هرم بن براقة: أي الرجال عندك أشرف؟ قال: يا أمير المؤمنين لو قلتها اليوم لمضت بعدك وبعدي مثلاً يستجمع للرجال أحلامها. أحسن ما قيل في الانسياق على سير الإبل 564 قال أبو علي: أول من نطق بهذا المعنى عمرو بن شأس الأسدي فقال: إذا نحن أدلجنا وأنت أمامنا ... كفى لمطايانا بضوئك حادياً أليس يزيد العيس خفة أذرع ... وإن كن حسى إن تكون أمامياً فتناهبه الناس من بعد، فأكثروا فيه، وتصرفوا على الإحسان فيما أوردوا منه، فمن أحسنه ما أنشدناه محمد بن عبد الواحد قال أنشدنا أحمد بن يحيى عن أبي يحيى نصر عن الأصمعي لأعرابي طويل: إذا تركت حنت وأن هي خليت ... لترتع، لم ترتع بأدنى المراتع كأن عليها راكباً يستحثها ... كفى سائقاً بالشوق بين الأضالع 565 وأخذته أعرابية فقال خفيف: قل لحادي المطي رفقاً قليلاً ... يجعل العير سيرهن ذميلاً لا تسقها على السبيل ودعها ... يهدها شوق من عليها السبيلا 56 وأخذه بعض الرجاز فقال: إن لها لسائقاً خدلجاً ... لم يدلج الليل فيمن أدلجا -يعني امرأة، فساقه هواه إليها فناب عن سائق الإبل التي امتطاها. 567 فأخذه الآخر فقال بسيط: صب يحث مطاياه تذكركم ... وليس ينساكم إن حل أو سارا لو يستطيع طوى الأيام دونكم ... حتى يبيع بقرب العمر أعمارا يرجو النجاة من البلوى بقربكم ... والقرب يقدح في أحشائه ناراً 568 فأما قول عمرو بن شأس "كفى المطايا ضوء وجهك حاديا" فقد أحسن فيه، وأحسن من بعده جماعة اعتوروا هذا المعنى، فمنهم إدريس ابن أبي حفصة في قوله بسي: لما ائتك وقد كلت منازعة ... دنا الرضى بين أيديهما بآقياد لها أمامك نور تستضيء به ... ومن رجائك في أعناقها حاد لنا أحاديث من ذكراك تشغلها ... عن الرتوع وتلهينا عن الزاد 569 وقد تقدمه مروان الأكبر فقال للمهدي طويل: إلى المصطفى المهدي خاضت ركابنا ... دجى الليل يخبطن السريح المخدما يكون لها نور الأمام محمد ... دليلاً به تسرى إذا الليل أظلما 570 وقال آخر وأحسن طويل ولو أن ركباً يمموك لقادهم ... نسيمك حتى يستدل بك الركب 572 ومن المحسنين في هذا المعنى خارجة بن فليح الملي بقوله طويل: لقد ظعنت في ربرب شابه الدما ... وكان الغواني واضحات المحاجر وسفرن للساري إذا جن ليله ... سبيل المطايا بالوجوه السوافر 572 وقال أشجع السلمي طويل: إذا غاب عنا الفجر خضنا بوجهه ... دجى الليل حتى يستبين لنا الفجر 573 فنقل المعنى العباس بن الأحنف فقال وأحسن كامل: لو لم يكن قمر إذا مازرتكم ... يهدي إلى سنن الطريق الواضح لتوقد الشوق المنير بذكركم ... حتى تضيء الأرض بين جوانحي

574 فعمد بعض الشاميين المتأخرين إلى هذا المعنى، فتناوله وأورده في أبيات مطبوعة،

574 فعمد بعض الشاميين المتأخرين إلى هذا المعنى، فتناوله وأورده في أبيات مطبوعة، مصنوعة، سهلة، جزلة، لميقصر به تأخر عصره، عن اللحاق بمن تقدمه فقال طويل: وليل وصلنا بين قطريه بالسري ... وقد جد شوق مطمع في وصالك أرأيت علينا من دجاه حنادس ... أعدن الطريق النهج وعر المسالك فناديت: يا أسماء باسمك فانجلت ... وأسفر منها كل أسود حالك بنا أنت من هاد نجوناً بذكره ... وقد نشبت فينا أكف المهالك منحتك إخلاصي وأصفيتك الهوى ... وإن كنت لم تخطريني ببالك 575 وما أحسن ما قال القطامي طويل: ذكرتكم يوماً فنور ذكركم ... دجى الليل حتى أنجاب عناديا جره فوالله ما أدري أضوء مسخر ... لذكراكم أو سخر الليل ساخره 576 وإلى هذا ذهب محمد بن مناذر بقوله منسرح: لما ذكرنا هارون صار لنا ال ... ليل نهاراً بذكر هارونا باب ويتصل بهذا الباب ما أنا ذاكره: من أحسن ما قيل في إضاءة وجوه الممدوحين وأحسابهم وتمزق جلابيب الظلام دون وافديهم وزوارهم 577 فأول من افترع هذا المعنى، أبو الطحان القيني بقوله طويل: وإني من القوم الذي هم هم ... إذا مات منهم سيد قام صاحبه نجوم سماء كلما انقض كوكب ... بدا كوكب تأوي إليه كواكبه أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم ... دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبه وما زال منهم حيث كانوا مسود ... تسير المنايا حيث سارت ركائبه 578 فقال قيس بن الخطيم فأحسن في وصف امرأة منسرح: قضى لها حين صورها ال ... خالق ألا تكنها السدق 579 فاهتدم هذا البيت أعرابي، فبناه بناء آخر فقال منسرح: من ذكر خود قضى لها الملك ال ... خالق ألا تجنها ظلمه 580 واحتذى بيت أبي الطمحان خارجة بن فليح الملي فقال بسيط: آل الزبير نجوم يستضاء بهم ... أذا احتبا الليل في ظلائه زهروا قوم إذا شومسوا لج الشماس بهم ... ذات اليمين وإذا ياسرتهم يسروا 581 وقال الحطيئة وأحسن وتقدم بسيط: نمشي على ضوء أحساب أضأن لنا ... كما أضأت نجوم الليل للساري وأورد المعنى في عبارة أخرى وفق فيها فقال وافر: هم القوم الذين إذا ألمت ... من الأيام مظلمة أضاءوا فلو أن السماء دنت لمجد ... ومكرمة، دنت لهم السماء هم حلوا من الشرف المعلى ... ومن كرم العشيرة حيث شاءوا 582 فقال بعض المتقدمين طويل: إذا أشرفت في جنح ليل وجوههم ... كفوا خابط الظلماء ضوء المصابح وإن ناب خطب أو ألمت ملمة ... فكم تم من جراح وجارح 583 قال أبو علي: وقد أكثر الناس في هذا المعنى، ويعجبني كل الإعجاب قول أبي بذيل الوضاح بن محمد التميمي يمدح المستعين، فإنه أبدع ومتع وبرع طويل: وقائلة والليل قد نشر الدجى ... فغشى به ما بين سهل وقردد أرى بارقاً يبدو من الجوسق الذي ... به حل ميراث النبي محمد فظل عذارى الجزع ينظمن تحته ... ظفاريه الجزع الذي لم يصرد فقلت هو البدر الذي تعرفينه ... إلا يكن فالنور من وجه أحمد أحسن ما قيل في حسن الجوار 584 أنشدنا أبو عمر محمد بن عبد الواحد قال: أنشدنا أحمد بن يحيى عن أبي نضر عن الأصمعي قال أحسن ما قيل في حسن الجوار: جاورت شيبان فاحلوا لي جوارهم ... ............... للجار قوم يهينون كوم الجزر بينهم ... أما الفراء فظلن موقد النار 585 أخبرنا أبو محمد عبد الله بن جعفر بن درستويه قال: إن محمد بن قتيبة قال: حدثني الخشعمي الشاعر قال أحسن ما قيل في حسن الجوار قول الشاعر سريع: نارى ونار الجار واحدة ... وإليه قبلي تنزل القدر ما ضر جاراً لي أجاوره ... أن لا يكون لبابه ستر 586 أخبرنا أبو عبيد الله الحكيمي قال: أخبرنا يموت بن المزرع قال: أخبرنا محمد بن حميد اليشكري قال أخبرنا ابن معاذ قال: تذاكر أهل البصر من ذوي الأحساب أحسن ما قاله المولودن في حسن الجوار من غير تعسف ولا تكلف ولا تعجرف، فأجمعوا على بيتين لأبي الهندي، وهما طويل:

587 قال أبو علي: وأنا أقول إن أحسن ما قيل في الجوار قول الآخر بسيط:

نزلت على آل المهلب شاتياً ... غريباً عن الأوطان في بلد محل فما زال بي أكرامهم وافتقادهم ... وبرهم حتى حسبتهم أهلي 587 قال أبو علي: وأنا أقول إن أحسن ما قيل في الجوار قول الآخر بسيط: إني حمدت بني شيبان إذ خمدت ... نيران قومي فشبت فيهم النار ومن تكرمهم في المحل أنهم ... لا يعلم الجار فيهم أنه الجار حتى يكون عزيزاً من نفوسهم ... أو أن يبين جميعاً وهو مختار كأنه صدع في رأس شاهقة ... من دونه لعتاق الطير أوكار أحسن ما قيل في الضيافة 588 أخبرنا محمد بن عبد الواحد قال أخبرنا أحمد بن يحيى قال أخبرنا الأثرم عن أبي عبيدة أن معاوية قال لجلسائه: أي أبيات العرب في الضيافة أحسن؟ فاختلفوا، وأكثروا، فقال معاوية: قاتل الله أبا اللحم الغفاري حيث يقول طويل: لقد علمت عرسي قلابة أنني ... طويل سنا ناري بعيد خمودها إذا حل ضيفي بالفلاة فلم أجد ... سوى مثبت الأطناب شبت وقودها 589 أخبرنا أبو محمد عبد الله بن جعفر بن رستميه قال: أخبرني أبو محمد بن قتيبة قال: حدثني الخثعمي الشاعر قال: أحسن ما قيل في الضيافة قول مسكين الدارمي طويل: طعامي طعام الضيف والرحل رحله ... ولم يلهني عنه غزل مقنع أحدثه إن الحديث من القرى ... وتعلم نفسي أنه سوف يهجع أحسن ما قيل في رياضة النفس للفراق قبل وقوعه 590 أنشدنا محمد بن يحيى قال أنشدنا محمد بن زكرياء القلابي عن إبراهيم بن عمر العدوي عن الأصمعي لغلام من فزارة طويل: وأعرض حتى يحسب الناس أنما ... هو الهجر، لا والله ما بي لك الهجر ولكن أروض النفس انظر هل لها ... إذا فارقت يوماً أحبتها صبر قال أبو علي: وأحسب أن نصيباً نظر إلى هذا المعنى فقال الطويل: وابدأ بالهجران نفسي أروضها ... لأنظر هل لي في تباعدها صبر وما بي صبر إن تأتني ولا غنى ... وما بي في قربي إلى أحد فقر 591 قال أبو علي: وأحسب أن نصيباً نظر إلى هذا المعنى فقال طويل: وابدأ بالهجران نفسي أروضها ... لأنظر هل لي في تباعدها صبر وما بي صبر أن نأتني ولا غنى ... وما بي في قربي إلى أحد فقر 592 أخبرني أبو أحمد عيسى بن عبد العزيز الطاهري قال: أخبرني أبو الحسن الأسدي قال أخبرنا حماد بن إسحاق بن إبراهيم عن أبيه قال: قال لي الرشيد: ما أحسن ما قيل في رياضة النفس على الفراق؟ فقلت: قول أعرابي طويل: وإني لأستحيي كثيراً وأتقي ... عيوناً واستبقى المودة بالهجر وأنذر بالهجران نفسي أروضها ... لأعلم عند الهجر هل لي من صبر قال: فقال لي الرشيد: هذا مليح ولكنني والله أستملح قول الأعرابي الغزلي طويل: خشيت عليها العين من طول وصلها ... فهاجرتها يومين خوفاً من الهجر وما كان هجراني لها عن ملالة ... ولكنني جربت نفسي على الصبر 593 أخبرنا محمد بن يحيى قال أخبرنا محمد بن يزيد المبرد قال كان عمك إبراهيم ابن العباس أحزرهم رأياً من خاله العباس بن الأحنف في قوله طويل: وناجيت نفسي بالفراق أروضها ... فقالت رويداً لا أغرك من صبر إذا صد من أهوى رجوت وصاله ... وفرقة من أهوى أحر من الجمر قال: فاستحسن ذلك. 594 أخبرني علي بن هرون قال أخبرني يحيى بن علي عن أبيه علي بن يحيى قال: لا أعرف في رياضة النفس على الفراق أحسن من قول الحسين بن مطير الأسدي طويل: فيا ليتني أقرضت جلداً، صبابتي ... وأقرضني صبراً على الشوق مقرض إذا أنا رضت النفس في حب غيرهم ... أتى حبكم من دونه يتعرض 595 قال وإلى هذا ذهب العباس بن الأحنف في قوله طويل: أروض على الهجران نفسي لعلها ... تماسك لي أسبابها حين أهجر وأعلم أن النفس تكذب وعدها ... إذا صدق الهجران يوماً وتغدر وما عرضت لي نظرة مذ عرفتها ... فانظر إلا مثلت حيث أنظر 596 وقال أوب علي والذي أراه وأنظر: إليه: أن أحسن ما قيل في هذا المعنى قول صخر الهذلي طويل: ويمنعني من بعض إنكار ظلمها ... إذ ظلمت يوماً، وإن كان لي عذر

أحسن ما قيل في مكافأة البر

مخافة أني قد علمت لئن بدا ... لي الهجر منها ما على هجرها صبر وإني لا أدري إذا النفس أشرفت ... على هجرها ما يبلغن بي الهجر فيا حبها زدني جوى كل ليلة ... ويا سلوة الأيام موعدك الحشر أحسن ما قيل في مكافأة البر 597- قال أبو هفان: أشعر أشعار كوفي بها بر أربعة، منها قول حجية بن المضرب الكناني طويل: سأجزي أخي عن بره في صميمه ... وأجعل بيتي مثل آخر مغرب رأيت اليتامى لا يسدر فودهم ... تحفيك في القعب الصغير المشعب فقلت لعبدينا أريحا عليهم ... هنالك من مال كريم منجب أجازي به من لو أتيت عظامه ... أنادي لأساني على كل مركب أخي والذي إن أدعه لملمة ... يجبني، وإن أغضب إلى السيف يغضب ويروى أن عائشة قالت "من أراد البر فليفعل فعل حجية ويروي شعره". 598- وقول علقمة بن كعب بم جعيل التغلبي طويل: أخي أنت لي من بين من وطئ الحضى ... ثراء وبحر ليس يبلغه شعري أجازي بك الأنباء أرجو ببرهم ... جزاءك إن البر أجزيه بالبر 599- وقول عدي بن معدان الكناني طويل: يقولون لا تذكر أخاك ولا ترد ... خيراً له ما عشت غير الترحم سأبذل مالي كله في جزائه ... ليغني به أولاده بعد معدم 600- وقول يزيد بن جابر بن عروة بن الورد وافر: وكان أخي إذا ما عد مال ... وكنت عياله دون العيال فمالي كالمفاز به، وقربي ... لنسل أصبحوا في قل مالي أعزي بيت قيل في مفارقة الأحبة 601-أخبرنا أبو عبد الله الحكيمي قال أخبرني أحمد بن يحيى عن الزبير بن بكار قال أجمع من له علم بالشعر ببلدنا أن شعر عمر بن أبي ربيعة أعزى ما سمعوا من الشعر وهو قوله طويل: أألحق أن دار الرباب تباعدت ... أو انبت حبلي، إن قلبك طائر أفق قد أفاق العاشقون وفارقوا ال ... هوى واستمرت بالرجال المرائر زع النفس واستبق الحياء فإنما ... تبعد أو تدني الرباب المقادر أمت حبها واجعل قديم وصالها ... وعشرتها أشباه من لا تعاشر وهبها كشيء لم يكن أو كنازح ... به الدار أو من غيبته المقابر فكالناس علقت الرباب فلا تكن ... أحاديث من يبدو ومن هو حاضر فإن أنت لم تفعل ولست بفاعل ... ولا قابلاً نصحاً لمن هو زاجر فنفسك لم عينين جئت الذي ترى ... فطاوعت أمر الغي أم أنت سادر قال ابن الزبير: "معناه: جئت معاينة ما ترى" قال ثعلب: "أنا أقول أن "عينين" بدل من "نفسك" طويل: وقد ضل إلا أن تقضي حاجة ... برق حقير دمعك المتبادر 602 أخبرنا أبو عبد الله الحكيمي قال أخبرنا أحمد بن يحيى قال أخبرنا الزبير عن عمر بن أبي بكر الموصلي عن عبد الله بن أبي عبيدة: أن كثيراً قال في قصيدته الرائية: "أفق قد أفاق العاشقون-البيت" و"هبها كشيء لم يكن أو كنازح-البيت "قال الزبير: وحدثني من له علم وثبت من قريش: أنهما لعمر بن أبي ربيعة- منهم عمي مصعب عن جدي عبد الله بن مصعب- في أبياته التي يقول فيها طويل: أألحق أن دار الرباب تباعدت ... وإن شط ولي إن قبلك طائر وإنما اصطرفهما كثير وأضافهما إلى شعره، كما اصطرف قول جميل طويل: ولا يلبث الواشون أن يصدعوا العصا ... إذا هي لم يصلب على البري عودها فأدخله في قصيدته التي يقول فيها كاملك نظرت وأعلام الشربة دوننا ... فرق المروري الدانيات وسودها 603 قال أبو علي: قوله "اصطراف" الاصطراف: الافتعال، من الصرف يقال اصطرف الشاعر إذا صرف إلى أبياته أو قصيدته بيتاً أو بيتين أو ثلاثة من شعر غيره، فاستضافها إلى شعره، وصرفها عن قائلها، وكان كثير فعالاً لهذا، مصطرفاً لشعر جميل مهتدماً بعضه، وقد فرقت بين الاصطراف والاستلحاق والاهتدام في غير هذا الموضع من كتابي. أحسن ما قيل في المرون على مفارقة الأحبة 604 أخبرني علي بن هرون قال لي عمي أبو أحمد يحيى بن علي، قال: قال لي المعتضد بالله: أنشدني أحسن ما قيل في المرون على مفارقة الأحبة، فأنشدته بسيط: روعت بالبين حتى ما أراع له ... وبالمصائب في أهلي وجيراني

605 قال أبو علي: ولا أعرف في هذا المعنى أحسن من قول الآخر، وكلا المعنيين

لم يترك الدهر علقاً أضن به ... إلا اصطفاني بنأي أو بهجران 605 قال أبو علي: ولا أعرف في هذا المعنى أحسن من قول الآخر، وكلا المعنيين يتناظران طويل: وروعت حتى ما أراع من النوى ... وإن بان جيران عليَّ كرام فقد جعلت نفسي على النأي تنطوي ... وعيني على فقد الحبيب تنام أحسن ما بكي به الشباب 606 أخبرني علي بن هرون قال أخبرني يحيى بن علي قال أجمع أصحابنا أنه لم يبك الشباب بمثل قول منصول النمري بسيط: ما تتقضى حسرة مني ولا جزع ... إذا ذكرت شباباً ليس يرتجع ما كنت أوفى شبابي كنه غرته ... حتى انقضى، فإذا الدنيا له تبع إن كنت لم تطعمي ثكل الشباب ولم ... تشجى بغصته فالعذر لا يقع أبكى شباباً سلبناه وكان، ولا ... تفي بقيمته الدنيا وما تسع ما واجه الشيب من عين وإن ومقت ... إلا لها نبوة عه ومرتدع 607 أخبرنا محمد بن عبد الواحد ومحمد بن يحيى قالا: أخبرنا أحمد بن يحيى، قال: سمعت ابن الأعرابي يقول: "ما بكت العرب شيئاً كما بكت الشباب، وما بلغت كنهه، ولا أعرف في التفجيع على الشباب، وذم الشيب أحسن من قول محمد بن حازم الباهلي، على قربة بسيط: لا تكذبن فما الدنيا بأجمعها ... من الشباب بيوم واحد بدل شرخ الشباب لقد أبقيت لي حزناً ... ما جد ذكرك إلا جد لي ثكل كفاك بالشيب ذنباً عند غانية ... وبالشباب شفياً أيها الرجل 608 أخبرني محمد بن يحيى قال لما أنشد منصور النمري الرشيد في أبياته في ذكر الشيب قال: "صدق، ولا خير في دنيا لا يخطر فيها ببردالشباب" قال وأنشد متمثلاً وافر: أتأمل رجعة الدنيا سفاهاً ... وقد صار الشباب إلى ذهاب فليت الباكيات بكل أرض ... جمعن لنا فنحن على الشباب 609 أخبرني أبو أحمد عيسى بن عبد العزيز الطاهري قال أخبرني أبي، عبد العزيز قال أنشدني عبيد الله بن عبد الله بن طاهر قال أنشدني موسى بن صالح الأسدي الفقعسي -وكان أديباً- وذكر أنه أبكى بيت قيل في الشباب وافراً: فليت الباكيات بكل أرض ... جمعن لنا فنحن على الشباب قال: وأنشدنا أيضاً طويل: وليس امرء وفي ثمانين حجة ... تناقض فرع أن يقال كبير فقلنا له ما "ناقض فرع"؟ فقال: الأظفار، ومعناه أن من استوفى ثمانين حجة فقيل له كبير، لم يجعل إحدى إبهامية على ظهر سبابته وينفضها ويقول ليس بكثير وهذا من عجيب لغز العرب، وما لا يفسر بالكلام حتى يفسر بالإشارة للعيان. 610 أخبرنا أبو عبد الله الحكيمي قال أخبرنا أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي عن المفضل قال أولى من بكى الشباب عمرو بن قميئة الربعي بقول الذي لم يقل مثله منسرح: يا لهف نفسي على الشباب ولم ... أفقد به إذ فقدته أمما لا يغبط المرء أن يقال له ... أمسى فلان لأهله حكماً إن سره طول عمره فلقد ... أضحى على الوجه طول ما سلما 611 أنشدنا محمد بن يحيى لأبي العتاهية قال، ولم يقل أحد من المحدثين مثله وافر: يا أسفاً أسفت على شباب ... نعاه الشيب والرأس الخضيب عريت من الشباب وكان زيناً ... كما يعرى من الورق القضيب فيا ليت الشباب يعود يوماً ... فتخبره بما فعل المشيب 612 وأما قول دعبل كامل مرفل: أين الشباب وأية سلكا ... لا أين يطلب، ضل؟ بل هلكا لا تعجبني يا سلم من رجل ... ضحك المشيب برأسه فبكى فإنما هو مأخوذ من قول الحسين بن مطير خفيف: أين جيراننا على الأحساء ... أين جيراننا على الدهناء كل يوم بأقحوان جديد ... تضحك الأرض من بكاء السماء فارقونا والأرض ملبسة ن ... ور الأقاحي تحاك بالأنواء 613 وأخذه الحسين من راجز أقدم منه، أنشدنا المبرد رجز: جن النبات في ذراها وزكى ... قد ضحك المزن به حتى بكى وقال محمد بن يحيى، على أنه: أظن مسلماً قد قال رجز: مستعير يبكي على دمنة ... ورأسه يضحك فيه المشيب 614 أخبرنا محمد بن يحيى قال أخبرني أبو ذكوان عن التوزي قال: أحسن ما قيل في ذم الشيب ومدح الشباب قول بشر بني الحارث:

615 ومما يتصل بهذا ذم الشباب، ولم يقل فيه أحسن من قول أبي ربعي منسرح:

يالأيام مضين مع الصبا ... وأين لنا بالأبرقين قصير و ... ... وحلينا شبا ... ب يوتي المكروه كل غيور فلما علا شيبي شبابي بشرت ... تراقب عيني لمتى بقتير وقال الصبا دعني لغيرك صاحباً ... عذير الصبا من صاحب وعذير 615 ومما يتصل بهذا ذم الشباب، ولم يقل فيه أحسن من قول أبي ربعي منسرح: من كان يبكي الشباب من أسف ... فلست أبكي عليه من أسف كيف وشرخ الشباب أوقفني ... يوم حسابي مواقف التلف لا صحبت شرة الشباب ولا ... عدمت هذا المشيب من خلف أحسن ما قيل في مدح الشيب 616 قال أبو علي: وقد أكثر الناس في هذا، فأحسن ما قيل فيه قول امرئ القيس وهو أول من نطق بهذا المعنى طويل: ألا أن بعد العدم للمرء قنوة ... وبعد المشيب طول عمر وملبساً 617 فقال نصر بن حبناء التميمي طويل: فإن أك بدلت البياض وأنكرت ... معالمه منى العيون اللوامح فقد يستجد المرء حالاً بحالة ... وقد يستمر النصل والنصل جارح ومارد زعمي كالذي قد هويته ... ولا أثرت في الخطوب الفوادح وهذا من الكلام البديع، واللفظ الرفيع، والذي تعجز الخواطر عن مباراته وتقصر الأفهام عن إدراكه، إلا بعد مراعاة سره، واستشفاء ورده. 618 أخبرنا محمد بن عبد الواحد قال أخبرني أحمد بن يحيى عن أبي نصر عن الأصمعي قال دخلت على الرشيد، وفي يده مرآة يتأمل فيها شيبه، فأنشدته كامل: الشيب إن يظهر فإن وراءه ... عمراً يكون خلاله متنفس لم ينتقض مني المشيب قلامة ... ألان حين بدا ألب وأكيس قال: "ما عزاني أحد عن شيبي بأحسن من هذا، ثم أمر لي بجائزة، وقال لي لك ضعفها أو عليك غرمها إن عرفت الموضع الذي أخذتها منه "قال: فقلت من قول امرئ القيس "ألا إن بعد العدم للمرء قنوة" وذكر البيت، فقال: لله درك من فارس شعر؟ وأمر لي بضعف الجائزة. 619 قال محمد بن عبد الواحد: وكان مروان بن أبي حفصة يقول: أحسن ما قيل في وصف الشيب قول ابن مقبل بسيط: يا حر أمسى سواد الرأس خالطه ... شيب القذال اختلاط الصفو بالكدر 620 قال أبو علي: والناس يرون أن أحسن ما قيل في وصف الشيب قول الفرزدق كامل: والشيب ينهض في الشباب كأنه ... ليل يصيح بجانبيه نهار قال أبو علي: وهذا خطأ، لأن هذا البيت مركب تركيباً معكوساً، ولا تصح المقابلة في التشبيه، إلا بأن يقول "والشبيب ينهض في الشباب كأنه نهار يصيح بجانبي ليل" ومثل هذا في الخطأ والعكس قول أبي نواس في صفة الخمر طويل: كأن بقايا ما عفا من حبابها ... تفاريق شيب في سواد عذار تردت به ثم انفرى عن أديمها ... تفرى ليل عن بياض نهار فجميع التشبيهات في هذين البيتين مركب على غير تركيب صحيح، لأنه شبه الحباب بالشيب في البيت الأول، وهو تشبيه صحيح ثم شبهه في البيت الثاني عند تعريه، بالليل، فوجب أن يكون الحباب أسود، وقد جعله في البيت الأول أبيض، ثم شبه الخمر بالعذار الأسود في البيت الأول، فوجب أن يكون وصف نبيذاً أسود، وجعله في البيت الأخير يشبه النهار، فوجب أن يكون وصف خمراً، وليس في التناقض والاستحالة شيء أقبح من هذا، وقد كان سبيله إن كان وصف نبيذاً أسود أن يكون ترتيب الكلام: تردت به ثم انفرى عن أديمها تفري ليل عن بياض نهار عن سواد ليل حتى يكون تشبيه النهار بالحباب غير بالشيب وتشبيه النبيذ بالليل غير مناقض تشبيهه إياه بالعذار الأسود، وفي الجملة، فلم يرد إلا وصف الخمر، والأبيات المتقدمة تدل على أنه ما وصف إلا خمراً لا يجوز تشبيهاً بما ينافي ما ذكرنا. 621 أخبرنا أبو عبيد الله بن أحمد النحوي قال أخبرنا محمد بن الحسن قال أبو حاتم: "ما عزي شيخ عن كبر ببيت أحسن من هذا، وأنشد بيتاً وافر: فإن أكبر فإني في لداتي ... وعاقبة الأصاغر أن يشيبوا 622 قال أبو علي: وأنا أستحسن قول علي بن جبلة كامل: وأرى الليالي ما طوت من شرتي ... ردته في عظتي وفي أفهامي وعلمت أن المرء من سنن الردى ... حيث الرمية من سهام الرامي 623 ومن عجيب الكلام قول إبراهيم بن المهدي طويل:

أحسن ما قيل في كراهية الشيب، وحبه على كراهيته

يقولون هل بعد الثلاثين ملعب ... فقلت وهل قبل الثلاثين ملعب لقد جل قدر الشيب إن كان كلما ... بدت شيبة يعرى من اللهو مركب أحسن ما قيل في كراهية الشيب، وحبه على كراهيته 624 وقد زعم قوم أنهم كرهوا الشيب، ثم أحبوه على كراهيته، فمن أحسن ما قيل في ذلك ما أنشدنيه محمد بن يحيى لأحمد بن زياد الكاتب طويل: لما رأيت الشيب حل بياضه ... بمفرق رأسي قلت للشيب مرحباً ولو خلت أني كففت تحيتي ... تنكب عني رمت أن يتنكبا ولكن إذا ما حل كره فسامحت ... به النفس يوماً كان للكره أذهبا 625 وكأن هذا ينظر إلى قول الأول طويل: وجاشت إلى نفس أول مرة ... فردت على مكروها فاستقرت 626 وينظر إلى هذا المعنى قول مسلم بسيط: الشيب كره وكره أن يفارقني ... أنبل بشيء على البغضاء مودود يمضي الشباب وقد يأتي له خلف ... والشيب يذهب مفقوداً 627 وينظر إلى هذا المعنى قول علي بن محمد الكوفي وافر: لعمرك ما المشيب على مما ... فقدت من الشباب أشد فوتاً تمليت الشباب فكان شيباً ... وأبليت المشيب فكان موتاً وقوله أيضاً وافر: بكى للشيب ثم بكى عليه ... فكان أعز من فقد الشباب وقل للشيب لا يبرح حميداً ... إذا نادى شباب بالذهاب أحسن ما قيل في حلول الشيب قبل إبانه 628 قال أبو علي: سمعت محمد بن يحيى يقول: أول من أفصح عن ذكر حلول الشيب قبل إبانه، ابن مقبل، وكان الأصمعي يقول أنه أحسن ما قيل في معناه، أخبرنا بذلك أبو العيناء كامل: ما شبت من كبر ولكني امرؤ ... عالجت قرع نواجذ الدهر فوجدتها عضلاً موقحة ... عزت فما تسطاع بالكسر فلذلك صرت مع الشبيبة نازلاً ... في غير منزلتي من العمر وأنشدنا محمد بن عبد الواحد عن أحمد بن يحيى هذه الأبيات، وأولها: وتنكرت شيبي فقلت لها ... ليس المشيب بناقص عمري سيان شيبي والشباب إذا ... ما كنت من أجلي على قدر ثم "ما شبت من كبر" وذكر الأبيات، ثم قال في آخرها: وتنفست بي همة رفعت ... قدري لكل عظيمة القدر 629 ويستحسن قول أبي نواس كامل: وإذا عددت سني كم هي لم أجد ... للشيب عذراً في النزول براس 630 وقول الآخر كامل: عدي سني ولا ترعك شواهدي ... الله يعلم أنني لصغير جار المشيب فيما أتى في وقته ... والشيب يعدل مرة ويجوز ويتصل بهذا الباب: أحسن ما قيل في الاعتذار للشيب وحسن تشبيهه 631 أخبرني عبد الله بن جعفر بن درستويه قال: أخبرني علي بن مهدي الكسروي قال أنشدني أبو تمام لنفسه، قال: "ولم يقل أحد في الاعتذار للشيب وتحسينه أحسن من هذه الأبيات بسيط: فأصغري أن شيباً لاح بي حدثاً ... وأكبري أنني في المهد لم أشب لا تنكري منه تخديراً تجلله ... فالسيف لا يزدري إن كان ذا شطب ولا يورقك إيماض القثير به ... فإن ذاك ابتسام الرأي والأدب 632قال ولقد أحسن دعبل في قوله كامل: أهلاً وسهلاً بالمشيب فإنه ... سمة العفاف وحلية المتحرج وكأن شيبي نظم عمر زاهر ... في تاج ذي ملك أغر متوج 633 وقال أبو سعيد المخزومي طويل: أشيب ولم أقض الشباب حقوقه ... ولم يمض من عهد الشباب قديم نجوم شيب في السواد لوامع ... وما خير ليل ليس فيه نجوم 634 أنشدنا أبو عمر عن ثعلب لبعض الأعراب خفيف: لا يرعك الشيب يا ابنة عبد الله ... فالشيب جلة ووقار إنما تحسن الرياض إذا ما ... ضحكت في خلالها الأنوار 635 أنشدنا محمد بن يحيى قال أنشدني يحيى بن علي المنجم قال: أنشدني أبو هفان لنفسه-قال أبو علي: وهو عندي أحسن ما قيل في هذا المعنى- بسيط: تعجبت در من شيبي فقلت لها ... لا تعجبي فبياض الصبح في السدف وزادها عجباً أن رحت في سمل ... وما درت در أن الدر في الصدف أحسن ما قيل في ذم الشيب 636 أنشدنا أبو بكر أحمد بن محمد بن السرخسي قال أنشدني أبو عبد الله الحرنبل قال: لا أعرف في ذم الشيب أحسن من قول الشاعر بسيط:

637 ومن مليح ما قيل في هذا المعنى قول المقنع الكندي وافر:

واسوءنا من مشيب ضاف أرحلنا ... لم أقره نهية منا ولا ورعاً والشيب ضيف إذا ما حل ربع فتى ... أعيا ترحله، أو يرحلان معاً 637 ومن مليح ما قيل في هذا المعنى قول المقنع الكندي وافر: وذادت عن هواه البيض بيض ... لها في مفرق الرأس انتشار جديد واللبيس أعز منه ... وأخرى إن تنافسه التجار 638 قال أبو علي: وعندي أحسن ما قيل في هذا المعنى قول ابن أبي حازم الباهلي طويل: إذا ما دعوت الشيخ شيخاً هجوته ... وحسبك مدحاً للفتى قول يا فتى أشبه أيام الشباب التي مضت ... وأيامنا في الشيب بالفقر والغنى 639 وقال العتبي طويل: رأين الغوالي الشيب لاح بمفرقي ... فأعرضن عني بالخدود النواضر وكن إذا أبصرنني أو سمعن بي ... سين فرقعن الكوى بالمحاجر 640 ومثل: هزج مصابيح شيب وسمتني سمة الكهل ... وعهدي بغريرات ملاح الدل والشكل إذا جئت يرقعن الكوى بالأعين النجل 641 وقال رجل من الأزد كامل: ولقد أقول لشيبة أبصرتها ... في مفرقي جنحتها إعراضي عني إليك? فلست منتهياً ولو ... عممت منك مفارقي ببياض هل لي سوى عشرين عاماً قد مضت ... مع ستة في إثرهن مواض ولقلما ارتاع منك وإنني ... فيما هويت وإن وزعت لماض فعليك ما استطعت الظهور بلمتي ... وعلى أن ألقاك بالمقراض أحسن ما قيل في تقارب الخطو 642 أخبرنا عبد الله بن جعفر قال: أخبرنا محمد بن يزيد قال: أخبرنا المازني قال: سمعت الأصمعي يقول: ما أعرف في وصف تقارب المشي أحسن من قول أبي الطمحان القيني وافر: حنتني حانيات الدهر حتى ... كأني خاتل أدنو لصيد قريب الخطو يحسب من رآني ... ولست مقيداً أني بقيد 643 فأخذ هذا البيت بعض الشعراء فقال وأحسن -أنشدنا أبو عمر عن ثعلب قال: ولم أسمع في وصف الكبر ومشي الكبير أحسن منه كامل: ودلفت من كبر كأني خاتل ... قنصاً، ومن يدبب لصيد يختل 644 وأخذ البيت الثاني بعض الشعرا فأحسن بقوله كامل: الدهر أبلاني وما أبليته ... والدهر غيرني وما يتغير والدهر قيدني بحل مبرم ... فمشيت فيه وكل يوم يقصر 645 أنشدنا محمد بن يحيى عن أبيه عن أبي العيناء قال: أنشدني أبو العالية السامي لنفسه وهو أحسن ما قيل في تقارب الخطو طويل: أرى بصري فيك يوم وليلة ... يكل، وخطوى عن مدى الخطو يقصر ومن صاحب الأيام سبعين حجة ... يغيرنه، والدهر لا يتغير لعمري لئن أمست أمشي مقيداً ... لما كنت أمشي مطلق القيد أكثر أحسن ما قيل في البلاغة ووصفها 646أخبرنا الحكيمي عن أبي العيناء عن محمد بن سلام قال: "أتى الحطيئة مجلس عمر بن الخطاب، فنظر إلى ابن عباس قد فرع القوم بلسانه، فقال: من هذا الذي نزل عن القوم في سنه ومدته؟ وتقدمهم في قوله وعلمه؟ فقيل هذا ابن عم رسول الله هذا عبد الله بن عباس. فأنشأ يقول بسيط: إني وجدت بيان المرء نافلة ... ... العي كالصمم والمرء يفنى ويبقى سائر.. ... ...... يوماً ولم يلمم 647 أخبرنا محمد بن يحيى قال: أخبرنا المبرد عن المازني قال ليس في صفة الكلام شيء أحسن من هذه الأبيات، وذكر بيتي الحطيئة المتقدمين، قال محمد بن يحيى: وأنشدنا المبرد أيضاً بعقب هذا طويل: إذا قال لم يترك صواباً ولم يقف ... بعي، ولم يثن اللسان على هجر يصرف بالقول البيان إذا انتحى ... وينظر في أعطافه نظر الصقر 648 أنشدنا محمد بن يحيى عن ثعلب قال: لا أعرف في حسن صفة الكلام أحسن من هذين البيتين، وهما لعدي بن الحرث التيمي طويل: كأن كلام الناس جمع عنده ... فيأخذ من أطرافه يتخير فلم يرض إلا كل بكر بقلبه ... تكاد بأن من دم الخوف تنظر 649 أخبرنا عبد الله بن جعفر قال أنشدنا محمد بن يزيد قال أنشدنا المازني عن الأصمعي للحطيئة في عبد الله بن عباس، قال الأصمعي: ولا يُعرف في البلاغة أحسن من هذه الأبيات طويل: إذا قال لم يترك مقالاً لقائل ... بمتنظماتٍ لا ترى بينها فصلاً

650 قال أبو علي: ومن أحسن ما قيل في البلاغة قول بكر بن سوادة يمدح بلاغة خالد بن

يقول مقالاً، لا يقولون مثله ... كنحت الصفا لم يبق في غاية فضلاً شفى وكفى ما بالنفوس ولم يدع ... لذي إربة في القول جداً ولا هزلاً 650 قال أبو علي: ومن أحسن ما قيل في البلاغة قول بكر بن سوادة يمدح بلاغة خالد بن صفوان بن الأهتم طويل: عليم بتنزيل الكلام ملقن ... ذكور لما سداه أول أولا ترى خطباء الناس يوم ارتجاله ... كأنهم الكروان عاين أجدلاً 651 وقول أبي العباس السائب بن فروخ الأعمى خفيف: ليت شعري أفاح رائحة المس ... ك وما إن إخال بالخيف أنسي حين غابت بنو أمية عنه ... والبهاليل من بني عبد شمس لا يعابون صامتين وإن قا ... لوا أصابوا ولم يقولوا بلبس خطباء على المنابر فرسا ... ن عليها، وقالة غير خرس 652وقول زرارة بن جزء لعمر بن الخطاب رضي الله عنه طويل: أتيت أبا حفص وما يستطيعه ... من الناس إلا كالسنان طرير فقلت له قولاً أصاب فؤاده ... وبعض كلام القائلين غرور 653 وقول صفوان يصف بلاغة قومٍ طويل: وما كان سحبان يشق غبارهم ... ولا الشوق من حيي هلال بن عامر أحسن ما قيل في وصف الشعر 654أخبرنا محمد بن عبد الواحد عن أحمد بن يحيى قال: لم أسمع في صفة الشعر أحسن من قول موسى بن جابر الحنفي طويل: من الواضحات الغر يخرج وحده ... ويلوي عليه رأسه كل شاعر 655 أخبرني علي بن هرون قال أخبرني أبي، قال: أسمع في وصف الشعر أحسن من قول جرير طويل: وعاو عوى من غير شيء رميته ... بقافية أنفاذها تقطر الدما خروج بأفواه الرواة كأنها ... قرى هندواني إذا هز صمما قال فيروى أنه قيل للراعي: "أعردت عن قول جرير؟ وأنت فحل مضر؟ " فقال: "ألا أعرد عن رجل يقول" "وعاو عوى"؟ وذكر البيتين. 656 أخبرنا محمد بن يحيى قال: أخبرنا أبو العيناء قال حدثني محمد بن سلام قال: "لا نعرف أمدح من زهير لفائدة حين يقول كامل: إني سترحل بالمطي قصائدي ... حتى تحل على بني زرقاء ويتوارثون بقاها مدحاً لهم ... رهن لآخرهم بطول بقاء ويروى صدر البيت الثاني "مدحاً لهم يتوارثون بقاءها" قال أبو علي: وأحسبه نظر في هذا المعنى إلى قول المسيب بن علس الذي قدمته في صدر هذا الكتابوهو كامل: فلأهدين مع الرياح قصيدة ... مني مغلغلة إلى القعقاع ترد المياه فلا تزال غريبة ... في القوم بين تمثل وسماع 657 وينظر إلى هذا المعنى قول الأحوص في معناه يهجو ابن حزم طويل: وإني لرام لابن حزم بن فرتنا ... جزاء أجرى له أم لمعجل بقافية تبلى الحجارة والذي ... يشيد منها قائم يتمثل ويقطع ركبان الفلاة بها الفلا ... ويلهو بها في السامر المتعلل يكاد إذا يرمي البذي بمثلها ... عن العظم منه لحمه يتنزل 658وقول الفرزدق طويل: ستأتيك مني إن بقيت قصائد ... يقصر عن تحبيرها كل قائل لها يشرق الأسدن عند بهائها ... إذا عد فضل القوم في كل فاعل 659 أخبرنا محمد بن يحيى بن سلام قال: أخبرنا عمر بن شيبة قال حدثني محمد بن شار بن برد قال: أرأيت مروان بن أبي حفصة يعرض أشعاره على أبي، فقال: إني لو وفيت فيهم أشعارك لاستغنيت، ثم استنشد أبي فقال لراويته: أنشده! فأنشده القصيدة اللامية، فلما بلغ إلى قوله طويل: ومثلك قد سيرته بقصيدة ... فسار ولم يبرع عراض المنازل رميت بها شرقاً وغرباً فأصبحت ... به الأرض ملاى من مقيم وراحل فقال له: يا أبا معاذ! أنت باز الشعراء غرانيق. 660 قال محمد بن يحيى: فأخذها محمد بن حازم الباهلي فقال وافر: أبى لي أن أطيل الشعر قصدي ... إلى المعنى وعلمي بالصواب وإيجازي بمختصر قصير ... حذفت به الطويل من الجواب وهن وإن أقمت مسافرات ... تهاداها الرواة مع الركاب 661 أنشدني أحمد بن محمد العروضي قال أنشدني محمد بن يزيد المبرد قال أنشدني عبد العزيز بن حاتم بن النعمان الأصم الباهلي وهو الذي كان يهاجي الفرزدق بسيط: ألق قذى الشعر عنه حين أبصره ... فما بشعري من عيب ولا ذام

662 قال أبو علي: ولا أعرف في هذا المعنى أحسن من قول بشر بن حجام العبسي يصف

كأنما أصطفي شعري وأغرفه ... من لج بحر غزير زاخر طام منه غرائب أمثال مشهرة ... ملمومة زانها وصفي وإحكامي 662 قال أبو علي: ولا أعرف في هذا المعنى أحسن من قول بشر بن حجام العبسي يصف السهولة وينفي الخزونة طويل: وإني لقوال لكل غريبة ... لذيذ بأفواه الرواة عسيرها شرود إذا غث النشيد كأنها ... سنا البرق يلوي بالدواة بشيرها 663 قال أبو علي: وأحسن ما قيل في هذا المعنى عندي قول تميم بن مقبل طويل: إذا مت عن ذكر القوافي فلن ترى ... لها قائلاً مثلي أطب وأشعرا وأكثر بيتاً سائراً ضربت له ... حزون شعاب الشعر حتى تيسرا أغر غريباً يعرف الناس وجهه ... كما يعرف الناس الأغر المشهرا 664 وقال البحتري طويل: وكنت إذا استبطأت ودك زرته ... بتفويق شعر كالرداء المحبر عتاب بأطراف القوافي كأنه ... طعان بأطراف القنا المتكسر فأجلوا به وجه الإخاء وأجتلي ... حياء كصبغ الأرجوان المعصفر 665 أنشدني علي بن هرون قال أنشدني أبي قال: لم يقل في هذا المعنى مثل قول عبد الله بن أبي عيينة طويل: وجات إلى باب من الدار بيننا ... بحاف، وقد حفت عليه الولائد لتسمع شعري وهو يقرع قلبها ... بوحي تأدية إليها القصائد إذا سمعت معنى لطيفاً تنفست ... له نفساً تنقد عنه القلائد 666 ومن أحسن ما قيل في ذلك قول الفرزدق طويل: لقد زاحمت مني العراق قصيدة ... رجوم مع الماضي رؤوس المخادم خفيفة أفواه الرواة ثقيلة ... على قرنها نزالة بالمواسم أثورة بيض إذا هي صادفت ... ذرى البيض أبدت عن جراح الجماجم 667 وقال ابن هرمة بسيط: إني امرؤ لا أصوغ الحلي تعمله ... كفاي لكن لساني صانع الكلم إني إذا ما امرؤ خفت نعامته ... في الجهل واستحصدت مني قوى الوذم عقدت في ملتقى أوداج لبتة ... طوق الحمامة لا يبلى على القدم 668 ومما يستحسن في هذا المعنى قول بشار بن برد طويل: تزل القوافي عن لساني كأنها ... حماة الأفاعي ريقهن قضاء 669 وقول أعرابي طويل: وقافية لجلجتها فرددتها ... إلى الصدر لو أرلتها قطرت دما 670 وبين هذا البيت وبين جرير مناسبة بقوله طويل: وعاو عوى من غير شيء رميته ... بقافية أنفاذها تقطر الدما 671 وقول النجاشي، ومنه أخذ بشار بيته المتقدم طويل: سأنظم من حر الكلام قصيدة ... لها حمة فانظر على من أريقها يجد لسان المرء منطقه بها ... وإن رامها كانت غليظاً طريقها ومن أحسن ما قيل في وصف البديهة 672 قول محمد بن سعيد السعدي بسيط: بديهة لم تدنيها السياط ولم ... تردد عراكاً ولم تعصر على كدر كمنطوي الحية النضناض مكمنها ... في الصدر ما لم يهيجها على زور 673 ومن أحسن ما قيل في هذا المعنى قول أبي يعقوب الخزيمي: وغائرات من السوائر في الآ ... فاق بين لدواة تخترق ومن كل محبوكة محبرة ال ... عطرين مثل الشهاب تأتلق أعيت فما يستطيعها رجل ... سدت عليه من سبلها الطرق 674 وأحسن ما قاله محدث قول أبي تمام طويل: وسيارة في الأرض ليس بنازح ... على وفدها حزن محيق ولا سهب تذر ذروة الشمس في كل بلدة ... وتمضي جموحاً ما يرد لها غرب عذارى قواف كنت غير مدافع ... أبا عذرها لا ظلم ذاك ولا غصب إذا أنشدت في القوم مرت كأنها ... مسرة كبر أو تداخلها عجب مفضلة باللؤلؤ المنتقى لها ... من الشعر إلا أنه لؤلؤ رطب أشعر أبيات قيلت في شكر المودة 675 قال أبو هفان في كتاب الأربعة: "أشعر أبيات قيلت في شكر المودة قول النابغة الجعدي متقارب: ألا يا سمية شبي الوقودا ... لعل الليالي تدني يزيدا كفاني الذي كنت أسعى له ... فصار أبالي وصرت الوليدا فنفسي فدى لك من مالك ... إذا ما لبيوت اكتسين الجليدا ومالي، فداؤك من غائب ... إذ الأوجه البيض أصبحن سوداً 676 وقول الأبيرد الرياحي طويل:

677 قال أبو علي فأخذ هذا ديك الجن فقال طويل:

فقد كنت لي حصناً من الدهر مانعاً ... ويطلب خوفاً أن يسألني الدهر وقد كنت استعفى ألا له إذا اشتكى ... من الأجر لي فيه وإن سرني الأجر 677 قال أبو علي فأخذ هذا ديك الجن فقال طويل: أأسعى لأحظى منك بالأجر إنه ... لسعى إذا مني إلى الله خائب 678 وقال أبو هفان: قول امرأ نهار بن توسعة كامل: غتبان قد كنت امرأ لي جانب ... حتى رزيتك والجدود تضعضع قد كنت أشوس في المقامة سادراً ... فنظرت قصدي واستقام الأخدع فلمن أقول إذا تلم ملمة.. ... أرني برأيك أم إلى من أفزع أحسن ما قيل في الحساد والدعاء لهم بالكثرة 679 أخبرني علي بن هرون قال أخبرني يحيى بن علي قال أخبرني أبو هفان قال أشعر أبيات قيلت في الحساد والدعاء لهم بالكثرة، أربعة، فأولها قول الحبيب بن معروف بسيط: يحسدوني فإني غير لائمهم قبلي ... من الناس أهل الفضل قد حسدوا فدام لي ولهم ما بي وما بهم ... ومات أكثرنا غيظاً بما يجد لا ينقص الله حسادي فإنه ... أسر عندي من اللائي لها الودد وثانيها ما قال عروة بن أذينة بسيط: إني رأيتهم في كل منزلة ... أجل فقداً من اللائي يحبونني ثالثها وقول نصر بن سيار بسيط: إني نشأت وحسادي لهم عد ... يا ذا المعارج لا تنقص لهم عدداً رابعها وقول معن بن زائدة بسيط: إني حسدت فزاد الله في حسدي ... لا عاش من عاش يوماً غير محسود ما يحسد المرء إلا من فضائله ... بالعلم والظرف أو بالبأس والجود 680 أخبرني محمد بن يحيى قال أخبرني عون بن محمد الكندي قال: قال لي أبو تمام: لم يقل في الدعاء للحساد ووصف فضل المحسود أحسن من قول زهير، وهو أول من تكلم به بسيط: لو كان يقعد فوق النجم من كرم ... قوم بأولهم أو مجدهم قعدوا محسدون على ما كان من كرم ... لا ينزع الله عنهم ماله حسدوا 681 قال أبو تمام: وعندي أني ما قصرت في قولي كامل: وإذا أراد الله نشر فضيلة ... طويت أتاح لها لسان حسود لولا اشتعال النار فيها جاورت ... ما كان يعرف طيب عرف العود 682 قال أبو علي: البيت الثاني من هذين البيتين من المعاني العقم التي لم تفترع قبل أبي تمام، ولو تولدت لأحد بعده ولا يقول شاعر آخر أبعد من مراده، على متعاطيه وقد زعم لا علم لهم بمكامن الأشعار، ولا تثقفوا بما في المعاني، منهم القاسم بن مهرويه، بأن أبا تمام لم يسبق إلى معنى ابتكره، إلا ثلاثة معان، أحدها هذا المعنى، والثاني قوله طويلك بني مالك قد نبهت خامل الثرى ... قبور لكم مستشرفات المعالم غوامض قيد الكف من متناول ... وفيا علا، يرتقى بالسلالم والمعنى الثالث قوله كامل: تأبى على التصريد إلا نائلاً ... إن لم يكن محضاً قراحاً يمذق نزراً كما استكرهت عائر نفحة ... من فأرة المسك التي لا تفتق ولا أعد له من بين هذه المعاني الثلاثة، ولا أعلم أحداً أحسن شعراً في الثالثة الأخيرة منه، ولا أكثر رقة فإنه قال بسيط: تنيل نزراً قليلاً وهي مشفقة ... كما يخاف مسيس الحبة الفرق 683 فأخذه شاعر آخر فأفسده فقال طويل: في ثناء ورقة ... كما مس ظهر الحية المتخوف أحسن ما قيل في وصف الصديق المكاشر 684 أخبرنا أبو الفرج علي بن الحسين القرشي قال: أخبرني الحرمي ابن أبي العلاء عن السيري عن ابن عائشة قال: لا أعرف في وصف الصديق المكاشر أحسن من قول عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر رحمهم الله بسيط: لا خير في الود ممن لا تزال له ... مستشعراً أبداً ن خيفة وجلاً إذا تغيبت لم تبرح تسيء به ... ظناً وتسأل عما قال أو فعلاً يورى الصديق بأدغال مكاشرة ... كيما يقول بها يوماً إذا غفلاً فلا عداوته تبدو فتعرفها ... منه ولا وده يوماً إذا اعتدلا 675 وقد نظر في هذا البيت إلى قول سويد بن أبي كاهل رمل: ويحييني إذا لاقيته ... وإذا يخلو له لحمى رتع أبدع ما وصفت به خطيئة أعظم أمرها

686 أخبرني محمد بن يحيى قال أخبرني محمد بن زكرياء القلابي قال محمد، وأخبرنا أبو

686 أخبرني محمد بن يحيى قال أخبرني محمد بن زكرياء القلابي قال محمد، وأخبرنا أبو العيناء عن الأصمعي قال: أبدع بيت تخالع به شاعر قول أبي نواس كامل: دع عنك ما جدوا به وتبطل ... وإذا مررت بربع قصف فاهزل لا تركبن من الذنوب خسيسها ... واعمد إذا فارقتها للأنبل وخطيئة تغلو على مستامها ... يأتيك آخرها بطعم الأول حللت ... لا حرج علي حرامها ولربما حللت غير محلل ولا أعلم أحداً سبقه إلى هذا المعنى، ولقد أحسن من جهة، وإن أساء في أخرى. 687 ومما أرويه من قوله في أبياته في هذا المعنى، وهي فيما أرى أشعر من الأول بسيط: يا رب ذنب تؤود المال قيمته ... حر الثناء صريح حين ينتسب لا يقرع المرء منه سنه ندماً ... ولا يزال به في القوم ينتصب إذا تذكره اختالت مخائله ... حتى تخالطه من نخوة غضب قد قررتها بأيديها ملائكة ... علي لا تنسخ الأيام ما كتبوا أشعر ما قيل المرائي 688 أخبرنا عبد الله بن جعفر قال أخبرنا محمد بن يزيد قال: مرائي الشعراء الجاهلية المشهورة المقدمة الموسومة بميسم البيان، المتعالمة بمعالم الإحسان، ستة أحدها: قول أوس بن حجر منسرح: أيتها النفس أجملي جزعا ... إن الذي تحذرين قد وقعا والثاني: قول متمم بن نويرة في أخيه مالك طويل: لعمري وما دهري بتأبين هالك ... ولا جزع مما أصاب فأوجعا والثالثة: قصيدة دريد بن الصمة في أخيه عبد الله، وأولها طويل: أرث جديد الحبل من أم معبد ... بعاقبة أو أخلفت كل موعد والرابعة: قول كعب بن سعد الغنوي التي يرثي فيها أخاه، وأولها طويل: تقول سليمي ما لجسمك شاحباً ... كأنك يحميك الطعام طبيب والخامسة: قول أعشى باهلة يرثي فيها المنتشر، وأولها بسيط: إني أتتني لسان لا أسر بها ... من علولا عجب منها ولا سخر والسادسة: قول أبي ذؤيب الهذلي يؤثي بنيه، وأولها كامل: أمن المنون وريبه تتوجه ... والدهر ليس بمعتب من يجزع 689 قال محمد بن يزيد "وفي هذه القصائد من حر الكلام وشائق المدح ما ليس لأحد مثله، وأحسن المراثي ما خلط بين معاني التفجع والثناءبعضه ببعض، فجمع الشيء الموجع للرثاء والمدح البارع من إفراط التفجع باستحقاق المرئي ذلك، قإذا وقع وانتظم هذا، بكلام صحيح، ولهجة معربة، وألفاظ غير متفاوتة، فهو الغاية من كلام المخلوقين". 690 فأما قول أوس بن حجر: أيتها النفس أحملي جزعاً ... إن الذي تحذرين قد وقعا فالعرب تقول "الحذر أشد من الوقيعة" وإنما حذر الشيء المخوف أن يكون صاحبه مرتاعاً حذر وقوعه، فإذا وقع اليأس ارفع ذلك الحذر. ولا يعرف أحد ابتدأ مرثيته وتبعها بأحسن من هذا الابتداء، فأما التتبيع فقوله المنسرح: إن الذي جمع السماحة والنج ... دة، والبأس والندى جمعاً لألمعي الذي يظن بك الظ ... ن كأن قد رأى وقد سمعا المتلف المخلف المرزأ لم ... يمتع بضعف ولم يكن طبعاً والحافظ الناس في تحوطه إذ ... لم يرسلوا خلف عائذ ربعاً وخرت الشمال الرياح وقد ... أمسى كميع الفتاة ملتفعاً وذات هدم عار نواشرها ... تصمت بالماء تولباً جدعاً لبيكك الشرب والمدامة وال ... فتيان طراً وطامع طمعاً 691 قال أبو علي: الألمعي: الحديد القلب الذي يوقع الشيء موقعه، وهذا مثل لا يعرف لأحد قبله، وقوله المخلف المتلف، يقول: يتلف جوداً وكرماً، ويخلف نجدة واكتساباً، وقوله: لم يمتع بضعف: من قولك "امتع الله لفلان" أي أبقاه، وقوله: طبعاً أي حرصاً غلب على قلبه كالطبع على السيف وهو الصدأ، وقوله في تحوط يريد السنة المجدية، كأنها سميت بذلك، لإحاطتها بالمال، ويروى: في قحوط بالقاف قال أبو داؤد خفيف: رب غم فرجته في قحوط ... وغيوب كشفتها ظنون

692 قال: ومن مستحسن قول متمم بن نويرة العبسي طويل:

والعائذ من الإبل: التي معها ولدها، فإذا كانت السنة المجدية، تحروا الفصال لئلا يضروا بالأمهات، وقوله خرت الشمال، يقول غلبت الريح الشمال سائر الرياح وتلك علامة الجدب، وقوله: الكميع، يريد الضجيع، والملتفع، الملتحف يريد أنه منقبض عنها، مشتغل بما يلاقي من القر وقوله الهدم، هو الثوب الخلق، والنواشر: عروق الذراع عري لحمها، من الجدب، وقوله تصمت بالماء أي تسكن طفلها بالماء لأنه لا شيء تطعمه، والجدع: السيء الغذاء. 692 قال: ومن مستحسن قول متمم بن نويرة العبسي طويل: إذا ابتدر القوم القداح وأوقدوا ... لهم نار أضياف كفى من تضجعا بمثنى الأيادي ثم لم يلف مالك ... على الفرث يحمي اللحم أن يتوزعا وكنا كندماني جذيمة حقبة ... من الدهر حتى قيل لن يتصدعا فلما تفرقنا كأني ومالكاً ... لطول اجتماع لم بت ليلة معاً وعشنا بخير في الحياة وقبلنا ... أصاب المنايا رهط كسرى وتبعا سقى الله أرضاً حلها قبر مالك ... ذهاب الغوادي المدجنات فأمرعا تحيته مني وإن كان نائياً ... وأضحى تراباً فوقه الأرض بلقعاً 693 وقال محمد بن يزيد: ومما اخترناه من مرئية دريد الصمة طويلك نصحت لعارض وأصحاب عاريض ... ورهط بني السوداء والقوم شهدي أمرتهم أمري بمنعرج اللوى ... فلم يستبينوا الرشد إلى ضحى الغد فلما عصوني كنت منهم وقد أرى ... غوايتهم وأنني غير مهتدي تنادوا وقالوا: أردت الخيل فارساً ... فقلت أعبد الله ذلكم الردى فما راعني إلا الرماح تنوشه ... كوقع الصياصي في النسيج الممدد فإن يك عبد الله خلى مكانه ... فما كان وقافاً ولا طائش اليد قليل التشكي للمصيبات حافظ ... مع اليوم أعقاب الأحاديث في غد وهون جدي أنني لم أقل له ... كذبت ولم أبخل بما ملكت يدي 694 ومن حر الكلام في مرئية كعب قوله طويل: وداع دعايا من بحبيب إلى الندى ... فلم يستجبه عند ذاك مجيب فقلت أدع أخرى وارفع الصوت رفعة ... لعل أبا المغوار منك قريب لعمري لئن كانت أصابت منية ... أخي، والمنايا للرجال شعوب لقد كان أما حلمه فمروح علي ... نا، وأما جهله فغريب هويت أمه ما يبعث الصبح غادياً ... وماذا يواري الليل حين يثوب حليف الندى يدعو الندى فيجيبه ... قريباً، ويدعوه الندى فيجيب فلو كانت الموتى تباع اشتريته ... بما لم تكن عند النفوس تطيب بعيني أو كلتا يدي، وقيل لي ... هو الغانم الجذلان حين يؤوب 695 أخذ قوله بعده ديك الجن فقال وأحسن طويل: بالله إخلاصاً من القول صادقاً ... وإلا فحبي آل أحمد كاذب لو أن يدي كانت شفاءك أو دم ... من القلب حتى يقضب الحبل قاضب لسلمت تسليم الرضى وتخدتها ... يداً للردى ما حج لله راكب أما ترى ما وصفه به من الجود الذي هو عادة مجتمع عليها، ثم لم يعدل به أحداً. 696 ومما أبدع فيه أعشى باهلة في مرثيته، قوله في تأبين ابن وهب بسيط: ماضي المصير على العزاء منصلت ... بالقوم ليلة لا ماء ولا شجر كأنه عند صدق القوم أنفسهم ... بالبأس تلمع من قدامه البشر من ليس في خيره شر يكدره ... على الصديق ولا في صفوه كدر من ليس فيه إذا قاومته زهق ... وليس فيه إذا عاشرته عسر لا يأمن القوم ممساه ومصبحه ... من كل أوب وأن لم يغز ينتظر فإن جزعنا فمثل الخطب أجزعنا ... وإن صبرنا فأنا معشر صبر إن تقتلوه فقد أشجاكم زمناً ... كذاكم ذو النصلين ينكسر 697 فأخذ هذا البيت أبو تمام فقال طويل: وما كنت إلا السيف لاقى ضريبة ... فقطعها ثم انثنى فتقطعا 696 "مكرر" إذا عدو رآه في منازلة ... يوماً فقد كان يستعلي وينتصر 698 أخبرني أبي رحمه الله، عن ابن دريد قال: أخبرني أبو الحسن بن الخضر قال أخبرني أبو هقان قال: أشعر الناس في المرائي المقطعات، أربعة: 1- منهم متهم بن نويرة في قوله طويل: وقالوا: أتبكي كل قبر رأيته ... لميت ثوى بين اللوى فالدكادك

699 قال أبو علي: ولا أعلم كلاما أسفر معنى، وأبهر مبني، وأبدع ابتداء وانتهاء، من

فقلت لهم: إن الأسى يبعث الأسى ... دعوني، فهذا كله قبر مالك 2-ودريد بن الصمة في قوله طويل: وقالوا: ألا تبكي أخاك وقد أرى ... مكان البكا لكن بنيت على الصبر فقلت أعبد الله أم الذي ... على الجدث الأقصى قتيل بني بدر أرادوا ليخفوا قبره عن عدوه ... فطي بتراب القبر دل على القبر 3- وقول الأزرق بن المكعبر الضبي طويل: وتنفر عن عمرو ببيداء ناقتي ... وما كان ساري الليل ينفر عن عمرو قد حببت عندي الحياة حياته ... وحبب سكنى القبر من صار في القبر 4- وقول هشام أخي ذي الرمة طويل: تعزيت عن أوفى بغيلان بعده ... عزاء، وجفن العين بالدمع مترع ولم تنسني أوفى، المصيبات بعده ... ولكن نك القرح بالقرح أوجع 699 قال أبو علي: ولا أعلم كلاماً أسفر معنى، وأبهر مبني، وأبدع ابتداء وانتهاء، من كلام استودعته هذه القطع، ولو شاء قائل أن يقول: ما يصنع بكلام أوس في مرثيته منسرح: وشبه الهيدب العبام من ال ... قوام سبقاً مجللاً فرعاً وبقوله في المرئية الأخرى متقارب: نجيح مليح أخو ماقط ... نقاب يحدث بالغائب وقول أعشى باهلة بسيط: لا يتأرى لما في القدر يرقبه ... ولا تراه أمام القوم يقتفر لوجد مقالاً، لأن هذه إن كانت معانيها صريحة، وألفاظها فصيحة، فلها الفضل. 1 أخرجه في ل 65 مع بيتين صنوين له. 2 أخرجه في ل 65 مع أبيات مصاحبته له. 3 الأول علقت عليه في ل 73 ضمن أبيات، والثاني من نفس تلك القصيدة بعدد 20 وانظر هناك تخريجه بالتمام. 4 البيت في جميع المصادر وفي ل 54 و105 عندنا يعزوه الحاتمي لعمرو بن معدي كرب الزبيدي -وقد ترجمنا له -ولا أدري كيف تمت النسبة ها هنا بهذا العزو ففي البيان 1911 وسر الفصاحة 202 والأشباه 24 والمعاهد 180 واللآلئ 366 يعزونه لمعدي كرب، والبيت في الأصمعيان آخر أبيات عشر ص130 ورد منها أبيات عندنا في ل 32 و 48 و53 و67 كلها معزوة له. 5 في الديوان 90 من "قفا نبك" ووارد في المعاهد 297 والأرب 7111. 6 في الديوان 80 واللآلئ 363 وهامش المرزوقي وفي ابن قتيبة 194 وانظر التعليق على عجز صنوه في ف 23438. 7 الديوان 69 والزهرة 1150. 8 من المعلقة في الكتاب الجامع 91 والمعاهد 1177 "تماماً" عوض "حولا". 9 الديوان 35 "الناس" عوض "الخلق". 10 في الديوان 197 متتاليان، "فلا أحفله" عوض "فلا أحفل" "وسئمنا" عوض "مللنا". 11 الآن يرد بحرفية المعلقة، وانظر تخريجه التام في ف 192 1. 12 خرجته في 222 7. 13 وارد في ديوانه 35 والعقد 175 والارب 374. 14 وارد في ديوانه منفرداً 256 بحرفية ما عندنا ومثلما عندنا هو في ابن سلام 47، وفي الحماسة البحتري 264 العجز: "وتحتمي مربض المستأسد الحامي" وهذا أقرب إلى بيت الزبرقان ابن بدر، سيأتي، ومثلما عندنا أيضاً هو في العقد 2441 "سورة" عوض "مريض" ويتكرر عندنا في ل 89. 15 البيت لزهير بن أبي سلمى في المعلقة خرجته في ف 2222 وأزيد هنا أنه وارد في حماسة البحتري 248 ولا داعي لفهم عودة الضمير إلى ما قبله في كلام الحاتمي فهو ليس للنابغة ولا شك في نسبته لزهير أبداً. 16 خرجتها في ف 1وف 23434. 17 أورد له الحاتمي عجز هذا البيت في ف 23433 وسماه: زياد العبدي وهو في المختار 44 معه آخر معزوان لنشهل ابن حرى وعنده "نسب الفتيان"عوض "منبت العيدان" وفي الهامش أنهما مع ثالث في الأغاني معزاة لابن ميادة وعنده "ثابت" عوض "نابتا". 18 في الديوان 16 والأرب 363 وابن قتيبة 161 وحماسة البحتري 99يعزوه له. 19 من العلقة في الكتاب الجامع 143 والمعاهد 1225 والعقد 587. 20 "ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين" آية 47 مدنية، آل عمران 3. 21 "وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا، وإذا خلو إلى شياطينهم قالوا إنا معكم، إنما نحن مستهزؤون، اله يستهزء بهم ويمدهم بطغيانهم يعمهون" آية 13-14 مدنيتان البقرة 2. 22 وارد في طراز المجالس 28 بدون ع زو.

23 واردان في ديوانها بعدد 9-12 من 15 بيتا وأولها في ص 87 وصدر الأول يبدأ بالواو

23 واردان في ديوانها بعدد 9-12 من 15 بيتاً وأولها في ص 87 وصدر الأول يبدأ بالواو عوض الفاء، وفي ابن منقذ "أسلى" عوض "أعزي" وهما في محاضرات الأدباء 2303 والأشباه 2330 والكامل 18. 24 وفي حماسة أبي تمام 1227 "لإقال" عوض "فقالوا" و"لقبر" عوض "لميت" و"يبعث الشجا" عوض "يبعث الأسى" و"فدعني" وهما في حماسة البحتري 407 مثلما عند أبي تمام وفي شرح المرزوقي 797 هما لاثاني والثالث من ثلاثة، وعجز الأول "فالدوائك" عوض "فالدكادك" وسيردان عندنا مرة أخرى في ل 74. 25 واردان في البيان 2103 وحماسة أبي تمام المرزوقي 793 وعنده في عجز الأول "ملآن" عوض "بالدمع" عندنا، وهذا الشعر هو في رثاء أخويه أوفى وغيان ذي الرمة، وقد نسبهما المرزباني إلى مسعود أخيهم ثم قال " ويقال إنهما لهشام أخي ذي الرمة" وعنده ملآن" عوض "بالدمع" وينسبهما القالي في أماليه 1263 لهشام، وفي الكامل 1124 أنهما لهشام وعنده "بالماء" عوض "بالدمع" وذكر الجمحي الشطر الأول منهما منسوباً لمسهود، أخي هشام ويقول ابن قتيبة 528 أنه مات أوفى ثم مات ذو الرمة فقال مسعود البيتين وعنده العجز "ريان" عوض "بالدمع" يعني تغيير الروى. 26 هذه رواية طريفة للبيت، وهي ليست مثلما عندنا في المرتين ل 93 ول 145، ولا هي تشبه الديوان وانظر التعليق في الأخيرة. 27 خرجناه في ف 257. 28 في الأصل "بيت" واقتفينا الهامش. 29 الأبيات هي مطلع، والثاني و18 و19 من 24 بيتاً في الديوان 223 والثالث والرابع واردان في الجمهرة 14 ويروى فيه عن ابن عائشة أن رسول الله ضلى الله عليه وسلم، أنشد البيتين وفي أولهما "ذا الافضال" وفي الثاني "ينزل" عوض "ذا فائش" و"استنزل" وعجز الأول في المعاهد "وإن في شعر من مضى مثلاً" 186 والبيت الثالث طبق ما في المعاهد، والثاني في معجم الشعراء 325 وعن الثاني قال الأصفهاني أنه أخذه من أساقفة نجران في الأغاني 10136. 30 في الأصل "بيت" واقتفينا الهامش. 31 هما في ابن قتيبة 225 ضمن مقطوعة، وحماسة البحتري 150 وعجز الأول فيهما معاً "المبرأ" عوض "المفرد" ومثلهما وهما في الديوان بعدد 19 و20 من 87 بيتاً وواردان بالمعاهد 1105 مثلهم وعنده "جازته" عوض "خلدن" وفي معجم الشعراء 81 وعنه "عزلن" عوض "خلدن". 32 في الديوان بعدد 28 آخر القصيدة في ص 177. 33 في الديوان 92 "الشر" عوض "الشيء" والمعاهد 2111 مثلما عندنا. 34 هو لأوس بن حجر حسب ما في اليتيمة 147 وهو لمعن بن أوس حسب الأرب 373. 35 وارد في ديوان قيس بن الخطيم 74 وسبق أن عزاء الحاتمي في ف 2226 للحطيئة ولم أجده في ديوانه ولا وقفت عليه معزواً لغير اب الخطيم، فهو له في معجم الشعراء 196. 36 في الأصل "نيل الجانب" وهو خطأ. 37 وارد في ديوان الخطيم وبدايته "أمر وبداية العجز" وذو القصد ص108 وهو في أمالي القالي 2177 صدره مثل الديوان. 38 في الديوان 37 مثلما عندنا إلا "إذ" عوض "إذا" أوله، وفي حماسة البحتري 40 "فإن" عوض "إذا". 39 عجز الأول والبيت الثاني في الديوان بعدد 2-5 من 20 بيتاً أولها ص 24 وصدر الأول عنده هو "تؤمل أن أؤوب لها بنهب" ومطلع القصيدة أي البيت قبل البيت الأول عندنا رد لمجهول في كل هذه المصادر: ذيل الأمالي 190، مجالس ثعلب 23، المنتحل 106 نسب قريش 149. 40 وارد في محاضرات الأدباء 2122 والقافية عنده "حليلها". 41 اعتقد أن الكلمة وقعت من الناسخ فبدونها لا يتضح المقصدود من التفسير، ولا سيما والكتابة بدون شكل. 42 البيتان لم يردا في ديوان جرير، والثالني يرد ضمن أبيات في الكامل 1185 معزواً للحرث البرجمي وهو الرجل الذي أدبه عثمان، فنظم شعراً، منه البيت. 43 المخبل السعدي، أبو زيد، ربيعة بن مالك -خبره في ابن قتيبة 420 وابن سلام 124 والأغاني 1238. 44 وارد لمهلهل في الأرب 3274 بينما هو لمجهول في الاشباه 2280 يسقه آخر، وعنده "تبكي" وهو في ثمار القلوب 348 معزو لبلعاء بن قيس الكناني. 45 وارد له في مطولة بالجمهرة 175 وعنده "ما" عوض "من".

46 في ديوانه 36 والكتاب الجامع 68 وحماسة البحتري 393 مثلما عندنا، وفي محاضرات

46 في ديوانه 36 والكتاب الجامع 68 وحماسة البحتري 393 مثلما عندنا، وفي محاضرات الأدباء 226 "عداوة ذي" عوض "وظلم ذوي" وفي المنتحل 172 مع أبيات يعزوها لطرفة ولكنه في الجميع والأرب 365 لعدي. 47 هو لكعب بن زهير حسب ما في العقد 319 ثاني اثنين أحدهما تممناه في ف 234 89 أو لأوس في الأرب 363 وهو في ديوان أوس سادس ستة أبيات ص 20 وليس بنهما ذلك الذي في ف 23489. 48 جميع الفقرات 299 حتى 302 واردة بنصها في الأغاني ال 21136-137 زائدة الفقرة 374 المقبلة، وعنده أخطاء "البغي" البغض، في المرتين و"اعتذار" اعتداد، ويكذر" ساقطة. وعنده عوض "قطع يده بيده" "قطع يده الأخرى" الخ واظر مقدمات الكتاب بخصوص علاقة الأغاني ال 21 بحيلة المحاضرة. 49 الحارث هـ ذا، في شعر المتلمس هو ابن قتادة الذي كان يناقض امرأ القيس، وانظر في ذلك هامش ابن قتيبة 181 للشيخ شاكر، والأبيات التسعة في الديوان 166 مرتبة كما يلي: 3-1-10-11-13-12-14 والثامن أشهبت فيه ف 2223 والتاع بالديوان 171 وقافيته "ان تجذما" عوض "أن تحدما" ومثل الديوان هي في الأغاني ال 21137 عن الحاتمي وعنده في عجز الأول "تزيلن" عوض "تزايلن" وفي صدر الثاني "ولن" عوض "ولو" وقافية الخامس "مقما" عوض "تقدما" وعجز السادس "تبينا" عوض "يبين" ووقفت على هذه الأبيات في ابن قتيبة 180 وهو مثل الديوان إلا في عجز السابع حيث "لناباه" عوض "لنابيه" كما وقفت على بعضها في حماسة البحتري 15 والأول في البيان 320 بحرفية ما عندنا والرابع والخامس والسادس في الأشباه 1148 والأول وارد بالمعاهد 1248 "تساقط" عوض "تساط" وبه الرابع والخامس والسابع مثلما عندنا، والثاني في معجم الشعراء 13 ومن الثالث إلى السابع في التشبيهات، والتسعة في الأغاني حسبما ذكرت في التعليق السابق. 50 المصدر السابق (التعليق والتخريج في آخر هامش قبل هذا، قبل هذا) . 51 هما في حماسة البحتري 362 "للهلك والنفد" عوض "للثكل والنكد" وهما معاً في الديوان 160 "أكثرت" عوض "أكثروا" و"للهلك" عوض "للثكل" ويرد الأول في الأشباه 2323 مثلما هو في الديوان. 52 في الأصل "لون تخلق" وأظن الواو هنا خطأ فحذفتها، والخطأ في كتابتها اقتفي وجودها بعجز البيت وموقعها يوضح سر وجوبها في البيت، وعدمها في النثر، فتنبه والبيت فيما يلي. 53 في المفضليات 163 بعدد 24 من 36 بيتاً "صائر" عوض "راجع" وفي حماسة البحتري 358 ضمن أبيات لذي الأصبع وفي الأشباه 2128 مثل المفضليات، ضمن مطولته في أمالي القالي 1256 وفي ابن الشجري 71 والكامل 19 "تمتع" عوض "تخلق" وفي الأغاني "صار" عوض "راجع" ضمن القصيدة 39. 54 في الآداب 124 وشرح المرزوقي لأبي تمام 1711 "خيم" عوض "سوس" و"خيمها" عوض "جنحها" وهو لحاتم الطائي رابع أربعة أبيات. 55 بدون عزو في المنتحل 212. 56 في البيان 133 والعقد 33 والكامل 2156 ويعزو الحاتمي في اللآلئ 906. 57 مجهول في مجالس ثعلب 413 وفي اللآلئ 907 عقب السابق مباشرة "وقال جميل" وعنده "معورا" عوض "أعورا". 58 في الكامل 250 أنه لطريح بن إسماعيل الثقفي وفي الموش "إن يعلموا" عوض "إن يسمعوا" في المرتين. وفي الأصل "إن سمعوا" ومثل الموشى المستطرف 106 وبدون عزو. 59 في شرح شواهد الكشاف 164 بدون عزو وفي اللآلئ 362 مثل عزونا. 60 61 عجزه ورد في ف 233،5 وخرجناه هناك ويتكرر تاماً في ل87. 62 في الأصل "وبين". 63 في الأصل "المباشرة" وهما معاً خطأ. 64 في الديوان 23 وحماسة البحتري 136. 65 الديوان 239. 66 اكتفى بالعجز شاهداً، ويرد البيت تاماً في ل 58و91 وتخريجه في ال 85 مع صنوه. 67 في الديوان 31 والزهرة 1128 "حزناً" عوض "واعظاً" و"الواعظات" عوض "الموعظات" ومثله في المستطرف 40 ولكنه في المنتحل 172 يعزوه لطرفة بينما هو لعدي في الجميع والأرب 365. 68 وهذا بعدد 21 من نفس القصيدة في الديوان 105 وقد وضعه المحقق بين المعقوفين لأنه ليس من مخطوطة الديوان ولكنه من ابن طباطبا في عيار الشعر. 69 البيتان لأبي العالية الرياحي حسب أمالي القالي 2159 والأول عنده هكذا: إذا أنا لم أشكر على الخير أهله ... ولم أذعم الجبس اللئيم المذمما

70 في الديوان 114 وفي حاشية ابن شجري 96 "حق" عوض "رزق" وكذلك في الكامل 114،

70 في الديوان 114 وفي حاشية ابن شجري 96 "حق" عوض "رزق" وكذلك في الكامل 114، والتحيير 507 ومثلما عندنا هو في التنبيه 75 ويرد مرة أخرى في ل 47 "رزق" و 49 "حق". من المعلقة في الكتاب الجامع 92-93 بحرفية ما عندنا ولكن قافية الثاي في حماسة البحتلاي 267 "الهزم "بالزاي، وورد الثالث ف يالمنتحل 170 والارب 362، و7128 وسبق أن خرجت الأول في 2222. 71 البيتان من المعلقة واردان في الكتاب الجامع 56 وهما في الديوان 23. من المعلقة في الكتاب الجامع 92-93 بحرفية ما عندنا ولكن قافية الثاي في حماسة البحتلاي 267 "الهزم "بالزاي، وورد الثالث ف يالمنتحل 170 والارب 362، و7128 وسبق أن خرجت الأول في 2222. 72 البيتان من المعلقة واردان في الكتاب الجامع 56 وهما في الديوان 23. من المعلقة في الكتاب الجامع 92-93 بحرفية ما عندنا ولكن قافية الثاي في حماسة البحتلاي 267 "الهزم "بالزاي، وورد الثالث ف يالمنتحل 170 والارب 362، و7128 وسبق أن خرجت الأول في 2222. 73 وارد في مجالس ثعلب 413 والمعاهد 299 لمجهول، وعندهما "يستفزيني" عوض "يختفر له". 74 وهذا كذلك في نفس المصدرين والصفحتين. 75 في الكامل 1128 والعقد 4115 معاً أنه له بينما العقد نفسه 3391 يعزوه لمالك ابن حريم ويتكرر فيه 1139 وفي الاشباه 18. 76 يعزوه البحتري في حماسته 174 للمتوكل الليثي وعنده "وتأتي" عوض "وتركب" والسابق شعر في أساس البلاغة 265 والعقد 2215. 77 شاعر إسلامي مقل من عصر الدولة الأموية اسمه عمير بن عبد الله، وكنيته ابو الفيل، وأخباره في ابن سلام 517 والأغاني 11 146. 78 بن حرة المري، والبرصاء أمه، بدوي من الدولة الإسلامية، أخباره في معجم الأدباء 11269 والاغاني 1189. 79 في الكامل 144 ضمن خمسة أبيات منسوبة لنضلة السلمي قال: "وكان دميماً حقيراً وذا نجدة وبأس". 80 هو عبد الرحمن بن عبد الله فحل من شعراء الكوفة، فصيح، من الدولة الأموية كثير الشعر وفقيه، قتله الحجاج في عهده، أخباره في الأغاني 5138 و150. 81 ارد له ضمن مطولة الأغاي 5140. 82 البيتان في ديوانه 41 وعنده "متشاجر" عوض "متناحر" وكذلك في حماسة البحتري 53 والأشباه 125 والتشبيهات 151. 83 وارد له في الأغاني 4113. 84 كان معاصر لأبي قيس بن الاسلت وتوفي حوالي 9هـ، تحدث عنه ابن سلام في ص190 واسمه في الأصل أصحف-عبد الله بن أبي سلول، وهو خطأ، وعرف به الزركلي 4188. 85 هو معقل بن أنس بن جمار البارقي، وفي الأغاني 1044 "بن جماز" وأخباره كذلك في معجم الشعراء 9 والنقاش 675 واللآلئ 441 و483. 86 وله في الأشباه 178 وقبله بيت آخر ورد عندنا في ف 2273 وبعده بيت ثالث، الثلاثة يعزوها الديان لشريك ابن الأعقل التجيبي، الاول معزو عندنا كما أشرت لجمانة الجعفي، والثاني ههنا لمعقر، هذا الثاني-يقول محقق الأشباه إنه عثر عليه في المرزباني 204 معزواً لمعقر ووقفت عليه في معجم الشعراء 9 ومعه ثلاثة أبيات معوه لمعقر وكذلك هو وكان معه في طراز المجالس 143، أما رفيقه في طراز المجالس فسيعزوه الحاتمي في ل 143 للطرماح، هذا وأذكر بالنسبة للمعوز الحاتمي، في ل 143 للطرماح، هذا ويذكر بالنسبة للمعوز عندنا لجمانة بأنني لم أعثر عليه بهذا العزو في أي مصدر ما عدا ابن ابي الأصبع وهو ناقل عن الحاتمي، هو للعباسي في المعاهد 165 ولعله نقله عن الحاتمي هو، كذلك. 87 البيت له في الأغاني 1970 وعنده "تحب بحب" أول أربعة أبيات. 88 في الأصل "لقوي" خطأ. 89 وارد له في الأغاني 5140 ضمن مطولته التي ورد منها من قبل ف 323 بيت له وعنده "وإذا" عوض "متى" و"مصيبة ستكشف" عوض "ضبابة تتكشف" وفي حماسة البحتري 354 "ومتى" و"تتكشف". 90 شاعر من الدولة العباسية من البصرة عرف بمذهب خفيف في الشعر، سموه مذهب الكلاميين توفي أواخر القرن الثالث وكان معروفاً بالكتابة أيضاً، واسمه بن عبد الررحمن بن أبي عطية، أخباره في ابن المعتز 395 بالطبقات. 91 في الأصل "بيت"واقتفينا الهامش.

92 النصل في الأصل (قأ+قب) هكذا، يعني أن جريرا مات قبل الفرزدق، وهذا خطأ لا شك

92 النصل في الأصل (قأ+قب) هكذا، يعني أن جريراً مات قبل الفرزدق، وهذا خطأ لا شك فيه، إذ أن الفرزدق -بإجماع مؤرخي الآداب العربية- مات قبل جرير، ولجرير قصيدة بل قصائد يرثي فيها الفرزدق، بعضها -قبل الديوان- في طبقات ابن سلام 356 الفقرة 524، والنقائض 1046 والأغاني 1945 ومن رثائه لرفيقه: فلا ولدت بعد الفرزدق حامل ... ولا ذات حمل من نفاس تعلت هو الوافد المأمون والراتق الثأي ... إذ النعل يوماً بالعشيرة زلت وقوله: لعمري لقد أشجى تميماً وهدها ... على نكبات الدهر موت الفرزدق وقوله: فجعنا بحمال الديات ابن غالب ... وحامي تميم عرضها والمراجم وقوله: فلا حملت بعد ابن ليلى مهيرة ... ولا شد أنساع المطي الرواسم ومن المؤرخ أن ابن جرير لما بلغه خبر وفاة الفرزدق قام وبكى وندم، وقال "ما تقارب رجلان في أمر قط، فمات أحدهما، إلا أوشك صاحبه أن يتبعه" ومات جرير في نفس السنة سنة 110 هـ فقبر باليمامة والفرزدق بالبصرة، وقيل إنهما ماتا في سنة 112 أو 114 وكان وفاة جرير بعد الفرزدق بستة أشهر، هذا ويقرا عجز البيت الأول أيضاً "ولا ذات بعل من نفاس تبلت" كما يقرأ صدر الثاني" و" وأغلب الظن أن الخبر من أخطاء النساخ. الواثق النأي" 93 وهما يكن فإنني لم أستطع إتمام البيت المنسوب لأعش همدان لا في الأصلين، ولا من غيرهما. 94 أتساءل عن الباعث على دمج اسم الشاعر للشرح في مفردات الشعر؟ نوع من عبث أظنه من النساخ. 95 الثلاثة في حماسة البحتري 1 "إبائي" عوض "بلائي" وهما في الأشباه 118 والثاني عنه، وهكذا: وإعطائي على المكروه مالي ... وإقدامي على البطل المشيح وهما في مجالس ثعلب83 والثاني كالأشباه إلا "المكروه" فعوضها "الإعدام" وفي الثالث "تعذري" عوض "تحمدي" والثاني والثالث في الحيوان 6144 بحرفيته ما عندنا، وأورد اللآلئ 574 "وقولي كلما جشأت لنفس" والثلاثة في معجم الشعراء 9 وصدر الثاني "وإكراهي" عوض "إقدامي" وهي في العقد 1122 وصدر الأول "شيمتي" عوض "عفتي" والثاني في الكامل 145 "وإجشامي" عوض "وإقدامي" وفي الكامل 2271 "وإحسامي". 96 بتفقان مع الحماسة بشرح المرزوقي و1132 ونخرجهما في ل آخر 65. 97 في المسطرف 138 و270 غير معزو. 98 شاعر جاهلي إسلامي وسماه بعضهم "العقد 3319) ابن حريم وقيل حزيم وانظر في ذلك هامش المرزوقي 1711، وأخباره في اللآلئ 748 ومعجم الشعراء 265. 99 في ابن قتيبة 223 "القوم" عوض "الناس" و"ما صلحت وتولت" عوض "صلحوا وتولوا" وفي المعاهد 2151 وثانيه مثل ابن قتيبة، وفي أمالي القالي 2225 ضمن قصيدة "تيقي" "وصلحت" عوض "تهدى" و"صلحوا" وكذلك "فإن تولت" وفي المنتحل 172 والارب 364 وأولهما في العقد 5305 و110 وورد في ف 23426 عجز صنو وأتممناه. 100 ديوانه 1167 والأرب 379 وصدره بالمختار 45 و115 "أحسن صحابتنا ولاتك جافيا". 101 شاعر جاهلي قديم مات مخمراً، عن ابن قتيبة 379. 102 في محاضرات الأدباء 239 "تسلو خليلاً" عوض "تسلا حبيباً" و"حبيباً" عوض "حبيبك" و"جديداً" عوض "جديدك". 103 خرجناه بإسهاب في ل 64. 104 وارد بدون عزو في المنتحل 208. 105 شاعر جاهلي قديم اسمه شأس بن نهار، وسمي الممزق لبيته هذا، أخباره في ابن قتيبة 399 ومعجم الشعراء 480. 106 ضمن تسعة أبيات في ابن قتيبة 399 وابن سلام 322 والمفضليات 299 والعقد 2164 وفي الجميع هو له، وبدون عزو في المنتحل 183 وهو له في الأرب 369 والكامل 19 والقصيدة كلها يعني بها بعض بني محرق، أو بعض ملوك الحيرة حسب ما في ابن قتيبة.

في مجاز الشعر

107 (قال أبو علي: قد انتهينا من كتابنا هذا، إلى أقصى ما أحاط به علمنا، وبلغه وسعنا، إذ الغرض الذي قصدناه، أبعد غاية وأكثر اتساعاً من أن يحيط به متقصيه، أو يدركه متزلهي، وفيما ذكرنا منه كفاية، لمن اعتمد عليه في مجالس المحاضرة لذوي الآداب، والمذاكرة لأولي الألباب، والله المستعان) ، محل هذه الختمة في الأصل يأتي في صلب الكلام، بدون أي تحفظ، وحيث رقمت لها مكانها فوق، وذلك في النسختين معاً، وإنما التنبيه على ذلك ورد في حاشية (قأ) ونقل إلى حاشية (قب) متأخراً وهو "هنا انتهى جل النسخ التي دخلت الأندلس، ثم دخل بعد ذلك -بأعوام باقية". ويبدو الخط مشابهاً لخط الناسخ في قأ، أما في قب فبخط يبدو لأحد المهتمين بقب ويعرف قا قيود أن يجعل قب مماثلة لقأ في كل شيء، وقد سبق نقل تلك العبارة بقوله: قف هنا- ففي نسخة أخرى مثل لهاذ" ثم جاءت الفقرة التالية عقب نهاية الختمة وصاف أن انتهت تلك وسط السطر، فبدأ الختمة حيث انتهت تلك، وهذا يدل على أن الختمة كتبت في أثناء النسخ العام فلما لفت في أثناء النسخ نظره ذلك المفاجئ كتب في نفس الوقت هامشاً، وهذا يدل على أن النسخ لقأ ثم عن نسخة أندلسية، بحرفية ما وجد بها بختمة أبي علي الأولى. 108 له قال النعمان بن المنذر "تسمع بالمعيدي لا أن تراه" فأجابه نهشل: "إنما المرء بأصغريه" انظر ابن قتيبة 637 وابن سلام 495. 3 @باب: في مجاز الشعر وفقر من الكلام على أنواع السرقات ومراتبها مما تتناوله المحاضرة وتتعلق بها المذاكرة الفصل الرابع باب الاستعارة المستكرهة والفرق بينها وبين الغلط الواقع فيه 700 قال أبو علي: وقد استقصيت هذه الأبواب استقصاء، جمعت به شمله في كتابي الموسوم "بالحالي والعاطل" وقرينه هناك بنظائره، ونظمته بأشكاله، ولما كان هذا الكتاب مفتقراً إلى درر منه، أوردتها لئلا أخل بمذهب يتعلق به، وبالله التوفيق. فما ورد في أشعارهم من ذلك، قول بعض المعديين [طويل] : سأمنعها أو سوف أجعل أمرها ... إلى ملك أظلافه لم تشقق فاستعار الأظلاف للرجل، ولا ظلف له، وإنما أراد قدميه، وهذه استعارة مستكرهة. 701 ومثال ذلك قول الحطيئة [طويل] : سقوا جارك العيمان لما أتاهم ... وقلص عن برد الشراب مشافره فاستعار للرجل مشافر، وإنما له شفتان، والمشافر للإبل. 702 ومثله [طويل] : فلو كنت ضبياً عرفت قرابتي ... ولكن زنجياً غليظ المشافر ولا يكادون يستعملون أمثال هذا في بني آدم إلا في الذم. 703 ومثل هذا قول أبي النجم يصف إبلاً [رجز] : تسمع للماء كصوت المسحل ... بين ورديها وبين الجحفل* فجعل لها جحافل، ولا جحافل لها، وإنما الجحافل للخيل والشفاه لبني آدم. 704 وقال الراجز يصف إبلاً: "والحشو من حفانها كالحنظل". والحفان: أولاد النعام، فجعلها أولاد الإبل. 705 وقال جبيهاء الأشجعي [طويل] : فما رقد الولدان حتى رأيته ... على البكر يمر به بساق وحافر فجعل للرجل حافراً ولا حافر له، وإنما يصف ضيفاً أضافه، فلما رقد الولدان عمد إلى بكر فأخذه وهرب به، فجعل يمر به، أي يستخرج ما عنده بساقه وقدمه، فجعل قدمه حافراً، على طريق الذم له. 706 وقال أبو دؤاد [متقارب] : فبتنا عراة لدى مهرنا ... ننزع من شفتيه الصفارا فجعل له شفتين، وإنما له جحفلتان، الصفار يبس البهيمي، وهو نبت له شوك. 707 وقال أوس [منسرح] : وذات هدم عار نواشرها ... تضمت بالماء تولباً جدعاً وقوله "تصمت بالماء" يقول: إذا طلب اللبن سقته الماء، والتولب: ولد الحمار. والجدع: السيء الغذاء، فسمى ولدها تولباً على طريق الاستعارة، وهي استعارة مستكرهة. 708 كما قال الهذلي [مجزوء الكامل] : وذكرت أهلي الصالحي ... ن وحاجة الشعث التوالب استعار لأولاده أسماء الحمير. 709 وقال الجعدي [متقارب] : كأن تواليها بالضحى ... نوازع جعل من الأثب والجعل من النخيل قصيره، فجعل صغاره جعلاً على طريق الاستعارة. 710 ومثله ما أنشده لقصر [رجز] :

711 وقال حميد بن ثور [طويل] :

أوعدني بالسجن والأداهم ... رجلي، ورجلي شثنة المناسم والمنسم إنما يكون للإبل، فجعله للناس. 711 وقال حميد بن ثور [طويل] : عجبت لها أنى يكون غناؤها ... فصيحاً ولم تفغر بمنطقها فما ولا فم لها، وإنما لها منقار، والفم للإنسان. 712 وقال الأصمعي: وإنما فعلت ذلك العرب، عند حاجتها أن تضرب مثلاً لشيء ليس في موضعه، لعلمها أن من سمعه يعرفه، فتفعل ذلك على هذا الوجه، ويقال للرجل: إنه لعريض البطان، ولا بطان له يشد عليه، وإنما يراد أنه لعريض الموسط، ويقال: حرك خشاشه فغضب، وإنما يحرك خشاش البعير، لأراد أنه حرك منه ما يغضب به، ويقولون: لوى فلان عذاره عني، وإنما العذار للفرس، ويقال لو جاريتني لجئت مضطرب العنان، أي مسترخي العنان. وهذا باب: ما حرفوا الاسم فيه عن جهته وغلطوا فيه 713 قال الأصمعي: فمن ذلك قولهم [طويل] : فإن تنسنا الأيام والدهر تعلموا ... بني قارب أنا غضاب لمعبد أراد لعبد الله، وهو أخو دريد، ويدل على ذلك قوله في هذه القصيدة: تنادوا فقالوا: أردت الخيل فارساً ... فقلت أعبد الله ذلكم الردى 714 وقال المفضل النكري [وافر] : وسائلة بثعلبة بن سير ... وقد علقت بثعلبة العلوق يريد بقوله "ابن سير" ابن سيار. 715 وقال غير الأصمعي: مثل ذلك قول أوس [طويل] : فهل لكم فيها إليّ فإنني ... طبيب بما أعيا النطاسي حذيماً والنطاسي: الحاذق بالأمر الماهر، وأراد ابن حذيم، وهو طبيب، كان في الجاهلية. 716 ومثله [رجز] : صبحن من كاظمة الخص الخرب ... يحملن عباس بن عبد المطلب أراد عبد الله بن عباس. 717 ومثله قول الشماخ [رجز] : [يا رب غاز كاره للإيجاف] ... وشعبتا ميس يراها إسكاف فجعل النجار إسكافاً. 718 ومثله قول الراجز: "ومحور أخلص من ماء اليلب] واليلب: سيور يضم بعضها إلى بعض، ويجعل تحت البيض، فتوهم أن اليلب أجوف الحديد. 719 ومثله "مثل النصارى قتلوا المسيح" فتوهم، أن النصارى قتلوه. 720 ومثله قول ابن أحمر [كامل] : لم تدر ما نسج اليرندج قبلها ... ودراس أعوص دارس متخدد واليرندج: جلود سود فتخيل أنها مما ينسج. 721 وقال حميد بن ثور [كامل] : لما تحملت الحمول حسبتها ... دوماً بأيلة ناعماً مكموماً الدوم: شجر المقل، وإنما يكمم النخل، فظن أن الدوم يكمم. 722 وقال أبو نخيلة [رجز] : برية لم تأكل المحرقا=ولم تذق من البقول الفستقا فتوهم أن الفستق من البقول. 723 وقال رؤبة [رجز] : كما اتقى محرم حج إيدعاً ... [إذا امرؤ ذو سوءة تهقعا] والأيدع: دم الخولق، فتوهم أن الأيدع: الزعفران أو الخلوق.734 ومثله قول الحطيئة [بسيط] : فيه الرماح وفيه كل سابغة ... جدلاء محكمة من نسج سلام أراد من نسيج سليمان. 725 ومثله قول النابغة [طوي] : وكل صموت نثلة تبعية ... ونسج سليم كل فضاء ذائل يريد بسليم: سليمان. 726 كما قال الأسود بن يعفر [كامل] : [ودعا بمحكمة أمين سكها] =من نسج داود أبي سلام يريد: سليمان. 727 وقال الأعشى [متقارب] : تطوف العاة بأبوابه ... كطوف النصارى ببيت الوثن ولا وثن للنصارى إلا أن يكون ذهب إلى الصليب. وهذا باب الكناية بالشيء 728 قال أبو علي: هو أن تكني العرب بالشيء عن غيره، على طريق الاتساع. 729 قال الأصمعي: "إذا ذكرت العرب الثوب، فإنما تريد به البدن" قالت ليلى الخيلية [طويل] : رموها بأثواب خفاف فلا ترى ... لها شبها إلا النعام المنقرا تقول: رموها بأجسام خفاف، أي صاروا عليه خفافاً. 730 ويقال: "فلان أوسع بنية ثوباً، أي أكثرهم عندهم معروفاً. وفلان غمر الرداء: إذا كان واسع الخلق" وأنشد [كامل] : غمر الرداء إذا تبسم ضاحكاً ... غلقت لضحكته رقاب المال وقال رؤبة "فقد أرى واسع جيب الكم" إنما أراد واسع الصدر، كثير العطاء، لأن العرب تكنى عن القلب بالجيب. 731 قال امرؤ القيس [طويل] : ثياب بني عوف طهارى نقية ... وأوجههم عند المشاهد غران

732 ويقولون: "فدى لك ثوبي، وفدى لك ردائي" معناه أنا أفديك قال الأعشى [طويل] :

أراد أنهم [يريحون إخوانهم فيجيرونهم] . 732 ويقولون: "فدى لك ثوبي، وفدى لك ردائي" معناه أنا أفديك قال الأعشى [طويل] : فإني وثوبي راهب اللج والتي ... بناها قصى وحده فابن جرهم 733 يقال: "فلان دنس الثياب" إذا كان غادراً فاجراً، قال اليشكري [طويل] : ولكنني أنفي عنا لذم [والدنا] ... وبعضهم للغدر في ثوبه دسم 734 ويقولون "فدى لك [إزاري] : أي نفسي، قال الشاعر [وافر] : ألا أبلغ أبا حفص رسولاً ... فدى لك من أخي ثقة إزاري أي نفسي. 735 ويقولون "دم فلان في إزار فلان" أي هو صاحبه، قال أبو ذؤيب الهذلي [طويل] : ثبراً من دم القتيل وبزه ... وقد علقت دم القتيل إزارها وقال أوس [كامل] : [نبتت أن] دما حراماً نلته ... وهريق في برد عليك محبر أي أنت صاحبه، وقال الآخر "كأني نضوت حمائضاً من ثيابها" أي لبست محاراً وخزاً. 736 ويقال "فلان عفيف الأزار، طيب الحجزة" إذا كان عفيف الفرج قال النابغة [طويل] : رقاق النعال طيب حجزاتهم ... [يحيون بالريحان يوم السباسب] وقال الخرنق بنت بدر [كامل] : النازلون بكل معترك ... والطيبون معاقد الأزرار 737 ويقال: "هو طيب العذرة" والعذرة: البناء، يقول لا يحضر بناءه أحد من أهل الريبة والسوء، قال الشاعر [منسرح] : كأن لا يحرص الصديق ولا ... يعلم الفحش طيب العذرات ويقال "هو عفيف الشفة" إذا كان قليل المسألة، و"شديد الجفن" إذا كان صبوراً على السهر. هذا باب: يريدون أن يجيئوا بالشيء فلا يمكنهم فيأتون بشيء من سببه، يدل عليه 738 نحو قول رؤبة [رجز] : [وعدة عجت عليها صحبي] ... كالنحل في ماء الرضاب العذب أراد كالعسل، وقال لبيد [كامل] : بجلالة توفي الجديل، سريحة ... مثل الفنيق، هنأته بعصيم والعصيم: أثر الهناء، وأثر الخضاب، فأراد هنأته بهناء، فقال بعصيم، لأنه من سبب الهناء، وقال الجعدي [منسرح] : كأن فاهاً إذا توهم من ... طيب مشم وحسن مبتسم ركب في السام والزبيب أقا ... حي كثيب تندى من الرهم أراد أن يقول: ركب في [السام والخمر فلم يمكنه، فقال والسام والزبيب فقد] كان الخمر من سببه، وأما ذهب إلى طيب الرائحة في فيها والسام: عرق المعدن الذي يكون فيه الذهب. 739 ومثل هذا قول الآخر [طويل] : كنوز العراب الفرد يضجبه الندى ... تعالى الندى في متنه وتحدرا يريد بالندى الأول المطر، وبالندى الثاني الشحم، فسماه باسم الندى، [لما كان سبباً من أسبابه] كما قال أبو دؤاد [خفيف] . أبلى الإبل لا يحوزها الرا ... عون مج الندى عليها المدام يريد بالندى الشحم، وبالمدام الغيث الدائم. هذا باب اتسعت العرب فيه: فجعلوا الفاعل مفعولاً، والمفعول فاعلاً في اللفظ 740 قال ابن الرقيات [مجزوء الرمل] : أسلموها في دمشق كما ... أسلمت وحشية وهفا قال أبو عبيدة: هذا مقلوب، جعل الفاعل في موضع المفعول. 741 وقال القطامي [وافر] : فلما أن جرى سمن عليها ... كما بطنت بالفدن السياعا أي كما بطنت بالسياع الفدن. 742 وقال الحطيئة [طويل] : فلما رأيت الهون والعير ممسك ... على رغمه ما أثبت الحبل حافره أراد ما أثبت الحبل حافره، قال الأصمعي: "وليس هذا على ما تأول، إنما المراد أن [الحافر] رد الحبل، ومنعه أن يخرج من اليد أو من الرجل، وكذلك أراد الأول "وقال إنما معناه: أسلمت فنجت، أي لم تقع فيه، وقال العباس بن مرداس [وافر] : فديت بنفسه نفسي ومالي ... ولا آلوك إلا ما أطيق أراد فديت نفسه بنفسي. 743 وأنشد أبو عمرو بن العلاء [وافر] : [رأيت] بني شرحبيل بن عمرو ... تماروا، والفجور من التماري أي: والتماري من الفجور. وقال الأخطل [بسيط] : مثل القنافذ هداجون قد بلغت ... نجران أو بلغت سوآتهم هجر إنما هو: وبلغت سوآتهم هجر، فقلب. هذا باب اسمين: يغلب أحدهما فينسب صاحبه إليه 744 قال الأصمعي: إذا كان أخوان، أو صاحبان، أحدهما أشهر من الآخر، سميا جميعاً بالاسم الأشهر كما قال الشاعر [وافر] :

745 ومثل ذلك قول الآخر [كامل] :

ألا من مبلغ الحرين عني ... مغلغلة أخص بها أبيا قال: "الحرين" وهما أخوان، الحر وأبي. 745 ومثل ذلك قول الآخر [كامل] : فقرى العراق مسير يوم واحد ... والبصرتان، وواسط تكميله [أراد] بها الكوفة والبصرة. 746 ومثله قول الآخر [وافر] : جزاني الرهمدان جزاء سوء ... وكنت المرء يجزى بالكرامة والرهمدان: من بني عبس، يقال لأحدهما: رهدم، والآخر: كردم. 747 ومثله [طويل] : أخذنا بآفاق السماء عليكم ... لنا قمراها والنجوم الطوالع أراد الشمس والقمر. ويتعلق بهذا الباب خبر يتعلق بالمحاضرة أوردته إذ كان الموضع مفتقراً إليه 748 أخبرنا الحكيمي قال أخبرنا أحمد بن يحيى قال أخبرنا محمد بن زياد الأعرابي قال أخبرنا المفضل قال دعاني الرشيد، فدخلت إليه في يوم خميس، وعنده علي بن حمزة الكسائي وبين يديه محمد والمأمون، فقال لي يا فضل: كم اسم في قوله عز وجل: "فسيكفكهم الله"؟ فقلت له: ثلاثة أسماء، أحدها اسم الله عز وجل، والثاني [الكاف] وهو اسم النبي صلى الله عليه وسلم والهاء والميم للكفار، فقال هكذا أخبرني هذا الشيخ- وأومأ بيده إلى الكسائي -ثم قال يا مفضل هل عندك مسألة؟ قلت نعم! أخبرني عن قول الشاعر "أخذنا بأفاق السماء عليكم" وذكرت البيت فقال أراد الشمس والقمر فغلب القمر لأن العرب إذا اجتمع لها اسمان غلبت أحدهما [فغلبوا] القمر لكثرة استعمالهم له، إذ كان يعمل في الشهور ويطلع بالليل والنهار. وكذلك فعلوا في سيرة العمرين، لما كان عمر أكثر فتوحاً وأطول مدة غلب اسمه، فقلت ليس هذا أراد قائله يا أمير المؤمنين! فقال: هكذا أفادنا هذا الشيخ، وأومأ بيده إلى الكسائي، ثم قال: هل فيه زيادة؟ فقال له [الكسائي] قد وفيته يا أمير المؤمنين ما تقول العرب، فقال لي الرشيد: فما عندك يا مفضل؟ فقلت أراد بالشمس: خليل الله إبراهيم، وبالقمر: النبي صلى الله عليه وسلم، وبالنجوم: أنت وآباءك، فقال: أحسنت يا مفضل! وأمر لي بعشرة آلاف درهم، ودعا بكرسي فجلس عليه، وبكرسي آخر فأجلس الكسائي عليه، ثم نادى بالشعراء [فتقدمهم] الفضل بن الربيع والعماني والنمري، فاستنشد العماني فأنشده قصيدة يمدحه فيها، حتى انتهى فيها إلى قوله [رجز] : قل للإمام المقتدي بأمه ... ما قاسم دون مدى ابن أمه فقال له: ويحكم أما رضيت أن أسميه [ولياً للعهد] حتى أقوم على رجلي! فقال: يا أمير المؤمنين! ما أردت قيام جسم، بل قيام عزم، ثم أمر بإحضار القاسم، ومر العماني في أرجوزته يهدر فيها، حتى أتى عليها، وطلع القاسم فأومأ إليه بالجلوس، فجلس ثم قال: أما هذا الشيخ -[وأومأ إلى الكسائي-فقد] سألنا أن نوليك العهد، وقد [فعلنا] ، فقال: حكم أمير المؤمنين! قال: "وما أنا وهذا؟! بل حكمك" ثم أنشد النمري حتى انتهى إلى قوله: ما كنت أوفى شبابي كنه غرته ... حتى انقضى، فإذا الدنيا له تبع فتحرك الرشيد، وقال "صدق والله، [ما يتهنا] أحد بعش حتى يخطر فيه رداء الشباب" ثم استؤذن لسعيد بن مسلم، فدخل، فسلم، وقال يا أمير المؤمنين! بالباب شاب قدم علي من البادية، ما سمعت بأشعر منه، فقال: أما أنت فقد استبحت هذين، فهيء لي أحجارك، قال أو يهنأني لك يا أمير المؤمنين؟! فأذن له، فدخل شاب عليه حبرة قد شد بها وسطه [وعلى] رأسه خدرية مدلاة عليها عمامة طويلة، فتبسم الرشيد لما نظر إليه، ثم أنشده شعراً حسناً جيداً، فلما فرغ منه قال الرشيد أعجب بك مستجيباً وأتهمك منكراً، فإن كنت صادقاً في أن هذا الشعر لك، فقل في هذين وأومأ إلى محمد والمأمون وهما [حفافاه] فقال "يا أمير المؤمنين، حملتني على العدد غير الجدد، وربما منع من ذلك روعة الخلافة و [فقر البديهة] ، ونفور القوافي عن الروي، فإن رأي أمير المؤمنين أن يهملني حتى ترجع نافراتها، ويسكن روعي، قال: "قد أمهلتك يا أعرابي، وجعلت اعتذارك بدلاً من [امتحانك] فقال يا أمير المؤمنين، لقد نفست الخناق، وسهبت ميدان السباق، ثم فكر ملياً وقال [طويل] : بنيت لعبد الله بعد محمد ... ذرى قبة الإسلام فاخضر عودها هما طنباها بارك الله فيهما ... وأنت أمير المؤمنين عمودها فقال: أحسنت، بارك الله فيك، فلتكن [إجازتك] على قدر إحسانك.

هذا باب

فقال: الهنيدة يا أمير المؤمنين! فأمر له بمائة ألف درهم، وكسوة، وانصرف. هذا باب ما اجتمع فيه للشيء الواحد اسمان اتفقا معاً في موضع واحد 749 قال أبو علي: والعرب لا تكره ذلك، إذا اختلف اللفظان، جاءوا بالاسمين جميعاً، فيجرو [نهما] على جهات منه كما يجرون الآخر منهما على الأول، تأكيداً لشبه ألصق به، ومنه ما يعطفون الآخر منهما على الأول بحرف عطف، وأشد ما يضيفون الأول منهما إلى الآخر، فما جاء منه توكيداً قول رؤبة: "أعد وقد هش الفارع السبهلل" وقول الجعدي "فإني قصدك مني صلدم ضمم" وهما بمعنى الشديد وقول رؤبة "قلت وقولي صائب سديد" وهما بمعنى واحد، ومما جاء معطوفاً قول الحطيئة [طويل] : ألا حبذا هند وأرض بها هند ... وهند أتى من دونها النأي والبعد وهما بمعنى واحد، وقول الخنساء [طويل] : [أعيني هلا تبكيان على صخر] ... بدمع حثيث لأبكي أو لا نزر ومما جاء [طويل] : كأن حدوج المالكية غدوة ... خلايا سفين بالنواصف من دد والخلايا هي السفن، وقول أبي ذؤيب الهذلي [طويل] : فإن تك أنني من "معد" كريمة ... علينا، فقد أعطيت نافلة الفضل هذا باب ما يكون فيه الكلام على المعنى لا على اللفظ 750وذلك أنه تجيء في كلام العرب [أمثال] يضربونها تدل على معنى ما أرادوا بها، فيلفظون الشيء وهم يريدون غيره، فيستدل باللفظ على ما يراد من ذلك، كقول الراعي يصف سيوفا [طويل] : وبيض رقاق قد علتهن كبرة ... يداوي بها الصاد الذي في النواظر وإنما هذا مثل، والصاد: داء يأخذ البعير في رأسه فيطيح برأسه، ويرفعه والمعنى أن من كان متكبراً طامح الرأس كالبعير الذي به الصاد، داويناه بهذه السيوف. 751 وقول جرير: "وإني امرؤ أحسن غمز الفائق" والفائق] عظم في مؤخر الرأس، أي أعالج من به هذا [الداء] فهذه كلها أمثال. 752 وقول الجعدي [وافر] : ومأثور من الهندي يشفى ... به رأس الكمي من الصداع 753 وقول العجاج [رجز] : جاؤوا مخلين فلاقوا حمضاً ... [طاغين لا يزجر بعضهم بعضاً] مخلين: يأكلون الخلة، قال أبو علي: المخل الذي تأكل إبله الخلة فتشتهي الحمض، والمعنى أنهم جاءوا يشتهون الشر، فوجدوا من شفاهم. 754 وقول الفرزدق [طويل] : تمشي حرام باليفاع كأنها ... تشاوى وفي أثوابها دم سالم يقال: "دم فلان في ثوب فلان" إذا كان قتله. هذا باب لفظه لفظ الموجب، ومعناه معنى النفي 755 فمن ذلك قول امرئ القيس [طويل] : على لا حب لا يهتدي بمناره ... إذا سافه العود النباطي جرجرا والمعنى أنه ليس فيه منار يهتدي به. 756 ومثله قوله [طويل] : وصم صلاب ما يقين من الوجى ... كأن مكان الردف منه على رال هذا باب ما يخبر به عن بعض الشيء يراد به جميعه [فيختزل] فيه ويعرف به معناه 757 وذلك قول الأعشى [كامل] : الواطئين على صدور نعالهم ... يمشون في الدفئي والأبراد وليس يطأون على الصدور دون الأعقاب، والمعنى أنهم يلبسون النعال 758 ومثله قول ذي الرمة [طويل] : وقوم كرام أنكحتنا بناتهم ... صدور السيوف والرماح المداعس أي السيوف. 759 وقال ساعدة بن جوية يذكر فرساً [بسيط] : يهتز في طرف العنان كأنه ... جذع إذا فرع النخيل مشذب يريد يهتز في العنان. هذا باب ما يعطف عليه الشيء، وليس هو مثله 760 قال أبو علي: وذلك أنهم إذا أعملوا في الشيء فعلاً، ثم عطفوا عليه شيئاً آخر، أجروه عليه، وإن كان مما ليس يعمل في الفعل إذا كان إلى جنبه، فلا يتكلمون به إلا معطوفاً، فيقولون: أكلت خبزاً ولبناً. وأكلت خبزاً وماءً، ولا يقولون: أكلت لبناً، ولا ماء، ولكنهم يجرون على الأول، فما جاء في الشعر من هذا الباب قولهم: يا ليت زوجك غدا سيفاً ورمحاً"، وقال بعض الرجاز "شراب ألبان وتمر وأقط" وقال الآخر [طويل] : تراه كأن الله يجدع أنفه ... وعينيه أن مولاه قابله وفر ومثله قول النابغة [كامل] : ورمت إلى بمقلة مكحولة ... نظر المريض إلى وجوه العود

هذا باب

وبفاحم رجل أثيث نبته ... كالكرم مال على الدعام المسند هذا باب ما ذكر فيه اسمان، ثم أخبر عن أحدهما 761 فربما كان الخبر عن الأول منهما، وإما كان الخبر عن الآخر. فمثال ذلك قول الله عز وجل: ((وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً)) (الجمعة: من الآية11) فجاء بالخبر عن الأول. 762 ومما جاء في الشعر من ذلك قوله: نحن بما عندنا وأنت بما ... عندك راض، والرأي مختلف وقول الآخر [وافر] : فمن يك سائلاً عني فإني ... وجروة لا ترود ولا تعار هذا باب ما لفظ فيه بلفظ الجماعة للواحد 763 كقول الأعشى [متقارب] : ومثلك معجبة بالشبا ... ب، صاك العبير بأجيادها 764 وقال جرير [طويل] : وما ذقت طعم النوم إلا مروعاً ... ولا ساغ لي بين الحيازم ريق 765 وقال امرؤ القيس [طويل] : كميت يزل اللبد عن حال متنه ... كما زلت الصفواء بالمتنزل ويروى "عن صهواته" وإنما هي صهوة واحدة. هذا باب آخر لفظوا فيه بلفظ الواحد، يراد به الجماعة 766 كقول زهير [طويل] : تداركتما الأحلاف قد ثل عرشها ... وذبيان قد زلت بأقدامها النعل أراد النعال. 767 وقال حميد بن ثور الهلالي [طويل] : ليالي الأبصار الغواني وسمعها ... إلى واذ ريحي لهن جنوب 768 وقول الآخر [مجزؤ المتقارب] : ألكني إليها وخبر الرسو ... ل أعلمهم لنواحي الخبر هذا باب ما جعل فيه الاثنان جمعاً 769 كقولهم: رجل ذو مناكب، وامرأة عظيمة المآكم، وإنما مأكمتان ومثال ذلك قول أبي ذؤيب [كامل] : فالعين بعدهم كأن حداقها ... كحلت بشوك فهي عور تدمع 770 وقال كثير [طويل] : مسائح فودى رأسها مسبغلة ... جرى مسك دارين الأجم خلالها 771 وقال رجل من هذيل [طويل] : أليت لا أسى منيحة واحد ... حتى تحيط بالبياض قروني هذا باب لفظ فيه بلفظ الواحد يراد به الاثنين 772 ومثال ذلك قول الشاعر [وافر] : فرجى الفيء إيابي ... إذا ما القارط العنزي آبا وهما قارظا عنزة. [ما لفظ فيه بلفظ الاثنين يراد به الواحد] . 773 وقال الفرزدق [طويل] : عشية سال المربدان كلاهما ... عجاجة موت بالسيوف الصوارم وإنما هو مربد واحد. 774 وقال سويد بن كراع العكلي هذا باب من الحذف 775 كقول الشاعر [وافر] : كأنك من جمال بني أقش ... يقعقع بين رجليه بشن أي كأنك جمل منها. 776 وقال الراجز يصف قوساً: "جادت بكفي كان من أرمى البشر" أي بكفي رجل. 777 وقال الآخر [طويل] : كذبتم وبيت الله لا تأخذونها ... بني شاب قرناها تصر وتحلب أي بني التي. 778 وقال الآخر: فضلت في شر من الذي كيدا ... كألذ تزبى زبية فاصطيدا حذف الياء من الذي. 779م وقال الأشهب بن رميلة [طويل] : وإن الذي حانت بفلج دماؤهم ... هم القوم كل القوم يا أم خالد فحذف النون من الذين. هذا باب ما جاء من التقديم والتأخير 780 قال أبو ذؤيب [وافر] : فإنك إن تنازلني تنازل ... فلا تكذبك بالموت الكذوب أي تنازل بالموت، فلا يكذبك الكذوب. 781 وقال الشماخ يصف امرأة [طويل] : تخامص من حر الوشاح فأفلتت ... تخامص حافي الخيل في الأمعز الوجي أي تخامص حافي الخيل الوجي في الأمعز، ومعنى تخامص أي تجافي عنه. 782 وقال النابغة [طويل] : يثرن الثرى حتى يباشرن برده ... إذا الشمس مجت ريقها بالكلاكل أي يباشرن بردها بالكلاكل. 783 وقال الجعدي [رمل] : وشمول قهوة باكرتها ... في التباشير من الصبح الأول أي في التباشير الأول من الصبح. هذا باب ما يحذف منه المضاف، فيقام المضاف إليه مقامه 784 كقول أوس بن حجر [منسرح] : وشبه الهيدب العبام من ال ... أقوام سغباً مجللاً فرعا

785 وقال أبو ذؤيب [طويل] :

أي جلد فرع، وهي ذبيحة كانوا يذبحونها ويلبسون جلودها حوار آخر. 785 وقال أبو ذؤيب [طويل] : فمالك جيران ولا لك ناصر ... ولا لطف يبكي عليك فصيح أي ولا ذو لطف. 786 ومثله قول الآخر [سريع] : كأن تحتي سرقا وفرا ... وفرس مخضوضر وريا 787 ومثله قول الهذلي [وافر] : تمشي بيننا حانوت خمر ... من الخرس الصراصرة القطاط أي صاحب حانوت، والخرس: العجم، والقطاط: الجعاد. هذا باب ما تحذف من المضاف والمضاف إليه 788 وذلك غير جائز إلا في الشعر كقول عمرو بن قميئة [سريع] : لما رأت ساتيدما استعبرت ... لله در اليوم من لامها أي لله در من لامها اليوم. 789 وقال خر [منسرح] : 3يا من رأى عارضاً أرقت له=بين ذراعي وجبهة الأسد أي بين ذراعي الأسد وجبهته. 790 وقال ذو الرمة [بسيط] : كأن أصوات من إيغالهن بنا ... أواخر الميس أصوات الفراريج أي كأن أصوات أواخر الميس، أصوات الفراريج من إيغالهن بنا. هذا باب يشبه فيه الشيء بالشيء ثم يجعل المشبه به هو المشبه بعينه 791 كقول الجعدي [طويل] : وعادية سوم الجراد وزعتها ... وكلفتها سيدا أزل مصدرا والسيد: الذئب، شبه فرسه بالذئب، فجعلها ذئباً. 792 ومثله قول رؤبة [راجز] : سوى مساحيهن تقطيط الحقق ... [تفليل ما قارعن من سمر الطرق] أي حوافرهن التي هي كالمساحي، فجعلها مساحي. 793 ومثله قول أوس [منسرح] : وذات هدم عار نواشرها ... تصمت بالماء تولباً جدعاً التولب: ولد الحمار، فشبه ولدها به فجعله تولباً. وإذا حمل الباب المتقدم، في الاستعارة المستكرهة، على هذا الوجه الذي ذكره الأصمعي في هذا الباب، كان صواباً، هذا آخر المجاز. [الفصل الخامس] فصل: السرقات والمحاذات 794 قال أبو علي: هذا فصل أودعته فقراً من أنواع الانتحال، والاختزال، والاقتضاب والاستعارة، والإحسان في السرق، والإساءة. والنظر والإشارة، والنقل والعكس، والتركيب والاهتدام، والسابق واللاحق، والمبتدع والمتبع، وغير ذلك مما يفتقر الأديب المرهف إلى مطالعته، وجمعت من شتات ذلك مؤونة الطلب والجمع، وفرقت بين أصناف ذلك فروقاً لم أسبق إليها، ولا علمت أن أحداً من علماء الشعر سبقني في جمعها. 795 وسمعت أبا الحسن علي بن أحمد النوفلي يقول: سمعت أحمد بن أبي طاهر يقول: "كلام العرب ملتبس بعضه ببعض، وآخذ أواخره من أوائله، والمبتدع منه والمخترع قليل، إذا تصفحته وامتحنته، والمحترس المتحفظ المطبوع بلاغة وشعراً من المتقدمين والمتأخرين لا يسلم أن يكون كلامه آخذاً من كلام غيره، وإن اجتهد في الاحتراس، وتخلل طريق الكلام، وباعد في المعنى، وأقرب في اللفظ، وأفلت من شباك التداخل، فكيف يكون ذلك مع المتكلف المتصنع والمعتمد القاصد". 796 قال: "وقد رأينا الأعرابي أعرم لا يقرأ ولا يكتب، ولا يروى ولا يحفظ، ولا يتمثل ولا يحذو، ولا يكاد يخرج كلامه عن كلام من قبله، ولا يسلك إلا طريقة قد ذللت له. ومن ظلم أن كلامه لا يلتبس بكلام غيره، فقد كذب ظنه، وفضحه امتحانه، وقد قال ارسطاطاليس: (من البلاغة حسن الاستعارة) ولو نظر ناظر في معاني الشعر والبلاغة، حتى يخلص لكل شاعر وبليغ ما انفرد به من قول، وتقدم فيه من معنى لم يشركه فيه أحد قبله ولا بعده، لألفى ذلك قليلاً معدوداً، ونزراً محدوداً". 797 قال أبو علي: وقد زعم قوم ممن يحسن هذه الصناعة، أنه لا اجتلاب ولا استعارة، وأن الكلام كله مشرع للجميع، والألفاظ مباحة. ولو كان كما قالوا: اللفظة فضيلة السابق ومقالة المتقدم، لما تعايرت الشعراء بالسرق والاجتلاب!! ألا ترى إلى قول جرير يخاطب الفرزدق [وافر] : ستعلم من يكون أبوه قينا ... ومن عرفت قصائده اجتلاباً وإلى قول ابن ميادة [بسيط] : قسني إلى شعراء الناس كلهم ... وادع الرواة إذا ما غب ما اجتلبوا وإلى قول الآخر [طويل] : فإن نظموا قالوا بما قيل قبلهم=وإن وردوا جاؤوا خلاف الصوادر

798 ومما يدل على إبطال قول من قال إن الانتزاع للمعاني، والاستعارة للألفاظ، شيء

798 ومما يدل على إبطال قول من قال إن الانتزاع للمعاني، والاستعارة للألفاظ، شيء مباح، أن أعشى بن قيس بن ثعلبة اتهمه النعمان ابن المنذر بانتحال الشعر، حتى حبسه في بيت وامتحنه، فقال [متقارب] : أأزمعت من آل ليلى ابتكاراً ... [وشطت على ذي هوى أن تزارا] وقال فيها من أجل ما رمي به: وقيدني الشعر في بيته ... كما قيد الآسرات الحمارا فكيف أنا وانتحال القوافي ... بعيد المشيب، كفى ذاك عاراً فوجدنا الأعشى _وهو أحد الفحول الأربعة_ لما حبس وامتحن، اعتمد في هذه القصيدة على خاله أبي الفضة المسيب بن علس الضبعي، وهو أخو أمه، فمن قول المسيب [متقارب] : أعاذل لما ترين الغداة ... وقنعني الشيب منه خمارا وبان الشباب فودعته ... وطالبته بعد عين ضمارا ببيداء مجهولة قطعت ... بعامهة تستخف الضفارا ترامي النسوع بحيزومها ... ندوباً، وبالدف منها سطارا جمالية أجد سهوة ... يلاحم منها الثليل الفقارا فقال الأعشى في قصيدته التي مر بنا ذكرها: تبدل بعد الصبا حكمة ... وقنعه الشيب منه خمارا وشوق علوق تناسيته ... بجوالة تستخف الضفارا فأبقى رواحي وسير الغد ... وِّ، منها مراحاً وقلباً مطارا وألواح رهب كأن النسو ... ع ابتن في الدف منها سطارا ودأيا عواري مثل الفؤو ... س، لاحم فيها السليل الفقارا ألا ترى إلى ضيق الأمر عليه؟ حين حسب، حتى اعتمد هذا الاعتماد البين الذي لا يكون مواردة ولا اتفاقاً في القول، مع قرب الآخذ من المأخوذ منه؟! وقد قال الفرزدق لجرير [كامل] : لن تدروا كرمى بلوم أبيكم ... وأوابدي يتنحل الأشعار الانتحال والاستلحاق 799 قال أبو علي: أجمع العلماء بالشعر، وأصحاب العربية أن امرأ القيس، أول من بكى الديار، ورثى الآثار، وإذا تصفحت شعره استدللت ببعضه على بطلان هذا الإجماع. ألا ترى إلى قوله [كامل] : عوجاً على الطلل المحيل لعلنا ... نبكي الديار كما بكى ابن حذام 800 قال ابن الكلبي: "وإذا سئل علماء كلب عما وصف به ابن حذام الديار، أنشدوا أبياتاً من "قفا نبك" وذكروا أن امرأ القيس انتحلها، فسارت له، وخمل ابن حذام". 801 وحكى أبو عبيدة: "أن ابن حذام الكلبي كان يصحب امرأ القيس بن حجر الكندي، وأنه أول من وصف الديار، وهو القائل [بسيط] : لآل هند بجنبي نفنف دار ... لم يمح جدتها ريح وأمطار أما تريني بجنب البيت مضطجعاً ... لا يطيبني لدى الحيين إنكار فرب نهب تصم القوم رجته ... آفاته أن بعض القوم عوار 802 كان [ابن] حراش بن إسماعيل العجلي، يقول: "إن أولية بكر بن وائل، كانوا يحلفون أن عامة شعر امرئ القيس، لعمرو بن قميئة، وأنه كان يصحبه امرؤ القيس، فغلب على شعره، وأبده" أراد بقوله [طويل] : بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه ... وأيقن أنا لاحقان بقصيرا فقلت له: لا تبك عينك، إنما ... تحاول ملكاً، أو نموت فنعذرا 803 أخبرني أبو الحسن بن أبي غسان البصري قال: أخبرني أبو خليفة أبو الفضل ابن الحباب الجمحي "أن بني سعد بن زيد مناة بن تميم"، تزعم أن هذا البيت لرجل منهم يقال له سعد وهو [طويل] : فلست بمستبق أخاً لا تلمه ... على شعث، أي الرجال المهذب؟ قال "وأنشدنيه [حلابس] العطاري" وقال: "أخبرنا خلف الأحمر قال: إن إعراب بني سعد تقول ذلك". 804وحكى أبو محمد التوزي أن زهيراً [استلحق قول الخوات السعدي] [طويل] : وأهل خباء صالح ذات بينهم ... قد احتربوا في عاجل أنا آجله فأقبلت في الساعين أسأل عنهم ... سؤالك بالشيء الذي أنت جاهله 805 وانتحل عنترة قول [بشر] بن شلوة التغلبي [كامل] : نبئت عمراً غير شاكر نعمتي ... والكفر مخبثة لنفس المنعم 806 وحكى أبو عبيدة أن معظم الشعر الذي يرويه الناس لعنترة، هو لهراش بن شداد، وغنما كان عنترة بمنزله فقال يوماً _وقد كرت الخيل_: احمل عنترة! فقال: وكيف يحمل؟ قال: أنت ابني، واستلحقه، وأخوه من أمه [هراش] وأمهما زبيبة. 807 وانتحل أبو ذؤيب قول أفيان بن عادية الخزاعي [كامل] :

808 وانتحل جرير قول المعلوط بن بدل السعدي [كامل] :

والنفس راغبة إذا رغبتها ... وإذا ترد إلى قليل تقنع 808 وانتحل جرير قول المعلوط بن بدل السعدي [كامل] : إن الدين غدو بلبك غادروا ... وشلا بعينك لا يزال معينا غيضن من عبراتهن وقلن لي ... ماذا لقيت من الهوى ولقينا 809 وانتحل الفرزدق قول أخيه الأخطل بن غالب المجاشعي [طويل] : وركب كأن الريح تطلب عندهم ... لها ترة من جذبها بالعصائب سروا [يخبطون الليل] وهي تلفهم ... إلى شعب الأكوار من كل جانب إذا ما استدار وجهة الريح أعصفت ... تصك وجوه القوم بين الركائب إذا أوقدت نار يقولون ليتها ... وقد خصرت أيديهم نار غالب رأوا ضوء نار في يفاع تألقت ... يروي إليها ليلها كل ساغب فشبت لمقرورين طال سراهم ... إليها وقد أصغت توالي الكواكب إلى نار ضراب العراقيب لم يزل ... له من ذنابي، سيفه خير خالب تداوله الأنساء في ليلة الصبا ... ونمري به اللبات عند الترائب وكان الأخطل هذا شاعر طويل اللسان، كثير المحاسن، فكسفه الفرزدق، فانطوى فضله، وكان أبو عمرو بن العلاء لا يعبأ بشعر الفرزدق ويظن أنه ليس له [ملكة رياضة الشعر، ونحى عليه] ، واستنشده يوماً فأنشده [بسيط] : كم دون منه من مستعمل قذف ... ومن فلاة بها تستودع العيس فقال يا [فرزدق أنت] ، قلت هذا؟ فقال: اكتمها علي! فو الله لضوال الشعر أحب إلي من ضوال الأهل. 810 وانتحل جرير قول طفيل الغنوي [طويل] : ولما التقى الحيان ألقيت العصا ... ومات الهوى لما أصيبت مقاتله 811 [أخبرنا أبو] عمر عن ثعلب عن أبي نصر عن الأصمعي قال: سمعت عقبة ابن رؤبة يقول: قال لي أبي "مر بي العجاج ونحن متوجهان إلى عبد الملك أنا أقول [رجز] : حتى احتضرنا بعد سير حدس ... أمام رغس في نصاب رغس فقال: يا أحمق! ألا تقول [رجز] : بين ابن مروان قريع الإنس ... وابنة، عباس قريع عبس أنجب عرس جبلاً وعرس ... بين نجيب لم يعب بوكس ضياء بين قمر وشمس" قال رؤبة: "فاستلحق ما قلته، وذهبت كلها للعجاج". باب الانحال 812 قال أبو علي: ونريد أن نفرق بين الإنحال والانتحال، فرقاً نكشف قناعهما به. 813 أخبرنا أبو عمر بن ثعلب عن الأثرم عن أبي عبيدة عن يونس ابن حبيب قال: قدم حماد البصرة على بلال بن أبي بردة، فقال له بلال: "ما أطرفتنا شيئاً?" قال: "بلى" وأنشده القصيدة التي أولها [بسيط] : وجحفلٍ كبهيم الليل منتجع ... أرض العدو ببوسى بعد إنعام مستحقبات رواياها جحافلها ... تسمو إلى أشعرى طرفه سامي وذكر حماد أنها للحطيئة فقال له بلال: "ويحك يمدح أبي، الحطيئة بمثل هذا الشعر، ولا أعلم؟ وأنا أروي شعر الحطيئة كله؟ ولكن دعها تذهب في الناس". 814 وحكى ابن سلام قال: "وكان أول من جمع أشعار العرب، وساق الأحاديث حماد الرواية، وكان غير موثوق به، وكان ينحل شعر الرجل غيره، ويزيد في الأشعال". 815 قال: "سمعت يونس النحوي يقول: العجب ممن يأخذ عن حماد وكان يكذب، ويلحن، ويكسر". 816 قال: "ولما راجعت العرب رواية أشعارها، وذكر أيامها، ومآثرها، استقل بعض العشائر شعر شعرائهم، وما ذهب من ذكر وقائعهم وأيامهم، وأرادوا أن يلحقوا بمن له الوقائع والأشعار، وقالوا على ألسنة شعرائهم، ثم تكاثرت الرواة بعد، فزادت في الأشعار التي قيلت، وليس [بشكل] على أهل العلم زيادة الرواة وما وضعوا، ولا ما وضع المولدون، وإنما عضل عليهم أن يقول الرجل من أهل البادية من ولد شاعر، أو الرجل من قومه [وليس من ولد] الشاعر، ومنشأة منشأ الشاعر، فيشكل حينئذ بعض الأشكال". 817 أخبرنا ابن أبي غسان قال: أخبرني أبو الفضل بن الحباب عن محمد بن سلام قال: أخبرني أبو عبيدة عن عمر بن سعيد الثقفي قال: "وكان حماد لي صديقاً ملطفاً، فعرض علي ما قبله يوماً، فقلت له: أمل علي قصيدة لأخوالي سعد بن مالك، فأملي علي قصيدة زعم أنها لطرفة، وأولها [كامل] : إن الخليط أجد منتقله ... وكذاك زمت غدوة إبله وليست له، هي لأعشى همدان، وفيها يقول [كامل] :

818 أخبرني محمد بن عمران قال: أخبرني علي بن سلمان عن محمد بن يزيد قال حدثني

عهدي بهم في النقب قد سندوا ... يهدي صعاب مطيهم ذلُلَه) 818 أخبرني محمد بن عمران قال: أخبرني علي بن سلمان عن محمد بن يزيد قال حدثني الجاحظ، قال لنا "نقعد بعد صلاة العصر في حلقة الأصمعي للمذاكرة قبل حضور، فجاءنا شيخ في بعض الجمعات، فذاكرنا أحسن مذاكرة، ومر فيما مر قول مهلهل [خفيف] : أنبضوا معجس القسي وأبرة ... ناكما ترعد الفحول الفحولا قال الجاحظ: فقلت: سمعت الأصمعي يقول: إنها مصنوعة، فقال [الشيخ] سمعت الأصمعي يقول ذلك، وهي من مولدي العقيق، فلما انصرف مدحته بالهدي وحسن المذاكرة، وقلت: أتى بلفظه، من حيث قال "من مولدي العقيق" فقال لي أصحابنا: أما تعرف هذا؟ قلت: لا فقالوا: "هو إسحاق بن إبراهيم الموصلي". درر مما نحلته العلماء الشعراء 819 أخبرنا أبو عبيد الله محمد بن أحمد بن مهدي الكاتب قال: أخبرنا إبراهيم بن عرفة قال: سمعت المبرد يقول "كان خلف الأحمر عجيب الذهن، حسن التصرف في أساليب الشعر، وكان مع اقتداره واتساعه يعد مقلاً لما كان ينحله الشعراء المتقدمين كأبي دؤاد والشفري وتأبط شراً، ومن لا شهرة له من الشعراء، قال: وكان أتى الكوفة فأقرأ أهلها أشعار أبي دؤاد، ونحله شيئاً كثيراً لم يقله، وأخذ منهم على ذلك البر الجزيل ثم تنسك فعاد إليهم، فأخبرهم بما كان منه في إنحال هؤلاء الأشعار، وأن كثيراً مما نسبه إلى أبي دؤاد ليس له، وإنما أنحله إياه من قوله [وهو] فلم يعرجوا على كلامه". 820 قال المبرد "وكان خلف علامة، يقول الشعر عبثاً واعتداداً، وكان الأصمعي ينحل الشعراء أيضاً نحواً من ذلك، إلا أنه [لم يكن يتسع] اتساع خلف". 821 ويروى أن خلفا الأحمر سمع امرأة من بني القين تنشد بيتاً في أخيها ترثيه في حرب كانت بين بني القين وكلب -وهما ابنا جسر من قضاعة-: [رمل] : رملت لمة كوس بدم ... كل ما ذلك غسل للفتى فعمل خلف قصيدة، وأدخل فيها البيت وأنحلها إياها: من لعين ارقت بعد الكرى ... سهاد أم دها العين قذا ليت شعري عن قبيلي إذا ... شمرت عن ساقها الحرب غدا أي حيينا إذا ما التقيا ... يجعل الحرب طحينا للرحا أعلى القين بن جسر أم على ... إخوتي كلب وكل لا ترى أسد غيل لقيت أقرانها ... خفضوا للموت أطراف القنا وسعى الدهر لهم حتى إذا ... أحكمت مرته نقض القذا رملت لمة كوس بدم ... كل ما ذلك غسل للفتى وكذلك الدهر لا يعجزه ... قادر يعقل في صعب الذرى شاهق يزلق عن قلته ... خلب اللقوة مجرود القرا 822 أخبرنا علي بن هرون قال: أخبرني أبي، هرون بن علي المنجم قال: كان خلف بن حيان الأحمر -وهو أكبر الشعراء المحسنين، والرواة المتقدمين- يبلغ من حذقه واقتداره على الشعر أن يشبه شعر القدماء، حتى يشتبه بذلك على جلة الرواة، ولا يفرقون بينه وبين الشعر القديم، فمن ذلك قصيدته التي نحلها ابن أخت تأبط شراً، التي أولها [رمل] : إن بالشعب الذي دون سلع ... لقتيلاً دمه ما يطل [وفيها] : خبر ما جاءنا مصمل ... جل حتى دق فيه الأجل فقال بعضهم "جل حتى دق فيه الأجل" من كلام المولدين، فحينئذ أقربها خلف. 823 وحكى ابن سلام "أن أبا عبيدة كان يزعم أن المفضل صنع بعض القصائد التي اختار، ونسب ما صنع منها إلى رجال هو فيما صنع لهم أشعر منهم في صحيح أشعارهم". 824 أخبرني أبو أحمد عيسى بن عبد العزيز الطاهري قال: أخبرني عبد الله بن المعتز قال: حدثني أبو الحسن الحضري قال: سمعت الرياشي يقول: قلت لأبي عبيدة: إن أبا زيد، أنشدنا عن المفضل [رجز] : شالوا عليهن بشل علاها ... واشدد بمشى حقب حقواها ناجية وناجياً أباها قال: وقال لي: "اكتب عليها، هذه وضعها المفضل". 825 وقال ابن سلام: "ويروي الناس لأبي سفيان بن الحارث يخاطب حسان ابن ثابت [طويل] ك أبوك أبو سوء وخالك مثله ... ولست بخير من أبيك وخالك وإن أحق الناس ألا تلومه ... على اللوم من ألفى أباه كذلك

826 قال ابن سلام: "فأخبرني أهل العلم من أهل [المدينة] أن قدامة بن موسى [بن عمر

826 قال ابن سلام: "فأخبرني أهل العلم من أهل [المدينة] أن قدامة بن موسى [بن عمر بن قدامة] بن مظعون الجمحي قالها ونحلها [أبا سفيان، وقريش] ترويه في أشعارها تريد بذلك الأنصار، والرد على حسان". 827 أخبرنا عبيد الله بن أحمد النحوي قال: أخبرنا ابن دريد قال أخبرنا أبو عثمان الأشنانداني عن التوزي قال: قال رجل لأبي عبيدة: قال المفضل: إن ابن دأب [يقول] : هو والله ينبح، إلا أنه أغمض مسلكاً. 728 أخبرني عبد الله بن جعفر قال أخبرني محمد بن يزيد قال أخبرنا المازني قال أخبرنا أبو عبيدة قال حدثني يونس بن حبيب قال سمعت أبا عمرو بن العلاء يقول: "ما زدت في أشعار العرب إلا هذا البيت" [بسيط] : وأنكرتني وما كان الذي نكرت ... من الحوادث إلا الشيب والصلعا قال أبو عبيدة، وسمعت بشاراً ينكره، ويقول ما يشبه كلام الأعشى قال أبو عمرو: والله ما كذبت قط في شيء، إلا في هذا البيت، ولو سئلت عنه لصدقت، قال المفضل _وكان حاضراً مجلسه_: قد كنت أسمع بهذا البيت في القصيدة، ولكنك الصادق البر، كثر الله في أهل العلم مثلك. باب الإغارة 829 وهو أن يسمع الشاعر المفلق، والفحل المتقدم، الأبيات الرائعة، ندرت لشاعر في عصره، وباينت مذاهبه في أمثالها من شعره، ويكون بمذهب ذلك الشاعر المغير أليق، وبكلامه أعلق، فيغير عليها مصافحة، ويستنزل شاعرها عنها قسراً، بفضل [الإغارة] فيسلمها إليه، اعتماداً لسلمه، ومراقبة لحربه، وعجزاً عن مساجلة [يمينه] وهذه [كأنها] مشاكلة الفرزدق، فلما استمرت له الإغارة من شعر جميل وغيره، فإنه عاور في عصره جماعة من الشعراء على قطع من أشعارهم، جرت في أساليب كلامه، وشاركه سطوها بارع نظامه، فسلموها إليه عنوة، وصفحا عنها نكولاً عنه، ورهبة، وسأورد من ذلك ما يوضح برهان الحق فيه، بحول الله وقوته. 830 أخبرنا علي بن هرون [علي بن] أبي غسان قال: أخبرنا [أبو خليفة أبو الفضل بن الحباب] الجمحي عن محمد بن سلام قال: "أخبرنا أبو يحيى الضبي قال: قال ذو الرمة: لقيت الفرزدق يوماً فقلت له: لقد قلت أبياتاً، إن لها لعروضاً، وإن لها لمراداً، ومعنى بعيداً، فقال لي: ما قلت؟ قلت: قلت [طويل] : أحين أعاذت بني تميم نساءها ... وجردت تجريد اليماني من الغمد ومدت بضبعي الرباب ومالك ... وعمر وشالت من ورائي بنو سعد ومن آل يربوع زهاء كأنه ... دجى الليل محمود النكاية والورد فقال له الفرزدق: لا تعودن بها، فأنا أحق بها منك فقال: والله لا أعود فيها أبداً، وما أرويها إلا لك، فهي في قصيدة الفرزدق التي يقول فيها: وكنا إذا القسي نب عتوده ... ضربناه فوق الاثنين على الكرد 831 أخبرنا [حماد] بن إسحاق عن أبيه عن أبي سهيل قال: أخبرنا بعض أصحابنا أن الفرزدق وقف على [الشمردل] اليربوعي [وهو] ينشد لنفسه [طويل] : وما بين من لم يعط سمعاً وطاعة ... وبين تميم غير جز الغلاصم فقال الفرزدق: "لتتركنه، أو لتتركن عرضك" فقال الشمردل له، "خذه، لا بارك الله لك فيه" فهو في قصيدته التي أولها [طويل] : تحن إلى زور اليمامة ناقتي ... حنين عجول تبتغي البورائم التي يهجو فيها جريراً. 832 أخبرني عيسى بن عبد العزيز عن الدمشقي قال: أخبرني الزبير بن بكار قال: حدثني شيخ من بني ليث عن محمد بن الربيع بن أبي جهمة الجندعي، أن أباه مر على كثير بالروخاء وهو ينشد [طويل] : وكنت كذي رجلين رجل صحيحة ... ورجل رمى فيها الزمان فشلت. فقال: ويحك يا ابن أبي جمعة هذا والله لصاحبنا أمية بن أبي الأسكر، فقال هو والله ذلك [يا] ابن أبي جهمة [إنما] أنا أحظى به منه. 833 أخبرنا أبو أحمد عيسى بن عبد العزيز الطاهري قال: أخبرني الدمشقي قال حدثني الزبير عن عبد الله بن عمران مولى قرة عن أبيه قال: كنت مع الأحوص بقباء، فمر علينا موسى شهوات، فأنشدنا قصيدة له على الراء أحسن فيها حتى مر بهذا البيت [خفيف] : وكذاك الزمان يذهب بالن ... اس، وتبقى الديار والآثار فقال الأحوص على رويها _مكانه_ قصيدة أولها [خفيف] : ضوء نار بدا لعينيك أم شب ... ت بذي الأثل من سلامة نار

834 أخبرا أبو عمر عن ثعلب عن أبي نصر عن الأصمعي [عن عبدا] لرحمان بن أبي الزناد

فأدخل فيها هذا البيت، فقال موسى شهوات: "ما رأيت مثلك يا أحوص أنشدتك قصيدة لي، فذهبت بأفضل بيت فيها فقال الأحوص: "والله ما هو لي ولا لك، وما هو إلا للبيد حيث يقول [خفيف] : وكذاك الزمان يذهب بالن ... اس وتبقى الديار والآثار فعفا آخر الزمان عليهم ... فعلى آخر الزمان الديار 834 أخبرا أبو عمر عن ثعلب عن أبي نصر عن الأصمعي [عن عبدا] لرحمان بن أبي الزناد [قال: مر أعرابي] بكثير وهو ينشد: أود لكم خيراً...... ... ... بن كعب لاختلاف الطبائع فنادى الأعرابي [بكثير] والله [إن هذا البيت] من شعر قلته فقال كثير: "إن يكن لك فما نفعني [ادعاؤه] . باب تنازع الشاعرين في الشعر [في قول واحد منهما] إن ذلك من قبله دون صاحبه. 835 أخبرنا عبيد الله بن أحمد النحوي [قال أخبرنا] محمد بن الحسن بن دريد قال أخبرني عمي الحسين بن دريد عن أبيه عن ابن الكلبي عن أبيه قال: حضر الحارث بن طفيل الأزدي عكاظ، وكان فارساً شاعراً، وبها عنترة بن شداد العبسي، وكان عنترة قد قال [كامل] : لمن الديار عفون بالسهب ... بنيت على خطب من الخطب ثم أجبل فقال الحارث. إذ لا ترى إلا مقاتلة ... وعجانسا يرقلن بالركب ومدججاً بسعى بشكته ... محمرة عيناه كالكلب ومعاشراً صدأ الحديد بهم ... عبق الهناء مخاطم الجرب لما سمعت نزال قد دعيت ... أيقنت أنهم بنو كعب كعب بن عمرو لا بكعب بني ... العنقاء والتبيان للنسب فرميت كبشهم بقرحته ... فمضى وارشوه بذي كعب شكوا يديه بالرماح كما ... شك الصديع نوافر الشعب فكأن مهري ظل منغمساً ... بشبا الأسنة مغرة الجأب بل رب موضوع رفعت ومر ... فوع وضعت بمنزل اللصب فقال عنترة: أنا والله قائلها، فقال الحارث: بل أنا والله قائلها، فتباهلا أن يقتل الله الكاذب قبل أن يأتي مثل ذلك اليوم من العام المقبل. وتفرقا، فخرج عنترة في باقي الأشهر الحرم يتجازى ديناً له، فلقيه الأسد الرهيص الطائي في نفر، فقتلوه، -ويقال: بل لقيه برج من مسهر الطائي فقتله- وقال أبو عبيدة: بل أصابته ريح قرة، بين شرج وناظرة فهرأته فمات بالحثحث، ترويها عبس في شعر عنترة، ويرويها الأزد للحارث بن الطفيل. 836 وأخبرنا أبو عمر عن ثعلب عن الأثرم عن أبي عبيدة قال أخبرنا منتج بن نبهان النمري العدوي قال دخل عمر بن لجأ على ابن لقمان الخزاعي وكان على صدقات الرباب فأنشده بيتاً وهو [طويل] : تريدين أن أرضى وأنت بخيلة ... ومن ذا الذي يرضي الأخلاء بالبخل فقال: لقد أنشدني هذا البيت جرير، فقال عمر: لقد سرقه مني جرير، قال فبينا هو عنده إذ دخل عليه جرير، فقال له ابن لقمان: من يقول هذا البيت؟ فقد زعم عمر بن لجأ أنك سرقته منه، فقال جرير: أنا أسرقه منك؟ وأنت وصفت فحلها "كالضرب الأسود من ورائها"فقال عمر ابن لجأ: أتعيب هذا علي وأنت القائل [طويل] : وأكرم عند المردفات عشية ... لحاقاً إذا ما جرد السيف لامع فتركتهن حتى ألحقن، أي نكحن، ولحقتهن عشية، أي قد كان ينبغي لك أن تحميهن قبل أن يسبين وينكحن، ثم يلحقهن عشية، فقال جرير [بسيط] : يا تيم تيم عدي لا أبا لكم ... لا يلقينكم في سوءة عمر أحين صرت سناماً يا بني لجأ ... وخاطرت بي عن أحسابها مضر خل الطريق لمن يبني المنار به ... وابرز ببرزة حيث اضطرك القدر -برزة: أم عمر بن لجأ- فقال [عمر] [بسيط] : لقد كذبت وشر القول أكذبه ... ما خاطرت بك عن أحسابها مضر ألبست نزوة خوار على أمة ... لبست الخلتان: البخل والخور فهذا بدء ما كان بينهما. باب المعاني العقم وهي الأبكار المبتدعة 837 قال امرؤ القيس [طويل] : إذا ما استحمت كان فضل جميعها ... على متنتيها كالجمان على الحال وهو أول من نطق بهذا المعنى، وتعاوره الناس بعده، وقد ذكرت طرفاً منه فيما تقدم. 838 فحاول الوليد بن يزيد أخذ هذا التشبيه فقال: وأتى به في بيتين [متقارب] : كأن الحميم على متنها ... إذا اغترفته بأطساسها

839 وفي هذه القصيدة لامرئ القيس يصف فرسا [طويل] :

جمان يجول على فصة ... جلتها حدائد دواسها 839 وفي هذه القصيدة لامرئ القيس يصف فرساً [طويل] : بعجلزة قد أترز الجرى لحمها ... كميت كأنها هراوة منوال [أخذه بعض المحدثين] فقال ولم يدركه: وزعت بكالهراوة اعوجي ... إذا ونت الركاب جرى وسالا فقوله "بكالهراوة" متكلف جداً. 840 ومن التشبيهات [الرقيقة] قول امرئ القيس [متقارب] ولو عن نثا غيره جاءني ... وجرح اللسان كجرح اليد 841 فأخذه طرفة وأساء العبارة وأتمها بقوله [كامل] : بحسام لفظك أو لسانك وال ... كلم الأصيل كأرغب الكلم فبين اللفظين تباين شديد. 842 فأما قول طرفة [طويل] : لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى ... لكالطول المرخى وثنياه في اليد فمن التشبيه البديع الواقع، واللفظ النفي الرائع، الذي لا يدركه شاعر ولا يتقدمه مثل سائر، وهو أول من ابتكره. 843 فقال الراعي وقصر عنه [طويل] : لعمرك إن الموت يا أم سالم ... قرين محيط حبله من ورائنا 844 وقال طرفة -وهو أول من افترعه، ووصف سفينة [طويل] : يشق حباب الماء حيزومها بها ... كما قسم الترب المفايل باليد 845 فاهتدمه لبيد، فقصر عنه وقال [وافر] : تشق خمائل الدهنا يداه ... كما لعب المقامر بالفيال 846 أخبرنا النوفلي قال أخبرنا ابن أبي طاهر قال: قيل لأبي حية النميري أتعرف مثل قول أبي ذؤيب [طويل] : سقى أم عمرو كل آخر ليلة ... حناتم سود ماؤهن ثجيج فأنشد لنفسه [طويل] : ولما رأى أجبال سنجار أعرضت ... يميناً وأجبالاً بهن تروح نرى عبرة لو لم تقض لقضقضت ... حيازيم محزون لهن نشيح قال ابن أبي طاهر: وهذا المعنى مما سبق إليه أبو حية، فلم يشاركه فيه أحد إلا سهل بن هرون، ومنه أخذه [طويل] : كتمت الهوى حتى استقر اكتتامه ... على ونمته الجفون الدوامع ولو لم يغض دمعي لغاض إلى الحشا ... فقطع ما تحنو عليه الأضالع باب المواردة 847 أخبرنا أبو عمر عن ثعلب عن أبي نصر عن الأصمعي قال: قلت لأبي عمرو بن العلاء: "أرأيت الشاعرين يتفقان في المعنى، ويتواردان في اللفظ؟ لم يلق أحد منهما صاحبه، ولا سمع بشعره" فقال لي: "تلك عقول [رجال توافت] على ألسنتها". 848 أخبرني أبو أحمد عيسى بن عبد العزيز قال أخبرني عبد الله بن جعفر قال: سألت أبا سعيد محمد بن هريرة النحوي الأسدي عن [هذه الأبيات] وهي أبيات امرئ القيس [مخلع البسيط] : عيناك دمعهما سجال ... كأن شأنيهما أوشال أو جدول في ظلال نخل ... للماء من تحته مجال وقول عبيد [مخلع البسيط] : عيناك دمعهما سروب ... كأن شأنيهما شعيب أو جدول في ظلال نخل ... للماء من تحته قسيب 849 وقول امرئ القيس [بسيط] : وكل ذي إبل مود فتاركها ... وكل ذي سلب لابد مسلوب وقول عبيد [بسيط] : وكل ذي إبل مود يورثها ... وكل ذي سلب لابد مسلوب فقال: "لا أجد نفسي سريعة إلى التصديق بأن العقول في مثل هذا تتوافق". وعبيد وامرؤ القيس كانا في زمن واحد. 850 فأما قول امرئ القيس [وافر] : وقد طوفت بالآفاق حتى ... رضيت من الغنيمة بالإياب وقول عبيد بن الأبرص مخاطباً لامرئ القيس في شعره [وافر] : ولو لاقيت غلباء بن حزم ... رضيت من الغنيمة بالإياب فأظن عبيداً ردد هذا المصراع، تعريضاً بقوله، لا على جهة السرقة. 851 أخبرنا أبو محمد الإيجي قال أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال أخبرني أبو حاتم عن الأصمعي قال قلت لأبي عمرو "أخبرني عن هؤلاء الشعراء سرق بعضهم بعضاً" قال: "مثل ماذا"؟ قلت: مثل قول امرئ القيس [طويل] : له أذنان تعرف العتق منهما ... كسامعتي مذعورة أم ربرب وقول طرفة [طويل] : له أذنان تعرف العتق منهما ... كسامعة مذعورة أم فرقد وقول امرئ القيس [طويل] : وعنس كألواح الأران نسأتها ... على لاحب كأنه ظهر برجد فقال لي: "لا، تلك عقول رجال توافت".

852 أخبرني محمد بن عمران قال: أخبرنا [محمد بن الحسن] ابن دريد قال حدثني عمي

852 أخبرني محمد بن عمران قال: أخبرنا [محمد بن الحسن] ابن دريد قال حدثني عمي الحسين بن دريد عن أبيه عن ابن الكلبي قال: حدثني رجل من أهل خراسان قال: "لما أصيبت عين ثابت قطنة العتكي يوم سمرقند، قال بيتاً يهجو فيه نفسه [بسيط] : ما يعرف الناس منه غير قطنته ... وما سواها من الأنساب مجهول ثم استودع هذا البيت قاضي سمرقند، وقال عسى أن يرميني به شاعر فأكون [قد سبقته، ورأوا بعد ذلك رجلاً من بني حنيفة يقال له حاجب الفيل، فركب مهراً له [فسقط عنه] فتشاغل أهله به عن ثابت قطنة [فأبطأ عليه عشاؤه، فقال] [بسيط] : أتاركون عشائي لا أبا لكم ... إن خر عن مهره حاجب الإبل خطب يسير علينا فلق حاجبه ... وشجة سيروها [بالملاء قتيل] فلما أصبح حاجب الفيل أنشدوه هذين البيتين فقال [بسيط] : ما يعرف الناس منه غير قطنته ... وما سواه من الأنساب مجهول فقال ثابت قطنة [بسيط] : هيهات ذلك بيت قد سبقت به ... فاطلب له ثانياً يا حاجب الفيل 853 قال أبو علي: ومما يبعد في نفسي اتفاق مثله، حتى لا يقع فيه تباين، ولا تغاير، ما أخبرنا به أبو عمر عن ثعلب عن الأثرم عن أبي عبيدة قال: "خرج جرير والفرزدق مرتدفين على ناقة إلى هشام بن عبد الملك. فنزل جرير يبول، فجعلت الناقة تتلفت، فرضبها الفرزدق وقال [وافر] : علام تلتفتين وأنت تحتي ... وخير الناس كلهم أمامي متى تردى الرصافة تستريحي ... من التهجير والدبر الدوام فقال: الآن يجيء جرير فأنشده هذين البيتين، فيرد علي ويقول: تلفت أنها تحت ابن قين ... إلى الكيرين والفأس الكهام متى ترد الرصافة تخز فيها ... كخزيك في المواسم كل عام قال الراوي أبو عبيدة: فجاء جرير، والفرزدق يضحك، فقال: ما يضحكك يا أبا فراس؟ فأنشده [الفرزدق] البيتين الأولين، فقال جرير "تلفت أنها تحت ابن قين" وأنشده البيتين بعينهما كما قال الفرزدق سواء، فقال الفرزدق: والله لقد قلت هذا، فقال [جرير] : أما علمت أن شيطاننا واحد؟ ". 854 أخبرنا علي بن الحسين [عن] ابن أبي غسان قال: أخبرنا أبو الفضل بن الحباب عن ابن سلام قال: أخبرنا حاجب بن يزيد بن شيبان بن علقمة بن زرارة قال: قال جرير بالكوفة [طويل] : لقد قادني من حب ماوية الهوى ... وما كنت ألقى للجنيبة أقودا أحب ثرى نجد وبالغور حاجة ... فغار الهوى يا عبد قيس وأنجدا أقول له يا عبد قيس صبابة ... بأي ترى مستوقد النار أوقد فقال: أراها أرثت بوقودها ... بحيث استفاض القمع شيحا وغرقدا فأعجبت الناس وتناشدوها. 855 قال ابن سلام: "فحدثني جابر بن جندل قال: فقال جرير أعجبتكم هذه الأبيات؟ قالوا: نعم، قال: كأنكم بابن القينقد قال [طويل] : أعد نظراً يا ابن قيس فإنما ... أضاءت لك النار الحمار المقيدا فلم يلبثوا أن جاءهم الفرزدق بهذا البيت، وبعده: كليبية لم يجعل الله وجهها ... كريماً ولم تزجر لها الطير أسعدا فأنشدها الناس، فقال الفرزدق كأنكم بابن المراغة قد قال: وما عبت من نار أضاء وقودها ... فراساً وبسطام بن قيس مقيداً فإذا هو قد جاء لجرير وقفها هذا البيت، ومعه: وأوقدت بالسيدان ناراً ذليلة ... فأشهدت من سوءات جعثن مشهداً 856 وما يبعد في نفسي صحة مثله ما أخبرنا به أبو عمر عن ثعلب عن ابن الأعرابي عن المفضل قال: مر راكب بالبصرة، فرأى الفرزدق، فقال [له الفرزدق] : من أين وجهك؟ قال: من اليمامة، فقال: هل لك عهد بابن المراغة؟ قال [الراكب] : عم فقال: فهل أحدث شعراً علقت منه شيئاً؟ قال: نعم، قال [الفرزدق] : فهات منه شيئاً، فأنشده [كامل] : هاج الهوى بفؤادك المهتاج فقال الفرزدق: فانظر بتوضح باكر الأحداج قال [الراكب] فقلت: هذا هو شغف الفؤاد مبرح فقال الفرزدق: ونوى تقاذف غير ذات خلاج قال: ثم قال: ليت الغراب غداة ينعب دائباً فقال الفرزدق: كان الغراب مقطع الأوداج

باب

قال [الراكب] : فما زلت أقول صدراً ويقول عجزاً حتى ظننت أنه قد قال القصيدة وسرقها جرير منه، ثم قال: ويحك؟ دعنا من هذا، أو ذكر فيها الحجاج؟ قلت: نعم قال: إياه أراد. باب المرافدة 857 أخبرنا أبو عبيد الله بن أحمد النحوي قال أخبرنا محمد بن الحسن بن دريد قال: أخبرنا السكن بن سعيد عن محمد بن عباد، عن ابن الكلبي عن عوانة بن الحكم قال بينا جرير واقفاً بالمربد وقد ركبه الناس، وعمر من لجأ مواقفه، فأنشده جرير قوله [بسيط] : يا تيم تيم عدي لا أبالكم ... لا يلقينكم في سوءة عمر أحين صرت سناماً يا بني لجأ ... وخاطرت بي عن أحسابها مضر فقال عمر جواب هذا [بسيط] : لقد كذبت وشر القول أكذبه ... ما خاطرت بك عن أحسابها مضر [ألبست نزوة خوار على أمة ... لبست الخلتان: البخل والخور) وكان الفرزدق قد رفده بهذين البيتين في هذه القصيدة، فقال جرير لما سمعها: "قبحاً يا ابن قنب وفي رواية أخرى: يا ابن قين -كذبت والله ولو مت، هذا شعر حنظلي، هذا شعر العزيز _يعني الفرزدق_ رفدك به" قال: فتبسم عمر فما رد جواباً، و [خرج ابن غنيم أبي الرقراق] حتى أترى الفرزدق بالخبر، فضحك حتى ضرب برجليه، ثم قال في [ساعته] [طويل] : وما أنت أن قرما تميم تساميا ... أخا التيم إلا كالوشيظة في العظم فلو كنت مولى الظلم أو في ثيابه ... ظلمت ولكن لابد لك بالظلم فلما بلغ ذلك جريراً قال: ما أنصفني الفرزدق في شعره بلفظ قبل هذا 858 أخبرني علي بن هرون المنجم قال أخبرني أبو أحمد يحيى بن علي عن أبي [الحسن] علي بن يحيى عن محمد بن عمر الجرجاني قال: حدثنا بعض أهل العلم قال: مر ذو الرمة بجرير، فقال له: يا غيلان، أنشدني ما قلت في المرئي فأنشده [وافر] : نبت عيناك عن صلل بحزوى ... عفته الريح وامتنح القطارا فقال له: ألا أعينك فيها وأرفدك؟ قال: بلى، بأبي أنت وأمي، فقال جرير [وافر] : يعد الناسبون إلى تميم ... بيوت المجد أربعة باراً يعدون الرباب وآل سعد ... وعمراً ثم حنظلة الخيارا ويهلك بينها المرئي لغواً ... كما ألفيت في الدية الحوارا فمر ذو الرمة بالفرزدق، فقال له أنشدني ما قلت بالمرئي، فأنشده، فلما انتهى إلى هذه الأبيات قال: حسن والله لا بارك فكاك، هذا أبداً، هذا شعر ابن المراغة، هذا شعر جرير. 859 أخبرني أبو العباس أحمد بن هرون النحوي المؤدب قال: أخبرنا محمد بن يزيد النحوي قال أخبرنا المازني قال سمعت أبا عبيدة يقول: "كان سبب الهجاء بين ذي الرمة وهشام المرئي أن ذا الرمة نزل بقرية بني امرئ القيس يقال لها "مرآة" فلم يقروه، ولم يعلفوا له، فارتحل وقال [طويل] : نزلنا وقد طال النهار وأوقدت ... علينا حصى المعزاء شمس تنالها أنخنا فظللنا بأبراد يمنة ... رقاق، وأسياف قديم صقالها فلما رآنا أهل "مرأة" أغلقوا ... مصارع لم ترفع لخير ظلالها وقد سميت باسم امرئ القيس قرية ... كرام صواديها لئام رجالها يظل الكرام المرملون بخومها ... سواء عليهم حملها وحيالها ولو وضعت أكوارها عند بيهس ... على ذات غسل لم تشمس رحالها فقال جرير: غلبك العبد يا هشام، وكان جرير يشتم ذا الرمة، وتيم، وعدي أخوان، فقال هشام: ما أصنع يا أبا حزرة وأنا أرجز وهو يقصد؟ فقال: قل قولك [فقال هشام المرئي] [طويل] : غضبت لرهط من عدي تشمسوا ... وفي أي يوم لم تشمس رحالها وفيم عدي عند تيم من العلا ... وأيامنا اللاتي يعد فعالها وضبة عمي يا ابن جل فلا ترم ... مساعي قوم ليس منك سجالها يماشي عدياً لؤمها ما تجنه ... من الناس ما ماشت عدياً ظلالها فقل لعدي تستعين بنسائها ... علي فقد أعيا عدياً رجالها أذ الرم، قد قلدت قومك رمة ... بطيئاً بأيدي المطلقين انحلالها [فلما سمعه] ذو الرمة قال: هذا كلام ابن الأتان، قال ابن سلام: وحدثني أبو البيداء قال: لما سمع ذو الرمة هذه الأبيات: قال: هذا والله شعر حنظلي وغلب هشام عليه. باب الاجتلاب والاستلحاق

860 وبعض العلماء لا يراهما عيبا، ووجدت يونس بن حبيب وغيره من علماء الشعر يسمى

860 وبعض العلماء لا يراهما عيباً، ووجدت يونس بن حبيب وغيره من علماء الشعر يسمى البيت يأخذه الشاعر على طريق التمثيل فيدخله في شعره "اجتلاباً واستلحاقاً" فلا يرى ذلك عيباً، وإذا كان الأمر كذلك، فلعمري إنه لا عيب فيما هذه سبيله. 861 فأما جرير فعير به الفرزدق في قصيدته التي هجاه فيها، وهجا الراعي وبني نمير- قال أبو عبيدة: وكان جرير يسميها "الدعامة"- فقال [وافر] : ستعلم من يكون أبوه قيناً ... ومن كانت قصائده اجتلاباً وما أراه أراد بالاجتلاب ها هنا إلا السرق والانتحال. 862 أخبرنا محمد بن يحيى عن أبي العيناء عن الأصمعي قال: ربما اجتلب الشاعر البيت، ليس له، فاجتذبه من غيره، فيورده شعره على طريق التمثيل به، لا على طريق السرق له، كما قال النابغة الذبياني [طويل] : وصهباء لا تخفي القذى وهي دونه ... تصفق في راووقها حين تقطب تمززتها والديك يدعو صباحه ... إذا ما بنو نعش دنوا فتصوبوا فقال الفرزدق، واجتلب البيت الأخير [طويل] : وإجانة ريا الشروب كأنها ... إذا اغتمست فيها الزجاجة كوكب تمززتها والديك يدعو صباحه ... إذا ما بنوا نعش دنوا فتصوبوا [فلم يسلبه ولا حاول] هذا مغيراً عليه -وإن كانت الغارة عادته- ولا أراه أورده إلا اجتلاباً واستلحاقاً، وكان أبو عمرو بن العلاء لا يرى ذلك سرقا. 863 أخبرني أبو الحسن بن أبي غسان قال أخبرني أبو الفضل بن الصفة للخيل، وقد أحسن في قصيدته التي يقول فيها [بسيط] : تلك المكارم لا قعبان من لبن ... شيباً بماء فعادا بعد أبوالا قلت: فالمذهب في هذا، فإن هذا البيت يدخل في شعر غيره؟ قال: لما قال هذا [راداً] على القشيري: "ومنا الذي أسر حاجباً، ومنا الذي سقى اللبن" قال النابغة: "تلك المكارم لا قعبان من لبن" البيت، وقال: فإن يكن حاجب مما فخرت به ... فلم يكن حاجب عما ولا خالا قال الأصمعي: ولو كانت هذه القصيدة للنابغة الأكبر، بلغت كل مبلغ، قال ابن سلام: وقال أبو الصلت بن أبي ربيعة الثقفي في سيف بن ذي يزن حين ظهر على الحبشة: "تلك المكارم لا قعبان من لبن" وذكر البيت. وقال النابغة الجعدي في كلمة فخر بها ورد على القشيري: ألا فخرت بيومي رحرحان وقد ... ظنت هوازن أن العز قد زالا تلك المكارم لا قعبان من لبن ... شيباً بماء فعادا بعد أبوالا قال: يرويه بنو عامر بن صعصعة للنابغ، والرواة مجمعون على أن الحباب قال حدثني ابن سلام قال [سألت يونس عن] هذا البيت [بسيط] : تعدو الذئاب على من لا كلاب له ... وتتقي مربض المستأسد الحامي فقال: هو للنابغة في قصيدته التي أولها: قالت بنو عامر قول بن أسد ... يا بؤس للحرب ضراراً لأقوام قال وأظن [الزبرقان استزاده] ، في شعره كالمتمثل حين جاء موضعه صرفاً له في قصيدته التي أولها: أبلغ سراة بني عوف مغلغلة. وقد تفعل ذلك العرب، فلا يريدون السرق. 864 وأخبرنا عبيد الله بن أحمد النحوي أن أبا الفتح قال أخبرنا ابن دريد عن أبي الحاتم عن الأصمعي قال [مات] النابغة الذبياني وهو ابن خمسين سنة، وإنما قال الشعر قليلاً، قال: والنابغة الجعدي فحل، وهو جيد أبا الصلت بن أبي ربيعة قاله وأحسب الجعدي جاء به متمثلاً، وقال يونس: هذا استلحاق وليس بانتحال، وغيره يسميه انتحالاً، ولكنه أحسن العبارة. 865 وقد يجلب الشاعر البيت أو البيتين من شعر شاعر، أو المعنى والمعنيين إذا كان ذل الشاعر مخاطباً له، وكان هو مجيباً عن مخاطبته، وكذلك يلقى في شعر جرير والفرزدق، ولا نرى ذلك سرقاً -كقول الفرزدق في هذه القطعة [كامل] : إن الذي سمك السماء بنى لنا ... بيتاً دعائمه أعز وأطول فقال جرير راداً عليه: إن الذي سمك السماء بنى لنا ... عزاً علاك فما له من منقل ومثل هذا، قول الرجل للآخر: "أنا أعلى منك بيتاً وأسنى ذكراً" فيقول الآخر: "بل أنا أعلى بيتاً وأسنى ذكراً" ولو رأى جرير -مع معرفته بأساليب الشعر وأفانين الفخار- أنه عيب، وسرق، لتنكبه، لا سيما والفرزدق يقول له في هذه القصيدة: إن استراقك يا جرير قصائدي ... مثل ادعاء سوى أبيك تنقل

باب

ومن أدل الدليل على أنه لم يعتمد سرقاً ولم ير ذلك معاباً قول عمارة بن الوليد المخزومي: خلق البيض الحسان لنا ... وجياد الريط والأزر كابرا كنا أحق به ... حين صيغ الشمس والقمر فقال مسافر بن أبي عمرو يرد عليه [رمل] : خلق البيض الحسان لنا ... وجياد الريط والحبرة كابراً كنا أحق به ... كل حي تابع كبره باب الاصطراف 866 وهو صرف الشاعر إلى أبياته، وقصيدته بيتاً، أو بيتين، أو ثلاثة لغيره، فيضيفها إلى نفسه، ويصرفها عن قائلها، وكان كثير كثيراً ما يصطرف شعر جميل إلى نفسه ويهتدمه، وسيرد الاهتدام مفرداً في بابه. وأذكر هنا قدراً من اصطرافه واصطرف غيره، يستدل به على معنى الاصطراف. 867 أخبرنا أبو أحمد عيسى بن عبد العزيز الطاهري عن الدمشقي، قال: أخبرنا الزبير بن بكار قال أخبرنا عمر بن أبي بكر الموصلي عن عبد الله بن أبي عبيدة أن كثيراً أنشده قصيدته التي يقول فيها [طويل] : إذا الغر من نوء الثريا تجاوبت ... حمينا بأجواز الفلاة قطارها [فمر] في هذه القصيدة على أبي ذؤيب الهذلي في قصيدته التي أولها: ما الدهر إلا ليلة ونهارها ... وإلا طلوع الشمس ثم غيارها فأخذ منها بيتين وهما: وعيرها الواشون أني أحبها ... وتلك وشاة طائر عنك عارها وإن أعتذر منها فإني مكذب ... وإن تعتذر يردد عليك اعتذارها فاستضافهما جميعاً، واصطرفهما. 868 وعن عبد الله بن أبي عبيدة، أن كثيراً أنشده [قصيدته] التي يقول فيها [كامل] : نظرت وأعلام الشربة دوننا ... فرق المروري الدانيات وسودها فاصطرف فيها بيت جميل: ولا يلبث الواشون أن يصدعوا العصا ... إذا هي لم يصلب على الري عودها قال: وهذا البيت بأسره [لحميل ثم قال] إن كثيراً، أنشده قصيدته التي أولها: ألا...... ... تودع على شمط النوى إذا تودع [و] قال [كثير مصطرفاً من] جميل [طويل] : وفيهن مهضوم حشاها نفية ... من السوء تحميها الجدود بمقرع قال وهذا البيت بأسره لجميل. 869 ومن الاصطراف ما أخبرنا به أبو محمد عبد الله بن جعفر قال أخبرنا المبرد عن المازي قال: قال جرير [كامل] : لو شئت قد نقع الفؤاد بمشرب ... يدع الحوائم لا يجدن غليلاً من ماء ذي وصف القلاة ممنع ... قطن الأباطح ما يزال ظليلاً فقال المهرول العامري -واصطرف الأول، واهتدم الثاني [كامل] : لو شئت قد الفؤاد نقع بمشرب ... يدع الحوائم لا يجدن غليلاً من ماء ذي رصف الفلاة ممنع ... يعلو أشم الجبال طويلا الاهتدام 870 وهو افتعال من الهدم، فكأنه هدم البيت من الشعر، تشبيهاً بهدم البيت من البناء، لأن البيت من الشعر يسمى بيتاً لأنه يشتمل على الحروف كما يشتمل البيت على ما فيه. 871 وأخبرنا النوفلي قال أخبرنا أحمد بن أبي طاهر قال حدثني أحمد بن حميد الجمحي العدوي قال: كان ابن هرمة يهتدم كثيراً من شعر كثير عزة، ويتبع آثاره في المديح والنسيب. 872 أخبرنا الحكيمي قال أخبرنا ثعلب عن الزبير بن بكار قال أخبرنا أبي جدي أن الفرزدق لقي كثيراً فقال: "ما أشعرك يا كثير في قولك [طويل] : أريد لأنسى ذكرها فكأنما ... تمثل لي ليلى بكل سبيل يعرض بأنه اهتدمه من قول جميل [طويل] : أريد لأنسى ذكرها فكأنما ... تمثل لي ليلى على كل مرقب فقال له كثير: "أنت أشعر الناس يا فرزدق في قولك [طويل] : ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا ... وإن نحن أومأنا إلى الناس وقفوا قال: وقال لي: "هذا البيت لجميل وسرقه الفرزدق" -فقال الفرزدق "هل كانت أمك مرت بالبصرة؟ " فقال كثير: "لا؟ ولكن أبي كان نزيلاً لأمك بها". 873 أخبرنا أبو العباس أحمد بن هرون النحوي قال أخبرنا أحمد بن يحيى عن الزبير بن بكار قال: أخبرني عمر بن أبي بكر المولى عن عبد الله بن أبي عبيدة أن كثيراً أنشده قصيدته التي يقول فيها [بسيط] : ألمم بعزة إن الركب منطلق ... [وإن نأتك ولم يلمم بها خرق فقال فيها: قامت تودعنا والعين ساجية ... كأن إنسانها في لجة غرق

874 أخبرنا محمد بن يحيى قال أخبرنا المتلقي قال أخبرنا أبو حاتم عن الأصمعي عن

ثم استدار على أرجاء مقلتها ... مبادراً خلسات الطرف يستبق كأنه حين مار المأقيان به ... در تسلل من أسلاكه نسق فاهتدم فيها قول جميل [بسيط] : قامت تودعنا والعين ساجمة ... إنسانها بفضيض الدمع مكتحل ثم استدار على حوراء ساجية ... حتى تبادر منها دمعها الهمل كأنه حين مار المأقيان به ... در تقطع منه السلك منفصل 874 أخبرنا محمد بن يحيى قال أخبرنا المتلقي قال أخبرنا أبو حاتم عن الأصمعي عن عيسى بن محمد قال: شكى إلى رؤبة ذا الرمة، فقال: كلما قلت شعراً سرقه مني واهتدمه، قلت [رجز] : حي الشهيق ميت الأنفاس. فقال [رجز] : حي الشهيق ميت الأوصال 875 أخبرنا عبيد الله بن أحمد قال أخبرنا محمد بن الحسين عن عبد الرحمن عن عمه قال: أخبرنا ابن أخت لآل زياد قال: قال لي رؤبة بن العجاج: "ألا تعجب؟ دخل علي ذو الرمة فسمع قولي [رجز] : يطرحن بالدوكة الأحلاس ... كل ذئب فقرة ولاس موتى العظام حية الأنفاس ... أجنة في فحصر الأعراس فبلغني أنه قال [رجز] : يطرحن بالدوية الأغفال ... كل خسيس لثق السربال حي الشهيق ميت الأوصال ... فرج عنه حلق الأقفال مر السري وجرية الحبال ... ونقصان الرحل من معال على قرى معوجة شملال قال: قلت: أجاد والذي خلقه، قال: أجل؟ ولكنه نقض ما قلت فذهب به. باب المجدود 877- والمجدود: اشتهار الآخذ بالمعنى دون المأخوذ منه، وهذا [الشعر] يسمى الشعر المجدود [الاشتهارة] دون الأصل، من ذلك [قول] مهلهل: ......................... ... يوم اللقاء على القنا بحرام فأخذه [عنترة فأحسن فاشتهر] بيته لبراعته [كامل] : فشككت بالرمح الطويل إهابه ... ليس الكريم على القنا بمحرم 878-ومن ذل قول امرئ القيس [كامل] : وشمائلي ما قد علمت وما ... نبحت كلابك طارقاً مثلي فأخذه عنترة فأحسن فاشتهر بيته فقال [كامل] : فإذا صحوت فما أقصر عن ندى ... وكما علمت شمائلي وتكرمي 879-ومن ذلك قول شبيب بن البرصاء [بسيط] : فهن ينبذن من قول يصبن به ... مواقع الماء من ذي الغلة الصادي 880- ومن هذا النوع قول أوس بن حجر [طويل] : معازيل حلالون ... بالغيب وحدهم بعمياء حتى يسألوا الغد ما الأمر فأخذه الأخطل فلم يطع فيه لأحد شيئاً فقال [بسيط] : مخلعون ويقضي الناس أمرهم ... وهم بعيب وفي عجباء ما شعروا 881- وقول يزيد بن المدار [طويل] : وإن أباكم نبط في آل عامر ... كما نيط بالرحل السقاء الموكر فقال حسان واشتهر به لإحسانه فيه [طويل] : وأنت زنيم نيط في آل هاشم ... كما نيط خلف الراكب القدح الفرد 882- وقال جماهر بن الحكم الكلبي [طويل] : قضى كل ذي دين وفاء غريمه ... ودينك عند الزاهرية ما يقضى فأخذ هذا كثير فقال فاشتهر به [طويل] : قضى كل ذي دين فوفى غريمه ... وعزة ممطول معنى غريمها 883- وقول هبيرة بن أبي وهب المخزومي [بسيط] : وليلة يصطلي بالفرق جازرها ... يختص بالتقوى المثرين داعيها ما ينبح الكلب فيها غير واحدة ... ذات العشاء لا تسري أفاعيها فأخذه المرة بن محكان السعدي فسار شعره فقال [بسيط] : في ليلة من جمادى ذات أندية ... لا يبصر الكلب من ظلمائها الطنبا ما ينبح الكلب فيها غير واحدة ... حتى يلف على خيشومه الذنبا باب الاشتراك في اللفظ 884- وقد اعتبر قوم هذا سرقاً، وليس بسرق، وإنما هي ألفاظ مشتركة محصورة يضطر إلى المواردة فيها، إذا اعتمد الشاعر القول في معناها، ومثال ذلك قول المنخل بن سبيع العنبري [طويل] : ألا قد أرى والله أن لست منكم ... وأن لستم مني وإن كنتم أهلي وقول الآخر [طويل] : ألا قد أرى والله أني ميت ... ونخل مقيم سدرها أو بسالها 885- ومما يعتمده قوم سرقا وليس بسرق وإنما هو اشتراك في اللفظ قول عنترة [طويل] : ألا قاتل الله النوى كيف ... أصبحت ألح عليها يا بثين صريرها وقول جميل [طويل] :

ألا قاتل الله النوى كيف ... أصبحت ألح عليها يا بثين صريرها 886- ومن هذا الباب قول عنترة العبسي [وافر] : وخيل قد دلفت لها بخيل ... عليها الأسد تهتصر اهتصاراً فقال عمرو بن معدي كرب [وافر] : وخيل قد دلفت لها بخيل ... تحية بينهم ضرب وجميع وقالت الخنساء [وافر] : وخيل قد دلفت لها بخيل ... فدارت بين كبشيها رحاها وقال أعرابي [وافر] : وخيل قد دلفت لها بخيل ... ترى فرسانها مثل الأسود فلو اجتهد هؤلاء عند قصدهم الأخبار بما أخبروا به من هذا الوصف، أن يوردوه بغير هذه العبارة، وفي هذه العروض، ما استطاعوا، لأن اللفظ يضطرهم، واعتماد العبارة الشريفة يقود أعنتهم، فرب معان تختص بألفاظ شريفة لا يمكن تعديها إلى ما هو أشرف منها. 887- ومن هذا الضرب قول عمرو بن كلثوم [وافر] : تركنا الخيل عاكفة عليه ... مقلدة أعنتها المنونا فقال عنترة [وافر] : تركنا الخيل عاكفة عليه ... كما تردى إلى العرس البواني فقال أعشى باهلة [وافر] : تركنا الطير عاكفة عليه ... .............على الدوار فقال العديل بن الفرخ [وافر] : تركنا تركنا الطير عاكفة عليه ... و............تمتع تعيق ........ الأخدعا........ ... ....... يعود......... 888- قال أبو علي [أجمع] علماء الشعر، ونقاد الكلام، وأرباب الصناعة أن [من أخذ] معنى، أو لفظاً، أو جمعاً لهما، وقع الحكم على أن المبتدع [منهما] أعلاهما سناً، وأقدمهما موتاً، وأن المتبع هو المتأخر منهما، لاستقرار ذلك في الأكثر، فإن جمعهما عصر، ألحق بأولاهما بالإحسان، وأشدها تناسباً في الكلام، فإن وقع إشكال في ذلك ترك لهما، ولم يقض لأحدهما بالاختراع دون صاحبه، فأما الحكم في الاحتذاء والاتباع، فإن المحتذي إذا تناول المعنى فكشف قناعه، وأصفى شربه، وطوى سربه وأرهف لفظه، وأحسن العبارة عنه، واختار الوزن الرشيق له، حتى يكون بالأسماع أشد علقاً، وفي النفوس ألطف مسلكاً، كان أحق به، ولا سيما إذا أخفى مسراه وأسر مجراه، فإن اتفق له نقله من مذهب ذهبه شاعره إلى آخر، أو عكسه إن كان تشبيهاً، أو تتميمه إن كان ناقصاً، [لحق به] تظهر القدرة، وينطق بالفضل لسان لصناعة، ويقع الحكم للشاعر بالبلاغ والإبانة، وعلى أن للسابق للمعاني والمفترع عذر الألفاظ فضيلته التي لا يدفع عنها، ومزيتها التي لابد من الاعتراف له بها، إذ كان معلم معالمها، وقادح زنادها، ومطلع كواكبها في آفاقها. وسأورد من أمثلة ذلك ما تفتقر إليه المذاكرة وينتسب إلى قاعدة كتابي هذا، بحول الله وقوته. 889-قال أبو دؤاد يصف فرساً [هزج] : يزين البيت مربوطاً ... ويشفى قرم الركب فأخذه عدي بن زيد فقال وأحسن [رمل] : مستخفين بلا أزوادهم ... ثقة بالمهر من غير عدم قوله "من غير عدم" زيادة لطيفة. 890- ومن هذا الباب قول وثيمة بن موسى المضري [طويل] : يبصبص للأضياف كلبي تألفاً ... وإن رام نبحاً لم يعش في بني مضر فأخذه حسان، فأحسن وتقدم عليه فقال [كامل] : يغشون حتى ما تهر كلابهم ... لا يسألون عن السواد المقبل 891- وقال بشر [بن حجام العبسي] : إذا ... في فرك معالها ... رعابيل يخضبن التراب من الدم فأخذه كثير فأحسن في قوله: يدعن ... يطأن فيه ... كباقي النصل من أثر الخضاب 892- وقال الأعشى [متقارب] : تراقب من أيمن الجانبي ... ن بالكف مستحصداً قد مرن فأخذه بعض المتقدمين فقال وأحسن [طويل] : فتقسم طرف العين شطراً أمامها ... وشطراً تراه خيفة السوط أزورا 893- وقال النابغة الذبياني [كامل] : سقط النصيف ولم ترد إسقاطه ... فتناولته واتقتنا باليد وهذا أول من افترع هذا المعنى، فأخذه أبو حية النميري فأحسن كل الإحسان [طويل] : فألقت قناعاً دونه الشمس واتقت ... بأحسن موصولين كف ومعصم 894- وقال طرفة وهو أول من نطق بهذا المعنى [طويل] : وعجزاء دقت بالجناح كأنها ... مع الصبح شيخ في بجاد مقنع فأخذه النابغة فأحسن فقال يصف النسور [طويل] : تراهن خلف القوم خزراً عيونها ... جلوس الشيوخ في ثياب المرانب

باب

895- وقال زهير يصف فرساً [طويل] : بذي ميعة لا موضع الرمح مسلم ... لبطء ولا ما خلف ذلك خاذله فأخذه القطامي ووصف إبلاً فقال وتقدم في الإحسان [بسيط] : يمشين زهواً فلا الأعجاز خاذلة ... ولا الصدور على الأعجاز تتكل 896- وقال أبو دؤاد وهو أول من نطق بهذا المعنى يصف فرساً [بسيط] : ظللت أخضبه كأنه رجل ... دامي اليدين على علياء مسلوب يعني أخصبه من دم الصيد، فأخذ هذا زهير فقال وأحسن يصف حماراً [وافر] : يظل كأنه رجل سليب ... على علياء ليس له رداء 897- وقال زهير [طويل] : إذا شل ريعان الجميع مخافة ... يقول جهاراً ويلكم ما تنفروا؟ فأخذه الأعشى وزاد زيادة لطيفة تقدمه بها فقال [كامل] : نعم، يكون إحجازه أرماحنا ... وإذا يراع فإنه لن يطردا 898- وقال الأعشى يصف ناقته [متقارب] : كتوم الرغاء إذا هجرت ... وكانت بقية ذود كتم فأخذه الكميت فزاد أحسن زيادة فقال [طويل] : كتوم إذا ضج المعلي كأنها ... تكرم عن أخلاقهن وترغب 899- وقال المسيب يصف سيرورة شعره: بها تنفض الأحلاس ... ... ... آخر القيل وتضمر فأخذه الأعشى فقال وأحسن [طويل] : به تنفض الأحلاس في كل منزل ... وتعقد أطراف الحبال وتطلق فأخذه.. يصف الفرس [متقارب] : هتوف تطيعك أطرافها ... ويأبى لها كبراً زو [ر] د فقال الشماخ وأحسن، وتقدم الناس في هذا المعنى [طويل] : وذاق فأعطته من اللين جانباً ... كفى ولها أن يغرق السهم حاجز 900- وقال ابن أبي خازم [وافر] : إذا ما المكرمات رفعن يوماً ... وقصر مبتغوها عن مداها فضاقت أذرع المثرين عنها ... سما أوس إليها فاحتواها فأتى بالمعنى في بيتين فأخذه الشماخ وأحسن العبارة عنه فقال [وافر] : إذا ما راية رفعت لمجد ... تلقاها عرابة باليمين 901-ومثل هذا قول جميل [طويل] : تهاكم ثوباها فأما إزارها ... فصار له عند القسام كثيب وصار لأعلى البرد منها متبل ... لطيف كخيط الخيزران رطيب فأخذ هذا المعنى ابن ميادة فأحسن في اختصاره في بيت واحد فقال [طويل] : تساهم ثوباها ففي الدرع رأدة ... وفي المرط لفاوان ردفهما عبل 902- وقال هدبة بن خشرم [وافر] : ألا ليت الرياح مسخرات ... بحاجتنا، تباكر أو تؤوب فقال جميل وتقدمه وأحسن [طويل] : فيا ليت أن الريح بيني وبينكم ... ببعض الذي أهدي إليك بريد باب تكافؤ المتبع والمبتدع في إحسانهما 903- قال امرؤ القيس وهو أول من نطق بهذا المعنى [طويل] : فلو أنها نفس تموت جميعها ... ولكنها نفس تساقط أنفساً فقال عبدة بن الطبيب وأبرز المعنى في عبارة مرهفة فتكافأ إحسانهما فيه [طويل] : فما كان قيس هلكه هلك واحد ... ولكنه بنيان قوم تهدما 904- وقال الأعشى [طويل] : إذا حاجة ولتك لا تستطيعها ... فخذ طرفاً من غيرها حين تسبق فقال عمرو بن معدي كرب [وافر] : إذا لم تستطع شيئاً فدعه ... وجاوزه إلى ما تستطيع فتكافأ في هذين [البيتين] ، سواء المتبع والمبتدع تكافؤ لا يخفى على من يعرف أسرار الكلام. 905- وقال زيد الخيل الطائي [طويل] : أعلقم لا تكفر جوادك بعد ما ... نجا بك من بين المنايا الحواضر ونجاك يوم الروع إذا حضر الوغى ... مسح كفتخاء الجناحين كاسر فأخذه [النجاشي الحارثي] فقال [طويل] : ونجي ابن حرب سابح ذو علالة ... أجس هزيم والرماح دواني إذا قلت أطراف الرماح ينلنه ... مرته به الساقان والقدمان 906- وقال عدي بن زيد [خفيف] : بفلاة كأنما الضب فيها ... حين يومي نعامة أو بعير فأخذه الحطيئة في الإسلام فقال [طويل] : بأرض ترى فرخ الحباري كأنه ... بها راكب موف على ظهر فرقد 907- وقال النابغة [بسيط] : يوم بأجود منه سيب نافلة. 908 قال امرؤ القيس [طويل] : كأن قلوب الطير رطباً ويابساً ... لدى وكرها العناب والحشف البالي فمن أقبح الإساءة قول أبي صخر الهذلي [طويل] :

909 وقال عنترة _وهو أول من نطق بهذا المثل_[كامل] :

كأن قلوب الطير عند مبيتها ... نوى القسب يلقى عند بعض المآدب فقصر في العبارة، وأخذ بأحد المعنيين، لأنه شبه باليابس دون الرطب. 909 وقال عنترة _وهو أول من نطق بهذا المثل_[كامل] : شككت بالرمح الطويل ثيابه ... ليس الكريم على القنا بمحرم فأخذه آخر وقصر، وإن كان محسناً فقال [وافر] : وقالوا: ماجداً منكم قتلنا ... كذاك الرمح يكلف بالكريم وقال حسان ووقع دون الأول، إلا أنه أتى بتلك العبارة فلم يفد أكثر من تكرارها: وما السيد الجبار حين يريدنا ... بكيد على أرماحنا بمحرم وقال امرؤ القيس [كامل] : الله أنجح ما طلبت به ... والبر خير حقيبة الرجل ويقول تعرفه الرجال ذوو النهى. 910 وممن أخذ وأفسد أبو رمح الخزاعي بقوله [طويل] : متى تأته تعشو إلى ضوء ناره ... ............. غير ياسر وإنما أخذه من أبرع لفظ ومعنى للأعشى حيث يقول [طويل] : 911- وممن أخذ فأفسد عبد الله بن العجاج التغلبي فإن طرفة قال: فإن كنت مأكولاً فكن خير آكلي ... فبعض منايا القوم أشرف من بعض فقال عبد القادر [طويل] : فإن كنت مأكولاً فكن أنت آكلي ... وإن كنت مذبوحاً فكن أنت ذابحي قاله، استدركه الله بغضب يلحقه بناره، فما أشد قحته، وأقبح ما عوضناه من ذلك المثل السائر المطبوع. 912 وانظر إلى قول الحطيئة [طويل] : لعمري لنعم الحي من آل جعفر ... بحوران أمسى أعلقته الحبائل فإن تحي لا أملك حياتي وإن تمت ... فما في حياة بعد موتك طائل وما كان بيني لو لقيتك سالماً ... وبين الغنى إلا ليال قلائل فحاول بعض المحدثين الفصحاء، تأول الثالث وتعاطي أخذه معناه، فأطال كل الإطالة، ثم لم يستطعه، ولم يدركه، ولم يزل يقتاده عنان التقصير عن مساواته، إلى أن ضمن أبياته، البيت بعينه، فيا سبحان الله ما شاد تفاوت ما بين القرائح، وأبعد ما بين الطلب والمطلوب -أخبرنا محمد بن يحيى قال أخبرنا عون بن محمد قال حدثنا حمدان بن زكرياء الباهلي قال حدثنا أبو دهمان الغلابي أنه قصد عاملاً بمصر زائراً فحين شارفها، لقيه على ميل منها منصرفاً معزولاً، فقال [طويل] : ولما دنت مني المخائل للغني ... وكان كشيء قد حوته الأنامل جرى قدر في صرفه بعد ما اعتلى ... وأعقبت الأعذار منه الطوائل لئن فاتني حظ بما كنت أرتجي ... وأخلفني منه الذي كنت آمل فما كل ما يخشى الفتى بمصيبه ... وما كل ما يرجو الفتى هو نائل وقد قال في هذا الحطيئة قبلنا ... وصرفت الأمثال فيه الأوائل "وما كان بيني لو لقيتك سالماً ... وبين الغنى ألا ليال قلائل" 913 وقال ابن مقبل [بسيط] : إني أقيد بالمأثور راحلتي ... ولا أبالي، ولو كنا على سفر وقال الخزيمي [كامل] : أو ما رأيت مطيتي معقولة ... بالسيف والرقباء حولي قوم وقد حكى أبو هفان في بعض ما حكي عنه أن، [أبا] يعقوب محسن في أخذه هذا المعنى، وفي قوله ذلك، دلالة على ضعف بصيرته بنقد الشعر، وقصور علمه عن تمييز الكلام وإذا كان ابن مقبل، قرب هذا المعنى، فقد أتى به مستوفياً استيفاء، قصر الخزيمي عن بلوغ غايته، كما وجب الحكم له بالإحسان، وذلك في بيت ابن مقبل زيادة، لا يجدها إلا من تقدمت له قدم في هذه الصناعة، ألا ترى إلى قوله "ولو كنا على سفر" لأن وصف الممدوح بعقر ناقته لأصحابه في حال السفر، أجمع لشمل الكرم منه، في غيره، وهذه الزيادة خصوصاً، والاستثناء بها، في بيت ابن مقبل، أشرف مما في هذا المدح وإذا كان ذلك لا يقع من فاعله في حال سفره، وحاجته إلى راحلته التي يقطع بها الشقة إلى غرضه، ويحمي بها حمي نفسه، إلا عن كرم لا يجاري سحابه، ومجد لا ترتقي هضابه. 914 أخبرنا عبيد الله بن أحمد النحوي عن محمد بن الحسن عن أبي حاتم قال: حدثني رجل من أصحاب المدائني قال: جاء رجل إلى العتابي، فقال له ما أردت بقولك [بسيط] : في ناظري انقباض عن جفونهما ... وفي الجفون عن الآماق تقصير فقال: "أمستعلم أنت، أم معيب؟ "فقال: "بل معيب" فقال: لا أدري؟ قال أفتقول ما لا تدري؟ وألح عليه في السؤال، فقال: أردت أن أحكي قول بشار [وافر] :

915 أخبرنا محمد بن يحيى عن عون بن محمد الكندي قال: أخبرنا إسحاق بن [إبراهيم]

جفت عيني عن التغميض حتى ... كأن جفونها عنها قصار يروعه السرار بكل شيء ... مخافة أن يكون به السرار فلم يتهيأ لي، أن ألحق بهذا القول، "قال: فصار الرجل إلى بشار فقال له: قلت أحسن بيت، ثم أفسدته بالبيت الثاني، قال بشار: "أردت أن ألحق المجنون في قوله [وافر] : كأن القلب ليلة قيل يغدي ... بليلي العامرية أو يراح قطاة عزها شرك فباتت ... تجاذبه وقد علق الجناح لها فرخان في أيك بقفر ... على غصن تميله الرياح إذا سمعا هبوب الريح نصاً ... وقد أودى بأمهم المناح فلا في الليل نالت ما ترجى ... ولا في الصبح كان لها براح "فلم أستطع أن أقول ذلك". 915 أخبرنا محمد بن يحيى عن عون بن محمد الكندي قال: أخبرنا إسحاق بن [إبراهيم] الموصلي وقال: ما أنشدت الأصمعي بيتاً قط إلا [وأنشدني] مثله، حتى كأنه جعله معداً لذلك، قال: فأنشدني الأصمعي [بيتي.. قتلتك أخت [بني ... ... ... قبله.. [هو] اها وأعا [رها...... ... .......غيرك ودها وهواها قال: ثم [قال] الأصمعي [ففي هذين كان] متبعاً و [لولا أنه] قد جاء بالمعنى في بيتين لكان أحق [بالمعنى] قال: وقد قال آخر فقصر في هذا المعنى [طويل] : جننا على ليلى وجنت بغيرنا ... وأخرى بنا مجنونة ما نريدها 916 ومن أحسن التكافؤ قول الأعشى [طويل] : وأرعن مثل الطود غير إشابة ... تناجز أولاه ولم يتصرم [فقال] غيره وأحسن، وإن كان تبعه [طويل] : بجيش لهام يحسب الطرف أنهم ... وقوف لحاج والركاب تملج 917 وقول الأعشى يصف ناقته [كامل] : بجلالة سرج كأن بدفها ... هراً إذا انتعل المطي ظلالها فقال [الآخر] وتجاوز ذكر الهر وتشبيهها في سراحها بحلولها بدفها، وزاد في تشبيه الظل زيادة بارعة، سد بها ذلك الخلل، وأحسن عنها العبارة [طويل] : وقد أنعلتها الشمس ظلالاً كأنه ... قلوص حبارى ومنها قد تمددا باب نقل المعنى إلى غيره 918 وهذا باب ينقل فيه المعنى عن وجهه الذي وجه له، واللفظ عن طريقه التي سلك به، فيها إلى غيره، وذلك صنعة راصة الكلام، وصاغة المعاني، وحذاق السراق، إخفاء للسرق، والاحتذاء، وتورية عن الاتباع والاقتفاء. 919 وسأكتب في هذا الباب من هذين النوعين ما يكون دلالة على استنباط أساليبه، ومعرفة ضروبه وأفانينه. 920 وأكثر ما يطوع النقل في المعاني خاصة، للمحدثين، لأنهم فتحوا من نوار الكلام ما كان هامداً، وأيقظوا من عيونه ما كان راقداً، وأجروا من معينه ما كان راكداً وأضحكوا من مباسمه ما كان قاطباً، وحلوا من أجياده ما كان عاطلاً. 921 فمن أحسن النقل قول امرئ القيس في صفة الثقة بالفرس [طويل] : إذا ما ركبنا قال ولدان أهلنا ... تعالوا إلى أن يأتي الصيد نحطب فنقل هذا المعنى ابن مقبل إلى صفة القدح فقال [طويل] : إذا استخبرته من معد عصابة ... غدا ربه قبل المفيضين يقدح فوصف ثقته بقوته، فأخذ هذا المعنى ابن المعتز فقال [رجز] : قد وثق القوم له بما طلب ... فهو إذا جلى لصيد واضطرب عروا سكاكينهم من القرب 922 وقال امرؤ القيس يصف فرساً [طويل] : طويل عريض مطمئن كأنه ... بأسفل ذي سيفين سرحة مرق ب فنقلته الخنساء إلى المدح، وزادت فيه زيادة لطيفة فقالت [بسيط] : وإن صخراً لتأتم الهدأة به ... كأنه علم في رأسه نار فنقله أبو نواس إلى وصف الخمر فقال [رمل] : فاهتدى ساري الظلام بها ... كاهتداء السفج بالعلم 923 ومن النقل قول امرئ القيس [طويل] : فظل العذارى يرتمين بلحمها ... وشحم كهداب الدمقس المفتل وجرى على السبيل المجنون فقال [طويل] : أشارت بموشوم كأن بنانه ... كهداب ريط من دمقس مفتل باب تكافؤ السابق والسارق في الإساءة والتقصير 924 وهذا باب يجري ونظائره في كتابنا الموسوم "بالحالي والعاطل في نقد الشعر" وقد أوردت هاهنا درراً يستدل بها على أمثالها. 925 قال الفرزدق، وأساء الأمنية [طويل] : فياليتنا كنا بعيرين لا نجد ... على منهل إلا نشل ونقذف

926 ومثله قول مجنون بني عامر [طويل] :

فاسترقه كثير فقال [طويل] : ألا ليتنا يا عز كنا لدى غنى ... بعيرين نرعى في الفلاة ونعزب قال أحمد بن يحيى: "وهذا مما كره من سوء الأمنية". 926 ومثله قول مجنون بني عامر [طويل] : خليلي لا والله لا أملك الذي ... قضى الله في ليل لا ما قضى ليا قضاها لغيري وابتلاني بحبها ... فهلا بشيء غير ليلى ابتلانيا قال: "فلما قال: فهلا بشيء، ذهب بصره" وفي رواية أخرى، مرض. 927 ومن فساد المعنى قول لبيد [رمل] : لو يقول الفيل أو فياله ... زل عن مثل مقامي وزحل [فظن] أن للفيال حيلاً كحيل الفيل، فتبعه في هذه الإساءة كعب بن زهير فقال [بسيط] : لقد أقوم مقاماً لا يقوم به ... غيري وأسمع ما لا يسمع الفيل فظل يرعد إلا أن يكون له ... من النبي بإذن الله تنويل فجرى على سبيله في الإساءة الآخر، فقال: ... ض ... يوم القيا ... ... ... فصائل والحصيل [وزاد في الإساءة] والتقصير والتهافت في قبح الاتباع قول الشماخ [وافر] : إذا بلغتني وحملت رحلي ... عرابة فأشرقي بدم الوتين حرمت على الأزمة والولايا ... وأعلاق الجحالة والوضين قال أبو علي: ولم أر أحداً من علماء العشر يحمد هذا المذهب من الشماخ، ولا أوجد له وجهاً مرضياً في وصف النوق التي تمتطيها الشعراء إلى الممدوحين، وكان أحيحة بن الجلاح قال للشماخ لما أنشده هذه البيت: "بئس المجازاة جازيتها به" فاقتفى ذو الرمة مذهبه في الإساءة، فقال [طويل] : إذا ابن أبي موسى بلالاً بلغته ... فقام بفأس بين وصليك جازر فاحتذى حذوهما أبو دهبل الجمحي فقال [مجزوء الكامل] : يا ناق سيري وأشرقي ... بدم إذا جئت المغيرة سيشيبني أخرى سوا ... ك، وتلك لي منه يسيره فاقتضب لفظ ذي الرمة ابن أبي عاصية السلمي فقال [كامل] : إن زال معن بني شريك لم يزل ... يدني إلى سفر بعير مسافر ندر علي لئن لقيتك سالماً ... أن تستمر بها شفار الجازر ثم نحرها عند وصولها إليه، فبلغ ذلك معنا فتطير، وقال له: ما حملك على ما صنعت؟ فقال: نذر كان علي، وأنشده الشعر، فقال معن أطعمونا من كبد هذه المظلومة. 928 أخبرنا محمد بن يحيى اليزيدي عن أحمد بن سليمان بن وهب أن محمد بن علي الهمداني، لما أنشد عبيد الله بن يحيى بن خاقان، قصيدته فيه، فقال [بسيط] : إلى الوزير عبيد الله مقصدها ... أعني ابن يحيى حياة الدين والكرم إذا رميت برحلي في ذراه فلا ... نلت المنى منه إن لم تشرقي بدم وليس ذاك بجرم منك أعلمه ... ولا بجل الذي أسديت من نعم لكنه فعل شماخ فآتيه ... لدى عرابة إذ أدته للأطم [يقول أحمد بن سليمان بن وهب] : فلما سمع عبيد الله هذا البيت، قال: ما معنى هذا؟ قال له ابن سليمان-وما كان لعبيد الله أدب بارع ولا رواية-: أعز الله الوزير إن الشماخ مدح عرابة الأوسي بقصيدة، فقال يخاطب فيها ناقته "إذا بلغتني وذكر البيت، فعاب عليه أبو نواس فقال [كامل] : فإذا المطي بنا بلغن محمداً ... فظهورهن على الرجال حرام قربننا من خير من وطي الحصي ... فلها علينا حرمة وذمام فقال عبيد الله: "أبو نواس على صواب، والشماخ على خطأ" [يقول أحمد بن سليمان بن وهب] فقال له أيب: "قد أتى الوزير بالحق، وكذا قال عرابة الممدوح للشماخ، لما سمع هذين البيتين". 929 قال محمد بن يزيد "ولم يعب في هذا المعنى قول عبد الله بن رواحة الأنصاري لما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد زيد، وجعفر بن أبي طالب رضي الله عنه في جيش موته [وافر] : إذا حملتني وحملت رحلي ... مسيرة أربع بعد الحساء فشأنك فانعمي وخلاك ذم ... ولا أرجع إلى أهلي ورائي قال أبو علي: فجزم هذا بالدعاء، وقوله: "لا" معناه: اللهم لا، 930 أخبرني محمد بن يحيى قال أخبرنا أبو العيناء عن أبيه قال سمعت أبا نواس يقول: ما أحسن الشماخ حين يقول "إذا بلغتني" وذكر البيت ألا كما قال الفرزدق [وافر] : على م تلفتين وأنت تحتي ... وخير الناس كلهم أمامي متى تردي الرصافة تستريحي ... من الاتساع والدبر الدوام

931 قال أبو علي: وما يستحسن من وصف مجازاة الرواحل عند حط رحالهن في معاني

قال [أبو نواس] : وكان قول الشماخ عندي عيباً حتى سمعت قول الفرزدق فقلت "إذا المطي" وذكر البيتين، وقلت أيضاً [وافر] : أقول لناقتي إذ بلغتني ... لقد أصبحت مني باليمين فلم أجعلك للغربان نحلاً ... ولا قلت أشرقي بدم الوتين 931 قال أبو علي: وما يستحسن من وصف مجازاة الرواحل عند حط رحالهن في معاني الممدوح، قول داود بن أسلم في قثم بن العباس [السريع] : نجوت من حل ومن رحلة] ... يا ناق إن قربتني من قثم إنك إن بلغتنيه غداً ... عاش لنا اليسر ومات العدم في باعه طول وفي وجهه ... نور، وفي القرنين منه شمم لم يدر ما "لا" وبلى قد درى ... فعافها، واعتاض منها نعم هذا باب من [النظر] والملاحظة 932 قال أبو علي: وهذه، ضروب [دقيقة قلما ترد المدارك] ، من الإشارة إلى المعنى، وإخفاء السر. 933 فمن لطيف النظر [والملاحظة قول] أوس بن حجر [طويل] : سأجزيك أو يجزيك عني مثوب ... وحسبك أن يثني عليك وتحمدي [ينظر إليه قول الحطيئة نظراً خفياً] حتى يكشف قناعه [بسيط] : من يفعل الخير لا يعدم جوازيه ... لا يذهب العرف بين الله والناس فقوله "لا يذهب العرف بين الله والناس" هو قول أوس بن حجر: "سأجزيك أو يجيك عني مثوب" لأن المثوب هو الله عز وجل، وفي بيت الحطيئة زيادة بذكر الناس. 934 ومن خفي النظر ولطيفة قول السموأل [طويل] : تسيل على حد السيوف نفوسنا ... وليست على غير السيوف تسيل وينظر إليه قول زهير [طويل] : فإن يقتلوا فيشتفي بدمائهم ... وكانوا قبيلاً من مناياهم القتل 935 ومن خفي النظر قول مهلهل [خفيف] : أنبضوا معجس القسي وأبرق ... نا كما ترعد الفحول الفحولا فنظر إلى هذا أبو ذؤيب فقال وأخفاه [طويل] : ضروب لهامات الرجال بسيفه ... إذا جن نبع بينهم وشريج 936 وقال امرؤ القيس -وهو أول من نطق به-[طويل] : سموت إليها بعدما نام أهلها ... سمو حباب الماء حالاً على حال فنظر عمر بن أبي ربيعة إلى هذا نظراً خفياً فقال [سريع] : فأسقط عليها كسقوط الندى ... ليلة لاناةٍ، ولا زاجر 937 ومن لطيف النظر البعيد قول أوس [متقارب] : ألم تكسف الشمس والبدر وال ... كواكب للقمر الواجب فنظر إلى هذا المعنى وأخفاه كل إخفاء، النابغة الذبياني [طويل] : يقولون حضن ثم تأبى نفوسهم ... وكيف يحضن والجبال جنوح وإنما نظر هذا البيت إلى البيت الذي قبله، لأن أوساً تعجب من ثبات الشمس والقمر، والكواكب، وأنها لم [تكسف] ولم تسقط لفقد "فضالة"، هذا الرجل الذي رثاه، والنابغة إلى هذا المعنى ذهب يقول: نعي "حضن" ثم أبوا نعيه، إعظاماً له ثم استرجع فقال: كيف يكون مات، والجبال ما [تموت، ولم] تزل عن مكانها، كأنه استعظم موته. 938 ومن لطيف النظر والملاحظة قول الآخر [طويل] : إذا بل من داء به ظن أنه ... نجا، وبه الداء الذي هو قاتله نظر إلى هذا المعنى ابن الرومي نظراً خفياً فقال [كامل] : نظرت فأقصدت الفؤاد بسهمها ... ثم انثنت عنه فكاد يهيم ويلاه؟ إن نظرت، وإن هي أعرضت ... وقع السهام ونزعهن أليم باب كشف المعنى وإبرازه بزيادة منه تزيده نصاعة وبراعة 939 قال امرؤ القيس [طويل] : كبكر المقاناة البياض بصفرة ... غذاها نمير الماء غير المحلل فأخذ هذا المعنى ذو الرمة فكشفه، وأبرزه، وزاد فيه زيادة لطيفة فقال [بسيط] : كحلاء في برج صفراء في نعج ... كأنها فضة قد مسها ذهب 940 وقال امرؤ القيس [طويل] : نمش بأعراف الجياد أكفنا ... إذا نحن قمنا عن شواء مهضب فقوله "نمشي" أي نمسح، والمشوش: المنديل، فذكر أن مناديلهم أعراف الخيل، فكشف هذا المعنى عبدة بن الطبيب فقال [بسيط] : تمت قمنا إلى جرد مسومة ... أعرافهن لأيدينا مناديل 941 وقال أبو دؤاد [رمل] : إنها حرب عوان لقحت ... عن حيال فهي تقتات الإبل فجعلها تقتات الإبل، لأنها تؤدي في الديات عن القتلى، في تلك الحال، فأخذ هذه الاستعارة بعض المتقدمين فقال وأحسن [كامل] :

هذا باب

فوضعت رحلي فوق ناجية ... تقتات شحم سنامها الرمل فأخذه أبو تمام فقال وزاد [طويل] : فقد أكلوا منها الغوارب بالسرى ... فصارت لها أشباحهم كالغوارب هذا باب الالتقاط والتلفيق 942 وهي ترقيع الألفاظ، وتلفيقها، واجتذاب الكلام من أبيات، حتى ينظم بيتاً. 943 فمن التلفيق قول يزيد بن الطثرية [طويل] : إذا ما رآني مقبلاً غض طرفه ... كأن شعاع الشمس دوني يقابله فقوله "إذا ما رآني مقبلاً" من قول جميل [طويل] : إذا ما رأوني طالعاً من ثنية ... يقولون من هذا؟ وقد عرفوني وقوله "غض" طرفه" فمن قول جرير [وافر] : فغض الطرف إنك من نمير ... فلا كعباً بلغت ولا كلاباً وقوله "كأن شعاع الشمس دوني تقابله" فمن قول عنترة بن عكبرة الطائي [وافر] : إذا أبصرتني أعرضت عني ... كأن الشمس من قبلي تدور 944 ومن الالتقاط والترقيع قول ابن هرمة [وافر] : كأنك لم تسر بجنوب خلص ... ولم تلمم على الطلل المحيل التقطه، ولفقه من بيتين: أحدها قول جرير [وافر] : كأنك لم تسر ببلاد نعم ... ولم تنظر بناظرة الخياما فصدر بيت ابن هرمة، من صدر البيت، وعجزه من قول الكميت [وافر] : ألم تلمم على الطلل المحيل ... بفيد وما بكاؤك بالطلول فما يصنع في بيت ابن هرمة، مع هذين البيتين!؟ 945 وممن كان يرقع ويلفق مع سعة صدره، وغزارة بحره، أبو فما يصنع في بيت ابن هرمة، مع هذين البيتين!؟ 945 وممن كان يرقع ويلفق مع سعة صدره، وغزارة بحره، أبو نواس، فمن ذلك قوله [طويل] : أشم طوال الساعدين كأنما ... يناط نجاداً سيفه بلواء صدر هذا البيت مجتذب من قول المساور بن هند [طويل] : أشم طوال الساعدين شمردل ... يكاد يساوي غارب الفحل غاربه أومن قول زياد بن عبد الله بن قرة حيث يقول [طويل] : أشم طوال الساعدين كأنما ... يناط إلى جذع طوال حمائله وقوله "نجادا سيفه بلواء" من قول العنبري، وإلى معنى بيته ذهب، ولم يبلغه [طويل] : فجاءت به عند العظام كأنما ... عمامته بين الرجال لواء فإنما أراد بقوله "كأنما عمامته بين الرجال لواء" بأن عمامته تشبه الرمح. هذا باب في نظم المنثور 946 قال أبو علي: ومن الشعراء المطبوعين طائفة تخفي السرق، تلبسه اعتماداً على منثور [الكلام] دون منظومه، واستراقاً للألفاظ الموجزة، والفقر الشريفة، والمواعظ الواقعة، والخطب البارعة. 947 وأبو العتاهية ومحمود الوراق شديداً اللهج بذلك كثيراً في أشعارهما ولصالح بن عبد القدوس درر من ذلك إلا أنه لم يكثر إكثارهما. 948 فمن تقدم هؤلاء، الأخطل، عمد إلى قول بعض اليونانيين "العشق شغل قلب فارغ" فنظمه فقال [طويل] : وكن قتلت أروى بلادية لها ... وأروى لفراغ الرجال قتول 949 وقال محمد بن سلام قال معاوية بن أبي سفيان "أكرام الشاعر من بر الوالدين" قال ابن سلام فقدم على أبي أيوب المكي شاعر من واسط، فمدحه، ونظم هذا الكلام فقال [خفيف] : إن من بر والديك جميعاً ... إن توخى مسرة الشعراء 950 ومن بديع التشبيه قول العباس بن الأحنف [منسرح] : أحرم منكم بما أقول وقد ... نال به العاشقون من عشقوا حتى كأني ذبالة نصبت ... تضيء للناس وهي تحترق وإما انتظم به قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه "أنا لكم ذبالة تضيء وتحترق". 951 ويروى عن النبي أنه قال:"اليد العليا خير من اليد السفلى" فنظم أبو العتاهية بعض هذا اللفظ، وأخل ببعضه، فقال [سريع] : إفرح بما تأتيه من طيب ... إن يد المعطي هي العليا 952 وقال عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- للقاسم بن محمد، ومحمد بن كعب القرظي: "عظاني" فقال محمد بن كعب القرظي "استيقن أنك أول خليفة يموت" وقال القاسم: "أبونا آدم أخرج من الجنة بذنب واحد" فنظم قول القاسم محمود الوراق فقال [كامل] : تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي ... درك الجنان بها وفوز العابد ونسيت أن الله أخرج آدماً ... منها إلى الدنيا بذنب واحد

953 وقال عبد الله بن مسعود "إن الرجل ليظلمني فارحمه" فنظم محمود هذا فقال [كامل] :

953 وقال عبد الله بن مسعود "إن الرجل ليظلمني فارحمه" فنظم محمود هذا فقال [كامل] : إني شكرت لظالمي ظلمي ... وغفرت له ذاك على علم ما زال يظلمني وأرحمه ... حتى رثيت له من الظلم 954 وقال نادب الأسكندر عن وفاته -وقد بكى من كان بحضرته- "حركنا بسكونه فنظم هذا، أبو العتاهية فقال [خفيف] : قد لعمري حكيت لي غصص المو ... ت وحركتني لها وسكنتا 955 ويقال إنه لما مات الإسكندر ندبه أرسطاطاليس فقال: "قال ما كان هذا الشخص واعظاً بليغاً، وما وعظ بكلامه موعظة قط أبلغ من موعظته بسكوته "فنظم هذا المعنى صالح بن عبد القدوس وبسط لفظه"، فقال وأحسن [خفيف] : وينادونه وقد صم عنهم ... ثم قالوا: وللنساء نحيب ما الذي عاق أن ترد جواباً ... أيها المقول الألد اللبيب إن تكن لا تطيق رجع جواب ... فيها قد نرى وأنت مطيب ذو عظات وما وعظت بشيء ... مثل وعظ السكوت إذ لا تجيب وأحسبه نظر في قوله "إن تكون لا تطيق رجع جواب" إلى مخاطبه المؤيد لقباذ بعد موته: "كان الملك أمس أنطق منه اليوم، وهذا اليوم أوعظ منه أمس". 956 وفي خطبة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وعظ الناس بها حين ضربه ابن ملجم لعنه الله: "وليعظكم هدوئي، وخفوت أطرافي، فإنه أوعظ لكم من النطق البليغ" فنظم أبو العتاهية لفظ المؤيد فقال وعضد المعنى بها يهيج اللوعة، ويقدح زناد الكآبة والوجد [وافر] : طوتك خطوب دهرك بعد نشر ... كذاك خطوبه نشراً وطياً فلو نشرت قواك لي المنايا ... شكوت إليك ما صنعت إليا كفى حزناً بدفنك ثم إني ... نفضت تراب قبرك عن يديا وكانت في حياتك لي عظات ... فأنت اليوم أوعظ منك حياً 957 فاحتذى هذا المعنى ابن طباطبا العلوي فقال [كامل] : وعظ الورى بسكونه فأتاهم ... ببيان قس حين قال له اخطب 958 وخرج عمر بن عبد العزيز مع جماعة من أهله، فمر بمقبرة فقال "قفوا حتى آتي الأحبة فأسألهم وأسلم عليهم" فلما تسوطها وقف، فسلم، ثم قال لأصحابه لما عاد إليهم: ألا تسألون ماذا قلت؟ وماذا قيل لي؟ وقالوا يعرفنا أمير المؤمنين! قال: "لما وقفت وسلمت فلم يردوا، ودعوت فلم يجيبو، نوديت: يا عمر! أما تعرفني؟ أنا الذي غيرت محاسن وجوههم، ومزقت الأكفان عن جلودهم، وفرقت المفاصل والأقدام، ومنعتهم عن الأنفاس والكلام" ثم لم يزل يبكي حتى سقط مغشياً، فنظر إلى هذا المعنى أبو العتاهية فقال [كامل] : إني سألت الترب ما فعلت ... بعدي وجوه فيك منعفره فأجابني: صيرت ريحهم ... تؤذيك بعد روائح عطره وأكلت أجساداً منعمة ... كان النعيم يصونها نضره لم يبق غير جماجم بليت ... بيض تلوح، وأعظم نخره 959 وقيل لأعرابي، وقد خلا بمن أحب، ما رأيت؟ فقال: "ما زال القمر يرينها، فلما غاب أرتنيه" فنظم هذا الحسن بن سهل فقال [وافر] : أراني البدر سنتها عشاء ... فلم أزمع البدر الأفولا أرتنيه، بستنها فكانت ... من البدر المنور لي بديلا فنظر إلى هذا البحتري، فقال ولم يستوفه [طويل] : أضرت بضوء البدر، والبدر طالع ... وقامت مقام البدر لما تغيبا 960 ويروى أن أرسطاطاليس قال "قد تكلمت بكلام لو مدحت به الدهر ما جارت علي صروفه" فنظم هذا المعنى أبو عثمان الناجم، وأحسن فقال [وافر] : ولي في حامد أمل قديم ... ومدح قد مدحت به طريف مديح لو مدحت به الليالي ... لما جارت علي لها صروف هذا باب في اتساع المعنى والشركة مما يشبه المأخوذ وليس بمأخوذ 961 فمن ذلك قول امرئ القيس [متقارب] : إنا وإياهم وما بيننا ... كموضع الرود من الكاهل 962 وللحارث بن حلزة [متقارب] : وبيت شراحيل في وائل ... مكان الثريا من الأنجم 963 ولسحيم بن وثيل [وافر] . ألم تر أنني من حميري ... مكان الليث من وسط العرين 964 ولمعقل بن مجمح الأسدي [وافر] : ولو أني أشاء لكنت منهم ... مكان الفرقدين من النجوم 965 وقال أبو الكنود الخزاعي وهو جاهلي [وافر] :

966 ولعتبة بن الوعل التغلبي في كعب بن جعيل [متقارب] :

أرادوا أن نزول لهم فكنا ... مكان يد النديم من النديم 966 ولعتبة بن الوعل التغلبي في كعب بن جعيل [متقارب] : وسميت كعباً بشر العظام ... وكان أبوك يسمى الجعل وإن مكانك من وائل ... مكان القراد من أست الجمل 967 وقال بعض بني عجل [وافر] : فأقسم أنه قد حل منها ... محل السيف من قعر القراب 968 وقال الطرماح [وافر] : نزلنا في التعزز من معد ... مكان القدر من وسط الأثافي 969 وقال الأسلع بن قضاب الطهوي [طويل] : تكون إذا دارت عليكم عظيمة ... وفي أي يوم لا تنوب العظائم مكان القرادي في الجناح وإنما ... تطير بظهران الجناح القوادم 970 وقال الفرزدق [طويل] : ونحن إذا عدت معد قديمها ... مكان النواصي من وجوه السوابق فهذا وأمثاله اتساع واشتراك، ولي باستراق ولا اجتلاب. هذا باب فيما يشبه المأخوذ وليس بمأخوذ 971 قال المنخل [طويل] : وإنا لنعطي النصف من لو نضيمه ... أقر ونأبى نخوة المتظلم 972 وقال الفرزدق [طويل] : ترى كل مظلوم إلينا فراره ... ويهرب منا جهده كل ظالم 973 ومن المشبه الذي ليس بمأخوذ قول نهشل بن حري [طويل] : أقول وقد سافت لبوني تلاها ... كما ساف أعجاز التلاد الطرائف -الطرائف ها هنا: الإبل المستحدثة، فإذا أرسلت في الإبل التلاد تنكرتها، فتسوف أعجازها. ومعنى تسوف: تشتم-. 974 وقول علي بن الغدير الغنوي [طويل] : أدافع عن مجد تليد وراثةً ... وقد ترفد المجد التليد الطرائف 975 ومن هذا الباب أيضاً قول أبي صمعاء مساور بن هند [بسيط] : إني أنا الليث يحمي عن فريسته ... وقد يحك بقرينه أسته الوعل 976 وقول الأعشى [بسيط] : كناطح صخرة يوماً ليفلقها ... فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل فهذه الأبيات تشبه المأخوذ، وليست بمأخوذة على الحقيقة. [الفصل السادس] فصل من المعاني والأحاجي 977 وقال أبو علي: هذه قطعة اخترتها من محاسن أبيات المعاني تتعلق بالمذاكرة، ويفتقر إلى أبياتها في "حلية المحاضرة". 978 أحسن ما قيل في الأنواء من أبيات المعاني: أنشدنا محمد بن عبد الواحد قال أنشدنا أحمد بن يحيى ليرقم السدوسي [متقارب] : إذا القوس وترها أيد ... رمى فأصاب الكلى والذرى وأحيا ببلدته بلدة ... عفت بعد أن قد عفاها الصدا وجاء الجنين بعين التي ... شكت طول عوارها والقذا فأصبحت والليل مستحلس ... وأصبحت الأرض بحراً طماً القوس: قوس قزح، والأيد: القوي، وهو الملك الموكل بالسحاب: يعني أنبت العشب فرمى سمناً في أسمنة الإبل، وكلاهما والبلدة: من منازل القمر، ومطرها لا يخلف وبرقها لا يخلب، وعفت: كثرت بعد أن عفاها، أي درسها، الصدا: وهو العطش، والليل مستحلس: أي مستحكم الظلمة، و"أصبحت الأرض بحراً طماً" أي بالمطر. و"جاء الجنين" فإنه يعني به الجبهة، وهي أيضاً من منازل القمر، وإذا أطلعت الأرض نباتها، قيل نظرت إلى البلاد بعينيها، وإذا تكامل، قيل نظرت إلي بعينين، فإذا أسقطت الجبهة قيل نظرت إلي بإحدى عينيها، أي بدأ الزهر فيها، واختلفت رؤوس الإبل في مباركها. 979 ومقل هذا قول الآخر [وافر] : إذا نظرت بلاد بني حبيب ... بعين أو بلاد بني صباح رميناهم بكل أقب نهر ... وفتيان الكريهة بالصباح -يقول: إذا نبت العشب، وانتهى طوله، غزوناهم بكتائبنا، وهو من أوقات غزوهم. 980كما قال [طويل] : وقد جعل الوسمي ينبت بيننا ... وبين بني رومان نبعاً وشوحطا يقول: أخصبنا فحلمنا القسي، وهي تعمل من النبع، والشوحط. فكأن الوسمي أنبت القسي بيننا. 981ومثله للنابغة [طويل] : وكانت لهم ربعية يحذرونها ... إذا خضخضت ماء السماء القبائل 982ومثله قول الآخر [طويل] : سينبت حرمان الوشائج بيننا ... مصاب الثريا فانظروا ما مصابها دنت سقطة الجوزاء منا فسددوا ... مناكب حرب لا يطاق قرانها والجوزاء تسقط في القر، وتطلع في الحر-

983ومما يستحسن في هذا المعنى قول بعض بني تميم، وكان أسيرا في بعض أحياء العرب،

983ومما يستحسن في هذا المعنى قول بعض بني تميم، وكان أسيراً في بعض أحياء العرب، فعزموا على غزو قومه فكتب إليهم ينذرهم، ملغزاً [بسيط] : حلوا عن الناقة الحمراء واقتعدوا ... العود الذي في جنابي ظهره وقع إن الذئاب قد اختصرت برائنها ... والناس كلهم بكر إذا شبعوا يعني الناقة الحمراء: الدهناء، وهي أرض لبني تميم حمراء التراب، فضاء. وكانوا يركبونها دائماً. والعود: الصمان، وهو جبل في بلاد تميم شبهه بالعود من الإبل، وهو المسن من الإبل. وعلى ظهره وقع: وهو آثار الدبر، لأن الصمان قد وطئ وكثرت آثار المطي فيه. فأراد: امتنعوا بركوب الصمان، لأنه وعر وصلب، يشق على الخيل أن تجري فيه. فأراد، والدهناء ممكنة وأراد بالذئاب: القوم المغيرين، شبههم بالذئاب لختلهم، وحرصهم على الغارة. وقوله "اخضرت براثينها" أي أقدامهم من الكلأ. وسمي الأقدام براثن، استعارة. وقوله "والناس كلهم بكر إذا شبعوا" يريد أن الحرب مكثت بين بكر وتغلب أربعين سنة. 984ومثل هذا قول الآخر [بسيط] : قد كنت تأمنني والجدب دونكم ... وكيف أنت إذا رقش الجراد نزا وهذا لا يكون إلا في الخصب والربيع. 985ومثله [رجز] : يا ابن هشام أهلك الناس اللبن ... فكلهم يسعى بقوس وقرن يعني أنهم نظروا للخصب، فحملوا السلاح. والقرن: الجعبة. 986ومثله [كامل] : قوم إذا اخضرت نعالهم ... يتناهقون تناهق الحمر والنعال: الأرض الصلبة. وليست تخضر الأرض الصلبة إلا وقد اخضر ما هو أسهل منها. 987ومثله [وافر] : إذا اخضرت نعال بني غراب ... بغوا ووجدتهم أشراً لئاماً 988ومثله [بسيط] : تناهقون إذا اخضرت نعالكم ... وفي الحفيظة أبرام مضاجير 989ومثله [كامل] : قوم إذا نبت الربيع لهم ... نبتت عداوتهم مع البقل 990ومثله [طويل] : وفي البقل إن لم يدفع الله شره ... شياطين ينزو بعضهن على بعض 991ومثله [طويل] : ومالي لا أغزو وللدهر كرة ... وقد نبحت دون السماء كلابها والكلاب تنبح عند تكاثف الغيم، لمرض يلحقها، عند ذلك، فتنبحه فزعاً. فالكلب إذا أنكر شيئاً نبحه. ألا ترى إلى قول ... يعني أضيافاً نزلوا به. فشبه جرهم لحم الجزور التي نحروها لهم بقوم رجعوا من صيد ظباء ونعاج. فهم يجرون صيدهم. والجونة: الصلبة الواسعة. وإنما يعني ها هنا قدراً شبهها بالصلبة. والدهابيج: فارسية معربة: وهي الإبل الفوالج التي لكل منها سنامان. الواحد: دهباج. وقوله: وقع الانباج، يعني الأثافي وصفها بالصلابة. وبربرت: صوت عليها. وقوله: بقية أرواح الشتاء، جعله وقتاً لذلك نصبه. يقول: فلا تزال قدورنا منصوبة يطعم منها ما دامت أرواح الشتاء. 992قال الفرزدق [طويل] : حططنا إليها من حضيض عنيزة ... ثلاثاً كذود الهاجري رواسيا يعني قدرا قرب إليها ثلاث أثاف. وعنيزة: موضع. والهاجري: رجل من بني هاجر بن ضبة. وابلهم سود. فشبه الأثافي بها. 993 وقال الرماح بن ميادة المري [طويل] : فقلت لها لا تعجلي وتأملي ... كذاك تفدى الشول ما لم تدور إلى جامع مثل النعامة تلتقى ... غواربه فوق المحال الموقر جامع: قدر كبيرة شيبهها بالنعامة لكبرها. أحسن ما ورد من أبيات المعاني في القداح 994ومن أحسن ما قيل في ذلك قول عمرو بن قميئة [طويل] : بأيديهم مقرومة ومغالق ... تعود بأرزاق العيال منيحها مقرومة: قداح قد عضت. والقرم: العض، أي أعلمت بذلك. والمنيح في هذا البيت قدح فائز مستعار لما قد عرف من فوزه وحظه. كما قال ابن مقبل "فائز متمنح". 995مثله قول عمرو بن قميئة أيضاً [سريع] : وجامل خوف من بليه ... زجر المعلى أصلاً والمنيح جامل: قطعة من جمال. وخوف: نقص. من قول عز وجل أو يأخذهم على تخوف أي نقص. وقيل له رجل جامل أي قطعة من جمال. وقوله: من بليه، أي جمعه. وتثميره: تكثيره، والمعلى: قدح فائز. يمتنح: أي يستعار. فإنما يعني أنهم أيسار يحملون القداح على إبلهم وينحرونها في الحقوق. والمنيح في غير هذا، قدح لا حظ له.

996وقال النمر بن تولب، وذكر قدحين لم يذكرهما غيره لقبهما بهذين اللقبين، وهما:

996وقال النمر بن تولب، وذكر قدحين لم يذكرهما غيره لقبهما بهذين اللقبين، وهما: المربوع، والعذار [كامل] : ظهرت ندامته وهان تسخطه ... ثنياً على مربوعها وعذارها يعني رجلاً نحر ناقته وندم لما رأى شحمها. فيقول: هل هانت ندامته على هذين القدحين اللذين خرجا بنحر هذه الناقة، لما أجالهما؟ 997ومن أحسن ما قيل في هذا المعنى قوله [وافر] : سيقضي في المحلق كل نضو ... كوقف العاج خراج ولوج إذا اصطك الأضاهيم اعتلاها ... بصدر لا أحل ولا عموج المحلق: إبل سماتها الحلق. نضو: يعني قدحاً قد ضمر من طول ما فيض. لا أحل: لا مسترخ ولا مستو. قوله "سيقضي في المحلق" يريد أنى أجيل هذا القدح على إبلي فأنحر منها بحكمه. أي بما يخرج به. 998وقال الراعي [طويل] : إذا لم يكن رسل يعود عليهم ... قرينا لهم بالشوحط المتقوب بقايا الذرى حتى يعود عليهم ... عزالى سحاب في اغتمامة كوكب الرسل: اللبن. يقول إذا ارتفعت ألبانها أجلنا الشوحط على إبلنا ونحرناها لأضيافنا وجيراننا. والمتقوب: الذي سقط عنه قرابه وهو قشره. والذرى: الأسمنة يقول: فكفلهم حتى يجيء الغيث وتخصب البلاد. وقوله "في اغتمامة كوكب" أي عند سقوطه وقطر نوئه. 999وقال عمرو بن شأس الأسدي [طويل] : وفتيان صدق قد أفدت جزورهم ... بذي أود خثن المتاقة مسبل أفدت: أهلكت. من قولهم فان الرجل إذا مات. وأفاده فلان قتله. وذو الأود: قدح قد حدث فيه الاعوجاج لكثرة ما يفاض به. خثن: خفيف. والمتاقة: التوقان إلى الخروج. ومسبل: أسم القدح. يعني أنه أجال القداح على الإبل فنحر منها جزوراً. 1000وقال لبيد بن ربيعة [طويل] : ذعرت قلاص الثلج تحت ظلاله ... بمثنى الأيادي والمنيح المثقب القلاص ها هنا: قطيع غيم ثلج. وذعرت: طردت. وإنما أراد أنه أطعم في الشتاء وشدة البرد. فكأنه طرد البرد بمثنى الأيادي: أي إعادة الأنعام يداً بعد يد. 1001كما قال النابغة [بسيط] : إني أتمم أيساري وأمنحهم ... مثنى الأيادي وأكسو الجفنة الأدما والمعقب: الذي به علم من عقب. يريد قدحاً ممتنحاً لفوزه. أحسن ما ورد من أبيات المعاني في البسالة 1002فمن أحسن ما قيل في هذا المعنى قول المعطل الهذلي [طويل] : فأي هذيل وهي ذات طوائف ... توازن من أعدائها ما توازن تبين صلاة الحرب منا ومنهم ... إذا ما التقينا والمسالم بادن توازن: تقاوم-يقول: إن الذي يصلى نار الحرب ويكابدها شاحب ضامر. والمسالم بادن أي سمين غير مهزول. 1003وقول أبي كبير الهذلي [كامل] : يتعطفون على المطي عطف ال ... عود المطافل في مناخ المعقل تقع السيوف على طوائف منهم ... فتقيم منهم ميل من لم يعدل يقول: من بأسهم وبسالتهم، إذا هاجمهم مهيج، لم يفزعوا فيتفرقوا، ولكن يقيمون للقتال، ويتعطفون على من أبطأ منهم أو ضعف، كما تتعطف الناقة العائذ على ولدها: وهي الحديثة النتاج. والمعقل: الحرز حيث تأمن. يقول: فنحن في الحرب رابطوا الجأش على هذه الحال. وتقع السيوف على الطوائف. والطوائف: الأيدي والأرجل والنواحي. يقول: إذا كان لنا دم فيهم منهم حتى نتساوى. 1004ومن أناشيد أبي تمام في الحماسة [طويل] : وكنا ظننا كل بيضاء نجمة ... عشية لاقينا صداء وحميرزا فلما فرعنا النبع بالنبع بعضه ... ببعض، أبت عيدانه أن تتكسرا سقيناهم كأساً سقونا بمثلها ... ولكنهم كانوا على الموت أصبرا فيه قولان. أحدهما أنه قال "قتلنا منهم أكثر مما قتلوا منا" والقول الثاني: "كانوا على الموت أصبرا" من قول الله عز وجل "فما أصبرهم على النار" أي ما أقل صبرهم. 1005وقول الآخر [طويل] : عقلنا لها من زوجها عدد الحصى ... مع الصبح أو في جنح كل أصيل يقول: قتلنا زوجها، فلم تجعل عقله إلا متهماً. فجلست تخطط في وجه الأرض لما اعتراها من الفكر في المصاب به. والمهموم يولع بالخط في الأرض. ويعدد الحصى. 1006كما قال الشاعر [طويل] : عشية مالي حيلة غير أنني ... بلقط الحصى والخط في الدار مولع وخص الليل لأن الهم يتضاعف فيه والآلام.

1007ويقول شرحبيل التغلبي [طويل] :

1007ويقول شرحبيل التغلبي [طويل] : أبينا أبينا أن تغنوا بعامر ... كما قلتم زبان في مسك ثعلب فديتكم عنه رجال شعارهم ... إذا ثوب الداعي ألا يال تغلب يقول: أبينا أن تأسروه فتقولوا فيه شعراً يتغنى به كما قلتم في زبان حين انهزم: إنه أروغ من ثعلب. ولكن حاربنا عنه، ودببنا حتى استنفدناه. 1008وقال أوس بن حجر يحرض عمرو بن معد على بني سحيم يذكر أنهم قتلوا أباه [كامل] : نبئت أن بني سحيم أدخلوا ... أبياتهم تأمور نفس المنذر نبئت أن دماً حراماً نلته ... فهريق في ثوب عليك محبر التأمور: دم القلب. والعرب تقول "دم فلان في ثياب فلان" إذا كان قاتله وإنما يعني بثياب الرجل، نفسه. ومثله. مات وفي برديه سبعون فارساً ... وعاد ومجداً في الكنائن باقياً يعني في كنائنه دم نواصي الفرسان الذين أسرهم ومن عليهم وجز نواصيهم. ويريد ببرديه نفسه: فلبئس ما كسب ابن عمرو رهطه ... شمر وكان بمسمع وبمنظر إن كان ظني يا بن هند صادقي ... لا تحقنوها في السقاء الأوفر حتى تلف نخيلهم وبيوتهم ... لهب كناصية الحصان الأشقر من كلام العرب "حقنها في السقاء الأوفر" و"حتى تلف نخيلهم وبيوتهم لهب" فإنه لم يرد الحريق. وإن كان شبههم به. وقوله "كناصية الحصان الأشقر" يريد حرباً كالحريق تركها. ووصف اللهب. 1009كما قال في قصيدة أخرى [طويل] : فما جزعوا أنا نشد عليهم ... ولكن رأوا ناراً تحش وتشفع 1010وقال ابن عبد العزى بن وديفة الرسي [منسرح] : تظنهم والسيوف هاوية ... يأخذن بين الأكتاف والكتد حتى أضافوا اللوى كأنهم ... يرمون بالصخر من ذرى أحد يقول: ضجوا من وقع السيوف فأجابهم الصدى من الجبال والأودية كما يجاب الساري يطلب القرى إذا عوى بالليل. فكأنهم أضافوا هذه المواضع. 1011وقال الآخر [طويل] : فغادره قيس ينوء بصدره ... كأن عليه أرجواناً مجللاً شهيد به نجد الفوارس واسمه ... وهام إذا ما أظلم الليل ولولا نجد الفوارس: شديدهم وقويهم، أي شهيد له بما فعل كل فارس نجد. واسمه إذا ذكر، استغنى بشهرته في الشجاعة عن تعديد ما فعل. وهام يعني الهام التي تزقو على قبور من قتل. 1012وقال رجل من بني أسد [بسيط] : أرعت مراتع مدراها على وهل ... صنوين إن أفردا لم يرعيا أبدا وشعشعت بالغراب الخمر وامتنعت ... من سر كل نجيد مشعر جلدا واستبدلت من رياض الأرض معشبة ... ثوب الأمير الذي في حكمه قعدا يصف امرأة قتل بعلها فجزت شعرها. وقوله "أرعت مراتع مدراها على وهل" يقول الشعر الذي تدريه بالمدرى. فكان كالمرتع له، بدلته صنوين. يعني مقراضين، وهما اللذان إن أفردا لم يصنع أحدهما شيئاً. والغراب ها هنا ضفيرة من ضفائر المرأة. كانت إذا مات زوجها أو قتل عنها وعزمت على أن لا تتزوج بعده، قامت تندبه، وغسلت تلك الضفيرة بخمر. فتلك علامتها. والسر: النكاح. والنجيد: القوي. والوهل: الفزع وقوله "واستبدلت من رياض الأرض ثوب الأمير" يعني أنها ألقت ثيابها المصبغات المطيبات التي تشبه الروض في ألوانه ونشره. ولبست ثوب الأمير: يعني السواد. 1013أنشدنا أبو عمر محمد بن عبد الواحد قال أنشدني أحمد بن يحيى ثعلب [كامل] : ألبست أثواب الفتاة سراتهم ... من بعد ما لبسوا ثياب الآئب قال: قتلتهم فضرجتهم بالدم، وكأنى ألبستهم أثواب العروس وهي الفتاة لأنها مصبغات وقوله "ثياب الآئب" يعني داود عليه السلام لأنه آب من الخطيئة أي رجع، وثيابه الدروع. 1014ومن مستحسن ما قيل في هذا المعنى قول ساعدة بن علي السعدي [طويل] : فأنت ابن هند يا ابن زيق وأمنا ... محضضة تأوى إليها المجاوس لئن لم تصحبك المصائب غارة ... تبيت عليك الضبع وهي عرائس محضضة: يعني أنها قد انحض شعرها. أي انجرد لكبرها. وهند: أم ابن زيق هذا الذي ذكر، فكأنه أقسم قسماً فقال: أنت ابن أمك ونحن بنو ثعلبة من الثعالب، إن لم نعزك ونفخر عليك، وقوله: "تبيت عليك الضبع وهي عرائس" يريد أن الرجل إذا سقط على وجهه، فإذا مضت ثلاثة أيام انقلب وانتفخ ذكره. فتجيء الضبع فتقع على ذكره.

1015ومثله قول العباس بن مرداس [طويل] :

1015ومثله قول العباس بن مرداس [طويل] : ولو قد قتلنا ما أسرنا لأصبحت ... ضباع بأكناف الأراك عرائسا 1016ومثله قول الحصين بن الحمام [وافر] : يظل الأشمط الضبعان فيها ... يلقح شوله بعد الحبال قال الأصمعي: ذكر ووصف كثرة القتلى. والضبعان: ذكر الضبع. يقول يشبع من لحوم القتلى، وتقبل الضبعفتفعل ما ذكرناه. 1017وقال الآخر [كامل] : صفان مختلفان حين تلاقيا ... آبا بوجه مطلق أو ناكح ذكر حيا أغار على حي، فهذا سبيت امرأته فكأنه طلقها. وهذا سبا امرأة فهو ناكح لها. 1018وقال بشر بن أبي خازم [طويل] : جعلن قشيراً ساعة يهتدى بها ... كما مد أشطان الدلاء قلبيها يقول: خلينا قد أغارت على بني قشير مراراً كثيرة. وغزتهم مراراً، وعرفت منازلهم فإذا ركبنا للغارة قصدتهم الخيل لا تعرج عنهم. فهي تهوى.. إليهم كما تهوى الدلاء في القليب. 1019ومثله [كامل] : وإذا رميت بحرب فيس لم تزل ... أبداً لخيلهم عليك دليل أي قد غزوك مراراً. فهم مهتدون إلى محلك. 1020وقال عنترة [وافر] : ومركضة رددت الخيل عنها ... وقد همت بالقاء الزمام فقلت لها اقصري منه وسيري ... وقد قرن الجزائز بالخدام [الجزائز] : جمع جزيزة، وهي الجزة من الصوف. ويروون: "ومرقصة". ومرقصة، يعني امرأة رأت الغارة فحركت بعيراً فهي ترقصه هاربة. وتحركه: تستحث به من الفزع. وقد همت بأن تلقى زمامه وتعطى [نفسها] للأسر. والجزائز: العهون التي تعلق على مواكب النساء. الواحدة: جزارة وجزيرة. والخدام: سيور تشد في رسغ البعير. 1021وقال درهم بن زيد [منسرح] : بيض جعاد كأن أعينهم ... تكحلها في الملاحم السدف السدف: جمع سدفة. وهي الظلمة. وإنما يعني أنهم شجعان لا تتقلب أعينهم من الخوف فيظهر بياضها. 1022وأما قول ضرار بن الخطاب الفهري [منسرح] : بيض سباط كأن أعينهم ... تكحل يوم الهياج بالعلق فإنما يعني أن عيونهم محمرة من الغضب. 1023ومن مستحسن أبيات المعاني في هذا الباب قول أوس بن حجر [بسيط] : هل سركم في جمادى أن نصالحكم ... إذا الشقائق معدول بها الحنك أم سركم إذ لحقنا غير فخركم ... بأنكم بي ظهري دجلة السمك يقول: هل سركم أن نصالحكم، فتسلموا على أحناككم كما يفعل البعير. هذا قول الأصمعي. وقال ابن الأعرابي: هل سركم أن نصالحكم لما أخصبتم، وأمرعت بلادكم، وتهادرت فحول إبلكم، والفحل لا يهدر إلا في الخصب إذا هاج في الربيع. يقول: فعلنا بكم فعلاً تمنيتم أنا كنا سلماً. والبعير إذا هدر أخرج شقشقته فطرحها على حنكه. ثم قال أم سركم إذ لحقناكم أنكم سمك في دجلة مما أوقعنا بكم. وقوله "غير فخركم" أي هذا فخر حق ليس كفخركم بالباطل. 1024وقال الحصين بن الحمام السلمي المري [طويل] : نطاردهم نستنقذ الجرد بالقنا ... ويستنقذون السمهري المقوما قال ابن الأعرابي: نستنقذ [الجرد، أي] نقتل الفرسان ونأخذ خيلهم. ويستنقذون السمهري، أي نطعنهم فتجرهم الرماح، أي ندعها فيهم. والسمهري: الصلب من الرماح. أحسن ما قيل في صفة السيوف من أبيات المعاني 1025أنشدنا أبو عمر قال أنشدنا أحمد بن يحيى ثعلب [طويل] : وكنت إذا الابريق أقعى على أسته ... وظن نديم السوء أن ليس راويا كررت عليه الكأس حتى كأنما ... يرى بالذي أسقيه منه الأفاعيا يريد بالابريق: السيف. ووإقعاؤه على أسته: الأخذ بقائمه. والكأس: كأس الشر. يقول: إذا طلب الشر مني طالب، وأبى السلم كررت عليه كأس الشر سقياً له بها حتى يروى. 1026ومثله ما أنشده ابن الأعرابي لآخر [طويل] : سقاه بابريق عليها وذائل ... وكأس وقوقاة، غلام حزور الابريق: السيف. والوذائل: السبائك من الفضة، واحدها وذيلة. يريد حلية السيف. وقوقاة: دائمة، وهي كأس الشر. 1027ومثله قول الآخر [سريع] : قد جئتمونا بأباريقكم ... كأننا دون بني الأسلاع أباريقكم: سيوفكم. وبنو الأسلاع كانوا هزموهم وقتلوهم. فيقول: أنتم تتواعدوننا كأننا دون من هزمكم، ونكأ فيكم. 1028وأنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب [وافر] :

1029وأنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب [طويل] :

ومطرد تخال الأثر فيه ... مدب غرائق خاضت نقاعا إذا مس الضريبة شفرتاه ... كفاك من الضريبة ما استطاعا مطرد: سيف إذا هز اطراداً يبع بعضه بعضاً. والغرانيق. الكراكى، واحدها غرنيق! والنقع: محبس الماء. كفاك من الضريبة أن يبلغ إرادتك ولا ينكل. 1029وأنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب [طويل] : ولما سرى عنه طخا الليط نابل ... أصهيب سراء عن النقبات تقاه برقراق ترى العين دونه ... محال حجى فذيه وشتات قال يصف سيفاً. والنابل هاهنا: الصقيل الحاذق. الحاذق. [سرى عنه] صداه، وهو الطخا، وجعله أصهيب، لأنه من العجم. ونقاه: واجهه. والحجى: نفاخات ترتفع على الماء، وحدتها حجاة. فشبه رونق السيف بهن. 1030وقال أبو كبير الهذلي [كامل] : ولقد شهدت القوم بعد رقادهم ... تفلى جماجمهم بكل مقلل مقلل: له قلة. وقلة كل شيء: يعني قبيعة السيف. 1031وقال أبو خراش [وافر] : ولولا ذاك أرهقة صهيب ... حسام الحد مطروقاً خشبياً به يدع الكمي على يديه ... يخر تخاله نسراً قشيبا خشيب: جديد. وأصله الذي طبع أول طبعة. ونسر قشيب: المقتول بنسر قد سم فسقط. والقشيب: السم. 1032وقال الكميت [متقارب] : وبيض رقاق خفاف المتو ... ن يمع للبيض منها صريرا يشبه في الهام آثارها ... مشافر قرحى رعين البريرا قرحى: إبل بها قروح، فهي تحتك بأفواها، فقد تهدلت مشافرها. والبرير: قشر ثمر الأراك، إذا رعته الإبل استرخت أشداقها يشبه آثار الضرب بهذه السيوف، بأفواه الإبل. 1033وقال الراجز: ترى بصفحتيه مع اليساس ... مختلفاً من غارة الأكياس بين قرى بئرين في الدهاس ذكر سيفاً بلله الماء، فتخيل فيه من الفرند بنمل تختلف على صفحته. وقال أكياس، لأن النمل تدخر، وتحتاط في الزاد، فنسبه إلى الكيس. وقرى بئرين: يعني قرى النمل التي هناك، فيقول: اتخذت قراها بين بئرين ودهاس الرمل عند ملتف الشجر، فهي تصيب من ثمره. وذلك من كيسها. 1034أنشدنا محمد بن عبد الواحد قال أنشدنا أحمد بن يحيى ثعلب [متقارب] : ويوم يبيل النساء الدماء ... جعلت ردائي فيه خمارا ففرجت عنهن ما يتقين ... وكنت المحامي والمستجارا قال يصف سيفاً. والرداء: السيف. وجعله خماراً أي يخمر به رؤوسهم، أي غطاها. ويبيل النساء الدماء، يعني أنهن يسقطن ما في بطونهن من الأجنة فيلقين معها الدم. 1035وقال ساعدة بن جوية الهذلي [طويل] : وكنا أناسا أنطقتنا سيوفنا ... لنا في لقاء لقوم حدو كوكب يقول: أحسنا العمل بضربها فتكلمنا، وافتخرنا بذلك. وهذا ضد قول عمرو بن معدى كرب [طويل] : فلو أن قومي أنطقتني رماحهم ... نطقت ولكن الرماح أجرت يقول: لو قاتلوا لقلت ونطقت مفتخراً بذلك. ولكنهم انهزموا. والاجرار: أن يثني لسان الفصيل ويجعل فيه خلالة لئلا يرضع أمه. أحسن ما ورد من أبيات المعاني في وصف الدروع 1036أنشدنا محمد بن عبد الواحد قال أنشدنا أحمد بن يحيى [كامل] : أعددت للحدثان كل نقيدة ... أنف كلافحة المظل جروب يصف درعاً نقيدة: منقدة. وفعيلة تأتي في معنى مفعل من قول الله عز وجل: "عذاب أليم" أي مؤلم. ولافحة المظل: السراب. شبه الدرع به. 1037وأنشدنا أيضاً عنه [سريع] : في نثلة تهزأ بالنضال ... كأنها من خلق الهلال نثلة ونثرة: من أسماء الدروع. وتهزأ بالنضال: أي لا تعمل السيوف فيها. فكأنها تهزأ بها. وشبهها بسلخ الحية، وذلك أنه يقال إن الحية في كل شهر عند طلوع الهلال ينسلخ جلدها. فلذلك سمي هلالاً، وشبهها به لصغر خلقها. 1038وقال الآخر [طويل] : كأن جنا الكحص اليبيس قتيرها ... إذا نثلت يوماً ولم تتجمع وصف درعا. والكحص: نبت له حب أسود، يشبه عيون الجراد. يقول: إذا طرحت تفتحت ولم تبق مجموعة. أحسن ما قيل في صفة الرمح من أبيات المعاني 1039أنشدنا أبو تمام في الحماسة [سريع] : الرمح لا أملأ كفي به ... واللبد لا أتبع تزواله

1040وقال سلامة بن جندل [طويل] :

لا أملأ كفي به: أراد أنه لا يشغلني حمل الرمح حتى يملأ كفي، فلا يكون فيها فضل لغيره، من السلاح. ولكن أقاتل بالرمح والسيف. وإذا زال اللبد لم أزل معه. 1040وقال سلامة بن جندل [طويل] : فمن يك ذائوب تنله رماحنا ... ومن يك عرياناً يوائل فيسبق يقول: من كان عليه سلاح طعناه فيه، ومن طرح إلينا سلاحه وانكمش نجا. 1041وقال عنترة [طويل] : ألم تعلموا أن الأسنة أحرزت ... بقيتنا لو أن للدهر باقيا ونحن منعنا بالهياج نساءنا ... نطرف عنها مسبلات غواشيا يطرف: يرد عنها. يقال طرف عنه الخيل إذا ردها. ومسبلات: رماح قد أسبلت للطعن. والغواشي: الخيل تغشى القوم: وقوله: "ألم تعلموا أن الأسنة أحرزت". يقول حصوننا الأسنة. فهي أحرزت لنا كرماً لأنه لا يبقي على الدهر أحد. 1042وقال المفضل بن عامر بن عبد القيس [وافر] : يهزهز صعدة جرداء فيها ... نقيع السم أو قرن محيق يهزهز: يحرك. وصعدة: قناة فيها سنان. كنقيع السم لمن أصابه، أو قرن محيق كانوا يجعلون قرون الثيران مكان الأسنة. ومحيق: قد دلك به حتى المحق. وجاوزنا المنون بكل نكس ... وخاظى الجلز ثعلبة دميق النكس: الضعيف. وإنما يعني سهماً قد انكسر فأصلح. ولذلك قيل للرجال الضعفاء: أنكاس. والجلز: أصل السنان. ودميق: أدخل إلى آخره. والثعلب: ما دخل في السنان من القناة. والخاطي: المنتفخ. 1043وقال عمرو بن قميئة [طويل] : فأرماحنا ينهز نهم نهز جمة ... يعود عليهم وردنا ويميحها ينهز نهم نهز جمة: أي ينزعن دماءهم كما ينزع عن الجمة الماء. ويعود عليهم وردنا: يقول: يعود عليهم بالطعن مرة بعد مرة. يميحها: يستخرج ماءها. 1044أنشدنا محمد بن عبد الواحد قال أنشدنا أحمد بن يحيى [طويل] : فياعين بكي لي عمير بن عامر ... وكان ضروباً باليدين وباليد قال: باليدين يطعن بالرمح. وباليد يضرب بالسيف. 1045وأنشدنا أيضاً عنه [بسيط] : يا فارساً ما أبو أو في إذا شغلت ... كلتا اليدين كرور غير فرار كلتا اليدين: يعني الطعن بالرمح. أحسن ما قيل من أبيات المعاني في صفة القسي والأوتار 1046أنشدنا محمد بن عبد الواحد قال أنشدنا أحمد بن يحيى [سريع] : أنكحت كعباً وبني الوحيد ... بنات جنبي بلون زرود فطرن يهوين إلى عمود ... هوى جند إبليس المريد فضاجعوهن بلا تمهيد ... على حصى المعزاء والصعيد فأصبحوا صرعى على خلود ... موتى كما مات رجال هود كعب، والوحيد: قبيلتان. وقوله: بنات جنبي، يعني السهام. والعمود: قوس. وإنما يعني سهاماً رمى بها قوما فقتلهم 1047وأنشدنا عنه أيضاً [منسرح] : لا مال إلا العطاف تأزره ... أم ثلاثين وابنة الجبل لا يرتقي النز في ذلاذله ... ولا يعدى نعليه عن بلل قال، وصف صعلوكا. فقال لا مال له إلا العطاف وهو السيف. 1048ومثله قول الآخر [متقارب] : وأم بنوها على بطنها ... زناة لها ولهم قد تحل يعني بالأم: القوس. والسهام: بنوها. وأم ثلاثين: كنانة فيها ثلاثون سهما. وابنة الجبل: قوس من نبعة في جبل. وهو أصلب لعودها. ولا يناله نز ولا بلل، لأنه يأوى إلى الجبال. 1049وقال أبو ذؤيب [وافر] : وبكر كلما مست أصاتت ... ترنم نغم ذي الشرع العتيق لها من غيرها معها قرين ... يرد مراح عاصية صفوق وصف قوساً فشبه إرنان وترها بعود من العيدان للملاهي. والقرين: الذي معها الوتر. وعاصية عليه بشدتها. وصفوق: راجحة كأنها تعصى وتطيع. 1050ومثله [رجز] : في كفه معطية منوع ... لا كزة السهم ولا قلوع يدرج تحت عجسها اليربوع القلوع: التي إذا نزع منها أقطابها [انقلبت على كف النازع] وقوله "يدرج تحت عجسها اليربوع" اليربوع: الجارح بالسليقة. وهذا غريز في القسي العربية. [أما القلوع] فعجيب في الأعجمية. 1051ومن مليح ما قيل في هذا المعنى قول الراجز: تجافى الدرع إذا برقا ... تقول إني ويقول أنا يقول: إذا جر الوتر رنت القوس فكأنها تقول إني، وكأنما يقول أنا، وكأنه يحكى صوتيهما. 1052ومثله قول العجاج [رجز] :

1053وقال الآخر وملح [كامل] :

إرنان ثكلى فقدت حميما ... فهي ترثى بأبي وابنما 1053وقال الآخر وملح [كامل] : [و] لقد حلبت المحل من رماحة ... جذاء ميتة العروق جماد يعني قوساً رمى عنها فقتل صيدا. 1054أنشدنا أبو عمر قال أنشدنا أحمد بن يحيى [طويل] : وخلقته حتى إذا تم واستوى ... كمخة ساق أو كمتن إمام قرنت بحقويه ثلاثاً فلم يزغ ... عن القصد حتى بصرت بدمام يصف سهماً. وخلقته: ملسته. والامام: الخيط الذي يشد البناء عليه عمله. وحقو السهم: موضع الريش. بصرت من البصيرة وهي الدم. والجمع بصائر. والدمام: كل ما طليت به شيئاً. والتاء في بصرت راجعة على القذذ الثلاث. والمعنى أنه رمى فأصاب ريشه دم الصيد. 1055وقال الراعي [وافر] : بسهم حيث قال القلب منها ... بحجري ترى فيه اضطمارا يصف سهما. وحجري: منسوب إلى حجر اليمامة، وهي قصبتها. وقوله: "قال"، من القائلة، أي حيث سكن، يعني من الرمية. وقوله "ترى فيه اضطمارا" يعني لصوق الريش بالسهم. أحسن ما قيل في وصف الترسة من أبيات المعاني 1056 فمن أحسن ما قيل في ذلك. ما أنشده أحمد بن يحيى عن الأصمعي [طويل] : أواقد لا آلوك إلا مهنداً ... وجلد أبى عجل وثيق القبائل قال يعني ترساً عمل من جلد ثور. والثور: أبو العجل. ومهند: سيف منسوب إلى الهند. والقبائل: قبائل الرأس، أي هو ثور مسن شديد. وآلوك: لا أقصر عنك إلا بمهند. وواقد: اسم رجل. 1057 وأنشد الأصمعي قول أوس بن حجر [طويل] : وذو بقر من صنع يثرب مقفل ... وأسمر داناه الهلالي يعتر ذو بقر: ترس من جلد بقر. ومقفل [يابس. وأسمر: يعني رمحاً. وإذا كان الرمح أسمر كان أقوى] وأشد لأنه يكون قد نضج. ويعتر: يهتز ويضطرب. قال أبو عبيدة: ذو بقر: كنانة. وأسمر يعني درعاً. وداناه أي دانا حلق الدرع. ويعتر: اسم الزناد. 1058 وقال المرار الفقعسي [وافر] : وأصحرنا ولا عطف علينا ... لهم غير المحامل والجنان المحامل: من حمائل السيف. والجنان: الترسة. أصحرنا: صرنا في الصحراء. أحسن ما قيل في وصف الضرب والطعن والشجاج من أبيات المعاني 1059 فمن مليح ما قيل في ذلك قول الفرزدق [طويل] : ترى في نواحيها الفراخ كأنما ... جثمن حوالي أم أربعة طحل يصف شجة. والفراخ: جمع فرخ وهو الدماغ. يقال له فرخ يعني أنها قطعت دماغه أربع قطع فكأنها فراخ حول حمامة. 1060 وقال الفرزدق أيضاً [طويل] : ونحن ضربنا هامة ابن خويلد ... يزيد على أم الفراخ الجواثم ونحن ضربنا من شتيرين خالد ... على حيث تستقيه أم الجماجم أم الفراخ: الهامة، وكذلك أم الجماجم. والجوائم: فراخ الدماغ. 1061 ومن عويص هذا الباب قول عبد مناف بن ربع الهذلي [بسيط] : فالضرب هيقعة والطعن شعشعة ... ضرب المعول تحت الديمة العضدا وللقسي أزاميل وغمغمة ... حس الجنوب تسوق الماء والبردا هيقعة: ضرب له صوت شديد. ويقال بل هو تشبيه صوته. وقيل بل عنى أنه قريع أي واسع. والهيقعة فجوة بين شيئين. وشعشع الشيء: حركه وخضخضه. والعضد: الضرب بالمعضد. وهو سيف صغير يمتهن في الشجر. عضدها يعضدها عضداً. والمعول: الذي ضرب لغنمه عالة وهي كالحصيرة. وذلك أنه إذا أصابه المطر جاء إلى شجرة فضربها بالمعضد حتى يقطعها ثم يحملها فيضعها على شجرة أخرى لتصفق، وتصير الغنم تحتها لتظلها من المطر. فذلك التعويل. وشبه حس القوس بصوت الجنوب تزجى سحاباً فيه برد. وإذا كان في السحاب مطر سمعت له أزيزاً. 1062ومن مليح ما قيل في هذا المعنى قول أبي خراش [طويل] : فنهنهت أولى القوم عنى بضربة ... كأوشجة العذراء ذات القلائد يعني ضربة رعبلت أوصال المضروب كما يغلق وشاح الفتاة. فشبهها وخروج الدم منها بذلك. 1063وقال رجل من أزد شنوءة [طويل] : وطعنة خلس قد طعنت مرشة ... يقطع أحشاء الدعيب شهيقها إذا باشروها بالسبار تقطعت ... تمنطق أم البيت شيب غبوقها

أحسن ما قيل في وصف الظل من أبيات المعاني

شهيقها: ارتجاعها بالدم. وإذا كان ذلك هائلاً تقطع الأحشاء من هوله، فكيف بقذفها؟ والسبار: ما تقاس به الجراحات، فشبه صوت خروج النفس منها بصوت قيء عجوز شربت لبناً قارصاً فهي تتمطق منه. أحسن ما قيل في وصف الظل من أبيات المعاني 1065أنشدنا أحمد بن محمد العروضي قال أنشدنا أحمد بن يحيى عن الباهلي [بسيط] : وصاحب غير ذي ظل ولا نفس ... هيجته بسواء البيد فاهتاجا قال يصف ظله "هيجته" يريد سرت فأنشأت ظلاً بمسيري. 1066ومن مليح ما قيل في هذا المعنى ما أنشدناه أيضاً بالإسناد [كامل] : وثنية جاوزتها بثينة ... حرف يعارضها ثني أدهم الثنية الأولى: الجبل. والثنية الثانية. ناقة سنهاسن الثني، والثنئ الثالث: ظله. وقوله أدهم: أراد لونه. 1067وفي هذا المعنى أيضاً بالاسناد [طويل] : له صاحب يخفى إذا الليل جنه ... ويبدو إذا آل النهار ترحلا يعني ظله. لأنه لا يبين ليلا، ويبين نهارا. وأل كل شيء شخصه. 1068أنشدنا أبو عمر قال أنشدنا أحمد بن يحيى [راجز] : مراوح لصفحتيها مذاع ... تراع مما لا يرى فترتاع يصف ناقة. والمذاع: الكذاب، يريد به ظلها. وإنما جعله كذابا لأنه لا حقيقة له. وقوله "مراوح لصفحتيها" أي يبين دفعة من هذا الجانب، ودفعة من هذا الجانب. 1069وأنشدنا محمد بن عبد الواحد عن أحمد بن يحيى [طويل] : إذا شئت أداني صروم مشيع ... معي وعقام تتقي الفحل مقلت يطوف بها من جانبيها ويتقي ... بها الشمس حي في الأكارع ميت يصف ناقة. وأداني: أعانني. وصروم: قطوع للأمور. يعني قلبه. ومشيع: تشيعه الجرأة. وعقام: ناقة لم تحمل قط. فهو أقوى لها. ومقلت: لا يعيش لها ولد. ويطوف بها: يعني ظلها، حي بحركتها، ميت عند سكونها. أحسن ما قيل في افتضاض المكرش عند عدم الماء من شدة العطش من أبيات المعاني 1070أنشدنا محمد بن عبد الواحد قال أنشدنا أحمد بن يحيى [طويل] : ويهماء يستاف الدليل ترابها ... وليس له إلا اليماني مخلف هذه مفازة. يستاف التراب: يشم ريحه. فإن شم منه ريح البول والبعر، علم أنه على طريق. واليماني: السيف. ومخلف: مستق. والمعنى: ليس بها مستق إلا السيف. يعرقب به الناقة أو ينحرها. فيشرب ماء الكرش. تجاوزتها وحدى، ولم أرهب الردى دليلي نجم "أو حوار" مخلف مخلف: متروك. يقول ليس بهذه اليهماء شيء يهتدى به إلا النجوم بالليل، التي المنشودة على الطريق، التي قد أسقطتها النوق. 1071ومثله قول مالك بن نويرة اليربوعي [طويل] : كأن لهم إذ يعصرون فظوظها ... بدجلة أو فيض الأبلة موجد إذا ما استبالوا الخيل كانت أكفهم ... وقائع للأبوال والماء أبرد يقول: "كانت أكفهم وقائع" يقول: بالوا في أكفهم وشربوا. فلو أصابوا الماء كان أبرد وأعذب، يتهكم منهم. وقائع: جمع وقيعة. وهي نقر تحبس الماء. يقول: كأن ماء هذه الفظوظ من دجلة أو من فيض الفرات، من شدة العطش. 1072ومثله قول علقمة بن عبدة [بسيط] : وقد أصاحب فتياناً شرابهم ... خضر المزاد ولحم فيه تنشيم قال ابن الأعرابي "خضر المزاد" الكروش. لأنهم يفتطونها، فيشربون عصارتها. فمعناه، شرابهم من خضر المزاد، وطعامهم لحم فيه تنشيم. يقال: نشم اللحم إذا تغيرت رائحته. قال عمارة: خضر المزاد يعني المزاد بعينه. لأن الماء إذا أديم حمله فيه، اخضر. فيقول: شرابهم في المزاد الخضر. 1073ومثله [طويل] : وشربة لوح لم أجد لسقائها ... بدون ذباب السيف أو شفرة حلا 1074ومن أحسن ما قيل في هذا المعنى قول زيد الخيل [وافر] : نصول بكل أبيض مشرفي ... على اللاتي بقى فيهن ماء عشية نؤثر الغرباء فينا ... فلا، هم، هالكون، ولا رواء أي أنهم يفضون ما بقي فيهم من ماء عن الإبل فيشربون ماء 1075ومثله [طويل] : ودوية غبراء ليس لمركب ... بها غير ما تقرى مشافرها ورد تقرى: أي تجمع. والورد ها هنا: الماء. 1076ومثله من المولد [طويل] : وليس لركبها إذا آلها جرى ... من الماء، إلا ما قرته المشافر 1077ومثله قول أبي الخام التغلبي [وافر] :

1078ومثله قول الآخر [بسيط] :

سقينا الإبل غباً بعد عشر ... ووكرنا المزاد من الجلود وقطعنا مشافرنا وخفنا ... أجرتها فما اجترت بعود ويروى "عشرا بعد غب". ووكرنا: ملأنا. يقال: وكر سقاك، أي املأه. والمزاد: جمع مزادة، وهي التي يقال لها اليوم راوية. قال الأصمعي: استعملوها حتى جعلوا المزادة راوية. وقطعنا مشافرنا: كانوا إذا أرادوا أن يسلكوا مفازة لا ماء فيها، أو ردوا الإبل، وقد عطشوها قبل ذلك، فتكثر من شرب الماء، ثم تقطع مشافرها، لئلا تجتر ولا ترعى فيكون أبقى للماء في أجوافها. فإذا صاروا في المفازة نحروها، فافتظوا أكراشها، أي عصروها فشربوا ذلك الماء، وهو صاف إلا أن فيه رائحة كريهة. 1078ومثله قول الآخر [بسيط] : وشارب ما وعاه بطن شاربة ... رياً فأحياه ميت بعدما ماتا أحسن ما ورد من أبيات المعاني في وصف القفز 1079فمن أحسن ما ورد في ذلك قول الشاعر [طويل] : ومستامة تستام وهي رخيصة ... تباع براحات الأيادي وتمسح هذه فلاة مستامة، تسومه فيها، أي ترعى، ورخيصة: لا يمتنع منها أحد ولا تمنع. وتباع الابل بأنواعها فيها. وبراحات: بأخفاف. والأيادي: جمع يد. وتمسح: تقطع. 1080ومن أحسن ما قيل في هذا، قول الآخر [بسيط] : وبلدة خلق لون التراب بها ... كأن غيطانها غرثى مهازيل لا عود للركب فيها بعد بدئهم ... إن لم يكن بركاب القوم تبديل يقول: إذا بقي التراب حياً، لم يوطأ ولم يسلك فهو خلق. ودار خلق: إذا لم يسكن فيها. وقوله "كأن غيطانها غرثى مهازيل" يقول كأنها لانخفاضها بطون جياع ليس فيها شيء، فهي منخفضة. والغيطان كذلك. وصيرها مهازيل لأنها أبين انخفاضها من بطون السمان. وقوله "لا عود للركب فيها" يقول لمن لم يكن لهم ظهر يستظهرون به على مالورزيء ومات من إبلهم، لم يقدروا أن يعودوا منها. 1081ومن أحسن ما ورد في هذا المعنى قول ذي الرمة [وافر] : بأغبر نازح نسجت عليه ... رياح الصيف شباك القتام كأن دويه من بعد هدءٍ ... دوي غناء أروع مستهام قالت الأعراب: ليس به صوت ولا شيء يسمع إلا تحدث الأرض. قال ابن الأعرابي وكيف تتحدث الأرض؟ قال: حديثها أن تسمع هيمنة لا تفقه منها شيئاً، ولا يكون ذلك إلا أن يكون الرجل وحده وقد خاف على نفسه أن يضل ويعطش. فذلك حين يهول له، ويخيل إليه أنه يسمع أصواتاً، وإنما ذلك دوي الأرض تلك الساعة. 1082ومثله حميد بن ثور [متقارب] : وخرق تحدث غيطانه ... حديث العذارى بأسرارها 1083ومن أجود ما ورد في هذا الباب قول الآخر [طويل] : ألا قبح الرحمن أرضاً حديثها ... بها مثل أنباء القرون الذواهب فيوماً ترانا في مسوك جيادنا ... ويوماً نصلي في مسواك الثعالب أي تتحدث فيها بما أصابنا من الشدة والبلاء كما يتحدث بأحاديث الأمم الخالية. وقوله: نصلي في مسوك جيادنا، يقول نؤسر فتذبح جيادنا أي خيلنا فيأكلون من لحمها مما يقد من سيور جلودها. وقوله: ويوماً في مسوك الثعالب، يقول: نفر خوفاً فكأننا في مسوك الثعالب. والعرب تضرب المثل بروغان الثعلب. 1084ومن أناشيد الباهلي [طويل] : بأرض ترى فيها الحبارى كأنها ... قلوص أضلتها بعكن عبيرها أي الأرض مستوية، فإذا رأيت الشيء الصغير فيها رأيته كبيراً. 1085ومثله للحطيئة [طويل] : بأرض ترى فرخ الحبارى كأنه ... بها راكب موف على ظهر قردد 1086ومثله ابن أحمر [سريع] : كأنما المكاء في بيدها ... سرادق قد أوفدته الأصر أوفدته: أشخصته. والأصر: يريد الأطناب، وحكي بعض الأعراب أنه رأى بعيراً في أرض مستوية فحسبها قطار إبل. 1087وقال الآخر [طويل] : ودو ككف المشتري غير أنه ... بساط لأخماس المراسيل واسع الدو: الأرض المستوية. وشبهها بكف المشتري لأنه يبسطها ليصفق عليها لوجوب البيع. والمراسيل: الإبل السهلة، واحدها مرسال. وهي التي تسقط أجنتها في الطريق وهم يستدلون بها. 1088 يحاحي بها الجلد الذي هو صابر ... بضربة كفيه الملا نفس راكب

1089

يحاحي: من الحياة أي يستحيي بها. وقوله "بضربة كفيه" أي يتيمم بالتراب، ويستبقى الماء لسقيه صاحبه، ولا يتوضأ به. وأوقع يحاحي على نفس الراكب. والملا: الأرض الواسعة. 1089 قطعت بشعث كالنضال فأصبحوا ... مع الأهل في متون السباسب شعث: رجال قد شعثوا من طول السفر. والنصال: نصال السهام. فشبههم بها في ضمورهم وشحوبهم. وقوله: "فأصحبوا مع الأهل" أي عرسوا فناموا فحملوا بأهلهم. 1090 وقال ابن ميادة [طويل] : ودوية قفر يكاد يهابها ... من القوم مصلاد الرحيل دليل يعاف بها المعبوط من بعد مائها ... وإن جاع مقرام السباع نسول النسول: من النسلان. والمقرام: القرم الذي يشتهي اللحم. والمعبوط: اللحم الذي ينحر على غير صحة وغير داء. يقول: لا يأكل منه الذئب خشية العطش، وبعد الماء. 1091وأنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب [طويل] : ودوية قفر يحاربها القطا ... إدلاء ركباها بنات النجائب يحار بها القطا من سعتها واشتباهها. القطا أهدى الطير. وركبانها: المنحدرون والمصعدون. وبنات النجائب: أولادها. أحسن ما ورد في وصف الرحى من أبيات المعاني 1092أنشدنا أبو عمر قال أنشدنا أحمد بن يحيى [رجز] : عجبت من حنانة لا تبرح ... نهاك عن ركوبها من ينصح والمشي عنها والنزول أروح ... وإنما تمسي بحيث تصبح يصف رحى رجل. 1093وأنشدنا علي بن هارون قال أنشدنا المدادي قال أنشدنا المبرد [رجز] : أوساء لا تدفع إلا بالراح ... لها مقيل كمقيل الملاح قال أبو الحسن: في هذا قولان: أحدهما أنه يصف رحى وشبه ما حولها من الدقيق بما حول الملاح، وهو صاحب الملاحة من الملح. والقول الثاني أنه يصف ناقة غزيرة، يقول فحول حالبها من اللبن لكثرته مثل ما حول الملاح من الملح. 1094أنشدنا محمد بن عبد الواحد قال أنشدنا أحمد بن يحيى [رجز] : بدلت من لعس الحسان البيض ... وبالرداح الجسرة النهوض كبداء ملحاحاً على الرضيض ... نحلاء إلا بيد القبيض يصف رحى يد. والرداح: العظيمة الخلق. والكبداء: الطيعة. 1095ومن أناشيد الباهلي [وافر] : وصاملة حذوت ولم أدلها ... فأعجب راحة ما قد حذوت فلما أن وهت مرنت وجادت ... وعلقت البقاء كما اشتهيت قوله صاملة: يابسة صلبة. ومنه قولهم "سلاق صمل". ووهت يعني انخرقت في موضع النصب. 1069ومن مليح ما قيل في هذا المعنى ما أنشده الباهلي [رجز] : مطية أعارنيها ابن شبر ... لا تشرب الماء ولا ترعى النمر يصف رحى رجل. وكل ما امتطيه فهو مطية. 1097ومن أناشيد الباهلي [رجز] : أعددت للضيف وللجيران ... حريتين لا تخلخلان لا تخليان وهما ظئران يصف رحيين. 1098أنشدنا محمد بن عبد الواحد قال أنشدنا أحمد بن يحيى في وصف رحى رجل [وافر] : تجد بنا وتسرع حين تعدو ... ونضربها فقد غلبت حرانا وتعصف بالرديف إذا علاها ... بدورتها وما برحت مكانا 1099ومن أناشيد الباهلي [طويل] : وضيفين حاءا من بعيد فقربا ... على فرس حتى اطمأن كلاهما قريناهما ثم ارتجعنا قراهما=لضيفين جاءا من بعيد سواهما قوله "قريناهما" جعل ما يلقي فيهما من الطعام قرى لهما. وارتجاعه لضيفين ألما به: جعل الدقيق قرى لهما. 1100أنشدنا محمد بن عبد الواحد عن أبي العباس أحمد بن يحيى [رجز] : بئس طعام المستغيث الساغب ... كبداء زلت عن صفا كباكب يصد عنها وهو مثل الشائب يصف رحى يد. وقوله "يصد عنها وهو مثل الشائب" أي يصير عليه من غبار دقيقها كالشيب. أحسن ما ورد من أبيات المعاني في وصف الرحال 1101أنشدنا أحمد بن محمد العروضي قال أنشدنا أحمد بن يحيى عن الباهلي [طويل] : إلى الله أشكو ما ألاقي من السرى ... وإن الذي نفضي به ذو توهم تناكحتا حتى خشيت عليهما ... عصافير لا تمشي بلحم ولا دم "وإن الذي نفضي به ذو توهم". يريد طريقاً مشتبهاً لم يكونوا يهتدون لمحجته. وقوله: "تناكحتا" يريد عينيه. وان أجفانه استرخت فالتقت بالنوم. ومثل هذا التناكح وهو التقاء الأجفان بالنوم قال الشاعر [كامل] :

1102ومن أناشيد الباهلي قول الراعي [طويل] :

وتناكحت حور المدامع بالقلى ... وعلا البياض على السواد فجارا وقوله: "عصافير لا تمشي بلحم ولا دم" يعني عصافير الرحل، وهي خشبات تكون في مقدمه. واحدها عصفور. وكان يتخوف إذا نام أن يسقط عليها فينشج. 1102ومن أناشيد الباهلي قول الراعي [طويل] : فبات يريه عرسه وبناته ... وبت أريه النجم أين مخافقه هذا رجل نام على راحلته. ورفيقه يكلأ النجم خوف الضلال. فيقول: رفيقي بات يرى أهله في المنام على راحلته، وبت أكلأ النجم مهتدياً به. 1103ومثله قول الآخر [متقارب] : له نظرتان فمرفوعة ... وأخرى تأمل ما في السقاء قال هو في برية، لا ماء فيها ولا علم بها. فتارة يتأمل سقاءه خوفاً من نفاد الماء، وتارة يتأمل النجم خوفاً من الضلال. أحسن ما ورد في وصف الكمأة من أبيات المعاني 1104أنشدنا محمد بن عبد الواحد قال أنشدنا أحمد بن يحيى [رجز] : يغنيك عن سوداء واعتجانها ... وكرك الطرف إلى بنانها ناتئة الجبهة في مكانها ... سوداء لو توضع في ميزانها رطل حديد مال من رجحانها ... تلك من الدنيا ومن ريحانها أي رزقها. والريحان: الرزق. 1105ومن أحسن ما قيل في هذا المعنى ما أنشده الباهلي لرجل من بني أبي بكر [طويل] : وأشعث قد ناولته أحرش القرى ... أرد عليه المدجنات الهواضب تخطأه القناص حتى وجدته ... وخرطومه في منقع الماء راسب يصف كمأة. والأشعث: صاحب له. والأحرش: الخشن. والقرى: الظهر. والراسب: الثابت. 1106ومن أحسن ما ورد في هذا المعنى ما أنشده أبو العباس أحمد ابن يحيى [طويل] : ومرجية مخشية صدت صاحبي ... عليها من الترب الركام خميل حياتي وزاد الركب منها وصاحبي ... أبو حنش حربتها وجميل يصف كمأة. وأبو حنش وجميل: رجلان كانا يهديان إليها. أحسن ما ورد في الزند والنار من أبيات المعاني 1107أنشدنا محمد بن عبد الواحد قال أنشدنا أحمد بن يحيى [كامل] : ونتجت ميتة جنيناً معجلاً ... طفلاً قوابله الرجال مستر بينا ننفضه ونأكل عهده ... عند الظلام أضاء للمتنور يصف زنداً وناراً. وجر مستر على موضع الهاء من قوابله. 1108ومن أحسن ما ورد في هذا المعنى ما أنشد أبو العباس ثعلب [طويل] : سروا ما سروا من ليلهم ثم أمسكوا ... بأطراف خرساء الكلام نزور قعوداً على أطرافها ينتجونها ... قوابلها شعث الرجال ذكور يعني قوماً على سفر، سروا ثم نزلوا فاقتدحوا ناراً. والخرساء: يعني مقدحة. والنزور: القليلة النار. والأصل فيه، المرأة القليلة الولد. فجعل المقدحة نزورا. والقابلة التي تقبل الولد، فجعلها رجالاً شعثاً، لأنهم على سفر. 1109وأنشدنا عبيد الله بن أحمد قال أنشدنا محمد بن الحسن قال أنشدنا التوزي [طويل] : وشعثاء غبراء الفروع منيفة ... بها توصف الحسناء بل هي أجمل دعوت بها أضياف ليل كأنهم ... إذا ما رأوها، معطشون قد انهلوا يصف ناراً. وشعثاء الفروع: متفرقة شعب اللهب. وقوله "دعوت بها أضياف ليل" يريد أنه أوقدها، فاهتدى بها الضيف. وغبراء الفروع: يريد الدخان. 1110أنشدنا محمد بن عبد الواحد قال أنشدنا أحمد بن يحيى [وافر] : وعادية لها رهج طويل ... رددت بمضغة مما اشتهيت وبرك قد أثرت بمشرفي ... إذا ما زل عن عقر رميت عادية: نار. ورهجها: دخانها. وقوله "رددت بمضغة مما اشتهيت" يعني أنه نحر للأضياف، واشتوى على هذه النار من لحم ما نحره وأطعم الأضياف. 1111وأنشدنا محمد بن عبد الواحد قال أنشدنا أحمد بن يحيى عن أبي محمد عن أبي زيد [طويل] : وزهراء إن كفنتها فهو عيشها ... وإن لم تكفنها فموت معجل يريد ناراً. 1112ومن مليح ما قيل في هذا المعنى قول الآخر [طويل] : ونابتة في الماء، والماء حتفها ... وها هي مما تخرج النار تأكل يعني النار، تخرج من عود الشجرة التي تقدح به. أحسن ما ورد من أبيات المعاني في وصف اللصوصية 1113ما أنشده الباهلي [طويل] : تعيرني ترك الرماية خلتي ... وما كل من يرمي الوحوش ينالها

1114ومن مستحسن ما قيل في هذا المعنى قول الشاعر [بسيط] :

فإن لا أصادف غرة الوحش أقتنص ... من الآنسيات العظام جفالها أي من الضأن التي هي للأنس. أقتنص صيداً: يعني أنه يسرقها. والجفال: الصوف. 1114ومن مستحسن ما قيل في هذا المعنى قول الشاعر [بسيط] : الله يعلم أني من رجالهم ... وإن تقدد عني اليوم أطماري وإن رزئت يداً ... كانت أصول بها وإن مشيت على زج ومسمار هذا، كان لصاً يقطع. فأخذ فقطعت يده ورجله. 1115وقال الآخر [طويل] : لقد علمت ذود المضرب أنني ... لهن لدى الموماة أي مهين وأشربتها الأقران حتى أنختها ... بشرج وقد ألقين كل جنين فبيعتها، لا مغلياً حين بعتها ... ذوي الحاج بالأسواق غير مدين هذا رجل سرق إبلاً لرجل يقال له "المضرب" وقوله "وأشربتها الأقران" أي جعلت الحبال في شواربها. والشوارب: عروق تكون في الحلق. وإنما يعني هنا الحلق نفسها. وقوله "لا مغلياً" يقول: أرخصها لأبيعها في أسرع وقت غير مدين. يقول بعتها بنقد، وسامحت في الثمن كيلاً يطول أمرها فأوجز. وشرج: موضع. 1116ومن أناشيد أبي العباس أحمد بن يحيى [كامل] : قوم إذا نزل التجار محلهم ... قلبوا الثياب وأوسقوا الأكوارا قال ابن الأعرابي: هو لأقوام لصوص. يغيرون زيهم كي لا يعرفوا. ويملأون أرحلهم من متاع التجار. وقال غيره بل هو لأقوام ضلوا عن الطريق في الليل فقلبوا ثيابهم وأرحلهم ليهتدوا. وكانت العرب تفعل ذلك في الجاهلية. 1117وقال الآخر [طويل] : توخى بها مجرى سهيل وخلفه ... من الشام أعلام تطول وتقصر فلما رأى أن النطاق تعذرت ... رأى أن ذا الكلبين لا يتعذر هذا لص، طرد إبلاً فتوجه بها نحو اليمن. وهو مجرى سهيل. وتوخى من الوخى: وهو الطريق. فصارت الشام وراءه. والأعلام: الجبال، تطول بالنهار وتقصر بالليل. تعذرت: أي لم يجد ماء في الفلاة فنحر بعضها، وافتض كرشها، أي عصر ماءها وشربه. وذو الكلبين: السيف. والكلبان: مسماران في قائم السيف. 1118وقال الآخر: تسألني الباعة أين دارها ... فقلت رجلي ويدي قرارها هواشة مختلف نجارها ... وكل نار لأناس نارها قال: هذا لص سرق إبلاً من مواضع شتى مختلفة الألوان والسمات. فجاء يبيعها، فسئل عن نتاجها، فقال هذا القول. والهواش [العير وضعت عليه] سمة بمكواة فهي نار. تقول العرب ما نار إبلك؟ "أي ما سمتها؟ فيقول: عليها سمة كل حي. 1119وقال مثله الكؤوس المازني [طويل] : وتسألني عن نارها فأجيبها ... وذلك علم لا يحيط به الطمش والطمش: الخلق من الناس كلهم خاصة. 1120قال الآخر [سريع] : إنا وجدنا طرد الهوامل ... خيراً من التأنان والمسائل وعدة العام وعام قابل ... ملقوحة في بطن ناب حامل هذا لص. يقول أطرد الابل الهوامل-وهي التي لا راعي لها-خير من أن أسأل الناس بأنين وشكوى. فمنهم من يردني، ومنهم من يعدني فيقول: أعطيك في العام القابل ملقوحة. والملاقيح: ما في البطون وهي الأجنة. ومنه الحديث، أن النبي-صلى الله عليه وسلم-نهى عن المضامين والملاقيح. فالملاقيح. ما أخبرتك. والمضامين: ما في أصلاب الفحول، وكانوا في الجاهلية يبيعون الجنين، وضرب الفحل. فحظر الإسلام ذلك. 1121وقال الأحيمر السعدي في معنى قول الأول-وكان الأحمير لصاً قد طرده أهله [طويل] : عوى الذئب فاستأنست للذئب إذ عوى ... وصوت إنسان فكدت أطير إني لأستحي من الله أن أرى ... أطوف بحبل ليس فيه بعير وأن أسأل المرء البخيل بعيره ... وبعران ربى في البلاد كثير معنى قوله: أنست بالذئب: أي قد ألفت الفلاة والبعد عن الناس، وصرت أصاحب السباع والوحوش، وصرت أستوحش من صوت الأنيس، لأني أخاف الطلب. ومعنى قوله "أطوف بحبل ليس فيه بعير" يقول: آنف أن أطوف في الحي بحبل لأسألهم أن يقرنوا لي بعيراً. 1122وقال الآخر [طويل] : أيا بارح الجوزاء مالك لا ترى ... عيالك قد أمسوا مراميل جوعا هذا لص كان يسرق الإبل، فأحب أن تهب بارح الجوزاء، وهي أشد البوارح في القيظ لتعني أثره، إذا طرد إبلاً فلا يقتص. وقوله "عيالك" يريد عيالي، لأني كنت أعولهم من هذا الكسب.

1123ومثله [وافر] :

1123ومثله [وافر] : أمذهب بارح الجوزاء عني ... ولم أذعر هوامل بالستار 1124ومثله الآخر [وافر] : جزى الجوزاء عنا الله خيراً ... لقد أغنت عن الجبل الجذيم إذا نثرت ذوائبها بكوراً ... رمت بالوفر في نحر العديم يقول: إذا هب بارح الجوزاء استرقت الإبل وطاردتها، وعفت البارح الأثر. فلم أدرك. وقوله "أغنت عن الجبل الجذيم" يقول: استغنيت أن أجيء إلى ابن عمي وحميمي بحبل جذيم، وهو المقطوع. فأسأله بأن يقرن لي فيه بعيراً. 1125أنشدنا محمد بن عبد الواحد قال أنشدنا أحمد بن يحيى [وافر] : ألا يا جارتي بأباض إني ... رأيت الريح خيراً منك جارا تغذينا إذا عمت علينا ... وتملأ وجه ناظركم غبارا قال هذا رجل كان يسرق التمر من تحت النخل. ومعنى قوله "تغذينا" أي تنشر علينا البسر، والرطب، فآكله. ويملأ الغبار عينه فلا يبصر، وأجيء فأصرم العذقين والعذق فلا يراني. 1126وقال السميري، وأغار على إبل بني الحارث بن كعب، بواد يقال له "حبونا" فذهب بها، وقال ما أنشده أبو العباس [طويل] : خليلي لا تستعجلا أن تبينا ... بوادي حبونا، هل لهن زوال ولا تيأسا من رحمة الله وأدعوا ... بوادي حبونا، أن تهب شمال يريد أن تعفى الأثر فلا يلحق. 1127وأنشد أبو العباس أحمد بن يحيى [رجز] : صبح حجر من متى لا ربع ... دلهمس الليل برود المضجع قال هذا رجل لص، لا يستقر في موضع. يسرق الإبل فيطردها من مكان إلى مكان ولا ينام الليل. فبذلك قال: برود المضجع، والدلهمس: الخبيث. 1128وأنشد أبو العباس [وافر] : دعانا المرسلون إلى بلاد ... بها الحول المفارق والحقاق فصارت إبلنا ورقاً لدينا ... وكان توانيا منا السباق قال "المرسلون": أصحاب الرسل. والرسل بفتح الراء: الكثير من الإبل. والرسل بكسر الراء: اللبن. فيقول: لما صرنا إليهم، وضممنا إبلنا إلى إبلهم، سرق سارق إبلنا فنحرها فصارت ورقاً. الورق-بفتح الراء-من الدم: ما كان مدورا. والبصائر: ما كان مستطيلاً والحول: جمع حائل: وهي التي لم تحمل. والمفارق والفرق: الناقة التي إذا أضر بها المخاض، اعتزلت ناحية من الإبل. الواحدة، فارق. والحقاق: جمع حقة وهي التي قد استحقت الركوب. 1129وأنشد أبو العباس [رمل] : طرقتهم فتية من واشن ... جارموا الأسؤق أفضال الأزر لا يسور النز في أقدامهم ... ويقون الماء إطراق العفر عذبوا شمسهم يومهم ... بتباريح فآبت في عذر قال: هؤلاء خراب مشهورون، قد شمروا أزرهم للنجاء. "لا يسور النزفى أقدامهم" يقول: لا ينزلون حيث تندى أقدامهم، وإنما يتوغلون في رؤوس الجبال والشعاب. وقوله "يقون الماء فيمنعونه أن يطرقه. وقوله "عذبوا شمسهم"، يقول سرقوا إبلاً فساقوها من الصباح إلى المساء، فجعلت تثير الغبار، فيعلو وجه الشمس، فيصير ذلك عذاباً لها. وقوله "في عذر" جمع عذار. يقول حتى جنحت للغروب في عذار من الأرض، وهي قطعة مستطيلة. 1130وقال أوس بن حجر وكان نزل برجل يقال له "جون" فسرق رجل ناقة لأوس فقال أوس [طويل] : أجون تدارك ناقتي بقرابها ... وأكبر ظني أن جونا سيفعل لعمرك ما ضيعتها غير أنها ... أتتني فرادى غربة والمجلل فقال لمحدوج تعال فإنها ... سيقبل منها قولها ستقبل وإنكما يا بني جناب وجدتما ... كمن دب يستخفى وفي الحلق جلجل قوله "تارك ناقتي بقرابها" أي ما دامت قريبة، قبل أن تفوت فإني ما ضيعتها، قال ابن الأعرابي: "فرادى": يعني امرأة يقال لها "فردة" كانت تتكهن، وتخرج السرق. و"المجلل": زوجها. وهما من بني جناب من سدوس. فزعم أوس أن فردة هذه الكاهنة وزوجها قالا لمحدوج-وهو رجل من بني حنيفة- اسرق ناقة أوس فإن "فردة" تسأل عنها. فتقبل بالسرق على غيرك. ويقبل منها ما تقول. وتكون الناقة بيننا. فذلك معنى قوله "وفي الحلق جلجل" يقول: قد وقفت على حيلتهم في ناقتي. 1131وقال الآخر [طويل] : نجائب عبدي يكون دعاؤه ... ضباعاً، إذا جاوزن عرض الشقائق

أحسن ما ورد من أبيات المعاني في النسيب

هذا لص طرد إبلاً لرجل من عبد القيس، فأيس صاحبها من الدعاء والانتصار، إلا أن يضبع، أي يرفع ضبعته إلى السماء يدعو الله عز وجل على من سرقها. أحسن ما ورد من أبيات المعاني في النسيب 1132فمن أحسن ما ورد في ذلك ما أنشده أبو العباس أحمد بن يحيى [طويل] : شموس على المتنين وحفاً كأنه ... أساود تبغي الشرى في قرية النمل يقول إذا أشرقت الشمس، أخرج النمل بيضه يجففه فيها. فتأتيه الحيات فتأكله. 1133ومن أناشيد أبي العباس أيضاً [طويل] : وأعرضت عن ماء السماء وربما ... لهوت بها مذمومة بذمام ماء السماء: امرأة. مذمومة بذمام: معلمة بالطيب. 1134ومن أناشيده أيضاً [طويل] : قفانثن أعناق الهوا لمربة ... جنوب تداوى غل شوق مماطل الغل: ما كان في الجوف من حرارة وغيظ. مربة: مقيمة. يقال أرب المكان: أقام به وإنما يعني ريحاً. وقال الريح الجنوب بالعالية، أطيب من غيرها. 1135كما قال جميل [طويل] : ليالي سمع الغانيات وطرقها ... إلى وإذ بيحي لهن جنوب قال أبو عمر سألت جماعة من أهل الحجاز، فزعموا أن ذلك كذلك. فقلت للينها؟ فقال نعم! وقال غيره: جعلها جنوباً، لأن الجنوب تجمع السحاب وتؤلفه. فيقول يجتمعن إلي ويألفنني كما تؤلف الجنوب السحاب، والشمال تفرقه. وحكى الأصمعي "وإذ ريحي لهن جنوب" يقول: كنت ألقح حبي في قلوب الغانيات كما تلقح الجنوب السحاب. 1136بمنحدر من رأس برقاء حطه=حذار فراق من حبيب مزيل منحدر: يريد الدمع. والبرقاء: العين. سميت برقاء لأن فيها بياضاً وسواداً، والبرقاء من الأرض: ما كان طيناً وحجارة، أو تراباً ورملاً. وجبل أبرق، وشاه برقاء، إذا كان فيه بياض وسواد. 1137ومن أحسن ما ورد من هذه الأبيات قول جميل [طويل] : هواك لنفسي يا بثينة كالذي ... أقام فأحيا الميت وهو دفين وليس بذا فقر إلى ذا، وإن ذا ... لصب بهذا، في الحياة ضنين الميت: عرق. والمقيم: المطر. وقوله "وليس بذا فقر" أي بالمطر. وقوله "إلى ذا" يريد إلى العرق. 1138أنشدنا محمد بن عبد الواحد قال أنشدنا أحمد بن يحيى [بسيط] : تدنى الحمامة منها وهي لاهية ... من يانع المرد قنوان العناقيد الحمامة: المرآة. يقول: هذه المرأة إذا رأت حسن شعرها أحبت أن تبصر حسن وجهها فأخذت المرآة فأبصرت وجهها. 1139وأنشدنا محمد بن عبد الواحد عن ثعلب [طويل] : ومولغة لما تقبلت كلبها ... غبوق أبيها وهو ظمآن ساغب هذه امرأة كان يهواه. فلما رآها خشيت أن ينبح الكلب فيعلم فقدمت اللبن الذي أعدته لغبوق أبيها، إلى الكلب لتسكته عن نفسها. 1140أنشدنا أبو عمر محمد بن عبد الواحد قال أنشدنا أحمد بن يحيى [طويل] : رمتني مي بالهوى، رمي ممضغ ... من الوحش لوط لم تعقه الأوالس بعينين نجلامين لم يجر فيهما ... ضمان، وجيد حلي الشذر شامس مي: اسم امرأة كان يهواها و"ممضغ" مطعم الوحش، كأنها جعلت طعمة له. ويقال للرجل إذا فاز قدحه في الميسر: إنه لممضغ. والمضغة: القطعة من اللحم. واللوط: الرجل الذي يلتاط ببعير يدلِله ويؤنسه ليرمى من ورائه الوحش. فيلتاط بعنقه، أي يلتصق وقوله "لم تعقه الأوالس" أي لم تشغله الشواغل. ويقال: ألس الرجل فهو مألوس. إذا نقص عقله. و"جيد" رفعه على تقدير: ولها جيد جلي الشدو". 1141ومن مليح أبيات المعاني في هذا الباب ما أنشده أحمد بن يحيى [خفيف] : بت في درعها وباتت ضجيعي ... في بصير وليلة شيباء درعها: مقنعتها. والبصيرة: دم العذرة. والشيباء: الليلة التي يفترع الرجل فيها المرأة قال الشاعر [وافر] : وكنت كليلة الشيباء همت ... بمنع الشكر أتأملها القبيل 1142وأنشد الباهلي [طويل] : برزن فلا ذو اللب وفرن لبه ... عليه، ولم يفضح بهن قريب أي استوى الناس في النظر إليهن. فلم يعرف المريب من غيره. 1143وأنشد الباهلي [طويل] : إذا ما اجتلى الرائي إليها بطرفه ... غروب ثناياها أضاء وأظلما أضاء: من الإضاءة. وأظلم: صادف ظلما. والظلم: ماء الأسنان. 1144وأنشد أيضاً لدعبل [طويل] : فلم أر مطروقاً يحل بضيفه ... ولا طارقا يقرى المني ويليب

1145أنشدنا محمد بن عبد الواحد قال أنشدنا أحمد بن يحيى [بسيط] :

يقول إنه احتلم. والمطروق: الرجل. والطارق: المرأة التي رآها في المنام، فاحتلم عليها. 1145أنشدنا محمد بن عبد الواحد قال أنشدنا أحمد بن يحيى [بسيط] : كأن سلمى إذا ما جئت طارقها ... وأخمد الليل نار المدلج الساري ترعيبة من دم أو بيضة جعلت ... في دبة من دباب الرمل مهيار الرعيب: قطعة من السنام شبهها به في حمرتها وبياضها، وبالبيضة في انملاسها. والدبة: القطعة من الرمل. 1146وأنشد ابن السكيت لبعض المولدين [طويل] : ومجلس شيخ كنت في سنن الصبا ... أحييه أحياناً وفيه نكوب غدا بثلاث ما ينام رقيبها ... وأبقى ثلاثاً مالهن رقيب "غدا بثلاث" يعني بثلاث بنات. "ما ينام رقيبها" يعني حافظها. و"أبقى" يعني ثلاث أثافي أبقاها في المنزل ورحل. 1147ومن مستحسن ما أنشده من أبيات النسيب، ما أنشده ابن السكيت لأبي وجزة السعدي [بسيط] : يستبرق الأفق الغربي إذا ابتسمت ... برق السيوف سوى أغمادها القضب كأن زجلة صوب صاب من برد ... شنت شآبيبها من والج لجب نواضح بين حمادين أحصيتا ... سمتها كهمام الثلج بالضرب يصف امرأة، يقول: يضيء الأفق بابتسامها، "أو برق السيوف القضب. سوى أغمادها": أي زايلتها أغمادها. و"الزجلة": اليسير من الماء. والبرد والشآبيب: دفع من المطر واحدها، شوبوب. وشنت: صبت. والنواضح ها هنا: الثنايا البيض، تنضح بالظلم. وهمام الثلج: ما يهم منه: أي يسيل. 1148أنشدنا عبيد الله بن أحمد قال أنشدنا محمد بن الحسن [طويل] : وشعب كشك الثوب شكس قطعته ... مجامع ضوجيه نطاف مخاصر تعسفته بالليل لم يهدني به ... دليل، ولم يخبرني النعت خابر "شكس" يعني ثغر امرأة. والشكس: في الأصل: العسير الشديد. وقوله "كشك الثوب" يعني في ضيقه. و"ضوجاه": جانباه. ويروى "ضوجيه": يريد ناحيتيه. و"نطاف" جمع نطفة: وهو الماء العذب. و"المخاصر": الباردة. يقول: ذقته ووردته، ولم يخبره أحد قبلي. 1149مثله قول الآخر [طويل] : ألا رب يوم قد شربت بمشرب ... شفي الغيم لم يشرب به أحد قبلي يعني ريق امرأة. و"الغيم": العطش. وشفاه: شرب ريقها. 1150وأنشدنا عبيد الله بن أحمد قال أنشدنا محمد بن الحسن [طويل] : ومشبوبة لا يقبس الجار ربها ... ولا طارق الظلماء منها يدنس متى ما يراها زائر يلف عندها ... عقيلة داري من العجم تفرس "مشبوبة": امرأة جميلة. فإن نورها وجمالها يشب كما تشب النار. و"ربها": زوجها، لا يبرزها فيبصر جمالها. فألغز بذكر القبس ليوهم أنها نار. و"عقيلة داري"يعني مسكة منسوبة إلى دارين: قرية يجلب منها الطيب. "تفرس": تشق. الفرس: الشق. 1151أنشدنا محمد بن عبد الواحد قال أنشدنا أحمد بن يحيى [وافر] : أليس من الشقاء وجوب قلبي ... وإيضاعي النجوم مع النجو فأحزن أن يكون على صديق ... وأفرح أن يكون على عدو يقول: أليس من الشقاء أن اهتم بأمر السحاب فأنتظره. و"النجو": جمع نجو ونجاء، وهو السحاب. وهذا رجل كان كلفا بفتاة الحي، وكان مقيماً معهم، فأحب أن يكون المطر على أعداء أهل الفتاة لئلا ينتجعوه فيظعنوا بها معهم. وكره أن يكون المطر على أصدقائهم لذلك. أحسن أبيات قيلت في وصف الكرم من أبيات المعاني 1152أنشدنا محمد بن عبد الواحد قال أنشدنا أحمد بن يحيى [كامل] : يحملن أوعية المدام كأنما ... يحملنها بأكارع العردان يصف عناقيد العنب. وشبهها بأكارع العصافير. وهو من أحسن تشبيه وأوفاه. 1153أنشدنا أيضاً عن أحمد بن يحيى. وأنشدنا أبي-رحمه الله-عن أبي عمر عبد الله بن الحسين بن سعيد القطربلي عن أحمد بن يحيى [طويل] : وسود جعاد تأكل الناس لحمها ... حرام علينا درها حين تحلب يصف عناقيد العنب. 1154وأنشدني أبي رحمه الله بهذا الاسناد [خفيف] : وتخال الجفان حين أحاقت ... من بني حام لم يحزوا الشعورا الجفان: جمع جفنة. وهو ما تجفن من الكرم. شبه عناقيد العنب برؤوس الحبش. أحسن ما قيل من أبيات المعاني في وصف الخمر 1155-أنشدنا محمد بن عبد الواحد بن يحيى [بسيط] :

1160وقال الأعشى [متقارب] :

وذات غبرة بكر غير منظرة ... إلى النواصف من أوطانها الريف والريف: موضع العمران والخصب. يعني خمراً وزقاً. والنواصف: التي قد آلت إلى أنصاف دنانها لعتقها وقدمها. والبكر: التي لم يشرب منها قبل. هذا قول ابن الأعرابي. وقال الأصمعي: لم ينظر إليها قط. 1156-كما قال الأخطل [بسيط] : عذراء لم يجتل الخطاب بهجتها ... حتى اجتلاها عبادي بدينار وقال بعضهم: ذهب بالدنانير. كما تقول كثر الدينار والدرهم في أيدي الناس. قال لم ينظر إليها قبل حتى جاء العبادي فاشتراها بدينار. 1157- تنزو بها العجم في دكن مسعفة ... نزو الجنادب في أعناقها الصوف بها: بهذه الخمرة والعجم: الفرس. والدكن: الزقاق، واحدها أدكن. والدن أيضاً أدكن، والمسعفة: التي عليها السعف من الخوص. وقال أبو العباس: الدكن والدهم، واحد. وقوله "في أعناقها الصوف" يريد الخيوط التي تشد بها الزقاق وهي العصم. 1158-وقال الكميت بن معروف الأسدي [بسيط] : أيام ألحف مئزري عفر الملا ... وأغض كل مرجل ريان يقول: أيام أجر ثوبي وأسحبه. والعفر: التراب. وأغض أي أنقص. وكل مرجل: يعني زقاً، قد يسلخ إهابه من إحدى رجليه و [قد] مليء خمراً. 1159-ومثله [وافر] : رأيت مخنثاً فلثمت فاه ... فيا طيب المخنث من يعني بالمخنث: زقاً مملوءا خمراً، شرب منه. 1160وقال الأعشى [متقارب] : فقمنا ولم يصح ديك لنا ... إلى جونة عند حدادها دراهمنا كلها جيد ... فلا تحسبنا بتناقدها لقوم فكانوا هم المنقدين ... شرابهم قبل إنقاذها الجونة: الخمرة السوداء إلى الحمرة. والحداد: البواب. وكل من منع شيئاً فهو حداد وجعل هذا الخمار حداداً لأنه يمنع عن الخمر. وقوله القوم فكانوا هم المنقدين "أراد قبل أن ينفذ فيهم السكر فتذهب عقولهم. وإنما أنث الشراب لأنه أراد الخمر. 1161ومما سئل عنه من أبيات أبي نواس قوله [منسرح] : أما ترى الشمس حلت الحملا ... وقام وزن الزمان فاعتدلا وغنت الطير بعد عجمتها ... واستوفت الخمر حولها كملا يريد استوفت قوتها، من قولك "الحول والقوة لله عز وجل" هذا قول المبرد. قال وسألت أبا عمر الجرمي فقال: أقوى ما تكون الخمر لدور السنة، فإذا زادت على ذلك رقت، وحسنت، وضعف أخذها. وقال أبو العباس أحمد بن يحيى: الحول: التحويل. يريد أنها كانت إلى وقت الربيع عصيراً لا يطيب شربها، ثم تحولت في ذلك الوقت فصارت خمراً مشروبة. وقال أحمد بن أبي خيثمة الضمرى عن يحيى راوية أبي نواس أراد بأنها استوفت حولها منذ وقت أورق كرمها في الربيع، إلى أن أورق في السنة الثانية. وقال عبد الله بن مسلم بن قتيبة: الهاء في قوله "حولها" تعود على الشمس، لأنه إنما بدأ بذكرها فقال "أما ترى الشمس حلت الحملا" ثم ذكر الزمان والطير والخمر فقال واستوفت الخمر (حول) الشمس كاملاً. قال وهذا هو القول الذي لا يجوز غيره لأنه قد تقدم ذكرها. والكناية عنها أحسن. 1162ومما سئل عنه من أبيات أبي نواس في الخمر قوله [طويل] : ألا سقني خمراً وقل لي هي الخمر ... ولا تسقني سراً إذا أمكن الجهر يقول: إن الملاذ، إنما هي بالحواس الخمس. وهي النظر والشم واللمس والذوق والسماع. يقول قد حصلت الأربع منها فمتى تحصل الخمس؟ 1163ومما يسأل عنه من أبيات المحدثين قول مسلم [كامل] : سُلت وسُلت ثم سُل سَليلها ... فأتى سَليل سَليلها مسْلولا لطف المزاج لها فزين كأسها ... بقلادة جعلت لها إكليلا أراد سلت من المعصرة، ثم سلت من الدن، وسل سليلها: البول. هذا قول الباهلي، وقال أبو علي: والذي أراه أنها سلت من المعصرة ثم سلت من الدن ثم سلت من الكأس عند شربها. وقوله: جعلت لها إكليلا أي رفعها المزاج فكان الحباب لها كالقلادة فجعلها إكليلا لأنها في الرأس. 1164ومثله قول أبي نواس [طويل] : فللخمر ما زرت عليه جنوبها ... وللماء ما دارت عليه القلانس أحسن ما ورد من أبيات المعاني في وصفه كتيبة 1165فمن أحسن ما قيل في ذلك ما أنشده أبو العباس أحمد بن يحيى [كامل] : لاذوا بأرعن مشمخر باذخ ... ما للأنوق تزوره متعلق

1166ومن أحسن ما قيل في هذا المعنى قول الآخر [طويل] :

عزت زوافره وحلق فوقه ... ظل المنية فوق راب يخفق يصف جيشاً. وعزت: غلبت. وزوافره: ما يزفر من حره كزفرة المحزون. وقوله: راب، جمع رابية كما تقول بيضة وبيض. وتخفق: تتحرك 1166ومن أحسن ما قيل في هذا المعنى قول الآخر [طويل] : وملتقطو بيض بيهماء قفرة ... يصورون قسراً أدهماً والخرانقا وقد ألبسوا جلد السماء عباءة ... تلاءم أحياناً وحيناً شبارقا يصف جيشاً يقول: طأطأوا رؤوسهم يقتفون الآثار، فكأنهم قوم قد خرجوا يلتقطون بيض النعام. ويصورون: يعطفون. يقول من كثرتهم يملأون الصحراء، فيعطفون الخرانق والأدهم، وهي الأرانب والظباء. والعباءة التي ألبسوها جلد السماء: الغبرة تلتئم أحياناً في الأرض السهلة، وتنقطع في الأرض الصلبة. والشبارق: القطع. 1167ومن مستحسن ما ورد في هذا الباب قول الآخر [كامل] : وأنا النذير بحرة مسودة ... يصل الأعم إليكم أقوادها أبناؤها متكنفون أباهم ... حنقو الصدور وما هم أولادها أراد كتيبة، فشبهها بالحرة لسوادها. والأقود: جمع قود وهي الخيل. والأعم: الكلأ العميم ترعى فيه، فتقوى على الغزو. وأبناؤها: رجال الكتيبة. فجعلهم أبناءها لأنها تضمهم. وقوله: أباهم، يريد رئيسهم. "وما هم أولادها" الهاء راجعة على الكتيبة لأنها لا تلدهم. 1168ومن هذا الباب ما أنشده ابن السكيت لعمرو بن قميئة [طويل] : وملمومة لا يخرق الطرف عرضها ... لها كوكب ضخم شديد وضوحها تسير وتزجى السم تحت نحورها ... كديت إلى من واجهته صبوحها ملمومة: كتيبة مجتمعة. "لا يخرق الطرف عرضها" أي لا ينفذها الطرف من كثرتها. وكوكبها، كوكب كل شيء: معظمه واغزره. و"تزجي السم" يعني أنها تقدم الموت بين يديها. 1169ومثله قول الآخر [طويل] : ونحن ضربنا الكبش حتى تساقطت ... كواكبه بكل عضب مهند وكبش القوم: رأسهم. وتساقطت كواكبه: أي ذهب معظم كتائبه. أحسن ما ورد من أبيات المعاني في ذكر الصلاة والصوم 1170أنشدنا محمد بن عبد الواحد قال أنشدنا أحمد بن يحيى ثعلب [خفيف] : ليتني في المسافرين حياتي ... لا لحب الشخوص والترحال بل لخمس تصيح منهن ست ... وثلاثين، لا تمر ببال يعني خمس صلوات. تصيح منهن ست: يعني ست ركعات، يقصرهن المسافر. وثلاثين: يعني شهر الصوم. 1171ومثله قول الكميت [منسرح] : لا يتداوى بزلة منهم ال ... مدنف من هيضة الكرى الوصب إلا لخمس هي المشيمة للا ... ركب في حيث تنكأ الجلب المدنف، بفتح النون: الشديد المرض. وهوها هنا الشديد النعاس الذي قد أضربه السهر والتعب. والخمس: يعني الخمس الصلوات. "وتنكأ الجلب" يعني مواضع السجود. ومن روى المدنف بكسر النون أراد الذي أدنف إبله من شدة السير. ونكأها حتى صار على ظهرها جلب، وهي الحشكريشات، وكانوا إذا سافروا في سفر بعيد، لم يغيروا عن إبلهم رحالها وأدواتها، إلا في كل خمس ليال. 1172ومثل هذا قول ذي الرمة [طويل] : ودوية جرداء جداء خيمت ... بها هبوات الصيف من كل جانب أنخت بها الوجناء من غير بترة ... ثنتين عند اثنين جاء وذاهب يعني بالثنين: ركعتين، قصر بهما صلاة العصر. والجائي والذاهب: الليل والنهار. أحسن ما ورد في ذكر الأيام والليالي من أبيات المعاني 1173أنشدنا أحمد بن محمد العروضي قال أنشدنا أحمد بن يحيى عن الباهلي [طويل] : فما مقبلات مدبرات تتابعت ... مفرقة الأسماء، واللون واحد تصادف من أعراضهن حلاوة ... وفيهن مرات وسخن وبارد يصف الأيام والليالي. 1174ومثله [طويل] : مطايا يقربن البعيد وإن نأى ... وينقلن أشلاء الكريم إلى القبر يعني الأيام والليالي. 1175ومثله ما أنشده الباهلي [كامل] : سبع رواحل ما ينخن من الونى ... شوم تساق بسبعة زهر متواصلات، لا الدؤوب يملها ... باق تعاقبها مع الدهر قوله: سبع: يعني سبع ليالي الجمعة. والشوم: السواد. والسبعة: الزهر: يعني الأيام والزهر: البيض. 1176ومثله ما أنشده ابن قتيبة [خفيف] : ستة إخوة وأخت شريفة ... هي في دارنا ودار الخليفة

1177أنشدنا أحمد بن محمد العروضي قال أنشدنا أحمد بن يحيى عن الباهلي [كامل] :

هي زوارة تغيب وتأتي ... خبروني فتلك عندي طريفة 1177أنشدنا أحمد بن محمد العروضي قال أنشدنا أحمد بن يحيى عن الباهلي [كامل] : خدنان لم ير يامعاً في منزل ... وكلاهما يسرى به المقدار لونان شتى يغشيان ملاءة ... تسفى عليها الريح والأمطار يصف الليل والنهار. 1187أنشدنا عبيد الله بن أحمد النحوي صاحب بني الفرات قال أنشدني محمد بن الحسن. قال أنشدنا الأشنانداني [طويل] : تمطى به ذو جدتين كأنه ... إذا امتد واستولى على البيد طيلس إذا منح الخرجاء خرجاء حدرة ... أتى دونها ظل من الدجن ملبس يصف الليل والنهار. وذو جدتين. خطين من سواد وبياض، فيريد رجلاً يثوى. والخرجاء الأولى: السماء. والثانية: العين. أحسن ما ورد في وصف بيض النعام من أبيات المعاني 1179أنشدنا محمد بن عبد الواحد قال أنشدنا أحمد بن يحيى [كامل] : وعقائل ما ينثنين من الفتى ... غزلاً ولا يعرضن حين يراها أنس إذا ما جئتها لبيوتها ... شمس إذا داعي الشباب دعاها جعلت لهن ملاحف قصيبة ... يعجلنها بالعظ قبل بلاها يصف بيض النعام. والملاحف: غرقيء البيض وهي القشرة الرقيقة التي تحت البيض. والبيض: القشرة العليا. وقوله "أنس" يعني أنها ما دامت بيضاً فهي آنسة بالناس فإذا خرج الفراخ منها نفرت. 1180ومن أحسن ما قيل في هذا المعنى قول ذي الرمة [طويل] : وبيضاء لا تنخاش منا وأمها ... إذا ما رأتنا زال منها زويلها نتوج ولم تقرف بما تمتني له ... إذا نتجت ماتت وحى سليلها يصف بيضة النعام. وفرخها الحي سليلها. 1181وقال ذو الرمة أيضاً [طويل] : وكم قطعت بي ناقتي من تنوفة ... إليك، ومن قوم عدى وأسود وكم جاوزت من مهمة بعد مهمة ... خلاء ومستور السلاح جبود ومن ميت حي على النعش لم يذق ... طعاماً ولم يرضع بثديي رقود وأمثال حب الحنظل استهلكت به ... حوامل من شتى معاً ووحيد يقول "مستور السلاح" يعني ذئباً. و"جبود" يعني "مسرعاً". و"من ميت حي على النعش" يعني بيض النعام. ونعشه بيض النعام. ونعشه: عشه. وإنما جعله نعشاً لأنه مرتفع على الأرض. أحسن ما ورد في صفة نعل من أبيات المعاني 1182أنشدنا أبو عمر قال أنشدنا ثعلب [وافر] : وسوداء المشاسب يمتطيها ... أخو الحاجات ليس لها نكير فيحملها، وتحمله، وفيها ... منافع حين يبتدر السفير على أن السفار ينال منها ... فيرفعها إذا جد المسير يصف نعلاً. والسفير: ورق الشجر. والمسفرة: المكنسة. أحسن ما ورد من أبيات المعاني في صفة بكرة 1183أنشدنا محمد بن عبد الواحد قال أنشدني أحمد بن يحيى [طويل] : منيت بها لا تشتهي من وليها ... إذا مسها، ما تشتهي الخفرات قليلة جرس الصوت ما لم يمسها ... فإن مسها صاحت بغير خفات يصف بكرة. 1184وأنشدنا عنه أيضاً لذي الرمة [طويل] : وجارية ليست من الأنس تجتلى ... ولا الجن قد لاعبتها ومعي دهني أدلجت فيها قيد شبر موفراً ... فصاحت ولا، والله ما وجدت تزني يصف بكرة [البئر] وقيد شبر: يعني الحديدة التي تدخل في البكرة أي المحور الحديدي. 1185أنشدنا محمد بن عبد الواحد قال أنشدنا أحمد بن يحيى [رجز] : من باكية لا تلعب ... راكبة والمتن منها يركب بلا قوائم تقرب ... بين جدارين لها تقلب يصف بكرة. أحسن ما ورد في صفة الدلو من أبيات المعاني 1186أنشدنا محمد بن عبد الواحد قال أنشدنا أحمد بن يحيى [بسيط] : يا بنت آل جديد لو أمرت لنا ... ثنين من محكم بالعد أوتار يعني دلواً من جلدين ثنين. والأوتار ثلاثة: جمع وتر. يقول: خرزت ثلاث مرات. إما جديداً وإما جارنا خلقاً ... عادى العذارى لقطعيه بأسيار الجارن: الخلق. لكان زاداً قليلاً واعتنجت به ... صهباء ضمنتها حاجي وأسفاري اعتنجت: جعلت حبل هذه الدلو عناجاً لناقتي. والصهباء: ناقة. 1187وأنشدنا أبو عمر محمد بن عبد الواحد قال أنشدنا أحمد بن يحيى [رجز] :

1188وأنشدنا أيضا عن أحمد بن يحيى [رجز] :

إذا قرنت أربعاً بأربع ... إلى اثنتين في منين شرجع لم ألف بالضبن ولا المدفع يصف دلواً. وأربع: أربع آذان، وأربع وذمات. والاثنتان: عرقوتا الدلو. والوذمات الخيوط. والمنين: الحبل القوي. 1188وأنشدنا أيضاً عن أحمد بن يحيى [رجز] : تعلمن أيها الربوض ... شولاء فيها وذمات بيض إذا تمس الحوض تستريض يصف دلواً. والشولاء: المسترخية. وقوله "إذا تمس الحوض تستريض" يقول: يقول: يصير كالروض يخضر عليه الطحلب لاستوائه واستلابه. أحسن ما ورد في وصف السقاة من أبيات المعاني 1189أنشدنا أبو عمر محمد بن عبد الواحد عن أبي العباس ثعلب في السقاة [طويل] : أبيت على الماء العضوض كأنني ... رقوب، وما ذو سبعة برقوب العضوض: بعيد القعر. يقول: أحرص على السقي فأبيت على الطوى بمائه. لا أجد لي [ما] يكفيني أمري. فكأني رقوب. وهو الذي لا يعيش له ولد. 1190وأنشدنا أيضاً [رجز] : مالي أرى يومكما عصيباً ... أعييتما أم خلتني مغلوبا والشيب منهن ينادي الشيبا ... قد ركبت أخفافها العجوبا يخاطب ساقيين يقول: ركب بعضها بعضاً، فأخفاف المتأخرة قد ركبت أعجاز المتقدمة. 1191ومثله [طويل] : إذا ما دعت شيباً يجبني عنيزة ... مشافرها في ماء مزن وباقل 1192أنشدنا محمد بن عبد الواحد عن أحمد بن يحيى [رجز] : قد علمت إن لم أجد معينا ... لأخلطن بالخلوق الطينا هذا سارق تزوج امرأة فقال ذلك، في صبيحة بنائه عليها. يقول "قد علمت إن لم أجد معنيا" على السقي أنني أقيمها تستقي. فأخلط طيب العرس بالذي حول الحوض والبئر من الطين. 1193وقال الآخر [رجز] : قام على المركو ساق يفعمه ... مختلطاً عشرقه وكركمه يرد فيه سوره ويثلمه ... فريحه تدعو على من يظلمه "فريحه تدعو على من يظلمه" استعارة، يريد إن أشتم رائحتها دعا عليه الناس. هذه عروس أقامها زوجها-وكان ساقيا-تستقي معه. و"يفعمه" ملأه. و"العشرق" و"الكركم" ضربان من النبات طيباً الريح. والكركم: البقم. 1194وقال الآخر [رجز] : رب شريف لك ذي حساس ... شاربه، كالحز بالمواسي يصف رجلاً يقاسم رجلاً الماء عند السقي. والحساس: شدة الحر والعطش. و"شاربه" مصدر، شاربه مشاربة وشراباً، إذا شرب معه وسقاه لينظر أيهما أكثر شراباً. 1195وقال الآخر [رجز] : قد قلت قولا للغراب إذ حجل ... عليك منها بالمساتيف الأول تغذ ما شئت على غير عجل ... التمر في البئر وفي ظهر النخل هذا رجل كانت معه نخل عليها تمر. فكان الغراب يسقط عليه فيأكل منه. فيقول أصنع ما شئت، فإني أستقي من البئر الماء، فأستقي به هذه النخل التي التمر منها. فتحمل حملاً ثانياً. 1196وأنشد الباهلي في صفة ساق يستقي الماء على جمل، يخاطب جمله [رجز] : تأمل القرنين فانظر ماهما ... أحجراً أم مدراً تراهما يقول انظرهما، هل تعرفهما، ليشتمل الصبر عليهما. والقرنان: ما يكون حول البئر من البناء ليجعل عليه خشبة البكرة. 1197وقال الآخر في معنى ذلك، يصف بعيراً له بالنشاط في السقي [رجز] : لولا الزمام اقتحم الأجاردا ... بالقرب أو دق النعام الساجدا يقول: لو لم يكن عليه زمام، لاقتحم بالقرب-وهي الدلو-الصحراء من نشاطه، وشدته أو دق النعام-وهي جمع نعامة-والنعامة: خشبة تعلق عليها البكرة. والساجد: المطأطئ. وأصل السجود: الخضوع والذلة. يقال أسجد البعير إذا ذل لراكبه. وينشد: وقلن له أسجد لليلى فأسجدا 1198أنشدنا محمد بن عبد الواحد عن ثعلب عن ابن الأعرابي عن المفضل [رجز] : أكل يوم عرشها مقيلي ... حتى ترى الخير من الفضول مثل سياج السيد المبلول يصف سلقيا. والعرش: بناء فوق البئر، يقوم عليه الساقي. والعرش أيضاً طي البئر بالخشب. 1199وقال الآخر [رجز] : خذها واعط عمك السجيله ... فلم يكن عمك ذا خليلة قال: العزب أقوى من المتزوج. 1200ومثله [رجز] : أما وحق بئركم وما بها ... والعرمض اللاحق في أرجائها لأتركن أيما بدائها هذا ساق حلف ألا يتزوج فتذهب قوته. 1201وأنشدنا عن ثعلب عن ابن الأعرابي [رجز] :

1202وقال الآخر [رجز] :

يا سعد غم الماء ورد يدهمه ... يوم يلاقى شاؤه ونعمه واختلفت أمراسه وقيمه ... فهب لنا منك ملاء تعلمه فإنما أنت أخ لا نعدمه ... مولد كان أبونا يكرمه فقام وزام شديد محزمه ... لم يلق بؤساً لحمه ولا دمه ولم تبت به حمى توصمه ... تدك مدماك الطوى قدمه كأن سفود حديد معصمه أراد ذراعه. وقيمه: جمع قامة، وهي البكرة. ووزام: له عضل. ومذماك: ساق. وتوصمه: تغيره. 1202وقال الآخر [رجز] : إن كنت جائي أخا تميم ... فجيء بعجلين ذوي وزيم بديلمي وأخ للروم ... كلاهما كالجمل المخزوم يخاطب ساقياً. والوزيم: اللحم. وأراد يا جائي، يا أخا تميم وقوله "بديلمي وأخ للروم" يقول: إذا اختلفت ألسنتهم ولغاتهم لم يتحدثوا. واشتغلوا بالسقي. وإذا كانوا من جنس واحد، فهم هذا، لغة هذا. واشتغلا بالحديث. فذهب السقي. أحسن ما ورد من أبيات المعاني في التعبير بأخذ الدية وترك طلب الثأر 1203أنشدنا عبيد الله بن أحمد قال أنشدنا محمد بن الحسن عن الأشنانداني [الوافر] : إذا ورداؤه لهق حجير ... ورحت أجر ثوبي أرجوان كلانا اختار، فانظر كيف تبقى ... أحاديث الرجال على الزمان "حجير" اسم أخيه. عيره بتركه طلب الثأر بقتل أخيه. ولذلك قال "رداؤه لهق" أي أبيض. وقوله "رحت أجر ثوبي أرجوان" أي أخذت بثأري. والعرب تقول "دم فلان في ثوب فلان" إذا قتله. يقول: فحجير اختار أخذ الدية، واخترت الطلب بالثأر. 1204وزمثل هذا قول الأسعر الجعفي [كامل] : راحوا بصائرهم على أكتافهم ... وبصيرتي يعدو بها عتد وأى يقول: تركوا الطلب من ورائهم، فكان ثقل الدماء على أكتافهم. والبصائر جمع بصيرة، وهي النظر بمثله من الدم. وطلبت ثأري على عتد-وهو الفرس القوي-والوأى مثله. 1205ومثل هذا قول الآخر [طويل] : إذا صب ما في الوطب فاعلم بأنه ... دم الشيخ فاحلب من دم الشيخ اودع يعيره بأخذ الدية. فيقول إن الذي تشربه من البان الابل التي أخذتها في الدية، إنما هو دم أبيك. 1206 ومثل هذا قول الآخر [بسيط] : عفوا بسهم فلم يشعر به أحد ... ثم استفاؤا وقالوا حبذا الوضح الوضح: اللبن. عفوا: يعني رموا بسهم يقال له العفيفة. وكانوا إذا أرادوا أن لا يطلبوا بثأر المقتول، وأن يقبلوا الدية قالوا: بيننا وبينكم إلا هنا علامة. وهي رمي هذا السهم، فإن عاد مضرجاً بالدم، فقد أمرنا بأخذ الثأر. وإن عاد نقياً فقد أمرنا بأخذ الدية. قال: ثم يرمون به نحو السماء، فلم يعد ذلك السهم قط إلا نقياً. 1207وقول الآخر [كامل] : مسحوا لحاهم ثم قالوا سالموا ... يا ليتني في القوم إذ مسحوا اللحى يقول: طلبوا الصلح. واستوطأوا الدعة. فمسحوا لحاهم بأيديهم، وقالوا: الصلح خير. ومثل هذا يفعله الناس كثيراً. قال أبو عمر محمد بن عبد الواحد: سألت أبا العباس أحمد بن يحيى عن قوله "يا ليتني في القوم إذ مسحوا اللحى" ما كان يعمل لو كان فيهم. قال: يحلق لحاهم مجازاة على جنوحهم إلى الموادعة. 1208ومن أبيات المعاني المستحسنة في هذا المعنى ما أنشده الأشنانداني [طويل] : أديسم إني لا إخالك مروياً ... صداي إذا مابت والبرك حفل ولا هاجعاً إلا على ظهر تفنة ... يسائل عنك الأقربون وتسأل يخاطب ابنه، وهو ديسم، والديسم في كلام العرب: الدب. وقوله: صداي: كانوا يزعمون أنهم إذا لم يأخذوا بثأر الميت خرجت من قبره هامة من عند رأسه. فلا تزال تقول: اسقوني، اسقوني، حتى يأخذوا بثأره. 1209ومثل هذا قول الآخر [بسيط] : أصداء زهرة كوم، لا تحارد إن ... جاؤا عشاء بأمطار وصراد يا من رأى هامة تزقو على جدث ... تجيبها خلفات ذات أطواد يقول: هذه الأصداء التي تزقو طلباً لأخذ الثأر، قد صارت إبلاً كوماً، أي عظام الخطى. والأطواد شبه أسنمتها. والصراد: البرد. والخلفات: الابل الحوامل. واحدها خلفة. 1210ومثله [بسيط] : يا عمرو إلا تدع شتمي ومنقصتي ... أضربك حيث تقول الهامة اسقوني أي من رأسك. 1211وأنشدنا محمد بن عبد الواحد عن أحمد بن يحيى [وافر] :

أحسن ما قيل في ضد هذا من أبيات المعاني

ألا أبلغ أبا وهب رسولاً ... بأن التمر حلو في الشتاء يعيره بأخذ الدية وأنه أخذ فيها تمراً. أحسن ما قيل في ضد هذا من أبيات المعاني 1212أنشدنا عبيد الله بن أحمد قال أنشدنا محمد بن الحسن عن الأشنانداني [كامل] : يطأ الطريق بيوتهم بعياله ... والنار تحجب والوجوه تذال لا يشربون دماءهم بأكفهم ... إن الدماء الغاليات تكال قوله "يطأ الطريق بيوتهم بعياله" يريد أنهم لا ينزلون إلا على الدرجة والمحجة التي يجتاز فيها السائلة. وقوله "والنار تحجب" تزيد في الشدة والجهد وفي الوقت الذي لا توقد فيه النار، بحيث ترى، خوفاً من أن يقصدها الأضياف. وقوله "لا يشربون دماءهم بأكفهم" يقول: لا يقبلون الديات. فيشربون من ألبان الإبل. فإذا شربوها فكأنهم قد شربوا دماء أوليائهم. وقوله "بعياله"، عيال الطريق: المارة فيه. وذلك على طريق الاستعارة والتوسع وقوله "إن الدماء الغاليات تكال" أي تسفك بها أمثالها. 1213كما قال [سريع] : لا نألم القتل ونجزع به ال ... أعداء، كيل الصاع بالصاع 1214ومن مستحسن ما ورد في هذا المعنى قول الآخر [وافر] : ألا لله من مردي حروب ... حواه بين حضنيه الظليم وقد قامت عليه مها رماح ... حواسر ما تنام ولا تنيم الظليم: تراب القبر في الأرض التي احتفرت، ولم تكن احتفرت قبل ذلك. وأصل الظليم: وضع الشيء في غير موضعه. وقوله "قامت عليه مها رماح" فرماح اسم موضع، والمها ها هنا النسوة. شبههن بالبلور في صفائهن، وبقر الوحش في عيونه. يقول: فهن يندبنه. وكانوا لا يندبون القتيل حتى يؤخذ بثأره. 1215ومثل هذا قول الآخر [كامل] : من كان مسروراً بمقتل مالك ... فليأت نسوتنا بضوء نهار يجد النساء حواسراً يندبنه ... في الليل عند تبلج الأسحار يقول: من سره مقتله فليأت هذا الموضع ليرى النساء يندبنه. ويعلم أنه قد أخذ بثأره. 1216أنشدنا محمد بن عبد الواحد قال أنشدنا أحمد بن يحيى [طويل] : له خدمة من ذي الفقار اعتصى بها ... عليهم ولم ينظر سياق الاباعر خدمة: قطعة من سيف، وهو ذوز الفقار. يقول طلبت بثار المقتول، ولم ينتظر سوق الإبل في ديته. 1217وأنشدنا أيضاً عن أحمد بن يحيى [وافر] : ثأرنا ابن العليل وصاحبيه ... ولم ننظر بهم عقب البكار وأصبحت الوجوه وإن رزينا ... جلاها القطر من حمم وقار ثأرنا: أخذنا بثأره. ولم ننظر، لم ننتظر أخذ الدية وسوق الإبل. فأصبحت الوجوه مشرقة بإدراك الثأر. وإن كنا رزينا من أحببناه. 1218ومن مليح ما قيل في هذا المعنى [طويل] : قيا عجبا حتى حصيلة أصبحت ... موالي علج لا تحل لها الخمر يقول: أصبحوا أعزاء في نفوسهم ممن يحرم على نفسه الخمر حتى يأخذ بثأره. يهزأ بهم، ويسخر منهم، وكانوا يحرمون الخمر على أنفسهم حتى يدركوا بثأرهم. أحسن ما ورد في عضة الكلْب الكلِب من أبيات المعاني 1219أنشدنا أبو عمر قال أنشدنا ثعلب [طويل] : فلولا شراب ابن المحل الذي به ... شفى الله، قد أصغى لصوتي كليبها فبلت بإذن الله أولاد زارع ... مؤللة الأذان بلقا جنوبها هذا رجل، غضه الكلب الكلِب. وابن المح: رجل كان يسقي دواء عضة الكلب الكلب وقوله "قد أصغى لصوتي كلبها" يقول: كان ينبح نباح الكلاب فتصغي الكلاب إلى صوته وكليب جمع كلب. وقوله "أولاد زارع" يريد الكلاب. ومؤللة: مخددة. وكان الرجل إذا بال مثل الجراء علقا، بعد هذه العضة برئ من دائها. 1220ومثل هذا قول الآخر. وهو من مليح ما قيل في معناه [وافر] : وحاملة ولم تحمل جنيناً ... ولم تلقح وليس لها حليل أتمت حملها في نصف شهر ... وحمل الحاملات أتى طويل أتت بعصابة ليست بإنس ... ولا جن فكيف بهم تقول إذا ولدت تباشر كل حي ... وإن ماتت فباكيها قليل يصف مثانة رجل عضه كلب كلِب. وتكامل حمل هذه الجراء في المثانة بعد خمسة وعشرين يوماً.. أحسن ما ورد في صفة النخل من أبيات المعاني 1221أنشدنا عبيد الله بن أحمد النحوي قال أنشدنا محمد بن الحسن عن الأشنانداي [كامل] :

1222وأنشد الباهلي [طويل] :

عقر الصفي فما اشتوى من لحمها ... فلذاً ومثل لحومها لا يشتةي لم تشف من خرم ولم يقدح لها ... زند ولم تبلل مجازرها الثرى يصف نخلة جمرها. والصفي: الكثير الحمل. وشبهها بالناقة الغزيرة اللبن، وهي الصفي. والفلذ: القطعة من اللحم والكبد. 1222وأنشد الباهلي [طويل] : جرور لها لحم وليس لها دم ... ولا يجتدى منها ولا ينتعل إذا ما اتيناها بفأس ومنجل ... فليس لها إلا التعسف مفصل يصف نخلة جمرها. والتعسف: الأخذ في غير قصد. 1223أنشدنا محمد بن عبد الواحد قال أنشدنا أحمد بن يحيى، وهو من أحسن ما قيل في هذا المعنى [طويل] : وطلقت نسواناً كثيراً، أعزة ... فلم يترك التطليق إلا ولا أهلا سوى أن بالجزع قوماً مواثلاً ... بوائك لا يخشين شبعاً ولا هزلا وصرمة معزى أربعين وقينة ... ومشعوبة دسماء تحتمل البقلا قوله "بوائك" يريد نخلا طوالا. والمشعوبة الدسماء: يعني اتانا موسومة بسمة يقال لها الشعاب. 1224أنشدنا أبو عمر عن ثعلب عن أبي الأعرابي [رجز] : وجارة لي، لا يخاف داؤها ... لا ظلمها يخشى ولا عداؤها عظيمة خمشها فتواؤها ... يعجل قبل خيرها سداؤها فجارة السوء لها فداؤها يصف نخلة. والفتواء: الكثيرة الشعر. وإنما يريدها هنا: كثيرة سعفها. وسداؤها: لحمها. 1225ومما يستحسن في وصف النخل قول أعرابي [طويل] : بهازر ما يخشى على بكراتها ... [ولا شب] منها طامر وابن طامر تسامي ذراها في السماء وانشرت ... بأسبابها برد الثرى المتظاهر كأن الكباس الساجمية علقت ... [دوين] الخوافي أو غرائر تاجر يصف نخلا. وأسبابها: عذوقها. والخوافي: سعفها. 1226أنشدنا أبو الحسن علي بن هرون [طويل] : إلى الله اشكو [هجمة هجرية] ... فخج بها ريب السنين الدوابر [فأمست منايا] تحمل الطير بعدما ... تكون غنى للمقترين المفاقر يصف نخلا قطعت فيبست فجعلت اجذاعاً للبناء. أحسن ما ورد من أبيات المعاني في الهجاء 1227أنشدنا محمد بن عبد الواحد قال أنشدنا أحمد بن يحيى [طويل] : إذا افتقد الذهلي ما في وعائه ... تبصر هل يلقى برابية قبراً فإن رام قبراً من لحيم بقفرة ... أناخ وسمى ركبتيه لهم عمراً قال هذا، رجل طفيلي، أكول، إذا رأي قبراً ينحر عنده، ويطعم الضيفان. قال: "أنا وأخي عمرو" ويسمى ركبتيه عمراً، فيؤتى بطعام اثنين. 1228وأنشدنا عنه [طويل] : بني يثربي حصنوا أيقاتكم ... وأفراسكم من ضرب أحمر مسهم ولا أعرفن ذا الشق يطلب شقه ... يداويه منكم بالأديم المسلم يعني نساءكم وبناتكم. يقول: لا تنكحوا نساءكم العجم من الفرس. ومسهم، ضربه مثلاً. يقول: إذا كان هجيناً من السهام دون سهام العتيق. 1229وأنشدنا محمد بن عبد الواحد عن أحمد بن يحيى لغيلان بن الاخيس العبدي [بسيط] : ووافد الأزد لا يسقى صحابته ... من المرايا صريف المحض بالعلب لكن يكب على الفنطاس مجتنحاً ... بأدكن الرأس منقوش من الجرب المرى: الغزيرة من الابل التي تدر على غير ولدها، والصريف: اللبن المحض الذي لا ماء فيه والفنطاس: خشب مخزون مقير يحمل فيه الماء في السفن البحرية. وادكن: يعني ثوباً من صوف منقوشاً كالجلود التي تتخذ منها الحرب وإنما يعيرهم أنهم ملاحون. ومجتنح: مائل. 1230وقال بعض اللصوص يهجو قوماً شهدوا عليه بأنه سرق [بسيط] : خوت نجوم بني شكس، لقد علقت ... أظفارهم بعقاب أمها أحد يعني نفسه. شبهها بالعقاب. وأحد: جبل. وجعله أمها، لأنه كان يأوي إليه. بينا أنازعهم ثوبي واجحدهم ... إذا بنو صحف بالحق قد شهدوا جعل الشهود بني صحف، لأن أسماءهم مشتقة منها. على رؤوسهم حماض محنية ... وفي صدورهم جمر الغضا يقد "حماض محنية": يعني أنهم مخضبوا الرؤوس واللحى. له درهم أبطال محنية ... لا الرمح يعني ولا الصمصامة الفرد 1231وقال آخر [كامل] : أبكي الذي بنيت بجبس خيله ... حذر الندى حتى يجف لها النعل

1232وأنشد الباهلي [طويل] :

يحمقه بذلك، لأن الفرس والحمار وما أشبههما من ذوات الحافر، لا يضرها السهام. وذلك أن المطر إذا كان عند سقوط السماك خشى منه السهام، وهو داء يصيب الابل ولا يضر الخيل. 1232وأنشد الباهلي [طويل] : تبغي ابن كور، والسفاهة كاسمها ... ليستاد منا إن شتونا لياليا يبغ ابن كوز في سوانا فإنه ... إذا الناس مذ قام النبي الجواريا وقوله "ليستاد" أي يتزوج في السادات. وقوله "شتونا" يريد، أصابتنا أزمة وشتوة. وقوله "غدا الناس" يقول: إن النبي (ص) ، حظر أن تئد البنات. يقول فاطلب من تتزوج له، غيرنا. فإنا لا نزوجك. 1233وقال قيس بن الخطيم [طويل] : أتهجو أناساً سودتك رماحهم ... بعد المشيب وكنت غير مسود يقول: قتلوا قومك، فصرت بعد قتلهم سيداً. ولولا أنهم قتلوا ما سدت. 1234ومن أناشيد ابن السكيت من أبيات المعاني للفرزدق [طويل] : اظنك مفجوعاً بربع منافق ... تلبس أثواب الخيانة والغدر يقوله في خالد. والمنافق هو خالد نفسه. وقوله "بربع منافق" أي تقطع يمينه فيذهب ربع طوابقه. وكل مفصل يقال له طابق. 1235وأنشد للفرزدق [طويل] : فجاء على بكر ثفال ينصه ... عصاه استه وفي العجاية بالقبر أي يستحث ذكره باسته كما يستحث بالعصا. 1236وهذا مثل قول أوس بن حجر [طويل] : كميت عصاها الزجر صاد به السرى ... إذا قيل لحيران أين تحالف يقول إذا زجرت، فكأنها تضرب بعصاً من سرعتها 1237وقال عنترة [طويل] : تفاديتم استاه نيب تجمعت ... على رمة من الرماح تفاديا تفاديتم: أي جعل بعضكم يتقي ببعض الرماح. وقوله "استاه نيب" يريد بأستاه نيب، بأنها تأكل العظام، تملح بها، وذلك أنها إذا أكلت الخلة فدربت بطونها فصارت للعظام تملح بها. وهي تسترخي فينتابها إذا رعت الخلة والجمة: العظام البالية. 1238وأنشدني أبي رحمه الله عن أبي الحسن بن الخضر [طويل] : جزى اله عنا عبس بني بغيض ... جزاء الكلاب العاويات وقد فعل يرميهم بالابنة. والكلبة تعوي إذا ضربت، واجفلت. 1239وأنشد الباهلي [وافر] : ِقصار الهم إلا في صديق=كأن وطابهم موتى الضباب قصار الهم: أي ليس لهم هم إلا اغتياب أصدقائهم، وذكرهم بالقبيح. ويقول أنهم لا يسقون الابل لبخلهم. فوطابهم ملأى كأنها ضباب موتى. 1240وأنشدنا محمد بن عبد الواحد قال أنشدنا أحمد بن يحيى [طويل] : ستعلم إن دارت رحى الحرب بيننا ... عنان الشمال من يكونن أضرعا قال: لا يقال للرجل عنان الشمال إلا إذا كان منهزماً، فيمسك العنان بشماله، كأنه عيره بهذا، ويقال بل نسبه لإلى الشؤم كما غراب الشمال. 1241وأنشد أيضاً عنه [وافر] : فجاءت للقتال بنو هليك ... فدري يا سماء بغير قطر هؤلاء قوم استعظم مجيئهم للقتال، لضعفهم. فيقول: دري بدم لا بقطر. 1242وأنشد أيضاً [بسيط] : وما يدبح منهم حارى أبداً ... إلا حسبت على باب استه القمرا يقول دبح ودربح إذا طأطأ رأسه. ويصف بأنهم برص. 1243وأنشدنا أيضاً [طويل] : ويهرب هذا الجود من وجه مالك ... كما يهرب الشيطان من آية الأرض يريد آية الكرسي، إذا قرئت في بيت هرب الشيطان منه. 124وأنشدنا أيضاً [طويل] : وإن امرءاً ما بين عينيه كاسته ... هجا وائلاً طراً لغير كريم كان ضربه في وجهه، فشقت الضربة وجهه شقاً واسعاً، فشبهه بالشق بين اليتيه. 1245وأنشد أيضاً [بسيط] : لا تأمنن فزارياً على جسد ... حتى تفارق لحم الأعظم الجسدا يصفهم بأنهم كانوا ينبشون القبور ويأخذون أكفان الموتى. 1246ومما ينشد من أبيات المعاني في الهجاء ويستحسن تفسيره [رجز] : فداك نكس لا يبض حجره ... مخرق العرض حديد مطره في ليل كانون شديد حصره ... عض بأطراف الزبانا قمره يقول هو [اقلف، ليس بمختون] إلا ما قلص منه القمر. وشبه قلفته بالزبانى. وقال أبو العباس، معناه: أنه من ولد والقمر في الزبانى، وهو نحس. وقال ابن الأعرابي: إنما يريد أنه لا يطعم في الشتاء. وإذا عض بأطراف الزبانى القمر كان أشد للبرد. 1247وأنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى [بسيط] :

1248ومن أبيات الهجاء قول الآخر [طويل] :

بتنا وبات سقيط الطل يضربنا ... عند النزول قرانا نبح درواس إذا ملا بطنه ألبانها حلباً ... باتت تغنيه وضرى ذات أجراس النزول: رجل قراه، فاساء قراه. ودرواس: كلب كان ينبح طول الليل، فجعل قراه نباح ذلك كلب. ويقول: إنه شرب اللبن فامتلأ، فجعل يخضف، أي يضرط. وضرى: أسته. وأجراس: جمع جرس وهو الصوت. وجعل ضراطه غناء. 1248ومن أبيات الهجاء قول الآخر [طويل] : أرى جوشناً يخفى النجي ولم أكن ... أبالي إذا ناجيته أن أناديا يقول هذا الرجل فاجر يخفى أمره ويستره. وأنا أظهر أمري وأعلنه لأني لست من أهل الريب. 1249ومثله [طويل] : ينام محاق الشهر صدر نهاره ... وفي الحي ذيال العشي طرير يقول إنه ينام صدر النهار، فإذا كان في الليل قام إلى سوءته وطاف على نسيانه الهجل. والهجل جمع هجول وهي الفاجرة. وذيال العشي: يسحب ذيله. وطرير: مصفف الطرة. 1250ومن مستحسن أبيات المعاني في الهجاء قول الآخر [طويل] : لحا الله أنآنا عن الضيف بالقرى ... وأبعدنا عن عرض والده ذبا وأجدرنا أن يدخل البيت باسته ... إذا القف أبدى من مخارمه ركبا أنآنا: أبعدنا. ويصف رجلا كان إذا رأى الأضياف المقبلين، زحف على استه، فدخل بيته حتى لا يراه الأضياف. 1251وقال يهجو امرأة فاجرة [طويل] : إذا هبطت جر المراغة عرست ... طروقا بأطراف التوادي كرومها يقول هي راغبة إذا هبطت بالغنم. وإذا ما ترغبها فيه فجرت وفجربها. والتوادي: خشيبات تصر بها ضروع الغنم. وكرومها: قلائدها. والكرم: القلادة. 1251أنشدنا محمد بن عبد الواحد قال أنشدنا ثعلب [مجزؤ الكامل] : لا زلت في كلأ عمي ... م نبته صحب الذباب مستاسد القريان تر ... حمه اهاضيب السحاب في صحة وسلامة ... من جسمك الانق العجاب هذا دعاء عليه، لا له. يقول: لا زال في كلا معتم يصحب ذبابه ولا غنم يرعيها في هذا الكلاء. فكيره تشتكي لذلك. والعرب تقول "كلأ تنجع منه كثير المصرم" يعني بالمصرم، صاحب الصريعة. وهي القطعة من الإبل والغنم. ويقولون: كلأ الحابس فيه كالمقيم، وكلأ المقيم فيه كالمسافر". 1253ومثله قول الآخر [وافر] : نكرت أبا زنيبة إذ سألنا ... بحاجتنا، ولم ينكر ضباب فجئت الجيوش أبا زنيب ... وجاد على مسارحك السحاب أحسن ما ورد من أبيات المعاني في الشيب 1254أنشدنا أبو عمر قال أنشدنا ثعلب [طويل] : ولما رأيت النسر عز ابن دأية ... وعشش في وكريه جاشت له نفسي يريد بالنسر، الشيب. وبابن دأية، الغراب، وهو الشباب. يقول: لما رأيت الشيب قد غلب، وكثر، وظهر، ساءني ذلك، وجاشت نفسي له، أي ارتفعت. والعرب تشبه السواد بالغراب. 1255كما قال أبو حية النميري [متقارب] : زمان على غراب غدافي ... فطيره الشيب عني فطارا 1256ومن أحسن ما قيل في هذا المعنى قول بشار [كامل] : يا ليت شعري كيف كان صدوفه ... أأسأت أم أجم الخلال فأحمضا وصحوت من سكر وكنت موكلا ... أرعى الحمامة والغراب الأبيضا يقول: أكان صدوفه لإساءة مني أم لمل كما تمل الإبل الخلة فتستريح منه إلى الحمض، وهو نبت فيه ملوحة تشرب عليه الماء. وجمع خلة خلال. يقال "اخل الرجل واحمض" إذا رعت إبله الخلة والحمض. وقوله "صحوت من سكر" يقول: تركت الجهالة وكنت موكلا بالمرآة انظر فيها وجهي. وهي الحمامة، عجباً بشبابي. 1257وقال الآخر [رجز] : يا ويح هذا الرأس امسى مهتزا ... وحيص موقاة وقاد العنزا وانبتت هامته المرعزي يقول: كبرت فصرت إلى اهتزاز الرأس، كبراً وتحازرت عيناي. ويقال "قاد فلان العنز" إذا كبر. وشبه بياض هامته ببياض المرعزي. أحسن ما قيل من أبيات المعاني في الكبر 1258أنشدنا عبد الله بن جعفر قال أنشدنا عبد الله بن مسلم بن قتيبة [طويل] : أعار أبو زيد يميني سلاحه ... وحد سلاح الدهر للصخر كالم وكنت إذا ما الكلب أنكر أهله ... أفدى وحين الكلب جذلان نائم

1259وقال آخر:

أبو زيد: كنية الكبر. وسلاحه: العصا. وقوله "إذا ما الكلب أنكر أهله" يقول عند لبس السلاح كنت أفدي في الشباب لأقدامي على الحرب. وقوله "وحين الكلب جذلان نائم" أي في الشدة. وعند تمويت الماشية من الهزال، عند ذلك يسمن الكلب لاكله لحوم ما يموت. والعرب تقول "نعيم كلب في بؤس أهله". 1259وقال آخر: أمل ترى شكتي رميح أبي ... سعد فقد أحمل السلاح معا "رميح أبي سعد"العصا الذي يأخذها الكبير عند كبره. 1260وقال الآخر [طويل] : أبا مالك إن الغواني هجرتني ... أبا مالك إني أظنك دائبا أبو مالك: كنية الكبر. كنى بذلك لأنه يملك صاحبه. 1261وقال الآخر [رجز] : بئس قرين يفن هالك ... أم عبيد وأبو مالك فأم عبيد: الصحراء. وأبو مالك: الكبر. 1262وقال الآخر [كامل] : وركبت راحلة الكبير ولم تكن ... تمشي الهميس مع المطي ركابي راحلة الكبير: العصا. 1263وأنشد أبو موسى [رجز] : لما رأيت الكبر المطالعا ... ينصب لي في الغابة المواقعا ينشدني، وقد مضى مجاشعا مجاشع: اسم رجل بلغ من الكبر سناً طويلة. فالكبر ينشدني مجاشعا ليداني عليه. أحسن ما ورد من أبيات المعاني في وصف الجوع والخبز 1264أنشدنا أبو أحمد عيسى بن عبد العزيز الطاهري قال أنشدنا أبو موسى عن ثعلب [طويل] : لعمرك لولا جابر ما تعاتبت ... مصاعبيها في الدرب عند ابن واصل ولكن هذا من مودة جابر ... وذلك قدماً دأب ذود المثاقل جابر: اسم الخبز. والمثاقل من الثقل وهو الثريد. وإنما يعني أنه كان يبيع إبله ويشتري قمحا 1265ومن مليح ما قيل في هذا المعنى [رجز] : فلا تلوماني ولوما جابرا ... فجابر كلفني المفاقرا يعني بجابر: الخبز. والعرب تسمى الخبز جابر بن حية. 1266وأنشدني أبو أحمد عيسى بن عبد العزيز الطاهري قال انشدني الحامض [رجز] : الحمد لله الحميد المنان ... صار الثريد في رؤوس القضبان يريد بذلك السنبل في رؤوس الزرع. ويقول أن الغلات قد أدركت 1267وأنشدنا أيضاً [وافر] : نقاتل جوعهم بمكللات ... وللغرثي يرغبها الجميل المكللات: الرغفان. والجميل: الشحم المذاب. 1268وروى أبو حاتم السجستاني قال: قلت للأصمعي ما عنى القائل [وافر] : ولحم لم يذقه الناس قبلي ... طبخت على خلاء واشتويت فقال كان يشتريه ومعه ابن جاع جوعة فذبحه، وطبخه، واشتواه، وأكله. 1269وأنشدنا أبو عمر عن ثعلب [منسرح] : فوه ربيع وشدقه قدح ... وبطنه حين يشتكي شربه تساقط الناس حول حجرته ... وهو صحيح ما إن به قلبه قال يصف رجلاً اكولاً شروباً. والشربة: ما يكون حول النخلة. 1270وأنشدنا أبو عمر عن ثعلب [طويل] : أبو مالك يعتادنا في الظهائر ... يجوء فيلقى رحله عند عامر أبو مالك: كنية الجوع. ويجوء: لغة في يجيء. 1271وقال آخر [رجز] : حل أبو عمرة وسط حجرتي ... وحل نسج العنكبوت برمتي أبو عمرة: كنية الجوع. وقد كني بضد ما يوجب تكنيته، كما كنى الحبشي: أبو البيضاء. 1272وقال الآخر [رجز] : إن أبا عمرة شر جار ... يجرني في ظلم الصحاري 1273ومن مليح ما قيل في هذا المعنى قول الآخر [وافر] : ظللنا نخبط الظلماء ظهراً ... لديه، والمطي لها أوار قال دعاهم فجوعهم، فاظلمت من الجوع، فكأنهم كانوا في ليل، وهم في نهار. والأوار: شدة العطش. ?أحسن ما ورد من أبيات المعاني في اللغز 1274وإنما سمي اللغز لغزاً، لأن اللغز والألغاز ما خفي مذهبه وبعد مطلبه مأخوذ من الأرض اللغز، واللغيزي، وهي الخفية. وأنشد [خفيف] : اللغيزا تواعدني عماراً ... وتطلب في عزاتك لي حبارا اللغيزا: أرضون بعيدة. والحبار: الأثر. أملح ما ورد من ذلك في صفة حجام 1275أنشدنا علي بن هرون قال أنشدني أبي لعتبة الأعور يخاطب إبراهيم بن سيابه [منسرح] : يا ابن الذي عاش غير مضطهد ... يرحمه الله أيما رجل له رقاب الملوك خاضعة ... من بين حاف منهم ومنتعل أبوك أو هي النجاد عاتقه ... كم من كمي له ومهر بطل

1276وقال الآخر يصف حجاما [طويل] :

يأخذ من ماله ومن دمه ... لم يمس من ثأره على وجل في كفه صارم يقلبه ... يقد أعناق سادة نبل يصف حجاما. 1276وقال الآخر يصف حجاما [طويل] : ومحدودب المتنين ركب فيهما ... ليتفقا قيد وجيء المطارق وكانا قبيل القيد شتى فقيدا ... فما منهما إلا باخر لاحق وجارحة تأتي من أفواه جرحها ... كلون خضاب في أكف العواتق وآخر معدو بدر إذا امتلا ... فلا لبن فيه ولا صوب بارق وكاشفة مكان قدام وجهها ... وتأوى إلى شق لها متضليق وجامعة ما كلن من ذاك كله ... معلقة بين الكلى والعواتق محدودب: يعني المقراض. والجارحة: المشرطة. والكاشفة وجهها: الموسى، والجامعة: الجونة لأنها لا تجمع ذلك كله فيها. 1277وفي مثل هذا المعنى [طويل] : له ربعة فيها ثلاثون مخلفا ... مناقيرها بيض وأجسادها خضر يصف جونة الحجام، والمحاجم. 1278وأنشدنا أبو عمر محمد بن عبد الواحد قال أنشدنا أحمد بن يحيى [طويل] : أبوك أب، ما زال للناس موجعاً ... لأعناقهم نقراً كما نقر الصخر إذا عوج الكتاب يوماً سطورهم ... فليس بمعوج له أبداً سطر قال يصف حجاما. 1279ومن مليح ما قيل في وصف المشاريط [متقارب] : وخضراء لا من بنات الهذي ... ل، يلقف بالسير منقارها كأن مشق عيون القطا ... إذا هن هو من أثارها أحسن ما ورد من أبيات اللغز في صفة ابن السبيل 1280أملح ما ورد في ذلك ما أنشده الباهلي [طويل] : ونحن ابن من لا ينكر الناس فضله ... وليس له في الناس من طالب وترا فإن تحفظوا فينا أبانا فحقه ... رعيتم، وإلا أوقدت ناركم شزرا يعني ابن السبيل. 1281وأنشدنا الباهلي أيضاً في هذا المعنى [وافر] : ومنسوب إلى من لم يلده ... كذاك الله أنزل في الكتاب فأحياناً يكون كبير سن ... وأحياناً يكون من الشباب قال يريد ابن السبيل. أحسن ما ورد من أبيات اللغز في صفة الدرهم 1282 ومعشوق يرقص كل يوم ... ترى في وجهه أبداً كلاماً إذا فارقته أجداك خيراً ... ولا يجدي عليك إذا أقاما 1283ولأعرابي [كامل] : أدعو إلى الله المعظم شأنه ... وإلى النبي المصطفى ظبياً عصا قال هذا صبي كان يريد درهماً في أحد جانبيه اسم الله عز وجل. وفي الآخر اسم النبي (ص) . 1284وقال الآخر [وافر] : وحسناء المناظر حين تبدو ... لها وجه يضرب بالحديد يريد الدنانير. أحسن ما ورد من أبيات اللغز في صفة الليل والنهار 1285أحسن ما ورد في ذلك قول الشاعر [متقارب] : ولما رأيتك تنسى الذمام ... ولا قدر عندك للمعدم وهبت إخاءك للأعميين ... وللأبرمين ولم أظلم يعني بالأعميين: الليل والنهار. وبالأبرمين: الموت والدهر. 1286وقال الآخر [طويل] : وأسود وقاع بكل مفازة ... ترى من عرفانه تتبدد 1287وقال الآخر [كامل] : خدنان لم يريا معاً في منزل ... وكلاهما يجري به المقدار لونان شتى يغشيان ملاءة ... تسفى عليها الريح والأمطار أحسن ما ورد من أبيات اللغز في صفة القلم 1288أنشدنا أبو موسى الحامض [طويل] : عجبت لذي سنين في الماء نبته ... له أثر في كل مصر ومعمر يعني قلماً. 1289ومثله ما أنشده ثعلب [طويل] : وبيت بأعلاء الفلاة بيته ... بأسمر مشقوق الخياشيم يرعف يصف بيت شعر، عمله في الصحراء، وكتبه بقلم. 1290ومثله [طويل] : وأجوف مكتوب على حر وجهه ... يبين ما يأتي وما يتكلم 1291ومن مليح ما قيل في القلم [طويل] : وخاط إذا استكرهته كان خطوه ... كلاما يؤديه الأريب المؤدب يصف قلماً. ومن مليح ما ورد من أبيات اللغز في صفة منتئر 1292ما أنشده أبو عمر قال أنشدنا ثعلب [مجزوء الرمل] : إنني أبصرت عمراً ... في قميص من حجاره إنما يرفل فيه ... لم تغيره القصاره يصف منتئراً. 1293ومثله [طويل] : رجال عليهم كسوة ما تجنهم ... سرابيل خضر ليس فيها بنائق

1294أنشدنا أبو نصر أحمد بن كشاجم قال أنشدني أبي لنفسه [كامل] :

يبيعهموها تاجر لا يقيلهم ... وذلك بيع كاسد السوق آبق يصف منتئرا. 1294أنشدنا أبو نصر أحمد بن كشاجم قال أنشدني أبي لنفسه [كامل] : ومجرد كالسيف أسلم نفسه ... لمجرد يكسوه مالا ينسج ثوباً تمرقه الأنامل رقة ... ويذيبه الماء القراح فينهج فكأنه إكلانة مخضرة ... نصفان، ذا عاج وذا فيروزج وهو يصف منتئرا. أحسن ما ورد من أبيات اللغز في صفة الميت 1295 [خفيف] : رب بيت رأيت قد زينوه ... لم يزل أسرع البيوت خرابا فيه غض الشباب قد خمروه ... بخمار وألبسوه النقابا ثم منه هبوطه في مشق ... حيث لا تدجك الرياح الترابا يصف ميتاً. 1296وأنشدنا أبو عمر قال أنشدنا ثعلب [خفيف] : إن وصلت الكتاب صرت إلى الل ... له ومن يلق واصلاً فهو مود يعني بالكتاب: اللوح الذي يجعل عند رأس الميت يبيض فيه موضع الاسم. فإذا مات الإنسان وصلوا بالكتابة اسمه. 1297ومثله [متقارب] : وصلت الكتاب أبا مالك ... وأني وصلت وأنت الفتى تجود بنفسك يوم اللقاء ... وتبذل مالك عند القرى يريد به هذا اللوح بعينه. 1298وأنشد أبو عمر عن ثعلب [طويل] : وما ميت أحياه إن مس ميتاً ... فلما استبان الحق مات المقدم يعني القطعة من اللحم التي ضرب بها الميت في بني اسرائيل. أملح ما قيل من أبيات اللغز في صفة ... 1299ألأنشدنا علي بن هرون لبشار [بسيط] : وصاحب معجب لي طول صحبته ... لا ينفع الدهر إلا وهو كموم تأتيك في نافض الحمى منافعه ... وإن أفاض بدا في وجهه اللوم يعني ... 1300ومثله قول أبي نواس [كامل] : ولقد غدوت بمشرف يافوخه ... عسر التثني ماؤه يتعصد حتى علوت به مشق ثنية ... طوراً أغور به وطورا انجد أحسن ما ورد من أبيات اللغز في وصف ... 1301أنشدنا ابن قتيبة [كامل] : هزمت شريح جندال محرق ... وسوى شريح ليس يهزم جندها شريح: اسم للفرج. تسمى به المراة. وكانت [إحداهن وتدعى شريح] دلت على حصن ففتحوه. واستخرجوها منه، ثم قتلها الملك الذي دلت عليه. 1302ومثله [وافر] : 1303وقال بشار وملح [رمل] : قد فتحنا الحصن بعد امتناع ... بمبير فاتح للقلاع فإذا شعبي وشعب خليلي ... إنما يلتام بعد انصداع يعني بالحصن ... والمبير ... يعني..... 1304ومما يدخل في هذا الباب [طويل] : ... يعني ... المرأة. 1305وأنشد أبو عمر [رجز] : ما ربع دار مخضب الجناب ... يزداد عمراناً على الخراب أملح أبيات اللغز في وصف القمر 1306أنشدنا أبو عمر عن ثعلب [رجز] : حاجيتكم ما ذو عصا مسند ... قائد جيش حوله لم يولدوا يعني القمر. والعصا: المجرة. والجيش الذي حوله: النجوم. 1307وقال الآخر [طويل] : ومولود شهر كان فيه شبابه ... وفي شهره أودي وأدركه الكبر يعني القمر. 1308وقال الآخر [طويل] : أبى علماء الناس أن يخبرونني ... بشيئين ما في الأرض شيء سواهما يعني الشمس والقمر. 1309وقال الآخر [وافر] : فما ولد ربا في شهر مولده ... وعاد فيه قديم السن قد نحلا أملح أبيات اللغز في السلاح 1310أنشدنا أبو عمر [طويل] : فما ذو عنان ضارع لمسدد ... له آخر من خلفه ومقدم يصف رمحا. 1311ومن مليح ما قيل في ذلك [طويل] : ومستصحبات هن عون على السرى ... حسان وما أثارهن حسان يعني السيوف. 1312وقال الآخر [طويل] : فما مائل عند الطعان برأسه ... وما راكب في الحرب قد مات طائره المائل عند الطعان: المح. والراكب: السهم. 1313ومن ذلك ما أنشده أبو عمر [طويل] : إذا هي شيلت فالقوائم تحتها ... وإن لم تشل يوماً علتها القوائم يصف سيوفاً. 1314وقال الآخر [طويل] : ومنتعل نعلاً ومنها قناعه ... وليس له منها شراك ولا شسع يعني الرمح، ويريد زجه وسنانه. 1315وقال الآخر [طويل] : وما ذو فقار لا ضلوع لجنبه ... له من سوى أطرافه طرفان يعني الرمح.

1316وأنشد الباهلي [متقارب] :

1316وأنشد الباهلي [متقارب] : وميتة ركضت ميتا ... فولى حثيثا هو الجاهد طليعة حي إلى حية ... يرجى النجاح بها الشاهد يعني قوساً. والشاهد: الصائد. 1317وقال الأخر [وافر] : وحاصلة ولم تحمل بعجل ... ولا يدري أبوها من أبوهم ولا يغنون في النزعات شيئاً ... ولا الهيجا إذا لم يركبوهم يعني القوس والسهام. 1318وقال الآخر [طويل] : وحاصلة في البطن ستين لم تصب ... لها ولداً إلا أخا نجدة بدرا يعني الكنانة والسهام. وقال الآخر: التي فيها. 1319وقال الآخر [طويل] : وكعب إلى كعب شددت بواحد ... جرى بثلاث ما اعتمدن على كعب وحي إلى ميت دعوت لعدله ... بمستمع الأصوات مختلف الشعب يعني القوس والسهم. وقوله "ما اعتمدن" ليس بنفي. ولكنه يعني ما دمن معه. يعتمدن: يعني الأصابع الثلاثة في اعتمادها على الوتر. وقوله "بمستمع الأصوات" يعني في جماع الناس. أحسن ما ورد من أبيات المعاني في صفة حائك 1320فمن أحسن ما قيل في ذلك قول أعرابي [متقارب] : أمنصور حربك في كل يوم ... وسيفك ما عشت لا يصقل تجيد به الضرب عند اللقا ... وتحيى بسيفك من تقتل يعني حائكا. وسيفه: مقصه. أملح ما ورد من أبيات اللغز في السؤال 1321أنشدنا أبو عمر قال أنشدنا أحمد بن يحيى [مجزؤ الرمل] : ورجال ونساء ... وبنات وبنونا وإذا يدعى لهم يو ... ما، تراهم يغضبونا يعني السؤال. 1322ومثله [منسرح] : إذا نزلت ركبوني وسطاً ... وإن رحلت ركبوني كلهم يعني سائلا معه أطفال يحتاج أن يحملهم على ظهره وكتفه. 1323ومثله [طويل] : إذا جاء نقاف يجر عياله ... طويل العصا نكبته عن شياهيا النقاف: السائل. وطويل العصا: طويل حمل العصا. 1324ومثله [وافر] : تركناهم صياكلة أيامى ... يسوقون النعاج إذا أراحوا يعني أنه سلبهم، فتركهم سؤالاً عراةً، وهم الصياكلة. وقوله: يسوقون النعاج، يعني يكثرون الرعي. [الفصل السابع] وهذه أبيات تتناسب أوائلها، وتختلف معانيها 1325أنشدنا أبو عمر [طويل] : أبى علماء الناس لا يخبرونني ... بأعجر ملموم القفا طوله شبر إذا أخذت منه الفتاة بوسطه ... هدته إلى ذي لجةٍ ضيق القفر قال يصف مكحلة. 1326 وأنشدنا أيضاً: أبى علماء الناس لا يخبرونني ... بمقبلةٍ ومدبرٍ من يسوقها قال يصف قرطمة الكبرنك. 1327 وأنشدنا أيضاً: أبى علماء الناس لا يخبرونني ... بناطقةٍ خرساء مسواكها حجر قال يعني الشبة. 1328 أنشدنا أيضاً: أبى علماء الناس لا يخبرونني ... بنابتةٍ سوداء ليس لها طعم قال يصف الشعرة. 1329 وأنشدنا أيضاً: أبى علماء الناس لا يخبرونني ... بنابتة في الأرض ليس لها فرع قال يعني الكماة. 1330 وأنشدنا أيضاً: أبى علماء الناس لا يخبرونني ... بنابتةٍ صفراء ليس لها أصل قال يعني الكشوتا. 1331 وأنشد أيضاً: أبى علماء الناس لا يخبرونني ... بطامحة العينين ليس لها رأس قال يعني السرطان. 1332 أنشد أيضاً: أبى علماء الناس لا يخبرونني ... بنابتة خضراء ليس لها أصل قال يعني الطحلب. 1333 وأنشد أيضاً: أبى علماء الناس لا يخبرونني ... من الحاضر البادي المقيم المسافر قال يعني الموت. 1334 وأنشد أيضاً: أبى علماء الناس لا يخبرونني ... وقد ذهبوا للعلم في كل مذهب بجلدة إنسانٍ وصورة طائرٍ ... وأظفار يربوعٍ وأنياب ثعلب قال يعني الخفاش. 1335 أنشدنا أبو عمر قال أنشدنا ثعلب [طويل] : فما ذو ضوىً أضواه بعد تحلمٍ ... مرور السنين حقبةً بعدها حقب له فتحران يقرعان كلاهما ... تقنصه من بعد مرتعه الخضب قال يصف الضب. والضوى: الهزال. والتحلم: الخصب. وفتحران: ذكران، وليس شيء من الحيوان له ذكران إلا الضب، وللأنثى فرجان. والخضب: الحيات واحدها: خضب والحيات من آكلة الضب. 1336 وأنشدني أيضاً [وافر] :

1337 وأنشدنا أيضا [وافر] :

فما أشياء تشريها بمالٍ ... إذا نفقت فأكسد ما تكون قال يمني الدواب، إذا نفقت، أي ماتت، كسدت. 1337 وأنشدنا أيضاً [وافر] : فما ذكر وإن يسمن فأنثى ... شديد الأزم ليس له ضروس قال يعني القراد. هو قراد ما لم يسمن فإذا امتص الدم وكبر فهو حلمة. 1338 وأنشدنا أيضاً [طويل] : فما ميت كفنته فدفنته ... فقام إلى حي صحيحٍ فأوهنه قال يعني الفخ. 1339 وأنشدنا أيضاً [طويل] : فما ناطق بالحق في رجع ساعةٍ ... تكلم، لا يحيا، ولا الموت وارده قال يعني الصخرة التي شهدت لموسى عليه السلام حيث كان من أمره ما كلن. 1340 وقال آخر [طويل] فما ميت أحيا به الله ميتاً ... فلما استبان الحق مات المقدم قال يصف البقرة التي ذبحت، فضرب بقطعة لحمٍ منها الميت في بني إسرائيل فعاش. 1341 ومثله [طويل] : فما ميت أحيا به الله ميتاً ... ليخبر قوماً أنذروا ببيان وعجماء قد قامت لتنذر قومها ... وأهل قراها رهبة الحدثان البيت الأول يريد به الميت الذي ذكرنا. الثاني يعني نملة سليمان عليه السلام. 1342 وقال آخر [وافر] : فما لحم يطير بغير ريشٍ ... وما ريش يطير بغير لحم قال يعني الخفاش والسهم. 1343 وقال الآخر [بسيط] : ما الطائرات بلا روحٍ ولا جسدٍ ... وإن يصدن فويل للذي صادا يعني السهام. 1344 وقال الآخر [كامل] : ما ذو قوائم أربعٍ في رأسه ... محدودب وببطنه عيناه عطل قبيح حين ينزع حليه ... ومتى يحل تكلمت شفتاه يعني البربط. وقوائمه: الملاوي. وحليه: أوتاره. 1345 وقال الآخر [بسيط] : ما الوارمات بطوناً ليس يوجعها ... منها الذراع ومنها الرجل مقطوع يعني الزقاق. 1346 أنشدنا أبو عمر [بسيط] : فما وليد ربا في شهر مولده ... وعاد فيه قديم السن قد نحلا وما سرابيل قد خيطت بلا إبرٍ ... وما أدير لها سلك ولا فتلا وما فتىً إن تهيأ هيب جانبه ... ولا يهاب، إذا في الملبس انتعلا يعني القمر في البيت الأول. وفي الثاني: الدروع. وفي الثالث: السيف. وما خباآن لماعان في شرفٍ ... إن أخطأ ساعةً فسناهما بطلا قال يعني العينين. وما مساكن تنصاع القلوب لها ... يريدها القوم قد كانت لهم حللا قال يعني الشتاء. وما شوارب لم يغرثن من علف ... ولا طعامٍ وهم يسقونها عللا قال يعني الدروع. وما هاروت ماروت لم تضع وكداً ... تستهلك الحرث حتى لم تدع بللا قال يصف الريح. وما فصال تبيت الليل عاريةً ... في طوله ثم يستأنفنه كملا قال يصف النجوم. وهذه أبيات تتناسب أوائلها وتختلف معانيها وتجمعها قافية 1347 أنشدنا أبو عمر قال أنشدنا ثعلب [كامل] : ولقد رأيت مطيةً معكوسةً ... تمشي بكلكلها فتزجيها الصبا يعني السفينة. ولقد رأيت جواريا بمفازةٍ ... تمشي بغير قوائمٍ عند الجرا يعني السراب. ولقد رأيت الخيل أو أشباهها ... تثنى معطفةً إذا ما تجتلى قال يعني صور خيلٍ رآها على بسط ووسائد. ولقد رأيت غضيضةً هركولةً ... رود الشباب مليحةً عادت فتى قال: عادت من العيادة. ولقد رأيت مكفراً ذا نعمة ... جهدوه بالأعمال حتى قد ونا قال يعني السيف. ولقد رأيت موسطاً ذا حليةٍ ... عدل الشهادة حين يجتمع الملا قال يعني الميزان. 1348 وأنشدنا أبو بكر بن مقسم عن ثعلب [كامل] : ولقد قطعت الواديين كليهما ... يدعو الأنيس به العميم الأبكم يصف زرعاً. والعميم: الطويل. قال إذا رآه نزل به فكأنه يدعوه إليه. ولقد تقيل صاحبي من نفحةٍ ... لبناً يحل ولحمها لا يطعم قال يعني صبياً رضع من ثدي امرأة. ولقد رأيت لسان أعذل حاكمٍ ... يقضى الصواب به ولا يتكلم قال يعني الميزان. ولقد رأيت الصيد يقسم لحمه ... عند الصلاء وما يقاسمه دم يعني جراداً. 1349 وأنشدنا أبو عمر عن ثعلب [كامل] : ولقد لقيت على مسيرة أربعٍ ... أعمى يقص طريقه بوسوم

وهذه أبيات أول كل بيت منها عجبت

قال يريد بالأعمى سيلاً رآه في طريقه. وقد سال في بعض الأودية. وإنما جعله أعمى لأنه يمضي على وجهه لا يدري أين يقصد. وهذه أبيات أول كل بيتٍ منها عجبت 1350 مما يستملح من هذا النوع قول الشاعر [طويل] : عجبت لمحرومين من كل لذةٍ ... يبيتان طول الليل يعتنقان إذا أمسينا كانا على الناس مرصداً ... وعند طلوع الشمس يفترقان يعني مصراعي الباب. 1351 وقال الآخر [وافر] : عجبت لطائرين اليوم طارا ... وكانا واحداً فاثنين صارا فهذا طائر بالجو يهوى ... وذا مستأنس لزم القرارا يعني الطائر وظله. وهذه أبيات أول كل بيتٍ منها: واو، رب 1352 من مليح ما ورد في هذا المعنى قول الشاعر [طويل] : ولابسةٍ لونين، لوناً لجدةٍ ... ولوناً تلاه عنده العين تدمع يعني الشباب والشيب. 1353 وقال الآخر [طويل] : وقائلةٍ قولاً وما أسمعت به ... من الناس إذ فاهت به غير واحد يعني نملة سليمان عليه السلام. 1354 وقال الآخر [طويل] : ومتخذٍ بابين من خشية الردى ... وقد أدركته قبل ذلك المقادر يعني اليربوع. 1355 وقال الآخر [وافر] : وذي رجلين ليس يروح فيها ... وفيه الروح يجري مستقيم سليل ميت من فرع حي ... أثيث النبت في أصلٍ مقيم يعني السراويل. وقوله "سليل ميت" يعني القطن. وهو من فرع حي. أخذ: يعني أخذ من شجرته وهي حية. 1356 وفال الآخر [وافر] : وأسود قد كنيت أبا فلانٍ ... ولم يولد وليس من الرجال يعني أبا جاد. 1357 وقال الآخر [متقارب] : وسبع إناثٍ تأملتها ... قبيل الصباح وبعد الغلس أؤمل فيها الثواب الجزيل ... إذا أمسك الموت رجع النفس يعني السبع الحصيات التي ترمى بهن الجمرة يوم النحر بمنىً. 1358 وقال آخر [طويل] ٍ: وأسود معروفٍ له الحق واجب ... على الناس إلا أنه ليس بنطق يعني الحجر الأسود الذي في الكعبة. 1359 وقال الآخر [طويل] : وذي لحيةٍ حماء من غير كبرةٍ ... يصيح صياح الثاكل المتبلد يعني الديك. 1360 وقال آخر [طويل] : ومقرونةٍ منها يداها برجلها ... حملت لها نصحي ووليتها ظهرا يعني القربة بالماء. 1361 وقال الآخر [بسيط] : وذي نباتٍ له روح تقلبه ... وليس عظم ولا لحم ولا شعر يعني الظفر. 1362 وقال الآخر [بسيط] : وذي ضلوعٍ وجلدٍ لا عظام له ... تحت الدثار قليل النوم والسهر يعني المحمل. 1363 وقال الآخر [طويل] : وأرضٍ بدت للناس يوماً ولم يكن ... يراها ولا يرعى بها الثقلان قال يعني أرض البحر الذي فلقه الله عز وجل لموسى عليه السلام. 1364 وقال الآخر [طويل] : ووطفين في صماء يابسة القرى ... خليطين شتى اللون حين تراهما يعني البيضة، بياضها ومحها. إذا فسدا كانا لنفسٍ حييةٍ ... وإن صلًحا ماتا جميعاً كلاهما إذا فسدا: أي إذا كان فيهما الفرخ، وإذا لم يفسدا، أكلا. وأمين يرجو الخير فيهن من رجا ... ولم يلدا في الوالدات فما هما؟ يعني مكة وسورة الحمد. وببيتين إنسيين حلا بقفرةٍ ... وليس بمأنوسين يا صاح ما هما؟ هما يأكلان اللحم في غير برمةٍ ... ولا يرفعان اللحم فوق شواهما البيتين: يعني قبرين يأكلان لحم الميت في غير قدر، وهي البرمة. ولا يرفعان اللحم فوق شواهما: أي لا يجعلانه على رؤوسهما. والشوى جمع شواة: جلدة الرأس. 1365 وقال الآخر [طويل] : وصفين لم تدخلهما الروح ساعةً ... يقامان أحياناً فيقتتلان يعني شطرنجاً. 1366 وأنشدنا أبو عمر [وافر] : وواحدةٍ حبست بها ثلاثاً ... على عجلٍ وهن مخليات يعني ناقة، عقل فرد يدها، فلم يمكنها الخطو. 1367 وقال الآخر [طويل] : وأشعث كفارٍ غدا وهو مومن ... وراح ولم يؤمن برب محمد قال يعني رجلاً فقيراً، خرج من القرى وقوله "وهو مومن" يقول يأتي اليمن. وقوله: "ولم يؤمن برب محمد" يعني أنه كان نصرانياً. 1368 أنشدنا أبو أحمد عيسى بن عبد العزيز الطاهري [وافر] :

1369 وقال آخر:

وحياتٍ أربيها لتجدي ... علي قبورها بعد الممات يعني دود القز. 1369 وقال آخر: وأبقعٍ قد قلينا بها صح ... بي، مقبلاً والمطايا في براها 1370 ومن مليح ما قيل في وصف الشراب [طويل] : ومجتمعٍ سيراً وليس بنازحٍ ... [تبارك] في صحن المتون السواعد 1371 وقال آخر [طويل] : وسرب ملاحٍ قد رأيت وجوهه ... إناث أذانبه ذكور أواخره يصف أسنان جاريةٍ. 1372 وقال أعرابي [طويل] : وراكعةٍ في حجرها ظبية لها ... تناط بمثل الصدغ عند مدلره يعني كتابة "حسن" وذلك أنه رآها مكتوبة، فقيل له: شبها، فقال هذا البيت. 1373 وقال الآخر [وافر] : وبيتٍ ليس من شعرٍ وصوفٍ ... على ظهر البسيطة قد بنيت يعني بيت شعرٍ قاله. 1374 وقال ذو الرمة [طويل] : وبيتٍ بمهواةٍ خرقت سماءه ... إلى كوكبٍ يزوي له الوجه شاربه يعني بالمهواة البئر. والبيت: نسج العنكبوت. لما أرسل الدلو في البئر خرق النسج، وكوكب الماء: مجتمعه. يريد أنه ماء ملح، إذا شربه زوى له وجهه. 1375 وقال آخر [طويل] : ومضروبةٍ تحيا إذا ما ضربتها ... وإن تركت من شدة الضرب ماتت يعني الدوامة. 1376 وقال الآخر [طويل] : ومحزومة الأذنين لا تشتكيهما ... ومطعونةٍ في الصدر ليس لها دم 1377 وقال آخر [وافر] : ونفسٍ أخرجت من جوف نفسٍ ... تمام، ذلك العجب العجيب فعاشا ليس بينهما وصال ... ولا نسب ولا قربى قريب يعني يونس عليه السلام، والحوت. 1378 وقال ذو الرمة [طويل] : وفاشيةٍ في الأرض تلقى بناتها ... عوارى لا تكسى دروعاً ولا خمرا يريد شجر الحنظل. وبناتها: حملها. قرائن أشكال غدين بنعمةٍ ... من العيش إلا أنها خلقت زعرا قرائن: مستويات. زعرا: لا وبر لها ولا شعر. محملجةً الأمراس، ملس متونها ... من العيش إلا أنها خلقت زعرا محملجة: مفتولة. والأمراس: عروقها. وعصارات: بقية الثرى. وعجر: غلاظ. وقريةٍ لا جن ولا أنسيةٍ ... مداخلة الأبواب قد بنيت شزرا يريد قرية النمل، مداخلة الأبواب بعضها في بعض وشزرا: في جانب. نزلنا بها لا نبتغي عندها القرى ... ولكنها كانت لمنزلنا قدرا 1379 ومثل هذا قول الآخر [خفيف] : غيرات على سباسب شتى ... نبتغي البيداء ليس قراها قد انحنا بها على نكط الميط ... فرحنا وقد ضمنا قراها يصف قرية النمل. وقوله "ضمنا قراها" يقول نزلنا فأكلنا وغادرنا في الموضع من ازوادنا ما كان قرىً لها 1380 وقال ذو الرمة [طويل] : ومضروبةٍ في غير ذنبٍ بريئةٍ ... كسرت لأصحابي على عجلٍ كسرا يريد ملةً ضربها وينتظر انتفخت الخبزة أملا؟ وأبيض قد محضت عنه قميصه ... فقربته للقوم مهتضما ضمرا يريد عظماً. ومحضته اللحم الذي عليه. ومهتضم: انهضم من النضج. وسوداء مثل الترس نازعت صاحبي ... طفاطفها، لم يستطع دونها صبرا يعني كبداً. وطفاطفها: جوانبها الرقاق. ومقرونةٍ منها اليدان برجلها ... حملت لأصحابي ووليتها قترا يريد قربة. ربطت يداها إلى رجلها. والقتر: الجانب. ومكنيةٍ لم يعلم الناس ما اسمها ... وطئنا عليها ما نقول لها هجرا يعني أم حسين. وإن ظلمت لم تنتصر من ظلامةٍ ... ولم تبد ناباً للقاء ولا ظفرا وميتة الأجلاد يحيى جنينها ... لأول حملٍ ثم يورثها عقرا يريد بيضة. وأجلادها: نواحيها. وجنينها: فرخها. وعقرا: يريد أنه إذا أخرج منها فرخها لم تعد بعده مثله. وأشعث عاري الضرتين مشججٍ ... بأيدي السبايا لا ترى مثله جبرا يريد بالأشعث. وتد الرحى. والضرتين: امرأتين فقيرتين عاريتين. ومشجج بالحجارة: مما يدق. والسبايا: الولائد. وجبرا: لأنه يجبر من الجموع، لأنه يطحن عليه. وداعٍ دعاني للندى، وزجاجةٍ ... تحسيتها لم تفر ماءً ولا خمرا الداعي: يريد الربط [للندى] والندى: السخاء. وزجاجة: يريد فم امرأةٍ. وذي شعبٍ شتى كسوت فروجها ... لغاشيةٍ يوماً مقطعةً حمرا يصف سفوداً. وغاشية: أضياف. ومقطعة: قطع لحم.

أحسن ما قيل في وصف النار

وخضراء في وكرين عريت رأسها ... لأبلى إذ فارقت في صحبتي عذرا خضراء: قارورة. وكرين: علافين. عريت: حركت. أبلى عذرا: لا ألام. وأسود ولاج على الناس لم يلج ... بإذنٍ ولم يقرن على نفسه وزرا يعني الخطاف. قبضت عليه الكف ثم تركته ... ولم أتخذ إرساله عنده ذخرا تركته: دليته في البئر. وواردةٍ فرداً وذات قرينةٍ ... تبين ما قالت وما نطقت شعرا يريد قطاةً وردت الماء. وإذا صوتت علم أنها قطاة. ومنسرحٍ بين الرجا ليس يشتكي ... إذا ضج وابتلت قوائمه فتشا يريد دلواً. وقيل إنه يريد اللسان. وروي في هذا "بين الرحى" يريد رحى الفم. وحاملةٍ في غير بطنٍ ولم تلد ... إذا ولدت إلا أخا بدرةٍ بكرا حاملة يعني جعبةً فيها ستون سهماً. وبدرا: من قولك بدره، إذا عجل. وأسمر قوامٍ إذا نام صحبتي ... خفيف الثياب لا يواري له إزرا أسمر يعني رمحاً. وقوام: يركز. والأزر: الذكر. على رأسه أم لنا نهتدي بها ... جماع أمورٍ لا نعاصي لها أمرا أم لنا: خرقة راية قومٍ. بها نهتدي. وجماع أمورٍ. يقول أمر الجماعة إليها. إذا نزلت قيل انزلوا وإذا غدت ... عدت ذات برزيقٍ تخال بها فخرا وأفصم سياجٍ مع الحي لم يدع ... تراوح حافات السماو له صدرا برزيق: جماعة. وافصم: انكسر رأسه مما يشد به، ويريد الخلال الذي يشك به شقة البيت من الشعر، انكسر من كثرة ما يستعمل. وأصغر من قعب الوليد ترى به ... بيوتاً منباتٍ وأوديةٍ خضرا يعني العين. أحسن ما قيل في وصف النار 1381 أخبرنا محمد بن يحيى قال أخبرني القلابي قال حدثني العتبي قال سمعت أعرابيةً وهي تصف حسنها في شبابها فقالت: "لو رأيتني وأنا شابة لرأيت أحسن من النار الموقدة في الليلة القرة في عين المقرور". 1382 قال محمد بن يحيى: وأحسن ما قيل في النار [طويل] : ومستنبحٍ بعد الهدو دعوته ... يشقراء مثل الفجر ذاك وقودها فقلت له: أهلاً وسهلاً ومرحباً ... بموقد نار محمد من يرودها فإن شئت أثويناك في الحي مكرماً ... وإن شئت أبلغناك أرضاً تريدها 1383 أنشدنا محمد بن عبد الواحد قال أنشدنا الشماخ قال: ولم يقل في وصف النار أحسن من هذا [وافر] : رأيت وقد أتى نجران دوني ... وليلى دون منزلها السدير لليلى بالعنيزة ضوء نار ... يلوح كأنها الشعرى العبور إذا ما قلت أخمدها ... زهاها سواد الليل والريح الدبور 1384 أنشدنا علي بن أحمد النوفلي قال أنشدني أحمد بن أبي طاهر لابن اراكة الواليسي. قال ولم يقل في هذا المعنى أحسن منه [طويل] : لمن ضوء نار بالبطاح كأنها ... من الوحش بيضاء البان سلوب إذا صد عنها الريح قرب ضوءها ... من الأثل فرع يابس ورطيب يراها فيرجوها وليس بآيس ... وفيها عن القصد المبين نكوب فأما على كسلان وان فساعة ... وأما على ذي حاجة فقريب 1385 ويستحسن قول الآخر [طويل] : ونار كجمر العود يرفع ضوءها ... مع الليل هبات الرياح الصوارد أصد بأيدي العيس عن قصد أهلها ... وقلبي إليها بالمودة قاصد 1386 وقول الآخر [وافر] : كأن النار تقطع من سناها ... بنائق جبة من أرجوان 1387 وقول الآخر [بسيط] : كأن نيراننا في جنب قلعتهم ... معصفرات على أرسان قصار فأخذ هذا حبيب بن أوس فقال في إحراق الأفشين [كامل] : مازال سر الكفر بين ضلوعه ... حتى اصطلى سر الزناد الواري نار تساور جسمه من حرها ... لهب كما عصفرت شق إزار 1388 أخبرنا محمد بن يحيى قال أخبرنا محمد بن موسى البربري-وكان يكتب بين يدي الحسن بن وهب- قال: كان الحسن أشد الناس عشقاً وشغفاً [ب] لبنان جارية كاتب راشد. لا يعد من عمره يوماً لا يراها فيه. فكنا يوماً عنده وهي تغني، وكان يوماً بارداً، وبالقرب منها كانون فيه فحم، فتأذت بالنار، فأمرت بإبعادها، فقال الحسن من وقته [كامل] : بأبي كرهت النار لما أوقدت ... فعلمت ما معناك في إبعادها هي ضرة لك في التماع ضيائها ... وبحسن صورتها لدى إيقادها

1389 وقال ابن طباطبا فأحسن.

وأرى صنيعك في القليب صنيعها ... بأراكها وسيالها وعرادها شركتك في كل الأمور جمالها ... وضيائها، وصلاحها، وفسادها 1389 وقال ابن طباطبا فأحسن. عشوت إلى نار..... ... ... إليها فدفداً بعد فدفد بدت في الدجى..... ... ... سهيل كالطريد المشرد كأني أرى في البيد..... ... سبيلين أذكاها لعاش ملدد فلم أدر والظلماء يقبض ناظري ... ... حندس الليل أهتدي كأن لهيب النار..... ... ........مطرد إذا حركتها الريح في الجو ... ........ الممدد لها حبك تبدو لعيني.. ... ........المورد 1390 وله يصف السراج ونور المصباح فيه [منسرح] : يالسراج يضيء ملتهبا ... وراء كأس يضيء في الظلم خمراً كالجلنار في آنية ... متضرم كالنار غاية الضرم مصباحها في ضميرها شبها ... مثل سنان مخضب بدم الفصل الثامن وهذه أبيات اخترتها من كتاب الحماسة جمعت بجمعها شمل الإحسان، في أشعر أبيات قيلت في الإضياف 1391 قال أبو علي: قال عتبة بن بجير الحارثي ويكنى أبا شبل الحماسي [طويل] : ومستنبح بات الصدى يستجيبه ... إلى كل صوت فهو في الرجل جانح فقلت لأهلي: مابغام مطية ... وسار أضافته الكلاب النوابح فقالوا: غريب طارق طوحت به ... متون الفيافي والخطوب الطوارح فقمت، ولم أجثم مكاني، ولم يقم ... مع النفس غلات النفوس، الفواضح وناديت شبلاً، فاستجاب، وربما ... ضمنا قرى عسر لمن لا يصافح فقام أبو ضيف، كريم، كأنه ... وقد جد من فرط الفكاهة مرزح إلى جذم مال قد نهكنا سوامه ... واهرضنا فيه بواق صحائح جعلناه دون الذم حتى كأنه ... إذا عد مال المكثرين المنائح لنا حمد أرباب المئين ولا يرى ... إلى بيتنا مال مع الليل رائح 1392 ومما يستحسن، قول أبي زياد الأعرابي [وافر] : لنا نار تشب بكل واد ... إذا النيران ألبست القناعا ولم يك أكثر الفتيان مالاً ... ولكن كان أوجههم ذراعا 1393 ويستحسن قول العجير السلولي [طويل] : إن ابن عمي لابن زيد وإنه ... لبلال أيدي جلة الشول بالدم طلوع الثنايا بالمطايا وسابق ... إلى ذروة من يبتدرها يقدم من النفر المدلين في كل حجة ... بمستحصد من جولة الرأي محكم جديرون ألا يذكروك بريبة ... ولا يغرموك الدهر ما لم تغرم 1394 وقال عنرو بن الاطنابة [كامل] : إني من القوم الذين إذا انتدوا ... بدأوا بحق الله ثم النائل المانعين من الخنا، جاراتهم ... والحاشدين على طعام النازل والخالطين غنيهم بفقيرهم ... والباذلين حطامهم للسائل والضاربين الكبش يبرق بيضه ... ضرب المهجهج عن حياض الأبل والقاتلين لدي الوغى أفراسهم ... إن المنية من وراء الوائل خزر عيونهم إلى أعدائهم ... يمشون مشي الأسد تحت الوابل والقائلين، فلا يعاب كلامهم ... يوم القيامة بالقضاء الفاصل ليسوا بأنكاس ولا ميل إذا ... ما الحرب شبت أشعلوا بالشاعل 1395 ويستحسن قول الآخر [طويل] : ومستنبح تهوى مساقط رأسه ... إلى كل شخص فهو للسمع أصور يصفقه أنف من الريح بارد ... ونكباء ليل من جمادى وصرصر حبيب إلى كلب الكريم مناخة ... بغيض إلى الكوماء والكلب أعذر حضأت له ناري فأبصر ضوأها ... وما كان لولا حضأة النار يبصر دعته بغير اسم، هلم إلى القرى ... فأسرى يبوع الأرض شقراء تزهر فلما أضاءت شخصه قلت: مرحباً ... هلم، وللصالين بالنار: أبشروا فجاء ومحمود القرى يستفزه ... إليها، وداعي الليل بالصبح مسفر تأخرت حتى لم تكد نصطفى القرى ... على أهله، والحق لا يتأخر وقمت بنصل السيف والبرك هاجد ... بهازره والموت في السيف ينظر فأعضضته الطولي سناما وخيرها ... بلاء، وخير الخير ما يتخير فأوفضن عنها وهي ترغو حشاشة ... بذي نفسها، والموت عريان أحمر

1396 وقال الحواس الحارثي [طويل] :

فباتت رحاب جونة من لحامها ... وفوها بما في جوفها يتغرغر 1396 وقال الحواس الحارثي [طويل] : أيا ابنة عبد الله، وابنة مالك ... ويا ابنة ذي البردين والفرس الورد إذا ما صنعت الزاد فأتمنى له ... أكيلاً فاني لست آكله وحدي أخاً طارقاً أو جار بيتٍ فإنني ... أخاف مذمات الأحاديث من بعدي وللموت خير من زيادة باخل ... يلاحظ أطراف الأكيل على عمد وإني لعبد الضيف ما دام ثاوياً ... وما في إلا تلك من شيم العبد 1397 وقال حماس بن ثامل [طويل] : ومستنبح في لج ليل دعوته ... بمشبوبة في رأس صمد مقابل فقلت له أقبل، فإنك راشد ... وإن على النار الندى وابن ثامل 1398 وقال الآخر [طويل] : إذا هي لم تمنع برسل لحومها ... من السيف لاقت حده وهو قاطع تدافع عن أحسابنا بلحومها ... وألبانها، إن الكريم يدافع ومن يقترف خلقا سوى خلق نفسه ... يدعه، وترجعه إليه الرواجع 1399 ويستحسن قول حاتم [طويل] : أما والذي لا يعلم السر غيره ... ويحيي العظام البيض وهي رميم لقد كنت اختار القرى طاوي الحشا ... محافظة من أن يقال لئيم وإني لأستحيي يميني وبينها ... وبين فمي داجي الظلام بهيم 1400 وقال عمرو بن الأهتم [طويل] : ذريني فان الشح يا أم هيثم ... لصالح أخلاق الكرام سروق ذريني وحطي في هواي فإنني ... على الحسب العالي الرفيع شفيق ذريني فاني ذو فعال تهمني ... نوائب يغشى رزؤها وحقوق وكل كريم يتقي الذم بالقرى ... وللحق بين الصالحين طريق لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها ... ولكن أخلاق الرجال تضيق 1401 وقال المساور بن هند بن قيس بن زهير [طويل] : جزى الله خيراً غالباً من عشيرة ... إذا حدثان الدهر نابت نوائبه وكم دفعوا من كربة قد تلاحمت ... علي وموج قد علتني غواربه إذا قلت عودوا عاد كل شمردل ... أشم من الفتيان جزل مواهبه إذا أخذت بزل المخاض سلاحها ... تجرد فيها متلف المال كاسبه أحسن ما قيل في السرى والكرى 1402 أحسن ما قيل في ذلك قول رجل من بني بكر [كامل] : ولقد هديت الركب في ديمومة ... فيها الدليل يعض بالخمس مستعجلين إلى ركي آجن ... هيهات عهد الماء بالأنس مستعجلين فمشتو ومعالج ... نقباً بخف جلالة عنس ومهوم ركب الشمال كأنما ... بفؤاد عرض من المس 1403 ويستحسن قول حطيم [طويل] : تقول وقد مالت به نشوة الكرى ... نعاساً ومن يعلق سرى الليل يكسل أنخ نعط أنضاء النعاس دواءها ... قليلاً، ورفه عن قلائص ذبل فقلت لها: كيف الإناخة بعدما ... حدا الليل عريان الطريقة منجلي 1404 وقال أعرابي [وافر] : وفتيان بنيت لهم ردائي ... على أسيافنا، وعلى القسي فظلوا لائذين به وظلت ... مطاياهم ضوارب باللحي فلما صار نصف الليل هنا ... وهنا نصفه قسم السوي دعوت فتى أجاب فتى دعاه ... بلبيه أشم شمردلي فقام يصارع البردين لدناً ... يقوت العين من ثوم شهي وقاموا يرحلون منفهات ... كأن عيونها نزح الركي أحسن ما قيل في قصر الزيارة 1405 قال علي بن جبلة [رمل] : بأبي من زارني مكتتماً ... خائفاً من كل شيء جزعا حذراً دل عليه نوره ... كيف يخفى الليل بدراً طلعا رصد الخلوة حتى أمكنت ... ورعى السامر حتى هجعا كابد الأهوال في زورته ... ثم ما سلم حتى ودعا 1406 وأول من قال هذا المعنى العباس بن الأحنف [خفيف] : سألونا عن حالنا كيف أنتم ... فقرنا وداعهم بالسؤال ما أناخوا حتى ارتحلنا فما نفا ... رق بين النزول والارتحال 1407 فقال محمد بن أمية الكاتب. [خفيف] : يا فراقاً أتى بعقب فراق ... واتفاقاً جرى بغير اتفاق حين حطت ركابهم للتلاقي ... زمت العيس منهم لانطلاق إن نفسي بالشام إذ أنت فيها ... ليس نفسي هي التي بالعراق

1408 وقال الحسين بن الضحاك [رمل] :

أشتهي أن تري فؤادي فتدري ... كيف وجدي بكم وكيف احتراقي 1408 وقال الحسين بن الضحاك [رمل] : بأبي زور تلفت له ... فتنفست عليه الصعدا بينما أضحك مسروراً به ... إذ تقطعت عليه كمدا 1409 أنشدنا محمد بن يحيى قال أنشدني عون بن محمد عن أبي محلم أيوب بن شبيب الباهلي [الكامل] : بكت الديار لفقد ساكنها ... بعيد قلبي أبتغى الصبرا بيناهم سكن لجيرتهم ... ذكروا الفراق فأصبحوا سفرا 1410 ويشبه البيت الأول قول مزاحم العقيلي [طويل] : بكت دارهم من فقدهم فتهللت ... دموعي، فأي الجازعين ألوم أمستعبراً يبكي من الهون والقلى ... أم آخر يبكي شجوه فيهيم 1411 أخبرنا محمد بن عبد الواحد قال: أخبرني أحمد بن يحيى قال أخبرنا المغيرة بن محمد قال: كنا عند الزبير بن بكار، فقرأ عليه قارئ أخبار أبي السائب المخزومي فلما بلغ إلى قومه، عند سماعه شعر مالك بن أسماء ابن خارجة [كامل] : بيناهم سكن لجيرتهم ... ذكروا الفراق فأصبحوا سفرا قال: فقال أبو السائب: ما أسرع هذا وأبغته!؟ أما قدموا ركاباً، أما ودعوا صديقاً؟ فقال الزبير: رحم الله أبا السائب، فكيف به لو سمع قول عباس بن الأحنف: سألوا عن حالنا كيف أنتم ... فقرنا وداعهم بالسؤال وذكر البيت الثاني. أحسن ما قيل في النحول والنحافة 1412 أخبرنا عبد الله بن جعفر قال سمعت المبرد يقول: "أعجب بيت قيل في النحافة قول قيس بن الملوح المجنون [طويل] : وأصبحت من ليلى الغداة كناظر ... مع الصبح في أعقاب نجم مغرب ألا إنما غادرت أم مالك ... صدى أينما تذهب به الريح يذهب 1413 قال المبرد ومما يستطرف في هذا المعنى قول عمر بن أبي ربيعة المخزومي [طويل] : رأت رجلاً أما إذا الشمس عارضت ... فيضحى، وأما بالعشي فيخصر أخا سفر جواب أرضٍ تقاذفت ... به فلوات، فهو أشعث أغبر قليلاً على ظهر المطية ظله ... سوى عنه الرداء المحبر 1414 قال: ومن الإفراط فيه قوله [طويل] : فلو أما أبقيت مني معلق=بعود ثمام ما تأود عودها 1415 قال المبرد "وهذا متجاوز. وأحسن الشعر ما قارب فيه القائل، إذا شبه. وأحسن منه ما أصاب الحقيقة، ونبه بفطنته (على) ما خفى (عن) غيره، وساقه بوصف واختصار قريب". 1416 ويستحسن قول أعرابي [طويل] : ولما شكوت الحب قالت كدبتني ... فمالي أرى منك العظام كواسيا فلا حب حتى يلصق الجنب بالحشى ... وتخرس حتى لا تجيب المناديا 1417 ووجدت أصحابنا يستحسنون قول عبيد بن أيوب العنبري وذكر ناقته [طويل] : حملت عليها ما لو أن حمامة ... تحمله طارت به في الجفاجف رحيلاً وأقطاعاً وأعظم وامق ... برى جسمه طول السرى والمخاوف 1418 وينسب إلى أبي نواس هذا البيت [طويل] : فو أن ما أبقيت مني معلق ... بشعرة جفن الطفل لم يألم الطفل 1419 ومن الأغراق في هذا قول مؤمل [طويل] : نسفت عظامي لحمها وتركتها ... عواري في أجلادها تتكسر وعريتها من مخها وتركتها ... أنابيب في أجوافها الريح تصفر 1420- ويستملح لابن المعتز قوله [بسيط] : مسهد خانه التفريق في أمله ... أضناه سيده وجداً بمرتحله فرق حتى لو أن الدهر قاد له ... حتفاً لما أبصرته مقلتا أجله 1421- وقال آخر [بسيط] : لا تسألي كيف حالي بعد فرقتكم "ما" فانظري وأجيلي طرف ممتحن أحسن ما قيل في.... 1422- من أحسن ما قيل في ذلك ما أختاره أبو تمام وهو [كامل] : ولقد غدوت بمشرف، يافوخه ... عسر المكرة ماؤه يتدفق أرن يسيل من النشاط لعابه ... ويكاد جلد إهابه يتمزق 1423- ويشبه البيت الأول قول الآخر [كامل] : ولقد غدوت بمشرف، يافوخه ... عسر المكرة ماؤه يتفصد حتى علوت به مشق ثنية ... طوراً أغور به أنجد 1424- وقال الآخر [رجز] : ..... ليست كهذي....... ... قد ملئت من خرق وطيش إذا بدت قلت أمير الجيش ... من ذاقها يعرف طعم العيش 1425- وقال الآخر [رجز] :

أغزل أبيات قيلت في ...

.... زين وليست فاضحه ... غادية طوراً وطورا رائحه على العو والصديق جامحه ... من لقيت له مصافحه مفسدة لابن العجوز الصالحة ... تسد.........المسافحة كأنها صنجة ألف راجحة 1426- وقال آخر [رجز] : كأنه إذ دارت العينان ... هامة شيخ أصلع يمان فعاله في الوقع والطعان ... فعال من ليس بذي إيمان 1427- وقال آخر [رجز] : هل لك في مستحصد العروق ... محدودب الظهر عظيم الحوق لم ترعيني مثله في سوق ... كأنه بلبلة الإبريق يسد منك موضع الخروق 1428- وقال آخر [رجز] : لما رأت فعلى أم الورد ... ..... حتى صار مثل الورد كادت من...... أن تستعدي ... وولولت تبكي بكاء العبد وجعلت من.........تصد لما رأته مثل رأس الفهد ... وراجعت وأقبلت تفدى أجردفني حقوي في تمد ... فصب فيها مثل لون الزبد 1429- ولم يتقدم في هذا المعنى مثل قول الآخر [رجز] : هل لك في.....تمطى فاعتدل ... ...... كأنها قلب حمل نيطت بحقوي رجل قد اكتمل ... بمثلها تدرك سورات الغزل 1430- وقال الآخر [رجز] : هل لك في.....،..... مثلي ... تضعف عنه قوتي وحملي ينهض قدامي ويلقى ... أصغر عرفيه..... بغل 1431-أنشدنا علي بن هارون قال أنشدني أبي، لبشار، قال ولم يقل في معناه مثله [كامل] : يتنفس الصعداء عند مراسل ... ويكاد يخلع جلده لكعاب وتراه بعد ثلاثة عشرة قائماً ... مثل المؤذن شك يوم سحاب 1432- وقال الراجز: هل لك في مدبر..... ... أشبه شيء برؤوس البط يغط في...... أي غط 1433-وقال الآخر [رجز] : لا يشبه الخز ولا شبه لين الهتك ... عجارم ذو ورم دارته كالفلك كأنه جرية بين صغار السمك 1434-فأخذ هذا البيت الجمار فقال [منسرح] : أبصرت ظبياً مقارناً حملا ... يمشي...... كأنه سمكه 1435-وقال آخر: كأنهم....... غامدة ... ..... قد قدمت النصل يصف قوماً..... أغزل أبيات قيلت في ... 1436-أخبرنا أبو عمر قال أخبرنا ثعلب عن محمد بن شبة قال أحسن ما قيل في وصف ما يقل وصفه. قول النابغة [كامل] : وإذا طعنت، طعنت في مستهدف ... رابي المجسة بالعبير مقرمد وإذا نزعت، نزعت من مستحصف ... نزع الحزور بالرشاء المخصد قال أبو علي وإنما أورد هذين البيتين. والأبيات كلها مختارة. 1437-ومما ألغاه قوله: ويكاد ينزع جلده من غله في ... ها لوافح كالحري الموقد لا وارد منها يحوز إذا استقى ... ضررا، ولا صدى يجوز لمورد 1438- أخبرنا ابن أبي غسان، قال أخبرنا محمد بن سلام قال لم يقل أحد في وصف النساء وما يريده الرجال منهن أحسن من قول الأشهب بن رميلة [متقارب] : وأنت روبية قد تعلمين ... فقت النساء بضيق..... ويعجبني منك عند..... ... حياة الكلام وموت النظر 1439- أخبرنا محمد بن يحيى قال أخبرنا أبو العيناء قال أخبرنا الأصمعي قال كان الناس يستحبون قول أبي النجم [رجز] : جارية إحدى بنات الزط ... كأن تحت درعها المنعط شطار ميت فوقه بشط ... ضخم القذال حسن المنحط كأنما قط على مقط ... كهامة الشيخ الكبير الشط إلى أن قال بشار [سريع] : عجزاء من بني مالك لها ... ..... من بطنها أرفع زين أعلاه بإشرافه ... وانضم من أسفله المشرع قال: فترك الناس ذلك لهذا. 1440- أخبرنا أبو عبيد الله الحكيمي قال أخبرني ميمون بن هرون قال قال السري بن عبد الله لأم الورد "امدحي امرأتي عمارة الليئية" فقالت [رجز] : ..... لعمارة..... منبره ... سخن السماطين مضيق حنجره مثل السنام جزعته وبره ... ظلت به لا هية تزعفره كأن رمانا يفت أحمره ... بعثره في جوفه مبعثره يطير عند الطعن منه شرره ... يرضي السرى في اللمام خبره كأن حجاما شديداً أبهره ... يدارك المص ولا يفتره يمص ماء..... فيجدره 1441- ويشبه قولها "كأن رمانا" قول الفرزدق، وهو من المختار المقدم [وافر] :

وبتن جنابتي مصرعات ... وبت أفك أغلاق الختام كأن مغالق الرمان فيه ... وجمر غضى قعدت عليه حام 1442- و [قول] آخر. كأن رمانا...... حمرا ... عن عرف ديك غير مجبوب 1442م- أنشدنا محمد بن عبد الواحد عن أحمد بن يحيى لأم الراعي الكلبية، قال وهذا أحسن رجز في معناه: جارية شبت شبابا همركا لم ... يعد ثديا نحرها، أن فلكا لاقت غلاما ذا فتاة هيدكا ... قالت: تعال ها هنا ما سركا فاعتلجا بينهما، واعتركا ... وطاح قرطان لها فهلكا وأفرشته كعثبا مدملكا ... أخثم جما لم يكن مفركا مرتفع الجبهة قد تتركا ... مفرنطحا إن هجته يوما لكا نخاله ذا نخوة مملكا ... يراه والقلان إذا ما اعتركا يفلت منه ناحلا قد نهكا ... فهو سليم من أذاه ما اشتكا فحركته طول ما تحركا ... هز إليه روقه المصعلكا هز الغلام اليلمي الشركا ... إن كان لاقى مثلها فأشركا 1443- وقالت أيضاً [رجز] : جارية ذات..... ونهد ... مركز الخلق شهي القد مزعفرا للطاعن المعتد ... كأنه من بعض حي الكرد في بطن خود ذات فرع جعد ... بيضاء حمراء كلون الورد تذكر المرء جنان الخلد ... ليس بمنحط، ولا ذب صعد مكتومه ألذمما يبدي ... كأنه مظلم ذو حمد على ظلوم جاحد يستعدي ... وهو لما يطلبه ذو جحد فليس ينفك طويل الوجد 1444- وقال الآخر [رجز] : جارية إحدى بنات الزنج ... تحمل تنورا شديد المهج أحمر مثل قدح الخلنج 1445- وقال آخر [رجز] : جارية إحدى بنات الفرس ... تحمل مشقوقا وطيء اللمس طلي يمسك إذا فر وورس ... أولجت فيها....... كالقلس يشبه في العين بني عرس 1446- وقال الآخر [رجز] : جارية كالغصن، غصن البان ... لها...... مستهدف الأركان محلق الوجه بزعفران ... أضمر يثني راحة الإنسان بجبهة كالقدح الخيثان 1447- أخبرنا محمد بن يحيى قال حضرنا مجلس أبي علي محمد بن علي بن مقلة، على حال أنسه. وحضر جماعة من أهل الأدب. فيهم: أبو عثمان الناجم. فخاضوا في ضروب من الآداب. ثم أفاضوا في ذكر..... المرأة. فكل اختار ضربا من الشعر. فأما أبو عثمان. فزعم أن أحسن ما قيل فيه، قول الراجز: جارية إحدى بنات عبس ... أعجلتها عن درعها الدمقس حتى اتتنا..... كالترس ... مضمخ جبهته بورس مثل اصفرار الشمس حيث تمسي ... تنزع منه...... نزع الضرس 1448- وقال بعضنا بل قول الآخر: غادة عجزاء قد ازوها ... ....... بيض، وبطن مطمر ولها رادفة مرتجة حين ... تمشي، وحر مثل القمر خط خطا حسنا في موضع ... ليس بالعالي ولا بالمنحدر وإذا الذائق يوما ذاقها ... ارضت الذائق من صبو وحر يلدغ الجوف إذا أخرجته ... ثو لا يخرج إلا بعد شر 1449- قال أبو بكر الصولي: فانشدهم انا [رجز] : لو ذقت من بعد الرقاد فاها ... لقلت واها ثم قلت واها كالمركني المكبوب في حشاها ... تقول للفارس إذ علاها لما استشالت خلفه رجلاها ... وغيب الغرمول في ضلاها إن حرى ركية تغشاها فقال محمد بن علي: لا خير في..... يشبه الركية 1450- فانشدته [رجز] : فابرزت لي عن نهد ... اثنين من تسعين عند العد عن ملحم يرد رأس العرد ... مزعفر جهم شديد الزرد فقلت كفي وانظري ما عندي 1451- قال محمد بن علي بن مقلة: إن هذا حسن. وأحسن منه قول الآخر: إن حري أضيق من تسعينا ... كأن فيه عسلا مسنونا لا يحقر الغث ولا السمينا 1452- ثم قال: أين أنتم عن قول هذا الشيطان؟ يعني علي بن العباس الرومي يريد أبياته [منسرح] : لها تستعير وقدته ... من قلب صب وصدر ذي حنق له إذا ما القر خالطه ... إثم، كأخذ الخناق بالعنق يزداد ضيقاً على المراس كما ... تزداد ضيقا انشوطة الوهق فوقع اجماعنا على أنها أشعر الأبيات التي تذاكرناها.

أحسن ما قيل في البكاء قبل الفراق وحذرا من وقوعه

1453- أخبرنا أبو عمر قال: أخبرنا أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي عن المفضل عن الشعبي قال: سألني عبد الملك بن مروان-رحمه الله- عن أحسن ما قيل في صفة.....، فأنشدته لمعاوية بن صعصعة، عم الأحنف [متقارب] : بذي وهج يصطلي كينه ... يكاد يمزق جلد..... قال: وبين يديه شيخ طوال، أحمر، لم أكن أعرفه قبل ذلك. فقال: يا هذا أين أنت عن قول أشعر الشعراء؟ قال: قلت: ومن أشعر الشعراء؟ قال الذي يقول [كامل] : وإذا لمست، اخثم جاثماً ... متحيزا بمكانه ملء اليد وإذا رأيت، رأيت أقمر مشرفا ... ومركنا ذا زرنب كالجلمد وإذا طعنت، طعنت في مستهدف ... رابي المجسة بالعبير مقرمد وإذا نزعت، نزعت من مستحصف ... نزع الحزور بالرشاء المحصد ويكاد ينزع جلده من غلة في ... ها لوافح كالحريق الموقد لا وارد منها يجوز إذا استقى ... ضررا، ولا صدى يجوز لمورد قال: "وإذا ذلك الشيخ: الأخطل. وكان أول معرفتي به". -قوله "زرنب" يريد لحم ظاهر الفرج. "وكينه" الكين: لحم داخله. فشبهه بالجلمد في صلابته، واكتنازه. و"مستهدف": منتصب كالهدف و"العبير": الزعفران. وقوله "وإذا نزعت" وصفه بالضيق، وإنه أراد أن ينزع منه ذكره، ضعف عن ذلك لضيقه، كما يضعف الحزور-وهو الغلام الذي احتلم، أو قارب الحلم-عن استيفاء الماء. أحسن ما قيل في البكاء قبل الفراق وحذراً من وقوعه 1454- قال أبو علي: أول من نطق بهذا المعنى: قيس بن الملوح. وهو مجنون بني عامر. بقوله [طويل] : وإني لأبكي اليوم، من حذري غداً ... فراقك، والحيان مؤتلفان سجالاً، وتهتانال، وسحاً، وديمةً ... وويلاً، وتسجاما، وتثتلبان 1455- والبيت الثاني من هذين البيتين مسروق من قول امريء القيس [طويل] : أمن أجل أعرابية، حل أهلها ... يجزع الملا، عيناك تبتدران فدمعهما سح، وسكب، وديمة ... ورش، وتوكاف، وتنهملان 1456-ومن مليح ما في معاني الشعر ما حكاه اسحاق الموصلي في هذين البيتين، قال: أتعرف في قول امريء القيس "أمن أجل أعرابية" خبيثاً، باطنه غير ظاهره؟ قلت: لا فسكت عني. فقلت: إن كان فيه شيء فأفدنيه. قال: نعم! أما يدلك البيت على أنه لفظ ملك مستهين، ذي قدرة على ما يريد؟! قال إسحاق: وما رأيت أحداً قط مثل الأصمعي في العلم بالشعر، ولا مقارباً لمعناه. 1457- فتبع المجنون ذو الرمة- وقد روى بعض الناس هذه الأبيات لقيس ابن ذريح [طويل] : وقد كنت أبكي والنوى مطمئنة ... بناوبكم عن علم ما البين صانع وأشفق من هجرانكم، وتشفني ... مخافة وشك البين والشمل جامع 1458- وكرر قيس هذا المعنى فقال [طويل] : وقد كنت أبكي والنوى مطمئنة ... حذار الذي لما يكن وهو كائن وما كنت أخشى أن تكون منيتي ... بكفيك إلا أن ما حان حائن 1459- وأحسن كل الإحسان العباس بن الأحنف في هذا المعنى. وكان الجاحظ يزعم أنه من المعاني التي أبدع فيها ولم يسبق إليها [منسرح] : تبكي رجال على الحياة وقد ... أفنى دموعي شوقي إلى أجل أموت من قبل أن يغيرك الده ... ر، فاني منه على وجل 1460- أخبرني محمد بن يحيى قال سمعت أحمد بن يحيى يقول: ما رأيت أحداً، إلا وهو يستحسن قول ابن الأحنف [منسرح] : قد كنت أبكي وأنت راضية ... حذار هذا الصدود والغضب إن تم هذا الهجر يا ظلوم ولا ... تم فمالي في العيش من أرب أحسن ما قيل في تناسب الأرواح دون تناسب الأشباح 1461- أول من نطق بهذا المعنى، وأبدعه، رسول الله (ص) في قوله "الأرواح جنود مجندة، فما تفارق منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف" ويروى هذا الخبر بهذا اللفظ عن على بن أبي طالب رضي الله عنه. رواه شفيان عن حبيب أبي الطفيل عن علي. قال الشيخ: وأخلق بأن يكون كلامه، لأنه قد روى لطرفة [طويل] : تعارف أرواح الرجال إذا التقت ... فمنهم عدو يتقي وخليل وإن امرءاً لم يعف يوماً فكاهة ... لمن لم يرد سوءاً به الجهول وقد طعن قوم من أصحابنا على هذين البيتين. وزعموا أنهما من المنحول. 1462- ومن أناشيد إسحاق الموصلي في هذا المعنى [طويل] :

أحسن ما قيل في امتزاج القلوب وتصافيها

يقولون عل لي من أخ أو قرابة ... فقلت لهم إن الشكوك أقارب نسيبي في رأيي وعزمي ومذهبي ... وإن باعدتنا في الولاد المناسب وليس أخي إلا الصحيح وداده ... ومن هو في وصلي وقربي راغب 1463- أخبرني محمد بن يحيى قال سمع ابن مناذر سفيان بن عيينة يروى عن إبراهيم بن مسيرة عن طاوس عن ابن عباس أنه قال: "الرحم تقطع، والنعم تكفر، ولم ير كتقارب القلوب" فنظم هذا ابن مناذر فقال: قد تقطع الرحم القريب وتكفر ... النعمى، ولا كتقارب القلبين يدنى الهوى هذا، ويدنى ذا هوى ... فإذا هما نفس ترى نفسين فأخذ هذا تمام فأحسن العبارة عنه فقال [طويل] : فإن الفتى في كل حال مناسب ... مناسب روحانية من يشاكل ولم تنظم العقد الكعاب لزينة ... كما تنظم الشمل الشتيت الشمائل 1464- حدثني محمد بن يحيى قال حدثني محمد بن موس قال سمعت علي بن الجهم ذكر دعبلاً، وكفره ولعنه. [قال]- وكان يطعن على أبي تمام-، وهو خير منه، ديناً وشعراً. فقال له بعض من حضر "لو كان أبو تمام أخاك ما زاد على مدحك له" فقال علي بن الجهم "إلا يكن، أخا بالنسب، فإنه أخ بالأدب والمودة. أما سمعت ما خاطبني به؟ "ثم أنشد [كامل] : إن يكد مطرفه الإخاء فإنما ... نغدو ونسري في إخاء تالد أو يفترق نسب، يؤلف بيننا ... أدب، أقمناه مقام الوالد 1365- وقد كرر هذا المعنى أبو تمام فأحسن بقوله [بسيط] : ذو الود مني وذو القربى بمنزلة ... وإخوة أسوة عندي وإخواني عصابة جاورت آدابهم أدبي ... فهم وإن فرقوا في الأرض جيراني أرواحنا في مكان واحد وعدت ... أجسامنا بشآم أو خراسان 1466- وكأن هذا مأخوذ من أبيات أنشدنيها عبد الله بن درستويه، عن المبرد [كامل] : لا خير في قربى بغير مودة ... ولرب منتفع بود أباعد وإذا وجدت من البعيد مودة ... فامدد له كف القبول بساعد 1467- وأول من سبق إلى هذا المعنى أعشى بني قيس بن ثعلبة فإنه قال [طويل] : فإن القريب من يقرب نفسه ... لعمر أبيك الخير، لا من تنسبا 1468- وأخذ هذا بعض الأعراب فقال [طويل] : تجنب ذنوباً ما جرت لي بخطرة ... وتمحو دواعي حبها ذنبها عندي وأحببت ليلى جهد حبي كله ... لعمر أبي ليلى وزدت على الجهد وآمل قرب الدار حتى إذا دنت ... بها الدار زادتني من البعد والصد فلم أر قرب الدار ينفع ذا هوى ... وقلب الذي يهواه منه على بعد 1469- فأخذ هذا ابن ميادة فقال [طويل] : وإني لزوار لمن لا يزورني ... إذا لم يكن في وده بمريب تقرب لي دار الحبيب وإن نأت ... وما دار من أبغضته بقريب فلا تطلبن القرب والبعد بعدها ... إلى غير تبات وغير قلوب 1470- وإلى هذا ذهب النظار الفقعسي بقوله [طويل] : يقولون هذي أم عمرو قريبة ... دنت بك أرض نحوها وسماء ألا إنما بعد الحبيب وقربه ... إذا هو لم يوصل إليه، سواء 1471- قال أبو علي: وأحسن من البيت الأخير، وإن كان في معناه، قول الآخر [طويل] : فلو كنت أرض أن أرى من ... بغير اجتماع لاقتصرت على الشمس 1472- حدثني محمد بن يحيى عبيد الله بن محمد اليزيدي عن أبيه محمد بن أبي محمد اليزيدي قال: جلست إلى جانب رجل يعلم الخليل أني أبغضه، فقال الخليل [طويل] : يقولون لي دار الأحبة قد دنت ... وأنت كئيب، إن ذا لعجيب فقلت وما تغني ديار وقربها ... إذا لم يكن بين القلوب قريب قال: فظننت البيتين له. 1473- فأخذ هذا المعنى إبراهيم بن العباس الصولي فقال [طويل] : دنت بأناس عن تناء زيارة ... وشط بليلى عن دنو مزارها وإن مقيمات بمنقطع اللوى ... لأقرب من ليلى وهاتيك دارها أحسن ما قيل في امتزاج القلوب وتصافيها 1474- أخبرني محمد بن يحيى قال حدثني عبد الله بن عبد الملك الأزدي قال كان ابن أبي فنن كثيراً ما ينشد قول العباس بن الأحنف [بسيط] : ما أنس لا أنس يمناها معطفة ... على فؤادي ويسراها على راس وقولها: ليته ثوب على جسدي ... وليتني كنت سربالاً، لعباس

1475 قال أبو علي: وقد تعاور هذا المعنى جماعة من الشعراء.

أوليته كان لي خمراً وكنت له ... من ماء مزن، فكنا الدهر في كاس قال: ويقول ابن فنى "هذا أحسن ما قيل في معناه" قال عبد الله بن عبد الملك: فقلت له "أحسن منه قول المهلبي بن أبي عيينة" [خفيف] : حين قالت دنيا على م نهاراً ... جئت هلا انتظرت وقت المساء ذاك إذ روحها وروحي مزاجا ... ن، كأصفى خمر بأعذب ماء قال: فقال لي "أحسن من هذا بيت ابن أبي عيينة المطبوع [كامل] : حتى إذا اختلطت بنفس نفسها ... كالخمر تقرع بالزلال البارد خافت فقلت لها اسكتي إذ مسها ... جهد الفراق مع البلاء الجاهد ما تشتكين أنا الفدى له والحمى ... لو أستطيع لكنت أول عائد قالت فراقك والصبابة والذي ... أخشى عليك من الرقيب الراصد قال: فقلت له "إن هؤلاء كلهم أخذوا من عمر بن أبي ربيعة قوله [كامل] : كنا كمثل الخمر كان مزاجها ... بالماء لا رنق ولا تكدير فقال له ابن أبي فنن "يا ويحك! فأين أنت من سيد الشعراء كلهم؟ " قلت: "ومن سيد الشعراء؟ قال: "المسيب بن علس في قوله [متقارب] : تبيت الملوك على عتبها ... وشيبان إن غضبت تعتب وكالراح بالماء أخلاقهم ... وأخلاقهم منها أعذب وكالمسك ترب مقاماتهم ... وترب قبورهم أطيب قال فقلت: "فقل إذن، سيد الشعراء في هذا المعنى! " فقال: "سيدهم في هذا المعنى". 1475- قال أبو علي: وقد تعاور هذا المعنى جماعة من الشعراء. وأحسن دعبل كل الإحسان في قوله [بسيط] : الله يعلم والأيام دائرة ... والمرء ما بين إيحاش وإيناس إني أحبك حباً، لو تضمنه ... سلمى سميك ذل الشاهد الراس حباً تلبس بالأحشاء فامتزجا ... تلبس الماء بالصبهاء في الكاس 1476- فأخذ هذا البحتري وأحسن-على قلة إحسانه- فقالل [بسيط] : تهتز مثل اهتزاز الغصن حركة ... مرور غيث من الوسمى سحاح إني وجدتك من قلبي بمنزلة ... هي المصافاة بين الماء والراح قال فقلت: "فقل إذن، سيد الشعراء في هذا المعنى! " فقال: "سيدهم في هذا المعنى". 1475 قال أبو علي: وقد تعاور هذا المعنى جماعة من الشعراء. وأحسن دعبل كل الإحسان في قوله [بسيط] : الله يعلم والأيام دائرة ... والمرء ما بين إيحاش وإيناس إني أحبك حباً، لو تضمنه ... سلمى سميك ذل الشاهد الراسي حباً تلبس بالأحشاء فامتزجا ... تلبس الماء بالصهباء في الكاس 1476 فأخذ هذا البحتري وأحسن-على قلة إحسانه- فقال [بسيط] : تهتز مثل اهتزاز الغصن حركه ... مرور غيث من الوسمي سحاح إني وجدتك من قلبي بمنزلة ... هي المصافاة بين الماء والراح 1477 ووجدت بشاراً قد قال في هذا المذهب قولاً عدل به عن هذا المعنى. وهو [طويل] : لقد كان ما بيني ... زماناً وبينها كما بين ريح المسك والعنبر الورد 1478 قال أبو علي وأنشدني أبي-رحمه الله- لنطاحة الكاتب في هذا المعنى. وليس به [طويل] : هموم أناس في أمور كثيرة ... وهمي في الدنيا صديق مساعد يكون كروح بين جسمين فرقا ... فجسماهما جسمان، والروح واحد أحسن ما قيل في اتفاق الخلق والأسماء وتباين الخلائق والطباع 1479 حدثني محمد بن يحيى قال أخبرني القلابي محمد بن زكريا عن عبد اله بن الضحاك عن هشام عن هشام عن عوانة قال: أراد الفرزدق-وهو في بعض أسفاره- النزول. فقيل له انزل على قبيضة بن المخازن الهلالي. وكان هناك رجل آخر يقال له: قبيضة. فنزل عليه، فلم يحمده. وكانا جميعاً يكنيان أبا قطن. فقال [طويل] : سرت ما سرت من ليلها ثم وافقت ... أبا قطن غير الذي للمخارق وباتت، وبات الطل يضرب وجهها ... موافقة: يا ليتها لم توافق وقد تلتقي الأسماء في الناس والكنى ... وفاقاً ولكن لا تلاقى الخلائق 1480 وقد أحسن عدي بن الرقاع في قوله [كامل] : الناس أشباه وبين حلومهم ... فوت كذاك تفاضل الأشياء كالغيم منه وابل متتابع ... جوده، وآخر ما يجود بماء والدهر يفرق بين كل جماعة ... ويلف بين تقارب وتناء

1481 ويستحسن أصحابنا قول ربيعة بن ثابت الرقي يمدح يزيد ابن حاتم المهلبي، ويهجو

والمرء يورث مجده أبناءه ... ويموت آخر وهو في الأحياء 1481 ويستحسن أصحابنا قول ربيعة بن ثابت الرقي يمدح يزيد ابن حاتم المهلبي، ويهجو يزيد بن أسيد السلمي [طويل] : لشتان ما بين اليزيدين في الندى ... يزيد سليم والأغر بن حاتم يزيد سليم سالم المال، والفتى ... فتى الأزد للأموال غير مسالم وهم الفتى الأزدي إتلاف ماله ... وهم الفتى القيسي جمع الدراهم فلا يحسب التمتام أنى هجوته ... ولكنني فضلت أهل المكارم فبلغ أبا الشمقمق هذا الشعر. فقال يفضل يزيد بن مزيد الشيباني على يزيد المهلبي ويزيد السلمي [طويل] : شتان ما بين اليزيدين في الندى ... إذا عد في الناس المكارم والمجد يزيد بن شيبان أكرم منهما ... وإن غضبت قيس بن عيلان والأزد 1482 ويستحسن قول أبي العواذل زكرياء بن هرون الشاعر [طويل] : علي وعبد الله بينهما أب ... وشتان ما بين الطبائع والفعل ألم تر عبد الله يلحي على الندى ... علياً، ويلحاه علي على البخل 1483 ومما يستحسن قول الآخر [طويل] : وما الناس إلا خلفه في طباعهم ... كما اختلفت بيض الليالي وسودها وكم بين بحر تمطر الجود كفه ... وآخر منقوص اليمين كتومها 1484 وقال آخر وملح [وافر] : لئن وصلت أبوتنا انتسابا ... لقد قطعت مرائرها العقول أبوك أبي، وأنت أخي ولكن ... تباينت الطبائع والشكول 1485 أخبرني عبد الله بن جعفر قال سمعت محمد بن يزيد المبرد يقول سمعت المازني يقول: لم يقل في تباعد الشبه بين الأقرباء، أجود من قول ابن أبي عيينة يهجو خالد بن يزيد المهلبي، ويمدح أباه، في أبيات يقول فيها [طويل] : أبوك لنا غيث نعيش بنبته ... وأنت جراد ليس تبقى ولا تذر له أثر في المكرمات يسرنا ... وأنت تعفى دائباً ذلك الأثر تسيء وتمضي في اإساءة جاهراً ... فلا أنت تستخبي ولا أنت تعتذر لقد قنعت قحطان خزياً بخالد ... فهل لك فيه يخزك الله يا مضر أحسن ما قيل في حسن المحبوب في عين محبه 1486 أجمع فرسان الشعر، والعلماء بسرائر الكلام، أن أحسن ما قيل في هذا المعنى قول عمر بن أبي ربيعة [خفيف] : زعموها سألت جاراتها ... وتعرت يوم حر شديد أكما ينعتني تبصرنني ... عمركن الله، أم لا يقتصد فتضاحكن وقد قلن لها ... حسن في كل عين من تود حسداً حملنه من أجلها ... وقديما كان في الناس الحسد 1487 وقد ردد عمر هذا المعنى في أبيات تشكك فيها شكاً، هو أصح عنده من اليقين. فقال [طويل] : خرجت غداة النفر أعترض الدمى ... فلم أر أحلى منك في العين والقلب فو الله ما أدري أحسن رزقته ... أم الحب أعمى كالذي قيل في الحب 1488 ثم تبعه مالك بن أسماء بن خارجة الفزاري فقال [خفيف] : أمغطى مني على بصري في ال ... حب أم أنت أكمل الناس حسنا أيها العاذل الذي لام فيها ... لو سلمت الذي بنا لم تلمنا 1489 ومن ترجيح الشك في هذا المعنى قول بشر بن عقبة الفزاري [طوزيل] : رأيتك فقت الناس يا أم مالك ... يجمله حسن أخرست من يعينها فو الله ما أدري أأنت كما أرى ... أم العين مزهو إليها حبيبها 1490 ومن ترجيح الشك في هذا المعنى قول الآخر [طويل] : وما الشمس يوم الدجن لا حت فأشرقت ... ولا البدر وافى أسعدا ليلة البدر بأحسن منها، بل تزيد ملاحة ... على ذاك ور أي المحب؟! فلا أدري 1491 وقد رجح الشك رجل من قيس ترجيحة زاد فيها عمن تقدمه، فقال [طويل] : حفت بصحراء الحجون وناقتي ... لها بين قاع الأحثيين حنين غموساً لقد فضلت في الحسن غبطة ... على الناس أوفى من هواك جنون وهذا معنى يستملح بعض الناس، ويأباه آخرون. 1492 فأما المكروه عند كل أحد من هذا النوع فقول ابن ميادة [طويل] : تساهم ثوباها ففي الدرع رأدة ... وفي المرط لفاوان ردفهما عبل فو الله ما أدري أزيدت ملاحة ... على سائر النسوان أم ليس لي عقل فهذه عبارة جافية.

1493 وقد أحسن إبراهيم بن المهدي في هذا المعنى، وإن كان في غير هذه الطريقة. فقال

1493 وقد أحسن إبراهيم بن المهدي في هذا المعنى، وإن كان في غير هذه الطريقة. فقال [بسيط] : مالي رأيتك تحبوني وتبعدني ... وأنت مني مكان السمع والبصر والله ما نظرت عيني شبيهك في ... حسن وظرف، وما حانيت بالنظر 1494 وأحسن ابن أبي الزوائد كل الإحسان بقوله [منسرح] : فضلها الحسن في العيون فما ... تصرف عنها اللحاظ والنظر وتخشع الشمس في النهار لها ... حين تراها ويخشع القمر معرفة أنها تفوقهما ... في الحسن في عين من له بصر أحسن ما قيل في حب الكبار 1495 فمن أحسن ما قيل في ذلك ما أنشدينه محمد بن يحيى قال أنشدنا تعلب [طويل] : أبى القلب إلا أم عمرو وحبها ... عجوزاً، ومن يحبب عجوزاً يفند كبرد اليماني قد تقادم عهده ... ورفعته ما شئت في العين واليد 1496 وأنشدنا، قال أنشدنا علي بن الصباح قال أنشدنا أبو ملحم المرار بن سعد [بسيط] : قصرت يومكما ببيض بدن ... نجل العيون نواعم لم تبئس يوم ارتمت قلبي بأسهم لحظها ... أم الوليد في فناء عنس من بعد ما لبست ملياً حسنها ... وكأن روع جمالها لم يلبس بيضاء مطعمة الملاحة مثلها ... لهو الجليس ومنية المتفرس 1497وأول من نطق بحب الكبار، امرؤ القيس. بقوله [طويل] : ومثلك حبلى قد طرقت ومرضع ... فألهيتها عن ذي تمائم مغيل إذا ما بكى من خلفها قدمت له ... بشق وتحتي شقها لم يحول 1498 وكان شاب من الأعراب مفلساً [ومتزوجاً] بامرأة شابة، ولا يجد-لفقره- فتزوج موسرة فقال [طويل] : إذا فاتك.... فانتقل ... برحلك واخلطه برحل عجوز عجوز لها مال تعيش بفضله ... وألوان وشي فاخر وحزوز 1499 وملح الآخر في هذا المعنى بقوله [وافر] : رأيت البيض قد أعرضن عني ... فخير لي أن تساعدني عجوز كأن مجامع اللحيين منها ... إذا حركت عن العرنين كوز 1500 أخبرنا محمد بن يحيى قال أخبرنا الحسن بن إسحاق قال "عشقت عجوز شاباً، وعشق الشاب شابة. وكان يداري العجوز، ليأخذ منها ما ينفقه على الشابة. فيقول [وافر] : صبرت على المساءة طول يومي ... لأقضي في غد حق السرور أعالج قبل حلو العيش مراً ... ليسلمني العسير إلى اليسير وطلبته العجوز يوماً، وكان عند الشابة، فلما جاءه رسولها، قال له: قل لها [خفيف] : ليس بيني وبين تيس عتاب ... غير طعن الكلا وضرب الرقاب قال: "فلما بلغها الرسول قوله. قالت: قل له: (يا أرعن! فهل يريد تيس إلا طعن الكلا؟ فصر إليها!) ". 1501 ومن الغلو في وصف الكبيرة بالحسن. والزيادة في الجمال على تقادم السن قول ذي الرمة [طويل] : لقد أرسلت خرقاء نحوي جريتها ... لتجعلني خرقاء فيمن أضلت وخرقاء لا تزداد إلا ملاحة ... وإن عمرت تعمير نوح وملت كأن الحميا خالطتها سلافة ... على شفتي خرقاء باتت وظلت 1502 ومن مستحسن ما قيل في هذا المعنى ما أنشدنيه محمد بن يحيى قال أنشدني ميمون بن هرون عن إسحاق [طويل] : وعلقت ليلى وهي ذات موصد ... ترد علينا بالعشي المراميا فشب بنو ليلى وشب بنو ابنها ... وهاذي دواعي حب ليلى كماهيا 1503 أخذ هذا البيت الثاني ابن المعتز، فقال [مجزؤ الخفيف] : من معيني على السهر ... وعلى الحب والفكر وابلاي من شادن ... كبر الحب إذ كبر أحسن ما قيل في حب الصغار 1504 أول من تنازع هذا المعنى كثر، و (نصيبا) ما كثير، فقال [طويل] : وعلقتها بين الجواري صغيرة ... وما حليت إلا الجمان المنظما إلى أن دعت بالدرع قبل لداتها ... وكانت إلى مثليه أبهى وأعظما وأما نصيب فملح بقوله [وافر] : ولولا أن يقال: صبا نصيب ... لقلت لنفسي: النساء الصغار بنفسي كل مهضوم حشاها ... إذا ظلمت فليس لها انتصار 1505 وقال الآخر وملح، فأنشد، وهو من المشهور أيضاً [طويل] : ولقت ليلى وهي ذات موصد ... ولم يبد للأتراب من ثديها حجم صغيرين نرعى البهم، يا ليت أننا ... إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم

1506 وقال أعرابي في صغيرة، وعده أبوها أبوها أن يزوجها منه. وملح ما شاء [رجز] :

1506 وقال أعرابي في صغيرة، وعده أبوها أبوها أن يزوجها منه. وملح ما شاء [رجز] : أعلقني بعشقها أبوها ... مليحة العينين عذب فوها قليلة الأيام إن عدوها ... لا تحسن السب إذا سبوها 1507 ومما يجري هذا المجرى، في عذوبة اللفظ، وحلاوة التغزل قول الآخر [مجزؤ كامل] : إني بليت بطفلة ... هيفاء جائلة الوشاح ومليحة، يا ويلتا ... ماذا لقيت من الملاح ما جاز عشراً سنها ... بيضاء كالقمر اللياح 1508 ومن البديع قول عوف بن ملحم الخزاعي [مجزؤ كامل] : وصغيرة علقها ... كانت من الفتن الكبار كالر إلا أنها ... تبقي على ضوء النهار 1509 وأنشدني علي بن هرون قال أنشدني أبي، لبشار بن برد، في اعابيثه [رمل] : عجبت فطمة من نعتي لها ... هل يجيد النعت مكفوف البصر بنت عشر وثلاث قسمت ... بين غصن وكثيب وقمر أذرت الدمع وصاحت ويلتا ... من ولوع الكف ركاب الخطر إخوتي، بدد هذا، لعبي ... ووشاحي حله حتى انتثر بأبي، والله ما أحسنه ... دمع عيني يغسل الكحل قطر أيها النوام هبوا ويحكم ... وسلوني اليوم ما طعم السهر 1510 فاحتذى هذه الأبيات محمد بن مناذر الصبيتري فقال [مجزؤ رجز] : قد جد بي، في لعب ... ذو راحة من تعب جسم من الفضة، قد ... أشرب ماء الذهب جارية صغيرة ... مشغولة باللعب صاحت وقد روعتها ... بقبلة واحرربي أنت وربي يا فتى ... تريد أن تصنع بي إياك لا يدعو عليا ... ك الله أمي، وأبي فلم أزل أختلها ... حتى علوت مركبي وهي كغصن الر ... يح به، مضطرب تجود عيناها بجا ... ري دمعها المنسكب 1511 أنشدني أبو بكر أحمد بن محمد السرخسي قال أنشدني أحمد بن يوسف قال أنشدني أبي، قال أنشدني أبو نواس لنفسه [خفيف] : حين أوفى على ثلاث وعشر ... لم يطل عهد أذنه بالشنوف فيه غنت الصبا تعتليها ... بحة الاحتلام للتزييف حين رام النساء منه بعين ... وطوى أختها من التخويف 1512 أنشدني محمد بن يحيى قال أنشدني عبيد الله بن الحسين لنفسه [سريع] : جارية أشغلها اللعب ... عما يلاقي الهائم الصب شكوت ما ألقاه من حبيا ... ها، فأقبلت تسأل ما الحب 1513 ومن مليح ما قاله المحثون قول عبد الله بن المعتز [بسيط] : آلان زاد علي عشر بواحدة ... وزاد أخرى، وشاب الحب بالخدع وجاوب اللحظ منه لحظ عاشقه ... وجرر الوعد بين اليأس والطمع قد كان غراً بقتلي ليس يهنأه ... فاليوم يبدع في قتلي على البدع الفصل التاسع في السابق والمصلي 1514 ومما سبق إليه امرؤ القيس، ولتبعه الناس فيه، قوله [طويل] : ظللت ردائي فوق رأس قاعداً ... أعد الحصى ما تنقضي عبراتي 1515- فأخذه النابغة فقال [طويل] : يخططن بالعيدان في كل موضع ... ويخبأن رمان الثدي النواهد 1516 فقال الآخر [طويل] : عشية مالي قصة غير أنني ... بلفظ الحصى والخط في الدار مولع أخط وأمحو تارة وأعيده ... بكفي والغربان في الدار وقع 1517 وينظر إلى هذا قول كعب بن جعيل [كامل] : لا ينكثون الأرض عند شؤالهم ... لتطلب العلات بالعيدان بل يبسطون جوههم فترى لها ... عند السؤال كأحسن الألوان 1518 وقال أبو عبيدة: "هو أول من (قيد الأوابد) ومن شبه الثغر بشوك السيال فقال [طويل] : منابه مثل السدوس ولونه ... كشوك السيال وهو عذب يفيض وهو أول من قال (وعادى عداء) فاتبعه الناس. وأول من شبه الحمار، وشبه الطلل بوحي الزبور. 1519 "ومما انفرد به قوله في العقاب [طويل] : كأن قلوب الطير رطباً ويابساً ... لدى وكرها العناب والحشف البالي 1520 وقوله [طويل] : له أيطلا ظبي، وساقاً نعامة ... وارجل سرحان وتقريب تتفل وقد تبعه الناس في هذا الوصف، واحتذوه. ولم يجمع لهم ما اجتمع له. 1521 فمن أشدهم إخفاء لسرقه المعذل في قوله [طويل] :

1522 قال ابن قتيبة: "النابغة الذبياني سبق الناس جميعا في وصفه الثور إلى معنى لم

له قصر يا ريم وشد نعامة ... وسابقتا هين من الربد أربدا فلم يصنع شيئاً. وتكف من القول ما كان غنياً عنه. ونقص أحد الأربعة المعاني 1522 قال ابن قتيبة: "النابغة الذبياني سبق الناس جميعاً في وصفه الثور إلى معنى لم يحسن فيه. وأحسن غيره فيه. فقال يذكره [بسيط] : من وحش وجرة موشى أكارعه ... طاوى المصير كسيف الصقل الفرد 1523 فأخذه الطرماح. فأحسن وقال [كامل] : يبدو وتضمره البلاد كأنه ... سيف على سيف يسل ويغمد وكان الأصمعي يستحسن هذا البيت ويقدمه على ما قيل في معناه. 1524 وسبق الناس إلى قوله [طويل] : على أن حجليها قلت أوسعا ... صموتان من ملء وقلة منطق 1525 ومما سبق إليه قوله في امرأة [كامل] : لو أنها عرضت لأشمط راهب ... عبد الأله صرورة متعبد لرنا لبهجتها وحسن حديثها ... ولخاله رشداً وإن لم يرشد 1526 فأخذه ربيعة بن مقروم فقال وأساء [كامل] : لو أنها عرضت لأشمط راهب ... عبد الإله صرورة متتبل لرنا لبهجتها وحسن حديثها ... ولهم من تاموره بتنزل 1527 ومما سبق إليه فأخذ منه قوله في صفة المرأة. ونعتها بالطول [طويل] : إذا ارتعشت خاف الجبان رعاثها ... ومن يتعلق حيث علق يفرق 1528 فأخذه ذو الرمة فقال [بسيط] : والقرط في حرة الفرى معلقة ... تباعد الحبل منه فهو يضطرب 1529 قال أبو عبيدة: "ومما سبق إليه زهير بن أبي سلمى ولم ينازع فيه قوله [وافر] : فإن الحق مقطعه ثلاث ... يمين أو نفار أو جلاء يريد أن الحقوق إنما تصح بواحدة من هذه الثلاث: يمين، أو محاكمة، أو حجة واضحة. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه، إذا أنشد هذا، تعجب من معرفته بمقاطع الحقوق. 1530ومما سبق إليه زهير، فأخذ منه قوله [بسيط] : هو الجواد الذي يعطيك نائله ... عفوا ويظلم أحياناً فيظلم يقول: يسأل مالا يقدر عليه، فيتحمله. 1531 فأخذه كثير فقال [طويل] : رأيت ليلى ابن ليلى يعترى صلب ماله ... مسائل شتى من غني ومصرم مسائل إن توجد لديك تجدبها ... يداك، وإن تظلم بها تتظلم 1532 ومما سبق إليه زهير [طويل] : فلما وردن الماء زرقا جمامة ... وضعن عصى الحاضر المتخيم 1533 فأخذه الطرماح فقال [طويل] : فألقت عصاها واستقرت بها النوى ... كما قر عينا بالاياب المسافر 1534 فأخذه الآخر فقال [طويل] : فألقت عصى التسيار عنها وخيمت ... بأرجاء عذب الماء بيض محافره 1535 وأحسن من هذا كله قول جرير [طويل] : ولما التقى الحيان ألقيت العصا ... ومات الهوى لما أصيبت مقاتله 1536 ومثل قوله "مات الهوى" قول ذي الرمة [طويل] : كأن لم يكنها إذ أنت مرة ... بها ميت الأهواء مجتمع الشمل 1437 فقال مسلم بن الوليد [طويل] : وليلة مات الشوق إلا بقية ... تداركها طيف ألم مسلما جمعنا معاذير العتاب بزفرة ... مشت بيننا، نطوي الحديث المكتما 1538 ومما سبق إليه الأعشى فأخذ منه قوله [طويل] : كأن نعام الدو، باض عليهم ... إذا ريع يوماً للصريخ المندد 1539 فأخذه زيد الخيل وقال [طويل] : كأن نعام الدو، باض عليهم ... وأعينهم تحت الحديد خوازر 1540 فأخذه سلامة بن جندل فقال [طويل] : كأن نعام الدو باض عليهم ... بنهى القذاف أو بنهى مخفق 1541 قال أبو عبيدة "ومما سبق إليه الأعشى قوله [طويل] : وفي كل عام أنت جاشم غزوة ... تشد لأقصاها عزيم عزائكما مؤرثة مالا وفي الأصل رفعة ... لما ضاع فيها من قروء نسائكا" 1542 قال أبو عبيدة: "وأخذ النابغة وشرحه فقال [كامل] : شعب العلافيات بين فروجهم ... والمحصنات عوازب الأطهار 1543 أخذه خداش بن زهير فقال [كامل] : أفبعد مقتل مالك بن زهير ... ترجو النساء عواقب الأطهار 1544 فأخذه الأخطل فقال [بسيط] : قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم ... دون النساء ولو باتت بأطهار 1545 فأخذه الأخطل فقال [بسيط] :

1546 فأخذه أشجع السلمي فقال [متقارب] :

إذا هم بالأعداء لم يثن عزمه ... حصان عليها لؤلؤ وشنوف 1546 فأخذه أشجع السلمي فقال [متقارب] : إذا هم بالأمر لم يثنه ... هجوع ولا شادن أفرع 1547 فأخذه الحطيئة فقال-ويعزى لكثير-[طويل] : إذا ما أراد الغزو لم يثن همه ... كعاب عليها نظم در يزينها 1548 ومما سبق إليه طرفة بن العبد فأخذ منه بعده، قوله [كامل] : قد يبعث الأمر الكبير صغيره ... حتى تظل له الدماء تصبب 1549 فأخذه بعضهم فقال [بسيط] : والشر يبدؤه في الأصل أصغره ... وليس بصلى بنار الحرب جانيها 1550 فأخذه عدي بن زيد فقال [خفيف] : شط وصل الذي تريدين مني ... وصغير الأمور يجني الكبيرا 1551 فأخذه الفرزدق فقال [طويل] : قوارض تأتيني وتحتقرونها ... وقد تملأ القطر الإناء فيفعم 1552 فأخذه القطامي فقال [مجزؤ كامل] : ولقد رأيت الشر بي ... ن القوم يبعثه صغاره فلو أنهم يأسونه ... تنهنهت عنه كباره 1553 فقال شبيب بن البرصاء [طويل] : وإني لتراك الضغينة قد أرى ... ثراها من المولى فلا أستثيرها 1554 فقال عبد اله بن معاوية [وافر] : وإن محقرات القول تنمي ... فتحمل ذكرها القلص النواجي 1555 وقال يزيد بن الحكم [مجزؤ الكامل] : إن الأمور دقيقها ... مما يهيج له العظيم 1556 وقال عقيل بن هشام [بسيط] : فبينما الشر تزجيه أصاغره ... إذ شمرت فخمة شهباء تستعر نعباً على من يداويها مطالعها ... عمياء ليس لها شمس، ولا قمر 1557 أخبرنا محمد بن عبد الواحد قال أخبرنا أحمد بن يحيى قال لم يسبق أحد طرفة إلى قوله [طويل] : ووجه كأن الشمس ألقت رداءها ... عليه نقي اللون لم يتخدد 1558 قال: وقد قاربه مزاحم العقلبي في قوله [طويل] : وجوه لو أن المدلجين اعتشوا بها ... صدعن الدجى حتى ترى الليل ينجلي 1559 ومما سبق إليه طرفة قوله [طويل] : يشق حباب الماء حيزومها بها ... كما قسم الترب المغايل باليد 1560 فأخذه لبيد فقال [وافر] : تشق خمائل الدهنا يداه ... كما لعب المقامر بالفيال 1561 فأخذه الطرماح فقال [كامل] : وغدا تشق يداه أوساط الربا ... قسم الفيال تشق أوسطه اليد 1562 ومما سبق إليه أيضاً قوله [رمل] : ومكان زعل ظلمانه ... كالمخاض الجرب في اليوم الخصر قد تبطنت وتحتي سرح ... تتقي الأرض بملثوم قعر 1563فأخذه عدي بن زيد فقال [رمل] : ومكان زعل ظلمانه ... كرجال الحبش تمشي بالعمد تبطنت وتحتي جسرة ... عبر أسفار كمخراق وحد 1564 فأخذه لبيد فقال [رمل] : ومكان زعل ظلمانه ... كخريق الحبشين الزجل قد تبطنت وتحتي جسرة ... حرج في مرفقيها كالفتل 1565 ومما سبق إليه أيضاً قوله [طويل] : ولولا ثلاث هن من عشية الفتى ... وجدك لم أحفل متى قام عودي فمنهن سبق العاذلات بشربة ... كميت متى ما تعل بالماء تزبد وكرى إذا نادى المضاف محنباً ... كسيد الغضى ذي الطخية المتورد وتقصير يوم الضغن والدجن معجب ... ببهنكة تحت الطراف المعمد 1566 فأخذ هذه الأبيات عبد الله بن نهيك الأنصاري فقال [طويل] : فلولا ثلاث هن من عيشة الفتى ... وجدك لم أحفل متى قام رامس فمنهن سبق العاذلات بشربة ... كأن أخاها مطلع الشمس ناعس ومنهن تجريد الكواعب كالدمى ... إذا ابتز عن أكفالهن الملابس ومنهن تقريط الجواد عنانه ... إذا استبق الشخص الخفي الفوارس 1567 ومما سبق إليه قوله-وهو أول من طرد الخيال فقال-[طويل] : فقل لخيال الحنظلية ينقلب ... إليها فإني واصل حبل من وصل 1568 أخذه جرير فقال [كامل] : طرقتك صائدة القلوب وليس ذا ... خير الزيارة فارجعي بسلام 1569 وطرفة أول من ذكر الأدرة بقوله [طويل] : فما ذنبنا في أن أداءت خصاكم ... وأن كنتم في قومكم معشراً أدرا إذا جلسوا خيلت تحت ثيابهم ... خرانق توفي بالضعيب لها نذرا

1570 تبعه الجعدي في وصفها فقال [وافر] :

1570 تبعه الجعدي في وصفها فقال [وافر] : كذي داء بإحدى خصيتيه ... وأخرى لم توجع من سقام يضم ثيابه من غير برء ... على شعراء تنقض بالبهام 1571 علقمة بن عبدة. وله قصيدتان يقال لهما "سمطا الؤلؤ". إحداهما قوله [بسيط] : هل ما علمت وما استودعت مكتوم ... [أم حبلها إذ بأتك اليوم مصروم] والأخرى قوله [طويل] : طحا بك قلب في الحسان طروب ... [بعيد الشباب عصر حين مشيب] 1572 فمما سبق إليه قوله [مجزؤ البسيط] : لو وصل الغيث أبنين امرءاً ... كانت له قبة سحق بجاد يقول: لو وصل المطر، ووجدنا المياه، غزونا. قوله "أبنين امرءاً" يعني الخيل يقول: نغار عليه، فيؤخذ، فلا يجد إلا سحق بجاد. وهو الكساء يتخذه بيتا بعد أن كان ذاقبة. والسحق: الخلق. 1573 فأخذه النابغة فقال [طويل] : فكانت له ربيعة يحذرونها ... إذا خضخضت ماء السماء القبائل 1574 فأخذه الآخر فقال [طويل] : وفي البقل إن لم يدفع الله سره ... شياطين ينزو بعضهن على بعض 1575 وقال آخر [كامل] : قوم إذا اخضرت نعالهم ... يتناهقون تناهق الحمر 1576 ومثله [بسيط] : تناهقون إذا اخضرت نعالكم ... وفي الحفيظة أبرام مضاجير 1577 ومثله قول الآخر [طويل] : وقد جعل الوسمي ينبت بيننا ... وبين بني ردفان غيلاً وتوحصا 1578 أوس بن حجر. فمما سبق إليه قوله [منسرح] : الألمعي الذي يظن بك الظن ... ن كأن قد رأى وقد سمعا 1579 فأخذه عدي بن الرقاع فقال [طويل] : بصير بأعقاب الأمور برأيه ... كأن له في اليوم عيباً على غد 1580 فأخذه عروة بن الورد فقال [طويل] : يبيت على خلق الرجال بأعظم ... خفاف تثنى تحتهن المفاصل وقلب جلا عنه الشؤون فإن تشأ ... يخبرك بالأمر الذي أنت فاعل 1581 فأخذه الآخر فقال [طويل] : وأبقى صواب الظن أعلم أنه ... إذا طاش سهم المرء طاشت مقادره 1582 فأخذه الآخر فقال [طويل] : بصير بأعقاب الأمور كأنما ... يخاطبه من كل أمر عواقبه 1583 ومما سبق إليه قوله في صفة جيش [طويل] : ترى الأرض منا بالفضاء مريضة ... معضلة منا بجمع عرمرم 1584 فأخذه النابغة فجاء بمعناه في بيت واحد، وأحسن وزاد [كامل] : جيش يظل له الفضاء معضلا ... يدر الاكام كأنهن صحارى 1585 وقالت الشعراء في نفار الناقة، فأكثرت، ولم تعد ذكر المهر المقرون بها، وابن آوى. فقال أوس بن حجر وزاد زيادة سبق إليها [بسيط] : كأن هراً جنيبا عند غرضتها ... والتف ديك برجليها وخنزير 1586 الأفوه الأودي. فمما سبق إليه وأخذ منه قوله [رمل] : وترى الطير على آثارنا ... رأى عين ثقة أن ستمار 1587 فأخذه النابغة فقال [طويل] : جوانح قد أيقن أن قبيلة ... إذا لم التقى الجمعان أول غالب 1588 فأخذه حميد بن ثور فقال يصف ذئباً [طويل] : إذا ما عدا يوما رأيت غيابة ... من الطير ينظرن الذي هو صانع 1589 فأخذه أبو نواس فقال [مديد] : تتأيا الطير غدوته ... ثقة بالشبع من جزره 1590 فأخذه مسلم فقال [بسيط] : قد عود الطير عادات وثقن بها ... فهن يتبعنه في كل مرتحل 1591 المسيب بن علس. ومما سبق إليه فأخذ منه قوله [طويل] : إذا حاجة ولتك لا تستطيعها ... فخذ طرفا من غيرها حين تسبق فذلك أحرى أن تنال جسيمها ... وللقصد أبقى في المسير والحق وقد روي هذان البيتان للأعشى في قصيدته القافية. فإن كانت الرواية صحيحة، فقد استلحقها الأعشى من المسبب. 1592 فأخذه عمرو بن معدي كرب فقال [وافر] : إذا لم تستطع شيئاً فدعه ... وجاوزه إلى ما تستطيع 1593 فأخذه هدبة العذري فقال [طويل] : إذا خفت شك الأمر فارم بعزمة ... غيابته يركب بك العزم مركبا وإن حاجة سدت عليك وجوهها ... فإنك لاق لا محالة مذهبا 1594 فأخذ هذا الكميت فقال [طويل] : إذا حاجة عزتك لا تستطيعها ... فدعها لأخرى لين لك بابها 1595 فاتبعه يحيى بن زياد فقال [كامل] :

1596 ومما سبق إليه قوله في صفة الناقة [كامل] :

وإذا توعر بعض ما تسعى له ... فاركب من الأمر الذي هو أسهل 1596 ومما سبق إليه قوله في صفة الناقة [كامل] : مرحت يداها للنجاء كأنما ... تكرو بكفي لاعب في قاع ويروى "تكرو بكفي ما قط في قاع". تكرو: تلعب بالكرة. والماقط: الذي يضرب بالكرة الحائط ثم يأخذها. 1597 فأخذ هذا الشماخ فقال وقصر، أتى به في بيتين [بسيط] : كأن أوب يديها حين عاودها ... أوب المراح وقد هموا بترحال مقط الكرين على مكنوسة زلف ... في ظهر حنانة النيرين معذال 1598 ومما سبق إليه فأخذ منه قوله [كامل] : تامت فؤادك إذ عرضت لها ... حسن بعين الرأي ما تمق بانت وصدع في الفؤاد بها ... صدع الزجاجة ليس يتفق 1599 فأخذ البيت الأول عمر بن أبي ربيعة فقال [رمل] : فتضاحكن وقد قلن لها ... حسن في كل عين من تود 1600 وأخذ البيت الثاني الأعشى وجاء بالمعنى في بيتين [متقارب] : فباتت وقد أوردت في الفؤا ... د، صدعا على نأيها مستطيرا كصدع الزجاجة ما تستطيع ... كف الصناع له أن تحيرا 101

§1/1