حلية المتقين وثوب الصالحين الورع

أزهري أحمد محمود

الحمد لله تعالى الذي جعل التقوى زينة للمتقين

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله تعالى الذي جعل التقوى زينة للمتقين، وحلية للصالحين، والصلاة والسلام على قُدوة العالمين، وعلى آله وأصحابه شموس العارفين. وبعد: أخي المسلم: ما زال الصالحون يلتمسون الدرجات العليَّة .. ويَسْعَون إلى تحصيل المناقب البَهيَّة .. حتى غدا ليلُهم في صباح .. وجدُّهم في نجاح .. وسعيُهم في رباح .. أخي: وأنت، تُرى ألا تحب أن تكون من أصحاب الفضائل الزَّكيات! ومن أنصار الهمم العاليات؟ ! أخي في الله: كم هو جميل بالإنسان أن يتخلق بالفضائل .. ويسعى دومًا إلى إدراك المحاسن .. أخي: إنك لن تبلغ المنزلة الرفيعة في الدنيا والآخرة إلا بصادق الهداية .. وكريم الفضائل والسَّجايا .. أخي المسلم: إن طهارة القلب .. لا يضر صاحبها أن يكون دنس الثَّوب .. وإن زينة الثياب مع دَنَس الألباب .. لا ترفع صاحبها عن طبائع الذئاب .. أخي: ألاَ تستنشق معي عبير الصالحات؟ ! ألا تقف معي بتلك الربوع الطاهرات؟ ! نقضي لحظات طيِّبات .. بين ظلال ودَوْح الأعمال الرابحات .. أخي: هل تدري أن خلقًا من الأخلاق إذا اتَّصف به المسلم كان لقلبه كالصابون للثوب! يزيل أوساخه .. ويُطَهِّر أدناسه .. أخي: أتدري أي خُلُق هو هذا الخُلُق؟ !

ذاك هو (الوَرَعُ! ) خُلُق النبيين .. وزينة المتقين .. وبهاء الصالحين .. صاحبه في شواهق عاليات .. تتقطع دونها الهمم الصادقات .. أخي في الله: ذاك هو الضياء الذي حار في بيان جلائه الحكماء .. وتداخلت فيه عبارات العلماء .. وتنافس في بيانه البلغاء .. * فقالوا: هو: (تجنب الشبهات ومراقبة الخطرات! ). * وقالوا: (الورع عبارة عن ترك التسرع إلى تناول أعراض الدنيا). * وقال يونس بن عبيد: (الورع الخروج من كل شبهة! ومحاسبة النفس في كل طرفة عين! ). * وقالوا: (ترك ما لا بأس به؛ حذرًا مما به بأس! ). * وقال الإمام ابن القيم: (ترك ما يُخشى ضرره في الآخرة). * وقال الجرجاني: (هو اجتناب الشبهات؛ خوفًا من الوقوع في المحرمات! ). * وقالوا: (النظر في المطعم واللباس، وترك ما به بأس). * وقالوا: (هو ملازمة الأعمال الجميلة). * وقالوا: (الورع الخروج من الشهوات، وترك السيئات). أخي: ذاك هو كلام العارفين في الورع، فلا يهولنك كثرته! فما هو إلا كحبات در نفيس! نظمتها في عقد واحد فكان عقدًا بديعًا فاق الوصف! فهنيئًا لأهل الورع وقد ازدان جيدهم ببهائه وسنائه! أخي: هو (الورع! ) كيفما عرفته فيبقى أنه: هو ذلك الخُلُق الرفيع، والصفة الجميلة ..

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «فضل العلم أحب إلي من فضل العبادة! وخير دينكم الورع! » رواه الحاكم والطبراني في الأوسط/ صحيح الجامع: 4214. وقال - صلى الله عليه وسلم -: «أربعٌ إذا كُنَّ فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا! حفظ أمانة، وصدق حديث، وحُسْن خليقة، وعفة في طعمة» رواه أحمد/ تصحيح أحمد شاكر: 6652. قال أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه -: (لكل شيء حد وحدود الإسلام: الورع، والتواضع، الشكر، والصبر، فالورع ملاك الأمور، والتواضع براءة من الكبر، والصبر النجاة من النار، والشكر الفوز بالجنة). وقال ابن المبارك رحمه الله: (ترك فلس من حرام أفضل من مائة ألف فلس يتصدق بها! ). أخي المسلم: أين أنت من تلك المحاسن الباهرات؟ ! أخي: أما حدثتك نفسك يومًا بشيء من الحنان إلى تلك الربوع الطاهرة؟ ! أما قالت لك: هل أنت في صفوف أهل الورع والعفاف؟ ! هل أنت يا هذا طالب لتلك القمم العالية؟ ! هل أنت ممن إذا ذُكرَ الورع وأهله أعجبته تلك الديار؟ ! أخي: ها هو النبي - صلى الله عليه وسلم - يُعلمك كيف يكون الورع؟ ! ومن أين يبدأ الورع؟ ! قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الحلال بين وإن الحرام بين، وبينهما مشتبهات! لا يعلمهن كثير من الناس! فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام! كالراعي

يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه! ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه! ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله! وإذا فسدت فسد الجسد كله! ألا وهي القلب» رواه البخاري ومسلم. أخي: هل وقفت يومًا عند هذا الحديث فحاسبت نفسك به حساب الصادقين؟ ! أخي: كم يحمل هذا الحديث من معان عظيمة في الورع! ولقد استنار الصالحون بضيائه فها هو الفاروق عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: (كنا ندع تسعة أعشار من الحلال مخافة أن نقع في الشبهة أو في الحرام! ). وهذا ابن الفاروق عبد الله رضي الله عنهما أخذ من نفس ذلك الهدى الطاهر، فقال: (إني لأحب أن أدع بيني وبين الحرام سترة من الحلال لا أخرقها! ). أخي في الله: كيف أنت إذا اشتبهت عليك الأمور! فصرت في بيداء الظَّن! لا تفرق بين الحلال والحرام؟ ! كيف أنت يومها أخي؟ ! هل ستقف صيانة لدينك؟ والتماسًا لرضا ربك تعالى؟ أم أنك ستخرق الستر فتقع في المشتبه؟ ! ولا تدري يومها كيف تكون نجاتك؟ ! أخي: كن كما قال سفيان الثوري رحمه الله يوم أن قال: (ما رأيت أسهل من الورع! ما حاك في نفسك فاتركه). أخي: نعم الزينة للمسلم الورع! ومن أدرك بابًا واحدًا منه فهو على خير عظيم ..

قال الفضيل بن عياض رحمه الله: (من عرف ما يدخل جوفه كتب عند الله صديقًا! فانظر عند من تفطر يا مسكين! ) وقال طاووس رحمه الله: (مثل الإسلام كمثل شجرة، فأصلها الشهادة، وساقها كذا وكذا، وورقها كذا شيئًا سماه - وثمرها الورع، لا خير في شجرة لا ثمر لها! ولا خير في إنسان لا ورع له! ). وقال حبيب بن أبي ثابت رحمه الله: (لا يعجبكم كثرة صلاة امرئ ولا صيامه، ولكن انظروا إلى ورعه، فإن كان ورعًا مع ما رزقه الله من العبادة فهو عبد لله حقًا! ). وقال خالد بن معدان رحمه الله: (من لم يكن له حلم يضبط به جهله، وورع يحجزه عما حرَّم الله عليه، وحسن صحابة عمَّن يصحبه فلا حاجة لله فيه! ). أخي المسلم: ذاك هو الورع! كما وصف لك مكانه العارفون، فهلا وقفت أخي في معرفة حدوده وأقسامه؟ قال إبراهيم بن أدهم (رحمه الله): (الورع ورعان: ورعُ فرض. وورع حذر. فورع الفرض: الورع عن معاصي الله تعالى. وورع الحذر: الورع عن الشبهات). وقسَّم الرَّاغب الأصفهاني الورع إلى ثلاث مراتب: * واجب: وهو الإحجام عن المحارم؛ وذلك للناس كافة. * مندوب: وهو الوقوف عن الشبهات، وذلك للأواسط. * فضيلة: وهو الكف عن كثير من المباحات، والاقتصار على أقل الضرورات؛ وذلك للنبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

أخي في الله

أخي: تلك هي أقسام ذلك العلم الشامخ (الورع! ) جعلني الله وإيَّاك من أهله .. وكساني وإياك حلته في الدنيا، ولقّانا جزاءه يوم المعاد .. أخي: إنك مع الورع كرجل على سفينة تقاذفتها الأمواج! وإنما نجاتها بربانها، فإذا مهر في قيادتها كانت النجاة، وإلا كان الغرق! فقد أخطأت كثير من الأفهام معنى الورع وحقيقته؛ فلك أخي أن تقف على حقيقته مع هذه الكلمات الجامعة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فهي مع وجازتها حملت الجَمَّ الغزير من المعاني. قال رحمه الله: (تمام الورع أن يعلم الإنسان خير الخيرين وشرَّ الشَّرَّين، ويعلم أن الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها، وإلاَّ فمن لم يوازن ما في الفعل والتَّرك من المصلحة الشرعية والمفسدة الشرعية فقد يدع واجبات! ويفعل محرَّمات! ويرى ذلك من الورع! ). أخي: وتأمل معي كلام تلميذه وناهل معينه؛ الإمام ابن القيم رحمه الله فهو كأنما يضع قدمه على آثار شيخه يوم أن قال: (وقد جمع النبي - صلى الله عليه وسلم - الورع كله في كلمة واحدة فقال: «من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» فهذا يعم التَّرك لما لا يعني: من الكلام والنَّظر، والاستماع، والبطش، والمشي، والفكر، وسائر الحركات الظاهرة والباطنة، فهذه الكلمة كافية شافية في الورع). أخي في الله: تلك قطوف قطفتها لك على عَجَل من كلام العلماء الربانيين؛ وبقيت في اليد بقيَّة، وها أنا أقدمها إليك .. لأوقفك أخي على علامات الورع، والتي يجدها في أنفسهم أهل الورع .. فانظر أخي- هداني الله وإياك -أين أنت منها؟ !

قال نصر بن محمد السمرقندي رحمه الله: (علامة الورع أن يرى عشر أشياء فريضة على نفسه. أولها: حفظ اللسان عن الغيبة. لقوله تعالى: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [الحجرات: 12]. والثاني: الاجتناب عن سوء الظن. لقوله تعالى: {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات: 12]. والثالث: الاجتناب عن السخرية لقوله تعالى: {لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ} [الحجرات: 11]. والرابع: غض البصر عن المحارم. لقوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30]. والخامس: صدق اللسان لقوله تعالى: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا} [الأنعام: 152] يعني: فاصدقوا. والسادس: أن يعرف نعمة الله على نفسه لكيلا يعجب بنفسه. لقوله تعالى: {بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات]. والسابع: أن ينفق ماله في الحق ولا ينفقه في الباطل. والثامن: أن لا يطلب لنفسه العلو والكبر. لقوله تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا} [القصص: 83]. والتاسع: المحافظة على الصلوات الخمس في مواقيتها بركوعها وسجودها. لقوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة].

أخي في الله

والعاشر: الاستقامة على السنة والجماعة. لقوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام]. أخي: تلك هي دنيا (الورع! ) حُلُولها سرور .. وديارها حُبُور .. صاحبها مُسَوَّد .. وعند العالمين ممجَّد .. أخي المسلم: ذاك هو (الورع! ) بضاعة ربحها مضمون .. وصاحبها غير مُغْبُون .. فهل أنت أخي طالب لربحها؟ ! أمن أنت من الساعين لنيل نُجْحها؟ ! أخي: ذاك هو الورع كما عرفته! ليس بلبس الغليظ! ولا بهجر طيب الطعام! وإنما هو صدقٌ في النيات .. وطلب لرفيع الدرجات .. ورفض لخوارم المروءات .. وطلب للباقيات الصالحات .. وإنما تعددت أنواعه بتعدد الهمم والكمالات .. ولا غرابة أخي في ذلك، ومتى كان الناس مستوين في أمر من الأمور؟ ! أخي في الله: وستدرك ما قلته لك عندما تقف على تلك البدائع النفيسة من ورع الصالحين، فأنت يومها أخي كأنك في عالم الأحلام إذ إنك سترى عجائب من الورع لا يطيقها إلا أرباب الهمم العاليات .. ولا يدرك ذراها إلا أهل المقاصد الزاكيات .. أخي: قف .. ثم قف .. هنالك في دنيا أهل الورع تحيا معهم حياة الزاهدين .. وتستروح أريج الصالحين .. أخي: نبينا - صلى الله عليه وسلم - لا ريب هو سيد الوُرَعاء .. وإمام الأتقياء .. فخذ أخي حقائق الورع من هديه - صلى الله عليه وسلم - تفز إن شاء الله .. * عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أخذ الحسن بن علي تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كخ كخ ارم بها أما

علمت أنا لا نأكل الصدقة! » رواه البخاري ومسلم. وتأمل معي أخي أيضًا هذا الورع العجيب! فها هو - صلى الله عليه وسلم - يخبر عن نفسه: «إني لأنقلب إلى أهلي فأجد التمرة ساقطة على فراشي ثم أرفعها لآكلها ثم أخشى أن تكون صدقة فألقيها! » رواه البخاري ومسلم. أخي: ذاك هو سيد الورعين - صلى الله عليه وسلم -، وعلى دربه سار أصحابه الأطهار - رضي الله عنهم - .. * فهذا ميمون النقيبة .. وأفضل الأمة بعد نبيها - صلى الله عليه وسلم - الصديق أبو بكر - رضي الله عنه - تحكي لنا ابنته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أعجوبة من ورعه - رضي الله عنه - قالت: (كان لأبي بكر غلام يُخرج له الخراج، وكان أبو بكر يأكل من خراجه، فجاء يومًا بشيء فأكل منه أبو بكر. فقال له الغلام: أتدري ما هذا؟ ! فقال أبو بكر: وما هو؟ ! قال: كنتُ تكهنتُ لإنسان في الجاهلية! وما أحسن الكهانة إلا أني خدعته، فلقيني فأعطاني بذلك فهذا الذي أطلت منه! فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شيء في بطنه! ) رواه البخاري. أخي المسلم: ولقد سار الصالحون على هذا الطريق فكانوا رحمهم الله مشاعل تضيء للسالكين .. وشموع تتراءى للمبصرين .. * وهذا هو الخليفة الزاهد .. الصالح .. عمر بن عبد العزيز رحمه الله كان نادرة في الورع! .. أمر مرة غلامه أن يسخن له ماء، فانطلق الغلام وسخن الماء في مطبخ العامة، فأمره عمر أن يأخذ بدرهم حطبًا يضعه في المطبخ! وكان رحمه الله يُسْرَجُ عليه الشمعة إذا كان في حوائج المسلمين، فإذا فرغ من حوائجهم أطفأها! ثم أُسْرجَ عليه سراجه!

* وإليك أخي هذه النادرة الفريدة من ورع إبراهيم بن أدهم رحمه الله: جاء عنه أنه استأجر دابة إلى عمان، فبينما هو يسير إذ سقط سوطه، فنزل عن الدابة وربطها! وذهب راجلاً فأخذ السَّوط! فقيل له: لو حولت رأس دابتك فأخذت السوط؟ ! فقال: إنما استأجرتها لتذهب ولم أستأجرها لترجع! ! * وإليك أخي أيضًا هذه النادرة للإمام ابن المبارك رحمه الله: يروون عنه أنه كان بالشام يكتب الحديث فانكسر قلمه فاستعار قلمًا، فلما فرغ من الكتابة نسي فجعل القلم في مقلمته، فلما رجع إلى مرو ورأى القلم عرفه، فتجهَّز للخروج إلى الشام لرد القلم! ! * وجاء عن الحجاج بن دينار رحمه الله: أنه بعث طعامًا إلى البصرة مع رجل وأمره أن يبيعه يوم يدخل بسعر يومه. فأتاه كتابه: إني قدمت البصرة فوجدتُّ الطعام مُبَغَّضًا فحبسته، فزاد الطعام فازددت فيه كذا وكذا! فكتب إليه الحجاج: إنك قد خنتنا، وعملت بخلاف ما أمرناك به! فإذا أتاك كتابي فتصدق بجميع ثمن ذلك الطعام على فقراء البصرة! فليتني أسلم إذا فعلت ذلك. * ويحكون من ورع عثمان بن زائدة رحمه الله: أنه ذات مرة انطفأ سراجه، فذهب غلامه فأخذ له نارًا من قوم. فقال له عثمان: من أين هذا؟ ! فسمَّى له موضعًا، فأطفأ عثمان السراج! وقال: لا نستضيء بنارهم! ! * ويروون عن كهمس رحمه الله: أنه سقط منه دينار، ففتش فلقيه، فلم يأخذه وقال: لعله غيره! ! * وجاء عن أبي عبد الله الطوسي رحمه الله: أنه كان له شاة يحملها على رقبته كل يوم إلى الصحراء ويرعاها! وهو يصلي!

أخي في الله

وكان يأكل من لبنها، فغفل عنها ساعة فتناولت من ورق كرم على طرف بستان، فتركها في البستان! ولم يَسْتَحل أخذها! * وهذا الإمام في العلم والعمل أحمد بن حنبل رحمه الله: يحكى لنا محمد بن عياش أن أحمد أرسله ليشتري له سمنًا، فجاء بالسمن على ورقة بقل، فأخذ أحمد السمن وأعطاه الورقة وأمره بردِّها! وهو الذي قال رحمه الله في الثمرة يلقيها الطَّير: (لا يأكلها! ولا يأخذها! ولا يتعرض إليها! ). أخي في الله: ذاك هو (الورع! ) وأولئك هم أهل الورع! وما عليك أخي إذا حذوت هدى الصالحين وتشبهت بالمتقين؟ ! فَتَشَبَّهوا إن لم تكونُوا مثلَهُم ... إن التَّشَبُّه بالكرام فَلاحُ أخي: أولئك هم القوم حقًا .. ألا فقل معي: أولئك الناسُ إن عُدُّوا وإن ذْكِرُوا ... ومن سواهُم فَلَغْوٌ غيرُ مَعْدُودِ وردِّد معي أخي: تلك المكارمُ لا قُعْبَانَ من لَبَنٍ ... شِيبَا بماءٍ فَعَادَا بَعْدُ أَبْوالا أخي: لا تقولنَّ إن الورع صعب لا يناله إلا أصحاب الهمم العالية! حقًا إن الورع منزلة سامية، ولكن أخي ألا يسعك من الورع قول سفيان الثوري رحمه الله: (ما رأيتُ أسهل من الورع ما حاكَ في نفسك فاتركه). أخي: أعانني الله وإياك على تحصيل مرضاته .. ووفقني وإياك إلى سلوك الطريق القويم ..

والحمد لله تعالى على التَّمام، والصَّلاة والسلام على نبيِّه وآله وأصحابه على الدَّوام. * * * *

§1/1