حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء

الشاشي، أبو بكر

الجزء 1

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم رب يسر وَبِه نستعين قَالَ الشَّيْخ الإِمَام الأوحد فغر الْإِسْلَام وجماله أَبُو بكر بن أَحْمد الْحُسَيْن الشَّاشِي رَحمَه الله تَعَالَى قدره الْحَمد لله الَّذِي أيد الْإِسْلَام فِي كل عصر بِإِمَام وأقامه مقَام نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حفظ شَرعه ونصرة دينه وإمضاء حكمه وصلواته على سيدنَا مُحَمَّد سيد الْمُرْسلين وَآله الطيبين الطاهرين أما بعد فَإِنَّهُ لما انْتَهَت الْإِمَامَة المعظمة والخلافة المكرمة إِلَى سيدنَا ومولانا أَمِير الْمُؤمنِينَ المستظهر بِاللَّه أعز الله أنصاره ذِي الهمة الْعليا فِي أَمر الدّين وَالدُّنْيَا استخرت الله تَعَالَى فِي كتاب جَامع لأقاويل الْعلمَاء تقربا إِلَى الله تَعَالَى فِي اطِّلَاعه عَلَيْهِ رَجَاء أَن

يكون مَا يصدر عَنهُ غير خَارج عَن مَذْهَب من الْمذَاهب وَينْتَفع بِهِ كل نَاظر فِيهِ فأرزق الْأجر فِيهِ وَالثَّوَاب عَلَيْهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَعلم الشَّرْع منقسم فمتفق عَلَيْهِ ومختلف فِيهِ وَالِاخْتِلَاف منتشر جدا وَمن شَأْن الْمُجْتَهد أَن يكون عَارِفًا بمذاهب الْعلمَاء فَذكرت مَذْهَب صَاحب كل مقَالَة وطريقته فِي مذْهبه كالقولين للشَّافِعِيّ رَحمَه الله والروايتين وَالرِّوَايَات لمن سواهُ وَذكرت طَرِيقَته فِي مذْهبه وَاخْتِلَاف أَصْحَاب كل وَاحِد مِنْهُم فِيمَا فرعوه على اصله من الْمُتَأَخِّرين والمتقدمين وَمَا انْفَرد بِهِ الْوَاحِد مِنْهُم بِاخْتِيَار عَن صَاحب الْمَذْهَب وَالله الْمُوفق لحسن الْقَصْد فِيهِ وَهُوَ حسبي وَنعم الْوَكِيل فصل لَا يجوز للْعَالم تَقْلِيد الْعَالم وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ إِذا خَافَ الْمُجْتَهد فَوت الْعِبَادَة المؤقتة إِذا اشْتغل بِالِاجْتِهَادِ جَازَ لَهُ تَقْلِيد من يعرف ذَلِك وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن يجوز للْعَالم تَقْلِيد من هُوَ أعلم مِنْهُ وَفرض الْعَاميّ التَّقْلِيد فِي أَحْكَام الشَّرْع ويقلد الأعلم الأروع من أهل الِاجْتِهَاد فِي الْعلم وَقيل يُقَلّد من شَاءَ مِنْهُم فَإِن اخْتلف عَلَيْهِ اجْتِهَاد اثْنَيْنِ

فَظَاهر كَلَام الشَّافِعِي رَحمَه الله أَنه يُقَلّد آمنهما عِنْده فَإِن اسْتَويَا فِي ذَلِك أَخذ بقول أَيهمَا شَاءَ وَقيل يلْزمه الْأَخْذ بالأشق من قَوْلهمَا وَقيل يَأْخُذ بالأخف وَفِي تَقْلِيد الْمَيِّت من الْعلمَاء فِيمَا ثَبت من قَوْله وَجْهَان أظهرهمَا جَوَازه

= كتاب الطَّهَارَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب مَا تجوز بِهِ الطَّهَارَة من الْمِيَاه وَمَا لَا تجوز تجوز طَهَارَة الْحَدث وَالنَّجس بِالْمَاءِ الْمُطلق على أَي صفة كَانَ من أصل الْخلقَة وَحكي عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ وَعبد الله

ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَالَا التَّيَمُّم أعجب إِلَيْنَا من التوضىء بِمَاء الْبَحْر وَعَن سعيد بن الْمسيب أَنه قَالَ إِذا ألجئت إِلَيْهِ فَتَوَضَّأ بِهِ فَأَما المَاء الَّذِي ينْعَقد مِنْهُ الْملح كأعين الْملح الَّتِي يَنْبع مِنْهَا المَاء مالحا فَإِنَّهُ يجوز الْوضُوء بِهِ

وَحكي عَن الْقفال أَنه قَالَ لَا يجوز وَلَا يكره من ذَلِك إِلَّا مَا قصد إِلَى تشميسه وَقيل لَا يكره وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأحمد وَمَالك

وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يخْتَص النَّهْي بِمَاء مشمس بتهامة والحجاز وَمِنْهُم من قَالَ يرجع إِلَى عدُول أهل الطِّبّ هَل يُورث البرص أم لَا وَمِنْهُم من قَالَ يكره اسْتِعْمَاله فِي الْبدن وَلَا يكره غسل الثَّوْب والإناء بِهِ وَالْمذهب الأول وَحكي عَن مُجَاهِد أَنه كره المَاء المسخن بالنَّار

وَكره أَحْمد المَاء المسخن بِالنَّجَاسَةِ زَاد فِي الْمُعْتَمد فِي هَذَا الْوَجْه وَأَن يكون فِي آنِية الصفر والنحاس وَأَن تكون مغطاة الرَّأْس وَمَا عدا المَاء الْمُطلق من الْمَائِعَات كالخل وَمَاء الْورْد والنبيذ وَمَا اعتصر من شجر أَو ثَمَر فَلَا تجوز بِهِ طَهَارَة الْحَدث وَلَا طَهَارَة النَّجس وَهُوَ قَول مَالك غير أَنه قَالَ فِي السَّيْف إِذا أَصَابَهُ دم يجزىء مَسحه وَقَالَ الْأَصَم وَابْن أبي ليلى يجوز رفع الْحَدث وَإِزَالَة النَّجس بِسَائِر الْمَائِعَات

وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف يجوز إِزَالَة النَّجَاسَة بِكُل مَائِع طَاهِر مزيل للعين وَلَا يجوز رفع الْحَدث إِلَّا بِالْمَاءِ وَأما النَّبِيذ فنجس وَقَالَ أَبُو حنيفَة هُوَ طَاهِر وَعنهُ فِي جَوَاز الطَّهَارَة بِهِ ثَلَاث رِوَايَات إِحْدَاهَا نَحْو قَوْلنَا وَهِي أَي أَنه لَا يرفع الْحَدث وَلَا

الْخبث قَول أبي يُوسُف وَالثَّانيَِة أَنه يتَوَضَّأ بِهِ ويضيف إِلَيْهِ التَّيَمُّم وَهُوَ قَول مُحَمَّد

وَالثَّالِثَة أَنه يجوز التَّوَضُّؤ بنبيذ التَّمْر فِي السّفر عِنْد عدم المَاء وَاخْتلف أَصْحَابه فِي النَّبِيذ الَّذِي يجوز التَّوَضُّؤ بِهِ فَقَالَ أَبُو طَاهِر الدباس يجوز التَّوَضُّؤ بالنبيذ النيء الحلو وَقَالَ أَبُو الْحسن الْكَرْخِي لَا يجوز التَّوَضُّؤ إِلَّا بالمطبوخ المشتد وَفِي الفتوحات المكية الَّذِي أَقُول بِهِ منع التطهر بالنبيذ لعدم صِحَة الْخَبَر الْمَرْوِيّ فِيهِ وَلَو أَن الحَدِيث صَحَّ لم يكن نصا فِي الْوضُوء بِهِ فَإِن الْوَارِد أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ثَمَرَة طيبَة وَمَاء طهُور أَي قَلِيل الامتزاج والتغير عَن وصف المَاء وَذَلِكَ لِأَن الله تَعَالَى مَا شرع لنا الطَّهَارَة عِنْد فقد المَاء إِلَّا بِالتَّيَمُّمِ خَاصَّة فَإِن كَانَ يحْتَاج فِي طَهَارَته إِلَى خَمْسَة أَرْطَال وَمَعَهُ أقل من ذَلِك فكمله بمائع لم يتَغَيَّر بِهِ لقلته وَتَوَضَّأ بِهِ صحت طَهَارَته فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ

وَذكر أَبُو عَليّ الطَّبَرِيّ فِي الإفصاح أَنه لَا يَصح فَإِن طرح فِي مَا يَكْفِيهِ مَائِعا وَلم يتَغَيَّر بِهِ لموافقته المَاء فِي الطّعْم واللون والرائحة فَفِيهِ وَجْهَان أظهرهمَا أَنه إِن كَانَت الْغَلَبَة للْمَاء جَازَت الطَّهَارَة بِهِ وَإِن لم تكن الْغَلَبَة لَهُ لم يجز وَالثَّانِي أَنه يعْتَبر تغيره بِمَا يُغير فَإِن كَانَ قدرا لَو كَانَ مُخَالفا للْمَاء فِي صِفَاته غَيره منع الطَّهَارَة بِهِ وَالشَّيْخ ابو نصر رَحمَه الله قَالَ يقدر من جِهَة الْعَادة أَن لَا يُخَالِفهُ فِي صفة من صِفَاته قَالَ الشَّيْخ الإِمَام فَخر الْإِسْلَام رَحمَه الله تَعَالَى وأيده الله وَوجدت

القَاضِي أَبَا الطّيب رَحمَه الله قد ذكر هذَيْن الْوَجْهَيْنِ فِي المَاء الْمُسْتَعْمل إِذا طرح على مَاء مُطلق وَإِن طرح فِيهِ تُرَاب فَتغير بِهِ جَازَت الطَّهَارَة بِهِ وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ لَا يجوز وَمِنْهُم من حكى فِيهِ قَوْلَيْنِ وَإِن طرح فِي المَاء ملح مائي فَتغير بِهِ جَازَ الطَّهَارَة بِهِ وَحكي عَن صَاحب التَّلْخِيص أَنه قَالَ يمْنَع من التطهر بِهِ وَإِن تغير المَاء بِعُود أَو دهن طيب فقد نقل الْمُزنِيّ أَنه يجوز الْوضُوء بِهِ وَنقل الْبُوَيْطِيّ أَنه لَا يجوز

وَإِن وَقع فِي المَاء قَلِيل كافور فَتغير بِهِ رِيحه فَفِيهِ وَجْهَان وَإِن تغير بمخالطة شَيْء سوى ذَلِك مِمَّا يَسْتَغْنِي المَاء عَنهُ لم تجز الطَّهَارَة بِهِ وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَمن أَصْحَابنَا من حكى فِي الْحِنْطَة وَالشعِير إِذا طبخا فِي المَاء فَتغير من غير انحلال أَجزَاء وَجْهَيْن قَالَ الإِمَام ابو بكر وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء لِأَن التَّغَيُّر بذلك لَا يكون إِلَّا بانحلال أَجزَاء وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه تغير المَاء بالطاهر لَا يمْنَع الطَّهَارَة بِهِ مَا لم يطْبخ بِهِ أَو يغلب على أَجْزَائِهِ بِأَن يثخن إِن كَانَ رَقِيقا أَو فَقَالَ حل فِيهِ مَاء إِن كَانَ مَائِعا

فَإِن وَقع فِي المَاء قطران فَغَيره فقد قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي الْأُم لَا يجوز اسْتِعْمَاله وَقَالَ بعده بأسطر يجوز وَالْمَسْأَلَة على اخْتِلَاف حَالين لِأَن القطران على ضَرْبَيْنِ ضرب فِيهِ دهنية فَلَا يخْتَلط بِالْمَاءِ وَضرب لَا دهنية فِيهِ فيختلط بِهِ وَإِن تغير المَاء بطول الْمكْث لم يمْنَع من الطَّهَارَة بِهِ وَحكي عَن ابْن سِيرِين أَنه قَالَ يمْنَع وَلَا يكره الِاغْتِسَال وَالْوُضُوء فِي مَاء زَمْزَم

وَقَالَ أَحْمد يكره فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب مَا يفْسد المَاء من النَّجَاسَة وَمَا لَا يُفْسِدهُ إِذا وَقعت فِي المَاء الراكد نَجَاسَة يُدْرِكهَا الطّرف من خمر أَو بَوْل أَو ميتَة لَهَا نفس سَائِلَة وَهُوَ أقل من قُلَّتَيْنِ نجس وَإِن كَانَ قُلَّتَيْنِ فَصَاعِدا فَتغير فِيهِ أحد أَوْصَافه من طعم أَو لون أَو رَائِحَة نجس وَإِن لم يتَغَيَّر لم ينجس والقلتان خَمْسمِائَة رَطْل بالبغدادي وَهل ذَلِك تقريب أَو تَحْدِيد فِيهِ وَجْهَان وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ القلتان خَمْسمِائَة منا

وَقَالَ أَبُو عبد الله الزبيرِي القلتان ثَلَاثمِائَة منا وَاخْتَارَهُ الْقفال وبقولنا قَالَ أَحْمد وَأَبُو ثَوْر وَاخْتَارَهُ الْمُزنِيّ وَحكي عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قدر المَاء الْكثير بِأَرْبَعِينَ قلَّة وَهُوَ قَول مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر وَمِنْهُم من قدره بكر وَهُوَ قَول ابْن سِيرِين ووكيع

وَالْكر عِنْدهم أَرْبَعُونَ قَفِيزا والقفيز اثْنَان وَثَلَاثُونَ رطلا وَقَالَ مَالك الِاعْتِبَار بِتَغَيُّر المَاء بِكُل حَال وَبِه قَالَ دَاوُد ويروى عَن عبد الله بن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ

وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه كل مَوضِع تَيَقنا وُصُول النَّجَاسَة إِلَيْهِ أَو غلب على ظننا وُصُول النَّجَاسَة إِلَيْهِ حكمنَا بِنَجَاسَتِهِ وَجعل حَرَكَة المَاء بِوُقُوع النَّجَاسَة فِيهِ عَلامَة على وصولها إِلَى حَيْثُ انْتَهَت الْحَرَكَة وَمَا لم تصل إِلَيْهِ طَاهِرَة من غير نظر إِلَى كَثْرَة وَلَا إِلَى تَغْيِير وَحكي عَن دَاوُد تَفْرِيع عَجِيب على هَذَا الأَصْل بِدَلِيل خبر حمله عَلَيْهِ ترك الْقيَاس فَقَالَ إِذا بَال فِي مَاء راكد وَلم يتَغَيَّر لم ينجس وَلَا يجوز لَهُ أَن يتَوَضَّأ مِنْهُ وَيجوز لغيره أَن يتَوَضَّأ مِنْهُ وَإِن بَال فِي إِنَاء ثمَّ طَرحه فِيهِ وَلم يتَغَيَّر لم ينجس وَجَاز لَهُ وَلغيره أَن يتَوَضَّأ مِنْهُ وَإِن كَانَت النَّجَاسَة مِمَّا لَا يُدْرِكهَا الطّرف فَظَاهر مَا نَقله الْمُزنِيّ أَنه لَا ينجس وَفِي الْبُوَيْطِيّ فِي الثَّوْب أَنه ينجس أدْركهُ الطّرف أَو لم يُدْرِكهُ

فَحصل فِي المَاء وَالثَّوْب سِتّ طرق أَحدهَا أَنه ينجس المَاء وَالثَّوْب وَالثَّانِي أَنه لَا ينجس المَاء وَلَا الثَّوْب وَهُوَ قَول أبي الطّيب بن سَلمَة وَالثَّالِث فِيهِ قَولَانِ وَالرَّابِع حمل النصين على ظَاهر هما وَالْفرق بَينهمَا وَالْخَامِس عكس ذَلِك وَهُوَ أَن ينجس المَاء وَلَا ينجس الثَّوْب وَقَالَ أَبُو عَليّ بن ابي هُرَيْرَة ينجس الثَّوْب وَفِي المَاء قَولَانِ وَالشَّيْخ الإِمَام أَبُو إِسْحَاق رَحمَه الله حصل من ذَلِك ثَلَاث طرق وَهِي

الأولى فِي المَاء وَالثَّوْب جَمِيعًا واسقط مَا زَاد على ذَلِك إِذا مَاتَ مَا لَيْسَ لَهُ نفس سَائِلَة من ذُبَاب أَو زنبور فِي مَاء قَلِيل أَو طَعَام لم يُنجسهُ فِي أحد الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ الْأَصَح للنَّاس

فصل إذا أراد تطهير الماء الذي حكمنا بنجاسته

وينجسه فِي الآخر وَهُوَ قَول مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر وَيحيى بن ابي كثير فَإِن كثر فِيهِ مَا غير المَاء نجسه فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ وَمَا يعِيش فِي المَاء مِمَّا لَا يحل أكله كالضفدع وَغَيره إِذا مَاتَ فِي المَاء الْقَلِيل نجسه وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يُنجسهُ فصل إِذا أَرَادَ تَطْهِير المَاء الَّذِي حكمنَا بِنَجَاسَتِهِ فَإِنَّهُ إِن كَانَت نَجَاسَته بالتغير وَكَانَ أَكثر من قُلَّتَيْنِ طهر بِزَوَال التَّغْيِير بِنَفسِهِ أَو بِأخذ بعضه وَذَلِكَ فِي الْبِئْر إِذا كَانَ يَنْبع مِنْهَا المَاء فَإِن نزح المَاء مِنْهَا ونبع مَا يبلغ قُلَّتَيْنِ وَزَالَ التَّغَيُّر طهرت الْبِئْر وَالْمَاء وَإِن لم يبلغ قُلَّتَيْنِ طهر مَا ورد عَلَيْهِ المَاء من الْبِئْر وَالْمَاء الْمُسْتَعْمل فِي إِزَالَة النَّجَاسَة فَيكون طَاهِرا على مَذْهَب الشَّافِعِي رَحمَه الله ونجسا على قَول الْأنمَاطِي

وَقد ذكر أَصْحَابنَا فِيهِ إِذا كَانَ الثَّوْب جَمِيعه نجسا فَغسل نصفه ثمَّ غسل النّصْف الآخر لم يطهر ونبع المَاء لشَيْء بعد شَيْء من الْبِئْر بِمَنْزِلَتِهِ ويطهر أَيْضا بِأَن يطْرَح عَلَيْهِ مَاء آخر حَتَّى يَزُول التَّغَيُّر وَإِن طرح فِيهِ تُرَاب أَو جص فَزَالَ التَّغَيُّر طهر فِي أظهر الْقَوْلَيْنِ وَذكر الشَّيْخ ابو حَامِد رَحمَه الله فِي التَّعْلِيق أَن الْقَوْلَيْنِ فِي التُّرَاب وَمَا سواهُ لَا يظْهر قولا وَاحِدًا وَلَيْسَ بِشَيْء وَإِن كَانَ المَاء أقل من قُلَّتَيْنِ وَلم يتَغَيَّر طهر بالمكاثرة وَإِن لم يبلغ قُلَّتَيْنِ إِذا لم تكن عين النَّجَاسَة فِيهِ قَائِمَة وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ لَا يطهر بالمكاثرة من غير أَن يبلغ قُلَّتَيْنِ وَالْمذهب الأول فَإِن كَانَ قلتان من المَاء النَّجس فِي إناءين من غير تغير فَجمع بَينهمَا فِي إِنَاء وَاحِد طهرتا

وَقَالَ اصحاب أَحْمد لَا يحكم بِالطَّهَارَةِ فيهمَا وَحكم المَاء فِي الْبِئْر حكم المَاء فِي الصنع فِي التَّطْهِير حكم الغدير الَّذِي لَا يَتَحَرَّك أحد الطَّرفَيْنِ فِي تَحْرِيك الطّرف الآخر وَقَالَ أَبُو حنيفَة مَاء الْبِئْر يُخَالف مَاء الغدير فَإِذا مَاتَ فِي الْبِئْر فَأْرَة أَو عُصْفُور نزح مِنْهَا عشرُون دلوا وطهرت وَإِن وَقع فِيهَا دَمهَا نزح جَمِيعهَا وَكَذَا إِن وَقع فِيهَا بَوْل أَو دم وَإِن مَاتَ فِيهَا هرة أَو دجَاجَة نزح مِنْهَا اربعون دلوا وطهر الْبَاقِي وَإِن مَاتَ فِيهَا شَاة نزح جَمِيعهَا فَإِن أَرَادَ الطَّهَارَة من المَاء الَّذِي وَقعت فِيهِ نَجَاسَة وَحكم بِطَهَارَتِهِ فَإِنَّهُ إِن كَانَ دون الْقلَّتَيْنِ وطهر بالمكاثرة وَلم يبلغ قُلَّتَيْنِ لم تجز الطَّهَارَة بِهِ وَإِن كَانَ أَكثر من قُلَّتَيْنِ جَازَ الطَّهَارَة مِنْهُ

وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق وَابْن الْقَاص إِن كَانَ فِيهِ نَجَاسَة جامدة لم يجز أَن يتَوَضَّأ من مَوضِع يكون بَينه وَبَين النَّجَاسَة أقل من قُلَّتَيْنِ وَالْمذهب الأول وَإِن كَانَ المَاء قُلَّتَيْنِ وَفِيه نَجَاسَة جامدة فَالْمَذْهَب أَنه يجوز أَن يغترف مِنْهُ بِإِنَاء وَيتَوَضَّأ بِهِ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق لَا يجوز فَإِن أخرج النَّجَاسَة مِنْهُ جَازَ أَن يتَوَضَّأ بِهِ وَجها وَاحِدًا وَإِن كَانَت النَّجَاسَة فِي الْقلَّتَيْنِ مائعة وَقد طهر المَاء جَازَ الطَّهَارَة بِجَمِيعِهِ وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يبْقى فِيهِ قدر النَّجَاسَة وَلَيْسَ بِشَيْء فَأَما الْجَارِي إِذا كَانَ فِيهِ النَّجَاسَة جَارِيَة فَإِنَّهُ إِن كَانَ المَاء الَّذِي يُحِيط

بِالنَّجَاسَةِ يبلغ قُلَّتَيْنِ وَلم يتَغَيَّر فَهُوَ طَاهِر وَإِن نقص عَن قُلَّتَيْنِ فَهُوَ نجس وَلَا يجوز التَّوَضُّؤ مِنْهُ حَتَّى يجْتَمع فِي مَوضِع ويبلغ قُلَّتَيْنِ وَهُوَ غير متغير وَقَالَ ابْن الْقَاص للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ قَول فِي الْقَدِيم إِن المَاء الْجَارِي لَا ينجس إِلَّا بالتغيير وَإِن كَانَ قَلِيلا وَكَذَا حكم النَّجَاسَة الْوَاقِعَة فِي النَّهر وَالْمَاء يجْرِي عَلَيْهَا على مَا ذَكرْنَاهُ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق وَابْن الْقَاص وَالْقَاضِي أَبُو حَامِد يجوز أَن يتَوَضَّأ من مَوضِع يكون بَينه وَبَين النَّجَاسَة قلتان فِي طول النَّهر وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ تعْتَبر القلتان فِي المَاء الَّذِي يلاقي جَمِيعه النَّجَاسَة من الْجَارِي فَأَما إِذا كَانَت النَّجَاسَة راسية فِي أَسْفَل المَاء وقراره وَالْمَاء يجْرِي عَلَيْهَا فَالَّذِي يلقاها الطَّبَقَة السُّفْلى من المَاء وَهِي أقل من قُلَّتَيْنِ فَهِيَ نَجِسَة

وَفِي الطَّبَقَة الْعليا وَجْهَان أَحدهمَا أَنَّهَا طَاهِرَة وَالثَّانِي أَنَّهَا نَجِسَة وَإِن كَانَت النَّجَاسَة طافية على رَأس المَاء وَالَّذِي يلاقيها مِنْهُ أقل من قُلَّتَيْنِ فَهُوَ نجس وَمَا فِي الْقَرار فِيهِ وَجْهَان وَقد ذكر الشَّيْخ ابو نصر رَحمَه الله فِيهِ إِذا تغير أحد جَانِبي النَّهر أَن قِيَاس الْمَذْهَب أَن ينجس مَا يحاذيه من الْجَانِب الآخر وَإِن لم يتَغَيَّر حَتَّى ينْفَصل عَن محاذاته فيطهر وَيَجِيء فِيهِ تَخْرِيج الْوَجْه الآخر فَإِنَّهُ مثله ذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَنه إِذا وَقعت فِي قُلَّتَيْنِ من المَاء نَجَاسَة لَا تخَالف المَاء فِي صِفَاته فَإِنَّهُ يعْتَبر بِالنَّجَاسَةِ الَّتِي تخَالف المَاء فِي الصّفة فَيُقَال هَذَا الْقدر من النَّجَاسَة لَو كَانَ مُخَالفا للْمَاء فِي صفته هَل كَانَ يطهر عَلَيْهِ فَيقْضى فِيهِ بِحكمِهِ

فصل أما الماء المستعمل

قَالَ الإِمَام أَبُو بكر وَهَذَا أشبه بِمَا ذَكرْنَاهُ من الطَّاهِر الْمُوَافق للْمَاء فِي صِفَاته فَلَا يتَغَيَّر بِهِ وَقد استبعد الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله وجود ذَلِك هُنَاكَ فالنجالسة بالاستبعاد أولى فصل أما المَاء الْمُسْتَعْمل فَإِنَّهُ إِن كَانَ مُسْتَعْملا فِي رفع حدث فَهُوَ طَاهِر وروى الْحسن بن زِيَاد عَن ابي حنيفَة أَنه قَالَ هُوَ نجس وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَلَا يجوز التطهر بِهِ على الْمَشْهُور من الْمَذْهَب وَهُوَ قَول أَحْمد وَالْمَشْهُور عَن ابي حنيفَة وَقَول مُحَمَّد بن الْحسن

وَحكى عِيسَى بن أبان عَن الشَّافِعِي رَحمَه الله جَوَاز التطهر بِهِ وَهُوَ قَول مَالك وَدَاوُد فَمن اصحابنا من لم يثبت هَذِه الرِّوَايَة مذهبا لَهُ فَإِذا قُلْنَا لَا يجوز التَّوَضُّؤ بِهِ فَهَل تجوز إِزَالَة النَّجَاسَة بِهِ فِيهِ وَجْهَان أظهرهمَا أَنه لَا يجوز فَإِن اسْتعْمل المَاء فِي نفل الطَّهَارَة كتجديد الْوضُوء جَازَ التَّوَضُّؤ بِهِ فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ ذكر بعض أَصْحَابنَا أَن المَاء إِذا انْفَصل من عُضْو إِلَى عُضْو صَار مُسْتَعْملا فِي طَهَارَة الْحَدث وَفِي غسل الْجَنَابَة وَجْهَان أصَحهمَا أَنه لَا يصير مُسْتَعْملا حَتَّى ينْفَصل من جَمِيع الْبدن قَالَ الشَّيْخ الإِمَام فَخر الْإِسْلَام أيده الله وَعِنْدِي أَنه لَا اعْتِبَار

بالعضو والعضوين وَلَا يخْتَلف باخْتلَاف الطهارتين وَإِنَّمَا الِاعْتِبَار بالانفصال عَن الْمحل فَإِنَّهُ يصير مُسْتَعْملا وَإِن كَانَ فِي عُضْو وَاحِد وَمثله فِي الْجَنَابَة وَمَا دَامَ يجْرِي مُتَّصِلا با الْمحل فَإِنَّهُ لَا يصير مُسْتَعْملا غير أَن أَعْضَاء الْبدن يتَّصل بَعْضهَا بِبَعْض فينحدر المَاء من عُضْو إِلَى عُضْو مُتَّصِلا فَإِن غسل رَأسه مَكَان الْمسْح فَهَل يصير المَاء مُسْتَعْملا حكى أَبُو عَليّ بن ابي هُرَيْرَة فِيهِ وَجْهَيْن أصَحهمَا أَنه يصير مُسْتَعْملا وَيسْتَحب تَجْدِيد الْوضُوء إِذا كَانَ قد صلى بِهِ فَرِيضَة وَإِن كَانَ قد صلى بِهِ نَافِلَة فَهَل يسْتَحبّ التَّجْدِيد حكى فِيهِ بعض أَصْحَابنَا وَجْهَيْن وبناه على أَن المَاء الْمُسْتَعْمل فِي نفل الطَّهَارَة هَل يصير مُسْتَعْملا أم لَا وَفرع عَلَيْهِ تَفْصِيلًا عجيبا وَالصَّحِيح فِي ذَلِك أَن يكون قد فعل بِالطَّهَارَةِ مَا ترَاد لَهُ الطَّهَارَة شرعا فترتفع كَرَاهَة التَّجْدِيد فَإِن جمع المَاء الْمُسْتَعْمل حَتَّى يبلغ قُلَّتَيْنِ زَالَ حكم الِاسْتِعْمَال فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ

فَأَما المَاء الْمُسْتَعْمل فِي إِزَالَة النَّجَاسَة إِذا لم يتَغَيَّر فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أظهرها أَنه طَاهِر وَهُوَ قَول أبي إِسْحَاق وَالثَّانِي أَنه نجس وَهُوَ قَول ابي الْقَاسِم الْأنمَاطِي وَقَول ابي حنيفَة وَالثَّالِث أَنه إِن انْفَصل وَالْمحل طَاهِر فَهُوَ طَاهِر وَإِن انْفَصل وَالْمحل نجس فَهُوَ نجس وَهُوَ قَول ابْن الْقَاص فَإِذا قُلْنَا إِنَّه طَاهِر فَهَل يجوز الْوضُوء بِهِ فِيهِ وَجْهَان

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب الشَّك فِي نَجَاسَة المَاء والتحري فِيهِ إِذا أكلت الْهِرَّة نَجَاسَة وولغت فِي مَاء قَلِيل فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه نجس وَالثَّانِي أَنَّهَا إِن غَابَتْ ثمَّ عَادَتْ وولغت فِيهِ لم ينجس وَالثَّالِث أَنه لَا ينجس بذلك بِحَال وَإِذا ورد على مَاء فَأخْبرهُ رجل بِنَجَاسَتِهِ قبل خَبره وَلم يجْتَهد

فَإِن أخبرهُ رجل أَن الْكَلْب ولغَ فِي هَذَا الْإِنَاء فِي وَقت عينه دون الآخر وَقَالَ آخر بل ولغَ فِي الْإِنَاء الآخر فِي ذَلِك الْوَقْت بِعَيْنِه دون هَذَا الْإِنَاء ذَاته فَإِنَّهُ يَبْنِي على الْقَوْلَيْنِ بتعارض الْبَيِّنَتَيْنِ فَإِن قُلْنَا إنَّهُمَا يسقطان سقط خبرهما وَتَوَضَّأ بِمَا شَاءَ مِنْهُمَا وَإِن قُلْنَا إنَّهُمَا يستعملان أراقهما أَو صب أَحدهمَا فِي الآخر وَتيَمّم ذكر فِي الْحَاوِي أَنه إِذا أخبرهُ رجل أَن هَذَا الْكَلْب ولغَ فِي هَذَا الْإِنَاء فِي وَقت عينه وَقَالَ آخر هَذَا الْكَلْب فِي ذَلِك الْوَقْت لم يكن فِي ذَلِك الْمَكَان فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه طَاهِر لتعارض الْخَبَرَيْنِ وسقوطهما وَالثَّانِي أَنه نجس لِأَن الْكَلْب تشتبه وَهَذَا الْوَجْه لَيْسَ بِشَيْء فَإِن اشْتبهَ عَلَيْهِ مَاء طَاهِر وَمَاء نجس تحرى فيهمَا فَمَا أَدَاء اجْتِهَاده إِلَى طَهَارَته تَوَضَّأ بِهِ

وَقَالَ الْمُزنِيّ وَأَبُو ثَوْر لَا يتحَرَّى فِي الْأَوَانِي وَيتَيَمَّم وَيُصلي وَبِه قَالَ أَحْمد وَاخْتلفت الرِّوَايَة عَنهُ فِي وجوب إراقتهما قبل التَّيَمُّم وَقَالَ عبد الْملك بن الْمَاجشون لَا يتحَرَّى فِي الْأَوَانِي وَلكنه يتَوَضَّأ بِأَحَدِهِمَا وَيُصلي ثمَّ يتَوَضَّأ بِالْآخرِ وَيُعِيد الصَّلَاة الَّتِي صلاهَا وَقَالَ مُحَمَّد بن مسلمة يتَوَضَّأ بِأَحَدِهِمَا وَيُصلي ثمَّ يغسل مَا أَصَابَهُ من المَاء الأول وَيتَوَضَّأ بِالْآخرِ وَيُعِيد الصَّلَاة

وَقَالَ غَيرهمَا من أَصْحَاب مَالك مثل قَوْلنَا وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن كَانَ عدد الطَّاهِر أَكثر جَازَ التَّحَرِّي وَإِن لم يكن كَذَلِك لم يجز فَإِن تَوَضَّأ بِأحد الإناءين من غير تحر ثمَّ بَان لَهُ أَنه الطَّاهِر وَأَن الآخر نجس لم تصح طَهَارَته فِي اخْتِيَار الشَّيْخ الإِمَام أبي إِسْحَاق رَحمَه الله وَاخْتَارَ الشَّيْخ أَبُو نصر بن الصّباغ رَحمَه الله أَنه تصح طَهَارَته فَإِن انْقَلب أحد الإناءين قبل التَّحَرِّي فَهَل يجوز التَّحَرِّي فِي الآخر فِيهِ وَجْهَان أظهرهمَا أَنه لَا يجوز وَمَا الَّذِي يصنع فِيهِ وَجْهَان قَالَ أَبُو عَليّ الطَّبَرِيّ يتَوَضَّأ بِهِ وَقَالَ القَاضِي أَبُو حَامِد يتَيَمَّم فَإِن اشْتبهَ عَلَيْهِ إناءان وَهُنَاكَ إِنَاء ثَالِث طَاهِر فَهَل يجوز لَهُ التَّحَرِّي فيهمَا فِيهِ وَجْهَان أظهرهمَا أَنه لَا يجوز وَاخْتَارَهُ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله وَإِن اشْتبهَ عَلَيْهِ مَاء مُسْتَعْمل وَمَاء مُطلق فَهَل يجوز لَهُ التَّحَرِّي فِيهِ وَجْهَان

أَحدهمَا يتحَرَّى وَالثَّانِي لَا يتحَرَّى وَيتَوَضَّأ بِكُل وَاحِد مِنْهُمَا وَمن أَصْحَابنَا من بنى جَوَاز التَّحَرِّي بَين المَاء الْمُسْتَعْمل وَالْمُطلق على زَوَال حكم الِاسْتِعْمَال ببلوغ الْقلَّتَيْنِ فِيهِ فَإِن قُلْنَا لَا يَزُول لم يجز التَّحَرِّي وَهَذَا عِنْدِي بِنَاء فَاسد فَإِن اشْتبهَ عَلَيْهِ مَاء وَبَوْل أَو مَاء وَمَاء ورد لم يتحر بَينهمَا وأراق المَاء وَالْبَوْل وَتيَمّم وَتَوَضَّأ بِالْمَاءِ وَمَاء الْورْد وَقَالَ أَبُو زيد المالقي يتحَرَّى فيهمَا وَذكر فِي الْحَاوِي إِنَّه إِذا اشْتبهَ المَاء وَمَاء الْورْد وَاحْتَاجَ إِلَى الشّرْب تحرى بَينهمَا لأجل الشّرْب فيجتهد أَيهمَا مَاء الْورْد ليشربه فَيخرج الآخر بِالِاجْتِهَادِ ان يكون مَاء الْورْد وَهَذَا عِنْدِي بِنَاء فَاسد لِأَن الشّرْب لَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى التَّحَرِّي فيشرب مَا شَاءَ مِنْهُمَا وَيتَوَضَّأ بِالْآخرِ وَيتَيَمَّم وَقَالَ ابو حنيفَة إِن كَانَ عدد الطَّاهِر المطهر أَكثر جَازَ التَّحَرِّي كَمَا يجوز فِي الْمِيَاه

وَإِن اشْتبهَ عَلَيْهِ طَعَام طَاهِر وَطَعَام نجس تحرى بَينهمَا وَذكر الشَّيْخ أَبُو حَامِد إِن ذَلِك يَنْبَنِي على الْوَجْهَيْنِ فِي اشْتِبَاه الإناءين وَهُنَاكَ ثَالِث ظَاهر فِي جَوَاز التَّحَرِّي قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله وَهَذَا لَا معنى لَهُ إِلَّا أَن يعْتَبر فِي التَّحَرِّي الضَّرُورَة وَهَا هُنَا لَا يلْزمه أكل وَاحِد مِنْهُمَا وَهَذَا الَّذِي ذكره فِيهِ نظر وَاخْتلف فِي المَاء لِحَاجَتِهِ إِلَيْهِ فِي الطَّهَارَة للصَّلَاة فَإِن اشْتبهَ عَلَيْهِ إناءان فتحرى فيهمَا فأداه اجْتِهَاده إِلَى طَهَارَة أَحدهمَا فَتَوَضَّأ بِهِ وَصلى وَلم يرق الآخر حَتَّى حضرت الصَّلَاة الثَّانِيَة أعَاد الِاجْتِهَاد وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ لَا يلْزمه ذَلِك فَإِن أعَاد الِاجْتِهَاد وَأَدَّاهُ اجْتِهَاده إِلَى طَهَارَة الثَّانِي لَا نَجَاسَة الأول فالمنصوص أَنه يتركهما وَيتَيَمَّم وَيُعِيد كل صَلَاة صلاهَا بِالتَّيَمُّمِ فِي أحد الْوُجُوه مَعَ بَقَاء شَيْء من الْإِنَاء الأول وَفِي الثَّانِي لَا يُعِيد وَفِي الثَّالِث وَهُوَ قَول أبي الطّيب بن سَلمَة أَنه إِن كَانَ قد بَقِي من الْإِنَاء الأول شَيْء أعَاد الصَّلَاة وَإِن لم يبْق مِنْهُ شَيْء لم يعد

وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس بن سُرَيج يتَوَضَّأ بِالثَّانِي وَلَا يتَيَمَّم وَيغسل مَا أَصَابَهُ من المَاء الأول وَلَا يُعِيد الصَّلَاة وَذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله فَقَالَ هَل يعْتَبر فِي التَّحَرِّي نوع دَلِيل أم يَكْفِي مُجَرّد الظَّن فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يَكْفِيهِ ظن يَقع لَهُ من غير أَمارَة وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء يذكر فَإِن اشْتبهَ إناءان على أعمى فَهَل يجوز لَهُ التَّحَرِّي فِيهِ قَولَانِ فَإِن قُلْنَا يتحَرَّى فتحرى فَلم يَقع لَهُ الطَّاهِر مِنْهُمَا فَهَل يجوز لَهُ التَّقْلِيد فِيهِ وَجْهَان أظهرهمَا أَنه يجوز

فَإِن اخْتلف اجْتِهَاد رجلَيْنِ فِي إناءين تَوَضَّأ كل وَاحِد مِنْهُمَا بِمَا أَدَّاهُ اجْتِهَاده إِلَى طَهَارَته وَلم يأتم أَحدهمَا بِالْآخرِ وَقَالَ أَبُو ثَوْر يجوز أَن يأتم بِهِ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب الْآنِية كل بَهِيمَة نجست بِالْمَوْتِ طهر جلدهَا بالدباغ وَذَلِكَ مَا عدا الْكَلْب وَالْخِنْزِير وَمَا تولد مِنْهُمَا أَو من أَحدهَا قَالَ أَبُو يُوسُف وَدَاوُد رحمهمَا الله يطهر جلد الْكَلْب وَالْخِنْزِير أَيْضا بالدباغ وَقَالَ ابو حنيفَة رَحمَه الله يطهر جلد الْكَلْب بالدباغ وَلَا يطهر جلد الْخِنْزِير وَقَالَ أَبُو ثَوْر رَحمَه الله يطهر جلد مَا يُؤْكَل بالدباغ دون مَا لَا يُؤْكَل وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ

وَقَالَ الزُّهْرِيّ لَا أعرف الدّباغ ويستمتع بجلود الميتات من غير دباغ وَقَالَ أَحْمد رَحمَه الله لَا يطهر شَيْء من جُلُود الميتات بالدباغ ويروى ذَلِك عَن مَالك وَهل يجب غسله بعد الدّباغ بِالْمَاءِ فِيهِ وَجْهَان قَالَ أَبُو إِسْحَاق لَا يطهر حَتَّى يغسل بِالْمَاءِ وَقَالَ ابْن الْقَاص لَا يحْتَاج إِلَى غسل فَإِن دبغ الْجلد بِشَيْء نجس فَلَا بُد من غسله وَجها وَاحِدًا ويطهر ويحكي فِيهِ وَجه آخر أَنه لَا يطهر وَلَيْسَ بِشَيْء وَلَا يندبغ بالتجفيف فِي الشَّمْس وَحكي عَن أبي حنيفَة أَنه قَالَ يصير مدبوغا قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله سَمِعت بعض أَصْحَابه يَقُول إِنَّمَا يطهر إِذا عملت الشَّمْس فِيهِ عمل الدّباغ قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله وَهَذَا يرفع الْخلاف لِأَنَّهُ يعلم أَنَّهَا لَا تعْمل عمله

وَفِي جَوَاز بيع الْجلد بعد الدّباغ قَولَانِ أصَحهمَا وَهُوَ قَوْله الْجَدِيد أَنه يجوز وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَقَوله الْقَدِيم لَا يجوز وَهُوَ قَول مَالك وَفِي جَوَاز أكله إِذا كَانَ من حَيَوَان مَأْكُول قَولَانِ قَالَ فِي الْقَدِيم لَا يجوز وَقَالَ فِي الْجَدِيد يجوز وَإِن كَانَ من حَيَوَان لَا يُؤْكَل لم يحل أكله قولا وَاحِدًا وَحكى الشَّيْخ ابو حَاتِم الْقزْوِينِي عَن القَاضِي أبي الْقَاسِم بن كج أَنه على الْقَوْلَيْنِ

فَأَما الشّعْر وَالصُّوف والوبر فَيحل بِالْحَيَاةِ وينجس بِالْمَوْتِ على الْمَنْصُوص للشَّافِعِيّ رَحمَه الله فِي عَامَّة كتبه فعلى هَذَا إِذا دبغ جلد الْميتَة وَعَلِيهِ شعر فَهَل يطهر الشّعْر فِيهِ قَولَانِ أصَحهمَا أَنه لَا يطهر فَإِن نتف شعر الْمَأْكُول فِي حَال حَيَاته كَانَ طَاهِرا وَحكي فِيهِ وَجه آخر أَنه ينجس وَلَيْسَ بِشَيْء وَأما شعر الْآدَمِيّ فطاهر إِذا قُلْنَا لَا ينجس بِالْمَوْتِ فِي أصح الْقَوْلَيْنِ وَإِن قُلْنَا إِنَّه ينجس بِالْمَوْتِ فقد روى إِبْرَاهِيم الْبَلَدِي عَن الْمُزنِيّ رَحمَه الله عَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن الشَّافِعِي رَحمَه الله رَجَعَ عَن تنجيس شعر الْآدَمِيّ

فَمن أَصْحَابنَا من جعل ذَلِك خَاصّا فِي حق الْآدَمِيّ كَرَامَة لَهُ وَمِنْهُم من جعله رُجُوعا عَن تنجيس جَمِيع الشُّعُور فَجعل فِي الشُّعُور قولا آخر أَنَّهَا لَا تنجس بِالْمَوْتِ وَأما شعر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن قُلْنَا شعر غَيره نجس فَفِي شعره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجْهَان قَالَ أَبُو جَعْفَر التِّرْمِذِيّ هُوَ طَاهِر وَقَالَ غَيره هُوَ نجس وروى عَن عَطاء وَالْحسن الْبَصْرِيّ أَن الشّعْر ينجس بِالْمَوْتِ ويطهر بِالْغسْلِ بعده

وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد لَا حَيَاة فِي الشّعْر وَلَا ينجس بِالْمَوْتِ فِي الْحَيَوَان وَاخْتَارَهُ الْمُزنِيّ فَأَما الْعظم وَالظفر والظلف والقرن فَفِيهِ طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَن فِيهَا حَيَاة وتنجس بِالْمَوْتِ قولا وَاحِدًا وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَاخْتَارَهُ الْمُزنِيّ وَالثَّانِي أَن حكمه حكم الشّعْر وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَالثَّوْري

وَحكي عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَنه قَالَ طَهَارَة العاج خرطه وَحكي عَن اللَّيْث بن سعد أَنه إِذا طبخ الْعظم حَتَّى خرج دهنه طهر إِذا وجد شعرًا وَلم يدر أَنه شعر حَيَوَان مَأْكُول أَو غير مَأْكُول من أَصْحَابنَا من حكى فِيهِ وَجْهَيْن وبناهما على أَن حكم الْأَشْيَاء هُوَ فِي الأَصْل الْحَظْر أَو الْإِبَاحَة وَهَذَا بِنَاء فَاسد وَالْحكم فِي ذَلِك أَنه إِذا كَانَ ذَلِك فِي مَحل الشَّك فَلَا يجوز الِانْتِفَاع بِهِ وَجها وَاحِدًا فَأَما اللَّبن فِي ضرع الشَّاة الْميتَة فَإِنَّهُ نجس وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله هُوَ طَاهِر يحل شربه وَهُوَ قَول دَاوُد

والبيضة فِي جَوف الدَّجَاجَة الْميتَة إِذا كَانَ قد تصلب قشرها طَاهِرَة يحل أكلهَا وَحكى ابْن الْمُنْذر عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ لَا يحل أكلهَا بِحَال وَحكي عَن ذَلِك عَن مَالك ويحكى ذَلِك وَجها لبَعض أَصْحَابنَا ويحكى فِيهَا وَجه ثَالِث أَنَّهَا لَا تنجس بِحَال وَإِن لم يتصلب قشرها وَهُوَ قَول أبي حنيفَة

وقال في القديم النهي عن ذلك على سبيل الكراهة

فَإِن ذبح مَا لَا يُؤْكَل لَحْمه نجس بذَبْحه كَمَا ينجس بِمَوْتِهِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك يطهر بِالذبْحِ إِلَّا الْخِنْزِير والآدمي فصل يحرم اسْتِعْمَال أواني الذَّهَب وَالْفِضَّة وَقَالَ فِي الْقَدِيم النَّهْي عَن ذَلِك على سَبِيل الْكَرَاهَة وَقَالَ دَاوُد محرم الشّرْب خَاصَّة وَفِي جَوَاز اتخاذها لَا للاستعمال قَولَانِ أصَحهمَا أَنه لَا يجوز وَمن اصحابنا من حكى أَن تَحْرِيمهَا لعينها لَا لِمَعْنى يعقل وَفرع عَلَيْهِ وَلَيْسَ بِشَيْء

وَفِي اسْتِعْمَال الْأَوَانِي المتخذة من الْجَوَاهِر المثمنة كالياقوت وَنَحْوه قَولَانِ أظهرهمَا أَنه يجوز وَفرع بعض أَصْحَابنَا على هَذِه الْأَوَانِي المتخذة من الطّيب كالعود الْمُرْتَفع والكافور المصاعد والعنبر وَفِي جَوَاز اسْتِعْمَاله قَولَانِ وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِي التضبيب بِالْفِضَّةِ فَمنهمْ من قَالَ إِن كَانَ قَلِيلا فِي مَوضِع حَاجَة وَإِن قَامَ غَيره مقَامه لم يكره وَإِن كَانَ فِي غير مَوضِع حَاجَة كره وَإِن

كَانَ كثيرا فِي غير مَوضِع حَاجَة حرم وَإِن كَانَ كثيرا فِي مَوضِع حَاجَة كره وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ لَا يحرم التضبيب بِالْفِضَّةِ قَالَ اَوْ اكثر وَهُوَ قَول ابو حنيفَة وَقَالَ ابو اسحاق يحرم التضبيب بِهِ فِي مَوضِع الشّرْب من الْإِنَاء وَلَا يحرم فِي غَيره وَفِي اسْتِعْمَال أواني الْمُشْركين وثيابهم من غير غسل إِذا كَانُوا مِمَّن يتدين بِاسْتِعْمَال النَّجَاسَة وَجْهَان أَحدهمَا يجوز

وَالثَّانِي لَا يجوز وَكَذَا الْوَجْهَانِ فِي طين الطرقات وَقَالَ احْمَد وَدَاوُد لَا يجوز اسْتِعْمَالهَا إِلَّا بعد الْغسْل بِكُل حَال

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب السِّوَاك السِّوَاك سنة مُؤَكدَة وَحكى عَن دَاوُد أَنه قَالَ هُوَ وَاجِب وَلَا يمْنَع تَركه صِحَة الصَّلَاة وَقَالَ إِسْحَاق إِن تَركه عَامِدًا بطلت صلَاته وَلَا يكره إِلَّا فِي حَالَة وَاحِدَة وَهِي فِي حق الصَّائِم بعد الزَّوَال

وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يكره فِي الصَّوْم ايضا

وَيسْتَحب أَن يقص الشَّارِب ويقلم الْأَظْفَار وَيغسل البراجم وينتف الْإِبِط ويحلق الْعَانَة وَيجب الْخِتَان وَقَالَ أَبُو حنيفَة الْخِتَان مُسْتَحبّ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب نِيَّة الطَّهَارَة لَا تجب النِّيَّة فِي طَهَارَة النَّجس وَحكي فِيهَا وَجه آخر أَنَّهَا تفْتَقر إِلَى النِّيَّة وَلَيْسَ بمذهبه وَلَا تصح طَهَارَة الْحَدث بِغَيْر نِيَّة وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَدَاوُد وابو ثَوْر وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري لَا تجب النِّيَّة فِي الطَّهَارَة بِالْمَاءِ وَتجب فِي التَّيَمُّم

وَقَالَ الْحسن بن صَالح بن حَيّ يَصح التَّيَمُّم أَيْضا نِيَّة وَعَن الأزاعي رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا كَقَوْل الْحسن وَالثَّانيَِة كَقَوْل أبي حنيفَة فَأَما وَقت النِّيَّة للإجزاء وَالصِّحَّة فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه إِذا نوى عِنْد غسل أول جُزْء من وَجهه أَجزَأَهُ وَلَا يضرّهُ إِذا عزبت بعد ذَلِك وَإِن نوى عِنْد الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق من غير أَن يغسل جُزْءا من وَجهه

وعزبت نِيَّته عِنْد غسل وَجهه لم يجزه وَهُوَ قَول أبي الْعَبَّاس بن سُرَيج وَاخْتَارَهُ الشَّيْخ الإِمَام ابو إِسْحَاق رَحمَه الله وَالثَّانِي أَنه إِذا نوى عِنْد الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق أَجزَأَهُ وَإِن لم يغسل جُزْءا من وَجهه وعزبت النِّيَّة عِنْده وَهُوَ قَول ابي إِسْحَاق وَاخْتَارَهُ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله وَلَا يُجزئهُ إِذا نوى عِنْد غسل كفيه ثمَّ عزبت بعد ذَلِك وَالثَّالِث وَهُوَ قَول أبي الطّيب بن سَلمَة أَنه إِذا نوى عِنْد غسل كفيه فِي أول الطَّهَارَة أَجزَأَهُ وَإِن عزبت بعده وَله وَجه جيد فَأَما صفة النِّيَّة فَأن يَنْوِي رفع الْحَدث أَو الطَّهَارَة عَن الْحَدث فَإِن نوى رفع حدث بِعَيْنِه ارْتَفع جَمِيع الْأَحْدَاث فِي أظهر الْوُجُوه وَالثَّانِي أَنه لَا يرْتَفع حَدثهُ وَالثَّالِث أَنه إِن نوى رفع أول الْأَحْدَاث لم يرْتَفع حَدثهُ وَإِن نوى رفع آخرهَا ارْتَفع جَمِيعهَا وَذكر هَذَا الْوَجْه بِالْعَكْسِ من ذَلِك وَإِن نوى رفع حدث وَكَانَ لَا يرفع غَيره حُكيَ فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يرْتَفع حَدثهُ

وَالثَّانِي يرْتَفع وَيَنْبَغِي أَن يكون الْوَجْهَانِ على الْوَجْه الأول فِي الْمَسْأَلَة قبلهَا فَإِن نوى رفع حدث الْغَائِط وَبَان أَن حَدثهُ كَانَ بولا صحت طَهَارَته وَذكر فِيهِ وَجه آخر أَنه لَا يَصح وَلَيْسَ بِشَيْء فَإِن اجْتمع عَلَيْهِ الْحَدث الْأَكْبَر والأصغر فَنوى رفع الحدثين مُطلقًا فقد ذكر بعض أَصْحَابنَا أَنا إِذا قُلْنَا يدْخل الْوضُوء فِي الْغسْل أَجزَأَهُ لَهما وَإِن قُلْنَا لَا يدْخل لم يَصح لوَاحِد مِنْهُمَا قَالَ الإِمَام أَبُو بكر وَعِنْدِي أَنه يجب أَن يَصح للْغسْل من الْجَنَابَة على الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا وَإِن نوى بِطَهَارَتِهِ اسْتِبَاحَة الصَّلَاة ارْتَفع حَدثهُ وَإِن نوى اسْتِبَاحَة صَلَاة بِعَينهَا وَأَن لَا يُصَلِّي غَيرهَا صحت طَهَارَته لجَمِيع الصَّلَوَات فِي أصح الْوُجُوه وَالثَّانِي أَنه لَا تصح طَهَارَته وَالثَّالِث انها تصح للصَّلَاة الَّتِي عينهَا دون غَيرهَا وَإِن نوى الْوضُوء أَو الطَّهَارَة مُطلقًا لم تصح طَهَارَته فِي أصح الْوَجْهَيْنِ

وَإِن نوى الطَّهَارَة لما يسْتَحبّ لَهُ الطَّهَارَة صحت طَهَارَته فِي اصح الْوَجْهَيْنِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله وَالثَّانِي لايصح وَاخْتَارَهُ القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله وَهُوَ قَول مَالك وَفِيه وَجه ثَالِث أَنه إِن كَانَ ذَلِك مِمَّا يسْتَحبّ لَهُ الطَّهَارَة لأجل الْحَدث كَقِرَاءَة الْقُرْآن واللبث فِي الْمَسْجِد وَسَمَاع الحَدِيث وَنَحْو ذَلِك ارْتَفع حَدثهُ وَإِن كَانَ مِمَّا يسْتَحبّ لَهُ الطَّهَارَة لَا لأجل الْحَدث كتجديد الْوضُوء وَغسل الْجُمُعَة لم يرْتَفع حَدثهُ بنيته وَله وَجه جيد فَإِن تَوَضَّأ الْكَافِر أَو اغْتسل عَن الْجَنَابَة ثمَّ أسلم لم يعْتد بذلك وَقَالَ أَبُو حنيفَة يَصح وَيُصلي بِهِ وَهُوَ وَجه لِأَصْحَابِنَا فَإِن تيَمّم فِي حَال صغره لصَلَاة الْوَقْت ثمَّ بلغ ذكر بعض اصحابنا أَنه لَا يجوز أَن يُصَلِّي بِهِ الْفَرْض وَفِي هَذَا نظر وَإِن اسْلَمْ الْكَافِر قبل أَن يغْتَسل عَن الْجَنَابَة لزمَه الْغسْل وَقيل إِنَّه يسْقط عَنهُ فرض الْغسْل وَلَيْسَ بِشَيْء فَإِن نوى بِغسْل أَعْضَائِهِ الطَّهَارَة للصَّلَاة والتبرد والتنظف أَجزَأَهُ

وَقيل فِيهِ وَجه آخر أَنه لَا يُجزئهُ وَلَيْسَ بِشَيْء فَإِن فرق النِّيَّة على أَعْضَاء الطَّهَارَة صحت طَهَارَته فِي أصح الْوَجْهَيْنِ وَإِن نوى إبِْطَال الطَّهَارَة فِي أَثْنَائِهَا لم يبطل مَا تقدم مِنْهَا فِي أصح الْوَجْهَيْنِ كَمَا لَا يبطل بذلك بعد الْفَرَاغ مِنْهَا

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب صفة الْوضُوء إِذا امْر غَيره حَتَّى وضأه وَنوى هُوَ أَجزَأَهُ وَحكي عَن دَاوُد أَنه قَالَ لَا يُجزئهُ حَتَّى يغسل أعضاءه بِنَفسِهِ وَيسْتَحب أَن يُسَمِّي الله عز وَجل على وضوئِهِ

وَقَالَ أَحْمد التَّسْمِيَة وَاجِبَة على الطَّهَارَة غير أَنه إِذا تَركهَا نَاسِيا لم تبطل طَهَارَته وَقَالَ أهل الظَّاهِر تبطل بِكُل حَال ثمَّ يغسل كفيه ثَلَاثًا قبل إدخالهما الْإِنَاء إِن كَانَ على شكّ من نجاستهما فَإِن غمس يَده فِي الْإِنَاء لم يفْسد المَاء وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ غسل الْكَفَّيْنِ قبل إدخالهما الْإِنَاء مُسْتَحبّ بِكُل حَال وَإِن تَيَقّن طَهَارَة يَده وَالْمذهب الأول وَقَالَ دَاوُد إِذا قَامَ من نوم اللَّيْل لم يجز لَهُ أَن يغمس يَده فِي الْإِنَاء حَتَّى يغسلهَا وَلَيْسَ ذَلِك وَاجِبا حَتَّى لَو صب المَاء على يَده وَتَوَضَّأ بِهِ جَازَ وَإِن لم يغسل يَده وَقَالَ أَحْمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ إِذا قَامَ من نوم اللَّيْل وَجب عَلَيْهِ غسل كفيه فَإِن غمس يَده فِي المَاء قبل الْغسْل أراقه وَحكي ذَلِك عَن الْحسن الْبَصْرِيّ

فصل ثم يتمضمض ويستنشق ثلاثا

فصل ثمَّ يتمضمض ويستنشق ثَلَاثًا وَذَلِكَ سنة وَبِه قَالَ مَالك وَالزهْرِيّ وَقَالَ أَحْمد هما واجبان فِي الطهارتين وَقَالَ أَبُو ثَوْر الِاسْتِنْشَاق وَاجِب فِي الطهارتين دون الْمَضْمَضَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري وَمُحَمّد وَأَبُو يُوسُف هما واجبتان فِي الْغسْل دون الْوضُوء

فصل ثم يغسل وجهه ثلاثا

وَهل الْأَفْضَل الْجمع بَينهمَا أم الْفَصْل فِيهِ قَولَانِ قَالَ فِي الْأُم يجمع بَينهمَا وَقَالَ فِي الْبُوَيْطِيّ يفصل وَفِي كَيْفيَّة الْجمع والفصل طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَنه على القَوْل الأول يجمع بَينهمَا بغرفة وَاحِدَة يتمضمض مِنْهَا ثَلَاثًا ويستنشق مِنْهَا ثَلَاثًا وعَلى القَوْل الثَّانِي يفصل بَينهمَا بغرفتين يتمضمض بإحداها ثَلَاثًا ويستنشق بِالْأُخْرَى ثَلَاثًا وَالطَّرِيق الثَّانِي أَنه يجمع بَينهمَا على القَوْل الأول ثَلَاث غرفات وعَلى القَوْل الثَّانِي يفصل بَينهمَا بست غرفات والفصل ابلغ وَلَا يغسل الْعين وَقيل يسْتَحبّ غسلهَا وَلَيْسَ بِمذهب فصل ثمَّ يغسل وَجهه ثَلَاثًا وَالْوَجْه مَا بَين منابت شعر الرَّأْس الْمُعْتَاد

إِلَى مُنْتَهى اللِّحْيَة والذقن طولا وَمن الْأذن إِلَى الْأذن عرضا وَفِي مَوضِع التحذيف وَهُوَ مَا بَين ابْتِدَاء العذار والنزعة دَاخِلا إِلَى الجبين من جَانِبي الْوَجْه يُؤْخَذ عَنهُ الشّعْر يَفْعَله الْأَشْرَاف وَجْهَان أظهرهمَا وَهُوَ قَول أبي إِسْحَاق أَنه من الرَّأْس وَالثَّانِي وَهُوَ قَول أبي الْعَبَّاس أَنه من الْوَجْه وَخرج بَعضهم على قَول أبي الْعَبَّاس فِي الصدغين أَنَّهُمَا من الْوَجْه وَحكي عَن أبي الْفَيَّاض وَهُوَ قَول جُمْهُور الْبَصرِيين أَن مَا استعلى من الصدغين من الرَّأْس وَمَا انحدر عَن الْأُذُنَيْنِ من الْوَجْه وَهَذَا ظَاهر الْفساد وَقَالَ الزُّهْرِيّ الأذنان من الْوَجْه فَإِن كَانَت لَهُ لحية كثة لم يلْزمه إِيصَال المَاء إِلَى الْبشرَة تحتهَا وَيسْتَحب لَهُ تخليلها وَيجب إفَاضَة المَاء على جَمِيعهَا

وَقَالَ أَبُو حنيفَة فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ يجب عَلَيْهِ مسح الشّعْر المحاذي لمحل الْفَرْض وَفِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة يمسح ربعه وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى أَنه يسْقط الْفَرْض عَن الْبشرَة وَلَا يتَعَلَّق بِشعر اللِّحْيَة ويروى ذَلِك شاذا عَن أبي حنيفَة وَيجب غسل مَا بَين العذار وَالْأُذن من الْبيَاض وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا يجب غسله على الملتحي وَقَالَ مَالك لَا يجب غسله بِحَال وحد الْوَجْه بالعذار فَإِن خرجت اللِّحْيَة عَن حد الْوَجْه طولا وعرضا لم يجب غسل مَا خرج مِنْهَا عَن حد الْوَجْه فِي أحد الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ قَول ابي حنيفَة وَاخْتِيَار الْمُزنِيّ وَالثَّانِي أَنه يجب إفَاضَة المَاء عَلَيْهِ وَهُوَ قَول مَالك وَهُوَ الْأَصَح

فصل ثم يغسل يديه ثلاثا مع المرفقين

فَإِن أَفَاضَ المَاء على لحيته أَو مسح شعره ثمَّ ذهب الشّعْر لم يجب غسل مَا تَحْتَهُ وَقَالَ ابْن جرير الطَّبَرِيّ يجب غسله فصل ثمَّ يغسل يَدَيْهِ ثَلَاثًا مَعَ الْمرْفقين وَقَالَ زفر وابو بكر بن دَاوُد لَا يجب غسل الْمرْفقين فَإِن خلق لَهُ

يدان على منْكب إِحْدَاهمَا نَاقِصَة فالتامة هِيَ الأصيلة والناقصة خلقَة زَائِدَة فَمَا حاذي مِنْهَا مَحل الْفَرْض وَجب غسله وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ لَا يجب غسلهَا بِحَال فَإِن طَالَتْ أظافيره وَخرجت على رُؤُوس الْأَصَابِع وَجب غسلهَا قولا وَاحِدًا وَمن اصحابنا من قَالَ هِيَ بِمَنْزِلَة اللِّحْيَة إِذا طَالَتْ وَلَيْسَ بِصَحِيح وَإِذا كَانَ اقْطَعْ الْيَد من فَوق الْمرْفق فَلَا فرض عَلَيْهِ فِي الْيَد قَالَ الشَّافِعِي رَحْمَة الله عَلَيْهِ اسْتحبَّ أَن يمس مَا بَقِي من الْعَضُد مَاء فَظَاهر هَذَا أَن ذَلِك مُسْتَحبّ للأقطع خَاصَّة وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ بل ذَلِك مُسْتَحبّ لكل وَاحِد لِأَنَّهُ من جملَة الإسباغ

فصل ثم يمسح رأسه والواجب منه ما يقع عليه اسم المسح وإن قل

فصل ثمَّ يمسح رَأسه وَالْوَاجِب مِنْهُ مَا يَقع عَلَيْهِ اسْم الْمسْح وَإِن قل وَقَالَ ابْن الْقَاص لَا يُجزئهُ اقل من ثَلَاث شَعرَات وَقَالَ مَالك يجب مسح جَمِيع الراس وَحكي عَن مُحَمَّد بن مسلمة انه قَالَ إِن ترك قدر الثَّلَاث جَازَ وَقَالَ غَيره من أَصْحَابه إِن ترك قدرا يَسِيرا بِغَيْر قصد جَازَ

وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا أَنه يجب مسح جَمِيعه وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ وَالثَّانيَِة انه يجب مسح أَكْثَره فَإِن ترك الثَّالِث مِنْهُ جَازَ أظهرهمَا أَنه يمسح ربع الرَّأْس وَالثَّانيَِة أَنه يجب مسح الناصية وَالثَّالِثَة أَنه يمسح قدر ثَلَاث أَصَابِع بِثَلَاث أَصَابِع فَإِن كَانَ لَهُ شعر قد نزل عَن منبته وَلم ينزل عَن حد الرَّأْس فَمسح أَطْرَافه أَجزَأَهُ وَقيل لَا يُجزئهُ وَلَيْسَ بِشَيْء وَالسّنة أَن يمسح جَمِيع رَأسه ثَلَاثًا

وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَمَالك وَأَبُو ثَوْر لَا يسْتَحبّ التّكْرَار فِيهِ بِمَاء جَدِيد وَإِنَّمَا يمسح مرّة وَاحِدَة وَقَالَ ابْن سِيرِين يمسح مرَّتَيْنِ وَيسْتَحب لمن على رَأسه عِمَامَة لَا يُرِيد نَزعهَا أَن يمسح بناصيته ويتمم الْمسْح على الْعِمَامَة فَإِن اقْتصر على مسح الْعِمَامَة لم يجزه وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَقَالَ أَحْمد وَالثَّوْري وَدَاوُد يجزىء الْمسْح على الْعِمَامَة وَاعْتبر أَحْمد أَن يكون قد تعمم على طهر وَشرط بعض أَصْحَابه أَن تكون تَحت الحنك فَإِن مسح جَمِيع رَأسه كَانَ مَا زَاد على مَا يَقع عَلَيْهِ الِاسْم مُسْتَحبا وَفِيه وَجه آخر أَن الْجَمِيع وَاجِب

فصل ثم يمسح أذنيه ظاهرهما وباطنهما بماء جديد ثلاثا

فصل ثمَّ يمسح أُذُنَيْهِ ظاهرهما وباطنهما بِمَاء جَدِيد ثَلَاثًا وَهُوَ قَول ابي ثَوْر وَقَالَ مَالك الأذنان من الرَّأْس غير أَنه يسْتَحبّ أَن يَأْخُذ لَهما مَاء جَدِيدا وَقَالَ أَحْمد هما من الرَّأْس فيمسحان مَعَ الرَّأْس على رِوَايَة الِاسْتِيعَاب ويجزىء مسحهما بِمَا مسح بِهِ الرَّأْس وَرُوِيَ عَن ابي حنيفَة وَأَصْحَابه أَنَّهُمَا يمسحان بِمَا مسح بِهِ الرَّأْس وَذهب الشّعبِيّ وَالْحسن بن صَالح إِلَى أَن مَا أقبل مِنْهُمَا على الْوَجْه من الْوَجْه فَيغسل مَعَه وَمَا أدبر مِنْهُمَا عَنهُ يمسح مَعَ الرَّأْس

فصل ثم يغسل رجليه مع الكعبين ثلاثا

ويحكى عَن أبي الْعَبَّاس بن سُرَيج أَنه كَانَ يغسلهما مَعَ الْوَجْه ويمسحهما مَعَ الرَّأْس ثَلَاثًا احْتِيَاطًا وَقَالَ إِسْحَاق مسح الْأُذُنَيْنِ وَاجِب فصل ثمَّ يغسل رجلَيْهِ مَعَ الْكَعْبَيْنِ ثَلَاثًا والكعبان هما العظمان الناتئان عِنْد مفصل السَّاق والقدم وَذَهَبت الإمامية من الشِّيعَة إِلَى أَن الْوَاجِب هُوَ الْمسْح على ظهر الْقَدَمَيْنِ والأصابع إِلَى الْكَعْبَيْنِ والكعب عِنْدهم فِي ظهر الْقدَم وَالْغسْل عِنْدهم غير جَائِز

وَقَالَ بعض أهل الظَّاهِر يجب الْجمع بَين الْمسْح وَالْغسْل وَقَالَ ابْن جرير الطَّبَرِيّ هُوَ مُخَيّر بَينهمَا وَيسْتَحب الْبدَاءَة باليمنى من الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ وَقَالَت الشِّيعَة يجب ذَلِك فَإِن شكّ بعد الْفَرَاغ من الطَّهَارَة هَل مسح رَأسه أَو لم يمسحه فَالَّذِي ذكره الشَّيْخ ابو حَامِد أَنه لَا يُؤثر ذَلِك وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ لَا يجوز لَهُ الدُّخُول فِي الصَّلَاة مَعَ الشَّك فِي تيَمّم الطَّهَارَة فيمسح رَأسه وَيغسل رجلَيْهِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخ ابو نصر رَحمَه الله وَيجب التَّرْتِيب فِي الْوضُوء على مَا ذَكرْنَاهُ وَحكى ابْن الْقَاص قولا آخر أَنه قَالَ إِذا نسي ذَلِك صَحَّ وضوءه وَالْمذهب الأول وَبِه قَالَ أَحْمد وَأَبُو ثَوْر وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَمَالك لَا يجب التَّرْتِيب فِي الْوضُوء وَهُوَ قَول دَاوُد وَالزهْرِيّ وَاخْتِيَار الْمُزنِيّ

فَإِن صب أَرْبَعَة المَاء على أَعْضَائِهِ الْأَرْبَعَة فِي حَال وَاحِدَة لم يجزه من ذَلِك إِلَّا غسل الْوَجْه وَقيل يُجزئهُ وَلَيْسَ بِشَيْء فَإِن اغْتسل يَنْوِي رفع الْحَدث من غير جَنَابَة وَلم تترتب أعضاءه لم يجز فِي أصح الْوَجْهَيْنِ إِلَّا غسل الْوَجْه وَبنى بعض أَصْحَابنَا هذَيْن الْوَجْهَيْنِ على أَن الْحَدث يعم جَمِيع الْبدن أَو يخْتَص بالأعضاء الْأَرْبَعَة وَحكى فِي ذَلِك وَجْهَيْن وَهَذَا بِنَاء فَاسد وَإِن كَانَ الْمَذْهَب أَن الْحَدث يعم جَمِيع الْبدن وَيجب التَّرْتِيب فِي الْأَعْضَاء المسنونة فِي أصح الْوَجْهَيْنِ لحُصُول السّنة بِهِ والتفريق الْكثير من غير عذر وَهُوَ بِقدر مَا يجِف المَاء عَن الْعُضْو فِي الزَّمَان المعتدل لَا يبطل الطَّهَارَة فِي اصح الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأَصْحَابه وَقَالَ فِي الْقَدِيم تبطل الطَّهَارَة وَهُوَ قَول مَالك وَاللَّيْث بن سعد والتفريق لعذر لَا يبطل وَقَالَ مَالك إِن كَانَ للعجز عَن المَاء أبطل وَإِن كَانَ لنسيان لم يبطل

وَرجح بعض أَصْحَابه فِي التفاحش إِلَى الْعرف وَقَالَ أَحْمد التَّفْرِيق يبطل الْوضُوء دون الْغسْل فَإِذا قُلْنَا إِنَّه يَبْنِي على الطَّهَارَة فَهَل يلْزمه تَجْدِيد النِّيَّة على مَا يغسلهُ فِي الْبناء فِيهِ وَجْهَان وتفريق التَّيَمُّم كتفريق الْوضُوء وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ تَفْرِيق التَّيَمُّم يُبطلهُ قولا وَاحِدًا وَلَيْسَ بِشَيْء

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب الْمسْح على الْخُفَّيْنِ يجوز الْمسْح على الْخُفَّيْنِ فِي الْوضُوء وَقَالَت الْخَوَارِج والإمامية لَا يجوز ذَلِك وَهُوَ قَول أبي بكر بن دَاوُد وَخَالف اباه فِي ذَلِك وَهُوَ مُؤَقّت بِيَوْم وَلَيْلَة فِي الْحَضَر وَثَلَاثَة ايام ولياليهن فِي السّفر على قَوْله الْجَدِيد وَبِه قَالَ ابو حنيفَة وَأحمد

وَقَالَ فِي الْقَدِيم هُوَ غير مُؤَقّت وَرجع عَنهُ وَهُوَ قَول مَالك فِي السّفر وَاخْتلفت الرِّوَايَة عَنهُ فِي الْحَضَر فأشهر الرِّوَايَتَيْنِ أَنه يمسح من غير تَوْقِيت وَالثَّانيَِة أَنه لَا يمسح بِحَال وَقَالَ دَاوُد يمسح الْمُقِيم خمس صلوَات وَالْمُسَافر خمس عشرَة صَلَاة وَابْتِدَاء الْمدَّة من حِين يحدث بعد لبس الْخُف إِلَى مثل ذَلِك الْوَقْت فِي الْحَضَر وَإِلَى مثله من الْيَوْم الرَّابِع فِي السّفر وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَحْمد وَأَبُو ثَوْر وَدَاوُد ابْتِدَاء الْمدَّة من حِين يمسح على الْخُف وَحكي عَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه قَالَ ابْتِدَاء الْمدَّة من حِين اللّبْس

فصل إذا مسح في الحضر ثم سافر أتم مسح مقيم

فصل إِذا مسح فِي الْحَضَر ثمَّ سَافر أتم مسح مُقيم وَبِه قَالَ أَحْمد وَذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَنه إِذا مسح أحد الْخُفَّيْنِ فِي الْحَضَر ثمَّ سَافر وَمسح الْخُف الآخر فَإِنَّهُ يتم مسح مُسَافر وَهَذَا فَاسد وَقَالَ أَبُو حنيفَة يتم مسح مُسَافر إِن أحدث فِي الْحَضَر وَدخل عَلَيْهِ وَقت الصَّلَاة فَلم يمسح حَتَّى خرج الْوَقْت ثمَّ سَافر وَمسح مسح مسح مُسَافر فِي أصح الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَول أبي عَليّ بن أبي هُرَيْرَة وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق يتم مسح مُقيم وَإِن سَافر قبل خُرُوج الْوَقْت وَمسح فِي السّفر مسح مسح مُسَافر وَحكي عَن الْمُزنِيّ رَحمَه الله رِوَايَة غير مَعْرُوفَة أَنه يتم مسح مُقيم وَإِن مسح فِي السّفر ثمَّ أَقَامَ أتم مسح مُقيم وَقَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله إِذا مسح فِي السّفر يَوْمًا وَلَيْلَة ثمَّ أَقَامَ مسح ثلث يَوْمَيْنِ وليلتين وَذَلِكَ ثلثا يَوْم وَلَيْلَة فَإِن شكّ هَل بَدَأَ بِالْمَسْحِ فِي الْحَضَر أَو فِي السّفر بنى الْأَمر على أَنه

فصل ويجوز المسح على كل خف صحيح يمكن متابعة المشي عليه فأما الخف المخرق فلا يصح المسح عليه في أصح القولين

بَدَأَ بِهِ فِي الْحَضَر ليغسل الرجل بعد يَوْم وَلَيْلَة فَإِن بني الْأَمر على انه مسح فِي السّفر وَمسح فِي الْيَوْم الثَّانِي ثمَّ بَان لَهُ أَنه كَانَ قد بَدَأَ بِالْمَسْحِ فِي السّفر فَإِن صلَاته بِالْمَسْحِ فِي الْيَوْم الثَّانِي لَا تصح مَعَ الشَّك ومسحه صَحِيح على مَا ذكره الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله فَيصَلي بِهِ بعد التَّبْيِين وَقَالَ غَيره لَا يَصح مَسحه مَعَ الشَّك وَهُوَ اخْتِيَار الشَّيْخ الإِمَام أبي إِسْحَاق رَحمَه الله فصل وَيجوز الْمسْح على كل خف صَحِيح يُمكن مُتَابعَة الْمَشْي عَلَيْهِ فَأَما الْخُف المخرق فَلَا يَصح الْمسْح عَلَيْهِ فِي أصح الْقَوْلَيْنِ وَقَالَ فِي الْقَدِيم إِن كَانَ الْخرق لَا يمْنَع مُتَابعَة الْمَشْي عَلَيْهِ لم يمْنَع الْمسْح وَبِقَوْلِهِ الْجَدِيد قَالَ أَحْمد والطَّحَاوِي

وَقَالَ مَالك إِن كَانَ الْخرق يَسِيرا لم يمْنَع وَإِن كَانَ فَاحِشا منع وَبِه قَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن كَانَ الْخرق قدر ثَلَاثَة أَصَابِع منع وَإِن كَانَ أقل من ذَلِك لم يمْنَع وَرُوِيَ ذَلِك عَن الْحسن الْبَصْرِيّ وَإِن لبس جوربا صفيقا لَا يشف ومنعلا يُمكن مُتَابعَة الْمَشْي عَلَيْهِ جَازَ الْمسْح عَلَيْهِ وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَقَالَ أَحْمد وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَدَاوُد يجوز الْمسْح على الجورب وَإِن لم يكن لَهُ نعل

فصل لا يجوز المسح على الجرموق وهو خف يلبس فوق خف

فَإِن لبس خفا ضيقا فقد قَالَ عَامَّة أَصْحَابنَا لَا يجوز الْمسْح عَلَيْهِ قَالَ القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله يحْتَمل أَن يُقَال يجوز الْمسْح عَلَيْهِ فصل لَا يجوز الْمسْح على الجرموق وَهُوَ خف يلبس فَوق خف وهما صَحِيحَانِ فِي أحد الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ أشهر الرِّوَايَتَيْنِ عَن مَالك وَالثَّانِي يجوز الْمسْح عَلَيْهِ وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأحمد

وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ رَحمَه الله فَإِن قُلْنَا بِالْأولِ فَأدْخل يَده فِي سَاق الجرموق وَمسح على الْخُف تَحْتَهُ أَجزَأَهُ على ظَاهر الْمَذْهَب وَفِيه وَجه آخر أَنه لَا يُجزئهُ وَهُوَ قَول الشَّيْخ أبي حَامِد وَالْأول اخْتِيَار القَاضِي أبي الطّيب رَحمَه الله وَإِن قُلْنَا بالْقَوْل الثَّانِي فَلم يمسح على الجرموق وادخل يَده فِي سَاقه وَمسح على الْخُف أَجزَأَهُ فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ وَإِن لبس الجرموقين وَمسح عَلَيْهِمَا وَقُلْنَا بِجَوَاز ذَلِك ثمَّ نزعهما فَفِيهِ ثَلَاثَة طرق أَحدهمَا أَن الجرموق كالخف الْمُنْفَرد فَإِذا نَزعه اقْتصر على مسح الْخُف فِي أحد الْقَوْلَيْنِ واستأنف الْوضُوء وَمسح على الْخُف فِي القَوْل الآخر وَالطَّرِيق الثَّانِي أَن الجرموق مَعَ الْخُف كالخف فَوق اللفافة فَيلْزمهُ نزع الْخُف إِذا نَزعه ويقتصر على غسل الرجل فِي أحد الْقَوْلَيْنِ ويستأنف الْوضُوء فِي القَوْل الآخر وَالطَّرِيق الثَّالِث أَن نزع الجرموق لَا يُؤثر كالظهارة مَعَ البطانة فَإِن نزع أحد الجرموقين بَطل الْمسْح فِي الجرموق الاخر وَلَزِمَه نَزعه وَيكون كَمَا لَو نزعهما على مَا تقدم وَقَالَ زفر لَا يبطل الْمسْح فِي الجرموق الآخر فيمسح على الْخُف الَّذِي نزع عَنهُ الجرموق وَحده فَإِن لبس خفا مَغْصُوبًا جَازَ لَهُ الْمسْح عَلَيْهِ وَقَالَ ابْن الْقَاص لَا يجوز وَإِن كَانَ فِي سفر مَعْصِيّة فَهَل يجوز لَهُ أَن يمسح يَوْمًا وَلَيْلَة فِيهِ وَجْهَان

فصل ولا يجوز المسح على الخف حتى يلبسه على طهارة كاملة

فصل وَلَا يجوز الْمسْح على الْخُف حَتَّى يلْبسهُ على طَهَارَة كَامِلَة فَإِن غسل إِحْدَى رجلَيْهِ وأدخلها الْخُف ثمَّ غسل الْأُخْرَى وأدخلها الْخُف لم يجز لَهُ أَن يمسح حَتَّى يخلع الَّذِي لبسه أَولا وَيُعِيد لبسه وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجوز الْمسْح عَلَيْهِ وَبِه قَالَ دَاوُد وَاخْتَارَهُ الْمُزنِيّ غير أَن أَبَا حنيفَة لَا يعْتَبر الطَّهَارَة فِي ابْتِدَاء اللّبْس بِحَال حَتَّى لَو لبس الْخُف على حدث ثمَّ تَوَضَّأ وَغسل رجلَيْهِ فِي الْخُفَّيْنِ ثمَّ أحدث جَازَ لَهُ الْمسْح وَيعْتَبر أَن يرد الْحَدث بعد اللّبْس على طَهَارَة كَامِلَة فَإِن لبس الْخُفَّيْنِ على طَهَارَة ثمَّ أحدث وَمسح عَلَيْهِمَا ثمَّ لبس الجرموقين ثمَّ أحدث وَقُلْنَا بِجَوَاز الْمسْح على الجرموقين لم يجز الْمسْح عَلَيْهِمَا فِي أحد الْوَجْهَيْنِ وَفِي الثَّانِي يجوز إِذا تَوَضَّأت الْمُسْتَحَاضَة ولبست الْخُفَّيْنِ وأحدثت حَدثا غير الِاسْتِحَاضَة جَازَ لَهَا أَن تمسح على الْخُف للفريضة وَمَا شَاءَت من النَّوَافِل

فصل السنة أن يمسح أعلى الخف وأسفله

وَقَالَ زفر لَهَا أَن تصلي بِهِ مَا يُصَلِّي الطَّاهِر وَحكي الْقفال فِي جَوَاز صلَاتهَا بِالْمَسْحِ على الْخُف قَوْلَيْنِ وبناهما على أَن طَهَارَتهَا هَل ترفع الْحَدث أم لَا وَهَذَا فَاسد فِي الأَصْل وَالْبناء فَإِن تيَمّم وَلبس الْخُف ثمَّ وجد المَاء قَالَ أَبُو الْعَبَّاس يجوز لَهُ الْمسْح لفريضة وَمَا شَاءَ من النَّوَافِل وَقَالَ سَائِر أَصْحَابنَا لَا يجوز لَهُ الْمسْح فصل السّنة أَن يمسح أَعلَى الْخُف وأسفله فَيَضَع كَفه الْيُسْرَى تَحت عقب الْخُف واليمنى على أَطْرَاف الْأَصَابِع ثمَّ يمر الْيُمْنَى إِلَى سَاقه واليسرى إِلَى رُؤُوس الْأَصَابِع وَهُوَ قَول الزُّهْرِيّ وَمَالك

وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري وَأحمد وَدَاوُد لَا مدْخل لأسفل الْخُف فِي الْمسْح وَأما عقب الْخُف فَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يمسحه قولا وَاحِدًا وَمِنْهُم من قَالَ فِيهِ قَولَانِ أصَحهمَا أَنه يمسحه قَالَ فَإِن اقْتصر على مسح أَعلَى الْخُف أَجزَأَهُ وَإِن اقْتصر على مسح أَسْفَله لم يُجزئهُ على الْمَنْصُوص وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْقيَاس أَن يُجزئهُ وَحكي عَن أبي عَليّ بن أبي هُرَيْرَة أَنه كَانَ يخرج ذَلِك على قَوْلَيْنِ أَحدهمَا لَا يُجزئهُ وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأبي الْعَبَّاس بن سُرَيج وَالثَّانِي يُجزئهُ وَهُوَ قَول أبي إِسْحَاق

فَأَما الِاقْتِصَار على الْعقب فَإِن قُلْنَا إِن مَسحه سنة جَازَ الِاقْتِصَار عَلَيْهِ وَإِن قُلْنَا إِن مَسحه لَيْسَ بِسنة فَفِي الِاقْتِصَار عَلَيْهِ وَجْهَان قَالَ الإِمَام أَبُو بكر وَعِنْدِي أَنه يجب أَن يكون الْأَمر بِالْعَكْسِ من ذَلِك فَإِن قُلْنَا إِنَّه لَيْسَ بِسنة لم يجز الِاقْتِصَار عَلَيْهِ وَجها وَاحِدًا وَإِن قُلْنَا إِنَّه سنة فَفِي الِاقْتِصَار عَلَيْهِ وَجْهَان وَيجزئهُ من مسح الْأَعْلَى مَا يَقع عَلَيْهِ الِاسْم وَبِه قَالَ الثَّوْريّ وَأَبُو ثَوْر وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجب مسح قدر ثَلَاثَة أَصَابِع بِثَلَاث أَصَابِع وَقَالَ زفر إِن مسح قدر ثَلَاث بأصابع بأصع وَاحِدَة أَجزَأَهُ وَقَالَ أَحْمد يجب مسح أَكثر الْخُف وَقَالَ مَالك يلْزمه مسح جَمِيع مَحل الْفَرْض

فصل إذا نزع الخفين بطل المسح واقتصر على غسل الرجلين

فصل إِذا نزع الْخُفَّيْنِ بَطل الْمسْح وَاقْتصر على غسل الرجلَيْن فِي أصح الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَاخْتَارَهُ المزنى وَالْقَوْل الثَّانِي أَنه يسْتَأْنف الْوضُوء وَبِه قَالَ أَحْمد وَالْقَوْلَان أصلان بأنفسهما على الصَّحِيح من الْمَذْهَب وَمن أَصْحَابنَا من بناهما على الْقَوْلَيْنِ فِي تَفْرِيق الْوضُوء وَقَالَ مَالك إِن كَانَ قد تطاول الْفَصْل لزمَه اسْتِئْنَاف الطَّهَارَة وَإِن لم يَتَطَاوَل غسل الرجلَيْن وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ وَدَاوُد يُصَلِّي بِطَهَارَة الْمسْح إِلَى أَن يحدث وَاخْتلفَا فَقَالَ الْحسن لَا يجب عَلَيْهِ نزع الْخُفَّيْنِ وَقَالَ دَاوُد يجب عَلَيْهِمَا نزعهما ثمَّ يصلى الى ان يحدث وَلَا يُصَلِّي قبل نزع الْخُفَّيْنِ فَإِن خلع أحد الْخُفَّيْنِ فَإِنَّهُ يبطل حكم الْمسْح فِي الآخر فينزع الْخُف الآخر وَيغسل الرجلَيْن

وَحكي عَن أصبغ من اصحاب مَالك أَنه قَالَ لَا يلْزمه ذَلِك بل يمسح على الْخُف الآخر وَيغسل الرجل فَإِن مسح على الْخُف ثمَّ أَزَال رجله عَن مَوضِع الْقدَم وَلم تبرز عَن الْكَعْبَيْنِ لم يبطل الْمسْح على قَوْله الْقَدِيم وَقَالَ فِي الْجَدِيد يبطل الْمسْح وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَأحمد وَهُوَ الْأَصَح

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب الْأَحْدَاث والأحداث الْمُوجبَة للطَّهَارَة أَرْبَعَة أَحدهَا الْخَارِج من السَّبِيلَيْنِ نَادرا كَانَ أَو مُعْتَادا وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَأحمد وَقَالَ مَالك لَا وضوء فِيمَا يخرج نَادرا كالحصا والدود

والمذي الدَّائِم وَدم الِاسْتِحَاضَة وَقَالَ دَاوُد لَا يجب الْوضُوء بالدود وَالدَّم وَالرِّيح الْخَارِجَة من الذّكر أَو الْقبل توجب الطَّهَارَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا توجب فَإِن أطلعت دودة رَأسهَا من أحد السَّبِيلَيْنِ وَلم تنفصل حَتَّى رجعت انْتقض طهره فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ فَإِن انسد الْمخْرج الْمُعْتَاد وَانْفَتح دون الْمعدة مخرج يخرج مِنْهُ الْبَوْل وَالْغَائِط انْتقض الْوضُوء بالخارج مِنْهُ وَإِن انْفَتح فَوق الْمعدة لم ينْتَقض وضوءه فِي أحد الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ وَإِن لم ينسد الْمخْرج الْمُعْتَاد وَانْفَتح دون الْمعدة مخرج لم ينْتَقض الْوضُوء بالخارج مِنْهُ فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ وَإِن انْفَتح فَوق الْمعدة لم ينْتَقض الْوضُوء بالخارج مِنْهُ وَجها وَاحِدًا وَمن أَصْحَابنَا من بنى ذَلِك عَلَيْهِ إِذا انسد الْمخْرج الْمُعْتَاد وَانْفَتح فَوق الْمعدة وَقُلْنَا بِأحد الْقَوْلَيْنِ أَن الْوضُوء ينْتَقض فها هُنَا وَجْهَان

فصل والثاني زوال العقل بجنون أو إغماء أو نوم

فصل وَالثَّانِي زَوَال الْعقل بجنون أَو إِغْمَاء أَو نوم وَالنَّوْم حدث فِي الْجُمْلَة وَحكي عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ يَقُول النّوم لَيْسَ بِحَدَث بِحَال وَرُوِيَ مثله عَن عَمْرو بن دِينَار وَأبي مجلز وَهُوَ قَول الإمامية فَإِن نَام جَالِسا مُتَمَكنًا بِمحل الْحَدث من الأَرْض لم ينْتَقض طهره على الْمَنْصُوص فِي عَامَّة كتبه وَفِيه قَول آخر أَنه ينْتَقض طهره وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ رَحمَه الله وَهُوَ قَول أبي إِسْحَاق فَيكون النّوم حَدثا بِكُل حَال

فَإِن نَام قَائِما أَو رَاكِعا أَو سَاجِدا فِي الصَّلَاة انْتقض طهره فِي أصح الْقَوْلَيْنِ وَقَالَ فِي الْقَدِيم لَا ينْتَقض وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا نَام على هَيْئَة من هيئات الصَّلَاة فِي حَال الِاخْتِيَار من قيام أَو قعُود أَو رُكُوع أَو سُجُود وَإِن كَانَ خَارج الصَّلَاة لم ينْتَقض طهره وَبِه قَالَ دَاوُد وَقَالَ مَالك النّوم ينْقض الْوضُوء إِلَّا أَن يكون يَسِيرا فِي حَال الْجُلُوس

فصل والثالث اللمس بين الرجل والمرأة من غير حائل

وَحكي عَن أَحْمد أَنه قَالَ النّوم الْيَسِير فِي حَال الْقيام وَالْقعُود وَالرُّكُوع وَالسُّجُود لَا ينْقض فصل وَالثَّالِث اللَّمْس بَين الرجل وَالْمَرْأَة من غير حَائِل فينقض طهر اللامس وَهُوَ قَول الزُّهْرِيّ وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه إِن ذَلِك لَا ينْقض الطَّهَارَة وَبِه قَالَ عَطاء وطاووس وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا غير أَن أَبَا حنيفَة وابا يُوسُف قَالَا إِذا وضع الْفرج على الْفرج مَعَ الانتشار انْتقض الطُّهْر وَخَالَفَهُمَا فِي ذَلِك مُحَمَّد بن الْحسن

وَقَالَ مَالك وَأحمد إِن لمس بِشَهْوَة انْتقض طهره وَقَالَ دَاوُد إِن قصد اللَّمْس انْتقض طهره وَخَالفهُ ابْنه فَقَالَ ينْقض بِكُل حَال فَأَما لمس الشّعْر فَلَا ينْقض وَحكى فِيهِ وَجه آخر أَنه ينْقض وَلَيْسَ بِمذهب وَقَالَ مَالك إِن لمسه بِشَهْوَة انْتقض طهره وَكَذَا قَالَ فِي اللَّمْس من وَرَاء حَائِل بِشَهْوَة والملموس لَا ينْقض طهره فِي أظهر الْقَوْلَيْنِ ولمس ذَوَات الْمَحَارِم لَا ينْقض الطُّهْر فِي أظهر الْقَوْلَيْنِ وَكَذَا لمس الصَّغِيرَة الَّتِي لَا تقصد بالشهوة فِيهِ وَجْهَان فَأَما لمس الْمَرْأَة المسنة فَمن أَصْحَابنَا من قَالَ ينْقض الطُّهْر وَمِنْهُم من قَالَ يجْرِي مجْرى لمس الصَّغِيرَة الَّتِي لَا تشْتَهى ولمس الْأَمْرَد لَا ينْقض الطُّهْر

فصل والرابع مس الفرج ببطن الكف فإنه ينقض الطهر

وَحكي عَن أبي سعيد الاصطخري أَنه ينْقض وَلَيْسَ بِمذهب فصل وَالرَّابِع مس الْفرج بِبَطن الْكَفّ فَإِنَّهُ ينْقض الطُّهْر وَبِه قَالَ مَالك وَاحْمَدْ والمزني وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه لَا ينْقض بِحَال

وَعَن مَالك رِوَايَة أُخْرَى أَنه يعْتَبر فِيهِ الشَّهْوَة وَإِن مَسّه بِظهْر كَفه أَو ساعده لم ينْقض طهره ويروى عَن عَطاء انه ينْقض الطُّهْر وَهُوَ احدى الرِّوَايَتَيْنِ عَن احْمَد ويروى عَن مَالك وَإِن مس ذكره بِمَا بَين الْأَصَابِع لم ينْقض طهره فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ وغن مس ذكرا مَقْطُوعًا انْتقض طهره فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ وَإِن مَسّه بِبَطن أصْبع زَائِدَة على كَفه انْتقض طهره فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ وَقَالَ أَبُو عَليّ فِي الإفصاح يحْتَمل أَن لَا ينْقض وَإِن مس ذكره بيد شلاء فقد ذكر فِيهِ وَجْهَان

وَالصَّحِيح أَنه ينْتَقض طهره وان مس الدبر انْتقض طهره وَحكي ابْن الْقَاص قولا آخر أَنه لَا ينْتَقض وَلَيْسَ بِمَشْهُور وَهُوَ قَول مَالك وَدَاوُد وَإِن انسد الْمخْرج الْمُعْتَاد وَانْفَتح مخرج آخر وَقُلْنَا ينْتَقض الْوضُوء بالخارج مِنْهُ فَهَل ينْتَقض بمسه فِيهِ وَجْهَان وَإِن مس فرج غَيره من صَغِير أَو كَبِير حَيّ أَو ميت انْتقض طهره وَحكي عَن دَاوُد أَنه قَالَ مس فرج غَيره لَا ينْتَقض الطُّهْر وَحكي عَن مَالك أَنه قَالَ لَا ينْقض الطُّهْر بِمَسّ فرج الصَّغِير وَقَالَ إِسْحَاق فِي من مس فرج الْمَيِّت لَا ينْقض وَقد خرج فِيهِ وَجه لبَعض أَصْحَابنَا وَقَالَ مَالك مس الْمَرْأَة فرجهَا لَا ينْقض طهرهَا وَحكي عَن بعض

أَصْحَابه إِذا كَانَ بِشَهْوَة نقض فَإِن خلق لرجل ذكران يَبُول مِنْهُمَا جَمِيعًا فمس أَحدهمَا ذكر بعض أَصْحَابنَا أَنه ينْتَقض وضوؤه وان أولج أَحدهمَا فِي فرج وَجب عَلَيْهِ الْغسْل وَفِي هَذَا نظر لِأَن الله تَعَالَى أجْرى الْعَادة أَن يكون للْوَاحِد ذكر وَاحِد وَالْآخر زَائِد لَا محَالة فَيقْضى لَهُ بِحكم الْمُشكل وَمَسّ فرج الْبَهِيمَة لَا ينْقض الطُّهْر وَحكي ابْن عبد الحكم قولا آخر عَن الشَّافِعِي رَحمَه الله أَنه ينْقض الْوضُوء وَبِه قَالَ اللَّيْث وَلَيْسَ بِمذهب وَحكي عَن عَطاء نقض الطُّهْر بِمَسّ فرج بَهِيمَة مأكولة فَإِن مس الْعَانَة والأنثيين لم ينْتَقض طهره وَحكي عَن عُرْوَة أَنه قَالَ ينْتَقض طهره فَإِن مس بِذكرِهِ دبر غَيره فقد قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَب أَن لَا ينْتَقض طهره وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ التَّعْلِيل أَن ينْتَقض وَقد ذكر الشَّيْخ الإِمَام أَبُو إِسْحَاق رَحمَه الله فِي الْخلاف مَا يُوَافق مَا يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَب وَمَا سوى مَا ذَكرْنَاهُ لَا ينْقض الطُّهْر كالخارج

من غير السَّبِيلَيْنِ من قيء أَو رُعَاف وَهُوَ قَول مَالك وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حنيفَة كل نَجَاسَة خَارِجَة من الْبدن فَإِنَّهَا تنقض الطُّهْر كَالدَّمِ إِذا سَالَ والقيء إِذا مَلأ الْفَم وَبِه قَالَ أَحْمد وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى أَنه إِن قطر الدَّم قَطْرَة لم ينقص وَعنهُ رِوَايَة اخرى انه ان خرج مِنْهُ قدر مَا يُعْفَى عَنهُ وَهُوَ شبر فِي شبر لم ينْقض عَن ابْن أبي ليلى أَنه ينْقض قَلِيله وَكَثِيره وَرُوِيَ عَن زفر وَعَطَاء وَأكل شَيْء من اللحوم لَا ينْقض الطُّهْر وَحكي عَن عمر بن عبد الْعَزِيز وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَالزهْرِيّ

أَنهم كَانُوا يتوضأون مِمَّا مست النَّار وَقَالَ أَحْمد أكل لحم الْجَزُور ينْقض الطُّهْر وَحَكَاهُ ابْن الْقَاص عَن الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي الْقَدِيم والقهقهة لَا تنقض الطُّهْر وَهُوَ قَول مَالك وَأحمد وَقَالَ أَبُو حنيفَة القهقهة فِي غير صَلَاة الْجِنَازَة والعيد من الصَّلَوَات تنقض الطُّهْر وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالنَّخَعِيّ

وَعَن الْأَوْزَاعِيّ رِوَايَتَانِ وَيسْتَحب أَن يتَوَضَّأ من القهقهة وَالْكَلَام الْقَبِيح لآثار رويت فِيهِ قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله وَالْأَشْبَه من ذَلِك أَن يَكُونُوا أَرَادوا بِهِ غسل الْيَد والفم وَالشَّيْخ الإِمَام أَبُو إِسْحَاق رَحمَه الله اخْتَار الأول وَهُوَ الْأَصَح فصل إِذا تَيَقّن الطَّهَارَة وَشك فِي الْحَدث بنى على يَقِين الطَّهَارَة وَيسْتَحب لَهُ أَن يتَوَضَّأ وَقَالَ مَالك يجب عَلَيْهِ أَن يتَوَضَّأ

فصل يحرم على المحدث مس المصحف وحمله على غير طهارة

وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ إِن طَرَأَ عَلَيْهِ الشَّك فِي الْحَدث وَهُوَ فِي الصَّلَاة أتمهَا وَبنى على الْيَقِين وَإِن طَرَأَ عَلَيْهِ ذَلِك قبل التَّلَبُّس بهَا لزمَه الْوضُوء وَإِن تَيَقّن حَدثا وطهارة وَشك فِي السَّابِق مِنْهُمَا نظر فِيمَا كَانَ قبلهَا عَلَيْهِ فَإِن كَانَ مُحدثا فَهُوَ الْآن متطهر وان كَانَ متطهرا فَهُوَ الْآن مُحدث وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يجب عَلَيْهِ الْوضُوء بِكُل حَال قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله وَهُوَ الْأَصَح لتساوي حَالهمَا وَذكر فِيهِ وَجه آخر أَنه يتَمَسَّك بِالْأَصْلِ فَإِن كَانَ مُحدثا فَهُوَ مُحدث وَإِن كَانَ متطهرا فَهُوَ متطهر وَلَيْسَ بِشَيْء فصل يحرم على الْمُحدث مس الْمُصحف وَحمله على غير طَهَارَة وَهُوَ قَول مَالك وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجوز لَهُ حمله فِي غلافه وبعلاقته

على غير طَهَارَة وَهُوَ قَول مَالك وَلَا يجوز لَهُ مس أوراقه وَبِه قَالَ أَحْمد وَحَكَاهُ ابْن الْمُنْذر عَن الحكم وَعَطَاء وَقَالَ الخراسانيون من أَصْحَاب أبي حنيفَة لَا يجوز لَهُ مس مَوضِع الْكِتَابَة وَيجوز لَهُ مس مَا سوى ذَلِك وَقَالَ دَاوُد كل ذَلِك جَائِز إِذا وضع الْوَرق بَين يدين وَكتب الْقُرْآن فِيهِ وَهُوَ مُحدث جَازَ وَحكي فِيهِ وَجه آخر أَنه لَا يجوز وَلَيْسَ بِصَحِيح فَإِن حمل صندوق الْمَتَاع وَفِيه مصحف جَازَ وَحكي فِيهِ وَجه آخر أَنه لَا يجوز وَلَيْسَ بِصَحِيح

وَفِي حمل الصّبيان الألواح الَّتِي يَكْتُبُونَ عَلَيْهَا الْقُرْآن على غير طَهَارَة وَجْهَان وَفِي حمل الدَّرَاهِم الآحادية وَالثيَاب المطرزة بآيَات من الْقُرْآن وَكتب الْفِقْه وفيهَا آيَات من الْقُرْآن على غير طَهَارَة وَجْهَان أصَحهمَا جَوَاز ذَلِك وَقيل فِي تَفْسِير الْقُرْآن إِنَّه إِن كَانَ الْقُرْآن أَكثر حرم حمله وَإِن كَانَ التَّفْسِير أَكثر فعلى الْوَجْهَيْنِ وَلَا اعْتِبَار بِالْكَثْرَةِ عِنْدِي فِي ذَلِك وَإِنَّمَا الِاعْتِبَار بِالْمَقْصُودِ وَقيل إِن كَانَ قد كتب الْقُرْآن فِي سطر بِخَط غليظ وَتَفْسِيره تَحْتَهُ فِي سطر لم يجز حمله وَإِن لم يتَمَيَّز عَنهُ فِي الْخط كره وَهَذَا لَا معنى لَهُ فَإِنَّهُ إِن لم يكن قد ترك من الْقُرْآن شَيْئا فِي نظمه فَهُوَ مصحف أبدع فِيهِ وَإِن كَانَ على مَوضِع من بدنه نَجَاسَة وَهُوَ على طَهَارَة فمس الْمُصحف بِغَيْرِهِ جَازَ وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم الصَّيْمَرِيّ من أَصْحَابنَا لَا يجوز

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب الاستطابة يحرم اسْتِقْبَال الْقبْلَة واستدبارها لقَضَاء الْحَاجة فِي الصَّحرَاء وَيجوز فِي الْبُنيان وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ وَرُوِيَ ذَلِك عَن الْعَبَّاس وَعبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُم

وَقَالَ دَاوُد يجوز الِاسْتِقْبَال والاستدبار فِي المكانين وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري لَا يجوز الِاسْتِقْبَال فِي المكانين وَعنهُ فِي الاستدبار رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا يجوز وَالثَّانيَِة لَا يجوز فيهمَا وَرُوِيَ مثل ذَلِك عَن أَحْمد وَرُوِيَ عَن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ الْمَنْع مِنْهُمَا فِي المكانين جَمِيعًا وَهُوَ قَول النَّخعِيّ

وَحكي عَن بعض أَصْحَاب مَالك أَنه ذكر فِي الْجِمَاع مُسْتَقْبل الْقبْلَة اخْتِلَافا بَين أَصْحَاب مَالك فَقَالَ ابْن الْقَاسِم لَا بَأْس بِهِ وَقَالَ ابْن حبيب يكره وَعِنْدِي أَنه لَا يتَصَوَّر هَذَا الحكم فِي الْجِمَاع والاستنجاء وَاجِب من الْبَوْل وَالْغَائِط وَبِه قَالَ أَحْمد وَدَاوُد وَمَالك فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ

وَقَالَ أَبُو حنيفَة الِاسْتِنْجَاء غير وَاجِب وَهُوَ الرِّوَايَة الثَّانِيَة عَن مَالك ويحكى عَن الْمُزنِيّ وَقدر أَبُو حنيفَة النَّجَاسَة الَّتِي تصيب الثَّوْب وَالْبدن فِي الْعُضْو بِقدر الدِّرْهَم البغلي اعْتِبَارا بِمحل النجو عِنْدهم فَإِن خرجت مِنْهُ بَعرَة يابسة أَو حَصَاة أَو دودة لَا رُطُوبَة مَعهَا لم يجب مِنْهَا الِاسْتِنْجَاء فِي أصح الْقَوْلَيْنِ فَإِن تَوَضَّأ قبل أَن يستنجي صَحَّ وضوؤه ويستنجي بعده بِالْحجرِ وَإِن تيَمّم قبل أَن يستنجي لم يَصح تيَمّمه فِي أصح الْقَوْلَيْنِ وَالْقَوْل الثَّانِي أَنه يَصح حَكَاهُ الرّبيع قَالَ أَبُو إِسْحَاق هَذَا من كيسه وَإِن كَانَ على بدنه نَجَاسَة فِي غير مَحل النجو فَتَيَمم قبل غسلهَا لم يَصح تيَمّمه فِي أصح الْوَجْهَيْنِ وَقَالَ أَبُو عَليّ فِي الإفصاح يَصح قولا وَاحِدًا

وَإِذا أَرَادَ الِاسْتِنْجَاء من الْغَائِط وَلم يُجَاوز الْموضع الْمُعْتَاد فَالْأَفْضَل أَن يجمع بَين المَاء وَالْحجر فَإِن اقْتصر على احدهما فالماء أولى وَإِن اقْتصر على الْحجر جَازَ وَيلْزمهُ فِيهِ الإنقاء حَتَّى لَا يبْقى إِلَّا أثر لاصق لَا يُزِيلهُ إِلَّا المَاء وَاسْتِيفَاء ثَلَاث مسحات وَبِه قَالَ أَحْمد وَقَالَ دَاوُد الْوَاجِب الإنقاء دون الْعدَد أَبُو حنيفَة يَقُول الِاسْتِنْجَاء مُسْتَحبّ وَلَا يسْتَحبّ فِيهِ الْعدَد وَفِي كَيْفيَّة الِاسْتِنْجَاء وَجْهَان قَالَ أَبُو عَليّ بن أبي هُرَيْرَة يضع حجرا على مقدم الصفحة الْيُمْنَى ويمره إِلَى مؤخرها ثمَّ يديره إِلَى الصفحة الْيُسْرَى ويمره عَلَيْهَا إِلَى الْموضع الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ وَيَأْخُذ الثَّانِي فيمره من مقدم الصفحة الْيُسْرَى ويمره إِلَى مؤخرها ويديرها إِلَى الْيُمْنَى على مَا ذَكرْنَاهُ وَيَأْخُذ الثَّالِث فيمره على الصفحتين والمسربة وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق يَأْخُذ حجرين للصفحتين وحجرا للمسربة وَالْأول أصح وَإِن كَانَ يستنجي من الْبَوْل أمسك ذكره بيساره ومسحه على الْحجر وَحكي عَن بعض أَصْحَابنَا أَنه يَأْخُذ ذكره بِيَمِينِهِ وَالْحجر بيساره فيمسحه بِهِ

فصل ويجوز الاستنجاء بالحجر وما يقوم مقامه

قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله الثّيّب وَالْبكْر سَوَاء وَهَذَا صَحِيح وَالْوَاجِب أَن تغسل مَا يظْهر من فرجهَا عِنْد جلوسها وَذَلِكَ دون الْبكارَة وَحكي عَن بعض أَصْحَابنَا أَنه قَالَ الثّيّب تغسل بَاطِن فرجهَا فَلَا يَصح أَن تستنجي بِالْحجرِ وَهَذَا خلاف نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله وَذكر فِي الْخُنْثَى الْمُشكل أَنه لَا يجوز أَن تستنجي بِالْحجرِ قَالَ الإِمَام أَبُو بكر وَعِنْدِي أَن هَذَا يَنْبَنِي على الْوَجْهَيْنِ فِيهِ إِذا انْفَتح مخرج آخر مَعَ بَقَاء الْمخْرج الْمُعْتَاد فَإِن هَذَا الْفرج الزَّائِد الَّذِي يخرج مِنْهُ بَوْل لَا يكون دون هَذَا الَّذِي انْفَتح وَيخرج مِنْهُ الْخَارِج فصل وَيجوز الِاسْتِنْجَاء بِالْحجرِ وَمَا يقوم مقَامه وَهُوَ كل جامد طَاهِر منقي لَا حُرْمَة لَهُ لَيْسَ بِجُزْء من حَيَوَان

فَإِن استنجى بِشَيْء نجس لم يَصح وَلَزِمَه أَن يستنجي بعده بِالْمَاءِ وَلَا يُجزئهُ الْحجر وَفِيه وَجه آخر أَنه يُجزئهُ الْحجر بعده وَقَالَ أَبُو حنيفَة يَصح الِاسْتِنْجَاء بالجامد النَّجس وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ فِي الْحجر الْمُسْتَعْمل بعد الإنقاء لِاسْتِيفَاء الْعدَد أَنه لَا يجوز الِاسْتِنْجَاء بِهِ كَالْمَاءِ الْمُسْتَعْمل وَلَيْسَ بِشَيْء وَلَا يَصح الِاسْتِنْجَاء بِالطَّعَامِ وَالْعِظَام وَمَا لَهُ حُرْمَة وَقَالَ مَالك إِذا كَانَ ظَاهرا جَازَ الِاسْتِنْجَاء بِهِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة يَصح الِاسْتِنْجَاء بالعظم فَإِن استنجى بِجُزْء من حَيَوَان كذنب حمَار لم يَصح فِي أحد الْوَجْهَيْنِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله

وَالثَّانِي يَصح وَاخْتَارَهُ فِي الْحَاوِي وَحكي عَن أبي عَليّ بن خيران أَنه أجَاز أَن يستنجي بكف نَفسه كَمَا يجوز أَن يستنجي بكف غَيره وَإِن استنجى بجلد مذكى غير مَذْبُوح لم يَصح فِي أظهر الْقَوْلَيْنِ فَإِن جَاوز الْخَارِج الْموضع الْمُعْتَاد إِلَى بَاطِن الألية أَجزَأَهُ فِيهِ إِلَّا المَاء وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يجوز الْحجر فِي أظهر الْقَوْلَيْنِ وَالثَّانِي لَا يجزىء فِيهِ إِلَّا المَاء وَإِن خرج إِلَى ظَاهر الألية لم يُجزئهُ إِلَّا المَاء وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يجوز أَن يسْتَعْمل فِي ظَاهر الألية المَاء وَفِي الْبَاطِن الْحجر فَأَما الْبَوْل فقد قَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي إِذا جَاوز الْمخْرج الْمُعْتَاد لم يجز فِيهِ إِلَّا المَاء

وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ هُوَ بِمَنْزِلَة الْغَائِط فَإِذا لم يُجَاوز الْحَشَفَة كَانَ فِيهِ قَولَانِ وَإِن كَانَ الْخَارِج نَادرا كَالدَّمِ فَهَل يجزىء فِيهِ الْحجر فِيهِ قَولَانِ فَإِن انسد الْمخْرج الْمُعْتَاد وَانْفَتح مخرج آخر وَقُلْنَا ينْتَقض الْوضُوء بالخارج مِنْهُ فَهَل يجزىء فِيهِ الْحجر فِيهِ وَجْهَان

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب مَا يُوجب الْغسْل وَالَّذِي يُوجب الْغسْل إيلاج الْحَشَفَة فِي الْفرج وإنزال الْمَنِيّ وَالْحيض وَالنّفاس

فالإيلاج يُوجب الْغسْل وَإِن لم يتَّصل بِهِ إِنْزَال وَقَالَ دَاوُد لَا يُوجب الْغسْل بِحَال وَرُوِيَ ذَلِك عَن أبي بن كَعْب فِي آخَرين من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وَقيل إِنَّهُم رجعُوا عَن ذَلِك وَلَا فرق بَين فرج الْآدَمِيَّة والبهيمة وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجب الْغسْل بالإيلاج فِي فرج الْبَهِيمَة وَالْميتَة إِذا لف على ذكره خرقه وأولجه فِي الْفرج حَتَّى جَاوز حد الْخِتَان وَجب الْغسْل عَلَيْهِمَا فِي أحد الْوَجْهَيْنِ وَالثَّانِي أَنه لَا غسل فِيهِ وَكَانَ أَبُو الْفَيَّاض يَقُول إِن كَانَت الْخِرْقَة خَفِيفَة وَجب الْغسْل وَإِن كَانَت صفيقة تمنع وُصُول اللَّذَّة لم يجب وَالْأول أصح

فَإِن كَانَ مَقْطُوع الذّكر من حد الْخِتَان تعلق الْغسْل بالإيلاج جَمِيع مَا بَقِي وَفِيه وَجه آخر أَنه إِذا غيب من الْبَاقِي الْحَشَفَة وَجب الْغسْل وإنزال الْمَنِيّ يُوجب الْغسْل بدفق وَغير دفق وَقَالَ إبو حنيفَة وَمَالك وَأحمد إِذا خرج الْمَنِيّ بِغَيْر دفق وشهوة لم يُوجب الْغسْل وَلَا يجب الْغسْل بالمني من غير خُرُوج من الذّكر وَقَالَ أَحْمد إِذا انْتقل الْمَنِيّ من الظّهْر إِلَى الاحليل وَجب الْغسْل وَإِن لم يخرج إِذا استدخلت الْمَرْأَة الْمَنِيّ ثمَّ خرج لم يجب عَلَيْهَا الْغسْل وَحكي عَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه قَالَ يجب عَلَيْهَا بِخُرُوجِهِ الْغسْل والمذي مَاء رَقِيق لزج يخرج بِأَدْنَى شَهْوَة وَلَا يُوجب الْغسْل

وَقَالَ أَحْمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ إِنَّه يجب عَلَيْهِ غسل الذّكر والأنثيين من الْمَذْي وَقَالَ مَالك يغسل الذّكر مِنْهُ فَإِن خرج مِنْهُ مَا يشبه الْمَنِيّ وَيُشبه الْمَذْي وَلم يتَمَيَّز لَهُ وَجب مِنْهُ الْوضُوء وَقيل يُخَيّر بَين أَن يَجعله منيا فيغتسل مِنْهُ وَبَين أَن يَجعله مذيا فيتوضأ مِنْهُ وَيغسل الثَّوْب مِنْهُ وَقَالَ الشَّيْخ الإِمَام أَبُو إِسْحَاق رَحمَه الله يجب أَن يتَوَضَّأ مُرَتبا وَيغسل سَائِر بدنه وَيغسل الثَّوْب مِنْهُ احْتِيَاطًا وَالْأول أظهر رَجَعَ إِلَيْهِ الْقفال بعد مَا كَانَ يَقُول بِغَيْرِهِ فَإِن اغْتسل ثمَّ خرج مِنْهُ مني وَجب عَلَيْهِ أَن يغْتَسل ثَانِيًا سَوَاء خرج قبل الْبَوْل أَو بعده وَقَالَ مَالك وَأحمد وَأَبُو يُوسُف يُجزئهُ الْغسْل الأول بِكُل حَال وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِن خرج مِنْهُ قبل الْبَوْل فَلَا غسل عَلَيْهِ

وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن خرج قبل الْبَوْل فَعَلَيهِ الْغسْل لِأَنَّهُ بَقِيَّة مني خرج مِنْهُ بدفق وشهوة وَإِن خرج بعد الْبَوْل فَلَا غسل وَعَن مَالك فِي وجوب الْوضُوء من هَذَا المنى رِوَايَتَانِ وَالْحيض وَالنّفاس يوجبان الْغسْل فَإِن ولدت الْمَرْأَة وَلم تَرَ نفاسا فَلَا غسل عَلَيْهَا فِي أصح الْوَجْهَيْنِ فَإِن أسلم وَلم يكن قد وَجب عَلَيْهِ غسل فِي حَال الشّرك فَلَا غسل عَلَيْهِ وَيسْتَحب أَن يغْتَسل وَقَالَ مَالك وَأحمد يجب عَلَيْهِ الْغسْل بِالْإِسْلَامِ وَيحرم عَلَيْهِ بالجنابة وَالْحيض قِرَاءَة الْقُرْآن وَحكي أَبُو ثَوْر عَن الشَّافِعِي رَحمَه الله أَنه يجوز للحائض أَن تقْرَأ وَهُوَ قَول مَالك فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَقَالَ مَالك أَيْضا يقْرَأ الْجنب آيَات يسيرَة

وَأنكر أَصْحَابنَا مَا ذكر من الرِّوَايَة عَن الشَّافِعِي رَحمَه الله وَحكي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ يقْرَأ ورده وَهُوَ جنب وَحكي عَن سعيد بن الْمسيب أَنه سُئِلَ أيقرأ الْجنب قَالَ نعم أَلَيْسَ هُوَ فِي جَوْفه وَهُوَ قَول دَاوُد وَاخْتَارَهُ بن الْمُنْذر وَقَالَ ابو حنيفَة وَاحْمَدْ يقْرَأ مَا دون الْآيَة وَعَن الْأَوْزَاعِيّ أَنه قَالَ يقْرَأ آيَة النُّزُول وَالرُّكُوب كَقَوْلِه {وَقل رب أنزلني منزلا مُبَارَكًا وَأَنت خير المنزلين} و {سُبْحَانَ الَّذِي سخر لنا هَذَا} وَيحرم بالجنابة اللّّبْث فِي الْمَسْجِد وَلَا يحرم العبور وَبِه قَالَ عَطاء وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك لَا يجوز لَهُ العبور وَقَالَ أَحْمد إِذا تَوَضَّأ يجوز لَهُ اللّّبْث فِيهِ

وَقَالَ دَاوُد يجوز لَهُ اللّّبْث من غير وضوء وَاخْتَارَهُ ابْن الْمُنْذر وَأما الْحَائِض فَظَاهر كَلَام الشَّافِعِي رَحمَه الله أَنه لَا يجوز لَهَا العبور وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق إِن أمنت تلويث الْمَسْجِد بالاستيثاق فِي الشد جَازَ لَهَا العبور وَكَلَام الشَّافِعِي رَحمَه الله مَحْمُول عَلَيْهِ إِذا لم تأمن تلويث الْمَسْجِد

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب صفة الْغسْل إِذا أَرَادَ الْغسْل من الْجَنَابَة فَإِنَّهُ يُسَمِّي الله عز وَجل وَيَنْوِي الْغسْل من الْجَنَابَة أَو الْغسْل لأمر لَا يستباح إِلَّا بِالْغسْلِ كَقِرَاءَة الْقُرْآن وَيغسل كفيه ثَلَاثًا قبل إدخالهما الْإِنَاء ثمَّ يغسل مَا على فرجه من أَذَى ثمَّ يتَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة ثمَّ يدْخل أَصَابِعه الْعشْر فِي المَاء فيغرف غرفَة يخلل بهَا أصُول شعره من رَأسه ولحيته ثمَّ يحثي على رَأسه ثَلَاث حثيات من مَاء ثمَّ يفِيض المَاء على سَائِر جسده ويمر يَدَيْهِ على مَا يقدر عَلَيْهِ من بدنه ثمَّ يتَحَوَّل من مَكَانَهُ فَيغسل قَدَمَيْهِ وَالْوَاجِب من ذَلِك النِّيَّة وإيصال المَاء إِلَى جَمِيع الشّعْر والبشرة وَغسل نَجَاسَته إِن كَانَت عَلَيْهِ وَمَا سوى ذَلِك مِنْهُ وَحكي عَن مَالك أَنه قَالَ إمرار الْيَد إِلَى حَيْثُ تناله من بدنه وَاجِب وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ

وَحكي عَن دَاوُد أَنه قَالَ يجب عَلَيْهِ الْوضُوء وَالْغسْل جَمِيعًا عَن الْجَنَابَة الْمُجَرَّدَة بِأَن ينظر بِشَهْوَة فَينزل الْمَنِيّ فَأَما إِذا وجد مِنْهُ جَنَابَة وَحدث فمنصوص الشَّافِعِي رَحمَه الله أَنه يدْخل الْوضُوء فِي الْغسْل فيجزئه الْغسْل لَهما وَهُوَ قَول مَالك وَفِيه وَجه آخر أَنه يلْزمه أَن يتَوَضَّأ ويغتسل وَفِيه وَجه ثَالِث أَنه يقْتَصر على الْغسْل غير أَنه يلْزمه أَن يَنْوِي الْحَدث والجنابة فَإِن غسل أَعْضَاء وضوئِهِ من الْجَنَابَة ثمَّ أحدث لزمَه الْوضُوء مُرَتبا وَذكر فِي الْحَاوِي وَجها آخر أَنه مُخَيّر بَين أَن يتَوَضَّأ وَبَين أَن يغْتَسل فِي جَمِيع بدنه غسلا وَاحِدًا فيجزئه عَن الْجَنَابَة وَالْحَدَث وَهل يلْزمه أَن يرتب أَعْضَاء وضوئِهِ فِيهِ وَجْهَان فَإِن اجْتمع على الْمَرْأَة جَنَابَة وحيض كفاها لَهما غسل وَاحِد وَحكي عَن دَاوُد أَنَّهَا تحْتَاج إِلَى غسلين وَغسل الْمَرْأَة كَغسْل الرجل إِلَّا أَن الْغَالِب كَثْرَة شعرهَا فتحتاج أَن تغمره بِالْمَاءِ فَإِن كَانَ يصل إِلَى جَمِيعه من غير نقض لم يلْزمه نقضه

وَقَالَ النَّخعِيّ يلْزمهَا نقضه بِكُل حَال وَحكي عَن أَحْمد أَنه قَالَ الْحَائِض تنقض شعرهَا وَفِي الْجَنَابَة لَا تنقضه وَبِأَيِّ مَوضِع بدا من بدنه فِي غسله جَازَ وَحكي عَن إِسْحَاق ابْن رَاهَوَيْه أَنه قَالَ يبْدَأ بأعالي بدنه وَإِن اغْتسل الْجنب وعَلى مَوضِع من بدنه نَجَاسَة فاستهلكها المَاء فِي غسله هَل يرْتَفع حَدثهُ بِتِلْكَ الغسلة عَن ذَلِك الْمحل فِيهِ وَجْهَان فَإِن انغمس فِي مَاء يبلغ قُلَّتَيْنِ يَنْوِي بِهِ غسل الْجَنَابَة لم يصر مُسْتَعْملا

وَإِن كَانَ أقل من قُلَّتَيْنِ صَار مُسْتَعْملا وَصَحَّ غسله فِي أحد الْوَجْهَيْنِ فَإِن اغترف المَاء بِيَدِهِ من الْإِنَاء ليغسلها لم يصر مُسْتَعْملا فِي أصح الْوَجْهَيْنِ وَقيل يصير مُسْتَعْملا فَإِن غمس يَده أَو غَيرهَا من الْأَعْضَاء فِي الْإِنَاء قبل غسلهَا لم ينجس المَاء وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِذا أَدخل يَده لم ينجس المَاء وَإِن أَدخل غَيرهَا من الْأَعْضَاء ينجس وَيجوز للرجل أَن يتَوَضَّأ بِفضل الْمَرْأَة فِي الْإِنَاء وَحكي عَن أَحْمد أَنه قَالَ لَا يجوز للرجل أَن يتَوَضَّأ بِفضل الْمَرْأَة إِذا خلت بِهِ

وَفِي رِوَايَة أُخْرَى أَنه يكره وَيسْتَحب أَن لَا ينقص فِي وضوئِهِ عَن مد وَفِي غسله من صَاع فَإِن كَفاهُ أقل من ذَلِك أَجزَأَهُ وَحكي عَن مُحَمَّد بن الْحسن أَنه قَالَ لَا يُمكن المغتسل ان يعمم جَمِيع بدنه بِأَقَلّ من صَاع وَلَا المتوضىء أَن يسبغ بِأَقَلّ من مد وَهَذَا فَاسد

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب التَّيَمُّم يجوز التَّيَمُّم عَن الْحَدث الْأَصْغَر والأكبر وَرُوِيَ عَن عمر وَعبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَالَا لَا يجوز للْجنب ان يتَيَمَّم

وَقيل إنَّهُمَا رجعا عَن ذَلِك وَحكي عَن النَّخعِيّ أَن الْجنب يُؤَخر الصَّلَاة حَتَّى يجد المَاء رَوَاهُ ابْن الْمُنْذر وَلَا يجوز التَّيَمُّم عَن النَّجَاسَة وَقَالَ أَحْمد يجوز وَالتَّيَمُّم مسح الْوَجْه وَالْيَدَيْنِ مَعَ الْمرْفقين بِالتُّرَابِ بضربتين أَو أَكثر وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَحكي عَن الشَّافِعِي رَحمَه الله أَنه قَالَ فِي الْقَدِيم إِن التَّيَمُّم فِي الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ وَلَيْسَ بِمَشْهُور عَنهُ وَهُوَ قَول أَحْمد وَدَاوُد وَهُوَ رِوَايَة

عَن مَالك وَعِنْدهم يقْتَصر فيهمَا على ضَرْبَة وَاحِدَة وَعِنْدنَا يحْتَاج إِلَى ضربتين وَقَالَ الزُّهْرِيّ يمسح الْيَد إِلَى الْإِبِط وَحكي عَن ابْن سِيرِين انه قَالَ لَا يُجزئهُ أقل من ثَلَاث ضربات ضَرْبَة للْوَجْه وضربة للكفين وضربة للذراعين وَلَا يَصح التَّيَمُّم إِلَّا بِتُرَاب طَاهِر لَهُ غُبَار يعلق بِالْيَدِ وَبِه قَالَ أَحْمد وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك يجوز التَّيَمُّم بِكُل مَا كَانَ من جنس

الأَرْض وَلَا يعْتَبر أَن يعلق بِالْيَدِ غُبَار حَتَّى قَالَ مَالك يَصح التَّيَمُّم بالثلج وَحكي عَنهُ أَنه قَالَ يَصح التَّيَمُّم بِكُل مَا كَانَ مُتَّصِلا بِالْأَرْضِ من النَّبَات وَقَالَ أَبُو يُوسُف يجوز التَّيَمُّم بِالتُّرَابِ والرمل وَهُوَ قَول الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي الْقَدِيم وَحكي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ لَا يجوز التَّيَمُّم إِلَّا بِتُرَاب عذب تُرَاب الْحَرْث وَبِه قَالَ إِسْحَاق فَإِن ضرب يَده على ثِيَابه فعلق بهَا غُبَار فَتَيَمم بِهِ صَحَّ تيَمّمه وَقَالَ ابو مُوسَى لَا يَصح وَحكي أَيْضا عَن مَالك وَحكي عَن دَاوُد أَن التُّرَاب إِن كَانَ قد تغير بِالنَّجَاسَةِ لم يجز التَّيَمُّم بِهِ وَإِن لم يتَغَيَّر جَازَ وَلَا يجوز التَّيَمُّم بِتُرَاب خالطه دَقِيق أَو جص وَحكي فِيهِ وَجه آخر أَنه يجوز إِذا كَانَ التُّرَاب غَالِبا وَلَا يَصح التَّيَمُّم بِتُرَاب مُسْتَعْمل فِي التَّيَمُّم

فصل ولا يصح التيمم إلا بالنية

وَقَالَ أَصْحَاب أبي حنيفَة يجوز وَهُوَ وَجه لبَعض أَصْحَابنَا وَمَا تناثر من الْعُضْو مُسْتَعْمل وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ الْمُسْتَعْمل مَا بَقِي على الْعُضْو دون مَا تناثر عَنهُ فَإِن أحرق الطين الْخُرَاسَانِي فَتَيَمم بمدقوقه صَحَّ فِي أحد الْوَجْهَيْنِ فصل وَلَا يَصح التَّيَمُّم إِلَّا بِالنِّيَّةِ فينوي اسْتِبَاحَة الصَّلَاة فَإِن نوى بِهِ رفع الْحَدث لم يَصح تيَمّمه فِي أصح الْوَجْهَيْنِ وَحكي عَن بعض أَصْحَاب أبي حنيفَة أَن التَّيَمُّم يرفع الْحَدث وَلَا بُد فِي اسْتِبَاحَة الْفَرِيضَة من نِيَّة التَّيَمُّم للْفَرض وَهُوَ قَول مَالك وَأحمد وَهل يفْتَقر إِلَى تعْيين الْفَرْض من ظهر أَو عصر فِيهِ وَجْهَان

وَحكي فِيهِ قَول آخر أَنه يستبيح االفريضة بنية التَّيَمُّم للصَّلَاة الْمُطلقَة والنافلة حَكَاهُ الشَّيْخ الإِمَام أَبُو إِسْحَاق عَن ابي حَاتِم الْقزْوِينِي عَن أبي يَعْقُوب الأبيوردي عَن الْإِمْلَاء فَإِن تيَمّم للفريضة يعْتَقد انه مُحدث فَذكر أَنه كَانَ جنبا صَحَّ تيَمّمه وَقَالَ مَالك لَا يَصح تيَمّمه وَبِه قَالَ أَحْمد وَحكى ابْن الْقصار عَن مَالك أَنه يَصح تيَمّمه وَمَوْضِع الْخلاف أَن يكون ذَاكِرًا للجنابة وَالْحَدَث فينوي اسْتِبَاحَة الصَّلَاة من الْحَدث وَفِي ذَلِك عَن مَالك رِوَايَتَانِ وَإِن تيَمّم للْفَرض استباح بِهِ النَّفْل قبل الْفَرْض وَبعده وَفِيه قَول آخر أَنه لَا يجوز أَن يُصَلِّي بِهِ النَّفْل قبل الْفَرْض وَيجوز بعده وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَإِن تيَمّم للنفل جَازَ أَن يُصَلِّي بِهِ على الْجِنَازَة نَص عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيّ

وَفِيه وَجه آخر أَنه لَا يجوز مخرج من الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ على جنازتين بِتَيَمُّم وَاحِد وَإِن نوى التَّيَمُّم لمس الْمُصحف أَو لقِرَاءَة الْقُرْآن أَو للْوَطْء استباح مَا نَوَاه وَهل يستبيح بِهِ النَّفْل فِيهِ وَجْهَان فَإِن شكّ هَل عَلَيْهِ فَائِتَة أم لَا فَتَيَمم يَنْوِي الْفَائِتَة ثمَّ تذكر أَنَّهَا عَلَيْهِ فقد قيل إِنَّه لَا يجوز أَن يُصليهَا بِهِ وَفِي هَذَا عِنْدِي نظر فَإِن تيَمّم لفوائت جَازَ لَهُ أَن يُصَلِّي وَاحِدَة مِنْهَا فِي أصح الْوَجْهَيْنِ فَإِذا أَرَادَ التَّيَمُّم سمى الله عز وَجل وَنوى وَضرب يَدَيْهِ على التُّرَاب فَإِن كَانَ التُّرَاب نَاعِمًا كَفاهُ وضع الْيَد وَمسح من وَجهه الْبشرَة الظَّاهِرَة وَظَاهر الشّعْر على الصَّحِيح من الْمَذْهَب وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يجب إِيصَال التُّرَاب إِلَى بَاطِن الشُّعُور الْأَرْبَعَة كَمَا يجب فِي الْوضُوء ثمَّ يضْرب ضَرْبَة أُخْرَى فيمسح يَدَيْهِ

فَيَضَع بطُون اصابع يَده الْيُسْرَى على ظُهُور أَصَابِع يَده الْيُمْنَى ويمرها على ظهر الْكَفّ فَإِذا بلغ الْكُوع جعل أَطْرَاف أَصَابِعه على حرف الذِّرَاع ثمَّ يمرها إِلَى الْمرْفق ثمَّ يُدِير بطن كَفه إِلَى بَاطِن الذِّرَاع ويمره عَلَيْهِ وَيرْفَع إبهامه فَإِذا بلغ الْكُوع أَمر بَاطِن إِبْهَام يَده الْيُسْرَى على ظَاهر إِبْهَام يَده الْيُمْنَى ثمَّ يمسح بكفه الْيُمْنَى يَده الْيُسْرَى كَذَلِك ثمَّ يمسح إِحْدَى الراحتين بِالْأُخْرَى وَحكى الْحسن بن زِيَاد عَن ابي حنيفَة أَنه إِذا مسح أَكثر وَجهه وَأكْثر يَدَيْهِ أَجزَأَهُ فَإِن أَمر غَيره حَتَّى يممه وَنوى هُوَ أَجزَأَهُ وَقَالَ ابْن الْقَاص فِي التَّلْخِيص لَا يُجزئهُ قلته تخريجا

وَإِن سفت الرّيح على وَجهه تُرَابا عَمه فَأمر يَده على وَجهه لم يجزه وَبِه قَالَ ابْن الْقَاص وَأَبُو على الطَّبَرِيّ وَقَالَ القَاضِي أَبُو حَامِد هَذَا إِذا لم يصمد للريح فَأَما إِذا صَمد للريح وَنوى أَجزَأَهُ والتكرار فِي التَّيَمُّم غير مُسْتَحبّ فَأَما إِذا أَرَادَ تَجْدِيد التَّيَمُّم لنافلة بعد الْفَرِيضَة ذكر الْقفال أَن ذَلِك لَا يتَصَوَّر بِحكم الْعَدَم وَيتَصَوَّر فِي الجريح فَيُسْتَحَب التَّجْدِيد فِي المغسول وَهل يسْتَحبّ فِي التَّيَمُّم

للنافلة فِيهِ وَجْهَان وَيَنْبَغِي أَن يسْتَحبّ التَّجْدِيد بِحكم الْعَدَم للنافلة والنافلة ايضا فصل وَلَا يَصح التَّيَمُّم للمكتوبة قبل دُخُول وَقتهَا وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجوز ذَلِك وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ إِذا لم ينْعَقد تيَمّمه للْفَرض قبل دُخُول الْوَقْت فَهَل ينْعَقد للنفل فِيهِ وَجْهَان بِنَاء على من أحرم بِالظّهْرِ قبل الزَّوَال لم ينْعَقد الْفَرْض وَهل تَنْعَقِد نَافِلَة فِيهِ قَولَانِ وَهَذَا خلاف نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي الْبُوَيْطِيّ فَإِن تيَمّم للصَّلَاة على الْمَيِّت قبل غسله فَهَل يَصح تيَمّمه فِيهِ وَجْهَان

أصَحهمَا أَنه لَا يَصح وَلَا يجوز التَّيَمُّم إِلَّا للعادم للْمَاء أَو الْخَائِف من اسْتِعْمَاله وَقَالَ ابو حنيفَة يجوز التَّيَمُّم مَعَ وجود المَاء لصَلَاة الْجِنَازَة والعيد عِنْد خوف فوتهما فَإِن تيَمّم فِي أول الْوَقْت فَهَل يجوز لَهُ تَأْخِير الصَّلَاة إِلَى آخر الْوَقْت ليصليها بِهِ فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا يجوز وَهُوَ قَول أبي الْعَبَّاس وَأبي سعيد فَإِن تيَمّم قبل دُخُول الْوَقْت لفائتة فَلم يصلها حَتَّى دخل وَقت الْحَاضِرَة فَهَل يجوز لَهُ فعل الْحَاضِرَة أم لَا قَالَ ابْن الْحداد يجوز وَقَالَ غَيره لَا يجوز وَيجوز أَن يتَيَمَّم فِي أول الْوَقْت وَحكي عَن الزُّهْرِيّ أَنه قَالَ لَا يجوز أَن يتَيَمَّم حَتَّى يخَاف فَوت الْوَقْت قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله وَإِذا تيَمّم لنافلة فِي الْوَقْت الَّذِي نهي عَن الصَّلَاة فِيهِ لم يجزه ذَلِك يُرِيد بِهِ أَنه لَا يُصَلِّي بِهِ نَافِلَة بعد خُرُوج الْوَقْت فَجعله كالتيمم للْفَرض قبل دُخُول وقته وَمن أَصْحَابنَا من بنى صِحَة تيَمّمه فِيهِ على انْعِقَاد نفله وَهَذَا خلاف النَّص

وَلَا يجوز للعادم للْمَاء التَّيَمُّم إِلَّا بعد طلبه فِي مَوَاضِع الطّلب فِي الْعَادة وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا كَانَ مُسَافِرًا وَلم يعلم بِقُرْبِهِ مَاء جَازَ لَهُ التَّيَمُّم إِلَّا أَن يطلع عَلَيْهِ ركب فَإِن بيع مِنْهُ المَاء بِثمن مثله وَهُوَ وَاجِد للثّمن غير مُحْتَاج إِلَيْهِ لزمَه ابتياعه قَالَ أَبُو إِسْحَاق يعْتَبر ثمن مثله فِي مَوْضِعه فِي الْعرف الْجَارِي فِي عَامَّة الْأَحْوَال قَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله يحْتَمل عِنْدِي أَنه إِذا كَانَ مَا طلب مِنْهُ فِي ثمنه هُوَ ثمن مثله فِي ذَلِك الْوَقْت مَعَ ذَلِك الْعَارِض لزمَه الابتياع بِهِ وَلَا يجوز لَهُ التَّيَمُّم وَهَذَا صَحِيح يَقْتَضِيهِ الْمَعْقُول وَالْأُصُول وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ لَيْسَ للْمَاء ثمن وثمنه أُجْرَة نَقله إِلَى ذَلِك الْموضع وَلَيْسَ بِشَيْء وَذكر أَيْضا أَنه إِذا طلب مِنْهُ زِيَادَة على ثمن الْمثل يعْتَبر أَن يزِيد على

مَا يعد غلا فِي الْعَادة فَأَما إِذا كَانَ يَسِيرا بِحَيْثُ لَو اشْترى بِهِ وَكيله سامحه وَرَضي بِهِ لزمَه وَإِن كَانَ لَا يرضى بِهِ لم يلْزمه وَهَذَا لَا يَجِيء على مَذْهَب الشَّافِعِي رَحمَه الله وَإِنَّمَا هُوَ ميل إِلَى قَول مَالك فَإِنَّهُ قَالَ إِذا طلب مِنْهُ زِيَادَة لَا يجحف لزمَه أَن يَشْتَرِي وَإِن بذل لَهُ المَاء بِثمن مثله فِي ذمَّته وَهُوَ غير وَاجِد للثّمن فِي مَوْضِعه وَوجد فِي مَوضِع آخر ذكر الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله أَنه يلْزمه وَذكر أقضى الْقُضَاة الْمَاوَرْدِيّ أَنه لَا يلْزمه قَالَ الشَّيْخ الإِمَام أيده الله وَهَذَا عِنْدِي أصح فَإِن كَانَ عِنْده بِئْر وَلَيْسَ مَعَه حَبل وَلَا دلو ووجدهما على غَيره بِثمن الْمثل أَو أُجْرَة الْمثل لزمَه الطَّهَارَة

وَإِن أعبير مِنْهُ دلو أَو حَبل وَكَانَ ثمنه بِقدر ثمن المَاء لزمَه قبُول الْعَارِية وَإِن كَانَ ثمنه أَكثر فَهَل يلْزمه قبُول الْعَارِية فِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا عِنْدِي وجوب الْقبُول وَإِن لم يُمكنهُ استقاء المَاء إِلَّا أَن يُدْلِي ثوبا تنقص قِيمَته إِذا ابتل فَإِن كَانَ نقصانه لَا يزِيد على ثمن المَاء لزمَه أَن يَسْتَقِي بِهِ وَإِن زَاد لم يلْزمه وَإِن كَانَ مَعَه ثوب إِذا شقَّه نِصْفَيْنِ وصل إِلَى المَاء وَلكنه ينقص قِيمَته بالشق فقد ذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله إِنَّه إِذا كَانَ النُّقْصَان لَا يزِيد على أُجْرَة الرشا لزمَه فعل ذَلِك وَإِن كَانَ يزِيد لم يلْزمه فَاعْتبر الْأُجْرَة وَفِيمَا ذكرته قبله عَن أَصْحَابنَا اعْتِبَار الثّمن وَقد ذكرُوا أَيْضا أَن الرشا إِذا بذل لَهُ بِثمن مثله لزمَه قبُوله وَرُبمَا كَانَ بَينهمَا تفَاوت قَالَ الشَّيْخ الإِمَام أيده الله وَالصَّوَاب أَن يُقَال ينظر إِلَى أَكثر ذَلِك إِذا لم ينْفق فَإِذا كَانَ النَّقْص لَا يزِيد على أَكثر وَاحِد مِنْهُمَا وَإِن زَاد على الأجرتين لزمَه احْتِمَاله فَإِن كَانَ مَعَه مَاء طَاهِر وَمَاء نجس وَخَافَ الْعَطش قَالَ فِي الْحَاوِي لَا يتَيَمَّم وَيسْتَعْمل الطَّاهِر وَيشْرب النَّجس إِذا كَانَ قد دخل عَلَيْهِ وَقت الصَّلَاة

قَالَ الإِمَام أَبُو بكر وَهَذَا فِيهِ نظر لِأَن مَا يحْتَاج إِلَيْهِ للعطش لَا يتَعَلَّق بِهِ فرض الطَّهَارَة فيشرب الطَّاهِر وَيتَيَمَّم وَلَا يشرب النَّجس فَإِن لم يكن على ثِقَة من وجود المَاء فِي آخر الْوَقْت وَلَا على يأس من وجوده فَالْأَفْضَل أَن يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ فِي أول الْوَقْت فِي أصح الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ وَالثَّانِي أَن التَّأْخِير أفضل وَعَن أبي حنيفَة رِوَايَتَانِ كالقولين وَقَالَ الثَّوْريّ التَّأْخِير أفضل بِكُل حَال وَبِه قَالَ أَحْمد

وَقَالَ مَالك يتَيَمَّم الْمَرِيض وَالْمُسَافر فِي وسط الْوَقْت لَا يُؤَخِّرهُ جدا وَلَا يعجله وَحكي عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ فِي الْجنب لَا يجد المَاء يتلوم مَا بَينه وَبَين آخر الْوَقْت فَإِن وجد المَاء وَإِلَّا يتَيَمَّم وَهَكَذَا حكم تَأْخِير الصَّلَاة عَن أول الْوَقْت لأجل الْجَمَاعَة على مَا ذَكرْنَاهُ وَذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَنه إِذا كَانَ عَليّ علم من وجود المَاء فِي آخر الْوَقْت فَفِي جَوَاز التَّيَمُّم فِي أول الْوَقْت قَولَانِ وَلَيْسَ بِصَحِيح فَإِن تيَمّم ثمَّ علم أَن فِي رَحْله مَاء لزمَه إِعَادَة الصَّلَاة وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَأحمد وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ قَالَ أَبُو إِسْحَاق يشبه أَن يكون الشَّافِعِي رَحمَه الله أجَاب بذلك على قَوْله الْقَدِيم إِذا نسي الْقِرَاءَة فِي الصَّلَاة وَقَالَ غَيره يحْتَمل أَن يكون أَرَادَ مَالِكًا أَو أَحْمد

فصل إذا وجد من الماء ما لا يكفيه

وَمن أَصْحَابنَا من حكى طَريقَة أُخْرَى عَن أبي عَليّ بن أبي هُرَيْرَة وَأبي الْفَيَّاض أَنه اخْتِلَاف الرِّوَايَة لاخْتِلَاف الْحَال فَأوجب الْإِعَادَة إِذا كَانَ رَحْله صَغِيرا يُمكن الْإِحَاطَة بِهِ وَحَيْثُ قَالَ فِي رَحْله مَاء قَالَ لَا يُعِيد إِذا كَانَ رَحْله كَبِيرا لَا يُمكن الْإِحَاطَة بِهِ والطريقة الأولى هِيَ الصَّحِيحَة وَإِن كَانَ فِي رَحْله مَاء فأضل رَحْله فَطَلَبه فَلم يجده فَتَيَمم وَصلى لم يلْزمه الْإِعَادَة فِي أحد الْوَجْهَيْنِ قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله إِذا تيَمّم ثمَّ بَان بِقُرْبِهِ بِئْر حَيْثُ يلْزمه الطّلب فَعَلَيهِ الْإِعَادَة نَص عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيّ وَقَالَ فِي الْأُم لَا إِعَادَة عَلَيْهِ وَظَاهره قَولَانِ وَمن أَصْحَابنَا من جعل ذَلِك على حَالين فَحَيْثُ قَالَ لَا إِعَادَة عَلَيْهِ إِذا كَانَت خفيه وَحَيْثُ قَالَ يُعِيد إِذا كَانَ عَلَيْهَا علم ظَاهر فصل إِذا وجد من المَاء مَا لَا يَكْفِيهِ لجَمِيع الْأَعْضَاء لزمَه اسْتِعْمَاله فِي أصح

الْقَوْلَيْنِ وَيتَيَمَّم بعد اسْتِعْمَاله لما بَقِي فِي وَجهه وَيَديه وَبِه قَالَ معمر وَالْقَوْل الثَّانِي أَنه يقْتَصر على التَّيَمُّم وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَدَاوُد وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ كالقولين وَقَالَ عَطاء وَالْحسن الْبَصْرِيّ إِذا وجد من المَاء مَا يَكْفِيهِ لوجهه وَيَديه غسلهمَا بِهِ وأغناه عَن التَّيَمُّم وَقَالَ عَطاء قَصده إِذا كَانَ مَعَه مَا يَكْفِي وَجهه غسله وَمسح يَدَيْهِ بِالتُّرَابِ وأجزأه

فَإِن كَانَ جنبا فَتَيَمم لعدم المَاء وَصلى فَرِيضَة ثمَّ أحدث وَوجد من المَاء مَا يَكْفِيهِ لأعضاء وضوئِهِ فَإِن قُلْنَا يلْزمه اسْتِعْمَاله فِي الِابْتِدَاء بَطل تيَمّمه وَلَزِمَه اسْتِعْمَاله وَالتَّيَمُّم بعده لما بَقِي وَإِن قُلْنَا لَا يلْزمه اسْتِعْمَاله فقد قَالَ أَبُو الْعَبَّاس بن سُرَيج إِن تَوَضَّأ بِهِ ارْتَفع حَدثهُ وَعَاد إِلَى مَا كَانَ قبله من حكم التَّيَمُّم فَيصَلي النَّفْل وَلَا يُصَلِّي فَرِيضَة وَهَذَا وضوء يستبيح بِهِ النَّفْل دون الْفَرْض فَإِن ترك اسْتِعْمَال هَذَا المَاء وَتيَمّم للْفَرض صَحَّ تيَمّمه واستباح بِهِ فَرِيضَة وَمَا شَاءَ من النَّوَافِل وَإِن تيَمّم للنفل فقد قيل يَصح تيَمّمه قَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيح بل يجب أَن يُقَال لَا يَصح تيَمّمه للنفل وَهَذَا من الْغَرِيب فَإِن لم يجد مَاء وَوجد تُرَابا لَا يَكْفِي وَجهه وَيَديه فَفِي وجوب اسْتِعْمَاله الْقَوْلَانِ وَقيل يجب اسْتِعْمَال قولا وَاحِدًا فَإِن اغْتسل الْجنب فِي جَمِيع بدنه إِلَّا عضوا مِنْهُ لم يجد لَهُ مَاء فَتَيَمم عَنهُ ثمَّ أحدث ثمَّ تيَمّم ثَانِيًا ليُصَلِّي فَوجدَ مَا يَكْفِي لذَلِك الْعُضْو بني على الْقَوْلَيْنِ فِيهِ إِذا لم يجد ابْتِدَاء غير ذَلِك الْقدر فَإِن قُلْنَا لَا يلْزمه

اسْتِعْمَاله غسل بِهِ الْعُضْو الَّذِي بَقِي وتيممه صَحِيح وَإِن قُلْنَا لَا يلْزمه اسْتِعْمَاله بَطل تيَمّمه هَا هُنَا قَالَ الشَّيْخ الإِمَام أيده الله وَعِنْدِي أَنه يلْزمه اسْتِعْمَاله فِي الْعُضْو الْبَاقِي من الْجَنَابَة قولا وَاحِدًا لِأَنَّهُ يتم بِهِ غسله وَلَا يُؤثر فِي تيَمّم حصل بِحكم الْحَدث فَإِن عدم الْمُحدث المَاء فِي السّفر فَتَيَمم ثمَّ أَصَابَته جَنَابَة وَوجد من المَاء مَا يَكْفِي أَعْضَاء الْوضُوء فَإِن قُلْنَا لَا يدْخل الْحَدث فِي الْجَنَابَة لزمَه أَن يتَوَضَّأ بِهِ عَن الْحَدث وَتيَمّم عَن الْجَنَابَة وَيقدم أَيهمَا شَاءَ وَإِن قُلْنَا أَن الْحَدث يدْخل فِي الْجَنَابَة سقط حكمه وَكَانَ فِي اسْتِعْمَال مَا وجده من المَاء عَن الْجَنَابَة قَولَانِ فَإِن قُلْنَا يلْزمه اسْتِعْمَاله قدمه على التَّيَمُّم إِذا اجْتمع ميت وَحي على بدنه نَجَاسَة وَالْمَاء مُبَاح يَكْفِي أَحدهمَا فالميت أَحَق بِهِ فِي ظَاهر الْمَذْهَب وَقيل اسْتِعْمَاله فِي النَّجَاسَة أولى وَإِن اجْتمع حَائِض وجنب وَالْمَاء يَكْفِي أَحدهمَا قَالَ أَبُو إِسْحَاق الْجنب أولى وَقيل الْحَائِض أولى

وَإِن اجْتمع جنب ومحدث وَالْمَاء يَكْفِي الْمُحدث ويفضل مِنْهُ مَا لَا يَكْفِي الْجنب وَيَكْفِي الْجنب وَلَا يفضل مِنْهُ شَيْء فالجنب اولى وَقيل الْمُحدث أولى وَقيل هما سَوَاء فِيهِ فَإِن لم يجد مَاء وَلَا تُرَابا صلى على حسب حَاله وَأعَاد إِذا قدر وَبِه قَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَأحمد فِي أصح الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ فِي الْإِعَادَة وَحكي عَن الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي الْقَدِيم أَن الْفِعْل فِي الْوَقْت مُسْتَحبّ وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري لَا يجوز أَن يُصَلِّي فِي الْوَقْت وَلكنه يقْضِي إِذا قدر

وَقَالَ مَالك وَدَاوُد لَا يُصَلِّي فِي الْوَقْت وَلَا يلْزمه الْقَضَاء إِذا قدر وَإِمَّا الْخَائِف من اسْتِعْمَال المَاء فَإِنَّهُ إِذا كَانَ يخَاف الزِّيَادَة فِي الْمَرَض أَو إبطاء الْبُرْء فقد اخْتلف نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله فِيهِ وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِيهِ على طرق فَمنهمْ من قَالَ لَا يجوز لَهُ التَّيَمُّم قولا وَاحِدًا وَهُوَ قَول أَحْمد وَمِنْهُم من قَالَ يجوز قولا وَاحِدًا وَهُوَ قَول أبي الْعَبَّاس وَأبي سعيد الاصطخري وَمِنْهُم من قَالَ فِيهِ قَولَانِ وَهُوَ أصح الطّرق وَهُوَ قَول أبي إِسْحَاق وَعَامة أَصْحَابنَا وَأَصَح الْقَوْلَيْنِ جَوَاز التَّيَمُّم وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك فَإِن كَانَ بِهِ مرض لَا يلْحقهُ مَعَه ضَرَر من اسْتِعْمَال المَاء كالصداع والحمى لم يجز لَهُ التَّيَمُّم

وَقَالَ دَاوُد يجوز ويحكى ذَلِك عَن مَالك وَحكي فِي الْحَاوِي عَن عَطاء وَالْحسن الْبَصْرِيّ أَنه لَا يجوز التَّيَمُّم للمرض إلاعند عدم المَاء فَإِن خَافَ من اسْتِعْمَال المَاء شينا فِي الْمحل قَالَ أَبُو الْعَبَّاس لَا يخلف مَذْهَب الشَّافِعِي رَحمَه الله أَنه لَا يجوز لَهُ التَّيَمُّم وَقَالَ غَيره إِن كَانَ الشين كأثر الجدري والجراحة لم يجز لَهُ التَّيَمُّم وَإِن كَانَ يشوه خلقه ويسود كثيرا من وَجهه كَانَ على الْقَوْلَيْنِ وَإِن كَانَ فِي بعض بدنه قرح يخَاف من اسْتِعْمَال المَاء فِيهِ غسل الصَّحِيح وَتيَمّم عَن الجريح وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق يحْتَمل قولا آخر أَنه يقْتَصر على التَّيَمُّم كَمَا لَو وجد من المَاء مَا يَكْفِي بعض الْأَعْضَاء

وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن كَانَ أَكثر بدنه صَحِيحا اقْتصر على غسل الصَّحِيح وَإِن كَانَ الْأَكْثَر جريحا اقْتصر على التَّيَمُّم وَإِن كَانَ فِي بعض بدنه قرح وَهُوَ جنب غسل الصَّحِيح وَتيَمّم عَن الجريح وَبَدَأَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ الأولى أَن يبْدَأ بِالْغسْلِ وَحكي وَجه عَن بعض أَصْحَابنَا الخراسانيين أَنه لَا يَصح التَّيَمُّم قبل الْغسْل وَلَيْسَ بِشَيْء فَأَما الْمُحدث إِذا كَانَ فِي وَجهه جرح وَفِي يَده جرح وَفِي رجله جرح غسل الصَّحِيح من وَجهه وَتيَمّم عَن الجريح فِيهِ فِي وَجهه وَيَديه ثمَّ يغسل الصَّحِيح من يَده وَيتَيَمَّم عَن الجريح مِنْهَا فِي وَجهه وَيَديه ثمَّ يمسح بِرَأْسِهِ ثمَّ يغسل الصَّحِيح من رجله وَيتَيَمَّم عَن الجريح مِنْهَا فِي وَجهه وَيَديه قَالَ ابْن الْحداد

فَإِن حضر وَقت صَلَاة أُخْرَى فَإِنَّهُ يُعِيد التَّيَمُّم دون الْغسْل قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله وَهَذَا يحْتَاج إِلَى تَفْصِيل فَإِن كَانَ الْجرْح فِي رجله أعَاد التَّيَمُّم وأجزأه وَإِن كَانَ فِي وَجهه أَو يَدَيْهِ فَيَنْبَغِي على الأَصْل الَّذِي قدمْنَاهُ أَن يُعِيد التَّيَمُّم وَمَا بعده من الْغسْل ليحصل التَّرْتِيب قَالَ الشَّيْخ الإِمَام أيده الله تَعَالَى وَعِنْدِي أَن مَا ذكره ابْن الْحداد أصح قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله وَلَو ألصق على مَوضِع التَّيَمُّم لصوقا وَنزع اللصوق وَأعَاد وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِي صُورَة ذَلِك فَمنهمْ من قَالَ صورته أَن يكون الْقرح على مَوضِع التَّيَمُّم وَقد ألصق عَلَيْهِ لصوقا يمْنَع وُصُول التُّرَاب إِلَيْهِ وَلَا يخَاف من نَزعه الضَّرَر وَإِنَّمَا يخَاف من إمرار المَاء عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يلْزمه نَزعه وَغسل الصَّحِيح مِنْهُ وإمرار التُّرَاب على الْقرح فِي التَّيَمُّم عَنهُ وَلَا اعادة عَلَيْهِ فِي الصَّلَاة وَقَوله أعَاد أَرَادَ إِعَادَة اللصوق بعد التَّيَمُّم وَمِنْهُم من قَالَ صُورَة ذَلِك أَن يخَاف من نزع اللصوق الضَّرَر

فصل ولا يجوز أن يصلي بتيمم أكثر من فريضة وما شاء من النوافل

فيمسح بِالتُّرَابِ على اللصوق وَيغسل الصَّحِيح وَيُعِيد الصَّلَاة قولا وَاحِدًا قَالَ الْمَاوَرْدِيّ هَذَا التَّصْوِير يبعد لِأَنَّهُ قَالَ نزع اللصوق وَإِذا كَانَ يخَاف الضَّرَر من نَزعه أَو من اسْتِعْمَال التُّرَاب فِيهِ لم يلْزمه نَزعه قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله يحْتَمل أَن يكون أَرَادَ نزع اللصوق إِذا برىء وَأعَاد الصَّلَاة الَّتِي صلاهَا بِالْمَسْحِ فصل وَلَا يجوز أَن يُصَلِّي بِتَيَمُّم أَكثر من فَرِيضَة وَمَا شَاءَ من النَّوَافِل وَهُوَ قَول مَالك وَاخْتلف أَصْحَابه فِي الْجمع بَين فوائت بِتَيَمُّم وَاحِد وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجوز أَن يُصَلِّي بِتَيَمُّم مَا شَاءَ من الْفَرَائِض وَبِه قَالَ الثَّوْريّ وَدَاوُد وَاخْتَارَهُ الْمُزنِيّ

وَقَالَ أَحْمد وَأَبُو ثَوْر يتَيَمَّم لوقت كل فَرِيضَة وَلَا فرق عندنَا بَين الْمَنْذُورَة والفائتة وَذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله فِي الْجمع بَين الْفَائِتَة والمنذورة جوابين بِنَاء على أَن مُطلق النّذر مَاذَا يَقْتَضِي فَإِن قُلْنَا أقل مَا يتَقرَّب بِهِ وَهُوَ رَكْعَة حملا على النَّفْل جَازَ لَهُ الْجمع بَين المنذورتين والمنذورة والفائتة وَهَذَا فَاسد فَإِن أَرَادَ أَن يجمع بَين فريضتين فِي وَقت الأولى مِنْهُمَا فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا يجوز بِسَبَب تخَلّل الطّلب وَالثَّانِي يجوز فَإِن نسي صَلَاة من خمس صلوَات وَلم يعرف عينهَا صلى خمس صلوَات بِتَيَمُّم وَاحِد وَقيل يحْتَاج ان يتَيَمَّم لكل صَلَاة فَإِن نسي صَلَاتَيْنِ من صلوَات الْيَوْم وَاللَّيْلَة وَلم يعرف عينهَا فقد ذكر ابْن الْقَاص أَنه يلْزمه أَن يتَيَمَّم لكل صَلَاة

فصل إذا رأى المتيمم الماء قبل الشروع في الصلاة بطل تيممه

وَقيل إِن شَاءَ زَاد فِي عدد الصَّلَوَات فصلى ثَمَان صلوَات بتيممين فيتيمم وَيُصلي الصُّبْح وَالظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب ثمَّ يتَيَمَّم وَيُصلي الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء وَإِن شَاءَ صلى خمس صلوَات بِخمْس تيممات فَإِن نسي صَلَاتَيْنِ من صلوَات يَوْمَيْنِ وليلتين فَإِن كَانَتَا مختلفتين فعلى مَا ذَكرْنَاهُ فِيهِ إِذا كَانَتَا من يَوْم وَلَيْلَة وَإِن كَانَتَا متفقتين كعصرين أَو ظهرين صلى خمس صلوَات بِتَيَمُّم وَخَمْسَة بِتَيَمُّم على الْمَذْهَب الصَّحِيح وَيجوز أَن يُصَلِّي بِتَيَمُّم وَاحِد على جنائز إِذا لم يتَعَيَّن عَلَيْهِ وَإِن كَانَت قد تعيّنت عَلَيْهِ فَفِيهِ وَجْهَان أظهرهمَا أَنه يجوز وَهُوَ قَول أبي إِسْحَاق وَأبي الْعَبَّاس وَاخْتِيَار القَاضِي أبي الطّيب رَحمَه الله فصل إِذا رأى الْمُتَيَمم المَاء قبل الشُّرُوع فِي الصَّلَاة بَطل تيَمّمه وَحكي عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن أَنه قَالَ لَا يبطل تيَمّمه وَإِن

رَآهُ بعد الْفَرَاغ من الصَّلَاة وَكَانَ فِي السّفر لم يلْزمه الْإِعَادَة وَحكي عَن طَاوس أَنه قَالَ يتَوَضَّأ وَيُعِيد مَا صلى بِالتَّيَمُّمِ وَحكي عَن الْحسن الْبَصْرِيّ وَمَالك أَنه يُعِيد إِذا كَانَ الْوَقْت بَاقِيا وَإِن كَانَ فِي الْحَضَر وَتيَمّم لعدم المَاء كالمحبوس فِي بَيت لَا مَاء فِيهِ وَلَا يجد من يناوله المَاء فَتَيَمم وَصلى ثمَّ قدر على المَاء وَجب عَلَيْهِ الْإِعَادَة وَهُوَ قَول أبي حنيفَة حَكَاهُ الطَّحَاوِيّ وَبِه قَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَقَالَ زفر لَا يتَيَمَّم وَلَا يُصَلِّي حَتَّى يجد المَاء وَهِي رِوَايَة شَاذَّة عَن أبي حنيفَة

وَقَالَ مَالك يتَيَمَّم وَلَا يُصَلِّي وَلَا يُعِيد وَبِه قَالَ الثَّوْريّ وَاخْتَارَهُ الْمُزنِيّ والطَّحَاوِي وَإِن كَانَ فِي سفر قصير لم يجب عَلَيْهِ الْإِعَادَة فِيمَا صلى بِالتَّيَمُّمِ على أحد الْقَوْلَيْنِ وَإِن كَانَ فِي سفر مَعْصِيّة فصلى بِالتَّيَمُّمِ فَفِي وجوب الْإِعَادَة وَجْهَان وَإِن كَانَ مَعَه مَاء فأراقه بعد دُخُول الْوَقْت وَتيَمّم وَصلى فَفِي الْإِعَادَة وَجْهَان وَكم يُعِيد من الصَّلَوَات فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا صَلَاة الْوَقْت وَالثَّانِي يُعِيد مَا يُصَلِّي بِالْوضُوءِ الْوَاحِد غَالِبا وَلَيْسَ بِشَيْء

وَإِن وهب المَاء بعد دُخُول وَقت الصَّلَاة فقد ذكر القَاضِي حُسَيْن فِي صِحَة الْهِبَة وَجْهَيْن وَلَيْسَ بِشَيْء وَإِن رأى المَاء فِي أثْنَاء الصَّلَاة فَإِن كَانَ فِي الْحَضَر بطلت صلَاته وَإِن كَانَ فِي السّفر لم تبطل وَبِه قَالَ مَالك وَدَاوُد وَهُوَ رِوَايَة عَن أَحْمد وَهل يجوز لَهُ الْخُرُوج مِنْهَا فِيهِ وَجْهَان أظهرهمَا أَن الْأَفْضَل لَهُ الْخُرُوج وَالثَّانِي أَنه لَا يجوز لَهُ الْخُرُوج مِنْهَا وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ الْخُرُوج مِنْهَا مَكْرُوه لَا يخْتَلف الْمَذْهَب فِيهِ وَإِنَّمَا الْوَجْهَانِ فِي جعل الصَّلَاة نَافِلَة يسلم من رَكْعَتَيْنِ وَهَذَا خلاف نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله

وَقَالَ أَبُو حنيفَة يبطل تيَمّمه وَهُوَ رِوَايَة عَن أَحْمد وَاخْتِيَار الْمُزنِيّ إِلَّا أَن عِنْد أبي حنيفَة لَا يبطل بِرُؤْيَة المَاء فِي صَلَاة الْجِنَازَة والعيد وَلَا بِرُؤْيَة سُؤْر الْحمار والبغل وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ تصير صلَاته نفلا فَإِن رأى المَاء فِي أثْنَاء الصَّلَاة فَلَمَّا فرغ مِنْهَا فني المَاء لم يصل النَّافِلَة بتيممه وَقيل يُصَلِّي النَّافِلَة بذلك التَّيَمُّم فَإِن رأى المَاء فِي نافلته وَكَانَ قد نوى عددا أتمه وَإِن كَانَ قد أطلق النِّيَّة أتم رَكْعَتَيْنِ نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي رَحمَه الله وَحكي عَن الْقفال أَنه قَالَ إِذا كَانَ قد نوى رَكْعَتَيْنِ فَلهُ أَن يُصَلِّي مَا شَاءَ بِالتَّيَمُّمِ بعد رُؤْيَة المَاء وَقَالَ غَيره إِذا كَانَ قد أطلق النِّيَّة فَلهُ أَن يُصَلِّي مَا شَاءَ بعد رُؤْيَة المَاء وَإِن تيَمّم لشدَّة الْبرد فِي الْحَضَر وَجَبت عَلَيْهِ الْإِعَادَة وَإِن كَانَ فِي السّفر فَفِي وجوب الْإِعَادَة قَولَانِ

فصل إذا احتاج إلى وضع الجبيرة على عضو ولحقه الضرر من حلها

قَالَ ابْن الْقَاص فِي التَّلْخِيص إِذا وجد المَاء فِي صلَاته وَنوى الْمقَام مَعَ وجود المَاء بَطل تيَمّمه وَصلَاته وَإِذا نوى الْمقَام مَعَ عدم المَاء مضى فِي صلَاته وَأعَاد تَغْلِيبًا لحكم الْإِقَامَة قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله وَفِي هَذَا نظر وَقد ذكر فِي الْحَاوِي نَظِير مَا قَالَه فصل إِذا احْتَاجَ إِلَى وضع الْجَبِيرَة على عُضْو ولحقه الضَّرَر من حلهَا وَكَانَ قد وَضعهَا على طهر وَمسح عَلَيْهَا مسح على جَمِيعهَا فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ وَهل يجب ضم التَّيَمُّم إِلَيْهِ فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا لَا يضم إِلَيْهِ التَّيَمُّم وَيُصلي مَا شَاءَ من الْفَرَائِض وَالثَّانِي يضم إِلَيْهِ التَّيَمُّم فيتيمم لكل فَرِيضَة ذكر فِي الْحَاوِي أَن الْجَبِيرَة إِذا كَانَت على عُضْو التَّيَمُّم لم يحْتَج إِلَى التَّيَمُّم مَعَ الْمسْح عَلَيْهَا وَإِن كَانَت على غَيره فعلى قَوْلَيْنِ وَهَذَا فَاسد وَهل يجب عَلَيْهِ الْإِعَادَة بعد الْبُرْء على قَوْلَيْنِ أَحدهمَا لَا يُعِيد وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَاخْتِيَار الْمُزنِيّ

وَإِن كَانَ قد وضع الْجَبِيرَة على غير طهر وَخَافَ من نَزعهَا مسح عَلَيْهَا وَأعَاد قولا وَاحِدًا وَقيل فِيهِ قَولَانِ وَلَيْسَ بِشَيْء وَقَالَ أَحْمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ لَا يعْتَبر الطَّهَارَة فِي وَضعهَا وَلَا يُصَلِّي وَلَا يُعِيد وَبِه قَالَ مَالك

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب الْحيض الْحيض يحرم الْوَطْء فَإِن وَطئهَا مَعَ الْعلم بِالتَّحْرِيمِ وَجب عَلَيْهِ على قَوْله الْقَدِيم فِي إقبال الدَّم دِينَار وَفِي إدباره نصف دِينَار وَحكى بعض أَصْحَابنَا الخراسانيين أَنه يجب عَلَيْهِ عتق رَقَبَة وَحَكَاهُ فِي الْحَاوِي عَن سعيد بن جُبَير

وَقَالَ أَحْمد هُوَ مُخَيّر بَين دِينَار وَنصف دِينَار وَحكي عَن الْحسن الْبَصْرِيّ وَعَطَاء أَنه يجب عَلَيْهِ كَفَّارَة الْفطر فِي رَمَضَان وَقَالَ فِي الْجَدِيد لَا شَيْء عَلَيْهِ سوى الاسْتِغْفَار والتوبه وَهُوَ الصَّحِيح وَبِه قَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه والمباشرة بَين السُّرَّة وَالركبَة مُحرمَة نَص عَلَيْهِ فِي الْأُم وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأَبُو يُوسُف وَقَالَ أَحْمد وَدَاوُد مَا دون الْفرج مُبَاح وَهُوَ قَول أبي إِسْحَاق وَأبي عَليّ بن أبي هُرَيْرَة وَقَول مُحَمَّد بن الْحسن وَقَول بعض أَصْحَاب مَالك وَحكى أَبُو الْفَيَّاض من أَصْحَابنَا وَجها ثَالِثا أَنه إِن كَانَ يَأْمَن أَن تغلبه نَفسه وشهوته على الْوَطْء فِي الْفرج جَازَ لَهُ أَن يسْتَمْتع بهَا فِيمَا دونه وَإِن لم يَأْمَن أَن تغلبه الشَّهْوَة فيطأ فِي الْفرج حرم عَلَيْهِ الِاسْتِمْتَاع بِمَا دونه إِلَّا من وَرَاء الْإِزَار وَوَطْء الْمُسْتَحَاضَة فِي غير ايام الْحيض مُبَاح وَقَالَ أَحْمد لَا يجوز إِلَّا أَن يخَاف الْعَنَت

فَإِذا طهرت من الْحيض لم يحل لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى تَغْتَسِل وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَأَبُو ثَوْر وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا انْقَطع دَمهَا لأكْثر الْحيض حل وَطْؤُهَا قبل الْغسْل وَإِن انْقَطع لما دون الْأَكْثَر لم يحل وَطْؤُهَا حَتَّى تَغْتَسِل أَو يمْضِي عَلَيْهَا وَقت صَلَاة وَقَالَ دَاوُد إِذا غسلت فرجهَا من الدَّم بعد انْقِطَاعه حل وَطْؤُهَا وَحكى عَن طَاوس وَمُجاهد أَنَّهَا إِذا تَوَضَّأت حل وَطْؤُهَا فَإِن لم تَجِد مَاء تيممت وَحل وَطْؤُهَا قَالَ مَكْحُول لَا يحل وَطْؤُهَا بِالتَّيَمُّمِ

وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يحل وَطْؤُهَا بِالتَّيَمُّمِ حَتَّى تصلي بِهِ فَإِن صلت بِالتَّيَمُّمِ فَرِيضَة لم يحرم وَطْؤُهَا فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ إِذا أَرَادَ الرجل أَن يَأْتِي امْرَأَته فَذكرت أَنَّهَا حَائِض قَالَ القَاضِي حُسَيْن إِن كَانَت فاسقة لم يقبل قَوْلهَا وَإِن كَانَت عفيفة قبل قَوْلهَا وَامْتنع عَن وَطئهَا وَهَذَا فِيهِ نظر بل يجب أَن يعْتَبر فِي ذَلِك إِمْكَان صدقهَا فِي قبُول قَوْلهَا كَمَا اعْتبر ذَلِك فِي انْقِضَاء عدتهَا وَلم يعْتَبر الْعَدَالَة وَالْفِسْق فَإِن تيممت فَوَطِئَهَا ذكر فِي الْحَاوِي فِي جَوَاز وَطئهَا ثَانِيًا بذلك التَّيَمُّم وَجْهَيْن أَحدهمَا يحل لَهُ وَالثَّانِي لَا يحل وَهُوَ فَاسد فَإِن تيممت عَن حدث الْحيض فِي وَقت صَلَاة فَدخل عَلَيْهَا وَقت صَلَاة أُخْرَى فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَن تيممها يبطل بِخُرُوج الْوَقْت وَالثَّانِي ذكره أقضى الْقُضَاة الْمَاوَرْدِيّ أَنه لَا يبطل وَهُوَ الْأَصَح

فصل أقل سن تحيض فيه المرأة تسع سنين

فصل أقل سنّ تحيض فِيهِ الْمَرْأَة تسع سِنِين فَإِن قيل فقد قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي اللّعان وَلَو جَاءَ بِحمْل وَزوجهَا صبي لَهُ دون الْعشْر لم يلْزمه لِأَن الْعلم مُحِيط أَن لَا يُولد لمثله فَإِن كَانَ لَهُ عشرا فَأكْثر وَكَانَ يُمكن أَن يُولد لَهُ كَانَ لَهُ وَأجَاب الشَّيْخ أَبُو حَامِد رَحمَه الله بِأَنَّهُ لَا فرق بَين الْغُلَام وَالْجَارِيَة وَأَرَادَ بِهِ إِذا جَاءَت بِهِ لأَقل من تسع وَمُدَّة الْحمل وَذَلِكَ دون الْعشْر قَالَ القَاضِي ابو الطّيب رَحمَه الله تسع سِنِين وَمُدَّة الْحمل قريب من عشر قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله وَهَذَا خلاف مَا قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله وَلَا يجب أَن يعْتَبر الْغُلَام بالجارية لِأَن الْحيض قد يعجلها لشدَّة الْحر وَلِهَذَا اخْتصَّ بنساء تهَامَة وَكَلَام الشَّافِعِي رَحمَه الله يدل على أَنه يعْتَبر الْوُجُوه فِي الْغُلَام فَيجوز أَن يكون الْوُجُوه فِيهِ مُخَالفا للوجوه فِي الْجَارِيَة وَأَقل الْحيض يَوْم وَقَالَ فِي مَوضِع آخر يَوْم وَلَيْلَة فَمن أَصْحَابنَا من قَالَ فِيهِ قَولَانِ وَمِنْهُم من قَالَ قولا وَاحِدًا يَوْم وَلَيْلَة وَهُوَ قَول أَحْمد وَمِنْهُم من قَالَ قولا وَاحِدًا يَوْم وَهُوَ قَول دَاوُد

وَقَالَ أَبُو حنيفَة أَقَله ثَلَاثَة أَيَّام وَقَالَ ابو يُوسُف اقله يَوْمَانِ وَأكْثر الثَّالِث وَقَالَ مَالك لَيْسَ لأقله حد وَيجوز أَن يكون سَاعَة وَأكْثر الْحيض خَمْسَة عشر يَوْمًا وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَأَبُو يُوسُف وَدَاوُد قَالَ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى سَبْعَة عشر يَوْمًا واقل طهر فاصل بَين الحيضين خَمْسَة عشر يَوْمًا وَحكي عَن يحيى بن أَكْثَم أَنه قَالَ أقل الطُّهْر تِسْعَة عشر يَوْمًا لِأَن أَكثر الْحيض عِنْده عشرَة أَيَّام وَحكي عَن عبد الْملك بن حبيب من أَصْحَاب مَالك أَنه قَالَ أقل الطُّهْر عشرَة أَيَّام وَحكي عَن مَالك أَنه قَالَ لَا أعلم بَين الحيضتين وقتا يعْتَمد عَلَيْهِ

وروى ابْن الْقَاسِم عَنهُ أَنه قَالَ مَا يعلم النِّسَاء أَن مثله يكون طهرا أَن الْخَمْسَة والسبعة لَا يكون طهرا وَقَالَ مُحَمَّد بن مسلمة مثل قَوْلنَا وَهُوَ من متأخري أَصْحَابه وَحكى عَن مَالك أَيْضا أقل الطُّهْر خَمْسَة ايام وَفِي الدَّم الَّذِي ترَاهُ الْحَامِل قَولَانِ أَحدهمَا أَنه حيض وَهُوَ قَول مَالك وَالثَّانِي أَنه لَيْسَ بحيض وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَفِي أول زمَان ارتفاعه وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يرْتَفع بِنَفس الْعلُوق وَالثَّانِي من وَقت حَرَكَة الْحمل وَإِذا لم يُجَاوز الدَّم خَمْسَة عشر يَوْمًا فكله حيض وَإِن كَانَ صفرَة أَو كدرة وَقَالَ أَبُو سعيد الاصطخري الصُّفْرَة والكدرة فِي غير وَقت الْعَادة لَا يكون حيضا وَقَالَ أَبُو ثَوْر إِن تقدم الصُّفْرَة والكدرة دم أسود كَانَت حيضا تبعا لَهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُف الصُّفْرَة حيض والكدرة إِن تقدمها دم أسود فَهِيَ حيض

وَقَالَ دَاوُد لَا تكون الصُّفْرَة والكدرة حيضا بِحَال وَإِن جَاوز الدَّم خَمْسَة عشر يَوْمًا فقد اخْتَلَط الْحيض بالاستحاضة فَيحْتَاج إِلَى تَمْيِيز أَحدهمَا عَن الآخر فَإِن كَانَت مُبتَدأَة غير مُمَيزَة وَهِي الَّتِي بَدَأَ بهَا الدَّم وَاسْتمرّ على صفة وَاحِدَة حَتَّى عبر الْخَمْسَة عشر يَوْمًا فَفِيهَا قَولَانِ أصَحهمَا أَنَّهَا ترد إِلَى غَالب عادات النِّسَاء وَهِي السِّت والسبع وَبِه قَالَ الثَّوْريّ وَهِي رِوَايَة عَن أَحْمد وَإِلَى أَي عَادَة ترد فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنَّهَا ترد إِلَى غَالب عَادَة النِّسَاء وَالثَّانِي إِلَى غَالب عَادَة لداتها وَنسَاء بَلَدهَا وَهُوَ رِوَايَة عَن مَالك وَالْقَوْل الثَّانِي أَنَّهَا تحيض اقل الْحيض وَهُوَ رِوَايَة عَن أَحْمد وَقَول زفر وَقَالَ أَبُو حنيفَة تحيض أَكثر الْحيض عشرَة أَيَّام وَقَالَ مَالك تقعد عَادَة لداتها وستطهر بعد ذَلِك بِثَلَاثَة ايام مَا لم يُجَاوز مَجْمُوع ذَلِك خَمْسَة عشر يَوْمًا وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى أَنَّهَا تجْلِس مَا دَامَ الدَّم إِلَى أَن يبلغ خَمْسَة عشر يَوْمًا وَهَذِه الرِّوَايَة أَيْضا فِي الْمُعْتَادَة الَّتِي لَا تَمْيِيز لَهَا وَهُوَ رِوَايَة عَن أَحْمد

وَقَالَ أَبُو يُوسُف تَأْخُذ فِي الصَّوْم وَالصَّلَاة بِالْأَقَلِّ وَفِي وَطْء الزَّوْج بِالْأَكْثَرِ فَأَما فِي الشَّهْر الثَّانِي وَمَا بعده إِذا جَاوز الدَّم السِّت أَو السَّبع اغْتَسَلت وصلت وصامت وَلَا تقضي الصَّلَاة وَلَا تقضي الصَّوْم بعد خَمْسَة عشر يَوْمًا وَهل تقضي مَا صَامت بعد السِّت والسبع فِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا أَنَّهَا لَا تقضي وَإِن كَانَت مُبتَدأَة مُمَيزَة وَهِي الَّتِي بَدَأَ بهَا الدَّم وَعبر الْخَمْسَة عشر وَهُوَ فِي بعض الْأَيَّام بِصفة دم الْحيض وَهُوَ المحتدم القاني الَّذِي يضْرب إِلَى السوَاد وَفِي بَعْضهَا أَحْمَر مشرق أَو أصفر فَإِنَّهَا ترد إِلَى السوَاد بِشَرْط أَن لَا ينقص السوَاد عَن يَوْم وَلَيْلَة وَلَا يزِيد على خَمْسَة عشر يَوْمًا وَبِه قَالَ مَالك من غير اعْتِبَار مَا ذكر من الِانْتِظَار

وَكَانَ الْمُغيرَة من أَصْحَابه يَحْكِي أَنَّهَا تَغْتَسِل وَتصلي وتصوم وَلَكِن لَا يَطَؤُهَا الزَّوْج وَقَالَ ابو حنيفَة التَّمْيِيز لَا يعْمل بِهِ فِي الْحيض وَإِن رَأَتْ خَمْسَة ايام دَمًا أَحْمَر أَو أصفر ثمَّ رَأَتْ خَمْسَة أَيَّام دَمًا أسود ثمَّ أَحْمَر إِلَى آخر الشَّهْر فالحيض هُوَ الْأسود وَقيل إِنَّه لَا تَمْيِيز لَهَا وَقيل حَيْضهَا الْعشْرَة الأولى وَلَيْسَ بِشَيْء وَإِن رَأَتْ خَمْسَة أَيَّام دَمًا أَحْمَر ثمَّ أسود إِلَى آخر الشَّهْر فَلَيْسَ لَهَا تَمْيِيز فَيكون على الْقَوْلَيْنِ فِي المبتدأة غير المميزة وَقيل تحيض من أول الدَّم الْأسود إِمَّا يَوْمًا وَلَيْلَة أَو سِتا أَو سبعا وَإِن رَأَتْ سِتَّة عشر يَوْمًا دَمًا أَحْمَر ثمَّ أسود وَجَاوَزَ خَمْسَة عشر يَوْمًا فَلَا تَمْيِيز لَهَا وَقَالَ ابو الْعَبَّاس تحيض من أول الْأَحْمَر يَوْمًا وَلَيْلَة ثمَّ تحيض من أول الْأسود يَوْمًا وَلَيْلَة فِي أحد الْقَوْلَيْنِ وَحكي فِيهِ وَجه آخر أَن الدَّم الثَّانِي لَا يكون اسْتِحَاضَة لِأَن الِاسْتِحَاضَة مَا كَانَ فِي أثر حيض وَلَيْسَ بِشَيْء فَإِن كَانَت مُعْتَادَة غير مُمَيزَة وَهِي أَن تكون عَادَتهَا أَن تحيض فِي كل شهر خَمْسَة ايام فاستحيضت وَجَاوَزَ خَمْسَة عشر يَوْمًا وَهُوَ على صفة وَاحِدَة فحيضتها ايام عَادَتهَا وَبِه قَالَ ابو حنيفَة

وَإِن كَانَت عَادَتهَا أَن تحيض الْخَمْسَة الثَّانِيَة من الشَّهْر فرأت الدَّم فِي أَيَّام عَادَتهَا وَخَمْسَة قبلهَا وَخَمْسَة بعْدهَا كَانَ الْجَمِيع حيضا وَقَالَ أَبُو حنيفَة الْخَمْسَة الَّتِي بعْدهَا تكون حيضا وَالَّتِي قبلهَا لَا تكون حيضا إِلَّا أَن يتَكَرَّر فَإِن كَانَت عَادَتهَا أَن تحيض الْخَمْسَة الثَّانِيَة من الشَّهْر فرأت الْخَمْسَة الأولى وَاسْتمرّ دَمهَا فحيضها الْخَمْسَة الْمُعْتَادَة فِي أصح الْوَجْهَيْنِ وَالثَّانِي أَن حَيْضهَا الْخَمْسَة الأولى وَإِن كَانَت عَادَتهَا أَن تحيض من أول كل شهر خَمْسَة ايام فرأتها وطهرت خَمْسَة عشر يَوْمًا ثمَّ رَأَتْ الدَّم وَجَاوَزَ خَمْسَة عشر يَوْمًا فَإِن حَيْضهَا على عَادَتهَا فِي أول الشَّهْر الثَّانِي فِي أصح الْوَجْهَيْنِ وَقيل أَنَّهَا تحيض حَيْضَة أُخْرَى من اول الدَّم الثَّانِي وَلَيْسَ بِشَيْء وَإِن كَانَت مُعْتَادَة مُمَيزَة بِأَن ترى الدَّم فِي بعض الْأَيَّام بِصفة دم الْحيض وَلها عَادَة أَن تحيض أَيَّامًا مَعْلُومَة من الشَّهْر فَإِنَّهَا ترد إِلَى التَّمْيِيز فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ

وَقَالَ أَبُو عَليّ بن خيران نقدم الْعَادة على التَّمْيِيز وَقَالَ مَالك الِاعْتِبَار بالتمييز دون الْعَادة فَإِن لم يكن لَهَا تَمْيِيز استنظرت بعد زمَان الْعَادة بِثَلَاثَة أَيَّام إِلَى أَن تجَاوز خَمْسَة عشر يَوْمًا وَتثبت الْعَادة بِمرَّة وَاحِدَة على أصح الْوَجْهَيْنِ وَقَالَ ابو حنيفَة لَا تثبت إِلَّا بمرتين وَإِن كَانَت ناسية للْعَادَة غير مُمَيزَة وَلم تذكر وَقت عَادَتهَا وَلَا عَددهَا وَهِي الْمُتَحَيِّرَة فَفِيهَا قَولَانِ أَحدهمَا إِنَّهَا كالمبتدأة الَّتِي لَا تَمْيِيز لَهَا وفيهَا قَولَانِ وَالْقَوْل الثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيح الْمَنْصُوص عَلَيْهِ فِي الْحيض أَنه لَيْسَ لَهَا حيض بِيَقِين وَلَا طهر بِيَقِين فتغتسل لكل صَلَاة وَلَا يَطَؤُهَا الزَّوْج بِحَال وَلَا تقضي الصَّلَاة هَذِه طَريقَة الشَّيْخ أبي حَامِد وَالْقَاضِي أبي الطّيب وَغَيرهمَا من اصحابنا بِبَغْدَاد وَذكر فِي الْحَاوِي طَريقَة لأبي الْعَبَّاس بن سُرَيج فِي اسْتِعْمَال الْيَقِين فِي الصَّلَاة كَمَا يسْتَعْمل فِي الصَّوْم فتغتسل فِي أول وَقت الظّهْر وتصليها فِيهِ ثمَّ تَغْتَسِل فِي أول وَقت الْعَصْر وتصليها فِيهِ ثمَّ تَغْتَسِل فِي أول الْمغرب وتصليها فِي أول وَقتهَا ثمَّ تتوضأ وتعيد الظّهْر ثمَّ تتوضأ وتعيد الْعَصْر فَإِذا دخل وَقت الْعشَاء اغْتَسَلت وصلتها فِي أول وَقتهَا فَإِذا طلع

الْفجْر اغْتَسَلت وصلت الصُّبْح فِي أول وَقتهَا ثمَّ تتوضأ وتقضي الْمغرب ثمَّ تتوضأ وتقضي الْعشَاء فَإِذا طلعت الشَّمْس اغْتَسَلت وقضت الصُّبْح فَتُصَلِّي عشر صلوَات بست اغتسالات وَقد أسقطت الْفَرْض بِيَقِين وَهَذَا صَحِيح وَأما الصّيام فقد ذكر ابو عَليّ فِي الإفصاح أَنَّهَا إِذا صَامت رَمَضَان مَعَ النَّاس قَضَت خَمْسَة عشر يَوْمًا بِصَوْم شهر آخر وَتَبعهُ الشَّيْخ أَبُو حَامِد وَغَيره وَقَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله وهموا فِي ذَلِك إِنَّمَا يَصح لَهَا من رَمَضَان أَرْبَعَة عشر يَوْمًا إِذا كَانَ تَاما فَإِذا صَامت شهرا آخر تَاما حصل لَهَا اربعة عشر يَوْمًا وَبَقِي عَلَيْهَا يَوْمَانِ وَكَيْفِيَّة الْقَضَاء فِي ذَلِك أَنَّهَا إِذا أَرَادَت قَضَاء يَوْم فَإِنَّهَا تضيف إِلَى أَكثر الْحيض يَوْمَيْنِ فَيكون سَبْعَة عشر يَوْمًا وتصوم يَوْمَيْنِ فِي أَولهَا ويومين فِي آخرهَا السَّادِس عشر وَالسَّابِع عشر فَيسلم لَهَا يَوْمَانِ بِيَقِين وَكلما زَاد فِي الْوَاجِب عَلَيْهَا يَوْم زَادَت فِي الصَّوْم يَوْمَيْنِ يَوْمًا فِي أول الْمدَّة وَيَوْما فِي آخرهَا وزادت فِي الْمدَّة يَوْمًا وعَلى هَذَا ذكر القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله بعد مَا ذكر هَذَا قَالَ أَبُو بكر بن الْحداد إِذا كَانَ عَلَيْهَا صَوْم يَوْم قضته بِثَلَاثَة أَيَّام من سَبْعَة عشر يَوْمًا فتصوم الأول وَالسَّابِع عشر وتترك الثَّانِي وَالسَّادِس عشر وتصوم يَوْمًا فِيمَا بَين الثَّانِي وَالسَّادِس عشر وَقد صَحَّ لَهَا يَوْم بِيَقِين

فَإِن أَرَادَت أَن تقضي صَوْم يَوْمَيْنِ قضتها بصيام سِتَّة ايام من ثَمَانِيَة عشر يَوْمًا يَوْمَيْنِ فِي أَولهَا ويومين فِي آخرهَا ويومين فِيمَا بَين ذَلِك وَلَا تحْتَاج أَن تتْرك شَيْئا ذكر فِي الْحَاوِي أَنَّهَا تمنع من حمل الْمُصحف واللبث فِي الْمَسْجِد وَقِرَاءَة الْقُرْآن فِي غير الصَّلَاة والتطوع بِالصَّلَاةِ وَالصَّوْم وَذكر فِي وَطْء الزَّوْج وَالسّنَن الرَّاتِبَة وَجْهَيْن أَحدهمَا يحرم عَلَيْهَا وَالثَّانِي لَا يمْنَع قَالَ الشَّيْخ الإِمَام أيده الله وَعِنْدِي أَنه لَا وَجه لإباحة الْوَطْء وَبَقِيَّة الْأَحْكَام وَيَنْبَغِي أَن يجوز لَهَا تبعا للْفَرض فِي طَهَارَته

فصل في التلفيق

فصل فِي التلفيق إِذا رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَيَوْما نقاء وَلم تجَاوز الْخَمْسَة عشر يَوْمًا فقد نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله أَن الْجَمِيع حيض وَهُوَ قَول ابي حنيفَة وَفِيه قَول آخر أَنه يلفق إِلَى النَّقَاء فَيجْعَل طهرا وَهُوَ قَول مَالك وَإِن عبر الْخَمْسَة يَوْمًا فقد اخْتَلَط الْحيض بالاستحاضة وَقَالَ ابْن بنت الشَّافِعِي رَحمَه الله النَّقَاء فِي السَّادِس عشر يفصل بَين الْحيض والاستحاضة وَالْمذهب الأول وَإِن كَانَت مُعْتَادَة وَكَانَت عَادَتهَا أَن تحيض من أول الشَّهْر خَمْسَة أَيَّام فَإِن قُلْنَا لَا تلفق فالخمسة كلهَا حيض وَإِن قُلْنَا تلفق حصل لَهَا ثَلَاثَة أَيَّام حيض وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ تلفق لَهَا خَمْسَة ايام من خَمْسَة عشر يَوْمًا وعَلى هَذَا إِذا كَانَت عَادَتهَا زِيَادَة على مَا ذَكرْنَاهُ

فَإِن رَأَتْ نصف يَوْم دَمًا وَنصف يَوْم نقاء وَلم يُجَاوز الْخَمْسَة عشر بني على الْقَوْلَيْنِ فِي التلفيق وَقيل لَا يثبت لَهَا حكم التلفيق حَتَّى يتقدمه أقل الْحيض مُتَّصِلا وَقيل يعْتَبر أَن يتَقَدَّم أقل الْحيض مُتَّصِلا ويتعقبه أقل الْحيض مُتَّصِلا وَالْمذهب الأول قَالَ أَبُو الْعَبَّاس لَا يجب عَلَيْهَا الْغسْل فِي الْيَوْم الأول من الشَّهْر على القَوْل الَّذِي يَقُول لَا يلفق وَإِن قُلْنَا يلفق وَجب عَلَيْهَا الْغسْل إِذا رَأَتْ النَّقَاء فِي الْيَوْم الاول قَالَ الشَّيْخ ابو نصر رَحمَه الله وَعِنْدِي أَن الَّذِي يَجِيء على هَذَا القَوْل أَن لَا يجب الْغسْل أَيْضا وانما يتَصَوَّر ذَلِك فِي الْيَوْم الثَّانِي وَمَا بعده قلت مَا ذكره صَحِيح فِي الْيَوْم الأول وَقَوله إِنَّه لَا يتَصَوَّر فِي الْيَوْم الأول من الشَّهْر الثَّانِي وَمَا بعده لَيْسَ بِصَحِيح بل ينيغي أَن يجب الْغسْل عَلَيْهَا بعد ذَلِك على الْقَوْلَيْنِ لِأَن مَا تقدم قد ثَبت كَونه حيضا فَإِن لفقنا فَهُوَ طهر بعد حيض وَإِن لم نلفق فَالظَّاهِر بَقَاء الطُّهْر وَإِن رَأَتْ سَاعَة دَمًا وَسَاعَة نقاء وَلم يُجَاوز الْخَمْسَة عشر وَبلغ بمجموعه أقل الْحيض فقد قَالَ أَبُو الْعَبَّاس وَأَبُو اسحاق فِيهِ الْقَوْلَانِ فِي التلفيق وَإِن لم يبلغ بمجموعه أقل الْحيض بِأَن رَأَتْ سَاعَة دَمًا ثمَّ رَأَتْ سَاعَة فِي الْخَامِس عشر دَمًا فقد قَالَ ابو الْعَبَّاس إِذا قُلْنَا لَا يلفق احْتمل وَجْهَيْن

أَحدهمَا أَنه يكون حيضا وَالثَّانِي أَنه لَا يكون حيضا فَإِن كَانَت عَادَتهَا أَن تحيض فِي أول كل شهر خَمْسَة ايام فرأت فِي بعض الشُّهُور الْيَوْم الأول نقاء وَالثَّانِي دَمًا وعَلى هَذَا وَلم يُجَاوز الْخَمْسَة عشر وَقُلْنَا لَا يلفق كَانَ لَهَا ثَلَاثَة عشر يَوْمًا حيضا وَإِن قُلْنَا يلفق يلفق لَهَا سَبْعَة أَيَّام وَإِن جَاوز خَمْسَة عشر يَوْمًا وَقُلْنَا يلفق فَفِي زَمَانه وَجْهَان أَحدهمَا من زمَان الْعَادة فَيُلَفقُ لَهَا يَوْمَانِ وَالْوَجْه الثَّانِي أَنه يلفق لَهَا من زمَان الْإِمْكَان فيتلفق لَهَا خَمْسَة أَيَّام من عشرَة ايام وَإِن قُلْنَا لَا يلفق فَهَل الِاعْتِبَار بِزَمَان الْعَادة أَو بعددها قَالَ أَبُو الْعَبَّاس فِيهِ قَولَانِ يَعْنِي وَجْهَان وَالْوَجْه الثَّانِي أَن الِاعْتِبَار بِعَدَد الْعَادة فَيكون حَيْضهَا خَمْسَة أَيَّام أَولهَا الثَّانِي وَآخِرهَا السَّادِس وَالْأول أظهر فيتحصل فِي قدر حَيْضهَا ثَلَاثَة أوجه وَفِي وقته اربعة أوجه قَالَ أَبُو الْعَبَّاس لَو كَانَت الْمَسْأَلَة بِحَالِهَا غير أَنَّهَا حَاضَت قبل عَادَتهَا يَوْمًا وَرَأَتْ الْيَوْم الأول من الشَّهْر نقاء وعَلى هَذَا وَجَاوَزَ الْأَكْثَر

فصل الدم الذي يخرج بعد الولد نفاس والذي يخرج معه فيه وجهان

فَإِن قُلْنَا يلفق لَهَا من زمَان الْعَادة حصل لَهَا من الْحيض يَوْمَانِ وَإِن قُلْنَا من زمَان الْإِمْكَان قَالَ ابو الْعَبَّاس يحْتَمل وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن يكون أول حَيْضهَا الْيَوْم الَّذِي سبق عَادَتهَا وَاحْتمل أَن يكون أَوله الثَّانِي من الشَّهْر قَالَ وَالْأول أظهر على هَذَا الْوَجْه فَإِن قُلْنَا يحْتَسب من الثَّانِي من الشَّهْر تلفق لَهَا خَمْسَة ايام من عشرَة وَإِن قُلْنَا لَا يلفق بني على الْوَجْهَيْنِ فِي أَن الِاعْتِبَار بِزَمَان الْعَادة أَو عَددهَا فَإِن قُلْنَا بِزَمَان الْعَادة حصل لَهَا ثَلَاثَة أَيَّام وَإِن قُلْنَا بعددها حصل لَهَا خَمْسَة ايام فَحصل فِي قدر الْحيض ثَلَاثَة أوجه وَفِي مَوْضِعه فصل الدَّم الَّذِي يخرج بعد الْوَلَد نِفَاس وَالَّذِي يخرج مَعَه فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه نِفَاس فَإِن رَأَتْ قبل الْولادَة خَمْسَة ايام دَمًا ثمَّ ولدت وَرَأَتْ الدَّم فَفِي الَّذِي قبل الْولادَة وَجْهَان أَحدهمَا أَنه حيض إِذا قُلْنَا إِن الْحَامِل تحيض

وَأكْثر النّفاس سِتُّونَ يَوْمًا وغالبه أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن مَالك وَالثَّانيَِة أَنه يرجع إِلَى الْعَادة وأقصى مَا تجْلِس إِلَيْهِ الْمَرْأَة وَحكى ابْن الْمُنْذر عَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه قَالَ خَمْسُونَ يَوْمًا وَحكي فِي الْحَاوِي عَن اللَّيْث بن سعد أَنه قَالَ من النَّاس من قَالَ سَبْعُونَ يَوْمًا وَقَالَ أَبُو حنيفَة أَكْثَره أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ وَأحمد فَإِن ولدت توأمين بَينهمَا زمَان فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يعْتَبر من الأول ابْتِدَاء الْمدَّة وَهُوَ قَول أبي إِسْحَاق وَأبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَالثَّانِي أَنه يعْتَبر ابْتِدَاء الْمدَّة من الثَّانِي وَهُوَ قَول مُحَمَّد وَزفر وَالثَّالِث أَنه يعْتَبر ابْتِدَاؤُهَا من الأول ثمَّ تسْتَأْنف الْمدَّة من الثَّانِي فَإِن رَأَتْ سَاعَة دَمًا ثمَّ ظَهرت خَمْسَة عشر يَوْمًا ثمَّ رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَة دَمًا فَفِيهِ وَجْهَان

احدهما أَن الثَّانِي حيض وَمَا بَينهمَا طهر وَهُوَ قَول مُحَمَّد وَأبي يُوسُف وَالثَّانِي أَن الْجَمِيع نِفَاس وَفِيمَا بَينهمَا الْقَوْلَانِ فِي التلفيق وَهُوَ قَول أبي حنيفَة واختبار القَاضِي ابي الطّيب رَحمَه الله فَإِن رَأَتْ سَاعَة دَمًا وَخَمْسَة عشر يَوْمًا طهرا ثمَّ رَأَتْ بعض يَوْم وَلَيْلَة دَمًا وَانْقطع فَالْأول نِفَاس وَمن قَالَ فِي الْمَسْأَلَة قبلهَا إِن الثَّانِي نِفَاس فها هُنَا أولى وَفِيمَا بَينهمَا الْقَوْلَانِ فِي التلفيق وَمن قَالَ إِن الثَّانِي حيض يَقُول هَا هُنَا إِنَّه دم فَسَاد فَإِن رَأَتْ يَوْمًا ولية دَمًا ثمَّ طهرت ثَلَاثَة عشر يَوْمًا وَنصفا ثمَّ رَأَتْ الدَّم نصف يَوْم فَإِنَّهُ يضم إِلَى الأول لِإِمْكَان حمله على الصِّحَّة وَحكي عَن أَحْمد أَنه قَالَ الدَّم الأول نِفَاس وَالثَّانِي مَشْكُوك فِيهِ تَصُوم وَتصلي وَلَا يَأْتِيهَا زَوجهَا وتقضي الصَّوْم وَالطّواف فَإِن جَاوز الدَّم السِّتين ردَّتْ إِلَى أقل النّفاس فِي أحد الْقَوْلَيْنِ وَفِي الثَّانِي إِلَى غَالب الْعَادة وَقَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله لَا ينقص عَن أَرْبَعِينَ وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يَجْعَل مَا زَاد على السِّتين حيضا وَهَذَا مَبْنِيّ عَلَيْهِ إِذا رَأَتْ قبل الْولادَة خَمْسَة ايام دَمًا ثمَّ ولدت وَرَأَتْ دم النّفاس وَقُلْنَا إِن الْحَامِل تحيض هَل يكون ذَلِك حيضا فِيهِ وَجْهَان

فصل يجب على المستحاضة أن تغسل الدم وتعصب الفرج

فصل يجب على الْمُسْتَحَاضَة أَن تغسل الدَّم وتعصب الْفرج وتستوثق بالشد والتلجم وتتوضأ لكل فَرِيضَة وَبِه قَالَ الثَّوْريّ وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد تتوضأ لوقت كل فَرِيضَة وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث بن سعد تجمع بطهارتها بَين الظّهْر وَالْعصر وَلَا تتوضأ قبل دُخُول الْوَقْت وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجوز إِذا لم يكن ذَلِك وَقت صَلَاة فَإِن تَوَضَّأت فِي أول الْوَقْت واخرت فعل الصَّلَاة لغير غَرَض إِلَى آخر الْوَقْت قَالَ أَبُو الْعَبَّاس فِيهَا وَجْهَان

أَحدهمَا أَن صلَاتهَا تبطل وَالثَّانِي أَنَّهَا صَحِيحَة وَإِن أخرت الصَّلَاة حَتَّى خرج الْوَقْت قَالَ أَبُو الْعَبَّاس لَا تصح صلَاتهَا بِتِلْكَ الطَّهَارَة وَمن أَصْحَابنَا من خَالف أَبَا الْعَبَّاس بن سُرَيج فِي ذَلِك وَقَالَ فَإِن هَذَا يُؤَدِّي إِلَى أَن تصير طَهَارَتهَا مقدرَة بِوَقْت الصَّلَاة وَذَلِكَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَذكر الشَّيْخ ابو نصر رَحمَه الله أَن نَظِير هَذِه الْمَسْأَلَة إِذا تيَمّم لفائتة قبل دُخُول وَقت الْحَاضِرَة ثمَّ دخل وَقتهَا هَل يجوز أَن يُصليهَا فِيهِ وَجْهَان قَالَ الشَّيْخ الإِمَام ايده الله وَعِنْدِي أَن هَذِه الْمَسْأَلَة لَيست بنظير الْمُسْتَحَاضَة لِأَن الْوَجْهَيْنِ هُنَاكَ فِي فعل الْحَاضِرَة بذلك التَّيَمُّم الَّذِي وَقع للفائتة وَفعل الْفَائِتَة هُنَاكَ جَائِز وَجها وَاحِدًا وَهَا هُنَا الْوَجْهَانِ فِي فعل الصَّلَاة الَّتِي تَوَضَّأت لَهَا وَبطلَان طَهَارَتهَا بِخُرُوج الْوَقْت وَيَنْبَغِي أَن يبْنى ذَلِك على تَأْخِير الصَّلَاة عَن أول الْوَقْت إِلَى آخِره من غير غَرَض فَإِن قُلْنَا يجوز فها هُنَا وَجْهَان أَحدهمَا أَنَّهَا لَا تبطل بِخُرُوج الْوَقْت فَيجوز لَهَا أَن تصلي بهَا الصَّلَاة

الَّتِي تَوَضَّأت لَهَا وَهل يجوز لَهَا أَن تصلي الصَّلَاة الثَّانِيَة على الْوَجْهَيْنِ فِي الْمُتَيَمم للفائتة قبل دُخُول وَقت الْحَاضِرَة فَإِن انْقَطع دَمهَا فِي أثْنَاء الصَّلَاة بطلت صلَاتهَا فِي أصح الْوَجْهَيْنِ فَإِن قُلْنَا إِنَّهَا تبطل وَانْقطع دَمهَا ثمَّ عَاد قبل الْفَرَاغ من الصَّلَاة فَهَل تبطل صلَاتهَا فِيهِ وَجْهَان فَإِن انْقَطع دَمهَا قبل الشُّرُوع فِي الصَّلَاة وَجب عَلَيْهَا تَجْدِيد الطَّهَارَة فَإِن لم تفعل وشرعت فِي الصَّلَاة وَعَاد الدَّم بعد الْفَرَاغ من الصَّلَاة وَجب عَلَيْهَا إِعَادَتهَا وَإِن عَاد قبل الْفَرَاغ من الصَّلَاة فَفِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا أَنه لَا تصح صلَاتهَا وَإِن كَانَ دم الِاسْتِحَاضَة يجْرِي مرّة ويمسك أُخْرَى فَإِن كَانَ زمَان إمْسَاك يَتَّسِع لفعل الطَّهَارَة وَالصَّلَاة لم يجز لَهَا أَن تصلي فِي حَال جَرَيَانه ولزمها أَن تنْتَظر حَال إِمْسَاكه مَا لم يفت الْوَقْت وَإِن كَانَ زمَان إِمْسَاكه لَا يَتَّسِع لفعل الطَّهَارَة وَالصَّلَاة كَانَ لَهَا أَن تتوضأ وَتصلي فِي حَال جَرَيَانه إِذا عرفت ذَلِك بِحَال انْقِطَاعه وتكرره فَإِن تَوَضَّأت فِي حَال جَرَيَان الدَّم ثمَّ انْقَطع وَدخلت فِي الصَّلَاة واتصل انْقِطَاعه بطلت صلَاتهَا وَجها وَاحِدًا وَحكي فِي تَعْلِيق الشَّيْخ ابي حَامِد عَن أبي الْعَبَّاس فِي ذَلِك وَجْهَان كابتداء انْقِطَاع الصَّلَاة

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب إِزَالَة النَّجَاسَة الْبَوْل وَالْغَائِط نجس وَبِه قَالَ أَبُو يُوسُف وَأَبُو حنيفَة وَقَالَ الزُّهْرِيّ وَمَالك وَأحمد وَزفر بَوْل مَا يُؤْكَل لَحْمه ورجيعه طَاهِر وَوَافَقَهُمْ أَبُو حنيفَة فِي ذرق الطير والعصفور من ذَلِك وَقَالَ اللَّيْث بن سعد وَمُحَمّد بن الْحسن ابوال مَا يُؤْكَل لَحْمه طَاهِر وأرواثها نَجِسَة وَقَالَ النَّخعِيّ أَبْوَال جَمِيع الْبَهَائِم الطاهرة طَاهِرَة وَقَالَ دَاوُد بَوْل الصَّبِي مَا لم يَأْكُل الطَّعَام طَاهِر

وَأما مني الْآدَمِيّ فطاهر وَبِه قَالَ أَحْمد فِي أصح الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ وَفِي مني غَيره ثَلَاث أوجه

أَحدهمَا وَهُوَ ظَاهر الْمَذْهَب أَن الْجَمِيع طَاهِر إِلَّا مني الْكَلْب وَالْخِنْزِير وَمَا تولد مِنْهُمَا أَو من أَحدهمَا وَالثَّانِي أَن الْجَمِيع نجس وَالثَّالِث أَن مني مَا يُؤْكَل طَاهِر وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك الْمَنِيّ جَمِيعه نجس من الْآدَمِيّ وَغَيره وَهُوَ الرِّوَايَة الْأُخْرَى عَن أَحْمد إِلَّا أَن مَالِكًا قَالَ رطبا ويابسا وَأَبُو حنيفَة وَأحمد قَالَا فِي مني الْآدَمِيّ يغسل رطبا ويفرك يَابسا وَحكي الحلطوي عَن الْحسن بن صَالح بن حَيّ أَنه قَالَ لَا يُعِيد الصَّلَاة من الْمَنِيّ فِي الثَّوْب وَيُعِيدهَا من الْمَنِيّ فِي الْبدن وَإِن قل وَأما الدَّم فنجس

وَفِي دم السّمك وَجْهَان أَحدهمَا أَنه طَاهِر وَقَالَ أَبُو حنيفَة دم الْقمل والبراغيث والبق طَاهِرَة وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد والقيء نجس والرطوبة الَّتِي تخرج من الْمعدة نَجِسَة ويحكى عَن أبي حنيفَة وَأحمد وَمُحَمّد أَنَّهُمَا قَالَا هِيَ طَاهِرَة وَمَاء القروح إِن كَانَ لَهُ رَائِحَة فَهُوَ نجس وَإِن لم يكن لَهُ رَائِحَة فَهُوَ طَاهِر وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ فِيهِ قَولَانِ

وَفِي الْعلقَة وَجْهَان وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق هِيَ نَجِسَة وَقَالَ أَبُو بكر الصَّيْرَفِي هِيَ طَاهِرَة وَالْميتَة سوى السّمك وَالْجَرَاد نَجِسَة وَقَالَ مَالك مَا لَيْسَ لَهُ نفس سَائِلَة لَا ينجس بِالْمَوْتِ وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَدَاوُد وَحكى الْقفال الْقَوْلَيْنِ اللَّذين يذكرهما أَصْحَابنَا فِي نَجَاسَة مَا يَمُوت مِنْهُ فِي نَجَاسَته بِالْمَوْتِ وَفرع عَلَيْهِ أَنا إِذا قُلْنَا لَا ينجس بِالْمَوْتِ جَازَ أكله وَحكي أَنه سُئِلَ الشَّيْخ ابو زيد عَن الْمَنِيّ فَقَالَ طَاهِر فَقيل أيؤكل فَقَالَ إِن اشْتهيت فَكل قَالَ الشَّيْخ الإِمَام ايده الله وَهَذَا عِنْدِي لَا يَجِيء على أصل الشَّافِعِي رَحمَه الله

وَفِي الْحَيَّة والوزغ هَل لَهما نفس سَائِلَة اخْتِلَاف بَين أَصْحَابنَا قَالَ الداركي وَالشَّيْخ ابو حَامِد لَهما نفس سَائِلَة قَالَ أَبُو الْفَيَّاض وابو الْقَاسِم الصَّيْمَرِيّ لَيْسَ لَهما نفس سَائِلَة وَفِي الْآدَمِيّ قَولَانِ أصَحهمَا أَنه لَا ينجس بِالْمَوْتِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة ينجس بِالْمَوْتِ غير أَنه يطهر بِالْغسْلِ وَحكي فِي الْحَاوِي فِي نَجَاسَة الضفدع بِالْمَوْتِ وَجْهَان أَحدهمَا ينجس فعلى هَذَا فِي نَجَاسَة المَاء الْقَلِيل بِهِ وَجْهَان وَالْخمر نَجِسَة والنبيذ نجس

وَقَالَ دَاوُد الْخمر طَاهِرَة وَإِن حرم شربهَا وروى الطَّحَاوِيّ عَن اللَّيْث بن سعد مثل ذَلِك وَقَالَ أَبُو حنيفَة النَّبِيذ طَاهِر وَالْكَلب وَالْخِنْزِير وَمَا تولد مِنْهُمَا أَو من أَحدهمَا نجس وَمَا سواهُمَا طَاهِر السؤر والذات وَقَالَ مَالك وَدَاوُد الْكَلْب وَالْخِنْزِير أَيْضا طَاهِر السؤر والذات غير أَنه يجب غسل الْإِنَاء من ولوغ الْكَلْب تعبدا وَإِن كَانَ مَا فِيهِ يحل أكله وشربه فَإِن ولغَ الْخِنْزِير فِي إِنَاء فِيهِ لبن أَو خل فَفِي وجوب غسله رِوَايَتَانِ وَحكي فِي الْحَاوِي فِي وجوب إراقته وَالْمَنْع من الِانْتِفَاع بِهِ لِأَصْحَابِنَا وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يحرم الِانْتِفَاع بِهِ بِكُل حَال وَقَالَ جمهورهم يجوز الِانْتِفَاع بِهِ وَلَا يجب إراقته وَالأَصَح وجوب الإراقة

وَقَالَ الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ سُؤْر مَا لَا يُؤْكَل لَحْمه نجس سوى الْآدَمِيّ وَقَالَ أَبُو حنيفَة الأسآر أَرْبَعَة أضْرب ضرب نجس وَهُوَ سُؤْر الْكَلْب وَالْخِنْزِير وَسَائِر السبَاع فإنخها نَجِسَة عِنْده وَضرب مَكْرُوه وَهُوَ حشرات الأَرْض وجوارح الطير والهرة وَضرب مَشْكُوك فِيهِ وَهُوَ سُؤْر الْحمار والبغل وَضرب طَاهِر غير مَكْرُوه وَهُوَ سُؤْر مَا يُؤْكَل لَحْمه وَقَالَ أَحْمد كل حَيَوَان يُؤْكَل لَحْمه فسؤره طَاهِر وَكَذَلِكَ الْهِرَّة وحشرات الأَرْض وَعنهُ فِي السبَاع رِوَايَتَانِ وَكَذَا عَنهُ فِي الْحمار والبغل رِوَايَتَانِ أصَحهمَا أَنه نجس وَالثَّانيَِة أَنه مَشْكُوك فِيهِ وَلبن مَا لَا يُؤْكَل لَحْمه نجس على الْمَنْصُوص وَقَالَ أَبُو سعيد الْإِصْطَخْرِي هُوَ طَاهِر ورطوبة فرج الْمَرْأَة على الْمَنْصُوص نَجِسَة وَمن اصحابنا من قَالَ هِيَ طَاهِرَة

فصل وتطهر الخمرة إذا استحالت خلا بنفسها

فصل وتطهر الْخمْرَة إِذا استحالت خلا بِنَفسِهَا وَإِن خللت بِمَا طرح فِيهَا من ملح أَو خل لم تطهر وَإِن نقلت من الظل إِلَى الشَّمْس حَتَّى تخللت طهرت فِي أحد الْوَجْهَيْنِ وَلَا يجوز إِِمْسَاكهَا لتخلل فَإِن أمْسكهَا حَتَّى صَارَت خلا طهرت فِي أحد الْوَجْهَيْنِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة تطهر بالتخليل وَكَذَلِكَ سَائِر النَّجَاسَات عِنْده تطهر بالاستحالة وَفِي دُخان النَّجَاسَة وَجْهَان أَحدهمَا أَنه نجس فعلى هَذَا حُكيَ فِي الْعَفو عَنهُ وَجْهَان أَحدهمَا يُعْفَى عَنهُ وَقَالَ أَبُو الْحسن ابْن الْمَرْزُبَان من أَصْحَابنَا إِذا عمل الْآجر من طين فِيهِ سرجين فَغسل طهر ظَاهره وَمن اصحابنا من خرج فِيهِ قولا من قَوْله الْقَدِيم فِي الشَّمْس أَنَّهَا تطهر الأَرْض النَّجِسَة وَلَيْسَ بِشَيْء وَاخْتَارَ الشَّيْخ ابو نصر رَحمَه الله قَول ابْن الْمَرْزُبَان

وَيجوز إمْسَاك ظروف الْخمر وَالِانْتِفَاع بهَا وَحكي عَن أَحْمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ أَنه يجب كسر دنانها وشق أزقاقها وَيجب غسل الْإِنَاء من ولوغ الْكَلْب سبعا إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ وَمن اصحاب مَالك من يَقُول الْعدَد مُسْتَحبّ وَعَن مَالك رِوَايَة أُخْرَى أَنه يغسل ثَمَانِي غسلات وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه يغسل حَتَّى يغلب على الظَّن طَهَارَته وَالْعدَد لَا يعْتَبر وَإِن جعل مَكَان التُّرَاب غَيره من جص أَو أشنان فَفِيهِ قَولَانِ أظهرهمَا أَنه يجزىء وَفِي مَوضِع الْقَوْلَيْنِ وَجْهَان أَحدهمَا أَن الْقَوْلَيْنِ مَعَ عدم التُّرَاب فَأَما مَعَ وجوده فَلَا يجوز قولا وَاحِدًا وَالثَّانِي أَن الْقَوْلَيْنِ فِي جَمِيع الْأَحْوَال فَإِن قُلْنَا إِن غير التُّرَاب لَا يقوم مقَام التُّرَاب فِي الْإِنَاء فَفِي الثَّوْب وَجْهَان ذكر ذَلِك فِي الْحَاوِي وَذكر فِي قدر التُّرَاب وَجْهَيْن أَحدهمَا مَا يَقع عَلَيْهِ الِاسْم وَالثَّانِي مَا يستوعب مَحل الولوغ

فَإِن غسل مَكَان التُّرَاب غسلة ثامنة بِالْمَاءِ لم يجزه فِي أحد الْوَجْهَيْنِ فَإِن ولغَ فِي إِنَاء كلبان أَو أَكثر كفي فِي غسله سبع مَرَّات وَمن اصحابنا من قَالَ يغسل لكل كلب سبع غسلات وَحكي فِي الْحَاوِي وَجها ثَالِثا أَن الولوغ إِن تكَرر من كلب وَاحِد كَفاهُ سبع مَرَّات وَإِن كَانَ من كلاب وَجب لكل كلب سبع مَرَّات وَهَذَا ظَاهر الْفساد فَإِن أصَاب الثَّوْب من مَاء الغسلات كَفاهُ فِي غسله مرّة وَاحِدَة فِي أحد الْوَجْهَيْنِ وَالثَّانِي أَنه يغسل بِقدر مَا بَقِي على الْمحل من الْغسْل فَإِن جمع مَاء الغسلات فِي إِنَاء كَانَ طَاهِرا فِي أحد الْوَجْهَيْنِ وَالثَّانِي أَنه نجس اعْتِبَارا بِالْمحل فَإِن وَقع الْإِنَاء الَّذِي ولغَ الْكَلْب فِيهِ فِي مَاء يبلغ قُلَّتَيْنِ لم ينجس المَاء وَهل يطهر الْإِنَاء فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا يطهر ويعد ذَلِك غسلة وَاحِدَة وَحكم سَائِر أَعْضَاء الْكَلْب فِي الْعدَد حكم فِيهِ وَقَالَ مَالك وَدَاوُد لَا يجب الْغسْل من غير الولوغ بِحَال

فصل ويجزىء في بول الصبي

وَذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَن بَوْل الْكَلْب إِذا لم يزل عَن الْمحل إِلَّا بمرتين فَهَل يَكْفِيهِ بعد ذَلِك خمس غسلات فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يَكْفِيهِ وَالثَّانِي أَنه يسْتَأْنف الْغسْل سبعا فَإِن أَدخل الْكَلْب رَأسه فِي إِنَاء فِيهِ مَاء وَأخرجه وَلم يعلم هَل ولغَ فِيهِ أم لَا وَكَانَ على فَمه رُطُوبَة نجس المَاء فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ فصل ويجزىء فِي بَوْل الصَّبِي الَّذِي لم يطعم الطَّعَام النَّضْح هُوَ أَن يبله بِالْمَاءِ وَإِن لم ينزل عَنهُ وَيغسل من بَوْل الْجَارِيَة فَيصب عَلَيْهِ المَاء حَتَّى ينزل عَنهُ وَبِه قَالَ احْمَد

وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ يطهر بولهما جَمِيعًا بالرش عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك يجب عَلَيْهِ غسل بَوْل الصَّبِي أَيْضا وَأما سَائِر النَّجَاسَات سوى مَا ذَكرْنَاهُ فَالْوَاجِب فِيهَا أَن تكاثر بِالْمَاءِ حَتَّى تستهلك بِهِ وتزول صفاتها وَلَا يتَغَيَّر المَاء بهَا فَإِن حصل ذَلِك بِمرَّة وَاحِدَة أَجْزَأَ وَيسْتَحب أَن يغسل ثَلَاثًا وَقَالَ أَحْمد يجب غسل سَائِر النَّجَاسَات سبعا إِلَّا الأَرْض إِذا أصابتها نَجَاسَة وَاخْتلف أَصْحَابه فِي ضم التُّرَاب إِلَيْهِ فَإِن كَانَت النَّجَاسَة فِي الثَّوْب خمرًا فغسلها وَبقيت رائحتها طهر فِي أحد الْقَوْلَيْنِ وَفِي الثَّانِي لَا يطهر وَهُوَ الْأَصَح وَلَا يعْتَبر الْحَث والقرص فِي غسل الثَّوْب من الدَّم وَغَيره إِذا زَالَ وَإِن بَقِي الْأَثر

وَقَالَ دَاوُد يجب الْحَث والقرص فِي غسل الدَّم من الثَّوْب وَذكر فِي الْحَاوِي أَن الْخمر فِي الثَّوْب لَا تطهر حَتَّى تَزُول الرَّائِحَة وَفِي الأَرْض لَا يعْتَبر ذَلِك وَلَيْسَ بِشَيْء وَذكر أَيْضا أَنه إِذا بل خضابا ببول أَو خمر أَو دم وخضب بِهِ شعره أَو يَدَيْهِ وغسله فَبَقيَ اللَّوْن فَإِن كَانَ لون النَّجَاسَة لم يطهر وَإِن كَانَ لون الخضاب فَفِيهِ وَجْهَان فَإِن قُلْنَا إِنَّه نجس وَكَانَ الخضاب فِي شعره لم يلْزمه حلقه وَصلى فَإِذا انْفَصل الخضاب أَعَادَهُ وَإِن كَانَ فِي يَدَيْهِ وَكَانَ لَا ينْفَصل كالوشم وَخَافَ التّلف من إِزَالَته وَكَانَ هُوَ الَّذِي فعله فَفِيهِ وَجْهَان قَالَ الشَّيْخ الإِمَام وَهَذَا تَفْرِيع عَجِيب وَاعْتِبَار زَوَال اللَّوْن لَا معنى لَهُ وَقد نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي مَوضِع آخر على أَنه يطهر بِالْغسْلِ وَإِن لم يزل اللَّوْن وَلِأَنَّهُ عرض فَلَا تحله النَّجَاسَة

قَالَ ابْن الْقَاص لَو أَن ثوبا كُله نجس غسل بعضه فِي جَفْنَة ثمَّ عَاد إِلَى الْبَاقِي فَغسله لم يطهر حَتَّى يغسل الثَّوْب كُله دفْعَة قلته تخريجا وَذكر فِيهِ وَجه آخر أَنه يطهر فَإِن صب المَاء على الثَّوْب النَّجس وعصر فِي إجانة وَهُوَ متغير ثمَّ صب عَلَيْهِ مَاء آخر وعصر فَخرج غير متغير ثمَّ جمع بَين الماءين فَزَالَ التَّغَيُّر فَفِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا أَنه نجس وَالثَّانِي أَنه يطهر وَلَيْسَ بِشَيْء فَإِن غمس الثَّوْب النَّجس فِي إِنَاء فِيهِ مَاء قَلِيل نجس المَاء وَلم يطهر الثَّوْب وَقيل إِن قصد بغمسه إِزَالَة النَّجَاسَة طهر وَلَيْسَ بِشَيْء فَإِن وضع الثَّوْب النَّجس فِي إجانة وصب عَلَيْهِ المَاء حَتَّى غمره واستهلك النَّجَاسَة وَلم يعصره طهر فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ فَإِن كَانَ فِي إِنَاء قَلِيل بَوْل فكاثره بِالْمَاءِ حَتَّى اسْتَهْلكهُ طهر فِي اظهر الْوَجْهَيْنِ وَالثَّانِي لَا يطهر حَتَّى يريق مَا فِيهِ ثمَّ يغسلهُ

ذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله إِذا سقى سكينا بِمَاء نجس ثمَّ غسله طهر ظَاهره دون بَاطِنه وَالْحَد فِي تَطْهِيره أَن يسْقِيه بِمَاء طَاهِر مرّة أُخْرَى قَالَ الشَّيْخ الإِمَام وَهَذَا بعيد وَمُجَرَّد الْغسْل يَكْفِي فِي تَطْهِيره كالذهب وَالْفِضَّة وزبر الْحَدِيد وَذكر أَيْضا انه إِذا طبخ اللَّحْم بِمَاء نجس فَإِنَّهُ ينجس ظَاهره وباطنه وَالطَّرِيق فِي تَطْهِيره أَن يغليه مرّة أُخْرَى فِي مَاء طَاهِر وَهَذَا أَيْضا فِيهِ نظر لِأَنَّهُ يُمكن عصره ثمَّ مكاثرته بِالْمَاءِ كالبساط الصفيق النَّجس وَذكر ايضا إِذا ابتلعت الْبَهِيمَة حبات من طَعَام وألقتها فِي الْحَال وَكَانَت الصلوبة بِحَالِهَا بِحَيْثُ إِذا زرعت نَبتَت فَإِنَّهَا تغسل وتطهر وَإِن كَانَت صلابتها قد ذهبت بِحَيْثُ إِذا زرعت لم تنْبت لم تطهر بِالْغسْلِ فِيهِ نظر لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَة مَا يطْبخ فِي مَاء نجس فَإِن كَانَت النَّجَاسَة على الأَرْض وَكَانَت عذرة وَجب إِزَالَتهَا ثمَّ غسل موضعهَا وَإِن كَانَت بولا أَجْزَأَ فِيهِ المكاثرة حَتَّى تستهلكه

لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر فِي بَوْل الْأَعرَابِي بذنوب من مَاء وَذَلِكَ تقريب على سَبِيل المكاثرة وَقَالَ أَبُو سعيد الْإِصْطَخْرِي بل هُوَ تَقْدِير فَيجب فِي بَوْل الْإِثْنَيْنِ ذنوبان وَالْمذهب الأول وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن كَانَت الأَرْض رخوة ينزل المَاء فِيهَا كفى صب المَاء عَلَيْهَا وَإِن كَانَت صلبة وَجب حفرهَا وَنقل التُّرَاب النَّجس عَنْهَا فَإِن أصَاب الأَرْض نَجَاسَة فِي مَوضِع ضاح فطلعت عَلَيْهَا الشَّمْس وهبت عَلَيْهَا الرِّيَاح حَتَّى ذهب أَثَرهَا فقد قَالَ فِي الْقَدِيم تطهر وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد فَتجوز الصَّلَاة عَلَيْهَا وَلَا يجوز التَّيَمُّم بترابها وَقَالَ فِي الْأُم لَا تطهر وَهُوَ الْأَصَح وَهُوَ قَول مَالك وَأحمد

وَإِن أصَاب أَسْفَل الْخُف نَجَاسَة لم يجز فِيهِ إِلَّا المَاء على قَوْله الْجَدِيد وَبِه قَالَ مَالك فِي الْعذرَة وَالْبَوْل وَفِي أرواث الدَّوَابّ رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا تغسل وَالثَّانيَِة تمسح وَقَالَ فِي الْقَدِيم إِذا دلكه بِالْأَرْضِ كَانَ عفوا وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن كَانَ يَابسا جَازَ الِاقْتِصَار فِيهِ على الدَّلْك وَإِن كَانَ رطبا لم يجز

الجزء 2

= كتاب الصَّلَاة

= كتاب الصَّلَاة لَا تجب الصَّلَاة إِلَّا على كل مُسلم بَالغ عَاقل طَاهِر وَأما الْمُرْتَد فَتجب عَلَيْهِ الصَّلَاة وَيُؤمر بقضائها إِذا أسلم

وَقَالَ أَبُو حنيفَة الرِّدَّة تسْقط عَنهُ فرض الْقَضَاء فِي الصَّلَاة الَّتِي وَجَبت عَلَيْهِ فِي حَال الْإِسْلَام وَلَا يُؤمر بِقَضَاء مَا فَاتَهُ فِي حَال الرِّدَّة بعد العودة إِلَى الْإِسْلَام وَبِه قَالَ مَالك وَعَن احْمَد رِوَايَتَانِ وَالْإِغْمَاء إِذا كَانَ بِغَيْر مَعْصِيّة يسْقط فرض الْقَضَاء وَإِذا كَانَ بِمَعْصِيَة لم يمْنَع الْوُجُوب وَبِه قَالَ مَالك وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا زَاد الْإِغْمَاء على يَوْم وَلَيْلَة أسقط فرض الْقَضَاء وَإِن كَانَ فِي يَوْم وَلَيْلَة فَمَا دون لم يمْنَع الْوُجُوب وَقَالَ أَحْمد الْإِغْمَاء لَا يمْنَع وجوب الْقَضَاء بِحَال وَلَا يُؤمر أحد مِمَّن لَا تجب عَلَيْهِ الصَّلَاة بِفِعْلِهَا إِلَّا الصَّبِي فَإِنَّهُ يُؤمر بِالصَّلَاةِ لسبع وَيضْرب على تَركهَا لعشر وَتَصِح صلَاته وَقَالَ بعض أَصْحَاب أبي حنيفَة لَا تصح صلَاته

وَقَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله وعَلى الْآبَاء والأمهات أَن يؤدبوا أَوْلَادهم ويعلموهم الطَّهَارَة وَالصَّلَاة وَظَاهر هَذَا يقْضِي الْوُجُوب وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ المُرَاد بِهِ الِاسْتِحْبَاب وَهَذَا أجْرى على الْقيَاس وَإِن خَالف الظَّاهِر فَإِن شرع فِي الصَّلَاة وَبلغ فِي أَثْنَائِهَا فقد قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله أَحْبَبْت أَن يتم وَيُعِيد وَلَا يبين لي أَن عَلَيْهِ الْإِعَادَة وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق يلْزمه الْإِتْمَام وَيسْتَحب لَهُ الْإِعَادَة وَهُوَ ظَاهر كَلَام الشَّافِعِي رَحمَه الله وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يسْتَحبّ لَهُ الْإِتْمَام وَيجب عَلَيْهِ الْإِعَادَة وَمِنْهُم من قَالَ إِن بلغ بَعْدَمَا فرغ مِنْهَا وَلم يبْق من الْوَقْت مَا يَتَّسِع لفعلها لم يجب عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا وَلَيْسَ بِشَيْء وَإِن بلغ بعد الْفَرَاغ من الصَّلَاة فعلى قَوْله الأول لَا يجب عَلَيْهِ الْإِعَادَة وعَلى الْوَجْه الآخر يجب عَلَيْهِ الْإِعَادَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك يجب عَلَيْهِ الْإِعَادَة بِكُل حَال فِي الصَّوْم وَالصَّلَاة 3 وَاخْتَارَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله أَن يُعِيد الصَّلَاة وَلَا يُعِيد الصَّوْم

وَمن ترك الصَّلَاة بعد اعْتِقَاده وُجُوبهَا كسلا وأصر على تَركهَا قتل وَبِه قَالَ مَالك

وَقَالَ أَبُو حنيفَة يحبس حَتَّى يُصَلِّي وَقَالَ الْمُزنِيّ يضْرب وَلَا يقتل وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِي الْوَقْت الَّذِي يقتل فِيهِ فَقَالَ أَبُو سعيد الْإِصْطَخْرِي يقتل إِذا ضَاقَ وَقت الصَّلَاة الرَّابِعَة وَقَالَ أَبُو عَليّ بن أبي هُرَيْرَة يقتل إِذا ضاقلا وَقت الصَّلَاة الأولى وَهُوَ ظَاهر كَلَام الشَّافِعِي رَحمَه الله وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق يقتل إِذا ضَاقَ وَقت الصَّلَاة الثَّانِيَة ذكر فِي الْحَاوِي هَل يقتل لصَلَاة الْوَقْت أَو لما فَاتَ فِيهِ وَجْهَان

أصَحهمَا أَنه يقتل لصَلَاة الْوَقْت فعلى هَذَا لَا يقتل للفوائت إِذا تَركهَا وَالثَّانِي أَنه يقتل لما فَاتَ فعلى هَذَا يقتل لترك فعل الْفَوَائِت وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيح وَهل يجب استتابته ثَلَاثَة أَيَّام فِيهِ قَولَانِ كالمرتد ثمَّ يضْرب عُنُقه بِالسَّيْفِ وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ ينخس بِالسَّيْفِ وَإِن ادى إِلَى قَتله وَقَالَ أَحْمد يكفر بترك الصَّلَاة وَهُوَ قَول بعض أَصْحَابنَا

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب مَوَاقِيت الصَّلَاة أول وَقت الظّهْر إِذا زَالَت الشَّمْس وَحكى القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله أَن من النَّاس من قَالَ لَا تجوز الصَّلَاة حَتَّى يصير الْفَيْء مثل الشرَاك بعد الزَّوَال وَقَالَ مَالك أحب أَن يُؤَخر الظّهْر بعد الزَّوَال بِقدر مَا يصير الظل ذِرَاعا

وَآخر وَقتهَا إِذا صَار ظلّ كل شَيْء مثله وَيعْتَبر الْمثل من حد الزِّيَادَة على الظل الَّذِي كَانَ عِنْد الزَّوَال وَبِه قَالَ الثَّوْريّ وَأحمد وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَهُوَ رِوَايَة الْحسن بن زِيَاد عَن أبي حنيفَة وروى أَبُو يُوسُف عَن أبي حنيفَة وَهُوَ الْمَشْهُور عَنهُ أَن وَقت الظّهْر إِلَى أَن يصير ظلّ كل شَيْء مثلَيْهِ قَالَ ابْن الْمُنْذر تفرد بِهَذَا أَبُو حنيفَة وَعَن أبي حنيفَة رِوَايَة ثَالِثَة أَنه صَار ظلّ كل شَيْء مثله خرج وَقت الظّهْر وَلم يدْخل وَقت الْعَصْر حَتَّى يصير ظلّ كل شَيْء مثلَيْهِ وَقَالَ أَبُو ثَوْر وَابْن جرير الطَّبَرِيّ قدر أَربع رَكْعَات بعد الْمثل يكون مُشْتَركا بَين الظّهْر وَالْعصر وَحكي عَن مَالك أَنه قَالَ إِذا صَار ظلّ كل شَيْء مثله فَهُوَ آخر وَقت الظّهْر وَأول وَقت الْعَصْر فَإِذا زَاد على الْمثل زِيَادَة بَيِّنَة خرج وَقت الظّهْر واختص الْوَقْت بالعصر وَحكى الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله عَن مَالك وَقت الظّهْر إِلَى أَن يصير ظلّ كل شَيْء مثله وقتا مُخْتَارًا وَأما وَقت الْأَدَاء فآخره إِذا بَقِي إِلَى غرُوب الشَّمْس قدر أَربع رَكْعَات وَحكى ابْن جريح عَن عَطاء أَنه قَالَ لَا يكون مفرطا بتأخيرها حَتَّى يصير فِي الشَّمْس صفرَة وَعَن طَاوُوس أَنه قَالَ لَا تفوت حَتَّى اللَّيْل

فَإِذا زَاد على الْمثل أدنى زِيَادَة فقد دخل وَقت الْعَصْر وَقَالَ أَبُو حنيفَة أول وَقت الْعَصْر إِذا صَار ظلّ كل شَيْء مثلَيْهِ وَزَاد عَلَيْهِ أدنى زِيَادَة لَا يخْتَلف مذْهبه فِيهِ وَلَا يزَال وَقت الِاخْتِيَار للعصر بَاقِيا حَتَّى يصير ظلّ كل شَيْء مثلَيْهِ ثمَّ يبْقى وَقت الْجَوَاز إِلَى غرُوب الشَّمْس وَقَالَ أَبُو سعيد الْإِصْطَخْرِي يصير قَضَاء بمجاوزة الثُّلثَيْنِ الْمسكن فَإِذا غربت الشَّمْس فقد دخل وَقت الْمغرب وغروب الشَّمْس سُقُوط القرص وَذكر فِي الْحَاوِي أَن يسْقط القرص ويغيب حَاجِب الشَّمْس وَهُوَ الضياء المستعلي عَلَيْهَا كالمتصل بهَا وَلم يذكرهُ غَيره وَحكي عَن الشِّيعَة أَنهم قَالُوا أول وَقتهَا إِذا اشتبكت النُّجُوم وَهَذَا لَا يُسَاوِي الْحِكَايَة

وَلها وَقت وَاحِد وَهُوَ قَول مَالك وَحكى أَبُو ثَوْر عَن الشَّافِعِي رَحمَه الله أَن لَهَا وَقْتَيْنِ وَآخر وَقتهَا إِذا غَابَ الشَّفق وَلَيْسَ بِمَشْهُور عَنهُ وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَدَاوُد وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِي قدر الْوَقْت الْوَاحِد فَمنهمْ من قَالَ هُوَ مُقَدّر بِقدر الطَّهَارَة وَستر الْعَوْرَة وَالْأَذَان وَالْإِقَامَة وَفعل ثَلَاث رَكْعَات وَمِنْهُم من قَالَ يتَقَدَّر بِمَا يعرف من أول الْوَقْت فِي الْعرف وَلَا ينْسب إِلَى التَّفْرِيط فِي التَّأْخِير فِيهِ وَذَلِكَ إِلَى تضييق الْوَقْت وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق هَذَا التَّضْيِيق إِنَّمَا هُوَ فِي الشُّرُوع فإمَّا الاستدامة فَيجوز إِلَى مغيب الشَّفق وَبَعض الخراسانيين من أَصْحَابنَا خرج فِي وَقت جَمِيع الصَّلَوَات وَجْهَيْن أَحدهمَا أَنه وَقت الِابْتِدَاء والاستدامة وَالثَّانِي أَنه وَقت الِابْتِدَاء فَأَما الاستدامة فَيجوز بعد خُرُوج الْوَقْت وَهَذَا ظَاهر الْخَطَأ وَأول وَقت الْعشَاء إِذا غَابَ الشَّفق وَهُوَ الْحمرَة وَهُوَ قَول مَالك وَأحمد وَدَاوُد وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد وَمَا يحْكى عَن أَحْمد أَنه قَالَ الشَّفق الْبيَاض فِي الْحصْر فَإِنَّمَا قَالَه

لِأَن الْحمة تكون مُسْتَقلَّة تواريها الْحِيطَان فيظن أَنَّهَا قد غَابَتْ وَلم تغب فَإِذا غَابَ الْبيَاض تحقق مغيب الْحمرَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة الشَّفق الْبيَاض وَبِه قَالَ زفر والمزني وَآخر وَقتهَا الْمُخْتَار إِلَى نصف اللَّيْل فِي قَوْله الْقَدِيم وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَفِي قَوْله الْجَدِيد إِلَى ثلث اللَّيْل وَبِه قَالَ مَالك وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد ثمَّ يذهب وَقت الِاخْتِيَار وَيبقى وَقت الْجَوَاز إِلَى طُلُوع الْفجْر الثَّانِي خلافًا لأبي سعيد الْإِصْطَخْرِي وَقد تقدم وَأول وَقت الصُّبْح إِذا طلع الْفجْر الثَّانِي وَلَا يزَال وَقتهَا الْمُخْتَار بَاقِيا إِلَى أَن يسفر ثمَّ يبْقى وَقت الْجَوَاز إِلَى طُلُوع الشَّمْس خلافًا للإصطخري على مَا تقدم وَصَلَاة الصُّبْح من صلوَات النَّهَار وَحكي عَن الْأَعْمَش أَنه قَالَ هِيَ من صَلَاة اللَّيْل وَحَكَاهُ فِي الْحَاوِي عَن الشّعبِيّ

قَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله لَا أعرف صِحَة هَذِه الْحِكَايَة عَنهُ وَمَا عِنْدِي أَن احدا من أهل الْعلم يخفي عَلَيْهِ تَحْرِيم الطَّعَام وَالشرَاب على الصَّائِم من طُلُوع الْفجْر الثَّانِي لشهرة ذَلِك فِي الشَّرْع فَإِن طلعت الشَّمْس وَقد صلى رَكْعَة من الصُّبْح فَإِنَّهُ يُتمهَا وَيكون مُؤديا لجميعها فِي قَول أبي الْعَبَّاس بن سُرَيج وَاخْتَارَهُ القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله وَإِنَّمَا يكون ذَلِك فِي حق من سَهَا وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق يكون مُؤديا لما فعل فِي الْوَقْت قَاضِيا لما فعل بعده وَحَكَاهُ ابْن الْمُنْذر عَن أبي ثَوْر وَقَالَ أَبُو حنيفَة تبطل صلَاته بِطُلُوع الشَّمْس فِيهَا فَأَما إِذا خَفِي عَلَيْهِ وَقت الصَّلَاة فقد قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي كتاب اسْتِقْبَال الْقبْلَة وَإِذا كَانَ أعمى وَسعه خبر من يصدقهُ فِي الْوَقْت والاقتداء بالمؤذنين وَله كَلَام آخر يدل على جَوَاز التَّحَرِّي فَيجوز لَهُ التَّحَرِّي وَيجوز لَهُ التَّقْلِيد كَذَا ذكر القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله وَحَكَاهُ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد رَحمَه الله فِي التَّعْلِيق وَجها أَنه لَيْسَ لَهُ التَّقْلِيد وَالْأول أصح

فصل والوجوب في هذه الصلوات المؤقتة متعلق بأول الوقت وجوبا

فَأَما سَماع المؤذنين فقد ذكر القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله أَن من أَصْحَابنَا من قَالَ الْبَصِير وَالْأَعْمَى فِيهِ سَوَاء وَلَيْسَ بِصَحِيح لِأَن الشَّافِعِي رَحمَه الله خص بِهِ الْأَعْمَى قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر ذكر الشَّيْخ أَبُو حَامِد رَحمَه الله فِي التَّعْلِيق أَن الْبَصِير وَالْأَعْمَى فِي ذَلِك سَوَاء وَحكي عَن أبي الْعَبَّاس الرُّجُوع إِلَى الْأَذَان للبصير وَالْأَعْمَى بِلَا خلاف قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله وَيَنْبَغِي أَن يفصل فَإِن كَانَ فِي الصحو جَازَ وَإِن كَانَ فِي الْغَيْم فَيحْتَمل أَن يكون قد أذن عَن اجْتِهَاد فَيجوز للأعمى تَقْلِيده وَلَا يجوز للبصير وَذكر فِي الْحَاوِي هَذَا التَّفْصِيل لبَعض أَصْحَابنَا وَذكر أَيْضا أَن الْبَصِير إِذا سمع الْمُؤَذّن لم يَسعهُ تَقْلِيده حَتَّى يعلم ذَلِك بِنَفسِهِ إِلَّا أَن يكون المؤذنون عددا لَا يجوز على مثلهم التواطؤ وَالْخَطَأ ثمَّ قَالَ هَذَا هُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي رَحمَه الله قَالَ الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله وَهَذَا شَرط لَا معنى لاعتباره وَمَا ذكره الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله أصح وَأحسن فصل وَالْوُجُوب فِي هَذِه الصَّلَوَات المؤقتة مُتَعَلق بِأول الْوَقْت وجوبا موسوعا على معنى جَوَاز التَّأْخِير إِلَى آخر الْوَقْت وَبِه قَالَ مَالك

وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه يتَعَلَّق الْوُجُوب بآخر الْوَقْت إِذا بَقِي من الْوَقْت قدر تَكْبِيرَة على قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد وعَلى قَول زفر إِذا بَقِي من الْوَقْت قدر فعل الصَّلَاة وَقَالَ أَبُو الْحسن الْكَرْخِي لَا يخْتَلف قَوْلهم إِن الْوُجُوب يتَعَلَّق بِقدر صَلَاة الْوَقْت وَمَا ذكر من قدر التَّكْبِيرَة إِنَّمَا هُوَ فِي حق المعذورين وَاخْتلفُوا فِيمَن صلى أول الْوَقْت فَقَالَ الْكَرْخِي تقع وَاجِبَة فَيكون الْوُجُوب عِنْده مُتَعَلقا بِوَقْت غير معِين من الْوَقْت الرَّاتِب وَيتَعَيَّن بِالْفِعْلِ وَمِنْهُم من قَالَ تقع مَوْقُوفَة فَإِن أدْركهُ آخر الْوَقْت وَهُوَ من اهل الْوُجُوب وَقعت وَاجِبَة وَإِن لم يكن من أهل الْوُجُوب فِيهِ وَقعت نَافِلَة وَمِنْهُم من يَقُول إِنَّهَا تقع نَافِلَة بِكُل حَال غير أَنَّهَا تمنع توجه الْفَرْض عَلَيْهِ فِي الْوَقْت فعلى هَذِه الطَّرِيقَة يخرج من صلى فِي أول الْوَقْت من الدُّنْيَا وَلم يتَوَجَّه عَلَيْهِ لله تَعَالَى فَرِيضَة فِي الصَّلَاة بِحَال وَالْأَفْضَل فِي صَلَاة الصُّبْح تَقْدِيمهَا فِي أول وَقتهَا وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَأَبُو ثَوْر وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري الْإِسْفَار بهَا افضل وَكَذَلِكَ التَّقْدِيم فِي الْعَصْر وَالْمغْرب عندنَا أفضل وَقَالَ أَبُو حنيفَة تَقْدِيم الْعَصْر فِي الْغَيْم أفضل وتأخيرها فِي الصحو أفضل مَا دَامَت الشَّمْس بَيْضَاء نقية وَالنَّخَعِيّ كَانَ يُؤَخر الْعَصْر وَبِه قَالَ الثَّوْريّ

وَقَالَ أَبُو حنيفَة تَأْخِير الْمغرب فِي الْغَيْم أفضل وَأما الظّهْر فتقديمها عندنَا أفضل فِي غير شدَّة الْحر فَأَما فِي شدَّة الْحر فِي الْبِلَاد الحارة فتأخيرها أفضل فِي حق من يقْصد الصَّلَاة فِي جمَاعَة من بعد فتؤخر حَتَّى يصير للشَّخْص فَيْء يمشي بِهِ القاصد إِلَى الصَّلَاة وَمن اصحابنا من قَالَ التَّأْخِير بِحكم الْإِبْرَاد رخصَة وَلَيْسَ بفضيلة وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ هَذِه الرُّخْصَة تعم جَمِيع الْبِلَاد فِي شدَّة الْحر وَفِي الْإِبْرَاد بِالْجمعَةِ وَجْهَان وَقَالَ أَبُو حنيفَة تَعْجِيلهَا فِي الشتَاء أفضل وَفِي الصَّيف تَأْخِيرهَا أفضل وَقَالَ مَالك تُؤخر الظّهْر فِي الشتَاء حَتَّى يصير الْفَيْء قدر ذِرَاع وَأما الْعشَاء فقد قَالَ فِي الْقَدِيم تَقْدِيمهَا أفضل وَهُوَ الْأَصَح وَقَالَ فِي الْجَدِيد تَأْخِيرهَا أفضل وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَذكر فِي الْحَاوِي عَن أبي عَليّ بن أبي هُرَيْرَة أَنه كَانَ يمْتَنع من تَخْرِيج الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِك ويجعلهما على اخْتِلَاف حَالين فَمن عرف من نَفسه الصَّبْر وَأَن لَا يغلبه النّوم فالتأخير لَهُ أفضل وَمن لم يَثِق من نَفسه بذلك قالتقديم لَهُ أفضل

قَالَ الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله وَعِنْدِي أَن هَذَا التَّفْصِيل يَسْتَقِيم فِي الْمُنْفَرد وَله وَجه فَأَما فِي حَال الْجَمَاعَة فَلَا يَسْتَقِيم لاخْتِلَاف أَحْوَالهم وَالصَّحِيح أَن الْمَسْأَلَة على قَوْلَيْنِ وَالصَّلَاة الْوُسْطَى الْمَذْكُورَة فِي الْقُرْآن هِيَ صَلَاة الصُّبْح وَبِه قَالَ مَالك وَرُوِيَ عَن عَليّ وَابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا

وَقَالَ أَبُو حنيفَة هِيَ صَلَاة الْعَصْر فِي حِكَايَة الطَّحَاوِيّ عَنهُ وَرُوِيَ عَن زيد بن ثَابت أَنَّهَا الظّهْر

فصل قال الشافعي رحمه الله والوقت للصلاة وقتان

وَذكر الْقَدُورِيّ أَنه مَذْهَب أبي حنيفَة وَأَصْحَابه وَحكي عَن قبيصَة بن ذويب أَنَّهَا الْمغرب فصل قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله وَالْوَقْت للصَّلَاة وقتان وَقت مقَام ورفاهية وَوقت عذر وضرورة وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِي ذَلِك فحكي عَن أبي عَليّ بن خيران أَنه قَالَ وَقت الْمقَام أول الْوَقْت للمقيم الَّذِي لَا يترفه وَوقت الرَّفَاهِيَة آخر الْوَقْت للمقيم المترفه بِالتَّأْخِيرِ وَحكي عَن أبي إِسْحَاق وَأبي عَليّ بن أبي هُرَيْرَة وَعَامة أَصْحَابنَا

أَن وَقت الْمقَام والرفاهية وَقت وَاحِد وَهُوَ مَا بَين أول الْوَقْت إِلَى آخِره وَقد مضى بَيَان هَذَا الْوَقْت وَاخْتلفُوا أَيْضا فِي قَوْله وَقت عذر وضرورة فَمنهمْ من قَالَ وَقت الْعذر هُوَ وَقت الصَّلَاة فِي السّفر وَوقت الضَّرُورَة فِي حق الصَّبِي يبلغ وَالْمَجْنُون يفِيق وَقد بَقِي من الْوَقْت قدر رَكْعَة وَمِنْهُم من قَالَ الْعذر والضرورة وَقت وَاحِد وَهُوَ فِي حق الْمَجْنُون وَالصَّغِير وَالْحَائِض وَالنُّفَسَاء وَالْكَافِر يسلم فَاتبع أحد اللَّفْظَيْنِ الاخر وَالْمَقْصُود بَيَان حكمهم فِي هَذَا الْفَصْل فَإِذا زَالَ عذر من هَذِه الْأَعْذَار فِي شخص وَقد بَقِي من الْوَقْت قدر رَكْعَة وَجب عَلَيْهِ صَلَاة الْوَقْت وَإِن بَقِي قدر تَكْبِيرَة فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا يجب عَلَيْهِ وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَالثَّانِي لَا يجب وَهُوَ قَول مَالك وَهل يلْزمه الْمغرب بِإِدْرَاك جُزْء من وَقت الْعشَاء وَالظّهْر بِإِدْرَاك جُزْء من وَقت الْعَصْر قَالَ فِي الْجَدِيد تجب الظّهْر بِمَا تجب بِهِ الْعَصْر وَتجب الْمغرب بِمَا تجب بِهِ الْعشَاء وَقد حكينا الْقَوْلَيْنِ فِيمَا يجبان بِهِ وَذكر فِي الْقَدِيم قَوْلَيْنِ

أَحدهمَا أَنه يجب عَلَيْهِ الظّهْر وَالْعصر بِقدر خمس رَكْعَات أَربع لِلظهْرِ وركعة للعصر وَتجب الْمغرب وَالْعشَاء بقد أَربع رَكْعَات ثَلَاث رَكْعَات للمغرب وركعة للعشاء وَهُوَ قَول مَالك وَاعْتبر مَعَ ذَلِك إِمْكَان الطَّهَارَة وَمن اصحابنا من اعْتبر فِي النَّصْرَانِي يسلم مثل ذَلِك وَمِنْهُم من لم يعْتَبر ذَلِك وَغلط أَبُو إِسْحَاق وَقَالَ أَربع للعصر وَلَيْسَ بِصَحِيح وَالْقَوْل الثَّانِي من الْقَدِيم أَنه تجب عَلَيْهِ الصَّلَاتَان بِقدر رَكْعَة وطهارة فاما إِذا أدْرك من أول الْوَقْت قدر رَكْعَة ثمَّ طَرَأَ الْعذر الْمسْقط لفرض الصَّلَاة كالجنون وَالْإِغْمَاء وَالْحيض وَالنّفاس واستغرق وَقت الصَّلَاة فَإِنَّهُ لَا تجب عَلَيْهِ الصَّلَاة وَقَالَ أَبُو يحيى الْبَلْخِي تجب عَلَيْهِ صَلَاة الْوَقْت بِإِدْرَاك جُزْء من أول الْوَقْت كَمَا تجب بِإِدْرَاك ذَلِك من آخِره وَإِن طَرَأَ الْعذر بعد التَّمَكُّن من فعل الصَّلَاة اسْتَقر فَرضهَا فِي ذمَّته وَحكي فِيهِ وَجه آخر أَنه يسْقط وَلَيْسَ بِشَيْء فَأَما الصَّلَاة الَّتِي بعْدهَا فَلَا تجب عَلَيْهِ

وَقَالَ أَبُو يحيى الْبَلْخِي تجب الثَّانِيَة من صَلَاتي الْجمع بِإِدْرَاك جُزْء من وَقت الأولى فَإِن فَاتَتْهُ صَلَاة اسْتحبَّ لَهُ قَضَاؤُهَا على الْفَوْر وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي إِن كَانَ قد تَركهَا بِغَيْر عذر وَجب عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا على الْفَوْر وَإِن فَاتَتْهُ صلوَات اسْتحبَّ قَضَاؤُهَا مُرَتبا وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجب قَضَاؤُهَا مُرَتبا مَعَ الذّكر إِلَّا أَن تدخل فِي حد التّكْرَار وَهُوَ قَول مَالك وَإِن ذكر فَائِتَة وَقد ضَاقَ وَقت الْحَاضِرَة بَدَأَ بالحاضرة وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك يبْدَأ بالفائتة وَخَالف مَالِكًا بعض أَصْحَابه فِي ذَلِك وَإِن ذكر فَائِتَة وَهُوَ فِي الْحَاضِرَة قَالَا بطلت الْحَاضِرَة وَصلى الْفَائِتَة ثمَّ يُصَلِّي الْحَاضِرَة وَعِنْدنَا يتم الْحَاضِرَة ثمَّ يقْضِي الْفَائِتَة وَبِه قَالَ أَبُو يُوسُف وَقَالَ أَحْمد يجب أَن يتم الْحَاضِرَة ثمَّ يُصَلِّي الْفَائِتَة ثمَّ يُعِيد الْحَاضِرَة

وَذكر بعض اصحابه أَنَّهَا تكون نَافِلَة وَإِن اجْتمع عَلَيْهِ فوائت وَجب عَلَيْهِ فِيهَا التَّرْتِيب عِنْده مَعَ الذّكر وَلَا فرق بَين قليلها وكثيرها إِلَّا أَن يضيق الْوَقْت فَعَنْهُ رِوَايَتَانِ وَإِن كَانَ عَلَيْهِ فوائت لَا يعرف عَددهَا وَيعرف مدَّتهَا من شهر وَغَيره قَالَ الْفُقَهَاء يُقَال لَهُ كم تتَحَقَّق أَنَّك تركت من الصَّلَوَات فَإِن قَالَ عشرَة قَضَاهَا دون مَا زَاد عَلَيْهَا قَالَ القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله إِن الْأَمر بِالْعَكْسِ من ذَلِك فَيُقَال كم تتَحَقَّق أَنَّك صليت فِي هَذِه الْمدَّة فَيَقُول عشرَة فَيَقْضِي مَا زَاد على ذَلِك قَالَ وَيقرب من هَذَا إِذا شكّ بعد السَّلَام انه ترك ركنا من أَرْكَان الصَّلَاة فعلى قَوْله الْجَدِيد إِذا لم يطلّ الْفَصْل يَبْنِي وَإِن طَال اسْتَأْنف وعَلى قَوْله الْقَدِيم لَا شَيْء عَلَيْهِ وَقَالَ الشَّيْخ الإِمَام أيده الله وَهَذَا الَّذِي ذكره من حِكَايَة الْقَوْلَيْنِ فِيهِ إِذا شكّ فِي ركن من الْأَركان بعد السَّلَام لَيْسَ بِصَحِيح فَإِنَّهُ لَا يخْتَلف الْمَذْهَب أَن الشَّك بعد السَّلَام لَا يُؤثر وَإِنَّمَا يعْتَبر طول الْفَصْل وقصره بعد السَّلَام إِذا تَيَقّن أَنه ترك ركنا بعد السَّلَام

فَإِن نسي صَلَاة وَلم يعرف عينهَا فَإِنَّهُ يُصَلِّي خمس صلوَات وَقَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله يُصَلِّي أَربع رَكْعَات يَنْوِي الْفَائِتَة الَّتِي عَلَيْهِ وَيجْلس ويتشهد فِي رَكْعَتَيْنِ ثمَّ يجلس فِي الثَّالِثَة ثمَّ يجلس فِي الرَّابِعَة وَيسلم وَهَذَا فَاسد وَالله أعلم

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب الْأَذَان الْأَذَان وَالْإِقَامَة مشروعان للصلوات الْخمس وَقَالَ أَبُو سعيد الْإِصْطَخْرِي هما فرض على الْكِفَايَة وَقَالَ أَبُو عَليّ بن خيران الْأَذَان سنة إِلَّا فِي الْجُمُعَة فَإِنَّهُ فرض على الْكِفَايَة

وَالْمذهب الأول فَإِن اتّفق أهل بلد على ترك الْأَذَان وَالْإِقَامَة لم يقاتلوا عَلَيْهِمَا فِي أصح الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَول أبي عَليّ بن أبي هُرَيْرَة وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق يُقَاتلُون قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله هَذَا رُجُوع إِلَى قَول أبي سعيد وَقَالَ دَاوُد الْأَذَان وَالْإِقَامَة واجبان وَتَصِح الصَّلَاة مَعَ تَركهمَا وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِن نسي الْأَذَان وَصلى أعَاد الصَّلَاة فِي الْوَقْت وَقَالَ عَطاء إِن نسي الْإِقَامَة أعَاد الصَّلَاة وَالْأَذَان أفضل من الْإِقَامَة

وَقيل الْإِمَامَة أفضل وَيسن الْأَذَان فِي حَال الْجَمَاعَة والانفراد فِي قَوْله الْجَدِيد وَقَالَ فِي الْقَدِيم وَالرجل يُصَلِّي فِي الْمصر وَحده فأذان المؤذنين وإقامتهم كَافِيَة لَهُ وَالْأول أصح وَقَالَ مَالك يسن الْأَذَان للْجَمَاعَة الرَّاتِبَة وَاخْتلف قَول الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي الْأَذَان للفوائت فَقَالَ فِي الْأُم لَا يُؤذن لَهَا وَيُقِيم لكل وَاحِدَة مِنْهَا وَبِه قَالَ مَالك وَقَالَ فِي الْقَدِيم يُؤذن للأولى وَحدهَا وَيُقِيم لَهَا وللتي بعْدهَا وَبِه قَالَ أَحْمد

وَقَالَ فِي الْإِمْلَاء إِن أمل اجْتِمَاع النَّاس أذن وَأقَام وَإِن لم يؤمل ذَلِك لم يُؤذن قَالَ أَبُو إِسْحَاق فعلى هَذَا القَوْل يَنْبَغِي أَن يكون فِي الْحَاضِرَة مثله وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن أذن لكل فَائِتَة فَحسن وَإِن ترك فَجَائِز فَإِن جمع بَين صَلَاتَيْنِ فِي وَقت الأولى مِنْهُمَا أذن وَأقَام للأولى وَأقَام للثَّانِيَة كَمَا فعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِعَرَفَة وَإِن جمع بَينهمَا فِي وَقت الثَّانِيَة فَفِي الْأَذَان للأولى ثَلَاثَة أَقْوَال وَيُقِيم للثَّانِيَة وَمن اصحابنا من قَالَ إِن قدم الْعَصْر على الظّهْر فِي وَقت الْعَصْر أذن للعصر قولا وَاحِدًا وَهل يُؤذن لِلظهْرِ بعْدهَا فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال كَذَا ذكره فِي الْحَاوِي وَهُوَ صَحِيح فِي الْعَصْر وَلَيْسَ بِصَحِيح فِي الظّهْر بعْدهَا فَإِنَّهُ لَا يزِيد حَالهَا على الْفَائِتَة الثَّانِيَة والفائتة الثَّانِيَة لَا يُؤذن لَهَا قولا وَاحِدًا وَإِنَّمَا الْأَقْوَال فِي الْفَائِتَة الأولى وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يُقيم الْعشَاء بِالْمُزْدَلِفَةِ وَيجوز الْأَذَان للصبح قبل دُخُول وَقتهَا بعد منتصف اللَّيْل وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَدَاوُد وَأَبُو يُوسُف

وَقَالَ ابو حنيفَة وَالثَّوْري لَا يجوز الْأَذَان لَهَا قبل طُلُوع الْفجْر وَالْأَذَان تسع عشرَة كلمة مَعَ الترجيع فِي الشَّهَادَتَيْنِ يخْفض صَوته فِي الأوليتين وَيرْفَع فِي الأخريتين وَقَالَ ابو حنيفَة الْأَذَان خمس عشرَة كلمة فأسقط الترجيع وَقَالَ مَالك الْأَذَان سبع عشرَة كلمة فَأثْبت الترجيع واسقط من التَّكْبِير كَلِمَتَيْنِ فِي أول الْأَذَان وَقَالَ ابو يُوسُف الْأَذَان ثَلَاث عشرَة كلمة فأسقط الترجيع وكلمتين من التَّكْبِير وَقَالَ أَحْمد إِن رَجَعَ فَلَا بَأْس وَإِن لم يرجع فَلَا بَأْس كَذَا حَكَاهُ ابْن الْمُنْذر وَحكى الْخرقِيّ الْأَذَان من غير تَرْجِيع وَقَالَ إِسْحَاق قد ثَبت أَذَان بِلَال وأذان أبي

مخدورة وكل سنة فَإِن ترك الترجيع فَالْمَذْهَب أَنه يعْتد بِهِ كَمَا لَو ترك التَّكْبِيرَات الزَّوَائِد فِي صَلَاة الْعِيد وَحكى بعض أَصْحَابنَا عَن الشَّافِعِي رَحمَه الله أَنه لَا يعْتد بأذانه وَهَذَا فِيهِ نظر وَالْإِقَامَة إِحْدَى عشرَة كلمة فُرَادَى سوى لفظ الْإِقَامَة وَهُوَ قَول أَحْمد وَقَالَ فِي الْقَدِيم لفظ الْإِقَامَة أَيْضا مرّة وَهُوَ قَول مَالك وَقَالَ ابو حنيفَة الْإِقَامَة مثنى مثنى كالأذان وَيزِيد على الْأَذَان لفظ الْإِقَامَة مرَّتَيْنِ فَتَصِير سبع عشرَة كلمة وَيسن التثويب فِي أَذَان الصُّبْح بعد الحيعلة فَيَقُول الصَّلَاة خير من النّوم مرَّتَيْنِ وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن فِي الْجَامِع الصَّغِير كَانَ التثويب الأول الصَّلَاة خير من النّوم مرَّتَيْنِ بَين الْأَذَان وَالْإِقَامَة ثمَّ أحدث النَّاس

حَيّ على الصَّلَاة حَيّ على الْفَلاح مرَّتَيْنِ بَين الْأَذَان وَالْإِقَامَة وَهُوَ حسن ثمَّ اخْتلف أَصْحَابه فَحكى الطَّحَاوِيّ فِي اخْتِلَاف الْفُقَهَاء مثل قَوْلنَا وَقَالَ أَبُو بكر الرَّازِيّ التثويب لَيْسَ بِسنة فِي الْأَذَان قَالَ وَالَّذِي قَالَه الطَّحَاوِيّ لَا يحفظ وَمِنْهُم من قَالَ االذي قَالَه الطَّحَاوِيّ هُوَ الصَّحِيح وَقد روى ابْن شُجَاع مثله وَلَا يسْتَحبّ التثويب فِي غير أَذَان الصُّبْح وَقَالَ الْحسن بن صَالح يثوب فِي أَذَان الْعشَاء وَحكي عَن النَّخعِيّ أَنه يثوب فِي أَذَان جَمِيع الصَّلَوَات وَلَا يَصح الْأَذَان إِلَّا من مُسلم عَاقل وَيصِح أَذَان الصَّبِي الَّذِي تصح صلَاته ويعتد بِهِ للرِّجَال

وَقَالَ دَاوُد لَا يعْتد بأذانه للبالغين وَيسْتَحب أَن يُؤذن على طَهَارَة فَإِن أذن جنبا أَو مُحدثا اعْتد بأذانه وَقَالَ أَحْمد لَا يعْتد بأذانه وَيسْتَقْبل الْقبْلَة فِي أَذَانه ويلوي عُنُقه يَمِينا وَشمَالًا فِي الحيعلة وَلَا يَدُور وَذكر فِي الْحَاوِي أَنه إِذا كَانَ الْبَلَد وَاسِعًا والخلق كثيرا كبغداد وَالْبَصْرَة فَفِي كَرَاهَة أَذَانه فِي مجَال المنارة وَجْهَان وَحكي عَن الْقفال فِي كَيْفيَّة الِالْتِفَات أَن يلْتَفت عَن يَمِينه فَيَقُول حَيّ على الصَّلَاة ثمَّ يلْتَفت عَن شِمَاله فَيَقُول حَيّ على الْفَلاح ثمَّ يلْتَفت عَن يَمِينه فَيَقُول حَيّ على الصَّلَاة ثمَّ يلْتَفت عَن شِمَاله فَيَقُول حَيّ على الْفَلاح وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيح وَلَا أصل لَهُ فِي الشَّرْع

وَقَالَ ابو حنيفَة لَا يكره لَهُ أَن يَدُور فِي مجَال المنارة وَيكرهُ لَهُ على الأَرْض وَعَن مَالك أَنه قَالَ لَا بَأْس باستدارة الْمُؤَذّن عَن يَمِينه وشماله إِذا أَرَادَ الإسماع وَيكرهُ أَن يتَكَلَّم فِي أَذَانه وإقامته فَإِن تكلم لم يمْنَع ذَلِك الِاعْتِدَاد بهما وَحكى ابْن الْمُنْذر عَن الزُّهْرِيّ أَنه إِذا تكلم فِي خلال الْإِقَامَة أَعَادَهَا قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله وَلَو سكت سكاتا طَويلا أَحْبَبْت استئنافه وَكَانَ لَهُ الْبناء قَالَ ابو عَليّ فِي الإفصاح يَنْبَغِي أَن يكون فِي الْكَلَام مثله قَالَ القَاضِي أَبُو لَيْسَ الطّيب وَلَيْسَ بِصَحِيح لِأَن الْكَلَام الَّذِي لَيْسَ من شَأْن الْأَذَان يَسْتَغْنِي عَن قَلِيله وَكَثِيره وَالسُّكُوت خِلَافه قَالَ الإِمَام ابو بكر وَمَا ذكره أَبُو عَليّ خلاف ظَاهر كَلَام الشَّافِعِي رَحمَه الله فَإِنَّهُ ذكر اسْتِحْبَاب الِاسْتِئْنَاف فِي الْكَلَام وَلم يفرق قَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله مَا ذكره فِي الْكَلَام إِنَّمَا هُوَ الْكَلَام الْعَائِد إِلَى حَاجَة الْإِنْسَان فِي نَفسه

فَأَما الْكَلَام الْمُتَعَلّق بمصلحة النَّاس فِي الصَّلَاة فَإِن الشَّافِعِي رَحْمَة الله عَلَيْهِ قَالَ الأولى أَن يَقُوله بعد الْفَرَاغ من الْأَذَان فَإِن قَالَه فِي الْأَذَان فَلَا بَأْس بِهِ وَلَا يسْتَحبّ إِعَادَته وَذَلِكَ كَقَوْلِه فِي اللَّيْلَة الْمَطِيرَة أَلا صلوا فِي رحالكُمْ فَإِن نَام أَو غلب على عقله فِي خلال الْأَذَان ثمَّ زَالَ ذَلِك اسْتحبَّ لَهُ استئنافه طَال أم قصر وَإِن بنى عَلَيْهِ جَازَ مَعَ الْقرب وَلَا يجوز لغيره أَن يَبْنِي عَلَيْهِ قَالَ القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله يجب أَن يَبْنِي جَوَاز بِنَاء غَيره على اذانه على الْبناء فِي الْخطْبَة فَإِن قُلْنَا فِي الْخطْبَة لَا يجوز فها هُنَا أولى وَإِن قُلْنَا فِي الْخطْبَة يجوز فها هُنَا قَولَانِ وَهَذَا خلاف نَص الشَّافِعِي رَحْمَة الله عَلَيْهِ فِي الْأَذَان فِي الْإِغْمَاء فَإِن ارْتَدَّ فِي خلال الْأَذَان وَعَاد فِي الْحَال جَازَ أَن يَبْنِي على أَذَانه فِي أصح الْوَجْهَيْنِ كَمَا لَو أُغمي عَلَيْهِ ثمَّ أَفَاق فِي الْحَال وَقَالَ ابو حنيفَة يبطل أَذَانه وَلَا يكره أَذَان الرَّاكِب وإقامته وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن مَالك وَالرِّوَايَة الثَّانِيَة أَنه يكره الْإِقَامَة رَاكِبًا

وَالْمُسْتَحب لمن سمع الْمُؤَذّن أَن يَقُول مثل مَا يَقُول إِلَّا فِي الحيعلة فَإِنَّهُ يَقُول لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَلَا يَقُوله فِي الصَّلَاة وَحكى القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله فِي محاكاة الْمُؤَذّن فِي الصَّلَاة قَوْلَيْنِ وَالْمذهب الأول وَقَالَ مَالك إِذا كنت فِي نَافِلَة فَقل مثل مَا يَقُول وَإِنَّمَا يحاكيه فِي التَّكْبِير والشهادتين وَيَقُول فِي الحيعلة لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَفِي جَوَاز أَخذ الْأُجْرَة على الْأَذَان وَجْهَان أَحدهمَا يجوز وَهُوَ اخْتِيَار القَاضِي أبي الطّيب كَمَا يجوز أَخذ الرزق وَالثَّانِي لَا يجوز وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأحمد وَاخْتِيَار الشَّيْخ ابي حَامِد رَحْمَة الله عَلَيْهِ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب طَهَارَة الْبدن وَمَا يصلى فِيهِ وَعَلِيهِ طَهَارَة النَّجس شَرط فِي صِحَة الصَّلَاة وَقَالَ مَالك إِذا صلى مَعَ النَّجَاسَة أعَاد فِي الْوَقْت وَلَا يُعِيد بعد فَوَاته وَحكي عَنهُ أَن إِزَالَة النَّجَاسَة وَاجِبَة إِلَّا يسير الدَّم وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ لَيْسَ على الثَّوْب جَنَابَة

وَعَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَنه نحر جزورا فَأَصَابَهُ من فرثه وَدَمه فصلى فِيهِ وَلم يغسلهُ وَرُوِيَ عَن سعيد بن جُبَير أَنه سُئِلَ عَن رجل صلى وَفِي ثَوْبه أَذَى فَقَالَ أَقرَأ عَليّ الْآيَة الَّتِي فِيهَا غسل الثَّوْب والنجاسة دم وَغير دم فَغير الدَّم إِذا لم يُدْرِكهُ الطّرف فِيهِ ثَلَاث طرق أَحدهمَا يُعْفَى عَنهُ وَالثَّانِي لَا يُعْفَى عَنهُ وَالثَّالِث فِيهِ قَولَانِ وَأما الدَّم فيعفى عَن الْقَلِيل من دم الْقمل والبراغيث وَفِي كَثِيره وَجْهَان

أصَحهمَا أَنه يُعْفَى عَنهُ وَقَالَ أَبُو سعيد الْإِصْطَخْرِي لَا يُعْفَى عَنهُ وَفِي دم غَيرهَا ثَلَاثَة اقوال اصحهما قَوْله فِي الْأُم أَنه يُعْفَى عَن الْقدر الَّذِي يتعافاه النَّاس بَينهم وَالثَّانِي أَنه لَا يُعْفَى عَن شَيْء فِيهِ وَقَالَ فِي الْقَدِيم يُعْفَى عَمَّا دون الْكَفّ وَعَن مَالك أَنه قَالَ يُعْفَى عَن يسير الدَّم وَلَا يُعْفَى عَمَّا تفاحس وَعنهُ فِي دم الْحيض رِوَايَتَانِ أَحدهمَا أَنه كَغَيْرِهِ من الدِّمَاء وَالثَّانيَِة أَنه يَسْتَوِي كَثِيره وقليله وَحكي عَن أَحْمد أَنه قَالَ الشبر متفاحش وَحكي عَنهُ أَيْضا أَنه يُعْفَى عَن النقطة والنقطتين وَاخْتلف عَنهُ فِيمَا بَين ذَلِك وَقَالَ اصحاب أبي حنيفَة يُعْفَى عَمَّا لَا يتفاحش من غير الدَّم كالبول والعذرة وَاخْتلفُوا فِي قدر التفاحش

فَقَالَ الطَّحَاوِيّ التفاحش ربع الثَّوْب وَمِنْهُم من قَالَ ذِرَاع فِي ذِرَاع وَقَالَ ابو بكر الرَّازِيّ شبر فِي شبر فَإِن كَانَ على فرجه دم يخَاف من غسله صلى وَأعَاد على أصح الْقَوْلَيْنِ وَقَالَ فِي الْقَدِيم لَا يُعِيد وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَإِن جبر عظمه بِعظم نجس وَلم يخف التّلف من قلعه لزمَه قلعه وَقَالَ ابو حنيفَة لَا يلْزمه وَإِن خَافَ من قلعه تلف نَفسه أَو عُضْو من أَعْضَائِهِ لم يلْزمه قلعه وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يلْزمه وَلَيْسَ بِشَيْء فَإِن مَاتَ لم يقْلع على الْمَنْصُوص وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس يقْلع وَالْمذهب الأول فَإِن شرب خمرًا لزمَه أَن يتقيأ على الْمَنْصُوص

فصل وطهارة الثوب الذي يصلي فيه شرط في صحة الصلاة

وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ لَا يلْزمه ذَلِك وَالْمذهب الأول وَيحرم على الْمَرْأَة أَن تصل شعرهَا بِشعر نجس فَأَما إِذا وصلته بِشعر طَاهِر أَو حمرت وَجههَا أَو سودت شعرهَا أَو طرفت أناملها وَلها زوج لم يكره وَإِن لم يكن لَهَا زوج كره لما فِيهِ من الْغرُور وَذكر بعض أَصْحَابنَا أَنه إِن لم يكن لَهَا زوج لم يجز وَإِن كَانَ لَهَا زوج فَفِيهِ وَجْهَان فَإِن فعلته بِإِذْنِهِ جَازَ فِي اصح الْوَجْهَيْنِ وَبِغير إِذْنه لَا يجوز وَلَيْسَ الْمَذْهَب كَذَلِك فصل وطهارة الثَّوْب الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ شَرط فِي صِحَة الصَّلَاة فَإِن كَانَ

على ثَوْبه نَجَاسَة غير مَعْفُو عَنْهَا وَلم يجد مَا يغسلهَا بِهِ صلى عُريَانا وَلم يصل فِيهِ وَقَالَ فِي الْبُوَيْطِيّ قد قيل يُصَلِّي فِيهِ وَيُعِيد وَلَيْسَ بِصَحِيح وَحكى ابو يُوسُف عَن أبي حنيفَة أَنه إِن شَاءَ صلى عُريَانا وَإِن شَاءَ صلى فِي الثَّوْب النَّجس من غير اعْتِبَار لمقادير النَّجَاسَة وروى مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة أَنه إِذا كَانَ الدَّم فِي بعض الثَّوْب لم يجز أَن يُصَلِّي عُريَانا وَصلى فِيهِ وَإِن كَانَ جَمِيعه نجسا بِالدَّمِ فَإِن شَاءَ صلى فِيهِ وَإِن شَاءَ صلى عُريَانا وَقَالَ مَالك يُصَلِّي فِي الثَّوْب النَّجس وَلَا يُعِيد فَإِن كَانَ مَعَه ثَوْبَان أَحدهمَا نجس واشتبها عَلَيْهِ تحرى فيهمَا وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَقَالَ احْمَد لَا يتحَرَّى فيهمَا وَيُصلي فِي كل وَاحِد مِنْهُمَا فَإِن أَدَّاهُ اجْتِهَاده إِلَى طَهَارَة اُحْدُ الثَّوْبَيْنِ ونجاسة الآخر فَغسل النَّجس ولبسهما وَصلى فيهمَا صحت صلَاته فِي أصح الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَول ابي الْعَبَّاس بن سُرَيج وَالثَّانِي لَا تصح صلَاته وَهُوَ قَول ابي إِسْحَاق فَإِن أصَاب أحد كمي الْقَمِيص نَجَاسَة لم يتحر فيهمَا فِي أحد الْوَجْهَيْنِ

ذكر فِي الْحَاوِي أَنه إِذا أخبرهُ ثِقَة أَن النَّجَاسَة حلت أحد الكمين فَإِن قُلْنَا يجوز التَّحَرِّي فيهمَا قبل خَبره وَإِن قُلْنَا لَا يجوز التَّحَرِّي لم يقبل خَبره وَهَذَا فَاسد بل يقبل خَبره وَجها وَاحِدًا وَإِن كَانَ فِي التَّحَرِّي فيهمَا وَجْهَان فَإِن فصل أحد الكمين عَن الآخر جَازَ التَّحَرِّي وَجها وَاحِدًا فَإِن صلى وَفِي وَسطه حَبل مشدود إِلَى كلب كَبِير لم تصح صلَاته فِي اصح الْوَجْهَيْنِ وَإِن كَانَ الْحَبل مشدود إِلَى سفينة كَبِيرَة فِيهَا نَجَاسَة والشد فِي مَوضِع طَاهِر مِنْهَا صحت صلَاته فِي أصح الْوَجْهَيْنِ فَإِن كَانَ فِي قَارُورَة نَجَاسَة وسد راسها وَحملهَا فِي الصَّلَاة لم تصح صلَاته فِي أصح الْوَجْهَيْنِ ذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَنه إِذا حمل فِي صلَاته رجلا قد استنجى بِالْحجرِ لم تصح صلَاته وَهَذَا فِيهِ نظر لِأَن هَذِه نَجَاسَة مَعْفُو عَنْهَا وَلِهَذَا لَا تمنع صِحَة صلَاته وَذكر أَيْضا أَنه إِذا وَقع على مصلاة نَجَاسَة وَلم يلاقها شَيْء من ثِيَابه وَلَا بدنه وَلكنهَا تَحت ظله فَصلَاته صَحِيحَة فِي اصح الْوَجْهَيْنِ وَالثَّانِي لَيْسَ بِشَيْء

فصل وطهارة الموضع الذي يصلي فيه

فصل وطهارة الْموضع الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ شَرط فِي صِحَة الصَّلَاة فَإِن أصَاب موضعا من الْبَيْت نَجَاسَة وَلم يعرف موضعهَا لم يجز لَهُ أَن يُصَلِّي فِيهِ حَتَّى يغسل جَمِيعه فِي أصح الْوَجْهَيْنِ وَالثَّانِي أَنه يُصَلِّي حَيْثُ شَاءَ مِنْهُ كالصحراء وَهَذَا فَاسد وَإِن حبس فِي حبس وَلم يقدر أَن يتَجَنَّب النَّجَاسَة فِي قعوده وَسُجُوده تجافى النَّجَاسَة وتجنبها فِي قعوده وَأَوْمَأَ فِي سُجُوده إِلَى الْحَد الَّذِي لَو زَاد عَلَيْهِ لَاقَى النَّجَاسَة وَلَا يسْجد على الأَرْض قيل يسْجد على الأَرْض وَلَيْسَ بِشَيْء وَمن اصحابنا من يَحْكِي فِي وجوب الصَّلَاة على هَذِه الصّفة قَوْلَيْنِ أَحدهمَا يجب وَالثَّانِي يسْتَحبّ وَهل تجب عَلَيْهِ الْإِعَادَة إِذا قدر فِيهِ قَولَانِ فَإِذا أعَاد فبأيهما تحتسب لَهُ

قَالَ فِي الْأُم الثَّانِيَة فَرْضه قَالَ الشَّيْخ الإِمَام وَهُوَ الْأَصَح وَالْأول لشغل الْوَقْت وَقَالَ فِي الْقَدِيم الأولى فَرْضه وَالثَّانيَِة اسْتِحْبَاب وَقَالَ فِي الْإِمْلَاء كِلَاهُمَا فَرْضه وَاخْتَارَهُ الشَّيْخ ابو نصر رَحمَه الله وَخرج أَبُو إِسْحَاق قولا رَابِعا أَن الله تَعَالَى يحْتَسب بِأَيِّهِمَا شَاءَ وَيَنْبَغِي أَن يكون مَوضِع قدمه طَاهِرا وَذكر الشَّيْخ أَبُو حَامِد أَن من صلى فِي الْوَقْت بِغَيْر طَهَارَة وأعادها ففرضة الثَّانِيَة قولا وَاحِدًا قَالَ الشَّيْخ ابو نصر رَحمَه الله كَيفَ نقُول هَذَا وَمَا فعله فِي الْوَقْت فرض وَقَالَ ابو حنيفَة إِذا وضع قدمه على أَكثر من قدر الدِّرْهَم لم تصح صلَاته وَإِن وضع ركبته أَو رَاحَته على أَكثر من قدر الدِّرْهَم لم تبطل صلَاته وَإِن وضع جَبهته على أَكثر من قدر الدِّرْهَم فَعَنْهُ رِوَايَتَانِ رِوَايَة مُحَمَّد تبطل صلَاته وَرِوَايَة أبي يُوسُف لَا تبطل اسْتِحْسَانًا فَإِن فرغ من الصَّلَاة فَرَأى على ثَوْبه أَو بدنه أَو مَوضِع صلَاته نَجَاسَة غير مَعْفُو عَنْهَا وَكَانَت مَوْجُودَة حَال الصَّلَاة وَلم يكن قد علم بِحَالِهَا

وَجب عَلَيْهِ الْإِعَادَة فِي أحد الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ قَول ابي حنيفَة وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد كَمَا لَو علم بِحَالِهَا قبل الصَّلَاة ثمَّ نَسِيَهَا فَإِنَّهُ يُعِيد قولا وَاحِدًا وَذكر القَاضِي أَبُو حَامِد قولا آخر فِيهِ إِذا نسي النَّجَاسَة لَا يُعِيد مخرجا من قَوْله الْقَدِيم فِيهِ إِذا لم يسْبق علمه بهَا وَلَيْسَ بِصَحِيح فَإِن صلى فِي مَقْبرَة يشك فِي نشبها صحت صلَاته فِي أحد الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ قَول مَالك وَهُوَ قَول أبي عَليّ بن ابي هُرَيْرَة وَالثَّانِي لَا يَصح وَهُوَ قَول أبي إِسْحَاق وَقَالَ احْمَد لَا تصح الصَّلَاة فِي الْمقْبرَة وَإِن كَانَت جَدِيدَة وَإِن اسْتَقْبلهَا وَصلى إِلَيْهَا فَعَنْهُ فِي صِحَة صلَاته رِوَايَتَانِ وَيجْعَل النَّهْي عَن ذَلِك تعبدا وَتكره الصَّلَاة فِي الْحمام وَقيل إِن الْكَرَاهَة بِسَبَب النَّجَاسَة فَتكون كالمقبرة وَقيل إِن ذَلِك لأجل أَنه مأوى الشَّيْطَان فتكره الصَّلَاة وَإِن كَانَ الْموضع طَاهِرا

وَقَالَ أَحْمد لَا تجوز الصَّلَاة فِي الْحمام وَلَا على سطحه وَلَا تجوز الصَّلَاة فِي أَرض مَغْصُوبَة فَإِن صلى فِيهَا صحت صلَاته وَبِه قَالَ ابو حنيفَة وَقَالَ أَحْمد لَا تصح وَتجوز الصَّلَاة على مَا اتخذ من شعر أَو صوف أَو وبر وَقَالَت الرافضة لَا تجوز الصَّلَاة إِلَّا على مَا أخرجته الأَرْض من قطن أَو كتَّان أَو قصب أَو حشيش

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب ستر الْعَوْرَة ستر الْعَوْرَة عَن الْعُيُون وَاجِب وَهل يجب فِي حَال الْخلْوَة فِيهِ وَجْهَان وَهُوَ شَرط فِي صِحَة الصَّلَاة وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَقَالَ مَالك ستر الْعَوْرَة وَاجِب للصَّلَاة وَلَيْسَ بِشَرْط فِي صِحَّتهَا فَإِن انْكَشَفَ من الْعَوْرَة شَيْء لم تصح الصَّلَاة وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا ظهر من الْعَوْرَة الْمُغَلَّظَة وَهِي الْقبل والدبر

قدر الدِّرْهَم لم تبطل الصَّلَاة وَإِن كَانَ أَكثر بطلت وَأما المخففة فَإِن انْكَشَفَ مِنْهَا مَا دون الرّبع من الْفَخْذ أَو شعر الْمَرْأَة لم تبطل الصَّلَاة وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِن انْكَشَفَ أفل من النّصْف لم تبطل وعورة الرجل مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة والسرة وَالركبَة ليستا من الْعَوْرَة وَبِه قَالَ مَالك وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ هما من الْعَوْرَة وَهُوَ قَول أبي حنيفَة فِي الرّكْبَة وَقَالَ دَاوُد السوأتان هما الْعَوْرَة وَرُوِيَ عَن ذَلِك عَن أَحْمد أَيْضا والحرة جَمِيع بدنهَا عَورَة إِلَّا الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ وَبِه قَالَ مَالك وَقَالَ أَبُو حنيفَة قدمهَا أَيْضا لَيْسَ بِعَوْرَة وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَاخْتِيَار الْمُزنِيّ وَقَالَ أَحْمد يجب عَلَيْهَا ستر جَمِيع بدنهَا إِلَّا الْوَجْه وَبِه قَالَ دَاوُد

وَحكي عَن أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَرْث بن هِشَام أحد الْفُقَهَاء السَّبْعَة أَن جَمِيع بدنهَا عَورَة حَتَّى ظفرها ذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله قَالَ إِنَّه لَا يجوز للْأَجْنَبِيّ مس يَد الْأَجْنَبِيَّة وَلَو لم تكن عَورَة وَكَذَلِكَ ذُو الرَّحِم الْمحرم لَا يجوز أَن يمس ذَات الرَّحِم وَإِن لم تكن عَورَة فِي حَقه قَالَ الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله وَهَذَا صَحِيح فِي الْأَجْنَبِيَّة وَلَيْسَ بِصَحِيح فِي ذَات الْمحرم فَإِنَّهُ يجوز لَهُ مَسهَا إِذا لم يقْصد الشَّهْوَة وَأما الْأمة فعورتها كعورة الرجل على ظَاهر الْمَذْهَب وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ جَمِيع بدنهَا عَورَة إِلَّا مَوضِع التقليب مِنْهَا فِي الشّعْر كالرأس والساعد والساق وَمِنْهُم من قَالَ عورتها كعورة الْحرَّة إِلَّا أَنه يجوز لَهَا كشف رَأسهَا وَمن نصفهَا حرَّة وَنِصْفهَا رَقِيق بِمَنْزِلَة الْحرَّة على ظَاهر الْمَذْهَب

قَالَ ابْن الْمُنْذر كَانَ الْحسن الْبَصْرِيّ من أهل الْعلم يُوجب على الْأمة الْخمار إِذا تزوجت أَو اتخذها السَّيِّد لنَفسِهِ وروى إِذا ولدت وَحكم أم الْوَلَد حكم الْأمة الْقِنّ وَحكي عَن ابْن سِيرِين أَن أم الْوَلَد تصلي مُتَقَنعَة بِثَوْب وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد ويحكى عَن مَالك فَإِن أعتقت الْأمة فِي أثْنَاء صلَاتهَا ورأسها مَكْشُوف وَهُنَاكَ ستْرَة بعيدَة بطلت صلَاتهَا ذكر فِي الْحَاوِي اخْتِلَافا بَين أَصْحَابنَا فِيمَا تبطل بِهِ صلَاتهَا فَالصَّحِيح أَنَّهَا تبطل بِالْقُدْرَةِ على أَخذ الثَّوْب فَتبْطل فِي الْحَال وَالثَّانِي أَنَّهَا تبطل بالمضي لأخذ الثَّوْب وتطاول الْعَهْد قا ل الشَّيْخ وَهُوَ الصَّحِيح عِنْدِي قَالَ الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله وَالْأول عِنْدِي أصح فَإِن انتظرت من يناولها الستْرَة فناولها من غير أَن تحدث عملا فقد حُكيَ فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا وَهُوَ قَول أبي إِسْحَاق أَن صلَاتهَا لَا تبطل وَالثَّانِي أَنَّهَا تبطل وَذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله فِي ذَلِك قَوْلَيْنِ بِنَاء على الْقَوْلَيْنِ فِي سبق الْحَدث فِي الصَّلَاة وَهَذَا بِنَاء فَاسد وَالصَّحِيح هَا هُنَا أَن لَا تبطل وَفِي سبق الْحَدث أَن تبطل صلَاته

فَإِن لم تعلم بِالْعِتْقِ حَتَّى فرغت من الصَّلَاة فَفِي وجوب الْإِعَادَة عَلَيْهَا قَولَانِ وَقيل تجب الْإِعَادَة قولا وَاحِدًا وَالْأول أصح فَإِن صلى الرجل فِي سَرَاوِيل أَو مئزر فالمستحب لَهُ أَن يطْرَح على عَاتِقه شَيْئا وَلَو حبلا وَقَالَ أَحْمد لَا تصح صلَاته حَتَّى يطْرَح على عَاتِقه شَيْئا فَإِن صلى فِي قَمِيص وَاسع االجيب ترى الْعَوْرَة مِنْهُ من غير سَرَاوِيل وَلم يزره عَلَيْهِ لم تصح صلَاته وَحكي فِي الْحَاوِي عَن أبي حنيفَة أَن صلَاته تصح وَحكي عَن لقَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَنه إِذا كَانَ قد زر الْقَمِيص ووقف يُصَلِّي على جِدَار ترى عَوْرَته من تَحْتَهُ فَصلَاته صَحِيحَة وَفِي هَذَا نظر وَيَنْبَغِي أَن لَا تصح صلَاته وَذكر أَيْضا أَنه إِذا كَانَ فِي الْقَمِيص أَو السَّرَاوِيل خرق فَوضع يَده عَلَيْهِ وستره بكفه فَهَل تصح صلَاته فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا تصح وَذكر أَيْضا أَنه إِذا كَانَت لحيته كثة كَبِيرَة تستر مَوضِع الأزرار من الجيب فَلَا ترى عَوْرَته مِنْهُ فَفِيهِ وَجْهَان وَذكر أَيْضا أَنه إِذا كَانَ فِي مَاء فَهَل يعد ذَلِك سترا فِيهِ وَجْهَان

أظهرهمَا عِنْدِي فِي جَمِيع هَذِه الْمسَائِل أَن لَا تصح صلَاته ويتعذر عَلَيْهِ السّتْر بعض بدنه فَإِن لم يجد ستْرَة وَوجد طينا فَهَل يلْزمه أَن يطين بِهِ عَوْرَته فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يلْزمه وَلَا يجوز أَن يُصَلِّي الرجل فِي ثوب حَرِير وَلَا على ثوب حَرِير فَإِن صلى فِيهِ صحت صلَاته وَقَالَ أَحْمد لَا تصح فَإِن كَانَ عُريَانا وَلم يجد إِلَّا ثوب حَرِير فقد حُكيَ فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يُصَلِّي بِهِ وَلَا يُصَلِّي عُريَانا وَالشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله ذكر أَنه يلْزمه أَن يُصَلِّي فِيهِ وَغَيره بِنَاء على الثَّوْب النَّجس إِذا لم يجد غَيره هَل يلْزمه لبسه فِيهِ وَجْهَان وَهَذَا بِنَاء فَاسد فَإِن وجد مَا يستر بِهِ بعض الْعَوْرَة ستر الْقبل والدبر

فَإِن وجد مَا يستر بِهِ أَحدهمَا ستر الْقبل فِي أصح الْوَجْهَيْنِ فَإِن لم يجد ستْرَة صلى قَائِما وَبِه قَالَ مَالك وَقَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله يلْزمه أَن يُصَلِّي قَاعِدا وَبِه قَالَ أَحْمد وَقَالَ ابو حنيفَة إِن شَاءَ صلى قَاعِدا وَإِن شَاءَ صلى قَائِما قَالَ فِي الْأُم إِذا كَانُوا عُرَاة صلوا جمَاعَة وفرادى وَقَالَ فِي الْقَدِيم الأولى أَن يصلوا فُرَادَى فَإِن كَانَ مَعَ وَاحِد مِنْهُم ثوب فأعارهم ليصلوا فِيهِ وَاحِدًا بعد وَاحِد لَزِمَهُم قبُول ذَلِك فَإِن خَافُوا فَوت الْوَقْت إِذا صلوا فِيهِ فقد قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله ينتظرون حَتَّى يصلوا فِيهِ وَقَالَ فِي قوم فِي سفينة لَيْسَ فِيهَا إِلَّا مَوضِع يقوم فِيهِ وَاحِد انهم يصلونَ من قعُود إِذا خَافُوا فَوت الْوَقْت فَمن أَصْحَابنَا من خرج الْمَسْأَلَتَيْنِ على قَوْلَيْنِ ينْقل الجوابين وَمِنْهُم من حملهما على ظاهرهما وَفرق بَينهمَا فَإِن وهب الثَّوْب من الْعُرْيَان ليُصَلِّي فِيهِ لم يلْزمه قبُوله وَقيل يلْزمه قبُوله فَيصَلي فِيهِ ثمَّ يردهُ إِن شَاءَ وَقيل يلْزمه قبُوله وَلَيْسَ لَهُ رده وَالْأول أصح فَإِن كَانَ مَعَه ثوب على طرفه نَجَاسَة ويمكنه قطع النَّجس فقد ذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَنه إِن كَانَ أرش النَّقْص يزِيد على أُجْرَة مثله لم يلْزمه ذَلِك وَهَذَا فِيهِ تعسف فَإِن الزَّمَان الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ لَا يكون لَهُ من الْأُجْرَة مَا يُقَابل أرش النَّقْص بِهِ وَكَانَ من حَقه أَن يعتبره بِقِيمَة الثَّوْب فَإِنَّهُ يلْزمه ابتياعه بِثمن مثله فيقابل الْأَرْش بِالثّمن

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب اسْتِقْبَال الْقبْلَة يجوز أَن يُصَلِّي فِي الْكَعْبَة وَالْأَفْضَل أَن يُصَلِّي النَّفْل فِيهَا وَالْفَرْض خَارِجا مِنْهَا لِكَثْرَة الْجَمَاعَة وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة

وَقَالَ أَحْمد وَمَالك يُصَلِّي النَّافِلَة فِيهَا دون الْفَرِيضَة وَحكي عَن مُحَمَّد بن جرير الطَّبَرِيّ أَنه قَالَ لَا يجوز فعل الْفَرِيضَة وَلَا النَّافِلَة فِيهَا فَإِن صلى على ظهر الْكَعْبَة وَلَيْسَ بَين يَدَيْهِ ستْرَة لم تصح صلَاته وَقَالَ أَبُو حنيفَة تصح فَإِن صلى على ظهرهَا وَبَين يَدَيْهِ عَصا مغروزة فِي سطح الْبَيْت غير مسمرة فَفِي صِحَة صلَاته وَجْهَان وَإِن صلى فِي عَرصَة الْبَيْت وَلَيْسَ بَين يَدَيْهِ ستْرَة فقد قَالَ أَبُو إِسْحَاق لَا يجوز وَهُوَ الْمَنْصُوص عَلَيْهِ وَقَالَ غَيره يجوز وَمن كَانَ غَائِبا عَن مَكَّة وَأخْبرهُ مخبر عَن الْقبْلَة عَن علم عمل لخبره وَلَا يجْتَهد وَلَا يقبل خبر فَاسق وَلَا كَافِر قَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب سَمِعت المسارجسي يَقُول يقبل قَول

الْكَافِر فِي قبُول الْهَدِيَّة وَالْإِذْن فِي دُخُول الدَّار قَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله وَيجب أَن يقبل قَول الْفَاسِق الْمُسلم وَحكي فِي الْقبْلَة وَجه آخر أَنه يقبل قَول الْفَاسِق فِيهَا وَلَيْسَ بِشَيْء وَذكر فِي الْحَاوِي أَنه إِذا استعلم مُسلم من مُشْرك دَلَائِل الْقبْلَة وَوَقع فِي نَفسه صدقه واجتهد لنَفسِهِ بذلك على الْقبْلَة جَازَ وَفِيه نظر وَحكى القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله فِي قبُول خبر الصَّبِي عَن الْقفال عَن أبي زيد انه حكى عَن الشَّافِعِي رَحمَه الله نصا أَنه يقبل وَحكي الخضري نصا أَنه لَا يقبل قَالَ الْقفال فحكيت للخضري مَا قَالَه أَبُو زيد فَقَالَ لَا يتهم ذَلِك الشَّيْخ قَالَ الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله وَمَا ذكره لَا يسْتَمر على أصل الشَّافِعِي رَحمَه الله وَإِن لم يجد من يُخبرهُ بالقبلة اجْتهد فِي طلبَهَا وَفِي فَرْضه قَولَانِ

قَالَ فِي الْأُم فَرْضه إِصَابَة الْعين بِالِاجْتِهَادِ وَهُوَ قَول الْجِرْجَانِيّ من اصحاب أبي حنيفَة وَظَاهر مَا نَقله الْمُزنِيّ رَحمَه الله أَنه فَرْضه إِصَابَة الْجِهَة وَهُوَ قَول البَاقِينَ من أَصْحَاب أبي حنيفَة وَإِن كَانَ بِأَرْض مَكَّة وَبَينه وَبَين الْبَيْت حَائِل طارىء يمْنَع الْمُشَاهدَة كالأبنية من أَصْحَابنَا من قَالَ هُوَ بِمَنْزِلَة الْحَائِل الْأَصْلِيّ كالجبل فَيكون حكمه حكم الْغَائِب وَهُوَ الْأَصَح وَمِنْهُم من قَالَ يلْزمه أَن يُصَلِّي إِلَيْهَا بِيَقِين فَإِن اجْتهد رجلَانِ فَاخْتلف اجتهادهما لم يُقَلّد أَحدهمَا الآخر وَلَا يجوز أَن يأتم بِهِ وَقَالَ ابو ثَوْر يجوز أَن يأتم بِهِ وَإِن صلى بِالِاجْتِهَادِ إِلَى جِهَة ثمَّ حضرت الصَّلَاة الثَّانِيَة لزمَه أَن يُعِيد الِاجْتِهَاد فِي أحد الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ الْمَنْصُوص عَلَيْهِ وَإِن تغير اجْتِهَاده وَهُوَ فِي الصَّلَاة تحول إِلَى الْجِهَة الثَّانِيَة وَبنى على صلَاته فِي اصح الْوَجْهَيْنِ

وَالثَّانِي أَنه يستأنفها بِقَلْبِه وَذكر فِي الْحَاوِي وَجها آخر أَنه يبْقى على اجْتِهَاده وَلَيْسَ بِشَيْء فَإِن بَان لَهُ يَقِين الْخَطَأ بعد الْفَرَاغ من الصَّلَاة لم يجب عَلَيْهِ الْإِعَادَة فِي أحد الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَأحمد وَاخْتِيَار الْمُزنِيّ وَالْقَوْل الثَّانِي إِنَّه يجب عَلَيْهِ الْإِعَادَة وَإِن بَان لَهُ يَقِين الْخَطَأ فِي أثْنَاء الصَّلَاة فَإِن قُلْنَا إِنَّه إِذا بَان لَهُ ذَلِك بعد الْفَرَاغ تجب عَلَيْهِ الْإِعَادَة وَجب عَلَيْهِ الِاسْتِئْنَاف هَا هُنَا وَإِن قُلْنَا لَا تجب عَلَيْهِ الْإِعَادَة هُنَاكَ فقد ذكر الشَّيْخ ابو حَامِد فِي الْبناء على صلَاته وَجْهَيْن وَذكر الشَّيْخ أَبُو نصر فِي ذَلِك تَفْصِيلًا فَقَالَ إِن كَانَ قد بَانَتْ لَهُ الْقبْلَة حِين بَان لَهُ الْخَطَأ توجه إِلَيْهَا وَبنى على صلَاته وَإِن احْتَاجَ إِلَى اجْتِهَاد بطلت صلَاته فَإِن شرع الْأَعْمَى فِي الصَّلَاة عَن تَقْلِيد رجل فَقَالَ لَهُ آخر قد أَخطَأ بك الأول يَقِينا قَالَ أَبُو إِسْحَاق لزمَه أَن يتَحَوَّل إِلَى حَيْثُ قَالَ لَهُ وَهل يسْتَأْنف الصَّلَاة أَو يَبْنِي عَلَيْهَا على مَا ذَكرْنَاهُ من الْقَوْلَيْنِ وَإِن قَالَ لَهُ بِاجْتِهَادِهِ إِن الأول قد أَخطَأ بك واستويا عِنْده أَقَامَ على مَا هُوَ عَلَيْهِ

وَذكر فِي الْحَاوِي فِيهِ وَجْهَيْن أَحدهمَا أَنه يبْقى على حَاله وَالثَّانِي أَنه يرجع إِلَى قَول الثَّانِي وَإِن كَانَ قد اخْتلف عَلَيْهِ اجْتِهَاده رجلَيْنِ فِي ابْتِدَاء الصَّلَاة فقد حكى فِيهِ وَجْهَيْن أَيْضا أَحدهمَا أَنه يتَخَيَّر فِي الْأَخْذ بقول أَيهمَا شَاءَ قَالَ الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله وَعِنْدِي على هَذَا الْوَجْه يجب إِذا كَانَ ذَلِك فِي أثْنَاء الصَّلَاة أَن يتَخَيَّر بَين الْبَقَاء على الأول وَبَين الِانْتِقَال إِلَى قَول الثَّانِي مَعَ الْبناء على صلَاته وَالْوَجْه الثَّانِي أَنه يَأْخُذ بقولهمَا فَيصَلي صَلَاتَيْنِ إِلَى كل جِهَة صَلَاة وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء فَإِن أَدَّاهُ اجْتِهَاده إِلَى جِهَة فصلى إِلَى غَيرهَا لم تصح صلَاته وَإِن بَان لَهُ أَنه الْقبْلَة وَبِه قَالَ ابو حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف تصح صلَاته وَمن لَا يعرف الدَّلَائِل وَالْأَعْمَى سَوَاء فِي التَّقْلِيد وَقَالَ دَاوُد يسْقط عَنْهُمَا فرض التَّقْلِيد ويصليان إِلَى حَيْثُ شاءا وَإِن كَانَ مِمَّن يعرف الدَّلَائِل وَلكنهَا خفيت عَلَيْهِ لظلمة أَو غيم فقد قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي مَوضِع هُوَ كالأعمى

وَقَالَ فِي مَوضِع وَلَا يسع بَصيرًا أَن يُقَلّد فَقَالَ ابو إِسْحَاق يُصَلِّي على حسب حَاله وَيُعِيد وَلَا يُقَلّد وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ إِن ضَاقَ عَلَيْهِ الْوَقْت قلد غَيره وَإِن اتَّسع عَلَيْهِ الْوَقْت للِاجْتِهَاد لم يجز لَهُ التَّقْلِيد وَقَالَ الْمُزنِيّ وَغَيره يُمكنهُ تعلم الْأَدِلَّة وَالْوَقْت يَتَّسِع لَهُ فَأخر التَّعَلُّم حَتَّى ضَاقَ الْوَقْت قلد غَيره وَصلى وَفِي الْإِعَادَة وَجْهَان فَأَما النَّافِلَة فِي السّفر فَإِن كَانَ رَاكِبًا فِي مَوضِع وَاسع يُمكنهُ أَن يَدُور فِيهِ من كَنِيسَة أَو غَيرهَا لزمَه أَن يتَوَجَّه إِلَى الْقبْلَة فِي جَمِيع الصَّلَاة فِي أصح الْوَجْهَيْنِ فَإِن أَرَادَ أَن يُصَلِّي الْفَرِيضَة على هَذِه الصّفة لم يَصح قَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله إِذا أمكنه أَن يُصَلِّي الْفَرِيضَة فِي محمل وَاسع فَيقوم ويركع وَيسْجد صحت صلَاته إِذا كَانَت الرَّاحِلَة واقفة أَو كَانَ لَهَا من يسيرها فتتبعه كَمَا لَو صلى على سَرِير يحملهُ أَرْبَعَة وَإِن كَانَ رَاكِبًا فِي كَنِيسَة ضيقَة أَو على قتب أَو سرج وَكَانَ

سائرا وَالدَّابَّة سهلة يُمكن إدارتها إِلَى الْقبْلَة فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يلْزمه أَن يُدِير رَأسهَا إِلَى الْقبْلَة فِي حَال الْإِحْرَام وَالثَّانِي أَنه لَا يلْزمه وَهُوَ ظَاهر الْمَذْهَب وَأما الْمَاشِي فَإِنَّهُ يتَوَجَّه إِلَى الْقبْلَة فِي الْإِحْرَام وَالرُّكُوع وَالسُّجُود وَالْجُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ وَفِيمَا سوى ذَلِك يتْرك الْقبْلَة وَقيل إِنَّه يسلم إِلَى الْقبْلَة ايضا وَلَيْسَ بِشَيْء وَقَالَ ابو حنيفَة الْمَاشِي لَا يُصَلِّي النَّافِلَة وَأما صَلَاة الْجِنَازَة فقد ذكر الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله وَالْقَاضِي أَبُو الطّيب أَن الشَّافِعِي رَحمَه الله قَالَ فِي الْأُم لَا يُصَلِّي فَائِتَة وَلَا صَلَاة نذر وَلَا صَلَاة جَنَازَة وَقَالَ الْقفال يحْتَمل أَن يُقَال فِي صَلَاة الْجِنَازَة إِذا لم تتَعَيَّن يجوز أَن يُصليهَا رَاكِبًا كَمَا يُصليهَا بِتَيَمُّم الْفَرِيضَة وَهَذَا خلاف نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله وَذكر فِي الْحَاوِي أَنه إِذا لم يتَغَيَّر عَلَيْهِ فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا وَهُوَ قَول الْبَصرِيين أَنه يجوز وَالثَّانِي وَهُوَ قَول البغداديين أَنه لَا يجوز فعلهَا إِلَى غير الْقبْلَة

قَالَ القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله قد نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله على أَن صَلَاة الْجِنَازَة لَا يجوز فعلهَا رَاكِبًا وَنَصّ فِي التَّيَمُّم أَنه يجوز الْجمع بَينهَا وَبَين الْفَرِيضَة بِتَيَمُّم وَاحِد فَمن اصحابنا من جعلهَا على قَوْلَيْنِ وَمِنْهُم من حملهَا على حَالين وَاعْتبر التَّعْيِين وَعدم التَّعْيِين وَسوى بَينهمَا فِي الحكم وَمِنْهُم من فرق بَينهمَا وَكَذَلِكَ ذكر فِي فعل الْمَنْذُورَة على الرَّاحِلَة قَوْلَيْنِ وَهَذَا خلاف نَص الشَّافِعِي رَحْمَة الله عَلَيْهِ فَإِن كَانَ رَاكِبًا على دَابَّة فَوقف عَن السّير لاستراحة فَإِنَّهُ يلْزمه اسْتِقْبَال الْقبْلَة فِيمَا بَقِي من صلَاته لِأَنَّهُ قد لزمَه التَّوَجُّه إِلَى الْقبْلَة بوقوفه فَلم يجز لَهُ تَركه حَتَّى يُنْهِي صلَاته كَذَا ذكر فِي الْحَاوِي وَذكر الشَّيْخ ابو نصر رَحمَه الله فِي الْوَاقِف على الدَّابَّة انه يسْتَقْبل الْقبْلَة فَإِذا سَافر انحرف إِلَى جِهَة سَفَره وَبنى على صلَاته وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح فَإِن عدلت بِهِ دَابَّته فِي حَال سَيرهَا عَن جِهَة سَفَره إِلَى غير جِهَة الْقبْلَة وغلبه لم تبطل صلَاته وَسجد لذَلِك سُجُود السَّهْو نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي رَحْمَة الله عَلَيْهِ

وَذكر فِي الْحَاوِي فِي سُجُود السَّهْو لذَلِك وَجْهَيْن وَذكر أَيْضا إِذا طَال سَيرهَا فِي تِلْكَ الْجِهَة وَلم يقدر على ردهَا فِي بطلَان صلَاته وَجْهَيْن بِنَاء على أَن فعلهَا كَفِعْلِهِ فِي الْعمد فَكَذَلِك فِي السَّهْو وطويل السّفر وقصيره سَوَاء فِيمَا ذَكرْنَاهُ وَقَالَ مَالك لَا يجوز الترخيص بِمَا ذَكرْنَاهُ إِلَّا فِي سفر تقصر فِي مثله الصَّلَاة فَأَما الْمُقِيم فَلَا يجوز لَهُ ترك الْقبْلَة فِي النَّفْل وَقَالَ ابو سعيد الْإِصْطَخْرِي يجوز لَهُ ذَلِك فِي حَال سيره

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب صفة الصَّلَاة إِذا فرغ الْمُؤَذّن من الْإِقَامَة قَامَ الإِمَام وَالْمَأْمُوم إِلَى الصَّلَاة وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَأَبُو يُوسُف وَقَالَ ابو حنيفَة وَالثَّوْري إِذا قَالَ الْمُؤَذّن حَيّ على الصَّلَاة قَامُوا فِي الصَّفّ فَإِذا قَالَ قد قَامَت الصَّلَاة كبر الإِمَام وَكبر الْقَوْم وَقَالَ زفر إِذا قَالَ الْمُؤَذّن قد قَامَت الصَّلَاة مرّة نَهَضَ الإِمَام وَقَامُوا فِي الصَّفّ فَإِذا ثنى الْمُؤَذّن فَقَالَ قد قَامَت الصَّلَاة كبر الإِمَام وَكبر الْقَوْم

فَإِذا قَالَ الْمُؤَذّن الله أكبر إِلَى آخِره أَخذ الإِمَام فِي الْقِرَاءَة وَهُوَ قَول الْحسن بن زِيَاد وَقَالَ الطَّحَاوِيّ مُحَمَّد مَعَ أبي يُوسُف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَقَالَ ابو بكر الرَّازِيّ مُحَمَّد مَعَ أبي حنيفَة وَلَا يكبر الْمَأْمُوم حَتَّى يفرغ الإِمَام من التَّكْبِير وَبِه قَالَ مَالك وَأَبُو يُوسُف وَقَالَ ابو حنيفَة وسُفْيَان وَمُحَمّد يكبر مَعَ تَكْبِير الإِمَام فَإِن سبق الْمَأْمُوم بتكبيرة الْإِحْرَام فَإِنَّهُ يقطعهَا بِالتَّسْلِيمِ ويستأنف التَّكْبِير ويتابعه قَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله وَيحْتَمل وَجها آخر أَن يصير إِلَى صَلَاة الإِمَام من غير قطع بِنَاء على الْقَوْلَيْنِ فِي نفل صَلَاة الْمُنْفَرد إِلَى الْجَمَاعَة وَحكى عَن مَالك أَنه قَالَ يُعِيد تكبيرته وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله وَيَنْبَغِي أَن يكون هَذَا بعد قطع الصَّلَاة وَهَذَا إِنَّمَا يتَصَوَّر إِذا اعْتقد أَن الإِمَام قد كبر فَكبر وَلم يكن قد كبر فَأَما إِذا كبر مَعَ الْعلم بِأَنَّهُ لم يكبر مقتديا بِهِ فَإِنَّهُ لَا تَنْعَقِد صلَاته وَيَنْوِي وَالنِّيَّة فرض للصَّلَاة ومحلها الْقلب وَغلط بعض أَصْحَابنَا فَقَالَ لَا تُجزئه النِّيَّة حَتَّى يتَلَفَّظ بِلِسَانِهِ وَلَيْسَ بِشَيْء

وَأما كيفيتها فقد قَالَ ابو إِسْحَاق الْمروزِي يَنْوِي صَلَاة الظّهْر الْمَفْرُوضَة وَقَالَ ابو عَليّ بن أبي هُرَيْرَة يُجزئهُ نِيَّة الظّهْر أَو الْعَصْر وَلَا تجب نِيَّة الْفَرْض وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَلَا تجب نِيَّة الْأَدَاء وَالْقَضَاء فِي اصح الْوَجْهَيْنِ فَأَما السّنَن الرَّاتِبَة كَصَلَاة الْعِيدَيْنِ والكسوفين وَالِاسْتِسْقَاء وَقيام رَمَضَان وَالسّنَن الرَّاتِبَة مَعَ الْفَرَائِض فَلَا بُد مِنْهَا من نِيَّة مُقَيّدَة بِمَا تنْسب إِلَيْهِ وَقيل فِي السّنَن الرَّاتِبَة سوى رَكْعَتي الْفجْر يَكْفِي فِيهَا نِيَّة الْفِعْل وَاخْتَارَهُ الشَّيْخ ابو نصر رَحمَه الله وَالْأول أصح قَالَ فِي الْأُم وَلَو شكّ هَل دَخلهَا بنية أم لَا ثمَّ ذكر قبل أَن يحدث فِيهَا عملا أَجزَأَهُ وَالْعَمَل فِيهَا قِرَاءَة أَو رُكُوع أَو سُجُود

وَقيل فِيهِ إِذا قَرَأَ لَا تبطل صلَاته وَلَيْسَ بِشَيْء وَذكر فِي الْحَاوِي أَنه إِذا كَانَ الزَّمَان فِي حَال الشَّك قَرِيبا بنى على صلَاته وَإِن طَال الزَّمَان فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَن صلَاته تبطل وَكَلَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ مُطلق وَبنى القَاضِي حُسَيْن الْقِرَاءَة فِي حَال الشَّك على تكْرَار الْقِرَاءَة هَل تبطل الصَّلَاة أم لَا وَهَذَا بِنَاء فَاسد الحكم بِخِلَاف نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله وَفرع القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله على ذَلِك أَنه إِذا شكّ فِي نِيَّة الِاقْتِدَاء بِالْإِمَامِ ثمَّ تذكر فِي الْحَال بنى على صلَاته وَإِن لم يتَذَكَّر حَتَّى فعل فعلا بنى على الْوَجْهَيْنِ فِيهِ إِذا تَابع الإِمَام فِي الْأَفْعَال من غير نِيَّة الِاقْتِدَاء بِهِ وَحكى فِيهِ وَجْهَيْن قَالَ الإِمَام ابو بكر رَضِي الله عَنهُ وَهَذَا الأَصْل الَّذِي بني عَلَيْهِ عِنْدِي غير صَحِيح وَيَنْبَغِي أَن يكون الحكم فِيهِ أَنه إِذا تَابع الإِمَام فِي الْأَفْعَال وَلم يتْرك من تَرْتِيب صلَاته فِي مُتَابَعَته فِي الْأَفْعَال شَيْئا لم تبطل صلَاته وَإِن ترك من وَاحِد تَرْتِيب صلَاته بمتابعته فِي الْأَفْعَال شَيْئا بطلت صلَاته

فَإِن نوى الْخُرُوج من الصَّلَاة أَو شكّ هَل يخرج مِنْهَا أَو لَا يخرج بطلت صلَاته وَقَالَ ابو حنيفَة لَا تبطل وَذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَنه إِذا علق نِيَّة الْخُرُوج من الصَّلَاة بِشَرْط فَنوى إِن دخل فلَان خرجت من الصَّلَاة فَهَل يصير خَارِجا فِي الْحَال مِنْهَا فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا يصير خَارِجا مَا لم يُوجد الشَّرْط وَهَذَا تَخْرِيج فَاسد فَإِن أحرم بِالْفَرْضِ ثمَّ صرف النِّيَّة إِلَى النَّفْل بَطل الْفَرْض وَهل يَصح النَّفْل فِيهِ قَولَانِ أصَحهمَا أَنه لَا يَصح وَالثَّانِي أَنه يصير نفلا نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي كتاب الْإِمَامَة فَقَالَ لَو أحرم فِي مَسْجِد ثمَّ جَاءَ الإِمَام فَتقدم فَأحب أَن يكمل رَكْعَتَيْنِ ثمَّ يسلم تَكُونَانِ لَهُ نَافِلَة فَمن أَصْحَابنَا من لم يَجْعَل مَا ذكره فِي الْإِمَامَة قولا آخر للشَّافِعِيّ رَحمَه الله وَإِنَّمَا أجَازه للْحَاجة إِلَى فعل الْجَمَاعَة قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله وَالْقَوْل الأول أصح ذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ نَص فِيمَن

صلى قَاعِدا فَقدر على الْقيام أَن صلَاته تبطل إِذا لم يقم وَنَصّ فِي الْمَسْبُوق إِذا أدْرك الإِمَام رَاكِعا فَكبر هاويا انْعَقَد نفلا وَقَالَ فِي رجل دخل الْمَسْجِد وَشرع فِي فَرِيضَة ثمَّ حضر جمَاعَة فعقدوا جمَاعَة أَن يسلم على مَا تقدم فحكي أَن اصحابنا جعلُوا فِي جَمِيع الْمسَائِل قَوْلَيْنِ وَذكر انه إِذا دخل فِي ظهر فَنوى أَن يَجْعَلهَا عصرا أَو سنة راتبة بَطل مَا نَوَاه وَهل تصير نفلا فِيهِ قَولَانِ وَإِن نوى سنة راتبة فَنوى نقلهَا إِلَى فرض لم تصر فرضا وَهل تصير نَافِلَة فِيهِ قَولَانِ وَحكي أَنه إِذا نوى فَرِيضَة وَشرع فِيهَا ثمَّ نوى إبِْطَال الْفَرِيضَة من أَصْحَابنَا من قَالَ فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا تصير نفلا وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ هَا هُنَا قولا وَاحِدًا لَا تبطل وعَلى هَذَا لَو شرع فِي تطوع ثمَّ نوى نَقله إِلَى فرض أَو إِلَى فرض أَو إِلَى سنة راتبة فَفِيهِ طَرِيقَانِ أَحدهمَا فِيهِ قَولَانِ وَالثَّانِي يبْقى نفلا قولا وَاحِدًا قَالَ الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله وَعِنْدِي أَن إِطْلَاق الْقَوْلَيْنِ فِي

ذَلِك لَيْسَ بِصَحِيح بل يحْتَاج إِلَى تَفْصِيل فَيُقَال إِن كَانَ نَقله للصَّلَاة من صفة إِلَى صفة اخْتِيَارا من جِهَته لَا لفرض صَحِيح يفوتهُ بطلت صلَاته وَلم يحصل لَهُ مَا نَوَاه وَذَلِكَ مثل مَسْأَلَة الْقَاعِد قدر على الْقيام فَتَركه وَكَذَا إِذا أحرم فينوي الظّهْر قبل الزَّوَال مَعَ الْعلم بِالْحَال لم ينْعَقد لَهُ نفل وَلَا فرض لِأَنَّهُ متلاعب بِصَلَاتِهِ وَأما إِذا كَانَ نَقله إِلَى النَّفْل لفرض صَحِيح كَمَسْأَلَة الْمُنْفَرد إِذا حضر جمَاعَة فَفِي صِحَة نقلهَا إِلَى النَّفْل قَولَانِ وعَلى هَذَا إِذا أحرم بِالظّهْرِ قبل الزَّوَال مُعْتَقدًا أَن الشَّمْس قد زَالَت وَلم تكن قد زَالَت انْعَقَد نفلا فِي أحد الْقَوْلَيْنِ وعَلى هَذَا مَسْأَلَة الهاوي إِلَى الرُّكُوع إِن كَانَ عَالما بِأَن ذَلِك لَا يجوز لم يحصل لَهُ شَيْء وَإِن كَانَ جَاهِلا بذلك حصل لَهُ نقل فَأَما وَقت النِّيَّة فقد قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله يَنْوِي حَال التَّكْبِير لَا قبله وَلَا بعده وَمَعْنَاهُ أَن تكون نِيَّته ذكرا بِقَلْبِه مقترنة بِالتَّكْبِيرِ من أَوله إِلَى آخِره وَقَالَ الْقفال إِذا قارنت نِيَّته ابْتِدَاء التَّكْبِير انْعَقَدت صلَاته وَإِن عزبت بعده وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا تقدّمت النِّيَّة على التَّكْبِير بِزَمَان يسير انْعَقَدت الصَّلَاة وَإِن تقدّمت بِزَمَان طَوِيل لم تَنْعَقِد كَذَا ذكر أَبُو بكر الرَّازِيّ

فصل ويكبر وذلك فرض

وَذكر الطَّحَاوِيّ فِي كِتَابه أَن مَذْهَب أبي حنيفَة مثل مَذْهَبنَا وَكَذَا قَالَ الْكَرْخِي وَقَالَ دَاوُد يجب أَن يَنْوِي قبل التَّكْبِير فصل وَيكبر وَذَلِكَ فرض وَحكي عَن الزُّهْرِيّ وَالْحسن بن صَالح أَن الصَّلَاة تَنْعَقِد بِمُجَرَّد النِّيَّة من غير لفظ وَالتَّكْبِير أَن يَقُول الله أكبر أَو الله الْأَكْبَر وَبِه قَالَ سُفْيَان وَدَاوُد وَأَبُو ثَوْر وَقَالَ ابو حنيفَة تَنْعَقِد بِكُل اسْم من أَسمَاء الله تَعَالَى على وَجه التَّعْظِيم كَقَوْلِه الله عَظِيم أَو جليل وَإِن قَالَ الله اَوْ الرَّحْمَن فَعَنْهُ فِيهِ رِوَايَتَانِ روى الْحسن بن زِيَاد أَنه يجوز وَظَاهر رِوَايَة الْأُصُول أَنه لَا بُد من ذكر الصّفة وَبِه قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن وَقَالَ أَبُو يُوسُف تَنْعَقِد بِلَفْظ التَّكْبِير فيضيف إِلَيْهِ الله الْكَبِير وَلَا ينْعَقد بِمَا سوى ذَلِك

وَقَالَ مَالك وَأحمد ينْعَقد بقوله الله أكبر وَلَا ينْعَقد بقوله الله الْأَكْبَر فَإِن قَالَ أكبر الله أَو الْأَكْبَر الله أَجزَأَهُ فِي أصح الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَول أبي إِسْحَاق ذكره فِي الشَّرْح وَالثَّانِي لَا يُجزئهُ وَقد خرج القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله التَّسْلِيم وَالتَّكْبِير على قَوْلَيْنِ بِنَقْل الجوابين وَلَيْسَ بِشَيْء وَمِنْهُم من فرق بَينهمَا وَلَيْسَ بِشَيْء وَذكر فِي الْحَاوِي أَنه إِذا قَالَ الْأَكْبَر الله فِيهِ وَجْهَان وَإِن قَالَ أكبر الله لم يجزه وَالصَّحِيح الأول ذكر فِي الْحَاوِي أَنه إِذا فصل بَين الِاسْم وَبَين التَّكْبِير بِشَيْء من صِفَات الله نظر فَإِن كَانَ يَسِيرا لَا يصير التَّكْبِير بِهِ مَفْصُولًا عَن الِاسْم كَقَوْلِه الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ أكبر أَو الله عز وَجل أكبر أَجزَأَهُ وَإِن كبره وَإِن طَال كَقَوْلِه لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ أكبر لم يجزه وَهَذَا فِيهِ نظر

قَالَ الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله وَلَا اعْتِبَار عِنْدِي فِي ذَلِك بالطول وَالْقصر وَإِنَّمَا الِاعْتِبَار بنظام الْكَلَام فِي مَقْصُوده فَمَتَى كَانَ مَقْصُود الْكَلَام التَّكْبِير بِأَن يكون قَوْله أكبر مُتَعَلقا بِهِ وخبرا عَنهُ انْعَقَد وَإِن تضمن تهليلا كَقَوْلِه الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَحده لَا شريك لَهُ أكبر بِخِلَاف قَوْله لَا إِلَه إِلَّا الله أكبر لِأَنَّهُ يُسمى تهليلا إِذا أدْرك الإِمَام رَاكِعا فَكبر تَكْبِيرَة يَنْوِي بهَا تَكْبِيرَة الِافْتِتَاح وَالرُّكُوع لم يجزه عَن الْفَرْض وَيَنْبَغِي أَن يكبر للْإِحْرَام قَائِما ثمَّ يكبر للرُّكُوع وَهل ينْعَقد نَافِلَة فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا ينْعَقد وَالثَّانِي ينْعَقد هَذَا إِذا كَانَ جَاهِلا بِتَحْرِيم ذَلِك إِذا كَانَ يحسن الْعَرَبيَّة فَكبر بغَيْرهَا لم تَنْعَقِد صلَاته وَإِن لم يحسن الْعَرَبيَّة كبر بِلِسَانِهِ وَبِه قَالَ ابو يُوسُف وَمُحَمّد ذكر فِي الْحَاوِي أَنه إِذا كَانَ لَا يحسن الْعَرَبيَّة وَيحسن بِالْفَارِسِيَّةِ والسريانية فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا يكبر بِالْفَارِسِيَّةِ وَالثَّانِي بالسُّرْيَانيَّة وَالثَّالِث بِأَيِّهِمَا شَاءَ

وَإِن كَانَ يحسن بِالْفَارِسِيَّةِ والتركية فالفارسية أولى فِي أحد الْوَجْهَيْنِ وَالثَّانِي أَنَّهُمَا سَوَاء وَإِن كَانَ يحسن بالسُّرْيَانيَّة والنبطية فالسريانية أولى فِي أحد الْوَجْهَيْنِ وَالثَّانِي أَنه يُخَيّر بَينهمَا وَإِن كَانَ يحسن بالتركية والهندية فهما سَوَاء وَجها وَاحِدًا قَالَ الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله وَهَذَا التَّخْرِيج فَاسد فَإِن اللُّغَات بعد الْعَرَبيَّة سَوَاء وَإِنَّمَا اخْتصّت الْعَرَبيَّة بذلك تعبدا وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجوز أَن يكبر بِغَيْر الْعَرَبيَّة وَإِن كَانَ يحسن الْعَرَبيَّة وَإِن أَتَى بِذكر غير وَاجِب بِغَيْر الْعَرَبيَّة لم تبطل الصَّلَاة وَقَالَ الْقفال تبطل صلَاته وَلَيْسَ بِصَحِيح قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي الْأُم وَكَذَلِكَ الذّكر وَالتَّكْبِير وَالتَّشَهُّد وَالْقُرْآن وَكَذَلِكَ التَّعَوُّذ فَإِن قَالَ ذَلِك بِلِسَانِهِ مَعَ الْقُدْرَة على الْعَرَبيَّة فقد أَسَاءَ وَصلَاته مجزئة وَقَالَ الْقفال تبطل صلَاته وَلَيْسَ بِصَحِيح فَإِن ضَاقَ عَلَيْهِ الْوَقْت عَن التَّعَلُّم وَخَافَ فَوتهَا إِن اشْتغل بِهِ صلاهَا على حسب حَاله وَكبر بِلِسَانِهِ وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ

وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ إِذا لم يجد فِي مَوْضِعه من يُعلمهُ لَا يلْزمه أَن يرحل إِلَى مَوضِع يجد فِيهِ من يُعلمهُ قَالَ الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله وَهَذَا عِنْدِي وهم وَلَيْسَ بِصَحِيح ذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَنه إِذا صلى الظّهْر وَلم يعرف أَنَّهَا فرض لم تصح صلَاته وَكَذَا لَو اعْتقد فِي بعض الْأَركان أَنه نفل لم تصح صلَاته وَإِن اعْتقد أَن جملَة الهيئات والأركان فرض فَهَل تَنْعَقِد صلَاته فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا تَنْعَقِد وَالثَّانِي لَا تَنْعَقِد قَالَ الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله وَهَذَا عِنْدِي فِيهِ نظر لِأَنَّهُ إِن اعْتقد ذَلِك جَاهِلا بِأَحْكَام الشَّرْع فالجهل فِي الصَّلَاة يُؤثر فِي الْعَفو وَإِن كَانَ يُعْفَى بترك التَّعَلُّم فَلَا يمْنَع الصِّحَّة كمن يعْقد النِّكَاح جَاهِلا بِشُرُوطِهِ وَقد حصلت شُرُوطه فَإِنَّهُ ينْعَقد وَالتَّكْبِير أول الصَّلَاة وَالتَّسْلِيم آخرهَا وَقَالَ ابو الْحسن الْكَرْخِي الَّذِي يَقْتَضِيهِ مَذْهَب أبي حنيفَة أَن التَّكْبِير لَيْسَ من الصَّلَاة

فصل والسنة أن يرفع يديه في تكبيرة الإحرام

فصل وَالسّنة أَن يرفع يَدَيْهِ فِي تَكْبِيرَة الْإِحْرَام حَذْو مَنْكِبَيْه وَهُوَ قَول مَالك وَقَالَ ابو حنيفَة يرفعهما حِيَال أُذُنَيْهِ وَيثبت مرفوعتين حَتَّى يفرغ من التَّكْبِير ثمَّ يحطهما وَقَالَ ابو عَليّ فِي الإفصاح رَأَيْت للشَّافِعِيّ رَحمَه الله أَنه إِذا أَرَادَ أَن يكبر اسبل يَدَيْهِ ثمَّ يرفعهما فَيكون ابْتِدَاء الرّفْع مَعَ ابْتِدَاء التَّكْبِير وانتهاؤه مَعَ انتهائه وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر وَمَا قَالَه أَبُو عَليّ خلاف نَصه وَحكى القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله وَجها ثَالِثا أَنه يرفع غير مكبر وَيُرْسل غير مكبر وَالْأول أصح ثمَّ يَأْخُذ كوعه الْأَيْسَر بكفه الْأَيْمن وَبِه قَالَ ابو حنيفَة وَأحمد وَدَاوُد وَاخْتلفت الرِّوَايَة عَن مَالك فَروِيَ عَنهُ مَا ذَكرْنَاهُ وَرُوِيَ عَنهُ أَنه يُرْسل يَدَيْهِ إرْسَالًا وَرُوِيَ ذَلِك عَن الْحسن الْبَصْرِيّ وَابْن سِيرِين

فصل ثم يأتي بدعاء الاستفتاح

وَقَالَ اللَّيْث بن سعد أَنه يُرْسل يَدَيْهِ إِلَّا أَن يُطِيل الْقيام فيعيا وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ من شَاءَ فعل وَمن شَاءَ ترك ويضعهما تَحت صَدره وَفَوق سرته وَقَالَ ابو أسْحَاق الْمروزِي يجعلهما تَحت سرته وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ فِي ذَلِك وَالسّنة أَن ينظر إِلَى مَوضِع سُجُوده قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله وَإِن رمى بَصَره أَمَامه كَانَ حَقِيقا والخشوع اولى وَهُوَ قَول ابي حنيفَة وَقَالَ مَالك يكون بَصَره امام قبلته فصل ثمَّ يَأْتِي بِدُعَاء الاستفتاح فَيَقُول وجهت وَجْهي للَّذي فطر السَّمَاوَات وَالْأَرْض حَنِيفا مُسلما وَمَا أَنا من الْمُشْركين إِن

صَلَاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب الْعَالمين لَا شريك لَهُ وَبِذَلِك امرت وَأَنا من الْمُسلمين وَقَالَ مَالك لَا يسن ذَلِك بل يكبر ويفتتح الْقِرَاءَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة السّنة أَن يَقُول سُبْحَانَكَ الله وَبِحَمْدِك وتبارك اسْمك وَتَعَالَى جدك وَلَا إِلَه غَيْرك وَبِه قَالَ أَحْمد وَقَالَ ابو يُوسُف يجمع بَين الدعائين ثمَّ يتَعَوَّذ قبل الْقِرَاءَة فَيَقُول أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم وَقَالَ مَالك لَا يتَعَوَّذ فِي الْمَكْتُوبَة ويتعوذ فِي قيام رَمَضَان إِذا قَرَأَ وَحكي عَن النَّخعِيّ وَابْن سِيرِين أَنَّهُمَا كَانَا يتعوذان بعد الْقِرَاءَة وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ يَقُول أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم إِن الله هُوَ السَّمِيع الْعَلِيم

فصل ثم يقرأ فاتحة الكتاب

وَقَالَ الْحسن بن صَالح بن حَيّ يَقُول أعوذ بِاللَّه السَّمِيع الْعَلِيم من الشَّيْطَان الرَّجِيم وَقَالَ أَحْمد يَقُول اعوذ بِاللَّه السَّمِيع الْعَلِيم من الشَّيْطَان الرَّجِيم إِنَّه هُوَ السَّمِيع الْعَلِيم وَفِي الْجَهْر بالتعوذ قَولَانِ وَيسْتَحب التَّعَوُّذ فِي كل رَكْعَة وَهُوَ قَول ابي حنيفَة وَهُوَ فِي الأولى آكِد وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ فِيمَا عدا الأولى قَولَانِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة الِاسْتِعَاذَة فِي أول رَكْعَة فصل ثمَّ يقْرَأ فَاتِحَة الْكتاب وَذَلِكَ فرض فِي الصَّلَاة وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد ويحكى عَن الْحسن بن صَالح والأصم أَن الْقِرَاءَة سنة فِي الصَّلَاة وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا تتَعَيَّن قِرَاءَة فَاتِحَة الْكتاب فِي الصَّلَاة وتجزئه قِرَاءَة آيَة

وَقَالَ ابو يُوسُف وَمُحَمّد يجب قِرَاءَة ثَلَاث آيَات قصار أَو أَيَّة طَوِيلَة كآية الدّين ويبتدىء الْقِرَاءَة بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَهِي آيَة من الْفَاتِحَة وَمن كل سُورَة ذكرت فِي فاتحتها وَبِه قَالَ أَحْمد وَهُوَ قَول عَطاء وَالزهْرِيّ وَعبد الله بن الْمُبَارك وَكَانَ ابْن الْمُبَارك يَقُول من ترك بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فقد ترك مائَة وَثَلَاث عشرَة آيَة من الْقُرْآن وَذكر الشَّيْخ ابو حَامِد رَحمَه الله أَن من اصحابنا من قَالَ للشَّافِعِيّ رَحمَه الله قَول آخر فِي غير الْفَاتِحَة أَنَّهَا لَيست من الْقُرْآن وَقَالَ ابو عَليّ بن أبي هُرَيْرَة هِيَ آيَة من الْقُرْآن فِي كل مَوضِع ذكرت فِيهِ قطعا

وَعَامة أَصْحَابنَا قَالُوا نثبتها فِي أول كل سُورَة حكما فِي وجوب قرَاءَتهَا وَتعلق صِحَة الصَّلَاة بهَا وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَدَاوُد لَيست من فَاتِحَة الْكتاب وَلَا من سَائِر السُّور غير النَّمْل وَهِي بعض آيَة فِي النَّمْل وَقَالَ ابو الْحسن الْكَرْخِي لَيْسَ عَن اصحابنا رِوَايَة فِي ذَلِك ومذهبهم إِخْفَاؤُهَا وَذَلِكَ يدل على أَنَّهَا لَيست من فَاتِحَة الْكتاب وَكَانَ أَيْضا يَقُول إِنَّهَا من سُورَة النَّمْل ثمَّ نقلت إِلَى أَوَائِل السُّور للفصل كَذَا حكى أَبُو بكر الرَّازِيّ وَقَالَ أَبُو بكر الرَّازِيّ وسمعناه يَقُول بعد ذَلِك إِنَّهَا آيَة تَامَّة مُفْردَة فِي كل مَوضِع أَثْبَتَت فِيهِ وَلَيْسَت من السُّورَة وَهِي بعض آيَة فِي سُورَة النَّمْل قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله ويجهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم قبل أم الْقُرْآن وَقبل السُّورَة وَرُوِيَ ذَلِك عَن عَطاء وطاووس وَسَعِيد بن جُبَير وَمُجاهد أَنهم كَانُوا يجهرون بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم ويروى عَن عمر بن الْخطاب وَابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا

قَالَ ابْن الْمُنْذر كَانَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه يمِيل إِلَى الْجَهْر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري وَأحمد يسر بهَا وَقَالَ مَالك الْمُسْتَحبّ أَن لَا يقْرَأ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم بل يفْتَتح الْقِرَاءَة بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَقَالَ ابْن أبي ليلى إِن جهرت فَحسن وَإِن أخفيت فَحسن وَكَانَ النَّخعِيّ يَقُول الْجَهْر بهَا بِدعَة وَتجب الْمُوَالَاة فِي الْقِرَاءَة فَإِن نوى قطع الْقِرَاءَة وَسكت انْقَطَعت وَذكر فِي الْحَاوِي أَنه إِذا سكت طَويلا انْقَطَعت وَإِن كَانَ قَلِيلا فَفِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا أَنَّهَا تَنْقَطِع وَالْأول أصح فَإِن قَالَ الإِمَام آمين والماموم لم يفرغ من الْفَاتِحَة فقد ذكر أَبُو عَليّ فِي الإفصاح أَنه يَقُول آمين وَلَا تَنْقَطِع قِرَاءَته وَكَانَ الشَّيْخ ابو حَامِد رَحمَه الله يَقُول يسْتَأْنف الْقِرَاءَة وَالْأول أصح وَهُوَ اخْتِيَار القَاضِي أبي الطّيب رَحمَه الله وَتجب قِرَاءَة الْفَاتِحَة فِي كل رَكْعَة

وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا تجب الْقِرَاءَة فِي أَكثر من رَكْعَتَيْنِ وَقَالَ مَالك إِذا قَرَأَ فِي أَكثر رَكْعَات الصَّلَاة أَجزَأَهُ وروى أَيْضا عَنهُ نَحْو قَوْلنَا وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ إِن قَرَأَ فِي رَكْعَة وَاحِدَة أَجزَأَهُ وَهل تجب الْقِرَاءَة على الْمَأْمُوم فِي الصَّلَاة الَّتِي يجْهر فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ فِيهِ قَولَانِ أصَحهمَا أَنَّهَا تجب وَالثَّانِي أَنَّهَا لَا تجب وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري لَا يقْرَأ الْمَأْمُوم بِحَال فَإِذا قُلْنَا بِالثَّانِي فجهر الإِمَام بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاة الَّتِي يسر فِيهَا فَهَل يسْقط فرض الْقِرَاءَة عَنهُ فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يسْقط وَبِالْعَكْسِ من هَذَا وَأسر بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاة الْجَهْر فِيهِ وَجْهَان وعَلى هَذَا لَو كَانَ بَعيدا عَن الإِمَام بِحَيْثُ لَا يسمع هَل يقْرَأ على وَجْهَيْن ذكر ذَلِك كُله القَاضِي حُسَيْن وَالصَّحِيح أَن تعْتَبر حَال الصَّلَاة فِي وَضعهَا وَلَا يتَغَيَّر فَرْضه بإساءة الإِمَام بالجهر فِي مَوضِع الْإِسْرَار خَاصَّة

فصل فإذا فرغ من الفاتحة

فَإِن ترك الْقِرَاءَة نَاسِيا لم تصح صلَاته فِي قَوْله الْجَدِيد وَقَالَ فِي الْقَدِيم تصح صلَاته وَيجوز أَن يقْرَأ من الْمُصحف فِي الصَّلَاة نَاظرا وَبِه قَالَ مَالك وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو حنيفَة تبطل صلَاته إِذا قَرَأَ من الْمُصحف إِلَّا أَن يقْرَأ آيَة قَصِيرَة فصل فَإِذا فرغ من الْفَاتِحَة أَمن والتأمين سنة يجْهر بِهِ الإِمَام فِي

صَلَاة الْجَهْر وَبِه قَالَ عَطاء وَأحمد وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حنيفَة يخفيه الإِمَام وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن مَالك وَالرِّوَايَة الثَّانِيَة وَهِي الْأَظْهر عِنْدهم أَن الإِمَام لَا يَقُولهَا وَأما الْمَأْمُوم فقد قَالَ فِي الْجَدِيد يسمع نَفسه وَقَالَ فِي الْقَدِيم يجْهر فَمن أَصْحَابنَا من قَالَ فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا يجْهر بِهِ وَهُوَ قَول أَحْمد وَالثَّانِي يسر بِهِ وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَالثَّوْري وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ إِن كَانَ الْمَسْجِد كَبِيرا والخلق كثيرا جهر بِهِ الْمَأْمُوم وَإِن كَانَ صَغِيرا يسمعُونَ تَأْمِين الإِمَام لم يجْهر الْمَأْمُوم فَإِن نسي

التَّأْمِين حَتَّى شرع فِي السُّورَة لم يَأْتِ بِهِ وَقيل يَأْتِي بِهِ وَالْأول أصح فَإِن لم يحسن الْفَاتِحَة وَأحسن غَيرهَا من الْقُرْآن قَرَأَ سبع آيَات وَهل يعْتَبر أَن يكون فِيهَا بِعَدَد حُرُوف الْفَاتِحَة فِيهِ قَولَانِ أصَحهمَا أَنه يعْتَبر ذَلِك فَإِن لم يحسن شَيْئا من الْقُرْآن أَتَى بِذكر وَفِي قدره وَجْهَان قَالَ أَبُو إِسْحَاق يَأْتِي من الذّكر بِمِقْدَار حُرُوف الْفَاتِحَة وَقَالَ أَبُو عَليّ الطَّبَرِيّ يَأْتِي بِمَا نَص عَلَيْهِ الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من غير زِيَادَة وَهُوَ سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَالْمذهب الأول فَإِن أحسن آيَة من الْفَاتِحَة وَأحسن غَيرهَا من الْقُرْآن فَفِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا أَنه يقْرَأ الْآيَة ثمَّ يقْرَأ سِتّ آيَات من غَيرهَا وَالثَّانِي أَنه يُكَرر الْآيَة وَحكى الشَّيْخ أَبُو حَامِد فِي ذَلِك قَوْلَيْنِ فَإِن لم يحسن شَيْئا من الْقُرْآن وَلَا من الذّكر قَامَ بِقدر سبع آيَات وَعَلِيهِ أَن يتَعَلَّم وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا لم يحسن من الْقُرْآن شَيْئا وقف ساكتا وَقَالَ مَالك يسْقط عَنهُ الْقيام أَيْضا وَإِنَّمَا ينْتَقل إِلَى الذّكر عندنَا من لَا يقدر على التَّعَلُّم فَأَما من قدر على

فصل ثم يقرأ بعد الفاتحة سورة

التَّعَلُّم واتسع الزَّمَان لَهُ وَوجد من يُعلمهُ فصلى بِغَيْر الْقِرَاءَة وَجب عَلَيْهِ إِعَادَة مَا صلى إِذا تعلم الْقُرْآن وَفِي قدر مَا يُعِيدهُ وَجْهَان أصَحهمَا أَنه يُعِيد كل صَلَاة صلاهَا إِلَى أَن تعلم وَالثَّانِي أَنه يعْتَبر ذَلِك من وَقت قدرته على التَّعَلُّم إِلَى أَن تعاطى التَّعَلُّم وَأخذ فِيهِ فَإِن قَرَأَ الْقُرْآن بِالْفَارِسِيَّةِ لم يجزه وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن شَاءَ قَرَأَ بِالْعَرَبِيَّةِ وَإِن شَاءَ قَرَأَ بِالْفَارِسِيَّةِ تَفْسِير الْقُرْآن وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِن كَانَ يحسن الْفَاتِحَة لم يجزه تَفْسِيرهَا وَإِن كَانَ لَا يحسنها فَقَرَأَ تَفْسِيره بلغته أَجزَأَهُ فصل ثمَّ يقْرَأ بعد الْفَاتِحَة سُورَة وَذَلِكَ سنة

وروى ابْن الْمُنْذر عَن عُثْمَان بن أبي الْعَاصِ أَنه قَالَ لَا صَلَاة إِلَّا

بِفَاتِحَة الْكتاب وَثَلَاث آيَات بعْدهَا وَيسْتَحب قِرَاءَة السُّورَة فِي الْأَوليين وَفِي استحبابها فِي الْأُخْرَيَيْنِ قَولَانِ أَحدهمَا لَا يسْتَحبّ وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَالثَّانِي يسْتَحبّ وَهُوَ الْأَصَح وَيسْتَحب التَّسْوِيَة بَين الرَّكْعَتَيْنِ الأولتين فِي الْقِرَاءَة قَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله سَمِعت أَبَا الْحسن الماسرجسي يَقُول يسْتَحبّ للْإِمَام أَن تكون قِرَاءَته فِي الرَّكْعَة الأولى من كل صَلَاة أطول من قِرَاءَته فِي الثَّانِيَة وَيسْتَحب ذَلِك فِي الْفجْر أَكثر وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف يسْتَحبّ ذَلِك فِي الصُّبْح خَاصَّة وَيقْرَأ فِي الصُّبْح بطوال الْمفصل فَإِن كَانَ فِي يَوْم الْجُمُعَة اسْتحبَّ أَن يقْرَأ ألم تَنْزِيل السَّجْدَة وَهل أَتَى على الْإِنْسَان وَحكى عَن أبي حنيفَة أَنه قَالَ يقْرَأ فِي الأولى من ثَلَاثِينَ آيَة إِلَى ستسن آيَة وَفِي الثَّانِيَة من عشْرين آيَة إِلَى ثَلَاثِينَ آيَة وَيقْرَأ فِي الظّهْر نَحْو مَا يقْرَأ فِي الصُّبْح وروى أَبُو الْحسن الْكَرْخِي مثل ذَلِك عَن أبي حنيفَة وَيقْرَأ فِي الْعَصْر وَالْعشَاء بأوساط الْمفصل سُورَة الْجُمُعَة وَالْمُنَافِقِينَ

وَحكي عَن أبي حنيفَة أَنه قَالَ يقْرَأ فِي الْعَصْر فِي الأولييين فِي كل رَكْعَة قدر عشْرين آيَة سوى فَاتِحَة الْكتاب وَكَذَا فِي الْعشَاء وَقَالَ أَحْمد يقْرَأ خمس عشرَة آيَة وَذَلِكَ نَحْو قَوْلنَا وَيسْتَحب للمنفرد الْجَهْر بِالْقِرَاءَةِ فِيمَا يجْهر فِيهِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يسن ذَلِك فَإِن فَاتَتْهُ صَلَاة بِالنَّهَارِ فقضاها بِاللَّيْلِ أسر وَإِن فَاتَتْهُ صَلَاة بِاللَّيْلِ فقضاها بِالنَّهَارِ أسر وَقَالَ الشَّيْخ الإِمَام أَبُو إِسْحَاق رَحمَه الله يحْتَمل أَن يجْهر وَقد حُكيَ أَبُو ثَوْر عَن الشَّافِعِي رَحمَه الله أَنه يجْهر وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة فِي الإِمَام فَإِن فَاتَتْهُ صَلَاة بِاللَّيْلِ فقضاها بِاللَّيْلِ جهر وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِن شَاءَ جهر وَإِن شَاءَ أسر فَإِن اتّفقت جَنَازَة بِاللَّيْلِ فقد حكى بعض أَصْحَابنَا فِيهَا وَجْهَيْن أصَحهمَا أَنه يسر

فصل ثم يركع مكبرا

وَحكى بعض أَصْحَاب مَالك أَنه قَالَ فِي نفل النَّهَار يجْهر وَقيل يكره فصل ثمَّ يرْكَع مكبرا عَن سعيد بن جُبَير وَعمر بن عبد الْعَزِيز أَنَّهُمَا قَالَا لَا يكبر إِلَّا عِنْد الِافْتِتَاح وَبِه قَالَ أَحْمد وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري لَا يرفع يَدَيْهِ إِلَّا فِي تَكْبِيرَة الِافْتِتَاح وَعَن مَالك فِي ذَلِك رِوَايَتَانِ وَيَضَع يَدَيْهِ على رُكْبَتَيْهِ

وَرُوِيَ أَن ابْن مَسْعُود كَانَ إِذا ركع طبق يَدَيْهِ وجعلهما بَين رُكْبَتَيْهِ وَمَات على ذَلِك وَرُوِيَ ذَلِك عَن الْأسود وَشريك ويبتدىء بِالتَّكْبِيرِ قَائِما وينحني حَتَّى تبلغ راحتاه رُكْبَتَيْهِ ويطمئن والطمأنينة وَاجِبَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا حَنى ظَهره قَلِيلا كَفاهُ وَلَا تجب الطُّمَأْنِينَة وَيَقُول سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم وَذَلِكَ سنة وَقَالَ أَحْمد وَدَاوُد هُوَ وَاجِب فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود مرّة وَاحِدَة وَكَذَلِكَ التَّكْبِيرَات فِي التسميع وَالدُّعَاء بَين السَّجْدَتَيْنِ إِلَّا أَن ذَلِك عِنْد احْمَد إِذا ترك إِحْدَى ذَلِك نَاسِيا لَا تبطل صلَاته وَعند دَاوُد لَا تبطل بِتَرْكِهِ عَامِدًا أَيْضا

ويسبح ثَلَاثًا وَحكى الطَّحَاوِيّ عَن الثَّوْريّ أَنه كَانَ يَقُول يَنْبَغِي للْإِمَام أَن يَقُول سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم خمْسا حَتَّى يدْرك الْمَأْمُوم أَن يَقُول خَلفه ثَلَاثًا فَإِذا أَرَادَ أَن يرفع رَأسه من الرُّكُوع ابْتَدَأَ قَوْله سمع الله لمن حَمده رَافعا يَدَيْهِ فَإِذا اسْتَوَى قَائِما قَالَ رَبنَا لَك الْحَمد ملْء السَّمَوَات وملء الأَرْض وملء مَا شِئْت من شَيْء بعد وَلَا فرق بَين الإِمَام وَالْمَأْمُوم وَالْمُنْفَرد وَبِه قَالَ عَطاء وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد لَا يزِيد الإِمَام على قَوْله سمع الله لمن

فصل ثم يسجد وهو فرض

حَمده وَلَا يزِيد الْمَأْمُوم على قَوْله رَبنَا لَك الْحَمد وَبِه قَالَ مُحَمَّد وَأَبُو يُوسُف وَقَالَ مَالك الْمُنْفَرد يقولهما وَالرَّفْع من الرُّكُوع والاعتدال فِيهِ وَاجِب وَقَالَ أَبُو حنيفَة الرّفْع من الرُّكُوع غير وَاجِب وَيجوز أَن ينحط من الرُّكُوع إِلَى السُّجُود وَاخْتلف أَصْحَاب مَالك فَمنهمْ من قَالَ هُوَ وَاجِب وَمِنْهُم من قَالَ هُوَ غير وَاجِب فصل ثمَّ يسْجد وَهُوَ فرض وَيكبر عِنْد الْهَوِي وَيَضَع رُكْبَتَيْهِ

ثمَّ يَدَيْهِ ثمَّ جَبهته وَأَنْفه وَبِه قَالَ أَحْمد وَأَبُو حنيفَة وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ يضع يَدَيْهِ ثمَّ رُكْبَتَيْهِ وَقَالَ أَصْحَاب مَالك إِن شَاءَ وضع الْيَدَيْنِ وَإِن شَاءَ وضع الرُّكْبَتَيْنِ وَوضع الْيَدَيْنِ أحسن فَإِن اقْتصر على وضع الْجَبْهَة أَجزَأَهُ وَمن اقْتصر على وضع الْأنف لم يجزه

وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجوز الِاقْتِصَار على الْأنف وَقَالَ أَحْمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ يجب السُّجُود عَلَيْهِمَا وَقَالَ إِسْحَاق إِن تعمد ترك السُّجُود على الْأنف بطلت صلَاته وَهُوَ قَول بعض أَصْحَاب مَالك وَقَالَ ابْن الْقَاسِم من أَصْحَابه إِن اقْتصر على وضع الْجَبْهَة أعَاد فِي الْوَقْت وَإِن اقْتصر على الْأنف أعَاد امدا وَيجب كشف الْجَبْهَة فِي السُّجُود وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجوز السُّجُود على كور الْعِمَامَة وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَزَاد أَبُو حنيفَة فَقَالَ أكره ان يسْجد على يَده فَإِن سجد عَلَيْهَا أَجزَأَهُ فَإِن كَانَ على جَبهته عِصَابَة لعِلَّة بهَا فَسجدَ عَلَيْهَا أَجزَأَهُ وَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ وَمن اصحابنا من قَالَ خرج فِيهِ قولا آخر فِي وجوب الْإِعَادَة من الْمسْح على الْجَبِيرَة فَأَما وضع الْيَدَيْنِ والركبتين والقدمين فَفِيهِ قَولَانِ

أَحدهمَا أَنه يجب السُّجُود عَلَيْهَا وَهُوَ قَول أَحْمد وَالثَّانِي يجب وَهُوَ قَول أَصْحَاب مَالك وَيَقُول سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا ويطمئن فِي سُجُوده وَهُوَ وَاجِب وَقَالَ أَبُو حنيفَة الطُّمَأْنِينَة فِيهِ غير وَاجِبَة ثمَّ يرفع مكبرا حَتَّى يعتدل جَالِسا وَبِه قَالَ أَحْمد وَقَالَ أَبُو حنيفَة الِاعْتِدَال غير وَاجِب ويكفيه فِي الرّفْع مثل حد السَّيْف وَيجْلس على صُدُور قَدَمَيْهِ وَالْأول أصح ثمَّ يسْجد سَجْدَة أُخْرَى مثل الأولى ثمَّ يرفع رَأسه مكبرا وَقَالَ فَإِذا اسْتَوَى جَالِسا نَهَضَ وَقَالَ فِي الْأُم يقوم من السَّجْدَة الثَّانِيَة فَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يجلس إِن كَانَ يضعف عَن النهوض من السُّجُود وَيقوم من السُّجُود إِن كَانَ لَا يضعف عَن ذَلِك وَمِنْهُم من قَالَ فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يقوم من السُّجُود وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَأحمد

وَالثَّانِي أَنه يسْتَحبّ أَن يجلس للاستراحة وَهَذِه الجلسة من الرَّكْعَة الثَّانِيَة قَالَ أَبُو إِسْحَاق يقوم مِنْهُ من غير تَكْبِير وَمن اصحابنا من قَالَ يمد التَّكْبِير إِلَى أَن ينْهض قَائِما فَيكون ابْتِدَاء التَّكْبِير مَعَ ابْتِدَاء الرّفْع وانتهاؤه مَعَ استوائه قَائِما وَهُوَ الْأَصَح وينهض مُعْتَمدًا على يَدَيْهِ وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَقَالَ أَبُو حنيفَة يقوم غير مُعْتَمد على الأَرْض بيدَيْهِ وَلَا يرفع يَدَيْهِ فِي السُّجُود وَلَا فِي الْقيام من السُّجُود

فصل فإن كانت الصلاة تزيد على ركعتين

وَقَالَ أَبُو عَليّ فِي الإفصاح يسْتَحبّ لَهُ رفع الْيَدَيْنِ كلما قَامَ فِي الصَّلَاة من التَّشَهُّد الأول وَالسُّجُود وَاخْتَارَهُ ابْن الْمُنْذر فصل فَإِن كَانَت الصَّلَاة تزيد على رَكْعَتَيْنِ جلس للتَّشَهُّد الأول فِي الرَّكْعَتَيْنِ مفترشا يفرش رجله الْيُسْرَى وَيجْلس عَلَيْهَا وَينصب الْيُمْنَى وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَقَالَ مَالك يجلس فِي جَمِيع جلسات الصَّلَاة متوركا وَإِذا التَّشَهُّد وَالْجُلُوس فِيهِ سنة وَقَالَ أَحْمد وَدَاوُد وَأَبُو ثَوْر جَمِيع ذَلِك وَاجِب وَيَضَع يَده الْيُسْرَى على فخده الْيُسْرَى مبسوطة فَأَما يَده الْيُمْنَى فقد ذكر فِي الْأُم أَنه يقبض أَصَابِع يَده الْيُمْنَى إِلَّا المسبحة ويضعها على فخده الْيُمْنَى وَفِي كَيْفيَّة وضع الْإِبْهَام على هَذَا القَوْل وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يَضَعهَا على هَذَا القَوْل وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يَضَعهَا تَحت المسبحة على حرف رَاحَته كَأَنَّهُ عَاقد ثَلَاثَة وَخمسين وَالثَّانِي أَنه يَضَعهَا على حرف أُصْبُعه الْوُسْطَى وَيُشِير بالمسبحة للإخلاص فِي الشَّهَادَة وَقَالَ فِي الْإِمْلَاء إِذا جلس وضع يَده الْيُسْرَى على فخده الْيُسْرَى

وبسطها وَوضع يَده الْيُمْنَى على فخده الْيُمْنَى وَقبض أَصَابِعه الثَّلَاث الْخِنْصر والبنصر وَالْوُسْطَى وَبسط المسبحة والإبهام وَالثَّالِث أَنه يقبض الْخِنْصر والبنصر ويحلق بالإبهام مَعَ الْوُسْطَى حَلقَة وَيُشِير بالمسبحة وَالْأول هُوَ الْمَشْهُور وَهل يحركها فِيهِ وَجْهَان قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر يحركها طوال التَّشَهُّد وَالثَّانِي لَا يحركها وَهُوَ الْأَظْهر وَأفضل التَّشَهُّد تشهد عبد الله بن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا رَوَاهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه علمه إِيَّاه وَبِه قَالَ أَحْمد وسُفْيَان وَأَبُو ثَوْر التَّحِيَّات المباركات الصَّلَوَات الطَّيِّبَات لله سَلام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته سَلام علينا وعَلى عباد الله الصَّالِحين أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وَقَالَ مَالك أحب التَّشَهُّد تشهد عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ والتحيات لله الزاكيات لله الطَّيِّبَات الصَّلَوَات لله السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته السَّلَام علينا وعَلى عباد الله الصَّالِحين أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله

وَقَالَ أَبُو حنيفَة أفضل التَّشَهُّد تشهد عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ التَّحِيَّات لله والصلوات والطيبات السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته السَّلَام علينا وعَلى عباد الله الصَّالِحين اشْهَدْ أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله وَبِه قَالَ الثَّوْريّ وَقَالَ أَبُو عَليّ فِي الإفصاح الْأَفْضَل أَن يَقُول بِسم الله وَبِاللَّهِ التَّحِيَّات المباركات الزاكيات الصَّلَوَات الطَّيِّبَات ليجمع بَين الْأَلْفَاظ وَهَذَا غير صَحِيح لِأَن ذكر التَّسْمِيَة غير صَحِيح وَهل يسن فِيهِ الصَّلَاة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهِ قَولَانِ قَالَ فِي الْقَدِيم لَا يسن وَقَالَ فِي الْجَدِيد يسن فِيهِ الصَّلَاة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا يزِيد عَلَيْهِ وَقَالَ مَالك يَدْعُو فِيهِ بِمَا شَاءَ كالتشهد الْأَخير ثمَّ يقوم إِلَى الرَّكْعَة الثَّالِثَة ويبتدىء بِالتَّكْبِيرِ من إبتداء الْقيام ويمده إِلَى حَال استوائه وَحكي عَن مَالك أَنه قَالَ لَا يكبر حَتَّى يَسْتَوِي قَائِما

ويعتمد على يَدَيْهِ فِي نهوضه وَيكرهُ تَقْدِيم إِحْدَى رجلَيْهِ على الْأُخْرَى فِي نهوضه وَحكي عَن مَالك أَنه قَالَ لَا بَأْس بِهِ وَحكي عَن مُجَاهِد أَنه رخص فِيهِ الشَّيْخ فَإِذا بلغ إِلَى آخر صلَاته يجلس للتَّشَهُّد الْأَخير متوركا فَيخرج رجلَيْهِ من جَانب وركه الْأَيْمن ويفضي بوركه إِلَى الأَرْض وَينصب رجله الْيُمْنَى وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجلس مفترشا فِي جَمِيع جلسات الصَّلَاة وَهَذَا التَّشَهُّد وَالْقعُود فِيهِ فرض وَبِه قَالَ أَحْمد وَقَالَ أَبُو حنيفَة الْقعُود بِقدر التَّشَهُّد وَاجِب وَالتَّشَهُّد فِيهِ غير وَاجِب وَقَالَ مَالك الْقعُود وَالتَّشَهُّد فِيهِ جَمِيعًا سنة وَرُوِيَ ذَلِك عَن الزُّهْرِيّ وَيُصلي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيَقُول اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم وَبَارك على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا باركت على إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد وَالصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذَا التَّشَهُّد وَاجِبَة وَهُوَ قَول أَحْمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ

وَقَالَ أَبُو حنيفَة الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الصَّلَاة غير وَاجِبَة وَبِه قَالَ مَالك وَفِي الصَّلَاة على آل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجْهَان أَحدهمَا لَا تجب وَبِه قَالَ أَحْمد وَآله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَنو هَاشم وَبَنُو الْمطلب وَقد نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله على ذَلِك

فصل ثم يسلم والتحلل من الصلاة بالسلام واجب

وَقيل آله أهل دينه وَأمته فَإِن قَالَ صلى الله على مُحَمَّد فقد حُكيَ فِيهِ وَجْهَان كَمَا لَو قَالَ عَلَيْكُم السَّلَام وَيَدْعُو بِمَا أحب من دين وَدُنْيا وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجوز لَهُ أَن يَدْعُو فِي صلَاته إِلَّا بِمَا يُوَافق لفظ الْقُرْآن والأدعية المأثورة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا يَدْعُو بِمَا يشبه كَلَام الْآدَمِيّين وَمن أَصْحَابه من قَالَ مَا لَا يطْلب إِلَّا من الله يجوز الدُّعَاء بِهِ وَمَا يجوز أَن يطْلب من المخلوقين إِذا سَأَلَ الله ذَلِك فِي الصَّلَاة بطلت صلَاته وَيكرهُ أَن يقْرَأ فِي التَّشَهُّد وَالرُّكُوع وَالسُّجُود فَإِن قَرَأَ لم تبطل صلَاته وَحكي فِيهِ وَجه آخر إِنَّه إِذا قَرَأَ الْفَاتِحَة فِي هَذَا الْمحل بطلت صلَاته فصل ثمَّ يسلم والتحلل من الصَّلَاة بِالسَّلَامِ وَاجِب وَقَالَ أَبُو حنيفَة التَّحَلُّل من الصَّلَاة بِالسَّلَامِ مُسْتَحبّ وَيصِح الْخُرُوج

من الصَّلَاة عِنْده بِكُل مَا يضادها من قَول وَفعل من حدث وَغَيره وَالْخُرُوج عِنْده وَاجِب غير أَنه لَا يتَعَيَّن مَا يخرج بِهِ وَالسَّلَام من الصَّلَاة وَقَالَ أَصْحَاب أبي حنيفَة لَيْسَ هُوَ من الصَّلَاة وَيسلم تَسْلِيمَة عَن يَمِينه وَأُخْرَى عَن شِمَاله فِي قَوْله الْجَدِيد وَقَالَ فِي الْقَدِيم إِن كثر النَّاس واللغط واتسع الْمَسْجِد سلم تسليمتين وَإِن قلوا أَو سكتوا سلم تَسْلِيمَة وَاحِدَة وَالْأول أصح وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأحمد وَقَالَ مَالك يسلم تَسْلِيمَة وَاحِدَة إِذا كَانَ إِمَامًا أَو مُنْفَردا وَحكي الطَّحَاوِيّ عَن الْحسن بن صَالح بن حَيّ الْكُوفِي أَنه يجب التسليمتان جَمِيعًا وَهُوَ أصح الرِّوَايَتَيْنِ عَن احْمَد والأكمل من السَّلَام أَن يَقُول السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَالْوَاجِب السَّلَام عَلَيْكُم وَبِه قَالَ مَالك فَإِن قَالَ سَلام عَلَيْكُم أَجزَأَهُ فِي أَقيس الْوَجْهَيْنِ فَإِن قَالَ عَلَيْكُم السَّلَام أَجزَأَهُ فِي أصح الْوَجْهَيْنِ وَيَنْوِي بالتسليمة الأولى الْخُرُوج من الصَّلَاة وَالسَّلَام على الْحفظَة وَالسَّلَام على من على يَمِينه من الْمَأْمُومين إِن كَانَ إِمَامًا وَفِي نِيَّة الْخُرُوج من الصَّلَاة وَجْهَان أَحدهمَا أَنَّهَا وَاجِبَة وَمَا سواهَا مُسْتَحبّ

فصل والسنة أن يقنت في صلاة الصبح

فصل وَالسّنة أَن يقنت فِي صَلَاة الصُّبْح رَوَاهُ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي الْقَدِيم عَن الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة رَضِي الله عَنْهُم وَبِه قَالَ مَالك وَقَالَ أَبُو حنيفَة وسُفْيَان وَالثَّوْري لَا يسن الْقُنُوت فِي الصُّبْح وَقَالَ أَحْمد الْقُنُوت للأئمة يدعونَ للجيوش فَإِن ذهب إِلَيْهِ ذَاهِب فَلَا بَأْس بِهِ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق هُوَ سنة عِنْد الْحَوَادِث لَا تَدعه الْأَئِمَّة وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِذا قنت الإِمَام فاقنت مَعَه

وَفِي رفع الْيَد فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا يرفع الْيَد وَهُوَ اخْتِيَار الشَّيْخ الإِمَام أبي إِسْحَاق وَقَول الْقفال وَالثَّانِي أَنه يرفع الْيَد وَاخْتَارَهُ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله وَكَانَ مَالك وَاللَّيْث بن سعد وَالْأَوْزَاعِيّ لَا يرفعون أَيْديهم فِي الْقُنُوت وَمحله بعد الرُّكُوع فِي الثَّانِيَة وَقَالَ مَالك مَحَله قبل الرُّكُوع ذكر فِي الْحَاوِي أَنه إِذا قنت قبل الرُّكُوع وَكَانَ شافعيا فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا يُجزئهُ ويعيده وَهُوَ الْمَذْهَب وَالثَّانِي يُجزئهُ وَلَا يُعِيدهُ وَفِي السُّجُود وَجْهَان أَحدهمَا يسْجد لتقديمه على مَحَله ذكر فِي الْحَاوِي أَنه بِأَيّ شَيْء قنت من الدُّعَاء أَجزَأَهُ عَن قنوته حَتَّى لَو قَرَأَ آيَة فِيهَا دُعَاء كآخر سُورَة الْبَقَرَة أَجزَأَهُ وَإِن لم يتَضَمَّن دُعَاء كآية الدّين فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يُجزئهُ وَالثَّانِي لَا يُجزئهُ قَالَ الشَّيْخ الإِمَام وَهَذَا الَّذِي ذكره عِنْدِي سَهْو على الْمَذْهَب

وَلَا يُجزئهُ غير الْقُنُوت الْمَرْوِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَو ترك مِنْهُ كلمة سجد للسَّهْو وَكَذَلِكَ إِذا عدل إِلَى غَيره فَأَما الْمَأْمُوم فقد قَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله أَنه لَا يحفظ للشَّافِعِيّ رَحمَه الله فِيهِ شَيْء وَقد رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقنت وَنحن نؤمن خَلفه وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يُؤمن فِيمَا كَانَ دُعَاء من الْقُنُوت دون الثَّنَاء وَذكر الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله أَن الشَّافِعِي رَحمَه الله أَنه قَالَ إِذا مرت بِهِ آيَة رَحمَه سَأَلَهَا وَكَذَلِكَ الْمَأْمُوم فشرك بَينهمَا فَيَنْبَغِي أَن يكون الماموم بِالْخِيَارِ وَالْمَرْأَة كَالرّجلِ فِي أَفعَال الصَّلَاة إِلَّا فِي بعض الهيئات وَهُوَ مَا يكون فِي فعله ترك للتستر وقعودها فِي التَّشَهُّد كقعود الرجل وَقَالَ الشّعبِيّ تجْلِس كَمَا يَتَيَسَّر عَلَيْهَا وَكَانَ ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا يَأْمر نِسَاءَهُ أَن يجلسن متربعات وَحكى فِي الْحَاوِي أَن صَوتهَا عَورَة وَفِيه نظر فَإِنَّهُ لَو كَانَ عَورَة لما جَازَ سَماع صَوتهَا فِي شَهَادَة وَلَا رِوَايَة وَالله أعلم

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب صَلَاة التَّطَوُّع أوكد السّنَن الرَّاتِبَة مَعَ الْفَرَائِض الْوتر وركعتا الْفجْر وَالْوتر آكدهما فِي أصح الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ قَول مَالك وَالثَّانِي رَكعَتَا الْفجْر وَهُوَ قَول أَحْمد وَقَالَ أَبُو حنيفَة الْوتر وَاجِب وَلَيْسَ بِفَرْض قَالَ ابْن الْمُنْذر لم يذهب إِلَى هَذَا غير أبي حنيفَة فَإِن قُلْنَا رَكعَتَا الْفجْر آكِد فيليهما الْوتر وَإِن قُلْنَا الْوتر فيليهما رَكعَتَا الْفجْر وَحكى أَبُو إِسْحَاق عَن بعض أَصْحَابنَا الْوتر ثمَّ التَّهَجُّد ثمَّ رَكعَتَا الْفجْر وَلَيْسَ بِصَحِيح وَحكى ابْن عبد الحكم وَأصبغ من أَصْحَاب مَالك أَن رَكْعَتي الْفجْر لَيست بِسنة وَإِنَّمَا هِيَ من الرغائب

وَقَالَ أَشهب هما سنة وَأدنى السّنَن الرَّاتِبَة مَعَ الْفَرَائِض ثَمَان رَكْعَات سوى الْوتر رَكْعَتَانِ قبل الصُّبْح وركعتان قبل الظّهْر وركعتان بعْدهَا وركعتان بعد الْمغرب وَالْوتر ثَلَاث رَكْعَات فَيصير إِحْدَى عشرَة رَكْعَة وَقيل أَقَله عشر رَكْعَات سوى الْوتر فَزَاد رَكْعَتَيْنِ بعد الْعشَاء وأكثرها ثَمَان عشرَة رَكْعَة فَزَاد على مَا ذكرنَا رَكْعَتَيْنِ قبل الظّهْر وَرَكْعَتَيْنِ بعْدهَا وأربعا قبل الْعَصْر وَالسّنة فِي تطوع اللَّيْل وَالنَّهَار أَن يسلم من كل رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ قَول مَالك وَأحمد فَإِن سلم من رَكْعَة وَاحِدَة جَازَ وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجوز أَن يسلم من رَكْعَة فَإِن جمع بَين رَكْعَات بِتَسْلِيمَة جَازَ ويتشهد فِي كل رَكْعَتَيْنِ فَإِن اقْتصر على تشهد وَاحِد جَازَ وَذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَنه إِذا جمع بَين سِتّ رَكْعَات اقْتصر على تشهدين تشهد عقيب الرَّابِعَة وَتشهد عقيب السَّادِسَة فَإِن تشهد عقيب الثَّانِيَة بطلت صلَاته وَشرط أَن يكون بَين التشهدين رَكْعَتَانِ وَلَا تزيد على تشهدين أَيْضا وَالصَّحِيح مَا ذَكرْنَاهُ فَإِنَّهُ أشبه بِالْفَرْضِ وَمَا ذكره تحكم

وَقَالَ أَبُو حنيفَة فِي صَلَاة اللَّيْل إِن شَاءَ صلى رَكْعَتَيْنِ وَإِن شَاءَ صلى أَرْبعا أَو سِتا أَو ثَمَانِي رَكْعَات بِتَسْلِيمَة وَاحِدَة وبالنهار يسلم من كل أَربع وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد صَلَاة اللَّيْل مثنى مثنى وَذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَنه إِذا أحرم بالنفل مُطلقًا فبماذا ينْعَقد إِحْرَامه فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا ينْعَقد بِرَكْعَتَيْنِ وَالثَّانِي ينْعَقد بِرَكْعَة بِنَاء على أَن مُطلق النّذر يحمل على أقل مَا يتَقرَّب بِهِ أَو على أقل مَا فرض فِي الشَّرْع وَفِيه وَجْهَان قَالَ وَعِنْدِي أَن قَضِيَّة صَلَاة النَّفْل أَن يُصَلِّي أَي قدر شَاءَ مَا لم يقطعهُ بِسَلام وَهَذَا الَّذِي ذكره فِيهِ نظر بل يجب أَن ينْعَقد نفله بِرَكْعَتَيْنِ وَكَذَا يَنْبَغِي أَن يحمل النّذر على مَا ينْعَقد بِالشَّرْعِ فإمَّا أَن يحمل الْمَشْرُوع على الْمَنْذُور أَو فَلَا وَذكر أَيْضا أَنه إِذا نذر أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فصلى أَربع رَكْعَات هَل يخرج بِهِ من نَذره فِيهِ جوابان أصَحهمَا أَنه لَا يخرج من نَذره

فَإِن نذر أَن يُصَلِّي أَربع رَكْعَات قَالَ إِن قُلْنَا إِن نَذره يحمل على وَاجِب الشَّرْع تشهد تشهدين وَإِن قُلْنَا على أقل مَا يتَقرَّب بِهِ كَفاهُ تشهد وَاحِد قَالَ الشَّيْخ الإِمَام وَعِنْدِي أَن هَذَا يَنْبَغِي أَن يكون إِذا نذر أَربع رَكْعَات بِتَسْلِيمَة وَاحِدَة وَالصَّحِيح أَن يتَشَهَّد تشهدين وَذكر أَيْضا أَنه إِذا نذر أَن يُصَلِّي السّنَن الرَّاتِبَة قَائِما أَن من أَصْحَابنَا من قَالَ لَا ينْعَقد نَذره قَالَ وَعِنْدِي أَنه ينْعَقد نَذره وَهَذَا صَحِيح وَمَا كَانَ من السّنَن الرَّاتِبَة قبل الْفَرْض يدْخل وقته بِدُخُول وَقت الْفَرْض وَمَا كَانَ بعد الْفَرْض يدْخل وقته بِفعل الْفَرْض ويفوت الْجَمِيع بِفَوَات وَقت الْفَرْض وَمن اصحابنا من قَالَ فِي رَكْعَتي الْفجْر إِن وَقتهَا يبْقى إِلَى الزَّوَال وَلَيْسَ بِصَحِيح وَقَالَ أَصْحَاب مَالك إِذا صلى الصُّبْح لم يصل رَكْعَتي الْفجْر

واقل الْوتر رَكْعَة وَأَكْثَره إِحْدَى عشرَة رَكْعَة وَأدنى الْكَمَال ثَلَاث رَكْعَات بتسليمتين وَبِه قَالَ أَحْمد وَقَالَ أَبُو حنيفَة الْوتر ثَلَاث رَكْعَات بِتَسْلِيمَة وَاحِدَة لَا يُزَاد عَلَيْهَا وَلَا ينقص مِنْهَا وَقَالَ مَالك الْوتر رَكْعَة قبلهَا شفع مُنْفَصِل عَنْهَا وَلَا حد لما قبلهَا من الشفع وَأقله رَكْعَتَانِ يقْرَأ عندنَا فِي الأولى بعد فَاتِحَة الْكتاب سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى وَفِي الثَّانِيَة قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ وَفِي الثَّالِثَة قل هُوَ الله أحد والمعوذتين وَبِه قَالَ مَالك وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد يقْرَأ فِي الثَّالِثَة سُورَة الْإِخْلَاص وَحدهَا ذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَن من أَصْحَابنَا من قَالَ الْأَفْضَل أَن يُوتر بِوَاحِدَة وَمِنْهُم من قَالَ ثَلَاث بِتَسْلِيمَة وَاحِدَة وَالأَصَح أَن يكون بتسليمتين وتشهدين فَإِن اعْتقد أَنه صلى الْعشَاء فأوتر ثمَّ تذكر أَنه لم يكن صلاهَا فَإِنَّهُ يُصليهَا وَيُعِيد الْوتر وَبِه قَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يُعِيد الْوتر فَإِن صلى الْوتر فِي أول اللَّيْل ثمَّ قَامَ للتهجد فَإِنَّهُ يُصَلِّي مثنى مثنى وَلَا يُعِيد الْوتر

وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَقَالَ أَحْمد رَكْعَة وتره قد انتفضت فيشفعها بِرَكْعَة ثمَّ يتهجد وَالسّنة أَن يقنت فِي النّصْف الْأَخير من شهر رَمَضَان فِي الْوتر وَبِه قَالَ مَالك وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى أَنه لَا يسن فِي رَمَضَان أَيْضا وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد يقنت فِي الْوتر فِي جَمِيع السّنة وَهُوَ قَول أبي عبد الله الزبيرِي من أَصْحَابنَا وَمحله بعد الرُّكُوع وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ مَحَله فِي الْوتر قبل الرُّكُوع بِخِلَاف الصُّبْح وَالْمذهب الأول وَمن السّنَن الرَّاتِبَة صَلَاة التَّرَاوِيح وَهِي عشرُون رَكْعَة بِعشر تسليمات وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وفعلها فِي الْجَمَاعَة افضل نَص عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيّ وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ فعلهَا فِي الْبَيْت أفضل مَا لم تختل الْجَمَاعَة فِي الْمَسْجِد بتأخره وَالْمذهب الأول وَقَالَ مَالك قيام رَمَضَان فِي الْبَيْت لمن قوي عَلَيْهِ أحب إِلَيّ

وَقَالَ أَبُو يُوسُف من قدر على أَن يُصَلِّي فِي بَيته كَمَا يُصَلِّي مَعَ الإِمَام فِي رَمَضَان فَأحب إِلَيّ أَن يُصَلِّي فِي بَيته وَحكي عَن مَالك أَنه قَالَ صَلَاة التَّرَاوِيح سِتّ وَثَلَاثُونَ رَكْعَة تعلقا بِفعل أهل الْمَدِينَة وَإِن فَاتَهُ شَيْء من السّنَن الرَّاتِبَة فَهَل يسن قَضَاؤُهُ فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا يقْضِي وَبِه قَالَ أَحْمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ وَالثَّانِي لَا يقْضِي وَهُوَ قَول مَالك وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق يقْضِي قولا وَاحِدًا وَذكر فِي الْحَاوِي أَنا إِذا قُلْنَا لَا يقْضِي فَهَل يسْقط فعلهَا بِدُخُول وَقت الصَّلَاة أَو بِفِعْلِهَا فِيهِ وَجْهَان والجميع فَاسد وَإِنَّمَا يخرج بِخُرُوج وَقت الْفَرِيضَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة يَقْضِيهَا مَعَ الْفَرِيضَة إِذا فَاتَت وَيجوز أَن يُصَلِّي النَّفْل قَاعِدا فَإِذا أَرَادَ الرُّكُوع قَامَ وَقَرَأَ آيَات وَركع وَيجوز أَن يفتتحه قَائِما ويتمه جَالِسا وَبِه قَالَ بعض أَصْحَاب مَالك وَمِنْهُم من قَالَ لَا يجوز أَن يُتمهَا جَالِسا

وَحكي القَاضِي حُسَيْن فِي فعل النَّفْل مُضْطَجعا فَإِن دخل الْمَسْجِد وَقد اقيمت الصَّلَاة لم يصل التَّحِيَّة وَلَا غَيرهَا من السّنَن وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا أَمن فَوَات الرَّكْعَة الثَّانِيَة من صَلَاة الصُّبْح اشْتغل بركعتي الْفجْر خَارج الْمَسْجِد وَلَا يُصليهَا فِي الْمَسْجِد خشيَة أَن يحمل ذَلِك على الرَّغْبَة عَن الْجَمَاعَة وَهُوَ قَول مَالك حَكَاهُ عَنهُ أَصْحَابه

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب سُجُود التِّلَاوَة سُجُود التِّلَاوَة سنة للقارىء والمستمع وَبِه قَالَ الْجَمَاعَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة سُجُود التِّلَاوَة وَاجِب فَأَما من سمع القارىء من غير اسْتِمَاع لَا يتَأَكَّد السُّجُود فِي حَقه وَقَالَ ابو حنيفَة السَّامع والمستمع سَوَاء فِي السُّجُود وسجدات التِّلَاوَة أَربع عشرَة سَجْدَة على قَوْله الْجَدِيد وَبِه قَالَ أَحْمد وَهُوَ رِوَايَة عَن مَالك وَقَالَ إِسْحَاق سَجدَات التِّلَاوَة خمس عشرَة سَجْدَة فعد سَجْدَة ص مِنْهَا عِنْد قَوْله {وخر رَاكِعا وأناب} وَاخْتَارَهُ أَبُو الْعَبَّاس وابو إِسْحَاق

وَقَالَ فِي الْقَدِيم سُجُود التِّلَاوَة إِحْدَى عشرَة سَجْدَة فَلم يثبت سَجدَات الْمفصل وَبِه قَالَ مَالك إِلَّا أَنه عد سَجْدَة ص وَلم يعد السَّجْدَة الثَّانِيَة فِي الْحَج من غير عزائم السُّجُود وَوَافَقَ أَبُو حنيفَة مَالِكًا فِي هذَيْن المحلين ووافقنا فِي الْعدَد وَقَالَ أَبُو ثَوْر سَجدَات التِّلَاوَة أَربع عشرَة سَجْدَة فعد سَجْدَة ص وَلم يعد سَجْدَة النَّجْم وَمَوْضِع السُّجُود فِي حم السَّجْدَة عِنْد قَوْله تَعَالَى {وهم لَا يسأمون} وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا وَحكي عَن مَسْرُوق أَنه قَالَ كَانَ اصحاب ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ يَسْجُدُونَ فِي الأولى وَهُوَ قَول مَالك فَإِن كَانَ التَّالِي فِي غير صَلَاة والمستمع فِي صَلَاة لم يسْجد المستمع فِي الْحَال وَلَا إِذا فرغ من صلَاته وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا فرغ من صلَاته سجد بِنَاء على أَصله أَن السُّجُود وَاجِب على السَّامع والمستمع فَإِن سجد فِي الْحَال بطلت صلَاته وَذكر القَاضِي حُسَيْن أَنه لَو قيل لَا تبطل صلَاته لم يبعد وَهَذَا بعيد جدا

وَحكم سُجُود التِّلَاوَة حكم صَلَاة النَّفْل فِي الشُّرُوط وَحكي عَن سعيد بن الْمسيب أَنه قَالَ الْحَائِض تومي برأسها إِذا سَمِعت قِرَاءَة السَّجْدَة وَيَقُول سجد وَجْهي للَّذي خلقه وَلَا يقوم الرُّكُوع مقَام السُّجُود وَقَالَ أَبُو حنيفَة يقوم مقَامه اسْتِحْسَانًا وَلَا يكره للْإِمَام قِرَاءَة آيَة السَّجْدَة فِي الصَّلَاة وَقَالَ ابو حنيفَة يكره قرَاءَتهَا فِي الصَّلَاة الَّتِي يسر فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ وَلَا يكره فِي الصَّلَاة الَّتِي يجْهر فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ وَبِه قَالَ أَحْمد حَتَّى أَنه قَالَ لَو أسر بهَا لم يسْجد ذكر القَاضِي حُسَيْن أَنه إِذا سجد الإِمَام للتلاوة تَابعه الْمَأْمُوم فَإِن لم يفعل بطلت صلَاته كَمَا لَو ترك التَّشَهُّد مَعَه والقنوت وَيحْتَمل وَجها آخر أَنَّهَا لَا تبطل فَإِن سجد للتلاوة فِي الصَّلَاة سجد بتكبير وَرفع بتكبير وَلَا يرفع يَدَيْهِ وَقَالَ ابو عَليّ بن أبي هُرَيْرَة لَا يكبر للسُّجُود وَلَا للرفع مِنْهُ وَإِن كَانَ فِي غير الصَّلَاة رفع يَدَيْهِ للتكبيرة الأولى وَكبر للسُّجُود وَلم يرفع الْيَد وَيكبر للرفع وَقَالَ ابو جَعْفَر التِّرْمِذِيّ يكبر تَكْبِيرَة وَاحِدَة للسُّجُود وَلَيْسَ بِصَحِيح

وَفِي افتقاره إِلَى السَّلَام قَولَانِ أظهرهمَا أَنه يسلم وَلَا يفْتَقر إِلَى التَّشَهُّد وَقيل يتَشَهَّد وَحكى أَبُو يُوسُف عَن ابي حنيفَة أَنه يكبر للسُّجُود وَالرَّفْع وَلَا يسلم وَهُوَ قَول مَالك وروى الْحسن بن زِيَاد أَنه لَا يكبر إِذا انحط وَيكبر إِذا رفع وَقَالَ احْمَد يكبر إِذا انحط وَإِذا رفع يسلم وَذكر القَاضِي حُسَيْن أَنه إِذا كرر قِرَاءَة آيَة سَجْدَة وَكَانَ غير متطهر فَإِنَّهُ يتَطَهَّر وَيَأْتِي بِجَمِيعِ السجدات وَلَا تدَاخل وَكَذَا إِذا سمع آيَة سَجْدَة وَهُوَ فِي الصَّلَاة ففرغ سجد إِذا قُلْنَا أَن النَّوَافِل تقضى وَهَذَا فِيهِ نظر لِأَن الْقَضَاء إِنَّمَا يكون مؤقتا دون مَا يفعل لعَارض والسجدات تتداخل إِذا كرر الْقِرَاءَة قبل أَن يسْجد وَإِنَّمَا يتَكَرَّر السُّجُود إِذا كَانَ قد سجد بعد الْقِرَاءَة خلافًا لأبي حنيفَة فَإِنَّهُ يَقُول السَّجْدَة عَن الْقِرَاءَة الأولى تغني عَن تكْرَار السُّجُود بتكرار الْقِرَاءَة فِي الْمجْلس الْوَاحِد وَيسْتَحب لمن تَجَدَّدَتْ عِنْده نعْمَة أَو اندفعت عَنهُ نقمة أَن يسْجد شكرا لله عز وَجل وَبِه قَالَ أَحْمد

وَقَالَ الطَّحَاوِيّ أَبُو حنيفَة لَا يرى سُجُود الشُّكْر وروى مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة أَنه كرهه وَهُوَ قَول مَالك وَمُحَمّد لَا يكرههُ وَيسْتَحب للْمُصَلِّي إِذا مرت بِهِ آيَة رَحْمَة أَن يسْأَلهَا وَإِذا مرت بِهِ آيَة عَذَاب أَن يستعيذ مِنْهُ وَقَالَ أَبُو حنيفَة يكره ذَلِك فِي الْفَرْض وَلَا يكره فِي النَّفْل

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب مَا يفْسد الصَّلَاة وَيكرهُ فِيهَا إِذا قطع شرطا من شُرُوط الصَّلَاة كالطهارة وَنَحْوهَا بطلت صلَاته وَإِن سبقه الْحَدث فَفِيهِ قَولَانِ قَالَ فِي الْجَدِيد تبطل صلَاته وَبِه قَالَ مَالك وَقَالَ فِي الْقَدِيم لَا تبطل وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَدَاوُد فيتوضأ وَيَبْنِي على صلَاته وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا كَانَ حَدثهُ رعافا أَو قيئا تَوَضَّأ وَبنى وَإِن كَانَ بولا أَو ريحًا أَو ضحكا أعَاد الْوضُوء وَالصَّلَاة

وَعند مَالك الرعاف لَيْسَ بِحَدَث فَيغسل الدَّم وَيَبْنِي على صلَاته وَإِن تكلم فِي صلَاته أَو سلم نَاسِيا أَو جَاهِلا بِالتَّحْرِيمِ أَو سبق لِسَانه إِلَيْهِ وَلم يطلّ لم تبطل صلَاته وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَقَالَ أَبُو حنيفَة تبطل بالْكلَام وَلَا تبطل بِالسَّلَامِ نَاسِيا فِي غير مَحَله

وَحكي عَن عبيد الله بن الْحسن الْعَنْبَري أَنه قَالَ تبطل الصَّلَاة بِسَلام النَّاسِي أَيْضا وَإِن طَال الْكَلَام نَاسِيا فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا تبطل صلَاته قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر وَهُوَ الْأَصَح وَحكي عَن مَالك أَنه قَالَ كَلَام الْعَامِد لمصْلحَة الصَّلَاة لَا يُبْطِلهَا كإعلام الإِمَام بسهوه إِذا لم يتَنَبَّه عَلَيْهِ إِلَّا بالْكلَام وَحكي عَن الْأَوْزَاعِيّ أَنه قَالَ كَلَام الْعَامِد فِيمَا فِيهِ مصْلحَته لَا يبطل الصَّلَاة وَإِن لم تكن عَائِدَة إِلَى الصَّلَاة كإرشاد ضال وتحذير ضَرِير وَذكر بعض أَصْحَابنَا أَنه إِذا تنحنح الإِمَام فَمَا يصنع الْمَأْمُوم فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يخرج من صلَاته وَمَتى أَقَامَ على مُتَابَعَته بطلت صلَاته وَالثَّانِي أَنَّهَا لَا تبطل وَذكر أَنه إِذا قَالَ حَدثنِي حَدِيثا مُتَفَرقًا لم تبطل صلَاته وَإِن كَانَ مَوْصُولا بطلت صلَاته

قَالَ الشَّيْخ الإِمَام وَعِنْدِي لَا فرق بَين الْحَالين لِأَنَّهُ لَيْسَ بقرآن وَلَا ذكر فَإِن راى ضَرِير يَقع فِي بِئْر فحذره بالْقَوْل لم تبطل صلَاته فِي اصح الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَول ابي إِسْحَاق فَإِن نَاب الْمُصَلِّي فِي صلَاته شَيْء سبح الرجل وصفقت الْمَرْأَة فَتضْرب بطن كفها الْأَيْمن على ظهر كفها الْأَيْسَر وَقيل تضرب بأصبعي يَمِينهَا على كفها الْأَيْسَر وَذكر فِي الْحَاوِي أَن ظَاهر كَلَام الشَّافِعِي رَحمَه الله أَنَّهَا كَيفَ مَا صفقت جَازَ وَقَالَ أَبُو سعيد الْإِصْطَخْرِي لَا تصفق بباطن الْكَفّ على بَاطِن الْكَفّ وَقَالَ مَالك يسبحان جَمِيعًا فَإِن فهم الْآدَمِيّ بالتسبيح بِأَن استأذنه فِي الدُّخُول أَو سلم عَلَيْهِ فَقَالَ سُبْحَانَ الله بِقصد الْإِذْن لَهُ أَو قصد تحذير ضَرِير من الْوُقُوع فِي بِئْر لم يبطل صلَاته وَلَا سُجُود عَلَيْهِ وَقَالَ ابو حنيفَة تبطل صلَاته إِلَّا أَن يقْصد تَنْبِيه الإِمَام أَو دفع الْمَار بَين يَدَيْهِ وَكَذَا قَالَ إِذا أخبر فِي الصَّلَاة بِخَبَر يسوؤه فَقَالَ إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون بطلت صلَاته

وَعِنْدنَا إِذا قصد بِهِ قِرَاءَة الْقُرْآن لم تبطل صلَاته إِذا سلم على الْمُصَلِّي رد بِالْإِشَارَةِ بِيَدِهِ أَو بِرَأْسِهِ وَحكى ابْن الْمُنْذر عَن جمَاعَة كَرَاهَة السَّلَام على الْمُصَلِّي مِنْهُم عَطاء وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ فِي ذَلِك وَكَانَ أَحْمد لَا يرى بذلك بَأْسا وَقَالَ ابو حنيفَة لَا يرد وَحكي عَن عَطاء وَالثَّوْري انه يرد عَلَيْهِ بعد فَرَاغه وَقَالَ سعيد بن الْمسيب وَالْحسن يرد عَلَيْهِ لفظا فَإِن شمت الْعَاطِس فِي الصَّلَاة بطلت صلَاته على الْمَذْهَب وَحكى يُونُس بن عبد الْأَعْلَى أَن الشَّافِعِي رَحمَه الله قَالَ لَا بَأْس بِهِ وَلَيْسَ بِصَحِيح وَذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَنه قَالَ يَرْحَمك الله بطلت صلَاته وَإِذا قَالَ يرحمه الله لم تبطل وَكَذَا إِذا سلم فَقَالَ وَعَلَيْك السَّلَام بطلت صلَاته وَإِذا قَالَ وَعَلِيهِ السَّلَام لم تبطل وَفِي هَذَا نظر لِأَن الْجَمِيع خطاب آدَمِيّ يحصل بِهِ الْجَواب

فَإِن عمل فِي صلَاته عملا من جِنْسهَا فِي غير مَحَله عمدا بطلت صلَاته بِأَن سجد فِي مَحل الرُّكُوع أَو ركع فِي مَحل السُّجُود أَو قعد فِي مَحل الْقيام وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا تبطل صلَاته مَا لم يُقيد الرَّكْعَة بِسَجْدَة وَإِن قَرَأَ الْفَاتِحَة مرَّتَيْنِ عَامِدًا لم تبطل صلَاته فِي أصح الْوَجْهَيْنِ وَإِن مر بَين يَدَيْهِ مار فَلهُ دَفعه وَلَا تبطل صلَاته قَالَ الشَّافِعِي قَالَ أَحْمد يقطع الصَّلَاة الْكَلْب الْأسود وَفِي قلبِي من الْحمار وَالْمَرْأَة شَيْء وَقَالَ إِسْحَاق يقطعهَا الْكَلْب الْأسود فَإِن زَاد فِيهَا عملا من غير جِنْسهَا فالفعل الْوَاحِد لَا يبطل وَالثَّلَاثَة تبطل والفعلان لَا يبطلان فِي أصح الْوَجْهَيْنِ وَذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَنه إِذا عمل عملا لَو نظر إِلَيْهِ إِنْسَان ظن أَنه لَيْسَ فِي صَلَاة فَهُوَ كثير وَإِن كَانَ يظنّ أَنه فِي صَلَاة فَهُوَ قَلِيل وَقَالَ العامري كل عمل يحْتَاج فِيهِ إِلَى يدين فَهُوَ كثير كتكوير

الْعِمَامَة وَعقد السَّرَاوِيل وكل عمل لَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى الْيَدَيْنِ فَهُوَ قَلِيل وَمَا ذَكرْنَاهُ فِيهِ نظر وَإِن أكل أَو شرب عَامِدًا بطلت صلَاته وَذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَنه إِذا وضع فِي فِيهِ سكرة أَو مَا يذوب وَوصل إِلَى جَوْفه فَفِي بطلَان صلَاته وَجْهَان أظهرهمَا أَنه تبطل وَحكي عَن سعيد بن جُبَير أَنه شرب المَاء فِي صَلَاة النَّفْل وَعَن طَاوُوس أَنه قَالَ لَا بَأْس بِشرب المَاء فِي النَّافِلَة وَلَا يكره قتل الْحَيَّة وَالْعَقْرَب فِي الصَّلَاة وَقَالَ النَّخعِيّ يكره فَإِن عد الْآي فِي الصَّلَاة عقدا وَلم يتَلَفَّظ بِهِ إلم تبطل صلَاته وَتَركه أولى

وَقَالَ مَالك لَا بَأْس بِهِ وَقَالَ ابو حنيفَة يكره ذَلِك وَهُوَ قَول مُحَمَّد وَقَالَ ابو يُوسُف فِي التَّطَوُّع لَا بَأْس بِهِ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب سُجُود السَّهْو إِذا شكّ فِي رَكْعَة من رَكْعَات الصَّلَاة أَفعَلهَا أم لَا فَإِنَّهُ يَبْنِي الْأَمر على الْيَقِين

وَهُوَ الْأَقَل فَإِن شكّ أَنه صلى وَاحِدَة أَو اثْنَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَبْنِي الْأَمر على أَنه صلى رَكْعَة وَبِه قَالَ مَالك وَبِه قَالَ أَحْمد فِي الْمُنْفَرد وَعنهُ فِي الإِمَام رِوَايَتَانِ

إِحْدَاهمَا أَنه يَبْنِي على الْيَقِين وَالثَّانِي أَنه يَبْنِي على غَالب الظَّن وَقَالَ ابو حنيفَة إِن كَانَ شكه فِي ذَلِك أول مرّة بطلت صلَاته وَإِن كَانَ الشَّك يعتاده ويتكرر لَهُ يَبْنِي على غَالب ظَنّه بِحكم التَّحَرِّي فَإِن لم يَقع لَهُ ظن بنى على الْأَقَل وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ يَأْخُذ بِالْأَكْثَرِ وَيسْجد للسَّهْو وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ مَتى شكّ فِي صلَاته بطلت وَإِن نسي رَكْعَة من رَكْعَات الصَّلَاة وَذكرهَا بعد السَّلَام فَإِن لم يَتَطَاوَل الْفَصْل أَتَى بهَا وَبنى على صلَاته وَإِن تطاول الْفَصْل استأنفها وَفِي حد التطاول أوجه أَحدهَا قَالَ ابو إِسْحَاق إِن مضى قدر رَكْعَة فَهُوَ تطاول وَقد نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي الْبُوَيْطِيّ وَالثَّانِي أَنه يرجع فِيهِ إِلَى الْعرف وَالْعَادَة فَإِن مضى مَا يعد تطاولا اسْتَأْنف وَإِن مضى مَا لَا يعد تطاولا بنى وَالثَّالِث قَالَ ابو عَليّ بن أبي هُرَيْرَة إِن مضى قدر الصَّلَاة الَّتِي نسي فِيهَا اسْتَأْنف وَإِن كَانَ دون ذَلِك بنى وَلَيْسَ للشَّافِعِيّ رَحمَه الله مَا يدل على ذَلِك

وَقد ذكر فِي حد التطاول الرُّجُوع إِلَى فعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنَّهُ سلم وَقَامَ وَمَشى فَرَاجعه ذُو الْيَدَيْنِ وَسَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصَّحَابَة عَن ذَلِك فَأَجَابُوهُ وَعَاد إِلَى الصَّلَاة فَإِن زَاد عَلَيْهِ فَهُوَ كثير وَلَو شكّ فِي ترك ركن بعد السَّلَام لم يُؤثر ذَلِك وَذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَنه على قَوْله الْجَدِيد يلْزمه الْإِتْمَام مَعَ الْقرب والاستئناف مَعَ الْبعد وَهَذَا غلط فَإِنَّهُ لَا يعرف الْقَوْلَانِ فِيهِ وَالْمعْنَى لَا يَقْتَضِيهِ فَإِن نسي فرضا من فروض الرَّكْعَة أَو شكّ فِيهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاة فَإِنَّهُ لَا يعْتد لَهُ بِمَا فعله بعد الْمَتْرُوك حَتَّى يَأْتِي بِمَا تَركه فَإِن نسي سَجْدَة من الأولى فَذكرهَا وَهُوَ قَائِم فِي الثَّانِيَة فَإِن كَانَ قد جلس عقيب السَّجْدَة الأولى خر سَاجِدا فِي اصح الْوَجْهَيْنِ وَقَالَ ابو إِسْحَاق يلْزمه أَن يجلس ثمَّ يسْجد وَإِن لم يكن قد جلس عقيب السَّجْدَة الأولى حَتَّى قَامَ ثمَّ ذكر فَإِنَّهُ يجلس ثمَّ يسْجد

وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يخر سَاجِدا وَالْأول أصح وَإِن كَانَ قد جلس عقيب السَّجْدَة الأولى جلْسَة يعتقدها جلْسَة الاسْتِرَاحَة ثمَّ قَامَ وَذكر خر سَاجِدا فِي أحد الْوَجْهَيْنِ وَقَالَ ابو الْعَبَّاس بن سُرَيج يلْزمه أَن يجلس ثمَّ يسْجد فَإِن لم يتَذَكَّر حَتَّى سجد فِي الثَّانِيَة سَجْدَتَيْنِ فبأيتهما يتمم الأولى يَبْنِي على الْوَجْهَيْنِ فِيهِ إِذا ذكر قبل أَن يسْجد فِي الثَّانِيَة فَعَاد وَإِن لم يكن قد جلس جلْسَة الْفَصْل فعلى قَول أبي إِسْحَاق يعْتد لَهُ بِالسَّجْدَةِ الثَّانِيَة وعَلى قَول الْأَكْثَر نعتد بِالْأولَى وَقَالَ مَالك إِذا ذكر بعد الرُّكُوع أَو السُّجُود فِي الثَّانِيَة صحت الرَّكْعَة الثَّانِيَة وَبَطلَت الأولى وَقَالَ احْمَد إِذا ذكرهَا بعد الْقِرَاءَة فِي الثَّانِيَة بطلت الأولى وتمت الثَّانِيَة فَإِن ذكر فِي الرَّكْعَة الرَّابِعَة أَنه نسي من كل رَكْعَة سَجْدَة فَإِن كَانَ قد جلس عقيب كل سَجْدَة جلْسَة الْفَصْل تحصل لَهُ رَكْعَتَانِ وَعند مَالك يَصح لَهُ الرَّكْعَة الرَّابِعَة إِلَّا سَجْدَة ويلغوا مَا تقدم وَقَالَ ابو حنيفَة يَأْتِي بِأَرْبَع سَجدَات وَيجزئهُ وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَحكى الطَّحَاوِيّ عَن الْحسن بن صَالح أَنه إِن نسي ثَمَانِي سَجدَات أَتَى بِهن مُتَوَالِيَات وأجزأه فَإِن نسي خمس سَجدَات من أَربع رَكْعَات وَلم يعرف موضعهَا فَإِنَّهُ

يحصل لَهُ رَكْعَتَانِ إِلَّا سَجْدَتَيْنِ لِأَن أَسْوَأ أَحْوَاله أَن يتْرك من الأولى سَجْدَة وَلم يسْجد فِي الثَّانِيَة وَلَا فِي الرَّابِعَة وَيسْجد فِي الثَّالِثَة سَجْدَتَيْنِ فَإِنَّهُ يتم الأولى بِالثَّانِيَةِ وَيبقى لَهُ الرُّكُوع من الرَّابِعَة قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله يُمكن أَن يكون أَسْوَأ من ذَلِك وَهُوَ أَن يكون قد ترك من الأولى سَجْدَة وَمن الثَّانِيَة سَجْدَتَيْنِ وَمن الثَّالِثَة سَجْدَتَيْنِ وَيسْجد فِي الرَّابِعَة سَجْدَتَيْنِ فَإِنَّهُ يتم الأولى بالرابعة وَيحصل لَهُ رَكْعَة وَاحِدَة فَإِن نسي التَّشَهُّد الأول فَذكر وَقد انتصب قَائِما لم يعد إِلَيْهِ وَإِن ذكر قبل أَن ينْتَصب قَائِما عَاد إِلَيْهِ وَحكى ابْن الْمُنْذر عَن مَالك أَنه إِن فَارَقت أليته الأَرْض لم يرجع وَقَالَ النَّخعِيّ يرجع مَا لم يشرع فِي الْقِرَاءَة وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ يرجع مَا لم يرْكَع وَقَالَ أَحْمد إِن ذكر بَعْدَمَا انتصب قَائِما قبل أَن يقْرَأ كَانَ مُخَيّرا وَالْأولَى أَن لَا يرجع

وَإِن نسي تَكْبِيرَات الْعِيد حَتَّى افْتتح الْقِرَاءَة فَفِيهِ قَولَانِ قَالَ فِي الْقَدِيم يَأْتِي بهَا وَقَالَ فِي الْجَدِيد يسْقط فَإِن ذكر قبل انتصابه فَعَاد إِلَى الْجُلُوس فَهَل يسْجد للسَّهْو فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يسْجد وَهُوَ قَول أَحْمد وَالثَّانيَِة لَا يسْجد وَبِه قَالَ الْأَوْزَاعِيّ فَإِن كَانَ الإِمَام قد نسي التَّشَهُّد الأول فَذكر قبل انتصابه قَائِما وَالْمَأْمُوم قد حصل فِي الْقيام فَرجع الإِمَام إِلَى التَّشَهُّد تَابعه الْمَأْمُوم على اصح الْوَجْهَيْنِ فَإِن قَامَ إِلَى رَكْعَة خَاصَّة نَاسِيا ثمَّ ذكر فَإِنَّهُ يجلس فَإِن لم يكن قد تشهد فِي الرَّابِعَة تشهد وَسجد للسَّهْو وَإِن كَانَ قد تشهد فِي الرَّابِعَة فَالْمَذْهَب أَنه يجلس وَيسْجد للسَّهْو وَيسلم وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَفِيه وَجه آخر أَنه يُعِيد التَّشَهُّد قَالَ ابو حنيفَة إِن ذكر قبل أَن يسْجد فِي الْخَامِسَة رَجَعَ إِلَى الْجُلُوس على مَا قُلْنَاهُ وَإِن ذكر بعد مَا سجد فِي الْخَامِسَة سَجْدَة فَإِن كَانَ قد قعد فِي الرَّابِعَة قدر التَّشَهُّد فقد تمت صلَاته ويضيف إِلَى هَذِه الرَّكْعَة

رَكْعَة أُخْرَى تَكُونَانِ لَهُ نَافِلَة وَإِن لم يكن قد قعد فِي الرَّابِعَة قدر التَّشَهُّد بَطل فَرْضه وَصَارَ الْجَمِيع نفلا ذكر فِي الْحَاوِي أَنه إِذا صلى نَافِلَة فَقَامَ إِلَى ثَالِثَة فَلَا خلاف بَين الْعلمَاء أَنه يجوز أَن يُتمهَا أَرْبعا وَيجوز أَن يرجع إِلَى الثَّانِيَة وَيسلم واي ذَلِك فعل سجد للسَّهْو وَالْأولَى أَن يرجع إِلَى الثَّانِيَة وَلَا فرق بَين صَلَاة اللَّيْل وَصَلَاة النَّهَار وَقَالَ آخَرُونَ إِن كَانَت صَلَاة نَهَار فَالْأولى أَن يُتمهَا أَرْبعا وَإِن كَانَت صَلَاة ليل فَالْأولى أَن يعود إِلَى الثَّانِيَة فَإِن نسي تَكْبِيرَة الِافْتِتَاح وَذكر فِي أثْنَاء الصَّلَاة كبر للافتتاح واستأنف الصَّلَاة فِي الْحَال وَقَالَ مَالك إِن كَانَ مَأْمُوما مضى مَعَ الإِمَام فِي صلَاته إِن كَانَ قد كبر للرُّكُوع فَإِذا فرغ استأنفها وَعِنْده أَن الْمَأْمُوم إِذا قهقه فِي صلَاته يمْضِي فِيهَا مَعَ الإِمَام وَإِن كَانَت بَاطِلَة فَإِذا فرغ الإِمَام استأنفها ذكر فِي الْحَاوِي أَنه إِذا نسي سَجْدَتَيْنِ من صلَاته ثمَّ سجد فِي آخر صلَاته سَجْدَتَيْنِ للسَّهْو لم يَقع عَن فَرْضه وَهَذَا فِيهِ نظر بل يجب أَن ينْصَرف إِلَى فَرْضه

وَلَا يتَعَلَّق سُجُود السَّهْو عندنَا بترك مسنون سوى التَّشَهُّد الأول والقنوت وَالصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي التَّشَهُّد الأول وَقَالَ ابوحنيفة إِن ترك تَكْبِيرَات الْعِيد سجد للسَّهْو وَكَذَا الإِمَام عِنْده يسْجد للسَّهْو بالجهر فِي مَوضِع الْإِسْرَار والإسرار فِي مَوضِع الْجَهْر وَقَالَ مَالك إِن جهر فِي مَوضِع الْإِسْرَار سجد سَجْدَتَيْنِ بعد السَّلَام وَإِن اسر فِي مَوضِع الْجَهْر سجد قبل السَّلَام وَقَالَ احْمَد إِن سجد فَحسن وَإِن ترك فَلَا بَأْس فَإِن قَرَأَ فِي حَال الرُّكُوع أَو السُّجُود أَو التَّشَهُّد سجد للسَّهْو نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي رَحمَه الله وَقيل إِن قَرَأَ غير الْفَاتِحَة فَفِي السُّجُود وَجْهَان وَالْمذهب الأول فَإِن ترك التَّشَهُّد الأول أَو الْقُنُوت فِي مَحَله عمدا سجد سَجْدَتي السَّهْو وَقيل فِيهِ قَول آخر أَنه لَا يسْجد وَهُوَ قَول أبي حنيفَة فَإِن أحرم بالصبح فَشك فِي حَال الْقيام أَنَّهَا أولاه أَو ثانيته ثمَّ تذكر أَنَّهَا أولاه أَو ثانيته فِي حَال الْقيام أَو الرُّكُوع أَو السُّجُود قبل أَن يرفع رَأسه من السَّجْدَة الْأَخِيرَة

قَالَ الْقفال لَيْسَ عَلَيْهِ سُجُود وَلَو تذكر بعد رفع راسه من السَّجْدَة الثَّانِيَة سجد للسَّهْو وَفِي هَذَا نظر فَإِن حَاله بعد الرّفْع كحاله قبل الرّفْع وَأَنه لم يحصل فِي صلَاته زِيَادَة وَلَا نُقْصَان وَلَا تَجْوِيز زِيَادَة وَلَا نُقْصَان ذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَن الإِمَام إِذا قَامَ إِلَى خَامِسَة فَلم يخرج الْمَأْمُوم نَفسه من صلَاته فَإِنَّهُ لَا يُتَابِعه فِي فعله وَلكنه ينتظره قَاعِدا ليتابعه فِي التَّشَهُّد وَيسلم وَيسْجد للسَّهْو مُتَابعَة لإمامه فَإِن لم يسْجد الإِمَام سجد الْمَأْمُوم فَإِن حضر مَأْمُوم وَالْإِمَام فِي خَامِسَة فَأحْرم يَنْوِي الائتمام بِهِ وَلم يعلم بِحَالهِ اعْتد لَهُ بالركعة وَإِن علم بِحَالهِ فَهَل ينْعَقد إِحْرَامه فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا ينْعَقد وَالثَّانِي ينْعَقد وَلكنه لَا يُتَابِعه فِي الْأَفْعَال وينتظره قَاعِدا حَتَّى يفرغ من السُّجُود فيتابعه وَالشَّيْخ ابو نصر رَحمَه الله ذكر أَنه إِذا قَامَ إِلَى خَامِسَة فَإِنَّهُم ينوون مُفَارقَته وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح وَمَتى أَقَامَ على مُتَابَعَته بطلت صلَاته وَلَا ينْعَقد إِحْرَامه مَعَ الْعلم بِحَالهِ ابْتِدَاء وَذكر أَيْضا أَنه إِذا كَانَ خلف إِمَام فَترك سَجْدَة وَقَامَ لم يُتَابِعه الْمَأْمُوم وَلَا ينتظره قَاعِدا بِخِلَاف مَا لوقام إِلَى خَامِسَة فَإِنَّهُ ينتظره فِي التَّشَهُّد قَاعِدا وَكَذَلِكَ إِذا ترك التَّشَهُّد الأول وَعَاد إِلَيْهِ بَعْدَمَا

انتصب قَائِما فَإِنَّهُ ينتظره فِي الْقيام وَهَذَا الَّذِي ذكره فِيهِ نظر فَإِن انْتِظَاره للْإِمَام فِي فعل لَا يعْتد بِهِ على طوله لَا معنى لَهُ وفرقه بَين انْتِظَاره فِي السُّجُود وَالْقعُود تحكم فَإِن شكّ مَأْمُوم فِي حَال الرُّكُوع هَل قَرَأَ فِي حَال الْقيام أَو لم يقْرَأ اَوْ شكّ فِي حَال السُّجُود هَل ركع أم لَا فَإِن أخرج نَفسه وَعَاد إِلَى مَا تَركه فَأتى بِهِ جَازَ وَإِن أَرَادَ أَن يعود إِلَى مَا تَركه فَيَأْتِي بِهِ ثمَّ يعود إِلَى مُتَابَعَته بطلت صلَاته فَإِن تَابع الإِمَام حَتَّى فرغ من الصَّلَاة جَازَ وَلَا يحْتَسب لَهُ بِمَا بعد ذَلِك الرُّكْن فَإِذا سلم الإِمَام أَتَى بِهِ ثمَّ إِن تحقق أَنه لم يتْرك لم يسْجد للسَّهْو وَإِن كَانَ شاكا فقد قَالَ القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله قد كنت أَقُول قبل هَذَا يسْجد للسَّهْو والآن أَقُول لَا يسْجد وَفِي هَذَا الَّذِي ذكره نظر قَوْله أَنه إِذا عَاد إِلَى مَا تَركه فَأتى بِهِ ثمَّ عَاد إِلَى مُتَابعَة إِمَامه لم يجز قد ذكر أَصْحَابنَا فِي مثله طَرِيقين وَهُوَ إِذا كَانَ خلف إِمَام فَفعل فَلم يشْعر حَتَّى حصل الإِمَام فِي الرُّكُوع فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة فَهَل يشْتَغل بِقَضَاء مَا فَاتَهُ أَو يُتَابع الإِمَام فِي الرُّكُوع فِيهِ طَرِيقَانِ

أَحدهمَا أَنه على الْقَوْلَيْنِ فِي المزحوم وَالثَّانِي أَنه يُتَابع الإِمَام فِي الرُّكُوع قولا وَاحِدًا لِأَنَّهُ مفرط فَيَنْبَغِي ان يخرج هَذَا على هذَيْن الطَّرِيقَيْنِ وَقَوله أَنه إِذا أخرج نَفسه من صلاه الإِمَام جَازَ فَيَنْبَغِي أَن يَبْنِي على مُفَارقَة الإِمَام من غير عذر وَقَوله الأول فِي السُّجُود للشَّكّ أولى وَذكر أَنه لَو كَانَ يُصَلِّي صَلَاة السِّرّ خلف إِمَام فَسجدَ الإِمَام فتابعه يعتقدها سَجْدَة تِلَاوَة فَسجدَ سَجْدَة أُخْرَى لم يُتَابِعه وَلَو تَابعه فِيهَا بطلت صلَاته وَلكنه إِن شَاءَ أخرج نَفسه وَإِن شَاءَ عَاد إِلَى الْقيام وانتظره قَائِما وَلَو كَانَ هَذَا فِي الرَّكْعَة الأولى فَقَامَ الإِمَام مُعْتَقدًا الْقيام إِلَى الثَّانِيَة تَابعه فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود فِيهَا فَإِذا قعد للتَّشَهُّد على ظَنّه أَنه الأول لم يُتَابِعه فَلَو تَابعه بطلت صلَاته وَلكنه ينْتَصب قَائِما فَإِذا وصل إِلَى التَّشَهُّد فِي الرَّابِعَة وَجلسَ للتَّشَهُّد على ظَنّه أَنه تَابعه رَابِعَة فعلى الْمَأْمُوم أَن يخرج نَفسه من صلَاته وَلَا يُتَابِعه وَلَيْسَ عَلَيْهِ سُجُود السَّهْو فِيمَا لحقه وَهَذَا فِيهِ نظر بل يلْزمه إِذا سجد سَجْدَة ثَانِيَة أَن يَنْوِي مُفَارقَته وَلَا ينتظره

فصل إذا تكرر منه السهو في الصلاة

وَذكر فِي مَأْمُوم أدْرك بعض صَلَاة الإِمَام فَلَمَّا قعد مَعَه فِي التَّشَهُّد سمع صَوتا فَظن أَن الإِمَام قد سلم فَقَامَ وَأتم صلَاته فَسلم الإِمَام وَجب عَلَيْهِ أَن يُعِيد مَا فعله وَلَا يعْتد لَهُ بِهِ لِأَنَّهُ ساه وَلَيْسَ عَلَيْهِ سُجُود السَّهْو لِأَنَّهُ تَابع الإِمَام وَفِي هَذَا نظر لِأَن قِيَامه بِهَذَا الظَّن يتَضَمَّن مُفَارقَة الإِمَام فصل إِذا تكَرر مِنْهُ السَّهْو فِي الصَّلَاة كَفاهُ للْجَمِيع سَجْدَتَانِ وَحكي عَن الْأَوْزَاعِيّ أَنه قَالَ إِذا كَانَ من جنس وَاحِد كَفاهُ للْجَمِيع سَجْدَتَانِ وَإِن كَانَ من جِنْسَيْنِ كالزيادة وَالنُّقْصَان سجد لكل سَهْو سَجْدَتَيْنِ وَحكي فِي الْحَاوِي عَن ابْن أبي ليلى أَنه قَالَ يسْجد لكل سَهْو سَجْدَتَيْنِ فَإِن سجد للسَّهْو ثمَّ سَهَا فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يسْجد قَالَه ابْن الْقَاص وَقيل لَا يسْجد فَإِن سَهَا خلف الإِمَام لم يسْجد فَإِن سَهَا الإِمَام لحقه حكم

سَهْوه فَإِن لم يسْجد الإِمَام سجد الْمَأْمُوم وَبِه قَالَ مَالك وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد وَقَالَ الْمُزنِيّ وابو حَفْص الْبَاب شَامي لَا يسْجد وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَهُوَ رِوَايَة عَن أَحْمد وَالْمذهب الأول وَإِن سبقه الإِمَام بِبَعْض الصَّلَاة وسها فِيمَا أدْركهُ مَعَه فَإِنَّهُ يسْجد مَعَ إِمَامه إِذا سجد قبل السَّلَام وَحكى عَن ابْن سِيرِين أَنه لَا يُتَابِعه وَإِن سجد الإِمَام بعد السَّلَام لم يُتَابِعه فِيهِ وَعند أبي جنيفة يُتَابِعه لِأَن مَحل سُجُود السَّهْو بعد السَّلَام فَإِن سجد مَعَ الإِمَام قبل السَّلَام وَقضى مَا عَلَيْهِ فَهَل يُعِيد السُّجُود فِيهِ قَولَانِ قَالَ فِي الْأُم يُعِيد وَهُوَ الْأَظْهر وَقَالَ فِي الْقَدِيم لَا يُعِيد فَإِن سَهَا إِمَامه فِيمَا ادركه مَعَه وسها بعد مُفَارقَة فِيمَا بَقِي عَلَيْهِ فَإِن قُلْنَا لَا يُعِيد سُجُوده مَعَ الإِمَام كَفاهُ سَجْدَتَانِ وَإِن قُلْنَا يُعِيد سُجُوده مَعَه أَو لم يسْجد الإِمَام فالنصوص أَنه يَكْفِيهِ سَجْدَتَانِ وَقيل يسْجد أَربع سَجدَات وَالْأول اصح فَإِن سَهَا الإِمَام فِيمَا لم يُدْرِكهُ الْمَسْبُوق مَعَه فَإِنَّهُ يلْزم الْمَأْمُوم حكم سَهْوه

وَقيل لَا يلْزمه فَإِن صلى رجل رَكْعَة مُنْفَردا من صَلَاة ربَاعِية وسها فِيهَا ثمَّ نوى مُتَابعَة إِمَام مُسَافر نوى الْقصر فَإِنَّهُ يجوز على أحد الْقَوْلَيْنِ أَن ينْقل صلَاته من الِانْفِرَاد إِلَى الْجَمَاعَة فَسَهَا الإِمَام فَلَمَّا سلم الإِمَام قَامَ الْمَأْمُوم إِلَى رابعته فَسَهَا فِيهَا فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أظهرها أَنه يَكْفِيهِ سَجْدَتَانِ وَالثَّانِي أَنه يفْتَقر إِلَى أَربع سَجدَات وَالثَّالِث يفْتَقر إِلَى سِتّ سَجدَات فَإِن أدْرك مَأْمُوم الإِمَام بعد الرّفْع من الرُّكُوع فَإِنَّهُ يحرم ويتبعه فِيمَا بَقِي من الرَّكْعَة من السَّجْدَتَيْنِ وَلَا يحْتَسب لَهُ بهَا فَإِذا فرغ الإِمَام أَتَى بِمَا بَقِي عَلَيْهِ من الرَّكْعَة وَلم يسْجد لذَلِك وَحكي عَن عبد الله بن عمر وَابْن الزبير رَضِي الله عَنْهُم أَنه يسْجد لذَلِك فِي آخر صلَاته إِذا شكّ الإِمَام فِي عدد رَكْعَات الصَّلَاة فَهَل يُقَلّد الْمَأْمُومين فِيهِ وَجْهَان حَكَاهُمَا القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله

أَحدهمَا أَنه يرجع إِلَيْهِم إِذا كثر عَددهمْ وَالثَّانِي أَنه يعْمل بِيَقِين نَفسه وَكَذَا إِذا شكّ أحد الْمَأْمُومين فِي ذَلِك هَل يُقَلّد الإِمَام وَبَقِيَّة الْمَأْمُومين على الْوَجْهَيْنِ وَإِن كَانَ الْمَأْمُوم وَاحِدًا أَو اثْنَيْنِ لم يُقَلّد بَعضهم بَعْضًا وَسُجُود السَّهْو سنة وَقَالَ مَالك هُوَ وَاجِب إِذا كَانَ لنُقْصَان وَقَالَ أَحْمد هُوَ وَاجِب بِكُل حَال وَقَالَ ابو الْحسن الْكَرْخِي حِكَايَة عَن أبي حنيفَة إِن سُجُود السَّهْو وَاجِب وَلَيْسَ بِشَرْط فِي صِحَة الصَّلَاة وَمحل سُجُود السَّهْو قبل السَّلَام وَهُوَ قَول الزُّهْرِيّ وَفِيه قَول آخر أَنه إِن كَانَ لزِيَادَة سجد بعد السَّلَام وَإِن كَانَ لنُقْصَان فَقبل السَّلَام وَهُوَ قَول مَالك

وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري مَحَله بعد السَّلَام بِكُل حَال وَقَالَ أَحْمد لَا يسْجد قبل السَّلَام إِلَّا فِي الْمَوَاضِع الَّتِي ورد فِيهَا الْأَثر وَاخْتَارَهُ ابْن الْمُنْذر فَإِن سلم قبل أَن يسْجد وَلم يَتَطَاوَل الْفَصْل سجد وَإِن تطاول الْفَصْل فَفِيهِ قَولَانِ أصَحهمَا أَنه لَا يسْجد فَمن قَالَ سُجُود السَّهْو بعد السَّلَام سجد للسَّهْو ثمَّ يتَشَهَّد وَيسلم وَمن قَالَ مَحَله قبل السَّلَام فَإِذا نَسيَه حَتَّى سلم فَإِنَّهُ يسْجد وَيسلم فِي اصح الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَول مَالك فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَفِيه وَجه آخر أَنه يتَشَهَّد ثمَّ يسلم وَهُوَ الرِّوَايَة الثَّانِيَة عَن مَالك وَحكم السَّلَام فِي الْجَهْر والإسرار حكم تَسْلِيم الصَّلَاة وَعَن مَالك فِي ذَلِك رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا يخفي السَّلَام وَسُجُود السَّهْو يتَعَلَّق بِالْفَرْضِ وَالنَّفْل وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ فِيهِ قَول آخر أَنه لَا يسْجد للنفل فَإِن صلى الْمغرب أَرْبعا سَاهِيا سجد سَهوا وأجزأته صلَاته وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ يضيف إِلَيْهَا أُخْرَى وَيسْجد كَيْلا تكون الْمغرب شفعا

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب السَّاعَات الَّتِي نهي عَن الصَّلَاة فِيهَا الْأَوْقَات الَّتِي نهي عَن الصَّلَاة فِيهَا خَمْسَة وقتان نهي عَن الصَّلَاة فيهمَا لأجل الْفِعْل وهما بعد صَلَاة الْعَصْر حَتَّى تصفر الشَّمْس وَبعد الصُّبْح حَتَّى تطلع الشَّمْس وَثَلَاثَة نهي عَن الصَّلَاة فِيهَا لأجل الْوَقْت وَهِي إِذا طلعت الشَّمْس حَتَّى ترْتَفع وَعند الاسْتوَاء حَتَّى تَزُول وَعند الاصفرار حَتَّى تغرب وَلَا يحرم فِي هَذِه الْأَوْقَات فعل الصَّلَاة الْوَاجِبَة وَمَا لَهُ سَبَب من النَّوَافِل وَرُوِيَ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه دخل فسطاطه فصلى رَكْعَتَيْنِ بعد

الْعَصْر وروى جَوَاز النَّفْل فِي هَذِه الْأَوْقَات عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وَهُوَ قَول دَاوُد وَقَالَ أَبُو حنيفَة فِي الْأَوْقَات الَّتِي نهي عَن الصَّلَاة فِيهَا لأجل الْوَقْت لَا يجوز أَن يفعل فِيهَا شَيْئا من الصَّلَوَات الْوَاجِبَة سوى عصر يَوْمه عِنْد اصفرار الشَّمْس والوقتان اللَّذَان نهي عَن الصَّلَاة فيهمَا لأجل الْفِعْل لَا يجوز فيهمَا فعل النَّوَافِل وَلَا فعل الْمَنْذُورَة وَيجوز سُجُود التِّلَاوَة وَقَالَ مَالك يجوز أَن تقضى الْفَوَائِت فِي وَقت النَّهْي وَلَا تفعل النَّوَافِل وَبِه قَالَ أَحْمد إِلَّا أَنه أجَاز فِيهَا فعل رَكْعَتي الطّواف وَصَلَاة الْجَمَاعَة مَعَ إِمَام الْحَيّ وَاخْتلف عَن مَالك فِي صَلَاة الْكُسُوف وَسُجُود الْقُرْآن فِي وَقت النَّهْي فَإِن نذر فعل صَلَاة فِي وَقت النَّهْي لم ينْعَقد نَذره وَقيل ينْعَقد وَلَيْسَ بِصَحِيح وَمن دخل الْمَسْجِد لفرض جَازَ أَن يُصَلِّي تَحِيَّة الْمَسْجِد فِي وَقت النَّهْي وَإِن لم يدْخل إِلَّا ليُصَلِّي التَّحِيَّة فِي وَقت النَّهْي ثمَّ يخرج فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يجوز فَإِن صلى رَكْعَتي الْفجْر فَهَل يكره التَّنَفُّل بعْدهَا فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يكره وَهُوَ الظَّاهِر وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأحمد

وَالثَّانِي لَا يكره وَهُوَ قَول مَالك وَلَا يكره التَّنَفُّل فِي أَوْقَات النَّهْي بِمَكَّة وَمن اصحابنا من قَالَ يخْتَص ذَلِك بركعتي الطّواف وَقَالَ ابو حنيفَة وَأحمد تكره بهَا ايضا وَلَا يكره التَّنَفُّل عِنْد الاسْتوَاء يَوْم الْجُمُعَة لمن حضر الْجَامِع وَقَالَ ابو حنيفَة وَأحمد يكره وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ من لم يحضر الْجَامِع ايضا يجوز لَهُ التَّنَفُّل فِي هَذَا الْوَقْت وَلَيْسَ بِشَيْء

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب صَلَاة الْجَمَاعَة الْجَمَاعَة فرض على الْكِفَايَة فِي قَول اصحابنا يجب إظهارها فِي النَّاس فَإِن امْتَنعُوا قوتلوا عَلَيْهَا وَهُوَ لمنصوص عَلَيْهِ فِي الْإِمَامَة وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ إِنَّهَا سنة وَهُوَ قَول مَالك وَقَالَ أَحْمد وَدَاوُد إِنَّهَا فرض على الْأَعْيَان وَلَيْسَت شرطا فِي صِحَة الصَّلَاة

وَجَمَاعَة النِّسَاء فِي بُيُوتهنَّ أفضل ولسن فِيهَا فِي التَّأْكِيد بِمَنْزِلَة الرِّجَال وَلَا يكره لَهُنَّ فعلهَا وَلَا تَركهَا وَبِه قَالَ عَطاء وَأحمد وَقَالَ ابو حنيفَة وَمَالك يكره للنِّسَاء الْجَمَاعَة فِي الصَّلَاة وَقَالَ الشّعبِيّ يكره للْمَرْأَة الْإِمَامَة فِي الْفَرْض دون النَّفْل وتقف إمامتهن وسطهن

وَلَا بُد من نِيَّة الْجَمَاعَة فِي حق الْمَأْمُوم وَلَا يفْتَقر إِلَى نِيَّة الإِمَام لَهَا وَبِه قَالَ ابو حنيفَة وَمَالك وَحكي عَن الثَّوْريّ وَأحمد أَنه لَا تصح الْجَمَاعَة حَتَّى يَنْوِي الإِمَام الْإِمَامَة وَالْمُسْتَحب لمن قصد الْجَمَاعَة أَن يمشي إِلَيْهَا وَقَالَ ابو إِسْحَاق إِن خَافَ فَوت التَّكْبِيرَة الأولى أسْرع وَالْمذهب الأول وَيسْتَحب أَن لَا تفوته التَّكْبِيرَة الأولى مَعَ الإِمَام وَحَتَّى يكون مدْركا لَهَا حُكيَ فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يكون مدْركا لَهَا مَا لم يحصل فِي الرُّكُوع ويحكى عَن أبي حنيفَة وَالأَصَح أَن يكون مدْركا لَهَا إِذا تَابعه قبل الشُّرُوع فِي الْفَاتِحَة كَذَا ذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله وَلم يذكر لوَاحِد من الْوَجْهَيْنِ دَلِيلا وَلَو قيل عِنْدِي أَنه يدْرك هَذِه الْفَضِيلَة بِأَن تكون تكبيرته عقب تَكْبِيرَة الإِمَام على مَا جرت الْعَادة بِهِ لم يكن بِهِ بَأْس فَإِن دخل فِي فرض الْوَقْت فأقيمت الْجَمَاعَة فَالْأَفْضَل أَن يقطعهَا وَيدخل فِي الْجَمَاعَة فَإِن نوى الدُّخُول مَعَ الْجَمَاعَة من غير قطع لصَلَاة نَفسه فَفِيهِ قَولَانِ

قَالَ فِي الْإِمْلَاء لَا يجوز وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَقَالَ فِي الْجَدِيد يَصح وَهُوَ الْأَصَح وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ وَمن اصحابنا من قَالَ إِن كَانَ ركع فِي حَال الِانْفِرَاد لم يجز قولا وَاحِدًا وَقبل الرُّكُوع قَولَانِ وَمِنْهُم من يَقُول قبل الرُّكُوع يجوز قولا وَاحِدًا وَبعد الرُّكُوع قَولَانِ وَاخْتَارَهُ أَبُو إِسْحَاق وَالْقَاضِي أَبُو الطّيب فَإِذا قُلْنَا يجوز فَإِن كَانَ قد سبق الإِمَام بِرَكْعَة ثمَّ تبعه فَإِنَّهُ يُتَابِعه إِلَى الرَّابِعَة وَلَا يُتَابِعه بعْدهَا وَيجْلس ويتشهد ثمَّ إِن شَاءَ أخرج نَفسه من مُتَابعَة الإِمَام وَإِن شَاءَ انتظره وَهَذَا فِيهِ نظر بل لَا ينتظره وَيسلم فَإِن قَرَأَ بعض الْفَاتِحَة فَرَكَعَ الإِمَام ركع مَعَ الإِمَام وَترك بَقِيَّة الْفَاتِحَة على اصح الْوَجْهَيْنِ فَإِن أدْركهُ وَهُوَ رَاكِع كبر للْإِحْرَام وَكبر للرُّكُوع فَإِن كبر

تَكْبِيرَة يَنْوِي بهَا الْإِحْرَام وَالرُّكُوع لم يجزه عَن الْفَرْض وَهل ينْعَقد لَهُ نفل فِيهِ وَجْهَان فَإِن رَجَعَ الإِمَام إِلَى الرُّكُوع بَعْدَمَا رفع رَأسه مِنْهُ ليسبح وَكَانَ قد ترك التَّسْبِيح فِيهِ جَاهِلا بِتَحْرِيم عوده فأدركه مَأْمُوم فِي هَذَا الرُّكُوع فتابعه لم يكن مدْركا للركعة بذلك فِي أصح الْوَجْهَيْنِ وَقَالَ أَبُو عَليّ الطَّبَرِيّ يحْتَمل أَن يُقَال يكون مدْركا للركعة وَلَيْسَ بِصَحِيح فَإِن أدْرك الإِمَام سَاجِدا كبر للْإِحْرَام وَسجد من غير تَكْبِير وَاخْتَارَهُ الشَّيْخ الإِمَام أَبُو إِسْحَاق وَقيل يكبر للسُّجُود وَقَالَ الشَّيْخ ابو نصر وَهَذَا أصح فَإِن أدْرك مَعَه الرَّكْعَة الْأَخِيرَة كَانَ ذَلِك أول صلَاته فعلا وَحكما وَإِن كَانَ آخر صَلَاة الإِمَام وَمَا يَأْتِي بِهِ بعد مُفَارقَة أخر صلَاته فعلا وَحكما وَبِه قَالَ الزُّهْرِيّ وَاخْتَارَهُ ابْن الْمُنْذر وَقَالَ أبوحنيفة آخر صَلَاة الامام آخر صَلَاة الْمَأْمُوم حكما اذا كَانَ مَسْبُوقا وَهُوَ قَول سُفْيَان وَأحمد وَمَالك فِي الْمَشْهُور عَنهُ قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله فَإِن فَاتَ رجلا مَعَ الإِمَام رَكْعَتَانِ من الظّهْر قضاهما بِفَاتِحَة الْكتاب وَسورَة

فَقَالَ أَبُو إِسْحَاق وَأكْثر اصحابنا إِنَّه يقْرَأ السُّورَة فيهمَا وَإِن كَانَتَا آخر صلَاته وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ إِنَّمَا قَالَ ذَلِك على القَوْل الَّذِي يَقُول إِن السُّورَة تقْرَأ فِي كل رَكْعَة وَالْأول أصح وَيسر بِالْقِرَاءَةِ فِيمَا يَأْتِي بِهِ من الرَّكْعَتَيْنِ نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي رَحمَه الله وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ قد نَص عَلَيْهِ فِي مَوضِع آخر أَنه يجْهر فَيكون ذَلِك على قَوْلَيْنِ أصَحهمَا أَنه يسر فَإِن حضر وَالْإِمَام قد فرغ من الصَّلَاة فَإِن كَانَ الْمَسْجِد فِي غير ممر النَّاس كره أَن يسْتَأْنف فِيهِ جمَاعَة وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَقَالَ أَحْمد لَا يكره إِقَامَة الْجَمَاعَة بعد الْجَمَاعَة بِحَال وَهُوَ قَول دَاوُد وَمن صلى مُنْفَردا ثمَّ أدْرك جمَاعَة يصلونَ اسْتحبَّ أَن يُصليهَا مَعَهم وَحكي ذَلِك عَن عَليّ وَحُذَيْفَة وَأنس رَضِي الله عَنْهُم إِلَّا أَنه حُكيَ فِي

الْمغرب أَنه يُصليهَا ويضيف إِلَيْهَا رَكْعَة أُخْرَى فَتَصِير شفعا كَيْلا تصير الصَّلَاتَان بمجموعهما شفعا وَبِه قَالَ سعيد بن جُبَير وَابْن الْمسيب وَالزهْرِيّ وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ إِن كَانَ صبحا أَو عصرا لم يسْتَحبّ ذَلِك وَحكي عَن الْحسن وَأبي ثَوْر وَالْمذهب الأول فَإِن صلى فِي جمَاعَة ثمَّ أدْرك جمَاعَة أُخْرَى يصلونَ فَهَل يُصَلِّي مَعَهم فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يُصليهَا مَعَهم وَهُوَ قَول أَحْمد إِلَّا أَنه قَالَ لَا يُصَلِّي الصُّبْح وَالْعصر إِلَّا مَعَ إِمَام الْحَيّ دون غَيره وَقَالَ مَالك إِن كَانَ قد صلاهَا فِي جمَاعَة لم يعدها لم وَإِن كَانَ قد صلاهَا مُنْفَردا أَعَادَهَا فِي الْجَمَاعَة إِلَّا الْمغرب وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ يُصَلِّي مَا عدا الصُّبْح وَالْمغْرب وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يُعِيد إِلَّا الظّهْر وَالْعشَاء وَإِذا صلى ففرضه الأولى مِنْهُمَا وَالثَّانيَِة تطوع وَبِه قَالَ ابو حنيفَة وَأحمد

وعَلى قَوْله الْقَدِيم يحْتَسب الله لَهُ بأيتهما شَاءَ وَحكي عَن الْأَوْزَاعِيّ وَالشعْبِيّ أَنَّهُمَا قَالَا هما جَمِيعًا فَرْضه فَإِن أحس الإِمَام بداخل وَهُوَ رَاكِع فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يكره انْتِظَاره وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَالثَّانِي أَنه مُسْتَحبّ وَهُوَ الْأَصَح وَإِن أدْركهُ وَهُوَ فِي التَّشَهُّد الْأَخير فَفِي انْتِظَاره وَجْهَان قَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد لَا يسْتَحبّ قولا وَاحِدًا وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ فِي الْكَرَاهَة وَقَالَ أَحْمد وَالشعْبِيّ لَا يكره فَإِن سجد الإِمَام سَجْدَتَيْنِ وَالْمَأْمُوم قَائِم من الرُّكُوع فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا تبطل صلَاته وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق لَا تبطل وَحكى الشَّيْخ أَبُو حَامِد رَحمَه الله أَن الشَّافِعِي رَحمَه الله ذكر فِي الْأُم وَالْقَدِيم أَن الْمُسْتَحبّ للْمَأْمُوم أَن يُتَابع الإِمَام فَلَا يتقدمه بركوع وَلَا سُجُود فَإِن رفع الْمَأْمُوم رَأسه من الرُّكُوع قبل رفع الإِمَام فَعَلَيهِ

أَن يرجع فَإِن لم يرجع كرهت وأجزأه وَكَذَا إِن ركع قبله اسْتحبَّ أَن يرجع إِلَى الْقيام حَتَّى يرْكَع مَعَ إِمَامه وَذكر بعض أَصْحَابنَا الخراسانيين أَنه إِذا ركع قبل إِمَامه أَثم وَلَا يَنْبَغِي أَن يَنْوِي مُفَارقَة الإِمَام بطلت صلَاته فَأَما إِذا ركع فَظن أَن إِمَامه قد ركع فَعلم أَنه لم يرْكَع فَعَلَيهِ أَن يعود إِلَى الْقيام فَلَو عزم على أَن لَا يعود وَثَبت رَاكِعا حَتَّى يلْحقهُ الإِمَام فَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يحْتَسب لَهُ وَمِنْهُم من قَالَ يلْزمه أَن يعود قَائِما فَإِذا قُلْنَا عَلَيْهِ أَن يعود إِلَى الْقيام فقصد ذَلِك فَقيل أَن يعتدل قَائِما ركع الإِمَام فَهَل عَلَيْهِ أَن يعتدل فه وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يسْقط عَنهُ الِاعْتِدَال وَالثَّانِي انه يلْزمه فَإِن رفع رَأسه قبل الإِمَام من السَّجْدَة الأولى عمدا وَسجد السَّجْدَة الثَّانِيَة فَهَل تبطل صلَاته فِيهِ وَجْهَان بِنَاء على اصل وَهُوَ أَن الجلسة بَين السَّجْدَتَيْنِ والاعتدال من الرُّكُوع هَل يعد ركنا مَقْصُودا أم لَا فِيهِ وَجْهَان

أَحدهمَا أَنه يعد ركنا مَقْصُودا وَالثَّانِي لَا يعد فَأَما إِذا ركع الإِمَام وَلم يرْكَع الْمَأْمُوم مَعَه حَتَّى رفع راسه لم تبطل صلَاته لِأَنَّهُ ركن وَاحِد وَلَو تَأَخّر عَنهُ بركنين بطلت صلَاته هَذَا على طَريقَة القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله فَأَما على طَريقَة الشَّيْخ أبي حَامِد فالتقدم والتأخر سَوَاء قد ذكرنَا أَن الإِمَام إِذا ركع قبل فرَاغ الْمَأْمُوم من الْفَاتِحَة فَإِنَّهُ يقطع الْقِرَاءَة ويتبعه وَهِي طَريقَة أبي زيد فعلى هَذَا لَو أكمل الْفَاتِحَة وَلم يسْبقهُ الإِمَام إِلَّا بِرُكْن وَاحِد فَصلَاته صَحِيحَة وَإِن سبقه بركنين فَإِنَّهُ يكون كالمتخلف عَن إِمَامه بِغَيْر عذر فَتبْطل صلَاته وَقيل لَا تبطل ثمَّ إِن سبقه الإِمَام بِثَلَاثَة أَرْكَان فاشتغل بالرابع فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا تبطل صلَاته وَالثَّانِي لَا تبطل وَإِن سبقه بأركان كَثِيرَة وَجرى على نظام صلَاته خلف الإِمَام

كَانَ كَمَا يَقُول فِي المزحوم ثمَّ اخْتلف أَصْحَابنَا فِي الْأَركان الَّتِي لَو سبق الإِمَام بهَا تبطل صلَاته فَمنهمْ من قَالَ أَن يرْكَع ثمَّ يرفع ويشتغل بِالسُّجُود فَإِن ركع قبل أَن يرفع الإِمَام رَأسه من السُّجُود وَمضى فِي صلَاته وَإِن لم يرْكَع حَتَّى رفع الإِمَام رَأسه من السُّجُود فقد سبقه بِثَلَاثَة أَرْكَان فَتبْطل صلَاته وَمِنْهُم من قَالَ الِاعْتِدَال لَيْسَ بِرُكْن مَقْصُود وَكَذَا الجلسة بَين السَّجْدَتَيْنِ وَإِنَّمَا يعْتَبر الرُّكُوع والسجدة الأولى وَالثَّانيَِة فَإِن رفع رَأسه من السَّجْدَة الثَّانِيَة وَقد اشْتغل هُوَ بِالرُّكُوعِ مضى فِي صلَاته وَإِن لم يكن قد اشْتغل بِالرُّكُوعِ فَفِيهِ وَجْهَان قَالَ وَالشَّيْخ الإِمَام أَبُو إِسْحَاق رَحمَه الله حُكيَ فِي الْمَذْهَب أَنه لَا يجوز أَن يرفع راسه قبل الإِمَام فَإِن فعل لزمَه أَن يعود الى مُتَابَعَته وَهَذَا كُله خلاف ظَاهر كَلَام الشَّافِعِي رَحمَه الله وَالَّذِي حَكَاهُ الشَّيْخ أَبُو حَامِد رَحمَه الله هُوَ الصَّحِيح وَلم يقل اُحْدُ من الْأَئِمَّة أَن التَّقَدُّم بِرُكْن وَاحِد يبطل الصَّلَاة وَالْفِعْل الْوَاحِد من غير جنس الصَّلَاة لَا يبطل الصَّلَاة وَلَا يحرم فِيهَا فَإِن أحدث الإِمَام فاستخلف فَفِيهِ قَولَانِ

قَالَ فِي الْقَدِيم لَا يجوز ذَلِك وَقَالَ فِي الْجَدِيد يجوز وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَأحمد فعلى هَذَا يجوز أَن يسْتَخْلف من كَانَ قد دخل مَعَه فِي الرَّكْعَة الأولى أَو الثَّالِثَة وَلَا يجوز أَن يسْتَخْلف من دخل مَعَه فِي الثَّانِيَة أَو الرَّابِعَة كَذَا ذكر الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله فِي الْمُهَذّب وَلَا أَدْرِي من ايْنَ أَخذ ذَلِك وَقد ذكر أَصْحَابنَا خلاف ذَلِك فِي الِاسْتِخْلَاف فِي صَلَاة الْجُمُعَة

فَإِن أسلم الإِمَام وَقد بَقِي على بعض الْمَأْمُومين بعض الصَّلَاة فقدموا من يتم بهم الصَّلَاة فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يجوز وَالثَّانِي لَا يجوز فَإِن نوى الْمَأْمُوم مُفَارقَة الإِمَام من غير عذر لم تبطل صلَاته فِي أصح الْقَوْلَيْنِ وَفِي الثَّانِي تبطل وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَلم يفرق بَين وجود الْعذر وَعَدَمه

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب صفة الْأَئِمَّة تصح إِمَامَة الصَّبِي الَّذِي تصح صلَاته فِي غير الْجُمُعَة وَفِي الْجُمُعَة قَولَانِ قَالَ فِي الْأُم لَا يجوز وَقَالَ فِي الْإِمْلَاء يجوز وَقَالَ ابو حنيفَة وَمَالك يجوز أَن يكون إِمَامًا فِي النَّفْل دون الْفَرْض وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ لَا يؤم حَتَّى يَحْتَلِم

وَلَا تصح إِمَامَة الْكَافِر فَإِذا صلى بِقوم لم يحكم بِإِسْلَامِهِ وَذكر القَاضِي أَبُو الطّيب أَن الشَّافِعِي رَحمَه الله قَالَ فِي الْمُرْتَد إِذا قَامَت الْبَيِّنَة على رجل بِالرّدَّةِ فَقَالَ ورثته إِنَّه رَجَعَ إِلَى الْإِسْلَام وَأَقَامُوا أَقَامُوا بَيِّنَة أَنهم رَأَوْهُ يُصَلِّي بعد الشَّهَادَة عَلَيْهِ بِالرّدَّةِ صَلَاة الْمُسلمين قبلت تِلْكَ مِنْهُم فَإِن كَانَ هَذَا فِي بِلَاد الْإِسْلَام لم يحكم بِإِسْلَامِهِ فَمن اصحابنا من قَالَ يجب على هَذَا الْكَافِر إِذا صلى فِي دَار الْحَرْب مثل الْمُرْتَد وَحكى القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَن الشَّافِعِي رَحمَه الله نَص على أَن مُسلما لَو سجد للصنم فِي دَار الْحَرْب لم يحكم بردته وَلَو أَنه فِي دَار الْإِسْلَام ألْقى العسلي على كَتفيهِ وَشد الزنار على وَسطه أَن يحكم بردته وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا صلى الْكَافِر فِي جمَاعَة أَو بِجَمَاعَة حكم بِإِسْلَامِهِ وَكَذَا إِن صلى مُنْفَردا فِي مَسْجده وَكَذَا إِن أذن حَيْثُ يُؤذن الْمُسلمُونَ وَقَالَ أَحْمد يحكم بِإِسْلَامِهِ بِالصَّلَاةِ بِكُل حَال فَإِن سمع مِنْهُ لفظ الشَّهَادَتَيْنِ من غير استدعاء لذَلِك مِنْهُ أَو إِشْهَاد على نَفسه حكم بِإِسْلَامِهِ فِي أصح الْوَجْهَيْنِ وَكَذَا إِن سمع مِنْهُ لفظ الشَّهَادَة فِي الصَّلَاة فَإِنَّهُ على الْوَجْهَيْنِ فَأَما صَلَاة من صلى خلف الْكَافِر فَإِنَّهُ إِن كَانَ مستترا بِكُفْرِهِ كالزنديق فَفِي صلَاته خَلفه مَعَ الْجَهْل بِحَالهِ وَجْهَان

وَتَصِح إِمَامَة الْفَاسِق وَإِن كرهت وَقَالَ مَالك لَا يَصح الائتمام بالفاسق بِغَيْر تَأْوِيل وَالْفَاسِق بِتَأْوِيل يُعِيد الصَّلَاة خَلفه فِي الْوَقْت وَعَن أَحْمد فِي إِمَامَة الْفَاسِق رِوَايَتَانِ وَلَا تصح إِمَامَة الْمَرْأَة للرِّجَال وَحكي عَن أبي ثَوْر وَابْن جرير الطَّبَرِيّ أَنه يجوز إمامتها فِي صَلَاة التَّرَاوِيح إِذا لم يكن هُنَاكَ قارىء غَيرهَا وتقف خلف الرِّجَال فَإِن صلى رجل خلف خُنْثَى مُشكل وَلم يعلم بِحَالهِ حَتَّى فرغ من الصَّلَاة وَجب عَلَيْهِ الْإِعَادَة فَإِن لم يعد حَتَّى زَالَ زَالَ الْإِشْكَال لم تسْقط عَنهُ الْإِعَادَة على الصَّحِيح من الْمَذْهَب وَفِيه قَول آخر أَنه لَا إِعَادَة عَلَيْهِ فَأَما المختلفون فِي أَحْكَام الشَّرْع فَإِذا ائتم بِمن يُخَالِفهُ فِي شَرط من شُرُوط الصَّلَاة وَلم يعلم بإخلاله بذلك الشَّرْط فَصلَاته خَلفه صَحِيحه وَإِن علم بِتَرْكِهِ الْفَاتِحَة فَقِيَاس الْمَذْهَب أَن صلَاته لَا تصح وَحكي عَن القَاضِي حُسَيْن أَن الْأُسْتَاذ ابا إِسْحَاق قَالَ لَا يَصح اقْتِدَاؤُهُ بِهِ قَرَأَ الْفَاتِحَة أَو لم يقْرَأ وَالْأول أصح فَإِن افتدى الشَّافِعِي بالحنفي فِي صَلَاة الصُّبْح فَأطَال الإِمَام الْقيام فِي الرّفْع من الرُّكُوع بِحَيْثُ يُمكنهُ الْقُنُوت قنت وَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن لم يقف

بِحَيْثُ يُمكنهُ الْقُنُوت خَلفه وَأخرج نَفسه من صلَاته وقنت وَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن لم يخرج نَفسه من صلَاته وقنت وَالْإِمَام ساجد وَلم تطل الْمدَّة فَالْمَذْهَب أَن صلَاته تبطل وَيحْتَمل أَن يُقَال لَا تبطل وَإِن ترك الْقُنُوت وَتَابعه فالعراقيون من أَصْحَابنَا قَالُوا يسْجد للسَّهْو وَقَالَ الْقفال لَيْسَ عَلَيْهِ سُجُود وَهَذَا بناؤنا على اصل وَهُوَ أَن الشَّافِعِي رَحمَه الله اقْتدى بالحنفي فَلم يقْرَأ الْفَاتِحَة فَعِنْدَ الْقفال صَلَاة الْمَأْمُوم صَحِيحَة وَقَالَ غَيره لَا تصح وَهَذَا الَّذِي ذكره عِنْدِي فِيهِ نظر أما قَوْله إِنَّه إِذا أَطَالَ الإِمَام قنت لَا سُجُود عَلَيْهِ خطأ بل يَنْبَغِي أَن يسْجد وَقَوله إِذا قنت وَالْإِمَام ساجد بطلت صلَاته لَيْسَ بِمذهب وَقَوله إِذا أخرج نَفسه يُجزئهُ فَيَنْبَغِي أَن يبْنى على الْقَوْلَيْنِ فِي مُفَارقَة الإِمَام لغير عذر وَأما إِذا تَابعه فحكايته لقَوْل أهل الْعرَاق وبناؤه على أصل لَيْسَ بِأولى من الْفَرْع وَالْأَمر مَبْنِيّ على اعْتِقَاد الْمَأْمُوم دون الإِمَام فِي ذَلِك وَلَا تجوز الصَّلَاة خلف الْمُحدث فَإِن لم يعلم بِحَالهِ صحت صلَاته فِي غير الْجُمُعَة فَأَما فِي الْجُمُعَة فَإِن تمّ الْعدَد دونه صحت صَلَاة من خَلفه

وَذكر ابْن الْقَاص قولا آخر مخرجا أَنه لَا يَصح لَهُم الْجُمُعَة وَإِن تمّ الْعدَد بِهِ لم تصح الصَّلَاة خَلفه وبقولنا قَالَ أَحْمد وَقَالَ الشّعبِيّ وابو حنيفَة تبطل صَلَاة من خَلفه بِكُل حَال وَقَالَ مَالك إِن كَانَ الإِمَام نَاسِيا لحَدث نَفسه فَصَلَاة الْمَأْمُوم خَلفه صَحِيحَة وَإِن كَانَ الإِمَام عَالما بِحَدَث نَفسه بطلت صَلَاة الْمَأْمُوم خَلفه وَقَالَ عَطاء إِن كَانَ حَدثهُ جَنَابَة بطلت صَلَاة الْمَأْمُوم خَلفه وَإِن كَانَ غَيرهَا أَعَادَهَا فِي الْوَقْت فَإِن علم الْمَأْمُوم بِحَدَث الإِمَام فِي اثناء الصَّلَاة فَأَقَامَ على مُتَابَعَته بطلت صلَاته فَإِن خرج الإِمَام ليتوضأ وَكَانَ مَوْضِعه قَرِيبا أَشَارَ إِلَيْهِم كَمَا أَنْتُم وَمضى وَتَوَضَّأ إِذا كَانَ ذَلِك قبل الرُّكُوع وَعَاد وَأتم بِهِ الصَّلَاة وَإِن كَانَ بَعيدا فقد قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي الْقَدِيم يصلونَ لأَنْفُسِهِمْ فَمن أَصْحَابنَا من قَالَ إِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِأَنَّهُ على قَوْله الْقَدِيم لَا يجوز الِاسْتِخْلَاف وَمِنْهُم من قَالَ إِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِيخْرجُوا من الْخلاف فِي الصَّلَاة بإمامين وَفِي صَلَاة الطاهرة خلف الْمُسْتَحَاضَة وَجْهَان أَحدهمَا يَصح كالمتوضىء خلف الْمُتَيَمم

وَتَصِح صَلَاة الْقَائِم خلف الْقَاعِد وَبِه قَالَ ابو حنيفَة وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن مَالك وَعَن مَالك رِوَايَة ثَانِيَة أَنه لَا تصح صَلَاة الْقَائِم خلف الْقَاعِد وَهُوَ قَول مُحَمَّد بن الْحسن وَقَالَ احْمَد وَالْأَوْزَاعِيّ يصلونَ خَلفه قعُودا وَاخْتَارَهُ ابْن الْمُنْذر وَيجوز للراكع والساجد أَن يأتم بالمومىء إِلَى الرُّكُوع وَالسُّجُود

وَقَالَ ابو حنيفَة وَأَصْحَابه وَمَالك لَا يجوز أَن يكون المومىء إِمَامًا للراكع والساجد فَإِن قدر الْقَاعِد على الْقيام فِي أثْنَاء الصَّلَاة أَو المومىء على الْقعُود أَو الْقيام فَإِنَّهُ يقوم وَيقْعد وَيَبْنِي على صلَاته وَقَالَ ابو حنيفَة المومىء إِذا قدر على الْقعُود أَو الْقيام بطلت صلَاته وَكَذَلِكَ الْعُرْيَان إِذا وجد ستْرَة والأمي إِذا تلقن بطلت صلَاته عِنْده وَقَالَ مُحَمَّد فِي الْقَاعِد إِذا قدر على الْقيام بطلت صلَاته أَيْضا فَإِن لم يقم الإِمَام مَعَ قدرته عَلَيْهِ وَعلم الْمَأْمُوم حَاله وَأقَام على مُتَابَعَته بطلت صلَاته وَقيل تصير صلَاته نفلا ذكره فِي الْحَاوِي وَلَيْسَ بِصَحِيح وَفِي صَلَاة القارىء خلف الْأُمِّي قَولَانِ أَحدهمَا وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ أَنَّهَا تصح وَالثَّانِي وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَأحمد أَنَّهَا لَا تجوز وَقيل فِيهِ قَول آخر على قَوْله الْقَدِيم أَنه إِن كَانَ فِي صَلَاة يجْهر فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ لم يجز وَإِن كَانَ فِي صَلَاة يسر فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ جَازَ وَذكر فِي الْحَاوِي أَنه إِذا علم القارىء بِحَال الْأُمِّي لم تصح صلَاته خَلفه قولا وَاحِدًا وَإِن لم يعلم بِحَالهِ حَتَّى فرغ من الصَّلَاة فَفِي بطلَان صلَاته وَوُجُوب الْإِعَادَة ثَلَاثَة اقوال فَإِن قُلْنَا إِن صَلَاة القارىء تبطل فَإِن صَلَاة الْأُمِّي لَا تبطل وَبِه قَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد

وَقَالَ أَبُو حنيفَة تبطل صَلَاة الْأُمِّي أَيْضا حُكيَ عَن أبي حَازِم من اصحابه انه قَالَ إِنَّمَا أبطل صلَاته لِأَنَّهُ يُمكنهُ أَن يَقْتَدِي بالقارىء فعلى هَذَا يَقْتَضِي أَن لَا يُصَلِّي وَحده وَقَالَ ابو الْحسن الْكَرْخِي إِنَّمَا ابطل صلَاته لِأَنَّهُ لما أحرم خَلفه صَار متحملا للْقِرَاءَة عَنهُ مَعَ عَجزه فَإِن اخْتلف عَن الإِمَام وَالْمَأْمُوم فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا تصح صلَاته خَلفه وَالثَّانِي لَا تصح وَهُوَ الْأَصَح إِذا قُلْنَا لَا تصح صَلَاة القارىء خلف الْأُمِّي فَإِن قَرَأَ الرِّوَايَات الشاذة فِي الصَّلَاة ذكر القَاضِي حُسَيْن أَن صلَاته لَا تبطل قَالَ وَفِيه أشكال قَالَ الشَّيْخ الإِمَام وَعِنْدِي انه يَنْبَغِي أَن يُقَال إِن كَانَ يحِيل الْمَعْنى عَن الْقِرَاءَة الْمَعْرُوفَة بطلت الصَّلَاة وَإِن كَانَ لَا يحِيل الْمَعْنى لم تبطل وَيكرهُ وَيجوز أَن يأتم المفترض بالمتنفل والمتنفل بالمفترض والمفترض بالمفترض

وفرضهما مُخْتَلف إِذا اتّفقت الصَّلَاتَان فِي الْأَفْعَال الظَّاهِرَة وَبِه قَالَ عَطاء وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد وَاخْتَارَهُ ابْن الْمُنْذر وَقَالَ ابو حنيفَة وَمَالك وَهُوَ الرِّوَايَة الْأُخْرَى عَن أَحْمد أَنه لَا يجوز أَن يأتم المفترض بالمتنفل وَلَا المفترض بالمفترض وفرضهما مُخْتَلف وَيجوز أَن يأتم المتنفل بالمفترض وَحكى فِي الْحَاوِي الْمَنْع من الائتمام مَعَ اخْتِلَاف الصّفة بِكُل حَال فَلَا يأتم المتنفل بالمفترض وَهُوَ قَول مَالك وَالزهْرِيّ وَلَا يجوز ان يُصَلِّي الْجُمُعَة خلف من يُصَلِّي الظّهْر وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يجوز فِي فعل الْجُمُعَة خلف المتنفل قَولَانِ وَلَا يخْتَلف أَصْحَابنَا بالعراق أَنه لَا يجوز فعل صَلَاة الْكُسُوف خلف من يُصَلِّي الصُّبْح وَلَا الصُّبْح خلف من يُصَلِّي الْكُسُوف وَلَا فعل إِحْدَى الصَّلَوَات الْخمس خلف من يُصَلِّي صَلَاة الْجِنَازَة وَلَا صَلَاة الْجِنَازَة خلف من يُصَلِّي غَيرهَا

وَحكى القَاضِي حُسَيْن عَن الْقفال فِيمَن صلى الْفَرْض خلف من يُصَلِّي صَلَاة الْجِنَازَة أَنَّهَا تَنْعَقِد فَإِذا كبر الإِمَام التَّكْبِيرَة الثَّانِيَة لم يكبر مَعَه وعَلى هَذَا صَلَاة الْجِنَازَة خلف من يُصَلِّي صَلَاة الْفَرْض تَنْعَقِد عِنْده وَالْفَرْض خلف صَلَاة الْكُسُوف على طَرِيقَته تَنْعَقِد وعَلى طَريقَة غَيره فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا تَنْعَقِد وَالثَّانِي تَنْعَقِد فَإِذا اشْتغل الإِمَام بِالْقيامِ الثَّانِي فَارقه وَهَذَا القَوْل بعيد عَن الْمَذْهَب جدا وَذكر أَنه يُصَلِّي الْفَرْض خلف من يُصَلِّي صَلَاة الْعِيد ثمَّ إِن شَاءَ وَافقه فِي التَّكْبِير وَإِن شَاءَ خَالفه السّنة أَن يؤم الْقَوْم أفقههم وأقرؤهم فَإِن زَاد أَحدهمَا فِي الْفِقْه وَالْآخر فِي الْقِرَاءَة فالأفقه أولى وَبِه قَالَ مَالك وابو حنيفَة وَقَالَ الثَّوْريّ وَأحمد الأقرأ أولى وَاخْتَارَهُ ابْن الْمُنْذر

فَإِن اسْتَويَا فِي جَمِيع ذَلِك فقد قَالَ بعض الْمُتَقَدِّمين يقدم احسنهم فَمن اصحابنا من قَالَ أحْسنهم صُورَة وَمِنْهُم من قَالَ أحْسنهم ذكرا فغن اجْتمع هَؤُلَاءِ مَعَ صَاحب الْمنزل فَصَاحب الْمنزل أولى فَإِن اجْتمع السُّلْطَان مَعَ هَؤُلَاءِ فَهُوَ أولى من صَاحب الْمنزل وَغَيره وَحكى فِي الْحَاوِي قولا آخر ان صَاحب الْمنزل أولى من السُّلْطَان إِذا حضر عِنْده فَإِن اجْتمع الْمُسْتَعِير والمعير فِي الدَّار المستعارة فالمستعير أولى فِي أحد الْوَجْهَيْنِ وَالثَّانِي أَن الْمُعير أولى فَإِن اجْتمع حر وَعَبده فالحر أولى وَحكي عَن أبي مجلز أَنه كره إِمَامَة العَبْد وَقَالَ مَالك لَا يؤم فِي جُمُعَة وَلَا عيد

وَحكي عَن الْأَوْزَاعِيّ أَنه قَالَ أَرْبَعَة لَا يؤمُّونَ النَّاس ذكر مِنْهُم العَبْد إِلَّا أَن يؤم أَهله وَهل يحْتَاج العَبْد أَن يسْتَأْذن مَوْلَاهُ فِي الْإِمَامَة وَحُضُور الْجَمَاعَة ذكر القَاضِي حُسَيْن انه إِن كَانَت صلَاته لَا تزيد على صلَاته مُنْفَردا لم يلْزمه الاسْتِئْذَان قَالَ الشَّيْخ الإِمَام وَعِنْدِي انه إِن كَانَ فِي أول الْوَقْت احْتَاجَ إِلَى اسْتِئْذَانه وَإِن كَانَ فِي آخر الْوَقْت فعلى التَّفْصِيل وَيكرهُ إِمَامَة من لَا يعرف أَبوهُ وَبِه قَالَ ابو حنيفَة وَمَالك وَقَالَ أَحْمد لَا تكره إِمَامَته وَرَوَاهُ ابْن الْمُنْذر عَن مَالك وَاخْتَارَهُ وَكره عمر بن عبد الْعَزِيز أُمَامَة ولد الزِّنَا فَإِن اجْتمع بَصِير وأعمى فالمنصوص فِي الْإِمَامَة أَنَّهُمَا سَوَاء وَقَالَ ابو إِسْحَاق الْمروزِي الْأَعْمَى أولى وَقَالَ الشَّيْخ الإِمَام أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ رَحمَه الله عِنْدِي أَن الْبَصِير أولى من الْأَعْمَى قَالَ الشَّيْخ ابو نصر رَحمَه الله والوجهان مخالفان نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَحكي عَن ابْن سِيرِين انه يكره إِمَامَة العَبْد

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب موقف الإِمَام وَالْمَأْمُوم السّنة أَن يقف الرجل الْوَاحِد عَن يَمِين الإِمَام وَحكي عَن سعيد بن الْمسيب انه قَالَ يقف عَن يسَار الإِمَام وَقَالَ النَّخعِيّ يقف خَلفه إِلَى أَن يرْكَع فَإِن جَاءَ آخر وَإِلَّا تقدم ووقف عَن يَمِينه إِذا ركع فَإِن حضر رجلَانِ اصطفا خَلفه وَحكي عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ يقف الإِمَام بَينهمَا

فَإِن وقفت امْرَأَة فِي الصَّفّ بَين الرِّجَال لم تبطل صَلَاة وَاحِد مِنْهُم وَقَالَ ابو حنيفَة تبطل صَلَاة من على يَمِينهَا وشمالها من الْمَأْمُومين وَلَا تبطل صلَاتهَا فَإِن أَحرمت امْرَأَة خلف الرجل فِي صَلَاة مؤتمة بِهِ صَحَّ إحرامها وَلَا يحْتَاج أَن يَنْوِي الإِمَام إمامتها وَقَالَ ابو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد بن الْحسن لَا يَصح ائتمامها بِهِ حَتَّى يَنْوِي إمامتها فَإِن وقف خلف الصَّفّ وَحده مقتديا بِالْإِمَامِ كره وأجزأه وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأَصْحَابه وَمَالك وَقَالَ أَحْمد تبطل صلَاته

فَإِن دخل الْمَسْجِد فَلم يجد فِي الصَّفّ فُرْجَة فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَحده وَذكر الشَّيْخ ابو حَامِد رَحمَه الله أَنه يجذب رجلا من الصَّفّ ليُصَلِّي مَعَه فَإِن لم يفعل كره وَحكى القَاضِي ابو الطّيب رَحمَه الله أَن الشَّافِعِي رَحمَه الله نَص أَنه لَا يجذب رجلا وَيقف حَيْثُ شَاءَ فَإِن وقف الْمَأْمُوم قُدَّام الإِمَام مقتديا بِهِ لم تصح صلَاته فِي أصح الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ قَول اب حنيفَة وَأحمد وَقَالَ فِي الْقَدِيم تصح صلَاته وَهُوَ قَول مَالك فَإِن حضر رجال وصبيان وقف الرِّجَال فِي الصَّفّ الأول ثمَّ الصّبيان وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يقف بَين كل رجلَيْنِ صبي ليتعلم مِنْهُم الصَّلَاة وَهُوَ قَول مَالك فَإِن وقف مَأْمُوم بِجنب الإِمَام ورؤوس اصابعه مَعَ رُؤُوس اصابعه وعقبه مُتَقَدّمَة على عقبه لقصر قدمه فِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا أَنه لَا يَصح اعْتِبَارا بالمساواة فِي الْعقب وَالسّنة أَن لَا يكون مَوضِع الإِمَام أَعلَى من مَوضِع الْمَأْمُوم إِلَّا أَن يقْصد تَعْلِيم الْمَأْمُومين فَيُسْتَحَب أَن يكون مَوْضِعه اعلى

وَقَالَ ابو حنيفَة وَمَالك يكره ذَلِك بِكُل حَال وَحكى الطحاوى أَنه يكره إِذا كَانَ ارتفاعه يُجَاوز الْقَامَة وَقَالَ ابو بكر الرَّازِيّ لَا يعرف ذَلِك فَإِن كَانَت الْجَمَاعَة فِي الْمَسْجِد فَلَا اعْتِبَار فِيهَا بِالْمُشَاهَدَةِ واتصال الصُّفُوف وَإِنَّمَا يعْتَبر الْعلم بِصَلَاة الإِمَام وَإِن خرجت الْجَمَاعَة عَن الْمَسْجِد فَإِن اتَّصَلت الصُّفُوف إِلَى من فِي الْمَسْجِد فَالصَّلَاة صَحِيحَة وَإِن كَانَ بَين الصفين فصل قريب وَهُوَ ثَلَاثمِائَة ذِرَاع وَعَلمُوا بِصَلَاة الإِمَام فصلاتهم صَحِيحَة وَهل ذَلِك تَحْدِيد أَو تقريب فِيهِ وَجْهَان فَإِن كَانَ بَينه وَبَين الْمَسْجِد حَائِل يمْنَع الاستطراق دون الْمُشَاهدَة كالشباك لم يمْنَع صِحَة الائتمام فِي أحد الْوَجْهَيْنِ وَالِاعْتِبَار فِي الْمسَافَة الَّتِي ذَكرنَاهَا بحائط الْمَسْجِد وَاخْتلف اصحابنا فِي الطَّرِيق الَّذِي أَخذ عَنهُ الشَّافِعِي رَحمَه الله ذَلِك التَّقْدِير

فَمنهمْ من قَالَ أَخذه من جِهَة الْعرف وَمِنْهُم من قَالَ أَخذه من صَلَاة الْخَوْف ذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَنه إِذا وقف الإِمَام فِي الْمَسْجِد وَله بَاب مَفْتُوح عَن يَمِينه أَو يسَاره فَوقف قوم خَلفه ووقف إِنْسَان خَارج الْمَسْجِد فَإِن اتَّصَلت بِهِ الصُّفُوف اتِّصَال المناكب جَازَ فَإِن لم يقف على العتبة أحد وَكَانَ بَين هَذَا الْوَاقِف وَبَين حَائِط الْمَسْجِد فُرْجَة يقف فِيهَا رجل لم يجز صلَاته وَإِن كَانَ مُتَّصِلا بِالْمَسْجِدِ لَيْسَ بَينه وَبَينه فُرْجَة فَفِيهِ وَجْهَان بِنَاء على أَن الِاتِّصَال يعْتَبر بالصف الَّذِي فِي الْمَسْجِد أَو بِالْمَسْجِدِ وَفِيه وَجْهَان وَهَذَا يبطل بِهِ إِذا كَانَ الْبَاب وَرَاء الإِمَام فَإِن صلى فِي دَار وَبَينهمَا حَائِط غير حَائِط الْمَسْجِد لم يَصح الائتمام وَلَا يخْتَلف أَصْحَابنَا وَقَالَ مَالك يَصح الائتمام بِهِ إِلَّا فِي الْجُمُعَة إِذا علم بِصَلَاتِهِ فَإِن كَانَ لَهُ بَاب مَفْتُوح إِلَى الْمَسْجِد يرى مِنْهُ الإِمَام اَوْ بعض من خَلفه فقد قَالَ ابو إِسْحَاق لَا تصح صلَاته حَتَّى تتصل الصُّفُوف بِهِ اتِّصَال الْعَادة وَقَالَ ابو عَليّ فِي الإفصاح لَا فرق بَين الدَّار والصحراء فِي اعْتِبَار الْقرب والبعد فِي الْجَمِيع وَهَذَا الصَّحِيح عِنْدِي

وَاخْتَارَ القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله قَول أبي إِسْحَاق وَقَالَ الِاعْتِبَار بالأماكن وَهِي ثَلَاثَة صحراء فَيعْتَبر فِيهَا الْقرب وابنية بنيت لِلْعِبَادَةِ فَيعْتَبر فِيهَا الْعلم وابنية بنيت للرفق فَيعْتَبر فِيهَا اتِّصَال الصُّفُوف حَتَّى قَالَ لَو كَانَ الإِمَام فِي الصَّحرَاء وَالْمَأْمُوم فِي الصّفة لم يَصح الائتمام وَهَذَا تحكم فَأَما إِذا صلى فِي علو دَار بِصَلَاة الإِمَام فِي الْمَسْجِد فقد قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله وَأما فِي علوها فَلَا يجوز لِأَنَّهَا بَائِنَة من الْمَسْجِد وَمَعْنَاهُ أَنه لَيْسَ بَينهمَا قَرَار يُمكن اتِّصَال الصُّفُوف فِيهِ وَذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَنه إِذا صلى على سطح دَار فِي جوَار الْمَسْجِد لم يجز إِلَّا على طَريقَة من عَن يَمِينه أَو يسَاره بِصَلَاة الإِمَام فِي الْمَسْجِد مَعَ الْقرب فَإِن كَانَ علو الْمَسْجِد بِحَيْثُ يُحَاذِي راس الْوَاقِف فِي الْمَسْجِد رجل الْوَاقِف على السَّطْح وَلم يكن بَين الْوَاقِف على السَّطْح وَبَين الْوَاقِف فِي الْمَسْجِد فُرْجَة تتسع لوقوف وَاحِد فالاقتداء صَحِيح وَإِن كَانَ بَينه وَبَينه فُرْجَة وَكَانَ الْوَاقِف على السَّطْح على طرف السَّطْح

وَلم يكن بَينه وَبَين الْمَسْجِد فُرْجَة وَإِنَّمَا كَانَ الْوَاقِف متباعدا عَن الْحَائِط فعلى وَجْهَيْن بِنَاء على أَن الْقرب من الْمَسْجِد فَهَل يَجْعَل بِمَنْزِلَة الْقرب من الصَّفّ وَأما إِذا كَانَ الْوَاقِف على السَّطْح متباعدا عَن طرفه بِقدر موقف رجل لم يَصح الِاقْتِدَاء على ظَاهر الْمَذْهَب وَأما إِذا كَانَ السَّطْح أَعلَى من ذَلِك فَإِن لم يقف على طرف السَّطْح لم يجز إِلَّا على طَريقَة من يعْتَبر الْقرب والمشاهدة وَإِن وقف على طرف السَّطْح فعلى مَا ذَكرْنَاهُ من الْوَجْهَيْنِ فِي اعْتِبَار الْقرب من الْمَسْجِد أَو من الصَّفّ وَإِن كَانَ السَّطْح خلف الْمَسْجِد وَكَانَ علو السَّطْح بِقدر قامة وَمن فِي الْمَسْجِد وقُوف بِجنب الْحَائِط وَلم يكن بَين الْوَاقِف على السَّطْح والواقف فِي الْمَسْجِد إِلَّا مَا يكون بَين الصفين فالاقتداء صَحِيح وَإِن لم يكن كَذَلِك فعلى مَا ذَكرْنَاهُ وَإِن كَانَ السَّطْح عَالِيا فقد قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله لَا يجزىء وعَلى طَريقَة من يعْتَبر مُجَرّد الْمُشَاهدَة مَعَ الْقرب جَازَ وَهَذَا التَّفْصِيل الَّذِي ذكره تحكم وهم مُخَالف لنَصّ الشَّافِعِي رَحمَه الله فإمَّا أَن يَقُول بقول عَطاء أَو مَالك أَو يصير إِلَى نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله فَإِن كَانَ بَين الإِمَام وَالْمَأْمُوم نهر أَو طَرِيق صَحَّ الائتمام وَبِه قَالَ مَالك

وَقَالَ ابو حنيفَة وَأحمد يمْنَع ذَلِك صِحَة الائتمام وَإِن كَانَ الإِمَام فِي سفينة وَالْمَأْمُوم فِي أُخْرَى غير مشدودة إِلَيْهَا وَبَينهمَا مَسَافَة قريبَة صَحَّ الائتمام وَقَالَ ابو سعيد الْإِصْطَخْرِي لَا يَصح وَالِاعْتِبَار عِنْد عَطاء الْعلم بِصَلَاة الإِمَام دون الْمُشَاهدَة والحائل وَعدم الْحَائِل وَحكي ذَلِك عَن النَّخعِيّ وَالْحسن الْبَصْرِيّ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب صَلَاة الْمَرِيض إِذا عجز عَن الرُّكُوع وَالسُّجُود لعِلَّة بظهره وَقدر على الْقيام فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ الْقيام وينحني فِي الرُّكُوع بِحَسب طاقته أَو يحني رقبته وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يسْقط عَنهُ فرض الْقيام فَإِن عجز عَن الْقيام صلى قَاعِدا وَفِي كَيْفيَّة قعوده قَولَانِ احدهما أَنه يقْعد متربعا وَحكي ذَلِك عَن مَالك وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد وَأحمد وَحَكَاهُ الْحسن بن زِيَاد عَن أبي حنيفَة وَقَالَ إِذا ركع ثنى رجلَيْهِ وَحكى القَاضِي أَبُو حَامِد عَن الشَّافِعِي رَحمَه الله أَنه يجلس مفترشا وَهُوَ قَول زفر

وَحكى مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة أَنه يجلس كَيفَ شَاءَ وَإِن عجز عَن الْقعُود فقد نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله على أَنه يضطجع على جنبه الْأَيْمن مُسْتَقْبل الْقبْلَة فَإِن لم يسْتَطع اسْتلْقى على ظَهره وَرجلَاهُ إِلَى الْقبْلَة وَبِه قَالَ احْمَد وَمَالك وَقَالَ ابو عَليّ فِي الإفصاح يستلقي على ظَهره وَيسْتَقْبل الْقبْلَة برجليه حَتَّى يكون إيماؤه فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود إِلَى الْقبْلَة وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَالْأول أصح فَإِن لم يسْتَطع أَن يومىء بِرَأْسِهِ إِلَى الرُّكُوع وَالسُّجُود أَوْمَأ بطرفه وَقَالَ ابو حنيفَة إِذا انْتهى إِلَى هَذِه الْحَالة سقط عَنهُ فرض الصَّلَاة وَحكي عَن مَالك انه إِذا دَامَ بِهِ الرعاف فَلم يَنْقَطِع اومأ إِلَى السُّجُود وأتى بِالْقيامِ وَالرُّكُوع وَفِي الْفرق بَينهمَا نظر قَالَ فِي الْأُم إِذا قدر أَن يُصَلِّي قَائِما مُنْفَردا يُخَفف الْقِرَاءَة

وَإِذا صلى مَعَ الْجَمَاعَة صلى بَعْضهَا من قعُود فَالْأَفْضَل أَن يُصَلِّي مُنْفَردا قَالَ الشَّيْخ ابو حَامِد الْإِتْيَان بهَا مَعَ الْقعُود فِي بَعْضهَا فِي الْجَمَاعَة أولى وَحكي أَنه مُخَيّر بَينهمَا والجميع خلاف نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله فَإِن كَانَ بِعَيْنِه وجع وَهُوَ قَادر على الْقيام فَقيل لَهُ إِن صليت مُسْتَلْقِيا داويناك فقد ذكر الشَّيْخ ابو حَامِد ان هَذِه الْمَسْأَلَة غير مَنْصُوص عَلَيْهَا لِأَصْحَابِنَا وَقد حُكيَ عَن ابي حنيفَة وَالثَّوْري جَوَاز ترك الْقيام لَهُ وَقَالَ مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ لَا يجوز قَالَ الشَّيْخ ابو حَامِد هَذَا هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَب وَمن اصحابنا من حكى فِيهِ وَجْهَيْن وَيجب الْقيام فِي الْفَرْض فِي السَّفِينَة مَا لم يخف الْغَرق أَو دوران راسه وَقَالَ ابو حنيفَة لَا يجب عَلَيْهِ الْقيام فِيهَا

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب صَلَاة الْمُسَافِر الْقصر جَائِز فِي السّفر الْجَائِز وَحكي عَن دَاوُد أَنه قَالَ لَا يجوز الْقصر إِلَّا فِي سفر وَاجِب وَحكي عَنهُ أَنه يخْتَص بسفر الْخَوْف وَقَالَ عَطاء لَا يجوز إِلَّا فِي سفر طَاعَة فاما سفر الْمعْصِيَة فَلَا يجوز الْقصر فِيهِ وَلَا التَّرَخُّص برخص السّفر بِحَال وَهُوَ قَول مَالك وَأحمد

وَقَالَ ابو حنيفَة يجوز التَّرَخُّص فِيهِ فَإِن سَافر سفرا مُبَاحا ثو نوى إِتْمَامه لمعصية انْقَطع التَّرَخُّص فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ وَهل يجوز لَهُ ان يمسح يَوْمًا وَلَيْلَة فِي سفر الْمعْصِيَة فِيهِ وَجْهَان فَإِن أَقَامَ فِي بلد لمعصية فَهَل يجوز لَهُ الْمسْح يَوْمًا وَلَيْلَة فِيهِ وَجْهَان وَإِن تيَمّم فِي سفر الْمعْصِيَة عِنْد عدم المَاء وَصلى فِيهِ فَهَل يجب عَلَيْهِ الْإِعَادَة فِيهِ وَجْهَان وَفرع على هُنَا إِذا عجز العَاصِي بِسَفَرِهِ عَن اسْتِعْمَال المَاء لجراحة بِبدنِهِ وَكَانَت قد اصابته فِي الْحَضَر يتَيَمَّم وَيُصلي وَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ وَإِن كَانَت قد أَصَابَته فِي السّفر فَهَل يُعِيد مَا صلاه بِالتَّيَمُّمِ على الْوَجْهَيْنِ وَهَذَا تَشْبِيه بعيد فِي الْمَعْنى وعَلى هَذَا قَالَ لَو وثب من بِنَاء عَال لص فأنكسرت رجله فصلى قَاعِدا فَهَل يُعِيد فِيهِ وَجْهَان وَهَذَا أبعد من الأول وَلَا يجوز الْقصر إِلَّا فِي مسيرَة يَوْمَيْنِ سِتَّة عشر فرسخا وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد

وَقَالَ دَاوُد يجوز الْقصر فِي طَوِيل السّفر وقصيره وَقَالَ الأزوزاعي يقصر فِي مسيرَة يَوْم وَعَن الزُّهْرِيّ فِي مسيرَة ثَلَاثِينَ ميلًا وَقَالَ ابو حنيفَة وَالثَّوْري لَا يجوز الْقصر فِي أقل من ثَلَاث مراحل أَرْبَعَة وَعشْرين فرسخا فَإِن كَانَ للبلد طَرِيقَانِ يقصر فِي احدهما لطوله دون الآخر فسلك الْأَبْعَد لَا لغَرَض سوى الْقصر فَإِنَّهُ لَا يجوز لَهُ الْقصر فِي أحد الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ قَول ابي حنيفَة وَاخْتِيَار الْمُزنِيّ وَالثَّانِي لَا يقصر وَهُوَ اخْتِيَار أبي إِسْحَاق الْمروزِي

فَإِن كَانَ سَفَره مسيرَة ثَلَاثَة ايام فالقصر فِيهِ افضل فَإِن أتم جَازَ وَبِه قَالَ احْمَد وَفِيه قَول آخر أَن الائتمام أفضل وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ وَقَالَ ابو حنيفَة وَالثَّوْري الْقصر عَزِيمَة حَتَّى قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا صلى الظّهْر أَرْبعا وَلم يجلس بعد الرَّكْعَتَيْنِ بطلت صَلَاة ظَهره وَهُوَ قَول بعض أَصْحَاب مَالك وَحكى ابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة أَنه قَالَ إِذا جَاوز الجسر أَو الخَنْدَق قصر وَحكي عَن مَالك رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا أَن يُفَارق بُنيان بَلَده وَلَا يحاذيه عَن يَمِينه وَلَا عَن يسَاره مِنْهُ شَيْء وَالثَّانيَِة أَن يكون من الْمصر على ثَلَاثَة اميال وروى عَن الْحَارِث بن ابي ربيعَة أَنه أَرَادَ سفرا فصلى بهم رَكْعَتَيْنِ فِي منزله وَفِيهِمْ الْأسود بن يزِيد وَغير وَاحِد من أَصْحَاب عبد الله

وَحكي عَن عَطاء أَنه قَالَ إِذا خرج الرجل حَاجا فَلم يخرج من بيُوت الْقرْيَة حَتَّى دخل وَقت الصَّلَاة فَإِن شَاءَ قصر وَإِن شَاءَ أوفى وَحكي عَن مُجَاهِد انه قَالَ إِذا خرج نَهَارا لم يقصر حَتَّى يدْخل اللَّيْل وَإِن خرج لَيْلًا لم يقصر حَتَّى يدْخل النَّهَار فَإِن كَانَت قَرْيَة وبقربها قَرْيَة أُخْرَى فَفَارَقَ قريته جَازَ لَهُ الْقصر وَفِيه وَجه آخر انه إِن كَانَت القريتان متقاربتين لم يجز لَهُ الْقصر حَتَّى يُفَارق الْقرْيَة الْأُخْرَى فَإِن اتَّصَلت حيطان الْبَلَد بحيطان الْبَسَاتِين والمزارع جَازَ لَهُ الْقصر إِذا فَارق حيطان الْبَلَد وَذكر القَاضِي حُسَيْن أَنه لَا يجوز لَهُ الْقصر حَتَّى يُفَارق حيطان الْبَسَاتِين وَحكى بعض اصحابنا أَنه إِذا كَانَ على بَاب الْبَلَد نهر لم يجز لَهُ الْقصر حَتَّى يعبره وَلَيْسَ بِصَحِيح وَإِن كَانَ من اهل الْخيام فحتى يُفَارق جَمِيع الْخيام المجتمعة فِي الْعَادة وَذكر بعض أَصْحَابنَا أَنه يعْتَبر أَن يُفَارق بيُوت عشيرته وكل مَوضِع هُوَ من مرافقهم مثل مطرح الرماد ومجتمع الْبَهَائِم ومتحدث النادي وَهَذَا فِيهِ نظر إِذا خرج من بَلَده يَنْوِي الْمقَام فِي بلد آخر عينه فحين قرب مِنْهُ بدا لَهُ من الْمقَام فِيهِ وَنوى الاجتياز مِنْهُ إِلَى بلد آخر فَإِنَّهُ يجوز لَهُ قصر

الصَّلَاة فَإِن رَجَعَ إِلَى بَلَده يُرِيد الاجتياز بِهِ إِلَى بلد آخر لم يجز لَهُ الْقصر مَا دَامَ فِيهِ كَذَا ذكر فِي الْحَاوِي وَفِيه نظر وَيَنْوِي الْقصر فِي الْإِحْرَام فَإِن لم ينْو الْقصر أَو نوى الْإِتْمَام لم يجز لَهُ الْقصر وَقَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله إِذا أطلق النِّيَّة جَازَ لَهُ الْقصر وَقَالَ المغربي يجوز لَهُ الْقصر وَإِن نوى الْإِتْمَام فَإِن شرع فِي الصَّلَاة بنية الْقصر فَسَهَا فَصلاهَا أَرْبعا أَجزَأَهُ وَسجد للسَّهْو وَلَو تعمد ذَلِك لم يسْجد وَحكى ابْن الْمُنْذر عَن الْحسن مثل ذَلِك وَقَالَ بعض اصحاب مَالك لَا تُجزئه هَذِه الصَّلَاة فَإِن ائتم بمقيم فِي جُزْء من صلَاته لزمَه الْإِتْمَام وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأحمد وَدَاوُد وَقَالَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه يجوز للْمُسَافِر الْقصر خلف الْمُقِيم وَقَالَ مَالك إِن أدْرك من صَلَاة الْمُقِيم قدر رَكْعَة لزمَه الْإِتْمَام وَإِن كَانَ دون ذَلِك لم يلْزمه فَإِن ائتم مقيمون بمسافر يُصَلِّي صَلَاة الْجُمُعَة بهم فَأَتمَّ بِهِ مُسَافر يَنْوِي الظّهْر قصرا لزمَه الْإِتْمَام لِأَن صَلَاة الْجُمُعَة صَلَاة مُقيم وَحكي فِيهِ وَجه آخر أَنه يقصر وَلَيْسَ بِشَيْء

وَقيل إِن هَذَا يبتنى على أَن الْجُمُعَة ظهر مَقْصُورَة فَإِن قُلْنَا إِنَّهَا ظهر مَقْصُورَة جَازَ لَهُ الْقصر وَإِلَّا لم يجز فَإِن أحرم يَنْوِي الْقصر ثمَّ نوى الْإِتْمَام أم الْإِقَامَة أتم وَمن خَلفه وَقَالَ مَالك لَا يجوز لَهُ أَن يَنْوِي الْإِتْمَام وَلَا يلْزم الْمَأْمُومين الْإِتْمَام وَإِن لزم الإِمَام بنية الْإِقَامَة وَالْأول عِنْده إِذا نوى الْإِقَامَة وَقد صلى رَكْعَة أَن يَجْعَلهَا نَافِلَة ويستأنف صَلَاة مُقيم فَإِن سَافر وَكَانَ ملاحا فِي سفينة فِيهَا أَهله وَمَاله فَلهُ أَن يقصر نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي رَحمَه الله وَقَالَ أَحْمد لَا يقصر ذكر ابْن الْقَاص أَنه إِذا ائتم مُسَافر بمسافر وَنوى الْقصر فَذكر الإِمَام فِي أثْنَاء الصَّلَاة أَنه كَانَ قد نوى الْإِتْمَام وَكَانَ مُحدثا جَازَ للْمَأْمُوم الْقصر وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ تبنى على صَلَاة الْمَأْمُوم خلف الْمُحدث هَل هِيَ صَلَاة انْفِرَاد أَو صَلَاة جمَاعَة فَإِن قُلْنَا صَلَاة جمَاعَة لزمَه الْإِتْمَام وَلَيْسَ بِشَيْء فَإِن ائتم مُسَافر بمسافر وَلم يعلم حَاله هَل نوى الْقصر أم لَا فَنوى الْقصر خَلفه جَازَ وَمن اصحابنا من قَالَ يعلق نِيَّته على نِيَّة الإِمَام فَإِن أفسد الإِمَام صلَاته وَانْصَرف وَلم يعلم حَاله لزمَه الْإِتْمَام على الْمَنْصُوص وَهُوَ قَول أبي إِسْحَاق الْمروزِي

وَمن اصحابنا من قَالَ يجوز لَهُ الْقصر وَالْأول أظهر وَقَالَ ابو حنيفَة يلْزمه الْقصر قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله فَإِن صلى مُسَافر بمقيمين فرعف واستخلف مُقيما أتم الراعف فَمن اصحابنا من قَالَ هَذَا على القَوْل الَّذِي يَقُول إِن صَلَاة الراعف لَا تبطل فَيكون فِي حكم الْمُؤْتَم بالمقيم وَمن اصحابنا من قَالَ يلْزمه على القَوْل الْجَدِيد أَيْضا وَلَيْسَ بِشَيْء وعَلى قَول أَكثر أَصْحَابنَا المُرَاد بِهِ إِذا غسل الدَّم وَعَاد وَاتبع الْمُقِيم وَفِي كَلَام الشَّافِعِي رَحمَه الله مَا يدل عَلَيْهِ وَحكي عَن أبي حنيفَة انه قَالَ لَا يجب على الْمُسَافِرين الْإِتْمَام فَإِن ائتم مقيمون ومسافرون بمسافر نوى الْقصر فَسلم الإِمَام وَقَامَ المقيمون لإتمام صلَاتهم فَأَرَادَ أَن يسْتَخْلف مِنْهُم مُقيما يُصَلِّي بهم بَقِيَّة صلَاتهم يَبْنِي على الْقَوْلَيْنِ فِي جَوَاز الِاسْتِخْلَاف إِذا احدث الإِمَام فعلى قَوْله الْقَدِيم لَا يجوز وعَلى قَوْله الْجَدِيد يجوز وَسَيَأْتِي ذكره فِي الْجُمُعَة فَإِن قُلْنَا فها هُنَا وَجْهَان وَلَا يكره لمن يقصر النَّفْل وَحكي عَن بعض النَّاس انه قَالَ يكره

إِذا أحرم الإِمَام بِالصَّلَاةِ فِي سفينة فِي الْحَضَر فسارت السَّفِينَة لزمَه الْإِتْمَام ذكر فِي الْحَاوِي إِن هَذَا مَذْهَب كَافَّة الْفُقَهَاء إِلَّا مَا يحْكى شاذا مِنْهُم أَنه يجوز الْقصر وَهُوَ خطأ إِذا نوى الْمُسَافِر إِقَامَة اربعة ايام غير يَوْم الدُّخُول وَيَوْم الْخُرُوج صَار مُقيما وَبِه قَالَ مَالك وَقَالَ ابو حنيفَة إِذا نوى إِقَامَة خَمْسَة عشر يَوْمًا صَار مُقيما مَعَ يَوْم الدُّخُول وَيَوْم الْخُرُوج وَإِن نوى أقل من ذَلِك لم يصر مُقيما وَبِه قَالَ الثَّوْريّ وَاخْتَارَهُ الْمُزنِيّ رَحمَه الله وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه إِن نوى إِقَامَة تِسْعَة عشر يَوْمًا لم يقصر وَإِن كَانَ أقل يقصر وَبِه قَالَ إِسْحَاق وَقَالَ اللَّيْث بن سعد إِن نوى مقَام أَكثر من خَمْسَة عشر يَوْمًا أتم وَقَالَ الْحسن بن صَالح إِن نوى إِقَامَة عشرَة ايام أتم وَفِيمَا دونهَا يقصر

وَعَن الْأَوْزَاعِيّ أَنه قَالَ إِن نوى مقَام اثْنَي عشر يَوْمًا أتم وَعَن أَحْمد أَنه إِن نوى إِقَامَة مُدَّة يفعل فِيهَا أَكثر من عشْرين صَلَاة أتم وَهَذَا قريب من مَذْهَبنَا إِذا سَافر إِلَى بلد يقصر فِيهِ الصَّلَاة فَمر فِي طَرِيقه بِبَلَد لَهُ فِيهِ مَال وَأهل فَنزل فِيهِ لم يلْزمه الْإِتْمَام وَحكي فِيهِ قَول آخر أَنه لَا يجوز لَهُ الْقصر وَلَيْسَ بِشَيْء فَأَما إِذا نوى الْإِقَامَة على حَرْب أَرْبَعَة ايام فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يقصر وتلغو نِيَّته وَالثَّانِي أَنه يتم ذكر بعض اصحابنا أَن نَظِير هَذِه الْمَسْأَلَة إِذا نوى إِقَامَة اربعة ايام فِي مَوضِع لَا يصلح للإقامة من جبل أَو بَريَّة فَهَل تَنْقَطِع الرُّخْصَة فِيهِ قَولَانِ وَهَذَا نَظِير بعيد لِأَن الْمُقِيم على الْحَرْب مُقيم بحكمها لَا بِاخْتِيَارِهِ والمقيم فِي الْموضع الَّذِي لَا يصلح للإقامة مُقيم بِاخْتِيَارِهِ

فصل إذا فاتته صلاة في الحضر

فَأَما إِذا نوى الْإِقَامَة لغير حَرْب من بيع مَتَاع واجتماع رفْقَة وَنوى إِقَامَة أَرْبَعَة ايام لم يقصر وَإِن نوى أَنه مَتى انتجزت حَاجته سَار وَلم ينْو مُدَّة فَإِنَّهُ يتَحَصَّل فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهمَا أَنه يقصر إِلَى أَرْبَعَة ايام وَالثَّانِي أَنه يقصر ثَمَانِيَة عشر يَوْمًا وَالثَّالِث أَنه يقصر أبدا وَهُوَ قَول أبي حنيفَة فَأَما الْمُقِيم على حَرْب إِذا انتجزت صَار يقصر إِلَى ثَمَانِيَة عشر يَوْمًا وَفِيمَا زَاد على قَوْلَيْنِ فصل إِذا فَاتَتْهُ صَلَاة فِي الْحَضَر فقضاها فِي السّفر قَضَاهَا تَامَّة قَالَ ابْن الْمُنْذر لَا أعرف فِيهِ خلافًا إِلَّا شَيْئا يحْكى عَن الْحسن الْبَصْرِيّ وروى الْأَشْعَث ان الِاعْتِبَار بِحَال الْفِعْل فيقصر

وروى يُونُس أَن الِاعْتِبَار بِحَال الْوُجُوب فِيهِ فَيتم وَحكى عَن الْمُزنِيّ فِي مسَائِله الْمُعْتَبرَة أَنه يقصر وَإِن فَاتَتْهُ صَلَاة فِي السّفر فقضاها فِي الْحَضَر فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يقصرها وَهُوَ قَول ابي حنيفَة وَمَالك وَالثَّانِي لَا يقصر وَهُوَ الْأَصَح وَبِه قَالَ أَحْمد وَدَاوُد وَاخْتَارَهُ الْمُزنِيّ وَإِن فَاتَتْهُ صَلَاة فِي السّفر فقضاها فِي السّفر فَفِيهِ قَولَانِ أظهرهمَا أَنه يقصرها وَلَا فرق بَين أَن يتَحَلَّل بَين الْقَضَاء وَالْأَدَاء حضرا وَبَين أَن لَا يتحللها حضرا وَحكي عَن بعض اصحابنا أَنه إِذا تحللها حضرا لم يجز الْقصر وَالْمذهب الأول وَعَن اصحابنا من حكى فِي ذَلِك ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه يقصر بِكُل حَال وَالثَّانِي لَا يقصر بِحَال

وَالثَّالِث يقصر إِذا قضى فِي السّفر وَلَا يقصر إِذا قضى فِي الْحَضَر قَالَ الشَّيْخ الإِمَام وَعِنْدِي لَو بنى الْقَضَاء فِي الْحَضَر على الْقَوْلَيْنِ فِي الْقَضَاء فِي السّفر كَانَ حسنا فَيُقَال إِذا قُلْنَا لَا يقصر إِذا قضى فِي السّفر فَإِذا قضى فِي الْحَضَر أولى وَإِن قُلْنَا يقصر إِذا قضى فِي السّفر فَفِي الْحَضَر قَولَانِ فَإِن دخل عَلَيْهِ وَقت الصَّلَاة فِي الْحَضَر ثمَّ سَافر جَازَ لَهُ الْقصر وَقَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله لَا يجوز لَهُ الْقصر إِذا كَانَ قد تمكن من الْأَدَاء فِي الْحَضَر وَهُوَ قَول أبي الْعَبَّاس ذكر فِي الْحَاوِي أَنه إِذا سَافر وَقد مضى من أول الْوَقْت قدر رَكْعَة جَازَ لَهُ الْقصر إِلَّا على قَول أبي يحيى الْبَلْخِي فَإِن الْفَرْض عِنْده يسْتَقرّ بِقدر رَكْعَة من أول الْوَقْت فَلَا يجوز لَهُ الْقصر وَيَنْبَغِي أَن يكون هَذَا على قَوْله إِذا كَانَ يُوَافق الْمُزنِيّ فِي السّفر بعد الْإِمْكَان فِي الْمَنْع من الْقصر فَإِن سَافر بَعْدَمَا ضَاقَ وَقت الصَّلَاة جَازَ لَهُ الْقصر وَقَالَ ابو الطّيب بن سَلمَة لَا يجوز فَإِن كَانَ بَقِي من الْوَقْت قدر رَكْعَة ثمَّ سَافر فَهَل يجوز لَهُ الْقصر فَإِنَّهُ يَبْنِي على أَنه يكون مُؤديا لما فعله خَارج الْوَقْت وَفِيه وَجْهَان فَإِن قُلْنَا بِظَاهِر الْمَذْهَب أَنه يكون مُؤديا لجميعها جَازَ لَهُ الْقصر وَإِن قُلْنَا بقول أبي إِسْحَاق لم يقصر وَحكى فِي الْحَاوِي فِي ذَلِك قَوْلَيْنِ

فصل يجوز الجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء

أَحدهمَا وَهُوَ الْمَنْصُوص عَلَيْهِ فِي عَامَّة كتبه أَنه لَا يقصر وَالثَّانِي نَص عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاء أَنه يقصر فَإِن قدم الْبَلَد وَقد بَقِي من الْوَقْت قدر لَا يَتَّسِع لفعل رَكْعَة فَهَل يثبت لَهُ حكم المقيمين أم لَا فَإِنَّهُ يَبْنِي على أَن إِدْرَاك هَذَا الْقدر من الْوَقْت هَل يتَعَلَّق بِهِ الْوُجُوب أم لَا فِيهِ قَولَانِ وَهَذَا تَخْرِيج بعيد لِأَن إِدْرَاك حكم المقيمين يَكْفِي فِيهِ إِدْرَاك جُزْء من الْوَقْت فصل يجوز الْجمع بَين الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء بِقدر السّفر وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَأَبُو ثَوْر وَقَالَ ابو حنيفَة وَالنَّخَعِيّ لَا يجوز الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ بِقدر السّفر بِحَال وَاخْتَارَهُ الْمُزنِيّ وَفِي الْجمع فِي السّفر الْقصير قَولَانِ اظهرهما أَنه لَا يجوز

وَالثَّانِي يجوز وَهُوَ قَول مَالك فَإِذا أَرَادَ الْجمع بَينهمَا فِي وَقت الأولى فَلَا بُد من نِيَّة الْجمع وَقَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله لَا يحْتَاج إِلَى نِيَّة الْجمع وَإِنَّمَا يعْتَبر قرب الْفَصْل بَينهمَا وَفِي وَقت نِيَّة الْجمع قَولَانِ أَحدهمَا تعْتَبر النِّيَّة مَعَ الْإِحْرَام بِالْأولَى وَالثَّانِي تعْتَبر قبل الْفَرَاغ من الأولى وَيعْتَبر أَن يقدم الأولى على الثَّانِيَة ويوالي بَينهمَا فَإِن فصل بَينهمَا بتنفل لم يَصح الْجمع وَقَالَ ابو سعيد الْإِصْطَخْرِي لَا يمْنَع ذَلِك صِحَة الْجمع فَإِن دخل بلد الْإِقَامَة بعد الْفَرَاغ من الثَّانِيَة وَقبل دُخُول وَقتهَا فَهَل تُجزئه فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يُجزئهُ ذكره القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله

وَذكر الشَّيْخ ابونصر رَحمَه الله نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي الْمَطَر على مَا يُخَالف ذَلِك فَإِن نوى الْإِقَامَة بعد الشُّرُوع فِي الثَّانِيَة لم يجزه عَن الْفَرْض وَهل تبطل أَو تصير نفلا على قَوْلَيْنِ ذكره القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله وَيجوز الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ بِعُذْر الْمَطَر فِي وَقت الأولى مِنْهُمَا وَقَالَ ابو حنيفَة واصحابه لَا يجوز ذَلِك وَاخْتَارَهُ الْمُزنِيّ رَحمَه الله وَقَالَ مَالك وَأحمد يجوز الْجمع بَين الْمغرب وَالْعشَاء بِعُذْر الْمَطَر وَلَا يجوز بَين الظّهْر وَالْعصر وَهل يجوز الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ فِي وَقت الثَّانِيَة مِنْهُمَا بِعُذْر الْمَطَر فِيهِ قَولَانِ احدهما يجوز وَهُوَ قَول أَحْمد فَأَما الْوَصْل من غير مطر فَلَا يجوز الْجمع بِهِ وَقَالَ مَالك وَأحمد يجوز الْجمع بِهِ فَإِن كَانَ فِي مَسْجِد لَيْسَ فِي

طَرِيقه إِلَيْهِ مطر فَفِي جَوَاز الْجمع قَولَانِ وَلَا يجوز الْجمع لمَرض وَلَا خوف وَقَالَ أَحْمد يجوز الْجمع للمرض وَالْخَوْف وَحكى ابْن لمنذر عَن ابْن سِيرِين أَنه قَالَ يجوز الْجمع من غير مرض وَلَا خوف وَاخْتَارَهُ ابْن الْمُنْذر

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب صَلَاة الْخَوْف صَلَاة الْخَوْف ثَابِتَة وَقَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله هِيَ مَنْسُوخَة وَقَالَ ابو يُوسُف كَانَت مُخْتَصَّة برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا يُؤثر الْخَوْف فِي عدد رَكْعَات الصَّلَاة وَحكي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ صَلَاة الْخَوْف رَكْعَة لكل طَائِفَة وَللْإِمَام رَكْعَتَانِ وَبِه قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ وطاووس وَلَا تجوز صَلَاة الْخَوْف فِي الْقِتَال الْمَحْظُور وَقَالَ ابو حنيفَة تجوز

فَإِن كَانَ الْعَدو فِي غير جِهَة الْقبْلَة وَلم يُؤمنُوا وَفِي الْمُسلمين كَثْرَة فَإِن الإِمَام يفرق النَّاس فرْقَتَيْن فرقة تقف فِي وَجه الْعَدو وَفرْقَة تصلي مَعَه فَإِن كَانَت الصَّلَاة رَكْعَتَيْنِ صلى بالطائفة الأولى رَكْعَة وَثَبت قَائِما فِي الثَّانِيَة وأتمت الطَّائِفَة الأولى لنَفسهَا وسلمت وَمَضَت إِلَى وَجه الْعَدو وَأَتَتْ الطَّائِفَة الثَّانِيَة فأحرمت خلف الإِمَام فَيصَلي بهَا الرَّكْعَة الثَّانِيَة وَهل يقْرَأ الإِمَام فِي حَال انْتِظَار فرَاغ الأولى ومجيء الثَّانِيَة فِيهِ طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَنه على قَوْلَيْنِ أظهرهمَا أَنه يقْرَأ وَالطَّرِيق الثَّانِي أَنه إِن أَرَادَ تَطْوِيل الْقِرَاءَة قَرَأَ وَإِن أَرَادَ أَن يقْرَأ سُورَة قَصِيرَة لم يقْرَأ حَتَّى تاتي الطَّائِفَة الثَّانِيَة فَيقْرَأ مَعهَا فَإِذا أَحرمت الطَّائِفَة الثَّانِيَة خَلفه قَرَأَ بهَا وَركع وَسجد وَقعد للتَّشَهُّد وتنهض الطَّائِفَة الثَّانِيَة إِلَى الرَّكْعَة الثَّانِيَة من السُّجُود وَلَا تجْلِس مَعَه فِي أظهر الْقَوْلَيْنِ وَفِي القَوْل الثَّانِي تجْلِس مَعَه ثمَّ تقوم قبل السَّلَام وَيقف الإِمَام ينتظرها حَتَّى تتمّ الرَّكْعَة الثَّانِيَة وتجلس مَعَه ويتشهد وَيسلم بهَا

فتفارقه هَذِه الطَّائِفَة فعلا لَا حكما حَتَّى يلْحقهَا حكم سَهْوه ويتحمل سهوها والطائفة الأولى تفارق الإِمَام فعلا وَحكما وَقَالَ مَالك تتشهد مَعَ الإِمَام وَيسلم الإِمَام فَإِذا سلم قَامَت وأتمت لأنفسها وَهل يتَشَهَّد الإِمَام فِي حَال انْتِظَاره لَهَا فِيهِ طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَنه على الْقَوْلَيْنِ كالقراءة وَالثَّانِي أَنه يتَشَهَّد قولا وَاحِدًا وَمن اصحابنا من قَالَ حَيْثُ قَالَ يتَشَهَّد أَرَادَ بِهِ إِذا كَانَت الصَّلَاة صَلَاة حضر ارْبَعْ رَكْعَات فَإِنَّهُ يتَشَهَّد بهم لِأَنَّهُ مَحل تشهدهم فيفارقونه بعده وَحَيْثُ قَالَ يقومُونَ قبل التَّشَهُّد إِذا كَانَت الصَّلَاة رَكْعَتَيْنِ وَنَحْو قَوْلنَا قَالَ أَحْمد وَدَاوُد وَهَذِه صفة صَلَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِذَات الرّقاع وَقَالَ ابو حنيفَة يُصَلِّي الإِمَام بالطائفة الأولى رَكْعَة وتمضي إِلَى وَجه الْعَدو وَهِي فِي الصَّلَاة وَتَأْتِي الطَّائِفَة الثَّانِيَة فَتحرم خلف الإِمَام وَيُصلي بِهِ الرَّكْعَة الثَّانِيَة وَيسلم وَترجع الطَّائِفَة إِلَى وَجه الْعَدو وَهِي فِي الصَّلَاة وَتَأْتِي الطَّائِفَة الأولى من وَجه الْعَدو إِلَى مَوضِع الصَّلَاة مَعَ الإِمَام فَتُصَلِّي رَكْعَة لنَفسهَا مُنْفَرِدَة وتسلم وَترجع إِلَى وَجه الْعَدو وَتَأْتِي الطَّائِفَة الْأُخْرَى إِلَى ذَلِك الْمَكَان فتمم صلَاتهَا تقْرَأ فِيهَا والطائفة الأولى لَا تقْرَأ فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة شَيْئا

فَإِن سَهَا الإِمَام فِي الرَّكْعَة الأولى لحق حكم سَهْوه الطَّائِفَتَيْنِ فَإِذا أتمت الطَّائِفَة الأولى صلَاتهَا سجدت للسَّهْو قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله وَيُشِير إِلَيْهِم بِمَا يفهمون أَنه سَهَا وَقَالَ فِي الْإِمْلَاء إِن كَانَ سَهوا ظَاهرا كالقيام فِي مَوضِع الْقعُود لم يشر وَإِن كَانَ خفِيا بِأَن يقْرَأ فِي حَال رُكُوعه اشار وَاخْتَارَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي هَذَا وَغَيره قَالَ لَا فرق بَين الظَّاهِر والخفي فِي الْإِشَارَة وَالْأول أظهر وَإِن سَهَا الإِمَام فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة لحق الطَّائِفَة الثَّانِيَة حكم سَهْوه فَإِذا جلس الإِمَام للتَّشَهُّد فارقته فعلا وانتظرها فَإِذا سجد للسَّهْو سجدت مَعَه فِي أصح الْقَوْلَيْنِ فَأَما إِذا قُلْنَا إِنَّهَا تُفَارِقهُ بعد التَّشَهُّد فَإِنَّهَا تسْجد مَعَه للسَّهْو ثمَّ تُفَارِقهُ فعلا وَيكون كالمسبوق على مَا تقدم فَإِن صلى بهم الإِمَام فِي الْخَوْف صَلَاة ابي حنيفَة صحت صلَاتهم وَفِيه قَول آخر إِنَّهَا لَا تصح فَإِن فرغت الطَّائِفَة الثَّانِيَة وَجَلَست مَعَ الإِمَام للتَّشَهُّد وَكَانَ الإِمَام قد تشهد قبل إِدْرَاكهَا لَهُ فَسجدَ للسَّهْو فَهَل تتبعه فِي السُّجُود فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنَّهَا تسْجد مَعَه

وَالثَّانِي أَنَّهَا تتشهد ثمَّ تسْجد بَعْدَمَا يسلم فَإِذا قُلْنَا إِنَّهَا تسْجد مَعَه فَهَل تعيد السُّجُود إِذا تشهدت على مَا ذَكرْنَاهُ من الْقَوْلَيْنِ وَالأَصَح أَن تتبعه فِي السُّجُود فَإِن أَرَادَ أَن يُصَلِّي الْمغرب فِي حَال الْخَوْف صلى بطَائفَة رَكْعَة وبطائفة رَكْعَتَيْنِ وَفِي الْأَفْضَل قَولَانِ أصَحهمَا أَنه يُصَلِّي بالطائفة الأولى رَكْعَتَيْنِ وبالثانية رَكْعَة وَبِه قَالَ مَالك فعلى هَذَا تُفَارِقهُ الطَّائِفَة الأولى بعد فَرَاغه من التَّشَهُّد قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي انْتِظَار الإِمَام إِن انتظرهم قَائِما فَحسن وَإِن انتظرهم جَالِسا للتَّشَهُّد فَجَائِز فَمن اصحابنا من جعل فِي الْأَفْضَل قَوْلَيْنِ وَالْأول أصح

وَتجوز صَلَاة الْخَوْف فِي الْحَضَر فَيصَلي بطَائفَة رَكْعَتَيْنِ وبالأخرى رَكْعَتَيْنِ والانتظار على مَا بَينا وَحكي عَن مَالك أَنه لَا يجوز أَن يُصَلِّي فِي الْحَضَر صَلَاة الْخَوْف وَذكر اصحابه جَوَاز ذَلِك وَإِن فرقهم الإِمَام أَربع فرق فصلى بِكُل فرقة رَكْعَة وانتظرها حَتَّى أتمت لنَفسهَا ثَلَاث رَكْعَات وَمَضَت إِلَى وَجه الْعَدو وَجَاءَت الطَّائِفَة الْأُخْرَى وَفعل فِي حق كل طَائِفَة مثل ذَلِك فقد زَاد انتظارين على الِانْتِظَار الْمَشْرُوع لَهُ فَهَل تبطل بذلك صلَاته فِيهِ قَولَانِ أصَحهمَا أَنَّهَا لَا تبطل فعلى هَذَا تصح صَلَاة الطَّائِفَة الرَّابِعَة وَقد فَارق الْبَاقُونَ الإِمَام من غير عذر فَيكون صلَاتهم على الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِك وَإِن قُلْنَا إِن صَلَاة الإِمَام تبطل فَفِي وَقت بُطْلَانهَا وَجْهَان وَالْمذهب انها تبطل بالانتظار الثَّانِي وَهُوَ انْتِظَاره لمجيء الطَّائِفَة الثَّالِثَة فعلى هَذَا تبطل صَلَاة الطَّائِفَة الثَّالِثَة وَالرَّابِعَة وَالْوَجْه الثَّانِي أَنَّهَا تبطل بالانتظار الثَّالِث وَهُوَ انْتِظَاره لفراغ الثَّالِثَة فعلى هَذَا تبطل صَلَاة الطَّائِفَة الرَّابِعَة دون غَيرهَا وَإِنَّمَا تبطل صَلَاة الْمَأْمُوم إِذا علم بِحَال الإِمَام وبماذا يعْتَبر علمه فِيهِ وَجْهَان

أَحدهمَا يعْتَبر علمه بتفريق الإِمَام النَّاس أَربع فرق وَالثَّانِي يعْتَبر أَن يعلمُوا أَن ذَلِك مُبْطل لصلاتهم لعسفان فَأَما صَلَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعسفان فشرطها أَن يكون الْعَدو فِي جِهَة الْقبْلَة وَفِي الْمُسلمين كَثْرَة وهم على مستوى من الأَرْض فَيجْعَل الإِمَام النَّاس صفّين وَيحرم بهم جَمِيعًا وَيقْرَأ ويركع بهم جَمِيعًا وَيرْفَع وَيسْجد وَيسْجد الصَّفّ الَّذِي يَلِيهِ مَعَه وَيقف الصَّفّ الثَّانِي يَحْرُسُونَهُمْ فَإِذا رفعوا رؤوسهم من السُّجُود قَامُوا وَسجد الصَّفّ الَّذين حرسوا وَقَامُوا فَيقْرَأ بهم جَمِيعًا ويركع وَيرْفَع بهم جَمِيعًا ثمَّ يسْجد وَيسْجد مَعَه الَّذين حرسوا

فِي الأولى وَيقف الَّذين سجدوا فَإِذا سجدوا وَرفعُوا سجدوا وَرفعُوا ويتشهد بهم جَمِيعًا وَيسلم بهم وَذكر أَصْحَابنَا أَنه يحرسهم الصَّفّ الَّذِي يَلِيهِ وَيسْجد الصَّفّ الآخر كي يسترونهم عَن الْكفَّار والجميع جَائِز وَهَذَا أحوط فَإِن حرستهم طَائِفَة وَاحِدَة فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَفِي صِحَة صلَاتهَا وَجْهَان بِنَاء على الْقَوْلَيْنِ فِيهِ إِذا فرقهم أَربع فرق فَإِن صلى بهم صَلَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِذَات الرّقاع فِي الْأَمْن فَصَلَاة الإِمَام صَحِيحَة قَالَ القَاضِي ابو الطّيب رَحمَه الله يَنْبَغِي أَن يَنْبَنِي ذَلِك على الْقَوْلَيْنِ فِيهِ إِذا فرقهم أَربع فرق فِي حَال الْخَوْف فالطائفة الأولى فَارَقت الإِمَام من غير عذر فَفِي بطلَان صلَاتهَا قَولَانِ وَصَلَاة الطَّائِفَة الثَّانِيَة بَاطِلَة وَقَالَ ابو الْعَبَّاس وابو عَليّ بن خيران فيهمَا قَولَانِ وَإِن صلى فِي الْأَمْن صَلَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعسفان فَصَلَاة الإِمَام وَمن تبعه وَمن تبعه فِي السُّجُود صَحِيحَة وَمن تَأَخّر عَنهُ فِي السُّجُود قد سبق الإِمَام بسجدتين وجلسة وَمن اصحابنا من قَالَ تبطل صلَاتهم وَقَالَ ابو إِسْحَاق السجدتان بِمَنْزِلَة الرُّكْن الْوَاحِد والجلسة للفصل

وَذكر الشَّافِعِي رَحمَه الله إِذا أَرَادَ أَن يُصَلِّي بهم الْجُمُعَة فِي حَال الْخَوْف فصلى بطَائفَة رَكْعَة وفارقته وَجَاءَت الطَّائِفَة الثَّانِيَة فصلى بهم الرَّكْعَة الثَّانِيَة صحت الصَّلَاة وَإِن كَانَ قد صَار مُنْفَردا فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة لمفارقة الإِمَام وَفِي انْتِظَاره مَجِيء الثَّانِيَة فَمن أَصْحَابنَا من قَالَ ذَلِك جَائِز على أحد الْقَوْلَيْنِ فِي الانفضاض عَن الإِمَام فَإِنَّهُ يُتمهَا جُمُعَة مُنْفَردا وَمِنْهُم من قَالَ تصح هَا هُنَا قولا وَاحِدًا لأَنهم معذورون فِي مُفَارقَة الإِمَام وَيحْتَاج أَن تكون كل وَاحِدَة من الطَّائِفَتَيْنِ أَرْبَعِينَ فَإِن كَانَت الطَّائِفَة الأولى أَرْبَعِينَ وَالثَّانيَِة أقل فقد ذكر الشَّيْخ ابو حَامِد أَنه لَا نَص فِي ذَلِك فَتَصِح وَمن اصحابنا من قَالَ فِيهِ قَولَانِ ذكر فِي الْحَاوِي فِي تفريقهم أَربع فرق وَجْهَيْن أَحدهمَا أَنهم معذورون فِي مُفَارقَة الإِمَام وَالثَّانِي أَنهم غير معذورين فَإِن قُلْنَا إِنَّهُم معذورون لم تبطل صلَاتهم قولا وَاحِدًا وَإِذا قُلْنَا إِن صَلَاة الإِمَام صَحِيحَة فَهَل تتبعه الطَّائِفَة الثَّانِيَة فِي التَّشَهُّد فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنَّهَا لَا تتبعه وَهُوَ الْأَظْهر

هَل يجب حمل السِّلَاح فِي الصَّلَاة فِيهِ طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَنه على قَوْلَيْنِ وَهُوَ الْأَصَح احدهما يجب وَهُوَ قَول دَاوُد وَالثَّانِي أَنه يسْتَحبّ وَهُوَ قَول ابي حنيفَة وَمِنْهُم من قَالَ إِن كَانَ السِّلَاح بِمَا يدْفع عَن نَفسه كالسكين وَالسيف وَجب عَلَيْهِ حمله وَإِن كَانَ مِمَّا يدْفع بِهِ عَن نَفسه وَعَن غَيره كالرمح لم يجب فَأَما حَال الْمُسَابقَة والتحام الْقِتَال فَإِنَّهُم يصلونَ كَيفَ مَا أمكنهم رجَالًا وركبانا مستقبلي الْقبْلَة وَغير مستقبليها قعُودا على دوابهم وقياما على الأَرْض يومئون إِلَى الرُّكُوع وَالسُّجُود برؤوسهم وَيكون فِي السُّجُود أَخفض من الرُّكُوع وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يصلونَ فِي حَال الْمُسَابقَة وَلَا مَعَ الْمَشْي ويؤخرون الصَّلَاة إِلَى أَن يقدروا فَإِن افْتتح الصَّلَاة رَاكِبًا فِي شدَّة الْخَوْف ثمَّ أَمن نزل وَلم يستدبر الْقبْلَة وَبنى على صلَاته

وَإِن افْتتح الصَّلَاة نَازل فخاف فَركب للصَّلَاة اسْتَأْنف الصَّلَاة وَقَالَ فِي مَوضِع آخر يَبْنِي على صلَاته فَقَالَ أَبُو إِسْحَاق إِن فعل ذَلِك اخْتِيَارا فِي طلب مُشْرك بطلت صلَاته وَإِن ركب لضَرُورَة بنى على صلَاته وَمن اصحابنا من جعل ذَلِك على قَوْلَيْنِ فَإِن رَأَوْا سوادا فظنوهم عدوا فصلوا صَلَاة شدَّة الْخَوْف يومئون إِيمَاء فَبَان انهم لم يَكُونُوا عدوا فقد نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي الْأُم على وجوب الْإِعَادَة وَقَالَ فِي الْإِمْلَاء إِن كَانُوا قد صلوا بِخَبَر ثِقَة فَلَا إِعَادَة عَلَيْهِم فَمن أَصْحَابنَا من قَالَ إِن كَانُوا قد صلوا بِخَبَر ثِقَة فَفِي الْإِعَادَة قَولَانِ وَإِن صلوا بظنهم وَجَبت الْإِعَادَة قولا وَاحِدًا وَمِنْهُم من قَالَ فِي الْجَمِيع قَولَانِ أَحدهمَا لَا تجب الْإِعَادَة وَهُوَ اخْتِيَار أبي إِسْحَاق الْمروزِي وَالثَّانِي تجب الْإِعَادَة وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَاخْتِيَار الْمُزنِيّ ذكر القَاضِي حُسَيْن أَن نَظِير هَذِه الْمَسْأَلَة الْخُنْثَى إِذا مس رجلا وَصلى ثمَّ بَان أَنه امْرَأَة فِي وجوب الْإِعَادَة قَولَانِ

قَالَ الشَّيْخ الإِمَام أيده الله وَهَذَا لَيْسَ بنظير صَحِيح وَهَا هُنَا تجب الْإِعَادَة قولا وَاحِدًا كَمَا لَو شكّ فِي الْحَدث بعد الطَّهَارَة وَصلى ثمَّ بَان أَنه كَانَ مُحدثا وَيجوز فعل الصَّلَاة حَال شدَّة الْخَوْف رَاكِبًا جمَاعَة وفرادى وَقَالَ ابو حنيفَة لَا تفعل فِي جمَاعَة فَإِن رَأَوْا عدوا فخافوهم فصلوا صَلَاة شدَّة الْخَوْف ثمَّ بَان بَينهم خَنْدَق أَو نهر يمْنَع فَفِيهِ طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَنه على الْقَوْلَيْنِ فِيهِ إِذا رَأَوْا سوادا فظنوهم عدوا وَالثَّانِي تجب الْإِعَادَة قولا وَاحِدًا قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله وَلَا بَأْس أَن يضْرب الضَّرْبَة ويطعن الطعنة فَإِن تَابع أَو عمل مَا يطول بطلت صلَاته وَحكى الشَّيْخ ابو حَامِد عَن أبي الْعَبَّاس بن سُرَيج أَنه إِن لم يكن مُضْطَرّا بطلت صلَاته وَإِن كَانَ مُضْطَرّا لم تبطل كالمشي وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ إِن اضْطر إِلَيْهِ فعل وَلكنه تلْزمهُ الْإِعَادَة وَذكر أَصْحَابنَا أَن الضَّرْبَة الْوَاحِدَة لَا تبطل وَفِي الضربتين وَجْهَان وَالثَّلَاث تبطل فِي غير حَال الْخَوْف فَأَما فِي حَالَة الْخَوْف فَمن اصحابنا من قَالَ تبطل أَيْضا

وَقَالَ ابو الْعَبَّاس لَا تبطل وَهُوَ الْأَصَح وَالشَّيْخ ابو نصر اخْتَار أَن يكثر الْعَمَل أَو يقل من غير اعْتِبَار عدد وَللشَّافِعِيّ رَحمَه الله كَلَام يدل عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَصَح رُجُوعا إِلَى الْعرف وَيحرم على الرِّجَال اسْتِعْمَال الْحَرِير فِي اللّبْس وَالْجُلُوس عَلَيْهِ والاستناد إِلَيْهِ وَقَالَ ابو حنيفَة يحرم اللّبْس خَاصَّة دون مَا سواهُ فَإِن كَانَ الثَّوْب مَعْمُولا من إبريم وقطن أَو كتَّان وَكَانَ نِصْفَيْنِ حرم لَهُ فِي اُحْدُ الْوَجْهَيْنِ

وَلَا يكره ان يلبس دَابَّته أَو أداته جلد ميتَة من حَيَوَان طَاهِر وَقيل يكره كَمَا يكره أَن يلْبسهُ فِي نَفسه وَحكى بَعضهم قَوْلَيْنِ فِي ذَلِك من غير فصل بَين نَفسه واداته وَلَيْسَ بِشَيْء

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب صَلَاة الْجُمُعَة الْجُمُعَة فرض على الْأَعْيَان وَغلط بعض أَصْحَابنَا فَحكى أَنَّهَا

فرض على الْكِفَايَة وَلَيْسَ بِشَيْء وَلَا تجب الْجُمُعَة على مُسَافر وَقَالَ الزُّهْرِيّ وَالنَّخَعِيّ تجب الْجُمُعَة على الْمُسَافِر إِذا سمع النداء وَلَا جُمُعَة على العَبْد وَبِه قَالَ ابو حنيفَة وَمَالك وَقَالَ دَاوُد تجب عَلَيْهِ الْجُمُعَة وَعَن أَحْمد فِيهِ رِوَايَتَانِ وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ وَقَتَادَة تجب الْجُمُعَة على العَبْد الَّذِي يُؤَدِّي الضريبة وَلَا جُمُعَة على الْأَعْمَى إِذا لم يقدر على من يَقُودهُ وَإِن كَانَ لَهُ من يَقُودهُ وَجَبت عَلَيْهِ وَذكر القَاضِي حُسَيْن أَنه إِذا كَانَ يحسن الْمَشْي بالعصا من غير قَائِد لزمَه وَلَيْسَ بِصَحِيح وَذكر ايضا ان من لَا يقدر على الْمَشْي لزمانة أَو كبر سنّ إِذا قدر على من يحملهُ إِلَى الْجَامِع لزمَه الْقَصْد إِلَيْهِ وَلَيْسَ بِصَحِيح وَمن كَانَ خَارج الْمصر فِي مَوضِع لَا تجب فِيهِ الْجُمُعَة وَسمع النداء من الْمصر لزمَه الْقَصْد إِلَى الْجُمُعَة وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد غير أَن مَالِكًا قدر ذَلِك بِثَلَاثَة أَمْيَال

وَحكي عَن الزُّهْرِيّ أَنه قدره بِسِتَّة أَمْيَال وَعَن ربيعَة أَنه قدره بأَرْبعَة أَمْيَال وَقَالَ ابو يُوسُف وابو ثَوْر تجب الْجُمُعَة على من يؤويه اللَّيْل إِلَى منزله ويروى ذَلِك عَن عبد الله بن عمر وَأنس وَأبي هُرَيْرَة وَقَالَ ابو حنيفَة لَا تجب الْجُمُعَة بِسَمَاع النداء قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي بُلُوغ النداء وَتَكون الْأَصْوَات هادئة والرياح سَاكِنة والمنادي صيتًا وَمن لَيْسَ بِأَصَمَّ مستمعا وَيعْتَبر أَن يقف فِي طرف الْبَلَد وَقيل فِي وَسطه وَقيل فِي الْموضع الَّذِي

تُقَام فِيهِ الْجُمُعَة وَلَا يعْتَبر أَن يصعد على مَنَارَة أَو سور قَالَ القَاضِي ابو الطّيب رَحمَه الله سَمِعت شُيُوخنَا يَقُولُونَ إِلَّا بطبر ستان فَإِنَّهَا مَبْنِيَّة بَين غِيَاض وأشجار تمنع بُلُوغ الصَّوْت وَيعْتَبر اسْتِوَاء الأَرْض فَلَو كَانَت قَرْيَة على تلة جبل تسمع النداء لعلوها وَلَو كَانَت على مستوى من الأَرْض لم تسمع لم يجب عَلَيْهِم الْجُمُعَة وَلَو كَانَت فِي وَاد لَا تسمع لاستفالها وَلَو كَانَت فِي مستوى من الأَرْض لسمعت وَجب عَلَيْهِم الْجُمُعَة وَذكر الشَّيْخ أَبُو حَامِد أَن من سمع النداء لعلوه تجب عَلَيْهِ الْجُمُعَة وَمن لم يسمع لاستفالة لَا جُمُعَة عَلَيْهِ قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله وَالَّذِي ذكره القَاضِي ابو الطّيب رَحمَه الله اشبه وَذكر القَاضِي حُسَيْن إِذا كَانَت قَرْيَة على جبل تُقَام فِيهَا الْجُمُعَة وبحذائها قَرْيَة على جبل آخر تسمع النداء من الْقرْيَة الْأُخْرَى وَبَين الجبلين فِي الْوَادي قَرْيَة لَا تسمع النداء فعلى الَّتِي تسمع النداء حُضُور الْجُمُعَة وَأما الَّتِي فِي الْوَادي بَينهمَا فَفِيهَا وَجْهَان أَحدهمَا لَا تجب وَالثَّانِي تجب وَهَذِه الطَّرِيقَة عِنْدِي خَارِجَة عَن الطَّرِيقَيْنِ الْمُتَقَدِّمين

لِأَن على طَريقَة القَاضِي أبي الطّيب لَا تجب الْجُمُعَة على الْقرْيَة الَّتِي تسمع النداء لعلوها على الْجَبَل وَلَو كَانَت على اسْتِوَاء لم تسمع وَيجب على الْقرْيَة الَّتِي فِي الْوَادي إِذا كَانَت على مَسَافَة لَو كَانَت على اسْتِوَاء لسمعت وعَلى طَريقَة ابي حَامِد تجب الْجُمُعَة على الْقرْيَة الْعَالِيَة وَلَا تجب على المستفلة وَقد بَينا الصَّحِيح فَإِن اتّفق يَوْم عيد فِي يَوْم جُمُعَة فَحَضَرَ أهل السوَاد وصلوا الْعِيد جَازَ أَن ينصرفوا ويتركوا الْجُمُعَة وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ تجب عَلَيْهِم الْجُمُعَة وَلَا يسْقط فرض الْجُمُعَة بِفعل صَلَاة الْعِيد وَقَالَ احْمَد يسْقط فرض الْجُمُعَة بِصَلَاة الْعِيد وَيُصلي الظّهْر وَقَالَ عَطاء يسْقط الظّهْر وَالْجُمُعَة جَمِيعًا فِي هَذَا الْيَوْم بِفعل صَلَاة الْعِيد وَمن لَا جُمُعَة عَلَيْهِ مُخَيّر بَين فعل الْجُمُعَة وَالظّهْر فَإِن صلى الظّهْر ثمَّ زَالَ عذره وَالْوَقْت بَاقٍ لم تجب عَلَيْهِ الْجُمُعَة وَقَالَ ابْن الْحداد إِذا صلى الصَّبِي الصُّبْح ثمَّ بلغ وَجب عَلَيْهِ حُضُور الْجُمُعَة وَيسْتَحب لأرباب الْأَعْذَار ان يؤخروا فعل الظّهْر إِلَى أَن تفوت الْجُمُعَة ثمَّ يصلونها جمَاعَة

وَقَالَ ابو حنيفَة يكره لَهُم فعلهَا فِي جمَاعَة قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله وَاجِب لَهُم إِخْفَاؤُهَا لِأَن لَا يتهموا بالرغبة عَن صَلَاة الإِمَام قَالَ أَصْحَابنَا هَذَا يَقْتَضِي أَن يكون ذَلِك فِي حق من يخفي عذره فَأَما من كَانَ عذره ظَاهرا فَلَا يسْتَحبّ لَهُ إِخْفَاؤُهَا وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يكره لَهُم إظهارها بِكُل حَال وَالْمذهب الأول فَإِن صلى الْمَعْذُور ظَهره ثمَّ حضر الْجُمُعَة فَصلاهَا فَالْأولى فرض وَالْجُمُعَة تطوع وَقَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي الْقَدِيم يحْتَسب الله لَهُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ وَقَالَ أَبُو حنيفَة يبطل ظَهره بالسعي إِلَى الْجُمُعَة وَمن كَانَ من أهل فرض الْجُمُعَة لَا يجوز لَهُ فعل الظّهْر قبل فَوَات الْجُمُعَة فَإِن صلى الظّهْر قبل فعل الإِمَام الْجُمُعَة لم تصح فِي اصح الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ قَوْله الْجَدِيد وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَإِسْحَاق وَزفر وَقَالَ فِي الْقَدِيم يَصح ظَهره وَهُوَ قَول ابي حنيفَة وَاصل الْفَرْض عِنْده الظّهْر فِي يَوْم الْجُمُعَة وَيلْزمهُ السَّعْي إِلَى الْجُمُعَة فَإِذا سعى إِلَى الْجُمُعَة بطلت ظَهره وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد تبطل بِالْإِحْرَامِ بِالْجمعَةِ لَا بِنَفس السَّعْي وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي إِذا اتّفق أهل بلد على ترك الْجُمُعَة وَفعل الظّهْر أثموا وتجزيهم

وَالصَّحِيح أَنَّهَا لَا تجزيهم على قَوْله الْجَدِيد وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ إِذا أحرم بِالظّهْرِ بعد فَوَات إِدْرَاك الْجُمُعَة وَذَلِكَ بِفَوَات الرُّكُوع من الرَّكْعَة الثَّانِيَة وَقبل فرَاغ الإِمَام مِنْهَا جَازَ ذَلِك وَظَاهر كَلَام الشَّافِعِي رَحمَه الله يَقْتَضِي أَن لَا يجوز الْإِحْرَام بهَا إِلَّا بعد فرَاغ الإِمَام من الْجُمُعَة وَالْمعْنَى يَقْتَضِي مَا ذكره الأول وَمن كَانَ من أهل فرض الْجُمُعَة وَأَرَادَ السّفر وَلم يخف فَوَات الرّفْقَة لم يجز لَهُ بعد الزَّوَال وَهل يجوز قبل الزَّوَال فِيهِ قَولَانِ أصَحهمَا لَا يجوز وَهُوَ قَول أَحْمد قَالَ إِلَّا أَن يكون سفر جِهَاد ويروى عَن عبد الله بن عمر وَعَائِشَة رَضِي الله عَنْهُم وَقَالَ فِي الْقَدِيم يجوز وَهُوَ قَول مَالك وَأبي حنيفَة واصحابه وَأما البيع بعد الزَّوَال وَقبل ظُهُور الإِمَام فمكروه وَيحرم بعد ظُهُور الإِمَام وأذان الْمُؤَذّن غير أَنه يَصح وَبِه قَالَ ابو حنيفَة

وَقَالَ احْمَد وَمَالك وَدَاوُد لَا يَصح البيع وَلَا يحرم الْكَلَام قبل افْتِتَاح الإِمَام الْخطْبَة وَفِي الْجُلُوس بَين الْخطْبَتَيْنِ وَإِذا فرغ الإِمَام من الْخطْبَة إِلَى أَن يشرع فِي الصَّلَاة وَبِه قَالَ احْمَد وَقَالَ ابو حنيفَة يحرم الْكَلَام فِي جَمِيع هَذِه الْأَحْوَال كَمَا يحرم فِي حَال الْخطْبَة وكما يحرم التَّنَفُّل فِيهَا وَلَا تصح الْجُمُعَة إِلَّا فِي ابنية يستوطنها من تَنْعَقِد بهم الْجُمُعَة من بلد أَو قَرْيَة وَقَالَ ابو حنيفَة لَا تصح إِلَّا فِي مصر جَامع وَلَا تجب الْجُمُعَة على أهل الْخيام والمظال وَقَالَ فِي الْبُوَيْطِيّ تجب عَلَيْهِم إِذا كَانُوا مقيمين فِيهَا لَا يظعنون عَنْهَا شتاء وَلَا صيفا فَحصل فِيهَا قَولَانِ وَقَالَ ابو ثَوْر الْجُمُعَة كَسَائِر الصَّلَوَات إِلَّا أَنه يعْتَبر لَهَا خطْبَة فَمَتَى كَانَ هُنَاكَ مَأْمُوم وخطيب أُقِيمَت الْجُمُعَة فَإِن خرج أهل الْبَلَد إِلَى خَارج الْمصر فأقاموا الْجُمُعَة لم تصح

وَقَالَ أَبُو حنيفَة تصح إِذا كَانَ قَرِيبا من الْبَلَد كمصلى الْعِيد وَلَا تَنْعَقِد الْجُمُعَة إِلَّا بِأَرْبَعِينَ نفسا من الرِّجَال أحرارا مقيمين فِي الْموضع وَبِه قَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز وَأحمد وَقَالَ مَالك تَنْعَقِد بِمَا دون الْأَرْبَعين وَقَالَ ربيعَة تَنْعَقِد الْجُمُعَة بِاثْنَيْ عشر رجلا وَقَالَ الْحسن بن صَالح تَنْعَقِد بِاثْنَيْنِ كالجماعة فِي سَائِر الصَّلَوَات وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَأَبُو يُوسُف تَنْعَقِد بِثَلَاثَة وَحكي فِي الْحَاوِي عَن أبي عَليّ بن أبي هُرَيْرَة أَنه لَا تصح الْجُمُعَة حَتَّى يكون الْعدَد زَائِدا عَن أَرْبَعِينَ وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري تَنْعَقِد باربعة فَإِن اجْتمع أَرْبَعُونَ عبدا أَو أَرْبَعُونَ مُسَافِرًا وَأَقَامُوا الْجُمُعَة لم تصح وَقَالَ أَبُو حنيفَة يَصح إِذا كَانُوا فِي مَوضِع الْجُمُعَة وَهل تَنْعَقِد الْجُمُعَة بمقيمين غير متوطنين فِيهِ وَجْهَان قَالَ أَبُو عَليّ بن أبي هُرَيْرَة تَنْعَقِد وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق لَا تَنْعَقِد فَإِن أَحْرمُوا بِالْعدَدِ ثمَّ انْفَضُّوا عَنهُ فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال

أَحدهَا أَنه إِن نقص الْعدَد عَن أَرْبَعِينَ أتمهَا ظهرا وَهُوَ قَول أَحْمد وَهُوَ الْأَظْهر وَالثَّانِي أَنه إِن بَقِي مَعَه اثْنَان أتمهَا جُمُعَة وَالثَّالِث أَنه إِن بَقِي مَعَه وَاحِد أتمهَا جُمُعَة وَخرج الْمُزنِيّ رَحمَه الله قَوْلَيْنِ آخَرين أَحدهمَا أَنه يُتمهَا جُمُعَة وَإِن بَقِي وَحده وَالثَّانِي أَنه إِن كَانَ قد صلى رَكْعَة ثمَّ انْفَضُّوا عَنهُ أتمهَا جُمُعَة فَمن أَصْحَابنَا من لم يثبت هذَيْن الْقَوْلَيْنِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن انْفَضُّوا عَنهُ وَقد صلى رَكْعَة وَسجد فِيهَا سَجْدَة أتمهَا جُمُعَة وَقَالَ مَالك إِن انْفَضُّوا عَنهُ بعد مَا صلى رَكْعَة بسجدتيها أتمهَا جُمُعَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِن انْفَضُّوا عَنهُ بَعْدَمَا أحرم بهَا أتمهَا جُمُعَة وَلَا تصح الْجُمُعَة إِلَّا فِي وَقت الظّهْر وَكَذَلِكَ الْخطْبَة لَهَا

وَقَالَ أَحْمد يجوز أَن تصلى الْجُمُعَة قبل الزَّوَال فَمن أَصْحَابه من يَقُول أول وَقتهَا وَقت صَلَاة الْعِيد وَمِنْهُم من يَقُول تجوز فِي السَّاعَة السَّادِسَة فَإِن شرع فِي الْجُمُعَة فِي وَقتهَا ثمَّ خرج الْوَقْت وَهُوَ فِيهَا أتمهَا ظهرا وَخرج القَاضِي حُسَيْن فِي الْمَسْأَلَة قولا آخر أَنه لَا يُتمهَا ظهرا وَهل تبطل أم تنْقَلب نفلا فِيهِ وَجْهَان كمن غير النِّيَّة من الْفَرْض إِلَى النَّفْل وَقَالَ أَحْمد يُتمهَا جُمُعَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة تبطل صلَاته بِخُرُوج الْوَقْت ويبتدىء الظّهْر إِذا نسي الإِمَام سَجْدَة من الرَّكْعَة الأولى من الْجُمُعَة وَقَامَ إِلَى الثَّانِيَة فأدركه مَأْمُوم فِيهَا وصلاها مَعَه ثمَّ قَامَ الإِمَام إِلَى ثَالِثَة لما تذكر سَهْوه وَلم يتَشَهَّد فَإِن الْمَأْمُوم يقوم مَعَه وَيُصلي الرَّكْعَة وَتحصل لَهُ الْجُمُعَة

ذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله وَقَالَ هَذَا بِالْعَكْسِ مِمَّا وضعت عَلَيْهِ الْجُمُعَة فَإنَّا رتبنا الْجُمُعَة فِي حَقه على رَكْعَة محسوبة من الظّهْر وَإِنَّمَا تبنى الظّهْر على الْجُمُعَة قَالَ الشَّيْخ الإِمَام وَعِنْدِي أَن هَذَا سَهْو فَإِن الْمَأْمُوم فِي هَذَا الْموضع يَنْوِي الْجُمُعَة وَلَا يجوز أَن يَنْوِي الظّهْر وَلَو بني هَذَا على اخْتِلَاف الشَّيْخ أبي حَامِد وَالْقَاضِي أبي الطَّبِيب رحمهمَا الله فِي فرع فِي الزحام وَذَلِكَ إِذا زحم الْمَأْمُوم عَن السُّجُود فِي الرَّكْعَة الأولى فَزَالَ الزحام وَالْإِمَام قَائِم فَسجدَ وَتَابعه فِي الثَّانِيَة وَركع مَعَه ثمَّ زحم عَن السُّجُود فِيهَا فَأتى بِالسُّجُود وَهُوَ فِي التَّشَهُّد فاخنار القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله أَنه يدْرك الْجُمُعَة وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد لَا يُدْرِكهَا لِأَنَّهَا رَكْعَة ملفقة وَهنا هُنَا الْمَأْمُوم فِي بَعْضهَا فِي حكم إِمَامَته وَالْبَعْض على حَقِيقَة الْمُتَابَعَة فَإِن أدْرك مَسْبُوق مَعَ الإِمَام رَكْعَة قَائِمَة فَإِنَّهُ يدْرك الْجُمُعَة وَإِن أدْرك دون الرَّكْعَة لم يكن مدْركا لَهَا وَصلى الظّهْر أَرْبعا وَهُوَ قَول الزُّهْرِيّ وَأحمد وَمَالك وَمُحَمّد بن الْحسن وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف يدْرك الْجُمُعَة بِأَيّ قدر أدْركهُ من صَلَاة الإِمَام

فصل ولا تصح الجمعة حتى يتقدمها خطبتان

وَقَالَ طَاوس لَا تدْرك الْجُمُعَة إِلَّا يإدراك الْخطْبَتَيْنِ أَيْضا فَإِن أدْرك مَسْبُوق مَعَ الإِمَام رَكْعَة ثمَّ خرج الْوَقْت أتمهَا ظهرا وَقَالَ ابْن الْحداد يُتمهَا جُمُعَة وَحكي عَن مَالك أَنه قَالَ يجوز أَن يبتدىء الْجُمُعَة بعد دُخُول وَقت الْعَصْر بِنَاء على أَصله فصل وَلَا تصح الْجُمُعَة حَتَّى يتقدمها خطبتان وَحكي عَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه قَالَ هما سنة وَمن شَرطهمَا الْقيام مَعَ الْقُدْرَة والفصل بَينهمَا بجلسة وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد لَا يجب فيهمَا الْقيام وَلَا الجلسة

وَفِي اشْتِرَاط الطَّهَارَة فيهمَا قَولَانِ أصَحهمَا أَنَّهَا شَرط وَالثَّانِي لَا تشْتَرط وَهُوَ قَول مَالك وَأحمد وَأبي حنيفَة وَذكر القَاضِي حُسَيْن أَن ذَلِك يبتنى على أَن الْخطْبَتَيْنِ بدل عَن الرَّكْعَتَيْنِ وَفِيه طَرِيقَانِ وَيعود الْخلاف إِلَى أَن الْجُمُعَة ظهر مَقْصُورَة وَهَذَا بِنَاء فَاسد فيحمد الله تَعَالَى فِي الْخطْبَة الأولى وَيُصلي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويوصي بتقوى الله وَيقْرَأ آيَة ويحمد الله تَعَالَى فِي الثَّانِيَة وَيُصلي على رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويوصي بتقوى الله وَيَدْعُو للْمُؤْمِنين وَالْمُؤْمِنَات وَهل تجب الْقِرَاءَة فِي الْخطْبَتَيْنِ فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا تجب فيهمَا وَفِي الثَّانِي تجب فِي إِحْدَاهمَا وَفِي أَيهمَا قَرَأَ جَازَ وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ فِي الْقِرَاءَة قَول آخر إِنَّهَا غير وَاجِبَة فِي الْخطْبَة

بِحَال وَالدُّعَاء للْمُؤْمِنين وَالْمُؤْمِنَات مُسْتَحبّ وَقيل هُوَ وَاجِب وبقولنا قَالَ أَحْمد وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا خطب بتسبيحة وَاحِدَة أَجزَأَهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا يُجزئهُ حَتَّى يَأْتِي بِكَلَام يُسمى خطْبَة فِي الْعَادة وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا أَن من هلل أَو سبح أعَاد مَا لم يصل وَالثَّانيَِة أَنه لَا يُجزئهُ إِلَّا بِمَا يُسمى خطْبَة فِي الْعرف وَإِن صعد الْمِنْبَر سلم على النَّاس إِذا أقبل عَلَيْهِم وَحكي عَن مَالك أَنه قَالَ يكره ذَلِك ذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَن الْخطْبَة لَا تصح إِلَّا بِالْعَرَبِيَّةِ على ظَاهر الْمَذْهَب إِذا كَانَ هُنَاكَ من يحسنها وَفِيه وَجه آخر أَنَّهَا تجوز بِسَائِر اللُّغَات وَيرْفَع صَوته بِقدر مَا يسمعهُ الْعدَد الْمُعْتَبر فِي الْجُمُعَة فَإِن لم يسمعوا لبعدهم أَو لصمم بهم لم يجز وَفِيه وَجه آخر أَنه يَصح

قَالَ الشَّيْخ الإِمَام وَعِنْدِي أَن الصمم بهم لَا يُؤثر إِذا كَانُوا بِالْقربِ مِنْهُ بِحَيْثُ يسمعُونَ مِنْهُ لَو لم يكن بهم صمم إِذا رفع صَوته على مَا جرت الْعَادة بِهِ وَلم يشْتَرط أَحْمد فِي الْخطْبَة السّمع فَإِن خطب بِالْعدَدِ ثمَّ انْفَضُّوا عَنهُ وعادوا قبل الْإِحْرَام وَلم يطلّ االفصل صلى الْجُمُعَة وَإِن طَال الْفَصْل فقد قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله أَحْبَبْت أَن يبتدىء بِالْخطْبَةِ ثمَّ يُصَلِّي الْجُمُعَة فَإِن لم يفعل صلى الظّهْر وَاخْتلف أَصْحَابنَا فَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس بن سُرَيج يجب إِعَادَة الْخطْبَة ثمَّ يُصَلِّي الْجُمُعَة بعْدهَا وَمَا نَقله الْمُزنِيّ لَا نعرفه وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق يسْتَحبّ إِعَادَة الْخطْبَة وَيجب فعل الصَّلَاة فَإِن صلى بهم الظّهْر جَازَ بِنَاء على اصله فِيهِ إِذا اجْتمع أهل بلد على ترك الْجُمُعَة وَفعل الظّهْر وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يسْتَحبّ إِعَادَة الْخطْبَة وَفعل الصَّلَاة على ظَاهر النَّص وَهُوَ قَول أَكثر أَصْحَابنَا وَذكر فِي الْحَاوِي طَريقَة أُخْرَى أَنه إِن كَانَ الْعدَد بَاقِيا خطب اسْتِحْبَابا وَإِن كَانَ قد زَالَ خطب وَاجِبا ثمَّ قَالَ هَذَا لَا وَجه لَهُ

وَإِن انْفَضُّوا فِي أثْنَاء الْخطْبَة وعادوا وَقد طَال الْفَصْل فَالْمَذْهَب أَنه يجب اسْتِئْنَاف الْخطْبَة وَيعْتَبر فِي الْخطْبَة الْعدَد الْمُعْتَبر عندنَا فِي الْجُمُعَة وَعَن أبي حنيفَة رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا أَنه يعْتَبر فِيهَا الْعدَد الْمُعْتَبر عِنْده فِي الْجُمُعَة وَالثَّانيَِة أَنَّهَا تصح فِيهِ وَحده ذكر فِي الْحَاوِي أَن من أَصْحَابنَا من قَالَ إِذا استدبر النَّاس فِي حَال الْخطْبَة صحت الْخطْبَة كالأذان ثمَّ قَالَ وَالَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور أَنه لَا يَصح وَفِي هَذَا نظر فَإِن قَرَأَ فِي حَال الْخطْبَة آيَة سَجْدَة فَنزل وَسجد جَازَ فَإِن طَال الْفَصْل فَفِيهِ قَولَانِ قَالَ فِي الْقَدِيم يَبْنِي وَقَالَ فِي الْجَدِيد يسْتَأْنف فَإِذا فرغ من الْخطْبَة صلى الْجُمُعَة رَكْعَتَيْنِ يقْرَأ فِي الأولى بعد الْفَاتِحَة سُورَة الْجُمُعَة وَفِي الثَّانِيَة بعد الْفَاتِحَة سُورَة الْمُنَافِقين وَقَالَ ابو حنيفَة لَا تخْتَص الْقِرَاءَة بِسُورَة دون سُورَة

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب الْهَيْئَة للْجُمُعَة وَالتَّكْبِير إِلَيْهَا السّنة لمن اراد الْجُمُعَة أَن يغْتَسل لَهَا وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ الْغسْل لَهَا وَاجِب وَالْمُسْتَحب أَن يكون الْغسْل لَهَا عِنْد الرواح إِلَيْهَا وَوقت جَوَازه من طُلُوع الْفجْر الثَّانِي وَقَالَ مَالك لَا يَصح الْغسْل للْجُمُعَة إِلَّا عِنْد الرواح إِلَيْهَا

وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ يَصح الْغسْل لَهَا قبل طُلُوع الْفجْر وَفِي السَّاعَة الأولى الَّتِي علق عَلَيْهَا الْفَضِيلَة فِي التبكير اخْتِلَاف فَقيل من حِين طُلُوع الْفجْر وَقيل من حِين طُلُوع الشَّمْس فَإِن ارادت الْمَرْأَة حُضُور الْجُمُعَة اسْتحبَّ لَهَا الْغسْل وَقَالَ أَحْمد لَا يسْتَحبّ لَهَا الْغسْل وَإِن حضرت وَقَالَ أَبُو ثَوْر يسْتَحبّ الْغسْل يَوْم الْجُمُعَة لمن حضرها وَمن لم يحضرها كَمَا يسْتَحبّ فِي يَوْم الْعِيد وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ غسل الْجُمُعَة سنة لمن لزمَه حُضُور الْجُمُعَة وَمن لَا يلْزمه حُضُورهَا لَا يسن لَهُ وَإِن كَانَ من أَهلهَا غير أَنه مَنعه من فعلهَا الْعذر فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا يسن لَهُ وَالثَّانِي يسن لَهُ وَالصَّحِيح تعلق ذَلِك بالحضور دون لُزُومه

فَإِن اغْتسل يَوْم الْجُمُعَة وَهُوَ جنب يَنْوِي الْجُمُعَة والجنابة أَجزَأَهُ عَنْهُمَا وَحكي عَن مَالك أَنه قَالَ لَا يُجزئهُ عَن وَاحِد مِنْهُمَا فَإِن نوى بِغسْلِهِ الْجُمُعَة أَو الْعِيد لم يجزه عَن الْجَنَابَة نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي رَحمَه الله وَلَا يُجزئهُ عَن الْوضُوء أَيْضا قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله وَفِي هَذَا نظر وَهل يُجزئهُ للْجُمُعَة أَو الْعِيد فِيهِ قَولَانِ وَحكي عَن جمَاعَة من أَصْحَاب مَالك أَنه يُجزئهُ عَن الْجَنَابَة على مَا تقدم ذكره فَإِن نوى غسل الْجَنَابَة يَوْم الْجُمُعَة فَهَل يُجزئهُ عَن غسل الْجُمُعَة نقل الْمُزنِيّ رَحمَه الله أَنه يُجزئهُ وَقَالَ فِي الْإِمْلَاء لَا يُجزئهُ فَإِن دخل رجل وَالْإِمَام على الْمِنْبَر صلى تَحِيَّة الْمَسْجِد وَبِه قَالَ أَحْمد وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك يكره لَهُ ذَلِك وَفِي وجوب الْإِنْصَات للْإِمَام قَولَانِ قَالَ فِي الْقَدِيم هُوَ وَاجِب وَالْكَلَام حرَام فِي حَال الْخطْبَة وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَأحمد وَقَالَ فِي الْجَدِيد هُوَ مُسْتَحبّ وَهُوَ قَول الثَّوْريّ فَإِذا قُلْنَا

الْكَلَام حرَام فالقريب ينصت والبعيد يشْتَغل بِذكر الله أَو قِرَاءَة الْقُرْآن وَحكى القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله وَجها آخر أَن الْبعيد أَيْضا يسكت وَهُوَ قَول أبي حنيفَة فَإِن سلم عَلَيْهِ رجل أَو عطس فَإِن قُلْنَا الْإِنْصَات مُسْتَحبّ رد السَّلَام وشمت الْعَاطِس وَإِن قُلْنَا الْإِنْصَات وَاجِب لم يرد السَّلَام وَلم يشمت الْعَاطِس وَقيل لَا يرد السَّلَام ويشمت الْعَاطِس وَلَيْسَ بِشَيْء إِذا دخل جمَاعَة على وَاحِد فَسلم بَعضهم سقط كَرَاهَة ترك السَّلَام فِي حق البَاقِينَ وَكَانَ أصل السَّلَام فِي حَقهم سنة على الْكِفَايَة كَمَا أَن رد السَّلَام فرض على الْكِفَايَة وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيح فَإنَّا مَا رَأينَا سنة على الْكِفَايَة ورأينا فرض على الْكِفَايَة وَفِيه فَائِدَة وَإِن سلم على جمَاعَة فيهم صبي فَرد الصَّبِي وَحده السَّلَام فقد قيل إِنَّه لَا يسْقط بِهِ فرض الرَّد قَالَ الشَّيْخ الإِمَام وَعِنْدِي أَنه يَصح رده وَيسْقط بِهِ الْفَرْض كَمَا يَصح أَذَانه للرِّجَال فَإِن سلم صبي على رجل فَهَل يجب عَلَيْهِ الرَّد فِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا أَنه يجب وبناه على صِحَة إِسْلَامه وَهَذَا بِنَاء فَاسد

فصل فإن زحم المأموم عن السجود

وَذكر أَيْضا القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله إِذا التقى رجلَانِ فَقَالَ كل وَاحِد مِنْهُمَا لصَاحبه السَّلَام عَلَيْكُم إِمَّا دفْعَة وَاحِدَة أَو أَحدهمَا بعد الآخر كَانَ كل وَاحِد مِنْهُمَا مُسلما على الاخر مُسْتَحقّا للجواب عَلَيْهِ وَهَذَا فِيهِ نظر لِأَن هَذَا اللَّفْظ يصلح للجواب فَإِذا كَانَ بعده كَانَ جَوَابا وَإِذا وَقعا دفْعَة وَاحِدَة لم يكن احدهما جَوَابا للْآخر وَذكر أَيْضا أَن السَّلَام عِنْد الْمُفَارقَة للْجَمَاعَة فِي معنى الدُّعَاء لِأَن التَّحِيَّة إِنَّمَا تكون للدخول قَالَ الشَّيْخ الإِمَام وَهَذَا عِنْدِي فَاسد بل السَّلَام سنة عِنْد الِانْصِرَاف كَمَا أَنه يسن عِنْد الدُّخُول وَفِيه حَدِيث صَرِيح عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فصل فَإِن زحم الْمَأْمُوم عَن السُّجُود فِي الْجُمُعَة وَقدر أَن يسْجد على ظهر إِنْسَان سجد وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ فِيهِ قَول آخر قَالَه فِي الْقَدِيم إِنَّه إِن شَاءَ

سجد على ظَهره وَإِن شَاءَ ترك حَتَّى يَزُول الزحام وَهُوَ قَول الْحسن الْبَصْرِيّ وَقَالَ مَالك يلْزمه أَن يُؤَخر السُّجُود حَتَّى يسْجد على الأَرْض وَبِه قَالَ عَطاء وَإِن لم يتَمَكَّن من السُّجُود بِحَال فانتظر زَوَال الزحام فَزَالَ الزحام وَالْإِمَام قَائِم فِي الثَّانِيَة فَإِنَّهُ يسْجد ويتبعه فَإِن فرغ من السُّجُود وَقد حصل الإِمَام فِي الرُّكُوع فِي الثَّانِيَة فَهَل يتبعهُ أَو يشْتَغل بِالْقِرَاءَةِ فِيهِ وَجْهَان أظهرهمَا أَنه يتبعهُ وَيكون مدْركا للْجُمُعَة وَالثَّانِي أَنه يقْرَأ فَإِن خَافَ فَوت الرُّكُوع إِذا تمم الْقِرَاءَة فَهَل يتمم الْقِرَاءَة فِيهِ وَجْهَان كالوجهين فِيهِ إِذا ركع الإِمَام قبل فرَاغ الْمَأْمُوم من الْفَاتِحَة وَإِن زَالَ الزحام وَالْإِمَام رَافع من الرُّكُوع فى الثَّانِيَة أَو ساجد فِيهَا سجد مَعَه فَيحصل لَهُ رَكْعَة ملفقة وَفِي إِدْرَاك الْجُمُعَة بهَا وَجْهَان

أظهرهمَا أَنه يُدْرِكهَا وَإِن زَالَ الزحام وَالْإِمَام رَاكِع فِي الثَّانِيَة فَهَل يشْتَغل بِقَضَاء مَا فَاتَهُ أَو يُتَابِعه فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يشْتَغل بِالْقضَاءِ وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَالثَّانِي يُتَابِعه فِي الرُّكُوع وَهُوَ قَول مَالك فعلى هَذَا إِذا فعل ذَلِك حصل لَهُ ركوعان وبأيهما يحْتَسب لَهُ فِيهِ قَولَانِ أظهرهمَا أَنه يحْتَسب بِالْأولِ فَيكون لَهُ ركعه ملفقة وَفِي إِدْرَاك الْجُمُعَة بهَا وَجْهَان وَالثَّانِي يحْتَسب لَهُ بِالرُّكُوعِ الثَّانِي فَيكون مدْركا للْجُمُعَة وَجها وَاحِدًا فَإِن قُلْنَا إِنَّه لَا يدْرك الْجُمُعَة بالركعة الملفقة فَإِنَّهُ يُتمهَا ظهرا وَقيل إِنَّه يبْنى ذَلِك على من صلى الظّهْر قبل فرَاغ الإِمَام من الْجُمُعَة من غير عذر فَفِي أحد الْقَوْلَيْنِ لَا يَصح ظَهره فيستأنف الظّهْر هَا هُنَا وَهَذَا بِنَاء بَاطِل وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ على هَذَا القَوْل هَل تنْقَلب صلَاته نفلا أَو تبطل

على قَوْلَيْنِ وَإِن قُلْنَا إِن الظّهْر يَصح قبل فَوَات الْجُمُعَة يبْنى هَا هُنَا على اصل آخر وَهُوَ أَن الْجُمُعَة ظهر مَقْصُورَة أَو فرض آخر فَإِن قُلْنَا إِنَّهَا ظهر مَقْصُورَة فالقدر الَّذِي فعله مُعْتَد بِهِ فيتمها ظهرا فَإِن قُلْنَا إِنَّهَا فرض آخر لم يحْتَسب لَهُ ظهر وَمَا ذَكرْنَاهُ اصح فَأَما إِذا اشْتغل بِقَضَاء مَا فَاتَهُ على هَذَا القَوْل واعتقد أَن ذَلِك فَرْضه لم يعْتد بسجوده غير أَنه لَا تبطل صلَاته لجهله فَإِن فرغ مِنْهُ وَأدْركَ الإِمَام سَاجِدا فِي الثَّانِيَة تبعه فِيهِ وَحصل لَهُ رَكْعَة ملفقة وَإِن فرغ من السُّجُود وَالْإِمَام فِي التَّشَهُّد تبعه فِيهِ فَإِذا سلم الإِمَام قضى السُّجُود وَلَا يكون مدْركا للْجُمُعَة وَهل يَبْنِي عَلَيْهَا الظّهْر على مَا ذَكرْنَاهُ من الطَّرِيقَيْنِ وَإِن اعْتقد أَن فَرْضه مُتَابعَة الإِمَام وَخَالفهُ وَلم ينْو مُفَارقَته بطلت صلَاته وَإِن نوى مُفَارقَته فَفِي بطلَان صلَاته قَولَانِ

فَأَما إِذا قُلْنَا إِن فَرْضه الِاشْتِغَال بِالْقضَاءِ فَفعل ذَلِك وَأدْركَ الإِمَام رَاكِعا فِي الثَّانِيَة تبعه فِيهِ وتمت لَهُ الْجُمُعَة وَإِن أدْركهُ رَافعا من الرُّكُوع أَو سَاجِدا فَهَل يشْتَغل بِقَضَاء مَا فَاتَهُ من الرَّكْعَة الثَّانِيَة أَو يُتَابِعه فِيمَا أدْركهُ مِنْهَا فَفِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا أَنه يُتَابِعه وَالثَّانِي لَا يُتَابِعه ذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَنه على هَذَا إِذا لم يسْبقهُ الإِمَام بِثَلَاثَة اركان مضى على صلَاته حَتَّى يلْحقهُ وَإِن كَانَ قد سبقه بِثَلَاثَة اركان فَفِيهِ وَجْهَان وَحكي أَن من أَصْحَابنَا من قَالَ يُؤمر بالانفراد عَن الإِمَام وَقد حصل لَهُ رَكْعَة فيضيف إِلَيْهَا أُخْرَى وَهَذَا فَاسد فَإِن زحم عَن السُّجُود فِي الأولى فَقضى مَا عَلَيْهِ وأدركه فِي الْقيام ثمَّ زحم عَن السُّجُود فِي الثَّانِيَة فَسجدَ وأدركه فِي التَّشَهُّد فقد ذكر الشَّيْخ ابو حَامِد أَنه تُجزئه الْجُمُعَة وَذكر القَاضِي ابو الطّيب رَحمَه الله أَنه يَبْنِي على الْوَجْهَيْنِ فِي الرَّكْعَة الملفقة وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر وَهَذَا ضَعِيف إِذا دخل رجل وَالْإِمَام فِي الرُّكُوع فَتَبِعَهُ فِيهِ فَلَمَّا سجد

فصل إذا أحدث الإمام في الصلاة

زحم عَن السُّجُود فَلَمَّا زَالَ الزحام سجد وَتَبعهُ فِي التَّشَهُّد فَهَل يكون مدْركا للْجُمُعَة على الْوَجْهَيْنِ فَإِن زحم عَن الرُّكُوع فَزَالَ الزحام وَالْإِمَام رَاكِع فِي الثَّانِيَة فَإِنَّهُ يرْكَع مَعَه وَيحصل لَهُ رَكْعَة قَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله وَهِي ملفقة وَذكر الشَّيْخ أَبُو حَامِد أَنه يكون مدْركا للْجُمُعَة وَجها وَاحِدًا قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله وَهَذَا أشبه فَإِن ركع مَأْمُوم مَعَ الإِمَام ثمَّ سَهَا عَن السُّجُود حَتَّى حصل الإِمَام فِي الرُّكُوع فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة فَهَل يُتَابِعه فِيهِ من أَصْحَابنَا من قَالَ فِيهِ قَولَانِ كالزحام وَمِنْهُم من قَالَ يتبعهُ قولا وَاحِدًا فصل إِذا أحدث الإِمَام فِي الصَّلَاة فَفِي الِاسْتِخْلَاف قَولَانِ فعلى قَوْله الْجَدِيد يجوز وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَأحمد وعَلى قَوْله الْقَدِيم لَا يجوز فعلى هَذَا إِذا أحدث الإِمَام بعد الْخطْبَة وَقبل الإِمَام بِالصَّلَاةِ لم يجز أَن يُصَلِّي بِهِ الْجُمُعَة غَيره وَإِن أحدث بعد الْإِحْرَام بِالْجمعَةِ فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنهم يتمون الْجُمُعَة فُرَادَى

وَالثَّانِي أَنه إِن كَانَ ذَلِك قبل أَن يُصَلِّي بهم رَكْعَة صلوا الظّهْر وَإِن كَانَ قد صلى بهم رَكْعَة صلوا رَكْعَة أُخْرَى فُرَادَى وَإِن قُلْنَا بقوله الْجَدِيد فأحدث بعد الْخطْبَة وَقبل الصَّلَاة اسْتخْلف من حضر الْخطْبَة وَإِن أحدث فِي أثْنَاء الْخطْبَة فَهَل يجوز أَن يسْتَخْلف من يُتمهَا فِيهِ وَجْهَان وَإِن أحدث بعد الْإِحْرَام بِالصَّلَاةِ فَإِن كَانَ فِي الرَّكْعَة الأولى جَازَ أَن يسْتَخْلف من كَانَ مَعَه قبل الْحَدث وَإِن لم يكن قد سمع الْخطْبَة وَمن اصحابنا من حكى وَجْهَيْن فِي اسْتِخْلَاف من لم يسمع الْخطْبَة وَلَا يسْتَخْلف من يكن مَعَه قبل الْحَدث وَإِن كَانَ فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة جَازَ أَن يسْتَخْلف من دخل فِي الصَّلَاة مَعَه قبل الرُّكُوع أَو فِي الرُّكُوع وَقبل الْحَدث والمستخلف يتم جُمُعَة وَإِن اسْتخْلف من دخل مَعَه فِي الصَّلَاة قبل الْحَدث وَلَكِن بعد الرُّكُوع ففرضه الظّهْر وَفِي فعل الْجُمُعَة خلف من يُصَلِّي الظّهْر وَجْهَان إِن قُلْنَا يجوز جَازَ الِاسْتِخْلَاف بِنَاء على الْوَجْهَيْنِ فَهَل يكون الإِمَام من جملَة الْعدَد أَو زَائِدا عَلَيْهِ ذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَنه إِذا فرغ من صَلَاة الْجُمُعَة لم

يصل السّنة لَهَا حَتَّى يفصل بَينهمَا بالانتقال إِلَى مَكَان آخر وَذكر فِيهِ حَدِيثا وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَب أَنه لَا فرق بَين الْجُمُعَة وَبَين غَيرهَا وَالسّنة أَن لَا تُقَام الْجُمُعَة إِلَّا بِإِذن السُّلْطَان فَإِن أُقِيمَت بِغَيْر إِذْنه صحت وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَقَالَ ابو حنيفَة لَا تَنْعَقِد الْجُمُعَة إِلَّا بِإِذن السُّلْطَان وَتَصِح الْجُمُعَة خلف العَبْد وَالْمُسَافر إِذا كَانَ زَائِدا على الْعدَد وَبِه قَالَ ابو حنيفَة وَقَالَ مَالك وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُمَا لَا تصح الْجُمُعَة خلف العَبْد وَفِي صِحَة الْجُمُعَة خلف الصَّبِي وَجْهَان وَخلف المتنفل قَولَانِ وَلَا يجوز أَن تُقَام فِي بلد أَكثر من جُمُعَة وَاحِدَة وَبِه قَالَ مَالك

وَقَالَ ابو يُوسُف إِذا كَانَ الْبَلَد جانبين جَازَ أَن تُقَام فِيهِ جمعتان وَهُوَ قَول أبي الطّيب بن سَلمَة وَحمل بَغْدَاد على ذَلِك وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن يجوز أَن تُقَام فِي الْبَلَد الْوَاحِد جمعتان وَإِن كَانَ جانبا وَاحِدًا فَلَيْسَ عَن ابي حنيفَة فِي ذَلِك شَيْء وَقَالَ احْمَد إِذا عظم الْبَلَد وَكثر أَهله كبغداد وَالْبَصْرَة جَازَ أَن تُقَام فِيهِ جمعتان وَإِن لم يكن بهم حَاجَة إِلَى أَكثر من جُمُعَة لم يجز وعَلى هَذَا حمله أَحْمد أَبُو الْعَبَّاس بن سُرَيج وَأَبُو إِسْحَاق أَمر بَغْدَاد فِي جوامعها وَقيل إِن بَغْدَاد كَانَت فِي الأَصْل قرى مُتَفَرِّقَة وَفِي كل قَرْيَة جُمُعَة ثمَّ اتَّصَلت الْعِمَارَة بَينهَا فَبَقيت الْجمع على حَالهَا

وَقَالَ دَاوُد الْجُمُعَة كَسَائِر الصَّلَوَات يجوز أَن يصلوها فِي مَسَاجِدهمْ فَإِن عقد جمعتان فِي بلد وَالْإِمَام مَعَ وَاحِدَة مِنْهُمَا وسبقت إِحْدَاهمَا صحت السَّابِقَة وبماذا يعْتَبر السَّبق فِيهِ قَولَانِ أصَحهمَا أَنه يعْتَبر السَّبق بِالْإِحْرَامِ وَالثَّانِي بالفراغ وَإِن كَانَ الإِمَام مَعَ الثَّانِيَة فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَن الأولى هِيَ الصَّحِيحَة وَالثَّانِي أَن الثَّانِيَة هِيَ الصَّحِيحَة وَإِن علم سبق إِحْدَاهمَا وَلَا إِمَام مَعَ وَاحِدَة مِنْهُمَا وَلم تتَعَيَّن حكم ببطلانها وَحكى الشَّيْخ أَبُو حَامِد عَن الْمُزنِيّ أَنه قَالَ لَا تجب عَلَيْهِم الْإِعَادَة فَإِذا قُلْنَا يجب عَلَيْهِم الْإِعَادَة فَفِيمَا يعيدون قَولَانِ أَحدهمَا يلْزمهُم الْجُمُعَة إِن كَانَ الْوَقْت بَاقِيا وَالثَّانِي أَنهم يصلونَ الظّهْر

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب صَلَاة الْعِيدَيْنِ صَلَاة الْعِيد سنة وَقَالَ أَبُو سعيد الْإِصْطَخْرِي هِيَ فرض على الْكِفَايَة فَإِذا قُلْنَا إِنَّهَا سنة وَاتفقَ أهل بلد على تَركهَا فَهَل يُقَاتلُون فِيهِ وَجْهَان أظهرهمَا أَنهم لَا يُقَاتلُون

وينادى لَهَا الصَّلَاة جَامِعَة وَرُوِيَ عَن ابْن الزبير أَنه أذن لصَلَاة الْعِيد وَقَالَ سعيد بن الْمسيب أول من أذن لصَلَاة الْعِيد مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ وَالسّنة أَن يغْتَسل للعيدين وَفِي وَقت الْغسْل قَولَانِ أَحدهمَا بعد الْفجْر الثَّانِي وَهُوَ قَول أَحْمد وَالثَّانِي يجوز فِي النّصْف الثَّانِي من اللَّيْل كَذَا ذكر القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله وَيحمل أَن يجوز فِي جَمِيع اللَّيْل

وَيكرهُ للْإِمَام التنقل قبل صَلَاة الْعِيد وَبعدهَا وَلَا يكره للْمَأْمُوم وَقَالَ مَالك وَأحمد يكره للْمَأْمُوم أَيْضا وَعَن مَالك رِوَايَة أُخْرَى أَنه إِذا صلى فِي الْمَسْجِد يجوز لَهُ التَّنَفُّل وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالْحسن يكره لَهُ التَّنَفُّل قبلهَا وَلَا يكره بعْدهَا وَصَلَاة الْعِيد رَكْعَتَانِ يكبر فِي الأولى سبع تَكْبِيرَات سوى تَكْبِيرَة الْإِحْرَام

وَفِي الثَّانِيَة خمس تَكْبِيرَات سوى تَكْبِيرَة الْقيام وَبِه قَالَ اللَّيْث وَدَاوُد وَقَالَ مَالك وَأحمد التَّكْبِيرَات الزَّوَائِد فِي الأولى سِتّ تَكْبِيرَات وَهُوَ قَول الْمُزنِيّ وَأَبُو ثَوْر وَقَالَ ابو حنيفَة التَّكْبِيرَات الزَّائِدَة فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَمِيعًا سِتّ تَكْبِيرَات ثَلَاث فِي الأولى وَثَلَاث فِي الثَّانِيَة وَيرْفَع يَدَيْهِ فِي التَّكْبِيرَات وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَقَالَ مَالك وَالثَّوْري لَا يرفع يَدَيْهِ إِلَّا فِي تَكْبِيرَة الِافْتِتَاح فَإِذا كبر تَكْبِيرَة الْإِحْرَام أَتَى بِدُعَاء الِافْتِتَاح عقيبها ثمَّ يكبر تَكْبِيرَات الْعِيد ثمَّ يتَعَوَّذ وَيقْرَأ وَبِه قَالَ أَحْمد وَمُحَمّد بن الْحسن وَلَا يعرف لأبي حنيفَة فِيهِ شَيْء وَقَالَ ابو يُوسُف يتَعَوَّذ قبل التَّكْبِيرَات والتكبيرات فيهمَا جَمِيعًا قبل الْقِرَاءَة

وَقَالَ أَبُو حنيفَة الْقِرَاءَة فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة قبل التَّكْبِير وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ إِذا نسي تَكْبِيرَات الْعِيد حَتَّى شرع فِي الْقِرَاءَة لم يَأْتِ بهَا فِي أصح الْقَوْلَيْنِ وَقَالَ فِي الْقَدِيم يَأْتِي بهَا وَيقطع الْقِرَاءَة وَإِن كَانَ قد فرغ من الْقِرَاءَة أَتَى بهَا وَلم يعد الْقِرَاءَة فَإِن حضر مَأْمُوم وَسَبقه الإِمَام بالتكبيرات أَو بِبَعْضِهَا لم يقْض فِي قَوْله الْجَدِيد وَقَالَ فِي الْقَدِيم يقْضِي فَإِن أدْركهُ رَاكِعا كبر وَركع وَلَا يقْضِي تَكْبِيرَات العَبْد قولا وَاحِدًا وَبِه قَالَ أَحْمد وابو يُوسُف وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد يكبر تَكْبِير الْعِيد فِي حَال الرُّكُوع

وَيقف بَين كل تكبيرتين يهلل ويحمد بِقدر آيَة لَا طَوِيلَة وَلَا قَصِيرَة وَقَالَ ابو حنيفَة يَأْتِي بالتكبيرات نسقا من غير ذكر وَقَالَ مَالك يقف بَين كل تكبيرتين على مَا ذَكرْنَاهُ من غير ذكر قَالَ الشَّيْخ ابو نصر رَحمَه الله وَلم ار لأَصْحَابه وَمَا يعتاده النَّاس من الذّكر بَين التَّكْبِيرَات من قَوْلهم الله أكبر كَبِيرا وَالْحَمْد لله كثيرا وَسُبْحَان الله بكره واصيلا حسن وَمن اصحابنا من قَالَ يَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَله الْحَمد بِيَدِهِ الْخَيْر وَهُوَ على كل شَيْء قدير ثمَّ يتَعَوَّذ وَيقْرَأ بعد الْفَاتِحَة فِي الأولى سُورَة ق وَفِي الثَّانِيَة اقْتَرَبت السَّاعَة وَقَالَ ابو حنيفَة لَا تخْتَص الْقِرَاءَة بِسُورَة دون سُورَة وَقَالَ مَالك وَأحمد يقْرَأ سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى والغاشية وَالسّنة إِذا فرغ من الصَّلَاة ان يخْطب خطبتين يستفتح الأولى بتسع تَكْبِيرَات نسقا وَالثَّانيَِة بِسبع تَكْبِيرَات نسقا

ذكر الشَّيْخ أَبُو حَامِد التَّكْبِيرَات قبل الْخطْبَة وَالْخطْبَة بعده وَهَذَا فِيهِ نظر وَيُشبه أَن يكون من الْخطْبَة وَهل يجلس إِذا صعد الْمِنْبَر فِيهِ وَجْهَان وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ فَإِن دخل رجل الْمَسْجِد وَالْإِمَام يخْطب فقد قَالَ أَبُو عَليّ بن أبي هُرَيْرَة يُصَلِّي تَحِيَّة الْمَسْجِد وَلَا يُصَلِّي صَلَاة الْعِيد وَقَالَ ابو إِسْحَاق الْمروزِي يُصَلِّي الْعِيد وَتحصل لَهُ تَحِيَّة الْمَسْجِد روى الْمُزنِيّ رَحمَه الله أَنه يجوز صَلَاة الْعِيد للمنفرد وَالْمُسَافر وَالْعَبْد وَالْمَرْأَة وَقَالَ فِي الْقَدِيم لَا يُصَلِّي الْعِيد حَيْثُ لَا يُصَلِّي الْجُمُعَة فَمن أَصْحَابنَا من قَالَ فِيهِ قَولَانِ أصَحهمَا أَنهم يصلونها وَمِنْهُم من قَالَ لَا يصلونها قولا وَاحِدًا وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ ظَاهر كَلَام الشَّافِعِي رَحمَه الله أَنَّهَا بِمَنْزِلَة الْجُمُعَة فِي اعْتِبَار الْجَمَاعَة على قَوْله الْقَدِيم

وَأَن لَا تُقَام إِلَّا فِي مَوضِع وَاحِد من الْمصر إِلَّا أَنه لَا يعْتَبر فِيهَا عدد الْجُمُعَة والبنيان فَإِنَّهُ يجوز فعلهَا فِي الْمصلى وَقَوله الْقَدِيم قَول أبي حنيفَة وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فَإِن شهد شَاهِدَانِ يَوْم الثَّلَاثِينَ من رَمَضَان بعد الزَّوَال بِرُؤْيَة الْهلَال قضيت صَلَاة الْعِيد فِي أصح الْقَوْلَيْنِ وَالثَّانِي لَا تقضى وَهُوَ قَول مَالك فَإِن لم يُمكن جمع النَّاس فِي الْيَوْم صليت فِي الْغَد وَهُوَ قَول أَحْمد وَحكى الطَّحَاوِيّ عَن أبي حنيفَة أَنَّهَا لَا تقضى وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد تقضى صَلَاة عيد الْفطر فِي الْيَوْم الثَّانِي وَصَلَاة عيد الْأَضْحَى فِي الثَّانِي وَالثَّالِث من ايام التَّشْرِيق وَقَالَ أَصْحَاب أبي حنيفَة مَذْهَب أبي حنيفَة كمذهبهما وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِي عِلّة تَأْخِير الصَّلَاة إِلَى الْغَد فَقَالَ ابو إِسْحَاق الْعلَّة تعذر اجْتِمَاع النَّاس فِي الْيَوْم

فصل والتكبير سنة في العيدين

وَقيل الْعلَّة أَن يُؤْتى بهَا فِي الْوَقْت الَّذِي يُؤْتى بهَا فِيهِ وَالْأول أصح فصل وَالتَّكْبِير سنة فِي الْعِيدَيْنِ وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَحكى ابو يُوسُف عَن أبي حنيفَة أَن يكبر يَوْم الْأَضْحَى فِي ذَهَابه إِلَى الْمصلى وَلَا يكبر يَوْم الْفطر وَرُوِيَ عَنهُ نَحْو قَوْلنَا وَحكي عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَنه قَالَ إِنَّمَا يفعل ذَلِك الحواكون وَقَالَ دَاوُد التَّكْبِير وَاجِب فِي الْعِيد وَيَأْتِي بِالتَّكْبِيرِ نسقا فَإِن فصل بَينه بِذكر كَانَ حسنا وَذكر فِي التَّعْلِيق أَن الْمُسْتَحبّ أَن لَا يذكر الله بَينه وَهَذَا خلاف نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله ذكر الْحَاوِي فِيمَا فعله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِمَعْنى وَزَالَ ذَاك الْمَعْنى

فَقَالَ أَبُو إِسْحَاق لَا يفعل إِلَّا بِدَلِيل وَقَالَ ابو عَليّ بن أبي هُرَيْرَة يفعل رُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَغْدُو فِي الْعِيد فِي طَرِيق وَيعود فِي أُخْرَى فَقيل إِنَّه فعل ذَلِك لأجل الزحام وَقيل بل لِأَن الطَّرِيق الَّذِي كَانَ يذهب فِيهِ أطول وَقيل ليشهد لَهُ الطريقان وَقيل ليدْخل المسرة على أهل الطَّرِيقَيْنِ وَأول وَقت تَكْبِير الْفطر إِذا غَابَتْ الشَّمْس من آخر يَوْم من الشَّهْر وَقَالَ أَحْمد يكبر فِي يَوْم الْفطر وَقَالَ إِسْحَاق وابو ثَوْر يكبر إِذا غَدا إِلَى الْمصلى فَأَما آخر وَقت التَّكْبِير فقد نقل الْمُزنِيّ رَحمَه الله أَنه يكبر إِلَى أَن يخرج الإِمَام إِلَى الصَّلَاة وَقَالَ فِي رِوَايَة الْبُوَيْطِيّ إِلَى أَن يفْتَتح الصَّلَاة

وَقَالَ فِي الْقَدِيم إِلَى أَن ينْصَرف الإِمَام من الصَّلَاة وَحكى الشَّيْخ ابو حَامِد والخطبتين فَمن أَصْحَابنَا من قَالَ فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال على ظَاهر النَّقْل وَمِنْهُم من قَالَ الْمَسْأَلَة على قَول وَاحِد أَنه يكبر إِلَى أَن يفْتَتح الإِمَام الصَّلَاة وَهل يسن التَّكْبِير الْمُقَيد للمنفرد فِي عيد الْفطر فِيهِ وَجْهَان أظهرهمَا أَنه لَا يسْتَحبّ وَقيل فِيهِ قَولَانِ قَوْله الْجَدِيد أَنه لَا يسْتَحبّ وَالسّنة أَن يكبر ثَلَاثًا نسقا وَقَالَ مَالك إِن شَاءَ كبر ثَلَاثًا وَإِن شَاءَ كبر مرَّتَيْنِ وَقَالَ ابو حنيفَة يكبر مرَّتَيْنِ وَفِي وَقت تَكْبِير عيد الْأَضْحَى ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهمَا أَنه يكبر من الظّهْر يَوْم النَّحْر إِلَى الصُّبْح من آخر أَيَّام التَّشْرِيق وَبِه قَالَ مَالك

وَالثَّانِي أَنه يكبر من الْمغرب لَيْلَة النَّحْر إِلَى الصُّبْح من آخر أَيَّام التَّشْرِيق وَالثَّالِث أَنه يكبر من الصُّبْح يَوْم عَرَفَة إِلَى الْعَصْر من آخر ايام التَّشْرِيق وَبِه قَالَ أَحْمد وَإِسْحَاق وَالثَّوْري وابو يُوسُف وَمُحَمّد بن الْحسن ويروى عَن عمر وَعلي رَضِي الله عَنْهُمَا وَحكي فِي الْحَاوِي عَن أبي عَليّ بن ابي هُرَيْرَة وَأبي إِسْحَاق أَن الْمَسْأَلَة على قَول وَاحِد وَهُوَ الأول وَمَا سواهُ حَكَاهُ عَن غَيره وَالطَّرِيق الأول أصح وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ يكبر من الظّهْر يَوْم النَّحْر إِلَى الظّهْر من الْيَوْم الثَّالِث من أَيَّام التَّشْرِيق وَقَالَ دَاوُد يكبر من الظّهْر يَوْم النَّحْر إِلَى الْعَصْر آخر التَّشْرِيق وَقَالَ ابو حنيفَة يكبر من الصُّبْح يَوْم عَرَفَة إِلَى الْعَصْر من يَوْم النَّحْر وويكبر خلف الْفَرَائِض فِي هَذِه الْأَيَّام وَهل يكبر خلف النَّوَافِل فِيهِ طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَنه يكبر قولا وَاحِدًا وَالثَّانِي فِيهِ قَولَانِ

ذكر فِي الْحَاوِي فِيهِ طَريقَة ثَالِثَة أَنه يكبر خلفهَا قولا وَاحِدًا وَقيل مَا سنّ لَهُ الْجَمَاعَة من النَّوَافِل يكبر عَقِبَيْهِ وَمَا لم يسن لَهُ الْجَمَاعَة لَا يكبر عَقِيبه وَقَالَ ابو حنيفَة وَمَالك وَأحمد أَنه لَا يكبر خلفهَا بِحَال فَإِن نسي التَّكْبِير أَتَى بِهِ فِي أَي وَقت ذكره وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا تكلم اَوْ خرج من الْمَسْجِد سقط فَإِن فَاتَتْهُ صَلَاة فِي هَذِه الْأَيَّام فقضاها فِيهَا هَل يكبر عقيبها فِيهِ وَجْهَان قَالَ الشَّيْخ الإِمَام وَعِنْدِي أَنه يَنْبَغِي أَن يكون هَذَانِ الْوَجْهَانِ على القَوْل الَّذِي يَقُول أَنه لَا يكبر خلف النَّوَافِل وَذكر فِي الْحَاوِي أَنه على قَول من فرق بَين مَا يسن لَهُ الْجَمَاعَة وَبَين مَا لم يسن لَهُ وَفِي صَلَاة الْجِنَازَة وَجْهَيْن

أَحدهمَا يكبر وَالثَّانِي لَا يكبر وَحكى القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَنه لَا يكبر خلفهَا وَجها وَاحِدًا قَالَ الشَّيْخ الإِمَام وَعِنْدِي أَنه يَنْبَغِي ان يبْنى على النَّفْل فَإِن قُلْنَا يكبر خلفهافهذه أولى وَإِن قُلْنَا لَا يكبر خلفهَا بنيت على الْفَوَائِت المقضية فِي ايام التَّشْرِيق لِأَنَّهُ لَا وَقت لَهَا فَإِن أدْرك مَعَ الإِمَام بعض صَلَاة الْعِيد فَسلم الإِمَام قَامَ وَأتم صلَاته وَلم يُتَابع الإِمَام فِي التَّكْبِير الَّذِي يتبع الصَّلَاة وَحكي عَن ابْن أبي ليلى أَنه قَالَ يكبر مَعَ الإِمَام ثمَّ يقوم إِلَى مَا فَاتَهُ وَيكبر الْمُنْفَرد وَبِه قَالَ مَالك وَقَالَ ابو حنيفَة لَا يكبر

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب صَلَاة الْكُسُوف صَلَاة الْكُسُوف سنة وَهِي رَكْعَتَانِ فِي كل رَكْعَة قيامان وقراءتان وركوعان وسجودان فَيقْرَأ فِي الْقيام الأول بعد الْفَاتِحَة سُورَة الْبَقَرَة أَو بِقَدرِهَا ثمَّ يرْكَع ويسبح بِقدر مائَة آيَة ثمَّ يرفع وَيقْرَأ فِي الْقيام الثَّانِي بعد الْفَاتِحَة بِقدر مِائَتي آيَة من سُورَة الْبَقَرَة ثمَّ يرْكَع ويسبح بِقدر مِائَتي آيَة ثمَّ يسْجد كَمَا يسْجد فِي غَيرهَا وَقَالَ ابو الْعَبَّاس بن سُرَيج يُطِيل السُّجُود وَلم يذكرهُ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله وَلَا غَيره

وَالشَّيْخ الإِمَام أَبُو إِسْحَاق قَالَ الأول أصح ثمَّ يُصَلِّي الرَّكْعَة الثَّانِيَة فَيقْرَأ بعد الْفَاتِحَة مائَة وَخمسين آيَة ثمَّ يرْكَع بِقدر سبعين أَيَّة ثمَّ يرفع وَيقْرَأ بعد الْفَاتِحَة بِقدر مائَة آيَة ثمَّ يرْكَع بِقدر خمسين آيَة ثمَّ يرفع وَيسْجد وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَقَالَ أَبُو حنيفَة يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ مثل صَلَاة الصُّبْح وَيسر بِالْقِرَاءَةِ فِي كسوف الشَّمْس وَبِه قَالَ ابو حنيفَة وَمَالك وَقَالَ ابو يُوسُف وَمُحَمّد وَأحمد يجْهر بِالْقِرَاءَةِ فِيهَا فَإِن زَالَ الْكُسُوف وَهُوَ فِي الصَّلَاة فأتمها وَترك الْقيام الزَّائِد وَالرُّكُوع الزَّائِد فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنَّهَا لَا تصح

وَالثَّانِي أَنَّهَا تصح وَهُوَ الْأَصَح فَإِن ترك الرُّكُوع وَالْقِيَام الزَّائِد مَعَ بَقَاء الْكُسُوف لم تصح صلَاته ذكر القَاضِي حُسَيْن وَفِيه نظر وَالسّنة أَن يُصَلِّي فِي خُسُوف الْقَمَر ايضا فِي جمَاعَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة يصلونَ فُرَادَى فِي بُيُوتهم وَيسن أَن يخْطب بعد صَلَاة الْكُسُوف لَيْلًا وَنَهَارًا وَقَالَ ابو حنيفَة وَمَالك لَا يسن الْخطْبَة بعد هَذِه الصَّلَاة فَإِن أدْرك مَسْبُوق الإِمَام فِي الرُّكُوع الثَّانِي من صَلَاة الْكُسُوف لم يكن مدْركا للركعة فِي أصح الْوَجْهَيْنِ وَالثَّانِي أَنه يكون مدْركا وَهُوَ قَول مَالك فَإِن اجْتمع كسوف وجمعة فِي وَقت الْجُمُعَة وَالْوَقْت وَاسع بَدَأَ بالكسوف وَيقْرَأ فِي كل قيام فَاتِحَة الْكتاب وَقل هُوَ الله أحد فَإِذا فرغ خطب خطْبَة للْجُمُعَة والكسوف وَصلى الْجُمُعَة وَذكر القَاضِي حُسَيْن أَن الشَّافِعِي رَحمَه الله نَص فِي الْبُوَيْطِيّ أَنه يبْدَأ بِالْجمعَةِ وَالْخطْبَة لَهَا ثمَّ إِن بَقِي الْكُسُوف صلى لَهُ وَالْأول أولى

فَإِن طلع الْفجْر وَلم ينجل الْقَمَر صلى فِي أظهر الْقَوْلَيْنِ وتصلى صَلَاة الْكُسُوف جمَاعَة وفرادى وَحكي عَن الثَّوْريّ وَمُحَمّد بن الْحسن أَنَّهُمَا قَالَا إِن صلى الإِمَام صلوها مَعَه وَلَا تصلى فُرَادَى وَلَا تسن هَذِه الصَّلَاة لآيَة سوى الْكُسُوف من الزلازل وَالصَّوَاعِق والظلمة بِالنَّهَارِ وَحكي عَن أَحْمد أَنه قَالَ يُصَلِّي فِي جمَاعَة لكل آيَة وَحكي فِي الْحَاوِي أَن الشَّافِعِي رَحمَه الله حكى فِي اخْتِلَاف عَليّ أَنه صلى فِي زَلْزَلَة وَحكي أَن الشَّافِعِي رَحمَه الله قَالَ إِن صَحَّ قلت بِهِ فَمن اصحابنا من قَالَ اراد إِن صَحَّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمِنْهُم من قَالَ أَرَادَ إِن صَحَّ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَمِنْهُم من قَالَ قلت بِهِ أَرَادَ فِي الزلزلة خَاصَّة وَمِنْهُم من قَالَ فِي سَائِر الْآيَات وَالأَصَح مَا ذَكرْنَاهُ فَإِن زَاد فِي الصَّلَاة قيَاما ثَالِثا أَو رُكُوعًا لطول الْكُسُوف فقد حكى القَاضِي حُسَيْن أَنه يجوز ذَلِك وَرَوَاهُ مُسلم

وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ لَا يجوز وَتبطل الصَّلَاة بذلك وَهُوَ الصَّحِيح فَإِن فرغ من الصَّلَاة والكسوف بَاقٍ لم يزدْ فِي الصَّلَاة واشتغل بِالْخطْبَةِ وَحكي فِيهِ وَجه آخر أَنه يُصَلِّي مرّة ثَانِيَة وَهُوَ نَص الشَّافِعِي رَحْمَة الله عَلَيْهِ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب صَلَاة الاسْتِسْقَاء يكون مَشْيه فِي خُرُوجه للاستسقاء وجلوسه وكل أمره فِي تواضع واستكانة وَذكر بعض أَصْحَابنَا أَنه لَو أَرَادَ أَن يخرج حافيا ومكشوف الرَّأْس لم يكره وَهَذَا بعيد جدا قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله وَلَا آمُر بِإِخْرَاج الْبَهَائِم وَقَالَ ابو إِسْحَاق اسْتحبَّ إخْرَاجهَا لَعَلَّ الله يرحمها

وَقيل يكره إِخْرَاج الْبَهَائِم قَالَ وأكره إِخْرَاج من خَالف الْإِسْلَام للاستسقاء فِي مَوضِع مستسسقى الْمُسلمين فَإِن خَرجُوا تميزوا عَن الْمُسلمين فِي الْمَكَان وَلَا فرق بَين أَن يكون ذَلِك فِي يَوْم خُرُوج الْمُسلمين أَو فِي غَيره فِي أصح الْوَجْهَيْنِ ذكره فِي الْحَاوِي وَالثَّانِي أَن الإِمَام يَأْذَن لَهُم فِي الْخُرُوج فِي غير الْيَوْم الَّذِي يخرج فِيهِ الْمُسلمُونَ وَكتب يزِيد بن عبد الْملك بِإِخْرَاج أهل الذِّمَّة للاستسقاء إِلَى عماله فَلم يعب عَلَيْهِ أحد فِي زَمَانه وَقَالَ مَكْحُول لَا بَأْس بِإِخْرَاج أهل الذِّمَّة مَعَ الْمُسلمين للاستسقاء وَقَالَ إِسْحَاق لَا يَأْمُرهُم بِهِ وَلَا ينهاهم عَنهُ وَصَلَاة الاسْتِسْقَاء رَكْعَتَانِ كَصَلَاة الْعِيد وَرُوِيَ ذَلِك عَن عمر بن عبد الْعَزِيز وَسَعِيد بن الْمسيب وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد

وَقَالَ مَالك يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ من غير تَكْبِير زَائِد وَهِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة عَن أَحْمد وَقَالَ ابو حنيفَة لَا يُصَلِّي للاستسقاء وَقَالَ أَصْحَابه يَعْنِي أَنَّهَا لَيست بِسنة ويقرا فِي الأولى سُورَة ق وَفِي الثَّانِيَة اقْتَرَبت السَّاعَة وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يقْرَأ فِي الثَّانِيَة سُورَة نوح وَالْأول أصح وَالسّنة أَن يخْطب بعد الصَّلَاة وَحكي عَن ابْن الزبير أَنه خطب وَصلى وَبِه قَالَ اللَّيْث ويروى عَن عمر بن عبد الْعَزِيز وَقَالَ ابو حنيفَة وَمَالك لَا يسن الْخطْبَة بعد هَذِه الصَّلَاة وَلم يذكر أَحْمد الْخطْبَة وَيسْتَحب إِذا خطب فِي الثَّانِي أَن يسْتَقْبل الْقبْلَة ويحول رِدَاءَهُ وينكسه فَيجْعَل أَعْلَاهُ أَسْفَله وأسفله أَعْلَاهُ إِن أمكنه وَكَذَلِكَ الْمَأْمُوم وَقَالَ ابو حنيفَة لَا يسْتَحبّ ذَلِك وَحكى الطَّحَاوِيّ عَن أبي يُوسُف أَنه قَالَ يحول الإِمَام رِدَاءَهُ دون المامومين

إِذا نذر أَن يستسقى بِالنَّاسِ ويخطب لم يَفِ بنذره حَتَّى يخْطب قَائِما وَلَو خطب رَاكِبًا للبعير أَجزَأَهُ كَذَا ذكر فِي الْحَاوِي وَفِي أَجْزَائِهِ رَاكِبًا نظر وَذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَنه إِذا نذر الاسْتِسْقَاء فِي حَال الجدوبة لزمَه أَن يُصَلِّي إِن نذر الصَّلَاة وَإِن أطلق فَفِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا أَنه يلْزمه أَن يُصَلِّي وَإِن نذر فِي زمَان الخصبى أَن يَسْتَسْقِي فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يَسْتَسْقِي فيشكر الله تَعَالَى ويسأله دوَام النِّعْمَة فَإِن استسقوا فَلم يسقوا عَادوا من الْغَد وَقَالَ فِي الْقَدِيم يَأْمُرهُم الإِمَام أَن يَصُومُوا ثَلَاثًا ثمَّ يعودون فَمن اصحابنا من قَالَ فِيهِ قَولَانِ قَالَ ابْن الْقطَّان لَيْسَ فِي الاسْتِسْقَاء مَسْأَلَة فِيهَا قَولَانِ سوى هَذِه الْمَسْأَلَة

وَقيل إِنَّهَا لَيست على قَوْلَيْنِ وَإِنَّمَا جوز هَذَا وَهَذَا وَقَالَ الشَّيْخ ابو حَامِد حَيْثُ قَالَ يوالون إِذا لم يقطعهم عَن معاشهم وَحَيْثُ قَالَ يَصُومُونَ إِذا كَانَت الْمُوَالَاة تقطعهم عَن معاشهم

= كتاب الْجَنَائِز

وَيسْتَحب عِيَادَة الْمَرِيض وَشرط الشَّيْخ ابو نصر رَحمَه الله فِي عِيَادَة الْمَرِيض أَن يكون مُسلما وَذكر فِي الْحَاوِي أَنه يسْتَحبّ أَن يعم بعيادته المرضى فَلَا يخص بهَا قَرِيبا من بعيد وَذكر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَاد غُلَاما يَهُودِيّا وَهَذَا فِيهِ اشْتِبَاه

قَالَ الشَّيْخ الإِمَام وَالصَّوَاب عِنْدِي أَن يُقَال عبَادَة الْكَافِر فِي الْجُمْلَة جَائِزَة والقربة فِيهَا مَوْقُوفَة على نوع حُرْمَة يقْتَرن بهَا من جوَار أَو قرَابَة وَإِذا حضر الْمَرِيض الْمَوْت فَإِنَّهُ يضجع على جنبه الْأَيْمن مُسْتَقْبل الْقبْلَة وَقيل يلقى على ظَهره فَإِن كَانَ الْمَيِّت رجلا لَا زَوْجَة لَهُ فأولاهم بِغسْلِهِ الْأَب ثمَّ الْجد ثمَّ الإبن ثمَّ إِبْنِ الإبن ثمَّ الْأَخ ثمَّ ابْن الْأَخ ثمَّ الْعم ثمَّ ابْن الْعم فَإِن كَانَ لَهُ زَوْجَة جَازَ لَهَا أَن تغسله وَهل تقدم على الْأَقَارِب فِيهِ وَجْهَان فَإِن كَانَ الْمَيِّت امْرَأَة لَا زوج لَهَا فالنساء أَحَق بغسلها فَتقدم ذَات الرَّحِم الْمحرم ثمَّ ذَات الرَّحِم غير الْمحرم ثمَّ الْأَجْنَبِيَّة

فَإِن كَانَ لَهَا زوج جَازَ لَهُ غسلهَا وَبِه قَالَ مَالك وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد وَهل يقدم على النِّسَاء فِيهِ وَجْهَان وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري لَا يجوز للزَّوْج أَن يغسلهَا وَيجوز لَهَا أَن تغسله فَإِن مَاتَ أحد الزَّوْجَيْنِ فِي عدَّة الرّجْعَة لم يكن للْآخر غسله وَعَن مَالك فِيهِ رِوَايَتَانِ فَإِن مَاتَت أم وَلَده أَو أمته جَازَ لَهُ غسلهَا وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجوز وَإِن مَاتَ السَّيِّد فَهَل يجوز لَهَا غسله فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا يجوز وَهُوَ قَول أبي عَليّ الطَّبَرِيّ وَالثَّانِي يجوز وَهُوَ قَول أبي حنيفَة فِي أم الْوَلَد وَإِن مَاتَت امْرَأَة وَلَيْسَ هُنَاكَ إِلَّا رجل أَجْنَبِي أومات رجل وَلَيْسَ هُنَاكَ إِلَّا امْرَأَة أَجْنَبِيَّة فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه ييمم وَبِه قَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة إِلَّا أَن مَالِكًا قَالَ تيَمّم الْمَرْأَة فِي وَجههَا وكفيها وَالثَّانِي يستر بِثَوْب ويلف غاسله على يَده خرقَة ثمَّ يغسلهُ وَيصب المَاء عَلَيْهِ وَبِه قَالَ النَّخعِيّ

وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ يدْفن من غير غسل وَلَا ييمم فَإِن كَانَ الْمَيِّت خُنْثَى وَلَا محرم لَهُ فَإِنَّهُ يكون على الْوَجْهَيْنِ ذكر فِي الْحَاوِي أَن ابا عبد الله الزبيرِي ذكر أَنه يغسل فِي قَمِيص وَيكون مَوضِع غسله مظلما وَقيل يَنْبَغِي أَن يشترى لَهُ جَارِيَة من مَاله أَو من مَال بَيت المَال لتغسله وَلَيْسَ بِصَحِيح وَقَالَ الْقفال الْخُنْثَى تبقى على حكم الصَّغِير فيغسله الرِّجَال وَالنِّسَاء وَهَذَا فَاسد وَالصَّحِيح الطَّرِيقَة الأولى وَيجوز أَن يغسل من أَقَاربه من الْكفَّار وَإِن كَانَ أَقَاربه من الْكفَّار أولى بِغسْلِهِ وَقَالَ مَالك لَا يجوز لَهُ غسل قَرِيبه الْكَافِر بِحَال وَالْمُسْتَحب أَن يغسل فِي قَمِيص وَبِه قَالَ أَحْمد وَقَالَ ابو حنيفَة وَمَالك تجريده من ثِيَابه أفضل

وَذكر فِي الْحَاوِي أَن الأولى أَن يغسل تَحت سقف وَقيل بل الأولى أَن يغسل تَحت السَّمَاء وَالْمَاء الْبَارِد أولى من المسخن إِلَّا أَن يكون الْبرد شَدِيدا أَو يكون الْوَسخ بِهِ كثيرا وَبِه قَالَ أَحْمد وَقَالَ ابو حنيفَة المسخن أولى بِكُل حَال وَهل تجب نِيَّة الْغسْل فِيهِ وَجْهَان وَيسْتَحب أَن يوضئه وضوءه للصَّلَاة ويلف على إصبعه خرقَة يدخلهَا فِي فِيهِ ويسوك أَسْنَانه وَيدخل اصبعيه فِي مَنْخرَيْهِ ويغسلهما وَقَالَ ابو حنيفَة لَا يسْتَحبّ لَهُ ذَلِك وَإِن كَانَت لحيته ملبدة سرحها بِمشْط منفرج الْأَسْنَان تسريحا رَفِيقًا وَقَالَ ابو حنيفَة لَا يفعل ذَلِك وَتَكون الغسلة الأولى بِالْمَاءِ والسدر وَهل يعْتد بهَا من جملَة الغسلات الثَّلَاث فِيهِ وَجْهَان

قَالَ ابو إِسْحَاق يعْتد بهَا من جملَة الغسلات الثَّلَاث وَذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَن من اصحابنا من ذكر الْغسْل بالسدر وَالْمَاء للتنظيف من غير وضوء ثمَّ يوضئه بعد ذَلِك فَإِذا غسلت الْمَرْأَة ضفر شعرهَا وَجعل ثَلَاثَة قُرُون وتلقى خلفهَا وَبِه قَالَ أَحْمد وَقَالَ ابو حنيفَة يتْرك على حَالهَا من غير ضفر على منكبيها إِلَى صدرها فَإِن خرج من الْمَيِّت شَيْء بعد غسله فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يَكْفِي غسل الْمحل وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَالثَّوْري وَالثَّانِي أَنه يجب مِنْهُ الْوضُوء وَالثَّالِث أَنه يجب إِعَادَة الْغسْل وَهُوَ ظَاهر كَلَام الشَّافِعِي رَحمَه الله وَهُوَ قَول احْمَد وَفِي نتف إبطه وَحلق عانته وحف شَاربه قَولَانِ أَحدهمَا يكره وَهُوَ قَول مَالك وابي حنيفَة وَاخْتِيَار الْمُزنِيّ وَقَالَ فِي الْجَدِيد لَا بَأْس بِهِ وَهُوَ قَول أَحْمد وَحكي عَن مَالك فِي الْحَيّ إِذا حلق شَاربه يُعَزّر وَلَا يحلق رَأسه وَقَالَ ابو إِسْحَاق إِن كَانَ لَهُ جمة حلق رَأسه وَالْمذهب الأول

وَيسْتَحب لمن غسل مَيتا أَن يغْتَسل وَلَا يجب ذَلِك وَقَالَ فِي الْبُوَيْطِيّ إِن صَحَّ الحَدِيث قلت بِوُجُوبِهِ وَالْأول أصح وَهل هُوَ آكِد أم غسل الْجُمُعَة فِيهِ قَولَانِ فَإِن رأى من الْمَيِّت مَا يكره ذكر الشَّيْخ ابو نصر رَحمَه الله أَنه يسْتَحبّ لَهُ كِتْمَانه وَذكر الشَّيْخ ابو إِسْحَاق فِي الْمُهَذّب أَنه لَا يجوز لَهُ ذكره وَهُوَ الْأَصَح وَإِن رأى مَا يُعجبهُ اسْتحبَّ أَن يظهره وَقيل لَا يظهره وَلَيْسَ بِشَيْء

فصل

فصل إِذا مَاتَت الْمَرْأَة وَلها زوج وَجب كفنها فِي مَالهَا فِي أحد الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَول أبي إِسْحَاق وَفِي الثَّانِي تجب على الزَّوْج وَهُوَ قَول أبي عَليّ بن أبي هُرَيْرَة وَهُوَ قَول أبي حنيفَة واقل الْكَفَن مَا يستر بِهِ الْعَوْرَة وَقيل اقله ثوب يعم جَمِيع الْبدن وَالْمُسْتَحب أَن يُكفن الرجل فِي ثَلَاثَة أَثوَاب إِزَار ولفافتين وَقَالَ أَبُو حنيفَة يُكفن فِي ثَلَاثَة أَثوَاب إِزَار ورداء قَمِيص وَالْمُسْتَحب أَن تكفن الْمَرْأَة فِي خَمْسَة اثواب وَهل يكون فِيهِ قَمِيص فِيهِ قَولَانِ ويشد عَلَيْهَا الأكفان بِثَوْب فَمن أَصْحَابنَا من قَالَ هُوَ ثوب سادس فَيحل عَنْهَا وينحى وَقيل يدْفن مَعهَا

وَحكي عَن مَالك أَنه قَالَ لَيْسَ للكفن حد مَحْدُود ومؤونة تجهيز الْمَيِّت من رَأس المَال مُقَدّمَة على دُيُون الْغُرَمَاء وَحقّ الْوَرَثَة وَحكي عَن طَاوس أَنه قَالَ إِن كَانَ مَاله كثيرا كَانَ من راس مَاله وَإِن كَانَ قَلِيلا فَمن ثلثه وَحكي عَن خلاس بن عَمْرو أَنه قَالَ هُوَ من ثلثه فَإِن قَالَ بعض الْوَرَثَة يُكفن بِثَوْب وَقَالَ بَعضهم بِثَلَاثَة أَثوَاب فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يُكفن بِثَوْب وَالثَّانِي بِثَلَاثَة وَفِي وجوب الكافور والحنوط وَجْهَان وَقيل قَولَانِ ويبسط اوسعها ثمَّ أحْسنهَا ثمَّ الثَّانِي ثمَّ الَّذِي يَلِي الْمَيِّت ويلف فِي الْكَفَن وَيجْعَل مَا يَلِي راسه أَكثر قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله وتثنى ضفة الثَّوْب فَيبْدَأ بالأيسر على الْأَيْمن وبالأيمن على الْأَيْسَر

وَقَالَ فِي مَوضِع آخر يبْدَأ بالأيمن على الْأَيْسَر ثمَّ بالأيسر على الْأَيْمن فَمن أَصْحَابنَا من قَالَ فِيهِ قَولَانِ وَمِنْهُم من قَالَ قولا وَاحِدًا يثنى الْأَيْسَر على الْأَيْمن والأيمن على الْأَيْسَر وَهَذَا أصح فَإِن مَاتَ كَافِر لَا مَال لَهُ وَلَا لَهُ من يجب عَلَيْهِ تكفينه فَهَل يجب تكفينه من بَيت المَال فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يجب وَالثَّانِي أَنه يدْفن بِغَيْر كفن فَإِن مَاتَ محرم لم يقرب طيبا وَلم يلبس مخيطا وَلم يخمر رَأسه وَبِه قَالَ عَطاء وَأحمد وَدَاوُد وَقَالَ ابو حنيفَة يبطل إِحْرَامه بِمَوْتِهِ فيفعل بِهِ مَا يفعل بِسَائِر الْمَوْتَى وَإِن مَاتَت مُعْتَدَّة عَن وَفَاة فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنَّهَا لَا تقرب طيبا

فصل

فصل الصَّلَاة على الْمَيِّت فرض على الْكِفَايَة وَحكي عَن أصبغ من اصحاب مَالك أَنَّهَا سنة وَفِي أدنى مَا يَكْفِي قَولَانِ أَحدهمَا أَن أقل ذَلِك ثَلَاثَة وَالثَّانِي وَاحِد وَلَا يكره فعلهَا فِي شَيْء من الْأَوْقَات وَقَالَ ابو حنيفَة يكره فعلهَا فِي الْأَوْقَات الثَّلَاثَة وَهُوَ قَول أَحْمد وَقَالَ مَالك يكره فعلهَا عِنْد طُلُوع الشَّمْس وغروبها وَلَا يكره فعلهَا فِي الْمَسْجِد وَبِه قَالَ أَحْمد وَقَالَ ابو حنيفَة وَمَالك يكره فعلهَا فِيهِ

فصل

وَإِن كَانَ مَعَ الْمَيِّت نسَاء لَا رجل مَعَهُنَّ صلين عَلَيْهِ فُرَادَى وَقَالَ ابو حنيفَة يصلين عَلَيْهِ جمَاعَة وَيكرهُ نعي الْمَيِّت والنداء عَلَيْهِ وَبِه قَالَ أَحْمد وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا بَأْس بِهِ فصل وأولاهم بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ الْأَب ثمَّ الْجد ثمَّ الإبن ثمَّ ابْن الإبن ثمَّ الْأَخ ثمَّ ابْن الْأَخ ثمَّ الْعم ثمَّ ابْن الْعم وَالْأَخ من الْأَب وَالأُم أولى من الْأَخ من الْأَب وَقيل فِيهِ قَولَانِ

فَإِن اجْتمع الْوَلِيّ الْمُنَاسب والوالي فالولي أولى فِي قَوْله الْجَدِيد وَقَالَ فِي الْقَدِيم الْوَالِي أولى وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَأحمد وَقَالَ مَالك الابْن مقدم على الْأَب فِي صَلَاة الْجِنَازَة وَكَذَا يَقُول الْأَخ أولى من الْجد وَالِابْن أولى بِالصَّلَاةِ على الْأُم من زَوجهَا وَإِن كَانَ أَبَاهُ وَقَالَ ابو حنيفَة لَا ولَايَة للزَّوْج فِي التَّقَدُّم فِي الصَّلَاة على زَوجته إِلَّا أَنه يكره للِابْن أَن يتَقَدَّم على ابيه نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله على أَنه يقدم الأسن فِي صَلَاة الْجِنَازَة على الأقرأ الأفقه وَنَصّ فِي إِمَامَة الصَّلَاة على أَنه يقدم الأفقه الأقرأ فَمن أَصْحَابنَا من خرج هَا هُنَا قولا آخر أَن الأفقه الأقرأ أولى وَمِنْهُم من فرق بَينهمَا فَإِن أوصى إِلَى رجل ليُصَلِّي عَلَيْهِ لم يكن أولى من الْأَوْلِيَاء وَقَالَ أَحْمد يقدم حكم الْوَصِيَّة على كل ولي وَمن شَرط صِحَة الصَّلَاة على الْجِنَازَة الطَّهَارَة وسترالعورة

وَقَالَ ابْن جرير الطَّبَرِيّ وَالشعْبِيّ يجوز الصَّلَاة على الْجِنَازَة بِغَيْر طَهَارَة وَهُوَ قَول الشِّيعَة وَيقف الإِمَام عِنْد رَأس الرجل وعجيزة الْمَرْأَة وَبِه قَالَ ابو يُوسُف وَمُحَمّد وَذكر أَبُو عَليّ الطَّبَرِيّ فِي الإفصاح أَنه يقف من الرجل عِنْد صَدره وَهُوَ قَول أَحْمد وَقَالَ ابو حنيفَة يقف عِنْد صدر الرجل وَالْمَرْأَة وَقَالَ مَالك يقف من الرجل عِنْد وَسطه وَمن الْمَرْأَة عِنْد منكبيها ثمَّ يكبر أَرْبعا وَبِه قَالَ مَالك وابو حنيفَة وَأحمد وَدَاوُد وَحكي عَن ابْن سِيرِين أَنه قَالَ يكبر ثَلَاثًا

وَقَالَ زيد بن أَرقم وَحُذَيْفَة بن الْيَمَان يكبر خمْسا وَبِه قَالَت الشِّيعَة وَعَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ كبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْجَنَائِز تسعا وَسبعا وخمسا وأربعا فكبروا مَا كبر الإِمَام وَلَا يزِيد على تسع يرْوى عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه كبر على أبي قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ سبعا وَكَانَ بَدْرِيًّا وَكبر على سهل بن حنيف سِتا وَكَانَ بَدْرِيًّا وروى عبد خير عَنهُ انه كَانَ يكبر على أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غير اهل بدر خمْسا وعَلى سَائِر النَّاس أَرْبعا

وَيرْفَع يَدَيْهِ فِي جَمِيع التَّكْبِيرَات حَذْو مَنْكِبَيْه وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك لَا يرفع يَدَيْهِ إِلَّا فِي التَّكْبِيرَة الأولى فَإِن زَاد على ارْبَعْ لم تبطل صلَاته وَإِن تَعَمّده وَحكى القَاضِي حُسَيْن أَنَّهَا تبطل وَلَيْسَ بِصَحِيح فَإِن صلى خلف إِمَام فَزَاد على أَربع تَكْبِيرَات لم يُتَابِعه فِي الزِّيَادَة وَحكي عَن أَحْمد أَنه قَالَ يُتَابِعه إِلَى سبع وَحكي فِي الْحَاوِي وَجْهَيْن فِي انْتِظَاره هَذِه الزِّيَادَة ثمَّ يقْرَأ فَاتِحَة الْكتاب بعد التَّكْبِيرَة الأولى وَذَلِكَ فرض وَبِه قَالَ أَحْمد وَدَاوُد وَقَالَ ابو حنيفَة وَمَالك لَا يقْرَأ فِيهَا شَيْئا من الْقُرْآن ثمَّ يكبر الثَّانِيَة ويحمد الله وَيُصلي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيَدْعُو للْمُؤْمِنين وَالْمُؤْمِنَات وَالصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عندنَا وَاجِبَة وَالدُّعَاء مُسْتَحبّ ثمَّ يكبر الثَّالِثَة وَيَدْعُو للْمَيت وَالدُّعَاء

الْوَاجِب غير مُقَدّر ثمَّ يكبر الرَّابِعَة وَيَقُول اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمنَا اجره وَلَا تفتنا بعده واغفر لنا وَله وَحكي عَن أبي عَليّ بن أبي هُرَيْرَة أَنه كَانَ يَقُول رَبنَا أتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وقنا عَذَاب النَّار ثمَّ يسلم تسليمتين وَقَالَ احْمَد يسلم تَسْلِيمَة وَاحِدَة عَن يَمِينه وَفِي قِرَاءَة السُّورَة بعد الْفَاتِحَة وَجْهَان وَفِي دُعَاء الاستفتاح والتعوذ قبل الْقِرَاءَة وَجْهَان أَحدهمَا وَهُوَ اخْتِيَار القَاضِي ابي الطّيب رَحمَه الله أَنه يَأْتِي بذلك وَفِي اسْتِحْبَاب التَّحْمِيد فِي التَّكْبِيرَة الثَّانِيَة وَجْهَان وَيسر فيهمَا بِالْقِرَاءَةِ بِكُل حَال وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم الداركي إِذا اتّفقت بِاللَّيْلِ جهر فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ

فَإِن اجْتمع جنائز الرِّجَال وَالنِّسَاء وَالصبيان والخناثى جعل الرِّجَال مِمَّا يَلِي الإِمَام ثمَّ الصّبيان ثمَّ الخناثى ثمَّ النِّسَاء إِذا احْتِيجَ إِلَى جمعهم فِي الصَّلَاة مرّة وَاحِدَة وَهُوَ قَول مَالك وَحكي عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد وَالْحسن الْبَصْرِيّ أَنه يَجْعَل الرِّجَال مِمَّا يَلِي الْقبْلَة وَالْمَرْأَة مِمَّا يَلِي الإِمَام وَمن فَاتَهُ بعض الصَّلَاة مَعَ الإِمَام افْتتح الصَّلَاة وَلم ينْتَظر تَكْبِير الإِمَام وَقَالَ ابو حنيفَة وَأحمد ينْتَظر تَكْبِير الإِمَام ليكبر مَعَه وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ فَإِن أدْركهُ مَأْمُوم فِي الْقِرَاءَة احرم خَلفه وَقَرَأَ فَإِن كبر الإِمَام الثَّانِيَة قبل أَن يفرغ من الْقِرَاءَة قطع الْقِرَاءَة وَكبر مَعَه فِي أصح الْوَجْهَيْنِ كالمسبوق قَالَ الشَّيْخ ابو نصر رَحمَه الله إِلَّا أَنه بعد التَّكْبِيرَة الثَّانِيَة مَحل الْقِرَاءَة بِخِلَاف حَال الرُّكُوع فَيَنْبَغِي أَن يتم الْقِرَاءَة بعد التَّكْبِيرَة الثَّانِيَة قَالَ وَيُمكن أَن يُقَال لَا يتم الْقِرَاءَة بعد التَّكْبِيرَة الثَّانِيَة مَعَ الإِمَام

لِأَنَّهُ لما أدْركهُ مَعَ الإِمَام مَحل الْقِرَاءَة صَار هَذَا مَحل قِرَاءَته دون مَا بعد الثَّانِيَة فَإِن أدْرك الإِمَام فِي التَّكْبِيرَة الرَّابِعَة كبر مَعَه وتمم وَقَالَ فِي مَوضِع آخر إِذا سلم الإِمَام أَتَى بِالتَّكْبِيرِ نسقا فَحصل فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا يكبر نسقا وَالثَّانِي يَأْتِي بِمَا شرع فِيهِ وَإِن رفعت الْجِنَازَة وَلَا يُصَلِّي على الْجِنَازَة قَاعِدا مَعَ الْقُدْرَة وَلَا رَاكِبًا وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة إِلَّا أَن اصحابه قَالُوا الْقيَاس أَن يجوز فعلهَا رَاكِبًا كسجود التِّلَاوَة فَإِن حضر من قد صلى مرّة فَهَل يُعِيد الصَّلَاة مَعَ من لم يصل فِيهِ وَجْهَان وَإِن حضر من لم يصل عَلَيْهِ صلى على الْقَبْر وَإِلَى أَي وَقت تجوز الصَّلَاة على الْقَبْر فِيهِ أَرْبَعَة أوجه أَحدهَا إِلَى شهر وَبِه قَالَ أَحْمد وَالثَّانِي يصل عَلَيْهِ مَا لم يبل وَالثَّالِث يُصَلِّي عَلَيْهِ من كَانَ من أهل فرض الصَّلَاة عَلَيْهِ عِنْد الْمَوْت وَالرَّابِع أَنه يُصَلِّي عَلَيْهِ أبدا وَقَالَ ابو حنيفَة وَمَالك لَا يصلى على الْقَبْر إِلَّا أَن يكون قد دفن قبل أَن يصلى عَلَيْهِ فيصلى عَلَيْهِ إِلَى ثَلَاثَة ايام

وَمِنْهُم من قَالَ إِذا شككنا فِي تغيره لم يصل عَلَيْهِ وَلَا يصلى على الْجِنَازَة مرَّتَيْنِ إِلَّا أَن يكون الْوَلِيّ غَائِبا فيحضر وَقد صلى غَيره فَيصَلي وَتجوز الصَّلَاة على الْمَيِّت الْغَائِب وَبِه قَالَ أَحْمد وَقَالَ ابو حنيفَة وَمَالك لَا تجوز الصَّلَاة على الْمَيِّت الْغَائِب وَلَا يكره الدّفن بِاللَّيْلِ وَقَالَ الْحسن يكره فَإِن دفن قبل الْغسْل نبش وَغسل إِذا لم يكن قد تقطع

وَقَالَ أَصْحَاب أبي حنيفَة إِذا أهيل عَلَيْهِ التُّرَاب قبل الْغسْل لم ينبش وَإِن دفن من غير تكفين نبش فِي اُحْدُ الْوَجْهَيْنِ وكفن فَإِن مَاتَت امْرَأَة وَفِي جوفها جَنِين حَيّ شقّ جوفها وَأخرج وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ إِذا قَالَ القوابل إِنَّه لمددة يعِيش فِي مثلهَا اخْرُج وَإِلَّا ترك وَقَالَ أَحْمد يسطلمه القوابل فَإِن خرج وَإِلَّا ترك حَتَّى يَمُوت ثمَّ يدْفن فَإِن مَاتَت امْرَأَة ذِمِّيَّة وَفِي جوفها جَنِين مُسلم دفنت بَين مَقَابِر الْمُسلمين وَالْكفَّار وَقيل يَجْعَل ظهرهَا إِلَى الْقبْلَة فَإِن ابتلع جَوْهَرَة لغيره وَمَات شقّ جَوْفه فِي أصح االوجهين وَفِي الثَّانِي ينْتَقل حَقه إِلَى الْقيمَة فِي تركته وَإِن ابتلع جَوْهَرَة لنَفسِهِ ثمَّ مَاتَ شقّ جَوْفه فِي اُحْدُ الْوَجْهَيْنِ

فَإِن وجد بعض الْمَيِّت غسل وَصلي عَلَيْهِ وَبِه قَالَ أَحْمد وَقَالَ ابو حنيفَة وَمَالك إِن وجد أَكْثَره صلي عَلَيْهِ وَحكي عَن عبد الْعَزِيز بن الْمَاجشون أَنه يُصَلِّي عَلَيْهِ ينوى الصَّلَاة على الْمَيِّت وَيغسل السقط إِذا اسْتهلّ وَحكي عَن سعيد بن جُبَير أَنه قَالَ لَا يصلى على الصَّبِي الَّذِي لم يبلغ وَحكي عَن بعض النَّاس أَنه قَالَ إِن كَانَ قد صلى صلي عَلَيْهِ وَإِن لم يكن قد اسْتهلّ صَارِخًا فَإِن كَانَ قد اختلج أَو تحرّك صلى عَلَيْهِ

فصل

وَقَالَ مَالك لَا يصلى عَلَيْهِ إِلَّا أَن يطول ذَلِك فَيتَحَقَّق حَيَاته وَإِن لم تظهر عَلَيْهِ عَلامَة الْحَيَاة فَإِن لم يكن لَهُ أَرْبَعَة أشهر لف فِي خرقَة وَدفن فَإِن كَانَ قد بلغ اربعة اشهر فَفِيهِ قَولَانِ اصحهما أَنه لَا يصلى عَلَيْهِ فعلى هَذَا فِي غسله قَولَانِ وَإِن اخْتَلَط موتى الْمُسلمين بموتى الْكفَّار وَلم يتميزوا صلي عَلَيْهِم بِالنِّيَّةِ وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَقَالَ ابو حنيفَة إِن كَانَت الْغَلَبَة للْمُسلمين صلي عَلَيْهِم فصل وَمن مَاتَ فِي جهار الْكفَّار من الْمُسلمين بِسَبَب من أَسبَاب قِتَالهمْ قبل انْقِضَاء الْحَرْب فَهُوَ شَهِيد لَا يغسل وَلَا يصلى عَلَيْهِ وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد

وَقَالَ ابو حنيفَة وَالثَّوْري لَا يغسل وَلَكِن يصلى عَلَيْهِ وَرُوِيَ ذَلِك عَن أَحْمد ايضا وَحكي عَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه يغسل وَيصلى عَلَيْهِ وَلَا فرق بَين الْكَبِير وَالصَّغِير فِي حكم الشَّهَادَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يثبت حكم الشَّهَادَة لغير الْبَالِغ وَإِن جرح فِي المعركة وَمَات بعد تقضي الْحَرْب غسل وَصلي عَلَيْهِ وَبِه قَالَ أَحْمد وَمن اصحابنا من حكى أَنه إِن مَاتَ بعد تقضي الْحَرْب بِزَمَان يسير ثَبت لَهُ حكم الشَّهَادَة وَإِن مَاتَ بعده بِزَمَان كثير غسل وَصلي عَلَيْهِ وَمن أَصْحَابنَا من حكى فِي ذَلِك قَوْلَيْنِ وَقَالَ مَالك إِن أكل أَو شرب اَوْ بَقِي يَوْمَيْنِ أوثلاثة غسل وَصلي عَلَيْهِ وَقَالَ اصحاب أبي حنيفَة إِذا خرج عَن صفة الْقَتْلَى وَصَارَ إِلَى حَال الدُّنْيَا بأ ن أكل أَو شرب أَو أوصى خرج عَن حكم الشَّهَادَة وَمَا سوى ذَلِك لَا يخرج بِهِ عَن صفة الْقَتْلَى وَمن مَاتَ من السَّبي قبل التَّلَفُّظ بِالشَّهَادَتَيْنِ فَإِنَّهُم عندنَا يغسلون وَيصلى عَلَيْهِم لأَنهم يتبعُون السابي وَقَالَ مَالك لَا يغسلون وَلَا يصلى عَلَيْهِم وَمن قتل فِي الْحَرْب وَهُوَ جنب فَفِيهِ وَجْهَان

أَحدهمَا وَهُوَ قَول أبي الْعَبَّاس السريج وَقَول أبي عَليّ ابْن أبي هُرَيْرَة أَنه يغسل وَلَا يصلى عَلَيْهِ وَبِه قَالَ أَحْمد وَقَالَ أَبُو حنيفَة يغسل وَيصلى عَلَيْهِ وَالثَّانِي أَنه لَا يغسل وَلَا يصلى عَلَيْهِ وَهُوَ قَول أَكثر أَصْحَابنَا وَقَول مَالك فَإِن أسر الْمُشْركُونَ مُسلما وقتلوه صبرا فَفِي غسله وَالصَّلَاة عَلَيْهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يغسل وَيصلى عَلَيْهِ وَالثَّانِي أَنه لَا يغسل وَلَا يصلى عَلَيْهِ فَإِن تجلت الْحَرْب عَن قَتِيل من الْمُسلمين حكم لَهُ بِالشَّهَادَةِ كَانَ بِهِ أثر أَو لم يكن وَقَالَ ابو حنيفَة إِن خرج من عَيْنَيْهِ أَو اذنه دم أَو تكلم لم يغسل وَإِن خرج من أَنفه أَو ذكره اَوْ دبره غسل وَإِن لم يكن بِهِ أثر غسل

وَينْزع عَنهُ مَا لم يكن من عَامَّة لِبَاس النَّاس من حَدِيد وجلود ومحشو وفرو وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَقَالَ مَالك لَا ينْزع ذَلِك عَنهُ ثمَّ الْوَلِيّ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ كَفنه فِيمَا بَقِي من ثِيَابه وَإِن شَاءَ كَفنه فِي غَيرهَا وَبِه قَالَ أَحْمد وَقَالَ ابو حنيفَة وَمَالك لَا ينْزع عَنهُ بَقِيَّة ثِيَابه وَإِن قتل رجل من أهل الْبَغي رجلا من أهل الْعدْل فِي حَال الْحَرْب غسل وَصلي عَلَيْهِ فِي أشهر الْقَوْلَيْنِ وَبِه قَالَ مَالك وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ وَقَالَ ابو حنيفَة لَا يغسل وَإِن قتل قطاع الطَّرِيق رجلا من أهل الْقَافِلَة فَفِي غسله وَالصَّلَاة عَلَيْهِ وَجْهَان بِنَاء على الْقَوْلَيْنِ وَإِن قتل رجل من أهل الْبَغي فِي حَال الْحَرْب غسل وَصلي عَلَيْهِ وَقَالَ ابو حنيفَة لَا يغسلوا وَلَا يصلى عَلَيْهِم عُقُوبَة لَهُم وَمن قتل ظَالِما فِي غير حَرْب فَإِنَّهُ يغسل وَيصلى عَلَيْهِ قولا وَاحِدًا وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَقَالَ ابو حنيفَة إِن قتل بحديدة لم يغسل وَإِن قتل بمثقل غسل وَمن قتل فِي رجم أَو قصاص غسل وَصلي عَلَيْهِ

فصل

وَقَالَ الزُّهْرِيّ المرجوم لَا يصلى عَلَيْهِ وَقَالَ مَالك لَا يُصَلِّي عَلَيْهِ الإِمَام وَيُصلي غَيره ويروى عَن عمر بن عبد الْعَزِيز أَنه كره الصَّلَاة على من قتل نَفسه وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ لَا يصلى عَلَيْهِ وَعَن قَتَادَة أَنه قَالَ لَا يصلى على ولد الزِّنَا وَعَن الْحسن لَا يصلى على النُّفَسَاء فصل الْحمل بَين العمودين أفضل من التربيع وَقَالَ أَحْمد التربيع أفضل وَكَانَ النَّخعِيّ يكره الْحمل بَين العمودين وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَصفَة التربيع أَن يبْدَأ بياسرة الْمُقدمَة فَيَضَع العمود على عَاتِقه الْأَيْمن ثمَّ يَأْتِي إِلَى يَاسِرَة المؤخرة فَيَضَع العمود على عَاتِقه الْأَيْمن ثمَّ يَأْخُذ يامنة الْمُقدمَة فَيَضَع العمود على عَاتِقه الإيسر ثمَّ يَأْتِي إِلَى يامنة المؤخرة فَيَضَع العمود على عَاتِقه الْأَيْسَر وَبِه قَالَ ابو حنيفَة وَأحمد

وَقَالَ إِسْحَاق بعد يَاسِرَة المؤخرة يَأْخُذ يامنة المؤخرة فيدور عَلَيْهَا وَعِنْدنَا الْأَفْضَل فِي الْحمل بَين التربيع وَالْحمل بَين العمودين وَهُوَ أَن يحمل فِي الْمُقدمَة وَاحِد وَفِي المؤخرة اثْنَان وَالْمَشْي أَمَام الْجِنَازَة أفضل وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَقَالَ ابو حنيفَة وَالْمَشْي وَرَاءَهَا أفضل وَقَالَ الثَّوْريّ الرَّاكِب وَرَاءَهَا والماشي حَيْثُ شَاءَ وَإِذا سبق الْجِنَازَة إِلَى الْمقْبرَة فَإِن شَاءَ جلس وَإِن شَاءَ قَامَ حَتَّى تُوضَع وَقَالَ ابو حنيفَة يكره الْجُلُوس قبل أَن تُوضَع وَمن مَاتَ فِي الْبَحْر وَلم يكن بِقُرْبِهِ سَاحل فَالْأولى أَن يَجْعَل بَين لوحين ويلقى فِي الْبَحْر إِذا كَانَ فِي السَّاحِل مُسلمُونَ وَإِن كَانَ فِي السَّاحِل كفار ثقل وَأُلْقِي فِي الْبَحْر ليحصل فِي قراره وَقَالَ عَطاء وَأحمد يثقل ويلقى فِي الْبَحْر بِكُل حَال إِذا تعذر عَلَيْهِم دَفنه إِذا دفن ميت لم يجز أَن يحْفر قَبره ليدفن فِيهِ آخر إِذا كَانَ فِي مُدَّة لَا يبْلى فِيهَا الْمَيِّت وَإِن مضى على الْمَيِّت زمَان يبْلى فِي مثله وَيصير رميما فَإِنَّهُ يجوز حفره

وَحكي عَن عمر بن عبد الْعَزِيز رَحمَه الله أَنه قَالَ إِذا مضى عَليّ حول فازرعوا الْموضع ويسل من قبل راسه سلا فَيُوضَع راسه عِنْد رجل الْقَبْر ثمَّ يسل سلا إِلَى الْقَبْر وَقَالَ ابو حنيفَة تُوضَع الْجِنَازَة على حافة الْقَبْر مِمَّا يَلِي الْقبْلَة ثمَّ ينزل إِلَى الْقَبْر مُعْتَرضًا وَالسّنة فِي الْقَبْر التسطيح وَقَالَ ابو عَليّ بن أبي هُرَيْرَة التسنيم هُوَ السّنة لِأَن التسطيح صَار شعار الرافضة وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَأحمد وَلَا يكره دُخُول الْمَقَابِر وَحكي عَن أَحْمد أَنه قَالَ يكره دُخُول الْمَقَابِر بالنعال وَلَا يكره بالخفاف والتمشكان والتعزية قبل الدّفن وَبعده عَقِيبه وَقَالَ الثَّوْريّ لَا يعزى بعد الدّفن ذكر الشَّيْخ الإِمَام أَبُو إِسْحَاق فِي الْمُهَذّب أَنه لَا يجوز للنِّسَاء زِيَارَة الْقُبُور وَالشَّيْخ ابو نصر ذكر أَنه يكره للنِّسَاء زِيَارَة الْقُبُور وَيسْتَحب للرِّجَال

قَالَ الشَّيْخ الإِمَام وَعِنْدِي لَو فصل القَوْل فِي ذَلِك لما كَانَ بِهِ بَأْس فَيُقَال إِن كَانَ زيارتهن الْمَقَابِر لتجديد الْحزن والبكاء بالتعديد وَالنوح على مَا جرت بِهِ عادتهن حرم وَعَلِيهِ يحمل الْخَبَر وَإِن كَانَ زيارتهن للاعتبار بِغَيْر تعديد وَلَا نياحة كره إِلَّا أَن تكون عجوزا لَا تشْتَهى فَلَا يكره كحضور الْجَمَاعَة فِي الْمَسَاجِد

الجزء 3

كتاب الزَّكَاة

لَا تجب الزَّكَاة إِلَّا على حر مُسلم فَإِن ملك عَبده مَالا وَقُلْنَا إِنَّه لَا يملك لم يجب فِيهِ الزَّكَاة عَلَيْهِ وَلَا على الْمولى

وَقيل تجب الزَّكَاة على الْمولى وَأما الْمكَاتب فَلَا زَكَاة عَلَيْهِ وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَقَالَ ابو ثَوْر تجب عَلَيْهِ جَمِيع الزكوات وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجب الْعشْر فِي زرعه وَلَا يجب مَا سواهُ وَمن نصفه حر وَنصفه رَقِيق إِذا ملك بِنصفِهِ الْحر مَالا فَفِي وجوب الزَّكَاة فِيهِ وَجْهَان وَأما الْمُرْتَد فَلَا يسْقط عَنهُ بِالرّدَّةِ مَا وَجب عَلَيْهِ من الزَّكَاة فِي حَال إِسْلَامه وَقَالَ أَبُو حنيفَة يسْقط عَنهُ وَأما إِذا مَا مضى عَلَيْهِ الْحول فِي حَال الرِّدَّة فالزكاة فِيهِ تبنى على ملكه وَفِيه ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه بَاقٍ فَتجب الزَّكَاة فِيهِ وَالثَّانِي أَنه مَوْقُوف فَتكون الزَّكَاة مَوْقُوفَة وَالثَّالِث أَنه زائل وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَتجب الزَّكَاة فِي مَال الصَّبِي وَالْمَجْنُون ويخرجهما الْوَلِيّ من مَالهمَا

ويروى عَن عمر وَعلي وَابْن عمر وَعَائِشَة رَضِي الله عَنْهُم وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَابْن أبي ليلى وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري تجب الزَّكَاة فِي مَاله غير أَن الْوَلِيّ لَا يخرجهما حَتَّى يبلغ الصَّبِي ويفيق الْمَجْنُون فَيخرج وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا تجب الزَّكَاة فِي مَال الصَّبِي وَالْمَجْنُون وَيجب الْعشْر فِي زرعهما فَأَما المَال الْمَوْقُوف للْحَمْل بِحكم الْإِرْث إِذا كَانَ يبلغ نِصَابا وَهُوَ من جنس مَال الزَّكَاة هَل يجْرِي فِي الْحول حَتَّى تجب فِيهِ الزَّكَاة إِذا انْفَصل فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يجْرِي فِي الْحول وَالثَّانِي لَا يجْرِي فِي الْحول حَتَّى ينْفَصل وَهُوَ الصَّحِيح وَمن وَجَبت عَلَيْهِ الزَّكَاة وَقدر على إخْرَاجهَا لم يجز لَهُ تَأْخِيرهَا فَإِن أخر إخْرَاجهَا مَعَ الْقُدْرَة ضمنهَا وَلَا تسْقط عَنهُ بِتَلف المَال وَبِه قَالَ مَالك

وَقَالَ أَبُو حنيفَة تسْقط بِتَلف المَال وَلَا تصير مَضْمُونَة عَلَيْهِ وَقَالَ أَكثر اصحابه إِذا طَالبه الإِمَام بهَا فَلم يَدْفَعهَا فَهَلَك المَال ضمنهَا وَقَالَ أَبُو سهل الزجاجي من أَصْحَابه لَا يضمنهَا أَيْضا وَوُجُوب الزَّكَاة عندنَا على الْفَوْر وَهُوَ قَول أبي الْحسن الْكَرْخِي من أَصْحَاب أبي حنيفَة وَكَانَ ابو بكر الرَّازِيّ يَقُول إِنَّهَا لَيست على الْفَوْر وَإِن امْتنع من إِخْرَاج الزَّكَاة بخلا أخذت مِنْهُ وعزر

وَقَالَ فِي الْقَدِيم يُؤْخَذ شطر مَاله مَعهَا وَقَالَ ابو حنيفَة يحبس حَتَّى يُؤَدِّي الزَّكَاة وَلَا يُؤْخَذ من مَاله قهرا وَلَيْسَ فِي المَال حق سوى الزَّكَاة وَقَالَ مُجَاهِد وَالشعْبِيّ يجب عَلَيْهِ إِذا حصد الزَّرْع أَن يلقِي شَيْئا من السنابل إِلَى الْمَسَاكِين وَكَذَا إِذا جد النّخل يلقِي إِلَيْهِم شَيْئا من الشماريخ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب صَدَقَة الْمَوَاشِي لَا تجب الزَّكَاة فِي غير الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم من الْمَاشِيَة كالخيل وَالْبِغَال وَالْحمير وَرُوِيَ عَن عمر وَعلي وَبِه قَالَ عَطاء وَمَالك وَأحمد وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَزفر وَحَمَّاد بن ابي سُلَيْمَان تجب الزَّكَاة فِي الْخَيل إِذا كَانَت إِنَاثًا سَائِمَة أَو ذُكُورا وإناثا وَيعْتَبر فِيهَا الْحول وَلَا يعْتَبر النّصاب وَهُوَ بِالْخِيَارِ بَين أَن يخرج عَن كل دِينَار فرس أَو

عشرَة دَرَاهِم وَبَين أَن يقومه وَيخرج من كل مِائَتي دِرْهَم خَمْسَة دَرَاهِم وَإِن كَانَت ذُكُورا مُنْفَرِدَة فَفِي وجوب الزَّكَاة فِيهَا رِوَايَتَانِ وَلَا تجب الزَّكَاة فِيمَا تولد بَين الظباء وَالْغنم وَبَين بقر الْوَحْش وبقر الْأَهْل وَقَالَ أَبُو حنيفَة هُوَ تَابع للْأُم فِي الزَّكَاة وَالْأُضْحِيَّة وَوُجُوب الْجَزَاء فَإِن كَانَت الْأُمَّهَات من الْغنم وَجب فِيهَا الزَّكَاة وأجزأته فِي الْأُضْحِية وَلم يجب الْجَزَاء على الْمحرم بقتْله وَقَالَ أَحْمد تجب الزَّكَاة فِيهِ بِكُل حَال وَتجب الزَّكَاة عِنْده فِي بقر الْوَحْش فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَأما الْمَاشِيَة الْمَوْقُوفَة عَلَيْهِ فَلَا زَكَاة فِيهَا إِذا قُلْنَا إِن الْملك ينْتَقل إِلَى الله تَعَالَى فِي الْوَقْف وَإِن قُلْنَا ينْتَقل إِلَى الْمَوْقُوف عَلَيْهِ فَفِي وجوب الزَّكَاة فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا زَكَاة فِيهَا وَأما المَال الْمَغْصُوب والضال إِذا عَاد إِلَيْهِ من غير نَمَاء فَهَل يُزَكِّيه لما مضى فِيهِ قَولَانِ قَالَ فِي الْقَدِيم يسْتَأْنف عَلَيْهِ الْحول من حِين عوده إِلَيْهِ وَلَا

زَكَاة فِيهِ لما مضى وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأكْثر أَصْحَابه وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد وَقَالَ فِي الْجَدِيد يجب عَلَيْهِ إِخْرَاج الزَّكَاة عَنهُ لما مضى وَهُوَ قَول زفر من أَصْحَاب أبي حنيفَة وَقَالَ مَالك إِذا عَاد إِلَيْهِ زَكَاة لحول وَاحِد وَإِن كَانَ مَعَه أَرْبَعُونَ شَاة فضلت وَاحِدَة مِنْهَا انْقَطع الْحول إِذا قُلْنَا لَا تجب فِي الضال الزَّكَاة وَإِن قُلْنَا تجب لم يَنْقَطِع وَإِن عَاد المَال الضال إِلَيْهِ مَعَ نمائه فَفِيهِ طَرِيقَانِ وَقَالَ ابو الْعَبَّاس وابو إِسْحَاق يُزَكِّيه لما مضى قولا وَاحِدًا وَقَالَ أَبُو عَليّ بن أبي هُرَيْرَة وَأَبُو عَليّ الطَّبَرِيّ هُوَ أَيْضا على الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ الْأَصَح وَإِن أبق العَبْد أَو غصب فَفِي وجوب زَكَاة الْفطر عَنهُ طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَنه على الْقَوْلَيْنِ وَالثَّانِي تجب الزَّكَاة فِيهِ قولا وَاحِدًا وَإِن وَقع المَال الضال فِي يَد ملتقط ففر مِنْهُ حولا وَلم يَتَمَلَّكهُ وَقُلْنَا بِالصَّحِيحِ من الْمَذْهَب أَنه لَا يملكهُ إِلَّا بِاخْتِيَار التَّمَلُّك فَهَل تجب على مَالِكه الزَّكَاة فِي هَذَا الْحول فِيهِ طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَنه على الْقَوْلَيْنِ كَمَا لَو لم يَقع بيد ملتقط وَالثَّانِي لَا يجب قولا وَاحِدًا

وَإِن كَانَ عَلَيْهِ دين يسْتَغْرق النّصاب أَو ينقصهُ فَفِيهِ قَولَانِ قَالَ فِي الْقَدِيم يمْنَع وجوب الزَّكَاة فِيهِ وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَبِه قَالَ عَطاء وَطَاوُس وَلَا يمْنَع وجوب الْعشْر عِنْد أبي حنيفَة وَقَالَ فِي الْجَدِيد لَا يمْنَع وجوب الزَّكَاة وَإِن حجر عَلَيْهِ فِي المَال فحال الْحول عَلَيْهِ فَفِيهِ ثَلَاثَة طرق أَحدهَا وَهُوَ الصَّحِيح أَنه على الْقَوْلَيْنِ وَاخْتَارَهُ القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله وَالثَّانِي ذكره أَبُو عَليّ فِي الإفصاح أَنه تجب الزَّكَاة فِيهِ قولا وَاحِدًا وَالثَّالِث وَهُوَ قَول ابي إِسْحَاق أَنه إِن كَانَ المَال مَاشِيَة وَجَبت الزَّكَاة فِيهِ وَإِن كَانَ غير الْمَاشِيَة لم تجب وَعَن أَحْمد فِي الْأَمْوَال الظَّاهِرَة رِوَايَتَانِ وَقَالَ مَالك الدّين يمْنَع وجوب الزَّكَاة فِي الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَا يمْنَع فِي الْمَاشِيَة وَإِذا قُلْنَا بقوله الْقَدِيم فَلَا فرق بَين دُيُون الله وَبَين دُيُون الْآدَمِيّين فِي منع وجوب الزَّكَاة وَبَين زَكَاة الْأَمْوَال الظَّاهِرَة وَبَين زَكَاة الْأَمْوَال الْبَاطِنَة

وَذكر الْبَيْهَقِيّ فِي كِتَابه أَن الشَّافِعِي رَحمَه الله نَص على الْفرق بَين الْأَمْوَال الظَّاهِرَة والباطنة وَالْمذهب الأول وَقَالَ ابو حنيفَة دُيُون الْآدَمِيّين تمنع وجوب الزَّكَاة وَالزَّكَاة تمنع وجوب الزَّكَاة وديون الله كالكفارات لَا تمنع وَهُوَ قَول مُحَمَّد وَقَالَ زفر الزَّكَاة لَا تمنع وجوب الزَّكَاة كالكفارة وَقَالَ ابو يُوسُف إِن كَانَت وَاجِبَة فِي الْعين منعت وجوب الزَّكَاة وَإِن كَانَت وَاجِبَة فِي الذِّمَّة بِأَن اسْتهْلك النّصاب لم يمْنَع وَلَا فرق بَين أَن يكون الدّين من جنس مَال الزَّكَاة وَبَين أَن يكون من غير جنسه فَإِن كَانَ لنه نصابان أَحدهمَا من جنس الدّين وَالْآخر من غير جنسه فَهَل ينص عَلَيْهِمَا فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا ينص عَلَيْهِمَا فَلَا تجب الزَّكَاة فِي وَاحِد مِنْهُمَا

وَالثَّانِي أَنه ينْصَرف إِلَى جنس الدّين ذكر ذَلِك القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله وَيَبْنِي ذَلِك عَلَيْهِ إِذا امْتنع الْغَرِيم من قَضَاء دينه وَوجد لَهُ مَالا فَهَل لَهُ أَخذه من دينه فِيهِ وَجْهَان وَذكر أَن الْأَظْهر فِي الْغَرِيم أَن لَا يَأْخُذ وَفِي الدّين أَن ينص عَلَيْهِمَا والجميع عِنْدِي لَيْسَ بِصَحِيح بل يجب صرف الدّين إِلَى جنسه وَتجب الزَّكَاة فِي النّصاب الآخر كَمَا لَو كَانَ لَهُ نِصَاب وَعَلِيهِ دين يستغرقه وَله عقار يَفِي بِالدّينِ فَإِنَّهُ لَا يمْنَع وجوب الزَّكَاة فِي النّصاب ذكره الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله وَالْبناء الَّذِي ذكره فَاسد فَإِن الْوَجْهَيْنِ هُنَاكَ فِي مُبَاشرَة بَيْعه فِي حق نَفسه فَأَما أَخذه بِدِينِهِ فَلَا يجوز وَجها وَاحِدًا فَإِن لم يكن الدّين من جنس وَاحِد فِي النصابين قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَب أَنه يُرَاعى فِي ذَلِك حَظّ الْمَسَاكِين كَمَا صرفناه عَن مَال الزَّكَاة إِلَى غير مَال الزَّكَاة وَحكي عَن أبي حنيفَة أَنه قَالَ إِذا كَانَ عَلَيْهِ خمس من الْإِبِل وَله خمس من الْإِبِل ومايتا دِرْهَم جعل الدّين فِي الدَّرَاهِم فَإِن رَفعه غرماؤه إِلَى الْحَاكِم فجحدهم وَحلف لعدم البنة فَهَل تجب الزَّكَاة عَلَيْهِ فِيهِ وَجْهَان

أَحدهمَا وَهُوَ قَول كَافَّة أَصْحَابنَا أَن جحوده لَا يُؤثر فَيكون على الْقَوْلَيْنِ مَعَ بَقَاء الدّين وَالثَّانِي أَنه يصير فِي حكم من لَا دين عَلَيْهِ فَتجب الزَّكَاة قولا وَاحِدًا إِذا قَالَ إِن شفى الله مريضي فَللَّه عَليّ أَن أَتصدق بِمِائَة فشفى الله تَعَالَى مريضه قبل الْحول لزمَه الْوَفَاء بِمَا نَذره وَهل يمْنَع وجوب الزَّكَاة على قَوْله الْقَدِيم فِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا أَنه يمْنَع ذكر ذَلِك فِي الْحَاوِي وَذكر أَيْضا أَنه إِذا كَانَ مَعَه مايتا دِرْهَم فَقَالَ إِن شفى الله تَعَالَى مريضي فَللَّه عَليّ أَن أَتصدق بماية مِنْهَا فشفى الله تَعَالَى مريضه قبل تَمام الْحول فَالْحكم بِالْعَكْسِ من ذَلِك إِن قُلْنَا إِن الدّين لَا يمْنَع وجوب الزَّكَاة فَفِي هَذَا الدّين وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يمْنَع وجوب الزَّكَاة وَالثَّانِي أَنه لَا يمْنَع وَلَيْسَ بِشَيْء عِنْدِي إِذا كَانَ لَهُ أَرْبَعُونَ من الْغنم فاستأجر لَهَا رَاعيا بِشَاة مَوْصُوفَة فِي الذِّمَّة وَلم يكن لَهُ مَال غير هَذِه الأغنام بني على الْقَوْلَيْنِ فِي الدّين هَل يمْنَع وجوب الزَّكَاة وَإِن كَانَ لَهُ نخيل خَمْسَة أوسق من الثَّمر فاستأجر رجلا يعْمل عَلَيْهَا بثمرة وَاحِدَة مِنْهَا بِعَينهَا قبل بَدْء الصّلاح بِشَرْط الْقطع فَلم يقطع حَتَّى بدا صَلَاحهَا بني ذَلِك على الْخلطَة فِي غير الْمَاشِيَة فعلى قَوْله الْجَدِيد يَصح

فصل

فَإِن كَانَ لَهُ مايتا دِرْهَم فرهنها على مايتي دِرْهَم استقرضها من رجل وَلم يكن لَهُ مَال سوى الْمَرْهُون وَالْمَال الَّذِي اقترضه فعلى قَوْله الْجَدِيد يجب عَلَيْهِ زَكَاة أربعماية وعَلى قَوْله الْقَدِيم لَا تجب إِلَّا فِيمَا فضل عَن قدر الدّين وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ إِن قُلْنَا إِن الدّين لَا يمْنَع وجوب الزَّكَاة فَفِي وجوب الزَّكَاة فِي الْمَرْهُون قَولَانِ بِنَاء على الضال وَالْمَغْصُوب وَمِنْهُم من قَالَ تجب الزَّكَاة قولا وَاحِدًا وَإِن لم يكن فِي ملكه إِلَّا الْمَرْهُونَة وَقُلْنَا إِن الزَّكَاة تتَعَلَّق بِالْعينِ تعلق الشّركَة أَو تعلق أرش الْجِنَايَة قدم على الدّين وَإِن قُلْنَا تعلق الرَّهْن فقد سَاوَى دين الزَّكَاة دين الرَّهْن فَيكون على الْأَقْوَال فِي ذَلِك فصل السّوم شَرط فِي وجوب الزَّكَاة فِي الْمَاشِيَة وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَأَبُو ثَوْر وَقَالَ مَالك وَمَكْحُول تجب الزَّكَاة فِي معلوفة الْمَاشِيَة ومستعملها وَحكي عَن دَاوُد أَنه قَالَ تجب الزَّكَاة فِي عوامل الْإِبِل وَالْبَقر ومعلوفتها دون معلوفة الْغنم فَإِن علفت الْمَاشِيَة فِي بعض الْحول فَإِن كَانَ ذَلِك فِي مُدَّة يبْقى الْحَيَوَان فِيهَا من غير علف كَالْيَوْمِ واليومين لم يُؤثر وَإِن كَانَ

فِي مُدَّة لَا يبْقى الْحَيَوَان فِيهَا من غير علف انْقَطع الْحول وَقدر أَبُو إِسْحَاق ذَلِك بِثَلَاثَة أَيَّام وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ إِنَّمَا يثبت حكم الْعلف بِأَن يَنْوِي عَلفهَا ويفعله وَإِن كَانَ مرّة وَاحِدَة كَمَا لَو نوي صياغة الذَّهَب وصاغه حليا مُبَاحا قَالَ الشَّيْخ ابو حَامِد وَهَذَا ظَاهر الْمَذْهَب وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد يُرَاعى السّوم فِي أَكثر الْحول فَإِن كَانَ الْغَالِب السّوم كَانَت سَائِمَة وَإِن كَانَ الْغَالِب الْعلف كَانَت معلوفة وَحَكَاهُ الشَّيْخ أَبُو حَامِد عَن بعض أَصْحَابنَا فَإِن كَانَ عِنْده نِصَاب من السَّائِمَة فغصبها غَاصِب وعلفها فَفِيهِ طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَنه كالمغصوب الَّذِي لم يعلفه فَيكون على قَوْلَيْنِ وَالثَّانِي أَنه لَا زَكَاة فِيهِ قولا وَاحِدًا وَهُوَ الْأَصَح وَإِن غصب نِصَابا من المعلوفة فقأسامه حولا كَامِلا فَفِيهِ طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَنه بِمَنْزِلَة السَّائِمَة الْمَغْصُوبَة على الْقَوْلَيْنِ وَمِنْهُم من قَالَ قولا وَاحِدًا لَا تجب الزَّكَاة إِذا ندت الْمَاشِيَة المعلوفة فرعت حولا فقد ذكر فِي وجوب الزَّكَاة فِيهَا وَجْهَان وَشبه ذَلِك باسامة الْغَاصِب ثمَّ قيل إِذا قُلْنَا تجب باسامة الْغَاصِب الزَّكَاة على الْمَالِك فأداها رَجَعَ بهَا على الْغَاصِب وَهل يُؤثر الْغَاصِب بِالْإِخْرَاجِ

فصل

ذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله فِيهِ وَجْهَان وَلَا معنى للْجَمِيع فِي الرُّجُوع على الْغَاصِب والإخراج فصل وَلَا تجب الزَّكَاة فِي النّصاب حَتَّى يحول عَلَيْهِ الْحول من حِين ملكه وَحكي عَن ابْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَالَا تجب الزَّكَاة عَلَيْهِ حِين ملكه ثمَّ إِذا حَال الْحول بعد ذَلِك زَكَاة مرّة ثَانِيَة وَكَانَ ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ إِذا أَخذ عطاءه زَكَّاهُ فَإِنَّهُ كَانَ عِنْده نِصَاب فَبَاعَهُ أَو بادله بِجِنْسِهِ أَو بِغَيْر جنسه فِي أثْنَاء الْحول انْقَطع الْحول فِيهِ وَكَذَا إِذا بادل بعضه وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يَنْقَطِع الْحول بالمبادلة فِي نِصَاب الذَّهَب وَالْفِضَّة وَيَنْقَطِع فِي الْمَاشِيَة وَقَالَ مَالك إِذا بادله بِجِنْسِهِ بنى على حوله وَإِن بادله بِغَيْر

جنسه وَلكنه من جنس الْحَيَوَان الَّذِي تجب فِيهِ الزَّكَاة فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَإِن بادل الْحَيَوَان بالأثمان انْقَطع الْحول وَقَالَ أَحْمد إِذا بادله بِجِنْسِهِ من الْحَيَوَان بنى على حوله وَإِذا بادله بِغَيْر جنسه لَا يَبْنِي وَيَبْنِي حول الذَّهَب على حول الْفضة فَإِن تلف بعض أَصْحَاب النّصاب أَو أتْلفه قبل تَمام الْحول انْقَطع الْحول فِيهِ وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَقَالَ مَالك وَأحمد إِذا قصد بإتلافه الْفِرَار من الزَّكَاة لم يَنْقَطِع الْحول وَوَجَبَت عَلَيْهِ الزَّكَاة عِنْد تَمَامه فَإِن مَاتَ فِي أثْنَاء الْحول فَفِيهِ قَولَانِ أصَحهمَا أَن الْحول يَنْقَطِع وَالثَّانِي أَن الْوَارِث بنى على حول الْمَوْرُوث فَإِن كَانَ عِنْده نِصَاب من الْمَاشِيَة فاستفاد فِي أثْنَاء الْحول من جنسه بِبيع أَو هبة مَا يبلغ بِهِ النّصاب الثَّانِي لم يضم إِلَى مَا عِنْده فِي حوله بل يسْتَأْنف بِهِ الْحول وَقَالَ أَبُو حنيفَة بضمه إِلَى مَا عِنْده فِي جَوَابه وَكَذَلِكَ فِي غير الْمَاشِيَة

وَقَالَ مَالك يضم فِي الْمَاشِيَة وَلَا يضم فِي الذَّهَب وَالْفِضَّة وَيضم الْمُسْتَفَاد إِلَى مَا عِنْده فِي النّصاب وَفِيه وَجه آخر أَنه لَا يضم إِلَيْهِ أَيْضا فِي النّصاب وَيكون مُنْفَردا بِنَفسِهِ حَكَاهُ ابْن سُرَيج وَفِيه طَريقَة أُخْرَى أَن الْمُسْتَفَاد لَا يعد فِي الْحَال وَلَا يسْتَأْنف لَهُ الْحول حَتَّى يتم أصل المَال ثمَّ يسْتَأْنف الْحول على الْجَمِيع والجميع فَاسد فَإِن كَانَ الْمُسْتَفَاد نِصَابا فِي نَفسه وَلكنه لَا يبلغ النّصاب الثَّانِي وَيتَصَوَّر ذَلِك فِي صَدَقَة الْغنم بِأَن يكون عِنْده أَرْبَعُونَ من الْغنم مضى عَلَيْهَا بعض الْحول واستفاد أَرْبَعِينَ أُخْرَى فَفِي الْأَرْبَعين الأولى شَاة إِذا تمّ حولهَا وَأما الْأَرْبَعُونَ المستفادة إِذا تمّ حولهَا فَفِيهَا ثَلَاثَة أوجه أَصَحهَا أَنه لَا يجب فِيهَا شَيْء وَالثَّانِي أَنه يجب فِيهَا نصف شَاة وَالثَّالِث أَنه يجب فِيهَا شَاة

فَإِن أدّى الزَّكَاة من الْأَرْبَعين عِنْد تَمام حولهَا وَقُلْنَا أَن الزَّكَاة تجب فِي الْعين لم يجب فِي الزِّيَادَة شَيْء وَجها وَاحِدًا فَأَما إِذا كَانَ عِنْده مَاشِيَة فنتجت فِي أثْنَاء الْحول حَتَّى بلغت النّصاب الثَّانِي فَإِنَّهَا تضم إِلَى الْأُمَّهَات فَتجب فِيهَا الزَّكَاة بحولها وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ النَّخعِيّ لَا تضم السخال إِلَى الْأُمَّهَات فِي حولهَا بل يعْتَبر حولهَا بِنَفسِهَا وَهُوَ قَول دَاوُد وَلَا تضم السخال إِلَى الْأُمَّهَات حَتَّى تكون الْأُمَّهَات نِصَابا وَقَالَ مَالك تضم إِلَيْهَا وَإِن لم يكن نِصَابا إِذا كملت السخال نِصَابا فتزكى بحول الْأُمَّهَات وَإِن تماوتت الْأُمَّهَات وَبقيت السخال نِصَابا لم يَنْقَطِع الْحول فِيهَا وَبِه قَالَ مَالك وَقَالَ ابو الْقَاسِم بن يسَار الْأنمَاطِي إِذا نقص نِصَاب الْأُمَّهَات انْقَطع الْحول فِي السخال وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا بَقِي من الْكِبَار وَاحِدَة لم يَنْقَطِع الْحول فِي السخال وَإِن لم يبْق مِنْهَا شَيْء انْقَطع الْحول فِي السخال وَعِنْده أَن السخال المنفردة لَا تَنْعَقِد عَلَيْهَا الْحول حَتَّى تصير جذاعا أَو ثنايا وَعِنْدنَا يُؤْخَذ من السخال الْبَاقِيَة سخلة عِنْد تَمام الْحول وَبِه قَالَ أَبُو يُوسُف

وَقَالَ مَالك لَا يُؤْخَذ مِنْهَا إِلَّا الْجَذعَة والثنية وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد وَإِن تماوتت الْأُمَّهَات بعد تَمام الْحول وَقبل إِمْكَان الْأَدَاء وَقُلْنَا إِن الْإِمْكَان شَرط فِي الضَّمَان وَجب عَلَيْهِ أَن يَشْتَرِي كَبِيرَة بِقِيمَة وَاحِدَة من الصغار إِذا بقيت الصغار نِصَابا كَذَا ذكر القَاضِي أَبُو الطّيب قَالَ الشَّيْخ ابو نصر يَنْبَغِي عِنْدِي أَن تجب صَغِيرَة على هَذَا القَوْل كَمَا تجب على القَوْل الآخر فَإِن ملك رجل أَرْبَعِينَ شَاة فِي أول الْمحرم واربعين فِي أول صفر وَأَرْبَعين فِي أول ربيع الأول وَحَال الْحول على الْجَمِيع فَفِيهِ قَولَانِ قَالَ فِي الْقَدِيم تجب فِي الْجَمِيع شَاة فِي كل أَرْبَعِينَ ثلثهَا وعَلى قَوْله الْجَدِيد فِي الْأَرْبَعين الأولى شَاة وَفِي الْأَرْبَعين الثَّانِيَة وَجْهَان أَحدهمَا تجب فِيهَا شَاة وَالثَّانِي تجب فِيهَا نصف شَاة وَأما الْأَرْبَعُونَ الثَّالِثَة فَفِيهَا وَجْهَان أَحدهمَا يجب فِيهَا شَاة وَالثَّانِي يجب فِيهَا ثلث شَاة وَالصَّحِيح أَن لَا يجب فِيمَا زَاد على الْأَرْبَعين شَيْء

فصل

فصل إِذا حَال الْحول على النّصاب فَفِي إِمْكَان الْأَدَاء قَولَانِ أَحدهمَا وَهُوَ قَوْله الْقَدِيم إِنَّه شَرط فِي الْوُجُوب وَهُوَ قَول مَالك حَتَّى أَنه قَالَ لَو أتلف النّصاب قبل الْإِمْكَان لم يضمن الزَّكَاة إِلَّا أَن يقْصد الْفِرَار من الزَّكَاة فَتجب الزَّكَاة على هَذَا القَوْل بِثَلَاث شُرُوط النّصاب والحول وَإِمْكَان الْأَدَاء وَالْقَوْل الثَّانِي إِنَّه شَرط فِي الضَّمَان وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَحْمد إِذا تلف النّصاب قبل التَّمَكُّن من الْأَدَاء لم تسْقط الزَّكَاة وَصفَة الْإِمْكَان أَن يقدر على الدّفع إِلَى الإِمَام أَو نَائِبه أَو المختصين فِي الْأَمْوَال الْبَاطِنَة وَكَذَا الْأَمْوَال الظَّاهِرَة إِذا جَوَّزنَا أَن يفرق بِنَفسِهِ وعَلى القَوْل الآخر أَن يقدر على الإِمَام أَو نَائِبه فَإِن كَانَ عِنْده خمس من الْإِبِل فَهَلَك مِنْهَا وَاحِدَة بعد الْحول وَقبل التَّمَكُّن من الْأَدَاء وَقُلْنَا بقوله الْقَدِيم لم يجب عَلَيْهِ شَيْء وَإِن قُلْنَا بالجديد سقط عَنهُ خمس شَاة فَإِن كَانَ عِنْده مَاشِيَة فتوالدت بعد تَمام الْحول وَقبل الْإِمْكَان فَفِيهِ طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَنه يَبْنِي على الْقَوْلَيْنِ فَإِن قُلْنَا بقوله الْقَدِيم ضمت السخال إِلَى الْأُمَّهَات وَهُوَ قَول مَالك

وَإِن قُلْنَا بالجديد اسْتَأْنف الْحول عَلَيْهَا وَالطَّرِيق الثَّانِي أَنَّهَا على قَوْلَيْنِ من غير بِنَاء على الْقَوْلَيْنِ أَحدهمَا يضم وَالثَّانِي لَا يضم وَهُوَ الصَّحِيح وَهل تجب الزَّكَاة فِي الذِّمَّة أَو فِي الْعين فِيهِ قَولَانِ قَالَ فِي الْقَدِيم تجب فِي الذِّمَّة وجزء من المَال مُرْتَهن بهَا وَقَالَ فِي الْجَدِيد وَهُوَ الْأَظْهر إِنَّهَا اسْتِحْقَاق جُزْء من المَال فَيملك أهل السهْمَان قدر الْفَرْض من المَال غير أَن لَهُ أَن يُؤَدِّي من غَيره وَهُوَ قَول مَالك وَذكر فِي الْحَاوِي على قَوْله الْجَدِيد فِي كَيْفيَّة وجوب الزَّكَاة فِي الْعين قَوْلَيْنِ أَحدهمَا وجوب اسْتِحْقَاق ملك وَشركَة وَالثَّانِي وجوب مرَاعِي لَا وجوب ملك كتعلق أرش الْجِنَايَة بِالرَّقَبَةِ وَهَذَا لَيْسَ بِمَعْرُوف على الْمَذْهَب

وَقَالَ أَبُو حنيفَة تتَعَلَّق الزَّكَاة بِالْعينِ كتعلق أرش الْجِنَايَة بِالرَّقَبَةِ الجانية وَلَا يَزُول ملكه عَن شَيْء من المَال إِلَّا بِالدفع إِلَى الْمُسْتَحق وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد وَمذهب أبي حنيفَة يُخَالف الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا لِأَنَّهَا لَا تجب عِنْده فِي الذِّمَّة وَلَا يَزُول بهَا ملكه عَن شَيْء من المَال

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب صفة الْإِبِل تجب فِي كل خمس من الْإِبِل شَاة إِلَى أَربع وَعشْرين فَإِذا صَارَت خمْسا وَعشْرين وَجَبت فِيهَا بنت مَخَاض

وَرُوِيَ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ فِي خمس وَعشْرين خمس شياة فَإِذا صَارَت سِتا وَعشْرين وَجَبت فِيهَا بنت مَخَاض وَفِي سِتّ وَثَلَاثِينَ بنت لبون وَفِي سِتّ وأربعيون حقة وَفِي إِحْدَى وَسِتِّينَ جَذَعَة وَفِي سِتّ وَسبعين بِنْتا لبون وَفِي إِحْدَى وَتِسْعين حقتان إِلَى مائَة وَعشْرين ثمَّ تَسْتَقِر الْفَرِيضَة بِالزِّيَادَةِ على ذَلِك فَيجب فِي كل خمسين حقة وَفِي كل أَرْبَعِينَ بنت لبون فَإِذا زَادَت وَاحِدَة وَجب فِيهَا ثلَاثه بَنَات لبون وَرُوِيَ نَحْو قَوْلنَا عَن الْأَوْزَاعِيّ وَأبي ثَوْر وَرَوَاهُ الْخرقِيّ عَن أَحْمد

وَقَالَ مَالك وَأحمد لَا يتَغَيَّر الْفَرْض بِالزِّيَادَةِ على مائَة وَعشْرين حَتَّى يبلغ عشرا فَيجب فِيهَا حَقه وبنتا لبون وَعَن مَالك رِوَايَة أُخْرَى أَن الْفَرْض يتَغَيَّر بِزِيَادَة الْوَاحِد إِلَى تَخْيِير السَّاعِي بَين الحقتين وَبَين ثَلَاث بَنَات لبون وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري وَالنَّخَعِيّ إِذا زَادَت الْإِبِل على مائَة وَعشْرين استؤنفت الْفَرِيضَة فِي خمس شَاة إِلَى عشْرين فَيجب فِيهَا أَربع شياة فَإِذا بلغت خَمْسَة وَأَرْبَعين وَجَبت فِيهَا حقتان وَبنت مَخَاض وَإِذا بلغت مائَة وَخمسين وَجب مِنْهَا ثَلَاث حقاق وعَلى هَذَا يسْتَأْنف الْفَرِيضَة حَتَّى تبلغ إِلَى الْخمسين فَيرجع إِلَى الحقاق وَقَالَ ابْن جرير الطَّبَرِيّ يتَخَيَّر بَين مَذْهَبنَا وَمذهب أبي حنيفَة فَإِن كَانَت الزِّيَادَة على مائَة وَعشْرين أقل من وَاحِد فَهَل يتَغَيَّر الْفَرْض فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا يتَغَيَّر وَقَالَ أَبُو سعيد الْإِصْطَخْرِي يتَغَيَّر الْفَرْض فجيب ثَلَاث بَنَات لبون وَبنت مَخَاض وَهِي الَّتِي لَهَا سنة وَدخلت فِي الثَّانِيَة وَبنت لبون هِيَ الَّتِي لَهَا سنتَانِ وَدخلت فِي الثَّالِثَة والحقة هِيَ الَّتِي لَهَا ثَلَاث سِنِين وَدخلت فِي الرَّابِعَة والجذعة هِيَ الَّتِي لَهَا أَربع سِنِين وَدخلت فِي الْخَامِسَة

وَرُوِيَ فِي كتاب الصَّدَقَة فَمن سَأَلَهَا على وَجههَا فليعطه وَمن سَأَلَ فَوْقهَا فَلَا يُعْطه فَمن أَصْحَابنَا من قَالَ أَرَادَ أَنه لَا يُعْطي شَيْئا بِحَال وَمِنْهُم من قَالَ يُعْطي قدر الْفَرْض وَلَا يُعْطي مَا طلب من الزِّيَادَة وَهُوَ الْأَصَح وَهَذَا إِذا كَانَ طلبه للزِّيَادَة بِغَيْر تَأْوِيل وَفِي الوقص وَهُوَ مَا بَين النصابين قَولَانِ أظهرهمَا تعلق الْفَرْض بالنصاب دون مَا زَاد عَلَيْهِ وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَاخْتِيَار الْمُزنِيّ وَالْقَوْل الثَّانِي أَن فرض النّصاب يتَعَلَّق بِهِ وَبِمَا زَاد عَلَيْهِ إِذا تمّ الْحول وَهُوَ قَول مُحَمَّد بن الْحسن وَإِذا ملك تسعا من الْإِبِل فحال عَلَيْهَا الْحول فَهَلَك مِنْهَا أَربع قبل التَّمَكُّن فَإِن قُلْنَا بِالْأولِ لم يسْقط من الْفَرْض شَيْء وَإِن قُلْنَا بِالثَّانِي سقط من الْفَرْض أَرْبَعَة اتساعه فَيجب عَلَيْهِ خَمْسَة أتساع شَاة

وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ لَا يسْقط بهلاكه شَيْء حَكَاهُ القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله عَن أبي إِسْحَاق الْمروزِي فَإِن كَانَ عِنْده خمس وَعِشْرُونَ من الْإِبِل فَتلف مِنْهَا خَمْسَة بعد الْحول وَقبل التَّمَكُّن فَإِن قُلْنَا إِن الْإِمْكَان من شَرَائِط الْوُجُوب وَجب عَلَيْهِ أَربع شياة وَإِن قُلْنَا أَنه من شُرُوط الضَّمَان وَجب عَلَيْهِ أَرْبَعَة أَخْمَاس بنت مَخَاض وَبِه قَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجب عَلَيْهِ أَربع شياة وَجعل التَّالِف كَأَنَّهُ لم يكن وروى عَنهُ مُحَمَّد فِي الْجَامِع فِيمَن كَانَ مَعَه أَرْبَعُونَ من الْإِبِل فَتلف مِنْهَا عشرُون أَنه يجب أَربع شياة وروى أَبُو يُوسُف فِي الأمالي عَنهُ أَنه إِذا كَانَ مَعَه مائَة وَإِحْدَى وَعِشْرُونَ شَاة فَتلف مِنْهَا إِحْدَى وَثَمَانُونَ شَاة أَنه يجب عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ جُزْءا من مائَة وَإِحْدَى وَعِشْرُونَ جُزْءا من شَاتين وَهَذَا خلاف الَّذِي قبله

فصل

فصل وَمن ملك دون خمس وَعشْرين من الْإِبِل فَالْوَاجِب عَلَيْهِ الْغنم فَإِن أخرج بَعِيرًا أَجزَأَهُ وَإِن كَانَ قِيمَته دون قيمَة شَاة وَهل يكون جَمِيعه وَاجِبا فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا ان جَمِيعه وَاجِب وَالثَّانِي أَن الْوَاجِب بِقسْطِهِ من النّصاب وَكَذَا الْوَجْهَانِ فِي الْمُتَمَتّع وَجب عَلَيْهِ شَاة فَنحر بدنه أَحدهمَا أَن جَمِيعهَا وَاجِب وَالثَّانِي أَن سبعها وَاجِب قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر إِلَّا أَنه فِي الْبَدنَة يُجزئهُ أَن يخرج سبع بدنه فَيجوز أَن يُقَال سبعها وَاجِب وَلَا يجوز أَن يخرج فِي الزَّكَاة بعض الْبَعِير مَكَان الشَّاة حُكيَ القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله وَجها عَن أبي الْعَبَّاس بن سُرَيج أَنه إِذا كَانَ قيمَة الْبَعِير دون قيمَة شَاة لم يجز وَذكر أَنه قيل إِن الشَّافِعِي رَحمَه الله بناه على أصل وَهُوَ أَن الشَّاة فِي خمس من الْإِبِل أصل أَو بدل وَهَذَا فَاسد بل الشَّاة أصل وَقَالَ دَاوُد وَمَالك لَا يقبل بِغَيْر مَكَان الشَّاة بِحَال وَلَا يقبل مِنْهُ دون الجدع من الضَّأْن والثنية من الْمعز من غَالب غنم الْبَلَد وَيُخَير بَين الضَّأْن والمعز

وَحكي عَن مَالك أَنه قَالَ يعْتَبر فِي الضَّأْن والمعز الْغَالِب أَيْضا فَإِن كَانَ الْغَالِب الضَّأْن لم يجز الْمعز وَإِن كَانَ الْغَالِب الْمعز لم يجز الضَّأْن وَحكي ذَلِك عَن بعض أَصْحَابنَا وَهل يجزىء الذّكر فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يُجزئهُ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق يُجزئهُ وَإِن كَانَت الْإِبِل مراضا فَفِي شَاتِهَا وَجْهَان أظهرهمَا أَنه لَا يجزىء إِلَّا مَا يجزىء فِي الصِّحَاح وَقَالَ أَبُو عَليّ بن خيران يجب شَاة بِالْقِسْطِ فَيقوم الْإِبِل الصِّحَاح وَالشَّاة الْوَاجِبَة فِيهَا وَتقوم المراض فَتجب صَحِيحه بِالْقِسْطِ ذكر الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله أَنه إِذا كَانَت الْإِبِل سمانا كراما كَانَت الشَّاة كَذَلِك وَإِن كَانَت الْإِبِل لياما كَانَت الشَّاة كَذَلِك قَالَ الشَّيْخ الإِمَام وَعِنْدِي أَنه يجب أَن يكون ذَلِك على أحد الْوَجْهَيْنِ فِي أَخذ الْمَرِيضَة من المراض لِأَن اللوم نقص

فَإِن وَجَبت عَلَيْهِ بنت مَخَاض فَأعْطى بنت لبون أَو حَقه من غير طلب جبران قبل مِنْهُ وَقَالَ دَاوُد لَا يقبل مِنْهُ ذَلِك وَإِنَّمَا يُؤْخَذ الْمَنْصُوص عَلَيْهِ خَاصَّة فَإِن وَجَبت عَلَيْهِ جَذَعَة وَحقه فَأعْطى بِنْتي لبون قبل مِنْهُ على الصَّحِيح من الْمَذْهَب وَقيل لَا يجزىء فَإِن وَجَبت عَلَيْهِ بنت مَخَاض وَلَيْسَت عِنْده وَعِنْده ابْن لبون قبل مِنْهُ فَإِن لم يكن عِنْده بنت مَخَاض وَلَا ابْن لبون فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ اشْترى بنت مَخَاض وَإِن شَاءَ اشْترى ابْن لبون وَقَالَ مَالك يلْزمه أَن يَشْتَرِي بنت مَخَاض وَحَكَاهُ الخراسانيون وَجها لِأَصْحَابِنَا فَإِن كَانَت عِنْده بنت مَخَاض لم يُؤْخَذ مِنْهُ ابْن لبون

فصل

وَقَالَ أَبُو حنيفَة تُؤْخَذ بِالْقيمَةِ فَإِن كَانَت إبِله مهازيل أَو لياما وفيهَا بنت مَخَاض سَمِينَة كَرِيمَة لم يلْزمه دَفعهَا وَيَشْتَرِي بنت مَخَاض وَلَا يجوز أَن ينْتَقل إِلَى ابْن لبون وَقيل يجوز لَهُ الِانْتِقَال إِلَيْهِ وَهُوَ الْمَنْصُوص عَلَيْهِ فَإِن كَانَت عِنْده بنت مَخَاض لَا تجزىء عَن إبِله كالمعيية جَازَ لَهُ الِانْتِقَال إِلَى ابْن لبون وَذكر القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله أَنه إِذا كَانَت إبِله لياما وَفِيهِمَا بنت مَخَاض كريمه لم يجز لَهُ الِانْتِقَال إِلَى ابْن لبون وَجها وَاحِدًا وَإِن كَانَت الْإِبِل كراما وفيهَا بنت مَخَاض لييمه فَفِي جَوَاز الِانْتِقَال إِلَى ابْن لبون وَجْهَان وَالصَّحِيح الأول وَإِن لم يكن عِنْده بنت مَخَاض وَعِنْده ابْن لبون وَبنت لبون فبذل بنت لبون مَعَ أَخذ الْجبرَان لم يجز وَقيل يجوز وَلَيْسَ بِصَحِيح فصل وَإِن وجهت عَلَيْهِ سنّ وَلَيْسَت عِنْده وَعِنْده دونهَا بِسنة من سنّ الصَّدَقَة فَإِنَّهُ يُؤْخَذ مِنْهُ مَعَ شَاتين أَو عشْرين درهما وَإِن كَانَت

عِنْده مَا فَوْقه بِسنة أَخذ مِنْهُ وَدفع إِلَيْهِ شَاتَان أَو عشرُون درهما جبرانا لما بَين السنين وَحكي عَن سُفْيَان أَنه قَالَ الْجبرَان بَين السنين شَاتَان أَو عشرَة دَرَاهِم وَإِن وَجَبت عَلَيْهِ بنت مَخَاض وَلَيْسَ عِنْده وَعِنْده جَذَعَة فَإِنَّهَا تُؤْخَذ مِنْهُ وتدفع إِلَيْهِ ثَلَاث جبرانات وَكَذَلِكَ إِذا وَجَبت عَلَيْهِ جَذَعَة وَلَيْسَت عِنْده وَعِنْده بنت مَخَاض وَلَيْسَ عِنْده غَيرهَا فَأعْطى مَعهَا ثَلَاث جبرانات قبل مِنْهُ وَمن النَّاس من قَالَ لَا يقبل الْجبرَان إِلَّا لسنة وَاحِدَة وَاخْتَارَهُ ابْن الْمُنْذر رَضِي الله عَنهُ وَإِن لم يكن عِنْده السن الَّذِي يجب عَلَيْهِ وَعِنْده مَا فَوْقه بِسنة وَمَا فَوْقه بِسنتَيْنِ فَأَرَادَ أَن ينْتَقل إِلَى الْأَبْعَد مَعَ جبرانين وَيتْرك الْأَقْرَب مَعَ جبران وَاحِد لم يجز فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ وَإِن وَجَبت عَلَيْهِ حَقه اَوْ جَذَعَة فَأعْطى مَكَانهَا بِنْتي لبون أَو حقتين أَجزَأَهُ وَقيل لَا يُجزئهُ وَالْخيَار فِي الشاتين وَالْعِشْرين درهما إِلَى من يُعْطي ذَلِك وَالْخيَار فِي الصعُود وَالنُّزُول عِنْد عدم الْفَرْض مَعَ الْجبرَان إِلَى السَّاعِي على الْمَنْصُوص وَقيل بل الْخِيَار إِلَى رب المَال

فصل

فصل إِذا اتّفق نِصَاب فرضين فِي مَال وَاحِد وَذَلِكَ فِي مِائَتَيْنِ من الْإِبِل فِيهَا نِصَاب أَربع حقاق ونصاب خمس بَنَات فَفِي الْوَاجِب فِيهَا طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَنه يجب الحقاق قولا وَاحِدًا وَالثَّانِي فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يجب أَربع حقاق وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَح أَنه يجب أحد الفرضين وَيتَخَيَّر السَّاعِي بَينهمَا على الْمَذْهَب كَمَا قُلْنَا فِي الصعُود وَالنُّزُول فَإِن أَخذ السَّاعِي الصِّنْف الْأَدْنَى من الفرضين والحظ فِي الآخر قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله كَانَ عَلَيْهِ أَن يخرج الْفضل فَمن أَصْحَابنَا من قَالَ أَرَادَ بِهِ قَوْله على الْجَدِيد إِذا لم يكن هُنَاكَ تَفْرِيط من وَاحِد مِنْهُمَا بِأَن أحضر لَهُ الفرضين فاجتهد السَّاعِي فِي أَخذ أَحدهمَا وَأَخْطَأ فَإِنَّهُ يخرج التَّفَاوُت بَين الصِّنْفَيْنِ وَإِن كَانَ بتفريط من السَّاعِي بِأَن لم يجْتَهد أَو لم يحضر لَهُ رب المَال الفرضين وَجب رد الْمَأْخُوذ إِن كَانَ بَاقِيا ورد بدله إِن كَانَ تَالِفا وَيَأْخُذ الصِّنْف الآخر

وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق من أَصْحَابنَا من قَالَ يُجزئهُ الْمَأْخُوذ بِكُل حَال وَيخرج الْفضل وَقيل إِن كَانَ الْمَأْخُوذ بَاقِيا رده وَأخذ الأحظ وَإِن كَانَ تَالِفا أَجزَأَهُ وَأخرج رب المَال الْفضل وَالْأول أصح وَهل يكون إِخْرَاج الْفضل وَاجِبا فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه وَاجِب وَهُوَ ظَاهر كَلَام الشَّافِعِي رَحمَه الله فَإِن كَانَ يُمكن أَن يشترى بِهِ جُزْء من حَيَوَان فَهَل يجب ذَلِك فِيهِ وَجْهَان أظهراهما أَنه لَا يجب وَيتَصَدَّق بِهِ قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله فِيمَا نقل الْمُزنِيّ أَخذ الَّذِي وجد وَلَا تفرق الْفَرِيضَة وَنقل الرّبيع عَن الْأُم وَلَا يُفَارق الْفَرِيضَة فَمن أَصْحَابنَا من قَالَ الصَّحِيح مَا نَقله الرّبيع أَنه لَا يتْرك الْفَرِيضَة ويعدل إِلَى غَيرهَا لِأَن تَفْرِيق الْفَرِيضَة جَائِز بِأَن يُعْطي أَربع بَنَات لبون وحقة وَهُوَ قَول أبي عَليّ بن خيران

وَمِنْهُم من قَالَ الْجَمِيع صَحِيح وَمعنى كَلَام الْمُزنِيّ إِذا أعطَاهُ أَربع بَنَات لبون وَحقه وَطلب الْجبرَان وَالْفَرْض الْكَامِل مَوْجُود لم يجز تَفْرِيق الْفَرِيضَة فَإِن كَانَت عِنْده ثَلَاث حقاق وَأَرْبع بَنَات لبون فَأعْطى حَقه وَثَلَاث بَنَات لبون مَعَ كل بنت لبون جبرانا لم يقبل مِنْهُ فِي أصح الْوَجْهَيْنِ فَإِن كَانَت الْإِبِل أَربع مائَة وَجب فِيهَا ثَمَان حقاق أَو عشر بَنَات لبون فَإِن أَرَادَ أَن يُعْطي خمس بَنَات لبون وَأَرْبع حقاق قبل مِنْهُ وَقَالَ أَبُو سعيد الْإِصْطَخْرِي لَا يقبل مِنْهُ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب صَدَقَة الْبَقر أول نِصَاب الْبَقر ثَلَاثُونَ وَفِيه تبيع وَهُوَ الَّذِي لَهُ سنة وَدخل فِي الثَّانِيَة وَفِي أَرْبَعِينَ مُسِنَّة وَهِي الَّتِي لَهَا سنتَانِ وَدخلت فِي الثَّالِثَة وتستقر الْفَرِيضَة على هَذَا فِي كل ثَلَاثِينَ تبيع وَفِي كل أَرْبَعِينَ مُسِنَّة قَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله من أَصْحَابنَا من غلط فَقَالَ إِنَّمَا تَسْتَقِر فَرِيضَة الْبَقر إِذا بلغت سِتِّينَ وَلَيْسَ بِصَحِيح بل تجب مُسْتَقِرَّة من الِابْتِدَاء وَلَا شَيْء فِيمَا دون الثَّلَاثِينَ من الْبَقر وَحكي عَن سعيد بن الْمسيب وَالزهْرِيّ أَنَّهُمَا قَالَا تجب فِي كل خمس من الْبَقر شَاة إِلَى ثَلَاثِينَ كَمَا يجب فِي الْإِبِل وَحكي فِي الْحَاوِي عَن أبي قلَابَة أَن نصبها كنصب الْإِبِل إِلَى

عشْرين فَيجب أَربع شِيَاه ثمَّ لَا يجب فِي زيادتها شَيْء حَتَّى يبلغ ثَلَاثِينَ وَعَن أبي حنيفَة فِيمَا زَاد على أَرْبَعِينَ من الْبَقر ثَلَاث رِوَايَات إِحْدَاهمَا مثل قَوْلنَا وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَالثَّانيَِة هِيَ رِوَايَة الأَصْل عِنْدهم أَنه يجب فِيمَا زَاد على الْأَرْبَعين بِحِسَابِهِ فِي كل بقرة ربع عشر مُسِنَّة وَالرِّوَايَة الثَّالِثَة رَوَاهَا الْحسن بن زِيَاد أَنه لَا شَيْء فِي الزِّيَادَة حَتَّى يبلغ عشرا فَيجب فِيهَا مُسِنَّة وَربع مُسِنَّة وعَلى هَذَا قَول أَحْمد

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب صَدَقَة الْغنم أول نِصَاب الْغنم أَرْبَعُونَ وفيهَا شَاة إِلَى مائَة وَعشْرين فَإِذا زَادَت وَاحِدَة فَفِيهَا شَاتَان إِلَى مِائَتَيْنِ فَإِذا زَادَت وَاحِدَة وَجب فِيهَا ثَلَاث شياة إِلَى ثَلَاثمِائَة ثمَّ تَسْتَقِر الْفَرِيضَة بعد ذَلِك فِي كل مائَة شَاة شَاة فَيجب فِي أَربع مائَة أَربع شياة وَحكي عَن الْحسن وَالنَّخَعِيّ أَنَّهُمَا قَالَا فِي ثَلَاثمِائَة أَربع شياة وَفِي أَربع مائَة خمس شياة وعَلى هَذَا وَالشَّاة الْوَاجِبَة هِيَ الْجَذعَة من الضَّأْن أَو الثَّنية من الْمعز وَبِه قَالَ أَحْمد

وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَلَا يجزىء من الضَّأْن أَيْضا إِلَّا الثَّنية أَو الثني وَهِي الَّتِي لَهَا سنتَانِ وروى الْحسن بن زِيَاد عَن أبي حنيفَة نَحْو قَوْلنَا وَقَالَ مَالك تجزىء الْجَذعَة من الضَّأْن والمعز وَهِي الَّتِي لَهَا سنة كَمَا تجزىء الثَّنية فَإِن كَانَت الأغنام مُتَسَاوِيَة السن مُخْتَلفَة الصّفة أَخذ السَّاعِي الأحظ لأهل السهْمَان وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق يَأْخُذ الْوسط فَإِن كَانَت مراضا لم يُكَلف عَنْهَا صَحِيحَة وَقَالَ مَالك لَا تقبل مِنْهُ إِلَّا الصَّحِيحَة فَإِن كَانَ بَعْضهَا مراضا أَخذ مِنْهَا صَحِيحَة بِالْقِسْطِ وَحكي القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَنه إِذا وَجب عَلَيْهِ فرضان فِي نِصَاب وَأَحَدهمَا مَرِيض وَالْآخر صَحِيح وَجْهَيْن أَحدهمَا أَنه يقبل مِنْهُ صَحِيح ومريض وَلَيْسَ بِصَحِيح بل يُطَالب بِصَحِيح آخر بِالْقِسْطِ قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله وَيَأْخُذ خير الْمَعِيب نَقله الْمُزنِيّ رَحمَه الله وَلَا يخْتَلف أَصْحَابنَا أَنه إِذا كَانَ الْجَمِيع معيبا أَنه لَا يَأْخُذ خَيره

فَمن أَصْحَابنَا من قَالَ أَرَادَ بِهِ إِذا كَانَ فِي المَال فرضان كمائتين من الْإِبِل فَيَأْخُذ خير الفرضين وَقيل أَرَادَ بِهِ إِذا خَيره رب المَال وَقيل أَرَادَ بِالْخَيرِ الْوسط وَقيل على هَذَا الْوَجْه يُؤْخَذ الْوسط فِي الْعَيْب وَذكر فِي الْحَاوِي الْوسط فِي الْقيمَة وَإِن كَانَت الْمَاشِيَة صغَارًا فَإِن كَانَت من الْغنم أَخذ مِنْهَا صغيره وَقَالَ مَالك لَا يُؤْخَذ مِنْهَا إِلَّا كَبِيرَة وَإِن كَانَت من الْإِبِل وَالْبَقر فَفِيهِ وَجْهَان إحدهما وَهُوَ قَول أبي إِسْحَاق أَنه يُؤْخَذ مِنْهُ كَبِيرَة بِالْقِسْطِ فَيقوم النّصاب من الْكِبَار فَيُقَال يُسَاوِي ماية وَالْفَرْض الَّذِي يجب فِيهِ يُقَال يُسَاوِي عشرَة والنصاب من الصغار يُسَاوِي خمسين فَيُقَال لَهُ أخرج كَبِيرَة تَسَاوِي خَمْسَة وَقيل إِن كَانَ مِمَّا يتَغَيَّر الْفَرْض فِيهِ بِالسِّنِّ وَجب الْمَنْصُوص عَلَيْهِ وَإِن كَانَ مِمَّا يتَغَيَّر الْفَرْض فِيهِ بِالْعدَدِ وَجَبت صَغِيرَة وَالْأول أصح وَذكر الشَّيْخ أَبُو حَامِد رَحمَه الله وَجها آخر أَنه يُؤْخَذ صغيره من الصغار بِكُل حَال كَمَا يُؤْخَذ من الْغنم وَلَيْسَ بِشَيْء

وَإِن كَانَت الْمَاشِيَة أَو إِنَاثًا وذكورا لم يجز فِيهَا إِلَّا الْأُنْثَى إِلَّا فِي خمس وَعشْرين من الْإِبِل فَإِنَّهُ يجزىء فِيهَا ابْن لبون وَفِي ثَلَاثِينَ من الْبَقر فَإِنَّهُ يجزىء فِيهَا تبيع وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجزىء فِي الْغنم الذّكر بِكُل حَال وَإِن كَانَت ذُكُورا فَإِن كَانَت من الْغنم وَجب فِيهَا ذكر وَإِن كَانَت من الْإِبِل أَو من الْأَرْبَعين من الْبَقر فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا قَالَ أَبُو إِسْحَاق يُؤْخَذ أُنْثَى بِالْقِسْطِ فَيقوم النّصاب من الْإِنَاث وَالْفَرْض الَّذِي فِيهِ والنصاب من الذُّكُور وَيجب أُنْثَى بِالْقِسْطِ بِحَسب التَّفَاوُت وَقَالَ أَبُو عَليّ بن خيران يُؤْخَذ الذُّكُور غير أَنه يُؤْخَذ من سِتّ وَثَلَاثِينَ من الْإِبِل الذُّكُور ابْن لبون أَكثر قيمَة من ابْن لبون يُؤْخَذ فِي خمس وَعشْرين مَكَان بنت مَخَاض وَهُوَ قَول مَالك وَإِن كَانَت الْمَاشِيَة أنواعا مُخْتَلفَة كالضأن والمعز والجواميس وَالْبَقر والبخاتي والعراب فَفِيهِ قَولَانِ أظهرهمَا أَنه يُؤْخَذ من كل نوع بِقسْطِهِ بِاعْتِبَار الْقيمَة فَإِذا كَانَ عِنْده عشرُون من الضَّأْن وَعِشْرُونَ من الْمعز قوم الضَّأْن فَيُقَال

يُسَاوِي مائَة والواحدة مِنْهَا يُسَاوِي عشرَة والمعز تَسَاوِي خمسين فَيعْطى شَاة تَسَاوِي سَبْعَة وَنصف جَذَعَة من الضَّأْن أَو ثنية من الْمعز من أَي النَّوْعَيْنِ شَاة شَاءَ قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَب أَن يَأْخُذ ذَلِك من أَعلَى النَّوْعَيْنِ وَلَكِن بِالْحِصَّةِ كَمَا قُلْنَا فِي الصِّحَاح والمراض إِنَّه يَأْخُذ صَحِيحه بِالْقِسْطِ وَالْوَجْه الثَّانِي أَنه يَأْخُذ من الْغَالِب فَإِن اسْتَويَا أَخذ من أَيهمَا شَاءَ بِحكم الأحظ كَذَا ذكر أَبُو إِسْحَاق قَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله وَيجب أَن يسْقط هَذَا القَوْل عِنْد تَسَاوِي الْأَصْنَاف ذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَنه إِذا كَانَ عِنْده نِصَاب من الضَّأْن فَأَرَادَ أَن يخرج عَنهُ من الْمعز أَو نِصَاب من الْمعز فَأَرَادَ أَن يخرج عَنهُ من الضَّأْن فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يجوز وَالثَّانِي أَنه لَا يجوز أَن يخرج الضَّأْن عَن الْمعز

فصل

وَلَا يخرج الْمعز عَن الضَّأْن فَإِن أخرج ثنية من الضَّأْن عَن الْمعز أَجزَأَهُ وَإِن أخرج جذعه من الضَّأْن عَن ثنية من الْمعز فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يجوز فَإِن كَانَ لَهُ عشرُون من الْغنم فِي بلد وَعِشْرُونَ فِي بلد آخر وَجب عَلَيْهِ فيهمَا شَاة وَقَالَ أَحْمد إِن كَانَ الْبلدَانِ متباعدين لم يجب عَلَيْهِ فيهمَا شَيْء وَقَالَ أَيْضا إِذا كَانَ لَهُ فِي كل وَاحِد من البلدين أَرْبَعُونَ شَاة وَجب عَلَيْهِ شَاتَان فصل قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله وَالْإِبِل الَّتِي فريضتها الْغنم فِيهَا قَولَانِ أَحدهمَا أَن الشَّاة الَّتِي فيهمَا فِي رقابها يُبَاع مِنْهَا بعير فَيُؤْخَذ مِنْهَا إِن لم يَأْتِ بهَا وَالثَّانِي أَن فِي خمس من الْإِبِل حَال عَلَيْهَا الْحول ثَلَاثَة أَحْوَال ثَلَاث شياة فِي كل حول شَاة وَهَذَا الَّذِي ذكره مَبْنِيّ على أَن الزَّكَاة تتَعَلَّق بِالذِّمةِ أَو بِالْعينِ فَإِن قُلْنَا إِنَّهَا تجب فِي الذِّمَّة وَإِن الدّين لَا يمْنَع وجوب الزَّكَاة وَجب عَلَيْهِ فِي كل حول شَاة إِذا لم يكن لَهُ مَال سوى الْإِبِل

وَإِن قُلْنَا إِن الَّذين يمْنَع وجوب الزَّكَاة وَجَبت عَلَيْهِ شَاة فِي الْعَام الأول دون مَا بعده وَإِن قُلْنَا إِن الزَّكَاة تتَعَلَّق بِالْعينِ فقد نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي الْجَدِيد على قَوْلَيْنِ فِي ذَلِك أَحدهمَا أَنه بِاسْتِحْقَاق الْمَسَاكِين للشاة بِسَبَب الْخمس من الْإِبِل يَزُول ملكه عَن جُزْء من الْإِبِل فَلَا يجب فِيهَا بعد الْحول شَيْء آخر وَالْقَوْل الثَّانِي أَنه يجب عَلَيْهِ فِيهِ ثَلَاث شياة وَيجْعَل ذَلِك وجوبا فِي ذمَّته أَو مُتَعَلقا بِالْمَالِ تعلق الدّين بِالرَّهْنِ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب صَدَقَة الخلطاء للخلطة تَأْثِير فِي الزَّكَاة وَهُوَ أَنه يَجْعَل مَال الرجلَيْن وَالْجَمَاعَة بِمَنْزِلَة مَال الرجل الْوَاحِد فِي وجوب الزَّكَاة وسقوطها بِشَرْط أَن يَكُونَا من أهل الزَّكَاة ويبلغ المَال الْمُخْتَلط نِصَابا وَأَن يمْضِي عَلَيْهِ حول كَامِل وَأَن

لَا يتَمَيَّز أَحدهمَا عَن الآخر فِي المراح والمسرح وَالْمشْرَب والراعي والمحلب والفحل وَفِي اشْتِرَاط نِيَّة الْخلطَة وَجْهَان وبقولنا قَالَ أَحْمد وَظَاهر كَلَام الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي الْأُم إِن إِطْلَاق الْخلطَة يتَنَاوَل خلْطَة الْأَعْيَان وخلطة الْأَوْصَاف وَنَصّ فِي الْقَدِيم على ان إِطْلَاق الْخلطَة ينْصَرف إِلَى خلْطَة الْأَوْصَاف وَالصَّحِيح هُوَ الأول وَذكر فِي الْحَاوِي أَن خلْطَة الْأَوْصَاف تسمى خلْطَة لُغَة وَشرعا وخلطة الْأَعْيَان تسمى خلْطَة شرعا لَا لُغَة وَقَالَ مَالك إِنَّمَا تُؤثر الْخلطَة إِذا كَانَ مَال كل وَاحِد مِنْهُمَا يبلغ نِصَابا

وَقَالَ أَبُو حنيفَة الْخلطَة لَا تُؤثر فِي الزَّكَاة بِحَال ويزكيان زَكَاة الِانْفِرَاد وَاخْتلف أَصْحَاب مَالك فِي شَرط الْخلطَة فَمنهمْ من قَالَ يُرَاعى الِاخْتِلَاط فِي شرطين من هَذِه الشُّرُوط 3 وَمِنْهُم من قَالَ يُرَاعى الرَّعْي والراعي وَمِنْهُم من قَالَ يَكْفِي الِاتِّفَاق فِي الرَّاعِي وَلَا يخْتَلف أَصْحَابنَا فِي اعْتِبَار الحلاب وَاخْتلفُوا مَا هُوَ فَظَاهر مَا نَقله الْمُزنِيّ وَعَلِيهِ عَامَّة أَصْحَابنَا أَن يحلب لبن أَحدهمَا على الآخر وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق أَن يكون الحالب وَاحِدًا وَذكر فِي الْحَاوِي أَن يكون مَكَان الْحَلب وَاحِد فَأَما إِذا ثَبت لكل وَاحِد مِنْهُمَا حكم الِانْفِرَاد بالحول فِي بعضه ثمَّ خلط الْمَالَيْنِ فَإِن اتّفق حولهما فَفِيهِ قَولَانِ قَالَ فِي الْقَدِيم يبْنى حول الْخلطَة على حول الِانْفِرَاد فيزكيان زَكَاة الْخلطَة عِنْد تَمام الْحول وَقَالَ فِي الْجَدِيد لَا يبْنى حول الْخلطَة على حول الِانْفِرَاد فيزكي كل

وَاحِد مِنْهُمَا زَكَاة الِانْفِرَاد عِنْد تَمام الْحول فَأَما فِي الْحول الثَّانِي وَمَا بعده فيزكيان زَكَاة الْخلطَة وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس بن سُرَيج يزكيان زَكَاة الِانْفِرَاد بالحول دون الاخر بِأَن ملك أَحدهمَا أَرْبَعِينَ شَاة فِي أول الْمحرم وَملك الآخر أَرْبَعِينَ شَاة فِي أول صفر وخلطاهما ثمَّ بَاعَ الثَّانِي الْأَرْبَعين الَّتِي ملكهَا فختلطة من آخر فَإِن الأول قد ثَبت لَهُ حكم الِانْفِرَاد وَالْمُشْتَرِي من الخليط لم يثبت لَهُ حكم الِانْفِرَاد فعلى قَوْله الْقَدِيم يجب على كل وَاحِد مِنْهُمَا عِنْد تَمام حوله نصف شَاة وعَلى قَوْله الْجَدِيد يجب على الأول عِنْد تَمام حوله شَاة وَفِي الثَّانِي وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يجب عَلَيْهِ ايضا شَاة وَالثَّانِي أَنه يجب عَلَيْهِ نصف شَاة وَهُوَ الْأَصَح

فَأَما إِذا ملك رجل أَرْبَعِينَ شَاة وَمضى عَلَيْهَا نصف الْحول فَبَاعَ نصفهَا مشَاعا فَإِذا تمّ حول البَائِع وَجب عَلَيْهِ نصف شَاة وَقَالَ أَبُو عَليّ بن خيران يبْنى ذَلِك على الْقَوْلَيْنِ فعلى قَوْله الْقَدِيم يجب على الأول نصف شَاة وعَلى قَوْله الْجَدِيد يَنْقَطِع حول البَائِع فِيمَا بَقِي على ملكه فيستأنف فِيهِ الْحول وَهَذَا غلط لِأَن قَول الشَّافِعِي رَحمَه الله لَا يخْتَلف أَن حول الْخلطَة يبْنى على حول الِانْفِرَاد وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ فِي قدر الزَّكَاة هَل يعْتَبر بحول الِانْفِرَاد أَو بحول الْخلطَة فَأَما المُشْتَرِي فَإِنَّهُ إِذا تمّ حوله من حِين الشِّرَاء وَجب عَلَيْهِ نصف شَاة إِذا قُلْنَا إِن الزَّكَاة تجب فِي الذِّمَّة وَإِن الدّين لَا يمْنَع وجوب الزَّكَاة وَإِن قُلْنَا إِن الزَّكَاة تجب فِي الْعين لم يجب عَلَيْهِ شَيْء لنُقْصَان النّصاب بِمَا وَجب على البَائِع من نصف الشَّاة وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِيهِ قَول آخر أَنه يجب عَلَيْهِ الزَّكَاة لِأَنَّهُ إِذا أخرجهَا من غَيره ثَبت أَن ملكه لم يزل وَهَذَا فَاسد فَأَما إِذا بَاعَ مِنْهَا عشْرين مُعينَة وَسلمهَا من غير تَفْرِيق بسوق الْجَمِيع لم يَنْقَطِع الْحول وَقيل يَنْقَطِع وَلَيْسَ بِشَيْء فَإِن ملك رجل اربعين من الْغنم وَملك آخر أَرْبَعِينَ من الْغنم وحولهما

مُتَّفق فَبَاعَ كل وَاحِد مِنْهُمَا نصف غنمه بِنصْف غنم الآخر انْقَطع حولهما فِيمَا تبايعاه قولا وَاحِدًا وَلَا يَنْقَطِع فِيمَا لم يتبايعاه على طَريقَة أبي إِسْحَاق وَعَامة أَصْحَابنَا وَهِي الصَّحِيحَة وعَلى قَول ابْن خيران فِيهِ قَولَانِ فَإِذا قُلْنَا لَا يَنْقَطِع فجيب عِنْد تَمام الْحول على قَوْله الْقَدِيم نصف شَاة بِحكم الْخلطَة على كل وَاحِد مِنْهُمَا ربع شَاة وعَلى قَوْله الْجَدِيد يجب فِيهَا شَاة بِحكم الِانْفِرَاد على كل وَاحِد مِنْهُمَا نصفهَا وَأما الَّذِي تبايعاه إِذا تمّ حوله وَجَعَلنَا الحكم للخلطة وَجب فِيهِ نصف شَاة على الخليطين وَإِن جعلنَا الحكم للانفراد فِيمَا لم يتبايعاه فَالَّذِي يتبايعاه عِنْد تَمام حوله يَبْنِي على من ملك أَرْبَعِينَ فِي الْمحرم ثمَّ ملك أَرْبَعِينَ فِي صفر فَأخْرج زَكَاة الأول عِنْد تَمام حوله هَل تجب فِي الْبَاقِي إِذا تمّ حوله الزَّكَاة فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا تجب فَلَا تجب هَا هُنَا فِيمَا تبايعاه شَيْء وَإِن قُلْنَا الزَّكَاة تجب فِي الزَّائِد على النّصاب وَجَبت فِيمَا تبايعاه فِي مَسْأَلَتنَا عِنْد تَمام حوله وَفِي قدرهَا وَجْهَان أَحدهمَا شَاة

وَالثَّانِي نصف شَاة إِذا كَانَ لِرجلَيْنِ أَرْبَعُونَ من الْغنم مختلطة لكل وَاحِد عشرُون ولأحدهما أَرْبَعُونَ مُنْفَرِدَة وَتمّ الْحول فَفِيهِ أَرْبَعَة أوجه احدهما وَهُوَ الْمَنْصُوص عَلَيْهِ وَاخْتَارَهُ القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله أَنه تجب شَاة ربعهَا على صَاحب الْعشْرين وَالْبَاقِي على صَاحب السِّتين وَالثَّانِي أَنه يجب على صَاحب السِّتين ثَلَاثَة أَربَاع شَاة وعَلى صَاحب الْعشْرين نصف شَاة وَالثَّالِث أَنه يجب على صَاحب الْعشْرين نصف شَاة وعَلى صَاحب السِّتين شَاة وَالرَّابِع أَنه يجب على صَاحب السِّتين شَاة إِلَّا نصف سدس شَاة ثلثا شَاة بِسَبَب الْأَرْبَعين المنفردة وَربع شَاة بِسَبَب الْعشْرين المختلطة

وعَلى صَاحب الْعشْرين نصف شَاة وَأَقل عدد لَهُ ثلثان وَربع اثْنَا عشر وَلَيْسَ بِصَحِيح وَيتَفَرَّع على مَا ذَكرْنَاهُ إِذا كَانَ لَهُ سِتُّونَ من الْغنم فخالطه بِكُل عشْرين مِنْهَا رجلا لَهُ عشرُون فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه فعلى مَنْصُوص الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي الْمَسْأَلَة الْمُتَقَدّمَة يضم الْغنم بَعْضهَا إِلَى بعض فَيجب فِيهَا شَاة على صَاحب السِّتين نصفهَا وعَلى الخلطاء الثَّلَاثَة نصفهَا على كل وَاحِد مِنْهُم سدس شَاة وعَلى قَول الْقَائِل الثَّانِي هُنَاكَ تجب هَا هُنَا على صَاحب السِّتين نصف شَاة وعَلى كل وَاحِد من الخلطاء نصف شَاة وعَلى الْوَجْه الرَّابِع يجب على صَاحب السِّتين هَا هُنَا ثَلَاثَة أَربَاع شَاة وعَلى كل وَاحِد من الخلطاء نصف شَاة وَلَا يَجِيء هَا هُنَا الْوَجْه الثَّالِث لِأَن صَاحب السِّتين لَيْسَ لَهُ غنم مُنْفَرِدَة فَيجب عَلَيْهِ باعتبارها شَاة وَحكى القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله وَجها آخر أَنه يجب على صَاحب السِّتين شَاة وَنصف وَهَذَا فِي غَايَة الْفساد

فصل

ذكر ابْن الْحداد إِذا كَانَ لرجل أَرْبَعُونَ شَاة فخالط بِعشْرين مِنْهَا أَرْبَعُونَ لرجل وبعشرين أَرْبَعِينَ لآخر فَإِنَّهُ يجب على كل وَاحِد من خليطيه ثلثا شَاة وعَلى صَاحب الْأَرْبَعين ثلث شَاة على طَريقَة أبي على بن أبي هُرَيْرَة وعَلى مَا حكيناه من مَنْصُوص الشَّافِعِي رَحمَه الله يجب عَلَيْهِم شَاة على كل وَاحِد مِنْهُم ثلثهَا وَحكى فِيهِ وَجه آخر أَنه يجب على كل وَاحِد ثلثا شَاة فَيكون فِي كل سِتِّينَ شَاة وَهُوَ وَجه بعيد ذكر عَن ابْن الْحداد أَيْضا رجل مَعَه عشر من الْإِبِل فخالط بِخمْس مِنْهَا خَمْسَة عشر لرجل وبالخمس الْأُخْرَى خَمْسَة عشر لآخر فَقَالَ يجب على صَاحب الْعشْرَة ربع بنت مَخَاض وعَلى كل وَاحِد من خليطيه ثَلَاث شياة وَهَذَا على طَرِيقَته الْمُتَقَدّمَة وعَلى مَا حكيناه عَن الشَّافِعِي رَحمَه الله يجب على الْكل بنت لبون على صَاحب الْعشْرَة ربعهَا وعَلى الخليطين ثَلَاثَة أربعاعها وَقيل لَا يُمكن ضم مَال أَحدهمَا إِلَى الآخر وَإِنَّمَا يضم مَاله إِلَى أحد خليطيه وَالْمَسْأَلَة الَّتِي ذكرهَا الشَّافِعِي رَحمَه الله لَيْسَ فِيهَا ضم مَال أحد الخليطين إِلَى الآخر فصل وَأما أَخذ الزَّكَاة من مَال الْخلطَة فَفِيهِ وَجْهَان

أَحدهمَا وَهُوَ قَول أبي إِسْحَاق أَنه وجد مَا يجب على كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي مَاله أَخذه مِنْهُ وَلم يَأْخُذهُ من مَال الآخر وَإِن لم يجب الْفَرْض إِلَّا فِي مَال أَحدهمَا أَخذه وَرجع الْمَأْخُوذ من نصِيبه على صَاحبه بقسط فَرْضه وَقَالَ أَبُو عَليّ بن أبي هُرَيْرَة لَهُ أَن يَأْخُذ من أَي الْمَالَيْنِ شَاءَ مَا يجب عَلَيْهِمَا سَوَاء وجده فِي نصيب أَحدهمَا أَو فِي نصيبهما وَهُوَ ظَاهر كَلَام الشَّافِعِي رَحمَه الله فَإِن أَخذ السَّاعِي من أَحدهمَا أَكثر من الْفَرْض بِتَأْوِيل بِأَن أَخذ كَبِيرَة من الصغار أَو صَحِيحَة من المراض على قَول مَالك فَإِنَّهُ يرجع عَلَيْهِ بِنصْف مَا أَخذ مِنْهُ وَإِن أَخذ مِنْهُ قيمَة الْفَرْض فَفِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا أَنه يرجع وَالثَّانِي لَا يرجع وَفِي الْخلطَة فِي غير الْمَوَاشِي من الْأَثْمَان والحبوب وَالثِّمَار قَولَانِ قَالَ فِي الْقَدِيم لَا تَأْثِير لَهَا وَبِه قَالَ مَالك

وَقَالَ فِي الْجَدِيد يُؤثر فِيهَا فعل هَذَا خلْطَة الشّركَة صَحِيحَة فِيهَا وَفِي خلْطَة الْأَوْصَاف وَجْهَان

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب زَكَاة الثِّمَار تجب الزَّكَاة فِي ثَمَرَة الْكَرم والنخيل دون غَيرهمَا من الثِّمَار وَبِه قَالَ مَالك وَقَالَ أَبُو حنيفَة الْعشْر يجب فِي جَمِيع الثِّمَار وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يجب فِي سَائِر الثِّمَار الْبَاقِيَة وَقَالَ أَحْمد يجب فِي سَائِر الثِّمَار الَّتِي تكال حَتَّى أوجبهَا فِي اللوز وأسقطها فِي الْجَوْز وَلَا يجب فِي الزَّيْتُون فِي قَوْله الْجَدِيد وَيجب فِي

الْقَدِيم وَبِه قَالَ مَالك فَإِن كَانَ مِمَّا يقْصد زيته فَإِن شَاءَ أخرج عشره زيتونا وَإِن شَاءَ زيتا وَذكر فِي الْحَاوِي قَوْلَيْنِ أَحدهمَا أَنه يعْتَبر أَن يبلغ خَمْسَة أوسق زيتا فعلى هَذَا يخرج عشره زيتا وَالثَّانِي يعْتَبر خَمْسَة أوسق زيتونا وَالشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله ذكر أَنه يخرج زيتونا وَحكم الورس فِي ذَلِك حكم الزَّيْتُون قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله وَمن قَالَ لَا عشر فِي الورس لم يُوجب فِي الزَّعْفَرَان وَمن قَالَ يجب فِي الورس يحْتَمل أَن يُوجب فِي الزَّعْفَرَان وَيحْتَمل أَن لَا يُوجب وَقَالَ فِي الْقَدِيم يجب فِي الْعَسَل الْعشْر وَقَالَ فِي الْجَدِيد لَا عشر فِيهِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا كَانَ فِي غير أَرض الْخراج وَجب فِيهِ الْعشْر وَهُوَ قَول أَحْمد فَيجب عِنْده بِكُل حَال وَقَالَ فِي الْقَدِيم يجب الْعشْر فِي حب القرطم إِن صَحَّ فِيهِ حَدِيث أبي بكر رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ فِي الْجَدِيد لَا يجب

وَلَا يجب الْعشْر فِي الثَّمَرَة حَتَّى تبلغ نِصَابا وَهُوَ خَمْسَة أوسق وَقَالَ أَبُو حنيفَة من الْفُقَهَاء وَحده يجب الْعشْر فِي قَلِيل ذَلِك وَكَثِيره وَخَالفهُ صَاحِبَاه أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد والوسق سِتُّونَ صَاعا والصاع أَرْبَعَة أَمْدَاد وَالْمدّ رَطْل وَثلث فَيكون الْجَمِيع ألف وسِتمِائَة رَطْل بالبغدادي وَهل ذَلِك تقريب أَو تَحْدِيد فِيهِ وَجْهَان وتضم ثَمَرَة الْعَام الْوَاحِد بَعْضهَا إِلَى بعض وَإِن كَانَ بَينهمَا زمَان هَذَا نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي الْأُم 2 وَذكر فِي الْحَاوِي أَنه إِذا أطلع النجدي وَقد جد التهامي لم يضم إِلَيْهِ وَإِن أطلع النجدي قبل بَدو الصّلاح فِي التهامي ضم إِلَيْهِ وَإِن أطلع بعد بَدو الصّلاح فِي التهامي وَقبل جداده فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا يضم وَهُوَ قَول ابي إِسْحَاق وَقيل إِنَّه إِذا بدا الصّلاح فِي النجدي وَقد جد التهامي لم يضم إِلَيْهِ وَإِن كَانَ قبل أَن يجد ضم إِلَيْهِ

وَقيل إِنَّه إِن أطلع النجدي قبل أَوَان جدَاد التهامي ضم إِلَيْهِ وَإِن أطلع بعد أَوَان جداده لم يضم إِلَيْهِ فَإِن كَانَت الثَّمَرَة رطبا لَا يَجِيء مِنْهَا ثمرا أَو عنبا لَا يَجِيء مِنْهُ زبيب فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يعْتَبر نصابه بِنَفسِهِ إِذا جف وَالثَّانِي يعْتَبر بِغَيْرِهِ وَذكر فِي الْحَاوِي وَجها آخر أَنه يعْتَبر نصابه رطبا وَالْوَاجِب فِيمَا سقِِي بِغَيْر مؤونة ثَقيلَة الْعشْر وَفِيمَا سقِِي بمؤونة ثَقيلَة نصف الْعشْر فَإِن سقِِي نصفه بالسيح وَنصفه بالنضح فَفِيهِ ثَلَاثَة أَربَاع الْعشْر وَإِن سقِِي بِأَحَدِهِمَا أَكثر فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يعْتَبر الْغَالِب وَالثَّانِي أَنه يعْتَبر عدد السقيات فَيسْقط عَلَيْهَا فَإِن جهل الْقدر جعل بَينهمَا نِصْفَيْنِ وَذكر فِي الْحَاوِي أَنه يجب زِيَادَة على نصف الْعشْر وَإِن قل

ويتوقف فِيمَا زَاد وَلَيْسَ بِشَيْء فَإِن أَرَادَ بيع الثِّمَار قبل بَدو الصّلاح لحَاجَة لم يكره وَإِن كَانَ للفرار من الزَّكَاة كره وَمنع وجوب الزَّكَاة وَعند مَالك أَنه يحرم وَلَا تسْقط الزَّكَاة فَإِن بَاعَ بعد بَدو الصّلاح فَفِي البيع فِي قدر الْفَرْض الْقَوْلَانِ أَحدهمَا أَنه يبطل وَهل يبطل فِيمَا زَاد عَلَيْهِ يبْنى على الْقَوْلَيْنِ فِي تَفْرِيق الصَّفْقَة وَإِذا قُلْنَا يَصح البيع فبماذا يمسِكهُ فِيهِ قَولَانِ أصَحهمَا أَنه يمسِكهُ بِحِصَّتِهِ من الثّمن وَقَالَ مَالك البيع صَحِيح وَالزَّكَاة على البَائِع وَمن أَصْحَابه من قَالَ يُؤْخَذ من المُشْتَرِي وَيرجع بهَا على البَائِع وَقَالَ أَبُو حنيفَة يَصح البيع فِي الْجَمِيع وَهُوَ قَول أَحْمد فَإِن اشْترى ثَمَرَة وَلم يبد صَلَاحهَا بِشَرْط الْقطع فَلم يقطعهَا حَتَّى بدا صَلَاحهَا فَإِن اتفقَا على التبقية إِلَى أَوَان الجداد أخذت الزَّكَاة مِنْهَا وَذكر الشَّيْخ أَبُو حَامِد فِي التَّعْلِيق أَن أَبَا إِسْحَاق قَالَ فِيهِ قولا آخر إِنَّه يفْسخ البيع وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء وَإِن اخْتلفَا فَطلب البَائِع الْقطع دون المُشْتَرِي فَإِنَّهُ يفْسخ البيع وَيجب الْعشْر على البَائِع

وَذكر فِي الْحَاوِي أَنه لَا زَكَاة على المُشْتَرِي وَفِي البَائِع وَجْهَان أصَحهمَا أَنَّهَا تجب عَلَيْهِ وَذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله فِيمَن يجب عَلَيْهِ الْعشْر بعد الْفَسْخ وَجْهَيْن بِنَاء على أَن الْفَسْخ للْعقد من وقته أَو من أَصله فِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا أَنه فسخ من وقته فَتكون الزَّكَاة على المُشْتَرِي وَإِن طلب المُشْتَرِي قطعهَا دون البَائِع فَهَل يفْسخ البيع فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا يجْبر على التبقية وَالثَّانِي لَا يجْبر وَله فَسخه فَإِن بدا الصّلاح فِي الثَّمَرَة فِي مُدَّة الْخِيَار ففسخ البيع وعادت الثَّمَرَة إِلَى البَائِع فقد ذكر فِي الْحَاوِي فِي الزَّكَاة وَجْهَيْن وبناهما على أَن الزكا 6 ة تجب فِي الذِّمَّة أَو فِي الْعين فَإِن قُلْنَا فِي الذِّمَّة وَجَبت على المُشْتَرِي وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيح وَإِنَّمَا الصَّحِيح أَن يبْنى على الْمَالِك وَهِي من فَوَائِد الْمَالِك يكره للرجل أَن يَشْتَرِي صَدَقَة فَإِن اشْتَرَاهَا صَحَّ وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالظَّاهِر من قَول أَحْمد وَمن اصحاب أَحْمد من قَالَ يبطل البيع وَحكى أَصْحَابنَا ذَلِك عَن أَحْمد وَأنْكرهُ أَصْحَابه فَإِن كَانَ لرب المَال على رجل من أهل السهْمَان دين لم يجز أَن يَجعله قصاصا عَمَّا يجب عَلَيْهِ من الزَّكَاة وَإِنَّمَا يدْفع إِلَيْهِ بِقَدرِهِ من الزَّكَاة ليعيده إِلَيْهِ عَن دينه

وَحكى عَن مَالك أَنه قَالَ يجوز وَهَذَا ظَاهر الْفساد وتخرص الثَّمَرَة وَحكي فِي الْحَاوِي عَن ابي حنيفَة وسُفْيَان أَن الْخرص لَا يَصح وَذكر القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله فِي التَّعْلِيق أَن هَذَا لَا يَصح عَنهُ فَإِن كَانَ لَهُ حائطان قد بدا الصّلاح فِي أَحدهمَا دون الآخر اعْتبر كل وَاحِد مِنْهُمَا بِنَفسِهِ فِي الْخرص فِي أصح الْوَجْهَيْنِ وَهل يجزىء خارص وَاحِد فِيهِ طَرِيقَانِ قَالَ ابو إِسْحَاق الْمروزِي وابو الْعَبَّاس بن سُرَيج يجزىء خارص وَاحِد وَقَالَ غَيرهمَا من أَصْحَابنَا فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا يجزىء خارص وَاحِد وَهُوَ قَول مَالك وَأحمد قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله ويطيف بالنخلة فيخرصها رطبا ذكر فِي الْحَاوِي فِي ذَلِك ثَلَاثَة أوجه أَحدهمَا أَن ذَلِك احْتِيَاط واستظهار وَالثَّانِي أَنه شَرط وَالثَّالِث وَهُوَ الْأَصَح أَن الثَّمَرَة إِن كَانَت بازرة يرى جَمِيعهَا فَلَيْسَ بِشَرْط وَإِن كَانَت مستورة فَهُوَ شَرط فَإِن ادّعى رب المَال هَلَاك الثَّمَرَة بجائحة ظَاهِرَة لم يقبل دَعْوَاهُ إِلَّا بِبَيِّنَة

على وجود الْجَائِحَة فَإِذا ثبتَتْ الْجَائِحَة فَالْقَوْل قَوْله فِي الْهَلَاك بهَا مَعَ يَمِينه وَفِي كَون الْيَمين وَاجِبَة وَجْهَان ثمَّ ينظر فِي الْبَاقِي فَإِن نقص عَن نِصَاب قبل الْإِمْكَان وَقُلْنَا الْإِمْكَان من شَرَائِط الْوُجُوب لم يجي عَلَيْهِ شَيْء ذكر فِي الْحَاوِي أَن من اصحابنا من قَالَ تجب الزَّكَاة فِي الْبَاقِي قولا وَاحِدًا وَلَيْسَ بِشَيْء وَإِن ادّعى الْهَلَاك بِسَبَب خَفِي كالسرقة فَالْقَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه وَهل الْيَمين وَاجِبَة على الْوَجْهَيْنِ وَلَا تُؤْخَذ الزَّكَاة من الثِّمَار إِلَّا بِعْ الْجَفَاف فَإِن أَخذهَا رطبا وَجب ردهَا إِن كَانَت بَاقِيَة ورد قيمتهَا إِن كَانَت تالفة وَقيل يرد مثله وَالْمذهب الأول فَإِن كَانَت الثَّمَرَة أنواعا مُخْتَلفَة قَليلَة أَخذ من كل نوع بِقسْطِهِ على صفته فِي جودته ورداءته وَبِه قَالَ مَالك

وَمن أَصْحَابه من قَالَ يُطَالب عَن الرَّدِيء بجيد كالماشية فَإِن كثرت الْأَنْوَاع أَخذ من أوسطها لَا من النَّوْع الْجيد وَلَا من الرَّدِيء وَحكي فِيهِ وَجه آخر أَنه إِذا اخْتلفت تقادير الْأَنْوَاع من نواع عشرَة وَمن نوع عشرُون وَمن نوع ثَلَاثُونَ أَخذ من الْأَغْلَب قدرا وَعَن مَالك فِي ذَلِك رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا يُؤْخَذ من الْأَوْسَط وَالثَّانيَِة يُؤْخَذ من كل نوع بِقسْطِهِ وَإِذا قُلْنَا يفْتَقر فِي الْخرص إِلَى عدد فَهَل يجوز أَن يكون أَحدهمَا امْرَأَة فِيهِ وَجْهَان فَإِن أصَاب النّخل عَطش بعد بَدو الصّلاح فِي الثَّمَرَة قطعهَا حفظا لِلْأُصُولِ وَفِي الْقِسْمَة قَولَانِ إِن قُلْنَا إِن الْقِسْمَة فرز النَّصِيبَيْنِ جَازَ قسْمَة الثَّمَرَة وَيَأْخُذ السَّاعِي نصيب الْمُسْتَحقّين يصرفهُ إِلَيْهِم إِن رأى أَو يَبِعْهُ وَيصرف ثمنه وَإِن قُلْنَا إِن الْقِسْمَة بيع لم تجز الْقِسْمَة وَيسلم إِلَى السَّاعِي عشرهَا مشَاعا لتعين حق الْمُسْتَحقّين ثمَّ يبع نصيب الْفُقَرَاء من رب المَال أَو غَيره إِن شَاءَ

فَإِن قطعت الثَّمَرَة وَقُلْنَا الْقِسْمَة فرز النَّصِيبَيْنِ جَازَت الْقِسْمَة كَيْلا ووزنا وَإِن قُلْنَا إِنَّهَا بيع لم يجز وسلمت مشَاعا ليَبِيعهُ وَيفرق ثمنه وَقَالَ ابو إِسْحَاق وَأَبُو عَليّ بن ابي هُرَيْرَة يجوز الْمُقَاسَمَة كَيْلا ووزقا وَلَيْسَ بِصَحِيح

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب صَدَقَة الزروع تجب الزَّكَاة فِي كل مَا تخرجه الأَرْض مِمَّا يقتات ويدخر وينبته الآدميون كالحنطة وَالشعِير والذرة والقطنية وَقَالَ الْحسن وَابْن سِيرِين تجب فِي الْحِنْطَة وَالشعِير لَا غير وَقَالَ أَبُو ثَوْر تجب فِي الْحِنْطَة وَالشعِير والذرة وَقَالَ عَطاء تجب فِي كل زرع نبت من بذرة وَأخذ بذره من زرعه وَقَالَ مَالك تجب فِي الْحُبُوب المأكولة غَالِبا من الزروع وَقَالَ أَبُو يُوسُف تجب فِي الْحُبُوب المأكولة والقطن وَقَالَ أَحْمد تجب فِي الْحُبُوب الَّتِي تكال أَنْبَتَهُ الْآدَمِيّ أَو نبت بِنَفسِهِ

وَقَالَ أَبُو حنيفَة تجب فِي كل مزروع ومغروس من فَاكِهَة وبقل وخضر وَلَا تجب إِلَّا فِي نِصَاب من كل جنس وَلَا يضم جنس إِلَى جنس آخر وَقَالَ مَالك تضم الْحِنْطَة إِلَى الشّعير فِي إِكْمَال لنصاب والقطنيبة يضم بَعْضهَا إِلَى بعض وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى أَنَّهَا أَجنَاس كالربا وَاخْتلفت الرِّوَايَة عَن أَحْمد وَيضم العلس إِلَى الْحِنْطَة وَلَا يضم السلت إِلَى الشّعير وَقَالَ أَبُو عَليّ الطَّبَرِيّ يضم إِلَيْهِ وَهَذَا خلاف نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي الْبُوَيْطِيّ وَإِن اخْتلفت أَوْقَات الزَّرْع فَفِيهِ أَرْبَعَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه يعْتَبر الِاتِّفَاق فِي وَقت الزِّرَاعَة وكل زرعين اتّفقت زراعتهما فِي فصل من بيع أَو صيف أَو خريف ضم احدهما إِلَى الآخر وَإِن اخْتلف حصادهما

وَالثَّانِي أَنه يعْتَبر وَقت الْحَصاد فَإِذا اتفقَا فِيهِ ضم احدهما إِلَى الآخر وَالثَّالِث أَنه يعْتَبر الْأَمْرَانِ جَمِيعًا فَإِذا اتفقَا فيهمَا ضم احدهما إِلَى الآخر وَالرَّابِع انه يعْتَبر أَن يكون من زرع عَام وَاحِد كَمَا قُلْنَا فِي الثِّمَار وَهُوَ أصَحهمَا وَلَا يجب الْعشْر حَتَّى ينْعَقد الْحبّ فَإِن حصدت الذّرة ثمَّ اسْتخْلف مَكَانهَا وتسنبل فَهَل يضم الثَّانِي إِلَى الأول فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يضم على القَوْل الَّذِي يعْتَبر الانفاق فِي الزِّرَاعَة أَو فِي زرع عَام وَاحِد وَإِن كَانَ الزَّرْع لوَاحِد وَالْأَرْض لآخر وَجب الْعشْر على مَالك الزَّرْع كالمستأجر مَعَ الْمُؤَجّر وَبِه قَالَ مَالك وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجب الْعشْر على الْمُؤَجّر وَإِذا أخرج الْعشْر من الْحبّ أَو الثَّمَرَة وَبَقِي عِنْده سنتَيْن بعد ذَلِك لم يجب عَلَيْهِ فِيهِ شَيْء آخر

وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ كلما حَال عَلَيْهِ الْحول وَجب فِيهِ الْعشْر حَكَاهُ القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله وَإِن كَانَ على الأَرْض خراج وَجب الْخراج فِي وقته وَالْعشر فِي الزَّرْع وَبِه قَالَ أَحْمد وَمَالك وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجب الْعشْر فِي الأَرْض الخراجية وَإِن كَانَ لمُسلم أَرض لَا خراج عَلَيْهَا فَبَاعَهَا من ذمِّي فَلَا عشر عَلَيْهِ وَلَا خراج وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجب عَلَيْهِ الْخراج وَقَالَ ابو يُوسُف يجب عَلَيْهِ عشران وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن يجب عَلَيْهِ عشر وَاحِد وَقَالَ مَالك لَا يَصح بَيْعه

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب زَكَاة الذَّهَب وَالْفِضَّة لَا تجب الزَّكَاة فِي غير الذَّهَب وَالْفِضَّة من الْجَوَاهِر وَمن الْيَاقُوت والفيروزج وَهُوَ قَول الكافة وَحكي عَن الْحسن الْبَصْرِيّ وَعمر بن عبد الْعَزِيز وابي يُوسُف القَاضِي أَنه يجب فِي العنبر الْخمس وَقَالَ عبيد الله بن الْحسن الْعَنْبَري تجب الزَّكَاة فِي جَمِيع مَا يسْتَخْرج من الْبَحْر إِلَّا السّمك وَلَا تجب الزَّكَاة فِيمَا دون النّصاب ونصاب الذَّهَب عشرُون مِثْقَالا

ونصاب الْفضة مِائَتَا دِرْهَم وازنة دَرَاهِم الْإِسْلَام كل عشرَة دَرَاهِم سبع مَثَاقِيل وَحكى عَن المغربي من أهل الظَّاهِر وَبشر المريسي أَن الِاعْتِبَار بِالْعدَدِ فِي الدَّرَاهِم دون الْوَزْن وَهَذَا خلاف النَّص وَالْإِجْمَاع فَإِن نقص عَن نِصَاب مَا لم يجب فِيهِ شَيْء وَبِه قَالَ ابو حنيفَة وَقَالَ مَالك إِذا نقص نِصَاب الدَّرَاهِم نُقْصَانا يَسِيرا يجوز جَوَاز الوازنة وَجَبت فِيهَا الزَّكَاة وَحكي عَن مُحَمَّد بن مسلمة من أَصْحَابه انها إِذا نقصت ثَلَاثَة دَرَاهِم وَجَبت فِيهَا الزَّكَاة وَرُوِيَ عَن أَحْمد نَحْو قَول مَالك وَرُوِيَ عَنهُ أَيْضا أَنَّهَا إِذا نقصت دانقا أَو دانقين وَجَبت الزَّكَاة وَحكي عَن عَطاء وَطَاوُس أَنَّهُمَا قَالَا نِصَاب الذَّهَب مُعْتَبر بِالْفِضَّةِ فَيعْتَبر أَن يبلغ قِيمَته مِائَتي دِرْهَم حَتَّى لَو كَانَ مَعَه خَمْسَة عشر مِثْقَالا من

الذَّهَب تبلغ قيمتهَا مِائَتي دِرْهَم وَجَبت فِيهَا الزَّكَاة وَإِن كَانَ مَعَه عشرُون مِثْقَالا تَسَاوِي دون مِائَتي دِرْهَم لم يجب فِيهَا شَيْء وَحكي عَن الْحسن الْبَصْرِيّ انه لَا يجب فِي الذَّهَب شَيْء حَتَّى يبلغ أَرْبَعِينَ مِثْقَالا فَيجب مِثْقَال فِي إِحْدَى الرِّوَايَات عَنهُ وفرضها ربع الْعشْر وَلَا يضم أَحدهمَا إِلَى الآخر فِي إِكْمَال النّصاب وَبِه قَالَ أَحْمد وَقَالَ أَبُو حنيفَة يضم أَحدهمَا إِلَى الآخر فِي إِكْمَال النّصاب بِالْقيمَةِ وَقَالَ مَالك وَأَبُو يُوسُف يضم إِلَيْهِ بالأجزاء وَتجب فِيمَا زَاد على النّصاب بِحِسَابِهِ فِي قَلِيله وَكَثِيره وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَدَاوُد وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجب فِيمَا زَاد على نِصَاب الذَّهَب حَتَّى يبلغ الزِّيَادَة أَرْبَعَة دَنَانِير فِي الذَّهَب وَأَرْبَعين درهما فِي الْفضة وَإِن كَانَ مَعَه مايتا دِرْهَم فَأخْرج عَنْهَا خَمْسَة دَرَاهِم نبهرجة لم يجزه وَيخرج الجيدة وَقَالَ أَبُو حنيفَة يُجزئهُ وَقَالَ مُحَمَّد يخرج الْفضل

وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِن كَانَت فضَّة رَدِيئَة أَجزَأَهُ وَإِن كَانَت نبهرجة لم يجزه وَهل لَهُ الرُّجُوع فِي الرَّديئَة ذكر أَبُو الْعَبَّاس بن سُرَيج فِيهِ وَجْهَيْن أَحدهمَا لَهُ الرُّجُوع وَهَذَا إِذا كَانَ قد شَرط فِي الدّفع أَنَّهَا زَكَاة فَإِن كَانَ لَهُ إِنَاء من فضَّة وَزنه مِائَتَان وَقِيمَة الصَّنْعَة ثَلَاثمِائَة فَأخْرج خَمْسَة دَرَاهِم فضَّة من غَيره لم يجزه وَقَالَ ابو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف يُجزئهُ وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن لَا يُجزئهُ حَتَّى يسلم ربع الْعشْر مِنْهُ مشَاعا أَو يخرج قيمَة ربع الْعشْر ذَهَبا فَإِن أخرج عَنهُ خَمْسَة دَرَاهِم فضَّة لم يجزه عِنْده جَمِيعًا حَتَّى يكون بِقِيمَتِه خَمْسَة دَرَاهِم مِنْهُ فَإِن كَانَ مَعَه فضَّة مغشوشة أَو ذَهَبا مغشوشا وَكَانَ الذَّهَب أَو الْفضة لَا يبلغ نِصَابا لم يجب فِيهِ شَيْء وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد إِذا كَانَ الْغِشّ اقل وَجَبت الزَّكَاة وَإِن جهل قدره سبكه وَفِي مئوونة السبك وَجْهَان أظهرهمَا أَنَّهَا على الْمَالِك وَلَا يخرج أحد النَّوْعَيْنِ عَن الآخر وَقَالَ مَالك يجوز ذَلِك وَيكون بَدَلا لَا قيمَة وَاخْتلف أَصْحَابه فِي كَيْفيَّة الْإِخْرَاج بِالْقيمَةِ أَو بالتعديل

فَإِن كَانَ لَهُ دين لَازم على مقرّ مَلِيء لزمَه زَكَاته وَلَزِمَه إخْرَاجهَا وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد لَا يجب عَلَيْهِ إخْرَاجهَا حَتَّى يقبض الدّين وَإِن كَانَ الدّين على جَاحد فِي الظَّاهِر مقرّ فِي الْبَاطِن وَجَبت عَلَيْهِ الزَّكَاة غير أَنه لَا يلْزمه إخْرَاجهَا حَتَّى يصل إِلَيْهِ الدّين وَقَالَ ابو يُوسُف لَا زَكَاة عَلَيْهِ فِيهِ وَإِن كَانَ الدّين على جَاحد فِي الظَّاهِر وَالْبَاطِن أَو على مُعسر كَانَ على الْقَوْلَيْنِ فِي وجوب الزَّكَاة فِي الضال وَالْمَغْصُوب وابو حنيفَة وَافق فِي وجوب الزَّكَاة فِي الدّين على مُعسر والدفين فِي ملكه إِذا خَفِي عَلَيْهِ مَوْضِعه ثمَّ وصل إِلَيْهِ أَنه يُزَكِّيه لما مضى وَقَالَ مَالك فِي الدّين إِذا كَانَ من فرض أَو ثمن مَبِيع فَمضى عَلَيْهِ احوال ثمَّ أَخذه زَكَاة لحول وَاحِد وَكَذَا إِذا اشْترى عرضا للتِّجَارَة وَبَاعه بعد أَحْوَال زَكَاة لحول وَاحِد وَإِن كَانَ لَهُ بِالدّينِ المجحود بَينه أَو كَانَ الْحَاكِم يعلم حَاله قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَب انه تجب فِيهِ الزَّكَاة وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن إِن علم بِهِ الْحَاكِم وَجَبت فِيهِ الزَّكَاة وَإِن كَانَ لَهُ بَيِّنَة لم يجب وَإِن كَانَ الدّين مُؤَجّلا فَفِيهِ طَرِيقَانِ

وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق هُوَ بِمَنْزِلَة الدّين الْحَال على مُعسر اَوْ مَلِيء جَاحد فَيكون على قَوْلَيْنِ وَقَالَ أَبُو عَليّ بن ابي هُرَيْرَة لَا تجب الزَّكَاة فِيهِ قولا وَاحِدًا وَالْأول أصح فَإِن كَانَ لَهُ مائَة حَاضِرَة وَمِائَة غَائِبَة أَو عين وَدين وَقُلْنَا لَا زَكَاة فِي الدّين وَالْغَائِب فَلَا زَكَاة فِي الْعين والحاضر وَإِن قُلْنَا تجب عَلَيْهِ الزَّكَاة فِي الدّين وَالْغَائِب بنى الْإِخْرَاج عَن الْحَاضِر على إِمْكَان الْأَدَاء فَإِن قُلْنَا إِنَّه شَرط فِي الْوُجُوب لم يجب الْإِخْرَاج عَن الْحَاضِر وَإِن قُلْنَا أَنه شَرط فِي الضَّمَان لزمَه الْإِخْرَاج عَنهُ فَأَما الثّمن فِي البيع قبل الْقَبْض وَالْأُجْرَة فِي الْإِجَارَة قبل استقرارها فقد ذكر الشَّيْخ ابو حَامِد رَحمَه الله أَن الزَّكَاة تجب فِيهَا قولا وَاحِدًا وَفِي إخْرَاجهَا فِي الْحَال قَولَانِ وَحكى القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله أَن الْقَوْلَيْنِ فِي وجوب الزَّكَاة فِيهَا فَإِذا اجْرِ دَارا أَربع سِنِين بِمِائَة دِينَار فالأجرة حَاله وَهل يجب إِخْرَاج الزَّكَاة عَن جَمِيع الْأُجْرَة فِيهِ قَولَانِ نَص فِي الْبُوَيْطِيّ انه يُزكي الْجَمِيع وَقَالَ فِي الْأُم وَنَقله الْمُزنِيّ أَنه يخرج زَكَاة مَا اسْتَقر ملكه عَلَيْهِ

فعلى القَوْل الأول يُزكي جَمِيع الْمِائَة فِي السّنة الأولى وَالثَّانيَِة وَالثَّالِثَة وَالرَّابِعَة إِذا كَانَ قد أدّى مَا وَجب من الزَّكَاة من غَيرهَا أَو لم يؤدها وَقُلْنَا إِن الدّين لَا يمْنَع وجوب الزَّكَاة وَإِن كَانَ قد أدّى مَا وَجب عَلَيْهِ من الزَّكَاة فِيهَا مِنْهَا زكى بعد ذَلِك مَا بَقِي بَعْدَمَا أدّى وَإِن قُلْنَا بالْقَوْل الثَّانِي أخرج الزَّكَاة فِي السّنة الأولى عَن خمس وَعشْرين نصف مِثْقَال وَثمن وَفِي السّنة الثَّانِيَة عَن خمسين إِذا لم يخرج زَكَاة السّنة الأولى مِنْهَا وَقُلْنَا إِن الدّين لَا يمْنَع وجوب الزَّكَاة فَيخرج دِينَارا وَربع دِينَار وَإِن قُلْنَا إِن الزَّكَاة تجب فِي الْعين أَو فِي الذِّمَّة وَقُلْنَا إِن الدّين يمْنَع وجوب الزَّكَاة زكى خمسين دِينَارا إِلَّا قدر مَا وَجب عَلَيْهِ فِي السّنة الأولى وَفِي السّنة الثَّالِثَة يخرج عَن خَمْسَة وَسبعين على التَّفْصِيل الْمُتَقَدّم وَفِي الرَّابِعَة يخرج عَن مائَة وَقد ذكر لهَذِهِ الْمَسْأَلَة مِثَال أحسن من هَذَا الْمِثَال وأسهل وَذَلِكَ بِأَن تكون الْأُجْرَة مائَة وَسِتِّينَ دِينَارا فَفِي السّنة الأولى يلْزمه زَكَاة أَرْبَعِينَ دِينَارا وَذَلِكَ دِينَار وَفِي السّنة الثَّانِيَة زَكَاة ثَمَانِينَ دِينَارا لِسنتَيْنِ وَذَلِكَ اربعة دَنَانِير وَقد أخرج دِينَارا عَن السّنة الأولى وَفِي السّنة الثَّالِثَة يلْزمه زَكَاة مائَة وَعشْرين دِينَارا لثلاث سِنِين وَذَلِكَ تِسْعَة دَنَانِير وَقد أخرج اربعة فَيخرج خَمْسَة وَفِي السّنة الرَّابِعَة يلْزمه

فصل

لأَرْبَع سِنِين زَكَاة مائَة وَسِتِّينَ وَذَلِكَ ثَمَانِيَة عشر وَقد أخرج تِسْعَة فَيخرج مَا بَقِي فصل وَمن ملك مصوغا من الذَّهَب وَالْفِضَّة وَكَانَ معدا لاستعمال مُبَاح كحلي النِّسَاء وَمَا اتخذ لَهُنَّ وَخَاتم الْفضة للرجل فَفِي وجوب الزَّكَاة فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا لَا زَكَاة فِيهِ وَهُوَ قَول مَالك وَأحمد وابي ثَوْر وَالْقَوْل الثَّانِي تجب فِيهِ الزَّكَاة وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَالثَّوْري واصحابه تمويه السقوت بِالذَّهَب وَالْفِضَّة حرَام وَذهب بعض أَصْحَاب أبي حنيفَة إِلَى جَوَازه وَفِيمَا لطخ بِهِ اللجام من الْفضة وَجْهَان

قَالَ أَبُو الطّيب بن سَلمَة هُوَ مُبَاح وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق هُوَ حرَام فَأَما إذهاب محراب الْمَسْجِد فَحَرَام نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي رَحمَه الله وَحكى بعض أَصْحَابنَا فِيهِ وَجها آخر أَنه يجوز وَحكى بَعضهم فِي تحلية الصّبيان وَجها أَنه لَا يجوز وَلَيْسَ بِشَيْء وَحكى بَعضهم فِي تحلية الْمُصحف بِالذَّهَب وَجْهَيْن وَذكر أَن أصَحهمَا أَنه يجوز إعظاما لِلْقُرْآنِ وَحكي أَيْضا فِي تَعْلِيق قناديل الذَّهَب وَالْفِضَّة فِي الْكَعْبَة والمساجد وَجْهَيْن فَإِن كَانَ للْمَرْأَة حلي فانكسر بِحَيْثُ لَا يُمكن لبسه وَلكنه يُمكن إِصْلَاحه لم تجب الزَّكَاة فِيهِ فِي أحد الْقَوْلَيْنِ وَإِن كَانَ لَهَا حلي معد للإجارة وَجَبت فِيهِ الزَّكَاة فِي أحد الطَّرِيقَيْنِ وَالطَّرِيق الثَّانِي أَنه على الْقَوْلَيْنِ وَقَالَ مَالك لَا زَكَاة فِيهِ وَبَعض أَصْحَابه قَالَ تجب فِيهِ الزَّكَاة وَحكي عَن ابي عبد الله الزبيرِي من اصحابنا أَنه قَالَ اتِّخَاذ الْحلِيّ للإجارة لَا يجوز

فَإِن وَجَبت الزَّكَاة فِي حلي تنقص قِيمَته بِالْكَسْرِ ملك الْفُقَرَاء ربع الْعشْر مِنْهُ مشَاعا وَسلمهُ إِلَيْهِم تَسْلِيم مثله كَمَا قُلْنَا فِي الرطب الَّذِي لَا يَجِيء مِنْهُ تمر وَإِن شَاءَ أخرج مصوغا بوزنه وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس بن سُرَيج يخرج زَكَاته بِقِيمَتِه من غير جنسه وَالْأول أظهر فَإِن أكرى حلي الذَّهَب بِالذَّهَب أَو حلي الْفضة بِالْفِضَّةِ جَازَ فِي أصح الْوَجْهَيْنِ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب زَكَاة التِّجَارَة تجب الزَّكَاة فِي عرُوض التِّجَارَة وَبِه قَالَ الكافة وَقَالَ دَاوُد لَا تجب الزَّكَاة بِحكم التِّجَارَة بِحَال وَلَا يصير الْعرض للتِّجَارَة إِلَّا أَن يَنْوِي بِهِ التِّجَارَة فِي حَال تملكه بعوض فَإِن نوى بِهِ التِّجَارَة بعد التَّمَلُّك أَو نوى بعوض الْقنية للتِّجَارَة لم يصر للتِّجَارَة حَتَّى يَبِيعهُ وَقَالَ الْكَرَابِيسِي من أَصْحَابنَا يصير بذلك للتِّجَارَة وَهِي قَول ابي ثَوْر وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد وَالْمذهب الأول

وَإِن نوى بِعرْض التِّجَارَة الْقنية صَار للْقنية بِمُجَرَّد النِّيَّة وَحكي عَن مَالك أَنه قَالَ لَا يصير للْقنية بِمُجَرَّد النِّيَّة فَإِن اشْترى للتِّجَارَة مَا تجب الزَّكَاة فِي عينه كالسائمة وَالْكَرم وَالنَّخْل وكمل الْحول وَوجد نِصَاب كل وَاحِد مِنْهُمَا واتفقا فِي وَقت الْوُجُوب فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه تقدم زَكَاة التِّجَارَة وَهُوَ قَول ابي حنيفَة وناقص فِي الثِّمَار وَالزَّرْع وَالثَّانِي أَنه يقدم زَكَاة الْعين وَهُوَ قَول مَالك هَذَا أصح الطَّرِيقَيْنِ وَهُوَ قَول أبي إِسْحَاق وَقَالَ القَاضِي أَبُو حَامِد الْقَوْلَانِ فِي جَمِيع الْأَمْوَال اتّفق حولهما أَو اخْتلف فَإِن اثمرت نخل التِّجَارَة وبدا صَلَاحهَا عِنْد تَمام الْحول وَقُلْنَا نقدم زَكَاة التِّجَارَة قوم الْجَمِيع وَأخرج زَكَاة التِّجَارَة وَإِن قُلْنَا نقدم زَكَاة الْعين أخرج الْعشْر من الثَّمَرَة وَقوم النخيل فِي أصح الْقَوْلَيْنِ وَإِن اشْترى عبدا للتِّجَارَة وَجب عَلَيْهِ زَكَاة الْفطر بِرُؤْيَة هِلَال شَوَّال وَزَكَاة التِّجَارَة بِتمَام الْحول وَبِه قَالَ مَالك

الله تبَارك وَتَعَالَى رَضِي الله عَنْهُن الرب عز وَجل وَقَالَ أَبُو حنيفَة تسْقط زَكَاة الْفطر فَإِن اشْترى عرضا للتِّجَارَة بِمَا دون النّصاب انْعَقَد عَلَيْهِ الْحول من حِين الشِّرَاء وَيعْتَبر كَمَال النّصاب فِي الْقيمَة عِنْد تَمام الْحول وَبِه قَالَ مَالك وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس يعْتَبر كَمَال النّصاب فِي جَمِيع الْحول وَهُوَ قَول أَحْمد وَقَالَ أَبُو حنيفَة يعْتَبر النّصاب فِي طرفِي الْحول وَإِن اشْتَرَاهُ بنصاب من السَّائِمَة اسْتَأْنف الْحول من حِين الشِّرَاء على الْمَذْهَب وَقَالَ أَبُو سعيد الْإِصْطَخْرِي يبْنى حول التِّجَارَة على حول السَّائِمَة فَإِن اشْترى عرضا كَانَ عِنْد بَائِعه للْقنية بِعرْض للتِّجَارَة فَفِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا أَنه يصير للتِّجَارَة فَإِن بَاعَ عرض التِّجَارَة بعد تَمام الْحول بِزِيَادَة على مَا اشْترى بِهِ من النَّقْد بِأَن اشْتَرَاهُ بمائتين فَبَاعَهُ بثلاثمائة فَإِنَّهُ يُزكي الْجَمِيع بحول راس المَال وَحكي فِي الْحَاوِي إِذا كَانَت الزِّيَادَة على الْمِائَتَيْنِ بمحاباة أَو غبن فَفِي زَكَاتهَا بحول رَأس المَال وَجْهَان أصَحهمَا مَا ذَكرْنَاهُ وَإِن نَص الرِّبْح فِي أثْنَاء الْحول فَفِيهِ طَرِيقَانِ احدهما أَنه يسْتَأْنف الْحول للزِّيَادَة قولا وَاحِدًا وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي الزِّيَادَة قَولَانِ

أصَحهمَا أَنه يزكيها بحول رَأس المَال وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَاخْتِيَار الْمُزنِيّ وَهُوَ الْأَصَح فَإِن اشْترى عرضا للتِّجَارَة بِعرْض للْقنية انْعَقَد الْحول عَلَيْهِ من حِين الشِّرَاء وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَقَالَ مَالك لَا يجْرِي فِي حول التِّجَارَة حَتَّى يكون قد اشْتَرَاهُ بِعَين فَإِن كَانَ عِنْده نِصَاب من الدَّرَاهِم فَبَاعَهُ بِدَرَاهِم أَو بِدَنَانِير للتِّجَارَة كَمَا يَفْعَله الصيارف فَفِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا أَنه لَا يَنْقَطِع الْحول وَهُوَ قَول أبي إِسْحَاق وَالثَّانِي يَنْقَطِع فَإِن بَاعَ الْعرض فِي أثْنَاء الْحول بنصاب من الْأَثْمَان وَلكنه من غير جنس مَا يقوم بِهِ بِأَن كَانَ رَأس المَال دَرَاهِم وَنقد الْبَلَد دَنَانِير بنى على حوله على أصح الْوَجْهَيْنِ وَإِذا حَال الْحول وَوَجَبَت الزَّكَاة فِيهِ وَكَانَ قد اشْتَرَاهُ بِعرْض قوم بِنَقْد الْبَلَد فَإِن كَانَ للبلد نقدان وهما متساويان يبلغ بِكُل وَاحِد مِنْهُمَا نِصَابا قومه بِمَا شَاءَ مِنْهُمَا على أظهر الْوُجُوه وَهُوَ قَول أبي إِسْحَاق وَالثَّانِي يقوم بالأنفع للْمَسَاكِين وَالثَّالِث يقوم بِالدَّرَاهِمِ وَالرَّابِع يقوم بِنَقْد أقرب الْبِلَاد إِلَيْهِ

فَإِن كَانَ قد اشْترى عرضا للتِّجَارَة بِمَا دون النّصاب من النُّقُود فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يقوم بِنَقْد الْبَلَد وَالثَّانِي يقوم بِمَا اشْترى بِهِ وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد يقوم بالأحظ للْمَسَاكِين فَإِن قومه عِنْد تَمام الْحول ثمَّ بادله بِزِيَادَة قبل إِخْرَاج الزَّكَاة مِنْهُ فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يسْتَأْنف الْحول للزِّيَادَة وَالثَّانِي أَنه يُزكي الزِّيَادَة للحول الْمَاضِي ايضا فَإِن حَال الْحول على عرض التِّجَارَة فقوم وَلم يبلغ نِصَابا لم يجب الزَّكَاة فزادت قِيمَته بعد شهر فبلغت نِصَابا فَفِيهِ وَجْهَان قَالَ ابو إِسْحَاق لَا تجب الزَّكَاة حَتَّى يتم عَلَيْهِ الْحول الثَّانِي وَالثَّانِي تجب فِي الزِّيَادَة عِنْد تَمام النّصاب وَيصير هَذَا آخر الْحول وأوله بعد الشِّرَاء بِشَهْر وَهُوَ قَول ابي عَليّ بن أبي هُرَيْرَة

فصل

فصل إِذا أَرَادَ إِخْرَاج الزَّكَاة عَن عرض التِّجَارَة قَالَ فِي الْأُم يخرج مِمَّا يقوم بِهِ وَقَالَ فِي الْقَدِيم فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا يخرج ربع عشر قِيمَته وَالثَّانِي ربع عشر الْعرض وَقَالَ فِي مَوضِع آخر لَا يخرج إِلَّا الْعين أَو الْوَرق أَو الْعرض وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهمَا يخرج ربع عشر قِيمَته وَالثَّانِي ربع عشر الْعرض وَهُوَ قَول ابو يُوسُف وَمُحَمّد وَالثَّالِث يتَخَيَّر بَينهمَا وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو عَليّ بن ابي هُرَيْرَة فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا يخرج مِمَّا قوم بِهِ وَالثَّانِي يخرج الْعرض وَقَالَ ابو إِسْحَاق فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا يخرج مِمَّا قوم بِهِ وَالثَّانِي يُخَيّر بَينهمَا

فَإِن كَانَ مَعَه مِائَتَا دِرْهَم فَاشْترى بهَا مِائَتي قفيز حِنْطَة تَسَاوِي ثَلَاثمِائَة دِرْهَم فِي آخر الْحول فعلى قَوْله الْجَدِيد يلْزمه سَبْعَة دَرَاهِم وَنصف وعَلى قَوْله الْقَدِيم يلْزمه وعَلى قَول أبي إِسْحَاق يتَخَيَّر بَينهمَا فَإِن زَادَت قيمَة الطَّعَام فَصَارَت تَسَاوِي أَرْبَعمِائَة بعد الْوُجُوب وَقبل التَّمَكُّن من الْأَدَاء فَإِن قُلْنَا إِن التَّمَكُّن شَرط فِي الْوُجُوب وَجب عَلَيْهِ عشرَة دَرَاهِم على قَوْله الْجَدِيد وعَلى قَوْله الْقَدِيم يجب إِخْرَاج خَمْسَة أَقْفِزَة حِنْطَة مِنْهَا قيمتهَا ذَلِك وعَلى القَوْل الثَّالِث يتَخَيَّر بَينهمَا وَإِن قُلْنَا إِن الْإِمْكَان شَرط الضَّمَان أَو كَانَت الزِّيَادَة قد حدثت بعد الْإِمْكَان فعلى قَوْله الْجَدِيد يجب عشرَة دَرَاهِم وعَلى قَوْله الْقَدِيم خَمْسَة أَقْفِزَة قيمتهَا عشرَة دَرَاهِم وَحكي فِيهِ وَجه آخر أَنه يجب خَمْسَة اقفزة قيمتهَا سَبْعَة دَرَاهِم وَنصف

فصل

وَإِن نقصت الْقيمَة قبل الْإِمْكَان فَعَادَت إِلَى مِائَتَيْنِ وَجَبت عَلَيْهِ على قَوْله الْجَدِيد خَمْسَة دَرَاهِم وعَلى قَوْله الْقَدِيم خَمْسَة أَقْفِزَة مِنْهَا قيمتهَا ذَلِك وعَلى الثَّالِث يتَخَيَّر بَينهمَا وَإِن نقصت صفة الْحِنْطَة وَجب على قَوْله الْجَدِيد خَمْسَة دَرَاهِم وعَلى قَوْله الْقَدِيم خَمْسَة أَقْفِزَة من حِنْطَة على صفتهَا وَإِن حصل النَّقْص بعد الْإِمْكَان وَجب عَلَيْهِ على قَوْله الْجَدِيد سَبْعَة دَرَاهِم وَنصف وعَلى قَوْله الْقَدِيم خَمْسَة أَقْفِزَة وللنقصان قفيزان وَنصف وَيتَعَلَّق زَكَاة التِّجَارَة بِالْقيمَةِ فِي قَوْله الْجَدِيد وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَقَالَ أَبُو حنيفَة يتَعَلَّق بِالْعينِ وَهُوَ مُقْتَضى قَول الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي الْقَدِيم فَإِن بَاعَ الْعرُوض الَّتِي وَجَبت فِيهَا الزَّكَاة قبل اداء الزَّكَاة فَفِيهِ طَرِيقَانِ احدهما أَنه بِمَنْزِلَة غَيرهَا من المَال الَّذِي وَجب فِيهِ الزَّكَاة على قَوْلَيْنِ وَالثَّانِي أَنه يَصح البيع قولا وَاحِدًا فصل إِذا دفع رجل إِلَى رجل ألف دِرْهَم قراضا على أَن يكون الرِّبْح بَينهمَا نِصْفَيْنِ فحال الْحول وَقد صَارَت أَلفَيْنِ فَفِي وَقت ملك الْعَامِل لنصيبه من الرِّبْح قَولَانِ

فَإِن قُلْنَا يملك بالمقاسمة فزكاة الْجَمِيع على رب المَال فَإِن أخرجهَا من المَال فَمن أَيْن يحْتَسب فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهمَا أَنَّهَا تحتسب من الرِّبْح وَالثَّانِي من رَأس المَال وَالثَّالِث مِنْهُمَا جَمِيعًا وَفِي ضمه إِلَى رَأس المَال فِي الزَّكَاة مَا ذَكرْنَاهُ من الِاخْتِلَاف وَإِن قُلْنَا إِن الْعَامِل يملك نصِيبه من الرِّبْح بالظهور فزكاته عَلَيْهِ ويستأنف بِهِ الْحول وَمن أَي وَقت يعْتَبر حوله فِيهِ وَجْهَان أظهرهمَا أَنه يعْتَبر من حِين ظُهُوره وَالثَّانِي من حِين ينض غير أَنه لَا يجب على الْعَامِل إخْرَاجهَا إِلَّا بعد المفاصلة فَإِن أَرَادَ أَن يخرج زَكَاة نصِيبه من المَال فَهَل يجوز فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يجوز

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب زَكَاة الْمَعْدن والركاز إِذا استخرج حر مُسلم من مَعْدن فِي موَات أَو فِي أَرض يملكهَا نِصَابا من الذَّهَب أَو الْفضة وَجَبت عَلَيْهِ الزَّكَاة وَإِن استخرجه كَافِر ملكه وَلَا زَكَاة عَلَيْهِ فِيهِ وَكَذَا الْمكَاتب وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجب على الْمكَاتب حق الْمَعْدن وَقَالَ فِي الْحَرْبِيّ إِذا لم يَأْذَن لَهُ الإِمَام فِي الْعَمَل لم يملك مَا أَخذه وَإِذا أذن لَهُ أَخذ مِنْهُ الْخمس وَإِذا استخرج غير الذَّهَب وَالْفِضَّة من الْجَوَاهِر من مَعْدن لم يجب فِيهِ شَيْء وَبِه قَالَ مَالك

وَقَالَ أَبُو حنيفَة يتَعَلَّق حق الْمَعْدن بِكُل مَا يسْتَخْرج من الأَرْض مِمَّا ينطبع بالنَّار كالحديد والرصاص وَلَا يتَعَلَّق بالفيروزج والبرام وَقَالَ أَحْمد يتَعَلَّق حق الْمَعْدن بِكُل مَا يسْتَخْرج من الْمَعْدن حَتَّى القعر والكحل والنصاب مُعْتَبر فِي الْحق الْوَاجِب فِي الْمَعْدن وَهُوَ قَول مَالك وَأحمد وَقيل فِيهِ وَجه آخر أَنا إِذا قُلْنَا الْوَاجِب الْخمس لَا يعْتَبر فِيهِ النّصاب وَلَيْسَ بِشَيْء وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يعْتَبر النّصاب فِيهِ فَإِن اتَّصل الْعَمَل وَانْقطع النّيل ثمَّ عَاد ضم بعضه إِلَى بعض فِي اصح الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ قَوْله الْجَدِيد وَيجب حق الْمَعْدن بالوجود من غير اعْتِبَار حول فِي أظهر الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَقَالَ فِي الْبُوَيْطِيّ يعْتَبر فِيهِ الْحول وَذكر فِيمَا علق عَن القَاضِي حُسَيْن إِنَّا إِذا قُلْنَا إِن الْوَاجِب فِيهِ ربع الْعشْر اعْتبر فِيهِ النّصاب وَفِي اعْتِبَار الْحول قَولَانِ وَإِن قُلْنَا إِن الْوَاجِب الْخمس لم يعْتَبر الْحول وَفِي اعْتِبَار النّصاب قَولَانِ وَهَذَا بِنَاء فَاسد ظَاهر الْفساد وَفِي زَكَاته ثَلَاثَة أَقْوَال

فصل

أَحدهمَا أَن الْوَاجِب فِيهِ ربع الْعشْر وَهُوَ الْمَشْهُور وَبِه قَالَ أَحْمد وَالْقَوْل الثَّانِي أَن الْوَاجِب فِيهِ الْخمس وَهُوَ قَول أبي حنيفَة ويحكى عَن الْمُزنِيّ وَالثَّالِث أَنه إِن وجده دفْعَة وَاحِدَة وَجب فِيهِ الْخمس وَإِن احْتَاجَ فِيهِ إِلَى مؤونة وتخليص فَفِيهِ ربع الْعشْر وَقد حكى ذَلِك عَن مَالك وَحكي ايضا عَنهُ ربع الْعشْر وَلَا يجوز صرف حق الْمَعْدن إِلَى من وَجب عَلَيْهِ وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجوز ذَلِك لِأَنَّهُ عِنْده خمس لَا زَكَاة وَيجب إِخْرَاج حق الْمَعْدن بعد التَّمْيِيز وَمَا يلْزمه من المؤونة فِي الاستخراج يكون من مَاله وَتخرج الزَّكَاة من جَمِيعه وَقَالَ أَبُو حنيفَة المؤونة تكون من أصل المَال بِنَاء على أَصله أَنه لَيْسَ بِزَكَاة وَإِنَّمَا هُوَ خمس وَلَا يجوز بيع تُرَاب الْمَعَادِن الَّذِي فِيهِ ذهب أَو فضَّة بِجِنْسِهِ وَغير جنسه وَقَالَ مَالك يجوز بيع تُرَاب الْمَعَادِن وَلَا يجوز بيع تُرَاب الصاغة فصل وَيجب فِي الرِّكَاز الْخمس والركاز مَا وجد فِي موَات يملك

بالأحياء وَلَا فرق بَين أَن يكون ذَلِك فِي دَار الْحَرْب وَبَين أَن يكون فِي دَار الْإِسْلَام إِذا لم يكن عَلَيْهِ عَلامَة الْإِسْلَام وَحكي عَن أبي حنيفَة أَنه قَالَ إِن كَانَ فِي موَات دَار الْحَرْب كَانَ غنيمَة لواجده لَا يُخَمّس وَإِن وجده فِي أَرض يعرف مَالِكهَا فَإِن كَانَ حَرْبِيّا فَهُوَ غنيمَة وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَأَبُو ثَوْر هُوَ ركاز فَإِن كَانَ سَاكِنا فِي دَار غَيره بِإِجَارَة أَو إِعَارَة وَوجد فِيهَا ركازا فَادَّعَاهُ أَحدهمَا كَانَ لَهُ وَإِن اخْتلف الْمَالِك والساكن فَادَّعَاهُ كل وَاحِد مِنْهُمَا قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله القَوْل قَول السَّاكِن وَقَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله القَوْل قَول الْمَالِك وَلَا فرق بَين أَن يكون الْوَاجِد للركاز رجلا وَبَين أَن يكون امْرَأَة مُكَلّفا أَو غير مُكَلّف مَحْجُورا عَلَيْهِ أَو مُطلق التَّصَرُّف فِي وجوب الْحق عَلَيْهِ وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ لَا يملك الرِّكَاز إِلَّا رجل عَاقل وَالْكَافِر إِذا وجد الرِّكَاز ملكه وَلَا شَيْء عَلَيْهِ فِيهِ وَقيل لَا يملك الْكَافِر الرِّكَاز وَلَا الْمَعْدن وَلَيْسَ بِمذهب وَإِن كَانَ عَلَيْهِ عَلامَة الْإِسْلَام كَانَ لقطَة يعرفهَا سنة ويتملكها

وَحكى القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله عَن الْقفال أَنه لَا يتملكها ويرفعها إِلَى الإِمَام وَالْأول أصح وَقد نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله على أَنه لقطَة وَإِن لم يكن عَلَيْهِ عَلامَة الْإِسْلَام وَلَا عَلامَة الشّرك كالأواني وَالدَّرَاهِم الطلس فقد قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله اسْتحبَّ لَهُ أَن يعرف سنة ويخمس قَالَ وَلَا أوجب التَّعْرِيف ذكر الشَّيْخ ابو حَامِد رَحمَه الله إِن الشَّافِعِي نَص على أَنه لقطه تَغْلِيبًا لحكم الْإِسْلَام وَالْأول اصح وَمَا يجب فِي الرِّكَاز والمعدن زَكَاة يصرف مصرف الزكوات وَقَالَ أَبُو حنيفَة يصرف مصرفح الْفَيْء وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ وَأبي حَفْص بن الْوَكِيل فِي الرِّكَاز دون الْمَعْدن وَيخْتَص حق الرِّكَاز بِجِنْس الْأَثْمَان فِي اصح الْقَوْلَيْنِ 8 وَقَالَ فِي الْقَدِيم يُخَمّس كل مَا يُوجد ركازا وَبِه قَالَ أَحْمد وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن مَالك وَهُوَ قَول أبي حنيفَة

وَلَا يعْتَبر فِيهِ الْحول وَهل يعْتَبر النّصاب فِيهِ قَولَانِ قَوْله الْقَدِيم إِنَّه يُخَمّس قَلِيله وَكَثِيره وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأحمد وَأَصَح الرِّوَايَتَيْنِ عَن مَالك وَقَالَ فِي الْأُم يعْتَبر فِيهِ النّصاب فعلى هَذَا إِذا وجد مائَة دِرْهَم من الرِّكَاز وَوَافَقَ وجود الرِّكَاز تَمام الْحول على مائَة عِنْده فالمنصوص فِي الْأُم أَنه يضم إِلَيْهِ وَيخرج من الرِّكَاز الْخمس وَقيل لَا يجب فِيهِ شَيْء وَهَذَا خلاف نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله وَأما الْمِائَة الْأُخْرَى فقد ذكر ابو عَليّ فِي الإفصاح أَنه يجب عَنْهَا ربع الْعشْر وَالْمذهب انه لَا يجب فِيهَا شَيْء لِأَن الْحول لَا ينْعَقد على مَا دون النّصاب ويستأنف الْحول عَلَيْهَا من حِين تمّ النّصاب

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب زَكَاة الْفطر زَكَاة الْفطر وَاجِبَة على كل حر مُسلم يملك مَا يُخرجهُ من صَدَقَة الْفطر فَاضلا عَن كِفَايَته وكفاية من تلْزمهُ كِفَايَته فِي لَيْلَة الْفطر ويومه وَقَالَ الْأَصَم وَابْن علية زَكَاة الْفطر مُسْتَحبَّة فَأَما الْكَافِر إِن كَانَ مُرْتَدا فَفِيهِ الْأَقْوَال الَّتِي ذَكرنَاهَا فِي زَكَاة المَال وَأما الْمكَاتب فَلَا تجب عَلَيْهِ زَكَاة الْفطر على الْمَذْهَب الصَّحِيح وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَلَا على مَوْلَاهُ بِسَبَبِهِ

وَحكى أَبُو ثَوْر قولا عَن الشَّافِعِي رَحمَه الله أَنَّهَا تجب على مَوْلَاهُ وَقيل تجب فِي كَسبه وَحكي عَن الْحسن الْبَصْرِيّ وَسَعِيد بن الْمسيب أَنَّهُمَا قَالَا لَا تجب إِلَّا على من صلى وَصَامَ ذكر فِي الْحَاوِي عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ تجب على من أطَاق الصَّلَاة وَالصَّوْم وَإِن وجد بعض مَا يُؤدى فِي صَدَقَة الْفطر فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يلْزمه إِخْرَاجه وَالثَّانِي لَا يلْزمه وَمن وَجب عَلَيْهِ فطْرَة نَفسه وَجب عَلَيْهِ فطْرَة كل من تلْزمهُ نَفَقَته إِذا كَانُوا مُسلمين وَقدر مَا يُؤَدِّي عَنْهُم فَاضلا عَن النَّفَقَة من وَالِد وَولد وَعبد وَأمة وَقَالَ دَاوُد يجب على العَبْد فطْرَة نَفسه وعَلى السَّيِّد تخليته لِاكْتِسَابِ مَا يُؤَدِّي بِهِ زَكَاة الْفطر وَلَا يجب عِنْده على الْإِنْسَان فطْرَة غَيره بِسَبَب وَهل تجب عَلَيْهِ فطْرَة عَبده الْآبِق فِيهِ طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَنَّهَا تجب عَلَيْهِ قولا وَاحِدًا

وَالثَّانِي أَنَّهَا على قَوْلَيْنِ كَالْمَالِ الْمَغْصُوب والضال وَيجب على الشَّرِيكَيْنِ فِي العَبْد الْمُشْتَرك زَكَاة الْفطر وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد إِلَّا أَن أَحْمد قَالَ يُؤَدِّي كل وَاحِد من الشَّرِيكَيْنِ صَاعا كَامِلا فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجب عَلَيْهِمَا عَنهُ زَكَاة الْفطر بِحَال وَيجب على الزَّوْج فطْرَة زَوجته إِذا وَجب عَلَيْهِ نَفَقَتهَا وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَأَبُو ثَوْر وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري لَا يجب عَلَيْهِ فطرتها وَلَا تجب الْفطْرَة عَن الْمُؤَدى عَنهُ حَتَّى يكون مُسلما فَأَما العَبْد الْكَافِر فَلَا تجب عَلَيْهِ زَكَاة الْفطر عَنهُ وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجب عَلَيْهِ إِخْرَاج الْفطْرَة عَنهُ والفطرة عِنْده تتبع الْولَايَة فَمن ثَبت لَهُ عَلَيْهِ ولَايَة تَامَّة وَجب عَلَيْهِ زَكَاة الْفطر عَنهُ وناقض فِي الابْن الصَّغِير الْمُوسر فَقَالَ لَا تجب فطرته على أَبِيه وَخَالف مُحَمَّد بن الْحسن فَقَالَ تجب فطرته عَلَيْهِ لثُبُوت ولَايَته وبقولنا قَالَ أَحْمد إِلَّا أَنه قد خَالَفنَا فِيمَن تجب عَلَيْهِ نَفَقَته وَهل تجب عَلَيْهِ فطرته ابْتِدَاء أَو على سَبِيل التَّحَمُّل فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنَّهَا تجب على الْمُؤَدى عَنهُ ويتحملها الْمُؤَدِّي وَالثَّانِي أَنَّهَا تجب على الْمُؤَدِّي ابْتِدَاء

فَإِن كَانَ للْكَافِرِ عبد مُسلم بِأَن اسْلَمْ فِي يَده وَقُلْنَا الْفطْرَة تجب عَلَيْهِ ابْتِدَاء لم تجب على الْكَافِر فطْرَة العَبْد الْمُسلم وَإِن قُلْنَا إِنَّهَا تجب عَلَيْهِ تحملا وَجب عَلَيْهِ وَكَذَا فِي الْقَرَابَة إِذا كَانَ الْأَب كَافِرًا وَالِابْن مُسلما وَهُوَ صَغِير أَو كَبِير وَهُوَ مُعسر فَهَل تجب عَلَيْهِ زَكَاة الْفطر عَنهُ على الْوَجْهَيْنِ فَإِن أخرج الْمُؤَدى عَنهُ زَكَاة الْفطر عَن نَفسه بِغَيْر إِذن من تجب عَلَيْهِ فَإِن قُلْنَا إِنَّه متحمل أَجزَأَهُ وَسقط عَن الْمُؤَدِّي فَرضهَا وَإِن قُلْنَا تجب على الْمُؤَدِّي ابْتِدَاء لم يجز عَنهُ حَتَّى يَسْتَأْذِنهُ فِي أَدَائِهَا عَنهُ وَإِن كَانَت لَهُ زَوْجَة موسرة وَهُوَ مُعسر فالمنصوص أَنه لَا يجب عَلَيْهَا فطْرَة نَفسهَا وَقَالَ فِي من زوج أمته من مُعسر إِن على الْمولى فطرتها فَمن أَصْحَابنَا من جعلهَا على قَوْلَيْنِ وَمِنْهُم من فرق بَينهمَا وَحمل النصين على ظاهرهما وَالْأول اصح وأصل الْقَوْلَيْنِ مَا ذَكرْنَاهُ من كَون ذَلِك تحملا أم لَا وَإِن فضل عَمَّا يلْزمه من النَّفَقَة مَا يُؤَدِّي بِهِ فطْرَة بَعضهم فَفِيهِ أَرْبَعَة أوجه أَحدهَا أَنه يبْدَأ بِنَفَقَتِهِ فَإِن فضل صَاع آخر أخرجه عَن

نَفسه فَإِن فضل آخر أخرجه عَن زَوجته فَإِن فضل صَاع آخر أخرجه عَن أَبِيه فَإِن فضل آخر أخرجه عَن أمه فَإِن فضل آخر أخرجه عَن ابْنه الْكَبِير وَالْوَجْه الثَّانِي أَنه يقدم فطْرَة الزَّوْجَة على فطْرَة نَفسه الثَّالِث أَنه يبْدَأ بفطرة نَفسه ثمَّ بِمن شَاءَ وَالرّبع انه مُخَيّر فِي حَقه وَحقّ غَيره وَإِذا كَانَ عِنْده صَاع يفضل عَن مُؤْنَته وَملك عبدا هَل يكون بِهِ غَنِيا لتجب بِهِ زَكَاة الْفطر عَنهُ أم لَا فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يصير بِهِ غَنِيا حَتَّى يجب بيع جُزْء مِنْهُ لأَدَاء زَكَاة الْفطر عَنهُ وَمن نصفه حر وَنصفه رَقِيق يجب عَلَيْهِ نصف الْفطْرَة بحريَّته إِذا وجد مَا يُؤدى بِهِ وعَلى مَالك نصفه النّصْف وَبِه قَالَ أَحْمد وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا مثل قَوْلنَا وَالثَّانيَِة أَن على السَّيِّد بِقدر ملكه وَلَا شَيْء على العَبْد وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجب عَنهُ زَكَاة الْفطر لِأَنَّهُ مستسعي عِنْده فِي بَقِيَّة قِيمَته فَهُوَ كَالْمكَاتبِ

فصل

وَقَالَ أَبُو ثَوْر يجب على كل وَاحِد مِنْهُمَا صَاع كَامِل وَقَالَ ابو يُوسُف فِي ولد ألحق بأبوين يجب على كل وَاحِد مِنْهُمَا صَاع كَامِل وَقَالَ مُحَمَّد يجب على كل وَاحِد مِنْهُمَا نصف صَاع وَهَذَا مناقضة مِنْهُمَا وَلَيْسَ لأبي حنيفَة نَص فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَلَا يعْتَبر النّصاب فِي زَكَاة الْفطر وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وابو ثَوْر وَقَالَ أَبُو حنيفَة يعْتَبر فِي وجوب زَكَاة الْفطر أَن يكون مَالك النّصاب أَو مَا قِيمَته نِصَاب فَاضلا عَن مَسْكَنه وأثاثه وَمن تحل لَهُ الصَّدَقَة عِنْده لَا تجب عَلَيْهِ الْفطْرَة فصل وَفِي وَقت وجوب الْفطْرَة قَولَانِ قَالَ فِي الْقَدِيم تجب بِطُلُوع الْفجْر من يَوْم الْعِيد وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأَصْحَابه وابي ثَوْر وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن مَالك وَقَالَ بعض أَصْحَاب مَالك يجب بِطُلُوع الشَّمْس من يَوْم الْفطر وَقَالَ فِي الْجَدِيد تجب بغروب الشَّمْس من آخر يَوْم من

رَمَضَان وَبِه قَالَ أَحْمد وَهُوَ الرِّوَايَة الثَّانِيَة عَن مَالك فَإِن دخل وَقت الْوُجُوب وَعِنْده من تجب عَلَيْهِ فطرته فَمَاتَ قبل التَّمَكُّن من الْأَدَاء فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا تسْقط عَنهُ فَإِن وَجَبت عَلَيْهِ زَكَاة الْفطر عَن عَبده وَعَلِيهِ دين فَفِيهِ طَرِيقَانِ أَحدهمَا فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال كَزَكَاة المَال مَعَ الدّين وَالثَّانِي أَنه تقدم زَكَاة الْفطر قولا وَاحِدًا لاختصاصها بالعيد فَإِن وهب رجل من رجل عبدا وَأهل هِلَال شَوَّال قبل الْقَبْض وَجب زَكَاة الْفطر على الْوَاهِب وَحكى الشَّيْخ أَبُو حَامِد عَن الشَّافِعِي رَحمَه الله أَنَّهَا على الْمَوْهُوب لَهُ قَالَ أَبُو إِسْحَاق يحْتَمل أَن يكون ذكر ذَلِك على مَذْهَب مَالك وَذكر فِي الْحَاوِي قولا آخر فِي الْهِبَة إِنَّمَا تتبين بِالْقَبْضِ أَنه ملك بِالْعقدِ فَإِن أوصى لرجل بِعَبْد وَمَات الْمُوصي أَو أهل هِلَال شَوَّال قبل الْقبُول فَإِن قُلْنَا يملك بِالْقبُولِ فالزكاة على الْوَرَثَة

وَإِن قُلْنَا إِنَّا نتبين أَنه ملك بِالْمَوْتِ فعلى الْمُوصى لَهُ وَحكى ابْن عبد الحكم قولا للشَّافِعِيّ رَحمَه الله أَنه بِالْمَوْتِ يدْخل فِي الْمُوصى لَهُ كالميراث فَتجب الزَّكَاة على الْمُوصى لَهُ وَسَائِر أَصْحَابنَا امْتَنعُوا من تَخْرِيج هَذَا قولا للشَّافِعِيّ رَحمَه الله فَإِن مَاتَ الْمُوصى لَهُ قبل الْقبُول فورثته يقومُونَ مقَامه فَإِن قبلوا فزكاة الْفطر فِي مَال أَبِيهِم وَحكي فِي الْحَاوِي عَن أبي حنيفَة أَن الْوَصِيَّة تبطل وَلَا يَصح قبُول الْوَرَثَة وَيجوز إِخْرَاج زَكَاة الْفطر فِي جَمِيع شهر رَمَضَان وَلَا يجوز تَقْدِيمهَا عَلَيْهِ وَالْأَفْضَل أَن يُخرجهَا فِي يَوْم الْعِيد قبل الصَّلَاة وَقَالَ ابو حنيفَة يجوز تَقْدِيمهَا على شهر رَمَضَان وَقَالَ مَالك لَا يجوز إخْرَاجهَا قبل وَقت وُجُوبهَا وَلَا يجوز تَأْخِيرهَا عَن يَوْم الْعِيد وَرُوِيَ عَن ابْن سِيرِين وَالنَّخَعِيّ أَنَّهُمَا كَانَا يرخصان فِي تَأْخِيرهَا عَن يَوْم الْفطر

وَعَن أَحْمد أَنه قَالَ أَرْجُو أَن لَا يكون بِهِ بَأْس وَالْوَاجِب صَاع بِصَاع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ خَمْسَة أَرْطَال وَثلث وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَأَبُو يُوسُف وَقَالَ أَبُو حنيفَة الصَّاع ثَمَانِيَة أَرْطَال وَلَا يخْتَلف الْوَاجِب عندنَا باخْتلَاف الْأَنْوَاع وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَقَالَ أَبُو حنيفَة الْوَاجِب من الْبر نصف صَاع وَفِي الزَّبِيب رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا نصف صَاع وَالثَّانيَِة صَاع وَبهَا قَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَفِي الْحبّ الَّذِي يُخرجهُ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يتَخَيَّر بَين الْأَجْنَاس وَالثَّانِي وَهُوَ الْمَنْصُوص عَلَيْهِ أَنَّهَا على التَّرْتِيب فَيخرج من الْغَالِب وَمن أَي غَالب يخرج فِيهِ وَجْهَان وَقيل فِي الْجُمْلَة فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يجوز أَن يخرج من كل قوت

وَقَالَ أَبُو عبيد بن حَرْب يخرج من غَالب قوت الْبَلَد وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق وَأَبُو الْعَبَّاس يجب من غَالب قوت الْبَلَد فَإِن قُلْنَا الِاعْتِبَار بقوت الْبَلَد أَو بقوته فَعدل عَنهُ إِلَى مَا دونه لم يجزه وَإِن عدل إِلَى مَا فَوْقه جَازَ وَقيل فِيهِ وَجه آخر أَنه لَا يجوز وَذكر فِيهِ وَجه آخر أَنه يجوز أَن يعدل من الشّعير إِلَى الْبر وَإِن عدل إِلَى التَّمْر عَن الشّعير لم يجزه وَإِن قُلْنَا إِنَّه مُخَيّر بَين الْأَنْوَاع فبعضها أولى من الْبَعْض فالبر وَالتَّمْر أولى من غَيرهمَا وَأيهمَا أولى قَالَ ابْن الْمُنْذر كَانَ الشَّافِعِي رَحمَه الله يمِيل إِلَى الْبر وَكَانَ أَحْمد يمِيل إِلَى التَّمْر وَهُوَ قَول مَالك قَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله من أَصْحَابنَا من قَالَ الْأَفْضَل أغلاها ثمنا وأنفسها عِنْد النَّاس وَرُوِيَ عَن أَحْمد أَنه لَا يجوز أَن يخرج إِلَّا من الْأَجْنَاس الْخَمْسَة الْمَنْصُوص عَلَيْهَا وَفِي الأقط طَرِيقَانِ

قَالَ أَبُو الْعَبَّاس يجْرِي فِي حق من هُوَ قوتهم قولا وَاحِدًا وَقَالَ القَاضِي أَبُو حَامِد فِيهِ قَولَانِ أصَحهمَا أَنه يجزىء وَهُوَ قَول مَالك وَأحمد وَالثَّانِي لَا يجزىء وَأَبُو حنيفَة يَقُول لَا يجزىء أصلا بِنَفسِهِ ويجزىء قِيمَته فَإِن قُلْنَا يجوز الأقط فاللبن يجوز أَيْضا قَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد إِنَّمَا يجوز اللَّبن عِنْد عدم الأقط وَقَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب يجوز مَعَ وجود الأقط فَإِن كَانَ بَين اثْنَيْنِ فِي بلدين عبد مُشْتَرك قَالَ أَبُو الْعَبَّاس أخرج كل وَاحِد مِنْهُمَا من قوته بل يخرجَانِ من أدنى القوتين وَقيل يعْتَبر قوت العَبْد أَو الْبَلَد الَّذِي فِيهِ العَبْد

وَلَا يجزىء فِي صَدَقَة الْفطر دَقِيق وَلَا سويق وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجزيان أصلا بأنفسهما وَبِه قَالَ أَبُو الْقَاسِم الْأنمَاطِي من أَصْحَابنَا وَإِذا أخرج صَدَقَة جَازَ لَهُ أَن يَأْخُذهَا إِذا دفعت إِلَيْهِ وَكَانَ مُحْتَاجا وَقَالَ مَالك لَا يجوز أَن ياخذها

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب تَعْجِيل الصَّدَقَة كل مَال وَجَبت الزَّكَاة فِيهِ بالحول والنصاب لَا يجوز تَقْدِيم زَكَاته على ملك النّصاب وَيجوز تَقْدِيمهَا على تَمام الْحول وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَقَالَ مَالك وَدَاوُد لَا يجوز تَعْجِيل الصَّدَقَة قبل وُجُوبهَا وَسلم مَالك تَقْدِيم الْكَفَّارَة على الْحِنْث وَيجوز تَعْجِيل زَكَاة عَاميْنِ إِذا كَانَ يملك زِيَادَة على نِصَاب فِي أصح الْوَجْهَيْنِ فَإِن ملك مِائَتَيْنِ شَاة سَائِمَة فَعجل عَنْهَا وَعَما يحدث من سخالها أَربع شياة فنتجت السخال سخالا فبلغت الْجُمْلَة أربعماية فَهَل يجزؤه مَا عجل من السخال

فِيهِ وَجْهَان فَإِن كَانَ عِنْده نصب فَعجل زَكَاة نصابين حَتَّى إِذا اسْتَفَادَ نِصَابا آخر يَقع عَنهُ لم يجزه زَكَاة مَا زَاد على نِصَاب وَهُوَ قَول أَحْمد وَزفر وَقَالَ أَبُو حنيفَة يُجزئهُ بِنَاء على أَصله فِي ضم الْمُسْتَفَاد إِلَى مَا عِنْده فِي الْحول فَإِن كَانَ عِنْده خمس من الْإِبِل وَأَرْبَعُونَ من الْغنم فَعجل شَاة عَن خمس من الْإِبِل فَهَلَكت الْإِبِل فَهَل يجوز صرفهَا إِلَى الْغنم قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله قد ذكر أَصْحَابنَا فِي نَظِير هَذِه الْمَسْأَلَة أَنه لَا يجوز وَيحْتَمل ان يجوز وَإِن ملك أَرْبَعِينَ شَاة فَعجل مِنْهَا شَاة فنتجت أَرْبَعِينَ سخلة فَمَاتَتْ الْأُمَّهَات وَبقيت السخال فَهَل يجزىء مَا عجله من الْأُمَّهَات عَن السخال فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يجزىء وَلَو كَانَ عِنْده مائَة وَعِشْرُونَ من الْغنم فَعجل مِنْهَا شَاة ثمَّ نتجت سخلة وَجَبت عَلَيْهِ شَاة أُخْرَى أَو كَانَ مَعَه مِائَتَا شَاة فَعجل مِنْهَا شَاتين ثمَّ نتجت شَاة سخلة وَجَبت عَلَيْهِ شَاة أُخْرَى وَبِه قَالَ أَحْمد وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يلْزمه شَاة أُخْرَى فِي جَمِيع هَذِه الْمسَائِل وَعِنْده لَا يجوز أَن يعجل عَن النّصاب شَيْئا مَا لم يكن عِنْده زِيَادَة على النّصاب قدر الْفَرْض

فَإِن عجل الزَّكَاة عَن النّصاب فَهَلَك أَو نقص خرج الْمَدْفُوع عَن ان يكون زَكَاة فَإِن كَانَ قد شَرط أَنه زَكَاة مُعجلَة جَازَ لَهُ استرجاعها إِن كَانَت بَاقِيَة والمطالبة بِقِيمَتِهَا إِن كَانَت تالفة وَبِه قَالَ أَحْمد وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجوز لَهُ استرجاعها إِلَّا أَن تكون فِي يَد السَّاعِي أَو الإِمَام فَإِن كَانَ الدَّافِع لِلزَّكَاةِ المعجلة إِلَى الْمَسَاكِين هُوَ السَّاعِي فَتلف النّصاب كَانَ لَهُ أَن يرجع فِيهَا وَلَا فرق بَين أَن يبين أَنه زَكَاة مُعجلَة أَو لَا يبين وَفِيه وَجه آخر أَنه يعْتَبر أَن يكون قد شَرط ذَلِك كَمَا يعْتَبر فِي رب المَال وَإِن عجل الزَّكَاة من نِصَاب ثمَّ ذبح مِنْهُ شَاة أَو أتلفهَا فَهَل لَهُ أَن يرجع فِيمَا عجله فِيهِ وَجْهَان فَإِن ثَبت لَهُ الرُّجُوع فِيمَا دَفعه فَوَجَدَهُ نَاقِصا لم يرجع بِأَرْش النَّقْص فِي أصح الْوَجْهَيْنِ وَإِن كَانَ قد تلف مَا عجله فِي يَد الْفَقِير لزمَه قِيمَته يَوْم دفْعَة فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَول أَحْمد

وَالثَّانِي يلْزمه قِيمَته يَوْم التّلف وَذكر فِيهِ وَجه آخر أَنه يرد مثل الْمَدْفُوع وَلَيْسَ بِشَيْء وَإِن عجل الزَّكَاة إِلَى فَقير فَمَاتَ الْفَقِير أَو ارْتَدَّ قبل تَمام الْحول لم يجزه الْمَدْفُوع عَن الزَّكَاة وَعَلِيهِ أَن يخرج الزَّكَاة ثَانِيًا ويسترجع مَا دَفعه إِن كَانَ قد شَرط أَنه زَكَاة مُعجلَة ويضمه إِلَى مَا مَعَه فِي أحد الْوَجْهَيْنِ إِذا كَانَ مَاشِيَة كَمَا لَو كَانَ ذَهَبا أَو فضَّة وَهل يُخرجهَا بِنَفسِهَا أَو يخرج بدلهَا ذكر فِي الْحَاوِي فِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا أَنه مُخَيّر وَإِن كَانَ قد عجل الزَّكَاة إِلَى فَقير فاستغنى قبل تَمام الْحول من غير وَجه الزَّكَاة فَإِنَّهُ يسترجع إِذا كَانَ قد شَرط التَّعْجِيل وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يسترجع حَتَّى يتَغَيَّر صفة الْمَدْفُوع إِلَيْهِ بِمَوْت أَو ردة أَو غنى فَإِن عجل الزَّكَاة إِلَى فَقير فاستغنى فِي أثْنَاء الْحول ثمَّ افْتقر قبل تَمام الْحول أَجزَأَهُ فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ وَالصَّدَََقَة المعجلة تكون عِنْد أبي حنيفَة مَوْقُوفَة بَين الْأَجْزَاء عَن الْفَرْض وَبَين التَّطَوُّع وعندما تكون مَوْقُوفَة بَين الْأَجْزَاء والاسترجاع فَإِن شككنا هَل مَاتَ قبل تَمام الْحول أَو بعده لم يسترجع فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ فَإِن قَالَ رب المَال فِي الْموضع الَّذِي لم يشْتَرط الرُّجُوع بهَا وَالْإِمَام

الْآخِذ يعلم أَنه صَدَقَة مُعجلَة فأحلفه لي حلف على ذَلِك فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ وَإِذا اخْتلفَا فِي شَرط التَّعْجِيل فَالْقَوْل قَول الْفَقِير فِي أحد الْوَجْهَيْنِ إِذا تسلف السَّاعِي الزَّكَاة بِغَيْر مَسْأَلَة رب المَال وَتَلفت فِي يَده واختل الْوُجُوب فِي آخر الْحول ضمنهَا لرب المَال وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد لَا يضمنهَا وَإِن تسلفها بِمَسْأَلَة رب المَال كَانَت من ضَمَان رب المَال وَذكر فِي الْحَاوِي أَنه إِذا كَانَ قد تسلف بِمَسْأَلَة رب المَال وَالْعين بَاقِيَة كَانَ لَهُ أَن يرجع فِيهَا وَفِيه نظر وَإِن تسلفها بِمَسْأَلَة الْمَسَاكِين كَانَت من ضمانهم وَإِن تسلفها بِمَسْأَلَة الْمُسْتَحقّين وَرب المَال فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه من ضَمَان الْفُقَرَاء وَالثَّانِي أَنَّهَا من ضَمَان رب المَال وَذكر فِي الْحَاوِي أَن الإِمَام إِذا رأى بأطفال الْمَسَاكِين حَاجَة إِلَى التَّعْجِيل فاستسلف لَهُم فَتلف فِي يَده فقد اخْتلف أَصْحَابنَا فِي استسلافه وضمانه على وَجْهَيْن

أَحدهمَا وَهُوَ قَول أبي إِسْحَاق أَنه لَيْسَ لَهُ أَن يستسلف لَهُم وَإِذا استسلف لَهُم ضمنه وَالثَّانِي وَهُوَ قَول أبي عَليّ بن أبي هُرَيْرَة أَن لَهُ أَن يستسلف لَهُم وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَالْوَجْه الأول لَيْسَ بِشَيْء وَلم أر هذَيْن الْوَجْهَيْنِ إِلَّا فِي الْحَاوِي وَيَنْبَغِي أَن يكون الاستسلاف جَائِزا وَجها وَاحِدًا وَفِي وجوب الضَّمَان وَجْهَان فَأَما مَا تجب الزَّكَاة فِيهِ من غير حول كالعشر وَزَكَاة الْمَعْدن والركاز فَلَا يجوز تَعْجِيل زَكَاته قبل الْوُجُوب وَقَالَ أَبُو عَليّ بن أبي هُرَيْرَة يجوز تَعْجِيل الْعشْر وَالْأول أصح فَإِن عجل الزَّكَاة عَن نِصَاب وَمَات قبل تَمام الْحول أَجْزَأَ الْمَدْفُوع عَن الْوَارِث إِذا قُلْنَا إِنَّه يبْنى حول الْوَارِث على حول الْمَوْرُوث وَإِن قُلْنَا بقوله الْجَدِيد اسْتَأْنف الْحول فَإِذا تمّ حوله أَجزَأَهُ مَا كَانَ عجله موروثه على ظَاهر الْمَذْهَب

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب قسم الصَّدقَات يجوز لرب المَال تَفْرِقَة زَكَاة الْأَمْوَال الْبَاطِنَة بِنَفسِهِ وَهِي الذَّهَب وَالْفِضَّة وعروض التِّجَارَة والركاز وَله أَن يدْفع إِلَى الإِمَام وَفِي الْأَفْضَل ثَلَاثَة اوجه أَحدهَا وَهُوَ الْأَظْهر أَن تفرقته بِنَفسِهِ أفضل وَالثَّانِي أَن الدّفع إِلَى الْأَمَام أفضل وَالثَّالِث أَن الإِمَام إِن كَانَ عادلا فالدفع إِلَيْهِ أفضل وَإِلَّا فتفرقته

بِنَفسِهِ أفضل وَأما الْأَمْوَال الظَّاهِرَة وَهِي الْمَاشِيَة والزروع وَالثِّمَار والمعادن فعلى قَوْله الْقَدِيم يلْزمه دَفعهَا إِلَى الْأَمَام وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك وعَلى قَوْله الْجَدِيد يجوز لَهُ تفرقتها بِنَفسِهِ وَذكر فِي الْحَاوِي أَن الإِمَام إِذا كَانَ جائرا لم يجز الدّفع إِلَيْهِ وَلَا يُجزئهُ وَقَالَ أَبُو حنيفَة يُجزئهُ دَفعهَا إِلَيْهِ وَقَالَ مَالك إِن أَخذهَا مِنْهُ جبرا أَجزَأَهُ وَإِن دَفعهَا إِلَيْهِ بِاخْتِيَارِهِ لم يجزه وَيجب على الإِمَام أَن يبْعَث السعاة لجباية الصَّدقَات وَلَا يبْعَث إِلَّا حرا عدلا فَقِيها وَلَا يبْعَث هاشميا وَلَا مطلبيا إِذا أَرَادَ أَن يَأْخُذ جُزْءا من الزَّكَاة وَقيل يجوز ذَلِك وَفِي مواليهم وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يجوز أَن يَجْعَل عَاملا على الصَّدقَات

فَإِن قَالَ رب المَال بعث النّصاب ثمَّ اشْتَرَيْته وَلم يحل عَلَيْهِ الْحول أَو قَالَ قد أدّيت زَكَاته وَقُلْنَا يجوز لَهُ تفرقته بِنَفسِهِ حلفه السَّاعِي وَهل الْيَمين وَاجِبَة أَو مُسْتَحبَّة فِيهِ وَجْهَان وَكَذَا إِن قَالَ هِيَ وَدِيعَة وَلم يصدقهُ السَّاعِي حلفه على مَا ذَكرْنَاهُ وَحكي عَن بعض أَصْحَابنَا أَنه قَالَ إِذا قَالَ هِيَ وَدِيعَة عِنْدِي ودعواه لَا تخَالف الظَّاهِر فَيكون الْيَمين مُسْتَحبَّة وَجها وَاحِدًا وَلَيْسَ بِصَحِيح وَذكر فِي الْحَاوِي أَن السَّاعِي يسْأَله عَن مَالك الْوَدِيعَة فَإِن لم يذكرهُ فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَن قَوْله مَقْبُول وَلَا زَكَاة عَلَيْهِ وَالثَّانِي وَهُوَ ضَعِيف أَنه يُؤْخَذ مِنْهُ الزَّكَاة عِنْد الِامْتِنَاع وَمَا ذكره الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله أصح فَإِن قَالَ بِعته فِي أثْنَاء الْحول ثمَّ اشْتَرَيْته فَشهد شَاهِدَانِ على الْمَاشِيَة بِأَعْيَانِهَا أَنَّهَا لم تزل فِي ملكه من أول الْحول إِلَى آخِره لَا يعلمَانِ أَنَّهَا خرجت من ملكه قبلت شَهَادَتهمَا ذكر فِي الْحَاوِي أَنَّهُمَا إِذا كَانَا فقيهين فِي جيران المَال لم تقبل شَهَادَتهمَا وَإِن لم يَكُونَا من جيران المَال قبلت وَلَو قلت هَذَا لَكَانَ أصوب

فصل

ويسم الْإِبِل وَالْبَقر فِي أفخاذها وَالْغنم فِي آذانها وَيكْتب عَلَيْهِ زَكَاة أَو صَدَقَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة يكره الوسم وَلَا يجوز للساعي وَلَا للْإِمَام التَّصَرُّف فِيمَا يحصل من الزَّكَاة حَتَّى يوصلها بِعَينهَا إِلَى مستحقيها فَإِن أَخذ فِي الزَّكَاة نصف شَاة أَو وقف عَلَيْهِ فِي الطَّرِيق شَيْء جَازَ لَهُ بَيْعه وَعند أبي حنيفَة يجوز أَخذ الْقيمَة فِي الزَّكَاة ويصرفها فِيمَا يرَاهُ مصلحَة فَإِن لم يبْعَث الإِمَام ساعيا وَجب على رب المَال تَفْرِقَة زَكَاته بِنَفسِهِ وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يجب عَلَيْهِ حملهَا إِلَى الإِمَام على القَوْل الَّذِي لَا يجوز لَهُ التَّفْرِقَة بِنَفسِهِ فصل وَلَا يَصح إِخْرَاج الزَّكَاة إِلَّا بِالنِّيَّةِ وَحكي عَن الْأَوْزَاعِيّ أَنه قَالَ لَا يفْتَقر إخْرَاجهَا إِلَى النِّيَّة وَفِي جَوَاز تَقْدِيم النِّيَّة على الدّفع بِأَن يعْزل شَيْئا بنية الزَّكَاة ثمَّ يَدْفَعهُ إِلَى الْفَقِير من غير نِيَّة وَجْهَان

أظهرهمَا أَنه يجوز فَإِن تصدق بِجَمِيعِ مَاله وَلم ينْو بِهِ الزَّكَاة لم يجزه شَيْء مِنْهُ عَن الزَّكَاة وَقَالَ أَصْحَاب أبي حنيفَة يُجزئهُ اسْتِحْسَانًا وَإِن تصدق بِبَعْض مَاله وَلم ينْو بِهِ الزَّكَاة فقد قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن يُجزئهُ ذَلِك عَن زَكَاة ذَلِك الْبَعْض وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا يُجزئهُ فَإِن حَال الْحول على مَاله فأفرد الزَّكَاة ليحملها ويدفعها إِلَى أَهلهَا فَهَلَكت فِي الطَّرِيق لم يجزه عَن فَرْضه وَقَالَ مَالك يُجزئهُ عَن الزَّكَاة وَيَنْوِي الزَّكَاة الْوَاجِبَة وَإِن نوى الزَّكَاة أَجزَأَهُ فِي أحد الْوَجْهَيْنِ وَإِن وكل وَكيلا فِي دفع الزَّكَاة فَنوى الْوَكِيل عِنْد الدّفع إِلَى الْمُسْتَحق وَلم ينْو رب المَال لم يجزه وَإِن نوى رب المَال وَلم ينْو الْوَكِيل فَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يُجزئهُ وَجها وَاحِدًا وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يبْنى على جَوَاز تَقْدِيم نِيَّة الزَّكَاة على الدّفع

وَإِن دفع الزَّكَاة إِلَى الإِمَام من غير نِيَّة لم يجزه فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ كَمَا لَو دفع إِلَى الستحق فَإِن أخرج خَمْسَة دَرَاهِم وَنوى بجميعها الزَّكَاة وَصدقَة التَّطَوُّع لم يجزه عَن الزَّكَاة وَوَقع عَن التَّطَوُّع وَبِه قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن وَقَالَ أَبُو يُوسُف يُجزئهُ عَن الزَّكَاة وَيسْتَحب للساعي أَن يَدْعُو لرب إِذا أَخذ الصداقة وَقَالَ دَاوُد يجب الدُّعَاء لَهُ وَحكى فِي الْحَاوِي أَن الرب المَال إِذْ سَأَلَهُ االدعاء هَل يجب عَلَيْهِ فِيهِ وَجْهَان وَلَيْسَ بِشَيْء

وَقَالَ أَبُو حَفْص الْبَاب شَامي يجوز صرف خمس الزَّكَاة إِلَى من يصرف إِلَيْهِ خمس الْفَيْء وَالْغنيمَة وَقَالَ أَبُو سعيد الْإِصْطَخْرِي يجوز دفع زَكَاة الْفطر إِلَى ثَلَاثَة من الْفُقَرَاء وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري يجوز الِاقْتِصَار على بعض الْأَصْنَاف فِي الصّرْف حَتَّى أَنه قَالَ لَو دَفعهَا إِلَى وَاحِد من الْمُسْتَحقّين جَازَ وَقَالَ النَّخعِيّ إِن كَانَت الزَّكَاة كَثِيرَة فرقها على الْأَصْنَاف وَإِن كَانَت قَليلَة دَفعهَا إِلَى صنف وَاحِد وَقَالَ مَالك يَدْفَعهَا إِلَى أمسهم حَاجَة فَإِن كَانَ الإِمَام الَّذِي يقسم الصَّدَقَة قسمهَا على ثَمَانِيَة أَصْنَاف يبْدَأ بالعامل فَإِن كَانَ سَهْمه يزِيد على اجرته رد الْفضل على البَاقِينَ وَإِن كَانَ أقل من أجرته تمم لَهُ وَمن أَيْن يتمم قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله يتمم من لَهُم الْمصَالح وَلَو قيل يتمم من حق سَائِر الْأَصْنَاف لم يكن بِهِ بَأْس فَمن أَصْحَابنَا من قَالَ فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا من بَيت المَال وَلَا يُزَاد على نصِيبه وَالثَّانِي من الصَّدَقَة وَمِنْهُم من قَالَ هُوَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ تمم من سهم الْمصَالح وَإِن شَاءَ من سهم البَاقِينَ ذكره أَبُو إِسْحَاق

وَمِنْهُم من قَالَ إِن بَدَأَ بِنَصِيبِهِ فَوَجَدَهُ ينقص عَن أجرته تممه من سِهَام البَاقِينَ وَإِن كَانَ قد بَدَأَ بسهام الْأَصْنَاف ففرقها ثمَّ وجد سهم العاملين ينقص تممه من سهم الْمصَالح وَمِنْهُم من قَالَ إِن فضل عَن حَاجَة الْأَصْنَاف شَيْء تمم مِنْهُ وَإِن لم يفضل عَن حَاجَة الْأَصْنَاف شَيْء تمم من سهم الْمصَالح وَالصَّحِيح الطَّرِيق الأول وَيُعْطى الحاشر والعريف وَالْكَاتِب من سهم الْعَامِل ومؤونة النقال والحمال والحافظ من الْوسط وَفِي أُجْرَة الكيال وَجْهَان قَالَ أَبُو عَليّ بن أبي هُرَيْرَة وَهِي رب المَال قَالَ أَبُو إِسْحَاق يكون على أهل السهْمَان وَالْأول أصح وَفِي أُجْرَة الْحفاظ والرعاة بعد قبضهَا وَجْهَان أَحدهمَا أَنَّهَا من سهم العاملين وَالثَّانِي من أَمْوَال الصَّدقَات وَالْأول أصح

فصل

فصل وَسَهْم للْفُقَرَاء وَالْفَقِير أمس حَاجَة من الْمِسْكِين وَهُوَ الَّذِي لَا يجد مَا يَقع موقعا من كِفَايَة فَيدْفَع إِلَيْهِ مَا تَزُول بِهِ حَاجته فَإِن كَانَ قَوِيا وَادّعى أَنه لَا كسب لَهُ قبل قَوْله وَأعْطى وَحلف وَاجِبا فِي أحد الْوَجْهَيْنِ وَسَهْم للْمَسَاكِين والمسكين هُوَ الَّذِي يجد مَا يَقع موقعا من كِفَايَته إِلَّا انه لَا يَكْفِيهِ كَأَنَّهُ يحْتَاج فِي كل يَوْم إِلَى عشرَة دَرَاهِم ويكتسب كل يَوْم خَمْسَة فَيدْفَع إِلَيْهِ تَمام الْكِفَايَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة الْمِسْكِين أمس حَاجَة من الْفَقِير وَبِه قَالَ الْفراء

وثعلب وَاخْتَارَهُ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي وبقولنا قَالَ مَالك فَإِن ادّعى عيلة لَا يكْتَسب مَا يكفيهم لم يقبل قَوْله إِلَّا بِبَيِّنَة فِي أحد الْوَجْهَيْنِ فَإِن ادّعى تلف مَاله لم يقبل إِلَّا بِبَيِّنَة لِأَنَّهُ رُوِيَ فِي الْخَبَر حَتَّى يشْهد ثَلَاثَة من ذَوي الحجى من قومه فَمن أَصْحَابنَا من قَالَ الثَّلَاثَة فِي هَذِه الْبَيِّنَة وَقيل بل ذَلِك تَغْلِيظ فَإِن كَانَ لَهُ كسب يَكْفِيهِ على الدَّوَام أَو ضَيْعَة يستغلها مَا يَكْفِيهِ لم يجز لَهُ أَخذ الزَّكَاة وَإِن كَانَ لَا يَكْفِيهِ جَازَ لَهُ أَخذ تَمام الْكِفَايَة من الزَّكَاة وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا لم يكن مَعَه نِصَاب أَو مَا قِيمَته نِصَاب جَازَ لَهُ أَخذ الزَّكَاة وَلَا يمْنَع مِنْهَا الْكسْب وَإِن كَانَ مَعَه نِصَاب أَو مَا قِيمَته نِصَاب فَاضلا عَن سكنه وخادمه حرم عَلَيْهِ أَخذ الزَّكَاة وَإِن كَانَ لَا يَكْفِيهِ ذَلِك وَقَالَ أَحْمد إِذا ملك خمسين درهما لم يجز لَهُ أَخذ الزَّكَاة

فصل

فصل وَسَهْم للمؤلفة وهم ضَرْبَان مؤلفة الْمُسلمين ومؤلفة الْكفَّار فمؤلفة الْكفَّار ضَرْبَان ضرب يُرْجَى خَيره وَضرب يخَاف شَره وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعطيهم وَهل يُعْطون بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا يُعْطون وَلَكِن من غير الزَّكَاة ومؤلفة الْمُسلمين أَرْبَعَة قوم لَهُم شرف فيعطون ليرغب نظراؤهم فِي الْإِسْلَام وَقوم نيتهم فِي الْإِسْلَام ضَعِيفَة فيعطون لتقوى نيتهم وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعطيهم وَهل يُعْطون بعده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهِ قَولَانِ

أَحدهمَا لَا يُعْطون وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَالثَّانِي يُعْطون وَمن أَيْن يُعْطون فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا من الصَّدقَات وَالثَّانِي من خمس الْخمس وَالضَّرْب الثَّالِث قوم من الْمُسلمين بَينهم قوم من الْكفَّار إِن أعْطوا قاتلوهم وَقوم يليهم قوم من أهل الصَّدقَات إِن أعْطوا أَحبُّوا الصَّدقَات وَفِيهِمْ أَرْبَعَة أَقْوَال أَحدهمَا أَنهم يُعْطون من سهم الْمصَالح وَالثَّانِي من سهم الْمُؤَلّفَة من الزَّكَاة وَالثَّالِث من سهم الْغُزَاة وَالرَّابِع وَهُوَ الْمَنْصُوص عَلَيْهِ أَنهم يُعْطون من سهم الْغُزَاة وَسَهْم الْمُؤَلّفَة وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِي هَذَا القَوْل فَمنهمْ من قَالَ إِنَّمَا أَعْطَاهُم من النَّصِيبَيْنِ على القَوْل الَّذِي يَقُول إِن

فصل

من اجْتمع فِيهِ سببان يعْطى بهما فَأَما إِذا قُلْنَا يَأْخُذ بِأَحَدِهِمَا فَإِنَّهُم لَا يُعْطون بهما وَمِنْهُم من قَالَ هَا هُنَا يُعْطون من السهمين بِخِلَاف غَيرهم وَمِنْهُم من قَالَ من قَاتل مِنْهُم مانعي الزَّكَاة أعطي من سهم الْمُؤَلّفَة من الزَّكَاة وَمن قَاتل مِنْهُم الْكفَّار أعطي من سهم الْغُزَاة وَقَالَ أقضى الْقُضَاة الْمَاوَرْدِيّ الْأَصَح عِنْدِي أَن يُعْطي بَعضهم من سهم الْغُزَاة وَبَعْضهمْ من سهم الْمُؤَلّفَة فَيمْنَع من الْجمع فِي شخص وَاحِد من السهمين وَيكون الْجمع بَينهمَا للْجِنْس فصل وَسَهْم للرقاب وهم المكاتبون فيعطون عِنْد حُلُول النَّجْم وَهل يجوز أَن يعْطى قبل أَن يحل عَلَيْهِ نجم فِيهِ وَجْهَان فَإِن كَانَ قد سلم مَا أَخذه من الزَّكَاة إِلَى الْمولى وَبقيت عَلَيْهِ بَقِيَّة فعجزه الْمولى وَفسخ الْكِتَابَة فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يسترجع من الْمولى ذَلِك

فصل

وَإِن كَانَ مَا اخذه تَالِفا قبل أَن يُمكنهُ دَفعه إِلَى مَوْلَاهُ لم يضمنهُ الْمكَاتب وَهل يضمنهُ الْمولى فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يضمنهُ وَالثَّانِي يضمنهُ فَإِن ادّعى أَنه مكَاتب لم يقبل قَوْله إِلَّا بِبَيِّنَة فَإِن صدقه الْمولى فَفِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا أَنه يقبل وَالْمرَاد بالرقاب فِي الْآيَة المكاتبون وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَالثَّوْري وَرُوِيَ عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ وَقَالَت طَائِفَة المُرَاد بِهِ أَن يَشْتَرِي من الصَّدَقَة عبيدا فيقتدى عتقهم رُوِيَ ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَبِه قَالَ مَالك وَرُوِيَ عَن احْمَد فصل وَسَهْم للغارمين وهم ضَرْبَان

فصل

ضرب غرم لإِصْلَاح ذَات الْبَين بِأَن تحمل مَالا أتلف فِي الْحَرْب لتسكين فتْنَة فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يعْطى مَعَ الْغنى وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يدْفع إِلَيْهِ مَعَ الْغنى وَإِن غرم لمصْلحَة نَفسه فِي غير مَعْصِيّة فَهَل يعْطى مَعَ الْغنى فِيهِ قَولَانِ قَالَ فِي الام يعْطى وَإِن غرم فِي مَعْصِيّة ثمَّ تَابَ عَنْهَا فَهَل يعْطى مَعَ الْفقر فِيهِ وَجْهَان فَإِن دفع إِلَيْهِ من سهم الغارمين مَا يبرىء من الدّين اسْترْجع مِنْهُ فَإِن لم يسترجع حَتَّى لزمَه دين آخر صَار بِهِ غارما فَهَل يسترجع مِنْهُ فِيهِ وَجْهَان فَإِن ادّعى الْغرم وَصدقه الْغَرِيم فَفِيهِ وَجْهَان كَالْمكَاتبِ فصل وَسَهْم فِي سَبِيل الله وهم الْغُزَاة الَّذين إِذا نشطوا غزوا وَبِه قَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة

وَقَالَ أَحْمد يجوز أَن يدْفع ذَلِك إِلَى من يُرِيد الْحَج وَيدْفَع إِلَى الْغَازِي مَعَ الْغنى وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يدْفع إِلَيْهِ إِلَّا أَن يكون فَقِيرا وَسَهْم لِابْنِ السَّبِيل وَهُوَ الْمُسَافِر وَمن ينشيء سفرا وَهُوَ مُحْتَاج فِي سفر طَاعَة فَيدْفَع إِلَيْهِ مَا يبلغهُ مقْصده وَيعود بِهِ وَإِن كَانَ سَفَره مُبَاحا فَفِيهِ وَجْهَان وَلَا يعْطى فِي سفر الْمعْصِيَة والمريد للسَّفر وَالْقَوْل قَوْله فِي إِرَادَته السّفر وَفِي أحلافه على إِرَادَته السّفر وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يعْطى إِلَّا بعد الْيَمين وَهُوَ قَول أبي إِسْحَاق وَقَالَ أَبُو عَليّ بن أبي هُرَيْرَة لَا يحلف وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك ابْن السَّبِيل هُوَ الْمُخْتَار فِي السّفر دون المنشيء لَهُ وَعند أبي حنيفَة يجوز أَن يدْفع إِلَيْهِ فِي سفر الْمعْصِيَة وَمن يَأْخُذ الصَّدَقَة مَعَ الْغنى خَمْسَة الْعَامِل والغارم لإِصْلَاح ذَات الْبَين والمؤلفة والغازي وَابْن السَّبِيل إِذا كَانَ غَنِيا فِي بَلَده مُحْتَاجا فِي مَكَانَهُ وَمن يَأْخُذ أخذا غير مُسْتَقر أَرْبَعَة الْغَارِم وَالْمكَاتب والغازي وَابْن السَّبِيل وَيجب التَّسْوِيَة بَين الْأَصْنَاف فِي السِّهَام وَيسْتَحب أَن يعمم كل صنف وَأَقل من يجزىء الدّفع إِلَيْهِ ثَلَاثَة فَإِن دفع إِلَى اثْنَيْنِ ضمن نصيب الثَّالِث وَفِي قدر الضَّمَان قَولَانِ

أَحدهمَا الثُّلُث وَهُوَ الْقدر الْمُسْتَحبّ وَالثَّانِي أقل جُزْء من السهْم وَهُوَ الْقدر الْوَاجِب وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجوز أَن يقْتَصر على بعض الْأَصْنَاف فِي الدّفع فَإِن اجْتمع فِي شخص وَاحِد سببان يسْتَحق بِكُل وَاحِد مِنْهُمَا الْأَخْذ من الزَّكَاة فَفِيهِ ثَلَاثَة طرق أَحدهَا أَنه لَا يعْطى بالسببين بل يُقَال لَهُ اختر أَيهمَا شِئْت لتعطى بِهِ وَالثَّانِي أَنه إِن كَانَ السببان متجانسين أعْطى بِأَحَدِهِمَا بِأَن يسْتَحق بهما لِحَاجَتِهِ إِلَيْنَا كالفقير الْغَارِم لمصْلحَة نَفسه أَو لحاجتنا إِلَيْهِ كالغازي الْغَارِم لإِصْلَاح ذَات الْبَين وَإِن اخْتلفَا دفع إِلَيْهِ بهما وَالثَّالِث فِيهِ قَولَانِ فَإِن كَانَ الإِمَام هُوَ الَّذِي يفرق الزَّكَاة فَهَل يَشْتَرِي الْخَيل بِسَهْم الْغُزَاة أَو يدْفع إِلَيْهِم أثمانها فِيهِ وَجْهَان وَيجب صرف الزَّكَاة إِلَى الْمُسْتَحقّين فِي بلد المَال فَإِن نقل إِلَى الْأَصْنَاف فِي غير بلد المَال فَفِيهِ قَولَانِ

أَحدهمَا يجوز وَالثَّانِي أَنه لَا يجوز وَلَا يجزىء وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ الْقَوْلَانِ فِي جَوَاز النَّقْل فَأَما إِذا نقل فَإِنَّهُ يُجزئهُ قولا وَاحِدًا ذكر هَذِه الطَّرِيقَة الشَّيْخ أَبُو حَامِد وَقَالَ هِيَ الْمَذْهَب وَفِي زَكَاة الْفطر وَجْهَان احدهما أَن الِاعْتِبَار بِالْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهِ حاليا وَالثَّانِي أَن الِاعْتِبَار بِالْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهِ فَإِن نقل الصَّدَقَة إِلَى مَوضِع لَا تقصر إِلَيْهِ الصَّلَاة فَفِيهِ طَرِيقَانِ أظهرهمَا أَنه على الْقَوْلَيْنِ وَالثَّانِي أَنه يُجزئهُ قولا وَاحِدًا فَإِن كَانَ الْبَلَد كَبِيرا كبغداد وَالْبَصْرَة كَانَ جيران المَال أخص بهَا وَهل يمْنَع من النَّقْل إِلَى غَيرهم ذكر فِي الْحَاوِي وَجْهَيْن أَحدهمَا أَنه على الْقَوْلَيْنِ فِي نقل الصَّدَقَة وَالثَّانِي يجوز قولا وَاحِدًا وَهُوَ الْأَصَح وَذكر أَن الْمَذْهَب عِنْدِي

فِيمَن هُوَ خَارج الْمصر أَن يعْتَبر فِيهِ أَن يكون مِمَّن يلْزمه الْحُضُور للْجُمُعَة فِي الْمصر فَيجوز النَّقْل إِلَيْهِ فَهُوَ أولى من الْوَجْهَيْنِ الْمُتَقَدِّمين فِي اعْتِبَار مَسَافَة الْقصر فَأَما إِذا وجد بعض أهل السهمين فِي بلد المَال دون بعض ووجدهم فِي بلد آخر فَمن أَصْحَابنَا من بنى ذَلِك على الْقَوْلَيْنِ فِي جَوَاز النَّقْل فَإِن قُلْنَا يجوز النَّقْل وَجب نقلهَا إِلَى بَقِيَّة الْأَصْنَاف وَإِن قُلْنَا لَا يجوز النَّقْل وَجب صرفهَا إِلَى الْمَوْجُودين وَمِنْهُم من قَالَ تنقل هَا هُنَا قولا وَاحِدًا فَإِن كَانَ لَهُ أَرْبَعُونَ شَاة عشرُون فِي بلد وَعِشْرُونَ فِي بلد آخر فقد قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله إِذا أخرج الشَّاة فِي أحد البلدين كرهت وأجزأه وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ إِنَّمَا ذَلِك على القَوْل الَّذِي يَقُول إِن نقل الصَّدَقَة جَائِز وَهُوَ قَول أبي حَفْص بن الْوَكِيل وَمِنْهُم من قَالَ يُجزئهُ قولا وَاحِدًا وَمن قَالَ بِالْأولِ قَالَ لَو كَانَ على قَول وَاحِد لما كرهه فَإِن ادّعى أَنه أخرج الشَّاة فِي أحد البلدين فكذبه السَّاعِي فنكل

عَن الْيَمين الْوَاجِبَة عَلَيْهِ فِي أحد الْوَجْهَيْنِ أخذت مِنْهُ الزَّكَاة لما تقدم من الظَّاهِر لَا لنكوله ذكر فِي الْحَاوِي قَالَ أَبُو الْعَبَّاس بن سُرَيج لَا تُؤْخَذ مِنْهُ الزَّكَاة بِنُكُولِهِ وَلكنه يحبس حَتَّى يحلف أَو يُؤَدِّي فَإِن كَانَ من أهل الْخيام الَّذين ينتجعون المَاء والكلاء فَإِن كَانُوا مُتَفَرّقين فموضع الصَّدَقَة من عِنْد المَال إِلَى حَيْثُ تقصر فِيهِ الصَّلَاة وَإِن كَانُوا فِي حلل مجتمعة فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَن كل حلَّة كبلدة وَالثَّانِي أَنَّهَا كالقسم قبله وجيران المَال فِي أحد الْوَجْهَيْنِ أهل محلته إِلَى أَرْبَعِينَ دَارا وَقيل أهل الْبَلَد فَإِن كَانَ جِيرَانه أجانب وأقاربه أباعد فقد ذكر فِي الْحَاوِي أَن الْجِيرَان أَحَق بِهِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة أَقَاربه أَحَق وَهَذَا الَّذِي حَكَاهُ عَليّ مَذْهَب الشَّافِعِي فِيهِ نظر وَلَو قيل بالتسوية بَينهم لَكَانَ أقرب

فصل

فَإِن قسمت الصَّدَقَة على الْأَصْنَاف فنقص نصيب بَعضهم عَن كفايتهم وَفضل نصيب بَعضهم فَإِن قُلْنَا الْمُغَلب حكم الْمَكَان صرف الْفَاضِل إِلَى البَاقِينَ فِي بلد المَال وَإِن قُلْنَا إِن المغالب حكم الْأَصْنَاف صرف الْفَاضِل إِلَى ذَلِك الصِّنْف فِي غير بلد المَال وَلَا يجوز إِخْرَاج الْقيمَة فِي الزَّكَاة وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد إِلَّا أَن مَالِكًا قَالَ يجوز إِخْرَاج الذَّهَب عَن الْفضة وَالْفِضَّة عَن الذَّهَب على سَبِيل الْبَدَل وَعَن أَحْمد فِي إِخْرَاج الذَّهَب عَن الْفضة رِوَايَتَانِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجوز إِخْرَاج الْقيمَة فِي ذَلِك وَلَا يجوز إِخْرَاج الْمَنَافِع وَلَا إِخْرَاج نصف صَاع من بر عَن صَاع من شعير فِي الْفطْرَة فصل وَلَا يجوز صرف الزَّكَاة إِلَى هاشمي

وَلَا مطلبي وَحكي فِيهِ وَجه آخر أَنه يجوز وَقَالَ أَبُو سعيد الْإِصْطَخْرِي إِن منعُوا حَقهم من الْخمس جَازَ أَن يدْفع إِلَيْهِم من الزَّكَاة وَالْمذهب الأول وَفِي مواليهم وَجْهَان وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا تحرم الصَّدَقَة على آل الْمطلب وَإِنَّمَا تحرم على ولد الْعَبَّاس وَعلي وجعفر وَعقيل والْحَارث بن عبد الْمطلب وَلَا تحرم صَدَقَة التَّطَوُّع على ذَوي الْقُرْبَى وَهل كَانَت مُحرمَة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على قَوْلَيْنِ وَقَالَ أبي عَليّ بن أبي هُرَيْرَة مَا كَانَ من صدقَات التَّطَوُّع على الْأَعْيَان كَانَ حَرَامًا عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا كَانَ مسبلا على الكافة لم يحرم عَلَيْهِ كصلاته فِي الْمَسَاجِد قَالَ صَاحب الْحَاوِي وَالأَصَح عِنْدِي ان مَا كَانَ اموالا مُتَقَومَة كَانَت عَلَيْهِ مُحرمَة وَمَا لم تكن اموالا مقومة تحرم عَلَيْهِ وَلَا يجوز دفع الزَّكَاة إِلَى كَافِر

وَحكي عَن الزُّهْرِيّ وَابْن شبْرمَة أَنَّهُمَا قَالَا يجوز دَفعهَا إِلَى أهل الذِّمَّة وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجوز دفع زَكَاة الْفطر إِلَيْهِ دون غَيرهَا وَيجوز أَن تدفع الزَّوْجَة من زَكَاتهَا إِلَى زَوجهَا وَبِه قَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجوز فَإِن دفع الزَّكَاة إِلَى من ظَاهره الْفقر فَبَان غَنِيا فَهَل يضمن رب المَال الزَّكَاة فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنَّهَا تُجزئه وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَالثَّانِي لَا تُجزئه وَله أَن يسترجع مَا دفع إِن كَانَ قد شَرط أَنه زَكَاة فَأَما إِذا بَان الْمَدْفُوع إِلَيْهِ كَافِرًا فَفِيهِ طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَنه على الْقَوْلَيْنِ وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ إِن كَانَ الدّفع من جِهَة الإِمَام فَفِيهِ قَولَانِ وَإِن كَانَ من جِهَة رب المَال فقولا وَاحِدًا يجب عَلَيْهِ الضَّمَان وَمن وَجَبت عَلَيْهِ زَكَاة وَمَات قبل الْأَدَاء وَجب ضَمَانهَا فِي تركته وَقَالَ أَبُو حنيفَة يسْقط بِالْمَوْتِ

فَإِن اجْتمعت الزَّكَاة وَدين الْآدَمِيّ وضاق المَال عَن الْوَفَاء بهما فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهمَا أَنه يقدم حق الله عز وَجل وَالثَّانِي يقدم دين الْآدَمِيّ وَالثَّالِث أَنه يقسم بَينهمَا

= كتاب الصّيام يتحتم صَوْم رَمَضَان على كل مُسلم بَالغ عَاقل طَاهِر مُقيم قَادر على الصَّوْم فَأَما الْمُرْتَد فَيجب عَلَيْهِ قَضَاء مَا فَاتَهُ من الصَّوْم فِي حَال الرِّدَّة إِذا أسلم خلافًا لأبي حنيفَة وَيُؤمر الصَّبِي بِفعل الصَّوْم لسبع إِذا طاقه وَيضْرب على تَركه لعشر وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يَصح صَوْمه فَإِن أَفَاق الْمَجْنُون أَو أسلم الْكَافِر فِي أثْنَاء النَّهَار لم يجب عَلَيْهِ قَضَاء ذَلِك الْيَوْم فِي أحد الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ الْمَنْصُوص عَلَيْهِ وَإِن بلغ الصَّبِي فِي أثْنَاء النَّهَار وَهُوَ صَائِم فَفِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا أَنه يلْزمه إِتْمَامه وَيسْتَحب لَهُ قَضَاؤُهُ

وَالثَّانِي أَنه يلْزمه قَضَاؤُهُ وَيسْتَحب لَهُ إِتْمَامه وَإِن بلغ مُفطرا لم يجب عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ فِي أصح الْوَجْهَيْنِ وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَالْمَجْنُون إِذا أَفَاق بعد مُضِيّ شهر رَمَضَان لَا يجب عَلَيْهِ الْقَضَاء وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَقَالَ مَالك يجب عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ ويحكى عَن أبي الْعَبَّاس بن سُرَيج وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا أَفَاق فِي أثْنَاء الشَّهْر وَجب عَلَيْهِ قَضَاء مَا مُضِيّ مِنْهُ وَحكي عَن مُحَمَّد أَنه قَالَ إِذا بلغ مَجْنُونا فأفاق فِي أثْنَاء الشَّهْر لم يجب عَلَيْهِ قَضَاء مَا مضى مِنْهُ وَمن لَا يقدر على الصَّوْم بِحَال كالشيخ الْهَرم وَالْمَرِيض الَّذِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ لَا يجب عَلَيْهِ الصَّوْم وَيجب عَلَيْهِ الْفِدْيَة فِي أصح الْقَوْلَيْنِ عَن كل يَوْم مد من طَعَام وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة إِلَّا أَنه قَالَ يطعم عَن كل يَوْم نصف صَاع من بر أَو صَاع من تمر وَقَالَ أَحْمد يطعم مدا من بر أَو نصف صَاع من تمر أَو شعير

وَالْقَوْل الثَّانِي إِنَّه لَا يجب عَلَيْهِ الْفِدْيَة وَبِه قَالَ مَالك وَأَبُو ثَوْر فَإِن نذر صوما فِي حَال عَجزه لم ينْعَقد نَذره فِي أحد الْوَجْهَيْنِ وَأما الْمُسَافِر فَإِنَّهُ إِن كَانَ الصَّوْم لَا يجهده فَالْأَفْضَل لَهُ أَن يَصُوم وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَقَالَ أَحْمد وَالْأَوْزَاعِيّ الْفطر لَهُ أفضل وَذهب قوم من أهل الظَّاهِر إِلَى أَن الصَّوْم فِي السّفر لَا يَصح وَيجوز لَهُ الْفطر بِالْأَكْلِ وَالْجِمَاع وَقَالَ أَحْمد لَا يجوز لَهُ الْفطر بِالْجِمَاعِ وَإِذا جَامع وَجَبت عَلَيْهِ الْكَفَّارَة فَإِن شرع فِي الصَّوْم فِي السّفر فَلهُ أَن يفْطر إِن شَاءَ قَالَ الشَّيْخ الإِمَام أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ يحْتَمل أَن يُقَال لَا يجوز لَهُ الْفطر فَإِن أصبح فِي الْحَظْر صَائِما ثمَّ سَافر لم يجز لَهُ الْفطر وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالزهْرِيّ وَقَالَ أَحْمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ يجوز لَهُ الْفطر وَبِه قَالَ دَاوُد وَاخْتَارَهُ الْمُزنِيّ فَإِن قدم الْمُسَافِر وَهُوَ مفطر أَو بَرِيء من الْمَرَض وَهُوَ مفطر اسْتحبَّ لَهُ إمْسَاك بَقِيَّة النَّهَار وَلَا يجب ذَلِك وَكَذَا الصَّبِي يبلغ وَالْكَافِر يسلم وَالْحَائِض تطهر فِي أثْنَاء النَّهَار

وَحكي عَن بعض أَصْحَابنَا فِي الْكَافِر يسلم وَالصَّبِيّ يبلغ وَجه آخر أَنه يلْزمهُمَا إمْسَاك بَقِيَّة النَّهَار وَهَذَا خلاف نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله وبقولنا قَالَ مَالك وَدَاوُد وَحكي فِي الْحَائِض وَجه آخر أَنه يلْزمهَا إمْسَاك بَقِيَّة النَّهَار وَحكي فِي الْحَاوِي أَن طَريقَة الْبَصرِيين فِي الْمَرِيض يبرأ أَنه يلْزمه الْإِمْسَاك بِخِلَاف الْمُسَافِر وَحكي فِي الْمَجْنُون يفِيق قَوْلَيْنِ فِي وجوب التَّشَبُّه بالصائمين وَقيل لَا يلْزمه التَّشْبِيه قولا وَاحِدًا وَحكى فِي الْكَافِر يسلم قَوْلَيْنِ وَقيل يلْزمه التَّشَبُّه قولا وَاحِدًا وَالأَصَح مَا ذَكرْنَاهُ أَولا وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري يلْزم جَمِيع أَرْبَاب الْأَعْذَار إمْسَاك بَقِيَّة النَّهَار عِنْد زَوَال أعذارهم وَإِن قدم الْمُسَافِر وَهُوَ صَائِم أَو برىء الْمَرِيض وَهُوَ صَائِم لم يجز لَهما الْفطر فِي قَول أبي إِسْحَاق الْمروزِي وَجَاز فِي قَول أبي عَليّ بن أبي هُرَيْرَة

فَإِن خَافت الْحَامِل أَو الْمُرْضع على ولديهما من الصَّوْم أفطرتا ولزمهما الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة عَن كل يَوْم مد طَعَام فِي أصح الْأَقْوَال وَالْقَوْل الثَّانِي أَن الْكَفَّارَة غير وَاجِبَة وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَاخْتِيَار الْمُزنِيّ رَحمَه الله وَالثَّالِث أَنَّهَا تجب على الْمُرْضع دون الْحَامِل وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن مَالك وَالرِّوَايَة الثَّانِيَة أَنه لَا كَفَّارَة على وَاحِدَة مِنْهُمَا وَرُوِيَ عَن عبد الله بن عمر وَعبد الله بن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَالَا لَا تجب عَلَيْهِمَا الْكَفَّارَة دون الْقَضَاء وَقَالَ أَحْمد يجب عَن كل يَوْم مد بر أَو نصف صَاع من شعير أَو تمر وَبِه قَالَ مُحَمَّد مَعَ الْقَضَاء وَذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَن الْحَامِل والمرضع إِذا أفطرتا لمَرض أَو سفر للترفق فَلَا فديَة وَإِن كَانَ لأجل الْوَلَد فعلَيْهِمَا الْفِدْيَة وَإِن لم يكن لَهما نِيَّة فَفِيهِ وَجْهَان بِنَاء على الْمُسَافِر يطَأ لَا يقْصد التَّرَخُّص فِي وجوب الْكَفَّارَة عَلَيْهِ قَولَانِ وَفِيمَا ذكره نظر وَمَعَ السّفر

وَالْمَرَض لَا يجب عَلَيْهِمَا الْكَفَّارَة بِحَال وَلَا يخْتَلف الْحَال بِالْقَصْدِ وَعدم الْقَصْد وَقد اخْتلف فِي الصَّوْم وَالصَّلَاة أَيهمَا أفضل فَقَالَ قوم الصَّلَاة أفضل وَقَالَ آخَرُونَ الصَّوْم أفضل وَقَالَ آخَرُونَ الصَّلَاة بِمَكَّة أفضل وَالصَّوْم بِالْمَدِينَةِ أفضل وَالْأول أصح فصل وَيجب صَوْم رَمَضَان بِرُؤْيَة الْهلَال فَإِن غم عَلَيْهِم أكملوا عدَّة شعْبَان ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثمَّ صَامُوا وَحكي عَن قوم أَنهم قَالُوا يجوز أَن يجْتَهد فِي ذَلِك وَيعْمل بقول المنجمين وَلَا يَصُومُونَ يَوْم الشَّك من رَمَضَان وَبِه قَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَأَبُو حنيفَة وَمَالك وَقَالَ أَحْمد إِن كَانَت السَّمَاء مصحية كره صَوْمه وَإِن كَانَت متغيمة وَجب صَوْمه من رَمَضَان وَرُوِيَ عَنهُ أَيْضا أَنه إِن صَامَ الإِمَام صَامَ النَّاس وَإِن أفطر الإِمَام أفطروا وَهُوَ قَول الْحسن الْبَصْرِيّ

وَعنهُ رِوَايَة ثَالِثَة نَحْو قَوْلنَا وَاخْتلف أَصْحَابه فِي قيام لَيْلَة الشَّك فَإِن أَصْبحُوا فِي يَوْم الثَّلَاثِينَ من شعْبَان فَقَامَتْ الْبَيِّنَة أَنه من رَمَضَان لَزِمَهُم قَضَاؤُهُ وَهل يلْزمهُم إمْسَاك بَقِيَّة النَّهَار فِيهِ قَولَانِ أصَحهمَا أَنه يلْزمهُم وَهل يثابون على هَذَا الْإِمْسَاك على الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا فِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا انهم يثابون عَلَيْهِ ذكر الشَّيْخ أَبُو حَامِد رَحمَه الله فِي التَّعْلِيق أَنه إِن كَانَ لم يَأْكُل شَيْئا فَأمْسك فَإِنَّهُ يكون صَائِما صوما شَرْعِيًّا على قَول أبي إِسْحَاق من حِين أمسك وَلَيْسَ بِصَحِيح فَإِن كَانَ مِمَّن يعرف الْمنَازل والحساب فَنوى لَيْلَة الثَّلَاثِينَ أَنه صَائِم غَدا من رَمَضَان بِحكم مَا عرف من ذَلِك فَقَامَتْ الْبَيِّنَة بِالنَّهَارِ أَنه من رَمَضَان فَهَل يُجزئهُ فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يُجزئهُ حَكَاهُ القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله عَن أبي الْعَبَّاس ابْن سُرَيج وَاخْتَارَهُ وَلَا يخْتَلف أَصْحَابنَا أَن الصَّوْم لَا يلْزم بِالْحِسَابِ وَمَعْرِفَة الْمنَازل على الْعُمُوم وَهل يلْزم الَّذِي عرف ذَلِك فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يلْزمه وَهُوَ قَول أبي الْعَبَّاس بن سُرَيج فَإِن رَأَوْا الْهلَال بِالنَّهَارِ فَهُوَ لليلة الْمُسْتَقْبلَة قبل الزَّوَال كَانَ أَو بعده فِي أول شهر أَو آخِره وَهُوَ قَول مَالك وَأبي حنيفَة

وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَالثَّوْري وَأَبُو يُوسُف إِن كَانَ قبل الزَّوَال فَهُوَ لليلة الْمَاضِيَة وَإِن كَانَ بعد الزَّوَال فَهُوَ لليلة الْمُسْتَقْبلَة وَهُوَ قَول بعض أَصْحَاب مَالك وَقَالَ أَحْمد إِن كَانَ فِي أول رَمَضَان قبل الزَّوَال فَهُوَ لليلة الْمَاضِيَة وَإِن كَانَ فِي آخِره فَفِيهِ رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا أَنه لليلة الْمَاضِيَة وَإِن رَأَوْا الْهلَال فِي بلد وَلم يروه فِي بلد آخر فَإِن كَانَا متقاربين وَجب الصَّوْم على أهل البلدين وَإِن كَانَا متباعدين وَجب على من رأى وَلم يجب على من لم ير والتباعد أَن يخْتَلف الْمطَالع كالعراق وَالشَّام والحجاز وَهَذَا الَّذِي ذكره الشَّيْخ أَبُو حَامِد وَذكر القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله أَنه يجب الصَّوْم على أهل جَمِيع الْبِلَاد بِالرُّؤْيَةِ فِي بَعْضهَا وَحكى ذَلِك عَن أَحْمد وَفِي الْعدَد الَّذِي تثبت بِهِ رُؤْيَة هِلَال رَمَضَان قَولَانِ

أصَحهمَا أَنَّهَا تثبت بِرُؤْيَة الْعدْل الْوَاحِد وَهُوَ الصَّحِيح عَن احْمَد وَالْقَوْل الثَّانِي أَنه لَا يثبت إِلَّا بِشَهَادَة عَدْلَيْنِ وَبِه قَالَ مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن كَانَ فِي الْغَيْم ثَبت بِشَهَادَة الْوَاحِد وَإِن كَانَ فِي الصحو لم يثبت إِلَّا بِشَهَادَة الاستفاضة وَهُوَ الْعدَد الْكثير فَإِذا قُلْنَا يقبل من الْوَاحِد فَهَل يقبل فِيهِ شَهَادَة الْمَرْأَة وَالْعَبْد فِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا أَنه لَا يقبل وَحكى فِي اعْتِبَار لفظ الشَّهَادَة وَجْهَان وَلَا يقبل على رُؤْيَة هِلَال الْفطر شَهَادَة الْوَاحِد قولا وَاحِدًا وَقَالَ أَبُو ثَوْر يقبل فِيهِ شَهَادَة الْوَاحِد أَيْضا وَإِذا قُلْنَا تقبل شَهَادَة الْمَرْأَة وَالْعَبْد على رُؤْيَة الْهلَال قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر يَنْبَغِي أَن لَا يعْتَبر سَماع الْحَاكِم بل مَتى

سمع مِمَّن يَثِق بِهِ أَنه رأى الْهلَال لزمَه الصَّوْم وَهُوَ قَول أبي حنيفَة فَإِن شهد وَاحِد بِرُؤْيَة هِلَال رَمَضَان فصاموا ثَلَاثِينَ يَوْمًا فغم الْهلَال فقد قَالَ فِي الْأُم يفطرون وَحكى مثل ذَلِك الْحسن عَن أبي حنيفَة وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ لَا يفطرون وَهُوَ قَول أَحْمد بن الْحسن فَإِن شهد اثْنَان بِرُؤْيَة هِلَال رَمَضَان وَصَامَ النَّاس ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَالسَّمَاء مصحية فَلم يرَوا الْهلَال فَفِيهِ وَجْهَان قَالَ ابْن الْحداد لَا يفطرون وَقَالَ أَكثر أَصْحَابنَا يفطرون فَإِن رأى هِلَال رَمَضَان وَحده صَامَ وَإِن رأى هِلَال شَوَّال وَحده أفطر وَيَنْبَغِي أَن يفْطر سرا مَخَافَة التُّهْمَة وَحكى عَن الْحسن الْبَصْرِيّ وَابْن سِيرِين أَنَّهُمَا قَالَا لَا يجب عَلَيْهِ الصَّوْم بِرُؤْيَتِهِ وَحده وَقَالَ أَحْمد إِذا رأى الْهلَال وَحده فِي آخر الشَّهْر لَا يحل لَهُ الْأكل فَإِن اشتبهت الشُّهُور على أَسِير لزمَه أَن يتحَرَّى فَإِن وَافق شهرا بعد

رَمَضَان نَاقِصا وَكَانَ شهر رَمَضَان الَّذِي صَامَهُ النَّاس تَاما لزمَه قَضَاء يَوْم فِي أصح الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ اخْتِيَار القَاضِي أبي الطّيب رَحمَه الله وَالثَّانِي وَهُوَ اخْتِيَار الشَّيْخ أبي حَامِد الاسفراييني أَنه لَا يلْزمه وَحَكَاهُ الطَّحَاوِيّ عَن الْحسن بن صَالح بن حَيّ وَإِن وَافق شهرا قبل رَمَضَان قَالَ أَبُو إِسْحَاق لَا يُجزئهُ قولا وَاحِدًا وَقَالَ أَكثر أَصْحَابنَا فِيهِ قَولَانِ أصَحهمَا أَنه لَا يُجزئهُ وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأحمد وَمَالك وَإِن وَافق رَمَضَان أَجزَأَهُ وَحكي عَن الْحسن بن صَالح بن حَيّ أَنه قَالَ لَا يُجزئهُ فَإِن لم يغلب على ظن الْأَمِير دُخُول شهر رَمَضَان عَن أَمارَة فقد ذكر الشَّيْخ أَبُو حَامِد فِي التَّعْلِيق أَنه يلْزمه أَن يَصُوم على سَبِيل التخمين وَيُعِيد قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله وَهَذَا عِنْدِي غير صَحِيح لِأَنَّهُ لَا بُد من يَقِين أَو ظن فِي دُخُول وَقت الْعِبَادَة

فصل

فصل وَلَا يَصح صَوْم رَمَضَان وَلَا غَيره من الصّيام إِلَّا بنية وَحكي عَن زفر بن الْهُذيْل أَنه قَالَ صَوْم رَمَضَان إِذا تعين عَلَيْهِ لم يفْتَقر إِلَى النِّيَّة وَرُوِيَ ذَلِك عَن عَطاء ويفتقر كل يَوْم إِلَى نِيَّة مجددة وَقَالَ مَالك يَكْفِيهِ نِيَّة وَاحِدَة من أول لَيْلَة من الشَّهْر أَنه يَصُوم جَمِيعه وروى ذَلِك أَيْضا عَن احْمَد وَلَا يَصح صَوْم رَمَضَان وَلَا غَيره من الصّيام الْوَاجِب بنية من نَهَار إِلَّا بنية من اللَّيْل وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَحكي عَن عبد الْملك بن الْمَاجشون أَنه إِذا أصبح يَوْم الثَّلَاثِينَ من

شعْبَان وَقَامَت الْبَيِّنَة بِرُؤْيَة الْهلَال من اللَّيْل وَلم يكن أكل وَلَا نوى الصَّوْم فَإِنَّهُ يلْزمه الْإِمْسَاك وَيجزئهُ صَوْمه وَلَا يجب عَلَيْهِ الْقَضَاء وَقَالَ أَبُو حنيفَة يَصح أَدَاء رَمَضَان بنية من النَّهَار قبل الزَّوَال وَكَذَلِكَ كل صَوْم تعلق بِزَمَان بِعَيْنِه وَهل تصح نِيَّته مَعَ طُلُوع الْفجْر فِيهِ وَجْهَان أظهرهمَا أَنه لَا يَصح وَيجزئهُ النِّيَّة فِي جَمِيع اللَّيْل فِي أصح الْوَجْهَيْنِ فَإِن نوى بِاللَّيْلِ ثمَّ أكل بعده أَو جَامع لم تبطل نِيَّته فِي أصح الْوَجْهَيْنِ وَحكي عَن أبي إِسْحَاق أَن نِيَّته تبطل وَلَيْسَ بِشَيْء وَيجب تعْيين النِّيَّة للصَّوْم الْوَاجِب وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَقَالَ ابو حنيفَة صَوْم رَمَضَان لَا يفْتَقر إِلَى تعْيين النِّيَّة فَلَو نوى النَّفْل فِيهِ أَو صوما غَيره انْصَرف إِلَى صَوْم رَمَضَان وَكَذَلِكَ النّذر الْمعِين وَأما الْمُسَافِر إِذا نوى النَّفْل فِي رَمَضَان فَفِيهِ عَنهُ رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا أَنه ينْعَقد نفلا وَالثَّانيَِة أَنه يَقع عَن رَمَضَان فَإِن نوى فِي السّفر فِي رَمَضَان فرضا غير رَمَضَان انْعَقَد مَا نَوَاه عِنْده

وَالتَّعْيِين أَن يَنْوِي صَوْم رَمَضَان وَهل يفْتَقر إِلَى نِيَّة الْوَاجِب فِيهِ وَجْهَان وَفِي وجوب نِيَّة الْأَدَاء وَجْهَان فَإِن شرع فِي الصَّوْم ثمَّ نوى الْفطر بَطل صَوْمه فِي أصح الْوَجْهَيْنِ فَإِن نوى أَنا صَائِم غَدا إِن شَاءَ زيد لم تصح نِيَّته وَذكر فِيهِ وَجه آخر أَنه لَا يَصح قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله يجب أَن يفصل القَوْل فِي ذَلِك فَيُقَال إِن كَانَ قد قصد بِذكر الْمَشِيئَة الشَّك فِي فعله لم يَصح صَوْمه وَإِن كَانَ قَصده أَن فعله للصَّوْم على كل حَال إِنَّمَا يكون بِمَشِيئَة الله وتيسيره وتوفيقه وَلم يقْصد التَّرَدُّد فِي فعله فَذَلِك تَأْكِيد للنِّيَّة فَيصح صَوْمه فَإِن قَالَ أَنا صَائِم غَدا عَن قَضَاء رَمَضَان أَو تطوع وَقع تَطَوّعا وَهُوَ قَول مُحَمَّد بن الْحسن وَحكي عَن أبي يُوسُف أَنه قَالَ يَقع عَن الْقَضَاء فَإِن نَوَت الْمَرْأَة أَن تَصُوم غَدا إِن انْقَطع حَيْضهَا وَكَانَ عَادَتهَا ان يَنْقَطِع فِي تِلْكَ اللَّيْلَة فَانْقَطع دَمهَا فَهَل تصح نِيَّتهَا هَذِه فِيهِ وَجْهَان قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله وَلَو عقد رجل على أَن غَدا عِنْده من رَمَضَان فِي يَوْم الشَّك ثمَّ بَان من رَمَضَان أَجزَأَهُ

وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِي صُورَة هَذِه الْمَسْأَلَة فَمنهمْ من قَالَ صورتهَا أَن يُخبرهُ رجل بِرُؤْيَة الْهلَال فيغلب على ظَنّه صَدَقَة فينوى الصَّوْم من اللَّيْل ثمَّ تقوم الْبَيِّنَة من الْغَد أَنه من رَمَضَان فيجزئه صَوْمه وَمِنْهُم من قَالَ صورتهَا أَن يكون عَالما بِحِسَاب النُّجُوم ومنازل الْقَمَر فيغلب على ظَنّه من جِهَة الْحساب أَن الْهلَال يرى لَو كَانَت السَّمَاء مصحية فينوي الصَّوْم من اللَّيْل ثمَّ تقوم الْبَيِّنَة من الْغَد بِرُؤْيَة الْهلَال فَإِنَّهُ يُجزئهُ وَمن قَالَ بِالْأولِ قَالَ المنجم لَو أخبر غَيره بِمَا غلب على ظَنّه فَعمل عَلَيْهِ لم يجزه وَكَذَا إِذا عمل هُوَ بظنه قَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب فَيجب أَن يكون فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَجْهَان أَحدهمَا يجزؤه وَاخْتَارَهُ القَاضِي أَبُو الطّيب وَحكى غَيره فِي لُزُوم الصَّوْم بِهِ فِي حق من يعرف وَجْهَيْن ذكر القَاضِي أَبُو الطّيب فِي الْمُجَرّد إِذا نوى أَن يَصُوم غَدا من رَمَضَان سنة تسعين وَكَانَت سنة إِحْدَى وَتِسْعين فغلط لم تصح نِيَّته وَلَو نوى أَن يَصُوم غَدا من هَذِه السّنة وظنها سنة تسعين وَكَانَت إِحْدَى وَتِسْعين صحت نِيَّته

قَالَ وَلَو نوى أَن يَصُوم غَدا وظنه يَوْم الِاثْنَيْنِ فَبَان يَوْم الثُّلَاثَاء أجزاه وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله وَلَا فرق بَين هَذِه الْمسَائِل وَيَنْبَغِي أَن يُجزئهُ فِي الْكل إِذا كَانَ عَلَيْهِ قَضَاء الْيَوْم الأول من رَمَضَان فَنوى قَضَاء الْيَوْم الثَّانِي حُكيَ القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله عَن بعض أَصْحَابنَا أَنه لَا يُجزئهُ وَحكى القَاضِي حُسَيْن أَنه إِذا كَانَ قد عين الْمَكَان اَوْ الزَّمَان فِي الصَّوْم فاخطأ أَجْزَأَ فَأَما إِذا عين الصَّلَاة فَأَخْطَأَ فِيهَا فَإِنَّهَا لَا تجزىء أَربع مسَائِل لَا يعْتَبر فِيهَا التَّعْيِين فِي الْجُمْلَة وَهِي الْكَفَّارَة والإمامة فِي الصَّلَاة لَا يجب تعْيين الإِمَام فِيهَا وَلَا تعْيين سَبَب الْكَفَّارَة من قتل أَو غَيره وَإِذا عينه فَأَخْطَأَ لم يجزه وَفِي الزَّكَاة إِذا أخرج خَمْسَة دَرَاهِم عَن زَكَاة مَاله الْغَائِب إِن كَانَ سالما فَلم يكن سالما لم يَقع عَن غَيره وَصَلَاة الْجِنَازَة لَا يعْتَبر فِيهَا تعْيين الْمَيِّت فَلَو عينه وَأَخْطَأ لم يَصح وَالْيَوْم فِي الصَّوْم كالوقت فِي الصَّلَاة وَحكي القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله وَجها آخر عَن بعض أَصْحَابنَا

أَنه إِذا نوى قَضَاء الْيَوْم الأول من رَمَضَان فَكَانَ الثَّانِي أَنه يُجزئهُ فعلى مُقْتَضى هَذَا يجب أَن يكون فِي الْمسَائِل كلهَا وَجْهَان فَأَما صَوْم التَّطَوُّع فَيصح بنية قبل الزَّوَال وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَقَالَ مَالك وَدَاوُد لَا يَصح بنية من النَّهَار أَيْضا وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ وَحكي حَرْمَلَة أَنه يجوز ان يَنْوِي النَّفْل بعد الزَّوَال فَإِذا نوى قبل الزَّوَال كَانَ صَائِما من اول النَّهَار وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي يكون صَائِما من وَقت النِّيَّة وَفرع على هَذَا أَنه يجوز أَن يَأْكُل فِي أول النَّهَار ثمَّ يَنْوِي الصَّوْم فِي الْبَاقِي وَهَذَا ظَاهر الْفساد

فصل

فصل وَيدخل فِي الصَّوْم بِطُلُوع الْفجْر وَيخرج مِنْهُ بغروب الشَّمْس فَإِن أصبح جنبا صَحَّ صَوْمه وَحكي عَن أبي هُرَيْرَة وَسَالم بن عبد الله رَضِي الله عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَالَا إِذا أصبح جنبا بَطل صَوْمه وَيلْزمهُ إمْسَاك بَقِيَّة النَّهَار وَيَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ وَقَالَ عُرْوَة بن الزبير وَالْحسن الْبَصْرِيّ إِن أخر الِاغْتِسَال لغير عذر بَطل صَوْمه وَحكى الشَّيْخ ابو نصر رَحمَه الله عَن الْحسن نَحْو قَول أبي هُرَيْرَة وَعَن طَاوس نَحْو قَول عُرْوَة وَقَالَ النَّخعِيّ إِن كَانَ فِي الْفَرْض قَضَاهُ وَفِي النَّفْل لَا يقْضِي

وَإِن طلع الْفجْر وَفِي فِيهِ طَعَام فلفظه أَو كَانَ مجامعا فَنزع مَعَ طُلُوع الْفجْر صَحَّ صَوْمه وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَقَالَ الْمُزنِيّ لَا يَصح صَوْمه إِذا نزع مَعَ طُلُوع الْفجْر وَهُوَ قَول مَالك وَزفر وَأحمد 2 فَإِن أكل شاكا فِي طُلُوع الْفجْر صَحَّ صَوْمه وان أكل شاكا فِي غرُوب الشَّمْس بَطل صَوْمه وَحكى أَصْحَابنَا عَن مَالك أَنه إِذا أكل شاكا فِي طُلُوع الْفجْر فسد صَوْمه وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله وَلم أَجِدهُ لأَصْحَابه وَحكي عَن إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَدَاوُد أَنَّهُمَا قَالَا لَا قَضَاء عَلَيْهِ وَهُوَ قَول عَطاء وَعَن مَالك أَنه يقْضِي فِي الْفَرْض دون النّذر الْمعِين فَإِن كَانَ بَين أَسْنَانه شَيْء فابتلعه وَهُوَ متميز عَن رِيقه بَطل صَوْمه وَبِه قَالَ أَحْمد وَقَالَ ابو حنيفَة لَا يبطل صَوْمه وَقدره بَعضهم بِقدر الحمصة فَإِن جمع رِيقه فِي فِيهِ ثمَّ ابتلعه فَفِيهِ وَجْهَان

أَحدهمَا أَنه يبطل صَوْمه فَأَما إِذا نزلت النخامة من رَأسه إِلَى حلقه فبلعها وَكَانَ يُمكن قَذفهَا بَطل صَوْمه وَحكى فِيهِ وَجه آخر وَلَيْسَ بِشَيْء فَإِن أسقط أَو صب المَاء فِي أُذُنه فوصل إِلَى دماغه بَطل صَوْمه وَكَذَا إِذا احتقن وَقَالَ الْحسن بن صَالح وَدَاوُد جَمِيع ذَلِك لَا يفْطر وَقَالَ ابو حنيفَة الحقنة لَا تفطر والتقطير فِي الإخليل لَا يفْطر وَلنَا فِي التقطير فِي الإحليل وَجْهَان فَإِن كَانَ بِهِ جَائِفَة فداواها فوصل الدَّوَاء إِلَى جَوْفه بَطل صَوْمه وَبِه قَالَ ابو حنيفَة وَأحمد وَقَالَ مَالك لَا يفْطر وَاخْتلف عَنهُ فِي الحقنة وَبِه قَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد فَإِن جرح نَفسه فوصلت الْجراحَة إِلَى جَوْفه أَو أجافه غَيره بِإِذْنِهِ بَطل صَوْمه خلافًا لأبي يُوسُف وَمُحَمّد وَقَالَ مَالك السعوط لَا يفْطر إِلَّا أَن ينزل إِلَى حلقه فَإِن أستف تُرَابا أَو ابتلع حَصَاة بَطل صَوْمه

وَقَالَ الْحسن بن صَالح مَا لَيْسَ بِطَعَام وَلَا شراب لَا يفْطر بِهِ وَإِن استقاء عَامِدًا بَطل صَوْمه وَحكي عَن عبد الله بن عَبَّاس وَعبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَالَا لَا يفْطر بذلك وَهُوَ قَول بعض أَصْحَاب مَالك وَإِن ذرعه الْقَيْء لم يفْطر وَحكي عَن الْحسن الْبَصْرِيّ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ أَنه يفْطر بِهِ وَهُوَ قَول عَطاء والقبلة مُحرمَة فِي الصَّوْم فِي حق من تحرّك شَهْوَته وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَقَالَ مَالك هِيَ مُحرمَة بِكُل حَال

وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ فَإِن نظر بِشَهْوَة فَأنْزل لم يبطل صَوْمه وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَقَالَ مَالك يبطل صَوْمه فَإِن قبل فأمذى لم يفْطر وَقَالَ أَحْمد يفْطر وَإِن فعل شَيْئا من مَحْظُورَات الصَّوْم نَاسِيا لصومه لم يبطل صَوْمه وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَقَالَ ربيعَة وَمَالك يبطل صَوْمه وَقَالَ عَطاء وَالْأَوْزَاعِيّ يبطل صَوْمه بِالْجِمَاعِ نَاسِيا دون الْأكل وَقَالَ أَحْمد يبطل صَوْمه بِالْجِمَاعِ نَاسِيا وَتجب بِهِ الْكَفَّارَة دون الْأكل فَإِن أكره حَتَّى أكل أَو أكرهت الْمَرْأَة حَتَّى مكنت من الوطىء فَفِي بطلَان الصَّوْم بِهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يبطل وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَقَالَ أَحْمد يفْطر بِالْجِمَاعِ مَعَ الْإِكْرَاه وَتجب بِهِ الْكَفَّارَة وَلَا يفْطر بِالْأَكْلِ

فصل

السن للصَّائِم ترك الْمُبَالغَة فِي الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق فَإِن وصل المَاء إِلَى جَوْفه أَو دماغه من غير مُبَالغَة فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يفْطر وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَاخْتَارَهُ الْمُزنِيّ وَالثَّانِي أَنه لَا يفْطر وَهُوَ الْأَصَح وَهُوَ قَول أَحْمد وَأبي ثَوْر فَأَما إِذا بَالغ فَسبق المَاء إِلَى حلقه بَطل صَوْمه فِي ظَاهر الْمَذْهَب قولا وَاحِدًا وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ فِيهِ أَيْضا قَولَانِ وَالْأول أصح وَقَالَ النَّخعِيّ إِن كَانَ قد تَوَضَّأ لمكتوبة لم يفْطر وَإِن كَانَ لنافلة يفْطر فصل وَمن أفطر فِي رَمَضَان بِغَيْر جماع من غير عذر وَجب عَلَيْهِ الْقَضَاء وإمساك بَقِيَّة نَهَاره وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ وعزره السُّلْطَان وَبِه قَالَ أَحْمد وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا أفطر بِالْأَكْلِ أَو الشّرْب وَجَبت عَلَيْهِ الْكَفَّارَة وَإِن ابتلع فستقة بقشرها أَو حَصَاة فَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ وَيعْتَبر أَن يكون مِمَّا يتغذى بِهِ أَو يتداوى بِهِ

وَقَالَ مَالك يفْطر وَتجب الْكَفَّارَة بِكُل مَا يحصل بِهِ هتك حُرْمَة الصَّوْم إِلَّا الرِّدَّة حَتَّى لَو ترك النِّيَّة عمدا وَجَبت عَلَيْهِ الْكَفَّارَة وَبِه قَالَ أَبُو ثَوْر وَقَالَ عَطاء الْفطر بِالْأَكْلِ وَالشرب يُوجب مَا يُوجِبهُ الْجِمَاع وَحكي عَن أبي عَليّ بن أبي هُرَيْرَة أَنه قَالَ يكفر فَوق كَفَّارَة الْحَامِل والمرضع وَدون كَفَّارَة الوطىء وَلَيْسَ بِشَيْء وَيَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ وَهُوَ قَول الكافة وَحكي عَن ربيعَة أَنه قَالَ يقْضِي مَكَان كل يَوْم اثْنَي عشر يَوْمًا وَحكي عَن سعيد بن الْمسيب أَنه قَالَ يَصُوم عَن كل يَوْم شهرا وَقَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ يقْضِي ثَلَاثَة آلَاف يَوْم وَرُوِيَ عَن عَليّ وَابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَالَا لَا يَقْضِيه صَوْم الدَّهْر وَإِن صَامَهُ وَإِن أفطر بِالْجِمَاعِ من غير عذر وَجَبت عَلَيْهِ الْكَفَّارَة وإمساك بَقِيَّة النَّهَار

وَقَالَ الشّعبِيّ وَالنَّخَعِيّ وَسَعِيد بن جُبَير لَا كَفَّارَة عَلَيْهِ وَيجب عَلَيْهِ الْقَضَاء مَعَ الْكَفَّارَة وَحكي عَن الشَّافِعِي رَحمَه الله قَول آخر أَنه لَا قَضَاء عَلَيْهِ إِذا كفر وَحكي عَن الْأَوْزَاعِيّ أَنه قَالَ إِن كفر بِالصَّوْمِ لم يجب عَلَيْهِ الْقَضَاء وَإِن كفر بِغَيْرِهِ وَجب وَفِي الْكَفَّارَة ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه تجب عَلَيْهِ كَفَّارَة عَن نَفسه وَلَا يجب على الْمَرْأَة شَيْء وَهُوَ قَول أَحْمد وَالثَّانِي أَنه يجب على كل وَاحِد مِنْهُمَا كَفَّارَة وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَرُوِيَ عَن أَحْمد أَيْضا وَاخْتَارَهُ القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله وَالثَّالِث انه يجب عَلَيْهِ كَفَّارَة وَاحِدَة عَنهُ وعنها فَإِن كَانَ الزَّوْج مَجْنُونا فَوَطِئَهَا وَهِي صَائِمَة وَجَبت عَلَيْهِ الْكَفَّارَة عَنْهَا على هَذَا القَوْل وَقيل لَا يجب عَلَيْهِ شَيْء وَالْكَفَّارَة عتق رَقَبَة فَإِن لم يجد فَصِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين فَإِن لم

يسْتَطع فإطعام سِتِّينَ مِسْكينا وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَهُوَ أصح الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد وَقَالَ مَالك هِيَ على التَّخْيِير من بَين الْعتْق وَالْإِطْعَام وَالصِّيَام فالإطعام عِنْده أولى بالتقديم وَحكي عَن الْحسن أَنه قَالَ هُوَ مُخَيّر بَين عتق رَقَبَة وَبَين نحر بَدَنَة فَإِن وطىء فِي يَوْمَيْنِ من شهر رَمَضَان وَجب عَلَيْهِ كفاراتان وَبِه قَالَ مَالك وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا لم يكفر عَن الأول وَجب عَلَيْهِ كَفَّارَة وَاحِدَة وَإِن كَانَ قد كفر عَن الأول فَعَنْهُ رِوَايَتَانِ وَإِن وطىء فِي يَوْمَيْنِ من رَمَضَان فَالْمَشْهُور عَنهُ أَنه يجب عَلَيْهِ كفاراتان فَإِن وطىء فِي يَوْم وَاحِد مرَّتَيْنِ لم يجب عَلَيْهِ بالوطىء الثَّانِي كَفَّارَة وَقَالَ أَحْمد إِن كفر عَن الأول وَجب عَلَيْهِ بِالثَّانِي كَفَّارَة ثَانِيَة وَإِن لم يكفر عَن الأول فقد اخْتلف أَصْحَابه فِي وجوب كَفَّارَة ثَانِيَة

فَإِن جَامع فِي الْيَوْم الَّذِي ردَّتْ شَهَادَته فِيهِ بِرُؤْيَة الْهلَال وَجَبت عَلَيْهِ الْكَفَّارَة وَبِه قَالَ مَالك وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا كَفَّارَة عَلَيْهِ وَإِن طلع عَلَيْهِ الْفجْر وَهُوَ مجامع فاستدام الْجِمَاع وَجَبت عَلَيْهِ الْكَفَّارَة وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا كَفَّارَة عَلَيْهِ وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ رَحمَه الله وَإِن جَامع مُعْتَقدًا أَن الْفجْر لم يطلع وَكَانَ قد طلع أَو الشَّمْس قد غربت وَلم تكن قد غربت لم يجب عَلَيْهِ الْكَفَّارَة وَإِن أكل نَاسِيا وَظن أَنه أفطر فجامع فالمنصوص أَنه لَا كَفَّارَة عَلَيْهِ قَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله يحْتَمل عِنْدِي أَن تجب عَلَيْهِ الْكَفَّارَة لِأَن الَّذِي ظَنّه لَا يبيحه الْفطر فَإِن أصبح مُقيما صَائِما ثمَّ سَافر وجامع وَجَبت عَلَيْهِ الْكَفَّارَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد لَا كَفَّارَة عَلَيْهِ

وَعَن مَالك فِيهِ إِذا أنشأ الصَّوْم فِي السّفر ثمَّ جَامع فِي وجوب الْكَفَّارَة رِوَايَتَانِ وَعِنْدنَا لَا كَفَّارَة عَلَيْهِ فَإِن جَامع فِي الْحَضَر ثمَّ سَافر لم تسْقط عَنهُ الْكَفَّارَة وَإِن جَامع ثمَّ مرض فِي أثْنَاء النَّهَار أوجن لم تسْقط عَنهُ الْكَفَّارَة فِي أحد الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ قَول مَالك وَأحمد وَدَاوُد وَالثَّانِي يسْقط وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَالثَّوْري وَقَالَ زفر تسْقط بِمَا يطْرَأ من الْجُنُون وَالْحيض وَلَا تسْقط بِمَا يطْرَأ من الْمَرَض وَحكي عَن الْمَاجشون صَاحب مَالك أَنه قَالَ طريان السّفر يسْقط الْكَفَّارَة وطريان الْجُنُون وَالْمَرَض لَا يُسْقِطهَا واللواط ووطىء الْمَرْأَة فِي الْمحل الْمَكْرُوه يُوجب الْكَفَّارَة وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو حنيفَة فِي أشهر الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ لَا كَفَّارَة فِيهِ ووطىء الْبَهِيمَة يُوجب الْكَفَّارَة فِي أصح الطريقتين وَمن أَصْحَابنَا

فصل

من بنى حُصُول الْفطر بِهِ من غير إِنْزَال وَوُجُوب الْكَفَّارَة على وجوب الْحَد بِوَطْئِهَا والمباشرة فِيمَا دون الْفرج إِذا اتَّصل بهَا إِنْزَال يفْسد الصَّوْم وَلَا يُوجب الْكَفَّارَة وَقَالَ مَالك وَأَبُو ثَوْر تجب بهَا الْكَفَّارَة وَقَالَ أَحْمد تجب الْكَفَّارَة بالوطىء فِيمَا دون الْفرج وَفِي الْقبْلَة واللمس بِشَهْوَة رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا تجب بهَا الْكَفَّارَة وَقَالَ مَالك إِن نظر بِشَهْوَة فَأنْزل من النظرة الأولى أفطر وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ وَإِن استدام النّظر حَتَّى أنزل وَجَبت عَلَيْهِ الْكَفَّارَة وَلَا تجب الْكَفَّارَة فِي غير أَدَاء رَمَضَان وَحكي عَن قَتَادَة أَنه قَالَ تجب الْكَفَّارَة فِي قَضَاء رَمَضَان أَيْضا فَإِن عجز عَن التَّكْفِير اسْتَقر وُجُوبهَا فِي ذمَّته مَتى قدر كفر فِي أصح الْقَوْلَيْنِ وَفِي الثَّانِي يسْقط عَنهُ فصل فَإِن أُغمي عَلَيْهِ جَمِيع النَّهَار وَكَانَ قد نوى الصَّوْم من اللَّيْل لم يَصح صَوْمه

وَقَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله يَصح صَوْمه كَمَا لَو نَام جَمِيع النَّهَار وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَحكي عَن أبي سعيد الْإِصْطَخْرِي أَنه قَالَ إِذا نَام جَمِيع النَّهَار بَطل صَوْمه وَلَيْسَ بِشَيْء فَإِن أَفَاق فِي بعض النَّهَار وأغمي عَلَيْهِ فِي الْبَعْض فقد اخْتلفت نُصُوص الشَّافِعِي رَحمَه الله وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِيهِ على طَرِيقين فَمنهمْ من قَالَ فِيهِ أَرْبَعَة أَقْوَال أَحدهَا يعْتَبر الْإِفَاقَة فِي أَوله كالنية وَهُوَ قَول مَالك وَالثَّانِي يعْتَبر أَن يكون مفيقا فِي بعض النَّهَار وَهُوَ قَول أَحْمد وَالثَّالِث يعْتَبر أَن يكون مفيقا فِي جَمِيع النَّهَار وَالرَّابِع ذكره أَبُو الْعَبَّاس بن سُرَيج أَنه يعْتَبر أَن يكون مفيقا فِي طَرفَيْهِ وَمن أَصْحَابنَا من حكى فِيهِ قولا خَامِسًا أَنه لَا يعْتَبر الْإِفَاقَة فِي شَيْء مِنْهُ فَإِن نوى الصَّوْم ثمَّ جن فِي أثْنَاء النَّهَار بَطل صَوْمه فِي قَوْله الْجَدِيد وَقَالَ فِي الْقَدِيم لَا يبطل كالإغماء وَيجوز أَن يكتحل وَهُوَ صَائِم وَلَا يكره لَهُ وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو ثَوْر

وَقَالَ أَحْمد يكره لَهُ ذَلِك فَإِن وجد طعمه فِي حلقه أفطر وَحكى أَصْحَاب مَالك إِن مَا يصل إِلَى الْحلق من الْعين أَو الْأذن يفْطر وَحكي عَن ابْن أبي ليلى وَابْن شبْرمَة إِن الْكحل يفْطر وَيكرهُ أَن يحتجم وَلَا يحرم وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَدَاوُد وَقَالَ أَحْمد يفْطر الحاجم والمحجوم وَعنهُ فِي وجوب الْكَفَّارَة بِهِ رِوَايَتَانِ وَيَنْبَغِي للصَّائِم أَن ينزه صَوْمه عَن الْغَيْبَة والشتم فَإِن شوتم فَلْيقل إِنِّي صَائِم فَإِن شاتم لم يبطل صَوْمه وَحكي عَن الْأَوْزَاعِيّ أَنه قَالَ يفْطر بذلك إِذا فَاتَهُ أَيَّام رَمَضَان لم يجز لَهُ أَن يُؤَخر قضاءها إِلَى أَن يدْخل رَمَضَان آخر من غير عذر فَإِن أخر حَتَّى دخل رَمَضَان آخر أَثم وَوَجَبَت عَلَيْهِ لكل يَوْم من مد طَعَام وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا كَفَّارَة عَلَيْهِ وَيجوز لَهُ التَّأْخِير وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ فَإِن أَخّرهُ سنتَيْن فَفِيهِ وَجْهَان

أَحدهمَا يجب لكل سنة كَفَّارَة وَيسْتَحب أَن يقْضِي مَا عَلَيْهِ مُتَتَابِعًا فَإِن قَضَاهُ مُتَفَرقًا جَازَ وَبِه قَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَقَالَ دَاوُد وَأهل الظَّاهِر يجب ان يقْضِي مُتَتَابِعًا غير أَنه لَيْسَ بِشَرْط فِي صِحَّته وَحكي عَن الطَّحَاوِيّ أَنه قَالَ التَّتَابُع والتفريق سَوَاء وَيسْتَحب أَن يقْضِي على الْفَوْر وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق إِن كَانَ قد ترك الصَّوْم بِغَيْر عذر وَجب قَضَاؤُهُ على الْفَوْر وَالْمذهب الأول فَإِن مَاتَ وَعَلِيهِ قَضَاء أَيَّام من رَمَضَان فَاتَتْهُ لعذر اتَّصل إِلَى الْمَوْت فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَحكي عَن طَاوس وَقَتَادَة أَنَّهُمَا قَالَا يجب عَلَيْهِ أَن يطعم عَن كل يَوْم مِسْكينا فَإِن كَانَ قد زَالَ عذره وَتمكن من فعله فَمَاتَ وَجب عَلَيْهِ لكل يَوْم مد من طَعَام فِي قَوْله الْجَدِيد وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك إِلَّا أَن مَالِكًا قَالَ لَا يلْزم الْوَلِيّ أَن يطعم عَنهُ إِلَّا أَن يُوصي

فصل

وَقَالَ فِي الْقَدِيم يَصُوم عَنهُ وليه وَهُوَ قَول الزُّهْرِيّ وَأبي ثَوْر وَقَالَ أَحْمد إِن كَانَ صَوْم نذر صَامَ عَنهُ وليه وَإِن كَانَ صَوْم رَمَضَان أطْعم عَنهُ فَإِن قُلْنَا يصام عَنهُ فصَام عَنهُ وليه أَو غَيره بِإِذْنِهِ بِأُجْرَة وَغير أُجْرَة أَجزَأَهُ وَإِن صَامَ عَنهُ أَجْنَبِي بِغَيْر إِذن وليه لم يجزه وَقيل يُجزئهُ وَإِن قُلْنَا إِنَّه يطعم عَنهُ وَهَذَا الْأَصَح وَمَات بعد مَا أدْركهُ رَمَضَان آخر فَفِيهِ وَجْهَان أظهرهمَا أَنه يلْزمه مدان مد للصَّوْم وَمد للتأخير وَالثَّانِي أَنه يَكْفِيهِ مد وَاحِد فصل يسْتَحبّ لمن صَامَ رَمَضَان أَن يتبعهُ بست من شَوَّال وَبِه قَالَ أَحْمد وَقَالَ يُوسُف كَانُوا يكْرهُونَ أَن يتبعوا رَمَضَان صياما خوفًا أَن يلْحق ذَلِك بالفريضة

وَحكى مثل ذَلِك مُحَمَّد بن الْحسن عَن مَالك وَقَالَ فِي الْمُوَطَّأ يكره ذَلِك وَيسْتَحب صَوْم يَوْم عَرَفَة لغير الْحَاج وَالْفطر للْحَاج بِعَرَفَة أفضل من صِيَام يَوْم عَرَفَة وَكَانَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا تَصُوم هَذَا الْيَوْم وَحكي عَن عَطاء أَنه قَالَ أَصوم فِي الشتَاء وَأفْطر فِي الصَّيف وَحكى الْحسن عَن أبي حنيفَة أَنه قَالَ يسْتَحبّ لَهُ صَوْمه إِلَّا أَن يُضعفهُ عَن الدُّعَاء وَيسْتَحب صَوْم عَاشُورَاء وتاسوعاء وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ كَانَ فرضا ثمَّ نسخ وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَيكرهُ الْوِصَال فِي الصَّوْم وَرُوِيَ عَن عبد الله بن الزبير أَنه كَانَ يواصل وَظَاهر كَلَام الشَّافِعِي رَحمَه الله أَنه نهي تَحْرِيم وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ إِنَّه نهي تَنْزِيه وَلَا يكره صَوْم الدَّهْر إِذا أفطر أَيَّام النَّهْي وَلم يضع حَقًا وَلم يخف ضَرَرا وَمن النَّاس من قَالَ يكره

قَالَ أَبُو الْعَبَّاس إِذا نذر صَوْم الدَّهْر صَحَّ نَذره فَإِن لزمَه قَضَاء من رَمَضَان قدمه على النّذر وَهل يدْخل زَمَانه فِي النّذر فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يدْخل فعلى هَذَا هَل يلْزمه كَفَّارَة لهَذِهِ الْأَيَّام قَالَ أَبُو الْعَبَّاس يحْتَمل وَجْهَيْن وَمن شرع فِي صَوْم تطوع اَوْ صَلَاة تطوع اسْتحبَّ لَهُ إِتْمَامهَا فَإِن خرج مِنْهُمَا لم يجب عَلَيْهِ الْقَضَاء وَبِه قَالَ أَحْمد وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجب عَلَيْهِ إِتْمَامهَا وَحكي عَن مُحَمَّد أَنه قَالَ إِذا دخل على أَخ لَهُ فَحلف عَلَيْهِ أفطر وَعَلِيهِ الْقَضَاء وَقَالَ مَالك يلْزمه الْإِتْمَام فَإِن خرج مِنْهُ بِعُذْر كالسفر لم يلْزمه قَضَاؤُهُ فِي احدى الرِّوَايَتَيْنِ وَبِه قَالَ أَبُو ثَوْر وَلَا يجوز أَن يَصُوم يَوْم الشَّك إِلَّا أَن يُوَافق عَادَة لَهُ اَوْ يصله بِمَا قبله

وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يكره صَوْمه من شعْبَان وَبِه قَالَ مَالك فَإِن صَامَ فِيهِ فرضا عَلَيْهِ ذكر القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله أَنه يكره ذَلِك ويجزيه قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله لم أر ذَلِك لغيره من أَصْحَابنَا وَلَا يَقْتَضِيهِ الْقيَاس فَإِنَّهُ لَو صَامَ تَطَوّعا لَهُ سَبَب فِيهِ صَحَّ صَوْمه وَإِن صَامَ تَطَوّعا فِي هَذَا الْيَوْم وَلَا سَبَب لَهُ فقد ذكر القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله أَنه لَا يَصح وَهُوَ الْأَصَح وَاخْتَارَ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله أَنه يَصح وَيكرهُ أَن يفرد يَوْم الْجُمُعَة بِصَوْم التَّطَوُّع وَبِه قَالَ أَحْمد وَأَبُو يُوسُف وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَمُحَمّد لَا يكره وَللشَّافِعِيّ رَحمَه الله كَلَام يدل عَلَيْهِ وَاخْتَارَهُ القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله لَا يجوز صَوْم يَوْم الْفطر والأضحى وَأَيَّام التَّشْرِيق وَفِي صَوْم أَيَّام التَّشْرِيق للمتمتع قَولَانِ

قَالَ فِي الْقَدِيم يجوز وَهُوَ قَول مَالك وَقَالَ فِي الْجَدِيد لَا يجوز وَيسْتَحب طلب لَيْلَة الْقدر ويطلبها فِي الْعشْر الْأَخير من الشَّهْر ويطلبها فِي كل وتر مِنْهُ وَفِي الْحَادِي وَالْعِشْرين أَشد اسْتِحْبَابا وَحكي عَن عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه يطْلبهَا لَيْلَة ثَلَاث وَعشْرين وَقَالَ ابْن عَبَّاس وَأبي بن كَعْب رَضِي الله عَنْهُمَا هِيَ لَيْلَة سبع وَعشْرين وَقَالَ مَالك هِيَ فِي الْعشْر الْأَوَاخِر لَيْسَ فِيهَا تعْيين

= كتاب الِاعْتِكَاف لَا يجوز للْمَرْأَة أَن تعتكف بِغَيْر إِذن زَوجهَا وَلَا للْعَبد بِغَيْر إِذن مَوْلَاهُ فَإِن شرعا فِي الِاعْتِكَاف تَطَوّعا بِالْإِذْنِ كَانَ لَهما منعهما من الْمُضِيّ فِيهِ لَا الْمُضِيّ فِيهِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة يملك منع العَبْد وَلَا يملك منع الزَّوْجَة وَقَالَ مَالك لَيْسَ لَهما الْمَنْع من تتميمه فَإِن شرع فِي اعْتِكَاف نَذره بِالْإِذْنِ وَكَانَ فِي الذِّمَّة لم يجز لَهُ الْخُرُوج مِنْهُ فِي أصح الْوَجْهَيْنِ وَلَا يجوز إِخْرَاجه وَالثَّانِي أَنه إِن كَانَ مُتَتَابِعًا لم يجز لَهُ إِخْرَاجه وَإِن لم يكن مُتَتَابِعًا جَازَ وَأما الْمكَاتب فَيجوز لَهُ أَن يعْتَكف بِغَيْر إِذن الْمولى

وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك للْمولى مَنعه من ذَلِك وَلَا يَصح اعْتِكَاف الرجل وَالْمَرْأَة إِلَّا فِي الْمَسْجِد وَالْأَفْضَل أَن يعْتَكف فِي الْمَسْجِد الْجَامِع وَبِه قَالَ مَالك وَحكي عَن حُذَيْفَة أَنه قَالَ لَا يَصح الِاعْتِكَاف إِلَّا فِي ثَلَاثَة مَسَاجِد الْمَسْجِد الْحَرَام وَالْمَسْجِد الْأَقْصَى وَمَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ الزُّهْرِيّ لَا يَصح الِاعْتِكَاف إِلَّا فِي مَسَاجِد الْجُمُعَات وَذكر الشَّيْخ أَبُو حَامِد رَحمَه الله فِي التَّعْلِيق أَن الشَّافِعِي رَحمَه الله أَوْمَأ فِي الْقَدِيم إِلَى هَذَا وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد لَا يَصح الِاعْتِكَاف إِلَّا فِي مَسْجِد تُقَام فِيهِ الْجَمَاعَة وَحكي أَن الشَّافِعِي رَحمَه الله قَالَ وأكره للْمَرْأَة أَن تعتكف فِي مَسْجِد بَيتهَا هَذَا قَوْله الْجَدِيد وَهُوَ قَول مَالك وَأحمد وَذكر الشَّيْخ أَبُو حَامِد فِي التَّعْلِيق أَن الشَّافِعِي رَحْمَة الله قَالَ فِي الْقَدِيم وأكره للْمَرْأَة أَن تعتكف إِلَّا فِي مَسْجِد بَيتهَا وَقَالَ أَبُو حنيفَة اعتكافها فِي مَسْجِد بَيتهَا أفضل من مَسْجِد الْحَيّ وَمَسْجِد بَيتهَا هُوَ الْموضع الَّذِي تتخذه لصلاتها من بَيتهَا وَإِن نذر الِاعْتِكَاف فِي غير أحد الْمَسَاجِد الثَّلَاثَة جَازَ أَن يعْتَكف فِي غَيره

وَذكر فِيهِ وَجه آخر أَنه يتَعَيَّن الِاعْتِكَاف وَإِن لم يتَعَيَّن للصَّلَاة وَإِن نذر الِاعْتِكَاف فِي الْمَسْجِد الْحَرَام لم يعْتَكف فِي غَيره وَإِن نذر الِاعْتِكَاف فِي الْمَسْجِد الْأَقْصَى أَو مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لزمَه فِي أحد الْقَوْلَيْنِ وَيصِح الِاعْتِكَاف بِغَيْر صَوْم وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك لَا يَصح الِاعْتِكَاف بِغَيْر صَوْم وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا كَقَوْلِنَا وَالثَّانيَِة كَقَوْل أبي حنيفَة وَقَالا لَا يَصح الِاعْتِكَاف بِاللَّيْلِ مُفردا إِذا نذر اعتكافا بِصَوْم لزمَه أَن يعْتَكف صَائِما وَقَالَ أَبُو عَليّ فِي الإفصاح يجوز أَن يفرد كل وَاحِد مِنْهُمَا عَن الاخر فَإِن نذر أَن يَصُوم معتكفا فعلى الْوَجْهَيْنِ وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ لَا يجب الْجمع بَينهمَا وَجها وَاحِدًا فَإِن نذر أَن يعْتَكف مُصَليا فعلى الْوَجْهَيْنِ وَقيل لَا يجب الْجمع وَجها وَاحِدًا

فَإِذا قُلْنَا قُلْنَا يجب لم يجب أَن يُصَلِّي فِي جَمِيع زمَان الِاعْتِكَاف فَإِن نذر اعْتِكَاف الْعشْر الْأَخير من رَمَضَان فَإِنَّهُ يدْخل فِيهِ قبل غرُوب الشَّمْس من يَوْم الْعشْرين من الشَّهْر وَبِه قَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَأَبُو ثَوْر يدْخل فِيهِ قبل طُلُوع الْفجْر من يَوْم الْحَادِي وَالْعِشْرين لَيْلَة الْحَادِي وَالْعِشْرين وَهُوَ ظَاهر كَلَام أَحْمد وَمن اصحابه من تَأَول كَلَامه على الْأَيَّام الْمُطلقَة فَأَما الْمعينَة فَقَوله فِيهَا كمذهبنا وَلَيْسَ للاعتكاف زمَان مُقَدّر وَبِه قَالَ أَحْمد فِي الرِّوَايَة الْمَشْهُورَة عَنهُ وَحكى بعض أَصْحَابنَا وَجها آخر أَنه لَا يَصح الِاعْتِكَاف حَتَّى يزِيد على نصف النَّهَار وَلَيْسَ بِصَحِيح وَعَن أبي حنيفَة رِوَايَتَانِ روى مُحَمَّد فِي الأَصْل أَنه يجوز فِي بعض يَوْم وروى الْحسن أَنه لَا يجوز فِي أقل من يَوْم وَقَالَ مَالك لَا يجوز الِاعْتِكَاف أقل من يَوْم فَإِن نذر اعْتِكَاف شهر بِعَيْنِه لزمَه اعْتِكَافه متواليا فَإِن أخل بِيَوْم مِنْهُ تممه وَقضى مَا تَركه

وَقَالَ أَحْمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ يلْزمه استئنافه وَإِن نذر اعْتِكَاف شهر مُطلقًا جَازَ أَن يَأْتِي بِهِ مُتَتَابِعًا ومتفرقا وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك يلْزمه اعْتِكَافه مُتَتَابِعًا وَعَن احْمَد فِي نذر الصَّوْم الْمُطلق رِوَايَتَانِ فِي وجوب التَّتَابُع فِيهِ فَمن أَصْحَابه من قَالَ يلْزمه التَّتَابُع فِي الِاعْتِكَاف رِوَايَة وَاحِدَة وَإِن نذر اعْتِكَاف يَوْم لزمَه أَن يدْخل فِيهِ قبل طُلُوع الْفجْر وَيخرج مِنْهُ بعد غرُوب الشَّمْس وَهل يجوز أَن يفرقه سَاعَات فِي أَيَّام فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يجوز فَإِن نذر اعْتِكَاف يَوْمَيْنِ مُتَتَابعين أَو نوى ذَلِك فَإِنَّهُ يلْزمه أَن يعْتَكف اللَّيْلَة الَّتِي بَينهمَا مَعَهُمَا وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَأَبُو يُوسُف وَقَالَ أَبُو حنيفَة يلْزمه اعْتِكَاف يَوْمَيْنِ وليلتين وَإِن لم يشْتَرط التَّتَابُع فَهَل يلْزمه اعْتِكَاف اللَّيْلَة الَّتِي بَينهمَا فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يلْزمه وَالثَّانِي لَا يلْزمه هُوَ وَالْأَظْهَر

وَإِن نوى الِاعْتِكَاف وَشرع فِيهِ ثمَّ نوى الْخُرُوج مِنْهُ فَهَل يبطل اعْتِكَافه فِيهِ وَجْهَان وَإِن خرج من الْمُعْتَكف لغير حَاجَة بَطل اعْتِكَافه وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا يبطل حَتَّى يكون خُرُوجه أَكثر من نصف يَوْم وَإِن خرج لحَاجَة الْإِنْسَان لم يبطل اعْتِكَافه فَإِن كَانَ لَهُ منزلان قريب وبعيد لم يجز أَن يمْضِي إِلَى الْأَبْعَد فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ وَقَالَ أَبُو عَليّ بن أبي هُرَيْرَة يجوز وَذكر بعض أَصْحَابنَا أَنه إِذا كَانَ دون منزله مَوضِع مُبَاح يُمكنهُ قَضَاء الْحَاجة فِيهِ وَكَانَ ذَا مُرُوءَة لَا يقْضِي مثله الْحَاجة فِيهِ فَهَل يجوز لَهُ الْخُرُوج إِلَى منزله فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يبطل اعْتِكَافه بِالْخرُوجِ إِلَى منزله وَاعْتِبَار الْمُرُوءَة فِي ذَلِك لَا بَأْس بِهِ

وَيجوز أَن يخرج إِلَى منزله للْأَكْل وَالشرب وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس بن سُرَيج لَا يجوز ذَلِك وَيبْطل اعْتِكَافه إِذا فعله وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك ذكر فِي الْحَاوِي أَنه إِذا عَطش وَوجد المَاء فِي الْمَسْجِد من أَصْحَابنَا من جعله بِمَنْزِلَة الْأكل وَمِنْهُم من مَنعه الْخُرُوج وَفِي الْخُرُوج إِلَى المنارة الْخَارِجَة من الْمَسْجِد ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا يجوز وَالثَّانِي لَا يجوز وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق إِن كَانَ ألف النَّاس صَوته جَازَ وَإِن لم يَكُونُوا قد ألفوا صَوته لم يجز فَإِن خرج لقَضَاء حَاجَة الْإِنْسَان فَمر فِي طَرِيقه بمريض جَازَ أَن يسْأَل عَنهُ لَا يعرج وَحكي فِيهِ وَجه آخر أَنه إِذا وقف عَلَيْهِ يَسِيرا لم يبطل اعْتِكَافه فَإِن اعْتكف فِي غير الْجَامِع وَحَضَرت الْجُمُعَة فَعَلَيهِ أَن يخرج إِلَيْهَا وَهل يبطل اعْتِكَافه فِيهِ قَولَانِ قَالَ فِي عَامَّة كتبه يبطل وَهُوَ قَول مَالك وَقَالَ فِي الْبُوَيْطِيّ لَا يبطل وَهُوَ قَول أبي حنيفَة

وَإِن تعين عَلَيْهِ أَدَاء شَهَادَة لزمَه أَدَاؤُهَا وَإِن لم يكن قد تعين عَلَيْهِ تحملهَا فَهَل يبطل اعْتِكَافه فقد نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله أَنه يبطل وَقَالَ فِي الْمُعْتَدَّة تخرج وَتعْتَد وَلَا يبطل اعتكافها فَمن أَصْحَابنَا من جعل الْمَسْأَلَتَيْنِ على قَوْلَيْنِ وَمِنْهُم من حملهَا على ظَاهرهَا وَإِن تعين عَلَيْهِ تحملهَا وأداؤها لم يبطل اعْتِكَافه بِخُرُوجِهِ لأدائها وَقيل فِيهِ وَجه آخر أَنه يبطل تتَابع اعْتِكَافه وَحكى عَن مَالك فِي الْمُعْتَدَّة أَنَّهَا تتمّ اعتكافها ثمَّ تَعْتَد وَإِن مرض مَرضا يفْتَقر فِيهِ إِلَى طَبِيب ومداواة يئس مَعَه الْمقَام فِي الْمَسْجِد جَازَ لَهُ الْخُرُوج مِنْهُ وَهل يبطل تتَابع اعْتِكَافه يَنْبَنِي على الْقَوْلَيْنِ فِي التَّتَابُع فِي صِيَام الشَّهْرَيْنِ إِذا أفطر فيهمَا للمرض قَالَ فِي الْأُم إِذا سكر فِي الْمَسْجِد فسد اعْتِكَافه وَقَالَ فِيهِ إِذا ارْتَدَّ ثمَّ عَاد إِلَى الْإِسْلَام بنى على اعْتِكَافه وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِيهِ على ثَلَاثَة طرق

أَحدهَا أَنه لَا يبطل اعْتِكَافه بِوَاحِدَة مِنْهُمَا وَتَأَول قَوْله فِي السَّكْرَان عَلَيْهِ إِذا خرج من الْمَسْجِد وَالثَّانِي أَنه يبطل بهما وَتَأَول قَوْله فِي الْمُرْتَد على اعْتِكَاف غير متتابع وَمِنْهُم من حملهما على ظاهرهما وَفرق بَينهمَا وَإِن أكره حَتَّى خرج من الْمُعْتَكف فَفِي بطلَان اعْتِكَافه قَولَانِ وَإِن أخرجه السُّلْطَان لإِقَامَة حد عَلَيْهِ فَفِي بطلَان اعْتِكَافه وَجْهَان فَإِن نذر أَن يعْتَكف الْيَوْم الَّذِي يقدم فِيهِ فلَان صَحَّ نَذره فَإِن قدم نَهَارا لزمَه أَن يعْتَكف من حِين قدومه وَلَا يلْزمه قَضَاء مَا فَاتَهُ وَحكي عَن الْمُزنِيّ أَنه يقْضِي مَا فَاتَهُ مِنْهُ فَإِن قدم والناذر مَرِيض أَو مَحْبُوس جَازَ لَهُ ترك الإعتكاف وَلَزِمَه قَضَاؤُهُ وَحكى القَاضِي أَبُو حَامِد فِي الْجَامِع وَأَبُو عَليّ فِي الإفصاح وَجها آخر أَنه لَا يقْضِي وَيَقْضِي على الْمَذْهَب قدر مَا بَقِي من النَّهَار وعَلى قَول الْمُزنِيّ يقْضِي جَمِيعه وَتحرم الْمُبَاشرَة فِي الِاعْتِكَاف فَإِن بَاشر فِي الْفرج عمدا بَطل اعْتِكَافه وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ وَالزهْرِيّ يجب عَلَيْهِ الْكَفَّارَة كَمَا يجب فِي الصَّوْم فَإِن وطىء نَاسِيا لاعتكافه لم يفْسد وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد يفْسد

وَإِن بَاشر فِيمَا دون الْفرج بِشَهْوَة بَطل اعْتِكَافه فِي أحد الْقَوْلَيْنِ أنزل أَو لم ينزل وَبِه قَالَ مَالك وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن أنزل فسد اعْتِكَافه وَإِن لم ينزل لم يفْسد وَلَا يكره أَن يلبس الْمُعْتَكف الرفيع من الثِّيَاب ويتطيب وَقَالَ أَحْمد يكره لَهُ ذَلِك وَيجوز أَن يَأْمر بِالْأَمر الْخَفِيف فِي مَاله وَيبِيع وَيَشْتَرِي وَلَا يكثر فَإِن أَكثر مِنْهُ اسْتَأْنف الِاعْتِكَاف وَهُوَ قَول مرجوع عَنهُ وَالصَّحِيح أَنه لَا يبطل بِهِ وَيجوز الْقَصْد والحجامة إِذا لم يلوث الْمَسْجِد وَالْأولَى تَركه فَأَما الْبَوْل فِي الْإِنَاء فَقَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر يحْتَمل أَن يجوز وَيجْعَل بِمَنْزِلَة الفصد وَيحْتَمل أَن يفرق بَينهمَا هَذَا الَّذِي ذكره الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله قَالَ الشَّيْخ الإِمَام أيده الله وَهَذَا فِيهِ نظر فَإِنَّهُ لَا يُؤمن تلويث الْمَسْجِد من الْجَمِيع فَإِن شَرط فِي الِاعْتِكَاف أَنه إِذا عرض لَهُ عَارض خرج مِنْهُ جَازَ لَهُ الْخُرُوج وَلَا يبطل اعْتِكَافه

وَقَالَ مَالك يبطل وَلَا يَصح شَرطه ذكر فِي الْحَاوِي أَنه إِذا شَرط فِي نِيَّة الصَّلَاة وَالصَّوْم أَنه إِذا عرض لَهُ عَارض خرج مِنْهُ جَازَ وَإِن شَرط فِي قطع الْحَج إِذا عرض لَهُ عَارض عَارض الْإِحْلَال مِنْهُ فَفِي صِحَة شَرطه قَولَانِ قَوْله الْجَدِيد يجوز وَالْقَدِيم لَا يجوز وَذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَنه إِذا نذر ان يَصُوم غَدا وَشرط أَنه إِذا قدم فلَان أفطر وَخرج إِلَى استقباله هَل ينْعَقد نَذره فِيهِ وَجْهَان وَالصَّحِيح أَنه لَا ينْعَقد وَإِن شَرط فِي نَذره الِاعْتِكَاف أَن يفعل فِيهِ مَعْصِيّة من سَرقَة أَو غصب لم يَصح نَذره فِي أصح الْوَجْهَيْنِ

= كتاب الْحَج

الْحَج ركن من أَرْكَان الْإِسْلَام وَفِي الْعمرَة قَولَانِ قَالَ فِي الْجَدِيد هِيَ وَاجِبَة وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَأحمد

وَقَالَ فِي الْقَدِيم لَيست وَاجِبَة وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَلَا تجب فِي الْعمرَة إِلَّا حجَّة وَاحِدَة وَعمرَة وَاحِدَة

وَحكي عَن بعض النَّاس أَنه قَالَ يجب فِي كل سنة مرّة وَلَا يثبت ذَلِك وَهُوَ خلاف النَّص وَمن حج حجَّة الْإِسْلَام وَاعْتمر وَأَرَادَ دُخُول الْحرم للتِّجَارَة أَو زِيَادَة لم يجز إِلَّا بِإِحْرَام لحجة أَو عمْرَة فِي أشهر الْقَوْلَيْنِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجوز لمن وَرَاء الْمِيقَات أَن يدْخل الْحرم إِلَّا محرما سَوَاء كَانَ لقِتَال أَو لغيره وَمن دون الْمِيقَات يجوز لَهُ أَن يدْخل بِغَيْر إِحْرَام

وَقَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا لَا يدْخل أحد الْحرم إِلَّا محرما وَرخّص للحطابين فَأَما الْبَرِيد فَمن أَصْحَابنَا من قَالَ إِنَّه مثل الحطابين وَمِنْهُم من قَالَ فِيهِ وَجْهَان وَلَا يجب الْحَج وَالْعمْرَة إِلَّا على مُسلم بَالغ عَاقل حر مستطيع فَأَما الْكَافِر فَلَا يجب عَلَيْهِ إِلَّا أَن يكون مُرْتَدا فتوجد الِاسْتِطَاعَة فِي حَقه فِي حَال الرِّدَّة فَيجب عَلَيْهِ فَإِذا أسلم فَعَلَيهِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا ارْتَدَّ عَن الْإِسْلَام بَطل مَا كَانَ قد فعله من حجَّة الْإِسْلَام فَإِذا عَاد إِلَى الْإِسْلَام اعْتبرت الِاسْتِطَاعَة فِي وُجُوبهَا بعد ذَلِك فَإِن أحرم ثمَّ ارْتَدَّ لم يبطل إِحْرَامه فِي أحد الْوَجْهَيْنِ فَإِذا أسلم بني عَلَيْهِ وَالصَّبِيّ لَا يجب عَلَيْهِ الْحَج وَيصِح إِحْرَامه بِهِ بِإِذن وليه إِذا كَانَ يعقل ويميز وَلَا يَصح بِغَيْر إِذْنه فِي أصح الْوَجْهَيْنِ

وَمَا يجب عَلَيْهِ من كَفَّارَة بارتكاب مَحْظُور فِي مَال وليه فِي أحد الْقَوْلَيْنِ وبقولنا قَالَ مَالك وَأحمد وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يَصح إِحْرَامه بِالْحَجِّ فَإِن كَانَ لَا يعقل وَلَا يُمَيّز أحرم عَنهُ وليه فَإِن أَحرمت عَنهُ أمه صَحَّ فِي قَول أبي سعيد الْإِصْطَخْرِي وعَلى قَول غَيره لَا يَصح وَإِن أحرم عَنهُ أَخُوهُ أَو عَمه بِغَيْر إِذن وليه لم يَصح فِي أحد الْوَجْهَيْنِ وَمَا لَا يقدر الصَّبِي أَن يَفْعَله فعله وليه عَنهُ فَيَرْمِي عَنهُ وَيَطوف بِهِ فَإِن لم يكن الْوَلِيّ قد طَاف عَن نَفسه فَطَافَ بِهِ فَهَل يَقع عَنهُ فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يَقع عَن الصَّبِي وَالثَّانِي أَنه يَقع عَنهُ فَإِن وطىء فِي الْحَج وَقُلْنَا يفْسد إِحْرَامه فَهَل يجب الْقَضَاء فِيهِ قَولَانِ فَإِن قُلْنَا يجب الْقَضَاء فَهَل يَصح قَضَاؤُهُ قبل بُلُوغه فِيهِ قَولَانِ

أَحدهمَا لَا يَصح وَهُوَ قَول مَالك وَأحمد وَالشَّيْخ أَبُو حَامِد فِي ذَلِك وَجْهَيْن فَأَما النَّفَقَة فَمَا زَاد على نَفَقَة الْحَضَر فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا فِي مَاله وَالثَّانِي فِي مَال الْوَلِيّ فَإِن قُلْنَا يجب عَلَيْهِ الْقَضَاء عِنْد الْإِفْسَاد فَهَل يجْزِيه عَن حجَّة الاسلام ينظر فِيهِ فَإِن كَانَ على صفة لَو صحت لأجزأته عَن حجَّة الْإِسْلَام وَقد بلغ فِيهَا أَجزَأَهُ الْقَضَاء عَنْهُمَا وَذَلِكَ بِأَن يكون قد بلغ قبل الْوُقُوف وَإِن كَانَ قد بلغ بعد الْوُقُوف فَلَو صحت لم تجزه عَن حجَّة الْإِسْلَام فَلَا يجْزِيه الْقَضَاء عَنْهَا وَأما الْمَجْنُون فَلَا يجب عَلَيْهِ وَلَا يَصح مِنْهُ وَلَا عَنهُ والمغمى عَلَيْهِ لَا يَصح مِنْهُ وَلَا يحرم عَنهُ غَيره وَبِه قَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو حنيفَة يحرم عَنهُ رَفِيقه فَيصير محرما بإحرامه اسْتِحْسَانًا فَإِن أذن الْمولى لعَبْدِهِ فِي الْقُرْآن والتمتع وَقُلْنَا يملك المَال فَهَل يكفر يكفر بِالْهَدْي فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا يجب الْهَدْي فِي مَال السَّيِّد

وَالثَّانِي يجب عَلَيْهِ الصَّوْم إِذا كَانَ عَلَيْهِ دين لَا يفضل عَنهُ مَا يُمكنهُ الْحَج بِهِ لم يجب عَلَيْهِ الْحَج حَالا كَانَ أَو مُؤَجّلا وَحكي فِي الْحَاوِي أَن الدّين الْمُؤَجل إِذا كَانَ يحل بعد عوده هَل يمْنَع وُجُوبه فِيهِ وَجْهَان أظهرهمَا أَنه يمْنَع فَإِن وجد الزَّاد وَالرَّاحِلَة لذهابه وَلم يجد لرجوعه وَلم يكن لَهُ أهل فِي الْبَلَد فَفِي وجوب الْحَج عَلَيْهِ وَجْهَان فَإِن كَانَ مَعَه مَال يحْتَاج إِلَيْهِ فِي بضاعته يتجر بهَا ليحصل لَهُ بهَا مَا يقوم بِهِ أَو صِيغَة تقوم غَلَّتهَا بكفايته فَفِيهِ وَجْهَان احدهما يلْزمه بيعهَا وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَالثَّانِي لَا يلْزمه بيعهَا وَهُوَ اخْتِيَار القَاضِي أبي الطّيب وَهُوَ قَول أبي الْعَبَّاس بن سُرَيج وَهُوَ الْأَظْهر فَإِن لَزِمته فِي الطَّرِيق خفارة لم يجب عَلَيْهِ الْحَج وَقَالَ مَالك إِذا كَانَت يسيرَة لَا تجحف وَأمن الْغدر لزمَه فَإِن احْتَاجَ إِلَى الْمسكن ليسكنه لم يلْزمه بَيْعه فِي الْحَج وَذكر الشَّيْخ أَبُو حَامِد أَنه يلْزمه بَيْعه لِلْحَجِّ

فَإِن كَانَ مَعَه مَال يَكْفِيهِ لِلْحَجِّ أَو لثمن مسكن وَهُوَ مُحْتَاج إِلَيْهِ فَلهُ أَن يَشْتَرِي بِهِ مسكنا يسكنهُ وَيُؤَخر الْحَج على الْوَجْه الأول وعَلى الْوَجْه الثَّانِي يلْزمه صرفه فِي الْحَج وَحكي عَن أبي يُوسُف أَنه قَالَ لَا يَبِيع الْمسكن وَلَا يَشْتَرِي مسكنا إِذا كَانَ مَعَه شَيْء من النُّقُود بل يصرفهُ فِي الْحَج فَإِن لم يجد زادا وَلَا رَاحِلَة وَقدر على الْمَشْي وَله صَنْعَة يكْتَسب بهَا مَا يَكْفِيهِ لنفقته اسْتحبَّ لَهُ أَن يحجّ وَإِن كَانَ يحْتَاج إِلَى مَسْأَلَة النَّاس كره لَهُ الْحَج وَقَالَ مَالك يجب عَلَيْهِ أَن يحجّ بِالْكَسْبِ فَإِن اُسْتُؤْجِرَ للْخدمَة فِي طَرِيق الْحَج وَحج أَجزَأَهُ وَكَذَا إِذا غصب مَالا وَحج بِهِ أَو جَوْلَة وَحج عَلَيْهَا وَحكي عَن أَحْمد أَنه قَالَ لَا يُجزئهُ فِي جَمِيع ذَلِك وَإِن لم يكن لَهُ طَرِيق إِلَّا فِي الْبَحْر فقد قَالَ فِي الْأُم لَا يجب عَلَيْهِ وَقَالَ فِي الْإِمْلَاء إِن كَانَ أَكثر معاشه فِي الْبَحْر لزمَه فَمن أَصْحَابنَا من قَالَ فِيهِ قَولَانِ

وَمِنْهُم من قَالَ إِن كَانَ الْغَالِب مِنْهُ السَّلامَة لزمَه وَإِن لم يكن الْغَالِب مِنْهُ السَّلامَة لم يلْزمه وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَقَول أبي إِسْحَاق الْمروزِي وَظَاهر قَوْله فِي الْأُم وَمِنْهُم من قَالَ أَن كَانَ لَهُ عَادَة بركوبه لزمَه وَإِن لم يكن لَهُ عَادَة بركوبه لم يلْزمه وَقيل فِيهِ طَريقَة أُخْرَى إِنَّه إِن كَانَ الْغَالِب مِنْهُ الْهَلَاك لم يلْزمه وَإِن كَانَ الْغَالِب مِنْهُ السَّلامَة فَفِيهِ قَولَانِ وَأما الْمَرْأَة فَلَا يجب عَلَيْهَا الْحَج حَتَّى يكون مَعهَا من تأمن مَعَه على نَفسهَا من محرم أَو زوج أَو نسَاء ثِقَات أَو امْرَأَة وَاحِدَة وروى الْكَرَابِيسِي أَنه إِذا كَانَ الطَّرِيق آمنا جَازَ من غير نسَاء وَهُوَ الصَّحِيح

وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجب عَلَيْهَا الْحَج إِلَّا بِشَرْط الْمحرم أَو الزَّوْج وَاخْتلف أَصْحَابه فِي تخلية الطَّرِيق وَإِمْكَان الْمسير وَهل هُوَ شَرط فِي الْوُجُوب أم لَا وَقَالَ أَحْمد تخلية الطَّرِيق وَإِمْكَان الْمسير شَرط فِي الْأَدَاء دون الْوُجُوب فَإِن كَانَ لَهُ إِلَى مَكَّة طَرِيقَانِ أَحدهمَا أقرب فِيهِ عَدو والبعيد لَا عَدو فِيهِ لزمَه قصد الْأَبْعَد وَقيل لَا يجب قَصده والمستطيع بِغَيْرِهِ اثْنَان أَحدهمَا أَن يكون عَاجِزا عَن الْحَج بِنَفسِهِ لزمانه أَو مرض ميئوس مِنْهُ وَمَعَهُ مَال يَدْفَعهُ إِلَى من يحجّ عَنهُ فَإِنَّهُ يلْزمه الْحَج إِذا وجد من يستأجره على فعله فَإِن لم يفعل اسْتَقر فَرْضه فِي ذمَّته وَبِه قَالَ الثَّوْريّ وَأَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَأحمد وَقَالَ مَالك لَا يجب عَلَيْهِ الْحَج بذلك وَإِنَّمَا يجب عَلَيْهِ الْحَج إِذا كَانَ مستطيعا بِنَفسِهِ خَاصَّة وَإِذا اسْتَأْجر من يحجّ عَنهُ فحج عَنهُ وَقع الْحَج عَن المحجوج عَنهُ

وَقَالَ أَبُو حنيفَة يَقع عَن الْحَاج وللمحجوج عَنهُ ثَوَاب النَّفَقَة فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَهِي رِوَايَة مُحَمَّد عَنهُ غير أَنه يضيف التَّلْبِيَة إِلَيْهِ وَرِوَايَة الأَصْل مثل قَوْلنَا وَإِذا وجد الْأَعْمَى من يَقُودهُ ويهديه الطَّرِيق لزمَه الْحَج بِنَفسِهِ وَلَا يجوز لَهُ الِاسْتِنَابَة فِيهِ وَبِه قَالَ أَحْمد وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو حنيفَة فِي أصح الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ يجوز الِاسْتِنَابَة فِيهِ وَالثَّانِي من المستطيع بِغَيْرِهِ أَن يكون عَاجِزا عَن الْحَج بِنَفسِهِ وَلَا مَال لَهُ وَله ولد يطيعه إِذا أمره بِالْحَجِّ عَنهُ وَكَانَ الْوَلَد مستطيعا فِي نَفسه وَجب عَلَيْهِ الْحَج بِسَبَبِهِ وَإِن كَانَ وَلَده غير مستطيع فِي نَفسه بالزاد وَالرَّاحِلَة فَهَل يجب على الْأَب الْحَج بِطَاعَتِهِ فِيهِ وَجْهَان أظهرهمَا أَنه لَا يجب وَالِاعْتِبَار فِي الطَّاعَة بِطَاعَة من يطيعه لَو أمره بِالْحَجِّ وثقته بإجابته لَهُ إِلَى ذَلِك وَلَا يقف على بذل الْمُطِيع وَذكر فِيهِ وَجه آخر أَنه لَا يجب عَلَيْهِ باعتقاده مَا لم يبذله لَهُ

وَقَالَ أَصْحَاب أبي حنيفَة الَّذِي يَقْتَضِيهِ مَذْهَب أبي حنيفَة أَنه لَا يجب عَلَيْهِ الْحَج ببذل الطَّاعَة وَبِه قَالَ أَحْمد وَلَا فرق فِي وجوب الْحَج بِطَاعَة من يَثِق بِطَاعَتِهِ بَين أَن يكون ولدا وَبَين أَن يكون أَجْنَبِيّا فِي أصح الْوَجْهَيْنِ فَإِن بذل لَهُ وَلَده مَالا يَدْفَعهُ إِلَى من يحجّ عَنهُ وَلم يبْذل لَهُ الْحَج بِنَفسِهِ فَهَل يلْزمه قبُوله فِيهِ وَجْهَان وَكَذَا الْوَجْهَانِ فِي الصَّحِيح إِذا بذل لَهُ وَلَده المَال لِلْحَجِّ بِنَفسِهِ وَحكي فِي الْحَاوِي وَجها آخر أَنه إِن كَانَ الْبَاذِل لِلْمَالِ لَهُ أَجْنَبِيّا لم يجب عَلَيْهِ قبُوله لِلْحَجِّ بِهِ وَإِن كَانَ ولدا لزمَه قبُوله وَالْحج بِهِ وَإِن كَانَ لَهُ ولد يطيعه فِي الْحَج عَنهُ غير أَنه لم يعلم بِحَالهِ هَل يجب عَلَيْهِ الْحَج بِهِ ذكر فِي التَّعْلِيق أَنه بِمَنْزِلَة أَن يكون لَهُ مَال وَلَا يعلم بِهِ بِأَن يَمُوت موروثه قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله وَلم يذكر حكمه قَالَ وَعِنْدِي أَن هَذَا يجْرِي مجْرى من نسي المَاء فِي رَحْله أَو لم يعلم بِكَوْنِهِ فِي رَحْله هَل يسْقط الْفَرْض عَنهُ فِيهِ قَولَانِ قَالَ الشَّيْخ الإِمَام أيده الله وَأقرب من هَذَا فِي الْبناء عِنْدِي

فصل

إِذا ورث مَالا وَلم يعلم هَل يجب عَلَيْهِ الزَّكَاة فِيهِ لما مضى من الْأَحْوَال بعد مَوته فِيهِ قَولَانِ كالضال وَالْمَغْصُوب فَإِن امْتنع الْأَب من الْإِذْن لوَلَده فِي الْحَج هَل يقوم الْحَاكِم مقَامه فِي الْإِذْن عَنهُ فِيهِ وَجْهَان اصحهما أَنه لَا يقوم مقَامه وَهل يجب الْحَج على الْوَلَد ببذل الطَّاعَة عَن أَبِيه فِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا أَنه لَا يجب عَلَيْهِ الْحَج وَإِن وَجب على الْأَب بِسَبَبِهِ فصل وَالْمُسْتَحب لمن وَجب عَلَيْهِ الْحَج أَن يُبَادر إِلَى فعله فَإِن أَخّرهُ جَازَ وَبِه قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن وَقَالَ مَالك وَأحمد وَأَبُو يُوسُف يجب على الْفَوْر وَكَانَ أَبُو الْحسن الْكَرْخِي يَقُول مَذْهَب أبي حنيفَة أَنه على الْفَوْر فَإِن مَاتَ قبل فعل الْحَج فَهَل يَأْثَم من اصحابنا من قَالَ إِن ظهر لَهُ أَمَارَات الْعَجز أَثم بِالتَّأْخِيرِ وَإِن مَاتَ فَجْأَة قبل أَن يظْهر لَهُ أَمَارَات الْعَجز لم يَأْثَم

وَمِنْهُم من قَالَ يَأْثَم أَيْضا وَقد اخْتلفُوا فِي وَقت الْإِثْم فَقَالَ أَبُو إِسْحَاق يَأْثَم فِي السّنة الَّتِي فَاتَهُ الْحَج بِالتَّأْخِيرِ عَنْهَا وَقَالَ غَيره تبين أَنه يمْضِي بِالتَّأْخِيرِ عَن السّنة الأولى فِي الْإِمْكَان وَبنى القَاضِي حُسَيْن على ذَلِك سُقُوط شَهَادَته وَنقض الحكم وَذَلِكَ بِنَاء فَاسد لِأَنَّهُ مُخْتَلف فِيهِ وَمن وَجب عَلَيْهِ الْحَج فَلم يحجّ حَتَّى مَاتَ قبل التَّمَكُّن من الْأَدَاء سقط عَنهُ فَرْضه وَقَالَ أَبُو يحيى الْبَلْخِي يجب عَلَيْهِ الْقَضَاء واظهر لَهُ أَبُو إِسْحَاق نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله فَرجع عَنهُ وَإِن مَاتَ بعد التَّمَكُّن وَجب قَضَاؤُهُ من رَأس مَاله وَقَالَ أَبُو حنيفَة يسْقط بِالْمَوْتِ إِلَّا أَن يُوصي بِهِ فيحج عَنهُ من ثلثه وَبِه قَالَ مَالك وَيجوز النِّيَابَة فِي حج الْفَرْض فِي موضِعين فِي حق الْمَيِّت وَفِي حق من لَا يقدر على الثُّبُوت على الرَّاحِلَة وَفِي حج التَّطَوُّع قَولَانِ

أصَحهمَا أَنه لَا يجوز النِّيَابَة فِيهِ وَالثَّانِي يجوز وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأحمد فَإِن قُلْنَا لَا تجوز الِاسْتِنَابَة فاستأجر من حج عَنهُ وَإِلَّا فَالْإِجَارَة فَاسِدَة فَإِذا حج وَقع الْحَج عَن نَفسه وَهل يسْتَحق أُجْرَة الْمثل فِيهِ قَولَانِ وَأما الصَّحِيح الَّذِي يقدر على الثُّبُوت على الرَّاحِلَة فَلَا يجوز لَهُ الِاسْتِنَابَة فِي الْحَج وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجوز لَهُ ذَلِك فِي حج التَّطَوُّع واما الْمَرِيض فَإِن لم يكن ميئوسا مِنْهُ لم يجز لَهُ أَن يَسْتَنِيب فِيهِ وَبِه قَالَ أَحْمد وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجوز لَهُ ذَلِك وَكَذَا الْمَحْبُوس وَيكون الْأَمر

مَوْقُوفا فَإِن برأَ من مَرضه وخلي سَبيله وَجب عَلَيْهِ فعله وَإِن مَاتَ أَجزَأَهُ فَإِن استناب من يحجّ عَنهُ وَمَات مِنْهُ أَو صَار مأيوسا مِنْهُ فَهَل يُجزئهُ عَن فَرْضه فِيهِ قَولَانِ فَإِن كَانَ مَرضا مأيوسا مِنْهُ فَإِنَّهُ يجوز أَن يَسْتَنِيب فِيهِ فَإِذا اسْتَأْجر من يحجّ عَنهُ فحج عَنهُ ثمَّ برىء من مَرضه فَفِيهِ طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَنه على مَا ذَكرْنَاهُ من الْقَوْلَيْنِ وَمن أَصْحَابنَا من بنى ذَلِك على الْقَوْلَيْنِ فِيهِ وَالطَّرِيق الثَّانِي أَنه لَا يُجزئهُ قولا وَاحِدًا إِذا اسْتَأْجر الْمَغْصُوب من يحجّ عَنهُ فَأحْرم بِالْحَجِّ عَنهُ ثمَّ نَقله إِلَى نَفسه لم ينْتَقل وَوَقع عَن المحجوج عَنهُ وَهل يسْتَحق الْأُجْرَة فِيهِ قَولَانِ فَإِن شرع فِي حج التَّطَوُّع ثمَّ نذر حجا فَإِن كَانَ قبل الْوُقُوف فَهَل ينْصَرف إِلَى النّذر فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا ينْصَرف إِلَيْهِ وَالثَّانِي لَا ينْصَرف وَأَصله الصَّبِي إِذا أحرم بِالْحَجِّ ثمَّ بلغ قبل الْوُقُوف هَل يُجزئهُ عَن حجَّة الْإِسْلَام فِيهِ وَجْهَان

قَالَ القَاضِي حُسَيْن فيتفرع على هَذَا إِذا شرع فِي الْحَج عَن الْغَيْر ثمَّ نذر حجا قبل الْوُقُوف فَإِنَّهُ يَبْنِي على النَّفْل فَإِن قُلْنَا هُنَاكَ لَا ينْصَرف إِلَى النّذر فها هُنَا أولى وَإِن قُلْنَا هُنَاكَ ينْصَرف فها هُنَا وَجْهَان وَلَا يحجّ عَن الْغَيْر من لم يسْقط فرض الْحَج عَن نَفسه فَإِن أحرم بِالْحَجِّ عَن غَيره وَعَلِيهِ فرض انْصَرف إِلَى نَفسه وَبِه قَالَ أَحْمد وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى أَنه لَا ينْعَقد إِحْرَامه عَن نَفسه وَلَا عَن غَيره وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك يجوز أَن يحجّ عَن غَيره وَعَلِيهِ فَرْضه وَقَالَ الثَّوْريّ إِن كَانَ قَادِرًا على ان يحجّ عَن نَفسه لم يجز أَن يحجّ عَن غَيره وَإِن لم يكن قَادِرًا على أَن يحجّ عَن نَفسه جَازَ أَن يحجّ عَن غَيره فَإِن قَالَ لَهُ أَنا صرورة فَقَالَ قد علمت وَيجوز عِنْدِي

اسْتِئْجَار الصرورة فِي الْحَج فاستأجره فحج عَنهُ وَقع عَن نَفسه وَلم يَقع عَنهُ وَهل يسْتَحق الْأُجْرَة فِيهِ وَجْهَان بِنَاء عَلَيْهِ إِذا احرم عَن غَيره ثمَّ صرفه إِلَى نَفسه لم ينْصَرف وَهل يسْتَحق الْأُجْرَة فِيهِ قَولَانِ وَلَا يجوز أَن يتنقل بِالْحَجِّ وَعَلِيهِ فَرْضه وَلَا أَن يحجّ عَن النّذر وَعَلِيهِ فرض حجَّة الْإِسْلَام فَإِن أحرم عَن ذَلِك انْصَرف إِلَى مَا عَلَيْهِ من فرض حجَّة الْإِسْلَام وَبِه قَالَ أَحْمد وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك ينْعَقد إِحْرَامه بِمَا قَصده من النّذر والتطوع فَإِن كَانَ عَلَيْهِ حجَّة نذر وَحجَّة الْإِسْلَام فاستأجر رجلَيْنِ يحجان عَنهُ فِي سنة وَاحِدَة أَجزَأَهُ نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي رَحمَه الله وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ لَا يُجزئهُ وَلَيْسَ بِشَيْء إِذا كَانَ قد حج وَلم يعْتَمر فاستؤجر على الْحَج وَالْعمْرَة عَن غَيره فقرن بَين الْحَج عَن غَيره وَالْعمْرَة وَقعا عَنهُ دون غَيره

قَالَ فِي الْجَامِع لَو كَانَ حج عَن نَفسه وَلم يعْتَمر فحج عَن غَيره وَاعْتمر أَجزَأَهُ الْحَج دون الْعمرَة قَالَ الْمُزنِيّ هَذَا غلط لِأَن الْإِحْرَام قد صَار وَاحِدًا قَالَ اصحابنا لم يرد الشَّافِعِي رَحمَه الله إِذا قرن بَينهمَا وَإِنَّمَا أَرَادَ إِذا أَتَى بِالْحَجِّ ثمَّ أَتَى بِالْعُمْرَةِ بعده ذكر القَاضِي حُسَيْن إِن مَا ذَكرْنَاهُ قَوْله الْجَدِيد وَقَالَ فِي الْقَدِيم لَو اسْتَأْجر رجل ليحج عَن ميت فحج وَاعْتمر جَازَ يَعْنِي عَن الْمَيِّت ثمَّ حكى فِيهِ طرقا أَحدهَا أَن الْمَسْأَلَة على قَوْلَيْنِ أَحدهمَا أَنَّهُمَا يقعان عَن الْفَاعِل وَالْقَوْل الثَّانِي أَنه يَقع الْحَج عَن الْمُسْتَأْجر وَالْعمْرَة عَن نَفسه الطَّرِيق الثَّانِي أَن الْمَسْأَلَة على قَول وَاحِد وَقَوله فِي الْقَدِيم لَو اُسْتُؤْجِرَ عَن ميت فحج وَاعْتمر وَلم يكن صرورة فِي وَاحِدَة مِنْهُمَا وَقعا جَمِيعًا عَنهُ وَصَارَ مُتَطَوعا بِالْعُمْرَةِ عَنهُ وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ إِذا اُسْتُؤْجِرَ على الْحَج فحج عَن الرجل وَاعْتمر قرانا فالحج يَقع عَن الْأَجِير الْآمِر وَالْعمْرَة إِمَّا أَن يُقَال لَا حكم لَهَا أَو يُقَال إِنَّهَا تَابِعَة لِلْحَجِّ وَيَقَع عَنهُ وَلَكِن لَا يسْقط بهَا الْفَرْض وَإِن اسْتَأْجرهُ ليعتمر عَنهُ فقرنها الْأَخير وَقعا عَن الْفَاعِل لِأَن الْحَج هُوَ الأَصْل وَالْعمْرَة تبع وَالصَّحِيح هُوَ الأول وَمَا ذكره عَن الْقَدِيم لَيْسَ بِصَرِيح فِي الْقُرْآن

فصل

فَإِن مَاتَ وَعَلِيهِ حجَّة الْإِسْلَام فتطوع وَارثه وَحج عَنهُ أَجزَأَهُ وَإِن حج أَجْنَبِي عَنهُ بِغَيْر إِذْنه فَفِيهِ وَجْهَان وَكَذَا الْوَجْهَانِ فِي المعصوب وَخَالف القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله فِي ذَلِك وَفرق بَينهمَا فصل وَلَا يجوز الْإِحْرَام بِالْحَجِّ إِلَّا فِي أشهر الْحَج وَهُوَ شَوَّال وَذُو الْقعدَة وَتِسْعَة أَيَّام من ذِي الْحجَّة وَعشر لَيَال مَعَ لَيْلَة النَّحْر وَهُوَ قَول أبي ثَوْر وَأبي يُوسُف وَقَالَ أَبُو حنيفَة أشهر الْحَج شَوَّال وَذُو الْقعدَة وَعشرَة أَيَّام من ذِي الْحجَّة فَأدْخل يَوْم النَّحْر فِي الْجُمْلَة وَبِه قَالَ احْمَد وَقَالَ مَالك أشهر الْحَج شَوَّال وَذُو الْقعدَة وَذُو الْحجَّة فَإِن أحرم قبل أشهر الْحَج لم ينْعَقد وانعقد بِعُمْرَة

وَذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَن الشَّافِعِي نَص فِي الْقَدِيم أَنه إِذا أحرم بِالْحَجِّ قبل أشهره تحلل مِنْهُ بِعُمْرَة كَمَا لَو فَاتَهُ الْحَج فَحصل فِيهِ قَولَانِ احدهما أَنه ينْعَقد عمْرَة فيجزئه عَن عمْرَة الْإِسْلَام وَالثَّانِي أَنه يتَحَلَّل بِعَمَل عمْرَة فَلَا يُجزئهُ عَن عمْرَة الْإِسْلَام وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَمَالك يكره الْإِحْرَام بِالْحَجِّ قبل أشهره فَإِن أحرم انْعَقَد حجه وَحكي عَن دَاوُد أَنه قَالَ لَا ينْعَقد بِشَيْء وَلَا يكره فعل الْعمرَة فِي شَيْء من السّنة وَبِه قَالَ أَحْمد

وَقَالَ أَبُو حنيفَة يكره فِي خَمْسَة أَيَّام فِي السّنة يَوْم عَرَفَة وَيَوْم النَّحْر وَأَيَّام التَّشْرِيق وَقَالَ أَبُو يُوسُف يكره فِي أَرْبَعَة أَيَّام يَوْم النَّحْر وَأَيَّام التَّشْرِيق وَيسْتَحب الْإِكْثَار من الْعمرَة وَحكي عَن مَالك أَنه قَالَ لَا يعْتَمر فِي السّنة إِلَّا مرّة وَبِه قَالَ ابْن سِيرِين الْإِفْرَاد والتمتمع أفضل من الْقرَان وَفِي الْإِفْرَاد والتمتع قَولَانِ

الله تبَارك وَتَعَالَى رَضِي الله عَنْهُن الرب عز وَجل

أَحدهمَا أَن الْإِفْرَاد أفضل وَبِه قَالَ مَالك وَالثَّانِي أَن التَّمَتُّع أفضل وَبِه قَالَ أَحْمد وَقَالَ أَبُو حنيفَة الْقرَان أفضل من الْإِفْرَاد والتمتع وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ وَأبي إِسْحَاق الْمروزِي فَإِن ادخل الْعمرَة على الْحَج فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يجوز قبل الْوُقُوف وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَهل يجوز بعد الْوُقُوف فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يجوز مَا لم يَأْخُذ فِي التَّحَلُّل وَالْقَوْل الثَّانِي قَالَه فِي الْجَدِيد إِنَّه لَا يجوز إِدْخَال الْعمرَة على الْحَج وَبِه قَالَ أَحْمد فَإِن أَدخل الْحَج على الْعمرَة بعد الطّواف لم يجز قيل لِأَنَّهُ أَتَى بِالْمَقْصُودِ وَقيل لِأَنَّهُ قد أَخذ فِي التَّحَلُّل وَمن أَصْحَاب مَالك من قَالَ يجوز لَهُ ذَلِك مَا لم يرْكَع بعد الطّواف وَيكرهُ لَهُ بعد الطّواف وَقبل الرُّكُوع فَإِن فعل لزمَه ذَلِك وَبعد الرُّكُوع يفوتهُ الْقرَان سعى أَو لم يسع وَقيل لَهُ ذَلِك مَا بَقِي عَلَيْهِ من السَّعْي شَيْء فَإِذا فرغ من السَّعْي فَاتَهُ الْقرَان وَإِن كَانَ قد بَقِي عَلَيْهِ الحلاق ذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله فِي وَقت إِدْخَال الْعمرَة على الْحَج أَرْبَعَة أوجه بِنَاء على أَرْبَعَة معَان فِي الْمَنْع من إِدْخَال الْحَج على الْعمرَة إِذا شرع فِي الطّواف

أَحدهَا أَنه أَتَى بِشَيْء من أَفعَال الْعمرَة فعلى هَذَا إِذا طَاف للقدوم فِي الْحَج لم يجز لَهُ إِدْخَال الْعمرَة عَلَيْهِ وَالثَّانِي أَنه أَتَى بِفَرْض من فَرَائض الْعمرَة فعلى هَذَا إِذا سعى عقب طواف الْقدوم فِي الْحَج لم يجز لَهُ إِدْخَال العمره عَلَيْهِ وَالثَّالِث أَنه أَتَى بمعظم أَفعَال الْعمرَة فعلى هَذَا إِذا أَتَى بِالْوُقُوفِ لم يدْخل الْعمرَة على الْحَج الرَّابِع أَنه أَخذ فِي اسباب التَّحَلُّل فعلى هَذَا يجوز إِدْخَال الْعمرَة على الْحَج بعد الْوُقُوف مَا لم يَأْخُذ فِي التَّحَلُّل وَالصَّحِيح مَا قدمْنَاهُ فَإِن أحرم بِالْعُمْرَةِ وأفسدها ثمَّ أَدخل عَلَيْهَا الْحَج انْعَقَد إِحْرَامه بِالْحَجِّ فَاسِدا فِي أحد الْقَوْلَيْنِ وَالثَّانِي أَنه لَا ينْعَقد إِحْرَامه بِالْحَجِّ وَيجب على الْمُتَمَتّع دم وعَلى الْقَارِن دم وَذَلِكَ شَاة وَقَالَ دَاوُد لَا دم على الْقَارِن ويروى عَن طَاوس وَحكي عَن الشّعبِيّ أَنه قَالَ يجب على الْقَارِن بَدَنَة وَيجب دم التَّمَتُّع بِخمْس شُرُوط أَحدهَا أَن يعْتَمر فِي أشهر الْحَج فَإِن أحرم بِالْعُمْرَةِ فِي رَمَضَان وأتى بأفعالها فِي أشهر الْحَج وَحج من عَامه فَفِيهِ قَولَانِ قَالَ فِي الْقَدِيم عَلَيْهِ دم

وَقَالَ فِي الْأُم لَا دم عَلَيْهِ وَبِه قَالَ أَحْمد وَقَالَ مَالك إِذا لم يتَحَلَّل من الْعمرَة حَتَّى أَدخل أشهر الْحَج صَار مُتَمَتِّعا وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا أَتَى بِأَكْثَرَ أَفعَال الْعمرَة فِي أشهر الْحَج صَار مُتَمَتِّعا وَالشّرط الثَّانِي أَن يحجّ من سنته وَالثَّالِث أَن لَا يعود لإحرام الْحَج إِلَى الْمِيقَات وَيحرم بِهِ من جَوف مَكَّة فَإِن عَاد وَأحرم بِالْحَجِّ من الْمِيقَات فَلَا دم عَلَيْهِ وَإِن أحرم بِالْحَجِّ من مَكَّة ثمَّ عَاد إِلَى الْمِيقَات قبل أَن يتلبس بنسك فَهَل يسْقط عَنهُ الدَّم فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يسْقط وَالثَّانِي لَا يسْقط وَبِه قَالَ مَالك وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يسْقط عَنهُ حَتَّى يعود إِلَى بَلَده فَإِن خرج من مَكَّة وَأحرم بِالْحَجِّ من الْحل وَلم يعد إِلَى مَكَّة قَالَ أَصْحَابنَا يجب عَلَيْهِ دم آخر غير دم التَّمَتُّع قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله وَهَذَا فِيهِ نظر لِأَن دم التَّمَتُّع إِنَّمَا وَجب لترك الْإِحْرَام من الْمِيقَات فَلَا يجب بِسَبَبِهِ دم آخر فَإِن خرج من مَكَّة وَأحرم بِالْحَجِّ من الْحرم وَمضى إِلَى عَرَفَة فَهَل يجب عَلَيْهِ دم آخر فِيهِ قَولَانِ وَقيل وَجْهَان

الشَّرْط الرَّابِع أَن لَا يكون من حاضري الْمَسْجِد الْحَرَام {حاضري الْمَسْجِد الْحَرَام} أهل الْحرم وَمن كَانَ مِنْهُ على مَسَافَة لَا تقصر فِيهَا الصَّلَاة وَبِه قَالَ أَحْمد وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ هم أهل الْحرم خَاصَّة وَبِه قَالَ مُجَاهِد وَقَالَ مَالك هم أهل مَكَّة وَأهل ذِي طوى وَقَالَ أَبُو حنيفَة هم من كَانَ دون الْمَوَاقِيت إِلَى الْحرم وَالْخَامِس نِيَّة التَّمَتُّع وَفِي وُجُوبهَا وَجْهَان وَإِذا قُلْنَا يجب فَفِي وَقتهَا وَجْهَان كالقولين فِي وَقت نِيَّة الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ أحد الْوَجْهَيْنِ عِنْد الْإِحْرَام بِالْعُمْرَةِ وَالثَّانِي قبل التَّحَلُّل مِنْهَا وَيجب دم التَّمَتُّع بِالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَحكي عَن عَطاء أَنه قَالَ لَا يجب عَلَيْهِ الْهَدْي حَتَّى يقف بِعَرَفَة وَعَن مَالك أَنه قَالَ لَا يجب الدَّم حَتَّى يَرْمِي جَمْرَة الْعقبَة وَفِي وَقت جَوَاز إِخْرَاجه قَولَانِ

أَحدهمَا أَنه لَا يجوز قبل أَن يحرم بِالْحَجِّ وَالثَّانِي أَنه يجوز بعد الْفَرَاغ من الْعمرَة وَقيل فِيهِ وَجْهَان وَذكر القَاضِي حُسَيْن أَنه إِذا ذبح الْهَدْي بعد الْإِحْرَام بِالْعُمْرَةِ وَقبل الْفَرَاغ مِنْهَا فَهَل يُجزئهُ حَتَّى يَبْنِي عَلَيْهِ إِذا ذبح قبل الْإِحْرَام بِالْحَجِّ وَبعد الْفَرَاغ من الْعمرَة فَإِن قُلْنَا هُنَاكَ لَا يجوز فها هُنَا أولى وَإِن قُلْنَا هُنَاكَ يجوز فها هُنَا وَجْهَان وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك لَا يجوز ذبح الْهَدْي قبل يَوْم النَّحْر فَإِن لم يجد الْهَدْي فِي مَوْضِعه فَإِنَّهُ ينْتَقل إِلَى الصَّوْم وَهُوَ ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج وَسَبْعَة إِذا رَجَعَ وَلَا يَصُوم الثَّلَاثَة إِلَّا بعد الْإِحْرَام بِالْحَجِّ وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا أحرم بِالْعُمْرَةِ جَازَ لَهُ صَوْم الثَّلَاثَة وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد وَالرِّوَايَة الثَّانِيَة أَنه يجوز لَهُ الصَّوْم إِذا تحلل من الْعمرَة وَهل يجوز وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَالثَّانِي يجوز وَهُوَ قَول مَالك وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد

وَلَا يفوت عندنَا صَوْم الثَّلَاثَة بفوت يَوْم عَرَفَة فيصومها فِي أحد الْقَوْلَيْنِ فِي أَيَّام التَّشْرِيق وعَلى قَوْله الْجَدِيد يصومها بعد ذَلِك وَحكي عَن أبي الْعَبَّاس بن سُرَيج أَنه قَالَ يَجِيء فِيهِ قَول آخر أَنه يسْقط بِفَوَات وقته إِلَى الْهَدْي كَمَا قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله فِيهِ فَإِذا وَجب عَلَيْهِ صَوْم التَّمَتُّع بِالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فَمَاتَ عَقِيبه أَنه يسْقط عَنهُ إِلَى غير شَيْء فِي أحد الْقَوْلَيْنِ وَفِي القَوْل الثَّانِي يسْقط إِلَى الْهَدْي إِذا مَاتَ وَهَذَا فَاسد فِي الْبناء وَقَالَ أَبُو حنيفَة يفوتهُ الصَّوْم بِخُرُوج يَوْم عَرَفَة فَيسْقط ويستقر عَلَيْهِ الْهَدْي وَلَا يجب عَلَيْهِ بِتَأْخِير هَذَا الصَّوْم أَكثر من الْقَضَاء عَلَيْهِ وَقَالَ أَحْمد إِن أَخّرهُ لغير عذر وَجب عَلَيْهِ لذَلِك دم مَعَ الْقَضَاء وَكَذَلِكَ إِذا أخر الْهَدْي من سنة إِلَى سنة لغير عذر لزمَه دم فَإِن وجد الْهَدْي فِي صَوْم الثَّلَاثَة اسْتحبَّ لَهُ الِانْتِقَال إِلَيْهِ وَبِه قَالَ مَالك وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد وَقَالَ أَبُو حنيفَة يلْزمه الِانْتِقَال إِلَيْهِ وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ وَكَذَلِكَ إِذا وجده بعد الْفَرَاغ من صَوْم الثَّلَاثَة وَقبل يَوْم النَّحْر وَإِن وجده بعد مَا مَضَت أَيَّام النَّحْر أَجزَأَهُ الصَّوْم وَإِن لم يكن قد تحلل بِمُضِيِّ زمَان التَّحَلُّل

وَإِن وجد الْهَدْي بعد الْإِحْرَام بِالْحَجِّ وَقبل الشُّرُوع فِي الصَّوْم فَإِنَّهُ يبْنى على الْأَقْوَال فِي الْكَفَّارَة وَهل يعْتَبر فِيهَا حَال الْوُجُوب أَو حَال الْأَدَاء وَأما صَوْم السَّبْعَة فَفِي وقته قَولَانِ أصَحهمَا أَن وقته إِذا رَجَعَ إِلَى أَهله وَهُوَ قَول سُفْيَان وَأحمد وَالثَّانِي نَص عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاء أَنه يجوز فعله قبل الرُّجُوع إِلَى أَهله فعلى هَذَا فِي وَقت جَوَازه وَجْهَان أَحدهمَا يجوز إِذْ أَخذ فِي السّير خَارِجا من مَكَّة فعلى هَذَا لَا يجوز صَوْم السَّبْعَة وَهُوَ بِمَكَّة وَهُوَ قَول مَالك وَالثَّانِي يجوز إِذا فرغ من الْحَج سَوَاء كَانَ مُقيما أَو أَخذ فِي السّير وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَالْحسن فعلى القَوْل الثَّانِي فِي الْأَفْضَل قَولَانِ أَحدهمَا أَن الْأَفْضَل تَقْدِيمه فِي أول وقته وَالثَّانِي أَن الْأَفْضَل تَأْخِيره إِلَى أَن يرجع إِلَى أَهله وَالْمُسْتَحب أَن يَأْتِي بِصَوْم الثَّلَاثَة مُتَتَابِعًا وَكَذَا صَوْم السَّبْعَة وَبَعض أَصْحَابنَا خرج فِيهِ قولا آخر من كَفَّارَة الْيَمين أَنه يلْزمه التَّتَابُع فِي الصومين فَإِن لم يصم الثَّلَاثَة حَتَّى رَجَعَ إِلَى أَهله وَجب عَلَيْهِ صِيَام عشرَة أَيَّام وَهل يجب التَّفْرِيق بَين صَوْم الثَّلَاثَة والسبعة فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا لَا يجب التَّفْرِيق بَينهمَا وَبِه قَالَ أَحْمد

وَالثَّانِي أَنه يجب التَّفْرِيق بَينهمَا وَهُوَ الْأَظْهر فعلى هَذَا يجب عَلَيْهِ التَّفْرِيق بَينهمَا يقدر مَا كَانَ يجب التَّفْرِيق بَينهمَا فِي الْأَدَاء فَحصل من ذَلِك أَرْبَعَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه لَا يجب التَّفْرِيق بَين الصومين وَالثَّانِي أَنه يفرق بَينهمَا بأَرْبعَة أَيَّام وَالثَّالِث يفرق بَينهمَا بِقدر مَسَافَة الطَّرِيق مَا بَين مَكَّة وبلده وَالرَّابِع يفرق بَينهمَا بِقدر الْمسَافَة وَزِيَادَة أَرْبَعَة أَيَّام وَإِن مَاتَ قبل التَّمَكُّن من الصّيام فقد قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله لَو أحرم بِالْحَجِّ وَجب عَلَيْهِ الْهَدْي فَإِن لم يجد فَعَلَيهِ الصّيام فَإِن مَاتَ من سَاعَته فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يهدى عَنهُ أَي يطعم عَنهُ وَالثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيح أَنه لَا هدي وَلَا إطْعَام فَإِن وَجب عَلَيْهِ أَمْدَاد من الطَّعَام بَدَلا عَن الصّيام فَإلَى من يصرفهَا وَفِيه وَجْهَان أَحدهمَا إِلَى مَسَاكِين الْحرم وَالثَّانِي أَن يفرقها حَيْثُ يَشَاء فَإِن فرغ الْمُتَمَتّع من أَفعَال الْعمرَة تحلل من الْعمرَة سَاق الْهَدْي أَو لم يسق وَبِه قَالَ مَالك

وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد إِن كَانَ قد سَاق الْهَدْي لم يجز لَهُ أَن يتَحَلَّل إِلَى يَوْم النَّحْر فَيبقى على إِحْرَامه فَيحرم بِالْحَجِّ عَلَيْهَا فَيصير قَارنا ويتحلل مِنْهُمَا فَإِذا تحلل الْمُتَمَتّع من عمرته فَإِنَّهُ يسْتَحبّ لَهُ أَن يحرم بِالْحَجِّ فِي الْيَوْم الثَّامِن من ذِي الْحجَّة وَهُوَ يَوْم التَّرويَة فَيحرم بعد الزَّوَال مُتَوَجها إِلَى منى وَحكي فِي التَّعْلِيق عَن مَالك أَنه قَالَ يسْتَحبّ أَن يحرم من أول ذِي الْحجَّة عِنْد رُؤْيَة هلاله وَلَا يكره للمكي وَمن كَانَ حاضري الْمَسْجِد الْحَرَام الْقرَان والتمتع غير أَنه لَا يجب عَلَيْهِ دم وَبِه قَالَ مَالك وَاخْتلف أَصْحَاب مَالك فِي إِحْرَام الْقَارِن فَمنهمْ من قَالَ يحرم من مَكَّة وَمِنْهُم من قَالَ من أدنى الْحل وَعِنْدنَا يحرم من مَكَّة قَالَ عبد الْملك بن الْمَاجشون يجب على الْمَكِّيّ فِي الْقرَان والتمتع دم وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يَصح مِنْهُم قرَان وَلَا تمتّع وَإِذا أحرم بهما ارتفضت عمرته

وَإِن أحرم بِالْحَجِّ بَعْدَمَا فعل شوطا من طواف الْعمرَة ارتفض حجه فِي قَول أبي حنيفَة وارتفضت عمرته فِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد فَإِن أحرم بعد مَا مضى أَكثر الطّواف مضى فيهمَا وَوَجَب عَلَيْهِ دم جبران وَلَا يجوز فسخ الْحَج إِلَى الْعمرَة وَقَالَ أَحْمد يجوز ذَلِك إِذا لم يسق الْهَدْي

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب الْمَوَاقِيت مِيقَات أهل الْمَدِينَة ذُو الحليفة وميقات أهل الشَّام الْجحْفَة وميقات أهل نجد قرن وميقات أهل الْيمن يَلَمْلَم وميقات أهل الْعرَاق ذَات عرق

قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله وَهُوَ غير مَنْصُوص عَلَيْهِ وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ بل هُوَ مَنْصُوص عَلَيْهِ ومذهبه مَا ثَبت بِهِ السّنة وَمن كَانَ دَاره فَوق الْمِيقَات فَإِن شَاءَ أحرم من الْمِيقَات وَإِن شَاءَ أحرم من دَاره وَفِي الْأَفْضَل قَولَانِ أَحدهمَا أَن الْأَفْضَل أَن يحرم من الْمِيقَات وَهُوَ قَول مَالك وَأحمد وَالثَّانِي أَن الْأَفْضَل أَن يحرم من دَاره وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَحكى القَاضِي حُسَيْن طَريقَة أُخْرَى أَن الْإِحْرَام من دَاره قبل الْمِيقَات أفضل قولا وَاحِدًا وَهَذَا خلاف نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله على الْقَوْلَيْنِ وَمن كَانَ من أهل مَكَّة فميقاته مَكَّة فَإِن خرج من مَكَّة وَأحرم من الْحرم فَفِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا أَنه يلْزم دم وَمن كَانَ من أَهله بَين جادتين لميقاتين وَلم يكن إِلَى أَحدهمَا أقرب كبني حَرْب بَين جادة ذِي الحليفة وجادة الْجحْفَة فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنهم يحرمُونَ من مكانهم

وَالثَّانِي أَنهم بِالْخِيَارِ بَين الْإِحْرَام من مكانهم وَبَين الْإِحْرَام من جادة الْجحْفَة وَمن بلغ الْمِيقَات مرِيدا النّسك لم يجز أَن يُجَاوِزهُ غير محرم ويحكى عَن الْحسن الْبَصْرِيّ وَالنَّخَعِيّ أَنَّهُمَا قَالَا الْإِحْرَام من الْمِيقَات غير وَاجِب فَإِن جَاوز الْمِيقَات وَأحرم دونه انْعَقَد إِحْرَامه وَوَجَب عَلَيْهِ دم وَحكي عَن سعيد بن جُبَير أَنه قَالَ لَا ينْعَقد إِحْرَامه فَإِن عَاد إِلَى الْمِيقَات قبل التَّلَبُّس بِشَيْء من أَفعَال الْحَج فقد ذكر القَاضِي أَبُو الطّيب فِي سُقُوط الدَّم قَوْلَيْنِ وَالشَّيْخ أَبُو حَامِد حكى وَجْهَيْن أَحدهمَا أَنه يسْقط عَنهُ الدَّم وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَالْقَوْل الثَّانِي أَنه لَا يسْقط بِالْعودِ بِحَال وَهُوَ قَول مَالك وَأحمد وَزفر وَحكى القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَنه إِذا عَاد بعد طواف الْقدوم فِي سُقُوط الدَّم وَجْهَيْن أَحدهمَا أَنه يسْقط لِأَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْض وَقيل إِذا عَاد إِلَى الْمِيقَات محرما سقط الدَّم وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن عَاد إِلَى الْمِيقَات ولبى سقط عَنهُ الدَّم وَإِن لم يلب لم يسْقط

فَإِن جَاوز الْمِيقَات غير مُرِيد النّسك لحَاجَة دون الْحرم ثمَّ بُد لَهُ أَن يحرم أحرم من مَوْضِعه وَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَقَالَ أَحْمد يلْزمه الْعود إِلَى مِيقَات بَلَده وَالْإِحْرَام مِنْهُ فَإِن لم يفعل وَجب عَلَيْهِ دم فَإِن مر بالميقات غير مُرِيد لنسك وَأَرَادَ دُخُول الْحرم لحَاجَة من تِجَارَة أَو زِيَارَة لم يجز لَهُ الدُّخُول من غير إِحْرَام فِي أصح الْقَوْلَيْنِ وَالثَّانِي أَن الْإِحْرَام مُسْتَحبّ فَإِن دخل مَكَّة غير محرم لم يلْزمه الْقَضَاء على الْقَوْلَيْنِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة يلْزمه الْقَضَاء إِلَّا أَن يكون مكيا فَإِن أحرم الْمُعْتَمِر من مَكَّة فَطَافَ وسعى وَلم يخرج إِلَى الْحل فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه لَا يعْتد بطوافه وسعيه عَن الْعمرَة وَهُوَ قَول مَالك وَالثَّانِي وَهُوَ الأقيس أَنه يعْتد بِهِ وَعَلِيهِ دم فعلى هَذَا إِذا وطىء بعد مَا حلق فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وعَلى القَوْل الأول قد وطىء مُعْتَقدًا أَنه قد حل فَيكون بِمَنْزِلَة من وطىء نَاسِيا وَفِي بطلَان إِحْرَامه قَولَانِ فَإِن مر كَافِر بالميقات مرِيدا الْحَج فَأسلم دونه وَأحرم وَلم يعد إِلَى الْمِيقَات لزمَه دم

وَقَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله لَا يلْزمه شَيْء وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ فَإِن مر صبي بالميقات محرما أَو عبد وَهُوَ محرم ثمَّ بلغ الصَّبِي أَو أعتق العَبْد مَعَ بَقَاء وَقت الْوُقُوف بعد الْوُقُوف وَقُلْنَا لَا يُجزئهُ عَن حجَّة الْإِسْلَام فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن قُلْنَا يُجزئهُ عَن حجَّة الْإِسْلَام فَهَل يلْزمهُمَا دم فِيهِ طَرِيقَانِ قَالَ أَبُو سعيد الْإِصْطَخْرِي وَأَبُو الطّيب بن سَلمَة لَا يجب عَلَيْهِ دم قولا وَاحِدًا وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي وَغَيره من أَصْحَابنَا فِيهِ قَولَانِ أظهرهمَا أَنه لَا يلْزمه

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب الْإِحْرَام وَمَا يحرم فِيهِ يسْتَحبّ أَن يتطيب فِي بدنه لإحرامه وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَأحمد وَقَالَ مَالك لَا يجوز أَن يتطيب للْإِحْرَام بِطيب تبقى رَائِحَته وَإِذا تطيب بِهِ وَجب عَلَيْهِ غسله وَبِه قَالَ عَطاء وَكَانَ مُحَمَّد بن الْحسن لَا يكرههُ ثمَّ كرهه وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ التَّطَيُّب للْإِحْرَام مُبَاح لَا يسْتَحبّ وَلَا يكره حُكيَ ذَلِك فِي الْحَاوِي وَيكرهُ أَن يطيب ثَوْبه وَقيل فِيهِ وَجه آخر أَنه لَا يكره

وَحكى القَاضِي حُسَيْن فِيهِ قَوْلَيْنِ أَحدهمَا أَنه يسْتَحبّ كَمَا يسْتَحبّ فِي الْبدن مَنْصُوص الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي عَامَّة كتبه أَن حكم الْمَرْأَة فِي اسْتِحْبَاب التَّطَيُّب للْإِحْرَام حكم الرجل وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ لَا يجوز لَهَا أَن تتطيب للْإِحْرَام بِطيب تبقى عينه وَحكى الداركي أَن الشَّافِعِي رَحمَه الله قَالَ فِي بعض كتبه إِنَّه لَا يسْتَحبّ للْمَرْأَة أَن تتطيب للْإِحْرَام فَإِن فعلت كَانَ جَائِزا كحضور الْجَمَاعَة وَالْأول أصح فَإِن تطيب قبل إِحْرَامه ثمَّ عرق فَسَالَ الطّيب عَن مَوضِع إِلَى مَوضِع فَلَا فديَة عَلَيْهِ على الْمَذْهَب وَقيل يجب فِيهِ الْفِدْيَة وَلَيْسَ بِصَحِيح وَإِذا أَرَادَ الْإِحْرَام اسْتحبَّ أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثمَّ يحرم وَفِي الْأَفْضَل قَولَانِ

أَحدهمَا أَنه يحرم عقيب الرَّكْعَتَيْنِ وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأحمد وَمَالك فَإِن كَانَ فِي وَقت نهي لم يجز أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَيحرم من غير صَلَاة ذكره القَاضِي حُسَيْن وَفِيه نظر لِأَنَّهَا صَلَاة لَهَا سَبَب وَقَالَ فِي الْأُم يحرم إِذا انبعثت رَاحِلَته إِن كَانَ رَاكِبًا وَإِذا ابْتَدَأَ بالسير إِذا كَانَ رَاجِلا وَلَا ينْعَقد الْإِحْرَام إِلَّا بِالنِّيَّةِ فَإِن لبّى وَلم ينْو لم يجزه وَبِه قَالَ أَحْمد وَمَالك وَحكي عَن دَاوُد أَنه قَالَ ينْعَقد إِحْرَامه بِمُجَرَّد التَّلْبِيَة وَقَالَ ابو عبد الله الزبيرِي لَا ينْعَقد إِحْرَامه إِلَّا بِالتَّلْبِيَةِ وَالنِّيَّة وَقَالَ ابو حنيفَة لَا ينْعَقد إِلَّا بِالنِّيَّةِ والتلبية أَو سوق الْهَدْي مَعَ النِّيَّة وَله ان يعين مايحرم بِهِ من حج أَو عمْرَة وَله أَن يحرم إحراما مُبْهما وَفِي الْأَفْضَل قَولَانِ

أَحدهمَا أَن التَّعْيِين أفضل وَالثَّانِي أَن الْإِبْهَام أفضل فَإِذا عين فَالْأَفْضَل أَن لَا يذكر مَا أحرم بِهِ فِي تلبيته على الْمَنْصُوص وَبِه قَالَ أَحْمد وَقيل الْأَفْضَل أَن ينْطق بِهِ وَحكى القَاضِي أَبُو الطّيب فِي ذَلِك قَوْلَيْنِ قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله فَإِن لبّى وَلم يرد حجا وَلَا عمْرَة فَلَيْسَ بِشَيْء فَمن اصحابنا من قَالَ صُورَة الْمَسْأَلَة أَن يَنْوِي الْإِحْرَام وَلم ينْو حجا وَلَا عمْرَة فَإِنَّهُ ينْعَقد الْإِحْرَام مُطلقًا فيصرفه إِلَى مَا شَاءَ وَنسب الْمُزنِيّ إِلَى الْخَطَأ وَمِنْهُم من قَالَ صورتهَا أَن يُلَبِّي وَلَا يَنْوِي إحراما وَلَا حجَّة وَلَا عمْرَة فَلَا يكون شَيْئا فَمَا نَقله الْمُزنِيّ صَحِيح فَإِن أحرم بحجتين أَو عمرتين لم ينْعَقد إِحْرَامه بهما وَينْعَقد بِإِحْدَاهُمَا وَقَالَ أَبُو حنيفَة ينْعَقد بهما ثمَّ ترتفض إِحْدَاهمَا بالمضي فيهمَا

فَيجب قَضَاؤُهَا فَإِن أحرم بنسك معِين ثمَّ نَسيَه قبل أَن يَأْتِي بنسك فَفِيهِ قَولَانِ قَالَ فِي الْأُم يلْزمه أَن يقرن وَبِه قَالَ ابو يُوسُف وَقَالَ فِي الْقَدِيم يتحَرَّى فِي ذَلِك وَقَالَ أَحْمد يَجْعَل ذَلِك عمره بِنَاء على أَصله فِي جَوَاز فسخ الْحَج إِلَى الْعمرَة فَإِذا قُلْنَا يقرن فَنوى الْقرَان أَجزَأَهُ فِي الْحَج وَهل يُجزئهُ عَن الْعمرَة إِن قُلْنَا يجوز إِدْخَال الْعمرَة على الْحَج أَجْزَأته وَإِن قُلْنَا لَا يجوز فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا يُجزئهُ وَهُوَ الْمَذْهَب فعلى هَذَا فِي وجوب الدَّم وَجْهَان وَالثَّانِي يُجزئهُ فَيلْزمهُ دم وَإِن نسي بعد طواف الْقدوم وَقبل الْوُقُوف فَإِن قُلْنَا إِن إِدْخَال الْعمرَة على الْحَج لَا يجوز لم يَصح لَهُ الْحَج وَلَا الْعمرَة

وَإِن قُلْنَا إِنَّه يجوز إِدْخَال الْعمرَة على الْحَج لم يَصح لَهُ الْحَج فيحلق ثمَّ يحرم بِالْحَجِّ وَيجزئهُ وَيجب عَلَيْهِ دم وَاحِد وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يجب عَلَيْهِ دمان احْتِيَاطًا فَإِن عرض لَهُ الشَّك قبل طواف الْقدوم وَبعد الْوُقُوف مَعَ كَونه فِي الْموقف فَنوى الْقرَان أَجزَأَهُ الْحَج وَأما الْعمرَة فَإِن قُلْنَا يجوز إدخالها على الْحَج مَا لم يقف بِعَرَفَة لم يُجزئهُ وَإِن قُلْنَا يجوز مَا لم يشرع فِي رمي جَمْرَة الْعقبَة أَجْزَأته فَإِن قَالَ إِحْرَام كإحرام زيد وَنوى ذَلِك فَإِنَّهُ يَصح فَإِن بَان لَهُ أَن زيدا أحرم إحراما مُطلقًا فَإِنَّهُ ينْعَقد لَهُ إِحْرَام مُطلق وَهل يلْزمه أَن يصرفهُ إِلَى مَا يصرف زيد إِحْرَامه إِلَيْهِ فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يلْزمه وَالثَّانِي لَا يلْزمه فَإِن قَالَ زيد قد أَحرمت بِالْحَجِّ فكذبه وَوَقع فِي نَفسه خلاف قَوْله فَهَل يعْمل بِمَا قَالَه أَو بِمَا وَقع فِي نَفسه فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يلْزمه الْعَمَل بِمَا قَالَه وَالثَّانِي أَنه يعْمل بِمَا وَقع فِي نَفسه

فَإِن قَالَ زيد أَحرمت بِعُمْرَة ثمَّ بَان بعد ذَلِك أَنه كَانَ قد أحرم بِالْحَجِّ فَإنَّا نتبين أَن إِحْرَامه انْعَقَد بِالْحَجِّ فَإِن كَانَ وَقت الْحَج قد فَاتَ تحلل من إِحْرَامه للفوات وَذبح شَاة وَهل تجب الشَّاة فِي مَاله أَو فِي مَال زيد فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا فِي مَال زيد وَالثَّانِي فِي مَاله فَإِن بَان ان إِحْرَام زيد كَانَ فَاسِدا فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَن إِحْرَامه لَا ينْعَقد وَالثَّانِي أَنه ينْعَقد مُطلقًا قَالَ القَاضِي ابو الطّيب وَنَظِير هَذِه الْمَسْأَلَة إِذا نذر صَلَاة فَاسِدَة فَمن أَصْحَابنَا من قَالَ لَا ينْعَقد نَذره وَمِنْهُم من قَالَ ينْعَقد بِصَلَاة صَحِيحَة فَإِن قَالَ إِذا طلعت الشَّمْس فَأَنا محرم فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا ينْعَقد وَالثَّانِي لَا ينْعَقد وَيكثر من التَّلْبِيَة عِنْد اجْتِمَاع الرفاق وَفِي مَسْجِد مَكَّة وَمنى وعرفات وَفِيمَا عَداهَا من الْمَسَاجِد قَولَانِ

فصل

وَقَالَ فِي الْجَدِيد يسْتَحبّ فِي جَمِيع الْمَسَاجِد وَقَالَ فِي الْقَدِيم لَا يسْتَحبّ فِيمَا سوى الْمَسَاجِد الثَّلَاثَة وَهُوَ قَول مَالك وَفِي التَّلْبِيَة فِي حَال الطّواف قَولَانِ أَحدهمَا يُلَبِّي وَالثَّانِي لَا يُلَبِّي وَلَا يزِيد على تَلْبِيَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبِه قَالَ أَحْمد فَإِن زَاد جَازَ قَالَ أَصْحَاب أبي حنيفَة إِن زَاد فمستحب وَيقطع التَّلْبِيَة عِنْد رمي جَمْرَة الْعقبَة وَقَالَ مَالك يقطعهَا بعد الزَّوَال من يَوْم عَرَفَة فصل إِذا أحرم حرم عَلَيْهِ حلق رَأسه وَسَائِر بدنه إِلَّا من حَاجَة وَتجب بِهِ الْفِدْيَة

وَقَالَ دَاوُد لَا تجب الْفِدْيَة عَلَيْهِ بحلق شعر الْبدن وَهُوَ قَول مَالك فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَيحرم عَلَيْهِ ستتر رَأسه وَيجوز لَهُ أَن يستظل بِمَا لَا يُبَاشر رَأسه من محمل أَو غَيره وَبِه قَالَ ابو حنيفَة وَقَالَ مَالك وَأحمد لَا يجوز لَهُ ذَلِك إِذا كَانَ سائرا وَإِذا فعله وَجَبت عَلَيْهِ الْفِدْيَة فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد وَحكي عَن ابْن جريج أَنه قَالَ سَأَلت عَطاء عَن الْمحرم يحمل على رَأسه المكتل فَقَالَ لَا بَأْس بِهِ وَحكى ابْن الْمُنْذر عَن الشَّافِعِي رَحمَه الله أَنه قَالَ عَلَيْهِ الْفِدْيَة قَالَ أَصْحَابنَا لَا يعرف هَذَا للشَّافِعِيّ رَحمَه الله ذكر الشَّيْخ أَبُو حَامِد أَن الشَّافِعِي رَحمَه الله قد نَص عَلَيْهِ فِي بعض كتبه ذكر القَاضِي حُسَيْن فِي وضع الْيَد على الرَّأْس احْتِمَال وَلَيْسَ بِشَيْء

وَيحرم لبس الْقَمِيص والدراعة والسراويل والقباء وَتجب بِهِ الْفِدْيَة فَإِن ألبس القباء كَتفيهِ وَلم يدْخل يَدَيْهِ فِي كميه وَجَبت عَلَيْهِ الْفِدْيَة وَذكر فِي الْحَاوِي أَنه إِن كَانَ من أقبية خُرَاسَان قصير الذيل ضيق الأكمام فَعَلَيهِ الْفِدْيَة وَإِن كَانَ من أقبية الْعرَاق طَوِيل الذيل وَاسع الأكمام فَلَا فديَة عَلَيْهِ حَتَّى يدْخل يَدَيْهِ فِي كميه وَالصَّحِيح هُوَ الأول وَقَالَ ابو حنيفَة لَا فديَة عَلَيْهِ فِي الْجَمِيع حَتَّى يدْخل يَدَيْهِ فِي كميه فَإِن لم يجد إزارا لبس السَّرَاوِيل وَلَا فديَة عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك تجب عَلَيْهِ الْفِدْيَة وَاخْتلف أَصْحَابه فِي جَوَاز لبسه فَقَالَ الطَّحَاوِيّ يحرم عَلَيْهِ لبسه فيفتقه ثمَّ يلْبسهُ وَقَالَ أَبُو بكر الرَّازِيّ يجوز لبسه وَلَا يلبس الْخُفَّيْنِ فَإِن لبسهما مَعَ وجود النَّعْلَيْنِ وَجب عَلَيْهِ الْفِدْيَة

فَإِن لم يجد نَعْلَيْنِ جَازَ لَهُ لبس الْخُفَّيْنِ بعد أَن يقطعهما أَسْفَل من الْكَعْبَيْنِ فَإِن لبس الْخُف مَقْطُوعًا من أَسْفَل الكعب مَعَ وجود النَّعْل لم يجز على الْمَنْصُوص وَوَجَبَت عَلَيْهِ الْفِدْيَة وَقيل يجوز لَهُ ذَلِك وَلَا فديَة وَهُوَ قَول بعض أَصْحَاب أبي حنيفَة وَحكي عَن أبي حنيفَة نَحْو الْمَنْصُوص وَقَالَ أَحْمد إِذا لم يجد النَّعْلَيْنِ يجوز أَن يلبس الْخُفَّيْنِ من غير قطع وَرُوِيَ ذَلِك عَن عَطاء فَإِن خضب رَأسه بِالْحِنَّاءِ أَو طينه بالطين وَجب عَلَيْهِ الْفِدْيَة ذكره القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله فَمن اصحابنا من قَالَ صورته أَن يخضبه ويغلفه بالمخيط وَقيل لَا يعْتَبر ذَلِك وَيَكْفِي أَن يطلي عَلَيْهِ الطين وَنَظِيره الْعُرْيَان إِذا طلى عَوْرَته بطين وَصلى وَقيل فِيهِ وَجْهَان وَيحرم على الْمَرْأَة ستر وَجههَا وَلَا يحرم على الرجل وَقَالَ ابو حنيفَة وَمَالك يحرم على الرجل ايضا ستر وَجهه وَلَا يجوز للرجل لبس القفازين وَهل يجوز للْمَرْأَة فِيهِ قَولَانِ

فصل

وَيسْتَحب للْمَرْأَة أَن تختضب للْإِحْرَام بِالْحِنَّاءِ وَيكرهُ لَهَا ذَلِك بعد الْإِحْرَام فَإِن اختضبت ولفت على يَديهَا خرقا قَالَ فِي الْأُم رَأَيْت أَن تَفْتَدِي وَقَالَ فِي الْإِمْلَاء لَا يتَبَيَّن فِي أَن عَلَيْهَا الْفِدْيَة حكى القَاضِي ابو الطّيب رَحمَه الله عَن ابْن الْمَرْزُبَان وَالشَّيْخ أبي حَامِد انهما قَالَا إِن لم تلف الْخرق عَلَيْهَا فَلَا فديَة وَإِن لفت الْخرق عَلَيْهَا فَفِي الْفِدْيَة قَولَانِ وَقَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله لَا فديَة قولا وَاحِدًا وعَلى هَذَا حكم الرجل إِذا لف على رجله خرقا فَإِن لم يجد إزارا وبذل لَهُ وَلَده إزارا فَفِيهِ وَجْهَان كَمَا لَو بذل لَهُ نَفَقَة طَرِيق الْحَج فصل وَيحرم عَلَيْهِ اسْتِعْمَال الطّيب فِي ثِيَابه وَيجب عَلَيْهِ الْفِدْيَة بِهِ وَلَا يلبس ثوبا مبخرا بالطيب وَلَا مصبوغا بالطيب وَتجب بِهِ الْفِدْيَة وَيحرم عَلَيْهِ اسْتِعْمَال الطّيب فِي بدنه وَقَالَ ابو حنيفَة يجوز للْمحرمِ أَن يتبخر بِالْعودِ والند وَلَا يجوز أَن يَجْعَل الكافور والمسك والزعفران على بدنه وَيجوز أَن يَجعله على ظَاهر ثَوْبه

وَإِن جعله على بَاطِن ثَوْبه وَكَانَ لَا ينفض فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن كَانَ ينفض فَعَلَيهِ الْفِدْيَة فَإِن كَانَ الطّيب فِي طَعَام فَظهر عَلَيْهِ طعمه أَو رَائِحَته حرم عَلَيْهِ أكله وَإِن ظهر لَونه فصبغ اللِّسَان من غير طعم وَلَا رَائِحَة فقد قَالَ فِي الْمُخْتَصر الْأَوْسَط من الْحَج لَا يجوز وَقَالَ فِي الْأُم يجوز قَالَ أَبُو إِسْحَاق يجوز قولا وَاحِدًا وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس بن سُرَيج فِيهِ قَولَانِ أصَحهمَا أَنه لَا فديَة وَإِن ظهر عَلَيْهِ طعمة من غير لون وَلَا رَائِحَة فَمن اصحابنا من قَالَ لَا فديَة عَلَيْهِ وَمِنْهُم من قَالَ فِيهِ قَولَانِ كالقولين فِي اللَّوْن وَمِنْهُم من قَالَ تجب بِهِ الْفِدْيَة قولا وَاحِدًا وَهُوَ الْأَصَح وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا طبخ الطّيب فِي طَعَام فَلَا فديَة على الْمحرم فِي أكله وَلَا يحرم وَإِن ظهر رَائِحَته وَبِه قَالَ مَالك وَعنهُ رِوَايَتَانِ فِيهِ إِذا جعل الطّيب فِي طَعَام أَو شراب من غير ان تمسه نَار إِحْدَاهمَا عَلَيْهِ الْفِدْيَة وَالثَّانيَِة لَا فديَة عَلَيْهِ وَالْقَاضِي أَبُو الطّيب سوى بَين الرَّائِحَة والطعم وَالْقَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله قَالَ يُمكن بِنَاء الْقَوْلَيْنِ فِي اللَّوْن على الْقَوْلَيْنِ فِي النَّجَاسَة فِي الثَّوْب إِذا زَالَت الرَّائِحَة وَبَقِي اللَّوْن فِيهِ قَولَانِ

وَمن أَصْحَابنَا من رتب الرَّائِحَة على اللَّوْن إِذا قُلْنَا يلْزمه الْفِدْيَة مَعَ بَقَاء اللَّوْن فَمَعَ بَقَاء الرَّائِحَة أولى وَإِن قُلْنَا لَا يفدى مَعَ بَقَاء اللَّوْن فَمَعَ بَقَاء الرَّائِحَة وَجْهَان وَمَا ذَكرْنَاهُ أصح وَالطّيب مَا يتطيب بِهِ ويتخذ مِنْهُ الطّيب كالمسك والزعفران والعنبر والصندل والورد والياسمين والكافور وَفِي الريحان الْفَارِسِي قَولَانِ وَكَذَلِكَ المرزنجوش واللينوفر والنرجس اللينوفر مَعَ هَذَا الذرب وَذكره القَاضِي أَبُو الطّيب مَعَ الأترج والتفاح وَأما البنفسج فقد قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله لَيْسَ بِطيب فَمن اصحابنا من قَالَ هُوَ طيب قولا وَاحِدًا وَمِنْهُم من قَالَ لَيْسَ بِطيب قولا وَاحِدًا وَمِنْهُم من قَالَ فِيهِ قَولَانِ كالنرجس ودهن البنفسج مَبْنِيّ على البنفسج وَحكي فِي الْحَاوِي فِي دهن الأترج وَجْهَيْن وَقَالَ ابو حنيفَة لَا يحرم على الْمحرم شَيْء من الرياحين بِحَال والعصفر لَيْسَ بِطيب وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن وَضعه على بدنه وَجَبت عَلَيْهِ الْفِدْيَة

وَإِن لبس ثوبا مصبوغا بِهِ وَكَانَ إِذا عرق فِيهِ ينفض عَلَيْهِ وَجَبت عَلَيْهِ الْفِدْيَة والحناء لَيْسَ بِطيب وَقَالَ ابو حنيفَة هُوَ طيب تجب بِهِ الْفِدْيَة إِذا طيب بعض عُضْو وَجَبت عَلَيْهِ الْفِدْيَة وَبِه قَالَ أَحْمد وَقَالَ ابو حنيفَة تجب عَلَيْهِ صَدَقَة وَإِن غطى بعض عُضْو وَجب عَلَيْهِ صَدَقَة وَإِن غطى ربع رَأسه وَجب عَلَيْهِ فديَة كَامِلَة وَإِن غطى دون الرّبع وَجَبت عَلَيْهِ صَدَقَة وَالصَّدَََقَة عِنْده صَاع يَدْفَعهُ إِلَى مِسْكين من أَي طَعَام كَانَ إِلَّا الْبر فَإِنَّهُ يجزىء فِيهِ نصف صَاع وَعنهُ فِي التَّمْر رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا صَاع وَالثَّانيَِة نصف صَاع وَعَن أبي يُوسُف رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا كَقَوْل أبي حنيفَة وَالثَّانيَِة أَن الِاعْتِبَار أَن يلبس أَكثر الْيَوْم أَو أَكثر اللَّيْلَة أَو يطيب أَكثر الْعُضْو أَو يُغطي من ربع الرَّأْس أَكْثَره فَإِن لبس نصف يَوْم أَو نصف لَيْلَة أَو طيب نصف عُضْو أَو غطى نصف ربع رَأسه وَجَبت عَلَيْهِ صَدَقَة

فصل

وَيُقَال إِن أَبَا حنيفَة كَانَ يذهب قَدِيما إِلَى هَذَا ثمَّ رَجَعَ عَنهُ وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن فِي وجوب كَمَال الْفِدْيَة كَقَوْل أبي حنيفَة وَإِن لبس أقل من يَوْم أَو أقل من لَيْلَة فَعَلَيهِ بِقدر ذَلِك من الْفِدْيَة وَكَذَلِكَ إِذا طيب بعض عُضْو أَو غطى أقل من ربع الرَّأْس لزمَه من الْفِدْيَة بِحِسَابِهِ وَيحرم عَلَيْهِ اسْتِعْمَال الأدهان المطيبة كدهن الْورْد والزنبق والبان المنشوش وَهُوَ المغلي بالمسك وَتجب بِهِ الْفِدْيَة وَأما غير المطيب كالشيرج الزَّيْت وألبان غير المنشوش فَإِنَّهُ يجوز اسْتِعْمَاله فِي غير الرَّأْس واللحية وَقَالَ ابو حنيفَة جَمِيع ذَلِك طيب يحرم اسْتِعْمَاله فِي جَمِيع الْبدن وَقَالَ الْحسن بن صَالح يجوز اسْتِعْمَال الشيرج فِي رَأسه ولحيته أَيْضا وَقَالَ مَالك لَا يدهن بِهِ أعضاءه الظَّاهِرَة كاليدين وَالرّجلَيْنِ وَالْوَجْه ويدهن أعضاءه الْبَاطِنَة وَحكى الشَّيْخ ابو حَامِد فِي كَرَاهَة الْجُلُوس عِنْد العطارين وَمَوْضِع فِيهِ بخور وَجْهَيْن فصل وَيحرم عَلَيْهِ ان يتَزَوَّج أَو يُزَوّج غَيره بِالْولَايَةِ الْخَاصَّة وَلَا

يُوكل فِي النِّكَاح فَإِن فعل لم ينْعَقد النِّكَاح وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَقَالَ ابو حنيفَة وَالثَّوْري النِّكَاح صَحِيح جَائِز وَهل يجوز للْإِمَام وَالْحَاكِم التَّزْوِيج بِولَايَة الحكم فِيهِ وَجْهَان وَحكي فِي الْحَاوِي أَن الإِمَام إِذا كَانَ محرما لم يجز أَن يُزَوّج وَهل يجوز لخلفائه من الْقُضَاة المحلين فِيهِ وَجْهَان وَالْأول أصح وَيجوز أَن يشْهد فِي النِّكَاح وَقَالَ أَبُو سعيد الْإِصْطَخْرِي لَا يجوز وَتجوز الرّجْعَة فِي حَال الْإِحْرَام وَقَالَ احْمَد لَا تجوز الرّجْعَة وَإِذا رَجَعَ لم يَصح وَحكى ذَلِك عَن بعض أَصْحَابنَا وَإِذا تزَوجهَا فِي حَال الْإِحْرَام فرق بَينهمَا فِي الْمَكَان وَحكي عَن مَالك وَأحمد أَنَّهُمَا قَالَا بِفَسْخ النِّكَاح مَعَ فَسَاده بِطَلْقَة احْتِيَاطًا لتحل للأزواج وَذكر القَاضِي أَبُو الطّيب فِي التَّعْلِيق أَن ابْن الْقطَّان حكى عَن مَنْصُور

ابْن اسماعيل الْفَقِيه أَنه ذكر فِي كتاب الْمُسْتَعْمل أَن الْمحرم إِذا وكل وَكيلا ليزوجه إِذا تحلل من إِحْرَامه صَحَّ ذَلِك وَلَو وكل رجلا ليزوجه إِذا طلق فلَان امْرَأَته لم يَصح التَّوْكِيل قَالَ ابْن الْقطَّان لَا فرق بَينهمَا عِنْدِي إِمَّا أَن يَصح فِي الْجَمِيع أَو لَا يَصح قَالَ الشَّيْخ الإِمَام أيده الله وَعِنْدِي أَن تَصْحِيح الْوكَالَة مِمَّن لَا يملك التَّصَرُّف بعيد وَحكى القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله أَن ابْن الْمَرْزُبَان حكى عَن أبي الْحُسَيْن ابْن الْقطَّان أَن الْمحرم إِذا أذن لعَبْدِهِ فِي النِّكَاح لم يَصح إِذْنه وَلَا يَصح نِكَاحه فَقيل لَهُ فالمحرمة إِذا كَانَ لَهَا عبد فَأَذنت لَهُ فِي النِّكَاح فَقَالَ لَا يجوز قَالَ ابْن الْمَرْزُبَان وفيهَا نظر

فصل

قَالَ الشَّيْخ الإِمَام أيده الله وَعِنْدِي أَنه يجب أَن يَصح فِي الْجَمِيع لِأَن العَبْد يعْقد لنَفسِهِ وَالْمحرم لَيْسَ بعاقد وَلَا نَائِب عَن الْعَاقِد فَلَا تعلق لَهُ بِالنِّكَاحِ فصل إِذا خلص الْمحرم صيدا من فَم سبع فداواه فَمَاتَ فِي يَده لم يضمنهُ قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه وَلَو قيل يضمن لِأَنَّهُ تلف فِي يَده كَانَ مذهبا وَيجب عَلَيْهِ الْجَزَاء بقتل الصَّيْد عمدا وَخطأ وَالْقيمَة للآدمي إِن كَانَ مَمْلُوكا وَقَالَ الْمُزنِيّ لَا يجب عَلَيْهِ الْجَزَاء بقتل الصَّيْد الْمَمْلُوك وَهُوَ قَول مَالك وَأحمد وَقَالَ دَاوُد يجب الْجَزَاء بقتْله خطأ وَلَا يجب بقتْله عمدا

وَيحرم عَلَيْهِ أَن يعين على قَتله فَإِن أعَان على قَتله بِدلَالَة أَو إِشَارَة إِلَيْهِ وَقَتله الْمَدْلُول لم يجب عَلَيْهِ الْجَزَاء وَبِه قَالَ مَالك وَقَالَ عَطاء يجب الْجَزَاء على الدَّال والمدلول نِصْفَيْنِ وَقَالَ ابو حنيفَة وَالثَّوْري يجب على كل وَاحِد مِنْهُمَا جَزَاء كَامِل حَتَّى قَالَ أَبُو حنيفَة لَو دلّ جمَاعَة من الْمُجْرمين محرما أَو حَلَالا على قتل صيد فَقتله وَجب على كل وَاحِد مِنْهُم جَزَاء كَامِل وَيحرم على الْمحرم أكل مَا صيد لَهُ وَأكل مَا أعَان على قَتله بِدلَالَة أَو إِشَارَة إِلَيْهِ فَإِن أكل مِنْهُ فَهَل يجب عَلَيْهِ الْجَزَاء فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا لَا يحرم عَلَيْهِ أكل مَا دلّ عَلَيْهِ قَتله دلَالَة ظَاهِرَة وَلَا مَا صيد بِهِ فَإِن ضمن صيدا بِالْقَتْلِ ثمَّ أكله لم يجب عَلَيْهِ بِأَكْلِهِ جَزَاء آخر وَبِه قَالَ مَالك وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجب عَلَيْهِ بِأَكْلِهِ جَزَاء آخر فَإِن ذبح صيدا حرم عَلَيْهِ اكله وَهل يحرم على غَيره فِيهِ قَولَانِ

قَالَ فِي الْجَدِيد يحرم وَقَالَ فِي الْقَدِيم لَا يحرم فَإِن مَاتَ من يَرِثهُ وَله صيد فَهَل يَرِثهُ فِيهِ وَجْهَان فَإِن أحرم وَفِي ملكه صيد فَهَل يَزُول ملكه عَنهُ فِيهِ قَولَانِ أصَحهمَا أَنه يَزُول ملكه عَنهُ وَيجب عَلَيْهِ إرْسَاله فَإِن لم يُرْسِلهُ حَتَّى تحلل فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يعود إِلَى ملكه وَإِن قُلْنَا لَا يَزُول ملكه عَنهُ فَلهُ أَن يَبِيعهُ وَلَيْسَ لَهُ أَن يذبحه فَإِن اشْترى رجل من رجل صيدا فَوجدَ المُشْتَرِي بِهِ عَيْبا وَالْبَائِع محرم فَإِن قُلْنَا إِنَّه يملك الصَّيْد بِالْإِرْثِ رده عَلَيْهِ وَإِن قُلْنَا لَا يَرِثهُ فَيحْتَمل أَن يُقَال يجوز رده وَيحْتَمل أَن يُقَال يُؤْخَذ مِنْهُ بِالثّمن وَيُوقف الصَّيْد إِلَى أَن يتَحَلَّل فَيَأْخذهُ وَإِن كَانَ الصَّيْد غير مَأْكُول وَلَا متولد من مَأْكُول لم يحرم قَتله بِالْإِحْرَامِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة يحرم قتل كل وَحشِي بِالْإِحْرَامِ وَيجب الْجَزَاء بقتْله إِلَّا الذِّئْب

وَقَالَ مَالك السبَاع المبتدئة بِالضَّرَرِ من الْوَحْش وَالطير كالذئب والفهد والغراب والحدأة لَا جَزَاء فِيهِ فخالفنا فِيمَا لَا يُؤْكَل مِمَّا لَا يُؤْذِي من الصيود وَمَا يحرم عَلَيْهِ من الصَّيْد يحرم عَلَيْهِ بيضه وَإِذا كَسره ضمنه بِقِيمَتِه وَقَالَ الْمُزنِيّ لَا جَزَاء عَلَيْهِ فِيهِ وَقَالَ مَالك يجب فِي بيض النعامة عشر قيمتهَا وَرُوِيَ عَنهُ عشر قيمَة بدنه فَإِن كسر بيض الصَّيْد حرم عَلَيْهِ أكله لَا يخْتَلف الْمَذْهَب فِيهِ وَهل يحرم على غَيره من أَصْحَابنَا من قَالَ هُوَ كالصيد إِذا ذبحه الْمحرم وَكَذَا قَالَ هَذَا الْقَائِل إِذا قتل الْمحرم جَرَادَة حرم عَلَيْهِ أكلهَا وَهل يحرم على غَيره فِيهِ قَولَانِ قَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله هَذَا عِنْدِي فِيهِ نظر لِأَن الْبيض لَا روح فِيهِ وَالْجَرَاد يحل مَيتا فَإِن افترش التجراد فِي طَرِيقه فَقتله فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا لَا شَيْء عَلَيْهِ وَالثَّانِي تجب عَلَيْهِ الْكَفَّارَة وَإِن باض الصَّيْد على فرَاشه فنقله فَلم يحضنه فقد حكى الشَّافِعِي

رَحمَه الله عَن عَطاء أَنه لَا يضمنهُ قَالَ وَيحْتَمل أَن يضمن فَحصل فِيهِ قَولَانِ كالجراد وَإِن لبس أَو تطيب أَو دهن رَأسه ولحيته نَاسِيا لإحرامه أَو جَاهِلا بِالتَّحْرِيمِ لم تجب عَلَيْهِ الْكَفَّارَة وَبِه قَالَ عَطاء وَالثَّوْري وَقَالَ مَالك وابو حنيفَة يجب عَلَيْهِ الْكَفَّارَة وَاخْتَارَهُ الْمُزنِيّ فَإِن لبس الْمحرم الْمخيط فِي وقتنا هَذَا أَو اسْتعْمل الطّيب وَادّعى الْجَهْل بِتَحْرِيمِهِ فَفِي وجوب الْفِدْيَة وَجْهَان أَحدهمَا تلْزمهُ الْفِدْيَة لِأَن التَّحْرِيم قد ظهر وَاسْتقر فِي الشَّرْع وَالثَّانِي يقبل قَوْله قَالَ الشَّيْخ الإِمَام أيده الله وَعِنْدِي أَن تَخْرِيج الْوَجْهَيْنِ فِي ذَلِك فِيهِ نظر لِأَنَّهُ إِن كَانَ الْوَجْهَانِ فِي قبُول دَعْوَاهُ فَلَا وَجه لَهُ لِأَن الدَّعْوَى تعْتَبر فِيمَا للْإِمَام فِيهِ مُطَالبَة وَالْكَفَّارَة هَا هُنَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى فَلَا معنى لذكر قبُول الدَّعْوَى وَإِن كَانَ الْوَجْهَانِ فِي وجوب الْكَفَّارَة مَعَ

جَهله بِالتَّحْرِيمِ فَلَا معنى لَهُ لِأَنَّهُ يلْزم أَن يبْنى عَلَيْهِ الْجَاهِل بِتَحْرِيم الْكَلَام فِي الصَّلَاة فَإِن لبس قَمِيصًا نَاسِيا فَذكر فَإِنَّهُ يَنْزعهُ من قبل رَأسه وَحكي عَن بعض التَّابِعين أَنه قَالَ يشق ثَوْبه شقا فَإِن مس طيبا ظَنّه يَابسا فَبَان رطبا لَزِمته الْفِدْيَة فِي اصح الْقَوْلَيْنِ فَإِن حلق الشّعْر أَو قلم الظفر نَاسِيا أَو جَاهِلا بِالتَّحْرِيمِ فالمنصوص أَنه تجب عَلَيْهِ الْفِدْيَة وَفِيه قَول مخرج أَنه لَا تجب عَلَيْهِ الْفِدْيَة وَإِن قتل صيدا نَاسِيا أَو جَاهِلا بِالتَّحْرِيمِ وَجب عَلَيْهِ الْفِدْيَة وَإِن جنى وَهُوَ محرم فَقتل صيدا فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا يجب عَلَيْهِ الْجَزَاء وَمن أَصْحَابنَا من خرج هذَيْن الْقَوْلَيْنِ فِي قتل الصَّيْد نَاسِيا وَلَيْسَ بِشَيْء وَإِن جَامع نَاسِيا أَو جَاهِلا بِالتَّحْرِيمِ فَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ فِي أحد الْقَوْلَيْنِ وَلَا يفْسد حجه وَفِي القَوْل الثَّانِي يفْسد حجه وَتجب عَلَيْهِ الْكَفَّارَة وَإِن حلق رَأس محرم وَهُوَ نَائِم أَو مكره وَجَبت الْفِدْيَة وعَلى من تجب فِيهِ قَولَانِ

أصَحهمَا على الحالق وَبِه قَالَ مَالك وللمحلوق مُطَالبَته بإخراجها وَالثَّانِي يجب على المحلوق فعلى هَذَا يَأْخُذهَا من مَال الحالق ويخرجها فَإِن أخرجهَا المحلوق رَجَعَ على الحالق بِأَقَلّ الْأَمريْنِ من الشَّاة أَو ثَلَاثَة آصَع هَذِه طَريقَة ابي الْعَبَّاس بن سُرَيج وَأبي إِسْحَاق وَقَالَ أَبُو عَليّ بن ابي هُرَيْرَة تجب الْفِدْيَة على الحالق ابْتِدَاء قولا وَاحِدًا وَالْقَوْلَان فِيهِ إِذا غَابَ الحالق أَو أعْسر فَهَل يلْزم المحلوق إِخْرَاج الْفِدْيَة ثمَّ يرجع على الحالق فِيهِ قَولَانِ وَقَالَ ابو حنيفَة تجب الْفِدْيَة على المحلوق وَاخْتلف أَصْحَابه فِي الرُّجُوع على الحالق فَقَالَ أَكْثَرهم لَا يرجع وَقَالَ أَبُو حَازِم يرجع وَذكر الشَّيْخ ابو حَامِد أَن الْقَوْلَيْنِ مبنيان على أَن شعر الْمحرم على رَأسه بِمَنْزِلَة الْعَارِية أَو بِمَنْزِلَة الْوَدِيعَة وَفِيه قَولَانِ وَقيل وَجْهَان أصَحهمَا قَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله أَنه كَالْوَدِيعَةِ فَإِن قُلْنَا يجب على الحالق قَالَ أَصْحَابنَا فَلَا شَيْء على المحلوق وَلكنه يملك مُطَالبَته بإخراجها قَالَ الشَّيْخ ابو نصر وَلَيْسَ تَحت هَذَا معنى فَإِن كفر المحلوق بِالصَّوْمِ لم يرجع عَلَيْهِ شَيْء وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يرجع بِثَلَاثَة أَمْدَاد

ذكر فِي الْحَاوِي أَنا إِذا قُلْنَا يجب على الحالق كفر بِالْإِطْعَامِ وَالْهَدْي وَهل يكفر بالصيام فِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا أَنه يكفر بِهِ وَالثَّانِي لَا يَصُوم مخرج من القَوْل الَّذِي يَقُول إِنَّه إِذا أعْسر تحملهَا المحلوق وَأما المحلوق إِذا أَوجَبْنَا الْفِدْيَة عَلَيْهِ فمخير بَين الْإِطْعَام وَالْهَدْي وَلَا يُجزئهُ الصّيام لِأَنَّهُ يتحمله عَن غَيره وَهَذَا بالضد مِمَّا ذَكرْنَاهُ بِنَاء على طَريقَة أبي عَليّ بن ابي هُرَيْرَة وَذكر ايضا أَن المحلوق إِذا كفر بِالصَّوْمِ لم يرجع بِشَيْء على الحالق فِي قَول أَكثر أَصْحَابنَا وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يرجع وبماذا يرجع قَالَ أَبُو عَليّ الطَّبَرِيّ فِي الإفصاح يرجع عَلَيْهِ بِثَلَاثَة أَمْدَاد من طَعَام وَحكى أَبُو الْحسن بن الْقطَّان أَنه يرجع عَلَيْهِ بِأَقَلّ من الْأَمريْنِ من الدَّم أَو إطْعَام سِتَّة مَسَاكِين لكل مِسْكين مدان فَإِن حلق حَلَال رَأس محرم بِإِذْنِهِ وَجَبت الْفِدْيَة على الْمحرم دون الْحَلَال وَقَالَ ابو حنيفَة تجب على الْمحرم فديَة وعَلى الْحَلَال صَدَقَة وَيجوز للْمحرمِ حلق شعر الْحَلَال وَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَكَذَا تقليم ظفره وَقَالَ ابو حنيفَة لَا يجوز لَهُ فعل ذَلِك فَإِن فعله فَعَلَيهِ صَدَقَة

وَيجوز للْمحرمِ أَن يغْتَسل بالسدر والخطمي وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجوز لَهُ ذَلِك فَإِن فعل لَزِمته الْفِدْيَة فَإِن كَانَ على بدنه وسخ جَازَ لَهُ إِزَالَته وَقَالَ مَالك إِذا أزاله لَزِمته صَدَقَة وَقَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله يكره للْمحرمِ أَن يكتحل بالإثمد وَنقل الْمُزنِيّ رَحمَه الله أَنه لَا بَأْس بِهِ وَسُئِلَ سعيد بن الْمسيب أيكتحل الْمحرم فَقَالَ لَا يكتحل فَإِنَّهُ زِينَة وَيجوز للْمحرمِ أَن يفتصد ويحتجم إِذا لم يقطع من شعره شَيْئا وَحكى الْأَبْهَرِيّ عَن مَالك أَنه إِذا فعل شَيْئا من ذَلِك وَجَبت عَلَيْهِ صَدَقَة

وَيجوز للْمحرمِ أَن يتقلد السَّيْف ويشد على وَسطه المنطقة وَحكي عَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه كرهه وَحكى القَاضِي ابو الطّيب رَحمَه الله عَن مَالك أَنه لَا يجوز لَهُ شدّ المنطقة وَأَصْحَابه حكوا جَوَازه

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب مَا يجب بمحظورات الْإِحْرَام من كَفَّارَة وَغَيرهَا إِذا حلق الْمحرم رَأسه فكفارته ذبح شَاة أَو إطْعَام سِتَّة مَسَاكِين ثَلَاثَة آصَع أَو صِيَام ثَلَاثَة أَيَّام وَهِي على التَّخْيِير وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا حلق من غير عذر وَجب عَلَيْهِ الدَّم من غير تَخْيِير فَإِن حلق ثَلَاث شَعرَات لزمَه دم وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن حلق ربع رَأسه لزمَه دم وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِن حلق نصف رَأسه لزمَه دم وَإِن حلق مَا دونه لزمَه صَدَقَة وَقَالَ مَالك إِن حلق من رَأسه مَا يحصل بِهِ إمَاطَة الْأَذَى عَنهُ وَجب عَلَيْهِ دم وَإِن حلق مَا لَا يحصل بِهِ ذَلِك لم يجب عَلَيْهِ وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ

إِحْدَاهمَا ثَلَاث شَعرَات وَالثَّانيَِة الرّبع فَإِن حلق شعر رَأسه وَشعر بدنه وَجب عَلَيْهِ فديَة وَاحِدَة وَكَذَا إِن قلم اظفار يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم الْأنمَاطِي تجب فديتان وَإِن حلق شعره فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه يجب ثلث دم وَالثَّانِي دِرْهَم وَالثَّالِث مد وَفِي الشعرتين مدان وَحكي عَن مُجَاهِد أَنه قَالَ لَا ضَمَان فِيمَا دون ثَلَاث شَعرَات وَكَذَا روى ابْن الْمُنْذر عَن عَطاء فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فَإِن حلق شَعرَات مُتَفَرِّقَة وَلم يكفر عَن الأول فِيهِ طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَنه على قَوْلَيْنِ أَحدهمَا يجب فِي الْجَمِيع دم وَالثَّانِي لكل شَعْرَة حكم نَفسهَا إِذا انْفَرَدت فَيجب فِي كل شَعْرَة مد وَاصل ذَلِك الْقَوْلَانِ فِيهِ إِذا لبس قَمِيصًا أول النَّهَار وَسَرَاويل فِي وَسطه وتعمم فِي آخِره قَوْله الْقَدِيم إِنَّه يتداخل

وَقَالَ فِي الْجَدِيد لَا يتداخل الطَّرِيقَة الثَّانِيَة أَنه لَا يتداخل قولا وَاحِدًا وَيجب لكل وَاحِد فديَة وَاصل الْقَوْلَيْنِ فيهمَا طَريقَة الترفه كالطيب واللباس والمباشرة إِذا وجدت مِنْهُ فعال مُتَفَرِّقَة من جنس وَاحِد فِي مجْلِس وَاحِد أَو مجَالِس من غير تَكْفِير فَفِي تدَاخل الْكَفَّارَة قَولَانِ وَذكر القَاضِي أَبُو الطّيب أَن من أَصْحَابنَا من قَالَ إِنَّه إِذا اخْتلفت أَسبَاب اللّبْس كَأَنَّهُ لبس الْمخيط لأجل الْبرد وغطى رَأسه لأجل الْحر أَنه يكون بِمَنْزِلَة اخْتِلَاف الْأَجْنَاس فِي عدم التَّدَاخُل قولا وَاحِدًا وَلَيْسَ بِشَيْء فَإِن حلق تسع شَعرَات فِي ثَلَاثَة أَوْقَات وَقُلْنَا يتداخل لزمَه دم وَإِن قُلْنَا لَا يتداخل لزمَه ثَلَاثَة دِمَاء وعَلى هَذَا حكم الْأَظْفَار وَقَالَ ابو حنيفَة إِذا قلم أظفار يَد وَاحِدَة أَو رجل وَاحِدَة وَجب عَلَيْهِ دم وَإِن قلم أَرْبَعَة أظفار من يَد أَو رجل فَمَا دون وَجب عَلَيْهِ صَدَقَة ذكر الشَّيْخ أَبُو حَامِد أَنه إِذا حلق نصف رَأسه بِالْغَدَاةِ وَنصفه بالْعَشي وَجب عَلَيْهِ كفارتان قولا وَاحِدًا بِخِلَاف الطّيب واللباس فِي اعْتِبَار التَّفْرِيق والتتابع

وَحكى القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله أَنه بِمَنْزِلَة الطّيب واللباس فِي التَّفْصِيل وَالِاخْتِلَاف وَقَالَ ابو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف إِذا كَانَت هَذِه الْمَحْظُورَات سوى قتل الصَّيْد فِي مجْلِس وَاحِد وَجَبت كَفَّارَة وَاحِدَة كفر عَن الأول أَو لم يكفر وَإِن كَانَت فِي مجَالِس وَجب كل وَاحِد كَفَّارَة إِلَّا أَن يكون تكراره لِمَعْنى وَاحِد بِأَن يكون لرفض الْإِحْرَام أَو لمَرض وَحكي عَن مَالك نَحْو قَول أبي حنيفَة فِي الصَّيْد وَنَحْو قَوْلنَا فِيمَا سواهُ إِذا قطع شعره فِي أَيَّام فِي كل يَوْم قطع جُزْءا فِيهَا ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يجب بِقطع كل جُزْء مِنْهَا فديَة وَالثَّانِي أَنه يجب بِقطع الْجُزْء الأول فديَة وَلَا يجب بِقطع الْبَاقِي فِيهَا شَيْء وَالثَّالِث أَنه يجب بِقطع الْجُزْء الأول فديَة وَفِيمَا زَاد صدقه حكى هَذِه الْوُجُوه القَاضِي أَبُو الطّيب وَذكر أَن الأول أظهر وَحكى فِي الْحَاوِي فِي ذَلِك وَجْهَيْن أَحدهمَا أَنه يجب فِي قطع الْجُزْء من الشعرة بِالْقِسْطِ من الْوَاجِب فِي الشعرة وَذكر أَنه الْأَصَح

وَالثَّانِي أَنه يجب بِهِ فديَة كَامِلَة فَإِن وطىء فِي الْحَج أَو الْعمرَة قبل التَّحَلُّل فسد نُسكه وَيجب عَلَيْهِ الْمُضِيّ فِي فاسده وَالْقَضَاء وَيجب الْقَضَاء على الْفَوْر فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ ظَاهر النَّص وَيلْزمهُ الْقَضَاء من حَيْثُ أحرم فِي الْأَدَاء فَإِن كَانَ قد أحرم من دون الْمِيقَات لزمَه الْقَضَاء من الْمِيقَات وَبِه قَالَ أَحْمد وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا كَانَ قد أحرم من وَرَاء الْمِيقَات جَازَ لَهُ الْإِحْرَام فِي الْقَضَاء من الْمِيقَات وَيجب عَلَيْهِ بدنه وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن كَانَ وَطئه قبل الْوُقُوف فسد حجه وَوَجَب عَلَيْهِ شَاة وَإِن كَانَ بعد الْوُقُوف لم يفْسد حجه وَوَجَب عَلَيْهِ بَدَنَة وَظَاهر مَذْهَب مَالك الَّذِي حَكَاهُ أَصْحَابه كَقَوْلِنَا وَعنهُ رِوَايَة شَاذَّة أَنه يفْسد إِحْرَامه بالوطىء بعد الرَّمْي وَعقد الْإِحْرَام لَا يرْتَفع بالوطىء فِي الْحَالين وَقَالَ دَاوُد يرْتَفع عِنْد الْإِحْرَام بالوطىء بِكُل حَال وَإِن وطىء بعد رمي جَمْرَة الْعقبَة وَقبل التَّحَلُّل الثَّانِي لم يفْسد حجه وَيجب عَلَيْهِ بَدَنَة فِي أحد الْقَوْلَيْنِ

وَقَالَ مَالك لَا يفْسد مَا مضى غير أَنه يفْسد مَا بَقِي وَلكنه يمْضِي فِيهِ فَإِذا فرغ مِنْهُ أَتَى بِأَفْعَال عمره وَيكون بَدَلا عَمَّا أفْسدهُ وَفِي نَفَقَة الْقَضَاء وَجْهَان أَحدهمَا فِي مَال الزَّوْج وَالثَّانِي فِي مَالهَا وَفِي ثمن المَاء الَّذِي تَغْتَسِل بِهِ وَجْهَان أَحدهمَا على الزَّوْج وَالثَّانِي فِي مَالهَا وَهل يجب عَلَيْهِمَا أَن يَتَفَرَّقَا فِي مَوضِع الوطىء فِيهِ وَجْهَان أظهرهمَا أَنه يسْتَحبّ وَالثَّانِي يجب وَهُوَ قَول أَحْمد وَقَالَ مَالك يفترقان من حَيْثُ يحرمان وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يلْزمهُمَا الِافْتِرَاق وَيجب عَلَيْهِ بَدَنَة فَإِن لم يجد فبقرة فَإِن لم يجد فسبع من الْغنم فَإِن لم يجده قوم الْبَدنَة دَرَاهِم وَالدَّرَاهِم طَعَاما وَصَامَ عَن كل مد يَوْمًا وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِيهِ قَول آخر إِنَّه مُخَيّر بَين هَذِه الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة وَقَالَ أَحْمد إِنَّهَا على التَّخْيِير بَين الْأَشْيَاء الْخَمْسَة فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فَإِن عدم الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة عدل إِلَى الْإِطْعَام وَالصِّيَام بِقِيمَة أحد

الثَّلَاثَة على سَبِيل التَّعْدِيل إِذا قُلْنَا إِنَّه مُخَيّر بَينهمَا ايما شَاءَ وَإِن قُلْنَا إِنَّهَا مرتبَة فبقيمة الْبَدنَة وَقَالَ ابو الْعَبَّاس بل بِقِيمَة سبع من الْغنم يعدل مَا ينْتَقل إِلَيْهِ وَيعْتَبر قيمتهَا فِي الْغَالِب لَا بِحَالَة الرُّخص وَلَا بِحَالَة الغلاء فَإِن تصدق بِطَعَام على مَسَاكِين الْحرم فَفِيمَا يُعْطي كل فَقير وَجْهَان أَحدهمَا مد وَالثَّانِي أَنه غير مُقَدّر وَفِي جَوَاز تَقْدِيم كَفَّارَة اللّبْس وَالطّيب على وُجُوبهَا وَجْهَان وَفِي كَفَّارَة الوطىء فِيمَا دون الْفرج وَجْهَان أَحدهمَا أَنَّهَا تجْرِي مجْرى فديَة الْأَذَى وَالثَّانِي تجرى مجْرى جَزَاء الصَّيْد وَهل تجب كَفَّارَة أَو كفارتان عَلَيْهِمَا على مَا ذَكرْنَاهُ فِي الصَّوْم وَإِن وطىء ثمَّ وطىء وَلم يكفر عَن الأول فَهَل يجب بالوطىء الثَّانِي كَفَّارَة ثَانِيَة فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه تجب بِهِ كَفَّارَة ثَانِيَة وَفِي الْكَفَّارَة قَولَانِ أَحدهمَا أَنه بَدَنَة وَالثَّانِي أَنَّهَا شَاة

وَقَالَ أَبُو حنيفَة فِيهِ شَاة كفر عَن الأول أَو لم يكفر إِلَّا أَن يتَكَرَّر ذَلِك فِي مجْلِس وَاحِد أَو على وَجه الرَّفْض للْإِحْرَام بِأَن يَنْوِي أَنه يرفض الْإِحْرَام وَقَالَ مَالك لَا يجب بالوطىء الثَّانِي شَيْء وَقَالَ أَحْمد إِن كفر عَن الأول وَجب فِي الثَّانِي بَدَنَة فَإِن لف على ذكره خرقَة وأولجه فِي فرج فسد حجه فِي أحد الْوَجْهَيْنِ وَوَجَب عَلَيْهِ الْكَفَّارَة وَالثَّانِي لَا يجب وَقيل إِن كَانَت خَفِيفَة فسد فَإِن قبل بِشَهْوَة وَأنزل وَجَبت الْفِدْيَة فَإِن وَطئهَا بعد ذَلِك فَهَل تسْقط الْفِدْيَة فِيهِ وَجْهَان ذكره فِي الْحَاوِي وَإِن كَانَ الْمحرم صَبيا فوطىء عَامِدًا وَقُلْنَا عمده خطأ كَانَ كالناسي وَإِن قُلْنَا عمده عمد فسد حجه وَوَجَبَت الْكَفَّارَة بِهِ وَإِن وطىء العَبْد فِي إِحْرَامه عمدا فسد وَوَجَب عَلَيْهِ الْقَضَاء وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ لَا يلْزمه الْقَضَاء وَهل يَصح مِنْهُ الْقَضَاء فِي حَال الرّقّ على مَا ذَكرْنَاهُ من الْقَوْلَيْنِ فِي الصَّبِي فَإِن قُلْنَا يَصح مِنْهُ فَهَل للسَّيِّد مَنعه مِنْهُ يَبْنِي على أَن الْقَضَاء على الْفَوْر أم لَا

فَإِن أعتق قبل التَّحَلُّل فِي الْفَاسِد وَبعد الْوُقُوف مضى فِي فاسده ثمَّ يحجّ حجَّة الْإِسْلَام فِي السّنة الثَّانِيَة ثمَّ يحجّ عَن الْقَضَاء فِي السّنة الثَّالِثَة وَإِن أعتق قبل الْوُقُوف مضى فِي فاسده ثمَّ يقْضِي وَيجزئهُ قَضَاؤُهُ عَن حجَّة الْإِسْلَام فَإِن وطىء الْمَرْأَة فِي الْمحل الْمَكْرُوه فسد حجه وَبِه قَالَ مَالك وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَفِي وطىء الْبَهِيمَة طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَن يفْسد وَالثَّانِي أَنه يَبْنِي على الْحَد وَقَالَ ابو حنيفَة لَا يفْسد حجه بِجَمِيعِ ذَلِك فَإِن قبل بِشَهْوَة أَو وطىء فِيمَا دون الْفرج فَأنْزل لم يفْسد حجه وَوَجَب عَلَيْهِ فديَة الْأَذَى وَقَالَ مَالك يفْسد حجه إِذا أنزل وَيجب عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ وبدنة وَإِن لم ينزل لم يفْسد فَإِن قبل الْمحرم زَوجته وَقد قدم من السّفر وَلم يقْصد بِهِ الشَّهْوَة وَلَا التَّحِيَّة فَهُوَ كالتقبيل للتحية فِي أحد الْوَجْهَيْنِ وَلَا فديَة عَلَيْهِ وَالثَّانِي أَنه بِمَنْزِلَة التَّقْبِيل بِشَهْوَة فَإِن وطىء الْمُعْتَمِر قبل تحلله فَسدتْ عمرته وَعَلِيهِ الْقَضَاء وبدنة وَقَالَ ابو حنيفَة إِذا وطىء قبل ان يطوف أَرْبَعَة أَشْوَاط فَسدتْ عمرته وَوَجَب عَلَيْهِ شَاة

فصل

وَقَالَ أَحْمد يجب بالوطىء الْقَضَاء وشَاة إِذا وجد فِي الْإِحْرَام وَقَالَ ابو حنيفَة إِذا وطىء بعد أَرْبَعَة أَشْوَاط لم تفْسد عمرته وَعَلِيهِ شَاة فصل إِذا قتل صيدا لَهُ مثل من النعم وَجب عَلَيْهِ مثله من النعم وَهِي الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم وَبِه قَالَ مَالك وَقَالَ ابو حنيفَة لَا يلْزمه ذَلِك وَإِنَّمَا يلْزمه قيمَة الصَّيْد وَله أَن يصرف قِيمَته فِي جَزَاء من النعم وَيجوز أَن يَشْتَرِي الْهَدْي من الْحرم وينحره فِيهِ وَقَالَ مَالك لَا بُد أَن يَسُوق الْهَدْي من الْحل إِلَى الْحرم فَإِن اشْترك جمَاعَة فِي قتل صيد وَجب عَلَيْهِم جَزَاء وَاحِد وَقَالَ ابو حنيفَة يجب على كل مِنْهُم جَزَاء كَامِل وَيضمن الْكَبِير بالكبير وَالصَّغِير بالصغير وَقَالَ مَالك يضمن صغَار أَوْلَاد الصَّيْد بكبار النعم وَالْحمام وَمَا يجْرِي مجْرَاه يضمن بِشَاة وَقَالَ مَالك إِن كَانَت حمامة مَكِّيَّة ضمنهَا بِشَاة وَإِن كَانَت مجلوبة من الْحل إِلَى الْحرم ضمن قيمتهَا وَمَا هُوَ أَصْغَر من الْحمام يضمنهُ بِقِيمَتِه وَقَالَ دَاوُد لَا جَزَاء فِيهِ

وَمَا هُوَ أكبر من الْحمام كالقطا والبط واليعقوب والأوز فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَن الْوَاجِب فِيهَا شَاة وَالثَّانِي أَنَّهَا تضمن بِالْقيمَةِ وَمَا حكمت الصَّحَابَة فِيهِ بِالْمثلِ لَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى اجْتِهَاد وَمَا لم تحكم فِيهِ فَلَا بُد فِيهِ من حكمين وَهل يجوز أَن يكون الْقَائِل أَحدهمَا فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا وَهُوَ الْمَذْهَب أَنه يجوز وَقَالَ مَالك لَا بُد من حكمين فِي الْجَمِيع وَإِن جنى عَن صيد فأزال امْتِنَاعه وَقَتله غَيره فَفِيهِ طَرِيقَانِ قَالَ ابو الْعَبَّاس عَلَيْهِ ضَمَان مَا نقص وعَلى الْقَاتِل جَزَاؤُهُ مجروحا إِن كَانَ محرما وَلَا شَيْء عَلَيْهِ إِن كَانَ حَلَالا وَقَالَ غَيره فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا عَلَيْهِ ضَمَان مَا نقص وَالْقَوْل الثَّانِي أَنه يجب عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ كَامِلا

فَإِن كسر الصَّيْد ثمَّ أَخذه وأطعمه وسقاه حَتَّى عَاد مُمْتَنعا فَفِيهِ وَجْهَان كَمَا لَو نتف ريش طَائِر فَعَاد وَنبت فَفِي سُقُوط ضَمَانه وَجْهَان بِنَاء عَلَيْهِ إِذا قلع سنّ من ثغر فَعَاد وَنبت وَإِن لم يعد مُمْتَنعا فَهُوَ على الْقَوْلَيْنِ أَحدهمَا يلْزمه ضَمَان مَا نقص وَالثَّانِي يلْزمه جَزَاء كَامِل وَيضمن الجرادة بالجزاء وَرُوِيَ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ لَا جَزَاء فِيهَا فَإِن نتف ريش طَائِر مَضْمُون بالجزاء فَإِنَّهُ يضمن مَا نقص مِنْهُ وَمَا الَّذِي يضمنهُ قَالَ فِي مَوضِع يضمن مَا بَين قِيمَته منتوفا وَقِيمَته عافيا فَإِن كَانَ الصَّيْد مَضْمُونا بِالْقيمَةِ ضمن مَا بَين الْقِيمَتَيْنِ وَإِن كَانَ مَضْمُونا بِالْمثلِ فَهَل يعْتَبر مَا نقص بِقسْطِهِ من الْمثل أَو من قيمَة الْمثل فِيهِ وَجْهَان بِنَاء عَلَيْهِ إِذا جرح صيدا فنقص من قِيمَته الْعشْر على مَا يَأْتِي ذكره

إِذا قتل صيدا ثمَّ قتل صيدا آخر وَجب عَلَيْهِ جزاءان وَقَالَ دَاوُد لَا شَيْء عَلَيْهِ فِي قتل الثَّانِي وَإِن جرح ظَبْيًا فنقص من قِيمَته الْعشْر فَعَلَيهِ الْعشْر من ثمن شَاة قَالَ الْمُزنِيّ عَلَيْهِ عشر شَاة أولى بِأَصْلِهِ وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِي ذَلِك فَمنهمْ من قَالَ مَا قَالَه الْمُزنِيّ صَحِيح وَالشَّافِعِيّ رَحمَه الله أَرَادَ إِذا لم يجد عشر شَاة فَيجب عَلَيْهِ عشر قيمَة شَاة وَمِنْهُم من قَالَ لَا يجب عَلَيْهِ إِلَّا عشر ثمن شَاة سَوَاء وجد عشر شَاة أَو لم يجد وَقَالَ دَاوُد لَا ضَمَان عَلَيْهِ فِي نُقْصَان الصَّيْد بِالْجرْحِ وَيعْتَبر الْمثل بالصيد إِن أَرَادَ إِخْرَاجه وَإِن أَرَادَ إِخْرَاج الطَّعَام قوم الْمثل دَرَاهِم وَاشْترى بهَا طَعَاما وَتصدق بِهِ وَقَالَ مَالك يقوم الصَّيْد نَفسه وَيَشْتَرِي بِقِيمَتِه طَعَاما وَيجب على الْقَارِن مَا يجب على الْمُفْرد من الْكَفَّارَة فِيمَا يرتكبه وَقَالَ أَبُو حنيفَة تجب كفارتان وَفِي قتل الصَّيْد الْوَاحِد جزاءان وَإِن أفسد إِحْرَامه وَجب عَلَيْهِ الْقَضَاء قَارنا وَالْكَفَّارَة وَدم الْقُرْآن

فصل

وَيلْزمهُ دم فِي الْقَضَاء فَإِن قَضَاهُ مُفردا جَازَ وَلَا يسْقط عَنهُ دم الْقُرْآن وَبِه قَالَ أَحْمد إِلَّا أَنه قَالَ لَا يجب عَلَيْهِ دم إِذا قضى مُفردا وَقَالَ ابو حنيفَة يفْسد إِحْرَامه وَيجب عَلَيْهِ شَاة لإفساد الْحَج وشَاة لإفساد الْعمرَة وشَاة لِلْقُرْآنِ إِلَّا أَن يكون قد وطىء بَعْدَمَا طَاف فِي الْعمرَة اربعة أَشْوَاط فَإِن اضْطر وَعِنْده صَيْده وميتة وَقُلْنَا إِن ذبحه للصَّيْد يصيره ميتَة أكل الْميتَة وَلم يذبح الصَّيْد وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَهُ أَن يذبح الصَّيْد وَيَأْكُل مِنْهُ وَإِن كَانَ عِنْده إِذا ذبح الصَّيْد صَار ميتَة لَا يحل لَهُ وَلَا لغيره فصل وَيحرم صيد الْحرم على الْحَلَال وَالْحرَام فَإِن ذبح الْحَلَال صيدا فِي الْحرم حرم عَلَيْهِ أكله وَهل يحرم على غَيره فِيهِ طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَنه على قَوْلَيْنِ وَالثَّانِي يحرم قولا وَاحِدًا

فَإِن رمى من الْحل إِلَى صيد فِي الْحرم ضمنه بالجزاء وَإِن رمى من الْحل إِلَى صيد فِي الْحل وَبَينهمَا قِطْعَة من الْحرم فَمر السهْم فِي تِلْكَ الْقطعَة فَأصَاب الصَّيْد فَفِي وجوب الْجَزَاء وَجْهَان فَإِن دخل كَافِر الْحرم فَقتل فِيهِ صيدا ضمنه بالجزاء على مَا ذكره بعض أَصْحَابنَا قَالَ الشَّيْخ الإِمَام ابو إِسْحَاق رَحمَه الله يحْتَمل عِنْدِي أَن لَا يضمنهُ وَحكم صيد الْحرم فِي الْجَزَاء والتخيير حكم صيد الْإِحْرَام وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجوز لَهُ ذَلِك وَلَا يجوز قطع شجر الْحرم وَمن اصحابنا من قَالَ مَا أَنْبَتَهُ الْآدَمِيّ يجوز قطعه وَيضمنهُ بالجزاء فَفِي الْكَبِيرَة بقرة وَفِي الصَّغِير شَاة وَقَالَ مَالك وَدَاوُد لَا يضمنهُ بالجزاء فَإِن قطع غصنا من شَجَرَة ضمنه بِمَا نقص فَإِن نبت مَكَانَهُ فَهَل يسْقط الضَّمَان فِيهِ قَولَانِ بِنَاء على السن وَيحرم قطع حشيش الْحرم وَيجوز رعي الْغنم فِيهِ وَقَالَ ابو حنيفَة لَا يجوز

وَيحرم صيد الْمَدِينَة وَقطع شَجَرهَا فَإِن قتل فِيهَا صيدا فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا يسلب الْقَاتِل وَهُوَ قَوْله الْقَدِيم وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَقَالَ فِي الْجَدِيد لَا جَزَاء عَلَيْهِ فَإِذا وَجب عَلَيْهِ دم لأجل الْإِحْرَام كَدم التَّمَتُّع وَالْقرَان وَالطّيب واللباس وَجَزَاء الصَّيْد وَيجب ذبحه فِي الْحرم وَصَرفه إِلَى مَسَاكِين الْحرم فَإِن ذبحه فِي الْحل وَأدْخلهُ إِلَى الْحرم وَلم يتَغَيَّر فَفِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا أَنه لَا يُجزئهُ فَإِن ذبح الْهَدْي فَسرق لم يجز عَمَّا فِي ذمَّته وَيجب عَلَيْهِ الْإِعَادَة

قَالَ ابو حنيفَة يُجزئهُ وَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ وَقَالَ مَالك لَا يخْتَص مَا يجب من الْفِدْيَة بِالْإِحْرَامِ بمَكَان فَإِن اضْطر إِلَى قتل صيد فِي الْحل فَقتله جَازَ أَن يهدي فِي الْحل نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي رَحمَه الله وَبِه قَالَ أَحْمد قَالَ ابو حنيفَة ينْحَر فِي الْحرم وَيجوز أَن يفرق اللَّحْم فِي الْحل

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب صفة الْحَج وَالْعمْرَة إِذا أَرَادَ دُخُول مَكَّة فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ دَخلهَا لَيْلًا وَإِن شَاءَ دَخلهَا نَهَارا وَقَالَ النَّخعِيّ وَإِسْحَاق دُخُولهَا نَهَارا أفضل فَإِذا رأى الْبَيْت قَالَ اللَّهُمَّ زد هَذَا الْبَيْت تَشْرِيفًا وتعظيما وتكريما ومهابة وزد من شرفه وعظمه مِمَّن حجه واعتمره تَشْرِيفًا وتعظيما وتكريما اللَّهُمَّ أَنْت السَّلَام ومنك السَّلَام فحينا رَبنَا بِالسَّلَامِ وَيرْفَع يَدَيْهِ فِي هَذَا الدُّعَاء وَرُوِيَ ذَلِك عَن أَحْمد وَكَانَ مَالك لَا يرى ذَلِك

ويبتدىء بِطواف الْقدوم وَهُوَ سنة وَقَالَ ابو ثَوْر هُوَ نسك يجب بِتَرْكِهِ دم وَقَالَ مَالك إِن تَركه مرهقا أَي معجلا فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن تَركه مطيقا فَعَلَيهِ دم وَبَعض أَصْحَاب مَالك يعبر عَنهُ بِالْوُجُوب لتأكده وَمن شَرط الطّواف الطَّهَارَة وَستر الْعَوْرَة وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة ليسَا شرطا فِي صِحَّته وَاخْتلف اصحابه فِي وجوب الطَّهَارَة لَهُ فَقَالَ ابو شُجَاع هِيَ سنة وَيجب بِتَرْكِهَا دم فِي الطّواف الْوَاجِب

وَقَالَ الرَّازِيّ هِيَ وَاجِبَة وَإِذا طَاف مُحدثا أعَاد الطّواف إِن كَانَ بِمَكَّة وَإِن كَانَ قد عَاد إِلَى بَلَده فَعَلَيهِ شَاة وَإِن طَاف جنبا فَعَلَيهِ بَدَنَة وَحكي عَن أَحْمد أَنه قَالَ إِن قَامَ بِمَكَّة أعَاد وَإِن رَجَعَ إِلَى أَهله جبره بِدَم وَهل يفْتَقر إِلَى النِّيَّة فِيهِ وَجْهَان وَإِذا أَرَادَ الطّواف فَإِنَّهُ يبتدىء من الرُّكْن الَّذِي فِيهِ الْحجر الْأسود وَيَطوف بِجَمِيعِ الْبَيْت سبعا فَيجْعَل الْبَيْت عَن يسَاره وَيَطوف عَن يَمِين نَفسه وَالتَّرْتِيب مُسْتَحقّ فِيهِ وَبِه قَالَ احْمَد وَمَالك وَقَالَ أَبُو حنيفَة يَصح طَوَافه من غير تَرْتِيب وَيُعِيد مَا دَامَ بِمَكَّة فَإِن خرج إِلَى بَلَده لزمَه دم وَحكي عَن دَاوُد أَنه قَالَ إِذا نكسه اجزأه وَلَا دم عَلَيْهِ فَإِن احرم بِالْعُمْرَةِ وتحلل مِنْهَا ووطىء بعْدهَا ثمَّ أحرم بِالْحَجِّ وتحلل مِنْهُ ثمَّ تَيَقّن أَنه كَانَ مُحدثا فِي أحد الطوافين وَلم يعلم فِي أَيهمَا فَعَلَيهِ طواف وسعي وَيجب عَلَيْهِ دم بِيَقِين وَهل يجب عَلَيْهِ مَعَ ذَلِك دم ثَان فِيهِ وَجْهَان فَإِن ترك من الأشواط شَيْئا لم يعْتد لَهُ بطوافه وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد

وَقَالَ ابو حنيفَة إِذا طَاف أَربع طوفات فَإِن كَانَ بِمَكَّة لزمَه إتْمَام الطّواف الْوَاجِب وَإِن كَانَ قد خرج جبره بِدَم وَيسْتَحب أَن يطوف رَاجِلا فَإِن طَاف رَاكِبًا جَازَ وَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَأحمد إِن كَانَ ذَلِك لعذر فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن كَانَ لغير عذر لزمَه دم فَإِن حمل محرم محرما وَطَاف بِهِ ونويا وَقع الطّواف عَن أَحدهمَا وَلمن يكون فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا للمحمول وَالثَّانِي للحامل وَقَالَ أَبُو حنيفَة يَقع لَهما جَمِيعًا وَيسْتَحب أَن يسْتَقْبل الْحجر وَيَضَع شَفَتَيْه عَلَيْهِ ويحاذيه بِجَمِيعِ بدنه وَهل يُجزئهُ محاذاته بِبَعْض بدنه فِيهِ قَولَانِ قَالَ فِي الْقَدِيم يُجزئهُ وَقَالَ فِي الْجَدِيد يجب أَن يحاذيه بِجَمِيعِ بدنه فعلى هَذَا إِذا حاذاه بِبَعْض بدنه فِي الطوفة الأولى وتمم عَلَيْهَا لم تجزه الأولى وَفِيمَا بعْدهَا وَجْهَان

أصَحهمَا أَنَّهَا تجزىء ويستلم الْحجر ويقبله فَإِن لم يُمكنهُ أَن يقبله استلمه بِيَدِهِ وَقبلهَا وَقَالَ مَالك يَضَعهَا على فِيهِ وَلَا يقبلهَا ذكر فِي الْحَاوِي عَن الشَّافِعِي رَحمَه الله أَنه يسْتَلم الْحجر الْأسود وَيسْجد عَلَيْهِ إِن أمكنه لِأَن فِيهِ تقبيلا وَزِيَادَة وَقَالَ مَالك السُّجُود عَلَيْهِ بِدعَة فَإِن لم يقدر على التَّقْبِيل والاستلام إِلَّا بمزاحمة لشدَّة الزحمة وَكَانَ لَا يَرْجُو زَوَال الزحمة أَشَارَ رَافعا ليديه ويقبلها وَحكى عَن طَائِفَة أَن الْمُزَاحمَة للاستقبال والتقبيل أفضل ويستلم الرُّكْن الْيَمَانِيّ بِيَدِهِ ويقبلها وَلَا يقبله وَقَالَ ابو حنيفَة لَا يستلمه وَقَالَ مَالك يستلمه وَلَا يقبل يَده وَإِنَّمَا يَضَعهَا على فِيهِ وروى الْخرقِيّ عَن أَحْمد أَنه يقبله

وَلَا يسْتَلم الرُّكْنَيْنِ الآخرين اللَّذين يليان الْحجر وروى ذَلِك عَن عمر وَابْن عمر وَمُعَاوِيَة رَضِي الله عَنْهُم وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس وَابْن الزبير وَجَابِر رَضِي الله عَنْهُم أَنهم كَانُوا يستلمونها وَيسْتَحب أَن يرمل فِي الثَّلَاثَة الأولى وَيَمْشي فِي الْأَرْبَعَة ويضطبع وَحكى ابْن الْمُنْذر عَن مَالك أَنه قَالَ لَا يعرف الاضطباع وَلَا رَأَيْت أحدا فعله

فَإِن ترك الرمل والاضطباع جَازَ وَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَحكي عَن الْحسن الْبَصْرِيّ وَالثَّوْري وَعبد الْملك بن الْمَاجشون أَنه يجب عَلَيْهِ بترك ذَلِك دم فَإِن كَانَ مَحْمُولا رمل بِهِ حامله وَحكى الشَّيْخ أَبُو حَامِد أَن للشَّافِعِيّ رَحمَه الله قولا آخر أَن الْمَرِيض لَا يرمل بِهِ حامله فَإِن طَاف طواف الْقدوم وسعى عَقِيبه ورحل واضطبع فيهمَا فَإِذا طَاف طواف الزِّيَارَة لم يرمل فِيهِ وَلم يضطبع وَلَا يسْعَى عَقِيبه فَأَما إِذا كَانَ قد طَاف وسعى وَلم يرمل وَلم يضطبع فيهمَا فَإِذا طَاف طواف الزِّيَارَة لم يسع عَقِيبه وَهل يرمل ويضطبع فِي الطّواف ذكر الشَّيْخ أَبُو حَامِد أَنه يرمل ويضطبع وَذكر القَاضِي أَبُو الطّيب فِي ذَلِك وَجْهَيْن وَذكر أَن الْمَذْهَب أَنه لَا يَقْتَضِيهِ فَإِن طَاف للقدوم وَرمل واضطبع وَلم يسع عَقِيبه فَإِنَّهُ يسْعَى عقيب طواف الزِّيَارَة ويرمل ويضطبع وَحكي عَن أَحْمد أَنه قَالَ لَا يضطبع فِي السَّعْي بِحَال فَإِن طَاف الصَّبِي اسْتحبَّ لَهُ الاضطباع فِي طَوَافه وَقَالَ أَبُو عَليّ بن أبي هُرَيْرَة لَا يسْتَحبّ لَهُ ذَلِك وَيسْتَحب لَهُ أَن يقْرَأ الْقُرْآن فِي طَوَافه

وَحكي عَن مَالك أَنه قَالَ يكره أَن يقْرَأ الْقُرْآن فِي طَوَافه وَحكي عَن مَالك أَنه قَالَ يكره أَن يقْرَأ فِي طَوَافه فَإِن سلك فِي الْحجر فِي طَوَافه لم يعْتد بِهِ وَلَا بِمَا بعده لِأَنَّهُ من الْبَيْت وَبِه قَالَ مَالك وَعند أبي حنيفَة يُجزئهُ مَا بعد الْحجر لِأَن التَّرْتِيب عِنْده لَيْسَ بِشَرْط وَيَأْتِي بالجزء الَّذِي بَقِي من الْحجر إِن كَانَ بِمَكَّة وَإِن كَانَ قد خرج جبره بِدَم فَمن أَصْحَابه من قَالَ هُوَ مَبْنِيّ على أَن التَّرْتِيب لَيْسَ بِشَرْط وَأَن مُعظم الطّواف يقوم مقَام جَمِيعه وَقيل إِنَّه مَبْنِيّ على أَن الْحجر لَيْسَ من الْبَيْت قطعا ويقينا فَإِن أحدث فِي الطّواف تَوَضَّأ وَبنى عَلَيْهِ فَإِن تطاول الْفَصْل فَفِيهِ قَولَانِ قَالَ فِي الْقَدِيم يبطل بِالتَّفْرِيقِ الْكثير وَقَالَ فِي الْجَدِيد لَا يبطل وَلَا فرق بَين عمده وسهوه

قَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد يَنْبَغِي أَن يكفر إِذا سبقه الْحَدث وَقُلْنَا لَا تبطل الصَّلَاة وَأَن لَا يبطل الطّواف بِهِ وَإِن طَال الْفَصْل وَحكى القَاضِي أَبُو حَامِد فِي جَامعه أَن الشَّافِعِي رَحمَه الله قَالَ فَإِن قطعه لغير عذر وزايل مَوْضِعه وَهُوَ الْمَسْجِد اسْتَأْنف وَقَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب هَذَا يَقْتَضِي أَنه إِذا أحدث عمدا يبطل طَوَافه وَإِن لم يَتَطَاوَل الْفَصْل فَيكون فِي حدث الْعَامِد قَولَانِ وَإِن لم يبطل الْفَصْل وَبنى فِي الْحَاوِي التَّفْرِيق فِي السَّعْي على التَّفْرِيق فِي الطّواف فَإِن قُلْنَا فِي الطّواف لَا يمْنَع الْبناء فَفِي السَّعْي أولى وَإِن قُلْنَا فِي الطّواف يمْنَع فَفِي السَّعْي وَجْهَان فَإِذا فرغ من الطّواف صلى رَكْعَتَيْنِ وهما واجبتان فِي أحد الْقَوْلَيْنِ وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَالثَّانِي أَنَّهُمَا سنتَانِ وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَالْمُسْتَحب أَن يُصَلِّيهمَا عِنْد الْمقَام وَفِي أَي مَوضِع صلاهما من الْمَسْجِد وَغَيره جَازَ

وَقَالَ الثَّوْريّ لَا يَصح فعلهمَا إِلَّا خلف الْمقَام ذكره فِي الْحَاوِي فَإِن تَركهمَا وَقُلْنَا بوجوبهما قضاهما فِي الْحرم وَغَيره وَقَالَ الثَّوْريّ لَا يَصح قضاؤهما فِي غير الْحرم وَقَالَ مَالك إِن قضاهما فِي غير موضعهما فَعَلَيهِ دم ثمَّ يسْعَى وَالسَّعْي ركن فِي الْحَج وَالْعمْرَة وَبِه قَالَ مَالك وَقَالَ أَبُو حنيفَة هُوَ وَاجِب وَلَيْسَ بِرُكْن فينوب عَنهُ الدَّم وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا مثل قَوْلنَا وَالثَّانيَِة أَنه مُسْتَحبّ وَلَيْسَ بِوَاجِب ويستجب لَهُ أَن يرقأ على الصَّفَا حَتَّى يرى الْكَعْبَة ويستقبلها وَيكبر فَإِذا نزل من الصَّفَا مَشى حَتَّى إِذا كَانَ دون الْميل الْأَخْضَر الْمُعَلق بِنَحْوِ من سِتَّة أَذْرع سعى سعيا شَدِيدا حَتَّى يُحَاذِي الميلين الأخضرين اللَّذين بِفنَاء الْمَسْجِد وحذاء دَار الْعَبَّاس فَإِذا بلغ الْمَرْوَة رقأ عَلَيْهَا وصنع

عَلَيْهَا مَا صنع على الصفاء يحْسب مَمَره ذَلِك لَهُ مرّة ثمَّ يرجع إِلَى الصَّفَا فيحسب رُجُوعه مرّة ثَانِيَة وَقَالَ أَبُو بكر الصَّيْرَفِي لَا يحْسب مَمَره ورجوعه إِلَّا مرّة وَاحِدَة وَحكى عَن ابْن جرير الطَّبَرِيّ أَنه أفتى بِهِ وَتَابعه الصَّيْرَفِي فَإِن لم يصعد على الصَّفَا والمروة أَجزَأَهُ وَحكي عَن أبي حَفْص بن الكيول أَنه قَالَ لَا يَصح سَعْيه حَتَّى يصعد على الصَّفَا والمروة ليستوفي السَّعْي بَينهمَا وَالتَّرْتِيب مُعْتَبر فِي السَّعْي فَيبْدَأ بالصفا وَيخْتم بالمروة فَإِن بَدَأَ بالمروة وَختم بالصفا لم يعْتد بِهِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة يعْتد بِهِ ثمَّ يخرج إِلَى منى فِي الْيَوْم الثَّامِن من ذِي الْحجَّة وَهُوَ يَوْم التَّرويَة فَيصَلي بهَا الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء ويبيت بهَا إِلَى أَن يُصَلِّي الصُّبْح فَإِذا طلعت الشَّمْس على ثبير سَار إِلَى الْموقف وَالْمَبِيت فِي هَذِه اللَّيْلَة

إِنَّمَا هُوَ للاستراحة فَإِذا زَالَت الشَّمْس فِي الْيَوْم التَّاسِع خطب خطْبَة خَفِيفَة وَيجْلس ثمَّ يقوم إِلَى الْخطْبَة الثَّانِيَة وَيَأْخُذ الْمُؤَذّن فِي الْأَذَان وَالْإِمَام فِي الْخطْبَة الثَّانِيَة حَتَّى يكون فرَاغ الإِمَام مَعَ فرَاغ الْمُؤَذّن وَحكي فِي الْحَاوِي عَن أبي حنيفَة أَنه يُؤذن المؤذنون قبل الْخطْبَة فَتكون خطبَته بعد الْأَذَان كَالْجُمُعَةِ ثمَّ يُقيم وَيُصلي الظّهْر وَيُقِيم وَيُصلي الْعَصْر فَيجمع بَينهمَا وَهل يجوز لأهل مَكَّة الْجمع بَين هَاتين الصَّلَاتَيْنِ هُوَ على الْقَوْلَيْنِ فِي السّفر الْقصير وَمن جَاءَ بعد صَلَاة الإِمَام يجمع وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجمع إِلَّا مَعَ الإِمَام وَالْجمع عِنْده بِحكم النّسك وَمَكَان الْوُقُوف مَا جَاوز وَادي عَرَفَة إِلَى الْجبَال الْقَابِلَة إِلَى عَرَفَة مِمَّا يَلِي حَوَائِط بني عَامر وَطَرِيق الْحَضَر وَمَا جَاوز ذَلِك فَلَيْسَ من عَرَفَة فَلَا يعْتد بِالْوُقُوفِ فِيهِ وَحكى الشَّيْخ أَبُو حَامِد عَن مَالك أَنه قَالَ إِذا وقف بِعَرَفَة أَجزَأَهُ وَلَزِمَه دم وزمان الْوُقُوف إِذا زَالَت الشَّمْس من يَوْم عَرَفَة إِلَى طُلُوع الْفجْر من يَوْم النَّحْر فَإِن أدْرك الْوُقُوف فِي جُزْء من هَذَا الزَّمَان فقد أدْرك الْحَج

وَقَالَ مَالك إِن لم يقف فِي جُزْء من اللَّيْل لم يجزه وَالْأَفْضَل أَن يجمع بَين النَّهَار وَاللَّيْل فِي الْوُقُوف فَإِذا غَابَتْ الشَّمْس دفع وَكَيف حصل بِعَرَفَة قَائِما أَو جَالِسا أَو مجتازا عَالما بِكَوْنِهَا عَرَفَة أَو جَاهِلا أَجزَأَهُ وَحكى ابْن الْقطَّان عَن أبي حَفْص بن الْوَكِيل أَنه إِذا وقف بِعَرَفَة جَاهِلا بِكَوْنِهَا عَرَفَة لم يجزه وَلَيْسَ بِشَيْء فَإِن وقف مغمى عَلَيْهِ لم يَصح وُقُوفه فَإِن كَانَ نَائِما صَحَّ وقوفا وَحكى ابْن الْقطَّان فِي النَّائِم وَجها آخر أَنه يُجزئهُ وَلَيْسَ بشىء وَحكى فِي الْمَجْنُون والمغمى عَلَيْهِ آخر أفضل وَبِه قَالَ أَحْمد قَالَ فِي الْقَدِيم الْوُقُوف رَاكِبًا أفضل وَبِه قَالَ أَحْمد وَقَالَ فِي الْأُم لَا مزية للرُّكُوب على غَيره

فَإِن شهد وَاحِد بِرُؤْيَة هِلَال ذِي الْحجَّة أَو اثْنَان ورد الْحَاكِم شَهَادَتهمَا فَإِنَّهُمَا يقفان يَوْم التَّاسِع بِحكم رُؤْيَتهمَا وَإِن وقف النَّاس الْعَاشِر عِنْدهمَا كَمَا قُلْنَا فِي صَوْم رَمَضَان وَحكي عَن مُحَمَّد بن الْحسن أَنه قَالَ لَا يُجزئهُ حَتَّى يقف مَعَ النَّاس الْيَوْم الْعَاشِر فَإِذا غربت الشَّمْس دفع إِلَى الْمزْدَلِفَة فَإِن دفع قبل غرُوب الشَّمْس وَعَاد قبل طُلُوع الْفجْر إِلَى الْموقف فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن عَاد بعد طُلُوع الْفجْر جبره بِدَم وَهَذَا الدَّم وَاجِب فِي أحد الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَفِي الثَّانِي مُسْتَحبّ وَقَالَ أَحْمد إِن رَجَعَ وَأقَام حَتَّى غربت الشَّمْس لم يجب عَلَيْهِ شَيْء وَإِن رَجَعَ لَيْلًا وَجب عَلَيْهِ دم وَيجمع بِالْمُزْدَلِفَةِ بَين الْمغرب وَالْعشَاء فِي وَقت الْعشَاء يُقيم لكل وَاحِدَة مِنْهُمَا وَهل يُؤذن للأولى على الْأَقْوَال فِي الْفَوَائِت وَإِن صلى كل وَاحِدَة مِنْهُمَا فِي وَقتهَا جَازَ وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَأَبُو يُوسُف وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد لَا يُجزئهُ ذَلِك ويبيت بِالْمُزْدَلِفَةِ وَهُوَ نسك وَلَيْسَ بِرُكْن وَحكي عَن الشّعبِيّ وَالنَّخَعِيّ أَنه ركن فَإِن لم يبت بهَا وَجب عَلَيْهِ دم فِي أحد الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن احْمَد

وَقَالَ مَالك وَلَا يجب على القَوْل الثَّانِي وَهُوَ الرِّوَايَة الثَّانِيَة عَن أَحْمد وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا كَانَ بهَا بعد الْفجْر وَقبل طُلُوع الشَّمْس فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن دفع قبل طُلُوع الْفجْر فَعَلَيهِ دم وَيقطع التَّلْبِيَة مَعَ أول حَصَاة من رمي جَمْرَة الْعقبَة وَقَالَ مَالك يقطع التَّلْبِيَة بعد الزَّوَال من يَوْم عَرَفَة وَلَا يجوز الرَّمْي بِغَيْر الْحِجَارَة وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجوز الرَّمْي بِكُل مَا كَانَ من جنس الأَرْض وَقَالَ دَاوُد يجوز الرَّمْي بِكُل شَيْء حَتَّى لَو رمى بعصفور ميت لأجزأه وَيَرْمِي يَوْم النَّحْر وَآخر أَيَّام التَّشْرِيق رَاكِبًا وَفِي الْيَوْمَيْنِ الآخرين رَاجِلا وَقَالَ مَالك يَرْمِي فِي أَيَّام منى رَاجِلا وَإِن رمى بِمَا قد رمي بِهِ كره وأجزأه وَحكي عَن احْمَد أَنه قَالَ لَا يُجزئهُ

وَعَن الْمُزنِيّ أَنه قَالَ لَا يُجزئهُ أَن يَرْمِي بِمَا رمى هُوَ بِهِ فَإِن رمى حَصَاة فَوَقَعت على ثوب إِنْسَان فنفضها فَوَقَعت فِي المرمى لم تجزه وَقَالَ أَحْمد يُجزئهُ وَحكى الشَّيْخ أَبُو حَامِد رَحمَه الله وَجها آخر نَحوه وَإِن رمى حَصَاة نَحْو المرمى وَلم يعلم هَل وَقعت فِي المرمى أم لَا لم يجزه فِي قَوْله الْجَدِيد وَهُوَ أصح الْقَوْلَيْنِ وَإِن رمى حَصَاة فَوَقَعت فِي الْجَمْرَة ثمَّ ازدلفت لحدتها وقوتها حَتَّى سَقَطت وَرَاء الْجَمْرَة أَجزَأَهُ فِي أصح الْوَجْهَيْنِ وَإِن رمى حَصَاة فَوَقَعت على مَكَان أَعلَى من الْجَمْرَة فتدحرجت إِلَى المرمى لم يجزه فِي أحد الْقَوْلَيْنِ وَكَذَا إِذا وَقعت دون المرمى ثمَّ تدحرجت إِلَى المرمى فعلى وَجْهَيْن وَالْمُسْتَحب أَن يَرْمِي بعد طُلُوع الشَّمْس فَإِن رمى قبل طُلُوع الْفجْر وَبعد نصف اللَّيْل أَجزَأَهُ وَبِه قَالَ عَطاء وَأحمد

وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك لَا يجوز الرَّمْي إِلَّا بعد طُلُوع الْفجْر الثَّانِي وَقَالَ مُجَاهِد وَالنَّخَعِيّ وَالثَّوْري لَا يجوز الرَّمْي إِلَّا بعد طُلُوع الشَّمْس ويختار أَن لَا يَرْمِي عَن الْمَرِيض وَالْعَاجِز إِلَّا من قد رمى عَن نَفسه فَإِن رمى عَن الْمَرِيض أَولا ثمَّ عَن نَفسه أَجزَأَهُ عَن نَفسه وَأيهمَا يجزى عَن نَفسه ذكر فِي الْحَاوِي فِيهِ وَجْهَيْن وَهل يجزىء عَن الْمَرِيض فِيهِ وَجْهَان فَإِذا فرغ من الرَّمْي ذبح هَديا إِن كَانَ مَعَه ثمَّ يحلق وَمَا يَفْعَله فِي يَوْم النَّحْر أَرْبَعَة أَشْيَاء الرَّمْي والنحر وَالْحلق وَالطّواف وَالْمُسْتَحب أَن يَأْتِي بهَا على هَذَا التَّرْتِيب فَإِن قدم الحلاق على النَّحْر جَازَ وَإِن قدمه على الرَّمْي وَقُلْنَا إِنَّه نسك فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن قُلْنَا اسْتِبَاحَة مَحْظُور لزمَه دم وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن كَانَ مُفردا فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن كَانَ قَارنا أَو مُتَمَتِّعا وَجب عَلَيْهِ دم وَقَالَ مَالك إِذا قدمه على النَّحْر لَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن قدمه على الرَّمْي لزمَه دم

وَقَالَ أَحْمد هَذَا التَّرْتِيب وَاجِب فَإِن قدم الحلاق على الذّبْح أَو الرَّمْي سَاهِيا أَو جَاهِلا فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن كَانَ عَامِدًا فَفِي وَجب الدَّم رِوَايَتَانِ وَالْحلق أفضل من التَّقْصِير وَالْأَفْضَل أَن يحلق جَمِيع رَأسه وَأقله ثَلَاث شَعرَات وَقَالَ أَبُو حنيفَة يحلق الرّبع وَقَالَ مَالك يحلق الْكل أَو الْأَكْثَر بِنَاء على مسح الرَّأْس وَلَا فرق فِي التَّقْصِير بَين مَا يُحَاذِي الرَّأْس وَبَين مَا نزل مِنْهُ وَقيل لَا يُجزئهُ إِلَّا التَّقْصِير المحاذي للرأس فَإِن كَانَ قد لبد شعره لم يجزه إِلَّا الْحلق على قَوْله الْقَدِيم وَفِي قَوْله الْجَدِيد وَهُوَ الصَّحِيح يُجزئهُ التَّقْصِير وَإِذا أَرَادَ الْحلق بَدَأَ الحالق بشقه الْأَيْمن وَقَالَ أَبُو حنيفَة يبْدَأ بشقه الْأَيْسَر فاعتبرنا يَمِين المحلوق وَاعْتبر يَمِين الحالق فَإِن لم يكن على رَأسه شعر اسْتحبَّ أَن يمر الموسى عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يسْتَحبّ ذَلِك

فصل

نحر الْهَدْي فِي مَوضِع التَّحَلُّل يكون فَإِن كَانَ مُعْتَمِرًا فَعِنْدَ الْمَرْوَة وَإِن كَانَ حَاجا فبمنى بعد رمي جَمْرَة الْعقبَة وَحَيْثُ نحر من فجاج مَكَّة أجزأهما وَقَالَ مَالك لَا يجزىء الْمُعْتَمِر النَّحْر إِلَّا عِنْد الْمَرْوَة والحاج إِلَّا بمنى فصل ثمَّ يطوف طواف الْإِفَاضَة وَهُوَ ركن من أَرْكَان الْحَج وَأول وقته من نصف اللَّيْل لَيْلَة النَّحْر وأفضله ضحى نَهَار يَوْم النَّحْر وَآخره غير مُؤَقّت وَبِه قَالَ أَحْمد وَقَالَ أَبُو حنيفَة أول وقته من حِين طُلُوع الْفجْر الثَّانِي من يَوْم النَّحْر وَآخره الْيَوْم الثَّانِي من أَيَّام التَّشْرِيق فَإِن أَخّرهُ إِلَى الْيَوْم الثَّالِث وَجب عَلَيْهِ دم وَإِذا رمى وَطَاف وَحلق فقد حصل لَهُ التحللان وَحل لَهُ كل شَيْء فَإِن قُلْنَا إِن الحلاق نسك حصل لَهُ التَّحَلُّل الأول بِاثْنَيْنِ من

الثَّلَاثَة وَحصل لَهُ التَّحَلُّل الثَّانِي بالثالث وَإِن قُلْنَا إِن الحلاقة اسْتِبَاحَة مَحْظُور حصل لَهُ التَّحَلُّل الأول بِوَاحِد من اثْنَيْنِ الرَّمْي وَالطّواف وَحصل لَهُ التَّحَلُّل الثَّانِي بالثالث مِنْهُمَا وَقَالَ أَبُو سعيد الْإِصْطَخْرِي إِذا دخل وَقت الرَّمْي حصل لَهُ التَّحَلُّل الأول وَإِن لم يرم وَفِيمَا يحل لَهُ بالتحلل الأول وَالثَّانِي قَولَانِ أصَحهمَا أَنه يحل لَهُ بِالْأولِ جَمِيع الْمَحْظُورَات إِلَّا الوطىء وَيحل بِالثَّانِي الوطىء وَالْقَوْل الثَّانِي أَنه يحل لَهُ بِالْأولِ كل شَيْء إِلَّا الطّيب وَالنِّكَاح والاستمتاع بِالنسَاء وَقتل الصَّيْد فَإِنَّهَا تحل بِالثَّانِي وَجُمْلَة مَا يحرم بِالْإِحْرَامِ تِسْعَة الطّيب اللبَاس وَحلق الشّعْر وقلم

الظفر وَقتل الصَّيْد واللمس بِشَهْوَة والوطىء فِيمَا دون الْفرج والوطىء فِي الْفرج وَعقد النِّكَاح ذكر الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله أَن الوطىء لَا يحل بالتحلل الأول قولا وَاحِدًا واللباس وَحلق الشّعْر وقلم الظفر يحل بِهِ قولا وَاحِدًا وَفِي النِّكَاح واللمس بِشَهْوَة والوطىء فِيمَا دون الْفرج وَقتل الصَّيْد قَولَانِ وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِي الطّيب فَمنهمْ من قَالَ هُوَ كاللباس وَمِنْهُم من قَالَ هُوَ كَالنِّكَاحِ فَإِن نوى بطوافه الْوَدَاع دون طواف الزِّيَارَة وَقع عَن طواف الزِّيَارَة وَكَذَا لَو نوى طواف نفل وَقَالَ أَحْمد لَا يَقع عَن فَرْضه ويفتقر إِلَى تعْيين النِّيَّة ثمَّ يرجع إِلَى منى فَيَرْمِي الجمرات الثَّلَاث فِي أَيَّام التَّشْرِيق فِي كل يَوْم ثَلَاث جمرات كل جَمْرَة سبع حَصَيَات بعد الزَّوَال فَيَرْمِي الْجَمْرَة الأولى وَهِي الَّتِي تلِي مَسْجِد الْخيف وَيقف وَيَدْعُو الله عز وَجل بِقدر سُورَة الْبَقَرَة ثمَّ يَرْمِي الْوُسْطَى

وَيقف وَيَدْعُو مثل ذَلِك ثمَّ يَرْمِي الثَّالِثَة وَهِي جَمْرَة الْعقبَة وَلَا يقف عِنْدهَا وَيجب رميها على هَذَا التَّرْتِيب وَبِه قَالَ أَحْمد وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا رمى مُنَكسًا أعَاد فَإِن لم يفعل فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَقَالَ يجوز الرَّمْي فِي الْيَوْم الثَّالِث قبل الزَّوَال اسْتِحْسَانًا وروى الْحَاكِم أَنه يجوز الرَّمْي قبل الزَّوَال فِي الْيَوْم الأول وَالثَّانِي أَيْضا وَالْأول أشهر فَإِن نسي رمي يَوْم فَهَل يَأْتِي بِهِ فِي الْيَوْم الَّذِي يَلِيهِ فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا يَأْتِي بِهِ فِيهِ فَإِن كَانَ عَلَيْهِ رمى الْيَوْم الأول فَزَالَتْ الشَّمْس فِي الْيَوْم الثَّانِي قبل أَن يرميه فَإِنَّهُ يَرْمِي وَيَنْوِي عَن الْيَوْم الأول ثمَّ يَرْمِي وَيَنْوِي عَن الْيَوْم الثَّانِي فَإِن بَدَأَ فَنوى بِالرَّمْي عَن الْيَوْم الثَّانِي فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يَقع عَن الأول وَالثَّانِي أَنه لَا يَقع عَن وَاحِد مِنْهُمَا فَإِن قُلْنَا بالْقَوْل الثَّانِي

إِن رمى كل يَوْم مُؤَقّت بيومه فَترك رمي الْيَوْم الأول فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه يسْقط الرَّمْي إِلَى الدَّم وَالثَّانِي أَنه يقْضِي الرَّمْي وَيلْزمهُ مَعَه دم وَالثَّالِث أَنه يقْضِي الرَّمْي وَلَا شَيْء عَلَيْهِ فَإِن نسي رمي يَوْم النَّحْر فَفِيهِ طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَنه كرمي أَيَّام التَّشْرِيق فَيَرْمِي رمي يَوْم النَّحْر فِي أَيَّام التَّشْرِيق وهلى قَوْله الآخر يكون على الْأَقْوَال الثَّلَاثَة فِي رمي الْيَوْم الأول إِذا تَركه وَالطَّرِيق الثَّانِي أَنه يسْقط رمي يَوْم النَّحْر قولا وَاحِدًا فَإِن ترك حَصَاة فَفِيهَا ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا ثلث الدَّم وَالثَّانِي مد وَالثَّالِث دِرْهَم وَإِن ترك رمي يَوْم وَجب عَلَيْهِ دم وَإِن ترك رمي الْأَيَّام الثَّلَاثَة وَقُلْنَا إِنَّهَا بِمَنْزِلَة الْيَوْم الْوَاحِد وَجب دم وَاحِد فِي الْكل وَإِن قُلْنَا رمي كل يَوْم مُؤَقّت بيومه وَجب لرمي كل يَوْم دم فَإِن ترك مَعهَا جَمْرَة الْعقبَة أَيْضا وَقُلْنَا بِأحد الطَّرِيقَيْنِ أَن حكمه حكم رمي أَيَّام التَّشْرِيق فِي جَوَاز رميه فِيهَا وَجب عَلَيْهِ دم وَاحِد للْكُلّ

وَإِن قُلْنَا رمي يَوْم النَّحْر مُنْفَرد بِنَفسِهِ وَرمي أَيَّام التَّشْرِيق شَيْء وَاحِد وَجب بِهِ دم وَبهَا دم وَإِن قُلْنَا كل يَوْم من أَيَّام التَّشْرِيق لَهُ حكم نَفسه وَجب عَلَيْهِ أَرْبَعَة دِمَاء فَيكون فِيهَا ثَلَاثَة أَقْوَال فِي الْجُمْلَة دم وَدَمَانِ وَأَرْبَعَة دِمَاء فَإِن ترك الْمبيت لَيْلَة بمنى أَو لَيْلَتَيْنِ كَانَ على الْأَقْوَال فِي الْحَصَاة والحصاتين فَإِن كَانَ لَهُ عذر من غير السِّقَايَة والرعي بِأَن يكون لَهُ بِمَكَّة مَال يخَاف ضيَاعه إِن بَات بمنى أَو بِهِ مرض فشق عَلَيْهِ الْمبيت مَعَه فَهَل يجوز لَهُ ترك الْمبيت كالرعاء وَأهل السِّقَايَة فِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا أَنه يجوز نزُول المحصب لَيْلَة الرَّابِع عشر مُسْتَحبّ وَلَيْسَ بنسك فَيصَلي بِهِ الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء ويبيت بِهِ وَرُوِيَ عَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ هُوَ نسك وَحكي ذَلِك عَن أبي حنيفَة

وَيسْتَحب أَن يخْطب الإِمَام يَوْم النَّفر الأول وَهُوَ الْيَوْم الثَّانِي من أَيَّام التَّشْرِيق وَبِه قَالَ أَحْمد وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يسْتَحبّ الْخطْبَة فِي هَذَا الْيَوْم وَله أَن ينفر قبل غرُوب الشَّمْس وَلَا يَرْمِي الْيَوْم الثَّالِث فَإِن أَقَامَ حَتَّى غربت الشَّمْس وَجب عَلَيْهِ أَن يبيت حَتَّى يَرْمِي من الْغَد وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَهُ أَن ينفر مَا لم يطلع الْفجْر وَحكي عَن الْحسن الْبَصْرِيّ وَقَالَ دَاوُد إِذا دخل عَلَيْهِ وَقت الْعَصْر لم ينفر فَإِن رَحل من منى فغربت الشَّمْس وَهُوَ راحل قبل انْفِصَاله مِنْهَا لم يلْزمه الْإِقَامَة وَإِن كَانَ مَشْغُولًا بالتأهب فغربت الشَّمْس فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يلْزمه الْمقَام فَإِن حَاضَت الْمَرْأَة قبل طواف الْإِفَاضَة لم تنفر حَتَّى تطهر وَتَطوف وَلَا يلْزم الْجمال حبس الْجمال عَلَيْهَا بل ينفر مَعَ النَّاس وتركب غَيرهَا مَكَانهَا وَقَالَ مَالك يلْزمه حبس الْجمال عَلَيْهَا أَكثر الْحيض وَزِيَادَة ثَلَاثَة أَيَّام ذكر ذَلِك فِي الْحَاوِي إِذا فرغ من أَفعَال الْحَج وَأَرَادَ الْإِقَامَة بِمَكَّة فَلَا وداع عَلَيْهِ وَبِه قَالَ أَبُو يُوسُف وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا نوى الْإِقَامَة بعْدهَا حل لَهُ النَّفر الأول لم يسْقط

عَنهُ طواف الْوَدَاع أَرْكَان الْحَج أَرْبَعَة الْإِحْرَام وَالْوُقُوف بِعَرَفَة وَطواف الزِّيَارَة وَالسَّعْي بَين الصَّفَا والمروة وواجباته الْإِحْرَام من الْمِيقَات وَالرَّمْي وَفِي الْوُقُوف بِعَرَفَة إِلَى أَن تغرب الشَّمْس وَالْمَبِيت بِالْمُزْدَلِفَةِ وبمنى ليَالِي الرَّمْي وَطواف الْوَدَاع قَولَانِ وَمَا سوى ذَلِك سنة وَحكي عَن عبد الْملك بن الْمَاجشون أَن رمي جَمْرَة الْعقبَة ركن فالأركان لَا يتَحَلَّل من الْحَج دون الْإِتْيَان بهَا والواجبات إِذا تَركهَا لزمَه دم جبران وَالسّنَن لَا يلْزمه بِتَرْكِهَا شَيْء وَالْأَيَّام المعلومات عشر ذِي الْحجَّة والمعدودات أَيَّام التَّشْرِيق وَبِه قَالَ أَحْمد وَرُوِيَ عَنهُ أَنه حُكيَ عَن ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أَنه قَالَ هِيَ أَرْبَعَة أَيَّام يَوْم النَّحْر وَأَيَّام التَّشْرِيق وَاسْتَحْسنهُ وَقَالَ مَالك المعلومات ثَلَاثَة يَوْم النَّحْر ويومان بعده وَقَالَ أَبُو حنيفَة هِيَ ثَلَاثَة يَوْم عَرَفَة وَيَوْم النَّحْر وَالْيَوْم الأول من أَيَّام التَّشْرِيق

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب الْفَوات والإحصار من أحرم بِالْحَجِّ فَلم يقف بِعَرَفَة حَتَّى طلع الْفجْر من يَوْم النَّحْر فقد فَاتَهُ الْحَج وَعَلِيهِ أَن يتَحَلَّل بِعَمَل عمْرَة وَهُوَ الطّواف وَالسَّعْي وَالْحلق وَيسْقط الْمبيت وَالرَّمْي وَعَلِيهِ هدي وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة إِلَّا فِي الْهَدْي فَإِنَّهُ لم يُوجب عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُف يَنْقَلِب إِحْرَامه عمْرَة ويتحلل بهَا وَقَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله لَا يسْقط الْمبيت وَالرَّمْي كَمَا لَا يسْقط الطّواف وَالسَّعْي وَرُوِيَ ذَلِك عَن عمر وَإِلَيْهِ ذهب مَالك وَحكي فِي الْحَاوِي عَن مَالك فِي إِحْدَى رواياته أَنه يبْقى على إِحْرَامه حَتَّى يقف بِعَرَفَة من الْعَام الْقَابِل فَيتم حجه وَفِي وَقت وجوب الْهَدْي وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يجب فِي سنة الْقَضَاء

وَالثَّانِي أَنه يجب فِي سنة الْفَوات وَحكى أَبُو حَامِد فِي التَّعْلِيق فِي وَقت إِخْرَاجه قَوْلَيْنِ وَهل يجب الْقَضَاء على الْفَوْر على مَا ذَكرْنَاهُ فِي الْإِفْسَاد فَإِن كَانَ قَارنا ففاته الْحَج لزمَه قَضَاؤُهُ وَفِي الْعمرَة قَولَانِ أَحدهمَا لَا قَضَاء عَلَيْهِ فِيهَا وَيجزئهُ عَن عمْرَة الْإِسْلَام وَالثَّانِي يجب عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا كَمَا يجب قَضَاء الْحَج فَإِن أحصره عَدو عَن الْوُقُوف أَو الطّواف وَالسَّعْي وَكَانَ لَهُ طَرِيق آخر يُمكنهُ الْوُصُول فِيهِ لزمَه قَصده بعد أم قرب وَلم يجز لَهُ التَّحَلُّل فَإِن سلكه ففاته الْحَج تحلل بِعَمَل عمْرَة وَفِي وجوب الْقَضَاء قَولَانِ أَحدهمَا لَا يجب ويروى عَن مَالك وَعَطَاء وَالثَّانِي يجب وَقَالَ أَبُو حنيفَة عَلَيْهِ أَن يقْضِي حجه وَعمرَة وَإِن لم يكن لَهُ طَرِيق آخر فَإِنَّهُ يجوز لَهُ التَّحَلُّل وَيلْزمهُ شَاة وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ أَنه لَا يتَحَلَّل إِلَّا أَن يكون الْعَدو كَافِرًا

وَقَالَ مَالك يتَحَلَّل وَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن كَانَ قد أحْصر عَن الْوُقُوف وَالْبَيْت جَمِيعًا جَازَ لَهُ التَّحَلُّل وَإِن أحْصر عَن الْوُقُوف دون الْبَيْت أَو عَن الْبَيْت بعد الْوُقُوف فَإِنَّهُ لَا يجوز لَهُ التَّحَلُّل وَإِن كَانَ محرما بِالْعُمْرَةِ فأحصر جَازَ لَهُ التَّحَلُّل مِنْهَا وَقَالَ مَالك لَا يجوز لَهُ التَّحَلُّل مِنْهَا فَإِن أحْصر عَن الْبَيْت وَأمكنهُ الْوُصُول إِلَى الْحرم لزمَه أَن ينْحَر فِي الْحرم فِي أصح الْوَجْهَيْنِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجوز لَهُ النَّحْر إِلَّا فِي الْحرم فيواطىء رجلا يحمل الْهَدْي ويؤقت لَهُ وقتا لينحر فِيهِ فيتحلل فِي ذَلِك الْوَقْت وَإِن لم يجد الْهَدْي فَهَل لَهُ بدل فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه لَا بدل لَهُ فعلى هَذَا هَل يُقيم على الْإِحْرَام إِلَى أَن يجد الْهَدْي أَو يتَحَلَّل فِي الْحَال فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا يتَحَلَّل فِي الْحَال

وَالثَّانِي أَنه يُقيم على الْإِحْرَام وَالْقَوْل الثَّانِي لَهُ بدل وَفِي الْبَدَل ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَن بُد لَهُ الْإِطْعَام وَالثَّانِي الصّيام وَالثَّالِث أَنه مُخَيّر بَينهمَا فَإِن قُلْنَا بدله الْإِطْعَام فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا إطْعَام بالتعديل وَالثَّانِي إطْعَام فديَة الْأَذَى لسِتَّة مَسَاكِين لكل مِسْكين نصف صَاع وَإِن قُلْنَا بدله الصّيام فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا صِيَام التَّمَتُّع وَالثَّانِي صِيَام التَّعْدِيل وَالثَّالِث صِيَام فديَة الْأَذَى وَإِن قُلْنَا إِنَّه مُخَيّر خير بَين صِيَام فديَة الْأَذَى وَبَين إطعامها فيطعم ويتحلل وَإِن لم يجد الْإِطْعَام فَهَل يتَحَلَّل أَو لَا يتَحَلَّل مَتى يجد الطَّعَام

على الْقَوْلَيْنِ فِي الْهَدْي وَإِن قُلْنَا يَصُوم فَهَل يتَحَلَّل قبيل الصَّوْم فِيهِ وَجْهَان فَإِن تحلل وَكَانَ فِي حج تقدم وُجُوبه بَقِي الْوُجُوب فِي ذمَّته وَإِن كَانَ فِي حج تطوع أَو فِي سنة الْإِمْكَان لم يلْزمه الْقَضَاء وَقَالَ أَبُو حنيفَة يلْزمه الْقَضَاء فِي كل حَال وَإِن كَانَ الْحصْر خَاصّا بِأَن حَبسه غَرِيمه فَفِي وجوب الْقَضَاء قَولَانِ أَحدهمَا لَا يلْزمه وَالثَّانِي يلْزمه فَأَما إِذا أحصره مرض فَإِنَّهُ لَا يجوز لَهُ التَّحَلُّل وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجوز لَهُ التَّحَلُّل فَإِن أحرم العَبْد بِغَيْر إِذن مَوْلَاهُ صَحَّ إِحْرَامه وَله أَن يحلله وَقَالَ أهل الظَّاهِر لَا ينْعَقد إِحْرَامه فَإِن ملكه الْمولى مَالا وَقُلْنَا يملكهُ تحلل بِالْهَدْي وَإِن لم يكن لَهُ هدي فَهُوَ كَالْحرِّ المسعد يتَحَلَّل بِالصَّوْمِ وَهل يتَحَلَّل قبل الْهَدْي أَو الصَّوْم على الْقَوْلَيْنِ وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يجوز للْعَبد أَن يتَحَلَّل قبل الصَّوْم وَالْهَدْي قولا وَاحِدًا

وَإِن أحرم بِإِذن مَوْلَاهُ لم يجز لَهُ أَن يحلله فَإِن بَاعه وَهُوَ محرم وَلم يعلم المُشْتَرِي بِحَالهِ فَلهُ الْخِيَار فَإِن رَضِي بِهِ لم يكن لَهُ أَن يحلله وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَهُ ذَلِك بِنَاء على أَصله فَأَما الْأمة فَإِنَّهَا كَالْعَبْدِ إِلَّا أَن يكون لَهَا زوج فَيعْتَبر إِذن الزَّوْج مَعَ الْمولى وَحكى ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد أَنه لَا يعْتَبر إِذن الْمولى دون الزَّوْج وَأما الْمكَاتب إِذا أحرم بِغَيْر إِذن سَيّده فَفِيهِ طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَنه على الْقَوْلَيْنِ فِي سفر التِّجَارَة وَالثَّانِي أَنه لَهُ أَن يمنعهُ قولا وَاحِدًا فَأَما الْمَرْأَة إِذا أَحرمت بِغَيْر إِذن زَوجهَا فَإِن كَانَ تَطَوّعا كَانَ لَهُ أَن يحللها وَإِن كَانَ فرضا فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَن لَهُ أَن يحللها وَله أَن يمْنَعهَا من ابْتِدَائه وَبِه قَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة

وَالْقَوْل الثَّانِي أَنه لَيْسَ لَهُ أَن يحللها وَذكر القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله فِي التَّعْلِيق فِي حج التَّطَوُّع وَإِذا أَحرمت بِغَيْر إِذْنه من أَصْحَابنَا من قَالَ لَهُ أَن يحللها قولا وَاحِدًا وَمِنْهُم من قَالَ فِيهِ قَولَانِ كحجة الْإِسْلَام وَالْأول أصح وللأبوين منع الْوَلَد من حج التَّطَوُّع فَإِن أحرم بِهِ بِغَيْر إذنهما فَهَل لَهما أَو لأَحَدهمَا تَحْلِيله فِيهِ قَولَانِ كَالزَّوْجَةِ الْحرَّة فَإِن أعتق العَبْد وَهُوَ محرم أَو بلغ الصَّبِي وَهُوَ محرم فَإِن كَانَ قبل الْوُقُوف أَو فِي حَال الْوُقُوف أَجزَأَهُ عَن حجَّة الْإِسْلَام وَإِن كَانَ بعد فَوَات وَقت الْوُقُوف لم يجزه وَإِن كَانَ بعد الْوُقُوف وَقبل فَوَات وقته وَلم يرجع إِلَى الْموقف لم يجزه عَن حجَّة الْإِسْلَام على الصَّحِيح من الْمَذْهَب وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس بن سُرَيج يُجزئهُ وَقَالَ مَالك لَا يَنْقَلِب حجهما فرضا بِحَال فَإِن أفسد العَبْد الْحَج قبل الْوُقُوف لزمَه إِتْمَامه وَلَزِمَه الْقَضَاء كَالْحرِّ وَحكى بعض أَصْحَابنَا أَنه لَا قَضَاء عَلَيْهِ تخريجا من الصَّبِي يفْسد الْحَج قبل الْبلُوغ فَهَل للسَّيِّد أَن يمنعهُ من الْقَضَاء فِيهِ وَجْهَان فَإِن أحرم بِالْحَجِّ وَشرط أَن يتَحَلَّل مِنْهُ لعرض صَحِيح بِأَن يَقُول إِذا مَرضت تحللت فَفِيهِ طَرِيقَانِ

أَحدهمَا أَنه على قَوْلَيْنِ أَحدهمَا ان الشَّرْط لَا يثبت وَالثَّانِي يثبت وَالطَّرِيق الثَّانِي أَن الشَّرْط صَحِيح قولا وَاحِدًا لحَدِيث ضباعة بنت الزبير رَضِي الله عَنْهُمَا فَإِن شَرط إِنَّه إِذا مرض صَار حَلَالا فَمَرض صَار حَلَالا فِي أحد الْوَجْهَيْنِ وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ لَا يتَحَلَّل إِلَّا بِالْهَدْي بِكُل حَال فَإِن تحلل بِحكم الشَّرْط فَهَل يجب عَلَيْهِ بِهِ دم فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يجب عَلَيْهِ دم كَمَا لَو تحلل بالإحصار بالعدو وَالثَّانِي وَهُوَ مَنْصُوص الشَّافِعِي رَحمَه الله أَنه لَا دم عَلَيْهِ فَإِن أحرم ثمَّ ارْتَدَّ بَطل إِحْرَامه فِي إِحْدَى الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَالثَّانِي لَا يبطل فَيَعُود إِلَى الْإِسْلَام وَيَبْنِي عَلَيْهِ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب الْهَدْي يسْتَحبّ لمن قصد مَكَّة حَاجا أَو مُعْتَمِرًا أَن يهدي إِلَيْهَا من بَهِيمَة الْأَنْعَام وينحره بهَا ويفرقة فِيهَا ويستحسنه ويستسمنه فَإِن كَانَ من الْإِبِل أَو الْبَقر اسْتحبَّ أَن يشعره فِي صفحة سنامها الْأَيْمن ويقلده نَعْلَيْنِ وَبِه قَالَ مَالك وَأَبُو يُوسُف إِلَّا أَنَّهُمَا قَالَا يشعرها فِي الْجَانِب الْأَيْسَر وَقَالَ أَبُو حنيفَة الْإِشْعَار محرم ويقلد الْغنم

وَقَالَ مَالك لَا يسْتَحبّ تَقْلِيد الْغنم وَلَا يصير محرما بتقليدها وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ يصير محرما بتقليدها فَإِن كَانَ الْهَدْي تَطَوّعا فَهُوَ بَاقٍ على ملكه وتصرفه إِلَى أَن ينحره وَحكي عَن بعض أَصْحَاب مَالك أَنه قَالَ يصير بالإشعار والتقليد وَاجِبا حَتَّى أَنه لَو كَانَ قد أحرم بِالْعُمْرَةِ وسَاق هَديا تَطَوّعا ثمَّ أحرم بِالْحَجِّ لم يجز أَن يصرفهُ إِلَى قرانه وَإِن كَانَ الْهَدْي منذورا زَالَ ملكه عَنهُ وَصَارَ للْمَسَاكِين فَلَا يجوز لَهُ بَيْعه وَلَا إِبْدَاله بِغَيْرِهِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجوز لَهُ بَيْعه وإبداله بِغَيْرِهِ وَيجوز لَهُ أَن يشرب من لبنه مَا يفضل عَن وَلَده وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجوز أَن يشرب من لبنه شَيْئا بل يرش على الضَّرع المَاء حَتَّى يَنْقَطِع اللَّبن إِذا لم يكن هُنَاكَ ولد وَحكم الْأُضْحِية الْمَنْذُورَة حكم الْهَدْي فِي ذَلِك وَمَا وَجب من الدِّمَاء جبرانا لَا يجوز أَن يَأْكُل مِنْهُ وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجوز أَن يَأْكُل من دم التَّمَتُّع وَالْقرَان لِأَنَّهُ عِنْده نسك وَقَالَ مَالك يجوز أَن يَأْكُل من جَمِيع الدِّمَاء الْوَاجِبَة إِلَّا جَزَاء الصَّيْد وفدية الْأَذَى

وَإِن عطب الْهَدْي نَحره وغمس نَعله فِي دَمه وَضرب بِهِ صفحته وَلَا يجوز أَن يَأْكُل مِنْهُ وَهل يجوز لفقراء الرّفْقَة الْأكل مِنْهُ فِيهِ وَجْهَان أظهرهمَا أَنه لَا يجوز وَمن يمر بِهِ بعد ذَلِك هَل يجوز لَهُ الْأكل مِنْهُ بالعلامة من غير سَماع الْإِبَاحَة من الْمهْدي على قَوْلَيْنِ أَحدهمَا أَنه يُبَاح لَهُ بالعلامة وَالثَّانِي لَا يُبَاح فَإِن أخر ذبحه حَتَّى مَاتَ أَو أتْلفه ضمنه بِأَكْثَرَ من الْأَمريْنِ من قِيمَته أَو هدي مثله وَقَالَ أَبُو حنيفَة يضمنهُ بِقِيمَتِه لَا غير فَإِن كَانَت قِيمَته أَكثر من هدي مثله اشْترى هَديا وَينظر فِي الزِّيَادَة فَإِن أمكنه ان يشري بهَا هَديا آخر لزمَه ذَلِك فَإِن لم يُمكنهُ أَن يَشْتَرِي بهَا هَديا آخر فَفِيهَا ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يَشْتَرِي بهَا جُزْءا من حَيَوَان يُشَارك فِيهِ غَيره ويذبحه وَالثَّانِي أَن يَشْتَرِي بهَا اللَّحْم وَالثَّالِث أَن يتَصَدَّق بِالْفَضْلِ

ذكر فِي الْحَاوِي إِنَّا إِذا قُلْنَا يَشْتَرِي بِهِ جُزْءا من حَيَوَان كَانَ حكمه حكم الْهَدَايَا والضحايا وَإِن قُلْنَا إِنَّه يَشْتَرِي بهَا لَحْمًا أَو يفرق الزِّيَادَة فَهَل يسْلك بِهِ مَسْلَك الْهَدَايَا فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يسْلك بِهِ مَسْلَك الْهَدَايَا وَالثَّانِي أَنه يخْتَص بِهِ الْفُقَرَاء فَلَا يجوز أَن يَأْكُل مِنْهُ شَيْئا وَإِن أتْلفه أَجْنَبِي من غير تَفْرِيط من جِهَة الْمهْدي وَجَبت عَلَيْهِ الْقيمَة فَإِن زَادَت الْقيمَة على هدي مثله كَانَ فِي الزِّيَادَة مَا ذَكرْنَاهُ من الْوُجُوه وَإِن لم تبلغ قِيمَته هَديا مثله فَهُوَ على الْأَوْجه الْمُتَقَدّمَة وَحكى فِي الْحَاوِي فِي الْمهْدي وَجْهَيْن أَحدهمَا مَا ذَكرْنَاهُ وَالثَّانِي أَنه يلْزمه هدي وَإِن ذبحه أَجْنَبِي بِغَيْر إِذْنه وَقع الْموقع وَيلْزمهُ أرش مَا نقص من قِيمَته وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا ضَمَان عَلَيْهِ وَقَالَ مَالك لَا يجزى عَنهُ يلْزمه هدي بدله اَوْ أضْحِية إِن كَانَت أضْحِية وَله على الْأَجْنَبِيّ الْأَرْش وَتَكون شَاة لحم وَحكم الْأَرْش عندنَا مَا ذَكرْنَاهُ فِي الزِّيَادَة وَحكي فِي الْحَاوِي فِي هَذَا الْأَرْش ثَلَاثَة أوجه

أَحدهَا أَن يكون للمهدي وَالثَّانِي أَنه للْمَسَاكِين خَاصَّة وَالثَّالِث أَنه يسْلك بِهِ مَسْلَك الضَّحَايَا فَإِن ذبح رجلَانِ كل وَاحِد مِنْهُمَا أضْحِية الآخر وَفرق لَحمهَا لم يجزه وَضمن كل وَاحِد مِنْهُمَا قيمَة أضْحِية صَاحبه لَهُ وَفِي الْقيمَة وَجْهَان أَحدهمَا وَهُوَ قَول الْجُمْهُور أَنه يضمن قيمتهَا قبل الذّبْح وَالثَّانِي وَهُوَ قَول أبي عَليّ بن أبي هُرَيْرَة انه يضمن أَكثر الْأَمريْنِ من قيمتهَا حَيَّة اَوْ قيمَة لَحمهَا بعد الذّبْح لتعديه بالتفرقة وَهُوَ الْأَظْهر وَيكرهُ ذَبحهَا لَيْلًا وَقَالَ مَالك لَا يجزىء ذَبحهَا لَيْلًا حَكَاهُ فِي الْحَاوِي فَإِن ضل الْهَدْي الْمعِين فَهَل يجب عَلَيْهِ مثله فِيهِ قَولَانِ احدهما يجب وَالثَّانِي لَا يجب فَإِن عين هَديا عَمَّا فِي ذمَّته تعين وَزَالَ ملكه عَنهُ وَحكمه حكم الْمعِين ابْتِدَاء وَهل يتبعهُ الْوَلَد الْحَادِث فِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا أَنه يتبعهُ

فَإِن حدث بِهِ عيب يمْنَع الْإِجْزَاء أَو عطب فنحره عَاد الْوَاجِب إِلَى ذمَّته وَهل يعود مَا نَحره إِلَى ملكه فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يعود إِلَى ملكه فَيجوز لَهُ اكله ثمَّ ينظر فَإِن كَانَ الَّذِي عينه أَعلَى مِمَّا فِي ذمَّته فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يلْزمه مثل مَا عينه وَالثَّانِي أَنه يهدي مثل الَّذِي فِي ذمَّته

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب الْأُضْحِية الْأُضْحِية سنة مُؤَكدَة وَبِه قَالَ أَحْمد وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو حنيفَة هِيَ وَاجِبَة على المقيمين من أهل الْأَمْصَار وَيعْتَبر فِي وُجُوبهَا النّصاب وَهُوَ قَول مَالك وَالثَّوْري وَلم يعْتَبر مَالك الْإِقَامَة وَوقت الْأُضْحِية إِذا طلعت الشَّمْس من يَوْم النَّحْر وَمضى قدر صَلَاة العيبد والخطبتين صلى الإِمَام أَو لم يصل

فَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يعْتَبر قدر صَلَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وخطبتيه وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ سُورَة قَاف واقتربت السَّاعَة وَقد نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله على ذَلِك وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يعْتَبر قدر رَكْعَتَيْنِ خفيفتين أقل مَا تكون صَلَاة عَامَّة وخطبتين خفيفتين وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ وَقت الْأُضْحِية كَانَ فِي عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يدْخل بِفعل الصَّلَاة والخطبتين وَبعده يدْخل وَقتهَا بِقدر الصَّلَاة والخطبتين وَقَالَ عَطاء يدْخل وَقتهَا إِذا طلعت الشَّمْس وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد من شَرط صِحَة الْأُضْحِية أَن يُصَلِّي الإِمَام ويخطب إِلَّا أَن أَبَا حنيفَة قَالَ يجوز لأهل السوَاد ان يضحوا إِذا طلع الْفجْر الثَّانِي وَآخر وَقتهَا آخر أَيَّام التَّشْرِيق وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَقت الْأُضْحِية يَوْم النَّحْر ويومان بعده قَالَ سعيد بن جُبَير يجوز لأهل الْأَمْصَار يَوْم النَّحْر خَاصَّة وَلأَهل السوَاد فِيهِ وَفِي أَيَّام التَّشْرِيق وَقَالَ ابْن سِيرِين لَا يجوز التَّضْحِيَة إِلَّا فِي يَوْم النَّحْر خَاصَّة

وَحكى عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن وَالنَّخَعِيّ وَقتهَا من يَوْم النَّحْر إِلَى آخر ذِي الْحجَّة فَإِن كَانَت الْأُضْحِية وَاجِبَة لم يسْقط بِفَوَات أَيَّام التَّشْرِيق ويذبحها وَتَكون قَضَاء وَقَالَ أَبُو حنيفَة يسْقط الذّبْح ويدفعها إِلَى الْفُقَرَاء فَإِن ذَبحهَا وَفرق لَحمهَا ضمن مَا نقصت بِالذبْحِ وَحكي فِي الْحَاوِي قَالَ بعض الْفُقَهَاء ينْتَظر بهَا إِلَى مثل وَقتهَا من الْعَام الْمقبل كَمَا ينْتَظر بِفَوَات الْحَج قَضَاؤُهُ فِي مثل وقته فَإِذا ذَبحهَا كَانَ حكمهَا حكم مَا فِي وَقتهَا وَقَالَ أَبُو عَليّ بن أبي هُرَيْرَة إِنَّهَا تكون للْمَسَاكِين خَاصَّة لَا يَأْكُل مِنْهَا شَيْئا وَمن دخل عَلَيْهِ عشر ذِي الْحجَّة وَأَرَادَ أَن يُضحي فالمستحب أَن لَا يحلق شعره وَلَا يقلم أَظْفَاره وَقد رُوِيَ فِي الْخَبَر أَن لَا يمس شعره وَلَا بشره شَيْئا فَمن أَصْحَابنَا من قَالَ أَرَادَ بالشعر شعر الرَّأْس وبالبشرة شعر الْبدن فعلى هَذَا لَا يدْخل مِنْهُ قلم الظفر وَلَا يكره وَقيل المُرَاد بالشعر جَمِيع الشّعْر وبالبشرة الْأَظْفَار

وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ لَا تثبت الْكَرَاهَة فِي ذَلِك إِلَّا بعد تعْيين الْأُضْحِية من مَاشِيَته أَو سواهَا وَالْمذهب الأول وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يكره ذَلِك بِحَال وَقَالَ أَحْمد يحرم ذَلِك وَلَا يجزىء فِي الْأُضْحِية إِلَّا الْأَنْعَام وَهِي الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم وَلَا يجزىء إِلَّا الثني من الْإِبِل وَالْبَقر والمعز ويجزىء الْجذع من الضَّأْن والثني من الْإِبِل مَا لَهُ خمس سِنِين وَدخل فِي السَّادِسَة وَمن الْبَقر وَالْغنم مَا لَهُ سنتَانِ وَدخل فِي الثَّالِثَة وَحكي عَن الزُّهْرِيّ أَنه قَالَ لَا يجزىء الْجذع من الضَّأْن أَيْضا وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ يجزىء الْجذع من جَمِيع الْأَجْنَاس والبدنة أفضل من الْبَقَرَة وَالْبَقَرَة أفضل من شَاة وَالشَّاة أفضل من مُشَاركَة سِتَّة فِي بَدَنَة أَو بقرة والضأن أفضل من الْمعز وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَقَالَ مَالك الْجذع من الضَّأْن أفضل من الثني من الْبَقر ثمَّ الثني من الْإِبِل

وَلَا يجزىء مَا فِيهِ عيب ينقص اللَّحْم كالعمياء والجرباء والعرجاء الَّتِي تعجز عَن الْمَشْي فِي المرعى وَحكي فِي الْحَاوِي عَن بعض أهل الظَّاهِر أَنه قَالَ تجزىء العمياء ذكر فِي الْحَاوِي فِي الْمَرِيضَة مَرضا يَسِيرا أَن الشَّافِعِي رَحمَه الله أَشَارَ فِي الْقَدِيم أَنَّهَا لَا تجزىء وَقَالَ فِي الْجَدِيد تجزىء وَذكر فِي الْحَاوِي أَيْضا أَن الْعَجز إِن كَانَ لمَرض لم يجز وَإِن كَانَ لغير مرض أَجْزَأَ وَلَيْسَ بِشَيْء وَيكرهُ الجلحاء وَهِي الَّتِي لم يخلق لَهَا قرن والعصماء وَهِي الَّتِي انْكَسَرَ غلاف قرنها والعضباء وَهِي الَّتِي انْكَسَرَ قرنها والشرقاء وَهِي الَّتِي تثقب من الكي إِذْنهَا والخرقاء الَّتِي شقّ بالطول إِذْنهَا ويجزىء جَمِيعهَا وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة

وَقَالَ مَالك إِن كَانَت العضباء يخرج من قرنها الدَّم لم يجز وَقَالَ النَّخعِيّ وَأحمد لَا تجوز التَّضْحِيَة بالعضباء وَتكره التَّضْحِيَة بمقطوعة الْإِذْن وتجزىء وَقَالَ أَحْمد لَا يجوز التَّضْحِيَة بهَا وَالْمُسْتَحب أَن يذبح أضحيته بِنَفسِهِ فَإِن استناب يَهُودِيّا اَوْ نَصْرَانِيّا فِي ذَبحهَا كره وأجزأه وَقَالَ مَالك لَا تكون أضْحِية فَإِن اشْترى شَاة بنية الْأُضْحِية لم تصر أضْحِية وَقَالَ أَبُو حنيفَة تصير أضْحِية وَيسْتَحب أَن يُسَمِّي الله عز وَجل وَيُصلي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة تكون الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الذّبْح وَقَالَ أَحْمد لَيْسَ بمشروع وَحَكَاهُ فِي الْحَاوِي عَن أبي عَليّ بن أبي هُرَيْرَة من أَصْحَابنَا أَنه لَا يسْتَحبّ وَلَا يكره

وَيسْتَحب ان يَقُول اللَّهُمَّ مِنْك وَإِلَيْك تقبل مني وَقَالَ أَبُو حنيفَة يكره ذَلِك وَحكي فِي الْحَاوِي وَجها آخر أَنه لَا يسْتَحبّ وَلَا يكره وَإِذا ذبح الْأُضْحِية وَكَانَت تَطَوّعا اسْتحبَّ لَهُ أَن يَأْكُل مِنْهَا وَحكي عَن بعض النَّاس أَنه قَالَ الْأكل مِنْهَا وَاجِب وَحَكَاهُ فِي الْحَاوِي عَن أبي حَفْص بن الْوَكِيل وَلَيْسَ بِشَيْء وَقَالَ أَبُو الطّيب بن سَلمَة الْأكل وَاجِب وَالصَّدَََقَة وَاجِبَة وَفِي قدر الْأَفْضَل فِي الْأكل قَولَانِ أَحدهمَا أَن الْأَفْضَل أَن يَأْكُل النّصْف وَيتَصَدَّق بِالنِّصْفِ وَقَالَ فِي الْجَدِيد يَأْكُل الثُّلُث وَيهْدِي الثُّلُث وَيتَصَدَّق بِالثُّلثِ وَأما الْجَوَاز فقد قَالَ أَبُو الْعَبَّاس بن سُرَيج وَابْن الْقَاص يجوز أَن يَأْكُل الْجَمِيع وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يجب أَن يبقي مِنْهُ قدر مَا يَقع عَلَيْهِ اسْم الصَّدَقَة

فَإِن أكل الْجَمِيع لم يضمن على قَول أبي الْعَبَّاس شَيْئا وَيضمن على قَول سَائِر أَصْحَابنَا وَكم قدر مَا يضمن فِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا أَنه يضمن أقل مَا يجزىء وَالثَّانِي أَنه يضمن الْقدر الْمُسْتَحبّ بِنَاء على الْقَوْلَيْنِ فِيهِ إِذا فرق سهم الْفُقَرَاء على اثْنَيْنِ كم يضمن للثَّالِث وَحكي فِي الْحَاوِي وَجها آخر عَن أبي إِسْحَاق الْمروزِي وَأبي عَليّ ابْن أبي هُرَيْرَة أَنه يضمن جَمِيعهَا بِأَكْثَرَ الْأَمريْنِ من قيمتهَا أَو مثلهَا فَحصل فِي قدر مَا يضمنهُ أَرْبَعَة أوجه احدها الْجَمِيع وَالثَّانِي النّصْف وَالثَّالِث الرّبع وَالرَّابِع أقل مَا يجزىء فَإِن كَانَ مَا ذبحه وَجب عَلَيْهِ عَن نذر مجازاة لم يجز أَن يَأْكُل مِنْهُ فَإِن أكل مِنْهُ شَيْئا ضمنه وَفِيمَا يضمنهُ بِهِ الْأَوْجه الثَّلَاثَة الَّتِي تقدم ذكرهَا فِي الْهَدْي

فَإِن كَانَ قد الْتَزمهُ بِنذر مُطلق فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه لَا يجوز أَن يَأْكُل مِنْهُ شَيْئا وَالثَّانِي أَنه يجوز أَن يَأْكُل مِنْهُ وَالثَّالِث أَنه إِن كَانَ أضْحِية جَازَ لَهُ الْأكل مِنْهُ وَإِن كَانَ هَديا لم يجز قَالَ أقضى الْقُضَاة الْمَاوَرْدِيّ وَالأَصَح عِنْدِي أَنه ينظر إِلَى الْمَنْذُور فَإِن كَانَ مستعينا لم يضمن فِي الذِّمَّة كَقَوْلِه لله عَليّ أَن أضحي بِهَذِهِ الْبَدنَة جَازَ لَهُ أَن يَأْكُل مِنْهَا وَأَن كَانَ مَضْمُونا فِي الذِّمَّة كَقَوْل لله عَليّ أَن أضحي بَدَنَة فَلَا يجوز أَن يَأْكُل مِنْهَا وَلَيْسَ لما ذكره معنى يعول عَلَيْهِ فَإِن أخر الْأُضْحِية فَتلفت فِي يَد الْمُسْتَأْجر لم يضمنهَا الْمُسْتَأْجر وضمنها الْمُؤَجّر وَيضمن الْمُسْتَأْجر الْأُجْرَة وَفِي قدر مَا يضمنهُ وَجْهَان أظهرهمَا أَنه يضمن أُجْرَة الْمثل وَالثَّانِي وَهُوَ قَول أبي عَليّ بن ابي هُرَيْرَة أَنه يضمن أَكثر الْأَمريْنِ من الْأُجْرَة الْمُسَمَّاة أَو أُجْرَة الْمثل ثمَّ قَالَ مَاذَا يصنع بِهَذِهِ الْأُجْرَة فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يسْلك بهَا مَسْلَك الْأُضْحِية

وَالثَّانِي أَنَّهَا تصرف إِلَى الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين وَلَا يجوز بيع شَيْء من الْهَدْي وَالْأُضْحِيَّة نذرا كَانَ أَو تَطَوّعا وَحكي فِي جَوَاز تفرد المضحي بجلد الْأُضْحِية وَجْهَان أَحدهمَا يجوز وَالثَّانِي لَا يجوز حَتَّى يُشَارك فِيهِ الْفُقَرَاء وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ يجوز بيع جلودها بِآلَة الْبَيْت الَّتِي تعار كالفأس وَالْقدر والمنخل وَالْمِيزَان وَقَالَ عَطاء لَا بَأْس بيع أهب الْأَضَاحِي وَقَالَ ابو حنيفَة إِذا ذَبحهَا جَازَ لَهُ بيع مَا شَاءَ مِنْهَا وَالتَّصَدُّق بِثمنِهِ فَإِن بَاعَ جلدهَا بِآلَة الْبَيْت جَازَ لَهُ الِانْتِفَاع بِهِ

وَيجوز أَن يشْتَرك السَّبْعَة فِي بَدَنَة وَفِي بقرة سَوَاء كَانُوا متقربين أَو بَعضهم يُرِيد اللَّحْم أهل بَيت وَاحِد كَانُوا أَو مُتَفَرّقين وَقَالَ مَالك إِن كَانَ مُتَطَوعا جَازَ إِذا كَانُوا أهل بَيت وَاحِد وَقَالَ ابو حنيفَة إِذا كَانُوا متقربين جَازَ وَقَالَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه الْبَدنَة عَن عشرَة وَالْبَقَرَة عَن عشرَة وَحكم الْهَدَايَا والضحايا سَوَاء إِلَّا فِي الْمحل فَإِن الْهَدَايَا تحمل إِلَى الْحرم والضحايا تكون فِي كل بلد وَهل يتَعَيَّن الْبَلَد ذكر فِيهِ وَجْهَان بِنَاء على الْقَوْلَيْنِ فِي نقل الصَّدَقَة فَإِن ضلت الْأُضْحِية فِي أَيَّام النَّحْر وَقد مضى بَعْضهَا وَبَقِي بَعْضهَا فَهَل يكون مفرطا فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يكون مفرطا وَالثَّانِي أَنه مفرط فَإِن ولدت الْأُضْحِية تبعها وَلَدهَا فيذبحهما جَمِيعًا فَإِن تصدق بِأَحَدِهِمَا وَأكل الآخر فَهَل يجوز فِيهِ ثَلَاثَة أوجه

أَحدهَا أَنه لَا يجوز حَتَّى يتَصَدَّق من كل وَاحِد مِنْهُمَا وَيَأْكُل وَالثَّانِي أَنه يجوز ذَلِك وَالثَّالِث أَنه إِن تصدق بِالْأُمِّ وَأكل الْوَلَد جَازَ وَإِن تصدق بِالْوَلَدِ وَأكل الْأُم لم يجز فَإِن الْتزم أضْحِية مُعينَة سليمَة من الْعُيُوب فَحدث بهَا عيب لم يمْنَع اجزاءها وَقَالَ أَبُو حنيفَة يمْنَع فَإِن أوجب أضْحِية مَعِيبَة فَزَالَ عيبها فَهَل تُجزئه فِيهِ قَولَانِ قَالَ فِي الْجَدِيد لَا تجزىء وَقَالَ فِي الْقَدِيم تجزىء وَيجوز الادخار من لُحُوم الْأَضَاحِي وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ من أجل الدافة يَعْنِي عَن الإدخار فَمنهمْ من قَالَ هُوَ نهي تَحْرِيم على الْعُمُوم فِي الْمَدِينَة الَّتِي دفت الْبَادِيَة إِلَيْهَا وَفِي غَيرهَا يحرم ادخار لحم الْأَضَاحِي بعد ثَلَاث فِي جَمِيع الْبِلَاد

وَعَلِيهِ جَمِيع الْمُسلمين وَكَانَت الدافة سَببا للتَّحْرِيم ثمَّ وَردت الْإِبَاحَة بعده نسخا للتَّحْرِيم فعلى هَذَا إِذا قدم إِلَى بلد لم يحرم فِيهِ ادخار الْأَضَاحِي وَالْوَجْه الثَّانِي أَنه نهي تَحْرِيم خَاص لِمَعْنى حَادث اخْتصَّ بِالْمَدِينَةِ وَمن فِيهَا دون غَيرهم لنزول الدافة فيهم ثمَّ ارْتَفع التَّحْرِيم بارتفاع علته فعلى هَذَا اخْتلف أَصْحَابنَا إِذا حدث مثل ذَلِك فِي زَمَاننَا فدف نَاس إِلَى بلد هَل يحرم على أَهله ادخاره فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يحرم عَلَيْهِم كَمَا حرم على أهل الْمَدِينَة وَالثَّانِي لَا يحرم فَأَما العَبْد إِذا ضحى بِإِذن مَوْلَاهُ عَن نَفسه وَقُلْنَا إِنَّه يملك صَحَّ ذَلِك وَلَيْسَ للسَّيِّد أَن يرفع فِيهَا بعد الذّبْح فَأَما قبل الذّبْح فَإِن كَانَ قبل إِيجَاب الْأُضْحِية وتعيينها صَحَّ رُجُوعه فِيهَا وَإِن كَانَ بعد إِيجَابهَا وتعيينها لم يجز قَالَ الشَّيْخ الإِمَام أيده الله وَعِنْدِي أَنه لَا فرق بَين

فصل في العقيقة

مَا قبل الذّبْح وَبَين مَا بعده فِيمَا ذكره من الرُّجُوع وَعَدَمه وَيجوز أَن يخْتَلف الْإِيجَاب وَالتَّعْيِين وَعدم الْإِيجَاب وَأما الْمكَاتب إِذا أذن لَهُ الْمولى فِي التَّضْحِيَة فَفِيهِ قَولَانِ قَالَ الإِمَام أيده الله إِن ذَلِك يبْنى على أَن تبرعات الْمكَاتب بِإِذن الْمولى هَل تصح أم لَا فصل فِي الْعَقِيقَة الْعَقِيقَة سنة وَهُوَ مَا يذبح عَن الْمَوْلُود وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَيست بِسنة وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ وَدَاوُد هِيَ وَاجِبَة وَوقت الذّبْح الْيَوْم السَّابِع وَفِي أول وَقت جَوَازه وَجْهَان أَحدهمَا من يَوْم الْولادَة وَالثَّانِي بعد يَوْم الْولادَة

وَيسْتَحب أَن يذبح عَن الْغُلَام شَاتَان وَعَن الْجَارِيَة شَاة وَقَالَ مَالك شَاة عَن الْغُلَام أَيْضا وَفِي كسر عظمها وَجْهَان أَحدهمَا وَهُوَ قَول البغداديين وَالثَّانِي لَا يكره وَهُوَ قَول الْبَصرِيين وَلَا يمس رَأس الْمَوْلُود بِدَم الْعَقِيقَة وَقَالَ قَتَادَة تُؤْخَذ صوفة من صوفها فيستقبل بهَا أوداجها ثمَّ تجْعَل على يافوخ الصَّبِي حَتَّى يسيل ثمَّ يغسل

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب النّذر يَصح النّذر من كل مُسلم بَالغ عَاقل وَلَا يَصح نذر الْكَافِر وَقيل يَصح وَلَا يَصح النّذر إِلَّا بالْقَوْل فَيَقُول لله عَليّ كَذَا أَو عَليّ كَذَا وَقَالَ فِي الْقَدِيم إِذا اشْترى بَدَنَة وقلدها وَنوى أَنَّهَا هدي أَو أضْحِية صَارَت هَديا وأضحية وَخرج ابو الْعَبَّاس وَجها آخر أَنه يصير هَديا وأضحية بِمُجَرَّد النِّيَّة فَإِن قَالَ إِن اشْتريت شَاة فَللَّه عَليّ أَن أجعلها أضْحِية فاشتراها لزمَه أَن يَجْعَلهَا أضْحِية وَهُوَ نذر مَضْمُون فِي الذِّمَّة غير مُتَعَلق بِعَين فَلَزِمَ وَإِن قَالَ إِن اشْتريت هَذِه الشَّاة فَللَّه عَليّ أَن أجعلها أضْحِية فَفِيهِ وَجْهَان

أَحدهمَا أَنه يغلب حكم التَّعْيِين فَلَا يلْزمه وَالثَّانِي أَنه يلْزمه وَالْفرق بَين الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي الْوَجْهَيْنِ لَا يتَحَقَّق وَنذر الْمعاصِي لَا يَصح وَلَا يلْزم بِهِ قربَة كنذر صَوْم يَوْم والعيد وَأَيَّام التَّشْرِيق وَأَيَّام الْحيض وَغير ذَلِك وَحكى الرّبيع أَن الْمَرْأَة إِذا نذرت صَوْم ايام حَيْضهَا لَزِمَهَا كَفَّارَة يَمِين وَقَالَ أَبُو حنيفَة ينْعَقد نَذره بِصَوْم الْعِيد وَأَيَّام التَّشْرِيق غير أَنه لَا يجوز أَن يَصُوم الْمَنْذُور فِيهَا فَإِن صَامَهُ صَحَّ فَإِن نذر الصَّلَاة فِي أَوْقَات النَّهْي فقد حُكيَ فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا وَهُوَ اخْتِيَار الشَّيْخ الإِمَام ابي إِسْحَاق أَنه لَا يَصح نَذره وَالثَّانِي أَنه يَصح نَذره وَيجوز أَن يُصليهَا فِي هَذَا الْوَقْت وَالثَّالِث أَنه ينْعَقد نَذره على الْقَضَاء فِي غَيره دون الْوَفَاء فِيهِ وَإِن نذر ذبح وَلَده لم ينْعَقد نَذره وَلم يلْزم بِهِ شَيْء وَبِه قَالَ أَبُو يُوسُف

وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد يلْزمه ذبح شَاة وَكَذَا إِذا نذر ذبح نَفسه وَإِن نذر ذبح وَالِده أَو عَبده لم يلْزمه شَيْء وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا أَنه يلْزمه ذبح كَبْش وَالثَّانيَِة أَنه يلْزمه كَفَّارَة يَمِين وَحكي ذَلِك عَن سعيد بن الْمسيب فَإِن قَالَ لله عَليّ صَوْم أَو صَلَاة لزمَه ذَلِك فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَول أبي الْعَبَّاس بن سُرَيج وابي سعيد الْإِصْطَخْرِي وَأبي عَليّ بن أبي هُرَيْرَة وَالثَّانِي لَا يلْزمه وَهُوَ قَول أبي إِسْحَاق الْمروزِي وابي بكر الصَّيْرَفِي وَإِن نذر قربَة فِي لجاج بِأَن قَالَ إِن كلمت فلَانا فَللَّه عَليّ صَوْم أَو صَلَاة أَو صَدَقَة بِمَالِه خير بَين كَفَّارَة يَمِين أَو بَين الْوَفَاء بِمَا الْتَزمهُ وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ إِن كَانَت الْقرْبَة حجا أَو عمْرَة لزمَه الْوَفَاء بِهِ وَقَالَ ابو حنيفَة يلْزمه الْوَفَاء بِهِ بِكُل حَال إِن لم يكن لَهُ مَال فَإِن كَانَ صَدَقَة بِمَال لزمَه أَن يتَصَدَّق بِالْمَالِ الزكاتي وَقَالَ مَالك يلْزمه أَن يتَصَدَّق بِثلث مَاله وَبِه قَالَ الزُّهْرِيّ

وَقَالَ النَّخعِيّ وَعُثْمَان البتي يتَصَدَّق بِجَمِيعِ مَاله الزكاتي وَغير الزكاتي وَقَالَ ربيعَة يلْزمه أَن يتَصَدَّق من مَاله بِقدر الزَّكَاة وَقَالَ جَابر بن زيد بن الشعْثَاء إِن كَانَ مَاله كثيرا لزمَه أَن يتَصَدَّق بعشره وَإِن كَانَ وسطا تصدق بسبعه وَإِن كَانَ قَلِيلا تصدق بخمسه وَالْكثير الفان وَالْوسط الف والقليل خمس مائَة وَحكي عَن الحكم وَحَمَّاد أَنَّهُمَا قَالَا لَا يلْزمه شَيْء فَإِن نذر أَن يتَصَدَّق بِمَالِه لزمَه أَن يتَصَدَّق بِجَمِيعِهِ وَقَالَ ابو حنيفَة يتَصَدَّق بِالْمَالِ الزكاتي وَإِن نذر أَن يعْتق رَقَبَة أَجزَأَهُ مَا يَقع عَلَيْهِ اسْم الرَّقَبَة على ظَاهر الْمَذْهَب وَقيل لَا يُجزئهُ إِلَّا مَا يجزىء فِي الْكَفَّارَة وَأَصله الْقَوْلَانِ فِيهِ إِذا نذر هَديا

قَالَ فِي الْقَدِيم يهدي مَا شَاءَ مَا يَقع عَلَيْهِ الِاسْم وَقَالَ فِي الْجَدِيد لَا يُجزئهُ إِلَّا مَا يجزىء فِي الْأُضْحِية وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأحمد فَإِن نذر أَن يهدي بَدَنَة أَو بقرة أَو شَاة أَجزَأَهُ على القَوْل الأول مَا يَقع عَلَيْهِ الِاسْم وعَلى القَوْل الثَّانِي لَا يُجزئهُ إِلَّا مَا يجزىء فِي الْأُضْحِية فَإِن نذر أَن يهدي شَاة فأهدى بَدَنَة أَجزَأَهُ وَهل يكون جَمِيعهَا وَاجِبا فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَن جَمِيعهَا وَاجِب وَالثَّانِي أَن سبعها وَاجِب فَإِن نذر بَدَنَة وَهُوَ وَاجِد لَهَا تعيّنت عَلَيْهِ فِي اُحْدُ الْوَجْهَيْنِ فَإِن لم يجد بَدَنَة فبقرة فَإِن لم يجد انْتقل إِلَى سبع من الْغنم وَمن اصحابنا من قَالَ ثبتَتْ الْبَدنَة فِي ذمَّته إِلَى أَن يقدر عَلَيْهَا

وَالْوَجْه الثَّانِي أَنه يتَخَيَّر بَينهَا وَبَين الْبَقَرَة وَبَين السَّبع من الْغنم فَإِن نذر بَدَنَة من الْإِبِل تعيّنت عَلَيْهِ فَلَا تُجزئه الْبَقَرَة وَالْغنم وَجها وَاحِدًا كَذَا ذكره الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله فَإِن عدمت الْإِبِل فالمنصوص عَلَيْهِ أَنه يُجزئهُ الْبَقَرَة بِالْقيمَةِ فَإِن كَانَت قيمتهَا كقيمة الْبَدنَة من الْإِبِل أَجْزَأت وَإِن كَانَت أقل أخرج الْفضل وَلم يعْتَبر الْقيمَة إِذا أطلق وَمن اصحابنا من قَالَ تجب الْبَدنَة فِي ذمَّته كَذَا حكى الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله وَلم يحك فِي الْبَدنَة الْمُطلقَة ذَلِك وَذكر بعض أَصْحَابنَا أَنه إِذا نذر بَدَنَة من الْإِبِل فَلَا بدل لَهَا فِي أحد الْوَجْهَيْنِ وَفِي الثَّانِي لَهَا بدل وَفِي حكم انْتِقَاله إِلَيْهِ وَهُوَ الْبَقَرَة وَجْهَان أَحدهمَا ينْتَقل من غير اعْتِبَار قيمَة فَإِن لم يجد بقرة انْتقل إِلَى سبع من الْغنم فَإِن لم يجد لم ينْتَقل إِلَى صِيَام وَلَا إطْعَام وَالْوَجْه الثَّانِي أَنه يعدل إِلَى الْبَقَرَة بِأَكْثَرَ الْأَمريْنِ مِنْهَا أَو قيمَة الْبَدنَة وَكَذَا فِي انْتِقَاله من الْبَقَرَة إِلَى الْغنم وَفِي الْقيمَة الَّتِي تعْتَبر فِي الِانْتِقَال إِلَى الْغنم ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يعْتَبر أَكثر الْأَمريْنِ من قيمَة الْبَدنَة أَو سبع من الْغنم

وَالثَّانِي أَنه يعْتَبر اكثر الْأَمريْنِ من قيمَة الْبَقَرَة أَو سبع من الْغنم وَالثَّالِث أَنه يعْتَبر أَكثر الثَّلَاثَة من قيمَة الْبَدنَة أَو الْبَقَرَة أَو سبع من الْغنم فَإِن نذر أَن يهدي إِلَى الْحرم لزمَه ذَلِك وَفِيه إِذا أطلق وَجْهَان أظهرهمَا أَنه يلْزمه أَن يهدي إِلَى الْحرم وَالثَّانِي أَنه لَا يتَعَيَّن الْحرم فيهدي حَيْثُ شَاءَ فعلى هَذَا إِذا نذر أَن يهدي لرتاج الْكَعْبَة أَو عمَارَة مَسْجِد صرفه فِيمَا نَذره وَإِن لم يعين مَا يصرفهُ فِيهِ بل نذر أَن يهدي فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يصرفهُ فِيمَا شَاءَ من الْقرب وَالثَّانِي أَنه يصرفهُ إِلَى الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين فِي الْبَلَد الَّذِي نذر ان يهدي إِلَيْهِ وَمن أَصْحَابنَا من حكى أَنه إِذا قَالَ لله عَليّ أَن أجعَل هَذَا الْمَتَاع هَديا لزمَه نَقله إِلَى الْحرم وَإِن قَالَ لله عَليّ أَن أهدي هَذَا الْمَتَاع وَلم يَجعله

هَديا فقد تقَابل فِيهِ عرف اللَّفْظ وَهُوَ الْهَدِيَّة بنية الْهِبَة وَعرف الشَّرْع فَإِن لم يكن لَهُ نِيَّة فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يحمل على عرف الشَّرْع وَالثَّانِي أَنه يحمل على عرف اللَّفْظ فَإِن نذر هَديا للكعبة صرف فِي مصالحها فَإِن نذر هَديا لأهل الْحرم صرف إِلَى الْمَسَاكِين وَهل يصرف مِنْهُ إِلَى ذَوي القربي فِيهِ وَجْهَان وَإِن نذر النَّحْر فِي الْحرم لزمَه النَّحْر فِيهِ وَهل يلْزمه تَفْرِقَة اللَّحْم فِيهِ فِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا أَنه يلْزمه النَّحْر والتفرقة فِي الْحرم وَالثَّانِي أَن لَهُ التَّفْرِقَة فِي غير الْحرم وَإِن نذر النَّحْر فِي الْحرم والتفرق على أهل الْحل لزمَه التَّفْرِقَة على مَسَاكِين الْحل وَهل يلْزمه النَّحْر فِي الْحرم فِيهِ قَولَانِ حَكَاهُمَا أَبُو عَليّ ابْن أبي هُرَيْرَة وَإِن نذر النَّحْر فِي بلد غير الْحرم فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يلْزمه النَّحْر وتفرقة اللَّحْم وَالثَّانِي أَنه لَا يَصح نَذره وَذكر فِي الْحَاوِي أَنه إِذا نذر النَّحْر بِالْبَصْرَةِ وتفرقة اللَّحْم بهَا لزمَه تَفْرِقَة اللَّحْم بِالْبَصْرَةِ وَهل يلْزمه النَّحْر بهَا فِيهِ وَجْهَان

أَحدهمَا أَنه يلْزمه النَّحْر بهَا كَمَا لَو نذر النَّحْر فِي الْحرم وَالثَّانِي لَا يلْزمه النَّحْر بهَا وَإِن نذر النَّحْر بِالْبَصْرَةِ وَأطلق فَفِيهِ ثَلَاثَة اوجه أَحدهَا أَنه يلْزمه النَّحْر بِالْبَصْرَةِ والتفرقة بهَا وَالثَّانِي يلْزمه النَّحْر فِي الْبَصْرَة والتفرقة حَيْثُ شَاءَ وَالثَّالِث أَنه ينْحَر حَيْثُ شَاءَ وَيفرق فِي الْبَصْرَة وَإِن نذر النَّحْر مُطلقًا فَفِيهِ قَولَانِ بِنَاء على نقل الزَّكَاة من بلد المَال إِلَى غَيره وَفِي هَذَا الْبناء فِي هَذِه الصُّور نظر وَإِن نذر الصَّلَاة لزمَه أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فِي اظهر الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد وَيلْزمهُ فِي القَوْل الثَّانِي رَكْعَة وَإِن نذر صَلَاة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام تعين عَلَيْهِ فعلهَا فِيهِ وَإِن نذر صَلَاة فِي الْمَسْجِد الْأَقْصَى وَمَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لزمَه ذَلِك فِي اصح الْقَوْلَيْنِ وَقَالَ ابو حنيفَة لَا يتَعَيَّن الصَّلَاة بِالنذرِ فِي مَسْجِد بِحَال فَإِن نذر صَوْم سنة بِعَينهَا لزمَه صَومهَا مُتَتَابِعًا فَإِن كَانَ النَّاذِر امْرَأَة فَحَاضَت فَهَل تقضي أَيَّام حَيْضهَا فِيهِ قَولَانِ

أَحدهمَا أَنه يلْزمهَا قَضَاؤُهَا وَالثَّانِي أَنه لَا يلْزمهَا وَإِن أفطر فِي هَذِه السّنة لمَرض فَهَل يقْضِي ذَلِك فِيهِ وَجْهَان وَإِن أفطر لسفر لزمَه قَضَاؤُهُ وَجها وَاحِدًا فَإِن كَانَ قد شَرط التَّتَابُع فِي صَوْم هَذِه السّنة فَأفْطر من غير عذر لزمَه الِاسْتِئْنَاف وَإِن أفطر لمَرض فَهَل يلْزمه الِاسْتِئْنَاف فِيهِ قَولَانِ وَإِن أفطر لسفر وَقُلْنَا يَنْقَطِع التَّتَابُع بِالْمرضِ فَفِي السّفر أولى وَإِن قُلْنَا لَا يَنْقَطِع بِالْمرضِ فَفِي السّفر وَجْهَان وَإِن نذر صَوْم سنة مُطلقَة وَشرط فِيهَا التَّتَابُع كَانَ الحكم فِيهَا على مَا ذَكرْنَاهُ وَإِن نذر صَوْم كل اثْنَيْنِ لم يلْزمه قَضَاء أثانين رَمَضَان وَفِيمَا يُوَافق أَيَّام الْعِيد قَولَانِ أصَحهمَا أَنه لَا يَقْضِيهَا فَإِن لزمَه صَوْم شَهْرَيْن مُتَتَابعين ثمَّ نذر صَوْم كل اثْنَيْنِ فَإِنَّهُ يَصُوم الشَّهْرَيْنِ وَيَقْضِي الأثانين الَّتِي تقع فيهمَا كَمَا لَو سبق نذر الأثانين

وَقيل لَا يلْزمه قَضَاء الأثانين فِي هَذَا النّذر فَإِن نذر صَوْم يَوْم بِعَيْنِه وَأفْطر لعذر قَضَاهُ وَقَالَ مَالك إِذا افطر لمَرض لم يلْزمه قَضَاؤُهُ فَإِن نذر صِيَام عشرَة أَيَّام مُطلقَة وَشرط أَن يصومها فصامها متتابعة فَفِيهِ وَجْهَان أظهرها أَنه يُجزئهُ فَإِن قَالَ لله عَليّ أَن أَصوم عشرَة ايام جَازَ أَن يصومها مُتَتَابِعًا ومتفرقا وَقَالَ دَاوُد يلْزمه أَن يصومها مُتَتَابِعًا فَإِن نذر صَوْم الْيَوْم الَّذِي يقدم فِيهِ فلَان فَفِي صِحَة نَذره قَولَانِ أَحدهمَا أَنه صَحَّ نَذره وَهُوَ اخْتِيَار القَاضِي أبي الطّيب رَحمَه الله وَاخْتِيَار الْمُزنِيّ وَالثَّانِي لَا يَصح وَهُوَ اخْتِيَار الشَّيْخ أبي حَامِد فَإِن قُلْنَا يَصح نَذره وَكَانَ النَّاذِر فِي يَوْم قدومه صَائِما صَوْم التَّطَوُّع فَإِنَّهُ يتمه وَيَقْضِي عَن نَذره وَهل يلْزمه إِتْمَامه فِيهِ وَجْهَان أظهرهمَا أَنه لَا يتحتم إِتْمَامه وَإِن كَانَ صَائِما فِيهِ صَوْم قَضَاء أَو كَفَّارَة لزمَه إِتْمَامه عَن فَرْضه وَهل يلْزمه قَضَاؤُهُ عَن ذَلِك الْفَرْض فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا وَهُوَ قَول أبي إِسْحَاق الْمروزِي أَنه يلْزمه قَضَاؤُهُ وَالثَّانِي وَهُوَ قَول ابي عَليّ بن أبي هُرَيْرَة أَنه يسْتَحبّ لَهُ قَضَاؤُهُ وَلَا

يجب وَعَلِيهِ أَن يقْضِي صَوْم النّذر للقدوم وَإِن كَانَ صَائِما يَوْم الْقدوم عَن فرض مُتَعَيّن كَصَوْم رَمَضَان وَالنّذر الْمعِين أكمل صَوْمه عَن فَرْضه وَلم يلْزمه قَضَاؤُهُ وَيسْتَحب لَهُ قَضَاؤُهُ وَيَقْضِي عَن النّذر هَذَا كُله ذكره فِي الْحَاوِي قَالَ الشَّيْخ الإِمَام أيده الله وَعِنْدِي أَن ذكر الْقَضَاء للصَّوْم الَّذِي وَافق يَوْم الْقدوم لَا وَجه لَهُ وَاجِبا وَلَا مُسْتَحبا لِأَنَّهُ يعْتد بِهِ عَمَّا شرع فِيهِ لَا خلاف فِيهِ وموافقة النّذر لَهُ مَا أوجبت خللا فِيهِ محَال وَكَذَا إِيجَاب الْإِتْمَام فِي التَّطَوُّع لَا وَجه لَهُ فَإِنَّهُ لم يخرج عَن كَونه تَطَوّعا وَالزَّمَان لَا حُرْمَة لَهُ فِي نَفسه فَإِن نوى صِيَام غَد عَن نذر الْقدوم وَهُوَ على ثِقَة من قدومه فِيهِ فَقدم فِيهِ فَهَل يُجزئهُ صِيَامه حكى فِيهِ فِي الْحَاوِي وَجْهَيْن أظهرهمَا أَنه يُجزئهُ وَالثَّانِي لَا يُجزئهُ وَلَيْسَ بِشَيْء وَإِن نذر اعْتِكَاف الْيَوْم الَّذِي يقدم فِيهِ فلَان صَحَّ نَذره فَإِن قدم نَهَارا لزمَه اعْتِكَاف بَقِيَّة النَّهَار وَهل يلْزمه قَضَاء مَا مضى مِنْهُ فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا يلْزمه وَالثَّانِي يلْزمه وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ وَإِن قدم فلَان وَهُوَ مَحْبُوس أَو مَرِيض فالمنصوص أَنه يلْزمه الْقَضَاء

وَقَالَ القَاضِي ابو حَامِد وَأَبُو عَليّ الطَّبَرِيّ لَا يلْزمه وَإِن نذر الْمَشْي إِلَى بَيت الله الْحَرَام لزمَه الْمَشْي إِلَيْهِ بِحَجّ أَو عمْرَة وَمن أَي مَوضِع يلْزمه الْمَشْي فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا وَهُوَ قَول أبي إِسْحَاق أَنه يلْزمه ذَلِك من دويرة أَهله وَالثَّانِي أَنه يلْزمه من الْمِيقَات وَهُوَ قَول عَامَّة أَصْحَابنَا وَيلْزمهُ أَن يمشي إِلَى أَن يتَحَلَّل التَّحَلُّل الثَّانِي فِي الْحَج فَإِن فَاتَهُ لزمَه أَن يَقْضِيه مَاشِيا وَهل يلْزمه الْمَشْي فِي فَائِتَة فِيهِ قَولَانِ فَإِن حج رَاكِبًا لعَجزه عَن الْمَشْي فَهَل يلْزمه دم فِيهِ قَولَانِ وَمن أَصْحَابنَا من حكى فِي وجوب الْمَشْي وَالرُّكُوب إِلَى بَيت الله الْحَرَام إِذا نذرهما ثَلَاثَة أوجه أَحدهمَا أَنه لَا يتَعَيَّن وَاحِد مِنْهُمَا بِالنذرِ وَنسبه إِلَى أَحْمد وَالثَّانِي أَنه يلْزمه الْأَمْرَانِ بِالنذرِ وَالثَّالِث أَنه يلْزمه الْمَشْي بِالنذرِ وَلَا يلْزمه الرّكُوب بِهِ فَإِن قُلْنَا بوجوبهما فَترك أَحدهمَا إِلَى الآخر فَهَل يلْزمه الْجبرَان فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه لَا يجب بِوَاحِد مِنْهُمَا جبران وَالثَّانِي أَنه يجْبر كل وَاحِد مِنْهُمَا بِدَم إِذا تَركه إِلَى الآخر

وَالثَّالِث أَنه يجب بترك الْمَشْي إِلَى الرّكُوب دم وَلَا يجب عَلَيْهِ بِتَرْكِهِ الرّكُوب إِلَى الْمَشْي وَذكر فِي الْفِدْيَة وَجْهَيْن أَحدهمَا فديَة ترك الْإِحْرَام من الْمِيقَات وَالثَّانِي فديَة الْحلق فَإِن نذر الْحَج مَاشِيا فِي الْعَام الْمقبل فَإِنَّهُ يلْزمه الْحَج فِيهِ وَهل يجوز لَهُ تَقْدِيمه عَلَيْهِ فِيهِ وَجْهَان فَإِن أحرم بِهِ ففاته فَفِي وجوب قَضَائِهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يَقْضِيه كَغَيْر الْمُصَلِّين فَإِن أخر الْإِحْرَام عَن عَامه فَفِي وجوب قَضَائِهِ قَولَانِ أَيْضا وَإِن نذر الْمَشْي إِلَى بَيت الله الْحَرَام لَا حَاجا وَلَا مُعْتَمِرًا فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا ينْعَقد نَذره وَالثَّانِي أَنه ينْعَقد وَيلْزمهُ الْمَشْي بِحَجّ أَو عمْرَة ذكر فِي الْحَاوِي أَنا إِذا قُلْنَا يَصح نَذره فَفِي الشَّرْط وَجْهَان أَحدهمَا أَنه بَاطِل وَالثَّانِي أَن الشَّرْط صَحِيح وَلَا يلْزمه الْإِحْرَام بِحَجّ وَلَا عمْرَة فعلى هَذَا فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يلْزمه أَن يضم إِلَى قصد الْبَيْت عبَادَة من صَلَاة أَو صِيَام أَو اعْتِكَاف أَو طواف ليصير الْقَصْد قربَة ذكر فِي الْحَاوِي أَنه إِذا نذر قصد بَيت الله الْحَرَام وَلم يكن لَهُ

نِيَّة حج وَلَا عمْرَة فَالَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور أَنه يلْزمه الْقَصْد بِحَجّ أَو عمْرَة وَقَالَ ابو عَليّ بن أبي هُرَيْرَة يَبْنِي على اخْتِلَاف قَول الشَّافِعِي رَحمَه الله فَمن أَرَادَ دُخُول الْحرم من غير الْخَطَأ بِهِ بِغَيْر إِحْرَام هَل يجوز أم لَا فَإِن قُلْنَا لَا يجوز لَهُ دُخُوله إِلَّا بِإِحْرَام بِحَجّ أَو عمْرَة انْصَرف نَذره إِلَيْهِ هَا هُنَا وَإِن قُلْنَا لَا يلْزمه الْإِحْرَام لدُخُوله فَفِي تعلق نَذره هَا هُنَا بِالْإِحْرَامِ وَجْهَان تخريجا من اخْتِلَاف قَوْله فِيمَن نذر الْمَشْي إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى وَهَذَا التَّخْرِيج وَإِن كَانَ مُحْتملا فَهُوَ مُخَالف لنَصّ الشَّافِعِي رَحمَه الله وَقَالَ ابو حنيفَة لَا يلْزمه الْقَصْد بِحجَّة وَلَا عمْرَة إِلَّا فِيهِ إِذا نذر الْمَشْي إِلَى بَيت الله الْحَرَام فَأَما نذر الْقَصْد والذهاب إِلَيْهِ فَلَا يلْزمه بِهِ الْإِحْرَام وَإِن نذر الْمَشْي إِلَى بقْعَة من الْحرم لزم الْمَشْي إِلَيْهَا بِحَجّ أَو عمْرَة وَبِه قَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَأحمد وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يلْزمه مشي وَإِنَّمَا يلْزمه إِذا نذر الْمَشْي إِلَى بَيت الله الْحَرَام أَو إِلَى مَكَّة أَو إِلَى الْكَعْبَة اسْتِحْسَانًا وَإِن نذر الْمَشْي إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى أَو إِلَى مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهَل يلْزمه فِيهِ قَولَانِ

قَالَ فِي الْأُم لَا ينْعَقد نَذره وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَالثَّانِي ينْعَقد نَذره وَبِه قَالَ أَحْمد وَمَالك ذكر فِي الْحَاوِي أَنا إِذا قُلْنَا يَصح نَذره فَهَل يلْزمه مَعَ الْمَشْي عبَادَة فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يلْزمه غير قصدهما وَالثَّانِي أَنه يلْزمه أَن يضيف إِلَى ذَلِك عبَادَة فعلى هَذَا فِيمَا يلْزمه من الْعِبَادَة وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يضيف إِلَيْهِ مَا شَاءَ من صَوْم أَو صَلَاة وَالثَّانِي أَنه يلْزمه أَن يُصَلِّي فيهمَا وَهل يلْزمه الْمَشْي إِلَيْهِ فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يلْزمه الْمَشْي وَالثَّانِي أَنه يجوز لَهُ الرّكُوب فَإِن قُلْنَا يلْزمه الْمَشْي فَركب هَل يُجزئهُ فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا يُجزئهُ وَعَلِيهِ إِعَادَة قَصده إِلَيْهِ مَاشِيا وَالثَّانِي يُجزئهُ إِذا قُلْنَا أَنه يلْزمه أَن يضيف إِلَيْهِ عبَادَة فِيهِ وَيصير هُوَ الْمَقْصُود بِالنذرِ وَلَا يلْزمه أَن يجب بِدَم كالإحرام لاخْتِصَاص الْإِحْرَام بذلك فَأَما إِذا نذر الصَّلَاة فِيهِ فَإِنَّهُ يلْزمه فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ

فَإِن نذر الصَّلَاة فِي مَسْجِد الْخيف وَلم يكن من أهل الْحرم انْعَقَد نَذره وَفِيمَا ينْعَقد بِهِ نَذره وَجْهَان أَحدهمَا أَنه ينْعَقد بِمَا ذكره من الصَّلَاة فِي الْحرم إِذا قيل يجوز دُخُول الْحرم بِغَيْر إِحْرَام وَفِي تعْيين بعض الصَّلَاة فِي مَسْجِد الْخيف وَجْهَان وَالْوَجْه الثَّانِي أَنه يلْزمه بنذره قصد الْحرم بِحجَّة أَو عمْرَة إِذا قيل لَا يجوز دُخُوله بِغَيْر إِحْرَام فعلى هَذَا فِي الْتِزَام مَا عقد عَلَيْهِ نَذره من الصَّلَاة فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يلْزمه الصَّلَاة لِأَن الشَّرْع نقل نَذره إِلَى غَيره وَالثَّانِي أَنه يلْزمه قَالَ الشَّيْخ الإِمَام فَخر الْإِسْلَام رَحمَه الله وَعِنْدِي أَنه يلْزمه الصَّلَاة بِالنذرِ وَقصد الْحرم بِإِحْرَام إِذا نذر الصَّلَاة فِيهِ لِأَنَّهُ إِذا لزمَه ذَلِك بِنذر الْمَشْي إِلَيْهِ وَالْقَصْد فَلِأَن يلْزمه ذَلِك بِنذر الصَّلَاة فِيهِ اولى فَإِن نذر الْمَشْي إِلَى بَيت الله وَلم يقل الْحَرَام وَلَا نَوَاه فَالْمَذْهَب أَنه يلْزمه الْمَشْي إِلَى بَيت الله الْحَرَام وَهُوَ ظَاهر مَا نَقله الْمُزنِيّ وَظَاهر مَا قَالَه الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي الْأُم وَنقل القَاضِي أَبُو حَامِد فِي جَامعه أَنه لَا يلْزمه

فَإِن قَالَ لله عَليّ أَن أَمْشِي وَلم يكن لَهُ نِيَّة شَيْء فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَحكي عَن أَحْمد أَنه قَالَ إِذا نذر فعلا مُبَاحا انْعَقَد نَذره وَكَانَ بِالْخِيَارِ بَين الْوَفَاء بِهِ وَبَين الْكَفَّارَة فَإِن نذر الْهَدْي لأهل الْحرم وَكَانَ مِمَّن يُمكن تفرقته عَلَيْهِم فرقة فيهم وَإِن كَانَ الْهَدْي مَتَاعا لَا يُمكن تفرقته عَلَيْهِم كَاللُّؤْلُؤِ والجواهر وَغير ذَلِك كَانَ حَقهم فِي قِيمَته وَهل يلْزمه بَيْعه وتفرقة الثّمن أم يجوز لَهُ دفع قِيمَته فِيهِ وَجْهَان مخرجان من الْقَوْلَيْنِ فِي العَبْد الْجَانِي هَل يفْدِيه السَّيِّد بِقِيمَتِه أَو بِثمنِهِ فَإِن قُلْنَا يفْدِيه بِقِيمَتِه كَانَ للناذر صرف قِيمَته إِلَيْهِم وَلَا يَبِيعهُ وَإِن قُلْنَا عَلَيْهِ بيع العَبْد الْجَانِي لِأَنَّهُ رُبمَا زيد فِي الثّمن لزم هَذَا النَّاذِر بيع هَذَا الْمَتَاع قَالَ الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله وَعِنْدِي أَن هَذَا بِنَاء بعيد لِأَن هَذَا الْهَدْي للحرم أخرجه إِلَى الله تَعَالَى فَلَا يجوز أَن يبقي حَقه فِيهِ وَلَا يجوز أَن يَشْتَرِيهِ من نَفسه لنَفسِهِ وَالْعَبْد الْجَانِي مَا صَار مُسْتَحقّا للْمَجْنِيّ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا تعلق حَقه بِهِ تعلق الارتهان وَلِهَذَا لَهُ أَن يفْدِيه بارش الْجِنَايَة وَلَا يلْزمه البيع وَهَا هُنَا لَا بُد من البيع فِي أحد الْوَجْهَيْنِ وَلِهَذَا لَو كَانَ فِيمَا يُمكنهُ نَقله وتفرقته عَلَيْهِم لوَجَبَ نَقله وتفرقته فقد صَار مُسْتَحقّا لَهُم غير أَنه تعذر نَقله إِلَيْهِم وتفرقته فيهم فَتعين البيع فَأَما أَن يدْفع هُوَ الْقيمَة فَلَا

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب الْأَطْعِمَة يحل من الدَّوَابّ دَوَاب الْأنس كالخيل وَهُوَ قَول أَحْمد وَإِسْحَاق وابي ثَوْر وابي يُوسُف وَمُحَمّد وَقَالَ ابو حنيفَة يكره كَرَاهَة يتَعَلَّق بهَا مأثم وَلَا يَقُول إِنَّهَا مُحرمَة وَلَا تحل البغال وَالْحمير وَحكي عَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه قَالَ هِيَ حَلَال وَحكي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا إِبَاحَة الْحمر الْأَهْلِيَّة وَفِي السنور الْبري وَجْهَان وَيحل أكل الضبع والثعلب من الوحوش وَبِه قَالَ أَحْمد وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى فِي الثَّعْلَب خَاصَّة

وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يحل أكلهَا وَقَالَ مَالك يكره اكلها وَيحل اليربوع وَبِه قَالَ أَحْمد وَقَالَ ابو حنيفَة لَا يحل وَيحل الْقُنْفُذ وَقَالَ ابو حنيفَة وَأحمد لَا يحل والوبر مُبَاح وَهُوَ دويبة أنبل من ابْن عرس كحلاء الْعَينَيْنِ وَابْن عرس حَلَال خلافًا لأبي حنيفَة وَأحمد والضب حَلَال وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَقَالَ ابو حنيفَة لَا يحل وَفِي ابْن آوى وَجْهَان أَحدهمَا لَا يحل وَالثَّانِي يحل وَالشَّاة الْجَلالَة هِيَ الَّتِي يكون أَكثر عَلفهَا الْعذرَة الْيَابِسَة يكره أكلهَا وَلَا يحرم

وَقَالَ أَحْمد يحرم لَحمهَا ولبنها وَكَذَا الدَّجَاجَة يحرم لَحمهَا وبيضها وتحبس وتعلف علفا طَاهِرا حَتَّى تَزُول رَائِحَة النَّجَاسَة فَتحل عِنْده وتزول الْكَرَاهَة عندنَا وَقَالَ بعض أهل الْعلم يحبس الْبَعِير وَالْبَقَرَة أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَالشَّاة سَبْعَة ايام والدجاجة ثَلَاثَة أَيَّام وَقيل سَبْعَة وَكَذَا نقُول فِي الزروع الَّتِي تطرح فِيهَا النَّجَاسَة وتروى بهَا وَذكر فِي الْحَاوِي إِذا كَانَ قد تغير رَائِحَة لَحمهَا بِالنَّجَاسَةِ تغيرا كثيرا فَفِي إِبَاحَة أكله وَجْهَان حَكَاهُمَا أَبُو عَليّ بن ابي هُرَيْرَة أَحدهمَا أَنه مُبَاح وَالثَّانِي انه حرَام وعَلى هَذَا إِذا ارتضع الجدي من كلبة أَو خنزيرة حَتَّى نبت لَحْمه مِنْهُ كَانَت إِبَاحَته على الْوَجْهَيْنِ وَلَا يحل مَا يتقوى بنابه كالأسد والنمر وَالذِّئْب وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَقَالَ مَالك يكره ذَلِك وَلَا يحرم وَكَذَا قَالَ فِي الْكَلْب وَاخْتلف فِي عِلّة التَّحْرِيم فِي نَهْيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أكل كل ذِي نَاب من السبَاع

فعلل الشَّافِعِي رَحمَه الله بِمَا قوي بنابه وَعدا عَن الْحَيَوَان وَقَالَ ابو إِسْحَاق من اصحابنا هُوَ مَا كَانَ عيشه بنابه دون غَيره وَلَا يَأْكُل إِلَّا مَا يفترس من الْحَيَوَان وَقَالَ ابو حنيفَة هُوَ مَا فرس بنابه وَإِن لم يبتد بالعدوى وعاش بِغَيْر نابه وَيحرم آكل حشرات الأَرْض كالفار والخنافس والعناكب والوزغ والعظاء واللحكاء وَهِي دويبة كالسمكة تسكن الرمل صيفا صقيلة الْجلد يعرض مقدمها ويدق مؤخرها إِذا احست بِإِنْسَان غاصت فِي الرمل وَقَالَ مَالك يكره ذَلِك وَلَا يحرم وَيحرم من الطير مَا لَهُ مخلب والمستخبث كالغراب الأبقع وَالْأسود الْكَبِير وَفِي الغداف وَهُوَ صَغِير الْجِسْم لَونه لون الرماد وَجْهَان أَحدهمَا يحل وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَكَذَا غراب الزَّرْع وَيُسمى الزاغ وَمَا عدا الْمَنْصُوص عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يرجع فِيهِ إِلَى الْعَرَب من أهل الرِّيف والقرى فَمَا استطابته حل أكله وَمَا استخبثته حرم أكله وَمَا كَانَ فِي بِلَاد الْعَجم وَلم يكن لَهُ شبه فِيمَا يحل وَلَا فِيمَا يحرم فِيهِ وَجْهَان

أَحدهمَا أَنه يحل وَهُوَ قَول أبي الْعَبَّاس وابي عَليّ الطَّبَرِيّ وَالثَّانِي أَنه لَا يحل فَأَما إِذا اتّفق مَا استطابه قوم من الْعَرَب واستخبثه قوم فَإِنَّهُ يرجع فِيهِ إِلَى الْأَشْبَه فَإِن اسْتَويَا فِي الشّبَه فَفِيهِ وَجْهَان من اخْتِلَاف أَصْحَابنَا فِي الْأَشْيَاء قبل الشَّرْع هَل هِيَ على الْحَظْر ام على الْإِبَاحَة قَالَ الشَّيْخ الإِمَام فَخر الْإِسْلَام رَحمَه الله وَعِنْدِي أَن هَذَا بِنَاء فَاسد وَيَنْبَغِي أَن يحرم وَأما حَيَوَان المَاء فالسمك مِنْهُ حَلَال والضفدع حرَام قَالَ القَاضِي ابو الطّيب رَحمَه الله وَكَذَلِكَ النسناس لِأَنَّهُ يشبه الْآدَمِيّ قَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد رَحمَه الله والسرطان مثله وَفِيمَا سوى ذَلِك وَجْهَان أَحدهمَا يحل وَالثَّانِي أَن مَا أكل مثله فِي الْبر حل وَمَا لَا يحل مثله فِي الْبر لَا يحل

وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ لَا يحل من حَيَوَان المَاء إِلَّا السّمك وَمَا كَانَ من جنسه وَهُوَ قَول أبي حنيفَة فَإِن قُلْنَا أَنه يحل جَمِيعه فَإِنَّهُ يحل إِذا أخرجه إِلَى الْبر وَإِن بَقِي الْيَوْم واليومين فَإِن شَاءَ تَركه حَتَّى يَمُوت وَإِن شَاءَ استعجل قَتله وَمن قَالَ يحل مَا كَانَ يحل مثله فِي الْبر اعْتبر فِيهِ الذَّكَاة وَقَالَ أَحْمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ أَنه لَا يحل مَا عدا السّمك إِلَّا بِذَكَاة وَمن قَالَ يحل السّمك فَسَوَاء مَاتَ بِسَبَب أَو بِغَيْر سَبَب فَإِنَّهُ يحل وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَقَالَ ابو حنيفَة إِذا مَاتَ بِسَبَب حل وَإِن مَاتَ بِغَيْر سَبَب لم يحل وَإِن مَاتَ بِسَبَب حر المَاء أَو برده فقد اخْتلفت الرِّوَايَة عَنهُ وَيحل الْجَرَاد وَلَا فرق بَين أَن يَمُوت بِسَبَب وَبَين أَن يَمُوت من غير سَبَب وَقَالَ مَالك لَا يحل إِلَّا إِذا مَاتَ بِسَبَب وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد وَحكى أَصْحَابنَا عَن مَالك أَنه يعْتَبر قطف رَأسه فَإِن أَخذ السّمك الصغار فَبَلغهُ حَيا فقد قَالَ ابْن الْقَاص يحل وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد لَا يحل لِأَنَّهُ تَهْذِيب لَهُ وَكَذَا قَالَ لَا يحل طبخه قبل مَوته

فصل

فَأَما إِذا ضرب سَمَكَة فَانْقَطع مِنْهَا قِطْعَة وأفلت بَاقِيهَا حَيا هَل يحل أكل هَذِه الْقطعَة فِيهِ وَجْهَان ذكرهمَا أَبُو عَليّ بن ابي هُرَيْرَة أظهرهمَا أَنه يحل وَإِن وجد سَمَكَة فِي جَوف سَمَكَة وانفصلت الدَّاخِلَة وَقد تغير لَحمهَا فَفِي إِبَاحَة أكلهَا وَجْهَان فَأَما السّمك الصغار الهاربي الَّذِي يقلى من غير أَن يشق جَوْفه فقد قَالَ أَصْحَابنَا لَا يجوز أكله لِأَن رجيعه نجس قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر غير أَن يشق إِخْرَاجه فصل وَمن اضْطر إِلَى أكل الْميتَة أَو لحم الْخِنْزِير جَازَ لَهُ أكله وَهل يجب عَلَيْهِ أكله فِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا أَنه يجب وَهل يجوز أَن يشْبع مِنْهَا فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه لَا يجوز وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَاخْتِيَار الْمُزنِيّ

وَالْقَوْل الثَّانِي أَنه يجوز أَن يشْبع وَهُوَ قَول مَالك وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد وَإِن اضْطر إِلَى إطْعَام غَيره وَصَاحبه غير مُضْطَر إِلَيْهِ وَجب عَلَيْهِ بذله لَهُ فَإِن طلب مِنْهُ أَكثر من ثمن مثله وَامْتنع من بذله لَهُ فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ بذلك فَهَل يلْزمه الزِّيَادَة فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يلْزمه وَالثَّانِي لَا يلْزمه وَاخْتَارَ أقضى الْقُضَاة أَبُو الْحسن الْمَاوَرْدِيّ تَفْصِيلًا خلاف الْوَجْهَيْنِ فَقَالَ ينظر فَإِن كَانَت الزِّيَادَة لَا تشق عَلَيْهِ ليساره فَهُوَ فِي بذلها غير مكره فَيلْزمهُ وَإِن كَانَت شاقة عَلَيْهِ لإعساره فَهُوَ مكره فِي بذلها فَلَا تلْزمهُ قَالَ الإِمَام أَبُو بكر وَهَذَا عِنْدِي خلاف الْقيَاس وَلَا وَجه للتفرقة بَين الْمُوسر والمعسر فِي الزِّيَادَة فَإِن الْمُوسر لَا يلْزمه قبُول الزِّيَادَة وَيجوز لَهُ الِانْتِقَال إِلَى أكل الْميتَة وَلَا يلْزم صَاحب الطَّعَام بذله من غير ثمن إِمَّا فِي ذمَّته إِن رَضِي بِذِمَّتِهِ أَو بِمَال فِي يَده إِذا كَانَ فِي يَده مَال

وَحكي عَن بعض النَّاس أَنه قَالَ يلْزمه بذله من غير ثمن وَحَكَاهُ فِي الْحَاوِي عَن بعض اصحابنا فَإِن امْتنع من بذله كَانَ لَهُ مكابرته على أَخذه وقتاله قدر مَا يكاثره عَلَيْهِ قَولَانِ فَإِن وجد ميتَة وَطَعَام الْغَيْر وَصَاحبه غَائِب فَفِيهِ وَجْهَان واحدهما أَنه يَأْكُل طَعَام الْغَيْر وَيضمن قِيمَته وَالثَّانِي أَنه يَأْكُل الْميتَة وَبِه قَالَ أَحْمد وَإِن وجد ميتَة وصيدا وَهُوَ محرم فَفِيهِ طَرِيقَانِ أظهرهمَا أَنا إِذا قُلْنَا إِنَّه إِذا ذبح الصَّيْد صَار ميتَة أكل الْميتَة وَإِن قُلْنَا لَا يصير ميتَة ذبح الصَّيْد وَأكله وَمن اصحابنا من قَالَ إِذا قُلْنَا لَا يصير ميتَة فَفِيهِ قَولَانِ وَإِن وجد الْمحرم صيدا وَطَعَام الْغَيْر فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا يَأْكُل الصَّيْد وَالثَّانِي يَأْكُل طَعَام الْغَيْر وَالثَّالِث يتَخَيَّر بَينهمَا

وَإِن اضْطر وَلم يجد مَا يَأْكُلهُ فَهَل يجوز أَن يقطع من بدن نَفسه ويأكله فِيهِ وَجْهَان قَالَ أَبُو إِسْحَاق يجوز وَالثَّانِي لَا يجوز فَإِن اضْطر إِلَى شرب الْخمر فَفِيهِ ثَلَاثَة اوجه أَحدهَا أَنه لَا يجوز شربهَا وَالثَّانِي يجوز وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَالثَّالِث أَنه لَا يجوز شربهَا للعطش وَيجوز شربهَا للدواء وَقيل بِالْعَكْسِ من ذَلِك فَإِن وجد آدَمِيًّا مَيتا جَازَ لَهُ أَن يَأْكُل مِنْهُ وَقَالَ احْمَد لَا يَأْكُل مِنْهُ وَحكي ذَلِك عَن دَاوُد وَلَا يجوز اسْتِعْمَال الْخِنْزِير فِي غرز وَلَا غَيره وَمَتى اصاب شَيْئا رطبا نجسه

وَقَالَ اصحاب ابي حنيفَة يجوز اسْتِعْمَاله فِي الْحِرْز إِذا وَقعت نَجَاسَة فِي دهن جامد ألقيت وَمَا حولهَا وَإِن كَانَ مَائِعا نجس جَمِيعه وَلَا يجوز أكله وَلَا بَيْعه وَيجوز الاستصباح بِهِ وَقَالَ قوم من أَصْحَاب الحَدِيث لَا يجوز الاستصباح بِهِ وَقَالَ دَاوُد إِن كَانَ سمنا فَذَلِك حكمه وَإِن كَانَ غَيره لم ينجس وَذكر فِي الْحَاوِي إِذا وجد الْمُضْطَر ميتَة مَأْكُول اللَّحْم وَغير مَأْكُول أَو ميتَة حَيَوَان طَاهِر فِي حَال حَيَاته وميتة حَيَوَان نجس فَفِيهِ وَجْهَان أظهرهمَا أَنه يتَخَيَّر بَينهمَا وَالثَّانِي يَأْكُل ميتَة الْمَأْكُول الطَّاهِر وَلَيْسَ بِشَيْء وَإِن مر ببستان غَيره وَهُوَ غير مُضْطَر لم يجز أَن يَأْكُل من ثمره شَيْئا بِغَيْر إِذْنه وَقَالَ أَحْمد إِذا مر ببستان فِيهِ ثَمَرَة رطبَة غير محوطة جَازَ لَهُ أَن يَأْكُل مِنْهُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَأما السواقط تَحت الْأَشْجَار من الثِّمَار

إِذا لم تكن محوزة وَجَرت عَادَة أَهلهَا بإباحتها فَهَل تجرى الْعَادة فِي ذَلِك مجْرى الْإِذْن حكى فِي الْحَاوِي وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن الْعَادة تجرى فِيهِ مجْرى الْإِذْن فَيجوز لَهُ الْأكل فَإِن استضاف مُسلم بِمُسلم لم يكن بِهِ ضَرُورَة لم يجب عَلَيْهِ إِضَافَته وَإِنَّمَا يسْتَحبّ وَقَالَ احْمَد يجب وَلَا يحرم كسب الْحجام وَيكرهُ للْحرّ أَن يكْتَسب بالصنائع الدنيئة وَلَا يكره للْعَبد وَحكي عَن بعض أَصْحَاب الحَدِيث أَنه حرَام على الْأَحْرَار وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِي عِلّة كَرَاهَة كسب الْحجام

فَقيل لأجل مُبَاشرَة النَّجَاسَة فعلى هَذَا يكره كسب الكناس والزبال والقصاب وَاخْتلف قَول هَذَا الْقَائِل فِي الفصاد على وَجْهَيْن أَحدهمَا أَنه من جُمْلَتهمْ وَالثَّانِي هُوَ قَول أبي عَليّ بن أبي هُرَيْرَة أَنه لَا يكره لاقترانه بِعلم الطِّبّ فَأَما الْخِتَان فمكروه كالحجام وَالْوَجْه الثَّانِي أَن كَرَاهَة التكسب بالحجامة لدنائتها وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي رَحمَه الله فعلى هَذَا يكره كسب الدّباغ والحلاق

والقيم وَاخْتلف فِي الحمامي على وَجْهَيْن وَحكي فِي كَرَاهَة ذَلِك للعبيد وَجْهَيْن ذكر ذَلِك فِي الْحَاوِي وَالصَّحِيح مَا قدمْنَاهُ وَاخْتلف فِي أطيب المكاسب فَقيل الزِّرَاعَة وَقيل الصِّنَاعَة وَقيل التِّجَارَة وَهِي أظهرها على مَذْهَب الشَّافِعِي رَحْمَة الله عَلَيْهِ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب الصَّيْد والذبائح لَا تحل ذَبِيحَة غير أهل الْكتاب وهم الْيَهُود وَالنَّصَارَى من الْكفَّار وَقَالَ أَبُو حنيفَة تحل ذَبِيحَة نَصَارَى الْعَرَب فَأَما إِذا كَانَ ولد كتابي من مَجُوسِيَّة أَو وثنية فَفِي ذَبِيحَته قَولَانِ أَحدهمَا لَا يحل كَمَا لَو كَانَ الْأَب مجوسيا وَالثَّانِي يحل وَهُوَ قَول ابي حنيفَة وَكَذَا لَو كَانَ الْأَب مجوسيا وَالأُم كِتَابِيَّة حل عِنْده وَتَصِح ذَكَاة الصَّبِي وَالْمَجْنُون فِي أظهر الْقَوْلَيْنِ وَكَذَا السَّكْرَان وَذكر فِي الْحَاوِي ان فِي النَّصَارَى وَالْيَهُود من بني إِسْرَائِيل من لَا يعْتَقد أَن العزير والمسيح ابْن الله فَتحل ذَبِيحَته وَمن اعْتقد مِنْهُم أَن العزير ابْن الله والمسيح ابْن الله لَا تحل ذَبِيحَته فِي أحد الْوَجْهَيْنِ

وَلَا يحل الذّبْح بِالسِّنِّ وَالظفر وَقَالَ ابو حنيفَة تصح بهما إِذا كَانَا منفصلين وَيسْتَحب أَن يُسَمِّي الله عز وَجل على الذّبْح وإرسال الْجَارِحَة على الصَّيْد فَإِن ترك التَّسْمِيَة لم يحرم وَبِه قَالَ مَالك وَقَالَ ابو ثَوْر وَدَاوُد التَّسْمِيَة شَرط فِي الْإِبَاحَة بِكُل حَال وَقَالَ ابو حنيفَة هِيَ شَرط فِي حَال الذّكر وَعَن أَحْمد ثَلَاث رِوَايَات رِوَايَة مثل قَول دَاوُد وَرِوَايَة مثل قَول ابي حنيفَة وَرِوَايَة أَن يُسَمِّي فِي إرْسَال الْجَارِحَة على الصَّيْد وَلَا يلْزمه فِي إرْسَال السهْم

وَأما الذَّكَاة فَلَا يشْتَرط فِيهَا التَّسْمِيَة فِي حَال النسْيَان وَفِي حَال الْعمد رِوَايَتَانِ وَالْمُسْتَحب أَن يقطع الْحُلْقُوم والمرىء والودجين فالحلقوم مجْرى النَّفس فِي مقدم الرئة والمرىء مجْرى الطَّعَام وَالشرَاب وَبِهِمَا تبقى الْحَيَاة والودجان عرقان فِي جَانِبي الْعُنُق من مُقَدّمَة لَا تفوت الْحَيَاة بفوتهما وَقد يسلان من الْحَيَوَان فَيبقى وَيُقَال لَهما الوريدان وَلَا يعْتَبر قطعهمَا فِي الذَّكَاة وَقَالَ ابو حنيفَة يعْتَبر قطع الْأَكْثَر من كل وَاحِد مِنْهُمَا وَقَالَ ابو يُوسُف لَا يحل حَتَّى يقطع أَكْثَرهَا عددا ثَلَاثَة من أَرْبَعَة وَحكي فِي الْحَاوِي عَن مَالك أَنه قَالَ لَا يحل حَتَّى يقطع جَمِيع هَذِه الْأَرْبَعَة وَحكي عَن سعيد بن الْمسيب أَنه يحرم إِذا فعل ذَلِك فَإِن قطع الْحُلْقُوم وَأكْثر المرىء فَهَل تحصل الذَّكَاة فِيهِ وَجْهَان أظهرهمَا أَنه لَا يحل وَالثَّانِي يحل فَإِن ذبحه من قَفاهُ وَبَقِي فِيهِ حَيَاة مُسْتَقِرَّة عِنْد قطع الْحُلْقُوم وَيعلم ذَلِك بالحركة القوية حل وَإِن بَقِي فِيهِ حَرَكَة مَذْبُوح لم يحل

فصل ويجوز الصيد بالجوارح المعلمة كالكلب والفهد والبازي والصقر وبه قال أبو حنيفة ومالك

وَحكي عَن مَالك وَأحمد أَنَّهُمَا قَالَا لَا يحل بِحَال وتنحر الْإِبِل معقولة ويذبح الْبَقر وَالْغنم مُضْطَجِعَة فَإِن ذبح الْإِبِل وَنحر الْبَقر كره وَحل وَحكي عَن مَالك أَنه قَالَ لَا يجوز ذبح الْجمل فَإِن ذبحه لم يحل فصل وَيجوز الصَّيْد بالجوارح المعلمة كَالْكَلْبِ والفهد والبازي والصقر وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ وَأحمد لَا يجوز الِاصْطِيَاد بالكلب الْأسود البهيم وَحكى عَن مُجَاهِد وَابْن عمر أَنه لَا يجوز الِاصْطِيَاد إِلَّا بالكلب والمعلم هُوَ الَّذِي إِذا أرْسلهُ على الصَّيْد طلبه وَإِذا زَجره انزجر وَإِذا أشلاه استشلى وَإِذا أَخذ الصَّيْد أمْسكهُ عَلَيْهِ وخلى بَينه وَبَينه فَإِذا تكَرر ذَلِك مِنْهُ مرّة بعد مرّة صَار معلما وَلم يقدر أَصْحَابنَا عدد المرات وَإِنَّمَا اعتبروا الْعرف

وَقَالَ ابو حنيفَة وَأحمد إِذا تكَرر ذَلِك مرَّتَيْنِ صَار معلما وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ يصير بالمرة الْوَاحِدَة معلما فَإِن أرسل مُسلم كَلْبه على صيد وَأرْسل مَجُوسِيّ كَلْبه أَيْضا عَلَيْهِ فَرد كلب الْمَجُوسِيّ الصَّيْد على كلب الْمُسلم فعقره كلب الْمُسلم وَقَتله حل أكله وَبِه قَالَ أَحْمد وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يحل فَإِن عقر الصَّيْد وَلم يقْتله فأدركه وَفِيه حَيَاة مُسْتَقِرَّة غير أَنه مَاتَ قبل أَن يَتَّسِع الزَّمَان لذكاته فَإِنَّهُ يحل وَقَالَ ابو حنيفَة لَا يحل فَإِن قتل الْجَارِحَة المعلمة الصَّيْد بثقله من غير جرح فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يحل وَرُوِيَ ذَلِك عَن أبي حنيفَة رَوَاهُ الْحسن ابْن زِيَاد وَالْقَوْل الثَّانِي لَا يحل وَهُوَ رِوَايَة أبي يُوسُف وَمُحَمّد عَن أبي حنيفَة وَقَول احْمَد وَاخْتِيَار الْمُزنِيّ رَحمَه الله إِذا أرسل مُسلم كلب مَجُوسِيّ على صيد فَقتله حل وَإِن أرسل مَجُوسِيّ كلب مُسلم على صيد لم يحل وَحكي فِي الْحَاوِي عَن ابْن جرير الطَّبَرِيّ أَن الِاعْتِبَار بِمَالك الْكَلْب دون مرسله

فَإِن قتل الْكَلْب الْمعلم الصَّيْد وَأكل مِنْهُ فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا يحل وَبِه قَالَ مَالك وَالثَّانِي لَا يحل وَبِه قَالَ أَحْمد وابو يُوسُف وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يُؤْكَل مِمَّا أكل مِنْهُ وَلَا مِمَّا صَاده قبل ذَلِك مِمَّا لم يَأْكُل مِنْهُ وَأما جارحة الطير إِذا أكلت فَهُوَ كَالْكَلْبِ وَغَيره وَقَالَ الْمُزنِيّ لَا يحرم مَا أكل مِنْهُ جوارح الطير وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَقَالَ ابو عَليّ فِي الإفصاح إِذا قُلْنَا يحرم مَا أكل الْكَلْب مِنْهُ فَفِيمَا أكل الْبَازِي والصقر وَجْهَان فَإِن حسا الْجَارِح دم الصَّيْد وَلم يَأْكُل مِنْهُ شَيْئا لم يحرم أكله قولا وَاحِدًا وَحكى ابْن الْمُنْذر عَن النَّخعِيّ وَالثَّوْري أَنَّهُمَا كرها اكله لذَلِك وَإِن رمى سَهْما إِلَى صيد فأثبته وَفَاته ذَكَاته مَعَ مبادرته حل

لَهُ أكله وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِيمَا يعْتَبر فِي مبادرته إِلَيْهِ على وَجْهَيْن أَحدهمَا أَنه يعْتَبر فِي الْمُبَادرَة الْمَشْي على المألوف وَالثَّانِي أَنه يعْتَبر فِيهِ السَّعْي الْمُعْتَاد لطلب الصَّيْد إِذا أَدخل الْكَلْب ظفره أَو نابه فِي الصَّيْد نجس وَهل يجب غسله فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يجب وَالثَّانِي لَا يجب وَيجوز الصَّيْد بِالرَّمْي فَإِن رمى سَهْما فازدلف واصاب الصَّيْد وَقَتله فَهَل يحل أكله فِيهِ وَجْهَان بِنَاء على الْقَوْلَيْنِ فِيمَن رمى إِلَى الْفَرْض فِي الْمُسَابقَة فَوَقع السهْم دون الْفَرْض فازدلف وَبلغ الْفَرْض فَإِن رمى صيدا أَو أرسل عَلَيْهِ كَلْبا فعقره وَغَابَ عَنهُ ثمَّ وجده مَيتا الْعقر مِمَّا يجوز أَن يَمُوت مِنْهُ وَيجوز أَن لَا يَمُوت فقد قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله لَا يحل إِلَّا أَن يكون خبر فَلَا رَأْي

فَمن أَصْحَابنَا من قَالَ فِيهِ قَولَانِ وَمِنْهُم من قَالَ يُؤْكَل قولا وَاحِدًا فَإِنَّهُ قد صَحَّ الْخَبَر فِيهِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن اتبعهُ عقيب الرَّمْي فَوَجَدَهُ مَيتا حل وَإِن أخر اتِّبَاعه لم يحل وَحكي عَن مَالك أَنه قَالَ إِن وجده فِي يَوْمه حل أكله وَإِن وجده بعد يَوْمه لم يحل فَإِن أرسل كَلْبا على صيد فِي جِهَة أُخْرَى فَأصَاب صيدا غَيره فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يحل وَهُوَ قَول ابي إِسْحَاق وَالثَّانِي يحل قَالَ أقضى الْقُضَاة أَبُو الْحسن الْمَاوَرْدِيّ وَأَصَح من هذَيْن الْوَجْهَيْنِ عِنْدِي أَن يُرَاعى مخرج الْكَلْب عِنْد إرْسَاله فَإِن خرج وَعَاد لَا عَن جِهَة إرْسَاله إِلَى غَيرهَا لم يُؤْكَل صَيْده فِيهَا وَإِن خرج فِي جِهَة إرْسَاله خلف صيد فَعدل إِلَى غَيرهَا فَأخذ صيدا حل وَهَذَا يدل على فراهته

قَالَ الإِمَام ابو بكر وَهَذَا لَيْسَ بجيد فَإِن عدوله عِنْد إرْسَاله إِن كَانَ طلب صيد فسنح لَهُ فَلَا فرق بَين أَن يكون فِي جِهَة إرْسَاله وَبَين أَن يكون فِي غَيرهَا عِنْد ابْتِدَاء إرْسَاله وَإِن كَانَ عدوله لغير صيد فَهَذَا يخرج عَن كَونه معلما لِأَن من صفة شَرط التَّعْلِيم أَن يطْلب الصَّيْد إِذا أرْسلهُ فَإِذا عدل عَن الصَّيْد إِلَى غير صيد دلّ على عدم التَّعْلِيم فَإِن رمى سَهْما فِي الْهَوَاء وَهُوَ لَا يرى صيدا فَأصَاب صيدا فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يحل وَهُوَ قَول أبي إِسْحَاق وَالثَّانِي لَا يحل فَإِن رأى صيدا فَظَنهُ حجرا أَو حَيَوَانا غير الصَّيْد فَرَمَاهُ فَقتله حل أكله وَإِن أرسل عَلَيْهِ كَلْبا فَقتله فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يحل وَحكى أَبُو عَليّ بن أبي هُرَيْرَة عَن بعض أَصْحَابنَا أَنه إِذا أَخطَأ فِي قطع حلق شَاة لم تُؤْكَل وَقد نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله على إِبَاحَة أكلهَا وَهَذَا أَقيس وَأَصَح لِأَن ذَكَاة الصَّبِي وَالْمَجْنُون تصح وَلَا قصد لَهما فَإِن رمى سَهْما إِلَى الْهَوَاء فَسقط من علوه على صيد فَقتله حل أكله فِي أحد الْوَجْهَيْنِ

وَفِي الثَّانِي لَا يحل وَكَذَا إِن كَانَ فِي يَده سكين فَسَقَطت على حلق شَاة فذبحتها كَانَ على وَجْهَيْن ذكره ذَلِك فِي الْحَاوِي فَإِن رمى صيدا يمْتَنع بالجناح وَالرجل كالقبج والقطا فَأصَاب رجله ورماه آخر فاصاب جنَاحه فَفِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا أَنه يكون للثَّانِي وَالثَّانِي أَنه بَينهمَا وَحكى فِي الْحَاوِي وَجها آخر أَنه يكون لمن كسر الْجنَاح تقدم أَو تَأَخّر فَإِن نصب أحبولة فَوَقع فِيهَا صيد وَمَات لم يحل كَانَ فِيهَا سلَاح أَو لم يكن وَحكي فِي الْحَاوِي عَن أبي حنيفَة أَنه إِذا كَانَ فِيهَا سلَاح فَقتله بحده حل فَإِن رمى اثْنَان صيدا أَحدهمَا بعد الآخر وَلم يعلم بإصابته أَيهمَا زَالَ امْتِنَاعه فقد قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي الْمُخْتَصر يُؤْكَل وَيكون بَينهمَا فَحَمله أَبُو إِسْحَاق على ظَاهره

وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ لَا يحل وَذكر فِي الْحَاوِي أَنه إِذا كَانَت إِصَابَة احدهما موجية وإصابة الآخر غير موجية فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يحل وَيكون بَينهمَا وَالثَّانِي أَنه للموجي خَاصَّة وَهَذَا وَجه لَا معنى لَهُ فَإِن شكّ فِي الأول هَل أثْبته أم لَا ووجأه الثَّانِي فِي غير مَحل الذَّكَاة فقد حكى فِي الْحَاوِي فِي إِبَاحَته وَجْهَيْن اصحهما أَنه يحل وَالثَّانِي لَا يحل وَلَيْسَ بِشَيْء فَإِن رمى صيدا فأزال امْتِنَاعه فقد ملكه فَإِن رَمَاه آخر وَلم يوجيه وَبَقِي مجروحا وَمَات فَإِن لم يكن قد تمكن من ذبحه وَجب عَلَيْهِ قِيمَته مجروحا وَإِن كَانَ قد تمكن من ذبحه فَلم يذبحه حَتَّى مَاتَ حرم أكله وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِيمَا يجب من ضَمَانه فَقَالَ ابو سعيد الْإِصْطَخْرِي يجب على الثَّانِي كَمَال قِيمَته للْأولِ بعد جراحته وَالْمذهب أَنه يجب عَلَيْهِ كَمَال قِيمَته وَإِنَّمَا يجب عَلَيْهِ مَا يخص جِنَايَته من الْقيمَة ويقسط الْقيمَة على الجنايتين

وَحكي فِي الْحَاوِي عَن أبي عَليّ بن أبي هُرَيْرَة أَنه ينظر فِي الصَّيْد فَإِن حصل فِي يَد صَاحبه حَيا فعلى الثَّانِي قسط قِيمَته وَإِن لم يحصل فِي يَد صَاحبه إِلَّا مَيتا فعلى الثَّانِي جَمِيع قِيمَته وَحكى أَيْضا وَجها آخر وَذكر أَنه عِنْده الْأَظْهر أَنه إِن مضى من الزَّمَان بَين الجراحتين قدر مَا يُدْرِكهُ صَاحبه فعلى الثَّانِي قسطه من الْقيمَة وَإِن لم يكن بَين الجراحتين زمَان يُمكن فِيهِ إِدْرَاكه فعلى الثَّانِي جَمِيع الْقيمَة وَفرض اصحابنا الْمَسْأَلَة فِي جنايتين مضمونتين ليعرف مَا يجب على كل وَاحِد مِنْهُمَا فيحط عَن الأول قسطه فَيُقَال صيد مَمْلُوك يُسَاوِي عشرَة جرحه رجل فنقص من قِيمَته دِرْهَم وجرحه آخر فنقص من قِيمَته أَيْضا دِرْهَم وَمَات الصَّيْد من سرَايَة الجنايتين فَاخْتلف أَصْحَابنَا فِيهِ على سِتَّة طرق أصَحهمَا أَن أرش جِنَايَة كل وَاحِد مِنْهُمَا يدْخل فِي جِنَايَته فيضم قيمَة الصَّيْد عِنْد جِنَايَة الأول إِلَى قِيمَته عِنْد جِنَايَة الثَّانِي فَتكون تِسْعَة ثمَّ يقسم قيمَة الصَّيْد وَهُوَ عشرَة على تِسْعَة عشر فَمَا يُقَابل عشرَة يجب على الأول وَمَا يُقَابل تِسْعَة يجب على الثَّانِي هَذِه طَريقَة أبي عَليّ بن خيران

وَالثَّانِي وَهُوَ قَول الْمُزنِيّ رَحمَه الله أَنه يجب على كل وَاحِد مِنْهُمَا أرش جِنَايَته ثمَّ يجب عَلَيْهِمَا قِيمَته بعد الجنايتين فَيجب على كل وَاحِد مِنْهُمَا خمسه وَالثَّالِث وَهُوَ قَول ابي إِسْحَاق أَنه يجب على كل وَاحِد مِنْهُمَا نصف أرش جِنَايَته وَنصف قيمَة يَوْم جنى عَلَيْهِ فَيجب على الأول خَمْسَة دَرَاهِم وَنصف وعَلى الثَّانِي خَمْسَة ثمَّ يرجع الأول على الثَّانِي بِنصْف دِرْهَم وَحكى فِي الْحَاوِي وَجْهَيْن فِي صفة حمل الثَّانِي عَن الأول أَحدهمَا أَنه يكون فِي ضَمَان الأول حَتَّى يُؤْخَذ من الثَّانِي وَالثَّانِي أَنه يسْقط عَن الأول نصف دِرْهَم بِضَمَان الثَّانِي كَمَا يسْقط عَنهُ نصف الْقيمَة بِضَمَان الثَّانِي لَهُ وَالرَّابِع وَهُوَ قَول أبي الطّيب بن سَلمَة أَنه يجب على كل وَاحِد مِنْهُمَا نصف قِيمَته حَال جِنَايَته وَنصف أرش جِنَايَته كَمَا قَالَ أَبُو إِسْحَاق غير أَنه لم يثبت للْأولِ الرُّجُوع على الثَّانِي بِشَيْء وَإِنَّمَا جَمِيع مَا يجب عَلَيْهِمَا وَهُوَ عشرَة وَنصف فقسم الْعشْرَة الَّتِي هِيَ قيمَة الصَّيْد عَلَيْهِ فَمَا يخص خَمْسَة وَنصف يكون على الأول وَمَا يخص خمسه يكون على الثَّانِي وَالْخَامِس أَنه يجب على الأول أرش جِنَايَته ثمَّ تجب بعد ذَلِك قِيمَته بَينهمَا نِصْفَيْنِ وَلَا تجب على الثَّانِي أرش جِنَايَته

وَالسَّادِس وَهُوَ قَول أبي عَليّ بن ابي هُرَيْرَة أَن الْأَرْش يدْخل فِي قيمَة الصَّيْد فَيجب على الأول نصف قِيمَته حَال جِنَايَته وعَلى الثَّانِي نصف قِيمَته حَال جِنَايَته فَيذْهب نصف دِرْهَم من قيمَة الصَّيْد كُله فَإِن توحش أنسي بِأَن ند بعير فَلم يقدر عَلَيْهِ فذكاته حَيْثُ قدر عَلَيْهِ مِنْهُ كذكاة الوحشي وَبِه قَالَ ابو حنيفَة وَأحمد وَالثَّوْري وَقَالَ سعيد بن الْمسيب وَمَالك وَرَبِيعَة ذَكَاته فِي الْحلق واللبة وعَلى هَذَا لَو تردى بعير فِي بِئْر أَو وهدة فَلم يُمكن ذَكَاته فِي مذبحه فعقره حَيْثُ امكنه ذكاه خلافًا لمَالِك فَإِن أرسل عَلَيْهِ كلب صيد حَتَّى عقره لم يحل فِي أصح الْوَجْهَيْنِ ذكر ذَلِك فِي الْحَاوِي وَذكر أَيْضا أَنه إِذا تنَازع الراميان للصَّيْد فَادّعى أَحدهمَا اجْتِمَاعهمَا على الْإِصَابَة وَادّعى الآخر التَّقَدُّم فِي الْإِصَابَة وَكَانَ الصَّيْد خَارِجا عَن يدهما فَالظَّاهِر تساويهما فِيهِ فَهَل يحكم بِالظَّاهِرِ أَو بِمُوجب الدَّعْوَى فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يحكم بِالظَّاهِرِ فَيكون القَوْل قَول الْمُدَّعِي للاجتماع على الْإِصَابَة فَيكون بَينهمَا نِصْفَيْنِ

وَالثَّانِي أَنه يحكم بِمُوجب الدَّعْوَى فعلى هَذَا لكَون للْمُدَّعِي الْمُتَقَدّم النّصْف من غير يَمِين وَالنّصف الآخر يَتَحَالَفَانِ فِيهِ وَيكون بَينهمَا فَإِن رمى صيدا فَقَطعه بِاثْنَيْنِ وَمَات الصَّيْد هَل كل وَاحِدَة من القطعتين بِكُل حَال وَبِه قَالَ أَحْمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن كَانَتَا سَوَاء حلتا وَكَذَا إِن كَانَت الْقطعَة الَّتِي مَعَ الرَّأْس أقل وَإِن كَانَت الْقطعَة الَّتِي مَعَ الرَّأْس أَكثر حلت وَلم تحل الْأُخْرَى فَإِن استرسل الْكَلْب على الصَّيْد فزجره صَاحبه فَوقف ثمَّ أشلاه فاستشلى وَأخذ الصَّيْد حل أكله وَإِن لم يقف وَلكنه زَاد فِي عدوه وَأخذ الصَّيْد وَقَتله لم يحل قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد يحل وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ فَإِن أرسل مُسلم كَلْبا على صيد فأغراه مَجُوسِيّ فَزَاد فِي عدوه وَقتل الصَّيْد فقد ذكر الشَّيْخ أَبُو حَامِد أَنه يحل وَهُوَ قَول أَحْمد وَذكر القَاضِي ابو الطّيب رَحمَه الله أَنه لَا يحل وَهُوَ قَول أبي حنيفَة

فَإِن رمى طائرا فجرحه فَسقط إِلَى الأَرْض فَوَجَدَهُ مَيتا حل وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَقَالَ مَالك إِن مَاتَ قبل سُقُوطه حل وَإِن مَاتَ بعد سُقُوطه إِلَى الأَرْض لم يحل وَذكر فِي طير المَاء إِذا رَمَاه فَوَقع فِي المَاء حل فِي أحد الْوَجْهَيْنِ ذكرهمَا فِي الْحَاوِي وَإِن افلت الصَّيْد من يَده لم يزل ملكه عَنهُ وَحكي عَن أَحْمد أَنه قَالَ إِذا أبعد فِي الْبَريَّة زَالَ ملكه عَنهُ فَإِن كَانَ فِي ملكه صيد فَخَلَّاهُ زَالَ ملكه عَنهُ فِي أحد الْوَجْهَيْنِ وَفِي الثَّانِي لَا يَزُول وَحكي فِي الْحَاوِي أَنه إِذا قصد بِتَخْلِيَتِهِ التَّقَرُّب إِلَى الله تَعَالَى بإرساله زَالَ ملكه عَنهُ كَالْعِتْقِ وَهل يحل صَيْده بعد امْتِنَاعه فِيهِ وَجْهَان إِذا عرف أَحدهمَا وَهُوَ قَول كثير من الْبَصرِيين أَنه لَا يحل صَيْده وَالثَّانِي وَهُوَ قَول أبي عَليّ بن ابي هُرَيْرَة أَنه يحل صَيْده وَإِن لم يقْصد بإرساله التَّقَرُّب إِلَى الله تَعَالَى فَفِي زَوَال ملكه بِالْإِرْسَال وَجْهَان أَحدهمَا يَزُول ملكه وَالثَّانِي لَا يَزُول كَمَا لَو أرسل بعيره أَو فرسه فَإِن اصطاد طائرا وحشيا وَجعله فِي برجه فطار مِنْهُ إِلَى برج غَيره لم يزل ملكه عَنهُ

وَالثَّانِي لَا يَزُول كَمَا لَو أرسل عَنهُ وَقَالَ مَالك إِن لم يكن قد أنس برجه بطول ملكه صَار ملكا لمن انْتقل إِلَى برجه فَإِن عَاد إِلَى برج الأول عَاد إِلَى ملكه فَإِن ذكي حَيَوَان مَأْكُول فَوجدَ فِي جَوْفه جَنِين ميت حل أكله وَقَالَ ابو حنيفَة لَا يحل فَإِن خلص الشَّاة من فَم السَّبع وَقد شقّ جوفها وذكيت وَوَقع الشَّك فِي حَال الذَّكَاة هَل وجدت فِي حَال إباحتها أَو فِي حَال حظرها فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنَّهَا تُؤْكَل وَالثَّانِي أَنَّهَا لَا تحل لِأَن الأَصْل الْحَظْر وَالله أعلم تمّ ربع الْعِبَادَات من المستظهري بِحَمْد الله وعونه يتلوه إِن شَاءَ الله تَعَالَى كتاب الْبيُوع وصلواته على مُحَمَّد وَآله الطاهرين

§1/1