حكم الغناء في مذهب المالكية

مصطفى باحُّو

حكم الغناء في مذهب المالكية تأليف: مصطفى باحو

الكتاب: حكم الغناء في مذهب المالكية المؤلف: مصطفى باحو الطبعة: الثانية، ذو القعدة 1428 - دجنبر 2007 الناشر: جريدة السبيل البريد الإلكتروني: [email protected] الإيداع القانوني: 2007/ 3208

مقدمة الطبعة الثانية

مقدمة الطبعة الثانية بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وبعد، فهذه هي الطبعة الثانية لهذه الرسالة، تأتي بعد نفاد ألفي (2000) نسخة من الطبعة الأولى. أطبعها بعد كثرة الإلحاح على إعادة طبعها، واستحسان طلبة العلم وأهله إعادة نشرها. وقد أصلحت فيها بعض الأخطاء المطبعية. والله الموفق بمنه وكرمه.

مقدمة الطبعة الأولى

مقدمة الطبعة الأولى: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. أما بعد، فإني كنت وقفت على بعض كتب المالكية المفردة في تحريم الغناء والرد على مستحليه، وكلها لازالت مخطوطة إلا كتاب الطرطوشي كما سيأتي، فرأيت أن أجمع بعض نصوصها، وأختار منها ما يوضح بجلاء مذهب المالكية في هذا الموضوع الذي استطار في الناس شره، وعمَّ بين الخلق ضرره. أما الكتب التي جعلتها عمدة بحثي ومعول قصدي، فهي: 1 - الزجر والإقماع، بزواجر الشرع المطاع، لمن يؤمن بالله ورسوله ويوم الاجتماع، عن ءالات اللهو

والسماع: لأبي عبد الله محمد بن المدني كنون (المتوفى سنة 1302)، وهو من علماء المالكية المتأخرين. ويقع في أزيد من (291) صفحة، ورتبه على ثلاثة فصول. الفصل الأول: في بيان حقيقة السماع وحكمه. والثاني: في ذكر الآيات والأحاديث والآثار. والثالث: في ذكر كلام الأئمة من المحدثين والفقهاء والصوفية. قال في مقدمته (2): لما رأيت كثيرا من ينسب للعلم والفضل يحضر ءالات اللهو، التي هي من شأن ذوي الفسق والجهل، إما جهلا وعمها، وإما لبسا للحق بالباطل خفة وسفها، أردت أن أجمع في ذلك ما وقفت عليه من الآيات والأحاديث وكلام الأئمة، عسى أن ينتفع بذلك من أراد الله به خيرا، وللرشد ألهمه. والمؤلف ابن المدني كنون قال عنه الثعالبي في الفكر السامي (2/ 303): هذا الشيخ من أكبر المتضلعين في العلوم

الشرعية الورعين المعلنين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وخاتمتهم في المغرب، شيخ شيوخنا، وشيخ شيوخ جل المغرب، رأس علمائه في القرن الثالث عشر بلا منازع، كان مفتيا محدثا نحويا لغويا معقوليا مشاركا محققا نزيها، قوالا للحق مطبوعا على ذلك، غير هياب ولا وجل، نزيها مقداما مهيبا، عالي الهمة، دؤوبا على نشر العلم والإرشاد والنهي عن المناكير والبدع ... وكان شديدا على أهل الطرق وما لهم من البدع التي شوهت جمال الدين والمتصوفة أصحاب الدعاوى التي تكذبها الأحوال. انتهى. وقد طبع الكتاب طبعة حجرية بفاس، ونسبه لكنون صاحب شجرة النور الزكية (430). 2 - تحريم الغناء والسماع لأبي بكر الطرطوشي المالكي، وقد طبع في دار الغرب الإسلامي. 3 - إمتاع الأسماع بتحرير ما التبس من حكم السماع لمحمد بن أحمد الرهوني المالكي (المتوفى سنة 1230). وقد قسمه مؤلفه إلى ثلاثة أبواب:

الأول: في تحقيق مذهب مالك وإبطال ما نسب إليه من إجازته سماع العود وفعله وأنه وجد في تركته. والثاني: فيما جاء في ذم الغناء من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وأقوال الأئمة فقهاء وصوفية. والثالث: فيما يفهم من انبغاء التنزه عن كل ما من شأنه أن يشغل عن ذكر الله. والكتاب منه نسخ كثيرة في المكتبات، منها بالخزانة الحسنية رقم 6430، وهذه بخط المصنف، 4864 - 6040 - 11950 - 4764 - وبالخزانة العامة 4058 - 963 د، ويقع منسوبا في أكثر هذه المصادر للسلطان المولى سليمان مجازا، لأنه هو الآمر بكتابته. والمؤلف الرهوني، قال عنه في الفكر السامي (2/ 297): كان حافظا متقنا فقيها متفننا .. من فقهاء وقته النظار، وممن تفتخر به الأعصار، دارت الفتيا عليه في المغرب. 4 - تقييد في إنكار الرقص والطار لأحمد بن محمد المرنيسي (ت 1277). يوجد مخطوطا في الخزانة العامة رقم: 2744 د- 237 ك.

وموضوعه واضح من عنوانه. وقد رد عليه بعضهم، فتولى الرد عليه الغالي اللجائي في إبطال الشبه ورفع الإلباس، وهو الكتاب التالي: 5 - إبطال الشبه ورفع الإلباس في الرد على من صوب في تقييد له خطأ الناس، لأبي عبد الله محمد الغالي بن محمد الحسني العمراني اللجائي المتوفى (سنة 1289). مخطوط في الخزانة الحسنية رقم (11482) ويقع في (564) صفحة، وهو رد على الصوفية والطرقيين في الرقص والسماع والغناء والذكر جماعة، وقد ذكر الكتاب منسوبا لمؤلفه صاحب دليل مؤرخ المغرب (2/ 435). 5 - السيف اليماني لمن أفتى بحل سماع الآلات والأغاني لمصطفى بن رمضان بن عبد الكريم البرلسي المالكي الشهير بالبولاقي (المتوفى سنة 1263). وقد حققته وسيصدر قريبا إن شاء الله تعالى. ثم زدت على الكتب المتقدمة نقولا أخرى من المعيار المعرب للونشريسي، والنوادر والزيادات لابن أبي زيد القيرواني،

وبعض شروح مختصر خليل، والبيان والتحصيل لابن رشد، والمقدمات الممهدات لابن رشد، وتفسير القرطبي، وشروح مسلم للقاضي عياض والأبي وغيرها، ليتبين لكل منصف بجلاء رأي المالكية في هذا الموضوع، وخطأ من نسب إليهم إجازته. ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية- وهو الخبير بمقالات الناس وآرائهم- في الاستقامة (1/ 273): وأما نقلهم لإباحته عن مالك وأهل الحجاز كلهم فهذا غلط من أسوإ الغلط، فإن أئمة أهل الحجاز على كراهته وذمه، ومالك نفسه لم يختلف قوله وقول أصحابه في ذمه وكراهته، بل هو من المبالغين في ذلك، حتى صنف أصحابه كتبا مفردة في ذم الغناء والسماع. اهـ ومن الرسائل التي ألفها علماء مالكية في نفس الموضوع: 6 - جواب في الرقص والشطح عند الذكر لعبد الله بن محمد بن موسى العبدوسي (ت849). يوجد مخطوطا في الخزانة الحسنية (12212) (ص106 - 107). وهي رسالة صغيرة في ثلاث صفحات ونصف في الرد على السماع الصوفي.

ومما قال فيها: الشطح والرقص والصياح ولطم الصدور وهز الرؤوس بالعنق حالة الذكر حرام وفاعله ظالم ءاثم عاص لله ورسوله، ومن لم يتب من ذلك فلا تجوز إمامته ولا شهادته، وكل من حضر هذا المشهود فهم منهم، وإن لم يعمل مثل عملهم. وقال الشيخ الطرطوشي رحمه الله: إن ذلك بدعة وضلالة. انتهى. وفي الختام أنبه على مسألة هامة، وهي أن بعض العلماء يطلقون الغناء على ما تجرد عن الآلات الموسيقية، فيحكون فيه الخلاف. وهذا موجود في كلامهم، فيظن الواقف عليه أن الخلاف جار كذلك فيما اقترن بالآلات. وليس كذلك، فليتنبه إلى هذا جيدا (¬1)، والله الهادي إلى سواء السبيل. وكتبه: أبو سفيان مصطفى باحو. أوائل جمادى الأولى 1419/ 4 شتنبر 1998 ¬

_ (¬1) وقد صرح بهذا الغلائي اللجائي في إبطال الشبه (107) وسيأتي نقل كلامه بنصه.

الفصل الأول: إجماع علماء المالكية وغيرهم على تحريم الغناء

الفصل الأول: إجماع علماء المالكية وغيرهم على تحريم الغناء نص عدد كبير من علماء المالكية على تحريم الغناء، وخصوصا إذا كان بآلة من آلات اللهو، ونقلوا في ذلك الإجماع، منهم القرطبي والطرطوشي وأبو عبد الله الساحلي ويوسف بن عمر الأنفاسي والدردير وابن المدني كنون وآخرون، وكلهم مالكية، وقد حكى الإجماع غير المالكية، لكني أقتصر هنا على ما حكاه المالكية أنفسهم، أو حكوه عن غيرهم وسكتوا مقرين له. وإليك نصوصا من أقوالهم: - قال العلامة أبو عبد الله الساحلي الأندلسي المالكي (ت: 754) في بغية السالك في أشرف المسالك (2/ 598): فأما الممنوع باتفاق فهو ما أضيف إليه الملاهي كالمزامير ونحوها.

- وقال ابن الحاج (¬1) المالكي في المدخل ما نصه (2/ 2): وقد نقل ابن الصلاح رحمه الله تعالى أن الإجماع منعقد على أن آلات الطرب إذا اجتمعت فهي محرمة. اهـ. - وقال الشيخ يوسف بن عمر الأنفاسي الفاسي المالكي المتوفى سنة (761): أما الغناء فحرام بآلة بإجماع. الزجر والإقماع (199). - وقال ابن حجر الهيتمي في الزواجر (3/ 258): وقال الإمام أبو العباس القرطبي: أما المزامير والأوتار والكوبة فلا يختلف في تحريم استماعها، ولم أسمع عن أحد ممن يعتبر قوله من السلف وأئمة الخلف من يبيح ذلك. - وقال أبو عبد الله القرطبي المالكي في تفسيره (14/ 54): فأما ما ابتدعته الصوفية اليوم من الإدمان على سماع المغاني بالآلات المطربة من الشبابات والطار والمعازف والأوتار فحرام. ¬

_ (¬1) ابن الحاج هو: أبو عبد الله محمد بن محمد العبدري الفاسي (ت737). له ترجمة في حسن المحاضرة (1/ 381) وكشف الظنون (2/ 1643) وغيرها.

- وقال محمد بن المدني كنون في الزجر والإقماع (200): وقال الشيخ زروق (¬1) في قواعده: محل الخلاف في السماع إن تجرد عن ءالة، وإلا فمتفق على تحريمه، غير ما للعنبري وإبراهيم بن سعد، ولما فيهما لم يعتد غيره بقولهما (¬2). وقال في روح البيان ما نصه: وكذا لا خلاف في حرمة سماع الأوتار والمزامير وسائر الآلات (¬3). ثم قال ابن المدني كنون بعد هذا: ومن خالف بعد انعقاد الإجماع فهو محجوج بالإجماع المنعقد قبله. وقال أيضا (222): وقد تقدمت حكاية إجماع الأمة على تحريم آلات اللهو المجتمعة. وقال أيضا (217): فما ظنك بمسألة المعازف المحرمة بإجماع. ¬

_ (¬1) زروق هو أبو العباس أحمد بن أحمد الفاسي المالكي المتوفى سنة (899). له ترجمة في الأعلام (1/ 91) وشذرات الذهب (9/ 547) وشجرة النور (267) ونيل الابتهاج (1/ 130) وغيرها. (¬2) ونقل هذا النص أيضا في إبطال الشبه (64 أ)، (¬3) ثم ذكر استثناء الطبل في الجهاد والحج.

وقال أيضا (230): وقال في العرف الندي في شرح قصيدة ابن الوردي عند قوله: "واله عن ءالة لهو أطربت"، ما نصه: قد اتفق الفقهاء من المتقدمين والمتأخرين رضي الله عنهم أجمعين أنه يحرم استعمال ءالات اللهو والطرب، سواء في ذلك ذوات الأوتار وغيرها كطنبور وعود وسنطير ومزمار عراقي، وكذلك يحرم استعمالها وسماعها، ويحرم الضرب بالكوبة، وهو طبل صغير ضيق الوسط واسع الطرفين. اهـ. وقال أيضا في الزجر والإقماع (172): وفي حاشية العارف أبي زيد الفاسي رحمه الله تعالى عن الشامل: فأما على الهجو والغناء فممنوع اتفاقا. وقال أيضا في الزجر والإقماع (156): قال في الطريقة المحمدية (¬1) ما نصه: قال في التاتارخانية: التغني واستماع الغناء حرام، أجمع عليه العلماء وبالغوا فيه. ¬

_ (¬1) في الآداب الشرعية لمحمد البركوي أو البركلي الحنفي المتوفى سنة 981.

وقال كنون أيضا في الزجر والإقماع (178): وقال أيضا في لطائف المنن والأخلاق ما نصه: وأما سماع العود والطنبور وما شاكلهما، فظاهر كلام الأئمة الأربعة التحريم. - وقال أبو بكر الطرطوشي في تحريم الغناء والسماع (200): وأما سماعه من المرأة فكل مجمع على تحريمه. - وقال العلامة أبو عبد الله الساحلي الأندلسي المالكي (ت: 754) في بغية السالك في أشرف المسالك (2/ 605): وقد حكى الطرطوشي الإجماع على تحريم السماع الجاري الآن. ووجه المنع في ذلك قوي. - وقال العلامة الدردير المالكي في شرحه على مختصر خليل (2/ 339): والحاصل أن الطبل بجميع أنواعه يجوز في النكاح ما لم يكن فيه صراصر أو ولو كان فيه على ما مر من الخلاف، وأما في غير النكاح فلا يجوز شيء منه اتفاقا في غير الدف، وعلى المشهور بالنسبة للدف، اهـ: تقرير شيخنا عدوي.

- وقال أبو عبد الله القرطبي المالكي في تفسيره (14/ 54) وابن الحاج في المدخل (3/ 119): ولهذه الآثار وغيرها قال العلماء بتحريم الغناء ... وقال أبو عبد الله القرطبي (14/ 56) وابن الحاج في المدخل (3/ 120): قال الطبري: فقد أجمع علماء الأمصار على كراهة الغناء، والمنع منه. - وقال أبو العباس أحمد بن يوسف الفاسي المالكي: إن حكم سماع الغناء بالأوتار وسائر المزامر الحرمة في مشهور مذاهب الأئمة الأربعة. نقله في إبطال الشبه ورفع الإلباس (64). - وقال الغالي اللجائي المالكي في إبطال الشبه ورفع الإلباس (104 ب): أما سماع الآلة فسلف أن المشهور من مذهب الأئمة الأربعة التحريم. - وقال ابن رشد في البيان والتحصيل (7/ 472): أما العود والبوق فلا اختلاف في أنه لا يجوز استعمالها في عرس ولا غيره، فيفسخ فيهما باتفاق.

الفصل الثاني: في ذكر النصوص عن مالك في تحريمه

الفصل الثاني: في ذكر النصوص عن مالك في تحريمه - عن إسحاق بن عيسى الطباع قال: سألت مالك بن أنس عما يترخص فيه بعض أهل المدينة من الغناء، فقال: إنما يفعله عندنا الفساق. رواه عبد الله بن أحمد في العلل (1/ 260) قال: ثني أبي قال: حدثنا إسحاق بن الطباع قال: سألت مالك بن أنس، الخ. وهذا سند صحيح عال. ورواه الخلال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (103) وابن الجوزي في تلبيس إبليس (244). قال الخلال: أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل. فذكره. - وقال ابن القاسم: كان مالك يكره الدفاف والمعازف كلها في العرس، وذلك أني سألته عنه فضعفه ولم يعجبه ذلك. المدونة (3/ 398).

- وقال ابن أبي زيد القيرواني في النوادر والزيادات (4/ 567): قال ابن المواز: قال مالك: لا بأس بالكبر والدف. وقال أصبغ: يعني في العرس خاصة، لإظهار النكاح. ولا يعجبني المزهر، وهو المربع، فإن لم يكن معه غيره فهو أحب إلي، فإن كان معه الكبر فلا يكن معهما غيرهما، ولا ينبغي ذلك في غير العرس. ولا يجوز الغناء في العرس ولا في غيره إلا مثل ما كان يقول نساء الأنصار ... إلى آخر كلامه. - وقال الطرطوشي في تحريم الغناء والسماع (161): أما مالك بن أنس رضي الله عنه فإنه نهى عن الغناء واستماعه، وقال: إذا اشترى جارية فوجدها مغنية كان له أن يردها بالعيب (¬1). - وقال القاضي عياض في إكمال المعلم (3/ 306): المعروف عن مالك فيه المنع لا الإجازة. - وقال محمد العتبي في المستخرجة (5/ 113 - البيان والتحصيل): قال أصبغ: وسمعت ابن القاسم وسئل عن الذي ¬

_ (¬1) علق في إبطال الشبه على هذا: وإنما كان له ردها لأن المنفعة غير شرعية (108 أ).

يدعى إلى الصنيع فجاء فوجد فيه لعبا، أيدخل؟ قال: إن كان شيئا خفيفا مثل الدف والكبر الذي يلعب به النساء، فما أرى به بأسا، قال أصبغ: ولا يعجبني، وليرجع، وقد أخبرني ابن وهب أنه سمع مالكا يسأل عن الذي يحضر الصنيع فيه اللهو، فقال: ما يعجبني للرجل ذي الهيئة يحضر اللعب، وأخبرني ابن وهب عن مالك وسئل عن ضرب الكبر والمزمار أو غير ذلك من اللهو، ينالك سماعه، وتجد لذته وأنت في طريق أو مجلس غيره، قال مالك: أرى أن يقوم من ذلك المجلس (¬1). - وقال ابن الحاج في المدخل (2/ 2): ومذهب مالك رحمه الله أن الطار الذي فيه الصراصر محرم وكذلك الشبابة، ويجوز الغربال لإظهار النكاح. اهـ. ونقله الحطاب في شرح خليل (4/ 6) وكنون في الزجر والإقماع (222). - وقال ابن الحاج في المدخل (3/ 120): وذكر أبو الطيب طاهر بن عبد الله الطبري قال: أما مالك بن أنس فإنه نهى عن الغناء وعن استماعه، وقال: إذا اشترى جارية ووجدها ¬

_ (¬1) ونقله الحطاب في مواهب الجليل (4/ 8).

مغنية كان له ردها بالعيب، وهو مذهب سائر أهل المدينة. قال النحاس: وهو ممنوع بالكتاب والسنة. - وقال ابن الحاج في المدخل (3/ 118): وقال القاسم بن محمد: الغناء باطل، والباطل في النار. وقال ابن القاسم: سألت عنه مالكا فقال: قال الله تعالى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إلَّا الضَّلَالُ} [يونس:32]: أفحق هو؟. انتهى. - ونقل ابن المدني كنون في الزجر والإقماع (231) عن الجزولي: ومذهب مالك أن سماع ءالة اللهو كلها حرام إلا الدف في النكاح والكَبَر على خلاف ... - وقال ابن المدني كنون في الزجر والإقماع (231): وأما الغناء فمذهب مالك منعه سواء كان بآلة وبغير ءالة .. - وقال أيضا في الزجر والإقماع (189)، بعد نقله عن النووي عزوه لمالك في رواية تجويز الغناء: وفيما عزاه لمالك نظر، والمعروف من مذهبه المنع سدا للذريعة، وحسما لأبواب الفسق وغيره.

- وفي شرح المباحث: روى أبو الطيب عن مالك وأبي حنيفة وعن الشافعي وعن أحمد بن حنبل وعن سفيان وجماعة من العلماء أن الغناء لهو منكر ملحق بالباطل، ومن استكثر منه فهو سفيه (¬1). - وقال الشيخ أبو الحسن الصغير المكناسي في رسالة له في ذم البدع والسماع: وروي عن مالك أنه نهى عن السماع واستماعه، وسئل عما يترخص فيه بعض أهل المدينة من السماع، فقال: إنما يفعله عندنا الفساق الزنادقة (¬2). - وقال القاضي عياض المالكي في ترتيب المدارك (2/ 53): قال التنيسي: كنا عند مالك وأصحابه حوله، فقال رجل من أهل نصيبين: (يا أباعبد الله) (¬3) عندنا قوم يقال لهم ¬

_ (¬1) الزجر والإقماع (163). (¬2) وهذه الرسالة مخطوطة بالخزانة الحسنية رقم (12226)، والقرويين رقم (1/ 328)، في 8 أوراق، ونسب خطأ للزرويلي. وله رسالة أخرى في ذم البدع جيدة، ما رأيت مثلها للمغاربة، وقد حققتها على نسخ. (¬3) زيادة من المعيار.

الصوفية، يأكلون كثيرا ثم يأخذون في القصائد، ثم يقومون فيرقصون، فقال مالك: أصبيان هم؟ قال: لا، قال: أمجانين هم؟ قال: لا، هم قوم مشايخ، وغير ذلك، عقلاء، فقال مالك: ما سمعت أن أحدا من أهل الإسلام يفعل هذا. قال الشاطبي رحمه الله معلقا بعد ذكره هذا: انظر كيف أنكر مالك، وهو إمام السنة، أن يكون في أهل الإسلام من يفعل هذا إلا أن يكون مجنونا وصبيا، فهذا بين أنه ليس من شأن الإسلام (¬1). - قال الونشريسي في المعيار (11/ 76): قال ابن عبد الحكم في المختصر: وسئل مالك عن الغناء فقال لا يجوز، فقيل له عن أهل المدينة الذين يسمعونه، فقال إنما يسمعه عندنا الفساق، وحكاه الأستاذ الطرطوشي في الحوادث والبدع (¬2) له عنه، وكذا القرطبي في كشف القناع، وصرح في الإكمال (¬3) ¬

_ (¬1) المعيار (11/ 41). (¬2) تحريم الغناء والسماع (161). (¬3) إكمال المعلم (3/ 306) للقاضي عياض.

بأنه المعروف عنه. وقال القاضي الطبري في مؤلفه في حكم السماع: نهى عن الغناء واستماعه، وإليه ذهب ابن حبيب وصرح به في واضحته. - وقال الغالي اللجائي في إبطال الشبه ورفع الإلباس (109أ): وأما الغناء المقترن بما ذكر - أي بالآلات والرقص وغيرها – فقد نص الطرطوشي وغيره على حرمته، وسلف جواب الطرطوشي إذ قال فيه: هذا مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل وغيرهم من أئمة المسلمين. وقال أيضا (107 ب): هذا ولو لم يكن نص من أئمة مذهبنا بتحريم ذلك لكان نص الإمام كافيا شافيا وافيا، يجب الوقوف عنده، والعمل بمقتضاه. وقال أيضا في إبطال الشبه (115) مبينا حرمة الغناء عند مالك: ويؤخذ التحريم أيضا من رواية أبي الطيب عن مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل وغيرهم أن الغناء لهو منكر ملحق بالباطل، والباطل غير الحق، فيكون منهيا عنه، والأصل في النهي التحريم.

الفصل الثالث: في ذكر نصوص أخرى للمالكية في تحريمه

الفصل الثالث: في ذكر نصوص أخرى للمالكية في تحريمه ولنبدأ بثلاثة كتب من أمهات المختصرات المالكية، الرسالة، ومختصر خليل، والتلقين للقاضي عبد الوهاب. - قال العلامة ابن أبي زيد القيرواني في الرسالة (137): ولا تحضر من ذلك ما فيه نوح نائحة أو لهو من مزمار أو عود أو شبهه من الملاهي الملهية إلا الدف في النكاح، وقد اختلف في الكبر. - قال أبو العباس القلشاني في شرح الرسالة: ومثل ذلك ممنوع لأنه ليس من أخلاق ذوي الدين ... (¬1). ¬

_ (¬1) الزجر والإقماع (237)، وأبو العباس القلشاني هو أحمد بن محمد بن عبد الله القلشاني المغربي المالكي المتوفى سنة 863. له ترجمة في الضوء اللامع (1/ 348) ونيل الابتهاج (1/ 116) وشجرة النور (258) والأعلام (1/ 229) وغيرها.

وقال عبد السميع الأبي الأزهري المالكي في شرحها الثمر الداني (394): فيمتنع حضور شيء من ذلك. - وقال ابن أبي زيد أيضا في الرسالة (139): ولتجب إذا دعيت إلى وليمة العرس، إن لم يكن هناك لهو مشهور ولا منكر بين. قال عبد السميع الأبي الأزهري المالكي في شرح الرسالة الثمر الداني (397): أي ممنوع، مثل آلات الطرب الممنوعة. - قال العلامة أبو عبد الله محمد جسوس في شرحها: أي ممنوع كآلات الطرب الممنوعة، وهي ذوات الأوتار (¬1). - وقال ابن أبي زيد أيضا (134): ولا يحل لك أن تتعمد سماع الباطل كله .. ولا سماع شيء من الملاهي والغناء. - وقال الشيخ يوسف بن عمر الأنفاسي الفاسي المالكي (ت761) في شرحها: قوله: "ولا سماع شيء من ¬

_ (¬1) الزجر والإقماع (235) وجسوس من متأخري المالكية واسمه: محمد بن قاسم بن محمد جسوس أبو عبد الله المتوفى سنة 1182. له ترجمة في الأعلام للزركلي (7/ 8) والفكر السامي (2/ 291) وشجرة النور (355).

الملاهي والغناء"، هذا من أنواع الباطل، فسماع الملاهي حرام، واستثنى أبو محمد الدف في النكاح كما يأتي، والملاهي هي مثل العود والمزمار وغير ذلك من الملاهي لأنها كثيرة. وقوله: "والغناء"، هو من الباطل أيضا، سواء كان بآلة أو بغير آلة على المشهور، أما بآلة فهو حرام بإجماع، وبغير ءالة ذكر عن بعض أهل المدينة جوازه، وهو شاذ، ونسبه بعض الشافعية لمالك، وأنكر هذا عبد الوهاب، وقال: لا يصح هذا عن مالك ولا يليق به (¬1). - وقال القاضي عبد الوهاب المالكي المتوفى سنة (422) في التلقين (188) عطفا على ما لايجوز: ولا حضور مواضع اللهو ولا سماع الملاهي كالطبل والزمر، ورخص في الدف وشبهه في النكاح. - وقال الشيخ في مختصره (263): عطفا على ما يخل بالمروءة ويقدح في العدالة: وسماع غناء. ¬

_ (¬1) الزجر والإقماع (230).

وقال أيضا في جامعه: ولا يصغي بسمعه إلى الملاهي والغناء وءالاته والنظر إلى ذلك كله حرام. الزجر والإقماع (230). - وقال الدسوقي المالكي في حاشيته على شرح الدردير (2/ 339): وأما بقية الآلات من ذوات الأوتار فالراجح حرمتها حتى في النكاح. - وقال الطرطوشي المالكي في تحريم الغناء والسماع (166): فأما العود والطنبور وسائر الملاهي فحرام ومستمعه فاسق. - وقال ابن عرفة المالكي: والغناء بآلة، فإن كانت ذات أوتار كالعود والطنبور والمعزفة والمزمار، فالظاهر عند العلماء حرمته، وأطلق ابن عبد الحكم أن سماع العود مكروه، وقد يريد به الحرمة. اهـ (¬1) قلت: وفي المعيار (11/ 74) عن ابن عبد الحكم التصريح بالحرمة. ¬

_ (¬1) الزجر والإقماع (172).

- وقال العلامة الشطيبي المالكي في شرح المباحث الأصلية بعد أن عدد بعض ءالات الغناء: وكل هذا بدعة وضلالة، إنما أباحه في السماع أرباب الأهواء، الذين تشيخوا بلا إذن وربوا بغير معرفة فضلوا وأضلوا لأنفسهم ولمن اقتدى بهم (¬1). - وقال الرهوني في إمتاع الأسماع (20): وقال في جامع الإرشاد ما نصه: ويحرم حضور مجالس اللهو وأهل المنكر ولينه عنه، ويأمر بالمعروف. - وقال أبو عبد الله الساحلي المالكي (ت: 754) في بغية السالك في أشرف المسالك (2/ 607)، بعد كلام طويل حول مفاسد الغناء: والحق الذي لا ريب فيه أن هذه الملاهي قادحة في آداب العبودية، ناقضة لعرى الخضوع والافتقار، ومضادة لمعنى التدبر، بعيدة من الحق، قريبة من الباطل، يجب تنزيه جانب النبي - صلى الله عليه وسلم - وجانب أصحابه والسلف الصالح عن ذلك وأمثاله. ¬

_ (¬1) إبطال الشبه (64) والزجر والإقماع (226).

وأقبح شيء في هذه المسألة: التعامي عن جميع ما ذكر، والميل إلى الاستدلال بفعل المتأخرين على جواز ذلك، كيف يجمل نبذ ما تقدم ذكره، والتغافل عنه استنادا إلى فعل بعض المتأخرين، ومن لم تثبت عصمته لا يؤمن زلله، وقد قال مالك رحمه الله: من كل القول مأخوذ ومتروك، إلا ما قاله صاحب هذا القبر، يشير إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. (¬1) وغير بعيد أن يكون المتأخر قد التبس عليه الحق، وجهله في هذه المسألة، فليس إلا الكتاب والسنة وفعل السلف، فهم أقرب عهدا بزمان النبوءة وأشد فهما لمعاني الكتاب والسنة، وأشد متابعة للنبي - صلى الله عليه وسلم -، ولما بعد زمن النبوة حدث التغيير والتبديل. وقال أيضا عن الغناء (2/ 611): ولم يجعله فضيلة إلا من عري عن العلم واتبع هواه. ¬

_ (¬1) رواه ابن عبد البر في جامع البيان (2/ 91).

وقال أيضا فيها (2/ 598): وذلك أن السماع باعتبار أنواعه ثلاثة أقسام: قسم ممنوع باتفاق، وقسم جائز باتفاق، وقسم مختلف فيه. فأما الممنوع باتفاق، فهو ما أضيفت إليه الملاهي، كالمزامير ونحوها ... وقد حكى الطرطوشي الإجماع على تحريم السماع الجاري الآن. ووجه المنع في ذلك قوي ... وأما القسم المختلف فيه من الغناء، وهو ما عرى عن الآلات الملهية، غير التصفيق بالأكف ونحوها ... وأما القسم المتفق على جوازه من الغناء فهو ما كان من إيراد الأشعار ذوات المعاني الشرعية من غير ءالة مطربة، لا كف ولا غير، ولا تأنق نغمات، كالأناشيد والخبب والحذاء، ونحو ذلك مما تقرب نغماته وتسهل ألحانه، من غير أن يكون عادة وديدنا. انتهى. - قال الرهوني في إمتاع الأسماع (34 - 35) عقب نقله هذا: أما القسم المحرم من الغناء اتفاقا أو على الراجح فلا

إشكال في وجوب التنزه عنه، لأنه مع كونه شاغلا عن ذكر الله معصية، وأما ما فيه الخلاف من غير ترجيح الحرمة فمع كونه شاغلا فهو من المشتبهات التي يطلب تركها بلا خلاف، فالراعي حول الحمى، الحديث. وأما غير ذلك ففيه الشغل عن ذكر الله وإضاعة العمر فيما لا يعود بنفع لا في العاجل ولا في الآجل. - وقال العلامة ابن الحاجب المالكي في جامع الأمهات: ولا قطع في خمر ولا خنزير ولا طنبور وشبهه (¬1). إلخ. قال خليل الجندي في شرحها التوضيح (¬2): هذا راجع لقوله: "ملكا محترما"، لأن هذه الأشياء لا حرمة لها، إذ لا يجوز ¬

_ (¬1) الزجر والإقماع (241). (¬2) التوضيح لخليل الجندي هو شرح لجامع الأمهات لابن الحاجب. مخطوط في مجلدات.

تملكها ولا بيعها، قال في المدونة (¬1): ولا قطع في الخمر وشبهه كمزمار وعود وصليب وصور محرمة (¬2). - وقال محمد البناني في حاشيته على الزرقاني بشرح خليل (4/ 54): فإن الذي نقله الحطاب عن القرطبي وصاحب المدخل وغيرهما حرمة ذي الصراصر، وهو الصواب، لما فيها من زيادة الإطراب. ونقل هذا النص الدردير في شرحه على خليل (2/ 339). - قال محمد العتبي في المستخرجة (5/ 114 - البيان والتحصيل): وقال أصبغ: ما جاز للنساء مما جوز لهن من الدف والكبر في العرس فلا يجوز للرجل عمله، وما لا يجوز لهم عمله فلا يجوز لهم حضوره، ولا يجوز للنساء غير الكبر والدف، ولا ¬

_ (¬1) لم أر في المدونة (4/ 418) إلا ذكر الخمر. فلعل ما بعده من كلام ابن الحاجب أو الشارح. (¬2) الزجر والإقماع (242).

غناء معهما ولا ضرب ولا برابط ولا مزمار، وذلك حرام محرم في الفرح وغيره. اهـ. ونقله الحطاب المالكي في شرحه على خليل (4/ 8). - وقال الإمام أبو عبد الله المازري: الغناء بغير آلة مكروه (¬1)، وبآلة ذات أوتار كالعود والطنبور ممنوع، وكذا المزمار، والظاهر عند العلماء أنه ملتحق بالحرمات، وإن أطلق محمد في سماع الغناء أنه مكروه، وقد يريد التحريم، ونص ابن عبد الحكم أن الشهادة ترد بسماع العود إلا أن يكون في عرس أو صنيع بلا شرب مسكر، فلا ترد به، وإن كان محرما على كل حال (¬2). - وقال العلامة القلشاني في شرح الرسالة بعد نقله للقولين في السماع: مشهور المذهب المنع (¬3). ¬

_ (¬1) وقد حمل في إبطال الشبه (95 ب) الكراهة هنا على التحريم. (¬2) المعيار (11/ 74) وإمتاع الأسماع للرهوني (3) وإبطال الشبه ورفع الإلباس (64 أ). (¬3) إبطال الشبه (64 أ). وكل من حكى عن المذهب في السماع الخلاف فمراده ما تجرد عن آلات الملاهي والطرب، إلا الدف والكبر، وسيأتي تصريح الغالي اللجائي في إبطال الشبه (107) بذلك.

- قال في الزجر والإقماع (220): وفي روح البيان ما نصه: وكانوا يضربون في القرن الأول بالدف ولكن لم يكن فيه جلاجل، فما يفعلونه في هذا الزمان وقت العيد والختان وعند اجتماع الإخوان من ضرب المزمار وضرب الدف الذي فيه جلاجل ونحوها من ءالة اللهو ليس بمرخص، وقولهم: "إن في ديننا فسحة" إنما هو بالنسبة إلى الأمور المرخصة. - وقال أبو عبد الله القرطبي في كشف القناع: ولا يلحق بالدف الطارات ذات الصلاصل والجلاجل لما فيها من زيادة الإطراب (¬1). اهـ. - قال ابن المدني كنون بعد نقله هذا: ونقله الحطاب (¬2) ونحوه للشيخ زروق في شرح المباحث الأصلية، قال: وقد رام ¬

_ (¬1) الزجر والإقماع (223). (¬2) في شرح خليل (4/ 7).

بعض الناس إباحته من ذلك، وهو بعيد لتخلف العلة الجامعة في الحكم. اهـ إلى أن قال -أي كنون-: وإذا حرم ذو الصراصر، أي: الجلاجل، لما فيه من زيادة الإطراب، فالعود ونحوه أحرى لزيادة الإطراب فيه بمراتب، وبه تعلم أن من عبر في العود ونحوه بالكراهة كالزرقاني آخر فصل الوليمة (¬1) مراده بها الحرمة. - وقال الرهوني في إمتاع الأسماع (33): وسئل أبو محمد صالح عن الصيارة هل تباح أو لا؟ فأجاب: هي من الغناء، والغناء كله باطل. اهـ. قلت: وهذا النص في المعيار للونشريسي (11/ 77) وعنه في الزجر والإقماع (161). - وقال أبو عبد الله السرقسطي: إن الرقص والغناء بدعة محدثة، لم تكن في أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار (¬2). ¬

_ (¬1) في شرحه على خليل (4/ 54). (¬2) إبطال الشبه (92 ب).

- وقال الشيخ أبو العباس أحمد بن ناصر الدرعي المالكي (ت1085) في رحلته المكية (¬1): وأما الدفوف والطنابير والمزامر والمزاهر والطرور، فكان شيخنا الإمام الوالد يضرب فيها بالعصا والنعل ويجلي فيها، وينفي متعاطيه ويغري عليهم ويبعث في نفيهم، ويبالغ في زجرهم، ولا يسكت عنهم بحال. - وقال في الأجوبة الناصرية (¬2): وأما ضرب الرباب والعود وغيره من الآلات المعروفة عند المداحين والمتصوفة الجاهلة، فقد أنكره الشيخ رضي الله عنه غاية الإنكار. كذا في الزجر والإقماع (228). - وقال أبو القاسم ابن جزي الغرناطي المالكي (ت758) في القوانين الفقهية (184): وإن كانت المنفعة لا تجوز فهي كالعدم كآلات اللهو. كذا في الزجر والإقماع (243). ¬

_ (¬1) الرحلة المكية في جزئين طبعت على الحجر بفاس. (¬2) الأجوبة الناصرية في المسائل البادية، فتاوى لابن ناصر الدرعي من جمع محمد الصنهاجي طبعت على الحجر بفاس، وهي في الفقه المالكي، ونسخها كثيرة منها بالخزانة العامة 1111د- 1250د، وقد حققها بعضهم في دار الحديث الحسنية.

- وقال ابن رشد في المقدمات المهمات (3/ 462): ولا يجوز تعمد حضور شيء من اللهو واللعب ولا من الملاهي المطربة كالطبل والمزمر وما كان في معناه. - ونقل ابن المدني كنون عمن لم يسمه قوله: أما الملاهي الملهية وهي ذوات الأوتار فحرام في الأعراس وغيرها، كما في باب الشهادة من التوضيح نقلا عن المازري، ونحوه لابن عرفة وصاحب المدخل، وهو المشهور في مذهب الشافعي وأبي حنيفة وابن حنبل، ثم قال: ولم أر من صرح بالخلاف في ذلك من المالكية إلا من عبر في كراء المعازف بالكراهة، ومن عبر في العود والرباب بالكراهة أيضا كابن المواز وابن عبد الحكم، وقد يريد بالكراهة التحريم، كما في التوضيح (¬1). - وقال أبو إسحاق الشاطبي المالكي في جواب له عن سؤال حول السماع الذي يفعله الصوفية، وأن فقيهين يحضران ذلك، منه قوله: أما الغناء والشطح فهو مذموم على ألسنة السلف الصالح ... ¬

_ (¬1) الزجر والإقماع (223 - 224).

إلى أن قال: ولو فعلوه على جهة اللعب كما يفعله الصبي لكان أخف عليهم مع ما فيه من إسقاط الحشمة وإذهاب المروءة وترك هدي أهل الإسلام، وأرباب العقول، لكنهم يفعلونه على جهة التقرب إلى الله، والتعبد به، وأن فاعله أفضل من تاركه، هذا أدهى وأمر، حيث يعتقدون أن اللهو واللعب عبادة، وذلك من أعظم البدع والمحرمات، الموقعة في الضلالة الموجبة للنار، والعياذ بالله. وأما ما ذكرتم من شأن الفقيهين الإمامين فليسا بفقيهين إذا كانا يحضران شيئا من ذلك، وحضورهما ذلك على الانتصاب إلى المشيخة قادح في عدالتهما، فلا يصلى خلف واحد منهما حتى يتوبا إلى الله من ذلك (¬1). - وقال العلامة زروق المالكي المتوفى سنة (899) في عدة المريد الصادق (536): فصل في السماع والاجتماع، وهو مما تسرع إليه نفوس الجاهلين وتولع به قلوب الغافلين وتؤثره ¬

_ (¬1) المعيار (11/ 41) وإمتاع الأسماع (27 - 28).

توجهات المبطلين، وينتفع به ضعفاء المشرفين، وتقف معه حقائق المجانين، وترتاح إليه أكباد المفتونين .. إلى آخر كلامه (¬1). - وقال ابن المدني كنون المالكي في الزجر والإقماع (216) بعد نقله ردود العلماء على ابن حزم في تضعيف حديث المعازف: ومن توقف في التحريم بعد صحة الحديث فقد سلك في المعاندة سبيل الاجتراء والاجترام الخبيث، بل لا يقول بخلافه إلا سخيف وسفيه ولا يتعرض لنقضه إلا جاحد أو جاهل أو مقصر، لم يَصْف له من أصول الشريعة منهل من المناهل. - وقال أبو علي اليوسي المالكي المتوفى سنة (1102): وأما السماع بالأغاني وإنشاد الأشعار فهو داخل في الابتداع وأحق بالاختراع، وهو معشش الوساويس ومغرس التخليط والتلبيس (¬2). - وفي تعداد البدع من المعيار للونشريسي (2/ 498) ما نصه: ومنها متخذ الملاهي وأنواع الغناء المحرمات والآلات والمزامير صناعة وحرفة ويكتسبون بها ويستأجرون عليها عند ¬

_ (¬1) ونقله صاحب إمتاع الأسماع (14) وإبطال الشبه (97 أ). (¬2) الزجر والإقماع (79).

السرور والحزن مثل الزفانين والمغنين وسائر ما لا يحل، فهم أعوان للشياطين في تحريك النفوس لكل شر، وترتيب أهل المعاصي على كل منكر، فيجب على القاضي ابتداء البحث والكشف عمن شهر بذلك وارتسم به، والقبض على من وجد منهم. اهـ - وفي المدخل لابن الحاج (2/ 6) تشنيع عظيم على أهل الغناء والسماع، إلى أن قال: ثم العجب كيف خفيت عليهم هذه المكيدة الشيطانية والدسيسة من اللعين، ألا ترى أن شارب الخمر إذا شربه أول ما تدب فيه الخمرة يحرك رأسه ساعة بعد ساعة، فإذا قويت عليه ذهب حياؤه ووقاره لمن حضره وانكشف ما كان يريد ستره عن جلسائه. فانظر رحمنا الله وإياك إلى المغني إذا غنى تجد من له الهيئة والوقار وحسن الهيئة والسمت ويقتدي به أهل الإشارات والعبارات والعلوم والخيرات يُسكت له ويُنصت، فإذا دب معه الطرب قليلا حرك رأسه كما يفعله أهل الخمرة سواء بسواء كما تقدم، ثم إذا تمكن الطرب منه ذهب حياؤه ووقاره كما سبق في الخمرة سواء بسواء فيقوم ويرقص ويعيط وينادي ويبكي ويتباكى

ويتخشع ويدخل ويخرج ويبسط يديه ويرفع رأسه نحو السماء كأنه جاءه المدد منها ويخرج الرغوة أي: الزبد، من فيه، وربما مزق بعض ثيابه وعبث بلحيته ... - وقال الغالي اللجائي في إبطال الشبه (107) بعد حكايته على مالك قولين في السماع: عن الآلة بالمنع والكراهة: وهذا كله في الغناء المجرد عن الآلة والتصفيق والرقص، أما الغناء المقترن بذلك فحرام قطعا ... وفرطت أجوبة المقلدين للإمام – أي مالك- بالمنع والتحريم والتفسيق لمرتكب ذلك. - وقال الطرطوشي في تحريم الغناء والسماع (197): وأما من جهة الاستنباط، فإنه صنو الخمر ورضيعه وحليفه ونائبه ... فبينما ترى الرجل عليه سمة الوقار، وبهاء العقل، وبهجة الإيمان، ووقار الإسلام، كلامه حكمة، وسكوته عبرة، فإذا سمع الغناء نقص عقله وحياؤه، وذهبت مروءته وبهاؤه ... فيميل برأسه ويهز بمنكبيه، ويدق الأرض برجليه، وهكذا تفعل الخمرة إذا مالت بشاربها.

الفصل الرابع: وجوب كسر آلات الملاهي والغناء وتغيير المنكر بذلك

الفصل الرابع: وجوب كسر آلات الملاهي والغناء وتغيير المنكر بذلك - قال أبو عبد الله الساحلي المالكي (ت: 754) في بغية السالك في أشرف المسالك (2/ 606): ومنها أن الفقهاء مجمعون على كسر ءالات اللهو وفسادها. - وقال محمد بن أحمد بن قاسم بن سعيد العُقباني التلمساني (المتوفى سنة871) في كتابه تحفة الناظر وغنية الذاكر في حفظ الشعائر وتغيير المناكر (95): قال في تنبيه الحكام على مآخذ الأحكام (¬1): ينبغي البحث والكشف عما اشتهر ذكره من المناكر وعرف بالجملة ظهوره وانتشاره وأنس الناس به، كاتخاذ المناكر والملاهي في الديار وبعض المحلات وبعض الشوارع والحمامات ... ¬

_ (¬1) تنبيه الحكام لابن المناصف (325).

- وقال ابن فرحون المالكي في تبصرة الحكام (2/ 158): ويؤدب من يبيع ءالات اللهو ويفسخ البيع ويكسر ويؤدب أهل ذلك. - وقال الرهوني في باب الشرب عن ابن رشد في البيان: إن العود والمزمار يكسران على كل حال إذا وجدا في تركة (¬1). ¬

_ (¬1) الزجر والإقماع (243).

الفصل الخامس: عدم جواز بيع ءالات اللهو والغناء وشرائها وفسخ البيع بشرائها

الفصل الخامس: عدم جواز بيع ءالات اللهو والغناء وشرائها وفسخ البيع بشرائها - قال ابن فرحون في تبصرة الحكام (2/ 158): ويؤدب من يبيع ءالات اللهو، ويفسخ البيع ويكسر، ويؤدب أهل ذلك. - وقال محمد العتبي في المستخرجة (7/ 472 - البيان والتحصيل): وسئل ابن القاسم عن بيع العود والبوق والكبر، فقال أرى أن يفسخ البيع فيه، وأرى أن يؤدب أهله. قال محمد بن رشد في شرحها البيان والتحصيل: أما العود والبوق فلا اختلاف في أنه لا يجوز استعمالهما في عرس ولا غيره، فيفسخ البيع فيهما باتفاق، ... اهـ ثم ذكر الخلاف في الكبر.

- وقال القاضي عياض: والمعازف عيدان الغناء لا يجوز ضربها ولا استئجارها (¬1). - وقال أحمد بن سعيد المجلدي الفاسي (المتوفى سنة 1094) في التيسير في أحكام التسعير (¬2): ولا يحل للمحتسب أن يترك كل ما نهى الشارع عن بيعه أو شرائه، يباع في أسواق المسلمين، نهي عنه نهي تحريم أو كراهة، كآلات الملاهي من عود ودف وبوق ومزهر وطنبور، وإن كان يجوز ضرب بعضها كالدف في الأعراس، لكن بيعه وكراءه منهي عنه (¬3). - وقال أبو القاسم ابن خجو الحساني المالكي في شرح نظم ابن جماعة التونسي: .. واقطع وامنع بيع كل سلعة أو دابة أو ءالة أراد مشتريها أن يستعين بها على معصية الله كبيع .. الخشبة لمن يصنع منها صليبا أو مزهرا أو شيئا من ءالة الغناء ¬

_ (¬1) الزجر والإقماع (248). (¬2) هو في الفقه المالكي، والكتاب طبع بالجزائر في جزء وسط، وانظر دليل مؤرخ المغرب (2/ 339 - 450). (¬3) الزجر والإقماع (242).

والزمر ... وقال القلصادي: ولا يجوز بيع مالا ينتفع به نفعا شرعيا كآلة اللهو والمزامير (¬1). - وقال ابن المدني كنون في الزجر والإقماع (242 - 243): وقد مثل الشيخ التودي في طالع الأماني (¬2) لما منافعه كلها محرمة بالخمر والخنزير وءالة اللهو، أي: فلا يصح تملك ذلك ولا بيعه، وقال في ( ... ) (¬3): ومن اشترى من آلة اللهو شيئا: البوق وغيره، يفسخ بيعه وأدب أهله، وفي المسائل الملقوطة: لا يجوز بيع أشياء منها: الصور والقرد وءالة الملاهي. وقال أيضا (242): وقال بعض شراح نظم بيوع ابن جماعة عن ابن العربي: إن لصحة البيع شروطا، منها: أن تكون في المبيع منفعة للمبتاع مباحة، احترازا من غير المباحة كآلات اللهو فلا يجوز بيعها ولا يضمنها مستهلكها، لأن منفعتها محرمة. ¬

_ (¬1) الزجر والإقماع (246). (¬2) هو حاشية للتاودي بن سودة الفاسي المالكي (ت1209) على شرح الزرقاني على خليل، لا يزال مخطوطا في عدة خزائن مغربية. (¬3) هنا كلمة غير واضحة.

الفصل السادس: عدم جواز أخذ الأجرة على الغناء

الفصل السادس: عدم جواز أخذ الأجرة على الغناء - قال في المدونة (3/ 432): قلت: هل كان مالك يكره الدفاف في العرس أو يجيزه؟ وهل كان مالك يجيز الإجارة فيه؟ قال: كان مالك يكره الدفاف والمعازف كلها في العرس، وذلك أني سألته عنه فضعفه ولم يعجبه ذلك. - وقال أبو عمر ابن عبد البر في كتاب الكافي (191): من المكاسب المجتمع على تحريمها الربا ومهور البغاء والسحت والرشاوي وأخذ الأجرة على النياحة والغناء. وقال (375): وأما الغناء واللهو كله فحرام تعليمه بأجرة وبغير أجرة. - وقال أبو عبد الله القرطبي في تفسيره (14/ 56): قلت: وإذ قد ثبت أن هذا الأمر لا يجوز فأخذ الأجرة عليه لا تجوز.

- وقال العلامة الأبي المالكي في شرح مسلم (5/ 446): .. ولا خلاف في حرمة أجرة المغنية. - وقال كنون في الزجر والإقماع (173): وفي الإكمال: لا تجوز أجرة المغنية إجماعا.

الفصل السابع: عدم جواز تعليم الغناء

الفصل السابع: عدم جواز تعليم الغناء - قال خليل في المختصر المشهور في الفقه المالكي، عطفا على ما تمنع فيه الإجارة (243): ولا تعليم غناء. - قال كنون في الزجر والإقماع (172): قال الخرشي (¬1) والزرقاني رحمهما الله تعالى عقبه ما نصه: ومثل تعليم الغناء تعليم ءالات الطرب كالعود والمزمار .. وسلمه صاحب الفتح الرباني وطالع الأماني، وكذا الرهوني، رحم الله الجميع، ومثله للشبرخيتي. - وقال الشيخ خليل بن إسحاق الجندي المالكي (ت776) في التوضيح: وأما تعليم الغناء واللهو فلا يختلف في منعه (¬2). ¬

_ (¬1) (7/ 19). (¬2) الزجر والإقماع (172).

الفصل الثامن: رد شهادة المغني والمستمع له

الفصل الثامن: رد شهادة المغني والمستمع له - قال ابن القاسم: وأما النائحة والمغنية والمغني فما سمعت فيه شيئا إلا أني أرى ألا تقبل شهادتهم، إذا كانوا معروفين بذلك. المدونة (4/ 79). - وقال ابن عبد البر في الكافي (2/ 464): ولا يجوز شهادة من يكثر سماع الغناء، ومن يغشى المغنيين ويغشونه، ولا بأس باستماع الحداء، ونشيد الأعراب ... - وقال الونشريسي في المعيار (11/ 74): ونص ابن عبد الحكم أن الشهادة ترد بسماع العود، إلا أن يكون في عرس أو صنيع بلا شرب مسكر، فلا ترد به، وإن كان محرما على كل حال. وذكره ابن أبي زيد القيرواني في النوادر والزيادات (8/ 295). - وقال الزرقاني في شرح خليل (4/ 55): قال في الشامل في الشهادات: وترد شهادة المغني والمغنية والنائح

والنائحة وبسماع العود في الأصح إلا في عرس أو صنيع أو ولادة أو ختان ليس فيها شراب مسكر فإنه يكره فقط. - وقال الخرشي في شرح خليل (7/ 178): وسماع الغناء يرد الشهادة إذا كان بغير آلة وتكرر، لأن سماع المكروه حينئذ مكروه، فإنه يخل بالمروءة. وأما بالآلة فحرام وترد به الشهادة بالمرة الواحدة. - وقال المكناسي في مجالسه ما نصه: وكذلك من يبيع المزامير والعيدان لم تجز شهادته (¬1). - وقال ابن المدني كنون (223): وبه تعلم أن من عبر في العود ونحوه بالكراهة كالزرقاني (¬2) آخر فصل الوليمة مراده بها الحرمة. ¬

_ (¬1) الزجر والإقماع (243). (¬2) في شرحه على خليل (4/ 54).

خاتمة

خاتمة طالما حاول كثير من علماء السوء وبعض المتصيدين لأخطاء وعثرات العلماء إيهام الناس أن تحليل الغناء هو مذهب مالك، والمالكية، وتطايروا بقول بعض العلماء الأفاضل، كالشوكاني في نيل الأوطار (8/ 83) إن مذهب المدنيين جواز الغناء والسماح بآلات اللهو وغيرها، وبالتالي فإن المسألة خلافية بين الفقهاء. فهذه هي أقوال المالكية في الغناء، وهذا مذهبهم، وهذه نصوصهم، وهذه فتاويهم، وهي تقطع بما لا مجال فيه للشك أن المذهب الصحيح المقطوع به عند المالكية هو حرمة الغناء وآلاته، وحرمة بيعها وشرائها وبطلان العقد بذلك، ووجوب كسرها وإزالتها من الأسواق، وسقوط شهادة فاعله والمستمع له. إلا ما تقدم استثناؤه، كغناء في عرس ونحوه بدف أو كبر.

إذا علمت هذا فارجع البصر إلى فتاوى من سموا أنفسهم مالكية من أهل هذا الزمان، هل ترى عندهم لهذا الحكم من تحرير، ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير. ولا يسعني إلا أن أقول لهم ما قاله أحد العلماء المتأخرين، كما نقل صاحب الزجر والإقماع (202)، في حق من يحضر مجالس العود والرباب من العلماء: وإن من كان يحضر مجلسا فيه ذلك من أهل تلك الطبقة وغيرها، إما رجل لم ينفعه الله بعلمه، إن كان يعتقد ما يعتقده العوام من كون هذا الغناء من المختلف فيه، أو رجل يرتكب ما هو أعظم من الغناء من المحرمات ولا يبالي، وألقى جلباب الحياء عن وجهه، أو رجل أراد قرب السلاطين .. وقال (203): وإنما أردت إيقاظ أهل زماني وإلا فالتآليف في هذا كثيرة، لا سيما في المغرب والأندلس، فإنه لما أظهر السلاطين حب الغناء وشغفوا به وعملوا المغنيات وقربوا المغنين على أئمة المصلين، انتصر للدين طائفة من العلماء

العاملين وردوا على العلماء المبطلين الذين يفتون السلاطين لأجل الدنيا بما يشتهون. انتهى. هذا، وقد يرى المطالع للمعيار أو بعض شروح خليل أو شروح الرسالة كشرح ابن ناجي وزروق وغيرها أو بعض الكتب المفردة في إجازة ذلك، كمواهب الأرب لابن جعفر الكتاني، نصوصا توهم غير ما قررته أو بالأحرى قرره أئمة المالكية، في هذه الرسالة، فليعلم أن من حكى عن الإمام مالك أو المالكية إجازة الغناء فهو أحد رجلين: 1 - إما واهم في نقله. 2 - وإما رجل أشرب الغناء في قلبه فصار يبحث عن كل خيط عنكبوت ليتشبث به معرضا عن النصوص المحكمة عن أئمة المذهب، معولا على نصوص لبعض المتأخرين في ذلك. فضلا على أن بعض العلماء يطلقون الغناء على ما تجرد عن الآلات الموسيقية، فيحكون فيه الخلاف كما تقدم. ورحم الله أبا الحسن الصغير القائل في رسالته في إنكار البدع والسماع (المخطوطة بالخزانة الحسنية رقم 12226)،

(الصفحة 6): وما يذكرون أن جماعة من التابعين كانوا يفعلونه فلم يبلغ أن أحدا من السلف الصالح فعله، ولم يثبت في كتب الأئمة كمالك والبخاري ومسلم وأبي داود والنسائي والترمذي ويحيى بن يحيى الأصيلي والليث بن سعد وغيرهم رضي الله عنهم، وكتبهم خالية مما عليه هذه الطائفة، وهي مصنفات المسلمين التي يحتج بها، وكذلك مصنفات الشافعية والحنفية والحنبلية، رضي الله عنهم، فكتبهم مشحونة بتفسيق أهل السماع، وكذلك مصنفات مالك وأتباعه رضي الله عنهم، ومن فعله من المتأخرين فقد أخطأ ولا يقتدى به، وإنما يقتدى بما في كتب الأئمة الراشدين. وقال أبو عبد الله الساحلي الأندلسي المالكي (ت: 754) في بغية السالك في أشرف المسالك (2/ 607)، بعد كلام طويل حول مفاسد الغناء: والحق الذي لا ريب فيه أن هذه الملاهي قادحة في آداب العبودية، ناقضة لعرى الخضوع والافتقار، ومضادة لمعنى التدبر بعيدة من الحق، قريبة من الباطل،

يجب تنزيه جانب النبي - صلى الله عليه وسلم - وجانب أصحابه والسلف الصالح عن ذلك وأمثاله. وأقبح شيء في هذه المسألة: التعامي عن جميع ما ذكر، والميل إلى الاستدلال بفعل المتأخرين على جواز ذلك، كيف يجمل نبذ ما تقدم ذكره، والتغافل عنه استنادا إلى فعل بعض المتأخرين، ومن لم تثبت عصمته لا يؤمن زلله، وقد قال مالك رحمه الله: من كل القول مأخوذ ومتروك، إلا ما قاله صاحب هذا القبر، يشير إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. (¬1) وغير بعيد أن يكون المتأخر قد التبس عليه الحق، وجهله في هذه المسألة، فليس إلا الكتاب والسنة وفعل السلف، فهم أقرب عهدا بزمان النبوءة وأشد فهما لمعاني الكتاب والسنة، وأشد متابعة للنبي - صلى الله عليه وسلم -، ولما بعد زمن النبوة حدث التغيير والتبديل. انتهى. ¬

_ (¬1) رواه ابن عبد البر في جامع البيان (2/ 91).

§1/1