حكم السحر والكهانة وما يتعلق بها

ابن باز

بسم الله الرحمن الرحيم حكم السحر والكهانة وما يتعلق بهما (¬1) الحمد لله، وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد: فنظراً لكثرة المشعوذين في الآونة الأخيرة ممن يدَّعون الطب ويعالجون عن طريق السحر أو الكهانة، - وانتشارهم في بعض البلاد، واستغلالهم للسذج من الناس ممن يغلب عليهم الجهل - رأيت من باب النصيحة لله ولعباده أن أبين ما في ذلك من خطر عظيم على الإسلام والمسلمين لما فيه من التعلّق ¬

(¬1) نشر جزء من هذه المقالة في الجزء الثالث من كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة بعنوان: (حكم السحر والكهانة وما يتعلق بها) ، وكذلك صدرت المقالة بكاملها بنشرة من الرئاسة بعنوان: (رسالة في حكم السحر والكهانة) ، ونشرت في مجلة اليمامة ومجلة البحوث الإسلامية.

بغير الله تعالى ومخالفة أمره وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم. فأقول مستعيناً بالله تعالى يجوز التداوي اتفاقا، وللمسلم أن يذهب إلى دكتور أمراض باطنية أو جراحية أو عصبية أو نحو ذلك " ليشخص له مرضه ويعالجه بما يناسبه من الأدوية المباحة شرعاً حسبما يعرفه في علم الطب؛ لأن ذلك من باب الأخذ بالأسباب العادية ولا ينافي التوكل على الله، وقد أنزل الله سبحانه وتعالى الداء وأنزل معه الدواء عرف ذلك من عرفه وجهله من جهله، ولكنه سبحانه لم يجعل شفاء عباده فيما حرمه عليهم. فلا يجوز للمريض أن يذهب إلى الكهنة الذين يدَّعون معرفة المغيبات ليعرف منهم مرضه، كما لا يجوز له أن يصدقهم فيما يخبرونه به فإنهم يتكلمون رجماً بالغيب، أو يستحضرون الجن ليستعينوا بهم

على ما يريدون، هؤلاء حكمهم الكفر والضلال إذا ادعوا علم الغيب، وقد روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أتى عرَّافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوماً» وعن أبي هريرة رضيّ الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أتى عرافا كاهناً فصدَّقه بما يقول فقد كفر بما أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم» رواه أبو داود وخرَّجه أهل السنن الأربع وصححه الحاكم عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ: «من أتى عرافا أو كاهنا فصدَّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم» وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من تطير أو تطير له أو تكهن أو تكهن له أو سحر أو سحر له ومن أتى كاهناً فصدَّقه بما يقوله فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم» رواه البزار بإسناد جيد.

ففي الأحاديث الشريفة النهي عن إتيان العرافين والكهنة والسحرة وأمثالهم وسؤالهم وتصديقهم والوعيد على ذلك، فالواجب على ولاة الأمور وأهل الحسبة وغيرهم ممن لهم قدرة وسلطان إنكار إتيان الكهان والعرافين ونحوهم، ومنع من يتعاطى شيئاً من ذلك في الأسواق وغيرها والإنكار عليهم أشد الإنكار، والإنكار على من يجيء إليهم، ولا يجوز أن يغتر بصدقهم في بعض الأمور، ولا بكثرة من يأتي إليهم من الناس فإنهم جهال لا يجوز اغترار الناس بهم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد نهى عن إتيانهم وسؤالهم وتصديقهم لما في ذلك من المنكر العظيم والخطر الجسيم والعواقب الوخيمة ولأنهم كذبة فجرة، كما أن في هذه الأحاديث دليلا على كفر الكاهن والساحر لأنهما لا يتوصلان إلى مقصدهما إلا بخدمة الجن

وعبادتهم من دون الله وذلك كفر بالله وشرك به سبحانه والمصدق لهم في دعواهم علم الغيب يكون مثلهم، وكل من تلقى هذه الأمور عمن يتعاطاها فقد برئ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز للمسلم أن يخضع لما يزعمونه علاجاً كنمنمتهم بالطلاسم أو صب الرصاص ونحو ذلك من الخرافات التي يعملونها، فإن هذا من الكهانة والتلبيس على الناس، ومن رضي بذلك فقد ساعدهم على باطلهم وكفرهم. كما لا يجوز أيضاً لأحد من المسلمين أن يذهب إليهم ليسألهم عمن سيتزوج ابنه أو قريبه أو عما يكون بين الزوجين وأسرتيهما من المحبة والوفاء أو العداوة والفراق ونحو ذلك؛ لأن هذا من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى. والسحر من المحرمات الكفرية كما قال الله عزَّ

وجلَّ في شأن الملكين في سورة البقرة: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [البقرة: 102] فدلت هذه الآيات الكريمة على أن السحر كفر وأن السحرة يفرقون بين المرء وزوجه. كما دلت على أن السحر ليس بمؤثر لذاته نفعاً ولا ضراً وإنما يؤثر بإذن الله الكوني القدري لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي خلق الخير والشر، ولقد عظم الضرر واشتد الخطب بهؤلاء المفترين الذين ورثوا هذه العلوم عن المشركين ولبسوا بها على ضعفاء العقول، فإنَّا لله وإنَّا

إليه راجعون، وحسبنا الله ونعم الوكيل. كما دلت الآية الكريمة على أن الذين يتعلمون السحر إنما يتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم وأنه ليس لهم عند الله من خلاق أي: (من حظ ونصيب) ، وهذا وعيد عظيم يدل على شدة خسارتهم في الدنيا والآخرة، وأنهم باعوا أنفسهم بأبخس الأثمان، ولهذا ذمهم الله سبحانه وتعالى على ذلك بقوله {وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [البقرة: 102] والشراء هنا بمعنى البيع. نسأل الله العافية والسلامة من شر السحرة والكهنة وسائر المشعوذين، كما نسأله سبحانه أن يقي المسلمين شرهم، وأن يوفق حكام المسلمين للحذر منهم وتنفيذ حكم الله فيهم حتى يستريح

العباد من ضررهم وأعمالهم الخبيثة إنه جواد كريم. وقد شرع الله سبحانه لعباده ما يتقون به شر السحر قبل وقوعه، وأوضح لهم سبحانه ما يعالج به بعد وقوعه رحمة منه لهم، وإحساناً منه إليهم، وإتماماً لنعمته عليهم. وفيما يلي بيان للأشياء التي يتقى بها خطر السحر قبل وقوعه، والأشياء التي يعالج بها بعد وقوعه من الأمور المباحة شرعاً. أما ما يتقى به خطر السحر قبل وقوعه فأهم ذلك وأنفعه هو: التحصن بالأذكار الشرعية والدعوات والتعوذات المأثورة، ومن ذلك قراءة آية الكرسي خلف كل صلاة مكتوبة بعد الأذكار المشروعة بعد السلام، ومن ذلك قراءتها عند النوم، وآية الكرسي

هي أعظم آية في القرآن الكريم وهي قوله سبحانه: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة: 255] ومن ذلك قراءة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق: 1] و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: 1] خلف كل صلاة مكتوبة، وقراءة هذه السور الثلاث ثلاث مرات في أول النهار بعد صلاة الفجر، وفي أول الليل بعد صلاة المغرب، وعند النوم، ومن ذلك قراءة الآيتين من آخر سورة البقرة في أول الليل وهما قوله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة: 285] إلى آخر السورة.

وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من قرأ آية الكرسي في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح» وصح عنه أيضاً صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه» والمعنى والله أعلم: كفتاه من كل سوء. ومن ذلك الإكثار من التعوذ: بكلمات الله التامات من شر ما خلق في الليل والنهار، وعند نزول أي منزل في البناء أو الصحراء أو الجو أو البحر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من نزل منزلاً فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك» ومن ذلك أن يقول

المسلم في أول النهار وأول الليل ثلاث مرات: «بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم» لصحة الترغيب في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن ذلك سبب للسلامة من كل سوء. وهذه الأذكار والتعوذات من أعظم الأسباب في اتقاء شر السحر وغيره من الشرور لمن حافظ عليها بصدق وإيمان وثقة بالله واعتماد عليه وانشراح صدر لما دلت عليه، وهي أيضاً من أعظم السلاح لإزالة السحر بعد وقوعه مع الإكثار من الضراعة إلى الله وسؤاله سبحانه أن يكشف الضرر ويزيل البأس. ومن الأدعية الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم في علاج الأمراض من السحر وغيره - وكان قيل يرقي بها أصحابه -:

«اللهم رب الناس أذهب البأس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقماً» يقولها ثلاثاً، ومن ذلك الرقية التي رقى بها جبرائيل النبي صلى الله عليه وسلم وهي قوله: «بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك بسم الله أرقيك» وليكرر ذلك ثلاث مرات. ومن علاج السحر بعد وقوعه أيضاً وهو علاج نافع للرجل إذا حبس من جماع أهله أن يأخذ سبع ورقات من السدر الأخضر فيدقها بحجر أو نحوه ويجعلها في إناء ويصب عليه من الماء ما يكفيه للغُسل ويقرأ فيها: آية الكرسي، و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق: 1] و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: 1] وآيات السحر التي في

سورة الأعراف وهي قوله سبحانه: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ - فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ - فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ} [الأعراف: 117 - 119] والآيات في سورة يونس وهي قوله سبحانه: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ - فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ - فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ - وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} [يونس: 79 - 82] والآيات في سورة طه: {قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى - قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى - فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى - قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى - وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه: 65 - 69]

وبعد قراءة ما ذكر في الماء يشرب منه ثلاث حسوات ويغتسل بالباقي وبذلك يزول الداء إن شاء الله، وإن دعت الحاجة لاستعماله مرتين أو أكثر فلا بأس حتى يزول الداء. ومن علاج السحر أيضَا - وهو من أنفع علاجه - بذل الجهود في معرفة موضع السحر في أرض أو جبل أو غير ذلك، فإذا عرف واستخرج وأتلف بطل السحر. هذا ما تيسر بيانه من الأمور التي يتقى بها السحر ويعالج بها، والله ولي التوفيق. وأما علاجه بعمل السحرة الذي هو التقرب إلى الجن بالذبح أو غيره من القربات فهذا لا يجوز؛ لأنه

من عمل الشيطان بل من الشرك الأكبر. فالواجب الحذر من ذلك، كما لا يجوز علاجه بسؤال الكهنة والعرافين والمشعوذين واستعمال ما يقولون لأنهم لا يؤمنون، ولأنهم كذبة فجرة يدعون علم الغيب ويلبسون على الناس، وقد حذر الرسول من إتيانهم وسؤالهم وتصديقهم كما سبق بيان ذلك في أول هذه الرسالة، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سُئل عن النشرة فقال: «هي من عمل الشيطان» رواه الإمام أحمد وأبو داود بإسناد جيد. والنشرة هي: حل السحر عن المسحور، ومراده خياله بكلامه هذا النشرة التي يتعاطاها أهل الجاهلية، وهي: سؤال الساحر ليحل السحر، أو حله بسحر مثله من ساحر آخر. أما حله بالرقية والتعوذات الشرعية والأدوية

المباحة فلا بأس بذلك كما تقدم. وقد نص على ذلك العلامة ابن القيم، والشيخ عبد الرحمن بن حسن في فتح المجيد - رحمة الله عليهما - ونص على ذلك أيضاً غيرهما من أهل العلم. والله المسئول أن يوفق المسلمين للعافية من كل سوء، وأن يحفظ عليهم دينهم، ويرزقهم الفقه فيه، والعافية من كل ما يخالف شرعه، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه.

سحر الزوجة على الزوج

[سحر الزوجة على الزوج] سحر الزوجة على الزوج (¬1) من عبد العزيز بن باز إلى حضرة الأخ المكرم. . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: وصلني كتابكم المؤرخ (بدون) وصلكم الله بهداه وما تضمنه من الإفادة عما أصابكم عندما أردت جماع زوجتك الجديدة، وعن ذهابك للشيخ وما أفتاك به وعما عملته الزوجة القديمة من العمل الذي كان سبباً لمنعك من جماع زوجتك الجديدة، وسؤالك عن الحكم في ذلك كان معلوماً. والجواب: إذا كانت الزوجة القديمة قد أقرت بهذا العمل، أو ثبت عليها ذلك بالبينة فقد فعلت منكراً عظيماً، بل كفراً وضلالاً، لأن عملها هذا هو ¬

(¬1) صدرت الإجابة من مكتب سماحته في: 9 / 11 / 1387 هـ.

السحر المحرّم، والساحر كافر كما قال الله سبحانه: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [البقرة: 102] فهذه الآية الكريمة تدل على أن السحر كفر، وأن الساحر كافر، وأن السحرة يتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم، وأن من مقاصدهم التفريق بين المرء وزوجه، وأنه لا خلاق لهم عند الله يوم القيامة - يعني لا حظ لهم في النجاة - وفي الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه

قال: «اجتنبوا السبع الموبقات قيل: وما هنَّ يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات.» أما الشيخ الذي أعطاك الدواء فالظاهر أنه ساحر كالمرأة، لأنه لا يطلع على أعمال السحر إلا السحرة، وهو أيضاً من العرافين والكهنة المعروفين بادعاء الغيب في كثير من الأمور، والواجب على المسلم أن يحذرهم وألا يصدقهم فيما يدّعون من الغيب لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة» أخرجه مسلم في صحيحه، وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً: «من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم» .

فالواجب عليك التوبة والندم على ما قد حصل منك، وإخبار رئيس الهيئة ورئيس المحكمة بالشيخ المذكور وزوجتك القديمة حتى تعمل المحكمة والهيئة ما يردعهم، وإذا عرض لك مثل هذا الحادث فاسأل علماء الشرع حتى يخبروك بالعلاج الشرعي. رزقنا الله وإياك الفقه في الدين والثبات عليه والسلامة مما يخالفه، إنه جواد كريم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سؤال السحرة والمشعوذين

[سؤال السحرة والمشعوذين] حكم سؤال السحرة والمشعوذين (¬1) السؤال الأخ: ص. ع. ب من الرياض يقول في سؤاله: يوجد في بعض جهات اليمن أناس يسمون: (السادة) وهؤلاء يأتون بأشياء منافية للدين مثل الشعوذة وغيرها، ويدعون أنهم يقدرون على شفاء الناس من الأمراض المستعصية، ويبرهنون على ذلك بطعن أنفسهم بالخناجر أو قطع ألسنتهم ثم إعادتها دون ضرر يلحق بهم، وهؤلاء منهم من يصلي ومنهم من لا يصلي، وكذلك يحلون لأنفسهم الزواج من غير فصيلتهم، ولا يحلون لأحد الزواج من فصيلتهم، وعند دعائهم للمرضى يقولون: (يا الله. . يا فلان) أحد أجدادهم. وفي القديم كان الناس يكبرونهم، ويعتبرونهم أناساً غير عاديين وأنهم مقربون إلى الله، بل يسمونهم رجال الله، والآن انقسم الناس فيهم: فمنهم من يعارضهم وهم فئة الشباب وبعض المتعلمين، ومنهم من لا يزال متمسكاً بهم وهم كبار السن وغير المتعلمين. نرجو من فضيلتكم بيان الحقيقة في هذا الموضوع. ¬

(¬1) هذه الأسئلة والأجوبة من برنامج: (نور على الدرب) .

الجواب: هؤلاء وأشباههم من جملة المتصوفة الذين لهم أعمال منكرة وتصرفات باطلة، وهم أيضاً من جملة العرافين الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: «من أتى عرافًَا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوماً» وذلك بدعواهم علم الغيب، وخدمتهم للجن، وعبادتهم إياهم، وتلبيسهم على الناس بما يفعلون من أنواع السحر الذي قال الله فيه في قصة

موسى وفرعون: {قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} [الأعراف: 116] فلا يجوز إتيانهم ولا سؤالهم لهذا الحديث الشريف ولقوله صلى الله عليه وسلم: «من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم» «وفي لفظ آخر: من أتى عرافًا أو كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم» . وأما دعاؤهم غير الله واستغاثتهم بغير الله، أو زعمهم أن آَباءهم وأسلافهم يتصرفون في الكون، أو يشفون المرضى، أو يجيبون الدعاء مع موتهم أو غيبتهم فهذا كله من الكفر بالله عز وجل ومن الشرك الأكبر، فالواجب الإنكار عليهم وعدم إتيانهم وعدم سؤالهم وعدم تصديقهم، لأنهم قد جمعوا في هذه الأعمال بين عمل الكهنة والعرافين وبين

عمل المشركين عباد غير الله والمستغيثين بغير الله والمستعينين بغير الله من الجن والأموات وغيرهم ممن ينتسبون إليهم ويزعمون أنهم آباؤهم وأسلافهم أو من أناس آخرين يزعمون أن لهم ولاية أو لهم كرامة، بل كل هذا من أعمال الشعوذة ومن أعمال الكهانة والعرافة المنكرة في الشرع المطهر. وأما ما يقع من التصرفات النكرة من طعنهم أنفسهم بالخناجر أو قطعهم ألسنتهم فكل هذا تمويه على الناس، وكله من أنواع السحر المحرم الذي جاءت النصوص من الكتاب والسنة بتحريمه والتحذير منه كما تقدم، فلا ينبغي للعاقل أن يغتر بذلك، وهذا من جنس ما قاله الله سبحانه وتعالى عن سحرة فرعون: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه: 66] فهؤلاء قد جمعوا بين السحر وبين الشرك الأكبر والاستعانة بغير الله وبين دعوى علم الغيب

والتصرف في علم الكون، وهذه أنواع كثيرة من الشرك الأكبر والكفر البواح ومن أعمال الشعوذة التي حرمها الله عز وجل ومن دعوى علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله كما قال سبحانه: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل: 65] فالواجب على جميع المسلمين العارفين بحالهم الإنكار عليهم وبيان سوء تصرفاتهم وأنها منكرة ورفع أمرهم إلى ولاة الأمور إذا كانوا في بلاد إسلامية حتى يعاقبوهم بما يستحقون شرعاً حسماً لشرهم وحماية للمسلمين من أباطيلهم وتلبيسهم. . والله ولي التوفيق.

العلاج عند طبيب شعبي يستخدم الجن

[العلاج عند طبيب شعبي يستخدم الجن] العلاج عند طبيب شعبي يستخدم الجن السؤال: هناك فئة من الناس يعالجون بالطب الشعبي على حسب كلامهم، وحينما أتيت إلى أحدهم قال لي: اكتب اسمك واسم والدتك ثم راجعنا غداً، وحينما يراجعهم الشخص يقولون له: إنك مصاب بكذا وكذا وعلاجك كذا وكذا. . ويقول أحدهم: إنه يستعمل كلام الله في العلاج، فما رأيكم في مثل هؤلاء؟ وما حكم الذهاب إليهم؟ (س. ع. غ - حائل) . الجواب: من كان يعمل هذا الأمر في علاجه فهو دليل على أنه يستخدم الجن ويدعي علم المغيبات، فلا يجوز العلاج عنده، كما لا يجوز المجيء إليه ولا سؤاله؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الجنس من الناس:

«من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة» أخرجه مسلم في صحيحه. وثبت عنه صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث النهي عن إتيان الكهان والعرافين والسحرة والنهي عن سؤالهم وتصديقهم، وقال صلى الله عليه وسلم: «من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم» وكل من يدعي علم الغيب باستعمال ضرب الحصى أو الوَدع أو التخطيط في الأرض أو سؤال المريض عن اسمه واسم أمه أو اسم أقاربه فكل ذلك دليل على أنه من العرافين والكهان الذين نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سؤالهم وتصديقهم. فالواجب الحذر منهم ومن سؤالهم ومن العلاج عندهم وإن زعموا أنهم يعالجون بالقرآن لأن من عادة أهل الباطل التدليس والخداع فلا يجوز تصديقهم

فيما يقولون، والواجب على من عرف أحداً منهم أن يرفع أمره إلى ولاة الأمر من القضاة والأمراء ومراكز الهيئات في كل بلد حتى يحكم عليهم بحكم الله وحتى يسلم المسلمون من شرهم وفسادهم وأكلهم أموال الناس بالباطل. والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله.

الدواء الشرعي للسحر

[الدواء الشرعي للسحر] الدواء الشرعي للسحر (¬1) السؤال: سمعت من أحد العلماء قوله إن من يظن أنه عمل له سحر عليه أن يأخذ سبع ورقات من السدر ثم يضعها في سطل ماء ويقرأ عليها: المعوذات وآية الكرسي وسورة: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] وقوله تعالى: {وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ} [البقرة: 102] وسورة الفاتحة، فما صحة هذا؟ وماذا يفعل من يظن أنه قد سحر؟ أفيدونا أفادكم الله. الجواب: لا شك أن السحر موجود وبعضه تخييل وأنه يقع ويؤثر بإذن الله عز وجل كما قال الله سبحانه وتعالى في حق السحرة: ¬

(¬1) من برنامج: (نور على الدرب) الشريط: 53.

{وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة: 102] فالسحر له تأثير ولكنه بإذن الله الكوني القدري إذ ما في الوجود من شيء إلا بقضاء الله وقدره سبحانه وتعالى ولكن هذا السحر له علاج وله دواء، وقد وقع على النبي صلى الله عليه وسلم فخلصه الله منه وأنجاه من شره، ووجدوا ما فعله الساحر فأخذ وأتلف فأبرأ الله نبيه من ذلك عليه الصلاة والسلام، وهكذا إذا وجد ما فعله الساحر من تعقيد الخيوط أو ربط المسامير بعضها ببعض أو غير ذلك فإن ذلك يتلف لأن السحرة من شأنهم أن ينفثوا في العقد ويضربوا عليها لمقاصدهم الخبيثة فقد يتم ما

أرادوا بإذن الله وقد يبطل، فربنا على كل شيء قدير سبحانه وتعالى. وتارة يعالج السحر بالقراءة سواء كان ذلك بقراءة المسحور نفسه إذا كان عقله سليماً، وتارة بقراءة غيره عليه فينفث عليه في صدره أو في أي عضو من أعضائه ويقرأ عليه: الفاتحة، وآية الكرسي، وقل هو الله أحد، والمعوذتين، وآيات السحر المعروفة من سورة الأعراف وسورة يونس وسورة طه، فمن سورة الأعراف قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ - فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ - فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ} [الأعراف: 117 - 119] ومن سورة يونس قوله سبحانه: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ - فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ - فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس: 79 - 81]

{وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} [يونس: 82] ومن سورة طه قوله سبحانه: {قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى - قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى - فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى - قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى - وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه: 65 - 69] ويقرأ أيضا سورة: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] إلى آخرها، وسورة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق: 1] و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: 1] والأولى أن يكرر سورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] والمعوذتين ثلاث مرات، ثم يدعو له بالشفاء: اللهم رب الناس أذهب البأس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاءك شفاءً لا يغادر سقماً ويكرر هذا ثلاثاً. وهكذا يرقيه بقوله: بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك

ومن شر كل نفس أو عين حاسد، الله يشفيك، بسم الله أرقيك. . ويكررها ثلاثاً، ويدعو له بالشفاء والعافية، وإن قال في رقيته: أعيذك بكلمات الله التامات من شر ما خلق وكررها ثلاثاً فحسن. كل هذا من الدواء المفيد وإن قرأ هذه الرقية والدعاء في ماء ثم شرب منه المسحور واغتسل بباقيه كان هذا من أسباب الشفاء والعافية بإذن الله، وإن جعل في الماء سبع ورقات من السدر الأخضر بعد دقها كان هذا أيضًا من أسباب الشفاء وقد جرب هذا كثيرًا ونفع الله به، وقد فعلنا مع كثير من الناس فنفعهم الله بذلك، فهذا دواء مفيد ونافع للمسحورين، وهكذا ينفع هذا الدواء لمن حبس عن زوجته لأن بعض الناس قد يحبس عن زوجته فلا يستطيع جماعها فإذا استعمل هذه الرقية وهذا الدعاء نفعه بإذن الله سواء قرأه على نفسه أو قرأه عليه غيره أو قرأه في ماء

ثم شرب منه واغتسل بالباقي - كل هذا نافع بإذن الله للمسحور والمحبوس عن زوجته، وهذه من الأسباب والله سبحانه وتعالى هو الشافي وحده وهو على كل شيء قدير بيده جلّ وعلا الدواء والداء وكل شيء بقضائه وقدره سبحانه، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله وهذا فضل منه سبحانه وتعالى. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

إيضاح الحق في دخول الجن في الإنس والرد على من أنكر ذلك

[إيضاح الحق في دخول الجن في الإنس والرد على من أنكر ذلك] إيضاح الحق في دخول الجن في الإنس والرد على من أنكر ذلك (¬1) الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعد: فقد نشرت بعض الصحف المحلية وغيرها في شعبان من هذا العام أعني عام 1407 هـ أحاديث مختصرة ومطولة عما حصل من إعلان بعض الجن - الذي تلبس ببعض المسلمات في الرياض - إسلامه عندي بعد أن أعلنه عند الأخ عبد الله بن مشرف العمري المقيم في الرياض بعدما قرأ المذكور على المصابة وخاطب الجن وذكَّره بالله ووعظه وأخبره أن الظلم حرام وكبيرة عظيمة، ودعاه ¬

(¬1) رد أرسل للشيخ علي الطنطاوي بتاريخ 3 / 11 / 1408 هـ.

إلى الإسلام لما أخبره أنه كافر بوذي، ودعاه إلى الخروج منها فاقتنع الجني بالدعوة وأعلن إسلامه عند عبد الله المذكور، ثم رغب عبد الله المذكور، وأولياء المرأة أن يحضروا عندي بالمرأة حتى أسمع إعلان إسلام الجني، فحضروا عندي فسألته عن أسباب دخوله فيها فأخبرني بالأسباب ونطق بلسان المرأة لكنه كلام رجل وليس كلام امرأة، وهي في الكرسي الذي بجواري وأخوها وأختها وعبد الله بن مشرف المذكور وبعض المشايخ يشهدون ذلك ويسمعون كلام الجني، وقد أعلن إسلامه صريحًا وأخبر أنه هندي بوذي الديانة فنصحته وأوصيته بتقوى الله وأن يخرج من هذه المرأة ويبتعد عن ظلمها، فأجابني إلى ذلك وقال: أنا مقتنع بالإسلام، وأوصيته أن يدعو قومه للإسلام بعدما هداه الله له فوعد خيراً وغادر المرأة وكان آخر كلمة قالها: السلام عليكم،

ثم تكلمت المرأة بلسانها المعتاد وشعرت بسلامتها وراحتها من تعبه. ثم عادت إليَّ بعد شهر أو أكثر مع أخويها وأخبرتني أنها في خير وعافية وأنه لم يعد إليها والحمد لله، وسألتها عما كان تشعر به حين وجوده بها فأجابت بأنها كانت تشعر بأفكار رديئة مخالفة للشرع وتشعر بميول إلى الدين البوذي والاطلاع على الكتب المؤلفة فيه. ثم بعدما سلمها الله منه زالت عنها هذه الأفكار ورجعت إلى حالتها الأولى البعيدة عن هذه الأفكار المنحرفة. وقد بلغني عن فضيلة الشيخ علي الطنطاوي أنه أنكر مثل حدوث هذا الأمر وذكر أنه تدجيل وكذب وأنه يمكن أن يكون كلاماً مسجلاً مع المرأة ولم تكن نطقت بذلك. وقد طلبت الشريط الذي سجل فيه كلامه وعلمت ما ذكره، وقد عجبت كثيراً من تجويزه أن يكون ذلك مسجَّلا مع أني سألت الجني

عدة أسئلة وأجاب عنها، فكيف يظن عاقل أن المسجل يسأل ويجيب، هذا من أقبح الغلط ومن تجويز الباطل، وزعم أيضاً في كلمته أن إسلام الجني على يد الإنسي يخالف قول الله تعالى في قصة سليمان: {وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [ص: 35] ولا شك أن هذا غلط منه أيضاً هداه الله، وفهم باطل، فليس في إسلام الجني على يد الإنسي ما يخالف دعوة سليمان. فقد أسلم جم غفير من الجن على يد النبي صلى الله عليه وسلم. وقد أوضح الله ذلك في سورة الأحقاف وسورة الجن، وثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الشيطان عرض لي فشد عليَّ ليقطع الصلاة عليَّ فأمكنني الله منه فذعتّه ولقد هممت أن أوثقه إلى سارية حتى تصبحوا فتنظروا إليه فذكرت قول أخي سليمان

عليه السلام: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [ص: 35] فرده الله خاسئاً» هذا لفظ البخاري، ولفظ مسلم: «إن عفريتا من الجن جعل يتفلت عليَّ البارحة ليقطع عليَّ الصلاة وإن الله أمكنني منه فذعتُّه فلقد هممت أن أربطه إلى جانب سارية من سواري المسجد حتى تصبحوا تنظرون إليه أجمعون أو كلكم ثم ذكرت قولي أخي سليمان: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [ص: 35] فرده الله خاسئاً» وروى النسائي على شرط البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم «كان يصلي فأتاه الشيطان فأخذه النبي قيل فصرعه فخنقه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حتى وجدت برد لسانه على يدي ولولا دعوة سليمان لأصبح موثقًَا حتى يراه الناس» ورواه أحمد وأبو داود من حديث أبي سعيد وفيه: «فأهويت بيدي فمازلت أخنقه حتى وجدت

برد لعابه بين أصابعي هاتين الإبهام والتي تليها» وخرّج البخاري في صحيحه تعليقاً مجزوماً به ج4 ص 487 من الفتح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: «وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام فأخذته فقلت والله لأرفعنك إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: إني محتاج وعليَّ عيال ولي حاجة شديدة، قال فخليت عنه فأصبحت فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة؟ قلت: يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالاً فرحمته فخليت سبيله. قال: أما إنه قد كذبك وسيعود، فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله صلي الله عليه وسلم فرصدته فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نص قال: دعني فإني محتاج وعليَّ عيال ولا أعود فرحمته فخليت سبيله فأصبحت فقال لي رسول الله صلي الله عليه وسلم: يا أبا هريرة ما فعل أسيرك

البارحة؟ قلت: يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا فرحمته وخليت سبيله. قال: أما إنه قد كذبك وسيعود، فرصدته الثالثة فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت لأرفعنك إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم وهذا آخر ثلاث مرات أنك تزعم لا تعود ثم تعود. قال دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها قلت: ما هي؟ قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255] [البقرة: 255] حتى تختم الآية فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربنك شيطان حتى تصبح، فخليت سبيله فأصبحت فقال لي رسول الله صلي الله عليه وسلم ما فعل أسيرك البارحة؟ قلت يا رسول الله زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها خليت سبيله قال: ما هي؟ قلت قال لي إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ

وقال لي لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح، وكانوا أحرص شيء على الخير فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما إنه قد صدقك وهو كذوب، تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة؟ قلت: لا، قال: ذاك شيطان.» وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه الشيخان عن صفية رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم» . وروى الإمام أحمد في المسند ج4 ص 216 بإسناد صحيح أن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه قال: «يا رسول الله حال الشيطان بيني وبين صلاتي وبين قراءتي، قال: ذاك شيطان يقال له خنزب فإذا أنت حسسته فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثاً قال: ففعلت ذاك فأذهبه الله عز وجل عني.» كما ثبت في الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم

أن كل إنسان معه قرين من الملائكة وقرين من الشياطين حتى النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن الله أعانه عليه فأسلم فلا يأمره إلا بخير. وقد دل كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة على جواز دخول الجني بالإنسي وصرعه إياه، فكيف يجوز لمن ينتسب إلى العلم أن ينكر ذلك بغير علم ولا هدى بل تقليداً لبعض أهل البدع المخالفين لأهل السنة والجماعة، فالله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله. وأنا أذكر لك أيها القارئ ما تيسر من كلام أهل العلم في ذلك إن شاء الله: بيان كلام المفسرين رحمهمِ الله في قوله تعالى {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة: 275] قال أبو جعفر بن جرير رحمه الله في تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة: 275]

ما نصه: يعني بذلك يخبله الشيطان في الدنيا، وهو الذي يخنقه فيصرعه {مِنَ الْمَسِّ} [البقرة: 275] يعني من الجنون. وقال البغوي رحمه الله في تفسير الآية المذكورة ما نصه: {لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة: 275] أي: الجنون. يقال مس الرجل فهو ممسوس إذا كان مجنوناً. اهـ. وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية المذكورة ما نصه: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة: 275] أي: لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم المصروع حال صرعه وتخبط الشيطان له وذلك أنه يقوم قياماً منكراً. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنوناً

يخنق رواه ابن أبي حاتم قال وروي عن عوف بن مالك وسعيد بن جبير والسدي والربيع بن أنس وقتادة ومقاتل بن حيان نحو ذلك. . انتهى المقصود من كلامه رحمه الله. وقال القرطبي رحمه الله في تفسيره على قوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة: 275] في هذه الآية دليل على فساد إنكار من أنكر الصرع من جهة الجن وزعم أنه من فعل الطبائع وأن الشيطان لا يسلك في الإنسان ولا يكون منه مس. . اهـ. وكلام المفسرين في هذا المعنى كثير من أراده وجده. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه: (إيضاح الدلالة في عموم الرسالة للثقلين) الموجود في مجموع الفتاوى ج 19 ص 9 إلى ص 65 ما نصه

بعد كلام سبق: ولهذا أنكر طائفة من المعتزلة كالجبائي وأبي بكر الرازي وغيرهما دخول الجن في بدن المصروع ولم ينكروا وجود الجن إذ لم يكن ظهور هذا في المنقول عن الرسول كظهور هذا وإن كانوا مخطئين في ذلك. ولهذا ذكر الأشعري في مقالات أهل السنّة والجماعة أنهم يقولون إن الجني يدخل في بدن المصروع كما قال تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة: 275] وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قلت لأبي إن قوماً يزعمون أن الجني لا يدخل في بدن الإنسي فقال: يا بني يكذبون، هو ذا يتكلم على لسانه، وهذا مبسوط في موضعه. وقال أيضاً رحمه الله في ج 24 من الفتاوى ص 276 - 277 ما نصه: وجود الجن ثابت بكتاب الله وسنة رسوله واتفاق سلف الأمة وأئمتها وكذلك دخول الجني في

بدن الإنسان ثابت باتفاق أئمة أهل السنة والجماعة قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة: 275] وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم» قال عبد الله ابن الإمام أحمد بن حنبل: قلت لأبي إن أقواماً يقولون إن الجني لا يدخل بدن المصروع، فقال: يا بني يكذبون، هو ذا يتكلم على لسانه. وهذا الذي قاله أمر مشهور، فإنه يصرع الرجل فيتكلم بلسان لا يعرف معناه، ويضرب على بدنه ضربا عظيماً لو ضرب به جمل لأثر به أثراً عظيماً، والمصروع مع هذا لا يحس بالضرب ولا بالكلام الذي يقوله وقد يجر المصروع غير المصروع ويجر البساط الذي يجلس عليه ويحول الآلات وينقل من مكان إلى مكان ويجري غير ذلك من الأمور من شاهدها أفادته علما

ضرورياً بأن الناطق على لسان الإنسي والمحرك لهذه الأجسام جنس آخر غير الإنسان. وليس في أئمة المسلمين من ينكر دخول الجني في بدن المصروع ومن أنكر ذلك وادّعى أن الشرع يكذب ذلك فقد كذب على الشرع وليس في الأدلة الشرعية ما ينفي ذلك. . اهـ. وقال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه زاد المعاد في هدي خير العباد ج4 ص 66 - 69 ما نصه: الصرع صرعان: صرع من الأرواح الخبيثة الأرضية وصرع من الأخلاط الرديئة، والثاني هو: الذي يتكلم فيه الأطباء في سببه وعلاجه. وأما صرع الأرواح: فأئمتهم وعقلاؤهم يعترفون به ولا يدفعونه، ويعترفون بأن علاجه بمقابلة الأرواح الشريفة الخيرة العلوية لتلك الأرواح الشريرة الخبيثة فتدافع آثارها، وتعارض أفعالها وتبطلها،

وقد نص على ذلك بقراط في بعض كتبه فذكر بعض علاج الصرع وقال: هذا إنما ينفع من الصرع الذي سببه الأخلاط والمادة، وأما الصرع الذي يكون من الأرواح فلا ينفع فيه هذا العلاج. وأما جهلة الأطباء وسَقَطتهم وسفلتهم ومن يعتقد بالزندقة فضيلةً فأولئك ينكرون صرع الأرواح، ولا يقرون بأنها تؤثر في بدن المصروع وليس معهم إلا الجهل، وإلا فليس في الصناعة الطبية ما يدفع ذلك، والحس والوجود شاهد به، وإحالتهم ذلك على غلبة بعض الأخلاط هو صادق في بعض أقسامه لا في كلها. إلى أن قال: وجاءت زنادقة الأطباء فلم يثبتوا إلا صرع الأخلاط وحده، ومن له عقل ومعرفة بهذه الأرواح وتأثيراتها يضحك من جهل هؤلاء وضعف عقولهم.

وعلاج هذا النوع يكون بأمرين: أمر من جهة المصروع وأمر من جهة المعالِج، فالذي من جهة المصروع يكون بقوة نفسه، وصدق توجهه إلى فاطر هذه الأرواح وبارئها، والتعوذ الصحيح الذي قد تواطأ عليه القلب واللسان. فإن هذا نوع محاربة، والمحارب لا يتم له الانتصاف من عدوه بالسلاح إلا بأمرين: أن يكون السلاح صحيحاً في نفسه جيداً، وأن يكون الساعد قوياً، فمتى تخلف أحدهما لم يغن السلاح كثير طائل، فكيف إذا عدم الأمران جميعاً، ويكون القلب خراباً من التوحيد والتوكل والتقوى والتوجيه، ولا سلاح له. والثاني من جهة المعالِج، بأن يكون فيه هذان الأمران أيضاً حتى أن من المعالجين من يكتفي بقوله: (اخرج منه) أو يقول: (بسم الله) أو يقول: (لا حول ولا قوة إلا بالله) والنبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: «اخرج عدو

الله أنا رسول الله» . وشاهدت شيخنا يرسل إلى المصروع من يخاطب الروح التي فيه، ويقول: قال لك الشيخ اخرجي فإن هذا لا يحل لك، فيفيق المصروع وربما خاطبها بنفسه، وربما كانت الروح ماردة فيخرجها بالضرب، فيفيق المصروع ولا يحس بألم. وقد شاهدنا نحن وغيرنا منه ذلك مرارا، إلى أن قال: وبالجملة فهذا النوع من الصرع وعلاجه لا ينكره إلا قليل الحظ من العلم والعقل والمعرفة. وأكثر تسلط الأرواح الخبيثة على أهله يكون من جهة قلة دينهم وخراب قلوبهم وألسنتهم من حقائق الذكر والتعاويذ والتحصنات النبوية والإيمانية، فتلقى الروح الخبيثة الرجل أعزل لا سلاح معه وربما كان عرياناً فيؤثر فيه هذا. انتهى المقصود من كلامه رحمه الله.

وبما ذكرناه من الأدلة الشرعية وإجماع أهل العلم من أهل السنة والجماعة على جواز دخول الجني بالإنسي يتبين للقراء بطلان قول من أنكر ذلك وخطأ فضيلة الشيخ علي الطنطاوي في إنكاره ذلك. وقد وعد في كلمته أن يرجع إلى الحق متى أُرشد إليه فلعله يرجع إلى الصواب بعد قراءته ما ذكرنا، نسأل الله لنا وله الهداية والتوفيق. ومما ذكرنا أيضاً يعلم أن ما نقلته صحيفة الندوة في عددها الصادر في 14 / 10 / 1407 هـ ص 8 عن الدكتور محمد عرفان من أن كلمة جنون اختفت من القاموس الطبي، وزعمه أن دخول الجني في الإنسي ونطقه على لسانه أنه مفهوم علمي خاطئ مائة في المائة. كل ذلك باطل نشأ عن قلة العلم بالأمور الشرعية وبما قرره أهل العلم من أهل السنة والجماعة، وإذا خفي هذا الأمر على كثير من الأطباء لم يكن ذلك حجة على

عدم وجوده بل يدل ذلك على جهلهم العظيم بما علمه غيرهم من العلماء المعروفين بالصدق والأمانة والبصيرة بأمر الدين بل هو إجماع من أهل السنة والجماعة، كما نقل ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية عن جميع أهل العلم، ونقل عن أبي الحسن الأشعري أنه نقل ذلك عن أهل السنة والجماعة، ونقل ذلك أيضاً عن أبي الحسن الأشعري: العلامة أبو عبد الله محمد بن عبد الله الشبلي الحنفي المتوفى سنة 799 هـ في كتابه: (آكام المرجان في غرائب الأخبار وأحكام الجان) في الباب الحادي والخمسين من كتابه المذكور. وقد سبق في كلام ابن القيم رحمه الله أن أئمة الأطباء وعقلاءهم يعترفون به ولا يدفعونه وإنما أنكر ذلك جهلة الأطباء وسفلتهم وزنادقتهم. فاعلم ذلك أيها القارئ وتمسك بما ذكرناه من الحق، ولا

تغتر بجهلة الأطباء وغيرهم ولا بمن يتكلم في هذا الأمر بغير علم ولا بصيرة بل بالتقليد لجهلة الأطباء وبعض أهل البدع من المعتزلة وغيرهم، والله المستعان. * * *

تنبيه

[تنبيه] تنبيه قد دل ما ذكرناه من الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن كلام أهل العلم على أن مخاطبة الجني ووعظه وتذكيره ودعوته للإسلام وإجابته إلى ذلك ليس مخالفاً لما دل عليه قوله تعالى عن سليمان عليه الصلاة والسلام في سورة (ص) أنه قال: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [ص: 35] وهكذا أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر وضربه إذا امتنع من الخروج كل ذلك لا يخالف الآية المذكورة، بل ذلك واجب من باب دفع الصائل ونصر المظلوم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما يفعل ذلك مع الإنسي. وقد سبق في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ذعتُّ الشيطان حتى سال لعابه» على يده الشريفة عليه الصلاة والسلام،

وقال: «لولا دعوة أخي سليمان لأصبح موثقاً حتى يراه الناس» وفي رواية لمسلم من حديث أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي فقلت أعوذ بالله منك ثلاث مرات، ثم قلت ألعنك بلعنة الله التامة - فلم يستأخر - ثلاث مرات، ثم أردت أخذه والله لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقاً يلعب به ولدان أهل المدينة» والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وهكذا كلام أهل العلم، وأرجو أن يكون فيما ذكرناه كفاية ومقنع لطالب الحق، وأسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يوفقنا وسائر المسلمين للفقه في دينه والثبات عليه، وأن يمن علينا جميعاً بإصابة الحق في الأقوال والأعمال، وأن يعيذنا وجميع المسلمين من القول عليه بغير علم ومن إنكار ما لم نحط به

علماً، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان. ***

§1/1