حقيقة دعوة الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية

عبد الله بن سعد الرويشد

مقدمة

مقدمة ... تصدير وتقديم بقلم المؤلف: عبد الله بن سعد الرويشد الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب علم من أعلام الإصلاح الديني في الشرق الإسلامي في العصر الحديث، وكفاحه ونضاله، ودعوته إلى التوحيد المطلق، الخالص النقي من شوائب الشرك الوثنية، والمطهر من الخرافات والخزعبلات، مضرب الأمثال في كل مكان من العالم الإسلامي على طيلة قرنين من الزمان وإلى قيام الساعة إن شاء الله. وقد ربى الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب جيلا كاملا، تسلم الراية في حياته وبعد مماته، عمل من أجل رفعة الإسلام، وإعزاز شأن المسلمين، وخلف هذا الجيل الذي ربي على يديه جيل فجيل فجيل، ممن خدموا الإسلام، وعنوا بشئون المسلمين، وناضلوا من اجل استعادة المجد الإسلامي التليد. وشيخ الإسلام المصلح محمد بن عبد الوهاب كان للبيت السعودي الحاكم المجيد معه شأن وأي شأن، فهو الذي حماه بعد الله وآزره ونصره عبر العصور والأيام وبني حكمه على هذه الدعوة للتوحيد وبتوحيد وعلى التوحيد، وأعانه على نشر

دعوته الإسلامية السلفية الخيرة، والنهوض بكل ما لديه من طاقة وقوة، وذلك من أجل حماية العقيدة، وصيانة الدعوة، وتصحيح المفاهيم والموازين، والرجوع بالمسلمين إلى حياة العزة والسيادة والنهضة، فقد بنت هذه الأسرة السعودية ملكها على التوحيد وللتوحيد وبالتوحيد. والإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب كان طيلة قرنين ونصف حتى اليوم موضع عناية الباحثين والمفكرين والمؤرخين من عرب وشرقيين وغربيين على السواء. ولا تزال دعوته السلفية عالية الراية، مرفوعة اللواء، عزيزة الجانب، نبيلة المقصد، شريفة الاتجاه، وفيعة الصروح. وقد تحدثت في هذا الكتاب الموجز، عن: - نسب الإمام - مولده ونشأته - رحلاته العلمية - رحلته خارج الجزيرة العربية - تنفيذ الدعوة ومراحلها - مناوأة الدعوة والتآمر عليها - آل سعود واحتضانهم للشيخ ونصرتهم له - الخطر الخارجي الذي كان يتهدد الدعوة - خطب الشيخ ورسائله، وذكرت مثالا من رسائله

- أثر الشيخ في النهضة العلمية والأدبية - مؤلفاته وآثاره العلمية - انتشار الدعوة خارج الجزيرة العربية - رسالتان تشرحان حقيقة دعوة الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية - آراء المفكرين والعلماء العرب والمسلمين في الإمام ودعوته ورأى دائرة المعارف البريطانية، وبعض المستشرقين. - وآراء الباحثين الأمريكيين والأوربيين - وذكرت موقف الشعر والشعراء من الدعوة السلفية وتأييدهم لها. ومن حسن الحظ أن يصدر هذا الكتاب مع صدور الطبعة الثانية من كتابي عن الإمام محمد بن عبد الوهاب ودعوته السلفية العظيمة في جزأين، وبمناسبة إخراج هذا الكتيب الذي أرجو أن يكون مختصراً مفيداً عن حياة العلامة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ودعوته الإسلامية، وعقيدته السلفية، وجهاده وجهوده كما أرجو أن يكون شفراً نفيساً مفيداً لأبناء الإسلام والمسلمين الموحدين. ثم إنني وأيم الحق دائما وأبداً أشعر من أعماق قلبي بمدى فضل الإمام العظيم محمد بن سعود، وشيخ الإسلام المصلح الكبير محمد بن عبد الوهاب علينا حيث إن كل واحد منهما يكمل الآخر ويسدد خطاه ويباركها ويناصرها، وذلك بإبراز

هذه الدعوة وحمايتها ومناصرتها بالنفس والنفيس وباللسان والسنان فلهذه الدعوة السلفية أفضال على أجيالنا المعاصرة، وعلى التاريخ العربي الحديث كافة وعلى كل مسلم في مشارق الأرض ومغاربها، قد عانى لهما لقاء ما قاما به من الأعمال الجسام بإنارة الطريق بمشاعل الإسلام الصحيح في الحياة. والله أسأل أن يحشرهما مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، ولقد طلب منى أستاذنا وشيخنا ووالدنا صاحب الفضيلة والسماحة الشيح عبد العزيز ابن عبد الله بن باز، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة الإرشاد أن أقوم بتأليف كتاب عن الإمام المصلح شيخ الإسلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وأن يكون كتاباً مختصراً ومفيداً إن شاء الله تعالى، وذلك بمنزله بحيّ البديعة بالرياض، ولقد قال سماحته: إني أريد منك أن تؤلف كتاباً آخر مختصراً حيث إن كتابك الأول الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب في التاريخ الجزء الأول والثاني مطول جداً، فبحوثه ومواضيعه كثيرة ومتشعبة والقارئ في هذا الوقت لا يقبل إلا على الكتب الصغيرة والمختصرة، وكتابك الأول لن يقرأه إلا الباحثون والمتخصصون، وهم قلة بالنسبة والمقارنة بالقارئ العادي. لذا لبيت طلب سماحته جزاه الله عن الإسلام

والمسلمين خير الجزاء وسدد خطاه ووفقه لخدمة الإسلام والمسلمين، فسماحته من علماء السلف الصالح فلكم خدم سماحة الشيخ المسلمين بعلمه وفضله وخلقه وماله وجاهه، فها هو ذا، الكتاب أو المؤلف المختصر بين يديك أيها القارئ الكريم والأخ المسلم أرجو الله أن يحوز رضاك. وأن ينال مثوبته كما أرجوه أن يمنحني فضله وإحسانه إنه تعالى ولي ذلك والقادر عليه والشكر لله من قبل ومن بعد.

حقيقة دعوة الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية

حقيقة دعوة الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية ترجمة الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب ودعوته مدخل ... حقيقة دعوة الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية إن دارسة مناقب الأعلام تملأ الأجيال المتأخرة روحاً تقدمية، ونفسا طموحة إلى العلا، شريطة أن تكون تلك الدراسة موزونة بميزان الكتاب والسنة، وذلك كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "كنا أذل أمة فأعزنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله" لذلك يطيب لي أن أقدم هذه السيرة العطرة لنابتة البلاد العربية والأجيال الصاعدة خصوصا، ولكافة المسلمين عموماً لتكون حافزا لهم على التمسك بدينهم وعقيدتهم خالصة من شوائب الشرك والبدع والخرافات.

نسبة الإمام

نسبة الإمام: هو محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن على من سلالة عربية خالصة يمتد نسبها إلى تميم إلى نزار بن معد ابن عدنان، وهو إمام الدعوة السلفية الحديثة، والمجدد للعقيدة الإسلامية السليمة، وهو رائد النهضة الفكرية والعلمية والأدبية في العصر الحديث باتفاق رجالات الفكر وأساطين التاريخ.

مولده ونشأته

مولده ونشأته: ولد رحمه الله في بلدة العيينة بنجد قريباً من الرياض العاصمة السعودية سنة 1115هـ-1703م، في بيت توارث بنوه العلم كابراً عن كابر، وقد كان أبوه عبد الوهاب عالم بلدته وقاضيها، وكذلك كان جده- سليمان من قبله. وقد نشأ الإمام نشأة صالحة، ثم أخذ يتلقى عن أبيه علوم الدين من تفسير وحديث وفقه، وعلوم اللغة من نحو وصرف وغيرهما، وأكثر من القراءة والاطلاع على الكتب المتداولة بين الناس في ذلك العهد. وكان ذكياً ألمعياً ينفذ بذهنه وعقله إلى ما وراء النصوص المدونة، ويميز بين الحق منها والبهرج، فلم يجد فيما قرأ ما يعادل كتب ابن تيمية وابن القيم، فأعجب بها ومال إليها، ورأى كثيراً مما نعاه ابن تيمية على أهل عصره من البدع والضلالات، والمروق عن الدين ومظاهر الشرك ماثلا أمام عينه في معتقدات قومه وأعمالهم، لاسيما العامة منهم، فهو إذاً من الذين تأثروا بمدرسة ابن تيمية وتخرجوا منها على الرغم من طول العهد بينهما، وإن آراء ابن تيمية وابن القيم كان لها أكبر الأثر في توجيه ابن عبد الوهاب والتأثير على حياته.

رحلاته العلمية

رحلاته العلمية: وتطلع الشيخ إلى أفق علمي أرحب فدهب إلى مكة المكرمة حاجاً لله تعالى، وملتمساً فيها من العلماء من يشفي غلته ويروي ظمأه، ويظهر أنه لم يظفر بما كان يؤمله فرحل إلى المدينة المنورة، والتقى هناك بالشيخ عبد الله بن إبراهيم ابن سيف، وهو عالم من أهالي المجمعة بنجد أقام بالمدينة، فأخذ ابن عبد الوهاب عنه، أخذ عن عالم مقيم بها هو الشيخ محمد بن حياة السندي.

رحلة الإمام خارج الجزيرة

رحلة الإمام خارج الجزيرة: ولم تكن هذه النفس الطلعة لتقنع بما يحسب الناس أن فيه كفاية وغناء، بل لابد لها أن تنشد الكمال، وتسعى إليه، وتستعذب الصعاب، وتركب الأهوال، وتعتصم بالصبر، وتطلب الحقيقة في مظانها لعلها تظفر بشيء منها، وهكذا كان شأن الشيخ، فلم يجد بدا من الرحلة إلى بعض العواصم الإسلامية التي اشتهرت بكثرة العلماء فيها، وتوارثت البحث في مسائل الدين وعقائده، فرحل إلى العراق، ونزل بلدة الزبير من أعمال البصرة، وأخذ عن أحد فقهائها الشيخ محمد المجموعي ولكن الإمام لم يقنع بالسماع والحفظ، بل برح يناقش ويحاول ويمحص ويوازن بين ما يلقي إليه، وما جاء في كتاب الله وسنة رسوله، فيجد فيما يقوله العلماء ميلاً وانحرافاً وخروجاً عن نصوص الدين وتعاليمه، وساءه ما عليه الناس من خرافات وأباطيل، فجاهر بآرائه هذه فأنكر ونقد كثيراً من بدع الناس وضلالاتهم وفساد عقائدهم، فثار به فريق من جهال البصرة وآذوه، وخرج منها في وقت الهجير خائفاً يترقب بلا زاد ولا

راحلة، وما كان الله ليترك مجاهداً في سبيل دينه، فقيض له رجلاً من أهل الزبير وهي بلدة عراقية أكثر سكانها نجديون، فأعانه وحمله على دابته حتى خرج من هده البلدة. وفكر الشيخ بعد ذلك في مواصلة الرحلة إلى بلاد الشام لعله يجد فيها خيراً مما لقي بالعراق، ولكن الله أراد أن يريحه من سفر قد لا يحصل منه على فائدة تذكر، ففقد ما كان معه من مال، وقفل راجعاً إلى بلاد نجد، ونزل بالأحساء، وأقام مدة لدى الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد اللطيف الشافعي الأحسائي من رجال الدين والعلم بها، وكان والد الإمام قد انتقل من العيينة إلى حريملاء بعد نزاع نشب بينه وبين حاكم قريته محمد بن معمر أدى إلى عزله عن قضائها، فرحل الإمام إلى أبيه وأقام معه في بلدته الجديدة.

تنفيذ الدعوة ومراحلها

تنفيذ الدعوة ومراحلها: بدأ الشيخ دعوته في حريملاء ولم تلق هناك نجاحاً يذكر، ولكنه لم ييأس ولم يقنط، وظل يدرس ويرشد ويعظ حتى مات والده في عام 1153هـ-1740م، وهنا أعلن دعوته وجدّ في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فتبعه بعض أهلها وأيدوه، ولكن كان بحريملاء قبيلة يتبعها جماعة من الجهال يعيثون في الأرض فساداً، ويجاهرون بالفسق والمعاصي، فهتف الشيخ بهم ونادى بوجوب ردعهم وتنفيذ

حكم الشرع فيهم، فأضمروا له البغضاء، وحاولوا الفتك به، فحماه الله منهم وردهم على أعقابهم. ولم يطلب للشيخ مقام بحريملاء بعد هذا الحادث، فانتقل إلى مسقط رأسه بالعيينة، وتلقاه أميرها عثمان بن أحمد بن معمر بالترحيب، وعاونه في دعوته وتوثقت بينهما أواصر الثقة والمحبة خصوصا بعد أن أصهر الشيخ إلى أسرته، وقد تبعه كثير من الأهالي، ثم شرع في تنفيذ مبادئه علمياً، فاستأجر أناساً ليقوموا بقطع الأشجار التي يعظمها العامة، ثم خرج بنفسه إلى كبراهن فقطعها، ولا بد للشيخ أن يمضي في طريقه بلا وجل ولا تردد، فاتجه بنفسه إلى قبه قبر "زيد بن الخطاب" رضي الله عنه بقرية "الجبيلة" وأعد العدة لهدمها، فاستعان بعثمان لحمايته فاستجاب له، ولكنه أبى أن يتولى الهدم هو أو أحد من رجاله، فتقدم الشيخ وهدمها بنفسه حتى أتى عليها ومضى في سياسته العلمية "فأقام حد الزنى، ونفذ أحكام الشريعة" ومن ثم اشتهر أمره وعظمت هيبته، وأقبل كثير من الناس عليه مبايعين معاهدين.

مناوأة الدعوة

مناوأة الدعوة وبينما الدعوة تشق طريقها إلى القلوب الصلدة فتصدعها، وإلى العقول الضالة فتردعها، وإلى النفوس الظامئة من العلم فتبل صداها، وتجلو صدأ الجهالة الذي ران عليها، نرى سليمان بن محمد بن عريعر الحميدي حاكم الأحساء والقطيف ينذر عثمان بن معمر بالثورة عليه، وقطع الخراج عنه إن لم يقتل الشيخ ويقضي على دعوته، ويتخاذل عثمان ويأمر الشيخ بالخروج من بلدته، فسار معه إلى الدرعية ورافقه في الطريق "الفريد الظفير وطوالة الحمراني" من رجال بن معمر بأمر منه، وكان الشيخ يسير في الرمضاء والحر يلفحه، ومعه مروحة من الخوص وهو يردد قول الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} 1. "وسبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر" وحتى وصل إلى الدرعية، وما قاله بعض المؤرخين من أن ابن معمر قد أمر "الفريد" أن يقتل الشيخ في منتصف الطريق فلا صحة لهذا القول.

_ 1 سورة الطلاق آيتا 2، 3

آل سعود يحتضنون الشيخ وينصرونه

آل سعود يحتضنون الشيخ وينصرونه: وصل الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى الدرعية في اليوم الخامس من شهر رجب عام 1158هـ ونزل في بيت رجل فاضل هو "عبد الله بن عبد الرحمن بن سويلم" الذي أكرم وفادته، وكتم أمره خوفاً من بطش أمير الدرعية الأمير "محمد بن سعود" ورجاله، وأخذ الشيخ يدعو الناس إلى

دعوته السلفية سراً، حتى استطاع أن يقنع الأمير "محمد بن سعود" على تأييده ومؤزرته، وأقبل عليه الأمير وبايعه على دين الله ورسوله والجهاد في سبيله، وتنفيذ أحكام الشريعة، وقد عاونه على إتمام هذه المبايعة أخوا الأمير محمد بن سعود وهما مشاري وثنيان، وكان عبد الله بن سويلم حضهما على تأييد الشيخ ومعاهدته من أجل نشر دعوته السلفية الخيرة، فبدأ بزوجة الإمام "موضي بنت أبي وطبان" لتكون عوناً لهما على زوجها، وكانت ذات عقل ودين، فألقي الله في قلبها محبة الشيخ ودعوته، فقالت لزوجها: "إن هذا أتى إليك وهو غنيمة ساقها الله لك، فأكرمه وعظمه واغتنم نصرته، فقبل قولها وألقى الله سبحانه في قلب الأمير محبة الشيخ، فأراد أن يرسل إليه فقال أخوا الأمير وزوجته: "إننا نرى أن تذهب إليه بنفسك، وأن تظهر لأهل الدرعية تكريمه واحترامه والاحتفال به، لأن العلم يُذهَب إليه ولاَ يذهب العلم إلى أحد من الناس، فسار الأمير إليه وقابله في بيت ابن سويلم، ورحب الأمير بالشيخ وقال له: "أبشر ببلاد خير من بلادك، وأبشر بالعز والمنعة" فقال له الشيخ: "وأنا أبشرك بالعز والتمكين، والنصر المبين، وهذه كلمة التوحيد "لا إله إلا الله" التي دعت إليها الرسل كلهم فمن تمسك بها وعمل بها ونصرها، ملك البلاد والعباد، وأنت ترى نجداً كلها وأقطارها قد سارت على الشرك والجهل والفرقة والاختلاف وقتال بعضهم

بعض فأرجو أن تكون إمام يجتمع عليه المسلمون وذريتك من بعدك" وأخذ يشرح له الإسلام وشرائعه، وما يحل وما يحرم، وما عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الدعوة إلى التوحيد والقيام في نصره، والقتال عليه، فلما شرح الله صدر الأمير محمد بن سعود بذلك، وتقرر عنده طلب من الشيخ المبايعة على ذلك فبايعه الشيخ على ذلك وقال: "إن الدم بالدم والهدم بالهدم" أي دمي دمك وهدمي هدمك، ولكن أريد أن أشترط عليك اثنتين: أولاهما أننا إذا قمنا بنصرتك والجهاد في سبيل الله، وفتح الله لنا ولك البلدان أخاف أن ترتحل وتستبدل بنا غيرنا، والثانية أن لي على الدرعية قانونا آخذه منهم في وقت الثمار، وأخاف أن تقول: لا تأخذ منهم شيئا" فقال الشيخ: أما الأولى فلك عليّ عهد الله ورسوله، وأما الثانية فلا فإن لك عليهم الزكاة، ولعل الله أن يفتح لك الفتوحات فيعوضك من الغنائم ما هو خير منها. وبسط الأمير يده، فبايعه الشيخ على دين الله ورسوله، والجهاد في سبيله، وإقامته شرائع الإسلام القرآن، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وبهذا تم لقاء القمة الإسلامي السياسي بين مؤسس الدولة السعودية الأول الإمام محمد بن سعود، ومؤسس الدعوة السلفية الأول في العصر الحديث الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ومن هنا دخلت دعوة الشيخ في مرحلة التنفيذ والجد والعمل، وأيد أهل الدرعية صغيرهم

وكبيرهم دعوة الشيخ، وإتباع تعاليمه السلفية، وبهذا اتحد "الدين والسياسة" وسارا في طريق سليم واحد، لهدف إسلامي نبيل واحد، ثم بدأ الشيخ يراسل ذوي الرأي في بلاد نجد من قضاة وعلماء وأعيان، فاستجاب له البعض وصد عنه آخرون، فسل أعوان الشيخ السيف للجهاد، وأعلنوا الحرب في سبيل الله، وقتال المارقين، ومات في هذه المعركة أبناء الأمير محمد بن سعود وهما فيصل وسعود، وتوفي الأمير محمد، وولي مكانه إمارة الدرعية ابنه عبد العزيز ابن محمد بن سعود، وقد ولد الإمام محمد بن سعود عام 1138هـ وتوفي عام 1179هـ الموافق 1725 – 1765م. وفي عهده وبعد انتقال الإمام الإمام محمد بن عبد الوهاب إلى الدرعية أخذت الدرعية في الازدهار، وتشد لها الرحال، وتضرب لها آباط الإبل لمقابلة الشيخ، وطلب العلم عليه، والتزود بعلومه، ومن نبعها الصافي ومعينها النمير، وفيها شيد الأمير مسجد الدرعية الكبير وفي عهد ابنه عبد العزيز زاد ازدهار الدرعية وقصدها الناس من كل مكان للقاء الشيخ ومبايعته، وقد أعلنت حريملاء الانضمام إلى دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ومؤازرته والاستجابة لدعوته، وقامت في حريملاء حروب وخصومات بين أنصار الدعوة وأعدائها، وكذلك قامت بين حريملاء والدرعية حروب وخصومات أخرى. انتهت بانتصار الدرعية وخضوع حريملاء خضوعا مطلقاً.

الخطر الخارجي

الخطر الخارجي: على أن هذه الحروب لم تظل في دائرتها الداخلية الضيقة، فقد هجم العراقيون وأهل الحجاز على بلاد نجد بتحريض من الأتراك العثمانيين، وكل يدعي الحفاظ علي الدين والغيرة على تعاليمه، فتبلبلت أفكار المسلمين في سائر البلاد، وقذفت السياسة في هذا الصراع بسيل من الدعايات المغرضة، وخيلت للناس أن الشيخ متنبئ جديد يحاول القضاء على الإسلام والتعفية على آثاره، واستطاعت بذلك أن تؤلب المسلمين عليه في كل مكان. وتوفي الشيخ رحمه الله في إبان هذه المعارك سنة 1206هـ-1792م وله من العمر اثنان وتسعون عاماً، ولما يشهد نهاية هذا الكفاح الخالد، لكنه رأى مبادئه الإصلاحية ودعوته الإسلامية السلفية تشق طريقها، وتسود في جزيرة العرب بفضل تأييد آل سعود الذين أصبحوا خلفاء في نشر دعوته إلى يومنا هذا، والذين بنوا ملكهم على أساس هذه الدعوة السلفية العظيمة، وإذا كانت الحروب قد نالت من النجديين وأثقلت كواهلهم حيناً من الدهر، فإنها كانت الصقال الذي شحذ عزائمهم، وحرك هممهم، وأثار حماستهم للدفاع عن حوزة بلادهم، ونصرة مبادئهم وكان لهم الغلب في آخر المطاف. والسر في نجاح النجديين في حركتهم هذه يرجع إلى قوة الإيمان التي بثها الشيخ فيهم، والصمود في سبيل

الدعوة، والاستبسال في الجهاد، وتعبئة قوى الشعب، وتعليمه فنون الحرب إلى جانب تعاليم الشريعة، فلقد كان بمنزل الشيخ مدرسة تسمى "وكر التوحيد" تلقن فيها علوم الدين طرفي النهار وفنون الحرب في أوسطه، وكان لذلك أثر عظيم في تقوية الروح المعنوية عند أنصار الدعوة ورجالها.

خطب الشيخ ورسائله

خطب الشيخ ورسائله: قضى الشيخ طوال حياته معلماً وواعظاً، مرشداً مبينا لأحكام الدين، حاضاً على إتباعه والعزوف عما ينافي التوحيد من ضلال وبدع وشرك، ومحرضا على الجهاد والاستشهاد في سبيل الله، وقد حفظ بعض أحفاده كثيراً من خطبه، ولقد كان في خطبه يميل إلى مخاطبة قوية باللغة التي يفهمونها، وكان همه منصرفا إلى المعاني لا إلى العبارات والتأنق في الأساليب، ولو فشل لأضاع كثيراً من جهده سدى، فما كانت البيئة النجدية في زمنه تتقبل غير الطريق الذي سار عليه.

مثال من رسائل الشيخ

مثال من رسائل الشيخ وهذه رسالة من رسائل الشيخ التي يشرح فيها عقيدته السلفية، وهي رسالة موجهة منه إلى أهل القصيم بنجد قال رحمه الله: بسم الله الرحمن الرحيم أشهد الله ومن حضرني من الملائكة، وأشهدكم أني أعتقد ما اعتقده أهل السنة والجماعة من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، والبعث والموت، والإيمان بالقدر خيره وشره، ومن الإيمان بالله، الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله، من غير تحريف ولا تعطيل، بل أعتقد أن الله {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} 1 فلا أنفي عنه ما وصف به نفسه، ولا أحرف الكلم عن مواضعه، ولا ألحد في أسمائه وآياته، ولا أكيف ولا أمثل صفاته بصفات خلقه، لأنه تعالى لا سمي له ولا كفء، ولا ند له ولا يقاس بخلقه فإنه سبحانه وتعالى أعلم بنفسه وبغيره، وأصدق من أهل التحريف والتعطيل، فقال الله تعالى: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} 2 فالفرقة الناجية وسط في باب أفعاله تعالى بين القدرية والجبرية، وهم وسط في باب وعيد الله المرجئة والوعيدية، هم وسط في باب الإيمان والدين بين الحرورية والمعتزلة، وبين المرجئة والجهمية، وهم وسط في باب أصحاب رسول الله بين الروافض والخوارج. وأعتقد أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ

_ 1 سورة الشورى الآية 11 2 سورة الصافات الآيات 180- 182

وإليه يعود، وأنه تكلم به حقيقة، وأنزله على عبده ورسوله وأمينه على وحيه، وسفيره بينه وبين عباده، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأومن بأن الله فعال لما يريد، ولا يكون شيء إلا بإرادته ولا يخرج عن مشيئته، وليس شيء في العالم يخرج عن تقديره، ولا يصدر إلا عن تدبيره، ولا محيد لأحد عن القدر المحدود، ولا يتجاوز ما خط له في اللوح المسطور، وأعتقد بكل ما أخبر به صلى لله عليه وسلم مما يكون بعد الموت، وأومن –بفتنة القبر ونعيمه، وبإعادة الأرواح إلى الأجساد، فيقوم الناس لرب العالمين حفاة عراة غرلا تدنو منهم الشمس وتنصب الموازيين، وتوزن بها أعمال العباد: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} 1 وتنشر الدواوين فآخذ كتابه بيمينه، وآخذ كتابه بشماله، وأومن بحوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بعرضه القيامة، ماؤه أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، آنيته عدد نجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً، وأومن بأن الصراط منصوب على شفير جهنم يمر به الناس على قدر أعمالهم، وأومن بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه أول شافع وأول مشفع، ولا ينكر شفاعة النبي إلا أهل البدع والضلال، ولكنها لا تكون إلا من بعد الإذن والرضا، كما قال الله تعالى: {وَلا يَشْفَعُونَ

_ 1 سورة المؤمنون آيتا 102، 103

إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} 1 وقال: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} 2 وهو لا يرضى إلا التوحيد، ولا يأذن إلا ِلأهله. وأما المشركون فليس لهم من الشفاعة نصيب كما قال تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} 3 وأومن بأن الجنة والنار مخلوقتان، وأنهما اليوم موجودتان، وأنهما لا يفنيان، وأن المؤمنين يرون ربهم بأبصارهم يوم القيامة كما يرون القمر ليلة البدر، لا يضامون في رؤيته، وأومن بأن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين والمرسلين، ولا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته، ويشهد بنبوته، وأفضل أمته أبو بكر الصديق، ثم عمر الفاروق، ثم عثمان ذو النورين، ثم على المرتضى، ثم بقية العشرة المشهود لهم بالجنة، ثم أهل بدر ثم أهل الشجرة أهل بيعة الرضوان، ثم سائر الصحابة رضوان الله عليهم، وأتولى أصحاب رسول الله، وأذكر محاسنهم، وأستغفر لهم، وأكف عن مساوئهم، وأسكت عما شجر بينهم، وأعتقد فضلهم عملا بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} 4 وأترضى عن أمهات المؤمنين المطهرات من كل سوء، وأقر بكرامات الأولياء إلا أنهم لا يستحقون من حق الله شيئا، ولا أشهد لأحد من المسلمين بجنة ولا نار

_ 1 سورة الأنبياء الآية 28. 2 سورة البقرة الآية 255. 3 سورة المدثر الآية 48. 4 سورة الحشر الآية 10

إلا من شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكني أرجو للمحسن وأخاف على المسيء، ولا أكفر أحداً من المسلمين بذنبه، ولا أخرجه من دائرة الإسلام، وأرى الجهاد مع كل إمام براً كان أو فاجراً، وصلاة الجماعة خلفهم جائزة، والجهاد ماض منذ بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم إلى أن يقاتل آخر هذه الأمة الدجال، لا يبطله جور جائر، ولا عدل عادل، وأرى وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية الله. ومن ولي الخلافة وجبت طاعته وحرم الخروج عليه، وأرى هجر أهل البدع ومباينتهم حتى يتوبوا، وأحكم عليهم بالظاهر، وأوكل أسرارهم إلى الله، وأعتقد أن كل محدثة في الدين بدعة وأعتقد أن الإيمان قول باللسان وعمل بالأركان واعتقاد بالجنان، يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان، وهو بضع وسبعون شعبة أعلاها شهادة أن لا إله الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، وأرى وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ما توجبه الشريعة المحمدية الظاهرة. فهذه عقيدة وجيزة حررتها لتطلعوا على ما عندي والله على ما نقول شهيد.

أثر الشيخ في النهضة العلمية والأدبية

أثر الشيخ في النهضة العلمية والأدبية: لا مراء في أن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الصرخة المدوية، والصيحة التي نبهت الأمة من رقدتها، ووجهت الأنظار إلى البحث والجدل، مناقشة الآراء وقرع الحجة بالحجة، والدليل بالدليل، وحملت الناس على النظر في الكتاب العزيز، واستظهار كثير من آياته ومن الحديث النبوي الشريف، وهما الغاية القصوى من البلاغة والبيان والعلوم الدينية والعربية، تتشابك وتترابط، ولا يمكن الفصل بينهما إذ أن علوم اللسان العربي كلها ما قامت إلا لخدمة الكتاب والسنة وفهمها فهماً صحيحاً، فكان لا بد من قيام حركة علمية شاملة، ونهضة فكرية عامة، ولكن لم تتكامل الأسباب لتنظيم هذه النهضة وتعميمها إلا قريبا، ومع ذلك خطت خطوات واسعة إلى الأمام، إذا سارت الأمور على هذا المنوال فإنها تبشر بظهور فجر جديد يجعل معه هذه الجزيرة كما كانت من قبل منهلا للآداب، ومنبعاً للعلوم والمعارف، ومهداً للحضارة الحقة والمدنية الصادقة.

مؤلفات الإمام وآثاره العلمية

مؤلفات الإمام وآثاره العلمية: تفسير شهادة أن لا إله إلا الله، وكتاب التوحيد وكشف الشبهات في معنى التوحيد وما يخالفه، وكتاب معرفه العبد ربه ودينه، وكتاب مفيد المستفيد، وكتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومختصر الإنصاف، وكتاب الكبائر، وله رسالة عن التقليد، ومختصر الشرح الكبير، ومختصر الفتاوى المصرية لشيخ الإسلام ابن تيمية، وكتاب المسائل التي خالف فيها

رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الجاهلية، وكتاب النبذة في معرفة الدين الذي معرفته والعمل به سبب لدخول الجنة والجهل به سبب لدخول النار.

انتشار الدعوة خارج الجزيرة العربية

انتشار الدعوة خارج الجزيرة العربية: إن استيلاء آل سعود على الحجاز، ودخولهم مكة والمدينة في أوائل القرن الثاني عشر الهجري، أعطى الفرصة لسائر الحجاج من مختلف البلاد الإسلامية ليتعرفوا أهداف الدعوة، ويلتقوا بدعاتها، ويناقشوهم فيما يدعون إليه، وكان من نتائج هذا أن اعتنق بعض الحجاج هذه المبادئ، وتعصبوا لها، ثم حصلوها معهم ودعوا إليها في بلادهم بعد رجوعهم إليها، فانتقلت هذه المبادئ الإصلاحية إلى السودان وإلى الهند وسومطرة في أسيا، وكان هدف دعاتها في كل مكان تحل به هو محاربة الفساد، والقضاء على البدع والخرافات، وتصحيح العقيدة الدينية، ثم محاولة إقامة حكومة صالحة على أساس ديني لتنفيذ الأحكام الشرعية، وتقيم الحدود، كما انتقلت هذه الدعوة إلى مصر والشام وزنجبار واليمن، وكذلك الحركة السنوسية التي ابتدأت في الجزائر أواسط القرن التاسع عشر، ثم غزت طرابلس بعد ذلك، وانتشرت في شمال أفريقيا، ثم مدت رواقها نحو الجنوب، فتمكنت في السودان، وأن هذه الحركة السنوسية ناهضت الاستعمار في كل مكان حلت فيه، والتي كان مؤسسها في مكة يطلب العلم وقت استيلاء آل سعود

عليها، فعاشرهم وتتلمذ على علمائها، وتأثر بدعوتهم، ثم عاد إلى الجزائر وابتدأ حركته الإصلاحية على ضوء تعاليم الإصلاح الدينية الإسلامية التي أضرم نارها في الجزيرة العربية الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، وجزاه عن الإسلام خير الجزاء. ومن آثار هذا اللقاء الإسلامي السياسي بين مؤسس الدولة السعودية الأول الإمام محمد بن سعود، ومؤسس الدعوة السلفية الأول في العصر الحديث الشيخ محمد بن عبد الوهاب: 1- الدعوة إلى توحيد الله لا شريك له، ومحاربة الشرك، وأن لا يصدق شيئاً من العبادة لغير الله لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، وتجديد العقيدة الإٍسلامية السلفية الصحيحة، ومحاربة الشرك ونفي البدع، وطرح التقاليد والعادات الباطلة، وتحقيق التوحيد، والدفاع عنه، ومحاربة الخرافات، والتوسل والوسيلة وتحريم التمسح بالقبور والأضرحة، وجعلهم واسطة بينهم وبين الله، والدعوة إلى صدق العبادة وإخلاصها لله رب العالمين، فلا إله غيره ولا معبود سواه. 2- إعلان الدعوة إلى الله، وجمع القلوب حول هذه الدعوة الإسلامية السلفية التي قيم الله لها دولة قوية تحميها، وسلطة سياسية كبيرة تدافع عنها، وهي الدولة السعودية

الماجدة الخالدة في صفحات التاريخ دولة القرآن والسنة، دولة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 3- تنظيم بيت المال تنظيماً إسلامياً خالصاً على أساس من شريعة الإسلام، وعمل الرسول والصحابة، والسلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين. 4- إقامة هذه المملكة العربية السعودية الإٍسلامية السلفية، التي تحكم بكتاب الله وشريعة رسوله، تنفيذاً لقول الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} 1، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} 2، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} 3 ولا شيء ينفذ إلا ما أقره الله ورسوله والصحابة رضوان الله عليهم أجمعين. 5- إلزام الناس بأداء فرائض الصلاة وعدم التهاون في أمور الدين، وحضور الصلوات الخمس في المساجد جمعة وجماعة في أوقاتها. 6- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة إسلامية على كل مسلم ومسلمة. 7- الإلزام بطلب العلم وأنه فريضة على كل مسلم ومسلمة

_ 1 سورة المائدة الآية 44. 2 سورة المائدة الآية 45. 3 سورة المائدة الآية 47.

في كل زمان ومكان. 8- تعاون الجماعة الإٍسلامية لنشر هذه الدعوة السلفية، والدفاع عنها ومحاربة أعدائها ورد عاديات العدوان عليها.

رسالتان هامتان تشرحان عقيدة الشيخ وحقيقة دعوته السلفية

رسالتان هامتان تشرحان عقيدة الشيخ وحقيقة دعوته السلفية الرسالة الأولى مقدمة ... رسالتان هامتان تشرحان عقيدة الشيخ وحقيقة دعوته السلفية رسالة الحاكم العادل والعالم العامل الإمام عبد العزيز ابن الإمام محمد بن سعود رحمه الله في حقيقة دعوة الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وصلى الله وسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. من عبد العزيز بن محمد بن سعود إلى من يراه من العلماء والقضاة في الحرمين الشام ومصر والعراق وسائر علماء الشرق والمغرب: سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أما بعد: فإن الله عز وجل شأنه، وتعالى سلطانه، لم يخلق الخلق عبثاً، ولا تركهم سدى، وإنما خلقهم لعبادته،

فأمرهم بطاعته، وحذرهم مخالفته، وأخبرهم تعالى أن الجزاء واقع لا محالة، إما في ناره بعدله، أو في جنته بفضله ورحمته، قد أخبر عز وجل بذلك في كل كتاب أنزله، وعلى لسان كل رسول أرسله، كما نطقت بذلك الآيات القرآنية، وأخبرتنا به الأحاديث النبوية، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} 1 وقال: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} 2 وقال سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} 3، فالعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال، مختصة بجلاله وعظمته، فهي الغاية المحبوبة له تعالى شأنه والمرضية له، وبها أرسل جميع الرسل، كما قال نوح لقومه: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} 4 وكذلك قال هود وصالح وشعيب وغيرهم من الرسل، كل قال لقومه: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} وذلك أن الإله يطلق على كل معبود بحق أو بباطل والإله الحق هو الله قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} 5 وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} 6 وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} 7

_ 1 سورة الداريات الآية 56. 2 سورة النساء الآية 36. 3 سورة الإسراء الآية 23. 4 سورة الأعراف آية 59. 5 سورة محمد آية 19. 6 سورة النحل آية 36. 7 سورة الأنبياء آية 25.

معنى كلمة التوحيد

معنى كلمة التوحيد 1 فنحن لما علمنا وفهمنا من كلام الله وسنة رسوله، وكلام الأئمة الأعلام رضي الله عنهم كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم من أئمة السلف أن " لا إله إلا الله" معناها يخصها، وهي ترك كل معبود مع الله وإخلاص الإلهية له تعالى وحده، وأن العبادة بأفعالهم "؟ " مما أمرهم به في كتابه وعلى لسان رسوله إذا جعلت لغيره تعالى صار ذلك الغير إلهاً مع الله 2 وإن لم يعتقد الفاعل ذلك. فالمشرك مشرك شاء أم أبى 3، وليست خاصة بالإيمان، فأفعاله تعالى وتقدس، كخلقه السموات والأرض، والليل والنهار، ورزق العباد وتدبيره أمورهم، لأن هذا يسمى توحيد الربوبية الذي أقربه الكفار الأولون في سورة يونس والزمر والزخرف وغيرها، وأن معناها لغة: الذل والخضوع، وشرعاً: ما أمر به من غير اطراد عرفي، ولا اقتضاء عقلي، من أفعال العباد وأقوالهم المختصة بجلال الله وعظمته، كدعائه تعالى بما لا يقدر عليه إلا هو: من جلب نفع أو

_ 1 جميع العناوين منقولة من أعالي صفحات طبعة المنار وهذا لتمام الفائدة. 2 أي صار بتوجيه العبادة الفعلية إليه إلهاً معبوداً مع الله أي أتّخذ إلهاً، وقد غلط من قال: إن الإله هو المعبود بحق وإنما الله عز وجل، ودليلنا أن الله تعالى قد سمى معبودات المشركين آلهة في مثل قوله تعالى: {فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} ، وقوله: {فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ} 3 أي شاء أن يسمى شركه شركاً أم أبى فسماه توسلاً مثلاً.

دفع ضر، أو رجائه فيه 1 والتوكل عليه، وذبح النسك والنذر لجلب خير أو دفع ضر لا يقدر عليه إلا الله، والإنابة والخضوع، كل ذلك مختص بجلالة الله كالسجود والتسبيح والتهليل، فكل ذلك مما قدمناه هو معنى قوله: "لا إله إلا الله". ولا يغني أحد التوحيدين عن الآخر، بل صحة أحدهما مرتبطة بوجود الآخر فلما فهمنا ذلك وعلمنا به قام علينا أهل الأهواء فخرجونا وبدعونا، وجعلوا اليهود والنصارى أخف شرٍّا منا ومن أتباعنا، ولم ننازع العدو في سائر المعاصي بأنواعها، ولا المسائل الاجتهادية، فلم يجر الاختلاف بيننا وبينهم في ذلك، بل في العبادة بأنواعها، والشرك بأنواعه.

_ 1 الضمير في رجائه لله تعالى وفي "فيه" لما لا يقدر عليه غيره وإلا لقال "ورجائه" فقط أو والرجاء فيه.

الشفاعة والوساطة وحق الله وحق رسوله وأوليائه

الشفاعة والوساطة وحق الله وحق رسوله وأوليائه فنحن نقول: ليس للخلق من دون الله من ولي ولا نصير، وسائر الشفعاء- محمد صلى الله عليه وسلم سيدهم وأفضلهم فمن دونه- لا يشفعون لأحد إلا بأذنه {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} 1. {أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ} 2. {وَلا

_ 1 سورة البقرة الآية 255. 2 سورة الكهف الآية 102.

يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} 1، وإذا كان كذلك فحقيقة الشفاعة كلها لله، فلا تسأل في هذه الدار إلا منه سبحانه وتعالى، وأن يشفع فيه 2 نبيه صلى الله عليه وسلم، فجميع الأنبياء والأولياء لا يجعلون وسائل ولا وسائط بين الله وبين الخلق في جلب الخير أو دفع الشر، ولا يجعل لهم من حقه شيء، لأن حقه تعالى وتقدس غير جنس حقهم، فإن حقه عبادته بأنواعها بما شرع في كتابه، وعلى لسان رسوله، وحق أنبيائه عليهم السلام الإيمان بهم وبما جاءوا به، وموالاتهم وتوقيرهم، وإتباع النور الذي أنزل معهم، ومحبتهم على النفس والمال والبنين والناس أجمعين، وعلامة الصدق في إتباع هديهم، والإيمان بما جاءوا به من عند ربهم. قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} 3 والإيمان بمعجزاتهم، وأنهم بلغوا رسالات ربهم، وأدوا الأمانة، ونصحوا الأمة، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم خاتمهم وأفضلهم، وإثبات شفاعتهم التي أثبتها الله في كتابه، وهي من بعد إذنه لمن رضي عنه أهل التوحيد. وأما المقام المحمود الذي ذكره الله في كتابه وعظم شأنه فهو لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

_ 1 سورة الأنبياء آية 28. 2 أي في السائل. 3 سورة آل عمران 31.

وكذلك حق أوليائه محبتهم، والترضي عنهم، والإيمان بكراماتهم، لا دعاؤهم ليجلبوا لمن دعاهم خيراً لا يقدر على جلبه إلا الله تعالى، أو ليدفعوا عنهم سوءاً لا يقدر على دفعه إلا هو عزوجل، لأن ذلك عبادة مختصة بجلاله تعالى وتقدس. هذا إذا تحققت الولاية أو رجيت لشخص معين كظهور إتباع سنة، وعمل بتقوى في جميع أحواله، وإلا فقد صار الولي في هذا الزمان من أطال سبحته، ووسع كمه، وأسبل إزاره، ومد يده للتقبيل، وليس شكلا مخصوصاً، وجمع الطبول والبيارق، وأكل أموال عباد الله ظلماً وادعاء، ورغب عن سنة المصطفى وأحكام شرعه. فنحن إنما ندعو إلى العمل بالقرآن العظيم، والذكر الحكيم، الذي فيه الكفاية لمن اعتبر وتدبر، وبعين بصيرته نظر وفكر، فإنه حجة الله وعهده، ووعده ووعيده، وأمانه وقدره، ومن اتبعه عاملا بما فيه جد جده، وعلا مجده، وأنار رشده، وبان سعده. والتوحيد ليس هو محل الاجتهاد، فلا تقليد فيه ولا عناد، ولا نكفر إلا لمن أنكر أمرنا هذا ونهينا، فلم يحكم بما أنزل الله من التوحيد، بل حكم بضده الذي هو الشرك الأكبر الذي لا يغفر، كما سنذكر أنواعه، فجعله دينًا، وسماه الوسيلة عناداً وبغياً، ووالى أهله وظاهرهم علينا، ولم

يقوم أركان الدين ممتنعاً أن دعوناه، وأمروهم أن يبدءونا بقتالنا 1 ليرجعونا عن دين الله الذي وصفنا، وإلى ما هم فيه وكانوا عليه من الشرك بالله، والعمل بسائر مالا يرضى رب العباد {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} 2 وما حجتهم علينا إلا أن المدعو يكون شفيعاً ووسيلة. ونحن نقول: هؤلاء الداعون الهاتفون بذكره، المعتقدون في الأحياء الغائبين المدعوين والأموات يطلبون كشف شدتهم، وتفريج كربتهم، وإبراء مريضهم، ومعافاة سقيمهم، وتكثير رزقهم، وإيجاده من العدم، ونصرهم على عدوهم برًّا وبحراً، لم يكفهم الاقتصار على مسألة الشفاعة والوسيلة، وهما أعظم المخاصمة الجارية علينا ممن قاتلنا وبدعنا، وجعل اليهود والنصارى أخف شرًّا منا ومن أتباعنا. وحقيقة قولنا إن الشفاعة وإن كانت حقاً في الآخرة فلها أنواع مذكورة في محلها، ووجب على كل مسلم الإيمان بشفاعته صلى الله عليه وسلم، بل وغيره من الشفعاء، فهي ثابتة بالوصف لا بالشخص، ما عدا الشفاعة العظمى، فإنها لأهل الموقف عامة، وليس منها ما يقصدون. فالوصف "من

_ 1 كذا، والظاهر أن يقال يبدءونا بالقتال- أو- يبدءوا بقتالنا. 2 سورة التوبه الآية 32.

من مات لا يشرك بالله شيئا" كما في البخاري 1 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لكل نبي دعوة مستجابة، وإني خبأت دعوتي شفاعة لأمتي، وهي نائلة منكم إن شاء الله من مات لا يشرك بالله شيئاً". وحديث أنس بن مالك الذي في الشفاعة بطوله وحديث الذراع الذي رواه أبوهريرة المتفق عليه. وإذا كانت بالوصف فرجاؤها من الله ودعاؤه أن يشفع فيه نبيه هو المطلوب.

_ 1 الحديث متفق عليه وجملة "وهي نائلة" إلخ زيادة انفرد بها مسلم.

إرادة الله في التكوين وإرادته في التكليف

إرادة الله في التكوين وإرادته في التكليف والشفاعة لله وبإذنه ومنه تطلب فالواجب على كل مسلم صرف همته وعزائم أمره إلى ربه تبارك وتعالى بالإقبال إليه والاتكال عليه، والقيام بحق العبودية لله عز وجل، فإذا مات موحداً استشفع 1 الله فيه نبيه، بخلاف من أهمل ذلك وتركه، وارتكب ضده من الإقبال إلى غير الله بالتوكل عليه، ورجائه فيما لا يمكن وجوده إلا من عند الله، والالتجاء إلى ذلك الغير، مقبلا على شفاعته، متوكلا عليها، طالباً لها من النبي صلى الله عليه سلم أو غيره، راغباً إليه فيها، تاركاً ما هو المطلوب المتعين عليه، المخلوق لأجله. هذا بعينه فعل المشركين واعتقادهم، ولا نشأت فتنة في الوجود إلا بهذا الاعتقاد، فصار شقيّاً بالإرادة الكونية والعاقبة الغوية، لأن الإرادة الدينية أصل في إيجاد المخلوقات، والإرادة الكونية

_ 1 لعل الأصل شفع بتشديد الفاء أي أذن له بالشفاعة فيه وقبلها منه، من قوله صلى الله عليه وسلم حكاية عن ربه "اشفع تشفع "، وأما الاستشفاع فهو طلب الشفاعة يطلبها أهل الموقف من الرسل عليهم السلام. ويحتمل أنه استعمله بمعنى الإذن بالشفاعة.

أصل 1 فمن كتبت عليه الشقاوة فلا يسير إلا لها، ولا يعمل إلا بها. قال تعالى: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} 2 فهذه هي الإرادة الكونية، وهي لا تعارض الإرادة الدينية التي هي الأصل في إيجاد المخلوقات 3 مع بقائه مختاراً مدركاً للأشياء. ومن كان هذا وصفه فلا ينالها، لأن الله تعالى ليس له شريك في الملك، كما أنه ليس له شريك في استحقاق العبادة – بل هو المختص بها، ولا تليق إلا بجلاله وعظمته، فلا إله إلا هو وحده لا شريك له. ولهذا جسم جل وعلا مادة الشفاعة عن كل أحد بغير إذن الإله وحده، فلا يشفع أحد عنده إلا بإذنه، لا ملك ولا نبي ولا غيرهما لأن من شفع عند غيره بغير إذنه فهو شريك به في حصول ذلك المطلوب لتأثيره فيه

_ 1 في هامش الأصل ما نصه – أقول: في هذا الكلام شيء ساقط وخلل، والذي يوضح المراد من هذين الأصلين قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث قال: "الإرادة في كتاب الله نوعان: إرادة تتعلق بالأمر، وإرادة تتعلق بالخلق. فالإرادة المتعلقة بالأمر أن يريد من العبد فعل ما أمره، وأما أرادة الخلق فأن يريد ما يفعله. هو فإرادة الأمر هي المتضمنة للمحبة والرضا، وهي الإرادة الدينية. والإرادة المتعلقة بالخلق هي المشيئة وهي الإرادة الكونية القدرية. ذكره شيخ الإسلام في المنهاج. 2 سورة هود آيتا 118، 119. 3 كرر قوله أن الإرادة الدينية هي الأصل في وجود المخلوقات، والمتبادر أن الإرادة الكونية هي في الإيجاد والتكوين. وإنما المراد بالإرادة الدينية التكليف. ولعله يقصد العلة الغائية لخلق المكلفين أخذاً من قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}

بشفاعته، ولاسيما إن كانت من غير إذنه. فجعله يفعل ما طلب منه، والله تعالى لا شريك له بوجه من الوجوه، وكل من أعان غيره على أمر فقد شفعه فيه، والله تعالى وتر لا يشفعه أحد بوجه من الوجوه، ولهذا قال عز من قائل: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً} وقال: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} 1 وطلبها من غير الله في هذه الدار زعم بعدم تعليقها بالإذن من الله والرضا عن المشفوع له وقال تعالى: {مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ} 2 وقال تعالى: {وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} 3 والعبرة في القرآن بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، مع ملاحظته وعدم الاقتصار عليه.

_ 1 سورة الأنعام آية 94. 2 سورة السجدة آية4. 3 سورة الأنعام آية 51.

الدعاء مشروع للموتى وللنبي – لادعاؤهم

الدعاء مشروع للموتى وللنبي – لادعاؤهم وأما دعاء الله عزوجل للغير فقد مضت السنة أن الحي يطلب منه سائر ما يقدر عليه، ودعوة المسلمين بعضهم لبعض مستحبة قد وردت بها الآثار الصحيحة في مسلم وغيره، فإن كانت للميت فهي آكد. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقف على القبر بعد الدفن فيقول: "اسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل" فالميت أحوج بعد الدفن إلى الدعاء، فإذا قام المسلمون على جنازته دعوا له لا به، وشفعوا له بالصلاة عليه لا استشفعوا به، فبدل أهل الشرك والبدع قولا غير الذي قيل لهم، بدلوا الدعاء له بدعائه ثانيا عنهم كان أو قريباً، والاستغاثة به والهتف باسمه عند حلول الشدة. وتركوا من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه. وقصدوها بالزيارة التي شرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم إحساناً إلى الميت، وتذكيراً بالآخرة، فبدلوا ذلك بسؤال الميت نفسه، وتخصيص تلك البقعة بالدعاء الذي هو مخ العبادة، وحضور القلب وخشوعه عندها أعظم منه في الصلاة والمساجد ووقت الإحسان. وإذا شرع الدعاء لسائر المؤمنين فالنبي صلى الله عليه وسلم أحق الناس بأن يصلى ويسلم عليه،

ويدعى له بالوسيلة كما في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا عليّ، فإنه من صلى عليّ مرة واحدة صلى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها درجة في الجنة لا ينبغي أن تكون إلا لعبد من عباد الله. وأرجو أن أكون ذلك العبد فمن سأل الله لي الوسيلة حلت له شفاعتي يوم القيامة". واستشفاع العبد في الدنيا إنما هو فعل السبب لحصول شفاعته له يوم القيامة كما عد فيما جاء به قولا وعملا واعتقاداً 1، وإنما سئلت له الوسيلة مع تحققها تنويهاً بقدره، ورفعاً لذكره، ويعود ثواب ذلك إلينا. فهذا هو الدعاء المأثور، وهو فارق بين الدعاء الذي أحبه والذي نهى عنه، ولم يذكر أحد من الأئمة الأربعة ولا من غيرهم من أئمة السلف فيما نعلمه أن النبي صلى الله عليه وسلم يُسأل بعد الموت الاستغفار ولا غيره. قال الإمام مالك رحمه الله فيما ذكره إسماعيل بن إسحاق في المبسوط عنه، والقاضي عياض في الشفاء

_ 1 المفهوم من العبارة أن سبب حصول الشفاعة في الآخرة هو إتباع النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من الأقوال والأفعال والعقائد، لا طلبها باللسان منه، فإن هذه بدعة غير مشروعة.

والمشارق، وغيرهما من أصحاب مالك عنه: لا أرى أن يقف عند قبر النبي صلى الله عليه سلم ويدعو، ولكن يسلم ويمضى. وقال أيضا في المبسوط عن مالك: لا بأس لمن قدم من السفر أو خرج إليه أن يقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم ويصلي ويسلم عليه، ويدعو له ولأبي بكر وعمر. فقيل له: إن ناسا من أهل المدينة لا يقدمون من سفر ولا يريدونه وهم يفعلون ذلك في اليوم مرة أو أكثر، يأتون عند القبر فيسلمون عليه، ويدعون ساعة. فقال: لم يبلغني هذا عن أحد من أهل الفقه في بلدنا، لا من الصحابة ولا غيرهم، ولم يبلغني عن أول هذه الأمة وصدرها أنهم كانوا يفعلون ذلك: يكررون المجيء إلى القبر، بل كانوا يكرهونه إلا لمن جاء من سفر أو أراده. 1 انتهى.

_ 1 روى هذا عن ابن عمر ولم يكن يفعل كثيرا.

ما يفعل عند قبره صلى الله عليه وسلم والمأثور منه

ما يفعل عند قبره صلى الله عليه وسلم والمأثور منه تلاوة الآية في قوله: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} 1 الآية، والاستغفار بحضرة القبر، وإن قال به جماعة من متأخري الفقهاء كلهم لم يقولوا

_ 1 سورة النساء آية 64.

يدعى صاحب القبر إنما يدعى الله، بل المحفوظ عنهم أن الميت والغائب لا يُسأل منه شيء لا استغفار ولا غيره. واستغفارهم الله لا الرسول صلى الله عليه وسلم، وحياته في قبره برزخية، ولا تقتضي دعاءه وأصحابه أعلم بها منا ولم يأت أحدهم إلى القبر فيسأله ويستغيث به، وقد ثبت النهي منه عليه الصلاة والسلام أن يتخذ قبره عيداً، قال أبو يعلى الموصلي في مسنده عن عليّ بن الحسين رضي الله عنهما قال: أحدثكم حديثا سمعته من أبي عن جدي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تتخذوا قبري عيداً، ولا بيوتكم قبوراً، وإن تسليمكم يبلغني أينما كنتم" رواه عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي في مختاراته، وروى سعيد بن منصور في السنن عن أبي سعيد مولى المهدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تتخذوا قبري عيداً، ولا بيوتكم قبوراً، وصلوا عليّ حيثما كنتم، فإن صلاتكم تبلغني" روى هذا الحديث أبو داود عن أبي هريرة ورواه سعيد بن منصور في سننه من حديث أبي سعيد مولى المهدي، ورواه أيضاً من حديث الحسن بن الحسن ابن علي رضي الله عنه، وهذان الحديثان وإن كانا مرسلين فهما يقويهما حديث أبي هريرة المرفوع. وفي الصحيحين من

حديث أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تشدوا الرحال إلى مسجد من المساجد إلا لثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا"، وهو حديث ثابت باتفاق أهل العلم يتلقى بالقبول عنهم 1، وهو إن كان معناه لا تشدوا الرحال إلى مسجد من المساجد إلا الثلاثة التي قد ذكرت، فالسفر إلى هذه المساجد الثلاثة إنما هو للصلاة فيها، والدعاء، والذكر، وقراءة القرآن، والاعتكاف الذي هو من الأعمال الصالحة. وما سوى هذه المساجد لا يشرع السفر إليه باتفاق أهل العلم حتى مسجد "قبا" يستحب قصده من المكان القريب كالمدينة، ولا يشرع شد الرحل إليه من بعيد، ولذلك كان النبي صلى الله الله عليه وسلم يأتي إليه كل سبت ماشياً وراكباً، وكان ابن عمر يفعله كما في الصحيح، فإنه كما أسس على التقوى فمسجده صلى الله عليه وسلم أعظم في

_ 1 رواه الجماعة كلهم ولفظه المشهور: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى" وفي لفظ لمسلم: "لا تشدوا" بالجمع والخطاب.

تأسيسه على التقوى فقال: "مسجدي هذا "، فكلا المسجدين أسس على التقوى، ولكن اختص مسجده بأنه أكمل في هذا الوصف من غيره، فكان يقوم في مسجده يوم الجمعة، ويأتي مسجد "قبا" يوم السبت، وإذا كان السفر غير الثلاثة ممتنعاً شرعاً مع أن قصده لأهل مصره يجب تارة1 ويستحب أخرى، وقد جاء في قصد المساجد من الفضل ما لا يحصى، فالسفر إلى مجرد القبور أولى بالمنع. ولا يغتر بكثرة العادات الفاسدة التي أحدثها الملوك وأشباههم، والأحاديث التي رواها الدارقطني في زيارة قبره عليه الصلاة والسلام كلها مكذوبة موضوعة باتفاق غالب أهل المعرفة، منهم ابن الصلاح، وابن الجوزي، وابن عبد البر، وأبو القاسم السهيلي، وشيخه ابن العربي المالكي، والشيخ تقي الدين، وغيرهم؛ ولم يجعلها في درجة الضعيف إلا القليل، وكذلك تفرد بها الدارقطني عن بقية أهل السنن والأئمة كلهم يرون بخلافه وأجل حديث روى في هذا الباب حديث أبي بكر البزار، ومحمد بن عساكر، حكاه أهل المعرفة بمصطلح الحديث، كالقشيري والشيخ تقي الدين وغيرهما، وإنما رخص صلى الله عليه وسلم في زيارة القبور مطلقاً بعد أن نهى عنها كما ثبت في الصحيح، لكن بلا

_ 1 كذا بالأصل ولعل في العبارة سقط.

شد رحل وسفر إليها، للأحاديث الواردة في النهي عن ذلك كما تقدم.

زيارة قبره صلى الله عليه وسلم والنهي عن اتخاذ القبور مساجد

زيارة قبره صلى الله عليه وسلم والنهي عن اتخاذ القبور مساجد إذا جاء السفر 1 المشروع لقصد مسجد النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة فيه دخلت زيارة القبر تبعا لأنها غير مقصودة استقلالا، وحينئذ فالزيارة مشروعة مجمع على استحبابها بشرط عدم فعل محذور عند القبر كما تقدم عن مالك، وما حكاه الغزالي رحمه الله ومن وافقه من متأخري الفقهاء من زيارة القبر 2 فمرادهم السفر المجرد عن فعل العبادة من الصلاة والدعاء عنده، بل يصلي ويسلم عليه، ويسأل له الوسيلة، ثم يسلم على أبي بكر، ثم عمر، ولا يقصد الصلاة عند القبر، للعنه صلى الله عليه وسلم المتخذين قبور أنبيائهم مساجد. واللعنة في كلام الله وكلام رسوله لا تجامع إلا الحرمة والإثم، لا مجرد الكراهة، ولقوله: "اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد. اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" وقال ابن حجر رحمه

_ 1 استعمل جاء بمعنى كان أو وجد إن لم يكن محرفاً عن جاز. 2 لعل أصله من السفر لأجل زيارة القبر.

الله في "الإمداد الموسوم بشرح الإرشاد": ينوي الزائر المتقرب السفر إلى مسجده صلى الله عليه وسلم، وشد الرحل إليه، لتكون زيارة القبر تابعة. انتهى. واتخاذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد هو الموقع لكثير من الأمم إما في الشرك الأكبر، أو فيما دونه من الشرك، فإن النفوس قد أشركت بتماثيل القوم الصالحين كود وسواع ويغوث وتماثيل طلاسم الكواكب ونحو ذلك، يزعمون أنها تخاطبهم وتشفع لهم. والشرك بقبر النبي صلى الله عليه وسلم، أو الرجل المعتقد صلاحه، أقرب إلى النفوس من الشرك بخشبة أو بحجر1، ولهذا تجد أهل الشرك كثيراً ما يتضرعون ويخشعون عندها ما لا يخشعون لله في الصلاة، ويعبدون أصحابها بدعائهم ورجائهم، والاستغاثة بهم، وسؤال النصر على الأعداء، وتكثير الرزق، وإيجاده، والعافية، وقضاء الديون، ويبذلون لهم النذور لجلب ما أملوه، أو دفع ما خافوه، مع اتخاذهم أعيادًا، والطواف بقبورهم، وتقبيلها، واستلامها، وتعقير الخدود على تربتها، وغير ذلك من أنواع العبادات، والطلبات التي كان عليها عباد الأوثان، يسألون أوثانهم ليشفعوا لهم عند مليكهم.

_ 1 إن أصنام قوم نوح تماثيل لرجال صالحين اتخذوها ذكرى لهم ثم عظموها تعظيم العبادة كما رواه البخاري عن ابن عباس.

فهؤلاء يسأل كل منهم حاجته، وتفريج كربته، ويهتفون عند الشدائد باسمه كما يهتف المضطر بالفرد الصمد، ويعتقدون أن زيارته موجبة للغفران، والنجاة من النيران، وأنها تجبّ ما قبلها من الآثام، بل قد وجد هذا الاعتقاد في الأشجار والغيران، يهتفون باسمها واسم من ينسبون إليه من المعتقدين بما لا يقدر عليه إلا رب العالمين، وأكثر ما يكون ذلك عند الشدائد.

عبادة القبور بالدعاء وغيره شرك

عبادة القبور بالدعاء وغيره شرك والله تعالى عز شأنه قد فسر هذا الدعاء في مواضع أخر بأنه عبادة محضة كقوله: {وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ} 1، وقوله: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} 2. والأنبياء والملائكة والصالحون كل معبود من هؤلاء داخل في عموم قوله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} 3 كما هو سبب النزول، وقوله عز شأنه: {لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} فدعاؤهم آلهتهم هو عبادتهم لها، ولأنهم كانوا إذا جاءتهم

_ 1 سورة الشعراء آية 92. 2 سورة الأنبياء آية 98. 3 سورة الأنبياء آية 101

الشدائد دعوا الله وحده وتركوها، ومع هذا فهم يسألونها بعض حوائجهم بواسطة قربهم من الله ويطلبونها منهم بشفاعتهم لهم. فأمر الله العباد بإخلاص تلك العبادة له وحده، فلا يدعونهم ولا يسألونهم الشفاعة، فإن ذلك دين المشركين. قال الله تعالى فيهم: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ} 1، وقال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً} 2 الآية. وإنما ذكر الله تعالى عنهم لأنهم يدعون الملائكة والأنبياء، ويصورون صوراً ليشفعوا لهم فيما دعوهم فيه وذلك بطرق مختلفة "ففرقة" قالت: ليس لنا أهلية مباشرة دعاء الله ورجائه بلا واسطة تقربنا إليه وتشفع لنا لعظمته. "وفرقة" قالت: الأنبياء والملائكة ذوو وجاهة عند الله ومنزلة عنده؛ فاتخذوا صورهم من أجل حبهم لهم ليقربوهم إلى الله زلفى. "وفرقة" جعلتهم قبلة في دعائهم وعبادتهم. "وفرقة" اعتقدت أن لكل صورة مصورة على صورة الملائكة والأنبياء وكيلا موكلا بأمر الله، فمن أقبل على دعائه

_ 1 سورة سبأ آية 22. 2 سورة الإسراء آية 56.

ورجائه وتبتل إليه قضى ذلك الوكيل ما طلب منه بأمر الله وإلا أصابته نكبة بأمره تعالى. فالمشرك إنما يدعو غير الله بما لا يقدر عليه إلا هو تعالى ويلتجئ إليه فيه ويرجوه منه بما يحصل له في زعمه من النفع، وهو لا يكون إلا فيمن وجدت فيه خصلة من أربع: إما أن يكون مالكاً لما يريد منه داعية، فإن لم يكن مالكاً كان معيناً، فإن لم يكن كان ظهيراً، فإن لم يكن كان شفيعاً، فنفى الله سبحانه وتعالى هذه المراتب الأربع عن غيره، والشركة والمظاهرة والشفاعة التي لأجلها وقعت العداوة والمخاصمة بالآية المتقدمة وبقوله: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ} 1 الآية، وقوله: {قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ} 2، وقوله: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ} ، وقوله: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ؟ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} 3، وقوله: {يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} 4، وقوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} ، وقوله: {وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً} 5، فأثبت سبحانه ما لا نصيب فيه لمشرك البتتة، وهي الشفاعة بإذنه لمن رضي عنه وهو سبحانه يعلم

_ 1 سورة الإسراء آية 111. 2 سورة المؤمنون آية 88. 3 سورة غافر آية 16. 4 سورة الانفطار آية 19. 5 سورة طه آية 108.

السر وأخفى، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، ولهذا لما قالت الصحابة رضي الله عنهم: أربنا قريب فنناجيه، أم بعيد فنناديه؟ أنزل الله سبحانه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} 1 الآية، وقال تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ} 2.

_ 1 سورة البقرة آية 186. 2 سورة الزمر آيه 43.

حقيقة التوحيد

حقيقة التوحيد الموحد من اجتمع قلبه ولسانه على الله مخلصاً له تعالى الألوهية، المقتضية لعبادته في محبته وخوفه ورجائه دعائه والاستعانة به والتوكل عليه، وحصر الدعاء بما لا يقدر على جلبه أو دفعه إلا الله وحده، والموالاة في ذلك والمعاداة فيه وأمثال هذا ناظرًا إلى حق الخالق والمخلوق من الأنبياء والأولياء مميزاً بين الحقين. وذلك واجب في علم القلب وشهادته وذكره ومعرفته ومحبته موالاته وطاعته، وهذا من تحقيق لا إله إلا الله، لأن معنى الإله عند الأولين ما تألهه القلوب بالمحبة التي كحب الله والتعظيم والإجلال والخضوع، فالرجاء بها هو مختص من عند الله وذبح النسك له قال

تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} 1. {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} 2 وهم ما سووهم به لا في الصفات ولا في الذات ولا في الأفعال كما حكى الله عنهم في الآيات، والشاهد الله بأنه لا إله إلا هو، وقائلها نافياً قلبه ولسانه الألوهية كل ما سواه من الخلق، ومثبتاً به الألوهية لمستحقها وهو الله المعبود بالحق، فيكون معرضاً عن ألوهية جميع المخلوقات لا يتألههم بما لا يقدر عليه إلا الله، مقبلا على عبادة رب الأرض والسموات، وذلك يتضمن اجتماع القلب في عبادته ومعاملته على الله، ومفارقته في ذلك كل ما سواه، فيكون مفرقاً في عمله وقصده وشهادته وإرادته ومعرفته ومحبته بين الخالق والمخلوق بحيث يكون عالماً بالله ذاكراً له عارفاً به، وأنه تعالى مباين لخلقه، منفرد عنهم بعبادته 3 وأفعاله وصفاته، فيكون محبّاً فيه مستعيناً به لا بغيره، متوكلا عليه لا على غيره. وهذا المقام هو المعني في {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} وهي من خصائص الألوهية التي يشهد له بها تعالى عباده المؤمنون، كما أن رحمته لعبيده، وهدايته إياهم، وخلقه السماوات والأرض وما بينهما وما فيهما من الآيات من خصائص الربوبية التي يشترك في

_ 1 سورة البقرة آية 165. 2 سورة الشعراء آيتا 97، 98. 3 أي بكون العبادة تكون له وحده، ويجوز أن تكون أصل الكلمة بذاته.

معرفتها المؤمن والكافر، والبر والفاجر، حتى إبليس عليه اللعنة معترف بها في قوله تعالى: {رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} 1، وقوله: {بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} 2، وأمثال هذا الخطاب الذي يعرف بأنه ربه وخالقه ومليكه، وأن ملكوت كل شيء في يده تعالى وتقدس، وإنما يكفر بعناده وتكبره عن الحق وطعنه فيه وزعمه أنه فيما ادعاه وقاله محق. وكذلك المشركون الأولون يعرفون ربوبيته تعالى وهم له بها يعترفون قال تعالى: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} 3، وقال: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} 4، وقال تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} 5 فمن دعا غيره تعالى لم يكن مخلصاً، وقال تعالى: {قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} 6، وقال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ قَالَ

_ 1 سورة الحجر الآية 36. 2 سورة الحجر الآية 39. 3 سورة المؤمنون الآية 84. 4 سورة العنكبوت الآية 61. 5 سورة العنكبوت الآية 65. 6 سورة المؤمنون الآية 88.

هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} 1 والآيات في هذا الباب كثيرة جداً. وروى الإمام أحمد في مسنده والترمذي من حديث حصين بن المنذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا حصين كم تعبد؟ " قال: ستة في الأرض وواحد في السماء قال: "فمن الذي تعد لرغبتك؟ " قال: الذي في السماء. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أسلم حتى أعلمك كلمات ينفعك الله بهن" فأسلم، فقال قل: "اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي"، فمجرد معرفتهم بربوبيته تعالى واعترافهم بها لم تنفعهم ولم تدخلهم في الإٍسلام مع جعلهم مع الله آلهة أخرى يدعونها ويرجونها لتقربهم إلى الله زلفى وتشفع لهم عنده، فبذلك كانوا مشركين في عبادته ومعاملته. ولهذا كانوا يقولون في تلبيتهم: لا شريك لك، إلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك، و "الدعاء مخ العبادة" كما أن الإله اسم المعبود. وروى النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الدعاء هو العبادة- وفي رواية- مخ العبادة"، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {وَقَالَ

_ 1 سورة الشعراء آيات 69-74.

رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} 1 الآية، رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح، ورواه أيضاً النسائي وابن ماجه والحاكم والإمام أحمد وابن أبي شيبة بهذا اللفظ، وهذه الصيغة تفيد قصر الدعاء على العبادة فلا يخرج عنها، لأنها من الصفات اللازمة التي ليس لها مفهوم يخالف الظاهر كقوله تعالى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ} 2 إذ كل مدعو فهو إله قصد الداعي أن مدعوه إلها أم لا، اتخذه المشركون الأولون أم لا، وليس ثم دعاء إله آخر له برهان.

_ 1 سورة غافر الآية 60. 2 سورة المؤمنون الآية 117.

الشرك باتخاذ الأولياء والشفعاء

الشرك باتخاذ الأولياء والشفعاء وقد وصف الله سبحانه وتعالى دين المشركين بقوله، {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} 1 الآية، فبين في هذه الآية أنما قصدهم الشفاعة، وفي صحيح البخاري ومسلم، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الذنب أعظم؟ قال: "أن تجعل مع الله نداً وهو خلقك" قال: قلت ثم أي؟ قال: "أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك" قال: قلت ثم

_ 1 سورة الزمر الآية 3.

أي؟ قال: "أن تزاني حليلة جارك" فأنزل الله تصديقها: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} 1 الآية، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن أعظم الذنب الشرك بالله الذي هو جعل الأنداد واتخاذهم من خلقه ليقربوهم إليه. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله يرضى لكم ثلاثا: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم 2، فدين الله وسط بين الغالي والجافي عنه".

_ 1 سورة الفرقان الآية 68. 2 الذي في صحيح مسلم: "إن الله يرضى لكم ثلاثاً، ويكره لكم ثلاثاً، فيرضى لكم أن تعبدوه، ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، ويكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، إضاعة المال"، قال النووي في شرحه: إن الثلاثة المرضية، إحداها: أن يعبدوه، الثانية: أن لا يشركوا به شيئاً، الثالثة: أن يعتصموا بحبل الله جميعا ولا يتفرقوا. أهـ، وأورد الحديث السيوطي في الجامع الصغير وذكر الثلاثة المرضية بلفظ المؤلف، فيكون قوله صلى الله عليه وسلم: "أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً" هو الأولى، والثالثة: "وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم" وعزاه إلى الإمام أحمد ومسلم، فالمؤلف اختار لفظ الإمام أحمد، وفاته عزو الحديث إليه أو سقط من الناسخ.

الشرك الأصغر والأكبر

الشرك الأصغر والأكبر والشرك: شركان، أكبر: وله أنواع ومنه الذي تقدم بيانه آنفاً، وشرك أصغر: كالرياء والسمعة، كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله تعالى أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه" ومنه الحلف بغير الله لما روى ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حلف بغير الله فقد أشرك" أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم وصححه ابن حبان وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت" أخرجه الشيخان، وروى الإمام أحمد وأبو داود من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: قال: له رجل ما شاء الله وشئت، قال: "أجعلتني لله نداً؟ قل ما شاء الله وحده" والشرك الأصغر لا يخرج عن الملة وتجب التوبه منه ومن كل ذنب.

التوسل الصحيح

التوسل الصحيح فلم يبق إلا التوسل بالأعمال الصالحة كتوسل المؤمنين بإيمانهم في قوله: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ. . .} 1 وكتوسل أصحاب الصخرة المنطبقة عليهم وهم ثلاثة نفر وتوسلوا إلى الله بأعمالهم الصالحة- الحديث في صحيح البخاري- لأنه وعد أن يستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله، وكسؤال الله بأسمائه الحسنى قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} 2 وكالأدعية المأثورة في السنن: "اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت الحنان المنان بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام" وأمثال ذلك، وهذا معنى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} 3 لأنها القرب التي يتقرب بها إلى الله وتقرب فاعلها منه، وهي الأعمال الصالحة، لما روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله تعالى: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه، وما زال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه" الحديث، ولهذا كان

_ 1 سورة آل عمران الآية 193. 2 سورة الأعراف الآية 180. 3 سورة المائدة 35.

رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أهمه أمر فزع إلى الصلاة فإنها أعظم القرب إلى الله تعالى، قال الله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} 1 وليست الوسيلة بمخلوق يبتغي ليحصل واسطة بين الله وبين خلقه، يشفع لهم ويتقربون إليه، لأن عين ما نهي الله عنه في الآيات، وأنزل بقبحه الكتب، وأرسل الرسل، وهو ما قالت بنو إسرائيل لموسى: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} 2، لأن قصدهم أن يتقربوابه.

_ 1 سورة البقرة الآية 45. 2 سورة الأعراف الآية 138.

الإقسام على الله بالمخلوقين

الإقسام على الله بالمخلوقين وأما الإقسام على بمخلوق، فهو منهي عنه باتفاق العلماء، وهل هو منهي عنه نهي تنزيه أو تحريم؟ على قولين، أصحهما: أنه كراهة تحريم، واختاره العز بن عبد السلام في فتاويه، قال بشر بن الوليد: سمعت أبا يوسف يقول: قال أبو حنيفة رحمهما الله: لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به، وأكره أن تقول: بمعاقد العز من عرشك، أو بحق خلقك وهو قول لأبي يوسف، قال أبو يوسف: بمعاقد العز من عرشك هو الله، فلا أكره هذا، وأكره بحق فلان، أو بحق أنبيائك ورسلك وبحق البيت والمشعر الحرام، قال القدوري رحمه الله: المسألة

بحق المخلوق لا تجوز لهذا فلا يقول: أسألك بفلان وبملائكتك وأنبيائك ونحو ذلك، لأنه لا حق للمخلوق على الخالق، انتهى – أما قوله: "وبحق السائلين عليك" ففيه عطية العوفي 1 وفيه ضعف، ومع صحته فمعناه بأعمالهم لأن 2حقه تعالى عليهم طاعته، وحقهم عليه الثواب والإجابة، وهو تعالى وعد أن يستجيب للذين آمنوا وعلموا الصالحات ويزيدهم من فضله، وإذا والى العبد ربه وحده أقام الله له ولياًّ من الشفعاء، وهى الموالاة بينه وبين عباده المؤمنين فصاروا أولياءه في الله بخلاف من اتخذ مخلوقاً من دون الله أو معه، فهذا نوع، وذاك نوع آخر، كما أن الشفاعة الشركية الباطلة نوع، وشفاعة الحق الثابتة التي إنما تنال بالتوحيد نوع آخر.

_ 1 قول ففيه إلخ: أي في الحديث الذي وردت فيه هذه الجملة من تلقين النبي صلى الله عليه وسلم، والمتبادر من معناها أنها سؤال الله تعالى بوعده للسائلين أن يستجيب دعاءهم بمثل قوله: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} ، وليست توسلا بأشخاص السائلين وهم جماهير البشر من جميع الملك والنحل. 2 أي ومع تقدير صحة الحديث فمعناه صحة السؤال بأعمالهم والظاهر المتبادر ما قلناه وهو قوله: وحقهم عليه الثوب ولإجابة.

حديث الأعمى بالتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم

حديث الأعمى بالتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم ومما استدل علينا الخصم، ويزعم أن الدعوة غير الله وسيلة قوله: "اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى، اللهم شفعه في" رواه الترمذي والحاكم وابن ماجه عن عمران بن حصين، فجوابه من وجوه: الأول: أنه في غير محل النزاع، إذ هو ليس سؤال النبي صلى الله عليه وسلم نفسه، وإنما هو سؤال الله وحده أن يشفع فيه نبيه، وعمل الخصم الاختراعى منكر، ورواية الحديث بحرمته، فأين هذا من عمارة القبور، وإلقاء الستور عليها وتسريحها؟ وهذه كلها كبائر، كما قال أهل العلم، حتى ابن حجر الهيثمي وغيره: أن حدها 1 كل ما أتبع بلعنة أو غضب أو نار، والأحاديث في تحريم عمارة القبور كثيرة في الصحيحين وغيرهما، ويضاف إلى عمارتها دعاء أصحابها ورجاؤهم، والالتجاء إليهم، والنذر لهم، وكتب الرقاع لها، وخطابهم يا سدى يا مولاي أفعل كذا وكذا، وبهذا عبدت اللات والعزى والويل كل الويل عندهم لمن عاب وأنكر عليهم. ومن جمع بين سنة رسول الله صلى الله عليه سلم في القبور وما أمر ونهى، وما كان عليه أصحابه، وبين ما عليه الناس اليوم- رأى أحدهما مضادًّا للآخر، مناقضاً له، وإذا كان سبب قوله الله عز وجل: {فلا

_ 1 أي الكبيرة.

تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} 1 مجيء حبر من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه سلم والمسلمين، وقوله نعم القوم أنتم لولا أنكم تجعلون لله أنداداً فتقولون: ما شاء لله وشاء فلان. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما إنه قد قال حقاَّ" وأنزل الله: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} ومن أخرج الحديث جلال الدين السيوطي في الدر المنثور في تفسيره 2 هؤلاء يحب أحدهم معتقده أكثر من حب الله، وإن زعم أنه لا يحبه كحبه، فشواهد الحال تشهد عليه بذلك فإنه يعظم القبر أعظم من بيت الله، ويحلف بالله كاذباً ولا يحلف بمعتقده. فلا جامع بين ما استدلوا به علينا ويبن ما نهيناهم عنه. الثاني: أن الحديث دليل لنا أنه لا يدعى غير الله عز وجل، فإن مسألة "اللهم إني أتوجه إليك" فسأل الله عز وجل أن يشفعه فيه واسطة "؟ " "يا حبيبنا يا محمد إنا نتوسل بك إلى ربك فاشفع لنا" "؟ "فهذا خطاب لحاضر، كقولنا في صلاتنا: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، وكاستحضار الإنسان محبه أو مبغضه في قبله فيخاطبه بما يهواه لسانه. ومعناه: أتوجه إليك بدعاء نبيك وشفاعته التي

_ 1 سورة البقرة الآية 22. 2 لعل الأصل في تفسيره هذا الآية. وهو قد ذكره بالمعنى.

معناها في هذه الدار الدعاء، ولهذا قال في تمام الحديث "اللهم شفعه في" أي استجب دعاءه، وهذا متفق علي جوازه، إذا الحي يطلب منه سائر ما يقدر عليه. وأما الغائب والميت فلا يستغاث به، ولا يطلب منه ما لا يقدر عليه، قال تعالى: {قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} 1 إنما غايته طلب الدعاء من الحي، وقبول شفاعته عند الله عز وجل، وهو التوقيت والإتباع. ولو كان هذا من العبادات لسنه الرسول، ولكان أصحابه أعلم بذلك وأتبع، ولهذا لم يفعله صلى الله عليه وسلم انتقل من هذه الدار إلى دار القرار بنص الكتاب والسنة، وإجماع الأمة، لهذا استسقى أصحابه، بعمه العباس بن عبد المطلب، وأن يدعو لهم في الاستسقاء عام القحط، أخرجه البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه ولم يأتوا إلى قبره ولا وقفوا عنده مع أنه صلى لله عليه سلم حياته في قبره برزخية، والدعاء عبادة مبناها على أحد من الصحابة ولا التابعين مع شدة احيتاجهم، وكثرة مدلهماتهم، وهو أعلم بمعاني كتاب الله وسنة رسوله، وأحرص إتباعا لملته من غيرهم، بل كانوا ينهون عنه وعن الوقوف عند القبر للدعاء عنده، وهم من خير القرون التي قد نص عليها النبي صلى الله عليه سلم قي قوله: "خيركم

_ 1 سورة آل عمران الآية 145.

قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم" قال عمران: لا أدرى أذكر ثنتين أو ثلاثا بعد قرنه، أخرجه البخاري في صحيحه. الثالث: أنهم زعموا أنه دليل للوسيلة إلى الله بغير محمد صلى الله عليه سلم، وخرجوا عن محل النزاع إلى شيء آخر، وهو التوسل بغير رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا دليل فيه أصلا، لأنهم صرحوا بأنه لا يقاس مع فارق. فلا يجوز لنا أن نقول: اللهم إنا نسألك ونتوجه إليك برسولك نوح، يا رسول الله يا نوح، ولا لنا أن نقول: إنا نسألك ونتوجه إليك بخليلك إبراهيم، ولا بكليمك موسى، ولا بروحك عيسى، مع أن الجامع في نوح عليه والسلام الرسالة، وفي إبراهيم عليه السلام الخلة مع الرسالة، وفي موسى عليه السلام الكلام مع الرسالة، وفي عيسى روح الله وكلمته مع الرسالة، فليس لنا أن نقول هذا لأنه لم يرد، ولا حاجة لنا إلى فعل شيء لم يرد. القياس إنما يباح عند من يقول به للحاجة في حكم لا يوجد فيه نص، فإذا وجد النص فلا يحل القياس عند من يقول به، ولا حاجة لنا إلى قول مخترع يجر إلى الشرك، خصوصاً مع ما ورد فيه، وأنه في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل، وأن هذه الأمة افترقت على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة،

فالناجية من اتبع ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. الرابع: أن الوسيلة ليست هي أن ينادى العبد غير الله، ويطلب حاجته التي لا يقدر على وجودها إلا الرب تبارك وتعالى ممن لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ولا موتاً، ولا حياة ولا نشوراً، وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه؛ كذلك من سرق التابوت والمعلق عليه من بيض النعام أو غيره.

حديث نداء من انفلتت دابته يحبسها من سمعه

حديث نداء من انفلتت دابته يحبسها من سمعه إدعاء الإجماع على بدع القبوريين التوسل إلى بشيء من مخلوقاته ومما استدل به علينا في جواز دعوة غير الله في المهمات قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه ابن مسعود: "إذا انفلتت دابة أحدكم في أرض فلاة فليناد يا عباد الله احبسوها"، وفي رواية "إذا أعيت فليناد يا عباد الله أعينوا"، وهذا من جملة الجهل والضلال، وإخراج المعاني عن مقاصدها من وجوه:

الأول: أن هذه ليست بوسيلة أصلا؛ إذ معنى الوسيلة ما يتقرب به من الأعمال إلى الله عزوجل وهذا ليس بقربة. الثاني: أن الحديثين غير صحيحين، أما الأول فرواه الطبراني في الكبير بسند منقطع عن عقبة رضي الله عنه، وحديث انفلات الدابة عزاه النووي رحمه الله لابن السني، وفي إسناده معروف بن حسان قال ابن عدي: هو منكر الحديث، ولا دليل في هذين الحديثين مع ضعفهما ولا في الحديث المتقدم قبلهما على دعاء أصحاب القبور كعبد القادر الجيلاني من قطر شاسع، بل ولا من عند قبره، ولا ينادي غيره لا الأنبياء، ولا الأولياء، إنما غايته أن الله عز وجل جعل من عباده من لا يعلمهم إلا هو سبحانه 1 {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} 2 وإذا نادى شخصاً باسمه معيناً فقد كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ونادى من لا يؤمر بندائه، وليس معنى الحديث في كل حركة وسكون وقيام وقعود، وإنما أبيح له ذلك إن أراد عوناً على حمل متاعه أو انفلتت دابته، وهذا مع تقدير صحة الحديث.

_ 1 كذا والمتبادر أن النداء لمن عساه يوجد من الناس في الفلاة ولم يره وهو معتاد. 2 سورة المدثر الآية 31.

الثالث: أن الله تعالى قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} 1: بعد أن أكمله بفضله ورحمته، فلا يحل أن نخترع فيه ماليس منه، ونقيس ما لا يقاس عليه. الرابع: أن الحديث الصحيح إذا شذ عن قواعد الشرع لا يعمل به، فإنهم قالوا: إن الحديث الصحيح الذي يعمل به إذا رواه العدل الضابط عن مثله من غير شذوذ ولا علة، فكيف العمل بالحديث المتكلم فيه بما لا يدل عليه دلالة مطابقة ولا تضمن ولا التزام؟ فهذا هو البهتان. الخامس: أنهم زعموا موافقتهم بذكر من يعتقدونه ونسوا الأفعال إليهم وكل واحد يذكر ما وقع له من الاستغاثة بفلان وأنه أنجده، وكشف شدته، فإذا قال أحد سبحان الذي بيده ملكوت كل شيء سبحانك هذا بهتان عظيم، قاموا عليه وخرجوه وبدعوه، قالوا: معلوم أن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزون، فإذا قال: نعم، ولكن ليس لأحد منهم ملكوت خردله والله يقول: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا

_ 1 سورة المائدة الآية3.

لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} 1 فإن منهم من يدعي العلم والإنصاف وهو واسع الصدر، يقول هذه الآية نزلت في عبادة الأصنام. فإذا قيل له: الأصنام ود وسواع ويغوث ويعوق أسماء رجال صالحين، وهذه الخرق على التوابيت ودعوة الأموات هي فعل عباد الأصنام، وقرر أهل العلم أن العام لا يقصر على السبب مثلا أن نستحل أن لا نؤدي الأمانة، فإذا قيل: إن أدوا الأمانة فإن الله يقول: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} 2 فلا يقال هذه نزلت في مفتاح باب الكعبة فلا يحتج بها عامة. كذلك لا يقال هذه نزلت في عباد الأصنام، ونفعل فعلهم ونقول: لسنا مشركين. وفي هذه الأحاديث القدسية عن خير البرية صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل: "أنا والجن والإنس في نبأ عظيم: أخلق ويعبد غيري، وأرزق ويشكر غيري" أخرجه الحاكم والترمذي والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي الدرداء رضي الله عنه – أجاب بأن الأمة مطبقة على هذا والأمة لا تجتمع على ضلالة، فيلزمه تضليل الأمة وتسفيه الآباء، وجوابه: أما أن الأمة مطبقة على هذا فكذب عليها، هذه كتب الحديث والتفسير فيها لا يجوز أن يدعى غير الله عز وجل بما لا يقدر عليه إلا هو تعالى

_ 1 سورة فاطر آيتا 13، 14 2 سورة النساء الآية 58.

ولا يباح، بل الآيات البينات والأحاديث، وأقول العلماء، ترشد أن هذا شرك محقق، والله تعالى يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} 1 ويقول: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} 2، والأحاديث ونصوص العلماء لا تخلف الكتاب. السادس: أنه قد اختلفوا في التوسل إليه بشيء من مخلوقاته تعالى وتقدس هل هو مكروه أو حرام، والأشهر الحرمة كما قال به أبو محمد العز بن عبد السلام في فتاويه أنه لا يجوز التوسل إليه بشيء من مخلوقاته لا الأنبياء ولا غيرهم، وتوقف في حق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هل فيه الحرمة أو الكراهة، وتقدم قول أبي حنيفة وأصحابه رحمهم الله. السابع: أنهم يشترون أولادهم ممن يعتقدونه، ويجعلون زوايا لمن يعتقدونه، ويجعلون فيها الطبول والبيارق والمزاهر ومطارق الحديد يضربون بها أنفسهم، وفيها جماعة ينسبون إلى ذلك المعتقد: كالعلوانية، والقادرية، والرفاعية، وهي أسماء ما أنزل الله بها من سلطان، ويعبدون أنفسهم لهم، كعبد

_ 1 سورة الأنعام الآية 151. 2 سورة الإسراء الآية 23.

فلان وفلان والله قد سلمانا المسلمين. قال الله تعالى: {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ} 1 في الكتب المنزلة كالتوراة والإنجيل "وفي هذا" القرآن، فاستبدلوا الذي أدنى بالذي هو خير. وإذا مرض هذا المشترى من المعتقد نذر أهله له النذور، ولم يزل يستغيث بأن يشقى سقمه، ويكف شدته، وهذا الأمر سرى في العلماء والجهال، وفي مكة أكثر وقد غلبت عليهم العوائد، وسلبت عقولهم عن تفهم المراد والمقاصد، من الكتاب والسنة، وكلام الأئمة، لم يجدوا هذا في كتاب فروع أحد منهم، ولا أصوله، صانهم الله عن هذه الوصمة، فما استدلوا به مما تقدم لا يكون دليلا على التوسل بالأموات المعلوم حالهم أنهم في أعلى الجنان، فكيف غيرهم ممن لا يعلم حالة في الآخرة، ولا يدري أين مآله، كيف يكون دليلا على دعوة غير الله في المهمات، ويقال الوسيلة ويستدل لها بهذا {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} 2 وتحريف للكلم عن مواضعه.

_ 1 سورة الحج الآية 78. 2 سورة النور الآية 16.

معاداة القبوريين لمن ينكر بدعهم

معاداة القبوريين لمن ينكر بدعهم أحاديث الأمر بتسوية القبور فبهذا يتبين أن الشيطان اللعين نصب لأهل الشرك قبوراً يعظمونها ويعبدونها أوثانا من دون الله، ثم يوحى إلى أوليائه أن من نهى عن عبادتها واتخاذها أعياداً وجعلها والحالة هذه أوثاناً فقد انتقصها وغمصها حقها، فيسعى الجاهلون المشركون في قتالهم وعقوبتهم، وما ذنبهم عند هؤلاء المشركين إلا أنهم أمروهم بإخلاص التوحيد، ونهوهم عن الشرك بأنواعه، وقالوا بتبطيله، فعند ذلك غضب المشركون واشمأزت قلوبهم فهم لا يؤمنون. وقالوا: قد انتقصوا أهل المقامات والرتب، فاستحقوا الوبل والتعب، وفي زعمهم أنهم لا حرمة لهم للدنيا ولا قدر، حتى سرى ذلك في نفوس الجهال والطغام، وكثير ممن ينتسب إلى العلم والدين، حبًّا للأولياء أتباع المرسلين، وبسبب ذلك عادونا ورمونا بالعظائم والجرائم، ونسبوا كل قبيح إلينا، ونفروا الناس عنا وعما ندعوا إليه، ووالوا أهل الشرك وظاهروهم علينا، وزعموا أنهم أولياء الله وأنصار دينه ورسوله وكتابه، ويأبى الله ذلك، فما كانوا أولياؤه إن أولياؤه إلا المتقون، الموافقون له، العارفون به، وبما جاء به، والعاملون به،

والداعون إليه، لا المتشبعون بما لم يعطوا، اللابسون ثياب الزور، الذين يصدون الناس عن دين نبيهم وهديه وسنته ويبغونها عوجاً وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً باتباعه واحترامه والعمل به، وتعظيم الأنبياء والأولياء واحترامهم متابعتهم لهم فيما يحبونه، وتجنب ما هم يكرهونه، وهم أعصى الناس لهم، وأبعدهم منهم ومن هديهم ومتابعتهم. كالنصارى مع المسيح، وكاليهود مع موسى، والرافضة مع عليّ. وأهل التوحيد أين كانوا أولى بهم وبمحبتهم ونصرة طريقتهم وسنتهم وهديهم ومنهاجهم، وأولى بالحق قولا وعملا من أهل الباطن. فالمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض. والمنافقون والمنافقات والمشركون والمشركات بعضهم أولياء بعض. ومن أصغى إلى كلام الله بكلية قلبه وتدبره وتفهمه أغناه عن إتباع الشياطين وشركهم الذي يصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وينبت النفاق في القلب، وكذلك من أصغى إليه وإلى حديث الرسول بكليته وحدث نفسه بهما وعمل باقتباس الهدى والعلم منهما لا من غيرهما أغنياه 1 من البدع والشرك والآراء والتخرصات الشطحات والخيالات التي هي من وساوس الشيطان والنفوس، وتخيلات الهوى والبؤس، وتعود ذلك 2 فلا بد أن يتعوض ما لا ينفعه بل

_ 1 في الأصل: من غيره أغناه وهو تحريف ظاهر. 2 لعل الأصل: ومن تعود ذلك

مصرة عليه 1 كما أن من عمر قلبه بمحبة الله وخشيته والتوكل عليه 2 وأغناه أيضاً عن عشق الصور، وإذا خلا عن ذلك صار عبد هواه، أي شيء استحسنه ملكه واستعبده، فالمعرض عن التوحيد عابد للشيطان مشرك شاء أم أبى، كما في صحيح مسلم عن أبي الهياج الأسدي واسمه حيان بن حصين قال: قال لي عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، "أن لا أدع تمثالا إلا طمسته، ولا قبراً مشرقاً إلا سويته". وفي الصحيح أيضا عن عثامة بن شقى الهمداني قال: كنا مع فضالة بن عبيد بأرض الروم فتوفى صاحب لنا فأمر فضالة بقبره فسوى، فقال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بتسويتها" وقد أمر به وفعله الصحابة والتابعون والأئمة المجتهدون، قال الشافعي في "الأم":ورأيت الأئمة بمكة يأمرون بهدم ما يبنون على القبور. ويؤيد الهدم قوله: "ولا قبراً مشرفاً إلا سويته"، وحديث جابر الذي في صحيح مسلم: "نهى صلى الله عليه وسلم على البناء على القبور"، ولأنها أسست على معصية الرسول لنهيه عن البناء عليها وأمره بتسويتها. فبناء أسس

_ 1 لعل الأصل: بل ما هو مضرة، وكان الأولى أن يقال: بل ما يضره. 2 يظهر أنه سقط من هنا شيء عطف عليه ما بعده.

على معصيته ومخالفته صلى الله عليه وسلم وبناء غير محترم، وهو أولى بالهدم من بناء الغاصب قطعاً، وأولى من هدم مسجد الضرار المأمور بهدمه شرعاً، إذ إزالة المفسدة أعظم حماية للتوحيد، والله المستعان، وعليه التكلان، وهو حسبنا ونعم الوكيل وصلى الله على أفضل الخلق أجمعين، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

الرسالة الثانية

الرسالة الثانية مدخل ... رسالة للشيخ الإمام عبد الله ابن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في حقيقة دعوة والده السلفية كتبها بعد دخول معشر الموحدين مكة المشرفة مع الإمام سعود رحمه الله سنة 1218 ألف ومائتين وثماني عشرة، جواباً لمن سأله عما يعتقدونه ويدينون الله به. فأجاب رحمه الله بما ستقف عليه إن شاء الله تعالى، وهو الذي نعتقده وندين الله به لكي يعلم إخواننا الموحدون ما نحن عليه وأئمتنا ومشيختنا، وأنّا على ما كان عليه سلف هذه الأمة وأئمتنا في الأصول والفروع، وليعلموا أن ما افتراه علينا أعداء الله ورسله هو الخزي الفاضح، والإفك الواضح، والذي لا يحكيه، وينميه عن أهل الإسلام من يؤمن بالله واليوم الآخر، ويعلم أنه موقوف بين يدي الله يوم القيامة ومسئول عن ذلك، وحسبنا الله ونعم الوكيل وهذا نصها:

مقدمة

مقدمة ... بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد الأمين، وعلى آله وصحبه والتابعين. أما بعد؛ فإنا معشر غزو الموحدين لما مَنّ الله علينا وله الحمد بدخول مكة المشرفة نصف النهار يوم السبت ثامن شهر محرم الحرام سنة 1218هـ بعد أن طلب أشراف مكة وعلماؤها وكافة العامة من أمير الغزو سعود- حماه الله- الأمان وقد كانوا تواطئوا مع أمراء الحجيج وأمير مكة على قتاله أو الإقامة في الحرم ليصدوه عن البيت، فلما زحفت أجناد الموحدين ألقى الله الرعب في قلوبهم فتفرقوا شذر مذر كل واحد يعد الإياب غنيمة، وبذل الأمير حينئذ الأمان لمن بالحرم الشريف، ودخلنا شعارنا التلبية آمنين، محلقين رءوسنا ومقصرين، غير خائفين من أحد من المخلوقين، بل من مالك يوم الدين. وحين دخل الجند الحرم وهم على كثرتهم مضبوطون متأدبون، لم يعضدوا به شجراً، ولم ينفروا صيداً، ولم يريقوا دماً، إلا دم الهدي أو ما أحل الله من بهيمة الأنعام على الوجه المشروع. ولما تمت عمرتنا جمعنا الناس ضحوة الأحد، وعرض الأمير عافاه الله على العلماء ما نطلب من الناس ونقاتلهم

عليه وهو إخلاص التوحيد لله تعالى وحده، وعرّفهم أنه لم يكن بيننا وبينهم خلاف له وقع إلا في أمرين: أحدهما: إخلاص التوحيد لله تعالى ومعرفة أنواع العبادة، وأن الدعاء من جملتها، وتحقيق معنى الشرك الذي قاتل الناس عليه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، واستمر دعاؤه برهة من الزمان بعد النبوة إلى ذلك التوحيد وترك الإشراك قبل أن تفرض عليه أركان الإسلام الأربعة. الثاني: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي لم يبق عندهم إلا اسمه، وانمحى أثره ورسمه، فوافقونا على استحسان ما نحن عليه جملة وتفصيلا، وبايعوا ذلك الأمير على الكتاب والسنة، وقبل منهم وعفا عنهم كافة، فلم يحصل على أحد منهم أدنى مشقة.

قبول علماء مكة للدعوة السلفية

قبول علماء مكة للدعوة السلفية ولم يزل يرفق بهم غاية الرفق لا سيما العلماء ويقرر لهم حال اجتماعهم وحال انفرادهم قائلا: لدينا أدلة ما نحن عليه، ويطلب منهم المناصحة والمذاكرة وبيان الحق. وعرفناهم بأن صرح لهم الأمير حال اجتماعهم بأنا قابلون ما وضحوا برهانه من كتاب أو سنة أو أثر عن السلف الصالح، كالخلفاء الراشدين المأمورين باتباعهم بقوله صلى

الله عليه وسلم: "فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي"، عن الأئمة المجتهدين ومن تلقى العلم عنهم إلى آخر القرن الثالث لقوله صلى الله عليه وسلم: "خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"، وعرّفناهم أنا دائرون مع الحق أينما دار، وتابعون للدليل الجلي الواضح ولا نبالي حينئذ بمخالفة ما سلف عليه من قبلنا. فلم ينقموا علينا أمراً، فألححنا عليهم في مسألة طلب الحاجات من الأموات إن بقي لديهم شبهة؛ فذكر بعضهم شبهة أو شبهتين فرددناها بالدلائل القاطعة من الكتاب والسنة حتى صدقوا، ولم يبق عند أحد منهم شك ولا ارتياب فيما قاتلنا الناس عليه، أنه الحق الجلي الذي لا غبار عليه. وحلفوا لنا الأيمان المعقدة من دون استحلاف لهم على انشراح صدورهم وجزم ضمائرهم أنه لم يبق لديهم شك فيمن قال: يا رسول الله، أو قال يا ابن عباس، أو يا عبد القادر، أو غيرهم من المخلوقين طالباً بذلك دفع شر أو جلب خير من كل مالا يقدر عليه إلا الله تعالى من شفاء المريض والنصر على العدو والحفظ من المكروه ونحو ذلك أنه مشرك الشرك الأكبر الذي يهدر دمه، ويبيح ماله. وإن كان يعتقد أن الفاعل المؤثر في تصريف الكون هو الله وحده، لكنه قصد المخلوقين بالدعاء متشفعاً بهم، ومتقرباً لهم لقضاء حاجته من

الله يسرهم وبشفاعتهم له فيها أيام البرزخ، وأن ما وضع من البناء على قبور الصالحين صارت في هذه الأزمان أصناماً تقصد لطلب الحاجات ويتضرع عندها أو يهتف بأهلها في الشدائد كما كانت تفعله الجاهلية لأولى. وكان من جملتهم مفتى الحنفية الشيخ عبد الملك القليعي، وحسين المغربي مفتى المالكية، وعقيل بن يحيى العلوي، فبعد ذلك أزلنا جميع ما كان يعبد للتعظيم والاعتقاد فيه ورجاء النفع ودفع الضر بسببه، من جميع البناء على القبور وغيرها حتى لم يبق في البقعة المطهرة طاغوت يعبد، فالحمد الله على ذلك.

الأعمال الإصلاحية لحماة الدعوة السلفية بمكة

الأعمال الإصلاحية لحماة الدعوة السلفية بمكة ثم رفعت المكوس والرسوم، وكسرت آلات التنباك، ونودي بتحريمه، وأحرقت أماكن الحشاشين والمشهورين بالفجور، ونودي بالمواظبة على الصلاة في الجماعات وعدم التفرق في ذلك بأن يجتمعوا في كل صلاة على إمام واحد يكون ذلك الإمام من أحد المقلدين للأربعة رضوان الله عليهم. واجتمعت الكلمة حينئذ، وعبد الله وحده، وحصلت الألفة، وسقطت الكلفة، وأمر عليهم، واستتب الأمر من

دون سفك دم، ولا هتك عرض، ولا مشقة على أحد والحمد الله رب العالمين. ثم دفعت لهم الرسائل المؤلفة للشيخ محمد رحمه الله في التوحيد، المضمنة للبراهين وتقرير الأدلة على ذلك بالآيات المحكمات والأحاديث المتواترة، مما يثلج الصدور. واختصر من ذلك رسالة مختصرة للعوام تنشر في مجالسهم وتدرس في محافلهم، ويبين لهم العلماء معانيها، ليعرفوا التوحيد فيتمسكوا بعروته الوثيقة، ويتضح لهم الشرك فينفروا عنه وهم بصيرة آمنين. وكان فيمن حضر مع علماء مكة وشاهد غالب ما صار حسين بن محمد بن الحسين الأبريقى الحضرمي ثم اللحياني، ولم يزل يتردد علينا ويجتمع بسعود وخاصته من أهل المعرفة، وسأل عن مسألة الشفاعة التي جرد السيف بسببها من دون حياء ولا خجل لعدم سابقة جرم له.

المذهب حقيقي للدعوة في الأصول والفروع

المذهب حقيقي للدعوة في الأصول والفروع فأخبرناه بأنّ مذهبنا في أصول الدين مذهب أهل السنة والجماعة، وطريقتنا طريقة السلف التي هي الطريف الأسلم والأعلم والأحكم، خلافاً لمن قال: طريقة الخلف أعلم، وهى إنا نقرأ آيات الصفات وأحاديثها على ظاهرها، ونكل علمها إلى الله مع اعتقاد حقائقها، فإن مالكا، وهو من أجل علماء السلف لما سئل عن الاستواء في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} 1 قال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. ونعتقد أن الخير والشر كله بمشيئة الله تعالى، ولا يكون في ملكه إلا ما أراد، فإن العبد لا يقدر على خلق أفعاله، بل له كسب رتب عليه الثواب فضلا، والعقاب عدلا، لا يجب على الله لعبده شيء، وأنه يراه المؤمنون في الآخرة بلا كيف ولا إحاطة. ونحن أيضاً في الفروع على مذهب الإمام أحمد ابن حنبل، ولا ننكر على من قلد أحد الأئمة الأربعة دون غيرهم لعدم ضبط مذاهب الغير كالرافضة والزيدية والإمامية 2 ونحوهم لا نقرهم ظاهراً على شيء من

_ 1 سورة طه الآية5. 2 إن كلمة الرافضة التي وضعت الغلاة الشيعة تشمل الباطنية وآخرين دون الزيدية ومعتدلى الإمامية، والظاهر أن صاحب هذه الرسالة ووالده لم يطلعوا على كتب الزيدية في الفقه، ولو اطلعوا عليها لعلموا أن فقههم مدون وكذلك الإمامية، وأن الفرق بينه وبين فقه الأربعة قليل قلما قال أحد مجتهديه قولا انفرد به وخالف الإجماع قبله، وكيف وهم يحتجون بالإجماع وبعمل السلف؟ وكذا بأحاديث دواوين السنة المشهورة كالكتب الستة، وقد كان مشايخنا يقولون كما قال مشايخ..........................=

مذاهبهم الفاسدة 1 بل نجبرهم على تقليد أحد الأئمة الأربعة. ولا تستحق مرتبة الاجتهاد المطلق ولا أحد منا يدعيها، إلا أنا في بعض المسائل إذ صح لنا نص جلي من كتاب أو سنة غير منسوخ ولا مخصص ولا معارض بأقوى منه، وقال به أحد الأئمة الأربعة، أخذنا به وتركنا المذهب كإرث الجد والإخوة، فإنا نقدم الجد بالإرث وإن خالفه مذهب الحنابلة. ولا نفتش على أحد في مذهبه ولا نعترض عليه إلا إذا اطلعنا على نص جلي مخالف لمذهب أحد الأئمة وكانت المسألة مما يحصل بها شعائر ظاهرة كإمام الصلاة، فنأمر الحنفي والمالكي مثلا بالمحافظة على نحو الطمأنينة في الاعتدال والجلوس بين والسجدتين لوضوح ذلك، بخلاف

_ =نجد إن سبب حصر التقليد في فقه الأربعة دون سائر مجتهدي الأمة هو تدوين مذاهبهم دون غيرها. وهذا غلط سبه عدم الاطلاع. 1 أي لا نقر بصفتنا حكام البلاد أصحاب المذاهب غير المضبوطة أن يظهروا شيئاً من مذاهبهم الفاسدة بالإجماع كأقوال الباطنية بأن لأحكام العبادات معاني غير الظاهر الذي عليه العمل، وبوجود إمام معصوم في كل عصر يجب إتباعه في كل ما يقول، وكسب غلاة الرافضة للشيخين رضي الله عنهما، وبراءة الخوارج من الصهرين رضي الله عنهم، ومقابل قوله ظاهراً أنهم لا يحاسبون أحداً على ما يخفيه من أمثال هذه المسائل.

جهر الإمام الشافعي بالبسملة فلا نأمره بالإسرار. وشتان ما بين المسألتين، فإذا قوى الدليل أرشدناهم بالنص وإن خالف المذهب وذلك يكون نادراً جدًّا. ولا مانع من الاجتهاد في بعض المسائل دون بعض، ولا مناقضة لعدم الاجتهاد المطلق وقد سبق جمع من أئمة المذاهب الأربعة لاختيارات لهم في بعض المسائل مخالفة للمذهب الملتزمين تقليد صاحبه.

المذاهب وكتب التفسير والحديث لدى أصحاب الدعوة

المذاهب وكتب التفسير والحديث لدى أصحاب الدعوة ثم إنا نستعين على فهم كتاب الله بالتفاسير المتداولة ومن أجلِّها لدينا تفسير ابن جرير، ومختصره لا بن كثير الشافعي، وكذلك البغوي والبيضاوي والخازن والحداد والجلالين وغيرهم، وعلى فهم الحديث بشرح الأئمة المبرزين كالعسقلاني والقسطلاني على البخاري والنووي على مسلم والمناوي على الجامع الصغير، ونحرص على كتب الحديث خصوصاً الأمهات الست وشروحها، ونعتني بسائر الكتب في سائر الفنون أصولا وفروعاً، وقواعد وسيراً ونحواً وصرفاً وجميع علوم الأمة، ولا نأمر بإتلاف شيء من المؤلفات أصلا إلا ما اشتمل على ما يوقع الناس في الشرك كروض

الرياحين، وما يحصل بسببه خلل في العقائد كعلم المنطق فإنه قد حرمه جمع من العلماء 1 على أنا لا نفحص عن مثل ذلك وكالدلائل 2 إلا إن تظاهر به صاحبه معاندا أتلف عليه، وما اتفق لبعض البدو من إتلاف بعض كتب أهل الطائف إنما صدر بعض الجهلة وقد زجر هو وغيرهم عن مثل ذلك. ومما نحن عليه إلا أن نرى سبى العرب ولم نفعله نقاتل غيرهم. ولا نرى قتل النساء والصبيان.

_ 1 إنما حرموا بعض كتب المنطق القديمة الممزوجة بالفلسفة اليونانية الباطلة دون ما ألفه المسلمون ولم يمزجوه بذلك. 2 أي لا شتمالها على صيغ مبتدعة وباطلة المعنى.

المفتريات القديمة على رجال الدعوة

المفتريات القديمة على رجال الدعوة وأما ما يكذب علينا ستراً للحق، وتلبيساً على الخلق، بأنا نفسر القرآن برأينا، ونأخذ من الحديث ما وافق أفهامنا، من دون مراجعة شرح ولا معول على شيخ، وأنا نضع من رتبة نبينا صلى الله عليه سلم بقولنا: النبي رمة في قبره، وعصاة أحدنا أنفع له منه وليس شفاعة، وأن زيارته غير مندوبة، وأنه كان لا يعرف معنى لا إله إلا الله حتى نزل عليه {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} مع كون الآية

مدنية، وأنا لا نعتمد على أقوال العلماء، فتتلف مؤلفات أهل المذاهب لكونها فيها الحق والباطل، وأنا مجسمة، وأنا نكفر الناس على الإطلاق: أهل زماننا ومن بعد الستمائة إلا من هو على ما نحن عليه، ومن فروع ذلك أن لا نقبل بيعة أحد إلا بعد التقرر عليه بأنه كان مشركاً، وأن أبوبه مات على الشرك بالله، وأنا ننهى عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ونحرم زيارة القبور المشروعة مطلقاً، وأن من دان بما نحن عليه سقطت عنه جميع التبعات حتى الديون، وإنا لا نرى حق أهل البيت رضوان الله عليهم، وإنا نجبرهم على تزويج غير الكفء لهم، وأنا نجبر بعض الشيوخ على فراق زوجته الشابة لتنكح شاباًّ إذا ترافعوا إلينا. فلا وجه لذلك فجميع هذه الخرافات وأشباهها لما استفهمنا عنها من ذكر أولا وكان جوابنا في كل مسألة من ذلك {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} فمن روى عنا شيئاً من ذلك أو نسبه إلينا فقد كذب عينا وافترى، ومن شاهد حالنا، وحضر مجالسنا، وتحقق ما عندنا، علم قطعيا أن جميع ذلك وضعه علينا وافتراه أعداء الدين وإخوان الشياطين، تنفيراً للناس عن الإذعان بإخلاص التوحيد الله تعالى بالعبادة وترك أنواع الشرك الذي نص الله عليه بأن الله لا يغفره ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، فإنا نعتقد أن من فعل أنواعاً من الكبائر كقتل المسلم بغير حق، والزنا،

والربا، وشرب الخمر، وتكرر منه ذلك أنه لا يخرج بفعله ذلك عن دائرة الإسلام، ولا يخلد به في دار الانتقام، إذا مات موحداً بجميع أنواع العبادة. والذي نعتقده أن رتبة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أعلى مراتب المخلوقين على الإطلاق، وأنه حي فى قبره حياة برزخية أبلغ من حياة الشهداء المنصوص عليها في التنزيل، إذ هو أفضل منهم بلا ريب، وأنه يسمع سلام المسلم عليه، وتسن زيارته إلا أنه لا يشد الرحل إلا الزيارة المسجد والصلاة فيه، وإذا قصد مع ذلك الزيارة فلا بأس، ومن أنفق نفيس أوقاته بالاشتغال بالصلاة عليه، عليه الصلاة والسلام الواردة عنه فقد فاز بسعادة الدارين، وكفى همه وغمه كما جاء في الحديث عنه. ولا ننكر كرامات الأولياء ونعترف لهم بالحق، وأنهم على هدى من ربهم، مهما ساروا على الطريقة الشرعية، والقوانين المرعية، إلا أنهم لا يستحقون شيئاً من أنواع العبادات لا حال الحياة، ولا بعد الممات، بل يطلب من أحدهم الدعاء في حال حياته، بل ومن كل مسلم، فقد جاء في الحديث: "دعاء المرء المسلم مستجاب لأخيه" الحديث، وأمر صلى الله عليه وسلم وعمر وعلياً بسؤال الاستغفار من أويس ففعلا.

الشفاعة والحلف بغير الله والتوسل له

الشفاعة والحلف بغير الله والتوسل له ونثبت الشفاعة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة حسب ما ورد، وكذا نثبتها لسائر الأنبياء والملائكة والأولياء والأطفال حسب ما ورد أيضاً، ونسألها من المالك والإذن فيها لمن يشاء من الموحدين الذين هم أسعد الناس بها كما ورد، بأن يقول أحدنا متضرعاً إلى الله تعالى: اللهم شفع نبينا محمداً صلى لله عليه وسلم فينا يوم القيامة، أو اللهم اشفع فينا عبادك الصالحين أو ملائكتك، أو نحو ذلك مما يطلب من الله لا منهم، فلا يقال: يا رسول الله. أويا ولي الله أسالك الشفاعة أو غيرها، كأدركني، أو أغشى، أو اشفني أو انصرني على عدوّي، ونحو ذلك مما لا يقدر عليه إلا الله تعالى. فإذا طلبت ذلك مما ذكر في أيام البرزخ كان من أقسام الشرك إذا لم يرد يذلك نص من كتاب أو سنة ولا أثر من السلف الصالح على ذلك، بل ورد الكتاب والسنة وإجماع السلف أن ذلك شرك أكبر قاتل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإن قلت: ما تقول في الحلف بغير الله والتوسل به؟ قلت: ننظر إلى حال المقسم إن قصد به التعظيم كتعظيم الله أو شد كما يقع لبعض غلاة المشركين من أهل زماننا

إذا استحلفه بشيخه: أي معبوده الذي يعتمد في جميع أموره عليه لا يرضى أن يحلف إذا كان كاذباً أو شاكًا، وإذا استحلف بالله فقط رضي- فهو كافر من أقبح المشركين وأجهلهم إجماعاً. وإن لم يقصد التعظيم بل سبق لسانه إليه، فهذا ليس بشرك أكبر، فينهى عنه ويزجر، ويؤمر صاحبه بالاستغفار من تلك الهفوة. وأما التوسل وهو أن يقول القائل: اللهم إني أتوسل إليك بجاه نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، أو بحق نبيك، أو بجاه عبادك الصالحين، أو بحق عبدك فلان، فهذا من أقسام البدعة المذمومة، ولم يرد بذلك نص، كرفع الصوت بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند الأذان

تكريم أهل البيت والتزاوج معهم

تكريم أهل البيت والتزاوج معهم وأما أهل البيت فقد ورد سؤال على الدرعية في مثل ذلك وعن جواز نكاح الفاطمية غير الفاطمي، وكان الجواب عليه ما نصه: أهل البيت رضوان الله عليهم لا شك في طلب حبهم ومودتهم، لما ورد فيه من كتاب وسنة، فيجب حبهم ومودتهم، إلا أن الإسلام ساوى بين الخلق فلا فضل لأحد إلا بالتقوى، ولهم مع ذلك التوقير والتكريم والإجلال، ولسائر العلماء مثل ذلك، كالجلوس في صدر المجالس، والبداية بهم في التكريم، والتقديم في الطريق إلى موضع التكريم، ونحو ذلك إذا تقارب أحدهم مع غيره في

السن أو العلم. وما أعتيد في بعض البلاد من تقديم صغيرهم وجاهلهم على من هو أمثل منه، حتى إنه إذا لم يقل يده كلما صافحه، عاتبه وصارمه، أو ضاربه أو خاصمه، فهذا مما لم يرد به نص، ولا دل عليه دليل، بل منكر تجب إزالته، ولو قبل يد أحدهم لقدوم من سفر، أو لمشيخة علم، أو في بعض أوقات، أو لطول غيبة فلا بأس به، إلا أنه لما ألف في الجاهلية الأخرى أن التقبيل صار علماً لمن يعتقد فيه، أو في أسلافه، أو عادة المتكبرين من غيرهم، نهينا عنه مطلقاً لاسيما لمن ذكر حسما لذرائع الشرك ما أمكن. وإنما هدمنا بيت السيدة خديجة، وقبة المولد، وبعض الزوايا المنسوبة لبعض الأولياء، حسما لتلك المادة، وتنفيراً عن الإشراك بالله ما أمكن، لعظم شأنه فإنه لا يغفر 1

_ 1 ذكر الإمام الشافعي في الأم أن ولاة مكة كانوا يهدمون ما بنى في مقبرتها من القبور ولا يعترض عليهم الفقهاء، ونقله عنه النووي في شرح مسلم عند شرح ما ورد في هذا المعنى من الأحاديث، وفي الزواجر لابن حجر الهيثمى أن اتخاذ القبور مساجد وإيقاد السرج عليها واتخاذها أوثاناً والطواف بها واستلامها والصلاة إليها، كلها من كبائر المعاصي "راجع الكبيرة 93- 98" وبعد أن أورد بعض الأحاديث الصحيحة في ذلك كلام الفقهاء الشافعية والحنابلة، ومنه أنها من أسباب الشرك، وآخره قولهم: وتجب المبادرة لهدمها وهدم القباب التي على القبور، إذ هي أضر من مسجد الضرار، لأنها أسست علي معصية الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنه نهى عن ذلك، وأمر صلى الله عليه وسلم بهدم القبور المشرفة، وتجب إزالة كل قنديل أو سراج على قبر، ولا يصح وفقه. انتهى "ص163 من الجزء الأول – طبع المطبعة الوهبية بمصر سنة 1292".

وهو أقبح من نسبة الولد لله تعالى، إذ الولد كمال في حق المخلوق، وأما الشرك فنقص حتى في حق المخلوق، لقوله تعالى: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ} 1 الآية. وأما نكاح الفاطمية غير الفاطمي فجائز إجماعاً، بل ولا كراهة في ذلك، وقد زوج عليّ عمر بن الخطاب وكفى بهما قدوة، وتزوجت سكينة بنت الحسين بن على بأربعة ليس فيهم فاطمي، بل ولا هاشمي، ولم يزل عمل السلف على ذلك من دون إنكار. إلا أنا لا نجبر أحداً على تزويج موليته ما لم تطلب هي، ويمتنع من غير الكفء، والعرب أكفاء بعضهم لبعض، فما أعتيد في بعض البلاد من المنع دليل التكبير وطلب التعظيم، وقد يحصل بسبب ذلك فساد كبير، كما ورد 2، بل يجوز الإنكاح لغير الكفء، وقد تزوج زيد وهو من الموالى زينب أم المؤمنين وهى 3 قريشية، والمسألة معروفة النقول عند أهل المذهب. انتهى 4

_ 1 سورة الروم الآية 28. 2 أشار إلى حديث: "إذا حاءكم من ترضون دينه أو خلقه فأنكحوه، إن لا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير"، وفي رواية "إذا خطب إليكم" وفيها: فزوجوه بدل فأنكحوه، وعريض بدل كبير، رواهما الترمذي وغيره. 3 أي قبل أن صارت أم المؤمنين كما هو معلوم. 4 أي انتهى به في الدرعية وهي بلد الشيخ محمد بن عبد الوهاب والد المؤلف ومركز تلك النهضة، وهل الفتوى لوالده في زمنه أم كان هنالك مفت خاص بعد الشيخ أو جماعة؟ الله أعلم.

عذر الجهل والخطأ في شبهة الشرك

عذر الجهل والخطأ في شبهة الشرك فإن الله قائل منفر عن قبول الحق والإدغان له: يلزم من تقريركم وقطعكم في أن من قال: يا رسول الله أسألك الشفاعة- أنه مشرك مهدر الدم- أن يقال بكفر غالب الأمة ولاسيما المتأخرين لتصريح علمائهم المعتبرين أن ذلك مندوب وشنوا الغارة على من خالف في ذلك. قلت: لا يلزم ذلك 1، لأن لازم المذهب ليس بمذهب كما هو مقرر، ومثل ذلك لا يلزم أن تكون مجسمة، وإن قلنا بجهة العلو، كما ورد الحديث بذلك

_ 1 هذا الجواب الصريح في عدم تكفير المستشفع الجاهل المعذور والمتأول، كالذي لا يقصد بالنداء دعاء العبادة ولا يعتقد استقلال الرسول صلى الله عليه وسلم بالتأثير والشفاعة، وإنما يكفرون من أصر على دعاء غير الله فيما لا يطلب إلا منه عناداً.

الجهل المانع عن التفكير

الجهل المانع عن التفكير ونحن نقول فيمن مات {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ} 1 ولا نكفر إلا من بلغته دعوتنا للحق، ووضحت له المحجة، وقامت عليه الحجة، وأصر مستكبراً معانداً كغالب من نقاتلهم اليوم، يصرون على ذلك الإشراك، ويمتنعون من فعل الواجبان، ويتظاهرون بأفعال الكبائر المحرمات.

_ 1 سورة البقرة الآية134.

وغير الغالب إنما نقاتله لمناصرته لمن هذه حاله، ورضاه به، ولتكثير سواد من ذكر، والتغليب معه، فله حينئذ حكمه في حل قتاله، ونعتذر عمن مضى بأنهم مخطئون معذورون لعدم عصمتهم من الخطأ، والإجماع في ذلك ممنوع قطعيا، ومن شن الغارة فقد غلط ولا بدع أن يغلط فقد غلط من هو خير منه، كمثل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فلما نبهته المرأة رجع في مسألة المهر وفي غير ذلك، يعرف ذلك في سيرته، بل غلط الصحابة وهم جمع 1 ونبينا صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم سار فيهم نوره، فقالوا: اجعل لنا ذات أنواط، كما لهم ذات أنواط. فإن قلت: هذا فيمن ذهل فلما نبه انتبه، فما القول فيمن حرر الأدلة: واطلع على كلام الأئمة القدوة، واستمر مصرًّا على ذلك حتى مات؟ قلت: ولا مانع أن نعتذر لمن ذكر، ولا نقول إنه كافر، ولا لما تقدم إنه مخطئ ,وإن استمر على خطئه، لعدم من يناضل في هذه المسألة في وقته بلسانه، وسيفه وسنانه، فلم تقم عليه الحجة، ولا وضحت له المحجة، بل الغالب على زمن المؤلفين المذكورين التواطؤ على هجر كلام أئمة السنة في ذلك رأسا، ومن اطلع عليه أعرض عنه قبل أن يتمكن في قبله، ولم تزل أكابرهم تنهى أصاغرهم عن مطلق

_ 1 أي بعض الصحابة منهم، والقصة المعروفة.

النظر في ذلك وصولة الملوك قاهرة لمن وقر في قلبه شيء من ذلك، إلا من شاء الله منهم. هذا وقد رأى معاوية وأصحابه رضي الله عنهم منابذة أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضي الله عنه، بل وقتاله ومناجزته الحرب، وهم في ذلك مخطئون بالإجماع، واستمروا في ذلك الخطأ حتى ماتوا، ولم يشتهر عن أحد من السلف تكفير أحد منهم إجماعا، بل ولا تفسيقه، بل أثبتوا لهم أجر الاجتهاد، وإن كانوا مخطئين كما هو مشهور عند أهل السنة. ونحن كذلك لا نقول بكفر من صحت ديانته وشهر صلاحه، وعلم ورعه وزهده، وحسنت سيرته، وبلغ من نصحه الأمة ببذل نفسه، لتدريس العلوم النافعة والتأليف فيها، وإن كان مخطئاً في هذه المسألة أو غيرها، كابن حجر الهيثمى، فإنا نعرف كلامه في "الدر المنظم"، ولا ننكر سعة علمه، ولهذا نعتني بكتبه، كشرح الأربعين، والزواجر وغيرهما، ونعتمد على نقله إذا نقل لأنه من جملة علماء المسلمين. هذا ما نحن عليه، مخاطبين به من له عقل أو علم، وهو متصف بالإنصاف، خال عن الميل إلى التعصب والاعتساف، ينظر إلى ما يقال، لا إلى من قال. وأما من شأنه لزوم مألوفه وعادته، سواء كان حقًّا أو غير حق، فقلد من قال الله تعالى فيهم: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا

عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} 1 عادته وجبلته أن يعرف الحق بالرجال لا الرجال بالحق، فلا نخاطبه وأمثاله إلا بالسيف حتى يستقيم أوده، ويصح معوجه، وجنود التوحيد بحمد الله منصورة، وراياتهم بالسعد والإقبال منشورة {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} 2 {فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} 3 وقال تعالى: {وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} 4 {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} 5 {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} 6

_ 1 سورة الزخرف الآية23. 2 سورة الشعراء الآية 227. 3 سورة المائدة الآية56. 4 سورة الصافات الآية 173. 5 سورة الروم الآية. 47 6 سورة القصص الآية83

البدعة الشرعية والبدعة اللغوية

البدعة الشرعية والبدعة اللغوية هذا ومما نحن عليه أن البدعة – وهى ما حدثت بعد القرون الثلاثة- مذمومة مطلقاً، خلافاً لمن قال: حسنة وقبيحة، ولمن قسمها خمسة أقسام، إلا إن أمكن جمع بأن يقال: الحسنة ما عليه السلف الصالح شاملة للواجبة والمندوبة والمباحة، ويكون تسميتها بدعة مجازاً، والقبيحة ما عدا ذلك، شاملة للمحرمة والمكروهة – فلا بأس بهذا الجمع1

_ 1 التحقيق أن البدعة في الدين من العقائد والعبادات لا تكون إلا مذمومة وهى التي ورد الحديث بأنها كلها ضلالة، ومنها ما حدث في القرون الثلاثة حتى الأول منها، كالقول بإنكار القدر، وأما البدعة التي تعتريها الأحكام الخمسة فهي البدعة في أمور الدنيا وسماها بعضهم اللغوية، فمنها النافع الذي لا بد منه كآلات الحرب الحديثة وهو واجب، ومنها الضار قطعاً وهو محرم، وما دون ذلك، وهو مستحب أو مكروه أو مباح.

أنواع من البدع الحقيقية والإضافية وأقساهما

أنواع من البدع الحقيقية والإضافية وأقساهما فمن البدع المذمومة التي ننهى عنها: رفع الصوت في مواضع الأذان بغير الأذان، سواء كانت آيات أو صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، أو ذكراً غير ذلك بعد أذان أو في ليلة جمعة أو رمضان أو العيدين، فكل ذلك بدعة مذمومة، وقد أبطلنا ما كان مألوفاً بمكة من التذكير والترحيم ونحوه. واعترف علماء المذاهب أنه بدعة 1 ومنها: قراءة الحديث عن أبى هريرة بين يدي خطبة الجمعة، فقد صرح شارح الجامع الصغير بأنه بدعة. ومنها: الاجتماع في وقت مخصوص على من يقرأ سيرة المولد الشريف، اعتقاداً أنه قربة مخصوصة مطلوبة دون علم السير، فإن ذلك لم يرد. منها: اتخاذ المسابح، فإنا ننهى عن التظاهر باتخاذها 2

_ 1 قد قسم الإمام الشاطبي البدعة في كتابه "الاعتصام" إلى حقيقة وهى ما لم يرد له أصل، وإضافية وهي ما له أصل ولكن جئ به على غير ما ورد، كالتوقيت والاجتماع ورفع الصوت فيما لم يرد فيه ذلك، وناهيك بما اتخذ شعاراً دينياً، وما صار بحيث يظن الناس أنه مشروع وتاركه مقصر في دينه، وفيها ورد حديث السنة الحسنة، والسنة السيئة. 2 أي اتخاذها شعاراً عاماً يوهم أنه مطلوب شرعاً، وإلا كانت الحالة الفردية كما ورد من العدّ على النوى.

ومنها: الاجتماع على رواتب المشايخ برفع الصوت وقراءة الفواتح والتوسل بهم في المهمات، كراتب السمان وراتب الحداد ونحوهما، بل قد يشتمل ما ذكر على شرك أكبر فيقاتلون على ذلك، فإن سلموا من أرشدوا إلى أنه على هذه الصورة المألوفة غير سنة، بل بدعة 1 فإن أبوا عزرهم الحاكم بما يراه رادعاً.

_ 1 قوله: "فإن سلموا" جاء على لغة البراغيث، وجواب الشرط محذوف أو سقط من الأصل، والمعنى فإن سلم أصحاب تلك الأوراد والرواتب بعد إرشادهم بأنها بدعة ورجعوا عنها فذاك وإلا فإن أبوا عزرهم الحاكم.

البدع الحسنة والسيئة

البدع الحسنة والسيئة وأما أحزاب العلماء المنتخبة من الكتاب والسنة فلا مانع من قراءتها والمواظبة عليها. فإن الأذكار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والاستغفار وتلاوة القرآن ونحو ذلك مطلوب شرعاً، والمعتني بها مثاب مأجور، فكلما أكثر منه العبد كان أوفر ثواباً، لكن على الوجه المشروع من دون تقطع ولا تغير ولا تحريف، وقد قال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} 1 قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} 2 والله در النووي في جمعه كتاب الأذكار، فعلى الحريص على ذلك به، ففيه الكفاية للموفق. ومنها: ما أعتيد في بعض البلاد من قراءة مولد النبي صلى الله عليه وسلم بقصائد وألحان تخلط بالصلاة عليه

_ 1 سورة الأعراف الآية 55. 2 سورة الأعراف ألآية 180.

والأذكار والقراءة، ويكون بعد صلاة والتراويح، ويعتقدونه على هذه الهيئة من القرب، بل تتوهم العامة أن ذلك من السنن المأثورة فينهى عن ذلك. وأما صلاة التراويح فسنة لا بأس بالجماعة فيها والمواظبة عليها. ومنها: ما أعتيد في بعض البلاد من صلاة الخمسة الفروض بعد آخر جمعة من رمضان من البدع المنكرة إجماعاً، فيزجرون عن ذلك أشد الزجر. ومنها: رفع الصوت بالذكر عند حمل الميت وعند رش القبر بالماء وغير ذلك مما لم يرد عمن سلف. وقد ألف الشيخ الطرطوشي المغربي كتاباً نفيساً سماه "الباعث على إنكار البدع والحوادت" واختصره ابن شامة المغربي، فعلى المعتني بدينة بتحصيله 1 وإنما ننهى عن البدع المتخذة ديناً وقربة، وأما ما لا يتخذ ديناً ولا قربة كالقهوة وإنشاد قصائد الغزل ومدح الملوك فلا ننهى عنه ما لم يخلط بغيره: إما ذكر أو اعتكاف في مسجد ويعتقد أنه قربة، لأن حسان رد على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وقال: أنشدته بين يدى من هو خير منك، فقيل عمر

_ 1 ومثل كتاب المدخل لابن الحاج المالكي وهو مشهور، وأما كتاب الاعتصام للشاطبي فلا نظير له في بابه.

ويحل كل لعب مباح، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر الحبشة على اللعب في يوم العيد في مسجده صلى الله عليه وسلم، ويحل الرجز والحداء في نحو العمارة والتدريب على الحرب بأنواعه، وما يورث الحماسة قيه كطبل الحرب 1 دون آلات الملاهي فإنها محرمة، والفرق ظاهر. ولا بأس بدف العرس. وقد قال صلى الله عليه وسلم "بعثت بالحنيفية السمحة. . . لتعلم يهود أن في ديننا فسحة". هذا وعندنا أن الإمام ابن القيم وشيخه 2 إماماَ حق من أهل السنة، وكتبهم عندنا من أعز الكتب، إلا أنا غير مقلدين لهم في كل مسألة، فإن كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم. ومعلوم مخالفتنا لهما في عدة مسائل. منها: طلاق الثلاث بلفظ واحد من مجلس، فإنا نقول به تبعاً للأئمة الأربعة. ونرى الوقف صحيحاً والنذر جائزاً ويجب الوفاء به في غير المعصية. ومن البدع المنتهى عنها قراءة الفواتح للمشايخ بعد الصلوات الخمس والإطراء في مدحهم والتوسل بهم على

_ 1 وللحرب آلات صوتية أخرى أشد تأثيراً من الطبل في إثارة الشجاعة والإقدام لا تفارق الجيوش في هذه الأزمان. 2 هو شيخ الإسلام أحمد تقي الدين ابن تيمية.

الوجه المعتاد في كثير من البلاد، وبعد مجامع العبادات، معتقدين أن ذلك من أكمل القرب، وهو ربما جر إلى الشرك من حيث لا شعر الإنسان، فإن الإنسان يحصل منه الشرك من دون شعور به لخفائه، ولولا ذلك لما استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم منه بقوله: "اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئا وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم إنك أنت علام الغيوب". . . وينبغي المحافظة على هذه الكلمات والتحرز عن الشرك ما أمكن فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا دخل في الإسلام من لا يعرف الجاهلية- أو كان كما قال- وذلك لأنه يفعل الشرك ويعتقد أنه قربة، نعوذ بالله من الخذلان، وزوال الإيمان. هذا ما حضر في حال المراجعة من المذكور مدة تردده وهو يطالبني كما حين ينقل ذلك وتحريره، فلما ألح نقلت له هذا من دون مراجعة كتاب وأنا في غاية الاشتغال بما هو أهم من الغزو، فمن أراد تحقيق ما نحن عليه فليقدم علينا الدرعية فسيرى ما يسر خاطره، ويقره ناظره، من الدروس في فنون العلم، خصوصاً التفسير والحديث، يرى ما يبهره بحمد الله وعنه، من إقامة شعائر الدين، والرفق بالضعفاء، والوفود والمساكين.

طريقة الصوفية

طريقة الصوفية ولا ننكر الطريقة الصوفية وتنزيه الباطن من رذائل المعاصي المتعلقة بالقلب والجوارح، مهما استقام صاحبها على القانون الشرعي، والمنهج القويم المرعى، إلا أننا لا نتكلف له تأويلا في كلامه ولا في أفعاله، ولا نعول ونستعين ونستنصر ونتوكل في جميع أمورنا إلا على الله تعالى، وهو حسبنا ونعم المولى ونعم النصير. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. قال ذلك: عبد الله ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب –عفا الله عنه والمسلمين.

آراء العلماء والباحثين والمفكرين من الشرق والغرب يتحدثون بإعجاب عن الإمام وحقيقة دعوته السلفية

آراء العلماء والباحثين والمفكرين من الشرق والغرب يتحدثون بإعجاب عن الإمام وحقيقة دعوته السلفية أراء العلماء والباحثين والمفكرين- أصوات من مصر المسلمة تؤيد دعوة الشيخ محمد ابن عبد الوهاب الأستاذ الإمام محمد بن عبده رحمه الله ... أراء العلماء والباحثين والمفكرين أصوات من مصر المسلمة تؤيد دعوة الشيخ محمد ابن عبد الوهاب السلفية. الأستاذ الإمام محمد عبده رحمه الله يقول الشيخ حافظ وهبة في كتابه"50 عاماً في جزيرة العرب" وهو يتحدث عن طلبة العلم في الأزهر: إنه سمع الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده مفتى مصر، يثني في دروسه بالأزهر على الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ويلقبه بالمصلح العظيم، ويلقي تبعة وفق دعوته الإصلاحية على الأتراك وعلى محمد على الألباني لجهلهم ومسايرتهم لعلماء عصرهم ممن ساروا على سنة من سبقهم من مؤيدي البدع والخرافات، ومجافاة حقائق الإسلام.

رأي الدكتور طه حسين

رأى الدكتور طه حسين يقول الدكتور طه حسين في بحث نشره سنة 1354عن الحياة الأدبية في جزيرة العرب: "لا يستطيع الباحث عن الحياة العقلية والأدبية في جزيرة العرب أن يهمل حركة عنيفة نشأت فيها أثناء القرن الثامن عشر الميلادي فلفتت إليها العالم الحديث في الشرق

والغرب واضطرته أن يهتم بأمرها، وأحدثت فيها آثاراً خطيرة هان شأنها بعض ولكنه عاد فاشتد في هذه الأيام، وأخذ يؤثر لا في الجزيرة وحدها بل في علاقتها بالأمم الأوربية. هذه الحركة، هي الحركة الوهابية التي أحدثها محمد ابن عبد الوهاب شيخ من شيوخ نجد. نشأ محمد بن عبد الوهاب في بيت علم وفقه وقضاء. تثقف على أبيه،. ثم رحل إلى العراق فسمع من علماء البصرة وفقهائها وأظهر فيها آراءه الجديدة القديمة معاً فسخط عليه الناس وأخرج من البصرة، وكان يريد أن يذهب إلى الشام فحال الفقر بينه وبين ذلك فعاد إلى نجد، وأقام مع أبيه حينا يناظر ويدعو إلى آرائه، حتى ظهر أمره، وانتشر مذهبه، وانقسم الناس فيه قسمين فكان له أنصار وكان له خصوم، وتعرضت حياته آخر الأمر للخطر، فأخذ يعرض نفسه على أميرها محمد ابن سعود فأجاره وبايعه على دعوته، حتى انتهى به الأمر إلى الدرعية وهناك عرض نفسه على أميرها محمد بن سعود فأجاره وبايعه على المعونة والنصرة، ومن ذلك اليوم أصبح المذهب الجديد مذهباً رسمياً يعتمد على قوة سياسية تؤيده وتحميه بل تنشره في أقطار نجد بالدعوة اللينة حينا وبالسيف والحرب في أكثر الأحيان.

وعن هذا التحالف بين الدين والسياسة نشأت في الجزيرة العربية دولة سياسية عظم أمرها، واشتد خطرها، حتى أشفق منها الترك أشد الإشفاق فقاوموها ما وسعتهم المقاومة فلما لم يفلحوا استعانوا بالمصريين وكان أمرهم إذ ذاك إلى محمد على باشا فنجح المصريون في إضعاف هذه الحركة وإزالة هذه الدولة الجديدة ورد أمرائها إلى ما كانوا عليه من قتل ذلك الوضع. فلا بد من وقفة قصيرة عند هذا المذهب الجديد لنعرف ما هو وما مبلغ تأثيره في الحياة العقلية في هذا العصر الحديث. قلت: إن هذا المذهب جديد وقديم معا، والواقع أنه جديد بالنسبة إلى المعاصرين ولكنه قديم في حقيقة الأمر لأنه ليس إلا الدعوة القويمة إلى الإسلام الخالص النقى المطهر من كل شوائب الوثنية، وهو الدوة إلى الإسلام كما جاء به النبي، خالصاً لله وحده، ملغياً كل واسطة بين الله وبين الناس، هو إحياء للإسلام، وتطهير له مما أصابه من نتائج الجهل، ومن نتائج الاختلاط بغير العرب، فقد أنكر محمد بن عبد الوهاب على أهل نجد ما كانوا قد عادوا إليه من جاهلية في العقيدة والسيرة، كانوا يعظمون القبور ويتخذون بعض الموتى شفعاء عند الله ويعظمون الأشجار والأحجار، ويرون أن لها من القوة ما ينفع ويضر، وكانوا قد عادوا في سيرتهم إلى حياة العرب الجاهليين، فعاشوا

من الغزو والحرب ونسوا الزكاة والصلاة وأصبح الدين اسما لا معنى له، فأراد محمد بن عبد الوهاب أن يجعل من هؤلاء الأعراب الجفاة المشركين قوما مسلمين حقا على نحو ما فعل النبي بأهل الحجاز منذ أكثر من أحد عشر قرناً. ومن الغريب أن ظهور هذا المذهب الجديد في نجد قد أحاطت به ظروف تذكر بظهور الإسلام في الحجاز، فقد دعا صاحبه إليه باللين أول الأمر فتبعه بعض الناس، ثم أظهر دعوته فأصابه الاضطراب وتعرض للخطر، ثم أخذ يعرض نفسه على الأمراء ورؤساء العشائر، كما عرض النبي نفسه على القبائل، ثم هاجر إلى الدرعية وبايعه أهلها على النصر، كما هاجر النبي إلى المدينة، ولكن ابن عبد الوهاب لم يرد أن يشتغل بأمور الدنيا فترك السياسة وأصحابها أداة لدعوته، فلما ثم له هذا دعا الناس إلى مذهبه، فمن أجاب منهم نجا، ومن امتنع أغرى عليه السيف وشب عليه الحرب، وقد انقاد أهل نجد لهذا المذهب وأخلصوا له الطاعة، وضحو بجياتهم في سبيله على نحو ما انقاد العرب للنبي وهاجرو معه. ولولا أن الترك والمصريين اجتمعوا على حرب هذا المذهب، وحاربوه في داره بقوى وأسلحة لا عهد لأهل البادية بها لكان من المرجو أن يوحد هذا المذهب كلمة العرب في القرن الثاني عشر والثالث عشر للهجرة، كما وحد ظهور الإسلام كلمتهم في القرن الأول.

ولكن الذي يعنينا من أمر هذا المذهب أثره في الحياة العقلية والأدبية عند العرب. وقد كان هذا الأثر عظيماً خطيراً من نواح مختلفة، فهو قد أيقظ النفس العربية ووضع أمامها مثلا أعلى أحبته وجاهدت في سبيل بالسيف والقلم واللسان، وهو قد لفت المسلمين جميعاً، وأهل العراق والشام بنوع خاص إلى جزيرة العرب".

رأى الأستاذ العقاد

رأى الأستاذ العقاد تناول الأستاذ عباس العقاد في كتابه "الإسلام في القرن العشرين" حركة الإصلاح السلفية، وقال ما نصه: "وظاهر من سيرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب أنه لقي في رسالته عنتاً، فاشتد كما يشتد من يدعو غير سميع، ومن العنت إطباق الناس على الجهل والتوسل بما لا يضر ولا ينفع والتماس المصالح بغير أسبابها، وإتيان المسالك من غير أبوابها، وقد غير على البادية زمن كانوا يتكلمون فيه على التعاويذ والتمائم وأضاليل المشعوذين والمنجمين، ويدعون السعي من وجوهه توسلا بأباطيل السحرة والدجالين حتى الاستسقاء ودفع الوباء فكان حقاً على الدعاة أن يصرفوهم عن هذه الجهالة. وكان من أثر الدعوة الوهابية أنها صرفتهم عن ألوان من البدع والخرافات".

وقال أيضاً في الكتاب نفسه، وهو يتكلم عن كتاب التوحيد تأليف الإمام ما يلي: إن الكتاب الذي تضمن دعوة الشيخ – وفيه يحصى الشيخ الذنوب التي تكفر صاحبها وتعتبر شركا بالله، وأكثرها من البدع والخرافات والمغالاة بتعظيم الأحبار والأولياء، ومن الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاد أو دفعه. ومن الشرك اتخاذ الرقى والتمائم للوقاية، والتبرك بالشجر والحجر، والذبح لغير الله، والنذر لغير الله، والاستعاذة بغير الله، والعبادة عند القبور، وأن الغلو في عبادة الصالحين يصيرها أوثاناً تعبد من دون الله، وأن الكهانة والعيافة والتطير والتنجيم من الشيطان. وأورد الشيخ الآيات والأحاديث التي تحرم الاستسقاء بالأنواء، وأنكر على الصوفية تأويلاتهم وخوارقهم، واستشهد على تحريم الصور يقوله عليه السلام فيما يرونه عن ربه: "ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي"، وبقوله عن عائشة: "أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق الله"، وحذر من المغالاة في تعظيم النبي عليه والسلام مستشهدا بقول أنس: إن ناسا قالوا يا رسول الله يا خيرنا وابن سيدنا فقال: "أيها الناس قولوا بقولكم، لا يستهوينكم الشيطان، وأنا محمد، عبد الله ورسوله، ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل".

وكان الشيخ ينكر الغلو، ويستشهد بقول الرسول عليه السلام: "إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو"، وقوله عليه والسلام: "هلك المتنطعون. هلك المتنطعون. هلك المتنطعون".

أصوات مسلمة منصفة من الشام تؤيد الدعوة والداعية وتباركها

أصوات مسلمة منصفة من الشام تؤيد الدعوة والداعية وتباركها مدخل ... أصوات مسلمة منصفة من الشام تؤيد الدعوة والداعية وتباركها انتهت المشيخة العليا في بلاد الشام في أوائل هذا القرن إلى الشيوخ الأجلاء: الشيخ جمال الدين القاسمي، والشيخ عبد الرازق البيطار، والشيخ طاهر الجزائري، والشيخ محمد كامل القصاب، فدرسوا الحركة الوهابية، فأعجبوا بها، وقدروها، ورأوا أنها على حق وصواب، فنشروها في المجتمع الشامي، وبذروها، فأثمرت أطيب الثمار، وأنتجت أبرك النتائج، والمتفق عليه بين الباحثين في تاريخ الحركة القومية الجديدة، التي سبقت بها سورية والأقطار العربية إنها نفحة من نفحات الدعوة الوهابية وثمرة من ثمارها، عنها انبثقت، ومن رياضها تغذت. وقاضت الحكومة التركية زعيم الحركة وعميدها الشيخ جمال الدين القاسمي وأحالته إلى القضاء بتهمة العمل على نشر الدعوة الوهابية، وذلك في سنة 1908م "1324هـ" فبرأه الفضاء. وألف بعض علماء الشام الكتب في تأييدها، وعملوا على نشرها وإذاعتها بشتى الوسائل التي كانت معروفة في القرن الماضي مما ساعد في جملته على نمو النهضة الجديد ونجاحها.

رأى الأمير شكيب أرسلان

رأى الأمير شكيب أرسلان طلب محمد بن عبد الوهاب العلم في دمشق، ورحل إلى بغداد والبصرة، وتشرب مبادئ الحافظ حجة الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، وابن عروة الحنبلي، وغيرهم من فحول أئمة الحنابلة، وأخذ يفكر في إعادة الإسلام لنقاوته الأولى، فلذلك، الوهابية يسمون مذهبهم عقيدة السلف، ومن هناك أنكر الاعتقاد بالأولياء وزيارة القبور واستغاثة بغير الله، وغير ذلك مما جعله من باب الشرك، واستشهد على صحة آرائه بالآيات القرآنية، والأحاديث المصطفوية، ولا أظنه أورد ثمة شيئاً غير ما أورده ابن تيمية.

رأي السيد محمد رشيد رضا

رأي السيد محمد رشيد رضا قال في التعريف بكتاب "صيانة الإنسان" بعد أن ذكر فشو البدع بسبب ضعف العلم وترك العمل بالكتاب والسنة، ونصر الملوك والحكام لأهلها، وتأييد المعممين لها: لم يخل قرن من القرون التي كثر فيها البدع من علماء ربانيين، يجددون لهذه الأمة أمر دينها بالدعوة التعليم وحسن القدوة، وعدول ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، كما ورد في الأحاديث.

لقد كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب النجدي، من هؤلاء العدول المجددين، قام يدعو إلى تجريد التوحيد، وإخلاص العبادة لله وحده، بما شرعه في كتابه، وعلى لسان رسوله خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، وترك البدع والمعاصي، وإقامة شعائر الإسلام المتروكة، وتعظيم حرماته المنتهكة المنهوكة. فنهدت لمناهضة، القوى الثلاث: قوة الدولة، والحكام، وقوة أنصارها من علماء النفاق، وقوة العوام الطغام. وكان أقوى سلاحهم في الرد عليه، أنه خالف جمهور المسلمين. من هؤلاء المسلمين الذين خالفهم الشيخ محمد بن عيد الوهاب في دعوته؟ هم أعراب في البوادي شر من أهل الجاهلية يعيشون بالسلب والنهب، ويستحلون قتل المسلم وغيره، لأجل الكسب، ويتحاكمون إلى طواغيتهم في كل أمر، ويجحدون كثيراً من أمور الإسلام والمجمع عليها، التي لا يسع مسلماً جهلها، إلى آخر ما قال، عليه رحمة الله ذى الجلال.

رأى محمد كرد علي

رأى محمد كرد علي كتب الأستاذ محمد كرد علي فصلا ممتعاً عن أصل الوهابية، واتخذ طريق النقد العادل، وختمه بهذه الفقرة: "وما ابن عبد الوهاب إلا داعية هداهم من الضلال، وساقهم إلى الدين السمح، وإذا بدت شدة من بعضهم فهي ناشئة من نشأة البادية، وقلما رأينا شعباً من أهل الإسلام يغلب عليه التدين والصدق والإخلاص مثل هؤلاء القوم، وقد اختبرنا عامتهم وخاصتهم سنين طويلة، فلم نرهم حادوا عن الإسلام قيد أنملة، أما الغزوات التي يغزونها فهي سياسة محضة، برئ منها، وما يتهمهم به أعداؤهم زور لا أصل له، والله أعلم". وذكر أيضاً في الفصل عينه مستشهداً بما قال أحمد سعيد البغدادي في كتابه "نديم الأدب": "أما حقيقة هذه الطائفة فإنها حنبلية المذهب، وجميع ما ذكر المؤرخون عنها من جهة الاعتقاد محرف".

رأي خير الدين الزركلي في كتابه الأعلام

رأي خير الدين الزركلي في كتابه الأعلام الجزء السابع قال محمد بن عبد الوهاب سليمان التميمي النجدي زعيم النهضة الدينية الإصلاحية الحديثة. في جزيرة العرب ولد ونشأ في العيينة بنجد ورحل مرتين إلى الحجاز ثم ذهب إلى المدينة المنورة ورحل إلى البصرة وعاد إلى نجد وسكن حريملاء ثم انتقل إلى العيينة ناهجاً منهج السلف الصالح وداعياً إلى التوحيد الخالص ونبذ البدع وتحطيم ما علق بالإسلام من الأوهام. وكانت دعوته الشعلة الأولى لليقظة الحديثة في العالم الإسلامي كله تأثر بها رجال الإصلاح في الهند، ومصر والعراق، والشام، وغيرها فظهر الألوسي الكبير في بغداد وجمال الدين الأفغاني بأفغانستان ومحمد عبده بمصر، وجمال الدين القاسمي بالشام وخير الدين التونسي بتونس تدعو إلى ترك المعاصي وإقامة شعائر الإسلام المتروكة وتعظيم حرماته قوة الدولة والحكام وقوة أنصارها من علماء النفاق، وقوة العوام الطغام وكان أقوى سلاحهم في الرد عليه، أنه خالف جمهور المسلمين وهم كاذبون في زعمهم هذا.

رأي فيليب حتى في كتابه "تاريخ العرب"

رأي فيليب حتى في كتابه " تاريخ العرب" يقول فيليب حتى: تأثر محمد بن عبد الوهاب بفكرة هي أن الإسلام كما يمارسه معاصروه قد انحرفوا به كثيراً عملياً ونظرياً عن طريق السنة، التي سنها القرآن.

آراء الباحثين الأمريكيين والأروبيين

آراء الباحثين الأمريكيين والأروبيين 1- رأي ستودارد الأمريكي في كتاب "حاضر العالم الإسلامي" يقول لوثروب ستودارد في اليقظة الإسلامية الحديثة في القرن الثامن عشر: كان العالم الإسلامي قد بلغ من التضعضع أعظم مبلغ ومن التدني والانحطاط أعمق دركة فأربد جوه وطبقت الظلمة على كل صقع من أصقاعه ورجا من أرجائه، وانتشر فيه فساد الأخلاق والآداب وتلاشي ما كان باقياً من آثار التهذيب العربي واستغرقت الأمم الإسلامية في إتباع هؤلاء الأهواء والشهوات وماتت الفضيلة في الناس وساد الجهل وانطفأت نسمات العلم الضئيلة، وانقلبت الحكومات الإسلامية إلى مطايا استبداد وفوضى واغتيال فليس يرى في العالم الإسلامي في ذلك العهد سوى المستبدين الغاشمين. . . إلى أن قال: وأما الدين فقد غاشية سوداء وألبست الوحدانية التي علمها صاحب الرسالة سجفاً من الخرافات وقشور الصوفية الضالين، وخلت المساجد من أرباب الصلوات وكثر عدد الأدعياء الجهلاء وطوائف الفقراء والمساكين يخرجون من مكان إلى مكان يحملون في أعناقهم التمائم والتعاويذ والسبحات ويوهمون الناس بالأباطيل والشبهات ويرغبونهم في الحج إلى قبور الأولياء ويزينون للناس التماس الشفاعة من دفناء القبور، وغابت عن الناس فضائل القرآن فصار يُشرب الخمر والأفيون والحشيش في كل مكان وانتشرت الرذائل وهتك ستر الحرمات على غير خشية ولا استحياء، ونال مكة المكرمة والمدينة المنورة ما نال غيرهما من سائر مدن الإسلام فصار الحج المقدس الذي فرضه الإسلام على من استطاع ضرباً من المستهزآت. وعلى الجملة فقد بدل المسلمون غير المسلمين وهبطوا مهبطاً بعيد القرار، فلو عاد صاحب الرسالة محمد إلى الأرض في ذلك العصر ورأى ما كان يدعي الإسلام لغضب وأطلق اللعنة على من استحقها من المسلمين كما يلعن المرتدون وعبدة الأوثان؛ " وفيما العالم الإسلامي مستغرق في هجمته ومدلج في ظلمته إذا بصوت يدوي من قلب صحراء شبه الجزيرة العربية مهد الإسلام يوقظ المؤمنين ويدعوهم إلى الإصلاح والرجوع إلى سواء السبيل والصراط المستقيم فكان صارخ هذا الصوت إنما هو المصلح المشهور "محمد بن عبد الوهاب" الذي أشعل نار الوهابية فاشتعلت واتقدت واندلعت ألسنتها إلى كل زاوية من زوايا العالم الإسلامي، ثم أخذ الداعي العظيم يحض المسلمين على إصلاح النفوس واستعادة المجد الإسلامي القديم التليد فتبدت تباشير صبح الإسلام ثم بدأت اليقظة الكبرى في عالم الإسلام.

رأي دائرة المعارف البريطانية

2- رأي دائرة المعارف البريطانية: جاء في دائرة المعارف البريطانية وهي تتكلم عن الوهابية ما يلي: " الوهابية: اسم لحركة التطهير في الإسلام، والوهابيون يتبعون تعاليم الرسول وحده ويهملون كل ما سواها وأعداء الوهابية هم أعداء الإسلام الصحيح.

رأي عالم فرنسي

11- رأي عالم فرنسي: قال برنادلوس في كتابه العرب في التأريخ: "وباسم الإسلام الخالي من الشوائب الذي ساد في القرن الأول نادى محمد بن عبد الوهاب بالابتعاد عن جميع ما أضيف للعقيدة الإسلامية والعبادات من زايادات باعتبارها بدعاً خرافية غريبة عن الإسلام الصحيح".

رأي المستشرق جب الإنجليزي

12- رأي المستشرق جب الإنجليزي: قال في كتابه المحمدية: "وفي جزيرة العرب قام حوالي 1744م – 1158هـ محمد بن عبد الوهاب مع أمراء الدرعية آل سعود بتحقيق الدعوة إلى المدرسة الحنبلية "أي المذهب الحنبلي" التي دعا إليها ابن تيمية في القرن الرابع عشر الميلادي". وقال أيضاً في كتابه "الاتجاهات المدنية في الإسلام": "أما في مجال الفكر فإن الوهابية بما قامت به ضد التدخلات العدوانية وضد الأصوات القائلة بوحدة الوجود التي تريد تدنيس التوحيد وكانت عاملاً مفيداً للخلاص الأبدي وحركة تجديد أخذت تنجح في العالم الإسلامي شيئاً فشيئاً.

الشعر يبارك الدعوة السلفية

الشعر يبارك الدعوة السلفية قصيدة الأمير الصنعاني محمد بن إسماعيل1 في الشيخ: سلامِى علَى نَجْد ومَنْ حلَّ في نَجد ... وإن كان تَسْلمي على البُعْد لا يُجْدي وقد صَدَرت من سَفْح صَنْعا، سَقَى الحيا ... رباُها وحيَّاها بقَهْقهة الرَّعد سَرَت من أَسِير ينْشُد الرِّيح إن سَرت: ... ألا يا صبا نَجْد، مَتَى هِجْت من نَجْد؟ قفِي واسْأَلي عَن عالم حلَّ سَوْحها ... بِه يَِهْتدِِي من ضَلَّ عنْ منْهج الرُّشد مُحمَّد الهَادِي لسُنَّة أحْمَد ... فَيا حَبَّذا الهَادي، ويَا حَبَّذا المهْدى لَقد أنْكَرت كلّ الطَّوائِف قَوْله ... بِلا صَدْرٍ في الحَقّ منْهم ولا ورْد وما كُلّ قَولٍ بالقبُول مُقَابل ... وما كُلّ قَول واجِب الرَّد والطَّرد سِوى ما أتى عَنْ ربنا ورَسُوله ... فَذلك قَول، جلَّ، يا ذا، عن الرَّد وأمَّا أقاويل الرِّجال فإنَّها ... تدورُ علَى قدْرِ الأدلةِ في النَّقْد وقَد جاءَت الأخبارُ عنْهُ بأنَّه ... يُعيدُ لَنا الشَّرع الشَّريفَ بمَا يُبْدي وينْشُر جَهراً ما طَوَى كلُّ جاهلٍ ... ومبْتدع مِنْه، فوافَقَ ما عِنْدي ويعْمُر أركان الشَّريعةِ هادِماً ... مَشَاهد ضَلَّ النَّاس فِيها عن الرُّشد أعادُوا بِها مَعْنى سِواعَ ومِثْله ... يَغُوث ووَدّ، بئْسَ ذلك مِن ود وقد هَتفُوا عنْدَ الشَّدائدِ باسْمِها ... كمَا يهتِف المضْطر بالصَّمَد الفَرْد وكَم عَقَروا في سَوْحها مِنْ عَقِيرة ... أُهلَّت لِغير اللهِ جَهراً علَى عَمْد وكَم طائفٍ حَول القُبُور مُقبِّل ... ومسْتَلمُ الأركانِ منْهنَّ باليَد لَقد سرَّني ما جَاءنِي مِنْ طَريقةٍ ... وكنْتُ أرَى هذِى الطَّريقة لِي وَحْدي يَصبّ عليْه صَوتُ ذَمّ وغَيْبة ... ويهْواه مَنْ قَد كانَ يَهْواه عَنْ بُعْد ويُعْزى إليْهِ كلّ ما لا يقُولُه ... بتنْقيصِه عِنْد التُّهاميّ والنَّجدي فيرْميهِ أهلُ الرَّفضِ بالنَّصْب فِريةً ... ويرْميهِ أهل النَّصْب بالرَّفضِ والجَحْد ولَيسَ لَه ذَنْب سِوى أنَّه أتَى ... بتَحْكيم قَول اللهِ في الحِلِّ والعَقْد ويتْبَع أقْوالَ النَّبيّ مُحمَّد ... وهلْ غَيْره بالله في الشَّرع مَنْ يَهْدي

_ 1 هو مؤلف كتاب "سبل السلام" وله ديوان شعر كبير.

لئنْ عدَّه الجُهَّال ذَنْباً فَحبَّذا ... بهِ حَبَّذا يَوْم انْفِرادي فِي لَحْدي سَلامِى علَى أهْل الحَدِيث فإنَّنى ... نَشَأت علَى حُبّ الأحاديث مِنْ مَهْدي هُمُ بذلُوا فِي حِفْظ سُنَّة أحْمَد ... وتنْقيحها مِنْ جَهْدهم غايَة الجَهْد أأنْتمُ أهْدى من صَحابة أحْمَد ... وأهْلُ الكِسا، هَيْهات ما الشَّوْك كالورد أُولئك أهدى فِي الطَّريقَة منْكمو ... فَهُم قُدْوتي حتَّى أُوسد في لَحْدي

ويا جَزَعي لا غِبْت كُنْ مُتجدَّداً ... وياسَلْوتي ولى وللقَلْب زائِلي فَقدْ ماتَ طَودُ العِلْم قطب رَحَى العُلا ... ومَرْكز أدْوار الفُحُول الأفاضِل وماتَتْ علُوم الدِّين طرًّا بموته ... وغُيِّبَ وجْه الحقِّ تحْت الجنَادِل إمام الهدَى ماحِي الرَّدَى، قامع العِدا ... ومُرْوى الصَّدَى مِنْ فَيضِ علْمٍ ونائل جَمَال الوَرَى رَحْب الذُّرا شامِخ الذر ... وجم القِرَى صَدْر الصُّدور الأوائِل عَظِيم الوَفا كَنْز الشِّفا مَعْدِن الصَّفا ... وجَالي الخفَا عَنْ مشكلات المسَائِل بهيّ السَّنا عذْبُ الجنَا طيَّب الثَّنا ... مُنيل المنَى مِنْ سَيْبه كُلّ آمِل إمامُ الوَرَى عَلاَّمة العَصْر قُدْوتى ... وشَيْخ الشُّيوخ الجدّ فَرد الفَضائِل مُحمد ذُو المجدِ الذِي عزَّ درْكه ... وجلَّ مَقاماً عن لُحوق المطاوِل إلَى عابدِ الوهاب يُعْزى وإنَّه ... عليهِ منَ الرَّحمن أعْظَم رَحمةً سُلالة أَنْجاب زكىّ الخصَائِل ... تَبلُّ ثَراه بالضُّحَى والأصائِل لَقد أشْرقَت نَجْد بنُور ضِيائِه ... وقامَ مَقامات الهدَى بالدَّلائل إمام لهُ شأْن كَبير ورُتبة ... مِنْ الفَضل تُثنى هِمَّة المتَطاول تأخَّر مِيلادًا وفي حَلْبة العُلَى ... وميدان فَخر سابق للأَوائِل علَى خُلق يحْكى النَّسِيم لَطَافةً ... وكامِل أوْصاف وحُسْن شَمائِل وقلب سَليم للمهَيْمن خاشِع ... مُنيب وعنْ مولاهُ لَيسَ بغافِل وجنْبٌ تُجافيه المضَاجعُ في الدُّجا ... وجِفْن بهتّان المدَامِع هامِل وعَنْ ذِكر رَب العَرْش في السِّر دائماً ... وفي الجهْرِ طُول الدَّهْر لَيسَ بذَاهل عَفو عَنِ الجانِي صَفُوح وحِلْمه ... إلَى الشّيم يُعْزى لَيس يهْفُو لعاجِل يُقابل مَنْ لاَقى بِبِشْر ومَبْسم ... ضَحُوك وَوجْه للبَشَاشة باذِل ويأْمر بالمعْرُوف في كُلِّ حالةٍ ... ومِنْ مُنكرٍ ينهَى وليسَ بقَابل ولمَ يألُ جَهدًا في نصيحةِ مُسْلم ... برأيٍ وتدبيرٍ وحُسْن تَعامُل يُجازِي بإحْسانِ إساءةَ غَيْره ... وبالجاهِ عَنْ مُستوجه غَيْر باخِل تقمَّص بالتَّقْوى وبالخشية ارْتَدى ... ولَم يمْضِ منهُ العُمْر في غَير طائلِ ومِن شَأْنه قَمع الضَّلال ونَصره ... لمنْ كان مظلوماً وليسَ بخاذِل

وكمْ كانَ في الدِّين الحنيفِ مُجاهدًا ... بماضي سِنان دَامغِ للأَباطِل وكمْ ذبَّ عن سامِي حِماه وذَاد مِن ... مُضلٍّ وبدْعيٍّ ومُغوٍ وَنائِل فِفيم اسْتباحَ أهلُ الضَّلال لعِرْضه ... وما نُكِّست أعْلامهُ بالأراذِل وليسَ لهُ شيء عَنِ الله شاغِل ... ولا عَنْ وِصالِ الاعْتِبار بفَاصِل فَلولاهُ لم تُحْرز رَحى الدِّين مَرْكزاً ... ولا اشْتدَّ للإسْلام رُكم المعاقِل ولا كانَ للتَّوحيد واضِح لا حِب ... يُقيمُ اعْوجَاج السَّيْر مِنْ كلّ عادِل فَما هُو إلاَّ قائم في زَمَانه ... مَقام نَبي في إماتَةِ باطِل سَتبْكيه أجْفاني حَياتِي وإن أمتْ ... سَيبْكيه عنِّي جِفْن طَل ووَابِل وتبْكِيه أقْلامِي أسىً ومحَابري ... ويبْكِيه طُرْسي دائماً وأنامِلي عجبْتُ لقَبْر ضَمَّه كَيْف لَمْ يَكُن ... يميدُ ببَحْر فائِض العِلْم سائِل ولله نعش كانَ حامِلَ جِسْمه ... هَنِيئًا لهُ كانَ أشْرَف حامِل ولا غَرْو أنْ يَبْكي الزَّمان لفَقْده ... فقد كانَ غَيْث الجُود كَهْف الأرمل فآهاً على ذاَك المحيَّا وحُسْنه ... وآهاً علَى تِلك العُلُوم الجلائِل وآهاً علَى تَحقيقه ودُروسِه ... وتَوْضِيحه للمُعْضلات المشَاكِل فمنْ للبُخاري بَعْده ولمسْلمٍ ... يُبيِّن المخبا مِنْهُما للمُجادِل؟ ومنْ ذَا لتفْسيرِ الكِتابِ ومَنْ تَرَى ... لأحكام فقهِ الدِّين، منْ للمسَائِل؟ ومَنْ لمسَانِيد سَمَت ومَعاجمِ ... وكَشْف لِثام الحُكْم عنْد النَّوازِل؟ ألَم تَرَ أنَّ الدَّهْر نِصْف كآبةِ ... عليهِ وذُو جِسْم مِنَ الحزْنِ ناحِل؟ ومَنْ للمعانِي والبَيان ومَنْطِق ... ورَدْع أخي الجهْل الغويّ المجامِل؟ ومَن لك بالأصْلين واللّغة التِي ... بها أنزلَ القُرآن أشْرف نازل؟ ومَنْ بَعدَه للصَّدع بالحقِّ قائم ... بجدّ ولا يخْشَى مَلامَة عاذِل أفِقْ يا مُعيبَ الشَّيْخ ماذَا تَعيبُه ... لَقَد عِبْت حقًا وارْتحلْت بِباطل نَعَم ذنْبهُ التَّقليدُ قَدْ جدَّ حَبْلَه ... وفَلَّ التَّعصُّب بالسُّيوف الصَّياقل ولمَّا دَعا للهِ في الخَلق صارِخاً ... صرَخْتم لهُ بالقَذْف مِثْل الزوَاجِل

أَفِيقُوا أفيقُوا إنَّه ليسَ داعياً ... إلَى دين آباءٍ لَهُ وقَبائِل دَعا لكِتاب اللهِ والسُّنة التِي ... أتانَا بها طَه النَّبي خَيْر قائِل فَوا أَسفا والهفَ قَلْبي وحَسْرتى ... عَليهِ ويا حزْني لأكْرَم راحِل ويا نَدمِي لوْ كانَ يُجْدي مِنَ القَضا ... ولكن قَضاءُ اللهِِِ أغلبُ حائِل ولوْ كانَ مِنْ رَيب المنيَّة مُخلِص ... لكُنْت لهُ بالجهْدِ أيّ مُحاول وما ماتَ كلاَّ بلْ إلَى جنَّة العُلى ... أتاهُ مِنَ الرَّحْمن أكْرَم ناقِل ولما لهُ الفِرْدوسُ زادَ اشْتِياقها ... وكانَ لهَا كُفواً وأسْرَع واصِل وكانَ علَى حُسْن الأرائِك في ذُرا ... أظلَّتها أهْنا وأرْفَه قائِل شَدَت وَرَق أغْصَان الهناء تَرجعا ... تقولُ لهُ قدْ فُزتَ يا خَير عامِل وخاطَبهُ التَّاريخُ فالا بقَوْله ... هَنيئاً في رَفيع المنازِل فَيا سائر الأوْلادِ للشَّيخ إنَّني ... أُعزِّيكمُو معْ انْتسابِ ابنْ وائِل وأُوصِيكم بالصَّبر طرا وبالرِّضا ... بجَارِِى القَضا في عاجلٍ ثم آجل بتَسْليم أمرِ اللهِ ثمَّ احْتِساب مَا ... لدَيهِ تَعَالَى مِنْ أجُور جَزَائل فَما جَزع يَوماً بِنَافع جَازع ... وما الحُزْن رَدًا للقَضَاء بعاجِل ومِثْلُكم لا يعْتَريه تَزلْزل ... ولا وَهَن في فادِحاتِ النَّوازِل فإن كانَ للجَنَّات والدُكُم مضى ... فَقَد كانَ فِينا مُعْقبا كلّ كامِل وأنتُم بحمْدِ اللهِ عنْهُ خَلائف ... بعِلْمِ وفَضلِ شامِخٍ القَدْر شامِل وإنّا لنرْجُو أنْ تَكُونو أئمة ... بكُم يُقتَدى في دِينِه كلَّ فاضِل وللخَيْر والإحْسَان مِنْ كلِّ وجْهةٍ ... تَحثُ إليْكُم مُضموات الرَّواحِل ونَسأل ربَّ العَرْش يُعظِم أُجورَكم ... ويحْمِيكُم مِنْ طارِقات الغَوائِل ويُجبرُ صَدْع القَلْب والكَسْر منْكُم ... ويعقبكُم طراً جَمال المحافِلِ ولا زلْتمُو غَيْظ القُلوب لِكل مَن ... يُعادِيكم مِنْ كلِّ حاف وناعِل ولا فُجعَت في الدَّهر سَاحةُ سَوْحكم ... برُزءٍ لموْصُول المسرَّة فاضِل عليْكم سلامُ اللهِ ما هبَّ ناسم ... وجمَّل زاكِي ذكْرِكم كلّ عاطِل أَوْفى الثَّنا منِّي عليكُم مكررًا ... وأزْكَي تحياتِ سَوام كوَامِل وأضْعافَها للمقرنييِّن كلِّهم ... هُداة الوَرَى مِنْ مَحْتدى فَرْع وائِل

هُم الناسُ أهل البأسِ يَعْرف فَضْلهم ... جَميعُ بني الدُّنيا فما للمُجادِل؟ لقد جاهَدُوا في الله حقَّ جهادِه ... إلى أنج أقامُوا بالضَّبا كلّ مائِل فَناديهُمو في كلِّ نادِ مُبجَّل ... فَجقَّهم التَّبجيلُ بينَ القَبائِل سُعود مضَى والسَّعدُ حالَف نَجْله ... كَما حالفَ الآباء لَيسَ براحِل لَقد نَصرُوا دِين الآله وحِزْبه ... كما دَفعُوا داعي الهوَى بالقَنَابل عليْهم سَلامُ اللهِ مَا ذرَّ شارِق ... وما اهتزَّت الأزْهارُ في صُبْح هاطِل وأزْكَى صلاةِ اللهِ ثمَّ سَلامِه ... علَى المصْطَفى الهادِي كَرِيم الشَّمائل مُحمد المختارُ مِنْ فَرْع هاشمٍ ... وآلِ وأصْحابِ كرام أفاضِل

رثاء الشيخ محمد بن على الشوكاني اليمنى للشيخ محمد بن عبد الوهاب

رثاء الشيخ محمد بن على الشوكاني اليمنى للشيخ محمد بن عبد الوهاب مصابٌ دها قلْبي فأذكَى غَلائلي ... وأصْمَى بسَهْم الافْتجَاع مَقاتلي وخَطب به أعْشار أحَشاىَ صُدَّعت ... فأمْسَت بفَرط الوَجْد أيّ تَواكل ورزء تَقاضانى صَفاء مَعيشَتي ... وأنْهلَني قَسراً أمرَّ المناهِل فَعدَت بهِ رَهْن التياع ولا عجً ... حَليف أسًى للقَلْب غَيْر مُزايل أَسِير جَوى أفْنَى فُؤَادي رَسيسُه ... وقَلبٌ مِنَ الحزْنِ المبرِّح ذاهِل مُصاب بهِ قامَتْ على قِيامَتى ... ومِنْ كَرْب لاقَيْت أعْظَم هائِل مُصاب بهِ ذابَتْ حُشاشَة مُهْجتي ... وعنَ حَملِه قدْ كَلَّ مَتْني وكَاهلي مُصاب به قَد أظْلَم الكَوْن كلُّه ... وكانَ علَي حال منَ الحزْنِ هائلِ مُصاب بهِ الدنيا قدِ اغبرَّ وَجْهُها ... وقدْ شَمختْ أَعْلامُ قَوْم أسافِل رميت بهِ عَنْ قَوْس أبْرحَ لَوْعة ... بِها نَجْم روحى كانَ أسْرَع آفِل بهِ هدَّ رُكْن الدِّين وانْبتَّ حبْلهُ ... وشَدّ بِناءُ الغيِّ مَع كلّ بَاطِل وقامَ علَى الإسْلامِ جهراً وأهْله ... نَعيقُ غُرابٍ بالمذَلَّة هائِل وسِيم مَنار الإتباع لأحْمَد ... هَوان انْهِدامٍ جاء منْ كُلّ جاهل وهبَّتْ لنار الإتباع سمائم ... بسُمّ لنفْس الدِّين مُردٌ وقَاتِل فيا مُهْجَتي ذُوبي آسًى وتأسفاً ... ويا كَبدي مُوتي بحُزْن مُواصل ويالَوعِتى دُومِي وزِيدي ولازِمي ... ويا فَجعتي للقلْب ما عِشْت نَازِلي ويا مُقلتي نحِّي الكَرَى عَنْك جانباً ... وجُودِي بدَمعٍ دَائِم السَّكْب هاطِل

قصيدة ابن رضوان

قصيدة ابن رضوان وقال الشيح عمران بن على بن رضوان من سكان لنجه - من البلدان الفارسية رداً على بعض الملحدين ومثنياً على الشيخ بقصيدة أجاد فيها وأفاد، أولها: جاءَت قصيدتُهم تَروحُ وتغْتَدى ... في سَبَّ دين الهاشِمي مَحَّمد قَدْ زَخرفُوها للطُّغامِ بقَوْلهم ... إنَّ الكتَاب هُو الهُدَى فَيهِ اقْتَد لوْ أنَّ ناظِمَها تمسَّك بالَّذِي ... قَد قال فِيها أولا إذ يبْتَدى لكنَّه قَد زاغ عَمَّا قالَه ... مُتأوَّلا فِيهِ بتَأويل رَدِى فأتَتْ كَشَهد فِيهِ سمْ ناقِعٌ ... مَنْ ذاقَ منه فَفي العذاب المعُبَّد الشَّيخ شَاهَد بَعْض أهْل جهالَةٍٍ ... يدْعُون أصْحَاب القُبُور الهمَّد تاجاً وشمساناً ومن ضَاهَاهما ... مَنْ قُبَّة أوْ تُربَة أو مَشْهد يرْجُون منْهُم قُريةً وشَفاعةً ... ويؤملُونَ كذلكَ أخْذاً باليَدِ ورأى لعُبَّاد القُبُور تقرُّبا ... بالنَّذر والذَّبح الشَّنِيع المفْسِد ما أنكر القُرَّاء والأشياخ ما ... شَهدُوا مِنَ الفِعْل الذِي لمَْ يحْمد بلْ جَوّزوه وشارَكُوا في أكْلهِ ... مِنْ كانَ يذْبَح للقُبُور ويفْتَدِى فأتاهُم الشَّيخُ المشَار إليه بالنُّصْح ... المبينِ وبالكَلامِ الجَيِّد يدْعُوهم للهِ أن لا يعْبُدوا ... إلا المهَيْمن ذا الجَلال السَّرمد لا تُشْركوا مَلِكاً ولا مِنْ مُرْسَل ... كلاَّ ولا من صالِح أو سَيد فَتنافَروا عنْهُ وقالُوا لَيس ذا ... إلا عجيب عِنْدنا لم يعْهَد ما قالَهُ آباؤنا أيضاً ولا ... أجْدادُنا أهْل الحجَى والسُّؤدد إنا وجَدْنا جُمْلة الآبا علَى ... هذا فنَحنْ بماَ وجَدْنا نَقْتدي فالشَّيخُ لمَّا أنْ رَأى ذا الشَأن من ... أهْلِ الزَّمان اشتدِّ غَيْر مُقلِِّد ناداهُم يا قَوْم كَيْف جَعلْتمُ ... للهِ أنداداً بغَيْر تَعدُّد لو أنْصفُوا لرأوا لَه فَضْلا علَى ... إظْهار ما قَدْ ضيَّعوهُ مِنَ اليَد ودُعوا لهُ بالخَيْر بعْدَ ممَاتِه ... ليُكافِئوا علَى رِفاق المرْشِد

لكنَّهمْ قدْ عاندُوا، وتَكبَّرُوا ... ومشَوْا علَى مِنْهاج قَوْم حُسَّد ورَموْه بالبُهتَان والإفْك الذِي ... هُم يعْلمونَ ومنْهُم يبْتَدى فَمقالُهم هُو للمُتابِع قَاطِع ... بدُخُول جنَّات وحُورِ خُرَّد حاشَا وكلاَّ لَيسَ هَذا شأنهُ ... بلْ إنَّه يرْجُو بِها لموحِّد قالُوا لَه يا كافِراً يا فاجراً ... ما ضَرَّه قَوْل العُداةِِ الحُسَّد قالَت قُريش قَبْلهُم للمصْطَفى ... ذا ساحِر، ذا كاهِن، ذا مُعْتَدى قالُوا لهُ غشَّاشُ أمَّة أحْمَد ... وهُو النَّصيحُ بكلِّ وجهٍ يَبْتَدى هل قالَ. إلا وَحِّدُوا رَبَّ السَّما ... وذَرُوا عِباَدة ما سِوَى المتَوحِّد وتمسَّكُوا بالسُّنَّة البَيْضَا، ولا ... تتنطَّعُوا بزيادة تَردُّدِ هذا الذِي جَعلُوه غشًّا وهُو قَد ... بعثَتْ بهِ الرُّسُل الكِرام لمنْ هُدِى مِنْ عَهْد آدَم ثمَّ نُوح هكَذا ... تَتْرى إلى عَهْد النَّبي مُحمَّد وكذلكَ الخُلَفاء بعْدَ نَبيِّهم ... والتَّابعُونَ وكلّ خَيْر مُهْتَدى مِنهاجُهم هذا عَليْه تمسَّكُوا ... من كانَ مُستناً بِهِم فلْيقْتَد

مصادر ومراجع

مصادر ومراجع ... مراجع ومصادر الكتاب 1- الشيخ حسين بن غنام الأحسائي في تاريخه "روضة الأفكار والأفهام لمرتاد حال الإمام وتعداد غزوات ذوي الإسلام". 2- الشيخ عثمان بن عبد لله بن بشر في تاريخه"عنوان المجد في تاريخ نجد". 3- الشيخ عبد الرحمن الجبرتي في تاريخه "عجائب الآثار في التراجم والأخبار". 4- الأستاذ عبد الرحمن الرافعي في كتابه "تاريخ الحركة القومية عصر محمد على". 5- الأستاذ عبد الحليم الجندي في كتابه "الإمام محمد بن عبد الوهاب وانتصار المنهج السلفي". 6- الأستاذ عبد الكريم الخطيب في كتابه "محمد بن عبد الوهاب". 7- الشيخ عبد الله بن على القصيمي النجدي في كتابه "الثورة الوهابية". 8- عبد الله بن سعد الرويشد في كتابه "الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب في التاريخ" جزءان. 9- عبد الله بن سعد الرويشد في كتابه "قادة الفكر الإسلامي عبر القرون". 10- عبد الله بن سعد الرويشد في كتابه "أيام في تونس". 11- الأستاذ السردار إسماعيل سرهنك في كتابه "حقائق الأخبار". 12- الأستاذ أحمد عبد الغفور عطار في كتابه "محمد بن عبد الوهاب". 13- أمير البيان شكيب أرسلان في كتابة "حاضر العالم الإسلامي". 14- الأستاذ هاملتون جب وهارولد بوون في كتابه "المجتمع الإسلامي والغرب"جزءان. 15- الأستاذ محمد خليل المدادي في كتابه "سلك الورد في أعيان القرن الثاني عشر" أربعة أجزاء. 16- الأستاذ محمد بن أبي سرور البكري في كتاب "الروضة المأنوسة في أخبار مصر المحروسة". 17- الأستاذ خير الدين الزر كلي في كتابه "الأعلام" الجزء السابع. 18- مؤلفات الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب طبعة جامعة محمد بن سعود الإسلامية.

19- الدرر السنية في الأجوبة النجدية. 20- الأستاذ أحمد بن أبي الضياف في كتابه "إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الإمام". 21- الأستاذ محمد الندوي الهندي في كتابه "الإمام المظلوم المفترى عليه". 22- الأستاذ محمد الجزولي في كتابه "دلائل الخيرات وشوارق الأنوار في ذكر الصلاة على النبي المختار". 23- الشيخ أحمد بن حجر آل ابن على آل بوطامي في كتابه "محمد بن عبد لوهاب". 24- الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز في كتابه "محمد بن عبد الوهاب". 25- الأستاذ حافظ وهبة في كتابه "خمسون عاماً في جزيرة العرب". 26- الدكتور طه حسين في بحث كتبه عام 1354هـ عن الحياة الأدبية جزيرة العرب. 27- الأستاذ عباس محمود العقاد في كتابه "الإسلام في القرن العشرين". 28- الأستاذ أحمد حسين في كتابه "مشاهداتي في جزيرة العرب". 29- الأستاذ محمد عبد الله ماضي في كتابه "النهضة العربية السعودية" 30- الأستاذ محمد ضياء الدين الريس في بحث كتبه بعنوان "الحركة الوهابيه". 31- الأستاذ محمد قاسم في كتابه "تاريخ أوربا". 32- الدكتور أحمد أمين في كتابه "زعماء الإصلاح". 33- الأستاذ مصطفى الحفناوي عن وليمز في كتابه "ابن سعود". 34- الأستاذ عبد العزيز بكر في كتابه "الأدب العربي وتاريخه ". 35- الشيخ حامد الفقي مؤسس أنصار السنة المحمدية بمصر في كتابه "أثر الدعوة الوهابية". 36- الشيخ محمد رشد رضا في كتابه "صيانة الإنسان" بعد أن ذكر أن البدع بسبب ضعف العلم والعمل بالكتاب والسنة. 37- الأستاذ محمد كرد علي في بحث كتبه عن "أصل الوهابية". 38- فيليب حتى في كتابه "تاريخ العرب".

39- الأستاذ أمين سعيد في كتابه "سيرة الإمام محمد بن عبد الوهاب 40- الدكتور عبد الله العثيمين في كتابه "محمد بن عبد الوهاب". 41- الشيخ علي الطنطاوي في كتابه "محمد بن عبد الوهاب". 42- الأستاذ محمد جميل بيهم في كتابه "الحلقة المفقودة في تاريخ العرب تحت عنوان "آل سعود في حكم آل عثمان" 43- الأستاذ عمر أبو النصر في كتابه "ابن سعود". 44- علاَّمة العراق محمود شكري الألوسي في كتابه "تاريخ نجد". 45- الشيخ محمد بشير السهوائي الهندي مؤلف كتات "صيانة الإنسان عن وسوسة دحلان". 46- الأستاذ فتح هارون في الرد على الكاتب الإنجليزي "كونت وبلز". 47- الأستاذ أحمد بن سعيد البغدادي في كتابه "نديم الأديب". 48- الأستاذ لوثروب ستودرد الأمريكي في كتابه "حاضر العالم الإسلامي". 49- المستشرق الألماني بروكلمان في كتابه "تاريخ الشعوب الإسلامية " الجزء الرابع. 50- الأستاذ المؤرخ الألماني الدكتور الوبرت فرن ميكوس في كتابه "عبد العزيز" وقد صدر في ألمانيا عام 1953م ونقله إلى العربية الدكتور أمين رويحه عن الحركة الوهابية. 51- الأستاذ ويلفرد كانتول في كتاب "الإسلام في نظر الغرب" ألفه جماعة من المستشرقين. 52- الأستاذ المؤزج الفرنسي برنارد ليوس في كتابه "لعرب في التاريخ". 53- الأستاذ المستشرق النمساوي جولد زيهر في كتابه "العقيدة والشريعة". 54- الأستاذ المستشرق الإنجليزي جب في كتابه "المحمدية" وفي كتابه "الاتجاهات المدينة في الإسلام". 55- المستشرق الفرنسي سديو في كتابه "تاريخ العرب العام". 56- دائرة المعارف البريطانية. المؤلف عبد الله بن سعد الروشيد-الرياض

§1/1