حقيقة السحر وحكمه في الكتاب والسنة

عواد المعتق

مقدمة

حقيقة السحر وحكمه في الكتاب والسنة إعداد الدكتور عواد بن عبد الله المعتق المقدمة الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. أما بعد؛ فنظراً لكثرة المشعوذين في كل زمان وخصوصا في هذا الزمان الذي كثرت فيه المشكلات النفسية حتى أصبحت سمة هذا العصر. وأخذ كثير ممن ابتلوا بمثل هذه المشكلات - وخصوصا من يغلب عليهم الجهل أو قلة الإيمان - أخذوا يلجأون إلى المشعوذين الذين يدعون الطب عن طريق الكهانة أو السحر يبحثون عندهم عن حل لمشكلاتهم النفسية ظناً أن لديهم حلاً لها أو علاجاً لأثرها. ومعلوم ما في هذا من الخطر على الإسلام والمسلمين لما فيه من التعلق بغير الله ومخالفة أمره وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم. لما ذكرت رأيت أن أكتب لمحة موجزة عن السحر مبيناً فيها حقيقته وحكم تعلمه وتعليمه والعمل به - وعقوبة الساحر وتوبته - ثم علاجه. وقد جعلتها في مقدمة وأربعة مباحث وخاتمة. المقدمة: في أهمية الموضوع وبعض الدوافع التي دفعتني لإعداده. المبحث الأول: في تعريف السحر وأنواعه. المبحث الثاني: السحر له حقيقة أم لا؟ المبحث الثالث: حكم السحر والسحرة. المبحث الرابع: في علاج السحر. الخاتمة: في ذكر أهم النتائج التي توصلت إليها. وأخيراً أسأل الله أن يتقبل صوابه ويتجاوز عن خطئه إنه سميع مجيب وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

المبحث الأول: في تعريف السحر وأنواعه

المبحث الأول: في تعريف السحر وأنواعه أولأ: تعريفه ... المبحث الأول: في تعريف السحر وأنواعه أولا: تعريف السحر: السحر لغة: هو الأخذة، وكل ما لطف مأخذه ودق فهو سحر، والجمع أسحار، وسحور. وسحره يسحره سَحراً وسِحراً وسَحّره، ورجل ساحر من قوم سحرة وسُحّار، وسَحّار من قوم سحّارين، ولا يكسر." والسحر أيضا: البيان في فطنة كما جاء في الحديث أنه صلىالله عليه وسلم قال: "إن من البيان لسحرا" 1 قال ابن الأثير: يعني إن من البيان لسحرا: أي منه ما يصرف قلوب السامعين وإن كان غيرحق. وقيل معناه إن من البيان ما يكسب من الإثم ما يكتسبه الساحر بسحره فيكون في معرض الذم. ويجوز أن يكون في معرض المدح، لأنه تستمال به القلوب ويرضى به الساخط ويستنزل به الصعب. قال الأزهري: وأصل السَّحر: صرف الشي عن حقيقته إلى غيره فكأن الساحر لما أرى الباطل في صورة الحق وخيّل الشيء على غير حقيقته قد سحر الشيء عن وجهه أي صرفه. قال الفراء: في قوله تعالى: {فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} 2 معناه فأنى تصرفون3. كما يأتي السحر ويراد به الخديعة. يقال سحره بالطعام والشراب: أي خدعه، والسحور المفسد من الطعام أو المكان.

_ 1رواه البخاري في كتاب النكاح باب الخطبة، ومسلم في كتاب الجمعة باب تخفيف الصلاة والخطبة. 2 آية 89 المؤمنين. 3 لسان العرب ج2 ص. 106.

يقال: سحر المطر الطين والتراب: أفسد فلم يصلح للعمل1. السحر في الإصطلاح: عرف السحر اصطلاحا بتعاريف كثيرة مختلفة متباينة، ذلك لكثرة الأنواع الداخلة تحته ولا يتحقق قدر مشترك بينها يكون جامعاً لها مانعًا لغيرها2. ولاختلاف المذاهب فيه بين الحقيقة والتخييل. فمثلا البعض يعرفه بتعاريف لا تصدق إلا على ما لا حقيقة له من أنواع السحر، أو ما هو سحر في اللغة. ومن هؤلاء أبو بكر الرازي حيث قال: "هو كل أمر خفي سببه وتخيل على غير حقيقته ويجري مجرى التمويه والخدع"3. وعرفه البعض بماله حقيقة وأثر كابن قدامة حيث قال: "السحرعزائم ورقى وعقد يؤثر في القلوب والأبدان فيمرض ويقتل ويفرق بين امرء وزوجه ويأخذ أحد الزوجين عن صاحبه"4. وعرفه أحد العلماء المعاصرين - تعريفاً جمع فيه القسمين. فقال: "هو عبارة عن أمور دقيقة موغلة في الخفاء يمكن اكتسابها بالتعلم تشبه الخارق للعادة وليس فيها تحد، أو تجري مجرى التمويه والخداع تصدر من نفس شريرة تؤثر في عالم العناصر بغير مباشرة أو بمباشرة"5. ونستخلص من هذه التعاريف وغيرها تعريفاً لعله يكون جامعاً بلفظ موجز إن شاء الله.

_ 1انظر لسان العرب مادة سحر ج2 ص.106- 107، القاموس المحيط ج2 ص45. 2 أضواء البيان ج4 ص، 444. 3 أحكام القرآن له ج1 ص50. 4 الكافي ج4 ص164 وانظر تيسير العزيز الحميد ص 333. 5 السحر بين الحقيقة والوهم ص 38.

فنقول: السحر: هو كل ما فيه مخادعة أوتأثير في عالم العناصر نتيجة الاستعانة بغير الله من شيطان أو نحوه، يشبه الخارق للعادة وليس فيه تحد يمكن اكتسابه بالتعلم.

ثانيا: أنواع السحر

ثانياً: أنواع السحر: السحرأنواع كثيرة منها: ماله حقيقة، ومنها ما ليس له حقيقة، ومنها ما هو سحر في اللغة "هو السحر المجازي"، ولذا اختلفت تقسيمات العلماء للسحر فبعضهم جمع الجميع كالرازي وبعضهم اقتصر على ما هو سحر في عرف الشرع1وبعضهم اقتصر على ماله حقيقة فقط. وإليك شيئاً من هذه الأنواع بشيء من الإيجاز. القسم الأول:- ما هو سحر في الشرع - ومنه ماله حقيقة، ومنه ما ليس له حقيقة - ومن أنواعه ما يلي: النوع الأول: سحر أصحاب الأوهام والنفوس القوية. ذلك أن الوهم والنفس لهما تأثير على الإنسان، وبناءً على ذلك يقوم الساحر بأقوال وأفعال مخصوصة تقوي النفس حتى تؤثر في الآخرين بقدرة الله تعالى. وقد ذكر الرازي وجوها كثيرة تؤكد أن للوهم والنفس تأثيراً، منها: الأول: أن الإنسان يمكنه أن يمشي على الجذع الموضوع على وجه الأرض ولا يمكنه المشي عليه إذا كان ممدوداً على نهر أو نحوه ذلك أن توهم السقوط متى قوي أوجبه. الثاني: قد أجمع الأطباء على نهي المرعوف عن النظر إلى الأشياء الحمر خشية أن يؤثر هذا على نفسه فيستمر رعافه وعلى نهي المصروع عن النظر إلى الأشياء القوية اللمعان أو الدوران لأن هذا يؤثر في نفسه فيتمادى به صرعه.

_ 1 المراد في عرف الشرع: بحيث يحكم على صاحبه شرعاً بأنه ساحر.

كل ذلك دليل على أن التصورات النفسية التي تعرض للنفس تؤثر في صاحبها. الثالث: التجربة والعيان شاهدان بأن هذه التصورات مبادئ قريبة لحدوث الكيفيات في الأبدان فإن الغضبان تشتد سخونة مزاجه حتى إنه يفيده سخونة قوية. وذلك دليل على أن النفوس لها تأثير في بدن صاحبها وإذا جاز كون التصورات مبادئ لحدوث الحوادث في البدن فأي استبعاد من كونها مبادئ لحدوث الحوادث خارج البدن. الرابع: ومما يؤكد أن النفس قد تؤثر بالآخرين الإصابة بالعين1 وقد اتفق النقل والعقل على ذلك. قال صلى الله عليه وسلم: "العين حق ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين" 2 ثم قال3: "النفس التي تفعل هذه الأفاعيل قد تكون قوية جداً تستغني في هذه الأفاعيل عن الاستعانة بالآلات ... وقد تكون ضعيفة فتحتاج إلى الاستعانة بهذه الآلات. وتحقيقه أن النفس إذا كانت متعلية على البدن شديدة الانجذاب إلى عالم السماوات صارت كأنها روح من الأرواح السماوية فكانت قوية على التأثير في مواد هذا العالم، وإذا كانت ضعيفة شديدة التعلق بهذه اللذات البدنية فحينئذ لا يكون لها تأثير البتة إلا في هذا البدن ... ثم أرشد إلى أنه لا بد لمزاولة هذه الأعمال من انقطاع المألوفات والمشتهيات وتقليل الغذاء والانقطاع عن مخالطة الخلق، وكلما كانت هذه الأمور أكثر كان ذلك التأثير أقوى"4.

_ 1 التفسير الكبير للرازي ج 3، ص 208-209 (بتصرف) . 2 رواه مسلم والترمذي جامع الأصول حديث 5737. 3 الرازي. 4 التفسير الكبير للرازي ج 3، ص 209.

والحق أن هذا الساحر لم يؤثر على الآخرين بنفسه فقط بل هناك معين، وهذا المعين إنما هو شيطان، ذلك أن الساحر عندما خرج عن حد الاعتدال المشروع في تلبية رغبات الروح والجسد وأشقى نفسه في معصية الله، تعلت روحه على بدنه وقويت حتى أصبح من السهل على الأرواح التعامل معها، ومن ثم تولتها الأرواح الشيطانية لكونها خبيثة ورغبتها في هذا السلوك، وذلك بتحقيق أمور لا تستطيعها في حال اعتدالها، لتستمر في هذا الطريق الباطل مع عدم شعورها بعون تلك الأرواح. ولذا يمكن أن يطلق على ما تحققه من أمور أحوال شيطانية1 أعاذنا الله منها. النوع الثاني: السحر الذي يستعان فيه بالكواكب ومنه: 1- سحر الكلدانيين وأهل بابل وغيرهم، وهؤلاء كانوا قوما صابئين يعبدون الكواكب السبعة ويعتقدون أنها المدبرة للعالم وأن حوادث العالم كلها من أفعالها، ومنها يصدر كل مظهر خير وشر، وقد بعث الله إليهم إبراهيم عليه السلام مبطلاً لمقالتهم ونظراً لاعتقادهم أنها مدبرة من دون الله فهم يزعمون أن لها ادراكات روحانية فإذا قوبلت ببخور خاص ولباس خاص على الذي يباشر البخور مع إقدامه على أفعال خاصة، وألفاظ يخاطب بها الكواكب كانت روحانية الفلك مطيعة له متى ما أراد شيئاً فعلته له على حد زعمهم. والحق أن الروحانيات التي قضت حوائجهم إنما هي الشياطين أعاذنا الله منها ليستمروا في باطلهم فيضلوا ويضلوا2

_ 1 تفسير ابن كثير ج1، ص145، والسحر بين الحقيقة والخيال. ص 21. 2 تفسير الرازي ج3 ص 206 وأضواء البيان ج 4 ص453 وتيسير العزيز الحميد ص 387 وأحكام القرآن ج1ص52.

2- ومنه نوع يسمى بالطلاسم: وهو عبارة عن نقش أسماء خاصة لها تعلق بالأفلاك والكواكب - على زعم أهلها - في جسم من المعادن أو غيرها تحدث به خاصية ربطت في مجاري العادات، ولا بد مع ذلك من نفس صالحة لهذه الأعمال فإن بعض النفوس لا تجري الخاصية المذكورة على يده1 وهذا النوع من السحر يحصل في الغالب إما من محتال ذكي مع مغفل فنتيجة تصديقه يحصل الشعور النفسي بتأثيره. وأما من صاحب علاقة بالشياطين، وإنما يستعمل هذا الطلسم لإخفاء ضلاله وكفره وكلاهما محرم. فالأول كذب وغش، والثاني شرك ظاهر من فاعله2. وعليه فليس للكواكب فيه أي أثر. 3- ومنه: النظر في حركات الأفلاك ودورانها وطلوعها وغروبها واقترابها وافتراقها معتقدين أن لكل نجم منها تأثير حال انفراده كما أن له تأثيراً حال اجتماعه بغيره، على الحوادث الأرضية من غلاء الأسعار ورخصها ووقوع الحوادث وهبوب الرياح ونحو ذلك وقد ينسبون إليه ذلك مطلقاً3 4- ومنه النظر في منازل القمر الثمانية والعشرين معتقدين التأثير، في اقتران القمر بكل منها ومفارقته وان في تلك المقارنة أو المفارقة سعوداً أو نحساً أوتأليفا أو تفريقاً وغير ذلك4. 5- ومنه ما يفعله من يستخدم الأرقام لحروف أبجد هوز.... المسمى بعلم الحرف. وهو أن يكتب حروف أبجد هوز ... الخ. ويجعل لكل حرف منها قدراً من العدد معلوماً ويجري على ذلك أسماء الآدميين والأزمنة والأمكنة وغيرها

_ 1 أضواء البيان ج4 ص453 الفصل ج5 ص4. 2 انظر السحر بين الحقيقة والخيال ص 27. 3 انظر معارج القبول ج2 ص560، والفتاوى ج35ص192. 4 معارج القبول ج2ص560.

ويجمع جمعاً معروفاً عنده ويطرح طرحاً خاصاً ويثبت إثباتاً خاصاً، وينسبه إلى الأبراج الاثني عشر المعروفة عند أهل الحساب، ثم يحكم على تلك القواعد بالسعود والنحوس وغيرها مما يوحيه إليه الشيطان وكثير منهم يفرق بين المرء وزوجته بذلك بدعوى أنهم إن جمعهم بيت لا يعيش أحدهم، وقد يتحكم بذلك في الغيب فيدعي أن هذا يولد له وهذا لا. وهذا يكون غنياً وهذا يكون فقيرا ونحو ذلك. كأنه هو الكاتب ذلك للجنين في بطن أمه لا والله لا يدريه الملك الذي يكتب حتى يسأل ربه فكيف بهذا الكاذب المفترى ولا شك في تحريم هذا العمل وكذب مدعيه وأن أحكامه رجم بالغيب1. النوع الثالث: الاستعانة بالأرواح الأرضية، وهم الجن. وهم على قسمين مؤمنين - وكفار، وهم الشياطين. أما المؤمنون فمن المعلوم أنهم لا يعملون فعل محرم أو يعينون عليه. إذا فالاستعانة إنما هي بالشياطين. واتصال النفوس الناطقة بها سهل، لما بينهما من المشابهة والقرب. وهذا الاتصال يحصل بشي من الرقى والدخن والتجريد2. قال الرازي: "إن أصحاب الصنعة وأرباب التجربة شاهدوا أن الاتصال بهذه الأرواح الأرضية يحصل بأعمال سهلة قليلة من الرقى والدخن والتجريد، وهذا النوع هو المسمى بالعزائم وعمل تسخير الجن"3. وعندما يتحقق الاتصال تحصل الاستعانة ثم الإعانة لكن ذلك لا يكون دون الشرك بالله تعالى.

_ 1 معارج القبول ج2 ص559 - 560، 562 وتيسير العزيز الحميد ص 363-364. 2 انظر تفسير الرازي ج3 ص210، وتفسير ابن كثير ج1 ص145. 3 تفسير الرازي ج3 ص211.

وأصحاب هذا النوع قد يخفون استعانتهم بالشياطين بما يزعمونه من أن لكل نوع من الملائكة أسماء أمروا بتعظيمها ومتى أقسم عليهم بها أطاعواوفعلوا ما طلب منهم ولا يخفى بطلان هذا الزعم، وأن ما يحصل من تعظيم وقسم إنما هو متوجه إلى الشياطين1. النوع الرابع: العقد والنفث فيه قال تعالى: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} 2 والنفاثات في العقد: هن السواحر اللاتي يعقدن الخيوط وينفثن3 في كل عقدة حتى ينعقد ما يردن من السحر وذلك إذا كان المسحور غير مباشر، أما إذا كان مباشراً فينفثن عليه مباشرة. وذلك كله بعد أن تكيف نفس الساحر بالخبث والشر الذي يريده بالمسحور ويستعين عليه بالأرواح الخبيثة فيقع فيه السحر بإذن الله الكوني القدري. ويطلق البعض على هذا النوع الرقى لشبهها بها في الصورة ومن هذا النوع سحر لبيد بن ألاعصم اليهودي للرسول صلى الله عليه وسلم والشرك في هذا النوع ظاهر ذلك أنه استعانة بالأرواح الخبيثة وهم الشياطين4. النوع الخامس: الهيمياء بكسر الهاء على وزن كبرياء، وهو ما تركب من خواص سماوية تضاف لأحوال الأفلاك يحصل لمن عمل له شيء من ذلك أمور معلومة عند السحرة، وقد يبقى له إدراك وقد يسلبه بالكلية فتصير أحواله كحالات النائم من غير فرق حتى يتخيل مرور السنين الكثيرة في الزمن اليسير وحدوث

_ 1 أضواء البيان ج4 ص453. 2 آية 4 سورة الفلق. 3 النفث: هو النفخ مع الريق وهو دون التفل. 4 انظر بدائع الفوائد ج2 ص221 ومعارج القبول ج2 ص563، وأضواء البيان ج4 ص452.

الأولاد وإنقضاء الأعمار وغير ذلك في ساعة ونحوها من الزمن اليسير، ومن لم يعلم له ذلك لا يجد شيئا مما ذكر وكل ما يتصوره المسحور في هذه الحالة من الأوهام التي لا حقيقة لها1. النوع السادس: السيمياء: بكسر السين وهو عبارة عما تركب من خواص أرضية كدهن خاص أو كلمات خاصة توجب إدارك الحواس الخمسة أو بعضها بما له وجود حقيقي، أو بما هو تخييل صرف2. وهذا النوع تخييلي. يأتي بأحد أمرين إما بتأثير عقاقير بخواصها. وهذا ليس سحراً في الشرع. وإما بكلمات خاصة، وهذا لا يحصل بمجرد الكلام وإنما هو بمعين من الشياطين يكون منه التخييل على الحواس بعد ذلك الكلام الذي يستدعي به الساحر ذلك المعين وهذا الكلام تذلل للشياطين يعاوضون عنه الساحر بما يريد من الخداع. ولا شك في حرمته لكونه شركاً3. القسم الثاني: ماسحر في اللغة.وهو"السحر المجازي" ومداره على قوة البيان وخفة اليد، والحيل والاكتشافات التي سبق بها الساحر عصره وإنما أدخل هذا القسم في فن السحر للطافة مأخذه، ذلك أن السحر في اللغة عبارة عما خفي ولطف سببه4. وهو أنواع منها: الأول: الأخذ بالأبصار والشعبذة، وهذا النوع مبني على مقدمات. أحدها: أن أغلاط البصر كثيرة ومن أمثلة ذلك أن راكب السفينة إذا نظر إلى الشط رأى السفينة واقفة والشط متحركاً ومثلها السيارة ونحوها. وذلك دليل على أن الساكن يرى متحركاً والمتحرك يرى ساكناً.

_ 1 أضواء البيان ج4 ص452، وحاشية ابن عابدين ج1 ص45. 2 أضواء البيان ج4 ص452، وحاشية ابن عابدين ج1 ص45. 3 انظر السحر بين الحقيقة والخيال ص33. 4 انظر تفسير ابن كثير ج1 ص147.

ثانيها: أن القوة الباصرة إنما تقف على المحسوسات وقوفاً تاماً إذا أدركت المحسوسات في زمان له مقدار ما، أما إذا أدركت المحسوس في زمان قصير جداً ثم أدركت بعده محسوساً آخر وهكذا فانه يختلط البعض بالبعض. وثالثها: أن النفس إذاكانت مشغولة بشيء فربما حضر عند الحس شيء آخر ولا يشعر الحس به ألبتة. مثاله: أن الإنسان عند دخوله على السلطان قديلقاه إنسان آخر ويتكلم معه فلا يعرفه ولا يفهم كلامه، إذ إن قلبه مشغول بشيء آخر. ثم بعد أن فصّل الرازي في تلك المقدمات قال: إذا عرفت هذه المقدمات سهل عند ذلك تصور كيفية هذا النوع من السحر، وذلك أن المشعبذ الحاذق يظهر عمل شيء يشغل أذهان الناظرين به ويأخذ عيونهم إليه حتى إذا استغرقهم الشغل بذلك الشيء والتحديق نحوه عمل شيئا آخر بسرعة شديدة فيبقى ذلك العمل خفياً لتفاوت الشيئين. أحدهما: اشتغالهم بالأمر الأول والثاني: سرعة الإتيان بهذا العمل الثاني وحينئذ يظهر لهم شيء آخر غيرما انتظروه فيتعجبون منه جداً ولو أنه سكت ولم يتكلم بما يصرف الخواطر إلى ضد ما يريد أن يعمله، ولم تتحرك النفوس والأوهام إلى غير ما يريد إخراجه لفطن الناظرون لكل ما يفعله1. وهذا النوع - كما نرى - تخييل لا حقيقة له وهو محرم، لما يتضمنه من الكذب والخداع وقد قال البعض2 بأن سحر سحرة فرعون من هذا النوع والأظهر والله أعلم أنه ليس من هذا النوع ذلك أن سحرة فرعون لم يكن منهم حركات سوى

_ 1 تفسير الرازي ج3 ص211. 2 تفسير ابن كثير ج1 ص146.

إلقاء الحبال والعصي ثم تراءى للناس أنها متحركة فكان سحرهم بفعل آخر أثر على الأعين، وهو من نوع الاستخدامات1. الثاني: الاستعانة بخواص الأدوية والأطعمة والملابس ونحوها. وهو ضرب من الاحتيال يقوم به بعض من يدعي السحر. فمن ذلك أن يدعي القدرة على فعل أمور خارقة، فيستخدم خواص بعض المواد التي خلقها الله مما عرف خاصيته ولم يعلمه بقية الناس. ومن أمثلة ذلك دخول بعض هؤلاء النار بعد أن يدهنوا جلودهم بمواد لها خاصية مقاومة النار، أو يلبس ثياب لا تحرقها النار، فيظن الرائي الجاهل أنه فعل أمراً خارقاً، ولو علم بما فعل لزال العجب، كذلك من هذا النوع أن يجعل في طعام من يريد إيذاءه بعض الأدوية أو الأطعمة المبلدة المزيلة للعقل أو الدخن المسكرة، فإذا تناولها الضحية تبلد عقله وقلت فطنته فيتصرف تصرفاً غيرسليم فيقول الناس إنه مسحور، وقد يستعين بهذه الأدوية ونحوها في مسك الحيات، ثم يزعم أمام جهلة الناس أنها أحوال له2. الثالث: السعي بالنميمة وإغراء بعض الناس ببعض من وجوه لطيفة خفية وهذا شائع بين الناس3 وخصوصاً ضعاف الإيمان منهم. قال أبو الخطاب في عيون المسائل: "ومن السحر السعي بالنميمة والإفساد بين الناس"4

_ 1 انظر: السحر بين الحقيقة والخيال ص 35. 2 انظر تفسير الرازي ج3 ص. 212 وتفسير ابن كثير ج1ص146 وعالم السحر والشعوذة ص 144. 3 انظر تفسير الرازي ج 3 ص 213. 4 فتح المجيد ص 232.

وإنما أطلق على النميمة للإفساد سحراً، لأنها تحول ما بين الصديقين من محبة إلى عداوة بوسيلة خفية كاذبة. وقال ابن كثير: "النميمة على قسمين تارة تكون على وجه التحريش بين الناس وتفريق قلوب المؤمنين فهذا حرام متفق عليه، فأما إذا كانت على وجه الإصلاح بين الناس ... أو على وجه التخذيل والتفريق بين جموع الكفرة فهذا أمر مطلوب كما فعل نعيم بن مسعود"1. الرابع: تعليق القلب: وهو أن يدعي الساحر أنه قد عرف اسم الله الأعظم وأن الجن يطيعونه وينقادون له في أكثر الأمور فإذا اتفق أن كان السامع لذلك ضعيف العقل قليل التمييز اعتقد أنه حق وتعلق قلبه بذلك، وحصل في نفسه نوع من الرعب والمخافة، وإذا حصل الخوف ضعفت القوى الحساسة فحينئذ يتمكن الساحر من أن يفعل ما يشاء2. قال الرازي: "وإن من جرب الأمور وعرف أحوال أهل العلم علم أن لتعلق القلب أثراً عظيماً في تنفيذ الأعمال وإخفاء الأسرار"3.

_ 1 تفسير ابن كثير ج1 ص147. 2 تفسير الرازي ج3 ص213. 3 تفسير الرازي ج3ص213.

المبحث الثاني: السحر له حقبقه أم لا؟

المبحث الثاني: السحر له حقبقه أم لا؟ القول الأول: قول أهل السنة ... المبحث الثاني: السحر له حقيقة أم لا؟ اخُتلف في السحر هل له حقيقة أم لا حقيقة له بل مجرد تخييل؟ على قولين وإليك رأي كل من الفريقين مع بيان الرأي الصائب إن شاء الله. القول الأول: قول أهل السنة والجماعة: وهو أن للسحر حقيقة وأثراً ثابتاً بالكتاب والسنة. قال النووي: "والصحيح أن السحر له حقيقة وبه قطع الجمهور وعليه عامة العلماء ... 1" وقال القرطبي رحمه الله "ذهب أهل السنة إلى أن السحر ثابت وله حقيقة ... "2 وقال أيضاً: "وعندنا أنه حق وله حقيقة يخلق الله عندها ما يشاء"3 وقال الإمام المازري: "مذهب أهل السنة وجمهور علماء الأمة على إثبات السحر وأن له حقيقة كحقيقة غيره من الأشياء الثابتة خلافاً لمن أنكر ذلك ... 4" وقال الإمام ابن القيم: "وقد دل قوله تعالى: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} 5 وحديث عائشة رضى الله عنها على تأثير السحر وأن له حقيقة6. أدلة أهل السنة: لقد استدل أهل السنة على أن للسحر حقيقة وأثراً بأدلة كثيرة من الكتاب والسنة، ومن الواقع وإليك شيئا منها:

_ 1 فتح الباري ج10 ص222. 2 تفسير القرطبي ج2 ص44. 3تفسير القرطبي ج2 ص46. 4 شرح صحيح مسلم للنووي ج14 ص174. 5 آية 4 سورة الفلق. 6 التفسير القيم ص 571.

أولا: الأدلة من الكتاب منها ما يلي: 1- قوله تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} 1 وجه الاستدلال: الآية تدل على أن للسحر حقيقة من وجوه الأول: أن الله سبحانه وتعالى قد أخبر فيها عن السحر وأنه مما يعلم ويتعلم وأن متعلمه يكفر بذلك وهذه الصفات لا تكون إلا لماله حقيقة، مما يدل على أن له حقيقة2. الثاني: أن الله تعالى قد أخبر في هذه الآية بأن للسحر آثاراً محسوسة كالتفريق بين المرء وزوجه والأثر دليل على وجود المؤثر وأن له حقيقة3. الثالث: كما أخبر الله تعالى في هذه الآية بأن للسحرضرراً لا يتحقق إلا بإذنه، والاستثناء دليل على حصول الآثار بسببه والضرر أو الأثر لا يكون إلا مماله حقيقة4. 2- قوله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} 5

_ 1 آية 102 سورة البقرة. 2 انظر شرح النووي على صحيح مسلم ج14 ص 174. 3انظر تفسير القرطبي ج2ص46، وشرح النووي على صحيح مسلم ج14 ص 174 أضواء البيان ج4 ص437 4 تفسير الرازي ج3 ص213. 5 سورة الفلق.

وجه الاستدلال: أن الله تعالى أمرنبيه صلى الله عليه وسلم في هذه السورة بالاستعاذة من شر النفاثات في العقد وهن السواحر كما فسرها جمهور المفسرين1 مما يدل على أن للسحر حقيقة وأثرا2 إضافة إلى ذلك أن هذه السورة وسورة الناس باتفاق جمهور المفسرين سبب نزولهما3 سحر لبيد بن الأعصم اليهودي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولو لم يكن له حقيقة وأثر لما أنزلت هاتان السورتان لإبطال أثره. ثانياً: الأدلة من السنة وهي كثيرة منها ما يلي: 1- أخرج البخاري بسنده إلى عيسى بن يونس عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من بني زريق يقال له لبيد بن الأعصم حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه فعل الشيء وما فعله حتى إذا كان ذات يوم، أو ذات ليلة - وهو

_ 1 انظر تفسير ابن كثير ج4 ص573 ومختصر تفسير الطبري ص707 والتفسير القيم ص563. 2 انظر أضواء البيان ج4 ص437، ونيل الأوطار ص 363 والمغني ج8ص151 وشرح المهذب ج19ص240 وفتح المجيد ص222 3 أسباب النوزل للنيسابوري ص347 وأسباب النزول للسيوطي ص550 والتفسير القيم ص567 وتفسير القرطبي ج2ص546 وقد يقول قائل كيف أن سورة الفلق مكية ويكون سبب نزولها ماوقع من سحر للنبي صلى الله عليه وسلم في المدينة؟ ويجاب على ذلك بأن سورة الفلق ليست مكية وإنما هي من السور المختلف فيها والأرجح أنها مدنية كما في الصحاح، قال الألوسي بعد أن حكى الخلاف ورجح أنها مدنية قال: فلا يلتفت لمن قال بمكيتها وحتى لوسلمنا بأنها مكية فإنه لا يلزم منه أنها لا تكون علاجاً للسحر. انظر الناسخ والمنسوخ ص 144 وروح المعاني ج30ص 278والسحر بين الحقيقة والوهم ص69.

عندي لكنه دعا ودعا، ثم قال "يا عائشة أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه. أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي فقال أحدهما لصاحبه ما وجع الرجل؟ قالا: مطبوب1 قال: ومن طبه؟ قال لبيد بن الأعصم. قال في أي شيئ؟ قال في مشط ومشاطة2 وجف طلع3 نخلة ذكر. قال: وأين هو؟ قال في بئر ذروان4.فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناس من أصحابه، فجاء فقال: يا عائشة كأن مائها نقاعة الحنا5 وكأن رؤوس نخلها رؤوس الشياطين6 قلت يا رسول الله أفلا استخرجته؟ قال قد عافاني الله فكرهت أن أثير على الناس فيه شراً فأمر بها فدفنت7

_ 1 المطبوب: المسحور. 2 المشط: ما يسرح به الشعر، المشاطة هي الشعر الذي يسقط من الرأس واللحية عند تسريحه. 3وعاء طلع النخل: هو الغشاء الذي يكون عليه ويطلق على الذكر والأنثى، ولذا قيده في الحديث بالذكر. 4 وهي بئر في المدينة في بستان بني رزيق. 5 الماء الذي ينقع فيه الحنا أي أحمر 6 أي كأن نخلها الذي يشرب من مائها - وقد التوى سعفه - رؤس الشياطين أي في قبحه 7 رواه البخاري في كتاب الطب باب السحر 5763 ومسلم في كتاب السلام باب السحر. انظر مسلم المطبوع مع شرح النووي ج14 ص 174 - 178

وفي رواية لمسلم "فقلت يا رسول الله أفلا أحرقته" 1 ويقول الإمام النووي عن الروايتين: "كلاهماصحيح: فطلبت أن يخرجه ثم يحرقه والمراد إخراج السحر"2. وفي رواية عمرة عن عائشة "فنزل رجل فاستخرجه" وفيه من الزيادة أنه "وجد في الطلعة تمثالاً من شمع تمثال رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا فيه إبر مغروزة، وإذابه وتر فيه إحدى عشرة عقدة فنزل جبريل بالمعوذتين فكلما قرأ آية انحلت عقدة وكلما نزع إبرة وجد لها ألما ثم يجد بعدها راحة" 3 وجه الاستدلال: الحديث كما نرى يروي واقعة سحره عليه الصلاة والسلام ابتداءً من تغيرعادته صلى الله عليه وسلم حتى إنه يخيل إليه أنه فعل الشيء ولم يفعله وانتهاءً بقراءة المعوذتين وحل العقد ونزع الإبر وما بين ذلك من دعائه صلىالله عليه وسلم ثم نزول الملكين ونقاشهما فيما حصل له صلى الله عليه وسلم ثم ذهابه إلى البئر في جماعة من أصحابه وإخبار عائشة فيما حصل. وطلبها رضي الله عنها استخراجه، قوله صلى الله عليه وسلم "إن الله شفاني" كل هذا لا يكون إلا فيما له حقيقة وأثر بيّن4. 2

_ 1 رواه مسلم في كتاب السلام باب السحر. صحيح مسلم بشرح النووي ج14 ص177 (المتن) 2 صحيح مسلم بشرح النووي ج14 ص177 (الشرح) 3 فتح الباري ج10 ص 230 4 انظر: التفسير القيم ص 571 والتفسير الكبير للرازي ج3ص213، وشرح النووي على صحيح مسلم ج14 ص174 وتفسير القرطبي ج2ص213.

2- ما رواه البخاري بسنده إلى أبي الغيث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"اجتنبوا السبع الموبقات قالوا يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات" 1 وجه الاستدلال: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرنا باجتناب السبع الموبقات وعد منها السحر بل جعله في المرتبة الثانية بعد الشرك بالله. مما يدل على أن له حقيقة. 3- قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من تصّبح بسبع تمرات عجوة2 لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر" 3 وجه الاستدلال: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرشدنا إلى ما فيه وقاية من السحر ولايتوقى إلاشيء له حقيقة وأثر بين، كما أنه قارنه بالسم والسم متفق بأن له حقيقة وأثراً فكذلك إذاً السحر4. ثالثاً: الدليل من الواقع: كذلك من أدلة أهل السنة على أن للسحر حقيقة: الواقع المشاهد وما اشتهر بين الناس من عقد الرجل عن امرأته حين يتزوجها

_ 1رواه البخاري في كتاب الوصايا. باب قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} برقم 2615 ورواه مختصرا بلفظ "اجتنبوا الموبقات الشرك بالله والسحر" في كتاب الطب باب الشرك والسحر من الموبقات برقم 5431 2 ضرب من أجود تمر المدينة والينه. انظر فتح الباري ج10 ص 238. 3رواه البخاري في كتاب الطب باب الدواء بالعجوة للسحر برقم 5769، ومسلم في كتب الأشربة باب فضل تمر المدينة. انظر: صحيح مسلم المطبوع مع شرح النووي ج14ص2. 4 انظر: السحر بين الحقيقة والخيال ص66.

فلا يقدرعلى إتيانها. وحل عقده فيقدر عليها بعد عجز عنها حتى صار متواتراً لا يمكن جحده. وروى من أخبار السحرة ما لا يكاد يمكن التواطؤ على الكذب فيه1. كل هذا دليل ظاهر على أن للسحر حقيقة والله أعلم.

_ 1 انظر: المغني لابن قدامه ج8ص151.

القول الأول: قول عامة المعتزلة

القول الأول: قول عامة المعتزلة ... القول الثاني: وهو قول عامة المعتزلة. وجماعة من العلماء كأبي منصور الماتريدي وابن حزم وأبي جعفر الأستراباذي من الشافعية وأبي بكر الجصاص، وغيرهم. ويتلخص رأيهم في أن السحر لا حقيقة له وإنما هو تمويه وتخييل فلا تأثير له لا في مرض ولا حل ولا عقد ولاغير ذلك، وعلى ذلك فهم ينكرون من أنواع السحر ما كان له حقيقة ويجعلونه ضرباً واحداً وهو سحر التخييل. يقول القاضي عبد الجبار:"إن السحر في الحقيقة لا يوجب المضرة لأنه ضرب من التمويه والحيلة…"1 ويقول أبو منصور الماتريدي: "والأصل أن الكهانة محمول أكثرها على الكذب والمخادعة والسحر على التشبيه والتخييل"2 ويقول ابن حزم: "…وقد نص الله عز وجل على ما قلنا فقال تعالى: {فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} 3 فأخبر الله تعالى أن عمل أولئك السحرة إنما كان تخيلاً لا حقيقة ... "4

_ 1 انظر: متشابه القرآن ج1ص101. 2 التوحيد له، 209 3 آية 66 سورة طه. 4 الفصل له ج5 ص506 وانظر المحلى له ج1ص36.

وقال ابن حجر: "واختلف في السحر: فقيل هو تخييل فقط ولا حقيقة له وهذا اختيار أبي جعفر الاستراباذي من الشافعية وأبي بكر الرازي من الحنفية وابن حزم الظاهري وطائفة"1 وقد أيدوا قولهم هذا بشبهات نقلية وعقلية. وإليك شيئاً منها مع المناقشة: أولا: الشبهات النقلية منها، ما يلي الشبهة الأولى: قوله تعالى: {فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} 2 وجه الاستدلال: قالوا الآية تدل على أن السحرة حاولوا إرهاب الناس وتخويفهم بأن خيلوا لأعين الناظرين أمراً لا حقيقة له مما يدل على أن السحر لا حقيقة له3. الشبهة الثانية: قوله تعالى: {فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} 4 الشبهة الثالثة: قوله تعالى: {إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} 5 وجه الاستدلال: يقول ابن حزم:"وقد نص الله عز وجل على ما قلنا فقال تعالى {فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} 6 فأخبر تعالى: (أن عمل أولئك السحرة إنما كان تخييلا لا حقيقة له.

_ 1 فتح الباري ج10ص222، وانظر أحكام القرآن للجصاص ج1 ص52، 59 2 آية 116 سورة الأعراف 3 انظر: أضواء البيان ج4 ص437 والفصل ج5ص6 4 آية 66 سورة طه. 5 آية 69 سورة طه. 6 آية 66 سورة طه.

وقال تعالى {إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} 1 فأخبر تعالى أنه كيد لا حقيقة له) الجواب يقال لهم: أولاًً: الآيات دليل على أن للسحر حقيقة إذ إنها دلت على أن للسحر أثراً في نظر المسحور حتى تخيل الشيء علىخلاف ما هو عليه وهو تأثير في إحساسهم، وإذا جاز، فما الذي يحيل تأثيره في تغيير بعض أعراضهم وقواهم وطباعهم؟ وما الفرق بين التغيير الواقع في الرؤية والتغيير الواقع في صفة أخرى من صفات النفس والبدن؟ وعليه فالآيات حجة عليكم لا لكم. ثانياً: على التسليم بدلالة الآيات على التخييل فقط فإن هذا لا يمنع أن يكون غير التخييل من جملة السحر؛ لأنها لم تحصر السحر في التخييل، وإنما دلت على أن سحر سحرة فرعون ونحوهم كان من هذا النوع ونحن لاننكر أن يكون التخييل من أنواع السحر وعلى ذلك فلا حجة في الآيات على نفي حقيقة السحر وتأثيره3والله أعلم. ثانياُ: الشبهات العقلية: منها ما يلي: الشبهة الأولى: قالوا إن في القول بأن للسحر أثراً خارقاً للعادة يلزم منه أن يكون هناك موجوداً مثلاً لله تعالى. كما أنه لا يمكن العلم معه بالفرق بين ما يختص الله بالقدرة عليه وبين مقدور العباد4.

_ 1 آية 69 سورة طه. 2 الفصل ج5 ص5 - 6. 3 انظر التفسير القيم ص 571 –572، وتفسير القرطبي ج2 ص 46. 4 انظر تفسير الرازي ج3 ص206-207 ومتشابه القرآن ج1ص102.

الجواب: يقال لهم هذه الشبهة باطلة ولا يلزم من القول بأن للسحر أثراً ما زعمتم، ذلك أن أهل السنة لما قالوا بأن للسحر أثراً لم يطلقوا القول بحصول كل أثر أو بحصول أثر يصل إلى مرتبة الخلق والإيجاد، ذلك أن الموجد الحق هو الله وحده لا شريك له. قال تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ....الآية} 1 وقال تعالى {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} 2 وقال تعالى {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ 000الآية} 3 والقول بأن أثر السحر يصل إلى درجة الخلق شرك في الربوبية. أعاذنا الله منه. وإنما قالوا له أثر على النفس والبدن يؤدي إلى المرض. فهو سبب قد ربط الله به بعض المسببات في حدود قدرة الخلق من الجن والإنس وبما أن قدرة الشياطين تختلف عن قدرة الإنس لذا قد يظن الجاهل أن حصول الأثر المناقض للعادة فوق قدرة الخلق والواقع أنه في حدود قدرة الخلق من الجن والإنس ولذا يمكن معارضته بمثله وأقوى منه4. وإذا كان كذلك فلن يلزم من القول بان للسحر أثراً ما زعمتم. والله أعلم. الشبهة الثانية: يروي الرازي عن القاضي أنه قال: "أنا لو جوزنا ذلك5" لتعذر الاستدلال بالمعجزات على النبوات لأنا لو جوزنا استحداث الخوارق بواسطة تمزيج القوى السماوية بالقوى الأرضية لم يمكنا القطع بأن هذه الخوارق التي

_ 1 آية 62 سورة الزمر. 2 آية 2 سورة الفرقان. 3 آية 17 سورة النحل. 4 النبوات ص 258، 277- 278،281. 5 أن يكون للسحر أثر خارق للعادة.

ظهرت على أيدي الأنبياء عليهم السلام صدرت عن الله تعالى بل يجوز فيها أنهم أتوا بها عن طريق السحر وحينئذ يبطل القول بالنبوات من كل الوجوه1. الجواب: يقال لهم العادة تنخرق على يد النبي والولي والساحر. ولكن النبي يتحدى بها الخلق ويستعجزهم عن مثلها ويخبر عن الله تعالى بخرق العادة بها لتصديقه فلو كان كاذباً لم تنخرق العادة على يديه. ولذا لا يمكن معارضته بمثله أو أقوى منه؛ إذ إنّه ليس في مقدور الجن والإنس. قال تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} 2 أما الولي والساحر: فلا يتحديان الخلق ولا يستدلان على نبوة ولو ادعيا شيئاً من ذلك لم تنخرق العادة لهما. وأما الفرق بين الولي والساحر فمن وجوه منها: الأول: وهو المشهور، إجماع المسلمين على أن السحر لا يظهر إلا على فاسق أو كافر، والكرامة لا تظهر إلا على ولي. الثاني: أن السحر يكون بمعاناة أقوال وأفعال حتى يتم لساحر ما يريد. والكرامة لا تفتقر إلى شيئ من ذلك. وفي كثير من الأوقات تقع الكرامة اتفاقا من غير أن يستدعيها أو يشعر بها. الثالث: أن ما يأتي به السحرة، يمكن معارضته بمثله وأقوى منه كما هو الواقع بخلاف الكرامات فهي كالمعجزات لا يمكن لأحد أن يعارضها بمثلها أو أقوى منها.

_ 1 تفسير الرازي ج3ص306،314 وانظر الفصل ج5 ص7 ومتشابه القرآن ج1 ص102. 2 آية 88 سورة الإسراء.

الرابع: إن مايأتي به السحرة لا يخرج عن كونه مقدوراً للإنس والجن بخلاف الكرامات فهي كالمعجزات لا يقدر عليها إلا الله1. الشبهة الثالثة: يروي الرازي عن القاضي أنه قال:" ... لو جوزنا أن يكون في الناس من يقدر علىخلق الجسم والحياة والألوان لقدر ذلك الإنسان على تحصيل الأموال العظيمة من غير تعب. لكنا نرى من يدعي السحر متوصلا ً إلى اكتساب الحقير من المال بجهد جهيد فعلمنا كذبه."2 الجواب: يقال لهم هذه الشبهة باطلة ولا تلزمنا لأنا لم نطلق الحكم بحصول كل تأثير مهما كان بل قلنا في نطاق معين لا يتجاوز التصرف في الأعراض من باب التأثير على القلوب بالحب والبغض وعلى الأبدان بالألم والسقم. أما أن يقلب الجماد حيواناً أو عكسه أو الحديد ذهباً أو نحوه فليس في مقدور الساحر3. وبذلك يزول اللبس وتبطل هذه الشبهة. والله أعلم. والأظهر في هذه المسألة - والله أعلم - أن السحر المذموم صاحبه ليس كله حقيقة وليس كله تخييلاً. بل منه ما هو حقيقة كما دلت عليه أدلة أهل السنة، ومنه ما هو تخييل كما دلت عليه الآيات التي استدل بها المخالفون. وبذلك يتضح عدم التعارض بين الأدلة النقلية. وعلى هذا جماهير العلماء من المسلمين4. والله أعلم.

_ 1 شرح النووي على صحيح مسلم ج14 ص175-176، النبوات لابن تيمية ص 281-282، فتح الباري ج10 ص 223. 2 تفسير الرازي ج3 ص206. 3 انظر فتح الباري ج10 ص223. 4 أضواء البيان ج4 ص437-438، ص 455وتيسيير العزيز الحميد 334.

المبحث الثالث: حكم السحر والسحرة

المبحث الثالث: حكم السحر والسحرة أولا: حكم تعلم السحر وتعليمه ... تابع لحقيقة السحر وحكمه في الكتاب والسنة المبحث الثالث: حكم السحر والسحرة. سنتناول في هذا المبحث إن شاء الله ما يلي: أولاً: حكم تعلم السحر وتعليمه. ثانيا: حكم العمل به. ثالثا: عقوبة الساحر. رابعا: توبة الساحر. أولا: حكم تعلم السحر وتعليمه: اختلف العلماء في حكم تعلم السحر وتعليمه على أقوال. الأول: قول الجمهور من علماء أهل السنة، قالوا إن تعلم السحر وتعليمه حرام. قال ابن قدامة رحمه الله " ... فإن تعلم السحر وتعليمه حرام لا نعلم فيه خلافاً بين أهل العلم"1 لكن ما هي درجة هذا التحريم؟ إن قصد من تعلمه العمل به وكان فيه قول أو فعل يقتضي الكفر، أو تعلمه معتقداً إباحته فهو كفر، وإلا فهو فسق. قال الإمام الشافعي: "إذا تعلم السحر قيل له صف لنا سحرك؟ فإن وصف ما يستوجب الكفر مثل سحر أهل بابل من التقرب للكواكب وأنها تفعل ما يطلب منها فهو كافر وإن كان لا يوجب الكفر فإن اعتقد إباحته فهو كافر وإلا فلا2 وقال النووي رحمه الله وهو يتكلم عن السحر: " ... وأما تعلمه وتعليمه فحرام فإن تضمن ما يقضي الكفر كفر وإلا فلا"3.

_ 1 المغني لابن قدامة ج8 ص151. 2 أضواء البيان ج4ص455. 3شرح صحيح مسلم للنووي ج14 ص176.

وقال أبو حيان: "وأما حكم السحر فما كان منه يعظم به غير الله من الكواكب والشياطين وإضافة ما يحدثه الله إليها فهوكفر إجماعاً لا يحل تعليمه ولا العمل به وكذا ما قصد بتعلمه سفك الدماء والتفريق بين الزوجين والأصدقاء، وأما إذا كان لا يعلم منه شيئا من ذلك بل يحتمل فالظاهر أنه لا يحل تعلمه والعمل به ... 1" وقال الشيخ سليمان بن عبد الوهاب: "وقد نص أحمد على أنه يكفر بتعلمه وتعليمه2. الأدلة: وقد أيدوا قولهم بأدلة كثيرة منها ما يلي: الأول: قوله تعالى {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ... الآية} 3 قال ابن حجر:"فإن ظاهرها أنهم كفروا بذلك، ولا يكفر بتعليم الشيء إلا وذلك الشيء كفر"4 الثاني: قوله تعالى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ ... الآية} 5 قال ابن حجر: "الآية فيها إشارة إلى أن تعلم السحركفر"6 الثالث: قوله تعالى { ... وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ ... الآية} 7

_ 1 روائع البيان ج1ص84. 2 تيسير العزيز الحميد ص 335. 3 آية 102 سورة البقرة. 4 فتح الباري ج10ص225. 5 آية 102 سورة البقرة. 6 فتح الباري ج10ص225. 7 آية 102 سورة البقرة.

قال الشوكاني: "الآية فيها تصريح بأن السحر لا يعود على صاحبه بفائدة ولا يجلب إليه منفعة بل هو ضرر محض وخسران بحت"1 وإذا كان كذلك فتعلمه لا يجوز. لأنه وسيلة إلى هذا الضرر والخسران الرابع: قوله تعالى { ... وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} 2 قال أبو جعفر:".... قد دللنا فيما مضى على أن معنى "شروا" باعوا فمعنى الكلام إذا ولبئس ماباعه نفسه من تعّلم السحر لو كان يعلم سوء عاقبته"3 الخامس: ما روى عبد الرّزّاق عن صفوان بن سليم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تعلم شيئاً من السحرقليلاً كان أو كثيراً كان آخر عهده من الله" 4 القول الثاني: جواز تعلم السحر عند الضرورة: قال ابن حجر: "وقد أجاز بعض العلماء تعلم السحر لأمرين، إما لتمييز ما فيه كفر من غيره، وإما لإزالته عمن وقع فيه"5 ثم قال ابن حجر: فأما الأول: فلا محذور فيه إلا من جهة الاعتقاد فإذا سلم الاعتقاد فمعرفة الشيء بمجرده لا يستلزم منعاً كمن يعرف كيفية عبادة أهل الأوثان للأوثان، لأن كيفية ما يعمله الساحر إنما هي حكاية قول أو فعل بخلاف تعاطيه والعمل به.

_ 1 تفسير الشوكاني ج1ص121. 2 آية 102 سورة البقرة. 3 تفسير الطبري ج 1ص 371. 4 مصنف عبد الرزاق ج10 ص 184 حديث 18753 وانظر كنز العمال ج6ح17653. 5 فتح الباري ج10ص224.

وأما الثاني: فإن كان لا يتم كما زعم بعضهم إلا بنوع من أنواع الكفر أو الفسق فلا يحل أصلا وإلا جاز للمعنى المذكور" 1 القول الثالث جواز تعلم السحر مطلقاً: والى هذا ذهب الرازي في تفسيره حيث قال: "العلم بالسحر غيرقبيح ولا محظور اتفق المحققون على ذلك لأن العلم لذاته شريف وأيضا لعموم قوله تعالى { ... هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ... الآية} 2 ولأن السحر لو لم يكن يعلم لما أمكن الفرق بينه وبين المعجزة، والعلم بكون المعجز معجزاً واجب وما يتوقف الواجب عليه فهو واجب. فهذا يقتضي أن يكون تحصيل العلم بالسحر واجباً وما يكون واجباً كيف يكون حراماً وقبيحاً3وهذا قول باطل ولذا رد عليه بعض الأئمة كابن كثير في تفسيره حيث قال – بعد أن عرض رأيه-" وفي كلام الرازي نظر من وجوه أحدها: قوله: العلم بالسحر ليس بقبيح ولا محظور اتفق المحققون على ذلك. أ- أما قوله"ليس بقبيح: إن عنىبه ليس بقبيح عقلاً فمخالفوه من المعتزلة يمنعون هذا وإن عني أنه ليس بقبيح شرعاً ففي الكتاب والسنة ما يبطل زعمه، فمن الكتاب قوله تعالى {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ ... الآية} 4

_ 1 فتح الباري ج10ص 224 - 225. 2 آية 9 سورة الزمر. 3 تفسير الرازي ج3 ص214. 4 آية 102 سورة البقرة.

ففي هذه الآية تبشيع لتعلم السحر. ومن السنة ما في الصحيح1 "من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد" 2 وفي السنن:"من عقد عقدة ونفث فيها فقد سحر ... الحديث" 3تبشيع لتعلم السحر أيضا. ب_ وأما قوله "لا محظور" فيقال: كيف لا يكون محظوراً مع ما ذكرناه من الآية والحديث وما ورد فيهما من التبشيع له. ج_ وأما قوله "اتفق المحققون على ذلك" فيقال: اتفاق المحققين يقتضي أن يكون قد نص على هذه المسألة أئمة العلماء أو أكثرهم وأين نصوصهم على ذلك؟ ثانياً: أ- أن إدخال السحر في عموم قوله تعالى {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ... الآية} 4 فيه نظر، لأن هذه الآية إنما دلت على مدح العالمين العلم الشرعي والعلم بالسحر ليس من العلم الشرعي فلم قلت أنه منه؟ ب_ ثم ترقيته إلى وجوب تعلمه بأنه لا يحصل العلم بالمعجز إلا به: ضعيف بل فاسد لما يلي:

_ 1 إن كان يعني أنه صحيح فلا مانع وإن كان يعني أنه ورد في الصحيحين أو أحدهما فليس كذلك. 2 رواه أحمد في المسندج2 ص429 والحاكم في المستدرك ج1ص8 عن أبي هريرة انظر: كنز العمال، حديث 17678. 3 رواه النسائي في التحريم باب الحكم في السحرة ج7ص112 وفي سنده عباد بن ميسره وهو لين الحديث، انظر جامع الإصول حديث 3071. 4 آية 9 سورة الزمر.

1- إن أعظم معجزات رسولنا عليه الصلاة والسلام هي القرآن العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، والعلم بأنه معجز لا يتوقف على علم السحر أصلاً. 2- أن من المعلوم بالضرورة أن الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين وعامتهم كانوا يعلمون المعجز ويفرقون بينه وبين غيره ولم يكونوا يعلمون السحر ولا تعلموه ولا علموه1وبذلك يتبين بطلان قوله. والله أعلم. كما تعقبه الألوسي في تفسيره.2 وبذلك يتضح أن القول الأول هو الصحيح للأدلة الدالة من الكتاب والسنة. وأما القول الثاني: فيمكن إرجاعه إلى القول الأول، كما تعقبه ابن حجر بأنه يشترط سلامة الاعتقاد في الأول وأن لا يكون بنوع فيه كفر في الثاني. وأما القول الثالث: فلا صحة له كما رد عليه ابن كثير والألوسي.

_ 1 تفسير ابن كثير ج1 ص144- 145 0 بتصرف. 2 روح المعاني ج1 ص339 – 340.

ثانيا: حكم العمل بالسحر

ثانياً: حكم العمل بالسحر: محرم بالكتاب والسنة بلاخلاف بين أهل العلم ولكن ما هي درجة هذا التحريم؟ إن كان فيه اعتقاد أوقول أوفعل يقتضي الكفر مثل: اعتقاد أن الكواكب السبعة أو غيرها مدبرة مع الله. أو أن الساحر قادر على خلق الأجسام أو اعتقد أن فعله مباح أو تضمن تقرباً إلى الشياطين بشيء من الأوراد الكفرية، أو الذبح لها ونحو ذلك فهو كفر. أما إذا لم يكن فيه شيء من ذلك وهو ما يسمى بالسحر المجازي مثل: السحر بالأدوية والتدخين، وسقيا شيء يضر، أو بالحركات الخفية ونحو ذلك فليس

بكفر وإنما هو فسق1. يقول النووي: "علم السحر حرام وهو من الكبائر بالإجماع، وقد عده النبي صلى الله عليه وسلم من السبع الموبقات، ومنه ما يكون كفراً ومنه ما لا يكون كفراً، بل معصية كبيرة، فإن كان فيه قول أو فعل يقتضي الكفر فهو كافر، وإلا فلا"2 ويقول ابن قدامة: "والساحر الذي يركب المكنسة وتسيربه في الهواء ونحوه يكفر ويقتل، فأما السحر بالأدوية والتدخين وسقيا شيء يضر فلا يكفر"3 الأدلة: وهي كثيرة منها ما يلي: 1- "ما سبق ذكره آنفا في أدلة الجمهور الدالة على تحريم تعلم السحر تعليمه، ذلك أن كل دليل يدل على تحريم تعلم السحر فدلالته على تحريم العمل به أولى. 2- "ومن الأدلة أيضا قوله تعالى {وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} 4 وجهة الدلالة: أن الله سبحانه وتعالى نفى الفلاح عن الساحر نفياً عاماً حيث توجه وسلك وذلك دليل كفره، لأن الفلاح لا ينفى بالكلية نفياً عاماً إلا عمن لا خير فيه وهو الكافر، ذلك أنه قد عرف باستقراء القرآن أن الغالب فيه أن لفظه "لا يفلح" يراد بها الكافر. كقوله تعالى {قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا

_ 1 انظر: تفسير ابن كثير ج1 ص 147، وتفسير الرازي ج3ص 214-215 وشرح النووي على صحيح مسلم ج14ص176، والمقنع لابن قدامة ج3ص 523 – 524 والتنقيح المشبع ص 383. 2 شرح النووي لصحيح مسلم ج14 ص176. 3 المقنع ج3ص523-524. 4 آية 69 طه.

يَكْفُرُونَ} 1وقوله تعالى {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ} 2إلى غير ذلك من الآيات3. 3- قوله تعالى {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} 4 وجه الدلالة: أن الآية تدل على نفي الإيمان عن السحرة، إذ إن لو حرف امتناع، فيثبت نقيضه وهو الكفر5 قال ابن عباس: "كل شيء في القرآن لو فإنه لا يكون أبداً"6 وقال الشوكاني: "ولو أنهم آمنوا واتقوا ما وقعوا فيه من السحر والكفر"7 وقال ابن كثير:"وقد استدل بقوله {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا} من ذهب إلى تكفير الساحر كما هو رواية الإمام أحمد وطائفة من السلف"8 4- قوله صلى الله عليه وسلم: "من أتى عرافاً أوساحراً أو كاهناً فسأله فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد" 9في الحديث - كما نرى - تحذير من إتيان العرافين أو السحرة أو الكهنة وتصديقهم - مشيراً إلى أن تصديقهم كفر

_ 1 آية 69- 70 يونس. 2 آية 17 يونس. 3 انظر أضواء البيان ج4 ص442-443. 4آية 103 سورة البقرة. 5 انظر تفسير القرطبي ج2ص47-49 وأحكام القرآن ج1ص63-64. 6 الدر المنثور ج1ص103. 7 فتح القدير ج1ص121. 8 تفسير ابن كثير ج1ص144. 9 ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد. وقال: رواه البزار ورجاله ورجال الصحيح خلا هبيرة بن مريم، وهو ثقة. انظر: مجمع الزوائد ج5 ص121.

بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم وإذا كان هذا حال الآتي فكيف حال المأتي. والكفر هنا ظاهره الكفر الحقيقي وهو الكفر الأكبر، وقيل الكفر المجازي وهو الكفر الأصغر، وقيل من اعتقد أن العراف أو الساحر أو الكاهن يعرفان الغيب ويطلعان على الأسرار الإلهية كان كافراً كفراً أكبر كمن اعتقد تأثير الكواكب، وإلا فلا.1 5- قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من تطير أو تطير له أو تكهن أو تكهن له أو سحر أو سحر له.... الحديث" 2 في الحديث إشارة إلى براءة المصطفى صلى الله عليه وسلم ممن يفعل شيئا من هذه الأفاعيل التي منها السحر ولا يتبرأ صلى الله عليه وسلم من فاعل فعل مباح. 6- قوله صلى الله عليه وسلم: "اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا يا رسول الله ما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات" 3في هذا الحديث - قد عد المصطفى صلى الله عليه وسلم

_ 1 نيل الأوطار ج7 ص368. 2 ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد. قال: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح خلا إسحاق بن الربيع. وهو ثقة انظر: مجمع الزوائد ج5 ص120 وكشف الأستار ج3 ص400 المتن والحاشية. 3 رواه البخاري الوصايا باب قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً} ومسلم في الايمان باب بيان الكبائر وأكبرها وأبو داؤد، والنسائي، انظر: جامع الأصول حديث 8229.

السحر من السبع الموبقات وأمر باجتنابها لما يترتب على فعلها من ضرر في الدنيا وعذاب في الآخرة. قوله صلى الله عليه وسلم: "من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر ومن سحر فقد أشرك ومن تعلق بشيء وكل إليه" 1 وجه الدلالة: أن في الحديث تصريحاً بأن فاعل السحر قد أشرك. هذا شيئ من الأدلة من الكتاب والسنة. كلها صريحة بتحريم السحر وعده إما كفراً أو معصية كبيرة - مما يدل على أن السحر قد يكون كفراً، وذلك إذا كان فيه ما يقتضي الكفر، ويكون فسقاً إذا لم يكن فيه شيء من ذلك. وهو السحر المجازي والله أعلم.

_ 1 أخرجه النسائي في التحريم باب الحكم في السحرة وفي سنده عباد بن ميسرة المنقري وهو لين الحديث، جامع الأصول حديث 3071.

ثالثا: عقوبة الساحر

ثالثاً: عقوبة الساحر: نظراً لتعدد أنواع السحر لذا اختلف العلماء في عقوبة الساحر على قولين: القول الأول: وهو ما ذهب إليه جمهور أهل السنة من الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار ورواية عن الإمام الشافعي أنه متى ما ثبتت جريمة السحر بحق إنسان بإقرار أو بيّنه وجب قتله مطلقاً من غير استتابة إلا أن يأتي تائباً قبل أن يقدر عليه. يقول الإمام أبو حنيفة: "يقتل الساحر إذا علم أنه ساحر ولا يستتاب ولا يقبل قوله إني أترك السحر وأتوب منه."فإذا أقرّ أنه ساحر فقد حل دمه، وإن شهد عليه شاهدان أنه ساحر فوصفوا ذلك بصفة يعلم أنه ساحر قتل ولا يستتاب، وإن أقرّ فقال: كنت أسحر وتركت هذا منذ زمان قبل منه ولم يقتل.

وكذا لو شهد عليه أنه كان مرة ساحر وأنه ترك منذ زمان لم يقتل إلا أن يشهدوا أنه الساعة ساحر وأقرّ بذلك فيقتل.1 وحكى محمد بن شجاع عن علي الرازي. قال: سألت أبا يوسف عن قول أبي حنيفة في الساحر: يقتل ولا يستتاب. لمَ لم يكن ذلك بمنزلة المرتد؟ فقال الساحر جمع مع كفره السعي في الأرض بالفساد والساعي بالفساد إذا قتل قتل.2 وقال الإمام مالك: "الساحر كافر يقتل بالسحر ولا يستتاب ولا تقبل توبته بل يتحتم قتله كالزنديق"3 وقال أيضاً: "فإذا جاء الساحر أو الزنديق تائباً قبل أن يشهدوا عليهما قبلت توبتهما"4 وقال ابن قدامة:" ... وحد الساحر القتل روي ذلك عن عمر وعثمان ابن عفان وابن عمر وحفصة وجندب بن عبد الله وجندب بن كعب وقيس ابن سعد وعمر بن عبد العزيز وهو قول أبي حنيفة ومالك ... إلى أن قال: وهل يستتاب الساحر؟ فيه روايتان: أحدهما: لا يستتاب، وهو ظاهر ما نقل عن الصحابة فإنه لم ينقل عن أحد منهم أنه استتاب ساحراً.5 وقال عياض: "وبقول مالك قال أحمد وجماعة من التابعين"6

_ 1 أحكام القرآن ج1ص60 وانظر: تفسير الرازي ج3ص215. 2 أحكام القرآن ج1ص61. 3 فتح الباري ج10ص224، ونيل الوطار ج7ص363. 4 تفسير القرطبي ج2 ص49. 5المغني لابن قدامة ج8ص153. 6 فتح الباري ج10ص224.

وقال القرطبي: "اختلف الفقهاء في حكم الساحر المسلم ... فذهب مالك إلى أن المسلم إذا سحر بنفسه بكلام يكون كفراً يقتل ولا يستتاب ولا تقبل توبته؛ لأنه أمر يستسر به كالزنديق والزاني ... وهو قول أحمد بن حنبل وأبي ثور وإسحاق والشافعي وأبي حنيفة.1 وقد أيدوا قولهم بأدلة كثيرة من الكتاب والسنة وأفعال الصحابة والتابعين منها ما يلي: الأول: قال تعالى {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ ... الآية} 2 وجه الدلالة: أن الآية تدل على أن السحر كفر من وجوه - أحدها: نفي الكفر عن سليمان عليه السلام في معرض اتهامه بالسحر وإثباته للشياطين لتعليمهم الناس السحر دليل على أن السحر كفر. ثانيها: تحذير الملكين من تعلم السحر بأنه كفر3. وعليه فإن الساحر يقتل لأنه كافر. الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي عن الحسن عن جندب أنه صلى الله عليه وسلم قال: "حد الساحر ضربة السيف" 4

_ 1 تفسير القرطبي ج2ص47-48. 2 آية 102 سورة البقرة. 3 المغني ج8ص152 وتفسير القرطبي ج2 ص 47، 49 وأحكام القرآن للجصاص ج1ص63. 4 واه الترمذي في كتاب الحدودباب ماجاء في حد الساحر ج4 ص60 وضعف إسناده حيث قال: لا نعرفه مرفوعاً: إلا من هذا الوجه وإسماعيل بن مسلم يضّعف في الحديث من قبل حفظه ... والصحيح عن جندب موقوف انظر نيل الأوطار ج7ص362-363 وعلى هذا فهو عند الترمذي المرفوع ضعيف والصحيح أنه موقوف. ورواه أيضاً الحاكم في المستدرك في كتاب الحدود باب حد الساحر ضربة بالسيف ج4ص360 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ويرحج ما قاله الحاكم العمل بمدلوله عند كثير من الصحابة والتابعين - كعمر وعثمان وابن عمر وحفصة وأبي موسى وقيس بن سعد وعمر بن عبد العزيز وغيرهم - انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج2 ص48 وأحكام القرآن ج1ص60.

ولجندب راوي الحديث قصة توضح معنى الحديث وتؤكده وهي: أن ساحراً كان عند الوليد بن عقبة يلعب فذبح إنساناً وأبان رأسه فعجبنا فأعاد رأسه فجاء جندب الأزدي فقتله1.فثبت بهذا أن عقوبة الساحر هي القتل. الثالث: ما روي عن بجالة بن عبدة قال: كنت كاتباً لجزي بن معاوية عم الأحنف بن قيس فأتى كتاب عمر قبل موته بسنة "أن اقتلوا كل ساحر وساحرة ... " 2فقتلنا ثلاث سواحر في يوم. الرابع: ماروي عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة أنه بلغه أن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قتلت جارية لها سحرتها وكانت قد دبّرتها فأمرت بها فقتلت رواه مالك في الموطأ3. الخامس: ما ذكره ابن حزم عن يحي بن أبي كثير قال: إن غلاماً لعمر بن عبد العزيز أخذ ساحرة فألقاها في الماء فطفت فكتب إليه عمر بن عبد العزيز إن الله لم

_ 1 رواه البخاري في تاريخه عن أبي عثمان النهدي، انظر تيسير العزيز الحميد ص343. 2 رواه أبو داؤد في كتاب الإمارة باب في أخذ الجزية من المجوس ج3ص168 وأحمد في مسنده ج1 ص190- 191 وانظر: نيل الأوطار ج7 ص 362 والمغني ج8 ص 153. 3 الموطأ: كتاب العقول باب ما جاء في الغيلة والسحرة ج2ص628.

يأمرك أن تلقيها في الماء فإن اعترفت فاقتلها1. كما روي قتل السحرة عن غير هؤلاء من الصحابة والتابعين من الصحابة: عثمان وابن عمر وأبي موسى وقيس بن سعد، ومن التابعين سبعة منهم عمر بن عبد العزيز.2 وكما نرى قتل الساحر مذهب عدد من كبار الصحابة ولم يعلم لهم مخالف من الصحابة3. وعند علماء الأصول أن الصحابي إذا قال قولاً أو فعله واشتهر ولم يعلم له مخالف فإنه يعد إجماعاً سكوتياً4ويؤكد هذا أنه مذهب جماعة من التابعين قال ابن قدامة - بعد أن ذكر من قال بوجوب قتل الساحرمن الصحابة وهذا اشتهر فلم ينكر فكان إجماعا5. وبذلك ثبت في الكتاب والسنة والإجماع من الصحابة والتابعين قتل الساحر مطلقاً عند الجمهور. قال الإمام الشنقيطي: "فهذه الآثار التي لم يعلم أن أحداً من الصحابة أنكرها على من عمل بها مع اعتضادها بالحديث المرفوع المذكور هي حجة من قال بقتله مطلقاً، والآثار المذكورة والحديث فيهما الدلالة على أنه يقتل ولو لم يبلغ

_ 1 المحلى لابن حزم ج11 ص 395. 2 انظر تفسير القرطبي ج2ص48، وأضواء البيان ج4 ص461. 3 انظر: أضواء البيان ج4ص460. 4 أصول الفقه الإسلامي ص 239. 5 المغني لابن قدامة ج8 ص 153.

به سحره الكفر لأن الساحر الذي قتله جندب كان سحره من نوع الشعوذة ... وقول عمر: "اقتلوا كل ساحر" يدل على ذلك بصيغة العموم1. القول الثاني: وهو مذهب الإمام الشافعي وابن المنذر وراية عن الإمام أحمد2أن الساحر إذا عمل بسحره ما يبلغ الكفر وجب قتله كفراً بعد الاستتابة أما إذا لم يبلغ الكفر وقتل نفساً قتل قصاصاً. وما سوى ذلك يعزر. يقول السبكي "وأما مذهب الشافعي فحاصله أن الساحر له ثلاثة أحوال حال يقتل كفراً، وحال يقتل قصاصاً، وحال لا يقتل أصلاً بل يعزر. أما الحالة التي يقتل فيها كفراً فقال الشافعي رحمه الله أن يعمل بسحره ما يبلغ الكفر. وشرح أصحابه ذلك بثلاثة أمثلة - أحدها: أن يتكلم بكلام هو كفر، ولاشك أن ذلك موجب للقتل ومتى تاب منه قبلت توبته وسقط عنه القتل وهو يثبت بالإقرار وبالبينة. المثال الثاني: أن يعتقد ما يوجب الكفر مثل التقرب إلى الكواكب السبعة، وأنها تفعل بأنفسها، فيجب عليه أيضاً القتل ... وتقبل توبته. ولا يثبت هذا القسم إلا بالإقرار. المثال الثالث: أن يعتقد أنه حق يقدر به على قلب الأعيان فيجب عليه القتل ... ولا يثبت ذلك أيضاً إلا بالإقرار، وإذا تاب قبلت توبته وسقط عنه القتل. وأما الحالة التي يقتل فيها قصاصاً فإذا اعترف أنه قتل بسحره إنسانا ... وأنه مات به وأن سحره يقتل غالباً فها هنا يقتل قصاصاً ولا يثبت هذه الحالة إلا الإقرار ولا يسقط القصاص بالتوبة. وأما الحالة التي لا يقتل فيها أصلاً ولكن يعزر فهي ما عدا ذلك3.

_ 1 أضواء البيان ج4 ص 461. 2 انظر: المغني لابن قدامة ج8 ص153. 3 فتاوى السبكي ج2 ص324.

وقال القرطبي: "نقل عن ابن المنذر أنه قال: "إذا أقر الرجل أنه سحر بكلام يكون كفراً وجب قتله إن لم يتبت وكذلك لو ثبتت عليه بينة، ووصفت البينة كلاماً يكون كفراً وإن كان الكلام الذي ذكر أنه سحر به ليس بكفر لم يجز قتله، فإن كان أحدث في المسحور جناية توجب القصاص اقتص منه إن عمد ذلك"1. أدلتهم: وقد استدل الشافعي ومن وافقه على هذا القول بأدلة منها ما يلي: 1- ما رواه الشافعي في مسنده من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: رجل كفر بعد إيمان أو زنا بعد إحصان أو قتل نفس بغير نفس"2. يقول السبكي: بعد إيراد الحديث - "القتل" في الحالة الأولى بقوله "كفر بعد إيمان، وفي الحالة الثالثة بقوله "أو قتل نفس بغير نفس" وامتنع في الثانية لأنها ليست بإحدى الثلاث، فلا يحل دمه عملاً بصدر الحديث3. 2- ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها باعت مدبرة لها سحرتها4. وجه الدلالة: أنه لو وجب قتلها تأجل بيعها قاله ابن المنذر وغيره5.

_ 1 تفسير القرطبي ج2ص 48. 2 مسند الشافعي ص 164ورواه الترمذي في الفتن باب ماجاء لايحل دم امرىء إلا بإحدى ثلاث، والنسائي في تحريم الدم باب ما يحل به دم المسلم بنحوه"انظر: جامع الأصول حديث 7731 عن أبي أمامه عن عثمان أنه صلى الله عليه وسلم " قال. 3 فتاوى السبكي ج2 ص324. 4 المغني ج8 ص 153، وأضواء البيان ج4ص461. 5 اتظر: أضواء البيان ج4 ص461.

- ما ورد في الصحيحين وغيرهما: أن لبيد بن الأعصم اليهودي سحر النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقتله1فوجب أن يكون المؤمن كذلك لقوله عليه الصلاة والسلام: "لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين"2. 4- ما وراه ابن حزم عن ربيعة بن عطاء أن "رجلاً عبداً سحر جارية عربية فكانت تتبعه فرفع إلى عروة بن محمد وكان عامل عمر بن عبد العزيز فكتب إليه عمر بن عبد العزيز أن يبيعه بغير أرضها وأرضه ثم أمره أن يدفع ثمنه إليه"3 فعمر كما نرى أمر بتعزير فقط دليل على أنه لا يقتل. وقد استدل به الشافعية على الحالة الثالثة. مما ذكرنا يظهر - والله أعلم - أنه لا خلاف في قتل الساحر الذي بلغ بسحره الكفر أو قتل بسحره نفساً اللهم - إلا أن الجمهور قالوا يقتل حداً والشافعي ومن معه قالوا: يقتل كفراً أو قصاصاً. وإنما الخلاف في الساحر الذي لم يبلغ بسحره الكفر ولم يقتل نفساً. فالجمهور - كما نرى- قالوا بقلته مطلقاً. والشافعي ومن معه قالوا لا يقتل، إنما يعزر. وقد رجح البعض4ورأي الجمهور – لاتفاق الكتاب والسنة وفعل الصحابة له من غير نكير. ولذا أجابوا عن أدلة الشافعي ومن معه بما يلي:

_ 1 سبق تخريجه، وانظر فتح الباري ج10ص231. 2 رواه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي وابن حبان والدارقطني عن أنس كنز العمال حديث 374 ورواه النسائي في كتاب الإيمان وشرائعه باب على من يقاتل الناس ج8 ص 109 وانظر: جامع الأصول حديث 38. 3المحلى لابن حزم ج1 ص 395. 4انظر: تيسير العزيز الحميد 342 وأضواء البيان ج4 ص462.

أما الدليل الأول: فأجيب عنه: بأن الساحر عند الجمهور كافر، ذلك أن السحر في الشرع لا يتحقق إلا بالتقرب إلى الشياطين وعبادة الكواكب ونحوه، وذلك عين الكفر، وعليه فهو حلال الدم وعلى فرض أنه ليس بكافر فإن هذا الدليل عام. وأدلة قتل الساحر خاصة. والخاص يقضي على العام1. أما الدليل الثاني: فقيل لعل الأمة التي سحرت عائشة كان سحرها ليس فيه كفر كالأدوية ونحوها. أو أن السحر لم تعلمه وإنما عمل لها أو أنها تابت فسقط عنها القتل والكفر بتوبتها2. أما الدليل الثالث: فأجيب عنه بما يلي: 1- الرسول صلى الله عليه وسلم لم يترك قتل لبيد لأنه ليس بواجب وإنما ترك قتله خشية أن تثار فتنة بين الناس، وهي أعظم من قتل واحد. وهو ما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "قد عافاني الله فكرهت أن أثير على الناس شراً"3. أو يكون في قتله تنفير عن الدخول في الإسلام. قال القرطبي: "لا حجة على مالك من هذه القصة؛ لأن ترك قتل لبيد بن الأعصم كان لخشية أن يثير بسبب قتله فتنة، أو لئلا ينفر الناس عن الدخول في الإسلام وهو من جنس ما راعاه صلى الله عليه وسلم من منع قتل المنافقين حيث قال: " لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه" 4. 2- على فرض أنه صلى الله عليه وسلم ترك قتله لأنه ليس بواجب فوجب أن يكون المؤمن كذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لهم ما للمسلمين وعليهم

_ 1 انظر تيسير العزيز الحميد ص 335 وأضواء البيان ج4 ص462. 2 انظر المغني ج8 ص 153. 3 جزء من حديث سبق تخريجه. 4 فتح الباري ج10 ص 231.

ما عليهم" يقال استدلال غير مسلم؛ لأن المراد بالحديث: المنقادون للدين الإسلامي فأصبحوا مسلمين لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين ويدل على ذلك أول الحديث قال صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإذا شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ... حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها، لهم ما للمسلمين وعليهم ماعلى المسلمين" 1وعلى هذا فليس المراد أهل الكتاب2. وأما الدليل الرابع: فأجيب عنه بما يلي: 1- أن هذا الخبر غير صحيح؛ لأنه يتنافى مع رأي عمر إذ إنه من أصحاب القول الأول. 2- على فرض صحة هذا الخبر فإنه مؤول بالسحر المجازي الذي يقوم على حسن البيان ونعومة الألفاظ التي تستمال بها القلوب. وهو ما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "إن من البيان لسحرا"3. ويؤكد ذلك استدلال الشافعية به على الحالة الثالثة، وهي التعزير. ورجح البعض رأي الشافعي ومن معه، بأن دماء المسلمين حرام إلا بيقين ولا يقين مع الإختلاف4 وأقول: الذي يظهر- والله أعلم- أن الخلاف بين الجمهور والشافعي ومن معه فيما يتأتى به السحر الحقيقي. فالجمهور: يرون أن السحر الحقيقي لايتأتى إلا بالتقرب إلى الشياطين وعبادة الكواكب ونحو ذلك، وذلك عين الكفر. ولذا

_ 1 سبق تخريجه. 2 انظر السحر بين الحقيقة والخيال ص 169. 3 رواه الترمذي في الأدب باب ماجاء إن من الشعر لحكمة، وأبو داود في الآداب باب ماجاء في الشعر وانظر: جامع الأصول حديث 3219. 4 تفسير القرطبي ج2 ص 48، وأضواء البيان ج4 ص 462.

كان حقه القتل مطلقاً والشافعي ومن معه يظنون أنه يتأتى بدون الشرك ولذا فصّلوا فيه. والحق أن السحر أنواع، الأول: ماله حقيقة والثاني سحر التخييل وهذان يطلق عليهما السحر الحقيقي، ولا يتأتيان إلا بقول أو فعل أواعتقاد مكفر كالتقرب إلى الشياطين وعبادة الكواكب ونحو ذلك ولذا فهو كفر يقتل صاحبه. الثالث: السحر المجازي: وهذا يتأتى بالأدوية وبالكلام وخفة الحركة ونحو ذلك ولذا فهو ليس بكفر بل معصية حق صاحبها التعزير إذا لم يقتل نفساً1 والله أعلم. حكم المرأة الساحرة: اختلف في حكمها. فذهب الأئمة الثلاثة أحمد والشافعي ومالك إلى أن حكم المرأة الساحرة حكم الرجل. وذهب الإمام أبو حنيفة إلى أن حكمها الحبس حتى ترجع إلى الإسلام بالتوبة، لأنها مرتدة أو تموت2. والأظهر - والله أعلم - الأول: بدليل قول عمر: "اقتلوا كل ساحر وساحرة" حيث لم يفرق بينهما، ولأن لفظ من في قوله: صلى الله عليه وسلم: " من بدل دينه فاقتلوه" 3تشمل الأنثى على أظهر القولين وأصحهما إن شاء الله تعالى4.

_ 1 انظر: تيسير العزيز الحميد ص335 وعالم السحر والشعوذة ص 240-24 وأحكام القرآن ج1ص63. 2 انظر: تفسير ابن كثير ج1ص147 والروضة الندية ج2ص419. 3 أخرجه البخاري في استتابة المرتد باب حكم المرتد، والترمذي في الحدود ما جاء في المرتد وانظر: جامع الأصول حديث 1801. 4 انظر اضواء البيان ج4ص459.

حكم ساحر أهل الكتاب: ذهب الإمام أبوحنيفة إلىأنه يقتل لعموم ما تقدم من الأخبار التي دلت على قتل الساحر المسلم ولأنه جناية أوجبت قتل المسلم فأوجبت قتل الذمي كالقتل1. وذهب الأئمة الثلاثة: مالك والشافعي وأحمد، وابن شهاب الزهري إلىأنه لا يُقتل إلا أن يقتل بسحره، وهو مما يقتل غالباً لما يلي: 1- أن لبيد بن الأعصم اليهودي سحر النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقتله 2- أن الكتابي مشرك، والشرك أعظم من السحر ولا يقتل به2 وقد رجح البعض3 رأي الجمهور، ولذا أجابوا عن أدله أبي حنيفة بما يلي: 1- أما الأخبار التي وردت في قتل الساحر المسلم، فلأن المسلم يكفر بسحره. والكتابي كافر أصلى. 2- أما قوله "بأن السحر جناية أوجبت قتل المسلم فأوجبت قتل الذمي، كالقتل. فيقال: هذا القياس ينتقض باعتقاد الكفر والتكلم به. وينتقض بالزنى من المحصن فإنه لا يقتل به الذمي ويقتل به المسلم4. 3- ورجح البعض5 رأي أبي حنيفة وأجابوا عن استدلال الجمهور بقصة لبيد أنه صلى الله عليه وسلم لم يقتله، لأنه لا ينتقم لنفسه، ولأنه خشي أن

_ 1 المغني لابن قدامةج8ص155،وتفسير ابن كثير ج1ص147، وفتح الباري ج10ص236. 2 المغني لابن قدامةج8ص155، وتفسير ابن كثير ج1ص147، وفتح الباري ج10 ص236. 3 مثل ابن قدامة: المغني ج8 ص155. 4المغني ج8 ص155. 5 مثل الإمام الشنقيطي. أضواء البيان ج4 ص471.

تثور بسبب قتله فتنه، ولئلا يكون في قتله تنفير عن الإسلام1.ولعل قول الجمهور أولى، لأنه غير مسلم فلا يؤاخذ بمخالفة تعاليم الإسلام. ما لم يكن في ذلك نقض للعهد.

_ 1 انظر فتح الباري ج10ص236 وأضواء البيان ج4ص471.

رابعا: توبة الساحر

رابعاً: توبة الساحر: ذكرنا آنفا عند الكلام على عقوبة الساحر أن مذهب الإمام أبي حنيفة، ومالك وأبي ثور ورواية عن أحمد، وعدد من كبار الصحابة، وجماعة من التابعين أن الساحر يقتل بدون استتابة وذكرنا جملة من أقوالهم التي تؤكد ذلك وقد استدلوا على ذلك بأدلة منها: الأول: قوله تعالى: {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا ... الآية} 1وجه الدلالة: أن الآية دلت على أن الكفار لاينفعهم الإيمان بعد رؤية العذاب. فكذلك الساحر بعد الشهادة عليه قد رأى البأس فلا ينفعه الإيمان ولا تقبل توبته2، الثاني: قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً ... إلى قوله تعالى- إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} 3وجه الدلالة: أن الله أطلق في هذه الآية الحكم على المحاربين والذين يسعون في الأرض فساداً إلا من تاب قبل أن يقدر عليه. ومثل ذلك الساحر، إذ هو من

_ 1 آية 85 سورة غافر. 2 انظر تفسير القرطبي ج2 ص49 ج15 ص 336. 3 آية 33-34 المائدة.

الذين يسعون في الأرض بالفساد - إذا تاب قبل أن يقدر عليه قبلت توبته وإلا فلا1. الثالث: فعل الصحابة في السحرة حيث قتلوهم من غير استتابة2. الرابع: أن السحر أمر باطن لا يظهره صاحبه فلا تعرف توبته كالزنديق3. الخامس: أن السحر معنى في القلب، وعلم لا يزول بالتوبة، فيشبه من لم يتب4. وذهب الإمام الشافعي، ورواية عن الإمام أحمد5 إلى أن الساحر يستتاب ويمهل ثلاثة أيام فإن تاب قبلت منه. وقد استدلوا بأدلة منها: الأول: قوله تعالى {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الأَوَّلِينَ} 6. وجه الدلالة: أن الله تعالى علق الغفران على الانتهاء عن الكفر والانتهاء لا يكون إلا بالتوبة. وعليه فالسحر كغيره من أنواع الكفر الانتهاء عنه بالتوبة

_ 4 انظر: فتح القدير ج2ص36 تفسير الرازي ج3ص215 الإنسان بين السحر والعين والجان ص 107. 2 تفسير القرطبي ج2ص49 المغني ج8 ص153 تيسير العزيز الحميد 342. 3 تفسير القرطبي ج2ص49 المغني ج8 ص153 تيسير العزيز الحميد 342. 4 تفسير القرطبي ج2ص49 المغني ج8 ص153 تيسير العزيز الحميد 342. 5 تفسير بن كثير ج1 ص 147 وأضواء البيان ج4ص 456. 6 آية 38 الأنفال.

سبب للمغفرة1. الثاني: قوله تعالى: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} 2 وجه الدلالة: الآيات تدل على الوعيد باللعنة والخلود بالنار للمرتد، إلا من تاب وذلك دليل على قبول توبة المرتد. وإذا كان كذلك فالساحر كغيره من المرتدين يستتاب وتقبل توبته. يقول القرطبي:" ويدخل في الآية بالمعنى كل من راجع الإسلام وأخلص"3.. الثالث: أن الله تعالى قد أخبر أن سحرة فرعون قد آمنوا وقبل توبتهم، قال تعالى عنهم: {إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ ... } الآية4 وعليه فإن المعرفة بالسحر لا تمنع قبول التوبة. الرابع: أن ذنب الساحر ليس بأعظم من الشرك، والمشرك يستتاب. الخامس: أن الساحر لو كان كافراً فأسلم صح إسلامه وتوبته. السادس: أن الكفر والقتل إنما هو بعمله السحر لا بعلمه بدليل الساحر إذا أسلم. والعمل به يمكن التوبة منه، وكذلك اعتقاد ما يكفر باعتقاده يمكن التوبة منه كالشرك5

_ 1 انظر: تفسير القرطبي ج7ص401-403 وجواهر الإكليل ج2ص 281. 2 آية 86- 89 آل عمران. 3 تفسير القرطبي ج4 ص129 –130. 4 آية 78 طه. 5انظر المغني ج8 ص153- 154 وتيسير العزيز الحميد ص343.

ولعل القول الأول هو الأولى لظاهر عمل الصحابة، وأما قياسه على المشرك فلا يصح لأنه أكثر فساداً وكذلك لا يصح قياسه على ساحر أهل الكتاب أو الكافر لأن الإسلام يجب ما قبله1. وهذا الخلاف - إنما هو في ثبوت حكم التوبة في الدنيا من سقوط القتل ونحوه. أما فيما بينه وبين الله تعالى وسقوط عقوبة الدار الآخرة عنه فلا خلاف في صحة توبته إن كان صادقاً فإن الله تعالى لم يسد باب التوبة عن أحد من خلقه، ومن تاب إلى الله قبل توبته لا خلاف في ذلك2.

_ 1 انظر: تيسير العزيز الحميد ص343. 2 المغني ج8 ص154.

المبحث الرابع: علاج السحر "النشرة ": تقديم: السحر - كما هو معلوم - داء يؤثر يقتل ويمرض ويفرق بين المرء وزوجه. ولما كان كذلك اقتضى أن يسعى في علاجه من باب الأخذ بالأسباب المؤدية إلى الشفاء لأن الله تعالى ما أنزل داءً إلا أنزل له دواء قال: صلى الله عليه وسلم: "ما أنزل الله من داء إلا أنزل له دواء" 1 وقال: صلى الله عليه وسلم – فيما روي عن أسامة بن شريك قال: قالت الأعراب يا رسول الله ألا نتداوى؟ قال: نعم، يا عباد الله تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء، أو قال: دواء ... الحديث"2.

_ 1 رواه البخاري عن أبي هريرة في كتاب الطب باب ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء برقم 5678 وأحمد ج1ص377. 2 رواه الترمذي في كتاب الطب باب ما جاء في الدواء والبحث عنه ج4 ص 383 وقال حديث حسن صحيح، وأبي داود برقم 3855 في الطب باب ما جاء في الرجل يتداوى - وانظر: جامع الأصول حديث 5628.

المبحث الرابع: علاج السحر (النشرة)

المبحث الرابع: علاج السحر (النشرة) تقديم ... وعلى هذا فالسحر داء كغيره يبحث له عن دواء. ويطلق على ذلك الدواء إذا وجد "النشرة". ما هي النشرة؟ لغة: مصدر نشر ينشر نشراً، وهو في لغة العرب يرد لمعان منها: الريح الطيبة. قال مرقش: النشر مسك والوجوه ... دنانير وأطراف الأكف عَنم ومنها: الإحياء. يقال: نشر الله الميت ينشره نشراً ونشوراً: أحياه كما قال تعالى {وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} 1 ومنها البسط. تقول نشرت الثوب: أي بسطته ومنها: الإذاعة. يقال نشرت الخبر أنشره نشراً أي أذعته. ومنها: النحت أو القطع، نقول: نشرت الخشبة بالمنشار أي نحتها أو قطعتها2. والمراد هنا بالنشرة: هي حل السحرعن المسحور برقية أو علاج وسميت بذلك؛ لأنه ينشر بها عنه ما خامره من الداء، أي يكشف ويزال3.

_ 1 آية 15 سورة الملك. 2 انظر لسان العرب، مادة نشر. 3 انظر تيسير العزيز الحميد ص 367 والنهاية في غريب الحديث والأثر ج5 ص54.

حكمها

حكمها: حل السحر عن المسحور إما أن يكون بسحر مثله، وهذا لا يجوز لما فيه من التقرب إلى الشياطين. وإما أن يكون بالرقية الشرعية والأدوية المباحة، وهذا جائز.

قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "النشرة حل السحرعن المسحور وهي: نوعان، حل بسحر مثله، وهو الذي من عمل الشيطان، وعليه يحمل قول الحسن1 فيتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يحب فيبطل عمله عن المسحور. والثاني: النشرة بالرقية والتعويذات والأدوية والدعوات المباحة، فهذا جائز2. وقال الشيخ حافظ حكمي: "يحرم حل السحر عن المسحور بسحر مثله، فإنه معاونة للساحر وإقرار له على عمله وتقرب إلى الشياطين بأنواع القرب ليبطل عمله عن المسحور ... "3. وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: "وقال بعض الحنابلة يجوز الحل بسحر ضرورة. والقول الآخر: أنه لا يحل، وهذا الثاني هو الصحيح"4.

_ 1 هو الحسن البصري روي عنه أنه قاللا يحل السحر إلا ساحر انظر: فتح الباري ج10 ص233 وتيسير العزيز الحميد ص367. 2 تيسير العزيز الحميد ص 367. 3 معارج القبول ج1 ص530. 4 فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم ج1ص165.

صفتها

صفتها: للنشرة الجائزة صفات كثيرة منها ما يلي: الأولى: الرقى والأوراد المشروعة. يقول الشيخ ابن باز: "ومن الأدعية الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم في علاج الأمراض من السحر وغيره وكان صلى الله عليه وسلم يرقى بها أصحابه "اللهم رب الناس اذهب البأس اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاءً لا يغادر سقما" 1 ومن ذلك الرقية التي رقى بها جبريل عليه السلام – النبي صلى الله

_ 1 رواه البخاري في الطب باب رقية النبي صلى الله عليه وسلم برقم 5410.

عليه وسلم وهي قوله "بسم الله أرقيك من كل داء يؤذيك ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك، بسم الله أرقيك" 1وليكرر ذلك ثلاثاً"2. وروى ابن أبى حاتم وأبو الشيخ عن ليث بن أبي سليم قال:"بلغني أن هؤلاء الآيات شفاء من السحر بإذن الله تقرأ في إناء فيه ماء ثم يصب على رأس المسحور. 1- قوله تعالى: {فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} 3. 2- وقوله تعالى {فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقلِبُونَ} 4. 3- وقوله تعالى {وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} 5 6.

_ 1 رواه مسلم في السلام باب الطب والمرض والترمذي في الجنائز باب ماجاء في التعوذ للمريض. 2 انظر رسالة في حكم السحر والكهانة للشيخ عبد العزيز بن باز ص14-15 وانظر جامع الأصول حديث 5715. 3 آية 81 – 82 يونس. 4 آية 118-125 الأعراف. 5 آية 69 طه. 6 انظر تيسير العزيز الحميد ص 368.

وقال ابن القيم: "ومن أنفع الأدوية وأقوى ما يوجد من النشرة مقاومة السحر الذي هومن تأثيرات الأرواح الخبيثة بالأدوية الإلهية من الذكر والدعاء والقراءة، فالقلب إذاكان ممتلئا من الله معموراً بذكره وله وردمن الذكر والدعاء والتوجه لا يخل به كان ذلك من أعظم الأسباب المانعة من إصابة السحر له. ومنه أعظم العلاجات له بعد ما يصيبه"1. الثانية: استخراج السحر وإبطاله: والمقصود بذلك البحث عن موضع السحر ثم استخراجه وإتلافه، وبذلك يبطل السحر - إن شاء الله. يقول الإمام ابن القيم - رحمه الله - روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في علاج السحر نوعان: أحدها: وهو أبلغها استخراجه وإبطاله كما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه سأل ربه سبحانه وتعالى في ذلك فدل عليه فاستخرجه من بئر، فكان في مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر. فلما استخرجه ذهب ما به حتى كأنما نشط من عقال. فهذا من أبلغ ما يعالج به المطبوب، وهذا بمنزلة إزالة المادة الخبيثة وقلعها من الجسد بالاستفراغ2. وروى البيهقي في الدلائل عن عمرة عن عائشة قصة سحر لبيد للنبي صلى الله عليه وسلم وفيه: فأتاه جبريل بالمعوذتين فقال: يا محمد {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}

_ 1 فتح الباري ج10 ص235 وانظر: الطب النبوي ص 126-127. 2 الطب النبوي ص 124-125 فتح الباري ج10 ص200. 3 آية 1 سورة الفلق

وحل عقدة {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} 2وحل عقدة حتى فرغ منها ثم قال {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} 3 وحل عقدة حتى فرغ منها وحل العقد كلها4. الثالثة: العلاج باستعمال أدوية مباحة نص عليها رسول الهدى صلى الله عليه وسلم منها: التصبح كل يوم بسبع تمرات من عجوة المدينة. عن عامر بن سعد عن أبيه قال: قال صلى الله عليه وسلم: "من اصطبح كل يوم بتمرات عجوة لم يضره سم ولا سحر ذلك اليوم إلى الليل، وفي رواية بسبع تمرات" 5. والعجوة: ضرب من أجود تمر المدينة وألينه. والاصطباح: تناول الشيء صباحاً6. وقال ابن حجر: ثم هل هو خاص بزمان نطقه صلى الله عليه وسلم أو في كل زمان؟ هذا محتمل ويرفع هذا الاحتمال التجربة المتكررة فمن جرب ذلك فصح معه عرف أنه مستمر وإلا فهو مخصوص بذلك الزمان7. الرابعة: العلاج بالاستفراغ في المحل الذي يصل إليه أذى السحر وهي الحجامة. قال ابن القيم: ".... النوع الثاني: الاستفراغ في المحل الذي يصل إليه أذى السحر فإن للسحر تأثيراً في الطبيعة وهيجان أخلاطها وتشويش مزاجها، فإذا

_ 1 آية 1سورة الفلق. 2 آية 2 سورة الفلق. 3 آية 1 سورة الناس. 4 دلائل النبوة ج7ص94. 5 رواه البخاري في كتاب الطب باب الدواء بالعجوة للسحر برقم 5435-5436. 6 انظر: فتح الباري ج10ص238. 7 انظر: فتح الباري ج10 ص240.

ظهر أثره في عضو وأمكن استفراغ المادة الرديئة من ذلك العضو نفع جداً. وقد ذكر أبو عبيد1: في كتاب غريب الحديث له بإسناده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى:"أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم على رأسه بقرن حين طب"2 قال أبو عبيد: معنى طب سحر"3. الخامس: استعمال ورق السدر مع الرقية. وبيانه: أن يأخذ سبع ورقات من سدر أخضر فيدقه بين حجرين ثم يضربه بالماء ويقرأ عليه آيه الكرسي والمعوذتين وآيات السحر الواردة في الأعراف، ويونس، وطه ثم يحسو منه ثلاث حسوات ويغتسل بالباقي. وهوعلاج لأشر أنوع السحر وهو السحر الذي يربط الرجل عن زوجته. يقول القرطبي: " وروي عن ابن بطال قال: "وفي كتاب وهب بن منبه أن يأخذ سبع ورقات من سدر أخضر فيدقه بين حجرين ثم يضربه بالماء ويقرأ عليه آية الكرسي ثم يحسو منه ثلاث حسوات، ويغتسل به فإنه يذهب عنه كل ما به - إن شاء الله تعالى - وهو جيد للرجل إذا حبس عن أهله"4. وقال الشيخ ابن باز: "ومن علاج السحر - بعد وقوعه - أيضاً وهو علاج نافع للرجل إذا حبس عن جماع أهله، أن يأخذ سبع ورقات من السدر الأخضر فيدقها بحجر ونحوه ويجعلها في إناء ويصب عليها من الماء ما يكفيه للغسل ويقرأ فيها آية الكرسي، وقل يا أيها الكافرون، وقل هو الله احد، وقل

_ 1 هو القاسم بن سلام. 2 انظر غريب الحديث له ج2 ص43 وتهذيب الآثار للطبري ج2 ص124. 3 زاد المعاد ج3ص104. 4 الجامع لأحكام القرآن ج2 ص49-50 وانظر: تفسير ابن كثير ج1 ص148.

أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، وآيات السحر التي في سورة الأعراف وهي قوله تعالى {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} 1. والآيات التي في سورة يونس: وهي قوله تعالى {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} 2والآيات التي في سورة طه: وهي قوله تعالى {قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى * وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} 3. وبعد قراءة ما ذكر في الماء يشرب بعض الشيء ويغتسل بالباقي وبذلك يزول الداء إن شاء الله4..

_ 1 آية 117-122 سورة الأعراف. 2 آية 79-82 يونس. 3 آية 65-69 سورة طه. 4 رسالة في حكم السحر والكهانة للشيخ عبد العزيز بن باز ص 15-17.

الخاتمة

الخاتمة الخاتمة ... الخاتمة بسم الله بدأنا وبحمده والشكر له ختمنا ونصلي ونسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد: فإنه من خلال كتابتي لهذا البحث المتواضع - توصلت إلى نتائج هامة منها ما يلي: * الأولى: أن السحر في اللغة - يرد لمعان منها: الأخذة، وكل ما لطف مأخذه ودق فهو سحر. ومنها البيان في فطنة، ومنها الخديعة. * الثانية: أن السحر في الاصطلاح عرف بتعاريف كثيرة مختلفة ومتباينة بسبب كثرة الأنواع الداخلة تحته ولاختلاف المذاهب فيه بين الحقيقة والتخيل منها ما يصدق على ما لا حقيقة له أو ما هو سحر في اللغة، ومنها - ما يصدق على ما له حقيقة وأثر ومنها- ما يصدق على الأمرين وهو الأولى. * الثالثة: أن السحر أنواعه كثيرة منها ما له حقيقة. ومنها ما ليس له حقيقة ومنها ما هو سحر في اللغة وهو السحر المجازي. * الرابعة: أن القول الصحيح في السحر أن له حقيقة وأثراً ثابتة في الكتاب والسنة وهو قول أهل السنة والجماعة. * الخامسة: أن تعلم السحر وتعليمه حرام وهو قول الجمهور من علماء أهل السنة. * السادسة: أن العلم بالسحر محرم بالكتاب والسنة بلا خلاف بين أهل العلم لكنه يكون كفراً إذا تضمن قولاً أو فعلاً أو اعتقاداً يقتضي الكفر – وهو السحر الحقيقي - ويكون فسقاً إذا لم يكن فيه شيء من ذلك وهو السحر المجازي.

* السابعة: أن مذهب جمهور أهل السنة من الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار ورواية عن الإمام الشافعي أنه متى ثبتت جريمة السحر بحق إنسان وجب قتله مطلقاً. * الثامنة: أن الأظهر في حكم المرأة المسلمة الساحرة هو حكم الرجل. * التاسعة: أن ساحر أهل الكتاب لا يقتل إلا أن يقتل بسحره وهو مما يقتل غالباً وهو قول الجمهور. * العاشرة: أن الساحر يقتل بدون استتابة وهو قول الجمهور. * الحادية عشرة: أن السحر كغيره يبحث له عن علاج ويطلق على دوائه إذا وجد النشرة والمراد بالنشرة: هو حل السحر عن المسحور. * الثانية عشرة: أن حل السحر عن المسحور إما أن يكون بسحر مثله وهذا لا يجور لما فيه من التقرب إلى الشياطين. وإما أن يكون بالرقية الشرعية والأدوية المباحة وهذا جائز. * الثالثة عشرة: أن للنشرة الجائزة صفات كثيرة منها: 1- الرقى بالأوراد المشروعة. 2- استخدام السحر وإبطاله. العلاج باستعمال أدوية مباحة نص عليها المصطفى صلى الله عليه سلم مثل التصبح بسبع تمرات. 3- العلاج بالاستفراغ في المحل الذي يصل أذى السحر وهي الحجامة. 4- استعمال ورق السدر مع الرقية. هذه أهم النتائج التي توصلت إليها. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم

مصادر ومراجع

مصادر ومراجع ... فهرس المصادر والمراجع 1- أحكام القرآن، لأبي بكر أحمدبن علي الرازي الجصاص. ط الأولي 1415هـ دار الكتب العلمية بيروت - لبنان. 2- أسباب النزول للسيوطي - "بهامش قرآن تفسير وبيان"دار الرشيد دمشق بيروت. 3- أسباب النزول للنيسابوري، لأبي الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري علم الكتب بيروت لبنان. 4- أصول الفقه الإسلامي بدران أبو العينين بدران. الناشر مؤسسة شباب الجامعة الإسكندرية. 5- أضواء البيان، الشيخ محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي ط.1403هـ المطابع الأهلية للأوفست الرياض. 6- الإنسان بين السحر والعين والجان، زهيرالحموي -ط الأولي 1410هـ مكتبة دار التراث الكويت. 7- بدائع الفوائد، للإمام ابن قيم الجوزية - دار الفكر. 8- تفسير الطبري "جامع البيان في تفسير القرآن" أبو جعفر محمد بن جرير الطبري. ط 1406هـ دار المعرفة. بيروت لبنان. 9- التفسير القيم، للإمام ابن القيم - ط - 1398هـ دار الكتب العلمية بيروت لبنان. 10- التفسير الكبير، فخرالدين الرازي – ط - الثالثة دار إحياء التراث العربي بيروت لبنان. 11- تفسير ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل ابن كثير القرشي الدمشقي، ط 1388هـ دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت لبنان.

12- التنقيح المشبع، علاء الدين أبي الحسن علي بن سليمان المرداوي، الناشر المؤسسة السعيدية بالرياض. 13- التوحيد، لأبي منصور الماتريدي تحقيق د. فتح الله خليف. الناشر دار الجامعات المصرية الإسكندرية. 14- تهذيب الآثار، محمد بن جرير الطبري. مطابع دار الصفاء 1402هـ. 15- تيسير العزيز الحميد، سليمان بن عبد الله بن محمدبن عبد الوهاب مكتبة الرياض الحديثة بالرياض. 16- الجامع لأحكام القرآن، محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي ط الأولي مكتبة السلام العالمية القاهره - دار الثقافة القاهرة. 17- جامع الأصول، مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد "ابن الأثير الجزري" ط.1390هـ مكتبة الحلواني مطبعة الملاح مكتبة دار البيان. 18- جواهر الإكليل، صالح عبد السميع الآتي الأزهري دار المعرفة بيروت لبنان. 19- حاشية رد المحتار على الدر المختار، محمد أمين بن عابدين. ط الثانية 1386هـ مصطفى البابي. 20- الدر المنثور، جلال الدين السيوطي - دار المعرفة للطباعة والنشر. بيروت لبنان. 21- دلائل النبوة، لأبي بكر بن الحسين البيهقي - ط الأولى 1405هـ دار الكتب العلمية بيروت لبنان. 22- رسالة في حكم السحر والكهانة، للشيخ عبد العزيز بن باز. ط 1415هـ. مطابع القصيم. 23- روائع البيان تفسير آيات الأحكام من القرآن، محمد علي الصابوني. الناشر دار التراث العربي مطبعة نهضة مصر.

24- روح المعاني، لأبي الفضل شهاب الدين محمود الألوسي البغدادي دار الطباعة المنيرية،دار إحياء التراث العربي بيروت لبنان. 25- الروضة الندية شرح الدرر البهية، لأبي الطيب صديق بن حسن بن علي بن حسن القنوجي البخاري. المكتبة العصرية بيروت لبنان. 26- زاد المعاد في هدي خير العباد، للإمام ابن قيم الجوزية ط. الثانية 1392هـ دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع. 27- السحر بين الحقيقة والخيال، أحمد بن ناصر الحمد. ط. الأولى 1408هـ مكتبة التراث بمكة. 28- السحر بن الحقيقة والوهم، عبد السلام عبد الرحيم السكري. ط1407هـ مطبعة دار الكتب الجامعية الحديثة - طنطا. 29- سنن الترمذي، محمد بن عيسى بن سورة الترمذي ط.1382هـ شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر. 30- سنن أبي داود، سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي تحقيق - محمد محي الدين عبد الحميد المكتبة العصرية صيدا، بيروت. 31- سنن النسائي، أبوعبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن بحر النسائي. الناشر دار الكتب العلمية بيروت لبنان. 32- شرح صحيح مسلم، للإمام النووي، نشر وتوزيع رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية. 33- شرح المهذب،لأبي زكريا محي الدين بن شرف النووي، دار الفكر. 34- صحيح البخاري، محمدبن إسماعيل البخاري. ط الأولى 1401هـ دار القلم دمشق بيروت. 35- صحيح مسلم، لأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري،دار المعرفة للطباعة والنشر. بيروت لبنان.

36- الطب النبوي، لابن قيم الجوزية. ط التاسعة 1406هـ مؤسسة الرسالة عالم الكتب الرياض. 37- عالم السحر والشعوذة، د. عمر سليمان الأشقر. ط الأولى 1410هـ مكتبة الفلاح للنشروالتوزيع، الكويت،دار النفائس الكويت. 38- غريب الحديث، لأبي عبيد القاسم بن سلام " الهروي" ط. الأولى 1384هـ مطبعة مجلس دائرة المعارف - بحيدر آباد الدكن. 39- الفتاوى لشيخ الإسلام، أحمدبن تيمية تصوير الطبعة الأولى 1398هـ. 40- فتاوى السبكي، لأبي الحسن تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي. ط الأولى 1412هـ دار الجيل بيروت لبنان. 41- فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم، جمع وترتيب ابن قاسم، مطبعة الحكومة بمكة المكرمة. ط الأولى 1399هـ. 42- فتح الباري، لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني. نشر وتوزيع رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية. 43- فتح المجيد، لعبد الرحمن بن حسن آل الشيخ. ط 1403هـ نشر الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية بالمملكة العربية السعودية. 44- الفصل، لأبي محمد علي بن أحمد بن حزم الظاهري – ط الأولى مطبعة التمدن 1321هـ دار الفكر. 45- القاموس المحيط، لمجد الدين محمدبن يعقوب الفيروز آبادي الشيرازي. دار الفكر بيروت 1398هـ. 46- الكافي في فقه الإمام أحمد بن حنبل، لعبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة، الطبعة الرابعة 1405هـ المكتب الإسلامي. 47- كشف الأستار عن زوائد البزار، لعلي بن أبي بكر الهيثمي ط. الأولى 1404هـ مؤسسة الرسالة.

48- كنز العمال، لعلاء الدين علي المتقي بن حسام الدين الهندي البرهان فوري ط. الخامسة 1405هـ، مؤسسة الرسالة بيروت لبنان. 49- لسان العرب،لابن منظور، دار لسان العرب بيروت - لبنان. 50- متشابه القرآن، لعبد الجباربن أحمد الهمذاني - دار الثقافة بالقاهرة، دار النصر للطباعة بالقاهرة. 51- مجمع الزائد،علي بن أبي بكر الهيثمي - مؤسسة الرسالة بيروت لبنان 1406هـ. 52- المحلى، لعلي بن أحمد بن سعيد بن حزم منشورات دار الآفاق الجديدة بيروت لبنان. 53- مختصر تفسير الطبري، لابن صمادح الأندلسي دار الشروق القاهرة. 54- المستدرك على الصحيحين، لأبي عبد الله الحاكم النيسابوري،دار الكتب العلمية بيروت لبنان. 55- المسند،لأحمد بن حنبل. ط الخامسة 1405هـ المكتب الإسلامي. بيروت لبنان. 56- مسند الشافعي، محمد بن إدريس الشافعي،دار الكتب العلمية بيروت لبنان الطبعة الأولى 1400هـ. 57- المصنف، لعبد الرزاق بن همام الصنعاني. ط الأولى 1392هـ المكتب الإسلامي بيروت لبنان. 58- معارج القبول، حافظ بن أحمد الحكمي ط. الأولى 1410هـ دار ابن القيم المملكة العربية السعودية، الدمام. 59- المغني، عبد الله بن احمد بن قدامة المقدسي،ط. مكتبة الرياض الحديثة بالرياض.

60- المقنع، عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي ط. 1402هـ، مكتبة الرياض الحديثة بالرياض. 61- الموطأ، للإمام مالك رواية يحي الليثي. إعداد أحمد راتب عمر موسى ط. السابعة 1404هـ دار النفائس بيروت لبنان. 62- الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم، لأبي القاسم هبة الله بن سلامة ط. الأولى 1414هـ دار الحكمة للطباعة والنشر. دمشق سورية. 63- النبوات، للإمام شيخ الإسلام أحمد بن تيمية. مكتبة الرياض الحديثة. 64- النهاية في غريب الحديث والأثر، مجد الدين أبي السعادات المبارك ابن محمد الجزري " ابن الأثير " المكتبة العلمية بيروت لبنان. 65- نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، محمد بن علي الشوكاني، نشر وتوزيع رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية.

§1/1