حقوق المرأة في ضوء الكتاب والسنة

مرزوق بن هياس الزهراني

حقوق المرأة في ضوء الكتاب والسنة دراسة عصرية موثقة إعداد د/ مرزوق بن هياس آل مرزوق الزهراني

(1) المقدمة

(1) المقدمة الحمد لله والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين: نبينا محمد حجة الله على الخلق أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن استجاب لدعوته وعمل بما أنزل الله عليه وهو الحق المبين، وسار على نهجه إلى يوم الدين، أما بعد: فإن الدعوة إلى تحرير المرأة في هذا العصر جاءت ضمن حملة شعواء شاملة على كل ما ينتمي إلى الإسلام، وقد نحج الأعداء في استقطاب ثلة من أبناء المسلمين للقيام بمهمة الدعوة إلى تحرير المرأة، والعجب أن الدعوة مبنية على أن المرأة لم تأخذ حقوقها كاملة في ظل الإسلام، وقد أدرك الأعداء أن خير من يقوم بهذه المهمة هم أبناء وبنات المسلمين، بعد أن زودوا بالأفكار والمبررات المختلقة لهذا الفكر الهدام، فالمسلمون يقبلون من أبنائهم وبناتهم ما لا يقبلونه من الأعداء، فاكتفى الأعداء بإعداد خطط الهدم، وأبناء المسلمين وبناتهم يقومون بالتنفيذ، ومن هنا وجب على علماء المسلمين العالمين بكتاب الله - عز وجل - وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يتصدوا لهذه الهجمة الشرسة، ببيان حقوق المرأة في ضوء الكتاب والسنة، وذلك لأهمية الموضوع في العدل والمساواة وإعطاء كل ذي حق حقه، وليأمن الناس على أن حقوقهم المشروعة تصل إليهم في ظل الإسلام، ولاسيما في بلادنا المملكة العربية السعودية، إذ الحكم فيها قائم على الكتاب والسنة، والإجماع، والقياس بعد النظر في الأشباه والنظائر، وما تقضي به المصالح المرسلة فيما لا ضرر فيه ولا ضرار.

إن عدالة الإسلام المباركة يراد منها إحقاق الحق كما أراد الله ورسوله، وإنصاف كل فرد على وجه الأرض، بإعطائه حقوقه المشروعة، ذكرا كان أو أنثى، حتى لو كان عدوا، ولهذا على علماء المسلمين حماية الشريعة الغراء من عبث العابثين، وانتحال المبطلين، وعليهم رد كيد الأعداء، الطاعنين في الإسلام بزعمهم أنه بخس الحقوق، وقيّد الحريات، ولاسيما حقوق المرأة وحريتها، وهو بهتان عظيم، وافتراء على أقدس الأديان، وأوسعها وأكملها عدلا وحرية ومساواة، فالإسلام لم يأت إلا رحمة للناس كافة، ولذلك أرسل نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (¬1) هكذا الأمر للناس كافة دون استثناء، بل وللجن أيضا {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ} (¬2) وما حدث هذا الأمر إلا لمخاطبتهم بالإسلام الذي جاء به نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، وإذا كان مجيء الإسلام جملة وتفصيلا على لسان نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ليكون رحمة للعالمين: الجن والإنس، من عند خالقهم العليم ببيان ما يصلح أحوالهم وما يفسدها، فكيف يتسنى لزاعم أن يزعم أن الإسلام فيه ظلم وعسف وتقييد للحريات، والعجب أن تسمع هذا الهراء من بعض المنتسبين إلى الإسلام، وكان أحسن منه قولا في الإسلام قول من لم يؤمن بمحمد - صلى الله عليه وسلم -: ذلك المستشرق، إذ قال: "وفي الحقيقة لو قرأ المسيحيون باهتمام شريعة المسلمين ¬

(¬1) الحسنة التي الآية (107) من سورة الأنبياء. (¬2) الآية (29) من سورة الأحقاف ..

وتاريخهم، وتدبروهما لاستولى عليهم الحياء حين يشاهدون هؤلاء المسلمين ذوي غيرة على عبادتهم وتقواهم وتصدّقهم، وإلى أي حد هم متفانون في إخلاصهم، قانتون في مساجدهم، وإلى أي حد هم مطيعون لرئيسهم الروحي، حتى أن الحاكم لا يحاول أمرا إلا بعد مشورة المفتي، وإلى أي حد هم مهتمون بمراعاة أوقات الصلوات الخمس، في كل يوم حيث وجدوا، وأيا كانت مشاغلهم، ما أشد مراعاتهم دائما لصومهم، من الصباح حتى المساء، طول أيام الشهر بلا انقطاع، وما أكثر توادّ المسلمين وتراحمهم، وما أعظم ما يرى من عنايتهم بالغرباء في نزلهم، سواء بالفقير أم بالنازح المسافر، لو تأملنا عدالتهم ونزاهتهم، وسائر فضائلهم الخلقية، لخجلنا من جمودنا، سواء في عبادتنا، أم في تراحمنا، ولخجلنا من جورنا وإفراطنا وتعسفنا، ولا ريب أن هؤلاء الناس سيقيمون الحجة علينا، ولا شك أن عبادتهم وتقواهم وأعمالهم والرحمة فيهم هي الأسباب الرئيسة لنمو الدعوة المحمدية" (¬1). ويقول مستشرق آخر أشد عداوة للإسلام من هذا: "نجد كثيرين من الإغريق من ذوي المواهب العالية والميزات الخلقية، قد بلغ من تأثرهم بتفوق المسلمين، أنهم حتى عندما كانوا يتجنبون الاندماج في خدمة السلطان (¬2)، بأداء ضريبة الأبناء، كانوا يدخلون في دين محمد بمحض إرادتهم". إن ما يعزوه المنصفون من المستشرقين من فضائل وأخلاق حسنة إلى المسلمين، مرده الإسلام نفسه الذي لا يعرف إلا الكمال في كل فضيلة، ومن قرأ تأريخ الإسلام بفقه وتجرّد، لا ¬

(¬1) المستشرق توماس آرنولد في كتابه (تاريخ الدعوة الإسلامية). (¬2) المراد السلطان في الدولة العثمانية الحكمة بالإسلام.

يجد غير هذا، ويجد أن الإسلام لم ينطلق فاتحا الأقطار شرقا وغربا إلا لنجدة الناس ورحمتهم، كيما يحرر قلوبهم من العبودية لغير الله تعالى، وينير عقولهم بالتفكير في من خلقهم، ومن أجلهم خلق ما في الأرض، وخلق الأزواج كلها {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} (¬1) وقال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (¬2) جاء الإسلام فاتحا ليحرر الضمائر والعقول، من قيود الوثنية والجهل بالله تعالى، ويطلق حريات الناس في البحث عن الحق، ومحاربة الباطل، لإقرار العدالة بين الناس كافة، ومنع الفساد في الأرض، ومن أجل ذلك انطلق إلى الشرق يقاتل، من أجل رحمة الناس، وإخراجهم من تلك الإهانة البالغة: عبادة الفروج والأبقار، إنسان كرّمه الله يعبد بقرة خلقت لخدمته وأكله وشربه، وهو في ذل مقيت يتبرك بروثها ويغتسل ببولها، إنه أمر عجيب أن يهدر إنسان كرامته، وأن يعبد فرجا أو قردا أو خنزيرا، أو غير ذلك مما لا عدّ له ولا حصر في ديانات الوثنيين، التي جعلت الإنسان الذي كرّمه الإسلام، في هوان مستمر وحقارة لا مثيل لها، جاء الإسلام لرحمة الناس من هذا البلاء ومن بلاء العنصريات، التي أذابها بين المؤمنين به كما يذوب الملح في الماء، وفي غير الإسلام لا زالت قائمة ماثلة للعيان، فبالأمس القريب كانت جنوب إفريقيا مضرب المثل في ¬

(¬1) من الآية (29) من سورة البقرة. (¬2) الآية (21) من سورة الروم ..

التمييز العنصري، ولا زالت تشوبها أكدار العنصرية، وما يلاقيه الشعب الفلسطيني من عذاب وقتل ودمار وتهجير من أبرز أسبابه العنصرية، ومن زعم أن الإسلام جاء لغير الرحمة والعدل والمساواة، وموازنة الحقوق والواجبات، فقد أعظم الفرية على الله ورسوله والمؤمنين، ولهذا فإننا حينما نطرح حقوق المرأة في الكتاب والسنة النبوية إنما نفعل ذلك لبيان الحق {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ} (¬1) إننا يقول للناس: إن الإسلام هبة من الله تعالى لآدم - عليه السلام - وبنيه، فلم يكن أمرا جديدا جاء به نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، بل ما جاء به - صلى الله عليه وسلم - حق مرتبط بالرسالات السابقة، إنها جميعا تدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وتطالب بتحكيم شرعه، فكل فرد من بني آدم مطالب أن يرتبط بالرسالة الربانية في كل شئونه في الحياة، وكان الأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام أول من استجاب للرسالة الربانية، وتبعهم أصحابهم ومن بعدهم من العلماء العاملين، والدعاة المصلحين، والأئمة المجتهدين، وليس ذلك مقصورا على زمان دون آخر، بل طالبهم بالإيمان بما جاءت به الرسل، في كل زمان ومكان، أمر الله بذلك نبينا محمدا - صلى الله عليه وسلم - فقال تعالى: {قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ ¬

(¬1) من الآية (42) من سورة الأنفال ..

رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (¬1) وخاطب المؤمنين به - عز وجل - فقال: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (¬2) وأمرهم بالتطبيق العملي لذلك فقال تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} (¬3) هذا وصف لما عليه المسلمون مع نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، وبيان بأن هذا النهج هو نهج النبي إبراهيم - عليه السلام - {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (¬4) وقال تعالى: {قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ ¬

(¬1) الآية (84) من سورة آل عمران. (¬2) الآية (136) من سورة البقرة .. (¬3) الآية (78) من سورة الحج. (¬4) الآية (135) من سورة البقرة.

الْمُشْرِكِينَ} (¬1) وأثنى الله تعالى على هذا المنهج فقال: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} (¬2) وأمر تعالى نبينا محمدا - صلى الله عليه وسلم - أن يعلن بأن الله هداه إلى طريق الحق فقال تعالى: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (¬3) وبيّن تعالى أن هذا الاتباع ما هو إلا وحي منه تعالى إلى نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (¬4) وكان ما جاء به نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - خاتمة كل الأديان، وكان - صلى الله عليه وسلم - خاتمة الأنبياء والرسل، فلا نبي بعده، ولا رسول بعده، ولا دين غير ما جاء به - صلى الله عليه وسلم -، وما سواه من الأديان إما حق منسوخ بما جاء به - صلى الله عليه وسلم -، أو باطل مفترى، قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ ¬

(¬1) الآية (95) من سورة آل عمران. (¬2) الآية (125) من سورة النساء. (¬3) الآية (161) من سورة الأنعام .. (¬4) الآية (123) من سورة النحل.

الْحِسَابِ} (¬1) فلا يطلب دين سواه، ولا يعبد الله بغيره، قال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (¬2) وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: 1 - (لا يسمع بي من أمتي، يهودي، أو نصراني، ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار) (¬3) فالإسلام ليس نظرية تبنى على التجربة، إنه علم مؤكد لا ريب فيه، لأنه وحي منزّل من خالق عليم، لبيان أن ما وقع فيه بنو آدم من عبادة غير الله، أو تحريف ما هو حق وتزويره، بقصد وضع مناهج للحياة أنه من عمل الشيطان، الذي يجلب على بني آدم بخيله ورجله ليضلهم عن سبيل الله، ومن لم يقتنع بهذا فلا نملك له الهداية، فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم. ¬

(¬1) الآية (19) من سورة آل عمران. (¬2) الآية (85) من سورة آل عمران. (¬3) سنن النسائي الكبرى حديث (11177).

(2) خطة البحث

(2) خطة البحث رأيت أن يبنى هذا البحث على أبواب، وفصول ومباحث على النحو التالي: الباب الأول حول الإنسان، وفيه فصلان: الفصل الأول: خلق الإنسان، وفيه مباحث: المبحث الأول: تعريف الإنسان. المبحث الثاني: بيان أصل خلقة. المبحث الثالث: اصطفاء الإنسان وتكريمه. الفصل الثاني التوجه والارتباط، وفيه مباحث المبحث الأول: الرسالة إلى الإنسان. المبحث الثاني: ارتباط الإنسان بالرسالة. الباب الثاني: المساواة بين الرجل والمرأة، وفيه فصلان: الفصل الأول: أصل الخلق وحق الحياة، ومتطلباتها، وفيه مباحث: المبحث الأول: المساواة في أصل الخلق. المبحث الثاني: المساواة في حق الحياة. المبحث الثالث: المساواة في متطلبات الحياة. المبحث الرابع: المساواة في حق التكريم. المبحث الخامس: المساواة في حق الكسب. المبحث السادس: المساواة في حق النكاح المبني على الشرع. المبحث السابع: المساواة في حق اختيار الزوج. المبحث الثامن: المساواة في حق قضاء الوطر. المبحث التاسع: المساواة في تحريم نكاح المشركين.

الفصل الثاني: المساواة في التكليف وتحمل المسئولية، وفيه مباحث. المبحث الأول: المساواة في التكليف. المبحث الثاني: المساواة في تحمل المسئولية. المبحث الثالث: المساواة في الحدود. المبحث الرابع: المساواة في حق الشورى. المبحث الخامس: المساواة في حرية الرأي. المبحث السادس: المساواة في حق التعليم. المبحث السابع: المساواة في حق تعليم الغير. الباب الثالث: الفروق بين الرجل والمرأة، وفيه فصلان. الفصل الأول: ما ينفرد به الرجل عن المرأة، وفيه مباحث. المبحث الأول: القوامة. المبحث الثاني: وجوب الصلاة في جماعة. المبحث الثالث: إباحة الزواج بأكثر من امرأة. المبحث الرابع: إباحة الاستمتاع بملك اليمين. المبحث الخامس: إباحة الزواج من المرأة الكتابية. المبحث السادس: جعل العصمة بيد الرجل. المبحث السابع: الطلاق صيغته وصفته للرجل. المبحث الثامن: الرجوع عن الطلاق للرجل. المبحث التاسع: الإمهال في حالة الإيلاء. المبحث العاشر: الولاية على المحارم. المبحث الحادي عشر: انتساب الأبناء. المبحث الثاني عشر: زيادة النصيب في الميراث وليس مطلقا. المبحث الثالث عشر: شهادته بشهادة اثنتين وليس مطلقا.

المبحث الرابع عشر: حرمة الاستمتاع من الزوجة بالفرج في حالتي الحيض والنفاس. المبحث الخامس عشر: حرمة إتيان الزوجة في الدبر. المبحث السادس عشر: الولاية العامة والخاصة. المبحث السابع عشر: الجهاد. المبحث الثامن عشر: وجوب النفقة على الزوج. المبحث التاسع عشر: وجوب نفقة المرضعة على الزوج. الفصل الثاني: ما تنفرد به المرأة عن الرجل، وفيه مباحث. المبحث الأول: خلقها من الرجل. المبحث الثاني: وجوب الحجاب. المبحث الثالث: حق الرضاع والحضانة. المبحث الرابع: حق الزينة والتجمل. المبحث الخامس: حق رعاية الأسرة. المبحث السادس: حق الأمومة، وزيادة البر. المبحث السابع: عدم وجوب الجهاد. المبحث الثامن: وجوب العدة على المرأة. المبحث التاسع: حرمة كتمان ما يخلق في الأرحام. المبحث العاشر: حق المرأة في كيفية الطلاق. المبحث الحادي عشر: حق المرأة في المخالعة. المبحث الثاني عشر: حق المرأة في العدل وعدم المضارة. المبحث الثالث عشر: حق المرأة الميراث. الخاتمة الفهارس: فهرس الآيات. فهرس الأحاديث. فهرس المصادر. فهرس الموضوعات.

(3) الباب الأول حول الإنسان، وفيه فصلان

(3) الباب الأول حول الإنسان، وفيه فصلان: 1/ 3 - الفصل الأول: خلق الإنسان، وفيه مباحث: 2/ 3 - المبحث الأول: تعريف الإنسان. الإِنسانُ أَصله إِنْسِيانٌ، لأَن العرب قاطبة قالوا في تصغيره: أُنَيْسِيانٌ، فدلت الياء الأَخيرة على الياء في تكبيره، إِلا أَنهم حذفوها لمّا كثر في كلامهم، والجمع الناس، مذكّر، وفي التنزيل: يا أَيها الناسُ، وقد يؤنّث على معنى القبيلة أَو الطائفة، كقولهم: جاءَتك الناسُ، معناه: جاءَتك القبيلة، أَو القطعة منهم، وفي حديث ابن صَيَّاد: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ذاتَ يوم: 2 - (انْطَلِقوا بنا إِلى أُنَيسيانٍ قد رأَينا شأْنه) وهو تصغير إِنسان، جاء شاذّاً على غير قياس، وقياسه أُنَيْسانٌ، وإِذا قالوا أَناسينُ فهو جمع بَيِّنٌ، مثل بُسْتانٍ وبَساتينَ، وإِذا قالوا: أَناسي كثيراً، فخففوا الياء، وأَسقطوا الياء التي تكون فيما بين عين الفعل ولامه، مثل قَراقيرَ وقراقِرَ، ويُبَيِّنُ جواز أَناسي، بالتخفيف، قول العرب: أَناسيَة كثيرة، والواحدُ إِنْسِيٌّ وأُناسٌ، روي عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أَنه قال: إِنما سمي الإِنسان إِنساناً لأَنه عهد إِليه فَنَسيَ، وهو حجة قوية لمن قال: إِذا كان الإِنسان في الأَصل إِنسيانٌ، فهو إِفْعِلانٌ من النِّسْيان (¬1). فالإنسان اسم جنس يطلق على بني آدم، الذكر والأنثى، الصغير والكبير، الأبيض والأحمر، والأصفر والأسود، وهذا الجنس من خلق الله تعالى، كتب له الاصطفاء من سائر المخلوقات، والتكريم ¬

(¬1) انظر (لسان العرب 6/ 10 - 11) بتصرف.

3/ 3 - المبحث الثاني بيان أصل خلق الإنسان.

على سائرها، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} (¬1) والذي يهمنا في هذا البحث الإنسان المرأة: 3/ 3 - المبحث الثاني بيان أصل خلق الإنسان. لقد خلق الله البشر من نفس واحدة هي آدم - عليه السلام -، وكان خلقه من تراب، قال تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (¬2) هذا ما يتعلق بخلق آدم - عليه السلام - بادئ ذي بدء، ثم خلق من هذه النفس التي هي آدم زوجها حواء، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (¬3) ومن هذين الزوجين تحوّل خلق الناس جميعا من نطفة، كوّنها الله تعالى في علاقة بين الذكر والأنثى، نطفة من ماء مهين، أمشاج {أَكَفَرْتَ ¬

(¬1) الآية (70) من سورة الإسراء. (¬2) الآية (59) من سورة آل عمران. (¬3) الآية (1) من سورة النساء.

بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا} (¬1) تسري في رحم المرأة بعد علاقتها بالرجل، في أطوار التخليق، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} (¬2) فيخرج بعد ذلك بشرا سويا، ليأخذ مساره في الحياة وفق ما قدّر الله له، قال تعالى: {ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا} (¬3) وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (¬4) فكان أصل خلق الإنسان وهو آدم - عليه السلام - من تراب، ثم خلقت فيه النطفة، وخلقت له الزوج حواء، ومنهما خلق الأزواج، قال تعالى: {وَاللَّهُ ¬

(¬1) من الآية (37) من سورة الكهف. (¬2) من الآية (5) من سورة الحج. (¬3) من الآية (5) من سورة الحج .. (¬4) الآية (67) من سورة غافر.

4/ 3 - المبحث الثالث اصطفاء الإنسان وتكريمه.

خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} (¬1) ومن هنا ورد قول رسول الله: - صلى الله عليه وسلم - 3 - (إنما النساء شقائق الرجال) (¬2) أي مثلهم في الخلق، ومثلهم في التكريم، ومثلهم في العبادة، ومثلهم في تحمل المسئولية، كل حسب قدراته وما فطر عليه، وما اقتضى التكوين الخلقي استثناءه للرجل أو للمرأة، فذلك لكونه لا يصلح له غيره. 4/ 3 - المبحث الثالث اصطفاء الإنسان وتكريمه. لما خلق الله آدم - عليه السلام - أسكنه وزوجه الجنة {وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} (¬3) وكان فيما قدّر الله - عز وجل - أن آدم وزوجه يأكلان من الشجرة، ويخرجان من الجنة، بسبب تزيين الشيطان ذلك لهما {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا ¬

(¬1) الآية (11) من سورة فاطر. (¬2) أحمد حديث (26195). (¬3) الآية (35) من سورة البقرة.

مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} (¬1) فأكلا منها ووقعا في الخطأ {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ} (¬2) وكان من قضاء الله تعالى أن يخرج آدم وزوجه من الجنة {وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} (¬3) وتاب الله - عز وجل - على آدم وغفر له خطأه {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (¬4) وغلب آدم موسى عليهما السلام لما حاجّه في الخروج من الجنة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: 4 - (احتجَّ آدم وموسى، فقال له موسى: يا آدم أنت أبوينا خيَّبتنا وأخرجتنا من الجنة، قال له آدم: يا موسى اصطفاك الله بكلامه، وخطَّ لك بيده، أتلومني على أمر قدَّره الله عليَّ قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟ فحجَّ آدم موسى، فحجَّ آدم موسى) (¬5) وجاء دور الاصطفاء لأدم وذريته ليستعمرهم الله تعالى في الأرض، فقال تعالى للملائكة: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا ¬

(¬1) الآية (20) من سورة. (¬2) من الآية (22) من سورة. (¬3) من الآية (36) من سورة البقرة. (¬4) الآية (37) من سورة القرة. (¬5) البخاري حديث (6614) ومسلم (2652).

مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (¬1) وكرّم الله آدم وذريته {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} (¬2) كرّمهم الله تعالى بالعقل وتحمّل أمانة التكاليف التي يبلّغها الرسل إليهم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وبنى - عز وجل - ذلك التكريم على مقدار الاستجابة لله ورسوله، وما يحدثون من خير وشر، ولم يفرّق بين الذكور والإناث في هذا الأمر، لكل منهم ما اكتسب من الخير أو الشر {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} (¬3) والإنسان مسئول عن عمله ومجزي عليه، وذلك بمقتضى العهد الذي أخذ على بني آدم {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} (¬4). ¬

(¬1) من الآية (30) من سورة البقرة. (¬2) الآية (70) من سورة الإسراء. (¬3) الآية (38) من سورة المدثر. (¬4) الآية (172) من سورة الأعراف.

5/ 3 - الفصل الثاني التوجه والارتباط، وفيه مباحث

5/ 3 - الفصل الثاني التوجه والارتباط، وفيه مباحث 6/ 3 - المبحث الأول: الرسالة إلى الإنسان. لما كان المصطفى من المخلوقات آدم وذريته، ونال بذلك شرف التكريم على سائر المخلوقات، كانت الرسالة إلى الإنسان دون ما سواه من المخلوقات، وذلك لإحكام العلاقة بين الخالق رب العزة والجلال والمخلوق آدم وذريته، من خلال ما يرد في الرسالة من تنظيم لحياة وحقوق وواجبات هذا المخلوق، ولرسم الطريق السوي بينه وبين خالقه، وتحديد نتيجة سلوك المخلوق، والتحذير من عدم سلوك المنهج السوي، وبيان ما ينتج عن ذلك من تدمير لاصطفاء الإنسان وتكريمه، وكان من رحمة الله - عز وجل - ببني آدم أنه رفع عنهم العذاب قبل الرسالة قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (¬1) وأنه يرسل إليهم الرجل منهم بلسانهم كيما يفهموا المراد، ولا يلتبس عليهم الأمر، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (¬2) ولكن بعد رسم طريق الخير، وبيان طريق الشر، وتمكين الإنسان من التمييز بينهما، وإعطائه القدرة الكاملة على الاختيار {مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا ¬

(¬1) من الآية (15) من سورة الإسراء. (¬2) الآية (4) من سورة إبراهيم.

يَضِلُّ عَلَيْهَا} (¬1) وقال تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا} (¬2) وكان الرسل عليهم السلام كافة مرتبطين عمليا بالرسالة في كل شئون الحياة، على أن الحياة الدنيا مؤقتة تستنبت فيها الأعمال لصالح الآخرة: الحياة الدائمة، ولذلك علّموا المؤمنين ذلك الارتباط، ليكون الولاء للمرسل والرسالة، وللرسول بالتبع، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: 5 - (لا تطروني، كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله) (¬3) وعلّم أصحابه أن الرسالة هي الباقية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وأن الرسول هو المعلّم المبلّغ في زمن محدود، ثم يذهب وتبقى الرسالة في الأمة، وقد طبّق هذا الرسل جميعا من نوح - عليه السلام -، إلى نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، والقرآن شاهد بذلك، فكل نبي أرسله الله بلّغ المؤمنين به قدسية الرسالة والارتباط بها، وعملوا على تحقيق ذلك، لأن الرسالة هي الباقيه لإكمال مشوار الحياة بعد المبلّغين. ¬

(¬1) الآية (15) من سورة الإسراء. (¬2) الآية (29) من سورة الكهف .. (¬3) البخاري حديث (3445).

7/ 3 - المبحث الثاني ارتباط الإنسان بالرسالة.

7/ 3 - المبحث الثاني ارتباط الإنسان بالرسالة. لقد كان الإسلام والمسلمون في الصدر الأول شيئا واحدا، الإسلام هو المسلم، والمسلم هو الإسلام، قوة إيمانية بالله ورسوله هائلة، وتصديق بشرع الله ورسوله، وتطبيق عملي فريد لمنهج الإسلام، ومن هنا جاء قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: 6 - (خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) قال عمران: لا أدري، أذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد قرنه قرنين أو ثلاثة) (¬1) فالمركز الأول عصر النبوة والأصحاب - رضي الله عنهم -، والمركز الثاني عصر التابعين بما فيه من قصور عن سابقه، والثالث عصر أتباع التابعين بما فيه من قصور عن سابقه أيضا، وفي الحقيقة أن بدء الجفوة ولو في أمر يسير بين الإسلام وبعض المسلمين برز بعد مقتل عثمان - رضي الله عنه -، والفتنة بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، وأخذ يتنامى إلى أن صح قول من قال: إن الإسلام شيء والمسلمين شيء آخر، وإن كان هذا لا ينطبق تماما على عهد الدولة الإسلامية الواحدة، فقد كان فيها خير كثير، لكنه قوي لمّا تشرذمة الدولة الإسلامية بفعل أعداء الإسلام، وتمادى أكثر المسلمين في المفارقة حتى أصبح القول المذكور حقيقة لا تنكر في هذا العصر، وليس على كل فرد، والسبب في هذه المفارقة الشديدة، عدم الأخذ بما أخذت به القرون المفضلة، فقد تناول أهلها الإسلام بالنظر إلى قدسية المرسل والرسالة والرسول (¬2) وكان تعظيم الرسول - صلى الله عليه وسلم - عندهم منبثقا من تعظيم المرسل ¬

(¬1) البخاري، حديث (2651) ومسلم حديث (2535). (¬2) المراد الأغلبية الساحقة.

والرسالة، ولم يكن لمجرد شخصه - صلى الله عليه وسلم -، فإنه بشر مثلهم، ولذلك قال ضمام بن ثعلبة - رضي الله عنه -: فيما رواه أنس - رضي الله عنه - قال: 7 - (بينما نحن جلوس مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في المسجد، دخل رجل على جمل، فأناخه في المسجد ثم عقله، ثم قال لهم: أيكم محمد؟ والنبي - صلى الله عليه وسلم - متكئ بين ظهرانيهم، فقلنا: هذا الرجل الأبيض المتكئ. فقال له الرجل: ابن عبد المطلب؟ فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: قد أجبتك، فقال الرجل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إني سائلك فمشدد عليك في المسألة، فلا تجد عليّ في نفسك، فقال: سل عما بدا لك، فقال: أسألك بربك ورب من قبلك، آلله أرسلك إلى الناس كلهم؟ ، فقال: اللهم نعم، قال: أنشدك بالله، آلله أمرك أن نصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة؟ ، قال: اللهم نعم، قال أنشدك بالله، آلله أمرك أن نصوم هذا الشهر من السنة؟ ، قال: اللهم نعم، قال: أنشدك بالله، آلله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا؟ ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: اللهم نعم، فقال الرجل: آمنت بما جئت به، وأنا رسول من ورائي من قومي، وأنا ضمام بن ثعلبة، أخو بني سعد بن بكر) (¬1) هذا تعظيم للمرسل والرسالة، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يتميز عن أصحابه، ولذلك لم يعرفه ضمام إلا بعد السؤال عنه، وكان - صلى الله عليه وسلم - يقول لمن يرى عليه الرهبة: 8 - (هوّن عليك فإنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد في هذه البطحاء) (¬2) وسار أصحابه من بعده في تقديس الرسالة مساره - صلى الله عليه وسلم -، بايع الناس أبا بكر - رضي الله عنه - فقال: إني وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوّمني، الصدق ¬

(¬1) البخاري حديث (63). (¬2) المستدرك حديث (870).

أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي، حتى أريح (¬1) عليه حقه - إن شاء الله - والقوي فيكم ضعيف عندي، حتى آخذ الحق منه - إن شاء الله - لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم (¬2) وهنا نلاحظ ارتباط أبي بكر بقدسية الرسالة، والتركيز على الالتزام بصحة المنهج. وبايعوا ابن الخطاب - رضي الله عنه - فأهمّه الأمر وخشي أن ينظر الناس إلى شخصه وينسون تقديس الرسالة، قال حذيفة - رضي الله عنه -: 9 - (دخلت على عمر وهو قاعد على جذع في داره وهو يحدث نفسه، فدنوت منه فقلت: ما الذي أهمك يا أمير المؤمنين؟ ، فقال هكذا بيده وأشار بها، قلت: الذي يهمّك والله لو رأينا منك أمرا ننكره لقوّمناك، قال: آلله الذي لا إله إلا هو، لو رأيتم مني أمرا تنكرونه لقومتموه؟ ، فقلت: آلله الذي لا إله إلا هو، لو رأينا منك أمرا ننكره لقوّمناك، قال: ففرح بذلك فرحا شديدا وقال: الحمد لله الذي جعل فيكم أصحاب محمد الذي إذا رأى مني أمرا ينكره قوّمني) (¬3) ولم يترك الأعداء الكيد للإسلام فبرزت الدعوة إلى تقديس الأشخاص، ليتمكنوا من خلق الجو المناسب لهدم الإسلام لبنة لبنة، ولو طال الزمن في نظرهم، وكان أول ما بدئ بالدعوة إلى الأخذ بدم الخليفة عثمان - رضي الله عنه -، وهي كما قال الخليفة علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في التحكيم: كلمة حق أريد بها باطل، تلت بعد ذلك دعوة عبد الله بن سبأ إلى تقديس آل البيت، وكان الهدف ¬

(¬1) أي أعيد إليه حقه، من الرواح وهو العودة .. (¬2) مصنف عبد الرزاق رقم (20703). (¬3) ابن أبي شيبة 6/ 99 ..

منها الصرف عن تقديس الرسالة، وهي أخطر ما رمي به الإسلام، إذ تدرجت هذه الدعوة من طور إلى طور حتى جاء من يقول بألوهية علي - رضي الله عنه -، وقد استغل حب آل البيت عليهم السلام استغلالا واسعا، ولأغراض شتّى، حتى تحوّل التقديس الروحي إلى الأشخاص أكثر من الرسالة، وأحدثوا لتقديس الأشخاص في الزمان والمكان ما هو مخالف لمنهج الرسالة، وأدخلوا في القيم الروحية من البدع شيئا كثيرا، من تلمّس وتمسّح بقبور الأشخاص، وترنّم بالمدائح في احتفالات تقام لذلك، واتّسع الخرق على الراقع، حينما خرج عن إطار آل البيت عليهم السلام إلى غيرهم من الناس، ممن يقال عنهم: الأقطاب، والأولياء، والصالحون، وهلم جرا، وجاء التصوف الغالي في أمر هؤلاء ببدع لا تقل عما أحدث في أمر آل البيت عليهم السلام، وأصبحت هذه الأمور ظاهرة في العالم، تمثل ارتباطا روحيا لدى الكثيرين من الناس تجاه الأنبياء، والأولياء، والصالحين، ومن يرون أهليته للتقديس، وأصبح عندهم منهج تربوي يوجه مشاعر الآخرين إلى الشخصية المراد تقديسها، وإرساء علاقة حب شخصي لا ارتباط له بمنهج الدين الصحيح، وقد تجد من هؤلاء القوم من يخشى غضبة الولي، ولا يخاف من غضب الله - عز وجل -، ولو استحلفته بالله على أمر هو فيه كاذب لحلف دون تردد، ولكنه لا يجرؤ على الحلف بالولي كاذبا، وتجده لا يغضب لمخالفة الدين أوسبّه، ولا لذات الله - جل جلاله -، بل قد يمارس ذلك فيسب الله - عز وجل -، ويسب الدين، ولا تأخذه لومة لائم في حماية جناب الشخص المقدس. ومن منطلق الغلو في حب آل البيت، وما شاع له من قبول عند العامة، وما حصد من قيل عنه: إنه من آل البيت من غنائم في

مجال التقديس أولا، وفي مجال التموّل من الخمس وغيره، برزت ظاهرة ادّعاء النسب إلى آل البيت لمآرب عديدة منها ما ذكر، ومنها ما يتعلق بالسياسة والحكم، وما يتعلق بالمصالح الذاتية، فأصبح عند هؤلاء عدم الارتباط بالرسالة وتقديسها، وحلّ محله الارتباط بالشخصية المقدسة، وحياكة الأقوال في تعظيمها وتقديسها، ولو أسندوا في تعظيمها بعض الأقوال للرسالة فهي لا تعدوا أحد أمرين: الأول: تأويل النص على غير المراد منه، إن كان مما ورد في الرسالة، كلا أو جزءا. والثاني: صناعة النص ونسبته زورا إلى الرسالة لتقوية الهدف. وهذا كله خلاف المنهج السوي: كتاب الله - عز وجل -، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وهما يخاطبان الأشخاص من خلال الرسالة، ويدعوان إلى الارتباط بها مباشرة، في كل الأحوال: الدينية، والأخلاقية، والتعليمية، والدعوية، وكل ما يتعلق بالفكر والحوار، وأدب الحديث، وحالات الحرب والسلم، وحذّر القرآن من الانتماء إلى الأشخاص ومنهم الأنبياء عليهم السلام، وخاتمهم نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} (¬1) تبليغ الرسالة مهمته - صلى الله عليه وسلم -، فله الطاعة والاتباع، وللرسالة التقديس والبقاء، لأنها رسالة الله - عز وجل -، وإرادته في الحياة، وهي التي تبقى لتدبير حياة الناس، والرسل يموتون ¬

(¬1) الآية (144) من سورة آل عمران.

لأنهم بشر، وقد عملوا لارتباط الناس بالرسالة وتقديسها، وهم لا يتكلمون عن ذواتهم من خلال الرسالة، ولم يوجهوا الأتباع إلى شيء من تقديس الذات، وهم يتلطفون بأتباعهم ويشفقون عليهم، فهذا نوح عليه - عليه السلام - أول الأنبياء، يقول لقومه: {يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} (¬1) وهذا التلطف والخوف من نوح - عليه السلام - ورد في أكثر من آية في كتاب الله - عز وجل -، ولبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى النجاة بتقديس الرسالة، ولم يدع إلى تقديس نفسه ولا مرة واحدة، والرسل كافة على نفس المنهج، وآخرهم نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - عرض عليه قريش الجاه والمال والملك فلم يقبل - صلى الله عليه وسلم -، وقال: 10 - (يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته) (¬2) لماذا هذا الموقف من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ لأن الأمر لا يتعلق بالأشخاص وإنما هو متعلق بالمرسل - جل جلاله - وبالرسالة، فليس المراد تقديس الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وإنما المراد الاستجابة له والإيمان برسالته، والتطبيق الفعلي لما جاء به، ولذلك لم يقل - صلى الله عليه وسلم -: تركت فيكم فلان وفلان من عظماء الصحابة ومنهم ابن عمه وزوج ابنته علي - رضي الله عنه -، وإنما قال: 11 - (تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله، وأنتم تسألون عني، فما أنتم قائلون؟ ، قالوا: نشهد أنك قد بلّغت وأدّيت ونصحت، فقال بإصبعه السبابة، يرفعها إلى السماء ¬

(¬1) من الآية (59) من سورة. (¬2) السيرة النبوية 1/ 203، ت البجائي.

وينكتها إلى الناس اللهم اشهد، اللهم اشهد) (¬1) وقد صدق من قال إن جاهلية اليوم أكثر إغراقا من الجاهلية السابقة، قوم نوح احتجوا عليه بأنه بشر مثلهم {فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ} (¬2) وجاهلية اليوم أسرفوا في تقديس الأشخاص حتى تجاوزا الرسل إلى من دونهم من الناس، بل زعموا في بعضهم أنهم في مقام أفضل من مقام الرسل، كمن يقول: إن لأئمتنا مكانة لم يبلغها ملك مقرب ولا نبي مرسل، فخرجوا بكثير من الناس عن تقديس الرسالة، وأفقدوهم المنهج السوي الذي جاء به نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، على أن تقديس الرسالة والعمل بالمنهج السوي لا يزال قائما إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهو ما أخبر به نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، 12 - (لا تزال طائفة من أمتي على الحق، منصورة حتى يأتي أمر الله) (¬3) وعلينا في هذا العصر وقد كثر أعداء الإسلام، أن نعتصم بالمنهج السوي: كتاب الله - عز وجل -، وسنة المصطفى نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، ولا بد أن نركّز أولا على تقديس الدين كما أراد الله - جل جلاله -، وكما أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ونجد ونجتهد في إثراء الناس بالقيم الروحية، التي تلقّاها الصحابة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبها صمدوا أمام الأعداء بدءا ببلال - رضي الله عنه -، صاحب القول العظيم: أحد أحد، وآل ياسر صدق الله العظيم، يمر بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم يعذبون، فيقول: ¬

(¬1) مسلم، حديث (1217) وهو طويل. (¬2) الآية (27) من سورة هود. (¬3) أخرجه مسلم، حديث (170)

13 - (صبرا يا آل ياسر فإن موعدكم الجنة) (¬1) هذا النموذج الفريد لم تستولي عليهم المحنة وما هم فيه من البلاء، كان تقديسهم للرسالة أعظم من تقديسهم لسلامتهم من الأذى أو الموت، ولم يتعلقوا بشخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلمهم أنه بشر، لا يملك لهم إلا التثبيت وصدق الموعد، وقد حوّل هؤلاء النفر المحنة إلى فرحة عظيمة أنستهم ما هم فيه من العذاب الأليم، فأصروا على الانتصار على العدو بالصبر، وهو السلاح المتوفر لديهم، والقوة التي لا تقهر، فإن قريشا لم يرغبوا في موت هؤلاء، أكثر من رغبتهم في أن يعودوا إلى التكذيب بالرسالة، وعدم تصديق محمد - صلى الله عليه وسلم - ولقد كان الصبر نصرا على الأعداء ولو أدى إلى الموت. إن عمل الصحابة - رضي الله عنهم - ومواقفهم توحي لكل مسلم يطلب المنهج السوي، أنهم القدوة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، الرجال منهم والنساء على حد سواء، وأنهم آمنوا بالرسالة وقدّسوها في واقع عمليّ فريد، وحملوا مسئولية الدفاع عنهما وتبليغها إلى من بعدهم على المنهج السوي، الذي تلّقوه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: 14 - (يرث هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين) (¬2) وفي رواية "يحمل" وقد كانت الواقعة تحدث في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أيّ أمر من أمور الحياة، وكان الصحابة في هذه المواقف يفزعون إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليعطي الحكم في الواقعة، فلا يكون لديه من الأمر شيء، وربما أقلقه ذلك - صلى الله عليه وسلم - فيتطلع إلى السماء ملتمسا الفرج ¬

(¬1) أخرجه الحاكم، حديث (1244). (¬2) أخرجه البيهقي (السنن الكبير 10/ 206).

من عند الله الذي أرسله، وقد يتأخر نزول الوحي ويحاول بعض الصحابة أن يقدم رأيا، ولكن رسول الله يتطلع إلى الرسالة لأن فيها القول الفصل، فينزل الوحي بالحكم فيبلّغ النبي - صلى الله عليه وسلم - المسلمين، وهم يبادرون إلى التنفيذ دون حوار أو مناقشة، وأسباب نزول الآيات من أعظم الشواهد على ما نقول. ولقد كان الجانب البطولي مهما في نقل الرسالة إلى الآخرين، وليس هذا خاص بالإسلام، بل جميع الرسالات لم تستغن عن وجود الأبطال مع الرسل وبعدهم، ولذلك كان رسول الله يتطلع إلى ذلك وهو سيد الأبطال - صلى الله عليه وسلم -، ولو كان الأمر يتعلق بشخصه لتولّى ذلك وكفى، ولكن الأمر يتعلق بنقل الرسالة من جيل إلى جيل حتى يرث الله الأرض ومن عليها، فلابد من وجود أبطال من الأمة، وكان - صلى الله عليه وسلم - يلحّ في الدعاء ويقول: 15 - (الَلهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلينِ إليك بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب) (¬1) وكان أحبهما عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، وأصبح الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه في عزة منذ أن أسلم عمر - رضي الله عنه -، وتوالى الأبطال الذين توفر فيهم الإيمان بقداسة الرسالة، والاستعداد للدفاع عنها ونقلها إلى الآخرين، وكان نتاج ذلك ما عرف عن المسلمين، من البطولات في حماية دين الله، ونشره من خلال الفتوحات، وإخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، وقامت للإسلام دولة لم يعرف التاريخ دولة نشرت الحق والعدل، ووحدت الأمم والشعوب مثلها إلى يومنا هذا، وأقامت من أسس العلم والحضارة ما أسهم بفعالية في إزاحة الجهل والظلام عن شعوب الغرب، الذين لا يقيمون للإسلام وزنا ¬

(¬1) أخرجه الترمذي، حديث (3681).

اليوم، ويصفونه بالظلم والإرهاب، واتخذوا لضرب قيمه ومنهجه السوي صنائع من أبنائه ينفذون كل ما يتمناه أعداء الإسلام. إن ما نحتاج إليه لحماية المنهج السوي، مثل تلك البطولات لتبقى العقيدة والمقدسات في المقام الأول، وتحقيق ما أراد لها الله - عز وجل - ورسوله - صلى الله عليه وسلم - من القداسة وسلامة المنهج، ليقف الناس على ما في الإسلام من قيم روحية وتربوية واجتماعية واقتصادية وسياسية، فإنه يمتلك أسمى المثل في ذلك كله، وهو نبع الطمأنينة والسكينة، يغني كل باحث عنهما وعن الإيمان بالله وحب الآخرين {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (¬1) وأحسب أن من الأبطال في العصر الحديث الإمامان العظيمان: محمد بن سعود، ومحمد بن عبد الوهاب اللذان تعاقدا على نصرة الإسلام وإقامة الحكم بالكتاب والسنة، وتحقق لهما ذلك، ولست مجانبا الحق إذا قلت: وكذلك الخيرين من نسل الإمامين، ومنهم الملك عبد العزيز وأبناؤه الملوك الذين اختاروا الكتاب والسنة لقيام الدولة وحكم البلاد، ونشر العقيدة الصافية والذب عن توحيد الله، وإرساء الحق والعدل والمساواة، ونشهد أنهم غرة هذا الزمان، ولا نزكي على الله أحدا. ¬

(¬1) الآية (13) من سورة الحجرات.

(4) الباب الثاني: المساواة بين الرجل والمرأة، وفيه فصلان

(4) الباب الثاني: المساواة بين الرجل والمرأة، وفيه فصلان: 1/ 4 - الفصل الأول: أصل الخلق وحق الحياة، ومتطلباتها، وفيه مباحث: 2/ 4 - المبحث الأول: المساواة في أصل الخلق. في الصدر الأول للإسلام لم تكن بعض الفوارق بين الرجل والمرأة مصدر قلق لا للرجل ولا للمرأة، والسبب في ذلك قبول الطرفين الإيمان بقداسة الرسالة، وأنها من خالق عليم خبير، فلم يتطرق الشك إلى نفوس المؤمنين في أن ذلك هو العدالة عينها، فالله هو خالق الإنسان الذكر والأنثى، وجعل لكل منهما صفات خلقية يتميز بها عن الآخر، وعلى ضوء تلك الصفات أناط بهما تكاليف منها ما يشتركان فيه، ومنها ما ينفرد به أحدهما عن الآخر، فقد ساوى الله - عز وجل - بينهما في الخلق: أصله وأطواره، ولا فرق بين الذكر والأنثى في ذلك، وكذلك ساوى بينهما في الصورة والملامح والأعضاء إلا ما يتعلق بالتناسل، لما يترتب على ذلك من عمارة الأرض، فخصّ الرجل بجانب من ذلك، وأوجد له مكوناته الخلقية، وجعل له من القوة والخشونة ما يناسبه، وأعطى المرأة الجانب الأهم وخصّها بمكوناته الخلقية، وجعل لها من اللّطف والرقة ما يناسبها، والأمر فيهما أشبه ما يكون بالسالب والموجب، لا يستغنى في الحياة عن تكاملهما، وإذا تساويا بطل التكامل، وفسد الأمر، ومن هنا كان الرجل يتولىّ المهام الصعبة، والأعمال الشاقة، فهو لها وفارس ميدانها، لما فطر علية من الخشونة، وقوة الجسم والجسارة، الشيء الذي لا تتمتع به المرأة فطريا، وهذا جليّ ومن تأمل قصة موسى - عليه السلام - يعلم

ذلك جيدا {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} (¬1) إنّ تكوين المرأة الفطري لم يمكّنها من مزاحمة القوم، ولم تجسرا على ذلك وهما اثنتان، فالواحدة من باب الأولى، فيتقدم الرجل بسطوته وخشونته التي فطر عليها ليسقي لهما {فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} (¬2) وهنا كان الشعور الفطري ينتاب المرأتين، وهو الإحساس بحاجتهما إلى رجل يمارس الدور الذي لا يناسب المرأة فطريا، فلما رجعتا إلى أبيهما {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} (¬3) وليس معنى هذا انعدام القوة عند المرأة، بل هي قوية لكن فيما فطرت عليه، وما لم تفطر عليه فهي ضعيفة دون شك {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} (¬4) ويتكرر الموقف مع موسى - عليه السلام - ومع المرأة نفسها ¬

(¬1) الآية (23) من سورة القصص .. (¬2) الآية (24) من سورة القصص. (¬3) الآية (26) من سورة القصص. (¬4) من الآية (88) من سورة النمل.

3/ 4 - المبحث الثاني المساواة في حق الحياة.

وقد صارت زوجا له {إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى} (¬1) وقال تعالى: {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} (¬2) لم يبعث موسى - عليه السلام - أهله لاستطلاع الأمر أو إحضار القبس، لأنه عمل شاق، وفيه مخاطرة، فتولّى ذلك بنفسه، وكانت المرأة مصونة معززة مكرمة. 3/ 4 - المبحث الثاني المساواة في حق الحياة. حرّم الله تعالى قتل النفس إلا بالحق، المسلم وغيره في ذلك سواء، لا فرق بين الذكر والأنثى {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} (¬3) واستبعد الإسلام أن يقتل المؤمن مؤمنا عمدا {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً} (¬4) أما من يقتل عمدا فقد تعدّى وظلم وله عقاب أليم {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ ¬

(¬1) الآية (10) من سورة طه. (¬2) الآية (29) من سورة القصص. (¬3) من الآية (33) من سورة الإسراء. (¬4) من الآية (92) من سورة النساء.

جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (¬1) ولا فرق بين الذكر والأنثى قاتلا أو مقتولا، ومن تكريم النفس وحرمة الاعتداء عليها، أن حرم الإسلام على الإنسان أن يقتل نفسه الذكر والأنثى على حد سواء {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} (¬2) قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: 16 - (كان برجل جراح فقتل نفسه، فقال الله: بدرني عبدي بنفسه، حرمت عليه الجنة) (¬3) وقال - صلى الله عليه وسلم -: 17 - (الذي يخنق نفسه يخنقها في النار، والذي يطعنها يطعنها في النار) (¬4) فمن يعتدي على نفسه بالقتل بأي سبب فالله خصمه، ومن يعتدي على الغير فالشرع يعاقبه، ولذلك كتب الله القصاص من الذكر والأنثى، هذا في الوقت الذي لم تعط بعض الأمم المرأة حق الحياة، عند من يرى أن المرأة يجب أن تموت بموت زوجها، وبطريقة بشعة إذ تحرق على جثته وهي حية، وقد استمر هذا الظلم العظيم قرونا، ولم تعف منه المرأة في بعض الدول إلا في القرن السابع عشر الميلادي، أما الإسلام فيوجب لها حق الحياة والعناية وهي جنين في رحم الأم، ذكرا كان أو أنثى، وذلك من طريقين هامين للحفاظ على حياة الجنين: الأول: الاعتناء بصحة الأم وعدم إرهاقها ولاسيما في حالة الحمل، ويلزم الزوج أن يقدم لها كل ما في وسعه للمحافظة على ¬

(¬1) الآية (93) من سورة النساء. (¬2) الآية (29) من سورة النساء. (¬3) البخاري حديث (1364، 3463) ومسلم حديث (113). (¬4) البخاري حديث 1365، 5778).

صحتها لسلامتها أولا، ولسلامة ما تحمل ثانيا، وهذا داخل في قوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} (¬1) وقوله - صلى الله عليه وسلم -: 18 - (استوصوا بالنساء خيرا) (¬2) وقوله - صلى الله عليه وسلم -: 19 - (كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته) (¬3). والثاني: تحريم وأد البنات: العادة الجاهلية، فقد كان بعض قبائل العرب يخافون على المرأة من أن تسبى فتكون عارا عليهم، فإذا جاء المولود أنثى فلا حق له في الحياة عندهم، وقد تدفن وهي حية، فاعتبر الإسلام ذلك جريمة عظيمة في حق الأنثى فتوعد بسؤالها وإنصافها {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8)} (¬4) وبعد مجيء الإسلام أصبحت الأنثى في مأمن من هذا الإجراء السيء، تعيش حياة كريمة آمنة، وإن وجد بعض الظلم فشرع الله ينصف المظلوم من الظالم، رجلا كان أو امرأة. ¬

(¬1) الآية (7) من سورة الطلاق. (¬2) البخاري حديث (3331، 5185). (¬3) البخاري حديث (893). (¬4) الآية (8، 9) من سورة التكوير.

4/ 4 - المبحث الثالث المساواة في متطلبات الحياة

4/ 4 - المبحث الثالث المساواة في متطلبات الحياة: ساوى الإسلام بين الرجل والمرأة في متطلبات الحياة كالسكن والمركب، والزينة والمأكل والمشرب {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (¬1) للذين آمنوا رجالا ونساء، المسلم والكافر على حد سواء في الدنيا، أما في الآخرة فهي خالصة للمؤمنين ولا حظ لغيرهم فيها، بدليل قوله تعالى: {خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} ولهما حق النوم والخلود إلى الراحة، وهذا من أعظم النعم على كل المخلوقات، وبني آدم بالأولى، ولذلك امتن الله على عباده فقال: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} (¬2) وقال تعالى: {وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا} (¬3)، ولوازم الاستقرار كالسكن الحسي والمعنوي، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ ¬

(¬1) الآية (32) من سورة الأعراف. (¬2) الآية (72) من سورة القصص. (¬3) الآية (9) من سورة النبأ.

مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (¬1) وكذلك الأمن والفرح، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: 20 - (من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا) (¬2) أي كأنه ملك الدنيا، وما ذلك إلا لأهمية الأمن في حياة كل مخلوق فضلا عن الإنسان الذي هو أكثر المخلوقات إحساسا بقيمة الأمن، ولأهمية الأمن في حياة الإنسان كان أول دعاء إبراهيم - عليه السلام - {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (¬3) وقال - عليه السلام -: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} (¬4) لأن من يعبد الأصنام لن يكون آمنا أبدا، وامتنّ الله به على الناس فقال تعالى: {أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (¬5) وعلى قريش خاصة فقال تعالى: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ ¬

(¬1) الآية (21) من سورة الروم. (¬2) الترمذي حديث (2346). (¬3) من الآية (126) من سورة البقرة. (¬4) الآية (35) من سورة إبراهيم. (¬5) من الآية (40) من سورة فصلت.

5/ 4 - المبحث الرابع المساواة في حق التكريم

أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (¬1) وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ} (¬2) وقال تعالى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} (¬3). وكذلك الارتباط الأسري، والزواج الشرعي، حتى الحزن والمنغصات يتعرض لها الإنسان الذكر والأنثى، يعتري كل منهما متاعب وكوارث، ومرض وهرم، دون فرق بين رجل وامرأة فيحدث لكل ما كتب له من الخير، وما قدر عليه من متاعب الحياة، ومن حق كل من الرجل والمرأة أن يبحث عما أبيح له من أمور الحياة، في الإطار الشرعي، وليس له تجاوز ذلك. 5/ 4 - المبحث الرابع المساواة في حق التكريم: ورد تكريم المرأة في كافة الشرائع السماوية، التي جاءت بها الرسل عليهم السلام، فقد حدثنا القرآن الكريم عن نساء كرمهنّ الله تعالى، فقال عن أم مريم عليها السلام: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ ¬

(¬1) من الآية (57) من سورة القصص. (¬2) الآية (67) من سورة العنكبوت. (¬3) الآية (3، 4) من سورة قريش

الْعَلِيمُ} (¬1) فكان المنذور بنتا هي مريم عليها السلام {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (¬2) فكان من تكريم الله تعالى لامرأة عمران أن تقبل منها نذرها {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (¬3) أيّ تكريم أعظم من هذا؟ ، لقد دفع هذا التكريم زكريا - عليه السلام - إلى أن يتطلع إلى الذرية الصالحة الطيبة، ويهب داعيا ربه - عز وجل - {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} (¬4) وهنا يلتقي التكريم للرجل والمرأة على حد سواء، فكما تقبّل من امرأة عمران نذرها ودعاءها، تقبّل من زكريا - عليه السلام - دعاءه {فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ ¬

(¬1) الآية (35) من سورة آل عمران. (¬2) الآية (36) من سورة آل عمران. (¬3) الآية (37) من سورة آل عمران. (¬4) الآية (38) من سورة آل عمران ..

بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} (¬1) يا له من تكريم عظيم: بشارة بغلام ذكرت صفاته قبل أن يخلق، وبشر بها أبوه قبل خروجه إلى الدنيا، ويعود التكريم إلى جانب مريم مرة أخرى، وكان في أربعة مواقف جليلة: الأول: أن الله تعالى اصطفاها على نساء العالمين، والثاني: أن الله تعالى كرمها بمخاطبة الملائكة لها، والثالث: بشارتها بما لم يحدث لأنثى قبلها، ولن يحدث لأنثى بعدها، حملها من غير بشر، والرابع: جعل ابنها مباركا بكل ما تعنيه كلمة البركة وقال تعالى: {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ} (¬2) شاركت المرأة الرجل في الاصطفاء والتكريم ولم تقصر عنه في ذلك، قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} (¬3) ومنشأ هذا التكريم هو ما تحمّل من الإيمان ¬

(¬1) الآية (39) من سورة آل عمران. (¬2) الآية (45) من سورة آل عمران. (¬3) الآية (70) من سورة الإسراء.

بالله وما نزل من الحق، وكان ذلك في العهد الذي أخذ على بني آدم قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} (¬1) ومن هنا تحمّل آدم وذريته الأمانة العظمى: وهي القيام بالتكاليف الشرعية وفق هذا العهد، قال تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} (¬2) فصحّ التكريم لمن آمن وعمل صالحا، قال تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} (¬3) وقد وعد الله تعالى المؤمنين من عباده الذكور والإناث على حد سواء، الصابرين على السراء والضراء، الذين لا تأخذهم في دين الله لومة لائم، جنات تجري من تحتها الأنهار، قال تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ ¬

(¬1) الآية (172) من سورة الأعراف .. (¬2) الآية (72) من سورة الأحزاب. (¬3) الآية (124) من سورة النساء.

سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ} (¬1) ووعدهم تعالى بالحياة الطيبة، في الدنيا حياة العزة، والطهر والعفاف وطمأنينة النفس، وفي الآخرة حياة النعيم الأبدي، قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (¬2) ومنّ الله عليهم بأن السيئات التي يقع فيها الإنسان ذكرا كان أو أنثى، لا تكتب عليه إلا سيئة واحدة، بمعنى أن عقابها ليس مضاعفا، كجزاء الحسنة التي يضاعف الله أجرها أضعافا كثيرة، قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} (¬3) وهنا نعلم أن التكريم مرتبط بالإيمان بالله تعالى، وإتباعه بالعمل الصالح، ومن خلا حاله من هذا الوصف، فليس من المكرّمين، بل يكون أسفل سافلين، في مهانة وذل وصغار، لأنه لم يؤمن بالله تعالى ولم يطعه فيما أمر، ولم يجتنب ما نهي عنه، حكّم عقله واتّبع هواه، قال تعالى: {لَقَدْ ¬

(¬1) الآية (195) من سورة آل عمران. (¬2) الآية (97) من سورة النحل .. (¬3) الآية (40) من سورة غافر.

خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5)} (¬1) لأنهم فارقوا منهج التكريم، فكانوا كالأنعام، قال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} (¬2) هذه صفاتهم لمّا أعرضوا عن الحق، وإن كانت أشكالهم الخلقية لا تختلف عن أشكال المؤمنين، لكنهم في الحقيقة لا يعقلون الحق، قال تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} (¬3) وهذا يستوي فيه الرجال والنساء، المؤمنون بما ذكر عنهم، وغيرهم بما وصفوا، وعلى هذا فالرجل والمرأة ينظر لهما الإسلام من طرفين متقابلين: جانب الخير وجانب الشر، وقد يكون فيهما الخير كله، والعكس صحيح أيضا، وقد يمتزج الخير بالشر، ولم يصف الإسلام المرأة بأنها خيرة مطلقا، ولا شريرة مطلقا، بل أقرّ لها بالخيرية لما تتصف به من الإيمان والعمل الصالح {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ ¬

(¬1) الآية (4، 5) من سورة التين. (¬2) الآية (179) من سورة الأعراف. (¬3) الآية (44) من سورة الفرقان ..

رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (¬1) فقد نوّه الإسلام بالمرأة المؤمنة، لانتهاجها سبيل المؤمنين، طلبا للنجاة من عمل المفسدين، ووصفها بالشر لمّا ابتعدت عن ذلك {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} (¬2) بانتهاجها سبيل المارقين، وهذا عين العدل، ومن يتتبع حال المرأة عند الأمم التي لا تدين بالإسلام، سواء من كانوا قبل الإسلام، ومن هم بعد الإسلام، يجد أنهم لا يعترفون للمرأة بخير، ويرون أنها مصدر كل بلاء، وهذا فيه حق وباطل: فالباطل: وصف المرأة بالشريرة على الإطلاق، وهي نظرة أولئك القوم، فإنهم يعدّونها شرا محضا لا خير فيها ولا نفع، وهي رجس من عمل الشيطان لا تستحق غير المهانة والاحتقار (¬3). والحق: أن المرأة حينما تخرج عن القيم التي تحفظ عليها فطرتها وكرامتها، تكون كذلك، ولاسيما المرأة المسلمة حينما تخرج عن القيم الإسلامية، فإنه يزيد شرّها بقدر بعدها عن قيم الإسلام، حتى يكتمل فيها الشر، في تنكّرها لخالقها وما شرع لها من سبل ¬

(¬1) الآية (11) من سورة التحريم. (¬2) الآية (10) من سورة التحريم. (¬3) عودة الحجاب 2/ 48.

الخير والنجاة في الدنيا والآخر، فتكون ممن اختار العمى على الهدى، وتولى غير سبيل المؤمنين، وهذا يؤيده قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: 21 - (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء) (¬1) وهذا حق ينطبق تماما على المرأة المتحررة من قيم الدين، المتجردة من الحياء والفضيلة، فيصدق على سلوكها قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: 22 - (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت) (¬2) وهذا الضرر العظيم ناتج عن الشهوة والعلاقة الفطرية بين الرجل والمرأة، والشهوة من أشد ما ابتلي به الإنسان، فيها سعادته إذا استخدمت وفق ما شرع الله دون تجاوز، وفيها شقاؤه، إذا حرر نفسه من الشرع واتبع هواه وكان أمره فرطا، ومع هذا فقد منح الإسلام كل منحرف عن الجادة حق العودة إلى الخير والمنهج السوي، {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (¬3) ولم يقل كما قال الرومان: إن المرأة قيدها لا يُنزع، ونيرها لا يُخلع. أما المرأة المؤمنة بالله الملتزمة بشرع الله فقد حققت الغاية من اصطفاء الإنسان، فانبنى على ذلك تكريمها كالرجل تماما، ومن هنا تميز الإسلام في تكريم المرأة، وإعطائها حقوقها كاملة لا نقص فيها. ¬

(¬1) البخاري حديث (5096) ومسلم حديث (2740). (¬2) البخاري حديث (6120). (¬3) الآية (53) من سورة الزمر.

6/ 4 - المبحث الخامس المساواة في حق الكسب

6/ 4 - المبحث الخامس المساواة في حق الكسب: حث الإسلام على طلب الرزق من أبوابه المشروعة، وربط الكسب بالثواب والعقاب، على قاعدة شرعية قال الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (¬1) فكل ما يكتسبه الإنسان من وجه حلال، وما ينفقه في وجه حلال فله الأجر على ذلك لا فرق بين الرجل والمرأة، وكذلك ما يكتسبه من حرام، أو ينفقه في حرام يقع عليه من الله العقاب، ولكل من الرجل والمرأة حرية الاكتساب بالطرق الشرعية {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} (¬2) فللمرأة حق التصرف بالبيع والشراء، والصدقة المفروضة: الزكاة، والصدقة المندوب إليها في كل الأوقات، والوقف والهبة، ومتابعة شئونها المالية في حدود ما يأمر به الشرع، من ملازمة الحشمة، والبعد عما نهى الله عنه، والمحافظة على طهرها وعفافها، فهو أثمن من مطاردة الأسواق والمعارض والمنتديات والمؤتمرات للتزود من الثراء، ولها استنابة من يقوم على شئونها من محارمها ومحاسبته، وأفضل ما تكون صدقتها على أقاربها من زوج وغيره، كان عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - فقيرا، فقالت له زوجه زينب رضي الله عنها: سل ¬

(¬1) من الآية (275) من سورة البقرة. (¬2) من الآية (32) من سورة النساء.

7/ 4 - المبحث السادس: المساواة في حق النكاح المبني على الشرع

رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أيجزئ عني أن أنفق عليك وعلى أيتامي في حجري من الصدقة؟ ، فقال: سلي أنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قالت: فانطلقت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، قالت: فوجدت امرأة من الأنصار على الباب، حاجتها مثل حاجتي، فمر علينا بلال، فقلنا: سل النبي - صلى الله عليه وسلم -: أيجزئ عني أن أنفق على زوجي وأيتام لي في حجري؟ ، وقلنا: لا تخبر بنا، فدخل فسأله، فقال: من هما؟ ، قال: زينب، قال: أيّ الزيانب؟ ، قال: امرأة عبد الله، قال: 23 - (نعم لها أجران: أجر القرابة وأجر الصدقة) (¬1) ومن هذا يعلم أن للمرأة حق التملك، شأنها في ذلك شأن الرجل، ولها حق التصرف في أموالها، ولا يجوز للرجل أيا كان زوجا أو أخا أو أبا التدخل في ذلك ما لم يوجد موجب شرعي، كأن تخرج عن القيم الإسلامية، أو تقع فيما نهى الله عنه، فله استخدام ما خصه الله به من أمر القوامة. 7/ 4 - المبحث السادس: المساواة في حق النكاح المبني على الشرع: جعل الله العلاقة بين الرجل والمرأة أمرا فطريا، بني على ميل كل منهما إلى الآخر، في تكامل أشبه ما يكون بالموجب والسالب في تكاملهما وإنتاج ما يراد منهما من طاقة نافعة، غير أن هذه العلاقة توّجت في الإسلام بالقيم الشرعية, ولأهمية العلاقة بين الرجل والمرأة في إعمار الأرض خلق الله لآدم زوجه {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا ¬

(¬1) البخاري حديث (1397).

8/ 4 - المبحث السابع: المساواة في حق اختيار الزوج

وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (¬1) وجعل العلاقة بينهما آية من آياته الدالة على لطفه وحكمته سبحانه {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (¬2) وقد حث نبي الإسلام - صلى الله عليه وسلم - أمته على النكاح قال - صلى الله عليه وسلم -: 24 - (من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء) (¬3) وفي رواية (يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج. . . .) (¬4) وهذا القول معنيّ به الطرفان: الرجل والمرأة، لتبقى حقوق الإنسان مصونة، ولتسير حياتهم في الإطار الصحيح، حتى تتوفر لديهم القدرة والكفاءة اللازمة للوفاء بالحقوق الواجيات. 8/ 4 - المبحث السابع: المساواة في حق اختيار الزوج: من أجل قيام حياة بين الرجل والمرأة سعيدة آمنة أباح الله لكل منهما اختيار من يرغب فيه رفيقا في درب الحياة، وجعل ذلك وفق ضوابط شرعية، تجب مراعاتها عند الرغبة في الارتباط بهذا الأمر المصيري الهام، فيجب على الرجل والمرأة أن يبدأ ¬

(¬1) الآية (1) من سورة النساء. (¬2) الآية (21) من سورة الروم. (¬3) البخاري حديث (1806). (¬4) مسلم حديث (1400).

كل منهما بالاجتهاد في اختيار صاحبه، وفق الضوابط الإسلامية، وقد روي ما يمكن الاستشهاد به 25 - (تخيّروا لنطفكم فانكحوا الأكفاء وانكحوا إليهم) (¬1) والمراد بالأكفاء: أهل الدين والورع بالدرجة الأولى، فإذا انضم إلى هذه الكفاءة شيء آخر فهو أفضل وأتم، مثل الكفاءة في العلم والنسب والجاه، وغير ذلك من الأمور التي تزيد الحسن حسنا، والحذر كل الحذر من مخالفة الشرع، لما لذلك من تأثير بإذن الله على نجابة الأبناء من عدمها، وهذا حق للأبناء على الرجل والمرأة أن يفكرا فيه منذ البداية، وكما حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من المرأة السيئة السلوك فقال: 26 - (إياكم وخضراء الدمن، فقيل: يا رسول الله، وما خضراء الدمن؟ ، قال: المرأة الحسناء في المنبت السوء) (¬2) فقد نبّه المرأة إلى أن تختار ذا الدين، قال - صلى الله عليه وسلم -: 27 - (إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرضِ وفساد عريض) (¬3) فإذا توفر الدين، جاز صرف النظر عما سواه، لذلك قال الله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (¬4) فحسن الاختيار أمر مطلوب شرعا وعقلا وعرفا، وهو حق شرعي للرجل والمرأة، ¬

(¬1) ابن ماجه حديث (1968) وفي سنده طعن شديد، لكنه على ما فسرنا مقبول المتن. (¬2) مسند الشهاب حديث (957). (¬3) الترمذي حديث (1090) والأشبه أنه مرسل. (¬4) الآية (32) من سورة النور.

لا يجوز نزعه منهما فلا يجبر أحد من أب ولا سواه، على أن يتزوج من لا يريد، ولا على ترك من اختار على الوجه الصحيح، روى ابن عباس - رضي الله عنه - قال: إن زوج بريرة كان عبدا، يقال له مغيث، كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي، ودموعه تسيل على لحيته، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - للعباس: 28 - (يا عباس، ألا تعجب من شدة حب مغيث بريرة، ومن شدة بغض بريرة مغيثا؟ ! ، فقال لها: لو راجعتيه فإنه أبو ولدك، فقالت: يا رسول الله أتأمرني؟ قال: إنما أنا شافع، قالت: لا حاجة لي فيه) (¬1) فأمضى لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أرادت من ترك زوجها بعد أن أعتقتها عائشة رضي الله عنها، ولم يجبرها على البقاء، مع استعطافه - صلى الله عليه وسلم - إياها، وشفاعته في أن تبقى رحمة بالزوج والولد، وقولها: أتأمرني؟ يفهم منه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لو قال: نعم آمرك، لأطاعت دون تردد عملا بقول الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36)} (¬2) فلما لم يقل ذلك عرفت أنها مخيرة وأن من حقها الرفض، وليس هذا على الإطلاق في حق الفتى والفتاة، بل يجوز التدخل من قبل الولي بالمنع إذا كان القدح بأمر شرعي، فإذا ضل عنه الفتى أو الفتاة وجب على الولي الأخذ على أيديهما، ومنعهما من العبث بشرع الله تعالى، أما إذا كان التعلل بالطبقية مثلا: أغنياء وفقراء، قبيلة وأخرى، عربي وعجمي، ونحو ذلك من ضلالات ¬

(¬1) البخاري حديث (5283). (¬2) الآية (36) من سورة الأحزاب ..

9/ 4 - المبحث الثامن: المساواة في حق قضاء الوطر

المجتمع، فليضرب به وجه صاحبه، فضلا عن عرض الحائط، ويسقط حق الولي في هذه الحال، وترجع الفتاة إلى الحاكم الشرعي فله الولاية عليها، ولا عيب في ذلك عليها ما دام الأمر في إطار الشرع، والحق المشروع، ومن الفتيات من تدّعي ظلم الرجل مع علمها بأن جهة الإنصاف موجودة، فلا تذهب للمطالبة بحقها، إما جهلا وهو الغالب، أو خوفا من أوليائها، أو تقديرا للعادات التي تزعم أن المرأة إذا ذهبت إلى المحاكم فلا خير فيها، وذلك هو الظلم عينه، وما جعل الحاكم الشرعي إلا للعدل، وإعطاء كل ذي حق حقه، والله يقول: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (¬1) يضيّعون حقوقهم ويتهمون الإسلام بالظلم والتعسف، ولو عرفوا الإسلام حق المعرفة، وعملوا به، ما احتاجوا إلى محاكم أصلا. 9/ 4 - المبحث الثامن: المساواة في حق قضاء الوطر بناء على ما أباح الله بين الزوجين من قضاء الوطر، وإشباع رغبة كل منهما، وفق الضوابط الشرعية، قال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (¬2) أي لهن من الحقوق على الرجال، مثل ما ¬

(¬1) الآية (65) من سورة النساء. (¬2) من الآية (228) من سورة البقرة.

للرجال عليهن، فعلى كل من الزوجين إحسان عشرة الآخر، والقيام بما هو معروف بين الأزواج، يحسن كل منهما تعامله مع الآخر بما هو معروف، من حسن المظهر، وطيب المعشر، ودماثة الخلق، قال ابن عباس رضي الله عنهما: إني أحب أن أتزين لامرأتي كما أحب أن تتزين لي، لأن الله تعالى قال: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (¬1) وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: 29 - "لا تكرهوا فتياتكم على الرجل الذميم، فإنهن يحببن من ذلك ما تحبون" (¬2) وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: 30 - (ألا إن لكم على نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا: أما حقكم على نسائكم أن لا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهو، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن) (¬3) ومن ذلك حل الرفث بين الزوجين في ليالي الصوم قال تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} (¬4) والمراد الجماع، ويطلق على الفحش، وليس هو المراد هنا، وجعل المرأة لباسا للرجل، والرجل لباسا لها، لاقتران كل واحد منهما بالآخر في حالة خاصة، كالثوب ولابسه، ولذلك قال تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ ¬

(¬1) من الآية (228) من سورة البقرة. (¬2) مصنف ابن أبي شيبة. (¬3) الترمذي حديث (1163). (¬4) من الآية (187) من سورة البقرة.

10/ 4 - المبحث التاسع: المساواة في تحريم نكاح المشركين

وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} (¬1) أي جامعوهن فهو حلال لكم في ليالي الصوم، وابتغوا بمباشرتكم حصول ما كتب لكم من العفاف، والإنجاب، وحسن العشرة، فللمرأة من الحق في هذا الشأن ما للرجل، ولكل منهما الاستمتاع بالآخر، ويمنع الرجل من الفرج في حالة الحيض والنفاس، ومطلقا من الدبر، وله ذلك في باقي البدن، سأل رجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ ، قال: 31 - (لتشد عليها إزارها ثم شأنك بأعلاها) (¬2) وأرسل عبد الله بن عمر إلى عائشة ليسألها، هل يباشر الرجل امرأته وهي حائض؟ ، فقالت: لتشد إزارها على أسفلها ثم يباشرها (¬3). 10/ 4 - المبحث التاسع: المساواة في تحريم نكاح المشركين: وقد صان الله الرجل المسلم أن يعاشر غير المسلمات، قال تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} (¬4) وصان المرأة المسلمة أن تعاشر غير ¬

(¬1) من الآية (187) من سورة البقرة. (¬2) أخرجه الدارمي حديث (1093) وفيه زيد بن أسلم مولى عمر: لم يدرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهذا مرسل، وأخرجه مالك حديث (124) ووصله الطبراني من طريق زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس به (المعجم الكبير 10/ 382). (¬3) رجاله ثقات أخرجه الدارمي حديث (1094). (¬4) من الآية (221) من سورة البقرة، وسبب نزولها: أن أبا مرثد الغنوي - رضي الله عنه - كان قد استأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - في امرأة اسمها عتاق أن يتزوجها، وكانت ذات حظّ من الجمال، وكانت مشركة، وأبو مرثد يومئذ مسلم فقال: يا رسول الله إنها تعجبني، فأنزل الله هذه الآية، انظر: (الدر المنثور في التفسير بالمأثور 1/ 256).

المسلم، فحرّم ذلك على أصل النكاح الذي هو العقد الشرعي، فضلا عن النكاح الذي هو الوطء، وعلل ذلك بأن المشركين لا يدعون إلى خير، ومن كان كذلك فلا خير في الحياة معه ولا معاشرته، فهم يدعون بأعمالهم وأقوالهم إلى النار، أما المؤمنون فهم الداعون إلى الخير العاملون به، فالحياة معهم تكون في خير وتؤول إلى خير، لأنهم يدعون بأعمالهم وأقوالهم إلى الجنة، ولذلك تولّى الله تعالى المقابلة تعبيرا عنهم، قال تعالى: {أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} (¬1) والمراد بالمشركين والمشركات: الوثنيات على القول الصحيح، لأن الكتابيات أبيح للمسلم نكاحهنّ، قال تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (¬2) نص على المحصنات من الذين أوتوا الكتاب، والمراد بالكتاب غير المحرّف، ولا أرى ذلك ¬

(¬1) من الآية (221) من سورة البقرة .. (¬2) الآية (5) من سورة المائدة.

11/ 4 الفصل الثاني المساواة في التكليف وتحمل المسئولية، وفيه مباحث

ينطبق عليهم اليوم وقد غيروا وبدلوا دينهم، لذلك كان ابن عمر رضي الله عنهما: إذا سئل عن نكاح النصرانية واليهودية قال: إن الله حرّم المشركات على المؤمنين، ولا أعلم من الإشراك شيئا أكبر من أن تقول المرأة: ربها عيسى، وهو عبد من عباد الله (¬1). وحرّم الله تعالى أن يزوجَ المشرك مسلمة، قال تعالى: {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} (¬2) أي لا تزوجوا الكفار بالمسلمات، وهذا خطاب للأولياء يمنعهم من المبادرة أو الموافقة على زواج الكفار مطلقا الكتابي وغيره، لما في ذلك من إهانة للمرأة المسلمة، وتعريض لدينها، والكفر والإيمان لا يجتمعان في أسرة. 11/ 4 الفصل الثاني المساواة في التكليف وتحمل المسئولية، وفيه مباحث: 12/ 4 - المبحث الأول: المساواة في التكليف: تقدم بيان اصطفاء الله تعالى للإنسان، وتكريمه له وذلك على ضوء موقفه من الرسالة الربانية، وهنا نؤكد على المساواة بين الرجل والمرأة في التكاليف الشرعية، إلا ما خص به أحدهما دون الآخر، بسبب ما تقتضيه الفطرة في الخلق، فالذكور والإناث مطالبون بالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، ومطالبون بإجابة الرسول المرسل ¬

(¬1) البخاري حديث (5285). (¬2) من الآية (221) من سورة البقرة.

13/ 4 - المبحث الثاني: المساواة في تحمل المسئولية

إليهم، ولا نبي ولا رسول بعد نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، ومطالبون بإقامة أركان الإسلام، لا أقل مما سأل عنه ذلك الأعرابي حين جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: 32 - (خمس صلوات في اليوم والليلة، فقال: هل علي غيرها؟ ، قال: لا، إلا أن تطوع، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: وصيام رمضان، قال: هل علي غيره؟ ، قال: لا إلا أن تطوع، وذكر له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الزكاة، قال: هل علي غيرها؟ ، قال: لا إلا أن تطوع، قال: فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أفلح إن صدق) (¬1) فلا فرق بين الرجل والمرأة في هذا، وكذلك لواحقه من النوافل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واجتناب ما حرم الله ورسوله، من الأقوال والأعمال، والمآكل والمشارب، والمكاسب، والزينة والمناظر والسماع {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} (¬2). 13/ 4 - المبحث الثاني: المساواة في تحمل المسئولية: ساوى الإسلام بين المرأة والرجل فيما يتعلق بتحمل المسئولية تجاه ما ينتج عن تصرف كل منهما من خير وشر، على حد سواء الغرم بالغرم والغنم بالغنم {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} (¬3) ¬

(¬1) البخاري حديث (46). (¬2) الآية (36) من سورة الإسراء. (¬3) الآية (38) من سورة المدثر.

وعلى ضوء ذلك يتحدد موقع كل منهما من الثواب والعقاب في الدنيا، وفي الآخرة: الجنة أو النار، وقد تكون المرأة في الجنة ووالدها أو زوجها أو ابنها في النار، والعكس صحيح أيضا {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} (¬1) وكل خطاب فيه يا أيها الذين آمنوا، أو يا أيها الناس فالنساء داخلات فيه {أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ} (¬2) ومحور هذا كله الإيمان بالله تعالى {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ ¬

(¬1) الآية (35) من سورة الأحزاب. (¬2) من الآية (195) من سورة آل عمران.

فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} (¬1) والإيمان والعمل الصالح شرط في الحصول على الحياة الطيبة في الدنيا، والجزاء الحسن في الآخرة {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (¬2) وهذا صريح كتاب الله بأن لا فرق بين ذكر وأنثى، فكما يحصل لهما بالعمل الصالح الثوب والجزاء الحسن، فإنهما يعاقبان على العمل السيئ، وأسوأ الأعمال الكفر بالله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (¬3) والبلاء أن يقضي الإنسان حياة في بعد عن الله باقيا على ضلاله وكفره {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} (¬4) فالله تعالى ينتقم لرسله وعباده المؤمنين {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} (¬5) وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ ¬

(¬1) الآية (124) من سورة النساء .. (¬2) الآية (97) من سورة النحل. (¬3) الآية (39) من سورة البقرة. (¬4) الآية (161) من سورة البقرة. (¬5) الآية (51) من سورة غافر.

عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} (¬1) ولن يمنعهم من عقاب الله مال ولا جاه ولا ولد {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ} (¬2) فهم المغلوبون يساقون إلى النار في ذلة وصغار {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} (¬3) ومن آمن منهم ثم ارتد إلى الكفر فقد ضل طريق الحق، لا يحصل لهم الهدى لإمعانهم في الضلال {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ} (¬4) ولا مساومة في يوم الحساب، بل يلقى المحسن ثواب إحسانه، والمسيء جزاء إساءته {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} (¬5) والآيات في هذا الصدد كثيرة. ¬

(¬1) الآية (4) من سورة آل عمران. (¬2) الآية (10) من سورة آل عمران. (¬3) الآية (12) من سورة آل عمران .. (¬4) الآية (90) من سورة آل عمران. (¬5) الآية (91) من سورة آل عمران.

14/ 4 - المبحث الثالث: المساواة في الحدود

14/ 4 - المبحث الثالث: المساواة في الحدود: ساوى الإسلام بين الرجل والمرأة في إقامة الحدود لهما وعليهما، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (¬1) ذهب الجمهور من علماء المسلمين إلى أنه يقتل الرجل بالمرأة، وتقتل المرأة بالرجل وهو الحق، إما على القول بالنسخ بآية المائدة، وبما ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإما على القول ببيانها لآية البقرة، لأن الحكمة في شرعية القصاص حقن الدماء، وحياة النفوس، وهو عدل ولاسيما للنساء، لأن ترك الاقتصاص من الذكور للإناث يفضي إلى إتلاف نفوس الإناث، لأمور كثيرة منها: كراهية توريثهن، ومخافة العار، ولاسيما عند ظهور أدنى شيء منهن، لما بقي في القلوب من حمية الجاهلية، التي نشأ عنها الوأد (¬2) ولاسيما أن الناس في الجاهلية كان فيهم بغي وطاعة للشيطان، فكان الحي إذا كان فيه عزّ ومنعة فقتل لهم عبد، قتله عبد قوم آخرين قالوا: لا نقتل به إلا حرّا، وإذا قتلت منهم امرأة قالوا: لا نقتل بها إلا رجلا، وإذا قتل لهم وضيع قالوا: لا نقتل به إلا شريفا، ويقولون: ¬

(¬1) الآية (178) من سورة البقرة. (¬2) أنظر: نيل الأوطار 7/ 18 - 23.

القتل أوقى للقتل (¬1)، ويقال: أبقى (¬2)، ويقال: أنفى (¬3)، فنهاهم الله عن البغي فقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} (¬4) روى مجاهد رحمه الله قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول: كان في بني إسرائيل القصاص ولم تكن فيهم الدية، فقال الله تعالى لهذه الأمة: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} (¬5) فالعفو أن يقبل الدية في العمد، وقوله تعالى: {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} (¬6) يتبع بالمعروف، ويؤدي بإحسان {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} (¬7) مما كتب على من كان قبلكم (¬8) {فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (¬9) أي قتل بعد قبول الدية (¬10) وكان هذا عين العدل ¬

(¬1) بالواو والقاف. (¬2) بالباء والقاف. (¬3) بالنون والفاء. (¬4) من الآية (178) من سورة البقرة .. (¬5) من الآية (178) من سورة البقرة. (¬6) من الآية (178) من سورة البقرة. (¬7) من الآية (178) من سورة البقرة. (¬8) بنوا إسرائيل، كان فيهم القصاص فقط، ولم تكن فيهم الدية. (¬9) الآية (178) من سورة البقرة. (¬10) أخرجه البخاري، حديث (4498).

للطرفين الرجل والمرأة على حد سواء، حق لهما وعليهما، وإذا كان العرب يظنون أنهم أتوا بمنتهى البلاغة في أقوالهم الثلاثة: القتل أوقى للقتل، أو أبقى للقتل، أو أنفى للقتل، هذه الأخيرة هي الأشهر، فإن الكمال البلاغي المطلق في قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (¬1) فإن العاقل يعلم أنه إذا قتل يقتل قصاصا، فيبقي على حياته بعدم ارتكابه جريمة القتل، ولا يقدم عاقل على القتل بغير حق مشروع، إلا إذا فقد عقله ساعة إذ، والحق المشروع ما ورد في السنة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: 33 - (لا يحل دم امرئ مسلم، يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمفارق لدينه التارك للجماعة) (¬2) ولا تكون مباشرة الحكم إلا للحاكم، يأمر بتنفيذه، وليس لأحد سواه، فالقاتل عمدا يقتل ذكرا كان أو أنثى، والزاني المحصن: الذي تزوج يرجم، ذكرا أو أنثى، والمرتد إلى الكفر يقتل، ذكرا أو أنثى، ومن لم يكن محصنا منهما فإنه يجلد {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (¬3) وكذلك بقية الحدود: كحد السرقة فقد حدث أن امرأة سرقت في عهد رسول ¬

(¬1) الآية (179) من سورة البقرة. (¬2) البخاري حديث (6878) ومسلم حديث (1676). (¬3) الآية (2) من سورة النور.

الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة الفتح، ففزع قومها إلى أًسامة بن زيد - رضي الله عنه - يستشفعونه، قال عروة: فلما كلمه أسامة فيها تلوّن وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: 34 - (أتكلمني في حد من حدود الله، قال أسامة: استغفر لي يا رسول الله، فلما كان العشي قام رسول الله خطيبا، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، فإنما أهلك الناس قبلكم: أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، والذي نفس محمد بيده، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) ثم أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتلك المرأة فقطعت يدها، فحسنت توبتها بعد ذلك وتزوجت، قالت عائشة: فكانت تأتي بعد ذلك، فأرفع حاجتها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1) وكذلك حد القذف فالرجل والمرأة في ذلك سواء لهما أوعليهما، وحد القذف هو ثمانون جلدة قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (¬2) وكان أول لعان في الإسلام بسبب القذف وذلك: أن شريك بن سحماء قذفه هلال بن أمية بامرأته، فرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: 35 - (يا هلال أربعة شهود وإلا فحدّ في ظهرك قال يا رسول الله إن الله يعلم أني صادق ولينزلنّ الله عليك ما يبرئ ظهري من الجلد) فأنزل الله {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ ¬

(¬1) البخاري حديث (4304). (¬2) الآية (4) من سورة النور.

إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} (¬1) فدعاه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال اشهد بالله إنك لمن الصادقين فيما رميتها به (¬2) وقد أقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حدّ القذف في شأن عائشة رضي الله عنها قالت: لما أنزل عذري قام النبي - صلى الله عليه وسلم - على المنبر فذكر ذلك وتلا، فلما نزل عن المنبر أمر بالرجلين والمرأة فضربوا حدهم (¬3) وقد حكم الله تعالى على المرأة التي تأتي الفاحشة فقال: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} (¬4) وقد جعل الله للنساء في هذا الحكم رحمة وسترا، فالإتيان أربعة شهود على الزانية ليس بالأمر الهين، فكان الستر أحب إلى الله من الفضيحة، فشدّد في الإثبات، فإذا قامت البينة وجبت العقوبة، بالحبس في البيوت حتى يتوفاهن الموت، ولكن لم يدم هذا الحكم الشرعي طويلا إذ جعل الله لهن سبيلا كما وعد تعالى في الآية، وذلك حين قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: 36 - (خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا: البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب، جلد مائة والرجم) (¬5) فنسخ الحكم السابق، وبقية الآية محكمة التلاوة. ¬

(¬1) الآية (6) من سورة النور. (¬2) ابن حبان حديث (4451). (¬3) النسائي في الكبرى حديث (7351). (¬4) الآية (15) من سورة النساء. (¬5) مسلم حديث (1690).

وفي حد السكر روى ابن عباس رضي الله عنهما: أن الشّرّاب كانوا يضربون في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالأيدي والنعال والعصي حتى توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكانوا في خلافة أبي بكر أكثر منهم في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال أبو بكر: لو فرضنا لهم حدا فتوخّى نحو ما كانوا يضربون في عهد رسول الله، فكان أبو بكر يجلدهم أربعين حتى توفي، ثم كان عمر بعد فجلدهم كذلك أربعين، حتى أتي برجل من المهاجرين الأولين قد شرب فأمر به أن يجلد، فقال: لم تجلدني بيني وبينك كتاب الله، قال عمر وأي كتاب الله تجد أن لا أجلدك؟ ، قال له: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} (¬1) الآية فأنا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدرا وأحدا والخندق والمشاهد، فقال عمر: ألا تردون عليه ما يقول؟ ، فقال ابن عباس إن هؤلاء الآيات أنزلن عذرا للماضين، وحجة على الباقين، فعذر الماضين بأنهم لقوا الله قبل أن تحرّم عليهم الخمر، وحجة على الباقين لأن الله يقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (¬2) فإن كان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا فإن الله قد نهاه أن يشرب الخمر، فقال عمر: صدقت، فما ترون؟ ، فقال هل إنه إذا شرب سكر، وإذا ¬

(¬1) من الآية (93) من سورة المائدة. (¬2) الآية (90) من سورة المائدة ..

15/ 4 - المبحث الرابع: المساواة في حق الشورى

سكر هذى، وإذا هذى افترى، وعلى المفتري ثمانون جلدة، فأمر عمر فجلد ثمانين (¬1) وروى وبرة الكلبي قال: أرسلني خالد بن الوليد إلى عمر رضي الله عنهما، فأتيته وهو في المسجد معه عثمان بن عفان، وعلي، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة، والزبير متكئ معه في المسجد رضي الله عنهم، فقلت: إن خالد بن الوليد أرسلني إليك، وهو يقرأ عليك السلام ويقول: إن الناس قد انهمكوا في الخمر، وتحاقروا العقوبة، فقال عمر: هم هؤلاء عندك فسلهم، فقال: علي - رضي الله عنه - نراه إذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، وعلى المفتري ثمانون، فقال عمر: أبلغ صاحبك ما قال، فجلد خالد ثمانين، وجلد عمر ثمانين، وكان عمر إذا أتي بالرجل القوي المنهمك في الشراب جلده ثمانين، وإذا أتي بالرجل الضعيف التي كانت منه الزلة جلد أربعين، ثم جلد عثمان ثمانين وأربعين (¬2) ولا فرق بين الرجل والمرأة أيضا. 15/ 4 - المبحث الرابع: المساواة في حق الشورى: الشورى مبدأ أمر به الإسلام، والشورى في حق الرجال أكثر وآكد، قال الله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} (¬3)، أثنى الله - عز وجل - على المؤمنين فقال: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} (¬4)، وقد طبّق ذلك رسول الله ¬

(¬1) النسائي في الكبير حديث (5288). (¬2) المستدرك 4/ 417 حديث (108) قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (¬3) من الآية (38) من سورة الشورى. (¬4) من الآية (159) من سورة آل عمران.

- صلى الله عليه وسلم - في شئون الحرب والسلم والمشاورة لا تكون إلا قبل العزم والتبيّن، لقول الله تعالى: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (¬1)، وقد يراد بطرح الشورى استجلاء آراء من لهم الأثر في حسم الموقف، فقد استشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كان معه يوم بدر، وهو لا يريد رأي المهاجرين، ويرغب في استجلاء رأي الأنصار، وكان ذلك حين بلغه إقبال أبي سفيان، فتكلم أبو بكر - رضي الله عنه - فأعرض عنه، ثم تكلم عمر - رضي الله عنه - فأعرض عنه، فقام سعد ابن عبادة فقال: إيانا تريد؟ يا رسول الله: 37 - "والذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا" فندب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس، فانطلقوا حتى نزلوا بدرا (¬2) وقد كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذا عزم لم يكن لأحد من الصحابة التقدم عليه، وشاور أصحابه يوم أحد في المقام والخروج، فرأوا له الخروج، فلما لبس لأمَتَهُ وعزم قالوا: أقم، فلم يمل إليهم بعد العزم وقال: لا ينبغي لنبي يلبس لأمَتَهُ فيضعها، حتى يحكم الله، وشاور علياً وأسامة رضي الله عنهما فيما رمى به أهل الإفك عائشة رضي الله عنها، فسمع منهما حتى نزل القرآن، فجلد الرّامين ولم يلتفت إلى تنازعهم، ولكن حكم بما أمره الله، روت عائشة رضي الله عنها، حين قال لها أهل الإفك ما قالوا: قالت: ودعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب، وأسامة بن زيد رضي الله عنهما، حين استلبث الوحي يسألهما، وهو يستشيرهما في فراق أهله، فأما ¬

(¬1) من الآية (159) من سورة آل عمران. (¬2) مسلم حديث (1779).

أسامة: فأشار بالذي يعلم من براءة أهله، وأما علي فقال: لم يضيِّق الله عليك، والنساء سواها كثير، وسل الجارية تصدقك، فقال - صلى الله عليه وسلم - للجارية: هل رأيت من شيء يريبك قالت: ما رأيت أمراً أكثر من أنها جارية حديثة السن، تنام عن عجين أهلها، فتأتي الداجن فتأكله، فقام - صلى الله عليه وسلم - على المنبر فقال: يا معشر المسلمين، من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي، والله ما علمت على أهلي إلا خيراً، فذكر براءة عائشة رضي الله عنها (¬1) واستشار - صلى الله عليه وسلم - الناس في خطبة، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: ما تشيرون عليَّ في قوم يسبُّون أهلي، ما علمت عليهم من سوء قط، وكانت الأئمة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - يستشيرون الأمناء من أهل العلم في الأمور المباحة ليأخذوا بأسهلها، فإذا وضّح الكتاب أو السنة لم يتعدوه إلى غيره، اقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ورأى أبو بكر قتال من منع الزكاة، فقال عمر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: 38 - (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوا لا إله إلا الله عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله؟ ) فقال أبو بكر - رضي الله عنه -: والله لأقاتلنَّ من فرَّق بين ما جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم تابعه بعد عمر - رضي الله عنه -، فلم يلتفت أبو بكر - رضي الله عنه - إلى مشورة، إذ كان عنده حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الذين فرّقوا بين الصلاة والزكاة، وأرادوا تبديل الدين وأحكامه، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: من بدَّل دينه فاقتلوه، وكان القرَّاء أصحاب مشورة عمر، كهولاً أو شبَّاناً، وكان وقَّافاً عند كتاب الله - عز وجل - (¬2) ولم يخل الأمر من استشارة النساء، ففي الحديبية أشارت أم سلمة رضي الله ¬

(¬1) البخاري حديث (7369) .. (¬2) البخاري قبل حديث (7369).

عنها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما أصلح الله تعالى به أمر الصحابة المعارضين للصلح، ومن أشدهم عمر - رضي الله عنه - قال: فعملت لذلك أعمالا، قال: فلما فرغ من قضية الكتاب، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: 39 - قوموا فانحروا ثم احلقوا، قال: فو الله ما قام منهم رجل، حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي الله، أتحب ذلك، اخرج لا تكلّم أحدا منهم كلمة، حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج فلم يكلّم أحدا منهم حتى فعل ذلك، نحر بدنه، ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضا، حتى كاد بعضهم يقتل غما (¬1) ولم تكن المرأة رأسا في الشورى، ولكنها تسهم فيما يتعلق بالنساء بالدرجة الأولى، ولم يحدث في عهد النبوة، ولا الخلافة الراشدة أن جمع النساء للشورى، ولا بعضهنّ، ولا يمنع أن تكون حالات فردية كما حدث لعمر - رضي الله عنه - سمع امرأة وهي تقول: تطاول هذا الليل واسودّ جانبه ... وأرّقني ألّا حبيب ألاعبه فو الله لولا خشية الله والتقى ... لزعزع من هذا السرير جوانبه ولكن عقلي والحياء يكفني ... وأكرم بعلي أن تنال مراكبه فأصبح عمر فأرسل إليها فقال: أنت القائلة كذا وكذا؟ ، قالت: نعم، قال: ولم؟ ، قالت: أجهزت زوجي في هذه البعوث، قال: فسأل عمر حفصة، كم تصبر المرأة من زوجها؟ ، فقالت: ستة أشهر، فكان عمر بعد ذلك يقفل بعوثه لستة أشهر (¬2) والمرأة إذا كانت دينة صالحة عاقلة، هي حجة فيما لا يطّلع عليه إلا النساء. ¬

(¬1) البخاري حديث (7370). (¬2) عبد الرزاق حديث (12564).

16/ 4 - المبحث الخامس: المساواة في حرية الرأي

16/ 4 - المبحث الخامس: المساواة في حرية الرأي: حرية الرأي حق مشروع لكل عاقل حكيم، يعلم موارد الأمور، ويعلم ما يترتب على الرأي من المصالح والمضار، وهذا ما أشار إليه تعالى بقوله: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (¬1) وهذا الواجب الشرعي يشترك فيه الرجال والنساء، ولهم الحرية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأنه عبادة مطلوبة من كل فرد ذكرا أو أنثى، ولذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: 40 - (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) (¬2) حرية في الرأي لكنها مقيدة بالمصلحة العامة، وفي هذا التقسيم حكمة عظيمة، فالشارع الحكيم نظر إلى أحوال الناس، وقدراتهم على معرفة النافع والضار، ونظر إلى قدراتهم على الإصلاح، فمن كانت له الولاية العامة على المسلمين - - - - ولو في بلد محدود كما هو حال المسلمين اليوم - - - - فإن له حق الأمر بالمعروف بمراتبه الثلاث، وإقامة العدل والعرف بين الناس، ولو أدى ذلك إلى معاقبة الممتنع، وله إنزال العقوبة المناسبة على من لا يستجيب، ¬

(¬1) الآية (71) من سورة التوبة. (¬2) مسلم حديث (78).

وله حق إنكار المنكر بمراتبه الثلاث، وردع فاعل المنكر بالوسيلة المناسبة، ومن ذلك إقامة الحدود بأنواعها، لأنها دفع لشر الأشرار من الناس، وإشاعة للمعروف بين الناس، والمعروف كل ما أقرّه الشرع، والمنكر كل ما نهى عنه الشرع، ولمن ينوب عن صاحب الولاية العامة ممارسة هذه الحرية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفق ما منح من صلاحيات، كصاحب الولاية تماما، ومن كان من الناس دون ذلك في المسئولية، ولم يكن له شرعا استخدام اليد في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهذا له المرتبة الثانية: وهي التغيير باللسان، والمراد بيان المعروف من الأقوال والأعمال، وشرحه للناس ودعوتهم إلى ممارسته والحرص عليه، وتعليم القريب والبعيد، واستخدام الأسلوب الأمثل في ذلك، وكذلك إنكار المنكر باللسان، يكون ببيان المنكر من الأقوال والأعمال للناس، وحثهم على البعد عنه، ويجب عليه استخدام الأسلوب الأمثل في الحالين: حال الأمر بالمعروف، وحال النهي عن المنكر، عملا بقول الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (¬1) فقد وجه رب العزة الجلال نبينا محمدا - صلى الله عليه وسلم - إلى الحكمة مع كل من يدعوه إلى الإسلام فقال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (¬2) ¬

(¬1) الآية (21) من سورة الأحزاب .. (¬2) الآية (125) من سورة النحل.

فالحكمة مطلب في الأسلوب مع عامة الناس، ولكنه مع الجاهلين أكثر طلبا، لأن الجاهل من الناس كالأعمى، لا بد أن ترفق به حينما تدله على الطريق، فلا تتعامل معه بفظاظة، فلا يقبل منك توجيها، ولو سلك طريقا فيه هلاكه، وهكذا كانت معاملة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع كفار قريش، كان حليما حكيما صابرا محتسبا، قالوا: {هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ} (¬1)، فصبر، وقالوا: {أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} (¬2) ورغم خسة هذا القول لم يؤثر في حكمته وصبره - صلى الله عليه وسلم -، وتجاوز أذاهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - السب والشتم إلى العمل، فكان من أشدهم أذى له عمه عبد العزّى بن عبد المطلب الملقب في الإسلام أبا لهب، وزوجه أم جميل، فصبر عليهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانتصر الله لنبيه بذكر مآل أبي لهب وزوجه في سورة قرآنية تتلى إلى يوم القيامة {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} وكانت زوج أبي لهب تحمل الشوك وتطرحه في طريق رسول الله أذى منها له - صلى الله عليه وسلم -، فجعل لله لها حبلا تجرّ فيه في النار، وهو المسد الذي سميت به السورة، وكذلك الحكم بن هشام الملقب في الإسلام أبا جهل كان من أشد قريش أذى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه قال ذات يوم: أيكم يقوم إلى سلا جزور بني فلان فيأخذه، فيضل في كتفي محمد إذا سجد؟ ، فانبعث أشقى القوم فأخذه، فلما سجد النبي - صلى الله عليه وسلم - وضعه بين كتفيه، قال: فاستضحكوا، وجعل بعضهم يميل على بعض، والنبي - صلى الله عليه وسلم - ساجد، ما يرفع ¬

(¬1) من الآية (36) من سورة الصافات، وانظر الطبري 23/ 52. (¬2) من الآية (36) من سورة الصافات ..

رأسه، حتى انطلق إنسان فأخبر فاطمة فجاءت، وهي جويرية فطرحته عنه، ثم أقبلت عليهم تشتمهم، فلما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاته رفع صوته ثم دعا عليهم، وكان إذا دعا، دعا ثلاثا، وإذا سأل، سأل ثلاثا، ثم قال: 41 - (اللهم عليك بقريش ثلاث مرات) فلما سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك، وخافوا دعوته، ثم قال: 42 - (اللهم عليك بأبي جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة ابن ربيعة، والوليد بن عقبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط) قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: وذكر السابع ولم أحفظه، فو الذي بعث محمدا - صلى الله عليه وسلم - بالحق، لقد رأيت الذين سمّى صرعى يوم بدر، ثم سحبوا إلى القليب: قليب بدر (¬1)، لقد صبر - صلى الله عليه وسلم - أعظم الصبر، ولقد كان رحيما حتى بقريش أنفسهم، عمّم الدعاء عليهم، ثم استثنى وخص الآمرين بالأذى المباشرين له، واستجاب الله دعوته. وأما الموعظة الحسنة فهي عامة لكل الناس العالم والجاهل، والمجادلة بالتي هي أحسن خاصة بالعلماء من المسلمين وغيرهم، لأنهم ذووا علم وفهم لكثير من الأمور، وفي هذا تكريم للعلم وأهله حتى لو لم يكونوا من المسلمين، ولذلك لاطف الله اليهود والنصارى حينما أمر رسوله بأن يخاطبهم بقوله: يا أهل الكتاب، ولذلك كررها في القرآن أكثر من ثلاثين مرة، ويحاور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عدي بن حاتم وكان من أهل الكتاب قال عدي - رضي الله عنه -: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث بعث فكرهته أشد ما كرهت شيئا قط، فانطلقت حتى كنت في أقصى الأرض مما يلي الروم، فقلت: لو ¬

(¬1) مسلم حديث (107).

أتيت هذا الرجل فإن كان كاذبا لم يخف عليّ، وإن كان صادقا اتبعته، فأقبلت فلما قدمت المدينة استشرف لي الناس وقالوا: جاء عدي بن حاتم، جاء عدي بن حاتم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لي: 43 - يا عدي بن حاتم، أسلم تسلم، قال: قلت: إن لي دينا، قال: أنا أعلم بدينك منك - مرتين أو ثلاثا - ألست ترأس قومك؟ ، قال: قلت: بلى، قال: ألست تأكل المرباع؟ ، قال: قلت: بلى، قال فإن ذلك لا يحل لك في دينك، قال: فتضعضعت لذلك، ثم قال: يا عدي بن حاتم، أسلم تسلم، فإني قد أظن - أو قد أرى، أو كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - أنه ما يمنعك أن تسلم خصاصة تراها من حولي، وتوشك الضعينة أن ترحل من الحيرة بغير جوار حتى تطوف بالبيت، ولتفتحنّ علينا كنوز كسرى بن هرمز، وليفيضنّ المال - أو ليفيض - حتى يهم الرجل من يقبل منه ماله صدقة، قال عدي بن حاتم: فقد رأيت الضعينة ترحل من الحيرة بغير جوار حتى تطوف بالبيت، وكنت في أول خيل أغارت على المدائن، على كنوز كسرى بن هرمز، وأحلف بالله لتجيئنّ الثالثة إنه لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لي (¬1) تأمل هذا الحوار من أكرم الخلق مع من لا يؤمن بدينه ولا نبوته، أسلوب عظيم أقام الحجة في أدب رفيع، يكرر يا عدي بن حاتم تكريما للمدعو، فتقوم الحجة ويسلم عدي بن حاتم - رضي الله عنه -، وتكون حرية الرأي في الإسلام مطلقة في كل ما يعود على الناس بالخير في الدنيا والآخرة، تقال بدون تحفظ ولو أدت إلى الموت قال - صلى الله عليه وسلم -: 44 - (أفضل الجهاد كلمة عدلٍ عند سلطانٍ جائر) (¬2) أي حرية في الرأي أعظم من هذا، لكن ما هو الرأي؟ ، الرأي العدل الصائب ¬

(¬1) الإحسان 15/ 72. (¬2) أبو داود حديث (4344).

المستند إلى الحق، البعيد عن الهوى والشطط والتعسف، وقد أعطيت المرأة حرية الرأي ولم ينكر عليها ما كان من رأيها صائبا معروفا، تأتي خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها تشكو زوجها أوس بن الصامت - رضي الله عنه - حين قال لها: أنت عليّ كظهر أمي، ثم ندم على ما قال، وكان الظهار والإيلاء من طلاق أهل الجاهلية، فقال لها: ما أظنك إلا قد حرمت عليّ، فقالت: والله ما ذاك طلاق، وأتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - وعائشة رضي الله عنها تغسل شق رأسه - فقالت: يا رسول الله، إن زوجي أوس بن الصامت تزوجني وأنا شابة غنية ذات مال وأهل، حتى إذا أكل مالي وأفنى شبابي وتفرق أهلي وكبر سني ظاهر مني، وقد ندم، فهل من شيء يجمعني وإياه تنعشني به؟ ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: حرمت عليه، فقالت: يا رسول الله، والذي أنزل عليك الكتاب ما ذكر طلاقاً، وإنه أبو ولدي وأحب الناس إليّ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: حرمت عليه، فقالت: أشكو إلى الله فاقتي ووحدتي، قد طالت صحبتي ونفضت له بطني، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: 45 - (ما أراك إلا قد حرمت عليه، ولم أؤمر في شأنك بشيء) فجعلت تراجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإذا قال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: حرمت عليه هتفت وقالت: أشكو إلى الله فاقتي وشدة حالي، وإن لي صبيةً صغاراً إن ضممتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إليّ جاعوا، وجعلت ترفع رأسها إلى السماء وتقول: اللهم إني أشكو إليك، اللهم فأنزل على لسان نبيك - وكان هذا أول ظهار في الإسلام، فقامت عائشة تغسل شق رأسه الآخر - فقالت: انظر في أمري جعلني الله فداءك يا نبي الله، فقالت عائشة: أقصري حديثك ومجادلتك، أما ترين وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ ، - وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل عليه أخذه مثل السبات - فلما قضى الوحي قال

لها: ادعي زوجك فدعته، فتلا عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} (¬1) الآيات، قالت عائشة: تبارك الذي وسع سمعه الأصوات كلها، إن المرأة لتحاور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا في ناحية البيت أسمع بعض كلامها، ويخفى علي بعضه إذ أنزل الله: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ} (¬2) الآيات أي تخاصمك وتحاورك وتراجعك في زوجها، بقوة وبحرية كاملة في الرأي، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسمع كلامها فلم يعنفها ولم يعب عليها مراجعتها له - صلى الله عليه وسلم - لأنها صاحبة حق، ولأنه الكريم الحليم - صلى الله عليه وسلم -، فلما لم تجد حلا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رفعت الأمر لخالقها واثقة بأنها ستجد عنده تعالى فرجا ومخرجا، وجاء الفرج من الله تعالى لها ولكل مسلمة حكم شرعي قرآن يتلى إلى يوم القيامة (¬3)، حرية لا نظير لها تخاصم وتجادل وتلح، على أعلى سلطة بشرية من لو كان الملك أعلى مقاما من النبوة لوصف به - صلى الله عليه وسلم - ولكنها النبوة لا مقام أعلى منها، وقد قال أبو سفيان للعباس: يا أبا الفضل، لقد أصبح ملك بن أخيك الغداة عظيما، فقال: يا أبا سفيان، إنها النبوة، قال فنعم إذن (¬4) فإذا كان هذا شأن المرأة مع أرفع البشر شأنا وهيبة ووقارا، بل جاوزت ذلك إلى ملك الملوك رب العزة والجلال تناشده ¬

(¬1) الآية (1) من سورة المجادلة. (¬2) من الآية (1) من سورة المجادلة .. (¬3) انظر تفسير الغوي سورة المجادلة، بتصرف. (¬4) الطبراني في الكبير 8/ 14.

تعالى فرجا، وتجاب منه بالفرج ناصا على سماعه تعالى حوارها ومناشدتها، وتقول أم سلمة رضي الله عنها رأيها الصائب المفيد، وقد قدمناه في الشورى، يجتمع نساءه - صلى الله عليه وسلم - يطالبن بالنفقة وآذينه بغيرة بعضهن على بعض: 46 - فهجرهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآلى أن لا يقربهن شهرا، ولم يخرج إلى أصحابه، فقالوا: ما شأنه؟ ، وكانوا يقولون: طلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه، فقال عمر: لأعلمنّ لكم شأنه، قال: فدخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله أطلقتهن؟ ، قال: لا، قلت: يا رسول الله إني دخلت المسجد والمسلمون يقولون: طلّق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه، أفأنزل فأخبرهم أنك لم تطلقهن؟ ، قال: نعم إن شئت، فقمت على باب المسجد وناديت بأعلى صوتي: لم يطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه، فنزلت هذه الآية: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} (¬1) قال: فبدأ بعائشة فقال: يا عائشة، إني أريد أن أعرض عليك أمراً أحب أن لا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك، قالت: وما هو يا رسول الله؟ ، فتلا عليها الآية، قالت: أفيك يا رسول الله أستشير أبوي؟ ، بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة، وأسألك أن لا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلت، قال: لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها، ¬

(¬1) الآيتان (28، 29) من سورة الأحزاب.

إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً ولكن بعثني معلماً ميسراً (¬1)، وهنا نلاحظ أن حرية الرأي منحها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أزواجه في مطالبتهن إياه، ولم يغضب من ذلك، ولذلك لم يعنفهن - صلى الله عليه وسلم -، ولكن أغضبه التغاير في المطالبة، وجاء أبو بكر - رضي الله عنه - يستأذن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فوجد الناس جلوساً ببابه لم يؤذن لأحد منهم، فأذن لأبي بكر - رضي الله عنه - فدخل ثم أقبل عمر - رضي الله عنه - فاستأذن فأذن له فوجد النبي - صلى الله عليه وسلم - جالساً حوله نساؤه واجماً ساكتاً، فقال: 47 - "لأقولن شيئاً أضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول، الله لو رأيت بنت خارجة سألتني النفقة فقمت إليها فوجأت عنقها، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال: هنّ حولي كما ترى يسألنني النفقة، فقام أبو بكر - رضي الله عنه - إلى عائشة يجأ عنقها، وقام عمر - رضي الله عنه - إلى حفصة يجأ عنقها، كلاهما يقول: لا تسألي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئاً أبداً ليس عنده، ثم اعتزلهن شهراً أو تسعاً وعشرين، آلى منهن شهرا" ليعلم حكم الله في هذا الموقف، لأنه حكم للأمة، وأعطى عمر - رضي الله عنه - حرية الرأي فيما عرض عليه - صلى الله عليه وسلم -، ولم يعطها للذين أشاعوا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طلق نساءه، وقد نزع الله هذه الحرية لأنها مبنية على الجهل بالواقع، ووجه إلى ما هو أولى {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ¬

(¬1) انظر (تفسير البغوي، سورة الأحزاب) ..

لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} (¬1) مثنيا على استنباط عمر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يطلق، قال عمر - رضي الله عنه -: "فكنت أنا استنبطت ذاك الأمر، وأنزل الله آية التخيير" وكانت تحت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ تسع نسوة خمس من قريش: عائشة بنت أبي بكر الصديق، وحفصة بنت عمر، وأم حبيبة بنت أبي سفيان، وأم سلمة بنت أبي أمية، وسودة بنت زمعة، وغير القرشيات: زينب بنت جحش الأسدية، وميمونة بنت الحارث الهلالية، وصفية بنت حيي بن أخطب الخيبرية، وجويرية بنت الحارث المصطلقية، رضوان الله عليهنّ، فلما نزلت آية التخيير بدأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعائشة، وكانت أحبهن إليه فخيّرها وقرأ عليها القرآن فاختارت الله ورسوله والدار الآخرة، فرؤي الفرح في وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتابعنها على ذلك، فلما اخترن الله ورسوله شكرهن الله - عز وجل - على ذلك وقصره عليهنّ، فقال: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا} (¬2) وروى أبو هريرة - رضي الله عنه - أن أعرابيا جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستعينه في شيء، قال: فأعطاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا، ثم قال: أحسنت إليك؟ ، قال الأعرابي: لا، ولا أجملت، فغضب بعض المسلمين وهموا أن يقوموا إليه، فأشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم أن كفوا، فلما قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبلغ إلى منزله دعا الأعرابي إلى البيت فقال: ¬

(¬1) الآية (83) من سورة النساء، وانظر تفسير البغوي .. (¬2) الآية (52) من سورة الأحزاب، وانظر: تفسير البغوي بتصرف.

48 - إنك إنما جئتنا تسألنا فأعطيناك، فقلت ما قلت، فزاده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا وقال: أحسنت إليك؟ ، فقال الأعرابي: نعم، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرا، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: إنك جئتنا فسألتنا فأعطيناك، فقلت ما قلت، وفي أنفس أصحابي عليك من ذلك شيء، فإذا جئت فقل بين أيديهم ما قلت بين يديّ، حتى يذهب عن صدورهم، فقال: نعم، فلما جاء الأعرابي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن صاحبكم كان جاءنا فسألنا فأعطيناه، فقال ما قال، وإنا قد دعوناه فأعطيناه فزعم أنه قد رضي، كذلك يا أعرابي؟ ، فقال الأعرابي: نعم، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: 49 - (إن مثلي ومثل هذا الأعرابي كمثل رجل كانت له ناقة فشردت عليه، فاتّبعها الناس فلم يزيدوها إلا نفورا، فقال لهم صاحب الناقة: خلوا بيني وبين ناقتي فأنا أرفق بها، وأنا أعلم بها، فتوجه إليها وأخذ لها من قتام الأرض، ودعاها حتى جاءت واستجابت وشد عليها رحلها، وإني لو أطعتكم حيث قال ما قال لدخل النار) (¬1) هذه حرية في الرأي يمنحها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك الأعرابي ليعلمه أن رأيه غير صائب، وليربي أصحابه حملة الدعوة على الخير هذا المنهج السديد، ولم تتوقف حرية الرأي للرجل أو المرأة في ظل الإسلام تقف فاطمة بنت محمد رضي الله عنها أمام أبي بكر خليفة رسول الله - رضي الله عنه - معلنة رأيها في الحصول على نصيبها من ميراث أبيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيستقبلها - رضي الله عنه - ويسمع منها، ويجيبها بما سمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال أبو بكر: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ¬

(¬1) انظر تفسير ابن كثير 2/ 405.

50 - (لا نورث، ما تركنا صدقة) (¬1) ولم ترض فاطمة رضي الله عنها إلى أن ماتت بعد ستة أشهر من وفاة أبيها - صلى الله عليه وسلم -، ودخل أبو بكر رضوان الله عليه على امرأة من أحمس يقال لها زينب، قال: فرآها لا تتكلم، فقال: ما لها لا تتكلم؟ ، قالوا: نوت حجة مصمتة، قال لها: تكلمي، فإن هذا لا يحل، هذا من عمل الجاهلية، قال: فتكلمت، فقالت: من أنت؟ ، قال: أنا امرؤ من المهاجرين، قالت: أي المهاجرين؟ ، قال: من قريش، قالت: فمن أي قريش أنت؟ ، قال: إنك لسؤل أنا أبو بكر، قالت: ما بقاؤنا على هذا الأمر الصالح الذي جاء الله به بعد الجاهلية؟ ، قال: بقاؤكم عليه ما استقامت بكم أئمتكم، قالت: وما الأئمة؟ ، قال: أما كان لقومك رؤساء وأشراف يأمرونهم فيطيعونهم؟ ، قالت: بلى، قال فهم مثل أولئك على الناس (¬2) إن من يتدبّر هذا الحوار يرى فيه حرية الرأي مع أكبر رجل يدير شئون المسلمين، وخطب عمر - رضي الله عنه - فقال: 51 - "ألا لا تغالوا في صدقات النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ما أصدق قط امرأة من نسائه ولا بناته فوق اثنتي عشرة أوقية، فقامت إليه امرأة فقالت: يا عمر، يعطينا الله وتحرمنا، أليس الله سبحانه وتعالى يقول: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} (¬3) فقال عمر: أصابت امرأة وأخطأ عمر" - وفي رواية - فأطرق عمر ثم قال: كل الناس أفقه منك ¬

(¬1) البخاري حديث (3093) ومسلم حديث (1759). (¬2) البخاري حديث (3834). (¬3) الآية (20) من سورة النساء.

يا عمر، وفي أخرى امرأة: أصابت ورجل أخطأ (¬1) وترك الإنكار - رضي الله عنه -، أي حرية في الرأي أعظم من هذا؟ ، وأي تواضع وسماع من رجل عظيم أكثر من هذا؟ ، ولم تكن خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها أقل حرية من سابقتها في مخاطبتها عمر بن الخطاب الرجل المهيب، تستوقفه خوله وتذكره بما كان عليه في الجاهلية، وما هو عليه في الإسلام، وتقول: 52 - فاتق الله في الرعية، واعلم أنه من خاف الوعيد قرب عليه البعيد، ومن خاف الموت خشي الفوت (¬2) وجاءت فتاة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، إن أبي زوجني ابن أخيه يرفع بي خسيسته (¬3)، فجعل - الرسول - صلى الله عليه وسلم - - الأمر إليها، قالت: 53 - فإني قد أجزت ما صنع أبي، ولكن أردت أن تعلم النساء أن ليس للآباء من الأمر شيء (¬4) وهذا حق شرعي لكل امرأة ذالك بضعها، وتلك حياتها فتستأمر فيه ولا تجبر قال - صلى الله عليه وسلم -: 54 - (استأمروا النساء في أبضاعهن، قيل: فإن البكر تستحي أن تكلم، قال: سكوتها إذنها) (¬5) وفي الحقيقة عدم فهم الكثيرات من النساء - ولاسيما في عصرنا هذا - ما كرمهن الله به في الإسلام، أو الجهل به أصلا هو السبب في اصطيادهن بهذه السهولة وقبولهن محاربة الله ورسوله باسم الحرية الزائفة، وقدمنا في المبحث العاشر: المساواة في حق الاختيار، ما دار ¬

(¬1) فيه روايات، وروى ابن كثير نحوه عند تفسير الآية من سورة النساء. (¬2) انظر (السيرة الحلبية 2/ 724). (¬3) الخَسِيسُ: الدَّنِئ. والخَسيسَة والخَسَاسة: الحالة التي يكون عليها الخسِس (النهاية 2/ 24). (¬4) أحمد حديث (25043). (¬5) أحمد حديث (24185).

بين بريرة رضي الله عنها ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حوار حول قضيتها مع زوجها، مبينة رأيها بكل حرية وصراحة، وإنكار حوار المرأة ومراجعتها للرجل عادة جاهلية كما قال عمر - رضي الله عنه -: كنا معشر قريش قوما نغلب النساء، فلما قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم، وكان منزلي في بني أمية بن زيد بالعوالي، فتغضبت يوما على امرأتي فإذا هي تراجعني، فأنكرت أن تراجعني فقالت: 55 - "ما تنكر أن أراجعك فو الله إن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ليراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل، فانطلقت فدخلت على حفصة فقلت: أتراجعين رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ ، قالت: نعم، قلت: وتهجره إحداكن اليوم إلى الليل؟ ، قالت نعم، قلت: قد خاب من فعل ذلك وخسر، أفتأمن إحداكن أن يغضب الله عليها لغضب رسوله، فإذا هي قد هلكت؟ ، لا تراجعي رسول الله، ولا تسأليه شيئا وسليني ما بدا لك، ولا يغرنّك إن كانت جارتك هي أوسم وأحب إلى رسول الله منك - - - - يريد عائشة رضي الله عنها - - - - (¬1) هذا الإنكار من عمر - رضي الله عنه - لمكان رسول الله في نفسه حذّر من إغضابه - صلى الله عليه وسلم -، ولا نشك في أن عمر - رضي الله عنه - يتأسّى برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حرية الرأي، وقد قدمنا عنه ذلك، ثم يأتي أصحاب الشهوات يتباكون على حرية المرأة في الإسلام، وما بهم إلا الزور والبهتان، والسعي لإشباع الشهوات كما هو حال المرأة في الغرب مبتذلة ضائعة، إن هوية المرأة المسلمة هي عقيدتها، المستمدة من الكتاب وثوابت السنة، ولا حرية لها ولا سعادة ولا مستقبل في الدنيا ولا في الآخرة إلا بالإيمان والاستقامة: ¬

(¬1) أحمد حديث (222).

56 - (قل آمنت بالله ثم استقم) (¬1) الرجل والمرأة على حد سواء، وليعلم المسلم والمسلمة أن أعداء القيم والثوابت الخلقية يعملون على ضرب عقيدة المسلمين، حارس القيم والفضائل في النفوس المسلمة، وأساس وحدة المسلمين المتين، فإن ذلك يحقق ما يتمنون من تمزيق المسلمين، وليس هذا شيئا جديدا، لا يعرفه المسلمون فقد نبّه إلى ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تنبيه تحذير من ترك المنهج الصحيح فقال: 57 - (إن بني اسرائيل قد افترقت على ثنتين وسبعين فرقة وأنتم تفترقون على مثلها كلها في النار إلا فرقة) (¬2) وهذا إيماء إلى أن الأعداء لن يسكتوا على وحدة العقيدة عند المسلمين، لأنها مصدر القوة لضرب الخصم، وهم يعملون على تدمير الأسرة المسلمة، لأنها المحضن الصحيح للقيم الإسلامية، فتدمير مصنع البندقية أهم بكثير من كسر البندقيه نفسها، ولا يتم تدمير الأسرة إلا من خلال تحرير المرأة من كل ما يأمر به الإسلام، ويتم ذلك رويدا رويدا، وخطوة خطوة، ويجب أن يطول النفس في ذلك، على طريقة الإنجليزي الذي أختار أن يزيح ماء البحر بالملعقة ليصطاد السمكة، قد يتصور المتسرع في الحكم على الأشياء أن هذا غباء منه، ولكنه تعبير عن قوة الإرادة والصبر الطويل ليتم في النهاية تحقيق الهدف، نعم نقول إن المرأة مظلومة ولكن في غير الإسلام، فالمرأة لن تعرف التكريم إلا في الإسلام، ولن تعرف الحرية الصحيحة إلا في الإسلام، ولكن من أجل ضرب الإسلام الذي منحها العزة والكرامة والحرية المتوازنة ودعاها إليها، وجب افتعال قضية ظلم الإسلام للمرأة، لأنهم سيجدون من ¬

(¬1) أحمد حديث (15417). (¬2) أحمد حديث (12208).

17/ 4 - المبحث السادس: المساواة في حق التعليم.

المسلمين ثلة ضعف إيمانها وقويت شهواتها، وعميت بصيرتها عن الحق تتقبل افتعال القضية، وتتبنى بقوة الدفاع عنها، خدمة للعدو ولا كرامة. 17/ 4 - المبحث السادس: المساواة في حق التعليم. كل عمل يقوم به الإنسان في حياته مبناه في الإسلام العلم بذلك الشيء الذي يريد عمله، ولذلك لم يغفل الإسلام التعليم للذكر والأنثى، فقوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} (¬1) خطاب موجه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليس خاصا به، فكل من آمن به مخاطب بهذا وعليه أن يعلم توحيد الله بأقسامه الثلاثة، وأن يتبع ذلك بالعمل، وهو المشار إليه بقوله تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} ونوّه الإسلام بالعلم، قال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} (¬2) وهذا شامل جميع العلوم النافعة، كالطب والهندسة والفلك، وعلوم الأرض، وكل ما يتعلق بالكائنات، وكذلك علوم البحار وغير ذلك من كل علم نافع، وجميعها تهدي إلى خالقها ومدبر شئونها، وكل ما كان الإنسان بربه عالما كانت خشيته له تعالى أكبر، قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى ¬

(¬1) الآية (19) من سورة محمد. (¬2) من الآية (9) من سورة الزمر.

اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} (¬1) وقد وصف الله العلماء بأنهم عقلاء يدركون النافع والضار، قال تعالى: قال تعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} (¬2) وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: 58 - (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين) (¬3) وهذا أجل العلوم وأنفسها، وهو عام للرجل والمرأة، ولا يكون العلم إلا بالتعلم، ولا يكون إتقان الشيء إلا بالتعلّم، قال - صلى الله عليه وسلم -: 59 - (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه) (¬4) ويجب على المرأة أن تتعلم بادئ ذي بدء ما يجب عليها من العبادات، وما يجب عليها من حسن المعاملة لذويها وزوجها وتربية أبنائها، ولذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: 60 - (من سلك طريقا يلتمس به علما سلك الله به طريقا من طرق الجنة، فإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم، وإن طالب العلم ليستغفر له من في السماء والأرض حتى الحيتان في الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم، إن العلماء هم ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، وإنما أورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظه - - - - أو بحظ وافر - - -) (¬5) فأي حثّ على العلم للرجل والمرأة أعظم من ¬

(¬1) من الآية (28) من سورة فاطر. (¬2) الآية (43) من سورة العنكبوت. (¬3) البخاري حديث (71). (¬4) أبو يعلى حديث (4386). (¬5) الدارمي حديث (347).

هذا؟ ! ولذلك يجب على زوج المرأة أن يعلمها ذلك ويعينها عليه، وهذا من مسئولية الرعاية في قوله - صلى الله عليه وسلم -: 61 - (كلكم راع ومسئول عن رعيته) (¬1) وتعليم العبادات والقيم الدينية والتربوية وما يصلح به شأن الأسرة من أهم ما يجب أن يعتني به الرجل والمرأة، وإذا كان كل منهما يحمي صاحبه مما يضره في الدنيا فكذلك يجب أن يحميه مما يضره في الآخرة، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (¬2) وما عدا هذا من العلوم فبقدر الحاجة، وليس حراما أن تتعلم المرأة ما كان النساء في حاجة إلية، وكذلك الأطفال الذين لا يطلعون على عورات النساء كالطب مثلا، والتعليم كما هو الحال في بلادنا حرسها الله من كيد الأعداء، وفساد المفسدين من الرجال والنساء، فإنها سلكت في تعليم المرأة ما تحمد عليه في الدنيا والآخرة، وكانت المرأة المسلمة في هذه البلاد محلا للطهر والعفاف والعلم الوافر، والسيرة الحسنة المشرفة لها ولبلدها مهبط الوحي، ومنبع هداية الناس إلى الفضائل والقيم، نعم يوجد من النساء شواذ وهؤلاء مخذولات بإذن الله تعالى، ولاسيما في بلاد الحرمين، لأنهن يطلبن الشهرة والبروز على حساب العقيدة والقيم، وإن جرى على ألسنتهن شيء من ألفاظ الدين فلتّمويه على الناس، ومن اختار غير ¬

(¬1) البخاري حديث (893). (¬2) الآية (6) من سورة التحريم.

الإسلام منهجا ينطبق عليه ما روى علي - رضي الله عنه - قال: أما إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: 62 - (ستكون فتن، قلت: وما المخرج منها? ، قال: كتاب الله، فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، هو الذي من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، فهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، وهو الذي لم ينته الجن إذ سمعته أن قالوا: إنا سمعنا قرآنا عجبا، هو الذي من قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن عمل به أجر، ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم) (¬1) هذا كلام حسن تقبله العقول السليمة، لو أخذنا نحن المسلمين بتعميم تعليم المرأة ما هو متفق مع طبيعتها وما لا يتفق، ولو بلغت فيه المرأة السعودية بالذات أعلى المستويات، وكانت من أعلم الخلق بالفضاء وعلومه، والهندسة بأنواعها، والأحياء وصنوفها، والبحار وعلومها، وهي في ظل القيم الإسلامية، لقال الغرب وصنائعه: المرأة المسلمة متخلفة وعلى وجه الخصوص في المملكة العربية السعودي، لأن الهدف لم يتحقق بعد، وهو هدم القيم الإسلامية، وبعد المرأة عن كل ما يعوق شهوة الرجل من النظرة العابرة إلى آخر المشوار، هذه الحقيقة التي لا ينكرها إلا مخذول مرذول في الدنيا والآخرة {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ ¬

(¬1) الترمذي حديث (2906) ومعناه صحيح.

18/ 4 - المبحث السابع: المساواة في حق تعليم الغير.

هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} (¬1) وما هي ملة الغرب؟ ! ! ، الكفر والسكر والعربدة {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} (¬2) ولمعرفتهم بأن المرأة المسلمة ذات أثر فعّال في قيام الأسرة وتنشئة الأبناء: البنين والبنات على حد سواء، كل على ما يخصه من التربية ذات الجدوى في حياة الأمة الإسلامية، وقوتها المستمدة من القيم الإسلامية، بادروا إلى استغلال ذلك التأثير في إفساد البنية الأساس للقيم الإسلامية، وتحويلها عن مسارها الصحيح بتحويل تعليم المرأة عن رسالتها التي خلقت من أجلها، إلى مسار آخر يتم به تدمير المرأة نفسها، وبالتالي تنعدم البنية الأساس للقيم الإسلامية، ويحل محلها آلة الهدم والتخريب، بنطاقها الواسع. 18/ 4 - المبحث السابع: المساواة في حق تعليم الغير. وكما شرّع الإسلام للمرأة حق التعليم، أوجب عليها تعليم الآخرين سواء من بنات جنسها، أو من بني جنسها، وبالأولى تعليم أبنائها وبناتها، وذوي قرباها، وهذا الوجوب يدور في فلك الأمر بالمعروف والنهي على المنكر، فلا يجوز للمرأة أن ترى طفلا ولا امرأة ولا رجلا على أمر منكر ولا تنهاه عن ذلك، ¬

(¬1) الآية (120) من سورة البقرة .. (¬2) الآية (44) من سورة الفرقان.

ولا على عمل يخل بدينه وعبادته، فلا تصحح له ذلك الخطأ، وهذا مقيد بقدر الوسع والطاقة، وإن لم تفعل مع قدرتها فهي آثمة دون شك، فلها ممارسة حقها المشروع في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في إطار قول الله تعالى: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (¬1) وقوله - صلى الله عليه وسلم -: 63 - (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، ومن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) (¬2) شأنها شأن الرجل في هذا، ولكن اختصاصها ببنات جنسها هو الأولى والأهم، وما يتعلق بالرجال فهو نافلة لها ذلك، ويجب إذا توقف الأمر عليها في علم لا يكون عند غيرها من الرجال، وهي مطالبة بتعليم الآخرين الخير شرعا، قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (¬3) وهذا يشمل الذكر والأنثى على حد سواء، والمرأة تدخل في ثناء الله - عز وجل - على الدعوة إلى الله قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ ¬

(¬1) الآية (71) من سورة التوبة. (¬2) مسلم حديث (78). (¬3) الآية (125) من سورة النحل.

وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (¬1) فهي مكرّمة في هذا، شأنها شأن الرجل، وقد كان الصحابة يتعلمون من عائشة ما كان عندها من العلم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بل يسألونها عن رأيها الشخصي في كثير من المسائل الدينية والدنيوية، وما رأوا لها صورة (¬2)، كل ذلك كان يتم من وراء حجاب بعد الأمر به، وأخذ خلق من التابعين عن الصحابيات من أمهات المؤمنين وغيرهن (¬3)، وقصة سماع محمد بن إسحاق من فاطمة بنت المنذر مشهورة (¬4)، شهد بها سفيان بن عيينة، وهو إمام معتبر، وأقرها النقاد على الوجه الصحيح (¬5)، ولا خلاف في أن يأخذ الرجال العلم عن النساء، فإذا كانوا من غير المحارم فيجب أن يكون ذلك من وراء حجاب، ولا يجوز الدخول على النساء، إلا لصبي لم يبلغ الحلم، ولم يكن ممن يطلع على عورات النساء، أو كانت هي كبيرة من القواعد، لا ينظر لمثلها إلا بعين الإجلال والاحترام، وللمرأة حق المكاتبة بالعلم للرجال مما لا يؤخذ إلا عنها، كتفردها برواية كتاب معين، وهذا معروف في رواية المحدثين، ولاسيما ما بعد القرن الخامس، قال الحافظ الذهبي رحمة الله علينا وعليه: وقد سمعنا من عدة نسوة وما رأيتهن (¬6)، وهو مذهب أهل المدينة فإن الكتاب عندهم معتمد جائز، قال البخاري رحمة الله علينا وعليه: ¬

(¬1) الآية (33) من سورة فصلت. (¬2) النفح الشذي (2/ 715) (¬3) النفح الشذي (2/ 715). (¬4) السير (7/ 42). (¬5) الجرح والتعديل (1/ 192) .. (¬6) النفح الشذي (2/ 715) والسير (7/ 42).

باب: ما يذكر في المناولة، وكتاب أهل العلم بالعلم إلى البلدان (¬1)، فالعلم في بلادنا مهيأ للمرأة وفق ما يقضي به الدين الحنيف، ولا ينازع في ذلك إلا صاحب هوى، فلينهل النساء من عباب العلم الزاخر، في عفة وصيانة، تعبدا لله وإرغاما للشيطان وأعوانه، من الضالين المضلين، الذين لا هم لهم إلا الخروج بالمرأة المسلمة عن جادة الصواب، لمجاراة الفجار، متجاهلين أن لهم عقيدة تحرسهم من النار ليل نهار، فإذا فرطوا فيها كانوا كالفراش يسعى إليها طلبا للهلاك. والعجب أن دعاة مساواة المرأة بالرجل لا يطالبون بمساواة الرجل بالمرأة، لعلمهم أن ذلك مخالفة للفطرة السليمة، ولعلمهم أن الشرع بنى التكاليف وفق خصائص كل من الرجل والمرأة، وجعل للرجل خصائص لا تتوافر في المرأة، وللمرأة خصائص لا تتوافر في الرجل ولا يمكن أن يقوم الرجل بما تقوم به المرأة على وجه الكمال، وكذلك المرأة لا تقوم بما يقوم به الرجل على وجه الكمال، والاستحالة واردة لدى الطرفين في بعض الخصائص، وليس ذكاء من هؤلاء عدم الدعوة إلى مساواة الرجل بالمرأة ولكن أسيادهم الغربيين لم ينادوا بذلك في الرجل، لأن المرأة مناط ما يريدون منها من شهوات، ولو حصل النداء بذلك في جانب الرجل لوجدت الأذناب يتهافتون إلى ذلك بدون وعي ولا تفكير، والعجب أن دعاة التغريب لم يعتبروا بالنتائج المخزية التي حققها القوم، وما آلت إليه دعوتهم من فساد عريض، ولم يستفيدوا من خبرة العقلاء منهم الذين صرخوا محذرين من تلك التجربة المشينة، يقول جورباتشوف: كدنا ننسى حقوق المرأة ومتطلباتها المتميزة المختلفة، بدورها أمّاً وربّة ¬

(¬1) انظر باب (7) بعد حديث (63).

أسرة، كما كدنا ننسى وظيفتها التي لا بديل عنها مربّية للأطفال (¬1) ويؤكد أن التجربة الفاشلة أثبتت فساد ما طالبوا به من تحرير المرأة فيقول: فلم يعد لدى المرأة العاملة في البناء وفي الإنتاج وفي قطاع الخدمات وحقل العلم والإبداع، ما يكفي من الوقت للاهتمام بالشؤون الحياتية اليومية، كإدارة المنزل وتربية الأطفال، وحتى مجرّد الراحة المنزلية، وقد تبيّن أن الكثير من المشكلات في سلوكية الفتيان والشباب، وفي قضايا خلقية واجتماعية وتربوية وحتى إنتاجية، إنما يتعلق بضعف الروابط الأسرية والتهاون بالواجبات العائلية (¬2) قلت: هذا عقل يتفق مع الفطرة، وإن كان لا يؤمن بالإسلام، ولا يريد للمرأة المسلمة عزة ولا كرامة، وإنما يتحدث عن بنات جنسه، إنه أعقل من دعاة التغريب اليوم. ¬

(¬1) البروسترويكا والتفكير الجديد لبلادنا والعالم أجمع ص 166 ترجمة أحمد محمد شومان وإخوانه. (¬2) المصدر السابق ..

(5) الباب الثالث: الفروق بين الرجل والمرأة

(5) الباب الثالث: الفروق بين الرجل والمرأة 1/ 5 - الفصل الأول: ما ينفرد به الرجل عن المرأة. سبق أن ذكرنا بعض ما يتساوى فيه الرجل والمرأة، ونقول هنا: نظرا لفارق بين المرأة والرجل في بعض صفات الخلق، خصّ الرجل بشيء، وخصت المرأة بشيء آخر، فلكون المرأة من طبيعتها اللطف والرقة، ومن طبيعة الرجل الشدة والخشونة، كان من تكريم المرأة وصيانتها إسناد بعض المهام الصعبة إلى الرجل، رحمة بالمرأة ومراعاة لتكوينها، ولم يكن الأمر نظرية قابلة للخطأ والصواب، بل كان ذلك عين العدل، لأنه من خالقهما العليم بما يصلحهما {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (¬1). 2/ 5 - المبحث الأول: القوامة. انفرد الرجل بالقوامة، قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} (¬2) نصّبهم الله - عز وجل - لرعاية النساء، وتوجيههنّ وحمايتهنّ، ولذلك نقول: لا يسع المرأة المسلمة إلا الطاعة، لله خالقها، وللرسول مبلغها هذا الأمر، ولوليها المكلف من الله بالقوامة، ولذلك توجه الخطاب من الله - عز وجل - إلى الرجال في أمر القوامة، ولماذا جعلت القوامة للرجل؟ الجواب من عند الله العليم بالمخلوقين: الرجل والمرأة {بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} (¬3) في كونها مخلوقة من الرجل، وقد ثبت أن حواء خلقت من ضلع آدم - عليه السلام -، وفي بعض ¬

(¬1) الآية (14) من سورة الملك. (¬2) من الآية (34) من سورة النساء. (¬3) من الآية (34) من سورة النساء.

3/ 5 - المبحث الثاني: وجوب الصلاة في جماعة.

صفات الخلق التي تستدعي إسناد القوامة إليهم، ولذلك كان الأنبياء، والملوك والخلفاء والسلاطين والحكام، والأئمة منهم، ومنهم الجيوش وقادتها، ولم توصف المرأة بذلك ولذلك قال خالقها وهو العليم بقدراتها وما هيئة له: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} (¬1) ولذلك أباح لها لبس الذهب والحرير (¬2) لأن صفتها الرقة والعطف والحنان، ومن شذ منهنّ وأخذت شيئا من صفات الرجل فذلك غير معتبر لأن الشاذ لا حكم له، والرجل أرجح منها عقلا، وأقدر على التحكم في تصرفاته، ومن لم يكن كذلك من الرجال فهو شاذ ولا عبرة به، وهو أقوى منها دينا لاختصاصها بحالات تتوقف فيها عن العبادة، ولاختصاصه بوجوب الجمعة عليه والجماعة، والجهاد ذبا عن الحرمات والمقدسات، وهو أقدر منها على الكسب والضرب في الأرض، نظرا لما جبل عليه من الخشونة والإقدام، ولذلك وجب عليه الإنفاق على نسائه ولو كان فقيرا، ولم يجب على المرأة ولو كانت غنية، فالرجال بهذا أعطوا القوامة {وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} (¬3) مهورا لهن، ونفقة عليهنّ وهنّ آمنات مكرمات، يأت الرجال بأقواتهنّ ومطالبهنّ، وبما أنفقوا في الجهاد في سبيل الله، وفي العقل، والدية وأرش الجراح، وغير ذلك من اللوازم المشروعة. 3/ 5 - المبحث الثاني: وجوب الصلاة في جماعة. وانفرد الرجل عن المرأة بأن الله تعالى: أو جب عليه الصلوات الخمس في جماعة، وأوجب عليه الجمعة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ¬

(¬1) الآية (18) من سورة الزخرف. (¬2) أبو يعلى حديث (270) وأحمد حديث (750) .. (¬3) الآية (34) من سورة النساء.

4/ 5 - المبحث الثالث: إباحة الزواج بأكثر من امرأة.

64 - (صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة) (¬1) وهذا لأنه يؤديها في جماعة، وصلاة الرجل في المسجد أفضل منها في بيته إلا النافلة ففي البيت، والمرأة صلاتها في البيت مطلقا أفضل، ولا تمنع إذا رغبت في المساجد بشرط أمن الفتنة، تقول عائشة رضي الله عنها: 65 - "لو أدرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أحدث النساء، لمنعهن كما منعت نساء بني إسرائيل" (¬2) منعهن لمخالفتهن ما شرع لهن. 4/ 5 - المبحث الثالث: إباحة الزواج بأكثر من امرأة. وانفرد الرجل عن المرأة بأن الله تعالى أجاز له أن يتزوج أكثر من امرأة قال تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} (¬3) لكن ذلك مشروط بالقدرة على العدل {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} (¬4) وقد فعل ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واختص بالزيادة على أربع، حتى تزوج إحدى عشرة امرأة، جمع بين تسع منهنّ، وهذا خاص به - صلى الله عليه وسلم -، ولا يجوز للرجل من المسلين أن يزيد على أربع في وقت واحد، وذلك لا يصلح للمرأة قطعا، لاختلاف صفتها في هذا عن الرجل، فالمرأة موضع استنبات الذرية، وكرامة العرض والأنساب تأبى للمرأة التعدد، وهذا تكريم للمرأة. ¬

(¬1) البخاري حديث (643) ومسلم حديث (650). (¬2) البخاري حديث (869) ومسلم حديث (445). (¬3) الآية (3) من سورة النساء. (¬4) الآية (3) من سورة النساء.

5/ 5 - المبحث الرابع: إباحة الاستمتاع بملك اليمين.

5/ 5 - المبحث الرابع: إباحة الاستمتاع بملك اليمين. وانفرد الرجل عن المرأة بأن الله - عز وجل - أباح له الاستمتاع بملك اليمين من الإماء {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (¬1) وقال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} (¬2) فله حق الاستمتاع بالأمة كالزوجة، ولم يكن ذلك للمرأة للعلة السابقة في التعدد، بالنسبة للرجل، وبالنسبة للأمة لحرمة المرأة على المرأة أصلا، وهذا تكريم للمرأة، فقد هيئة لوضع محدد يناسب خلقها وعفتها وكرامتها. 6/ 5 - المبحث الخامس: إباحة الزواج من المرأة الكتابية. وانفرد الرجل بأن الله أباح له نكاح المرأة الكتابية من اليهود والنصارى، قال تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ¬

(¬1) الآية (3) من سورة النساء. (¬2) الآية (29، 30) من سورة المعارج.

7/ 5 - المبحث السادس: جعل العصمة بيد الرجل.

حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (¬1) نصّ على المحصنات من الذين أوتوا الكتاب، والمراد بالكتاب غير المحرّف، ولا أرى ذلك ينطبق عليهم اليوم وقد غيّروا وبدّلوا دينهم، لذلك كان ابن عمر رضي الله عنهما: إذا سئل عن نكاح النصرانية واليهودية قال: إن الله حرم المشركات على المؤمنين، ولا أعلم من الإشراك شيئا أكبر من أن تقول المرأة: ربها عيسى، وهو عبد من عباد الله (¬2) ولذا أرى خطأ من يتزوج امرأة يهودية أو نصرانية مع بقائها على دينها إلا أن تدخل في الإسلام فلا بأس. 7/ 5 - المبحث السادس: جعل العصمة بيد الرجل. وانفرد الرجل عن المرأة بأن جعل الله - عز وجل - العصمة بيده، قال تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (¬3) وهذا بعد الطلقة الثالثة، ووجه الدلالة أنه تعالى قال: (فَإِنْ طَلَّقَهَا) ولم يقل: فإن طلقته، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إنما يملك الطلاق من أخذ بالساق) (¬4) حتى العبد لا يجبره سيده على طلاق زوجته. ¬

(¬1) الآية (5) من سورة المائدة. (¬2) البخاري حديث (5285). (¬3) من الآية (230) من سورة البقرة. (¬4) البيهقي في الكبير 7/ 360.

8/ 5 - المبحث السابع: الطلاق صيغته وصفته للرجل.

8/ 5 - المبحث السابع: الطلاق صيغته وصفته للرجل. وانفرد الرجل عن المرأة بصيغة الطلاق وصفته، والأصل أن لا يستعمل الطلاق إلا عند انعدام الحلول، واستحالة استمرار الحياة الزوجية، فيكون للرجل حق استخدام الطلاق الرجعي، بأن يطلق طلقة واحدة بلفظ صريح، أو كناية عنه، أو بكتابة أو بإشهاد، فإذا رغب في العودة إلى امرأته فله الحق في ذلك، وعليه إرجاعها بكتابة أو بإشهاد إن أراد، وتصح بدون ذلك، بلفظ: كأن يقول راجعتك، أو بمباشرتها بأن يطأها، فإن احتاج ضرورة أن يطلقها مرة ثانية فله ذلك، وله حق الرجعة، لأن المرأة في حالة الطلقة الأولى والثانية لم تخرج من عصمة الزوج قال تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (¬1) جعل الله له الخيار، أما إذا طلق الثالثة فلا خيار، ولا تحل له إلا بعد زوج غيره إن رغبت في ذلك. 9/ 5 - المبحث الثامن: الرجوع عن الطلاق للرجل. وانفرد الرجل بأن له حق الرجعة في حالتي الطلاق الأوليين دون الثالثة، قال تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا} (¬2) والبعولة: جمع بعل وهو الزوج، وقد جعل الله لهم الحق في ردهن ومراجعتهن، وحق الرجعة خاص بما دون الثلاث، ولا حق له بعد الطلقة الثالثة، ووجه الأحقية أنه إذا طلق واحدة أو ¬

(¬1) من الآية (229) من سورة البقرة. (¬2) من الآية (228) من سورة البقرة.

10/ 5 - المبحث التاسع: الإمهال في حالة الإيلاء.

اثنتين وأراد الرجعة بعد الطلقة الواحدة، أو بعد الثانية، والمرأة تأبى ذلك، وجب تقديم قوله على قولها، لأن الرجعة حق للرجل دون المرأة، وهذا قبل انتهاء فترة التربص المقررة في قول الله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (¬1) أما بعد انتهاء مدة التربص المقررة شرعا فليس للزوج حق في الرجعة، وتملك المرأة أمر نفسها، فإذا رغبت في الرجعة فلا تحل إلا بعقد جديد، ومهر جديد، وولي وإشهاد، ومن راجع في مدة التربص، فلا يلزمه شيء من أحكام النكاح، ولابد أن يكون القصد من المراجعة الإصلاح، لقول الله تعالى: {إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا} (¬2) وليس شرطا في صحة الرجعة، أما إذا قصد الرجل بالرجعة الأذى والإضرار بالمرأة فقصده حرام، والرجعة صحيحة، ويكون ظالما لنفسه، لقول الله تعالى: {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} (¬3). 10/ 5 - المبحث التاسع: الإمهال في حالة الإيلاء. وانفرد الرجل عن المرأة بأنه إذا حلف أن لا يعاشر زوجته، وهو ما يعرف بالإيلاء، فله مهلة أربعة أشهر، فإن رجع فلا ¬

(¬1) من الآية (228) من سورة البقرة، والقروء: جمع قرء، وهو اسم مشترك بين الحيض، والطهر، ويصح التربص بثلاث حيض، أو بثلاثة أطهار، حملا للمشترك على أحد معنييه. (¬2) الآية (228) من سورة البقرة. (¬3) الآية (231) من سورة البقرة.

بأس، وإلا يعزم الطلاق، قال تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (¬1) وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول في الإيلاء الذي سمى الله: لا يحل لأحد بعد الأجل إلا أن يمسك بالمعروف أو يعزم الطلاق، كما أمر الله - عز وجل - (¬2) وقد آلى رسول الله - عز وجل - من نسائه، وكانت انفكّت رجله، فأقام في مشربة له تسعة وعشرين ثم نزل، فقالوا: يا رسول الله، آليت شهرا؟ فقال: 66 - (الشهر تسع وعشرون) (¬3) ولو تجاوز الأجل المقرر في الآية، فللمرأة حق المطالبة بالإمساك بالمعروف، أو العزم على الطلاق، وقد قرر الإسلام الأجل للزوج رحمة بهما، فقد يحدث الرضى في فترة الأجل، ويعود الوفاق والمودة، وفي ذلك مصلحة للزوجين دون شك، ولاسيما إذا كان بينهما الأبناء، ويحرم على الزوج تجاوز ذلك، لأن فيه ضررا للمرأة، وقد كان أهل الجاهلية يفعلون ذلك السنة والسنتين، وربما أكثر من ذلك لمضارة النساء، فجاء الإسلام بالعدل ومراعاة المصلحة، ومعنى قوله تعالى: {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (¬4) أي رجعوا إلى بقاء الزوجية واستدامة النكاح فإن الله لا يؤاخذهم بتلك اليمين، بل يغفر لهم ويرحمهم، ومعنى {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ¬

(¬1) الآيتان (226، 227) من سورة البقرة. (¬2) البخاري حديث (5290). (¬3) البخاري حديث (3895). (¬4) من الآية (226) من سورة البقرة.

11/ 5 - المبحث العاشر: الولاية على المحارم.

} (¬1) وإن وقع العزم منهم على الطلاق والقصد له، فإن الله سميع لذلك عليم به، فمن حلف أن لا يطأ امرأته ولم يذكر مدة، أو ذكر زيادة على أربعة أشهر، كان علينا إمهاله أربعة أشهر عملا بالآية، فإن مضت فهو بالخيار: إما أن يرجع إلى نكاح امرأته وتعود الحياة الزوجية إلى طبيعتها، أو يطلقها ويكون له حكم المطلق لامرأته ابتداء. أما إذا وقّت بدون أربعة أشهر، فإن أراد أن يبر في يمينه اعتزل امرأته حتى تنقضي المدة، كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين آلى من نسائه شهرا، فإنه اعتزلهن حتى مضى الشهر، وإن أراد أن يطأ امرأته قبل تلك المدة المحددة حنث في يمينه، وتلزمه الكفارة، وكان عاملا بما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من قوله: 67 - (من حلف على يمين فرأى غيره خيرا منه فليأت الذي هو خير، وليكفر عن يمينه) (¬2) ولو حلف محددا بشهر، فكان الشهر تسعة وعشرين يوما، فقد وفىّ عملا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الشهر يكون تسعاً وعشرين) (¬3) وليس الإيلاء طلاقا. 11/ 5 - المبحث العاشر: الولاية على المحارم. وانفرد الرجل عن المرأة بأن له حق الولاية على محارمه فلا تزوج إلا بإذنه، لقوله تعالى: {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا ¬

(¬1) الآية (227) من سورة البقرة. (¬2) مسلم حديث (1650). (¬3) البخاري حديث (6684).

وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} (¬1) وفيه غاية التكريم للمرأة عما كان عليه أهل الجاهلية من إهانة للمرأة وامتهان لحياتها الجنسية، وقد كان النكاح في الجاهلية على أربعة أنحاء: منها نكاح الناس اليوم: يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته، فيصدقها ثم ينكحها، ونكاح آخر: كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها: أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه، ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبدا، حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه، فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب، وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد، فكان هذا النكاح نكاح الاستبضاع، ونكاح أخر: يجتمع الرهط ما دون العشرة، فيدخلون على المرأة، كلهم يصيبها، فإذا حملت ووضعت، ومر عليها ليال بعد أن تضع حملها، أرسلت إليهم، فلم يستطع رجل أن يمتنع، حتى يجتمعوا عندها، تقول لهم: قد عرفتم الذي كان من أمركم وقد ولدت، فهو ابنك يا فلان، تسمي من أحبت باسمه فيلحق به ولدها، لا يستطيع أن يمتنع منه الرجل، ونكاح رابع: يجتمع الناس كثيرا، فيدخلون على المرأة، لا تمتنع ممن جاءها، وهنّ البغايا، كنّ ينصبن على أبوابهن رايات تكون علما، فمن أراد دخل عليهنّ، فإذا حملت إحداهن ووضعت حملها جمعوا لها، ودعوا القافة، ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون، فالتاط به، ودعي ابنه، لا يمتنع من ذلك فلما بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحق، هدم نكاح الجاهلية كله إلا نكاح الناس اليوم (¬2) وأعطى الإسلام المرأة حريتها ¬

(¬1) من الآية (221) من سورة البقرة. (¬2) البخاري (5127) ..

12/ 5 - المبحث الحادي عشر: انتساب الأبناء إلى الآباء.

من ذلك الامتهان، وأسند إلى ولييها رعاية شأنها وحفظ كرامتها، فقال - صلى الله عليه وسلم -: 68 - (لا نكاح إلا بِوَلِيّ) (¬1). 12/ 5 - المبحث الحادي عشر: انتساب الأبناء إلى الآباء. وانفرد الرجل بحق انتساب الأبناء إليه ذكورا وإناثا، ولا يجوز للمرأة المطالبة بذلك، قال الله تعالى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} (¬2) وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: 69 - (من انتسب إلى غير أبيه، أو تولى غير مواليه، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) (¬3). المبحث الثاني عشر: زيادة النصيب في الميراث وليس مطلقا. (*) وانفرد الرجل بزيادة النصيب في الميراث خاصة {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} (¬4) وليس للرجل ولا للمرأة المنازعة في هذا، فهو حكم العليم الخبير {فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ ¬

(¬1) أبو داود حديث (2085). (¬2) الآية (5) من سورة الأحزاب. (¬3) ابن ماجه حديث (2609). (¬4) من الآية (11) من سورة النساء. (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: كذا المبحث غير مرقم في المطبوع

اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} (¬1) ومن نبز هذا بأنه ظلم للمرأة، فإنه يحارب الله ورسوله، فالمؤمنون لا يختارون إلا ما اختاره الله ورسوله لهم {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} (¬2) وقد راعى الإسلام ما كلّف به الرجل تجاه المرأة، فقد يدفع دمه ثمنا لعزها وكرامتها، وما أنفقوا من أموالهم، في مهورهنّ والنفقة عليهنّ، وقد استدل جماعة من العلماء بقوله تعالى: {وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} (¬3) على جواز فسخ النكاح إذا عجز الزوج عن النفقة على زوجته وكسوتها، ويستنبط من قصة الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه لما عجز عن النفقة المطلوبة اعتزلهن شهرا، حتى نزلت آية التخيير، وقد سلف بيان هذا، وهذا من تكريم المرأة، وتوفير الحياة الكريمة لها. وهذا حكم من الله تعالى، لا يعترض عليه مؤمن، وقد أخذ العلماء من هذا الحكم الرباني أن ديته كذلك ضعف دية المرأة، وأجمعت الأمة على ذلك من عهد الصحابة وفي مقدمتهم الخلفاء الراشدون ومن بعدهم التابعون، وكذلك أتباع التابعين ومنهم الأئمة الأربعة وأعلام الأمة المحمدية إلى يومنا هذا، ولم نعلم لهم مخالفا في ذلك، وذلك لما ميز الله به الرجل من القوامة وتحمّل أعباء الأسرة، ولأن فقد رب الأسرة وراعيها ليس أمرا هينا، فهم ¬

(¬1) الآية (11) من سورة النساء. (¬2) الآية (36) من سورة الأحزاب. (¬3) من الآية (34) من سورة النساء.

عياله يكدّ حياته من أجل راحتهم وصيانتهم، يدرأ عنهم السوء في الدين والخلق، وليست المرأة كذلك في قوة التحمل والمعاناة، لما جبلت عليه من رقة وضعف، وقديما قالوا: أضيع من الأيتام على مأدبة اللئام، وهو مثل يوحي بأهمية وجود راعي الأسرة وربها، ومن هنا أجمع علماء الأمة على أن دية المرأة على النصف من دية الرجل، مقايسة على ميراثها، ومراعاة لقوامة الرجل، ولأثره الكبير في حماية الأسرة، أو ضياعها حين تفقده، ولا غضاضة والله على المرأة في هذا، فقد ساواها ربها بالرجل في حالة القصاص، لأنها نفس معصومة كالرجل تماما في هذا، لكنها فارقته في مقدار الدية بما فضل الله بعضهم على بعض. وقد ابتلي المسلمون في كل زمان ومكان بظهور بعض من يشذ من العلماء فيخرجون على الناس بالغرائب، ويدّعون أنهم أتوا بما لم تستطعه الأوائل، وهو كذلك لأن ما أتوا به منكر وهم يجهلون ما تجره فتاواهم واجتهاداتهم الخاطئة على المسلمين من ضياع وتفكك، ودمار للقيم، وتخريب للمجتمع المسلم، كمن يزعم أن الحجاب عادة عربية، ولم يكن حكما شرعيا تعبد الله به النساء، ومن يفتي بجواز أخذ الفوائد الربوية، والتعامل مع البنوك والمصارف، والشركات الربوية، ومن يزعم أن الغناء على أنغام المعازف حلال، ومن يزعم أنه اكتشف أن دية المرأة والرجل سواء، معتمدا على قول شاذ، ومجهّلا علماء الأمة من عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا هذا، وخارقا إجماعهم وما درجوا عليه، إن أمثال هؤلاء هم سرطان يسري رويدا في قضايا المسلمين المصيرية، ليبطل جملة من أحكامها، فماذا يقول إذا سئل عن علمه ماذا عمل به؟ ! ، نقل ابن قدامة رحمه الله قول ابن المنذر , وابن عبد البر: أجمع أهل العلم على أن دية المرأة نصف

13/ 5 - المبحث الثاني عشر: شهادته باثنتين وليس مطلقا.

دية الرجل، وحكى غيرهما عن ابن علية والأصم أنهما قالا: ديتها كدية الرجل لقوله عليه السلام: 70 - (في نفس المؤمنة مائة من الإبل) وهذا قول شاذ , يخالف إجماع الصحابة وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإن في كتاب عمرو بن حزم: 71 - (دية المرأة على النصف من دية الرجل) وهي أخص مما ذكروه وهما في كتاب واحد , فيكون ما ذكرنا مفسرا لما ذكروه مخصصا له (¬1). قلت: هذا والله هو الحق، وهو خير والله من الخروج عن الإجماع فيما لو لم ترد عبارة التفسير، فإنه في العبارة الأولى أطلق النفس المؤمنة، احترازا من غير المؤمنة، وأراد الرجال، ثم عقب بما يخص المرأة ليزول اللبس الوارد في الإطلاق أولا، وإن أمثال هؤلاء يطرّقون بالشذوذ، إلى كسر سور الإجماع في يوم من الأيام نسأل الله السلامة، وهم يعلمون أن مصادر التشريع أربعة: الكتاب والسنة والإجماع والقياس، ولا غرابة فقد هاجموا نصوصا شرعية، ومن المهلكات إعجاب المرء بنفسه. 13/ 5 - المبحث الثاني عشر: شهادته باثنتين وليس مطلقا. وانفرد الرجل بأن جعله في الشهادة يعدل امرأتين، إلا فيما لا يطلع عليه إلا النساء فشهادة المرأة الواحدة كافية، قال الله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} (¬2) وعلل ذلك بأن المرأة يعرض ¬

(¬1) المغني كتاب الديات 12/ 56. (¬2) من الآية (282) من سورة البقرة.

لها النسيان، ليست كالرجل وهذا خبر قاطع لأنه من الخالق سبحانه وهو العليم بمن خلق، قال تعالى: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} (¬1) والمراد بالضلال سببه وهو النسيان لأن من ينسى يضل عن الحق وقد ينكره، والرجل أضبط من المرأة فيما لا تمارسه المرأة ولا تتعرض له إلا نادرا، من سائر الأحوال، فكانت شهادتها أخف ضبطا من شهادة الرجل فعززت بأخرى، والمرأة أضبط من الرجل فيما تمارسه وتتعرض له من أمور النساء، فتكفي شهادة الواحدة، ووجود امرأتين في الشهادة يقلل الوقوع في النسيان إلى حد كبير، وليس هذا نفيا لنسيان الرجل ولكنه نادر في الرجال، وليس استشهادها واردا في كل شيء، إنما هو في الأموال دون غيرها، لأن الأموال كثّر الله أسباب توثيقها لكثرة جهات تحصيلها، وعموم البلوى بها وتكررها، فجعل فيها التوثق تارة بالكتابة، وتارة بالإشهاد، وتارة بالرهن، وتارة بالضمان، وأدخل في جميع ذلك شهادة النساء مع الرجال، ولا يتوهم عاقل أن قوله تعالى: {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ} (¬2) يشتمل على دين المهر مع البضع، وعلى الصلح على دم العمد، فإن تلك الشهادة ليست شهادة على الدين، بل هي شهادة على النكاح، وأجاز العلماء شهادتهنّ منفردات فيما لا يطلع عليه غيرهنّ للضرورة، وعلى مثل ذلك أجيزت شهادة الصبيان في الجراح فيما بينهم للضرورة (¬3). ¬

(¬1) من الآية (282) من سورة البقرة. (¬2) الآية (282) من سورة البقرة. (¬3) القرطبي 3/ 180.

14/ 5 - المبحث الثالث عشر: حرمة الاستمتاع من الزوجة بالفرج في حالتي الحيض والنفاس.

14/ 5 - المبحث الثالث عشر: حرمة الاستمتاع من الزوجة بالفرج في حالتي الحيض والنفاس. وانفرد الرجل بأن الله تعالى حرّم عليه إتيان المرأة في المحيض قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} (¬1) والحيض: يقال: حاضت المرأة تحيض حَيْضا ومَحِيضا، فهي حائض، وحائضة (¬2) وصفه الله بأنه أذى: أي شيء يتأذى به وبرائحته، وأمر الأزواج باجتناب الزوجات في هذا الطور، وترك وطأهنّ، لا ترك المجالسة والملامسة، والنوم في الفراش الواحد، فقد كان رسول الله يجالس المرأة من نسائه وهي حائض، بل يجوز الاستمتاع بها فيما عدا الفرج أو ما دون الإزار، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل ذلك مع نسائه، قالت عائشة رضي الله عنها: 72 - كان يأمرني فأتزر، فيباشرني وأنا حائض (¬3)، وقالت: كان يخرج رأسه إليّ وهو معتكف، فأغسله وأنا حائض (¬4)، وقالت: كانت إحدانا إذا كانت حائضا، فأراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يباشرها، أمرها أن تتزر في فور حيضتها، ثم يباشرها، قالت: وأيكم يملك إربه، كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يملك إربه (¬5) أي أن هذا التصرف من الرجل يحتاج منه صلابة في دينه، وإلا وقع في الحرام، وروت ¬

(¬1) الآية (222) من سورة البقرة. (¬2) النهاية 1/ 383. (¬3) البخاري حديث (300). (¬4) البخاري حديث (301). (¬5) البخاري حديث (302) ومسلم حديث (293).

ميمونة رضي الله عنها: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يباشر امرأة من نسائه، أمرها فاتزرت وهي حائض (¬1) ولا خلاف بين أهل العلم في تحريم وطء الحائض، وهو معلوم من الدين بالضرورة، وقد قرئ {يَطْهُرْنَ} بالتشديد والتخفيف، والطهر: انقطاع الدم، والتطهر الاغتسال منه، فالجمهور من العلماء يقولون بمنع الجماع حتى تتطهر بالماء، أخذا بقراءة التشديد، وقال غيرهم: تحل لزوجها وإن لم تغتسل، عملا بقراءة {حَتَّى يَطْهُرْنَ} وقد فصّل هذا الطبري ورجّح قراءة التشديد (¬2)، والجمع بين القراءتين، وهما سبعيتان صحيحتان، أن يقال: جعلت كل قراءة غاية للطهر، فقراءة التشديد جعلت الطهر انقطاع الدم، وقراءة التخفيف جعلت الطهر الغسل، ويؤيد الغاية الثانية وهي الغسل قوله تعالى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} (¬3) التطهر يفيد الغسل، لا مجرد توقف الدم، وهو الحق إنشاء الله. ¬

(¬1) البخاري حديث (303) ومسلم حديث (294). (¬2) الطبري رقم (445). (¬3) من الآية (222) من سورة البقرة.

15/ 5 - المبحث الرابع عشر: حرمة إتيان الزوجة في الدبر.

15/ 5 - المبحث الرابع عشر: حرمة إتيان الزوجة في الدبر. وانفرد الرجل بأن الله حرّم عليه إتيان المرأة في الدبر، قال تعالى: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} (¬1) كنّى عن الجماع بالإتيان، والمراد أن يكون في القبل وهو المخلوق لذلك، وهو مكان الحرث في قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} (¬2)، وهذا يؤكد أن المباح هو القبل، هو المشبه بالأرض التي يلقى فيها البذر، وطلب الذرية لا يكون إلا في القبل تلقى فيه النطفة، ومنها يكون النسل من البنين والبنات {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} (¬3) أي مكان الاستنبات، وهو القبل، متى شئتم من ليل أو نهار، وعلى أي صفة، ومن أي جهة أردتم، بشرط أن العمل في محل الحرث وهو القبل {وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ} (¬4) الالتزام بشرع الله وعدم تجاوزه {وَاتَّقُوا اللَّهَ} (¬5) أي: غضبه بعد الوقوع فيما حرم عليكم، {وَاعْلَمُوا ¬

(¬1) من الآية (222) من سورة البقرة. (¬2) من الآية (223) من سورة البقرة، والمراد كيف ما أردتم: من كل ما هو ممكن من الصفات، بشرط اجتناب الدبر، وقد ألف بعض العلماء في هذا خاصة، وعدد صفات الاستمتاع بين الزوجين، ومنهم السيوطي. (¬3) من الآية (223) من سورة البقرة، والمراد كيف ما أردتم: من كل ما هو ممكن من الصفات، بشرط اجتناب الدبر، وقد ألف بعض العلماء في هذا خاصة، وعدد صفات الاستمتاع بين الزوجين، ومنهم السيوطي. (¬4) من الآية (223) من سورة البقرة. (¬5) من الآية (223) من سورة البقرة.

أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ} يوم الجزاء والحساب {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} (¬1) بما شرع الله، الملتزمين به أمرا ونهيا، وبما وعد من الثواب، وفي قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ} (¬2) إشارة إلى أن من وقع فيما حرم الله، من الإتيان في زمن الحيض، أو في الدبر فعليه بالتوبة الخالصة، والله يجب التوابين ويقبل توبتهم وقوله تعالى: {وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} (¬3) فيه إشارة إلى أن الدبر ليس محلا للطهارة، فالمتطهر يجتنبه ولا يقربه، فيكون من المحبوبين لله - عز وجل -، ولذلك كان الصحابة صدق الله العظيم يخشون الهلاك بالوقوع فيما حرم الله - عز وجل -، جاء عمر - رضي الله عنه - إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله هلكت، قال: وما أهلكك؟ ، قال: حولت رحلي الليلة، فلم يرد عليه شيئا فأوحى الله إلى رسوله هذه الآية {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} (¬4) يقول: أقبلوا وأدبروا، واتقوا الدبر والحيضة (¬5)، وروى مجاهد, قال: عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات، من فاتحته إلى خاتمته، أوقفه عند كل آية وأسأله عنها, حتى انتهى إلى هذه الآية: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} (¬6) فقال ¬

(¬1) من الآية (223) من سورة البقرة. (¬2) من الآية (222) من سورة البقرة .. (¬3) من الآية (222) من سورة البقرة. (¬4) من الآية (223) من سورة البقرة، والمراد كيف ما أردتم: من كل ما هو ممكن من الصفات، بشرط اجتناب الدبر، وقد ألف بعض العلماء في هذا خاصة، وعدد صفات الاستمتاع بين الزوجين، ومنهم السيوطي. (¬5) أحمد حديث (2703). (¬6) من الآية (223) من سورة البقرة ..

ابن عباس: إن هذا الحيّ من قريش, كانوا يشرحون النساء بمكة, ويتلذّذون بهنّ مقبلات ومدبرات، فلما قدموا المدينة تزوّجوا في الأنصار, فذهبوا ليفعلوا بهنّ كما كانوا يفعلون بالنساء بمكة, فأنكرن ذلك وقلن: هذا شيء لم نكن نؤتى عليه، فانتشر الحديث حتى انتهى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , فأنزل الله تعالى ذكره في ذلك: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} إن شئت فمقبلة وإن شئت فمدبرة وإن شئت فباركة وإنما يعني بذلك موضع الولد للحرث, يقول: ائت الحرث من حيث شئت (¬1) وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: 73 - (إن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن) (¬2) هذا هو الحق، والباطل ما سواه، ولم تثبت نسبة استعمال الدبر إلى ابن عمر رضي الله عنهما، وإن قال به البعض فهو خطأ منهم وعدم توفيق إلى الصواب، وقد ورد في هذا وعيد شديد من طرق يقوي بعضها بعضا منها قوله: - صلى الله عليه وسلم - 74 - (إن الذي يأتي امرأته في دبرها لا ينظر الله إليه) (¬3)، وقوله: 75 - (ملعون من أتى امرأته في دبرها) (¬4) وتعددت ألفاظه عند النسائي ومنها: 76 - (من أتى حائضا أو امرأة في دبرها فقد كفر) (¬5) وقوله: ¬

(¬1) الطبري رقم (3723). (¬2) أحمد حديث (21858، 21874) (¬3) أحمد حديث (7683). (¬4) أبو داود حديث (2162). (¬5) النسائي في الكبير حديث (9016).

16/ 5 - المبحث الخامس عشر: الولاية العامة والخاصة.

77 - (من أتى امرأة حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم -) (¬1)، وورد من قول أبي هريرة - رضي الله عنه -: "إتيان النساء والرجال في أدبارهن كفر" (¬2). 16/ 5 - المبحث الخامس عشر: الولاية العامة والخاصة. وأنفرد الرجل في الإسلام بحق الولاية العامة والخاصة، ولم يحدث في الإسلام أن تولت امرأة شأن المسلمين، ولو كان ذلك حقا لأظهره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولو مرة واحدة لبيان الجواز فضلا عن أن يكون حقا للمرأة، ولم يولّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأة ولاية خاصة ولا عامة، كل الغزوات ولاّها الرجال، ولم يستخلف امرأة على شأن من شئون المسلمين، لا حضرا ولا سفرا، فلو كانت الولاية جائزة للمرأة في الإسلام، ما ولّى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليا على المدينة لمّا خرج إلى تبوك، وقد قال عليّ - رضي الله عنه -: أتخلّفني في الصبيان والنساء؟ ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: 78 - (ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ إلا أنه ليس نبي بعدي) (¬3) المراد أنه استخلف عليا - رضي الله عنه - كما استخلف موسى - عليه السلام - هارون - عليه السلام - على بني إسرائيل، والفارق بينهما أنه لا نبي بعد نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، مع أن عليا - رضي الله عنه - له أثر عظيم في القتال، فرجّح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استخلافه على المدينة، مع وجود النساء الفاضلات: فاطمة بنت رسول الله أم الحسن والحسين، زوج علي - رضي الله عنهم -، وعائشة أم المؤمنين، الصديقة بنت الصديق، زوج رسول ¬

(¬1) النسائي في الكبير حديث (9017). (¬2) النسائي في الكبير حديث (9018). (¬3) البخاري حديث (4416).

الله - صلى الله عليه وسلم -، العالمة الفقيهة، وغيرهما كثير، فلو كانت الولاية جائزة للمرأة لكانت فاطمة أو عائشة أو غيرهما من النساء أولى من عليّ - رضي الله عنه - بالاستخلاف على الأقل لحاجة المسلمين إلى شجاعة عليّ - رضي الله عنه - في مواجهة الأعداء، وقد ورد النص من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عدم صحة الولاية للمرأة بقوله: 79 - (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) (¬1) وفي رواية (أسندوا أمرهم إلى امرأة) (¬2) وفي رواية (تملكهم امرأة) (¬3) وحين سأل - صلى الله عليه وسلم - عن أمر فارس بيد من، قالوا: امرأة قال - صلى الله عليه وسلم -: 80 (ما أفلح قوم يلي أمرهم امرأة) (¬4) وأشار النسائي رحمه الله بإخراجه في كتاب القضاء إلى عدم جواز تولية المرأة هذا العمل (¬5) وهذا ما التزم به الخلفاء الراشدون بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يولّ أحد منهم المرأة ولاية خاصة، وكذلك دول الإسلام المتعاقبة، لم تحدث فيها أن تولت المرأة الولاية الخاصة فضلا عن العامة، حتى جاء صنائع الاستعمار من أبناء المسلمين، زاعمين أن الإسلام ظلم المرأة، ومعنى هذا أن خالق المرأة ظلمها إذ لم يأمر نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم - بأن تكون فاطمة أو عائشة أو غيرهما من النساء خليفة للمسلمين، ومن ينتصر لهن من خالقهن؟ ! صنائع الاستعمار من الرجال والنساء، المتبعين اليهود والنصارى في محاربة الإسلام، فتشبث من لا يريد للمرأة الحشمة والنقاء، تبعا لغير المسلمين، وطعنا في منهج الإسلام ¬

(¬1) البخاري حديث (4425، 7099). (¬2) أحمد حديث (20402، 20474، 20477). (¬3) أحمد حديث (20438، 20478، 20517). (¬4) أحمد حديث (20508). (¬5) النسائي حديث (5388).

القويم، بشبهات يثيرها ضد الإسلام، وليس المراد نصر المرأة، لأنها منصورة من خالقها، بما قرر لها من حقوق في الإسلام، لكن المراد إبعاد المرأة عن الحشمة والحياء، ليحصل لهم من المتعة المحرمة ما رأوه في نساء الغرب، وإذا فعلت المرأة المسلمة ذلك تكون قد رفضت سنن النبي - صلى الله عليه وسلم -، واحتضنت سنن اليهود والنصارى وغيرهم من الملحدين، وقد نبّه إلى هذا الخطر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأمة حين قال: 81 - (لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه، قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟ ) (¬1)، وهذا الإخبار يضاف إلى معجزات نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، فكأني به ينظر ويسمع ما يفعله أعداء الإسلام والقيم من بني جلدتنا، وأسيادهم الساعين إلى تدمير الإسلام في نفوس أهله، وليس المراد أن ذلك يحصل لكل فرد من المسلمين، وإنما أراد الإخبار عن وجود هذا الصنف في المسلمين، فهم من المسلمين في النسب، لا في السلوك والسبب، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: 82 - (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، والله المعطي وأنا القاسم، ولا تزال هذه الأمة ظاهرين على من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون) (¬2)، إذن فالذين ينادون بولاية المرأة ما هم إلا جهلة بدين الإسلام، أو أعداء له اتبعوا غير سبيل المسلين، فالله - عز وجل - أعرف بالمرأة وقدراتها، وما تصلح له وما لا تصلح له {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (¬3) وعلى فرض صلاحية ¬

(¬1) البخاري حديث (3456). (¬2) البخاري (3116). (¬3) الآية (14) من سورة الملك.

بعض المسترجلات من النساء للولاية، نقول ذلك ممنوع في حق المرأة المسلمة لأنها متعبدة بتنفيذ ما أمرها الله بتركه، كما تعبّدها بعمل ما أمرها به، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلّغ الأمة أن لا يولّوا امرأة، روى أبو بكرة - رضي الله عنه - قال: لقد نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيام الجمل، بعد ما كدت أن ألحق بأصحاب الجمل، فأقاتل معهم، قال: لما بلغ رسول الله أن أهل فارس ملّكوا عليهم بنت كسرى، قال: 83 - (لن يفلح قوما ولو أمرهم امرأة) قال أبو بكرة - رضي الله عنه -: فلما قدمت عائشة البصرة ذكرت ذلك، فعصمني الله به، اعتبر أبو بكرة - رضي الله عنه - قدوم عائشة لمحاربة علي ولاية لها ممن قدم بها، فذكر قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ولاية المرأة، فتوقف عن قتال علي - رضي الله عنه -، هذا فهم الصحابة - رضي الله عنهم - للإسلام، فهم يذعنون لحكم الله ورسوله، من غير تمحّل ولا فلسفة، ولا يقتدون بغير نبيهم، ولا يفرطون في دينهم {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} (¬1) فلم يقل أبو بكرة - رضي الله عنه - هذه بنت أبي بكر خليل رسول الله، وزوج رسول الله، وأم المؤمنين لها من العلم والفقه وصفات الفضل ما يجعلني أقاتل تحت لوائها، وهي حقيقة بالإمارة، لم ترد بذهن أبي بكرة هذه الأفكار، لأنه يقتدي بأعظم من عائشة رضي الله عنها من لا ينطق عن الهوى - صلى الله عليه وسلم -، فخطّأ عائشة وأغمد سيفه، ولو فعل غير ذلك لكان واقعا في ضلالة، وهي مخالفته ¬

(¬1) الآية (36) من سورة الأحزاب.

لما سمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، من عدم فلاح من ولّوا أمرهم امرأة، وقتال عليّ - رضي الله عنه - ظلما وعدوانا، وعائشة نفسها رضي الله عنها أدركت خطأها في ذلك الخروج حينما سمعت كلاب الحوأب تنبح قالت: أي ماء هذا؟ ، قالوا ماء الحوأب، قالت: ما أظنني إلا أني راجعة، فقال بعض من كان معها: بل تقدمين فيراك المسلمون فيصلح الله - عز وجل - ذات بينهم، قالت: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لها ذات يوم: 84 - (كيف بأحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب) (¬1) وهذا الإخبار أيضا فيه معجزة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو إنكار على من يحصل لها ذلك، وهو ما دعا عائشة أن تنقله بأمانة، ولو كانت هي الواقعة فيما أنكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم تكن عائشة رضي الله عنها خرجت لولاية ولا قيادة، وإنما خرجت للإصلاح، لأن لها مقاما عند المسلمين فإذا دعتهم إلى التوافق على الحق، ونهتهم عن المنكر يستجاب لها في ذلك، ومن المصائب التي وقعت على المسلمين ما أقدم علية من كان معدودا في علماء السنة، ولا يزال كذلك إن شاء الله، ولكنه وقع في أمر عظيم، ما نعتبره إلا نزغا أصابه من الشيطان، إذ أقدم على مخالفة أهل السنة والجماعة قاطبة، وتحمّل وزر القدح في أبي بكرة - رضي الله عنه -، والطعن في البخاري رحمه الله، بل في علماء الأمة كافة، والتطريق لأعداء السنة بالطعن في أصح الكتب بعد كتاب الله - عز وجل -: صحيح البخاري، وبيان هذا أن أبا بكرة - رضي الله عنه - أقام عليه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الحد لشهادته على المغيرة - رضي الله عنه - بالزنى، لعدم توفر النصاب أربعة، وقد أجمع العلماء: أهل الرواية والدراية ¬

(¬1) أحمد (24254).

من عهد التابعين إلى يومنا هذا على قبول مرويات أبي بكرة - رضي الله عنه -، ولم يتفوه أحد بكلمة سوى هذا المبتلى اليوم، وكان والله يسعه ما وسع الأئمة طيلة ما مضى من القرون، لكنها فتنة أصيب بها في فكره إذ خرج بهذا الرأي الباطل، مفارقا به علماء الأمة، وفي دينه إذ تولى كبر الطن في أبي بكرة - رضي الله عنه - أحد أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، مخالفا بذلك أصحاب رسول الله ومن بعدهم من أصحاب القرون المفضلة، ومن بعدهم من أئمة الهدى والدين إلى يومنا هذا، فرماه بالفسق والكذب وهذا في حد ذاته ذنب عظيم، وقد أجمع العلماء أن أبا بكرة - رضي الله عنه - لم يكن قاذفا، وإنما كان شاهدا، وأقيم عليه الحد على سبيل عدم كمال النصاب في الشهادة، وقد كانوا أربعة لكن تردد أحدهم في الشهادة، فاعتبر عمر ذلك خللا في الشهادة فجلد الثلاثة ومنهم أبو بكرة - رضي الله عنه -، وكان حقه أن تقبل روايته وترد شهادته على قول، والقول الثاني: تقبل روايته وشهادة، وقد درج الأئمة على قبول روايته إلى يومنا هذا وإلى يوم القيامة إن شاء الله، والبلية الثانية طعنه في الإمام البخاري الذي لم تعرف الدنيا مثله من عصره إلى يومنا هذا، وقد عرف الناس البخاري ولا مقارنة بين الرجلين أصلا، مردفا بالطعن في كتابه الصحيح، الموصوف من الأئمة بأنه أصح الكتب بعد كتاب الله - عز وجل -، إذ قال: "فينبغي أن يضم هذا الحديث إلى الأحاديث الموضوعة المكذوبة على النبي - صلى الله عليه وسلم - " هكذا موضوع؟ ! ! والعلماء عجزوا عن إيجاد حديث واحد ضعيف في البخاري لا تقوم به حجة، وقد حاول أئمة أكبر من عالمنا هذا مئات المرات ولم يقل أحد منهم هذه المقالة؛ لأنهم كانوا يبحثون عن حق يقولونه، وقد جهّل علماء الأمة بفهمه السقيم فما مثله إلا كما قال الشاعر محمد بن أحمد بن عبيد الله الكاتب:

وطاول البقل فروع الميس ... وهبت العنز لقرع التيس (¬1) ولعله قال هذا من أجل مساندة دعاة تحرير المرأة لذلك انبرى فوقع في هذا المنزلق الخطير؛ لأن المدافع عن الباطل لا يأتي إلا بباطل أو أشد، والعجيب أن الرجل في ختام مقاله الذي لم يوفق فيه، يسأل الله التوفيق لغيره من الناس، ولو تدبر ما كتب بتجرد، وتذكر الغاية التي من أجلها كتب مقاله لأدركه التوفيق، ولكانت عنده السلامة مما وقع فيه خيرا له من ملأ الأرض ذهبا (¬2)، وهو بهذا المقال الشنيع ساند أهل الباطل من دعاة تحرير المرأة المسلمة، الزاعمين أن لها حقا في الولاية العامة والخاصة، وليس الأمر كذلك وهم إما جهلة بالإسلام ووضع المرأة فيه فأتوا من قبل الجهل، وإما أنهم يعلمون ذلك ولكن زاغوا عما في الإسلام متبعين سنن اليهود والنصارى، فيكونوا من المضلين قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: 85 - (إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين) (¬3) ولذلك قال عمر - رضي الله عنه - لزياد ابن حدير: 86 - "هل تعرف ما يهدم الإسلام؟ ، قال: قلت: لا، قال: يهدمه زلة العالم، وجدال المنافق بالكتاب، وحكم الأئمة المضلين" (¬4) ¬

(¬1) معجم الأدباء 17/ 198. (¬2) كتب شيخنا العالم الرباني والقدوة المنافح عن السنة وأهلها: الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد، ردا على العالم المذكور، بعد مهاتفته وبيان ما وقع في مقاله من إثم، وما له من عاقبة سيئة، ولم يستجب للنصح، فبادر الشيخ أثابه الله إلى الرد على مقاله في رسالة بعنوان (الدفاع عن أبي بكرة ومروياته والاستدلال لمنع ولاية النساء على الرجال) نصر فيها السنة وبين الحق ودمغ الباطل، في علم جم ونصح عظيم وأدب كريم، أثابه الله وبارك في جهوده. (¬3) الدارمي حديث (116). (¬4) الدارمي حديث (221).

وصدق التابعي الجليل سعيد بن جبير لما أجاب حين سأله هلال بن خباب عن علامة هلاك الناس فقال: "إذا هلك علماؤهم (¬1) "؛ لأن غلط العالم لا يضره وحده، بل يضر الأمة: المتأثر به مباشرة وغير المتأثر، لم يسلم من عداوة من تأثر به وتابعه على خطئه، فتكون القيم الإسلامية عند هؤلاء منكر، كما يزعم دعاة تحرير المرأة منها، ويصدق عليهم قول علي - رضي الله عنه -: 87 - "تعلموا العلم تعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله، فإنه سيأتي بعد هذا زمان لا يعرف فيه تسعة عشرائهم المعروف، ولا ينجو منه إلا كل نومة (¬2)، فأولئك أئمة الهدى ومصابيح العلم، ليسوا بالمساييح (¬3) ولا المذاييع (¬4) البذر" (¬5) وقد حذّر هرم بن حيان من العالم الفاسق، فقال: "إياكم والعالم الفاسق"، فبلغ عمر بن الخطاب رضوان الله عليه فكتب إليه وأشفق منها: "ما العالم الفاسق؟ "، قال: فكتب إليه هرم: "يا أمير المؤمنين والله ما أردت به إلا الخير، يكون إمام يتكلم بالعلم ويعمل بالفسق، فيشبّه على الناس فيضلوا" (¬6)، وهؤلاء الذين يرون أن القيم الإسلامية تقاليد بالية، وأن المرأة لم تأخذ حقها في الإسلام هم يتكلمون على أنهم علماء، ويعملون على خروج المرأة عن القيم الإسلامية، ويشككونها في عدالة الإسلام، وهذا هو الفسق عينه، لأننا من عهد النبوة إلى أن ظهرت قوى الاستعمار لم نقف على مثل هذه الدعاوى، وما هي إلا من نتاج الاستعمار، ومن شذ من ¬

(¬1) الدارمي حديث (248). (¬2) أي: غافل عما هم فيه من الضلال. (¬3) أي: الذين يسعون بالشر والنميمة (النهاية 2/ 432). (¬4) كثيروا الكلام. (¬5) الدارمي حديث (266). (¬6) الدارمي حديث (303).

أبناء المسلمين فنعق بمقالتهم، ومخالفة سائر المسلمين، قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: "إذا رأيت قوما ينتجون (¬1) بأمر دون عامتهم، فهم على تأسيس الضلالة" (¬2) وهؤلاء في الحقيقة لم يرضوا بما حكم الله وشرع من حقوق الرجل والمرأة، ويزعمون أنهم من أهل العلم، وقد ورد في الأثر: "كيف يكون من أهل العلم من سخط رزقه واحتقر منزلته، وقد علم أن ذلك من علم الله وقدرته، كيف يكون من أهل العلم من اتهم الله فيما قضى له" (¬3)، والحق أن المرأة لا تصلح لولاية الناس ولاية عامة ولا خاصة؛ لأن طبيعة خلقها وما كلفها الله به من العبادات تتعارض تماما مع ممارستها الولاية بقسميها، وهذا ما أجمع علية الأئمة من عهد الصحابة إلى يومنا هذا، قال ابن حزم رحمه الله: وجميع فرق أهل الملة ليس منهم أحد يجيز إمامة المرأة (¬4)، وقال البغوي رحمه الله: "اتفقوا على أن المرأة لا تصلح أن تكون إماما ولا قاضيا؛ لأن الإمام يحتاج إلى الخروج لإقامة أمر الجهاد، والقيام بأمور المسلمين، والقاضي يحتاج إلى البروز لفصل الخصومات" (¬5)، وليس هذا كما يزعم دعاة الحرية احتقارا لفكر المرأة وقدرتها على العطاء في مجال الرجل، لكنه الأمر الذي يحفظ عليها سلامة ما خلقت له، ولو تولت المرأة أبسط أمور الولاية لاستدعى ذلك منها الوقوع في أمور تفضي إلى إبطال عدة عبادات تعبدها الله بها، ومن تلك الأمور: ¬

(¬1) من النجوى، ومنه: لا ينتجي اثنان دون صاحبهما، أي لا يتسارّان منفردين عنه (النهاية 5/ 25). (¬2) الدارمي حديث (310). (¬3) الدارمي حديث (373) .. (¬4) الفصل 4/ 179. (¬5) شرح السنة 10/ 77.

الأول: ضياع الأمر الذي خلقت المرأة من أجله بعد عبادة الله - عز وجل - وهو الإنجاب والتربية ورعاية الأسرة، وهذا من أسباب أمر النساء بالقرار في البيوت، قال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} (¬1) فالقرار في البيت أمر طبعي للمرأة يوافق ما جبلت عليه، وهو أمر تعبدي لأن المرأة مدعوة إلى الاحتساب في الإنجاب والتربية، وأن تكون الغاية من ذلك عبادة الله وقوة الأمة المسلمة، حينما تكون تربيتها لأبنائها وفق القيم الإسلامية، قال - صلى الله عليه وسلم -: 88 - (وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله، أياتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ ، قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ ، فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجرا) (¬2) روى أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر بالباءة، وينهى عن التبتل نهيا شديدا"، ويقول: 89 - (تزوجوا الودود الولود، إني مكاثر الأنبياء يوم القيامة) (¬3) ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: 90 - (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، وخير نسوة ركبن الإبل صالح نساء قريش، أرعاه على زوج في ذات يده، وأحناه على ولد في صغره) (¬4)، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: 91 - (من ابتلي من هذه البنات بشيء كنّ له سترا من النار) (¬5) وسمّاه - صلى الله عليه وسلم - بلاء؛ لأن تربية البنات أصعب من الأولاد ¬

(¬1) الآية (33) من سورة الأحزاب. (¬2) مسلم حديث (1006). (¬3) أحمد حديث (12613). (¬4) أحمد حديث (16929). (¬5) البخاري حديث (1418) ومسلم حديث (2629).

ومراقبتهن والمحافظة عليهنّ تبقى مستمرة إلى الموت، فكان الأجر أعظم، وهنّ من عمل الوالد إذا مات انتفع بدعائهنّ وبرهن، قال - صلى الله عليه وسلم -: 92 - (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) (¬1) ولا يتحقق هذا إلا بقرار المرأة في البيت، والقيام بحق الرعاية على الوجه الذي شرعه الله، ولذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: 93 - (والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها) (¬2) إنه شرف للمرأة المسلمة أن تنجب وتربي وترعا، وتخرّج الأجيال من أمثال أبي بكر وعمر ومن بعدهم من عظماء الأمة المسلمة، لقد غاض الأعداء ما حققته المرأة المسلمة في ظل الإسلام فكادوا لها كيدا عظيما، وأعظمه ما كان بألسنة وأقلام من يزعمون أنهم من المسلين. والثاني: نزع الحجاب وقد أمرت به شرعا وغايته الأولى طاعة الله ورسوله، وما يترتب عليه من المصالح الفردية والاجتماعية أمر بالغ الأهمية في الإسلام، وهذا من أسباب نهيهنّ عن التبرج {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} (¬3) لما في نزع الحجاب والتبرج من فساد للفرد والمجتمع. والثالث: الاختلاط بغير المحارم، وقد تعبدها الله - عز وجل - بعدم الاختلاط، والذي يؤدي في الغالب إلى التبرج المنهي عنه، فقد ¬

(¬1) مسلم حديث (1631). (¬2) البخاري حديث (853). (¬3) الآية (33) من سورة الأحزاب.

كان التبرج في الجاهلية مقترنا بالإختلاط، وعدم التبرج من أسبابه الأمر بالقرار في البيوت الوارد في آية الأحزاب، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: 94 - (إياكم والخلوة بالنساء، والذي نفسي بيده ما خلا رجل وامرأة إلا دخل الشيطان بينهما، وليزحم رجل خنزيرا متلطخا بطين أو حمأة خير له من أن يزحم منكبه منكب امرأة لا تحل له) (¬1) والمراد بهذا في غير ما ضرورة، كالمزاحمة في العمرة والحج، وما كان أمرا ضروريا لابد للمرأة منه، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها، ولو كان يجوز للمرأة أن تخالط غير المحارم لكان أخو الزوج - - - - الحمو - - - - أولى الناس بذلك، ولكن اعتبره الرسول - صلى الله عليه وسلم - خطرا وشبّهه بالموت (¬2) لشدة ضرره لو حصل اختلاط، وهذا لازم ولايتها أن تكون مرجعا لعامة الناس، وهو ما تتحقق به المفاسد السابقة، وذهاب ما تتحقق به عبادة المرأة فيما ذكرنا، ويلحق بهذا ما يتعلق بما يسمونه اليوم الانتخابات، فإن المرأة لا تنتخب من الرجال من يتولى شأنا من شئون المسلمين، ولم يحدث أن شاركت المرأة بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الشأن إلى أن جاء صنائع الاستعمار، فنفثوا سمومهم في بعض البلدان، نعم قد يتسامح إذا كان الأمر شأنا نسائيا بحتا، وتقدّم من النساء من هنّ ذوات علم وعقل ودين، فإن ذلك يكون مقبولا لعلم النساء بشئونهنّ الخاصة، فليراجع دعاة التحرير من الرجال والنساء أنفسهم، إن كانوا مسلمين، وليحذروا أن يقولوا يوم ¬

(¬1) الطبراني في الكبير، حديث (7830). (¬2) البخاري حديث (5232) ومسلم حديث (2172).

القيامة: {يَالَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا} (¬1)، وقد روى التابعي أبو الزاهرية: حدير بن كريب: إن الله تعالى قال: 95 - (أبث العلم في آخر الزمان حتى يعلمه الرجل والمرأة، والعبد والحر والصغير والكبير، فإذا فعلت ذلك بهم أخذتهم بحقي عليهم) (¬2) وهذا والله منطبق على زماننا هذا، تعلم الكثيرون، ولكن لم ينتفعوا بعلمهم إلا في الجدل العقيم، ومحاربة القيم الإسلامية، حبا في الشهرة والأضواء، وتسويقا لقيم الغرب وأخلاقه، وأخشى أن يقال لهم يوم القيامة: {هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا} (¬3) وحقه عليهم الدفاع عن كل ما شرعه في كتابه أو على لسان رسوله، أو على لسان الخلفاء الراشدين، كما قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: 96 - (فإنه من يعش منكم يرى اختلافا كثيرا، واياكم ومحدثات الأمور، فإنها ضلالة فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ) (¬4). ومما يبرر به دعاة التحرير آراءهم الفاسدة ومعهم من تصدّى للطّعن في أبي بكرة - رضي الله عنه - استشهادهم بتولي "أنديرا غاندي، ومارغريت تاتشر" وبلقيس، وغيرهن مما لم يذكرون، وهذا والله ¬

(¬1) الآية (66) من سورة الأحزاب .. (¬2) الدارمي حديث (260). (¬3) الآية (109) من سورة النساء. (¬4) الترمذي حديث (2676) وقال: حسن صحيح.

سفه في العقول، وضعف في الدين؛ وهل تستوي المرأة المسلمة والكافر؟ ، هل يستوي من يرجو الله واليوم الآخر ومن لا يرجو الله واليوم الآخر؟ ، هل يستوي من يؤمن بنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - ومن لا يؤمن بها، هل يستوي من يؤمن بقول الله - عز وجل -: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (¬1) ومن لا يؤمن بهّ؟ ! ! ، إذا حكم هؤلاء النساء وحققن نجاحات، فما للمسلمات والكافرات؟ ، علما بأن النجاحات مصادرها الرجال المساعدون لهنّ، وهنّ فيهم كالشعرة السوداء في الثور الأبيض، ولا يبعد أن جعل هذا طعما للمرأة المسلمة، وحجة للمغرورين، ولكن صاحب الهوى لا يعقل، إن الله - عز وجل - تعبّد المسلمات بما يناقض ما عليه الكافرات، مما تقدم بيانه، وليس للمتشبثين بولاية المرأة مستند في قصة بلقيس، فإنها لم تكن مؤمنة حينذاك، فلما قدمت على سليمان، أذعنت لسطوته وسلطانه، فـ {قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (¬2) وبعد إيمانها أختلف النقل في أمرها تزوجت سليمان أم تبع، بقيت على ملكها أم لا، وشرع من قبلنا ليس شرعا لنا إلا ما أمرنا به شرعنا، وليس في الإسلام ما يجيز الولاية للمرأة، ومن قال بالجواز فقد تحمّل أمرا عظيما يسأل عنه يوم القيامة. إن حرية المرأة معلومة في الإسلام، لا مطعن فيها ولا اعتراض عليها من المسلمين، فخالقها العالم بما يصلحها وما يفسدها حدد ¬

(¬1) الآية (85) من سورة آل عمران. (¬2) الآية (44) من سورة النمل ..

واجباتها، وبين حقوقها، في إطار يكرمها ويجعلها عزيزة مصونة إلى أن تلقى الله - عز وجل -، والذين يعترضون على حقوق المرأة وغيرها من الأمور المشروعة في الإسلام، وهذا لا يخلو من أحوال ثلاث: الحالة الأولى: أن يكون المعترض غير مؤمن بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، وبما نزل عليه من الحق، كاليهود والنصارى والذين أشركوا، فهذا لا غرابة في طعنه على حقوق المرأة وغيرها من الأحكام الشرعية في الإسلام، لأنه عدو للإسلام ونبيه جملة وتفصيلا، فمن الطبعي جدا أن يمكر ويدبر ويخطط لكسر ما عند عدوه من قيم وفضائل، ترتقي بها المرأة عن مرابض الدواب وسلوكياتها، كما هو الحال في بلاد الغرب ومن شايعها، ولنا مع هؤلاء موقفان: الموقف الأول: في حال أن تكون دعوتهم قاصرة على نسائهم، فهذا لا نعارضه ولا شأن لنا به، لأنها حياتهم وشؤونهم الخاصة بهم وبنسائهم، فهم لا يؤمنون بالإسلام ولا بقيمه، وما بعد الكفر ذنب. الموقف الثاني: أن تستهدف المرأة المسلمة، وتصدّر إليها خسائر المرأة الكافرة، لتكون مثلها، فهنا الموقف الذي يجب الصمود فيه من كل مسلم، يؤمن بالله ربا وبمحمد رسولا وبالإسلام دينا، وهو جهاد فكري فرض عين على كل عالم بالكتاب والسنة ذكرا أو أنثى {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (¬1) ¬

(¬1) الآية (71) من سورة التوبة.

وذلك الاستنفار والفرض العينى سببه استهداف الإسلام من أعدائه، وهنا تتضح مواقف المسلمين كما اتضحت في عهد رسول الله، ولا يخلو الموقف من أمرين: الأمر الأول: الاستجابة الكاملة للذود عن الإسلام جملة وتفصيلا من كل المسلمين، وأعني بالكل العلماء، وهنا لا إشكال. الأمر الثاني: أن يتوقف البعض ولا يعتبر الأمر خطرا، لشبهات تعرض، أو تأويلات تحدث، بحكم التوجه الفكري، أو قلة العلم الشرعي، فهذا يجب على العلماء النصح له وبيان الحق، متابعة أفكاره، وبيان ما فيها من حق وباطل، حتى لا يغتر به الآخرون ولاسيما إذا كان منتميا إلى الثقافة المعاصرة. الحالة الثانية: أن يكون المعترض من المفتونين بحضارة الغرب يروق له ما يروق لهم، وهنا نفصّل في الأمر بعض الشيء: فإن كان عربيا غير مسلم فلا مشكلة لأننا نعلم أن من تدبير عدوا الإسلام اصطياد المغرورين بما لديه من تفوق علمي واقتصادي، وانفلات في القيم والفضائل، باسم الحرية، وهؤلاء تتفق خطورتهم مع غير العرب في الكيد للإسلام، وينفردون بدعوى الوطنية، فجعلوا منظّرين لمواطنيهم، وقد نجح الأعداء في استخدام هؤلاء للتأثير على البلهاء من أبناء المسلمين، فكونوا قطعانا من البشر يسونها في أوطان المسلمين لتنفيذ مشروع تدمير الإسلام، بألفاظ معسولة، وأفكار مغسولة من القيم والفضائل، تذليلا لإنشاء مراتع الشهوات، والقضاء على الإسلام وأهله، لأن الإسلام مجموعة قيم وفضائل، يرتبط بعضها ببعض، فإذا فكّكت سهل القضاء عليها واحدة تلو الأخرى، وللأسف نجحت تلك القطعان في القيام بخدمة العدو، بسبب ما هيئ لهم من التلميع الإعلامي، والوصول بهم إلى مراكز مؤثرة في

السلوك الاجتماعي، فاستجالوا الكثيرين من البسطاء من أبناء المسلمين، لانبهارهم بما حصل عليه هؤلاء من شهرة، وتسويق واسع لأفكارهم المسمومة، ولبعد أبناء المسلمين عن نهج العهد النبوي والخلافة الراشدة، ولذلك وقعوا في حبائل الأعداء وأذنابهم. الحالة الثالثة: أن يكون المعترض من أبناء المسلمين الذين أوفدوا إلى بلاد الأعداء وهم غير محصنين بالقيم والفضائل الدينية، فهم أخذوا جرعات محدود، سرعان ما تبددت من أذهانهم إما لأنهم أخذوها لغرض دنيوي، وانتهى استذكارها والعمل بها بعد الحصول على الشهادة ومنحة السفر إلى بلاد الأعداء، أو أنها لم تكن كافية ولضعف التحصيل فيها تبددت أمام ما رأى من حضارة في بلاد الغرب، وأمام ما قدم له من أفكار أسهمت في القضاء إلى حد كبير على ما لديه من قيم وفضائل إسلامية، بعد أن أقنعوه بأن السبب في عدم وجود تلك الحضارة في بلاد الإسلام بالصورة ذاتها في بلاد الغرب إنما هو الإسلام الذي يحرّم كل شيء في نظرهم، هذه الثلة من أبناء المسلمين عادة إلى الوطن الإسلامي سهاما مسمومة وموجهة إلى الجسد الإسلامي بحقد شديد، وهم من القطعان الذين تقدمت الإشارة إليهم، لكنهم أخطر منهم في اتخاذ القرار، فأولئك منظّرون، وهؤلاء مجنّدون لهدم الإسلام بدعوى التحرير، والتقدم والتحضر، بعد أن رموا الإسلام زورا وبهتانا بأنه سبب في التخلف والتحجّر، وكبت الحريات، وهذه الثلة مهمتها تهيئة الناس للمشروع المعادي للإسلام، ليتم اتخاذ القرار من مالكيه في الوقت المناسب، ولا يخلو حال هذه الثلة من أحد أمرين:

(أ) إما أن تكون لهم بقية من قيم ومرجعية دينية، لكنهم يرون حصرها في العبادة، ولا علاقة لها بشؤون الحياة على مبدأ فصل الدين عن الدولة، وهؤلاء خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا، والعمل السيئ كبير جدا وأثره على الإسلام وأهله كبير، وهو ما أوصل المسلمين اليوم إلى الذّلّ والإذعان للغرب في كل المجالات، وتحجيم الدور الإسلامي في حياة المسلمين إلى حد بدأ الأعداء يفكرون في تنفيذ أسباب اقتلاعه من جذوره، ليعود المسلمون في جاهلية جديدة تفوق الجاهلية الأولى، فلا هم بالمسلمين، حقا ولا هم كفار من الدرجة الأولى عند الغرب، وإن رضي الغرب بالنتيجة فسوف يكونون كفارا من الدرجة الثالثة وربما أبعد، على غرار معاملة إسرائيل لليهود فليسوا كلهم في طبقة واحدة. (ب) وإما أن تكون مرجعية القيم لديهم غربية بحته ولا علاقة لها بالإسلام ففي هذه الحال أصبحوا أعداء خلّص للإسلام وأهله شأنهم شأن الغرب تماما، والواقع أن العالم الإسلامي لا يخلوا من أصحاب الأمرين، وهم كما قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: 97 - (دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها، قال حذيفة - رضي الله عنه -: قلت: يا رسول الله، صفهم لنا، قال: هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا) (¬1) وكم من أبناء المسلمين من خرج ضالا مضلا يدعي النبوة، وكم منهم من ينادي باستبعاد العمل بالسنة النبوية الصحيحة، هؤلاء يخشون الإسلام، ويخافون من الملتزمين به على الوجه الصحيح، فإذا ما سنحت لهم فرصة لضربه تذرعوا بأي خطأ يقع من شاذ، أو جاهل مراهق غرّر به، أو جماعة لم تسلك المنهج النبوي الصحيح، وعمّموا ذلك ¬

(¬1) انظر رقم (6673).

على المسلمين، وأجروا التنكيل بكل أحد، دون وازع ولا ضمير، وما أكثر ما تغيب حقوق الإنسان في السجون والمعتقلات، ولا يطالبون بها إلا في حالة مناقضة الإسلام، وتدمير ما جاء به من الحق، فماذا يقول أبناء جلدتنا، والذين يتكلمون بألسنتنا؟ ! ، إذا ما لقوا ربهم، أم أنهم لا يؤمنون بالبعث؟ ولا مفر لهم من لقاء الله تعالى، إنهم صنائع الغرب لضرب الإسلام في عقر داره، وبأيدي أبنائه العاقين المارقين، هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، وهذا غيض من فيض، والأمثلة كثيرة ولا حصر لها، وتبارك القطعان الموجهة من أعداء الإسلام هذه التصرفات، ويطبّل لها الإعلام الخائن المأجور، وتتقبّل الشعوب الإمعة الساذجة هذه الترهات، ويكمم دعاة الحق والفضيلة، ويقتل منهم من يقتل، ويوضع في غياهب السجون الآلاف المؤلفة منهم يسامون سوء العذاب، كل هذا يتم بواسطة صنائع الغرب من أبناء المسلين، هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، وتمر بهم الأحداث إلى أن يكشف التاريخ للشعوب، ما أخفاه الغرب وقطعانه المسرّحة لهدم الإسلام وأهله، وحينئذ يتبرأ المتبوع من التابع، وينطبق عليهم قول الله تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} (¬1). (ج) وإما أن يكونوا رعاعا، يتبعون كل ناعق بحق وباطل، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ¬

(¬1) الآية (166) من سورة البقرة.

98 - (لا تكونوا إمعة تقُولون: إن أحسن الناس أحسنا وإن ظلموا ظلمنا) (¬1) وقد قابلنا الكثيرين منهم وناقشونا فيما يخص بلادنا مهد الإسلام ومنبع الفضيلة، زادها الله شرفا وحماية، وحرسها من كل عدو ولاسيّما الأعداء اللذين هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، ناقشنا السّذج منهم فلما أوضحنا لهم الحق مستندين في ذلك إلى الكتاب والسنة، والبيان وفق الواقع والشواهد من الأحداث، قالوا: ما عرفنا هذا، ظنناهم يريدون الخير لنا ولبلادنا، فكأني بهم لسذاجتهم إمعات إن أحسن الناس أحسنوا، وإن ظلموا ظلموا، وكأني بهم عند ظهور الحق ينطبق عليهم قول الله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} (¬2) هذا واقع المسلمين اليوم، بعد عن نهج النبوة والخلافة الراشدة، وشتات وفرقة، وهوى متبع، وشهوات لا حصر لها، وتدمير للقيم والفضيلة، وظلم واستبداد، واتّباع لفكر الغرب ومخرجاته المنتنة، فتحقق في الأمة الإسلامية أنها غثاء كغثاء السيل، وهذا لا نريد به العموم، ولكن المراد الغالب. أما النساء المستغربات فلسن صنائع مباشرة للغرب، بل صنائع الصنائع، فأولياؤهن من الصنائع، أو من الأتباع السذج دعوهن إلى الفكر الغربي، وسمحوا لهن بالتبرج، وتلقي الفكر الغربي، ومنهم من أوفد موليته إلى الغرب لتتلقّى ما تلقّى هو من السموم، من منابعها الدنسة، ومنهم من ساير الآخرين من الأتباع السذج، ¬

(¬1) أخرجه الترمذي حديث (2075). (¬2) الآية (167) من سورة البقرة.

فخرج على الإسلام نساء ينكرن ما جاء به في شأن المرأة: فالحجاب يطلبن بدلا عنه تبرج الجاهلية الأولى، والعدّة في الطلاق أو الوفاة ينادين بإلغائها والاكتفاء بالكشف المخبري، والأجانب عندهن لا فرق بينهم وبين المحارم، تكلم من تريد، وتجلس مع من تريد، وتسافر مع من تريد، في وقت نسيت أو تناست المرأة المغرورة، أن ربها وخالقها تعبّدها بهذه الأمور فالحكمة منها قبل كل شيء التعبد لله لأنه تعالى يقول: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (¬1) ومن ثمار التعبد ظهور القيم والفضائل والعزة والكرامة في أكمل صورها، فالله تعالى خلق الإنسان وجعله يعيش حياة دنيوية قصيرة، لابتلائه بما جاءت به الرسل، فيظهر المحسن والمسيء، وينال كل منهما جزاءه في الحياة الآخرة الأبدية، قال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (¬2) ومقتضى ما أقدم عليه المستغربون رجالا ونساء من ذلك السلوك وتلك الدعوة القذرة، أن الله الذي خلق المرأة جهل ما يصلحها، وأن ما نزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - من الكتاب والسنة لم يعد صالحا لحال المرأة اليوم، ولا عادلا في شأنها، وأصبحت قوانين الغرب وسلوكياته هي ما يصلح به شأن المرأة، فالمستغربون اليوم أحسن منهم الجاهليون الأولون حين قالوا: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} (¬3) وقد كان آباؤهم على ¬

(¬1) الآية (56) من سورة الذاريات. (¬2) الآية (1) من سورة الملك .. (¬3) من الآية (170) من سورة البقرة.

الضلال، فلم يبغوا بما كان عليه آباؤهم بديلا، والمستغربون اليوم وجدوا آباءهم على الحق والهدى، نهج لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فبرزوا لهدم ما عليه آباؤهم من الهدى، وتباروا لإرساء الزندقة والكفر على أنقاض القيم والفضيلة الإسلامية، كل هذا من أجل مشاركة الغرب حياتهم البهيمية {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} (¬1)، وتداعت الأمم اليوم على المسلمين من كل حدب وصوب، بعد أن دمروا الأخلاق والقيم، ينهبون الثرواث، ويسومون المسلمين سوء العذاب، والمسلمون يصدق عليهم أنهم غثاء، وليسوا في نظري أحسن حالا من قبيلة إياد في الجاهلية التي استعدى عليها أعداؤها من كل مكان، ولم يسمعوا نداء المصلح من عقلائها وهو أحد شعرائها: لقيط بن يعمر الإيادي إذ قال لهم في قصيدته المشهورة، ومنها: بل أيها الركب المزجي على عجل ... نحو الجزيرةمرتادا ومنتجعا أبلغ إيادا، وخلل في سراتهم ... إني أرى الرأي إن لم أعص قد نصعا يا لهف نفسي أن كانت أموركم ... شتى وأحكم أمر الناس فاجتمعا ألا تخافون قوما لا أبا لكم ... أمسوا إليكم كأمثال الدبا سرعا فهم سراع إليكم بين ملتقط ... شوكا وآخر يجني الصاب والسلعا لو أن جمعهم راموا بهدته ... شم الشماريخ من ثهلان لانصدعا في كل يوم يسنون الحراب لكم ... لا يهجعون إذا ما غافل هجعا خرزا عيونهم كأن لحضهم ... حريق نار ترى منه السنا قطعا ¬

(¬1) من الآية (44) من سورة الفرقان.

لا الحرث يشغلهم بل لا يرون لهم ... من دون بيضتكم ريا ولا شبعا وانتم تحرثون الأرض عن سفه ... في كل معتمل تبغون مزدرعا وتلبسون ثياب الأمن ضاحية ... لا تجمعون وهذا الليث قد جمعا وقد أظلكم من شطر ثغركم ... هول له ظلم تغشاكم قطعا ما لي أراكم نياما في بلهنية ... وقد ترون شهاب الحرب قد سطعا فاشفوا غليلي برأي منكم حسن ... يضحى فؤادي له ريان قد نقعا قوموا قياما على أمشاط أرجلكم ... ثم افزعوا قد ينال الأمن من فزعا يا قوم إن لكم من عز أولكم ... إرثا أحاذر أن يودى فينقطعا يا قوم لا تأمنوا إن كنتم غيرا ... على نسائكم كسرى وما جمعا هو الجلاء الذي يجتث أصلكم ... فشمروا واستعدوا للحروب معا هذا كتابي إليكم والنذير معا ... فمن رأى مثل ذا رأيا ومن سمعا لقد بذلت لكم نصحي بلا دخل ... فاستيقضوا إن خير العلم ما نفعا (¬1) هذا حال المسلمين والله اليوم مع أعداء المسلمين، ولا يأس من روح الله، فإن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، وتبقى طائفة من المسلمين، المؤمنين بالإسلام الصحيح، أتباع عهد النبوة والخلافة الراشدة، وينتصر الإسلام، ويقوى المسلمون، ويختم لهم بخير، خبر من لا ينطق عن الهوى - صلى الله عليه وسلم -. ¬

(¬1) انظر: الموسوعة الشعرية ومصادرها.

17/ 5 - المبحث السادس عشر: الجهاد.

17/ 5 - المبحث السادس عشر: الجهاد. وانفرد الرجل عن المرأة بوجوب الجهاد في سبيل لله بقيادة إمام له بيعة شرعية، ويحكم بالكتاب والسنة، إذا ما دعا للجهاد وجبت طاعته بشروط الجهاد المعروفة في الكتاب والسنة، ولا يكون إلا لرفع راية الدين، ونشر العدل والمساواة بين الناس، كما هو الحال في الفتح الإسلامي، أو حماية الأعراض والأموال، أو المقدسات والأمن العام في حياة الناس، فإن المبادرة إلى العمل في الجيوش من أعظم القربات مع القيام بما فرض الله تعالى من العبادة، قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (¬1) والمراد به أنواعا عديدة من الجهاد، أول ذلك مجاهدة النفس لتستقيم على الحق، وتنصرف عن الباطل، ولذلك ورد في الحديث: 99 - (قل آمنت بالله ثم استقم) (¬2) ومن الجهاد تعويد النفس على أداء الحقوق لكل الناس، والقيام بالواجبات في الدين والمعاملات، والجهاد الذي يختص به الرجل عن المرأة هو ما ذكرنا من حمل السلاح، وركوب الأهوال في مقارعة الأعداء، وليس للمرأة في هذا حظ، لأن الإسلام يطلب لها الصون والكرامة، وجهادها في تربية الأبناء، والقيام بحقوق الزوجية، والمحافظة على الفرائض، وأداء الحج والعمرة، وقد تقدم بيان عدم وجوب الجهاد على النساء، وما ذاك إلا لمكانة المرأة في الإسلام، وتجنيبها مخاطر القتال وعواقبه الوخيمة. ¬

(¬1) الآية (69) من سورة العنكبوت. (¬2) أحمد حديث (15417).

18/ 5 - المبحث السابع عشر: وجوب النفقة على الزوج.

18/ 5 - المبحث السابع عشر: وجوب النفقة على الزوج. وانفرد بوجوب نفقة الزوجة أو الزوجات عليه، ولو كان فقيرا، وهي أو هن في غنى وثراء كبير، قال تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} (¬1) والعبرة في النفقة بحال الزوج وقدرته، أي لينفق الزوج على زوجته وعلى أولاده على قدر وسعه، حتى يوسع عليهم إذا كان موسعا عليه، ومن كان فقيرا فعلى قدر ذلك، فتقدر النفقة بحسب الحالة من المنفق، والحاجة من المنفق عليه، بالاجتهاد على مجرى حياة العادة، فينظر الشرع إلى قدر حاجة المنفق عليه، ثم ينظر إلى حالة المنفق، فإن احتملت الحالة أمضاها عليه، فإن اقتصرت حالته على حاجة المنفق عليه ردها إلى قدر احتماله، ولا يكلف الزوج بما لا يقدر عليه، ويسقط اعتبار غنى الزوجة في النفقة، والنفقة حق للزوجة على الزوج تطالبه به ولو كان فقيرا، لكن تعطى على قدر حال الزوج، وليس على قدر غناها، وقد اجتمع نساء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يطالبن بالنفقة، ولم يكن - صلى الله عليه وسلم - قادرا، ولما كان ذلك حقا لهن وهو غير قادر نزلت آية التخيير، فقد طالبن بالنفقة وآذينه بغيرة بعضهن على بعض - صلى الله عليه وسلم -، فهجرهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآلى أن لا يقربهن شهرا، ولم يخرج إلى أصحابه، فقالوا: ما شأنه؟ : ¬

(¬1) الآية (7) من سورة الطلاق.

100 - وكانوا يقولون: طلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه، فقال عمر: لأعلمن لكم شأنه، قال: فدخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله أطلقتهن؟ ، قال: لا، قلت: يا رسول الله إني دخلت المسجد والمسلمون يقولون: طلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه، أفأنزل فأخبرهم أنك لم تطلقهن؟ ، قال: نعم إن شئت، فقمت على باب المسجد وناديت بأعلى صوتي: لم يطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه، فنزلت هذه الآية: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} (¬1) قال: فبدأ بعائشة فقال: يا عائشة، إني أريد أن أعرض عليك أمراً أحب أن لا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك، قالت: وما هو يا رسول الله؟ ، فتلا عليها الآية، قالت: أفيك يا رسول الله أستشير أبوي؟ ، بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة، وأسألك أن لا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلت، قال: 101 - (لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها، إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً ولكن بعثني معلماً ميسراً) (¬2) ولكن أغضبه - صلى الله عليه وسلم - التغاير في المطالبة، وجاء أبو بكر - رضي الله عنه - يستأذن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فوجد الناس جلوساً ببابه لم يؤذن لأحد منهم، فأذن لأبي بكر - رضي الله عنه - فدخل ثم أقبل عمر - رضي الله عنه - فاستأذن فأذن له فوجد النبي - صلى الله عليه وسلم - جالساً حوله نساؤه واجماً ساكتاً، فقال: لأقولن شيئاً أضحك رسول الله ¬

(¬1) الآيتان (28، 29) من سورة الأحزاب. (¬2) انظر (تفسير البغوي، سورة الأحزاب).

- صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول، الله لو رأيت بنت خارجة سألتني النفقة فقمت إليها فوجأت عنقها، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال: 102 - (هن حولي كما ترى يسألنني النفقة) فقام أبو بكر - رضي الله عنه - إلى عائشة يجأ عنقها، وقام عمر - رضي الله عنه - إلى حفصة يجأ عنقها، كلاهما يقول: لا تسألي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئاً أبداً ليس عنده، ثم اعتزلهن شهراً أو تسعاً وعشرين، وكانت تحته تسع نسوة، فآلى منهن شهرا، ليعلم حكم الله في هذا الموقف، فلما نزلت آية التخيير بدأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعائشة، وكانت أحبهن إليه فخيرها وقرأ عليها القرآن فاختارت الله ورسوله والدار الآخرة، فرؤي الفرح في وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتابعنها على ذلك، فلما اخترن الله ورسوله شكرهن الله - عز وجل - على ذلك وقصره عليهنّ، تكريما لهن من الله تعالى فقال: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا} (¬1) وحرمهن على المؤمنين، فقيل لكل واحدة منهن: أم المؤمنين، قال تعالى: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} (¬2). إن ما ذكرناه مما انفرد به الرجل عن المرأة ليس على سبيل الحصر، وهو يدل على فضل الرجال على النساء {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا ¬

(¬1) الآية (52) من سورة الأحزاب، وانظر: تفسير البغوي بتصرف. (¬2) الآية (6) من سورة الأحزاب.

19/ 5 - المبحث الثامن عشر: وجوب نفقة المرضعة على الزوج.

حَفِظَ اللَّهُ} (¬1) هذه صفاتهنّ: محسنات عاملات بالخير، مطيعات لله تعالى ولرسوله في كل أمر ونهي، قائمات بما يجب عليهن من حقوق الله - عز وجل -، وحقوق رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وحقوق الأزواج، حافظات لطهرهن وعفافهن وشئون حياتهنّ في حضور وغيبة أزواجهن عنهنّ، كل ذلك يتم في إطار ما شرع الله - عز وجل -. 19/ 5 - المبحث الثامن عشر: وجوب نفقة المرضعة على الزوج. قال تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (¬2) فقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} فيه دلالة على أن المرأة لها حق إرضاع طفلها خلال حولين من ولادته، ولا تجوز منازعتها في ذلك، وأن الحولين ليس كمالهما شرطا ¬

(¬1) الآية (34) من سورة النساء. (¬2) الآية (233) من سورة البقرة ..

في الرضاع، بدليل قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} وأن عدم التمام جائز ولا حرج فيه، والمدار في ذلك على ما يصلح به حال المولود، وانتفاء الإضرار به، وهذا في حالة الاتفاق بين الأبوين على الرضاع، أما في حالة عدم موافقة الأم على إرضاع طفلها ولاسيما في حالات الطلاق، فلا تجبر على ذلك، إلا في حالة عدم قبول المولود غير ثديها فيجب عليها أن تقوم بإرضاعه، أخذا من قوله تعالى: {لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا} ففيه دلالة على أن ذلك يدور مع مصلحة الطفل، وعلى الأب النفقة فيقدم للأم الطعام والشراب وغير ذلك مما هو متعارف عليه، مما تصلح به صحة الأم الآيل نفعها إلى المولود، وعليه كسوتها مما هو معروف في مجتمعه، أخذا من قوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} ولا يجوز للمرأة المطالبة بما فوق المعروف من المعاش واللباس، أخذا من قوله تعالى: {لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا} وهذا مطابق لقوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} (¬1) فالنفقة مرتبطة باليسر والعسر، وهي واجبة على الآباء للأمهات المرضعات في حالة ¬

(¬1) الآية (7) من سورة الطلاق.

الطلاق المبتوت، ومن كانت باقية في العصمة فنفقتها واجبة في كل الأحوال. وفي الآية تضمين لوجوب نفقة المولود على الوالد، وصرّح بالوجوب للأم لأنها محل تغذية المولود بالحليب المباشر منها، وما يتبعه مما يصلح به شأنه، ولأنه في هذه الحال قاصر ضعيف لا حول له ولا قوة، وقد، وأجمع العلماء على أنه يجب على الأب نفقة أولاده الذين لا مال لهم، وقد منع الله الأبوين من المضارة، فلا يضار الأب الأم بأن يمنعها مما يجب عليه لها، أو يحول بينها وبين مولودها، فينتزعه منها، ليهرب من رزقها وكسوتها بالمعروف، وكذلك الأم لا تضار الأب بأن تطالبه بما لا يستطيع بسبب أنها ترضع ولده، وهذا على قراءة الآية على البناء للمفعول، وعلى قراءة البناء للفاعل، فالمراد لا تضر والدة ولدها، فتقصّر في تربيته وغذائه وكسائه، وكذلك الأب لا يضر ولده بانتزاعه من أمه، أو عدم القيام برزقه وكسوته، وما تصلح تربيته. ولم يكن وجوب نفقة الأم المرضعة قاصرا على الأب، بل يمتد في حالة وفاة الأب إلى الوارث، وذلك في حالات: الأولى: أن يكون المولود ورث مالا من أبيه فينفق عليه وعلى أمه من ماله الذي ورثه، والثانية: أن لا يكون للصبي مال، فتجب النفقة على وارث الأب الأقرب فالأقرب، والثالثة: قيل المراد بالوارث وارث الأم في حالة موتها، فيجب عليه أن يقوم بالنفقة التي كانت تؤديها الأم لطفلها، أخذا من قوله تعالى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} (¬1). ¬

(¬1) من الآية (233) من سورة البقرة.

ونعود بعد هذا إلى المنفق على المولود أبا كان أو غيره، ونقول إن لهما أي الأبوين، أو المنفق والمرضعة سواء كانت الأم أو أخرى، فإن عليهما حالة الفطام التشاور فيما هو منفعة للطفل، فإذا شاورا غيرهما من أهل الخبرة كالطبيب مثلا، واتفقا وتراضيا على أن فصل المولود عن الرضاع دون الحولين لا يضربه فلا حرج في ذلك، أخذا من قوله تعالى: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} (¬1) وليعلم أن للأب الحق في أن يسترضع للمولود غير أمه، وذلك في حالتين: الأولى: حالة الوفاق مع الأم على استرضاع الغير، فعلى الأب أن يسلم للمرضعة ما اتفقا عليه أجرة الإرضاع، بطيب نفس وبشر وكرم، وبما هو متعارف عليه في ذلك، لما في ذلك من المصلحة للطفل في رعايته وتربيته، لأن المنازعة في ذلك تنعكس ضررا على المولود. والثانية: حالة الخلاف مع الأم وقد أرضعت المولود وقتا ثم وقع الخلاف، فإن على الأب أن يسترضع غيرها بعد أن يسلم للأم ما فرض لها، أخذا من قوله تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ} (¬2) وهذا نظير قوله تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} (¬3) ولتنفيذ ذلك على الوجه الشرعي من جميع الأطراف: الأب والأم والوارث والمسترضعة، قال تعالى: ¬

(¬1) من الآية (233) من سورة البقرة. (¬2) من الآية (233) من سورة البقرة. (¬3) الآية (6) من سورة الطلاق.

20/ 5 - الفصل الثاني: ما تنفرد به المرأة عن الرجل، وفيه مباحث

{وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (¬1) وهذ تحذير من التلاعب وعدم الوفاء بالحقوق. 20/ 5 - الفصل الثاني: ما تنفرد به المرأة عن الرجل، وفيه مباحث: كرّم الله الرجل والمرأة على حد سواء بالاصطفاء والتكريم على سائر المخلوقات، وقد بينا ذلك في الفصل الأول: المبحث الثالث، وهنا يحسن أن نتطرق إلى ما ورد من تكريم المرأة زيادة على ما شاركت فيه الرجل، فقد شاركت الرجل في كونها إنسان مكرّم، لها مثل ما للرجل من الكرامة والاحترام، لكن الإسلام خصّ المرأة بمزيد من التكريم، تقديرا لما جبلت عليه من الرّقة، الحسية والمعنوية، وتخفيفا عنها لما جبلت علية فطريا، ولقد وضع الإسلام نظاما لحقوق المرأة يضمن كرامتها، لكونها إنسان اصطفاه الله تعالى وكرّمه على مخلوقاته، وتوعّد الإسلام بالعقاب كل من ينتهك شيئا من تلك الحقوق، وقد قرّرت الحقوق للمرأة بدءا من التكوّن في رحم الأم إلى أن تؤل إلى حفرتها، منتهى حياتها في الدنيا، وبيان ذلك فيما يلي: ¬

(¬1) من الآية (233) من سورة البقرة.

21/ 5 - المبحث الأول: خلق المرأة من الرجل.

21/ 5 - المبحث الأول: خلق المرأة من الرجل. انفردت المرأة عن الرجل في مجال بدء الخلق بأنها خلقت من الرجل نفسه، فحواء زوج آدم - عليه السلام - خلقت من ضلع آدم، وهو خلق من تراب، قال تعال: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} (¬1) فالنفس الواحدة هي آدم - عليه السلام - والنفس المخلوقة منها حواء، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: 103 - (استوصوا بالنساء، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء) (¬2) والمراد بالضلع ضلع آدم - عليه السلام -، والحكمة والله أعلم من خلق المرأة من أحد أعضاء الرجل، التأكيد على قوة الرابط بين الرجل والمرأة، وتوجيه الرجال إلى الرفق بالنساء، وعدم تتبع الهفوات بغير ما يصلحها، لأنهنّ جزء منهم، ولتذكر المرأة أنها من الرجل، فتحسن معاملتها وتكن المودة والمعروف لأصل خلقها، ومن هنا ورد قول رسول الله: - صلى الله عليه وسلم - 104 - (إنما النساء شقائق الرجال) (¬3) وقد يكون الإصلاح بكلمة رقيقة من الرجل تسمعها المرأة مقابل ما صدر منها من خطأ، والخطأ من الرجل أو المرأة هو عوج، لأنه عاج عن الصواب، قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: كان متاعي فيه خف، ¬

(¬1) الآية (1) من سورة النساء. (¬2) البخاري حديث (3331). (¬3) أخرجه أحمد (ج 42) حديث (26195).

وكان على جمل ناج، وكان متاع صفية فيه ثقل، وكان على جمل ثقال بطيء، يتبطأ بالركب، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: حوّلوا متاع عائشة على جمل صفية، وحوّلوا متاع صفية على جمل عائشة، حتى يمضي الركب، قالت عائشة: فلما رأيت ذلك قلت: يا لعباد الله، غلبتنا هذه اليهودية على رسول الله، قالت: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا أم عبد الله، إن متاعك كان فيه خف، وكان متاع صفية فيه ثقل، فأبطأ بالركب، فحوّلنا متاعها على بعيرك، وحولنا متاعك على بعيرها، قالت: فقلت: ألست تزعم أنك رسول الله؟ ! قالت: فتبسم، قال أو في شك أنت يا أم عبد الله؟ ، قالت: قلت: ألست تزعم أنك رسول الله، أفلا عدلت؟ ! وسمعني أبو بكر، وكان فيه غرب: أي حدة، فأقبل عليّ فلطم وجهي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: مهلا يا أبا بكر، فقال: يا رسول الله، أما سمعت ما قالت؟ ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن الغيراء لا تبصر أسفل الوادي من أعلاه (¬1) هذه القصة تجسّد تلك الوصية من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقد عامل عائشة بحلم منقطع النظير، ورحمة لا مثيل لها، ولم يصدر ذلك من والدها - رضي الله عنه -، وهو أفضل الأمة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فذلك الوصف للمرأة وتلك المعاملة تكريم لها واحترام، لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان قادرا على محاسبة عائشة رضي الله عنها على ذلك، وله الحق في ذلك شرعا وعقلا، ولم يفعل لعلمه بحال خلق المرأة، ومنها شدة الغيرة، روى عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - جلوسا إذا أقبلت امرأة عريانة، فشق ذلك على النبي - صلى الله عليه وسلم - وغمض عينيه، فقام إليها رجل من القوم فألقى عليها ثوبا، وضمها إليه، ¬

(¬1) أبو يعلى حديث (4670) ..

22/ 5 - المبحث الثاني: وجوب الحجاب.

فقال بعض أصحابه: يا رسول الله، أظنها امرأته، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: 105 - (أحسبها غيرى، إن الله - عز وجل - كتب الغيرة على النساء، والجهاد على الرجال، فمن صبر منهن إيمانا واحتسابا، كان لها مثل أجر الشهداء) (¬1)، وهذا الصحابي الذي جاءت امرأته على الوصف المذكور تأسى برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المعاملة فبادر بلطف إلى سترها واحتضانها، ولم يظهر منه سب ولا تعنيف لها، وأخبر - صلى الله عليه وسلم - أن الغيرة قد تكون هي السبب في خروج المرأة على تلك الصفة، وأنها من صفات النساء التي جبلن عليها، وأن عليهن مقاومتها بالصر وحبس النفس عما تدعو إليه الغيرة من التصرفات الرعناء، وجزاء ذلك لها أجر شهيد من الرجال قاتل في سبيل الله - عز وجل -، وهذا من تكريم الإسلام للمرأة، فقد أعطيت من الأجر وهي قاعدة في بيتها، مقابل جهادها نفسها بالأخذ بالكتاب والسنة، مثل أجر الرجل الذي يكابد الأهوال في مقارعة الأبطال، ويموت دفاعا عن الإسلام، والمال والعرض. 22/ 5 - المبحث الثاني: وجوب الحجاب. انفردت المرأة عن الرجل في مجال العبادة بوجوب الحجاب عليها، قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ ¬

(¬1) الطبراني في الكبير، حديث (10040).

يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} (¬1) هذه الآية الكريمة أول ما نزل في الحجاب، وقد كان العرب لا يحجبون النساء، ومعلوم أن القرآن نزل منجما على حوادث، تكون سببا في بيان الحكم الشرعي المفروض على الناس، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولذلك قال العلماء: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وسبب فرض الحجاب ما رواه أنس - رضي الله عنه - قال: لما انقضت عدة زينب رضي الله عنها، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لزيد بن حارثة: 106 - اذهب فاذكرها عليّ، فانطلق حتى أتاها وهي تخمّر عجينها, قال: فلما رأيتها عظمت في صدري حتى ما أستطيع أن أنظر إِليها وأقول: إِن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكرها, فوليتها ظهري ونكصت على عقبي, وقلت: يا زينب أبشري أرسلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكرك, قالت: ما أنا بصانعة شيئاً حتى أؤامر ربي - عز وجل - , فقامت إِلى مسجدها, ونزل القرآن, وجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدخل عليها بغير إِذن, ولقد رأيتنا حين دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأطعمنا عليها الخبز واللحم, فخرج الناس وبقي رجال يتحدثون في البيت بعد الطعام, فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واتّبعته, فجعل - صلى الله عليه وسلم - يتتبع حجر نسائه يسلم عليهن، ويقلن: يا رسول الله كيف وجدت أهلك؟ ، فما أدري أنا أخبرته أن القوم قد خرجوا أو أخبر, فانطلق حتى دخل البيت، فذهبت أدخل معه, فألقى الستر بيني ¬

(¬1) من الآية (53) من سورة الأحزاب.

وبينه, ونزل الحجاب ووعظ القوم بما وعظوا به - - - - وزاد في رواية - - - - {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} الاَية كلها. وروى أنس - رضي الله عنه - قال: قال عمر: 107 - "وافقت الله في ثلاث (¬1) - - - - أو وافقني ربي في ثلاث - - - - قلت: يا رسول الله، لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى، وقلت: يا رسول الله، يدخل عليك البر والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب، فأنزل الله آية الحجاب" (¬2) وهذا يبين كذب من زعم أن الحجاب عادة عربية وليس عبادة مفروضة على المرأة، فلو كان النساء يحجبن قبل الإسلام لما أرخى الستر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دون ¬

(¬1) قلت: الثالثة قضية فداء الأسرى، لم ير ذلك عمر - رضي الله عنه - فنزلت الآية موافقة له. (¬2) البخاري حديث (4483) وكان نزول الحجاب في ذي القعدة سنة خمس من الهجرة، وقيل: سنة ثلاث.

أنس - رضي الله عنه -، ولما همّ أنس بالدخول على نساء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويبطل زعم من زعم أن الوجه ليس مما تحجبه المرأة عن الأجانب بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (¬1) قال القرطبي رحمه الله: لما كانت عادة العربيات التبذل، وكنّ يكشفن وجوههن كما يفعل الإماء، وكان ذلك داعية إلى نظر الرجال إليهن، وتشعب الفكرة فيهن، أمر الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يأمرهن بإرخاء الجلابيب عليهن، إذا أردن الخروج إلى حوائجهن، وكنّ يتبرزن في الصحراء قبل أن تتخذ الكنف، فيقع الفرق بينهن وبين الإماء، فتعرف الحرائر بسترهن، فيكف عن معارضتهن من كان عزبا أو شابا، وكانت المرأة من نساء المؤمنين قبل نزول هذه الآية تبرز للحاجة، فيتعرض لها بعض الفجار، يظن أنها أمة، فتصيح به فيذهب، فشكوا ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ونزلت الآية بسبب ذلك (¬2). قوله تعالى: {جَلَابِيبِهِنَّ} الجلابيب: جمع جلباب، والصحيح أنه الثوب الذي يستر جميع البدن، قالت أم عطية رضي الله عنها: قلت: يا رسول الله، إحدانا لا يكون لها. جلباب؟ قال: 108 - (لتلبسها أختها من جلبابها) (¬3) وقد يستغرب هذا من يناوئ الحجاب اليوم، ونقول: لا غرابة ففي هذا بيان يسر ¬

(¬1) الآية (59) من سورة الأحزاب. (¬2) القرطبي سورة الأحزاب. (¬3) مسلم حديث (883).

الإسلام، والحرص على أداء الواجب قدر الطاقة، وقد اختلف العلماء في صورة إرخاء الجلباب؛ فقال ابن عباس وعبيدة السلماني: ذلك أن تلويه المرأة حتى لا يظهر منها إلا عين واحدة تبصر بها، وقال ابن عباس أيضا وقتادة: ذلك أن تلويه فوق الجبين وتشده، ثم تعطفه على الأنف، وإن ظهرت عيناها لكنه يستر الصدر ومعظم الوجه، وقال الحسن: تغطي نصف وجهها، وأمر الله سبحانه جميع النساء بالستر، وذلك لا يكون إلا بما لا يصف الجسم، أو يشف عن البشرة، إلا إذا كانت مع زوجها فلها أن تلبس ما شاءت، لأن له أن يستمتع بها كيف شاء، ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استيقظ ليلة فقال: 109 - (سبحان الله، ماذا أنزل الليلة من الفتن؟ ، وماذا فتح من الخزائن؟ ، من يوقظ صواحب الحجر، رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة) (¬1) وروي أن دحية الكلبي - رضي الله عنه - لما رجع من عند هرقل فأعطاه النبي - صلى الله عليه وسلم - قبطية؛ فقال: 110 - (اجعل صديعا (¬2) لك قميصا وأعط صاحبتك صديعا تختمر به) ثم قال له: 111 - (مرها تجعل تحتها شيئا لئلا يصف) (¬3) وذكر أبو هريرة - رضي الله عنه - رقة الثياب للنساء فقال: الكاسيات العاريات الناعمات الشقيات (¬4)، ودخل نسوة من بني تميم على عائشة رضي الله عنها عليهن ثياب رقاق، فقالت عائشة: إن كنتن مؤمنات فليس هذا ¬

(¬1) البخاري حديث (115). (¬2) نصفا. (¬3) الحاكم حديث (7384). (¬4) أنظر: القرطبي سورة الأحزاب.

بلباس المؤمنات، وإن كنتن غير مؤمنات فتمتعنه (¬1) وأدخلت امرأة عروس على عائشة رضي الله عنها وعليها خمار قبطي معصفر، فلما رأتها قالت: لم تؤمن بسورة النور امرأة تلبس هذا (¬2) وثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: 112 - (نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن مثل أسنمة البخت لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها) (¬3) وقال عمر - رضي الله عنه -: ما يمنع المرأة المسلمة إذ كانت لها حاجة أن تخرج في أطمارها أو أطمار جارتها مستخفية، لا يعلم بها أحد حتى ترجع إلى بيتها (¬4)، ومن زعم أن الحجاب خاص بنساء النبي فقد أعظم الفرية على الله ورسوله، لأن الله تعالى يقول: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (¬5) فنساء المؤمنين داخلات في الخطاب إلى يوم القيامة، لا يستثنى من ذلك أحد، ولما ظهرت الفتنة بعد موت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منع الصحابة النساء المساجد بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع قوله: 113 - (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) (¬6) حتى قالت عائشة رضي الله عنها: لو عاش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى وقتنا هذا لمنعهنّ ¬

(¬1) أنظر: القرطبي سورة الأحزاب. (¬2) أنظر: القرطبي سورة الأحزاب. (¬3) مسلم حديث (2128). (¬4) أنظر: القرطبي عند تفسير الآية من سورة الأحزاب، بتصرف. (¬5) الآية (59) من سورة الأحزاب. (¬6) البخاري حديث (900) ومسلم حديث (2249).

من الخروج إلى المساجد، كما منعت نساء بني إسرائيل (¬1) هذا بعيد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكيف بزماننا هذا الذي قلّت فيه غيرة الرجال فقلّ فيه حياء النساء إلى حد بعيد، مقدمين سخف الحضارة والحرية المطلقة على صدق الكتاب والسنة النبوية، وقوله تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (¬2) هذا تأنيس للنساء في ترك الجلابيب قبل العلم بالمشروع (¬3)، ودعوة للتوبة والإنابة بعد الوقوع في الذنب. أما قضية الخلاف في تغطية الوجه فالصحيح الذي لا مرية فيه أنه واجب على كل مؤمنة ترجو الله واليوم الآخر، ونعلق على ما يخص الوجه لأن الحسن كله فيه والفتنة به أعظم، ولذلك وجب ستره عن غير المحارم، وقد نوّه الله - عز وجل - بشأن المرأة في تحمّل المسؤولية الدينية كالرجل تماما قال: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (¬4)، ويقول الله تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ ¬

(¬1) البخاري حديث (869) ومسلم حديث (445). (¬2) من الآية (59) من سورة الأحزاب. (¬3) القرطبي بتصرف. (¬4) الآية (71) من سورة التوبة.

وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} (¬1) ويقول تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (¬2) ويقول تعالى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (¬3) ويقول تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} (¬4) هذه صفات المؤمنين والمؤمنات، إيمان بالله ورسوله، وعمل بما جاء في كتاب الله - عز وجل -، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ودعوة إلى ذلك، قالت أم سلمة رضي الله عنها: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة: ¬

(¬1) الآية (35) من سورة الأحزاب. (¬2) الآية (7) من سورة الحشر. (¬3) الآية (63) من سورة النور .. (¬4) الآية (36) من سورة الأحزاب.

114 - (سبحان الله ماذا نزل من الفتن؟ ! وماذا فتح من الخزائن؟ ! أيقظوا صواحبات الحجرات، فرب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة) قال ابن عيينة: صواحبات الحجر أزواجه - صلى الله عليه وسلم - وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: 115 - (صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا) (¬1) وقال - صلى الله عليه وسلم -: 116 - (ما تركت بعدي فتنة، هي أضر، على الرجال، من النساء) (¬2) فإنا نربأ بالمرأة المسلمة أن تكون فاجرة فتانة، ومن كانت كذلك أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنها تكون في صورة شيطان، المرأة الفاجرة التي تعرض مفاتنها للناس يستغلها الشيطان لزيادة الفتنة والإيقاع فيها قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: 117 - (إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان، فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله، فإن ذلك يرد ما في نفسه) (¬3) ولا يمكن أن توصف بذلك امرأة محتشمة متدينة، وما وقع فيه نساء المسلمين من فتنة الموضة، هو من كيد أعداء المسلمين، للإضرار بالقيم الإسلامية، وإخراج المرأة المسلمة من طهرها وعفافها، لتكون متعة للناظرين، وقد يكون ذلك مفتاحا لما هو أخطر من النظر، وقد دعوا إلى السفور بأسلوب ماكر خبيث، سفور بالتقسيط، وبواسطة تجديد الموضة في ملابس النساء، حسر عن الوجه شيئا فشيئا، حتى وصل الكثيرات من نساء ¬

(¬1) مسلم حديث (2130). (¬2) البخاري حديث (4807) ومسلم حديث (2742). (¬3) مسلم حديث (1403).

المسلمين إلى حسر الرأس تماما، وتلاه الصدر، والعضدان والساقان، وقد شارفت على هذا الخطر آخر معاقل الإسلام، فالنساء فيها دارجات اليوم على موضة حسر الحجاب عن الوجه، وارتداء العباءة المخصّرة، وهي في الحقيقة فستان أنيق ضيّق، يصف الأعضاء بفتنة زائدة وجمال أخّاذ، فيا مؤمنات أين هذا من قول الله - عز وجل -: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} (¬1) وقد حذر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من خروج المرأة مستعطرة ولو في ثياب رثة، فقال: 118 - (أيما امرأة استعطرت ثم خرجت ليجدوا ريحها فهي زانية، وكل عين زان) (¬2)، المراد هنا زنى النظر، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (فالعين تزني وزناها النظر) (¬3)، الحديث، وأمر الله المؤمنات بغض البصر، مع الحجاب، وهو سدل الخمار على الوجه، لأن الله تعالى تعبّدها بذلك، ولأن الرجال أمروا بغض البصر، وعدم التمتع بالنظر إلى ما حرم الله، فكذلك المرأة مأمورة بغض البصر، ولو كانت تنظر من وراء حجاب، لا يجوز لها أن تتمتع بالنظر إلى الرجال، لأنها متعبدة بعدم ذلك، ولو فعلت ذلك وهي مختمرة فقد عصت الله ورسوله، وفتنت نفسها، وقد تجرها الفتنة إلى كشف ما هو أعظم، لذلك قال الله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ ¬

(¬1) شرح مشكل الآثار حديث (2713). (¬2) مرسل، رجاله ثقات، أخرجه الدارمي حديث (2700) وصح رفعه، أخرجه أحمد (المسند 4/ 400، 414، 418) وأبو داود حديث (4183) والترمذي حديث (2786) وقال: حسن صحيح، والنسائي (حديث (5126). (¬3) مرسل، رجاله ثقات، أخرجه الدارمي حديث (2700) وصح رفعه، أخرجه أحمد (المسند 4/ 400، 414، 418) وأبو داود حديث (4183) والترمذي حديث (2786) وقال: حسن صحيح، والنسائي (حديث (5126) ..

بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (¬1) فأي كرامة للمرأة أجل وأعظم مما جاء في كتاب الله وسنة رسوله؟ ! ! ، تقول أم سلمة رضي الله عنها: 119 - (سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذيل المرأة، فقال: شبرا، فقلت: يا رسول الله، إذن تبدو أقدامهن، قال: فذراعا لا يزدن عليه) (¬2) ولنتأمل هذا النص تسأل أم سلمة عن تغطية القدمين، ولم يخطر ببالها السؤال عن تغطية الوجه لأنه أمر معلوم من الدين بالضرورة بعد نزول آية الحجاب، فسألت عما هو أقل فتنة من الوجه، فأين هذا من لباس المرأة اليوم؟ ! ! ، وإذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمنع المرأة من بعض التعديلات الخلقية، في حال كونها طلبا لزيادة الحسن والجمال اللافت للأنظار، ولو كانت تلك التعديلات لا تقصد المرأة من ورائها إلا متعة زوجها، فقال - صلى الله عليه وسلم -: فيما يرويه عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: ¬

(¬1) الآية (31) من سورة النور. (¬2) هذا حديث لا يقل عن الحسن، أخرجه الدارمي حديث (2698).

120 - "لعن الله الواشمات، والمستوشمات، والمتنمصات، والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله، فبلغ ذلك امرأة من بني أسد - - - - يقال لها أم يعقوب - - - - فجاءت فقالت: بلغني أنك لعنت كيت وكيت؟ فقال: وما لي لا ألعن من لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو في كتاب الله، فقالت: لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول، قال: لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه، أما قرأت {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (¬1) فقالت: بلى، قال: فإنه قد نهى عنه، فقالت: فإني أرى أهلك يفعلون، قال: فادخلي فانظري، فدخلت فنظرت فلم تر من حاجتها شيئا، فقال: لو كانت كذلك ما جامعتها" (¬2) أي ما ساكنتها ولا بقيت زوجة لي. إن المرأة المسلمة لا تنازع فيما ندبها الإسلام إلى فعله من النوافل، ومن الأولى عدم المنازعة فيما فرض الله عليها، قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} (¬3) واسمع قول أم سلمة رضي الله عنها: لما نزلت: ¬

(¬1) من الآية (7) من سورة الحشر. (¬2) أخرجه البخاري حديث (4886) ومسلم (2125). (¬3) الآية (36) من سورة الأحزاب.

{يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} (¬1) خرج نساء الأنصار كأنَّ على رءُوسهنَّ الغربان من الأكسية (¬2) فنقول لنساء المسلمين اليوم: سبحان الله ألا يسعكن ما وسع نساء رسول الله أمهات المؤمنين، ونساء الصحابة والتابعين وأتباعهم إلى يوم الدين؟ ! ! ليس لكنّ والله إلا أحد أمرين: أن تزعمن أنّكنّ أفضل وأطهر منهن، وهذا ضلال مبين لا يقول به عاقل، أو تعترفن بالخطأ والخروج عن نهج الكتاب والسنة، وفي هذه الحال لا يسعكن إلا التوبة والعودة السريعة جدا إلى الحق، فأين الراغبات في الجنة، المقتديات بنساء رسول الله أمهات المؤمنين؟ ! ، الحق أن الخير باق في هذه الأمة، ولكنهم غرباء قليلون، وطوبى للغرباء كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: 121 - (بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ غريبا، فطوبى للغرباء) (¬3)، سماهم غرباء لأنهم يصلحون عند فساد الناس، فيتمسكون بالدين والقيم، ويصبرون على الطاعة، عند ظهور الشر والفتن، وكثرة المعاصي، والاغترار بشهوات الدنيا، فزكت نفوسهم بتلك الاستقامة، وطهرت بذلك الصبر العظيم، صبر مركّب: على طاعة الله، وعن معصية الله، فكانت أعمالهم زاكية في زمان الفتن والهرج والمرج، فأشبهوا أوائل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، في وقت كثرة المشركين من قريش، وإبان قوتهم الغاشمة عليهم، فصبروا على أذاهم، وتمسكوا بدينهم، فمآل الفريقين إلى خير، لاتفاقهما في الوسيلة والغاية، ولذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ¬

(¬1) من الآية (59) من سورة الأحزاب. (¬2) أبو داود حديث (4101). (¬3) أخرجه مسلم حديث (232).

122 - (ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحا مطاعا، وهوى متبعا، ودنيا مؤثرة، واعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بخاصة نفسك ودع العوام، فان من ورائكم أياما الصبر فيهن القبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عملكم، قيل: يا رسول الله أجر خمسين رجلا منا أو منهم؟ قال: لا، بل أجر خمسين رجلا منكم) (¬1) ومن أخطر الفتن المدمرة للمجتمع اختلاط النساء بالرجال، وعدم الالتزام بالحجاب الشرعي، واتّباع الهوى في ذلك، والاعتماد على فتاوى واهية، وعدم الأخذ بالأحوط في الدين، وليكن كلامنا حول أبرز ما في المرأة وهو وجهها، إن الوجه فيه كمال الجمال البشري، إذا نقص في عضو منه وجد في الآخر ما يعوض ذلك النقص، فالعيون والمقل والجفون والوجنات والثغور والحواجب، والخال وما أدراك ما سحر الخال، كل هذه المواقع الخطرة تملك سحرا بالغا التأثير في الناظرين، فهي مصائد للهواة الأغرار، فالوجه إذن مجمع كمال الجمال، في الرجل والمرأة، ولذلك أمر الرجال والنساء بغض البصر، قال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} (¬2) وقال تعالى في حق النساء: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ¬

(¬1) له روايات، وانظر: الترمذي حديث (3058). (¬2) الآية (30) من سورة النور ..

وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (¬1) ولذلك ربط بين غض البصر وحفظ الفروج لأن النظر مدعاة إلى القول، والقول مدعاة إلى الفجور، والوقوع فيما حرم الله تعالى، وفي العيون يقول الشاعر بشار بن برد: إن العيون التي في طرفها حور ... قتلننا ثم لم يحيين قتلانا يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به ... وهن أضعف خلق الله إنسان ويقول كثير عزّة: رمتني على عمد بثينة بعدما ... تولى شبابي وارجحن شبابها بعينين نجلاوين لو رقرقتهما ... لنوء الثريا لاستهل سحابها ويقول جميل بثينة: صادت فؤادي بعينيها ومبتسم ... كأنه حين أبدته لنا برد ومما جاء في الكحل والمقل، قول مالك بن المرحّل: كم عفّروا بين أيدي العيس من بطل ... أذابه المضنيان الغنج والكحل ¬

(¬1) الآية (31) من سورة النور.

دارت عليهم كؤوس الحب مترعة ... وإنما المسكران الراح والمقل وفي الألحاظ والحواجب والجفون والأهداب يقول الشاعر: وسهام الألحاظ ترمي بها أصـ ... - داغ عن قوس حاجب كالنون ويقول عنترة بن شداد: له حاجب كالنون فوق جفونه ... وثغر كزهر الأقحوان مفلج ويقول الآخر أشراك جفنيه هدب ... بها تصاد القلوب ويقول الآخر جاء من لحظه بسحر مبين ... بفتور من جفنه وفتون ويقول آخر ليت الذي أضناه سحر جفونه ... قبل الممات يكون من عواده وفي الثغر والجنات يقول الشاعر وفي ثغره ماء اللسان مروق عطر ... وفي وجناته الورد الطري وفي الخال يقول الشاعر: والخال ينقط في صحيفة خده ... ما خط حبر الصدغ من نونات وليست الأطراف والأرداف أقل فتنة مما تقدم ذكره، فالمرأة بكامل جسمها فتنة للرجال، وقد وصفت كل أعضائها من قبل المفتونين من الرجال، ولكل ساقطة لا قطة، كما قال الشاعر: تعشقتها شمطاء شاب وليدها ... وللناس فيما يعشقون مذاهب إن دواوين الشعر طافحة بما في وجه المرأة من فتنة وجمال، تلك الفتنة البالغة، وذلك الجذب الخطر، هو مفتاح الشر، وطريق الرذيلة، والذي يتحمل إثمه بادئ ذي بدء المرأة الفاتنة، التي خالفت أمر ربها، وأمر نبيها، وفضّلت على ذلك دعوة شياطين

لإنس والجن، فاحتملت وزرا عظيما، وأوقعت الناظرين فيما حرم الله، وكم من ناظر أثم بنظره إليها، وهي أيضا تحمل مثل وزره لأنها السبب في ذلك، فإذا ما وصل إليها الناظر فالمصيبة أعظم، على حد قول الشاعر المفتون: وآخرون اشتفوا منهم بضمهم ... يا حبذا الشافيين الضم والقبل وإن صح له مما زعم من الشفاء من وهج الفتنة، فإنه أشفي (¬1) إلى النار إن لم يتب، أو تدركه رحمة الله. هذا قطر من سيل جارف، من أقوال من فتنوا بسحر الجفون والمقل، وما ينكر هذه الفتنة العظيمة إلا مجنون لا عقل له، أو عديم فطرة، وما يتسابق فيه الفاتنات اليوم من تجميل العيون والمقل، واصطناع الخال أكبر شاهد على ما نقول، ولم يكن هذا السباق المحموم إلا لعلم الفواتن أنفسهن بتأثير هذا الجانب على الناظرين، وغير العاقلات تقودهن الشعرة إلى الإيمان بدعاة التبرج ورواد الرذيلة، والكفر بدعاة الحجاب والستر والفضيلة، فكان تأثير الدعاية والإعلام الهدام، أبلغ في أنفسهن، من دعوة الكتاب والسنة، على حد ما فعل النساء في زمان غابر عند ما طلب بائع الخمر (¬2) السود من أحد الشعراء أن يضع له بيتا من الشعر دعائيا، يسيّر بضاعته الكاسدة، فقال الشاعر أبو نواس: قل للمليحة في الخمار الأسود ... ماذا فعلت براهب متعبد فلما سمع النساء الرواغب في فتنة الآخرين هذا البيت بادرن التسابق إلى شراء الخمر السود، فراجت البضاعة، لكن من كانت من النساء مؤمنة صادقة لم تتأثر بالزوابع، وليس لها حظ في ترويج الفتنة، فبقي الطهر والعفاف تاجا تفخر به كل مؤمنة، ¬

(¬1) أي أشرف (النهاية 2/ 489). (¬2) جمع خمار: وهو ما تستر به المرأة رأسها ضاربة به على صدرها وكتفيها.

فإنها ترجو من الله ما لا يرجوه الفاتنات، الكاسيات العاريات، وكل إناء بما فيه ينضح. نعم المرأة مطالبة بالمحافظة على رقتها وأنوثتها، لكن مع الالتزام بالكتاب والسنة، ولذلك حرم عليها التشبه بالرجال، كما حرم على الرجال التشبه بالنساء، ورد من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: 123 - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لعن المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء، وقال: أخرجوهم من بيوتكم) قال: فأخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - فلانا، وأخرج عمر فلانا - أو فلانة (¬1)، واللعن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معناه: الطرد والإبعاد من رحمة الله، وما أمر بإخراجهم من البيوت إلا لخطورتهم، وشذوذهم عن السلوك السوي. وليس ولاة الأمور بمعزل عن الإثم، لتفريطهم في أمر القوامة، وعدم قيامهم بالرعاية الدينية والخلقية لنسائهم، والله - عز وجل - يقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (¬2) ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: 124 - (كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، ¬

(¬1) رجاله ثقات، وأخرجه أحمد (المسند 1/ 339، 365) والبخاري حديث (5886، وطرفه: 5885) وأبو داود حديث (4097) والترمذي حديث (2785، 2786). (¬2) الآية (6) من سورة التحريم.

والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته) قال: وحسبت أن قد قال: 125 - (والرجل راع في مال أبيه ومسئول عن رعيته، وكلكم راع ومسئول عن رعيته) (¬1) ومن هذا يتأكد أن الحجاب حق شرعي تعبدي للمرأة وحق اجتماعي لها حق المحافظة عليه ولا ينزعه منها إلا ظالم متعد على حقوقها المفروضة شرعا، لأن في ذلك حماية لدينها وعرضها من عدوان غير المحارم من الرجال، ولذلك لم يأمر بالحجاب عن المحارم لانتفاء العلة التي فرض من أجلها الحجاب، قال تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا} (¬2) ولم يذكر بقية المحارم لورودهم في قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ ¬

(¬1) البخاري حديث (853). (¬2) الآية (55) من سورة الأحزاب.

سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} (¬1) وقوله تعالى في الآية السابقة: {وَلَا نِسَائِهِنَّ} (¬2) أي جنس النساء المسلمات، وعلى خلاف في غيرهن: كالكتابيات فلا يؤمنّ فقد تصف المرأة المسلمة وما هي عليه من محاسن، والحيطة منهنّ والاحتشام عند مجالستهنّ هو الأولى، ولذلك أمرن بأن يتقين الله في كل الأحوال، فيجب أن تختار المرأة المسلمة من اللباس ما يتم به الحجاب الشرعي، وإنّ أحسن ما يفسر به الجلباب: أنه الملاءة وهو المعروف بالعباءة، ويجب أن تكون فضفاضة تستر جميع بدن المرأة، غير مشفّة لما تحتها من ثياب فتحجّم البدن، هذا لتغطية سائر البدن، والحذر من العباءة الضيقة التي تجّحم البدن، أما الرأس والوجه والصدر فالخمار هو سترها، وما ورد في كيفية ستر الوجه إلا عينا واحدة، أو شدّ الخمار على الوجه وإن ظهرت عيناها، أو ظهر نصف وجهها، فهذا كله السبب فيه التيسير على المرأة إذ كانت الخمر في ذلك الوقت صفيقة كثيفة تمنع الرؤية تماما، فجاء هذا الاجتهاد من ابن عباس - رضي الله عنه -، وقتادة رحمه الله، وغيرهما، ولا مانع اليوم من استعمال المرأة البرقع: الخمار ذو الفتحتين للعينين، وستر العينين بالنظارة التي لا تسمح برؤية العينين للغير، والحذر من أن يكون الخمار مشفّا عمّا تحته، هذا ما درج عليه المسلمات، منذ نزول آية الحجاب، ودام قرونا طويلة إلى أن ظهر صنائع أعداء الإسلام، وأعداء الإسلام لن يتوقفوا عند حد حتى يخرجوا المسلمين من دينهم، ولن يرضوا بالخروج عن الإسلام حتى يتقبلوا ما هم فيه من باطل وضلال، قال تعالى: ¬

(¬1) الآية (23) من سورة النساء. (¬2) من الآية (55) من سورة الأحزاب ..

23/ 5 - المبحث الثالث: حق الرضاع والحضانة.

{وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} (¬1)، فكان الصنائع من بني الإسلام أقوى المعاول لهدمة، من أمثال قاسم أمين، الذي ظهر في أول أمره متحدثا عن الإسلام، ومدافعا عن حجاب المرأة في كتابه "المصريون" ثم ارتكس بعد ذلك وعاد هادما لقيم الإسلام، ودعا المرأة المصرية إلى التحرر من القيم الإسلامية وفي مقدمتها الحجاب، وله في ذلك كتابان: المرأة الجديدة، وتحرير المرأة، وكان أبو رقيبة في بداية أمره بطلا دافع عن الإسلام، وذب عن حجاب المرأة، فأصابته عين الحسود وارتكس عن الفضيلة إلى الرذيلة، وكان من أعماله المشينة بعد الاستقلال الأمر بمنع المرأة التونسية من غطاء الرأس (¬2)، وغير ذلك من الأفعال المشينة. 23/ 5 - المبحث الثالث: حق الرضاع والحضانة. انفردت المرأة عن الرجل بأن لها حق الرضاع والحضانة، كرّمها الإسلام بذلك، وأنزلها في الأسرة منزلة عظيمة، ومن ذلك التكريم أن قرر لها هذا الحق في حال طلاقها، أو الوفاة عنها، قال تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} (¬3) في هذه الآية دليل على أن الحضانة للأم، فهي في الولد إلى البلوغ، وفي البنت إلى النكاح، وذلك حق لها، وإذا بلغ الولد ثماني سنين وهو سن التمييز، خيّر بين أبويه، فإنه في تلك ¬

(¬1) الآية (120) من سورة البقرة .. (¬2) انظر (النهوض الإسلامي) لعبد الجبار البو بكري. (¬3) من الآية (233) من سورة البقرة.

الحالة تتحرك همته لتعلم القرآن والأدب ووظائف العبادات، وذلك يستوي فيه الغلام والجارية (¬1)، روى أبو هريرة - رضي الله عنه - فقال: "إن امرأة جاءت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: فداك أبي وأمي، إن زوجي يريد أن يذهب بابني، وقد نفعني وسقاني من بئر أبي عنبة، فجاء زوجها وقال: من يخاصمني في ابني؟ ، فقال: يا غلام، هذا أبوك وهذه أمك، فخذ بيد أيهما شئت، فأخذ بيد أمه فانطلقت به (¬2) وروى عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه -: أن امرأة جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له حواء، وإن أباه طلقني وأراد أن ينتزعه مني، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: 126 - (أنت أحق به ما لم تنكحي) (¬3) قال ابن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن الزوجين إذا افترقا ولهما ولد أن الأم أحق به ما لم تنكح، وكذا قال أبو عمر بن عبد البر: لا أعلم خلافا بين السلف من العلماء في المرأة المطلقة إذا لم تتزوج أنها أحق بولدها من أبيه ما دام طفلا صغيرا لا يميز شيئا إذا كان عندها في حرز وكفاية ولم يثبت فيها فسق ولا تبرج (¬4)، وكذلك يقال في المتوفىّ عنها. وقد رتّب العلماء أحقية النساء القريبات في الحضانة عند فقد الأم، فقدموا الخالة على غيرها، لأنها تحل محل الأم عملا بقضاء النبي - صلى الله عليه وسلم - في ابنة حمزة للخالة من غير تخيير، خرج زيد بن حارثة - رضي الله عنه - إلى مكة فقدم بابنة حمزة، فقال جعفر - رضي الله عنه -: أنا ¬

(¬1) انظر تفسير الآية عند القرطبي. (¬2) أبو داود حديث (2277). (¬3) أبو داود حديث (2276). (¬4) انظر تفسير لآية في القرطبي.

24/ 5 - المبحث الرابع: حق الزينة والتجمل.

آخذها أنا أحق بها: ابنة عمي وخالتها عندي والخالة أم، فقال علي - رضي الله عنه -: أنا أحق بها: ابنة عمي وعندي ابنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي أحق بها، فقال زيد: أنا أحق بها، أنا خرجت إليها، وسافرت وقدمت بها، فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر حديثا قال: 127 - (وأما الجارية فأقضي بها لجعفر، تكون مع خالتها وإنما الخالة أم) (¬1) والجدة أم الأم تلي الخالة، ثم الجدة أم الأب، ثم الأب إذا لم يكن له زوجة أجنبية، ثم الأخت، ثم العمة، أما في حالة فهم الطفل وقدرته على الاختيار، فيتساوى الأبوان في ذلك، ويخير الطفل وأيهما اختار ألحق به، أما البنت فلأمها حتى بلوغ سبع سنين، وبعدها فلأبيها ولو لم ترض إذا انتفى المانع من التربية الصحيحة، وهنا يظهر لنا الترتيب في الأحقية: ومراعاة انتفاء الموانع الشرعية عند كل منهم، فيعين الحاكم الشرعي من تتوفر فيه مصلحة الطفل، وهذا كله دون بلوغ الطفل سن الاستقلال والقدرة على الاختيار، وإذا قدر عدم وجود من ذكر من الأقارب، أو عدم صلاحية واحد منهم للحضانة، فإن الحاكم الشرعي يختار له من يراه صالحا لكفالته ولو كان غير قريب. 24/ 5 - المبحث الرابع: حق الزينة والتجمل. وانفردت المرأة عن الرجل بأن لها حق المبالغة في التجمل، بشرط عدم الخروج عن قيم الإسلام، لا شك أن الجمال صفة محبوبة في كل شيء، وقد ورد: ¬

(¬1) أبو داود حديث (2278).

128 - (إن الله جميل يحب الجمال) (¬1) والجمال نوعان: جمال حسي، وجمال معنوي، فالجمال الحسي ما يصوّر عليه الرجل والمرأة من حسن في الصورة بكل تفاصيلها، وقد لا يجتمع كماله في شخص بعينه، ولا امرأة بعينها، وقد يعطى منه لكل منهما قدرا كبيرا، وقد كان يوسف - عليه السلام - ذا جمال عظيم، وكذلك نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، ومن الجمال الحسي ما يتجمل به الرجل والمرأة من لباس ونحوه، لكن المرأة تنفرد بالمبالغة في ذلك، ولذلك قال تعالى: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18)} (¬2) فالمرأة من صغرها تنشأ في الحلية، الحسية والمعنوية، والمرأة ذات الدّلّ والرقة حسا ومعنى أفضل من المرأة الخشنة، لأن الغلظة والخشونة لا توافق طبيعتها، ولذلك قال تعالى: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} (¬3) لمّا كان الخضوع بالقول هو الأصل في المرأة نهيت عنه عند مخاطبة غير المحارم من الرجال، لأن نعومة الكلام ورقة مخارج الحروف تجعل السامع من غير المحارم يطمع في المزيد من الكلام معها، إما تلذذا أو طلبا لما وراء ذلك، وفي نفس الأمر حرم على المرأة الخروج عن طبيعتها، فلا تتشبه بالرجل مطلقا، وليس عدم الخضوع بالقول مع غير المحارم من الرجال تشبها، لأن المراد عدم ترقيق الكلام، وعدم ترديده، وذلك بأن تكون حازمة في صوتها مختصرة في ألفاظها، وخير الكلام ما قلّ ودلّ. ¬

(¬1) مسلم حديث (147). (¬2) الآية (18) من الزخرف. (¬3) من الآية (32) من سورة الأحزاب.

والجمال المعنوي: كل ما أمر به الشرع من الفضائل والقيم، ومن أجمل الجمال الاتصاف بالحياء، والحياء شعبة من الإيمان (¬1) وقد وصف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشدة الحياء، روى أبو سعيد الخدري قال: 129 - "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشد حياء من العذراء في خدرها، وكان إذا رأى شيئا يكرهه عرفناه في وجهه" (¬2) وهذه الصفة من أجمل ما تكتسبه المرأة وتحرص عليه، ولذلك وصف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجمال في هذه الصفة، التي حازت العذراء قدرا كبيرا منها ففاقها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفاق الناس كلهم في حسن الخلق ولذلك خاطبه ربه - عز وجل - فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (¬3) وليس شيء من الجمال أحسن من الحياء وحسن الخلق، وإن المرأة حينما تبرز للرجال فإنه ينقص من جمالها بقدر بروزها للرجال وتعاملها معهم، وكل ما أوغلت قلّ جمال الحياء فيها حتى تفقده تماما، وتكون حينئذ خضراء الدمن التي حذر منها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومن جمال المرأة حسن الخلق، ولا يكمل لها هذا الوصف إلا بإيمان قوي بالله ورسوله، واتصافها بما ورد في الكتاب والسنة من الفضائل وبعدها عن خلاف ذلك، ومن هنا قال رسول - صلى الله عليه وسلم -: 130 - (إن من خياركم أحسنكم أخلاقا) (¬4) وهؤلاء هم المحبوبون إليه قال - صلى الله عليه وسلم -: ¬

(¬1) البخاري حديث (9) ومسلم حديث (35). (¬2) البخاري حديث (3562) ومسلم حديث (2320). (¬3) الآية (4) من سورة القلم. (¬4) البخاري حديث (3559) ومسلم حديث (2321).

25/ 5 - المبحث الخامس حق رعاية الأسرة.

131 - (إن من أحبكم إليّ أحسنكم أخلاقا) (¬1) ولما سئلت عائشة عن خلقه - صلى الله عليه وسلم - قالت: "كان خلقه القرآن" (¬2) وهذا هو الكمال، ولذلك ورد أكمل المؤمنين، ولم يقل أكمل الناس، لأن كمال الخلق في المؤمن صفة تعبدية سلوكية، وفي غيره سلوكية للاستهلاك التعاملي فقط، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: 132 - (أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا) (¬3). فإذا تم للمرأة جمالها فيما ذكرنا سلفا، فلا يمنع تمتعها بما منحها الله من لمسات الجمال، ولا يمنع استخدامها لأدوات الزينة {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (¬4) ولكن في حدود الضوابط الشرعية حتى لا يخدش جمال الحياء وحسن الخلق، ولا يحصل تلاعب بالقيم الإسلامية. 25/ 5 - المبحث الخامس حق رعاية الأسرة. وانفردت المرأة عن الرجل بحق رعاية الأسرة في البيت، ولقد حظيت المرأة المسلمة بكمال في حقوقها المناسبة لخلقها، كمال لم يسبق له مثيل، ولا يزيد عليه أي قانون على وجه الأرض، وإن ¬

(¬1) البخاري حديث (3759). (¬2) أحمد حديث (35302). (¬3) أبو داود حديث (4682) والترمذي حديث (2612). (¬4) الآية (32) من سورة الأعراف.

زعم أحد شيئا من ذلك، فإنما هو تجريد للمرأة من بعض أو كل فضائل الإسلام، لتعيش حياة ربما تكون بعيدة كل البعد عن الآخرة، وإلا فقدت من الآخرة بقدر ما أهملت من فضائل الإسلام وقيمه. إن رعاية المرأة لبيت زوجها ليس أمرا عاديا، إنه أمر جلل ومنصب عظيم منحته المرأة في الإسلام، وذلك أن إدارة شؤون الأسرة تحتاج إلى صفات عالية وكبيرة لا تتوفر إلا في المرأة، ولا يمكن لرجال كثر أن يقوموا مقام امرأة واحدة في تسيير شؤون الأسرة، ولذلك كانت المرأة مدرسة بكل مقوماتها الدينية والخلقية والسلوكية والاجتماعية والسياسية، ومن هنا قال شوقي: الأم مدرسة البنين وحسبهم ... أن يغتذوا من ثديها المهراق فمنها يكون النتاج الصالح على خير ما يكون الصلاح، والأمهات مصانع الرجال، يقول معروف الرصافي: فحضن الأم مدرسة تسامت ... بتربية البنين أو البنات ويقول ميخائيل: فحضن الأم مدرسة تسامت ... بتخريج الأساتذة الثقاة ويقول حافظ إبراهيم: الأم مدرسة إذا أعددتها ... أعددت شعبا طيب الأعراق انظر الأم في فلسطين حينما صقلها الإسلام، كم لها من مواقف مشرّفة إذا أقامة فرائض ربها، واحتسبت ما تصاب به في أسرتها، فهي في عداد المجاهدين، يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

26/ 5 - المبحث السادس: حق الأمومة، وزيادة البر.

133 - (ما من عبد يموت له ثلاثة من الولد، لم يبلغوا الحنث، إلا تلقوه من أبواب الجنة الثمانية من أيها شاء دخل) (¬1) هذا في الموت العادي، فكيف من حاله كما في فلسطين. ومن المرأة الجاهلة بالدين والقيم يكون الفساد على أسوأ ما يكون، كحال كثير من البلدان التي فتحت الفساد للمرأة على أوسع أبوابه فجنت منها اللقطاء والضائعين، الذين لا يعرفون إلا الفساد في الأرض، والإباحية المطلقة. يقول شوقي: وإذا النساء نشأن في أمية ... رضع الشباب جهالة وخمولا وانظر الأم الراقصة الماجنة في كثير من المجتمعات، هذا إن كانت أما، وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قال: 134 - (كلكم راع وكل مسئول عن رعيته) الكل مسئول: المحسن والمسيء، وإن غدا لناظره قريب. إن ما قدمنا من بيان لحقوق المرأة هو شامل كل امرأة أما كانت أم غير ذلك من درجات القرابة، ولكن هنا حقوق تختص بها كل امرأة باعتبار الصفة والمكانة التي تتمتع بها في الأسرة، أعلا تلك الصفات، صفة الأمومة. 26/ 5 - المبحث السادس: حق الأمومة، وزيادة البر. فالمرأة الأم لها حقوق على أبنائها وبناتها شرعها الإسلام، وقرّر عليها الثواب والعقاب، قال تعالى: قال تعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ ¬

(¬1) أحمد حديث (17644).

أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14)} (¬1) نعم هنا جمع الوالدين في الوصية بالإحسان إليهما لكنه خص الأم بمزيد بيان ليحدد مكانتها في الأسرة، فقد حملته في بطنها وهي تزداد كل يوم ضعفا على ضعف، والمرأة ضعيفة الخلقة ثم يضعفها الحمل، لذلك نوّه الله تعالى بشأنها، وقرن شكر الوالدين بشكره تعالى، وهذا تكريم عظيم لهما من الله - عز وجل -، جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: 135 - "يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ ، قال: أمك، قال: ثم من؟ ، قال: ثم أمك، قال: ثم من؟ ، قال: ثم أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك" (¬2) وأصبح شأن الأم في سلام عظيما جدا، حتى أصبح المسلم يجيب أمه ولو كان في صلاته، يقطعها من أجل طاعتها وإن وردت هذه القصة عن الراهب جريج (¬3) لكنها حق في شرعنا ويعمل بها الصالحون من المسلمين، لكن طاعة الأبوين لا تراعى في ركوب كبيرة، ولا في ترك فريضة على الأعيان، وتلزم طاعتهما في المباحات، ويستحسن في ترك الطاعات المندوب إليها، ومنه أمر جهاد الكفاية، والإجابة للأم في الصلاة مع إمكان الإعادة، على أن هذا أقوى من طاعة الندب، إذا علل بخوف هلكة عليها، ونحوه، وتكون الإجابة في الصلاة مع إمكان الإعادة وعدم خوف ذهاب الوقت (¬4)، وقد ضرب الكثيرون من المسلمين أروع الأفعال في خدمة الأم وبرها ¬

(¬1) الآية (14) من سورة لقمان. (¬2) البخاري 5971. (¬3) البخاري 1206. (¬4) انظر: (تفسر القرطبي 14/ 36 - 37) بتصرف.

27/ 5 - المبحث السابع: عدم وجوب الجهاد.

وصيانة حقوقها، مع الاعتراف بعدم بلوغ الكمال فيما يجب لها من البر والرعاية، اللهم أغفر لوالدي و {ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} (¬1). 27/ 5 - المبحث السابع: عدم وجوب الجهاد. الجهاد ليس مفروضا على النساء، والمراد به عند الإطلاق حمل السلاح والانخراط في صفوف الجيوش، لأن ذلك لا يوافق تكوينها، ولا يساير صونها وكرامتها، فإذا ما وقعت في الأسر لعب بها الأعداء، ونالوا من كرامتها، وتكون قد عرّضت نفسها للبلاء وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرجال عن ذلك، فالمرأة من باب أولى، ولهذا لم يوجب الإسلام على المرأة حمل السلاح والدخول في صفوف الرجال، تكريما لها وصونا لعفافها، ولكن إذا تطوعت في حالا الضرورة القصوى فلا بأس، بشرط أن لا يخل هذا التطوع بشيء مما فرض الله عليها، كالحجاب، لما قدمنا من بيان وجوبه تعبدا، والخلوة مع أجنبي، والمراد به غير المحرم، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: 136 - (لا يخلون رجل بامرأة) (¬2) والسفر بدون محرم، لحرمة ذلك عليها، بقوله - صلى الله عليه وسلم -: 137 - (ولا تسافرن امرأة وإلا معها محرم) (¬3) ولقوله للرجل الذي قال له: يا رسول الله، اكتتبت في غزوة كذا وكذا، وخرجت امرأتي حاجة، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ¬

(¬1) من الآية (24) من سورة الإسراء. (¬2) البخاري حديث (3006). (¬3) البخاري حديث (3006).

138 - (اذهب فحج مع امرأتك) (¬1) وهذا من أقوى الأدلة على حرمة السفر للمرأة بدون محرم، عبادتان مفروضتان: الجهاد في سبيل الله وقد اكتتب فيه الزوج، والحج وقد خرجت له الزوجة، فألغى الرسول - صلى الله عليه وسلم - خروج الزوج للجهاد، وأمره أن يلحق بامرأته ليكون محرما لها وهي تؤدي فريضة الحج، ولو كان الأمر هينا ما فعل هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وترك كلا منهما على وجهته، ولاسيما كل منهما خرج في طاعة، فكيف تستحل امرأة تؤمن بالله ورسوله السفر بدون محرم، وفي غير طاعة؟ ! ! قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: 139 - (لا يحل لامرأة، تؤمن بالله واليوم الآخر، أن تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها حرمة) (¬2) أي محرم، كل هذا على اعتبار أنها تسافر من أجل مصلحة جائزة شرعا، وقد يكون فيها قربة إلى الله تعالى، لكن هذه الأمور فرائض على المرأة تعبّدها الله بها، والفرائض آكد من النوافل، ولا يجوز إهدار فرض من أجل إقامة نافلة، فعلى كل امرأة مسلمة - ولو كانت الأستاذة فلانة في الجامعة الفلانية، أو الطبيبة الماهرة في جراحة المخ والأعصاب - أن تنظر إلى هذه الأمور بادئ ذي بدء نظرة تعبّد، ولا تغتر بما منّ الله به عليها من العلم والمعرفة، وتصرف الأمر إلى أنها تثق بنفسها وأنها عفيفة، وأن هذا تهمة للمرأة، وما دامت كذلك فلا مجال لديها لقبول هذه التكاليف، والحق أنها لو وقعت في هذا التفكير السيئ تكون ألقت بنفسها في التهلكة، والصواب أنها مهما بلغت من العلم والعزة والشرف، فهي متعبدة ¬

(¬1) البخاري حديث (3006). (¬2) البخاري حديث (1088) ومسلم حديث (1339).

بهذه الأمور، ومسئولة عنها في يوم تنقطع فيه الأسباب، إلا سبب له بالإسلام صلة، وهي محط نظر الرجل، ورغبته، والرجل قد يقع منها نفس الموقع، لما فطر عليه لذكر والأنثى، ليس في بني آدم فحسب، بل في كل الكائنات. فالجهاد ليس فريضة على المرأة، وقد كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من أشد النساء رغبة في الخير، وأكثرهن مساءلة لحبيبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قالت له: يا رسول الله هل على النساء من جهاد قال: 140 - (نعم عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة) (¬1) هذا هو جهاد المرأة المسلمة، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أشد الحاجة لمواجهة كفار قريش، ولم نعلم أنه جند النساء والصبيان، ودفع بهم في مواجهة الأعداء، ولم يفعل ذلك الخلفاء الراشدون، وكذلك من جاء من بعدهم، وليس في مداواة بعض النساء للجرحى في بعض الغزوات حجة على وجوب الجهاد على المرأة، ولكنه لبيان الجواز إذا حصل الأمن من هتك المفروض، والتعرض للفتنة أو السبي، وما حدث لنساء المسلمين من المآسي وهتك الأعراض في البوسنة والهرسك، وفي سجن أبو غريب، وفي سجون إسرائيل، وفي معسكرات الشبيبة خير دليل على أن الإسلام أحاط المرأة بسياج العزة والكرام، وأعطاه قدرا كبيرا من الأهمية، إلى درجة بلغت إسقاط بعض العبادات عنها من أجل صيانتها، وقد جعل العلماء عدم وجود المحرم من عدم الاستطاعة. ¬

(¬1) أحمد حديث (24463، 25322).

28/ 5 - المبحث الثامن وجوب العدة على المرأة.

28/ 5 - المبحث الثامن وجوب العدة على المرأة. العدة واجبة على كل امرأة متزوجة، وذلك في إحدى حالتين: في حالة الطلاق الرجعي أو البائن، قال تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (¬1) وعبر بالجمع فقال: والمطلقات ليعم المطلقات طلاقا رجعيا، والمطلقات طلاقا بائنا بثلاث، والقروء: جمع قرء، وهو اسم مشترك بين الحيض، والطهر، ويصح التربص بثلاث حيض، أو بثلاثة أطهار، حملا للمشترك على أحد معنييه، استبراء للرحم والتأكد من عدم وجود الحمل، فإذا تبين وجوده انقلب أجل التربص من القروء، إلى وضع الحمل، وبالوضع تكون قد خرجت من العدة، قال تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (¬2) وكثيرون يسيئون فهم الطلاق، وهو حكم شرعي، يعتبر نعمة لا نقمة، حتى يسلم الزوجان من الظلم، والمطلقات: جمع مطلقة، سميت بذلك لأنها تطلق من عقد الزوجية، وتصبح في حل من ذلك الرباط الشرعي، وليس على المطلقة قبل الدخول عدة، لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ ¬

(¬1) الآية (228) من سورة البقرة. (¬2) الآية (4) من سورة الطلاق.

عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} (¬1) فيلاحظ خروجا من هذا العموم ثلاث حالات للنساء: المطلقة قبل الدخول لا عدة عليها، والمطلقة الحامل لا عدة عليها، فلو طلقت قبل الوضع بزمن ولو يسير جدا، تنقضي عدتها بوضع الحمل مباشرة، والآيسة خرجت بقوله تعالى: {فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ} (¬2) والحالة الثانية: وفاة الزوج، قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} (¬3) وقال - صلى الله عليه وسلم -: 141 - (لا يحل لامرأة مسلمة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاث أيام، إلا على زوجها أربعة أشهر وعشرا) (¬4) وهذا فيه استبراء، إذا رغبت في الزواج، وفيه تكريم للزوج بزيادة التربص، واحتياط في شأن الحمل، فقد علل بعض أهل العلم الزيادة في عدة الوفاة أن الجنين الذكر يتحرك في الغالب لثلاثة أشهر والأنثى لأربعة أشهر، فزاد سبحانه عشرا لأن الجنين ربما يضعف عن الحركة فتتأخر حركته قليلا، ولا يتأخر عن هذا الأجل، فجعلت الزيادة احتياطا، وخرج بالسنة المختلعة عند جماعة من أهل العلم أنها تعتد بحيضة عملا بما ورد في قصة امرأة ثابت بن قيس أتعتد بحيضة (¬5)، وحديث الربيع بنت معوذ بن ¬

(¬1) الآية (49) من سورة الأحزاب. (¬2) من الآية (4) من سورة الطلاق. (¬3) الآية (234) من سورة البقرة .. (¬4) البخاري حديث (5339) ومسلم حديث (1488). (¬5) أبو داود حديث (2229).

عفراء أنها اختلعت فأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تعتد بحيضة (¬1)، قال الترمذي الصحيح أنها أمرت أن تعتد بحيضة (¬2). قالوا: وهذا يخصص ما ورد في القرآن، ولم يرد ما يعارضه، وقال آخرون: إن المختلعة من جملة المطلقات فهي داخلة تحت عموم القرآن، وأرى القول الأول هو الراجح، وخرجت الحامل بقوله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (¬3) ومن السنة حديث سبيعة: "أنها كانت تحت سعد بن خولة، وهو من بني عامر بن لؤي، وكان ممن شهد بدرا، فتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل، فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته، فلما تعلّت من نفاسها تجملت للخطاب، فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك: رجل من بني عبد الدار فقال لها: ما لي أراك تجملت للخطاب، ترجين النكاح، فإنك والله ما أنت بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشر، قالت سبيعة: فلما قال لي ذلك جمعت عليّ ثيابي حين أمسيت، وأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألته عن ذلك: 142 - - - فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي، وأمرني بالتزوج إن بدا لي" (¬4)، وهذا هو الحق إنشاء الله في عدة كل امرأة، بحسب ما هي عليه مما تقدم بيانه، والآية السابقة ناسخة للاعتداد بالحول، ولا خلاف في ذلك. وللفائدة فإن المطلقات لهن أربع حالات: ¬

(¬1) الحاكم حديث (2825). (¬2) الترمذي حديث (1185). (¬3) الآية (4) من سورة الطلاق. (¬4) البخاري حديث (3991).

الأولى: المرأة فُرض مهرها ودخل بها زوجها ثم طلقها طلاقا رجعيا أو بائنا، فعدتها ثلاثة قروء، ولا يجوز مطالبتها بشيء، قال تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا} (¬1) وقال تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} (¬2) ولو كان باقيا في ذمة الزوج وجب عليه دفعه، لأن الزوجة في هذه الحال تسحق كل ما سمي لها. والثانية: المرأة لم يفرض مهرها، ولم يدخل الزوج بها، ثم طلقها زوجها فلها المتعة، والمتعة خاصة بهذه الحال، ولا حدّ لمقدار المتعة، ولا بد أن تكون ذات نفع، فتجوز بالقليل والكثير، قال تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} (¬3) ولا عدة عليها، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ ¬

(¬1) الآية (229) من سورة البقرة. (¬2) الآية (20) من سورة النساء. (¬3) الآية (236) من سورة البقرة.

سَرَاحًا جَمِيلًا} (¬1). والثالثة: المرأة دخل بها زوجها، ولم يفرض مهرها، ثم طلقها زوجها فيفرض لها مهر المثل، قال تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} (¬2). والرابعة: المرأة فرض مهرها، ولم يدخل بها زوجها، فلها نصف المهر، ولا عدة عليها، قال تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} (¬3) وفي كل الأحوال عدا حالة الدخول فإنه يجوز العفو من الطرفين: الزوج وأولياء الزوجة، إذا عفى الزوج عن كامل ما دفع أو الزوجة فذاك أمر حسن وهو الأولى، قال تعالى: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (¬4). ¬

(¬1) الآية (49) من سورة الأحزاب. (¬2) من الآية (24) من سورة النساء. (¬3) الآية (237) من سورة البقرة. (¬4) من الآية (237) من سورة البقرة ..

29/ 5 - المبحث التاسع: حرمة كتمان ما يخلق في الأرحام.

29/ 5 - المبحث التاسع: حرمة كتمان ما يخلق في الأرحام. المرأة محل حرث الرجل، وقد يقع بين الزوجين ما يدعو إلى الطلاق، ولاستبراء الأرحام من وجود الحمل فرض الله العدة عليهن، وحرم عليهن كتمان ما خلق الله في أرحامهن قال تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} (¬1) من الحيض أو الحمل، وذلك في حالتين: الأولى: استيفاء مدة العدة المقررة شرعا بثلاثة أقراء، فإذا حاضت ثلاث حيض فقد استوفت المدة، وقد تدّعي المرأة أنها طهرت وهي كاذبة، فنهيت عن الكتمان، ووجه النهي عن الكتمان لأنه لو حصل كان فيه إضرار بالزوج، وعدم وإظهار حقه، فإذا زعمت المرأة أنها حاضت وهي لم تحض ذهبت بحقه من الارتجاع، وإذا قالت إنها لم تحض وهي قد حاضت طالبته بالنفقة فأضرت به، والثانية استيفاء مدت العدة بوضع الحمل، وربما تكتمه لتقطع حق الزوج من الرجعة، وقد تزعم أنها حامل لتوجب على الزوج النفقة، وقد قرر الشرع دفع ما يضر بالزوج، كما دفع ما يضر بالزوجة، وقوله تعالى: {إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (¬2) خرج مخرج الوعيد بنفي الإيمان عمن تكتم ما خلق الله في رحمها، ولا يفهم منه أن غير المؤمنات يجوز لهن الكتمان، بل هن مطالبات بعدم الكتمان، لكن نوّه بالإيمان، تحذيرا من المخالفة. ¬

(¬1) من الآية (228) من سورة البقرة. (¬2) من الآية (228) من سورة البقرة.

30/ 5 - المبحث العاشر: حق المرأة في كيفية الطلاق.

30/ 5 - المبحث العاشر: حق المرأة في كيفية الطلاق. كما أن للرجل حقا في طلاق زوجته، في حالة عدم انسياق الحياة الزوجية في مسارها الصحيح، فإن للمرأة حقا في كيفية إلقاء الطلاق عليها، كما طالبن خولة بحكم من الله في قصتها مع زوجها، والكيفية المطلوبة شرعا وردت مبينة في كتاب الله - عز وجل - قال تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (¬1) والمراد الطلاق الرجعي، فإنه يجرى على المرأة بالتدرج كما أمرا الله - عز وجل - مراعاة للمصلحة الشاملة للأسرة، فيطلق طلقة واحدة، ليبقى المجال فسيحا للصلح، فقد يندم الرجل ويراجع لأي سبب من الأسباب المشروعة، لا للإضرار بالزوجة، ويجب أن يغلب على ظن كل منها أنه في حال المراجعة يقيم حدود الله، فيما يتعلق بحقوق كل منهما على الآخر، عملا بقول الله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (¬2) وليس المراد ظنّ اليقين، إذ لا يعلم ذلك إلا الله تعالى، والمراد بالحدود حقوق الزوجية الواجبة لكل منهما على الآخر، ولو حصل الشك والتردد من أحدهما في إقامة حدود الله في الحقوق الزوجية، فلا تجوز المراجعة خوفا من عدم إقامة الحقوق، وذلك معصية الله - عز وجل -، فإذا ما تراجعا عادت الزوجة كما كانت قبل الطلقة، ما لم تخرج ¬

(¬1) من الآية (229) من سورة البقرة. (¬2) الآية (230) من سورة البقرة.

من العدة، فإن لم تحصل الرجعة قبل نهاية العدة، فالمرأة تملك نفسها ولا حق للزوج في إرجاعها إلا بثلاثة شروط: رضاها، ومهر جديد، وعقد جديد، ولو طلق الثانية كان له وعليه ما ذكر، وهذا معنى قوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (¬1)، فإن طلقها الثالثة فلا تحل له البتة حتى تتزوج رجلا آخر زواجا شرعيا يطؤها فيه، ولا يكفي مجرد العقد، عملا بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قصة امرأة رفاعة القرضي: 143 - (لا، حتى تذوقي عسيلته، ويذوق عسيلتك) (¬2) ويفارقها بعد ذلك بطلاق أو وفاة، وهذه صفة الطلاق المشروعة، ومن خرج عن هذه الصفة كمن يلقي الطلاق بالثلاث دفعة واحدة فقد خالف الشرع، والأحرى بالمرأة أن تطالبه بالطلاق الشرعي، لأن فيه العدل ومصلحة الأسرة، ويؤكد هذا التعبير بقوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} (¬3) ولم يقل: طلقتان، إشارة إلى أنه يكون مرة بعد مرة، فلا يتوهم أنه يجوز طلقتان في آن واحد، لتفويت المصلحة فيما بعد الطلقة الأولى، وأشار تعالى بقوله: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (¬4) إلى ما سيكون نافذا بعد الطلقة الأولى أو الثانية، وأنه أحد أمرين: حصول الندم والرغبة في العودة إلى ممارسة الحياة الزوجية، فلا مانع من ذلك بشرط أن يحسن كل منهما عشرة الآخر، وفق ما هو معروف في الشرع، والأمر الثاني: ¬

(¬1) من الآية (229) من سورة البقرة .. (¬2) البخاري حديث (5317). (¬3) من الآية (229) من سورة البقرة. (¬4) من الآية (229) من سورة البقرة.

عدم الوفاق فيحصل التسريح بإيقاع طلقة ثالثة، ويصح التسريح بترك الرجعة حتى تخرج المرأة من العدة، سواء بعد الطلقة الأولى أو الثانية، وإيقاع الطلقة الثالثة هو الأولى عملا بسياق الكتاب العزيز، بشرط أن يحسن كل منهما إلى الآخر، بقبول ما يقضي به الشرع، ولاسيما إذا كان بينهما أطفال، فتجب مراعاة الحقوق لجميع الأطراف، وفي حالة إيقاع الطلاق في كل الأحوال لا يجوز للرجل أن يأخذ شيئا مما أعطى المرأة مهرا قليلا كان أو كثيرا، عملا بقول الله تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} (¬1) وكذلك ما أعطاها هبة أو هدية، عملا بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (العائد في هبته كالكلب، يقيء ثم يعود في قيئه) (¬2) وبقول الله تعالى: {وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (¬3) والطلاق لا يذهب المروءة والمعروف من الرجل الكريم، وقد قيل: ما أكرم النساء إلا كريم، ولا أهانهن إلا لئيم (¬4) وذلك يشمل حالة الوفاق، وحالة الفراق. ¬

(¬1) من الآية (228) من سورة البقرة .. (¬2) البخاري حديث (2589) ومسلم حديث (1622). (¬3) الآية (237) من سورة البقرة. (¬4) فيض القدير 3/ 496.

31/ 5 - المبحث الحادي عشر: حق المرأة في المخالعة.

31/ 5 - المبحث الحادي عشر: حق المرأة في المخالعة. وقد كرم الإسلام المرأة، وحماها من عنت الرجال بحفظ حقوقها، مع مراعاة المصلحة العامة في كل الأحوال، وقد تكون المرأة هي الكارهة للزوج، ولا تستطيع أن تقيم حدود الشرع في حياتها الزوجية، ففي هذه الحال رفع الله عنها العنت، وحفظ للزوج حقه، قال تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (¬1) ففي هذه الحال يجوز للزوج أن يطالبها بما أعطاها مهرا، أو هبة أو هدية، لأن الكره جاء من قبلها، وإذا كانت المرأة كارهة للزوج فلن تقيم حدود الله المفروضة في الحياة الزوجية، فوجب عليها أن تفتدي الوقوع فيما حرم الله - عز وجل - برد ما آتاها، عملا بالآية الكريمة وبقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لامرأة ثابت بن قيس: 144 - (أتردين عليه حديقته؟ ، قالت: نعم، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اقبل الحديقة وطلقها تطليقة) (¬2). ¬

(¬1) من الآية (229) من سورة البقرة. (¬2) البخاري حديث (5273).

32/ 5 - المبحث الثاني عشر: حق المرأة في العدل عدم المضارة.

32/ 5 - المبحث الثاني عشر: حق المرأة في العدل عدم المضارة. قد يقع من الزوج المضارة للمرأة فيطلقها طلاقا رجعيا، فإذا قاربت نهاية العدة راجعها من غير رغبة في الإمساك، وإنما من أجل المضارة بها، وقد نهى الإسلام عن ذلك قال تعالى: {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} (¬1) بل عليه أن يلتزم ما أمر الله به من الإمساك بمعروف أو التسريح بإحسان ولا يجاوز ذلك، لأن مجاوزة ذلك اعتداء وظلم، وفي هذا حماية للأزواج من ظلم النساء وظلم أنفسهم، وقد يكون العضل من الزوج الذي طلق ثلاثا، أومن الولي، قال تعالى: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ} (¬2) النهي موجه إلى الأزواج والأولياء معا، وعبّر بلفظ الأزواج باعتبار ما كان أو ما سيكون، وقد يقع العضل من الزوج بعد الطلقة الثالثة كأن يكون الزوج صاحب سطوة ونفوذ فيأنف أن يتزوج أحد امرأة تزوجها هو، لما يرى لنفسه من المكانة والهيبة، وقد يكون من الأزواج طمعا في ما يرثن، أو في استعادة ما سلموا لهن من مهور، وقد يكون من الولي، استغلالا لولايته فيضار المرأة ويأنف من أن تعود موليته إلى الزوج الأول الذي أبان طلاقها، فبين الإسلام أن ذلك من الظلم الذي يعظهم الله بالبعد عنه إن ¬

(¬1) من الآية (231) من سورة البقرة. (¬2) الآية (232) من سورة البقرة ..

33/ 5 - المبحث الثالث عشر حق المرأة الميراث.

كانوا من المؤمنين بالله فعليهم تنفيذ شرعه، قال تعالى: {ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (¬1) وقد يكون من الولي ابتداء بمنعها من الزواج أصلا لأسباب مادية، كأن تكون ذات دخل مادي، فيؤخر زواجها أو يمنعه استثمارا لدخلها المادي، وهذا غالبا يكون من الآباء، أو يكون الولي ذا ثروة فلا يزوجها خوفا من مشاركة الزوج فيما قد ترثه، وهذا قد يحدث من الآباء وغيرهم من الأولياء، وهو من ظلم المرأة، الوارد النهي عنه في الآية الكريمة. 33/ 5 - المبحث الثالث عشر حق المرأة الميراث. المواريث حق شرعه الله تعالى بين عباده الذكور والإناث، تولى سبحانه تقسيمه، على مقتضي الخلق والتكليف وتحمل المسئولية بين الرجل والمرأة، ولم يكل ذلك التقسيم إلى ملك مقرب ولا نبي مرسل، فقال تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ ¬

(¬1) من الآية (232) من سورة البقرة.

فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} (¬1) وقال تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ} (¬2) هذه وصية الله للمؤمنين به ذكورا وإناثا، والوصية منه تعالى فريضة يجب على المؤمن قبولها دون تردد، وهذا غاية العدل منه تعالى بين عباده، ومن شك في ذلك أو نسب الجور إليه فلاشك في كفره، لمعارضته لحكم أحكم الحاكمين - عز وجل -، وطعنه في ركن من أركان العدل بين الرجل والمرأة، ولقد كان علم الفرائض من أهم المهمات عند أصحاب رسول الله - رضي الله عنهم -، والتابعين لهم بإحسان، لأنه معقد العدل ¬

(¬1) الآية (11) من سورة النساء. (¬2) الآية (12) من سورة النساء ..

بين الرجل والمرأة، فقوله: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} (¬1) حكم شرعي قائم بذاته وذلك في حال اجتماع الذكور والإناث، أما في حال انفراد الفرع الوارث فإن كان ذكرا فله جميع الميراث {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} (¬2) أي ولم يكن معهن ذكر، ويلاحظ أن السياق القرآني الكريم ورد بالجمع فقد يقول قائل: إن الثلثين فريضة ثلاث من البنات فأكثر، ولم يسم فرض البنتين، وقد لا حظ العلماء هذا فقال ابن عباس رضي الله عنهما لهما النصف، وقال الجماهير: لهما الثلثان اعتمادا على قصة امرأة سعد بن الربيع روى جابر - رضي الله عنه - قال: جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بابنتيها من سعد فقالت: يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع، قتل أبوهما معك في أحد شهيدا، وإن عمهما أخذ مالهما، فلم يدع لهما مالا، ولا ينكحان إلا ولهما مال؟ ، قال: فقال: 145 - (يقضي الله في ذلك، قال فنزلت آية الميراث، فأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عمهما، فقال: أعط ابنتي سعد الثلثين، وأمهما الثمن، ما بقي فهو لك) (¬3) وللبنت النصف عملا بقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} (¬4) وهذا كله في حالة عدم وجود الذكر، فريضة من الله - عز وجل -، لا ينازع فيها مؤمن، هذه ¬

(¬1) من الآية (11) من سورة النساء. (¬2) من الآية (11) من سورة النساء. (¬3) أحمد حديث (14781). (¬4) من الآية (11) من سورة النساء.

القسمة فيما يتعلق بالفروع من البنين والبنات، أما الأصول من الآباء والأمهات والأجداد والجدات ففي قوله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} (¬1) أي إن كان له ولد ذكر أو أنثى، لأن مسمى الولد يشمل الذكر والأنثى، لكنه إذا وجد الذكر من الأولاد وحده، أو مع الأنثى منهم فليس للجد إلا الثلث، وإن وجدت أنثى وحدها كان للجد السدس بالفرض، ويكون عصبة فيما عدا السدس، وهذا جلي لا إشكال فيه، ويتراجع نصيب الأم إلى السدس في حالة عدم الفرع الوارث، ووجود الإخوة، قال تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} (¬2) والمراد سدس التركة، لأن الأخوين فأكثر يحجبان الأم عن الثلث إلى السدس، وكذلك الأختين فأكثر، ويرتفع ميراث الأم إلى ثلث التركة في حالة لم يكن للميت وارث إلا الأبوين، وينقص إلى ثلث الباقي في حالة وجود أحد الزوجين، وقد أشكل ميراث الجد بعد موت أبي بكر - رضي الله عنه - فقد أنزله منزلة الأب، ولا ميراث للإخوة معه، ولم يخالف أبا بكر أحد من الصحابة طيلة حياته - رضي الله عنه -، ووقع الخلاف بعد موت أبي بكر - رضي الله عنه -، فمن العلماء من سار على نهج أبي بكر، ومنهم من ورّثه مع الإخوة مطلقا، وقال الجماهير: إن الجد يسقط بني الإخوة، الذكور والإناث على حد سواء، أما الجدة فقد حصل الإجماع على أنها ترث السدس إذا لم تكن أم الميت ¬

(¬1) من الآية (11) من سورة النساء. (¬2) من الآية (11) من سورة النساء ..

على قيد الحياة، وتسقط مع وجود الأم، والجدة أم الأم لا تسقط بوجود الأب. أما قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} (¬1) فالمراد به بيان أن هذه الفروض لا يستحقها أصحابها إلا بعد نفاذ الوصية التي يوصي بها الميت، لأنها آخر حقوقه من ماله، وبعد قضاء ديونه، لأنه مرهون بها، وقضاء الدين مقدم على الوصية، والوصية لا تكون إلا في الثلث، ولا تجوز الوصية لوارث. أما قوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ} (¬2) فالمراد مطلق الولد منه أو من غيره ذكرا كان أو أنثى، ويدخل في ذلك أولاد الأبناء {فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} (¬3) ولا يستحق الفرض إلا بعد نفاذ الوصية التي توصي بها الميتة، لأنها آخر حقوقها من مالها، وبعد قضاء ديونها، لأنها مرهونة بها، وقضاء الدين مقدم على الوصية، والوصية لا تكون إلا في الثلث، ولا تجوز الوصية لوارث، وكذلك الزوجات يرثن الأزواج {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ} (¬4) من بطنها أو من غيرها ¬

(¬1) من الآية (11) من سورة النساء. (¬2) من الآية (12) من سورة النساء. (¬3) من الآية (12) من سورة النساء. (¬4) من الآية (12) من سورة النساء.

ويدخل في مسمى الولد أبناء وبنات البنين، والبنات على حد سواء {فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} (¬1) ولا تستحق الفروض إلا بعد نفاذ الوصية التي يوصي بها الميت، لأنها آخر حقوقه من ماله، وبعد قضاء ديونه، لأنه مرهون بها، وقضاء الدين مقدم على الوصية، والوصية لا تكون إلا في الثلث، ولا تجوز الوصية لوارث، ولو كان للميت أكثر من زوجة فهن شركاء في الربع أو الثمن وفق الحالة من وجود الولد وعدمه، ومن تكريم المرأة أن فرض لها الإسلام حق الإرث من الزوج بمجرد العقد، فلو مات الزوج بعد العقد وقبل الدخول وجب للمرأة المعقود عليها نصيبها من تركة الزوج، وذلك بمقتضى قول الله - عز وجل -: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} (¬2) وكما هو حق للمرأة فهو كذلك حق للرجل بمقتضى قوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} (¬3). ¬

(¬1) من الآية (12) من سورة النساء .. (¬2) من الآية (12) من سورة النساء. (¬3) من الآية (12) من سورة النساء.

أما من لم يكن له فرع وارث ولا أصل وارث، سواء كان رجلا أو امرأة، ولكن ترك أو تركت أخا أو أختا ففرض كل منهما السدس، عملا بقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} (¬1) ولو كان الأخوة أو الأخوات أكثر من واحد، فيشتركون في الثلث، والمراد بهم الإخوة من الأم لا غير، عملا بقوله تعالى: {فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ} (¬2) وأسهمهم متساوية لا فرق بين الذكر والأنثى، وهم عند استيفاء الفروض مقدمون على الإخوة الأشقاء أو لأب، كما في المسألة المعروفة بالحمارية وهي: أن تترك المرأة زوجا، وأما، وأخوين لأم، وإخوة أشقاء، فإن للزوج النصف، وللأم السدس، وللأخوين لأم الثلث، ولا شيء للإخوة الأشقاء، عملا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: 146 - (ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر) (¬3) وفي كل الأحوال لابد من استيفاء الوصية من الثلث من غير مضارة، وقضاء الدين، والمضارة في الوصية ما زاد على الثلث، وأقل منه أولى وأحب، لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ¬

(¬1) الآية (12) من سورة النساء. (¬2) الآية (12) من سورة النساء. (¬3) البخاري حديث (6732) ومسلم حديث (1615).

147 - (فالثلث والثلث كثير، إنك إن تدع ورثتك أغنياء، خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس في أيديهم) (¬1) والوصية حق للذكر والأنثى على حد سواء وقد تأخذ المرأة مثل حظ الرجل، كما في المسألة الحمارية فالأخوة لأم يشتركون في الثلث الذكر والإناث بالتساوي، وكذلك الأخ لأم والأخت لأم يرث كل منهما السدس، إذا لم يوجد الحاجب لهما، وكما في ميراث الأبوين مع الأولاد، فإن للأب السدس، وللأم السدس، من غير تفريق بينهما، وقد تكون المرأة أكثر نصيبا من الرجل، كما لو تركت المرأة زوجها وبنتها، فإن للزوج الربع، وللبنت النصف، وكما لو ترك المتوفى زوجة، وبنتين، وأخاه، فالزوجة لها الثمن، وللبنتين الثلثين، والباقي للعم أخو الميت، ويكون نصيب كل بنت أكثر من نصيب الرجل عمهما، فأين الظلم للمرأة؟ ! ولما لم يقل الناعقون بظلم الرجل في هذا؟ ! ولو قالوا به لكنا لهم بالمرصاد، لأن الحكم صادر من أحكم الحاكمين، وهل يبقى لأحد شيء من الإيمان إذا نسب الظلم والجور إلى الخلاق العليم؟ ! ، الذي أرسى العدل بين عباده، وجعل الإسلام وسطا بين جاهليتين: الجاهلية الأولى التي حرمت النساء والصغار من الميراث، والجاهلية المعاصرة التي تدعي المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث، وهو أمر قد حسمه الخلاق العليم، وجعل تعالى كافة الأحكام المذكورة في المواريث حدودا لا يجوز لأحد تجاوزها كائنا من كان، قال تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ ¬

(¬1) أحمد حديث (2742).

(6) الخاتمة

تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (¬1) هذا جزاء من سمع ما جاء في الكتاب والسنة، وأطاع الله ورسوله في الأحكام كافة ومنها قسمة المواريث، ومن عصى الله ورسوله، واتبع الهوى، فورث من لا يستحق، أو منع وارثا من كل أو بعض ما يستحق، أو حاول المساواة بين الرجل والمرأة فجزاؤه ما ورد في قول الله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} (¬2) لأن التصرف في الأحكام ليس لأحد من الخلق، إنما هو لله وحده، حتى ما ورد في السنة النبوية ليس من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بل وحي من الله {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} (¬3). (6) الخاتمة هذا ما تيسر لي جمعه بفضل الله وتوفيقه من خلال اطلاعي على كتاب الله - عز وجل - وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ولم أجعل لي معتمدا سواهما فالبحث عنوانه (حقوق المرأة في ضوء الكتاب والسنة النبوية) لأنهما الوحيان، وهما منبع الأمن والأمان، وعليهما يقوم الحكم في بلادنا أدام الله منعتها، وخذل أعداءها، ولا يمكن لباحث في الكتاب أن يجتنب النظر في السنة النبوية، ولا لباحث في السنة أن يجتنب النظر في الكتاب العزيز، لشدة تلازمهما في الأحكام، ¬

(¬1) الآية (13) من سورة النساء .. (¬2) الآية (14) من سورة النساء. (¬3) الآية (3) من سورة النجم.

وعدم إمكان فصل أحدهما عن الآخر، وللأسف قد درج كثير من الدول في العالم الإسلامي على البعد عن تحكيم الكتاب والسنة، فلم يرضوا بما ورد في الكتاب العزيز والسنة النبوية، حكما لأحوال الشعوب ومصالحهم العامة والخاصة، وأخذوا بقوانين وضعية لا تمت إلى الإسلام بصلة، مجارات لغير المسلمين، ومن لم يرض بما ورد في الكتاب والسنة فلا أرضاه الله، وخذله وجعل النار مأواه، وقد ظهر لي من خلال النظر فيما كتب عن حقوق المرأة ما يلي: أن خطة استدراج المرأة تم تصميمها من قبل الصهيونية العالمية ليكون لكل امرأة على وجه الأرض، وكانت البداية بالمرأة الغربية لتخرج عن قيمها الإنسانية الفطرية، والقيم الدينية إن كان لديها بقية من قيم لم تسلم من التحريف والتبديل، ومن أبرز ما تم تصميمه في الخطة: 1 - تسخير المنظمات العالمية لتنفيذ الخطة الصهيونية، من خلال اختصاصاتها وأنشطتها. 2 - - - - عقد المؤتمرات لاتخاذ القرارات، والتوصيات بشأن تحرير المرأة. 3 - تسخير الإعلام العالمي لإضفاء هالة كبيرة على حقوق المرأة، ووضع الدعاية المؤثرة على عقول الناس، وبالذات النساء. 4 - الإشادة بما يتم إنجازه في هذا المجال وتضخيمه ولو كان أمرا تافها. 5 - وصم القيم الدينية واعتبارها من التخلف والانحطاط، وأنها عقبة في طريق الحضارة والرقي. 6 - إشهار المرأة بكل وسيلة ممكنة ومنها يوم المرأة العالمي.

7 - إشهار أهمية مشاركة المرأة في التنمية، ولو كان شيئا قليلا، والإشادة بقدراتها وتضخيمها، ولو كان أمرا خادعا، لا حقيقة له في الواقع. 8 - تضخيم ما تحقق للمرأة منذ الثورة الصناعية، واعتباره من المكاسب العظيمة. 9 - تضخيم الدعاية لجمال المرأة وأناقتها، وتحريضها على متابعة كل جديد مبهر، حتى تكون سلعة نافقة في سوق المتعة، وبثمن زهيد. 10 - الاستفادة من أي خطأ أو ظلم للمرأة من بعض الأفراد، وجعله قضيه عامة، ولو كان الإسلام لا يقر ذلك الحدث. 11 - تشجيع كل ما يسيء إلى الإسلام عبر وسائل الإعلام المختلفة، بالقلم والصوت والصورة. 12 - تحديد مهمة الاستشراق، فليست مجرد بحث عن الحقيقة، بل تشويه الحقائق في الإسلام، وخلق الشبهة المؤثرة، والتي تسهم بقوة في انحراف المسلمين عن الإسلام. 13 - تشجيع التأليف في نقد الإسلام وإلقاء الشبهة عليه، والتشكيك في عدالته، وقد ألّفت في ذلك الآلاف من الكتب كلها تهاجم الإسلام. وبالنسبة لليوم العالمي للمرأة لم تكن فكرته فكرة موفقة في العالم الإسلامي، لأنه قطرة ضمن سيل من الأفكار حيال تحرير المرأة من القيم الإسلامية، ولئن كان فيه نفع للمرأة الغربية، بإعطائها شيئا من الإنسانية، بالنظر إلى حالها في العصور السابقة، فربما يكون لذلك وجها من القبول لدى المرأة الغربية ذاتها، ونحن نرى أنها نقلت من شر هائل كانت تعيشه في العصور السابقة، إلى شر عظيم في العصر الحاضر، أما المرأة المسلمة فالاحتفال بها

لدى المسلمين في كل يوم، لما لها من حق الاحترام والتبجيل، من أبنائها وبناتها، ومن إخوانها وأخواتها، ومن أعمامها وعماتها، ومن كافة محارمها، ومن مجتمعها الذي ينظر للمرأة المسلمة نظرة طهر وتكريم، وذلك أمر مشهود في السلوك اليومي، وإن جاملنا العالم في الاحتفال باليوم العالمي للمرأة، فلا يعد كونه فخرا بما أنعم الله عليها به في ظل الإسلام، يقبّل رأسها، تحفّها عناية الله ثم رعاية محارمها فـ "الجنة تحت أقدام الأمهات" يعني التواضع لهن وترضيتهن سبب لدخول الجنة، وأن الأبناء يكونون في بر الأم وخدمتها كالتراب تحت قدميها (¬1). إن علينا نحن المسلمين أن نوضح للغرب أن حرية المرأة وكرامتها لا تكون صحيحة واقعية إلا في الإسلام، فإذا رغبت المرأة الغربية في الحرية الحقيقة فلتتجه إلى الإسلام، وستجد ضالتها التي طالما بحثت عنها، ولن تجدها في غير الإسلام، لأن الذي سن حقوقها في الإسلام هو الله صانعها الصانع العليم بما صنع {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (¬2). فما أجهل المنادين بتحرير المرأة المسلمة، وكل فكر يقدمونه في هذا الباب فهو ظلمات بعضها فوق بعض، ولو قالوا عنهم: خبراء في شؤون المرأة، ففي الوصف إيجاز حذف تقديره "خبراء في شؤون إضلال المرأة" فلا تصدقوهم إنهم في غيهم يعمهون، ولو صاموا وصلوا وذكروا الله، وصلوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن عملهم على هدم ما قرره الله ورسوله يهدم ما أظهروا من العبادات، فماذا يجدي أن يصلي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ¬

(¬1) فيض القدير 3/ 361 بتصرف. (¬2) الآية (14) من سورة الملك.

ويزعم أن الحجاب من عادات الناس، وليس أمرا شرعيا، أو يزعم أن المحرم في السفر ليس بلازم، أو يزعم أن المرأة لم تأخذ حقوقها كاملة في الإسلام، إن من يقول هذا يزعم أنه أعلم من الله ورسوله بالمرأة وشؤونها، ولو جاءه شخص وقال: أنا أعلم منك بشؤون بيتك وأسرارك، لخرج عن طوره من شدة الغضب من هذا القول التافه، وأتفه منه في الحقيقة أن يزعم أنه أعلم بحقوق المرأة من الله خالقها، إن هدف الداعين إلى خروج المرأة عن القيم الإسلامية واحد من أمرين وقد يجتمعان معا لدى الداعي: 1 - التمتع بالمرأة في العديد من الرغبات، المادية والمعنوية، فالمادة من أعظم الشهوات عند الكثيرين، وهم على استعداد أن يبذلوا في سبيلها الغالي والرخيص، وتجد المرأة اليوم مبتذلة في الفضائيات من أجل الإعلانات للحصول على المادة، وترويج السلع، والمعنوية كل ما في المرأة من متعة جسدية، ولفظية وحركية، وهيئة في اللباس والصورة. 2 - إيجاد المتنفس الخبيث عن طريق المرأة مسايرة للغرب، وهو كذلك بالسبة لمتعة المرأة بالرجل، لكن حب الشهرة عند المرأة أعظم، فهي محبة للظهور والتبرج والسفور، ولا يردعها من ذلك سوى الدين والخلق، أو القوامة الصارمة وهناك من تمرّدن، وكم من الوقائع تشهد بذلك، ولأجل ذلك كانت قضية المرأة قضية خطيرة، وما زال أعداء الإسلام يستغلونها منذ أن قال "جلاد ستون" رئيس وزراء بريطانيا في عصره: لا يمكن أن تتقدم بلاد الشرق إلا بأمرين: الأول: أن يُرفع الحجاب عن المرأة المسلمة. الثاني: أن يُغَطى القرآن الكريم بالحجاب.

وقد دعا مرقص فهمي في كتابه "المرأة في الشرق" إلى ترك مقررات شرعية منها: 1 - القضاء على حجاب المرأة المسلمة. 2 - إباحة الاختلاط. 3 - تقييد الطلاق وإيجاب وقوعه أمام القاضي. 4 - منع الزواج بأكثر من واحدة. 5 - إباحة زواج المسلمات بغير المسلمين. وفي الحقيقة الذين ينادون بتحرير المرأة يحبونها حبا جما، لكنه حب الذئب الجائع للحمل الصغير، وانطلاقة المرأة في مسايرة هؤلاء وتقبّل دعواتهم، شبيهة تماما بشاة يروعها الذئب الجائع، فيهب الراعي لنجدتها وسلامتها من الهلاك، وينطلق الذئب هاربا من الراعي، ولكن للأسف تنطلق الشاة في سرعة هائلة مسايرة للذئب بدلا من أن تعود إلى منقذها الراعي، وما ذاك منها إلا من شدة الهلع وعمى البصيرة، وهذه حقيقة معروفة لدى الرعاة، وليست خيالا مجردا عن الحقيقة، فكم من الذئاب البشرية اليوم تنتهب المرأة من بين أسرتها، وتنتهي بها إلى الهلاك، إن دعاة التغريب هم الذئاب البشرية، والمرأة هي ذلك الحمل الوديع، والمرأة المستغربة، حمل فارق الراعي، وساير الذئب الجائع، فتركه أشلاء ممزقة، هؤلاء الذئاب في الحقيقة هم سلاح الدمار الشامل، بل هم أخطر لأن سلاح الدمار يقتل الأجساد، فتذهب الأرواح بأعمالها، أما هؤلاء فيقتلون الأرواح فلا يكون لها عمل ترجو به النجاة عند الله. وهنا نقرر ما يلي: 1 - أنه لا يوجد نظام ينصف المرأة ويكرّمها ويحفظ لها حقوقها في الدنيا والآخرة سوى الإسلام.

2 - أن ما يقع من ظلم على المرأة المسلمة ليس سببه الإسلام، فلا ننكر ظلم بعض الأولياء من الرجال للنساء، سواء كانوا آباء أو أبناء أو إخوة أو أزواج أو أعمام، فهذا الظلم الإسلام بريء منه براءة الذئب من دم يوسف - عليه السلام -، ومرد اتهام الإسلام إلى عدة عوامل: إما الجهل المطلق وهذا يصحبه دائما عدم الخوف من الله - عز وجل -، وهذه ثمار عدم العلم بالدين، وإما أن يكون جهل المرأة نفسها هو الجالب لظلمها، لأنها إذا جهلة حقوقها في الإسلام فمن الأولى أن تجهل ما عليها من حقوق لأوليائها، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: 148 - (استوصوا بالنساء خيرا) (¬1) ومن حسن الوصية بهن تعليمهن ما لهن وما عليهن، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: 149 - (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) (¬2) وليس هناك خير يقدم للأهل أفضل من العلم الشرعي، وإما أن تكون أطماع مادية ترجى من وراء ظلم المرأة، ومنه ما هو مشاهد على الشاشات الفضائية، ولا يمكن أن يختفي ظلم الناس بعضهم بعضا فضلا عن ظلم الرجل للمرأة أو ظلم المرأة للرجل، لأن ذلك صراع بين الحق والباطل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولذلك أو جد الله الجنة والنار، ولكن نقول: يمكن لنا حصر الظلم وتقليله إذا أخذت الأسرة منهج التربية من الكتاب والسنة، وكان المجتمع محافظا على ذلك المنهج، هنا تكون الأمة بأسرها في مأمن إلى حد كبير جدا من التظالم، ولنا في مجتمع الصحابة ومن بعدهم خير دليل. ¬

(¬1) البخاري حديث (3331، 5185). (¬2) الترمذي حديث (3895).

3 - أن النساء اللواتي يطالبن بحرية خارج قيم الإسلام لا يخلو حالهن من أمور: أـ أن يكون جهلهنّ بالإسلام أورثهن الجهل بما قرر لهنّ من حقوق. ب - أن تكون لديهنّ شبهات أوردها أعداء الإسلام ولم يملكن القدرة الذهنية على كشف زيفها. ج - أن تكون النشأة غير إسلامية وإن كانت تحمل مسمى مسلمة لكنها في الواقع مستغربة تماما، تعرف عن الأدب والثقافة الغربية الشيء الكثير، ولا تعرف عن الإسلام إلا ما يثيره الأعداء. هـ - أن تكون عالمة بحقوقها في الإسلام لكنها لم ترض بها، وترغب أن تكون أكثر حرية من المرأة الغربية، أو مثلها على الأقل، وحينها تكون رائدة الفساد في الأرض. وهذا ما يريده أعداء الإسلام، وأولهم بالطبع اليهود والنصارى، الذين لن يرضوا عن المسلمين حتى ينسوا الإسلام تماما، قال تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} (¬1) وهذا الرضا المراد به ترك الإسلام، وحينها يكون الداخل في ملتهم يهودي أو نصراني من الدرجة الثالثة، لأنه عندهم محتقر وإن دخل في ملتهم، ولذلك توعّد رب العزة والجلال من تبعهم ولو كان رسول الله محمد، فالخطاب له والحكم عام لكل مسلم ومسلمة، قال تعالى: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ ¬

(¬1) من الآية (120) من سورة البقرة.

الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} (¬1) هذا رأي الإسلام في كل ناعق بالحرية الغربية، أنه ما له من الله ولي ولا نصير، وفي الحقيقة هذا العدو المبين، ليس هو عدو للإسلام فحسب هو عدو الأنبياء والرسل، وعدو الأديان السماوية الصحيحة، ولذلك قتل اليهود الأنبياء وحرّفوا التوراة، وحرّف النصارى الإنجيل، إذن فلا عجب أن تشتد عداوتهم للإسلام، وهم العدو الأول. أما العدو الثاني: قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها، ولا نجاة لأحد من شرهم إلا بلزوم جماعة المسلمين وإمامهم (¬2) وهؤلاء الأشرار هم صنائع الغرب الذين درسوا فكره وحضارته، وهم جهلاء بالدين الإسلامي وقيمه وثوابته، فانتابتهم صرعة الحرية المطلقة المبنية على مبدأ عدم الحياء، ومن لا يستحي يصنع ما يشتهي، فكانت عظمة الحضارة الغربية بقضها وقضيضها عندهم أعظم من الإسلام وقيمه، فأصبحوا رسل علمنة المسلمين، يحاربون القيم الإسلامية، وهؤلاء في الحقيقة خطرهم أشد من اليهود والنصارى، لأن عداوتهم مغلفة بالهوية الإسلامية، وربما صلّى بعضهم وصام، كما صلّى المنافقون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فيغتر بهم المفتونون من المسلمين، وينهجون نهجهم، لأنهم من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، ولذلك قال الله عن المنافقين: {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} (¬3) وما ذالك إلا لأنهم في الظاهر ¬

(¬1) من الآية (120) من سورة البقرة. (¬2) أصله في البخاري حديث (7084). (¬3) الآية (4) من سورة المنافقون.

من المسلمين، وفي الواقع هم يكيدون للإسلام ومن يعمل بقيمه أو يدعو إليها أو يدافع عمها. والعدو الثالث: المتكسّبون على حساب القيم، لا همّ لهم إلا جمع الأموال بأي وسيلة، ومن ذلك طرح المرأة في أسواق الدعاية والإعلان، للمتاجرة بتحللها من القيم، ولإغراء المفتونين بالفساد، واصطيادهم والمساومة على أموالهم وسمعتهم، وصدق البشير النذير - صلى الله عليه وسلم - حين قال: 150 - (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء) (¬1). والعدو الرابع: الشهوانيون وهم الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الناس، ومن هؤلاء الذين ينشرون ما يحدث في العالم من بلايا وفساد: قصص تناقلتها وسائل الإعلام العالمي، يستحي قلمي من تدوينها، ومن ذلك إجراء المقابلات مع الفاجرات، ونشر الصور الفاضحة، وممارسة الرذائل عبر الفضائيات، وتصميم الملابس التي تكشف بدن المرأة، كما صرّح بذلك أحد مصممي الأزياء حين قال: نحن نسعى لنعري جسد المرأة لا لنستره، كل ذلك من أجل إضعاف الغيرة في النفوس، فلا المرأة تخجل، ولا الرجل يغار، وإذا استساغ غير المسلمين هذا فما بعد الكفر ذنب، لكن يكون هذا عند المسلمين أصحاب الوحي المقدس والسنة الغراء، وأهل القيم والفضيلة، فتلك الطامة الكبرى {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (¬2) حسبنا الله ونعم ¬

(¬1) البخاري حديث (5098) ومسلم حديث (2740). (¬2) الآية (19) من سورة النور.

الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم، تمت كتابته في ليلة الأحد 30/ 7/ 1426 هـ بمنزلي بمدينة الباحة ومراجعته بمنزلي بالمدينة النبوية حرسها الله في يوم الثلاثاء 8/ 1/ 1428 هـ.

فهرس المصادر

2/ 7 - فهرس المصادر القرآن الكريم الإحسان البداية والنهاية لابن كثير البروسترويكا والتفكير الجديد لبلادنا والعالم أجمع ص 166 ترجمة أحمد محمد شومان وإخوانه. تاريخ الدعوة للمستشرق توماس تفسير ابن أبي حاتم ص 43 تفسير ابن المنذر تفسير ابن كثير تفسير البغوي تفسير الطبري تفسير القرطبي الجرح والتعديل لابن أبي حاتم الدر المنثور للسيوطي سنن ابن ماجه سنن أبي داود سنن الترمذي السنن الكبير للبيهقي السنن الكبير للنسائي سنن النسائي سير أعلام النبلاء السيرة الحلبية السيرة النبوية تحقيق البجائي

شرح السنة للبغوي الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان صحيح البخاري صحيح مسلم صحيح ابن حبان الفصل لابن جزم فيض القدير للمناوي لسان العرب لابن منظور المستدر للحاكم توزيع دار الباز مسند أبي يعلى المصلي مسند الإمام أحمد ط مؤسسة الرسالة مسند الدارمي مسند الشهاب مصنف ابن أبي شيبة مصنف عبد الرزاق معجم الأدباء لياقوت المعجم الكبير للطبراني النفح الشذي النهاية في غريب الحديث النهوض الإسلامي لعبد الجبار البو بكري. نيل الأوطار للشوكاني

§1/1