حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة

السيوطي

مقدمة المحقق

بسم الله الرحمن الرحيم تصدير: يعتبر دخول العرب مصر سنة 20 من الهجرة على يد الصحابي الجليل عمرو بن العاص مولد تاريخ جديد لهذه البلاد، ذات الماضي البعيد، فلم يكد يتم الفتح، وتستقر الأحوال بها بعد الوقائع الحربية المعروفة، حتى أخذ سكانها يدخلون في دين الله أفواجًا، وتنشرح صدورهم للقرآن الكريم، وتصطنع ألسنتهم اللسان العربي المبين؛ وتصبح العربي لغة الدواوين. ثم يرحل إليها أعيان الصحابة وجلة التابعين، ويهوي نحوها الفقهاء والقراء وحفاظ الحديث ورواة اللغة والأدب والشعر، وتبنى فيها المساجد؛ لإقامة شعائر العبادات. ومدارسة علوم الدين، وللفصل في ساحتها بين الناس، كما أنشئت فيها المدارس لتلقي العلوم والمعارف، وألحقت به خزائن الكتب؛ لجذب العلماء من شتى الجهات؛ مما ارتفع به شأن العلم، وازدهرت الفنون والآداب. وتولى مقاليد الحكم فيها على مر العصور من الولاة والخلفاء والملوك والسلاطين؛ من فتحوا أبوابهم للعافين، والوافدين، واستمعوا إلى الشعراء والمادحين، وأجازوا على التأليف والتصنيف، وقاموا في بناء الحضارة الإسلامية بأوفى نصيب. بل إن مصر كانت -وما زالت- حمية الملة والدين، وراعية الإسلام والمسلمين، وقاهرة الغزاة والمعتدين؛ مما جعلها أعز مكان في الوطن العربي الكبير. فكان من حق هذا الإقليم أن يشغل مكانه في التاريخ، وأن يخص بعناية العلماء والمؤرخين، وأن تفرد لوصف ملامحه المؤلفات، وأن يُتدارس تاريخه في كل مكان

وزمان ... وكذلك الأمر والحمد لله كان، فقد نبغ من العلماء القدامى والمحدثين مَنْ وضعوا في تاريخ مصر المصنفات تختلف طولًا وقصرًا، وتتباين طريقة ومنهاجا؛ منهم ابن عبد الحكم وأبو عمر الكندي وابن ميسر والمسبحي والقضاعي وابن دقماق وابن زولاق والأدفوي والعماد الأصبهاني وابن حجر والمقريزي والسيوطي والجبرتي وأبو السرور البكري وابن تغري بردي وابن إياس. وكتاب حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة، الذي صنفه الجلال السيوطي من أنفس الكتب التي صدرت عن هؤلاء الأعلام، وأعذبها موردًا، وأصفاها منهلًا، وأسدها منهجًا، وأوضحها فصولًا وأبوابًا، وأوفاها استيعابًا وشمولًا، سلك فيه طريقًا قصدًا، ليس بالطويل المستطرد المشوش، ولا بالمقتضب الخالي من النفع والجدوى، بدأه بذكر ما ورد في شأن مصر من الآثار في القرآن الكريم والحديث الشريف، ثم ثناه بذكر تاريخ مصر في عهدها القديم، عهد الفراعنة وبناة الأهرام، على حسب ما وقع لديه من المعارف، وعلى حسب ما كان شائعًا في عصره، ثم وصف الفتح الإسلامي وما صحبه من وقائع وأحداث، وما تم من امتزاج المصريين بالعرب تحت راية الإسلام، ثم ذكر الوافدين على مصر ومن نبغ فيها من أصحاب المذاهب، ومن عاش بها من الحفاظ والمؤرخين والقراء والقصاص والشعرء والمتطيبين وغيرهم؛ مع ذكر نُبذ من حياتهم وتاريخ موالدهم ووفاياتهم. ولم يخل كتابه من تاريخ الولاة الذين تعاقبوا عليها، والقضاة الذين حكموا فيها، والحكومات التي قامت بها، وما بُني فيها من المساجد والمدارس والخانقاهات. ومن أمتع ما ورد فيها تلك الفصول التي عقدها في ذكر عادات المصريين ومواسمهم وأعيادهم والأسباب الدائرة بينهم؛ وما كان فيها من أندية الأدب ومجالس الشعر والسمر، على منهج طريف أخاذ.

وكان سبيله في كل ما أورده من هذا الكتاب النقل عن الكتب المتخصصة في هذا الشأن، مضافًا إليها ما وقع له من المشاهدة، أو ما نقله سماعًا من علماء عصره، من الشيوخ والأقران والتلاميذ. وللسيوطي منهج معروف يذكره في مقدمات بعض كتبه -وخاصة المطولة منها- أن يورد مصادره من الكتب التي اعتمد عليها وأسماء مؤلفيها؛ فعل ذلك في كتاب بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة، وكتاب الإتقان في علوم القرآن؛ وفعل ذلك أيضًا في هذا الكتاب، قال: "وقد طالعت على هذا الكتاب كتبًا شتى، منها فتوح مصر لابن عبد الحكم، وفضائل مصر لأبي عمر الكندي، وتاريخ مصر لابن زولاق، والخطط للقضاعي، وتاريخ مصر لابن ميسر، وإيقاظ المتغفل وإيعاظ المتأمل لتاج الدين محمد بن عبد الوهاب بن المتوج الزبيري، والخطط للمقريزي، والمسالك لابن فضل الله العمري، ومختصره للشيخ تقي الدين الكرماني، ومناهج الفكر ومناهج العبر لمحمد بن عبد لله الأنصاري، وعنوان السير لمحمد بن عبد لله الهمذاني، وتاريخ الصحابة الذين نزلوا مصر لمحمد بن الربيع الجيزي، والتجريد في الصحابة للذهبي، والإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر، ورجال الكتب العشرة للحسيني، وطبقات الحفاظ للذهبي، وطبقات القراء له، وطبقات الشافعية للسبكي، وللإسنوي، وطبقات المالكية لابن فرحون، وطبقات الحنفية لابن دقماق، ومرآة الزمان لسبط ابن الجوزي، وتاريخ الإسلام لابن حجر، والطالع السعيد في أخبار الصعيد للأدفوي، وسجع الهديل في أخبار النيل لأحمد بن يوسف التيفاشي، والسكردان لابن أبي حجلة، وثمار الأوراق لابن حجة". هذا غير ما ذكره في تضاعيف الكتاب من المراجع الأخرى. وقد طبع هذا الكتاب عدة طبعات، يشيع في معظمها التصحيف والتحريف والخطأ؛

طُبع طبع حجر بمصر سنة 1860م، وطبع في مطبعة الوطن، سنة 1299هـ، وطبع بمطبعة الموسوعات سنة 1324هـ، وطبع بمطبعة السعادة سنة 1324هـ، وطبع بالمطبعة الشرقية سنة 1327هـ، وطبع منه جزء صغير مع ترجمة لاتينية سنة 1834م، كما أودع دور الكتب في العالم شرقًا وغربًا كثير من نسخة المخطوطة. وحينما شرعت في تحقيق هذا الكتاب رجعت إلى نسخة مخطوطة بالمكتبة التيمورية بدار لكتب برقم 2394 تاريخ - تيمور، تمت كتابتها في رجب سنة 977هـ، تقع في 465 صحفة، في كل صفحة 35 سطرًا تقريبًا، وفي كل سطر حوالي 20 كلمة، كتبت بخط معتاد يجنح إلى الصحة الإتقان والضبط القليل، ووضعت العنوانات بخط أغلظ، وفي حواشيها ما يشير إلى قراءتها ومقابلتها، وقد اتخذت هذه النسخة أصلًا في التحقيق. كما أني تخيرت مما طبع نسختين قريبتين من الصحة: النسخة المطبوعة في مطبعة الوطن، ورمزت إليها بالحرف "ط"، والنسخة المطبوعة بمصر على الحجر وقد رمزت إليه بالحرف "ح". ثم رجعت إلى ما يتسر لي الحصول عليه من المصادر التي ذكرها، وما اقتضاه الأمر من الرجوع إلى الكتب الأخرى في التفسير، والحديث والأدب ودواوين الشعر ومعاجم اللغة. هذا، وقد جعلت من منهجي في هذا الكتاب ألا أسرف في التعليق، أو أستطرد في الشرح والتفسير، إلا بالقدر الذي يعين على فهم النص وبه تستقيم العبارات، محاولًا أن يبدو الكتاب في أقرب صورة من نسخة المؤلف، وأن أقوم في آخر الكتاب بعمل الفهارس المتنوعة التي تقرب نفعة، وتدني جناه. وتصدر هذه الطبعة في جزأين، ينتهي الأول منهما بذكر أخبار الخلفاء الفاطميين أو كما سماهم المؤلف: "أمراء مصر من بني عبيد". ويبدأ الجزء الثاني بذكر أمراء مصر من حين ملكها بنو أيوب، وينتهي بالفصل الذي عقده في حبوب مصر وخضرواتها وبقولها. وأما الجلال السيوطي المؤلف، فقد عقد لنفسه فصلًا في هذا الكتاب (¬1) تحدث فيه عن ¬

(¬1) حسن المحاضرة1: 335-344 "طبعة الحلبي".

نسبه وأجداده، وذكر أن مولده كان: "بعد المغرب مستهل رجب سنة تسع وأربعين وثمانمائة"، كما ذكر الكتب التي درسها، والشيوخ الذين تلقى عنهم، والبلاد التي رحل إليها، والعلوم التي حذقها، والكتب التي ألفها، مما يعد وثيقة تاريخية في حياة هذا العالم الجليل. وقد ظل السيوطي طوال حياته مشغوفًا بالدرس مشتغلًا بالعلم، يتلقاه عن شيوخه أو يبذله لتلاميذه، أو يذيعه فتيًا، أو يحرره في الكتب والأسفار؛ وحينما تقدم به العمر، وأحس من نفسه الضعف، خلا بنفسه في منزله بروضة المقياس، واعتزل الناس، وتجرد للعبادة والتصنيف، وألف كتابه: "التنفيس في الاعتذار عن الفتيا والتدريس". وكان رحمه الله في حياته الخاصة على أحسن ما يكون عليها العلماء ورجال الفضل والدين، عفيفًا كريمًا، غني النفس، متباعدًا عن ذوي الجاه والسلطان، لا يقف بباب أمير أو وزير؛ قانعًا برزقة من خانقاه شيخو، لا يطمع فيما سواه. وكان الأمراء والوزراء يأتون لزيارته ويعرضون عليه أعطياتهم فيردها. ورُوي أن السلطان الغوري أرسل إليه مرة خصيًا وألف دينار، فرد الدنانير، وأخذ الخصي ثم أعتقه، وجعله حارسًا في الحجرة النبوية، وقال لرسول السلطان: لا تعد تأتينا قط بهدية؛ فإن الله أغنانًا عن ذلك. وأما كتبه فقد أحصى السيوطي منها في كتابه نحوًا من ثلاثمائة؛ في التفسير وتعلقاته والقراءات، والحديث وتعلقاته، والفقه وتعلقاته، وفن العربية وتعلقاته، وفن الأصول والبيان والتصوف، وفن التاريخ والأدب، والأجزاء المفردة، ما بين كبير في مجلد أو مجلدات، وصغير في كراريس أو أوراق. وذكر تلميذه الداودي المالكي أنها أنافت على خمسمائة مؤلف. وقال ابن إياس في تاريخه "حوادث 911": إنها بلغت ستمائة مؤلف. وتقع هذه الكتب في مجلد أو مجلدات؛ كالمزهر والإتقان والأشباه والنظائر وبغية الوعاة والدر المنثور في التفسير بالمأثور، والجامع الصغير والجامع الكبير وأمثالها، أو في أوارق أو صفحات؛ كهذه الرسائل التي طبعت باسم الحاوي في الفتاوي؛ في مجلد يحوي ثمانية وسبعين كتابًا في معظم الفنون. وقد تدارس العلماء هذه الكتب في كل مكان،

وانتشرت في حياة السيوطي وبعده، وعمرت بها المدارس والمعاهد ودور الكتب، وكاتبه المستفتون في شتى الجهات؛ مما أثار عليه فريقًا من أقرانه ومعاصريه من العلماء، وتحاملوا عليه، ورموه بما هو منه براء؛ وكان من أشد الناس خصومة عليه، وكثرهم تجريجًا وتشهيرًا، المؤرخ شمس الدين السخاوي، صاحب كتاب الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع؛ فقد ترجم له في هذا الكتاب، ونال من علمه وخلقه؛ مما يقع مثله بين النظراء والأنداد. وانتصر السيوطي لنفسه في مقامة اسمها: الكاوي على تاريخ السخاوي، كما انتصر له فريق من تلاميذه وفريق من العلماء ممن جاء بعده، منهم الشوكاني صاحب البدر الطالع؛ قال في ترجمته للسيوطي بعد أن لخص مطاعن السخاوي فيه، ورد هذه المطاعن عنه: "على كل حال فهو غير مقبول عليه لما عرفت من قول أئمة الجرح والتعديل، بعدم قبول قول الأقران بعضهم في بعض؛ مع ظهور أدنى منافسة؛ فكيف لمثل هذه المنافسة بين هذين الرجلين التي أفضت إلى تأليف بعضهم في بعض! فإن أقل من هذا يوجب عدم القبول. والسخاوي رحمه الله وإن كان إمامًا غير مدفوع؛ لكنه كثير التحامل على أكابر أقرانه". وكانت وفاة السيوطي على ما ذكره ابن إياس في الخميس تاسع شهري جمادى الأولى سنة 911هـ، ودفن بجوار خانقاه قوصون (¬1) خارج باب القرافة، بعد أن ملأ الدنيا علمًا، وشهرة وذكرًا (¬2) . رحمة الله عيه. يناير سنة 1968م. محمد أبو الفضل إبراهيم. ¬

(¬1) وضع العلامة أحمد تيمور بحثًا في قبر السيوطي وتحقيق موضعه، ونشر بالمكتبة السلفية بمصر سنة 1346هـ. وفي العام الماضي قمت مع صديقي العلامة الأديب الشاعر المتفنن الأستاذ سيد إبراهيم الخطاط بزيارة قبر السيوطي، في ضوء ما حققه تيمور؛ فوجدناه مقاما على مسجد؛ يكاد لا يُعرف بعد أن كانت -كما أخبرنا بعض من لقيناه هناك- الصلوات تقام فيه؛ وتؤدى الشعائر. ولعل القائمين بأمر المساجد في القاهرة يعنون بهذا المسجد وإعادة إحياء الشعائر فيه، تقديرًا لذكرى العالم الجليل. (¬2) انظر مقدمتنا لكل من كتابي بغية الوعاة في أخبار النحاة، والإتقان في علوم القرآن للمؤلف.

مقدمة المؤلف:

بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة المؤلف: وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا دائمًا أبدًا. قال الشيخ الإمام العالم العلامة، وحيد دهره، وفريد عصره، المحقق جلال الدين السيوطي، تغمده الله برحمته، وأسكنه فسيح جنته. آمين. الحمد لله الذي فاوت بين العباد، وفضل بعض خلقه على بعض حتى في الأمكنة والبلاد، والصلاة والسلام على سيدنا محمد أفصح من نطق بالضاد، وعلى آله وصحبه السادة الأمجاد. هذا كتاب سميته: "حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة"، وأوردت فيه فوائد سنية، وغرائب مستعذبة مرضية، تصلح لمسامرة الجليس، وتكون للوحدة نعم الأنيس، وفقنا الله لما يحبه ويرضاه، وجعلنا ممن يحمد قصده ولا يخيب مسعاه؛ بمنه وكرمه. وقد طالعت على هذا الكتاب كتبًا شتى، منها فتوح مصر لابن عبد الحكم، وفضائل مصر لأبي عمر الكندي، وتاريخ مصر لابن زولاق، والخطط للقضاعي وتاريخ مصر لابن ميسر (¬1) ، وإيقاظ المتغفل وإيعاظ المتأمل لتاج الدين محمد بن عبد الوهاب بن المتوج الزبيري، والخطط للمقريزي، والمسالك لابن فضل الله، ومختصره للشيخ تقي الدين الكرماني، ومباهج الفكر ومناهج العبر لمحمد بن عبد الله الأنصاري، وعنوان السير لمحمد بن عبد الملك الهمذني، وتاريخ الصحابة الذين نزلوا ¬

(¬1) في حاشيتي ح، ط: "وفي نسخة: لابن يونس".

مصر لمحمد بن الربيع الجيزي، والتجريد في الصحابة للذهبي، والإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر، ورجال الكتب العشرة للحسيني، وطبقات الحفاظ للذهبي، وطبقات القراء له، وطبقات الشافعية للسبكي، وطبقات الحفاظ للذهبي، وطبقات القراء له، وطبقات الشافعية للسبكي، وللإسنوي، وطبقات المالكية لابن فرحون، وطبقات الحنفية لابن دُقماق، ومرآن الزمان لسبط ابن الجوزي، وتاريخ الإسلام للذهبي، والعبر له والبداية والنهاية لابن كثير، وإنباء الغمر بأنباء العمر لابن حجر، والطالع السعيد في أخبار الصعيد للأدفوي، وسجع الهديل (¬1) في أخبار النيل لأحمد بن يوسف التيفاشي، والسكردان لابن أبي حجلة، وثمار الأوراق لابن حجة. ¬

(¬1) في الأصل: "الهذيل"، بالذل المعجمة، وصوابه من ط.

ما ورد في شأن مصر في القرآن الكريم والحديث الشريف والآثار

ذكر المواضع التي وقع فيها ذكر مصر في القرآن صريحًا أو كناية قال ابن زولاق (¬1) : ذكرت مصر في القرآن في ثمانية وعشرين موضعا. قلت: بل أكثر من ثلاثين. قال الله تعالى: {اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ} (¬2) ، وقرئ: "اهبطوا مصرَ" بلا تنوين، فعلى هذا هي مصر المعروفة قطعًا، وعلى قراءة التنوين، يحمل ذلك على الصرف اعتبارًا بالمكان؛ كما هو المقرر في العربية في جميع أسماء البلاد، وأنها تذكر وتؤنث، وتصرف وتمنع. وقد أخرج ابن جرير في تفسيره عن أبي العالية في قوله: {اهْبِطُوا مِصْرًا} قال: يعني مصر فرعون. وقال تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا} (¬3) . وقال تعالى: {وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ} (¬4) . وقال تعالى حكاية عن يونس عليه الصلاة والسلام: {ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} (¬5) . ¬

(¬1) هو الحسن بن إبراهيم بن الحسين، من ولد سليمان بن زولاق، مؤرخ مصر، ومن كتبه: خطط مصر ومختصر تاريخ مصر. توفي سنة 387. ابن خلكان 1: 134. (¬2) سورة البقرة: 61. (¬3) سورة يونس: 87. (¬4) سورة يوسف: 21. (¬5) سورة يوسف: 99.

وقال تعالى حكاية عن فرعون: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} (¬1) . وقال تعالى: {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا} (¬2) . وقال تعالى: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا} (¬3) . وقال تعالى: {فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ} (¬4) . وقال تعالى: {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى} (¬5) ، أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره عن السدي أن المدينة في هذه الآية منف، وكان فرعون بها. وقال تعالى: {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} (¬6) . أخرج ابن أبي حاتم، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في الآية، قال: هي مصر، قال: وليس الربا إلا بمصر، والماء حين يرسل، تكون الربا عليها القرى، "و" لولا الربا لغرقت القرى. وأخرج ابن المنذر في تفسيره، عن وهب بن منبه، في قوله: {إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} ، قال: مصر. وأخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق، من طريق جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس، أن عيسى كان يرى العجائب في صباه إلهامًا من الله، ففشا ذلك في اليهود، وترعرع عيسى، فهمت به بنو إسرائيل، فخافت أمه عليه، فأوحى الله إليها أن تنطلق به إلى أرض مصر؛ فذلك قوله تعالى {وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ} ؛ قال: يعني مصر. وأخرج ابن عساكر، عن زيد بن أسلم في قوله: {وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} ، قال: هي الإسكندرية. ¬

(¬1) سورة الزخرف: 51. (¬2) سورة يوسف: 30. (¬3) سورة القصص: 18. (¬4) سورة القصص: 18. (¬5) سورة القصص: 20. (¬6) سورة المؤمنون: 50.

وقال تعالى حكايةً عن يوسف عليه الصلاة والسلام: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ} (¬1) ، أخرج ابن جرير، عن ابن زيد في الآية، قال: كان لفرعون خزائن كثيرة بأرض مصر، فأسلمها سلطانه إليه. وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ} (¬2) ، أخرج ابن جرير، عن السدي في الآية قال: استعمله الملك على مصر، وكان صاحب أمرها. وقال تعالى في أول السورة: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} (¬3) . وقال تعالى: {فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي} (¬4) ، قال ابن جرير: أي لن أفارق الأرض التي أنا بها -وهي مصر- حتى يأذن لي أبي بالخروج منها. وقال تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ} (¬5) . وقال تعالى: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ} (¬6) . وقال تعالى: {إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ} (¬7) . وقال تعالى: {لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ} (¬8) . وقال تعالى: {أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} (¬9) . وقال تعالى: {أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ} (¬10) ، إلى قوله: ¬

(¬1) سورة يوسف: 55. (¬2) سورة يوسف: 56. (¬3) سورة يوسف: 21. (¬4) سورة يوسف: 80. (¬5) سورة القصص: 4. (¬6) سورة القصص: 5، 6. (¬7) سورة القصص: 19. (¬8) سورة غافر: 29. (¬9) سورة غافر: 26. (¬10) سورة الأعراف: 127.

{إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} (¬1) ، إلى قوله: {قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ} (¬2) . المراد بالأرض في هذه الآيات كلها مصر. وعن ابن عباس -وقد ذكر مصر، فقال: سميت مصر بالأرض كلها في عشرة مواضع من القرآن. قلت: بل في اثني عشر موضعًا أو أكثر. وقال تعالى: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} (¬3) ؛ قال الليث بن سعد: هي مصر؛ بارك فيها بالنيل. حكاه أبو حيان في تفسيره. وقال القرطبي في هذه الآية: الظاهر أنهم ورثوا أرض القبط. وقيل: هي أرض الشام ومصر؛ قاله ابن إسحاق وقتادة وغيرهما. وقال تعالى في سورتي الأعراف والشعراء: {يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ} (¬4) . وقال تعالى: {إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا} (¬5) . وقال تعالى: {فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} (¬6) . وقال تعالى: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} (¬7) ؛ قال الكندي: لا يعلم بلد في أقطار الأرض أثنى الله عليه في القرآن بمثل هذا الثناء، ولا وصفه بمثل هذا الوصف، ولا شهد له بالكرم غير مصر. ¬

(¬1) سورة الأعراف: 128. (¬2) سورة الأعراف: 129. (¬3) سورة الأعراف: 137. (¬4) سورة الأعراف: 110، الشعراء: 35. (¬5) سورة الأعراف: 123. (¬6) سورة الشعراء: 57، 58. (¬7) سورة الدخان: 25، 26.

وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ} (¬1) ، أورده ابن زولاق. وقال القرطبي في تفسيره: أي منزل صدق محمود مختار -يعني مصر. وقال الضحاك: هي مصر والشام. وقال تعالى: {كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ} (¬2) ، أورده ابن زولاق وقال: الربا لا تكون إلا بمصر. وقال تعالى: {ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} (¬3) ، أورده ابن زولاق أيضًا، وحكاه أبو حيان في تفسيره قولًا إنها مصر، وضعفه. قال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ} (¬4) . قال قوم: هي مصر، وقواه ابن كثير في تفسيره. وقال تعالى: {وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا} (¬5) ، قال عكرمة: منها القراطيس التي بمصر. وقال تعالى: {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ، الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ} (¬6) . قال محمد بن كعب القرظي: هي الإسكندرية. ¬

(¬1) سورة يونس: 93. (¬2) سورة البقرة: 265. (¬3) سورة المائدة: 21. (¬4) سورة السجدة: 27. (¬5) سورة فصلت: 10. (¬6) سورة الفجر: 7، 8.

لطيفةعن الكندي في أمر يوسف عليه السلام:

لطيفةعن الكندي في أمر يوسف عليه السلام: قال الكندي (¬1) : قال الله تعالى حكايةً عن يوسف عليه الصلاة والسلام: {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ} (¬2) ، فجعل الشام بدوًا؛ وسمى مصر مصرًا ومدينةً. فائدة في ذكر ما اشتهر على الألسنة في قوله تعالى {سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ} أنها مصر: اشتهر على ألسنة كثير من الناس في قوله تعالى: {سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ} (¬3) ، أنها مصر؛ وقد نص ابن الصلاح وغيره على أن ذلك غلط نشأ من تصحيف؛ وإنما الوارد عن مجاهد وغيره من مفسري السلف: {سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ} ، قال: مصيرهم؛ فصحف بمصر. ¬

(¬1) هو محمد بن يوسف بن يعقوب أبو عمر الكندي، المؤرخ المصري، وهو غير الكندي الفيلسوف صاحب كتاب قضاة مصر؛ وكتابه فضائل مصر، صنفه لكافور الإخشيدي، توفي بعد سنة 355: الأعلام 8: 21. (¬2) سورة يوسف: 100. (¬3) سورة الأعراف: 145.

ذكر الآثار التي ورد فيها ذكر مصر:

ذكر الآثار التي ورد فيها ذكر مصر: قال أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم (¬1) في فتوح مصر: حدثنا أشهب بن عبد العزيز وعبد الملك بن مسلمة، قالا (¬2) : حدثنا مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن أبيه: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "إذا افتتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرًا؛ فإن لهم ذمةً ورحمًا". قال ابن شهاب: وكان يقال: إن أم إسماعيل عليه الصلاة والسلام منهم (¬3) . وأخرجه أيضًا الليث، عن ابن شهاب، وفي آخره: قال الليث: قلت لابن شهاب: ما رحمهم؟ قال: إن أم إسماعيل منهم. وأخرجه أيضًا من طريق ابن عيينة وابن إسحاق عن ابن شهاب. وهذا حديث صحيح، أخرجه الطبراني في معجمه الكبير، والبيهقي وأبو نعيم، كلاهما في دلائل النبوة. وأخرج مسلم في صحيحه، عن أبي ذر، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ستفتحون مصر، وهي أرض يسمى فيها القيراط؛ فاستوصوا بأهلها خيرًا؛ فإن لهم ذمة ورحما". وأخرج مسلم، وابن عبد الحكم في الفتوح، ومحمد بن الربيع الجيزي في كتاب: من دخل مصر من الصحابة، والبيهقي في دلائل النبوة، عن أبي ذر، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنكم ستفتحون أرضًا يذكر فيها القيراط، ¬

(¬1) هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم أبو القاسم؛ المؤرخ المصري ابن الفقيه عبد الله صاحب سيرة عمر بن عبد العزيز. توفي سنة 257: الأعلام 4: 86. (¬2) في الأصول: "قال" وصوابه من فتوح مصر. (¬3) فتوح مصر 2.

فاستوصوا بأهلها خيرًا، فإن لهم ذمة ورحمًا؛ فإذا رأيت رجلين يقتتلان على موضع لبنة، فاخرج منها". فمر أبو ذر بربيعة وعبد الرحمن بن شرحبيل بن حسنة وهما يتنازعان في موضع لبنة، فخرج منها (¬1) . وأخرج ابن عبد الحكيم من طريق بحير بن ذاخر المعافري، عن عمرو بن العاص، عن عمر بن الخطاب، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إن الله سيفتح عليكم بعدي مصر، فاستوصوا بقبطها خيرًا؛ فإن لكم منهم صهرًا وذمةً" (¬2) . وأخرج الطبراني في الكبير، وأبو نعيم في دلائل النبوة؛ بسند صحيح؛ عن أم سلمة، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوصى عند وفاته، فقال: "الله الله في قبط مصر؛ فإنكم ستظهرون عليهم، ويكونون لكم عدة وأعوانًا في سبيل الله" (¬3) . وأخرج أبو يعلى في مسنده، وابن عبد الحكم بسندٍ صحيح؛ من طريق ابن هانئ الخولاني، عن أبي عبد الرحمن الحبلي وعمرو بن حريث وغيرهما، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "ستقدمون على قوم جعد رءوسهم، فاستوصوا بهم خيرًا؛ فإنهم قوة لكم، وبلاغ إلى عدوكم بإذن الله" -يعني قبط مصر (¬4) . وأخرج ابن عبد الحكم، من طريق ابن سالم الجيشاني وسفيان بن هانئ، أن بعض أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبره أنه سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "إنكم ستكونون إجنادًا، وإن خير أجنادكم أهل المغرب؛ فاتقوا الله في القبط، لا تأكلوهم أكل الحضر" (¬5) . ¬

(¬1) فتوح مصر 2، 3 وصحيح مسلم 1970. (¬2) فتوح مصر 3. (¬3) فتوح مصر 3. (¬4) فتوح مصر 3. (¬5) فتوح مصر 3؛ والحضر؛ هو الذي يتحين طعام الناس حتى يحضره.

وأخرج ابن عبد الحكم، عن مسلم بن يسار، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "استوصوا بالقبط خيرًا، فإنكم ستجدونهم نعم الأعوان على قتال عدوكم" (¬1) . وأخرج ابن عبد الحكم، عن موسى بن أبي أيوب الغافقي (¬2) ، عن رجل من المربد، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرض، فأُغمي عليه ثم أفاق، فقال: "استوصوا بالأدم الجعد"؛ ثم أُغمي عليه الثانية ثم أفاق، فقال مثل ذلك، ثم أُغمي عليه الثالثة فقال مثل ذلك، فقال القوم: لو سألنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الأدم الجعد! فأفاق، فسألوه فقال: "قبط مصر؛ فإنهم أخوال وأصهار، وهم أعوانكم على عدوكم، وأعوانكم على دينكم"، فقالوا: كيف يكونون أعوانًا على ديننا يا رسول الله؟ فقال: "يكفونكم أعمال الدنيا فتتفرغون للعبادة؛ فالراضي بما يؤتَى إليهم كالفاعل بهم، والكاره بما يؤتى إليهم من الظلم كالمتنزه عنهم" (¬3) . وأخرج ابن عبد الحكيم عن ابن لهيعة، قال: حدثني عمر مولى غفرة (¬4) ، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "الله الله في أهل الذمة، أهل المدرة السوداء، السحم الجعاد؛ فإن لهم نسبًا وصهرًا". قال عمر مولى غفرة: صهرهم أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسرى منهم، ونسبهم أن أم إسماعيل عليه الصلاة والسلام منهم. فأخبرني ابن لهيعة أن أم إسماعيل هاجر أم العرب من قرية كانت من أمام الفرما من مصر (¬5) . وقول ابن عبد الحكم: حدثنا عمر بن صالح، أخبرنا مروان القصاص، قال: صاهر إلى القبط ثلاثة أنبياء: إبراهيم عليه الصلاة والسلام تسرى (¬6) هاجر، ¬

(¬1) فتوح مصر 3. (¬2) في الأصول: "اليافعي" وصوابه من فتوح مصر. (¬3) فتوح مصر 3، 4. (¬4) في الأصول: "عفرة" تحريف، صوابه من تقريب التهذيب 2: 65، وهو عمر بن عبد الله المدني. قال ابن حجر: "ضعيف"، وكان كثير الإرسال. (¬5) فتوح مصر 4. (¬6) فتوح مصر: "تسرر".

ويوسف عليه الصلاة والسلام تزوج بنت صاحب عين الشمس، ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسرى مارية. وقال: حدثنا هانئ بن المتوكل، حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، أن قرية هاجر ياق (¬1) ، التي عند أم دنين (¬2) . وأخرج الطبراني عن رياح اللخمي، أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إن مصر ستفتح فانتجعوا خيرها، ولا تتخذوها دارًا؛ فإنه يساق إليها أقل الناس أعمارًا". وفي إسناده مطهر بن الهيثم، قال فيه أبو سعيد بن يونس: إنه متروك. والحديث منكر جدًا، وقد أورده ابن الجوزي في الموضوعات. وأخرج مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "منعت العراق درهمها وقفيزها، ومنعت الشام مديها ودينارها، ومنعت مصر إردبها ودينارها، وعدتم من حيث بدأتم" (¬3) . وأخرج الإمام الشافعي رضي الله عنه في الأمم، عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام ومصر والمغرب الجُحفة. وأخرج ابن عبد الحكم، عن يزيد بن أبي حبيب؛ أن المقوقس أهدى إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عسلًا من عسل بنها، فأعجب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدعا في عسل بنها بالبركة. مرسل حسن الإسناد (¬4) . وأخرج ابن عبد الحكم، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "إذا فتح عليكم مصر؛ فاتخذوا فيها جندًا كثيفًا؛ ¬

(¬1) في الأصول: "باقية" تحريف؛ صوابه من فتوح مصر ومعجم البلدان. (¬2) فتوح مصر 4. (¬3) صحيح مسلم: 222. والمدى: مكيال. (¬4) انظر فتوح مصر 48.

فذلك الجند خير أجناد الأرض"، فقال أبو بكر: ولِمَ يا رسول الله؟ قال: "لأنهم وأزواجهم في رباط إلى يوم القيامة". وأخرج ابن عبد الحكم، عن علي بن رباح، قال: خرجنا حجاجًا من مصر، فقال له سليم بن عتر: اقرأ على أبي هريرة السلام، وأخبره أني قد استغفرت له ولأمه الغداة، فلقيته فقلت له ذلك، فقال: وأنا قد استغفرت له ولأمه الغداة. ثم قال أبو هريرة: كيف تركت أم خنور؟ (¬1) قال: فذكرت له من خصبها ورفاغتها، فقال: أما إنها أول الأرضين خرابًا، وعلى أثرها إرمينية. قلت: أسمعت ذلك من رسول الله أو من كعب؟ وأخرج الديلمي في مسند الفردوس، وأورده القرطبي في التذكرة من حديث حذيفة مرفوعًا: ُ"يبدو الخراب في أطراف البلاد حتى تخرب مصر، ومصر آمنة من الخراب حتى تخرب البصرة، وخراب البصرة من العراق، وخراب مصر من جفاف النيل، وخراب مكة من الحبشة، وخراب المدينة من الجوع، وخراب اليمن من الجراد، وخراب الأيلة من الحصار، وخراب فارس من الصعاليك، وخراب الترك من الديلم، وخراب الديلم من الأرمن، وخراب الأرمن من الخزر، وخراب الخرز من الترك، وخراب الترك من الصواعق، وخراب السند من الهند، وخراب الهند من الصين، وخراب الصين من الرمل، وخراب الحبشة من الرجفة، وخراب العراق من القحط". وأخرج الحاكم في المستدرك عن كعب، قال: "الجزيرة آمنة من الخراب حتى تخرب إرمينية، ومصر آمنة من الخراب حتى تخرب الجزيرة، والكوفة آمنة من الخراب حتى تخرب مصر، ولا تكون الملحمة حتى تخرب الكوفة، ولا تفتح مدينة الكفر حتى ¬

(¬1) أم خنور، هي مصر، قاله ياقوت.

تكون الملحمة، ولا يخرج الدجال حتى تفتح مدينة الكفر". وأخرج البزار في مسنده والطبراني بسند صحيح، عن أبي الدرداء رضي الله عنه، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: "إنكم ستجدون أجنادًا؛ جندًا بالشام ومصر والعراق واليمن". وأخرج الطبراني والحاكم في المستدرك، وصححه ابن عبد الحكم ومحمد بن الربيع الجيزي في كتاب: "من دخل مصر من الصحابة"، عن عمرو بن الحمق، قال رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تكون فتنة، يكون أسلم الناس فيها الجند الغربي"، قال ابن الحمق: فلذلك قدمت عليكم بمصر. وأخرج محمد بن الربيع الجيزي من وجه آخر عن عمرو بن الحمق، أنه قام عند المنبر بمصر؛ وذلك عند فتنة عثمان رضي الله عنه، فقال: يا أيها الناس؛ إني سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "تكون فتنة خير الناس فيها الجند الغربي، وأنتم الجند الغربي، فجئتكم لأكون معكم فيما أنتم فيه". وأخرج الطبراني في الكبير والأوسط، وأبو الفتح الأزدي عن ابن عمر أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: "إن إبليس دخل العراق، فقضى حاجته منها، ثم دخل الشام فطردوه حتى بلغ ميسان، ثم دخل مصر، فباض فيها وفرخ، وبسط عبقريه". قال الحافظ أبو الحسن الهيثمي في مجمع الزوائد: رجاله ثقاة إلا أن فيه انقطاعًا؛ فإن يعقوب بن عبد الله بن عتبة بن الأخنس لم يسمع من ابن عمر (¬1) . انتهى. وأفرط ابن الجوزي فأورده في الموضوعات، وقال: فيه عقيل بن خالد، يروى عن الزهري مناكير، وابن لهيعة مطروح. قلت: عقيل من رجال الصحيحين، وابن لهيعة من رجال مسلم، وهو حسن الحديث. ¬

(¬1) مجمع الزوائد 9: 60.

وأخرج الخلال في كرامات الأولياء وابن عساكر في تاريخه، عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: "قبة الإسلام بالكوفة، والهجرة بالمدينة، والنجباء بمصر، والأبدال بالشام". وأخرج ابن عساكر من وجه آخر عن علي، قال: الأبدال من الشام، والنجباء من أهل مصر، والأخيار من أهل العراق". وأخرج ابن عساكر من طريق أحمد بن أبي الحواري، قال: "سمعت أبا سليمان يقول: الأبدال بالشام، والنجباء بمصر، والقطب باليمن، والأخيار بالعراق". وأخرج الخطيب البغدادي وابن عساكر من طريق عبيد الله بن محمد العيسي قال: سمعت الكتاني (¬1) يقول: النقباء ثلاثمائة، والنجباء سبعون، والبدلاء أربعون، والأخيار سبعة، والعمد أربعة، والغوث واحد، فمسكن النقباء الغرب، ومسكن النجباء مصر، ومسكن الأبدال الشام، والأخيار سياحون في الأرض، والعمد في زوايا الأرض، ومسكن الغوث مكة، فإذا عرضت الحاجة من أمر العامة ابتهل فيها النقباء، ثم النجباء، ثم الأبدال، ثم الأخيار، ثم العمد، فإن أجيبوا؛ وإلا ابتهل الغوث فلا تتم مسألته حتى تجاب دعوته. قال الحافظ الدمياطي في معجمه: قرأت على أبي الفتح الباوردي بحلب، أخبرني يحيى بن محمود يبن سعد أبو الفرج الثقفي الأصفهاني، أنبأنا أبو علي الحداد، أنبأنا أبو نعيم الحافظ، أنبأنا أبو الحسن أحمد بن القاسم بن الريان، حدثنا أحمد بن إسحاق، عن إبراهيم بن نبيط بن شريط الأشجعي، حدثني أبي، عن أبيه، عن جده نبيط، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: "الجيزة روضة من رياض الجنة، ومصر خزائن الله في أرضه". ¬

(¬1) ح، ط: "الكسائي"، وما أثبته من الأصل.

فصل: في آثار موقوفة

فصل: في آثار موقوفة أخرج ابن عبد الحكم عن عبد لله بن عمرو بن العاص، قال: خلقت الدنيا على خمس صور: على صورة الطائر؛ برأسه وصدره وجناحيه وذنبه، فالرأس مكة والمدينة واليمن، والصدر الشام ومصر، والجناح الأيمن العراق، والجناح الأيسر السند والهند، والذنب من ذات الحمام إلى مغرب الشمس، وشر ما في الطائر الذنب (¬1) . وأخرج محمد بن الربيع الجيزي وابن عبد الحكم، عن أبي قبيل، أن عبد الرحمن بن غنم الأشعري قدم من الشام إلى عبد الله بن عمرو، فقال له عبد الله: ما أقدمك إلى بلادنا؟ قال: أنت، قال: لماذا؟ قال: كنت تحدّثنا أن مصر أسرع الأرضين خرابًا، ثم أراك قد اتخذت فيها الرباع، وبنيت القصور، واطمأننت فيها. قال: إن مصر قد أوفت خرابها، دخلها بخت نصر، فلم يدع فيها إلا السباع والرباع، وقد مضى خرابها؛ فهي اليوم أطيب الأرض ترابًا، وأبعدها خرابًا، ولن تزال فيها بركة ما دام في شيء من الأرضين بركة (¬2) . وأخرج ابن عبد الحكم، عن عبد الله بن عمرو، قال: قبط مصر أكرم الأعاجم كلها، وأسمحهم يدًا، وأفضلهم عنصرًا، وأقربهم رحمًا بالعرب عامة، وبقريش خاصة. ومن أراد أن يذكر الفردوس، أو ينظر إلى مثلها في الدنيا، فلينظر إلى أرض مصر حين يخضر زرعها، وتنور ثمارها (¬3) . وأخرج ابن عبد الحكم، عن كعب الأحبار، قال: من أراد أن ينظر إلى شبه الجنة، فلينظر إلى أرض مصر إذا أخرفت. وفي لفظ: "إذا أزهرت" (¬4) . ¬

(¬1) فتوح مصر1، مع اختلاف في الرواية. (¬2) فتوح مصر 32. (¬3) فتوح مصر 5. (¬4) ساقطة من ح، ط.

وأخرج ابن عبد الحكم، عن كعب الأحبار، قال: مثل قبط مصر كالغيضة، كلما قطعت نبتت حتى يخرب الله بهم وبصنعتهم جزائر الروم (¬1) . وأخرج ابن الحكم عن ابن لهيعة، قال: كان عمرو بن العاص يقول: ولاية مصر جامعة تعدل الخلافة. وأخرج ابن عبد الحكم من طريق عبد الرحمن شماسة النهدي، عن أبي رهم السماعي الصحابي -رضي الله عنه- قال: كانت لمصر قناطر وجسور بتقدير وتدبير، حتى إن الماء ليجري تحت منازلها وأقنيتها، فيحبسونه كيف شاءوا، ويرسلونه كيف شاءوا؛ فذلك قوله تعالى فيما حكى من قول فرعون: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ} ، ولم يكن في الأرض يومئذ ملك أعظم من ملك مصر. وكانت الجنات بحافتي النيل من أوله إلى آخره من الجانبين جميعًا، ما بين أسوان إلى رشيد، وسبعة خُلُج: خليج الإسكندرية، وخليج سخا، وخليج دمياط، وخليج منف، وخليج الفيوم، وخليج المنهى، وخليج سردوي؛ جنات متصلة لا ينقطع منها شيء عن شيء، والزرع ما بين الجبلين، من أول مصر إلى آخرها مما يبلغه الماء، وكان جميع مصر كلها تروى من ستة عشر ذراعًا لما قدروا ودبروا من قناطرها وخلجها وجسورها، فذلك قوله تعالى: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} ، قال: والمقام الكريم المنابر (¬2) كان بها ألف منبر (¬3) . ¬

(¬1) فتوح مصر 5. (¬2) ساقطة من ح، ط. (¬3) فتوح مصر6.

فصل: في آثار أوردها المؤلفون في أخبار مصر ولم أقف عليها مسندة في كتب أهل الحديث

فصل: في آثار أوردها المؤلفون في أخبار مصر ولم أقف عليها مسندة في كتب أهل الحديث، وأوردها ابن زولاق وغيره، عن عبد لله بن عمر. قال: لما خلق الله آدم مثل له الدنيا شرقها وغربها، وسهلها وجبلها، وأنهارها وبحارها، وبناءها وخرابها، ومن يسكنها من الأمم، ومن يملكها من الملوك. فلما رأى مصر رأى أرضًا سهلة، ذات نهر جار، مادته من الجنة، تنحدر فيه البركة، وتمزجه الرحمة، ورأى جبلًا من جبالها مكسوا نورًا، لا يخلو من نظر الرب إليه بالرحمة، في سفحه أشجار مثمرة، فروعها في الجنة، تُسقى بماء الرحمة. فدعا آدم في النيل بالبركة، ودعا في مصر بالرحمة والبر والتقوى، وبارك على نيلها وجبلها سبع مرات، وقال: يأيها الجبل المرحوم، سفحك جنة، وتربتك مسك، يدفن فيها غراس الجنة، أرض حافظة مطيعة رحيمة، لا خلتك يا مصر بركة، ولا زال بك حفظ، ولا زال منك ملك وعز، يا أرض فيك الخباء والكنوز، ولك البر والثروة، سال نهرك عسلًا، كثر الله زرعك، ودر ضرعك، وزكى نباتك، وعظمت بركتك وخصبت؛ ولا زال فيك الخير ما لم تتجبري وتتكبري، أو تخوني وتسخري، فإذا فعلت ذلك عراك شر، ثم يعود خيرك. فكان آدم أول من دعا لمصر بالرحمة والخصب والبركة والرأفة. وأورد غيره عن عبد الله بن سلام، قال: مصر أم البركات، تعم بركتها من حج بيت الله الحرام من أهل المشرق والمغرب، وإن الله يُوحي إلى نيلها في كل عام مرتين؛

مرة عند جريانه، فيوحى إليه: إن الله يأمرك أن تجري كما تؤمر، ثم يوحى إليه ثانية: إن الله يأمرك أن تفيض حميدًا، فيفيض. وأن بلد مصر بلد معافاة وأهلها أهل عافية، وهي آمنة ممن يقصدها بسوء، من أرادها بسوء كبه الله على وجهه، ونهرها نهر العسل، ومادته من الجنة، وكفى بالعسل طعامًا وشرابًا. وأورد عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه، أنه لما بعث محمد بن أبي بكر الصديق إلى مصر، قال: إني وجهتك إلى فردوس الدنيا. وعن سعيد (¬1) بن هلال، قال: اسم مصر في الكتب السالفة أم البلاد. وذكر أنها مصورة في كتب الأوائل (¬2) ، وسائر المدن مادة أيديها إليها تستطعمها. وعن كعب قال: في التوراة مكتوب: مصر خزائن الأرض كلها، فمن أراد بها سوءًا قصمه الله. وعن كعب قال: لولا رغبتي في بيت المقدس ما سكنت (¬3) إلا مصر. قيل: ولِمَ؟ قال: لأنها بلدة معافاة من الفتن، ومن أرادها بسوء كبه الله على وجهه؛ وهو بلد مبارك لأهله فيه. وعن أبي بصرة الغفاري، قال: مصر خزائن الأرض كلها، وسلطان مصر سلطان الأرض كلها. وعن أبي رهم السماعي، قال: لا تزال مصر معافاةً من الفتن، مدفوعًا عن أهلها كل الأذى؛ ما لم يغلب عليها غيرهم؛ فإذا كان كذلك لعبت بهم الفتن يمينًا وشمالًا. ¬

(¬1) ط: "سعد". (¬2) حاشية ح: "الأولين - من نسخة". (¬3) حاشية ط: "ما ملكت - من نسخة".

وعن عبد الله بن عمر، قال: البركة عشر بركات؛ ففي مصر تسع، وفي الأرض كلها واحدة؛ ولا تزال في مصر بركة أضعاف ما في جميع الأرضين. وعن حيوة بن شريح، عن عقبة بن مسلم، يرفعه: "إن الله يقول يوم القيامة لساكني مصر يعدد عليهم: ألم أسكنكم مصر، فكنتم تشبعون من خبزها وتروون من مائها". وعن أبي موسى الشعري -رضي الله عنه، قال: "أهل مصر الجند الضعيف، ما كادهم أحد إلا كفاهم الله مؤنته". قال تُبَيع بن عامر الكلاعي: فأخبرت بذلك معاذ بن جبل، فأخبرني أن بذلك أخبره رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن شُفَيّ بن عبيد الأصبحي: قال: بلد مصر بلد معافات من الفتن، لا يريدهم أحد بسوء إلا صرعه الله، ولا يريد أحد هلكهم إلا أهلكه. وقال أبو ربيع السائح: نعم البلد مصر، يُحج منها بدينارين، ويُغزى منها بدرهمين. يريد الحج في بحر القلزم، والغزو إلى الإسكندرية وسائر سواحل مصر. وقيل: إن يوسف عليه الصلاة والسلام لما دخل إلى مصر، وأقام بها قال: اللهم إني غريب فحببها إليَّ وإلى كل غريب؛ فمضت دعوة يوسف، فليس يدخلها غريب إلا أحب المقام بها. وعن دانيال عليه السلام: "يا بني إسرائيل، اعلموا لله، فإن الله يجازيكم بمثل مصر في الآخرة" -أراد الجنة.

تاريخ مصر القديم

ذكر إقليم مصر: قال ابن حوقل (¬1) في كتاب الأقاليم: اعلم أن حد ديار مصر الشمالي بحر الروم رفح من العريش ممتدًا على الجفار إلى الفرما، إلى الطينة، إلى دمياط، إلى ساحل رشيد، إلى الإسكندرية وبرقة إلى الساحل، آخذًا (¬2) جنوبًا إلى ظهر الواحات، إلى حدود النوبة، والحد الجنوبي من حدود النوبة المذكورة، آخذًا شرقًا (¬3) إلى أسوان، إلى بحر القلزم،. والحد الشرقي من بحر القلزم قبالة أسوان إلى عيذاب، إلى القصير، إلى القلزم، إلى تيه بني إسرائيل، ثم يعطف شمالا إلى بحر الروم، إلى رفح، حيث ابتدأنا، وبقاعها كثيرة. وقال غيره: مصر هي إقليم العجائب، ومعدن الغرائب، وكانت مدنًا متقاربة على الشطين؛ كأنها مدينة واحدة، والبساتين خلف المدن متصلة كأنها بستان واحدًا، والمزراع من خلف البساتين، حتى قيل: إن الكتاب كان يصل من إسكندرية إلى أسوان في يوم واحد، يتناوله قيم البساتين واحد إلى واحد. وقد دمر الله تلك المعالم، وطمس على تلك الأموال والمعادن. حُكي أن المأمون لما دخل مصر، قال: قبح الله فرعون إذ قال: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ} (¬4) ، فلو رأى العراق! فقال له سعيد بن عفير: لا تقل هذا يا أمير المؤمنين ¬

(¬1) هو أبو القاسم محمد بن حوقل البغدادي الموصلي، التاجر الرحالة المؤرخ، المتوفى سنة 367. واسم كتابه: "المسالك والمفاوز والمهالك" طبع مرارا في أوربًا. (¬2) ح: "أخذ". (¬3) ح، ط: "شرقيًّا". (¬4) سورة الزخرف: 51.

فإن الله تعالى قال: {وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ} (¬1) ، فما ظنك بشيء دمره الله هذه بقيته! فقال ما قصرت يا سعيد. قال سعيد: ثم قلت: يا أمير المؤمنين، لقد بلغنا أنه لم تكن أرض أعظم من مصر، وجميع الأرض يحتاجون إليها، وكانت الأنهار بقناطر وجسور بتقدير؛ حتى إن الماء يجري تحت منازلهم وأفنيتهم يحبسونه متى شاءوا، ويرسلونه متى شاءوا، وكانت البساتين بحافتي النيل من أوله إلى آخره ما بين أسوان إلى رشيد لا تنقطع؛ ولقد كانت المرأة تخرج حاسرة ولا تحتاج إلى خمار لكثرة الشجر، ولقد كانت المرأة تضع المكتل على رأسها فيمتلئ مما يسقط فيه من الشجر، وكان أهل مصر ما بين قبطي ويوناني وعمليقي؛ إلا أن جمهورهم قبط، وأكثر ما يملكها الغرباء. وكانت خمسًا وثمانين كورة، منها أسفل الأرض خمس وأربعون كورة، ومنها بالصعيد أربعون كورة؛ وكان في كل كورة رئيس من الكهنة -وهم السحرة- وكانت مصر القديمة اسمها أقسوس، وكانت منف مدينة الملوك قبل الفراعنة وبعدهم إلى أن خربها بخت نصر؛ وكان لها سبعون بابًا، وحيطانها مبنية بالحديد والصفر، وكان يجري تحت سرير الملك أربعة أنهار، وكان طولها اثني عشر ميلًا. وكان جباية مصر تسعين ألف ألف دينار مكررة مرتين بالدينار الفرعوني، وهو ثلاثة مثاقيل. وقال صاحب مباهج الفكر ومناهج العبر (¬2) : حد مصر طولًا من ثغر أسوان، وهو تجاه النوبة إلى العريش، وهو مدينة على البحر الرومي، ومسافة ذلك ثلاثون مرحلة، وحده عرضًا من مدينة برقة التي على ساحل البحر الرومي إلى أيلة التي على ¬

(¬1) سورة الأعراف: 137. (¬2) هو محمد بن عبد الله الكتبي المعروف بالوطواط. توفي سنة 718. الدرر الكامنة 3: 298.

بحر القلزم، ومسافة ذلك عشرون مرحلة. وتنسب إلى مصر. وقيل: مصر بن بيصر بن حام، ويسمي اليونان بلد مصر مقدونية، وأول مدينة اختطت بمصر مدينة منف، وهي في غربي النيل، وتسمى في عصرنا بمصر القديمة. ولما فتح عمرو بن العاص مصر أمر المسلمين أن يحيطوا حول فسطاطه، ففعلوا، واتصلت العمارة بعضها ببعض، وسمي مجموع ذلك الفسطاط. ولم يزل مقرًّا للولاية والجند إلى أن وليه أحمد بن طولون، فضاق بالجند والرعية، فبنى في شرقيه مدينة، وسماها القطائع، وأسكنها الجند، يكون مقدارها ميلًا في ميل. ولم تزل عامرة إلى أن هدمها محمد بن سليمان الكاتب في أيام المكتفي، حنقًا على بني طولون سنة اثنتين وتسعين ومائتين، وأبقى الجامع. ثم ملك العبيديون مصر في سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة، فبنى جوهر القائد مولى المعز مدينة شرقي مدينة ابن طولون، وسماها القاهرة، وبنى فيها القصور لمولاه، فصارت بعد ذلك دار الملك ومقر الجند. قال في السكردان (¬1) : وكان جوهر لما بنى القاهرة سماها المنصورة (¬2) ، فلما قدم المعز غير اسمها، وسماها القاهرة؛ وذلك أن جوهرًا لما قصد إقامة السور جمع المنجمين، وأمرهم أن يختاروا طالعًا لحفر الأساس، وطالعًا لري حجارته، فجعلوا قوائم من خشب، بين القائمة والقائمة حبل فيه أجراس، وأعلموا (¬3) البنائين أنه ساعة ¬

(¬1) كتاب سكردان السلطان، لأبي العباس أحمد بن يحيى بن أبي بكر الشهير بابن حجلة، والمتوفى سنة 776؛ كتاب أدبي تاريخي، يشتمل على أنواع من الجد والهزل؛ ألفه للسلطان الملك الناصر بن أبي المحاسن في سنة 757؛ في خواص السبعة التي هي أشرف الأعداد طبع، والسكردان في الأصل: خوان يوضع فيه الشراب، ذكره صاحب شفاء الغليل. (¬2) في السكردان: "المنصورية"، وبعدها: "وذلك في سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة، من الهجرة النبوية الشريفة". (¬3) السكردان: "وأفهموا".

تحريك الأجراس يرمون ما بأيديهم من الطين والحجارة، فوقف المنجمون لتحرير هذه الساعة، وأخذ الطالع، فاتفق وقوع غراب على خشبة من ذلك الخشب (¬1) فتحركت الأجراس، فظن الموكلون بالبنا أن المنجمين حركوها، فألقوا ما بأيديهم من الطين والحجارة في الأساس، فصاح المنجمون: "لا لا"، القاهر في الطالع، فمضى ذلك فلم يتم لهم ما قصدوه (¬2) ؛ وكان الغرض أن يختاروا طالعًا لا يخرج عن نسلهم (¬3) ، فوقع أن المريخ كان في الطالع؛ وهو يسمى عند المنجمين القاهر؛ فعلموا أن الأتراك لا بد أن يملكوا هذه القرية (¬4) ، فلما قدم المعز، وأُخبر بهذه القضية -وكان له خبرة تامة بالنجمة- وافقهم على ذلك وأن الترك تكون لهم الغلبة على هذه البلدة، فسماها القاهرة، وغير اسمها الأول (¬5) . قال صاحب مباهج الفكر ومناهج العبر: ولما انقضت دولة العبيدين وملك المعز مصر سنة أربع وستين وخمسمائة، بنى صلاح الدين يوسف بن أيوب سورًا جامعًا بين مصر والقاهرة ولم يتم؛ يبتدئ من القلعة وينتهي إلى ساحل النيل بمصر، فطول هذا السور تسعة وعشرون ألف ذراع وثلاثمائة ذراع بالهاشمي، وعمل ديار مصر مقسوم بين المصريين؛ فالذي في حصة مصر من الكور أربع وعشرون كورة، تشتمل على تسعمائة وست وخمسين قرية، قد جعلت هذه الكور صفقات، كل صفقة منها وإلى حرب وقاص وعامل خراج، كل صفقة تشتمل على ولايات. منها الجيزية؛ منسوبة إلى مدينة تسمى الجيزة على ضفة النيل الغربية تجاه الفسطاط، ¬

(¬1) السكردان: "من تلك الخشب". (¬2) السكردان: "فخانهم ما قصدوه". (¬3) السكردن: "لا تخرج البلد عن نسلهم". (¬4) السكردان: "هذا الإقليم". (¬5) السكردان: 42-43؛ وآخر الخبر: "فكان الأمر كما قال، وملكها الترك إلى يومنا هذا".

وولايتها وسيم، ومنية القائد غربي النيل وإطفيح شرقية. والفيومة تنسب إلى مدينة الفيوم. والهنسي وولايتها الغرسة وناق الميمون، وشمسطا، ودهروط، وقلوسنا، وشرونة، وأهناس، والأشمونين. ومنية بني خصيب وولايتها طحا، ودروة، وسريام، ومنفلوط (¬1) . والأسيوطية لمدينة أسيوط وولايتها بوتيج، وأبويط. والإخميمية لمدينة أخميم وولايتها ساقية قلته، والبيارات، وسلاق، وسوهاي، وجزيرة شندويد، وسمنت، وقلفا، والمنشية، والمراغة. والقوصية لمدينة قوص؛ وولايتها مرج بني هميم، وقصر ابن شادي، وفاو، ودشنا، وقنا، وأبنوب (¬2) ، وقفط -وكانت المصير قبل قوص- ودمامين، والأقصر، وطود، وأسوان، وفرجوط، والبلينا، وسمهود، وهو، ودندرة، وقمول، وأرمنت، والدمقران، وأصفون، وإسنا، وإدفا، وعيذاب، وهي على ساحل بحر القلزم، ولها فرضة تسمى القصير. والذي في حصة القاهرة من الكور ست وثلاثين كورة، تشتمل على ألف وأربعمائة وتسع وثلاثين قرية، يجمع ذلك من الصفق صفقة القليوبية، تنسب لمدينة عامرة كثيرة البساتين، تضاهي دمشق في التفاف شجرها، واختلاف ثمارها؛ وليس لها ولايات. والشرقية، وقصبتها مدينة بلبيس وولايتها المشتولية، والسكونية، والدقدوسية، والعباسية، والصهرجتية. وصفقة المنوفية، وولايتها تلوانة، وسبك الضحاك، والبتنون، وشبين الكوم. ¬

(¬1) ط: "أبيرط". (¬2) حاشية ح: "وأيتود - من نسخة".

وصفقة إيبار؛ وليس لها ولاية؛ وهذه المدينة دمشق الصغرى لكثرة ما بها من الفواكه. وصفقة الغربية؛ وقصبتها مدينة المحلة، وتعرف بمحلة دنقلا، وولايتها السنهورية، والسخاوية، والدنجاوية، والدميرتان، والطمويسية، والبرماوية، والطندتاوية، والسمنودية؛ وجزيرة قويسنا، ومنية زفتى. وصفقة الدقهلية والمرتاحية، وولايتها طناح، وتلبانة، وبارنبالة، والمنزلة، والمنصورة، ومنية بني سليل، وشارمساح، وقصبتها أشموم. وصفقة البحيرة وقصبتها دمنهور الوحش، وولايتها لقانة، وتروجة، والعطف، ودرشابة، والزاوية، ودميسا، والطرانة، وفوه، ورشيد. ومما هو معدود في كور إقليم مصر: كورة القلزم على ثلاثة أيام من مصر -خربت- وكورة فاران، وكورة الطور، وكورة أيلة -خربت. ومن أعمال مصر الجليلة واحات تحيط بها المفاوز بين الصعيد والمغرب، ونوبة، والحبشة؛ وهي ثلاث واحات: أولى، وهي الخارجة وقصبتها تسمى المدينة. ووسطى، وفيها المدينتان القصر وهندي. والثالثة تسمى الداخلة، وفيها مدينتان، أريس وميمون. ولإقليم مصر من الثغور على ساحل بحر الروم الفرما وتنيس، وكانت مدينة عظيمة لها بحيرة مالحة يصاد بها السمك البوري وقد خربت وذهبت آثارها، هدمها الملك الكامل سنة أربع وعشرين وستمائة خوفًا من استيلاء الفرنج عليها، فتجاوره في ديار مصر، وكانت من العظم بحيث إنه ألف في أخبارها كتاب في مجلدين، فيه قضاتها وولاتها وسراتها؛ ذكر فيه أن خراجها في أيام أحمد بن طولون خمسمائة ألف دينار، وأنه

كان بها ثلاثة وثمانون ألف محتلم يؤدون الجزية -خربت- وسطا -خربت- ودبيق. ودمياط، ولها من الولايات فارسكور، والبرلس، وبورة -خربت- ورشيد، والإسكندرية، ولها فيما بينها بين برقة كورتان على ساحل بحر الروم: كورة كونية (¬1) وكورة مراقبة. هذا كله كلام صاحب مباهج الفكر في إقليم مصر وكوره. وسأعقد بابًا في سرد أسماء البلاد والقرى التي بإقليم مصر على سبيل الاستيفاء، وأذكر ما في كل بلد من نادرة، ومن خرج منها من النبلاء، وما قيل فيها من الشعر. وقال ابن زولاق: كل كورة بمصر فإنما هي مسماة باسم ملك جعلها له أو لولده أو زوجته، كما سُميت مصر باسم ملكها مصر بن بيصر. وقال أبو حازم عبد الحميد بن عبد العزيز قاضي العراق: سألت محمد بن المدبر عن مصر قال: كشفتها، فوجدت غامرها أضعاف عامرها، ولو عمرها السلطان لوفت له بخراج الدنيا. قال: وقلت: كيف عمرت ولاية مصر حتى عقدت على مصر تسعين ألف ألف دينار مرتين كما مر؟ قال: في الوقت الذي أرسل فرعون بويبة قمح إلى أسفل الأرض والصعيد فلم يوجد لها موضع تُبذر فيه لشغل سائر البلاد بالزرع. أورده ابن زلاق. ¬

(¬1) حاشية ح "بوريه - من نسخة"، وفي ط: "كوبية".

ذكر من نزل مصر من أولاد آدم عليه الصلاة والسلام:

ذكر من نزل مصر من أولاد آدم عليه الصلاة والسلام: قال أحمد بن يوسف التيفاشي (¬1) في كتابه سجع الهديل في أوصاف النيل: ذكر أئمة التاريخ أن آدم عليه الصلاة والسلام أوصى لابنه شيث، فكان فيه وفي بنيه النبوة، وأنزل الله عليه تسعًا وعشرين صحيفة، وأنه جاء إلى أرض مصر، وكانت تدعى باب لون، فنزلها هو وأولاد أخيه، فسكن شيث فوق الجبل وسكن أولا قابيل أسفل الوادي. واستخلف شيث ابنه أنوش، واستخلف أنوش ابنه قينان، واستخلف قينان ابنه مهليائيل واستخلف مهليائيل ابنه يرد، ودفع الوصية إليه، وعلمه جميع العلوم، وأخبره بما يحدث في العالم، ونظر في النجوم وفي الكتاب الذي أنزل على آدم، وولده ليرد أخنوخ، وهو هرمس، وهو إدريس النبي عليه الصلاة والسلام؛ وكان الملك في هذا الوقت محويل بن خنوخ بن قابيل، وتنبأ إدريس وهو ابن أربعين سنة، وأراده الملك محويل بن أخنوخ بن قابيل بسوء فعصمه الله، وأنزل عليه ثلاثين صحيفة، ودفع إليه أبوه وصية جده، والعلوم التي عنده. وولده بمصر، وخرج منها، وطاف الأرض كلها، وكانت ملته الصابئة، وهي توحيد الله والطهارة والصلاة والصوم وغير ذلك من رسوم التعبدات. وكان في رحلته إلى المشرق أطاعه جميع ملوكها، وابتنى مائة وأربعين مدينة أصغرها الرهائم ثم عاد إلى مصر فأطاعه ملكها، وآمن به، فنظر في تدبير أمرها، وكان النيل يأتيهم سيحًا، فينحازون من مساله إلى أعالي الجبل والأرض العالية حتى ينقص، فينزلون فيزرعون حيثما وجدوا الأرض ندية وكان ¬

(¬1) هو أحمد بن يوسف بن أبي بكر التيفاشي؛ توفي سنة 651، ذكره صاحب الديباج المذهب ص74.

يأتي في وقت الزراعة وفي غير وقتها، فلما عاد إدريس جمع أهل مصر، وصعد بهم إلى أول مسيل النيل، ودبر وزن الأرض ووزن الماء على الأرض، وأمرهم بإصلاح ما أرادوا من خفض المرتفع ورفع المنخفض وغير ذلك مما رآه في علم النجوم والهندسة والهيئة. وكان أول من تكلم في هذه العلوم وأخرجها من القوة إلى الفعل ووضع فيها الكتب ورسم فيها العلوم، ثم سار إلى بلاد الحبشة والنوبة وغيرها، وجمع أهلها، وزاد في مسافة جري النيل ونقصه بحسب بطئه، وسرعته في طريقه، حتى عمل حساب جريه ووصوله إلى أرض مصر في زمن الزراعة على ما هو عليه الآن، فهو أول من دبر جري النيل إلى مصر، ومات إدريس بمصر. والصابئة تزعم أن هرمي مصر؛ أحدهما قبر شيث، والآخر قبر إدريس. والأصح ما هو إدريس؛ إنما هو مصر بن بيصر بن حام بن نوح. هذا كلام التيفاشي.

ذكر من ملك مصر قبل الطوفان:

ذكر من ملك مصر قبل الطوفان: قال المسعودي (¬1) : أول من ملك مصر بعد تبديل الألسن نقراوس، وكان عالما بالكهانة والطلسمات، ويقال إنه بنى مدينة أمسوس (¬2) ، وعمل بها عجائب كثيرة منها أنه عمل صنمين من حجر أسود في وسط المدينة إذا قدمها سارق لم يقدر أن يزول عنها حتى يسلك بينهما، فإذا سلك بينهما أطبقا عليه، فيُؤخذ، وكان مدة ملكه مائة وثمانين سنة. فلما مات ملك بعده ابنه نقراوس؛ وكان كأبيه في علم الكهانة والطلسمات، وبنى مدينة بمصر وسماها صلحة (¬3) ، وعمل خلف الواحات ثلاث مدن على أساطين، وجعل في كل مدينة خزائن من الحكمة والعجائب. فلما مات ملك بعده أخوه مصرام، وكان حكيما ماهرا في الكهانة والطلسمات فعمل أعمالا عظيمة، منها أنه ذل الأسد وركبه. ويقال إنه ركب في عرشه وحملته الشياطين حتى انتهى إلى وسط البحر المحيط، وجعل فيه قلعة بيضاء، وجعل فيها صنما للشمس وزبر عليها اسمه وصفة ملكه، وعمل صنما من نحاس وزبر عليه: "أنا مصرام الجبار، كاشف الأسرار، وضعت الطلسمات الصادقة، وأقمت الصور الناطقة، ونصبت الأعلام الهائلة، على البحار السائلة، ليعلم من بعدي أنه لا يملك أحد ملكي". ثم ملك بعده خليفته عيقام الكاهن، ويقال إنه إدريس عليه الصلاة والسلام رُفِع في أيامه. ثم ملك بعده ابنه عرياق، ويقال إنه هاروت وماروت كانا في وقته. ثم ملك بعده لوخيم بن نتراس. ¬

(¬1) كذا في الأصل، "وفي ح، ط: "محمد بن المسعودي". (¬2) ط: "أقسوس". (¬3) ط: "حلجة".

وبعده خصليم، وهو أول من عمل مقياسا لزيادة النيل؛ وذلك أنه جمع أصحاب العلوم والهندسة فعملوا له بيتا من رخام على حافة النيل، وجعل في وسطه بركة من نحاس صغيرة، فيها ماء موزون، وعلى حافة البركة عقابان من نحاس: ذكر وأنثى، فإذا كان أول الشهر الذي يزيد فيه النيل فتح البيت وجمع الكهان فيه بين يديه، وتكلم رؤساء الكهان بكلام لهم حتى يصفر أحد العقابين، فإن صَفَر الذكر كان الماء تاما، وإن صفر الأنثى كان الماء ناقصا، فيعتدون لذلك. وهو الذي بنى القنطرة التي ببلاد النوبة على النيل. وملك بعده رجل يقال له هوصال؛ ويقال إن نوحا عليه الصلاة والسلام كان في وقته. وملك بعده ولده قدرسان. وملك بعده سرقاق. وملك بعده ابنه سلقوف. وملك بعده ابنه سوريد؛ وهو أول من جبى الخراج بمصر؛ وهو الذي بنى الهرمين، ولما مات دفن في الهرم، ودفن معه جميع أمواله وكنوزه. وملك بعده ابنه هوجيت، ودفن أيضا في الهرم. وملك بعده ابنه مناوس ويقال منقاوس. وملك بعده ابنه أفروس. وبعده ابنه مالينوس. وبعده ابن عمه فرعان. وفي أيامه جاء الطوفان، فخرّب ديار مصر كلها، وزالت معالمها وعجائبها، وأقام الماء ستة أشهر حتى نضب (¬1) . وذكر بعض من ألف في أخبار مصر أن سفينة نوح طافت بمصر وأرضها فبارك نوح عليه السلام فيها. ¬

(¬1) نضب: أي غار.

ذكر من ملك مصر بعد الطوفان:

ذكر من ملك مصر بعد الطوفان: قال ابن عبد الحكم: أنبأنا عثمان بن صالح، أخبرنا ابن لهيعة، عن عياش بن عباس العتباني، عن حنش بن عبد الله الصنعاني، عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما، قال: كان لنوح عليه الصلاة والسلام أربعة من الولد: سام، وحام، ويافث، ويحطون. وإن نوحا رغب لله (¬1) ، وسأله أن يرزقه الإجابة في ولده وذريته حتى يتكاملوا بالنماء والبركة، فوعده ذلك، فنادى نوح ولده، وهم نيام عند السحر، فنادى ساما، فأجابه يسعى، وصاح سام في ولده فلم يجبه أحد منهم إلا ابنه أرفخشذ، فانطلق به "معه" (¬2) حتى أتياه، فوضع نوح يمينه على سام، وشماله على أرفخشذ، وسأل الله أن يبارك في سام أفضل البركة، وأن يجعل الملك والنبوة في ولد أرفخشذ. ثم نادى حاما فتلفت يمينا وشمالا ولم يجبه، ولم يقم إليه ولا أحد من أولاده، فدعا الله نوح أن يجعل ولده أذلاء، وأن يجعلهم عبيدا لولد سام. قال: وكان مصر بن بيصر بن حام نائما إلى جنب جده حام، فلما سمع دعاء نوح على جده وولده، قام يسعى إلى نوح فقال: يا جدي، قد أجبتك إذ لم يجبك أبي، ولا أحد من ولده، فاجعل لي دعوة من دعوتك. ففرح نوح، فوضع يده على رأسه، وقال: اللهم إنه قد أجاب دعوتي؛ فبارك فيه وفي ذريته وأسكنه الأرض المباركة، التي هي أم البلاد، وغوث العباد، التي نهرها أفضل أنهار الدنيا، واجعل فيها أفضل البركات، وسخر له ولولده الأرض وذللها لهم، وقوهم عليها (¬3) . قال صاحب مباهج الفكر: يقال إن سبب سكنى مصر الأرض التي عرفت به وقوع الصرح ببابل فإنه لما وقع، تفرق من كان حوله ممن تناسل من أولاد نوح فأخذ بنو حام جهة المغرب، إلى أن وصلوا إلى البحر المحيط. ¬

(¬1) الفتوح: "إلى الله". (¬2) من فتوح مصر. (¬3) فتوح مصر ص7.

وأخرج ابن عبد الحكم، عن ابن لهيعة وعبد الله بن خالد، قالا: كان أول من سكن مصر بعد أن أغرق الله قوم نوح بيصر بن حام بن نوح، وهو أبو القبط كلهم، فسكن منفا -وهي أول مدينة عمرت بعد الغرق- هو وولده وهم ثلاثون نفسا، قد بلغوا وتزوجوا، فبذلك سميت ماقة -وماقة بلسان القبط ثلاثون- وكان بيصر بن حام بن نوح قد كبر وضعف، وكان مصر أكبر ولده، وهو الذي ساق أباه وجميع إخوته إلى مصر، فنزلوا بها، فبمصر بن بيصر سميت مصر مصرا، فحاز "له ولولده" (¬1) ما بين الشجرتين خلف العريش إلى أسوان طولا، ومن برقة إلى أيلة عرضا. ثم إن بيصر بن حام توفي فدفن في موضع أبي هرميس، فهي أول مقبرة قبر فيها بأرض مصر، واستخلف ابنه مصر، وحاز كل واحد من إخوة مصر قطعة من الأرض لنفسه؛ سوى أرض مصر التي حازها لنفسه وولده. فلما كثر أولاد مصر وأولاد أولادهم، قطع مصر لكل واحد من أولاده قطيعة (¬2) يحوزها لنفسه ولولده، وقسم لهم هذا النيل، فقطع لابنه قِفْط موضع قِفْط، فسكنها، وبه سُميت، وما فوقها إلى أسوان وما دونها إلى أشمون في الشرق والغرب، وقطع لأشمن من أشمون فما دونها إلى منف في الشرق والغرب، فسكن أشمن أشمون، فسميت به. وقطع لأتريب ما بين منف إلى صا؛ فسكن أتريب، فسميت به، وقطع لصا ما بين صا إلى البحر، فسكن صا، فسميت به؛ فكانت مصر كلها على أربعة أجزاء: جزأين بالصعيد، وجزأين بأسفل الأرض. قال: ثم توفي مصر بن بيصر، فاستخلف ابنه قِفط (¬3) . وفي بعض التواريخ: لما مات مصر، كتب على قبره: "مات مصر بن بيصر بن ¬

(¬1) من فتوح مصر. (¬2) في الأصول: "قطعة"، وما أثبته عن فتوح مصر. (¬3) فتوح مصر 9.

حام بن نوح بعد ألفين وستمائة عام من الطوفان، مات ولم يعبد الأصنام، ولا هرم ولا أسقام"؛ وإن قفط به سميت القبط؛ وهو الذي بنى أهرام دهشور؛ وإن هودا بعث في أيامه، وإنه أقام في ملكه أربعمائة وثمانين سنة. رجع إلى حديث ابن لهيعة وعبد الله بن خالد: ثم توفي قفط، فاستخلف أخاه أشمن، ثم توفي أشمن، واستخلف أخاه أتريب، ثم توفي أتريب، فاستخلف أخاه صا، ثم توفي صا، فاستخلف ابنه تدارس. وقال غيره: وفي زمنه بعث صالح عليه الصلاة والسلام. ثم توفي تدارس، فاستخلف ابنه ماليق، ثم توفي [ماليق] (¬1) ، فاستخلف ابنه [خربتا بن ماليا] (¬2) ، فاستخلف ابنه كلكن؛ فملكهم نحوا من مائة سنة، ثم توفي ولا ولد له، فاستخلف أخاه ماليا، ثم توفي ماليا فاستخلف ابنه طوميس، وهو الذي وهب هاجر لسارة امرأة إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، ثم توفي فاستخلف ابنته خروبا؛ ولم يكن له ولد غيرها وهي أول امرأة ملكت، ثم توفيت، فاستخلفت ابنة عمها زالفا بنة ماموم بن ماليا، فعمرت دهرا طويلا، فكثروا ونموا، وملئوا أرض مصر كلها، فطمعت فيهم العمالقة -وهم من ولد عملاق بن لاوز بن سام- فغزاهم الوليد بن دومغ، فقاتلهم قتالا شديدا، ثم رضوا أن يملكوه عليهم؛ فملكهم نحوا من مائة سنة، فطغى وتكبر، وأظهر الفاحشة، فسلط الله عليه سبعا، فافترسه فأكل لحمه (¬3) . وقال غيره: إن الوليد بن دومغ آذاه ضرسه، فنزع؛ فكان وزنه ثمانية عشر منًّا وثلثي منًّ، وإنه رئي بعد فتح مصر يوزن به في ميزان الوكالة. انتهى. فملكهم من بعده الريان بن الوليد -وهو صاحب يوسف عليه الصلاة والسلام- ¬

(¬1) فتوح مصر. (¬2) فتوح مصر. (¬3) فتوح مصر 11-12.

فلما رأى الملك رؤياه التي رآها وعبرها يوسف، أرسل إليه فأخرجه من السجن، ودفع إليه خاتمه، وولاه ما خلف آباؤه، وألبسه طوقا من ذهب وثياب حرير، وأعطاه دابة مسرجة مزينة كدابة الملك، وضرب بالطبل بمصر أن يوسف خليفة الملك (¬1) . وما أحسن قول بعضهم: أما في رسول الله يوسف أسوة ... لمثلك محبوسا على الظلم والإفك أقم جميل الصبر في الحبس برهة ... فآل به الصبر الجميل إلى الملك قال ابن عبد الحكم: حدثنا أسد بن موسى، حدثني الليث بن سعد، حدثني بعض مشيخة لنا، قال: اشتد الجوع على أهل مصر، فاشتروا الطعام من يوسف بالذهب حتى لم يجدوا ذهبا، فاشتروا بالفضة حتى لم يجدوا فضة، فاشتروا بأغنامهم حتى لم يجدوا غنما؛ فلم يزل يبيعهم الطعام حتى لم يبق لهم فضة ولا ذهبا ولا شاة ولا بقرة (¬2) في تلك السنتين، فأتوه في الثالثة، فقالوا له: لم يبق لنا شيء إلا أنفسنا وأهلونا وأرضونا. فاشترى يوسف أرضهم كلها لفرعون، ثم أعطى لهم يوسف طعاما يزرعونه على أن لفرعون الخمس (¬3) . قال ابن عبد الحكم: وفي ذلك الزمان استنبطت الفيوم، وكان سبب ذلك كما حدثنا هشام بن إسحاق أن يوسف عليه الصلاة والسلام لما ملك مصر، وعظمت منزلته من فرعون، وجاوزت سنه (¬4) مائة سنة، قال وزراء الملك له: إن يوسف قد ذهب علمه، وتغير عقله، ونفدت حكمته، فعنفهم فرعون، ورد عليهم مقالتهم، فكفوا: ثم عاودوه بذلك القول بعد سنين، فقال لهم: هلموا ما شئتم من أي شيء أختبره به. ¬

(¬1) فتوح مصر 12-13 مع اختلاف في النص. (¬2) ابن عبد الحكم: "حتى لم يبق لهم فضة ولا ذهب". (¬3) فتوح مصر 13-14. (¬4) كذا في الأصل وفتوح مصر، وفي ح، ط: "وجاوزت منه سنة".

وكانت الفيوم تدعى يومئذ الجوبة؛ وإنما كانت لمصالة (¬1) ماء الصعيد وفضوله فاجتمع رأيهم على أن تكون هي المحنة التي يمتحنون بها يوسف عليه الصلاة والسلام، فقالوا لفرعون: سل يوسف أن يصرف ماء الجوبة عنها، ويخرجه منها، فتزداد بلدا إلى بلدك، وخراجا إلى خراجك. فدعا يوسف فقال: قد تعلم مكان ابنتي فلانة مني، وقد رأيت إذا بلغت أن أطلب لها بلدا، وإني لم أصب إلا الجوبة؛ وذلك أنه بلد بعيد قريب، لا يؤتى من وجه إلا من غابة أو صحراء، فالفيوم وسط مصر كمثل مصر في وسط البلاد؛ لأن مصر لا تؤتى من ناحية من النواحي إلا من صحراء أو مفازة، وقد أقطعتها (¬2) إياها فلا تتركن وجها ولا نظرا إلا بلغته، فقال يوسف: نعم أيها الملك، متى أردت ذلك فابعث لي؛ فإني إن شاء الله فاعل؛ فقال: إن أحبه إلي وأوفقه أعجله، فأُوحي إلى يوسف أن يحفر ثلاثة خلج: خليجا من أعلى الصعيد من موضع كذا إلى موضع كذا، وخليجا شرقيا من موضع كذا إلى موضع كذا، وخليجا غربيا من موضع كذا إلى موضع كذا؛ فوضع يوسف العمال، فحفر خليج المنهى من أعلى أشمون إلى اللاهون، وحفر خليج الفيوم وهو الخليج الشرقي، وحفر خليجا بقرية يقال لها تنهمت من قرى الفيوم، وهو الخليج الغربي. فخرج ماؤها من الخليج الشرقي فصب في النيل، وخرج من الخليج الغربي فصب في صحراء تنهمت إلى الغرب، فلم يبق في الجوبة ماء. ثم أدخلها الفعلة، فقطع ما كان فيها من القصب والطرفاء وأخرجه منها، وكان ذلك ابتداء جري النيل، وقد صارت الجوبة أرضا برية، وارتفع ماء النيل، فدخلها في رأس المنهى، فجرى فيه حتى انتهى إلى اللاهون، فقطعه إلى الفيوم، فدخل خليجها فسقاها، فصارت لجة من النيل. وخرج إليها الملك ووزراؤه، وكان هذا في سبعين يوما. ¬

(¬1) مصالة الماء: بقيته. (¬2) فتوح مصر: "ريفية برية".

فلما نظر إليها الملك قال لوزرائة. هذا عمل ألف يوم، فسميت الفيوم، فأقامت تزرع كما تزرع غوائط مصر (¬1) . قال: ثم بلغ يوسف قول وزراء الملك، وأنه إنما كان ذلك منهم على المحنة منهم له، فقال للملك: إن عندي من الحكمة والتدبير غير ما رأيت؛ فقال الملك: وما ذاك؟ فقال: أنزل الفيوم من كل كورة من مصر أهل بيت، وآمر أهل كل بيت أن يبنوا لأنفسهم قرية -وكانت قرى الفيوم على عدد كور مصر- فإذا فرغوا من بناء قراهم صيرت لكل قرية من الماء بقدر ما أصير لها من الأرض، لا يكون في ذلك زيادة عن أرضها ولا نقصان، وأصير لكل قرية شربا في زمان لا ينالهم الماء إلا فيه، وأصير مطاطئا للمرتفع، ومرتفعا للمطاطئ بأوقات من الساعات في الليل والنهار، وأصير لها مصاب (¬2) فلا يقصر بأحد دون حقه، ولا يزداد فوق قدره. فقال له فرعون: هذا من ملكوت السماء؟ قال: نعم، فبدأ يوسف فأمر ببنيان القرى، وحد لها حدودا، فكانت أول قرية عمرت بالفيوم قرية يقال لها شانة، وهي القرية التي كانت تنزلها بنت فرعون. ثم أمر بحفر الخليج وبنيان القناطر، فلما فرغوا من ذلك استقبل الأرض ووزن الماء؛ ومن يومئذ أحدثت (¬3) الهندسة، ولم يكن الناس يعرفونها قبل ذلك. قال: وكان أول من قاس النيل بمصر يوسف عليه الصلاة والسلام، ووضع مقياسا بمنف (¬4) . أخرج ابن عبد الحكم من طريق الكلبي، عن أبي صالح عن ابن عباس، قال: فوض الريان إلى يوسف تدبير ملك مصر، وهو يومئذ ابن ثلاثين سنة. وأخرج عن عكرمة أن فرعون قال ليوسف: إني قد سلطنتك على مصر، إني ¬

(¬1) الغوائط: جمع غوطة، وهي الأرض المتسعة إلى منحدر. (¬2) فتوح مصر: "قبضات". (¬3) كذا في الأصل وابن عبد الحكم، وفي ح، ط: "أخذت". (¬4) فتوح مصر 16.

أريد أن أجعل كرسي أطول من كرسيك بأربع أصابع، قال يوسف: نعم. قال ابن عبد الحكم: وحدثنا هشام بن إسحاق، قال: في زمان الربان بن الوليد، دخل يعقوب عليه الصلاة والسلام وولده مصر؛ وهم ثلاثة وتسعون نفسا، بين رجل وامرأة، فأنزلهم يوسف ما بين عين الشمس إلى الفرما وهي أرض ريفية برية. قال: فلما دخل يعقوب على فرعون، فكلمه -وكان يعقوب شيخا كبيرا حليما حسن الوجه واللحية، جهير الصوت- فقال له فرعون: كم أتى عليك أيها الشيخ؟ قال: عشرون ومائة سنة، وكان بمين (¬1) ساحر فرعون قد وصف صفة يعقوب ويوسف وموسى عليهم الصلاة والسلام في كتبه، وأخبر أن خراب مصر وهلاك ملكها على يديهم، ووضع الرايات (¬2) وصفات من تخرب مصر على يديه. فلما رأى يعقوب قام إلى مجلسه، فكان أول ما سأله عنه، أن قال له: من تعبد أيها الشيخ؟ قال يعقوب: أعبد الله إله كل شيء، قال: كيف تعبد ما لا ترى؟ قال يعقوب: إنه أعظم وأجل من أن يراه أحد، قال بمين: فنحن نرى آلهتنا، قال يعقوب: إن آلهتكم من عمل أيدي بني آدم، ممن يموت ويبلى، وإن إلهي أعظم وأرفع، وهو أقرب إلينا من حبل الوريد؛ فنظر بمين إلى فرعون، فقال: هذا الذي يكون هلاك بلادنا على يديه، قال فرعون: في أيامنا أو في أيام غيرنا؟ قال: ليس في أيامك ولا أيام بنيك، قال الملك: هل تجد هذا فيما قضى به إلهكم؟ قال: نعم. قال: فكيف نقدر أن نقتل من يريد إلهه هلاك قومه على يديه! فلا نعبأ بهذا الكلام (¬3) . وأخرج ابن عبد الحكم عن طريق الكلبي عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: ¬

(¬1) في الأصول: "عين"، تحريف، صوابه من فتوح مصر. (¬2) فتوح مصر: "البربايات". (¬3) فتوح مصر 17-18.

دخل مصر يعقوب وولده، وكانوا سبعين نفسًا، وخرجوا وهم ستمائة ألف نفس. وأخرج عن مسروق، قال: دخل أهل يوسف وهم ثلاثة وتسعون إنسانًا، وخرجوا وهم ستمائة ألف نفس. وأخرج عن كعب الأحبار أن يعقوب عاش في أرض مصر ست عشرة سنة، فلما حضرته الوفاة قال ليوسف: لا تدفني بمصر، فإذا (¬1) مت فاحملوني فادفنوني في مغارة جبل حبرون (¬2) فلما مات لطخوه بمر وصبر، وجعلوه في تابوت من ساج، وأعلم يوسف فرعون أن أباه قد مات، وأنه سأله أن يقبره في أرض كنعان، فأذن له، وخرج معه أشراف أهل مصر حتى دفنه وانصرف (¬3) . قال ابن عبد الحكم: وحدثنا عثمان بن صالح، حدثنا ابن لهيعة، عمن حدثه، قال: قبر يعقوب عليه الصلاة والسلام بمصر، فأقام بها نحوا من ثلاث سنين، ثم حمل إلى بيت المقدس؛ أوصاهم بذلك عند موته (¬4) . وأخرج من طريق الكلبي، عن أبي صالح، قال: حبرون مسجد إبراهيم اليوم، بينه وبين بيت المقدس ثمانية عشر ميلًا. رجع إلى حديث ابن لهيعة وعبد الله بن خالد: قالا: ثم مات الريان بن الوليد، فملكهم من بعده ابنه دارم؛ وفي زمانه توفي يوسف عليه الصلاة والسلام. أخرج ابن عبد الحكم، عن كعب قال: لما حضرت يوسف الوفاة، قال: إنكم ستخرجون من أرض مصر إلى أرض آبائكم، فاحملوا عظامي معكم. فمات فجعلوه في تابوت ودفنوه. ¬

(¬1) فتوح مصر: "وإذا". (¬2) في الأصول: "جبرون"، وما أثبته من فتوح مصر. (¬3) فتوح مصر 18. (¬4) فتوح مصر 18.

وأخرج عنه قال: لما مات يوسف استعبد أهل مصر بني إسرائيل. وأخرج عن سماك بن حرب، قال: دفن يوسف عليه الصلاة والسلام في أحد جانبي النيل، فأخصب الجانب الذي كان فيه، وأجدب الجانب الآخر، فحولوه إلى الجانب الآخر، فأخصب الجانب الذي حولوه إليه، وأجدب الجانب الآخر؛ فلما رأوا ذلك جمعوا عظامه فجعلوها في صندوق من حديد، وجعلوه في سلسلة، وأقاموا عمودًا على شاطئ النيل، وجعلوا في أصله سكة من حديد؛ وجعلوا السلسلة في السكة، وألقوا الصندوق في وسط النيل، فأخصب الجانبان جميعًا (¬1) . رجع إلى حديث ابن لهيعة، وعبد الله بن خالد: قالا: ثم إن دارما طغى بعد يوسف وتكبر، وأظهر عبادة الأصنام، وركب النيل في سفينة، فبعث الله عليه ريحًا عاصفًا، فأغرقته ومن كان معه فيما بين طرا إلى موضع حلوان؛ فملكهم من بعده كاشم "بن معدان" (¬2) وكان جبارًا عاتيا. ثم هلك كاشم "بن معدان"، فملكهم من بعده فرعون موسى من العماليق، فأقام خمسمائة سنة، حتى أغرقه الله (¬3) . وأخرج ابن عبد الحكم، عن ابن لهيعة والليث بن سعد، قالا: كان فرعون قبطيًّا من قبط مصر، اسمه طلما (¬4) . وأخرج عن هانئ بن المنذر، قال: كان فرعون من العماليق، وكان يكنى بأبي مرة (¬5) . وأخرج عن أبي بكر الصديق، قال: كان فرعون أثرم (¬6) . ¬

(¬1) فتوح مصر 18-19. (¬2) فتوح مصر. (¬3) فتوح مصر 19. (¬4) كذا في فتوح مصر 19، وفي الأصول: "ظلمى". (¬5) فتوح مصر 20. (¬6) فتوح مصر 20، وبعدها: "ويقال: بل هو رجل من لخم، والله أعلم".

وقال: حدثنا سعيد بن عفير، حدثنا عبد الله بن أبي فاطمة، عن مشايخه، أن ملك مصر توفي، فتنازع الملك جماعة من أبناء الملك -ولم يكن الملك عَهد- ولما عظم الخطب بينهم تداعوا إلى الصلح، فاصطلحوا على أن يحكم بينهم أول من يطلع من الفج فج الجبل، فطلع فرعون بين عديلتي نطرون، قد أقبل بهما (¬1) ليبيعهما، وهو رجل من فران بن بلى -[واسمه الوليد بن مصعب، وكان قصيرًا أبرص، يطاطئ في لحيته] (¬2) - فاستوقفوه، وقالوا: إنا جعلناك حكمًا بيننا فيما تشاجرنا فيه من الملك، وآتوه مواثيقهم على الرضا. فلما استوثق منهم، قال: إني قد رأيت أن أملك نفسي عليكم؛ فهو أذهب لضغائنكم، وأجمع لأموركم، والأمر من بعد إليكم. فأمّروه عليهم لمنافسة بعضهم بعضًا، وأقعدوه في دار الملك بمنف، فأرسل إلى صاحب أمر كل رجل منهم، فوعده ومناه أن يملكه على ملك صاحبه، ووعدهم ليلةً يقتل فيها كل رجل منهم صاحبه، ففعلوا ودان له أولئك بالربوبية، فملكهم نحوًا من خمسمائة سنة، وكان من أمره وأمر موسى ما قص الله تعالى من خبرهم في القرآن (¬3) . وأخرج ابن عبد الحكم عن أبي الأشرس، قال: مكث فرعون أربعمائة سنة، الشباب يغدو عليه ويروح (¬4) . وأخرج عن إبراهيم بن مقسم، قال: مكث فرعون أربعمائة سنة لم يصدع له رأس، وكان يملك ما بين مصر إلى إفريقية. وأخرج من طريق الكلبي عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: كان يقعد على كراسي فرعون مائتان عليهم الديباج وأساور الذهب (¬5) . ¬

(¬1) كذا في ابن عبد الحكم، وفي الأصول "بينهما" (¬2) ساقط من فتوح مصر. (¬3) فتوح مصر 20. (¬4) فتوح مصر 20. (¬5) فتوح مصر 21.

وأخرج ابن عبد الحكم، عن عبد الله بن عمر بن العاص؛ أن فرعون استعمل هامان على حفر خليج سردوس، فلما ابتدأ حفره أتاه أهل كل قرية يسألونه أن يجري الخليج تحت قريتهم، ويعطوه مالًا؛ فكان يذهب به إلى هذه القرية من نحو المشرق، ثم يرده إلى قرية (¬1) في المغرب، ثم يرده إلى أهل قرية في القبلة، ويأخذ من أهل كل قرية مالًا؛ حتى اجتمع له في ذلك مائة ألف دينار، فأتى بذلك كله إلى فرعون، فسأله فرعون عن ذلك، فأخبره بما فعل في حفره. قال له فرعون: ويحك! ينبغي للسيد أن يعطف على عباده، ويفيض عليهم ولا يرغب فيما بأيديهم، ورد على أهل كل قرية ما أُخذ منهم. فرده كله على أهله. قال: فلا يُعلم بمصر خليج أكثر عطوفًا منه لما فعل هامان في حفره. قال ابن عبد الحكم: وزعم بعض مشايخ أهل مصر أن الذي كان يُعمل به بمصر على عهد ملوكها، أنهم كانوا يُقرون القرى في أيدي أهلها، كل قرية بكراء معلوم، لا ينقض عليهم إلا في كل أربع سنين من أجل الظمأ وتنقل اليسار؛ فإذا مضت أربع سنين نقض ذلك، وعدل تعديلًا جديدًا، فيرفق بمن استحق الرفق، ويزداد على من يحتمل الزيادة، ولا يحمل عليهم من ذلك ما يشق عليهم؛ فإذا جُبِيَ الخراج وجمع، كان للملك من ذلك الربع خالصًا لنفسه يصنع فيه ما يريد، والربع الثاني لجنده ومن يقوى به على حربه وجباية خراجه ودفع عدوه، والربع الثالث في مصلحة الأرض وما يحتاج إليها من جسورها وحفر خلجها، وبناء قناطرها؛ والقوة للمزارعين على زرعهم وعمارة أرضهم، والربع الرابع يخرج منه ربع ما يصيب كل قرية من خراجها فيدفن ذلك فيها لنائبة تنزل، أو جائحة بأهل القرية؛ فكانوا على ¬

(¬1) بعدها في ط: "من نحو دبر القبلة، ثم يرده إلى قرية"، والصواب ما في الأصل.

ذلك. وهذا الربع الذي يدفن في كل قرية من خراجها، هو كنوز فرعون التي يُتحدث بها أنها ستظهر، فيطلبها الذين يتبعون الكنوز. حدثنا أبو الأسود نصر بن عبد الجبار، حدثنا ابن لهيعة، عن أبي قبيل، قال: خرج وردان من عند مسلمة بن مخلد -وهو أمير على مصر- فمر على عبد الله بن عمرو مستعجلًا، فناداه: أين تريد؟ قال: أرسلني الأمير مسلمة أن آتي منفًا، فأحضر له من كنز فرعون، قال: فارجع إليه، وأقرئه مني السلام وقل له: إن كنز فرعون ليس لك ولا لأصحابك، إنما هو للحبشة، إنهم يأتون في سفنهم يريدون الفسطاط، فيسيرون حتى ينزلوا منفًا، فيظهر لهم كنز فرعون، فيأخذون ما يشاءون، فيقولون: ما نبتغي غنيمة أفضل من هذه، فيرجعون، ويخرج المسلمون في آثارهم فيقتتلون، فيهزم الجيش فيقتلهم المسلمون ويأسرونهم؛ حتى إن الحبشي ليباع (¬1) بالكساء. قال أهل التاريخ: كان فرعون إذا كمل التخضير في كل سنة ينفذ مع قائدين من قواده إردب قمح، فيذهب أحدهما إلى أعلى مصر، والآخر إلى أسفلها، فيتأمل القائد أرض كل قرية، فإن وجد موضعًا بائرًا عطلًا قد أغفل بذره، كتب إلى فرعون بذلك، وأعلمه باسم العامل على تلك الجهة، فإذا بلغ فرعون ذلك، أمر بضرب عنق ذلك العامل، وأخذ ماله، فربما عاد القائدان ولم يجدا موضعًا لبذر الإردب لتكامل العمارة واستظهار الزرع. وأخرج الحاكم في المستدرك، وصححه عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: "إن موسى حين أراد أن يسير ببني إسرائيل، ضل عنه الطريق، فقال لبني إسرائيل: ما هذا؟ فقال له علماء بني إسرائيل: إن يوسف حين حضره ¬

(¬1) ح: "يباع".

الموت، أخذ علينا موثقًا من الله ألا نخرج من مصر حتى ننقل عظامه معنا، فقال موسى: أيكم يدري أين قبره. فقالوا: ما يعلم أحد مكان قبره إلا عجوز لبني إسرائيل، فأرسل إليها موسى، فقال: دلينا على قبر يوسف، قالت: لا والله حتى تعطيني حكمي، قال: وما حكمك؟ قالت: أن أكون معك في الجنة؛ فكأنه كره ذلك، فقيل له: أعطها حكمها، فأعطاها حكمها، فانطلقت بهم إلى بحيرة مستنقعة ماء، فقالت لهم: نضِّبوا عنها الماء، ففعلوا، قالت: احفروا، فحفروا، فاستخرجوا عظام يوسف؛ فلما أن أقلوه من الأرض إذا الطريق مثل ضوء النهار". وأخرج ابن عبد الحكم، عن سماك بن حرب، مرفوعًا نحوه، وفيه: "فقالت: إني أسأل أن أكون أنا وأنت في درجة واحدة في الجنة، ويُرد عليَّ بصري وشبابي، حتى أكون شابة كما كنت، قال: فلك ذلك". وأخرج من طريق الكلبي عن أبي صالح، عن ابن عباس نحوه، وفيه: "فقالت عجوز يقال لها سارح (¬1) ابنة آشر بن يعقوب: أنا رأيت عمي حين دفن، فما تجعل لي إن دللتك عليه؟ فقال: حكمك، قالت: أكون معك حيث كنت في الجنة". وأخرج عن ابن لهيعة عمن حدثه، قال: قبر يوسف بمصر، فأقام بها نحوا من ثلاثمائة سنة، ثم حمل إلى بيت المقدس. رجع إلى حديث ابن لهيعة وعبد الله بن خالد: قالا: ثم أغرق الله فرعون وجنوده، وغرق معه من أشراف أهل مصر وأكابرهم ووجوههم أكثر من ألفي ألف، فبقيت مصر من بعد غرقهم؛ ليس فيها من أشراف أهلها أحد، ولم يبق بها إلا العبيد والأجراء والنساء، فأعظم أشراف من بمصر من النساء أن يولين منهن أحدًا، وأجمع رأيهن على أن يولين امرأة منهن يقال لها دلوكة بنت ¬

(¬1) ط: "شادح".

زباء، وكان لها عقل ومعرفة وتجارب، وكانت في شرف منهن وموضع، وهي يومئذ بنت مائة سنة وستين سنة، فملكوها، فخافت أن يتناولها ملوك الأرض فجمعت نساء الأشراف، فقالت لهن: إن بلادنا لم يكن يطمع فيها أحد، ولا يمد عينيه إليها، وقد هلك أكابرنا وأشرافنا، وذهب السحرة الذين كنا نقوى بهم، وقد رأيت أن أبني حصنًا أحدق به جميع بلادنا، فأضع عليه المحارس من كل ناحية، فإننا لا نأمن أن يطمع فيها الناس، فبنت جدارًا أحاطت به على جميع أرض مصر كلها المزارع والمدائن والقرى، وجعلت دونه خليجًا يجري فيه الماء، وأقامت القناطر والترع، وجعلت فيه محارس ومسالح على كل ثلاثة أميال محرس ومسلحة، وفيما بين ذلك محارس صغار على كل ميل، وجعلت في كل محرس رجالًا، وأجرت عليهم الأرزاق، وأمرتهم أن يحرسوا بالأجراس، فإذا أتاهم أحد يخافونه ضرب بعضهم إلى بعض بأجراس، فأتاهم الخبر من كل وجه كان في ساعة واحدة، فنظروا في ذلك، فمنعت بذلك مصر من أرادها، وفرغت من بنائه في ستة أشهر، وهو الجدار الذي يقال له جدار العجوز، وقد بقيت بالصعيد منه بقايا "كثيرة" (¬1) . وكان ثم عجوز ساحرة، يقال لها تدورة، وكانت السحرة تعظمها وتقدمها في السحر، فبعثت إليها دلوكة: إنا قد احتجنا إلى سحرك، وفزعنا إليك، فاعملي لنا شيئًا نغلب به من حولنا، فقد كان فرعون يحتاج إليك، فعملت بربى (¬2) من حجارة في وسط مدينة منف، وجعلت له أربعة أبواب، كل باب منها إلى جهة القبلة، والبحر والشرق والغرب، وصورت فيه صورة الخيل والبغال والحمير والسفن والرجال، وقالت لهم: قد ¬

(¬1) فتوح مصر 27-28، وانظر معجم البلدن 3: 204. (¬2) قال ياقوت: "البرابي: جمع بربى؛ كلمة قبطية؛ وأظنه اسمًا لموضع العبادة أو البناء المحكم أو موضع السحر. ثم قصة تدورة. معجم البلدان 2: 59.

عملت لكم عملا يهلك به من أرادكم من كل جهة تؤتون منها برا أو بحرا، وهذا يغنيكم عن الحصن، ويقطع عنكم مؤنته؛ فمن أتاكم من أي جهة، فإنهم إن كانوا في البر على خيل أو بغال أو إبل أو في سفن أو رجالة تحركت هذه الصورة من جهتهم التي يأتون منها، فما فعلتم بالصور من شيء أصابهم ذلك في أنفسهم على ما يفعلون بهم. فلما بلغ الملوك حولهم أن أمرهم قد صار إلى ولاية النساء، طمعوا فيهم، وتوجهوا إليهم، فلما دنوا من عمل مصر، تحركت تلك الصور التي في البر، فطفقوا لا يهيجون تلك الصور، ولا يفعلون بها شيئا إلا أصاب ذلك الجيش الذي أقبل إليهم مثله؛ من قطع رءوسها أو سوقها أو فقء عينها، أو بقر بطونها. وانتشر ذلك، فتناذرهم الناس، وكان نساء أهل مصر حين غرق أشرافهم ولم يبق إلا العبيد والأجراء لم يصبروا عن الرجال، فطفقت المرأة تعتق عبدها وتتزوجه، وتتزوج الأخرى أجيرها، وشرطن على الرجال ألا يفعلوا إلا بإذنهن، فأجابوهن إلى ذلك؛ فكان أمر النساء على الرجال (¬1) . قال ابن لهيعة: فحدثني يزيد بن أبي حبيب، أن القبط على ذلك إلى اليوم، اتباعا لما مضى منهم؛ لا يبيع أحدهم ولا يشتري إلا قال: أستأذن امرأتي. فملكتهم دلوكة بنت زباء عشرين سنة تدبر أمرهم بمصر، حتى بلغ من أبناء أكابرهم وأشرافهم رجل يقال له دركون بن بلوطس (¬2) ، فملكوه عليهم؛ فلم تزل مصر ممتنعة بتدبير تلك العجوز نحو أربعمائة سنة. ثم مات دركون "بن بلطوس" (¬3) ، فاستخلف ابنه بودس، ثم توفي فاستخلف أخاه لقاس، فلم يمكث إلا ثلاث سنين حتى مات، ولم يترك ولدا، فاستخلف أخاه مرينا، ثم توفي، فاستخلف ولده استمارس، فطغى وتكبر وسفك، وأظهر الفاحشة، فأعظموا ذلك، وأجمعوا على خلعه فخلعوه، وقتلوه وبايعوا رجلا من ¬

(¬1) فتوح مصر 27-28. (¬2) في الأصول: "بلطوس"، وما أثبته من فتوح مصر. (¬3) من فتوح مصر.

أشرافهم يقال له بلوطس بن مناكيل، فملكهم أربعين سنة ثم توفي، فاستخلف ابنه مالوس، ثم توفي، فاستخلف أخاه مناكيل فملكهم زمانا ثم توفي، فاستخلف ابنه بولة، فملكهم مائة وعشرين سنة؛ وهو الأعرج الذي سبا ملك بيت المقدس، وقدم به إلى مصر. وكان بولة قد تقدم (¬1) في البلاد، وبلغ مبلغا لم يبلغه أحد ممن كان قبله بعد فرعون، وطغى فقتله الله، صرعته دابته، فدقت عنقه فمات (¬2) . أخرج ابن عبد الحكم، عن كعب الأحبار، قال: لما مات سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام، ملك بعده عمه مرحب، فسار إلى ملك مصر، فقاتله، وأصاب الأترسة الذهب التي عملها سليمان، فذهب بها. ثم استخلف مرينوس بن بولة فملكهم زمانا ثم توفي، فاستخلف ابنه قرقورة، فملكهم ستين سنة، ثم توفي فاستخلف أخاه لقاس؛ وكان كلما انهدم من تلك البربى شيء لم يقدر أحد على إصلاحه إلا تلك العجوز وولد ولدها، فكانوا أهل البيت لا يعرف ذلك غيرهم، فانقطع أهل ذلك البيت، وانهدم من البربى موضع في زمان لقاس، فلم يقدر أحد على إصلاحه ومعرفة علمه، وبقي على حاله، وانقطع ما كان يقهرون به الناس. ثم توفي لقاس، فاستخلف ابنه قومس، فملكهم دهرا. فلما ظهر بخت نصر على بيت المقدس وسبى بني إسرائيل، وخرج بهم إلى أرض بابل، أقام بإيليا وهي خراب؛ فاجتمع إليه بقايا بني إسرائيل كانوا متفرقين، فقال لهم أرميا: أقيموا بنا في أرضنا لنستغفر الله، ونتوب إليه، لعله أن يتوب علينا، فقالوا: إنا نخاف أن يسمع بنا بخت نصر، فيبعث إلينا، ونحن شرذمة قليلون؛ ولكنا نذهب إلى ملك مصر فنستجير به، وندخل في ذمته، فقال لهم أرميا: ذمة الله أوفى لكم، ولا يسعكم أمان ¬

(¬1) فتوح مصر: "تمكن". (¬2) فتوح مصر 28-29.

أحد من أهل الأرض، إذا أخافكم. فسار أولئك النفر من بني إسرائيل إلى قومس، واعتصموا به، فقال: أنتم في ذمتي، فأرسل إليه بخت نصر أن لي قبلك عبيدا أبقوا مني، فابعث بهم إلي. فكتب إليه قومس: ما هم بعبيدك؛ هم أهل النبوة والكتاب وأبناء الأحرار، اعتديت عليهم وظلمتهم؛ فحلف بخت نصر: لئن لم تردهم لأغزون بلادك. وأوحى الله إلى أرميا إني مظهر نصر على هذا الملك الذي اتخذوه حرزا، ولو أنهم أطاعوك، وأطبقت عليهم السماء والأرض، لجعلت لهم من بينهما مخرجا. فرحمهم أرميا، وبادر إليهم، وقال لهم: إن لم تطيعوني أسركم بخت نصر وقتلكم؛ وآية ذلك أنى رأيت موضع سريره الذي يضعه بعد ما يظفر بمصر ويملكها. ثم عمد فدفن أربعة أحجار في الموضع الذي يضع فيه بخت نصر سريره، وقال: يقع كل قائمة من قوائم سريره على حجر منها. فلجوا في رأيهم، وسار بخت نصر إلى قومس، فقاتله سنة، ثم ظفر به. فقتل وسبى جميع أهل مصر، وقتل من قتل. فلما أراد قتل من أسر منهم، وُضع له سريره في الموضع الذي وصف أرميا، ووقعت كل قائمة من قوائم سريره على حجر من تلك الحجارة التي دفن؛ فلما أتوا بالأسارى، أُتي معهم بأرميا. فقال له بخت نصر: ألا أراك مع أعدائي بعد أن أمنتك وأكرمتك! فقال له أرميا: إني أتيتهم محذرا، وأخبرتهم خبرك، وقد وضعت لهم علامة تحت سريرك، وأريتهم موضعه، فقال بخت نصر: وما مصداق ذلك؟ قال أرميا: ارفع سريرك، فإن تحت كل قائمة حجرا دفنته، فلما رفع سريره، وجد مصداق ذلك، فقال لأرميا: لو أعلم أن فيهم خيرا لوهبتهم لك. فقتلهم وأخرب مدائن مصر وقراها، وسبى جميع أهلها، ولم يترك بها أحدا حتى بقيت مصرا أربعين سنة خرابا ليس فيها أحد؛ يجري نيلها، ويذهب لا يُنتفع به. وأقام أرميا بمصر، واتخذ زرعا يعيش به فأوحى الله إليه: إن لك عن الزرع والمقام شغلا، فألحق بإيليا. فخرج أرميا حتى أتى

بيت المقدس. ثم إن بخت نصر رد أهل مصر إليها بعد أربعين سنة، فعمروها، فلم تزل مصر مقهورة من حينئذ (¬1) . ثم ظهرت الروم وفارس على سائر الملوك الذين في وسط الأرض، فقاتلت الروم أهل مصر ثلاث سنين يحاصرونهم. وصابروهم القتال في البر والبحر؛ فلما رأى ذلك أهل مصر صالحوا الروم، على أن يدفعوا لهم شيئا مسمى في كل عام، على أن يمنعوهم ويكونوا في ذمتهم، ثم ظهرت فارس على الروم، فلما غلبوهم على الشام، رغبوا في مصر، وطمعوا فيها، فامتنع أهل مصر، وأعانتهم الروم، وقاتلت دونهم، وألحت عليهم فارس، فلما خشوا ظهورهم عليهم صالحوا فارس، على أن يكون ما صالحوا عليه الروم بين الروم وفارس، فرضيت الروم بذلك حين خافت ظهور فارس عليها، فكان ذلك الصلح على مصر، وأقامت مصر بين الروم وفارس سبع سنين، ثم استجاشت الروم، وتظاهرت على فارس، وألحت بالقتال والمدد، حتى ظهروا عليهم وخربوا مصانعهم أجمع، وديارهم التي بالشام ومصر، وكان ذلك في عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وفيه نزلت: {الم، غُلِبَتِ الرُّومُ، فِي أَدْنَى الْأَرْضِ} (¬2) الآية، فصارت الشام كلها صلحًا ومصر خالصًا للروم، وليس لفارس في الشام ومصر شيء (¬3) . قال الليث بن سعد: وكانت الفرس قد أسست بناء الحصن الذي يقال له سبيل، أليون (¬4) ، وهو الحصن الذي بفسطاط مصر اليوم؛ فلما انكشفت جموع فارس وأخرجتهم الروم من الشام، أتمت الروم بناء ذلك الحصن، وأقامت به، وأرسل هرقل المقوقس أميرا على مصر، وجعل إليه حربها وجباية خراجها، فنزل الإسكندرية، فلم تزل في ملك الروم حتى فتحها الله تعالى على المسلمين (¬5) . قال صاحب مباهج الفكر: هذا الحصن يُسمى قصر الشمع. ¬

(¬1) فتوح مصر 30-31. (¬2) سورة الروم: 1، 2. (¬3) فتوح مصر 35. (¬4) فتوح مصر: "باب أليون". (¬5) فتوح مصر 35.

ذكر من دخل مصر من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام:

ذكر من دخل مصر من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام: قال أبو عمر محمد بن يوسف الكندي في كتاب فضائل مصر: دخل مصر من الأنبياء إدريس وهو هرمس، وإبراهيم الخليل، وإسماعيل، ويعقوب، ويوسف، واثنا عشر نبيا من ولد يعقوب وهم الأسباط، ولوط، وموسى وهارون، ويوشع، ابن نون، ودانيال، وأرميا، وعيسى بن مريم؛ عليهم الصلاة والسلام. قلت: أما إبراهيم فقال ابن عبد الحكم: كان سبب دخوله مصر كما حدثنا به أسد بن موسى وغيره، أنه لما أمر بالخروج عن أرض قومه، والهجرة إلى الشام، خرج ومعه لوط وسارة؛ حتى أتوا حران، فنزلها، فأصاب أهل حران جوع، فارتحل بسارة يريد مصر، فلما دخلها ذُكر جمالها لملكها، ووُصِف له أمرها (¬1) ، فأمر بها، فأدخلت عليه، وسأل إبراهيم: ما هذه المرأة منك؟ فقال: أختي؛ فهم الملك بها، فأيبس الله يديه ورجليه، فقال لإبراهيم: هذا عملك فادع الله لي؛ فوالله لا أسوءك فيها. فدعا الله فأطلق يديه ورجليه، وأعطاهما غنما وبقرا. وقال: ما ينبغي لهذه أن تخدم نفسها، فوهب لها هاجر (¬2) . وأما إسماعيل فرأيت أيضا عدة من الكتب المؤلفة في مصر، ولم أقف في شيء من الأحاديث والآثار على ما يشهد لذلك، وأنا أستبعد صحته، فإنه منذ أقدمه أبوه إلى مكة وهو رضيع مع أمه، لم ينقل أنه خرج منها، ولم يدخل أبوه مصر إلا قبل أن يملك أمه. ¬

(¬1) في ابن عبد الحكم: "وكان حسن سارة حسن حواء". (¬2) فتوح مصر 10.

وأما يعقوب ويوسف وإخوته فدخولهم مصر منصوص عليه في القرآن. وكذا موسى وهارون وقد ولدا بها. وأما لوط فيمكن دخلوه مع إبراهيم؛ ولكن لم أر التصريح به في حديث ولا أثر. وأما يوشع فهو ابن نون بن أفرائيم بن يوسف. ولد بمصر، وخرج مع موسى إلى البحر لما سار ببني إسرائيل، ورد في أثر عن ابن عباس. وأما أرميا فتقدم دخوله في قصة بخت نصر. وأما عيسى فتقدم في قوله تعالى: {وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ} (¬1) إنها مصر على قول جماعة، ورأيت في بعض الكتب أن عيسى ولد بمصر بقرية أهناس، وبها النخلة التي في قوله تعالى: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} (¬2) ، وأنه نشأ بمصر، ثم سار على سفح المقطم ماشيا، وهذا كله غريب لا صحة له، بل الآثار دلت على أنه ولد ببيت المقدس، ونشأ به، ثم دخل مصر. وأما دانيال، فلم أقف فيه على أثر إلى الآن، وعده ابن زولاق فيمن ولد بمصر. والخلاف في نبوة إخوة يوسف شهير، ولي في ذلك تأليف مستقل؛ وهم مدفونون بمصر بلا خلاف؛ وهذه أسماؤهم لتستفاد! أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن السدي، قال: بنو يعقوب: يوسف، وبنيامين، وروبيل، ويهوذا، وشمعون، ولاوى، ودان، وقهاث، وكودى، وبانيون. هكذا سمى عشرة وبقي اثنان. ¬

(¬1) سورة المؤمنون: 50. (¬2) سورة مريم: 25.

وتقدم عن ابن عباس أن العجوز التي دلت موسى على قبر يوسف ابنة أشي بن يعقوب؛ فهذا أحدهما، والآخر بقيا. وبقي من الأنبياء الذين دخلوا مصر، يوسف المذكور في سورة غافر، على أحد القولين أنه غير يوسف بن يعقوب، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا} (¬1) قال جماعة: هو يوسف بن إفراييم بن يوسف بن يعقوب؛ لأن يوسف بن يعقوب لم يدرك زمن فرعون موسى حتى يبعثه الله تعالى؛ فإن صح هذا القول فهو نبي رسول، ولد بمصر ومات بها. ولا نظير له في ذلك. ومن الأنبياء الذين دخلوا مصر سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام، وسيأتي في بناء الإسكندرية ما يدل على ذلك. ورأيت حديثا يدل على أن أيوب عليه السلام دخلها، أخرج ابن عساكر في تاريخه عن عقبة بن عامر مرفوعا، قال: قال الله لأيوب: أتدري لم ابتليتك؟ قال: لا يارب، قال: لأنك دخلت على فرعون، فداهنت عنده بكلمتين؛ يؤيد ذلك أن زوجته بنت ابن يوسف؛ أخرج ابن عساكر، عن وهب بن منبه قال: زوجة أيوب رحمة بنت منشا بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام. ثم رأيت أثرا صريحا في دخول أيوب وشعيب عليهما الصلاة والسلام مصر؛ أخرج ابن عساكر عن أبي إدريس الخولاني، قال: أجدب الشام، فكتب فرعون إلى أيوب: أن هلم إلينا، فإن لك عندنا سعة، فأقبل بخيله وماشيته وبنيه، فأقطعهم؛ ¬

(¬1) سورة غافر: 34.

فدخل شعيب على فرعون، فقال: يا فرعون، أما تخاف أن يغضب الله غضبه، فيغضب لغضبه أهل السماوات والأرض والجبال والبحار! فسكت أيوب، فلما خرجا من عنده أوحى الله تعالى إلى أيوب: أو سَكَتَّ عن فرعون لذهابك إلى أرضه! استعد للبلاء. وعد بعضهم ممن دخلها من الأنبياء لقمان؛ وفي مرآة الزمان حكاية قول إنه من سودان مصر، وفي نبوته خلاف، والقول بأنه نبي قول عكرمة وليث. وعد الكندي وغيره فيمن دخلها من الصديقين الخضر وذا القرنين. وقد قيل بنبوتهما. والقول بنبوة الخضر حكاه أبو حيان في تفسيره عن الجمهور، وجزم به الثعلبي، وروي عن ابن عباس. وذهب إسماعيل بن أبي زياد ومحمد بن إسحاق أنه نبي مرسل؛ ونصر هذا القول أبو الحسن بن الرماني، ثم ابن الجوزي. والقول بنبوة ذي القرنين أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره عن عبد الله بن عمرو بن العاص. ودخول ذي القرنين مصر، ورد في حديث مرفوع سيأتي في بناء الإسكندرية. ودخول الخضر غير بعيد؛ فإنه كان في عسكر ذي القرنين، بل أحد الأقوال في الخضر أنه ابن فرعون لصلبه، حكاه الكندي وجماعة، آخرهم الحافظ ابن حجر في كتاب الإصابة في معرفة الصحابة (¬1) ؛ فعلى هذا يكون مولده بمصر. وقال ابن عبد الحكم: حدثني شيخ من أهل مصر، قال: كان ذو القرنين من ¬

(¬1) الإصابة: 1: 428، ونقله عن النقاش.

أهل لوبية، كورة من كور مصر الغربية. قال ابن لهيعة: وأهلها روم (¬1) . وأخرج ابن عبد الحكم أيضا عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني من يسوق الحديث عن الأعاجم فيما توارثوا من علمه، أن ذا القرنين رجل من أهل مصر اسمه مرزبا بن مرزبة اليوناني، من ولد يونان بن يافث بن نوح عليه الصلاة والسلام (¬2) . وذكر صاحب مرآة الزمان (¬3) : أن ذا القرنين مات بأرض بابل، وجعل في تابوت وطلي بالصبر والكافور، وحمل إلى الإسكندرية، فخرجت أمه في نساء الإسكندرية حتى وقفت على تابوته، وأمرت به فدفن. وقيل: إنه عاش ألف سنة، وقيل: ألفا وستمائة سنة، وقيل: ثلاثة آلاف سنة. وقد قيل بنبوة نسوة دخلن مصر: مريم، وسارة زوج الخليل، وآسية امرأة فرعون، وأم موسى. وحكى ذلك الشيخ تقي الدين السبكي (¬4) في فتاويه المعروفة بالحلبيات؛ قال: ويشهد لذلك في مريم ذكرها في سورة الأنبياء مع الأنبياء، وهو قرينة. وأم موسى اسمها يوكابد. ¬

(¬1) فتوح مصر 38؛ وذكر بعده: "ويقال: بل هو رجل من حمير، قال تبع: قد كن ذو القرنين جدي مسلما ... ملكًا تدين له الملوك وتحشد بلغ المغارب والمشارق يبتغي ... أسباب علم من حكيم مرشد قرأى مغيب الشمس عند غروبها ... في عين ذي خلب وثأط حرمد (¬2) فتوح مصر 37. (¬3) هو يوسف بن قزأ علي بن عبد الله، سبط أبي الفرج بن الجوزي، مؤرخ واعظ، وكتابه مرآة الزمان كسره على تاريخ الأعيان: توفي سنة 754، الأعلام 9: 324. (¬4) هو علي بن عبد الكافي بن علي الخزرجي، المعروف بتقي الدين السبكي، شيخ الإسلام في عصره، والد التاج السبكي صاحب الطبقات. توفي سنة 756. الأعلام 6: 116.

وقد تقدم أن شيث بن آدم نزل مصر وهو نبي، وأن نوحا طافت به سفينته بأرض مصر. فتمت عدة من دخل مصر باتفاق واختلاف اثنين وثلاثين نبيا غير النسوة الأربع. وقد نظمت ذلك في أبيات فقلت: قد حل مصر على ما قد رووا زمر ... من النبيين زادوا مصر تأنيسا فهاك يوسف والأسباط مع أبه ... وحافدا وخليل الله إدريسا لوطا وأيوب ذا القرنين خضر سليمـ ... ـان أرميا يوشعا هارون مع موسى وأمه سارة لقمان آسية ... ودانيال شعيبا مريما عيسى شيثا ونوحا وإسماعيل قد ذكروا ... لا زال من ذكرهم ذا المصر مأنوسا قال أبو نعيم (¬1) في الحلية: حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، حدثنا أحمد بن هارون، حدثنا روح، حدثنا أبو سعيد الكندي، حدثنا أبو بكر بن عياش، قال: اجتمع وهب بن منبه وجماعة، فقال وهب: أي أمر الله أسرع؟ قال بعضهم: عرش بلقيس حين أُتِيَ به سليمان، قال وهب: أسرع أمر الله أن يونس بن متى كان على حرف السفينة، فبعث الله إليه حوتا من نيل مصر؛ فما كان أقرب من أن صار من حرفها في جوفه. وقال صاحب مرآة الزمان: وأما موسى بن يوسف، فنبي آخر، قبل: موسى بن عمران. ويزعم أهل التوراة أنه صاحب الخضر. قلت: والقصة في صحيح البخاري. ¬

(¬1) هو أحمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني، أبو نعيم الحافظ المؤرخ، صاحب كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء؛ توفي سنة 430هـ. الأعلام 1: 15.

ذكر من كان بمصر من الصديقين كماشطة ابنة فرعون وابنها ومؤمن آل فرعون:

ذكر من كان بمصر من الصديقين كماشطة ابنة فرعون وابنها ومؤمن آل فرعون: أخرج الحاكم في المستدرك، وصححه عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لم يتكلم في المهد إلا عيسى، وشاهد يوسف، وصاحب جريج، وابن ماشطة ابنة فرعون". وأخرج أحمد والبزار والطبراني عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لما كانت ليلة أسري بي، أتيت على رائحة طيبة، فقلت: يا جبريل، ما هذه الرائحة الطيبة؟ قال: هذه رائحة ماشطة ابنة فرعون وأولادها، قلت: وما شأنها؟ قال: بينما هي تمشط ابنة فرعون ذات يوم؛ إذ سقط المدرى من يدها، فقالت: باسم الله، فقالت لها ابنة فرعون: أولك رب غير أبي؟ قالت: لا، ولكن ربي ورب أبيك الله. قالت: أخبره بذا؟ قالت: نعم، فأخبرته، فدعاها، فقال: يا فلانة، أو أن لك ربا غيري! قالت: نعم ربي وربك الله، فدعا ببقرة من نحاس، ثم أحميت، ثم أمر أن تلقى فيها هي وأولادها، فألقوا بين يديها واحدا واحدا إلى أن انتهى ذلك إلى صبي لها مرضع، فتقاعست من أجله، قال: يا أماه اقتحمي فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، فاقتحمت". قال ابن عباس: تكلم في المهد أربع صغار: عيسى بن مريم، وصاحب جريج، وشاهد يوسف، وابن ماشطة ابنة فرعون. وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ} (¬1) . قال: لم يكن من أهل فرعون مؤمن غيره وغير امرأة فرعون وهو المؤمن الذي أنذر موسى الذي قال: {إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ} (¬2) . ¬

(¬1) سورة غافر: 51. (¬2) سورة القصص: 20.

ذكر السحرة الذين آمنوا بموسى عليه الصلاة والسلام:

ذكر السحرة الذين آمنوا بموسى عليه الصلاة والسلام: قال الكندي: أجمعت الرواة على أنه لا يعلم جماعة أسلموا في ساعة واحدة أكثر من جماعة القبط، وهم السحرة الذين آمنوا بموسى. وأخرج ابن عبد الحكم، عن يزيد بن أبي حبيب، أن تبيعا كان يقول: ما آمن جماعة قط في ساعة واحدة مثل جماعة القبط. وأخرج ابن عبد الحكم، عن عبد الله بن هبيرة السبئي وبكر بن عمرو الخولاني ويزيد بن أبي حبيب، قال: كان السحرة اثني عشرة ساحرا رؤساء، تحت يد كل ساحر منهم عشرون عريفا، تحت كل عريف منهم ألف من السحرة؛ فكان جميع السحرة مائتي ألف وأربعين ألفا ومائتين واثنين وخمسين إنسانا، بالرؤساء والعرفاء، فلما عاينوا ما عاينوا، أيقنوا أن ذلك من السماء، وأن السحر لا يقاوم لأمر الله، فخر الرؤساء الاثنا عشر عند ذلك سجدا فاتبعهم العرفاء، واتبع العرفاء من بقي، وقالوا: {آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ، رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} (¬1) . وأخرج عن يزيد بن أبي حبيب أن تبيعا قال: كان السحرة من أصحاب موسى عليه الصلاة والسلام، ولم يفتتن منهم أحد مع من افتتن من بني إسرائيل في عبادة العجل. وقال ابن عبد الحكم: حدثنا هانئ بن المتوكل، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن تبيع، قال: استأذن جماعة من الذين كانوا آمنوا من سحرة موسى في الرجوع إلى أهلهم ومالهم بمصر، فأذن لهم، ودعا لهم، فترهبوا في رءوس الجبال، فكانوا أول من ترهب. وكان يقال لهم الشيعة، وبقيت طائفة منهم مع موسى حتى توفاه الله، ثم انقطعت الرهبانية بعدهم؛ حتى ابتدعها بعدهم أصحاب المسيح عليه الصلاة والسلام (¬2) . ¬

(¬1) سورة الأعراف: 121، 122. (¬2) فتوح مصر 44.

ذكر من كان بمصر من الحكماء في الدهر الأول:

ذكر من كان بمصر من الحكماء في الدهر الأول: قال الكندي وابن زولاق: كان بمصر هرمس، وهو إدريس عليه الصلاة والسلام؛ وهو المثلث لأنه بني، وملك، وحكيم. وهو الذي صير الرصاص ذهبا بصاصا. وكان بها أغاثوذيمون، وفيثاغورس، تلاميذ هرمس، ولهم من العلوم صنعة الكيمياء والنجوم والسحر وعالم الروحانيات والطلسمات والبرابي وأسرار الطبيعة. وإوسلاوس وسيزاورس وبندقليس أصحاب الكهانة والزجر. وسقراط صاحب الكلام على الحكمة. وأفلاطون صاحب السياسة والنواميس والكلام على المدن والملوك. وأرسطوطاليس صاحب المنطق. وبطليموس صاحب الرصد والحساب والمجسطى في تركيب الأفلاك وتسطيح الكرة. وأراطس صاحب البيضة ذات الثمانية والأربعين صورة في تشكيل صورة الفلك. وإفليسطهوس صاحب الفلاحة. وإبرجس صاحب الرصد والآلة المعروفة بذات الحلق. وثاؤن صاحب الزيج. ودامانيوس ورابس وإصطقر أصحاب كتب أحكام النجوم. وإيزل، وأندريه، وله الهندسة والمقادير، وكتاب جر الثقيل والبنكامات والآلات لقياس الساعات. وفليون، وله عمل الدواليب والأرحية والحركات بالحيل اللطيفة.

وأرشميدس صاحب المرايا المحرقة والمنجنيقات التي يُرمى بها الحصون. ومارية وقلبطرة وهم أصحاب الطلسمات والخواص. وإبلوسيكوس، وله كتاب المخروطات قطع الخطوط. وتابوشيش، وله كتاب الأكر. وقيطس وله كتاب الحشائش. وأفتوقس وله كتاب الأكرة والأسطوانة. ودخلها جالينوس، ودينبقورايدش صاحب الحشائش وأساسيوس، وترهونوس ووقس، وهم من حكماء اليونان. هذا ما ذكره الكندي وابن زولاق. قلت: قال الشهرستاني (¬1) في الملل والنحل: قيل: أول من شهر بالفلسفة ونسبت إليه الحكمة فلوطرخيس، تفلسف بمصر، ثم سار إلى ملطية فأقام بها (¬2) . وذكر في فيثاغورس أنه ابن منسارخس، وأنه كان في زمن موسى (¬3) عليه الصلاة والسلام، وأنه أخذ الحكم من معدن النبوة (¬4) . وذكر في سقراط أنه ابن سفرنيسقوس، وأنه اقتبس الحكمة من فيثاغورس. وأرسلاوس، وأنه اشتغل بالزهد والرياضة وتهذيب الأخلاق، وأعرض عن ملاذ الدنيا، واعتزل إلى الجبل (¬5) ، ونهى الرؤساء الذين كانوا في زمنه عن الشرك وعبادة الأوثان، ¬

(¬1) هو محمد بن عبد الكريم "الشهرستاني، المتوفى سنة 548، طبع مرارًا. (¬2) الملل والنحل 2: 103، وذكر بعدها أنه "قد يعد من الأساطين". (¬3) في الملل والنحل: "في زمن سليمان النبي بن داود عليه السلام". (¬4) الملل والنحل 2: 78. (¬5) بعدها في الملل والنحل: "وأقام في غاربه"، وغارب الجبل: أعلاه.

فثوروا عليه الغاغة، وألجئوا ملكهم إلى قتله، فحبسه ثم سقاه السم (¬1) . وذكر في أفلاطون أنه ابن أرسطن بن أرسطوقليس، وأنه آخر المتقدمين الأوائل الأساطين؛ معروف بالتوحيد والحكمة، ولد في زمان أزدشير بن دارا، وأخذ عن سقراط وجلس على كرسيه بعد موته (¬2) . وذكر أرسطا ليس أنه ابن نيقوماخوس، وأنه أخذ عن أفلاطون (¬3) . وقال ابن فضل الله (¬4) في المسالك: الهرامسة ثلاثة: هرمس المثلث، ويقال له إدريس عليه الصلاة والسلام؛ كان نبيا، وحكيما، وملكا. وهرمس لقب، كما يقال كسرى وقيصر. قال أبو معشر: هو أول من تكلم في الأشياء العلوية من الحركات النجومية، وأول من بنى الهياكل، ومجد الله فيها، وأول من نظر في الطب وتكلم فيه، وأنذر بالطوفان؛ وكان يسكن صعيد مصر، فبنى هناك الأهرام والبرابي، وصور فيها جميع الصناعات، وأشار إلى صفات العلوم لمن بعده حرصا منه على تخليد العلوم بعده، وخيفة أن يذهب رسم ذلك من العالم، وأنزل الله عليه ثلاثين صحيفة، ورفعه إليه مكانًا عليًّا. وأما هرمس الثاني فإنه من أهل بابل. وأما هرمس الثالث، فإنه سكن مدينة مصر؛ وكان بعد الطوفان. قال ابن ¬

(¬1) الملل والنحل 2: 89. (¬2) الملل والنحل 2: 94. (¬3) الملل والنحل 2: 138. (¬4) مسالك الأبصار في عجائب الأمصار؛ لأحمد بن يحيى المعروف بابن فضل الله العمري، المتوفى سنة 749؛ قال ابن شاكر: كتاب حافل ما أعلم أن لأحد مثله، طبع الجزء الأول منه بمطبعة دار الكتب المصرية.

أبي أصيبعة: وهو صاحب كتاب الحيوان ذوات السموم، وكان طبيبا فيلسوفا، وله كلام حسن في صنعة الكيمياء. وقال عن صاعدين بن أحمد في بندقليس: إنه كان في زمن داود، أخذ الحكمة عن لقمان بالشام وفي فيثاغورس إنه أخذ الحكمة عن سليمان عليه الصلاة والسلام بمصر حين دخلوا إليها من بلاد الشام، وأخذ الهندسة عن المصريين، ثم رجع إلى بلاد اليونان وأدخل عندهم علم الهندسة وعلم الطبيعة، واستخرج علم الألحان وتوقيع النغم. وفي أفلاطون إنه لما مات دخل مصر للقاء أصحاب فيثاغورس.

ذكر قتل عوج بمصر:

ذكر قتل عوج بمصر: قال ابن عبد الحكم: يقال إن موسى عليه الصلاة والسلام قتل عوجا بمصر؛ حدثنا عمرو بن خالد، حدثنا زهير بن (¬1) معاوية، حدثنا أبو إسحاق عن نوف (¬2) ، قال: كان طول سرير عوج الذي قتله موسى ثمانمائة ذراع، وعرضه أربعمائة ذراع، وكانت عصا موسى عليه السلام عشرة أذرع، ووثبته حين وثب إليه عشرة أذرع؛ وطول موسى كذا وكذا، فضربه فاصاب كعبه، فخر على نيل مصر، فجسره (¬3) للناس يمشون (¬4) على صلبه وأضلاعه (¬5) . وقال صاحب مرآة الزمان: حكى جدى عن ابن إسحاق، أن عوج بن عنق عاش ثلاثة آلاف سنة وستمائة سنة، ولم يعش أحد هذا العمر. وقال ابن جرير: عاش ألف سنة. وقيل: إنه ولد في عهد آدم وسلم من الطوفان. وقال الثعلبي: لما وقع على نيل مصر جسرهم سنة. ¬

(¬1) في الأصول: "عن" وصوابه من فتوح مصر. (¬2) في الأصول: "نوق"، وفي فتوح مصر: قال زهير: أراه عن نوق. (¬3) جسره؛ أي جعله جسرًا عليه. (¬4) فتوح مصر: "يمرون على صلبه وأضلاعه". (¬5) فتوح مصر 26.

ذكر عجائب مصر القديمة:

ذكر عجائب مصر القديمة: قال الجاحظ وغيره: عجائب الدنيا ثلاثون أعجوبة: عشرة منها بسائر البلاد، وهي مسجد دمشق، وكنيسة الرها، وقنطرة سنجة، وقصر غمدان، وكنيسة رومية، وصنم الزيتون، وإيوان كسرى بالمدائن، وبيت الريح بتدمر، والخورنق بالحيرة، والثلاثة أحجار ببعلبك. والعشرون الباقية بمصر، وهي: 1- الهرمان؛ وهما أطول بناء وأعجبه، ليس على الأرض بناء أطول منهما، وإذا رأيتهما ظننت أنهما جبلان موضوعان؛ ولذلك قال بعض من رآهما: ليس شيء إلا وأنا أرحمه من الدهر إلا الهرمان، فأنا أرحم الدهر منهما. 2- وصنم الهرمين وهو بهلويه، ويقال بلهنيت، وتسمية العامة أبو الهول. ويقال: إنه طلسم للرمل لئلا يغلب على الجيزة. 3- وبربى سمنود (¬1) ، قال الكندي: رأيته وقد خزن فيه بعض العمال قرطا، فرأيت الجمل إذا دنا منه بحمله وأراد أن يدخله سقط كل ودبيب (¬2) من القرط، ولم يدخل منه شيء إلى البربى، ثم خرب عند الخمسين وثلاثمائة. 4- وبربى إخيم؛ كان فيه صور الملوك الذين ملكوا مصر؛ قال صاحب مباهج الفكر: وهي مبنية بحجر المرمر، طول كل حجر خمسة أذرع في سمك ذراعين، وهي سبعة دهاليز. ويقال إن: كل دهليز على اسم كوكب من الكواكب السبعة، وجدرانها منقوشة بعلوم الكيمياء والسيمياء والطلسمات والطب؛ ويقال: إنه كان بها جميع ما يحدث ¬

(¬1) ح، ط: "سمهود"، والصواب ما أثبته من الأصل. (¬2) القرط: علف الدواب، وفي المقريزي 1: 48، ومعجم البلدان 5: 133: "دبيب".

في الزمان؛ حتى ظهور رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنه كان مصورا فيها راكبا على ناقة. 5- وبربى دندرة، كان فيها مائة وثمانون كوة، تدخل الشمس كل يوم من كوة منها ثم الثانية، ثم الثالثة؛ حتى تنتهي إلى آخرها؛ ثم تكر راجعة إلى موضع بدأت. 6- وحائط العجوز؛ من العريش إلى أسوان، محيط بأرض مصر شرقا وغربا. وقد مر ذكره. 7- والفيوم، وهي مدينة دبرها يوسف عليه الصلاة والسلام بالوحي، وكانت ثلاثمائة وستين قرية، تمير كل قرية منها مصر يوما، كانت تروى من اثني عشر ذراعا؛ وليس في الدنيا بلد بني بالوحي غيرها. قاله الكندي. 8- ومنف، وما فيها من الأبنية والدفائن والكنوز وآثار الملوك والأنبياء والحكماء، وكان فيها البربى الذي لا نظير له، الذي بنته الساحرة لدلوكه، وقد تقدم ذكره. 9- وجبل الكهف. 10- وجبل الطيلمون. 11- وجبل زماخير الساحرة (¬1) ، فيه حلقة ظاهرة مشرفة على النيل، لا يصل إليها أحد، يلوح فيه خط مخلوق: "باسمك اللهم". 12- وجبل الطير بصعيد مصر الأدنى، مطل على النيل، مقابل منية بني خصيب، قال السكردان: فيه أعجوبة لم ير مثلها في سائر الأقاليم؛ وهي باقية إلى يومنا هذا؛ ¬

(¬1) المقريزي 1: 49، صبح الأعشى 3: 285.

وذلك أنه إذا كان آخر فصل الربيع قدم إليه طيور كثيرة بلق، سود الأعانق، مطوقات الحواصل، سود أطراف الأجنحة، في صياحها بحاحة، يقال لها طير البح، لها صياح عظيم يسد الأفق، فتقصد مكانا في ذلك الجبل، فينفرد منها طائر واحد فيضرب بمنقاره في مكان مخصوص في شعب الجبل عال، لا يمكن الوصول إليه، فإن علق تفرق الطيور عنه، وإن لم يعلق تقدم غيره وضرب بمنقاره في ذلك الموضع، وهكذا واحد بعد واحد إلى أن يعلق واحد منهم بمنقاره، فتفرق عنه الطيور حينئذ، وتذهب إلى حيث جاءت، فلا يزال معلقا إلى أن يموت، فيضمحل في العام القابل فيسقط، فتأتي الطيور على عادتها في السنة القابلة، فتعمل العمل المذكور. قال صاحب السكردان: وقد أخبرني بهذا غير واحد من المصريين ممن شاهد ذلك. وهو مشهور معروف إلى يومنا هذا (¬1) . قال أبو بكر الموصلي: سمعت من أعيان أهل الصعيد أنه إذا كان العام مخصبا قبض على طائرين، وإن كان متوسطا قبض على واحد، وإن كان جدبا لم يقبض على شيء. قال السكردان: وحكى بعضهم أنه رأى في بعض السنين طيرا تعلق بمنقاره، وتفرقت عنه الطيور، ثم اضطرب اضطرابا شديدا، وأطلق نفسه، والتحق بالطيور، فدارت عليه، وجعلت تنقره بمناقيرها إلى أن عاد، وتعلق بمنقاره في ذلك الموضع (¬2) . 13- وعين شمس؛ وهي هيكل الشمس. قال صاحب مباهج الفكر: وقد خربت، وبقي منها عمودان من حجر صلد، فكان طول كل عمود منهما أربعا وثمانين ذراعا، على رأس كل عمود منهما صورة إنسان على دابة، وعلى رأسهما شبه الصومعة من نحاس، فإذا جرى النيل قطر من رأس كل واحد منهما ماء، لا يجاوز نصف ¬

(¬1) السكردان 27. (¬2) السكردان 28.

العمود، والموضع الذي يصل إليه الماء لا يزال أخضر رطبا. قال: وقد وقع العمودان في عصرنا بعد الخمسين وستمائة، ونشرت حجارتهما، وفرشت بها الدور. 14- وصنم من نحاس كان على باب القصر الكبير عند الكنيسة المعلقة على خلقة الجمل، وعليه رجل راكب، عليه عمامة، متنكب قوسا وفي رجليه نعلان؛ كانت الروم والقبط وغيرهم إذا تظالموا بينهم، واعتدى بعضهم على بعض جاءوا إليه، فيقول المظلوم للظالم: أنصفني قبل أن يخرج هذا الراكب الجمل، فيأخذ الحق لي منك -يعنون بالراكب الجمل محمدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلما قدم عمرو بن العاص غيب الروم ذلك الجمل لئلا يكون شاهدا عليهم. 15- والنيل، وسيأتي خبره مبسوطا. 16- وحوض كان مدورا من حجر يركب فيه الواحد والأربعة، ويحركون الماء بشيء فيعدون في البحر من جانب إلى جانب لا يعلم من عمله، فأحضره كافور الإخشيدي إلى مصر، فنظر إليه، ثم أُخرج من الماء، وأُلقي في البر وكان في أسفله كتابة لا يُدرى ما هي، ثم أعيد إلى البحر فغرق وبطل فعله. 17- والإسكندرية؛ فإنها مدينة على مدينة ثلاث طبقات، وليس على وجه الأرض مدينة على مدينة على مدينة، على هذه الصفة سواها، ويقال: إنها إرم ذات العماد، سميت بذلك لأن عمدها ورخامها من الديجنا والأصطفيدس المخطط طولا وعرضا. والمنارة التي بها، وسيأتي ذكرها. 18- ومنارة بناحية أبيط من بلاد البهنسا، محكمة البناء، إذا هزها الإنسان مالت يمينا وشمالا، لا يرى ميلها ظاهرا، وفيء ظلها في الشمس. 19- والملعب الذي كان بالإسكندرية يجتمعون فيه، فلا يرى أحد منهم يلقى وجه

الآخر إن عمل أحدهم شيئا، أو تكلم، أو قرأ كتابا، أو لعب لونا من الألوان، سمعه الباقون، ونظر القريب والبعيد فيه سواء، وكانوا يترامون فيه بالأكرة، فمن دخلت كمه ولي مصر ... قال صاحب مباهج الفكر: وقد بقيت منه بقايا عمد قد تكسرت، غير عمود منها يسمى عمود السواري، في غاية الغلظ والطول من حجر الصوان الأحمر. 20- والمسلتان، وهما شخصان من صوان، طول أحدهما ثلاثمائة وثمانون ذراعا، وهما مسلتا فرعون للشمس، منصوبتان، فإذا حلت الشمس أول درجة من الجدي -وهو أقصر يوم في السنة- انتهت إلى المسلة الجنوبية، وطلعت على قمة رأسها، ثم إذا حلت أول درجة من السرطان -وهو أطول يوم في السنة- انتهت إلى المسلة الشمالية، وطلعت على رأسها؛ وهي منتهى المسلتين، وخط الاستواء في الوسط بينهما، ثم تتردد بينهما ذاهبة وجائية سائر السنة. فهذه عشرون أعجوبة (¬1) . ويقال: إنه ليس من بلد فيه شيء غريب إلا وفي مصر شبهه أو مثله، ثم تفضُل مصر على البلدان بعجائبها التي ليست في بلد سواها. ¬

(¬1) ذكر المقريزي هذه العجائب في الخطط 1: 48-63، مع اختلاف في تفصيلها.

ذكر الأهرام:

ذكر الأهرام: قال ابن عبد الحكم: في زمان شداد بن عاد، بنيت الأهرام كما ذكر عن بعض المحدثين. قال: ولم أجد عند أحد من أهل المعرفة من أهل مصر في الأهرام خبرا يثبت، وفي ذلك يقول الشاعر: حسرت عقول أولي النهى الأهرام ... واستصغرت لعظيمها الأحلام (¬1) ملس منبقة (¬2) البناء شواهق ... قصرت لعال دونهن سهام لم أدر حين كبا التفكر دونها ... واستوهمت لعجيبها الأوهام (¬3) أقبور أملاك الأعاجم هن أم ... طلسم رمل كن أم أعلام؟ قال: ولا أحسب إلا أنها بنيت قبل الطوفان لأنها لو بنيت بعد الطوفان لكان علمها عند الناس (¬4) . قال جماعة من أهل التاريخ: الذي بنى الأهرام سوريد بن سلهوق بن شرياق ملك مصر؛ وكان قبل الطوفان بثلاثمائة سنة؛ وسبب ذلك أنه رأى في منامه كأن الأرض انقلبت بأهلها، وكأن الناس هاربون على وجوههم، وكأن الكواكب تساقطت، ويصدم بعضها بعضا بأصوات هائلة، فأغمه ذلك وكتمه، ثم رأى بعد ذلك كأن الكواكب الثابتة نزلت إلى الأرض في صورة طيور بيض، وكأنها تخطف الناس وتلقيهم بين جبلين عظيمين، وكأن الجبلين انطبقا عليهم، وكأن الكواكب النيرة مظلمة؛ فانتبه مذعورا، فجمع رؤساء الكهنة من جميع أعمال مصر -وكانوا مائة وثلاثين كاهنا ¬

(¬1) فتوح مصر 1 من نسخة بحاشية الأصل: "الأجرام". (¬2) ياقوت: "يعجيبها". (¬3) في الأصول: "صلاصم رجل"، والصواب ما أثبته من فتوح مصر. (¬4) فتوح مصر 42، معجم البلدان 7: 457.

وكبيرهم يقال له أفليمون- فقص عليهم، فأخذوا في ارتفاع الكواكب، وبالغوا في استقصاء ذلك، فأخبروا بأمر الطوفان. قال: أويلحق بلادنا؟ قالوا: نعم، وتخرب وتبقى عدة سنين. فأمر عند ذلك ببناء الأهرام، وأمر بأن يعمل لها مسارب يدخل منها النيل إلى مكان بعينه، ثم يفيض إلى مواضع من أرض المغرب وأرض الصعيد، وملأها طلسمات وعجائب وأموالا وخزائن وغير ذلك، وزبر فيها جميع ما قالته الحكماء، وجميع العلوم الغامضة وأسماء العقاقير ومنافعها ومضادها وعلم الطلسمات والحساب والهندسة والطب، وكل ذلك مفسر لمن يعرف كتابتهم ولغاتهم. ولما أمر ببنائها قطعوا الأسطوانات العظام والبلاطات الهائلة، وأحضروا الصخور من ناحية أسوان، فبنى بها أساس الأهرام الثلاثة، وشدها بالرصاص والحديد والصفر، وجعل أبوابها تحت الأرض بأربعين ذراعا، وجعل ارتفاع كل واحد مائتي ذراع بالملكي، وهي خمسمائة ذراع بذارعنا الآن، وجعل ضلع كل واحد من جميع جهاته مائة ذراع بالملكي أيضا. وكان ابتداء بنائها في طالع سعيد؛ فلما فرغ منها كساها ديباجا ملونا من فوق إلى أسفل، وجعل لها عيدا حضره أهل مملكته كلها، ثم عمل في الهرم الغربي ثلاثين مخزنا مملوءة بالأموال الجمة، والآلات، والتماثيل المعمولة من الجواهر النفيسة، وآلات الحديد الفاخر، والسلاح الذي ما يصدأ، والزجاج الذي لا ينطوي ولا ينكسر، والطلسمات الغريبة، وأصناف العقاقير المفردة والمؤلفة، والسموم القاتلة، وغير ذلك. وعمل في الهرم الشرقي أصناف القباب الفلكية والكواكب، وما عمل أجداده من التماثيل والدخن التي يتقرب بها إليها ومصافحها، وجعل في الهرم الملون أخبار الكهنة في توابيت من صوان أسود، مع كل كاهن مصفحة. وفيها عجائب صنعته وحكمته وسيرته، وما عمل في وقته وما كان وما يكون من أول الزمان إلى آخره، وجعل لكل هرم خازنا، فخازن الهرم الغربي من حجر صوان واقف، ومعه شبه الحربة، وعلى رأسه حية مطوقة،

من قرب منه وثبت إليه من ناحية قصده، وطوقت على عنقه فتقتله، ثم تعود إلى مكانها. وجعل خازن الهرم الشرقي صنمًا من جزع أسود، وله عينان مفتوحتان براقتان، وهو جالس على كرسي، ومعه شبه حربة إذا نظر إليه ناظر سمع من جهته صوتًا يفزع قلبه، فيخر على وجهه، ولا يبرح حتى يموت، وجعل خازن الهرم الملون صنمًا من حجر البهت (¬1) على قاعدة، من نظر إليه اجتذبه الصنم حتى يلتصق به، ولا يفارقه حتى يموت. وذكر القبط في كتبهم أن عليها كتابة منقوشة وتفسيرها بالعربية: "أنا سوريد الملك، بنيت الأهرام في وقت كذا وكذا، وأتممت بناءها في ست سنين، فمن أتى بعدي، وزعم أنه مثلي فليهدمها في ستمائة سنة، وقد علم أن الهدم أيسر من البناء، وإني كسوتها عند فراغها بالدبياج، فليكسها بالحصر". ولما دخل الخليفة المأمون مصر، ورأى الأهرام، أحب أن يعلم ما فيها، فأراد فتحها، فقيل له: إنك لا تقدر على ذلك، فقال: لا بد من فتح شيء منها، ففتحت له الثلمة المفتوحة الآن بنار توقد وخل يرش وحدادين يحدون الحديد ويحمونه، ومناجيق يرمى بها. وأنفق عليها مالًا عظيمًا حتى انفتحت، فوجد عرض الحائط عشرين ذراعًا؛ فلما انتهوا إلى آخر الحائط، وجدوا خلف النقب مطمرة من زبرجد أخضر، فيها ألف دينار، وزن كل دينار أوقية من أواقينا؛ فتعجبوا من ذلك، ولم يعرفوا معناه. فقال المأمون: ارفعوا إليَّ حساب ما أنفقتم على فتحها، فرفعوه؛ فإذا هو قدر الذي وجدوه، لا يزيد ولا ينقص، ووجدوا داخله بئر مربعة، في تربيعها أربعة أبواب، يُفضي كل باب منها إلى بيت فيه أموات بأكفانهم، ووجدوا في رأس الهرم بيتًا فيه حوض من الصخر، وفيه صنم كالآدمي من الدهنج (¬2) ، وفي وسطه إنسان عليه ¬

(¬1) البهت: نوع من الأحجار. (¬2) الدهنج: جوهر كالزمرد.

درع من ذهب مرصع بالجواهر، وعلى صدره سيف لا قيمة له، وعند رأسه حجر ياقوت كالبيضة، ضوءه كضوء النهار، عليه كتابة بقلم الطير، لا يعلم أحد في الدنيا ما هي. ولما فتحه المأمون، أقام الناس سنين يدخلونه وينزلون من الزلاقة التي فيه، فمنهم من يسلم، ومنهم من يموت. وقال صاحب المرآة: من عجائب مصر الهرمان، سمك كل واحد خمسمائة ذراع في ارتفاع مثلها، كلما ارتفع البناء دق رأسهما حتى يصير مصل مفرش حصير، وهما من المرمر، وعليهما جميع الأقلام السبعة: اليونانية، والعبرانية، والسريانية، والسندية، والحميرية، والرومية، والفارسية. قال: وحكى جدي عن ابن المناوي، أنه قال: حسبوا خراج الدنيا مرارًا فلم يف بهدمها. قال صاحب المرآة: هذا وهم؛ فإن صلاح الدين يوسف بن أيوب أمر بأن يؤخذ منها حجارة يُبنى بها قنطرة وجسرًا، فهدموا منها شيئًا كثيرًا. قال: وحكى لي من دخل الهرم المفتوح، أنه وجد فيه قبرًا، وأن فيه مهالك، وربما خرج الإنسان في سراديب إلى الفيوم. قال: والظاهر أنها قبور ملوك الأوائل، وعليها أسماؤهم وأسرار الفلك والسحر وغير ذلك. قال: واختلفوا فيمن بنى الأهرام، فقيل: يوسف، وقيل: نمرود، وقيل: دلوكة الملكة، وقيل: بناها القبط قبل الطوفان، وكانوا يرون أنها مأمن، فنقلوا أموالهم وذخائرهم إليها، فما أغنى عنهم شيئًا. وحكى بعض شيوخ مصر أن بعض من يعرف لسان اليونان، حل بعض الأقلام التي عليها، فإذا هي: "بنى هذا الهرمان، والنسر الواقع في السرطان". قال: ومن ذلك الوقت إلى زمان نبينا محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ستة وثلاثون ألف سنة. وقيل:

اثنان وسبعون ألفًا، وقيل: إن القلم الذي عليها تاريخه قبل بناء مصر بأربعة آلاف سنة ولا يعرفه أحد. قال: ولما ملك أحمد بن طولون مصر، حفر على أبواب الأهرام فوجدوا في الحفر قطعة مرجان مكتوبًا عليها سطورًا باليوناني، فأحضر من يعرف ذلك القلم، فإذا هي أبيات شعر، فترجمت فكان فيها: أنا من بنى الأهرام في مصر كلها ... ومالكها قدمًا بها والمقدم تركت بها آثار علمي وحكمتي ... على الدهر لا تبلى ولا تتثلم وفيها كنوز جمة وعجائب ... والدهر لين مرة وتهجم وفيها علومي كلها غير أنني ... أرى قبل هذا أن أموت فتعلم ستفتح أقفالي، وتبدو عجائبي ... وفي ليلةٍ في آخر الدهر تنجم ثمان وتسع واثنتان وأربع ... وسبعون من بعد المئين فتسلم ومن بعد هذا جزء تسعين برهةً ... وتلقى البرابي صخرها وتهدم تدبر فعالي في صخور قطعتها ... ستبقى، وأفنى قبلها ثم تُعدم فجمع أحمد بن طولون الحكماء، وأمرهم بحساب هذه المدة، فلم يقدروا على تحقيق ذلك، فيئس من فتحها. قال صاحب مباهج الفكر: ومن المباني التي يبلى الزمان ولا تبلى، وتدرس معالمه وأخبارها لا تدرس ولا تبلى، الأهرام التي بأعمال مصر، وهي أهرام كثيرة، أعظمها الهرمان اللذان بجيزة مصر، ويقال: إن بانيها سوريد بن سهلوق بن شرياق، "بناهما" (¬1) قبل الطوفان لرؤيا رآها، فقصها على الكهنة، فنظروا فيما تدل عليه الكواكب النيرة من أحداث تحدث في العالم، وأقاموا مراكزها في وقت المسيلة فدلت على أنها ¬

(¬1) ساقطة من الأصل، وهي في ح، ط.

نازلة من السماء، تحيط بوجه الأرض، فأمر حينئذ ببناء البرابي والأهرام العظام، وصور فيها صور الكواكب ودرجها وما لها من الأعمال وأسرار الطبائع، والنواميس وعمل الصنعة. ويقال: إن هرمس المثلث الموصوف بالحكمة -وهو الذي تسميه العبرانيون أخنوخ، وهو إدريس عليه الصلاة والسلام- استدل من أحوال الكواكب على كون الطوفان يوجد، فأمر ببناء الأهرام وإيداعها الأموال وصحائف العلوم وما يخاف عليه من الذهاب والدثور، كل هرم منها مربع القاعدة مخروط الشكل، ارتفاع عموده ثلاثمائة ذراع وسبعة عشر ذراعًا، يحيط به أربعة سطوح متساويات الأضلاع؛ كل ضلع منها أربعمائة ذراع وستون ذراعًا، ويرتفع إلى أن يكون سطحه مقدار ستة أذرع في مثلها. ويقال إنه كان عليه حجر شبه المكبة، فرمته الرياح العواصف وهو مع هذا العظم؛ من إحكام الصنعة؛ وإتقان الهندسة، وحسن التقدير؛ بحيث إنه لم يتأثر الآن بعصف الرياح، وهطل السحاب، وزعزعة الزلازل؛ وهذا البناء ليس بين حجارته ملاط إلا ما يتخيل أنه ثوب أبيض، فرش بين حجرين، أو ورقة، ولا يتخلل بينهما الشعرة، وطول الحجر منها خمسة أذرع في سمك ذراعين. ويقال: إن بانيهما جعل لهما أبوابًا على أدراج مبنية بالحجارة في الأرض؛ طول كل حجر منها عشرون ذراعًا، وكل باب من حجر واحد يدور بلولب، إذا أطبق لم يعلم أنه باب، يدخل من كل باب منها إلى سبعة بيوت، كل بيت على اسم كوكب من الكواكب السبعة، وكلها مقفلة بأقفال، وحذاء كل بيت صنم من ذهب مجوف، إحدى يديه على فيه، في جبهته كتابة بالمسند، اذا قرئت انفتح فوه، فيؤخذ منه مفتاح ذلك القفل فيفتح به. والقبط تزعم أنهما والهرم الصغير الملون قبور، فالهرم الشرقي فيه سوريد الملك، وفي الهرم الغربي أخوه هرجيب، والهرم الملون فيه أفريبون (¬1) ابن هرجيب. والصائبة تزعم أن أحدهما قبر شيث، والآخر قبر هرمس، والملون قبر صاب ¬

(¬1) ط: "أفريدون".

بن هرمس؛ وإليه تنسب الصابئة، وهم يحجون إليها، ويذبحون عندها الديكة والعجول السود، ويبخرون بدخن. ولما فتحه المأمون، فتح إلى زلاقة ضيقة من الحجر الصوان الأسود الذي لا يعمل فيه الحديد، بين حاجزين ملتصقين بالحائط، قد نقر في الزلاقة حفر يتمسك الصاعد بتلك الحفر، ويستعين بها على المشي في الزلاقة لئلا يزاق، وأسفل الزلاقة بئر عظيمة بعيدة القعر. ويقال: إن أسفل البئر أبواب يدخل منها إلى مواضع كثيرة، وبيوت ومخادع وعجائب، وانتهت بهم الزلاقة إلى موضع مربع في وسطه حوض من حجر جلد مغطى، فلما كشف عنه غطاؤه لم يوجد فيه إلا رمة بالية. وقال ابن فضل الله في المسالك (¬1) : قد أكثر الناس القول في سبب بناء الأهرام؛ فقيل: هياكل الكواكب، وقيل: قبور ومستودع مال وكتب، وقيل: ملجأ من الطوفان. قال: وهو أبعد ما قيل فيها؛ لأنها ليست شبيهة بالمساكن. قال: وقد كانت الصابئة تأتي فيحج الواحد ويزور الآخر، ولا تبلغ فيه مبلغ الأول في التعظيم. قال: وأما أبو الهول [فهو صنم بقرب الهرم الكبير] (¬2) في وهدة منخفضة (¬3) ، وعنقه، أشبه شيء برأس راهب حبشي، على وجهه صباغ أحمر، لم يحل على طول الأزمان؛ يقال إنه طلسم يمنع الرمل عن المزارع. قال: وسجن يوسف شمالي الأهرام على بعد منه في ذيل خرجة من جبل في طرف الحاجر (¬4) . ¬

(¬1) مسالك الأبصار 1: 235-236. (¬2) مسالك الأبصار: "وهو اسم لصنم يقارب الهرم الكبير". (¬3) بعدها في مسالك الأبصار: "يقع دونه شرقا بغرب، لا يبين من فوق سطح الأرض إلا رأس ذلك الصنم". (¬4) مسالك الأبصار 1: 237-238؛ مع تصرف واختصار.

قال صاحب مباهج الفكر: وبدهشور من أعمال الجيزة أهرام بناها شداد بن عديم بن البرشير بن قفطيم بن مصر بن مصرايم باني مصر. وقال بعضهم: ذكر عبد الله بن سراقة أنه لما نزلت العماليق مصر حين أخرجتها جرهم من مكة، نزلت مصر، فبنت الأهرام واتخذت بها المصانع، وبنت بها العجائب؛ فلم تزل بمصر حتى أخرجها مالك بن ذعر الخزاعي. وقال سعيد بن عفير: لم تزل مشايخ مصر يقولون: إن الأهرام بناها شداد، وكانوا يقولون بالرجعة؛ فكان أحدهم إذا مات دفن معه ماله كله؛ وإن كان صانعًا دفنت معه آلته. وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: كان من وراء الأهرام إلى الغرب أربعمائة مدينة من مصر إلى الغرب في غربي الأهرام. وقال ابن المتوج (¬1) في كتابة من عجائب مصر: ما بجانبها الغربي من البنيان المعروف بالأهرام وعددها ثمانية عشر هرمًا؛ منها ثلاثة بالجيزة مقابل الفسطاط. ولما فتح المأمون أحدها انتهى إلى حوض مغطى، بلوح من رخام مملوء من ذهب، واللوح مكتوب فيه أسطر، فطلب من يقرؤها، فإذا فيه: "إنا عمرنا هذا الهرم في ألف يوم، وأبحنا لمن يهدمه في ألفي يوم؛ والهدم أسهل من العمارة، وجعلنا في كل جهة من جهاته من المال بقدر ¬

(¬1) هو محمد بن عبد الوهاب بن المتوح بن صالح الزبيري، تاج الدين، وصاحب كتاب: "اتعاظ المتعمل واتعاظ المتأمل"، في أحوال مصر وخططها: توفي سنة 730. الأعلام 7: 136.

ما يصرف على الوصول إليه، لا يزيد ولا ينقص". وعند مدينة فرعون يوسف هرم دوره ثلاثة آلاف ذراع، وعلوه سبعمائة ذراع. وعند مدينة فرعون أهرام أُخر أحدها يعرف بهرم ميدوم؛ كأنه جبل، وهو خمس طبقات، والطبقة العليا كأنها قلعة على جبل. وقال الزمخشري: الهرمان بالجيزة على فرسخين من الفسطاط، كل واحد أربعمائة ذراع عرضًا، والأساس زائد على جريب (¬1) مبني بالحجارة المرمر، وهي منقولة من مسافة أربعين فرسخًا، من موضع يُعرف بذات الحمام، فوق الإسكندرية، ولا يزالان ينخرطان في الهوى حتى يرجع مقداره إلى مقدار خمسة أشبار في خمسة، وليس على وجه الأرض بناء أرفع منهما منقور فيها بالمسند سحر وطلسم وطب، وفيه: "إني بنيتهما، فمن أدعى قوة في ملكه فليهدمها، فإن خراج الأرض لا يفي بهدمها". وقالوا: لا يُعرف من بناهما. وقال المسعودي: طول كل واحد وعرضه أربعمائة ذراع، وأساسهما في الأرض مثل طولهما في العلو، وكل هرم منها سبعة بيوت، على عدد السبع كواكب السيارة، كل بيت منها باسم كوكب ورسمه، وجعل في جانب كل بيت منها صنم من ذهب مجوف، وإحدى يديه موضوعة على فيه، في جبهته كتابة كاهنية، إذا قرئت فتح فاه، وخرج من فيه مفتاح ذلك القفل، ولتلك الأصنام قوانين وبخورات، ولها أرواح موكلة بها، مسخرة لحفظ تلك البيوت والأصنام، وما فيها من التماثيل والعلوم والعجائب ¬

(¬1) الجريب: الوادي.

والجواهر والأموال، وكل هرم فيه ملك وطاوس من الحجارة مطبق عليه، ومعه صحيفة فيها اسمه وحكمته، مطلسم عليه لا يصل إليه أحد إلا في الوقت المحدود. وذكر بعضهم أن فيها مجاري الماء يجري فيها النيل، وأن فيها مطامير تسع من الماء بقدرها، وأن فيها مكانًا ينفذ إلى صحراء الفيوم وهي مسيرة يومين (¬1) . ودخل جماعة في أيام أحمد بن طولون الهرم الكبير، فوجدوا في أحد بيوته جامعًا من زجاج غريب اللون والتكوين، فحين خرجوا فقدوا منهم واحدًا، فدخلوا في طلبه فخرج إليهم عريانًا وهو يضحك، وقال: لا تتعبوا في طلبي. ورجع هاربًا إلى داخل الهرم، فعلموا أن الجن استهوته، وشاع أمرهم، فبلغ ذلك ابن طولون، فمنع الناس من الدخول وأخذ منهم الجام، فملأه ماء، ووزنه ثم صب ذلك الماء ووزنه؛ فكان وزنه ملآنًا كوزنه وهو فارغ. وقيل: إن الروحاني الموكل بالهرم البحري في صفة امرأة عريانة مكشوفة الفرج، ولها ذوائب إلى الأرض، وقد رآها جماعة تدور حول الهرم وقت القيلولة، والموكل بالهرم الذي إلى جانبه في صورة غلام أصفر أمرد عريان، وقد رُئي بعد المغرب يدور حول الهرم، والموكل بالثالث في صورة شيخ في يده مبخرة وعليه ثياب الرهبان، وقد رُئي يدور ليلًا حول الهرم. حكى ذلك صاحب المرآة. وقال القاضي الفاضل: الهرمان فرقدا الأرض، وكل شيء يخشى عليه من الدهر إلا الهرمان؛ فإنه يخشى على الدهر منهما. ¬

(¬1) انظر مروج الذهب 1: 350.

ذكر ما قيل في الهرمين اللذين في الجيزة من الأشعار:

ذكر ما قيل في الهرمين اللذين في الجيزة من الأشعار: قال المتنبي: أين الذي الهرمان من بنيانه ... ما قومه؟ ما يومه؟ ما المصرع؟ (¬1) تتخلف الآثار عن سكانها ... حينًا، ويدركها الفناء فتتبع وقال أبو الفضل أمية بن عبد العزيز "الأندلسي" (¬2) : يعيشك هل أبصرت أحسن منظرًا ... على ما رأت عيناك من هرمي مصر (¬3) أنافا بأعنان السماء وأشرفا ... على الجو إشراف السماك أو النسر وقد وافيا نشزًا من الأرض عاليًا ... كأنهما نهدان قاما على صدر وقال الفقيه عمارة اليمني الشاعر: خليلي ما تحت السماء بنية ... تماثيل في إتقانها هرمي مصر (¬4) بناء يخاف الدهر منه، وكل ما ... على ظاهر الدنيا يخاف من الدهر تنزه طرفي في بديع بنائها ... ولم يتنزه في المراد بها فكري وقال آخر: انظر إلى الهرمين إذ برزا ... للعين في علو وفي صعد (¬5) وكأنما الأرض العريضة إذ ... ظمئت لفرط الحر والومد (¬6) ¬

(¬1) ديوانه 2: 271. (¬2) من نهاية الأرب. (¬3) بدائع البدائة 136، المقريزي 1: 191، مسالك الأبصار 1: 237، نهاية الأرب 1: 391. (¬4) المقريزي 1: 195، نهاية الأرب 1: 390. (¬5) المقريزي 1: 195-196، ونهاية الأرب 1: 391. (¬6) الومد: الحر الشديد.

حسرت عن الثديين بارزة ... تدعو الإله لفرقة الولد فأجابها بالنيل يوسعها ... ريًّا ويشفيها من الكمد وقال ظافر الحداد: تأمل هيئة الهرمين وانظر ... وبينهما أبو الهول العجيب (¬1) كعمار يبتن على رحيل ... لمحبوبين بينهما رقيب وماء النيل بينهما دموع ... وصوت الريح عندهما نحيب ودونهما المقطم وهو يحكي ... ركاب الركب أبركها اللغوب وظاهر سجن يوسف مثل صب ... تخلف وهو محزون كئيب وقال ابن الساعاتي: ومن العجائب، والعجائب جمة ... دقت عن الإكثار والإسهاب (¬2) هرمان قد هرم الزمان وأدبرت ... أيامه، وتزيد حسن شباب لله أي بنية أزليةٍ ... تبغي السماء بأطوال الأسباب وكأنما وقفت وقوف تبلد ... أسفًا على الأيام والأحقاب كتمت على الأسماع فصل خطابها ... وغدت تشير به إلى الألباب وقال سيف الدين بن حبارة: لله أي غريبة وعجيبة ... في صنعة الأهرام للألباب (¬3) أخفت عن الأسماع قصة أهلها ... ونضت عن الإبداع كل نقاب (¬4) فكأنما هي كالخيام مقامة ... من غير ما عمد ولا أطناب ¬

(¬1) بدائع البدائة 136. (¬2) نهاية الأرب 1: 391. (¬3) المقريزي 1: 196، نهاية الأرب 1: 392. (¬4) ورد البيت محرفًا في الأصول وتصويبه من نهاية الأرب والمقريزي.

وقال بعضهم: تبين أن صدر الأرض مصر ... ونهداها من الهرمين شاهد فواعجبا وقد ولدت كثيرًا ... على هرم وذاك النهد ناهد ولما عدى القاضي شهاب الدين (¬1) بن فضل الله إلى الأهرام، كتب إلى الأمير الجائي الداوادار، وذلك سنة تسعة وعشرين وسبعمائة، قال: لي البشارة إذا أمسيت جاركم ... في أرض مصر بأني غير مهتضم حفظتمو لي شبابي في ظلالكم ... مع أنكم قد وصلتم بي إلى الهرم ويقبل الأرض، ويحمد الله على أن شرح له في ظل مولانا صدرًا، وأوجد النجح لأمانيه التي قيل لها اهبطي مصرًا؛ حتى أقرت بها منتهى الرحلة، واتخذ بها بيوتًا جعل أبوابها من قصر مولانا إلى قبله. ويُنهِي أنه كان يستهول البحر أن يركب لججه، أو أن يصعد في أمواجه العالية درجة، ثم ترك لما يقر به من خدمة مولانا الوجل، وأفكر فيما أحاط به من كرمه، فقال: "أنا الغريق فما خوفي من البلل" (¬2) . فركب حراقة لا يطفئ لهيبها الماء القراح، ولا تثبت منها العيون سوى ما تدرك من هفيف الرياح، ثم أفضى إلى غدران تحف بها رياض تملأ العين، وتتخلى منها بماء جمد عليه الزمرد وذاب اللجين، وختم يومه بالنزول في جيزة مولانا التي أمن بها من النوب، وبلغت منها إلى هرمين، علم بهما أن هذه الأيام الشريفة أعراس وهما بعض ما تزينت به من اللعب. ومن ذلك رسالة لضياء الدين بن الأثير في وصف مصر: ¬

(¬1) ح، ط: "الفضل بن فضل الله". (¬2) تضمين بين للمتنبي، صدره: والهجر أقتل لي مما أراقبه

ولقد شاهدت منها بلدًا يشهد بفضله على البلاد، ووجدته هو المصر وما عداه فهو السواد، فما رآه راء إلا ملأ عينه وصدره، ولا وصفه واصف إلا علم أنه لم يقدره قدره. وبه من عجائب الآثار ما لا يضبطها العيان، فضلًا عن الإخبار، من ذلك الهرمان اللذان هرم الدهر وهما لا يهرمان، قد اختص كل منهما بعظم البناء، وسعة الفناء، وبلغ من الارتفاع غاية لا يبلغها الطير على بعد تحليقه، ولا يدركها الطرف على مدة تحديقه؛ فإذا أضرم برأسه قبس ظنه المتأمل نجمًا، وإذا استدار عليه قوس السماء كان له سهمًا (¬1) . وقال صاحبنا الشهاب المنصوري: إن جزت بالهرمين قل كم فيهما ... من عبرة للعاقل المتألم شبهت كلا منهما بمسافرٍ ... عرف المحل فبات دون المنزل أو عاشقين وشى لوصلهما أبو ... الهول الرقيب فخلفاه بمعزل أو حائرين استهديا نجم السما ... فهداهما بضيائه المتهلل أو ظامئين استسقيا صوب الحيا ... فسقاهما عذبًا روي المنهل يفنى الزمان وفي حشاه منهما ... غيظ الحسود وضجرة المستثقل ¬

(¬1) نهاية الأرب 1: 391.

ذكر بناء الإسكندرية:

ذكر بناء الإسكندرية: أخرج ابن عبد الحكم في فتوح مصر، والبيهقي في دلائل النبوة، عن عقبة بن عامر الجهني رضى الله عنه، قال: جاء رجال من أهل الكتاب، معهم كتب إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال لهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن شئتم أخبرتكم عما أردتم أن تسألوني قبل أن تتكلموا، وإن شئتم تكلمتم وأخبرتكم! " قالوا: بل أخبرنا قبل أن نتكلم، قال: "جئتم تسألونني عن ذي القرنين، وسأخبركم كما تجدونه مكتوبًا عندكم؛ إن أول أمره أنه كان غلامًا من الروم، أُعطي ملكًا، فسار حتى أتى ساحل البحر من أرض مصر، فابتنى عنده مدينة يقال لها الإسكندرية، فلما فرغ من بنائها أتاه مَلَكٌ، فعرج به حتى استقله فرفعه، فقال: انظر ما تحتك، قال: أرى مدينتي، وأرى مدائن معها، ثم عرج به، فقال: انظر، فقال: قد اختلطت مع المدائن فلا أعرفها" (¬1) ... الحديث بطوله؛ وقد أوردته في التفسير المأثور في سورة الكهف. وأخرج ابن عبد الحكم، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: كان أول شأن الإسكندرية أن فرعون اتخذ بها مصانع ومجالس، وكان أول من عمرها وبنى فيها، فلم تزل على بنائه ومصانعه، ثم تداولها الملوك؛ ملوك مصر بعده، فبنت دلوكة بنت زباء منارة الإسكندرية ومنارة بوقير بعد فرعون، فلما ظهر سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام على الأرض اتخذ بها مجلسًا، وبنى فيها مسجدًا. ثم إن ذا القرنين ملكها، فهدم ما كان فيها من بناء الملوك والفراعنة وغيرهم، إلا بناء سليمان بن داود، لم يهدمه ولم ¬

(¬1) فتوح مصر 38-39.

يُغيره، وأصلح ما كان تخارب (¬1) منه، وأقر المنارة على حالها. ثم بنى الإسكندرية من أولها بناءً يشبه بعضه بعضًا، ثم تداولتها الملوك من الروم وغيرهم؛ ليس من ملك إلا يكون له بناء يضعه بالإسكندرية يُعرف به، ويُنسب إليه (¬2) . قال ابن الحكم: ويقال إن الذي بنى منارة الإسكندرية قلبطرة الملكة، وهي التي ساقت خليجها حتى أدخلته الإسكندرية، ولم يكن يبلغها الماء. قال: ويقال إن الذي بنى الإسكندرية شداد بن عاد. وقال ابن لهيعة: بلغني أنه وجد حجر بالإسكندرية مكتوب فيه: "أنا شداد بن عاد، وأنا الذي نصب العماد، وحيد الأحياد (¬3) ، وسد بذراعيه الواد، بنيتها إذ لا شيب ولا موت، إذا الحجارة لي في اللين (¬4) ، مثل الطين". قال ابن لهيعة: والأحياد كالمغار (¬5) . وأخرج ابن عبد الحكم عن تبيع قال: إن في الإسكندرية مساجد خمسة مقدسة: مسجد موسى عليه الصلاة والسلام عند المنارة، ومسجد سليمان عليه الصلاة والسلام، ومسجد ذي القرنين، ومسجد الخضر؛ أحدهما عند القسارية، والآخر عند باب المدينة، ومسجد عمرو بن العاص الكبير (¬6) . قال ابن عبد الحكم: وحدثنا أبي، قال: كانت الإسكندرية ثلاث مدن بعضها إلى جنب بعض: "منة" (¬7) ؛ وهي موضع المنارة وما والاها، والإسكندرية وهي موضع قصبة ¬

(¬1) فتوح مصر: "رث"، وفي ح، ط: "خرب". (¬2) فتوح مصر 40. (¬3) كذا في فتوح مصر، وفي الأصول: "جند الأجناد". (¬4) تزعم العرب أنه كان هناك زمان، كانت فيه الحجارة رطبة، ويسمونه زمن الفطحل. (¬5) فتوح مصر 40-41، وفي ط: "والأجناد بلا عداد"، وما أثبته من فتوح مصر. (¬6) فتوح مصر 48. (¬7) من فتوح مصر.

الإسكندرية اليوم، ونقيطة (¬1) ؛ وكان على كل واحدة منهن سور، وسور من خلف ذلك على الثلاث مدن؛ يحيط بهن جميعًا (¬2) . وأخرج ابن عبد الحكم عن عبد الله بن طريف الهمداني، قال: كان على الإسكندرية سبعة حصون وسبعة خنادق (¬3) . وأخرج عن خالد بن عبد الله وأبي (¬4) حمزة أن ذا القرنين لما بنى الإسكندرية رخمها بالرخام الأبيض؛ جدرها وأرضها، فكان لباسهم فيها السواد والحمرة؛ فمن قبل ذلك لبس الرهبان السواد من نصوع بياض الرخام، ولم يكونوا يُسرجون فيها بالليل من بياض الرخام، وإذا كان القمر أدخل الرجل الذي يخيط بالليل في ضوء القمر في بياض الرخام الخيط في حجر الإبرة (¬5) . قال: وذكر بعض المشايخ: إن الإسكندرية بُنيت ثلاثمائة سنة، وسُكنت ثلاثمائة سنة، وخُربت ثلاثمائة سنة؛ ولقد مكثت سبعين سنة ما يدخلها أحد إلا وعلى بصره خرقة سواد؛ من بياض جصها وبلاطها، ولقد مكنت سبعين ما يستسرج فيها (¬6) . قال: وأخبرنا ابن أبي مريم، عن العاطف بن خالد، قال: كانت الإسكندرية بيضاء تضيء بالليل والنهار، وكانوا إذا غربت الشمس لم يخرج أحد منهم من بيته، ومن خرج اختطف، وكان منهم راع يرعى على شاطئ البحر، وكان يخرج من البحر شيء فيأخذ من غنمه، فكمن له الراعي في موضع حتى خرج؛ فإذا جارية، فتشبث بها، فذهب بها إلى منزله فأنست بهم، فرأتهم لا يخرجون بعد غروب الشمس، فسألتهم، فقالوا: من خرج منا اختطف، فهيأت لهم الطلسمات بمصر في الإسكندرية. ¬

(¬1) ط: "ولقيطة". (¬2) فتوح مصر 42. (¬3) فتوح مصر 42. (¬4) ط: "ابن حمزة". (¬5) فتوح مصر 42. (¬6) فتوح مصر 43.

وأخرج عن عطاء الخراساني، قال: كان الرخام فد سخر لهم حتى يكون من بكرة إلى نصف النهار بمنزلة العجين، فإذا انتصف النهار اشتد (¬1) . وأخرج عن هشام بن سعد المديني، قال: وُجد بالإسكندرية حجر مكتوب فيه مثل حديث ابن لهيعة سواء؛ وزاد فيه: "وكنزت في البحر كنزًا على اثني عشر ذراعًا لن يخرجه أحد حتى تخرجه أمة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" (¬2) . وقال التيفاشي في كتاب سرور النفس بمدارك الحواس الخمس: كانت الإسكندرية تسمى قبل الإسكندر رفودة، وبذلك تعرفها القبط في كتبهم القديمة. قال ابن عبد الحكم: وحدثنا عبد الله بن صالح، عن الليث بن سعد، قال: كانت بحيرة الإسكندرية كرما كلها لامرأة المقوقس؛ فكانت تأخذ خراجها منهم الخمر بفريضة عليهم، وكثر الخمر حتى ضاقت به ذرعًا، فقالت: لا حاجة لي في الخمر؛ أعطوني دنانير، فقالوا: ليس عندنا، فأرسلت عليهم الماء فغرقتها، فصارت بحيرة يصاد فيها الحيتان حتى استخرجها بنو العباس، فسدوا جسورها وزرعوا فيها (¬2) . قال صاحب المرآة: من عجائب مصر عمود السواري بالإسكندرية، وليس في الدنيا مثله، وقد شاهدته؛ ويقال إن أخاه بأسوان. قال ابن فضل الله في المسالك: بظاهر الإسكندرية عمود السواري، عمود ¬

(¬1) فتوح مصر 43. (¬2) فتوح مصر 7.

مرتفع في الهواء تحته قاعدة، وفوقه قاعدة، يقال: إنه لا نظير له في العُمُد في علوة ولا في استدارته. قلت: قد رأيت هذا العمود لما دخلت الإسكندرية في رحلتي، ودَوْر قاعدته ثمانية وثمانون شبرًا، ومن المتواتر عن أهل الإسكندرية أن من حاذاه عن قرب، وغمض عينيه ثم قصده لا يصيبه بل يميل عنه. وذكروا أنه لم تحصل إصابته لأحد قط مع كثرة تحريتهم ذلك؛ وقد جربت ذلك مرارًا فلم أقدر أن أصيبه. وذكر بعض فضلاء الإسكندرية أنها كانت أربعة أعمدة على هذا النمط، وكان عليها قبة يجلس عليها أرسطو صاحب الرصد. وفي هذا العمود يقول الشاعر: نزيل سكندريةٍ ليس يُقرى ... سوى بالماء أو عمد السواري وإن تطلب هنالك حرف خبزٍ ... فلم يوجد لذاك الحرف قاري وأخرج ابن عساكر في تاريخه، عن أسامة بن زيد التنوخي، قال: كان بالإسكندرية صنم من نحاس، يقال له شراحيل. على خشفة من خشف البحر، وكان مستقبلًا بإصبعه القسطنطينية، لا يُدرى أكان مما عمله سليمان أو الإسكندر؛ فكانت الحيتان تجتمع عنده، وتدور حوله فتصاد، فكتب أسامة إلى الوليد بن عبد الملك بن مروان يخبره بخبر الصنم، ويقول: الفلوس عندنا قليلة، فإن رأى أمير المؤمنين أن نقطع الصنم ونضربه فلوسًا. فأرسل إليه الوليد رجالًا أُمَّنًا، فأنزلوا الصنم فوجدوا عينيه ياقوتتين حمراوين، ليس لهما قيمة، فذهبت الحيتان ولم تعد إلى ذلك الموضع.

ذكر منارة الإسكندرية وبقية عجائبها:

ذكر منارة الإسكندرية وبقية عجائبها: قال صاحب مباهج الفكر: من عجائب المباني بأرض مصر منارة الإسكندرية، وهي مبنية بحجارة مهندمة مضببة بالرصاص، على قناطر من زجاج، والقناطر على ظهر سرطان من نحاس، وفيها نحو ثلاثمائة بيت، بعضها فوق بعض، تصعد الدابة بحملها إلى سائر البيوت من داخلها، وللبيوت طاقات تنظر إلى البحر. واختلف أهل التاريخ فيمن بناها؛ فقيل: إنها من بناء الإسكندر، وقيل: من بناء دلوكة الملكة. ويقال: إن طولها كان ألف ذراع، وكان في أعلاها (¬1) تماثيل من نحاس، منها تمثال قد أشار بسبابة يده اليمنى نحو الشمس أينما كانت من الفلك، يدور معها حيثما دارت. ومنها تمثال وجهه إلى البحر، متى (¬2) صار العدو منهم على نحو من ليلة سمع له صوت هائل، يعلم به أهل المدينة طروق العدو. ومنها تمثال كلما مضى من الليل ساعة صوت صوتًا مطربًا، وكان بأعلاه مرآة ترى منها قسطنطينية، وبينهما عرض البحر، فكلما جهز الروم جيشًا رُئي في المرآة. وحكى المسعودي أن هذه المنارة كانت في وسط الإسكندرية، وأنها تعد من بنيان العالم العجيب، بناها بعض ملوك اليونان، يقال إنه الإسكندر، لما كان بينهم وبين الروم من الحروب، فجعلوا هذه المنارة مرقبًا، وجعلوا فيها مرآة من الأحجار المشقفة، تشاهد فيها مراكب البحر إذا أقبلت من رومية على مسافة تعجز الأبصار عن إدراكها، ولم تزل كذلك إلى أن ملكها المسلمون، فاحتال ملك الروم لما انتفع بها المسلمون في ذلك على الوليد بن عبد الملك، بأن أنفذ أحد خواصه، ومعه جماعة إلى بعض ثغور ¬

(¬1) ح، ط: "أعلاء". (¬2) ح، ط: "إذا".

الشام؛ على أنه راغب في الإسلام، فوصل إلى الوليد، وأظهر الإسلام، وأخرج كنوزًا ودفائن كانت بالشام؛ مما حمل الوليد على أن صدقه على أن تحت المنارة أموالًا ودفائن وأسلحة، دفنها الإسكندر. فجهزه مع جماعة من ثقاته إلى الإسكندرية، فهدم ثلث المنارة، وأزال المرآة، ثم فطن الناس "إلى" أنها مكيدة، فاستشعر ذلك، فهرب في مركب كانت معدة له، ثم بُني ما تهدم بالجص والآجر. قال المسعودي: وطول المنارة في وقتنا هذا -وهو سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة- ثلاثون ذراعًا، وكان طولها قديمًا نحو أربعمائة ذراع، وبناؤها في عصرنا ثلاثة أشكال، فقريب من الثلث مربع "مبني" (¬1) بالحجارة، ثم بعد ذلك بناء مثمن الشكل مبني بالأجر ومائتان والجص نحو ستين ذراعًا، وأعلاها مدور الشكل (¬2) . قال صاحب مباهج الفكر: وكان أحمد بن طولون بنى في أعلاها قبة من خشب، فهدمتها الرياح، فبُني مكانها مسجد في أيام الملك الكامل صاحب مصر. ثم إن وجهها البحري تداعى، وكذلك الرصيف الذي بين يديها من جهة البحر، وكادا ينهدمان؛ وذلك أيام الملك الظاهر ركن الدين بيبرس، فرمه (¬3) وأصلحه. انتهى. وذكر ابن فضل الله في مسالكه أن هذه المنارة قد خربت وبقيت أثرًا بلا عين، وكان هذا وقع في أيام قلاون أو ولده. وقال ابن المتوج في كتاب إيقاظ المتغفل: من العجائب منارة الإسكندرية التي بناها ذو القرنين، كان طولها أكثر من ثلاثمائة ذراع، مبنية بالحجر المنحوت، مربعة الأسفل، وفوق المنارة المربعة منارة مثمنة مبنية بالآجر، وفوق المنارة المثمنة منارة ¬

(¬1) من ط. (¬2) انظر مروج الذهب 1: 375-376 في الكلام على منارة الإسكندرية، ويختلف ما نقله المؤلف هنا عما في هناك اختلافًا كثيرًا. وانظر نهاية الأرب 1: 357. (¬3) كذا في ح، ط، وفي الأصل: "فرم".

مدورة وكانت كلها مبنية بالصخر المنحوت على أكثر من مائتي ذراع، وكان عليها مرآة من الحديد الصيني، عرضها سبعة أذرع، كانوا يرون فيها جميع من يخرج من البحر من جميع بلاد الروم، فإن كانوا أعداء تركوهم حتى يقربوا من الإسكندرية، فإذا قربوا منها ومالت الشمس للغروب أداروا المرآة مقابلة الشمس، فاستقبلوا بها السفن، حتى يقع شعاع الشمس في ضوء المرآة على السفن في البحر عن آخرها، ويهلك كل من فيها. وكانوا يؤدون الخراج ليأمنوا بذلك من إحراق المرآة لسفنهم، فلما فتح عمرو بن العاص الإسكندرية احتالت الروم بأن بعثت جماعة من القسيسين المستعربين (¬1) ، وأظهروا أنهم مسلمون، وأخرجوا كتابًا زعموا أن ذخائر ذي القرنين في جوف المنارة، فصدقتهم العرب لقلة معرفتهم بحيل الروم، وعدم معرفتهم بمنفعة تلك المرآة والمنارة، وتخيلوا أنهم إذا أخذوا الذخائر والأموال أعادوا المرآة والمنارة كما كانت، فهدموا مقدار ثلثي المنارة، فلم يجدوا فيها شيئا، وهرب أولئك القسيسون، فعلموا حينئذ أنها خديعة، فبنوها بالآجر، ولم يقدروا أن يرفعوا إليها تلك الحجارة، فلما أتموها نصبوا عليها تلك المرآة كما كانت، فصدئت ولم يروا فيها شيئا، وبطل إحراقها. والنصف الأسفل الذي من عمل ذي القرنين، يدخل الآن من الباب الذي للمنارة، وهو مرتفع من الأرض مقدار ذراعا، يُصعد إليه على قناطر مبنية بالصخر المنحوت، فإذا دخل من باب المنارة يجد على يمينه بابا، فيدخل منه إلى مجلس كبير عشرين ذراعا مربعا، يدخل فيه الضوء من جانبي المرآة، ثم يجد بيتا آخر مثلها، ثم مجلسا ثالثا، ومجلسا رابعا كذلك. قال: وقد عملت الجن لسليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام في الإسكندرية مجلسا من أعمدة الرخام الملون المجزع كالجزع اليماني، المصقول كالمرآة، إذا نظر الإنسان إليها يرى من يمشي خلفه لصفائها. وكان عدد الأعمدة ثلاثمائة عمود، وكل عمود ¬

(¬1) في الأصل: "المستعربة".

ثلاثون ذراعا، وفي وسط المجلس عمود طوله مائة وإحدى عشرة ذراعا، وسقفه من حجر واحد أخضر مربع، قطعته الجن. ومن جملة تلك الأعمدة عمود واحد يتحرك شرقا وغربا، يشاهد ذلك الناس، ولا يرون ما سبب حركته! قال: ومن جملة عجائب الإسكندرية السواري والملعب الذي كانوا يجتمعون فيه (¬1) في يوم من السنة، ويرمون بأكرة (¬2) ، فلا تقع في حجر أحد منهم إلا ملك مصر، وكان يحضر هذا الملعب ما شاء من الناس ما يزيد على ألف ألف رجل؛ فلا يكون منهم أحد إلا وهو ينظر في وجه صاحبه. ثم إن قرئ كتاب سمعوه جميعا، أو لعب لون من ألوان اللعب رأوه عن آخرهم (¬3) . قال: ومن عجائبها المسلتان، وهما جبلان قائمان على سرطانات من نحاس في أركانهما، كل ركن على سرطان، فلو أراد أحد أن يُدخل من جانبهما شيئا حتى يعبر إلى جانبهما الآخر فعل. قال: ومن عجائبهما عمودا الإعياء، وهما عمودان ملقيان، وراء كل عمود منهما جبل حصى كحصى الجمار، فمتى أقبل التعب النصب (¬4) بسبع حصيات من ذلك الحصى، فاستلقى على أحدهما، ثم يرمي (¬5) وراءه بالسبع حصيات، ويقوم ولا يلتفت، ويمضي لطيته، قام كأنه لم يتعب ولم يحس بشيء. قال: ومن عجائبها القبة الخضراء، وهي أعجب قبة ملبسة نحاسا، كأنه الذهب الإبريز، لا يبليه القدم، ولا يخلقه الدهر. ¬

(¬1) ح، ط: "إليه"، وما أثبته من الأصل. (¬2) كذا في الأصل، وفي ح، ط: "بالأكرة". (¬3) خطط المقريزي 1: 255. (¬4) في الأصل: "والنصب"، والأجود ما أثبته من ح، ط. (¬5) كذا في الأصل، وفي ح، ط: "رمى". وانظر المقريزي 1: 49.

وقال: ومن عجائبها منية عقبة، وحصن فارس، وكنيسة أسفل الأرض؛ وهي مدينة على مدينة، وليس على وجه الأرض مثلها، ويقال إنها إرم ذات العماد، سميت بذلك لأن عمدها لا يُرى مثلها طولا وعرضا. وقال صاحب مرآة الزمان: كان للإسكندر أخ يُسمى الفرما، فلما بنى الإسكندر الإسكندرية، بنى الفرما الفرما، على نعت الإسكندرية. ولم تزل الإسكندرية بهجة يرتاح إليها كل من رآها، ولم تزل الفرما مذ بُنيت رثة، فلما فتحت الإسكندرية قال عوف بن مالك لأهلها: ما أحسن مدينتكم! فقالوا: إن الإسكندر لما بناها قال: هذه مدينة فقيرة إلى الله تعالى غنية عن الناس، فبقيت بهجتها. ولما فتحت الفرما قال أبرهة بن الصباح لأهلها: ما أخلق مدينتكم! قالوا: إن الفرما لما بناها قال: هذه مدينة غنية عن الله، فقيرة إلى الناس، فذهبت بهجتها.

ذكر دخول عمرو بن العاص مصر في الجاهلية:

ذكر دخول عمرو بن العاص مصر في الجاهلية: أخرج بن عبد الحكم، عن خالد بن يزيد، أنه بلغه أن عمرا قدم إلى بيت المقدس لتجارة في نفر من قريش، وإذا هم بشماس من شمامسة الروم من أهل الإسكندرية، قدم للصلاة في بيت المقدس، فخرج في بعض جبالها يسيح، وكان عمرو يرعى إبله وإبل أصحابه، وكانت رعية الإبل نوبا بينهم؛ فبينما عمرو يرعى إبله إذ مر به ذلك الشماس، وقد أصابه عطش شديد في يوم شديد الحر، فوقف على عمر فاستسقاه، فسقا عمرو من قربة له، فشرب حتى روي، ونام الشماس مكانه، وكان إلى جانب الشماس حيث نام حفرة، فخرجت منها حية عظيمة، فبصر بها عمرو فنزع لها بسهم فقتلها، فلما استيقظ الشماس نظر إلى حية عظيمة قد أنجاه الله منها، فقال لعمرو: ما هذه؟ فأخبره عمرو أنه رماها بسهم فقتلها، فأقبل إلى عمرو، فقبل رأسه، وقال: قد أحياني الله بك مرتين: مرة من شدة العطش، ومرة من هذه الحية، فما أقدمك هذه البلاد؟ قال: قدمت مع أصحاب لي نطلب الفضل من تجارتنا، فقال له الشماس: وكم ترجو أن تصيب من تجارتك؟ قال: رجائي أن أصيب ما أشتري به بعيرا، فإني لا أملك إلا بعيرين، فأملي أن أصيب بعيرا آخر، فيكون لي ثلاثة أبعرة. قال له الشماس: أرأيت دية أحدكم بينكم، كم هي؟ قال: مائة من الإبل، فقال الشماس لسنا أصحاب إبل، نحن أصحاب دنانير، قال: تكون ألف دينار، فقال له الشماس: إني رجل غريب في هذه البلاد، وإنما قدمت أصلي في كنيسة بيت المقدس، أسيح في هذه الجبال شهرا، جعلت ذلك نذرا على نفسي، وقد قضيت ذلك، وأنا أريد الرجوع إلى بلادي فهل لك أن تتبعني إلى بلادي، ولك عهد الله وميثاقه أن أعطيك ديتين؛ لأن الله تعالى قد أحياني بك مرتين! فقال له عمرو: أين بلادك؟ قال:

مصر في مدينة يقال لها الإسكندرية، فقال له عمرو: لا أعرفها ولم أدخلها قط، فقال له الشماس: لو دخلتها لعلمت أنك لم تدخل قط مثلها، فقال له عمرو: تفي لي بما تقول، وعليك بذلك العهد والميثاق؟ فقال الشماس: نعم لك الله على بالعهد والميثاق أن أفي لك، وأن أردك إلى أصحابك، فقال عمرو: كم يكون مكثي في ذلك؟ قال: شهرًا تنطلق معي ذاهبًا عشرًا، وتقيم عندنا عشرًا، وترجع في عشر؛ ولك عليَّ أنت أحفظك ذاهبًا، وأن أبعث معك من يحفظك راجعًا. فقال له: أنظرني حتى أشاور أصحابي، فانطلق عمرو إلى أصحابه، فأخبرهم بما عاهد عليه الشماس، وقال لهم: أقيموا حتى أرجع إليكم، ولكم عليَّ العهد أن أعطيكم شطر ذلك، على أن يصحبني رجل منكم آنس به، فقالوا: نعم، وبعثوا معه رجلًا منهم، فانطلق عمرو وصاحبه مع الشماس إلى مصر؛ حتى انتهى إلى الإسكندرية، فرأى عمرو من عمارتها وكثرة أهلها وما بها من الأموال والخير ما أعجبه ذلك، وقال: ما رأيت مثل مصر قط وكثرة ما فيها من الأموال، ونظر إلى الإسكندرية وعمارتها وجودة بنائها وكثرة أهلها وما بها من الأموال، فازداد تعجبًا، ووافق دخول عمرو الإسكندرية عيدًا فيها عظيمًا يجتمع فيها (¬1) ملوكهم وأشرافهم، ولهم أكرة من ذهب مكللة، يترامى بها ملوكهم، وهم يتلقونها بأكمامهم؛ وفيما اختبروا من تلك الأكرة على ما وضعها من مضى منهم: إن من وقعت الأكرة في كمه، واستقرت فيه، لم يمت حتى يملكهم. فلما قدم عمرو الإسكندرية أكرمه الشماس الإكرام كله، وكساه ثوب ديباج ألبسه إياه، وجلس عمرو والشماس مع الناس في ذلك المجلس، حيث يترامون بالأكرة، وهم يتلقونها بأكملهم، فرمى بها رجل منهم، فأقبلت تهوي حتى وقعت في كم عمرو؛ فتعجبوا من ذلك، وقالوا: ما كذبتنا هذه الأكرة قط إلا هذه المرة، أترى هذا الأعرابي يملكنا! هذا لا يكون أبدًا! ¬

(¬1) فتوح مصر: "فيه".

وإن ذلك الشماس مشى في أهل الإسكندرية وأعلمهم أن عمرًا أحياه مرتين، وأنه قد ضمن له ألفي دينار، وسألهم أن يجمعوا ذلك له فيما بينهم؛ ففعلوا ودفعوها إلى عمرو، فانطلق عمر وصاحبه، وبعث معهما الشماس دليلًا ورسولًا، وزودهما وأكرمهما؛ حتى رجع هو وصاحبه إلى أصحابهما؛ فبذلك عرف عمرو مدخل مصر ومخرجها، ورأى منها ما علم أنها أفضل البلاد وأكثرها مالًا. فلما رجع عمرو إلى أصحابه دفع إليهم فيما بينهم ألف دينار وأمسك لنفسه ألفًا، قال عمرو: فكان أول مال "اعتقدته وتأثلته" (¬1) . ¬

(¬1) فتوح مصر 53-55.

ذكر كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس

ذكر كتاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المقوقس قال ابن عبد الحكم: حدثنا هشام بن إسحاق وغيره، قال: لما كانت سنة ست من الهجرة (¬1) ، ورجع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الحديبية بعث إلى الملوك، فبعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب الإسكندرية، فمضى حاطب بكتاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما انتهى إلى الإسكندرية، وجد المقوقس في مجلس يشرف (¬2) على البحر، فركب البحر؛ فلما حاذى مجلسه، أشار بكتاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين إصبعيه، فلما رآه أمره بالكتاب فقُبِض، وأمر به فأوصل إليه، فلما قرأ الكتاب (¬3) قال: ما منعه إن كان نبيًّا أن يدعو عليَّ فيسلط عليَّ! فقال له: ما منع عيسى بن مريم أن يدعو على من أبى عليه أن يُفعل به ويُفعل! فوجم ساعة، ثم استعادها فأعادها حاطب عليه، فسكت، فقال له حاطب: إنه قد كان قبلك رجل يزعم أنه الرب الأعلى، فانتقم الله به ثم انتقم منه؛ فاعتبر بغيرك، ولا تعتبر بك. وإن لك دينًا لن تدعه إلا لما هو خير منه، وهو الإسلام الكافي به الله فَقْدَ ما سواه، وما بشارة موسى بعيسى إلا كبشارة عيسى بمحمد، وما دعاؤنا إياك إلى القرآن إلا كدعائك أهل التوراة إلى الإنجيل، ولسنا ننهاك عن دين المسيح، ولكنا نأمرك به، ثم قرأ الكتاب، فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد رسول الله إلى المقوقس عظيم القبط، سلام على من اتبع الهدى؛ أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام، فأسلم تسلم ويؤتك الله أجرك مرتين، {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ ¬

(¬1) فتوح مصر: "من مهاجرة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ". (¬2) فتوح مصر: "مشرف". (¬3) كذا في فتوح مصر، والأصل وفي ط: "فقرئ".

وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (¬1) . فلما قرأه أخذه، فجعله في حق من عاج، وختم عليه، ثم دعا كاتبًا يكتب بالعربية، فكتب: لمحمد بن عبد الله، من المقوقس عظيم القبط. سلام عليك، أما بعد فقد قرأت كتابك، وفهمت ما ذكرت، وما تدعو إليه، وقد علمت أن نبيًّا قد بقي؛ وكنت أظن أنه يخرج بالشام، وقد أكرمت رسولك، وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم، وبكسوة، وأهديت إليك بغلة لتركبها. والسلام (¬2) . وأخرج ابن عبد الحكم، عن أبان بن صالح، قال: أرسل المقوقس إلى حاطب ليلة، وليس عنده أحد إلا ترجمان له، فقال له: ألا تخبرني عن أمور أسألك عنها، فإني أعلم أن صاحبك تخيرك حين بعثك لي! قلت: لا تسألني عن شيء إلا صدقنك، قال: إلام يدعو محمد؟ قال: إلى أن نعبد الله، ولا نشرك به شيئًا، ونخلع ما سواه، ويأمر بالصلاة. قال: فكم تصلون؟ قال: خمس صلوات في اليوم والليلة، وصيام شهر رمضان، وحج البيت، والوفاء بالعهد، وينهى عن أكل الميتة والدم. قال: ومن أتباعه؟ قال: الفتيان من قومه وغيرهم، قال: فهل يقاتل قومه؟ قال: نعم، قال: صفه لي، فوصفته بصفة من صفاته، ولم آت عليها، قال: قد بقيت أشياء، لم أرك ذكرتها؛ في عينيه حمرة قلما تفارقه، وبين كتفيه خاتم النبوة، يركب الحمار، ويلبس الشملة، ويجتزئ بالتمرات والكسر، لا يبالي من لاقى من عمٍ ولا ابن عم، قلت: هذه صفته، قال: قد كنت أعلم أن نبيًّا قد بقي، وقد ¬

(¬1) سورة آل عمران: 61. (¬2) فتوح مصر 45-46، مع اختلاف وحذف.

كنت أظن أن مخرجه بالشام، وهناك تخرج الأنبياء من قبله، فأراه قد خرج في العرب، في أرض جهد وبؤس، والقبط لا تطاوعني في اتباعه، ولا أحب أن يُعلم بمحاورتي إياك، وسيظهر على البلاد، وينزل أصحابه "من بعده" (¬1) بساحتنا هذه حتى يظهروا على ما هاهنا، وأنا لا اذكر للقبط من هذا حرفًا، فارجع إلى صاحبك (¬2) . وأخرج ابن عبد الحكم، عن عبد الرحمن بن عبد القارئ، قال: لما مضى حاطب بكتاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قبل المقوقس الكتاب، وأكرم حاطبًا، وأحسن نزله، ثم سرحه إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأهدى له مع حاطب كسوة وبغلة بسرجها وجاريتين، إحداهما أم إبراهيم، ووهب الأخرى لجهم بن قيس العبدي، فهي أم زكريا بن جهم، الذي كان خليفة عمرو بن العاص على مصر. قال ابن عبد الحكم: ويقال بل وهبها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحسان بن ثابت، فهي أم عبد الرحمن بن حسان؛ ويقال: بل وهبها لمحمد بن مسلمة الأنصاري، ويقال: بل لدحية بن خليفة الكلبي (¬3) . ثم أخرج من طريق المنذر بن عبيد، عن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت، عن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت، عن أمه سيرين، قال: حضرت موت إبراهيم، فرأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلما صحت أنا وأختي ما ينهانا؛ فلما مات نهانا عن الصياح. هذا يصحح قول من قال إنه وهبها لحسان (¬4) . وقال ابن الحكم: أنبأنا هانئ المتوكل، أنبأنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، أن المقوقس لما أتاه كتاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضمه إلى صدره، وقال: هذا زمان يخرج فيه النبي الذي نجد نعته وصفته في كتاب الله، وإنا لنجد صفته أنه ¬

(¬1) من فتوح مصر. (¬2) فتوح مصر 46-47. (¬3) فتوح مصر 47. (¬4) فتوح مصر 47-48.

لا يجمع بين أختين في ملك يمين ولا نكاح، وأنه يقبل الهدية، ولا يقبل الصدقة، وإن جلساءه المساكين، وأن خاتم النبوة بين كتفيه. ثم دعا رجلًا عاقلًا، ثم لم يدع بمصر أحسن ولا أجمل من مارية وأختها؛ وهما من أهل حفن من كورة أنصنا. فبعث بهما معه إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأهدى له بغلة شهباء، وحمارًا أشهب، وثيابًا من قباطي مصر، وعسلًا من عسل بنها، وبعث إليه بمال صدقة، وأمر رسوله أن ينظر: مَنْ جلساؤه وينظر إلى ظهره، هل يرى شامة كبيرة ذات شعر؟ ففعل ذلك الرسول، فلما قدم على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدم إليه الأختين والدابتين والعسل والثياب، وأعلمه أن ذلك كله هدية. فقبل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الهدية -وكان لا يردها من أحد من الناس- فلما نظر إلى مارية وأختها أعجبتاه، وكره أن يجمع بينهما، وكانت إحداهما تشبه الأخرى، فقال: اللهم اختر لنبيك، فاختار له الله مارية، وذلك أنه قال لهما: قولا نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، فبادرت مارية، فتشهدت وآمنت قبل أختها، ومكثت بعدها أختها ساعة، ثم تشهدت وآمنت، فوهب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أختها لمحمد بن مسلمة الأنصاري. وكانت البغلة والحمار أحب دوابه إليه، وسمى البغلة دلدلًا، وسمى الحمار يعفورًا، وأعجبه العسل، فدعا لعسل بنها بالبركة، وبقيت تلك الثياب حتى كفن في بعضها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬1) . قال ابن الحكم: ويقال إن المقوقس بعث مع مارية بخصي فكان يأوي إليها (¬2) . ثم أخرج عن عبد الله بن عمرو، قال: دخل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أم إبراهيم أم ولده القبطية، فوجد عندها نسيبًا كان لها، قدم معها من مصر؛ وكان كثيرًا ¬

(¬1) فتوح مصر 48-49. (¬2) فتوح مصر 49.

ما يدخل عليها، فوقع في نفسه شيء، فرجع، فلقيه عمر بن الخطاب، فعرف ذلك في وجهه، فسأله فأخبره، فأخذ عمر السيف، ثم دخل على مارية فوجده عندها (¬1) ، فأهوى إليه بالسيف، فلما رأى ذلك كشف عن نفسه -وكان مجبوبًا ليس بين رجليه شيء- فلما رجع عمر إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبره، قال: "إن جبريل أتاني، فأخبرني أن الله قد برأها وقريبها، وأن في بطنها غلامًا مني، وإنه أشبه الخلق بي، وأمرني أن أسميه إبراهيم، وكناني بأبي إبراهيم" (¬2) . وأخرج ابن عبد الحكم والبيهقي في الدلائل، من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن أبيه، عن جده، قال: بعثني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المقوقس ملك الإسكندرية، فجئته بكتاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأنزلني في منزل، وأقمت عنده ليالي، ثم بعث إليّ، وقد جمع بطارقته، فقال: سأكلمك بكلام، وأحب أن تفهمه عني، قلت: هلم، قال: أخبرني عن صاحبك، أليس هو بنبيّ؟ قال: قلت: بلى، هو رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: فما له لم يدع على قومه حيث أخرجوه من بلده إلى غيرها! قال: فقلت له: فعيسى بن مريم، تشهد أنه رسول الله، فما له حيث أخذه قومه فأرادوا أن يصلبوه، ألا يكون دعا عليهم، بأن يهلكهم (¬3) الله حتى رفعه الله إليه في السماء الدنيا؟ فقال: أنت حكيم، جاء من عند حكيم؛ هذه هدايا أبعث بها معك إلى محمد؛ وأرسل معك مبذرقة يبذرقونك (¬4) إلى مأمنك. وأهدى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاث جوارٍ، منهن أم إبراهيم، واحدة وهبها رسول الله صلى ¬

(¬1) فتوح مصر: "ثم دخل على مارية وقريبها عندها". (¬2) فتوح مصر 49. (¬3) كذا في فتوح مصر، وفي الأصول: "فأهلكهم". (¬4) يبذرقوتك، أي: يخفرونك.

الله عليه وسلم لأبي جهم بن حذيفة العبدري، وواحدة وهبها لحسان بن ثابت، وأرسل إليه بثياب، مع طرف من طرفهم (¬1) . قال ابن أبي مريم: قال ابن لهيعة: وكان اسم أخت مارية قيصرًا ويقال: سيرين (¬2) . قال ابن عبد الحكم: وحدثنا عبد الملك بن مسلمة، عن ابن لهيعة، عن الأعرج، قال: بعث المقوقس بمارية وأختها حنة (¬2) . وأخرج ابن عبد الحكم، عن راشد بن سعد، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لو بقي إبراهيم ما تركت قبطيًّا إلا وضعت عنه الجزية" (¬3) . وأخرج ابن عبد الحكم، عن ابن مسعود، قال: قلنا يا رسول الله، فيم نكفنك؟ قال: "في ثيابي هذه، أو ثياب مصر" (¬4) . وأخرج الواقدي وأبو نعيم في الدلائل عن المغيرة بن شعبة، أنه لما خرج مع بني مالك إلى المقوقس، قال لهم: كيف خلصتم إلي من طائفتكم، ومحمد وأصحابه بيني وبينكم؟ قالوا: لصقنا بالبحر، وقد خفناه على ذلك، قال: فكيف صنعتم فيما دعاكم إليه؟ قالوا: لم يتبعه منا رجل واحد، قال: ولِمَ ذاك؟ قالوا: جاءنا بدين مجدد لا تدين به الآباء، ولا يدين به الملك، ونحن على ما كان عليه آباؤنا. قال: فكيف صنع قومه؟ قال: تبعه أحداثهم وقد لاقاه من خالفه من قومه وغيرهم من العرب في مواطن، مرة تكون عليهم الدبرة ومرة تكون له. قال: ألا تخبروني، إلى ماذا يدعو؟ قالوا: يدعو إلى أن نعبد الله وحده لا شريك له، ونخلع ما كان يعبد الآباء، ويدعو إلى الصلاة والزكاة، قال: ألهما وقت يُعرف، وعدد يُنتهى إليه؟ قالوا: يصلون في ¬

(¬1) فتوح مصر 49-50، وذكر بعده: "فولدت مارية لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إبراهيم، فكان من أحب الناس إليه، حتى مات فوجد به رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ". (¬2) فتوح مصر 52. (¬3) فتوح مصر 53. (¬4) فتوح مصر 53.

اليوم والليلة خمس صلوات كلها بمواقيت وعدد، ويؤدون من كل ما بلغ عشرين مثقالًا، وكل إبل بلغت خمسًا شاة، ثم أخبره بصدقة الأموال كلها، قال: أفرأيتم إن أخذها أين يضعها؟ قال: يردها على فقرائهم، ويأمر بصلة الرحم ووفاء العهد وتحريم الزنا والربا والخمر، ولا يأكل ما ذُبح لغير اسم الله. قال: هو نبي مرسل إلى الناس كافة، ولو أصاب القبط والروم تبعوه، وقد أمرهم بذلك عيسى بن مريم؛ وهذا الذي تصفونه منه بُعِثت به الأنبياء من قبل، وستكون له العاقبة حتى لا ينازعه أحد، ويظهر دينه إلى منتهى الخف والحافر ومنقطع البحور، قلنا: لو دخل الناس كلهم معه ما دخلنا. فأنغض رأسه (¬1) ، وقال: أنتم في اللعب! ثم قال: كيف نسبه في قومه؟ قلنا: هو أوسطهم نسبًا، قال: كذلك الأنبياء، تبعث في نسب قومها، قال: فكيف صدق حديثه؟ قلنا: يسمى الأمين من صدقه، قال: انظروا في أموركم، أترونه يصدق فيم بينكم وبينه، ويكذب على الله! ثم قال: فمن تبعه؟ قلنا: الأحداث، قال: هم أتباع الأنبياء قبله، قال: فما فعلت يهود يثرب، فهم أهل التوراة؟ قلنا: خالفوه، فأوقع بهم فقتلهم وسباهم، وتفرقوا في كل وجه، قال: هم قوم حسدٍ حسدوه، أما إنهم يعرفون من أمره مثل ما نعرف. قال المغيرة: فقمنا من عنده، وقد سمعنا كلامًا ذللنا لمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وخضعنا، وقلنا: ملوك العجم يصدقونه ويخافونه على بعد إرجائهم منه، ونحن أقرباؤه وجيرانه لم ندخل معه، وقد جاءنا داعيًا إلى منازلنا! قال المغيرة: فأقمت بالإسكندرية لا أدع كنيسة إلا دخلتها، وسألت أساقفها من قبطها ورومها عما يجدون من صفة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان أسقف من القبط لم أر أحدًا أشد منه، فقلت: أخبرني، هل بقي أحد من الأنبياء؟ قال: نعم، هو آخر الأنبياء، ليس بينه وبين عيسى نبي، قد أمر عيسى باتباعه، وهو النبي الأمي العربي، اسمه أحمد، ليس بالطويل ولا بالقصير، في عينيه حمرة، وليس بالأبيض ولا ¬

(¬1) أنغص رأسه: أي حركها.

بالآدم، يُعفي شعره، ويلبس ما غلظ من الثياب، ويجتزئ بما لقي من الطعام؛ سيفه على عاتقه، ولا يبالي من لاقى، يباشر القتال بنفسه ومعه أصحابه يفدونه بأنفسهم، هم أشد له حبًّا من آبائهم وأولادهم، من حرم يأتي، وإلى حرم يهاجر، إلى أرض سباخ ونخل، يدين بدين إبراهيم. قلت: زدني في صفته، قال: يأترز على وسطه، ويغسل أطرافه، ويُخص بما لم يُخص به الأنبياء قبله. كان النبي يبعث إلى قومه، وبعث هو إلى الناس كافة وجعلت له الأرض مسجدًا وطهورًا: أينما أدركته الصلاة تيمم وصلى وكان من قبله مشددًا عليهم لا يصلون إلا في الكنائس والبيع. قال المغيرة: فوعيت ذلك كله من قوله وقول غيره، ثم رجعت وأسلمت.

ذكر بعث أبي بكر الصديق رضي الله عنه حاطبا إلى المقوقس:

ذكر بعث أبي بكر الصديق رضي الله عنه حاطبًا إلى المقوقس: أخرج ابن عبد الحكم، عن علي بن رباح اللخمي، قال: بعث أبو بكر الصديق رضى الله عنه بعد وفاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حاطبًا إلى المقوقس بمصر، فمر على ناحية قرى الشرقية، فهادنهم وأعطوه (¬1) ، فلم يزالوا على ذلك حتى دخلها عمرو بن العاص، فقاتلوه، وانتقض ذلك العهد. قال عبد الملك بن مسلمة: وهي أول هدنة كانت بمصر (¬2) . ¬

(¬1) فتوح مصر: "وأعطوه". (¬2) فتوح مصر 53.

الفتح الإسلامي لمصر وغيره من الأحداث

ذكر فتح مصر في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه: قال ابن عبد الحكم: حدثنا عثمان بن صالح، أنبأنا ابن لهيعة، عن عبيد الله بن أبي جعفر وعياش بن عباس القتباني وغيرهما، يزيد بعضهم على بعض، قالوا: لما كانت سنة ثماني عشرة، وقدم عمر بن الخطاب الجابية، قام إليه عمرو بن العاص، فخلا به، وقال: يا أمير المؤمنين، ائذن لي أن أسير إلى مصر، وحرضه عليها، وقال: إنك إن فتحتها كانت قوة للمسلمين وعونًا لهم؛ وهي أكثر الأرض أموالًا، وأعجزهم عن القتال والحرب. فتخوف عمر بن الخطاب على المسلمين، وكره ذلك، فلم يزل عمرو يعظم أمرها عند عمر، ويخبره بحالها، ويهون عليه فتحها، حتى ركن لذلك عمر، فعقد له على أربعة آلاف رجل، كلهم من عك، ويقال: على ثلاثة آلاف وخمسمائة. فقال عمر: سر وأنا مستخير الله في مسيرك، وسيأتي إليك سريعًا إن شاء الله تعالى، فإن أدركك كتابي وأمرتك فيه بالانصراف عن مصر قبل أن تدخلها، أو شيئًا من أرضها فانصرف، وإن أنت دخلتها قبل أن يأتيك كتابي، فامض لوجهك، واستعن بالله واستنصره. فسار عمرو بن العاص من جوف الليل، ولم يشعر به أحد من الناس، واستخار عمر الله؛ فكأنه تخوف على المسلمين في وجههم ذلك، فكتب إلى عمرو بن العاص أن ينصرف بمن معه من المسلمين: فأدرك الكتاب عمرًا وهو برفح، فتخوف عمرو بن العاص؛ إن هو أخذ الكتاب وفتحه أن يجد فيه الانصراف كما عهد إليه عمر، فلم يأخذ الكتاب من الرسول ودافعه، وسار كما هو، حتى نزل قريةٍ فيما بين رفح والعريش، فسأل عنها فقيل: إنها من مصر؛ فدعا بالكتاب فقرأه على المسلمين، فقال عمرو: ألستم

تعلمون أن هذه من مصر؟ قالوا: بلى، فقال: فإن أمير المؤمنين عهد إليّ، وأمرني إن لحقني كتابه ولم أدخل مصر أن أرجع، وإن لم يلحقني كتابه حتى دخلنا أرض مصر؛ فسيروا وامضوا على بركة الله. فتقدم عمرو بن العاص. فلما بلغ المقوقس قدوم عمرو، توجه إلى الفسطاط، فكان يجهز على عمرو الجيوش، فكان أول موضع قوتل فيه الفرما، قاتله الروم قتالًا شديدًا نحوًا من شهر، ثم فتح الله على يديه. وكان بالإسكندرية أسقف للقبط، يقال له أبو بنيامين (¬1) ، فلما بلغه قدوم عمرو بن العاص، كتب إلى القبط يعلمهم أنه لا يكون للروم دولة، وأن ملكهم قد انقطع، ويأمرهم بتلقي عمرو، فيقال إن القبط الذين كانوا بالفرما كانوا يومئذ لعمرو أعوانًا. ثم توجه عمرو؛ لا يُدافع إلا بالأمر الخفيف، حتى نزل القواصر. فنزل ومن معه، فقال بعض القبط لبعض: ألا تعجبون من هؤلاء القوم، يقدمون على جموع الروم، وهم في قلة (¬2) من الناس! فأجابه رجل آخر منهم إن هؤلاء القوم لا يتوجهون إلى أحد إلا ظهروا عليه، حتى يقتلوا أخيرهم (¬3) ، فتقدم عمرو لا يُدافع إلا بالأمر الخفيف، حتى أتى بلبيس، فقاتلوه بها نحوًا من شهر، حتى فتح الله عليه، ثم مضى لا يدافع إلا بالأمر الخفيف، حتى أتى أم دنين، فقاتلوه بها قتالًا شديدًا. وأبطأ عليه الفتح، فكتب إلى عمر يستمده، فأمده بأربعة آلاف، تمام ثمانية آلاف، فسار عمرو بمن معه حتى نزل على الحصن، فحاصرهم بالقصر الذي يقال له بابليون حينًا، وقاتلهم قتالًا شديدًا؛ يصبحهم ويمسيهم. فلما أبطأ عليه الفتح، كتب إلى ¬

(¬1) في الأصول: "ميامين"، وما أثبتاه من فتوح مصر. (¬2) فتوح مصر: "وإنما هم في قلة". (¬3) ابن عبد الحكم: "خيرهم".

عمر بن الخطاب يستمده، فأمده عمر بأربعة آلاف رجل، على كل ألف رجل منهم رجل، وكتب إليه: إني قد أمددتك بأربعة آلاف رجل على كل ألف رجل منهم رجل مقام الألف: الزبير بن العوام، والمقداد بن الأسود، وعبادة بن الصامت، ومسلمة بن مخلد. واعلم أن معك اثني عشر ألفًا، ولا يغلب اثنا عشر ألفًا من قلة. وكانوا قد خندقوا حول حصنهم، وجعلوا للخندق أبوابًا، وجعلوا سكك الحديد موتدة بأفنية الأبواب. فلما قدم المدد على عمرو بن العاص أتى إلى القصر، ووضع عليه المنجنيق -وكان على القصر رجل من الروم يقال له الأعيرج واليًا عليه، وكان تحت يدي المقوقس- ودخل عمرو إلى صاحب الحصن، فتناظرا في شيء مما هم فيه، فقال: أخرج وأستشير أصحابي، وقد كان صاحب الحصن أوصى الذي كان على الباب: إذا مر به عمرو أن يلقي عليه صخرة فيقتله، فمر عمرو وهو يريد الخروج برجل من العرب، فقال: قد دخلت فانظر كيف تخرج، فرجع عمرو إلى صاحب الحصن، فقال: إني أريد أن آتيك بنفر من أصحابي، حتى يسمعوا منك مثل الذي سمعت، فقال العلج في نفسه: قتل جماعة أحب إلي من قتل واحد، فأرسل إلى الذي كان أمره بقتل عمرو، ألا يتعرض له، رجاء أن يأتي بأصحابه فيقتلهم. وخرج عمرو، فلما أبطأ عليه الفتح، قال الزبير: إني أهب نفسي لله، أرجو أن يفتح الله بذلك على المسلمين، فوضع سلمًا إلى جانب الحصن من ناحية سوق الحمام، ثم صعد، وأمرهم إذا سمعوا تكبيره أن يجيبوه جميعًا، فما شعروا إلا والزبير على رأس الحصن يكبر معه السيف، وتحامل الناس على السلم حتى نهاهم عمرو خوفًا من أن ينكسر. فلما اقتحم الزبير، وتبعه من تبعه، وكبر وكبر من معه، وأجابهم المسلمون من خارج، لم يشك أهل الحصن أن العرب قد اقتحموا جميعًا، فهربوا، فعمد الزبير وأصحابه إلى باب الحصن ففتحوه، واقتحم المسلمون الحصن؛ فلما خاف المقوقس على نفسه ومن معه؛ حينئذ سأل عمرو بن العاص

الصلح، ودعاه إليه على أن يفرض للعرب على القبط دينارين دينارين على كل رجل منهم، فأجابه عمرو إلى ذلك (¬1) . قال الليث بن سعد رضى الله عنه: وكان مكثهم على باب القصر حتى فتحوه سبعة أشهر. قال ابن الحكم: وحدثنا عثمان بن صالح، أخبرنا خالد بن نجيح، عن يحيى بن أيوب وخالد بن حميد، قالا: حدثنا خالد بن يزيد، عن جماعة من التابعين، بعضهم يزيد على بعض، أن المسلمين لما حاصروا بابليون، وكان به جماعة من الروم وأكابر القبط ورؤساؤهم، وعليهم المقوقس، فقاتلوهم بها شهرًا، فلما رأى القوم الجد منهم على فتحه والحرص، ورأوا من صبرهم على القتال ورغبتهم فيه، خافوا أن يظهروا، فتنحى المقوقس وجماعة من أكابر القبط وخرجوا من باب القصر القبلي، ودونهم جماعة يقاتلون العرب، فلحقوا بالجزيرة وأمروا بقطع الجسر؛ وذلك في جري النيل وتخلف الأعيرج في الحصن بعد المقوقس، فلما خاف فتح الحصن، ركب هو وأهل القوة والشرف، وكانت سفنهم ملصقة بالحصن، ثم لحقوا بالمقوقس في الجزيرة. فأرسل المقوقس إلى عمرو بن العاص: إنكم قوم قد ولجتم في بلادنا، وألححتم على قتالنا، وطال مقامكم في أرضنا؛ وإنما أنتم عصبة يسيرة، وقد أظلتكم الروم، وجهزوا إليكم، ومعهم من العدة والسلاح، وقد أحاط بكم هذا النيل، وإنما أنتم أسارى قد أيدينا، فأرسلوا إلينا رجالًا منكم نسمع من كلامهم؛ فلعله أن يأتي الأمر فيما بيننا وبينكم على ما تحبون ونحب، وينقطع عنا وعنكم هذا القتال قبل أن تغشاكم جموع الروم، فلا ينفعنا الكلام، ولا نقدر عليه؛ ولعلكم أن تندموا إن كان الأمر ¬

(¬1) فتوح مصر 55-63.

مخالفًا لطلبتكم ورجائكم، فابعث إلينا رجالًا من أصحابكم نعاملهم على ما نرضى نحن وهم، وما يهم من شيء. فلما أتت (¬1) عمرو بن العاص رسل المقوقس حبسهم عنده يومين وليلتين، حتى خاف عليهم المقوقس، فقال لأصحابه: أترون أنهم يقتلون الرسل ويحبسونهم، يستحلون ذلك في دينهم! وإنما أراد عمرو بذلك أن يروا حال المسلمين. فرد عليهم عمرو مع رسله: أن ليس بيني وبينك إلا إحدى ثلاث خصال: إما أن دخلتم في الإسلام فكنتم إخواننا وكان لكم ما لنا، وإن أبيتم أعطيتم الجزية عن يد وأنتم صاغرون، وإما أن جاهدناكم بالصبر والقتال حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين. فلما جاءت رسل المقوقس إليه، قال: كيف رأيتموهم؟ قالوا: رأينا قومًا الموت أحب إليهم من الحياة، والتواضع أحب إليهم من الرفعة، ليس لأحدهم في الدنيا رغبة ولا نهمة، وإنما جلوسهم على التراب، وأكلهم على ركبهم، وأميرهم كواحد منهم، ما يُعرف رفيعهم من وضيعهم، ولا السيد فيهم من العبد، وإذا حضرت الصلاة لم يتخلف عنها منهم أحد، يغسلون أطرافهم بالماء، ويتخشعون في صلاتهم. فقال عند ذلك المقوقس: والذي يُحْلَف به، لو أن هؤلاء استقبلوا الجبال لأزالوها، ولا يقوى على قتال هؤلاء أحد، ولئن لم نغتنم صلحهم اليوم وهم محصورون بهذا النيل، لم يجيبوا بعد اليوم إذا أمكنتهم الأرض، وقووا على الخروج من موضعهم. فرد إليهم المقوقس رسله، وقال: ابعثوا إلينا رسلًا منكم نعاملهم، ونتداعى نحن وهم إلى ما عسى أن يكون فيه صلاح لنا ولكم. فبعث عمرو بن العاص عشرة نفر، وأحدهم عبادة بن الصامت، وهو أحد من أدرك ¬

(¬1) ط: "أتوا"، وما أثبته من فتوح مصر.

الإسلام من العرب، طوله عشرة أشبار، وأمره أن يكون متكلم القوم، وألا يجيبهم إلى شيء دعوه إليه إلا إحدى هذه الثلاث الخصال؛ فإن أمير المؤمنين قد تقدم في ذلك إليّ، وأمرني ألا أقبل شيئًا سوى خصلة من هذه الثلاث الخصال. وكان عبادة بن الصامت أسود، فلما ركبوا السفن إلى المقوقس، ودخلوا عليه، تقدم عبادة، فهابه المقوقس لسواده فقال: نحُّوا عني هذا الأسود، وقدموا غيره يكلمني، فقالوا: إن هذا الأسود أفضلنا رأيًا وعلمًا، وهو سيدنا وخيرنا والمقدم علينا، وإنا نرجع جميعًا إلى قوله ورأيه، وقد أمره الأمير دوننا بما أمره به. فقال المقوقس لعبادة: تقدم يا أسود، وكلمني برفق؛ فإني أهاب سوادك، وإن اشتد علي كلامك ازددت لك هيبة، فتقدم إليه عبادة، فقال: قد سمعت مقالتك، وإن فيمن خلفت من أصحابي ألف رجل أسود كلهم أشد سوادًا مني وأفظع منظرًا ولو رأيتهم لكنت أهيب "منك" (¬1) لي. وأنا قد وليت، وأدبر شبابي، وإني مع ذلك بحمد الله ما أهاب مائة رجل من عدوي لو استقبلوني جميعًا، وكذلك أصحابي؛ وذلك إنما رغبتنا وبغيبتا الجهاد في الله تعالى، واتباع رضوان الله؛ وليس غزونا عدونا ممن حارب الله لرغبة في الدنيا، ولا طلبًا للاستكثار منها؛ إلا أن الله قد أحل ذلك لنا، وجعل ما غنمنا من ذلك حلالًا، وما يبالي أحدنا: أكان له قنطار من ذهب، أم كان لا يملك إلا درهمًا! لأن غاية أحدنا من الدنيا أكلة يأكلها، يسد بها جوعته، وشملة يلتحفها، فإن كان أحدنا لا يملك إلا ذلك كفاه، وإنا كان له قنطار من ذهب أنفقه في طاعة الله، واقتصر على هذا الذي بيده (¬2) ؛ لأن نعيم الدنيا ورخاءها ليس برخاء، إنما النعيم والرخاء في الآخرة، وبذلك أمرنا ربنا، وأمر به نبينا، وعهد إلينا ألا تكون ¬

(¬1) من فتوح مصر. (¬2) بعدها في فتوح مصر: "ويبلغة ما كان في أيدينا".

همة أحدنا من الدنيا إلا فيما يمسك جوعته، ويستر عورته، وتكون همته وشغله في رضا ربه، وجهاد عدوه. فلما سمع المقوقس ذلك منه، قال لمن حوله: هل سمعتم مثل كلام هذا الرجل قط! لقد هبت منظره؛ وإن قوله لأهيب عندي من منظره؛ إن هذا وأصحابه أخرجهم الله لخراب الأرض (¬1) ؛ وما أظن ملكهم إلا سيغلب على الأرض كلها. ثم أقبل المقوقس على عبادة، فقال: أيها الرجل، قد سمعت مقالتك، وما ذكرت عنك وعن أصحابك؛ ولعمري ما بلغتم ما بلغتم إلا بما ذكرت، ولا ظهرتم على من ظهرتم عليه إلا لحبهم الدنيا ورغبتهم فيها، وقد توجه إلينا لقتالكم من جميع الروم مما لا يحصى عدده قوم معروفون بالنجدة والشدة، ممن لا يبالي أحدهم من لقي، ولا من قاتل، وإنا لنعلم أنكم لن تقووا عليهم، ولن تطيقوهم لضعفكم وقلّتكم، وقد أقمتم بين أظهرنا أشهرًا، وأنتم في ضيق وشدة من معاشكم وحالكم، ونحن نرق عليكم لضعفكم وقلتكم وقلة ما بأيديكم؛ ونحن تطيب أنفسنا أن نصالحكم على أن نفرض لكل رجل منكم دينارين دينارين؛ ولأميركم مائة دينار، ولخليفتكم ألف دينار، فتقبضونها وتنصرفون إلى بلادكم قبل أن يغشاكم ما لا قوة لكم به. فقال عبادة بن الصامت رضى الله عنه: يا هذا؛ لا تغرن نفسك ولا أصحابك؛ أما ما تخوفنا به من جمع الروم وعددهم وكثرتهم، وأنا لا نقوى عليهم؛ فلعمري ما هذا بالذي تخوفنا به، ولا بالذي يكسرنا عما نحن فيه؛ إن كان ما قلتم حقًّا فذلك والله أرغب ما يكون في قتالهم، وأشد لحرصنا عليهم؛ لأن ذلك أعذر لنا عند ربنا إذا قدمنا عليه، وإن قتلنا من آخرنا كان أمكن لنا في رضوانه وجنته، وما من شيء ¬

(¬1) ط: "البلاد".

أقر لأعيننا، ولا أحب إلينا من ذلك؛ وأنَّا منكم حينئذ على إحدى الحسنيين؛ إما أن تعظم لنا بذلك غنيمة الدنيا إن ظفرنا بكم، أو غنيمة الآخرة إن ظفرتم بنا، وإنها لأحب الخصلتين إلينا بعد الاجتهاد منا؛ وإن الله تعالى قال لنا في كتابه: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (¬1) ، وما منا رجل إلا وهو يدعو ربه صباحًا ومساءً أن يرزقه الشهادة، وألا يرده إلى بلده ولا إلى أهله وولده؛ وليس لأحد منا هم فيما خلَّفه، وقد استودع كل واحد منا ربّه أهله وولده؛ وإنما همنا ما أمامنا. وأما "قولك": إنا في ضيق وشدة من معاشنا وحالنا؛ فنحن في أوسع السعة لو كانت الدنيا كلها لنا، ما أردنا لأنفسنا منها أكثر مما نحن فيه، فانظر الذي تريد فبينه لنا، فليس بيننا وبينكم خصلة نقلبها منكم، ولا نجيبك إليها إلا خصلة من ثلاث، فاختر أيها شئت، ولا تُطمع نفسك في الباطل؛ بذلك أمرني الأمير، وبها أمره أمير المؤمنين؛ وهو عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قبل إلينا. أما إن أجبتم إلى الإسلام الذي هو الدين الذي لا يقبل الله غيره، وهو دين أنبيائه ورسله وملائكته، أمرنا الله أن نقاتل من خالفه ورغب عنه حتى يدخل فيه، فإن فعل كان له ما لنا وعليه ما علينا، وكان أخانا في دين الله؛ فإن قبلت ذلك أنت وأصحابك، فقد سعدتم في الدنيا والآخرة، ورجعنا عن قتالكم، ولا نستحل أذاكم، ولا التعرض لكم، وإن أبيتم إلا الجزية، فأدوا إلينا الجزية عن يد وأنتم صاغرون، نعاملكم على شيء نرضى به نحن وأنتم في كل عام أبدًا ما بقينا وبقيتم، ونقاتل عنكم من ناوأكم وعرض لكم في شيء من أرضكم ودمائكم وأموالكم، ونقوم بذلك عنكم؛ إذ كنتم في ذمتنا، وكان لكم به عهد الله علينا، وإن أبيتم فليس بيننا وبينكم إلا المحاكمة بالسيف حتى نموت من ¬

(¬1) سورة البقرة: 249.

آخرنا، أو نصيب ما نريد منكم؛ هذا ديننا الذي ندين الله به، ولا يجوز لنا فيما بيننا وبينه غيره، فانظروا لأنفسكم. فقال له المقوقس: هذا مما لا يكون أبدًا، ما تريدون إلا أن تأخذوا لكم عبيدًا ما كانت الدنيا. فقال له عبادة: هو ذاك، فاختر ما شئت. فقال له المقوقس: أفلا تجيبونا إلى خصلة غير هذه الخصال الثلاث؟ فرفع عبادة يديه، وقال: لا ورب السماء ورب هذه الأرض ورب كل شيء، ما لكم عندنا خصلة غيرها، فاختاروا لأنفسكم. فالتفت المقوقس عند ذلك إلى أصحابه، فقال: قد فرغ القول فما ترون؟ فقالوا: أويرضى أحد بهذا الذل! أما ما أرادوا من دخولنا في دينهم؛ فهذا لا يكون أبدًا، ولا نترك دين المسيح ابن مريم وندخل في دين لا نعرفه، وأما ما أرادوا من أن يسبونا ويجعلونا عبيدًا أبدًا، فالموت أيسر من ذلك؛ لو رضوا منا أن نُضعف لهم ما أعطيناهم مرارًا، كان أهون علينا. فقال المقوقس لعبادة: قد أبى القوم، فما ترى؟ فراجع صاحبك، على أن نعطيكم في مرتكم هذه ما تمنيتم وتنصرفون. فقام عبادة وأصحابه، فقال المقوقس لمن حوله عند ذلك: أطيعوني، وأجيبوا القوم إلى خصلة من هذه الثلاث، فوالله ما لكم بهم طاقة، وإن لم تجيبوا إليها طائعين لتجيبنهم إلى ما هو أعظم منها كارهين. فقالوا: أي خصلة نجيبهم إليها؟ قال: إذًا أُخبركم ... أما دخولكم في غير دينكم، فلا آمركم به؛ وأما قتالهم فأنا أعلم أنكم لن تقدروا عليهم، ولن تصبروا

صبرهم، ولا بد من الثالثة (¬1) ؛ قالوا: فنكون لهم عبيدًا أبدًا؟ قال: نعم تكونون عبيدًا مسلطين (¬2) في بلادكم، آمنين على أنفسكم وأموالكم وذراريكم خير لكم من أن تموتوا عن آخركم، وتكونوا عبيدًا وتباعوا وتمزقوا في البلاد مستعبدين أبدًا، أنتم وأهلوكم وذراريكم. قالوا: فالموت أهون علينا. وأمروا بقطع الجسر بين الفسطاط والجزيرة، وبالقصر من جمع الروم والقبط جمع كثير فألح المسلمون عند ذلك بالقتال على من في القصر حتى ظفروا بهم، وأمكن الله منهم، فقتل منهم خلق كثير، وأسر من أسر، وانحازت السفن كلها إلى الجزيرة، وصار المسلمون قد أحدق بهم الماء من كل وجه، لا يقدرون على أن ينفذوا ويتقدموا نحو الصعيد، ولا إلى غير ذلك من المدائن والقرى، والمقوقس يقول لأصحابه: ألم أعلمكم هذا وأخافه عليكم؟ ما تنتظرون! فوالله لتجيبهم إلى ما أرادوا طوعًا أو لتجيبنهم إلى ما هو أعظم منه كرهًا، فأطيعوني من قبل أن تندموا. فلما رأوا منهم ما رأوا، وقال لهم المقوقس ما قال: أذعنوا بالجزيرة، ورضوا بذلك على صلحٍ يكون بينهم يعرفونه. وأرسل المقوقس إلى عمرو بن العاص: إني لم أزل حريصًا على أجابتك إلى خصلة من تلك الخصال التي أرسلت إلي بها، فأبى ذلك عليَّ مَن حضرني من الروم والقبط، فلم يكن لي أن أفتات عليهم، وقد عرفوا نصحي لهم، وحبي صلاحهم، ورجعوا إلى قولي، فأعطني أمانًا أجتمع أنا وأنت في نفر من أصحابي ونفر من أصحابك، فإن استقام الأمر بيننا تم لنا ذلك جميعًا؛ وإن لم يتم رجعنا إلى ما كنا عليه. فاستشار عمرو أصحابه في ذلك فقالوا: لا نجيبهم إلى شيء من الصلح ولا الجزية، ¬

(¬1) ط: "الثلاثة"، وهو خطأ. (¬2) ط: "مسلطنين"، وما أثبته من فتوح مصر.

حتى يفتح الله علينا، وتصير كلها لنا فيئًا وغنيمة، كما صار لنا القصر وما فيه، فقال عمرو: قد علمتم ما عهد إليَّ أمير المؤمنين في عهده، فإن إجابوا إلى خصلة من الخصال الثلاث التي عهد إلي فيها أجبتهم إليها، وقبلت منهم، مع ما قد حال الماء بيننا وبين ما نريد من قتالهم. فاجتمعوا على عهد بينهم، واصطلحوا على أن يفرض على جميع من بمصر أعلاها وأسفلها من القبط ديناران عن كل نفس، شريفهم ووضيعهم، ومن بلغ الحلم منهم؛ ليس على الشيخ الفاني، ولا على الصغير الذي لم يبلغ الحلم، ولا على النساء شيء، وعلى أن للمسلمين عليهم النزل لجماعتهم حيث نزلوا، ومن نزل عليه ضيف واحد من المسلمين أو أكثر من ذلك، كانت لهم ضيافة ثلاثة أيام، وأن لهم أرضهم وأموالهم، لا يعرض لهم في شيء منها. فشرط هذا كله على القبط خاصة، وأحصوا عدد القبط يؤمئذ خاصة من بلغ منهم الجزية، وفرض عليهم الديناران، ورفع ذلك عرفاؤهم بالأيمان المؤكدة، فكان جميع من أحصي يومئذ بمصر فيما أحصوا وكتبوا أكثر من ستة آلاف ألف نفس؛ فكانت فريضتهم يومئذ اثني عشر ألف ألف دينار في كل سنة. وقيل: بلغت غلتهم ثمانية آلاف ألف. وشرط المقوقس للروم أن يتخيروا، فمن أحب منهم أن يقيم على مثل هذا أقام على هذا لازمًا له، مفترضًا عليه ممن أقام بالإسكندرية وما حولها من أرض مصر كلها، ومن أراد الخروج منها إلى أرض الروم خرج، وعلى أن للمقوقس الخيار في الروم خاصة؛ حتى يكتب إلى ملك الروم يعلمه ما فعل، فإن قبل ذلك ورضيه جاز عليهم؛ وإلا كانوا جميعًا على ما كانوا عليه. وكتبوا به كتابًا، وكتب المقوقس إلى ملك الروم يعلمه على وجه الأمر كله. فكتب إليه ملك الروم يقبح رأيه ويعجزه، ويرد عليه ما فعل، يقول في

كتابه: إنما أتاك من العرب اثنا عشر ألفًا، وبمصر من بها من كثرة عدد القبط ما لا يحصى؛ فإن كان القبط كرهوا القتال، وأحبوا أداء الجزية إلى العرب واختاروهم علينا، فإن عندك بمصر من الروم وبالإسكندرية، ومن معك أكثر من مائة ألف، معهم العدة والقوة. والعرب وحالهم وضعفهم على ما قد رأيت، فعجزت عن قتالهم، ورضيت أن تكون أنت ومن معك في حال القبط أذلاء، ألا تقاتلهم أنت ومن معك من الروم حتى تموت، أو تظهر عليهم؛ فإنهم فيكم على قدر كثرتكم وقوتكم، وعلى قدر قلتهم وضعفهم كأكلة، فناهضهم القتال، ولا يكون لك رأي غير ذلك. وكتب ملك الروم بمثل ذلك كتابًا إلى جماعة الروم. فقال المقوقس لما أتاه كتاب ملك الروم: والله إنهم على قلتهم وضعفهم أقوى وأشد منا على كثرتنا وقوتنا، إن الرجل الواحد منهم ليعدل مائة منا؛ وذلك أنهم قوم الموت أحب إليهم من الحياة، يقاتل الرجل منهم وهو مستقل، ويتمنى ألا يرجع إلى أهله وبلده ولا ولده، ويرون أن لهم أجرًا عظيمًا فيمن قتلوا منا، ويقولون: إنهم إن قتلوا دخلوا الجنة، وليس لهم رغبة في الدنيا، ولا لذة إلا على قدر بلغة العيش من الطعام واللباس، ونحن قوم نكره الموت، ونحب الحياة ولذتها، فكيف نستقيم نحن وهؤلاء، وكيف صبرنا معهم! واعلموا معشر الروم؛ إني والله لا أخرج مما دخلت فيه، وصالحت العرب فيه؛ وإني لأعلم أنكم سترجعون غدًا إلى قولي ورأيي، وتتمنون أن لو كنتم أطعتموني؛ وذلك أني قد عاينت ورأيت، وعرفت ما لم يعاين الملك ولم يره، ولم يعرفه، ويحكم! أما يرضى أحدكم أن يكون آمنًا في دهره على نفسه وماله وولده، بدينارين في السنة! ثم أقبل المقوقس إلى عمرو بن العاص، فقال له: إن الملك قد كره ما فعلت

وعجزني، وكتب إلي وإلى جماعة الروم ألا نرضى بمصالحتك، وأمرهم بقتالك حتى يظفروا بك أو تظفر بهم؛ ولم أكن لأخرج مما دخلت فيه وعاقدتك عليه؛ وإنما سلطاني على نفسي ومن أطاعني، وقد تم الصلح فيما بينك وبينهم؛ ولم يأت من قبلهم نقض، وأنا متم لك على نفسي، والقبط متمون لك على الصلح الذي صالحتهم عليه وعاهدتهم؛ وأما الروم فأنا منهم بريء، وأنا أطلب منك أن تعطيني ثلاث خصال. قال له عمرو: ما هن؟ قال: لا تنقضن (¬1) بالقبط، وأدخلني معهم وألزمني ما لزمهم، وقد اجتمعت كلمتي وكلمتهم على ما عاهدتك، فهم متمون لك على ما تحب. وأما الثانية فإن سألك الروم بعد اليوم أن تصالحهم فلا تصالحهم حتى تجعلهم فيئًا وعبيدًا، فإنهم أهل لذلك؛ فإني نصحتهم فاستغشوني، ونظرت لهم فاتهموني. وأما الثالثة، أطلب إليك إن أنا مت، أن تأمرهم أن يدفنوني في أبي يحنس (¬2) بالإسكندرية. فأنعم له عمرو بن العاص، وأجابه إلى ما طلب، على أن يضمنوا له الجسرين جميعًا، ويقيموا له الإنزال والضيافة والأسواق والجسور؛ ما بين الفسطاط إلى الإسكندرية. ففعلوا وصارت لهم القبط أعوانًا، كما جاء في الحديث، واستعدت الروم وجاشت، وقدم عليهم من أرض الروم جمع عظيم. ثم التقوا بسلطيس، فاقتتلوا بها قتالًا شديدًا، ثم هزمهم الله، ثم التقوا بالكريون، فاقتتلوا بها بضعة عشر يومًا. وكان عبد الله بن عمرو على المقدمة، وحامل اللواء يومئذ وردان مولى عمرو. ¬

(¬1) فتوح مصر: "لا تنقض". (¬2) ط: "حنش"، صوابه من فتوح مصر.

وصلى عمرو يومئذ صلاة الخوف، ثم فتح الله يومئذ على المسلمين، وقتل منهم المسلمون مقتلة عظيمة، واتبعوهم حتى بلغوا الإسكندرية، فتحصن بها الروم، وكانت عليهم حصون مبنية لا ترام، حصن دون حصن، فنزل المسلمون ما بين حلوة إلى قصر فارس، إلى ما وراء ذلك؛ ومعهم رؤساء القبط يمدونهم بما احتاجوا إليه من الأطعمة والعلوفة، ورسل ملك الروم تختلف إلى الإسكندرية في المراكب بمادة الروم، وكان ملك الروم يقول: لئن ظفرت العرب على الإسكندرية، إن ذلك انقطاع ملك الروم وهلاكهم؛ لأنه ليس للروم كنائس أعظم من كنائس الإسكندرية؛ وإنما كان عيد الروم حين غلبت العرب على الشام بالإسكندرية، فقال الملك: لئن غلبوا على الإسكندرية لقد هلكت الروم، وانقطع ملكها. فأمر بجهازه ومصلحته لخروجه إلى الإسكندرية، حتى يباشر قتالها بنفسه إعظامًا لها، وأمر ألا يتخلف عنه أحد من الروم، وقال: ما بقي للروم بعد الإسكندرية حرمة، فلما فرغ من جهازه صرعه الله فأماته، وكفى الله المسلمين مؤنته وكان موته في سنة تسع عشرة (¬1) . وقال الليث بن سعد: مات هرقل في سنة عشرين، فكسر الله بموته شوكة الروم، فرجع كثير ممن قد توجه إلى الإسكندرية، وانتشرت العرب عند ذلك وألحت بالقتال على أهل الإسكندرية، فقاتلوهم قتالًا شديدًا، وحاصروا الإسكندرية تسعة أشهر بعد موت هرقل، وخمسة قبل ذلك، وفتحت يوم الجمعة مستهل المحرم سنة عشرين (¬2) . وقال ابن عبد الحكم: أنبأنا عثمان بن صالح، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، قال: أقام عمرو بن العاص محاصرًا الإسكندرية أشهرًا؛ فلما بلغ ذلك ¬

(¬1) فتوح مصر 64-76 مع اختصار وحذف وتداخل في الروايات. (¬2) فتوح مصر 79.

عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: ما أبطأ بفتحها إلا لما أحدثوا. وأخرج ابن عبد الحكم، عن زيد بن أسلم، قال: لما أبطأ على عمر الخطاب فتح مصر، كتب إلى عمرو بن العاص: أما بعد، فقد عجبت لإبطائكم عن فتح مصر؛ إنكم تقاتلونهم منذ سنتين؛ وما ذاك إلا لما أحدثتم وأحببتم من الدنيا ما أحب عدوكم، وإن الله تبارك وتعالى لا ينصر قومًا إلا بصدق نياتهم، وقد كنت وجهت إليك أربعة نفر، وأعلمتك أن الرجل منهم مقام ألف رجل على ما كنت أعرف، إلا أن يكون غيرهم ما غيرهم؛ فإذا أتاك كتابي، فاخطب الناس، وحضهم على قتال عدوهم، ورغبهم في الصبر والنية، وقدم أولئك الأربعة في صدور الناس، ومر الناس جميعًا أن يكون لهم صدمة كصدمة رجل واحد، وليكن ذلك عند الزوال يوم الجمعة، فإنها ساعة تنزل الرحمة فيها، ووقت الإجابة، وليعج الناس إلى الله، ويسألوه النصر على عدوهم. فلما أتى عمرًا الكتاب، جمع الناس، وقرأ عليهم كتاب عمر، ثم دعا أولئك النفر، فقدمهم أمام الناس، وأمر الناس أن يتطهروا، ويصلوا ركعتين، ثم رغبوا إلى الله تعالى، ويسألوه النصر على عدوهم، ففعلوا ففتح الله عليهم (¬1) . قال ابن عبد الحكم: حدثنا أبي، قال: لما أبطأ على عمرو بن العاص فتح الإسكندرية، استلقى على ظهره، ثم جلس فقال: إني فكرت في هذا الأمر؛ فإنه لا يصلح آخره إلا من أصلح أوله -يريد الأنصار- فدعا عبادة بن الصامت، فعقد له، ففتح الله على يديه الإسكندرية من يومهم ذلك (¬2) . قال ابن عبد الحكم: وحدثنا عبد الملك بن مسلمة، عن مالك بن أنس، أن مصر فتحت سنة عشرين. ¬

(¬1) فتوح مصر 79 (¬2) فتوح مصر 79-80.

قال: وحدثنا عبد الله بن صالح، عن الليث بن سعد، قال: لما هزم الله الروم، وفتح الإسكندرية، وهرب الروم في البر والبحر، خلف عمرو بن العاص بالإسكندرية ألف رجل من أصحابه، ومضى عمرو ومن معه في طلب من هرب من الروم في البر، فرجع من كان من الروم في البحر إلى الإسكندرية، فقتلوا من كان فيها من المسلمين إلا من هرب منهم. وبلغ ذلك عمرو بن العاص، فكرَّ رادعا، ففتحها وأقام بها، وكتب إلى عمر بن الخطاب: إن الله قد فتح علينا الإسكندرية عنوة بغير عقد ولا عهد. فكتب إليه عمر بن الخطاب يقبح رأيه، ويأمره ألا يجاوزها (¬1) . قال: وحدثنا هانئ بن المتوكل، حدثنا حزم بن إسماعيل المعافري، قال: قُتل من المسلمين من حين من كان من أمر الإسكندرية ما كان، إلى أن فُتحت عنوة اثنان وعشرون رجلا (¬2) . وحدثنا عثمان بن صالح، عن ابن لهيعة، قال: بعث عمرو بن العاص معاوية بن حديج وافدا إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه، بشيرا له بالفتح، فقال له معاوية: ألا تكتب معي كتابا؟ قال له عمرو: وما تصنع بالكتاب! ألست رجلا عربيا تبلغ الرسالة؛ وما رأيت وما حضرت! فلما قدم على عمر، وأخبره بفتح الإسكندرية، خر عمر ساجدا، وقال الحمد لله (¬3) . وحدثنا إبراهيم بن سعد البلوي، قال: كتب عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أما بعد، فإني فتحت مدينة لا أصف ما فيها، غير أني أصبت فيها أربعة آلاف منية (¬4) بأربعة آلاف حمام وأربعين ألف يهودي (¬5) وأربعمائة ¬

(¬1) فتوح مصر 80. (¬2) فتوح مصر 80-81. (¬3) فتوح مصر 81. (¬4) في ط: "متنة"، وهو المكان الصلب المرتفع، وما أثبته من فتوح مصر. (¬5) بعدها في فتوح مصر: "عليهم الجزية".

ملهى للملوك (¬1) . وأخرج ابن عبد الحكم، عن أبي قبيل. وحيوة بن شريح، قالا: لما فتح عمرو بن العاص الإسكندرية، وجد فيها اثني عشر ألف بقال يبيعون البقل الأخضر (¬2) . وأخرج عن محمد سعيد الهاشمي، قال: ترحل في الليلة التي دخل عمرو بن العاص الإسكندرية منها -أو في الليلة التي خافوا فيها دخول عمرو بن العاص- سبعون ألف يهودي (¬2) . وأخرج عن إبراهيم بن سعد البلوي، أن سبب فتح الإسكندرية، أن رجلا كان يقال له ابن بسامة، كان بوابا، فسأل عمرو بن العاص أن يؤمنه على نفسه وأرضه وأهل بيته، ويفتح له الباب، فأجاب عمرو إلى ذلك، ففتح له الباب فدخل (¬3) . وأخرج عن حسين بن شفي بن عبيد، قال: كان بالإسكندرية، فيما أحصي من الحمامات اثنا عشر ديماسا، أصغر ديماس منها يسع ألف مجلس، كل مجلس منها يسع جماعة نفر. وكان عدة من بالإسكندرية من الروم مائتي ألف من الرجال، فلحق بأرض الروم أهل القوة، وركبوا السفن، وكان بها مائة مركب من المراكب الكبار، فحمل فيها ثلاثون ألفا مع ما قدروا عليه من المال والمتاع والأهل، وبقي من بقي من الأسارى ممن بلغ الخراج، فأحصي يومئذ ستمائة ألف سوى النساء والصبيان، فاختلف الناس على عمرو في قسمتهم، وكان أكثر الناس يريدون قسمتها، فقال عمرو: لا أقدر أقسمها، حتى أكتب إلى أمير المؤمنين، فكتب إليه يعلمه بفتحها وشأنها، ويعلمه أن المسلمين طلبوا قسمها، فكتب إليه عمر: لا تقسمها، وذرهم يكون خراجهم فيئا للمسلمين، وقوة على جهاد عدوهم، فأقرها عمرو، وأحصى أهلها، وفرض عليهم الخراج، فكانت مصر ¬

(¬1) فتوح مصر 82. (¬2) فتوح مصر 82. (¬3) فتوح مصر 80.

صلحا كلها بفريضة دينارين دينارين على كل رجل، لا يزاد على كل واحد منهم في جزية رأسه أكثر من دينارين، إلا أنه يلزم بقدر ما يتوسع فيه من الأرض والزرع إلا الإسكندرية، فإنهم كانوا يؤدون الخراج والجزية على قدر ما يرى مَنْ وليهم؛ لأن الإسكندرية فتحت عنوة بغير عهد ولا عقد، ولم يكن لهم صلح ولا ذمة (¬1) . وأخرج ابن عبد الحكم، عن يزيد بن أبي حبيب، قال: كانت قُرى من قرى مصر قاتلت ونقضوا، فسبوا منها قرية يقال لها بلهيب، وقرية يقال لها الخيس، وقرية يقال لها سلطيس، وفرق (¬2) سباياهم بالمدينة وغيرها، فردهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى قراهم، وصيرهم وجماعة القبط أهل ذمة (¬3) . وأخرج عن يحيى بن أيوب، أن أهل سلطيس ومصيل وبلهيب، ظاهروا الروم على المسلمين في جمع كان لهم، فلما ظهر عليهم المسلمون استحلوهم وقالوا: هؤلاء لنا فيء مع الإسكندرية، فكتب عمرو بن العاص بذلك إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكتب إليه عمر أن يجعل الإسكندرية وهؤلاء الثلاث قريات ذمة للمسلمين، ويضرب عليهم الخراج، ويكون خراجهم وما صالح عليه القبط قوة للمسلمين على عدوهم، ولا يجعلوا فيئا ولا عبيدا. ففعلوا ذلك (¬4) . وأخرج ابن عبد الحكم، عن هشام بن أبي رقية اللخمي، أن عمرو بن العاص رضي الله عنه لما فتح مصر قال لقبط مصر: من كتمني كنزا عنده فقدرت عليه قتلته، وإن قبطيا (¬5) من أهل الصعيد، يقال له بطرس، ذكر لعمرو أن عنده كنزا، فأرسل إليه فسأله، فأنكر وجحد، فحبسه في السجن، وعمرو يسأل عنه: هل يسمعونه ¬

(¬1) فتوح مصر 82. (¬2) في الفتوح "فوقع". (¬3) فتوح مصر 82-83. (¬4) فتوح مصر 83. (¬5) فتوح مصر، "نبطيا".

يسأل عن أحد؟ فقالوا: لا، إنما سمعناه يسأل عن راهب في الطور، فأرسل عمرو إلى بطرس، فنزع خاتمه من يده، ثم كتب إلى ذلك الراهب، أن ابعث إلي بما عندك، وختمه بخاتمة، فجاءه رسوله بقلة شامية مختومة بالرصاص، ففتحها عمرو، فوجد فيها صحيفة مكتوبا فيها: مالكم تحت الفسقية الكبيرة؛ فأرسل عمرو إلى الفسقية، فحبس عنها الماء، ثم قلع منها البلاط الذي تحتها، فوجد فيها اثنين وخمسين إردبا ذهبا مضروبة، فضرب عمرو رأسه عند باب المسجد، فأخرج القبط كنوزهم شفقة أن يسعى على أحد منهم فيقتل كما قتل بطرس (¬1) . ¬

(¬1) فتوح مصر 87.

ذكر الخلاف بين العلماء في مصر هل فتحت صلحا أو عنوة؟:

ذكر الخلاف بين العلماء في مصر هل فتحت صلحا أو عنوة؟: فمن قال إنها فتحت صلحا: قال ابن عبد الحكم: حدثني عثمان بن صالح، أخبرنا الليث، قال: كان يزيد بن أبي حبيب يقول: مصر كلها صلح إلا الإسكندرية، فإنها فُتحت عنوة. حدثنا عبد الملك بن مسلمة، أنبأنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب وابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عون بن حطان، أنه كان لقريات من مصر-منهن أم دنين- عهد. وأخرج عن يحيى بن أيوب وخالد بن حميد، قالا: فتح الله أرض مصر كلها بصلح غير الإسكندرية وثلاث قريات ظاهروا الروم على المسلمين: سليطس، ومصيل، وبلهيب (¬1) . ومن قال إنها فتحت عنوة: قال ابن عبد الحكم: حدثنا عبد الملك بن مسلمة وعثمان بن صالح، قالا: أخبرنا ابن لهيعة، عن ابن هبيرة، أن مصر فتحت عنوة. وقال: أخبرنا عبد الملك، عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، قال: سمعت أشياخنا يقولون: إن مصر فتحت عنوة بغير عهد ولا عقد. ¬

(¬1) فتوح مصر 87.

وقال: أنبأنا عبد الملك، حدثنا ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، أن مصر فتحت عنوة. وقال: أنبأنا عبد الملك بن مسلمة، عن ابن وهب، عن داود بن عبد الله الحضرمي أن أبا حيان أيوب بن أبي العالية، حدثه عن أبيه، أنه سمع عمرو بن العاص يقول: لقد قعدت مقعدي هذا وما لأحد من قبط مصر عليَّ عهد ولا عقد إلا أهل أنطابلس، فإن لهم عهدا يوفى لهم به (¬1) . حدثنا عبد الملك، حدثنا ابن لهيعة، عن أبي قنان به، وزاد: إن شئت قتلت، وإن شئت خمست، وإن شئت بعت (¬2) . وأخرج عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن عمرو بن العاص فتح مصر بغير عهد ولا عقد، وأن عمر بن الخطاب حبس درها وصرها أن يُخرج منه شيء، نظرا للإسلام وأهله (¬3) . وأخرج عن زيد بن أسلم، قال: كان تابوت لعمر بن الخطاب فيه كل عهد كان بينه وبين أحد ممن عاهده، فلم يوجد لأهل مصر عهد (¬4) . وأخرج عن الصلت بن أبي عاصم، أنه قرأ كتاب عمر بن عبد العزيز إلى حيان بن شريح: إن مصر فتحت عنوة بغير عهد ولا عقد. وأخرج نحو ذلك عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وعراك بن مالك وسالم بن عبد الله (¬5) . وأخرج ابن عبد الحكم، ومحمد بن الربيع الجيزي في كتاب: من دخل مصر من الصحابة، من طرق عن عبد الله بن المغيرة بن أبي بردة: سمعت سفيان بن وهب الخولاني يقول: ¬

(¬1) فتوح مصر 89. (¬2) فتوح مصر 89. (¬3) فتوح مصر 89. (¬4) فتوح مصر 89. (¬5) فتوح مصر 89.

فصل عن القضاعي لخص فيه قصة فتح مصر

لما فتحنا مصر بغير عهد، قام الزبير بن العوام، فقال: يا عمرو أقسمها، فقال عمرو بن العاص: لا أقسمها، فقال الزبير: والله لتقسمنها كما قسم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيبر، فقال عمرو: لم أكن لأحدث حدثا، حتى أكتب بذلك إلى أمير المؤمنين. فكتب إليه عمر بن الخطاب: أقرها حتى تغزو منها حبل الحبلة (¬1) . قال محمد بن الربيع: لم يرو أهل مصر عن الزبير بن العوام غير هذا الحديث الواحد. ومن قال إن بعضها صلح وبعضها عنوة: قال ابن عبد الحكم: حدثنا يحيى بن خالد، عن رشيد بن سعد، عن عقيل بن خالد، عن ابن شهاب، قال: كان فتح مصر بعضها بعهد وذمة، وبعضها عنوة، فجعلها عمر بن الخطاب جميعا ذمة، وحملهم على ذلك؛ فمضى ذلك فيهم إلى اليوم (¬2) . فصل عن القضاعي لخص فيه قصة فتح مصر قد لخص القضاعي في كتابه الخطط قصة فتح مصر تلخيصا وجيزا فقال -ومن خطه نقلت -: لما قدم عمرو بن العاص رضي الله عنه من عند عمر رضي الله عنه، كان أول موضع قوتل فيه الفرما قتلا شديدا نحوا من شهر، ثم فتح الله عليه. قال أبو عمر الكندي: وكان أول من شد على باب الحصن حتى اقتحمه أسيفع بن وعلة السبئي وأتبعه المسلمون، فكان الفتح. وتقدم عمرو، لا يدافع إلا بالأمر الخفيف، حتى أتى بلبيس، فقاتلوه بها نحوا من شهر، حتى فتح الله عليه، ثم مضى لا يدافع إلا بالأمر الخفيف؛ حتى أتى دنين وهي المقس، فقاتلوه بها قتالا شديد، وكتب إلى عمر ¬

(¬1) فتوح مصر 88. (¬2) فتوح مصر 90.

يستمده، فأمده باثني عشر ألفا، فوصلوا إليه إرسالا يتبع بعضهم بعضا، وكان فيهم أربعة آلاف عليهم أربعة، وهم الزبير بن العوام والمقداد بن الأسود وعبادة بن الصامت ومسلمة بن مخلد -وقيل: إن الرابع خارجة بن حذافة دون مسلمة- ثم أحاط المسلمون بالحصن، وأمير الحصن يومئذ المندفور الذي يقال له الأعيرج من قبل المقوقس بن قرقب اليوناني، وكان المقوقس ينزل الإسكندرية وهو في سلطان هرقل، غير أنه كان حاضر الحصن حين حاصره المسلمون، ونصب عمرو فسطاطه في موضع الدار المعروفة بإسرائيل التي على باب زقاق الزهري، ويقال في دار أبي الوزام التي في أول زقاق الزهري، ملاصقة لدار إسرائيل. وأقام المسلمون على باب الحصن محاصرين للروم سبعة أشهر. ورأى الزبير خللا مما يلي دار أبي الحراني الملاصقة لحمام بن نصر السراج عند سوق الحمام، فنصب سلما، وأسنده إلى الحصن، وقال: إني أهب نفسي لله عز وجل، فمن شاء أن يتبعني فليتبعني، فتبعه جماعة حتى أوفى الحصن، فكبر وكبروا، ونصب شرحبيل بن حسنة المرادي سلما آخر مما يلي زقاق الزمامرة، ويقال: إن السلم الذي صعد عليه الزبير كان موجودا في داره التي بسوق وردان إلى أن وقع حريق فاحترق. فلما رأى المقوقس أن العرب قد ظفروا بالحصن، جلس في سفنه هو وأهل القوة. وكانت ملصقة بباب الحصن الغربي، فلحقوا بالجزيرة، وقطعوا الجسر، وتحصنوا هناك والنيل حينئذ في مده. وقيل. إن الأعيرج خرج معهم. وقيل أقام في الحصن. وسأل المقوقس في الصلح، فبعث إليه عمرو بعبادة بن الصامت، فصالحه المقوقس على القبط والروم، على أن للروم الخيار في الصلح إلى أن يوافي كتاب ملكهم؛ فإن

رضي تم ذلك، وإن سخط انتقض ما بينه وبين الروم؛ وأما القبط فبغير خيار. وكان الذي انعقد عليه الصلح أن فرض على جميع من بمصر أعلاها وأسفلها من القبط ديناران عن كل نفس في كل سنة من البالغين؛ شريفهم ووضيعهم دون الشيوخ والأطفال والنساء، وعلى أن للمسلمين عليهم النزل (¬1) حيث نزلوا، وضيافة ثلاثة أيام لكل من نزل منهم؛ وأن لهم أرضهم وبلادهم، لا يعترضون في شيء منها. فمن قال مصر فُتحت صلحا تعلق بهذا الصلح، وقال: إن الأمر لم يتم إلا بما جرى بين عبادة بن الصامت وبين المقوقس؛ وعلى ذلك أكثر العلماء من أهل مصر؛ منهم عقبة بن عامر ويزيد بن أبي حبيب والليث بن سعد وغيرهم، وذهب الذين قالوا إنها فُتحت عنوة إلى أن الحصن فُتح عنوة؛ فكان حكم جميع الأرض كذلك. وممن قال إنها فتحت عنوة، عبيد الله بن المغيرة السبئي وعبد الله بن وهب ومالك بن أنس وغيرهم. وذهب بعضهم إلى أن بعضها فُتح عنوة وبعضها فُتح صلحا، منهم ابن شهاب وابن لهيعة، وكان فتحها مستهل المحرم سنة عشرين. وذكر يزيد بن أبي حبيب أن عدد الجيش الذي كان مع عمرو بن العاص خمسة عشر ألفا وخمسمائة. وذكر عبد الرحمن بن سعيد بن مقلاص (¬2) ، أن الذين جرت سهامهم في الحصن من المسلمين اثنا عشر ألفا وثلاثمائة بعد من أصيب منهم في الحصار من القتل والموت. ويقال إن الذين قتلوا في مدة هذا الحصار من المسلمين دفنوا في أصل الحصن. ثم سار عمرو بن العاص إلى الإسكندرية في شهر ربيع الأول سنة عشرين -وقيل في جمادى الآخرة- فأمر بفسطاطه أن يقوض (¬3) ، فإذا بيمامة قد باضت في أعلاه، فقال: ¬

(¬1) ط: "النزل والضيافة". (¬2) ح، ط: "مقدام". (¬3) ح، ط: "يعرض".

ذكر الخطط:

لقد تحرمت بجوارنا، أقروا الفسطاط حتى يطير فراخها، فأقروا الفسطاط في موضعه، فبذلك سميت الفسطاط. وذكر ابن قتيبة، أن العرب تقول لكل مدينة فسطاط، ولذلك قيل لمصر: فسطاط. وقفل عمرو بن العاص من الإسكندرية بعد افتتاحها والمقام بها في ذي القعدة سنة عشرين. قال الليث: أقام عمرو بالإسكندرية في حصارها وفتحها ستة أشهر، ثم انتقل إلى الفسطاط، فاتخذها دارا. انتهى كلام القضاعي بحروفه رحمه الله. ذكر الخطط: أخرج ابن عبد الحكم، عن يزيد بن أبي حبيب، أن عمرو بن العاص لما فتح الإسكندرية ورأى بيوتها وبناها مفروغا منها، هم أن يسكنها، وقال: مساكن كفيناها، فكتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستأذنه في ذلك؛ فسأل عمر الرسول: هل يحول بيني وبين المسلمين ماء؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، إذا جرى النيل. فكتب عمر إلى عمرو: إني لا أحب أن تنزل المسلمين منزلا يحول الماء بيني وبينهم في شتاء ولا صيف. فتحول عمرو بن العاص من الإسكندرية إلى الفسطاط (¬1) . وأخرج ابن عبد الحكم، عن يزيد بن أبي حبيب، أن عمر بن الخطاب، كتب إلى سعد بن أبي وقاص، وهو نازل بمدائن كسرى، وإلى عامله بالبصرة وإلى عمرو بن العاص وهو نازل بالإسكندرية؛ ألا تجعلوا بيني وبينكم ماء، متى أردت أن أركب إليكم راحلتي حتى أقدم عليكم قدمت. فتحول سعد من مدائن كسرى إلى الكوفة، ¬

(¬1) فتوح مصر 91.

وتحول صاحب البصرة من المكان الذي كان فيه، وتحول عمرو بن العاص من الإسكندرية إلى الفسطاط (¬1) . قال ابن عبد الحكم: وحدثنا أبي سعيد بن عفير، أن عمرو بن العاص لما أراد التوجه إلى الإسكندرية "لقتال من بها من الروم" (¬2) أمر بنزع فسطاطه، فإذا فيه يمام قد فرخ، فقال: لقد تحرم منا بمتحرم، فأمر به فأقره كما هو، وأوصى به صاحب القصر، فلما قفل المسلمون من الإسكندرية، وقالوا: أين ننزل؟ قال: الفسطاط لفسطاطه الذي كان خلفه، وكان مضروبا في موضع الدار التي تعرف اليوم بدار الحصى (¬3) . وقال القضاعي: لما رجع عمرو من الإسكندرية، ونزل موضع فسطاطه، انضمت القبائل بعضها إلى بعض، وتنافسوا في المواضع، فولى عمرو على الخطط معاوية بن حديج التجيبي وشريك بن سمي القطيفي؛ من مراد، وعمرو بن مخزوم الخولاني، وحيويل ابن ناشرة المعارفي؛ فكانوا هم الذين أنزلوا الناس، وفصلوا بين القبائل، وذلك في سنة إحدى وعشرين. ذكره الكندي. قال ابن عبد الحكم: وقد كان المسلمون حين اختطوا تركوا بينهم وبين البحر والحصن فضاء لتفريق دوابهم وتأديبها، فلم يزل الأمر على ذلك حتى ولي معاوية بن أبي سفيان، فأقطع في الفضاء، وبنيت به الدور. قال: وأما الإسكندرية فلم يكن بها خطط، وإنما كانت أخائذ، من أخذ منزلا نزل فيه هو وبنو أبيه. ثم أخرج عن يزيد بن أبي حبيب أن الزبير بن العوام اختط بالإسكندرية. ¬

(¬1) فتوح مصر 91. (¬2) من فتوح مصر. (¬3) فتوح مصر 91.

ذكر بناء المسجد الجامع:

ذكر بناء المسجد الجامع: قال ابن عبد الحكم: حدثنا عبد الملك بن مسلمة، عن الليث بن سعد، قال: بنى عمرو بن العاص المسجد؛ وكان ما حوله حدائق وأعنابا، فنصبوا الحبال حتى استقام لهم، ووضعوا أيديهم، فلم يزل عمرو قائما حتى وضعوا القبلة؛ وإن عمرا وأصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وضعوها واتخذوا فيه منبرا (¬1) . وحدثنا عبد الملك عن ابن لهيعة، عن أبي تميم الجيشاني، قال: كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أما بعد؛ فإنه بلغني أنك اتخذت منبرا ترقى به على رقاب المسلمين، أوما (¬2) حسبك أن تقوم قائما والمسلمون تحت عقبيك! فعزمت عليك لما كسرته (¬3) . وحدثنا عبد الملك، أنبأنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، أن أبا مسلم اليافعي صاحب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يؤذن لعمرو بن العاص، فرأيته يبخر المسجد (¬4) . وقال يزيد بن أبي حبيب: وقف على إقامة قبلة الجامع ثمانون من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال ابن عبد الحكم: ثم إن مسلمة بن مخلد الأنصاري زاد في المسجد الجامع بعد بنيان عمرو له ومسلمة الذي كان أخذ أهل مصر ببنيان المنار للمساجد، كان أخذه إياه بذلك في سنة ثلاث وخمسين، فبُنيت المنار، وكتب عليها اسمه، ثم هدم عبد العزيز ¬

(¬1) فتوح مصر 92. (¬2) ط: "أما". (¬3) فتوح مصر 92. (¬4) فتوح مصر 92.

بن مروان المسجد في سنة سبع وسبعين وبناه. ثم كتب الوليد بن عبد الملك في خلافته إلى قرة بن شريك العبسي، وهو يومئذ واليه على أهل مصر (¬1) فهدمه كله، وبناه هذا البناء وزوقه، وذهب رءوس العُمد التي هي في مجالس قيس، وليس في المسجد عمود مذهب الرأس إلا في مجالس قيس. وحول قرة المنبر حين هدم المسجد إلى قيسارية العسل، فكان الناس يصلون فيها الصلوات، ويجمعون فيها الجمع، حتى فرغ بنيانه، ثم زاد موسى بن عيسى الهاشمي بعد ذلك في مؤخره في سنة خمس وسبعين ومائة. ثم زاد عبد الله بن طاهر في عرضه بكتاب المأمون بالإذن له في ذلك سنة ثلاث عشرة ومائتين، وأدخل فيه دار الرمل ودورا أخرى من الخطط. هذا ما ذكره ابن عبد الحكم (¬2) . وقال ابن فضل الله في المسالك: مسجد عمرو بن العاص مسجد عظيم بمدينة الفسطاط، بناه عمرو موضع فسطاطه وما جاوره، وموضع فسطاطه حيث المحراب والمنبر وهو مسجد فسيح الأرجاء، مفروش بالرخام الأبيض، وعمده كلها رخام، ووقف عليه ثمانون من الصحابة، وصلوا فيه، ولا يخلو من سكنى الصلحاء (¬3) . ¬

(¬1) بعدها في فتوح مصر: "وكانت ولاية قرة بن شريك مصر سنة تسعين، قدمها يوم الاثنين لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول. (¬2) فتوح مصر 131-132. (¬3) مسالك الأبصار 1: 208.

ذكر الدار التي بنيت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه فأمر بجعلها سوقا

ذكر الدار التي بنيت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه فأمر بجعلها سوقا أخرج ابن عبد الحكم، عن أبي صالح الغفاري، قال: كتب عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: إنا قد اختططنا لك دارا عند المسجد الجامع. فكتب إليه عمر: أنى لرجل بالحجاز يكون له دار بمصر! وأمره أن يجعلها سوقا للمسلمين. قال ابن لهيعة: هي دار البركة، فجعلت سوقا، فكان يُباع فيها الرقيق (¬1) . ¬

(¬1) فتوح مصر 92.

ذكر أول من بنى بمصر غرفة:

ذكر أول من بنى بمصر غرفة: قال ابن عبد الحكم: حدثنا شعيب بن الليث وعبد الله بن صالح، عن الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، قال: أول من بنى غرفة بمصر خارجة بن حذافة، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فكتب إلى عمرو بن العاص: سلام عليك، أما بعد فإنه بلغني أن خارجة بن حذافة بنى غرفة؛ وأراد أن يطلع على عورات جيرانه؛ فإذا أتاك كتابي هذا فاهدمها إن شاء الله. والسلام (¬1) . ذكر حمام الفأر: وقال ابن عبد الحكم: اختط عمرو بن العاص الحمام التي يقال لها حمام الفأر؛ لأن حمامات الروم كانت ديماسات كبار، فلما بُني هذا الحمام، ورأوا صغره، قالوا: من يدخل هذا! هذا حمام الفأر (¬2) . ¬

(¬1) فتوح مصر 104. (¬2) فتوح مصر 96.

ذكر اختطاط الجيزة:

ذكر اختطاط الجيزة: قال ابن عبد الحكم: حدثنا عثمان بن صالح، أنبأنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب وابن هبيرة، قالا: لما اختطت القبائل استحبت همدان وما والاها الجيزة، وكتب عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب يعلمه بما صنع الله للمسلمين. وما فتح الله عليهم، وما فعلوا (¬1) في خططهم؛ وما استحبت همدان وما والاها من النزول بالجيزة. فكتب إليه عمر، يحمد الله على ما كان من ذلك، ويقول له: كيف رضيت أن تفرق أصحابك، ولم يكن ينبغي لك أن ترضى لأحد من أصحابك أن يكون بينك وبينهم بحر، لا تدري ما يفجؤهم، فلعلك على غياثهم حين ينزل بهم ما تكره. فاجمعهم إليك فإن أبوا عليك، وأعجبهم موضعهم، فابن عليه من فيء المسلمين حصنا. فعرض ذلك عمرو عليهم فأبوا، وأعجبهم موضعهم بالجيزة ومن والاهم على ذلك من رهطهم؛ يافع (¬2) وغيرها، وأحبوا ما هنالك، فبنى لهم عمرو بن العاص الحصن بالجيزة في سنة إحدى وعشرين، وفرغ من بنائه في سنة اثنتين وعشرين. قال غير ابن لهيعة من مشايخ أهل مصر: إن عمرو بن العاص لما سأل أهل الجيزة أن ينضموا إلى الفسطاط قالوا: متقدم (¬3) قدمناه في سبيل الله، ما كنا لنرحل منه إلى غيره، فنزلت يافع بالجيزة فيها مبرح ابن شهاب، وهمدان، وذو أصبح، فيهم أبو شمر بن أبرهة، وطائفة من الحجر، منهم علقمة بن جنادة أحد بني مالك بن الحجر، وبرزوا إلى أرض الحرث والزرع. وكان بين القبائل فضاء، من القبيل إلى القبيل، فلما قدمت الأمداد في زمن عثمان بن عفان وما بعد ذلك، وكثر الناس، وسع كل قوم لبني أبيهم حتى كثر البنيان، والتأم خطط الجيزة (¬4) . ¬

(¬1) ح، ط: "صنعوا"، وما أثبته من الأصل وابن عبد الحكم. (¬2) في القاموس: "يافع أبو قبيلة من رعين"، وفي الأصول: "نافع"، والصواب ما أثبته من فتوح مصر. (¬3) كذا من الأصل وفي ح، ط: "مقدم". (¬4) فتوح مصر 128-129.

ذكر المقطم:

ذكر المقطم: قال ابن عبد الحكم: حدثنا عبد الله بن صالح، عن الليث بن سعد، قال: سأل المقوقس عمرو بن العاص أن يبيعه سفح المقطم بسبعين ألف دينار، فعجب عمرو عن ذلك وقال: أكتب في ذلك إلى أمير المؤمنين، فكتب في ذلك إلى عمر، فكتب إليه عمر: سله لِمَ أعطاك به ما أعطاك وهي لا تُزدَرَع (¬1) ولا يُستنبط بها ماء، ولا ينتفع بها. فسأله فقال: إنا لنجد صفتها في الكتب؛ إن فيها غراس الجنة. فكتب بذلك إلى عمر، فكتب إليه عمر: إنا لا نعلم غراس الجنة إلا للمؤمنين، فاقبر فيها من مات قبلك من المسلمين، ولا تبعه بشيء. فكان أول من دفن فيها رجل من المعافر، يقال له عامر، فقيل: عمرت (¬2) . حدثنا هانئ بن المتوكل، عن ابن لهيعة، أن المقوقس قال لعمرو: إنا لنجد في كتابنا أن ما بين هذا الجبل وحيث نزلتم ينبت فيه شجر الجنة، فكتب بقوله إلى عمر بن الخطاب، فقال: صدق، فاجعلها مقبرةً للمسلمين (¬2) . حدثنا عثمان بن صالح، عن ابن لهيعة، عمن حدثه، قال: قبر فيها ممن عرفنا من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمس نفر: عمرو بن العاص، وعبد الله بن حذافة السهمي، وعبد الله بن الحارث الزبيدي، وأبو بصرة الغفاري، وعقبة بن عامر الجهني. وقال غير عثمان: ومسلمة بن مخلد الأنصاري. قال ابن لهيعة: والمقطم ما بين القصير إلى مقطع الحجارة، وما بعد ذلك فمن اليحموم (¬3) . حدثنا سعيد بن عفير وعبد الله بن عياد، قالا: حدثنا المفضل بن فضالة، عن أبيه قال: دخلنا على كعب الأحبار، فقال لنا: ممن أنتم؟ قلنا: من أهل مصر، قال: ما تقولون ¬

(¬1) ح، ط: "تزرع". (¬2) فتوح مصر 156-157. (¬3) فتوح مصر 157-158.

في القصير؟ قلنا: قصير موسى قال: ليس بقصير موسى، ولكنه قصير عزيز مصر، كان إذا جرى النيل يترفع فيه، وعلى ذلك إنه لمقدس من الجبل إلى البحر (¬1) . حدثنا هانئ بن المتوكل، عن ابن لهيعة ورشدين بن سعد، عن الحسن بن ثوبان، عن حسين بن شفي الأصبحي، عن أبيه شفي بن عبيد، أنه لما قدم مصر -وأهل مصر أتخذوا مصلى بحذاء ساقيه أبي عون التي عند العسكر- فقال: ما لهم وضعوا مصلاهم في الجبل الملعون، وتركوا الجبل المقدس (¬1) . حدثنا أبو الأسود نصر بن عبد الجبار، أنبأنا ابن لهيعة، عن أبي قبيل، أن رجلًا سأل كعبًا عن جبل مصر، فقال: إنه لمقدس ما بين القصير إلى اليحموم (¬1) . وأخرج ابن عساكر في تاريخه، عن سفيان بن وهب الخولاني، قال: بينما نحن نسير مع عمرو بن العاص في سفح المقطم، ومعنا المقوقس، فقال له: يا مقوقس، ما بال جبلكم هذا أقرع، ليس عليه نبات ولا شجر، على نحو من جبال الشام! قال: ما أدري؛ ولكن الله أغنى أهله بهذا النيل عن ذلك؛ ولكنا نجد تحته ما هو خير من ذلك، قال: وما هو؟ قال: ليدفنن تحته قوم يبعثهم الله يوم القيامة لا حساب عليهم، فقال عمرو: اللهم اجعلني منهم. وقال الكندي: ذكر أسد بن موسى، قال: شهدت جنازة (¬2) مع ابن لهيعة، فجلسنا حوله، فرفع رأسه، فنظر إلى الجبل، فقال: إن عيسى عليه الصلاة والسلام مر بسفح هذا الجبل، وأمه إلى جانبه، فقال: يا أماه، هذه مقبرة أمة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال الكندي: وسأل عمرو بن العاص المقوقس: ما بال جبلكم هذا أقرع، ليس عليه نبات كجبال الشام؟ فقال المقوقس: وجدنا في الكتب، أنه كان أكثر الجبال شجرًا، ونباتًا وفاكهة، وكان ينزله المقطم بن مصر بن يبصر بن حام بن نوح، فلما كانت ¬

(¬1) فتوح مصر 157-158. (¬2) الجنازة: الميت.

فصل عن ابن الجميزي وغيره عن الفتوى بهدم كل بناء بسفح المقطم

الليلة التي كلم الله فيها موسى، أوحى الله تعالى إلى الجبال: إني مكلم نبيًّا من أنبيائي على جبل منكم، فسمت الحبال وتشامخت إلا جبل بيت المقدس، فإنه هبط وتصاغر، قال: فأوحى الله إليه؛ لِمَ فعلت ذلك؟ فقال: إجلالًا لك يا رب، قال: فأمر الله الجبال أن يعطوه؛ كل جبل منها مما عليه من النبت، وجاد له المقطم بكل ما عليه من النبت، حتى بقي كما ترى، فأوحى الله إليه: إني معوضك على فعلك بشجر الجنة أو غراسها، فكتب بذلك عمرو بن العاص إلى عمر رضي الله عنهما، فكتب إليه: إني لا أعلم شجر الجنة "أو غراسها" (¬1) لغير المسلمين، فاجعله لهم مقبرة. ففعل ذلك عمرو، فغضب المقوقس، وقال لعمرو: ما على هذا صالحتني! فقطع له عمرو قطيعًا من نحو الحبش يدفن فيه النصارى. قال الكندي: وروى ابن لهيعة عن عياش بن عباس، أن كعب الأحبار سأل رجلًا يريد السفر إلى مصر، فقال له: أهد لي تربة من سفح مقطعها؛ فأتاه منه بجراب. فلما حضرت كعبًا الوفاة أمر به ففرش في لحده تحت جنبه. فصل عن ابن الجميزي وغيره عن الفتوى بهدم كل بناء بسفح المقطم مدخل قد أفتى ابن الجميزي وغيره بهدم كل بناء بسفح المقطم، وقالوا: إنه وقف من عمر على موتى المسلمين. وذكر ابن الرفعة عن شيخه الظهير التزمنتي، عن ابن الجميزي، قال: جهدت مع الملك الصالح في هدم ما أحدث بالقرافة من البناء، فقال: أمر فعله والدي، لا أزيله. قال: وهذا أمر قد عمت به البلوى وطمت، ولقد تضاعف البناء حتى انتقل إلى ¬

(¬1) م ح، ط.

المباهاة (¬1) والنزهة، وسلطت المراحيض على أموت المسلمين من الأشراف والأولياء وغيرهم. وذكر أرباب التاريخ، أن العمارة من قبة الإمام الشافعي رضي الله عنه إلى باب القرافة؛ إنما حدثت أيام الناصر بن قلاون، وكانت فضاء، فأحدث الأمير يلبغا التركماني تربة، فتبعه الناس. قال الفاكهي في شرح الرسالة: ولا يجوز التضييق فيها ببناء يحرز (¬2) به قبرًا ولا غيره، بل لا يجوز في المقبرة المحبسة غير الدفن فيها خاصة؛ وقد أفتى من تقدم من أجلة العلماء رحمهم الله -على ما بلغني ممن أثق به- بهدم ما بُني بقرافة مصر، وإلزام البنائين فيها حمل النقض، وإخراجه عنها إلى موضع غيرها. وأخبرني الشيخ الفقيه الجليل نجم الدين بن الرفعة، عن شيخه الفقيه العلامة ظهير الدين التزمنتي، أنه دخل إلى صورة مسجد بُني بقرافة مصر الصغرى، فجلس فيه من غير أن يصلي تحية، فقال له الباني: ألا تصلى تحية المسجد! قال: لا؛ لأنه غير مسجد، فإن المسجد هو الأرض والأرض، مسبلة لدفن المسلمين -أو كما قال. وأخبرني أيضًا المذكور، عن شيخه المذكور، أن الشيخ بهاء الدين بن الجميزي، قال: جهدت مع الملك الصالح في هدم ما أُحدث بقرافة مصر من البناء، فقال: أمر فعله والدي لا أزيله. وإذا كان هذا قول ذلك الإمام وغيره في ذلك الزمان قبل أن يبالغوا في البناء، والتفنن فيه ونبش القبور لذلك، وتصويب (¬3) المراحيض على أموات المسلمين من الأشراف والعلماء والصالحين وغيرهم؛ فكيف في هذا الزمان، وقد تضاعف ذلك جدًّا حتى كأنهم لم ¬

(¬1) ط: "للمباهاة". (¬2) ط: "يجوز". (¬3) ح، ط: "ونصب"، وما أثبته من الأصل.

يجدوا من البناء فيها بدًّا، وجاءوا في ذلك شيئًا إدا، فيجب على ولي الأمر أرشده الله تعالى الأمر (¬1) بهدمها وتخريبها حتى يعود طولها عرضًا وسماؤها أرضًا. وقال ابن الحاج في المدخل: القرافة جعلها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لدفن موتى المسلمين فيها، واستقر الأمر على ذلك، فيمنع البناء فيها. قال: وقد قال لي من أثق به وأسكن إلى قوله: إن الملك الظاهر -يعني بيبرس- كان قد عزم على هدم ما في القرافة من البناء كيف كان، فوافقه الوزير في ذلك، وفنده واحتال عليه بأن قال له: إن فيها مواضع للأمراء، وأخاف أن تقع فتنة بسبب ذلك، وأشار عليه أن يعمل فتاوى في ذلك فيستفتي فيها الفقهاء: هل يجوز هدمها أم لا؟ فإن قالوا بالجواز فعل الأمير ذلك مستندًا إلى فتاويهم، فلا يقع تشويش على أحد. فاستحسن الملك ذلك، وأمره أن يفعل ما أشار به. قال: فأخذ الفتاوى، وأعطاها لي، وأمرني أن أمشي على من في الوقت من العلماء، فمشيت بها عليهم مثل الظهير التزمنتي، وابن الجميزي ونظائرهما في الوقت، فالكل كتبوا خطوطهم، واتفقوا على لسان واحد أنه يجب على ولي الأمر أن يهدم ذلك كله، ويجب عليه أن يكلف أصحابه رمي ترابها إلى الكيمان، ولم يختلف في ذلك أحد منهم. قال: فأعطيت الفتوى للوزير، فما أعرف ما صنع فيها، وسكت على ذلك، وسافر الملك الظاهر إلى الشام في وقته، فلم يرجع، ومات بها. فهذا إجماع هؤلاء العلماء المتأخرين، فكيف يجوز البناء فيها! فعلى هذا فكل من فعل ذلك فقد خالفهم. ¬

(¬1) في الأصل: "إلى الأمر".

ذكر جبل يشكر:

ذكر جبل يشكر: هو الذي عليه جامع أحمد بن طولون، ويقال: إنه قطعة من الجبل المقدس، وكان يشكر رجلًا صالحًا. وقيل: إن الجبل المذكور يُستجاب فيه الدعاء. وكان يصلي عليه التابعون والصالحون وقد أشار أهل الفلاح (¬1) على ابن طولول أنه يبني جامعه عليه. ¬

(¬1) كذا في الأصل، وفي ح، ط: "ابن الصلاح".

ذكر فتوح الفيوم:

ذكر فتوح الفيوم: قال ابن عبد الحكم: حدثني سعيد بن عفير وغيره، قالوا (¬1) : لما تم الفتح للمسلمين بعث عمرو جرائد الخيل إلى القرى التي حولها، فأقامت الفيوم سنة، لم يعلم المسلمون بها ولا مكانها (¬2) حتى أتاهم آت، فذكرها لهم؛ فأرسل عمرو ربيعة بن حبيش بن عرفطة الصدفي؛ فلما سلكوا في المجابة لم يروا شيئًا، فهموا بالانصراف، فقالوا: لا تعجلوا، سيروا؛ فإن كان كذبًا فما أقدركم على ما أردتم! فلم يسيروا قليلًا حتى طلع لهم سواد الفيوم، فهجموا عليها؛ فلم يكن عندهم قتال، وألقوا ما بأيديهم. ويقال: بل خرج مالك بن ناعمة الصدفي على فرسه "وهو صاحب الأشقر" (¬3) ببعض المجابة، ولا علم له بما خلفها من الفيوم، فلما رأى سوادها، رجع إلى عمرو، فأخبره بذلك. ويقال: بل بعث عمرو بن العاص قيس بن الحارث إلى الصعيد، فسار حتى أتى القيس، فنزل بها، وبه سميت القيس، فراث (¬4) على عمرو خبره، فقال ربيعة بن حبيش: كفيت. فركب فرسه، فأجاز عليه البحر -وكانت أنثى- فأتاه بالخبر. ويقال: إنه أجاز من ناحية الشرقية حتى انتهى (¬5) إلى الفيوم (¬6) . ¬

(¬1) ح، ط: "قال"، وما أثبته من الأصل وفتوح مصر. (¬2) فتوح مصر: "بمكانها". (¬3) من فتوح مصر. (¬4) راث، أي أبطأ؛ وفي ح، ط: "فراس"، تحريف. (¬5) ح، ط: "أتى". (¬6) فتوح مصر 169، وفي آخره: "وكان يقال لفرسه الأعمى".

ذكر فتح برقة والنوبة:

ذكر فتح برقة والنوبة: قال ابن عبد الحكم: وبعث عمرو بن العاص نافع بن عبد القيس الفهري -وكان نافع أخا العاصي بن وائل لأمه- فدخلت خيولهم (¬1) أرض النوبة صوائف كصوائف (¬2) الروم، فلم يزل الأمر على ذلك حتى عزل عمرو بن العاص عن مصر، ووليها (¬3) عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وصالحهم، وذلك في إحدى وثلاثين؛ على أن يؤدوا كل سنة للمسلمين ثلاثمائة رأس وستين رأسًا، ولوالي البلد أربعين رأسًا (¬4) . قال: وكان البربر بفلسطين، وكان ملكهم جالوت؛ فلما قتله داود عليه الصلاة والسلام خرج البربر متوجهين إلى المغرب؛ حتى انتهوا إلى لوبية وماقية -وهما كورتان من كور مصر الغربية مما يشرب من السماء، ولا ينالهما النيل- فتفرقوا هنالك؛ فتقدمت زناتة ومغيلة (¬5) إلى المغرب، وسكنوا الجبال، وتقدمت لواته، فسكنت أرض أنطابلس؛ وهي برقة؛ وتفرقت في هذا المغرب، وانتشروا فيه، ونزلت هوارة مدينة لبدة (¬6) . فسار عمر بن العاص في الخيل حتى قدم برقة؛ فصالح أهلها على ثلاثة عشر ألف دينار يؤدونها إليه الجزية، على أن يبيعوا من أحبوا من أبنائهم في جزيتهم ولم يكن يدخل برقة يومئذ جابي خراج إنما كانوا يبعثون بالجزية إذا جاء وقتها. ووجه عمرو بن العاص عقبة بن نافع؛ حتى بلغ زويلة، فصار ما بين برقة وزويلة للمسلمين (¬7) . ¬

(¬1) ح، ط: "خيليهم". (¬2) الصائفة في الأصل غزوة الروم؛ لأنهم كانوا يغزون صيفًا لمكان البرد والثلج. وفي ح، ط: "طوائف كطوائف"، تحريف. (¬3) فتوح مصر: "وأمر". (¬4) فتوح مصر 169-170. (¬5) كذا في فتوح مصر، وفي الأصل: "مغللة"، وفي ح، ط: "وغويلة". (¬6) بعدها في فتوح مصر: "ونزلت نفوسة إلى مدينة سيرت، وجلا من كان بها من الروم من أجل ذلك، وأقام الأفارق -وكانوا خدمًا للروم- على صلح يؤدونه إلى من غلب من بلادهم". (¬7) فتوح مصر 170-171.

ذكر الجزية

ذكر الجزية قال ابن عبد الحكم: كان عمرو بن العاص يبعث إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنهما بالجزية بعد حبس ما يحتاج إليه؛ حدثنا عثمان بن صالح، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب قال: كانت فريضة مصر لحفر خلجها وإقامة جسورها وبناء قناطرها وقطع جزائرها مائة ألف وعشرين ألفاً، معهم الطور والمساحي والأداة؛ يتعقبون ذلك، لا يدعون ذلك شتاء ولا صيفاً (¬1) . حدثنا عبد الملك بن مسلمة، عن القاسم بن عبد الله، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: كتب عمر بن الخطاب أن يخُتم في رقاب أهل الذمة بالرصاص، ويظهروا مناطقهم ويجزوا نواصيهم، ويركبوا على الأَكُفِّ (¬2) عرضاً، [ولا يضربوا الجزية إلا على من جرت عليه المواسي، ولا يضربوا على النساء ولا على الولدان] (¬3) ، ولا يدعوهم يتشبهون بالمسلمين في ملبوسهم (¬4) . حدثنا عبد الملك، عن الليث بن سعد، قال: كانت ويبة عمر بن الخطاب في ولاية عمرو بن العاص ستة أمداد (¬5) . قال ابن عبد الحكم: وكان عمرو بن العاص لما استوسق (¬6) له الأمر أقر قبطها على جباية الروم؛ وكانت جبايتهم بالتعديل: إذا عمرت القرية، وكثر أهلها زيد عليهم، وإن قل أهلها وخربت نقصوا، فيجتمع عرفاء كل قرية ورؤساؤهم، فيتناظرون في ¬

(¬1) فتوح مصر 151 (¬2) الإكاف: البرذعة، وجمعه أكف (¬3) من فتوح مصر (¬4) فتوح مصر 151 (¬5) في القاموس: "الويبة: اثنان أو أربعة وعشرون مدا"، وانظر فتوح مصر 153 (¬6) استوسق له الأمر: اجتمع

العمارة والخراب؛ حتى إذا أقروا من القسم بالزيادة انصرفوا بتلك القسمة إلى الكور، ثم اجتمعوا هم ورؤساء القرى، فوزعوا ذلك على احتمال القرى وسعة المزارع، ثم ترجع كل قرية بقسمهم فيجمعون قسمهم وخراج كل قرية وما فيها من الأرض العامرة فيبدرون ويخرجون من الأرض فدادين لكنائسهم وحمامامتهم ومَعْدياتهم (¬1) من جملة الأرض، ثم يخرج منها عدد الضيافة للمسلمين ونزول السلطان؛ فإذا فرغوا نظروا إلى ما في كل قرية من الصنائع والأجراء، فقسموا عليهم بقدر احتمالهم؛ فان كانت فيها جالية (¬2) قسموا عليها بقدر احتمالها، وقل ما كانت إلا للرجل الشاب أو المتزوج، ثم نظروا (¬3) فيما بقي من الخراج فيقسمونه بينهم على عدد الأرض، ثم يقسمون بين من يريد الزرع منهم على قدر طاقتهم؛ فان عجز أحد وشكا ضعفًا عن زرع أرضه وزعوا ما عجز عنه على ذوي الاحتمال، وإن كان منهم من يريد الزيادة أُعطي ما عجز عنه أهل الضعف؛ فإن تشاحوا قسموا ذلك على عدتهم، وكانت قسمتهم على قراريط: الدينار أربعة وعشرين قيراطًا، يقسمون الأرض على ذلك. وكذلك روي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنكم ستفتحون أرضًا يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيرًا"، وجعل عليهم لكل فدان نصف إردب وويبتين من شعير إلا القرط (¬4) ، فلم يكن عليه (¬5) ضريبة، والويبة يومئذ ستة أمداد (¬6) . وحدثنا عثمان بن صالح وعبد الله بن صالح، قالا: حدثنا الليث بن سعد، قال: لما ولي ابن رفاعة مصر خرج ليحصي عدة أهلها، وينظر في تعديل الخراج عليهم، فقام ¬

(¬1) كذا في فتوح مصر والمقريزي، وفي الأصل: "ومقدماتهم" (¬2) في القاموس: "الجالية أهل الذمة؛ لأن عمر أجلاهم عن جزيرة العرب"، وفي ط: "الخالية"، تحريف صوابه من فتوح مصر والأصل. (¬3) فتوح مصر: "ينظرون". (¬4) ح، ط: "القبط"، تحريف. والقرط: علف الماشية. (¬5) ح، ط: "عليهم"، وهو خطأ. (¬6) فتوح مصر 152-153، والمقريزي: 123.

في ذلك ستة أشهر بالصعيد، حتى بلغ أسوان ومعه جماعة من الأعوان والكتاب يكفونه ذلك بجد وتشمير وثلاثة أشهر بأسفل الأرض، فأحصوا من القرى أكثر من عشرة آلاف قرية، فلم يحص فيها في أصغر قرية منها أقل من خمسمائة جمجمة من الرجال الذين يفرض عليهم الجزية (¬1) . حدثنا عبد الله بن صالح، عن الليث بن سعد، أن عمرًا جبى مصر اثني عشر ألف ألف، وجباها المقوقس قبله سنة عشرين ألف ألف، فعند ذلك كتب إليه عمر بن الخطاب: بسم الله الرحمن الرحيم. من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى عمرو بن العاص. سلام عليك؛ فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد؛ فإني فكرت في أمرك والذين أنت عليه، فإذا أرضك أرض واسعة عريضة رفيعة، قد أعطى الله أهلها عددًا وجلدًا وقوة في بر وبحر، وأنها قد عالجتها الفراعنة، وعملوا فيها عملًا محكمًا، مع شدة عتوهم وكفرهم، فعجبت من ذلك؛ وأعجب مما أعجبت، أنها لا تؤدي نصف ما كانت تؤديه من الخراج قبل ذلك على غير قحوط ولا جدوب؛ ولقد أكثرت في مكاتبتك في الذي على أرضك من الخراج، وظننت أن ذلك سيأتينا على غير نزر، ورجوت أن تفيق فترفع إليَّ ذلك؛ فإذا أنت تأتيني بمعاريض تعبأ بها (¬2) لا توافق الذي في نفسي؛ ولست قابلًا منك دون الذي كنت تُؤخذ به من الخراج قبل ذلك. ولست أدري ما الذي أنفرك من كتابي وقبضك! فلئن كنت مجزئًا كافيًا صحيحًا، إن البراءة لنافعة، ولئن كنت مضيعًا نطفًا (¬3) إن الأمر لعلى غير ما تُحدث به نفسك. وقد تركت أن أبتغي ذلك منك في العام الماضي في رجاء أن تفيق فترفع إليَّ ذلك؛ وقد علمت أنه لم يمنعك من ذلك إلا عمالك عمال السوء، وما توالس ¬

(¬1) فتوح مصر 156. (¬2) كذا في المقريزي، وفي الأصول: "تنتالها". (¬3) نطف الرجل؛ إذا اتهم بريبة.

عليه وتلفف؛ اتخذوك كهفًا. وعندي بإذن الله دواء فيه شفاء عما أسألك عنه؛ فلا تجزع أبا عبد الله أن يؤخذ منك الحق وتعطاه؛ فإن النهز (¬1) يخرج الدر، والحق أبلج، ودعني وما عنه تتلجلج، فإنه برح الخفاء. والسلام. فكتب إليه عمرو بن العاص: بسم الله الرحمن الرحيم. لعبد الله عمر أمير المؤمنين من عمرو بن العاص؛ سلام عليك، فأني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد؛ فقد بلغني كتاب أمير المؤمنين في الذي استبطأني فيه من الخراج، والذي ذكر فيه من عمل الفراعنة قبل، وإعجابه من خراجها على أيديهم، ونقص ذلك منها منذ كان الإسلام. ولعمري للخراج يومئذ أوفر وأكثر، والأرض أعمر؛ لأنهم كانوا على كفرهم وعتوهم أرغب في عمارة أرضهم منا منذ كان الإسلام. وذكرت بأن النهز يُخرج الدر، فحلبتها حلبًا قطع ذلك درها. وأكثرت في كتابك، وأنبت، وعرضت وثربت (¬2) ؛ وعلمت أن ذلك عن شيء تُخفيه على غير خبر؛ فجئت لعمري بالمفظعات المقذعات؛ ولقد كان لك فيه من الصواب من القول رصين صارم بليغ صادق. وقد علمنا لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولمن بعده؛ فكنا بحمد الله مؤدين لأماناتنا حافظين لما عظم الله من حق أئمتنا، نرى غير ذلك قبيحًا، والعمل به سيئًا، فيعرف ذلك لنا ويصدق فيه قيلنا. معاذ الله من تلك الطعم، ومن شر الشيم، والاجتراء على كل مأثم؛ فاقبض عملك؛ فإن الله قد نزهني عن تلك الطعم الدنية والرغبة فيها بعد كتابك الذي لم تستبق فيه عرضًا "ولم" (¬3) تكرم فيه أخًا. والله يابن الخطاب؛ لأنا حين يُراد ذلك مني أشد لنفسي غضبًا، ولها إنزاهًا وإكرامًا. وما علمت من عمل ¬

(¬1) نهز الناقة: ضربها لتدر. (¬2) التثريب: اللوم والتأثيب. وفي المقريزي: "وأنبت". (¬3) من فتوح مصر.

أرى عليَّ فيه متعلقًا؛ ولكني حفظت ما لم تحفظ؛ ولو كنت من يهود يثرب ما زدت -يغفر الله لك ولنا- وسكت عن أشياء كنت بها عالمًا؛ وكان اللسان بها مني ذلولًا؛ ولكن الله عظم من حقك ما لا يُجهل. والسلام. فكتب إليه عمر بن الخطاب (¬1) : من عمر بن الخطاب إلى عمر بن العاص؛ سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد؛ فقد عجبت من كثرة كتبي إليك في إبطائك بالخراج وكتابك إلي ببنيات الطرق (¬2) ؛ وقد علمت أني لست أرضى منك إلا بالحق البين؛ ولم أقدمك إلى مصر أجعلها لك طُعمة ولا لقومك؛ ولكني وجهتك لما رجوت من توفيرك الخراج، وحسن سياستك؛ فإذا أتاك كتابي هذا فاحمل الخراج، فإنما هو فيء المسلمين، وعندي من "قد" (¬3) تعلم قوم محصورون. والسلام. فكتب إليه عمرو بن العاص: بسم الله الرحمن الرحيم. لعمر بن الخطاب من عمر بن العاص، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد؛ فقد أتاني كتاب أمير المؤمنين يستبطئني في الخراج، ويزعم أني أعند عن الحق، وأنكب عن الطريق؛ وإني والله ما أرغب عن صالح ما تعلم؛ ولكن أهل الأرض استنظروني إلى أن تُدرك غلتهم؛ فنظرت للمسلمين؛ فكان الرفق بهم خيرًا من أن يُخرق بهم، فنصير إلى ما لا غنى بهم عنه. والسلام. فلما استبطأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخراج، كتب إليه: أن ابعث إليَّ رجلًا ¬

(¬1) بعدها في فتوح مصر: "كما وجدت في كتاب أعطانيه يحيى بن عبد الله بن بكير بن عبيد الله بن أبي جعفر، عن أبي مرزوق التجبي، عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص". (¬2) بنيات الطريق في الأصل: "الطرق الصغار تتشعب من الجادة. (¬3) من فتوح مصر.

من أهل مصر؛ فبعث إليه رجلًا قديمًا من القبط، فاستخبره عمر عن مصر وخراجها قبل الإسلام، فقال: يا أمير المؤمنين، كان لا يُؤخذ منها شيء إلا بعد عمارتها، وعاملك لا ينظر إلى العمارة، وإنما يأخذ ما ظهر له؛ كأنه لا يريدها إلا لعام واحد. فعرف عمر ما قال، وقبل من عمرو ما كان يعتذر به (¬1) . قال ابن عبد الحكم: حدثنا هشام بن إسحاق العامري قال: كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى عمرو بن العاص، أن يسأل المقوقس عن مصر: من أين تأتي عمارتها وخرابها؟ فسأله عمرو، فقال له المقوقس: تأتي عمارتها وخرابها من خمسة وجوه: أن يُستخرج الخراج (¬2) في إبان واحد عند فراغ أهلها من زروعهم، ويُرفع خراجها في إبان واحد عند فراغ أهلها من عصر كرومها، وتُحفر في كل سنة خُلُجها، وتُسد ترعها وجسورها، ولا يُقبل محل أهلها -يريد البغي- فإذا فُعل هذا فيها عمرت، وإن عُمل فيها بخلافه خربت (¬3) . قال الليث بن سعد: "إن عمرًا جباها اثني عشر ألف ألف. وقال غير الليث: وجباها المقوقس قبله بسنة عشرين ألف ألف. قال الليث" (¬4) : وجباها عبد الله بن سعد حين استعمله عليها عثمان أربعة عشر ألف ألف، فقال عثمان لعمرو: يا أبا عبد الله، درت اللقحة (¬5) بأكثر من درها الأول، قال عمرو: أضررتم بولدها (¬6) . حدثنا شعيب بن الليث وعبد الله بن صالح، عن الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، قال: كتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص: انظر من بايع ¬

(¬1) فتوح مصر 158-161، والمقريزي 1: 123-126. (¬2) فتوح مصر: "خراجها". (¬3) فتوح مصر 161. (¬4) من فتوح مصر. (¬5) اللقحة: الناقة الحلوب. (¬6) فتوح مصر 161.

ذكر المكس على أهل الذمة:

تحت الشجرة، فأتم لهم العطاء لشجاعته، ولعثمان بن أبي العاص لضيافته (¬1) . حدثنا سعيد بن عفير، عن ابن لهيعة، قال: كان ديوان مصر في زمان معاوية أربعين ألفًا، وكان منهم أربعة آلاف في مائتين، فأعطى مسلمة بن مخلد أهل الديوان أعطياتهم وأعطيات عيالهم وأرزاقهم ونوائبهم ونوائب البلاد من الجسور وأرزاق الكتبة وحملان القمح إلى الحجاز؛ وبعث إلى معاوية بستمائة ألف دينار فضلًا. حدثنا هانئ، حدثنا ضمام عن أبي قبيل، قال: كان معاوية بن أبي سفيان قد جعل على كل قبيلة من قبائل العرب رجلًا يصبح كل يوم، فيدور على المجالس فيقول: هل ولد الليلة فيكم مولود؟ وهل نزل بكم نازل؟ فيقال: ولد لفلان غلام ولفلان جارية؛ فيقول: سموهم، فيكتب. ويقال: نزل بنا رجل من أهل اليمن بعياله فيسمونه وعياله، فإذا فرغ من القبائل كلها أتى الديوان. ذكر المكس على أهل الذمة: قال ابن عبد الحكم: حدثنا سعيد بن عفير، عن بن لهيعة، عن ابن هبيرة، قال: دعا عمرو بن العاص خالد بن ثابت الفهمي ليجعله على المكس (¬2) ، فاستعفاه؛ فقال عمرو: ما تكره منه؟ فقال: إن كعبًا قال: لا تقرب المكس؛ فإن صاحبه في النار؛ فكان ربيعة بن شرحبيل بن حسنة على المكس (¬3) . ¬

(¬1) فتوح مصر 145. (¬2) المكس: الضريبة. (¬3) فتوح مصر 231.

ذكر القطائع:

ذكر القطائع: قال ابن عبد الحكم: حدثنا يحيى بن خالد، عن الليث بن سعد، قال: لم يبلغنا أن عمر بن الخطاب أقطع أحدًا من الناس شيئًا من أرض مصر إلا لابن سندر، فإنه أقطعه أرض منية الأصبغ؛ فحاز لنفسه ألف فدان؛ فلم تزل له حتى مات؛ فاشتراها الأصبغ بن عبد العزيز من ورثته؛ فليس بمصر قطيعة أقدم منها ولا أفضل (¬1) . حدثنا عبد الملك بن مسلمة عن ابن لهيعة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده، أنه كان لزنباع الجذامي غلام يقال له سندر، فوجده يقبل جارية له، فجبه وجدع أذنيه وأنفه، فأتى سندر إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأرسل إلى زنباع، فقال: "لا تحملوهم ما لا يطيقون، وأطعموهم مما تأكلون، وأكسوهم مما تلبسون؛ فإن رضيتم فأمسكوا، وإن كرهتموهم فبيعوا، ولا تعذبوا خلق الله، ومن مُثِّل به أو أُحرق بالنار فهو حر، وهو مولى الله ورسوله". فأعتق سندر، فقال: أوص بي يا رسول الله، قال: "أوصي بك كل مسلم"؛ فلما توفي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتى سندر إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه، قال: احفظ فيَّ وصية النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فعاله أبو بكر رضي الله عنه حتى توفي، ثم أتى عمر فقال: احفظ فيَّ وصية النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فقال: نعم، إن رضيت أن تقيم عندي أجريت عليك ما كان يجري عليك أبو بكر، وإلا فانظر أي المواضع أكتب لك؛ فقال سندر: مصر فإنها أرض ريف؛ فكتب إلى عمرو بن العاص: احفظ وصية رسول الله صلى الله عليه فيه؛ فلما قدم على عمرو، قطع له أرضًا واسعة ودارًا، فجعل سندر يعيش فيها، فلما مات سندر قبضت في مال الله تعالى. قال عمرو بن شعيب: ثم أقطعها عبد العزيز بن مروان الأصبغ بعده؛ فكانت خير أموالهم (¬2) . ¬

(¬1) فتوح مصر 137. (¬2) فتوح مصر 137-138.

ذكر مرتبع الجند:

ذكر مرتبع الجند: قال ابن عبد الحكم: حدثنا عبد الله بن صالح، عن عبد الرحمن بن شريح، عن أبي قبيل، قال: كان الناس يجتمعون بالفسطاط إذا قفلوا؛ فإذا حضر مرافق الريف خطب عمرو بن العاص بالناس، فقال: قد حضر مرافق ريفكم؛ فانصرفوا، فإذا حمض اللبن، واشتد العود، وكثر الذباب، فحي (¬1) على فسطاطكم، ولا أعلمن ما جاء أحد قد أسمن نفسه، وأهزل جواده (¬2) . حدثنا أحمد بن عمرو، أنبأنا ابن وهب، عن ابن لهيعة، عن أبي يزيد بن أبي حبيب، قال: كان عمرو يقول للناس إذا قفلوا من غزوهم: إنه قد حضر الربيع، فمن أحب منكم أن يخرج بفرسه يربعه فليفعل؛ ولا أعلمن ما جاء رجل قد أسمن نفسه وأهزل فرسه؛ فإذا حمض اللبن وكثر الذباب، وقوي العود، فارجعوا إلى قيروانكم (¬3) . حدثنا سعيد بن ميسرة، عن إسحاق بن الفرات، عن ابن لهيعة، عن الأسود بن مالك الحميري عن بحير بن ذاخر المعافري، قال: رحت أنا ووالدي إلى صلاة الجمعة، "تهجيرًا" (¬4) ، وذلك آخر الشتاء "أظنه بعد حمم النصارى بأيام يسيرة، فأطلنا الركوع إذ أقبل رجال بأيديهم السياط، يزجرون الناس، فذعرت، فقلت: يا أبت، من هؤلاء؟ قال: يا بني هؤلاء الشرط، فأقام المؤذنون الصلاة" (¬4) ، فقام عمرو بن العاص على المنبر، "فرأيت رجلًا ربعة قصد القامة وافر الهامة، أدعج أبلج، عليه ثياب موشية، كأن به العقيان، تأتلق عليه حلة وعمامة وجبة"، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه ¬

(¬1) ح، ط: "فجيئوا"، وما أثبته من فتوح مصر. (¬2) فتوح مصر 139. (¬3) القيروان: معظم الجيش؛ أصله بالفارسية: "كاروان" فعرب. والخبر في فتوح مصر 139، وفي رواية أخرى: "فحي على فساطيطكم". (¬4) من فتوح مصر.

وسلم، ووعظ الناس، وأمرهم ونهاهم، ثم قال: يا معشر الناس إنه قد نزلت الجوزاء، وذكت الشعرَى، وأقلعت السماء، وارتفع الوباء، وقل النداء، وطاب المرعى، ووضعت الحوامل، ودرجت السخائل، وعلى الراعي حسن النظر لرعيته، فحي لكم على بركة الله ريفكم، تنالوا من خيره ولبنه، وخرافه وصيده، وأربعوا خيلكم وأسمنوها وصونوها وأكرموها، فإنها جنتكم من عدوكم، وبها مغانمكم وأثقالكم، واستوصوا بمن جاورتموه من القبط خيرًا؛ حدثنا عمر أمير المؤمنين أنه سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "إن الله سيفتح عليكم بعدي مصر، فاستوصوا بقبطها خيرًا، فإن لكم منهم صهرًا وذمة"، فعفوا أيديكم وفروجكم، وغضوا أبصاركم، ولا أعلمن ما أنى رجل قد أسمن جسمه، وأهزل فرسه. واعلموا أني معترض بالخيل كاعتراض الرجال؛ فمن أهزل فرسه من غير علة حططت من فريضته قدر ذلك. واعلموا أنكم في رباط إلى يوم القيامة؛ لكثرة الأعداء حولكم وتشوق قلوبهم إليكم وإلى دياركم، معدن الزرع والمال، والخير الواسع والبركة النامية. وحدثني عمر أمير المؤمنين، أنه سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "إذا فتح الله عليكم مصر، فاتخذوا فيها جندًا كثيفًا، فذلك الجند خير أجناد الأرض"، فقال له أبو بكر: ولِمَ يا رسول الله؟ قال: "لأنهم وأزواجهم في رباط إلى يوم القيامة"، فاحمدوا الله معاشر المسلمين على ما أولاكم، فتمتعوا في ريفكم ما طاب لكم؛ فإذا يبس العود وسخن العمود، وكثر الذباب، وحمض اللبن، وصوح البقل، وانقطع الورد من الشجر، فحي على فسطاطكم، على بركة الله تعالى وعونه ولا يقدمنّ أحد منكم ذو عيال على عياله إلا ومعه تحفة لعياله على ما أطاق من سعته أو عسرته؛ أقول قولي هذا وأستغفر الله، وأستحفظ الله عليكم. قال حفظت ذلك عنه، فقال والدي: يا بني إنه يُجرئ الناس إذا أنصرفو إليه على الرباط كما جرأهم على الريف والدعة (¬1) . ¬

(¬1) فتوح مصر 140-142، مع حذف وتصرف.

ذكر نهي الجند عن الزرع:

ذكر نهي الجند عن الزرع: أخرج ابن عبد الحكم، عن عبد الله بن هبيرة، قال: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر مناديه أن يخرج إلى أمراء الأجناد يتقدمون إلى الرعية؛ أن عطاءهم قائم، وأن رزق عيالهم سائل، فلا يزرعون "ولا يزارعون" (¬1) . قال ابن وهب: فأخبرنا (¬2) شريك بن عبد الرحمن المرادي، قال: بلغنا أن شريك بن سمي الغصيفي (¬3) أتى عمرو بن العاص، فقال: إنكم لا تعطونا ما يحسبنا (¬4) ، أفتأذن لي في الزرع؟ قال: ما أقدر على ذلك، فزرع شريك من غير إذن عمرو، فكتب عمرو إلى عمر بن الخطاب (¬5) يخبره أن شريكًا حرث بأرض مصر فكتب إليه عمر: أن ابعث إليّ به "فبعث به إليه، فقال له عمر: لأجعلنك نكالًا لمن خلفك، قال: أوتقبل مني ما قبل الله من العباد؟ قال: وتفعل؟ قال: نعم، فكتب إلى عمرو بن العاص: إن شريك بن سمي جاءني تائبًا. فقبلت منه" (¬6) . ¬

(¬1) فتوح مصر. (¬2) فتوح مصر: "فأخبرني". (¬3) في الأصول: "الغطفي"، وما أثبته من فتوح مصر. (¬4) يحسبنا، أي يكفينا. (¬5) فتوح مصر: "فلما بلغ ذلك عمرًا". (¬6) كذا ورد الكلا متقتضبًا، وفي فتوح مصر 162: "فلما انتهى كتاب عمر إلى عمرو أقرأه شريكًا، فقال شريك لعمرو. قتلتني يا عمرو، فقال عمرو: ما أنا قتلتك، أنت صنعت هذا بنفسك، قال له: إذ كان هذا من رأيك، فأذن لي بالخروج إليه من غير كتاب، ولك عهد الله أن أجعل يدي في يده، فأذن له بالخروج، فلما وقف على عمر قال: تؤمنني يا أمير المؤمنين؟ قال: ومن أي الأجناد أنت؟ قال: من جند مصر، قال: فلعلك شريك بن سمي الغطيفي؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، قال: لاجعلنك نكالًا لمن خلفك، قال: أوتقبل مني ما قبل الله من العباد، قال: وتفعل؟ قال: نعم، فكتب إلى عمرو بن العاص: إن شريك بن سمي جاءني تائبًا فقبلت منه".

ذكر حفر خليج أمير المؤمنين:

ذكر حفر خليج أمير المؤمنين: قال ابن عبد الحكم: حدثنا عبد الله بن صالح وغيره، عن الليث بن سعد، أن الناس بالمدينة أصابهم جهد شديد في خلافة عمر عام الرمادة (¬1) ، فكتب إلى عمرو بن العاص وهو بمصر: من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى عمرو بن العاص: سلام عليك؛ أما بعد؛ فلعمري يا عمرو ما تبالي إذا شبعت أنت ومن معك، أن أهلك أنا ومن معي؛ فياغوثاه، ثم ياغوثاه! يردد قوله. فكتب إليه عمرو بن العاص: لعبد الله عمر أمير المؤمنين، من عبد الله عمرو بن العاص؛ أما بعد فيا لبيك ثم يا لبيك! قد بعثت إليك بعيرٍ أولها عندك وآخرها عندي. والسلام عليك ورحمة الله. فبعث إليه بعيرٍ عظيمة، فكان أولها بالمدينة وآخرها بمصر، يتبع بعضها بعضًا، فلما قدمت على عمر وسع بها على الناس (¬2) . وكتب إلى عمرو بن العاص يقدم عليه هو وجماعة من أهل مصر، "فقدموا عليه" (¬3) ، ¬

(¬1) قال صاحب اللسان: "عام الرمادة معروف، سمي بذلك لأن الناس والأموال هلكوا فيه كثيرًا. وقيل: هي أعوام جدب تتابعت على الناس في أيام عمر بن الخطاب، وفي حديث عمر، أنه أخر الصدقة عام الرمادة، وكانت سنة جدب وقحط، فلم يأخذها منهم تخفيفًا عنهم". (¬2) بعدها في فتوح مصر: "ودفع إلى أهل كل بيت بالمدينة وما حولها بعيرًا بما عليه من الطعام، وبعث عبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص يقسمونها على الناس، فدفعوا إلى أهل كل بيت بعيرًا بما عليه من الطعام، أن يأكلوا الطعام وينحروا البعير، فيأكلوا لحمه، ويأتدموا شحمه، ويحتذروا جلده، وينتفعوا بالوعاء الذي كان فيه الطعام لما أرادوا من لحاف وغيره، فوسع الله عليه بذلك على الناس. فلما رأى عمر ذلك حمد الله وكتب ... ". (¬3) من فتوح مصر.

فقال عمر: يا عمرو؛ إن الله قد فتح على المسلمين مصر، وهي كثيرة الخير والطعام، وقد ألقى في روعي -لما أحببت من الرفق بأهل الحرمين، والتوسعة عليهم- (¬1) أن أحفر خليجًا من نيلها حتى يسيل في البحر، فهو أسهل لما نريد من حمل الطعام إلى المدينة ومكة؛ فإن حمله على الظهر يبعد ولا نبلغ معه ما نريد؛ فانطلق أنت وأصحابك فتشاوروا في ذلك حتى يعتدل فيه رأيكم. فانطلق عمرو، فأخبر "بذلك" (¬2) من كان معه من أهل مصر فثقل ذلك عليهم، وقالوا: نتخوف أن يدخل في هذا ضرر على أهل مصر، فنرى أن تعظم ذلك على أمير المؤمنين وتقول له: هذا أمر لا يعتدل، ولا يكون، ولا نجد إليه سبيلًا. فرجع عمرو بذلك إلى عمر، فضحك حين رآه، وقال: والذي نفسي بيده، لكأني أنظر إليك يا عمرو وإلى أصحابك حين أخبرتهم بما أمرت به من حفر الخليج، فثقل ذلك عليهم، وقالوا: يدخل في هذا ضرر على أهل مصر؛ فنرى بأن تعظم ذلك على أمير المؤمنين، وتقول له: هذا لا يعتدل، ولا نجد إليه سبيلًا. فعجب عمرو من قول عمر، وقال: صدقت والله يا أمير المؤمنين، لقد كان الأمر على ما ذكرت، فقال عمر: انطلق يا عمرو بعزيمة مني حتى تجد في ذلك، ولا يأتي عليك الحول حتى تفرغ منه إن شاء الله تعالى. فانصرف عمرو، وجمع لذلك من الفعلة ما بلغ منه ما أراد، ثم احتفر الخليج الذي في حاشية الفسطاط، الذي يقال له خليج أمير المؤمنين، فساقه من النيل إلى القلزم؛ فلم يأت الحول حتى فرغ، وجرت فيه السفن، فحمل فيه ما أراد من الطعام إلى المدينة ومكة، فنفع الله بذلك أهل الحرمين، وسُمي خليج أمير المؤمنين. ثم لم يزل يُحمل فيه الطعام، حتى حُمل فيه بعد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، ¬

(¬1) بعدها في فتوح: "حين فتح الله عليهم مصر، وجعلها قرة لهم ولجميع المسلمين". (¬2) من فتوح مصر.

ثم ضيعه الولاة بعد ذلك، فترك وغلب عليه الرمل، فانقطع، وصار منتهاه إلى ذنب التمساح من ناحية طحا القلزم (¬1) . قال ابن عبد الحكم: وحدثني أخي عبد الحكم بن عبد الله بن عبد الحكم، حدثنا ابن وهب، عن ابن لهيعة، عن محمد بن عبد الرحمن -قال: حسبته، عن عروة- أن عمر بن الخطاب قال لعمرو بن العاص حين قدم عليه: "قد عرفت الذي أصاب العرب" (¬2) ، وليس جند من الأجناد أرجى عندي من أن يغيث الله بهم أهل الحجاز من جندك؛ فإن استطعت أن تحتال لهم حيلة حتى يُغيثهم الله! فقال عمرو: "ما شئت يا أمير المؤمنين" (¬3) ، قد عرفت أنه كانت تأتينا سفن فيها تجار من أهل مصر قبل الإسلام، فلما فتحنا مصر، انقطع ذلك الخليج واستد، وتركته التجار، فإن شئت أن تحفره فتنشئ فيه سفنًا يُحمل فيها الطعام إلى الحجاز فعلته! قال عمر: نعم، فحفره عمرو، وعالجه وجعل فيه السفن (¬4) . حدثنا أبي، سفيان بن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن أبيه، أن رجلًا أتى عمرو بن العاص من قبط مصر، قال: أرأيتك إن دللتك على مكان تجري فيه السفن، حتى تنتهي إلى مكة والمدينة، أتضع عني الجزية وعن أهل بيتي؟ قال: نعم، فكتب إلى عمر، فكتب إليه أن افعل؛ فلما قدمت السفن الحجاز خرج عمر حاجًّا أو معتمرًا، فقال الناس: سيروا بنا ننظر إلى السفن التي سيرها الله إلينا من أرض فرعون (¬5) . قال ابن زولاق: وليس بمصر خليج إسلامي غيره. قال: وكان حجاج البحر يركبون فيه من ساحل تنيس يسيرون فيه، ثم ينتقلون بالقلزم إلى المراكب الكبار. ¬

(¬1) فتوح مصر 163-164. (¬2) فتوح مصر: "يا عمرو، إن العرب قد تشاءمت بي، وكادت أن تهلك على رجلي، وقد عرفت الذي أصابها". (¬3) من فتوح مصر. (¬4) فتوح مصر 164. (¬5) فتوح مصر 166.

ذكر انتقاض عهد الإسكندرية وسببه

ذكر انتقاض عهد الإسكندرية وسببه وذلك في خلافة عثمان رضي الله عنه، قال ابن عبد الحكم (¬1) : حدثنا عثمان بن صالح، عن الليث بن سعد، قال: عاش عمر بن الخطاب بعد فتح مصر ثلاث سنين، قدم عليه فيها عمرو قدمتين، استخلف في إحداهما زكريا بن جهم العبدري (¬2) على الجند، ومجاهد بن جبير مولى بني نوفل على الخراج، فسأله عمر: من استخلفت؟ فذكر له مجاهد بن جبير، فقال عمر: مولى ابنة (¬3) غزوان؟ قال: نعم؛ إنه كاتب، فقال عمر: إن القلم (¬4) ليرفع صاحبه. واستخلف في القدمة الثانية عبد الله بن عمر. حدثنا عن حيوة بن شريح، عن الحسن بن ثوبان، عن هشام، عن أبي رقية قال: كان سبب نقض الإسكندرية العهد أن صاحب إخنا، قدم على عمرو بن العاص، فقال: أخبرنا، ما على أحدنا من الجزية (¬5) ؟ فقال عمرو (¬6) : لو أعطيتني من الركن إلى السقف ما أخبرتك؛ إنما أنتم خزانة لنا؛ إن كُثر علينا كثرنا عليكم، وإن خفف عنا خففنا عنكم. فغضب صاحب إخنا، فخرج إلى الروم، فقدم بهم، فهزمهم الله، وأسر النبطي، فأُتي به إلى عمرو فقال له الناس: اقتله؛ قال: لا بل انطلق؛ فجئنا بجيش آخر (¬7) . ¬

(¬1) فتوح مصر 178-179. (¬2) ط: "الغبدي"، ما أثبته من فتوح مصر. (¬3) ط: "بنى" وصوابه من فتوح مصر، قال: "وبنت غزوان هذه أخت عبتة بن غزوان، وقد شهد بدرًا". (¬4) ح، ط: "العلم"، وما أثبته من الأصل وفتوح مصر. (¬5) بعدها في فتوح مصر: "فيصبر لها". (¬6) بعدها في فتوح مصر: "وهو يشير إلى ركن كنيسة". (¬7) فتوح مصر 176-177.

حدثنا سعيد بن سابق، قال: كان اسمه طلما، وإن عمرا لما أُتي به سوره، وتوجه وكساه برنس أرجوان، وقال له: ائتنا بمثل هؤلاء. فرضي بأداء الجزية، فقيل لطلما: لو أتيت ملك الروم! فقال: لو أتيته لقتلني، وقال: قتلت أصحابي (¬1) . حدثنا عبد الله بن صالح، عن الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، قال: كانت الإسكندرية انتقضت وجاءت الروم، وعليهم منويل الخصي في المراكب، حتى أرسى بالإسكندرية، فأجابهم من بها من الروم؛ ولم يكن المقوقس تحرك ولا نكث؛ وقد كان عثمان بن عفان رضي الله عنه عزل عمرو بن العاص، وولى عبد الله بن سعد؛ فلما نزلت الروم بالإسكندرية، سأل أهل مصر عثمان أن يقر عمرًا حتى يفرغ من قتال الروم؛ فإن له معرفة بالحرب، وهيبة في قلب العدو؛ ففعل. وكان على الإسكندرية سورها؛ فحلف عمرو بن العاص: لئن أظفره الله عليهم ليهدمن سورها؛ حتى يكون مثل بيت الزانية يُؤتى من كل مكان. فخرج عليهم عمرو في البر والبحر، وضوى إلى المقوقس من أطاعه من القبط؛ فأما الروم فلم يطعه منهم أحد، فقال خارجة بن حذافة لعمرو: ناهضهم القتال قبل أن يكثر مددهم، ولا آمن أن تنتفض مصر كلها، فقال عمرو: لا، ولكن أدعهم حتى يسيروا إلي، فإنهم يصيبون من مروا به، فيجزي الله بعضهم ببعض، فخرجوا من الإسكندرية، ومعهم من نقض من أهل القرى فجعلوا ينزلون القرية، فيشربون خمورها، ويأكلون أطعمتها، وينهبون (¬2) ما مروا به. فلم يتعرض لهم عمرو حتى بلغوا نقيوس، فلقوهم في البر والبحر، فبدأت الروم والقبط، فرموا بالنشاب في الماء رميا حتى أصاب النشاب يومئذ فرس عمرو في لبته، وهو في البر، فعقر، فنزل عنه عمرو، ثم خرجوا من البحر فاجتمعوا هم والذين في البر، فنضحوا المسلمين بالنشاب؛ فاستأخر المسلمون عنهم شيئا يسيرا وحملوا على المسلمين حملة ولى ¬

(¬1) فتوح مصر 177. (¬2) فتوح مصر: "وينبهون".

المسلمون منها، وانهزم شريك بن سمي في خيله. وكانت الروم قد جعلت صفوفا خلف صفوف، وبرز يومئذ بطريق ممن جاء من أرض الروم على فرس له، عليه سلاح مذهب، فدعا إلى البراز، فبرز إليه رجل من زبيد، يقال له حومل، يكنى أبا مذحج، فاقتتلا طويلا برمحين يتطاردان، ثم ألقى البطريق الرمح، وأخذ السيف، وألقى حومل رمحه، وأخذ سيفه، وكان يعرف بالنجدة، وجعل عمرو يصيح: أبا مذحج! فيجيبه: لبيك! والناس على شاطئ النيل في البر على تعبئتهم وصفوفهم، فتجاولا ساعة بالسيفين، ثم حمل عليه البطريق، فاحتمله -وكان نحيفا- فاخترط حومل خنجرا كان في منطقته أو في ذراعه، فضرب نحر العلج أو ترقوته فأثبته (¬1) ، فوقع عليه وأخذ سابه، ثم مات حومل بعد ذلك بأيام، فرئي عمرو يحمل سريره بين عمودي نعشه حتى دفنه بالمقطم، ثم شد المسلمون عليهم، فكانت هزيمتهم. فطلبهم المسلمون حتى ألحقوهم بالإسكندرية، ففتح الله عليهم، وقُتل منويل الخصي (¬2) . حدثنا الهيثم بن زياد، أن عمرو بن العاص قتلهم حتى أمعن في مدينتهم؛ فكُلم في ذلك، فأمر برفع السيف عنهم، وبنى في ذلك الموضع الذي رفع فيه السيف مسجدا، وهو المسجد الذي بالإسكندرية يقال له مسجد الرحمة -وإنما سمي مسجد الرحمة لرفع عمر السيف هناك- وهدم سورها كله. وجمع عمرو ما أصابه منهم، فجاءه أهل تلك القرى ممن لم يكن نقض، فقالوا: قد كنا على صلحنا، وقد مر علينا هؤلاء اللصوص، فأخذوا متاعنا ودوابنا، وهو قائم في يديك. فرد عليهم عمرو ما كان لهم من متاع عرفوه، وأقاموا عليه البنية (¬3) . ¬

(¬1) أثبته، أي جعله لا حراك به. (¬2) فتوح مصر 175-176. (¬3) فتوح مصر 76.

رجع إلى حديث يزيد بن أبي حبيب. قال: فلما هزم الله الروم، أراد عثمان عمرا أن يكون على الحرب وعبد الله بن سعد على الخراج، فقال عمرو: أنا إذًا كماسك البقرة بقرنيها وآخر يحلبها! فأبى عمرو (¬1) . حدثنا عبد الملك بن مسلمة، حدثنا ابن وهب، عن موسى بن علي، عن أبيه، عن عمرو بن العاص، أنه فتح الإسكندرية الفتحة الأخيرة عنوة قسرا في خلافة عثمان بعد موت عمر بن الخطاب (¬2) . حدثنا عبد الملك، حدثنا ابن لهيعة، قال: كان فتح الإسكندرية الأول سنة إحدى وعشرين، وفتحها الآخر سنة خمس وعشرين (¬3) . قال نمير بن لهيعة: وأقام عمرو بعد فتح الإسكندرية، ثم عزله عثمان رضي الله عنه، وولى عبد الله بن سعد؛ وكان عمر بن الخطاب ولى عبد الله بن سعد من الصعيد إلى الفيوم، فكتب عثمان بن عفان، إلى عبد الله بن سرح يؤمره على مصر كلها. فلما كان سنة خمس وثلاثين مشت الروم إلى قسطنطين بن هرقل، فقالوا: نترك الإسكندرية في أيدي العرب، وهي مدينتنا الكبرى، فقال: ما أصنع بكم؟ ما تقدرون أن تمالكوا ساعة إذا لقيتم العرب! قالوا: فاخرج على أنَّا نموت. فتبايعوا على ذلك، فخرج في ألف مركب يريد الإسكندرية، فسار في أيام غالبة (¬4) من الريح، فبعث الله عليهم ريحا فغرقتهم، إلا قسطنطين نجا بمركبه، فألقته الريح بسقلية فسألوه عن أمره فأخبرهم، فقالوا شأمت (¬5) النصرانية، وأفنيت رجالها، لو دخل العرب علينا لم نجد من يردهم، فقال: خرجنا مقتدرين، فأصابنا هذا، فصنعوا له الحمام، ودخلوا عليه، فقال: ويلكم! تذهب رجالكم، وتقتلون ملككم! قالوا: كأنه غرق معهم ثم قتلوه، وخلوا من كان معهم في المركب (¬6) . ¬

(¬1) فتوح مصر 177-178. (¬2) فتوح مصر 178. (¬3) فتوح مصر 178، وبعده: "بينهما أربع سنين". (¬4) ح، ط: "عالية". (¬5) في الأصل: "شتت"، وما أثبته من ط. (¬6) فتوح مصر 191.

ذكر رابطة الإسكندرية:

ذكر رابطة الإسكندرية: أخرج ابن عبد الحكم، عن يزيد بن أبي حبيب وعبد الله بن هبيرة، قالا: لما استقامت البلاد، وفتح الله على المسلمين الإسكندرية، قطع عمرو بن العاص من أصحابه لرباط الإسكندرية ربع الناس خاصة؛ الربع يقيمون ستة أشهر (¬1) والربع في السواحل، والنصف الثاني مقيمون معه. قال غيرهما: وكان عمر بن الخطاب يبعث كل سنة غازية من أهل المدينة ترابط بالإسكندرية، فكانت الولاة لا تغفلها، وتكشف رابطتها (¬2) ، ولا تأمن الروم عليها. وكتب عثمان إلى عبد الله بن سعد: قد علمت كيف كان هم أمير المؤمنين بالإسكندرية، وقد نقضت الروم مرتين، فألزم الإسكندرية رابطتها، ثم أجر عليهم أرزاقهم، وأعقب منهم في كل ستة أشهر (¬3) . وأخرج عن أبي قبيل، أن عتبة بن أبي سفيان عقد لعلقمة بن يزيد الغطفي على الإسكندرية، وبعث معه اثني عشر ألفا، فكتب علقمة إلى معاوية يشكو عتبة حين غدر به وبمن معه. فكتب إليه معاوية: إني قد أمددتك بعشرة آلاف من أهل الشام وبخمسة آلاف من أهل المدينة، فكان فيها سبعة وعشرون ألفا (¬4) . وأخرج ابن حبان في الضعفاء، من طريق عبد الملك بن هارون بن عنترة، عن أبيه، عن جده، عن علي مرفوعا: "أربعة أبواب من الجنة مفتحة في الدنيا: الإسكندرية وعسقلان، وقزوين، وجدة". ¬

(¬1) بعدها في فتوح مصر: "ثم يعقبهم من فتوح مصر شاتية ستة أشهر". (¬2) الفتوح: "فكاتب الولاة: لا تغفلها وتكثف". (¬3) فتوح مصر 191-192. (¬4) فتوح مصر 192.

ذكر وسيم:

وأخرج ابن الجوزي في الموضوعات من طريق عمرو بن صبيح، عن أبان، عن أنس مرفوعا: "يحول الله القيامة ثلاثة قرى من زبرجدة خضراء: عسقلان، والإسكندرية، وقزوين". وقال ابن الجوزي: عمرو بن صبيح يضع على الثقات. وقال الكندي في فضائل مصر: قال أحمد بن صالح، قال لي سفيان بن عيينة: يا مصري، أين تسكن؟ قلت: أسكن الفسطاط، قال: أتأتي الإسكندرية؟ قلت: نعم، قال لي: تلك كنانة الله يحمل فيها خير سهامه. وقال عبد الله بن مرزوق الصدفي: لما نُعي إليَّ ابن عمي خالد بن يزيد -وكان توفي بالإسكندرية- لقيني موسى بن علي بن رباح وعبد الله بن لهيعة والليث بن سعد متفرقين، كلهم يقولون: أليس مات بالإسكندرية! فأقول: بلى، فيقولون: هو حي عند الله يرزق، ويجري عليه أجر رباطه ما قامت الدنيا، وله أجر شهيد حتى يُحشر على ذلك. ذكر وسيم: وأخرج ابن عبد الحكم، من طريق لهيعة، عن بكر بن سوادة، عن أبي غطيف، عن حاطب بن أبي بلتعة، أن عمر بن الخطاب قال: يقاتلكم أهل الأندلس بوسيم، حتى يبلغ الدم ثُنَن (¬1) الخيل، ثم ينهزمون (¬2) . ¬

(¬1) الثنن: جمع ثنة؛ وهو الشعرات التي في مؤخر رسغ الدابة؛ وفي ح، ط: "متن". (¬2) فتوح مصر 317.

ذكر ما يقع بمصر قرب الساعة:

ذكر ما يقع بمصر قرب الساعة: أخرج الحاكم في المستدرك، وصححه من حديث عبد الله بن صالح: حدثني الليث، حدثني أبو قبيل، عند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رجلا من أعداء المسلمين بالأندلس، يقال له ذو العرف، يجمع من قبائل المشركين جمعا عظيما؛ يعرف مَنْ بالأندلس أن لا طاقة لهم به، فيهرب أهل القوة من المسلمين في السفن، فيجيزون إلى طنجة، ويبقى ضعفة الناس وجماعتهم، ليس لهم سفن يجيزون عليها، فيبعث الله جلا وعلا وينشر لهم في البحر، فيجيز الوعل، لا يغطي الماء أظلافه، فيراه الناس فيقولون: الوعل، الوعل! اتبعوه، فيجيز الناس على أثره كلهم، ثم يصير البحر على ما كان عليه، ويجيز العدو في المراكب؛ فإذا حبسهم أهل إفريقية هربوا كلهم من إفريقية، ومعهم من كان بالأندلس من المسلمين، حتى يدخلوا الفسطاط، ويقبل ذلك العدو حتى ينزلوا فيما بين ترنوط إلى الأهرام، مسيرة خمسة برد، فيملئون ما هناك شرا، فتخرج إليهم راية المسلمين على الجسر، فينصرهم الله عليهم، فيهزمونهم ويقتلونهم إلى لوبية، مسيرة عشرة ليال، ويستوقد أهل الفسطاط بعجلهم وأداتهم (¬1) سبع سنين، وينقلب ذو العرف من القتل، ومعه كتاب لا ينظر فيه إلا وهو منهزم، فيجد فيه ذكر الإسلام، وأنه يُؤمر فيه بالدخول في السلم، فيسأل الأمان على نفسه وعلى من أجابه إلى الإسلام من قومه، فيُسلم، ثم يأتي العام الثاني رجل من الحبشة يقال له أنيس، وقد جمع جمعا عظيما، فيهرب المسلمون منهم من أسوان حتى لا يبقى فيها ولا فيما دونها أحد من المسلمين، إلا دخل الفسطاط، فينزل أنيس بجيشه منف، فيخرج إليهم راية المسلمين على الجسر، فينصرهم الله عليهم، فيقتلونهم ويأسرونهم، حتى يباع الأسود بعباءة. قال الحاكم: صحيح موقوف. ¬

(¬1) ح، ط: "وأدوانهم".

معاجم من حل بمصر

ذكر من دخل مصر من الصحابة رضي الله عنهم: حرف الهمزة قد ألف الإمام محمد بن الربيع الجيزي في ذلك كتابا في مجلد، ذكر فيه مائة ونيفا وأربعين صحابيا، وقد فاته مثل ما ذكر أو أكثر، وقد ألفت في ذلك تأليفا لطيفا، استوعبت فيه ما ذكره، وزدت عليه ما فاته من تاريخ ابن عبد الحكم، وتاريخ ابن يونس وطبقات ابن سعد، وتجريد الذهبي، وغيرها؛ فزاد (¬1) في العدة على ثلاثمائة؛ وها أنا أسوق كتابي المذكور برمته، ليستفاد، وهو هذا: در السحابة فيمن دخل مصر من الصحابة: الحمد لله حمدا كثيرا، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث بشيرا ونذيرا، وبعد فقد ألف الإمام محمد بن الربيع الجيزي الذي والده صاحب الإمام الشافعي رضي الله عنه كتابا فيمن دخل مصر من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين في مجلد، فأورد منه (¬2) مائة ونيفا وأربعين رجلا، وأورد فيه أحاديثهم، وما رواه أهل مصر، وقد فاته جماعة لم يذكرهم؛ ذكر بعضهم ابن عبد الحكم في فتوح مصر، وبعضهم ابن يونس في تاريخ مصر، وبعضهم ابن سعد في طبقاته. وقد أردت أن ألخص كتاب محمد بن الربيع الجيزي، وأضم إليه ما فاته مرفوعا عليه صورة "ك"، وأرتبه على حروف المعجم، وأزيد التراجم، فأذكر الاسم والكنية واللقب، واسم الأب والجد والنسب والسن والوفاة، وما تفرد الصحابي بروايته، وقد أُورِد نادرة، أو غريبة، أو كرامة. وسميته: ¬

(¬1) ح: "فزدت". (¬2) ح، ط: "منه".

"در السحابة فيمن دخل مصر من الصحابة" والله أسأل التوفيق إنه ولي الإجابة وإليه الإنابة: حرف الهمزة: 1- أبرهة بن شرحبيل بن أبرهة بن الصباح الحميري. صحابي. قال الرشاطي في الأنساب: وفد على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ففرش له رداءه. وكان بالشام، وكان يُعَد من الحكماء، وله رواية. وقد في مرآة الزمان، عن الهيثم أن عمرو بن العاص بعثه إلى الفرما، ففتحها بعد ما فرغ من أمر الفسطاط. 2- أبيض بن حمال -بالحاء المهملة- بن مرثد (¬1) بن ذي لحيان -بضم اللام- المأربي (¬2) السبئي. قال ابن الربيع الجيزي: أخبرني يحيى بن عثمان أنه شهد فتح مصر. قال البخاري وابن السكن: له صحبة وأحاديث تعد في أهل اليمن (¬3) ، وروى الطبراني أنه وفد على أبي بكر رضي الله تعالى عنه لما انتقض عليه عمال اليمن. وروى حديثه أصحاب السنن الأربعة وابن حبان، وروى أن أبيض بن حمال، كان بوجهه حزازة، وهي القوباء، فالتقمت أنفه، فمسح النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على وجهه، فلم يُمْسِ ذلك اليوم وبه أثر (¬4) . 3- أبيض. غير منسوب "ك". كان اسمه أسود، فغيره النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ¬

(¬1) ط: "مريد"، وما أثبت من الأصل والإصابة. (¬2) ط: "المازني" تحريف. (¬3) الخبر بكماله كما في الإصابة: "روى الطبراني أنه وفد على أبي بكر لما انتقض عليه عمال اليمن، فأقره أبو بكر على ما صالح عليه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الصدقة، ثم انتقض ذلك بعد أبي بكر وصار إلى الصدقة". (¬4) الإصابة 1: 28.

بأبيض. قال ابن يونس: له ذكر فيمن دخل (¬1) مصر؛ وروي من طريق ابن لهيعة عن بكر بن سوادة، عن سهل بن سعد، قال: كان رجل يسمى أسود، فسماه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبيض قال الطبراني: تفرد به ابن لهيعة. قال الحافظ ابن حجر في الإصابة: لا أدري هو أبيض بن حمال، أو غيره (¬2) ! 4- أبيض بن هني بن معاوية أبو هبيرة "ك". قال في الإصابة: أدرك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهد فتح مصر، ذكره ابن منده في تاريخه، واستدركه أبو موسى وذكره ابن الكلبي في الجمهرة (¬3) . 5- أبي بن عمارة -بكسر العين، وقيل بضمتها. أحد من صلى للقبلتين، ذكره ابن عبد الحكم فيمن دخل مصر من الصحابة، وقال: لأهل مصر عنه حديث واحد، ذكر ابن الكلبي أن أباه عمارة أدرك خالد بن سنان الذي يقال له إنه كان نبيا (¬4) . وقال المزي في التهذيب: مدني، سكن مصر، له صحبة وحديث في المسح على الخفين. 6- أجمد -بالجيم- بن عجيان -بجيم ومثناة تحتية بوزن عثمان، وقيل بوزن عَليان. همداني وفد على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشهد فتح مصر؛ ذكره ابن يونس، وقال: لا أعلم له رواية، وخطته معروفة بجيزة مصر. قال في الإصابة: وضبطه ابن العربي بالحاء المهملة، فوهم (¬5) . ¬

(¬1) الإصابة: "نزل". (¬2) الإصابة 1: 30. (¬3) الإصابة 1: 29. (¬4) الإصابة: "ابن الكلبي عن أبيه، أنه أدركه، وأن أباه عمارة" ابن عبد الحكم: 31. (¬5) الإصابة 1: 341.

7- الأحب بن مالك بن سعد الله. ذكره ابن الربيع فيمن دخلها ممن أدرك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا نعرف له رواية. وقال في الإصابة: سماه ابن الدباغ "أحب"؛ والصواب "لاحب" (¬1) . وسيأتي. 8- أحمر بن قطن الهمداني "ك". قال في الإصابة: شهد فتح مصر؛ يقال له صحبة، ذكره ابن ماكولا عن ابن يونس (¬2) . 9- أدهم بن حظرة اللخمي الرشدي، من بني راشدة، ابن أذينة بن جديلة بن لخم "ك". قال ابن ماكولا: هو صحابي، ذكره سعيد بن عفير في أهل مصر، ولم يقع له رواية. وذكره ابن يونس (¬3) . 10- الأرقم بن حفينة التجيبي "ك". من بني نصر بن معاوية، قال ابن منده: سمعت ابن يونس يقول: إنه شهد فتح مصر، وعداده (¬4) في الصحابة (¬5) . 11- أسعد بن عطية بن عبيدة القضاعي البلوي "ك". ذكره ابن يونس، وقال: بايع تحت الشجرة، وشهد فتح مصر. له ذكر، وليست له رواية (¬6) . 12- امرؤ القيس بن الفاخر بن الطماح الخولاني أبو شرحبيل. شهد فتح مصر ¬

(¬1) الإصابة 3: 305. (¬2) الإصابة 1: 35. (¬3) الإصابة 1: 40. (¬4) ط: "وعده"، وصوابه من الأصل والإصابة. (¬5) الإصابة 1: 43، وهناك: "وروي من طريق عبد الله بن الأرقم بن حفينة عن أبيه، أنه تخاصم هو وابنه إلى عمر" (¬6) الإصابة 1: 51.

وله ذكر في الصحابة، قاله ابن منده (¬1) . 13- أوس بن عمرو بن عبد القارئ "ك". نزيل مصر. قال القضاعي في الخطط: له صحبة، ذكره في الإصابة (¬2) . 14- إياس بن البكير -ويقال ابن أبي البكير- بن عبد ياليل بن ثابت (¬3) الليثي "ك". قال ابن الربيع: بدري شهد فتح مصر، ولأهل مصر عنه حديث واحد، أخبرنيه مقدم بن داود؛ حدثنا أبو الأسود نصر بن عبد الجبار، عن ابن لهيعة، عن عياش بن عباس، عن عيسى بن موسى، عن إياس بن البكير، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "من مات يوم الجمعة، كتب الله له أجر شهيد، ووُقِي فتنة القبر". وقال ابن يونس: شهد فتح مصر، ومات سنة أربع وثلاثين. واستشهد أخوه عاقل ببدر، وأخوهم خالد يوم الرجيع، وأخوهم عامر باليمامة. قال ابن إسحاق: لا يعلم أربعة إخوة شهدوا بدرا غير إياس وإخوته وهاجروا جميعًا (¬4) . 15- إياس بن عبد الأسد القاري "ك". حليف بني زهرة، ذكره سعيد بن عفير، فيمن شهد فتح مصر من الصحابة، واختط بها دارا. أخرجه ابن منده، وذكره أيضًا ابن عبد الحكم (¬5) . 16- أيمن بن خريم -بالمعجمة ثم الراء- بن الأخرم بن شداد بن عمرو بن فاتك الأسدي "ك". قال المبرد في الكامل: له صحبة (¬6) . وقال المرزباني: يقال له صحبة (¬7) . ¬

(¬1) الإصابة 1: 78؛ وقال: لم أر في تاريخ ابن يونس التصريح بأنه من الصحابة. (¬2) الإصابة 1: 98. (¬3) الإصابة "ناشب". (¬4) الإصابة 1: 100. (¬5) فتوح مصر 109-112. (¬6) الكامل 3: 30. (¬7) انظر فهارس معجم الشعراء للمرزباني 568.

وقال ابن عبد البر: أسلم يوم الفتح وهو غلام يَفَعة (¬1) . وقال ابن السكن: يقال له صحبة. وأخرج له الترمذي حديثا عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واستغربه، وقال: لا نعرف لأيمن سماعا عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقال الصولي: كان أيمن يسمى خليل الخلفاء، لإعجابهم به وبحديثه لفصاحته وعلمه. وكان به وضح يغيره بزعفران، فكان عبد العزيز بن مروان -وهو أمير مصر- يواكله، ويحتمل ما به من الوضح لإعجابه به؛ كذا نقله في الإصابة؛ وهو صريح في أنه كان بمصر. وقال المزي (¬2) في التهذيب: ذكره ابن منده وغيره في الصحابة، وكناه أبو عطية: الشاعر؛ وقال: شامي مختلف في صحبته. ومن شعره في قتل عثمان: إن الذين تولوا قتله سفها ... لقوا أثاما وخسرانا وما ربحوا 17- الأكدر بن حمام بن عامر بن صعب اللخمي. قال في الإصابة: له إدراك. قال سعيد بن عفير: شهد فتح مصر هو وأبوه. وقال أبو عمر الكندي في كتاب الخندق: حدثني يحيى بن أبي معاوية بن خلف بن ربيعة؛ عن أبيه، حدثني الوليد بن سليمان، قال: كان أكدر علويا، وكان ذا دين وفضل وفقه الله في الدين، وجالس الصحابة، وروى عنهم. وهو صاحب الفريضة ¬

(¬1) الاستيعاب 1: 192، وفيه: "غلام يفاع"، ويقال: غلام يافع ويفعه؛ إذا قارب العشرين. (¬2) في الأصول: "المزني"، تحريف؛ وهو الحافظ المزي يوسف بن عبد الرحمن القضاعي محدث الديار الشامية في عصره؛ وصاحب كتاب تهذيب الكامل في أسماء الرجال.

التي تسمى الأكدرية (¬1) ، وكان ممن سار إلى عثمان؛ وكان معاوية يتألف قومه به، وكان يكرمه؛ ويدفع إليه عطاءه، ويرفع مجلسه؛ فلما حاصر مروان أهل مصر، أجلب عليه الأكدر بقومه، وحاربه بكل أمر يكرهه؛ فلما صالح مروان أهل مصر، علم أن الأكدر سيعود إلى فعلاته؛ فألب عليه قوما من أهل الشام، فادعوا عليه قتل رجل منهم. فدعاه، فأقاموا عليه الشهادة، فأمر بقتله. قال: فحدثني موسى بن علي بن رباح، عن أبيه، قال: كنت واقفا بباب مروان، حين دعي الأكدر، فجاء ولم يدر فيم دُعي له، فما كان بأسرع من أن قُتل، فتنادى الجند: قتل الأكدر، قتل الأكدر! فلم يبق أحد حتى لبس سلاحه، وحضروا باب مروان وهم زيادة على ثمانين ألف إنسان؛ فأغلق مروان بابه خوفا، فمضوا وذهب دم الأكدر هدرًا. وروى أبو عمر الكندي من طريق ابن لهيعة، قال: مرض الأكدر بن حمام بالمدينة ليالي عثمان، فجاءه علي بن أبي طالب رضي الله عنه عائدا، فقال: كيف تجدك؟ قال: بأبي أنت يا أمير المؤمنين! قال: كلا لتعيشن زمانا، ويغدر بك غادر، وتصير إلى الجنة إن شاء الله تعالى. وقال ابن أبي شيبة: حدثنا وكيع عن سفيان، قال: قلت للأعمش: لم سميتم الفريضة الأكدرية؟ قال: طرحها عبد الملك بن مروان على رجل يقال له الأكدر، وكان ينظر في الفرائض، فأخطأ فيها. قال في الإصابة: لعله طرحها عليه قديما؛ وعبد الملك يطلب العلم بالمدينة، وإلا فالأكدر قُتل قبل أن يلى عبد الملك الخلافة. وروى ابن المنذر في التفسير عن ابن جريج (¬2) في قوله تعالى: {لَمْ يَمْسَسْهُمْ ¬

(¬1) في اللسان، "الأكدرية: مسألة في الفرائض، وهي زوج وأم وجد وأخت لأب وأم". (¬2) في الإصابة: "عن علي بن المبارك، عن زيد بن المبارك، عن محمد بن ثور، عن ابن جريج".

حرف الباء:

سُوءٌ} (¬1) ، قال: قدم رجل من المشركين من بدر، فأخبر أهل مكة بخيل محمد، فرعبوا فجلسوا فقال: نفرت قلوصى من خيول محمد ... وكتيبة منثورة كالعسجد اتخذت ماء قديد موعد زعموا أنه الأكدر بن حمام؛ أورده الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في الإصابة في قسم المخضرمين؛ وهم من أدرك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يُسلم إلا بعد وفاته؛ وهم صحابة في قول ابن عبد البر وطائفة (¬2) . حرف الباء: 18- بحر -بضم أوله وضم المهملة أيضًا- بن ضبع (¬3) -بضمتين أيضًا- بن أنسة (¬4) بن يحمد الرعيني. قال ابن يونس: وفد على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهد فتح مصر. وقال في ترجمة حفيده مروان بن جعفر بن خليفة بن بحر: كان شاعرا، وهو القائل: وجدي الذي عاطى الرسول يمينه ... وحنت إليه من بعيد رواحله قال: وحفيده الآخر أبو بكر بن محمد "بن بحر"، ولي مراكب دمياط خلافة عمر بن عبد العزيز. ذكره ابن يونس (¬5) . ¬

(¬1) سورة آل عمران: 174. (¬2) الإصابة 1: 120. (¬3) ط: "أضبع" تحريف. (¬4) كذا في الإصابة. (¬5) الإصابة 1: 143.

19- برتا بن الأسود بن عبد شمس القضاعي "ك". قال ابن يونس: له صحبة، شهد فتح مصر وقتل يوم فتح الإسكندرية (¬1) . 20- برح -بكسر أوله وسكون الراء بعدها مهملة- بن عسكر "ك"، بضم العين المهملة وسكون السين المهملة وضم الكاف بعدها راء. كذا ضبطه ابن ماكولا، ونسبه إلى قضاعة. وقال المنذري: كان السلفي يقول: عسكل بلام. وقال ابن عبد الحكم: يقال: ابن حسكل، والصواب عسكل. قال ابن يونس: له وفادة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهد فتح مصر واختط بها، وسكنها وهو معروف من أهل البصرة (¬2) . 21- بسر -بضم أوله وسكون المهملة- بن أرطاة، أو ابن أبي أرطاة. قال ابن حبان: وهو الصواب. وقال في الإصابة: وهو الأصح. واسم أبي أرطاة عمير بن عويمر القرشي العامري أبو عبد الرحمن، مختلف في صحبته، وصحح أنه له صحبة أهل الشام وابن حبان والدارقطني. قال ابن يونس: كان من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، شهد فتح مصر، واختط بها، وكان من شيعة معاوية (¬3) ، شهد صفين معه، وولي البحرين له، ووسوس في آخر أيامه. وقال ابن السكن: مات وهو خرف (¬4) . ¬

(¬1) الإصابة 1: 149. (¬2) الإصابة 1: 149. (¬3) بعدها فيما نقله ابن حجر في الإصابة: "وكان وجهه إلى اليمن والحجاز في أول سنة أربعين، وأمره أن ينظر من كان في طاعة علي فيوقع بهم، ففعل ذلك". (¬4) الإصابة: "ووسوس في آخر أيامة".

وقال ابن حبان: كان يلي لمعاوية الأعمال، وكان إذا دعا ربما استجيب له (¬1) . قال ابن الربيع وابن السكن: مات أيام معاوية بدمشق. وقال خليفة وابن حبان: مات في أيام عبد الملك بن مروان بالمدينة. وقال المسعودي: مات في خلافة الوليد سنة ست وثمانين. وقال الواقدي: ولد قبل وفاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسنتين. وقال يحيى بن معين: مات النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو صغير. وقال ابن الربيع: ولأهل مصر عنه حديث واحد وحكاية. ثم روى عن طريق ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب، قال: كان بسر إذا ركب البحر قال: أنت بحر وأنا بسر، علي وعليك الطاعة لله، سيروا على بركة الله. وقال المزي في التهذيب: لم يرو عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثين: حديث: "لا تقطعوا الأيدي في الغزو" (¬2) ، أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وحديث " [في الدعاء، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول: "اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة] (¬3) . 22- بشر بن ربيعة الخثعمي، ويقال الغنوي "ك". قال أبو حاتم: مصري له صحبة. وقال ابن السكن: عداده في أهل الشام (¬4) . وقال ابن الربيع: دخل مصر؛ روى حديثه أحمد والبخارى في التاريخ والطبراني وابن السكن وغيرهم، من طريق المنذر بن المغيرة المعافري، عن عبيد الله بن بشير بن ربيعة الغنوي، عن أبيه، أنه سمع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "لتفتحن القسطنطينية، ¬

(¬1) الإصابة 1: 152. (¬2) الاستيعاب "المغازي". (¬3) زيادة من الاستيعاب. (¬4) الإصابة 1: 161 باسم "بشر الغنوي".

ولنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك جيشها". قال عبيد الله: فدعاني مسلمة بن عبد الملك، فسألني، فحدثته بهذا الحديث، فغزا القسطنطينية. 23- بشير -بفتح أوله وكسر المعجمة- بن جابر بن عراب -بضم المهملة- العبسي "ك". قال ابن يونس: وفد على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهد فتح مصر ولا تعرف له رواية. وقال في الإصابة: ضبطه ابن السمعاني بتحتيه ثم بمهملة، مصغر (¬1) . 24- بَصْرة (¬2) الغفاري "ك" قال في الإصابة: له ولأبيه صحبة، معدود فيمن نزل مصر. أخرج حديث مالك والأربعة بسند صحيح. وقال ابن حبان: يقال إن له صحبة (¬3) . وقال المزي في التهذيب: له عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديث واحد، رواه عنه أبو هريرة، وهو حديث: "لا تُعمل المطي إلا ثلاثة مساجد". قلت: قد ذكره ابن سعد أيضًا فيمن نزل مصر من الصحابة، وقال: هو وأبوه وابنه صحبوا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورووا عنه. وقال الذهبي في التجريد: هو وأبوه صحابيان نزلا بمصر. 25- بلال بن حارث بن عصم (¬4) بن سعيد بن قرة المزني، أبو عبد الرحمن. من أهل المدينة، أقطعه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العقيق، وكان صاحب لواء مزينة يوم الفتح، وكان يسكن وراء المدينة، ثم تحول إلى البصرة، ذكره ابن سعد في الطبقة الثالثة من المهاجرين (¬5) . ¬

(¬1) الإصابة 1: 162. (¬2) كذا ضبط بالفتح في التقريب. (¬3) الإصابة 1: 166. (¬4) ط: "عاصم"، صوابه من الأصل الإصابة. (¬5) نقله في الإصابة 1: 168.

حرف التاء:

وقال ابن الربيع: شهد فتح مصر، وتوفي سنة ستين، وهو ابن ثمانين سنة. 26- بدر بن عامر الهذلي "ك". ذكر أبو الفرج الأصبهاني أنه شاعر مخضرم، وأسلم فيمن أسلم في عهد عمر، ونزل هو وابن عمه مصر، وأورد له في ذلك أشعارا (¬1) . ذكره في الإصابة في قسم المخضرمين (¬2) . حرف التاء: 27- تميم بن أوس بن حارثة الداري، أبو رقية -بقاف مصغر- من مشاهير الصحابة، أسلم سنة تسع، هو وأخوه نعيم، وذكر للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قصة الجساسة والدجال؛ فحدث عنه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك على المنبر، وعد ذلك من مناقبه؛ وأورده أهل الحديث أصلا لرواية الأكابر عن الأصاغر؛ وكان نصرانيا من علماء أهل الكتاب. قال أبو نعيم: وكان راهب أهل عصره، وعابد فلسطين، وغزا مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وهو أول من أسرج السراج في المسجد، وأول من قص، وذلك في خلافة عمر. قال ابن الربيع: شهد فتح مصر؛ ولأهل مصر عنه حديث واحد، وسكن فلسطين بعد قتل عثمان، وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقطعه بها قرية عينون. مات سنة أربعين (¬3) . ¬

(¬1) الأغاني 20: 167، وأورد شعره مع أبي العيال الهذلي. (¬2) الإصابة 2: 175. (¬3) الإصابة 1: 186.

حرف الثاء:

28- تميم بن إياس بن البكير الليثي "ك". تقدم والده (¬1) ؛ ذكره ابن يونس وقال: شهد فتح مصر، وقُتل بها مع من استشهد. وقال في الإصابة: وكان ذلك سنة عشرين؛ ومقتضاه أن يكون ولد في عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 29- تُبيع بن عامر الحميري أبو عبيدة، ابن امرأة كعب الأحبار "ك". قال في الإصابة في قسم المخضرمين: أدرك الجاهلية (¬2) . وذكره خليفة في الطبقة الأولى من أهل الشام. وذكره أبو بكر البغدادي في الطبقة العليا من أهل حمص التي تلي الصحابة. قال: وكان رجلا دليلا للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فعرض عليه الإسلام، فلم يُسلم، حتى توفي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسلم مع أبي بكر. قال ابن يونس: مات بالإسكندرية سنة إحدى ومائة. حرف الثاء: 30- ثابت بن الحارث -ويقال ابن حارثة- الأنصاري "ك". قال الذهبي في التجريد: يعد في المصريين، روى عنه الحارث بن يزيد. وقال البغوي: لا أعلم له غير حديث واحد. قال في الإصابة: بل له حديثان آخران، والثلاثة من طريق ابن لهيعة عن الحارث بن يزيد عنه (¬3) . وقال الحسيني: مصري شهد بدرا. ¬

(¬1) برقم 14 ص170. (¬2) الإصابة 1: 189 ابن سعد 7: 452. (¬3) الإصابة 1: 192.

31- ثابت بن رويفع -ويقال رفيع- الأنصاري "ك". قال ابن أبي حاتم: ثابت بن رويفع، له صحبة، سمعت أبي يقول: هو شامي. وهو عندي رويفع بن ثابت. وقال ابن السكن: نزل مصر. وروى البخاري في تاريخه وابن منده وابن السكن من طريق الحسن البصري، قال: أخبرني ثابت بن رويفع من أهل مصر -وكان يؤمر على السرايا- سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "إياكم والغلول" (¬1) ، الحديث (¬2) . وقال ابن يونس: ثابت بن رويفع بن ثابت بن السكن الأنصاري، روى عن ابن مُليكة البلوي، روى عنه يزيد بن أبي حبيب، وقد روى الحسن البصري عن ثابت بن رفيع من أهل مصر، وأظنه ثابت بن رويفع، هذا، فإن أباه معروف الصحبة في المصريين. وقال البخاري في كتاب الصحابة: ثابت بن رويفع بن ثابت الأنصاري المصري وكان يؤمر على السرايا؛ سمع من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديث: "إياكم والغلول في المصريين". 32- ثابت بن طريف المرادي "ك". قال في الإصابة: شهد فتح مصر، وله صحبة ذكره ابن منده عن ابن يونس (¬3) . 33- ثابت بن النعمان بن أمية بن امرئ القيس أبو حية "ك". شهد فتح مصر. قاله (¬4) ابن البرقي وابن يونس: وليس هو البدري، ووهم ابن منده فوحدهما. 34- ثابت مولى الأخنس بن شريق "ك". قال في الإصابة: ذكر عبدان أنه شهد بدرا، ولا تُعرف له رواية، وقد شهد فتح مصر. أخرجه أبو موسى (¬5) . ¬

(¬1) ساقط من ط. (¬2) الإصابة 1: 193-194. (¬3) الإصابة 1: 207، وقال: "وهو ممن أدرك الجاهلية". (¬4) كذا في الإصابة؛ وهو الصواب، وفي الأصول: "قال". (¬5) الإصابة 1: 199.

وقال الذهبي في التجريد: مهاجر شهد فتح مصر. 35- ثعلبة الأنصاري، والد عبد الرحمن. نزيل مصري، روى عنه ابنه عبد الرحمن حديثا في السرقة. أخرجه ابن ماجه. قاله في الإصابة (¬1) . 36- ثعلبة بن أبي رقية اللخمي. شهد فتح مصر، ذكره ابن يونس، وأخرجه (¬2) ابن منده. 37- ثوبان بن يجدد -ويقال ابن جحدر- مولى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، من أهل السراة، أصابه سباء فاشتراه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأعتقه، ولم يزل معه في الحضر والسفر، حتى توفي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فخرج إلى الشام، فنزل الرملة، ثم انتقل إلى حمص، فأقام بها إلى أن مات بها سنة أربع وخمسين. قال ابن كثير: ويقال: إنه توفي بمصر. وقال ابن الربيع: شهد فتح مصر واختط بها، ولهم عنه حديث واحد. وروى ابن السكن عن ثوبان، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا لأهله، فقلت: أنا من أهل البيت؟ فقال في الثالثة: "نعم، ما لم تقم على باب سدة، أو تأتي أميرا تسأله". وروى أبو داود عن ثوبان، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من تكفل لي ألا يسأل الناس وأتكفل له بالجنة؟ " فقال ثوبان: أنا، فكان لا يسأل أحدا شيئا. 38- ثمامة الردماني، مولاهم "ك". قال في الإصابة: له إدراك، شهد مع مولاه خارجة بن عراك فتح مصر صحبة عمرو بن العاص، ذكره ابن يونس (¬3) . 39- ثمامة بن أبي ثمامة بكر الجذامي أبو سوادة "ك". قال في التجريد: له ذكر في تاريخ مصر وصحبة (¬4) . ¬

(¬1) الإصابة 1: 203. (¬2) الإصابة 1: 205. (¬3) الإصابة 1: 207. (¬4) الإصابة 1: 25.

حرف الجيم:

حرف الجيم: 40- جابر بن أسامة الجهني. يكنى أبا سعاد. نزل مصر، ومات بها، قاله ابن يونس (¬1) . 41- جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري، يكنى أبا عبد الله وأبا عبد الرحمن وأبا محمد، أحد المكثرين عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، روى مسلم عنه، أنه غزا مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسع عشرة غزوة (¬2) . وفي مصنف وكيع، عن هشام بن عروة، قال: كان لجابر بن عبد الله حلقة في المسجد النبوي، يؤخذ عنه العلم. قال ابن الربيع: قدم مصر على عقبة بن عامر -ويقال على عبد الله بن أنيس- يسأله عن حديث القصاص، وذلك في أيام مسلمة بن مخلد. ولأهل مصر عنه نحو عشرة أحاديث. أخرج البغوي، عن قتادة، قال: كان آخر أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ موتا بالمدينة جابر، بعد أن عمي. قال ابن حبان: مات بعد أن عمي سنة ثمان وسبعين -وقيل سنة سبع، وقيل سنة أربع، وقيل سنة ثلاث وستين- وقيل إنه عاش أربعا وتسعين سنة. ذكر الحديث الذي رحل فيه جابر بن عبد الله إلى مصر: قال ابن عبد الحكم: حدثنا عبد الله بن يوسف، حدثنا سعيد بن عبد العزيز التنوخي قال: قدم جابر بن عبد الله على مسلمة بن مخلد، وهو أمير على مصر، فقال له: أرسل إلى عقبة بن عامر الجهني حتى أسأله عن حديث سمعه من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأرسل إليه (¬3) . ¬

(¬1) الإصابة 1: 212. (¬2) الإصابة 1: 214. (¬3) فتوح مصر 275.

وقال ابن الربيع: حدثني أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، حدثني عمي ابن وهب، حدثني محمد مسلم الطائفي، عن القاسم بن عبد الواحد، عن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: كان عبد الله بن أنيس الجهني -وكان عداده في الأنصار- يحدث عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثا في القصاص. قال جابر بن عبد الله: فخرجت إلى السوق، فاشتريت بعيرا، ثم شددت عليه رحلا، ثم سرت إليه شهرا، فلما قدمت عليه مصر، سألت عنه؛ حتى وقفت على بابه، فسلمت، فخرج إلي غلام أسود، فقال: من أنت؟ قلت: جابر بن عبد الله، فدخل عليه فذكر ذلك، فقال: قل له: أصاحب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فخرج الغلام، فقال ذلك، فقلت: نعم، فخرج إليَّ والتزمني والزمته، فقال: ما جاء بك يا أخي؟ قلت: حديث تحدث به عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في القصاص، لم يبق أحد يُحدث به عن رسول الله غيرك، أردت أن أسمعه منك قبل أن تموت أو أموت، قال: نعم، سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "إذا كان يوم القيامة حشر الله الناس حفاة عراة غرلا بهما، ثم جلس على كرسيه تبارك وتعالى، ثم يُنادي بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب يقول: أنا الملك الديان، لا ظلم اليوم؛ لا ينبغي لأحد من أهل الجنة يدخل الجنة، ولا ينبغي لأحد من أهل النار يدخل النار عنده مظلمة، حتى لطمة بيد" قيل يا رسول الله، كيف؛ وإنما نأتي الله يوم القيامة حفاة عراة غرلا (¬1) بهما؟ قال: "من الحسنات والسيئات"، قال له بعض القوم: ما البهم؟ قال: سألت عنها جابر بن عبد الله فقال: الذين لا شيء معهم. قال ابن الربيع: وحدثنا علي بن الحسن بن الربيع بن إسحاق، ¬

(¬1) غرلًا، أي قلفًا.

عن أحمد بن يحيى بن دريد، عن أبي نعيم، عن ابن المبارك، عن داود، عن عبد الرحمن العطار، عن القاسم بن عبد الواحد بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله، قال: سرت إلى عبد الله بن أبي أنيس وهو بمصر أسأله عن حديث ... ثم ذكره (¬1) . 42- جابر بن ماجد (¬2) الصدفي. قال ابن يونس: وفد على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهد فتح مصر؛ وروى ابن لهيعة، عن عبد الرحمن بن قيس بن جابر الصدفي، عن أبيه، عن جده مرفوعا، قال: "سيكون بعدي خلفاء، وبعد الخلفاء أمراء، وبعد الأمراء ملوك، وبعد الملوك جبابرة، وبعد الجبابرة يخرج رجل من أهل بيتي، يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا؛ ثم يكون من بعده القحطاني؛ والذي نفس محمد بيده ما هو بدونه". قال في الإصابة: وقد خالف فيه الأوزاعي، فرواه عن قيس بن جابر، عن أبيه، عن جده، فعلى هذا فالرواية لماجد، والد جابر، ويكون الضمير في رواية ابن لهيعة في قوله: "عن جده" يعود إلى قيس. انتهى. قلت: قال ابن الربيع: جابر الصفدي، ويقال: قيس الصدفي، وأورد الحديث من طريق ابن لهيعة، عن عبد الرحمن بن جابر بن قيس، عن أبيه عن جده، ثم قال: روى عبد الرحمن بن قيس بن جابر. والله أعلم. 43- جابر بن ياسر بن عويص -بمهملتين بوزن قدير- الرعيني القتباني. قال ابن منده: له ذكر في الصحابة. وقال ابن يونس: شهد فتح مصر؛ وهو جد عباس بن جابر، لا يُعرف له حديث. ¬

(¬1) الاستيعاب 219. (¬2) ط: "ماجه".

44- جاحل أبو محمد الصدفي. روى ابن منده من طريق بن وهب؛ حدثنا أبو الأشيم مؤذن مسجد دمياط، عن شرحبيل بن يزيد، عن محمد بن مسلم بن جاحل، عن أبيه، عن جده، عن رسول الله صلى عليه وسلم، قال: "إن أحصاهم لهذا القرآن من أمتي منافقوهم"، قال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وذكره أبو نعيم، فقال: ليست له صحبة؛ ولم يذكره أحد من المتقدمين ولا من المتأخرين. قال في الإصابة: وقد ذكره محمد بن الربيع الجيزي في تاريخ الصحابة الذين نزلوا مصر، وقال: لا نعرف له حضور الفتح، ولا خطة بمصر، وللمصريين عنه حديث واحد، وذكره. وذكره أيضًا ابن يونس وابن زيد؛ فلابن منده فيهم أسوة (¬1) . انتهى. قلت: قال ابن الربيع: ولم يرو عنه غير أهل مصر فيما أعلم. 45- جبارة -بالكسر والتخفيف- من زرارة البلوي. قال ابن يونس: صحب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهد فتح مصر، وليست له رواية. وقال ابن الربيع: بايع تحت الشجرة، وشهد فتح مصر، وكان اسمه حبارة، فسماه النبي (¬2) جبارة. 46- جبر بن عبد الله القبطي، مولى بني غفار، ويقال مولى بني غفار، ويقال مولى أبي بصرة الغفاري. قال في الإصابة: حكى ابن يونس عن الحسن بن علي بن خلف بن قديد، أنه كان رسول المقوقس بمارية إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال الحسن: وقد رأيت بعض ولده بمصر (¬3) . ¬

(¬1) الإصابة 1: 27. (¬2) الإصابة 1: 222. (¬3) الإصابة 1: 222.

قال في التجريد: قال سعيد بن عفير: والقبط تفتخر بأن منهم من صحب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقال هانئ بن المنذر: مات سنة ثلاث وستين. وذكر ابن ماكولا جبر بن أنس بن سعد بن عبد الله من عبد ياليل بن حرام بن غفار الغفاري، وقال: وهو جبر بن عبد الله القبطي. انتهى. قلت: وفي فتوح عبد الحكم ما نصه: تزعم القبط أن رجلًا منهم قد صحب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يريدون جبرًا؛ وهو كان رسول المقوقس إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمارية وأختها وما أهدى معهما. 47- جبلة بن عمرو بن ثعلبة بن أسيد الأنصاري، أخو أبي مسعود البدري. ذكره الطبراني فيمن شهد صفين مع علي في الصحابة. وروى البخاري في تاريخه وابن السكن من طريق بكير بن الأشج، عن سليمان بن يسار، أنهم كانوا في غزوة بالمغرب مع معاوية بن حديج، فنفل الناس ومعه أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم يرد ذلك غير جبلة بن عمرو الأنصاري. ورواه ابن منده وابن الربيع من طريق خالد بن أبي عمران، عن سلمان بن يسار، أنه سئل عن النفل في الغزو، فقال: لم أر أحدًا يعطيه، غير ابن حديج (¬1) ، نفلنا في إفريقية الثلث بعد الخمس، ومعنا من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المهاجرين الأولين ناس كثير، فأبى جبلة بن عمرو الأنصاري أن يأخذ منه شيئًا (¬2) . وقال في التجريد: شهد أحدًا، وشهد فتح مصر، وشهد صفين، وغزا إفريقية ¬

(¬1) في الإصابة: "يعني معاوية". (¬2) الإصابة 1: 225.

مع معاوية بن حديج سنة خمسين. وكان فاضلًا من فقهاء الصحابة. قاله ابن عبد البر. وقال: روى عنه من أهل المدينة ثابت بن عبيد وسليمان بن يسار. وقال ابن سيرين: كان بمصر رجل من الأنصار يقال له جبلة، صحابي جمع بين امرأة رجل وابنته من غيرها. 48- جدرة -بضم ثم سكون- بن سبرة الثقفي. قال ابن يونس: له صحبة، وشهد فتح مصر (¬1) . 49- جديع بن ندير (¬2) -بالتصغير فيهما- المرادي الكعبي. قال ابن يونس في تاريخ مصر: له صحبة، وخدم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا أعلم له رواية؛ وهو جد أبي ظبيان عبد الرحمن بن مالك (¬3) . 50- جرهد بن خويلد بن بحرة الأسلمي أبو عبد الرحمن. كان من أهل الصفة. قال ابن الربيع: شهد فتح مصر، روى الطبراني عن جرهد أنه أكل بيده الشمال، فقال له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كل باليمين"، فقال: إنها مصابة، فنفث عليها فما شكا حتى مات. قال الواقدي: كانت له صحبة وله دار بالمدينة، ومات بها في آخر خلافة يزيد. وقال غيره: مات سنة إحدى وستين (¬4) . 51- جعثم الخير بن خليبة بن ساجي بن موهب الصدفي "ك". بايع تحت الشجرة، وكساه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قميصه ونعليه، وأعطاه من شعره. قال ابن يونس: شهد فتح مصر. ¬

(¬1) الإصابة 1: 330. (¬2) ط: "نذير"، تحريف. (¬3) الإصابة 1: 230. (¬4) الإصابة 1: 236.

ووهم ابن عبد البرحيث قال: إنه قتل في الردة لتصحيف وقع له؛ نبه عليه في الإصابة (¬1) . 52- جميل بن معمر بن حبيب الجمحي "ك". قال المبرد في الكامل (¬2) : له صحبة، وكان قاضيا لعمر بن الخطاب، ولا نسب بينه وبين جميل العذري الشاعر، المشهور صاحب بثينة، وهو الذي أخبر قريشا بإسلام عمر حين أخبره، واستكتمه، ثم أسلم، وشهد فتح مكة وحنينا. قال ابن يونس: وشهد فتح مصر، ومات في أيام عمر، وحزن عليه حزنا شديدا، وقارب المائة، فإنه فتح الفجار (¬3) وهو رجل؛ وكان أبوه من كبار الصحابة (¬4) . 53- جنادح بن ميمون. قال ابن منده عن ابن يونس: يعد في الصحابة، وشهد فتح مصر (¬5) . 54- جنادة بن أمية الأزدي، أبو عبد الله الشامي. مختلف في صحبته. قال في الإصابة: وقد روى حديثين صحيحين دالين على صحة صحبته، قال: ولم يصح عندي اسم أبيه (¬6) . وقال ابن يونس: كان من الصحابة، شهد فتح مصر، وروى عنه أهلها، وولي البحر لمعاوية. وكذا قال ابن الربيع. قال خليفة: مات سنة ثمانين، وقال في التجريد: له صحبة، شهد فتح مصر واسم أبيه كثير. ¬

(¬1) الاستيعاب 277، والإصابة 1: 238. (¬2) الكامل 2: 49، قال: "وكان خاصا بعمر بن الخطاب". (¬3) ط: "النجار"، تحريف. (¬4) الإصابة 1: 246. (¬5) الإصابة 1: 247. (¬6) الإصابة 1: 247.

حرف الحاء:

55- جنادة بن مالك الأزدي "ك". قال في التجريد: نزل مصر. قال: وقد قال ابن سعد: إنه غير جنادة بن أبي أمية، وتابعه على ذلك ابن عبد البر. زاد في الإصابة: وفرق بينهما أيضا أبو حاتم وغير واحد. وأنكر عبد الغني بن سرور المقدسي على أبي نعيم الجمع بينهما، قال: وجمع بينهما أيضا ابن السكن وابن منده، والذي يظهر أنه وهم (¬1) . 56- جناب بن مرثد أبو هانئ الرعيني "ك". أسلم في عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبايع معاذا باليمن. ثم شهد فتح مصر. ذكره ابن يونس وغيره. وأورده في الإصابة في قسم المخضرمين (¬2) . حرف الحاء: 57- حابس بن ربيعة التميمي. قال ابن حبان: له صحبة. وقال ابن السكن: يعد في المصريين، وروى عنه ابنه حية -بتشديد التحتية- أنه سمع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يقول: "العين حق". رواه أحمد والبخاري في تاريخه، والترمذي، وابن خزيمة (¬3) . 58- حابس بن سعيد الثمالي "ك"، ذكره عبد الصمد بن سعيد الحمصي في تسمية من نزل بحمص من الصحابة، قال: وكان بحمص، ثم ارتحل إلى مصر. 59- الحارث بن تُبَيع الرعيني. ذكر عبد الغني بن سعيد، عن ابن يونس أنه ¬

(¬1) الإصابة 1: 248، والاستيعاب 249. (¬2) الإصابة 1: 263. (¬3) الإصابة 1: 271، الاستيعاب، 28، قال: "في إسناد حديثه اضطراب يختلف فيه علي بن يحيى بن كثير".

وفد على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم شهد فتح مصر وأبوه، ضبطه عبد الغني بضم الفوقية، وابن ماكولا بفتحها (¬1) . 60- الحارث بن حبيب بن خزيمة بن مالك بن جبل بن عامر بن لؤي القرشي العامري "ك". ذكره خليفة بن خياط فيمن نزل مصر من الصحابة، قال: وقتل بإفريقية مع معبد بن العباس بن عبد المطلب (¬2) . 61- الحارث بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي، ابن عم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال ابن عبد البر: له رواية. وأمه حجيلة بنت جندب الهلالية؛ وقيل أم ولد، غضب أبوه عليه العباس، فطرده إلى الشام، فسار إلى الزبير بمصر، فقدم به الزبير على العباس، وشفع له. قاله ابن الكلبي وغيره (¬3) . 62- حاطب بن أبي بلتعة -بفتح الموحدة والفوقية والمهملة ولام ساكنة- بن عمرو بن عمير اللخمي. شهد بدرا، ودخل مصر رسولا من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المقوقس، ثم ورد عليه أيضا رسولا من أبي بكر. روى مسلم عن جابر، أن عبدا لحاطب بن أبي بلتعة، جاء يشكو حاطبا، فقال: يا رسول الله، ليدخلن حاطب النار، فقال: "لا، إنه شهد بدرا والحديبية"، مات سنة ثلاثين، وله خمس وستون سنة. قال ابن عبد البر: لا أعلم له غير حديث واحد: "من زارني بعد موتي ... " الحديث، ووجد له ثلاثة أحاديث غيره (¬4) . 63- حبان -بكسر أوله على المشهور، وقيل بفتحها وهو بالموحدة، وقيل بالتحتانية -ابن بح- بضم الموحدة بعدها مهملة مشددة. أنصاري. ذكره ابن الربيع، ¬

(¬1) الإصابة 1: 274، والاستيعاب 283. (¬2) الإصابة 1. (¬3) الإصابة 1: 366. (¬4) الإصابة 1: 299، والاستيعاب 312.

وقال لأهل مصر عنه حديث واحد. وله عند الطبراني حديثان. وقال في التجريد: له وفادة، وشهد فتح مصر. 64- حبان -بالكسر وموحدة- بن أبي جبلة. قال في الإصابة: له إدراك. قال ابن يونس: بعثه عمر بن الخطاب إلى أهل مصر يفقههم (¬1) . وذكره ابن حبان في ثقات التابعين. وقال غيره: مات بإفريقية. 65- حبيب بن أوس -أو ابن أبي أوس- الثقفي، ذكره ابن يونس فيمن شهد فتح مصر. قال في الإصابة: فدل على أن له إدراكا، ولم يبق من ثقيف في حجة الوداع أحد إلا وقد أسلم، وشهدها فيكون صحابيا (¬2) . وقد ذكره ابن حبان في ثقات التابعين. 66- الحجاج بن خُلَى السفلي -بضم أوله وفتح اللام وفاء "ك". قال ابن يونس: له صحبة (¬3) فيما قيل، ولا أعلم له رواية. 67- حذيفة بن عبيد المرادي. قال في التجريد: أدرك الجاهلية، وشهد فتح مصر. زاد في الإصابة: ولا تُعرف له رواية فيما ذكره ابن منده، عن ابن يونس (¬4) . 68- حزام بن عوف البلوي. من بني جعل، قال في الإصابة: بكسر أوله (¬5) وزاي. ذكره ابن الربيع فيمن نزل مصر من الصحابة، وحكى عن سعيد بن عفير أنه ممن بايع تحت الشجرة في رهط من قومه. وقال في التجريد: بالراء، له صحبة، وشهد فتح مصر. قاله ابن يونس. ¬

(¬1) الإصابة 1: 122. (¬2) الإصابة 1: 304. (¬3) الإصابة 1: 310 (¬4) الإصابة 1: 374. (¬5) الإصابة 1.

69- حرملة بن سلمى "ك". من بني برد. قال في الإصابة: له (¬1) إدراك، شهد فتح مصر ذكره الكندي. 70- حسان بن أسد (¬2) -وفي التجريد: ابن سعيد- الحجري "ك". ذكر ابن يونس أنه له صحبة، وأنه شهد فتح مصر. 71- الحكم بن الصلت بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف القرشي. قال في التجريد: شهد فتح مصر، وشهد خيبر، وكان من رجال قريش، استخلفه محمد بن أبي حذيفة على مصر لما سار إلى عمرو بن العاص بالعريش، وله حديث أخرجه أبو موسى من طريق ابن هوب عن حرملة بن عمران، عن عبد العزيز بن حبان، عن الحكم بن الصلت، رفعه: "لا تقدموا بين أيديكم في صلاتكم، وعلى جنائزكم سفهاءكم" (¬3) . 72- حمرة -بضم أوله وبالراء- ابن عبد كلال بن عريب الرعيني. أدرك الجاهلية، وسمع من عمر، وذكره أبو زرعة في الطبقة العليا التي تلي الصحابة. وقال ابن يونس: شهد فتح مصر، وروى عنه رشدان بن سعد وغيره، ووثقه ابن حبان. 73- حمزة بن عمر الأسلمي المدني أبو صالح. وقيل: أبو محمد. قال ابن الربيع: شهد فتح مصر. وفي التهذيب للمزي أنه الذي بشر كعب بن مالك بتوبة الله عليه. مات سنة إحدى وستين، وله إحدى وسبعون سنة. حديثه في الصحيحين (¬4) . ¬

(¬1) الإصابة 1: 375. (¬2) في الإصابة: "أسعد". (¬3) الإصابة 1: 344. (¬4) الاستيعاب 375.

74- حُمَيل -بالتصغير - بن بصرة بن أبي بصرة الغفاري "ك". ذكره ابن سعد فيمن نزل من الصحابة، وقال صحب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع أبيه وجده. وروى عنه (¬1) . وذكره البخاري في تاريخ الصحابة، وقال: حديثه في المصريين. قال: ويقول جميل، وهو وهم. وقال علي بن المدني: سألت شيخًا من بني غفار، فقلت له: هل يعرف فيكم جميل بن بصرة؟ قلته بفتح الجيم، فقال: صحفت يا شيخ، والله إنما هو حُمَيل، بالتصغير والمهملة، وهو جد هذا الغلام -وأشار إلى غلام معه. 75- حنظلة صاحب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. دخل مصر، كذا ذكره ابن الربيع ولم يزد عليه. قلت: في الصحابة جماعة يسمون بهذا الاسم، وأقربهم إلى هذا حنظلة الثقفي، أحد من نزل حمص، روى عنه غطيف بن الحارث (¬2) . أو حنظلة بن الطفيل السلمي، أحد الأمراء في فتوح الشام (¬3) . 76- حيان -بالتحتية- بن كرز البلوي. شهد فتح مصر، وله صحبة. قاله ابن يونس. 77- حيي -بتحتيتين مصغر- بن حرام الليثي. قال ابن الربيع: لأهل مصر عنه حديث واحد، وذكره ابن يونس في تاريخ مصر، وقال: له صحبة (¬4) . ¬

(¬1) طبقات ابن سعد 7: 50. (¬2) ذكره في الإصابة 1: 358، وقال: "حنظلة بن أبي الثقفي، ذكره عبد الصمد بن سعيد فيمن نزل حمص من الصحابة". (¬3) الإصابة 1: 36. (¬4) الإصابة 1: 364.

حرف الخاء:

وقال ابن السكن: له صحبة، عداده في المصريين. وقال القضاعي في الخطط: يقال إن له صحبة. وقال في التجريد: نزل بالشام (¬1) . 78- حَيْوِيل بن ناشرة بن عبد عامر الكنفي أبو ناشرة. قال في الإصابة: أدرك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يره، وشهد فتح مصر وصفين مع معاوية، وهو جد قرة بن عبد الرحمن بن حيويل (¬2) . 79- حيوة بن مرثد التحيبي، ثم الأندوني. قال في الإصابة: له إدراك، وشهد فتح مصر، ولا أعلم له رواية (¬3) . حرف الخاء: 80- خارجة بن حذافة بن غانم بن عامر العدوي. أحد الفرسان؛ قيل: كان يعد بألف فارس؛ وهو من مسلمة الفتح، وأمد به عمر عمرو بن العاص، فشهد معه فتح مصر، واختط بها. وكان على شروط عمرو بن العاص، فحصل لعمرو ليلة مغص، فاستخلفه على الصلاة، فقتله الخارجي الذي انتدب لقتل عمرو، وهو يظنه عمرا، وقال: أردت عمرا. "وأراد الله خارجة" (¬4) ؛ وذلك ليلة قتل علي بن أبي طالب، وفيه يقول الشاعر: فليتها إذ فدت عمرا بخارجة ... فدت عليا بمن شاءت من البشر له حديث واحد في الوتر. قال ابن الربيع: لم يرو عنه غير المصريين. قال في المرآة؛ وله من الولد: عبد الرحمن وأبان (¬5) . ¬

(¬1) الإصابة 1: 366. (¬2) الإصابة 1: 383 قال: "وكان أعور، أصيبت عينه دنقلة سنة إحدى وثلاثين مع ابن أبي سرح". (¬3) الإصابة 1: 283. (¬4) ساقط من ح، ط. (¬5) الإصابة 1: 401.

81- خالد بن ثابت بن ظاعن العجلاني الفهمي. قال ابن يونس: شهد فتح مصر، وولي بحر مصر سنة إحدى وخمسين، وأغزاه مسلمة بن مخلد إفريقية سنة أربع وخمسين. قال في الإصابة: ذكرته اعتمادا على أنهم كانوا لا يؤمّرون في الفتوح إلا الصحابة. 82- خالد بن العنبس. صحابي دخل مصر، ولا تُعرف له رواية، كذا قاله ابن الربيع. وذكر سعيد بن عفير أنه من بلي، وأنه بايع تحت الشجرة، وشهد فتح مصر. وذكره ابن يونس أيضا. وتعقب مغلطاي على ابن الأثير في نقله إياه عن ابن الربيع الجيزي، بأنه ليس في كتاب ابن الربيع. قلت: ليس كما زعم، بل هو في آخر كتابه كما سبقت عبارته أول الترجمة (¬1) . 83- خرشة بن الحارث -ويقال له: ابن الحر- المحاربي الأزدي. قال ابن السكن: له صحبة، نزل مصر. وذكره ابن سعيد فيمن نزل مصر من الصحابة (¬2) . وذكره ابن الربيع، وقال: لأهل مصر عنه حديث واحد. وقال في التجريد: له وفادة، وشهد فتح مصر. وقال في الإصابة: الراجح ابن الحارث، وأما خرشة بن الحر فرجل آخر تابعي، وقد فرق بينهما البخاري وابن حبان (¬3) . وقال الحسيني في رجال السند: خرشة بن الحارث أبو الحارث المرادي، نزل مصر (¬4) له صحبة ورواية عند يزيد بن أبي حبيب. 84- خزيمة بن الحارث "ك". مصري له صحبة، حديثه عن أبي لهيعة، عن يزيد ¬

(¬1) الإصابة 1: 410. (¬2) طبقات ابن سعد 7: 501. (¬3) الإصابة 1: 422. (¬4) ط ك "مصري".

حرف الدال:

ابن أبي حبيب، قاله ابن عبد البر وتبعه في التجريد. قال في الإصابة: أظنه وهما نشأ عن تصحيف، وإنما هو خرشة بن الحارث (¬1) . 85- خليد المصري "ك". قال بكر بن عبد الله المزني: إن رجلا يقال له خليد، له صحبة كان بمصر، كذا في التجريد تبعا لعبدان والباوردي. قال في الإصابة: وهو غلط نشأ عن تصحيف؛ والمحفوظ أنه مسلمة بن مخلد، روى عنه يزيد بن أبي حبيب، قاله ابن لهيعة. 86- خارجة بن عقال (¬2) الرعيني الرمادي. قال في الإصابة: له إدراك، شهد فتح مصر (¬3) . 87- خيار بن مرثد التجيبي ثم الأندوني "ك". قال في الإصابة: له إدراك. قال ابن يونس: شهد فتح مصر، وكان رئيسا فيهم. قلت: أخشى أن يكون تصحف بحيوة بن مرثد السابق. حرف الدال: 88- دحية بن خليفة بن فروة بن فضالة الكلبي. من مشاهير الصحابة، أول مشاهده الخندق -وقيل أحد- وكان يُضرب به المثل في حسن الصورة، وكان جبريل عليه الصلاة والسلام ينزل على صورته. روى العجلي في تاريخه، عن عوانة بن الحكم قال: أجمل الناس من كان جبريل ينزل على صورته. ¬

(¬1) الإصابة 1: 426. (¬2) ط: "عراك". (¬3) الإصابة 1: 453.

وعن ابن عباس: كان دحية إذا قدم المدينة لم يبق مُعْصِر (¬1) إلا خرجت تنظر إليه. ذكره ابن قتيبة في الغريب. وهو رسول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى قيصر. قال ابن البرقي: له حديث عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬2) . وقال في الإصابة: اجتمع لنا عنه نحو ستة أحاديث (¬3) . قال ابن الربيع: شهد فتح مصر، وقد نزل دمشق وسكن المزة، إلى خلافة معاوية. 89- دمون. قال في الإصابة: رفيق المغيرة بن شعبة في سفره إلى المقوقس بمصر، وله معه قصة في قتل المغيرة ورفيقه وأخذه إسلابهم، ومجيئه إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقبل منه الإسلام (¬4) ، ولم يتعرض للمال، ذكره الوقدي. 90- ديلم بن هوشع الجيشاني الحميري -ويقال: هو ابن أبي ديلم، ويقال: ابن فيروز- قال في الإصابة: صحابي، سأل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الأشربة وغير ذلك، ونزل مصر، فروى عنه أهلها. قال ابن يونس: كان أول وافد وفد على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عند معاذ بن جبل من اليمن، وشهد فتح مصر، وروى عنه أبو الخير مرثد. وقد ذكر جماعة أنه يكنى أبا وهب، ورده ابن يونس بأن تلك كنية رجل آخر، جيشاني تابعي، وصوّبه في الإصابة. وصوب أن اسم أبي الصحابي هوشع. وقال: إن أبا الخير مرثد المصري تفرد بالرواية عنه. وذكر ابن الربيع أنه من موالي بني هاشم، قال: ولأهل مصر عنه حديث واحد. وقال بعضهم في اسمه: دليم، قال في الإصابة: والصواب ديلم (¬5) . ¬

(¬1) المعصر: المرأة بلغت شبابها وأدركت. (¬2) الاستيعاب 416. (¬3) الإصابة 1: 463. (¬4) الإصابة 1: 465، وفي ط: "ديمون"، وصوابه من الأصل وح والإصابة. (¬5) الإصابة 1: 466-467.

حرف الذال:

حرف الذال: 91- ذو قَرَبات "ك" -بفتحات- الحميري ذكره ابن عبد الحكم فيمن دخل مصر من الصحابة (¬1) . وقال ابن يونس: يقال إن له صحبة، وقال ابن منده: اختلف في صحبته. وقال في التجريد: الصحيح أنه لا صحبة له. حرف الراء: 92- رافع بن ثابت "ك". أكل مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رطبا. نزل مصر، كذا في التجريد. قال في الإصابة: هو رويفع بن ثابت، فرق بينهما ابن منده، وهما واحد قاله أبو نعيم (¬2) . 93- رافع بن مالك "ك": ذكره الكندي فيمن دخل مصر من الصحابة. والذي في الإصابة بهذا الاسم رافع بن مالك العجلاني الزرقي، شهد العقبة، وكان أحد النقباء. 94- ربيعة بن زرعة الحضرمي "ك". من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، شهد فتح مصر، قاله ابن يونس؛ ذكره في التجريد والإصابة (¬3) . 95- ربيعة بن شرحبيل بن حسنة. قال ابن الربيع: صحابي شهد فتح مصر، ولا يُعرف له حديث. ¬

(¬1) فتوح مصر 317، وفيه "قرنات"، والإصابة 1: 475. (¬2) الإصابة 1: 483-507. (¬3) الإصابة 1: 495.

وقال في التجريدة: له رواية، شهد فتح مصر، وروى عنه ابنه جعفر. وقال ابن يونس: يقال إن عمرو بن العاص استعمله على بعض العمل. 96- ربيعة بن عباد الديلي. قال ابن الربيع: ذكره الواقدي فيمن دخل مصر من الصحابة لغزو الغرب. قال في الإصابة: وأبوه بكسر المهملة وتخفيف الموحدة على الصواب؛ ويقال بالفتح والتشديد. قال ابن عبد البر: عمر ربيعة طويلا. وذكر خليفة وابن سعد أنه مات في خلافة الوليد (¬1) . 97- ربيعة بن الفراس -ويقال: الفارسي. قال في التجريد والإصابة: يعد في المصريين، روى عنه زياد بن نعيم، وذكره ابن يونس (¬2) . 98- رشيد بن مالك أبو عميرة المزني -بفتح العين- من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ذُكر في أهل مصر، ولأهل مصر عنه حديث. قال ابن الربيع وابن يونس، وكذا في التجريد والإصابة (¬3) . 99- رشدان المصري. كذا ذكره البخاري في كتاب الصحابة ولم يزد عليه، قال في الإصابة: رشدان الجهني، له صحبة. قال البخاري: روى ابن السكن عنه أنه كان يدعى في الجاهلية غيّان -يعني بغين معجمة وتحتانية مشددة- فقال له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بل أنت رشدان" (¬4) . 100- ركب المصري. كذا ذكره البخاري في كتاب الصحابة ولم يزد عليه. وقال عباس الدوري: له صحبة. ¬

(¬1) الاستيعاب 492، الإصابة 1: 496. (¬2) الإصابة 1: 498. (¬3) الاستيعاب 507، الإصابة 1: 506. (¬4) الإصابة 1: 502.

حرف الزاي:

وقال ابن عبد البر: كندي، له حديث حسن، وليس بمشهور في الصحابة، وقد أجمعوا على ذكره فيهم، روى عنه نصيح العبسي. وقال ابن منده: لا يُعرف له صحبة. وقال البغوي: لا أدري أسمع من النبي صلى الله عليه سلم أو لا، وقال ابن حبان: يقال إن له صحبة، وذكره ابن الربيع (¬1) . 101- رويفع بن ثابت بن السكن البخاري الأنصاري. نزل مصر، وولاه معاوية على طرابلس سنة ست وأربعين، فغزا إفريقية. قال ابن يونس: توفي ببرقة، وهو أمير عليها من قبل مسلمة بن مخلد سنة ست وخمسين. وقال في التجريد: يعد من المصريين، له صحبة ورواية، روى عنه جماعة. وقال ابن الربيع: شهد فتح مصر، واختط بها، ولأهل مصر عنه نحو عشرة أحاديث (¬2) . حرف الزاي: 102- الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى الأسدي أبو عبد الله. حواري رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وابن عمته صفية، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد أعلام السادة السالفين البدريين، أسلم وله اثنتا عشرة سنة -وقيل ثماني سنين- وهاجر الهجرتين. قال عروة: وكان الزبير طويلا، تخط رجلاه الأرض إذا ركب. أخرجه الزبير بن بكار. ¬

(¬1) الاستيعاب 507، الإصابة 1: 506. (¬2) الإصابة 1: 507.

وكان له ألف مملوك يؤدون إليه الخراج، وكان لا يدخل بيته منها شيئا، يتصدق به كله. أخرجه يعقوب بن سفيان. قال ابن الربيع: شهد فتح مصر، واختط بها، ولأهل مصر عنه حديث واحد، قتل راجعا من وقعة الجمل بوادي السباع في جمادى الأولى سنة ست وثلاثين، وله ست أو سبع ستون سنة (¬1) . 103- زهير بن قيس البلوي أبو شداد (¬2) "ك". قال ابن يونس: يقال له صحبة، شهد فتح مصر، وندبه عبد العزيز بن مروان وهو أمير على مصر إلى برقة، فخاطبه بشيء "يكرهه" (¬3) ، فأجابه زهير: تقول لرجل جمع ما أنزل الله على نبيه قبل أن يجتمع أبواك هذا! ونهض إلى برقة فلقي الروم في عدد قليل، فقاتل حتى قُتل، وذلك سنة ست وسبعين (¬4) . قال في التجريد: روى عنه سويد بن قيس التجيبي فقط. 104- زياد بن الحارث الصدائي "ك" -بضم المهملة. قال ابن الربيع: شهد فتح مصر، ولأهل مصر عنه حديث واحد. وقال في التجريد: بايع، وحديثه في الأذان في جامع الترمذي، نزل بمصر. وقال البخاري: قال بعضهم: زياد بن حارثة، وزياد بن الحارث أصح. وقال ابن سعد: نزل بمصر، روى عنه المصريون (¬5) . 105- زياد الغفاري "ك". قال في التجريد تبعا لابن عبد البر: مصري له صحبة، روى عنه يزيد بن نعيم (¬6) . ¬

(¬1) الإصابة 526. (¬2) [[ذكره المؤلف أيضًا في ص 258 ضمن التابعين.]] (¬3) من ح، ط. (¬4) الإصابة 1: 537. (¬5) طبقات ابن سعد 7: 503، الإصابة 1: 538. (¬6) الاستيعاب 534.

وقال في الإصابة: يعد في أهل مصر، أخرج حديثه ابن أبي خيثمة وابن السكن من طريق زيد بن عمرو، عن يزيد بن نعيم: سمعت زيادا الغفاري على المنبر في الفسطاط، يقول: سمعت رسول الله صلى عليه وسلم يقول: "من تقرب إلى الله شبرا تقرب إليه ذراعا ... " الحديث (¬1) . 106- زياد بن قائد اللخمي "ك". قال في الإصابة في قسم المخضرمين: شهد فتح مصر، وعاش إلى أن رئي الأكدر بن حمام لما قتل في جمادى الآخرة سنة خمس وستين ومروان يومئذ بمصر، ذكره أبو عمر الكندي (¬2) . 107- زياد بن نعيم الحضرمي. قال في التجريد: مصري، قيل له صحبة. وقال في الإصابة: ذكره ابن أبي خيثمة والبغوي في الصحابة (¬3) . 108- زياد بن جمهور اللخمي "ك". قال في التهذيب: شهد فتح مصر، ونزل فلسطين، روى عنه ابناه (¬3) . 109- زبيد بن عبد الخولاني. قال في الإصابة: له إدراك، شهد فتح مصر، ثم شهد صفين مع معاوية، وكانت معه الراية، فلما قتل عمار تحول إلى عسكر علي. ذكره ابن يونس ومن تبعه (¬4) . ¬

(¬1) الإصابة 1: 564. (¬2) الإصابة 1: 541، وتهذيب التذهيب 3: 365؛ واسمه هناك: "زياد بن ربيعة بن نعيم بن ربيعة بن عمرو الحضرمي". (¬3) الإصابة 1: 565. (¬4) الإصابة 1: 559.

حرف السين:

حرف السين: 110- السائب بن خلاد بن سويد الأنصاري. قال ابن الربيع: شهد فتح مصر، وقدم على عقبة، فاستذكره حديث: "من ستر عورة ... "، الذي رحل فيه السائب بن خلاد إلى مصر. قال ابن عبد الحكم: ذكر يحيى بن حسان، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، قال: إن سائب بن خلاد الأنصاري قدم على عقبة بن عامر الجهني، فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يذكر في الستر شيئًا؟ فقال عقبة: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "من ستر مسلمًا ستره الله"، فقال: أنت سمعته من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: نعم، قال: فراح. ولم يقدم من المدينة إلا لذلك. أخرجه محمد بن الربيع الجيزي (¬1) . وحدثنا عبد الله بن صالح، حدثنا يحيى بن أيوب، عن عياش بن عباس القتباني، عن وهب بن عبد الله المعافري، قال: قدم رجل من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الأنصار على مسلمة بن مخلد "فألفاه نائمًا، فقال: أيقظوه، فقالوا: بل تنزل حتى يستيقظ، قال: لست فاعلًا، فأيقظوه مسلمة" (¬2) ، فخرج مسلمة، فقال: انزل، فقال: لا، حتى ترسل إلى عقبة بن عامر، فأرسل إليه، فأتاه، فقال: هل سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "من وجد مسلمًا على عورة فسترها فكأنما أحيا موءودةً من قبرها"؟، قال عقبة: قد سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول ذلك (¬3) . وقال محمد بن الربيع: أخبرني يحيى بن عثمان بن صالح، أنبأنا يوسف بن عبد الأعلى، ¬

(¬1) فتوح مصر 275. (¬2) من فتوح مصر. (¬3) فتوح 275؛ ونهاية الخبر هناك: "فقال عقبة: أخبرنا أبو حماد، قد سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول ذلك. ولم يسم يحيى بن أيوب الرجل".

أخبرني عبد الجبار بن عمر، أن مسلم بن أبي حرة، حدثه عن رجل من أهل قباء، أنه قدم مصر على مسلمة بن مخلد، فضرب عليه الباب، واستأذن عليه، فخرج مسلمة إليه، فقال: انزل، فقال: لا، ولكن أرسل معي إلى فلان -رجل من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: حسبت أنه قال: سرق- فذهب إليه في قرية، فقال له: هل تذكر مجلسًا كنت أنا وأنت فيه مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ليس معنا أحد غيرنا؟ فقال: نعم، فقال: كيف سمعته يقول؟ قال: سمعته يقول: "من اطلع من أخيه على عورة ثم سترها جعلها الله له يوم القيامة حجابًا من النار"، قال: كنت أعرف ذلك؛ ولكني أوهمت، فكرهت أن أحدث به على غير ما كان. ثم ركب على صدر راحلته ثم رجع. 111- السائب الغفاري. ذكره ابن الربيع، وقال: لا يوقف له على حضور الفتح، ولأهل مصر عنه حديث واحد من طريق ابن لهيعة، عن أبي قبيل، عن رجل من بني غفار، حدثه أن أمه أتت به إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعليه تميمة، قال: فقطع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تميمتي، وقال: "ما اسم ابنك؟ " قالت: السائب، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بل سمه عبد الله"، فقلت: أتجيب بكلتيهما؟ فقال: لا والله؛ ما كنت لأجيب إلا على اسم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي سماني (¬1) . 112- السائب بن هشام بن عمرو العامري "ك". قال في التجريد: يقال إنه رأى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهد فتح مصر، وولي القضاء بها لمسلمة بن مخلد، وكان جبانا وأبوه صحابي. ¬

(¬1) الإصابة 2: 12.

113- سَخدور (¬1) -بسين مهملة ثم خاء معجمه، وقيل: بشين معجمة ثم حاء مهملة- بن مالك الحضرمي أبو علقمة "ك". قال في التجريد: له صحبة، شهد فتح مصر، ذكره ابن يونس. وهو الذي حضهم على حرب مروان لما قصد مصر. 114- سرق بن أسيد -ويقال: أسد- الجهني، ويقال له الديلمي، ويقال: الأنصاري. نزل مصر والإسكندرية. ذكره ابن الربيع وابن سعد؛ وأخرج عن عبد الرحمن السلماني، قال: كنت بمصر، فقال لي رجل: ألا أدلك على رجل من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قلت: بلى، فأشار إلى رجل، فجئته فقلت: من أنت يرحمك الله؟ قال: أنا سُرّق، فقلت: سبحان الله! ينبغي لك ألا تسمى بهذا الأسم، وأنت رجل من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قال: إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سماني سُرّقا، فلم أدع ذلك أبدًا؛ فقلت: ولم سماك سُرَقًا؟ قال: قدم رجل من البادية ببعيرين له يبيعهما، فابتعتها منه، وقلت: انطلق حتى أعطيك حقهما، فدخلت بيتي، ثم خرجت من خلف بيتي، وقضيت بثمن البعيرين حاجةً لي، وتغيبت حتى ظننت أن الأعرابي قد خرج، فخرجت فإذا الأعرابي مقيم، فأخذني فقدمني إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخبره الخبر، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما حملك على ما صنعت؟ " قلت: قضيت بثمنها حاجةً يا رسول الله، قال: "فاقضه"، قلت: ليس عندي، قال: "أنت سُرّق، اذهب به يا أعرابي، فبعه حتى تستوفي حقك"، فجعل الناس يسومونه بشيء، فيلتفت إليهم، فيقول: ما تريدون؟ قال: وماذا نريد! نريد أن نفتديه منك؛ قال: فوالله ما منكم أحد أحوج إليه مني؛ اذهب فقد أعتقتك. أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه (¬2) . ¬

(¬1) الإصابة 2: 16 وفيه: "سخدور". (¬2) طبقات ابن سعد 7: 104، الإصابة 2: 19.

115- سعد بن أبي وقاص، واسمه مالك بن أهيب بن عبد مناف القرشي أبو إسحاق الزهري. أحد العشرة، فارس الإسلام، وسابع سبعة في الإسلام وصاحب الدعوة المجابة، بدعاء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له بذلك. قال الربيع: شهد فتح مصر، ووردها رسولًا من قبل عثمان. ولأهل عثمان، ولأهل مصر عنه حديث واحد. مات بالعقيق وحمل إلى المدينة، فدفن بالبقيع سنة خمس وخمسين وقيل: سنة ست، وقيل سبع، وله بضع وسبعون سنة؛ وهو آخر العشرة وفاة (¬1) . 116- سعد بن سنان الكندي "ك". قال في التجريد: روى عنه ابنه. ذكره ابن يونس (¬2) . 117- سعد بن مالك بن الأقيصر بن مالك بن قريع، أبو الكنود الأزدي. قال ابن يونس: له وفادة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهد فتح مصر. ومن ولده اليوم بقية بمصر، وروى عنه ابنه الأشيم (¬3) . 118- سعيد بن يزيد الأزدي. ذكره ابن سعد فيمن نزل مصر من الصحابة، ولم يزد عليه (¬4) . وقال في التجريد: مصري، روى عنه أبو الخير اليزني، وزعم أن له صحبة. 119- سفيان بن هانئ بن جير، أبو سالم الجيشاني "ك". قال في التجريد: مصري، وله رواية. ¬

(¬1) الإصابة 2: 20-22. (¬2) الإصابة 3: 39، واسمه هناك: "سعد الكندي والدستان". (¬3) الإصابة 2: 110. (¬4) طبقات ابن سعد 7: 502، الإصابة 2: 50.

قال ابن يونس: شهد فتح مصر، ومات بالإسكندرية، زمن عمر بن عبد العزيز بن مروان (¬1) . 120- سفيان بن وهب الخولاني، أبو أيمن. له صحبة ورواية ووفادة. شهد حجة الوداع وفتح مصر وإفريقية، وسكن المغرب. وقال ابن الربيع: لم يرو عنه غير أهل مصر فيما أعلم. ولهم عنده حديثان. مات سنة إحدى وتسعين (¬2) . 121- سلامة بن قيصر الحضرمي -وقيل: سلمة. قال ابن الربيع: شهد فتح مصر، ولأهلها عنه حديث واحد (¬3) . 122- سلكان بن مالك. قال ابن الربيع: ذكره الواقدي فيمن دخل مصر من الصحابة لغزو المغرب. قال في التجريد: هو من الصحابة الذين دخلوا مصر (¬4) . 123- سلم بن نذير. قال في التجريد: مصري، روى عنه يزيد بن أبي حبيب (¬5) . 124- سلمة بن الأكوع "ك" -وهو سلمة بن عمرو، ويقال: ابن وهب- بن الأكوع، واسم الأكوع سنان بن عبد الله بن قشير الأسلمي أبو مسلم إياس. بايع تحت الشجرة. قال ابن الربيع: ذكره الواقدي فيمن دخل مصر لغزو المغرب. مات بالمدينة سنة سبع وسبعين، وهو ابن ثمانين سنة، وكان شجاعا راميا، وكان يسبق الفرس شدا على قدميه (¬6) . ¬

(¬1) الإصابة 2: 112. (¬2) الإصابة 2: 56. (¬3) الإصابة 2: 58. (¬4) الإصابة 2: 59. (¬5) الإصابة 2. (¬6) الإصابة 2: 61-65.

125- سندر أبو عبد الله -وقيل: أبو الأسود- مولى زنباع الجذامي. وجده مولاه يقبل جارية له، فخصاه وجدعه، فأتى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأعتقه. سكن مصر في خلافة عمر، وأُقطع بها منية الأصبغ. قال ابن عبد الحكم: يقال سندر بن سندر، والله أعلم بالصواب. قال ابن أبي الربيع: لأهل مصر عنه حديثان، ثم أوردهما، وأحدهما من طريق يزيد بن أبي حبيب، عن ربيعة بن لقيط عن عبد الله بن سندر، عن أبيه؛ أنه كان عبدا لزنباع ... الحديث؛ وهذا تصريح بأن له أبناء؛ فالظاهر أنه ولد له قبل الخصي؛ فيكون صحابيا أيضًا (¬1) . 126- سهل بن سعد بن مالك بن خالد الأنصاري الساعدي المدني أبو العباس، وقيل: أبو يحيى. قال ابن الربيع: قدم مصر بعد الفتح على مسلمة بن مخلد؛ ولأهل مصر عنه أحاديث؛ مات سنة إحدى وتسعين، وقيل: سنة ثمان وثمانين؛ وهو ابن مائة سنة؛ وهو آخر من مات من الصحابة بالمدينة (¬2) . 127- سهل بن أبي سهل "ك". روى عنه سعيد بن أبي هلال، عداده في المصريين، قاله في التجريد (¬3) . 128- سيف بن مالك الرعيني الجيشاني "ك". قال في التجريد: أسلم في حياة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونزل مصر. ¬

(¬1) الإصابة 2: 83. (¬2) الإصابة 2: 87. (¬3) الإصابة 2: 131.

حرف الشين:

حرف الشين: 129- شبث بن سعد بن مالك البلوي. شهد فتح مصر، وله صحبة، روى عنه أبان؛ قاله في التجريد. وذكره ابن الربيع، عن سعيد بن عفير. ويقال فيه: شعث، ويقال: شيبة (¬1) . 130- شخدور بن مالك. تقدم في الحرف قبله (¬2) . 131- شرحبيل بن حسنة -وهي أمه- واسم أبيه عبد الله بن المطاع الكندي. وقيل التميمي. أبو عبد الله. حليف بني زهرة، أحد أمراء أجناد الشام؛ وهو من مهاجرة الحبشة؛ ذكره ابن عبد الحكم فيمن شهد فتح مصر، ولأهلها عنه حديث واحد؛ لكن في تهذيب المزي (¬3) أنه مات بالشام سنة ثماني عشرة، وهو ابن سبع وستين سنة؛ وهذا يقدح فيما قاله ابن عبد الحكم (¬4) . 132- شريح بن أبرهة "ك". قال في التجريد: له صحبة، قدم مصر؛ روى عنه محمد بن وداعة اليمامي، وذكره ابن قائع (¬5) . 133- شريح اليافعي "ك". قال في التجريد: له صحبة، قدم مصر، وشهد فتحها (¬6) . 134- شريك بن أبي الأعقل التجيبي الشاعر. قال في التجريد: قال ابن يونس: ¬

(¬1) الإصابة 1: 135، وفي حاشية الأصل والإصابة: "ضبطه ابن ماكولا بفتح أوله وثانيه وآخره مثلثة". (¬2) الإصابة 2: 16، 165. (¬3) الإصابة 2: 141. (¬4) في الأصول: "المزني" تحريف. (¬5) الإصابة 2: 141، تهذيب التهذيب، واسمه هناك: شرحبيل بن عبد الله. (¬6) الإصابة 2: 143.

حرف الصاد:

وفد على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهد فتح مصر (¬1) . 135- شريك بن سمي الغطيفي المرادي. قال في التجريد: له وفادة، وكان على مقدمة عمرو بن العاص ليوم فتح مصر (¬2) . 136- شفي بن ماتع الأصبحي المصري "ك". قيل: له صحبة؛ والأصح أنه تابعي. مات سنة خمس ومائة (¬3) . 137- شهاب. قال في التجريد: نزل مصر، روى عنه جابر بن عبد الله، وسار إليه يسأله عن حديث (¬4) . حرف الصاد: 138- صالح القبطي "ك". قال في التجريد: نزل مصر، ثم سار من مصر إلى المدينة مع مارية القبطية. 139- صحار بن صخر -وقيل ابن عياش، وقيل ابن عباس- العبدي قال ابن الربيع: شهد فتح مصر، روى عنه ابناه: عبد الرحمن وجعفر. نزل البصرة، وكان من الفصحاء، سأله معاوية عن البلاغة فقال: لا تُخطئ ولا تُبطئ. قال في التهذيب: وكان فيمن طلب بدم عثمان (¬5) . ¬

(¬1) الإصابة 2: 166. (¬2) الإصابة 2: 148. (¬3) الإصابة 1: 167. (¬4) الإصابة 2: 155، وهناك: "ذكره البخاري في الصحابة فقال: رجل من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سكن مصر، وروى عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يذكر الحديث. ثم ذكر عن طريق مسلم عن أبي الذيال، عن أبي سفيان: سمع جابر بن عبد الله يحدث عن شهاب: رجل من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان ينزل مصر، أنه سمع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "من ستر على مؤمن عورة فكأنما أحيا ميتًا". (¬5) الإصابة 2: 171.

حرف الضاد:

140- صلة بن الحارث الغفاري. قال في التجريد: مصري له صحبة. وذكره ابن الربيع، وأورد له أثرا (¬1) . حرف الضاد: 141- ضمرة بن الحصين بن ثعلبة البلوي. قال ابن الربيع: شهد فتح مصر، وبايع تحت الشجرة. وقيل في التجريد: صحابي نزل مصر (¬2) . حرف العين: 142- عامر بن الحارث "ك". قال في التجريد: شهد فتح مصر، وله صحبة، وهو أصبحي (¬3) . 143- عامر بن عبد الله بن جهيزة (¬4) الخولاني "ك". قال في التجريد: له صحبة، شهد فتح مصر. قاله ابن يونس (¬5) . 144- عامر بن عمرو بن حذافة أبو هلال التجيبي. قال في التجريد: صحابي شهد فتح مصر (¬6) . 145- عائذ بن ثعلبة بن وبرة البلوي. قال ابن الربيع: بايع تحت الشجرة، ¬

(¬1) الإصابة 2: 192-196. (¬2) الإصابة 2: 203. (¬3) الإصابة 2: 239. (¬4) الإصابة "جهم". (¬5) الإصابة 2: 245. (¬6) الإصابة 2: 245.

واختط بمصر واستشهد بالبرلس. وقال في التجريد: شهد فتح مصر، واستشهد سنة ثلاث وخمسين (¬1) . 146- عبادة بن الصامت بن قيس الأنصاري الخزرجي أبو الوليد: شهد العقبتين، وكان أحد النقباء، وشهد بدرا وسائر المشاهد، وكان من سادات الصحابة. وقال ابن الربيع: شهد فتح مصر، ولأهلها عنه عشرة أحاديث. قال: ومات بفلسطين سنة أربع وثلاثين، وله اثنتان وسبعون سنة. قال في التهذيب: مات بالشام في خلافة معاوية، وأمه أسلمت أيضا، وبايعت، واسمها قرة العين بنت عباد بن فضلة الخزرجية؛ وليس في الصحابيات من يسمى بهذا الاسم سواها (¬2) . 147- عبد الله بن أنيس الجهني -قال ابن الربيع: ويقال ابن أنيسة- أبو يحيى المدني. حليف الأنصار، شهد العقبة مع السبعين من الأنصار، وأحدا وما بعدها من المشاهد، ولقبه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سرية وحده. نزل مصر، ورحل إليه جابر بن عبد الله في حديث القصاص (¬3) . مات في خلافة معاوية سنة أربع وخمسين. وفرق الذهبي في التجريد بين الثلاثة، فذكر عبد الله بن أنيسة الجهني حليف الأنصار، وعبد الله بن أنيس السليمي، وعبد الله بن أبي أنيس، رحل إليه جابر في حديث القصاص، فجعلهم ثلاثة (¬4) . 148- عبد الله بن برير بن ربيعة. قال الذهبي: قدم مصر، وروى عنه أبو عبد الرحمن الجبلي. ذكره ابن يونس (¬5) . ¬

(¬1) الإصابة 2: 253. (¬2) تهذيب التهذيب 5: 161. (¬3) في الإصابة: قلت: وحديث جابر عند أحمد وغيره من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب عن جابر، قال: بلغني حديث في القصاص، وصاحبه بغزة، فرحلت إليه مسيرة شهر. (¬4) الإصابة 2: 270. (¬5) الإصابة 2: 273.

149- عبد الله بن الحارث بن جزء (¬1) بن عبد الله بن معديكرب الزبيدي المذحجي. شهد فتح مصر واختط بها، وسكنها، وعمر بها دهرا. مات سنة ست -أو سبع، أو ثمان- وثمانين، بعد أن عمي؛ وهو آخر صحابي مات بها. قال ابن الربيع: لأهل مصر عنه عشرون حديثًا (¬2) . 150- عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي القرشي السهمي أبو حذافة. أسلم قديما، وهاجر إلى الحبشة، وقيل إنه شهد بدرا، وكانت فيه دعابة. قال ابن الربيع: هو من الصحابة البدريين الذين دخلوا مصر، ولا رواية لأهل مصر عنه. قال أبو نعيم: مات بمصر في خلافة عثمان. وذكر ابن أبي نجيح وابن لهيعة أيضا أنه مات بمصر. وقال يحيى بن عثمان. هذا وهم؛ وإنما الذي مات بها خارجة بن حذافة (¬3) . 151- عبد الله بن حوالة الأزدي، أبو حوالة. له صحبة ورواية. قال ابن الربيع: شهد فتح مصر، ولأهلها عنه حديث واحد؛ نزل الأردن سنة ثمان وخمسين، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة (¬4) . 152- عبد الله بن الزبير بن العوام؛ أمير المؤمنين. أبو بكر وأبو خبيب. أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق. هاجرت به حملا، فولدته بعد الهجرة بعشرين يوما. وهو أول مولود ولد في الإسلام بالمدينة. وكان فصيحا ذا لسانة وشجاعة، وكان أطلس لا لحية له. قال ابن الربيع: قدم مصر في خلافة عثمان، وشهد إفريقية، ولأهل مصر عنه حديث واحد، بويع له بالخلافة بعد موت يزيد بن معاوية سنة أربع ستين، ¬

(¬1) ح، ط: "جرم"، تحريف. (¬2) الإصابة 2: 282. (¬3) الإصابة 2: 287. (¬4) الإصابة 2: 293.

وغلب على أهل الحجاز واليمن والعراق ومصر وأكثر الشام؛ فأقام في الخلافة تسع سنين؛ إلى أن قتله الحجاج سنة ثلاث وسبعين (¬1) . 153- عبد الله بن سعد بن أبي سرح -واسمه حسام، وقيل: عريف بن الحارث القرشي العامري أبو يحيى. قال ابن سعد: أسلم قديمًا، وكتب لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الوحي. ثم افتنن، وخرج من المدينة يريد مكة مرتدًا، فأهدر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دمه يوم الفتح، فجاء عثمان بن عفان إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاستأمنه فأمنه، وكان أخاه من الرضاعة، وسأل منه المبايعة، فبايعه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذ على الإسلام، وقال: "الإسلام يجب ما قبله"، ولاه عثمان بن عفان مصر بعد عمرو بن العاص، فنزلها وابتنى بها دارًا، فلم يزل واليًا بها حتى قُتل عثمان. قال ابن الربيع: شهد فتح مصر، ولأهلها عنه حديث واحد، ولم يرو عنه غير أهل مصر -فيما أعلم- مات بعسقلان سنة ست وثلاثين، والحديث الذي رواه في قصة اسكن حراء (¬2) . 154- عبد الله بن سعد "ك". قال ابن سعد في الطبقات: رجل من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. سكن مصر؛ له حديث في مؤاكلة الحائض (¬3) . 155- عبد الله بن سندر "ك"؛ تقدمت الإشارة إليه في أبيه سندر (¬4) ؛ ثم رأيت الذهبي تقدمني إلى ما فطنت إليه؛ فقال في التجريد: عبد الله بن سندر، أبو الأسود الحذامي صحابي، ولأبيه صحبة أيضًا، وروى عنه المصريون (¬5) . ¬

(¬1) الإصابة 2: 301. (¬2) طبقات ابن سعد 7: 496، الاستيعاب 918، الإصابة 2: 308، قال: "وقال البغوي: له عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديث واحد وحرفه". (¬3) طبقات ابن سعد 7: 501؛ والحديث هناك: "سألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن مواكلة الحائض، فقال: "واكلها". (¬4) ص 207. (¬5) الإصابة 3: 214.

156- عبد الله بن شفي الرعيني "ك". قال في التجريد: له وفادة، ثم رجع إلى اليمن مع معاذ، وشهد فتح مصر (¬1) . 157- عبد الله بن شمر -ويقال: شمران- الخولاني. قال في التجريد: له صحبة، شهد فتح مصر (¬2) . 158- عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، أبو العباس، ابن عم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. كان يُسمى البحر لسعة علمه. قال ابن الربيع، دخل مصر في خلافة عثمان، وشهد فتح المغرب، ولأهل مصر عنه أحاديث. مات بالطائف، سنة ثمان وستين، وهو ابن إحدى -أو اثنين- وسبعين. قال مسلم: ما رأيت مثل بني أم واحدة أشرافًا ولدوا في دار واحدة، أبعد قبورًا من بني العباس: عبد الله بالطائف، وعبيد الله بالشام، والفضل بالمدينة، ومعبد وعبد الرحمن بإفريقية، وقثم بمرقند، وكثير بالينبع. وقيل: إن المفضل بأجنادين، وعبد الله باليمن (¬3) . 159- عبد الله بن عديس البلوي، أخو عبد الرحمن. قال في التجريد: نزل مصر، ويقال: إنه بايع تحت الشجرة. وذكره ابن الربيع، وقال: لا يُعرف له رواية عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬4) . 160- عبد الله بن عمر بن الخطاب، أبو عبد الرحمن. قال ابن الربيع: شهد فتح مصر واختط بها دار البركة، ولهم عنه أحاديث. مات بمكة سنة ثلاث وسبعين -وقيل سنة أربع- وله من العمر أربع وثمانون سنة، وقيل: سبعة وثمانون سنة (¬5) . ¬

(¬1) 2: 316. (¬2) الإصابة 2: 317. (¬3) الإصابة 2: 323. (¬4) الإصابة 2: 336. (¬5) الإصابة 2: 336.

161- عبد الله بن عمرو بن العاص، أبو محمد. أسلم قبل أبيه، وكان أصغر منه بإحدى عشرة. قال ابن الربيع: شهد فتح مصر، واختط بها، ولأهلها عنه أكثر من مائة حديث. قال: ومات -فيما ذكره ابن عبد الحكم- بمصر، وقيل: بالشام، وقيل: بعسقلان، ويقال: بمكة سنة خمس وستين، وله اثنان وسبعون سنة. وحكى ابن سعد أنه توفي بمصر، ودفن بداره سنة سبع وسبعين في خلافة عبد الملك. 162- عبد الله بن عَنَمة -بفتح المهملة والنون، وقيل بإسكانها- المزني "ك". قال في التجريد: شهد فتح مصر، وله صحبة. أخرجه ابن يونس (¬1) . 163- عبد الله الغفاري "ك"، قال في التجريد: كان اسمه السائب، فغيره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، له حديث في تاريخ مصر (¬2) . 164- عبد الله بن قيس القيني "ك". قال في التجريد: له صحبة، وشهد فتح مصر، وتوفي سنة تسع وأربعين (¬3) . 165- عبد الله بن مالك الغافقي. روى عنه ثعلبة بن أبي الكنود بمصر. كذا في التجريد (¬4) . 166- عبد الله بن المستورد الأسدي "ك". قال في التجريد: مصري؛ جاء ذكره في حديث لا يصح. روى عنه موسى بن وردان: "أصحابي أمان لأمتي" (¬5) . 167- عبد الله بن هشام بن زهرة التيمي. جد زهرة بن سعيد. شهد فتح مصر، ¬

(¬1) الإصابة 2: 343. (¬2) الإصابة 2: 372. (¬3) الإصابة 2: 353. (¬4) الإصابة 2: 356. (¬5) الإصابة 2: 358.

وله خطة، ولأهل مصر عنه حديث واحد، وهو قول عمر: "لأنت أحب إلي يا رسول الله من نفسي ... ". الحديث؛ وله عنه حكايات. وقال في التجريد: ولد سنة أربع، وله رواية (¬1) . 168- عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق أبو محمد. شقيق عائشة أم المؤمنين. هاجر قبل الفتح. قال ابن الربيع: دخل مصر في سبب أخيه محمد، ولأهل مصر عنه حديث واحد. مات بمكة سنة ثلاث وخمسين. وقيل سنة خمس أو ست (¬2) . 169- عبد الرحمن بن شرحبيل بن حسنة، أخو ربيعة. قال في التجريد: له رواية. وشهد فتح مصر. وكذا قاله ابن الربيع. 170- عبد الرحمن بن العباس بن عبد المطلب "ك"، ابن عم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ولد على عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقتل بإفريقية. 171- عبد الرحمن بن عديس بن عمرو البلوي. قال ابن الربيع: شهد فتح مصر، ولهم عنه حديث واحد، متنه: "يخرج أناس من أمتي يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فيقتلون بجبل لبنان -أو الخليل". لم يرو عنه غير أهل مصر. توفي بالشام سنة ست وثلاثين. وقال في التجريد: بايع تحت الشجرة؛ روى عنه جماعة. وكان أحد الجيش القادم من مصر لحصار عثمان (¬3) . 172- عبد الرحمن بن عسيلة الصالحي "ك". ذكره ابن منده في الطبقة الأولى من ¬

(¬1) الإصابة 2: 369. (¬2) الإصابة 2: 384. (¬3) الإصابة 2: 403.

التابعين من أهل مصر. وروى عنه، أنه قال: ما فاتني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا بخمس ليال، توفي وأنا بالجحفة، فقدمت على أصحابه متوافرين. وذكره جماعة في الصحابة. قال في التهذيب: مختلف في صحبته. 173- عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب، شقيق عبد الله وحفصة. قال في التجريد: أدرك النبوة. وفي طبقات ابن سعد: أنه كان بمصر غازيا (¬1) . 174- عبد الرحمن بن غنم الشعري. قال ابن الربيع: له صحبة، دخل مصر في زمن مروان، ولأهلها عنه حديث واحد. وقال في التجريد: أسلم في زمن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصحب معاذا. وقال بعضهم: وفد مع جعفر إذ هاجر إلى الحبشة. وقال في التهذيب: مختلف في صحبته، مات سنة ثمان وسبعين (¬2) . 175- عبد الرحمن بن معاوية. قال في التجريد: قيل: له صحبة، ولا يصح، وروى عنه سويد بن قيس (¬3) . 176- عبد رضا الخولاني "ك"، بضم الراء وفتح الضاد، ضبطه ابن ماكولا. يكنى أبا مكنف. قال في التجريد: له وفادة. 177- عبد العزيز بن سخبرة الغافقي. قال ابن الربيع: شهد فتح مصر، هو وابنه شفعة، وكان اسمه عبد العزى، فسماه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبد العزيز. قاله الذهبي في تجريده (¬4) . ¬

(¬1) الإصابة 2: 405، وفيه: "عبد الرحمن الأكبر". (¬2) الإصابة 2: 410. (¬3) الإصابة 2: 415. (¬4) الإصابة 2: 420.

178- عبيد بن قشير "ك" قال في التجريد: مصري، روى عنه لهيعة ابن عقبة. 179- عبيد بن محمد "ك"، أبو أمية المعافري. قال في التجريد: شهد فتح مصر، له صحبة؛ ويقال: إنه أول من قرأ القرآن بمصر (¬1) . 180- عبيد بن عمر بن صالح الرعيني "ك". قال في التجريد: صحابي، شهد فتح مصر. قاله ابن يونس (¬2) . 181- عبيد بن الندر -بضم النون وفتح الدال المهملة- السلمي. قال ابن الربيع: شهد فتح مصر، ولأهلها عنه حديث واحد. وقال في التهذيب: شامي، له صحبة ورواية. مات سنة أربع وثمانين؛ حديثه في سنن ابن ماجه. 182- عثمان بن عفان أمير المؤمنين أبو عمر الأموي. قال ابن الربيع: دخل مصر في الجاهلية للتجارة، وصار إلى الإسكندرية (¬3) . 183- عثمان بن قيس بن العاص السهمي "ك". قال في التجريد: شهد فتح مصر مع أبيه، وهو أول من قضى بمصر، وكان شريفا سريا. قيل: له صحبة، قاله ابن يونس. وقال في مرآة الزمان: هو أول من بنى بمصر دارا للضيافة للناس (¬4) . 184- عجري بن مانع السكسكي. قال في التجريد: صحابي، نزل مصر، ولا رواية له (¬5) . ¬

(¬1) الإصابة 2: 439. (¬2) الإصابة 2: 438. (¬3) الإصابة 2: 455. (¬4) الإصابة 2: 457. (¬5) الإصابة 2: 458.

185- عدي بن عَميرة -بفتح أوله- الكندي، أبو زرارة. قال ابن الربيع: شهد فتح مصر، ولهم عنه حديث. روى عنه ابنه عدي. قال الواقدي: مات بالكوفة سنة أربعين (¬1) . 186- العُرْس -بضم أوله وسكون الراء- بن عَميرة الكندي. أخو الذي قبله. قال ابن الربيع: شهد فتح مصر، ولأهل مصر عنه حديثان. روى عنه ابن أخيه عدي وغيره (¬2) . 187- عروة الفقيمي التميمي. أبو غاضرة. قال البخاري: حديثه في المصريين. روى عنه ابنه غاضرة (¬3) . 188- عسجدي بن مانع السكسكي "ك". قال في التجريد: شهد فتح مصر. قاله ابن يونس. قلت: تقدم عجري بن مانع؛ فالظاهر أنهما واحد، وأحد الاثنين مصحف. 189- عقبة بن بحرة الكندي، ثم التجيبي المصري. صحب أبا بكر؛ وكانت معه راية كندة يوم اليرموك. ذكره في التجريد. 190- عقبة بن الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف المكي. أبو سروعة بن مسلمة الفتح. قال ابن الربيع: شهد فتح مصر؛ وهو الذي شرب بها مع عبد الرحمن بن عمر الخمر. وله رواية عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وليس لأهل مصر عنه شيء (¬4) . قلت: حديثه في البخاري والسنن. ¬

(¬1) الإصابة 2: 463. (¬2) الإصابة 2: 466. (¬3) الإصابة 2: 471. (¬4) الإصابة 2: 481.

191- عقبة بن الحارث الفهري، أمير المغرب لمعاوية ويزيد. قال في التجريد: قال ابن يونس: يقال له صحبة، ولم يفتح. 192- عقبة بن عامر بن عبس الجهني. أبو عمرو؛ أحد مشاهير الصحابة. قال في التجريد: كان من أحسن الناس صوتا بالقرآن. وقال في العبر: كان مقرئا فصيحا مفوها من فقهاء الصحابة. قال الذهبي: صحابي شهد فتح مصر، ويقال: فتح أحدا (¬1) . 193- عقبة بن كريم الأنصاري. ذكره ابن عبد الحكم فيمن دخل مصر من الصحابة، قال ابن الربيع: لأهل مصر عنه نحو مائة حديث؛ مات بمصر سنة ثمان وخمسين (¬2) . 194- عقبة بن نافع الفهري. أمير المغرب، قال في التجريد: ولد على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لا تصح له صحبة. وقد ذكره ابن الربيع فيمن شهد مصر من الصحابة، ولا يُعرف له حديث. وقال الذهبي أيضا: عقبة بن رافع -وقيل: ابن نافع- بن عبد القيس بن لقيط القرشي الفهري الأمير، شهد فتح مصر، وولي إمرة المغرب، استشهد بإفريقية. قال ابن كثير: اختط القيروان، ولم يزل بها إلى سنة اثنتين وستين، فغزا قوما من البربر، فقُتل شهيدا. قال ابن عبد الحكم: حدثنا عبد الملك بن مسلمة، حدثنا الليث بن سعد، أن عقبة بن نافع غزا إفريقية، فأتى وادي القيروان، فبات عليه هو وأصحابه؛ حتى إذا أصبح وقف على رأس الوادي، فقال: يا أهل الوادي؛ اظعنوا فإنا نازلون، قال ¬

(¬1) الإصابة 2: 482. (¬2) فتوح مصر 109.

ذلك ثلاث مرات، فجعلت الحيات تنساب والعقارب وغيرها، مما لا يُعرف من الدواب، تخرج ذاهبة، وهم قيام ينظرون إليها من حين أصبحوا حتى أوجعتهم الشمس؛ وحتى لم يروا منها شيئا، فنزلوا الوادي عند ذلك. قال الليث: فحدثني زياد بن عجلان أن أهل إفريقية أقاموا بعد ذلك أربعين سنة، ولو التمست حية أو عقربا بألف دينار ما وجدت (¬1) . 195- عكرمة بن عبيد الخولاني "ك". قال في التجريد: له ذكر في الصحابة، شهد فتح مصر (¬2) . 196- العلاء بن أبي عبد الرحمن بن يزيد بن أنيس الفهري "ك". قال ابن عبد الحكم: يزعمون أنه قد رأى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقدم مصر بعد موت أبيه هو وأخوه، وعاد إلى المدينة فقتل بالحرة. انتهى (¬3) . وقال في التجريد: رأى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونزل مصر، وتُرك له بها عقب (¬4) . 197- علَسَة بن عدي البلوي. قال في التجريد: بايع تحت الشجرة ونزل مصر، روى عنه ابنه الوليد وغيره (¬5) . 198- علقمة بن جنادة الأزدي "ك" الحجري. قال: الذهبي صحابي شهد فتح مصر، وولي البحر لمعاوية. توفي سنة تسع وخمسين (¬6) . 199- علقمة بن رمثة البلوي. قال البخاري: حديثه في المصريين وقال ابن الربيع: شهد فتح مصر، ولأهلها عنه حديث واحد. ¬

(¬1) الإصابة 3: 80. (¬2) الإصابة 2: 490. (¬3) فتوح مصر 313. (¬4) كذا في الأصل، وفي ح، ط، "ونزل له عقبًا". (¬5) الإصابة 2: 494. (¬6) الإصابة 2: 494.

قال الذهبي: بايع تحت الشجرة (¬1) . وقال الحسيني في رجال السند: مصري له صحبة ورواية، روى عنه زهير بن قيس البلوي. 200- علقمة بن سمي الخولاني "ك". قال الذهبي: صحابي، شهد فتح مصر، ولا يُعرف له رواية (¬2) . 201- علقمة بن يزيد المرادي ثم الغطيفي. قال الذهبي: وله وفادة، وشهد فتح مصر، وولي الإسكندرية زمن معاوية (¬3) . 202- عمار بن ياسر العبسي أبو اليقظان. أحد السابقين الأولين. قال ابن الربيع: دخل مصر رسولا من قبل عثمان بن عفان وصار إلى صقلية، ولأهل مصر عنه حديث واحد. قتل بصفين سنة سبع وثلاثين، وهو ابن ثلاث وتسعين سنة، بتقديم التاء على السين (¬4) . 203- عمارة -ويقال عمار- بن شبيب السبأي. قال في التجريد: قدم مصر (¬5) ، روى عنه أبو عبد الرحمن الشيباني الجبلي. حديثه في الترمذي. قال ابن يونس: الحديث مرسل. وقال في التهذيب: مختلف في صحبته (¬6) . 204- عمر بن الخطاب أمير المؤمنين. رأيت في بعض الكتب أنه دخل مصر ¬

(¬1) فتوح مصر 302. (¬2) الإصابة 2: 496. (¬3) الإصابة 2: 500. (¬4) الإصابة 2: 505-506. (¬5) ضبطه في التقريب: "بفتح المهملة والموحدة وهمزة مقصورة". (¬6) الإصابة 2: 508، تهذيب التهذيب 7: 408.

في الجاهلية، ورأى بها الخيام تضرب؛ ولم أقف على ما يصحح ذلك في كلام أحد من أهل الحديث (¬1) . 205- عمرو بن مالك الأنصاري. قال في التجريد: نزل مصر، روى عنه يزيد بن أبي حبيب، عن لهيعة عن عقبة عنه (¬2) . 206- عمرو بن الحمق بن كاهن بن حبيب الخزاعي. قال البخاري: حديثه في المصريين. وقال ابن الربيع: دخل مصر في خلافة عثمان، ولهم عنه حديث في الجند الغربي (¬3) . وقال التهذيب: بايع في حجة الوداع، وصحب بعد ذلك، وقتل بالحرة (¬4) . وقال ابن سعد: كان فيمن سار إلى عثمان، وأعان على قتله، ثم قتله عبد الرحمن بن أم الحكم (¬5) . وعن الشعبي قال: أول رأس حُمِل في الإسلام رأس عمرو بن الحمق. وقال ابن كثير: أسلم قبل الفتح وهاجر، وكان من جملة من أعان حجر بن عدي فتطلبه زياد، فهرب إلى الموصل، فبعث معاوية إلى نائبها، فوجده قد اختفى في غار فنهشته حية، فمات، فقُطِع رأسه، وبُعث به إلى معاوية، فطيف به في الشام وغيرها، فكان أول رأس طيف به. قال: وورد في حديث أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا له أن يمتعه الله بشبابه، فبقي ثمانين سنة لا تُرى في لحيته شعرة بيضاء. ¬

(¬1) الإصابة 2: 513. (¬2) الإصابة 3: 14. (¬3) الإصابة 2: 426. (¬4) تهذيب التهذيب 3: 14. (¬5) طبقات ابن سعد 6: 25.

207- عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية الأموي أبو أمية المعروف بالأشدق. قال ابن كثير: يقال إنه رأى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وروى عنه حديثين. دخل مصر مع مروان، وقتله عبد الملك سنة تسع وستين. وقيل: سنة سبعين (¬1) . 208- عمرو بن شغو اليافعي. قال الذهبي: شهد فتح مصر، وعد في الصحابة. 209- عمرو بن العاص بن وائل السهمي أبو عبد الله، وقيل أبو محمد. أمير مصر وصاحب فتحها، أسلم بأرض الحبشة عند النجاشي، ثم قدم في صفر سنة ثمان، ومات بمصر ليلة عيد الفطر سنة ثلاث وأربعين وهو ابن تسعين سنة. وقال ابن الجوزي: عاش نحو مائة سنة، ودفن بالمقطم، في ناحية الفج؛ وكان طريق الناس إلى الحجاز. قال ابن الربيع: لأهل مصر عنه نحو عشرة أحاديث، وقد روى الترمذي عن طلحة بن عبيد الله: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "إن عمرو بن العاص من صالحي قريش" (¬2) . 210- عمرو بن مرة الجهني: قال ابن الربيع: شهد فتح مصر، ولهم عنه حديث روى عنه عيسى بن طلحة (¬3) . وقال في التهذيب: يكنى أبا طلحة، أسلم قديما، وشهد المشاهد، وكان قوالا بالحق. مات في خلافة عبد الملك (¬4) . 211- عمرو الجني. قال في التجريد: روى عنه عثمان بن صالح المصري: قال: ¬

(¬1) الإصابة 2: 531. (¬2) 3: 2. (¬3) الإصابة 3: 2-3. (¬4) الإصابة 3: 16.

وأوردناه اقتداء بأبي موسى؛ لأن الجن آمنوا برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو مرسل إليهم (¬1) . 212- عمير بن وهب الجمحي أبو أمية. ذكره ابن عبد الحكم فيمن شهد فتح مصر (¬2) . قال الذهبي: من أبطال قريش قدم المدينة ليغدر برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 213- عنبسة بن عدي أبو الوليد البلوي. بايع تحت الشجرة، وشهد فتح مصر، ورجع إلى الحجاز. قاله ابن الربيع وابن يونس والذهبي. 314- عنيس بن ثعلبة بن هلال بن عنبس البلوي. له صحبة، بايع تحت الشجرة، وشهد فتح مصر. ذكره ابن الربيع وابن يونس (¬3) . 215- عوف بن مالك الأشجعي الغطفاني. شهد فتح مكة. قال الواقدي: شهد فتح خيبر، وكانت راية أشجع معه يوم الفتح، وتحول إلى الشام، ومات سنة ثلاث وسبعين. قال ابن الربيع: دخل مصر مع معاوية، ولأهلها عنه حديثان (¬4) . 216- عوف بن نجوة -بالنون والجيم- قال في التجريد: شهد فتح مصر ولا رواية له (¬5) . 217- عياض بن سعيد الأزدي الحجري. قال في التجريد: شهد فتح مصر، ولم يرو شيئًا (¬6) . ¬

(¬1) الإصابة 3: 35. (¬2) فتوح مصر 108. (¬3) الإصابة 3: 123. (¬4) الإصابة 3: 43. (¬5) الإصابة 3: 123. (¬6) الإصابة 3: 48.

حرف الغين:

حرف الغين: 218- غرفة بن الحارث الكندي، أبو الحارث اليماني. شهد فتح مصر ولهم عنه حديث. وقال الذهبي: سكن مصر، وهو نقل حديثه في سنن أبي داود (¬1) . وقال المزي: له صحبة ووفاة ورواية. وقال البخاري في كتاب الصحابة: كندي حديثه في المصريين (¬2) . 219- غني بن قطيب "ك". قال في التجريد: شهد فتح مصر، وذُكر في الصحابة، ولا نعرف له رواية. قاله ابن يونس (¬3) . حرف الفاء: 220- فضالة بن عبيد الله بن نافد بن قيس الأنصاري الأوسي أبو محمد. شهد أحد والحديبية، وولي قضاء دمشق لمعاوية. قال ابن الربيع: شهد فتح مصر ولأهلها عنه نحو عشرين حديثا. مات سنة ثلاث وخمسين، وقيل: سنة خمس وخمسين (¬4) . 221- فضالة الليثي. قال البخاري في كتاب الصحابة: حديثه في المصريين (¬5) . وقال في التهذيب: له صحبة ورواية، وفي اسم أبيه خلاف؛ روى عنه ابنه عبد الله وأبو حرب بن أبي الأسود (¬6) . ¬

(¬1) الإصابة 3: 182. (¬2) تهذيب التهذيب 8: 244. (¬3) الإصابة 3: 185. (¬4) الإصابة 3: 201. (¬5) الإصابة 3: 203. (¬6) تهذيب التهذيب 26 88.

حرف القاف:

حرف القاف: 222- قتادة بن قيس الصدفي "ك". قال الذهبي: له صحبة، شهد فتح مصر (¬1) . 223- قدامة بن مالك "ك"، من ولد سعد العشيرة. قال الذهبي: له وفادة، وشهد فتح مصر (¬2) . 223- قيس بن ثور الكندي السكوني. نزل حمص، روى عنه سويد بن قيس المصري (¬3) . 224- قيس بن سعد بن (¬4) عبادة الأنصاري أبو عبد الله. صحابي من زهاد الصحابة وكرمائهم. قال ابن الربيع: شهد فتح مصر، واختط بها، ولهم عنه أحاديث. قال أنس: كان قيس بن سعد بن عبادة من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير. أخرجه البخاري، ولي إمرة مصر في خلافة علي بن أبي طالب، ومات بالمدينة سنة تسع وخمسين. وكان سيدا كريما ممدوحا شجاعا مطاعا. قالت له عجوز: أشكو إليك قلة الجرذان، فقال: ما أحسن هذه الكناية! املئوا بيتها خبزا ولحما وسمنا وتمرا. وكانت له صحفة يدار بها حديث دار، وينادي له مناد: هلموا إلى اللحم والثريد. وكان أبوه وجده من قبله يفعلان كفعله. وكان مديد القامة جدا، كتب ملك الروم إلى معاوية، أن أبعث إلى سراويل أطول رجل من العرب، فأخذ سراويل قيس، فوضعت على أنف أطول رجل في الجيش، فوقعت بالأرض. وفي رواية: إن ملك الروم بعث برجلين من جيشه، يزعم أن أحدهما أقوى الروم، والآخر أطول الروم، وقال: إن كان في جيشك من يفوقهما؛ هذا في قوته، وهذا ¬

(¬1) الإصابة 3: 216. (¬2) الإصابة 3: 219. (¬3) الإصابة 3: 258. (¬4) ساقط من ح، ط.

في طوله، بعثت إليك من الأسارى كذا وكذا؛ وإن لم يكن في جيشك من يشبههما فهادني ثلاث سنين، فدعا للقوي بمحمد بن الحنفية، فجلس وأعطى الرومي يده، فاجتهد الرومي بكل ما يقدر عليه من القوة أن يزيله عن مكانه، أو يحركه ليقيمه؛ فلم يجد إلى ذلك سبيلا، ثم جلس الرومي، وأعطى ابن الحنفية يده، فما لبث أن أقامه سريعا ورفعه إلى الهواء، ثم ألقاه إلى الأرض. فسر بذلك معاوية سرورا عظيما، ودعا بسراويل قيس بن سعد، وأعطاها الرومي الطويل فلبسها، فبلغت إلى ثدييه، وأطرافها تخط الأرض، فاعترف الرومي بالغلب، وبعث ملكهم بما كان التزمه لمعاوية. قال محمد بن الربيع: أدرك الإسلام عشرة، طول كل رجل منهم عشرة أشبار؛ عبادة بن الصامت، وسعد بن معاذ، وقيس بن سعد بن عبادة، وجرير بن عبد الله البجلي، وعدي بن حاتم الطائي، وعمرو بن معديكرب الزبيدي، والأشعث بن قيس الكندي، ولبيد بن ربيعة، وأبو زيد الطائي، وعامر بن الطفيل -ويقال: طلحة (¬1) بن خويلد. 225- قيس بن أبي العاص بن قيس عدي السهمي. قال الذبي: ولي قضاء مصر لعمر بن الخطاب، وهو من مسلمة الفتح (¬2) . 226- قيس بن عدي السهمي اللخمي الراشدي. ذكره الذهبي في التجريد، قال: ولا أعلم له صحبة، لكنه شريف، شهد فتح مصر. وكان طليعة لعمرو بن العاص؛ وكان ممن شيعه إلى مصر (¬3) . 227- قيسبة -بتحتانية مثناة ساكنة، ثم مهملة مفتوحة ثم موحدة- بن كلثوم. ¬

(¬1) الإصابة 3: 239. (¬2) الإصابة 3: 243. (¬3) ح، ط: "على"، وصوابه في الإصابة 3: 245.

حرف الكاف:

ذكره ابن الربيع فيمن دخل مصر من الصحابة. وقال الذهبي: له وفادة، وشهد فتح مصر، عداده في كندة، وكان شريفا مطاعا في قومه (¬1) . حرف الكاف: 228- كثير بن أبي الأزدي. قال. الذهبي: له صحبة، نزل مصر، وروى عنه عقبة بن مسلم. وقال ابن الربيع: لهم عنه حديث. 229- كريب بن أبرهة بن الصباح الأصبحي العامري أبو رشدين. ذكره ابن عبد البر في الصحابة، وقال: لم نجد له رواية إلا عن الصحابة، شهد الجابية، وولي رابطة الإسكندرية لعبد العزيز بن مروان، ومات بمصر سنة ثمان وسبعين، وقيل: خمس، وقيل: سبع وسبعين (¬2) . 230- كعب بن عاصم الأشعري "ك"؛ أبو مالك. شامي، وقيل: نزل مصر، كذا في التجريد. وقال في التهذيب: كعب بن عاصم، له صحبة ورواية، روى عنه جابر وأم الدرداء؛ والصحيح أنه غير أبي مالك الأشعري الذي يروي عنه الشاميون، فإن ذاك مشهور بكنيته، مختلف في اسمه. وقال البغوي: سكن مصر (¬3) . 231- كعب بن عدي بن حنظلة التنوخي؛ من أهل الحيرة، قال ابن الربيع: شهد فتح مصر، ولهم عنه حديث (¬4) . ¬

(¬1) الإصابة 2: 253. (¬2) الإصابة 3: 295، الاستيعاب 1332. (¬3) الإصابة 3: 280، تهذيب التهذيب 8: 434. (¬4) الاستيعاب 1322.

حرف اللام:

وقال الذهبي: كان شريك عمر في الجاهلية، فأرسله سنة خمس عشرة إلى المقوقس، ثم روى عنه أنه قدم على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسمع كلامه وقراءته وصلاته، ومات قبل أن يسلم، فأسلم بعده. قال: فهو على هذا من التابعين الذين حديثهم موصول (¬1) . قلت: الأثر أخرجه ابن الربيع من وجه آخر، وفيه التصريح بأنه أسلم في حياة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد سقته في قصة المقوقس. 232- كعب بن يسار بن ضنة العبسي المخزومي. قال ابن الربيع: لأهل مصر عنه حديث. وقال الذهبي: شهد فتح مصر، وولي القضاة. وقال سعيد بن عفير: وهو أول قاضٍ بمصر، وكان قاضيًا في الجاهلية: وأما عمار بن سعد التجيبي، فروى أن عمر كتب إلى عمرو بن العاص ليوليه القضاء، فقال كعب: لا ينجيني الله من ذلك في الجاهلية ثم أعود إليه؛ وأبى أن يقبل (¬2) . حرف اللام: 233- لبدة بن كعب "ك" أبو تريس -بمثناة من فوق ثم راء وآخره مهملة، بوزن عظيم. قال في التجريد: حج في الجاهلية، وصلى خلف ابن عمر. عداده في المصريين (¬3) . ¬

(¬1) الإصابة 3: 282. (¬2) الإصابة 3: 286. (¬3) الإصابة 1: 314.

حرف الميم:

234- لبيد بن عقبة التجيبي، قال الذهبي: نزل مصر، وشهد فتحها، عداده في الصحابة، ولم يرو (¬1) . 235- لصيب بن جشم بن حرملة. قال الذهبي ذكر في الصحابة، وشهد فتح مصر (¬2) . 336- لقيط بن عدي اللخمي "ك". قال الذهبي: من الصحابة المعدودين بمصر، كان على كمين جيش عمرو بن العاص وقت فتح مصر (¬3) . 237- ليشرح بن لحي، أبو محمد الرعيني "ك". قال الذهبي: مكتوب في الصحابة، شهد فتح مصر (¬4) . حرف الميم: 238- مأبور الخصي. قال الذهبي: أهداه المقوقس مع مارية وسيرين. قاله مصعب (¬5) . 239- مالك بن زاهر -وقيل أزهر- ذكره ابن الربيع فيمن دخل مصر من الصحابة، قال: ولهم عنه حديث. وقال في التجريد: أدرك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬6) . 240- مالك بن أبي سلسلة الأزدي "ك". قال في التجريد: أحد الأبطال، شهد فتح مصر مع عمرو بن العاص، فكان أول الناس صعودًا للحصن (¬7) . ¬

(¬1) الإصابة 3: 307. (¬2) الإصابة 3: 310. (¬3) الإصابة 3: 312. (¬4) الإصابة 3: 313. (¬5) الإصابة 3: 315، وفيه: "القبطي الخصي قريب مارية". (¬6) الإصابة 3: 324. (¬7) الإصابة 3: 460.

241- مالك بن عبد الله -ويقال ابن عبدة- المعافري. قال في التجريد: مصري له أحاديث في مصنف ابن أبي عاصم (¬1) . 242- مالك بن عتاهية بن حرب الكندي التجيبي. قال ابن الربيع: شهد فتح مصر ولهم عنه حديث. قال الذهبي: مصري له حديث واحد في مسند أحمد. وقال الحسيني: له صحبة ورواية، عداده في أهل مصر، وبها كان سكناه (¬2) . 243- مالك بن قدامة. ذكره ابن الربيع فيمن دخل مصر من الصحابة، وقال: بايع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وذكر ابن وزير أنه من أهل مصر. انتهى. وهو أنصاري أوسي بدري، اسم أمه عرفجة (¬3) . 244- مالك بن هبيرة بن خالد الكندي السكوني التجيبي. قال ابن الربيع: شهد فتح مصر، ولهم عنه حديث. قال في التهذيب: له صحبة ورواية. وقال الذهبي: عداده في المصريين، روى عنه مرثد اليزني، وولي حمص سنة اثنتين وخمسين، وكان من أمرائها. مات زمن مروان بن الحكم (¬4) . 245- مالك بن هدم التجيبي "ك". قال في التجريد: مصري، روى عنه ربيعة بن لقيط، له حديث (¬5) . 246- مبرح بن شهاب بن الحارث اليافعي -ويقال الرعيني- أحد وفد رعين. ¬

(¬1) الإصابة 3: 328. (¬2) الإصابة 3: 328. (¬3) الإصابة 3: 333. (¬4) الإصابة 3: 337. (¬5) الإصابة 3: 337.

قال في التجريد: نزل مصر، وكان على ميسرة عمرو بن العاص يوم دخل مصر، وخطته بالجيزة معروفة (¬1) . 247- محمد بن إياس بن البكير "ك". قال ابن منده: له إدراك (¬2) . 248- محمد بن بشير الأنصاري. قال ابن الربيع: شهد فتح مصر. وقال في التجريد: له حديث في ذم البناء، روى عنه ابن يحيى (¬3) . 249- محمد بن أبي بكر الصديق. ولد في حجة الوداع في حياة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وولي إمرة مصر من قبل عليّ، وقتل بها سنة ثمان وثلاثين (¬4) . 250- محمد بن جابر بن غراب. قال الذهبي: يعد في الصحابة، شهد فتح مصر. قاله ابن يونس (¬5) . 251- محمد بن أبي حبيب المصري ذكره ابن الربيع فيمن دخل مصر من الصحابة، وروى له حديثًا من رواية عبد الله بن السعدي، متنه: "لا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار". قال ابن أبي حاتم: روى عنه أبو إدريس الخولاني أيضًا (¬6) . 252- محمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس أبو القاسم "ك". قال في التجريد: ولد بالحبشة، أقام بمصر مدة، وكان أحد المستنفرين على عثمان رضي الله تعالى عنه، ولما بلغه حصر عثمان تغلب على مصر، وأخرج منها عبد الله بن أبي سرح، وصلى بالناس فيها، ثم قُتل سنة ست وثلاثين. وقيل بعدها، وهو ابن خال معاوية (¬7) . 253- محمد بن علية القرشي "ك": قال في التجريد: عداده في المصريين (¬8) . ¬

(¬1) الإصابة 3: 339. (¬2) الإصابة 3: 451. (¬3) الإصابة 3: 351. (¬4) الإصابة 3: 451. (¬5) الإصابة 3: 351. (¬6) الإصابة 3: 353، وهناك: "محمد بن حبيب النصري، ويقال: المصري". (¬7) الإصابة 3: 353. (¬8) الإصابة 3: 360 وضبط أباه: "بضم المهملة وسكون اللام".

254- محمد بن عمرو بن العاص السهمي "ك": قال العدوي: له صحبة، توفي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وله حديث ذكره في التجريد (¬1) . 255- محمد بن مسلمة بن خالد بن عدي الأنصاري الأوسي الحارثي أبو عبد الرحمن -وقيل: أبو عبد الله- شهد بدرًا والمشاهد كلها، وكان من فضلاء الصحابة، واستخلفه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بعض غزواته. قال ابن الربيع: قدم مصر رسولًا من عمر إلى عمرو بن العاص، يقاسمه ماله. مات بالمدينة في صفر سنة ثلاث وأربعين، وله سبع وسبعون سنة (¬2) . 256- محمود بن ربيعة الأنصاري "ك": قال في التجريد: يخرج حديثه على المصريين والخراسانيين، ذكره ابن عبد البر (¬3) . 257- محمية بن جزء الزبيدي. حليف بني جمح، وهو ابن عم عبد الله بن الحارث بن جزء من مهاجرة الحبشة. قال ابن الربيع: شهد فتح مصر. وقال ابن سعد: تحول إلى مصر، فنزلها (¬4) . 258- مروان بن الحكم بن أبي العاص الأموي أبو عبد الملك، ويقال أبو الحكم، ويقال أبو القاسم. قال ابن كثير: صحابي عند طائفة كثيرة؛ لأنه ولد في حياة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتوفي وله ثماني سنين. وقال غيره: مختلف في صحبته، ولد بعد الهجرة بسنتين أو نحوهما، ولم يحصل له رواية؛ لأنه خرج مع أبيه إلى الطائف، فأقام بها، ودخل مصر، وكان كاتبًا لعثمان، وبويع له بالخلافة بعد موت معاوية بن يزيد، فأقام تسعة أشهر، ومات بدمشق في رمضان سنة خمس وستين. ¬

(¬1) الإصابة 3: 361-455. (¬2) الإصابة 3: 363. (¬3) الإصابة 3: 366، الاستيعاب. (¬4) ابن سعد 4: 198، 7: 497، الإصابة 3: 369.

قال ابن عساكر: وذكر سعيد بن عفير أنه مات حين انصرف من مصر بالصيرة، ويقال بلد (¬1) . 259- المستورد بن سلامة بن عمرر الفهري "ك". قال ابن يونس: هو صحابي، شهد فتح مصر، واختط بها، وتوفي بالإسكندرية سنة خمس وأربعين، روى عنه علي بن رباح وأبو عبد الرحمن الجيلي. ذكره في التجريد. 260- المستورد (¬2) بن شداد بن عمرو القرشي الفهري. صحابي نزل الكوفة ثم مصر، روى عنه جماعة. كذا ذكره في التجريد بعد ذكره الذي قبله. وذكر ابن الربيع هذا فقط، وقال: شهد فتح مصر، واختط بها، ولهم عنه أحاديث (¬3) . 261- مسروح بن سندر الخصي. مولى زنباع بن روح الجذامي. قال الذهبي: له صحبة، نزل مصر، وهو أبو الأسود، سماه ابن يونس (¬4) . 262- مسعود بن الأسود البلوي -وقيل العدوى. قال الذهبي: بايع تحت الشجرة، يعد في المصريين، وغزا إفريقية (¬5) . 263- مسعود بن أوس بن زيد بن أصرم الأنصاري البخاري أبو محمد. بدري، ذكره ابن الربيع فيمن دخل مصر من الصحابة. قال الذهبي: قيل إنه شهد صفين مع عليّ (¬6) . 264- مسلمة بن مخلد -بوزن محمد- بن الصامت الأنصاري الزرقي أبو معمر. ولد عام الهجرة. قال ابن الربيع: شهد فتح مصر، واختط بها، ولهم عنه حديثان، مات ¬

(¬1) الإصابة 3: 383. (¬2) 3: 494. (¬3) الإصابة 3: 387. (¬4) الإصابة 3: 387. (¬5) الإصابة 3: 389. (¬6) الإصابة 3: 495.

بمصر سنة اثنتين وستين، وقيل مات بالإسكندرية (¬1) . وقال ابن سعد: مات بالمدينة، تحول من مصر إليها، وقد ولي إمرة مصر زمن معاوية (¬2) . قال الذهبي: له صحبة ورواية يسيرة. وقال ابن كثير: مات بمصر في ذي القعدة (¬3) . 265- المسور بن مخرمة بن نوفل الزهري أبو عبد الرحمن. له ولأبيه صحبة، وأمه عاتكة أخت عبد الرحمن بن عوف. قال ابن الربيع: دخل مصر لغزو المغرب. مات سنة أربع وستين (¬4) . 266- المسيب بن حزن بن أبي وهب المخزومي "ك". والد سعيد بن المسيب، وله ولأبيه صحبة ورواية، ذكره الواقدي فيمن دخل مصر لغزو المغرب. قاله ابن عبد الحكم (¬5) . 267- مطعم بن عبيد البلوي. قال ابن الربيع: شهد فتح مصر. وقال الذهبي: مصري له صحبة، وروى عنه ربيعة بن لقيط (¬6) . 268- المطلب بن أبي وداعة الحارث بن ضبيرة القرشي، أبو عبد الله السهمي. له ولأبيه صحبة، وهما من مسلمة الفتح. قال ابن الربيع: دخل مصر لغزو المغرب، فيما ذكره الواقدي (¬7) . ¬

(¬1) الإصابة 3: 389. (¬2) طبقات ابن سعد 7: 504. (¬3) البداية والنهاية 217. (¬4) الإصابة 3: 399. (¬5) الإصابة 3: 400، فتوح مصر 319. (¬6) الإصابة 3: 404، وفيه: "معطم بن عبدة". (¬7) الإصابة 3: 405.

269- معاذ بن أنس الجهني. قال ابن الربيع: شهد فتح مصر، ولهم عنه ستة وأربعون حديثًا. قال المزي: له صحبة ورواية، لم يرو عنه سوى ابنه سهل فقط (¬1) . وقال ابن سعد والذهبي: سكن مصر، روى عنه ابنه أحاديث كثيرة (¬2) . 270- معاوية بن حديج السكوني التجيبي، وقيل: الكندي، وقيل: الخولاني. قال ابن الربيع: شهد فتح مصر، وهو الوافد على عمر بفتح الإسكندرية (¬3) . وقال البخاري: نزل مصر، ومات قبل عبد الله بن عمر. وقال الذهبي: يعد في المصريين، مشهور، وهو قاتل محمد بن أبي بكر. وقال المزني: ذكر البخاري وأبو حاتم، وغير واحد. له صحبة ووفادة ورواية. وقال ابن كثير: مات بمصر سنة اثنتين وخمسين (¬4) . 271- معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب الأموي أمير المؤمنين أبو يزيد. قال ابن الربيع: دخل مصر، وبلغ إلى سلمنت من كور عين شمس، ورجع من ثم. ولهم عنه حديثان. مات بدمشق في رجب سنة ست وستين، وله اثنتان وثمانون سنة (¬5) . 272- معبد بن العباس بن عبد المطلب "ك"، ابن عم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ذكره ابن عبد الحكم فيمن دخل مصر لغزو المغرب (¬6) . قال الذهبي: ولد على عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واستشهد بإفريقية في زمن عثمان شابًّا. ¬

(¬1) تهذيب التهذيب 10: 186. (¬2) طبقت ابن سعد 7: 502. (¬3) الإصابة 3: 411، قال: "حديج، بمهملة ثم جيم مصغرًا". (¬4) البداية والنهاية 8: 60. (¬5) الإصابة 3: 412. (¬6) فتوح مصر.

273- معن بن حرملة المدلجي -ويقال حرملة بن معن- له صحبة. قال ابن يونس: معن أصح (¬1) . 274- معيقيب بن أبي فاطمة الدوسي. أسلم قديمًا، وهاجر الهجرتين، وشهد بدرا، وكان على خاتم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واستعمله أبو بكر وعمر على بيت المال، نزل به الجذام، فعالجه بأمر عمر بالحنظل، فوقف. قال العجلي: لم يُبْتَل أحد من الصحابة إلا رجلان؛ هذا بالجذام، وأنس بن مالك بالوضح. قال ابن الربيع: شهد فتح مصر، مات سنة أربعين في خلافة عثمان (¬2) . 275- مغيرة بن شعبة بن أبي عامر أبو عيسى -ويقال أبو محمد- الثقفي. أحد مشاهير الصحابة، وأحد الزهاد، وأحد الأمراء، دخل مصر في الجاهلية، واجتمع بالمقوقس، وذكره بأمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم رجع، فأسلم عام الخندق، وأول مشاهده الحديبية. مات في رمضان سنة خمسين عن سبعين سنة (¬3) . قال ابن سعد: كان يقال له مغيرة الرأي. وقال الشعبي: القضاة أربعة: أبو بكر، وعمر، وابن مسعود، وأبو موسى. والزهاد أربعة: معاوية، وعمر، والمغيرة، وزياد. وقال: سمعت المغيرة يقول: ما غلبني أحد. وقال قبيصة بن جابر: صحبت المغيرة بن شعبة، فلو أن مدينةً لها ثمانية أبواب لا يخرج منها إلا بمكر، لخرج المغيرة من أبوابها كلها. وكانت إحدى عينيه أصيبت يوم اليرموك. وقيل: بل نظر إلى الشمس وهي كاسفة فذهب ضوء عينيه (¬4) . 276- المقداد بن الأسود، وليس الأسود أباه، وإنما تبناه الأسود بن عبد يغوث -[239]- وهو صغير فعُرف به؛ واسم أبيه عمرو بن ثعلبة الكندي -أبو معبد ¬

(¬1) الإصابة 3: 429. (¬2) الإصابة 3: 430. (¬3) الإصابة 3: 432. (¬4) الإصابة ابن سعد 6: 20.

أحد السابقين، شهد أحدًا وبدرًا والمشاهد كلها، ولم يثبت أنه شهد بدرًا فارس غيره. قال ابن الربيع: شهد فتح مصر، ولهم عنه حديثان، مات بالمدينة سنة ثلاث وثلاثين، وله نحو سبعين سنة. أخرج ابن الربيع، عن يزيد بن أبي حبيب، أن المقداد بن الأسود غزا مع عبد الله بن سعد إفريقية، فلما رجعوا قال عبد الله بن سعد للمقداد في دار بناها: كيف ترى بنيان هذه الدار؟ فقال له المقداد: إن كان من مال الله فقد أفسدت، وإن كان من مالك فقد أسرفت، فقال عبد الله: لولا أن يقول قائل: أفسدت مرتين، لهدمتها (¬1) . 277- المنيذر الأسلمي -ويقال المنذر- قال ابن الربيع: دخل مصر، ولهم عنه حديث، وسكن إفريقية. وقال ابن يونس: له صحبة، كان بإفريقية روى عنه أبو عبد الرحمن الجيلي. قال عبد الملك بن حبيب: دخل الأندلس من الصحابة منذر الإفريقي (¬2) . 278- مهاجر، مولى أم المؤمنين أم سلمة، يكنى أبا حذيفة. قال ابن الربيع: دخل مصر، وسكن الصعيد، ولهم عنه حديث. وكان يقول: خدمت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمس سنين، لم يقل لشيء صنعته: لِمَ صنعته؟ ولم يقل لشيء تركته: لِمَ تركته؟ روى عنه بكير جد يحيى بن عبد الله بن بكير، ولم يرو عنه غير أهل مصر (¬3) . ¬

(¬1) الإصابة 3: 433. (¬2) الإصابة 3: 444. (¬3) الإصابة 3: 445.

حرف النون:

حرف النون: 279- ناشرة بن سمي اليزني المصري. أدرك زمن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وروى عن عمرو أبي عبيد وغيرهما (¬1) . 280- نبيه بن صؤاب المهري، ذكره ابن يونس فيمن دخل مصر من الصحابة، وقال: إنه أحد من أسس الجامع. وقال الذهبي: له وفادة، وكان أحد الأربعة الذين أقاموا قبلة مصر، وقد شهد فتحها، روى عنه عبد الملك بن أبي رابطة، ويزيد بن أبي حبيب، وعبد العزيز بن مليك، وداود بن عبد الله الحضرمي (¬2) . 281- النعمان بن جزء بن النعمان بن قيس العطيقي. قال في التجريد: له وفادة، وشهد فتح مصر. ذكره ابن نويس (¬3) . 282- نعيم بن خباب العامري. من وفد نجيب، ذكره ابن الربيع فيمن دخل مصر من الصحابة. وقال: الذهبي: له وفادة، وذكره ابن يونس وابن ماكولا (¬4) . حرف الهاء: 283- هانئ بن جزء بن النعمان المرادي. قال الذهبي: له وفادة، شهد فتح مصر (¬5) . 284- هُبيب بن مغفل. قال ابن الربيع: شهد فتح مصر، واختط بها، ¬

(¬1) الإصابة 3: 550. (¬2) الإصابة 3: 522. (¬3) الإصابة 3: 530. (¬4) الإصابة 3: 564. (¬5) الإصابة 3: 567.

حرف الواو:

ولهم عنه حديث، وإليه ينسب وادي هبيب؛ لأنه كان اعتزل في فتنة عثمان هناك، وتوفي به. وقال الحسيني في رجال المسند: كان بالحبشة ثم أسلم، وهاجر وشهد فتح مصر، ثم سكنها، وحديثه عندهم في جر الإزار. وقال الذهبي: قيل لأبيه مغفل لأنه أغفل سِمَة إبله (¬1) . 285- هوذة بن عرفطة الحميري. قال في التجريد: له وفادة، وشهد فتح مصر (¬2) . حرف الواو: 286- واقد بن الحارث الأنصاري. قال الذهبي: له صحبة، عداده في أهل مصر، روى عنه قيس بن وكيع (¬3) . 287- وهب بن مغفل الغفاري، نزيل مصر. روى عنه أبو قبيل المعافري. كذا ذكره الذهبي في التجريد. قلت: أخشى أن يكون هو هبيب بن مغفل السابق. حرف لا: 288- لاحب بن مالك بن سعد الله البلوي. صحابي، بايع تحت الشجرة، وشهد فتح مصر، ولا رواية له. قال ابن الربيع وابن يونس والذهبي (¬4) . ¬

(¬1) الإصابة فتوح مصر 94. (¬2) الإصابة 3: 580. (¬3) الإصابة 3: 591. (¬4) الإصابة 3: 308.

حرف الياء:

حرف الياء: 289- يزيد بن أنيس بن عبد الله أبو عبد الرحمن الفهري. قال ابن الربيع: شهد فتح مصر، واختط بها، ولم يرو إلا حديثًا واحدًا في غزوة حنين، رواه عنه غير أهل مصر. وقال الذهبي: شهد فتح مصر، وشهد حنينًا، وله حديث. مات بالشام (¬1) . 290- يزيد بن عبد الله بن الجراح "ك". أخو أبي عبيدة. قال الذهبي: له صحبة ورواية، تزوج بمصر نصرانية (¬2) . 291- يزيد بن أبي زياد -أو ابن زياد- الأسلمي. قال الذهبي: نزل مصر، وروى عنه أبو قبيل (¬3) . 292- يعقوب القبطي، مولى أبي مذكور. الأنصاري. قال الذهبي: أعتقه عن دبر، فاشتراه نعيم بن النحام، والقصة في الصحيح. ومات في أيام ابن الزبير (¬4) . باب الكنى: 293- أبو الأسود مرثد بن جابر العبدي. له وفادة. ذكر ابن يونس والذهبي (¬5) . 294- أبو الأعور السلمي عمرو بن سفيان، حليف بني عبد شمس. قال ابن الربيع: قدم مصر مع مروان بن الحكم، ولهم عنه حديث. ¬

(¬1) الإصابة 3: 165. (¬2) الإصابة 3: 62. (¬3) الإصابة 3: 619. (¬4) الإصابة 3: 630. (¬5) انظر الإصابة 3: 377، 465.

وقال أبو حاتم: لا تصح له صحبة (¬1) . 295- أبو أمامة الباهلي صُدَيّ بن عجلان "ك". من مشاهير الصحابة. قال الذهبي: سكن مصر، ثم سكن حمص. قال ابن عيينة: كان آخر من مات بالشام من الصحابة، وكانت وفاته سنة ست وثمانين، وهو ابن إحدى وتسعين سنة (¬2) . 296- أبو أيوب الأنصاري، خالد بن زيد بن كليب: حضر العقبة وبدرًا والمشاهد كلها. قال ابن الربيع: شهد فتح مصر، وغزا بحرها، ولهم عنه نحو عشرين حديثًا. مات بالقسطنطينية غازيًا مع يزيد بن معاوية في سنة اثنتين وخمسين، وقبره هناك يَستسقي به الروم إذا قحطوا (¬3) . 297- أبو بردة الأنصاري الأوسي الظفري. روى عنه ابنه معتب. كذا في التجريد. وقال ابن سعد في الطبقات: صحابي نزل مصر. ثم روى له حديثًا من رواية ابنه معتب أو مغيث، عنه (¬4) . 298- أبو بصرة الغفاري. اسمه حميل -بالحاء المهملة مصغر- بن بصرة بن وقاص. له صحبة ورواية. قال ابن الربيع: شهد فتح مصر، واختط بها، ولهم عنه عشرة أحاديث، وكانت وفاته بمصر، ودفن بالمقطم. قاله ابن سعد (¬5) . 299- أبو ثور الفهمي. قال ابن عبد البر: صحابي لا يعرف أحد اسمه، حديثه عند أهل مصر. وقال ابن أبي حاتم: سئل أبو زرعة عن أبي ثور الفهمي: ما اسمه؟ فقال: لا أعرف اسمه. وله صحبة. قال ابن الربيع: شهد فتح مصر، ولهم عنه حديث. ¬

(¬1) الإصابة 4: 9. (¬2) الإصابة 4: 10. (¬3) الإصابة 2: 175، 4: 10. (¬4) ابن سعد 7: 500، الإصابة 4: 19. (¬5) ابن سعد 7: 50.

وقال الذهبي: له صحبة، وحديثه عند المصريين، روى عنه يزيد بن عمرو (¬1) . 300- أبو جبر. قال ابن الربيع: بدري، أخبرني يحيى بن عثمان بذلك، وأنه دخل مصر. 301- أبو جمعة الأنصاري السباعي -وقيل الكناني- حبيب بن سباع، وقيل ابن وهب، وقيل: جنيد بن سبع. له صحبة ورواية. قال ابن الربيع: شهد فتح مصر، ولهم عنه حديث. وقال ابن سعد: كان بالشام، ثم تحول إلى مصر فنزلها (¬2) . 302- أبو جندب العتيقي. قال الذهبي: صحابي نزل مصر (¬3) . 303- أبو حماد -أو أبو حامد- الأنصاري "ك". قال الذهبي: له صحبة، وحديثه عند المصريين مقرون بعقبة بن عامر، من طريق ابن لهيعة (¬4) . 304- أبو خراش السلمي. ذكره ابن سعد فيمن نزل مصر من الصحابة، وأورد له حديثًا من حديث عمران بن أبي أنس عنه مرفوعًا: "من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه" (¬5) . وقال الذهبي في التجريد: أبو خراش السلمي أو الأسلمي، له حديث، واسمه حَدْرد (¬6) . 305- أبو الدردراء عويمر بن عامر -ويقال: ابن مالك- الأنصاري الخزرجي. أسلم يوم بدر، وشهد أحدًا، فأبلى يومئذ، وقد ألحقه عمر رضي الله تعالى عنه بالبدريين ¬

(¬1) الاستيعاب 1618، الإصابة 4: 30. (¬2) ابن سعد 7: 508، الإصابة 4. (¬3) الإصابة 4: 34. (¬4) الإصابة 4: 46. (¬5) طبقات ابن سعد 7: 500. (¬6) الإصابة 4: 51.

في العطاء. قال ابن الربيع: شهد فتح مصر، ولهم عنه خمسة أحاديث، مات سنة اثنتين وثلاثين (¬1) . أخرج أبو نعيم، عن محمد بن يزيد الرحبي، قال: قيل لأبي الدرداء: ما لك لا تُشْعِر، فإنه ليس رجل له بيت في الأنصار إلا وقد قال شعرًا! قال: وأنا قلت، فاسمعوا: يريد المرء أن يُعطى مناه ... ويأبى الله إلا ما أرادا يقول المرء: فائدتي وأهلي ... وتقوى الله أفضل ما استفادا 306- أبو درة البلوي. له صحبة، ذكره ابن يونس (¬2) . 307- أبو ذر الغفاري جندب بن جنادة. وقيل: يزيد بن عبد الله، وقيل: بربر بن جنادة، وقيل: جندب بن سكن، وقيل: خلف بن عبد الله. أسلم قديما بمكة، وكان من فضلاء الصحابة ونبلائهم وقرائهم. قال ابن الربيع: شهد فتح مصر، واختط بها، ولهم عنه عشرون حديثا، وقد سكن مصر مدة، ثم خرج منها لما رأى اثنين يتنازعان في موضع لبنة، كما أمره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك. مات بالربذة في ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين (¬3) . 308- أبو ذؤيب الهذلي الشاعر، خويلد بن خالد. قال الذهبي في التجريد: كان مسلما على عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يره. وقدم وشهد السقيفة ومبايعة أبي بكر والصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودفنه، وكان أشعر هذيل. قال ابن كثير: توفي غازيا بإفريقية في خلافة عثمان (¬4) . 309- أبو رافع القبطي مولى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اسمه أسلم، وقيل: إبراهيم، وقيل: صالح، شهد أحدا والخندق وما بعدها. قال ابن الربيع: شهد فتح ¬

(¬1) الإصابة 4: 60، وانظره أيضًا في عويمر 3: 36. (¬2) الإصابة 4: 60، وهو هناك: "أبو درة البلوي". (¬3) الإصابة 4: 63. (¬4) الإصابة 4: 66.

مصر واختط بها، ولهم عنه حديث. مات بالمدينة بعد عثمان بيسير (¬1) . 310- أبو رمثة البلوي "ك". قال الذهبي: سكن مصر، ومات بإفريقية، وحديثه عند المصريين. وقال في التهذيب: قيل اسمه رفاعة بن يثربي، وقيل بالعكس. له صحبة ورواية. حديثه في المسند والسنن (¬2) . 311- أبو الرمداء البلوي. قال ابن الربيع: شهد فتح مصر، ولهم عنه حديث. وقال الذهبي: له صحبة اسمه ياسر (¬3) . 312- أبو رهم السماعي، وقيل: السمعي بفتحتين. اسمه أحزاب بن أسيد، بالفتح وقيل: بالضم، وقيل: ابن أسد بالكسر وقيل: بالفتح "ك". مختلف في صحبته، قال ابن يونس: أدرك الجاهلية، وعداده في التابعين، وكذا ذكره في التابعين البخاري وابن حبان. وقال أبو حاتم: ليست له صحبة. وذكره ابن أبي خثيمة وابن سعد في الصحابة فيمن نزل الشام منهم (¬4) . 313- أبو ريحانة الأزدي. اسمه شمغون -بالغين المعجمة، وقيل: بالمهملة- ابن زيد حليف الأنصار. له صحبة ورواية، شهد فتح مصر، ولهم عنه حديثان أو ثلاثة (¬5) . 314- أبو الزعراء "ك". قال الذهبي: مصري له صحبة، روى عنه أبو عبد الرحمن الجيلي في الأئمة الفاضلين، وذكره ابن الربيع فيمن دخل مصر من الصحابة، ولهم عنه حديث (¬6) . 315- أبو زمعة البلوي. قال الذهيبي: اسمه عبد -وقيل: عبيد- بن أرقم بايع ¬

(¬1) الإصابة 4: 68. (¬2) الإصابة 4: 71. (¬3) الإصابة 4: 71. (¬4) ابن سعد 7: 438، الإصابة 4: 72. (¬5) الإصابة 152، 4: 73. (¬6) الإصابة 4: 76.

تحت الشجرة، ونزل مصر، وغزا إفريقية مع معاوية بن حديج. وقال ابن الربيع: شهد فتح مصر، ولهم عنه حديث في الذي قتل تسعة وتسعين نفسا وسأل: هل لي من توبة؟ ولم يرو عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غيره، ومات بإفريقية. قال: ويقال: اسمه مسعود بن الأسود (¬1) . 316- أبو الزهراء البلوي. قال الذهبي: صحابي، شهد فتح مصر (¬2) . 317- أبو زيد الغافقي. روى عنه عمرو بن شرحبيل. عداده في المصريين، كذا في التجريد. 318- أبو سعاد، صاحب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. سكن مصر، كذا في طبقات ابن سعد، ولم يزد عليه (¬3) . وقال ابن الربيع: أبو سعيد، ويقال: أبو سعاد، واسمه عبد الله بن بشر، ذكر فيمن دخل مصر من الصحابة. وقال الذهبي: أبو سعاد الجهني، قيل هو عقبة بن عامر، وليس بشيء أو لعقبة كنيتان، ثم قال: أبو سعاد، نزل حمص، قيل: اسمه جابر بن أبي أسامة (¬4) . 319- أبو سعد الخير الأنماري "ك". ذكره ابن سعد في الصحابة الذين نزلوا مصر، وأورد له حديثا من رواية قيس بن الحارث العامري عنه. وقال الذهبي: اسمه عامر بن سعد، ويقال أبو سعيد الخير، شامي، له حديث في الشفاعة وفي الوضوء، روى عنه قيس بن الحارث وعبادة بن نسيء (¬5) . 320- أبو سعيد الإسكندري "ك". له حديث في السحور، كذا في التجريد. ¬

(¬1) الإصابة 4: 77. (¬2) الإصابة 4: 77. (¬3) ابن سعد 7: 509، الإصابة 4: 80. (¬4) الإصابة 4: 85. (¬5) ابن سعد 7: 502، والإصابة 4: 89.

321- أبو الشموس البلوي "ك". قال ابن سعد: صحب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونزل مصر. وقال في التجريد: شهد تبوكا، وله حديث أورده البخاري في تاريخه (¬1) . 322- أبو صرمة الأنصاري، اسمه مالك بن قيس بن مالك، ويقال: لبابة بن قيس، وقيل: قيس بن مالك. قال ابن عبد البر: لم يختلفوا في شهوده بدرا وما بعدها، وكان شاعرا محسنا. قال ابن الربيع: شهد فتح مصر (¬2) . 323- أبو ضبيس البلوي. قال الذهبي: مصري له صحبة. وقال ابن الربيع: دخل مصر لغزو المغرب (¬3) . 324- أبو عبد الرحمن الجهني. قال الذهبي: يعد في المصريين، روى عنه مرثد بن عبد الله اليزني حديثين حسنين. وذكره ابن الربيع فيمن دخل مصر من الصحابة، وقال: لهم عنه حديثان (¬4) . 325- أبو عبد الرحمن الفهري. قال الذهبي: اسمه عبيد، وقيل: يزيد بن أنيس، شهد حنينا، وقد تقدم في حرف الياء (¬5) . 326- أبو عبد الرحمن القيني، ذكره ابن الربيع فيمن دخل مصر من الصحابة، وقال: لهم عنه حديث. وقال الذهبي: ذكره الطبراني في الصحابة، ويقال فيه: أبو عبد الله القيني، روى عنه أبو عبد الرحمن الحبلي (¬6) . ¬

(¬1) ابن سعد 4: 354، 7: 501، الإصابة 4: 103. (¬2) الاستيعاب 1691، الإصابة 4: 109. (¬3) الإصابة 3: 111. (¬4) الإصابة 4: 128. (¬5) انظر ص242، والإصابة 4: 128. (¬6) الإصابة 4: 128.

327- أبو عثمان الأصبحي "ك". قال الذهبي: اعتمر في الجاهلية، روى عنه أبو قبيل المعافري. نزل مصر. 328- أبو عطية المزني "ك". قال في التجريد. عداده في المصريين، تفرد بحديثه بكر بن سوادة (¬1) . 329- أبو عميرة المزني، هو رشيد بن مالك، تقدم (¬2) . 330- أبو فاطمة الدوسي "ك". الأزدي قال ابن الربيع: شهد فتح مصر: واختط بها، ولهم عنه حديث. وقال في التهذيب: اسمه أنيس، وقيل: عبد الله بن أنيس، نزل الشام، وشهد فتح مصر (¬3) . 331- أبو فاطمة الضمري "ك". ذكره في التجريد عقب الأول، وقال: مصري، روى عنه كثير بن مرة وأبو عبد الرحمن الحبلي (¬4) . 332- أبو فاطمة الأشعري كعب بن عاصم. قال ابن الربيع: شهد فتح مصر، ولهم عنه حديث، وقد تقدم أن الصحيح أن أبا مالك غير كعب بن عاصم، وقد اختلف في اسمه، فقيل: الحارث، وقيل: عبيد الله، وقيل: عمرو. مات في خلافة عمر (¬5) . 333- أبو مالك. نزل مصر روى عنه سنان بن سعد، والصحيح عن أنس بن مالك. كذا في التجريد (¬6) . ¬

(¬1) الإصابة 4: 134. (¬2) انظر الإصابة 1: 502. (¬3) الإصابة 4: 153، تهذيب التهذيب 12: 200. (¬4) الإصابة 4: 153. (¬5) الإصابة 4: 151. (¬6) الإصابة 4: 172.

334- أبو المبتذل خلف. روى عنه حي المعافري، له صحبة، ونزل إفريقية، وقيل: أبو المنيذر كذا في التجريد (¬1) . 335- أبو مسلم الغافقي. ذكره ابن الربيع فيمن دخل مصر من الصحابة، قال: ولهم عنه حديث (¬2) . 336- أبو مكنف "ك"، قال في التجريد: له وفادة، وشهد فتح مصر (¬3) . 337- أبو ملكية البلوي. ذكره ابن الربيع فيمن دخل مصر من الصحابة، وقال: لهم عنه ثلاثة أحاديث. وقال الذهبي: نزل مصر له صحبة، روى عنه علي بن رباح. 338- أبو منصور الفارسي. قال الذهبي: نزل مصر، روى عنه دويد بن نافع، خرجه أبو يعلى، وقيل: هو تابعي (¬4) . 339- أبو موسى الغافقي مالك بن عبادة -ويقال ابن عبد الله- من حلفاء بني عبد الدار، قال ابن الربيع: خدم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهد فتح مصر، ولهم عنه ثلاثة أحاديث. وقال الحسيني في رجال المسند: صحابي، عداده في المصريين. وقال الذهبي في التجريد: مصري، له صحبة. توفي سنة ثمان وخمسين (¬5) . 340- أبو هريرة الدوسي -في اسمه واسم أبيه أقوال كثيرة، قال ابن الربيع: قدم مصر على مسلمة بن مخلد في خلافة معاوية، ولهم عنه ثلاثة وثلاثون حديثا (¬6) . 341- أبو هند الداري. اسمه بدير -ويقال: بدير بن عبد الله بن بدير، وهو ابن ¬

(¬1) الإصابة ... (¬2) انظر الإصابة 4: 180. (¬3) الإصابة 4: 184. (¬4) الإصابة 4: 186. (¬5) الإصابة 187. (¬6) الإصابة 4: 200.

عم تميم الداري وأخوه لأمه. قال ابن الربيع: دخل مصر، ولهم عنه حديث (¬1) . 342- أبو الهيثم. ذكره ابن الربيع فيمن دخل مصر من الصحابة. وقال الذهبي: روى عنه ابن لهيعة عن بكر بن سواد عنه، في معجم الطبراني (¬2) . 343- أبو وحوح البلوي. ذكره ابن الربيع فيمن دخل مصر من الصحابة، ولهم عنه حديث (¬3) . 344- أبو اليقظان صاحب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ذكره ابن سعد فيمن دخل مصر من الصحابة، وأورد من طريق أبي عُشانة أنه سمع أبا اليقظان صاحب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "ابشروا فو الله لأنتم أشد حبا لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم تروه من عامة من رآه" (¬4) . قلت: أبو اليقظان هذا هو عمار بن ياسر، وهي كنيته؛ وقد تفطن لذلك ابن الربيع، فأورد هذا الأثر في ترجمة عمار من طرق صرح في بعضها يقول أبي عشانة: سمعت أبا اليقظان عمار بن ياسر بصقلية (¬5) يقول، فذكره. وقد كنت أتعجب من ابن سعد، كيف يُخفى عليه هذا حتى رأيته خُفِيَ على الذهبي أيضًا، فقال في التجريد في آخر الكنى: أبو اليقظان، ذكره البخاري، في الصحابة، وقد سكن مصر، روى عنه أبو عشانة فقط، هذه عبارته، وهي أعجوبة كبرى. ¬

(¬1) الإصابة 4: 209. (¬2) الإصابة 4: 210. (¬3) الإصابة 4: 213. (¬4) طبقات ابن سعد 7: 503. (¬5) ط: "صقيلة" تحريف.

باب المبهمات:

باب المبهمات: 345- رجل من صداء، ذكره ابن الربيع بعد ما ذكر ابن زياد (¬1) بن الحارث الصدائي وحبان بن بُح الصدائي (¬2) ، قال: ولهم عنه حديث واحد، ثم أخرج من طريق أبي عبد الله بن جزء، عن أبي بكر بن سوادة، عن رجل من صداء، قال: أتينا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اثنا عشر رجلًا، فبايعناه وترك منا رجلًا لم يبايعه، فقلنا: بايعه يا رسول الله فقال: "لن أبايعه، حتى ينزع التي عليه، إنه من كان عليه مثل الذي عليه كان مشركًا ما كانت عليه". قال: فنظرنا، فإذا في عضده سير فيه شيء من لحا شجرة. 346- أبو جديع المرادي. قال ابن الربيع: ذكر ابن وزير وعبد العزيز بن ميسرة أنه كان عاملًا للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنه كان من أهل مصر. باب النساء: 347- مارية بنت شمعون القبطية، أم إبراهيم ابن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. من أهل حفن من كورة أنصنا، أهداها له المقوقس، فاستولدها السيد إبراهيم سيد الصديقين. قال ابن عبد الحكم: ماتت مارية في الحرم سنة خمس عشرة، وصلى عليها عمر بن الخطاب، ودفنت بالبقيع. وقال ابن عبد البر: ماتت سنة ست عشرة (¬3) . ¬

(¬1) ط: "ابن زياد"، وصوابه من الأصل والإصابة. (¬2) انظر الإصابة 5: 304 ترجمة حبان بن بح، و1: 538 ترجمة الحارث بن زياد. (¬3) الإصابة 4: 391.

348- سيرين أخت مارية، أهداها المقوقس لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوهبها لحسان بن ثابت، فولدت له عبد الرحمن، روى عنها ابنها، ولها حديثان. وسيرين بالسين المهملة، كما ذكره ابن عبد البر والذهبي؛ وقيل: اسم أخت مارية حسنة. قاله الأعرج، وقيل: قيصر، قاله ابن لهيعة. وقد ورد أن المقوقس أهدى له ثلاث جوار؛ فلعل هذا اسم الثالثة، وقد وهبها لأبي جهم بن حذيفة العبدي، فولدت له زكريا الذي كان خليفة عمرو بن العاص على مصر (¬1) . 349- أم زكريا، الجارية التي أهداها المقوقس، قد شرح أمرها (¬2) . 350- أم عبد الله نبيه بن الحجاج "ك". امرأة عمرو بن العاص. صحابية قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نعم أهل عبد الله، وأبو عبد الله، وأم عبد الله"، الظاهر أنها كانت بمصر مع زوجها، وهو مقيم بها أميرا عشر سنين (¬3) . 351- أم ذر، زوجة أبي ذر الغفاري "ك". صحابية معروفة، وقد سكن زوجها أبو ذر في مصر مدة. قلت: فالظاهر أنها كانت معه، فإنها كانت تنتقل معه حيث انتقل، ولها رواية عن أبي ذر في المسند، روى الأشتر التخمي عنها (¬4) . 352- فاضلة الأنصارية "ك". امرأة ابن أنيس الجهني. صحابية، لها حديث. كذا في التجريد. قلت: والظاهر أنها كانت بمصر مع زوجها حين أقام بها (¬5) . ¬

(¬1) الإصابة 4: 331. (¬2) الإصابة ... (¬3) الإصابة 4: 451. (¬4) الإصابة 4: 43. (¬5) الإصابة 4: 365.

تنبيه بشأن من عد المقوقس من الصحابة:

353- سودة بنت أبي ضبيس الجهنية. قال الذهبي: لها ولأبيها صحبة، بايعت بعد الفتح. قلت: وأبوها كان بمصر، فلعلها كانت معه. تنبيه بشأن من عد المقوقس من الصحابة: المقوقس صاحب الإسكندرية ذكره ابن منده وأبو نعيم في كتابيهما في الصحابة وابن قانع في معجم الصحابة، وأورده الذهبي في التجريد، قال: ولا مدخل له في الصحابة فما زال نصرانيا قال: واسمه جريج. خاتمة: قال ابن الربيع: ذكر ابن وزير أنه دخل مصر مع عمرو بن العاص من بلي ممن بايع تحت الشجرة مائة رجل، والمقلل يقول: سبعون رجلا. وأخرج ابن عبد الحكم، عن سليمان بن يسار قال: غزونا إفريقية مع ابن حديج، ومعنا بشر كثير من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المهاجرين والأنصار. هذا آخر الكتاب. وقال الحافظ الشمس الداوردي تلميذ المؤلف: قال مؤلفه رحمه الله تعالى: فرغت من تحريره يوم الأحد مستهل المحرم سنة ثمان وثمانين وثمانمائة.

ذكر من كان بمصر من مشاهير التابعين الذين رووا الحديث

ذكر من كان بمصر من مشاهير التابعين الذين رووا الحديث (¬1) : 1- إياس بن عامر الغافقي المصري "د، هـ". عن علي وعقبة بن عامر، وعنه ابن أخيه موسى بن أيوب. قال ابن يونس: وفد على علي، وشهد معه مشاهده (¬2) . 2- حسان بن كريب الرعيني الحميري، أبو كريب المصري. "حم، خ" عن عمر (¬3) وعلي. شهد فتح مصر، وثقه ابن حبان (¬4) . 3- سليم بن عنز التجيبي [يأتي] (¬5) . في المجتهدين، وكذا جملة من التابعين وأتباعهم. ¬

(¬1) اعتاد مصنفو كتب الرجال من المحدثين أن يضعوا رموزًا للكتب التي وردت فيها أحاديثهم؛ وها هي ذي الرموز كما أوردها السيوطي في صدر كتابه الجامع الصغير. "خ" للبخاري، "م" لمسلم، "ق" لهما، "د" لأبي داود، "ت" للترمذي، "ن" للنسائي، "هـ" لابن ماجه "4" لهؤلاء الأربعة، "3" لهم إلا ابن ماجه، "حم" لأحمد في مسنده "عم" لابنه عبد الله في زوائده، "ك" للحاكم؛ فإن كان في مستدركه اطلقت؛ وإلا بينته، "خد" للبخاري في الأدب، "تخ" له في التاريخ، "حب" لابن حبان في صحيحه، "طب" للطبراني في الكبير، "طس" له في الأوسط، "طص" له في الصغيرة "ص" لسعيد بن منصور في سننه، "ش" لابن أبي شيبة، "عب" لعبد الرزاق في الجامع، "ع" لأبي يعلى في مسنده "قط" للدراقطني، فإن كان في السنن أطلقت وإلا بينته، "فر" للديلمي في مسند الفردوس، "حل" لأبي نعيم في الحلية، "هب" للبيهقي في شعب الإيمان، "هق" له في السنن، "عد" لابن عدي في الكامل، "عق" للعقيلي في الضعفاء، "خط" للخطيب، فإن كان في التاريخ أطلقت وإلا بينته. هذا، وقد وضعت هذه الرموز في النسخة المخطوطة "الأصل" فوق العلم المترجم له. ووضعت في هذه الطبعة بين قوسين عند آخر العلم، وقبل الترجمة، ومما يلاحظ أن هذه الرموز لم توضع إطلاقا في جميع النسخ المطبوعة من قبل. كما أن بعض الرموز سقطت من نسخة الأصل. (¬2) تهذيب التهذيب 1: 386. (¬3) كذا في ح وهو الصواب، وفي تهذيب التهذيب: "روى عن عمر بن الخطاب وأبي مسعود وعلي وأبي جيرة وأبي ذر"، وفي الأصل وط: "عمرو"، تحريف. (¬4) تهذيب التهذيب 2: 252. (¬5) من ح، ط.

4- عبد الله بن زرير الغافقي المصري "د، ت". عن عمرو. قال العجلي: مصري تابعي ثقة. مات سنة ثمانين (¬1) . 5- زياد بن ربيعة بن نعيم الحضرمي المصري. عن ابن عمر وأبي ذر. وثقه العجلي. مات سنة خمس وتسعين (¬2) . 6- شقيق بن ثور بن عنبر السدوسي المصري "ت". عن أبيه وعثمان وعلي ومعاوية. وثقه ابن حبان. مات سنة أربع وستين (¬3) . 7- شيبان بن أمية -ويقال بن قيس. القتباني (¬4) أبو حذيفة المصري "د". عن رويفع بن ثابت وأبي عميرة المزني، وعنه بكر بن سوادة وشييم القتباني. قال في التهذيب: فيه جهالة (¬5) . 8- قيس من سمي التجيبي "حم". شهد فتح مصر، وروى عن عمرو بن العاص وعنه سويد بن قيس. ليس بمشهور (¬6) . 9- كثير بن قلب الصدفي الأعرج "حم". عن عقبة بن عامر وأبي فاطمة الدوسي (¬7) . 10- أبو قيس مولى عمرو بن العاص "خ". عنه وعن أم سلمة. وثقه ابن حبان. مات سنة أربع وخمسين (¬8) . ¬

(¬1) تهذيب التهذيب 5: 216. (¬2) تهذيب التهذيب 3: 365. (¬3) تهذيب التهذيب 4: 361. (¬4) القتباني، كذا ضبطه في التقريب: "بكسر القاف وسكون المثناة بعدها موحدة". (¬5) تهذيب التهذيب 4: 373 (¬6) ورد له رواية في فتوح مصر لابن عبد الحكم ص181، عن قيس بن سمة؛ كما ورد له ذكر أيضًا في ص252. (¬7) تهذيب التهذيب 8: 425، وتقريب التهذيب 2: 133، وفيهما: "كثير بن قليب"، بالتصغير. (¬8) تهذيب التهذيب 12: 207.

11- أبو الأزهر المصري "هـ". عن عمر وحذيفة وسلمان: وعنه عبد الله بن أبي جعفر المصري وغيره (¬1) . 12- أسلم بن يزيد أبو عمران التجيبي المصري عن أبي أيوب وعقبة بن عامر وعنه يزيد بن أبي حبيب. وثقه النسائي. كان وجيها بمصر في أيامه، وكانت الأمراء يسألونه (¬2) في حوائجهم (¬3) . 13- ثمامة بن شفي الهمداني أبو علي المصري "م، د، ن، هـ". نزيل الإسكندرية عن عقبة بن عامر وفضالة بن عبيد. وثقه النسائي. مات قبل العشرين ومائة (¬4) . 14- الحارث بن يزيد الحضرمي أبو عبد الكريم المصري "م، د، ن، هـ". عن جبير بن نفير وعبد الرحمن بن حجيرة. وعنه الأوزعي والليث. قال الليث: كان يصلي كل يوم ستمائة ركعة. مات ببرقة سنة ثلاثين ومائة، وله مائة سنة. قاله الذهبي في التجريد (¬5) . 15- الحكم بن عبد الله البلوي المصري. عن علي بن رباح، وعنه يزيد بن أبي حبيب. وثقه ابن معين (¬6) . 16- أبو عشانة المعارفي حي بن يومن المصري "د، س، ق". عن ابن عمرو وعقبة بن عامر. وثقة أحمد ويحيى، وابن حبان وغيرهم. مات سنة ثماني عشرة ومائة (¬7) . ¬

(¬1) اسمه صالح بن درهم الباهلي المصري، ذكره صاحب تهذيب التهذيب في موضعه في 4: 388، كما ذكره أيضًا في الكنى 12: 7. (¬2) في الأصل: "ليبالون"، والصواب ما أثبته من ح، ط. (¬3) تهذيب التهذيب 1: 265. (¬4) تهذيب التهذيب 2: 28. (¬5) تهذيب التهذيب 2: 163. (¬6) تهذيب التهذيب 2: 430. (¬7) تهذيب التهذيب 12: 167.

17- داود السراج الثقفي المصري "د". عن ابن سعيد الخدري. وعنه قتادة. وثقه ابن حبان. 18- دُخَين بن عامر الحَجْري أبو ليلى المصري "د، هـ". كاتب عقبة بن عامر. عنه وعن بكر بن سوادة وعدة. وثقه ابن حبان، قتله الروم سنة اثنتين ومائة (¬1) . 19- زهير بن قيس البلوي المصري "حم". عن علي بن رباح، وعنه سويد بن قيس (¬2) . 20- زياد بن نافع التجيبي المصري "حب". عن علي بن رباح، وعنه بكر بن سوادة. وثقه ابن حبان (¬3) . 21- سالم بن أبي سالم سفيان بن هانئ الجيشاني المصري "م، ن، هـ". عن أبيه وابن عمرو، وعن ابنه عبد الله ويزيد بن أبي حبيب. وثقه ابن حبان (¬4) . 22- سليم بن جبير المصري أبو يونس "م، د، ت". عن مولاه، عن أبي هريرة وأبي أسيد الساعدي. وثقه النسائي. مات سنة ثلاث وعشرين ومائة (¬5) . 23- سعيد بن الصلت بن يعقوب المصري "حم". أرسل عن سهيل بن بيضاء، وروى عن ابن عباس وغيره، وعنه محمد بن إبراهيم التيمي وبكر بن سوادة. وثقه ابن حبان. قال البخاري وأبو حاتم: هو سعيد -بفتح أوله- وقال ابن أبي عاصم في كتاب الآحاد والمثاني: سعيد بالضم. قال الحسين: وهو الصواب (¬6) . 24- سليمان بن عمرو بن عبيد الليثي العتواري. أبو الهيثم المصري. عن ¬

(¬1) تهذيب التهذيب 3: 207، ودُخَين مصغر، والحَجْري، بفتح الحاء وسكون الجيم: منسوب إلى حجر بن ذي رعين، وفي ح، ط: "دخر" تحريف. (¬2) فتوح مصر لابن عبد الحكم 202-203. (¬3) تهذيب التهذيب 3: 388. (¬4) تهذيب التهذيب 3: 435. (¬5) تهذيب التهذيب 4: 166. (¬6) تهذيب التهذيب 4: 212.

أبي سعيد وأبي هريرة وأبي بصرة الغفاري. وعنه دراج وغيره. وثقه ابن معين (¬1) . 25- سويد بن قيس التجيبي المصري "د، ت، هـ". عن ابن عمرو بن عمرو. وثقه ابن حبان (¬2) . 26- شييم بن بيتان القتباني البلوي المصري "د، ت". عن أبيه ورويفع بن ثابت. وثقه ابن معين وغيره (¬3) . 27- صالح بن خَيْوان -بفتح المعجمة، وقيل بالمهملة- السبئي المصري. عن ابن عمر وعقبة بن عامر والثابت بن خلاد. وثقه ابن حبان (¬4) . 28- عباس بن جُلَيد -بالجيم، مصغر- الحجري المصري "د، ت". عن ابن عمر وعبد الله بن الحارث الزبيدي. وثقه العجلي وأبو زرعة. مات قريبا من سنة مائة (¬5) . 29- عبد الله بن رافع الحضرمي المصري أبو سلمة "تخ". عن أبي هريرة، وعنه سليمان بن راشد. ذكره ابن حبان في الثقات (¬6) . 30- عبد الله بن أبي مرة الزوفي المرادي "د، ت، هـ". شهد فتح مصر، واختط بها. روى عن خارجة بن حذافة حديث الوتر، وعنه عبد الله بن راشد ورزين بن عبد الله الزوفي (¬7) . 31- عبد الله بن منين اليحصبي المصري "د، هـ". عن ابن عمرو، وعنه الحارث بن سعيد العتقي (¬8) . 32- عبد الله بن يزيد المعارفي أبو عبد الله الحُبُلي (¬9) المصري "خ، م". عن ابن ¬

(¬1) تهذيب التهذيب 4: 212. (¬2) تهذيب التهذيب 4: 279. (¬3) تهذيب التهذيب 4: 379. (¬4) تهذيب التهذيب 4: 388، وقد سقطت هذه الترجمة من الأصل. (¬5) تهذيب التهذيب 5: 116. (¬6) تهذيب التهذيب 5: 206. (¬7) تهذيب التهذيب 6: 25. (¬8) تقريب التهذيب 1: 454. (¬9) بضم المهملة والموحدة.

مسعود وأبي ذر وأبي أيوب وجابر وعدة. مات بإفريقية سنة مائة (¬1) . 33- عبد الرحمن بن جبير المصري المؤذن "الثلاثة". عن أبي الدرداء وعدة. مات سنة سبع وتسعين (¬2) . 34- عبد الرحمن بن زغب الإيادي. عن عبد الله بن حوالة، وعنه ضمرة بن حبيب. قال الحاكم في المستدرك: في تابعي أهل مصر. 35- عبد الرحمن بن رافع التنوخي أبو الجهم المصري. قاضي إفريقية، عن ابن عمرو وغيره، وعنه ابنه إبراهيم، وبكر بن سوادة. قال البخاري: في حديثه بعض مناكير (¬3) . 36- عبد الرحمن بن شماسة المهري المصري. عن أبي ذر وزيد بن ثابت وعائشة. مات بعد المائة (¬4) . 37- عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي "د، هـ". أمير الأندلس. عن ابن عمرو، وعنه عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز. قال ابن معين: لا أعرفه. وقال ابن يونس: قتلته الروم بالأندلس سنة خمس عشرة ومائة (¬5) . 38- عبد الرحمن بن وعلة السبئي المصري "ع". عن ابن عمرو وابن عباس، وعنه أبو الخير اليزني (¬6) . 39- عبد العزيز بن مروان بن الحكم الأموي "د". أمير مصر. عن أبيه وأبي هريرة وعقبة بن عامر. وعنه ابنه عمر أمير المؤمنين، والزهري وطائفة. وثقه النسائي ¬

(¬1) تهذيب التهذيب 6: 81. (¬2) تهذيب التهذيب 6: 154. (¬3) تهذيب التهذيب 6: 168. (¬4) في حاشية الأصل: "شماسة" بكسر المعجمة وتخفيف الميم". (¬5) تهذيب التهذيب 6: 217. (¬6) تهذيب التهذيب 6: 293.

وابن سعد. مات سنة اثنتين -وقيل خمس- وثمانين (¬1) . 40- عبد العزيز بن أبي الصعبة التيمي مولاهم المصري "س، م". عن أبيه، وأبي أفلح الهمداني، وعنه يزيد بن أبي حبيب. وثقه ابن حبان (¬2) . 41- عبيد بن ثمامة المرادي المصري "د". عن عبد الله بن الحارث بن جزء، وعنه عبد الملك بن أبي كريمة (¬3) . 42- عمار بن سعد التجيبي. شهد فتح مصر. عن عمرو بن العاص وأبي الدرداء، وعنه الضحاك بن شرحبيل. مات سنة خمس ومائة (¬4) . 43- عمرو بن مالك الهمداني أبو علي الجنبي المصري "الثلاثة". عن أبي سعيد الخدري وفضالة بن عبيد، وثقه ابن معين (¬5) . 44- عمرو بن الوليد بن عبدة المصري (¬6) "د". عن ابن عمرو قيس بن سعد، وعنه يزيد بن أبي حبيب. شهد فتح مصر. ومات سنة مائة وثقه ابن حبان. 45- عمران بن عبد الله المعافري المصري "د، هـ". عن ابن عمر، وعنه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم. ضعفه ابن معين. 46- عيسى بن هلال الصدفي المصري. عن ابن عمرو، وعنه دراج. وثقه ابن حبان. 47- قيصر التجيبي المصري. عن ابن عمرو، وعنه يزيد بن أبي حبيب ومكحول. وثقه ابن حبان وأبو حاتم. ¬

(¬1) تهذيب التهذيب 6: 356. (¬2) تهذيب التهذيب 6: 341. (¬3) تهذيب التهذيب 7: 61. (¬4) تهذيب التهذيب 7: 402. (¬5) تهذيب التهذيب 8: 95. (¬6) تهذيب التهذيب 8: 116.

48- كليب بن ذهل الحضرمي المصري "د". عن عبيد بن جبر، وعنه يزيد أبي حبيب. وثقه ابن حبان. 49- لهيعة بن عقبة الحضرمي "هـ" -والد عبد الله- المصري. عن سفيان بن وهب الصحابي، وعنه يزيد بن أبي حبيب وغيره. وثقه ابن حبان. مات سنة مائة (¬1) . 50- مالك بن سعد التجيبي "حم". عن ابن عباس، وعنه مالك بن جبر الزيادي. قال أبو زرعة: مصري لا بأس به. وثقه ابن حبان. 51- محمد بن هدية الصدفي "حم". عن ابن عمرو، وعنه شراحيل المعافري. وثقه ابن حبان. وقال ابن يونس: ليس له غير حديث واحد (¬2) . 52- مسلم بن مخشي المدلجي أبو معاوية المصري "م، د، ت". عن ابن عباس الفراسي، وعنه بكر بن سوادة. وثقه ابن حبان (¬3) . 53- مسلم بن يسار المصري أبو عثمان الطنبذي "م، د، ت". عن ابن عمر وأبي هريرة. مات بإفريقية زمن هشام بن عبد الملك (¬4) . 54- المغيرة بن أبي بردة العبدري المصري. عن أبي هريرة، وعنه سعيد بن مسلمة المخزومي. وثقه النسائي وغيره (¬5) . 55- المغيرة بن نهيك الحَجْرِي المصري. عن عقبة بن عامر، وعنه عثمان بن نعيم الرعيني (¬6) . 56- منصور بن سعيد بن الأصبغ الكلبي المصري "د". عن دحية، وعنه أبو الخير مرثد. قال العجلي: تابعي وثقة (¬7) . ¬

(¬1) تهذيب التهذيب 8: 458. (¬2) تهذيب التهذيب 9 ك 495. (¬3) تهذيب التهذيب 10: 137. (¬4) تهذيب التهذيب 10: 141. (¬5) تهذيب التهذيب 10: 256. (¬6) تهذيب التهذيب 10: 271. (¬7) تهذيب التهذيب 10: 307.

57- ناعم بن أُجَيْل الهمداني أبو عبد الله المصري مولى أم سلمة. عنها وعن عثمان وعلي وابن عمر وابن عباس، وعنه الأعرج ويزيد بن أبي حبيب (¬1) . 58- هشام بن أبي رقية المصري. عن ابن عمرو، وعقبة بن عامر ومسلمة بن مخلد، وعنه عمرو بن الحارث وغيره. وثقه ابن حبان (¬2) . 59- الهيثم بن شفي الرعيني المصري أبو الحصين "د، ن، هـ". عن ابن عمرو، وأبي ريحانة، وعنه يزيد بن أبي حبيب (¬3) . 60- الوليد بن قيس بن الأخرم التجيبي المصري "م، هـ". عن أبي سعيد الخدري، وعنه ابنه عبد الله وسالم بن غيلان ويزيد بن أبي حبيب. وثقه ابن حبان (¬4) . 61- يزيد بن رباح أبو فراس المصري "م، هـ". عن مولاه ابن عمرو وابن عمر وأم سلمة، وعنه الزهري وبكر بن سوادة. مات سنة تسعين (¬5) . 62- يزيد بن صبح المصري. عن عقبة بن عامر، وعنه عمرو بن الحارث وجماعة. وثقه ابن حبان (¬6) . 63- أبو أفلح الهمداني المصري "د، ت، هـ". عن عبد الله بن زرير الغافقي، وعنه بكر بن سوادة وغيره (¬7) . 64- أبو الخطاب المصري "ت". عن أبي سعيد الخدري، وعنه أبو الخير اليزني. ¬

(¬1) تهذيب التهذيب 10: 403. (¬2) ذكره ابن عبد الحكم في فتوح مصر 256، وذكر حديثًا رواه عن عبد الله بن عمرو، وهو: $"لا طائر ولا عدوى ولا هامة ولا جد والعين حق". (¬3) تهذيب التهذيب 112: 98، وقال: "شفي"، بفتح الشين المعجمة وتخفيف الفاء، ضبطه الدارقطني، وقال: من ضم الشين وثقل فقد وهم". (¬4) تهذيب التهذيب 11: 146. (¬5) تهذيب التهذيب 11: 324. (¬6) تهذيب التهذيب 11: 338. (¬7) تهذيب التهذيب 12: 13، وفي الأصل: "أبو مليح"، وأثبت ما في ح، ط وتهذيب التهذيب.

قال النسائي: لا أعرفه (¬1) . 65- أبو طلحة درع بن الحارث الخولاني المصري. شهد فتح مصر. عن أبي ذر، وعنه يزيد بن أبي حبيب (¬2) . 66- أبو عامر عبد الله بن جابر الحجري المصري "د، ن". عن أبي ريحانة الأزدي، وعنه الهيثم بن شفي الرعيني وعبد الملك بن عبد الله الخولاني (¬3) . 67- أبو عبيدة بن عقبة بن نافع الفهري المصري "م، ن". قيل: اسمه مرة. عن أبيه وأخيه عياض وابن عمرو، عنه عبد الكريم بن الحارث وغيره. وثقه ابن حبان (¬4) . 68- أبو عياش المعافري المصري "د، هـ". عن جابر وأبي هريرة، وعنه يزيد بن أبي حبيب وغيره، لا يُعرف اسمه (¬5) . 69- أبو الهيثم كثير المصري "د، ت". مولى عقبة بن عامر. عن مولاه، وعنه كعب بن علقمة التنوخي (¬6) . 70- يزيد الخولاني المصري الكبير "ن". عن فضالة بن عبيد، وعنه عطاء بن دينار. ¬

(¬1) تهذيب التهذيب 12: 86. (¬2) تهذيب التهذيب 12: 139. (¬3) تهذيب التهذيب 12: 145، ونقل عن ابن يونس أنه قال: "من حجر الأزد". (¬4) تهذيب التهذيب 12: 160. (¬5) تهذيب التهذيب 12: 194. (¬6) تهذيب التهذيب 12: 270.

من صغار التابعين طبقة قتادة والزهري:

من صغار التابعين طبقة قتادة والزهري: 71- إسحاق بن أسيد الأنصاري الخراساني "د، هـ". نزيل مصر. عن نافع وعطاء، وعنه الليث وطائفة. قال الذهبي: لين (¬1) . 72- إسماعيل بن يحيى المعافري المصري "د". عن سهل بن معاذ، وعنه عبد الله بن سليمان الطويل. في حديثه نكارة (¬2) . 73- بكر بن عمرو المعافري المصري "ع". إمام جامعها، عن عكرمة وبكير بن الأشج، وعنه ابن لهيعة. مات في خلافة المنصور (¬3) . 74- ثبّات بن ميمون المصري "قد". عن ثعلب الأسلمي ونافع مولى ابن عمر، وعنه عمرو بن الحارث (¬4) . 75- الجلاح أبو كثير الأموي المصري "د، ز، هـ". مولى عبد العزيز بن مروان. عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وحنش الصنعاني، وعنه عمرو بن الحارث والليث. قال ابن يونس: كان عمر بن عبد العزيز قد جعل إليه القصص بالإسكندرية. مات سنة عشرين ومائة (¬5) . 76- الحارث بن سعيد العُتَقي المصري "د، هـ". عن عبد الله بن منين، وعنه نافع بن يزيد وابن لهيعة. مجهول (¬6) . ¬

(¬1) تهذيب التهذيب 1: 227. (¬2) تهذيب التهذيب 1: 336، ميزان الاعتدال 1: 254، وقال: "فيه جهالة". (¬3) تهذيب التهذيب 1: 485، ميزان الاعتدال 1: 347. (¬4) تهذيب التهذيب 2: 21، قال في التقريب: "ثبات، بفتح المثلثة والموحدة الثقيلة، وقيل: الخفيفة آخره مثناة". (¬5) تهذيب التهذيب 2: 136. (¬6) تهذيب التهذيب 2: 141. والعتقي، ضبطه في اللباب: "بالضم والفتح وقاف" وقال: "نسبة إلى المتقين والعتقاه".

77- الحارث بن يعقوب الأنصاري المصري "م، ت، ن" العابد. مولى قيس بن سعد بن عبادة، والد الفقيه عمرو. عن سهل بن سعد وعبد الرحمن بن شماسة، وعنه ابنه عمرو والليث. وثقه ابن معين وغيره (¬1) . 78- حبان بن أبي جبلة المصري القرشي "تخ". عن ابن عباس وابن عمر وعمرو بن العاص وابنه، وعنه موسى بن علي بن رباح. مات بإفريقية سنة اثنتين وعشرين ومائة (¬2) . 79- حجاج بن شداد الصنعاني المصري "د". عن أبي صالح الغفاري، وعنه حيوة بن شريح وعدة. وثقه ابن حبان. ومات سنة تسع وعشرين ومائة (¬3) . 80- حكيم بن عبد الله بن قيس بن مخرمة بن المطلب المطلبي المصري "الأربعة". عن ابن عمر وعامر بن سعد، وعنه يزيد بن أبي حبيب والليث. مات سنة ثماني عشرة ومائة. 81- حكيم بن عبد الرحمن المصري أبو غسان "قد". عن الحسن البصري. وعنه الليث. 82- دراج بن سمعان أبو السمح المصري القاص "الأربعة". مولى عبد الله بن عمرو بن العاص. يقال: اسمه عبد الرحمن، ودراج لقب. عن عبد الله بن الحارث بن جزء، وعنه الليث. مات سنة ست وعشرين ومائة (¬4) . 83- حمير بن مالك الكلاعي الحميري "هـ". قاضي الإسكندرية. عن ابن عمرو، قال الدارقطني: عداده في المصريين. ¬

(¬1) ذكره ابن عبد الحكم في فتوح مصر 292. (¬2) تهذيب التهذيب 2: 171. (¬3) تهذيب التهذيب 2: 202. (¬4) تهذيب التهذيب 3: 208.

84- راشد بن جندل اليافعي "حم". عن حبيب بن أوس الثقفي، وعنه يزيد بن أبي حبيب. وثقه ابن حبان، وقال: يروي المراسيل (¬1) . 85- راشد الثقفيه "حم". مولى حبيب بن أوس. عن مولاه، وعنه يزيد بن أبي حبيب. وثقه ابن حبان، وقال: يروي المراسيل. 86- ربيعة بن سليم التجيبي المصري "ت". عن حنش الصنعاني، وبشر بن عبيد الله، وعنه يحيى بن أيوب وابن لهيعة. وثقه ابن حبان (¬2) . 87- ربيعة بن سيف المعافري الإسكندراني "الثلاثة". عن فضالة بن عبيد، وعنه الليث. قال الدارقطني: مصري صالح. توفي في حدود عشرين ومائة (¬3) . 88- ربيعة بن لفيط التجيبي المصري "حم". عن عبد الله بن حوالة ومالك بن هبيرة، وعنه يزيد بن أبي حبيب وغيره. وثقه ابن حبان. 89- زِبّان بن عبد العزيز بن مروان الأموي "حم". عن أخيه عمر بن عبد العزيز، وعنه أسامة بن زيد والليث. قال ابن حبان في الثقات: يروي المراسيل، كان أحد الفرسان. قتل ببوصير مع مروان الحمار سنة اثنتين وثلاث ومائة. 90- زاهر بن معبد بن عبد الله بن هشام التيمي أبو عتبل "حم، الأربعة". نزيل مصر، عن جده، وله صحبة، وعن ابن عمرو بن الزبير. مات بالإسكندرية سنة خمس وثلاثين ومائة عن سن عالية، وذكر أنه كان من الأبدال. 91- زياد بن عبيد الحميري المصري "ع". عن رويفع بن ثابت وعقبة بن عامر، وعنه حيوة بن شريح. ذكره ابن حبان في الثقات (¬4) . 92- سعد بن سنان -ويقال سنان بن سعد، ويقال سعيد بن سنان- الكندي -[278]- المصري ¬

(¬1) تهذيب التهذيب 3 ك 224. (¬2) تهذيب التهذيب 3: 255. (¬3) تهذيب التهذيب 3: 255. (¬4) تهذيب التهذيب 3: 379.

"د، ت، هـ". عن أنس وغيره، وعنه يزيد بن أبي حبيب فقط. قال النسائي ليس بثقة (¬1) . 93- سليمان بن راشد المصري "ع". عن عبد الله بن رافع الحضرمي، وعنه خالد بن يزيد وسعيد بن أبي هلال. ذكره ابن حبان في الثقات (¬2) . 94- سليمان بن زياد الحضرمي المصري "هـ". عن عبد الله بن الحارث بن جزء، وعنه ابنه غوث وابن لهيعة. وثقه ابن معين، وقال أبو حاتم: شيخ صحيح الحديث. 95- سهل بن معاذ بن أنس الجهني. شامي نزل مصر. عن أبيه، وعنه الليث وثور بن يزيد. وثقه ابن حبان (¬3) . 96- سويد الجذامي "حم". عن أبي عشانة المعافري، وعنه ابنه معروف. 97- سيار بن عبد الرحمن الصدفي المصري "د، هـ". عن حنش الصنعاني وعكرمة، وعنه ابن لهيعة والليث. وثقه ابن حبان، وضعفه ابن معين (¬4) . 98- صالح بن أبي غريب قليب بن حرمل الحضرمي "د، ت، هـ". عن خلاد بن السائب. وعنه كثير بن مرة، وعنه حيوة بن شريح والليث. وثقه ابن حبان. 99- عامر بن يحيى المعافري أبو خنيس (¬5) المصري "م، ت، هـ" عن ابن عمر، وفضالة بين عبيد، وعنه الليث. مات قبل عشرين ومائة (¬6) . 100- عبد الله بن ثعلبة الحضرمي المصري "د". عن عبد الرحمن بن حجيرة. وثقه ابن حبان (¬7) . ¬

(¬1) تهذيب التهذيب 3: 471. (¬2) تهذيب التهذيب 4: 192. (¬3) تهذيب التهذيب 4: 258. (¬4) تهذيب التهذيب 4: 291. (¬5) بضم المعجمة ثم ن. (¬6) تهذيب التهذيب 5: 84. (¬7) تهذيب التهذيب 5: 166.

101- عبد الله بن راشد الزَّوْفِي (¬1) أبو الضحاك المصري. عن عبد الله بن أبي مرة، وعنه يزيد بن حبيب. وثقه ابن حبان (¬2) . 102- عبد الله بن مالك بن حذافة "د، ن". حجازي نزل مصر. عن أم العالية بنت سبيع، وعنه كثير بن فرقد فقط (¬3) . 103- عبد الله بن هبيرة السبتي (¬4) الحضرمي أبو هبيرة المصري. عن أبي تميم الجيشاني وقبيصة بن ذؤيب. مات سنة ست وعشرين ومائة (¬5) . 104- عبد الكريم بن الحارث الحضرمي المصري العابد أبو الحارث "الأربعة". عن المستورد بن شداد وعنه الليث. قال ابن يونس: كان من العباد المجتهدين. مات ببرقة سنة ست وثلاثين ومائة (¬6) . 105- عثمان بن نعيم الرعيني المصري "هـ". عن المغيرة بن نهيك، وعنه ابن لهيعة فقط. قال في التهذيب: فيه نظر (¬7) . 106- عطاء بن دينار الهذلي أبو الريان المصري "د، ت". عن أبي يزيد الخلاني، وعنه حيوة بن شريح. وثقه أحمد. مات سنة ست وعشرين ومائة (¬8) . 107- عقبة بن مسلم التجيبي أبو محمد القاص المصري "الثلاثة". إمام جامعها، عن ابن عمر وابن عمرو، وعنه حيوة بن شريح. وثقه العجلي. مات قريبا من سنة عشرين ومائة (¬9) . ¬

(¬1) ضبطه في لب اللباب: بفتح الزاي المعجمة وسكون الواو وفاء "نسبة إلى زوف، بطن من مراد. (¬2) تهذيب التهذيب 5: 205. (¬3) تهذيب التهذيب 5: 380. (¬4) تهذيب التهذيب: "السبائي". (¬5) تهذيب التهذيب 6: 61. (¬6) تهذيب التهذيب 6: 371. (¬7) تهذيب التهذيب 7: 156. (¬8) تهذيب التهذيب 7: 198. (¬9) تهذيب التهذيب 7: 249.

108- عمر بن السائب المصري، مولى بني زهرة "د". عن أسامة بن زيد، وعنه ابن لهيعة والليث. وثقه ابن حبان (¬1) . 109- عمرو بن جابر الحضرمي أبو زرعة المصري "ت، هـ". عن جابر بن عبد الله وسهل بن سعد، وعنه ابنه عمران وابن لهيعة. قال النسائي: ليس بثقة. 110- عمران بن أبي أنس العامري المصري "الثلاثة". عن أبي هريرة وسلمان الأغر، وعنه ابنه عبد الحميد ويزيد بن أبي حبيب. مات سنة سبع عشرة ومائة (¬2) . 111- قيس بن رافع الأشجعي المصري أبو رافع "قد". عن ابن عمر وابن عمرو وأبي هريرة، وعنه ابن لهيعة وعبد الكريم بن الحارث ويزيد بن أبي حبيب. ذكره ابن حبان في الثقات (¬3) . 112- قيس بن سالم المعافري أبو جزرة المصري "س". عن عمر بن عبد العزيز وأبي أمامة بن سهل بن حبيب، وعنه بكر بن مضر والليث ويحيى بن أيوب. ذكره ابن حبان في الثقات (¬4) . 113- كعب بن علقمة بن كعب التنوخي المصري "الثلاثة" عن سعيد بن المسيب، وعنه الليث. مات سنة ثلاثين ومائة (¬5) 114- مشرح بن عاهان المعافري أبو المصعب المصري "د، ت، هـ". عن عقبة بن عامر، وعنه الليث. وثقه ابن معين، وقال ابن حبان: يروي عن عقبة مناكير لا يتابع عليها. مات قريبًا من سنة عشرين ومائة (¬6) . 115- موسى بن وردان المصري القاص أبو عمر "الثلاثة". عن جابر وأبي سعيد ¬

(¬1) تهذيب التهذيب 7: 450. (¬2) تهذيب التهذيب 8: 122. (¬3) تهذيب التهذيب 8: 156. (¬4) تهذيب التهذيب 8: 395. (¬5) تهذيب التهذيب 8: 436. (¬6) تهذيب التهذيب 10: 155.

وأبي هريرة، وعنه ابنه سعيد، والليث وابن لهيعة. وثقه أبو داود والعجلي، وضعفه أبو حاتم، وقال الدارقطني: لا بأس به. مات سنة سبع عشرة ومائة (¬1) . 116- واهب بن عبد الله المعافري المصري "الأربعة". عن ابن عمر وأبي هريرة، وعنه ابن لهيعة. وثقه ابن حبان. مات سنة سبع وثلاثين ببرقة (¬2) . 117- وفاء بن شريح الصدفي المصري "د". عن سهل بن سعد والمستورد بن شداد، وعنه بكر بن سوادة وزيادة بن نعيم. وثقه ابن حبان. 118- يزيد بن عمرو المعافري المصري "د، ب، هـ". عن ابن عمرو، وعنه الليث وابن لهيعة. قال أبو حاتم: لا بأس به (¬3) . 119- يزيد بن محمد بن قيس المطلبي "خ، د، ن". المصري. عن أبي الهيثم العُتْواري ومحمد بن عمرو بن حلحلة، وعنه الليث ويزيد بن أبي حبيب. وثقه ابن حبان (¬4) . 120- أبو طعمة هلال مولى عمر بن عبد العزيز القارئ "د، هـ". عن ابن عمر، ومولاه وعنه ابن لهيعة. شامي سكن مصر، ضعفه أبو أحمد الحاكم، ووثقه غيره (¬5) . 121- أبو عيسى الخراساني -نزل مصر- قيل: اسمه سليمان بن كيسان، وقيل: محمد بن عبد الله. عن الضحاك وعطاء، وعنه حيوة بن شريح وابن لهيعة. وثقه ابن حبان (¬6) . ¬

(¬1) تهذيب التهذيب 10: 376. (¬2) تهذيب التهذيب 11: 108. (¬3) تهذيب التهذيب 11: 351. (¬4) تهذيب التهذيب 11: 358. (¬5) تهذيب التهذيب 12: 137. (¬6) تهذيب التهذيب 12: 196.

طبقة أخرى أصغر من التي قبلها وهي طبقة الأعمش وأبو حنيفة:

طبقة أخرى أصغر من التي قبلها وهي طبقة الأعمش وأبو حنيفة: 122- إبراهيم بن نشيط الوعلاني "د، ن، هـ". دخل على عبد الله بن الحارث بن جزء، وروى عن نافع والزهري، وعنه الليث وابن وهب. وثقه أبو زرعة وغيره. مات سنة إحدى -أو اثنتين وستين ومائة. وقال الذهبي: مصري تابعي، غزا القسطنطينية زمن سليمان (¬1) . 123- بشير بن أبي عمرو الخولاني المصري أبو الفتح "عم". عن عكرمة والوليد ابن قيس التجيبي. وعنه حيوة بن شريح وابن لهيعة والليث. قال أبو زرعة: مصري ثقة (¬2) . 124- جعفر بن ربيعة الكندي أبو شرحبيل المصري "ع". رأى عبد الله بن الحارث بن جزء، وروى عن الأعرج، وعنه الليث. قال أحمد: كان شيخا من أصحاب الحديث. ثقة. مات سنة ست وثلاثين ومائة (¬3) . 125- حرملة بن عمران التجيبي أبو حفص المصري "م، د، ن، هـ". جد حرملة ابن صاحب الشافعي. عن عبد الرحمن بن شماسة، وعنه المبارك وابن وهب. وثقه أحمد ويحيى (¬4) . 126- حسان بن عبد الله المصري "ن". عن سعيد بن أبي هلال، وعنه حيوة بن شريح وغيره. وثقه ابن حبان (¬5) . ¬

(¬1) تهذيب التهذيب 1: 175. (¬2) تهذيب التهذيب 1: 466. (¬3) تهذيب التهذيب 2: 90. (¬4) تهذيب التهذيب 2: 228. (¬5) تهذيب التهذيب 2: 250.

127- الحسن بن ثوبان الهوزني المصري أبو ثوبان "هـ". عن عكرمة، وعنه الليث. وثقه ابن حبان. قال ابن يونس: كان له عبادة وفضل. مات سنة أربع وخمسين ومائة (¬1) . 128- حفص بن الوليد بن سيف الحضرمي أبو بكر المصري "ن". أمير مصر. عن الزهري، وعنه الليث. وثقه ابن حبان. استشهد بمصر في شوال سنة ثمان وعشرين ومائة (¬2) . 129- حميد بن زياد أبو صخر الخراط "م، د، ت، هـ". سكن مصر. عن نافع والمقبري، وعنه ابن وهب وجماعة (¬3) . 130- حميد بن زياد الأصبحي. مصري. حكى عن عمر بن عبد العزيز (¬4) . 131- حميد بن هانئ أبو هانئ الخولاني المصري "الأربعة". عن أبي عبد الرحمن الحُبُلي وعلي بن رباح، وعنه ابن لهيعة والليث وابن وهب. مات سنة اثنتين وأربعين ومائة (¬5) . 132- حنين بن أبي حكيم المصري. عن علي بن رباح ومكحول ونافع. وعنه الليث وابن لهيعة. وثقه ابن حبان (¬6) . 133- حيي بن عبد الله بن شريح المعافري الحبلي أبو عبد الله المصري "الأربعة". عن أبي عبد الرحمن الحبلي. وعنه الليث وابن لهيعة وابن وهب: قال ابن معين: ليس به بأس، وضعفه النسائي. وقال أحمد: أحاديثه مناكير. مات سنة ثلاث وأربعين ومائة (¬7) . ¬

(¬1) تهذيب التهذيب 2: 359. (¬2) تهذيب التهذيب 2: 421. (¬3) تهذيب التهذيب 3: 41. (¬4) تهذيب التهذيب 3: 42. (¬5) تهذيب التهذيب 3: 50. (¬6) تهذيب التهذيب 3: 64. (¬7) تهذيب التهذيب 3: 72.

134- دويد بن نافع أبو عيسى الشامي "د، ن، هـ". نزل مصر. ويقال ذويد. عن أبي صالح السمان والزهري، وعنه ابنه عبد الله والليث. قال ابن حبان: مستقيم الحديث (¬1) . 135- راشد بن يحيى -ويقال ابن عبد الله أو يحيى- المعافري "حم". عن أبي عبد الرحمن الحبلي، وعنه ابن لهيعة وعبد الرحمن بن زياد الإفريقي. 136- رُزَيق الثقفي. عن عبد الرحمن بن شماسة، وعنه ابن لهيعة. مجهول. 137- زَبّان بن فائد المصري أبو جوين الحمزاوي "د، ب، هـ". عن سهل بن معاذ بن أنس، وعنه الليث وابن لهيعة. قال أحمد: أحاديثه مناكير. قال أبو حاتم: صالح مات سنة خمس وخمسين ومائة (¬2) . 138- زيادة بن محمد الأنصاري "د". عن محمد بن كعب القرضي، وعنه الليث وابن لهيعة. قال البخاري وغيره: منكر الحديث. 139- سالم بن غيلان التجيبي المصري "الثلاثة". عن يزيد بن أبي حبيب، وعن ابن لهيعة وابن وهب. قال أحمد وغيره: ليس به بأس. 140- سعيد بن أبي هلال الليثي أبو العلاء المصري "الثلاثة"، هـ". عن نافع وعدة، وعنه الليث. مات سنة تسع وأربعين ومائة (¬3) . 141- سعيد بن يزيد الحميري القتباني أبو شجاع الإسكندراني "الثلاثة". عن خالد بن أبي عمران ودراج، وعنه الليث. قال ابن يونس: كان من العباد. ثقة في الحديث. مات سنة أربع وخمسين ومائة (¬4) . 142- شراحيل بن يزيد المعافري أبو محمد المصري "د". عن أبي قلابة، وعنه ابن لهيعة. وثقه ابن حبان (¬5) . ¬

(¬1) تهذيب التهذيب 3: 214. (¬2) تهذيب التهذيب 3: 308. (¬3) تهذيب التهذيب 4: 94. (¬4) تهذيب التهذيب 4: 101. (¬5) تهذيب التهذيب 4: 320.

143- شرحبيل بن شريك المعافري أبو محمد المصري "م، د، هـ". عن أبي عبد الرحمن الحبلي. وعنه الليث وأبو لهيعة (¬1) . 144- الضحاك بن شُرحبيل بن عبد الله الغافقي المصري "د، هـ". عن ابن عمر وأبي هريرة وزيد بن أسلم، وعنه ابن لهيعة وحيوة بن شريح. وثقه ابن حبان (¬2) . 145- طلحة بن أبي سعيد الإسكندراني أبو عبد الملك المصري "خ، هـ". عن سعيد المقبري، وعنه الليث وابن وهب. وثقه أبو زرعة وغيره (¬3) . 146- عبد الله بن جنادة المعافري المصري "حم". عن أبي عبد الرحمن الحُبُلي، وعنه يحيى بن أيوب وسعيد بن أبي أيوب. وثقه ابن حبان. 147- عبد الله بن سليمان بن زرعة الحميري أبو حمزة المصري الطويل "د" عن نافع، وعنه الليث ومفضل بن فضالة، وثقه ابن حبان (¬4) . 148- عبد الرحمن بن خالد بن مسافر الفهمي أبو خالد "م، ت، ن". أمير مصر، عن الزهري، وعنه الليث. قال ابن يونس: كان ثبتًا في الحديث. مات سنة سبع وعشرين ومائة (¬5) . 149- عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الشعباني الإفريقي "د، ت، هـ". قاضي إفريقية. عداده في أهل مصر. عن أبيه وأبي عبد الرحمن الحبلي، وعنه ابن المبارك وابن وهب. رواه أحمد وغيره. وقال الترمذي: رأيت البخاري يقوي (¬6) أمره، ويقول: هو مقارب الحديث. مات سنة ست وخمسين ومائة (¬7) . 150- عبد الرحمن بن تمران "هـ". مصري. عن أبي الزبير المكي، وعنه أبو شريح، كذا وقع في نسخ ابن ماجه، والصواب: عبد الله. قاله المزي وغيره. ¬

(¬1) تهذيب التهذيب 4: 323. (¬2) تهذيب التهذيب 4: 444. (¬3) تهذيب التهذيب 5: 16. (¬4) تهذيب التهذيب 5: 245. (¬5) تهذيب التهذيب 6: 165. (¬6) كذا في ح، ط وهو الصواب، وفي الأصل: "يقول" تحريف. (¬7) تهذيب التهذيب 6: 173.

151- عبد الجليل بن حميد اليحصبي أبو مالك المصري "د". عن الزهري وأيوب السختياني، وعنه ابن وهب وآخرون. قال النسائي: ليس به بأس. مات سنة ثمان وأربعين ومائة (¬1) . 152- عبد الرحيم بن ميمون المزني "د، ت، ن". نزيل مصر أبو مرحوم المعافري. عن سهل بن معاذ وعلي بن رباح، وعنه سعيد بن أبي أيوب وابن لهيعة. ضعفه ابن معين. وقال ابن ماكولا: زاهد، يُعرف بالإجادة والفضل. مات سنة ثلاث وأربعين ومائة (¬2) . 153- عبيد الله بن المغيرة السبئي أبو المغيرة المصري "ت، هـ". عن عبد الله الحارث بن جزء، وعنه ابن لهيعة وطائفة. قال أبو حاتم: صدوق، مات سنة إحدى وثلاثين ومائة (¬3) . 154- عبيد الله بن سَوِية بن أبي سوية الأنصاري المصري "د". عن عبد الرحمن بن حُجيرة، وعنه حَيْوة بن شُريح وجماعه. مات سنة خمس وثلاثين ومائة (¬4) . 155- عميرة بن أبي ناجية الرعيني أبو يحيى المصري "ن". عن أبيه وبكر بن سوادة. وعنه ابن لهيعة والليث. وثقه النسائي (¬5) . 156- العلاء بن كثير الإسكندراني "ت". مولى قريش أبو محمد. عن توبة بن نمر الحضرمي وسعيد بن المسيب، وعنه بكر بن مضر وحيوة بن شريح والليث. قال أبو زرعة: مصري ثقة. وقال: ابن يونس: كان مستجاب الدعوة. مات بالإسكندرية سنة أربع وأربعين ومائة (¬6) . ¬

(¬1) تهذيب التهذيب 6: 106. (¬2) تهذيب التهذيب 6: 106. (¬3) تهذيب التهذيب 7: 49. (¬4) تهذيب التهذيب 7: 67. (¬5) تهذيب التهذيب 8: 152. (¬6) تهذيب التهذيب 8: 190.

157- عياش بن القتباني أبو عبد الرحيم المصري "الأربعة". عن بكير بن الأشج وأبي عبد الرحمن الحبلي. وعنه ابناه: عمرو وعبد الله، وحيوة بن شريح والليث (¬1) . 158- قباث بن رزين اللخمي أبو هاشم المصري "ن". عن عكرمة وعلي بن رباح، وعنه ابن لهيعة وعدة. وثقه ابن حبان. وقال أحمد: لا بأس به (¬2) . 159- قرة بن عبد الرحمن بن حيوئيل (¬3) المعافري أبو محمد المصري "الأربعة". عن أبيه والزهري. وعنه الأوزاعي والليث (¬4) . 160- قيس بن الحجاج بن خلي الكلاعي الحميري المصري "ت، هـ". عن حنش الصنعاني وأبي عبد الرحمن الحُبُلي، وعنه ابن لهيعة والليث. وثقه ابن حبان (¬5) . 161- مالك بن خير الزبادي المصري "حم". عن مالك بن سعد التحيبي وأبي قبيل المعافري. وعنه حيوة بن شريح وابن وهب. وثقه ابن حبان. 162- محمد بن شمير الرعيني المصري أبو الصباح "ن". عن أبي علي الجنبي، وعنه عبد الرحمن بن شريح. وثقه ابن حبان (¬6) . 163- محمد بن يزيد بن أبي زياد الثقفي "د، ت، هـ". نزيل مصر. عن أبيه ونافع، وعنه يزيد بن أبي حبيب وعدة. قال أبو حاتم: مجهول (¬7) . 164- معروف بن سعيد التجيبي المصري "هـ". عن يزيد بن أبي حبيب، وعنه بقية وأبو مطيع. وثقه ابن حبان. ¬

(¬1) تهذيب التهذيب 8: 197. (¬2) تهذيب التهذيب 8: 342. (¬3) ضبطه في التقريب: "بمهملة مفتوحة تحتانية وزن جبرئيل". (¬4) تهذيب التهذيب 8: 372. (¬5) تهذيب التهذيب 8: 389. (¬6) تهذيب التهذيب 9: 224. (¬7) تهذيب التهذيب 9: 524.

165- معروف بن سويد الجذامي أبو سلمة المصري "د، هـ". عن أبيه وعلي بن رباح وأبي عشانة، وعنه ابن لهيعة وابن وهب. وثقه ابن حبان (¬1) . 166- موسى بن أيوب بن عامر الغافقي المصري "د، ن". عن أبيه إياس وعكرمة، وعنه الليث وابن لهيعة. وثقة يحيى وأبو داود وابن المديني (¬2) . 167- أبو معن المصري عبد الواحد بن أبي موسى الإسكندراني "ن". عن أبي عقيل زهرة بن معبد ويزيد بن أبي حبيب، وعنه ابن المبارك وغيره. وكان عابدًا ناسكًا (¬3) . 168- ابن حرشف الأزدي. لعله تميم. عن القاسم بن عبد الرحمن، وعنه عمرو بن الحارث المصري (¬4) . 169- أبو يزيد الخولاني المصري الصغير. عن سيار الصدفي، وعنه ابنه ومروان الطاطري، وأثنى عليه خيرًا (¬5) . ¬

(¬1) تهذيب التهذيب 10: 231. (¬2) تهذيب التهذيب 10: 336. (¬3) تهذيب التهذيب 12: 243. (¬4) تهذيب التهذيب 12: 290. (¬5) تهذيب التهذيب 12: 279.

ذكر مشاهير أتباع التابعين الذين خرج لهم أصحاب الكتب الستة من أهل مصر

ذكر مشاهير أتباع التابعين الذين خَرَّج لهم أصحاب الكتب الستة من أهل مصر 170- عمرو بن الحرث، حيوة بن شريح، يحيى بن أيوب الغافقي. بكر بن مضر، الليث بن سعد بن لهيعة، المفضل بن فضالة. يأتون. 171- جابر بن إسماعيل الحضرمي المصري "م، د، ن، هـ". عن حيي بن عبد الله وعقيل بن خالد. وعنه وهب. وثقه ابن حبان (¬1) . 172- الحكم بن عبدة الشيباني -ويقال الرعيني- أبو عبدة البصري. نزل مصر. عن أبي هارون العبدي وأيوب السختياني، وعنه ابنه وجماعة. ضعفه الأزدي (¬2) . 173- خالد بن حميد أبو حميد المهري المصري الإسكندراني "م". عن بكر بن عمرو المعافري وأبي عقيل زهري بن معبد، وعنه ابن وهب وعبد الله بن صالح، كاتب الليث، وآخر من حدث (¬3) عنه بمصر (¬4) . 174- روح بن جناح المصري. ذكره ابن حبان في الثقات. مات بالإسكندرية سنة تسع وستين ومائة (¬5) . 175- خلاد بن سليمان الحضرمي أبو سليمان المصري "ن". عن نافع، وعنه ابن وهب. وثقة ابن الجنيد. وقال ابن يونس: كان من الخالفين (¬6) . مات سنة ثمان وسبعين ومائة (¬7) . ¬

(¬1) تهذيب التهذيب 2: 37. (¬2) تهذيب التهذيب 2: 432. (¬3) في الأصل: "حديث"، صوابه من ج، ط. (¬4) تهذيب التهذيب 3: 83. (¬5) تهذيب التهذيب 3: 292. (¬6) ط ح: "الخائفين". (¬7) تهذيب التهذيب 3: 172.

176- سعيد بن عبد الرحمن المصري "د". عن سهل بن أبي أمامة، وعنه ابن وهب وغيره. وثقه ابن حبان (¬1) . 177- سعيد بن أبي أيوب مِقْلاص الخزاعي أبو يحيى المصري "د". عن يزيد بن أبي حبيب، عنه ابن وهب. مات سنة إحدى وستين ومائة، وقد نيف عن الستين (¬2) . 178- ضمام بن إسماعيل المصري "تخ". عن أبي قبيل المعافري. قال أبو حاتم: كان صدوقًا متعبدًا. وقال في العبر: هو من مشاهير المحدثين. مات بالإسكندرية سنة خمس وثمانين ومائة (¬3) . 179- طيسان الإسكندراني "حم". عن أبي شراحيل، عن بلال، عن أبيه، وعنه الهيثم بن خارجه. مجهول كشيخه. 180- عاصم بن حكيم "د". عن موسى بن علي بن رباح، وعنه ابن وهب وضمرة بن ربيعة. وثقه ابن حبان (¬4) . 181- عبد الله بن سويد بن حبان أبو سليمان المصري "د". عن عياش القتباني، وعنه ابن وهب وسعيد بن أبي مريم ويحيى بن بكير. ذكره ابن حبان في الثقات (¬5) . 182- عبد الله بن طريف أبو خزيمة المصري "ن". عن عبد الكريم بن الحارث، وعنه ابن وهب. مجهول (¬6) . ¬

(¬1) تهذيب التهذيب 4: 57. (¬2) تهذيب التهذيب 4: 7. (¬3) تهذيب التهذيب 4: 658. (¬4) تهذيب التهذيب 5: 40. (¬5) تهذيب التهذيب 5: 248، وقال: "مات سنة اثنتين ومائة". (¬6) تهذيب التهذيب 5: 268.

183- عبد الله بن المسيب أبو السواد المصري "د". عن عكرمة، وعنه ابن وهب. وثقه ابن حبان. 184- عبد الله بن عياش بن عباس القتباني المصري "م، هـ". عن أبيه والزهري، وعنه الليث وابن وهب. مات سنة سبعين ومائة (¬1) . 185- عبد الرحمن بن سلمان الحجري الرعيني المصري "م، ن". عن عمرو بن أبي عمرو ويزيد بن عبد الله بن الهاد، وعنه ابن وهب فقط. قال ابن يونس: ثقة، وقال أبو حاتم: مضطرب الحديث (¬2) . 186- عبد الرحمن بن شريح بن عبد الله المعافري أبو شريح الإسكندراني. عن أبي الزبير، وعنه ابن وهب. مات سنة سبع وستين ومائة (¬3) . 187- عمر بن مالك الشرعبي المعافري المصري "م، د، هـ". عن عبيد الله بن أبي جعفر ويزيد بن عبد الله بن الهاد، وعنه ابن لهيعة وابن وهب. قال أبو زرعة: صالح الحديث (¬4) . 188- عياش بن عقبة الحضرمي المصري "د، ن، ر". عن موسى بن وردان، وعنه ابن المبارك. قال النسائي والدارقطني: ليس به بأس (¬5) . 189- عياض بن عبد الله بن عبد الرحمن الفهري المدني "م، د، ن، هـ". نزيل مصر. عن الزهري، وعنه ابن لهيعة والليث (¬6) . 190- الماضي بن محمد المصري الغافقي. عن مالك وغيره، وعنه ابن وهب فقط. قال أبو حاتم: لا أعرفه، وحديثه باطل (¬7) . ¬

(¬1) تهذيب التهذيب 5: 350. (¬2) تهذيب التهذيب 6: 287. (¬3) تهذيب التهذيب 6: 193. (¬4) تهذيب التهذيب 7: 494. (¬5) تهذيب التهذيب 8: 198. (¬6) تهذيب التهذيب 8: 201. (¬7) تهذيب التهذيب 10: 2.

191- موسى بن سلمة بن أبي مريم المصري "ن". عن داود بن أبي هند، وعنه ابن أخته سعيد بن الحكم وابن وهب. وثقه ابن حبان (¬1) . 192- موسى بن علي بن أبي رباح اللخمي. أمير مصر أبو عبد الرحمن. عن أبيه، والزهري، وعنه أسامة بن زيد الليثي وابن المبارك والليث. وثقه يحيى والعجلي والنسائي وأبو حاتم. مات بالإسكندرية سنة ثلاث وستين ومائة (¬2) . 193- نافع بن يزيد الكلاعي أبو يزيد المصري "خ، م، د، ن، هـ". عن حيوة بن شريح وهشام بن عروة، وعنه بقية وسعيد بن الحكم. مات سنة ثمان وستين ومائة (¬3) . 194- الوليد بن المغيرة المعافري المصري أبو العباس "مد". عن مشرح بن هاعان، وعنه ابن وهب وعبد الله بن يوسف التنيسي. ذكره ابن حبان في الثقات. مات في ذي القعدة سنة اثنتين وسبعين ومائة (¬4) . 195- يحيى بن أزهر المصري "د". عن أفلح بن حميد وعمار بن سعد. وعنه ابن وهب وجماعة. وثقه ابن حبان (¬5) . 196- يحيى بن عبد الرحمن الكناني أبو شيبة المصري. عن زيد بن أبي أنيسة وعمر بن عبد العزيز، وعنه هشيم والوليد ومسلم وغيرهما. وثقه ابن حبان (¬6) . 197- يزيد بن عبد العزيز الرعيني المصري "ن". عن يزيد بن محمد القرشي، وعنه سعيد بن أبي أيوب وابن لهيعة. وثقه ابن حبان (¬7) . ¬

(¬1) تهذيب التهذيب 10: 346. (¬2) تهذيب التهذيب 10: 363. (¬3) تهذيب التهذيب 10: 412. (¬4) تهذيب التهذيب 11: 155. (¬5) تهذيب التهذيب 11: 176. (¬6) تهذيب التهذيب 11: 250. (¬7) تهذيب التهذيب 11: 346.

198- يزيد بن يوسف الفارسي "ن". مصري مجهول. قاله الذهبي (¬1) . أبو خيرة "حم". عن موسى بن وردان، وعنه سعيد بن أبي أيوب. عداده في المصريين. قيل: هو محب بن خويلم. 199- أبو عبد الله القرشي "د". عن أبي بردة بن أبي موسى، وعنه سعيد بن أبي أيوب. حديثه في المصريين. 200- إبراهيم بن أعين الشيباني البصري "هـ". نزيل مصر. عن شعبة وعكرمة بن عمار، وعنه سعيد الأشج وهشام بن عمار. قال أبو حاتم: منكر الحديث (¬2) . 201- رِشْدين بن سعد الفهري أبو الحجاج المصري "ت، هـ". عن عقيل ويونس بن زيد، وعنه قتيبة وأبو كريب وهاه ابن معين وغيره. وقال ابن يونس: كان رجلًا صالحًا لا شك في صلاحه وفضله، فأدركته غفلة الصالحين. مخلط في الحديث. مات سنة ثمان وثمانين ومائة (¬3) . 202- عبد الرحمن بن عبد الحميد المهري مولاهم أبو رجاء المصري المكفوف "د، ن". عن عقيل بن خالد وأبي هانئ، وعنه ابن أخته أبو الطاهر بن السرح وغيره. وثقه أبو داود. مات سنة اثنتين وتسعين ومائة (¬4) . 203- عمرو بن أبي نعيمة المعافري. عن مسلم بن يسار، وعنه بكر بن عمرو المعافري. وثقه ابن حبان. وقال الدارقطني: مصري مجهول، يترك (¬5) . ¬

(¬1) تهذيب التهذيب 11: 373. (¬2) تهذيب التهذيب 1: 109. (¬3) تهذيب التهذيب 3: 277، ورشدين، ضبطه في التقريب: "بكسر الراء المهملة وسكون المعجمة". (¬4) تهذيب التهذيب 6: 219. (¬5) تهذيب التهذيب 8: 110.

204- منصور بن وردان "هـ". مصري. عن سالم، وعنه الليث وجماعة. وثقه ابن حبان (¬1) . 205- موسى بن شيبة الحضرمي المصري "هـ". عن الأوزعي، وعنه ابن وهب. وثقه ابن حبان (¬2) . 206- يعقوب بن عبد الرحمن بن محمد القاري "هـ". نزيل الإسكندرية. عن أبيه وموسى بن عقبة، وعنه ابن وهب. وثقه ابن معين. مات سنة إحدى وثمانين ومائة (¬3) . طبقة تلي هذه: 207- بشر بن بكر البجلي التنيسي أبو عبد الله "خ، د، ن، هـ". عن جرير بن عثمان والأوزعي، وعنه الشافعي والحميدي. مات سنة خمس ومائتين (¬4) . 208- حبيب بن أبي حبيب أبو محمد المصري. كاتب مالك. عنه وعن ابن أبي ذِيب، وعنه أحمد بن الأزهر وخلق. كذبه أحمد وأبو داود. مات بمصر سنة ثماني عشرة ومائتين (¬5) . 209- حجاج بن إبراهيم الأزرق البغدادي "د، ن" نزيل مصر. وعنه الربيع المرادي والذهلي وأبو حاتم. وثقه العجلي وأبو حاتم وابن يونس (¬6) . 210- الخصيب بن ناصح الحارثي "س". بصري، نزل مصر. عن الثوري ¬

(¬1) تهذيب التهذيب 10: 316. (¬2) تهذيب التهذيب 10: 348. (¬3) تهذيب التهذيب 11: 392. (¬4) تهذيب التهذيب 1: 442. (¬5) تهذيب التهذيب 2: 182. (¬6) تهذيب التهذيب 2: 195.

وابن عيينة وشعبة، وعنه أحمد بن عبد المؤمن المصري والربيع بن سليمان المرادي وعبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم. ذكره ابن حبان في الثقات (¬1) . 211- زياد بن يونس أبو سلامة الحضرمي الإسكندراني "د، ن". عن مالك والليث، وعنه يونس بن الأعلى وعدة. قال ابن حبان: مستقيم الحديث: توفي بمصر سنة إحدى عشر ومائتين (¬2) . 212- سعيد بن زكريا الأدم (¬3) المصري أبو عثمان "ت" عن بكر بن مضر وسليمان بن القاسم الزاهدي المصري وابن وهب والليث والمفضل بن فضالة، وعنه أبو الظاهر بن الشرح والحارث بن مسكين. قال ابن يونس: كان له عبادة وفضل. مات بإخميم سنة تسع ومائتين (¬4) . 213- سعيد بن عيسى بن تليد الرعيني القتباني المصري "ح، س". عن ابن وهب والشافعي وابن فضالة، وعنه البخاري وأبو حاتم. مات في ذي الحجة سنة تسع عشرة ومائتين (¬5) . 214- شعيب بن الليث بن سعد المصري "م، د، ت". عن أبي وموسى بن علي، وعنه ابنه عبد الملك ويونس بن عبد الأعلى. وثقه ابن حبان. وقال ابن يونس: كان فقيهًا مفتيًا، من أهل الفضل. مات سنة تسع ومائتين (¬6) . 215- شعيب بن يحيى بن السائب التجيبي أبو يحيى المصري "ن". عن مالك والليث. وعنه الحارث بن مسكين وغيره. وثقه ابن حبان. وقال ابن يونس: كان رجلًا صالحًا. مات سنة إحدى وتسعين ومائتين (¬7) . ¬

(¬1) تهذيب التهذيب 3: 143. (¬2) تهذيب التهذيب 10: 389. (¬3) قال في التقريب: "الأدم، بهمزة مقصورة ومهملة مفتوحتين". (¬4) تهذيب التهذيب 4: 30. (¬5) تهذيب التهذيب 4: 70. (¬6) تهذيب التهذيب 4: 355. (¬7) تهذيب التهذيب 4: 357.

216- طلق بن السمح بن شرحبيل المصري الإسكندراني أبو السمح "ن". عن حيوة بن شريح وابن لهيعة، وعنه ابنه حيوة والربيع الجيزي وسعيد بن عُفير وعبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم. مات بالإسكندرية سنة إحدى عشرة ومائتين (¬1) . 217- عبد الله بن يحيى المعافري البرلسي أبو يحيى "خ، د". عن حيوة بن شريح والليث. وعنه حفص بن مسافر وآخرون. مات سنة اثنتي عشرة ومائتين (¬2) . 218- علي بن معبد بن شداد العبدي "د، ن". نزيل مصر. عن مالك والشافعي. وابن علية، وعنه إسحاق الكوسج وأبو حاتم. ووثقه. قال ابن يونس: قدم مصر مع أبيه، ومات بها في رمضان سنة ثماني عشرة ومائتين (¬3) . 219- عمرو بن خالد بن فروخ التميمي أبو الحسن الجزري. نزيل مصر. عن زهير بن معاوية وحماد بن سلمة. وعنه البخاري وأبو زرعة وأبو حاتم وخلق. وثقه العجلي وغيره (¬4) . 220- عمرو بن الربيع بن طارق الهلالي الكوفي المصري "خ، م، د". عن مالك وابن لهيعة والليث، وعنه البخاري وابن معين وأبو حاتم. مات سنة تسع عشرة ومائتين (¬5) . 221- القاسم بن كثير بن النعمان أبو العباس "ت، ن". قاضي الإسكندرية. عن الليث وغيره. وعنه الدارمي وآخرون. وثقه النسائي وغيره (¬6) . ¬

(¬1) تهذيب التهذيب 4: 357. (¬2) تهذيب التهذيب 6: 77. (¬3) تهذيب التهذيب 7: 384. (¬4) تهذيب التهذيب 8: 25. (¬5) تهذيب التهذيب 8: 33. (¬6) تهذيب التهذيب 8: 330.

222- ليث بن عاصم بن كليب القتباني أبو زرارة المصري "ن". عن ابن جريح. وعنه يونس بن عبد الأعلى وغيره. قال ابن يونس: كان رجلًا صالحًا. مات سنة إحدى عشرة ومائتين (¬1) . 223- ليث بن عاصم الخولاني المصري. إمام جامع مصر زمن الرشيد. عن الحسن بن ثوبان، وعنه ابن وهب وغيره. وثقه ابن حبان (¬2) . 224- محمد بن عاصم بن جعفر المعافري المصري "هـ". عن مالك وعدة، وعنه الذهلي وغيره. وثقه ابن يونس. مات في صفر سنة خمس عشرة ومائتين (¬3) . 225- النضر بن عبد الجبار بن نصير المرادي أبو الأسود المصري الزاهد العابد "د، ن، هـ". عن ابن لهيعة والليث ونافع بن يزيد، وعنه أبو عبد القاسم ومحمد بن إسحاق الصنعاني. وثقه ابن معين والنسائي. مات سنة تسع عشرة ومائتين (¬4) . 226- يحيى بن حسان التنيسي أبو زكريا. عن حماد بن سلمة ومعاوية بن سلام ومالك والليث. وكان إمامًا حجة من جملة المصريين. مات في رجب سنة ثمانين ومائتين (¬5) 227- أحمد بن إشكاب الحضرمي أبو عبد الله الصفار الكوفي "خ". نزل مصر. عن شريك ومحمد بن فضيل، وعنه البخاري وبكر بن سهل. قال أبو حاتم: ثقة مأمون صدوق. كتبت عنه بمصر. مات سنة سبع عشرة أو بعدها ومائتين (¬6) . 228- إسماعيل بن مسلمة بن قعنب القعنبي المدني "هـ". نزيل مصر. عن شعبة والحمادين، وعنه أبو زرعة وأبو حاتم، وقال: صدوق. ووثقه الحاكم (¬7) . ¬

(¬1) تهذيب التهذيب 8: 468. (¬2) تهذيب التهذيب 8: 469. (¬3) تهذيب التهذيب 9: 240. (¬4) تهذيب التهذيب 10: 440. (¬5) تهذيب التهذيب 11: 197. (¬6) تهذيب التهذيب 1: 16. (¬7) تهذيب التهذيب 1: 335.

229- حسان بن عبد الله بن سهل الكندي أبو علي الواسطي "خ، ن، هـ". نزيل مصر. عن الليث وابن لهيعة، وعنه البخاري وأبو حاتم، ووثقه. قال ابن يونس: صدوق حسن الحديث. مات بمصر سنة اثنتين وعشرين ومائتين (¬1) . 230- خلف بن خالد القرشي مولاهم أبو المهنأ المصري "خ". عن الليث وابن لهيعة وعنه البخاري. مات قبل الثلاثين ومائتين (¬2) . 231- خلف بن خالد أبو المضاء المصري. عن يحيى بن أيوب (¬3) . 232- زكريا بن يحيى بن صالح القضاعي المصري القاضي كاتب العمري. عن المفضل بن فضالة، وعنه مسلم. قال ابن يونس: كانت القضاة تقبله. مات في شعبان سنة اثنتين وأربعين ومائتين (¬4) . 233- سعيد بن شبيب الحضرمي أبو عثمان المصري "د، ن". عن مالك وخلف بن خليفة، وعنه أبو داود وأبو حاتم الجوزجاني، وقال: كان شيخًا صالحًا (¬5) . 234- عبد الغني بن رفاعة اللخمي المصري "د". عن ابن عيينة، وعنه، أبو داود والطحاوي. مات سنة خمس وخمسين ومائتين (¬6) . 235- عمرو بن سواد بن الأسود العامري السرحي المصري "م، ن، هـ". عن الشافعي وابن وهب. وعنه مسلم والنسائي وابن ماجه. مات سنة خمس وأربعين ومائتين (¬7) . 336- عيسى بن حماد بن مسلم التجيبي أبو موسى المصري زُغبة "م، د". عن ابن هب والليث. وعنه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه. مات سنة ثمان وأربعين ومائتين (¬8) . ¬

(¬1) تهذيب التهذيب 2: 250. (¬2) تهذيب التهذيب 31: 150. (¬3) تهذيب التهذيب 3: 150. (¬4) تهذيب التهذيب 3: 336. (¬5) تهذيب التهذيب 4: 47. (¬6) تهذيب التهذيب 6: 366. (¬7) تهذيب التهذيب 8: 45. (¬8) تهذيب التهذيب 8: 209.

237- أخوه أحمد أبو جعفر المصري "ن". عن سعيد بن أبي مريم ويحيى بن بكير، وعنه النسائي وقال: صالح. وقال ابن ونس: كان ثقة مأمونًا، بلغ أربعًا وتسعين سنة، ومات سنة ست وتسعين ومائتين (¬1) . 238- قيس بن حفص البصري. نزيل مصر. كان حاجبًا للقاضي بكار (¬2) . 239- محمد بن إبراهيم بن سليمان الكندي أبو جعفر البزاز الضرير "د". نزيل مصر. عن عبد السلام بن حرب، وعنه أبو داود، وأبو حاتم. وقال: صدوق. ووثقه ابن حبان. مات بمصر في آخر سنة ثمان وأربعين ومائتين. 240- محمد بن الحارث بن راشد الأموي مولاهم أبو عبد الله المصري المؤذن "هـ". عن ابن لهيعة والليث، وعنه ابن ماجه وغيره. قال ابن حبان في الثقات: يُغْرِب (¬3) . 241- محمد بن أبي ناجية داود بن رزق بن ناجية أبو عبد الله المهري الإسكندراني (¬4) . عن أبيه وابن وهب. وعنه أبو داود والنسائي؛ ووثقه. وقال ابن حبان: مستقيم الحديث، مات سنة خمسين ومائتين (¬5) . 242- محمد بن سلمة بن عبد الله المرادي أبو الحارث المصري. عن ابن وهب. وعنه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه. مات سنة ثمان وأربعين ومائتين (¬6) . 243- محمد بن سوار (¬7) بن راشد الأزدي أبو جعفر الكوفي "د". نزيل مصر. ¬

(¬1) تهذيب التهذيب 1: 25. (¬2) تهذيب التهذيب 8: 39، وهو القاضي بكار بن قتيبة. (¬3) تهذيب التهذيب 9: 11. (¬4) تهذيب التهذيب 9: 104. (¬5) تهذيب التهذيب 9: 154. (¬6) تهذيب التهذيب 9: 193. (¬7) كذا ضبط في التقريب بتشديد الواو.

عن عبد السلام بن حرب، وعنه أبو داود وأبو حاتم. قال ابن حبان في الثقات: يُغرب (¬1) . 244- محمد بن هشام بن أبي خيرة (¬2) السدوسي البصري "خ، د، ن" نزيل مصر. عن ابن عيينة ويحيى القطان، وعنه أبو داود والنسائي وأبو حاتم، وقال: صدوق. وقال ابن يونس: كان ثقة ثبتًا حسن الحديث، مات بمصر سنة إحدى وخمسين ومائتين (¬3) . 245- موسى بن هارون بن بشير القيسي أبو عمرو الكوفي المعروف بالبُنِّي (¬4) "خ، ن، د". عن ابن وهب والوليد بن مسلم، عنه محمد بن يحيى الذهلي. مات بالفيوم في جمادى الآخرة سنة أربع وعشرين ومائتين (¬5) . 246- وهب بن بيان الواسطي "د، ن". نزيل مصر. عن ابن عيينة وابن وهب، وعنه أبو داود والنسائي ووثقه. مات سنة ست وأربعين ومائتين (¬6) . 247- يحيى بن سليمان بن يحيى أبو سعيد الكوفي الجعفي "خ، ت". نزيل مصر. عن ابن وهب والدراوردي، عنه البخاري وأبو زرعة وأبو حاتم. قال ابن حبان في الثقات: ربما أغرب (¬7) . 248- يوسف بن عدي التيمي الكوفي "خ، ن". نزيل مصر. عن مالك وشريك، وعنه ابنه محمد والبخاري مات بمصر (¬8) . ¬

(¬1) تهذيب التهذيب 9: 209. (¬2) خيرة، وضطبه في التقريب، "بكسر المعجمة، وفتح التحتانية". (¬3) تهذيب التهذيب 9: 496. (¬4) تهذيب التهذيب في المشتبه للذهبي: "نسبة إلى البن"، وفي تهذيب التهذيب: "البردي". (¬5) تهذيب التهذيب 10: 375. (¬6) تهذيب التهذيب 11: 160. (¬7) تهذيب التهذيب 11: 227. (¬8) تهذيب التهذيب 11: 417.

249- يوسف بن عمرو بن يزيد الفارسي أبو يزيد المصري "د، ن". عن ابن لهيعة ومالك والليث، وعنه أبو سعيد يزيد وآخرون. مات كهلًا (¬1) . طبقة تلي هذه: 250- أحمد بن سعد، ابن أبي مريم (¬2) أبو جعفر المصري "د، ن". عن عمه سعيد وابن معين وأبي اليمان، وعنه أبو داود، والنسائي وقال: لا بأس به. مات سنة ثلاث وخمسين ومائتين (¬3) . 251- أحمد بن سعيد بن بشير (¬4) الهمذاني أبو جعفر المصري "د". عن ابن وهب والشافعي، وعنه أبو داود، وضعفه النسائي. مات سنة ثلاث وخمسين ومائتين (¬5) . 252- أحمد بن عبد الرحمن بن وهب القرشي أبو عبد الله المصري "م". عن عمه ابن وهب والشافعي، وعنه مسلم وابن خزيمة. ضعفه النسائي وابن يونس وابن عدي وغيرهم. مات سنة أربع وستين ومائتين (¬6) . 253- أحمد بن عيسى بن حسان المصري بحشل أبو عبد الله السكران المعروف بالتستري. كان متّجرًا (¬7) إلى تستر، فعُرف بذلك. عن ابن وهب والمفضل بن فضالة، ¬

(¬1) تهذيب التهذيب 11: 420. (¬2) في تهذيب التهذيب: "أحمد بن سعد بن الحكم بن محمد بن سالم المعروف بابن أبي مريم". (¬3) تهذيب التهذيب 1: 29. (¬4) تهذيب التهذيب: "بشر". (¬5) تهذيب التهذيب 1: 31. (¬6) تهذيب التهذيب 1: 54. (¬7) ح، ط: "يتجر".

وعنه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه. مات سنة ثلاث وأربعين ومائتين (¬1) . 254- أحمد بن يحيى الوزير التجيبي المصري "ن". عن ابن وهب، وعنه النسائي ووثقه. قال ابن يونس: كان فقيهًا عالمًا بالشعر والأدب والأخبار وأيام "الناس" (¬2) . مات في شوال سنة خمسين ومائتين (¬3) . 255- أحمد بن أبي عقيل المصري "د". روى عنه أبو داود (¬4) . 256- إبراهيم بن مرزوق بن دينار البصري "ن". نزيل مصر. عن روح بن عبادة، وعنه النسائي والطحاوي. قال النسائي: صالح، وقال الدارقطني: ثقة، إلا أنه كان يخطئ فيقال له فلا يرجع. مات سنة سبعين ومائتين (¬5) . 257- الحارث بن أسد بن معقل الهمذاني (¬6) أبو الأسد المصري "ن". عن بشر بن بكر، وعنه النسائي، ووثقه. مات سنة ست وخمسين (¬7) . 258- الحسن بن غليب الأزدي مولاهم المصري "ن". عن سعيد بن أبي مريم، وعنه النسائي (¬8) . 259- حمزة بن نصير الأسلمي (¬9) المصري العسال "ن". عن سعيد بن أبي مريم، وعنه أبو داود مات سنة خمس وخمسين ومائتين (¬10) . 260- سليمان بن داود بن حماد المهري أبو الربيع المصري "د، ن". عن أبيه وجده لأمه الحجاج بن رشدين بن سعد وابن وهب، وعنه أبو داود والنسائي وزكريا ¬

(¬1) تهذيب التهذيب 1: 64. (¬2) من ح، ط. (¬3) تهذيب التهذيب 1: 89. (¬4) تهذيب التهذيب 1: 61، وفيه: "روى عن ابن وهب". (¬5) تهذيب التهذيب 1: 163. (¬6) ضبطه صاحب التقريب بسكون الميم. (¬7) تهذيب التهذيب 2: 143. (¬8) تهذيب التهذيب 2: 315. وضبطه: "غليب"، بالتصغير. (¬9) ضبطه صاحب التقريب بضم اللام. (¬10) تهذيب التهذيب 3: 34.

الساجي. وثقه النسائي، وقال أبو داود: قل من رأيت في فضله مثله. مات سنة ثلاث وخمسين ومائتين (¬1) . 261- عبد الله بن محمد بن رمح بن المهاجر التجيبي أبو سعيد المصري "هـ". عن ابن وهب، وعنه ابن ماجه وغيره (¬2) . 262- عبيد الله بن محمد بن عبد الله الرقي المصري أبو القاسم "ن". عن يحيى بن عبد الله بن بكير، وعنه النسائي وقال: صالح (¬3) . 263- علي بن عبد الرحمن المخزومي المصري المعروف بعلان "ن". عن أبيه وآدم بن أبي إياس، وعنه ابن جوصاء (¬4) وخلق (¬5) . 264- علي بن معبد بن نوح البغدادي ثم المصري الصغير "ن". عن يزيد بن هارون، وعنه النسائي وابن جوصاء. وثقه العجلي، وقال ابن حبان: مستقيم الحديث. قال الطحاوي: مات في رجب سنة تسع وخمسين ومائتين (¬6) . 265- عمر بن عبد العزيز بن مقلاص (¬7) المصري "ن". عن أبيه ويحيى بن بكير، وعنه النسائي ووثقه (¬8) . 266- عيسى بن إبراهيم بن عيسى بن مثرود الغافقي المصري "د، ن" عن ابن عيينة وابن وهب، وعنه أبو داود والنسائي، وقال: لا بأس به (¬9) . ¬

(¬1) تهذيب التهذيب 3: 34. (¬2) تهذيب التهذيب 4: 186. (¬3) تهذيب التهذيب 6: 8، وفي ح، ط: "عبد الرحمن"، وما أثبته يوافق ما في الأصل وتهذيب التهذيب". (¬4) كذا في ح، ط، وفي تهذيب التهذيب: "أحمد بن عمير بن جوصاء"، وفي الأصل: "جومناء". (¬5) تهذيب التهذيب 7: 46. (¬6) تهذيب التهذيب 7: 360. (¬7) تهذيب التهذيب 7: 385. (¬8) ضبطه صاحب التقريب: "بكسر الميم وسكون القاف". (¬9) تهذيب التهذيب 7: 475.

267- محمد بن عبد الله بن ميمون الإسكندراني "د، ن". عن ابن عيينة والوليد بن مسلم، وعنه النسائي وأبو داود وأبو عوانة. وثقه ابن يونس، وقال: مات بالإسكندرية سنة اثنتين ومائتين (¬1) . 268- محمد بن الوزير المصري "د". عن الشافعي وبشر بن بكر وغيرهما، وعنه أبو داود فقط (¬2) . 269- محمد بن أحمد بن جعفر الذهلي الكوفي "ن". نزيل مصر. أبو العلاء، ويعرف بالوكيعي. عن أحمد وأبي الطاهر بن السرح، وعنه النسائي وخلق. وثقه ابن يونس. مات بمصر سنة ثلاثمائة، عن ست وتسعين سنة (¬3) . 270- ياسين بن عبد الأحد القتباني المصري. عن أبيه وجده أبو زرارة ونعيم بن حماد، وعنه النسائي وقال: لا بأس به. مات سنة تسع ومائتين (¬4) . 271- يحيى بن أيوب الخولاني المصري العلاف "ن". عن عبد الغفار بن داود الحراني، وعنه النسائي وقال: صالح (¬5) . 272- يزيد بن سنان الأموي أبو خالد القزاز "ن". عن أبي عامر العقدي، وعنه النسائي ووثقه. مات بمصر سنة أربع وستين ومائتين (¬6) . قلت: "قد استوفيت في هذين الفصلين مع ما سيأتي رجال الكتب الستة ومسند أحمد من أهل مصر". ¬

(¬1) تهذيب التهذيب 9: 501. (¬2) تهذيب التهذيب 9: 281. (¬3) تهذيب التهذيب 9: 21. (¬4) تهذيب التهذيب 11: 173. (¬5) تهذيب التهذيب 11: 185. (¬6) تهذيب التهذيب 11: 335.

ذكر من كان بمصر من الأئمة المجتهدين:

ذكر من كان بمصر من الأئمة المجتهدين: 1- سليم بن عتر التجيبي المصري أبو سلمة. قاضي مصر وقاضيها وناسكها. من الطبقة الأولى من التابعين. شهد خطبة عمر بالجابية، وكان يُسمى الناسك لكثرة فضله وشدة عبادته، وكان يختم في كل ليلة ثلاثة ختمات، وهو أول من قص بمصر سنة ثلاثين، وولاه معاوية القضاء بها سنة أربعين، فأقام قاضيًا عشرين سنة. وهو أول من أسجل بمصر سجلًا في المواريث. مات بدمياط سنة خمس وسبعين (¬1) . 2- أبو تميم الجيشاني عبد الله بن مالك بن أبي الأسجم الرُّعيي المصري "م، ن، ت". قرأ القرآن على معاذ، وروى عن عمر وعليّ، وعنه أبو الخير اليزني وغيره. قال في العبر: كان من عباد أهل مصر وعلمائهم. مات سنة سبع وسبعين (¬2) . 3- أبو علقمة مولى بني هاشم (¬3) . قال الذهبي في التجريد: مصري فقيه، وقال ابن عدي: اسمه مسلم بن يسار، روى عن عثمان وابن مسعود وأبي هريرة وطائفة، وعنه أبو الزبير المكي. قال أبو حاتم: أحاديثه صحاح (¬4) . 4- عبد الرحمن بن حجيرة (¬5) الخولاني أبو عبد الله المصري "الأربعة" قاضي مصر. روى عن ابن مسعود وأبي ذر وأبي هريرة، وكان عبد العزيز بن مروان يرزقه في السنة ألف دينار فلا يدخرها. وروى ابن لهيعة عن عبيد الله المغيرة أن رجلًا سأل ابن عباس عن مسألة، فقال: تسألني وفيكم ابن حُجيرة ولده (¬6) ! ¬

(¬1) الولاة والقضاة للكندي 303. (¬2) العبر 1: 88. (¬3) انظر العبر 1: 12. (¬4) على التصغير. (¬5) في الأصول: "أبو عبد الرحمن" والصواب أنه "عبد الله بن عبد الرحمن بن حجيرة" وانظر الجزء الثاني 2: 118. (¬6) تهذيب التهذيب 6: 160.

5- عبد الله أبو عبد الرحمن. قاضي مصر أيضًا، روى عن أبيه وغيره، وكان عالمًا زاهدًا ورعًا، روى عنه عبد الله بن الوليد وغيره. وذكره ابن حبان في الثقات. 6- مالك بن شراحيل قاضي مصر. مات سنة خمس وثمانين (¬1) . 7- يونس بن عطية الحضرمي. قاضي مصر، وكان على الشرط أيضًا، مات سنة ست وثمانين (¬2) . 8- أبو النجيب العامري السرحي المصري "د، ن". قيل: اسمه ظليم. روى عن ابن عمر وأبي سعيد، وعنه ابن بكر بن سوادة، وكان فقيهًا. مات بإفريقية سنة ثمان وثمانين (¬3) . 9- أبو الخير مرثد بن عبد الله اليزني الحميري. روى عن ثابت وابن عمرو وأبي أمامة، وعقبة بن عامر الجهني، وعنه يزيد بن أبي حبيب وجعفر بن ربيعة وآخرون. قال ابن يونس: كان مفتي أهل مصر في زمانه، وكان عبد العزيز بن مروان يحضره فيجلسه للفتيا. وقال الذهبي في العبر: تفقه على عقبة بن عامر، وكان مفتي أهل مصر في وقته. مات سنة تسعين من الهجرة (¬4) . 10- عبد الرحمن بن معاوية بن حديج الكندي أبو معاوية المصري قاضي مصر. روى عن أبيه وابن عمر، وعنه يزيد بن أبي حبيب. مات سنة خمس وتسعين (¬5) . 11- عمر بن عبد العزيز الخليفة الصالح أمير المؤمنين "ع". ولد بمصر وأبوه أمير عليها سنة إحدى -وقيل ثلاث- وستين. قال الذهبي: وتفقه حتى بلغ رتبة الاجتهاد، ¬

(¬1) الولاة والقضاة للكندي 321، قال: "ولي القضاء في المحرم سنة 83". (¬2) الولاة والقضاة 322. (¬3) . . . . . . . . . . (¬4) العبر 1: 105. (¬5) القضاة والولاة 324.

ومناقبه كثيرة. مات في رجب سنة إحدى ومائة (¬1) . 12- حبيب بن الشهيد أبو مروان التجيبي مولاهم المصري (¬2) "د، هـ". فقيه طرابلس الغرب، من المتأخرين. حدث عن رويفع الأنصاري وعمر بن عبد العزيز، وعنه يزيد بن أبي حبيب. مات سنة تسع ومائة (¬3) . 13- مكحول أبو عبد الله الفقيه "الأربعة". أحد الأئمة، عالم الشام. وقيل: إنه ولد بمصر، روى عن ثوبان وأبي أمامة وأنس وغيرهم، وعنه الزهري وأبو حنيفة وخلق. قال أبو حاتم: ما أعلم بالشام أفقه منه، مات سنة اثنتي عشرة ومائة، وقال ابن كثير: كان نوبيّا (¬4) . 14- علي بن رباح اللخمي المصري "الأربعة". قال في العبر: كان من علماء زمانه، حمل عن عدة من الصحابة، مات وهو في عشر المائة "سنة" (¬5) أربع عشرة. وقيل: سنة سبع عشرة ومائة (¬6) . 15- يحيى بن ميمون الحضرمي أبو عمرو المصري "د، ن". قاضي مصر. روى عن سهل بن سعد الساعدي وغيره، وعنه ابن لهيعة وجماعه، وثقه ابن حبان (¬7) . 16- ثوبة بن نمر بن حومل الحضرمي أبو محجن المصري. قاضي مصر. روى عن ابن عفير عريف بن سريع، وعنه الليث وطائفة قال الدارقطني: جمع له القضاء والقصص بمصر. وكان فاضلًا عابدًا. توفي سنة عشرين ومائة (¬8) . 17- نافع مولى ابن عمر (¬9) "ع". فقيه أهل المدينة. بعثه عمر بن عبد العزيز إلى ¬

(¬1) تهذيب التهذيب 7: 475. (¬2) تهذيب التهذيب: "البصري". (¬3) تهذيب التهذيب 2: 185. (¬4) تهذيب التهذيب 10: 289. (¬5) من ح، ط. (¬6) العبر 1: 142. (¬7) تهذيب التهذيب 11: 290. (¬8) الولاة والقضاة 342. (¬9) وهو المعروف بأبي عبد الله المدني.

مصر يعلمهم السنن، فأقام بها مدة. ذكره الذهبي في العبر. مات سنة عشر، وقيل: عشرين ومائة (¬1) . 18- جُعْثُل بن هاعان بن سعيد الرعيني القتباني المصري "الأربعة". روى عن ابن تميم الجيشاني، وعنه بكر بن سوادة. قال ابن يونس: كان أحد القراء الفقهاء، أمره عمر بن عبد العزيز بالخروج من مصر إلى المغرب ليقرئهم، وولي القضاء بإفريقية لهشام بن عبد الملك. توفي قريبًا من سنة خمس عشرة ومائة (¬2) . 19- بكير بن عبد الله الأشج المدني الفقهيه "ع". نزيل مصر أبو عبد الله عن أبي أمامة سهل ومحمود بن لبيد، وعنه الليث وحماد. قال ابن المديني: لم يكن بالمدينة بعد كبار التابعين أعلم من ابن شهاب ويحيى الأنصاري وبكير بن الأشج. وقال ابن حبان: من ثقات أهل مصر وقرائهم. قال الذهبي: مات سنة اثنتين وعشرين ومائة (¬3) . 20- بكر بن سوادة الجذامي بن ثمامة المصري الفقيه مفتي مصر "الأربعة". روى عن ابن عمر وسهل بن سعد، وعنه عمر بن الحارث والليث. قال ابن يونس: توفي بإفريقية وقيل: بل غرق في بحار الإسكندرية سنة ثمان وعشرين ومائة (¬4) . 21- أبو قبيل المعافري المصري حييّ (¬5) بن ناضر -بالمعجمة "ت، ن". روى عن عقبة بن عامر وابن عمرو، وعنه عمرو بن الحارث والليث. وكان له علم بالملاحم والفتن. مات سنة ثمان وعشرين ومائة (¬6) . ¬

(¬1) العبر 1: 147، وذكر أنه مات سنة 117. (¬2) تهذيب التهذيب 2: 79. (¬3) تهذيب التهذيب 1: 491. (¬4) تهذيب التهذيب 1: 483. (¬5) تهذيب التهذيب: "جي بن هانئ بن ناضر". (¬6) تهذيب التهذيب 3: 73.

22- خالد بن أبي عمران التجيبي مولاهم أبو عمر التونسي الفقيه "م". قاضي إفريقية. روى عن ابن عمر، ولم يسمع عنه، وعن عبد الله بن الحارث بن جزء، وعنه يحيى الأنصاري وابن لهيعة والليث. قال ابن سعد: كان ثقة، وكان لا يدلس. مات بإفريقية سنة تسع وعشرين ومائة (¬1) . 23- يزيد بن أبي حبيب، واسمه سويد الأزدي، أبو رجاء المصري "ع". فقيه مصر وشيخها ومفتيها. لقي عبد الله بن الحارث بن جزء وروى عن سالم ونافع وعكرمة وعطاء وخلق، وعنه ابن لهيعة والليث وآخرون. قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث. وقال ابن يونس: كان مفتي أهل مصر؛ وهو أول من أظهر العلم بمصر والمسائل في الحلال والحرام. وقبل ذلك كانوا يتحدثون في الترغيب والملاحم والفتن؛ وهو أحد ثلاثة جعل إليهم عمر بن عبد العزيز الفتيا بمصر. وقال الليث: هو سيدنا وعالمنا. مات سنة ثمان وعشرين ومائة (¬2) . 24- عبيد الله بن أبي جعفر المصري الفقيه أبو بكر، مولى بني أمية. عن أبي عبد الرحمن الحبلي والشعبي وعطاء ونافع وعدة، وعنه ابن لهيعة والليث. قال ابن سعد: وكان ثقة فقيه زمانه، وقال في العبر: أحد العلماء والزهاد، ولد سنة ستين، ومات سنة اثنتين -وقيل خمس، أو ست وثلاثين- ومائة (¬3) . 25- جبر بن نعيم بن مرة الحضرمي المصري "م، ن". قاضي مصر، روى عن عطاء وأبي الزبير، وعنه الليث وابن لهيعة. قال الدارقطني: ولي القضاء والقصص بمصر، وقال يزيد بن أبي حبيب: ما أدركت من قضاة مصر أفقه منه. مات سنة سبع وثلاثين ومائة. ¬

(¬1) تهذيب التهذيب 3: 110، طبقات ابن سعد 7: 521. (¬2) طبقات ابن سعد 7: 513، وفيها "مات في خلافة مروان بن محمد". (¬3) طبقات ابن سعد 7: 514.

26- خالد بن يزيد الجمحي مولاهم أبو عبد الرحيم المصري الفقيه "ع". عن عطاء والزهري، وعنه الليث. مات سنة تسع وثلاثين ومائة (¬1) . 27- عمرو بن الحارث بن يعقوب بن عبد الله الأنصاري مولاهم أبو أمية المصري "ع". عن أبيه والزهري، وعنه مجاهد، وهو أكبر منه، وبكير بن الأشج وقتادة وهما من شيوخه، ومالك وابن وهب، وهو راويته. قال أبو حاتم: كان أحفظ أهل زمانه، وقال ابن وهب: ما رأيت أحفظ منه. مات سنة سبع -أو ثمان- وأربعين ومائة، وله ست وخمسون سنة (¬2) . 28- حيوة بن شريح بن صفوان التجيبي أبو زرعة المصري "ع". الفقيه الزاهد العابد، أحد الزهاد والعلماء السادة. عن يزيد بن أبي حبيب، وعنه الليث. سئل عنه أبو حاتم، فقال: هو أحب إليّ من الليث بن سعد، ومن المفضل بن فضالة. وقال ابن المبارك: ما وصف لي أحد ورأيته إلا كانت رؤيته دون صفته إلا حيوة بن شريح، فإن رؤيته كانت أكبر من صفته. عرض عليه قضاء مصر فأبى. مات سنة ثمان وخمسين ومائة (¬3) . 29- يحيى بن أيوب الغافقي المصري. عن بكير بن الأشج ويزيد بن أبي حبيب. قال في العبر: كان كثير العلم، فقيه النفس. مات سنة ثلاث وستين ومائة (¬4) . 30- عبد الرحمن بن شريح المعافري أبو شريح. قال في العبر: كان ذا جلالة وفضل وعبادة، روى عن أبي قبيل وطبقته. مات بالإسكندرية سنة سبع وستين ومائة (¬5) . ¬

(¬1) تهذيب التهذيب 3: 129. (¬2) تهذيب التهذيب 8: 14. (¬3) تهذيب التهذيب 3: 69. (¬4) العبر 1: 243. (¬5) العبر 1: 250.

31- ابن لهيعة عبد الله بن عقبة (¬1) بن لهيعة الحضرمي المصري. أبو عبد الرحمن الفقيه، قاضي مصر ومسندها. عن عطاء وعمرو بن دينار والأعرج وخلق، وعنه الثوري والأوزاعي وشعبة، وماتوا قبله. وابن المبارك وخلق. وثقه أحمد وغيره، وضعفه يحيى القطان وغيره. مات بمصر يوم الأحد نصف ربيع الأول سنة أربع وستين ومائة (¬2) . 32- الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي أبو الحارث المصري "ع". أحد الأعلام، ولد بقلقشندة سنة أربع وتسعين، وروى عن الزهري وعطاء ونافع وخلق، وعنه ابنه شعيب وابن المبارك وآخرون. قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث صحيحه، وكان قد اشتغل بالفتوى في زمانه بمصر، وكان سريًّا من رجال، نبيلًا سخيًّا له ضيافة. وقال يحيى بن بكير: ما رأيت أحدًا أكمل من الليث، كان فقيه النفس، عربي اللسان، يحسن القرآن والنحو، ويحفظ الحديث والشعر، حسن الذاكرة. وقال الشافعي: كان الليث أفقه من مالك إلا أنه ضيعه أصحابه (¬3) . قال ابن كثير: وقد حكى بعضهم أنه ولي القضاء بمصر وهو غريب. وقال الذهبي في العبر: كان نائب مصر وقاضيها من تحت أوامر الليث، وإذا رابه من أحد شيء كاتب فيه فيُعزل، وقد أراده المنصور أن يلي إمرة مصر فامتنع. مات يوم الجمعة رابع عشر شعبان سنة خمس وسبعين ومائة، كذا ذكره غير واحد. وقال ابن سعد: سنة خمس وستين. وحكى ابن خلكان أنه سمع قائل يقول يوم مات الليث: ¬

(¬1) تهذيب التهذيب: "عبد الله بن لهيعة بن عقبة". (¬2) تهذيب التهذيب 5: 373. (¬3) طبقات ابن سعد 7: 517.

ذهب الليث فلا ليث لكم ... ومضى العلم غريبًا وقُبِر فالتفتوا فلم يروا أحدًا (¬1) . 33- عثمان بن الحكم الجذامي. قال ابن فرحون: مشهور من أصحاب مالك المصريين، وهو أول من أدخل علم مالك مصر، ولم يأت مصر أنبل منه. روى عن مالك وابن جريج وموسى بن عقبة وسعيد بن أبي مريم. مات سنة ثلاثين وستين ومائة (¬2) . 34- طليب بن كامل اللخمي. من كبار أصحاب مالك وجلسائه، أبو خالد. أصله أندلسي سكن الإسكندرية، روى عنه ابن القاسم وابن وهب، وبه تفقه ابن القاسم قبل رحلته إلى مالك. مات في حياة مالك بالإسكندرية سنة ثلاث وسبعين ومائة (¬3) . 35- المفضل بن فضالة بن عبيد الرعيني أبو معاوية المصري الفقيه "د، ت، هـ" قاضي مصر. عن يزيد بن أبي حبيب وخلق، وعنه قتيبة وغيره. وكان زاهدًا ورعًا قانتًا مجاب الدعوة. مات سنة إحدى وثمانين ومائة عن أربع وسبعين سنة. 36- عبد الله بن وهب بن مسلمة المصري الفهري مولاهم أبو محمد الخير. أحد الأعلام. ولد في ذي القعدة سنة خمس وعشرين ومائة، وروى عن مالك والسفيانين وغيرهم. قال ابن عدي: من جلة الناس وثقاتهم، لا أعلم له حديثًا منكرًا، تفقه بمالك والليث. وقال ابن يونس: جمع بين الفقيه والرواية والعبادة، وله تصانيف كثيرة، وكانوا أرادوه على القضاء فتغيب. ¬

(¬1) ابن خلكان 1: 439. (¬2) الديباج المذهب 187. (¬3) الديباج المذهب 130.

وقال ابن فرحون. قالوا: لم يكتب مالك لأحد بالفقيه إلا إلى ابن وهب، فكان يكتب إليه: إلى عبد الله بن وهب فقيه مصر، وإلى أبي محمد المفتي؛ ولم يكن يفعل هذا لغيره. وقال فيه ابن وهب عالم، وابن القاسم فقيه (¬1) . وقال أحمد بن صالح. ما رأيت أكثر حديثًا منه، حدث بمائة ألف حديث، قرئ عليه كتابه في أهوال القيامة، فخر مغشيًّا عليه، فلم يتكلم بكلمة حتى مات بعد أيام. وذلك في شعبان سنة سبع وتسعين ومائة (¬2) . 37- عبد الرحمن بن القاسم بن خالد العتقي المصري أبو عبد الله الفقيه "خ، ن" راوية (¬3) المسائل عن مالك، روى عن أبي عيينة وغيره، وعنه أصبغ وسحنون وآخرون. قال ابن حبان: كان حبرًا فاضلًا، تفقه على مذهب مالك، وفرع على أصوله، ولد سنة ثمان وعشرين ومائة، ومات في صفر سنة إحدى وتسعين ومائة. وكان زاهدًا صبورًا مجانبًا للسلطان (¬4) . 38- الإمام الشافعي أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد الله بن عبد يزيد بن هشام بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف، جد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. والسائب جده صحابي أسلم يوم بدر؛ وكذا ابنه شافع، لقي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو مترعرع. ولد الشافعي سنة خمسين ومائة بغزة أو بعسقلان أو اليمن أو منى -أقوال- ونشأ بمكة، وحفظ القرآن وهو ابن سبع سنين، والموطأ وهو ابن عشر، وتفقه على مسلم بن خالد الزنجي مفتي مكة، وأذن له في الإفتاء وعمره خمس عشرة سنة، ثم لازم مالكًا ¬

(¬1) الديباج المذهب 130. (¬2) تهذيب التهذيب 10: 273. (¬3) ح "راوي". (¬4) تهذيب التهذيب 6: 71.

بالمدينة، وقدم بغداد سنة خمس وتسعين، فاجتمع عليه علماؤها، وأخذوا عنه وصنف بها كتابه القديم، ثم عاد إلى مكة، ثم خرج إلى بغداد سنة خمس وتسعين، فأقام بها شهرًا، ثم خرج إلى مصر. وصنف بها كتبه الجديدة كالأم والأمالي الكبرى والإملاء الصغير ومختصر البويطي ومختصر المزني ومختصر الربيع والرسالة والسنن. قال ابن زولاق: صنف الشافعي نحوًا من مائتي جزء. ولم يزل بها ناشرًا للعلم، ملازمًا للإشغال بجامع عمرو إلى أن أصابته شديدة فمرض بسببها أيامًا، ثم مات يوم الجمعة سلخ رجب سنة أربع ومائتين. قال ابن عبد الحكم: لما حملت أم الشافعي به رأت كأن المشتري خرج من فرجها حتى انقض بمصر، ثم وقع في كل بلد منه شظية؛ فتأول أصحاب الرؤيا أنه يخرج عالم يخص علمه أهل مصر، ثم يتفرق في سائر البلدان. وقال الإمام أحمد: إن الله تعالى يقيض للناس في رأس كل مائة سنة من يعلمهم السنن، وينفي عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الكذب؛ فنظرنا فإذا في رأس المائة عمر بن عبد العزيز، وفي رأس المائتين الشافعي. وقال الربيع: كان الشافعي يفتي وله خمس عشرة سنة؛ وكان يحيي الليل إلى أن مات. وقال أبو ثور: كتب عبد الرحمن بن مهدي إلى الشافعي أن يضع له كتابًا فيه معاني القرآن، ويجمع قبول الأخيار فيه وحجة الإجماع وبيان الناسخ والمنسوخ من القرآن والسنة، فوضع له كتاب الرسالة. قال الإسنوي: الشافعي أول من صنف في أصول الفقه بالإجماع، وأول من قرر ناسخ الحديث من منسوخه، وأول من صنف في أبواب كثيرة من الفقه معروفة (¬1) . ¬

(¬1) تهذيب التهذيب 9: 25.

39- إسحاق بن الفرات أبو نعيم التجيبي "ن". صاحب مالك، قاضي ديار مصر. قال الشافعي: ما رأيت بمصر أعلم باختلاف الناس من إسحاق بن الفرات. روى عن الليث وغيره. مات بمصر سنة أربع ومائتين (¬1) . 40- أشهب بن عبد العزيز العامري أبو عمرو "د، ن" فقيه ديار مصر، صاحب مالك. انتهت إليه الرياسة بمصر بعد ابن القاسم، قال الشافعي: ما أخرجت مصر أفقه من أشهب لولا طيش فيه. وكان محمد بن عبد الله بن عبد الحكم يفضل أشهب على ابن القاسم. وقال ابن عبد البر: كان فقيهًا حسن الرأي والنظر، ولد سنة أربعين ومائة، ومات سنة أربع ومائتين؛ قيل: اسمه مسكين، وأشهب لقب (¬2) . 41- عبد الله بن عبد الحكم بن أعين بن ليث بن رافع المصري أبو محمد "ن". كان من جلة أصحاب مالك، ألقيت إليه الرياسة بمصر بعد أشهب، وله مصنفات في الفقه وغيره. وقال ابن حبان: كان ممن عقد على مذهب مالك وفرع على أصوله. روى عن مالك وابن لهيعة والليث، وعنه بنوه: محمد وعبد الرحمن وسعد ومحمد بن عبد الله بن نمير وآخرون. وثقه أبو زرعة وغيره. ولد سنة خمس وخمسين ومائة ومات في رمضان سنة خمس عشرة، وقيل: أربع عشرة ومائتين. ودفن إلى جانب الشافعي (¬3) . 42- إسحاق بن بكر بن مضر المصري الفقيه "م، ن". قال ابن يونس: كان فقيهًا مفتيًا، وكان يجلس في حلقة الليث، ويفتي بقوله ويحدث. قال في العبر: لا أعلمه روى عن غير أبيه. مات بمصر سنة ثماني عشرة ومائتين (¬4) . 43- عثمان بن صالح بن صفوان السهمي أبو يحيى المصري قاضي مصر، روى ¬

(¬1) الديباج المذهب 96. (¬2) الديباج المذهب 98. (¬3) الديباج المذهب 134. (¬4) العبر 1: 373.

عن مالك والليث وابن وهب، وعنه البخاري وابن معين وأبو حاتم وخلق. مات في المحرم سنة تسع عشرة ومائتين (¬1) . 44- أحمد بن صالح المصري أبو جعفر "خ، د". أحد الحفاظ المبرزين، والأئمة المذكورين؛ كان إمامًا فقيهًا نظارًا متقنًا، رأسًا في الحديث وعلله، إمامًا في القراءات والفقه والنحو. قرأ على ورش وقالون، وسمع من ابن وهب وغيره. روى عنه البخاري وأبو داود، وكان يرى في الجنب إذا لم يقدر على الماء لبرد أنه يتوضّا ويُجزئه. ولد سنة سبعين ومائة، ومات في ذي القعدة سنة ثمان وأربعين ومائتين (¬2) . 45- ابن عم الشافعي، محمد بن عبد الله بن محمد بن العباس بن عثمان بن شافع. قال العبّادي في طبقاته: كان من فقهاء أصحاب الشافعي، وله مناظرات مع المزني، وتزوج بابنة الشافعي زينب فأولدها "أحمد" (¬3) . 46- ابن بنت الشافعي أبو بكر -أو أبو عبد الرحمن أو أبو محمد- أحمد. وَلَد ابن عم الشافعي المذكور؛ قال العبادي: تفقه بأبيه، وروى الكثير عنه عن الشافعي، وله أوجه منقولة في المذهب. قال أبو الحسين الرازي: كان واسع العلم، فاضلًا، لم يكن في آل شافع بعد الإمام أجل منه. 47- البويطي أبو يعقوب يوسف بن يحيى القرشي "ت" الإمام الجليل؛ أحد أئمة الإسلام وأركانه وزهاده. كان خليفة الشافعي في حلقته بعده. قال الشافعي: ليس أحد أحق بمجلسي من أبي يعقوب، وليس أحد من أصحابي أعلم منه. وكان ابن أبي الليث الحنفي قاضي مصر يحسده، فسعى به إلى الواثق بالله أيام المحنة بخلق القرآن، ¬

(¬1) تهذيب التهذيب 7: 122. (¬2) تهذيب التهذيب 1: 39، طبقات الشافعي 1: 186. (¬3) من ح، ط.

فأمر بحمله إلى بغداد مغلولًا مقيدًا، وأريد منه القول بذلك، فامتنع؛ فجلس ببغداد إلى أن مات في القيد والسجن يوم الجمعة من رجب سنة إحدى وثلاثين. وكان الشافعي له كرامة "يقول له" (¬1) : أنت تموت في الحديد (¬2) . 48- حرملة بن يحيى بن عبد الله التجيبي أبو حفص المصري صاحب الشافعي. قال النووي في شرح المهذب: له مذهب لنفسه، وقال السبكي في الطبقات: هو صاحب وجه. وقال الإسنوي: كان إمامًا حافظًا للحديث والفقه، صنف المبسوط والمختصر، وروى عنه مسلم وابن ماجه. ولد سنة ست وستين ومائة، ومات في شوال سنة ثلاث وأربعين ومائتين (¬3) . 49- المزني أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن عمرو بن إسحاق، الإمام الجليل، ناصر المذهب، قال فيه الشافعي: لو ناظر الشيطان لغلبه، وكان إمامًا ورعًا زاهدًا مجاب الدعوة، متقللًا من الدنيا. قال الرافعي: المزني صاحب مذهب مستقل. قال الإسنوي: صنف كتبًا، منها المبسوط، والمختصر، والمنثور، والمسائل المعتبرة، والترغيب في العلم، وكتاب الوثائق والعقارب؛ سمي بذلك لصعوبته، وصنف كتابًا مفردًا على مذهبه لا على مذهب الشافعي. كذا ذكره البندنيجي في تعليقه. وكان إذا فاتته صلاة في الجماعة صلاها خمسًا وعشرين مرة، ويُغَسِّل الموتى تعبدًا واحتسابًا، ويقول: أفعله ليرق قلبي، وكان جبل علم، مناظرًا محجاجًا. ولد سنة خمس وسبعين ومائة، وتوفي لست بقين من رمضان سنة أربع وستين ومائتين، ودفن قريبًا من قبر الشافعي (¬4) . ¬

(¬1) من ح، ط. (¬2) طبقات الشافعية 1: 275، طبقات الشافعية 1: 275. (¬3) طبقات الشافعية 1: 257. (¬4) ابن خلكان 1: 71.

50- أصبغ بن الفرج بن سعيد بن نافع الأموي أبو عبد الله المصري. "ح، د، ت، ن" الفقيه مفتي أهل مصر. عن عبد الرحمن بن القاسم وابن وهب، وعنه البخاري وأبو حاتم. قال ابن معين: كان من أعلم خلق الله كلهم برأي مالك. وقال أبو حاتم: كان من أجل أصحاب ابن وهب. وقال ابن يونس: كان مضطلعًا بالفقه والنظر. وله تصانيف حسان. وقال بعضهم: ما أخرجت مصر مثل أصبغ، وقال ابن اللباد: ما انفتح لي طريق الفقه إلا من أصول أصبغ. ولد بعد الخمسين ومائة، ومات يوم الأحد لأربع بقين من شوال سنة خمس وعشرين ومائتين (¬1) . 51- سعيد بن كثير بن عفير أبو عثمان المصري "خ، ن". الحافظ العلامة قاضي الديار المصرية، روى عن مالك والليث، وكان فقيهًا نسابة إخباريًّا، شاعرًا كثير الاطلاع قليل المثل، صحيح النقل. ولد سنة ست وأربعين ومائة، ومات سنة ست وعشرين ومائتين (¬2) . 52- عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد المصري "م، د، ن". عن أبيه وابن وهب، وعنه مسلم وأبو داود والنسائي. قال في العبر: كان أحد الفقهاء، مات سنة ثمان وأربعين ومائتين (¬3) . 53- الحارث بن مسكين بن محمد بن يوسف الأموي أبو عمرو المصري "د، ن". الحافظ الفقيه العلامة، روى عنه أبو داود والنسائي. قال الخطيب: كان فقيهًا على مذهب مالك. ثقة في الحديث، ثبتا. وله تصانيف. ولد سنة أربع وخمسين ومائة، ومات ليلة الأحد لثلاث بقين من ربيع الأول سنة خمسين ومائتين (¬4) . ¬

(¬1) ابن خلكان 1: 79. (¬2) تهذيب التهذيب 4: 74. (¬3) تهذيب التهذيب 6: 398. (¬4) الديباج المذهب 106، طبقات الشافعية 1: 249.

54- أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح الأموي مولاهم المصري الحافظ الفقيه العلامة "م، د، ن". روى عن ابن عيينة وابن وهب، وعنه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه، والسرح هو طاهر بن وهب. قال أبو حاتم: كان ثقة فهمًا من الصالحين الأثبات. مات يوم الاثنين رابع عشرة ذي القعدة سنة خمسين ومائتين. وذكره ابن فرحون في طبقات المالكية، وقال: كان فقيهًا ثقة صدوقًا (¬1) . 55- محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري أبو عبد الله "ن". ولد سنة اثنتين وثمانين ومائة، وأخذ مذهب مالك عن ابن وهب، وأشهب، فلما قدم الشافعي مصر صحبه، وتفقه به، فلما مات الشافعي رجع إلى مذهب مالك. وانتهت إليه الرياسة بمصر. قال ابن يونس: كان المفتي بمصر في أيامه. وقال غيره: كان من العلماء الفقهاء، مبرزًا، من أهل النظر والمناظرة والحجة، وإليه كانت الرحلة من الغرب والأندلس في العلم والفقه، وكان فقيه مصر في عصره على مذهب مالك، ورسخ في مذهب الشافعي، وربما تخير قوله عند ظهور الحجة، وكان أفقه أهل زمانه؛ له مصنفات كثيرة. مات يوم الأربعاء ثاني ذي القعدة سنة ثمان وستين ومائتين (¬2) . 56- يونس بن عبد الأعلى بن موسى الصدفي المصري الإمام أبو موسى الفقيه المقري المحدث "م، ن، هـ". روى عن ابن عيينة، وتفقه على الشافعي، وقرأ على ورش، وتصدر للإقراء والفقه، وانتهت إليه رياسة العلم وعلو الإسناد في الكتاب والسنة. قال يحيى بن حبان: يونس كان ركنًا من أركان الإسلام، وكان ورعًا صالحًا عابدًا كبير الشأن. ولد في ذي الحجة سنة سبعين ومائة، ومات في ربيع الآخر سنة أربع وستين ومائتين، روى عنه مسلم والنسائي وابن ماجه (¬3) . ¬

(¬1) طبقات الشافعية 1: 199، الديباج المذهب 35، وفيه: "أحمد بن عمر". (¬2) طبقات الشافعية 1: 223. (¬3) طبقات الشافعية 1: 279.

57- ابن الموّاز العلامة أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الإسكندراني. صاحب التصانيف، أخذ عن أصبغ بن الفرج وعبد الله بن عبد الحكم، وانتهت إليه الرياسة في مذهب مالك، وإليه كان المنتهى في تفريع المسائل، وله اختيارات خارجة عن مذهب مالك؛ منها وجوب الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصلاة. مات سنة إحدى وثمانين ومائتين (¬1) . 58- قاسم بن محمد بن قاسم الأموي مولاهم. القرطبي الفقيه. محدث الأندلس. قال في العبر: له رحلتان إلى مصر، وتفقه على الحارث بن مسكين وابن عبد الحكم. وكان مجتهدًا لا يقلد. قال رفيقه بقيّ بن مخلد: هو أعلم من محمد بن عبد الله بن عبد الحكم. وقال ابن عبد الحكم: لم يقدم علينا من الأندلس أعلم من قاسم. وقال محمد بن عمر بن لبابة: ما رأيت أفقه منه، روى عن إبراهيم بن المنذر الخزامي وطبقته. مات سنة ست وسبعين ومائتين (¬2) . 59- محمد بن نصر المروزي الإمام أبو عبد الله. أحد أئمة الفقهاء. ولد ببغداد، ونشأ بنيسابور، وأقام بمصر مدة ورجع؛ فاستوطن سمرقند. كان من أعلم الناس باختلاف الصحابة والتابعين فمن بعدهم؛ وله تصانيف جليلة. وكان رأسًا في الفقه، رأسًا في الحديث، رأسًا في العبادة، وقال شيخه في الفقه محمد بن عبد الله بن الحكم: كان محمد بن نصر عندنا إمامًا؛ فكيف بخراسان! وقال غيره: لم يكن للشافعية في وقته مثله. وعنه أنه قال: مكثت في مصر مدة أنفق فيها في كل سنة عشرين درهمًا. مات في المحرم سنة أربع وتسعين ومائتين وهو في عشر التسعين. قال ابن كثير في تاريخه: رُوي أنه اجتمع في الديار المصرية محمد بن نصر ومحمد بن ¬

(¬1) الديباج المذهب 232. (¬2) العبر 2: 57.

جرير ومحمد بن المنذر؛ فجلسوا في بيت يكتبون الحديث؛ ولم يكن عندهم في ذلك اليوم شيء يقتاتونه؛ فاقترعوا فيما بينهم من يسعى لهم في شيء يأكلونه؛ ليدفعوا عنه ضرورتهم، فجاءت القرعة على أحدهم؛ فنهض إلى الصلاة، فجعل يصلي، ويدعو الله؛ وذلك وقت القيلولة، فرأى نائب مصر وهو نائم وقت القيلولة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو يقول له: أنت هاهنا والمحمدون ليس عندهم شيء يقتاتونه! فانتبه الأمير من منامه؛ فسأل: من هاهنا من المحمدين؟ فذُكر له هؤلاء الثلاثة، فأرسل إليهم في الساعة بألف دينار (¬1) . ويشبه هذا ما حكاه ابن كثير أيضًا في ترجمة الحسن بن سفيان الفسوي محدث خراسان، قال: من غريب ما اتفق له أنه كان هو وجماعة من أصحابه بمصر في رحلتهم للحديث؛ منهم محمد بن خزيمة ومحمد بن جرير ومحمد بن هارون الروياني؛ فضاق عليهم الحال حتى مكثوا ثلاثة أيام لا يأكلون شيئًا؛ واضطرهم الحال إلى السؤال؛ فأنفت نفوسهم من ذلك؛ ثم ألجأتهم الضرورة إلى تعاطي ذلك؛ فاقترعوا فيما بينهم، فوقعت القرعة على الحسن بن سفيان، فقام فاختلى في زاوية المسجد الذي هم فيه فصلى ركعتين طال فيها، واستغاث بالله وسأله بأسمائه العظام؛ فما انصرف من الصلاة حتى دخل المسجد رجل، فقال: أين الحسن ورفقته؟ فقالوا: ها نحن، فقال: الأمير ابن طولون يقرأ عليكم السلام، ويعتذر إليكم في تقصيره؟ وهذه مائة دينار؛ لكل واحد منكم؛ فقالوا له: ما الحامل له على هذا؟ فقال: إنه أحب اليوم أن يختلي بنفسه؛ فبينما هو الآن نائم إذ جاءه فارس في الهواء، بيده رمح؛ فدخل عليه المنزل، ووضع عقب الرمح في خاصرته، فوكزه به، وقال: قم فأدرك الحسن بن سفيان وأصحابه ¬

(¬1) تاريخ ابن كثير 11: 102-103.

قم فأدركهم، قم فأدركهم، قم فأدركهم؛ فإنهم منذ ثلاثة أيام جياع في المسجد الفلاني، فقال له: من أنت؟ قال: أنا رضوان خازن الجنان؛ فاستيقظ الأمير وخاصرته تؤلمه ألما شديدا؛ فبعث بالنفقة في الحال؛ ثم جاء لزيارتهم، واشترى ما حول ذلك المسجد، ووقفه على الواردين إليه (¬1) . 60- أبو عبيد بن حربويه علي بن الحسين بن حرب بن عيسى البغدادي قاضي مصر. أحد الأئمة. تفقه على أبي ثور؛ وكان يوافقه في كثير من اختياراته، ويوافق الشافعي تارة، وله اختيارات انفرد بها في نفسه، ومن مذهبه أنه منع من تعجيل الزكاة، وأوجب اجتناب الحائض في جميع بدنها. قال النووي: وقد خالف في ذلك إجماع المسلمين، ولي قضاء واسط، ثم إقليم مصر، فأقام بها مدة طويلة، وكانت الخلفاء تعظمه، ثم استعفى من القضاء فأُعفِيَ، وعاد إلى بغداد، فمات بها في صفر سنة تسع وثلاثمائة (¬2) . 61- أبو بكر محمد بن عبد الله الصيرفي. قال الذهبي في العبر: له مصنفات في المذهب، وهو صاحب وجه. توفي بمصر في رجب سنة ثلاثين وثلاثمائة (¬3) . 62- أبو إسحاق المروزي إبراهيم بن أحمد. أحد أئمة الدين، وأحد أصحاب الوجوه. تفقه على ابن سريج، وكان إماما جليلا غواصا على المعاني الدقيقة، بحرا خضما، ورعا زاهدا، انتهت إليه رياسة العلم ببغداد، وانتشر الفقه عن أصحابه في البلاد، وشرح مختصر المزني، وصنف الأصول، ثم انتقل في آخر عمره إلى مصر سنة القرامطة، وجلس في مجلس الشافعي، واجتمع الناس عليه، وضربوا إليه أكباد الإبل، ¬

(¬1) طبقات الشافعية 2: 24. (¬2) الولاة والقضاة 481. (¬3) العبر 2: 221.

وسار في الآفاق من مجلسه سبعون إماما من أصحاب الحديث. توفي بمصر سابع رجب سنة أربعين وثلاثمائة، ودفن عند الإمام الشافعي (¬1) . 63- أبو بكر بن الحداد محمد أحمد بن جعفر الكناني المصري. الإمام الجليل، أحد أصحاب الوجوه. ولد يوم موت المزني، وأخذ الفقه عن أبي سعيد محمد بن عقيل الفريابي وبشر بن نصر بن غلام الله عرف وجالس أبا إسحاق المروزي لما ورد مصر، ودخل إلى بغداد، فاجتمع بابن جرير، وأخذ العربية عن محمد بن ولاد، وروى الحديث عن جماعة؛ منهم أبو عبد الرحمن النسائي ولزمه، وتخرج به؛ يعرف الأسماء والكنى والنحو واللغة واختلاف الفقهاء وأيام الناس وسائر الجاهلية والشعر والنسب، وكان كثير التعبد يصوم يوما ويفطر يوما، ويختم في كل يوم وليلة ختمة. ولي القضاء بمصر، وصنف الباهر في الفقه في مائة جزء، وكتاب جامع الفقه، وكتاب أدب القضاء في أربعين جزءا، وكتاب المولدات وهو مشهور. مات في المحرم -وقيل في صفر- سنة أربع -وقيل: خمس- وأربعين وثلاثمائة، ودفن بسفح المقطم (¬2) . 64- الماسرجسي أبو الحسن محمد بن علي بن سهل النيسابوري شيخ القاضي أبي الطيب. أحد أصحاب الوجوه. قال الحاكم: كان من أعرف أصحابنا للمذهب. أخذ عن أبي إسحاق المروزي، وصحبه إلى مصر، ولازمه إلى أن توفي، فانصرف إلى بغداد، ودرس بها؛ ثم إلى خراسان، ومات بها يوم الأربعاء سادس جمادى الآخرة سنة أربع وثمانين وثلاثمائة، وهو ابن ست وسبعين سنة (¬3) . 65- ابن شعبان أبو إسحاق محمد بن القاسم بن شعبان. كان رأس فقهاء المالكية ¬

(¬1) العبر 2: 252. (¬2) العبر 2: 264. (¬3) العبر 3: 26.

بمصر في وقته، وأحفظهم لمذهب مالك، وكان شيخ الفتوى، حافظ البلد، انتهت إليه رياسة المالكية بمصر، وله تصانيف وأقوال وترجيحات. مات في جمادى الأولى سنة خمس وخمسين وثلاثمائة (¬1) . 66- القاضي عبد الوهاب بن علي بن نصر أبو محمد البغدادي أحد الأعلام، وأحد أئمة المالكية المجتهدين في المذهب، له أقوال وترجيحات. تفقه على ابن القصار وابن الجلاب، وانتهت إليه رياسة المذهب. قال الخطيب: لم أر في المالكية مثله، ولا أفقه منه. ولي قضاء داريا ونحوها، وتحول إلى مصر لضيق حاله ببغداد، فأكرم بها، وتمول وسعد جدا فأدركه الموت، فكان يقول في مرضه: لا إله إلا الله، عندما عشنا متنا! مات بمصر في شعبان سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة عن ستين سنة (¬2) . 67- الحسن بن الخطير أبو النعماني الفارسي. كان فقيها حنفيا عالما بالتفسير والحساب والهيئة والطب، مبرزا في النحو واللغة والعروض والأدب والتاريخ، ألف تفسيرا، وشرح الجمع بين الصحيحين للحميدي، وكتابا في اختلاف الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار. أقام بالقاهرة مدة يدرس إلى أن مات بها سنة ثمان وتسعين وخمسمائة. وكان يقول: قد انتحلتُ مذهب أبي حنيفة، وأنتصرُ له فيما وافق اجتهادي (¬3) . 68 - الشيخ عز الدين بن عبد السلام بن عبد العزيز بن أبي القاسم بن حسن بن محمد بن مهذب السلمي أبو محمد. شيخ الإسلام، سلطان العلماء. ولد سنة سبع - أو ثمان - وسبعين وخمسمائة، وتفقه على الفخر بن عساكر، وأخذ الأصول عن السيف الأبذي، وسمع الحديث من عمر بن طبرزد وغيره، وبرع في الفقه والأصول العربية. قال ¬

(¬1) الديباج المذهب 248. (¬2) العبر 3: 149. (¬3) الجواهر المضية 1: 191

الذهبي في العبر: انتهت إليه معرفة المذهب، مع الزهد والورع، وبلغ رتبة الاجتهاد، وقدم مصر، فأقام بها أكثر من عشرين سنة؛ ناشرا العلم، آمرا بالمعروف، ناهيا للمنكر، يغلظ على الملوك فمن دونهم. ولما دخل مصر بالغ الشيخ زكي الدين المنذري في الأدب معه، وامتنع من الإفتاء لأجله، وقال: كنا نفتي قبل حضوره، وأما بعد حضوره فمنصب الفتيا متعين فيه. وألقى التفسير بمصر دروسا. وهو أول من فعل ذلك. وله من المصنفات: تفسير القرآن، ومجاز الفرسان، والفتاوي الموصلية، ومختصر النهاية، وشجرة المعارف، والقواعد الكبرى والصغرى، وبيان أحوال الناس يوم القيامة. وله كرامات كثيرة، ولبس خرقة التصوف من الشهاب السهروردي. وكان يحضر عند الشيخ أبي الحسن الشاذلي: قيل لي: ما على وجه الأرض مجلس في الفقه أبهى من مجلس الشيخ عز الدين بن عبد السلام، وما على وجه الأرض مجلس في الحديث أبهى من مجلس الشيخ زكي الدين عبد العظيم، وما على وجه الأرض مجلس في علم الحقائق أبهى من مجلسك! وقال ابن كثير في تاريخه: انتهت إليه رياسة المذهب، وقصد بالفتاوي من الآفاق، ثم كان في آخر عمره لا يتقيد بالمذهب، بل اتسع نطاقه، وأفتى بما أدى إليه اجتهاده. وقال تلميذه ابن دقيق العيد: كان ابن عبد السلام أحد سلاطين العلماء. وقال الشيخ جمال الدين بن الحاجب: ابن عبد السلام أفقه من الغزالي. وحكى القاضي عز الدين البكاري أن الشيخ عز الدين بن عبد السلام أفتى مرة بشيء، ثم ظهر له أنه أخطأ، فنادى في مصر والقاهرة على نفسه: من أفتى له ابن عبد السلام بكذا، فلا يعمل به،

فإنه خطأ. قال القطب اليونيني: وكان مع شدته وصلابته حسن المحاضرة بالنوادر والأشعار، يحضر السماع ويرقص فيه. وقال ابن كثير: كان لطيفا يستشهد بالأشعار، توفي بمصر عاشر جمادى الأولى سنة ستين وستمائة (¬1) . 69- القرافي العلامة شهاب الدين أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن الصنهاجي البهنسي المصري. أحد الأعلام. انتهت إليه رياسة المالكية في عصره، وبرع في الفقه وأصوله والعلوم العقلية، ولازم الشيخ عز الدين بن عبد السلام الشافعي، وأخذ عنه أكثر فنونه، وألف التصانيف الشهيرة كالذخيرة والقواعد وشرح المحصول والتنقيح في الأصول وشرحه وغير ذلك. قال القاضي تقي الدين بن شكر: أجمع المالكية والشافعية على أن أفضل عصرنا بالديار المصرية ثلاثة: القرافي، وناصر الدين بن المنير وابن دقيق العيد. مات في جمادى الآخرة سنة أربع وثمانين وستمائة ودفن بالقرافة (¬2) . 70- ابن المنير العلامة ناصر الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن منصور الجذامي الإسكندراني. أحد الأئمة المتبحرين في العلوم من التفسير والفقه والأصلين والنظر والعربية والبلاغة والأنساب. أخذ عن جماعة منهم ابن الحاجب. وكان الشيخ عز الدين بن عبد السلام يقول: الديار المصرية تفتخر برجلين في طرفيها: ابن دقيق العيد بقوص وابن المنير بالإسكندرية. ومن تصانيفه تفسير القرآن والانتصاف من الكشاف وأسرار الإسراء، ومناسبات تراجم البخاري، ومختصر التهذيب في الفقه. ولد سنة عشرين ¬

(¬1) البداية والنهاية لابن كثير 13: 235. (¬2) الديباج المذهب 62.

وستمائة. ومات في أول ربيع الأول سنة ثلاث وثمانين بالإسكندرية (¬1) . 71- أخوه زين الدين علي قاضي الإسكندرية بعد أخيه. قرأ على ابن الحاجب وغيره، وكان بعض الفضلاء يفضله على أخيه، وإن كان هو أشهر منه. وله شرح عظيم على البخاري. قال ابن فرحون (¬2) : وكان ممن له أهلية الترجيح والاجتهاد في مذهب مالك. 72- ابن دقيق العيد الشيخ تقي الدين أبو الفتح محمد بن الشيخ مجد الدين علي بن وهب بن مطيع القشيري القوصي. قال ابن السبكي في الطبقات: شيخ الإسلام الحافظ الزاهد الورع الناسك المجتهد المطلق ذو الخبرة التامة بعلوم الشريعة، الجامع بين العلم والدين، والسالك سبيل السادة الأقدمين. أكمل المتأخرين. ولد بظهر البحر الملح قريبا من ساحل الينبع وأبواه متوجهان من قوص للحج يوم السبت خامس عشرين شعبان سنة خمس وعشرين وستمائة، ونشأ بقوص وتفقه بها، ثم رحل إلى مصر والشام، وسمع الكثير. وأخذ من الشيخ عز الدين بن عبد السلام، وحقق العلوم، ووصل إلى درجة الاجتهاد، وانتهت إليه رياسة العلم في زمانه، وشدت إليه الرحال. قال الحافظ فتح الدين بن سيد الناس: لم أر مثله فيمن رأيت، ولا حملت عن أجل منه فيمن رويت. وكان للعلوم جامعا، وفي فنونها بارعا؛ مقدما في معرفة علل الحديث على أقرانه، منفردا بهذا الفن النفيس في زمانه، بصيرا بذلك، شديد النظر في تلك المسالك، أذكى ألمعية، وأزكى لوذعية، لا يشق له غبار، ولا يجري معه سواه في مضمار، وكان حسن الاستنباط للأحكام والمعاني من السنة والكتاب، بنُكَت تسحر الألباب، وفكر تستفتح له ما استغلق على غيره من الأبواب، مستعينا على ذلك بما رواه من العلوم، ¬

(¬1) فوات الوفيات 1: 72. (¬2) الديباج المذهب 214.

مبينا ما هنالك بما حواه من مدارك الفهوم، مبرزا في العلوم النقلية والعقلية، والمسالك الأثرية والمدارك النظرية، بحيث يقضى له من كل علم بالجميع، وسمع بمصر والشام والحجاز، على تحر في ذلك واحتراز، ولم يزل حافظا للسانه، مقبلا على شأنه، وقف نفسه على العلوم وقصرها، ولو شاء العاد أن يحصر كلماته لحصرها؛ ومع ذلك فله بالتجريد تخلق، وبكرامات الصالحين تحقق، وله مع ذلك في الأدب باع، وكرم طباع، لم يخل في بعضها من حسن انطباع، حتى لقد كان الشهاب محمود الكاتب المحمود في تلك المذاهب، يقول: لم تر عيني آدب منه. وقال أبو حيان: هو أشبه من رأيناه يميل إلى الاجتهاد. قال الشيخ تاج الدين السبكي: ولم أر أحدا من أشياخنا يختلف في أن ابن دقيق العيد هو العالم المبعوث على رأس المائة السابعة، المشار إليه في الحديث؛ فإنه أستاذ زمانه علما ودينا. وله مصنفات، منها الإلمام في الحديث وشرحه الذي لم يؤلف أعظم منه لما فيه من الاستنباطات العظيمة، وشرح العمدة، والاقتراح في مصطلح الحديث، وشرح العنوان في أصول الفقه، وكتاب في أصول الدين، وله ديوان خطب، وشعر حسن. مات يوم الجمعة حادي عشر صفر سنة اثنتين وسبعمائة (¬1) . ورثاه الشرف محمد بن محمد بن عيسى القوصي بقوله: سيطول بعدك في الطلول وقوفي ... أروي الثرى من مدمعي المذروف أبكي على فقد العلوم بأسرها ... والمكرمات بناظر مطروف أمحمد بن علي بن وهب دعوة ... من قلب مشجون الفؤاد أسيف لو كان يقبل فيك حتفك فدية ... لفديت من علمائنا بألوف أو كان من جمر المنايا مانع ... منعتك سمر قنا وبيض سيوف ¬

(¬1) طبقات الشافعية 6: 2-22.

ما كنت في الدنيا على الدنيا إذا ... ولت بمحزون ولا مأسوف سلمت عداتك لا عداتك كلها ... مذ كنت من مطل ومن تسويف يا طالبي المعروف أين مسيركم ... مات الفتى المعروف بالمعروف المشتري العليا بأغلى قيمة ... من غير ما بخس ولا تطفيف ما عنف الجلساء قط ونفسه ... لم يخلها يوما من التعنيف يا مرشد الفتيا إذا ما أشكلت ... طرق الصواب ومنجد الملهوف من للضعيف يعينه أنى أتى ... مستصرخا يا غوث كل ضعيف من لليتامى والأرامل كافل ... يرجونه في شتوة ومصيف لم يثن عزمك من مواصلة العلا ... حسناء ذات قلائد وشنوف أفنيت عمرك في تقى وعبادة ... وإفادة للعلم أو تصنيف وسبحت في بحر العلوم مكابدا ... أمواجه والناس دون السيف وبذلت سائر ما حويت فلم تدع ... لك من تليد في العلا وطريف يا شمس مالك تطلعين ألم تري ... شمس المعارف غيبت بكسوف ولأنت كنت أحق من بدر الحجى ... والعلم يا بدر الدجى بخسوف لهفي على حبر بكل فضيلة ... علياء من زمن الصبا مشغوف كان الخفيف على تقي مؤمن ... لكن على الفجار غير خفيف تبكي العلوم كأنها ليلى على ... فقدانه وكأنه ابن طريف أمنت أحاديث الرسول به من الـ ... ـتبديل والتحريف والتصحيف والشرع يخشى عودة الداء الذي ... قد كان منه على يديه عوفي عم المصاب به الطوائف كلها ... لما ألم وخص كل حنيف ومضى وما كتبت عليه كبيرة ... من يوم حل بساحة التكليف

بشراك يابن علي العالي الذرا ... إذ بت ضيفا عند خير مضيف وخلعت من كبد الحسود ورومة الـ ... ـجاني البغيض وجزت كل مخوف ولقد نزلت على كريم غافر ... بالنازلين كما علمت رءوف صبرا بنيه قوة من بعده ... صبر الكريم الماجد الغطريف والله لو وفيتموه من حقه ... شيئا فليس الحزن فيه بموفي 73- ابن الرفعة الإمام نجم الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن علي بن مرتفع الأنصاري. واحد مصر، وثالث الشيخين: الرافعي والنووي: في الاعتماد عليه في الترجيح. قال الإسنوي: كان إمام مصر بل سائر الأمصار، وفقيه عصره في جميع الأقطار، لم يُخرج إقليم مصر بعد ابن الحداد مَنْ يدانيه، ولا يُعلم في الشافعية مطلقا بعد الرافعي من يساويه؛ كان أعجوبة في استحضار كلام الأصحاب؛ لا سيما من غير مظانه، وأعجوبة في معرفة نصوص الشافعي، وأعجوبة في قوة التخريج. ولد بالفسطاط سنة خمس وأربعين وستمائة، وتفقه على السديد والظهير التزمنتي وعلى الشريف العباسي، ودرس بالمعزية بمصر، وولي حسبة مصر، وصنف التصنيفين العظيمين: الكفاية في عشرين مجلدا، والمطلب في ستين مجلدا. وله النفائس في هدم الكنائس، وتأليف في المكيال والميزان. مات بمصر في ثاني عشر رجب سنة عشر وسبع مائة (¬1) . 74- ابن الزملكاني العلامة كمال الدين محمد بن علي بن عبد الواحد بن عبد الكريم الأنصاري. قال الذهبي: كان عالم العصر، وكان من بقايا المجتهدين، ومن أذكياء أهل زمانه، تخرج به الأصحاب. مولده بدمشق في شوال سنة ¬

(¬1) البداية والنهاية 14: 60.

سبع وستين وستمائة، وقرأ الأصول على الصفي الهندي، والنحو على بدر الدين بن مالك، وألف عدة تصانيف، وطلب لقضاء مصر، فقدم: فمات ببلبيس في سادس عشر رمضان سنة سبع وعشرين وسبعمائة، وحمل إلى القاهرة ميتا، ودفن قريبا من قبر الإمام الشافعي رضي الله عنه (¬1) . 74- السبكي العلامة تقي الدين أبو الحسن علي بن عبد الكافي بن تمام بن حماد بن يحيى بن عثمان بن علي بن سوار بن سليم الأنصاري. قال ولده في الطبقات: الإمام الفقيه المحدث الحافظ المفسر الأصولي المتكلم النحوي اللغوي الأديب الجدلي الخلافي النظار، شيخ الإسلام بقية المجتهدين، المجتهد المطلق. ولد بسبك من أعمال المنوفية في صفر سنة ثلاث وثمانين وستمائة، وتفقه على ابن الرفعة، وأخذ الحديث عن الشرف الدمياطي، والتفسير عن العلم العارقي، والقراءات عن التقي بن الصائغ، والأصول والمعقول عن العلاء الباجي، والنحو عن أبي حيان. وصحب في التصوف الشيخ تاج الدين بن عطاء الله، وانتهت إليه رياسة العلم بمصر. قال الإسنوي: كان أنظر من رأيناه من أهل العلم ومن أجمعهم للعلوم، وأحسنهم كلاما في الأشياء الدقيقة وأجلدهم على ذلك. وقال الصلاح الصفدي: الناس يقولون: ما جاء بعد الغزالي مثله، وعندي أنهم يظلمونه بهذا وما هو عندي إلا مثل سفيان الثوري، وقال ابنه في الترشيح: قال الشيخ شهاب الدين بن النقيب، صاحب مختصر الكفاية وغيرها من المصنفات: جلست بمكة بين طائفة من العلماء وقعدنا نقول: لو قدر الله تعالى بعد الأئمة الأربعة في هذا الزمان مجتهدا عارفا بمذاهبهم أجمعين يركب لنفسه مذهبا من الربعة، بعد اعتبار هذه المذاهب المختلفة كلها، لازدان الزمان به، وانقاد الناس، فاتفق رأينا على أن هذه الرتبة لا تعدو الشيخ تقي الدين السبكي، ولا ينتهي لها سواه. ¬

(¬1) البداية والنهاية لابن كثير 14: 131.

وله من المصنفات الجليلة الفائقة التي حقها أن تكتب بماء الذهب، لما فيها من النفائس البديعة، والتدقيقات النفيسة؛ منها الدر النظيم في تفسير القرآن العظيم، تكملة شرح المهذب للنووي وصل فيه إلى أثناء التفليس، الابتهاج في شرح المنهاج وصل فيه إلى الطلاق. الرقم الإبريزي شرح مختصر التبريزي، التحقيق في مسألة التعليق، رفع الشقاق في مسألة الطلاق، أحكام كل وما عليه تدل، بيان حكم الربط في اعتراض الشرط، شفاء السقام في زيارة خير الأنام، السيف المسلول على من سب الرسول، التعظيم والمنة، في "لتؤمنن به ولتنصرنه"، منية الباحث عن حكم دين الوارث، الرياض الأنيقة وقسمة الحديقة، الإقناع في إفادة "لو" للامتناع، وشي الحلا في تأكيد النفي بلا، الاعتبار ببقاء الجنة والنار، ضرورة التقدير في تقويم الخمر والخنزير، كيف التدبير في تقويم الخمر والخنزير، السهم الصائب في قبض دين الغائب، الغيث المغدق في ميراث ابن المعتق، فصل المقال في هدايا العمال، مختصره، نور المصابيح في صلاة التراويح، ضياء المصابيح، ضوء المفاليح، تقييد التراجيح؛ ومصنفان آخران في ذلك، تكملة سبعة أجزاء، إبراز الحكم من حديث رفع القلم، الكلام على حديث: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث"، كشف الغمة في ميراث أهل الذمة، الاتساق في بقاء وجه الاشتقاق، الطوالع المشرقة في الوقف على طبقة بعد طبقة، النقول والمباحث المشرقة، طليعة الفتح والنصر في صلاة الخوف والقصر، القول الصحيح في تعيين الذبيح، القول المحمود في تنزيه داود، قطف النور مسائل الدور، الدَّوْر في الدور؛ وله فيه مؤلف ثالث ورابع وخامس، عقود الجمان في عقود الرهن والضمان، ورد الغلل في العلل، البصر الناقد في لا كملت كل واحد، الجمع في الحضر بعذر المطر، حسن الصنيعة في ضمان الوديعة، التهدي إلى معنى التعدي، بيان المحتمل في تعدية العمل، الحكم والأناه في إعراب قوله: "غير ناظرين إناه"، القول الجد

في تبعية الجد، الإغريض في الفرق بين الكناية والتعريض، المواهب الصمدية في المواريث الصفدية، تفسير {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ} الآية، كشف الدسائس في هدم الكنائس، تنزيل السكينة على قناديل المدينة، الطريقة النافعة في المساقاة والمخابرة والمزارعة، من أقسطوا ومن غَلَوا في حكم من يقول لو، نيل العلا في العطف بلا، حفظ الصيام عن فوت التمام، معنى قول الإمام المطلبي: إذا صح الحديث فهو مذهبي. القول المختطف في أدلة "كان إذا اعتكف"، كشف اللبس عن المسائل الخمس، غيرة الإيمان الجلي لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي، بيع المرهون في غيبة المديون، الاقتناص في الفرق بين الحصر والاختصاص، تسريح الناظر في انعزال الناظر، جزء في تعدد الجمعة؛ وغير ذلك. وله فتاوى كثيرة جمعها ولده في ثلاثة مجلدات. توفي بجزيرة الفيل على شاطئ النيل، يوم الاثنين رابع جمادى الآخرة سنة ست وخمسين وسبعمائة (¬1) . ورثاه شاعر العصر الأديب جمال الدين بن نباتة بقوله (¬2) : نعاه للفضل والعلياء والنسب ... ناعيه للأرض والأفلاك والشهب ندب رأيناه وجوب الندب حين مضى ... فأي حزن وقلب فيه لم يجب نعم إلى الأرض ينعى والسماء علا ... فقيدكم يا سراة المجد والحسب بالعلم والعمل المبرور قد ملئت ... أرض بكم وسماء عن أب فأب مقدم ذكر ماضيكم ووارثه ... في الوقت تقديم بسم الله في الكتب آها لمجتهد في العلم يندبه ... من بات مجتهدا في الحزن والحرب بينا وفود العلا والعلم ينزلهم ... إذ نازلتنا الليالي فيه عن كثب ¬

(¬1) طبقات الشافعية 6: 146-227. (¬2) ديوان ابن نباتة 41-43 ورواها ابنه في الطبقات 6: 217، وقال: "سمعتها من لفظه".

وأقبلت نوب الأيام ثائرة ... إذ كان عونا على الأيام والنوب ففاجأتنا يد التفريق مسفرة ... عن سفرة طال فيها شجو مرتقب وجاء من نحو مصر مبتدا خبر ... لكن به السمع منصوب على النصب قالت دمشق بدمع النهر واخبرا ... فزعت فيه بآمالي إلى الكذب حتى إذا لم يدع لي صدقه أملا ... شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي وكلمتنا سيوف الكتب قائلة ... السيف أصدق إنباء من الكتب وقال موت فتى الأنصار مغتبطا ... الله أكبر كل الحسن في العرب لقد طوى الموت من ذاك الفريد حلى ... كانت جلا الدين والأحكام والريب وخص مغنى دمشق الحزن متصلا ... بفرقتين أبانتها على وصب بين وموت يئوب الغائبون ومن ... يجمع له مقسما بالله لم يؤب (¬1) كادت رياح الأسى والشجو يعكسها ... حتى الغصون بها معكوسة العذب والجامع الرحب أضحى صدره حرجا ... والنسر ضم جناحيه من الرهب وللمدارس هم كاد يدرسها ... لولا تدارك أبناء له نجب من للهدى والندى لولا بنوه ومن ... للفضل يسحب أذيالا على السحب من للفتوة والفتوى يجالسه ... في الضيعتين وللآداب والأدب من للتواضع حيث القدر في صعد ... على النجوم وحيث الحكم في صبب أمضى من النصل في نصر الهدى فإذا ... سلت نصال العدى أوفى من النكب من للتصانيف فيها رتبة وهدى ... ورجم باغ فيا لله من شهب من للفضائل والإفضال قد جمعت ... متن السراة إلى دان بها درب ذو همة في العلا والعلم قد بلغت ... شأو السماك وما ينفك في دأب ¬

(¬1) لم يرد في الديوان.

من للتهجد أو من للدعا بسطت ... به الوجود فينا راحتا تعب حتى رأى العلم شفع الشافعي به ... فقال من ذا وذا أدركت مطلبي من للمدائح فيه قد جلت وصفت ... كأنما افتر منها الطرس عن شنب من للمدائح قد قامت خطابتها ... على معاليه في قاص ومقترب لهفي وقد لبست حزنا لفرقته ... مدادها أسطر الأشعار والخطب لهفي لمظلم مدح فكر أجمعهم ... بالهم لا بالذكا أمسى أبا لهب كأن أيدي الورى تبت وقد قعدت ... من عي أقلامها حمالة الحطب لهفي على الظهر في عرض وفي سعة ... وفي لسان وفي حلم وفي غضب واقي الشريعة من تخليط من جهلوا ... فما يخوضون في جد ولا لعب محجب غير ممنوع اللقا بسنا ... عليائه ومهيب غير محتجب أضحى لسبك فخار من مناقبه ... على العراق فخار غير منتقب لهفي لعلمين: مروي ومجتهد ... لهفي لفضلين: موروث ومكتسب آها لمرتحل عنا وأنعمه ... مثل الحقائب والطلاب والحقب إيمان حب على الأوطان حركه ... حتى قضى نحبه يا طول منتحب لهفي لكل وقور من بنيه بكى ... وهو الصواب بصوب واكف السرب وكل نادبة للحجب قلن لها ... يا أخت خير أخ يا بنت خير أب (¬1) إلى الحسين انتهى مسرى علي فلا ... منيت يا خارجي الهم بالغلب يا ثاويا والثنا والمجد ينثره ... بقيت أنت وأفنتنا يد الكرب نم في مقام نعيم غير منقطع ... ونحن في نار حزن غير متئب ¬

(¬1) أصل مطلع قصيدة للمتنبي يرثي أخت سيف الدولة؛ وبقيته: كناية بهما عن أشرف النسب

سهام حزن قسمناها عليك فإن ... تقسم برق وإن ترم الحشا تصب ما أعجب الحال لي قلب بمصروفي ... دمشق جسم ودمع العين في حلب من لي بمصر التي ضمتك تجمعنا ... ولو بطون الثرى فيها فيا طربي بالرغم منا رثاء بعد مدحك لا ... يسلي ونحن مع الأيام في لجب ما بين أكبادنا والهم فاصلة ... ولا نرى لصنيع الشعر من سبب أما القريض فلولا نسلكم كسدت ... أسواقه وعدت مقطوعة الجلب قاضي القضاة عزاء عن إمام تقي ... بالفضل أوصى وصاة المرء بالعقب فأنت في رتبة عليا وما وسقت ... بحر يحدث عنه البحر بالعجب ما غاب عنا سوى شخص لوالدكم ... وعلمه والتقى والجود لم يغب جادت ثراك أبا السادات سحب رضا ... تزهى بذيل على مثواك منسحب وسار نحوك منا كل شارقة ... سلام كل شجي القلب مكتئب تحية الله نهديها ونتبعها ... فبعد فقدك ما في العيش من أرب وخفف الحزن أنا لاحقون بمن ... مضى فامضي شباة الحارب الدرب إن لم يسر نحونا سرنا إليه على ... أيامنا والليالي الدهم والشهب إنا من الترب أشباح مخلقة ... فلا عجيب مآل الترب للترب ورثاه الصلاح الصفدي بقوله: أي طود من الشريعة مالا ... زعزعت ركنه المنون فمالا أي ظل قد قلصته المنايا ... حين أعيا على الملوك انتقالا أي بحركم فاض بالعلم حتى ... كان منه بحر البسيطة آلآ أي حبر مضى وقد كان بحرا ... فاض للواردين عذبا زلالا أي شمس قد كورت في ضريح ... ثم أبقت يضي وهلالا

مات قاضي القضاة من كان يرقى ... رتب الاجتهاد حالا فحالا مات من فضل علمه طبق الأ ... رض مسيرا وما تشكى كلالا كان كالشمس في العلوم إذا ما ... أشرقت أصبح الأنام ذبالا كان كل الأنام من قبل ذا العص ... ر عليه في كل علم عيالا كان فرد الوجود في الدهر يزهى ... بمعالي أهل العلوم جمالا فمضوا قبله وكان ختاما ... بعدهم فاعتدى الزمان وصالا كملت ذاته بأوصاف علم ... علم البدر في الدياجي الكمالا وأنام الأنام في مهد عدل ... شمل الخلق يمنة وشمالا فلمن بعده نسد رحابا ... ولمن بعده نشد رحالا وهو إن رمت مثله في علاه ... لم تجد في السؤال عنه سوى لا أحسن الله للأنام عزاهم ... فهمو بالمصاب فيه ثكالى ومصاب السبكي قد سبك القلـ ... ـب وأودى منا الجلود انتحالا خزرجي الأصول لو فاخر النجـ ... ـم علا مجده عليه وطالا خلق كالنسيم مر على الرو ... ض سحيرا وعرفه قد توالى ويد جودها يفوق الغوادي ... تلك ما أنعمت ودامت نوالا أيها الذاهب الذي حين ولى ... صار منه عز الدموع مذالا لو أفاد الفداء شخصا لجدنا ... بنفوس على الفدا لا تغالى نفس طال ما تنفس عنها ... منك كرب يكظها واستحالا أنت بلغتها المنى في أمان ... فاستفادت عزا وعزت منالا من لنا إن درجت شجوا شكونا ... من أذاها في الدهر داء عضالا كنت تجلو ظلامها ببيان ... حل من عقلنا الأسير عقالا

من يعيد الفتوى إلى كل قطر ... منه جاءت جوابها يتلالا قد أصبت الصواب فيها وأهديـ ... ـت هداها وقد محوت الضلالا فيقول الورى إذا ما رأوها ... هكذا هكذا وإلا فلالا فليقل ما يشا أما جاء أن ال ... موت أردى الغضنفر الرئبالا وإذا ما خلا الجبان بأرض ... طلب الموت وحده والنزالا (¬1) قد تقضي قاضي القضاة تقي الد ... ين سبحان من يزيل الجبالا فالدراري من بعده كاسفات ... وإذا ما بدا نراها خجالى كان طودا في علمه مشمخرا ... مد في الناس من بنيه ظلالا فبه عزها ونعمة تاج ... فوق فرق العلاء رف اعتدالا هو قاضي القضاة صان حماه ... من عوادي الزمان ربى تعالى وهداه للحكم في كل يوم ... فيه يرعى الأيتام والأطفالا وحباه الصبر الجميل ووفا ... هـ ثوابا يزجي سحابا ثقالا ليفيد العدا جلادا ويعدو ... فيعيد الندى ويبدي الجدالا 75- ولده قاضي القضاة تاج الدين أبو النصر عبد الوهاب. ولد بمصر سنة تسع وعشرين وسبعمائة، ولازم الاشتغال بالفنون على أبيه وغيره حتى مهر وهو شاب، وصنف كتبا نفيسة، وانتشرت في حياته، وألف وهو في حدود العشرين. كتب مرة ورقة إلى نائب الشام يقول فيها: وأنا اليوم مجتهد الدنيا على الإطلاق، لا يقدر أحد يرد على هذه الكلمة، وهو مقبول فيما قال عن نفسه. ومن تصانيفه: جمع الجوامع ومنع الموانع، وشرح مختصر ابن الحاجب، وشرح منهاج البيضاوي، والتوشيح، والطبقات، ومفيد النعم وغير ذلك. مات عشية ¬

(¬1) للمتنبي، ديوانه 3: 143.

يوم الثلاثاء سابع ذي الحجة سنة إحدى وسبعين وسبعمائة (¬1) . 76- البلقيني شيخ الإسلام سراج الدين أبو حفص عمر بن رسلان بن نصير بن صالح الكناني، مجتهد عصره، وعالم المائة الثامنة. ولد في ثاني عشر رمضان سنة أربع وعشرين وسبعمائة، وأخذ الفقه عن ابن عدلان والتقي والسبكي، والنحو عن أبي حيان، وبرع في الفقه والحديث والأصول، وانتهت إليه رياسة المذاهب والإفتاء، وبلغ رتبة الاجتهاد. وله ترجيحات في المذهب خلاف ما رجحه النووي، وله اختيارات خارجة عن المذهب، وأفتى بجواز إخراج الفلوس في الزكاة، وقال: إنه خارج عن مذهب الشافعي. وله تصانيف في الفقه والحديث والتفسير منها، حواشي الروضة، وشرح البخاري، وشرح الترمذي، وحواشي الكشاف. وولي تدريس الخشابية وغيرها، وتدريس التفسير بالجامع الطولوني. وكان البهاء ابن عقيل يقول: هو أحق الناس بالفتوى في زمانه، مات في عاشر ذي القعدة سنة خمس وثمانمائة. وسمعت ولده شيخنا قاضي القضاة علم الدين يقول: ذكر الشيخ كمال الدين الدميري أن بعض الأولياء قال له: إنه رأى قائلا يقول: إن الله يبعث على رأس كل مائة لهذه الأمة من يجدد لها دينها، بدئت بعمر، وختمت بعمر. قلت: ومن اللطائف أن شرط المبعوثين على رءوس القرون مصريون: عمر بن عبد العزيز في الأولى، والشافعي في الثانية، وابن دقيق العيد في السابعة، والبلقيني في الثامنة؛ وعسى أن يكون المبعوث على رأس المائة التاسعة من أهل مصر. وقال الحافظ ابن حجر يرثي البلقيني، وضمنها رثاء الحافظ أبي الفضل العراقي: ¬

(¬1) الدرر الكامنة 2: 425.

يا عين جودي لفقد البحر بالمطر ... واذري الدموع ولا تبقي ولا تذري لو رد ترداد دمع ذاهبا سبقت ... شهب الدموع بعيني جرية النهر تسقي الورى فمتى لام العذول أقل ... دعها سماوية تجري على قدر يا سائلي جهرة عما أكابده ... عدتك حالي لا سري بمستتر (¬1) لم يعل مني سوى أنفاسي الصعدا ... ولست أبصر دمعي غير منحدر أقضي نهاري في غم وفي حزن ... وطول ليلي في فكر وفي سهر وغاص قلبي في بحر الهموم أما ... ترى سقيط دموعي منه كالدرر فرحمة الله والرضوان تشمله ... سلامة ما بكى باك على عمر بحر العلوم الذي ما كدرته دلا ... من المسائل إن تشكل وإن تذر والحبر كم حبرت طرسا براعته ... حتى تجانس بين الحبر والحبر لم أنس حين يحف الطالبون به ... مثل الكواكب إذ يحففن بالقمر فيقسم العلم في مفت ومبتدئ ... كقسمة الغيث بين النبت والشجر ولم يخص ببشر منه ذا نسب ... بل عمهم فضله بالبشر والبشر لقد أقام منار الدين متضحا ... سراجه فأضاء الكون للبشر في القرن الأول والقرن الأخير لقد ... أحيا لنا العمران الدين عن قدر في الاسم والعلم والتقوى قد اجتمعا ... وإنما افترقا في العصر والعمر لكن أضاء سراج الدين منفردا ... وذاك مشترك في سبعة زهر من للفضائل أو من للفواضل أو ... من للمسائل يلقيها بلا ضجر من للفوائد أو من للعوائد أو ... من للقواعد يبنيها بلا خور ¬

(¬1) أصله بيت البوصيري: عدتك حالى لا سري بمستتر ... عن الوشاة ولا دائي بمنحسم

من للفتاوى وحل المشكلات إذا ... جل الخطاب وظل القوم في فكر لمن يكون اختلاف الناس إن نعقت ... عمياء والحكم فيها غير مستطر قالوا إذا عضلت نبه لها عمرا ... ونم فمن بعده للمشكل العسر من لو رآه ابن إدريس الإمام إذا ... أقر أو قر عينا منه بالنظر قد كان بالأم برا حين هذبها ... تهذيب منتصر للحق معتبر ترى خوارق في استنباطه عجبا ... يردها العقل لولا شاهد البصر قالت حواسده لما رأوا غررا ... من بحثه خبرها يربو على الخبر الله أكبر ما هذا سوى ملك ... وحاش لله ما هذا من البشر عهدي بأكبرهم قدرا بحضرته ... مثل البغاث لدى صقر من الصغر محدث قل لمن كانوا قد اجتمعوا ... ليسمعوا عنه فزتم منه بالوطر علوتم فتواضعتم على ثقة ... لما تواضع أقوام على غرر محقق كم له بالفتح من مدد ... تحقيق رجوى نبي الله في عمر حكى الجنيد مقامات بها فله ... تذكير ناس وتنبيه لمدكر وبابه يتلقى فيه قاصده ... بشر وسهل ومعروف به وسرى لو قال هذي السواري الخشب من ذهب ... قامت له حجج يشرقن كالدرر وإن تكلم يوما في مناظرة ... يدق معناه عن إدراك ذي نظر سل ابن عدلان عن تحقيقه وأبا ... حيان واعدل إذا حكمت واعتبر مسدد الرأي حجاج الخصوم غدا ... في سعيه خير حجاج ومعتمر كم حجة وغزاة قد سما بهما ... وكم حوى عمر الخيرات من عمر أصم ناعيه آذانا، وقيد أذ ... هانا وأطلق أجفانا لمنكسر سعى إلينا به يوم الوقوف فما ... أجابه الركب إلا بالثنا العطر

نعاه في يوم تعريف الحجيج فقد ... عجوا وضجوا أسى من حادث نكر يا من له جنة المأوى غدت نزلا ... ارقد هنيئا فقلبي منك في سفر حباك ربك بالحسنى ورؤيته ... زيادة في رضاه عنك فافتخر أزال عنك تكاليف الحياة فما ... تتلو إذا شئت إلا آخر الزمر أوحشت صحف علوم كنت تجمعها ... ومنزلا بك معمورا من الخفر لم يستملك لشاد أو لغانية ... بيت من الشعر أو بيت من الشعر لكن عكفت على استنباط مسألة ... أو حل معضلة أعيت على الفكر بالنصر قمت لنص تستدل به ... كالسيف دل على التأثير بالأثر طويت عنا بساط العلم معتليا ... فاهنأ بمقعد صدق عند مقتدر كنانة لك مأوى وهي منتسب ... الدار مصر غدت والبيت في مضر تحمي قسي ركوع مع سهام دعا ... تحل حاشاك من خاط ومن خطر بضعا وستين عاما ظلت منفردا ... برتبة العلم فيها أي مشتهر فما برحت مجدا للعلا يقظا ... ولا انتبهت إلى كأس ولا وتر قد كنت تحمي حمى الإسلام مجتهدا ... حتى تقلد منه الجيد بالدرر فرقت جمع عدو الدين حيث نجوا ... بجمعهم بين تأنيث ومنكسر طعنت غير محاب في مقالتهم ... بالسمهرية دون الوخز بالإبر طورا بسيف الهدى في الملحدين سطا ... تارة بسهام الذكر في التتر رزء عظيم يسر الملحدون به ... كالإتحادي والشيعي والقدري ليت الليالي أبقت واحدا جمعت ... فيه هداية أهل النفع والضرر وليتها إذ فدت عمرا فدت عمرا ... يطالبيه وأولاهم بذي عمر هيهات لو قبل الموت الفدا بذلت ... في الشيخ من غير ثنيا أنفس البشر

عجبي لقبر حواه إنه عجب ... إذ بان منه اتساع الصدر للبحر لهفي على فقد شيخ المسلمين لقد ... جل المصاب وفيه عز مصطبري لهفي عليه سراجا كان متقدا ... يسمو ذكا بذكاء غير منحسر لولا نداه خشينا نار فكرته ... لكنه بنداه مطفئ الشرر من ناره ظل بحر النيل محترقا ... حزنا ألا فاعجبوا من فطنة النهر لهفي وهل نافعي إبداع مرثية ... وكيف يغني كبير القلب بالفقر لهفي عليه لليل كان يقطعه ... نفلا وذكرا وقرآنا إلى السحر لهفي عليه لعلم كان يجمعه ... يشق فيه عليه فرقه السهر لهفي عليه لعان كان ينفعه ... فعلا وقولا فما يؤتى من الحصر لهفي عليه لضد كان يدفعه ... عن الخلائق من بدو ومن حضر نعم ويا طول حزني ما حييت على ... عبد الرحيم فحزني غير مقتصر لهفي على حافظ العصر الذي اشتهرت ... أعلامه كاشتهار الشمس في الظهر علم الحديث انقضى لما قضى ومضى ... والدهر يفجع بعد العين بالأثر لهفي على فقد شيخي اللذين هما ... أعز عندي من سمعي ومن بصري لهفي على من حديثي من كمالهما ... يحيي الرميم ويلهي الحي عن سمر اثنان لم يرتق النسران ما ارتقيا ... نسر السما إن يلح والأرض إن يطر ذا شبه فرخ عقاب حجة صدقت ... وذا جهينة إن يسأل عن الخبر لا ينقضي عجبي عن وفق عمرهما ... العام كالعام حتى الشهر كالشهر عاشا ثمانين عاما بعدها سنة ... وربع عام سوى نقص لمعتبر الدين تتبعه الدنيا مضت بهما ... رزية لم تهن يوما على بشر بالشمس وهو سراج الدين يتبعه ... بدر الدياجي زين الدين في الأثر

ما أظلم الأفق في عيني وقد أفلت ... شمس المنيرة عني وامحي قمري قد ذقت من بين أحبابي العذاب وهم ... لاح النعيم فساروا سير مبتدر يا قلب ساروا وما وافقتهم فعلوا ... إلى الرفيق لدى الجنات والنهر وعشت بعد نواهم مظهرا جلدا ... تكابد الشوق ما أقساك من حجر وأنت يا طرف لا تنظر لغيرهم ... ما أنت عندي إن تنظر بذي نظر ولا يغرنك بشر من خلافهم ... ولو أنار فكم نور بلا ثمر وقل لأسود عيني بعد أبيضه ... يا آخر الصفو هذا أول الكدر ما بعدهم غاية يا موت تطلبها ... بلغت للأفق في المرقى فلا تطر بدور تم خلت منهم منازلهم ... والقلب ذو كدر والطرف ذو سهر غصون روض ذوت في التراب أوجههم ... واوحشتاه لذاك المنظر النضر دمعي عليهم وشعري في رثائهم ... كالدر ما بين منظوم ومنتثر دارت كئوس المنايا حين غبت على ... أحباب قلبي فليت الكأس لم تدر خرجت أنى ألقاهم ففات، فقد ... زهدت في وطني إذ فاتني وطري لقد رجونا لها قاضي القضاة جلا ... ل الدين حيث لنا أدى السفر ولى عهد أبيه كان نص على اس ... تخلافه، فانتظر يا خير منتظر فتى سن وفي المقدار شبه أب ... هذا اتفاق فتى السن والكبر جارى أباه وأخلق أن يساويه ... والبدر في شفق كالبدر في سحر له مناقب تسري ما سرى قمر ... وسيرة سار فيها أعدل السير علم وحلم وعدل شامل وتقى ... وعفة ونوال غير منحصر خلائق في العلا لما سمعت ونمت ... فاحت ولاحت لنا كالزهر والزهر يا كامل الأصل داني الفضل وافره ... بسيط فضل العطايا غير منبتر

يا سيدا في المعالي طال مطلبه ... ملكتها عنوة بالحق فاقتصر إن فهت بالفقه فقت الأقدمين ذكا ... وصلت بالحق صول الصارم الذكر وإن تكلمت في الأصلين فاعل وطل ... وقل ولا فخر مالرازي بمفتخر وإن تفسر تحقق كل مشتبه ... وسيف ذهنك شفاق على الطبري وليس يرفع رأسا سيبويه إذا ... نصبت للنحو طرفا غير منكسر ومن قديم زمان للحديث لقد ... رقيت في الحفظ والعليا إلى الزهر مولاي صبرا فما يخفاك أن لنا ... في رزئنا أسوة في سيد البشر واعذر محبك في إبطاء تعزية ... لغربة ظلت فيها أي معتذر ولا تقولن لي في غير معتبة ... علي لما أطلت المكث في سفري أبعد حول توافينا بمرثية ... هلا ونحن على عشر من العشر وحق رأسك لولا القرب منك لما ... راجعت فكري ولا حققت في نظري بأي ذهن أقول الشعر وبي ... غم يغم على الألباب والفكر فكر وحزن بقلبي والحشا سكنا ... وغربة ظلت فيها أي منكسر هذا على أن رزء الشيخ ليس له ... عندي انقضاء إلى أن ينقضي عمري فقدت في سفري إذ مات منه دعا ... فالفقد أوجد ما لاقيت في سفري دامت على لحده سحب الرضا ديما ... ما ناحت الورق في الآصال والبكر أيقنت أن رياضا قبره فهمت ... عيني عليه بمنهل ومنهمر ودم لنا أنت ما عن الهلال وما ... غنى المطوق في زاه من الزهر ودام مجدك محروسا بأربعة ... العز والنصر والإقبال والظفر 77- ترجمة مؤلف هذا الكتاب عبد الرحمن بن الكمال أبي بكر بن محمد بن سابق الدين بن الفخر عثمان بن ناظر الدين محمد بن سيف الدين خضر بن نجم الدين أبي الصلاح أيوب بن ناصر الدين محمد بن الشيخ همام الدين الهمام الخضيري الأسيوطي.

وإنما ذكرت ترجمتي في هذا الكتاب اقتداء بالمحدثين قبلي، فقل أن ألف أحد منهم تاريخا إلا وذكر ترجمته فيه؛ وممن وقع له ذلك الإمام عبد الغافر الفارسي في تاريخ نيسابور، وياقوت الحموي في معجم الأدباء، ولسان الدين بن الخطيب في تاريخ غرناطة، والحافظ تقي الدين الفارسي في تاريخ مكة، والحافظ أبو الفضل بن حجر في قضاة مصر، وأبو شامة في الروضتين؛ وهو أروعهم وأزهدهم، فأقول: أما جدي الأعلى همام الدين؛ فكان من أهل الحقيقة، ومن مشايخ الطريق، وسيأتي ذكره في قسم الصوفية، ومن دونه كانوا من أهل الوجاهة والرياسة؛ منهم من ولي الحكم ببلده، ومنهم من ولي الحسبة بها، ومنهم من كان تاجرا في صحبة الأمير شيخون، وبنى مدرسة بأسيوط، ووقف عليها أوقافا، ومنهم من كان متمولا، ولا أعرف منهم من خدم العلم حق الخدمة إلا والدي، وسيأتي ذكره في قسم الفقهاء الشافعية. وأما نسبتنا بالخضيري، فلا أعلم ما تكون إليه هذه النسبة إلا بالخضيرية، محلة ببغداد؛ وقد حدثني من أثق به، أنه سمع والدي رحمه الله تعالى يذكر أن جده الأعلى كان أعجميا أو من الشرق؛ فالظاهر أن النسبة إلى المحلة المذكورة، وكان مولدي بعد المغرب ليلة الأحد مستهل رجب سنة تسع وأربعين وثمانمائة. وحملت في حياة أبي إلى الشيخ محمد المجذوب، رجل كان من كبار الأولياء بجوار المشهد النفيسي، فبرك علي، ونشأت يتيما، فحفظت القرآن ولي دون ثماني سنين ثم حفظت العمدة، ومنهاج الفقه والأصول، وألفية ابن مالك؛ وشرعت في الاشتغال بالعلم، من مستهل سنة أربع وستين، فأخذت الفقه والنحو عن جماعة من الشيوخ، وأخذت الفرائض عن العلامة فرضي زمانه الشيخ شهاب الدين الشارمساحي الذي كان

يقال إنه بلغ السن العالية وجاوز المائة بكثير، والله أعلم بذلك؛ قرأت عليه في شرحه على المجموع، وأُجِزتُ بتدريس العربية في مستهل سنة ست وستين. وقد ألفت في هذه السنة، فكان أول شيء ألفته الاستعاذة والبسملة، وأوقفت عليه شيخنا شيخ الإسلام علم الدين البلقيني، فكتب عليه تقريظا، ولازمته في الفقه إلى أن مات؛ فلازمت ولده، فقرأت عليه من أول التدريب لوالده إلى الوكالة، وسمعت عليه من أول الحاوي الصغير إلى العدد، ومن أول المنهاج إلى الزكاة، ومن أول التنبيه إلى قريب من باب الزكاة، وقطعة من الروضة من باب القضاء، وقطعة من تكملة شرح المنهاج للزركشي؛ ومن إحياء الموات إلى الوصايا أو نحوها، وأجازني بالتدريس والإفتاء من سنة ست وسبعين، وحضر تصديري. فلما توفي سنة ثمان وسبعين لزمت شيخ الإسلام شرف الدين المناوي. فقرأت عليه قطعة من المنهاج، وسمعته عليه في التقسيم إلا مجالس فاتتني، وسمعت دروسا من شرح البهجة، ومن حاشية عليها، ومن تفسير البيضاوي. ولزمت في الحديث والعربية شيخنا الإمام العلامة تقي الدين الشبلي الحنفي، فواظبته أربع سنين، وكتب لي تقريظا على شرح ألفية ابن مالك وعلى جمع الجوامع في العربية تأليفي، وشهد لي غير مرة بالتقدم في العلوم بلسانه وبنانه، ورجع إلى قولي مجردا في حديث؛ فإنه أورد في حاشيته على الشفاء حديث أبي الجمرا في الإسرا، وعزاه إلى تخريج ابن ماجه، فاحتجت إلى إيراده بسنده، فكشفت ابن ماجه في مظنته، فلم أجده، فمررت على الكتاب كله، فلم أجده، فاتهمت نظري، فمررت مرة ثانية فلم أجده، فعدت ثالثة فلم اجده؛ ورأيته في معجم الصحابة لابن قانع، فجئت إلى الشيخ وأخبرته، فبمجرد ما سمع مني ذلك أخذ نسخته، وأخذ القلم فضرب على لفظ ابن ماجه،

وألحق ابن قانع في الحاشية؛ فاعظمت ذلك وهبته لعظم منزله الشيخ في قلبي، واحتقاري في نفسي، فقلت: ألا تصبرون، لعلكم تراجعون! فقال: لا، إنما قلدت في قولي ابن ماجه البرهان الحلبي. ولم أنفك عن الشيخ إلى أن مات. ولزمت شيخنا العلامة أستاذ الوجود محيي الدين الكافيجي أربع عشرة سنة؛ فأخذت عنه الفنون من التفسير والأصول والعربية والمعاني وغير ذلك؛ وكتب لي إجازة عظيمة. وحضرت عند الشيخ سيف الدين الحنفي دروسا عديدة في الكشاف والتوضيح وحاشيته عليه، وتلخيص المفتاح، والعضد. وشرعت في التصنيف في سنة ست وستين، وبلغت مؤلفاتي إلى الآن ثلاثمائة كتاب سوى ما غسلته ورجعت عنه. وسافرت بحمد الله تعالى إلى بلاد الشام والحجاز واليمن والهند والمغرب والتكرور، ولما حججت شربت من ماء زمزم، لأمور؛ منها أن أصل في الفقه إلى رتبة الشيخ سراج الدين البلقيني، وفي الحديث إلى رتبة الحافظ ابن حجر. وأفتيت من مستهل سنة إحدى وسبعين. وعقدت إملاء الحديث من مستهل سنة اثنتين وسبعين. ورزقت التبحر في سبعة علوم: التفسير، والحديث، والفقه، والنحو، والمعاني، والبيان، والبديع؛ على طريقة العرب والبلغاء، لا على طريقة العجم وأهل الفلسفة. والذي أعتقده أن الذي وصلت إليه من هذه العلوم السبعة سوى الفقه والنقول التي اطلعت عليها فيها، لم يصل إليه ولا وقف عليه أحد من أشياخي؛ فضلا عمن هو دونهم، وأما الفقه فلا أقول ذلك فيه؛ بل شيخي فيه أوسع نظرا، وأطول باعا؛ ودون هذه السبعة في المعرفة: أصول الفقه والجدل والتصريف، ودونها الإنشاء والتوسل والفرائض، ودونها

القراءات، ولم آخذها عن شيخ، ودونها الطب، وأما علم الحساب فهو أعسر شيء علي وأبعده عن ذهني؛ وإذا نظرت في مسألة تتعلق به فكأنما أحاول جبلًا أحمله. وقد كملت عندي الآن آلات الجهاد بحمد الله تعالى؛ أقول ذلك تحدثًا بنعمة الله تعالى لا فخرًا؛ وأي شيء في الدنيا حتى يطلب تحصيلها بالفخر، وقد أزف الرحيل، وبدا الشيب، وذهب أطيب العمر! ولو شئت أن أكتب في كل مسألة مصنفًا بأقوالها وأدلتها النقلية والقياسية، ومداركها ونقوضها وأجوبتها، والموازنة بين اختلاف المذاهب فيها لقدرت على ذلك من فضل الله، لا بحولي ولا بقوتي، فلا حول ولا قوة إلا بالله، ما شاء الله، لا قوة إلا بالله. وقد كنت في مبادئ الطلب قرأت شيئًا في علم المنطق، ثم ألق الله كراهته في قلبي. وسمعت أن أبي الصلاح أفتى بتحريمه فتركته لذلك، فعوضني الله تعالى عنه علم الحديث الذي هو أشرف العلوم. وأما مشايخي في الرواية سماعًا وإجازة فكثير؛ أوردتهم في المعجم الذي جمعتهم فيه، وعدتهم نحو مائة وخمسين؛ ولم أكثر من سماع الرواية لاشتغالي بما هو أهم وهو قراءة الدراية. وهذه أسماء مصنفاتي لتستفاد: فن التفسير وتعليقاته والقراءات: الإتقان في علوم القرآن، الدر المنثور في التفسير المأثور. ترجمان القرآن في التفسير. المسند، أسرار التنزيل يسمى قطف الأزهار في كشف الأسرار، لباب النقول في أسباب النزول، مفحمات الأقران في مبهمات القرآن، المهذب فيما وقع في القرآن من المعرب، الإكليل في استنباط التنزيل، تكملة تفسير الشيخ جلال الدين المحلي، التحبير في علوم التفسير، حاشية على تفسير البيضاوي، تناسق الدرر في تناسب السور، مراصد المطالع في تناسب المقاطع والمطالع، مجمع البحرين ومطلع البدرين

في التفسير، مفاتيح الغيب في التفسير، الأزهار الفائحة على الفاتحة، شرح الاستعاذة والبسملة، الكلام على أول الفتح، وهو تصدير ألقيته لما باشرت التدريس بجامع شيخون بحضرة شيخنا البلقيني، شرح الشاطبية، الألفية في القراءات العشر، خمائل الزهر في فضائل السور، فتح الجليل للعبد الذليل في الأنواع البديعية المستخرجة من قوله تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا} الآية، وعدتها مائة وعشرون نوعًا، القول الفصيح في تعيين الذبيح، اليد البسطى في الصلاة الوسطى، معترك الأقران في مشترك القرآن. فن الحديث وتعلقاته: كشف المغطى في شرح الموطا، إسعاف المبطا برجال الموطا، التوشيح على الجامع الصحيح، الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج، مرقاة الصعود إلى سنن أبي داود، شرح ابن ماجه، تدريب الراوي في شرح تقريب النووي، شرح ألفية العراقي، الألفية وتسمى نظم الدرر في علم الأثر وشرحها يسمى قطر الدرر، التهذيب في الزوائد على التقريب، عين الإصابة في معرفة الصحابة، كشف التلبيس عن قلب أهل التدليس، توضيح المدرك في تصحيح المستدرك، اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة، النكت البديعات على الموضعات، الذيل على القول المسدد، القول الحسن في الذب عن السنن، لب اللباب في تحرير الأنساب، تقريب العزيب، المدرج إلى المدرج، تذكرة المؤتسي بمن حدث ونسي، تحفة النابه بتلخيص المتشابه، الروض المكلل والورد المعلل في المصطلح، منتهى الآمال في شرح حديث إنما الأعمال، المعجزات والخصائص النبوية، شرح الصدور بشرح حال الموتى والقبور، والبدور السافرة عن أمور الآخرة، ما وراء الواعون في أخبار الطاعون، فضل موت الأولاد، خصائص يوم الجمعة، منهاج السنة، ومفتاح الجنة، تمهيد الفرش في الخصال الموجبة لظل العرش، بزوغ الهلال في الخصال الموجبة للظلال، مفتاح الجنة في الاعتصام بالسنة، مطلع البدرين فيمن يؤتى أجرين،

سهام الإصابة في الدعوات المجابة، الكلم الطيب، القول المختار في المأثور من الدعوات والأذكار، أذكار الأذكار، الطب النبوي، كشف الصلصلة عن وصف الزلزلة، الفوائد الكامنة في إيمان السيدة آمنة، ويسمى أيضًا التعظيم والمنة في أن أبوي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الجنة، المسلسلات الكبرى، جياد المسلسلات، أبواب السعادة في أسباب الشهادة، أخبار الملائكة، الثغور الباسمة في مناقب السيدة آمنة، مناهج الصفا في تخريج أحاديث الشفا، الأساس في مناقب بني العباس، در السحابة فيمن دخل مصر من الصحابة، زوائد شعب الإيمان للبيهقي، لم الأطراف وضم الأتراف، أطراف الأشراف بالإشراف على الأطراف، جامع المسانيد، الفوائد المتكاثرة في الأخبار المتواترة، الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة، تخريج أحاديث الدرة الفاخرة، تخريج أحاديث الكفاية يسمى تجربة العناية، الحصر والإشاعة لأشراط الساعة، الدرر المتنثرة في الأحاديث المشتهرة، زوائد الرجال على تهذيب الكمال، الدر المنظم في الاسم المعظم، جزء في الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، من عاش من الصحابة مائة وعشرين، جزء في أسماء المدلسين، اللمع في أسماء من وضع، الأربعون المتباينة، درر البحار في الأحاديث القصار، الرياضة الأنيقة في شرح أسماء خير الخليقة، المرقاة العلية في شرح الأسماء النبوية، الآية الكبرى في شرح قصة الإسرا، أربعون حديثًا من رواية مالك عن نافع عن ابن عمر، فهرست المرويات، بغية الرائد في الذيل على مجمع الزوائد، أزهار الآكام في أخبار الأحكام، الهبة السنية في الهيئة السنية، تخريج أحاديث شرح العقائد، فضل الجلد، الكلام على حديث ابن عباس: "احفظ الله يحفظك"، هو تصدير ألقيته لما وليت درس الحديث بالشيخونية، أربعون حديثًا في فضل الجهاد، أربعون حديثًا في رفع اليدين في الدعاء، التعريف بآداب التأليف، العشاريات، القول الأشبه في حديث: "من عرف نفسه فقد عرف ربه"، كشف النقاب عن الألقاب، نشر العبير في تخريج أحاديث الشرح الكبير،

من وافقت كنيته كنية زوجة من الصحابة، ذم زيارة الأمراء، زوائد نوادر الأصول للحكيم الترمذي، تخريج أحاديث الصحاح يسمى فلق الصباح، ذم المكس، آداب الملوك. فن الفقه وتعلقاته: الأزهار الغضة في حواشي الروضة، الحواشي الصغرى، مختصر الروضة يسمى القنية، مختصر التنبيه، يسمى الوافي، شرح التنبيه، الأشباه والنظائر، اللوامع والبوارق في الجوامع والفوارق، نظم الروضة يسمى الخلاصة، شرحه يسمى رفع الخصاصة، الورقات المقدمة، شرح الروض، حاشية على القطعة للإسنوي، العذب السلسل في تصحيح الخلاف المرسل، جمع الجوامع، الينبوع فيما زاد على الروضة من الفروع، مختصر الخادم؛ يسمى تصحين الخادم، تشنيف الأسماع بمسائل الإجماع، شرح التدريب، الكافي، زوائد المهذب على الوافي، الجامع في الفرائض، شرح الرحيبة في الفرائض، مختصر الأحكام السلطانية للماوردي. الأجزاء المفردة في مسائل مخصوصة على ترتيب الأبواب: الظفر بقلم الظفر، الاقتناص في مسألة التماص، المستطرفة في أحكام دخول الحشفة، السلالة في تحقيق المقر والاستحالة، الروض الأريض في طهر المحيض، بذل العسجد لسؤال المسجد، الجواب الحزم عن حديث التكبير جزم، القذاذة في تحقيق محل الاستعاذة، ميزان المعدلة في شأن البسملة، جزء في صلاة الضحى، المصابيح في صلاة التراويح، بسط الكف في إتمام الصف، اللمعة في تحقيق الركعة لإدراك الجمعة، وصول الأماني بأصول التهاني، بلغة المحتاج في مناسك الحاج، السلاف في التفصيل بين الصلاة والطواف، شد الأثواب في سد الأبواب في المسجد النبوي، قطع المجادلة عند تغيير المعاملة، إزالة الوهن عن مسألة الرهن، بذل الهمة في طلب براءة الذمة، الإنصاف في تمييز الأوقاف، أنموذج اللبيب في خصائص الحبيب، الزهر الباسم فيما يزوج فيه الحاكم، القول المضي في الحنث في المضي، القول المشرق في تحريم الاشتغال بالمنطق، فصل الكلام في ذم الكلام، جزيل المواهب

في اختلاف المذاهب، تقرير الإسناد في تيسير الاجتهاد، رفع منار الدين وهدم بناء المفسدين، تنزيه الأنبياء عن تسفيه الأغبياء، ذم القضاء، فضل الكلام في حكم السلام، نتيجة الفكر في الجهر بالذكر، طي اللسان عن ذم الطيلسان، تنوير الحلك في إمكان رؤية النبي والملك، أدب الفتيا، إلقام الحجر لمن زكى سباب أبي بكر وعمر، الجواب الحاتم عن السؤال الخاتم، الحجج المبينة في التفضيل بين مكة والمدينة، فتح المغالق من أنت طالق، فصل الخطاب في قتل الكلاب، سيف النظار في الفرق بين الثبوت والتكرار. فن العربية وتعلقاته: شرح ألفية ابن مالك، يسمى البهجة المضية في شرح الألفية، الفريدة في النحو والتصريف والخط، النكت على الألفية والكافية والشافعية والشذور والنزهة، الفتح القريب على مغني اللبيب، شرح شواهد المغني، جمع الجوامع، شرحه يسمى همع الهوامع، شرح الملحة، مختصر الملحة، مختصر الألفية ودقائقها، الأخبار المروية في سبب وضع العربية، المصاعد العلية في القواعد النحوية، الاقتراح في أصول النحو وجدله، رفع السنة في نصب الزنة، الشمعة المضيئة، شرح كافية ابن مالك، در التاج في إعراب مشكل المنهاج، مسألة ضربي زيدًا قائمًا، السلسلة الموشحة، الشهد، شذا العرف في إثبات المعنة للحرف، التوشيح على التوضيح، السيف الصقيل في حواشي ابن عقيل، حاشية على شرح الشذور، شرح القصيدة الكافية في التصريف، قطر الندا في ورود الهمزة للندا، شرح تصريف العزي، شرح ضروري التصريف لابن مالك، تعريف الأعجم بحروف المعجم، نكت على شرح الشواهد للعيني، فجر الثمد في إعراب أكمل الحمد، الزند الوري في الجواب عن السؤال الكندري. فن الأصول والبيان والتصوف: شرح لمعة الإشراق في الاشتقاق، الكوكب الساطع في نظم جمع الجوامع، شرحه، شرح الكوكب الوقاد في الاعتقاد، نكت على

التلخيص يسمى الإفصاح، عقود الجمان في المعاني والبيان، شرحه، شرح أبيات تلخيص المفتاح، مختصره، نكت على حاشية المطول لابن الفنري رحمه الله تعالى، حاشية على المختصر، البديعية، شرحها، تأييد الحقيقة العلية وتشييد الطريقة الشاذلية، تشييد الأركان في ليس في الإمكان أبدع مما كان، درج المعالي في نصرة الغزالي على المنكر المتغالي، الخبر الدال على وجود القطب والأوتاد والنجباء والأبدال، مختصر الإحياء، المعاني الدقيقة في إدراك الحقيقة، النقاية في أربعة عشر علمًا، شرحها، شوارد الفوائد، قلائد الفرائد، نظم التذكرة، ويسمى الفلك المشحون، الجمع والتفريق في الأنواع البديعية. فن التاريخ والأدب: تاريخ الصحابة وقد مر ذكره، طبقات الحفاظ، طبقات النحاة: الكبرى والوسطى والصغرى، طبقات شعراء العرب، تاريخ الخلفاء، تاريخ مصر هذا، تاريخ سيوط معجم شيوخي الكبير يسمى حاطب ليل وجارف سيل، المعجم الصغير يسمى المنتقى؛ ترجمة النووي، ترجمة البلقيني، الملتقط من الدرر الكامنة، تاريخ العمر؛ وهو ذيل على إنباء الغمر، رفع الباس عن بني العباس، النفحة المسكية والتحفة المكية، على نمط عنوان الشرف، درر الكلم وغرر الحكم، ديوان خطب، ديوان شعر، المقامات، الرحلة الفيومية، الرحلة المكية، الرحلة الدمياطية، الرسائل إلى معرفة الأوائل، مختصر معجم البلدان، ياقوت الشماريخ في علم التاريخ، الجمانة، رسالة في تفسير ألفاظ متداولة، مقاطع الحجاز، نور الحديقة من نظم القول، المجمل في الرد على المهمل، المنى في الكنى، فضل الشتاء، مختصر تهذيب الأسماء للنووي، الأجوبة الزكية عن الألغاز السبكية، رفع شأن الحبشان، أحاسن الأقباس في محاسن الاقتباس، تحفة المذاكرة في المنتقى من تاريخ ابن عساكر، شرح بانت سعاد، تحفة الظرفاء بأسماء الخلفاء، قصيدة رائية، مختصر شفاء الغليل في ذم الصاحب والخليل.

ذكر من كان بمصر من حفاظ الحديث:

ذكر من كان بمصر من حفاظ الحديث: 1، 2، 3- أبو ذر، عبد الله بن عمرو بن العاص، عقبة بن عامر الجهني؛ الثلاثة صحابة؛ ذكرهم الذهبي في طبقات الحفاظ؛ وقد مروا (¬1) . 4، 5، 6، 7، 8- أبو الخير مرثد، مكحول، نافع مولى ابن عمر، يزيد بن أبي حبيب، عبيد الله بن أبي جعفر؛ مروا (¬2) . 9- الأعرج عبد الرحمن [[بن هرمز أبو]] أبو داود المدني صاحب أبي هريرة "ع"؛ أحد الحفاظ والقرء، أخذ القراءة عن أبي هريرة وابن عباس، وأكثر من السنن عن أبي هريرة. أخذ القراءة عنه نافع بن أبي نعيم، وعنه، قال البخاري: أصح أسانيد أبي هريرة أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة. قال الذهبي في طبقات القراء: كان الأعرج أول من برز في القرآن والسنن، وقالوا: هو أول من وضع العربية بالمدينة؛ أخذ عن أبي الأسود، وله خبرة بأنساب قريش، وافر العلم، مع الثقة والأمانة؛ خرج إلى الإسكندرية؛ فأدركه أجله بها. مات في سنة سبع عشرة ومائة (¬3) . 10- عقيل بن خالد الأيلي أبو خالد "ع"، مولى عثمان؛ عن عكرمة ونافع، وعنه ابن لهيعة والليث. مات بمصر سنة إحدى وأربعين ومائة (¬4) . 11- يونس بن يزيد الأيلي أبو يزيد (¬5) الرقاشي "ع". عن الزهري ونافع. مات بالصعيد سنة تسع وخمسين ومائة (¬6) . ¬

(¬1) أبو ذر ص245، وعبد الله بن عمرو ص215، عقبة بن عامر ص220 من هذا الجزء. (¬2) مرثد ص296، ومكحول ونافع ص297، ويزيد بن أبي حبيب وعبيد الله بن أبي جعفر ص299. (¬3) تقريب التهذيب 2: 28. (¬4) تقريب التهذيب 2: 29. (¬5) التقريب: "مولى آل سفيان". (¬6) تقريب التهذيب 2: 386.

12، 13، 14، 15، 16- عمرو بن الحارث، حيوة بن شريح، يحيى بن أيوب الغافقي، الليث بن سعد بن لهيعة، المفضل بن فضالة، مروا (¬1) . 17- بكر بن مضر بن حكم بن سليمان أبو محمد المصري "خ، م، د، ت". عن يزيد بن أبي حبيب وغيره. كان ثقة عابدًا صالحًا؛ ولد سنة اثنتين ومائة؛ ومات يوم عرفة سنة أربع وسبعين (¬2) . 18، 19، 20- ابن وهب، ابن القاسم، الإمام الشافعي، مروا (¬3) . 21- أسد السنة أسد بن موسى بن إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم الآمدي المصري. عن شعبة وروح، وعنه الربيع الجيزي، وأحمد بن صالح ولد بمصر سنة اثنتين وثلاثين ومائة؛ ومات بها في المحرم سنة اثنتي عشرة ومائتين (¬4) . 22- سعيد بن أبي مريم الحكم بن محمد بن سالم الجمحي المصري الحافظ المصري، أبو محمد "ع". عن مالك والليث؛ قال ابن يونس: كان فقيهًا، ولد سنة أربع وأربعين ومائة، ومات سنة أربع وعشرين ومائتين (¬5) . 23- عبد الله بن صالح بن محمد بن مسلم الجهني مولاهم أبو صالح؛ "ح، د، ت"؛ كاتب الليث، مات سنة اثنتين وعشرين ومائتين (¬6) . 24- عبد الله بن يوسف التنيسي أبو محمد الدمشقي "خ، د، ت، هـ". قال البخاري: كان من أثبت الشاميين، مات بمصر سنة ثماني عشرة ومائتين؛ عن ثمانين سنة (¬7) . ¬

(¬1) انظر ص279، 299، 300، 301، 302. (¬2) تقريب التهذيب 1: 107. (¬3) ص302، 303. (¬4) تقريب التهذيب 1: 63. (¬5) تقريب التهذيب 1: 293. (¬6) تقريب التهذيب 1: 423. (¬7) تقريب التهذيب 1: 463.

25- عبد الله بن الزبير الحميدي أبو بكر "خ، م، د، ت". أحد الأئمة، صاحب المسند، كان بمصر ملازمًا للإمام الشافعي، فلما مات رجع إلى مكة يفتي بها إلى أن مات سنة تسع عشرة ومائتين. قال أبو حاتم: هو رئيس أصحاب ابن عيينة، وهو ثقة إمام (¬1) . 26- نعيم بن حمار المروزي أبو عبد الله "خ، م، د، ت". نزيل مصر. أول من جمع المسند، أخرج منها في فتنة القول بخلق القرآن، فحبس بسامرا سنة ثمان وعشرين ومائتين (¬2) . 27- يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي مولاهم المصري "خ، م". راوي الموطأ؛ صنف التصانيف. مات في صفر سنة إحدى وثلاثين ومائتين (¬3) . 28، 29، 30، 31- أصبغ بن فرج، سعيد بن عفير، حرملة، أحمد بن صالح المصري، مروا (¬4) . 32- أبو عبد الله محمد بن رمح بن مهاجر التجيبي مولاهم "م، هـ". المصري الحافظ. سمع من الليث وابن لهيعة. قال النسائي: ما أخطأ في حديث واحد. وقال ابن يونس: ثقة ثبت؛ كان من أعلم الناس بأخبار بلدنا، مات في شوال سنة اثنتين وأربعين ومائتين (¬5) . 33، 34- الحارث بن مسكين، يونس بن عبد الأعلى، مرا (¬6) . 35- الحسن بن عبد العزيز الوزير الجذامي أبو علي الجروي المصري "خ". ¬

(¬1) تهذيب التهذيب 1: 415. (¬2) تهذيب التهذيب 10: 458. (¬3) تقريب التهذيب 2: 351. (¬4) أصبغ بن فرج وسعيد بن عفير ص308، وحرملة ص307، وأحمد بن صالح ص306. (¬5) تقريب التهذيب 2: 161. (¬6) الحارث بن مسكين ص308، ويونس بن عبد الأعلى ص309.

روى عن بشر بن بكر، وعنه البخاري؛ وقال الدارقطني: لم يُر مثله فضلًا وزهدًا؛ حمل من مصر إلى العراق؛ فلم يزل بها حتى مات سنة سبع وخمسين ومائتين (¬1) . 36- محمد بن سنجر أبو عبد الله الجرجاني الحافظ "م". صاحب المسند؛ عن أبي نعيم وطبقته. قال في العبر: مات بصعيد مصر في ربيع الأول سنة ثمان وخمسين ومائتين (¬2) . 37- محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، مر (¬3) . 38- الربيع بن سليمان بن عبد الجبار بن كامل المرادي مولاهم "ع". أبو محمد المصري، صاحب الإمام الشافعي وراوي كتبه، والمؤذن بجامع الفسطاط. روى عنه أصحاب السنن الأربعة، والطحاوي وأبو زرعة وغيرهم. وأملى الحديث بجامع طولون؛ وهو أول من أملى به، ووصله ابن طولون يومئذ بجائزة سنية؛ ولد سنة أربع وسبعين ومائتين، ومات يوم الاثنين لعشر بقين من شوال سنة سبع ومائتين (¬4) . 39- قبيطة الحافظ الثقة، أبو علي الحسن بن سليمان البصري. نزيل مصر. عن أبي نعيم، وعنه ابن خزيمة. مات سنة إحدى وستين ومائتين (¬5) . 40- أبو بكر محمد بن عبد الله بن عبد الرحيم البرقي "د، ن". عن أسد السنة، وعنه أبو داود والنسائي. وثقه ابن يونس، وذكره ابن فرحون في طبقات المالكية، وقال: له تصانيف في الحديث وغيره. مات سنة تسع وأربعين ومائتين (¬6) . 41- ابن أخت غزال الإمام أبو بكر محمد بن علي بن داود البغدادي نزيل مصر. قال ابن يونس: كان ثقة في الحديث، مات بها في ربيع الأول سنة أربع وستين ومائتين. ¬

(¬1) تقريب التهذيب 1: 167. (¬2) العبر 2: 17. (¬3) ص 309 من هذا الجزء. (¬4) تقريب التهذيب 1: 245. (¬5) تذكرة الحفاظ 2: 136. (¬6) تذكرة الحفاظ 2: 134.

42- محمد بن حماد الطهراني الرازي؛ أحد من رحل إلى عبد الرازق. حدث بمصر والشام والعراق. وكان ثقة. مات سنة إحدى وسبعين ومائتين؛ قاله في العبر (¬1) . 43- يحيى بن عثمان بن صالح البهمي المصري. روى عن أبيه وأصبغ بن فرج وخلف، وعنه ابن ماجه وآخرون. قال ابن يونس: كان حافظًا للحديث. توفي سنة اثنتين وثمانين ومائتين. 44- عبدان أبو محمد بن محمد بن عيسى المروزي الفقيه الحافظ، مفتي مرو وعالمها وزاهدها. أقام بمصر سنين، وقرأ على المزني والربيع، ثم انتقل؛ وهو الذي أظهر مذهب الشافعي بخراسان؛ تفقه به ابن خزيمة وأبو إسحاق المروزي وخلق صاروا أئمة، وصنف كتاب المعرفة في مائة جزء، وكتاب الموطأ، وكان يرجع إليه في الفتاوي والمعضلات. ولد ليلة عرفة سنة عشرين ومائتين، ومات ليلة عرفة سنة ثلاث وتسعين (¬2) . 45- النسائي أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن يحيى القاضي الحافظ الإمام شيخ الإسلام. أحد الأئمة المبرزين، والحفاظ المثقفين والأعلام المشهورين، جال البلاد، واستوطن مصر، فأقام بزقاق القناديل. قال أبو علي النيسابوري: رأيت من أئمة الحديث أربعة في وطني وأسفاري: النسائي بمصر، وعبدان بالأهواز، ومحمد بن إسحاق، وإبراهيم بن أبي طالب بنيسابور. وقال الحاكم: كان النسائي أفقه مشايخ مصر في عصره، وأعرفهم بالصحيح والسقيم من الآثار، وأعرفهم بالرجال. وقال الذهبي: هو أحفظ من مسلم. له من المصنفات السنن الكبرى والصغرى ¬

(¬1) العبر 2: 48. (¬2) العبر 2: 95.

وهي إحدى الكتب الستة، وخصائص علي، ومسند علي، ومسند مالك. ولد سنة خمس وعشرين ومائتين. قال ابن يونس: كان خروجه من مصر سنة اثنتين وثلاثمائة، ومات بمكة -وقيل بالرملة- في صفر سنة ثلاث وثلاثمائة (¬1) . 46- علي بن سعيد بن بشير مهران الحافظ البارع أبو الحسن الرازي. يعرف بعلبك. نزيل مصر ومحدثها. قال ابن يونس: كان يفهم ويحفظ. مات في ذي القعدة سنة سبع وتسعين ومائتين (¬2) . 47- يحيى بن زكريا بن النيسابوري أبو زكريا الأعرج. أحد الحفاظ، وهو عم محمد بن عبد الله بن زكريا بن حيوة، روى عن قتيبة وابن راهويه. قال في العبر: دخل مصر على كبر السن، ومات بها سنة سبع وثلاثمائة (¬3) . 48- محمد بن محمد بن النفاح بن بدر الباهلي أبو الحسن. قال في العبر: بغدادي حافظ متعفف، روى عن ابن إسرائيل (¬4) وطبقته. توفي بمصر في ربيع الآخر سنة أربع عشرة وثلاثمائة (¬5) . 49- الطحاوي الإمام العلامة الحافظ. صاحب التصانيف البديعة أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن مسلمة الأزدي المصري الحنفي، ابن أخت المزني. تفقه بالقاضي أبي حازم، وكان ثقة ثبتًا، فقيهًا لم يخلف بعده مثله، انتهت إليه رئاسة الحنفية بمصر. وله معاني الآثار، وأحكام القرآن، والتاريخ الكبير، واختلاف العلماء، وكتاب الشروط. ولد سنة تسع وثلاثين ومائتين، ومات في ذي القعدة سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة (¬6) . ¬

(¬1) تذكرة الحفاظ 2: 241. (¬2) تذكرة الحفاظ 2: 284. (¬3) تذكرةالحفاظ 2: 135، والعبر 2: 135. (¬4) العبر: "إسحاق بن أبي إسرائيل". (¬5) العبر 2: 159. (¬6) العبر 2: 186.

50- مكحول الحافظ أبو عبد الرحمن محمد بن عبد الله بن عبد السلام البيروني؛ عن ابن عبد الحكم، وعنه ابن زبر. كان من الثقات العالمين بالحديث، مات في جمادى الآخرة سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة (¬1) . 51- الطحان الحافظ الإمام أبو بكر أحمد بن عمرو بن جابر الرملي. عن بكار بن قتيبة، وعنه ابن زبر. مات سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة (¬2) . 52- ابن يونس الحافظ الإمام أبو سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن الإمام يونس بن عبد الأعلى الصدفي المصري، صاحب تاريخ مصر. ولد سنة إحدى وثمانين ومائتين، وسمع أباه والنسائي، ولم يرحل ولا سمع بغير مصر، ولكنه إمام في هذا الشأن، متيقظ حافظ مكثر، خبير بأيام الناس وتواريخهم. مات في جمادى الأولى سنة سبع وأربعين وثلاثمائة (¬3) . 53- ابن الحداد، مر (¬4) . 54- حمزة بن محمد بن علي بن العباس الكناني المصري الحافظ الزاهد العالم أبو القاسم. مملي جزء البطاقة، عن النسائي وأبي يعلى، وعنه الدارقطني وابن سعيد. قال الحاكم: متفق على تقدمه في معرفة الحديث، يذكر بالورع والزهد والعبادة. مات في ذي الحجة سنة سبع وخمسين وثلاثمائة (¬5) . 55- ابن السكن الحافظ الحجة أبو علي سعيد بن عثمان بن السكن البغدادي. نزيل مصر. ولد سنة أربع وتسعين ومائتين، وسمع أبا القاسم البغوي وابن جوصا، وعنه عبد الغني بن سعيد، وعني بهذا الشأن وصنف الصحيح المنتقى؛ مات في المحرم ¬

(¬1) العبر 2: 223. (¬2) العبر 2: 229. (¬3) العبر 2: 276. (¬4) وانظر العبر 2: 299. (¬5) العبر 4: 308.

سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة (¬1) . 56- النقاش الحافظ الإمام الجوال أبو بكر محمد بن علي بن حسن المصري نزيل تنيس. ولد سنة اثنتين وثمانين ومائتين، وسمع النسائي وأبا علي، وعنه الدارقطني. مات رابع شعبان سنة تسع وستين وثلاثمائة (¬2) . 57- الحسن بن رشيق الإمام أبو بكر محمد العسكري المصري. عن النسائي، وعنه الدارقطني وعبد الغني؛ قال ابن الطحان: ما رأيت عالمًا أكثر حديثًا منه؛ ولد في صفر سنة ثلاث وثمانين ومائتين، ومات في جمادى الآخرة سنة سبعين وثلاثمائة (¬3) . 58- ابن النحاس المصري الحافظ الإمام أبو العباس أحمد بن محمد بن عيسى بن الجراح، نزيل نيسابور. كان ذا رحلة واسعة. سمع أبا القاسم البغوي، ومنه الحاكم. مات سنة ست وسبعين وثلاثمائة، عن خمس وثمانين سنة. 59- ابن مسرور الحافظ الجوال أبو الفتح عبد الواحد بن محمد بن أحمد بن مسرور البلخي. عن أبي سعيد بن يونس، وعنه عبد الغني. وطن بمصر، ومات في ذي الحجة سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة (¬4) . 60- أحمد بن أبي الليث نصر بن محمد الحافظ أبو العباس النصيبي المصري. قال الحاكم: باقعة في الحفظ. مات سنة ست وثمانين وثلاثمائة. 61- ابن حنزابة الوزير الكامل الحافظ أبو الفضل جعفر بن الوزير أبي الفتح الفضل بن الفرات البغدادي. نزيل مصر، وزر لصاحب مصر كافور الخادم، وحدث عن ¬

(¬1) العبر: 297. (¬2) العبر 2: 353. (¬3) العبر 2: 355. (¬4) العبر 3: 7.

محمد بن هارون الحضرمي وغيره. ورحل إليه الدارقطني، وعزم على التأليف على مسنده. قال السلفي: كان من الحفاظ المتقنين، يملي ويروي في حال الوزارة، عندي من أماليه، ومن كلامه على الحديث، الدال على حدة فهمه وقوة علمه. وحنزابة اسم جدته أم أبيه. ولد سنة ثمان وثلاثمائة، ومات في ثالث عشر ربيع الأول سنة إحدى وتسعين (¬1) . 62- عبد الغني بن سعيد بن علي الأزدي الحافظ المتقن النسابة. إمام زمانه في علم الحديث وحفظه؛ قال البرقاني: ما رأيت بعد الدارقطني أحفظ منه؛ له مؤلفات؛ منها المؤتلف والمختلف وغيره. ولد سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة؛ ومات في سابع صفر سنة تسع وأربعمائة (¬2) . 63- أبو سعيد الماليني أحمد بن محمد بن أحمد بن إسماعيل؛ كان أحد الحفاظ المكثرين الراحلين في الحديث إلى الآفاق، روى عن ابن عدي. مات بمصر في شوال سنة اثنتي عشرة وأربعمائة (¬3) . 64- أبو نصر السجزي الحافظ عبيد الله بن سعيد بن حاتم الوائلي البكري نزيل مصر. كان متقنا مكثرا بصيرا بالحديث والسنة، واسع الرحلة. قال أبو طاهر الحافظ: سألت الحبال عن الصوري والسجزي: أيهما أحفظ؟ فقال: السجزي أحفظ من خمسين مثل الصوري؛ مات في المحرم سنة أربع وأربعين وأربعمائة (¬4) . 65- الحبال الحافظ الإمام المتقن؛ محدث مصر، أبو إسحاق إبراهيم بن سعيد بن عبد الله النعماني مولاهم المصري. ولد سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة، وسمع عبد الغني ¬

(¬1) العبر 3: 49. (¬2) العبر 3: 100. (¬3) العبر 3: 107. (¬4) العبر 3: 206.

بن سعيد وابن نظيف، ومنه أبو بكر عبد الباقي؛ وآخر من روى عنه بالإجازة ابن ناصر الحافظ، وجمع عوالي سفيان بن عيينة وغير ذلك، وكان ثقة حجة صالحا ورعا كبير القدر. مات سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة (¬1) . 66- السلفي الحافظ أبو طاهر عماد الدين أحمد بن محمد بن أحمد الأصفهاني. كان إماما حافظا متقنا، ناقدا ثبتا دينا خيرا، انتهى إليه علو الإسناد. روى عنه الحفاظ في حياته. وله تصانيف، وكان أوحد زمانه في علم الحديث، وأعلمهم بقوانين الرواية؛ وكان مقيما بالإسكندرية. توفي يوم الجمعة خامس ربيع الآخر سنة ست وسبعين وخمسمائة وله مائة وست سنين (¬2) . 67- عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي الحنبلي الحافظ الإمام. أوحد زمانه في علم الحديث والحفظ؛ تقي الدين أبو محمد الزاهد العابد، صاحب العمدة والكمال وغير ذلك من التصانيف. نزل مصر في آخر عمره، ومات بها يوم الاثنين ثالث عشر ربيع الأول سنة ستمائة؛ وله تسع وخمسون سنة، ودفن بالقرافة (¬3) . 68- أبو الحسن علي بن فاضل بن سعد الله الصوري ثم المصري. قال الذهبي: أكثر عن السلفي، ورأس في الحديث؛ مات بمصر سنة ثلاث وستمائة (¬4) . 69- أبو الحسن علي بن المفضل بن علي المالكي المقدسي ثم السكندري، الحافظ العلامة شرف الدين. ولد سنة أربع وأربعين وخمسمائة، وتخرج بالسلفي، وكان من حفاظ الحديث وأئمة المذهب العارفين به؛ وله تصانيف. مات بالقاهرة في شعبان سنة إحدى عشرة وستمائة (¬5) . ¬

(¬1) العبر 3: 399. (¬2) العبر 4: 227. (¬3) العبر 4: 313. (¬4) شذرات الذهب 5: 10. (¬5) شذرات الذهب 5: 47.

70- ابن الأنماطي الحافظ البارع تقي الدين أبو الطاهر إسماعيل بن عبد الله بن عبد المحسن المصري الشافعي. ولد في حدود سنة سبع وخمسمائة، وسمع ابن الخشوعي، ومنه المنذري. وكان إماما حافظا مبرزا مفيدا. مات في رجب سنة تسع عشرة وستمائة (¬1) . 71- ابن دحية الإمام العلامة الحافظ الكبير أبو الخطاب عمر بن حسن الأندلسي السبتي؛ كان بصيرا بالحديث معتنيا به، له حظ وافر من اللغة، ومشاركة في العربية؛ وله تصانيف، وطن مصر، وأدب الملك الكامل، ودرس بدار الحديث الكاملية، مات رابع عشر ربيع الأول سنة ثلاث وثلاثين وستمائة عن نيف وثمانين سنة (¬2) . 72- المنذري الحافظ الكبير الإمام شيخ الإسلام زكي الدين أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله المصري الشافعي. ولد بمصر في غرة شعبان سنة إحدى وثمانين وخمسمائة، وتفقه، وطلب هذا الشأن فبرع فيه، وتخرج بالحافظ أبي الحسن بن المفضل، وولي مشيخة الكاملية، وانقطع بها عشرين سنة، وكان عديم النظير في معرفة علم الحديث على اختلاف فنونه، متبحرا في معرفة أحكامه ومعانيه ومشكله، قيما بمعرفة غريبه، إماما حجة بارعا في الفقه والعربية والقراءات، ورعا متبحرا. قال الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد في حقه: كان أدين مني، وأنا أعلم منه. ألف الترغيب والترهيب، وشرح التنبيه، وغير ذلك. مات يوم السبت رابع ذي القعدة سنة ست وخمسين وستمائة (¬3) . ¬

(¬1) شذرات الذهب 5: 84. (¬2) شذرات الذهب 5: 16. (¬3) شذرات الذهب 5: 277.

73- الرشيد العطار الإمام الحافظ، رشيد الدين أبو الحسين يحيى بن علي بن عبد الله الأموي النابلسي ثم المصري المالكي. ولد سنة أربع وثمانين وخمسمائة؛ وتخرج بابن المفضل، وتقدم في فن الحديث، وانتهت إليه رياسة الحديث بالديار المصرية، وألف وخرج. ومات في جمادى الأولى سنة اثنتين وستين وستمائة (¬1) . 74- الصدر البكري أبو علي الحسن بن محمد النيسابوري ثم الدمشقي. ولد سنة أربع وسبعين وخمسمائة، وعني بهذا الشأن، وألف وخرج، وتحول إلى مصر، فمات بها في ذي الحجة سنة ست وخمسين وستمائة. 75- ابن العماد الإمام الحافظ وجيه الدين أبو المظفر منصور بن سليمان (¬2) الهمداني الإسكندراني الشافعي. ولد في صفر سنة سبع وستمائة، وعُني بالحديث وفنونه ورجاله وبالفقه، وألف في الحديث وأنواعه وفي الفقه وألف تاريخ الإسكندرية ومعجم شيوخه وغير ذلك، روى عنه الدمياطي، مات في شوال سنة ثلاث وسبعين وستمائة، ولم يخلف بعده في الثغر مثله (¬3) . 76- الأبيوردي الإمام المحدث الحافظ زين الدين أبو الفتح محمد بن محمد بن أبي بكر. نزيل القاهرة؛ ولد سنة إحدى وستمائة؛ وسمع من السخاوي وغيره، وألف وخرج، مات في جمادى الأولى سنة سبع وستين "وستمائة" (¬4) . 77- الإسعردي الإمام الحافظ مفيد القاهرة تقي الدين أبو القاسم عبيد بن محمد بن عباس. ولد سنة اثنتين وعشرين وستمائة، وشرح الكثير، وبرع في التخريج وأسماء الرجال والعالي والموافقة. مات في شعبان سنة اثنتين وتسعين "وستمائة" (¬5) . ¬

(¬1) شذرات الذهب 5: 311. (¬2) شذرات الذهب: "سليم". (¬3) شذرات الذهب 5: 341. (¬4) شذرات الذهب 5: 325. (¬5) تذكرة الحفاظ 4: 257.

78- الشريف عز الدين نقيب الأشراف أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد الرحمن الحسني الحلبي ثم المصري، الحافظ المؤرخ. روى عن فخر القضاء أحمد بن الحباب وأكثر أصحاب البوصيري، وعُني بالحديث وبالغ. مات في سادس المحرم سنة خمس وتسعين وستمائة. ذكره في العبر (¬1) . 79- ابن الظاهري الحافظ الزاهد القدوة جمال الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد الله الحلبي الحنفي المقرئ. كان أحد من عُني بهذا الشأن، وكتب عن سبعمائة شيخ، وخرج وأعاد. مات بزاويته بالمقس بظاهر القاهرة، في ربيع الأول سنة ست وتسعين وستمائة، وله سبعون سنة (¬2) . 80- الدمياطي الإمام العلامة الحافظ الحجة الفقيه النسابة شيخ المحدثين شرف الدين أبو محمد عبد المؤمن بن خلف التوني الشافعي. ولد سنة ثلاث عشرة وستمائة، وتفقه، وبرع وطلب الحديث، فرحل وجمع فأوعى، وتخرج بالمنذري وألف. قال المزني: ما رأيت في الحديث أحفظ منه، وكان واسع الفقه، رأسا في النسب جيد العربية، غزير اللغة. مات فجأة سنة خمس وسبعمائة (¬3) . 81- ابن شامة الإمام الحافظ الحجة الفقيه النسابة، مفيد مصر، شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن شامة الحنبلي. روى عن ابن عبد الدائم، وكتب الكثير؛ وكان جيدا بمعرفة الحديث. مات في ذي القعدة سنة ثمان وسبعمائة عن سبع وأربعين سنة (¬4) . 82- ابن دقيق العيد، مر (¬5) . ¬

(¬1) شذرت الذهب 5: 430. (¬2) شذرات الذهب 5: 435. (¬3) شذرات الذهب 6: 12. (¬4) شذرات الذهب 6: 17. (¬5) ص317 من هذا الجزء.

83- الحارثي قاضي القضاة سعيد الدين أبو محمد مسعود بن أحمد العراقي ثم المصري الحنبلي. ولد سنة اثنتين وخمسين وستمائة، وسمع من النجيب وعدة، وتقدم في هذا الشأن، وخرج وألف شرحا على سنن أبي داود، وكان عارفا بمذهبه. مات في ذي الحجة سنة إحدى عشرة وسبعمائة (¬1) . 84- القطب الحلبي مفيد الديار المصرية وشيخها الحافظ قطب الدين أبو علي عبد الكريم بن عبد النور بن منير الحنفي. ولد في رجب سنة أربع وستين وستمائة وعني بالفن، وبرع فيه، وألف شرح البخاري وشرح سيرة عبد الغني، وتاريخ مصر في بضعة عشر مجلدا، وغير ذلك. مات في رجب سنة خمس وثلاثين وسبعمائة (¬2) . 85- فتح الدين بن سيد الناس الإمام العلامة الحافظ الأديب البارع أبو الفتح محمد بن محمد بن محمد بن سيد الناس اليعمري الأندلسي الأصل المصري. ولد في ذي القعدة سنة إحدى وسبعين وستمائة، ولازم ابن دقيق العيد، وتخرج به، وكان أحد الأعلام الحفاظ؛ أديبا شاعرا بليغا مترسلا، ولي درس الحديث بالظاهرية وغيرها، وألف السيرة النبوية، وشرح الترمذي، ومات في شعبان سنة أربع وثلاثين وسبعمائة (¬3) . 86- التقي السبكي، مر (¬4) . 87- أحمد بن أيبك بن عبد الله الحسامي الدمياطي الحافظ شهاب الدين أبو الحسين محدث مصر. ولد سنة سبعمائة، وبرع في الفن، وخرج وألف. مات في رمضان سنة تسع وأربعين وسبعمائة بالطاعون. 88- أحمد بن أحمد بن أحمد بن الحسين الهكاري شهاب الدين أبو الحسين. ¬

(¬1) شذرات الذهب 6: 28. (¬2) شذرات الذهب 6: 110. (¬3) شذرات الذهب 6: 108. (¬4) ص321 من هذا الجزء.

كان عارفا بالرجال، ألف كتابا في رجال الصحيحين، وأعاد بالجامع الحاكم. مات في جمادى الآخرة سنة ثلاث وستين وسبعمائة. 89- البهائي عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أبي بكر بن خليل العثماني المكي نزيل القاهرة، الشافعي الحافظ الفقيه الزاهد القدوة، أبو محمد. ولد سنة أربع وتسعين وستمائة. وعُني بالفقه وبرع فيه. مات بالقاهرة في جمادى الأولى سنة سبع وسبعين "وسبعمائة" (¬1) . 90- الزبلعي جمال الدين عبد الله بن يوسف بن محمد الحنفي. سمع من أصحاب النجيب، وأخذ عن الفخر الزيلعي شارح الكنز والعلائي بن التركماني وابن عقيل، وألف تخريج أحاديث الهداية، وتخريج أحاديث الكشاف. مات في محرم سنة اثنتين وستين وسبعمائة (¬2) . 91- الحافظ ابن جماعة قاضي القضاة الشيخ عز الدين [[عبد العزيز]] أبو عمر قاضي القضاة بدر الدين محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الكناني الشافعي. ولد في المحرم سنة أربع وتسعين وستمائة، وأكثر السماع، فبلغت شيوخه ألفا وثلاثمائة نفس، وعُني بالشأن، وصنف تخريج أحاديث الرافعي وغيره، وولي القضاء بالدار المصرية، وتدريس الخشابية، وكانت معرفته بالحديث أمثل من معرفته بالفقه. مات بمكة في جمادى الأولى سنة سبع وستين وسبعمائة (¬3) . 92- مغلطاي بن قليج الحنفي الإمام الحافظ علاء الدين. ولد سنة تسع وثمانين وستمائة، وكان حافظا عارفا بفنون الحديث، علامة في الأنساب، وله أكثر من مائة تصنيف، كشرح البخاري وشرح ابن ماجه وغير ذلك؛ مات في شعبان سنة اثنتين وستين وسبعمائة (¬4) . ¬

(¬1) شذرات الذهب 6: 251. (¬2) البدر الطالع 402. (¬3) نكت الهميان 35. (¬4) شذرات الذهب 6: 197.

93- ابن سند الحافظ شمس الدين أبو العباس محمد بن موسى بن سند المصري، ولد في ربيع الآخر سنة تسع وعشرين وسبعمائة، وأخذ عن الإسنوي، ولازم التاج السبكي، وألف وخرج. مات في صفر سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة (¬1) . 94- البلقيني مر (¬2) . 95- ابن الملقن، يأتي في الفقهاء. 96- العراقي الحافظ الإمام الكبير؛ زين الدين أبو الفضل عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن، حافظ العصر. ولد بمنشاة المهراني بالقاهرة في جمادى الأولى سنة خمس وعشرين وسبعمائة، وعُني بالفن، فبرع فيه وتقدم بحيث كان شيوخ عصره يبالغون في الثناء عليه بالمعرفة، كالسبكي والعلائي وابن كثير وغيرهم؛ ونقل عن الإسنوي في المهمات، ووصفه بحافظ العصر، وكذلك وصفه في الترجمة ابن سيد الناس. وله مؤلفات في الفن بديعة، كالألفية التي اشتهرت في الآفاق وشرحها ونظم الاقتراح، وتخريج أحاديث الإحياء، وتكملة شرح الترمذي لابن سيد الناس؛ وشرع في إملاء الحديث من سنة ست وتسعين فأحيا الله تعالى به سنة الإملاء بعد أن كانت دائرة، فأملى أكثر من أربعمائة مجلس. وكان صالحا متواضعا ضيق المعيشة. مات في ثامن شعبان سنة ست وثمانمائة (¬3) . ورثاه الحافظ ابن حجر بقوله: مصاب لم ينفس للخناق ... أصار الدمع جارا للمآقي (¬4) فروض العلم بعد الزهو ذاو ... وروح الفضل قد بلغ التراقي ¬

(¬1) شذرات الذهب 6: 226. (¬2) ص329 من هذا الجزء. (¬3) شذرات الذهب 7: 55. (¬4) سقطت هذه القصيدة من الأصل، وأثبتها من ح، ط.

وبحر الدمع يجري باندلاق ... وبدر الصبر يسري في المحاق وللأحزان بالقلب اجتماع ... ينادي الصبر حي على افتراق فأما بعد بأس من تلاق ... فهذا صبره مر المذق لقد عظمت مصيبتنا وجاءت ... تسوق أولي العلوم إلى السباق وأشراط القيامة قد تبدت ... وأذن بالنوى داعي الفراق وكان بمصر والبيت البقايا ... وكانوا بالفضائل في استباق فلم تبق الملاحم والرزايا ... بأرض الشام للفضلاء باق وطاف بأرض مصر كل علمٍ ... بكأس الحين للعلماء ساقي فأطفات المنون سراج علمٍ ... ونور لاح لا داعي النفاق وأخلقت الرجا في ابن الحسين ال ... إمام فألحقته بالسباق فيا أهل الشآم ومصر فابكوا ... على عبد الرحيم بن العراقي على الحبر الذي شهدت قروم ... له بالإنفراد على اتفاق ومن فتحت له قدمًا علوم ... غدت عن غيره ذات انغلاق وجاز إلى الحديث قديم عهد ... فأحرز دونه خيل السباق وبالسبع القراءات العوالي ... أقل بما إلى السبع الطباق فسل إحيا علوم الدين عنه ... أما داواه مع ضيق النطاق فصير ذكره يسمو وينمو ... بتخريج الأحاديث الرفاق وشرح الترمذي لقد ترقى ... به قدمًا إلى أعلى المراقي ونظم ابن الصلاح له صلاح ... وهذا شرحه في الأفق راق وفي نظم الأصول له وصول ... إلى منهاج حق باستباق ونظم السيرة الغرا يُجازى ... عليها الأجر من راقي البراق

دعاه بحافظ العصر الإمام الـ ... ـكبير الإسنوي لدى الطباق وعلى قدره السبكي وابن الـ ... ـعلائي والأئمة باتفاق ومن ستين عامًا لم يجاري ... ولا طمع المجاري في اللحاق ويقضي اليوم في تصنيف علمٍ ... وطول تهجد في الليل راق فأصبح بالكرامة في اصطباح ... وبالتحف الكريمة في اغتباق فما شغلته كأس بالتثام ... ولا ألهاه طبي باعتناق فتى كرم يزيد وشيخ علمٍ ... يرى الطلاب مع حمل المشاق فيقرئ طالبي علم ووفرٍ ... قرًى وقراه في ذات اتساق فيا أسفا ويا حزنًا عليه ... أرق من النسيمات الرفاق ويا أسفا لتقييدات علمٍ ... تولت بعد ذات انطلاق عليه سلام ربي كل حينٍ ... يلاقيه الرضا فيما يلاقي وأسقت لحده سحب الغوادي ... إذا انهملت هممت ذات انطباق وزانت رئيه في كل يوم ... تحيات إلى يوم التلاقي 97- الهيثمي الحافظ نور الدين أبو الحسن علي بن أبي بكر بن سليمان، رفيق أبي الفضل العراقي. ولد سنة خمس وثلاثين وسبعمائة، ورافق العراقي في السماع، ولازمه، وألف وجمع. مات في تاسع عشر رمضان سنة سبع وثمانمائة (¬1) . 98- ابن عشائر، الحافظ ناصر الدين أبو المعالي محمد بن علي السالمي الحلبي. ولد في ربيع سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة، وأخذ عن التاج السبكي وابن قاضي الجبل والأعمى، والبصير، وله مجاميع وتاريخ وتعاليق. مات بمصر في ربيع سنة تسع وثمانين وسبعمائة (¬2) . ¬

(¬1) شذرات الذهب 7: 70. (¬2) شذرات الذهب 6: 309.

99- الأقفهسي صلاح الدين خليل بن محمد عبد الرحمن المصري. ولد سنة ثلاث وستين وسبعمائة وعُني بالفن وخرج، وصنف. مات سنة إحدى وعشرين وثمانمائة (¬1) . 100- ولي الدين أبو زرعة أحمد بن الحافظ أبو الفضل العراقي الإمام العلامة الحافظ الفقيه الأصولي، ذو الفنون. ولد في ذي الحجة اثنتين وستين وسبعمائة، وتخرج في الفن بوالده، ولازم البلقيني في الفقه، وبرع في الفنون؛ وألف الكتب النافعة المشهورة، كشرح البهجة والنكت، ومختصر المهمات، وشرح جمع الجوامع في الأصلين، وشرح تقريب الأسانيد لوالده، وغير ذلك. وأملى أكثر من ستمائة مجلس، وولي قضاء الديار المصرية. مات في سابع عشرين شعبان سنة ست وعشرين وثمانمائة (¬2) . 101- البوصيري شهاب الدين أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل الكناني. ولد في المحرم سنة اثنتين وستين وسبعمائة، وسمع الكثير وعُني بالفن، وألف وخرج. مات في المحرم سنة وأربعين وثمانمائة (¬3) . 102- ابن حجر، إمام الحفاظ في زمانه، قاضي القضاة شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي الكناني العسقلاني ثم المصري. ولد سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة، وعانى أولًا الأدب وعلم الشعر فبلغ فيه الغاية، ثم طلب الحديث، فسمع الكثير، ورحل وتخرج بالحافظ أبي الفضل العراقي، وبرع فيه، وتقدم في جميع فنونه، وانتهت إليه الرحلة والرياسة في الحديث في الدنيا بأسرها، فلم يكن في عصره حافظ سواه، وألف كتبًا كثيرة كشرح البخاري، وتعليق التعليق، وتهذيب التهذيب، وتقريب التهذيب، ولسان الميزان، والإصابة في الصحابة، ونكت ابن الصلاح، ¬

(¬1) شذرات الذهب 7: 150. (¬2) شذرات الذهب 7: 173. (¬3) شذرات الذهب 7: 233.

ورجال الأربعة، والنخبة وشرحها، والألقاب، وتبصير المنتبه بتحرير المشتبه، وتقريب المنهج بترتيب المدرج؛ وأملى أكثر من ألف مجلس؛ توفي في ذي الحجة سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة، وختم به الفن (¬1) . حدثني الشهاب المنصوري شاعر العصر أنه حضر جنازته، فأمطرت السماء على نعشه وقد قرب إلى المصلى ولم يكن زمان مطر. قال: فأنشدت في ذلك الوقت: قد بكت السحب على ... قاضي القضاة بالمطر وانهدم الركن الذي ... كان مشيدًا من حجر وقال شيخنا الأديب شهاب الدين الحجازي يرثيه: كل البرية للمنية صائره ... وقفوا لها شيئًا فشيئًا سائره والنفس إن رضيت بذا ربحت وإن ... لم ترض كانت عند ذلك خاسره وأنا الذي راض بأحكام مضت ... عن ربنا البر المهيمن صادره لكن سئمت العيش من بعد الذي ... قد خلف الأفكار منا حائره هو شيخ الإسلام المعظم قدره ... من كان أوحد عصره والنادره قاضي القضاة العسقلاني الذي ... لم ترفع الدنيا خصيمًا ناظره وشهاب دين الله ذي الفضل الذي ... أربى على عدد النجوم مكاثره لا تعجبوا لعلوه فأبوه في الد ... نيا علا من قبله والآخرة هو كيمياء العلم كم من طالب ... بالكسر جاء له فأضحى جابره لا بدع إن عادت علوم الكيميا ... من بعد ذا الحجر المكرم بائره ¬

(¬1) شذرات الذهب 7: 270.

لهفي على من أورثني حسرةً ... درس الدروس عليه إذ هي خاسرة لهفي على المدح استحالت للرثا ... وقصور أبياتي غدت متقاصره لهفي عليه عالمًا، بوفاته ... درست دروس والمدارس داثره لهفي على الإملاء عطل بعده ... ومعاهد الأسماع إذ هي شاغرة لهفي عليه حافظ العصر الذي ... قد كان معدودًا لكل مناظره لهفي على الفقه المهذب والمحر ... ر حاوي المقاصد عند كل محاضره لهفي على النحو الذي تسهيله ... مغني اللبيب مساعد لمذاكره لهفي على اللغة الغريبة كم أرا ... نا معربًا بصحاحها المتظاهره لهفي على علم العروض تقطعت ... أسبابه بفواصل متغايره لهفي عليه خزانة العلم التي ... كانت بها كل الأفاضل ماهره لهفي على شيخي الذي سعدت به ... صحب وأوجه ناظريه ناظره لهفي على التقصير مني حيث لم ... أملا النواحي بالنواح صادره لهفي على عذري عن استيفاء ما ... يحوي وعجزي أن أعد مآثره لهفي على لهفي وهل ذا مسعدي ... أو كان ينفعني شديد محاذره لهفي على منعام للهنا ... تأتي الوفود إلى حماه مبادره والآن في ذا العام جاءوا للقرا ... فيه وعادوا بالدموع الهامره قد خلف الدنيا خرابًا بعده ... لكنما الأخرى لديه عامره وبموته شغر الفؤاد وأعلم الع ... ين انثنت في حالتيها شاغره ولي المحاجر طابقت إذ للرثا ... أنا ناظم وهي المدامع ناثره فكأنه في قبره سر غدا ... في الصدر والأفهام عنه قاصره وكأنه في اللحد منه ذخيرة ... أعظم بها درر العلوم الفاخره

وكأنه في رمسه سيف ثوى ... في الغمد مخبوء ليوم مثائره قهرتني الأيام فيه فليتني ... في مصر مت وما رأيت القاهره هجرتني الأحلام بعدك سيدي ... وا حر قلبي قد رمى بالهاجره من شاء بعدك فليمت أنت الذي ... كانت عليك النفس قدمًا حاذره وسهرت مذ صدح النعي يزجره ... فإذا هم من مقلتي بالساهره ورزئت فيه فليت أبي لم أكن ... أوليت أبي قد سكنت مقابره رزء جميع الناس فيه واحد ... طوبى لنفس عند ذلك صابره يا نوم عيني لا تلك بمقلتي ... فالنوم لا يأوي لعينٍ ساهره يا دمع واسقي تربه ولو إنها ... بعلومه جرت البحار الزاخره يا صبري ارحل ليس قلبي فارغًا ... سكنته أحزان غدت متكاثره يا نار شوقي بالفراق تأججي ... يا أدمعي بالمزن كوني ساخره يا قبر طب قد صرت بيت العلم أو ... عينًا به إنسان قطب الدائره يا موت إنك قد نزلت بذي الندى ... ومذ استضفت حباك نفسًا حاضره يا رب فارحمه واسق ضريحه ... بسحائب من فيض فضلك غامره يا نفس صبرًا فالتأسي لائق ... بوفاة أعظم شافعٍ في الآخرة المصطفى زين النبيين الذي ... حاز العلا والمعجزات الباهره صلى عليه الله ما جال الردى ... فينا وجرد للبرية باترة وعلى عشيرته الكرام وآله ... وعلى صحابته النجوم الزاهرة

ذكر من كان بمصر من المحدثين الذين لم يبلغوا درجة الحفظ والمنفردين بعلو الإسناد:

ذكر من كان بمصر من المحدثين الذين لم يبلغوا درجة الحفظ والمنفردين بعلو الإسناد: 1- بكر بن سهل الدمياطي المحدث. عن عبد الله بن يوسف التنيسي وطائفة. مات في ربيع الأول سنة تسع وثمانين ومائتين (¬1) . 2- الدينوري صاحب المجالسة، أبو بكر أحمد بن مروان المالكي. نزيل مصر، وبها مات. أخذ عن القاضي إسماعيل ويحيى بن معين؛ وغلب عليه الحديث، وله كتاب في فضائل مالك. مات في صفر سنة ثلاث وتسعين ومائتين، وله أربع وثمانون سنة؛ ذكره ابن فرحون في طبقات المالكية (¬2) . 3- أبو شيبة داود بن إبراهيم بن رُوزبة البغدادي عن محمد بن بكار بن الريان وطائفة. "مات بمصر سنة عشر وثلاثمائة" (¬3) . 4- علي بن الحسن بن خلف بن فرقد (¬4) أبو القاسم المصري المحدث. روى عن محمد بن رمح وحرملة. مات سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة، وله بضع وثمانون سنة (¬5) . 5- علي بن أحمد بن سليمان بن الصيقل أبو الحسن المصري، ولقبه علان المعدل (¬6) . عن محمد بن رمح وطائفة. مات في شوال سنة سبع عشرة وثلاثمائة عن تسعين سنة (¬7) . ¬

(¬1) العبر 2: 82. (¬2) الديباج المذهب 30. (¬3) العبر 2: 145، والتكملة من ح، ط. (¬4) في العبر: "قديد" مصغر. (¬5) العبر 2: 153. (¬6) المعدل، بضم الميم وفتح العين والدال المهملة في آخرها لام؛ يقال هذا لمن عدل وزكا وقبلت شهادته اللباب. (¬7) العبر 2: 17، 171.

6- محمد بن زبان (¬1) بن حبيب أبو بكر المصري. عن زكريا بن يحيى، كاتب العمري، ومحمد بن رمح. مات في جمادى الأولى سنة عشر وثلاثمائة، عن اثنتين وتسعين سنة (¬2) . 7- إسماعيل بن داود بن وردان المصري البزاني. عن زكريا كاتب العمري ومحمد بن رمح. مات في ربيع الآخر سنة عشرة وثلاثمائة، عن اثنتين وتسعين سنة (¬3) . 8- أحمد بن عبد الوارث بن جرير أبو بكر الأسواني العسال، آخر من حدث عن محمد بن رمح، وثقه ابن يونس. مات في جمادى الآخرة سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة. 9- قاضي مصر أبو جعفر أحمد بن عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري المالكي. من أهل العلم والحفظ، وحدث بكتب أبيه كلها من حفظه بمصر، ولم يكن معه كتاب، وهي إحدى وعشرون مصنفًا. قال في العبر: ولي قضاء مصر شهرين ونصف شهر، ومات بها في ربيع الأول سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة (¬4) . 10- عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن الحجاج وأبو محمد الرشيدي المهري (¬5) المصري الناسخ. عن أبي الطاهر بن السرح، وسلمة بن شبيب. مات سنة ست وعشرين وثلاثمائة (¬6) . 11- أبو عبد الله بن أحمد بن بدر الربعي البغدادي (¬7) . عن عباس الدوري وطبقته. ولي قضاء مصر، وله عدة تصانيف، ضعفه غير واحد في الحديث. مات ¬

(¬1) العبر: "ريان". (¬2) العبر 2: 171. (¬3) العبر 2: 171. (¬4) العبر 2: 193. (¬5) المهري، بضم الميم وسكون الهاء: نسبة إلى مهرة بن حيدان، قبيلة من قضاعة. اللباب. (¬6) العبر 2: 206. (¬7) كذا ورد اسمه في الأصول، وفي العبر، وشذرات الذهب: "أبو محمد عبد الله بن أحمد بن زبر" وانظر العبر 2: 217.

سنة تسع وعشرين وثلاثمائة، وله بضع وسبعون سنة (¬1) . 12- محمد بن أيوب "بن الصمت" (¬2) الرقي. نزيل مصر. روى عن هلال بن العلاء وطائفة. مات سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة (¬3) . 13- عثمان بن محمد بن أحمد أبو عمري السمرقندي. قال في العبر: روى بمصر عن أحمد بن شيبان الرملي وأبي أمية الطرسوسي وطائفة. مات سنة خمس وأربعين وثلاثمائة، وله خمس وتسعون سنة (¬4) . 14- الوزير الماذرائي (¬5) أبو بكر محمد بن علي البغدادي الكاتب. "وزر" (¬6) لخمارويه صاحب مصر، وحدث عن العطاردي. وكان من صلحاء الكبراء. مات سنة خمس وأربعين وثلاثمائة عن نحو تسعين سنة. وأما معروفه فإليه المنتهى، أعتق في عمره مائة ألف رقبة، وأنفق في حجة حجها مائة ألف دينار، وبلغ ارتفاع مغله بمصر من أملاكه في العام أربعمائة ألف دينار. قاله في العبر (¬7) . 15- أحمد بن مهران أبو الحسن السيرافي. حدث عن الربيع المرادي والقاضي بكار. مات سنة ست وأربعين وثلاثمائة (¬8) . 16- أبو الفوارس الصابوني أحمد بن محمد بن حسين بن السندي. الثقة المعمر مسند ديار مصر. عن يونس بن عبد الأعلى والمزني والكبار وآخرين. روى عنه ابن نظيف. مات في شوال سنة تسع وأربعين وثلاثمائة، وله مائة وخمس سنين (¬9) . ¬

(¬1) العبر 2: 217، وشذرات الذهب 2: 323. (¬2) من ح، ط والعبر. (¬3) العبر 2: 257. (¬4) العبر 2: 67. (¬5) الماذرائي، بفتح الميم وسكون الألف وفتح الذال، منسوب إلى ماذرا، أحد أجداده، اللباب. (¬6) من ح، ط. (¬7) العبر 2: 281. (¬8) العبر 2: 207. (¬9) العبر 2: 281.

17- أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن جامع السكري. عن علي بن عبد العزيز البغوي. مات بمصر سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة (¬1) . 18- أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن عطية البغدادي. يعرف بابن الحداد. عن بكر بن سهل الدمياطي. مات بمصر سنة أربع وخمسين وثلاثمائة (¬2) . 19- الرافعي أبو الفضل العباس بن محمد بن نصر بن السري بن هلال بن العلاء. مات بمصر سنة ست وخمسين وثلاثمائة (¬3) . 20- أبو علي الحسن بن الخضر الأسيوطي. عن النسائي والمنجنيقي. مات في ربيع الأول سنة إحدى وستين وثلاثمائة (¬4) . 21- محمد بن بدر الحمامي (¬5) الأمير أبو بكر الطولوني. عن بكر بن سهل الدمياط والنسائي. وثقه أبو نعيم. مات سنة أربع وستين وثلاثمائة (¬6) . 22- أبيض بن محمد بن أبيض بن أسود الفهري المصري. آخر من روى عن النسائي. مات سنة سبع وسبعين وثلاثمائة (¬7) . 23- أبو بكر بن المهتدي بالله أحمد بن محمد بن إسماعيل. محدث ديار مصر. عن البغوي ومحمد بن محمد الباهلي، مات سنة خمس وثمانين وثلاثمائة (¬8) . 24- أبو الحسن الأَذَني (¬9) القاضي علي بن الحسين بن بندار المحدث. نزيل مصر. روى الكثير عن ابن قبيل وعلي الغضائري وأبي عروبة ومحمد بن الفيض الدمشقي. مات في ربيع الأول سنة خمس وثمانين وثلاثمائة (¬10) . ¬

(¬1) العبر 2: 290. (¬2) العبر 2: 299. (¬3) العبر 4: 204. (¬4) العبر 2: 224. (¬5) الحمامي، بفتح الحاء وتخيف الميم، منسوب إلى الحمام، وهي الطيور، يقال ذلك لمن يطيرها ويرسلها في البلاد. (¬6) العبر 2: 224. (¬7) العبر 3: 4. (¬8) العبر 3: 27. (¬9) الأذني، بفتح الألف والذل، منسوب إلى أذنة بلد من الثغور قرب المصيصة -ياقوت. (¬10) العبر 3: 28.

25- أبو القاسم عبيد الله بن محمد بن خلف بن سهل المصري البزاز، ويعرف بابن غالب. عن محمد بن أحمد الباهلي وعلي بن أحمد علان. وكان من كبراء المصريين ومتموليهم (¬1) . مات سنة سبع وثمانين وثلاثمائة (¬2) . 26- عبد الوهاب بن عيسى أبو العلاء ماهان البغدادي، ثم المصري. روى صحيح مسلم عن أبي بكر أحمد بن محمد الأشقر، سوى ثلاثة أجزاء يرويها عن الجُلودي. مات سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة (¬3) . 27- أحمد بن عبد الله بن حميد بن رزيق البغدادي أبو الحسن. نزيل مصر، يروي عن المحاملي ومحمد بن مخلد، وكان صاحب حديث. مات سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة (¬4) . 28- المؤمل بن أحمد بن أبي القاسم الشيباني البزاز. بغدادي ثقة، نزل مصر وحدث عن البغوي وابن صاعد، وعمر دهرًا. مات سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة (¬5) . 29- أبو محمد الضراب "الحسن بن" (¬6) إسماعيل المصري المحدث. راوي المجالسة (¬7) ، عن الدينوري. مات في ربيع الآخر سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة، وله تسع وسبعون سنة (¬8) . 30- أبو الفتح إبراهيم بن علي بن سَيْبُخْت (¬9) البغدادي. نزيل مصر، حدث ¬

(¬1) ط: "متواليهم"، تحريف. (¬2) العبر 3: 25. (¬3) العبر 3: 39. (¬4) العبر 3: 48، وتاريخ بغداد 4: 236، وفيه: "أحمد بن عبد الله بن زريق بن حميد الدلال". (¬5) العبر 3: 51. (¬6) من العبر. (¬7) هو كتاب المجالسة وجواهر العلم للقاضي أبي بكر أحمد بن مروان بن محمد المالكي الدينوري، منه نسخة بدار الكتب برقم 934 -تصوف. (¬8) العبر 3: 52. (¬9) سيبخت ضبطها ابن حجر في لسان الميزان "بفتح أوله وسكون التحتانية وضم الموحدة".

عن البغوي وأبي بكر بن أبي داود. مات بمصر سنة أربع وتسعين وثلاثمائة (¬1) . 31- أبو الحسين محمد بن أحمد أبو العباس الإخميمي المصري. عن محمد بن زيان بن حبيب وعلي بن أحمد علان. مات سنة أربع وتسعين وثلاثمائة (¬2) . 32- محمد بن أحمد بن شاكر القطان أبو عبد الله المصري. مؤلف فضائل الشافعي. روى عن عبد الله بن الورد. مات في المحرم سنة سبع وأربعمائة (¬3) . 33- أبو الحسن بن ثرثال أحمد بن عبد العزيز بن أحمد التميمي البغدادي. عن المحاملي ومحمد بن مخلد، وله جزء واحد رواه عنه الصوري والحبال. مات بمصر في ذي القعدة سنة ثمان وأربعمائة، وله إحدى وتسعون سنة (¬4) . 34- منير بن الحسن بن علي بن منير الخشاب أبو العباس المصري العدل. شيخ الخلص، عن علي بن عبد الله بن أبي مطير، قال الحبال: كان ثقة لا يجوز عليه تدليس. مات في ذي القعدة سنة اثنتي عشرة وأربعمائة (¬5) . 35- أحمد بن محمد بن يحيى أبو العباس الإشبيلي المعدل. سمع عثمان بن محمد السمرقندي وأبا الفوارس الصابوني. تفقه عليه أبو نصر السجزي. مات بمصر في صفر سنة خمس عشرة وأربعمائة (¬6) . 36- القاضي أبو الحسين الحُصَيْب بن عبد الله بن محمد بن الحسين، ابن الحصيب المصري. حدث عن أبيه وعثمان بن السمرقندي. مات سنة ست عشرة وأربعمائة. قاله في العبر (¬7) . ¬

(¬1) العبر 3: 57. (¬2) العبر 3: 59، وذكره في وفيات الأعيان سنة 395. (¬3) العبر 3: 97. (¬4) العبر 3: 98. (¬5) العبر 3: 110. (¬6) العبر 3: 119. (¬7) العبر 3: 121.

37- أبو محمد بن النحاس عبد الرحمن بن عمر المصري البزاز. مسند الديار المصرية ومحدثها. عن ابن الأعرابي وأبي الطاهر المديني وعلي بن عبد الله بن أبي مطر. مات سنة ست عشرة وأربعمائة، وله بضع وتسعون سنة (¬1) . 38- أبو النعمان تُراب بن عمر بن عبيد الكاتب المصري. عن أبي أحمد بن الناصح. مات في ذي القعدة سنة سبع وعشرين وأربعمائة، وله خمس وثمانون سنة (¬2) . 39- محمد بن الفضل بن نظيف أبو عبد الله المصري الفراء. مسند الديار المصرية، عن أبي الفوارس الصابوني والعباس بن محمد الرافقي (¬3) . وكان شافعيًّا. مات في ربيع الآخر سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة، عن تسعين وشهرين (¬4) . 40- علي بن منير بن أحمد الخلال أبو الحسن المصري. عن أبي حامد الناصح والذهلي. مات في ذي القعدة سنة تسع وثلاثين وأربعمائة (¬5) . 41- أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد بن نصر الحكيمي المصري الوراق. عن أبي الطاهر الذهلي. مات يوم الأضحى سنة أربعين وأربعمائة، وله إحدى وثمانون سنة (¬6) . 42- علي بن ربيعة أبو الحسن التميمي. المصري البزاز. راوية الحسن بن رشيق مات في صفر سنة أربعين وأربعمائة (¬7) . 43- أبو الحسن علي بن عمر الحراني المصري الصواف. يعرف بابن حمصة. ¬

(¬1) العبر 2: 161. (¬2) العبر 3: 122. (¬3) الرافقي، بفتح الراء وكسر الفاء: منسوب إلى الرافقة، بلدة على الفرات -اللباب. (¬4) العبر 3: 175. (¬5) العبر 3: 189. (¬6) العبر 3: 192. (¬7) العبر 3: 192.

راوي جزء البطاقة عن حمزة الكناني. مات في رجب سنة إحدى وأربعين وأربعمائة (¬1) . 44- أبو القاسم علي بن محمد بن علي. مسند الديار المصري، أكثر عن أبي أحمد بن الناصح والذهلي وابن رشيق. مات في شوال سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة (¬2) . 45- ابن الطفال أبو الحسن محمد بن الحسين بن محمد النيسابوري، ثم المصري المقرئ البزاز. ولد سنة تسع وخمسين وثلاثمائة، وروى عن ابن حيوة وأبي الطاهر الذهلي وابن رشيق؛ مات سنة ثمان وأربعين وأربعمائة (¬3) . 46- علي بن بقاء أبو الحسن المصري الوراق. محدث ديار مصر. عن القاضي أبي الحسين المحاملي. مات سنة خمسين وأربعمائة (¬4) . 47- أبو الحسين محمد بن مكي بن عثمان الأزدي المصري. عن أبي الحسن الحكيمي ومحمد بن أحمد الإخميمي. مات بمصر في جمادى الأولى سنة إحدى وستين وأربعمائة، عن ست وسبعين سنة (¬5) . 48- الخِلَعي (¬6) يأتي في الفقهاء. 49- ابن رفاعة (¬7) . 50- أبو صادق مرشد بن يحيى بن القاسم المديني ثم المصري. عن أبي الحسن بن الطفال وعلي بن محمد الفارسي. وكان أسند من بقي بمصر، مع الثقة والخير. مات في ذي ¬

(¬1) العبر 2: 196. (¬2) العبر 3: 202. (¬3) العبر 3: 217. (¬4) العبر 3: 223. (¬5) العبر 3: 223. (¬6) [[الخِلَعي، بكسر الخاء، هو علي بن الحسين الموصلى الفقيه الشافعي، وانظر ص 404 في هذا الجزء.]] (¬7) كذا في الأصل، وفي ح، ط: "وكذا رواية ابن رفاعة [[وهو أبو محمد بن عبد الله بن رفاعة بن غدير السعدي قاضي الحيرة ذكره المؤلف في فقهاء الشافعية ص404.]]

القعدة سنة سبع عشرة وخمسمائة، عن سنّ عالية (¬1) . 51- أبو عبد الله الرازي، صاحب السداسيات والمشيخة محمد بن أحمد بن إبراهيم. يُعرف بابن الحطاب، مسند الديار المصرية، وأحد عدول الإسكندرية. مات في جمادى الأولى سنة خمس وعشرين وخمسمائة، عن إحدى وتسعين سنة (¬2) . 52- أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن يحيى العثماني الديباجي. محدث الإسكندرية بعد السلفي في الرتبة، روى عن أبي القاسم بن الفحام والطرسوسي وخلق. مات في شوال سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة، عن ثمان وتسعين سنة (¬3) . 53- أبو المفاخر المأموني -راوي صحيح مسلم بمصر- سعد بن الحسين بن سعيد العباسي. مات سنة ست وسبعين وخمسمائة بالقاهرة (¬4) . 54- الأثير محمد بن محمد بن أبي الطاهر محمد بن بُنان الأنماري ثم المصري الكاتب. روى عن أبي صادق مرشد المديني وغيره، وروى ببغداد صحاح الجوهري عن أبي البركات الصوفي. مات في ربيع الآخر سنة ست وتسعين وخمسمائة، وولد سنة تسع وثمانين (¬5) . 55- أبو القاسم البوصيري هبة الله بن علي بن مسعود الأنصاري الكاتب الأديب. مسند الديار المصرية، ولد سنة ست وخمسمائة، وسمع من أبي صادق المديني ومحمد بن بركات السعيدي وطائفة، وتفرد في زمانه، ورُحِل إليه؛ مات في ثاني صفر سنة ثمان وتسعين "وخمسمائة" (¬6) . 56- أبو القاسم عبد الرحمن بن مكي بن حمزة بن مُوقا الأنصاري التاجر. مسند ¬

(¬1) العبر 4: 65. (¬2) العبر 4: 214. (¬3) العبر 4: 229. (¬4) العبر 4: 294. (¬5) العبر 4: 306. (¬6) في الأصول: "وسبعين" وصوابه في العبر.

الإسكندرية، وآخر من حدث عن أبي عبد الله الرازي. مات في ربيع الآخر سنة تسع وتسعين (¬1) وخمسمائة، وله أربع وتسعون سنة (¬2) . 57- علي بن حمزة أبو الحسن البغدادي الكاتب. حاجب [باب] (¬3) النوبي. حدث بمصر عن أبي الحصين. مات في شعبان سنة تسع وتسعين وخمسمائة. 58- صنيعة الملك القاضي أبو محمد هبة بن يحيى بن علي بن حيدرة المصري. يعرف بابن ميسر العدلي، راوي كتاب السيرة. مات في ذي الحجة سنة ستمائة (¬4) . 59- عبد الرحمن الرومي عتيق أحمد بن يافا البغدادي. قرأ القراءات على أبي الكرم الشهرزوري، وروى صحيح البخاري بمصر والإسكندرية عن أبي الوقف مات في ذي القعدة سنة ثمان وستمائة (¬5) . 60- عبد الرحمن بن عبد الجبار العثماني أبو محمد الإسكندراني التاجر الكارمي المحدث. أكثر عن السلفي. مات في ذي الحجة سنة أربع عشرة وستمائة، عن سبعين سنة (¬6) . 61- أبو طالب أحمد بن عبد الله بن الحسين بن حديد الإسكندراني المالكي. من بيت قضاء وحشمة، روى عن السلفي وغيره. مات في جمادى الآخرة سنة تسع عشرة وستمائة (¬7) . 62- الحسين بن يحيى بن أبي الرداد المصري: آخر من روى بمصر عن ابن رفاعة الخُلَعيات (¬8) . مات في ذي القعدة سنة عشرين وستمائة (¬9) . ¬

(¬1) العبر 4: 307. (¬2) من العبر. (¬3) العبر 4: 308. (¬4) العبر 4: 315. (¬5) شذرات الذهب 5: 32. (¬6) شذرات الذهب 5: 60، واسمه هناك: "عبد الله بن عبد الجبار". (¬7) شذرت الذهب 5: 84. (¬8) الخلعيات من أجزاء الحديث؛ تخريج القاضي أبي الحسين علي بن حسن بن حسين الخلعي الموصلي، المتوفى سنة 492. كشف الظنون. (¬9) شذرات الذهب 5: 78.

63- ابن الحباب القاضي الأسعد أبو البركات عبد القوي بن القاضي الجليس عبد العزيز بن الحسين التميمي السعدي الأغلبي المصري المالكي الأخباري المعدل. راوي السيرة عن ابن رفاعة، كان ذا فضل ونبل وسؤدد وعلم ووقار وحلم، جمالًا لبلده. مات في شوال سنة إحدى وعشرين وستمائة، وله خمس وثمانون سنة (¬1) . 64- أبو الحسن علي بن أبي الكرم نصر بن المبارك القرافي الخلال المعروف بابن النباراوي. جامع الترمذي عن الكرخي. وحدث بمصر والإسكندرية وقبرص. مات بمكة في صفر سنة اثنتين وعشرين وستمائة (¬2) . 65- نظام الدين علي بن محمد بن يحيى يعرف بابن رحال العدل. سمع السلفي وغيره. مات في شوال سنة ثمان وعشرين وستمائة (¬3) . 66- عبد الغفار بن سخي المحلي الشروطي. عن السلفي وغيره. مات في شوال سنة تسع وعشرين وستمائة (¬4) . 67- يعقوب بن محمد بن حسن الأمير شرف الدين الهذياني الإربلي. عن يحيى الثقفي. كان ذا علم وأدب. مات بمصر في ربيع الأول سنة ست وأربعين وستمائة (¬5) . 68- منصور بن سندي (¬6) الدباغ أبو علي الإسكندراني النحاس. عن السلفي. مات في ربيع الأول سنة ست وأربعين وستمائة (¬7) . ¬

(¬1) شذرات الذهب 5: 95. (¬2) شذرات الذهب 5: 101. (¬3) شذرات الذهب 5: 128. (¬4) شذرات الذهب 5: 131. (¬5) شذرات الذهب 5: 223، وذكره في وفيات سنة 645. (¬6) شذرات الذهب: "السيد". (¬7) شذرات الذهب 5: 237.

69- عبد العزيز بن عبد الوهاب بن العلامة أبي طاهر إسماعيل بن مكي الزهري العوفي الإسكندراني المالكي. سمع من جده الموطأ، وكان ذا زهد وورع. مات في صفر سنة سبع وأربعين وستمائة عن ثمانين سنة (¬1) . 70- جمال الدين السماوي يوسف بن محمود أبو يعقوب المصري الصوفي. عن السلفي وابن بري. مات في رجب سنة سبع وأربعين وستمائة عن ثمانين سنة (¬2) . 71- فخر القضاة بن الحباب (¬3) أبو الفضل أحمد بن محمد بن عبد العزيز بن الحسن السعدي المصري. عن المأموني والسلفي وابن بري. مات في رمضان سنة ثمان وأربعين وستمائة، عن سبع وثمانين سنة (¬4) . 72- ابن رواج (¬5) المحدث رشيد الدين أبو محمد عبد الوهاب بن ظافر بن علي بن فتوح الإسكندراني المالكي. ولد سنة أربع وخمسين وخمسمائة، وسمع من السلفي، وخرج الأربعين، وكان ذا دين وفقه وتواضع. مات في ثامن عشر ذي القعدة سنة ثمان وأربعين وستمائة (¬6) . 73- مظفر بن السري أبي منصور بن عبد الملك بن عتيق الفهري الإسكندراني المالكي الشاهد. عن السلفي. مات في ثامن عشر ذي القعدة سنة ثمان وأربعين وستمائة، عن تسعين سنة (¬7) . 74- هبة الله بن محمد بن الحسين بن مفرج جمال الدين أبو البركات المقدسي ثم الإسكندري. يعرف بابن الواعظ. من عدول الثغر، عن السلفي. مات في صفر سنة خمسين (¬8) وستمائة، عن إحدى وثمانين سنة (¬9) . ¬

(¬1) شذرات الذهب 5: 238. (¬2) شذرات الذهب 5: 239. (¬3) كذا في الأصول والنجوم الزاهرة، وفي العبر: "الجباب". (¬4) شذرات الذهب 5: 240. (¬5) كذا ضبطه في العبر. (¬6) شذرات الذهب 5: 242. (¬7) شذرات الذهب 5: 243. (¬8) ح: "خمس"، تصحيف. (¬9) شذرات الذهب 5: 253.

75- صالح بن شجاع بن محمد بن سيدهم، أبو البقاء المدلجي المصري. روى صحيح مسلم عن أبي المفاخر المأموني. مات في صفر سنة إحدى وخمسين وستمائة (¬1) . 76- سبط السلفي جمال الدين أبو القاسم عبد الرحمن بن مكي بن عبد الرحمن الطرابلسي الإسكندراني. ولد سنة سبعين وخمسمائة، وسمع من جده السلفي الكثير، وأجاز له عبد الحق. وشهده، وانتهى إليه علو الإسناد بالديار المصرية. مات بمصر في رابع شوال سنة إحدى وخمسين وستمائة (¬2) . 77- ابن المقدسية العدل شرف الدين أبو بكر محمد بن الحسن بن عبد السلام التميمي السفاقسي الأصل، الإسكندراني. ولد سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة وأحضره خاله الحافظ ابن المفضل عند السلفي، وله مشيخة خرجها له الحافظ منصور بن سليم. مات في جمادى الأولى سنة أربع وخمسين وستمائة (¬3) . 78- أبو الكرم لاحق بن عبد المنعم بن قاسم الأنصاري الأرتاحي اللبان. سمع من عم جده أبي عبد الله الأرتاحي، وتفرد بالإجازة من ابن المبارك بن الطباخ. مات بمصر جمادى الآخرة سنة ثمان وخمسين وستمائة (¬4) . 79- أبو العباس أحمد بن حامد (¬5) بن أحمد الأنصاري. سمع جده لأمه أبي عبد الله الأرتاحي وابن ياسين والبوصيري والحافظ عبد الغني. مات في رجب سنة تسع وخمسين وستمائة (¬6) . 80- المَتِّيجي محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن عيسى ضياء الدين الإسكندراني المحدث ¬

(¬1) شذرات الذهب 5: 253. (¬2) شذرات الذهب 5: 253. (¬3) شذرات الذهب 5: 266. (¬4) شذرات الذهب 5: 296. (¬5) شذرات الذهب: "حاتم". (¬6) شذرات الذهب 5: 297.

الرحال. أحد من عُني بالحديث، روى عن عبد الرحمن بن موقا فمن بعده. مات في جمادى الآخرة سنة تسع وخمسين وستمائة (¬1) . 81- الضياء عيسى بن سليمان بن رمضان الثعلبي المصري العراقي. آخر من روى البخاري عن منجب المرشدي مولى المديني. مات في رمضان سنة ستين وستمائة عن تسعين سنة (¬2) . 82- ابن عرق الموت أبو بكر بن محمد بن فتوح بن خلوف بن يخلف بن مصال الهمداني الإسكندراني. عن التاج المسعودي وابن موقا. أجاز له أبو سعد بن أبي عصرون والكبار، وتفرد عن جماعة. مات في جمادى الأولى سنة ستين وستمائة (¬3) . 83- أبو بكر بن علي بن مكارم بن فتيان الأنصاري المصري. عن البوصيري. مات في المحرم سنة ستين وستمائة (¬4) . 84- الحسن بن علي بن منتصر أبو الفارسي ثم الإسكندراني. آخر أصحاب عبد المجيد بن دليل. مات في ربيع الآخر سنة إحدى وستين وستمائة (¬5) . 85- ابن بنين (¬6) أثير الدين عبد الغني بن سليمان بن بنين المصري. ولد سنة خمس وسبعين وخمسمائة، وسمع من عشير (¬7) الحنبلي؛ فكان آخر أصحابه، وأجاز له ابن بري، وانتهى إليه علو الإسناد بمصر. مات في ثالث ربيع الأول سنة ¬

(¬1) شذرات الذهب 5: 299، والمتيجي، ضبطه ابن العماد الحنبلي: "بفتح الميم وكسر التاء المثناة فوق المشددة، وتحتية وجيم، نسبة إلى متيجة من ناحية بجاية". (¬2) شذرات الذهب 5: 303. (¬3) شذرات الذهب 5: 304. (¬4) شذرات الذهب 5: 304. (¬5) شذرات الذهب 5: 305. (¬6) ابن بنين بفتح الباء، وانظر المشتبه 1: 94. (¬7) شذرات الذهب: "عشير الجيل".

إحدى وستين وستمائة (¬1) . 86- إسماعيل بن صارم أبو الطاهر الكناني العسقلاني، ثم المصري. عن البوصيري وابن ياسين. مات في جمادى الأولى سنة اثنتين وستمائة (¬2) . 87- ابن سراقة الإمام محيي الدين أبو بكر محمد بن محمد بن إبراهيم الأنصاري الشاطبي. شيخ دار الحديث الكاملية. ولد سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة، وسمع من أبي القاسم أحمد بن بقي، وبالعراق عن أبي علي بن الجواليقي، وله مؤالفات في التصوف. مات في العشرين من شعبان سنة اثنتين وستين وستمائة (¬3) . 88- إسماعيل بن عبد القوي بن غزون زين الدين أبو الطاهر الأنصاري المصري. عن البوصيري وابن ياسين، مات في المحرم سنة سبع وستين وستمائة (¬4) . 89- شرف الدين أبو الطاهر محمد بن الحافظ أبي الخطاب عمر بن دحية. ولد سنة إحدى وستمائة، وسمع أباه وجماعة، وولي مشيخة دار الحديث الكاملية، وحدث. وكان فاضلًا. مات سنة سبعين وستمائة. 90- أحمد بن قاضي القضاة زين الدين علي بن يوسف بن بندار معين الدين. عن البوصيري وابن ياسين. ولد سنة ست وثمانين وخمسمائة؛ مات في رجب سنة سبعين وستمائة. 91- أبو البركات أحمد بن عبد الله بن محمد الأنصاري الإسكندراني النحاس. عن عبد الرحمن بن موقا. مات في جمادى الأولى سنة إحدى وسبعين وستمائة (¬5) . ¬

(¬1) شذرات الذهب 5: 306. (¬2) شذرات الذهب 5: 308. (¬3) شذرات الذهب 5: 31. (¬4) شذرات الذهب 5: 224. (¬5) شذرات الذهب 5: 333.

92- النجيب عبد اللطيف بن عبد المنعم بن الصيقل أبو الفرج الحراني الحنبلي. مسند الديار المصري، عن ابن كليب وابن المعطوش وابن الجوزي وابن أبي المجد. ولي مشيخة دار الحديث الكاملية. ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة، مات في صفر سنة اثنتين وسبعين وستمائة (¬1) . 93- ابن علَّاق أبو عيسى عبد الله بن عبد الواحد بن محمد بن علاق الأنصاري المصري. يعرف بابن الحجاج، آخر من روى عن البوصيري وإسماعيل بن ياسين. مات في ربيع الأول سنة اثنتين وسبعين وستمائة، وله ست وثمانون سنة (¬2) . 94- مكين الدين الحصني المحدث أبو الحسن بن عبد العظيم بن أحمد المصري. ولد سنة ستمائة، وسمع الكثير، وتعب واجتهد، وكان فاضلًا. مات في رجب سنة أربع وسبعين (¬3) . 95- محمد [بن مهلهل] (¬4) بن بدران سعد الدين أبو الفضل الهيثمي. عن الأرتاحي والحافظ عبد الغني. مات في ربيع الأول سنة أربع وسبعين وستمائة (¬5) . 96- أبو الفتح عثمان بن هبة الله بن عبد الرحمن بن مكي بن إسماعيل بن عوف الزهري الإسكندراني. آخر أصحاب عبد الرحمن بن موقا. مات سنة أربع وسبعين وستمائة (¬6) . 97- ابن الننن (¬7) شمس الدين محمد بن عبد الله بن محمد البغدادي. عن عبد العزيز بن منينا سليمان الموصلي. مات بالإسكندرية في رجب سنة إحدى وسبعين ¬

(¬1) شذرات الذهب 5: 336. (¬2) شذرات الذهب 5: 338. (¬3) شذرات الذهب 5: 343. (¬4) تكملة من شذرات الذهب. (¬5) شذرات الذهب 5: 343. (¬6) شذرات الذهب 5: 343. (¬7) شذرات الذهب: "بنونات".

وستمائة عن ثمانين سنة (¬1) . 98- المجد ابن الخليل عبد العزيز بن الحسين الداري المصري. والد الصاحب فخر الدين. عن أبي الحسن بن جبير الكناني، والفتح بن عبد السلام. وكان رئيسًا دينًا خيرًا. مات في ربيع الأول سنة ثمانين (¬2) وستمائة عن إحدى وثمانين سنة (¬3) . 99- أبو بكر بن الحافظ أبي الطاهر إسماعيل بن الأنماطي. ولد سنة تسع وستمائة وسمع من الكندي وابن الحرستاني وابن ملاعب. مات بالقاهرة في ذي الحجة سنة أربع وثمانين وستمائة (¬4) . 100- السراج بن فارس أبو بكر عبد الله بن أحمد بن إسماعيل التميمي الإسكندراني. عن التاج الكندي وابن الحرستاني. مات بإسكندرية في ربيع الأول سنة خمس وثمانين وستمائة (¬5) . 101- ابن المهتار المحدث الورع مجد الدين يوسف بن محمد بن عبد الله المصري، ثم الدمشقي. قارئ دار الحديث الأشرفية. ولد سنة عشر وستمائة، وسمع من ابن الزبيدي وابن الصباح، وروى الكثير. مات في تاسع ذي القعدة سنة خمس وثمانين (¬6) . 102- جمال الدين أبو صادق محمد بن الحافظ رشيد الدين يحيى العطار. سمع من محمد بن عمار وابن باقا، وخرج الموافقات. مات في ربيع الآخر سنة ست وثمانين وستمائة عن بضع وستين سنة (¬7) . ¬

(¬1) شذرات الذهب 5: 364، وذكره في وفيات 679. (¬2) ح، ط "ثمان" تصحيف. (¬3) شذرات الذهب 5: 366. (¬4) شذرات الذهب 5: 388. (¬5) شذرات الذهب 5: 391. (¬6) شذرات الذهب 5: 394. (¬7) شذرات الذهب 5: 399.

103- عز الدين عبد العزيز بن عبد المنعم بن الصيقل الحراني أبو العز. مسند الوقت. ولد سنة أربع وتسعين وخمسمائة، وسمع من أبي حامد ويوسف بن كامل، وأجاز له ابن كليب، وكان آخر من روى عن أكثر شيوخه. استوطن مصر إلى أن مات بها في رجب سنة ست وثمانين وستمائة (¬1) . 104- النجيب أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن المؤيد بن علي الهمذاني ثم المصري المحدث. أجاز له ابن طبرزد وعفيفة، وسمع من عبد القوي بن الحباب وابن باقا. مات في ذي القعدة سنة سبع وثمانين وستمائة (¬2) . 105- محمد بن عبد الخالق بن طرخان شرف الدين أبو عبد الله الأموي الإسكندراني. أجاز له أسعد بن روح، وسمع من علي بن البناء والحافظ بن المفضل. مات سنة سبع وثمانين وستمائة عن اثنتين وثمانين سنة (¬3) . 106- غازي الحلاوي "أبو محمد" بن أبي الفضل بن عبد الوهاب الدمشقي. عن حنبل وابن طبرزد. عمر دهرًا، وانتهى إليه علو الإسناد بمصر. مات بالقاهرة في صفر سنة تسعين وستمائة عن خمس وتسعين سنة (¬4) . 107- محمد بن إبراهيم بن ترجم أبو عبد الله المصري. آخر من روى عن الترمذي، عن علي بن البناء. مات سنة اثنتين وتسعين وستمائة (¬5) . 108- التاج إسماعيل بن إبراهيم بن قريش المخزومي المصري المحدث. عن جعفر الهمداني وابن المقير. مات في رجب سنة أربع وتسعين وستمائة (¬6) . 109- ابن الحامض أبو الخطاب محفوظ بن عمر بن أبي بكر البغدادي. عن عبد السلام الزاهدي. مات بمصر يوم الأضحى سنة أربع وتسعين وستمائة (¬7) . ¬

(¬1) شذرات الذهب 5: 396. (¬2) شذرات الذهب 5: 402. (¬3) شذرات الذهب 5: 403. (¬4) شذرات الذهب 5: 417. (¬5) شذرات الذهب 5: 422. (¬6) شذرات الذهب 5: 426. (¬7) شذرات الذهب 5: 427.

110- سعد الدين عبد الرحمن بن علي بن القاضي الأشرف أحمد بن القاضي الفاضل عبد الرحيم. عن عبد الصمد الغضاري (¬1) وجعفر الهمداني. مات في رجب سنة خمس وتسعين وستمائة، وقد قارب السبعين (¬2) . 111- ابن الدَّميري (¬3) محيي الدين عبد الرحيم بن عبد المنعم المصري. آخر من سمع من الحافظ علي بن المفضل وأبي طالب بن حديد، وأكثر عن الفخر الفارسي. مات في المحرم سنة خمس وتسعين وستمائة، وله تسعون سنة (¬4) . 112- الجلال عبد المنعم بن أبي بكر بن محمد الأنصاري الشافعي. قاضي القدس، عالم دين، حدث عن ابن المقير. مات بالقدس في ربيع الآخر سنة خمس وتسعين وستمائة (¬5) . 113- الوجيه النِّفَّري المحدث موسى بن محمد. أحد من عُني بالحديث، وأكثر عن أصحاب بن طبرزد. مات في جمادى الآخرة سنة خمس وتسعين وستمائة (¬6) . 114- ابن الأعلاقي أبو العباس أحمد بن عبد الكريم، ابن غازي الواسطي ثم المصري. عن عبد القوي بن الحباب وابن باقا. مات في صفر سنة ست وتسعين وستمائة (¬7) . 115- الضياء السَّبَنِي (¬8) أبو الهدى عيسى بن يحيى بن أحمد الأنصاري الشافعي -[386]- الصوفي المحدث. ¬

(¬1) ط: "الغضائري". (¬2) شذرات الذهب 5: 431. (¬3) الدميري، بفتح ثم كسر، منسوب إلى دميرة، قرية بمصر قرب دمياط. (¬4) شذرات الذهب 5: 431. (¬5) شذرات الذهب 5: 431. (¬6) شذرات الذهب 5: 432، والنفري، بكسر النون وفتح الفاء المشددة، منسوب إلى النفر، بلد نهر على الترس من بلاد الفرس. (¬7) شذرات الذهب 5: 434. (¬8) السبني، ضبطه صاحب شذرات الذهب "بفتحتين ونون، نسبة إلى السبن، موضع".

ولد سنة ثلاث عشرة وستمائة، وسمع من الصفراوي وابن المقير، ولبس الخرقة من السهروردي. مات بالقاهرة في رجب سنة ست وتسعين وستمائة (¬1) . 116- محمد بن صالح بن خلف الجهني المصري المغربي. عن ابن باقا، وعنه الذهبي. مات سنة سبع وتسعين وستمائة (¬2) . 117- ابن الصيرفي شرف الدين الحسن بن علي بن عيسى اللخمي المصري المحدث. أحد من عُني بالحديث. روى عن ابن رواح. مات في ذي الحجة سنة تسع وتسعين وستمائة (¬3) . 118- محمد بن عبد الكريم القوي أبو السعود المنذري المصري. مات في ربيع الأول سنة تسع وتسعين وستمائة عن خمس وسبعين سنة (¬4) . 119- الفخر محمد بن عبد الوهاب بن أحمد بن محمد الحباب التميمي المصري. ناظر الخزانة. عن علي بن الجمل. مات في ربيع الأول سنة تسع وتسعين وستمائة عن خمس وسبعين سنة (¬5) . 120- محمد بن مكي بن أبي المذكر القرشي الصقلي الرقام. روى بمصر عن ابن صباح والأيلي. مات في ربيع الآخر سنة تسع وتسعين وستمائة عن خمس وسبعين سنة (¬6) . 121- أبو المعالي أحمد بن إسحاق الأَبَرْقُوهي (¬7) مسند الديار المصرية، تفرد بأشياء. مات بمكة حاجا في ذي الحجة سنة إحدى وسبعمائة وله سبع وثمانون سنة (¬8) . ¬

(¬1) شذرات الذهب 5: 436. (¬2) شذرات الذهب 5: 439. (¬3) شذرات الذهب 5: 447. (¬4) شذرات الذهب 5: 453. (¬5) شذرات الذهب 5: 455. (¬6) شذرات الذهب 5: 453. (¬7) الأبرقوهي، بفتح الهمزة والموحدة وسكون الراء وضم القاف، منسوب إلى أبرقوه، بلد بأصبهان -ابن العماد. (¬8) شذرات الذهب 6: 4.

122- علاء الدين علي بن عبد الغني بن الفخر، ابن تيمية الشاهد. عن الموفق عبد اللطيف وابن روزبة. مات بمصر سنة إحدى وسبعمائة (¬1) . 123- الصاحب فتح الدين عبد الله بن محمد بن أحمد المخزومي، ابن القيسراني. من بيت الرياسة والوزارة، ولي وزارة دمشق، ثم أقام مدة موقعا، وكان شاعرا أديبا محدثا، ألف في رجال الصحيحين من الصحابة، روى عنه الدمياطي. مات بالقاهرة في ربيع الآخر سنة ثلاث وسبعمائة (¬2) . 124- تاج الدين علي بن أحمد بن عبد الحسيني الغرافي (¬3) الشريف. محدث الإسكندرية، عن أبي الحسن القطيعي وجماعة، تفرد ورُحِل إليه. مات في ذي الحجة سنة أربع وسبعمائة عن ست وسبعين سنة (¬4) . 125- محمد بن عبد المنعم شهاب الدين المصري، عن ابن باقا، وعنه السبكي. مات بمصر سنة خمس وسبعمائة (¬5) . 126- زينب بنت سليمان بن أحمد الإسعردية. عن الزبيدي وأحمد بن عبد الواحد البخاري. وتفردت بأشياء. ماتت بمصر سنة خمس وسبعمائة عن بضع وثمانين سنة (¬6) . 127- الصاحب تاج الدين محمد بن الصاحب فخر الدين محمد بن الوزير بهاء الدين علي بن محمد بن حنا (¬7) . حدث عن سبط السلفي، وكان رئيسا شاعرا. مات سنة سبع وسبعمائة (¬8) . ¬

(¬1) شذرات الذهب 6: 2. (¬2) شذرات الذهب 6: 9. (¬3) الغرافي، بالغين المعجمة المفتوحة وتشديد الراء: نسبة إلى الغراف، نهر عند واسط. (¬4) شذرات الذهب 6: 291. (¬5) شذرات الذهب 6: 13. (¬6) شذرات الذهب 6: 12. (¬7) شذرات الذهب: "محمد حنا". (¬8) شذرات الذهب 6: 14.

128- جمال الدين أبو بكر محمد بن عبد العظيم بن علي السقطي القاضي. عن ابن باقا، والعلم ابن الصابوني. مات بالقاهرة سنة سبع وسبعمائة عن خمس وثمانين سنة (¬1) . 129- شهاب الدين بن علي المحسني (¬2) أبو علي. عن ابن المقير وابن رواح. مات بمصر سنة ثمان وسبعمائة عن ثمانين سنة (¬3) . 130- نبيه الدين حسن بن حسين بن جبريل الأنصاري. عن ابن المقير وابن رواج. مات بمصر سنة تسع وسبعمائة عن تسع وسبعين سنة (¬4) . 131- عبد الله بن رعاف البغوي. عن ابن المقير وابن رواح، والعلم الصابوني. مات بمصر سنة عشر وسبعمائة. 132- بهاء الدين علي بن الفقيه عيسى بن سليمان الثعلبي المصري، ابن القيم. عن الفخر الفارسي وابن باقا. وكان ناظر الأوقاف. وذكر مرة للوزارة. مات بمصر في ذي القعدة سنة عشر وسبعمائة عن سبع وتسعين سنة (¬5) . 133- عمر بن عبد النصير القرشي الإسكندراني أبو حفص الزاهد العابد. عن ابن المقير وابن الجميزي. مات في المحرم سنة إحدى عشرة وسبعمائة (¬6) . 134- القاضي المنشئ جمال الدين محمد بن مكرم بن علي الأنصاري. يروي عن مرتضى وابن المقير. حدث، واختصر تاريخ ابن عساكر، وله نظم ونثر. مات بمصر في شعبان سنة إحدى عشرة وسبعمائة عن اثنتين وثمانين (¬7) . ¬

(¬1) شذرات الذهب 6: 16. (¬2) شذرات الذهب: "المحبي". (¬3) شذرات الذهب 6: 17. (¬4) شذرات الذهب 6: 20. (¬5) شذرات الذهب 6: 23. (¬6) الدرر الكامنة 3: 174. (¬7) شذرات الذهب 6: 26.

135- أبو الحسن علي بن هارون الثعلبي المحدث. مسند ديار مصر. عن ابن صباح وابن الزبيدي وابن اللتي. وتفرد بالعوالي، واشتهر. مات بمصر في ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وسبعمائة عن ست وثمانين سنة (¬1) . 136- عماد الدين أحمد بن القاضي شمس الدين محمد بن العماد إبراهيم المقدس الحنبلي عن الكاشغري وابن الخازن وابن رواح. تفرد بأجزاء. مات بمصر في جمادى الآخرة سنة اثنتي عشرة وسبعمائة عن خمس وتسعين سنة (¬2) . 137- نور الدين علي بن نصر الله بن عمر القرشي المصري، ابن الصواف. راوي سنن النسائي عن ابن باقا. سمع جعفرا الهمداني، والعلم ابن الصابوني، وأجاز له أبو الوفاء محمود بن منده. تفرد واشتهر. مات في رجب سنة اثنتي عشرة وسبعمائة وقد قارب التسعين (¬3) . 138- ست الأكياس (¬4) موفقية بنت عبد الوهاب بن عتيق بن وردان المصرية. عن الحسن بن دينار والعلم ابن الصابوني وعبد العزيز بن البيطار، وتفردت. ماتت سنة اثنتي عشرة وسبعمائة عن اثنتين وثمانين سنة (¬5) . 139- زين الدين أبو محمد الحسن عبد الكريم بن عبد السلام الغماري المصري. سبط الفقيه زيادة. عن أبي القاسم بن عيسى المقرئ ومحمد بن عمر القرطبي، وتفرد عنهما. مات سنة اثنتي عشرة وسبعمائة عن خمس وتسعين سنة (¬6) . 140- عماد الدين علي بن الفخر عبد العزيز بن قاضي القضاة عماد الدين عبد الرحمن السكري. خطيب جامع الحاكم، ومدرس مشهد الحسين. حدث عن جده لأمه ¬

(¬1) شذرات الذهب 6: 31. (¬2) شذرات الذهب 6: 30. (¬3) شذرات الذهب 6: 31. (¬4) شذرات الذهب: "الأجناس". (¬5) شذرات الذهب 6: 31. (¬6) شذرات الذهب 6: 30.

ابن الجميزي. مات سنة ثلاث عشرة وسبعمائة وله أربع وسبعون سنة (¬1) . 141- فاطمة بنت عباس البغدادية، الشيخة العالمة الفقيهة الزاهدة الفاتنة الواعظة، سيدة نساء زمانها، أم زينب. كانت وافرة العلم، حريصة على النفع والتذكير، ذات إخلاص وحشمة وأمر بالمعروف؛ انصلح بها نساء دمشق ثم نساء مصر. وكان لها قبول زائد، ووقع في النفوس. ماتت بمصر في ذي الحجة سنة أربع عشرة وسبعمائة، عن نيف وثمانين سنة (¬2) . 142- جمال الدين عطية بن إسماعيل بن عبد الوهاب اللخمي الإسكندراني، المنفرد بكرامات الأولياء. عن المظفر الفُوِّي. مات سنة أربع عشرة وسبعمائة، وهو من أبناء الثمانين (¬3) . 143- عز الدين أبو الفتح (¬4) موسى بن علي بن أبي طالب العلوي الموسوي (¬5) . عن الإربلي والمكرم والسخاوي وابن الصلاح، وتفرد ورُحِل إليه. مات بمصر في ذي الحجة سنة خمس عشرة وسبعمائة (¬6) . 144- فخر الدين عثمان بن بلبان المقاتلي المحدث. مفيد المنصورية، حدث عن أبي حفص بن القواس وطبقته، وارتحل وحصل، وكتب وخرج. مات بمصر سنة سبع عشرة وسبعمائة، عن اثنتين وخمسين سنة (¬7) . 145- زين الدين محمد بن سليمان بن أحمد بن يوسف الصنهاجي المراكشي ثم -[391]- الإسكندراني. ¬

(¬1) شذرات الذهب 6: 32. (¬2) شذرات الذهب 6: 34. (¬3) الدرر الكامنة 2: 456، وهناك، "عطية بن المكين إسماعيل". (¬4) في الدر: "أبو القاسم". (¬5) ح، ط: "المرشدي"، وما أثبته من الأصل والدرر. (¬6) الدرر الكامنة 4: 279. (¬7) الدرر الكامنة 2: 435.

عن ابن رواح ومظفر بن الفوي. مات في ذي الحجة سنة سبع عشرة وسبعمائة (¬1) . 146- الجلال محمد بن محمد بن عيسى القاهري. طباخ الصوفية. عن ابن قميرة وابن الجميزي والساري. مات في سنة ثماني عشرة وسبعمائة (¬2) . 147- بدر الدين محمد بن منصور المصري، ابن الجوهري. روى عن إبراهيم بن خليل والكمال الضرير، وتلا السبع، وتفقه. وذكر للوزارة. مات بدمشق سنة تسع عشرة وسبعمائة (¬3) . 148- أبو علي الكردي الحسن بن عمر بن عيسى، تلا على عيسى وسمع منه ومن ابن اللتي. وحدث. مات بمصر في ربيع الآخر سنة عشرين وسبعمائة، عن نيف وتسعين سنة (¬4) . 149- كمال الدين عبد الرحمن بن عبد المحسن بن ضرغام الكناني المصري خطيب جامع المقسية. عن السبط؛ مات في ربيع الآخر سنة عشرين وسبعمائة، وله ثلاث وتسعون سنة (¬5) . 150- شرف الدين يعقوب بن أحمد، ابن الصابوني. عن ابن عزون وابن علاق. مات بمصر سنة عشرين وسبعمائة عن ست وسبعين سنة (¬6) . 151- فخر الدين أبو الهدى أحمد بن إسماعيل بن علي بن الحباب الكاتب تفرد بأجزاء عن سبط السلفي. مات بمصر سنة عشرين، عن سبع وسبعين سنة (¬7) . ¬

(¬1) الدرر الكامة 3: 447. (¬2) شذرات الذهب 6: 51. (¬3) شذرات الذهب 6: 267. (¬4) شذرات الذهب 6: 20. (¬5) شذرات الذهب 6: 334. (¬6) شذرات الذهب 6: 433. (¬7) شذرات الذهب 6: 106.

152- تاج الدين أحمد بن محب الدين محمد بن الكمال الضرير القياسي. روى عن جده وابن رواح والسبط، مات بمصر في جمادى الأولى سنة إحدى وعشرين عن تسع وسبعين سنة. 153- تقي الدين محمد بن عبد الحميد بن محمد الهمداني ثم المصري المهلبي. المحدث الرحال. عن إسماعيل بن عزون والنجيب. مات سنة إحدى وعشرين عن نيف وسبعين سنة (¬1) . 154- تقي الدين عتيق بن عبد الرحمن بن أبي الفتح العمري المحدث الزاهد. له رحلة وفضائل. عن النجيب وابن علاق. مات بمصر في ذي القعدة سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة (¬2) . 155- محيي الدين أبو القاسم عبد الرحمن بن أبي صالح بن مخلوف، ابن جماعة الربعي المالكي. مسند الإسكندرية. عن جعفر والتسارسي وابن رواح، وتفرد. مات في ذي الحجة سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة. 156- زين الدين عبد الرحمن بن أبي صالح رواحة بن علي بن الحسين بن مظفر بن نصير بن رواحة الأنصاري الحموي الشافعي. عن جده لأمه أبي القاسم بن رواحة وصفية القرشية، وأجاز له ابن روزبة السهروردي، وتفرد، ورحل إليه. مات بأسيوط في ذي الحجة سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة عن أربع وسبعين سنة (¬3) . 157- زكي الدين عمر ركن الدين بن محمد بن يحيى القرشي. تفرد عن السبط ¬

(¬1) الدرر الكامنة 3: 497. (¬2) الدرر الكامنة 2: 434. (¬3) الدرر الكامنة 3: 328.

بجزء سفيان، وبالدعاء للمحاملي ومشيخته. مات بالإسكندرية في صفر سنة أربع وعشرين عن خمس وثمانين سنة (¬1) . 158- نور الدين علي بن جابر الهاشمي المحدث. شيخ الحديث بالمنصورية. حدث عن زكي البيلقاني. مات سنة خمس وعشرين عن بضع وسبعين سنة (¬2) . 159- كمال الدين محمد بن علي بن عبد القادر التميمي الهمداني ثم المصري. عن النجيب. مات في المحرم سنة ست وعشرين عن إحدى وسبعين سنة (¬3) . 160- نور الدين أبو الحسن علي بن عمر بن أبي بكر الواني الصوفي. عن ابن رواج والسبط والمرسي. تفرد بعوالي. مات سنة سبع وعشرين وسبعمائة عن اثنتين وتسعين سنة (¬4) . 161- عز الدين إبراهيم بن أحمد بن عبد المحسن الحسيني القرافي. سمع من أبيه والمرديني، وأجاز له ابن يعيش وابن رواح، وتفرد. مات في المحرم سنة ثمان وعشرين وسبعمائة عن تسعين سنة (¬5) . 162- فتح الدين يونس بن إبراهيم بن عبد القوي الكناني العسقلاني مسند مصر. آخر من روى عن ابن المقير. مات في جمادى الأولى سنة تسع وعشرين وسبعمائة، وقد جاوز التسعين (¬6) . 163- عثمان بن الحافظ جمال الدين الظاهري. عن ابن علاق والنجيب، وكان مكثرًا. مات في رجب سنة ثلاثين وسبعمائة عن ستين سنة. 164- بدر الدين يوسف بن عمر الخُتَنِي (¬7) . عن ابن رواج والبكري ¬

(¬1) الدرر الكامنة 3: 191. (¬2) الدرر الكامنة 3: 35. (¬3) الدرر الكامنة 4: 68. (¬4) الدرر الكامنة 3: 90. (¬5) الدرر الكامنة 1: 10. (¬6) الدرر الكامنة 4: 484. (¬7) الختني، ضبطه ابن حجر "بضم المعجمة وفتح المثناة الخفيفة، وبعدها نون".

والرشيدي، تفرد بأشياء. مات بمصر في صفر سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة عن أربع وثمانين سنة (¬1) . 165- تاج الدين أبو القاسم عبد الغفار بن محمد بن عبد الكافي السعدي الشافعي المحدث. عن ابن عزون والنجيب وعدة، وخرج التساعيات والمسلسلات، وتميز وأتقن، وولي مشيخة الصالحية وأفتى. مات في ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة (¬2) . 166- نور الدين علي بن التاج إسماعيل بن قريش المخزومي. عن المنذري والرشيدي وابن عبد السلام. مات في رجب سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة عن ثمانين سنة. 167- وجيهة بنت علي بن يحيى الأنصارية البوصيرية. عن البخاري ويوسف الشاولي ويعقوب الهذباني. ماتت بالإسكندرية في رجب سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة (¬3) . 168- شمس الدين حسين بن أسد بن مبارك، ابن الأثير الواعظ. عن المنذري والنجيب. وكان حسن العلم والمذاكرة. مات بمصر سنة خمس وثلاثين وسبعمائة عن أربع وثمانين سنة (¬4) . 169- شرف الدين يحيى بن يوسف المقدسي. مسند مصر، عن ابن رواح وابن الجميزي وتفرد. مات في جمادى الآخرة سنة سبع وثلاثين وسبعمائة عن نيف وتسعين سنة (¬5) . 170- محيي الدين يحيى بن فضل الله العمري. كاتب السر بمصر. روى عن ابن عبد الدائم وغيره. مات في رمضان سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة، عن ثلاث وتسعين سنة (¬6) . ¬

(¬1) الدرر الكامنة 4: 466. (¬2) الدرر الكامنة 2: 386. (¬3) الدرر الكامنة 4: 406. (¬4) الدرر الكامنة 2: 50. (¬5) الدرر الكامنة 4: 430. (¬6) الدرر الكامنة 4: 424.

171- موفق الدين أحمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن عثمان بن مكي. آخر من حدث بالسماع عن جد أبيه. مات بمصر في جمادى الأولى سنة تسع وثلاثين وسبعمائة، وكان من أبناء التسعين (¬1) . 172- محمد بن غالي بن نجم الدمياطي. عن النجيب، وعنه البلقيني. ولد سنة خمس وستمائة، مات سنة إحدى وأربعين وسبعمائة (¬2) . 173- إبراهيم بن علي بن يوسف بن سنان الزرزاري. عن ابن علاق والنجيب، وعنه البلقيني وابن الشيخة. مات في ذي القعدة سنة إحدى وأربعين وسبعمائة (¬3) . 174- الجاولي الأمير علم الدين سنجر بن عبد الله، أحد مقدمي الألوف بالديار المصرية. روى مسند الشافعي عن ابن دانيال، وشرحه بشرح جمع فيه بين شرحي الرافعي وابن الأثير، ورتب الأم للشافعي. روى عنه المسجدي وابن رافع. مات في رمضان سنة خمس وأربعين وسبعمائة (¬4) . 175- جمال الدين عبد الرحيم بن عبد الله بن يوسف الأنصاري. يعرف بابن شاهد الجيش، سمع من إسماعيل بن عبد القوي بن عزون وغيره، وأجاز له الرشيدي العطار وابن سراقة والكمال الضرير. مات في صفر سنة ست وأربعين وسبعمائة (¬5) . 176- أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن المهندس. شيخ دار الحديث بالكاملية. عن أحمد بن شيبان وابن البخاري وخلق. مات في شوال سنة سبع وأربعين وسبعمائة. 177- عمر بن حسين بن مكي الشَّنطوفي سراج الدين. عن النجيب وغيره. ¬

(¬1) الدرر الكامنة 1: 101. (¬2) الدرر الكامنة 4: 133. (¬3) الدرر الكامنة 1: 49. (¬4) الدرر الكامنة 2: 170. (¬5) الدرر الكامنة 2: 357.

مات في رمضان سنة سبع وأربعين (¬1) . 178- الصاحب شرف الدين محمد بن الصاحب زين الدين أحمد بن الصاحب فخر الدين بن الصاحب بهاء الدين بن حنا. الفقيه الشافعي. سمع من العز الحراني وغيره، وحدث ودرس بالشريفية. مات سنة سبع وأربعين وسبعمائة في رمضان. 179- قطب الدين أبو بكر بن عامر بن الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد. عن جده وجماعة، وولي قضاء المحلة، ودرس بالسرورية. مات في صفر سنة خمس وخمسين وسبعمائة (¬2) . 180- ناصر الدين محمد بن إسماعيل بن عبد العزيز بن عيسى بن أبي بكر بن أيوب. يعرف بابن الملوك. مسند القاهرة، عن العز الحراني وغيره. مات سنة ست وخمسين عن نحو ثمانين سنة (¬3) . 181- شرف الدين علي بن الحسين الأرموي ثم المصري الشافعي، الشريف. نقيب الأشارف، ولي قضاء العسكر، ووكالة بيت المال، ودرس بالمشهد الحسيني، وحدث عن ست الوزراء. مات في جمادى الآخرة سنة سبع وخمسين وسبعمائة (¬4) . 182- فخر الدين محمد بن محمد بن الحارث بن مسكين الزهري نائب الحكم بالقاهرة. حدث عن جماعة، وأجاز له العز الحراني وابن البخاري وخلق. ولد سنة ثمان وستين وستمائة. مات في شعبان سنة إحدى وستين وسبعمائة. 183- تقي الدين عبد الرحمن بن أحمد بن علي الواسطي الأصل، المصري المولد والوفاة، المحدث. ولد سنة سبع وتسعين وستمائة، وتصدر للإقراء بأماكن، وولي مشيخة الحديث بالشيخونية. مات في شعبان سنة إحدى وثمانين وسبعمائة (¬5) . ¬

(¬1) الدرر الكامنة 3: 160. (¬2) الدرر الكامنة 1: 444. (¬3) الدرر الكامنة 3: 387. (¬4) الدرر الكامنة 3: 41. (¬5) الدرر الكامنة 2: 323.

184- ابن الشيخة (¬1) زين المدبر أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن المبارك الغزي. عن الحجار وغيره. ولد سنة خمس عشرة وسبعمائة. ومات في ربيع الآخر سنة تسع وتسعين وستمائة (¬2) . 185- أحمد بن الحسن بن محمد بن محمد بن زكريا السويداوي شهاب الدين. عن أبي القماح والمزي وغيرهما. ولد سنة خمس وعشرين وسبعمائة. مات في ربيع سنة أربع وثمانمائة. ¬

(¬1) الدرر: "ابن الشحتة". (¬2) الدرر الكامنة 2: 324.

ذكر من كان بمصر من الفقهاء الشافعية:

ذكر من كان بمصر من الفقهاء الشافعية: 1- أبو عثمان محمد ابن ابن عم الإمام الشافعي. قال ابن يونس: كان فقيهًا توفي بمصر سنة إحدى وثلاثين ومائتين. قال الدارقطني: أخذ عن أبيه. ابن عم الشافعي. 2، 3، 4، 5- ابن بنت الشافعي، البويطي، حرملة، المزني. مروا في المجتهدين (¬1) . 6، 7- الربيع بن سليمان المرادي، يونس بن عبد الأعلى، مرَّا في الحفاظ (¬2) . 8- عبد الحميد بن الوليد بن المغيرة المصري النحوي أبو زيد المعروف بكيد. أخذ عن الشافعي. وكان فقيهًا عالمًا بالأخبار، أعجوبة فيها. مات في شوال سنة إحدى وعشرين ومائتين. 9- أبو علي عبد العزيز بن عمران بن أيوب بن مقلاص الخزاعي المصري. كان فقيهًا فاضلًا، زاهدًا ثقة، وكان من أكابر العلماء المالكية، فلما قدم الشافعي مصر لزمه، وتفقه على مذهبه. مات في ربيع الآخر سنة أربع وثلاثين ومائتين (¬3) . 10- الربيع بن سليمان بن داود الأزدي الجيزي أبو محمد. مات بالجيزة، ودفن بها في ذي الحجة سنة ست وخمسين ومائتين (¬4) . 11- قحزم بن عبد الله الأسواني، يكنى بأبي حنيفة. كان أصله قبطيًّا، وكان من ¬

(¬1) تقدم ذكرهم في المجتهدين ص306، 307. (¬2) الربيع ص348 يونس ص309. (¬3) طبقات الشافعية 2: 143 ص309. (¬4) تقريب التهذيب 1: 245، طبقات الشافعية 1: 259.

جلة أصحاب الشافعي الآخذين عنه. كان مقيمًا بأسوان، يفتي بها على مذهبه مدة سنين. مات بها سنة إحدى وسبعين ومائتين (¬1) . 12- أخت المزني، كانت تحضر مجلس الشافعي، ونقل عنها الرافعي في الزكاة وذكرها ابن السبكي والإسنوي في الطبقات. 13- أبو علي كنيز، خادم الخليفة المنتصر بن المتوكل. قال الذهبي: كان من أئمة المذهب، تفقه على الزعفراني، فلما قتل المنتصر خرج إلى مصر، وأخذ الفقه عن حرملة والربيع، وكان يجلس في حلقة ابن عبد الحكم ويناظرهم فقامت قيامتهم منه، فسعوا به إلى أحمد بن طولون، وقالوا: هذا جاسوس، فحبسه سبع سنين، فلما مات ابن طولون ذهب إلى الإسكندرية، فأقام سبع سنين، وأعاد كل صلاة صلاها في الحبس، ثم ذهب إلى الشام وأقام بجامع دمشق (¬2) . 14- يوسف بن عبد الأعلى. قال العبادي: كان أحد فقهاء عصره، من أصحاب المزني. 15- عبدان المروزي. مر في الحفاظ (¬3) . 16- أبو زرعة محمد بن عثمان بن إبراهيم الدمشقي. ولي قضاء مصر عن أحمد بن طولون، فأقام فيه ثماني سنين، ثم ولي قضاء دمشق، فأدخل فيها مذهب الشافعي، وحكم به القضاة بعد أن كان الغالب عليهم مذهب الأوزاعي، وكان عفيفًا شديد التوقف في الأحكام، بالغًا في الكرم أكولًا، توفي سنة اثنتين وثلاثمائة (¬4) . 17- وولده أبو عبد الله الحسين، عارف بالقضاء، كريم، جُمع له بين قضاء ¬

(¬1) طبقات الشافعية 2: 161 "الحلبي". (¬2) طبقات الشافعية 2: 161، 162 "طبعة الحلبي". (¬3) ص395. (¬4) ملحق الولاة والقضاة 508 "فيما نقله عن كتاب رفع الإصر".

مصر والشام. مات يوم عيد الأضحى سنة سبع وعشرين وثلاثمائة، عن ثلاث وأربعين سنة (¬1) . 18- أبو القاسم بشر بن نصر بن منصور البغدادي. يُعرف بغلام عرق، قال، ابن يونس: ارتحل إلى مصر وتفقه على مذهب الشافعي، وكان متضلعًا من الفقه دينًا. توفي بمصر في جمادى الآخرة سنة اثنتين وثلاثمائة (¬2) . 19- النسائي، مر في الحفاظ (¬3) . 20- منصور بن إسماعيل بن عمر أبو الحسن الفقيه. أحد أئمة الشافعية، له مصنفات في المذهب وشعر حسن، سكن الرملة، ثم قدم مصر فمات بها سنة ست وثلاثمائة. ذكره ابن كثير (¬4) . 21، 22، 23، 24- ابن حربويه، أبو إسحاق المروزي، ابن الحداد، الماسرجسي، مروا في المجتهدين (¬5) . 25- عبد الله بن محمد بن جعفر القزويني أبو القاسم. سكن مصر، وأخذ عن يونس بن عبد الأعلى والربيع بن سليمان المرادي. وكان له حلقة للفتوى والإشغال بمصر وللرواية. مات سنة خمس عشرة وثلاثمائة نقل عنه الرافعي (¬6) . 26- أبو علي الروذباري محمد بن أحمد بن القاسم البغدادي الزاهد. قال في العبر: نزيل مصر وشيخها، صحب الجنيد وجماعة، وكان إمامًا مفتيًا، ورد عنه أنه قال: ¬

(¬1) ملحق الولاة والقضاة 562 "فيما نقله عن كتاب رفع الإصر". (¬2) طبقات الشافعية 3: 79999 "الحلبي". (¬3) ص349 من هذا الجزء. (¬4) البداية والنهاية 11: 103. (¬5) ابن حربويه أبو عبيد وأبو إسحاق المروذي مرا في ص312، وأبو بكر الحداد والماسرجسي مرا ص313. (¬6) العبر 2: 192.

أستاذي في التصوف الجنيد، وفي الحديث إبراهيم الحربي، وفي الفقه ابن سريج، وفي الأدب ثعلب. مات بمصر سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائه (¬1) . 27- أبو هاشم إسماعيل بن عبد الواحد الربعي المقدسي. قال الذهبي: كان من كبار الشافعية، تولى قضاء مصر في سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، ثم عزل وأصابه فالج، فتحول إلى الرملة، فمات بها سنة خمس وعشرين (¬2) . 28- أبو بكر محمد بن علي المصري المعروف بالعسكري. نسبته إلى حارة من مدينة مصر تسمى بالعسكر، نزلها عسكر صالح بن علي أمير مصر. قال ابن يونس: كان مختار أهل العسكر ومفتيهم. روى عن يونس بن عبد الأعلى والربيع بن سليمان. مات يوم الأربعاء سابع ربيع الأول سنة سبع عشرة وثلاثمائة (¬3) . 29- أبو بكر محمد بن بشر بن عبد الله الزبيري العسكري -بفتح المهملة والكاف- قال ابن الصلاح: من أهل مصر، حدث عن الربيع بمختصر البويطي وغيره. وقال ابن يونس: توفي يوم الخميس تاسع شوال سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة (¬4) . 30- أبو رجاء محمد بن أحمد بن الربيع الأُسواني. كان فقيهًا أديبًا شاعرًا، سمع وحدث وألف قصيدة نظم فيها قصص الأنبياء وكتاب المزني والطب والفلسفة مائة بيت وثلاثين ألفًا. مات في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة (¬5) . 31- عبد الرحمن بن سلمويه الرازي. قال ابن يونس: قدم مصر وتفقه بها، وأفتى ودرس في جامعها العتيق. وتوفي بها سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة (¬6) . ¬

(¬1) العبر 2: 195؛ وفي حواشيه عن طبقات الصوفية 354، أن اسمه أحمد بن محمد بن القاسم. (¬2) ملحق الولاة والقضاة 544 فيما نقله عن كتاب رفع الإصر. (¬3) اللباب 2: 136. (¬4) شذرات الذهب 2: 332. (¬5) الطالع السعيد 267. (¬6) طبقات الشافعية 2: 237.

32- محمد بن إبراهيم بن الحسين بن الحسن بن عبد الخالق، أبو الفرج البغدادي الفقيه الشافعي. يُعرف بابن سكرة. قال ابن كثير: سكن مصر، وحدث بها، مات سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة (¬1) . 33- أبو بكر عبد الله بن محمد بن الحسين بن الخصيب بن الصقر الخصيبي الأصبهاني. له كتاب في الفقه يسمى المجالسة. ولي قضاء دمشق، ثم قضاء مصر سنة أربعين وثلاثمائة، فأقام بها إلى أن مات بها في المحرم سنة ثمان وأربعين، وولي بعده ابنه محمد، فأقام شهرًا واحدًا، ثم مرض، ومات في سادس ربيع الأول من السنة (¬2) . 34- أبو بكر محمد بن موسى بن عبد العزيز الكندي المصري. يُعرف بابن الجبي، نسبة إلى جبة موضع بمصر. يلقب سيبويه. وكان فقيهًا شاعرًا فصيحًا أخذ عن ابن الحداد، وكان يتظاهر بالاعتزال. ولد سنة أربع وثمانين ومائتين، ومات في صفر سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة (¬3) . 35- أبو طاهر محمد بن عبد العزيز بن حسون الإسكندراني الفقيه الشافعي. حدث بدمشق، وتوفي في رجب سنة تسع وخمسين وثلاثمائة. 36- أبو أحمد عبد الله بن محمد بن عبد الله بن الناصح المفسر. كان فقيهًا شافعيًّا، روى عنه الدارقطني وأثنى عليه. ولد بدمشق في ربيع الأول سنة ثلاث وسبعين ومائتين. وسكن مصر ومات بها يوم الثلاثاء في رجب سنة خمس وستين وثلاثمائة (¬4) . 37- أبو الحسن محمد بن عبد الله بن زكريا بن حيوية القاضي النيسابوري ثم ¬

(¬1) البداية والنهاية 11: 327. (¬2) رفع الإصر 293. (¬3) معجم البلدان 3: 58. (¬4) شذرات الذهب 3: 51.

المصري. كان إمامًا من أئمة الشافعية في الفرائض رحل مع عمه الحافظ يحيى بن زكريا الأعرج إلى مصر واستوطنها. ولد سنة ثلاث وسبعين ومائتين، وتوفي بمصر في رجب سنة ست وثلاثمائة. 38- أبو العباس أحمد بن محمد الديبلي. نزل مصر، كان جيد المعرفة بالمذهب، كثير النظم في الأم، صالحًا زاهدًا، صاحب كرامات، كثير العبادات. مات في رمضان سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة، وكان يرى الجمع بين الصلاتين بعذر المرض، وكانت جنازته شيئًا عجيبًا لم يبق بمصر أحد إلا حضرها. 39- أبو الحسن الحلبي علي بن محمد بن إسحاق القاضي الشافعي. نزيل مصر، وروى عن علي بن عبد الحميد الغضائري وطبقته. توفي سنة ست وتسعين وثلاثمائة، وقد عاش مائة سنة. قاله في العبر (¬1) . 40- القاضي أبو الفضل محمد بن أحمد بن عيسى البغدادي. تفقه على الشيخ أبي حامد، وسمع من جماعة كثيرة، وسكن مصر وأملى وأفاد. مات بها في شعبان سنة إحدى وأربعين وأربعمائة (¬2) . 41- أبو الحسن عبد الملك بن عبد الله بن محمود بن صهيب بن مسكين المصري المعروف بالزجاج. كان فقيهًا، سمع من أبيض بن محمد الفهري (¬3) صاحب النسائي. مات سنة سبع وأربعين وأربعمائة. 42- أبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر القضاعي. صاحب الشهاب والخطط وغيرهما. كان فقيهًا شافعيًّا، تولى القضاء بالديار المصرية، روى عنه الخطيب البغدادي. ¬

(¬1) العبر 3: 61. (¬2) العبر 3: 197. (¬3) في الأصل: "العتري"، والصواب ما أثبته من ح، ط وشذرات الذهب 3: 88.

قال ابن ماكولا: كان متفننًا في عدة علوم. توفي بمصر ليلة الخميس سابع عشر ذي القعدة سنة أربع وخمسين وأربعمائة (¬1) . 43- أبو القاسم نصر بن بشر بن علي العراقي نزيل مصر. كان فقيهًا محققًا مناظرًا مبرزًا. سمع وحدث. ومات في ذي الحجة سنة سبع وسبعين وأربعمائة (¬2) . 44- أبو عبد الله الحسين بن عبد الله بن الحسين بن شريح الأموي. كان فقيهًا شافعيًّا. سمع وحدث. وتوفي بمصر سنة ستين وأربعمائة. 45- أبو القاسم علي بن محمد بن علي بن أحمد المعروف بالمصيصي. كان فقيهًا فرضيًا. تفقه على القاضي أبي الطيب الطبري. وروى الحديث عن جماعة بمصر والشام والعراق، وأصله من المصيصة، ولد بمصر في رجب سنة أربعمائة، ومات بدمشق في جمادى الآخرة سنة سبع وثمانين وأربعمائة (¬3) . 46- الخِلَعي القاضي أبو الحسن علي بن الحسين (¬4) الموصلي. ونسبته إلى بيع الخِلَع (¬5) ؛ لأنه كان يبيعها لملوك مصر. ولد بمصر في المحرم سنة خمس وأربعمائة، وكان فقيهًا صالحًا، له كرامات وتصانيف وروايات متسعة. وكان أعلى أهل مصر إسنادًا، جمع له أبو نصر أحمد بن الحسن الشيرازي عشرين جزءًا، وخرجها عنه، وسماها الخِلَعيات (¬6) . وولي قضاء الديار المصرية يومًا واحدًا ثم استعفى واختفى بالقرافة (¬7) . مات بصر في ذي الحجة سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة؛ وكان والده أيضًا فقيهًا شافعيًّا، توفي ¬

(¬1) ابن خلكان 1: 462، طبقات الشافعية 3: 62. (¬2) سقطت هذه الترجمة وتاليها من الأصل، وأثبته من ح، ط. (¬3) شذرات الذهب 4: 398. (¬4) ح، ط: "الحسين"، والصواب ما أثبته من الأصل وابن خلكان. (¬5) الخلعي، بكسر الخاء المعجمة، وفتح اللام. (¬6) في ابن خلكان: "أجزاء من مسموعاته آخر من رواها عنه أبو رفاعة". (¬7) في ابن خلكان: "القرافة الصغرى"، قال: "هما قرافتان، كبرى وصغرى، فالكبرى منهما ظاهر مصر والصغرى ظاهر القاهرة".

بمصر في شوال ثمان وأربعين وأربعمائة (¬1) . 47- أبو الفتح سلطان بن إبراهيم بن مسلم المقدسي. قال السلفي في معجم شيوخه: كان من أفقه الفقهاء بمصر، وعليه قرأ أكثرهم؛ وهو شيخ صاحب الذخائر. ولد بالقدس سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة، وتفقه على الشيخ نصر المقدسي، ودخل مصر بعد السبعين، وتوفي سنة ثماني عشرة وخمسمائة (¬2) . 48- أبو الحسين يحيى اللخمي المقدسي. تفقه على الشيخ نصر المقدسي، وحدث عنه، وتولى قضاء الإسكندرية. 49- أبو الحجاج يوسف بن عبد العزيز بن علي اللخمي الميورقي. كان عالمًا بارعًا فقيهًا أصوليًّا خلافيًّا، زاهدًا. تفقه على الكيا الهراسي ببغداد، واستوطن الإسكندرية، وصنف تعليقه في الخلاف. روى عنه السلفي. مات في آخر سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة (¬3) . 50- مجلِّي بن جُمَيع بن نجا المخزومي الأرسوفي الأصل (¬4) ، ثم المصري القاضي أبو المعالي. صاحب الذخائر. تفقه على الفقيه سلطان المقدسي، وبرع فصار من كبار الأئمة، وتفقه عليه جماعة، منهم العراقي شارح المذهب. وولي قضاء الديار المصرية سنة سبع وأربعين وخمسمائة، ثم عزل سنة تسع وأربعين. ومات في ذي القعدة سنة خمس "وخمسمائة". ومن تصانيفه: كتاب أدب القضاء، وكتاب الجهر بالبسملة، نقل عنه في الروضة (¬5) . ¬

(¬1) شذرات الذهب 4: 398، والعبر 3: 334، وابن خلكان 1: 338، وفي كل هذه المراجع ذكر أن وفاته كانت سنة 292. (¬2) شذرات الذهب 4: 85. (¬3) شذرات الذهب 4: 67، والعبر 4: 54. (¬4) منسوب إلى أرسوف، بالفتح ثم السكون، وهي مدينة على ساحل بحر الشام. (¬5) العبر 4: 141.

51- أبو محمد عبد الله بن رفاعة بن غدير السعدي المصري. قاضي الجيزة، كان فقيها ماهرا في الفرائض والمقدرات، صالحا دينا، تفقه على القاضي الخلعي، ولازمه، وهو آخر من حدث عنه، ثم ترك القضاء واعتزل في القرافة، مشتغلا بالعبادة. ولد في ذي القعدة سنة سبع وستين وأربعمائة، ومات في ذي القعدة سنة إحدى وستين وخمسمائة (¬1) . 52- عمارة -بضم أوله- بن علي بن زيدان اليمني نجم الدين أبو محمد. كان فقيها فرضيا شاعرا ماهرا. ولد سنة خمس عشرة وخمسمائة، ودخل مصر سنة خمسين، ومدح الخليفة الفائز ووزيره الصالح بن رزيك واستوطنها، فلما أزال السلطان صلاح الدين رحمه الله تعالى دولة بني عبيد، اتفق عمارة هذا مع جماعة من الرؤساء على إعادة دولتهم، فعلم بهم السلطان، فأمر بشنقهم، ومن جملتهم عمارة هذا، فشنقوا في رمضان سنة تسع وستين وخمسمائة (¬2) . 53- أبو القاسم علي بن أبي المكارم بن فتيان الدمشقي. أحد الأعيان بمصر. قال النووي: تفقه على أبي المحاسن يوسف الدمشقي، وله معرفة بفنون. مات سنة تسع وسبعين وخمسمائة. 54- الخُبوشاني نجم الدين أبو البركات محمد بن سعيد بن علي. كان فقيها فاضلا، كثير الورع، وبه يضرب المثل في الزهد. تفقه على محمد بن يحيى تلميذ الغزالي. وألف تحقيق المحيط في شرع الوسيط في ستة عشر مجلدا، وتفقه بالمدرسة الصلاحية المجاورة لضريح الإمام الشافعي. وكان شيخها وناظرها، وله بنيت. ولد في رجب ¬

(¬1) العبر 4: 174. (¬2) العبر 4: 208.

سنة عشر وخمسمائة، ومات يوم الأربعاء ثاني عشر ذي القعدة سنة سبع وثمانين، ودفن في قبة مفردة تحت رجلي الإمام الشافعي (¬1) . 55- أبو العباس أحمد المظفر بن الحسين الدمشقي، المعروف بابن زين التجار. كان من أعيان الشافعية. تولى تدريس الناصرية المجاورة للجامع العتيق بمصر، وطالت مدته فيها، فعرفت المدرسة به، وهي الآن معروفة بالشريفية؛ لأن الشريف العباسي شيخ ابن الرفعة تولاها، وطالت مدته أيضًا بها. مات في ذي القعدة سنة إحدى وتسعين وخمسمائة (¬2) . 56- الشهاب الطوسي أبو الفتح محمد بن محمود بن محمد. قال النووي في طبقاته: كان شيخ الفقهاء، وصدر العلماء في عصره، إماما في فنون؛ تفقه على جماعة من أصحاب الغزالي؛ منهم محمد بن يحيى، وقدم مصر فنشر بها العلم، ووعظ وذكر، وانتفع به الناس، وكان معظما عند الخاصة والعامة، وعليه مدار الفتوى في مذهب الشافعي. ولد سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة، وتوفي بمصر في ذي القعدة سنة ست وتسعين وخمسمائة، وحمله أولاد السلطان على رقابهم (¬3) . 57- العراقي شارح المهذب أبو إسحاق بن منصور بن المسلم المصري. وإنما قيل له العراقي؛ لأنه سافر إلى بغداد وأقام بها مدة يشتغل بها. ولد بمصر سنة عشر وخمسمائة، واشتغل على صاحب الذخائر، وبالعراق على ابن الخل وغيره؛ ثم عاد إلى مصر، وتولى خطابة الجامع العتيق بها، وشرح المهذب شرحا حسنا. مات يوم الخميس حادي عشر جمادى الأولى سنة ست وتسعين، ودفن بسفح المقطم، وله ¬

(¬1) العبر 4: 262، واسمه هناك: "محمد بن الموفق". (¬2) طبقات الشافعية 4: 55. (¬3) طبقات الشافعية 4: 185.

ولد فاضل جليل القدر اسمه أبو محمد عبد الحكم، ولي الخطابة بعد وفاة والده، وله خطب جيدة وشعر لطيف (¬1) . 58- أبو القاسم هبة الله بن معد بن عبد الكريم القرشي الدمياطي المعروف بابن البوري، نسبة إلى بور بلد قرب دمياط، ينسب إليها السمك البوري. تفقه على ابن أبي عصرون، وابن الخل، ثم انتقل إلى الإسكندرية، ودرس بمدرسة السلفي. توفي سنة تسع وتسعين وخمسمائة (¬2) . 59- إسماعيل بن محمد بن حسان القاضي أبو طاهر الأسواني الأنصاري. رحل إلى بغداد، وتفقه على ابن فضلان، ورجع فأقام بأسوان حاكمًا مدرسًا. مات بالقاهرة في رمضان سنة تسع وتسعين وخمسمائة (¬3) . 60- صدر الدين أبو القاسم عبد الملك بن عيسى بن درباس الكردي الموصلي قاضي القضاة بالديار المصرية. ولد سنة ست عشرة وخمسمائة، وتفقه بحلب على أبي الحسن المرادي. مات بمصر في رجب سنة خمس وستمائة (¬4) . 61- أخوه ضياء الدين أبو عمرو عثمان بن عيسى بن درباس الكردي الموصلي. صاحب الاستقصاء في شرح المهذب. كان من أعلم الفقهاء في وقته بالمذهب، ماهرًا في أصول الفقه، قرأ على الخضر بن عقيل الإربلي وابن أبي عصرون، وشرح اللمع لأبي إسحاق، وناب عن أخيه صدر الدين في الحكم بالقاهرة. مات في الثاني من ذي القعدة سنة اثنتين وعشرين وستمائة، وقد قارب التسعين، ودفن بالقرافة (¬5) . وله ولد يقال له: ¬

(¬1) العبر 4: 291. (¬2) طبقات الشافعية 4: 322. (¬3) الطالع السعيد 96. (¬4) رفع الإصر 367. (¬5) طبقات الشافعية 5: 125.

62- جمال الدين أبو إسحاق إبراهيم، كان فقيهًا محدثًا شاعرًا، رحل، فمات بين الهند واليمن سنة اثنتين وعشرين وستمائة (¬1) . 63- السديد بن سماقة أبو إسحاق إبراهيم بن عمر الإسعردي. كان عالمًا صالحًا. حدث بمصر والإسكندرية، وولي قضاء دمياط، ثم عاد إلى بلاده، فمات بها سنة اثنتي عشرة وستمائة. 64- المقترح تقي الدين مظفر بن عبد الله بن علي المصري؛ ولقب بالمقترح لأنه كان يحفظه، وهو كتاب في الجدل؛ كان إمامًا كبيرًا، له التصانيف في الفقه والأصول والخلاف، دينًا متورعًا، كثير الإفادة، متواضعًا، تخرج به جماعة بالقاهرة والإسكندرية. ولد سنة ست وعشرين وخمسمائة، ومات في شعبان سنة اثنتي عشرة وستمائة (¬2) . 65- عبد الواحد بن إسماعيل بن ظافر الدمياطي صابر الدين. كان إمامًا فقيهًا متكلمًا، درس وأفاد، ولد سنة ست وخمسين وخمسمائة، ومات في ربيع الأول سنة ثلاث عشرة وستمائة (¬3) . 66- ضياء الدين أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن إسماعيل القرشي المصري المعروف بابن الوراق. كان إمامًا عالمًا، تفقه بالطوسي وأعاد عنده، وسمع من ابن بري. تفقه على المنذري. مات في جمادى الآخرة سنة ست عشرة وستمائة. 67- صدر الدين شيخ الشيوخ محمد بن شيخ الشيوخ عماد الدين محمود بن حمويه الجويني برع في المذهب، وأفتى ودرس، وولي تدريس الشافعي والمشهد الحسيني ومشيخة سعيد السعداء. وكان كبير القدر، بعثه الملك الكامل رسولًا إلى الخليفة يستنجد به على الفرنج ¬

(¬1) طبقات الشافعية 5: 156. (¬2) طبقات الشافعية 5: 133. (¬3) طبقات الشافعية 5: 65.

لما أخذوا دمياط، فأدركه الموت بالموصل سنة سبع عشرة وستمائة عن ثلاث وسبعين سنة (¬1) . 68- شهاب الدين محمد بن إبراهيم الحموي المعروف بابن الجاموس. كان من كبار الشافعية، تفقه بحماة، وقدم الديار المصرية، فولي خطابة الجامع العتيق، وتدريس المشهد الحسيني. مات في ربيع الأول سنة خمس عشرة وستمائة. 69- عبد السلام بن علي بن منصور الدمياطي المعروف بابن الخراط. ولد بدمياط ورحل إلى بغداد، فتفقه بها، وتميز في الفقه والخلاف، ورجع إلى بلده فأقام بها قاضيًا مدرسًا، ثم ولي قضاء مصر والوجه القبلي. ولد سنة إحدى وسبعين وخمسمائة، ومات سنة تسع وستمائة. 70- أمين الدين مظفر بن محمد بن إسماعيل التبريزي. صاحب المختصر المشهور، لخصه من الوجيز. كان عالمًا عابدًا زاهدًا. ولد سنة ثمان وخمسين وخمسمائة، وتفقه ببغداد على ابن فضلان، وقدم مصر فأعاد بالمدرسة الشريفية، واختصر المحصول، وصنف كتابًا في الفقه، ثلاثة مجلدات، سماه سماط سمط الفوائد. سافر إلى شيراز، فمات بها في ذي الحجة سنة إحدى وعشرين وستمائة (¬2) . 71- صدقة بن أبي كرم اليعقوبي. تفقه ببغداد على ابن فضلان وغيره، وقدم مصر، وولي القضاء بأعمال الأشمونين، ثم رجع إلى بغداد، وأعاد بالنظامية. وولي قضاء يعقوبا. 72- عماد الدين أبو عمرو عثمان الكردي. تفقه بالموصل على جماعة، ثم رحل إلى أبيه عصرون، فتفقه عليه، ثم قدم فتولى قضاء دمياط، ثم ناب بالقاهرة، ¬

(¬1) طبقات الشافعية 5: 41. (¬2) طبقات الشافعية 5: 156.

ودرس بالجامع الأقمر وغيره. مات في ربيع الأول سنة عشرين وستمائة (¬1) . 73- أبو الطاهر طاهر خطيب الجامع العتيق بمصر. كان علامة، فقيهًا ورعًا، نقل عنه ابن الرفعة في المطلب. 74- الجمال المصري يونس بن بدران بن فيروز. ولد بمصر في حدود خمس وخمسين وخمسمائة، وسمع من السلفي وغيره، وكان يشارك في علوم كثيرة، واختصر الأم للشافعي، وألف في الفرائض، ودرس التفسير بالعادلية بدمشق، وولي قضاء الشام. مات في ربيع الآخر سنة ثلاث وعشرين وستمائة. 75- زين الدين أبو الحسن علي بن أبي المحاسن يوسف بن عبد الله بن بدران الدمشقي. تفقه ببغداد على والده، وبرع في المذهب، وسمع وحدث، وولي قضاء الديار المصرية، ومات بها في جمادى الآخرة سنة اثنتين وعشرين وستمائة، وله اثنتان وسبعون سنة. 76- عماد الدين عبد الرحمن بن عبد العلي المعروف بابن السكري. ولد بمصر سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة، وتفقه على الشهاب الطوسي. وله مصنف في الدور، وحواش على الوسيط، نقل عنه ابن الرفعة في المطلب، ولي قضاء الديار المصرية، ومات في شوال سنة أربع وعشرين وستمائة (¬2) . 77- تقي الدين صالح بن بدر بن عبد الله الزفتاوي. تفقه على الشهاب الطوسي وتولى القضاء. مات في ذي القعدة سنة ثلاث وستمائة، وهو ابن سبعين سنة (¬3) . 78- جلال الدين أبو الغنائم همام الدين بن راجي الله بن سرايا الصعيدي. ولد بالصعيد سنة تسع وخمسين وخمسمائة، وقدم القاهرة، وأخذ العربية عن ابن بري، والأصول عن ابن ظافر بن الحسين، ورحل إلى العراق فتفقه على ابن فضلان والمجير ¬

(¬1) طبقات الشافعية 5: 125. (¬2) طبقات الشافعية 5: 63. (¬3) طبقات الشافعية 5: 57.

البغدادي. ثم عاد إلى مصر، وتولى الخطابة بجامع الصالح بن رُزّيك، ودرس وأفتى، وصنف في الفقه والخلاف والأصول. مات في ربيع الأول سنة ثلاث وستمائة (¬1) . وله حفيد يقال له: 79- تقي الدين أبو الفتح محمد بن محمد؛ صنف كتابا في الأدعية والأذكار، سماه سلاح المؤمن. مات في ربيع الأول سنة خمس وأربعين وستمائة بشاطئ النيل. 80- شمس الدين عثمان بن سعيد بن كثير الصنهاجي. قدم في صباه مصر واستوطنها، وتفقه بها على الشهاب الطوسي، وبرع في المذهب، ودرس بالجامع الأقمر، وتولى قضاء الأعمال القوصية. ولد في حدود سنة خمس وستين وخمسمائة ومات بالقاهرة في جمادى الأولى سنة تسع وثلاثين وستمائة (¬2) . 81- شرف الدين أبو المكارم محمد بن عبد الله بن الحسن الكندري المعروف بابن عين الدولة. قال المنذري: كان عالما بالأحكام الشرعية على غوامضها. ولد بالإسكندرية سنة إحدى وخمسين وخمسمائة، وتفقه بالعراقي شارح المهذب، وولي قضاء الديار المصرية. مات في ذي القعدة سنة تسع وثلاثين وستمائة. وله ولد يقال له: 82- محيي الدين عبد الله. ولي قضاء مصر أيضًا، توفي في رجب سنة ثمان وسبعين، ومولده سنة سبع وتسعين وخمسمائة. 83- علم الدين علي بن محمد بن عبد الصمد السخاوي أبو الحسن. كان فقيها مفتيا إمام في القراءات والتفسير والنحو واللغة. لازم الشاطبي، سكن دمشق، وتصدر للإقراء، وانتفع به الناس، وله مصنفات كثيرة؛ منها التفسير، وشرح المفصل وشرح ¬

(¬1) طبقات الشافعية 5: 164. (¬2) طبقات الشافعية 5: 136.

الشاطبية، مات ليلة ثاني عشر جمادى الآخرة سنة ثلاث وأربعين وستمائة (¬1) . 84- شرف الدين عبد الله بن محمد بن علي الفهري المعروف بابن التلمساني. كان إماما عالما بالفقه والأصلين، تصدر للإقراء بمدينة مصر، وانتفع به الناس، وصنف الكتب المفيدة؛ منها شرح التنبيه، وشرحان على المعالم للإمام محيي الدين عثمان بن يوسف القليوبي. ولد سنة سبع وستين وخمسمائة، وأجاز له أبو اليمن الكندي، وناب في الحكم بالقاهرة، وألف المجموع في الفقه، وشرح الخطب النباتية، أجاز للدمياطي. مات بالقاهرة ليلة السبت حادي عشر جمادى الآخرة سنة أربع وأربعين وستمائة (¬2) . 85- بهاء الدين أبو الحسن علي بن هبة الله بن سلامة اللخمي المعروف بابن الجُميزي. كان فقيها مقرئا، محدثا. ولد بمصر يوم عيد الأضحى سنة تسع وخمسين وخمسمائة، وقرأ على الشاطبي، وتفقه بالعراقي والشهاب الطوسي وابن أبي عصرون، وسمع من الحافظ ابن عساكر والسلفي. كتب له ابن أبي عصرون ما نصه: "لما ثبت عندي علم الولد الفقيه الإمام بهاء الدين، وفقه الله، ودينه وعدالته رأيت تمييزه من بين أبناء جنسه، وتشريفه بالطيلسان ... " إلى آخر ما كتب. قال في العبر: تفرد في زمانه، ورحل إليه الطلبة، وانتهت إليه مشيخة العلم بالديار المصرية. مات في رابع عشر ذي الحجة سنة تسع وأربعين وستمائة (¬3) . 86- الشريف شمس الدين محمد بن الحسين بن محمد الحسيني الأموي المصري المعروف بقاضي العسكر. كان إمام فقيها أصوليا، نظارا دينا، درس بالشريفية، وشرح المحصول وفرائض الوسيط، وولي نقابة وقضاء العسكر. مات في ثالث ¬

(¬1) طبقات الشافعية 5: 126. (¬2) طبقات الشافعية 5: 60. (¬3) طبقات الشافعية 5: 127، شذرات الذهب 5: 246.

عشر شوال سنة خمسين وستمائة، وقد جاوز السبعين. 87- الشهاب القوصي أبو المحامدي إسماعيل بن حامد بن أبي القاسم الأنصاري وُلد بقوص في المحرم سنة أربع وسبعين وخمسمائة، وسمع وتفقه، ودرس وحدث، وخرج لنفسه معجما في أربع مجلدات. وكان بصيرا بالفقه، أديبا إخباريا. روى عنه الدمياطي وغيره، ووقف دار حديث بدمشق، ومات بها في سابع عشر ربيع الأول سنة ثلاث وخمسين وستمائة (¬1) . 88، 89- الزكي المنذري، الشيخ عز الدين بن عبد السلام، مَرَّا (¬2) . 90- الشريف عماد الدين العباسي. كان إماما عالما بالفروع، درس بالشريفية مدة طويلة، وبه عُرِفت، واشتغل عليه ابن الرفعة، ونقل عنه في المطلب. 91- ابن الأستاذ كمال الدين أحمد بن القاضي زين الدين عبد الله بن عبد الرحمن الحلبي. كان عالما فقيها، محدثا أصيلا في العلم والرياسة والوجاهة. شرح الوسيط في عشرة مجلدات وولي قضاء حلب، ثم لما أخذها التتار ارتحل إلى مصر، ودرس بالكهارية وغيرها، مات في شوال سنة اثنتين وستين وستمائة، مولده سنة إحدى وعشرين. 92- تاج الدين أبو بكر عبد الله بن أبي طالب الإسكندراني. تفقه على الفخر ابن عساكر؛ حتى برع في المذهب، ودرس وأفتى، وحدث. مات في سابع ذي الحجة سنة ثلاث وستين وستمائة. 93- شرف الدين يعقوب بن عبد الرحمن قاضي القضاة شرف الدين أبي سعد عبد الله بن أبي عصرون. روى وحدث، ودرس بالمدرسة القطبية بالقاهرة مدة، مات ¬

(¬1) الطالع السعيد 88. (¬2) الزكي المنذري ص355، والعز بن عبد السلام ص314.

بالمحلة في رمضان سنة خمس وستين وستمائة، وله مسائل جمعها على المذهب. 94- صدر الدين موهوب بن عمر بن موهوب الجزري. ولد بالجزيرة في جمادى الآخرة سنة تسعين وخمسمائة، وأخذ عن العلم السخاوي والشيخ عز الدين بن عبد السلام وتفقه وبرع في المذهب والأصول والنحو، وتخرجت به الطلبة، وجُمعت عنه الفتاوي المشهورة، وولي القضاء بمصر. مات فجأة في تاسع رجب سنة خمس وستين وستمائة (¬1) . 95- ابن بنت الأعز تاج الدين أبو محمد عبد الوهاب بن خلف بن بدر العلامي (¬2) -والأعز كان وزير الكامل- كان المذكور عالما فاضلا صالحا، نزها، ولي قضاء الديار المصرية، وتدريس الشافعي والصالحية والوزارة وغير ذلك. مات في سابع عشر رجب سنة خمس وستين وستمائة (¬3) . وله ولدان. 96- أحدهما: صدر الدين عمر. كانة فقيها عارفا بالمذهب له معرفة بالعربية، ودين وصلابة، درس بالصالحية وغيرها، مات يوم عاشوراء سنة ثمانين وستمائة، عن خمس وخمسين سنة. 97- والآخر تقي الدين أبو القاسم عبد الرحمن. كان فقيها إماما بارعا، شاعرا. تفقه على والده، وعلى ابن عبد السلام. وولي قضاء القضاة والوزارة وتدريس الشريفية والشافعي والصالحية وغيرها. مات في سادس عشر جمادى الأولى سنة خمس وتسعين وستمائة. ولصدر الدين ولد يقال له: 98- محيي الدين، ولي نظر الخزانة وقضاء الإسكندرية ومات في ربيع الآخر سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة. 99- نجم الدين أبو نصر الفتح بن موسى بن جماد المغربي الخضراوي. كان ¬

(¬1) طبقات الشافعية 5: 162. (¬2) منسوب إلى علامة، قبيلة. (¬3) طبقات الشافعية 5: 133

عالما فاضلا في فنون كثيرة. ولد بالجزيرة الخضراء سنة ثمان وثمانين وخمسمائة، وتفقه بدمشق، وأخذ النحو عن الكندي، والأصول عن الآمدي، ونظم السيرة لابن هشام، والمفصل للزمخشري والإشارات لابن سينا. تولى قضاء أسيوط وتدريس الفائزية بها. مات في رابع جمادى الأولى سنة ثلاث وستين وستمائة. 100- النصير ابن الطباخ، نصير الدين المبارك بن يحيى بن أبي الحسن البصري. كان إماما متبحرا في الفروع. له اعتناء بالتنبيه، يدعي أنه يخرج وسائل الفقه كلها منه، درس بالقبطية، وأعاد بالصالحية عند ابن عبد السلام. ولد في ذي القعدة سنة تسع وثمانين وخمسمائة، ومات في جمادى الآخرة سنة تسع وستين وستمائة. 101- أبو إسحاق إبراهيم بن عيسى المرادي الأندلسي. قال النووي: كان شافعيا إماما حافظا، متقنا محققا، زاهدا، ورعا، لم تر عيني مثله في وقته، وكان بارعا في معرفة الحديث وعلومه؛ ذا عناية بالفقه والنحو واللغة ومعارف الصوفية. توفي بمصر سنة ثمان وستين وستمائة (¬1) . 102- الكمال التفليسي أبو الفتح عمر بن عمر. كان فقيها فاضلا، أصوليا بارعا خيرا. ولد سنة إحدى وستمائة، وولي قضاء الشام، وأقام بمصر مدة ينشر العلم إلى أنه مات في ربيع الأول سنة اثنتين وسبعين وستمائة. 103- سديد الدين عثمان بن عبد الكريم بن أحمد التِّزْمِنْتي. ولد بتزمنت (¬2) سنة خمس وستمائة، وتفقه بالقاهرة، وصار إماما بارعا عارفا، بالمذاهب، ودرس بالفاضلية وناب في الحكم. مات في ذي القعدة سنة أربع وسبعين وستمائة (¬3) . 104- ابن العامرية، مر في الحفاظ. ¬

(¬1) طبقات الشافعية 5: 48. (¬2) تزمنت، بالكسر ثم السكون: قرية من عمل البهنسا بمصر -ياقوت. (¬3) طبقات الشافعية 5: 142.

105- أبو الفضل محمد بن علي بن الحسين الخلاطي. سمع ببغداد ودمشق، ثم انتقل إلى القاهرة، فناب في الحكم. وحدث، وصنف كتبا، منها قواعد الشرع وضوابط الأصل، والفرع على الوجيز. مات بالقاهرة في رمضان سنة خمس وسبعين وستمائة (¬1) . 106- الكمال طه بن إبراهيم بن بكر الإربلي. كان فقيها أديبا، ولد بإربل ودخل القاهرة شابا، وانتفع به خلق كثيرون، روى عنه الدمياطي. مات بمصر في جمادى الأولى سنة سبع وسبعين وستمائة وقد جاوز الثمانين. 107- جلال الدين أحمد بن عبد الرحمن بن محمد الكندي الدشناوي. كان إماما فقيها ورعا، تفقه بقوص رفيقا للشيخ تقي الدين بن دقيق العيد. ثم بالقاهرة على ابن عبد السلام، هو وإياه. وشرح التنبيه، وألف مناسك وكتابا في الأصول، وآخر في النحو وعاد إلى قوص، فتفقه عليه بها جماعة، وتحكى عنه مكاشفات وأحوال صالحة. مات بقوص في رمضان سنة سبع وسبعين وستمائة (¬2) . وله ولد يقال له: 108- تاج الدين محمد، كان فقيها محدثا قارئا بالسبع. ولد في رجب سنة ست وأربعين وستمائة، تفقه على والده وغيره. سمع وحدث ودرس، وأفتى بقوص، مات بها ليلة الجمعة، ثالث الحجة سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة (¬3) . 109- ابن رزين تقي الدين أبو عبد الله محمد بن الحسين بن رزين العامري. كان إماما بارعا في الفقه والتفسير، مشاركا في علوم كثيرة، قال الإسنوي: ويكفيك أن النووي نقل عنه في الأصول والضوابط، مع تأخر موته عنه. ولد بحماة، يوم الثلاثاء، ثالث شعبان سنة ثلاث وستمائة. وقرأ النحو على ابن يعيش، ¬

(¬1) طبقات الشافعية 5: 32. (¬2) الطالع السعيد 43. (¬3) الطالع السعيد 390.

والفقه على ابن الصلاح، ولازمه، وانتقل إلى الديار المصرية، فانتفع به الطلبة، وولي قضاءها وتدريس الشافعي. مات ليلة الأحد، ثالث رجب سنة ثمانين وستمائة، ودفن بالقرافة (¬1) . وله ولدان: 110- أحدهما: صدر الدين عبد البر، كان إماما فاضلا، ومدرسا. مات بدمشق في رجب سنة خمس وتسعين. 111- والآخر: بدر الدين أبو البركات عبد اللطيف. كان فقيها فاضلا معتنيا بالحديث، درس وأفتى، وناب في الحكم. مات بالقاهرة في جمادى الآخرة سنة عشر وسبعمائة. ولبدر الدين ولد يقال له: 112- علاء الدين عبد المحسن، كان فقيها فاضلا، عارفا بالأدب والتاريخ. مات في شعبان سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة. 113- الجمال يحيى بن عبد المنعم المصري. كان إماما كبيرا في مذهب الشافعي، أخذ عن أبي الطاهر المحلي، وتولى قضاء الغربية. مات في رجب سنة ثمانين وستمائة وقد قارب الثمانين. 114- ظهير الدين جعفر بن يحيى التزمنتي. كان شيخ الشافعية في زمانه، تفقه على ابن الجميزي. وشرح مشكل الوسيط، وأخذ عنه فقهاء زمانه كابن الرفعة فمن دونه، مات سنة اثنتين وثمانين وستمائة (¬2) . 115- سراج الدين موسى، أخو الشيخ تقي الدين بن دقيق العبد. كان فقيها نظارا شاعرا، تصدر بقوص لنشر العلم والفتوى، وصنف المغني في الفقه. ولد بقوص سنة إحدى وأربعين وستمائة، ومات في شوال سنة خمس وثمانين (¬3) . ¬

(¬1) طبقات الشافعية 5: 19. (¬2) طبقات الشافعية 5: 54. (¬3) طبقات الشافعية 5: 157، الطالع السعيد 380.

116- الوجيه البهنسي عبد الوهاب بن الحسن. كان إماما كبيرا في الفقه دينا، ولي قضاء الديار المصرية، ومات سنة خمس وثمانين وستمائة (¬1) . 117- القطب القسطلاني، قطب الدين أبو بكر محمد بن أحمد بن علي المصري. ولد بمصر سنة أربع عشرة وستمائة، وتفقه وأفتى، وكان ممن جمع العلم والعمل، وألف في الحديث والتصوف، وولي مشيخة دار الحديث الكاملية. مات في المحرم سنة ست وثمانين وستمائة. 118- الكمال القليوبي أحمد بن عيسى بن رضوان. كان عالما صالحا، له مصنفات كثيرة، منها شرح التنبيه، ولي قضاء المحلة، ومات سنة تسع وثمانين وستمائة (¬2) . وله ولد يقال له: 119- فتح الدين أحمد. كان فقيها أديبا شاعرا، وله موشحات فائقة، مات سنة خمس وعشرين وسبعمائة. 120- ابن المرحَّل زين الدين أبو حفص عمر بن مكي بن عبد الصمد. كان من علماء زمانه، دينا مستمسكا بطريقة السلف، تفقه بابن عبد السلام، وسمع من المنذري، وقرأ الأصلين على الخِسْرُوشاهي، ودرس وأفتى وناظر، وولي خطابة دمشق ووكالة بيت المال بها. مات في ربيع الأول سنة إحدى وتسعين وستمائة (¬3) . 121- ولده الشيخ صدر الدين محمد. كان إماما جامعا للعلوم الشرعية والعقلية واللغوية. ولد بدمياط في شوال سنة خمس وستين وستمائة، وتفقه بأبيه وغيره، ودرس بالخشابية والمشهد الحسيني والناصرية. وجمع كتاب الأشباه والنظائر، ومات ¬

(¬1) طبقات الشافعية 5: 133. (¬2) طبقات الشافعية 5: 10. (¬3) طبقات الشافعية 5: 145.

قبل تحريره، فحرره وزاد عليه ابن أخيه. مات بالقاهرة في ذي الحجة سنة ست وسبعمائة. 122- ابن أخيه زين الدين محمد بن عبد الله الشيخ زين الدين عمر. كان عالما فاضلا في الفقه، والأصلين. ولد بدمياط، وتفقه على عمه وغيره. مات في رجب سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة. 123- عماد الدين عبد الرحمن بن أبي الحسن بن يحيى الدمنهوري. كان فقيها فاضلا، له نكت على التنبيه. ولد في ذي القعدة سنة ست وستمائة. ومات في رمضان سنة أربع وتسعين. 124- عبد اللطيف بن الشيخ عز الدين بن عبد السلام. ولد سنة ثمان وعشرين وستمائة، وتفقه بأبيه، وتميز في الفقه والأصول، ومات بالقاهرة في ربيع الآخر سنة خمس وتسعين. 125- بهاء الدين هبة الله بن عبد الله بن سيد الكل القِفطي. ولد سنة ستمائة، وقيل: في أواخر المائة قبلها، وتفقه وبرع في علوم كثيرة، وولي الحكم بإسنا، ودرس، وقصده الطلبة من كل مكان، وانتهت إليه رياسة العلم في إقليمه، وصنف تفسيرا وكتبا كثيرة في علوم متعددة. مات بإسنا سنة سبع وتسعين وستمائة عن مائة سنة أو نحوها (¬1) . 126- ضياء الدين أبو الفضل جعفر بن محمد بن الشيخ عبد الرحيم القناوي الشريف. أحد كبار الشافعية. كان إماما فقيها أصوليا أديبا مناظرا. ولد سنة ثماني عشرة وستمائة، وتفقه على المجد ابن دقيق العيد، والبهاء القفطي، وتولى قضاء قوص، ووكالة بيت المال، واشتهر بمعرفة المذهب، وحدث، ومات في ربيع الأول سنة ست وتسعين (¬2) . ¬

(¬1) طبقات الشافعية 5: 131. (¬2) طبقات الشافعية 5: 53.

وله ولد يقال له: 127- تقي الدين أبو البقاء محمد. كان عالما صالحا، شاعرا زاهدا ورعا. وكانت والدته أخت الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد. ولد بقوص سنة خمس وأربعين وستمائة، وتولى مشيخة الرسلانية بمنشاة المهراني، وأقام بها إلى أن مات في جمادى الأولى سنة ثمان وعشرين وسبعمائة (¬1) . ولتقي الدين ولدان: 128- أحدهما فتح الدين علي. كان فقيها فاضلا، أديبا شاعرا، كثير الانقطاع، لد يد في حل الألغاز، درس بإسنا، ومات بقوص في رمضان سنة ثمان وسبعمائة. 129- والآخر عز الدين أحمد بن محمد، أعاد بالجامع الطولوني، وولي حسبة القاهرة، ومات بها سنة إحدى عشرة وسبعمائة. 130- عبد العزيز بن أحمد بن سعيد الديريني. كان عالما صالحا، نظم التنبيه والوجيز وسيرة نبوة، وله تفسير. مات سنة سبع وتسعين وستمائة. 131، 132، 133- ابن دقيق العيد، الشرف الدمياطي، ابن الرفعة، مروا (¬2) . 134- العلم العراقي عبد الكريم بن علي بن عمر الأنصاري. كان إماما فاضلا في فنون كثيرة، خصوصا التفسير، وكان أبوه من الأندلس، فقدم مصر، فولد ولده هذا بها سنة ثلاث وعشرين وستمائة. وقيل له العراقي نسبة إلى جده لأمه العراقي شارح المهذب. واشتغل هذا وبرع، وصنف الإنصاف بين الزمخشري وابن المنير، وشرح التنبيه، وأقرأ الناس مدة طويلة، وولي مشيخة التفسير بالمنصورية. مات في سابع صفر سنة أربع وسبعمائة (¬3) . 135- نور الدين علي بن هبة الله بن أحمد المعروف بابن الشهاب الإسنائي. كان ¬

(¬1) الطالع السعيد 279. (¬2) ابن دقيق العيد ص317، والشرف الدمياطي ص357، وابن الرفعة ص320. (¬3) الدرر الكامنة 2: 399.

إماما في الفقه، دينا صالحا، تفقه بالبهاء القفطي، والجلال الدشناوي. ولما حج كتب الروضة بمكة، وهو أول من أدخلها إلى قوص، وأقام بقوص يدرس إلى أن مات بها سنة سبع وسبعمائة (¬1) . 136- عز الدين الحسن بن الحارث المعروف بابن مسكين. كان من أعيان الشافعية الصلحاء، كتب ابن الرفعة تحت خطه على فتوى: "جوابي كجواب سيدي وشيخي". درس بالشافعي، ومات في جمادى الأولى سنة عشر وسبعمائة. 137- عز الدين عبد العزيز بن عبد الجليل الغمراوي. كان عالمًا نظارًا، تصدى للاشتغال والإفتاء، وولي درس التفسير بالمنصورية. مات في ذي القعدة سنة إحدى عشرة وسبعمائة. 138- محب الدين علي بن الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد. ولد بقوص، في صفر سنة سبع وخمسين وستمائة، وكان فاضلًا ذكيًّا، شرح التعجيز شرحًا جيدًا، وولي تدريس الكهارية والسيفية. مات في رمضان سنة ست عشرة وسبعمائة، ودفن عند والده. قال في العبر: وهو زوج ابنه أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله (¬2) . 139- عز الدين النشائي أبو حفص عمر بن أحمد بن مهدي. كان إمامًا بارعًا في الفقه والنحو والعلوم الحسابية، أصوليًّا محققًا، دينًا ورعًا، زاهدًا متصوفًا، يحب السماع ويحضره، درس بالفاضلية والجامع الأقمر، وتخرج به خلق؛ منهم المجد الزنكلوني. وصنف نكتًا على الوسيط. مات في ذي القعدة سنة إحدى وتسعين وسبعمائة (¬3) . 140- ولده كمال الدين أبو العباس أحمد. ولد في ذي القعدة سنة إحدى ¬

(¬1) الطالع السعيد 227. (¬2) الطالع السعيد 217. (¬3) الدر الكامنة 3: 149.

وتسعين وستمائة، وأخذ عن والده. وكان إمامًا حافظًا للمذهب، متصوفًا طارحًا للتكلف، درس بجامع الخطيري ببولاق، وصنف جامع المختصرات وشرحه، والمنتقى ونكت التنبيه. مات يوم السبت عاشر صفر سنة سبع وخمسين وسبعمائة ودفن بالقرافة (¬1) . 141- محيي الدين يحيى بن عبد الرحيم بن زكير القرشي الفرضي. كان فقيهًا بارعًا، أخذ عن الجلال الدشناوي. وانتصب للتدريس والإفتاء. وكان مدار ذلك عليه في إقليمه، واختصر الروضة، وانتشرت طلبته. مات بقوص في المحرم سنة ثماني عشرة وسبعمائة (¬2) . 142- قطب الدين محمد بن عبد الصمد بن عبد القادر السنباطي. كان إمامًا حافظًا للمذهب، عارفًا بالأصول، دينًا سريع الدمعة، صنف تصحيح التعجيز، وأحكام البعض، واستدراكات على تصحيح التنبيه، واختصر قطعة من الروضة. مات بالقاهرة في ذي الحجة سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة (¬3) . 143- نور الدين إبراهيم بن هبة الله بن علي الإسنائي. كان إمامًا عالمًا ماهرًا في فنون كثيرة: الفقه والأصول والنحو، أخذ عن البهاء القفطي، والشمس الأصبهاني، والبهاء بن النحاس، واختصر الوسيط والوجيز، وشرح المنتخب في الأصول وألفية ابن مالك. مات بالقاهرة سنة إحدى وعشرين وسبعمائة (¬4) . 144- نور الدين علي بن يعقوب بن جبريل البكري. كان عالمًا صالحًا نظارًا، ذكيًّا متصوفًا، أوصى إليه ابن الرفعة بأن يكمل المطلب، لما علمه من أهليته لذلك ¬

(¬1) الدرر الكامنة 1: 224. (¬2) الطالع السعيد 408. (¬3) الدرر الكامنة 4: 116. (¬4) الطالع السعيد 32.

دون غيره، فلم يتفق له ذلك، لما كان يغلب عليه من التجلي والانقطاع. مات سنة أربع وعشرين وسبعمائة (¬1) . 145- سراج الدين يونس بن عبد المجيد الأرمنتي. ولد في المحرم سنة أربع وأربعين وستمائة. واشتغل بقوص على المجد ابن دقيق العيد، وأجازه بالفتوى، ثم ورد مصر، فأخذ عن علمائها، وصار في الفقه من كبار الأئمة مع أفضليته في النحو والأصول، وتصدر للإقراء، وصنف كتاب الجمع والفرق والمسائل المهمة في اختلاف الأئمة اسمه ثعبان بقوص، فمات في ربيع الآخر سنة خمس وعشرين وسبعمائة (¬2) . 146- القَمُولي نجم الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن أبي الحزم مكي. كان إمامًا في الفقه، عارفًا بالأصول العربية، صالحًا متواضعًا، صنف البحر المحيط في شرح كافية ابن الحاجب، وشرح الأسماء الحسنى، وَلِيَ حسبة مصر، مات في رجب سنة سبع وعشرين وسبعمائة (¬3) . 147- فخر الدين محمد بن محمد بن محمد المعروف بابن الصقلي: تفقه بالقطب السنباطي، وصنف التنجيز في تصحيح التعجيز، مات في ذي القعدة سنة سبع وعشرين وسبعمائة (¬4) . 148- عز الدين عبد العزيز بن أحمد بن عثمان الكردي. يُعرف بابن خطيب الأشمونين. درس وأفتى، وألف على حديث الأعرابي الذي جمع في رمضان كتابًا نفيسًا فيه ألف فائدة وفائدة، ولي قضاء الأعمال القوصية والمحلة، ودرس بالمعزية بمصر، مات في أواخر سنة سبع وعشرين وسبعمائة (¬5) . 149- جمال الدين أحمد بن محمد بن سليمان الواسطي، المعروف بالوجيزي، لكونه ¬

(¬1) الدرر الكامنة 3: 139. (¬2) الطالع السعد 421. (¬3) الطالع السعيد 63، البداية والنهاية 14: 131، النجوم الزاهرة 8: 279. (¬4) الدرر الكامنة 4: 236. (¬5) الدرر الكامنة 2: 368.

كان يحفظ الوجيز للغزالي، كان إمامًا حافظًا للفقه؛ ولد بأشمون الرمان سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة، وتفقه بالقاهرة إلى أن برع، وناب في الحكم بها. نقل عنه ابن الرفعة على حاشية المطلب. مات في رجب سنة سبع وعشرين وسبعمائة، أخذ عنه الإسنوي. 150- نجم الدين محمد بن عقيل بن أبي الحسن البالسي. كان فقيهًا محدثًا؛ ورعًا قوامًا في الحق، شرح التنبيه، ودرس بالمعزية، وناب في الحكم بمصر عن ابن دقيق العيد مات سنة تسع وعشرين وسبعمائة (¬1) . 151- بدر الدين محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الكناني الحموي. قاضي القضاة بالديار المصري. ولد سنة تسع وثلاثين وستمائة، واشتغل بعلوم كثيرة، وأفتى قديمًا، وعرضت فتواه على النووي فاستحسن جوابه، وألف في فنون كثيرة وحدث ودرس بالكاملية وغيرها. مات في جمادى الأولى سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة، ودفن بالقرافة (¬2) . 152، 153، 154، 155- وولده قاضي القضاة عز الدين. تقدم في الحفاظ، وكذا ابن سيد الناس، وتقدم الكمال ابن الزملكاني في المجتهدين، وكذا الشيخ تقي الدين السبكي (¬3) . 156- زين الدين عمر بن أبي الحزم بن الكناني، شيخ الشافعية في عصره بالاتفاق. ولد بالقاهرة سنة ثلاث وخمسين وستمائة، وتفقه على التاج بن الفِرْكاح، وأفتى وولي قضاء دمياط عن ابن دقيق العيد، وناب بالقاهرة ودرس ¬

(¬1) الدرر الكامنة 4: 50. (¬2) نكت الهميان 235، والبداية والنهاية 14: 163. (¬3) ابن جماعة ص356، وابن سيد الناس ص358، وابن الزملكاني ص32، والسبكي ص321.

بعدة أماكن، وله حواش على الروضة. مات في رمضان سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة (¬1) . 157- نجم الدين حسين بن علي بن سيد الكل الأسواني. كان ماهرًا في الفقه فاضلًا في غيره؛ أفتى وتصدر للإقراء بالقاهرة، ومات فيها في صفر سنة تسع وثلاثين وسبعمائة، وقد قارب المائة (¬2) . 158- الزَّنكلوني مجد الدين أبو بكر بن إسماعيل بن عبد العزيز. كان إمامًا في الفقه أصوليًا، محدثًا. نحويًّا صالحًا، قانتًا لله، صاحب كرامات؛ لا يتردد إلى أحد من الأمراء، ويكره أن يأتوا إليه، ملازمًا للاشتغال. وله شرح التنبيه الذي عم النفع به؛ وشرح المنهاج. ولي مشيخة البيبرسية؛ ودرس الحديث بها وبجامع الحاكم. مات سنة أربعين وسبعمائة (¬3) . 159- ابن القماح شمس الدين محمد بن أحمد إبراهيم بن حيدة. كان عالمًا فقيهًا فاضلًا محدثًا، سريع الحفظ. ولد بالقاهرة سنة ست وخمسين وستمائة، واشتغل على الظهير التزمنتي. وولي تدريس الشافعي. مات في ربيع الأول سنة إحدى وأربعين وسبعمائة (¬4) . 160- أبو الفتح السبكي تقي الدين محمد بن عبد اللطيف. كان فقيهًا أصوليًّا، أديبًا شاعرًا، تفقه على قريبه العلامة تقي الدين السبكي. وألف تاريخًا. مات في ذي القعدة سنة أربع وأربعين وسبعمائة (¬5) . 161- ضياء الدين محمد بن إبراهيم المناوي. ولد بمنية القائد، سنة خمس وخمسين ¬

(¬1) شذرات الذهب 5: 17، وذكره في وفيات سنة 732. (¬2) الطالع السعيد 117. (¬3) شذرات الذهب 6: 125. (¬4) شذرات الذهب 6: 132. (¬5) شذرات الذهب 6: 141.

وستمائة، وأخذ عن ابن الرفعة والأصبهاني والبهاء بن النحاس، ودرس بالشافعي، وشرح التنبيه. مات في رمضان سنة ست وأربعين وسبعمائة (¬1) . وله ولدا أخٍ، أحدهما: 162- شرف الدين إبراهيم بن بهاء الدين إسحاق، عالم فاضل منقطع عن أبناء الدنيا، أخذ عن عمه، ودرس وأفتى، وشرح فرائض الوسيط، مات في رجب سنة سبع وخمسين. 163- والآخر: تاج الدين محمد، أخو شرف الدين. كان على نمط أخيه، وتولى قضاء العسكر وتدريس الشافعي. مات في جمادى الأولى سنة خمس وستين وسبعمائة. 164- الشهاب بن الأنصاري أبو العباس أحمد بن محمد بن قيس، ويُعرف بابن الظهير أيضًا. شيخ الشافعية بالديار المصرية، كان إمامًا في الفقه والأصلين. ولد في حدود ستين وستمائة بالجيزة، وأخذ عن الظهبر والسديد التزمنتي. وسمع من ابن خطيب المزة، ودرس بالخشابية والكهارية والمشهد الحسيني. مات بالطاعون سنة تسع وأربعين وسبعمائة (¬2) . 165- زين الدين عمر بن محمد بن عبد الحكم (¬3) بن عبد الرزاق البلفيائي. من إقليم البهنسا. كان إمامًا في الفقه، غواصًا على المعاني الدقيقة، منزلًا للحوادث على القواعد والنظائر تنزيلا عجيبًا، تفقه على العلم العراقي والعلاء الباجي، وشرح مختصر التبريزي. مات في ربيع الأول سنة تسع وأربعين وسبعمائة بالطاعون. وكان والده أيضًا عالمًا. شرع في شرح الوسيط ولم يتمه (¬4) . ¬

(¬1) شذرات الذهب 6: 15. (¬2) الدرر الكامنة 1: 156. (¬3) في الدرر: "الحاكم". (¬4) الدرر الكامنة 3: 186.

166- عماد الدين محمد بن إسحاق بن محمد بن المرتضى البلبسي. كان من حفاظ المذهب، أخذ عن ابن الرفعة وغيره، وولي قضاء الإسكندرية، مات بالطاعون في شعبان سنة تسع وأربعين وسبعمائة. وقد قارب السبعين (¬1) . 167- ابن عدلان شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن إبراهيم الكناني. كان إمامًا يضرب به المثل في الفقه، عارفًا بالأصلين والنحو والقراءات ذكيًّا نظارًا، فصيحًا. ولد بمصر في صفر سنة ثلاث وستين وستمائة، وأخذ الفقه عن الوجيه البهنسي، والأصول عن الشمس الأصبهاني، والنحو عن البهاء بن النحاس، وشرح مختصر المزني، مات بالطاعون في ذي القعدة سنة تسع وأربعين وسبعمائة (¬2) . 168- ابن اللبان شمس الدين محمد بن أحمد الدمشقي ثم المصري. كان عارفًا بالفقه والأصلين والعربية، أديبًا شاعرًا، ولد بدمشق ثم قدم إلى الديار المصرية، فأنزله ابن الرفعة بمصر وأكرمه إكرامًا كثيرًا، وولي تدريس الشافعي، واختصر الروضة، ورتب الأم. مات بالطاعون في شوال سنة تسع وأربعين وسبعمائة. 169- نجم الدين الأصفوني أبو القاسم عبد الرحمن بن يوسف بن إبراهيم. ولد سنة سبع وسبعين وستمائة، وتفقه على البهاء القفطي، وغيره، وانتفع به خلق بقوص، وألف مختصر الروضة المشهور. مات بمكة في ذي الحجة سنة خمسين وسبعمائة، وكان صالحًا يُتبرك به (¬3) . 170- الفخر المصري محمد بن علي بن عبد الكريم. كان فقيهًا أصوليًّا، نحويًّا ذكيًّا، تفقه بابن الزملكاني، واشتهر بمعرفة المذهب، وأفتى وناظر، وأشغل الناس مدة، ولد سنة اثنتين وتسعين وستمائة، ومات في ذي القعدة سنة إحدى وخمسين وسبعمائة. ¬

(¬1) الدرر الكامنة 3: 383. (¬2) الدرر الكامنة 3: 333. (¬3) الدرر الكامنة 2: 350.

171- ناصر الدين محمد بن إبراهيم النوبري. كان خبيرًا بالمذهب، مطلعًا على دسائس متعلقة بالروضة. ولي قضاء المحلة، ومات بها في صفر سنة إحدى وخمسين وسبعمائة. 172- محيي الدين سليمان بن جعفر الإسنوي، خال الشيخ جمال الدين. كان فاضلًا في علوم، ماهرًا في الجبر والمقابلة، صنف طبقات الشافعية، ودرس بالمشهد النفيس. ولد سنة سبعمائة، ومات في جمادى الأولى سنة ست وخمسين (¬1) . 173- نجم الدين محمد بن ضياء الدين أحمد بن عبد القوي الإسنوي. كان عالمًا فاضلًا، انتفع به خلق، وألف في علوم متعددة. مات في ذي الحجة سنة ثلاث وستين وسبعمائة، وكان والده أيضًا عالمًا فاضلًا من كبار الصالحين. له كرامات، تفقه بالبهاء القفطي. مات سنة اثنتي عشرة وسبعمائة في شوال (¬2) . 174- العماد الإسنوي محمد بن الحسن بن علي الإسنوي. قال أخوه الشيخ جمال الدين في طبقاته: كان فقيهًا إمامًا في الأصلين والخلاف والجدل والتصوف نظارًا بحاثًا، طارحًا للتكلف، مؤثرًا للتقشف. ولد سنة خمس وتسعين وستمائة، وأخذ عن مشايخ القاهرة، وانتصب للتدريس والإفتاء والتصنيف. مات في رجب سنة أربع وستين وسبعمائة (¬3) . 175- أخوه الشيخ جمال الدين عبد الرحيم، شيخ الشافعية، وصاحب التصانيف السائرة. ولد سنة أربع وسبعمائة، وأخذ عن التقي السبكي والزنكلوني والقونوي وأبي حيان وغيرهم، وبرع في الأصول العربية والعروض، وتقدم في الفقه فصار إمام زمانه، وانتهت إليه رياسة الشافعية. ومن تصانيفه المهمات والجواهر، وشرح المنهاج والألغاز، والفروع، ومختصر الشرح الصغير، والهداية إلى أوهام الكفاية، وشرح ¬

(¬1) الدرر الكامنة 2: 144. (¬2) الطالع السعيد 276. (¬3) شذرات الذهب 6: 202.

منهاج البيضاوي، وشرح عروض ابن الحاجب، والتمهيد والكوكب وتصحيح التنبيه، والتنقيح، وأحكام الخناثي، والزوائد على منهاج البيضاوي، وطبقات الفقهاء، والرياسة الناصرية في الرد على من يعظم أهل الذمة ويستخدمهم على المسلمين، وكتاب الأشباه والنظائر، مات عن مسودة، وشرح التنبيه، كتب منه مجلدًا، وشرح الألفية لابن مالك، كتب منه ستة عشر كراسًا، وشرح التسهيل، كتب منه قطعة. مات في جمادى الأولى سنة سبع وسبعين وسبعمائة، ورثاه البرهان القيراطي بقوله: نعم قبضت روح العلا والفضائل ... بموت جمال الدين صدر الأفاضل تعطل من عبد الرحيم مكانه ... وغيب عنه فاضل أي فاضل أحقًّا وجوه الفقه زال جمالها ... وحطت أعالي هضبها للأسافل لقد هاب طرق المذهب اليوم سالك ... ولو كان يحمي بالقنا والقنابل لقد حل في ذ العام فقدان عالم ... يقول فلا يلفى له غير قائل قفوا خبرونا من يقوم مقامه ... ومن ذا يرد الآن لهفة سائل قفوا خبرونا من يوقف ظالمًا ... ويجزي في ميدان كل مناضل قفوا خبرونا هل له من مشابه ... قفوا خبرونا هل له من مماثل فأعظم بحبر كان للعلم ساعيًا ... بعزم صحيح ليس بالمتكاسل وأعظم به يوم الجدال مناظرًا ... إذا قال لم يترك مقالًا لقائل وأسيافه في البحث قاطعة الظبا ... بجوهرها لم يفتقر للصياقل يقوم بإنضاج المسائل مرشدًا ... لمستفهم أو طالب أو مسائل ويجمع أشتات الفوائد جاهدًا ... ويسعى بجد نحوها غير هازل طوى الموت حقًا شافعي زمانه ... فمن بعده للأم وجد الثواكل ومنذ رأته خير نجل لبره ... بها أرضعته من ثدي الحوافل

أبان الخفايا شارحًا ببيانه ... منزهة في الوصف عن سحر بابل له قدم في الفقه سابقة الخطا ... يقصر عنها كل حاف وناعل تبارك من أعطاه فيه مراتبًا ... يقر له بالفضل كل مجادل فكم كان يبدي فيه كل غريبة ... ويظهر من أبكاره بالعقائل وكم بات يحيى فيه ليلًا كأنما ... يصيد دراري زهره بالحبائل فأقلامه قيد الأوابد لم تزل ... يقيد منها كل صعب التناول مثقفة ألفاظه حلوة الجنى ... فما هز في الحالين غير عوامل مضى فمضى فقه كثير إلى الثرى ... وهالت عليه الترب راحة هائل تنكرت الدنيا ولكن تعرفت ... بطيب الثنا عن فضله المتكامل وما شقت الأقلام إلا تعسفا ... لفقدانها بالرغم خير أنامل وكم لبست ثوب الحداد محابر ... لحبر غدا في سندسٍ أي رافل لقد كان للأصحاب منه بلا مرا ... جمال فدع قول الغبي المجامل حوى من مواريث النبوة إرثه ... وحاز حقيقًا سهمه غير عائل هو النجم إلا أنه البدر كاملا ... على أنه شمس الضحى في التعادل وبلدته إسنا محلا ومحتدًا ... ومنزله في الخلد أسنى المنازل إذا ما أفاد النقل فهو ختامه ... فلا تسمعن من بعد نقل ناقل صدوق لدى عزو النقول محقق ... وحاشاه من تلك النقول البواطل وسحبان نطق في الدروس فصاحة ... فدع من له في درسه عيّ باقل يؤدي من الأشغال بالعلم للورى ... فروضًا ويفتي مقدمًا بالنوافل وينصر نص الشافعي ولم يزل ... يناضل عنه كل خصم مناضل حوى العلم والعلياء والجود والتقى ... وحاز بسبق فضل هذي الخصائل

هو النجم من أفق المعارف قد هوى ... فعاد دجى ضوء البدور الكوامل هو الجبل الراسي تصدع ركنه ... فللأرض ميد بعده بالزلازل فمن ذا تطيب النفس يومًا بقوله ... إذا هو أفتى في عويص المسائل لئن مهد التمهيد مضجعه له ... فكوكبه من بعده غير آفل فيا عالمًا قد أذكر الناس آخرًا ... مزايا أولي العلم الكرام الأوائل كفيت الورى أمر المهمات ناهضًا ... بأعبائها، يا خير كاف وكافل وأعلمت فيها الدهر حتى تنقحت ... ولم تشتغل عن أمرها بالشواغل وأبرزت مكنون الجواهر للورى ... لأنك بحر ماله من مساحل وأوضحت في الإيضاح للخلق مشكلا ... فليس يرى في حسنه من مشاكل وإن جمعت أهل العلوم محافل ... فألغازك العليا طراز المحافل فروقك يا من كان للعم جامعًا ... تحير أذهان الرجال الأماثل تصانيف لا تخفي محاسنها التي ... هدايتها تهدي الورى بالدلائل وتبدو فتغني عن رياض أنيقة ... وتتلى فتغني عن سماع البلابل تمحض منها القصد فيها فأرشدت ... حيارى ثووا من جهلهم في مجاهل توفرت سهمًا في الأصول لأجله ... غدا السيف نائى الحد واهي الحمائل لعمرك إن النحو يا زيد قد بدا ... لموتك في حال من الحزن حائل فلو فارسي الفن غامرك اغتدي ... لنحوك يسعى وهو في زي راجل عدمناك شيخًا كم جلا من علومه ... عقائل صينت بعده في معاقل وكم جاء في فن الخليل بن أحمد ... بأحمد أقوال أتت بالفواصل لئن نال أسباب السماء بعلمه ... فأوتاده في المجد غير مزايل وأدمعنا بحر مديد وحزننا ... طويل لبحر وافر الجود كامل

وكان أبا للطالبين يريهم ... فواضله مقرونة بالفضائل نصيحًا لطلاب العلوم جميعهم ... فلم يأل جهدًا عند تعليم جاهل يحرر في علم ابن إدريس للورى ... دروسًا تولى جملها خير حامل ويرشد بالتهذيب طلاب علمه ... فينظر منهم كاملًا بعد كامل ولا يرتئي في شكره غير حاسد ... ولا يمتري في علمه غير ناكل يجود بأنواع الفضائل جهرة ... ويجهد في إخفائها للفواضل هو البحر علمًا بل هو البحر في ندى ... لقد مرج البحرين منه لآمل وإن ابن رفعة لو تقدم عصره ... طوى نحوه البيداء سير المحامل ولو شاهد القفال يومًا دروسه ... لما كان يومًا عن حماه بقافل ترنم في أمداحه كل صادق ... فأطرب في إنشادها سمع ذاهل سأبكيه بالدرين دمع ومنطق ... لبحرين من علم وبر حواصل لقد هجرت صاد المناصب نفسه ... كما هجرت راء الهجا نفس واصل تنزه عنها وهي لا تستفزه ... بزخرفها الخداع خدع المجامل وما مد عينًا نحوها إذ تبرجت ... تبرج حسناء الحلى في الغلائل ويلقاك بالترحيب والبشر دائمًا ... فلم تره إلا كريم الشمائل صفت منه أخلاق لقاصده كما ... صفا منه للعافين شرب المناهل أعزي محاريب العلا بإمامها ... وإن كان مأمومًا بأعظم نازل أعزي دروس الفقه بعد دروسها ... لتصديرهم من بعده كل خامل فقل لحسود لا يسد مكانه ... سيفضحك التخجيل بين المحافل بحق حوى عبد الرحيم سيادة ... وأعداؤها كم حاولوها بباطل تطاول قوم كي يحلوا محله ... فما ظفروا مما تمنوا بطائل

أتمتد نحو النجم راحة قاصر ... وأين الثريا من يد المتناول ومن رام في الإقراء عالي شأنه ... فذلك عند الناس ليس بعاقل أحل جمال الدين في الخلد ربه ... ليحظى بعفو منه شافٍ وشامل ورواه مولاه الرحيم برحمة ... يحييه منها هاطل بعد هاطل ووافاه رضوان الجنان مبادرًا ... بشيرًا برضوان سريع معاجل وحياه بالريحان والروح والرضا ... إله البرايا في الضحى والأصائل لقد كان في الأعمال والعلم مخلصًا ... لمن لم يضيع في غد سعى عامل فلهفي لأمداح عليه تحولت ... مراثي تبكي بالدموع الهوامل يساعدني في الحمام بشجوها ... وأغلبها من لوعتي بالبلابل صرفت عليه كنز صبري وأدمعي ... فأفنيت من هذا وهذا حواصلي سأنشد قبرًا حل فيه رثاءه ... وأسمع ما أمليه صم الجنادل وما نحن إلا ركب موت إلى البلى ... تسيرنا أيامنا كالرواحل قطعنا إلى نحو القبور مراحلًا ... وما بقيت إلا أقل المراحل وهذا سبيل العالمين جميعهم ... فما الناس إلا راحل بعد راحل وله أخ يقال له: 176- نور الدين علي، كان فقيهًا، فاضلًا. شرح التعجيز. مات في رجب سنة خمس وسبعين وسبعمائة. 177- شهاب الدين بن النقيب، أبو العباس أحمد بن لؤلؤ، أحد علماء الشافعية، وصاحب مختصر الكفاية ونكت التنبيه وتصحيح المهذب، وغير ذلك. ولد بالقاهرة سنة اثنتين وسبعمائة، ومات بها في رمضان سنة تسع وستين "وسبعمائة" (¬1) . ¬

(¬1) الدرر الكامنة 1: 239.

178- بهاء الدين أبو حامد ابن الشيخ تقي الدين السبكي (¬1) . ولد في جمادى الآخرة سنة تسع عشرة وسبعمائة، وأخذ عن أبيه وأبي حيان والأصبهاني وابن القماح والزنكلوني والتقي الصائغ وغيرهم. وبرع وهو شاب، وساد وهو ابن عشرين سنة. وولي تدريس الشافعي والشيخونية أول ما فتحت. وله تصانيف، منها شرح الحاوي، وتكملة شرح المنهاج لأبيه، وعروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح. مات بمكة في رجب سنة ثلاث وسبعين (¬2) . وقال البرهان القيراطي يرثيه: ستبكيك عيني أيها البحر بالبحر ... فيومك قد أبكى الورى من ورا النهر لقد كنت بحرًا للشريعة لم تزل ... تجود علينا بالنفيس من الدر لقد كنت في كل الفضائل أمة ... مقالة صدق لا تقابل بالنكر لقد كنت في الدنيا جليلًا يعده ... بنوها لتيسير الجليل من العسر إليك يرد الأمر في كل معضل ... إلى أن أتى ما لا يرد في من الأمر تعزِّي بك الأمصار مصرًا لعلمها ... بأنك ما زلت العزيز على مصر مضيت فما وجه الصباح بمسفر ... وبنت فما ثغر الأقاحي بمفتر وزُلْتَ فما ودق النوال بهاطل ... وغبت فما برق المنى باسم الثغر وأوحش أرض العلم منك وأفقه ... فذاك بلا زهر وهذا بلا زهر تكاملت أوصافًا وفضلًا وسؤددًا ... ولابد من نقص فكان من العمر نحاك بهاء الدين ما لا يرده ... إذا ما أتى تدبير زيدٍ ولا عمرو لئن غادرتك الأرض حملًا ببطنها ... فإنا حملنا كل قاصمة الظهر ¬

(¬1) اسمه كما في الدرر الكامنة: "بهاء الدين أبو حامد أحمد بن علي بن عبد الكافي بن يحيى بن تمام السبكي". (¬2) شذرات الذهب 6: 226.

وأطلقت مني دمع عيني بأسره ... وصيرت مني مطلق القلب في أسر بكت عين شمس الأمن للبدر موت من ... مناقبه تزهو على الأنجم الزهر تبوأ بالفردوس ممدود ظله ... وأصبح من قصر يسير إلى قصر توقع قلب النيل فقدان ذاته ... ألست تراه في احتراق وفي كسر أضاء بشمس منه مغرب لحده ... وأظلم لما أن مضى مطلع البدر لئن عطرت أعماله ترب قبره ... سيبعث في يوم اللقا طيب النشر فلا حلو لي بالصبر من بعد يوم من ... بكته عيون الناس في الحول والشهر وقد كان شهدي حين منطقه وقد ... ترحل، لا شهدي أقام ولا صبري ولو أن عيني يطرق النوم جفنها ... تعللت بالطيف الذي منه لي يسري تطهر أخلاقًا ونفسًا وعنصرًا ... وصار لجنات الرضا كامل الطهر ثوى في الثرى جسمًا ولكن روحه ... سمت نحو عليين عاليه القدر فرواه تحت الترب لله دره ... سحاب من الغفران متصل الدر ووافاه رضوان برضوان ربه ... بشيرًا ولاقى ما يؤمل من ذخر وحياه ريحان الإله وروحه ... وآنسه بالعفو في وحشة القبر عفا الله عن ذاك المحيا فإنه ... محلى بأنواع البشاشة والبشر مع السلف الماضين يذكر فضله ... ويحسب وهو الصدر من ذلك الصدر لقد عطلت منه الرياسة جيدها ... وقد كان حلاها بعقد من الفخر وطرف الدواة الأسود أبيض بسعده ... من الحزن يشكو فقد أقلامه الخضر لقد كان للتفسير في الذكر آية ... يفوق إذا قابلته بفتى حبر 179- أخوه جمال الدين الحسين أبو الطيب ابن الشيخ تقي الدين السبكي. ولد في رجب سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة، وأخذ عن أبيه والأصبهاني والزنكلوني.

وأبي حيان وفضل ودرس بعدة أماكن، وألف كتابًا في "من اسمه الحسين بن علي". مات في حياة أبيه في رمضان سنة خمس وخمسين (¬1) . 180- قاضي القضاة أبو البقاء محمد بن عبد البر بن الصدر يحيى بن علي بن تمام السبكي. ولد سنة ثمان وسبعمائة، وأخذ عن القطب السنباطي والزنكلوني (¬2) والكتناني وأبي حيان والقونوي. وكان إمامًا في علوم شتى، وله شرح الحاوي، واختصر قطعة من المطلب، وولي قضاء الديار المصرية، وتدريس الشافعي. مات في ربيع الأول سنة سبع وسبعين "وسبعمائة" (¬3) . 181- ولده بدر الدين محمد. ولي قضاء الديار المصرية مرارًا، وتدريس الشافعي، وكان ماهرًا في الفنون، منصفًا في البحث، مات سنة اثنتين وثمانمائة (¬4) . 182- بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي. ولد سنة خمس وأربعين وسبعمائة، وأخذ عن الإسنوي ومغلطاي وابن كثير والأذرعي وغيرهم. وألف تصانيف كثيرة في عدة فنون، منها الخادم على الرافعي والروضة، وشرح المنهاج، والديباج، وشرح جمع الجوامع وشرح البخاري والتنقيح على البخاري وشرح التنبيه، والبرهان في علوم القرآن، والقواعد في الفقه، وأحكام المساجد، وتخريج أحاديث الرافعي، وتفسير القرآن، وصل إلى سورة مريم، والبحر في الأصول، وسلاسل الذهب في الأصول والنكت على ابن الصلاح وغير ذلك. مات يوم الأحد ثالث رجب سنة أربع وتسعين وسبعمائة، ودفن بالقرافة الصغرى (¬5) . 183- البرهان الأبناسي (¬6) ، إبراهيم بن موسى بن أيوب. الورع الزاهد، شيخ ¬

(¬1) شذرات الذهب 6: 177. (¬2) الدرر الكامنة: "السنكلوني". (¬3) الدرر الكامنة 3: 490. (¬4) الضوء اللامع 9: 88. (¬5) الدرر الكامنة 3: 397، شذرات الذهب 6: 335. (¬6) الأبناسي: منسوب إلى أبناس قرية صغيرة بالوجه البحري بمصر، الضوء اللامع.

الشيوخ بالديار المصرية. ولد سنة خمس وعشرين وسبعمائة، وأخذ عن الإسنوي وغيره. وله تصانيف، وولي مشيخة سعيد السعداء، وعين لقضاء الشافعية فاختفى. وكان مشهورًا بالصلاح، تقرأ عليه الجن. مات في المحرم سنة اثنتين وثمانمائة، راجعًا من الحج، ودفن بعيون القصب (¬1) . ورثاه الحافظ زين الدين العراقي بقصيدة يقول فيها: زهدت حتى في القضاء إذ أتى ... إليك مسئولًا بلا تردد 184- ابن الملقن سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن أحمد بن محمد الأنصاري. ولد سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة، وسمع على ابن سيد الناس، ولازم الزين الرحبي ومغلطاي، واشتغل بالتصنيف وهو شاب حتى كان أكثر أهل العصر تصنيفًا. مات في ربيع الأول سنة أربع وثمانمائة. ومن تصانيفه شرح البخاري وشرح العمدة، وشرحان على المنهاج وعلى التنبيه، وعلى الحاوي، وعلى منهاج البيضاوي، والأشباه والنظائر وغير ذلك (¬2) . 185، 186، 187- البلقيني والعراقي وولده مروا (¬3) . 188- بدر الدين محمد بن شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني، أبو اليمن، ولد سنة إحدى وتسعين وسبعمائة. 189- أخوه جلال الدين أبو الفضل عبد الرحمن قاضي القضاة. ولد في رمضان سنة ثلاث وستين وسبعمائة، واشتغل على والده وغيره. وكان ذكيًّا قوي الحافظة، واشتهر اسمه، وطار ذكره في البلاد، وخصوصًا بعد موت والده، وانتهت إليه رياسة الفتيا، وكان حسن السيرة في القضاء، عفيفًا نزهًا، قامعًا للمبتدعة. مات في عاشر ¬

(¬1) الضوء اللامع 1: 172. (¬2) الضوء اللامع 6: 100. (¬3) انظر ص329، 360، 363.

شوال سنة أربع وعشرين وثلاثمائة (¬1) . 190- الكمال الدميري محمد بن موسى بن عيسى. لازم البهاء السبكي، وتخرج به وبالإسنوي وغيرهما. وسمع على العُرْضي وغيره، ومهر في الأدب، ودرس الحديث بقبة بيبرس. وله تصانيف؛ منها شرح المنهاج والمنظومة الكبرى وحياة الحيوان. واشتهرت عنه كرامات، وأخبار بأمور مغيبات. مات في جمادى الأولى سنة ثمان وثمانمائة (¬2) . 191- ابن العماد شهاب الدين أحمد بن عماد بن يوسف الأقفهسي. اشتغل قديما، وأخذ عن الإسنوي وغيره، وله تصانيف كثيرة، منها التعقبات على المهمات، وشرح المنهاج. مات سنة ثمان وثمانمائة (¬3) . 192- البرهان البيجوري إبراهيم بن أحمد (¬4) . ولد في حدود الخمسين وسبعمائة، وأخذ عن الإسنوي ولازم البلقيني، ورحل إلى الأذرعي بحلب، وكان الأذرعي يعترف له بالاستحضار، وشهد العماد الحُسْباني (¬5) عالم دمشق بأنه أعلم الشافعية بالفقه في عصره، وكان يسرد الروضة حفظًا، وانتفع به الطلبة، ولم يكن في عصره من يستحضر الفروع الفقهية مثله، ولم يخلف بعده من يقاربه في ذلك. مات سنة خمس وعشرين وثمانمائة (¬6) . 193- البِرْماوي شمس الدين محمد بن عبد الدائم بن موسى. ولد في ذي القعدة سنة ثلاث وستين، ولازم البدر الزركشي، وتمهر به، وأخذ عن السراج البلقيني. وله تصانيف؛ منها شرح العمدة، ومنظومة في الأصول. مات سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة (¬7) . ¬

(¬1) الضوء اللامع 4: 106. (¬2) الفوائد البهية 203. (¬3) الضوء اللامع 2: 47. (¬4) اسمه في الضوء اللامع: "إبراهيم بن أحمد بن علي بن سليمان". (¬5) الحسباني بضم المهملة: منسوب إلى حسبان، من أعمال دمشق. (¬6) الضوء اللامع 1: 17. (¬7) الضوء اللامع 7: 280، والبرماوي، بكسر أوله: نسبة إلى برمة من نواحي الغربية.

194- المجد البِرماوي إسماعيل بن أبي الحسن علي بن عبد الله. ولد في حدود الخمسين وسبعمائة، ومهر في الفقه والفنون، وتصدى للتدريس، وأخذ عنه شيخنا البلقيني وغيره. مات في ربيع الآخر سنة أربع وثلاثين وثمانمائة. 195- ابن المحمرة شهاب الدين أحمد بن صلاح بن محمد بن محمد بن عثمان (¬1) بن علي بن السمسار. ولد سنة سبع وتسعين، ولازم البلقيني والزين العراقي. وولي مشيخة الصلاحية بالقدس. مات في ربيع الآخر سنة أربعين وثمانمائة (¬2) . 196- ابن المجدي شهاب الدين أحمد بن رجب بن طيبغا. ولد سنة ستين وسبعمائة، واشتغل بالعلوم فبرع في كثير منها، وصار رأس الناس في الفرائض والحساب بأنواعه والهندسة وعلم الوقت بلا منازعة، وله في ذلك مصنفات فائقة. مات ليلة السبت عاشر ذي القعدة سنة خمسين وثمانمائة (¬3) . 197- الوَنَائي محمد بن إسماعيل بن محمد [بن أحمد] (¬4) القرافي قاضي القضاة، شمس الدين الشافعي. ولد في شعبان سنة ثمان وثمانين وسبعمائة، وأخذ عن الشيخ شمس الدين البرماوي وطبقته، وبرع في الفقه والعربية والأصول، واشتهر بالفضيلة. وكان ممن جمع المنقول والمعقول، ولي تدريس الشيخونية والصلاحية المجاورة لضريح الإمام الشافعي رضي الله عنه، وقضاء الشام مرتين، ثم صرف. ومات يوم الثلاثاء ثامن عشر صفر سنة تسع وأربعين وثمانمائة (¬5) . 198- القاياتي محمد بن علي بن يعقوب قاضي القضاة شمس الدين الشافعي العلامة النحوي المفنن. ولد تقريبًا سنة خمس وثمانين وسبعمائة، وحضر درس الشيخ سراج ¬

(¬1) في الضوء اللامع: "أحمد بن محمد بن محمد بن عثمان". (¬2) الضوء اللامع 1: 186. (¬3) الضوء اللامع 2: 30. (¬4) من الضوء اللامع. (¬5) الضوء اللامع 7: 140، قال: "الونائي، بفتح الواو والنون وبالقصر، نسبة لقرية بصعيد مصر الأدنى".

الدين البلقيني، وأخذ عن البدر الطنبذي والعز بن جماعة والعلاء البخاري وغيرهم. وبرع في الفقه والعربية والأصلين والمعاني، وسمع الحديث، وحدث باليسير، وولي تدريس الحديث بالبرقوقية، ودرس الفقه بالأشرفية والشافعي والشيخونية وقضاء الشافعية بمصر، فباشره بنزاهة وعفة، وأقرأ زمانًا، وانتفع به خلق، ولازمه والدي رحمه الله ثلاثين سنة، وشرع في شرح على المنهاج للنووي. مات يوم الاثنين ثامن عشر المحرم سنة خمسين وثمانمائة. 198- والدي الإمام العلامة كمال الدين أبو المناقب أبو بكر بن محمد بن سابق الدين أبي بكر الخضيري السيوطي. ولد رحمه الله بسيوط بعد ثمانمائة تقريبًا، واشتغل ببلده، وتولى بها القضاء قبل قدومه إلى القاهرة، ثم قدمها فلازم العلامة القاياتي، وأخذ عنه الكثير من الفقه والأصول والكلام والنحو والإعراب والمعاني والمنطق؛ وأجازه بالتدريس في سنة تسع وعشرين. وأخذ عن الشيخ باكير، وعن الحافظ ابن حجر علم الحديث، وسمع عليه صحيح مسلم إلا فوتًا، مضبوطًا بخط الشيخ برهان الدين بن خضر سنة سبع وعشرين، وقرأ القرآن على الشيخ محمد الجيلاني. وأخذ أيضًا عن الشيخ عز الدين القدسي وجماعة، وأتقن علومًا جمة، وبرع في كل فنون، وكتب الخط المنسوب، وبلغ في صناعة التوقيع النهاية، وأقر له كل من رآه بالبراعة في الإنشاء، وأذعن له فيه أهل عصره كافة، وأفتى ودرس سنين كثيرة، وناب في الحكم بالقاهرة عن جماعة، بسيرة حميدة، وعفة ونزاهة، وولي درس الفقه بالجامع الشيخوني، وخطب بالجامع الطولوني؛ وكان يخطب من إنشائه خطبة، بل كان شيخ قاضي القضاة شرف الدين المناوي في أوقات الحوادث يسأله في إنشاء خطبة تليق بذلك ليخطب بها في القلعة. وأمَّ بالخليفة المستكفي بالله، وكان يجله إلى الغاية ويعظمه، ولم يكن يتردد إلى أحد من الأكابر غيره. وأخبرني بعض القضاة أن الوالد دار يومًا على الأكابر ليهنئهم بالشهر، فرجع آخر

النهار عطشان، فقال له: قد درنا في هذا اليوم ولم تحصل لنا شربة ماء، ولو ضيعنا هذا الوقت في العبادة لحصل لنا خير كثير، أو ما هذا معناه، ولم يهنِّئ أحدًا بعد ذلك اليوم بشهر ولا غيره. وعين مرة لقضاء مكة، فلم يتفق له. وكان على جانب عظيم من الدين والتحري في الأحكام وعزة النفس والصيانة، يغلب عليه حب الانفراد وعدم الاجتماع بالناس، صبورًا على كثرة أذاهم له، مواظبًا على قراءة القرآن، يختم كل جمعة ختمة، ولم أعرف من أحواله شيئًا بالمشاهدة إلا هذا. وله من التصانيف: حاشية على شرح الألفية لابن المصنف، وصل فيها إلى أثناء الإضافة، وحاشية على شرح العضد كتب منها يسيرًا، ورسالة على إعراب قول المنهاج: "وما ضبب بذهب أو فضة ضبة كبيرة"، وأجوبة اعتراضات ابن المقرئ على الحاوي. وله كتاب في التصريف وآخر في التوقيع؛ وهذان لم أقف عليهما. توفي شهيدا بذات الجنب وقت أذان العشاء، لليلة الاثنين من صفر سنة خمس وخمسين وثمانمائة. وتقدم في الصلاة عليه قاضي القضاة شرف الدين المناوي (¬1) . وذكر لي بعض الثقات أنه قيل له وهو ينتظر الصلاة عليه: لم يبق هنا مثله، فقال: لا هنا ولا هناك -يشير إلى المدينة- ودفن بالقرافة قريبًا من الشمس الأصفهاني. ولصاحبنا الشيخ شهاب الدين المنصوري فيه أبيات يرثيه بها وهي: مات الكمال فقالوا ... ولي الحجا والجلال فللعيون بكاءٌ ... وللدموع انهمال وفي فؤادي حزن ... ولوعة لا تزال لله علم وحلم ... وارته تلك الرمال بكى الرشاد عليه ... دمًا وسر الضلال ¬

(¬1) نظم العقيان 95، الضوء اللامع 11: 72.

قد لاح في الخير نقص ... لما مضى واختلال وكيف لم تر نقصًا ... وقد تولى الكمال علومه راسخات ... تزول منها الجبال يقبره العلم ثاوٍ ... والفضل والإفضال 199- علاء الدين القرقشندي علي بن أحمد بن إسماعيل. ولد في ذي الحجة سنة ثمان وثمانين وسبعمائة، وتفقه بعلماء مصر، وأفتى ودرس، وانتفع به جماعة وتولى عدة مدارس، ورشح لقضاء الديار المصرية. مات في المحرم سنة ست وخمسين وثمانمائة (¬1) . 200- الشيخ جلال الدين المحلي محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أحمد. ولد بمصر سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، واشتغل وبرع في الفنون؛ فقهًا وكلامًا وأصولًا ونحوًا ومنطقًا وغيرها. وأخذ عن البدر محمود الأقصرائي والبرهان والبيجوري والشمس البساطي والعلاء البخاري وغيرهم. وكان علامة آيةً في الذكاء والفهم؛ كان بعض أهل عصره يقول فيه: إن ذهنه يثقب الماس. وكان يقول عن نفسه: أنا فهمي لا يقبل الخطأ؛ ولم يكن يقدر على الحفظ، وحفظ كراسًا من بعض الكتب، فامتلأ بدنه حرارة. وكان غرة هذا العصر في سلوك طريق السلف، على قدم من الصلاح والورع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يواجه بذلك أكابر الظلمة والحكام، ويأتون إليه فلا يلتفت إليهم، ولا يأذن لهم بالدخول عليه؛ وكان عظيم الحدة جدًّا، لا يراعي أحدًا في القول، يوصي في عقود المجالس على قضاة القضاة وغيرهم؛ وهم يخضعون له، ويهابونه ويرجعون إليه؛ وظهرت له كرامات كثيرة، وعرض عليه ¬

(¬1) الضوء اللامع 5: 161. والقرقشندي. منسوب إلى قرقشندة؛ قرية بأسفل مصر؛ ذكرها ياقوت؛ وقال: "ولد بها الليث بن سعد بن عبد الرحمن".

القضاء الأكبر فامتنع. وولي تدريس الفقه بالمؤيدية والبرقوقية، وقرأ عليه جماعة، وكان قليل الإقراء، يغلب عليه الملل والسآمة. وكان سمع الحديث من الشرف ابن الكويك، وحدث. وكان متقشفًا في ملبوسه ومركوبه، ويتكسب بالتجارة، وألف كتبًا تشد إليها الرّحال؛ في غاية الاختصار والتحرير والتنقيح، وسلامة العبارة وحسن المزج، والحل بدفع الإيراد؛ وقد أقبل عليها الناس وتلقوها بالقبول، وتداولوها؛ منها شرح جمع الجوامع في الأصول، وشرح بردة المديح، ومناسك؛ وكتاب في الجهاد؛ ومنها أشياء لم تكمل؛ كشرح القواعد لابن هشام، وشرح التسهيل؛ كتب منه قليلًا جدًّا، وحاشية على شرح جامع المختصرات، وحاشية على جواهر الإسنوي، وشرح الشمسية في المنطق، ومختصر التنبيه، كتب منه ورقة. وأجل كتبه التي لم تكمل تفسير القرآن، كتب منه أول الكهف إلى آخر القرآن في أربعة عشر كراسًا؛ في قطع نصف البلدي، وهو ممزوج محرر في غاية الحسن؛ وكتب على الفاتحة وآيات يسيرة من البقرة، وقد أكملته بتكملة على نمطه من أول البقرة إلى آخر الإسراء. توفي في أول يوم من سنة أربع وستين وثمانمائة (¬1) . 201- البلقيني شيخنا قاضي القضاة علم الدين صالح بن شيخ الإسلام سراج الدين، حامل لواء مذهب الشافعي في عصره؛ ولد سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، وأخذ الفقه عن والده وأخيه، والنحو عن الشطنوفي والأصول عن العز ابن جماعة، وسمع على أبيه جزء الجمعة وختم الدلائل وغير ذلك؛ وعلى الشهاب ابن حجي جزء ابن نجيد، وحضر عند الحافظ أبي الفضل العراقي في الإملاء، وتولى مشيخة الخشابية، والتفسير بالبرقوقية بعد أخيه؛ وتدريس الشريفية بعد الفمني، والحديث بمدرسة قايتباي. وتولى القضاء الأكبر سنة ست وعشرين، بعزل الشيخ ولي الدين، وتكرر عزله وإعادته؛ وتفرد ¬

(¬1) شذرات الذهب 7: 303، والضوء اللامع 7: 39.

بالفقه؛ وأخذ عنه الجم الغفير، وألحق الأصاغر بالأكابر، والأحفاد بالأجداد. وألف تفسير القرآن، وكمل التدريب لأبيه وغير ذلك. قرأت عليه الفقه، وأجازني بالتدريس وحضر تصديري؛ وقد أفردت ترجمته بالتأليف.. مات يوم الأربعاء خامس رجب سنة ثمان وستين وثمانمائة (¬1) . 202- المناوي قاضي القضاة شرف الدين يحيى بن محمد بن محمد بن محمد، شيخنا شيخ الإسلام، ولد سنة ثمان وتسعين وسبعمائة، ولازم الشيخ ولي الدين العراقي، وتخرج به في الفقه والأصول، وسمع الحديث عليه، وعلى الشرف ابن الكويك، وتصدى للإقراء والإفتاء وتخرج به الأعيان، وولي تدريس الشافعي وقضاء الديار المصري، وله تصانيف، منها شرح مختصر المزني. توفي ليلة الاثنين ثاني عشر جمادى الآخرة سنة إحدى وسبعين وثمانمائة، وهو آخر علماء الشافعية ومحققيهم (¬2) . وقد رثيته بقولي: قلت لما مات شيخ الـ ... ـعصر حقًّا باتفاق حين صار الأمر ما بيـ ... ـن جهول وفساق أيها الدنيا لك الويـ ... ـل إلى يوم التلاق ¬

(¬1) شذرات الذهب 7: 306. (¬2) شذرات الذهب 7: 312.

ذكر من كان بمصر من الفقهاء المالكية:

ذكر من كان بمصر من الفقهاء المالكية: 1- عثمان بن الحكم الجذامي (¬1) . 2- سعيد (¬2) بن عبد الله بن أسعد (¬3) المعافري المصري؛ من كبار أصحاب مالك، تفقه بابن وهب وابن القاسم، مات بالإسكندرية سنة ثلاث وسبعين ومائة (¬4) . 3، 4، 5، 6، 7، 8، 9- عبد الرحمن بن القاسم، ابن وهب، إسحاق بن الفرات، أشهب، عبد الله بن عبد الحكم، ولده محمد، أصبغ بن الفرج الغازي، مروا (¬5) . 10، 11، 12- ابن الموّاز، أبو بكر الدينوري صاحب المجالسة، أبو جعفر بن قتيبة، مروا (¬6) . 13- عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم المصري. أبو القاسم، مصنف فتوح مصر، روى عن أبيه وشعيب بن الليث وخلق، وعنه النسائي وأبو حاتم ووثقه (¬7) . 14- عبد الحكم بن عبد الله بن عبد الحكم أبو عثمان. قال ابن فرحون: هو ¬

(¬1) الديباج المذهب 187؛ قال في ترجمته: "مشهور من أصحاب مالك المصريين؛ وهو أول من أدخل علم مالك مصر، ولم تنبت مصر أنبل منه، يروي عن مالك وموسى بن عقبة وابن جريج وغيرهم روى عنه ابن وهب وسعيد بن أبي مريم توفي سنة ثلاثة وستين ومائة". (¬2) ح، ط: "سعد"، وما أثبته من الأصل؛ "وهو يوافق ما ذكره ابن فرحون. (¬3) ابن فرحون: "سعد". (¬4) الديباج المذهب 123؛ وذكر أن وفاته كانت سنة 193. (¬5) انظر ص302، 303، 305، 308، 309. (¬6) انظر ص 310. (¬7) الأعلام للزركلي 4: 85.

أكبر أولاد ابن عبد الحكم وأفقههم، وأجل أصحاب ابن وهب (¬1) ، مات بمصر سنة سبع وثلاثين ومائتين معذبًا في فتنة خلق القرآن، ودُخِّن بالكبريت عليه حتى مات (¬2) . 15- عبد الرحمن بن أبي جعفر الدمياطي. روى عن مالك، وتفقه بكبار أصحابه: ابن وهب وابن القاسم وأشهب؛ وله مؤلفات، مات سنة ست وعشرين ومائتين (¬3) . 16- هارون بن عبد الله الزهري الكوفي. نزيل بغداد. الإمام أبو يحيى، تفقه بأصحاب مالك. قال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي: هو أعلم من صنف الكتب في مختلف قول مالك، ولي قضاء مصر، ومات سنة اثنتين وثلاثين ومائتين (¬4) . 17- عبد الرحمن بن عمر بن أبي الفهم (¬5) ، مولى بني سهم أبو زيد؛ من أهل مصر. أكثر عن ابن القاسم وابن وهب، وكان فقيهًا مفتيًا. روى عنه البخاري وأبو زرعة. ولد سنة ستين ومائة، ومات سنة أربع وثلاثين ومائتين (¬6) . 18- إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي العاص أبو إسحاق البرقي المصري. أخذ عن أشهب وابن وهب. مات سنة خمس وأربعين ومائتين (¬7) . 19- موسى بن عبد الرحمن بن القاسم الفقيه، ابن الإمام المشهور (¬8) . 20- سليمان بن داود بن حماد بن سعد الرشديني (¬9) أبو الربيع المصري. قال ¬

(¬1) العبارة في الديباج المذهب: "أكبر بني عبد الله بن الحكم وهم عبد الحكم هذا وعبد الرحمن وسعد ومحمد؛ ولم يكن فيهم أفقه من عبد الحكم ولا أجود خطًّا؛ وكان خيرًا فاضلًا؛ وله سماع كثير من أبيه وابن وهب وغيرهما من رواة مالك". (¬2) الديباج المذهب 166. (¬3) الديباج المذهب 148. (¬4) الديباج المذهب 348. (¬5) الديباج: "ابن أبي الغمر". (¬6) الديباج المذهب 148. (¬7) الديباج المذهب ... (¬8) الديباج المذهب. (¬9) الديباج: "ابن أخي رشدين".

ابن يونس: كان فقيهًا على مذهب مالك، وكان من أجلة القراء وعبادهم، قرأ على ورش، وروى عن ابن وهب أشهب، وعنه أبو داود والنسائي. وكان زاهدًا، قال أبو داود: قل من رأيت في فضله. ولد سنة ثمان وسبعين ومائة، وتوفي في ذي القعدة سنة ثلاث وخمسين ومائتين (¬1) . 21- عبد الغني بن عبد العزيز المعروف بالعسال. من أهل مصر. روى عن ابن وهب وابن عيينة، وعنه النسائي، وقال: لا بأس به. وكان حافظًا فقيهًا مفتيًا مذكورًا في فقهاء المالكية. مات سنة أربع وخمسين ومائتين. 22- زكريا بن يحيى الوقار المصري. قرأ على نافع بن أبي نعيم، وتفقه بابن وهب وابن القاسم وأشهب. وكان فقيهًا، ولم يكن بالمحمود في روايته، مات سنة أربع وخمسين ومائتين بمصر (¬2) . 23- ولده أبو بكر محمد بن زكريا. كان حافظًا للمذهب، تفقه بأبيه وابن عبد الحكم وأصبغ، وله تصانيف. مات في رجب سنة تسع وستين ومائتين. 24- محمد بن أصبغ بن الفرج. كان فقيهًا مفتيًا، مات بمصر سنة خمس وسبعين ومائتين (¬3) . 25- روح بن الفرج أبو الزنباغ الزبيري. قال ابن فرحون: عالم فقيه بمذهب مالك، من أهل مصر، أخذ عنه أبو الذكر الفقيه، وكان من أوثق الناس في زمانه، ورفعه الله بالعلم. روى عن عمرو بن خالد وأبي مصعب، وعنه محمد بن سعد وقاسم بن أصبغ. ولد سنة أربع ومائتين ومات سنة اثنتين وثمانين (¬4) . ¬

(¬1) الديباج المذهب 119. (¬2) الديباج المذهب 118. (¬3) الديباج المذهب 239. (¬4) الديباج المذهب 117.

26- أحمد بن موسى بن عيسى بن صدفة الصدفي المصري أبو بكر الزيات فقيه مشهور بمصر من أصحاب محمد بن عبد الحكم. مات بها سنة ست وثلاثمائة. 27- أحمد بن الحارث بن مسكين أبو بكر. جلس مجلس أبيه بعده بجامع عمرو، وأخذ الناس عنه. ولد سنة تسع وثلاثين ومائتين، ومات سنة إحدى عشرة وثلاثمائة (¬1) . 28- أحمد بن محمد بن خالد بن ميسر أبو بكر الإسكندراني. تفقه بابن المواز، وانتهت إليه الرياسة بمصر بعده. وله تصانيف. مات سنة تسع وثلاثمائة (¬2) . 29- أحمد بن محمد بن عبيد أبو جعفر الأزدي. كان فقيهًا مالكيًّا موصوفًا بحفظ المذهب، له كتاب في إثبات الكرامات (¬3) . 30- هارون بن محمد بن هارون الأسواني أبو موسى. قال ابن يونس: كان فقيهًا على مذهب مالك، كتب الحديث، ومات في ربيع الأول سنة سبع وعشرين وثلاثمائة (¬4) . 31- محمد بن أحمد بن أبي يوسف، أبو بكر بن الخلال. من فقهاء مصر، درس بجامعها، وأخذ عنه الناس، وألف. مات سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة. 32- أبو الحسن علي بن عبد الله بن أبي مطر المعافري الإسكندراني الفقيه. قاضي الإسكندرية، روى عن ابن أبي الدنيا. مات سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة، وله مائة سنة (¬5) . 33- محمد بن يحيى بن مهدي التمار الأسواني أبو الذكر الفقيه المالكي. ¬

(¬1) الديباج المذهب 33. (¬2) الديباج المذهب 37. (¬3) الديباج المذهب 38. (¬4) الطالع السعيد 393. (¬5) العبر 2: 250.

قاضي مصر روى عن المعافي ومحمد بن عمير الأندلسي. مات في شوال سنة أربعين وثلاثمائة (¬1) . 34- بكر بن محمد بن العلاء العلامة أبو الفضل القشيري البصري المالكي. صاحب التصانيف في الأصول والفروع. روى عن أبي مسلم الكجي، ونزل مصر، وبها توفي سنة أربع وثلاثمائة. قاله في العبر (¬2) . 35- أحمد بن جعفر الأسواني المالكي الصواف. قال أبو القاسم بن الطحان: روى عن ابن بشر الدولابي وأبي جعفر الطحان، وروى عنه عبد الغني بن سعيد. مات سنة أربع وستين -وقيل: أربع وسبعين- وثلاثمائة (¬3) . 36- أبو الطاهر محمد بن عبد الله البغدادي. قال في العبر: كان مالكي المذهب، فصيحًا فقيهًا شاعرًا، أخباريًّا، حاضر الجواب، غزير الحفظ، ولي قضاء واسط، ثم قضاء بعض بغداد، ثم قضاء دمشق، ثم قضاء الديار المصرية، واستناب على دمشق. حدث عن بشر بن موسى وأبي مسلم الكجي وطبقتهما. توفي سنة سبع وستين وثلاثمائة وقد قارب التسعين (¬4) . قال ابن ماكولا: كان يذهب إلى قول مالك، وربما اختار، وكان متفننًا في علوم، وله تصانيف. 37- محمد بن يوسف بن بلال الأسواني المالكي أبو بكر روى عن ابن أبي سفيان الوراق. سمع منه أبو القاسم بن الطحان، قال: توفي سنة ست وسبعين وثلاثمائة (¬5) . ¬

(¬1) الطالع السعيد 364. (¬2) العبر 2: 263. (¬3) الطالع السعيد 74، واسمه هناك: "أحمد بن محمد بن هارون بن موسى الأسواني أبو جعفر". (¬4) العبر 2: 344، واسمه هناك: "محمد بن أحمد بن عبد الله القاضي البغدادي". (¬5) الطالع السعيد 393.

38- محمد بن سليمان أبو بكر النعالي، إمام المالكية بمصر في وقته. أخذ عن ابن شعبان، وبكر بن العلاء، وعظم شأنه، وإليه كانت الرحلة والإمامة بمصر، وكانت حلقته في الجامع تدور على سبعة عشر عمودًا من كثرة من يحضرها. مات سنة ثمانين وثلاثمائة (¬1) . 39- أبو القاسم الجوهري عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد الغافقي المصري، الفقيه المالكي الذي صنف مسند الموطأ. كان فقيهًا ورعًا مستفيضًا خيرًا، من جلة الفقهاء. مات في رمضان سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة. قاله في العبر (¬2) . 40- رجاء بن عيسى بن محمد أبو العباس الأنصاري. قال ابن كثير: نسبة إلى قرية من قرى مصر يقال لها أنصار، كان فقيهًا مالكيًّا، ثقة، قدم بغداد فحدث بها، وسمع منه الحفاظ، ثم عاد إلى بلده، فمات بها سنة تسعين وأربعمائة، وقد جاوز الثمانين (¬3) . 41- الأبهري الصغير محمد بن عبد الله أبو جعفر، قال ابن فرحون: تفقه بأبي بكر الأبهري، وسكن مصر، فتفقه عليه خلق كثير، وسمع من المروزي (¬4) . 42- عبد الجليل بن مخلوف الصقلي الفقيه المالكي. قال ابن ميسر: أفتى بمصر أربعين سنة، ومات بها سنة تسع وخمسين وأربعمائة. 43- عبد الله بن الوليد بن سعيد أبو محمد الأنصاري الأندلسي الفقيه المالكي. أخذ عن أبي محمد بن أبي زيد وخلق، وسكن مصر، ومات بالشام في رمضان سنة ثمان وأربعين وأربعمائة عن ثمان وثمانين سنة. ¬

(¬1) الديباج المذهب 258، والنعالي: منسوب إلى عمل النعال. (¬2) العبر 3: 17. (¬3) لم أجده في البداية والنهاية في وفيات هذه السنة. (¬4) الديباج المذهب 267.

44- علي بن الحسن بن محمد بن العباس بن فهر أبو الحسن الفهري. من أهل مصر. فقيه مالكي، ألف في فضائل مالك، قال المهلب: لقيته بمصر، ولم ألق مثله. قلت: رأيت تأليفه المذكور، ونقلت منه في شرح الموطأ. 45- أبو بكر الطرطوشي محمد بن الوليد الفهري الأندلسي. نزيل الإسكندرية. أحد الأئمة الكبار، أخذ عن أبي الوليد الباجي، ورحل، وسمع ببغداد من رزق الله التميمي وطبقته، وكان إماما عالما زاهدا ورعا متقشفا متقللا، وله تصانيف كثيرة. مات في جمادى الأولى سنة خمس وعشرين وخمسمائة، عن خمس وسبعين سنة. ومن كراماته أن خليفة مصر العبيدي امتحنه، وأخرجه من الإسكندرية، ومنع الناس من الأخذ عنه، وأنزله الأفضل وزير العبيدي في موضع لا يبرح منه، فضجر من ذلك، وقال لخادمه: إلى متى نصبر! اجمع لي المباح من الأرض، فجمع له فأكله ثلاثة أيام؛ فلما كان عند صلاة المغرب، قال لخادمه: رميته الساعة، فركب الأفضل من الغد، فقُتل، وولي بعده المأمون البطائحي، فأكرم الشيخ إكرامًا كثيرًا، وصنف له الشيخ كتاب سراج الملوك (¬1) . 46- سند بن عنان بن إبراهيم الأزدي. أبو علي، تفقه بالطرطوشي، وجلس في حلقته بعده، وانتفع به الناس، وشرح المدونة، وكان من زهاد العلماء وكبار الصالحين؛ فقيهًا فاضلًا، مات بالإسكندرية سنة إحدى وأربعين وخمسمائة، ورئي في النوم، فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: عرضت على ربي، فقال لي: أهلًا بالنفس الطاهرة الزكية العالمة (¬2) ! 47- صدر الإسلام أبو الطاهر إسماعيل بن مكي بن إسماعيل بن عيسى بن عوف -[453]- الزهري (¬1) الإسكندراني. ¬

(¬1) الديباج المذهب 276، وفيات الأعيان 1: 479. (¬2) الديباج المذهب 126.

تفقه على أبي بكر الطرطوشي، وسمع منه ومن أبي عبد الله الرازي، وبرع في المذهب، وتخرج به الأصحاب، وقصده السلطان صلاح الدين، وسمع منه الموطأ، وله مصنفات. مات في شعبان سنة إحدى وثمانين وخمسمائة، عن ست وتسعين سنة. قال ابن فرحون: كان إمام عصره في المذهب، وعليه مدار الفتوى، مع الزهد والورع (¬2) . 48- حفيدة أبو الحرم مكي نفيس الدين. ألف شرحًا عظيمًا على التهذيب للبرادعي في مجلد، وشرحًا على ابن الجلاب في عشر مجلدات. 49- أبو القاسم بن مخلوف المغربي ثم الإسكندري. أحد الأئمة الكبار من المالكية، تفقه به أهل الثغر زمانًا، مات سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة. قاله في العبر (¬3) . 50- أبو العباس أحمد بن عبد الله بن أحمد بن هشام بن الحطيئة اللخمي الفاسي. كان رأسًا في القراءات السبع، ومن مشاهير الصلحاء وأعيانهم. ولد بفاس في جمادى الآخرة سنة ثمان وسبعين وأربعمائة، وانتقل إلى الديار المصرية، فقرأ على ابن الفحام، وقرأ الفقه والعربية، وسكن مصر، وتصدر بها للإقراء، وكان صالحًا عابدًا، كبير القدر، قرأ عليه شجاع بن محمد بن سيدهم، وروى عنه السلفي. مات آخر المحرم سنة ستين وخمسمائة، ودفن بالقرافة. وقد شغرت مصر عن قاض ثلاثة أشهر، في سنة ثلاث وثلاثين "وخمسمائة" أيام الخليفة العبيدي، فعرض القضاء على أبي العباس هذا، فاشترط ألا يقضي بمذهب الدولة، فأبوا وتولى غيره (¬4) . ¬

(¬1) بقية نسبه كما في ابن فرحون: "عوف بن يعقوب بن محمد بن عيسى بن عبد الملك بن أحمد بن عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف صاحب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ". (¬2) الديباج المذهب 95. (¬3) لم أجده في العبر في وفيات سنة 533. (¬4) إنباه الرواة 1: 39.

51- الحضرمي قاضي الإسكندرية أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن محمد المالكي، روى عن محمد بن أحمد الرازي وغيره. مات سنة تسع وثمانين وخمسمائة. قاله في العبر (¬1) . 52- ظافر بن الحسين أبو منصور الأزدي المصري شيخ المالكية. كان منتصبًا للإفادة والفتيا، انتفع به بشر كثيرا مات بمصر في جمادى الآخرة سنة سبع وتسعين وخمسمائة. قاله في العبر (¬2) . 53- شيث بن إبراهيم (¬3) بن محمد بن حيدرة أبو الحسن القفطي. كان فقيهًا فاضلًا نحويًّا بارعًا زاهدًا، وله في الفقه تعاليق، وفي النحو تصانيف، حدث عن السلفي. ولد بقفط سنة خمس عشرة وخمسمائة، ومات سنة ثمان وتسعين (¬4) . 54- الحافظ أبو الحسن بن المفضل مر في الحافظ (¬5) . 55- ابن شاس العلامة جلال الدين أبو محمد عبد الله بن محمد بن شاس بن قرار الجذامي السعدي المصري شيخ المالكية، وصاحب كتاب الجواهر الثمينة في المذهب. كان من كبار الأئمة العالمين، حج في آخر عمره، ورجع، فامتنع من الفتيا إلى أن مات بدمياط مجاهدًا في سبيل الله في رجب سنة ست عشرة وستمائة، والفرنج محاصرون لدمياط. قاله ابن كثير والذهبي، وكان جده شاس من الأمراء (¬6) . 56- أبو الحسن الإبياري علي بن إسماعيل بن علي. أحد العلماء الأعلام، وأئمة الإسلام. برع في علوم شتى: الفقه، والأصول، والكلام. وكان بعض الأئمة يفضله ¬

(¬1) العبر 4: 269. (¬2) العبر 4: 297. (¬3) في الأصول: "أبرهة"، وصوابه من الطالع السعيد وإنباه الرواة. (¬4) إنباه الرواة 2: 73، والطالع السعيد 136. (¬5) هو أبو الحسن علي بن المفضل، مر في ص354. (¬6) البداية والنهاية 13: 86.

على الإمام فخر الدين في الأصول، تفقه بأبي الطاهر بن عوف، ودرس بالإسكندرية، وانتفع به الناس، وتخرج به ابن الحاجب. ولد سنة سبع وخمسين وخمسمائة، ومات سنة ثماني عشرة وستمائة (¬1) . 57- الحسين (¬2) بن عتيق بن رشيق، جمال الدين أبو علي الربعي. قال ابن فرحون: كان من العلماء الورعين، وشيخ المالكية في وقته، وعليه مدار الفتيا بالديار المصرية، عالمًا بالأصلين والخلاف. ولد سنة سبع وأربعين وخمسمائة، ومات سنة اثنتين وثلاثين وستمائة (¬3) . 58- كمال الدين أبو العباس أحمد بن علي القسطلاني ثم المصري الفقيه المالكي الزاهد. تلميذ الشيخ أبي عبد الله القرشي. قال في العبر: درس وأفتى، ثم جاور بمكة مدة، ومات بها في جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين وستمائة عن سبع وسبعين سنة (¬4) . 59- ولده تاج الدين علي، قال في العبر: مفت مدرس، سمع من زاهر بن رسم ويونس الهاشمي، وولي مشيخة الكاملية، مات في شوال سنة خمس وستين وستمائة، عن سبع وسبعين سنة. 60- جعفر بن علي بن هبة الله أبو الفضل الهمداني الإسكندراني المالكي المقري الأستاذ المحدث. ولد سنة ست وأربعين وخمسمائة وقرأ القرآن على عبد الرحمن بن خلف الله صاحب ابن الفحام، وأكثر عن السلفي، وتصدر للإقراء، روى عنه التقي سليمان وعيسى المطعم. مات بدمشق في صفر سنة ست وثلاثين وستمائة (¬5) . ¬

(¬1) الديباج المذهب 213. (¬2) في الأصول: "الحسن"، وما أثبته من ابن فرحون. (¬3) الديباج المذهب 5: 10. (¬4) شذرات الذهب 5: 180. (¬5) شذرات الذهب 5: 180.

61- ابن الصفراوي جمال الدين أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد المجيد بن إسماعيل الإسكندراني المالكي الفقيه المقري. ولد سنة أربع وأربعين وخمسمائة، وسمع من السلفي، وتفقه بأبي طالب صالح بن بنت معافي، وقرأ القراءات على أبي القاسم عبد الرحمن بن خلف الله، وطال عمره، وبعد صيته، وانتهت إليه رياسة الإقراء والإفتاء ببلده. مات بالإسكندرية في خامس عشر ربيع الآخر سنة ست وثلاثين وستمائة (¬1) . 62- ابن الحاجب العلامة جمال الدين أبو عمرو عثمان بن أبي بكر الكردي الإسنائي ثم المصري المالكي الفقيه المقري النحوي الأصولي. صاحب التصانيف البديعة، كان أبوه حاجبًا للأمير عز الدين موسك الصلاحي، فاشتغل هو، وقرأ القراءات على الغزنوي والشاطبي، وبرع في الأصول والفروع والعربية وغيرها، وكان ركنًا من أركان الدين في العلم والعمل، صنف المختصر في الأصول، ومنتهى السؤال في الأصول، ومنتهى السؤال في الأصول، والمختصر في الفقه، والكافية في النحو وشرحها، والوافية وشرحها، والشافية في التصريف وشرح المفصل والأمالي النحوية وقصيدة في العروض. مات بالإسكندرية سادس عشر شوال سنة ست وأربعين وستمائة عن خمس وثمانين سنة، حدث عنه الشرف الدمياطي وغيره (¬2) . 63- عبد الكريم بن عطاء الله أبو محمد الإسكندراني. كان إمامًا في الفقه والأصول والعربية، تفقه على أبي الحسن الإبياري، رفيقًا لابن الحاجب. وله تصانيف، منها شرح التهذيب، ومختصر التهذيب، ومختصر المفصل. توفي في شهر رمضان سنة اثنتي عشرة وستمائة (¬3) . ¬

(¬1) شذرات الذهب 5: 180. (¬2) شذرات الذهب 5: 224. (¬3) الديباج المذهب 167.

64- القرطبي أبو العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم الأنصاري المالكي، الفقيه المحدث نزيل الإسكندرية. ولد سنة ثمان وسبعين وخمسمائة، وسمع الكثير، وقدم الإسكندرية، فأقام بها يدرس، وصنف المفهم في شرح صحيح مسلم، واختصر الصحيحين. مات في ذي القعدة سنة ست وخمسين وستمائة (¬1) . 65- ابن الجرج أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن التلمساني المالكي نزيل الثغر. كان من صلحاء العلماء، سمع بسبته الموطأ من أبي محمد بن عبيد الله الحجري. مات في ذي القعدة سنة ست وخمسين وستمائة عن اثنتين وسبعين سنة (¬2) . 66- عبد الله بن عبد الرحمن بن عمر الشارمساحي. نشأ بالإسكندرية، وتفقه وبرع، وكان من أئمة المالكية، بحرًا لا تكدره الدلاء. وله تصانيف في الفقه والنظر والخلاف، وصل إلى بغداد فأكرمه الخليفة المستنصر وولاه تدريس المستنصرية. ولد سنة تسع وثمانين وخمسمائة، ومات سنة تسع وستين وستمائة (¬3) . 67- العلامة مجد الدين علي بن وهب بن دقيق العيد، والد الشيخ تقي الدين، شيخ أهل الصعيد، ونزيل قوص. كان جامعًا لفنون العلم، موصوفًا بالصلاح والتأله، معظمًا في النفوس، روى عن علي بن المفضل وغيره. مات في المحرم سنة سبع وستين وستمائة عن ست وثمانين سنة (¬4) . 68- قاضي القضاة شرف الدين أبو حفص عمر بن عبد الله بن صالح السبكي. ولد سنة خمس وثمانين وخمسمائة، وتفقه وأفتى، ودرس بالصالحية، وولي حسبة القاهرة، ثم قضاء الديار المصرية لما ولوا من كل مذهب قاضيًا، وكان مشهورًا ¬

(¬1) شذرات الذهب 5: 273. (¬2) شذرات الذهب 5: 283. (¬3) الشافعي: منسوب إلى شارمساح: قرية بمصر، قريبة من دمياط. (¬4) الطالع السعيد 229.

بالعلم والدين، روى عنه البدر بن جماعة. مات في ذي القعدة سنة تسع وستين وستمائة. 69- قاضي القضاة نفيس الدين بن هبة الله بن شكر، قاضي الديار المصرية. ولد سنة خمس وستمائة، ومات سنة ثمانين وستمائة. 70- محمد بن الحسين بن عتيق بن رشيق الربعي المصري علم الدين، شيخ المالكية. كان من سادات المشايخ، جمع بين العلم والعمل والورع، ولي قضاء الإسكندرية. ولد سنة خمس وتسعين وخمسمائة، ومات سنة ثمانين وستمائة (¬1) . 71- شمس الدين محمد بن أبي القاسم بن حميد التونسي الربعي. العلامة المفتي، ولي قضاء الإسكندرية مرة، ومات سنة خمسين وثمانمائة عن ست وثمانين سنة. 72- قاضي القضاة زين الدين علي بن مخلوف بن ناهض النويري. ولي قضاء الديار المصرية ثلاثا وثلاثين سنة من بعد ابن شاس، وكان مشكور السيرة. مات سنة ثلاث عشرة وسبعمائة (¬2) . 73- زين الدين أبو القاسم محمد بن العلم محمد بن الحسين بن عتيق بن رشيق المالكي. ولي قضاء الإسكندرية اثنتي عشرة سنة، وذكر لقضاء دمشق، روى عن ابن الجميزي، وله نظم وفضائل. مات في المحرم سنة خمس وعشرين وسبعمائة عن اثنتين وسبعين سنة (¬3) . 74- تاج الدين الفاكهاني عمر بن علي بن سالم اللخمي الإسكندري. كان فقيهًا متفننًا في العلوم، صالحًا عظيمًا، صحب جماعة من الأولياء، وتخلق بآدابهم. صنف شرح العمدة وشرح الأربعين النووية وغير ذلك. ولد سنة أربع وخمسين وستمائة ومات سنة أربع وثلاثين وسبعمائة (¬4) . ¬

(¬1) الديباج المذهب 328. (¬2) الدرر الكامنة 3: 127. (¬3) الدرر الكامنة 4: 174. (¬4) الدرر الكامنة 3: 178.

75- عبد الواحد بن شرف الدين بن المنير، ابن أخي القاضي ناصر الدين. قال ابن فرحون: كان شيخ الإسكندرية، ويلقب بعز القضاة، فاضلًا أديبًا عمر وانتفع به الناس، أخذ الفقه عن عميه ناصر الدين وزين الدين، وألف تفسيرًا في عشرة مجلدات. ولد سنة إحدى وخمسين وستمائة، ومات سنة ست وثلاثين وسبعمائة (¬1) . 76- ابن الحاج صاحب المدخل، أبو عبد الله بن محمد بن محمد العبدري الفاسي. أحد العلماء المشهورين بالزهد والصلاح، من أصحاب أبي محمد بن أبي جمرة، كان فقيهًا عارفًا بمذهب مالك، وصحب جماعة من أرباب القلوب. مات بالقاهرة سنة سبع وثلاثين وسبعمائة (¬2) . 77- ابن القوبع ركن الدين محمد بن محمد بن عبد الرحمن التونسي، نزيل القاهرة. قال ابن فرحون: شيخ المالكية بالديار المصرية والشامية، العلامة الفريدة في فنون العلم، لم يخلف بعده مثله، ولد سنة أربع وستين وستمائة، ومات بالقاهرة سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة (¬3) . 78- أبو الحسين بن أبي بكر الكندي، قاضي الإسكندرية. شيخ العلماء، وحيد عصره وفريد زمانه، حدث عن الدمياطي، وصنف وأفتى، وانتفع به الناس. ولد سنة أربع وخمسين وستمائة، ومات سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، ذكره ابن فرحون. 79- الزواوي عيسى بن مسعود أبو الروح. كان فقيهًا عالمًا متفننًا، انتفع به الناس، وانتهت إليه رياسة المالكية بالديار المصرية والشامية، وله تصانيف؛ منها شرح ¬

(¬1) الديباج المذهب 177، والدرر الكامنة 2: 422، واسمه هناك: "عبد الواحد بن منصور". (¬2) الديباج المذهب 327، والدرر الكامنة 4: 237. (¬3) الدرر الكامنة 4: 181.

مسلم وشرح مختصر ابن الحاجب، وشرح المدونة، وتاريخ ومناقب مالك، والرد على ابن تيمية في مسألة الطلاق. ولد سنة أربع وستين وستمائة، ومات بالقاهرة سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة (¬1) . 80- جمال الدين عبد الله بن محمد المسيلي العلامة البارع. صاحب المصنفات البديعة. مات بالقاهرة سنة أربع وأربعين وسبعمائة. 81- عيسى بن مخلوف بن عيسى المغيلي. قال ابن فرحون: كان من فضلاء المالكية وأعيانهم بالديار المصرية، ولي القضاء بها؛ فحمدت سيرته. مات سنة ست وأربعين وسبعمائة (¬2) . 82- قاضي الديار المصرية تقي الدين محمد بن أبي بكر السعدي المعروف بابن الأخنائي. كان فقيهًا صالحًا، سمع من الدمياطي، وله تصانيف حسنة، وكان من عدول القضاة وخيارهم، وكان بقية الأعيان وفقهاء الزمان. ولد سنة ثمان وخمسين وستمائة، ومات سنة خمسين وسبعمائة (¬3) . 83- خليل بن إسحاق الجندي، أحد أئمة المالكية بالقاهرة، وصاحب المختصر المشهور، وله أيضًا شرح مختصر ابن الحاجب، ومناسك الحج وغير ذلك، تفقه بالشيخ عبد الله المنوفي، وكان ممن جمع العلم والعمل، والزهد والتقشف. تخرج به جماعة من الفضلاء، ومات سنة سبع وستين وسبعمائة (¬4) . 84- الرهوني شرف الدين يحيى بن عبد الله الفقيه المالكي. قال الحافظ ابن حجر: أصله من المغرب، واشتغل ومهر واشتهر، ودرس بالشيخونية، ودرس الحديث في ¬

(¬1) الدرر الكامنة 3: 21. (¬2) الديباج المذهب 184. (¬3) الإخنائي، بالكسر، نسبة لإخناء، مقصورة، بلدة بقرب الإسكندرية من الغربية. الضوء اللامع 11: 183. (¬4) الدرر الكامنة 2: 86.

الصرغتمشية، وأفتى. وله تخاريج وتصانيف، تخرج به المصريون. مات في ثالث شوال سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة، ورثاه ابن الصائغ (¬1) . 85- القفصي عبد الله بن عبد الرحمن المالكي. قال ابن حجر: كان مشهورًا بالعلم منصوبًا للفتوى، مات في رمضان سنة ست وسبعين وسبعمائة (¬2) . 86- الإخنائي برهان الدين إبراهيم بن محمد بن أبي بكر، كان شافعيًّا، ثم تحول مالكيًّا كعمه، وولي الحسبة، ونظر الخزانة، وناب في الحكم، ثم ولي القضاء استقلالًا سنة ثلاثين وستمائة، فاستمر إلى أن مات. وكان مهيبًا صارمًا قوالًا بالحق، قائمًا بنصر الشرع، رادعًا للمفسدين. صنف مختصرًا في الأحكام، مات في رجب سنة سبع وسبعين وسبعمائة. 87- ناصر الدين أحمد بن محمد بن محمد بن محمد بن عطاء الله الزبيري الإسكندراني. تفقه ومهر، وفاق الأقران في العربية، وشرح التسهيل ومختصر ابن الحاجب، وولي قضاء الديار المصرية. مات في رمضان سنة إحدى وثمانمائة. 88- ابن شمس الدين محمد بن محمد بن إسماعيل البكري. برع في الفقه، وولي تدريس الظاهرية وعين للقضاء فامتنع، مات في ربيع الأول سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة، وقد بلغ الستين (¬3) . 89- بهرام بن عبد الله بن عبد العزيز بن عمر، بن عوض. ولد سنة أربع وثلاثين وسبعمائة، وأخذ عن الشيخ خليل وغيره، وصنف الشامل في الفقه، وشرح مختصر ¬

(¬1) الدرر الكامنة 4: 421، وشذرات الذهب 6: 230، وفيه: "الزرهوني، نسبة إلى زرهون، جبل قريب من فاس". (¬2) القفصي: منسوب إلى قفصة: مدينة بالمغرب، قرب القيروان. (¬3) الضوء اللامع 9: 54.

الشيخ خليل، وشرح أصول بن الحاجب، وشرح ألفية بن مالك وغير ذلك، وولي تدريس الشيخونية وقضاء المالكية، أجاز للكمال الشمني، ومات في جمادى الآخرة سنة خمس وثمانمائة (¬1) . 90- ابن خلدون قاضي القضاة ولي الدين عبد الرحمن بن محمد بن محمد الحضرمي. ولد سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة، وسمع من الواد بآشي وغيره، وأخذ الفقه عن قاضي الجماعة ابن عبد السلام وغيره، وبرع في العلوم، وتقدم في الفنون، ومهر في الأدب والكتابة، وولي كتابة السر بمدينة فاس، ثم دخل القاهرة فولي مشيخة البيبرسية وقضاء المالكية، وصنف التاريخ الكبير. مات في رمضان سنة ثمان وثمانمائة (¬2) . 91- البساطي قاضي القضاة شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان شيخ الإسلام، ولد سنة ست وخمسين وسبعمائة، وبرز في الفنون، ودرس بالشيخونية وغيرها، وولي قضاء المالكية، وصنف تصانيف، مات في رمضان سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة (¬3) . 92- الشيخ عبادة بن علي بن صالح بن عبد المنعم الأنصاري الزرزائي الإمام العلامة. ولد في جمادى الأولى سنة ثمان وسبعين وسبعمائة، ومهر في الفقه والأصلين والعربية، وصار رأس المالكية، وعين للقضاء بعد موت البساطي فامتنع، فألح عليه، فتغيب إلى أن ولي غيره، وولي تدريس الأشرفية والشيخونية والظاهرية، وانقطع في آخر عمره إلى الله تعالى، وأعرض عن الاجتماع بالناس، وامتنع من الإفتاء. مات في شوال سنة ست وأربعين وثمانمائة (¬4) . ¬

(¬1) الضوء اللامع 3: 20. (¬2) الضوء اللامع 4: 145. (¬3) الضوء اللامع 7: 50. (¬4) الضوء اللامع 4: 16.

ذكر من كان بمصر من الفقهاء الحنفية:

ذكر من كان بمصر من الفقهاء الحنفية: 1- إسماعيل بن سبيع (¬1) الحنفي أبو محمد الكوفي قاضي مصر. روى عن أبي رزين وأبي مالك. روى عنه إسرائيل، وحفص بن غياث، وخرج له مسلم وأبو داود والنسائي (¬2) . 2- القاضي بكار بن قتيبة بن أسد الثقفي. من ولد أبي بكرة الصحابي البصري. أبو بكر الفقيه قاضي الديار المصرية، سمع أبا داود الطيالسي وأقرانه، روى عنه أبو عوانة في صحيحه وابن خزيمة، وولاه المتوكل القضاء بمصر سنة ست وأربعين ومائتين، وله أخبار في العدل والعفة والنزاهة والورع، وتصانيف في الشروط والوثائق والرد على الشافعي فيما نقضه على أبي حنيفة. ولد سنة اثنتين وثمانين ومائة، ومات في ذي الحجة سنة سبعين ومائتين (¬3) . 3- أحمد بن أبي عمران موسى بن عيسى البغدادي الإمام أبو جعفر الفقيه قاضي الديار المصرية. من أكابر الحنفية، تفقه على محمد بن سماعة، وحدث عن عاصم بن علي وطائفة، وروى الكثير، وهو شيخ الطحاوي. مات في المحرم سنة خمس وثمانين ومائتين بمصر، وثقة ابن يونس في تاريخه (¬4) . 4- الطحاوي مر (¬5) . 5- الحسن بن داود بن بابشاذ أبو الحسن المصري. قال ابن كثير: قدم بغداد، ¬

(¬1) في الأصول: "سميع"، وصوابه من الجواهر المضية. (¬2) الجواهر المضية 1: 119. (¬3) الجواهر المضية 1: 168. (¬4) الجواهر المضية 1: 126. (¬5) ص350، وهو علي بن أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي، وانظر الجواهر المضية 1: 352.

وكان من أفاضل الناس وعلمائهم بمذهب أبي حنيفة، مفرط الذكاء قوي الفهم. مات ببغداد سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة، ولم يبلغ من العمر أربعين سنة (¬1) . 6- عبد المعطي بن مسافر بن يوسف بن الحجاج أبو محمد الرشيدي؛ من صحاب الفقيه أبي بكر محمد بن إبراهيم الرازي نزيل الإسكندرية، كان إمامًا حنفيًّا، سمع منه السلفي بالإسكندرية، وقال: سألته عن مولده، فقال: سنة ستين وأربعمائة (¬2) . 7- عبد الله بن محمد بن سعد الله الجريري. يعرف بابن الشاعر، برع في مذهب أبي حنيفة، وقدم صحبة صلاح الدين بن أيوب مصر، فأقام بها يفتي ويدرس بالمدرسة السيوفية ويعظ، إلى أن مات سنة أربع وثمانين وخمسمائة، ومولده في صفر سنة ثلاث عشرة ببغداد. 8- الحسين بن أحمد بن الحسين بن سعيد بن علي بن بندار الإمام أبو الفضل الهمذاني اليزدي. كان تحت يده في بلاده اثنتا عشرة مدرسة، فيها من الطلبة ألف ومائتا طالب، قدم من جدة إلى قوص، فمات بها سنة إحدى وتسعين وخمسمائة، وحمل إلى مصر ميتًا، فدفن بسفح المقطم (¬3) . 9- محمد بن يوسف بن علي بن محمد الغزنوي الإمام أبو الفضل. أحد الفقهاء والقراء والرواة المسندين، تفقه على عبد الغفور بن لقمان الكردي، وسمع الحديث من أبي الفضل بن ناصر، روى عنه الرشيد العطار والمنذري بالإجازة، ولد سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة، ومات بالقاهرة سنة تسع وتسعين (¬4) . 10- عبد الوهاب الحنفي أبو محمد بن النحاس المعروف بالبدر بن المجن. قال ابن العديم: تفقه وبرع في المذهب، وأفتى، وكان مجيدًا في مناظرته، فريدًا في محاورته ¬

(¬1) الجواهر المضية 1: 192. (¬2) الجواهر المضية 1: 207. (¬3) الجواهر المضية 2: 148. (¬4) شذرات الذهب "المجرد".

ناظر الفحول الواردين من وراء النهر وخراسان. قدم القاهرة ودرس السيوفية، ومات بها سنة تسع وتسعين وخمسمائة (¬1) . وله ولد يقال له محمد. 11- عبد القوي بن عبد الخالق بن وحشي المكي الكناني المصري أبو القاسم. كان فقيهًا حنفيًّا، فاضلًا حسن الكلام في مسائل الخلاف، مناظرًا أديبًا شاعرًا. أخذ عن أبي موسى وغيره، ورحل إلى بغداد وأصبهان ونيسابور، ومات ببخارى سنة اثنتين وخمسين وستمائة، وقد جاوز الخمسين (¬2) . 12- الملك المعظم عيسى بن أبي بكر بن أيوب. ولد بالقاهرة سنة ست وسبعين وخمسمائة، وبرع في الفقه والأدب، وشرح الجامع الكبير، وصنف في العروض. ملك دمشق ثماني سنين وأشهرًا، مات في ذي الحجة سنة أربع وعشرين وستمائة (¬3) . 13- علي بن أحمد بن محمود العماد بن الغزنوي أبو الحسن. كان فقيهًا فاضلًا، درس بالسيوفية وغيرها. ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة، ومات في جمادى الأولى سنة ثلاث وثلاثين وستمائة (¬4) . 14- إسماعيل بن إبراهيم بن غازي المارديني أبو الطاهر. يُعرف بابن فلوس، كان عالمًا مبرزًا في الفقه، له يد طولى في الأصلين، ويعرف الطب والمنطق والحكمة وعلوم الأوائل. قدم مصر ودرس بها. وذكره القطب في تاريخ مصر. ولد سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة، ومات بدمشق سنة سبع وثلاثين وستمائة (¬5) . 15- عبد الرحمن بن محمد بن عبد العزيز اللخمي وجيه الدين أبو القاسم القوصي الفقيه النحوي. قال الحافظ الدمياطي: كان متبحرًا في مذهب أبي حنيفة، درس وناظر، ¬

(¬1) شذارت الذهب 4: 341. (¬2) الجواهر المضية 1: 325. (¬3) الجواهر المضية 1: 402. (¬4) الجواهر المضية 1: 352. (¬5) الجواهر المضية 1: 144.

وطال عمره. وله تصانيف في علوم عديدة، نظمًا ونثرًا، تفقه على عبد الله بن محمد بن سعد البجلي مدرس السيوفية، وأخذ النحو عن ابن بري. ولد بقوص سنة خمس وخمسين وخمسمائة، ومات بالقاهرة في ذي القعدة سنة ثلاث وأربعين وستمائة (¬1) . 16- عمر بن أحمد بن هبة الله الصاحب كمال الدين بن العديم الحلبي، الملقب رئيس الأصحاب. الإمام العالم المحدث المؤرخ الأديب الكاتب البليغ. ولد بحلب سنة ثمان وثمانين وخمسمائة، وبرع وساد، وصار أوحد عصره فضلًا ونبلًا، ورياسة، ألف في الفقه والحديث والأدب، وله تاريخ حلب. مات بمصر في جمادى الأولى سنة ستين وستمائة، ودفن بسفح المقطم (¬2) . 17- ولده مجد الدين عبد الرحمن. كان عالمًا بالمذهب، عارفًا بالأدب؛ وهو أول حنفي خطب بجامع الحاكم، وأول حنفي درس بالظاهرية حين بناها الظاهر بيبرس بالقاهرة، ثم ولي قضاء الشام، وانتهت إليه رياسة الحنفية بمصر والشام. ولد سنة ثلاث عشرة وستمائة، ومات في ربيع الآخر سنة سبع وسبعين (¬3) . 18- الصدر سليمان بن أبي العز بن وهيب بن عطاء الأذرعي العلامة. قال الصفدي: كان إمامًا عالمًا متبحرًا عارفًا بدقائق الفقه وغوامضه، انتهت إليه رياسة الأصحاب بمصر والشام، تفقه على الجمال الحصيري وغيره، وسكن مصر، وحكم بها، وولي بها قضاء العسكر، ودرس بالصالحية، ثم ولي قضاء الشام. مات سنة سبع وسبعين وستمائة عن ثلاث وثمانين سنة. وله مؤلفات (¬4) . 19- لؤلؤ بن أحمد بن عبد الله الضرير أبو الدر نجيب الدين. قال الدمياطي: ¬

(¬1) الجواهر المضية 1: 304. (¬2) الجواهر المضية 1: 386. (¬3) الجواهر المضية 1: 303. (¬4) الجواهر المضية 1: 252، واسمه هناك: "سليمان بن وهيب أبو الربيع بن أبي العز".

كان عارفًا بالفقه والنحو، تصدر للإقراء بجامع الحاكم، وأعاد بالسيوفية. ولد سنة ستمائة، ومات في رجب سنة اثنتين وسبعين (¬1) . 20- أبو بكر بن محمد بن عبد الله القزويني الأصل الإسنوي المولد جمال الدين. برع في مذهب أبي حنيفة، وأكب على العبادة، واشتهر، وقصده الناس للاشتغال عليه، ودرس بالصالحية والسيوفية. مات بالقاهرة في حدود الثمانين وستمائة، ذكره الطالع السعيد (¬2) . 21- النعمان بن الحسن بن يوسف الخطيبي معز الدين. قاضي الحنفية بالديار المصرية. كان عارفًا بالمذهب، خيرًا، مات بالقاهرة في شعبان سنة اثنتين وتسعين وستمائة (¬3) . 22- علي بن نصر بن عمر الإمام نور الدين بن السويسي. ناب في الحكم بالقاهرة عن ابن بنت الأعز، وجمع كتابًا فيه زوائد الهداية على القدوري. مات في جمادى الأولى سنة خمس وتسعين وستمائة (¬4) . 23- ابن النقيب الإمام المفسر المفتي جمال الدين أبو عبد الله محمد بن سليمان بن حسن البلخي ثم المقدسي. مدرس العاشورية بالقاهرة. ولد في شعبان سنة إحدى عشرة وستمائة، وقدم مصر، فسمع بها من يوسف بن المخبلي، وأقام مدة بالجامع الأزهر، وصنف تفسيرًا كبيرًا إلى الغاية، وكان إمامًا عابدًا زاهدًا أمّارًا بالمعروف، كبير القدر، يتبرك به بدعائه وزيارته. مات بالقدس في المحرم سنة ثمان وتسعين. ذكره في العبر (¬5) . ¬

(¬1) الجواهر المضية 1: 416. (¬2) الطالع السعيد 426، واسمه فيه "أبو بكر بن محمد بن إبراهيم". (¬3) الجواهر المضية 2: 201. (¬4) انظر الجواهر المضية 1: 381. (¬5) الجواهر المضية 2: 382.

24- حسام الدين الحسن بن أحمد بن الحسن بن أنوشروان الرازي. كان إمامًا علامة، كثير الفضائل. ولي قضاء الحنفية بالديار المصرية وقضاء الشام، وعدم في وقعة التتار سنة تسع وتسعين وستمائة، ومولده في المحرم سنة إحدى وثلاثين (¬1) . 25- السروجي العلامة شمس الدين أحمد بن إبراهيم بن عبد الغني. كان بارعًا في علوم شتى، تفقه على الصدر سليمان، وشرح الهداية، وولي قضاء الديار المصرية. مات في ربيع الآخر سنة إحدى وسبعمائة، ومولده سنة سبع وثلاثين وستمائة (¬2) . 26- رشيد الدين إسماعيل بن عثمان بن المعلم القرشي الدمشقي العلامة شيخ الحنفية. سمع من ابن الزبيدي وغيره، وتفرد، وتلا على السخاوي، وأفتى ودرس، وسكن القاهرة من سنة خمس وخمسين وسبعمائة إلى أن مات بها في رجب سنة أربع عشرة عن إحدى وتسعين سنة. وله ولد يقال له تقي الدين مفت أيضًا، مات قبل والده بقليل (¬3) . 27- شمس الدين محمد بن عثمان بن أبي الحسن الدمشقي الحريري قاضي الديار المصرية. كان رأسًا في المذهب، عادلًا مهيبًا، حدث عن ابن الصيرفي وابن أبي اليسر والقطب بن أبي عصرون. ولد في صفر سنة ثلاث وخمسين وستمائة، ومات في جمادى الآخرة سنة ثمان وعشرين وسبعمائة (¬4) . 28- علاء الدين علي بن يلبان الفارسي أبو الحسن المصري. ولد سنة خمس وسبعين وستمائة، وسمع من الدمياطي وتفقه بالسروجي، وبرع في المذهب وأصوله، وشرح الجامع الكبير، ورتب صحيح ابن حبان على الأبواب، ورتب معجم الطبراني على الأبواب، وشرح التلخيص للخلاطي. مات بالقاهرة في شوال سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة (¬5) . ¬

(¬1) الجواهر المضية 1: 187. (¬2) الجواهر المضية 1: 53. (¬3) الجواهر المضية 1: 154. (¬4) الجواهر المضية 2: 90. (¬5) الجواهر المضية 1: 354.

29- برهان الدين بن علي بن أحمد بن علي، سبط ابن عبد الحق الواسطي قاضي الديار المصرية. روى عن جده وابن البخاري، وكان إمامًا عالمًا، فقيهًا عارفًا بغوامض المذهب، محدثًا، درس وناظر، وصنف شرح الهداية وغيره، واختصر سنن البيهقي الكبير. مات في ذي الحجة سنة أربع وأربعين وسبعمائة. 30- فخر الدين عثمان بن إبراهيم بن مصطفى المارديني المشهور بابن التركماني. شيخ الأصحاب في وقته، انتهت إليه رياسة الحنفية بالديار المصرية، وتخرج به خلق كثير، وشرح الجامع الكبير، وألقاه دروسًا بالمنصورية. مات بالقاهرة في رجب سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة، عن إحدى وثمانين سنة (¬1) . وله ولدان: 31- أحدهما: تاج الدين أحمد. ولد بالقاهرة في ذي الحجة سنة إحدى وثمانين وستمائة، وتفقه ودرس، وأفتى وصنف في الفقه وأصوله والفرائض والنحو والهيئة والمنطق. ومن تصانيفه شرح الهداية، وشرح الجامع الكبير. مات بالقاهرة سنة أربع وأربعين وسبعمائة (¬2) . 32- والآخر: علاء الدين علي. ولد سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة، وكان إمامًا في الفقه والأصول، والحديث، ملازمًا للاشتغال، والإفادة. له تصانيف بديعة منها مختصر الهداية، ومختصر علوم الحديث لابن الصلاح، والرد على البيهقي: ولي قضاء الديار المصرية، ومات في المحرم سنة خمس وأربعين وسبعمائة (¬3) . وله ولدان: 33- أحدهما: عبد العزيز، كان فقيهًا فاضلًا، درس بعدة أماكن. مات بالطاعون سنة تسع وأربعين في حياة أبيه (¬4) . ¬

(¬1) الجواهر المضية 1: 345. (¬2) الجواهر المضية 1: 77. (¬3) الجواهر المضية 1: 366. (¬4) الجواهر المضية 1: 320.

34- والآخر: جمال الدين عبد الله. ولي قضاء الديار المصرية بعد موت أبيه، ودرس الحديث بالكاملية بنزول من القاضي عز الدين بن جماعة، ودرس التفسير بجامع ابن طولون، وأفتى وصنف. ولد سنة تسع عشرة وسبعمائة، ومات في شعبان سنة تسع وستين (¬1) . 35- ولده صدر الدين محمد. أفتى ودرس، وولي قضاء الديار المصرية. ولد سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة، ومات شابًّا في ذي القعدة سنة ست وسبعين. 36- الزيلعي شارح الكنز فخر الدين عثمان بن علي بن محجن البارعي. قدم القاهرة سنة خمس وسبعمائة، ودرس وأفتى، ونشر الفقه، وانتفع به الناس. مات في رمضان سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة، ودفن بالقرافة (¬2) . 37- أحمد بن عبد القادر بن أحمد بن مكتوم تاج الدين أبو محمد القيسي. جمع الفقه والنحو واللغة، وصنف تاريخ النحاة، والدر اللقيط من البحر المحيط. ولد في ذي الحجة سنة اثنتين وثمانين وستمائة، ومات سنة تسع وأربعين وسبعمائة (¬3) . 38- أمير كاتب بن أمير عمر بن أمير غازي قوام الدين أبو حنيفة الإتقاني. درس ببغداد ودمشق، ثم قدم إلى مصر فدرس بالجامع الماردني، وبالصُّرغُتمشية أول ما فُتحت. وكان رأسًا في مذهب الحنفية، بارعًا في الفقه واللغة والعربية. صنف شرح الهداية، وشرح الأخسِيكتي، ورسالة في عدم صحة الجمعة في موضعين من البلد. ولد في شوال سنة خمس وثمانين وستمائة، ومات في شوال سنة ثمان وخمسين وسبعمائة (¬4) . 39- السراج الهندي عمر بن إسحاق بن أحمد الغزنوي قاضي القضاة بالديار المصرية. تفقه على الوجيه الرازي، والسراج الثقفي، وصنف شرح الهداية، والشامل ¬

(¬1) الجواهر المضية 1: 278. (¬2) الجواهر المضية 1: 345. (¬3) الجواهر المضية 1: 75. (¬4) الفوائد البهية 50.

في الفروع، وشرح البديع، وشرح المغني وشرح تائية ابن الفارض، وغير ذلك. مات سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة (¬1) . 40- عبد القادر بن محمد بن نصر الله بن سلام، محيي الدين أبو محمد بن أبي الوفا القرشي. درس وأفتى، وصنف شرح معاني الآثار، وطبقات الحنفية (¬2) ، وشرح الخلاصة، وتخريج أحاديث الهداية وغير ذلك. ولد سنة ست وسبعين وستمائة، ومات في ربيع الأول سنة خمس وسبعين وسبعمائة (¬3) . 41- ابن الصائغ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن علي الزمرذي. برع في الفقه والعربية والأدب، ودرس وأفاد، وله تصانيف في فنون، من ذلك شرح ألفية ابن مالك، وشرح البردة، وشرح مشارق الأنوار. مات في شعبان سنة سبع وسبعين وسبعمائة (¬4) . 42- أحمد بن علي بن منصور بن شرف الدين أبو العباس الدمشقي. ولي القضاء بالديار المصرية، واختصر المختار في الفقه؛ وسماه التحرير، وعلق عليه شرحًا، وله تصانيف أخر. مات في شعبان سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة (¬5) . 43- أكمل الدين محمد بن محمد بن محمود البابرتي علامة المتأخرين، وخاتمة المحققين. برع وساد، ودرس وأفاد، وصنف شرح الهداية، وشرح المشارق، وشرح المنار، وشرح البزدوي، وشرح مختصر ابن الحاجب، وشرح تلخيص المعاني والبيان، وشرح ألفية ابن معط، وحاشيته على الكشاف، وغير ذلك. وولي مشيخة الشيخونية أول ما فُتحت، وعُرض عليه القضاء فأبى. مات في رمضان سنة ست وثمانين وسبعمائة (¬6) . ¬

(¬1) الفوائد البهية 149. (¬2) هو الكتاب المسمى بالجواهر المضية، طبع في حيدر آباد سنة 1332. (¬3) الفوائد البهية 99. (¬4) الفوائد البهية 175. (¬5) الفوائد البهية 28. (¬6) الفوائد البهية 195.

44- جلال بن أحمد بن يوسف التباني. أخذ عن القوام الإتقاني والقوام السكاكي وابن عقيل وابن هشام، وكان فقيهًا أصوليًّا نحويًّا بارعًا، تنصب للاشتغال والفتوى مدة طويلة، وسئل بقضاء مصر فلم يرض، وولي تدريس الصُّرْغتمشية ومدرسة الجائي. وله تصانيف، منها شرح المنار ورسالة في عدم جواز صحة الجمعة في مواضع. مات في رجب سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة. 45- العجمي جمال الدين محمود بن علي القيصري. قدم القاهرة قديمًا، واشتغل بالفنون، ومهر. وولي الحسبة مرارًا، ونظر الجيش، وقضاء الحنفية ومشيخة الشيخونية والصُّرْغتمشية، ودرس التفسير بالمنصورية، ودرس الحديث بها. مات في سابع ربيع الأول سنة تسع وتسعين وسبعمائة (¬1) . 46- الطرابلسي قاضي القضاة شمس الدين محمد بن أحمد بن أبي بكر. تفقه بالسراج الهندي وغيره، وكان فقيهًا مشاركًا في الفنون، عارفًا بالوثائق، خبيرًا بالأقضية. وولي القضاء بالقاهرة مرتين، ومات في ذي الحجة سنة تسع وتسعين وسبعمائة، وقد زاد على السبعين. 47- الكلستاني بدر الدين محمود بن عبد الله. اشتغل ببلاده، وقدم القاهرة فولي مشيخة الصُّرغتمشية. وله نظم السراجية في الفرائض وغيره، وكان بارعًا في الفنون. مات سنة إحدى وثمانمائة (¬2) . 48- القاضي مجد الدين إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن علي بن موسى الكناني البلبيسي. تخرج بمغلطاي والتركماني، ومهر في الفقه والفرائض، وشارك في الأدب، وله ¬

(¬1) الفوائد البهية 209. (¬2) الضوء اللامع 10: 136؛ واسمه فيه: "محمود بن عبد الله أبو الثناء الصرائي ثم القاهري الحنفي". قال: "الكلستاني، بضم الكاف واللام ثم مهملة، لكونه كان في مبدئه يكثر من قراءة السعدي العجمي الشاعر المسمى كلستان؛ وهو بالتركي والعجمي: حديقة الورد".

تأليف في الفرائض، واختصر الأنساب للرشاطي، وولي قضاء الحنفية بالقاهرة. مات في ربيع الأول سنة اثنتين وثمانمائة (¬1) . 49- الملطي يوسف بن موسى بن محمد بن أحمد. اشتغل بحلب حتى مهر، ثم دخل إلى الديار المصرية، وتفقه على القوام الإتقاني وغيره، وأفتى ودرس، وولي قضاء الحنفية بالقاهرة. مات في ربيع الآخر سنة ثلاث وثمانمائة، وقد قارب الثمانين. 50- الديري قاضي القضاة شمس الدين محمد بن عبد الله المقدسي وولد بعد سنة أربع وخمسين وسبعمائة، واشتغل وواظب، ومهر في الفنون، وناظر العلماء، واستدعاه المؤيد، فقرره في قضاء الحنفية وفي مشيخة المؤيدة. مات في ذي الحجة سنة سبع وعشرين وثمانمائة (¬2) . 51- قارئ الهداية سراج الدين عمر بن علي. كان في أول أمره خياطًا بالحسينية، ثم اشتغل ومهر في الفقه إلى أن صار المشار إليه في مذهب الحنفية، وكثرت تلامذته والآخذون عنه، وولي مشيخة الشيخونية، ومات في ربيع الآخر سنة تسع وعشرين وثمانمائة، وقد نيف على الثمانين (¬3) . 52- التَّفَهْنِي قاضي القضاة زين الدين عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن بن علي بن هاشم. قال الحافظ ابن حجر: لازم الاشتغال فمهر في الفقه والعربية والمعاني، واشتهر اسمه وناب في الحكم، ثم قرأ تدريس الصُّرغتمشية ومشيخة الشيخونية، ثم قضاء الحنفية. ومات -قيل- مسمومًا في شوال سنة خمس وثلاثين وثمانمائة (¬4) . 53- العيني قاضي القضاة بدر الدين محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين بن يوسف بن محمود. ولد في رمضان سنة اثنتين وستين وسبعمائة، وتفقه، واشتغل بالفنون، ¬

(¬1) الضوء اللامع 2: 268. (¬2) الفوائد البهية 178، قال: "الديري، نسبة إلى دير قرية بدمشق". (¬3) الضوء اللامع 6: 10. (¬4) الفوائد البهية 88.

وبرع ومهر ودخل القاهرة، وولي الحسبة مرارًا وقضاء الحنفية، وله تصانيف؛ منها شرح البخاري وشرح الشواهد، وشرح معاني الآثار، وشرح الهداية وشرح الكنز، وشرح المجمع، وشرح درر البحار، وطبقات الحنفية. وغير ذلك. مات في ذي الحجة سنة خمس وخمسين وثمانمائة (¬1) . 54- ابن الهمام العلامة كمال الدين محمد بن عبد الواحد بن عبد الحميد بن مسعود السيواسي ثم الكندري. ولد تقريبًا سنة تسعين وسبعمائة، وتفقه بالسراج قارئ الهداية وغيره، وتقدم على أقرانه في أنواع العلوم، من الفقه والأصول والنحو والمعاني وغيرها. وكان علامة محققًا جدليًّا نظارًا، قرره الأشرف شيخًا في مدرسته، فباشرها مدة ثم تركها. وولي مشيخة الشيخونية ثم تركها أيضًا. وله تصانيف، منها شرح الهداية والتحرير في أصول الفقه. مات في رمضان سنة إحدى وستين وثمانمائة (¬2) . 55- قاضي القضاة سعد الدين سعد بن قاضي القضاة شمس الدين الديري. ولد في رجب سنة ثمان وستين وسبعمائة، وأخذ، عن والده وغيره وانتهت إليه رياسة الحنفية في زمانه، وولي مشيخة المؤيدية وقضاء الحنفية. وله تصانيف، منها تكملة شرح الهداية للسروجي. مات سنة سبع وستين وثمانمائة (¬3) . 56- شيخنا الشُّمني الإمام تقي الدين أبو العباس أحمد بن الشيخ المحدث، كمال الدين محمد بن محمد بن حسن التميمي الداري. قدوة عين الزمان وإنسانها، وواحد عصره في العلوم بحيث خضعت له رجالها وفرسانها، وشجرة المعارف التي طاب أصلها فزكت فروعها وأغصانها، ورياض الآداب التي فاضت ينابيعها وفاحت زهورها وتنوعت أفنائها. إن أخذ في التفسير كل عنده الكشاف واختفى، أو الحديث كان من ألفاظه الغريبة مُزيل الخفا، أو الفقه عُدّ للنعمان شقيقًا، أو النحو كان للخليل رفيقًا، أو الكلام ¬

(¬1) الفوائد البهية 207. (¬2) الفوائد البهية 180. (¬3) الفوائد البهية 78.

فلو رآه النظام اختل نظامه، ولو أدركه صاحب المواقف لقال: أنت في كل موقف مقدمه وإمامه، أو الأصول، ولو جادله السيف لاختفى في غمده، ولقطع له بالإمامة ولم يقطع بحضرته لكلال حده، أو الإمام الفخر لقال: ما لأحد أن يتقدم بين يدي هذا الحبر، وخاطبه لسان حاله: أنت إمام الطائفة، والرازي على فرقة هي عن الحق صادفة، ولا فخر. ولد بالإسكندرية في رمضان سنة إحدى وثمانمائة، وتلا على الزراتيتي وتفقه بالشيخ يحيى السيرامي، وأخذ النحو عن الشمس الشّطَنوفي والحديث عن الشيخ ولي الدين العراقي، ولازم البساطي في المعقول، وبرع في الفنون، وسمع الكثير، وأجاز له العراقي والبلقيني والحلاوي والمراغي وغيرهم، وقرأ الفنون، وانتفع به الخلق، وصنف حاشية على المغني، وحاشية على الشفا وشرح النقاية في الفقه، وشرح نظم النخبة لأبيه، وأرفق المسالك لتأدية المناسك. وطُلِبَ لقضاء الحنفية فامتنع. مات في ذي الحجة سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة (¬1) . وقلت أرثيه: رزء عظيم به تستنزل العبر ... وحادث جل فيه الخطب والغير رزء مصاب جميع المسلمين به ... وقلبهم منه مكلوم ومنكسر ما فقد شيخ شيوخ المسلمين سوى إنهدام ركن عظيم ليس ينعمر رزية عظمت بالمسلمين وقد ... عمت وطمت فما للقلب مصطبر تبكيه عين أولي الإسلام قاطبة ... ويضحك الفاجر المسرور والغمر من قام بالدين في دنياه مجتهدًا ... وقام بالعلم لا يألو ويقتصر كل العلوم تناغيه وتنشده ... لما قضي: مهلا يأيها البشر إذ كان في كل علم آية ظهرت ... وما العيان كمن قد جاءه الخبر ¬

(¬1) الفوائد البهية 37.

باع طويل يد علياء مع قدمٍ ... لها رسوخ سواها ماله ظفر النقل والعقل حقًا شاهدان رضًا ... بأنه فاق من يأتي ومن غبروا أبان علم أصول الدين متضحًا ... وكم جلا شبهًا حارت بها الفكر وفي الكتاب وفي آياته ظهرت ... آياته حين يتلوها ويعتبر محقق كامل الآلات مجتهد ... وما عسى تبليغ الأبيات والسطر وفي الحديث أياديه قد انتشرت ... آثارها وشذا فياحها العطر قد توج الفقه بالشرح المفيد وقد ... حلته بالسيرا أبحاثه الغرر أنعم بنعمان عينًا حين يذكر في ... أصحابه الشيخ دامت فوقه الدرر يسطو بسيف على الرازي مفتخرًا ... لدى الأصول ما في القوم مفتخر كلامه في علوم العرب أجمعها ... مغنى اللبيب إذا أعيت به الفكر والنظم في الرتبة العلياء فضلته ... بحكيه فيه انسجام القطر والنهر على هدى الأقدمين الغر منهجه ... علمًا وقولًا وفعلًا ما به نكر نقي عرضٍ تقي الدين لا دنس ... يشينه، لا ولا في شأنه غبر سعى إليه قضاء العصر يخطبه ... فرده خائبًا زهدًا به حصر له مكارم أخلاق يسود بها ... أكابر العصر إن طالوا وإن فخروا وجود حاتم يجري من أنامله ... لوافديه وإن قلوا وإن كثروا له فصاحة سحبان وشاهدها ... إجماع كل الورى والنص والنظر لو يحلف الخلق بالرحمن إن له ... كل المحاسن والإحسان ما فجروا عم الورى منه علم ماله مدد ... ومن فوائده ما ليس ينحصر وكل أعيان أهل العصر مرتفع ... بالأخذ عنه لعلياء ومفتخر المنهل العذب حقًا للورود فما ... عن غيره لهم ورد ولا صدر

شيخ الشيوخ ولا أوحشت من سكن ... ولا عفا ل ربع زانه الخفر حياتك الحق في الدارين ثابتة ... ما العالمون بأموات وإن قبروا قطعت عمرك إما ناشرًا لهدىً ... أو نافعًا لفتى قد مسه الضرر على سواك ربيع العلم رونقه ... محرم وهم من فهمه صفروا غرست دوحة علم للورى فهم ... من مستظل ومن دانٍ له الثمر وكم قصدت إلى إيضاح مشكلة ... أو حل معضلة طارت بها الشرر ولم تشنك ولايات القضاء فلا ... تراع من حاسب يحصى ويختبر ومن يكن عمره التقوى بضاعته ... فلا يخاف ونعم العمر والعمر حزت العلا في الورى علمًا ومنقبه ... سوى الذي لك عند الله مدخر أبشر بروحٍ وريحان ودار رضًا ... ورحمة وصفاء ما به كدر أبشر وبشراك صدق ما بها ريب ... كما بها يشهد التنزيل والأثر يثني عليك جميع الخلق قاطبة ... إن الثناء على هذا لمعتبر يذكر الموت قرب الانتقال وما ... كمثل موت تقي الدين مدكر والله يخلفه في نسله كرمًا ... والله أعظم من يرجى وينتظر والله قضي بإسراع اللحوق فما ... للقلب بعد هداة الدين مصطبر دهر عجيب يطم السمع منكره ... وما به للهدى عون ولا وزر وكل وقت ترى الأخيار قد ذهبوا ... وللأشرة فيه النار تستعر حبر فحبر إمام بعد آخر لا ... يُرى له خلف كلا ولا نظر إذا نجوم الهدى والرشد قد أفلت ... ضل الورى فلهم في غيهم سكر هم الألى تشرق الدنيا ببهجتها ... لا شمسها وأبو إسحاق والقمر وإن تكن أعين الإسلام ذاهبة ... تترى فعما قليل يذهب الأثر

57- الشيخ أمين الدين، الأقصرائي يحيى بن محمد شيخ الحنفية في زمانه. ولد سنة نيف وتسعين وسبعمائة، وانتهت إليه رياسة الحنفية في زمانه. مات في أواخر المحرم سنة ثمانين وثمانمائة. 58- الشيخ سيف الدين الحنفي محمد بن محمد بن عمر بن قطلوبغا البكتمري العلامة الورع الزاهد العابد. ولد تقريبًا على رأس ثمانمائة، وأخذ عن السراج قارئ الهداية والتفهني، ولازم ابن الهمام، وانتفع به، وبرع في الفقه والأصول والنحو، وكان شيخه ابن الهمام يقوله عنه: هو محقق الديار المصرية، مع ما هو عليه من سلوك طريق السلف والعبادة والخير، وعدم التردد إلى أحد أبدًا مدة عمره، "ولم يُر مثله تورعًا" (¬1) ، وولي التدريس بأماكن، منها درس التفسير بالمنصورية، وآخر ما تولى مشيخة المؤيدية ثم الشيخونية. وله حاشية على التوضيح كثيرة الفوائد. مات في ذي القعدة سنة إحدى وثمانين وثمانمائة (¬2) . وهو آخر شيوخي موتًا لم يتأخر بعده أحد ممن أخذت عنه العلم إلا رجل قرأت عليه ورقات من المنهاج. وقلت أرثيه: مات سيف الدين منفردًا ... وغدًا في اللحد منغمدا عالم الدنيا وصالحها ... لم تزل أحواله رشدا يبكيه دين النبي إذا ... ما أتاه ملحد كمدا إنما يُبكى على رجل ... قد غدا في الخير معتمدا لم يكن في دينه وهن ... لا ولا للكبر منه ردا عمره أفناه في نصب ... لإله العرس مجتهدا من صلاةٍ أو مطالعة ... أو كتاب الله مقتصدا ¬

(¬1) من ط. (¬2) شذرات الذهب 7: 322.

لا يوافيه لمظلمة ... بشر أو مدع فندا في الذي قد كان من ورع ... لم يخلف بعده أحدا دنت الدنيا لمنصرم ... ورحيل الناس قد أفدا ليت شعري من نؤمله ... بعد هذا الحبر ملتحدا ثلمة في الدين مؤتته ... مالها من جابر أبدا قد روينا ذاك في خبر ... وهو موصول لنا سندا فعليه هامعات رضًا ... ومن الغفران سحب ندى وبعثنا ضمن زمرته ... مع أهل الصدق والشهدا

ذكر من كان بمصر من أئمة الفقهاء الحنابلة:

ذكر من كان بمصر من أئمة الفقهاء الحنابلة: هم الديار المصرية قليل جدًّا، ولم أسمع بخبرهم فيها إلا في القرن السابع وما بعده؛ وذلك إن الإمام أحمد رضي الله عنه كان في القرن الثالث، ولم يبرز مذهبه خارج العراق إلا في القرن الرابع، وفي هذا القرن ملكت العبيديون مصر، وأفنوا من كان بها من أئمة المذاهب الثلاثة، قتلًا ونفيًا وتشريدًا، وأقاموا مذهب الرفض والشيعة، ولم يزالوا منها إلى أواخر القرن السادس، فتراجعت إليها الأئمة من سائر المذاهب. 1- وأول إمام من الحنابلة علمت حلوله بمصر، الحافظ عبد الغني المقدسي صاحب العمدة، وقد مرت ترجمته في الحفاظ (¬1) . 2- نجم الدين أبو عبد الله أحمد بن حمدان الحراني النميري الحنبلي العلامة الكبير شيخ الفقهاء. مصنف الرعاية الكبيرة، روى عن عبد القادر الرهاوي وفخر الدين بن تيمية، وانتهت إليه معرفة المذهب. مات بالقاهرة في صفر سنة خمس وتسعين وستمائة، وله اثنتان وتسعون سنة. قاله في العبر (¬2) . 3- قاضي الديار المصرية عز الدين عمر بن عبد الله بن عمر بن عوض المقدسي. قال ابن كثير: سمع الحديث، وبرع في المذهب، وولي قضاء الحنابلة بالقاهرة، وكان مشكور السيرة مات في صفر سنة ست وتسعين وستمائة وله خمسون وستون سنة (¬3) . قال في العبر: روى عن ابن اللتي وجعفر الهمذاني. 4- عفيف الدين عبد السلام بن محمد بن مزروع بن أحمد عواري المصري الحنبلي. ¬

(¬1) ص354. (¬2) شذرات الذهب 5: 428. (¬3) البداية والنهاية 13: 350، وشذرات الذهب 5: 430، وذكره في وفيات الأعيان 695.

العالم القدوة. ولد سنة خمس وعشرين وستمائة وسمع الحديث، وجاور بالمدينة خمسين سنة، ومات بها في صفر سنة ست وتسعين (¬1) . 5- قاضي القضاة شرف الدين عبد الغني بن يحيى بن عبد الله الحراني. لم يكن في زمانه مثله علمًا ورياسة. ولد بحران سنة إحدى وتسعين وستمائة، وقدم مصر فولي نظر الخزانة وتدريس الصالحية ثم القضاء، وكان مشكور السيرة. مات في ربيع الأول سنة تسع وخمسين وسبعمائة. 6- سعد الدين الحارثي. مر في الحفاظ (¬2) . 7- قاضي القضاة موفق الدين عبد الله بن عبد الملك المقدسي. أقام في القضاء بديار مصر أكثر من ثلاثين سنة. مات في المحرم سنة تسع وستين وسبعمائة (¬3) . 8- أبو بكر بن محمد العراقي ثم المصري تقي الدين الحنبلي. قال الحافظ ابن حجر: كان من فضلاء الحنابلة. مات في جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة (¬4) . 9- قاضي القضاء ناصر الدين أبو الفتح نصر الله بن أحمد الكناني العسقلاني. أقام في قضاء الديار المصرية ستا وعشرين سنة، وكان مشكور السيرة. مات في شعبان سنة خمس وتسعين وسبعمائة. 10- ولده برهان الدين إبراهيم. ولد في رجب سنة ثمان وستين وسبعمائة، وولي القضاء بعد والده، وعمره بضع وعشرون سنة، وسلك طريق أبيه في الفقه والتعفف في الأحكام، مع بشاشة ولين جانب. وكان الظاهر برقوق يعظمه. مات في ¬

(¬1) شذرات الذهب 5: 436. (¬2) ص358. (¬3) شذرت الذهب 6: 215. (¬4) شذرات الذهب 6: 227.

ربيع الأول سنة اثنتين وثمانمائة (¬1) . 11- أخوه موفق الدين أحمد بن القاضي ناصر الدين. ولد في المحرم سنة تسع وستين وسبعمائة، وولي القضاء مرتين، ومات في رمضان سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة. 12- أبو بكر بن أبي المجد ماجد السعد الحنبلي عماد الدين. ولد سنة خمس وثلاثين وسبعمائة، وسمع من المزي والذهبي، وحصل طرفا صالحا من الحديث، واختصر تهذيب الكمال، وسكن مصر، فقُرر طالبا بالشيخونية، فلم يزل بها حتى مات في جمادى الأولى سنة أربع وخمسين وثمانمائة. ومن تصانيفه تجريد الأوامر والنواهي من الكتب الستة. 13- نور الدين الحكري علي بن خليل بن علي. كان فاضلا نبيها، درس وأفاد، ولي قضاء الحنابلة عوضا عن موفق الدين، ثم عزل. مات في المحرم سنة ست وخمسين وثمانمائة (¬2) . 14- عبد المنعم بن سليمان بن داود بن الشيخ شرف الدين البغدادي. ولد ببغداد، واشتغل بها وتفقه ومهر وأفتى، ودرس وأخذ الفقه عن الموفق الحنبلي وعين للقضاء غير مرة، واستوطن القاهرة إلى أن مات في شوال سنة سبع وخمسين وثمانمائة (¬3) . 15- جلال الدين نصر الله بن أحمد بن محمد بن عمر البغدادي نزيل القاهرة. ولد سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة، وأخذ عن الكرماني وغيره، وولي غالب تداريس الحديث ببغداد، ثم قدم القاهرة، فولي تدريس الحنابلة بالبرقوقية، وغالب تداريس ¬

(¬1) شذرات الذهب 7: 13. (¬2) الضوء اللامع 5: 216. (¬3) الضوء اللامع 5: 88، واسمه هناك: "عبد المنعم بن داود بن سليمان".

الحديث بمصر. مات في سنة اثنتي عشرة وثمانمائة (¬1) . 16- نجم الدين الباهي محمد بن محمد بن محمد بن عبد الدائم. سمع على العرضي وجماعة، وأفتى ودرس، وشارك في العلوم. قال الحافظ ابن حجر: كان أفضل الحنابلة بالديار المصرية، وأحقهم بولاية القضاء. مات سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة. 17- الحَبْتي شمس الدين محمد بن أحمد بن معالي. ولد سنة خمس وأربعين وسبعمائة، ومهر في الفنون، وناب في الحكم، وتكلم على الناس. مات في المحرم سنة خمس وعشرين وثمانمائة (¬2) . 18- ابن مغلي قاضي القضاة علاء الدين علي بن محمود بن أبي بكر الحموي. ولد سنة إحدى وسبعين وسبعمائة، وكان آية في سرعة الحفظ، ولي قضاء الديار المصرية، ومات في صفر سنة ثمان وعشرين وثمانمائة (¬3) . 19- قاضي القضاة محب الدين أحمد بن العلامة جلال الدين نصر الله بن أحمد بن محمد بن عمر البغدادي. ولد في صفر سنة خمس وستين وسبعمائة ببغداد، ونشأ على الخير والاشتغال بالعلوم، ثم رحل إلى دمشق، ثم دخل القاهرة، فقُرر صوفيا بالبرقوقية، وناب في القضاء عن ابن مغلي والمجد بن سالم، ثم ولي قضاء الحنابلة بالقاهرة استقلالا. ومات في جمادى الأولى سنة أربع وأربعين وثمانمائة (¬4) . 20- الزركشي زين الدين عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن محمد، أبو ذر. ولد في رجب سنة ثمان وخمسين وسبعمائة، وتفقه على قاضي القضاة ناصر الدين بن ¬

(¬1) شذرات الذهب 7: 99. (¬2) شذرات الذهب 7: 171: قال: "الحبتي، بفتح الحاء المهملة، وسكون الموحدة وفوقية، نسبة إلى حبتة بنت مالك بن عمرو بن عوف". (¬3) شذرات الذهب 7: 185. (¬4) شذرات الذهب 7: 250.

نصر الله وغيره، وسمع صحيح مسلم على البياني، وولي تدريس الحنابلة بالأشرفية الجديدة، وله تصانيف. 21- أحمد بن إبراهيم بن نصر الله بن أحمد بن أحمد بن محمد بن أبي الفتح بن هاشم بن إسماعيل بن نصر الله بن أحمد الكناني العسقلاني الأصل المصري المولد، شيخنا قاضي القضاة عز الدين أبو البركات بن قاضي القضاة برهان الدين بن قاضي القضاة ناثر الدين الحنبلي. قاضٍ مشى (¬1) على طريقة السلف، وسعى إلى أن بلغ العلا لما كل غيره ووقف، من أهل بيت في العلوم والقضاء عريق، وبالرياسة والنفاسة حقيق، خدم فنون العلم إلى أن بلغ منها المنى، وتفرد بمذهب الإمام أحمد فما كان في عصره من يشير إلى نفسه بأنا، وولي القضاء فأحيا سنة التواضع والتقشف، وترك الناموس وطرح التكلف. سهل الباب، عديم الحجاب، خشن الأثواب، لين الخطاب، للدنيا به فخار، وللكسير به انجبار، تعتقده الملوك والأمراء، ويتردد إليه الفضلاء والفقراء، يصل إليه لتواضعه المرأة والصغير، ويهابه لفرط دينه الجبار والأمير، ولم يزل على حاله الجميل، سائرًا من أنواع المحاسن في أحسن سبيل، ما بين تأليف ومطالعة، وإفتاء ومراجعة؛ إلى أن أتاه من الموت ما لا محيد عنه، وحل به ما لابد منه، فضحك له وجه الدار الآخرة وأقبل، وبكى على فراقه مذهب ابن حنبل. ولد في ذي القعدة سنة ثمانمائة، وأخذ عن المحب بن نصر الله، والعز بن جماعة، والشيخ عبد السلام البغدادي وغيرهم، وسمع الكثير. وأجاز له العراقي والمراغي وخلق، وناب في القضاء عن ابن مغلي وله نحو العشرين سنة، ثم ولي قضاء الحنابلة بالديار المصرية، فباشره بعفة ونزاهة وتواضع مفرط بحيث لم يتخذ نقيبًا ولا حاجبًا، ودرس للحنابلة بغالب مدارس البلد، وله تعاليق (¬2) وتصانيف ومسودات كثيرة، في الفقه وأصوله، والحديث والعربية والتاريخ وغير ذلك مات في جمادى الأولى سنة ست وسبعين وثمانمائة (¬3) . ¬

(¬1) كذا في ح، ط وفي الأصل: "قاضي مصر". (¬2) كذا في ح، وفي الأصل "تأليف". (¬3) شذرات الذهب 7: 321.

ذكر من كان بمصر من أئمة القراءات:

ذكر من كان بمصر من أئمة القراءات: 1- عقبة بن عامر الجهني (¬1) . 2- أبو تميم الجيشاني (¬2) . 3- عبد الرحمن بن هرمز الأعرج (¬3) . 4- ورش عثمان بن سعيد أبو سعيد المصري -وقيل أبو عمرو، وقيل أبو القاسم- أصله قبطي مولى آل الزبير بن العوام. ولد سنة خمس عشرة ومائة، وأخذ القراءة عن نافع، وهو الذي لقبه بورش لشدة بياضه، وقيل: لقبه بالورشان ثم خفف. انتهت إليه رياسة الإقراء بالديار المصرية في زمانه، وكان ماهرًا في العربية. مات بمصر سنة سبع وتسعين ومائة (¬4) . 5- سقلاب بن شنينة أبو سعيد المصري. قرأ على نافع، وكان يقرئ في أيام ورش. أخذ عنه يونس بن عبد الأعلى ويعقوب بن الأزرق. مات سنة إحدى وتسعين ومائة (¬5) . 6- معلى بن دحية أبو دحية. قرأ على نافع، وعليه يونس بن عبد الأعلى، وعبد القوي بن كمونة، وأبو مسعود المدني (¬6) . ¬

(¬1) عقبة بن عامر الجهني؛ ذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ 1: 40، وقال: "صاحب رسول الله، وكان فقيهًا عاملًا، قارئًا لكتاب الله بصيرًا بالفرائض"؛ ونقل عن ابن يونس أنه ولي إمرة مصر؛ وكان له مصحف بخطه، ثم قال: توفي سنة 58. (¬2) ذكره ابن سعد في الطبقات 7: 51، وقال: "كان ثقة، روى عن عمر وعلي؛ ومات سنة سبع أو ثمان وسبعين في خلافة عبد الملك بن مروان". (¬3) ذكره ابن الأنباري في نزهة الأولباء 15؛ وقال: كان أحد القراء، عالمًا بالعربية، وأعلم الناس بأنساب العرب، وخرج إلى الإسكندرية وأقام بها إلى أن مات سنة سبع عشرة ومائة. (¬4) طبقات القراء لابن الجزري 1: 502. (¬5) طبقات القراء 1: 308. (¬6) طبقات القراء 2: 304.

7- الغازي بن قيس مر (¬1) . 8- داود بن أبي طيبة المصري أبو سليم بن هارون بن يزيد مولى آل عمر بن الخطاب. قرأ على ورش، وعليه ابنه عبد الرحمن. قال ابن يونس: مات في شوال سنة ثلاث وعشرين ومائتين (¬2) . 9- أبو سعيد بن يحيى بن سليمان الجعفي الكوفي المقرئ الحافظ نزيل مصر. سمع عبد العزيز الدراوردي وطبقته. مات سنة ثمان -وقيل سبع- وثلاثين ومائتين. قاله في العبر (¬3) . 10- أبو يعقوب الأزرق يوسف بن عمرو بن يسار المدني ثم المصري. لزم ورشًا مدة طويلة، وأتقن عنه الأداء، وخلفه في الإقراء بالديار المصرية، وانفرد عنه بتغليظ اللامات وترقيق الراءات. قال أبو الفضل الخزاعي: أدركت أهل مصر والمغرب على أبي يعقوب وورش، لا يعرفون غيرهما. توفي في حدود الأربعين ومائتين (¬4) . 11- عبد الصمد بن عبد الرحمن بن القاسم العتقي أبو الأزهر المصري. أحد الأئمة الأعلام كوالده، حدث عن أبيه وابن عيينة وابن وهب، وقرأ القرآن على ورش، ولمكان أبي الأزهر اعتمد الأندلسيون على قراءة ورش، وهو أخو الفقيه موسى بن عبد الرحمن. مات سنة إحدى وثلاثين ومائتين (¬5) . 12- سليمان بن داود الرشدي مر في المالكية (¬6) . 13- أحمد بن صالح المصري مر في المجتهدين (¬7) . 14- يونس بن عبد الأعلى مر في المجتهدين (¬8) . ¬

(¬1) انظر طبقات القراء 2: 20. (¬2) طبقات القراء 2: 279. (¬3) طبقات القراء 2: 373، والعبر. (¬4) طبقات القراء 2: 402. (¬5) طبقات القراء 1: 389. (¬6) ص447. (¬7) ص306. (¬8) ص309.

15- أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين بن سعد، الحافظ أبو جعفر المصري المقري. قال في العبر: قرأ القرآن على أحمد بن صالح، وروى عن سعيد بن عفير وطبقته وفيه ضعف. قال ابن عدي: يكتب حديثه. مات سنة اثنتين وتسعين ومائتين (¬1) . 16- إسماعيل بن عبد الله بن عمرو بن سعيد بن عبد الله أبو الحسن النحاس. مقرئ الديار المصرية. قرأ على أبي يعقوب الأزرق، وتصدر للإقراء مدة بجامع عمرو فقرأ عليه خلق لإتقانه وتحريره. قرأ عليه أبو الحسن بن شنبوذ. مات سنة بضع ثمان وعشرين (¬2) . 17- أبو بكر بن عبد الله بن مالك بن عبد الله بن سيف التجيبي المقرئ المصري. شيخ الإقليم في القراءات في زمانه. قرأ على أبي يعقوب الأزرق، وعمر دهرًا طويلًا. حدث عن محمد بن رمح صاحب الليث بن سعد، وحدث عنه ابن يونس. مات في جمادى الآخرة سنة سبع وخمسين وثلاثمائة. 18- محمد بن محمد بن عبد الله بن النقاح بن بدر الباهلي أبو الحسن البغدادي المقرئ. نزيل مصر، أخذ القراءة عن الدوري، وحدث عن أحمد بن إبراهيم الدورقي وإسحاق بن أبي إسرائيل. روى عنه حمزة الكناني وأبو سعيد بن يونس، وقال: كان ثقة ثبتًا صاحب حديث متقللًا من الدنيا. مات بمصر في ربيع الأول سنة أربعين وثلاثمائة (¬3) . 19- محمد بن سعيد الأنماطي أبو عبد الله المصري. قرأ على أبي يعقوب الأزرق وعبد الصمد بن عبد الرحمن بن القاسم. قال أبو عمرو الداني: هو من كبار أصحابهما ومن جلة المصريين. أخذ عنه عبد المجيد بن مسكين ومحمد بن خيرون المقرئ (¬4) . ¬

(¬1) طبقات القراء 1: 109، والعبر 92. (¬2) طبقات القراء 1: 165. (¬3) طبقات القراء 2: 242. (¬4) طبقات القراء 2: 146.

20- أحمد بن محمد بن شبيب أبو بكر الرازي. نزيل مصر. أخذ عن موسى بن محمد بن هارون صاحب البزي والفضل بن شاذان، قرأ عليه أبو الفرج الشنبوذي. مات بمصر سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة. 21- أحمد بن عبد الله بن محمد بن هلال أبو جعفر الأزدي المصري. أحد الأئمة القراء بمصر، قرأ على أبيه وعلى إسماعيل بن عبد الله النحاس، وتصدر للإقراء. مات في ذي القعدة سنة خمس عشرة وثلاثمائة (¬1) . 22- عامر بن أحمد بن حمدان أبو غانم المصري المقرئ النحوي. أحد أصحاب أحمد بن هلال وأضبطهم. قرأ عليه محمد بن علي الأدفوي وعامة أهل مصر، وله مؤلف في اختلاف السبعة. مات في ربيع الأول سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة. 23- أحمد بن أسامة بن أحمد بن أسامة بن عبد الرحمن بن عبد الله بن السمح أبو جعفر بن أبي سلمة التميمي مولاهم المصري المقرئ. قرأ لورش على إسماعيل بن عبد الله بن النحاس، قرأ عليه محمد بن النعمان، وعبد الرحمن بن يونس، وروايته في التيسير. مات سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة، وقد جاوز المائة. وقيل: مات في رجب سنة ست وخمسين وثلاثمائة (¬2) . 24- حمدان بن عون أبو جعفر الخولاني المصري. أحد الحذاق. قرأ على أحمد بن هلال ثلاثمائة ختمة، ثم على إسماعيل بن عبد الله النحاس ختمتين. قرأ عليه عمر بن محمد بن عراك. مات سنة خمس وأربعين وثلاثمائة (¬3) . 25- محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن منير أبو بكر بن أبي الأصبغ الحراني نزيل مصر: قرأ على أحمد بن هلال، وكان بصيرًا بمذهب مالك. مات في شوال سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة (¬4) . ¬

(¬1) طبقات القراء 1: 74. (¬2) طبقات القراء 1: 38. (¬3) طبقات القراء 1: 52. (¬4) طبقات القراء 2: 68.

26- أحمد بن عبد العزيز بن بدهن أبو الفتح البغدادي المقرئ نزيل مصر. قرأ على أحمد بن سهل الأشناني وابن مجاهد، وحذق ومهر، وطال عمره واشتهر، وكان من أطيب الناس صوتًا، وأفصحهم أداء. أخذ عنه عبد المنعم بن غليون وابنه طاهر. مات سنة تسع وخمسين وثلاثمائة (¬1) . 27- محمد بن عبد الله المعافري أبو بكر المصري. قرأ على أبي بكر بن حميد بن القباب، قرأ عليه خلف بن إبراهيم بن خاقان. مات بمصر سنة بضع وخمسين وثلاثمائة (¬2) . 28- عبد الله بن الحسين بن حسنون بن أحمد السامري البغدادي مسند القراء بالديار المصرية. قرأ على أحمد بن سهل الأشناني ويموت بن المزرع وابن مجاهد وابن شنبوذ، وسمع من أبي بكر بن أبي داود وابن الأنباري وجماعة. وكان عارفًا بالقراءات شديد العناية بها. قال الداني: مشهور ضابط ثقة مأمون؛ غير أن أيامه طالت فاختل حفظه ولحقه الوهم. أخذ عنه في وقت حفظه وضبطه فارس بن أحمد ومحمد بن الحسين بن النعمان وخلق من المصريين. ولد سنة خمس وتسعين ومائتين، ومات في المحرم سنة ست وثمانين وثلاثمائة. قال الذهبي: آخر من قرأ عليه موتًا أبو العباس بن نفيس (¬3) . 29- غزوان بن القاسم بن علي بن غزوان أبو عمرو المازني. أخذ عن ابن مجاهد وابن شنبوذ، وكان ماهرًا ضابطًا شديد الأخذ، واسع الرواية. ولد سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة، ومات بمصر سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة (¬4) . 30- محمد بن الحسن بن علي بن طاهر الأنطاكي. أحد أعلام القراء، نزيل ¬

(¬1) طبقات القراء 1: 68. (¬2) طبقات القراء 2: 188. (¬3) طبقات القراء 1: 415. (¬4) طبقات القراء 2: 3.

مصر. أخذ عن إبراهيم بن عبد الرزاق، وأخذ عنه عبد المنعم بن غلبون وفارس الضرير، خرج من مصر إلى الشام، فمات في الطريق قيل: سنة ثمانين وثلاثمائة (¬1) . 31- عبد العزيز بن علي بن محمد بن إسحاق بن الفرج أبو عدي المصري. يعرف بابن الإمام، مسند القراء في زمانه بمصر، تلى على أبي بكر بن عبد الله بن مالك بن سيف، قرأ عليه أئمة كطاهر بن غلبون ومكي بن أبي طالب وأبي عمر الطلمنكي وجماعة، آخرهم موتًا أبو العباس أحمد بن نفيس. مات في عاشر ربيع الأول سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة عن تسعين سنة أو أكثر (¬2) . 32- محمد بن علي بن أحمد الإمام أبو بكر الأدفوي المصري المقرئ النحوي المفسر. قرأ القرآن على أبي غانم المظفر بن أحمد، ولزم أبا جعفر النحاس النحوي، وحمل عنه كتبه، وبرع في علوم القرآن، وكان سيد أهل عصره بمصر. قال الداني: انفرد أبو بكر بالإمامة في وقته في قراءة نافع، مع سعة علمه وبراعة فهمه وصدق لهجته وتمكنه من علم العربية، وبصره بالمعاني. له كتاب التفسير في مائة وعشرين مجلدًا، وسماه كتاب الاستغناء في علوم القرآن. مات في سابع ربيع الأول سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة (¬3) . 33- عمر بن محمد بن عرك أبو حفص الحضرمي المصري. قرأ على حمدان بن عون وعبد الحميد بن مسكين، وكان متبحرًا في قراءة ورش. مات سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة (¬4) . 34- عبد المنعم بن عبيد (¬5) الله بن غلبون بن المبارك أبو الطيب الحلبي المقري ¬

(¬1) طبقات القراء 2: 117. (¬2) طبقات القراء 1: 394. (¬3) طبقات القراء 2: 198. (¬4) طبقات القراء 2: 597. (¬5) ط: "عبد الله"، وما أثبته من الأصل وطبقات القراء.

المحقق، مؤلف كتاب الإرشاد في القراءات. قال الذهبي: عداده في المصريين، سكنها مدة. قرأ على إبراهيم بن عبد الرزاق، قرأ عليه ولده مكي بن أبي طالب وأبو عمر الطلمنكي. وكان حافظًا للقراءة، ضابطًا، ذا عفاف ونسك وفضل، وحسن تصنيف. ولد في رجب سنة تسع وخمسين وثلاثمائة، ومات بمصر في جمادى الأولى سنة تسع وثمانين (¬1) . 35- ولده أبو الحسن طاهر. أحد الحذاق المحققين، مصنف التذكرة في القراءات، برع في الفن، وكان من كبار المقرئين في عصره بالديار المصرية، قرأ عليه الداني، وقال: لم نر في وقته مثله. مات بمصر في سن الكهولة لعشر بقين من شوال سنة تسع وتسعين وثلاثمائة (¬2) . 36- عبد الباقي بن الحسن بن أحمد بن السقا أبو الحسن الخراساني أحد الحذاق قرأ على نظيف بن عبد الله الحلبي، وقرأ عليه فارس بن أحمد وجماعة، وكان إمامًا في القراءات، عالمًا بالعربية، بصيرًا بالمعاني، خيرًا مأمونًا. قدم مصر، فقامت له بها شهرة عظيمة، وكنا لا نظنه هناك؛ إذ كان ببغداد. ومات بالإسكندرية سنة نيف وثمانين وثلاثمائة (¬3) . 37- محمد بن الحسن بن أحمد بن علي بن الحسين أبو مسلم الكاتب البغدادي نزيل مصر. كاتب الوزير أبي الفضل بن حنزابة، أخذ عن ابن مجاهد، وسمع الحديث من أبي القاسم البنوي وأبي بكر بن أبي داود وابن دريد ونفطويه وابن صاعد، روى عنه الداني والحافظ عبد الغني ورشاد بن نظيف والقضاعي وخلق. قال الذهبي: هو آخر من روى عن البغوي وغيره، وآخر من روى السبعة عن ابن مجاهد. مات في ذي القعدة سنة تسع وتسعين وثلاثمائة (¬4) . ¬

(¬1) طبقات القراء 1: 470. (¬2) طبقات القراء 1: 339. (¬3) طبقات القراء 1: 356. (¬4) العبر 3: 71.

38- خلف بن إبراهيم بن محمد بن جعفر بن خاقان أبو القاسم المصري. أحد الحذاق في قراءة ورش، قرأ على أحمد بن أسامة التجيبي، قرأ عليه الداني وقال: كان مشهورًا بالفضل والنسك، واسع الرواية. مات بمصر سنة اثنتين وأربعمائة، وهو في عشر الثمانين (¬1) . 39- عبد الجبار بن أحمد الطرسوسي أبو القاسم. شيخ القراءة بمصر في زمانه، قرأ على أبي عدي عبد العزيز وأبي أحمد السامري. قرأ عليه الطاهر إسماعيل بن خلف صاحب العنوان (¬2) . وله كتاب المجتبى في القراءات. مات غرة ربيع الأول سنة عشرين وأربعمائة (¬3) . 40- قسيم بن أحمد بن مطير أبو القاسم الظهراوي المصري. من ساكني قرية أبي اليبس. قرأ على جده لأمه محمد بن عبد الرحمن الظهراوي صاحب أبي بكر بن سيف، وكان ضابطًا لراوية ورش، يقصد فيها، وتؤخذ عنه، خيرًا فاضلًا. مات سنة ثمان أو تسع وتسعين وثلاثمائة. 41- فارس بن أحمد بن موسى بن عمران أبو الفتح الحمصي المقرئ الضرير. أحد الحذاق بهذا الشأن، ومؤلف كتاب المنشأ في القراءات الثمان، قرأ على أبي أحمد السامري وعبد الباقي بن السقا وأبي الفرج الشنبوذي. قرأ عليه ابنه عبد الباقي، والداني. مات بمصر سنة إحدى وأربعمائة وله ثمانون سنة وهو المذكور في باب التكبير من الشاطبية (¬4) . 42- ولده عبد الباقي أبو الحسن المصري. جود القراءات على والده وعلى عمر بن عراك وقسيم الظهراوي، وجلس للإقراء وعمر دهرًا، قرأ عليه ابن الفحام وابن بليمة. مات في حدود الخمسين وأربعمائة (¬5) . ¬

(¬1) طبقات القراء 2: 271. (¬2) العنوان في القراءات، لأبي طاهر إسماعيل بن خلف الأنصاري. (¬3) العبر 3: 137. (¬4) طبقات القراء 2: 50. (¬5) طبقات القراء 1: 357.

43- إسماعيل بن عمرو بن راشد الحداد أبو محمد المصري، المقرئ الصالح. قرأ على أبي عدي عبد العزيز بن الإمام وغزوان بن القاسم، قرأ عليه أبو القاسم الهذلي والمصريون، وحدث عنه أبو الحسن الخلعي، مات سنة تسع وعشرين وأربعمائة (¬1) . 44- إبراهيم بن ثابت بن أخطل أبو إسحاق الأقليشي، نزيل مصر. قرأ على أبي الحسن طاهر بن غلبون وعبد الجبار الطرسوسي، وأقرأ الناس بمصر مكان عبد الجبار بعد موته. مات سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة، وقد شاخ (¬2) . 45- إسماعيل بن محمود بن أحمد أبو الطاهر المحلي. خطيب جامع المحلة من ديار مصر، تصدر للإقراء، وكان ظاهر الصلاح. مات سنة نيف وثلاثين وأربعمائة (¬3) . 46- الحسن بن محمد بن إبراهيم أبو علي البغدادي المقرئ المالكي. مصنف كتاب الروضة في القراءات. قرأ على أبي أحمد الفرضي وأبي الحسن. ابن الحمامي، وسكن مصر، وصار شيخ القراء بها، قرأ عليه أبو القاسم الهذلي وابن شريح صاحب الكافي. مات في رمضان سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة (¬4) . 47- أحمد بن علي بن هاشم، تاج الأئمة أبو العباس المصري. قرأ على عمرو بن عراك وأبي عدي عبد العزيز بن الإمام وأبي الطيب بن غلبون، وأقرأ الناس دهرًا طويلًا بمصر. قرأ عليه أبو القاسم الهذلي، وحدث عنه أبو عبد الله محمد بن أحمد الرازي في مشيخته. مات في شوال سنة خمس وأربعين وأرعمائة (¬5) . 48- محمد بن أحمد بن علي أبو عبد الله القزويني نزيل مصر. قرأ على طاهر بن غلبون. قرأ عليه يحيى بن الخشاب وعلي بن بليمة. مات في ربيع الآخر سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة (¬6) . ¬

(¬1) طبقات القراء 1: 167. (¬2) طبقات القراء 1: 10. (¬3) طبقات القراء 1: 160. (¬4) طبقات القراء 1: 130. (¬5) طبقات القراء 1: 89. (¬6) طبقات القراء 2: 75.

49- أحمد بن سعيد (¬1) بن أحمد بن نفيس أبو العباس المصري. انتهى إليه علو الإسناد، قرأ على أبي أحمد السامري وعبد المنعم بن غلبون، وحدث عن أبي القاسم الجوهري صاحب المسند، قرأ عليه أبو القاسم الهذلي وابن الفحام، وحدث عنه أبو عبد الله محمد بن أحمد الرازي. مات في رجب سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة وهو في عشر المائة (¬2) . 50- نصر بن عبد العزيز بن أحمد بن نوح الفارسي الشيرازي أبو الحسين. مقرئ الديار المصري ومسندها، قرأ على أبي الحسن الحمامي، وحدث عن أبي الحسين بن بشران. قرأ عليه ابن الفحام، وحدث عنه روزبة بن موسى. مات سنة إحدى وستين وأربعمائة (¬3) . 51- إسماعيل بن خلف بن سعد بن عمران أبو الطاهر الأنصاري الأندلسي ثم المصري. مصنف العنوان في القراءات، أخذ عن عبد الجبار الطرسوسي، وتصدر للإقراء زمانًا ولتعليم العربية، وكان رأسًا في ذلك، اختصر كتاب الحجة لأبي علي الفارسي. مات في أول المحرم سنة خمس وخمسين وأربعمائة (¬4) . 52- يحيى بن علي بن الفرج الأستاذ أبو الحسين المصري المعروف بابن الخشاب. مقرئ الديار المصرية في وقته. قرأ على ابن نفيس وإسماعيل بن خلف، وعليه ناصر بن الحسين وجماعة. مات سنة أربع وخمسمائة (¬5) . 53- الحسن بن خلف بن عبد الله بن بليمة الأستاذ أبو الحسن القيرواني. نزيل الإسكندرية، ومصنف كتاب تلخيص العبارات في القراءات. ولد سنة سبع وعشرين وأربعمائة، وعُني بالقراءات، وتقدم فيها، وتصدر للإقراء مدة. مات بالإسكندرية في ¬

(¬1) ط: س "سعيد"، وما أثبته من الأصل وطبقات القراء. (¬2) طبقات القراء 1: 56. (¬3) طبقات القراء 2 ك 336. (¬4) طبقات القراء 1: 164. (¬5) طبقات القراء 2: 375.

ثالث عشر رجب سنة أربع عشرة وخمسمائة (¬1) . 54- عبد الرحمن بن أبي بكر عتيق بن خلف العلامة الأستاذ أبو القاسم بن الفحام الصقلي صاحب كتاب التجريد في القراءات. انتهت إليه رياسة الإقراء بالإسكندرية علوًّا ومعرفة. قال سليمان بن عبد العزيز الأندلسي: ما رأيت أحدًا أعلم بالقراءات منه؛ لا بالمشرق ولا بالمغرب. قرأ العربية على ابن بابشاذ، وشرح مقدمته. ولد سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة، ومات في ذي القعدة سنة ست عشرة وخمسمائة، روى عنه السلفي (¬2) . 55- عبد الكريم بن الحسن بن المحسن بن سوار الأستاذ أبو علي المصري التككي المقرئ النحوي. سمع من الخلعي، ومنه السلفي، وقرأ على أبي الحسن علي بن محمد بن حميد الواعظ، وبرع في القراءات وعللها والتفسير ووجوهه والعربية وغوامضها، وكان له حلقة إقراء بمصر. مات في ربيع الآخر سنة خمس وعشرين وخمسمائة، وله ثمان وستون سنة (¬3) . 56- ناصر بن الحسن بن إسماعيل الشريف أبو الفتوح الزيدي الخطيب مقرئ الديار المصرية. قرأ على يحيى بن الخشاب، وسمع من "ابن" القطاع اللغوي وغير واحد. انتهت إليه رياسة الإقراء بالديار المصرية، وكان من جلة العلماء في زمانه. قرأ عليه غياث بن فارس، وآخر من روى عنه سماعًا القاضي أبو الكرم وأسعد بن قادوس المتوفى في حدود الأربعين وستمائة مات يوم عيد الفطر سنة ثلاث وستين وخمسمائة عن إحدى وثمانين سنة (¬4) . 57- أبو العباس مر في المالكية (¬5) . ¬

(¬1) طبقات القراء 1: 211. (¬2) طبقات القراء 1: 374. (¬3) طبقات القراء 1: 400؛ والتككي، بكسر التار: منسوب إلى التكك جمع تكة. (¬4) طبقات القراء 2: 329. (¬5) ص453، وهو أبو العباس أحمد بن عبد الله بن أحمد بن هشام بن الحطيئة اللخمي.

58- عبد الرحمن بن خلف الله أبو القاسم الإسكندراني المالكي المقرئ المؤدب. قرأ على ابن الفحام وابن بليمة، وحدث عن أبي عبد الله الرازي، وأقرأ الناس مدة على صدق واستقامة. قرأ عليه أبو القاسم الصفراوي والفضل الهمداني، روى عنه علي بن المفضل الحافظ. مات قريبًا من سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة (¬1) . 59- اليسع بن حزم أبو يحيى الغافقي الأندلسي الجياني. أخذ عن أبيه وغيره، وأجاز له أبو محمد بن عتاب، ورحل فسكن الإسكندرية، وأقرأ بها ثم رحل إلى مصر فأكرمه الناصر صلاح الدين بن أيوب، وكان فقيهًا مشاورًا مقرئًا، حافظًا نسابة. وله تاريخ المغرب، سماه المغرب. روى عنه المفضل المقدسي (¬2) . مات في رجب سنة خمس وسبعين وخمسمائة (¬3) . 60- عساكر بن علي بن إسماعيل الجيوشي المصري المقرئ النحوي الشافعي. ولد سنة تسعين وأربعمائة، وأخذ عن الشريف ناصر الزيدي وإبراهيم بن أغلب النحوي، وتفقه على مجلي، وتصدر للإقراء، وانتفع به الناس. أخذ عنه السخاوي وغيره. مات في المحرم سنة إحدى وثمانين وخمسمائة (¬4) . 61- أحمد بن جعفر بن أحمد بن إدريس الإمام أبو القاسم الغافقي الخطيب المقرئ. ولد سنة خمس وخمسين وخمسمائة، وقرأ على أبي البركات محمد بن عبد الله بن عمر المقرئ صاحب أبي معشر الطبري، وعليه أبو القاسم الصفراوي. مات سنة خمس وستين وستمائة بالإسكندرية (¬5) . 62- القاسم بن فيرة بن خلف بن أحمد الإمام أبو محمد وأبو القاسم الرعيني الشاطبي المقرئ الضرير. أحد الأعلام. ولد سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة، وقرأ على ¬

(¬1) طبقات القراء 2: 367. (¬2) في ط: "ابن المفضل". (¬3) طبقات القراء 2: 385، واسمه فيه: "اليسع بن عيسى بن حزم". (¬4) طبقات القراء 1: 512. (¬5) طبقات القراء 1: 43.

أبي عبد الله المقرئ الشريف، وسمع من أبي الحسن بن هذيل، وارتحل للحج، فسمع من السلفي، واستوطن مصر، واشتهر اسمه، وبعد صيته، وقصده الطلبة من النواحي. وكان إمامًا علامة كثير الفنون، منقطع القرين، رأسًا في القراءات، حافظًا للحديث، بصيرًا بالعربية، واسع العلم، وقد سارت الركبان بقصيدته حرز الأماني والرائية، وخضع لهما فحول الشعراء وحذاق القراء. قرأ عليه أبو الحسن السخاوي والكمال الضرير، وآخر من روى عنه الشاطبية أبو محمد عبد الله بن عبد الوارث الأنصاري المعروف بابن فار اللبن، وهو آخر أصحابه موتًا. قال ابن الأبار: انتهت إليه الرياسة في الإقراء. مات بمصر، في ثامن عشر جمادى الآخرة سنة تسعين وخمسمائة. وقال الذهبي: كان موصوفًا بالزهد والعبادة والانقطاع، تصدر للإقراء بالمدرسة الفاضلية. ومن شعره: قل للأمير نصيحة ... لا تركنن إلى فقيه إن الفقيه إذا أتى ... أبوابكم لا خير فيه وترك الشاطبي أولادًا، منهم زوجة الكمال الضرير، ومنهم أبو عبد الله محمد، بقي إلى سنة خمس وخمسين وخمسمائة، وروى عنه وعن البوصيري، وعاش قريبًا من ثمانين سنة (¬1) . 63- شجاع بن محمد بن سيدهم الإمام أبو الحسن المدلجي المصري المقرئ المالكي. ولد سنة ثمان وعشرين وخمسمائة، وقرأ على أبي العباس بن الحطيئة، وسمع من السلفي، وتفقه على أبي القاسم عبد الرحمن بن الحسين الحباب، ¬

(¬1) طبقات القراء 1: 20.

وتصدر للإقراء بجامع مصر، وانتفع به الناس. مات في ربيع الآخر سنة إحدى وتسعين وخمسمائة (¬1) . 64- محمد بن يوسف بن علي بن شهاب الدين، أبو الفضل الغزنوي المقرئ الفقيه النحوي. نزيل القاهرة. ولد سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة، وقرأ على أبي محمد سبط الخياط، وسمع من أبي بكر قاضي المارستان، وتصدر للإقراء، فأخذ عنه العلم السخاوي والجمال بن الحاجب، وروى عنه ابن خليل والضياء المقدسي والرشيد العطار، ودرَّس المذهب بمسجد الغزنوي المعروف به. مات بالقاهرة في نصف ربيع الأول سنة تسع وتسعين (¬2) . 65- غياث بن فارس بن سكن. الأستاذ أبو الجود اللخمي المنذري المصري المقرئ الفرضي النحوي الضرير شيخ القراء بديار مصر. قرأ على الشريف ناصر، وسمع من عبد الله بن رفاعة السعدي. وتصدر للإقراء من شبيبته، وقرأ عليه خلق، ورُحِل إليه. ولد سنة ثماني عشرة وخمسمائة، ومات في تاسع رمضان سنة خمس وستمائة (¬3) . 66- عبد الصمد بن سلطان بن أحمد بن الفرج أبو محمد الجذامي المصري المقرئ النحوي المعروف بالمعتمد بن قراقيش. ولد سنة أربعين وخمسمائة، وقرأ على الشريف ناصر؛ وكان متقنًا للعربية، رأسًا في الطب. مات في جمادى الآخرة سنة ثمان وستمائة (¬4) . 67- عبد السلام بن عبد الناصر بن عبد المحسن أبو محمد المصري المقرئ. شيخ عالي الإسناد في القراءات، يعرف بابن عديسة. قرأ على الشريف ناصر، وأقرأ بدمياط مدة. مات سنة ثلاث عشرة وستمائة (¬5) . ¬

(¬1) طبقات القراء 1: 324. (¬2) طبقات القراء 1: 286. (¬3) طبقات القراء 2: 40. (¬4) طبقات القراء 1: 288. (¬5) طبقات القراء 1: 286.

68- عيسى بن عبد العزيز بن عيسى الأستاذ أبو القاسم بن المحدث أبي محمد اللخمي الشِّريشي ثم الإسكندراني المقرئ. سمع من السلفي وغيره، وقرأ على أبي الطيب عبد المنعم بن الخلوف وغيره، وعُني بهذا الشأن، ورأس فيه، وتصدر مدة، روى عنه المنذري وغيره، وآخر من روى عنه بالإجازة القاضي تقي الدين سليمان. مات في جمادى الآخرة سنة تسع وعشرين وستمائة (¬1) . 69- علي بن عبد الصمد بن محمد بن نفيع بن الرماح عفيف الدين أبو الحسن المصري المقرئ الشافعي. قرأ على عساكر وغياث، وسمع من السلفي، وتصدر للإقراء بالفاضلية. ولد سنة سبع وخمسين وخمسمائة، ومات في جمادى الأولى سنة ثلاث وثلاثين وستمائة (¬2) . 70، 71، 72، 73، 74- أبو الفضل الهمداني، ابن الصفراوي، ابن الحاجب، العلم السخاوي، البهاء بن الجميزي -مروا (¬3) . 75- علي بن علي بن عبد الله بن ياسين بن نجم الدين الإمام أبو الحسن الكناني العسقلاني ثم التنيسي المصري. يعرف بابن البلان المقرئ النحوي. ولد سنة بضع وخمسين وخمسمائة، وقرأ على أبي الجود، والعربية على ابن بري، وسمع منه ومن مشرف بن علي الأنماطي، وتصدر بالجامع العتيق بمصر. مات في ذي القعدة سنة ست وثلاثين وستمائة (¬4) . 76- زيادة بن عمران بن زيادة أبو النماء المصري المالكي المقرئ الضرير. قرأ على أبي الجود، وتفقه على أبي المنصور ظافر، وتصدر للإقراء بمصر وبالفاضلية. مات ¬

(¬1) طبقات القراء 1: 609. (¬2) طبقات القراء 1: 549. (¬3) ص412، 413، 456. (¬4) طبقات القراء 1: 554، واسمه هناك: "علي بن عبد الله بن ياسين".

في شعبان سنة تسع وعشرين وستمائة (¬1) . 77- عبد الكريم بن غازي بن أحمد الفقيه أبو نصر الواسطي المقرئ المصري ابن الأعلاقي. قدم مصر، وأقرأ بها. مات في نصف رجب سنة أربعين وستمائة بالقاهرة (¬2) . 78- عبد القوي بن المغربل تقي الدين المقرئ. قرأ على أبي الجود، وتصدر وأقرأ، أخذ عنه البرهان الوزيري. مات سنة أربعين وستمائة (¬3) . 79- عبد القوي بن غزون بن داود أبو محمد المصري. أخذ عن أبي الجود، وسمع من البوصيري والخشوعي. مات سنة أربعين وستمائة، وله ثلاث وسبعون سنة (¬4) . 80- منصور بن عبد الله بن جامع بن مقلد الأنصاري المصري المقرئ الأستاذ شرف الدين أبو علي الدهشوري. قرأ على أبي الجود وأبي اليمن الكندي، وأقرأ بالفيوم، وكان بصيرًا بهذا الشأن. مات سنة أربعين وستمائة (¬5) . 81- عبد الظاهر بن نشوان بن عبد الظاهر الإمام رشيد الدين أبو محمد الجذامي المصري المقرئ الضرير. قرأ على أبي الجود، وسمع من أبي القاسم البوصيري، وبرع في العربية وتصدر للإقراء، وانتهت إليه رياسة الفن في زمانه، وكان ذا جلالةٍ ظاهرة، وحرمة وافرة، وخبرة تامة بوجوه القراءات. مات في جمادى الأولى سنة ست وأربعين وستمائة، وهو والد الكاتب البليغ محيي الدين بن عبد الظاهر (¬6) . ¬

(¬1) طبقات القراء 1: 295. (¬2) طبقات القراء 1: 403. (¬3) طبقات القراء 1: 3989، وهو عبد القوي بن عبد الله بن إبراهيم بن محمد السعدي تقي الدين الأنماطي. (¬4) طبقات القراء 1: 399. (¬5) طبقات القراء 2: 313. (¬6) طبقات القراء 1: 391.

82- أحمد بن علي بن محمد بن علي بن سكن الإمام أبو العباس الأندلسي، أحد الحذاق. قرأ على أبي الفضل جعفر الهمذاني، وسكن الفيوم. اختصر التيسير، وشرح الشاطبية. مات في حدود الأربعين وستمائة (¬1) . 83- السديد أبو القاسم عيسى بن أبي الحرم مكي بن حسين بن يقظان العامري المصري. إمام جامع الحاكم. قرأ القراءات على الشاطبي، وأقرأها مدة. مات في شوال سنة تسع وأربعين وستمائة عن ثمانين سنة (¬2) . 84- منصور بن سرار بن عيسى بن سليم أبو علي الأنصاري الإسكندراني المعروف بالمسدي. كان من حذاق القراء؛ نظم أرجوزة في القراءات. ولد سنة سبعين وخمسمائة، ومات في رجب سنة إحدى وخمسين وستمائة (¬3) . 85- ابن وثيق شيخ القراء أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن عبد الرحمن الأموي الإشبيلي. ولد سنة سبع وستين وخمسمائة، وأخذ عن أصحاب أبي الحسن بن شريح، وتنقل في البلاد، وقرأ بمصر والشام والموصل، وكان عالي الإسناد. مات بالإسكندرية في ربيع الآخر سنة أربع وخمسين وستمائة (¬4) . 86- الناشري البارع تقي الدين عبد الرحمن بن مرهف المصري. قرأ على أبي الجود، وتصدر للإقراء، وبَعُد صيتُه. مات سنة إحدى وستين وستمائة عن نيف وثمانين سنة (¬5) . 87- الكمال الضرير شيخ القراء أبو الحسن علي بن شجاع بن سالم الهاشمي العباسي المصري صاحب الشاطبي، وزوج بنته. وقرأ على الشاطبي وشجاع المعطي وأبي الجود، وسمع من البوصيري وطائفة، وتصدر للإقراء دهرًا، وانتهت إليه ¬

(¬1) طبقات القراء 1: 87. (¬2) طبقات القراء 1: 614. (¬3) طبقات القراء 2: 312. (¬4) طبقات القراء 1: 24. (¬5) طبقات القراء 1: 379.

رياسة القراء، وكان إمامًا يجري في فنون العلم. مات في سابع ذي الحجة سنة إحدى وستين وستمائة (¬1) . 88- ابن فار اللبن معين الدين أبو الفضل عبد الله بن محمد بن عبد الوارث الأنصاري المصري. آخر من قرأ الشاطبية على مؤلفها، قرأها عليه البدر التاذفي. مات سنة أربع وستين وستمائة (¬2) . 89- أبو الحسن الدهان علي بن موسى السعدي المصري المقرئ الزاهد. قال في العبر: ولد سنة سبع وتسعين وخمسمائة، وقرأ القراءات على جعفر الهمداني وغيره، وتصدر بالفاضلية، وكان ذا علم وعمل. مات في رجب سنة خمس وستين وستمائة (¬3) . 90- علي بن عبد الله بن أبي بكر الإمام زين الدين أبو الحسن بن القلال الجزائري: نزيل مصر. مات بالقاهرة سنة ثمان وستين وستمائة (¬4) . 91- القصّال أبو عبد الله محمد بن محمد المغربي نزيل الصعيد. قرأ على أبي عبد الله محمد بن أحمد بن مسعود الشاطبي؛ والتقى ابن ماسوية، وتصدر للإقراء. مات سنة بضع وخمسين وستمائة (¬5) . 92- عبد الهادي بن عبد الكريم بن علي أبو الفتح القيسي المصري. خطيب جامع المقياس. ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة، وقرأ على أبي الجود، وسمع من قاسم بن إبراهيم المقدسي، وأجاز له أبو الطاهر بن عوف وأبو طالب أحمد بن المسلم اللخمي ¬

(¬1) طبقات القراء 1: 544. (¬2) طبقات القراء 1: 452؛ ويُعرف أيضًا بابن الأزرق. (¬3) طبقات القراء 1: 582. (¬4) طبقات القراء 1: 552. (¬5) طبقات القراء 2: 241؛ واسمه هناك: "محمد بن محمد بن عبد العزيز التجيبي المغربي يعرف بالفصال" وفي ط: "البصال".

وتفرد بالرواية عنهم. مات في شعبان سنة إحدى وسبعين وستمائة (¬1) . 93- الكمال المحلي أحمد بن علي الضرير شيخ القراء بالقاهرة. انتفع به جماعة مات في ربيع الآخر سنة اثنتين وسبعين وستمائة عن إحدى وخمسين سنة (¬2) . 94- الكمال بن فارس أبو إسحاق إبراهيم بن الوردي بن نجيب الدين أحمد بن إسماعيل بن فارس التميمي الإسكندراني. آخر من قرأ بالرواية على الكندي. ولد سنة ست وتسعين وخمسمائة، ومات في صفر سنة ست وسبعين وستمائة (¬3) . 95- إسماعيل بن هبة الله بن علي أبو الطاهر الحليمي المصري. قرأ على أبي الجود غياث بن فارس، وعمر دهرًا، واحتيج إلى إسناده العالي، فقرأ عليه جماعة منهم أبو حيان، وختم بموته أصحاب أبي الجود، وكان تاركًا للفن؛ وإنما ازدحموا عليه لعلو روايته. مات في رمضان سنة إحدى وثمانين وستمائة (¬4) . 96- عبد الله بن محمد بن عبد الله القاضي معين الدين أبو النكزاوي الإسكندراني النحوي المقرئ. ولد بالإسكندرية سنة أربع عشرة وستمائة، وقرأ على أبي القاسم الصفراوي، وصنف كتابًا في القراءات، وتصدر وأفاد، وتخرج به جماعة. مات سنة ثلاث وثمانين وستمائة (¬5) . 97- برهان الدين إبراهيم بن إسحاق بن المظفر المصري الوزيري. ولد سنة تسع عشرة وستمائة، وقرأ على أصحاب الشاطبي وأبي الجود، وأقرأ بدمشق. مات في ذي الحجة سنة أربع وثمانين وستمائة (¬6) . ¬

(¬1) طبقات القراء 1: 473. (¬2) طبقات القراء 1: 82؛ واسمه هناك: "أحمد بن علي بن إبراهيم أبو العباس كمال الدين المحلي الضرير". (¬3) طبقات القراء 1: 6، واسمه هناك: "إبراهيم بن أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن فارس التميمي، الإسكندري الأصل ثم الدمشقي الشيخ النبيل كمال الدين". (¬4) طبقات القراء 1: 169. (¬5) طبقات القراء 1: 452. (¬6) طبقات القراء 1: 90.

98- الرضة الشاطبي. يأتي في النحاة واللغويين. 99- عبد النصير المريوطي أبو محمد. من كبار القراء بالإسكندرية، قرأ على أبي القاسم الصفراوي وأبي الفضل الهمداني. قرأ عليه أبو حيان. مات سنة ثمانين وستمائة (¬1) . 100- الراشدي المقرئ الأستاذ أبو علي الحسن بن عبد الله بن ويحيان، الرجل الصالح. تصدر للإقراء والإفادة، وأخذ عنه مثل الشيخ مجد الدين التونسي وشهاب الدين بن جبارة، ولم يقرأ على غير الكمال الضرير. مات في صفر سنة خمس وثمانين وستمائة بالقاهرة؛ ذكره في العبر (¬2) . 101- الصفي خليل بن أبي بكر بن محمد بن صديق المراغي الفقيه الحنبلي المقرئ. ولد سنة بضع وتسعين وخمسمائة، سمع من الحرستاني وابن ملاعب، وتفقه على الموفق المقدسي. وقرأ القراءة على ابن باسوية، وهو آخر من قرأ عليه، وتصدر بالقاهرة للإقراء، وناب في القضاء، مع وفور الديانة والورع. مات في ذي القعدة سنة خمس وثمانين وستمائة، روى عنه المزني وابن حيان (¬3) . 102- الجرائدي تقي الدين يعقوب بن بدران بن منصور المصري شيخ القراء في وقته بالديار المصرية. أخذ عن السخاوي، وتصدر. مات في شعبان سنة ثمان وثمانين وستمائة، عن نيف وثمانين سنة، وقد حدث عن ابن الزبيدي وابن المنجي وابن اللتي (¬4) . 103- نور الدين بن الكفتي أبو الحسن علي بن ظهير بن شهاب الدين المصري شيخ القراء بديار مصر، أخذ عن ابن وثيق أبي الجود، واشتهر بالاعتناء ¬

(¬1) طبقات القراء 1: 472. (¬2) طبقات القراء 1: 218. (¬3) طبقات القراء 1: 275. (¬4) طبقات القراء 2: 389، شذرات الذهب 6: 407.

بالقراءات وعللها، وسمع من ابن الجميزي، مع الورع والتقى والجلالة. مات في ربيع الآخر سنة تسع وثمانين وستمائة (¬1) . 104- المكين الأسمر عبد الله بن منصور الإسكندراني. شيخ القراء بالإسكندرية. أخذ عن أبي القاسم بن الصفراوي، وأقرأ الناس مدة. مات في ذي القعدة سنة اثنتين وتسعين وستمائة عن نيف وثمانين سنة (¬2) . 105- شمس الدين محمد بن عبد العزيز الدمياطي المقرئ. أخذ عن السخاوي، وتصدر، واحتيج إلى علو روايته. مات في صفر سنة ثلاث وتسعين وستمائة، وله نيف وسبعون وسنة. 106- شهاب الدين أحمد بن عبد البارئ الصعيدي ثم الإسكندراني. قرأ على أبي القاسم عيسى، وروى عن الصفراوي والهمداني، وكان أحد الصالحين. مات في أوائل سنة خمس وتسعين وستمائة عن ثلاث وثمانين سنة (¬3) . 107- سحنون العلامة صدر الدين أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الحكيم بن عمران الأوسي الدكالي المالكي المقرئ النحوي. قرأ على الصفراوي، وسمع منه ومن علي بن مختار. وكان إمامًا عارفًا بالمذهب مفتيًا. مات بالإسكندرية في شوال سنة خمس وتسعين وستمائة، وقد جاوز الثمانين (¬4) . 108- يحيى بن أحمد بن عبد العزيز الإمام شرف الدين أبو الحسين بن الصواف الجذامي الإسكندراني. ولد سنة تسعين وستمائة، وقرأ على أبي القاسم بن الصفراوي؛ وهو آخر من قرأ عليه وفاة، وآخر من حدث عن ابن عماد وجماعة، سمع منه المزني والبرزالي وابن سيد الناس والسبكي. مات في شعبان سنة خمسين وسبعمائة، ونزل القراء بموته درجة (¬5) . ¬

(¬1) طبقات القراء 1: 547. (¬2) طبقات القراء 1: 460. (¬3) طبقات القراء 1: 65. (¬4) طبقات القراء 1: 371. (¬5) طبقات القراء 2: 366.

109- إبراهيم بن فلاح بن محمد بن حاتم برهان الدين أبو إسحاق الجذامي الإسكندراني. قرأ على علم الدين القاسم وغيره، وتفقه بالنووي وأفتى ودرس، وتصدر للإقراء مدة طويلة. قرأ عليه البدر بن نصحان. مات بدمشق في شوال سنة اثنتين وسبعمائة، وهو في عشر الثمانين (¬1) . 110- إسحاق بن البرهان الوزيري السابق أبو الفضل. اعتنى به أبوه فأسمعه من الكمال الضرير والحافظ عبد العظيم، وقرأ القراءات على والده والكمال بن فارس. ولد سنة خمس وخمسين وستمائة، ومات بعد السبعمائة. 111- محمد بن عبد المحسن شمس الدين المصري الضرير الملقب بالمزراب. قرأ على الكمال المحلي وابن فارس. مات سنة ثلاث وسبعمائة وقد جاوز الستين. 112- محمد بن نصير بن صالح الإمام أبو عبد الله المصري المقرئ الصوفي نزيل دمشق. ولد في حدود سنة خمسين وستمائة، وقرأ على الرشيد بن أبي الدر والزواوي، وجلس للإقراء، وكان شيخ الإقراء بدار الحديث الأشرفية. مات بعد السبعمائة (¬2) . 113- علي بن يوسف بن جرير اللخمي الشطنوفي الإمام الأوحد نور الدين أبو الحسن. شيخ الإقراء بالديار المصرية. ولد بالقاهرة سنة أربع وأربعين وستمائة، وقرأ على التقي الجرائدي والصفي خليل، وسمع من النجيب عبد اللطيف، وتصدر للإقراء بالجامع الأزهر، وتكاثر عليه الطلبة. مات في ذي الحجة سنة ثلاث عشرة وسبعمائة (¬3) . 114- محمد بن أحمد بن علي بن غدير شمس الدين الواسطي. ولد في حدود سنة سبعين وستمائة، وقرأ على العز الفاروني وغيره، وعُني بهذا الشأن حتى تقدم فيه، ¬

(¬1) طبقات القراء 1: 22. (¬2) طبقات القراء 2: 269. (¬3) طبقات القراء 1: 585.

وصار من كبار المقرئين، تحول إلى مصر فسكنها. 115- محمد بن عبد الله بن عبد المنعم بن رضوان أمين الدين أبو بكر الكناني المصري يعرف بابن الصواف. تصدر بجامع عمرو لإقراء القرآن، وأخذ عنه جماعة. مات سنة خمس عشرة وسبعمائة (¬1) . 116- محمد بن أبي بكر بن عبد الرزاق الصقلي الضرير شرف الدين. قرأ على الكمال الضرير، وأقرأ زمانًا. ولد سنة بضع وعشرين وستمائة، ومات بالقاهرة سنة ثلاثين وسبعمائة. 117- محمد بن مجاهد الضرير شرف الدين الملقب بالوراب. قرأ على أبي طاهر المليجي، وتصدر بالقاهرة لإقراء القرآن، وأخذ عنه جماعة (¬2) . 118- إسماعيل بن أحمد بن إسماعيل القوصي جلال الدين أبو طاهر. تصدر مدة بجامع ابن طولون لإقراء القرآن والنحو، ومات سنة خمس عشرة وسبعمائة (¬3) . 119- الصدر بن الأعمى محمد بن عثمان بن عبد الله المدلجي. قرأ على إسماعيل بن المليجي، وتصدر. مات بالقاهرة سنة سبع عشرة وسبعمائة (¬4) . 120- أبو العلاء رافع بن محمد بن هجرس بن شافع الصمدي السلامي المقرئ المحدث جمال الدين، والد الحافظ تقي الدين محمد بن رافع. تفقه في مذهب الشافعي على العلم العراقي، وأخذ النحو عن البهاء بن النحاس، وسمع من أبي الحسن بن البخاري وجماعة، وتلا على أبي عبد الله محمد بن الحسن الإربلي الضرير، وتصدر للإقراء بالفاضلية ¬

(¬1) طبقات القراء 2: 181. (¬2) طبقات القراء 2: 235. (¬3) طبقات القراء 1: 161. (¬4) طبقات القراء 2: 197، واسمه هناك: "محمد بن عثمان بن عبد الله بن غلان بن طعان أبو عبد الله المليحي".

ولد بدمشق سنة ثمان وستين وستمائة، ومات بالقاهرة في ذي الحجة سنة ثماني عشرة وسبعمائة (¬1) . 121- التقي الصائغ شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الخالق المصري شيخ القراء في عصره. قرأ على الكمال الضرير والكمال إبراهيم بن فارس، ورحلت إليه الطلبة من أقطار الأرض لانفراده بالقراءة دراية ورواية. وكان أيضًا فقيهًا شافعيًّا مشاركًا في فنون أخرى. ولد في جمادى سنة ست وثلاثين وستمائة، ومات بمصر في صفر سنة خمس وعشرين وسبعمائة، ذكره ابن مكتوم في ذيله. وذكر الإسنوي في طبقاته أنه بلغ من العمر أربعًا وتسعين سنة (¬2) . 122- ضياء الدين موسى بن علي بن يوسف الزرازري القطبي؛ لسكنه بالمدرسة القطبية بالقاهرة. قرأ على أبي الحسن بن الكفتي، وتصدر للإقراء بالجامع الظاهري، وحدث عن أبي الفرج الحراني وأبي عيسى بن علاق. ولد سنة إحدى وستين وستمائة ومات في رجب سنة ثلاثين وسبعمائة (¬3) . 123- أبو حيان. يأتي في النحاة. 124- شمس الدين محمد بن محمد بن نمير المعروف بابن السراج. قرأ على ابن الكفتي والمكين الأسمر وتصدر للإقراء، وأخذ عنه جماعة، وكتب الخط المنسوب، وبرع فيه، وصار معلمًا له بالجامع الأزهر. ولد بعد السبعين وستمائة، ومات بالقاهرة في شعبان سنة سبع وأربعين وسبعمائة (¬4) . 125- برهان الدين إبراهيم بن لاجين الرشيدي. كان عالمًا بالقراءات والنحو شافعيًّا. تصدر بجامع أمير حسين مدة، وانتفع به الناس، وولي درس التفسير ¬

(¬1) طبقات القراء 1: 282، وفيه: "هجرش". (¬2) طبقات القراء 2: 65. (¬3) طبقات القراء 2: 321. (¬4) طبقات القراء 2: 256.

بالمنصورية بعد موت أبي حيان. مات بالطاعون في شوال سنة تسع وأربعين وسبعمائة. 126- برهان الدين إبراهيم بن عبد الله بن علي الحكري. كان إمامًا في القراءات نحويًّا مفسرًا، يُضرب به المثل في حسن التلاوة. تصدر للإقراء، وانتفع به الخلق. مات بالطاعون في ذي القعدة سنة تسع وأربعين وسبعمائة (¬1) . 127- محمد بن مسعود المقرئ المالكي. تلا بالسبع على التقي الصائغ، وكان متصدرًا للإقراء حتى إن القاضي محب الدين ناظر الجيش كان يقرأ عليه. مات سنة خمس وسبعين وسبعمائة (¬2) . 128- التقي الواسطي مرّ في المحدثين (¬3) . 129- العسقلاني إمام جامع ابن طولون فتح الدين أبو الفتح محمد بن أحمد بن محمد المصري. ولد بعد العشرين وسبعمائة، وتلا على التقي الصائغ، وسمع عليه الشاطبية، وكان خاتمة أصحابه بالسماع، وأقرأ الناس بأخرة، فتكاثروا عليه. مات في المحرم سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة (¬4) . 130- نور الدين علي بن عبد الله بن عبد العزيز الدميري أخو القاضي تاج الدين بهرام. كان إمامًا في القراءات، مشاركًا في فنون، ولي مشيخة القراء بالشيخونية. مات سنة ثمان وتسعين وسبعمائة (¬5) . 131- خليل بن عثمان بن عبد الرحمن بن عبد الجليل المقرئ، المعروف بالمشبب ¬

(¬1) طبقات القراء 1: 17. (¬2) طبقات القراء 2: 262، واسمه هناك: "محمد بن مسعود بن عامر بن عباس أبو عبد الله سعد الدين الكنائي المالكي". (¬3) ص396. (¬4) طبقات القراء 2: 82. (¬5) طبقات القراء 1: 553.

أقرأ الناس بالقرافة دهرًا طويلًا، وكان منقطعًا بسفح الجبل، وللسلطان وغيره فيه اعتقاد كبير. مات في ربيع الأول سنة إحدى وثمانمائة (¬1) . 132- علي بن محمد بن الناصح نور الدين المقرئ. قرأ على المجد الكفتي، ونظم قصيدة في القراءات، وكان يقرئ بجامع الماردني. مات في ذي الحجة سنة إحدى وثمانمائة. 133- عثمان بن عبد الرحمن المخزومي البلبيسي، فخر الدين الضرير إمام الجامع الأزهر. انتهت إليه الرياسة في فن القراءات، وانتفع به من لا يحصى عددهم في القراءات وصار أمة وحده، وأخبر أن الجن كانوا يقرءون عليه، وكان صالحًا خيرًا. مات في ذي القعدة سنة أربعة وثمانمائة عن ثمانين سنة. 134- محمد بن محمد البغدادي المقرئ الزركشي أصله من شيراز، ثم سكن القاهرة أتقن القراءة والعروض، مات في ذي الحجة سنة ثلاثين وثمانمائة (¬2) . 135- الزراتيتي شمس الدين محمد بن علي بن محمد الغزولي. ولد سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، واشتغل بالعلم، وعُني بالقراءات من سنة ثلاث وستين وهلم جرا. مات في جمادى الآخرة سنة خمس وعشرين وثمانمائة (¬3) . ¬

(¬1) طبقات القراء 1: 276. (¬2) طبقات القراء 1: 506. (¬3) الزراتيتي: منسوب إلى زراتيت، قرية.

ذكر من كان بمصر من الصلحاء والزهاد والصوفية:

ذكر من كان بمصر من الصلحاء والزهاد والصوفية: 1- سليم بن عتر. 2- ابن حجيرة. 3- أبو عقيل. 4- زهرة بن معبد. 5- الحارث بن يزيد الحضرمي. 6- ولده عبد الكريم بن الحارث الحضرمي. 7- عبد الرحيم بن ميمون المدني. 8- حيوة بن شريح. 9- أبو الأسود النضر بن عبد الجبار المرادي. 10- السيدة نفيسة بنت الأمير حسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم. كان أبوها أمير المدينة للمنصور، وله رواية في سنن النسائي، ودخلت هي مصر مع زوجها المؤتمن إسحاق بن جعفر الصادق، فأقامت بها، وكانت عابدة زاهدة، كثيرة الخير. وكانت ذات مال؛ فكانت تُحسن إلى الزَّمْني والمرضى وعموم الناس. ولما ورد الشافعي مصر كانت تحسن إليه، وربما صلى بها في شهر رمضان. ولما توفي أمرت بجنازته فأدخلت إليها المنزل، فصلت عليه. ماتت في رمضان سنة ثمان ومائتين. وكان عزم زوجها على أن ينقلها فيدفنها بالمدينة النبوية؛ فسأله أهل مصر أن يدفنها عندهم، فدفنت بمنزلها بدرب السباع؛ محلة بين مصر والقاهرة (¬1) . 11- ذو النون المصري ثوبان بن إبراهيم أبو الفيض، أحد مشايخ الطريق ¬

(¬1) طبقات الشعراني 1: 58.

المذكورين في رسالة القشيري؛ وهو أول من عبر عن علوم المنازلات، وأنكر عليه أهل مصر، وقالوا: أحدث علمًا لم تتكلم فيه الصحابة، وسعوا به إلى الخليفة المتوكل، ورموه عنده بالزندقة، وأحضره من مصر على البريد، فلما دخل سر من رأى، وعظه، فبكى المتوكل، ورده مكرما. وكان مولده بإخميم، وحدث عن مالك والليث وابن لهيعة، روى عنه الجنيد وآخرون. وقد قارب التسعين. قال السلمي: كان أهل مصر يسمونه الزنديق، فلما أظلت الطير الخضر جنازته ترفرف عليه إلى أن وصل إلى قبره، فلما دفن غابت، فاحترم أهل مصر بعد ذلك قبره (¬1) . 12- القاضي بكار. مر في الحنفية (¬2) . 13- أبو بكر أحمد بن نصر الدقاق الكبير، من أقران الجنيد وأكابر مشايخ مصر. قال الكتاني: لما مات الدقاق انقطعت حجة الفقراء في دخولهم إلى مصر. ومن كلامه: من لم يصحبه التقى في فقره، أكل الحرام المحض. وقال: كنت مارا في تيه بني إسرائيل، فخطر ببالي أن علم الحقيقة مباين لعلم الشريعة، فهتف بي هاتف من تحت شجرة: كل حقيقة لا تتبع الشريعة، فهي كفر (¬3) . 14- فاطمة بنت عبد الرحمن بن أبي صالح الحرانية الصوفية أم محمد. من الصالحات المتعبدات. قال الخطيب: ولدت ببغداد، وحملت إلى مصر، فطال عمرها؛ حتى جاوزت الثمانين، وأقامت ستين سنة لا تنام إلا وهي في مصلاها بغير وطاء، سمعت من أبيها، وروى عنها ابن أخيها عبد الرحمن بن القاسم. ماتت سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة (¬4) . 15- أبو الحسن ابن بُنان (¬5) بن محمد بن حمدان الحمال الزاهد الواسطي. نزيل ¬

(¬1) ابن خلكان 1: 201. (¬2) ص 463. (¬3) طبقات الشعراني 1: 76. (¬4) تاريخ بغداد 14: 441. (¬5) في العبر: "أبو بنان".

مصر وشيخها. من كبار مشايخ مصر ومقدميهم، قال ابن فضل الله في المسالك: صحب الخزاز، وإليه ينتمي، مات في التيه؛ وذلك أنه ورد عليه وارد فهام على وجهه، فمات به. ومن كلامه: اجتنبوا رياء الأخلاق كما تجتنبوا الحرام. وقال: الوحدة جلسة الصديقين. وقال: ذكر الله باللسان يورث الدرجات، وذكر الله بالقلب يورث القربات. وقال الذهبي في العبر: صحب الجنيد، وحدث عن الحسن بن محمد الزعفراني وجماعة، وكان ذا منزلة عظيمة في النفوس، وكانوا يضربون بعبادته المثل. وثقة ابن يونس، وقال: توفي في رمضان سنة ست عشرة وثلاثمائة، وخرج في جنازته أكثر أهل مصر؛ وكان شيئا عجبا، ومن كراماته أنه أنكر على ابن طولون يوما شيئا من المنكرات، وأمره بالمعروف، فأمر به فألقي بين يدي الأسد؛ فكان يشمه ويحجم عنه؛ فرفع من بين يديه، وزاد تعظيم الناس له. وسأله بعض الناس: كيف كان حالك وأنت بين يدي الأسد؟ فقال: لم يكن عليَّ بأس؛ ولكن كنت أفكر في سؤر السباع: أهو طاهر أم نجس؟ وجاءه رجل، فقال: لي على رجل مائة دينار، وقد ذهبت الوثيقة، وأخشى أن يُنكر، فادع لي، فقال له: إني رجل قد كبرت، وأنا أحب الحلوى، فاذهب فاشتر لي رطلا، وائتني به حتى أدعو لك، فذهب الرجل فاشترى فوضع له البائع الحلوى في ورقة، فإذا هي وثيقة بالمائة دينار؛ فجاء إلى الشيخ فأخبره، فقال: خذ الحلوى فأطعمها صبيانك (¬1) . 16- أبو علي الرُّوذباري. مر في الشافعية (¬2) . 17- أبو الحسن علي بن محمد بن سهل الدينوري الصائغ الزاهد. ¬

(¬1) العبر 2: 163، طبقات الشعراني 1: 87. (¬2) ص400.

قال في العبر: أحد المشايخ الكبار، توفي بمصر في رجب سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة، ومن كلامه: من أيقن أنه لفترة (¬1) فما له يبخل بنفسه. قال ابن كثير: ومن كراماته أنه رُئي يصلي بالصحراء في شدة الحر، ونسر قد نشر جناحيه يظله من الحر. وحكى صاحب المرآة أنه أنكر على تكين أمير مصر شيئا -وكان تكين ظالما- فسيره تكين إلى القدس، فلما وصل القدس، قال: كأني بالبائس -يعني تكين- وقد جيء به في تابوت إلى هنا، فإذا أدنى من الباب عثر على البغل، ووقع التابوت، فبال عليه البغل. فلم نلبث إلا مدة يسيرة، وإذا بقائل يقول: قد وصل تكين، وهو ميت في تابوت، فلما وصل إلى الباب عثر البغل في المكان الذي أشار إليه الدينوري، فوقع التابوت وغفل عنه المكاري، فبال عليه البغل، وخرج الدينوري، فقال للتابوت: جئت بالبائس إلى المكان الذي نفانا إليه! ثم ركب الدينوري، وعاد إلى مصر، فمات بها. ودفن بالقرافة (¬2) . 18- أبو الخير الأقطع المعروف بالتيناتي. أصله من المغرب، وصحب أبا عبد الله بن الجلاد وغيره، وكان أوحد عصره في طريقة التوكل، وكانت السباع والهوام تأنس به، وله فراسة حادة. مات سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة (¬3) . 19- أبو علي الحسن (¬4) بن أحمد الكاتب المصري. من كبار مشايخ المصريين، صحب أبا بكر المصري وأبا علي الروذباري وغيرهما، وكان أوحد مشايخ وقته، ومن كلامه: إذا انقطع العبد إلى الله بكليته، أول ما يفيده الله الاستغناء به عن الناس. وقال: يقول الله: من صبر علينا وصل إلينا. وقال: إذا سكن الخوف في القلب، لم ينطق ¬

(¬1) ط: "لغيره". (¬2) العبر 2: 227. (¬3) طبقات الشعراني 1: 93. (¬4) في طبقات الشعراني: "الحسين".

اللسان بما لا يعنيه. مات سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة (¬1) . 20- أبو بكر محمد بن أحمد بن سهل الرملي النابلسي. قال في العبر: كان عابدا صالحا زاهدا قوالا بالحق، قال: لو كان معي عشرة أسهم، رميت الروم بسهم ورميت بني عبيد بتسعة، فبلغ صاحب مصر المعز فقتله في سنة ثلاث وستين وثلاثمائة. حكى صاحب المرآة أن كافورا الإخشيدي بعث إليه بمال، فرده وقال: قال الله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ، فالاستعانة بالله تكفي. فرد كافور الرسول بالمال إليه، وقال: قل له: قال الله تعالى: {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى} ، فأين ذكر كافور هنا! فقال أبو بكر: صدق، الملك والمال لله، كافور صوفي لا أنا، ثم قبل المال (¬2) . 21- عيسى بن يوسف المصري الزاهد. مات بعد السبعين وثلاثمائة. 22- ابن الترجمان محمد بن الحسين بن علي الغزي شيخ الصوفية بديار مصر. قال في العبر: مات بمصر في جمادى الأولى سنة ثمان وأربعين وأربعمائة، وله خمس وتسعون سنة، ودفن بتربة ذي النون (¬3) . 23- أبو القاسم الصامت أحد الصالحين، وقبره أحد المزارات بالقرافة، مات في رمضان سنة سبع وثلاثين وأربعمائة، ذكره ابن ميسر. 24- عبد الرحيم بن أحمد بن حجون القنائي الشريف السيد الكبير الإمام الشهير. أصله من سبتة، وقدم من المغرب فأقام بمكة سبع سنين، ثم قدم قنا فأقام بها سنين كثيرة إلى أن مات. قال الحافظ المنذري: كان أحد الزهاد المشهورين، ¬

(¬1) طبقات الشعراني 1: 96. (¬2) العبر 2: 330. (¬3) العبر 3: 207.

والعباد المذكورين، ظهرت بركاته على جماعة ممن صحبه، وتخرج به جماعة من أعيان الصالحين بصالح أنفاسه. وكان مالكي المذهب، وكراماته كثيرة. مات في تاسع صفر سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة (¬1) . 25- وكان للشيخ ولد يقال له الحسن، كان أيضًا من الصوفية الفقهاء الفضلاء العلماء أرباب الأحوال والكرامات وعلو المقامات؛ روى عنه المنذري من شعره، وتبرك بدعائه. مات بقنا في جمادى الأولى سنة خمس وخمسين وستمائة، وقد قارب الثمانين. 26- وللحسن هذا ولد يقال له محمد، جمع بين العلم والعبادة، والورع والزهادة، فقيها مالكيا، ويقرئ مذهب الشافعي، نحويا فرضيا، حاسبا، انتفع بعلومه وبركته طوائف من الخلق، وله كرامات ومكاشفات؛ حُكي عنه أنه قال: كنت في بعض السياحات، فكنت أمر بالحشائس فتخبرني من منافعها. مات في ربيع الآخر سنة اثنتين وتسعين وستمائة. 27- علي بن أحمد بن إسماعيل بن يوسف، الشيخ أبو الحسن الصباغ القوصي. صاحب المعارف والكرامات، أخذ عن الشيخ عبد الرحيم القنائي. قال المنذري وظهرت بركاته على الذين صحبوه، وهدى الله به خلقا، وكان حسن التربية للمريدين، وصحبه جماعة من العلماء منهم الشيخ مجد الدين بن دقيق العيد. مات بقنا منتصف شعبان سنة ثلاث عشرة وستمائة، وفي العبر سنة اثنتي عشرة. 28- يوسف بن محمد بن علي بن أحمد الهاشمي أبو الحجاج المغاوري. قدم من المغرب، فأقام بقنا إلى أن توفي بها، وصحب الشيخ أبا الحسن بن الصباغ. وكان من المشهورين بالولاية، وله كرامات كثيرة. مات في صفر سنة تسع عشرة وستمائة؛ ويقال ¬

(¬1) طبقات الشعراني 1: 135.

إنه عاش مائة وثلاثين سنة. ذكره في الطالع السعيد (¬1) . 29- الشيخ أبو العباس البصير أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن جزي الخزرجي الأنصاري الأندلسي. كان أبوه من ملوك المغرب، فولد له الشيخ أبو العباس أطمس العينين، فخافت أمه سطوة أبيه، فأمرت به فألقي في البرية فأرضعته الغزلان. ثم إن والده خرج إلى الصيد فلقيه فأخذه، وهو لا يشعر أنه ابنه وقال لزوجته: ربيه، لعل الله أن يجعل لنا فيه خيرا. فلما كبر قرأ القرآن، واشتغل بالعلوم الشرعية إلى أن برع فيها، وصحب في التصوف جعفر بن عبد الله بن شيندبونة الخزاعي الأندلسي، ثم سافر على قدم التجريد، فدخل الصعيد، وأقام بالقاهرة يقرئ الناس وينفعهم. قال الشيخ برهان الدين الأبناسي في ترجمته: كان الشيخ أبو العباس يشغل الناس بالقراءات السبع، وكان حافظا بارعا في علم الحديث، حافظا لمتونه، عارفا بعلله ورجاله، حسن الاستنباط بذهن وقاد، وكانت له الأحوال الغريبة، والأساليب العجيبة، أجاز سبعة آلاف رجل بالقراءات السبع. توفي سنة ثلاث وعشرين وستمائة، وقد بلغ ثلاثا وستين سنة، ودفن بالقرافة. 30- يحيى بن موسى بن علي القنائي يعرف بابن الحلاوي. قال الحافظ رشيد الدين العطار: كان من المشايخ المعروفين والصلاح، سمعته يقول: سمعت الشيخ العارف عبد الرحيم بن أحمد بن حجون المغربي -وكان شيخ وقته وإمام عصره- يقول في قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من طلب العلم تكفل الله برزقه"، معناه والله أعلم: محضه بالحلال من الرزق لمكان طلب العلم. قال الرشيد: وسمعت منه جزءا منتخبا من كلام شيخه عبد الرحيم. مات بقنا في ذي القعدة سنة خمس وعشرين وستمائة (¬2) . ¬

(¬1) الطالع السعيد 419، طبقات الشعراني 1: 136. (¬2) الطالع السعيد 409.

31- ابن الفارض شرف الدين أبو القاسم عمر بن علي بن مرشد الحموي الأصل المصري. ولد بالقاهرة في ذي القعدة سنة ست وسبعين وخمسمائة؛ وكان أبوه يكتب فروض النساء. ترجمه الرشيد العطار في معجمه، فقال: الشيخ الفاضل الأديب. كان حسن النظم، متوقد الخاطر، وكان يسلك طريق التصوف، وينتحل مذهب الشافعي، وأقام بمكة مدة، وصحب جماعة من المشايخ. وترجمه أيضًا المنذري في معجمه وغيره. مات في ثالث جمادى الأولى سنة اثنتين وثلاثين وستمائة (¬1) . 32- أبو الحجاج الأقصري الشيخ العارف يوسف بن عبد الرحيم بن غزي، شيخ الزمان وواحد الأوان، صاحب المعارف والكرامات والمكاشفات والاستغراقات. انتفع به خلق من أصحابه، وكان في أول أمره مشارف الديوان ثم تجرد، وصحب الشيخ عبد الرزاق تلميذ الشيخ أبي مدين، فحصل له من الفتح ما حصل. توفي في رجب سنة اثنتين وأربعين وستمائة بالأقصر من الصعيد الأعلى (¬2) . 33- وولده نجم الدين أحمد. مشهور أيضا بالصلاح، له كرامات ومكاشفات. مات ببلده سنة نيف وثمانين وستمائة. 34- وولد نجم الدين هذا جمال الدين محمد، له أيضًا مكاشفات؛ منها أنه أخبر بفتح عكا يوم وقوعه. توفي في شعبان ست وتسعين وستمائة. 35- أبو السعود بن أبي العشائر بن شعبان بن الطيب الباذييني. مولده بباذيين بلد بقرب واسط العراق؛ ذكره كذلك المنذري في معجمه، وقال: سمعته يقول: ينبغي للسالك الصادق في سلوكه أن يجعل كتابه قلبه. قال: ومات بالقاهرة يوم الأحد تاسع شوال سنة أربع وأربعين وستمائة، ودفن بسفح المقطم. 36- أبو بكر وأبو يحيى بن شافع القنائي، شيخ عصره. صحب الشيخ أبا الحسن بن ¬

(¬1) ابن خلكان 1: 33. (¬2) الطالع السعيد 416.

الصباغ، وله كرامات استفاضت وأحوال اشتهرت، ومعارف بهرت، وانتفع به جماعة. مات في شوال سنة سبع وأربعين وستمائة. 37- مفرج بن موفق بن عبد الله الدماميني أبو الغيث. صاحب المكاشفات الموصوفة، والمعاني المعروفة، صحب أبا الحسن بن الصباغ، قال الحافظ الرشيد العطار: كان من مشاهير الصالحين، وممن ترجى بركاته، واشتهرت كراماته. مات في جمادى الأولى سنة ثمان وأربعين وستمائة، وقد قارب التسعين. 38- إسماعيل بن إبراهيم بن جعفر المنفلوطي ثم القنائي الشيخ علم الدين. أحد أصحاب أبي الحسن بن الصباغ. كان ممن جمع الشريعة والحقيقة، فقيها مالكيا. له كرامات ومكاشفات ومعارف صوفية. مات بقنا في صفر سنة اثنتين وخمسين وستمائة (¬1) . 39- رفاعة بن أحمد بن رفاعه القنائي الجذامي. من أصحاب أبي الحسن بن الصباغ. أحد المشهورين بالصلاح والكرامات والمقامات، حكى الشيخ عبد الغفار بن نوح أن الشيخ أبا الحسن بن الصباغ تحدث مع والي قوص أن يعزل والي قنا، فامتنع، وكان رفاعة حاضرا، فقال رفاعة: يا سيدي، أقول؟ قال: لا، فلما خرج سأله الفقراء، ما الذي كنت تريد تقول؟ فقال: إن الوالي لما رد على الشيخ عُزِل في ساعته. فأرخوا ذلك في الوقت، فجاء المرسوم بعزله في ذلك التاريخ (¬2) . 40- إبراهيم بن علي بن عبد الغفار بن أبي القاسم بن محمد بن فضل بن أبي الدنيا الأندلسي ثم القنائي. قال الأدفوي في الطالع السعيد: كان من المشهورين بالكرامات، وذكروا أن الشيخ عبد الرحيم كان يذكره، ويقول: يأتي بعدي رجل من الغرب يكون له شأن، فقدم هذا. مات بقنا يوم الجمعة مستهل صفر سنة ست وخمسين وستمائة (¬3) . ¬

(¬1) الطالع السعيد 80. (¬2) الطالع السعيد 128. (¬3) الطالع السعيد 27.

41- الشيخ أبو الحسن الشاذلي شيخ الطائفة الشاذلية. هو الشريف تقي الدين علي بن عبد الله بن عبد الجبار. قال الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد: ما رأيت أعرف بالله من الشاذلي. وقال الشيخ تاج الدين بن عطاء الله: منشؤه بالغرب الأقصى، ومبدأ ظهوره بشاذلة، وله السياحات الكثيرة، والمنازلات الجليلة، والعلوم الكثيرة، لم يدخل في طريق الله حتى كان يعد للمناظرة في العلوم الظاهرة، وعلوم جمة، جاء في هذا الطريق بالعجب العجاب، وشرح من علم الحقيقة الأطناب، ووسع للسالكين الركاب. وكان الشيخ عز الدين بن عبد السلام يحضر مجلسه، ويسمع كلامه. قال الشيخ تاج الدين: أخبرني والدي قال: دخلت على الشيخ أبي الحسن الشاذلي، فسمعته يقول: والله لقد يسألونني عن المسألة لا يكون لها عندي جواب، فأرى الجواب مسطرا في الدواة والحصير والحائط. مات في ذي القعدة سنة ست وخمسين وستمائة بصحراء عيذاب متوجها إلى مكة (¬1) . 42- أبو القاسم بن منصور بن يحيى المالكي الإسكندري المعروف بالقباري. أحد العباد المشهورين بكثرة الورع والتحري والانقطاع، أفرد ناصر الدين بن المنير ترجمته بتأليف. مات بظاهر الإسكندرية في سادس شعبان سنة اثنتين وستين وستمائة عن خمس وسبعين سنة. ومن غريب ما حُكي عنه أنه باع دابة لرجل، فأقامت أياما لم تأكل عنده شيئا فجاء إليه وأخبره، فقال له الشيخ: ما صنعتك؟ قال: رقاص عند الوالي، فقال: إن دابتنا لا تأكل الحرام، ثم رد إليه دراهمه. ¬

(¬1) نكت الهميان 213، نور الأبصار 234، قال في القاموس: شادلة، أو بالذال: بلد بالمغرب، منها السيد أبو الحسن الشاذلي أستاذ الطائفة الشاذلية من صوفية الإسكندرية؛ وفيهم يقول أبو العباس بن عطاء. تمسك بحب الشاذلية تلق ما ... تروم فحقق ذاك منهم وحصل ولا تعدون عيناك عنهم فإنهم ... شموس هدى في أعين المتأمل

43- أبو الحسن بن قفل. ذكره ابن فضل الله في المسالك في صوفية مصر وقال: من كلامه: إن شئت أن تصير من الأبدال، فحول خلقك إلى بعض خلق الأطفال، ففيهم خمس خصال لو كانت في الكبار لكانوا أبدالا: لا يهتمون ولا يشكون من خالقهم إذا مرضوا، ويأكلون الطعام مجتمعين، وإذا تخاصموا لم يتحاقدوا وتسارعوا إلى الصلح، وإذا خافوا جرت عيونهم بالدموع. 44- الجنيد بن مقلد السمهودي. من المشهورين بالصلاح والكرامات. مات ببلده سنة اثنتين وسبعين وستمائة، ذكره في الطالع السعيد (¬1) . 45- الشاطبي الزاهد نزيل الإسكندرية أبو عبد الله محمد بن سليمان المعافري. كان أحد المشهورين بالعبادة والتأله. مات سنة اثنتين وسبعين وستمائة عن بضع وثمانين سنة. 46- أبو العباس الملثم أحمد بن محمد. كان مقيما بالصعيد، وله كرامات وعجائب. صحب الشيخ عبد الغفار. مات بقوص في رجب سنة اثنتين وسبعين وستمائة (¬2) . 47- مسلم البرقي صاحب الرباط بالقرافة. كان صالحا متعبدا يُقصد للتبرك بدعائه. مات سنة ثلاث وسبعين وستمائة. ذكره ابن كثير (¬3) . 48- خضر بن أبي بكر المهراني. له حال وكشف، وكان الظاهر بيبرس يخضع له، ثم تغير عليه، فاراد قتله في سنة إحدى وسبعين، فقال له: إنما بيني وبينك في الموت شيء يسير، فوجم لها السلطان وتركه، فأقام إلى أن مات في سادس المحرم سنة ست وسبعمائة، ومات الظاهر بعده باثنين وعشرين يوما. 49- سيدي أحمد البدوي، هو أبو الفتيان أحمد بن علي بن إبراهيم بن محمد بن -[522]- أبي بكر القدسي الأصل الملثم. ¬

(¬1) الطالع السعيد 96، وفيه: "جعفر بن مقلد". (¬2) الطالع السعيد 66. (¬3) البداية والنهاية.

ولد سنة ست وتسعين وخمسمائة مع أبيه وأهله، وأقام بمكة إلى أن مات أبوه سنة سبع وعشرين، وعرف بالبدوي لملازمته اللثام. ولبس لثامين لا يفارقهما، وعرض على التزويج فأبى، لإقباله على العبادة. وكان حفظ القرآن، وقرأ شيئا من الفقه على مذهب الشافعي، واشتهر بالعطاب لكثرة ما يقع بمن يؤذيه من الناس، ثم لازم الصمت حتى كان لا يتكلم إلا بالإشارة، واعتزل الناس جملة، وظهر عليه الوله. فلما كان في المحرم سنة ثلاث وثلاثين، ذكر أنه رأى في النوم من بشره بأنه ستكون له حالة حسنة. ثم إن أخاه حسن بن علي دخل العراق، وهو صحبته، ولازم أحمد الصيام، وأدمن عليه حتى كان يطوي أربعين يوما لا يتناول طعاما ولا شرابا، ولا ينام وهو في أكثر حاله، شاخص البصر إلى السماء وعيناه كالجمرتين، ثم صار إلى مصر سنة أربع وثلاثين، فأقام بطندتا من الغربية على سطح دار لا يفارقه، وإذا عرض له الحال يصيح صياحا متصلا. وكان طوالا غليظ الساقين، عبل الذراعين، كبير الوجه، ولونه بين البياض والسمرة، وتُؤثر عنه كرامات وخوارق، من أشهرها قصة المرأة التي أسر الفرنج ولدها، فلاذت به، فأحضره إليها في قيوده، ومر به رجل يحمل قربة لبن فأومأ إليها بأصبعه، فانقدت فانسكب اللبن، فخرجت منه حية قد انتفخت. توفي يوم الثلاثاء ثاني عشر ربيع الأول سنة خمس وسبعين وستمائة (¬1) . 50- ابن النعمان القدوة الزاهد أبو عبد الله محمد بن موسى بن النعمان التلمساني ثم المرسي. قدم الإسكندرية شابا، فسمع بها من الصفراي، وكان عارفا بمذهب مالك، راسخ القدم في العبادة والنسك، ولد سنة سبع وستمائة، ومات في رمضان سنة ثلاث وثمانين ودفن بالقرافة ذكره في العبر (¬2) . 51- شرف الدين محمد بن الحسن بن إسماعيل الإخميمي الزاهد. قال في العبر: ¬

(¬1) شذرات الذهب 6: 345. (¬2) شذرات الذهب 6: 384.

كان صاحب توجه وتعبد، وللناس فيه عقيدة عظيمة. مات بدمشق في جمادى الأولى سنة أربع وثمانين وسبعمائة. 52- الشيخ أبو العباس المرسي. أحمد بن عمر الأنصاري العارف الشهير. قطب زمانه ورأس أصحاب الشيخ أبي الحسن الشاذلي، ذكر الشيخ تاج الدين بن عطاء الله عنه أنه قال يوما: والله لو حُجب عني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طرفة عين ما عددت نفسي مع المسلمين. مات بالإسكندرية سنة ست وثمانين وستمائة (¬1) . 53- الجعبري أبو إسحاق إبراهيم بن معضاد الزاهد الواعظ المذكر. قال في العبر: روى عن السخاوي، وسكن القاهرة وكان لكلامه وقع في القلوب لصدقه وإخلاصه وصدعه بالحق. مات في المحرم سنة سبع وثمانين وستمائة عن سبع وثمانين سنة وشهر (¬2) . 54- ولده ناصر الدين محمد. كان صالحا معتقدا يعظ الناس مكان والده ولوعظه رونق. مات سنة سبع وثلاثين وسبعمائة. 55- الإمام أبو محمد بن أبي جمرة المقرئ المالكي العالم البارع الناسك. قال ابن كثير: كان قوالا أمارا بالمعروف. مات بمصر في ذي القعدة سنة خمس وتسعين وستمائة (¬3) . 56- الشيخ كمال الدين بن عبد الظاهر علي بن جعفر الهاشمي الجعفري القوصي. صاحب المناقب المأثورة والكرامات المشهورة ولد بقوص، وتفقه بالمجد بن دقيق العيد، وأجازه بالتدريس ثم تصوف وانقطع للذكر والعبادة، وصحب الشيخ إبراهيم الجعبري بالقاهرة، ثم استوطن وانتصب لتذكير الناس، وانتفع به كثيرون. مات بها في رجب سنة إحدى وسبعمائة (¬4) . ¬

(¬1) طبقات الشعراني 1: 12. (¬2) طبقات الشعراني 1: 177. (¬3) طبقات الشعراني 1: 176، ابن كثير. (¬4) طبقات الشعراني 1: 137.

57- وله ولد يقال له أبو العباس، نحوه في العلم والعمل والاجتهاد وتذكير الناس. انتفع به الخلق الكثير. ومات بإخميم في رجب سنة سبع وخمسين وسبعمائة. 58- عبد الغفار بن أحمد بن عبد المجيد الأقصري ثم القوصي المعروف بابن نوح. صحب أبا العباس الملثم وعبد العزيز المنوفي، وتجرد زمانا وتعبد، وله أحوال وكرامات. ألف الوحيد في علم التوحيد، وله شعر حسن. مات بالقاهرة في ذي القعدة سنة ثمان وسبعمائة وله ثلاث وستون سنة (¬1) . 59- الشيخ تاج الدين بن عطاء الله أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد الكريم الجذامي الإسكندراني الإمام المتكلم على طريقة الشاذلي. كان جامعا لأنواع العلوم من تفسير وحديث ونحو وأصول وفقه على مذهب مالك وصحب في التصوف، الشيخ أبا العباس المرسي -وكان أعجوبة زمانه فيه- أخذ عنه التقي السبكي. وله تصانيف منها التنوير في إسقاط التدبير، والحكم ولطائف المنن في مناقب الشيخ أبي العباس والشيخ أبي الحسن، والمرقى إلى القدس الأبقى، ومختصر تهذيب المدونة للبرادعي في الفقه. مات بالمدرسة المنصورية من القاهرة في ثالث عشر جمادى الآخرة سنة تسع وسبعمائة ودفن بالقرافة (¬2) . 60- عمر بن أبي الفتوح الدماميني. صاحب كرامات ومكاشفات. مات بالقاهرة في ذي القعدة سنة أربع عشرة وسبعمائة، ومولده سنة سبع وأربعين وستمائة. ذكره في الطالع السعيد (¬3) . 61- نصر بن سلمان بن عمر المنجي أبو الفتح. القدوة العابد شيخ مصر. حدث عن إبراهيم بن خليل، وتلا على الكمال الضرير، وتفقه على مذهب أبي حنيفة، ثم ¬

(¬1) الطالع السعيد 171. (¬2) طبقات الشعراني 2: 19. (¬3) الطالع السعيد 238.

اعتزل وزاره السلطان والأعيان والعلماء. مات بزاويته، بالحسينية في جمادى الآخرة سنة تسع عشرة وسبعمائة عن بضع وثمانين سنة. 62- ياقوت بن عبد الله الحبشي القرشي العارف، تلميذ الشيخ أبي العباس المرسي تسلك عليه، قال ابن أيبك: كان شيخا صالحا مباركا ذا هيبة ووقار. أخذ الطريق عن الشيخ أبي العباس المرسي وصحبه مدة وسمع من كلامه، وكان يُقصد للدعاء والتبرك، ولم يخلف بناحيته بعده مثله. مات بالإسكندرية ليلة الثامن عشر من جمادى الآخرة سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة وهو من أبناء الثمانين (¬1) . 63- عبد العال خليفة سيدي أحمد البدوي. كان له شهرة بالصلاح، يُقصد للزيارة والتبرك. مات بطندتا في ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة (¬2) . 64- أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن إبراهيم المرشدي. من أهل منية مرشد من الوجه البحري، ذكره ابن فضل الله في صوفية مصر، وقال: إنه كان مع اشتهاره بالصلاح فقيها على مذهب الشافعي، يفتي من استفتاه من غير أن يكتب خطه. مات في شعبان سنة سبع وثلاثين وسبعمائة. 65- عبد الله بن محمد بن سليمان المنوفي. قال ابن فضل الله: جمع بين العلم والعمل والصلاح تفقه على مذهب مالك، واعتزل، وانقطع بالمدرسة الصالحية مقتصرا على خويصة نفسه، لا يكاد يخرج إلا إلى الصلاة، وله كرامات ظاهرة حكى الأمير الجائي الدوادار قال: وقع في نفسي إشكال في مسألة، وكان لي صاحب من الفقهاء الحنفيه أتردد إليه، فركبت إليه لأسأله على تلك المسألة فلم أجده، فأتيت الشيخ عبد الله المنوفي فلما جلست قال لي: كأنك مشتغل بشيء من الفقه! فقلت: نعم، قال: فما قولك في كذا وكذا؟ لتلك المسألة بعينها، فقلت، منكم تُستَفَاد، فأخذ يتكلم في تلك المسألة وما عليها من ¬

(¬1) طبقات الشعراني 2: 18. (¬2) طبقات الشعراني 2: 168.

الإيرادات -وذكر الإشكال الذي وقع في نفسي- ثم شرع يجيب عنه حتى انجلى، فسألته عن شيء آخر، قال: لا، قم مع السلامة، والقصد قد حصل. ولد سنة ست وثمانين وستمائة، وتوفي في رمضان سنة تسع وأربعين وسبعمائة، رأيت بخط الشيخ كمال الدين الشمني قال: سمعت شيخنا الحافظ أبا الفضل العراقي يقول: لم أر قط جنازة الشيخ عبد الله المنوفي، وذلك أنه صادف اليوم الذي خرج فيه أهل مصر ليدعوا ربهم لما كثر الفناء. قال العراقي: وكان الناس إنما خرجوا في الحقيقة لأجل جنازة الشيخ. قال: ثم رأيت بعد ذلك في مناقب الشيخ التي جمعها تلميذه الشيخ خليل، قال: لما حصل الفناء، وأراد الناس أن يخرجوا ليدعوا ربهم جئت إلى الشيخ، وطلبت منه الحضور مع الناس، فقال لي: نعم، أنا أكون معهم في ذلك اليوم؛ ولكن لا أظهر؛ فكان ذلك يوم موته، ففهمت أنه أشار إلى خفائه عنهم بالكفن. 66- مسلم السلمي. كان مقيما بجامع الفيلة، وكان صالحا عابدا، له كرامات. رئي سبعا فصار عنده كالهر يدور في البيوت، فلما مات الشيخ أخذه السباعون، فتوحش عندهم في الغابة وعجزوا عنه. مات سنة أربع وستين وسبعمائة. 67- سيدي يوسف العجمي العارف المسلك جمال الدين أبو المحاسن عبد الله بن عمر بن علي بن خضر الكوراني. إمام المسلكين في عصره، وله رسالة في التصوف. مات سنة ثمان وستين وسبعمائة، وقبره مشهور بالقرافة. 68- يحيى بن علي ين يحيى الصنافيري المجذوب. صاحب كرامات ومكاشفات وأحوال خارقة، وكان الغالب عليه السكرة. مات في شعبان سنة اثنتين وسبعمائة. 69- صالح بن نجم المصري. كان على قدم عظيم من العبادة والزهد والورع، وللناس فيه اعتقاد كبير بمنية السيرج في رمضان سنة ثمان وسبعمائة. 70- نهار المغربي السكندري المجذوب. صاحب كرامات وأحوال. مات في جمادى الأولى سنة ثمانين وسبعمائة.

71- الشيخ عبد الله الجيرتي الزيلعي. أحد الصلحاء المعتقدين. مات في المحرم سنة ثمانين وسبعمائة، وقبره مشهور بالقرافة. 72- حسن بن عبد الله ابن الفرات. أحد المشايخ المعتقدين. قال الحافظ ابن حجر: كان أبي يعتقده. قال: وذكر لي شمس الدين الأسيوطي أنه غضب عليه، فرمى بسهم في الهواء، فقال: أصابه، فلم يلبث إلا يسيرا حتى مات. مات الشيخ حسن في ربيع الآخر سنة إحدى وثمانين وسبعمائة. 73- إسماعيل بن يوسف الإنبابي. صاحب الزاوية بإنبابة. نشأ إلى طريقة حسنة، واشتغل بالعلم، ثم انقطع بزاويته. مات في شعبان سنة تسعين وسبعمائة (¬1) . 74- حسن بن عبد الله الحبار. صحب ياقوت العرشي، وتزوج بابنته، وجلس للوعظ، وانتفع به الناس. مات في ربيع الآخر سنة إحدى وتسعين وسبعمائة. 75- ابن المليق قاضي القضاة ناصر الدين أبو المعالي محمد بن عبد الدائم بن محمد بن سلامة المصري الشاذلي. ولد سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة، واشتغل وحصل، وتصوف وتزهد، وتكلم على الناس دهرا، ثم ولي قضاء الشافعية فباشره بعفة ونزاهة. مات سنة سبع وتسعين وسبعمائة (¬2) . 76- الزهوري أحمد بن أحمد بن عبد الله العجمي نزيل القاهرة. كان صاحب مكاشفات، وللناس فيه اعتقاد كثير، وكان برقوق يجله ويجلسه معه في مجلسه العام على المقعد الذي هو عليه، وكان هو يسب برقوقا بحضرة الأمراء، وربما بصق في وجهه ولا يتأثر. مات سنة إحدى وثمانمائة. 77- خلف بن حسين بن عبد الله الطوخي. أحمد المعتقدين بمصر. كان كثير الثلاوة، ملازما لداره والخلق يهرعون إليه، وشفاعاته مقبولة عند السلطان فمن دونه. ¬

(¬1) الدرر الكامنة 1: 384. (¬2) الدرر الكامنة 3: 494.

مات في ربيع الآخر سنة إحدى وثمانمائة. 78- صلاح الدين محمد الكلائي. أحد المذكرين على طريقة الشاذلية. صحب حسن الحبار، وخلفه في مكانه، فصار يذكر الناس. مات في ربيع الأول سنة إحدى وثمانمائة. 79- إبراهيم بن عبد الله الرفا. كان مقيما بزاوية في مصر، وللناس فيه اعتقاد كبير، وله كرامات. مات في جمادى الأولى سنة أربع وثمانمائة. 80- محمد بن عبد الله الخواص. أحد من كان يعتقد بمصر. مات بالروضة في جمادى الآخرة سنة خمس وثمانمائة. 81- محمود بن عبد الله الصامت. كان لا يتكلم البتة. أقام بالجزيرة مدة طويلة، وللناس فيه اعتقاد كبير. مات في ذي القعدة سنة خمس وثمانمائة. 82- محمد بن حسن بن الشيخ مسلم السلمي. أحد مشايخ المعتقدين بمصر. مات في ربيع الأول سنة ست وثمانمائة. 83- سيدي علي بن وفا الشاذلي العارف الكبير أبو الحسن بن العارف الكبير سيدي محمد بن محمد. ولد بالقاهرة سنة تسع وخمسين وسبعمائة، وكان يقظا حاد الذهن، مالكي المذهب، وله نظم كثير، وكان أبوه معجبا به، وأذن له في الكلام على الناس وهو دون العشرين. مات في ذي الحجة سنة سبع وثمانمائة. 84- ابن رفاعة برهان الدين إبراهيم بن محمد بن بهادر الغزي. ولد سنة خمس وأربعين وسبعمائة، وأخذ القراءة من الحكري، والفقه عن ناصر الدين القونوي، والتصوف عن الشيخ عمر حفيد عبد القادر، وسمع الحديث من نور الدين الفُوِّي، واشتغل بالآداب، وقال الشعر، ثم ساح في الأرض، وتجرد وتزهد، وعظم قدره، وشاع ذكره. مات في ذي الحجة سنة ست عشرة وثمانمائة.

85- شمس الدين البلالي بن علي بن جعفر العجلوني. نزيل القاهرة. ولد قبل الخمسين وسبعمائة، واشتغل بالعلم قليلا، وسلك طريق الصوفية، فمهر، وصارت له بإحياء علوم الدين ملكة، واختصره اختصارا حسنا، وولي مشيخة سعيد السعداء، وكان خيرا معتقدا. مات في شوال سنة اثنتي عشرة وثمانمائة. 86- يوسف بن إسماعيل بن يوسف الإنبابي. ولد سنة ست. . . (¬1) ، وأخذ عن العراقي وابن جماعة، وكان أبوه ممن يُعتقد في ناحيته، ثم صار ابنه كذلك، مع ملازمة الاشتغال والإشغال والخشوع والتعبد. مات في شوال سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة. 87- ابن عرب أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن محمد اليماني الزاهد بالشيخونية. نشأ نشأة حسنة، واشتغل ونسخ بالأجرة ثم انقطع عن الناس، فلم يكن يجتمع بأحد، واختار العزلة مع مواظبته على الجمعة والجماعة، واقتصر على ملبس خشن جدا، وقنع بيسير من القوت، وأقام على هذه الطريقة أكثر من ثلاثين سنة، ولم يكن في عصره ما داناه في طريقته، وكان يدري القراءات. مات في ربيع الأول سنة ثلاث عشرة وثمانمائة. 88- أبو بكر بن عبد الله بن أيوب بن أحمد الملوي الشاذلي الشيخ زين الدين. كان جده أيوب معتقدا، وولد هذا سنة اثنتين وستين وسبعمائة، وصحب القراء، وتلمذ للشيخ حسن الحبار، ثم لازم صاحبه صلاح الدين الكلاعي، وصار يتكلم على الناس، وكان كثير الذكر والعبادة، يتكسب بدلالة الغزل، وللناس فيه اعتقاد كبير. مات ليلة الجمعة خامس ذي الحجة سنة إحدى وأربعين وثمانمائة. 89- الشيخ شمس الدين الحنفي محمد بن حسن بن علي الشاذلي. ولد سنة خمس وسبعين وسبعمائة، وأخذ. . . (¬1) ابن هشام وغيره، وأخذ طريق القوم عن الشيخ ناصر الدين بن المليق، وحضر إملاء الشيخ زين الدين العراقي، وسمع على غالب سيرة ¬

(¬1) بياض في الأصل.

ابن سيد الناس، واشتهر اسمه، وشاع ذكره. مات في ربيع الآخر سنة سبع وأربعين وثمانمائة. 90- الشيخ أبو العباس الحنفي أحمد بن محمد عبد الغني المرسي صاحب الشيخ شمس الدين الحنفي. وكان يقال إنه أعظم منه، وكان الشيخ كمال الدين بن الهمام يتردد إليه، وأتى إليه يوما ومعه تأليف التحرير في أصول الفقه، فنظره الشيخ أبو العباس، فقال: هو كتاب مليح، إلا أنه لا ينتفع به أحد، فكان الأمر كما قال. مات الشيخ أبو العباس في جمادى الآخرة سنة إحدى وستين وثمانمائة. 91- أحمد بن إسماعيل بن أبي بكر بن عمر بن خالد الشيخ شهاب الدين الأبشيطي العلامة الصالح الزاهد الولي الكبير، والإمام الشهير. رجل يُستسقى به الغيث. ويهابه لفرط صلاحه الليث، معرض عن الدنيا، حال بالمرتبة العليا، بعيد عن الخلق، قريب من الحق، مواظب على الصلاة والصيام، قائم بخدمة مولاه والناس نيام، هذا مع تفنن وعلوم كثيرة، وتصانيف ما بين منظومة ومنثورة، ازدان به هذا الزمان، وانتفع بإقرائه الإنس والجان، اتخذ طيبة المشرفة دارا، وفاز بجوار سيد المرسلين وما أكرمه جارا، إلى أن جاءه الرسول من ربه بالبشرى، والارتحال من دار الدنيا إلى الدار الأخرى. كان مولده بأبشيط، وأخذ عن البرهان البيجوري والشمس البرماوي، وجماعة، ونبغ في العلوم. وألف تصانيف نظمًا ونثرًا، ثم تزهد وانقطع، وسافر إلى المدينة فأقام بها إلى أن مات سنة ثمان وثمانين وثمانمائة. اجتمعت به لما حججت، فسألته أن يحدثني بشيء لأكتبه عنه في المعجم، فامتنع، فقلت له: لِمَ يا سيدي، وهذا خير؟ فقال: قال الشافعي رضي الله عنه: فإن تجتنبها كنت سِلْمًا لأهلها ... وإن تجتذبها نازعتك كلابُها فعلمت أنه يشير إلى أن ذلك من أمور الدنيا (¬1) . ¬

(¬1) الضوء اللامع 1: 244.

ذكر من كان بمصر من أئمة النحو واللغة:

ذكر من كان بمصر من أئمة النحو واللغة: 1- عبد الملك بن هشام بن أيوب المعافري أبو محمد. صاحب السيرة، هذب سيرة ابن إسحاق فصارت تُنسب إليه. كان إمامًا في اللغة والنحو والعربية، أديبًا أخباريًّا نسابة. قال الذهبي: سكن مصر ومات في سنة ثماني عشرة ومائتين. وقال ابن كثير: كان مقيمًا بديار مصر وقد اجتمع به الشافعي حين وردها، وتناشدا من أشعار العرب أشياء كثيرة. مات لثلاث خلت من ربيع الآخر (¬1) . 2- محمد بن عبد الله بن محمد بن مسلم أبو بكر. قال ابن يونس في تاريخ مصر: كان نحويًّا يُعلم أولاد الملوك النحو، حدث عن القاضي بكار، وأم بالجامع العتيق بمصر. مات يوم السبت لأربع وعشرين خلت من ربيع الآخر سنة ثلاثين وثلاثمائة. 3- ابن ولاد أبو العباس أحمد بن محمد بن الوليد التميمي المصري. مصنف كتاب الانتصار لسيبويه على المبرد. قال في العبر: كان شيخ الديار المصرية في العربية مع أبي جعفر النحاس. توفي سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة (¬2) . 4- أبو جعفر النحاس أحمد بن محمد بن إسماعيل المرادي المصري النحوي. قال في العبر: كان ينظر بابن الأنباري ونفطويه ببلده، له تصانيف كثيرة. مات في ذي الحجة سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة، وقد أخذ عن الأخفش الصغير وغيره، وروى الحديث عن النسائي. ومن تصانيفه: تفسير القرآن، والناسخ والمنسوخ، وشرح أبيات سيبويه، وشرح المعلقات. غرق تحت المقياس ولم يُدْرَ أين يذهب (¬3) . 5- ابن الجبي محمد بن موسى بن عبد العزيز الكندي المصري. أحد أئمة النحو ¬

(¬1) إنباه الرواة 2: 211. (¬2) العبر 2: 231. (¬3) العبر 2: 246.

كان يلقب سيبويه، لاعتنائه بذلك. مات في صفر سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة، ومولده سنة أربعين وثمانين ومائتين (¬1) . 6- أبو بكر الأدفوي. مر في القراء (¬2) . 7- الحوفي صاحب إعراب القرآن الإمام أبو الحسن علي بن إبراهيم بن سعيد. كان إمامًا في العربية والنحو والأدب، وله تصانيف كثيرة، وهو من قرية يقال لها شبرا من أعمال الشرقية. قال في العبر: أخذ عن الأدفوي، وانتفع به أهل مصر. مات مستهل ذي الحجة سنة ثلاثين وأربعمائة (¬3) . 8- ابن بابشاذ أبو الحسن طاهر بن أحمد المصري الجوهري صاحب التصانيف، دخل بغداد تاجرًا في الجوهر، وأخذ عن علمائها، وخدم بمصر في ديوان الإنشاء ثم تزهد بأخرة. ومن تصانيفه: المقدمة وشرحها، وشرح الجمل، وتعليقة في النحو نحو خمسة عشر مجلدًا. سقط من سطح جامع عمرو بن العاص، فمات في ساعته في رجب سنة تسع وستين وأربعمائة (¬4) . 9- محمد بن إسحاق بن أسباط الكندي أبو النضر المصري. أخذ عن الزجاج، وكان شيخ أهل الأدب. صنف في النحو المغني وغيره (¬5) . 10- محمد بن بركات بن هلال أبو عبد الله السعيدي المصري النحوي اللغوي. سمع من كريمة والقضاعي وعبد العزيز بن الصراب. مات في ربيع الآخر سنة عشرين وخمسمائة، وله مائة سنة وثلاثة أشهر (¬6) . 11- ابن القطاع أبو القاسم علي بن جعفر بن علي السعدي الصقلي، ثم المصري ¬

(¬1) بغية الوعاة 1: 250، 251. (¬2) ص490. (¬3) العبر 3: 173. (¬4) إنباة الرواة 2: 95. (¬5) إنباه الرواة 3: 68. (¬6) إنباه الرواة 3: 78.

اللغوي، مصنف كتاب الأفعال. قدم مصر في حدود سنة خمسمائة. فأكرمه أهلها، وأقام بها إلى أن مات سنة خمس عشرة وخمسمائة، وقد جاوز الثمانين (¬1) . 12- عبد الله بن بري بن عبد الجبار أبو محمد المصري النحوي اللغوي. صاحب التصانيف. قال في العبر: روى عن أبي صادق المديني، وطائفة، وانتهى إليه علم العربية واللغة في زمانه، وقصد من البلاد لتحققه. وقال غيره: له حواش على صحاح الجوهري: ولد بمصر في رجب سنة تسع وتسعين وأربعمائة، ومات بها يوم الأحد تاسع عشر شوال سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة (¬2) . 13- يحيى بن معط بن عبد النور زين الدين الزواوي. كان إمامًا مبرزًا في العربية، شاعرًا محسنًا، قرأ على الجزولي، وتصدر بجامع عمرو لإقراء النحو، وحمل الناس عنه. وصنف الألفية المشهورة والفصول. ولد سنة أربع وستين وخمسمائة، ومات سنة ثمان وعشرين وستمائة (¬3) . 14- أمين الدين المحلي محمد بن علي بن موسى الأنصاري. أحد أئمة النحو بالقاهرة. تصدر لإقرائه، وانتفع به الناس. وله تصانيف حسنة، مات في ذي القعدة سنة ثلاث وسبعين وستمائة. 15- حافي رأسه محمد بن عبد الله بن عبد العزيز بن محيي الدين الإسكندراني. ولد بتاهرت بظاهر تلمسان سنة ست وستمائة، وكان من أئمة العربية تصدر لإقرائها أزمانًا. قال أبو حيان: كان شيخ أهل الإسكندرية في النحو. تخرج به أهلها. مات في رمضان سنة ثلاث وتسعين وستمائة. 16- الرضي الشاطبي محمد بن علي بن يونس. ولد ببلنسية سنة إحدى وستمائة، وكان إمام عصره في اللغة. تصدر بالقاهرة، وأخذ عنه الناس، روى عنه أبو حيان ¬

(¬1) إنباه الرواة 236. (¬2) إنباه الرواة 2: 110. (¬3) بغية الوعاة 2: 344.

وغيره. مات سنة أربع وثمانين وستمائة. 17- صاحب لسان العرب، محمد بن مكرم الإفريقي المصري جمال الدين أبو الفضل. ولد سنة ثلاثين وستمائة ومات في شعبان سنة إحدى عشرة وسبعمائة (¬1) . 18- أبو حيان الإمام أثير الدين محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان الأندلسي الغرناطي. نحوي عصره ولغويه ومقرئه. ولد في شوال سنة أربع وخمسين وستمائة، وأخذ عن أبي الحسن الأبذي وابن الصائغ وخلق. وأخذ بمصر عن البهاء بن النحاس، وتقدم في النحو في حياة شيوخه، واشتهر اسمه، وطار صيته، وألف الكتب المشهورة، وأخذ عنه أكابر عصره وتقدموا في حياته. مات في صفر سنة خمس وأربعين وسبعمائة. ورثاه الصلاح الصفدي بقوله: مات لأثير الدين شيخ الورى ... فاستعر البارق واستعبرا ورق من حسنٍ نسيم الصبا ... واعتل في الأسحار لما سرى وصادحات الأيك في نوحها ... رثته في السجع على حرف را يا عين جودي بالدموع التي ... يروى بها ما ضمه من ثرى وأجري دمًا فالخطب في شأنه ... قد اقتضى أكثر مما جرى مات إمام كان في علمه ... يرى إمامًا والورى من ورا أمسى منادي للبلا مفردا ... فضمه القبر على ما ترى يا أسفا كان هدى ظاهرًا ... فعاد في تربته مضمرا وكان جمع الفضل في عصره ... صح فلما أن قضى كسرا وعرف الفضل به برهة ... والآن لما أن مضى نكرا ¬

(¬1) بغية الوعاة 1: 248.

وكان ممنوعًا من الصرف لا ... يطرق من وافاه خطب عرا لا أفعل التفضيل ما بينه ... وبين من أعرفه في الورى لا بدل عن نعته بالتقي ... ففعله كان له مصدرا لم يدغم في اللحد إلا وقد ... فك من الصبر وثيق العرا بكى له زيد وعمرو فمن ... أمثلة النحو وممن قرا ما عقل التسهيل من بعده ... فكم له من عمره يسرا وجسر الناس على خوضه ... إذ كان في النحو قد استبحرا من بعده قد حال تمييزه ... وحظه قد رجع القهقري شارك من ساواه في فنه ... وكم له فن به استأثرا دأب بني الآداب أن يغسلوا ... بدمعهم فيه بقايا الكرى والنحو قد سار الردى نحوه ... والصرف للتصريف قد غيرا واللغة الفصحى غدت بعده ... يلغي الذي في ضبطها قررا تفسيره البحر المحيط الذي ... يهدي إلى وارده الجوهرا فوائد من فضله جمة ... عليه فيها نعقد الخنصرا وكان ثبتًا نقله حجة ... مثل ضياء الصبح إذ أسفرا ورحلة في سنة المصطفى ... أصدق من تسمع إن خبرا له الأسانيد التي قد علت ... فاستسفلت عنها سوامي الذرا ساوى بها الأحفاد أجدادهم ... فاعجب لماض فاته من طرا وشاعرا في نظمه مغلقا ... كم حرر اللفظ وكم حبرا له معان كلما خطها ... تستر ما يرقم في تسترا أفديه من ماض لأمر الردى ... مستقبلا من ربه بالقرى

ما بات في أبيض أكفانه ... إلا وأضحى سندسًا أخضرا تصافح الحور له راحةً ... كم تعبت في كل ما سطرا إن مات فالذكر له خالد ... يحيا به من قبل أن ينشرا جاد ثرى واراه غيث إذا ... مساه بالسقيا له بكرا وخصه من ربه رحمة ... تورده في حشره الكوثرا 19- ابن أم القاسم المرادي بدر الدين حسن بن قاسم بن عبد الله بن علي. ولد بمصر، وأخذ عن أبي حيان وغيره، وأتقن العربية والقراءات، وألف كتبًا، منها شرح التسهيل، وشرح الألفية، وشرح المفصل والجنَى الداني في حروف المعاني. مات يوم عيد الفطر سنة تسع وأربعين وسبعمائة (¬1) . 20- ابن هشام جمال الدين عبد الله بن يوسف بن عبد الله المصري الإمام المشهور. ولد في ذي القعدة سنة ثمان وسبعمائة، ولازم الشهاب عبد اللطيف بن المرحل، وتلا على ابن السراج، وأتقن العربية، ففاق الأقران بل الشيوخ، وتخرج به خلق، وانفرد بالفوائد الغريبة، والمباحث الدقيقة، والاستدراكات العجيبة، والتحقيق البالغ، والاطلاع المفرط والاقتدار على التصرف في الكلام. قال ابن خلدون: ما زلنا ونحن بالمغرب نسمع أنه ظهر بمصر عالم بالعربية يقال له ابن هشام أنحى من سيبويه. مات في ذي القعدة سنة إحدى وستين وسبعمائة (¬2) . 21- السمين صاحب الإعراب المشهور شهاب الدين أحمد بن يوسف بن عبد الله الدائم الحلبي نزيل القاهرة. قال الحافظ ابن حجر: تعانى النحو، فمهر فيه، ولازم أبا حيان إلى أن فاق أقرانه، وأخذ القراءات عن التقي الصائغ، ومهر فيها، وولي تدريس القراءات بجامع ابن طولون، والإعادة بالشافعي وناب في الحكم، وله تفسير القرآن ¬

(¬1) بغية الوعاة 1: 517. (¬2) بغية الوعاة 2: 68-70.

والإعراب وشرح التسهيل وشرح الشاطبية. مات في جمادى الأولى سنة ست وخمسين وسبعمائة (¬1) . 22- ابن عقيل قاضي القضاة بهاء الدين عبد الله بن عبد الرحمن بن عقيل العقيلي من ولد عقيل بن أبي طالب. ولد في المحرم سنة ثمان وتسعين وستمائة، وأخذ القراءات عنه التقي الصائغ، والفقه عن الزين الكتناني، ولازم العلاء القونوي والجلال القزويني وأبا حيان، وتفنن في العلوم، وولي قضاء الديار المصرية وتدريس الخشابية، والتفسير بالجامع الطولوني. وله تصانيف، منها المساعد في شرح التسهيل، وشرح الألفية. مات في ربيع الأول سنة تسع وستين وسبعمائة (¬2) . 23- ناظر الجيش محب الدين محمد بن يوسف بن أحمد بن عبد الدائم الحلبي. ولد سنة سبع وتسعين وستمائة، واشتغل ببلاده، ثم قدم القاهرة، ولازم أبا حيان والجلال القزويني والتاج التبريزي، وتلا على التقي الصائغ، ومهر في العربية وغيرها، وله شرح التسهيل وشرح التلخيص، وولي نظر الجيش، ودرس التفسير بالمنصورية. مات في ذي الحجة سنة ثمان وسبعين وسبعمائة (¬3) . 24- برهان الدين إبراهيم بن عبد الله الحكري المصري. كان عارفًا بالعربية شرح الألفية. مات في جمادى الآخرة سنة ثمان وسبعمائة (¬4) . 25- محب الدين محمد ابن الشيخ جمال الدين بن هشام. ولد سنة خمس وسبعمائة وكان أوحد عصره في تحقيق النحو. مات سنة تسع وتسعين وسبعمائة. 26- الغماري شمس الدين محمد بن محمد بن علي بن عبد الرزاق. أخذ عن أبي حيان، وغيره، وسمع من اليافعي والشيخ خليل المالكي، وحدث. وكان عارفًا باللغة ¬

(¬1) بغية الوعاة 1، 402، الدرر الكامنة. (¬2) بغية الوعاة 2: 47، 48. (¬3) بغية الوعاة 1: 275. (¬4) بغية الوعاة 1: 415.

والعربية بارعًا فيهما، كثير المحفوظ للشعر، قال بعضهم: تفرد على رأس الثمانمائة خمسة بخمسة: البلقيني بالفقه، والعراقي بالحديث، والغماري بالنحو، وصاحب القاموس باللغة، وابن الملقن بكثرة التصانيف. ولد الغماري في ذي القعدة سنة عشرين وسبعمائة، ومات في شعبان سنة اثنتين وثمانمائة (¬1) . 27- شمس الدين الأسيوطي محمد بن الحسن. كان عالمًا بالعربية ماهرًا فيها انتفع به خلق. مات سنة سبع وثمانمائة. شمس الدين محمد بن إبراهيم. وقيل: ابن أبي بكر. الشطنوفي. ولد بعد الخمسين وسبعمائة، ومهر في العربية، وتصدر بالجامع الطولوني في القراءات وبالشيخونية في الحديث، وانتفع به خلق، منهم شيخنا الشمني. مات في ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة (¬2) . 29- ابن الدماميني بدر الدين محمد بن أبي بكر بن عمر الإسكندراني. ولد بالإسكندرية سنة ثلاث وستين وسبعمائة، وتعانى الآداب ففاق في النحو والنظم والنثر، وشارك في الفقه وغيره، ومهر واشتهر ذكره، وتصدر بالجامع الأزهر لإقراء النحو، وصنف حاشية على مغنى اللبيب وشرح التسهيل وشرح البخاري وشرح الخزرجية. مات بالهند في شعبان سنة سبع وعشرين وثمانمائة (¬3) . ¬

(¬1) بغية الوعاة 1: 230. (¬2) بغية الوعاة 1: 10، 11. (¬3) بغية الوعاة 1: 66، 67.

ذكر من كان بمصر من أرباب المعقولات وعلوم الأوائل والحكماء والأطباء والمنجمين:

ذكر من كان بمصر من أرباب المعقولات وعلوم الأوائل والحكماء والأطباء والمنجمين: 1- بليطان. طبيب نصراني. كان بديار مصر. ذكره ابن فضل الله في المسالك. مات سنة ست وثمانين ومائة (¬1) . 2- سعيد بن ترفيل (¬2) . طبيب نصراني، كان في خدمة أحمد بن طولون. ذكره ابن فضل الله في حكماء مصر (¬3) . 3- سعيد بن البطريق. نصراني مشهور بالطب. له مؤلفات. مات في رجب سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة (¬4) . 4- محمد بن أحمد بن سعيد التميمي أبو عبد الله. من أطباء مصر. له مؤلفات، كان في خدمة العزيز بن المعز. مات في حدود سنة سبعين وثلاثمائة (¬5) . 5- أبو الحسن علي ابن الإمام الحافظ أبي سعيد بن يونس صاحب تاريخ مصر. قال ابن كثير: كان منجمًا شديد الاعتناء بعلم الرصد، له زيج مفيد يرجع إليه أصحاب أهل الفن، كما يرجع المحدثون إلى أقوال أبيه وتواريخه، ويسمى الزيج الحاكمي. وله شعر جيد، وكان مغفلًا. مات سنة تسع وتسعين وثلاثمائة (¬6) . 6- أبو الصلت أمية بن عبد العزيز بن أبي الصلت الداني الأندلسي. قال في العبر: كان ماهرًا في علوم الأوائل، رأسًا في معرفة الهيئة والنجوم والموسيقى والطبيعي والرياضي والإلهي، كثير التصانيف بديع النظم. مات سنة ثمان وعشرين وخمسمائة عن ثمان وستين سنة (¬7) . ¬

(¬1) ابن أبي أصيبعة 2: 82. (¬2) في الأصول. "توفيل"، وصوابه من ابن أبي أصيبعة. (¬3) ابن أبي أصيبعة 2: 83. (¬4) العبر 4: 74. (¬5) ابن أبي أصيبعة 2: 87. (¬6) العبر 4: 74. (¬7) ابن أبي الصلت 2: 52-63.

7- الرشيد بن الزبير الأسواني أبو الحسن أحمد بن أبي الحسن علي بن إبراهيم. قال العماد في الخريدة: كان ذا علم غزير، وفضل كثير، عالمًا بالهندسة والمنطق وعلوم الأوائل، شاعرًا، تولى نظر الإسكندرية ثم قتل بها في المحرم سنة ثلاث وستين وخمسمائة (¬1) . 8- المبشر بن فاتك الأموي أبو الوفا. قال ابن أبي أصيبعة: من أعيان أمراء مصر وأفاضل علمائها إمام في الهيئة والعلوم الرياضية والطب، وله تصانيف جليلة في المنطق وغيره (¬2) . 9- شرف الدين عبد الله بن علي الشيخ السديد، شيخ الطب بالديار المصرية. قال في العبر: أخذ الصناعة عن الموفق بن العين زربي، وخدم العاضد، صاحب مصر، وعمر دهرًا. أخذ عنه نفيس الدين بن الزبير. مات سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة (¬3) . 10- الحسين بن منصور أبو علي الحسام الطبيب الإسنائي. قال في الطالع السعيد: اشتهر بصناعة الطب، فكان بها قيمًا، وكان أديبًا فاضلًا. توفي في أوائل المائة السادسة (¬4) . 11- الفخر. الفارسي أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن أحمد الشيرازي نزيل مصر. كان فاضلًا بارعًا، له مصنفات في الأصول والكلام. مات بمصر في ذي القعدة سنة اثنتين وعشرين وستمائة، وقد نيف على التسعين (¬5) . 12- القطب المصري قطب الدين أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن محمد السلمي. أصله من المغرب، ثم انتقل إلى مصر، وأقام بها مدة، ثم سافر إلى العجم، وأخذ عن الإمام فخر الدين، وكان من أشهر تلامذته، عالمًا بالمعقولات، وألف كتبًا كثيرة في الطب والحكمة، منها شرح كليات القانون قتله التتار بنيسابور لما استولوا عليها ¬

(¬1) الخريدة 1: 200-203 "قسم مصر". (¬2) ابن أبي أصيبعة 1: 57. (¬3) العبر 4: 279. (¬4) الطالع السعيد 120. (¬5) انظر ابن أبي أصيبعة 2: 18.

وقتلوا أهلها سنة ثماني عشرة وستمائة (¬1) . 13- الموفق عبد اللطيف بن يوسف بن محمد البغدادي موفق الدين أبو محمد. كان عالمًا بأصول الدين والنحو واللغة والطب والفلسفة والتاريخ، في غاية الذكاء شافعيًّا محدثًا. ولد ببغداد سنة سبع وخمسين وخمسمائة، وتفقه، على ابن فضلان، وصنف التصانيف الكثيرة في أنواع من العلوم، منها شرح المقامات والجامع الكبير في المنطق والطبيعي والإلهي عشرة مجلدات. قام بمصر، ومات ببغداد في ثاني عشر المحرم سنة تسع وعشرين وستمائة (¬2) . 14- السيف الآمدي أبو الحسن علي بن علي. صاحب التصانيف النافعة منها، الأحكام وغيره. ولد سنة إحدى وخمسين وخمسمائة واشتغل بمذهب الحنابلة، ثم انتقل إلى مذهب الشافعي، ومهر في المعقولات حتى لم يكن في زمانه أعلم منه بها، ثم سكن مصر، وتصدر مدة للإقراء بالجامع الظافري، وانتفع به الناس ثم حسده جماعة ونسبوه إلى فساد العقيدة فخرج إلى الشام فمات بها في ثالث صفر سنة إحدى وثلاثين وستمائة (¬3) . 15- أفضل الدين الخونجي محمد بن ناماوار بن عبد الملك الفيلسوف. ولد سنة تسعين وخمسمائة، وبرع في علوم الأوائل حتى صار أوحد وقته فيها، وصنف الموجز في المنطق والجمل، وكشف الأسرار في الطبيعي، وشرح مقالة ابن سينا وغير ذلك. ولي قضاء الديار المصرية بعد عزل الشيخ عز الدين بن عبد السلام (¬4) . قلت: فاعتبروا يا أولي الأبصار، يُعزل شيخ الإسلام وإمام الأئمة شرقًا وغربًا ويولّى عوضه رجل فلسفي! ما زال الدهر يأتي بالعجائب! مات الخونجي في رمضان سنة اثنتين وأربعين وستمائة. ¬

(¬1) انظر ابن أبي أصيبعة 2: 30. (¬2) ابن أبي أصيبعة 2: 174. (¬3) إنباه الرواة 2: 193. (¬4) ابن أبي أصيبعة 2: 120.

16- ابن البيطار الطبيب البارع ضياء الدين عبد الله بن أحمد المالقي. أوحد زمانه صاحب كتاب الأدوية المفردة. انتهت إليه معرفة تحقيق النبات وصفاته وأماكنه ومنافعه. خدم الملك الكامل، ثم ابنه الصالح. مات بدمشق في شعبان سنة ست وأربعين وستمائة (¬1) . 17- قيصر بن أبي القاسم بن عبد الغني بن مسافر. ينعت بالعلم، ويعرف بتعاسيف الأصفوني. كان عالمًا بالرياضيات وأنواع الحكمة والموسيقى عارفًا بالقراءات فقيهًا حنفيًّا، ولد بأصفون من الصعيد سنة أربع وستين وخمسمائة، وتوفي بدمشق في رجب سنة تسع وأربعين وستمائة (¬2) . 18- جعفر بن مطهر بن نوفل الأدفوي، نجم الدين. قال في الطالع السعيد: كان عالمًا بعلوم الأوائل من الطب والفلسفة، أديبًا شاعرًا فاضلًا. توفي ببلده في حدود الستين (¬3) . 19- ابن النفيس العسلامة علاء الدين علي بن أبي الحزم القرشي. شيخ الطب بالديار المصرية وصاحب التصانيف: الموجزة وشرح القانون وغير ذلك، وأحد من انتهت إليه معرفة الطب؛ مع الذكاء المفرط والذهن الحاذق بالمشاركة في الفقه والأصول والحديث والعربية والمنطق. مات في ذي القعدة سنة سبع وثمانين وستمائة، وقد قارب الثمانين، ولم يخلف بعده مثله (¬4) . 20- الأصبهاني شارح المحصول شمس الدين محمد بن محمود. كان إمامًا بارعًا في الأصلين والجدل والمنطق. صنف كتابًا في هذه العلوم سماه القواعد، وكان عارفًا بالنحو والشعر، مشاركًا فيما عداها. ولد بأصبهان سنة ست عشرة وستمائة، واشتغل ببغداد، ¬

(¬1) ابن أبي أصيبعة 2: 133. (¬2) الطالع السعيد 259. (¬3) الطالع السعيد 96. (¬4) ابن أبي أصيبعة 2: 249.

وقدم القاهرة فولاه تاج الدين ابن بنت الأعز قضاء قوص، فانتفع به خلق هناك، وعاد فولِيَ تدريس الشافعي ومشهد الحسين. مات بالقاهرة ليلة الثلاثاء والعشرين من رجب سنة ثمان وثمانين وستمائة، ودفن بالقرافة (¬1) . 21- الخويي قاضي القضاة شهاب الدين أبو عبد الله محمد بن قاضي القضاة شمس الدين، أحمد بن الخليل بن سعادة الشافعي. كان من أعلم أهل زمانه بالفتوى. له تصانيف منها كتاب في عشرين فنًّا، ونظم علوم الحديث لابن الصلاح، وكفاية المتحفظ وروى عن ابن أحمد اللتي وابن المقير. ولي قضاء الديار المصرية وقضاء الشام، ومات بها في رمضان سنة ثلاث وتسعين وستمائة عن سبع وستين سنة (¬2) . 22- التقي شبيب بن حمدان بن شعيب الحراني الطبيب الكحال الشاعر. له نظم فائق وتقدم في الطب، روى عن أبي الحسن بن روزبة وغيره. ومات سنة خمس وتسعين وستمائة بمصر. ذكره في العبر. 23- شمس الدين محمد بن أبي بكر بن محمد الفارسي المعروف بالأيكي. كان إمامًا في الأصلين والمنطق وعلوم الأوائل، شرح مختصر ابن الحاجب، ودرس بالغزالية بدمشق، ثم قدم مصر فولي مشيخة الشيوخ بها، فتكلم فيه الصوفية، فرجع إلى دمشق، فمات بالمزة يوم الجمعة ثالث رمضان سنة سبع وعشرين وستمائة. 24- عز الدين إسماعيل بن هبة الله بن علي الحميري الإسنائي. كان إمامًا في العلوم العقلية. أخذ عن الشمس الأصفهاني والبهاء بن النحاس وانتصب للإقراء، وتخرج به خلق، وألف. مات بمصر سنة خمس وخمسين وسبعمائة (¬3) . 25- أخوه المفضل. قال الإسنوي في طبقاته: كان ذكيًّا إلى الغاية، فاضلًا يُضرب ¬

(¬1) شذرات الذهب 5: 406. (¬2) ابن أبي أصيبعة 2: 23، 171. (¬3) الطالع السعيد 88.

به المثل ولكن غلب عليه علم الطب والحكمة والمنطق، ومهر فيها إلى أن فاق أبناء جنسه. مات وهو شاب. وقال في الطالع السعيد: تميز في الفقه والأصول والنحو وغلب عليه الطب والحكمة والمنطق والفلسفة، وألف في الترياق مجلدًا. مات بمصر في حدود تسعين وستمائة (¬1) . 26- العلم بن أبي خليفة رئيس الطب بمصر. مات سنة ثمان وسبعمائة. 27- علاء الدين الباجي علي بن محمد بن عبد الرحمن بن خطاب، كان إمامًا في الأصلين والمنطق فاضلًا فيما سواهما، وكان أنظر أهل زمانه لا يكاد ينقطع في المباحث. ولد سنة إحدى وثلاثين وستمائة، وتفقه على الشيخ عز الدين بن عبد السلام، واستوطن القاهرة، وصنف مختصرات في علوم متعددة، وأخذ عنه التقي السبكي. مات يوم الأربعاء سادس ذي القعدة سنة أربع عشرة وسبعمائة. 28- شمس الدين أبو عبد الله محمد بن يوسف بن عبد الله الجزري ثم المصري. قال الإسنوي: كان فقيهًا عارفًا بالأصلين والنحو والبيان والمنطق والطب. ولد سنة سبع وثلاثين وستمائة، واشتغل بقوص على قاضيها الشمس الأصفهاني، ثم استوطن مصر، ودرس بالشريفة وشرح منهاج البيضاوي وأسئلة الأرموي على التحصيل. مات بمصر في ذي القعدة سنة إحدى عشرة وسبعمائة. 29- الصفي الهندي محمد بن عبد الرحمن بن محمد. كان فقيهًا أصوليًّا متكلمًا دينًا متعبدًا. ولد بالهند في ربيع الآخر سنة أربع وأربعين وستمائة، ودخل الديار المصرية فأقام بها أربع سنين، وانتقل إلى دمشق يدرس ويفتي ويصنف. مات بها في صفر سنة خمسين وسبعمائة. 30- تاج الدين محمد بن علي البارنباري الشافعي الملقب طوير الليل. كان ¬

(¬1) الطالع السعيد 375.

فاضلًا في الفقه والأصلين والعربية والمنطق. ولد سنة أربع وخمسين وستمائة، واشتغل على الأصفهاني شارح المحصول، ومات بالقاهرة سنة سبع عشرة وسبعمائة. 31- فخر الدين أحمد بن سلامة بن أحمد الإسكندراني المالكي العلامة الأصولي البارع. ولي قضاء دمشق، ومات بها في ذي الحجة سنة ثمان عشرة وسبعمائة عن سبع وخمسين سنة. 32- التاج التبريزي أبو الحسن علي بن عبد الله نزيل القاهرة. كان عالمًا في علوم كثيرة، تخرج به فضلاؤها له تصانيف. مات بالقاهرة سنة ست وأربعين وسبعمائة. وقال الصلاح الصفدي يرثيه: يقول تاج الدين لما قضي ... من ذا رأى مثلي بتبريز وأهل مصر بات إجماعهم ... يقضي على الكل بتبريزي 33- الأصفهاني شمس الدين أبو الثناء محمود بن عبد الرحمن بن أحمد. كان إمامًا بارعًا في العقليات، عارفًا بالأصلين، فقيهًا. ولد سنة أربع وسبعين وستمائة، واشتغل بتبريز، وقدم الديار المصرية فولي تدريس المعزية بمصر ومشيخة خانقاه قوصون بالقرافة. وصنف الكتب المحررة النافعة، وانتشرت تلاميذه. مات شهيدًا بالطاعون في أواخر سنة تسع وأربعين وسبعمائة (¬1) . 34- محمد بن إبراهيم المتطبب صلاح الدين المعروف بابن الدهان. قال ابن فضل الله: قرأ على ابن نفيس وغيره، والمعقولات على الشمس محمود الأصفهاني، وكان طبيبًا حكيمًا، فاضلًا متفلسفًا. 35- أرشد الدين محمود بن قطلوشاه السراي. كان غاية في العلوم العقلية والأصول ¬

(¬1) الدرر الكامنة 4: 327.

والطب أقدمه صرغتمش بعد وفاة القوام الإتقاني، فولاه مدرسته، فلم يزل بها إلى أن مات في رجب سنة خمس وسبعين وسبعمائة وقد جاوز الثمانين (¬1) . 36- شمس الدين محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن المصري. مدرس الأطباء بجامع ابن طولون. كان فاضلًا له نظم. مات في شوال سنة ست وسبعين وسبعمائة (¬2) . 37- محمد بن محمد التبريزي. قال ابن حجر: قدم من بلاد العجم، وأخذ عن القطب التحتاني وبرع في المعقول، وشغل الناس كثيرًا بالقاهرة وانتفعوا به. مات في ذي الحجة سنة ست وسبعين وسبعمائة. 38- صلاح الدين يوسف بن عبد الله المعروف بابن المغربي الطبيب، رئيس الأطباء بالقاهرة وصاحب الجامع الذي على الخليج الحاكمي. مات في جمادى الآخرة سنة ست وسبعين وسبعمائة (¬3) . 39- العلاء علي بن أحمد بن محمد بن أحمد السراي علاء الدين. كان من أكابر العلماء بالمعقولات وإليه المنتهى في علم المعاني والبيان، استدعى به برقوق، فقرره شيخًا في مدرسته. مات في جمادى الأولى سنة تسعين وسبعمائة وقد جاوز السبعين. 40- ضياء الدين عبد الله بن سعد القرمي الشافعي. كان إمامًا في المعقولات. أخذ عنه العز بن جماعة، ودرس بالشيخونية بعد البهاء بن السبكي. مات في ذي الحجة سنة ثمانين وسبعمائة، وكانت لحيته طويلة جدًّا تصل إلى رجليه وإذا نام يجعلها في كيس، وإذا ركب انفرقت فرقتين، فكل من رآه يقول: سبحان الخالق، فكان يقول أشهد أن العوام مؤمنون بالاجتهاد لا بالتقليد؛ لأنهم يستدلون بالصنعة على الصانع (¬4) . ¬

(¬1) الدرر الكامنة 4: 333. (¬2) الدرر الكامنة 3: 475. (¬3) الدرر الكامنة 4: 464. (¬4) الدرر الكامنة 2: 260.

41- مولانا زاده شهاب الدين أحمد بن أبي يزيد بن محمد السراي الحنفي. كان إمامًا في فنون العلم لا سيما دقائق المعاني والعربية. ولي تدريس الحديث بالصُّرغتمشية والبرقوقية وانتفع به الخلق. مات في المحرم سنة إحدى وتسعين وسبعمائة ومولده سنة أربع وخمسين. 42- ابن صغير الرئيس علاء الدين علي بن عبد الواحد بن محمد الطبيب. كان أعجوبة الدهر في الفن. ولي رياسة الطب دهرًا طويلًا، وله فيه المعرفة التامة، بحيث كان يصف الدواء الواحد للمريض الواحد بما يساوي ألفًا وبما يساوي درهمًا، وكان الشيخ عز الدين بن جماعة يثني على فضائله. مات في ذي الحجة سنة ست وتسعين وسبعمائة (¬1) . 43- قنبر بن عبد الله السبزواني (¬2) . اشتغل في بلاده، وقدم الديار المصرية قبل التسعين، فأقام بالجامع الأزهر يشغل الطلبة وكان ماهرًا في العلوم العقلية حسن التقرير، معرضًا عن الدنيا، قانعًا باليسير، لا يتردد إلى أحد، مذكور بالتشيع. يمسح على رجليه من غير خف، وكان يحب السماع والرقص. مات في شعبان سنة إحدى وثمانمائة (¬3) . 44- الشيخ زاده الخرزباني. كان فاضلًا في المعقول والهيئة والحكمة والمنطق والعربية وله تصانيف واقتدار على حل المشكلات، طلبه برقوق من صاحب بغداد، فولاه مشيخة الشيخونية عوضًا عن الكلستاني. مات في ذي الحجة سنة ثمان وثمانمائة، ودفن بالشيخونية مع شيخها أكمل الدين (¬4) . 45- السيرامي سيف الدين محمد بن عيسى. كان عالمًا فاضلًا، نشأ بتبريز، ثم قدم حلب، ثم استدعاه الظاهر برقوق من حلب، فقرره شيخًا بمدرسته عوضا عن علاء ¬

(¬1) الدرر الكامنة 3: 79. (¬2) في الضوء: "ويخط العيني: بالراء بدل النون". (¬3) الضوء اللامع 6: 225. (¬4) الضوء اللامع 3: 231.

الدين السيرامي سنة تسعين، ثم ولاه مشيخة الشيخونية، بعد وفاة عز الدين الرازي مضافة إلى الظاهرية، وأذن له أن يستنيب عنه في الظاهرية ولده، فباشر مدة ثم ترك الشيخونية، واقتصر على الظاهرية، وكان الشيخ عز الدين بن جماعة يثني على فضائله. مات في ربيع الأول سنة إحدى وثمانمائة (¬1) . 46- ابن جماعة الشيخ عز الدين محمد بن شرف الدين أبي بكر بن قاضي القضاة عز الدين عبد العزيز بن قاضي القضاة بدر الدين محمد. ولد سنة تسع وخمسين وسبعمائة، واشتغل صغيرًا، ومال إلى فنون المعقول فأتقنها إتقانًا بالغًا إلى أن صار هو المشار إليه في الديار المصرية والمفاخر به علماء العجم، تخضع له الرقاب وتسلم إليه المقاليد. وله تصانيف عديدة تقرب من ألف مصنف. مات بالطاعون في جمادى الآخرة سنة تسع عشرة وثمانمائة (¬2) . 47- الشيخ همام الدين همام بن أحمد الخوارزمي. ولد في حدود الأربعين وسبعمائة وقدم القاهرة شيخًا فدرس بها، وكان يقرر الكشاف والعربية، ولي مشيخة الجمالية ومات سنة تسع عشرة وثمانمائة (¬3) . 48- الهروي قاضي القضاة شمس الدين بن عطاء الله بن محمد بن أحمد بن محمود ولد بهراة سنة سبع وستين وسبعمائة، واشتغل في بلاده بالعلوم وفاق في العقليات، ثم قدم القاهرة فولي قضاء الشافعية وكتابة السر. مات في ذي القعدة سنة تسع وعشرين وثمانمائة. 49- علاء الدين الرومي علي بن موسى بن إبراهيم. تفنن في العلوم ببلاده ودخل بلاد العجم ولقي الكبار، ثم قدم القاهرة سنة سبع وعشرين، فولي مشيخة الأشرفية. مات في شعبان سنة إحدى وأربعين وثمانمائة (¬4) . ¬

(¬1) الضوء اللامع 10: 327، وترجمته باسم: "يوسف بن عيسى". (¬2) الضوء اللامع 7: 171-174. (¬3) الضوء اللامع 10: 209. (¬4) الضوء اللامع 6: 41.

50- الشيخ علاء الدين البخاري علي بن محمد بن محمد الحنفي. علامة الوقت، ولد سنة تسع وسبعين وسبعمائة، وأخذ عن أبيه وعمه والشيخ سعد الدين التفتازاني ورحل إلى الأقطار، وأخذ عن علماء عصره حتى برع في المعقول وصار إمام عصره. قدم القاهرة، وتصدر للإقراء بها، وأخذ عنه غالب أهلها، وكان مع ما اشتمل عليه من العلم غاية في الورع والزهد والتحري وعدم التردد إلى بني الدنيا. مات في رمضان سنة إحدى وأربعين وثمانمائة (¬1) . 51- الشيخ باير زين الدين أبو بكر بن إسحاق بن خالد الكختاوي. ولد في حدود سنة سبعين وسبعمائة، وكان إمامًا بارعًا في العلوم وتفرد بالمعاني والبيان وولي مشيخة الشيخونية. مات في جمادى الأولى سنة سبع وأربعين وثمانمائة. 52، 53- البساطي وابن الهمام. مرا. 54- الشرواني شمس الدين محمد علامة الوقت في المعقولات والتحقيق. مات سنة سبع وأربعين وثمانمائة. 55- الكافيجي شيخنا العلامة محيي الدين محمد بن سليمان بن سعد بن مسعود الإمام المحقق علامة الوقت أستاذ الدنيا في المعقولات. ولد قبل ثمانمائة تقريبا، وأخذ عن البرهان حيدرة، والشمس ابن العنزي وجماعة، وتقدم في فنون المعقول حتى صار إمام الدنيا فيها، وله تصانيف كثيرة (¬1) . مات ليلة الجمعة رابع جمادى الأولى سنة تسع وسبعين وثمانمائة. وقال الشهاب المنصوري يرثيه: بكت على الشيخ محيي الدين كافيجي ... عيوننا بدموع من دم المهج كانت أسارير هذا الدهر من درر ... تزهي فبدل ذاك الدر بالسبج ¬

(¬1) الفوائد البهية 169، الضوء اللامع 7: 259.

فكم نفى بسماح من مكارمه ... فقرا وقوم بالإعطاء من عوج يا نور أراه اليوم منطفئا ... وكانت الناس تمشي منه في سرج فلو رأيت الفتاوي وهي باكية ... رأيتها من نجيع الدمع في لجج ولو سرت بثناء عنه ريح صبا ... لاستنشقوا من شذاها أديب الأرج يا وحشة العلم من فيه إذا اعتركت ... أبطاله فتوارت في دجى الرهج لم يلحقوا شأو علم من خصائصه ... أنى ورتبته في أرفع الدرج قد طال ما كان يقرينا ويقرئنا ... في حالتيه بوجه منه مبتهج سقيا له، وكساه الله نور سنا ... من سندس بيد الغفران منتسج

ذكر من كان بمصر من الوعاظ والقصاص:

ذكر من كان بمصر من الوعاظ والقصاص: 1- سليم بن عنزة. 2- عبد الرحمن بن حجيرة. 3- توبة بن نمر. 4- عقبة بن مسلم التجيبي. 5- الحلاج. 6- أبو كثير. 7- موسى بن وردان. 8- دراج أبو السمح. 9- خير بن نعيم. 10- أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد بن الحسن الواعظ البغدادي ثم المصري. قال ابن كثير: ارتحل إلى مصر، فأقام بها حتى عُرف بالمصري. روى عنه الدارقطني وغيره. وكان له مجلس وعظ عظيم. وقال في العبر: كان مقدم زمانه في الوعظ، وله مصنفات كثيرة في الحديث والوعظ والزهد. مات في ذي القعدة سنة ثلاث وثلاثمائة، وله سبع وثمانون سنة (¬1) . 11- ابن نجا الواعظ زين الدين أبو الحسن علي بن إبراهيم بن نجا الدمشقي، الحنبلي نزيل مصر. ولد سنة ثمانين وخمسمائة، وتفقه ببغداد، وعاد إلى دمشق وقدم مصر وصحب السلطان صلاح الدين بن أيوب وحظي عنده، وكان له مكانة بمصر. مات في رمضان سنة تسع وتسعين وخمسمائة. ¬

(¬1) البداية والنهاية 12: 222، العبر 247.

12- زين الدين أحمد بن محمد الأندلسي الأصل المعروف بكثاكث والمصري الواعظ الأديب الشاعر. كان إماما في الوعظ. ولد سنة خمس وستمائة. ومات بالقاهرة في ربيع الآخرة سنة أربع وثمانين وستمائة. 13- شهاب الدين أبو العباس أحمد بن ميلق الشاذلي الواعظ. كان يجلس للوعظ ولوعظه تأثير في القلوب. مات سنة تسع وأربعين وسبعمائة.

ذكر من كان بمصر من المؤرخين:

ذكر من كان بمصر من المؤرخين: 1- سعيد بن عفير. 2- عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم. 3- محمد بن الربيع الجيزي. مروا. 4- عمارة بن وثيمة بن موسى أبو رفاعة الفارسي، صاحب التاريخ على السنين. قال ابن كثير: ولد بمصر، وحدث عن أبي صالح كاتب الليث وغيره. مات سنة تسع وثمانين ومائتين (¬1) . 5- الطحاوي. مر (¬2) . 6- الحسن بن القاسم بن جعفر بن دحية أبو علي الدمشقي. من أبناء المحدثين. قال ابن كثير: كان أخباريا له في ذلك مصنفات، حدث عن العباس بن الوليد السدوسي وغيره. مات بمصر سنة سبع وعشرين وثلاثمائة، وقد أناف على الثمانين (¬3) . 7- أبو سعيد بن يونس، صاحب تاريخ مصر، مر في الحفاظ (¬4) . 8- أبو عمر الكندي محمد بن يوسف بن يعقوب، صنف فضائل مصر، وكتاب قضاة مصر (¬5) . كان في زمن كافور (¬6) . 9- ابن زولاق أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن الحسين المصري المؤرخ. صنف كتابا في فضائل مصر، وذيلا على قضاة مصر للكندي (¬7) . مات في ذي القعدة سنة ¬

(¬1) البداية والنهاية 11: 96. (¬2) ص350. (¬3) البداية والنهاية 11: 190. (¬4) ص351. (¬5) سماه: "أخبار قضاة مصر". (¬6) هدية العارفين 2: 460، وفيه أنه توفي سنة 358؛ وانظر أيضًا الأعلام للزركلي 8: 21. (¬7) سماه "أخبار قضاة مصر".

سبع وثمانين وثلاثمائة عن إحدى وثمانين سنة (¬1) . 10- المسبحي الأمير المختار عز الملك محمد بن عبد الله بن أحمد الحراني صاحب التصانيف. قال في العبر: كان رافضيًّا، صنف تاريخ مصر، وكتابًا في النجوم وكتاب التلويح والتصريح من الشعر، وكتاب أنواع الجماع. مات سنة عشرين وأربعمائة عن أربع وخمسين سنة (¬2) . 11- القضاعي. مر في الشافعية (¬3) . 12- القفطي الوزير جمال الدين علي بن يوسف بن إبراهيم الشيباني. وزير حلب، صاحب تاريخ النحاة (¬4) ، وتاريخ اليمن، وتاريخ مصر، وتاريخ بني بويه وتاريخ بني سلجوق. ولد بقفط سنة ثمان وستين وخمسمائة ومات بحلب سنة ست وأربعين وستمائة (¬5) . 13- محمد بن عبد العزيز الإدريسي الشريف الفاوي. كان من فضلاء المحدثين وأعيانهم، سمع الكثير وألف: المفيد في أخبار الصعيد. ولد في رمضان سنة ثمان وستين وخمسمائة؛ وتوفي بالقاهرة في صفر سنة تسع وأربعين وستمائة (¬6) . 14- ولده جعفر. ولد بالقاهرة في شوال سنة إحدى عشرة وستمائة، وسمع من ابن الجميزي وابن المقير، روى عنه الدمياطي وأبو حيان. وكان نسابة الشرفاء بمصر أديبًا، صنف تاريخًا للقاهرة، ومات سنة ست وسبعين وستمائة (¬7) . ¬

(¬1) ابن خلكان 1: 134، والبداية والنهاية 11: 321. (¬2) العبر 3: 139، والمسبحي، بضم الميم وفتح السين وكسر الباء، وفي آخره الحاء المهملة، نسبة إلى جد من أجداده اسمه مسبح. اللباب. (¬3) ص403. (¬4) هو المسمى إنباه الرواة على أنباه النحاة. (¬5) الطالع السعيد 237، وفيه: "ولادته سنة 563" وانظر أيضًا مقدمة كتاب إنباه الرواة. (¬6) الطالع السعيد 297، واسمه هناك: "محمد بن عبد العزيز بن أبي القاسم عبد الرحمن الشريف، عبد الله وأبو القاسم الإدريسي الفاوي المولد المغربي المحتد". والفاوي: منسوب إلى فاو، من عمل قوص، وفي ح، ط: "الغاوي" تصحيف. (¬7) الطالع السعيد 93.

15- ابن خلكان قاضي شمس الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر الإربلي الشافعي. صاحب وفيات الأعيان (¬1) . ولد سنة ستمائة، وأجاز له المؤيد، الطوسي، وتفقه بابن يونس وابن شداد، ولقي كبار العلماء، وسكن مصر مدة، وناب في القضاء بها، ثم ولي قضاء الشام عشر سنين ثم عزل فأقام بمصر سبع سنين ثم رُدّ إلى قضاء الشام. قال في العبر: كان سريًّا ذكيًّا أخباريًّا عارفًا بأيام الناس. مات في رجب سنة إحدى وثمانين وستمائة (¬2) . 16- أبو الحسن بن سعيد علي بن موسى بن عبد الملك بن سعيد الغرناطي الأديب الأخباري الشهير صاحب التصانيف الأدبية. ولد بغرناطة سنة عشر وستمائة، وأخذ عن الشلوبين وغيره، وجال في الأقطار، ودخل مصر والشام وبغداد، وألف المُغرب في حُلي المغرب، والمشرق في حلي المشرق، والطالع السعيد في تاريخ بلده. مات بتونس سنة خمس وثمانين وستمائة (¬3) . 17- الأمير ركن الدين بيبرس المنصوري الدوادار صاحب التاريخ المسمى بزبدة الفكرة (¬4) ، في أحد عشر مجلدًا والتفسير. مات سنة خمس وعشرين وسبعمائة (¬5) . 18- ابن المتوج تاج الدين محمد بن عبد الوهاب ابن المتوج بن صالح الزبيري. أحد العدول بمصر. ولد بها في ربيع الأول سنة تسع وثلاثين وستمائة، وسمع وحدث، وألف تاريخ مصر سماه: إيقاظ المتغفل واتعاظ المتأمل. روى عنه البدر بن جماعة. مات ¬

(¬1) انتقده ابن كثير في البداية والنهاية 1: 413 في كلامه على ابن الراوندي بقوله: "وقد ذكره ابن خلكان في وفيات الأعيان وقلس عليه، ولم يجرحه بشيء، ولا كأن الكلب أكل له عجين، على عادته في العلماء والشعراء، فالشعراء يطيل تراجمهم، والعلماء يذكر لهم ترجمة يسيرة، والزنادقة يترك ذكر زندقتهم". (¬2) وفيات الأعيان 2: 420، 421، والنجوم الزاهرة 7: 353. وفي روضات الجنات 87: "وابن خلكان بفتح الخاء وتشديد اللام المكسورة، أو بضم الخاء وفتح اللام المشددة، أو بكسر الخاء واللام جميعًا". (¬3) الأعلام للزركلي 5: 179، وبغية الوعاة 2: 209. (¬4) اسمه: "زبدة الفكرة في تاريخ الهجرة". (¬5) النجوم الزاهرة 9: 263.

بمصر في المحرم سنة ثلاثين وسبعمائة (¬1) . 19- الكمال الأدفوي أبو الفضل جعفر بن ثعلب بن جعفر. كان فاضلًا أديبًا شاعرًا. صنف الطالع السعيد في تاريخ الصعيد، والإمتاع في أحكام السماع. مات بالطاعون بالقاهرة سنة تسع وأربعين وسبعمائة، وقد قارب التسعين (¬2) . 20- النويري شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب بن أحمد البكري المؤرخ صاحب التاريخ المشهور. مات في رمضان سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة (¬3) . 21- القطب الحلبي، مر في الحفاظ (¬4) . 22- ابن الفرات ناصر الدين محمد بن عبد الرحيم بن علي بن الحسن المصري الحنفي. كان لهجًا بالتاريخ، فكتب تاريخًا كبيرًا جدًّا، وسمع من أبي بكر بن الصناج، وأجاز له أبو الحسن البندنيجي وتفرد بهما. مات ليلة عيد الفطر سنة خمس وسبعين وثمانمائة، وله اثنتان وسبعون سنة (¬5) . 23- صارم الدين إبراهيم بن محمد بن دقماق. مؤرخ الديار المصرية. جمع تاريخًا على الحوادث، وتاريخًا على التراجم، وطبقات الحنفية. مات في ذي الحجة سنة تسعين وسبعمائة وقد جاوز الثمانين (¬6) . 24- شهاب الدين الأوحدي أحمد بن عبد الله بن الحسن بن طوغان. ولد سنة إحدى وستين وسبعمائة، وكان لهجًا بالتاريخ، ألف كتابًا كبيرًا في خطط مصر والقاهرة وكان مقرئًا أديبًا، تلا على التقي البغدادي. مات في جمادى الأولى سنة إحدى عشرة وثمانمائة (¬7) . ¬

(¬1) الدرر الكامنة 4: 36. (¬2) الدرر الكامنة 1: 535. (¬3) الدرر الكامنة 1: 197. (¬4) ص358. (¬5) الضوء اللامع 8: 51: "أنه بلغ في كتابه نهاية سنة 803، وبيض منه نحو 20 مجلدًا، ذكر المقريزي في عقوده أنه وقف عليها واستفاد منها". (¬6) الضوء اللامع 1: 145. (¬7) الضوء اللامع 1: 358.

25- المقريزي تقي الدين أحمد بن علي بن عبد القادر بن محمد مؤرخ الديار المصرية. ولد سنة تسع وستين وسبعمائة، واشتغل في الفنون وخالط الأكابر، وولي حسبة القاهرة، ونظم ونثر، وألف كتبًا كثيرة، منها درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة، والمواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، وعقد جواهر الأسفاط من أخبار مدينة الفسطاط، واتعاظ الخفاء بأخبار الفاطميين الخلفاء، والسلوك بمعرفة دول الملوك، والتاريخ الكبير، وغير ذلك مات سنة أربعين وثمانمائة (¬1) . 26- ابن حجر، مر في الحفاظ (¬2) . 27- شيخنا العز الحنبلي، مر في الحنابلة (¬3) . ¬

(¬1) البدر الطالع 1: 79. (¬2) ص363. (¬3) ص484.

ذكر من كان بمصر من الشعراء والأدباء:

ذكر من كان بمصر من الشعراء والأدباء: 1- جميل بن عبد الله بن معمر العذري. صاحب بثينة، أحد عشاق العرب. شاعر إسلامي من أفصح الشعراء في زمانه. قال: إن ميسر وغيره: قدم مصر على عبد العزيز بن مروان فأكرمه، ومات بها سنة عشرين وثمانمائة (¬1) . وأنشد لما احتضر: بكر النعي وما كأن بجميلٍ ... وثوى بمصر ثواء غير قفول (¬2) قومي بثينة فاندبي بعويل ... وابكي خليلك قبل كل خليل 2- كثيرة عزة بن عبد الرحمن بن الأسود بن عامر أبو صخر الخزاعي. يقال إنه أشعر الإسلاميين. مات سنة خمسين -وقيل سبعين- ومائة. أقام بمصر مدة يمدح عبد العزيز بن مروان وهو في كنفه، وزار قبر صاحبته عزة بها (¬3) . 3- عزة بنت جميل بن حفص أم عمرو الضمرية صاحبة كثير. كانت أبرع الخلق أدبًا، وأحلاهم حديثًا، وقد أمر عبد الملك بن مروان بإدخالها على حرمه ليتعلمن من أدبها. قال ابن كثير: ماتت بمصر في أيام عبد العزيز بن مروان وقد زار كثير قبرها، ورثاها، وتغير شعره بعدها، فقال له قائل: ما بال شعرك قد قصرت فيه! فقال: ماتت عزة فلا أطرب، وذهب الشباب فلا أعجب، ومات عبد العزيز بن مروان فلا أرغب، وإنما الشعر عن هذه الخلال. 4- نصيب بن رباح الشاعر أبو محجن مولى عبد العزيز بن مروان. من الطبقة السادسة من شعراء الإسلام ومن شعراء الحماسة. كان بمصر أيام مولاه. مات سنة ثمانين ومائة. قاله في المرآة (¬4) . ¬

(¬1) الشعر والشعراء لابن قتيبة 400-413. (¬2) ديوانه 183. (¬3) الشعر والشعراء 480-499. (¬4) الشعر والشعراء 371-374.

5- أبو نواس الحسن بن هانئ الشاعر المشهور. أقام بمصر مدة، وركب ذات يوم في النيل، فحذر من التمساح، فقال: أضمرت للنيل هجرانا وتقليةً ... إذ قيل لي إنما التمساح في النيل مات ببغداد سنة خمس وتسعين ومائة (¬1) . 6- أبو تمام حبيب بن أوس الطائي المشهور صاحب الحماسة ملك شعراء العصر، قال ابن خلكان: أصله من قرية جاسم بالقرب من طبرية، وكان بدمشق، ثم صار إلى مصر وهو في شبيبته (¬2) . وقال الخطيب: هو شامي، وكان بمصر في حداثته يسقي الماء في المسجد الجامع، ثم جالس الأدباء وأخذ عنهم حتى قال الشعر فأجاد، وشاع ذكره، وسار شعره. وبلغ المعتصم خبره، فحمله إليه، فقدم بغداد، فجالس الأدباء، وعاشر العلماء، وتقدم على شعراء وقته. مات بالموصل سنة ثمان وعشرين ومائتين، وقيل: بعد الثمانين (¬3) . 7- أبو العباس الناشي الشاعر المتكلم المعتزلي عبد الله بن محمد. أصله من الأنبار وأقام ببغداد مدة، ثم انتقل إلى مصر، فمات بها سنة ثلاث وتسعين ومائتين. وكان شاعرًا مطبقًا مفننًا في علوم منها المنطق، ذكيًّا فطنًا، وله قصيدة في فنون من العلم على روي واحد تبلغ أربعة آلاف بيت، وله عدة تصانيف وأشعار كبيرة (¬4) . 8- أحمد بن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم طباطبا الشريف الحسني أبو القاسم المصري الشاعر. كان نقيب الطالبيين بمصر، مات في شعبان سنة خمس وأربعين وثلاثمائة (¬5) . ¬

(¬1) الشعر والشعراء 770-802. (¬2) ابن خلكان 1: 121. (¬3) تاريخ بغداد 8: 248. (¬4) إنباه الرواة 2: 128. والناشي: لقب غلب عليه، ويُعرف أيضًا بابن شرسير. (¬5) ابن خلكان 1: 9.

9- كشاجم اسمه محمود بن محمد بن الحسين بن السدي بن شاهك. يكنى أبا نصر. قال صاحب سجع الهديل: كان أقام بمصر مدة فاستطابها، ثم رحل عنها، فكان يتشوق إليها، ثم عاد إليها فقال: قد كان شوقي إلى مصر يؤرقني ... فالآن عدت وعادت مصر لي دارا (¬1) 10- المتنبي أحمد بن الحسين أبو الطيب الشاعر المشهور. أقام بمصر مدة أربع سنين عند كافور الأخشيدي يمدحه. ولد بالكوفة سنة ست وثلاثمائة، وقتل في رمضان سنة أربع وخمسين، وسبب قتله أنه كان يركب في جماعة من مماليكه فتوهم منه كافور فجفاء، فخاف منه المتنبي وهرب، فأرسل كافور في أثره فأعجزه، فقيل لكافور: ما قيمة هذا حتى تتوهم منه! فقال: هذا رجل أراد أن يكون نبيًّا بعد محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهلا يروم أن يكون ملكًا بديار مصر! فدس إليه من قتله (¬2) . 11- تميم بن صاحب القاهرة الخليفة المعز العبيدي. كان من أكابر أمراء دولة أبيه وأخيه العزيز، وكان شاعرًا، وله فضل. ذكره ابن سعيد في شعراء مصر، وتبعه ابن فضل الله في المسالك، فقال: تشبه بابن عمه ابن المعتز، وتشبث بذيله فما قدر أن يبتز، وهو وإن لم يزاحم ابن المعتز، فإنه لا يقع دون مطاره، ولا يقصر ذهبه الموزون عن قنطاره. قال ابن كثير: وقد اتفق له كائنة غريبة وهي أنه أرسل إلى بغداد، فاشتريت له جارية مغنية بمال جزيل، وكانت تحب شخصًا ببغداد، فلما حضرت عند تميم، غنت ¬

(¬1) الفهرست لابن النديم 139: وذكر صاحب معجم المطبوعات ص1561 أن وفاته كانت سنة 350 أو 360. (¬2) ابن خلكان 1: 36.

فاشتد طربه (¬1) . فقال لها: لا بد أن تسأليني حاجةً. فقالت: عافيتك، فقال: ومع هذا؟ (¬2) قالت: أحجّ وأمرّ على بغداد (¬3) . فأرسلها مع بعض أصحابه فأحججها (¬4) ، ثم سار بها على طريق العراق، فلما كانت على مرحلة من بغداد، ذهبت في الليل فلم يُدْرَ أين ذهبت! فلما وصل الخبر إلى تميم تألم ألمًا شديدًا (¬5) . مات تميم سنة ثمان وستين وثمانمائة (¬6) . 12- علي بن النعمان القيرواني. قاضي قضاة مصر للدولة العبيدية. قال في العبر: كان شيعيًّا غاليًا، شاعرًا مجودًا. مات سنة أربع وسبعين وثلاثمائة (¬7) . 13- المقداد المصري. ذكره ابن فضل الله في شعراء مصر، وقال: جاء بالبيان وحبره (¬8) ، وحقق الإحسان وحرره، وجاء بسحر عظيم، ودرّ نظيم. 14- أبو الرقعمق الشاعر صاحب المجون والنوادر أبو حامد أحمد بن محمد الأنطاكي. دخل مصر، ومدح المعز وأولاده والوزير ابن كلس، ومات سنة تسع وتسعين وثلاثمائة. قاله في العبر (¬8) . ¬

(¬1) الأبيات التي غنت بها كما ذكره بن كثير. وبدا له من بعد ما انتقل الهوى ... برق تألق من هنا لمعانه يبدو لحاشية اللواء ودونه ... صعب الذرا متمنع أركانه فبدا لينظر كيف لاح فلم يطق ... نظرًا إليه وشده أشجانه فالنار ما اشتملت عليه ضلوعه ... والماء ما سمحت به أجفانه (¬2) ابن كثير: "ومع العافية". (¬3) ابن كثير: "تردني إلى بغداد حتى أغني بهذه الأبيات". (¬4) ابن كثير: "فوجم لذلك ثم لم يجد بدًّا من الوفاء لها". (¬5) البداية والنهاية لابن كثير 11: 294، وفي نهاية الخبر: "وندم ندمًا شديدًا حيث لا ينفعه الندم". (¬6) ابن خلكان 1: 98. (¬7) العبر 2: 267. (¬8) العبر 3: 70.

15- صريع الدلاء الشاعر المشهور الماجن أبو الحسن علي بن عبد الواحد البغدادي. له مقصورة في الهزل، عارض بها مقصورة ابن دريد، يقول فيها: وألف حملٍ من متاع تُشترى ... أنفع للمسكين من لقط النوى مَنْ طبخ الديك ولا يذبحه ... طار من القدر إلى حيث انتهى من أُدخلت في عينه مسلة ... فسله من ساعته كيف العمى والذقن شعر في الوجوه طالع ... كذلك العقصة من خلف القفا إلى إن حتمها بالبيت الذي حسد عليه وهو قوله: من فاته العلم وأخطاه الغنى ... فذاك والكلب على حدٍّ سوا قال ابن كثير: قدم مصر، ومدح صاحبها، فمات بها في رجب سنة اثنتين عشرة وأربعمائة (¬1) . 16- صناجة الدوح محمد بن القاسم بن عاصم. شاعر الحاكم. ذكره ابن فضل الله في شعراء مصر، وهو صاحب البيت المشهور: ما زُلْزِلتْ مصر من سرد يراد بها ... لكنها رقصَتْ من عدله فرحا 17- هاشم بن العباس المصري. قال ابن فضل الله: ما حكت مصر بمثله إقليمها ولا حكت شبيه فضله قديمها. ومن شعره: كأن بياض البدر من خلف نخلةٍ ... بياض بنانٍ في إخضرار نقوش 18- علي بن عباد الإسكندري. شاعر، كان يمدح ابن الأفضل، فلما قتل الحافظ ابن الأفضل قُتل هذا معه (¬2) . 19- إبراهيم بن شعيب المصري. ذكره ابن فضل الله وأورد له: يا ذا الذي يدخر أمواله ... عن مثل هذا الأسمر الفائق ¬

(¬1) ابن كثير 12: 13، وابن خلكان 1: 395 وسماه علي بن عبد الواحد، ثم قال: رأيت في نسخة ديوان شعره أنه محمد بن عبد الواحد. (¬2) خريدة القصر 2: 43.

ما الذهب الصامت إنفاقه ... مستنكر في الذهب الناطق 20- أبو الصلت أمية بن عبد العزيز الأندلسي (¬1) مر. 21- ظافر بن القاسم الحداد الجذامي الإسكندري الشاعر المحسن، صاحب الديوان. مات سنة تسع وعشرين، وخمسمائة (¬2) . 22- أبو الغمر محمد بن علي الهاشمي الإسنائي. ذكره العماد في الخريدة، وقال: كان أشعر أهل زمانه، وأفضل أقرانه. مات سنة أربع وأربعين وخمسمائة (¬3) . 23- محمود بن إسماعيل بن قادوس أبو الفتح الدمياطي. كاتب الإنشاء بالديار المصرية وشيخ القاضي الفاضل، وكان يسميه ذا البلاغتين، ذكره العماد الكاتب في الخريدة. مات سنة إحدى وخمسين وخمسمائة (¬4) . 24- عبد العزيز بن الحسين بن الحباب الأغلبي السعدي القاضي أبو المعالي المعروف بالجليس؛ لأنه يجالس صاحب مصر. ذكره العماد في الخريدة، وقال: له فضل مشهور، وشعر مأثور. مات سنة إحدى وستين وخمسمائة (¬5) . 25- الرشيد بن الزبير الأسواني. مر (¬6) . 26- الحسن بن علي بن إبراهيم الأسواني المعروف بالمهذب بن الزبير، أخو الرشيد بن الزبير. ذكره العماد في الخريدة، وقال: لم يكن بمصر في زمنه أشعر منه، وأنه أعرف به من أخيه الرشيد. توفي سنة إحدى وستين وخمسمائة (¬7) . 27- القاضي موفق الدين يوسف بن محمد المصري أبو الحجاج بن الخلال صاحب ديوان الإنشاء بالديار المصرية، اشتعل على القاضي الفاضل في هذا الفن، وتخرج به. مات في جمادى الأولى سنة ثمان وعشرين وخمسمائة (¬8) . ¬

(¬1) ص539. (¬2) خريدة القصر 2: 1-18. (¬3) خريدة القصر 1: 285. (¬4) خريد القصر 1: 246. (¬5) خريدة القصر 1: 189. (¬6) انظر خريدة القصر 1: 200. (¬7) خريدة القصر 1: 204. (¬8) خريدة القصر 1: 235.

28- ابن قلاقس الإسكندري نصير الدين عبد الله بن مخلوف بن علي بن عبد القوي اللخمي، ويلقب بالقاضي الأعز. من شعراء الدولة الصلاحية، قال ابن خلكان: كان شاعرًا مجيدًا فاضلًا نبيلًا، ولم يكن له لحية، صحب السلفي فانتفع به. ولد بالإسكندرية في ربيع الآخر سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة، ومات ثالث شوال سنة سبع وستمائة في عيداب عن خمس وثلاثين سنة (¬1) . 29- عمارة اليمني مر (¬2) . 30- فخر الدولة الأسواني إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن أحمد بن نصر الأديب الشاعر الكاتب. كتب الإنشاء للملك الناصر صلاح الدين بن أيوب، ثم كتب لأخيه العادل. مات بحلب سنة إحدى وثمانين وخمسمائة. 31- علي بن عمر أبو الحسن الهاشمي القوصي. ذكره العماد في الخريدة، فقال: شاب بقوص، له بالأدب خصوص. 32- القاضي الفاضل أبو محمد علي عبد الرحيم بن علي بن الحسن اللخمي البيساني ثم العسقلاني ثم المصري محيي الدين. وقيل: مجير الدين. الوزير صاحب ديوان الإنشاء وشيخ البلاغة. ولد سنة تسع وعشرين وخمسمائة، وقيل: إن مسودات رسائله لو جمعت بلغت مائة جلد، وكان له حدبة يخفيها الطيلسان، وله آثار جميلة وأفعال حميدة. مات في سابع ربيع الآخر سنة ست وتسعين وخمسمائة، ودفن بالقرافة (¬3) . 33- العماد الكاتب الوزير العلامة أبو عبد الله محمد بن محمد بن حامد الأصبهاني. ولد سنة تسع عشرة وخمسمائة بأصبهان، وتفقه ببغداد على ابن الرزاز، وأتقن الفقه والخلاف والعربية، ثم تعانى الكتابة، والترسل والنظم، ففاق الأقران، وحاز قصب ¬

(¬1) خريدة القصر 1: 145. (¬2) انظر ابن خلكان 1: 376. (¬3) ابن خلكان 1: 284.

السبق، وصنف التصانيف الأدبية، وختم به هذا الشأن. مات في رمضان سنة سبع وتسعين (¬1) . 34- علي بن أحمد بن عرام الربعي الأسواني. ذكره العماد في الخريدة، وقال: شيخ من أهل الأدب بأسوان، واثنى عليه. مات في حدود الثمانين وخمسمائة (¬2) . 35- الأسعد بن الخطير مهذب بن مماتي المصري الكاتب الشاعر، من شعراء الدولة الصلاحية. كان ناظر الدوادين، وفيه فضائل، وله مصنفات عديدة ونظم السيرة الصلاحية، ونظم كتاب كليلة ودمنة، وله ديوان شعر. مات في جمادى الأولى سنة ست عشرة وستمائة عن اثنتين وستين سنة، وجده مماتي نصراني (¬3) . 36- السعيد أبو القاسم هبة الله بن الرشيد جعفر بن سناء الملك المصري الشاعر المشهور. صاحب الديوان البديع الموشحات، الذي سماه در الطراز. كان أحد الفضلاء الرؤساء النبلاء، أخذ الحديث عن السلفي والنحو عن ابن بري، وكتب بديوان الإنشاء مدة، وكان بارع الترسل والنظم، واختصر كتاب الحيوان للجاحظ، وسماه روح الحيوان. ولد في حدود خمسين وخمسمائة، ومات سنة ثمان وخمسين وستمائة (¬4) . 37- وجيه الدين علي بن الحسين بن الذروي أبو الحسن. من مشاهير الشعراء بمصر، كان فاضلًا نبيلًا، ذا معرفة تامة له نظم فائق، ونثر رائق. 38- علي بن المنجم أبو الحسن المصري. كان أشعر أهل زمانه، وأفضل أقرانه، وكان من أعلام أدباء مصر المشاهير. مدح الملوك والوزراء وفيه فضائل. ولد في المحرم سنة تسع وأربعين وخمسمائة، ومات سنة ست عشرة وستمائة. 39- النجيب بن الدباغ المصري الشاعر الأديب. ولد في جمادى الآخرة سنة ¬

(¬1) ابن خلكان 2: 74. (¬2) خريدة القصر 2: 165. (¬3) إنباه الرواة 1: 231. (¬4) ابن خلكان 2: 188.

اثنتين وخمسين وخمسمائة، وأقام بمصر مدة، وكان له فضل مشهور، وشعر مأثور. مات في ربيع الآخر سنة عشرين وستمائة. 40- جعفر بن شمس الخلافة محمد بن مختار المصري أبو الفضل الأفضلي الشاعر. يلقب مجد الملك الأديب الكبير، له ديوان وتصانيف. ولد في المحرم سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة، ومات في المحرم سنة اثنتين وعشرين وستمائة (¬1) . 41- مظفر بن إبراهيم بن جماعة بن علي العيلاني الحنبلي الأعمى. ولد في جمادى الآخرة سنة أربع وأربعين وخمسمائة، ومات في المحرم سنة ثلاث وعشرين وستمائة (¬2) . 42- ابن النبيه علي بن محمد بن النبيه الشاعر المشهور، أحد شعراء العصر. مات سنة إحدى وعشرين وستمائة (¬3) . 43- راجح بن إسماعيل الحلي الأديب شرف الدين الشاعر. سار شعره ومدائحه للملوك. مات في شعبان سنة سبع وعشرين وستمائة (¬4) . 44- البرهان بن الفقيه نصر. من شعراء مصر، ولي النظر على ديوان الخراج بالصعيد، وكان حسن الأدب. ذكره ابن فضل الله. 45- الحسن بن شاور بن العاضد، ذكره ابن فضل الله، وأورد له: لا تثق من آدمي ... في ودادٍ بصفاء كيف ترجو منه صفوًا ... وهو من طين وماء 46- شرف الدين الديباجي محمد بن الحسن بن أحمد. كان أبوه وزير الكامل ¬

(¬1) ابن خلكان 1: 113. (¬2) نكت الهميان 290، ابن خلكان 2: 98، شذرات الذهب 5: 110. (¬3) فوات الوفيت 2: 143. (¬4) أعيان الشعية 31: 75، وانظر الأعلام للزركلي 3: 31.

وأخيه إسماعيل بن العادل. وكان هو وابنه ممن جريا في الأدب إلى غاية. ذكره ابن فضل الله. 47- ابن بصاقة كاتب الإنشاء فخر القضاة نصر الله بن هبة الله بن عبد الباقي الغفاري. كان أكتب أهل زمانه بلا مدافعة، وأعرفهم بالقواعد الإنشائية وأجودهم ترسلا، وأحسنهم عبارة، وأطولهم باعًا في الأدب، وله ديوان شعر. ولد بقوص سنة سبع وسبعين وخمسمائة ومات بدمشق في جمادى الآخرة سنة ست وأربعين وستمائة (¬1) . 48- ابن مطروح الصاحب جمال الدين أبو الحسن يحيى بن عيسى بن إبراهيم بن مطروح المصري. أحد الشعراء المجيدين، وصاحب التصانيف المفيدة في الأدب. توفي سنة أربع وخمسين وستمائة (¬2) . 49- ابن أبي الإصبع عبد العظيم بن عبد الواحد بن ظافر البغدادي ثم المصري. أحد الشعراء المجيدين، وصاحب التصانيف المفيدة في الأدب. توفي سنة أربع وخمسين وستمائة (¬3) . 50- البهاء زهير بن محمد بن علي بن يحيى بن الحسن الأزدي المصري الشاعر الكاتب صاحب الديوان المشهور. ولد بمكة ونشأ بقوص، وقدم القاهرة، وخدم الملك الصالح. مات بمصر في ذي القعدة سنة ست وخمسين وستمائة (¬4) . 51- سيف الدين أبو الحسن علي بن عمر بن قزل المعروف بالمشد الشاعر المشهور. ولد بمصر في شوال سنة عشرين وستمائة، وتولى شد الدواوين، وله ديوان شعر مشهور. مات يوم عاشوراء سنة ست وخمسين وستمائة. ¬

(¬1) الطالع السعيد 386، شذرات الذهب 5: 252. (¬2) ابن خلكان 2: 257، شذرات الذهب 5: 247. (¬3) فوت الوفيات 1: 607، النجوم الزاهرة 7: 37. (¬4) ابن خلكان 1: 194، النجوم الزاهرة 7: 62.

52- أمين الدولة علي بن عمار السليماني. أحد الشعراء. ولد سنة اثنتين وخمسين وستمائة، ومات بالفيوم سنة خمس وسبعين. 53- أحمد بن موسى بن يغمور بن جلدك الأمير شهاب الدين. ذكره ابن فضل الله في شعراء مصر. مات بالمحلة في جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين وستمائة. 54- أبو الحسين الجزار الأديب جمال الدين يحيى بن عبد العظيم بن يحيى بن محمد المصري الشاعر المشهور. مدح الملوك والأمراء والوزراء والكبراء. مات في شوال سنة تسع وسبعين وستمائة وله ست وسبعون سنة (¬1) . ومن شعره: سقى الله أكتاف الكنانة بالقطر ... وجاد عليها سكر دائم الذر وتبا لأوقات المخلل إنها ... تمر بلا نفع وتحسب من عمري أهيم غرامًا كلما ذكر الحمى ... وليس الحمى إلا العطارة بالسعر وأشتاق أن هبت نسيم قطائف السـ ... ــحور سحيرًا وهي عاطرة النشر ولي زوجة إن تشتهي قاهرية ... أقول لها ما القاهرية في مصر 55- الشرف النساج بن غنوم الإسكندري. نزيل مصر. كان شاعرًا أديبًا، له معرفة تامة، وفضائل عامة. 56- البدر يوسف بن لؤلؤ الشاعر. المشهور من كبار شعراء الدولة الناصرية. مات في شعبان سنة ثمانين وستمائة وقد نيف على السبعين. 57- المعينم بن لؤلؤ الشاعر المشهور عثمان بن سعيد الفهري المصري. مات بالقاهرة في ربيع الأول سنة خمس وثمانين وستمائة، وله ثمانون سنة وبه تخرج الحكيم بن دانيال، وتأدب. ¬

(¬1) شذرات الذهب 5: 264، النجوم الزاهرة 7: 345.

58- ابن الخيمي شهاب الدين أبو الفضل محمد بن عبد المنعم الأنصاري اليمني. ثم المصري. قال ابن فضل الله: قدوة في الطريقة، وأسوة في علم الحقيقة؛ إلا أن صناعة الأدب عليه أغلب، وعلم الشعر فيه أرجح. وقال في العبر: صوفي شاعر محسن، حامل لواء النظم في وقته، سمع الترمذي من علي بن البنا، وأجاز له عبد الوهاب بن سكينة. مات في رجب سنة خمس وثمانين وستمائة عن نيف وثمانين سنة. (¬1) 59- مجاهد بن أبي الربيع سليمان بن مرهف بن أبي الفتح التميمي المصري. قال ابن فضل الله: من أعلام أدباء مصر المشاهير. مات في جمادى الآخرة سنة اثنتين وسبعين وستمائة. "قال ابن فضل الله: هو من شعراء مصر الذين جاءوا بباقي سحر". 60- نصير الحمامي. كان حجة في الأدب، ماهرًا في الشعر. له تصانيف عديدة في فن الآداب المفيدة، وله معرفة كبيرة، وفضائل كثيرة. 61- يوسف بن سيف الدولة أبي المعالي بن رباح بدر الدين أبو الفضل بن الهمندار. شاعر له معرفة بالنسب، مدح الظاهر بيبرس، وأقام بمصر مدة، وله فضل مشهور وشعر مأثور. 62- ابن النقيب محمد بن الحسن بن شاور الكناني ناصر الدين. من مشاهير الشعراء. مات في ربيع الأول سنة سبع وثمانين وستمائة، عن تسع وسبعين سنة. 63- محمد بن باخل الأمير شمس الدين أبو عبد الله الأموي. 64- علم الدين الصوابي عبد الله. والي البحر، قال ابن فضل الله: جندي متأدب، له شعر بديع. 65- أبو بكر محمد بن عمار بن إسماعيل التلمساني. قال ابن فضل الله: من شعراء مصر. ¬

(¬1) شذرات الذهب 5: 392.

66- الجمال التلمساني. 67- الشرف البوصيري صاحب البردة محمد بن سعيد بن حماد الدلاصي المولد المغربي الأصل البوصيري المنشأ. ولد بناحية دلاص في يوم الثلاثاء أول شوال سنة ثمان وستمائة، وبرع في النظم. قال فيه الحافظ فتح الدين بن سيد الناس: هو أحسن شعرًا من الجزار والوراق. مات سنة خمس وتسعين وستمائة (¬1) . 68- محيي الدين عبد الله بن عبد الظاهر بن نشوان المصري الأديب. كاتب الإنشاء بالديار المصرية، وأحد البلغاء المذكورين، له النظم الفائق والنثر الرائق، ومصنفات، منها سيرة الملك الظاهر. ولد سنة عشرين وستمائة، ومات بمصر في رجب سنة اثنتين وتسعين ودفن بالقرافة (¬2) . 69- ولده فتح الدين محمد صاحب ديوان الإنشاء، وأول من سمي بكاتب السر. ولد بالقاهرة سنة ثمان وثلاثين وستمائة، وسمع الحديث من ابن الجميزي، وتفقه ومهر في الإنشاء وساد، وتقدم على والده. مات في رمضان سنة إحدى عشرة وستمائة قبل والده (¬3) . 70- تاج الدين أحمد بن شرف الدين سعيد بن محمد، ابن الأثير الحلبي الكاتب المنشئ. باشر كتابة الإنشاء بدمشق ثم بمصر بعد موت فتح الدين بن عبد الظاهر، وكان فاضلًا نبيلًا؛ له يد في النظم والنثر. مات سنة إحدى وتسعين وستمائة. 71- شهاب الدين أحمد بن عبد الملك العزازي الشاعر المحسن. ديوانه في مجلدين مات بمصر سنة اثنتين وتسعين وستمائة. 72- شرف الدين عبد الوهاب بن فضل الله بن مجلي العدوي كاتب السر بمصر، وأحد أرباب الإنشاء والخط الحسن. روى عن ابن عبد الدائم. مات في رمضان سنة سبع عشرة وسبعمائة عن أربع وتسعين سنة (¬4) . ¬

(¬1) فوات الوفيات 2: 412. (¬2) فوات الوفيات 1: 212-219. (¬3) شذرات الذهب 5: 419، وذكره في وفيات سنة 691. (¬4) الدرر الكامنة 2: 428.

73- علاء الدين علي بن الصاحب فتح الدين محمد بن عبد الله بن عبد الظاهر الأديب. من كبار المنشئين وعلمائهم. مات بمصر سنة سبع عشرة وسبعمائة (¬1) . 74- ناصر الدين شافع بن علي بن عباس الكناني، سبط محيي الدين بن عبد الظاهر. الكاتب المنشئ الشاعر الأديب الفاضل. ولد سنة تسع وأربعين وستمائة، ومات سنة ثلاثين وسبعمائة (¬2) . 75- شهاب الدين أحمد بن محيي الدين بن فضل الله كاتب السر بالديار المصرية. الأديب البليغ الناظم، الناثر، صاحب مسالك الأنصار في ممالك الأمصار وغيره. ولد في شوال سنة سبعمائة، ومات في ذي الحجة سنة تسع وأربعين وسبعمائة (¬3) . 76- المعمار الأديب إبراهيم المصري المشهور. مات سنة تسع وأربعين وسبعمائة. 77- ابن نباتة الأديب المشهور جمال الدين أبو بكر محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن الحسن الجذامي المصري. ولد بمصر سنة ست وثمانين وستمائة، وفاق أهل زمانه في انظم والنثر؛ وهو أحد من حذا بحذو القاضي الفاضل وسلك طريقه. مات بالقاهرة في صفر سنة ثمان وستين وسبعمائة (¬4) . 78- علاء الدين علي بن القاضي محيي الدين بن فضل الله العمري. كاتب السر بالديار المصري أكثر من ثلاثين سنة، كان أوحد عصره في الكتابة. مات سنة تسع وستين وسبعمائة. 79- ابن أبي حجلة شهاب الدين أحمد بن يحيى بن أبي بكر بن عبد الواحد -[572]- التلمساني، ¬

(¬1) الدرر الكامنة. (¬2) الدرر الكامنة 2: 184. (¬3) شذرات الذهب 6: 160، واسمه هناك: "أحمد بن يحيى بن فضل الله بن مجيلي القرشي العمري الشافعي". ونظر الدرر الكامنة 1: 231، والنجوم الزاهرة 10: 334. (¬4) الدرر الكامنة 4: 216، النجوم الزاهرة 11: 95.

نزيل القاهرة. ولد سنة خمس وعشرين وسبعمائة ومهر في الأدب والنظم الكثير، ونثر فأجاد، وترسل فأفاق، وعمل المقامات وغيرها. وله مجاميع كثيرة؛ منها السكردان، وحاطب ليل، وديوان الصبابة وغير ذلك. مات في ذي الحجة ست وسبعين وسبعمائة (¬1) . 80- القيراطي برهان الدين إبراهيم بن شرف الدين بن عبد الله بن محمد البارع المفنن. ولد في صفر سنة ست وعشرين وسبعمائة، ولازم علماء عصره وبرع في الفنون ودرس بعدة أماكن وفاق في النظم والشعر له ديوان مشهور. مات بمكة في ربيع الأول سنة إحدى وثمانين (¬2) . 81- ابن العطار الأديب شهاب الدين أحمد بن محمد بن علي الدنيسري. شاعر مشهور، مات في ربيع الآخر سنة أربع وتسعين وسبعمائة. 82- ابن مكانس الوزير فخر الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن عبد الرزاق القبطي، وزير دمشق، وناظر الدولة بمصر. الشاعر المشهور، أحد فحول الشعراء، وله ديوان إنشاء. مات في ذي الحجة سنة أربع وستين وثمانمائة (¬3) . 83- ولده مجد الدين فضل الله. ولد في شعبان سنة تسع وستين وسبعمائة وتعانى الأدبيات ومهر. مات بالطاعون في ربيع الآخر سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة. 84- البارزي ناصر الدين محمد بن محمد بن الفخر عثمان بن الكمال محمد بن عبد الرحيم بن عبد الله بن المسلم. ولد في شوال سنة تسع وستين وسبعمائة، وبرع في الأدب وتنقلت به الأحوال إلى أن ولي كتابة السر بالديار المصرية. مات في شوال سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة (¬4) . ¬

(¬1) الدرر الكامنة 1: 329. (¬2) شذرات الذهب 6: 269. (¬3) الدرر الكامنة 2: 330. (¬4) الضوء اللامع 9: 137.

85- ولده مجد الدين محمد. ولد في ذي الحجة سنة ست وتسعين وسبعمائة، ومات سنة خمس وثمانمائة. 86- البدر البشتكي محمد بن إبراهيم بن محمد الدمشقي الأصل الأديب الفاضل المشهور. ولد سنة ثمان وأربعين وسبعمائة. ومات في جمادى الآخرة سنة ثلاثين وثمانمائة (¬1) . 87- ابن حجة رأس أدباء العصر تقي الدين أبو بكر بن علي الحموي نزيل القاهرة. صاحب البديعية المشهورة وشرحها، وثمار الأوراق، وغير ذلك من التصانيف الأدبية. مات في شعبان سنة سبع وثلاثين وثمانمائة (¬2) . 88- ابن كميل القاضي شمس الدين محمد بن أحمد بن عمر المنصوري. ولد في صفر سنة خمس وسبعين وسبعمائة وعُني بالأدب كثيرًا، وتقدم على أقرانه. مات في شعبان سنة سبع وأربعين وثمانمائة. 89- النواجي أديب العصر شمس الدين محمد بن حسن بن علي بن عثمان. ولد سنة بضع وثمانين وسبعمائة، وأمعن النظر في علوم الأدب حتى فاق أهل العصر، وألف كتبًا منها تأهيل الأديب (¬3) والشفاء في بديع الاكتفاء، وروضة المجالسة في بديع المحاسبة، وحلبة الكميت في وصف الخمر وغير ذلك. مات في يوم الثلاثاء خامس عشر جمادى الأولى سنة تسع وخمسين وثمانمائة (¬4) . 90- الشهاب الحجازي أبو الطيب أحمد بن محمد بن علي بن حسن بن إبراهيم الأنصاري الخزرجي. الفاضل الأديب الشاعر البارع. ولد في شعبان سنة تسعين، وسبعمائة، وسمع على المجد الحنفي والبرهان الأبناسي، وأجاز له العراقي والخيثمي، ¬

(¬1) مطالع البدر 1: 80، الضوء اللامع 6: 277، والبشتكي هو جامع ديوان ابن نباتة. (¬2) الضوء اللامع 11: 53، شذرات الذهب 7: 219. (¬3) الصواب أنه لابن حجة الحموي، ومنه نسخة مخطوطة بدار الكتب برقم 551 -أدب. (¬4) الضوء اللامع 7: 229، والبدر الطالع 2: 156.

وعُني بالأدب كثيرًا حتى صار أحد أعيانه، وصنف كتبًا أدبية، منها: روض الآداب والقواعد والمقامات من شرح المقامات والتذكرة وغير ذلك. مات في رمضان سنة خمس وسبعين وثمانمائة (¬1) . وقال الشهاب المنصوري يرثيه: لهف قلبي على أفول الشهاب ... تحفة القوم نزهة الأصحاب كان في مطلع البلاغة يسرى ... فتواري من الثرى بحجاب فقدت بره أيامي المعاني ... ويتامى جواهر الآداب هطلت أدمع السحاب عليه ... وقليل فيه دموع السحاب وذووا الجمع أصبحوا حين ولي ... كلهم جامعًا بلا محراب ربع بلواي آهل منذ أخلى ... كتبي من سؤاله والجواب يا شهابًا طلوعه في سما ... الفضل ولكن أقوله في التراب لك فيما ألفت تذكرة مما ... انتقى دره أولو الألباب روضة أينعت بفاكهة من ... حسن لفظ كثيرة وشراب فسقى تربها الرباب لتهـ ... ـتز وتربو على سماع الرباب ورأى كسره فقابله الله ... تعالى بالجبر يوم الحساب 91- الشهاب المنصوري أبو العباس أحمد بن محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن عبد الدائم السلمي المعروف بالهائم. الأديب البارع. ولد سنة تسع وتسعين وسبعمائة واشتغل، وفهم شيئًا من العلم وبرع في الشعر وفنونه وتفرد به في آخر عمره، وله ديوان كبير. مات في جمادى الآخرة سنة سبع وثمانين وثمانمائة (¬2) . 92- القادري الشيخ شمس الدين محمد بن أبي بكر بن عمر بن عمران بن نجيب -[575]- الأنصاري السعدي الدنجاوي، ¬

(¬1) الضوء اللامع 2: 147. (¬2) شذرات الذهب 7: 346.

شاعر العصر. ولد سنة خمس عشرة وثمانمائة، واشتغل بالعلم على جماعة من الشيوخ مع ذكاء مفرط، وقال الشعر فأكثر، وبرع في فنون الأدب نظمًا ونثرًا وهو الآن شاعر الدنيا على الإطلاق، لا يشاركه في طبقته أحد. مات في جمادى الأولى سنة ثلاث وتسعمائة. ومن نظمه وأنشاده عندي في الإملاء: شجاك بربع العامرية معهد ... به أنكرت عيناك ما كنت تعهد ترحل عنه أهله بأهلة ... بأحداجها غيد من العين خرد كواعب أتراب حسان كأنها ... بدور بأغصان النقا يتأود ومما شجاني فوق عودٍ حمامة ... ترجع ألحانًا لها وتغرد كأن بدمعي الكف منها مخضب ... وبالحزن مني الجيد منها مقلد وبي غادة كالشمس في أفق حسنها ... نأت وبقلبي حرها يتوقد ولو هددت رضوي بتبريج هجرها ... لأمسى من التهديد وهو مهدد خفيفة أعطاف نشاوي من الصبا ... ثقيلة أردافٍ تقيم وتقعد من النافثات السحر في عقد النهى ... بنجلاء عنها سحر هاروت يسند وعيني تروي عن معين دموعها ... وسمعي عن عذل العذول مسدد وأعجب من جسم حكى الماء رقةً ... يقل بلطفٍ قلبها وهو جلمد محيا كبدر النم في جنحٍ طرةٍ ... يظل به غصن النقا يتأود وجنّات وجناتٍ بماء نعيمها ... على النور نار أصبحت تتوقد مهاة إذا استنت بعود أراكةٍ ... على متن سمطي لؤلؤ يتردد تربك ثنيات العقيق ببارق ... جلالي النقا منه العذيب المبرد

كأن بفيها سنا العلم جوهرًا ... جلاه جلال الدين فهو منضد إمام اجتهاد عالم العصر عامل ... بجامع فضل ناسك متهجد ويحسد طرف النجم بالعلم طرفه ... إذا بات ليلًا فيه وهو مسهد ويقدح زند العز زند ذكائه ... فيصبح منه فكره يتوقد ومن مدد المولى وعين عنايةٍ ... وتوفيقه يحيا ويحمي ويحمد ومجتهد قد طال في العلم مدركا ... وباعًا ففي كل العلوم له يد ومستنبط من آية بعد آية ... تلي آية الكرسي معنى يخلد فوائد أشتات البديع التي بها ... تفرد فيها جمعه فهو مفرد وأنواعها عشرون مع مائة وقد ... توحد فيها بالذكا فهو أوحد ولم يك للماضين في الجمع مثلها ... فسحقًا لمن للفضل في الناس يجحد فحق له دعوى اجتهاد لأنه ... هو البحر علمًا زاخر اللج مزبد عليم بآلات اجتهاد أولى النهى ... أئمة دين الله من حيث تقصد فمن ذاك علم بالكتاب وسنةٍ ... تبين ما في بحره فهو مورد وما كان فيها مجملًا ومفصلًا ... ومن مطلق ينفك عنه المقيد وفحوى خطاب ثم مفهوم ما به ... يدل على مفهومه حيث يوجد ومعرفة الإجماع فهي لديننا ... ثلاث عليها بالخناصر يعقد وباللغة الفصحى من العرب التي ... بها نزل الذكر العزيز الممجد ومعرفة الأخبار ثم رواتها ... عدولًا ومن بالطعن فيه تردد وبالعلم بالفرق الذي بين واجب ... وندب وما فيه الإباحة تقصد وما بين حظر موبق وكراهةٍ ... وتقييدها والعلم نعم المقيد وفي النحو والتصريف للمرء عصمة ... من اللحن فاللحان باللحن مكمد

ومعرفة الإعراب أرفع مرتقى ... فطوبى لمن يرقى إليه ويصعد وعلم المعاني والبيان كلاهما ... مراق إلى علم البديع ومصعد وسلطان منقول الفقيه متى يجد ... وزيرا من المعقول فهو مؤيد وإن الجلالي السيوطي للهدى ... لكوكب علم بالضيا يتوقد وقد جاد صيب العلم روضة أصله ... فطاب له بالعلم فرع ومحتد وذي حسد مغرى ببغداد فضله ... على نفسه يبكي أسى ويعدد فلو أبصر الكفار في العلم درسه ... وقد شاهدوا تقريره لتشهدوا فخذها جلال الدين في المدح كاعبا ... لها جيد حسن بالنجوم مقلد ولا تبتئس من قول واش وحاسد ... فما برحت أهل الفضائل تحسد ومن لحظت مسعاه عين عناية ... فطرف أعاديه مدى الدهر أرمد وبالعلم، من يأمن وعيد إلهه ... فإن بوعد الفوز موعده غد وحيث وهى ثوب اجتهاد فذو العلا ... يقيض في الدنيا له من يجدد بمن أخبر المختار عنهم وإنهم ... لطائفة بالحق للدين تعضد بإخلاصهم لا الهجو يوما يسوءهم ... ولا سرهم مدح الذي راح يحمد وهذا اعتقاد المؤمنين أولي النهى ... فلا يك في هذا لديك تردد وإن جلال الدين منهم فإنه ... بيمنى علوم من تصانيف فليست مجرد وإن القوافي ضقن ذرعا عن الذي ... له من نصانيف فليست تعدد وإن الفقير القادري لعاجز ... عن المدح في علياه إذ يتقصد وقاه إله العرش من كل محنة ... وما أضمرت يوما عداه وحسد بجاه رسول الله أحمد مرسل ... بأمداحه جاء الكتاب الممجد عليه مع الآل الكرام وصحبه ... صلاة على طول المدى تتجدد

سلاسل الولاة والقضاة ونحوهم

ذكر أمراء مصر من حين فتحت إلى أن ملكها بنو عبيد: أول أمير عمرو بن العاص رضي الله عنه، ولاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه على الفسطاط وأسفل الأرض، وولي عبد الله بن سعد بن أبي سرح على الصعيد إلى الفيوم. أخرج ابن عبد الحكم، عن أنس، قال: أتى رجل من أهل مصر إلى عمر بن الخطاب فقال: يا أمير المؤمنين، عائذ بك من الظلم، قال: عذت معاذا (¬1) ، قال: سابقت "ابن" (¬2) عمرو بن العاص فسبقته، فجعل يضربني بالسوط، ويقول: أنا ابن الأكرمين! فكتب عمر إلى عمرو يأمره بالقدوم بابنه معه. فقدم فقال عمر: أين المصري؟ خذ السوط فاضرب، فجعل يضربه بالسوط ويقول عمر: اضرب ابن الأكرمين (¬3) . ثم قال للمصري: ضعه على صلعة (¬4) عمرو، قال: يا أمير المؤمنين، إنما ابنه الذي ضربني وقد اشتفيت منه، فقال عمر لعمرو: مذ كم تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا! قال: يا أمير المؤمنين، لم أعلم ولم يأتني (¬5) . وأخرج ابن عبد الحكم عن نافع مولى ابن عمر، أن صبيغا العراقي جعل يسأل عن أشياء من القرآن في أجناد (¬6) المسلمين، حتى قدم مصر، فبعث به عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب، فضربه ونفاه إلى الكوفة، وكتب إلى أبي موسى الأشعري أن ¬

(¬1) كذا في الأصول، وفي اللسان: "عذ به معاذا، لجأ إليه واعتصم". (¬2) تكملة من فتوح مصر. (¬3) بعدها في فتوح مصر: "قال أنس: فضرب فوالله لقد ضربه ونحن نحب ضربه؛ فما أقلع عنه حتى تمنينا أنه يرفع عنه". وهناك: "أضرب ابن الأكرمين". (¬4) فتوح مصر: "ضلعة". (¬5) فتوح مصر 167، 168. (¬6) أجناد: جمع جند، وهو العسكر.

ألا يجالسه أحد من المسلمين (¬1) . وقال إبراهيم بن الحسين بن ديزيل في كتابه: حدثنا عبد الله بن صالح، حدثني ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب أن عمرو بن العاص استحل مال قبطي من قبط مصر لأنه استقر عنده أنه كان يُظهر الروم على عورات المسلمين يكتب إليهم بذلك، فاستخرج منه بضعا وخمسين إردبا دنانير. قال أبو صالح: والإردب ست ويبات وعيرنا الويبة، فوجدناها تسعا وثلاثين ألف دينار. قال الحافظ عماد الدين بن كثير: فعلى هذا يكون مبلغ ما أُخذ من هذا القبطي يقارب ثلاثة عشر ألف ألف دينار. قال ابن عبد الحكم: توفي عمر، وعلى مصر أميران: عمرو بن العاص بأسفل الأرض وعبد الله بن سعد على الصعيد. فلما استخلف عثمان بن عفان عزل عمرو بن العاص وولى عبد الله بن سعد "بن أبي سرح" أميرا على مصر كلها؛ وذلك في سنة خمس وعشرين (¬2) . وقال الواقدي وأبو معشر: في سنة سبع وعشرين. فانتقل عمرو بن العاص إلى المدينة، وفي نفسه من عثمان أمر كبير؛ وجعل عمرو بن ¬

(¬1) كذا نقل الخبر مقتضبًا؛ وهو كما في فتوح مصر 168: "أن صبيغًا العراقي جعل يسأل عن أشياء من القرآن في أجناد المسلمين حتى قدم مصر، فبعث به عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب، فلما أتاه الرسول بالكتاب، فقرأه، قال: أين الرجل؟ قال: في الرحل، فقال عمر: ابصر أن يكون ذهب، فتصيبك مني العقوبة الموجعة، فأت به، فقال له عمر: عم تسأل؟ فحدثه، فأرسل عمر إلى رطائب الجريد، فضربه بها حتى ترك ظهره تبره ثم تركه حتى برأ، ثم عاد له، ثم تركه حتى برأ، ثم عاد به ليعود له، فقال صبيغ: يا أمير المؤمنين؛ إن كنت تريد قتلي فاقتلني قتلًا جميلًا، وإن كنت تريد أن تداويني، فقد والله برئت، فأذن له إلى أرضه، وكتب له إلى أبي موسى الأشعري ألا يجالسه أحد من المسلمين. فاشتد ذلك على الرجل، فكتب أبو موسى إلى عمر، أنه قد حسنت هيئته، فكتب عمر أن ائذن للناس في مجالسته". (¬2) فتوح مصر 173.

العاص يؤلب الناس على عثمان؛ وكره أهل مصر عبد الله بن سعد بعد عمرو بن العاص؛ واشتغل عبد الله بن سعد عنهم بقتال أهل المغرب وفتحه بلاد البربر والأندلس وإفريقية، ونشأ بمصر ناس (¬1) من أبناء الصحابة يؤلبون الناس على حرب عثمان، والإنكار عليه في عزل عمرو، وتولية من دونهم؛ وكان عُظْم ذلك مسندا إلى محمد بن أبي بكر ومحمد بن أبي حذيفة، حتى استنفر نحوا من ستمائة راكب يذهبون إلى المدينة لينكروا على عثمان، فساروا إليها، وسألوه أن يعزل عنهم ابن أبي سرح، ويولي محمد بن أبي بكر أميرا، فأجابهم إلى ذلك، فلما رجعوا إذا هم براكب، فأخذوه وفتشوه، فإذا في إداوته كتاب إلى ابن أبي سرح على لسان عثمان بقتل محمد بن أبي بكر وجماعة معه، فرجعوا وداروا بالكتاب على الصحابة، فلام الناس عثمان على ذلك، فحلف: ما له علم بذلك، وثبت أنه زوره على لسانه مروان بن الحكم، وزوره على خاتمه، فكان ذلك سبب تحريض المصريين على قتل عثمان حتى حصروه وقتلوه. وكان الذي باشر قتله رجلا من أهل مصر من كندة يسمى أسود بن حمران، ويكنى أبا رومان، ويلقب حمارا، وقيل: اسمه رومان، وقيل: أشقر أزرق، وقتل هو أيضا في الحال -لعنه الله ورضي عن عثمان أمير المؤمنين- وفعل المصريون في المدينة من الشر ما لا يفعله فارس والروم، ونهبوا دار عثمان، وعدلوا إلى بيت المال فأخذوا ما فيه، وكان فيه شيء كثير جدا، وذلك في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين. وأخرج الواقدي عن عبد الرحمن بن الحارث، قال: الذي قتل عثمان كنانة بن بشر بن غياث التجيبي، حتى قال القائل: ألا إن خير الناس بعد ثلاثة ... قتيل التجيبي الذي جاء من مصرا وأخرج ابن عساكر عن سعيد بن المسيب، قال: كانت المرأة تجيء في زمان عثمان ¬

(¬1) ط: "طائفة".

إلى بيت المال، فتحمل وقرها، وتقول: اللهم بدل، اللهم غير. فلما قتل عثمان، قال حسان بن ثابت: قلتم بدل فقد بدلكم ... سنة حرى وحربا كاللهب (¬1) ما نقمتم من ثياب خلفة ... وعبيد وإماء وذهب (¬2) وروى محمد بن عائذ، عن إسماعيل بن عياش، عن صفوان بن عمرو، عن عبد الرحمن بن جبير، قال: سمع عبد الله بن سلام رجلا يقول لآخر: قتل عثمان بن عفان فلم ينتطح فيها عنزان. فقال ابن سلام: أجل إن البقر والغنم لا تنتطح في قتل الخليفة، ولكن تنتطح فيه الرجال بالسلاح؛ والله ليُقتلن به أقوام إنهم لفي أصلاب آبائهم ما وُلدوا بعد. وبقيت المدينة خمسة أيام بلا خليفة، والمصريون يلحون على علي أن يبايعوه وهو يهرب منهم؛ ويطلب الكوفيون الزبير فلا يجدونه، والبصريون طلحة فلا يجيبهم، فقالوا فيما بينهم: لا نولي أحدا من هؤلاء الثلاثة، فمضوا إلى سعد بن أبي وقاص فلم يقبل منهم، ثم جاءوا إلى ابن عمر، فأبى عليهم، فحاروا في أمرهم، وقالوا: إن نحن رجعنا بقتل عثمان عن غير إمرة، اختلف الناس، فرجعوا إلى علي فألحوا عليه فبايعوه، فأشار عليه ابن عباس باستمرار نواب عثمان في البلاد إلى حين آخر، فأبى عليه، وعزل عبد الله بن سعد بن أبي سرح عن مصر وولى عليها قيس بن سعد بن عبادة. وكان محمد بن أبي حذيفة لما بلغه حصر عثمان تغلب على الديار المصرية، وأخرج منها ابن أبي سرح، فجاءه الخبر في الطريق بقتل عثمان، فذهب إلى الشام، فأخبر معاوية بما كان في أمره بديار مصر، وأن محمد بن ¬

(¬1) ديوانه 23، وفيه البيت الأول بعد الثاني. (¬2) خلفه، أي مختلفات.

أبي حذيفة قد استحوذ عليها، فسار معاوية وعمرو بن العاص ليخرجاه منها، فعالجا دخول مصر، فلم يقدرا، فلم يزالا به حتى خرج إلى العريش في ألف رجل، فتحصن بها. وجاء عمرو بن العاص، فنصب عليه المنجنيق حتى نزل في ثلاثين من أصحابه فقتلوا؛ ذكره ابن جرير (¬1) . ثم سار إلى مصر قيس بن سعد بن عبادة بولاية من علي، فدخل مصر في سبعة نفر، فرقي المنبر، وقرأ عليهم كتاب أمير المؤمنين علي، ثم قام قيس فخطب الناس، ودعاهم إلى البيعة لعلي، فبايعوا، واستقامت له طاعة بلاد مصر سوى قرية منها يقال لها خربتا، فيها أناس قد أعظموا قتل عثمان، وكانوا سادة الناس ووجوههم، وكانوا في نحو من عشرة آلاف، منهم بشر بن أرطاة، ومسلمة بن مخلد، ومعاوية بن حديج وجماعة من الأكابر، وعليهم رجل يقال له يزيد بن الحارث المدلجي، وبعثوا إلى قيس بن سعد فوادعهم وضبط مصر، وسار فيها سيرة حسنة. قال ابن عبد الحكم: لما ولي قيس مصر اختط بها دارا قبلي الجامع، فلما عزل كان الناس يقولون: إنها له، حتى ذكرت له، فقال: وأي دار لي بمصر؟ فذكروها له فقال: إنما تلك بنيتها من مال المسلمين، لا حق لي فيها (¬2) . ويقال: إن قيسا أوصى لما حضرته الوفاة: إني كنت بنيت بمصر دارا وأنا واليها، واستعنت فيها بمعونة المسلمين؛ فهي للمسلمين ينزلها ولاتهم. وكان ولاية قيس مصر في صفر سنة ست وثلاثين. فكتب معاوية إلى قيس يدعوه إلى القيام بطلب دم عثمان، وأن يكون هو أزرا له على ما هو بصدده في ذلك، ووعده أن يكون نائبه على العراقين إذا تم له الأمر. فلما بلغه الكتاب -وكان قيس رجلا حازما- لم يخالفه ولم يوافقه، بل بعث يلاطف معه الأمر؛ وذلك لبعده من علي، وقربه من بلاد الشام؛ وما ¬

(¬1) تاريخ الطبري 5: 105، 106. (¬2) فتوح مصر 98.

مع معاوية من الجنود، فسالمه قيس وتاركه؛ فأشاع بعض أهل الشام أن قيس بن سعد يكاتبهم في الباطن، ويمالئهم على أهل العراق. وروى ابن جرير أنه جاء من جهته كتاب مزور بمبايعته معاوية، فلما بلغ ذلك عليا اتهمه، وكتب إليه يغزو أهل خربتا الذين تخلفوا عن البيعة، فبعث يعتذر إليه بأنهم كثير عددهم، وهم وجوه الناس، وكتب إليه: إن كنت إنما أمرتني بهذا لتختبرني لأنك اتهمتني، فابعث على عملك بمصر غيري. فولى على مصر محمد بن أبي بكر، وارتحل قيس إلى المدينة، ثم ركب إلى علي، واعتذر إليه، وشهد معه صفين، فلم يزل محمد بن أبي بكر بمصر قائم الأمر، مهيبا بالديار المصري، حتى كانت وقعة صفين، وبلغ أهل مصر خبر معاوية ومن معه من أهل الشام على قتال أهل العراق، وصاروا إلى التحكيم. فطمع أهل مصر في محمد بن أبي بكر، واجترءوا عليه، وبارزوه بالعداوة، وندم علي بن أبي طالب على عزل قيس من مصر لأنه كان كفئا لمعاوية وعمرو. فلما فرغ علي من صفين، وبلغه أن أهل مصر استخفوا بمحمد بن أبي بكر لكونه شابا ابن ست وعشرين سنة أو نحو ذلك، عزم على رد مصر إلى قيس بن سعد. ثم إنه ولى عليها الأشتر النخعي، فلما بلغ معاوية تولية الأشتر ديار مصر، عظم ذلك عليه؛ لأنه كان طمع في استنزاعها من يد محمد بن أبي بكر، وعلم أن الأشتر سيمنعها منه لحزمه وشجاعته. فلما سار الأشتر إليها وانتهى إلى القلزم، استقبله الجايسار -وهو مقدم على الخراج- فقدم إليه طعاما، وسقاه شرابا من عسل، فمات منه. فلما بلغ ذلك معاوية وأهل الشام قالوا: إن لله جندا من عسل. وقيل: إن معاوية كان تقدم إلى هذا

الرجل في أن يحتال على الأشتر ليقتله ففعل ذلك، ذكره ابن جرير. فلما بلغ عليا وفاة الأشتر تأسف عليه لشجاعته، وكتب إلى محمد بن أبي بكر باستقراره واستمراره بديار مصر، وكان ضعف جأشه مع ما فيه من الخلاف عليه من العثمانية الذين ببلد خربتا، وقد كانوا استفحل أمرهم؛ وكان أهل الشام حين انقضت الحكومة سلموا على معاوية بالخلافة، وقوي أمرهم جدا، فعند ذلك جمع معاوية أمراءه، واستشارهم في المسير إلى مصر، فاستجابوا له؛ وعين نيابتها لعمرو بن العاص إذا فتحها، ففرح بذلك عمرو، فكتب معاوية إلى مسلمة بن مخلد ومعاوية بن خديج -وهما رؤساء العثمانية ببلاد مصر- يخبرهم بقدوم الجيش إليهم سريعا، فأجابوه، فجهز معاوية عمرو بن العاص في ستة آلاف، فسار إليها، واجتمعت عليه العثمانية وهم عشرة آلاف. فكتب عمرو إلى محمد بن أبي بكر: أن تنح عني بدمك، فإني لا أحب أن يصيبك مني ظُفر، وإن الناس قد اجتمعوا بهذه البلاد على خلافك. فأغلظ محمد بن أبي بكر لعمرو في الجواب، وركب في ألفي فارس من المصريين، فأقبل عليه الشاميون، فأحاطوا به من كل جانب، وتفرق عنه المصريون، وهرب هو فاختفى في خربة، ودخل عمرو بن العاص فسطاط مصر، ثم دُلَّ على محمد بن أبي بكر، فجيء به؛ وقد كاد يموت عطشا، فقدمه معاوية بن حديج فقتله، ثم جعله في جيفة حمار، فأحرقه بالنار؛ وذلك في صفر سنة ثمان وثلاثين. وكتب عمرو بن العاص إلى معاوية يخبره بما كان من الأمر، وأن الله قد فتح عليه بلاد مصر، فأقام عمرو أميرا بمصر إلى أن مات بها ليلة عيد الفطر سنة ثلاث وأربعين على المشهور، ودفن بالمقطم، من ناحية الفج؛ وكان طريق الناس يومئذ إلى الحجاز، فأحب أن يدعو له من مر به؛ وهو أول أمير مات بمصر. وفي ذلك يقول عبد الله بن الزبير:

ألم تر أن الدهر أخنت ريوبه ... على عمر السهمي تُجبى له مصر فأضحى نبيذا بالعراء وضللت ... مكائده عنه وأمواله الدثر ولم يغن عنه جمعه المال برهة (¬1) ... ولا كيده حتى أتيح له الدهر فلما مات عمرو بن العاص ولى معاوية على ديار مصر ولده عبد الله بن عمرو. قال الواقدي: فعمل له عليها سنتين. وقال غيره: بل أشهرا. ثم عزله وولى عتبة بن أبي سفيان. ثم عزله وولى عقبة بن عامر سنة أربع وأربعين، فأقام إلى سنة سبع وأربعين فعزله. وولى معاوية بن حديج، فأقام إلى سنة خمسين، فعزله. وولى مسلمة بن مخلد وجمعت له مصر والمغرب؛ وهو أول والٍ جمع له ذلك (¬2) . قال ابن عبد الحكم: حدثنا عبد الملك بن مسلمة، عن ابن لهيعة عن بعض شيوخ أهل مصر، قال: أول كنيسة بنيت بفسطاط مصر الكنيسة التي خلف القنطرة أيام مسلمة بن مخلد، فأنكر ذلك الجند على مسلمة، وقالوا له: أتقر لهم أن يبنوا الكنائس! حتى كاد يقع بينهم وبينه شر، فاحتج عليهم مسلمة يومئذ، فقال: إنها ليست في قيروانكم، وإنما هي خارجة في أرضهم، فسكتوا عند ذلك. فأقام مسلمة أميرا إلى سنة تسع وخمسين. وكان عبد الرحمن بن عبد الله بن عثمان بن ربيعة الثقفي المشهور بابن أم الحكم -وأم الحكم هي أخت معاوية- أميرا على الكوفة، فأساء السيرة في أهلها، فأخرجوه من بين أظهرهم طريدا، فرجع إلى خاله معاوية، فقال: لأولينك مصر خيرا منها، فولاه مصر، فلما سار إليها تلقاه معاوية بن حديج على مرحلتين من مصر، فقال: ارجع إلى خالك، فلعمري لا تسير فينا ¬

(¬1) ابن عبد الحكم: "جمعه واحتباله". (¬2) ابن عبد الحكم 132.

سيرتك في أهل الكوفة، فرجع ابن أم الحكم ولحقه معاوية بن حديج وافدا على معاوية. فلما دخل عليه وجده عند أخته أم الحكم -وهي أم عبد الرحمن الذي طرده عن مصر- فلما رآه معاوية، قال: بخ بخ! هذا معاوية بن حديج؛ فقالت أم الحكم: لا مرحبا! تسمع بالمعيدي خير من أن تراه. فقال معاوية بن حديج: على رسلك يا أم الحكم، أما والله لقد تزوجت فما أكرمت، وولدت فما أنجبت؛ أردت أن يلي ابنك الفاسق علينا، فيسير فينا كما سار في أهل الكوفة، فما كان الله ليريه ذلك، ولو فعل لضربنا ابنك ضربا يطأطئ منه -وإن كره هذا الجالس- فالتفت إليها معاوية، فقال: كفى، فاستمر مسلمة على إمرة مصر إلى أن مات في خلافة يزيد في ذي الحجة سنة اثنتين وستين. فولِيَ بعده سعيد بن يزيد بن علقمة الأزدي. فلما ولي الزبير الخلافة بعد موت يزيد، وذلك في سنة أربع وستين، استناب على مصر عبد الرحمن بن قحزم القرشي الفهري، فقصد مروان مصر ومعه عمرو بن سعيد الأشدق فقاتل عبد الرحمن، فهزم عبد الرحمن وهرب. ودخل مروان إلى مصر، فتملكها، وجعل عليها ولده عبد العزيز، وذلك في سنة خمس وستين، فلم يزل أميرا بها عشرين سنة. وكان أبوه جعل إليه عهد الخلافة بعد عبد الملك، فكتب إليه عبد الملك يستنزله عن العهد الذي من بعده لولده الوليد فأبى عليه. ثم إنه مات من عامه. قال ابن عبد الحكم: وقع الطاعون بالفسطاط، فخرج عبد العزيز إلى حلوان، وكان ابن حديج يرسل إليه في كل يوم بخبر ما يحدث في البلد من موت وغيره، فأرسل إليه ذات يوم رسولا فأتاه، فقال له عبد العزيز: ما اسمك؟ قال: أبو طالب، فثقل ذلك على عبد العزيز وغاظه، فقال: أسألك عن اسمك فتقول: أبو طالب! ما اسمك؟ قال: مدرك فتفاءل عبد العزيز بذلك فمرض، فدخل نصيب الشاعر فأنشأ يقول:

ونزور سيدنا وسيد غيرنا ... ليت التشكي كان بالعواد لو كان يقبل فدية لفديته ... بالمصطفى من طارِفي وتلادِي فأمر له بألف دينار، ثم مات عبد العزيز بحلوان، فحمل في البحر إلى الفسطاط، ودفن بمقبرتها (¬1) . وكانت وفاته ليلة الاثنين ثاني عشر جمادى الأولى سنة ست وثمانين. وكتب على قصره بحلوان: أين رب القصر الذي شيد القصر، وأين العبيد والأجناد! أين تلك الجموع والأمر والنهى وأعوانهم، وأين السواد! وقال عمر بن أبي الجدير العجلاني يرثي عبد العزيز بن مروان وابنه أبا زبان: أبعدك يا عبد العزيز لحجة ... وبعد أبي زبان يُستعتب الدهر فلا صلحت مصر لحي سواكما ... ولا سقيت بالنيل بعدكما مصر فأمر بعده عبد الملك، فأقام شهرا إلا ليلة، ثم صرف وولي بعده ابنه عبد الله ابن أمير المؤمنين عبد الملك. قال الليث بن سعد: وكان حدثا، وكان أهل مصر يسمونه نكيس، وهو أول من نقل الدواوين إلى العربية؛ وإنما كانت بالعجمية، وهو أول من نهى الناس عن لباس البرانس، فأقام إلى التسعين، فعزله أخوه الوليد. وولَّى قرة بن شريك العبسي، فقدمها يوم الاثنين ثالث عشر ربيع الأول، وفي ذلك يقول الشاعر: عجبا ما عجبت حين أتانا ... أن قد أمرت قرة بن شريك (¬2) وعزلت الفتى المبارك عنا ... ثم فيلت فيه رأي أبيك وكان قرة ظلوما عسوفا، قيل: كان يدعو بالخمر والملاهي في جامع مصر؛ أخرج أبو ¬

(¬1) فتوح مصر 237. (¬2) فتوح مصر 131.

نعيم في الحلية، قال: قال عمر بن عبد العزيز: الوليد بالشام، والحجاج بالعراق، وقرة بمصر، وعثمان بن حيان بالحجاز. امتلأت والله الأرض جورا! وقال ابن عبد الحكم: أنبأنا سعيد بن عفير، أن عمال الوليد بن عبد الملك كتبوا إليه أن بيوت الأموال قد ضاقت من مال الخمس؛ فكتب إليهم: أن ابنوا المساجد، فأول مسجد بني بفسطاط مصر المسجد الذي في أصل حصن الروم عند باب الريحان قبالة الموضع الذي يُعرف بالقالوس يُعرف بمسجد العيلة (¬1) ، فأقام قرة واليا بمصر إلى أن مات سنة ست وتسعين (¬2) . فولِيَ بعده عبد الملك بن رفاعة القيني، فأقام سنة تسع وتسعين. ثم ولي أيوب بن شرحبيل الأصبحي فأقام إلى سنة إحدى ومائة. ثم ولي بشر بن صفوان الكلبي فأقام إلى سنة ثلاث ومائة. ثم ولي أخوه حنظلة فأقام إلى سنة خمس ومائة. ثم ولي محمد بن عبد الملك أخو هشام بن عبد الملك الخليفة. ثم ولي الحر بن يوسف. ثم ولي حفص بن الوليد، فأقام إلى آخر سنة ثمان ومائة. وولي بعده سنة تسع ومائة عبد الملك بن رفاعة، وصرف في السنة. وولي أخوه الوليد، فأقام إلى أن توفي سنة تسع عشرة. وولي بعده عبد الرحمن بن خالد الفهمي، فأقام سبعة أشهر، وصرف، وأعيد حنظلة بن صفوان في سنة عشرين، ثم صرف وأعيد حفص بن الوليد، فأقام ثلاث سنين ثم صرف. ¬

(¬1) فتوح مصر: "القلعة". (¬2) فتوح مصر 132.

وولي بعده سنة سبع وعشرين حسان بن عتاهية التجيبي. ثم أعيد حفص بن الوليد، وعزل عنها سنة ثمان وعشرين. وولي الحوثرة بن سهيل الباهلي. ثم ولي المغيرة بن عبيد الفزاري سنة إحدى وثلاثين. ثم ولي عبد الملك بن مروان مولى لخم سنة اثنتين وثلاثين ومائة. ثم لما قامت الدولة العباسية، وقام السفاح، وانهزم مروان الحمار، وهرب إلى الديار المصرية، ولّى السفاح نيابة الشام ومصر صالح بن علي بن عبد الله بن عباس، فسار صالح حتى قتل مروان ببوصير في ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومائة، ثم رجع إلى الشام واستخلف على مصر أبا عون عبد الملك بن أبي يزيد الأزدي، فأقام إلى سنة ست وثلاثين. ثم أعيد صالح بن علي ثم صرف، وأعيد أبو عون سنة سبع وثلاثين، فأقام إلى سنة إحدى وأربعين. ثم ولي بعده موسى بن كعب التميمي، فأقام سبعة أشهر ومات. وولي محمد بن الأشعث الخزاعي، ثم عزل سنة اثنتين وأربعين. وولي نوفل بن الفرات، ثم عُزل نوفل. وولي حميد بن قحطبة الطائي، ثم صرف سنة أربع وأربعين. وولي يزيد بن حاتم المهلبي، فأقام إلى سنة اثنتين وخمسين فعزل. وولي محمد بن سعيد، فأقام إلى أن استُخلف المهدي، فعزله في سنة تسع وخمسين. وولّى أبا ضمرة محمد بن سليمان، كذا في تاريخ ابن كثير؛ وأما الجزار فقال: إنه

ولي بعد يزيد بن حاتم عبد الله بن عبد الرحمن بن معاوية بن حديج التجيبي. ثم ولي بعده أخوه (¬1) فأقام سنة وشهرين. ثم ولي بعده موسى (¬2) بن علي اللخمي سنة خمس وخمسين، فأقام إلى سنة إحدى وستين. ثم ولي عيسى "بن لقمان" (¬3) اللخمي (¬4) . ثم ولي واضح مولى المنصور سنة اثنتين وستين (¬5) . ثم صرف من عامه وولي منصور بن يزيد الحميري. ثم ولي بعده يحيى بن داود أبو صالح الخرسي (¬6) . ثم ولي سالم بن سوادة التميمي سنة أربع وستين. ثم ولي إبراهيم بن صالح العباسي سنة خمس وستين. ثم ولي موسى بن مصعب مولى خثعم. ثم ولي الفضل بن صالح العباسي سنة تسع وستين. ثم ولي علي بن سليمان العباسي من السنة. ثم ولي موسى بن عيسى العباسي. ثم عزل سنة اثنتين وسبعين. وولي مسلمة بن يحيى الأزدي (¬7) . ¬

(¬1) هو محمد بن عبد الرحمن بن معاوية، كما ذكره في الولاة والقضاة ص118. (¬2) موسى بن علي بن ربح اللخمي، كما في الولاة والقضاة 119. (¬3) من الولاة والقضاة، وموضعه بياض في الأصل. (¬4) كذا في الأصول، وفي الولاة والقضاة: "الجمحي". (¬5) في الولاة والقضاة: "جعل على شرطه موسى بن زريق مولى تميم، ثم صرف في شهر رمضان سنة اثنتين وستين ومائة". (¬6) في الأصول: "ممدود"، والصواب ما أثبته من الولاة والقضاة 122، والنجوم الزاهرة 1: 436. والخرسي: منسوب إلى خراسان. (¬7) في الولاة والقضاة: "البجلي".

ثم ولي محمد بن زهير الأزدي سنة ثلاث وسبعين. ثم ولي داود بن يزيد المهلبي سنة أربع وسبعين. ثم أعيد موسى بن عيسى سنة خمس وسبعين، ثم عزله الرشيد سنة ست وسبعين. وولي عليها جعفر بن يحيى البرمكي، فاستناب عليها عمر بن مهران -وكان شيعيًّا زري الشكل أحول- وكان سبب ذلك أن الرشيد بلغه أن موسى بن عيسى عزم على خلعه، فقال: والله لأولين عليها أخس الناس، فاستدعى عمر بن مهران، ولاه عليها نيابة عن جعفر، فسار عمر إليها على بغل، وغلامه أبو درة على بغل آخر، فدخلها كذلك، فانتهى إلى مجلس موسى بن عيسى، فجلس في أخريات الناس، حتى انفضوا فأقبل عليه موسى بن عيسى، وهو لا يعرف من هو، فقال: ألك حاجة يا شيخ؟ قال: نعم، أصلح الله الأمير! ثم مال بالكتب، فدفعها إليه، فلما قرأها قال:: أنت عمر بن مهران؟ قال: نعم، قال: لعن الله فرعون حين قال: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ} ، ثم سلم إليه العمل وارتحل منها. ثم في سنة سبع وسبعين عزل الرشيد جعفرا عن مصر، وولّى عليها إسحاق بن سليمان، كذا في تاريخ ابن كثير وغيره (¬1) . وذكر الأديب أبو الحسين الجزار في أرجوزته في أمراء مصر خلاف ذلك؛ فإنه قال: أعيد موسى بن عيسى سنة خمس وسبعين. ثم أعيد إبراهيم بن صالح العباسي سنة ست وسبعين، ثم ولي عبد الله بن المسيب الضبي. ثم ولي إسحاق بن سليمان العباسي سنة سبع وسبعين. كذا قال والله أعلم (¬2) . ¬

(¬1) البداية والنهاية 10: 177. (¬2) وهو قوله فيما يلي من أرجوزته التي سماها العقود الدرية في الأمراء المصرية، ضمنها أمراء مصر من عمرو بن العاص إلى الملك الظاهر. وجاء موسى ثم عيسى ثانيه ... ونال في إمرتها أمانيه كذلك إبراهيم أيضًا ولي ... فيها كما قد قيل بعد العزل وحاز عبد الله فيها الآفاق ... وابن سليمان المسمى إسحاق

ثم عزل إسحاق سنة ثمان وسبعين وولي هرثمة بن أعين، فأقام نحوا من شهر. ثم عزل وولي عبد الملك بن صالح العباسي، فأقام إلى سلخ سنة ثمان وسبعين. وولي عبيد الله بن مهدي العباسي سنة تسع وسبعين. ثم أعيد موسى بن عيسى سنة ثمانين. ثم أعيد عبيد الله المهدي، وصرف في رمضان سنة إحدى وثمانين. وولي إسماعيل بن صالح العباسي. ثم ولي إسماعيل بن عيسى سنة اثنتين وثمانين، ثم صرف وولي الليث بن الفضل البيروذي. ثم ولي أحمد بن إسماعيل العباسي سنة سبع وثمانين (¬1) . ثم ولي عبد الله بن محمد العباسي (¬2) . ثم ولي الحسين بن حمل الأزدي سنة تسعين. ثم ولي مالك بن دلهم الكلبي سنة اثنتين وتسعين. ثم ولي الحسن بن التختاخ سنة ثلاث وتسعين. ثم ولي حاتم بن هرثمة بن أعين. ثم صرف في سنة خمس وتسعين. وولي جابر بن الأشعث الطائي. ¬

(¬1) في الولاة والقضاة: "صرف عنها يوم الاثنين لثمان عشرة خلت من شعبان بسنة تسع وثمانية ومائة، ولها سنتين وشهرًا ونصفًا". (¬2) في الولاة والقضاة: "صرف عنها لإحدى عشرة بقيت من شعبان سنة تسعين ومائة".

ثم ولي عباد بن نصر الكندي سنة ست وتسعين (¬1) . ثم ولي المطلب بن عبد الله الخزاعي سنة ثمان وتسعين. ثم ولي العباس بن موسى في السنة. ثم أعيد المطلب سنة تسع وتسعين. ثم ولي السري بن الحكم سنة مائتين. ثم ولي سليمان بن غالب سنة إحدى. ثم أعيد السري بن الحكم في السنة، فمات في سنة خمس ومائتين، فولي بعده أبو نصر محمد بن السري. ثم تغلب عليها عبيد الله بن السري في سنة ست فأقام إلى سنة عشر، فوجه إليه المأمون عبد الله بن طاهر فاستنقذها منه بعد حروب يطول ذكرها. وقد ذكر الوزير أبو القاسم المغربي: أن البطيخ العبدلاوي الذي بمصر منسوب إلى عبد الله بن طاهر هذا، قال ابن خلكان: إما لأنه كان يستطيبه، أو لأنه أول من زرعه بها. ثم ولي بعده عيسى بن يزيد الجلودي. ثم في سنة ثلاث وعشرين ومائتين ثار رجلان بمصر، وهما عبد السلام وابن حليس، فخلعا المأمون، واستحوذا على الديار المصرية، وتابعهما طائفة من القيسية واليمانية فولى المأمون أخاه أبا إسحاق بن الرشيد نيابة مصر مضافة إلى الشام، فقدمها سنة أربع عشرة، وافتتحها، وقتل عبد السلام وابن حليس، وأقام بمصر. ثم ولي عليها عمير بن الوليد التميمي. ثم صرف وأعيد عيسى بن يزيد الجلودي. ثم ولي عبدويه بن جبلة سنة خمس عشرة. ¬

(¬1) في الولاة والقضاة: "عباد بن محمد بن حيان الكندي".

ثم ولي عيسى بن منصور مولى بني نصر، وفي أيامه قدم المأمون مصر في سنة ست عشرة. ثم ولي نصر بن كيدر السعيدي سنة تسع عشرة. ثم ولي المظفر بن كيدر. ثم ولي موسى بن أبي العباس الحنفي. ثم ولي مالك بن كيدر سنة أربع وعشرين ومائتين. ثم أعيد عيسى بن منصور ثانية سنة تسع وعشرين. ثم ولي هزثمة بن النضر الجبلي سنة ثلاث وثلاثين. ثم ولي ابنه حاتم في السنة، فأقام شهرا. ثم ولي علي بن يحيى سنة أربع وثلاثين. ثم ولي أخوه إسحاق بن يحيى الجبلي سنة خمس وثلاثين. ثم ولي عبد الواحد بن يحيى، مولى خزاعة سنة ست وثلاثين. ثم ولي عنبسة بن إسحاق الضبي سنة ثمان وثلاثين، ثم عزل وولي يزيد بن عبد الله من الموالي سنة اثنتين وأربعين. ثم ولي مزاحم بن خاقان سنة ثلاث وخمسين. ثم ولي ابنه أحمد في السنة. ثم ولي أزجور التركي في السنة، ثم صُرف فيها أيضًا. وولي أحمد بن طولون التركي، ثم أضيفت إليه نيابة الشام والعواصم والثغور وإفريقية، فأقام مدة طويلة، وفتح مدينة أنطاكية، وبنى بمصر جامعه المشهور، وكان أبوه طولون من الأتراك الذين أهداهم نوح بن أسد الساماني عامل بخارى إلى المأمون في سنة مائتين -ويقال إلى الرشيد في سنة تسعين ومائة- وولد ابنه أحمد في سنة أربع عشرة -وقيل: عشرين ومائتين- ومات طولون سنة ثلاثين، وقيل: سنة أربعين.

وحكى ابن عساكر عن بعض مشايخ مصر أن طولون لم يكن أبا أحمد؛ وإنما تبناه وأمه جارية، تركية اسمها هاشم، وكان الأتراك طلبوا منه أن يقتل المستعين، ويعطوه واسِطًا فأبى وقال: والله لا تجرأت على قتل أولاد الخلفاء، فلما ولي مصر، قال: لقد وعدني الأتراك إن قتلت المستعين أن يولوني واسطًا، فخفت الله ولم أفعل، فعوضني ولاية مصر والشام وسعة الأحوال. قال محمد بن عبد الملك الهمداني في كتاب عنوان السير: قال بعض أهل مصر: جلسنا في دكان، ومعنا أعمى يدعي علم الملاحم -وذلك قبل دخول أحمد بن طولون بساعة- فسألناه عما يجده في الكتب لأجله، فقال: هذا رجل من صفته كذا وكذا، يتقلد هو وولده قريبًا من أربعين سنة؛ فما تم كلامه حتى اجتاز أحمد، فكانت صفته وولايته وولاية ولده كما قال. وقال بعض أصحابه: ألزمني ابن طولون صدقاته، وكانت كثيرة، فقلت له يومًا: ربما امتدت إليَّ اليد المطوقة بالجوهر، والمعصم ذو السوار، والكم الناعم، أفأمنع هذه الطبقة! فقال: هؤلاء المستورون الذين يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف، أحذر أن ترد يدًا امتدت إليك، وأعط من استعطاك، فعلى الله تعالى أجره؛ وكان يتصدق في كل أسبوع بثلاثة آلاف دينار سادة سوى الراتب، ويُجري على أهل المساجد في كل شهر ألف دينار، وحمل إلى بغداد في مدة أيامه، وما فرق على العلماء والصالحين ألفي ألف دينار ومائتي ألف دينار، وكان خراج مصر في أيامه أربعة آلاف دينار وثلاثمائة ألف دينار، وكان لابن طولون ما بين رحبة مالك بن طوق إلى أقصى المغرب. واستمر ابن طولون أميرًا بمصر إلى أن مات بها ليلة الأحد لعشر خلون من ذي القعدة سنة سبعين ومائتين، وخلف سبعة عشر ابنًا. قال بعض الصوفية: ورأيته في المنام بعد وفاته بحال حسنة، فقال: ما ينبغي لمن سكن الدنيا أن يحقر حسنة فيدعها ولا

سيئة فيأتها، عدل بي عن النار إلى الجنة بتثبتي على متظلم عيي اللسان شديد التهيب، فسمعت منه وصبرت عليه حتى قامت حجته، وتقدمت بإنصافه، وما في الآخرة أشد على رؤساء الدنيا من الحجاب لملتمس الإنصاف. وولي بعده ابنه أبو الجيش خماوريه، وأقام أيضًا مدة طويلة، ثم في ذي الحجة سنة اثنتين وثمانين قدم البريد فأخبر المعتضد بالله أن خماوريه ذبحه بعض خدمه على فراشه وولوا بعده ولده جيش فأقام تسعة أشهر، ثم قتلوه ونهبوا داره، وولوا هارون بن خماوريه، وقد التزم في كل سنة بألف ألف دينار وخمسمائة ألف دينار، تحمل إلى باب الخليفة، فأقره المعتضد على ذلك، فلم يزل إلى صفر سنة اثنتين وتسعين، فدخل عليه عماه شيبان وعدي ابنا أحمد بن طولون، وهو ثمل في مجلسه، فقتلاه، وولي عمه أبو المغانم شيبان، فورد بعد اثنتي عشر يومًا من ولايته من قبل المكتفي ولاية محمد بن سليمان الواثقي، فسلم إليه شيبان الأمر، واستصفى أموال آل طولون، وانقضت دولة الطولونية عن الديار المصرية. وأقام محمد بن سليمان بمصر أربعة أشهر، وولي عليها بعده عيسى بن محمد الوشري فأقام واليًا عليها سنين وشهرين ونصفا، ومات سنة سبع وتسعين، ومائتين، فولي المقتدر أبا منصور تكين الخاصة ثم صرف في سنة ثلاث وثلاثمائة، وولي ذكاء أبو الحسن، ثم صرف وأعيد تكين ثم صرف سنة تسع. وولي هلال بن بدر في سنة إحدى عشرة. وولي أحمد بن كيغلغ ثم صرف من عامه، وأعيد تكين الخاصة، فأقام إلى أن مات سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، وورد الخبر بموته إلى بغداد، وأن ابنه محمدًا، قد قام بالأمر من بعده، فسير إليه القاهر الخلع بتنفيذ الولاية واستقرارها، ثم صرف.

وولي أبو بكر محمد بن طغج الملقب بالإخشيد، ثم صرف من عامه، وأعيد أحمد بن كيغلغ، ثم صرف سنة ثلاث وعشرين. وأعيد محمد بن طغج الإخشيدي، وفي هذا الوقت كان تغلب أصحاب الأطراف عليها لضعف أمر الخلافة وبطل معنى الوزارة، وصارت الدواوين تحت حكم أمير الأمراء محمد بن رائق، وصارت الدنيا في أيدي عمالها؛ فكانت مصر والشام في يد الإخشيد والموصل وديار بكر وديار ربيعة، ومضر في أيدي بني حمدان، وفارس في يد علي بن بويه، وخراسان في يد نصر بن أحمد، وواسط والبصرة والأهواز في يد اليزيدي، وكرمان في يد محمد بن الياس، والري وأصفهان والجبل في يد الحسن بن بويه، والمغرب وإفريقية في يد أبي عمرو الغساني، وطبرستان وجرجان في يد الديلم، والبحرين واليمامة وهجر في يد أبي طاهر القرمطي؛ فأقام محمد بن طغج في مصر إلى أن مات في ذي الحجة سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة. وقام ابنه أبو القاسم أنوجوز -قال الذهبي في العبر: ومعناه بالعربية محمود مقامه- وكان صغيرًا، فأقيم كافور الإخشيد الخادم الأسود أتابكًا، فكان يدبر المملكة فاستمر إلى سنة تسع وأربعين. فمات أنوجور، وقام بعده أخوه علي، فاستمر إلى أن مات سنة خمس وخمسين؛ فاستقرت المملكة باسم كافور، يدعى له على المنابر بالبلاد المصرية والشامية والحجاز، فأقام سنتين وأربعة أشهر، ومات بمصر في جمادى الأولى سنة سبع وخمسين. قال الذهبي: كان كافور خصيًّا حبشيًّا، اشتراه الإخشيد من بعض أهل مصر بثمانية عشر دينار ثم تقدم عنده لعقله ورأيه إلى أن صار من كبار القواد، ثم لما مات أستاذه كان أتابك (¬1) ولده أنوجور، وكان صبيًّا فغلب كافور على الأمور، ¬

(¬1) الأتابك: من ألقاب الوظائف التي استعملت في مصر، وأهل الأتابكية من بقايا عادات التركمان القديمة أحياها السلاجفة، ومن معانيها الوصاية على الأمراء، وانظر الألقاب الإسلامية ص122.

وصار الاسم للولد، والدست لكافور، ثم استقل بالأمر، ولم يبلغ أحد من الخصيان ما بلغ كافور ومؤنس المظفري الذي ولي سلطنة العراق، ومدحه المتنبي بقوله: قواصد كافور توارك غيره ... ومن قصد البحر استقل السواقيا (¬1) فجاءت بنا إنسان عين زمانه ... وخلت بياضًا خلفها ومآقيا وهجاه بقوله: من علم الأسود المخصي مكرمةً ... أقومه البيض أم آباؤه الصيد (¬2) وذاك أن الفحول البيض عاجزة ... عن الجميل فكيف الخصية السود وقال محمد بن عبد الملك الهمداني: كان بمصر واعظ على الناس، فقال يومًا في قصصه: انظروا إلى هوان الدنيا على الله تعالى، فإنه أعطاها لمقصوصين ضعيفين: ابن بويه ببغداد وهو أشل، وكافور عندنا بمصر وهو خصي، فرفعوا إليه قوله وظنوا أنه يعاقبه، فتقدم له بخلعة ومائة دينار، وقال: لم يقل هذا إلا لجفائي له، فكان الواعظ يقول بعد ذلك في قصصه: ما أنجب من ولد حامٍ إلا ثلاثة: لقمان، وبلال المؤذن، وكافور. وقال أبو جعفر مسلم بن عبد الله بن طاهر العلوي: كنت أساير كافور يومًا، وهو في موكب خفيف، فسقطت مقرعته من يده، فبادرت النزول، وأخذتها من الأرض ودفعتها إليه، فقال: أيها الشريف، أعو بالله من بلوغ الغاية، ما ظننت أن الزمان يبلغني حتى يفعل بي هذا -وكاد يبكي- أنا صنيعة الأستاذ، ووليه، فلما بلغ باب داره ودعته وسرت، فإذا أنا بالبغال والجنائب بمراكبها، وقال أصحابه: أمر الأستاذ بحمل هذا إليك، وكان ثمنها يزيد على خمسة عشر ألف دينار. ولما مات كافور ولي المصريون مكانه أبا الفوارس أحمد بن علي بن الإخشيد وهو ابن اثنتين وعشرين سنة، فأقام شهورًا حتى أتى جوهر القائد من المغرب فانتزعها منه. ¬

(¬1) ديوانه 4: 287. (¬2) ديوانه 2: 64.

ذكر أمراء مصر من بني عبيد:

ذكر أمراء مصر من بني عبيد: لما توفي كافور الإخشيدي لم يبق بمصر من يجتمع القلوب عليه، وأصابهم غلاء شديد أضعفهم؛ فلما بلغ ذلك المعز أبا تميم معد بن المنصور إسماعيل، وهو ببلاد إفريقية بعث مولى أبيه جوهر؛ وهو القائد الرومي، في مائة ألف مقاتل، فدخلوا مصر في يوم الثلاثاء سابع عشر شعبان سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة، فهرب أصحاب كافور، وأخذ جوهر مصر بلا ضربةٍ ولا طعنةٍ ولا ممانعةٍ، فخطب جوهر للمعز يوم الجمعة على منابر الديار المصرية وسائر أعمالها، وأمر المؤذنين بجامع عمرو وبجامع ابن طولون أن يؤذنوا بحيّ علي خير العمل؛ فشق ذلك على الناس، وما استطاعوا له ردًّا، وصبروا لحكم الله، وشرع في بناء القاهرة والقصرين والجامع الأزهر، وأرسل بشيرًا إلى المعز يبشره بفتح الديار المصرية وإقامة الدعوة له بها، وطلبه إليها. ففرح المعز بذلك، وامتدحه شاعره محمد بن هانئ بقصيدة أولها: يقول بنو العباس هل فتحت مصر؟ ... فقل لبني العباس قد قضي الأمر وابن هانئ هذا قد كفره غير واحد من العلماء، منهم القاضي عياض في الشفاء لمبالغته في مدائحه، من ذلك قوله في المعز (¬1) : ما شئت لا ما شاءت الأقدار ... فاحكم فأنت الواحد القهار (¬2) وقوله: ¬

(¬1) ديوانه 55. (¬2) ديوانه 62.

. . . . . . . . . . لطالما ... زاحمت تحت ركابه جبريلا (¬1) ثم توجه المعز من المغرب في شوال سنة إحدى وستين، فوصل الإسكندرية في شعبان سنة اثنتين وستين، وتلقاه أعيان مصر إليها، فخطب هناك خطبةً بليغة، وجلس قاضي مصر أبو الطاهر الذهلي إلى جنبه، فسأله: هل رأيت خليفةً أفضل مني؟ فقال: لم أر أحدًا من الخلائف سوى أمير المؤمنين؛ فقال له: أحججت؟ قال: نعم، قال: وزرت قبر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: نعم، قال: وقبر أبي بكر وعمر؟ قال: فتحيرت ماذا أقول! ثم نظرت فإذا ابنه قائم مع كبار الأمراء، فقلت: شغلني عنهما رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما شغلني أمير المؤمنين عن السلام على ولي العهد، ونهضت إليه فسلمت عليه، فانفسح المجلس إلى غيره، ثم صار من الإسكندرية إلى مصر، فدخلها في خامس رمضان، فنزل بالقصرين، فكان أول حكومة انتهت إليه أن امرأة كافور الإخشيدي تقدمت إليه، فذكرت له أنها كانت أودعت رجلًا من اليهود الصواغ قباء من لؤلؤ منسوج بالذهب، وأنه جحد ذلك، فاستحضره وقرره، فأنكر اليهودي، فأمر أن تفتش داره، فوجد القباء قد جعله في جرة، ودفنها فيها. فدفعه المعز إليها، فقدمته إليه، وعرضته عليه، فأبى أن يقبله منها، ورده عليها. فاستحسن ذلك منه الحاضرون من مؤمن وكافر، وسار إليه الحسن بن أحمد القرمطي في جيش كثيف، وأنشد يقول: زعمت رجال الغرب أني هبتهم ... فدمي إذن ما بينهم مطلول يا مصر إن لم أسق أرضك من دمٍ ... يروي ثراك فلا سقاني النيل والتفت معه أمير العرب ببلاد الشام، وهو حسان بن الجراح الطائي في عرب ¬

(¬1) ديوانه 101، والبيت بتمامه هناك: أمديرها من حيث دار لشدما ... زاحمت تحت ركابها جبريلا

الشام، لينزعوا مصر منه، وضعف جيش المعز عن مقاومتهم. فراسل حسان، ووعده بمائة ألف دينار، إن هو خذَّل بين الناس، فأرسل إليه: أن ابعث إليّ بما التزمت، وتعال بمن معك، فإذا التقينا انهزمت بمن معي. فأرسل إليه المعز مائة ألف دينار في أكياس أكثرها زغل ضرب النحاس، ولبسه الذهب، وجعله في أسفل الأكياس ووضع في رءوس الأكياس الدنانير الخالصة، وركب في أثرها بجيشه، فالتقى الناس، فلما نشبت الحرب بينهم، انهزم حسان بالعرب، فضعف جانب القرمطي، وقوي عليه المعز فكسره، واستمر المعز بالقاهرة إلى أن مات في ربيع الآخر سنة خمس وستين. وكان منجمه قال له في السنة التي قبلها: إن عليك قطعًا في هذه السنة فتوار عن وجه الأرض حتى تنقضي هذه المدة، فعمل له سردابًا، ودعا الأمراء وأوصاهم بولده نزار، ولقبه العزيز، وفوض إليه الأمر حتى يعود، فبايعوه على ذلك، ودخل ذلك السرداب، فتوارى فيه سنة، فكانت المغاربة إذا رأى الفارس منهم سحابًا ساريًا ترجل عن فرسه، وأومى إليه بالسلام، ظانين أن المعز في ذلك الغمام. ثم برز إلى الناس بعد مضي سنة، وجلس للحكم على عادته، فعاجله الله في هذه السنة. وولي بعده ابنه العزيز أبو منصور نزار، فأقام إلى أن مات سنة ست وثمانين. ومن غرائبه أنه استوزر رجلًا نصرانيًّا يقال له عيسى بن نسطورس، وآخر يهوديًّا اسمه ميشا، فعز بسببهما اليهود والنصارى على المسلمين في ذلك الزمان، حتى كتبت إليه امرأة في قصة في حاجة لها تقول: بالذي أعز النصارى بعيسى بن نسطورس، واليهود بميشا، وأذل المسلمين بك؛ لما كشفت عن ظلامتي! فعند ذلك أمر بالقبض على هذين، وأخذ من النصراني ثلاثمائة ألف دينار، وولي بعده ابنه الحاكم، فكان شر الخليقة، لم يل مصر بعد فرعون شر منه؛ رام أن يدعي الإلهية كما ادعاها فرعون، فأمر الرعية إذا ذكره الخطيب على المنبر أن يقوموا على أقدامهم صفوفًا إعظامًا لذكره، واحترامًا

لاسمه؛ فكان يفعل ذلك في سائر ممالكه حتى في الحرمين الشريفين. وكان أهل مصر على الخصوص إذا قاموا خروا سجدًا؛ حتى إنه يسجد بسجودهم في الأسواق الرعاع وغيرهم. وكان جبارًا عنيدًا، وشيطانًا مريدًا، كثير التلون في أقواله وأفعاله، هدم كنائس مصر ثم أعادها، وخرب قمامة ثم أعادها، ولم يعهد في ملة الإسلام بناء كنيسة في بلد الإسلام قبله ولا بعده إلا ما سنذكره. وقد نقل السبكي الإجماع على أن الكنيسة إذا هدمت ولو بغير وجه لا تجوز إعادتها. ومن قبائح الحاكم أنه ابتنى المدارس، وجعل فيها الفقهاء والمشايخ، ثم قتلهم وخربها، وألزم الناس بإغلاق الأسواق نهارًا وفتحها ليلًا؛ فامتثلوا ذلك دهرًا طويلًا حتى اجتاز مرة بشيخ يعمل النجارة في أثناء النهار، فوقف عليه، وقال: ألم ننهكم عن هذا! فقال: يا سيدي، أما كان الناس يسهرون لما كانوا يتعيشون بالنهار! فهذا من جملة السهر. فتبسم وتركه، وأعاد الناس إلى أمرهم الأول. وكان يعمل الحسبة بنفسه يدور في الأسواق على حمار له، وكان لا يركب إلا حمارًا، فمن وجده قد غش في معيشته أمر عبدًا أسود معه يقال له مسعود أن يفعل به الفاحشة العظمى، وكان منع النساء من الخروج من منازلهن، وأن يطلعن من الطاقات أو الأسطحة، ومنع الخفافين من عمل الأخفاف لهن، ومنعهن من دخول الحمامات، وقتل خلقًا من النساء على مخالفته في ذلك، وهدم بعض الحمامات عليهن، ومنع من طبخ الملوخيا. وله رعونات كثيرة لا تنضبط، فأبغضه الخلق، وكتبوا له الأوراق بالشتم له ولأسلافه في صورة قصص، حتى عملوا صورة امرأة من ورق بخفها وإزارها، وفي يدها قصة فيها من الشتم شيء كثير، فلما رآها ظنها امرأة، فذهب من ناحيتها وأخذ القصة من يدها، فلما رأى ما فيها غضب، وأمر بقتلها؛ فلما تحققها من ورق، ازداد غضبًا إلى غضبه، وأمر العبيد من السود أن

يحرقوا مصر وينهبوا ما فيها من الأموال والحريم، ففعلوا، وقاتلهم أهل مصر قتالًا عظيمًا ثلاثة أيام، والنار تعمل في الدور والحريم. واجتمع الناس في الجوامع، ورفعوا المصاحف، وجأروا إلى الله واستغاثوا به، وما انجلى الحال حتى احترق من مصر نحو ثلثها، ونهب نحو نصفها، وسبي حريم كثير وفعل بهن الفواحش. واشترى الرجال من سبي لهم من النساء والحريم من أيدي العبيد. قال ابن الجوزي: ثم زاد ظلم الحاكم، وعنّ له أن يدعي الربوبية، فصار قوم من الجهال إذا رأوه يقولون: يا واحد، يا أحد، يا محيي يا مميت! قلت: كان في عصرنا أمير يقال له أزدمر الطويل، اعتقاده قريب من اعتقاد الحاكم هذا، وكان يروم أن يتولى المملكة، فلو قدر الله له بذلك فعل نحو ما فعله الحاكم وقد أطلعني على ما في ضميره، وطلب مني أن أكون معه على هذا الاعتقاد في الباطن إلى أن يؤول إلى السلطنة، فيقوم في الخلق بالسيف حتى يوافقوه على اعتقاده. فضقت بذلك ذرعًا، وما زلت أتضرع إلى الله تعالى في هلاكه، وألا يوليه على المسلمين، واستغاث بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأسأل فيه أرباب الأحوال حتى قتله الله فلله الحمد على ذلك! ثم كان من أمر الحاكم أن تعدى شره إلى أخته يتهمها بالفاحشة، ويسمعها أغلظ الكلام، فعملت على قتله، فركب ليلة إلى جبل المقطم ينظر في النجوم، فأتاه عبدان فقتلاه، وحملاه إلى أخته ليلًا فدفنته في دارها، وذلك سنة إحدى عشرة وأربعمائة. وولي بعده ابنه أبو الحسن علي، ولقب الظاهر لإعزاز دين الله فأقام إلى أن توفي في سبع وعشرين وأربعمائة، وكانت سيرته جيدة. وولي بعده ابنه أبو تميم معدّ، ولُقب المستنصر، وعمره سبع سنين، فطالت مدته جدا

فإنه أقام ستين سنة، ولم يقم هذه المدة خليفة ولا ملك في الإسلام قبله ولا بعده، وكانت وفاته سنة سبع وثمانين وأربعمائة. وولي بعده ابنه أبو القاسم أحمد، ولقب المستعلي، فأقام إلى أن توفي في ذي الحجة سنة خمس وتسعين وأربعمائة. وولي بعده ابنه أبو علي منصور، ولقب الآمر بأحكام الله. قال ابن ميسر في تاريخه: ولما توفي المستعلي أحضر الأفضل أبا علي، وبايعه بالخلافة، ونصبه مكان أبيه، ولقبه بالآمر بأحكام الله، وكان له من العمر خمس سنين وشهر وأيام، فكتب ابن الصيرفي (¬1) الكاتب السجل بانتقال المستعلي وولاية الأمر، وقرئ على رءوس كافة الأجناد والأمراء، وأوله: من عبد الله ووليه أبي علي الآمر بأحكام الله أمير المؤمنين بن الإمام المستعلي بالله، إلى كافة أولياء الدولة وأمرائها وقوادها وأجنادها ورعاياها، شريفهم ومشروفهم، وآمرهم ومأمورهم، مغربيهم ومشرقيهم، أحمرهم وأسودهم، كبيرهم وصغيرهم؛ بارك الله فيهم. سلام عليكم فإن أمير المؤمنين يحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، يسأله أن يصلي على جده محمد خاتم النبيين، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين الأئمة المهديين، وسلم تسليمًا، أما بعد، فالحمد لله المنفرد بالثبات والدوام الباقي على تصرم الليالي والأيام، القاضي على أعمار خلقه بالتقصي والانصرام، الجاعل نقض الأمور معقودًا بكمال الإتمام، جاعل الموت حكمًا يستوي فيه جميع الأنام، ومنهلًا لا يعتصم من ورده كرامة نبي ولا إمام، والقائل معزيًا لنبيه ولكافة أمته: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} ، الذي استرعى الأئمة هذه الأمة، ولم تخل الأرض من أنوارهم لطفًا بعباده ونعمة، وجعلهم مصابيح الشبه إذا غدت داجية مدلهمة، لتضيء للمؤمنين ¬

(¬1) هو علي بن منجب بن سليمان، المعروف بابن الصيرفي المنشئ المؤرخ، وولي ديوان الإنشاء في أيام الآمر؛ توفي سنة 542. ابن خلكان 1: 367.

سبل الهداية، ولا يكون أمرهم عليهم غمة يحمده أمير المؤمنين حمد شاكر على ما نقله فيه من درج الإنافة، ونقله إليه من ميراث الخلافة، صابر على الرزية التي أطار هجومها الباب، والفجيعة التي أطال طروقها الأسف والاكتئاب، ويسأله أن يُصلي على جده محمد خاتم أنبيائه وسيد رسله وأمنائه، ومجلي غياهيب الكفر ومكشف عمائه، الذي قام بما استودعه الله من أمانته، وحمله من أعباء رسالته، ولم يزل هاديًا إلى الإيمان، داعيًا إلى الرحمن؛ حتى أذعن المعاندون وأقر الجاحدون، وجاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون؛ فحينئذ أنزل الله عليه إتمامًا لحكمته التي لا يعترضها المعترضون: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ، ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} صلى الله عليه وعلى أخيه وابن عمه أبينا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، الذي أكرمه الله بالمنزلة العلية، وانتخبه للإمامة رأفة بالبرية، وخصه بغوامض علم التنزيل، وجعل له مبرة التعظيم ومزية التفضيل، وقطع بسيفه دابر من زل عن القصد، وضل عن سواء السبيل، وعلى الأئمة من ذريتها العترة الهادية من سلالتهما آبائنا الأبرار المصطفين الأخيار، ما تصرفت الأقدار، وتوالى الليل والنهار. وإن الإمام المستعلي بالله أمير المؤمنين قدس الله روحه، كان ممن أكرمه الله بالاصطفاء، وخصه بشرف الاجتباء، ومكن له في بلاده، فامتدت أفياء عدله، واستخلفه في أرضه، كما استخلف أباه من قبله، وأيده بما استرعاه إياه بهدايته وإرشاده، وأمده بما استحفظه عليه بمواد توفيقه وإسعاده، ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده. فلم يزل لأعلام الدين رافعًا، ولشبه المضلين دافعًا، ولراية العدل ناشرًا، وبالندى غامرًا وللعدو قاهرًا. إلى أن استوفى المدة المحسوبة، وبلغ الغاية الموهوبة؛ فلو كانت الفضائل تزيد في الأعمار، أو تحمي من ضروب الأقدار، أو تؤخر ما سبق تقديمه في علم الواحد القهار، لحمى نفسه النفيسة كريم مجدها وشريف سمها، وكفاها خطير منصبها، وعظيم

هيبتها، ووقتها أفعالها التي تستقي من منبع الرسالة، وصانتها خلالها التي ترتقي إلى مطلع الجلالة؛ لكن الأعمار محررة مقسومة، والآجال مقدرة معلومة، والله تعالى يقول، وبقوله يهتدي المهتدون: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} فأمير المؤمنين يحتسب عند الله هذه الرزية التي عظم أمرها وفدح، وجرح خطبها وقدح، وغدت لها القلوب واجفة، والآمال كاسفة، ومضاجع السكون منقضة، ومدامع العيون مرفضة، فإن لله وإنا إليه راجعون! صبرًا على بلائه، وتسليمًا لأمره وقضائه، واقتداء بمن أثنى عليه في الكتاب {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} . وقد كان الإمام المستعلي بالله قدس الله روحه عند نقلته، جعل لي عقد الخلافة من بعده، وأودعني ما حازه من أبيه عن جده، وعهد إليَّ أن أخلفه في العالم، وأجري الكافة في العدل والإحسان على منهجه المتعالم، وأطلعني من العلوم على السر المكنون، أفضى إلي من الحكمة بالغامض المصون، وأوصاني بالعطف على البرية، والعمل فيهم بسيرتهم المرضية، على علمي بما جبلني الله عليه من الفضل، وخصني به من إيثار العدل، وإنني فيما استرعيته سالك منهاجه، عامل بموجب الشرف الذي عصب الله لي تاجه، وكان ممن ألقاه إلي، وأوجبه علي، أن أعلى محل السيد الأجل الأفضل، من قلبه الكريم، وما يجب له من التبجيل والتكريم. وإن الإمام المستنصر بالله كان عندما عهد إليه، ونص بالخلافة عليه، أوصاه أن يتخذ هذا السيد الأجل خليفة وخليلا، ويجعله للإمامة زعيما وكفيلا، ويغدق به أمر النظر والتقرير، ويفوض إليه تدبير ما وراء السرير، وإنه عمل بهذه الوصية، وحذا على تلك الأمثلة النبوية، وأسند إليه أحوال العساكر والرعية، وناط أمر الكافة بعزمته الماضية، وهمته العلية؛ فكان قلمه بالسداد يرجف ولا يحف، وسيفه من دماء ذوي العناد يكِف ولا يكفّ، ورأيه في

حسم مواد الفساد يرجح لا يخف، فأوصاني أن أجعله لي كما كان له صيفا وظهيرا، وأن لا أستر عنه في الأمور صغيرا ولا كبيرا، وأن أقتدي به في رد الأحوال إلى تكلفه، وإسناد الأسباب إلى تدبيره والناهض بياهظ الخطب ومنتقله، إلى غير ذلك مما استودعني إياه، وألقاه إلي من النص الذي يتضوع نشره ورياه، نعمة من الله قضت لي بالسعد العميم، ومنة شهدت بالفضل المتين والحظ الجسيم، والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم. فتعزوا معاشر الأولياء والأمراء والقواد والأجناد والرعايا والخدام، حاضركم وغائبكم، ودانيكم وقاصيكم، عن الإمام المنقول إلى جنات الخلود، واستبشروا بإمامكم هذا الإمام الحاضر الموجود؛ وابتهجوا بكريم نظره المطلع لكم كواكب السعود. ولكم من أمير المؤمنين ألا يغمض جفنا عن مصابكم، وأن يتوخى ما عاد بميامنكم ومناجحكم، وأن يحسن السيرة فيكم، ويرفع أذى من يعاديكم، ويتفقد مصلحة حاضركم وباديكم، ولأمير المؤمنين عليكم أن تعتقدوا موالاته بخالص الطوية، وتجمعوا له في الطاعة بين العمل والنية، وتدخلوا في البيعة بصدور منشرحة، وآمال منفسخة، وضمائر يقينية، وبصائر في الولاء قوية، وأن تقوموا بشروط بيعته، وتنهضوا بفروض نعمته، وتبذلوا الطارف والتالد في حقوق خدمته، وتتقربوا إلى الله سبحانه بالمناصحة لدولته. وأمير المؤمنين يسأله الله أن تكون خلافته كافلة بالإقبال، ضامنة ببلوغ الأماني والآمال، وأن يجعل ديمها (¬1) دائمة بالخيرات، وقسمتها نامية على الأوقات إن شاء الله تعالى. وأقام الآمر بأحكام الله خليفة إلى أن قُتل في ذي الحجة سنة أربع وعشرين وخمسمائة، عدي إلى الروضة في فئة قليلة، فخرج عليه منها قوم بالسيوف فأثخنوه. وكان سيئ السيرة. ¬

(¬1) ج: "ديمتها".

ولما قُتل تغلب على الديار المصرية غلام أرمني من غلمانه، فاستحوذ على الأمور ثلاثة أيام ورام أن يتأمر، فحضر الوزير أبو علي أحمد بن الأفضل بدر الجمالي، فأقام الخليفة الحافظ لدين الله أبا الميمون عبد المجيد بن الأمير أبي القاسم بن المستنصر بالله، واستحوذ على الأمور دونه، وحصره في مجلس لا يدخل إليه أحد إلا مَنْ يريده، وخطب لنفسه على المنابر، ونقل الأموال من القصر إلى داره، ولم يبق للحافظ سوى الاسم فقط، فلم يزل كذلك حتى قتل الوزير، فعظم أمر الحافظ من حينئذ، وجدد له ألقاب لم يسبق إليها، وخُطب له بها على المنابر، فكان يقول: أصلح الله من شيدت به الدين بعد دثوره، وأعززت به الإسلام بأن جعلته سببا لظهوره، مولانا وسيدنا إمام العصر والزمان أبا الميمون عبد المجيد الحافظ لدين الله! قال ابن خلكان: وكان الحافظ كثير المرض بعلة القولنج، فعمل له سرماه (¬1) الديلمي طبل القولنج ركبة من المعادن السبعة "والكواكب السبعة" (¬2) في أشرافها كل واحد منها في وقته، فكان من خاصته أنه إذا ضرب به أحد خرج الريح من مخرجه، فكان هذا الطبل في خزائنهم إلى أن ملك السلطان صلاح الدين بن أيوب أخذ الطبل المذكور كردي ولا يدري ما هو! فضرب به فضرط فخجل، فألقى الطبل من يده فانكسر (¬3) . واستمر الحافظ على الولاية إلى أن مات في جمادى الآخرة سنة أربع وأربعين وخمسمائة. وولي بعده ولده الظافر أبو المنصور إسماعيل، فأقام إلى أن قُتل في المحرم سنة تسع وأربعين. ¬

(¬1) ابن خلكان: "شيرماه الديلمي، وقيل: موسى النصراني". (¬2) من ابن خلكان. (¬3) ابن خلكان مع تصرف 1: 310.

وولي بعده ولده الفائز بنصر الله أبو القاسم عيسى، وهو صبي صغير ابن خمس سنين؛ فإن مولده في المحرم سنة أربع وأربعين، فأقام إلى أن توفي في صفر سنة خمس وخمسين؛ وعمره يومئذ إحدى عشرة سنة، وكان مدبر دولته أبو الغارات طلائع ابن رُزِّيك. وولي بعده العاضد لدين الله أبو محمد عبد الله بن يوسف بن الحافظ، وهو آخر العبيديين. ومات في عاشوراء سنة سبع وستين، وزالت دولتهم على يد السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب؛ رحمه الله تعالى. قال ابن كثير: ومن الغريب أن العاضد في اللغة القاطع، ومنه الحديث: "لا يُعضَد شجرها"، فبالعاضد قُطعت دولة بني عبيد. وقال ابن خلكان: سمعت جماعة من المصريين يقولون: إن هؤلاء القوم أوائل دولتهم قالوا لبعض العلماء: اكتب لنا ألقابا في ورقة؛ تصلح للخلفاء؛ حتى إذا تولى واحد لقبوه ببعض تلك الألقاب، فكتب لهم ألقابا، وآخر ما كتب في الورقة "العاضد". فاتفق أن آخر من ولي منهم العاضد. ولم يكن للمستنصر ومَنْ بعده من الخلافة سوى الاسم فقط؛ لاستيلاء وزرائهم على الأمور وحجرهم عليهم، وتلقبهم بألقاب الملوك؛ فكانوا معهم كخلفاء عصرنا مع ملوكهم، وكخلفاء بغداد مع بني بويه، وأشباههم. ومن قصيدة ابن فضل الله التي سماها: حسن الوفاء لمشاهير الخلفاء: والخلفاء من بني فاطمة ... إلى عبيد الله در فاخر أبناء إسماعيل في نجل جعفر ... الصادق في القول أبوه الباتر بالغرب مهدي تلاه قائم ... والثالث المنصور وهو الآخر ثم المعز قائد الجيش الذي ... سار إلى مصر، ونعم السائر

ثم ابنه العزيز عز مشبها ... والحاكم المعروف ثم الظاهر وبعده المستنصر النائي الذي ... تلاه مستعل وجاء الآمر وحافظ وظافر وفائز ... وعاضد ثم المليك الناصر قالوا لقد ساء لهم معتقد ... والله عند علمه السرائر لكنما الحاكم ممن لج في ... طغيانه فكافر أو فاجر تم الجزء الأول من كتاب حسن المحاضرة، ويليه إن شاء الله الجزء الثاني وأوله: "ذكر أمراء مصر من حين ملكها بنو أيوب إلى أن اتخذها الخلفاء العباسيون دارًا للخلافة".

ذكر أمراء مصر من حين ملكها بنو أيوب إلى أن اتخذها الخلفاء العباسيون دار الخلافة:

المجلد الثاني ذكر أمراء مصر من حين ملكها بنو أيوب إلى أن اتخذها الخلفاء العباسيون دار الخلافة: بسم الله الرحمن الرحيم لما قتل صاحب مصر الظافر، وصلت الأخبار إلى بغداد، بأن مصر قتل صاحبها، ولم يبق فيهم إلا صبي صغير، ابن خمس سنين، قد ولوه عليهم، ولقبوه الفائز، فكتب الخليفة المقتفي (¬1) عهداً للملك نور الدين محمود زنكي على البلاد الشامية والمصرية، وأرسله إليه، فسار حتى أتى دمشق، فحاصرها وانتزعها من يد ملكها مجير الدين بن طغتكين، وشرع في فتح بلاد الشام بلدًا بلدًا، وأخذها من أيدي من استولى عليها من الفرنج. فلما كان في سنة اثنتين وستين أقبلت الفرنج في محافل كثيرة إلى الديار المصرية، فأرسل نور الدين محمود أسد الدين شيركوه بن شادي، ومعه ابن أخيه صلاح الدين يوسف بن أيوب، فسار إليها في ربيع الآخر، وقد وقع في النفوس أن صلاح الدين سيملك الديار المصرية، وفي ذلك يقول عرقلة الشاعر: أقول والأتراك قد أزمعت ... مصر إلى حرب الأعاريب رب كما ملكتها يوسف الصـ ... ـديق من أولاد يعقوب يملكها في عصرنا يوسف الصـ ... ـادق من أولاد أيوب من لم يزل ضراب هام العدا ... حقاً وضراب العراقيب ¬

(¬1) كذا في الأصل، وهو الصواب، وفي ح، ط: "المكتفي" وانظر أخبار الخلفاء.44.

وسار إلى الفرنج، فاقتتلوا قتالًا عظيمًا، فهزم الفرنج ولله الحمد، وسار أسد الدين بعد كسر الفرنج إلى الإسكندرية، فملكها، واستناب عليها ابن أخيه صلاح الدين، وعاد إلى الصعيد، فملكه. ثم إن الفرنج والمصريين اجتمعوا على حصار الإسكندرية، فصالح شاور وزير العاضد أسد الدين عن الإسكندرية بخمسين ألف دينار، فأجابه إلى ذلك، وخرج صلاح الدين منها، وسلمها إلى المصريين، وعاد إلى الشام في ذي القعدة، وقرر شاور للفرنج على مصر في كل عام مائة ألف دينار، وأن يكون لهم شحنة (¬1) بالقاهرة. وسكن القاهرة أكثر شجعان الفرنج، وتحكموا فيها بحيث كادوا يستحوذون عليها، ويخرجون المسلمين منها. فلما كانت سنة أربع وستين، قدم إمداد الفرنج في محافل هائلة، فأخذوا مدينة بلبيس، فقتلوا وأسروا ونزلوا بها، وتركوا فيها أثقالهم، وجعلوها موئلاً ومعقلا. ثم جاءوا فنزلوا على القاهرة من ناحية باب الشرقية، فأمر الوزير شاور الناس أن يحرقوا مصر، وأن ينتقلوا إلى القاهرة. فنهب البلد، وذهب للناس أموال كثيرة، وبقيت النار تعمل في مصر أربعة وخمسين يومًا؛ فعند ذلك أرسل الخليفة العاضد يستغيث بالملك نور الدين، وبعث إليه بشعور نسائه يقول: أدركني؛ واستنقذ نسائي من أيدي الفرنج. والتزم له بثلث خراج مصر على أن يكون أسد الدين مقيماً عندهم، ولهم إقطاعات زائدة على الثلث. فجهز نور الدين الجيوش، وعليهم أسد الدين ومعه صلاح الدين، فدخلوا القاهرة وقد رجع الفرنج لما سمعوا بوصولهم. وعظم أمر أسد الدين بالديار المصرية، وقتل الوزير شاور، قتله صلاح الدين. وفرح المسلمون بقتله؛ لأنه الذي كان يمالئ الفرنج على المسلمين، وأقيم أسد الدين مكانه في الوزارة، ولقب الملك المنصور؛ فلم يلبث إلا شهرين وخمسة أيام، ومات في السادس والعشرين من جمادى الآخرة. ¬

(¬1) الشحنة: رئيس الشرطة.

فأقام العاضد مكانه في الوزارة صلاح الدين يوسف، ولقبه الملك الناصر. قال أبو شامة: وصفة الخلعة التي لبسها صلاح الدين يومئذ عمامة بيضاء تنيسي بطرف ذهب، وثوب دبيقي (¬1) بطراز ذهب، وجبة بطراز ذهب، وطيلسان بطراز ذهب، وعقد جوهر بعشرة آلاف دينار، وسيف محلى بخمسة آلاف دينار، وحجره بثمانية آلاف دينار، وعليها سرج ذهب وسريسار ذهب مجوهر، وفي رأسها مائتا حبة جوهر، وفي قوائمها أربعة عقود جوهر، وفي رأسها قصبة بذهب، وفيها شدة بيضاء بأعلام بيض، ومع الخلعة عدة بقج (¬2) ، وخيل وأشياء أخر، ومنشور الوزارة مكتوب في ثوب أطلس أبيض؛ وكل ذلك يوم الاثنين الخامس والعشرين من جمادى الآخرة سنة أربع وستين؛ وكان يوماً مشهوداً، وارتفع قدر صلاح الدين بالديار المصرية، وائتلفت عليه القلوب، وخضعت له النفوس، واضطهد العاضد في أيامه غاية الاضطهاد. فلما كان سنة خمس وستين حاصرت الفرنج دمياط خمسين يوما، فقاتلهم صلاح الدين حتى أجلاهم، وأرسل نور الدين إلى صلاح الدين يأمره أن يخطب للخليفة المستنجد العباسي بمصر؛ لأن الخليفة بعث يعاتبه في ذلك؛ فلما كان سنة ست وستين، اتفق موت المستنجد، وقام المستضيء، وشرع صلاح الدين في تمهيد الخطبة لبني العباس، وقطع الأذان بحيّ على خير العمل من ديار مصر كلها، وعزل قضاة مصر؛ لأنهم كلهم كانوا شيعة، وولى أقضى القضاة بها صدر الدين بن درباس الشافعي، واستناب في سائر الأعمال شافعية. ¬

(¬1) ثوب دبيقى: منسوب إلى دبيق، بلدة بمصر اشتهرت بالثياب، قال ياقوت: "كانت بمصر بين الفرما وتنيس". (¬2) البقجة: الصرة من القماش، توضع بها الثياب أو النقود، أو الأوراق الخاصة تجمع على بقج، فارسية، محيط المحيط.

فلما دخل سنة سبع وستين أمر الملك صلاح الدين بإقامة الخطبة لبني العباس بمصر في أول جمعة من المحرم، وبالقاهرة في الجمعة الثانية، وكان ذلك يوما مشهودا؛ والعجب أن أول من خطب للمعز حين أخذت مصر عمر بن عبد السميع العباسي الخطيب بجامع عمرو وبجامع ابن طولون؛ فكان أول من خطب لبني العباس هذه النوبة شريف علوي، يقال له: محمد بن الحسن بن أبي الضياء البعلبكي. ولما بلغ الخبر نور الدين أرسل إلى الخليفة المستضيء يعلمه بذلك، فزينت بغداد، وغلقت الأسواق وعملت القباب، وفرح المسلمون فرحا شديدا، قال ابن الجوزي: وقد ألفت في ذلك كتابا سميته: "النصر على مصر". وكتب العماد الكاتب عن السلطان صلاح الدين إلى الملك نور الدين يبشره بذلك: قد خطبنا للمستضيء بمصر ... نائب المصطفى إمام العصر في أبيات ذكرتها في تاريخ الخلفاء (¬1) . وقال بعض شعراء بغداد في ذلك (¬2) : ليهنك يا مولاي فتح تتابعت ... إليك به خوص الركائب توجف أخذت به مصراً وقد حال دونها ... من الشرك ناس في لها الحق تقذف (¬3) فعادت بحمد الله باسم إمامنا ... تتيه على كل البلاد وتشرف ¬

(¬1) تاريخ الخلفاء 446، وبعده هناك: وخذلنا لنصره العضد العا ... ضد والقاصر الذي بالقصر وتركنا الدعي يدعو ثبورا ... وهو بالذل تحت حجر وحصر (¬2) هو شمس المعالي أبو الفضائل الحسين بن تركمان؛ ذكره أبو شامة في الروضتين 1/: 197، قال: "وكان حاجب بن هبيرة، قالها حين سمع تأويل رؤيا منامية، ومطلع الأبيات هناك: لتهنك يا مولى الأنام بشارة ... بها سيف دين الله بالحق مرهف (¬3) كذا في الأصل والروضتين وفي ط: "فيهم الحق يقذف" بعده في الروضتين: وقد دنست فيها المنابر عصبة ... يعاف التقي والدين منهمو يأنف فطهرها من كل شرك وبدعة ... أغر غرير بالمكارم يشغف

ولا غرق أن ذلت ليوسف مصره (¬1) ... وكانت إلى عليائه تتشوف تملكها من قبضة الكفر يوسف ... وخلصها من عصبة الرفض يوسف كشفت بها عن آل هاشم سيئاً ... وعاراً أبى إلا بسيفك يكشف وهي طويلة. قال أبو شامة: أنشدت هذه القصيدة للخليفة قبل موته، عند تأويل منام رئي في هذا المعنى، وأراد بيوسف الثاني الخليفة المستنجد، فلم يخطب إلا لولده المستضيء، فجرى الفأل باسم الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب، وأرسل الخليفة المستضيء بأمر الله إلى الملك صلاح الدين خلعة سنية، ومعها أعلام سود، ولواء معقود، ففرقت على الجوامع بالشام وبلاد مصر، وكتب له تقليدًا؛ وهذه صورته: أما بعد، فإن أمير المؤمنين يبدأ بحمد الله الذي يكون لكل خطبة قيادا، ولكل أمر مهادا، ويستزيده من نعمه التي جعلت التقوى لها زادا، وحملته أعباء الخلافة فلم يضعف عنه طوقاً ولم يأل فيه اجتهادا، وصغرت لديه أمر الدنيا فما تسورت له محرابا ولا عرضت عليه جيادًا، وحققت فيه قوله تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا} (¬2) . ثم يصلي على من أنزلت الملائكة لنصره إمدادًا، وأسرى به إلى السماء حتى ارتقى سبعًا شدادًا، وتجلى له ربه فلم يزغ منه بصر ولا كذب فؤادا. ثم من بعده على أسرته الطاهرة التي زكت أوراقاً وأعوادا، وورثت النور المبين بلادًا، ووصفت بأنها أحد الثقلين هداية وإرشادا؛ وخصوصًا عمه العباس المدعو له بأن يحفظ نفسا وأولادا، وان تبقى كلمة الخلافة فيهم خالدة لا تخاف دركا ولا تخشى نفادا. وإذا استوفى العلم مراده من هذه الحمدلة، وأسند القول فيها عن فصاحته المرسلة، ¬

(¬1) في الروضتين: "أن دانت". (¬2) القصص: 83.

فإنه يأخذ في إنشاء هذا التقليد الذي جعله حليفاً لقرطاسه، واستدام سجوده على صفحته حتى لم يكد يرفع من رأسه؛ وليس ذلك إلا قاضية في وصف المناقب التي كثرت فحسن لها مقام الإكثار، واشتبه التطويل فيها بالاختصار، وهي التي لا يفتقر واضعها إلى القول المعاد، ولم يستوعر سلوك أطوادها؛ ومن العجب وجود السهل في سلوك الأطواد. وتلك هي مناقبك أيها الملك الناصر السيد الأجل الكبير، العالم العادل المجاهد المرابط صلاح الدين أبو المظفر يوسف بن أيوب. والديوان العزيز يتلوها عليك تحدثاً بشكرك، ويباهي أولياءه تنويهًا بذكرك، ويقول: أنت الذي نستكفي فتكون للدولة سهمها الصائب، وشهابها الثاقب، وكنزها الذي تذهب الكنوز وليس بذاهب. وما ضرها وقد حضرت في نصرتها إذا كان غيرك هو الغالب؛ فاشكر إذًا مساعيك التي أهلتك، وفضلتك على الأولياء بما فضلتك. ولئن شوركت في الولاء بعقيدة الإضمار، فلم تشارك في عزمك الذي انتصر للدولة فكان له بسطة الانتصار. وفرق بين من أمد بقلبه وبين من أمد بيده في درجات الإمداد، وما جعل الله القاعد كالذي قال: لو أمرتنا لضربنا أكبادها إلى برك الغماد. وقد كفاك من المساعي أنك كفيت الخلافة أمر منازعيها، وطمست على الدعوة الكاذبة التي كانت تدعيها. ولقد مضى عليها زمن، ومحراب حقها محفوف من الباطل بمحرابين، ورأت ما رآه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من السوارين اللذين أولهما كذابين؛ فبمصر منهما واحد تجري أنهارها من تحته؛ ودعا الناس إلى عبادة طاغوته وجبته، ولعب بالدين حتى لم يدر يوم جمعته من يوم أحده ولا سبته. وأعانه على ذلك قوم رمى الله بصائرهم بالعمى والصمم، واتخذوه صنمًا ولم تكن الضلالة هناك إلا بعجل أو صنم؛ فقمت أنت في وجه باطله حتى قعد، وجعلت في جيده

حبلاً من مسد؛ وقلت ليده: تبت، فأصبح ولا يسعى بقدم ولا يبطش بيد. وكذلك فعلت بالآخر الذي نجمت باليمن ناجمته، وسامت فيه سائمته؛ فوضع بيته موضع (¬1) الكعبة اليمانية، وقال: هذا هو الخلصة الثانية. فأي مقامك يعترف الإسلام بسبقه، أم أيهما يقوم بأداء حقه. وها هنا فليصبح القلم للسيف من الحساد، وليقصر مكانته عن مكانته وقد كان له من الأنداد، ولم يحط بهذه المزية إلا أنه أصبح لك صاحبا، وفخر بك حتى طال فخرا كما عز جانبًا، وقضى بولايتك فكان بها قاضيا، لما كان حده ماضيًا. وقد قلدك أمير المؤمنين البلاد المصرية واليمنية غورًا ونجدًا، وما اشتملت عليه رعية وجندا، وما انتهت إليه أطرافها برًّا وبحرا، وما يستنقذ من مجاوريها مسالمة وقهرا. وأضاف إليها بلاد الشام وما تحتوي عليه من المدن الممدنة، والمراكز المحصنة مستثنيا منها ما هو بيد نور الدين إسماعيل بن نور الدين محمود -رحمه الله وهو حلب وأعمالها؛ فقد مضى أبوه عن آثار في الإسلام ترفع ذكره في الذاكرين، وتخلفه في عقبه في الغابرين، وولده هذا قد هذبته الفطرة في القول والعمل، وليست هذه الربوة إلا من ذلك الجبل؛ فليكن له منك جار يدنو منه ودادًا كما دنا أرضا، وتصبح وهو له كالبنيان يشد بعضه بعضا؛ والذي قدمناه من الثناء عليك ربما تجاوزتك درجة الاقتصاد، وألقتك عن فضيلة الازدياد. فإياك أن تنظر إلى سعيك نظر الإعجاب، فتقول: هذه بلادنا افتتحتها بعد أن أضرب عنها كثير من الأضراب. ولكن أعلم أن الأرض لله ولرسوله، ثم لخليفته من بعده، ولا منة للعبد بإسلامه، بل المنة لله بهداية عبده. وكم سلف قبلك ممن لو رام ما رمته لدنا شاسعه وأجاب مانعه؛ لكن ذخره الله لك لتحظى في الآخرة بمفازه، وفي الدنيا برقم طرازه. فألق بيدك عند هذا القول إلقاء ¬

(¬1) ح: "بموضع".

التسليم، وقل {لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} . وقد قرن تقليدك هذا بخلعة تكون لك في الإسلام شعارا، وفي الرسم فخارا، وتناسب محل قلبك وبصرك؛ وخير ملابس الأولياء ما ناسب قلوبًا وأبصارا، ومن جملتها طوق يوضع في عنقه موضع العهد والميثاق، ويشير إليك بأن الإنعام قد أطاق بك إطاقة الأطواق بالأعناق. ثم إنك خوطبت بالملك وذلك خطاب يقضي لصدرك بالانشراح، ولأملك بالانفساح، وتؤمر معه بمد يدك العليا لا تضمها إلى الجناح. وهذه الثلاثة المشار إليها هي التي تكمل بها أقسام السيادة، وهي التي لا مزيد عليها في الإحسان فيقال: إنها الحسنى وزيادة؛ فإذا صارت إليك فانصب لها يوما يكون في الأيام كريم الأنساب، واجعله له عيدًا وقل: هذا عيد الخلعة والتقليد والخطاب. هذا ولك عند أمير المؤمنين مكانة بجعلك إليه حاضرًا، وأنت ناء عن الحضور، وتضن أن تكون مشتركة بينك وبين غيرك والضنة من شيم الغيوب؛ وهذه المكانة قد عرفتك نفسها وما كنت تعرفها؛ وما نقول إلا: إنها لك صاحبة وأنت يوسفها، فاحرسها عليك حراسة تقضي بتقديمها، واعمل بها فإن الأعمال بخواتيمها. واعلم أنك تقلدت أمرا يفتن به تقي الحلوم، ولا ينفك صاحبه عن عهدة الملوم، وكثيرا ما ترى حسناته يوم القيامة وهي مقسومة (¬1) بأيدي الخصوم؛ ولا ينجو من ذلك إلا من أخذ أهبة الحذار، وأشفق من شهادة الأسماع والأبصار. واعلم أن الولاية ميزان إحدى كفتيه في الجنة والأخرى في النار، قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يا أبا ذر إني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمرن على اثنين، ولا تولين مال يتيم". فانظر إلى هذا القول النبوي نظر من لم يخدع بحديث الحرص والآمال، ومثل الدنيا وقد سيقت إليك بحذافيرها، أليس مصيرها إلى زوال! والسعيد من إذا جاءته قضى بها أرب الأرواح ¬

(¬1) ط: "مقتسمة".

لا أرب الجسوم، واتخذ منها، وهي السم دواء وقد تتخذ الأدوية من السموم. وما الاغتباط بما يختلف على تلاشيه المساء والصباح، وهو كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض، فأصبح هشيما تذروه الرياح. والله يعصم أمير المؤمنين وولاة أمره من تبعاتها التي لابستهم ولابسوها، وأحصاها الله ونسوها، ولك أنت من الله هذا الدعاء حظ على قدر محلك من العناية التي حدثت بصنعك، ومحلك من الولاية التي بسطت من ذرعك. فخذ هذا الأمر الذي تقلدته أخذ من لم يتعقبه بالنسيان، وكن في رعايته ممن إذا نامت عيناه كان قلبه يقظان؛ وملاكُ ذلك كله في إسباغ العدل الذي جعله الله ثالث الحديث والكتاب، وأغنى بثوابه وحده عن أعمال الثواب؛ وقدر يوما منه بعبادة ستين عاما في الحساب، ولم يأمر به آمر إلا زيد قوة في أمره، وتحصن به من عدوه ومن دهره. ثم يجاء به يوم القيامة وفي يداه كتاب أمان، ويجلس على منبر من نور عن يمين الرحمن؛ ومع هذا فإن مركبه صعب لا يستوي على ظهره إلا من أمسك عنان نفسه قبل إمساك عنانه، وغلبت لمة ملكه على لمة شيطانه. ومن آكد فروضه أن تمحى السير السيئة التي طالت مدد أيامها، ويئس الرعايا من رفع ظلاماتها فلم يجعلوا أمدًا لانحسار ظلامها؛ تلك السير هي المكوس التي أنشأتها الهمم الحقيرة، ولا غنى للأيدي الغنية إذا كانت ذا نفوس فقيرة؛ وكلما زيدت الأموال الحاصلة منها قدراً، زادها الله محقا؛ وقد استمرت عليها العوائد حتى ألحقها الظالمون بالحقوق الموجبة فسموها حقًّا، ولو أن صاحبها أعظم الناس جرما لما أغلظ في عقابه، ومثلت توبة المرأة الغامدية بمتابه؛ وهي أشقى ممن يكون السواد الأعظم له خصما، ويصبح وهو مطالب بما يعلم وبما لم يحط به علما؛ وأنت مأمور بأن تأبى هذه الظلامات فتنهي عن إجرائها، وتلحق أسماءها في المحو بإهمالها؛ حتى لا يبقى لها في العيان صورة منظورة، ولا في الألسنة أحاديث مذكورة.

وإذا فعلت ذلك كنت أزلت عن الماضي سنة سوء سنتها يداه، وعن الآتي متابعة ظلم وجده طريقا مسلوكا فجرى على ما بداه، فبادر إلى ما أمرت به مبادرة من يضيق به ذرعًا، ونظر إلى الحياة الدنيا بعينها، فرآها في الآخرة متاعًا. واحمد الله على أن قيض لك إمام هدى يقف بك على هداك، ويأخذ بحجزتك عن خطوات الشيطان الذي هو أعدى عداك؛ وهذه البلاد المنوطة بنظرك تشتمل على أطراف متباعدة، وتفتقر في سياستها إلى أيد متساعدة؛ ولهذا يكثر بها قضاة الأحكام، وأولو تدابيرات السيوف والأقلام؛ وكل من هؤلاء ينبغي أن يفتن على نار الاختبار، ويسلط عليه شاهد عدل من أمانة الدرهم والدينار، فما أضل الناس شيء كحب المال الذي فورقت من أجله الأديان، وهجرت بسببه الأولاد والإخوان؛ وكثيرا ما يرى الرجل الصائم القائم، وهو عابد له عبادة الأوثان؛ فإذا استعنت بأحد منهم على شيء من أمرك، فاضرب عليه بالأرصاد، ولا ترض بما عرفته من مبدأ حاله فإن الأحوال تنقل بنقل الأجساد. وإياك أن تخدع بصلاح الظاهر كما خدع عمر بن الخطاب بالربيع بن زياد. وكذلك نأمر هؤلاء على اختلاف طبقاتهم بأن يأمروا بالمعروف، وينهوا عن المنكر محاسبين؛ ويعلموا أن ذلك من دأب حزب الله الذين جعلهم الغالبين، وليبدءوا أولًا بأنفسهم فيعدلوا عن هواها، ويأمروها بما يأمرون به سواها، ولا يكونوا ممن هدي إلى طريق البر وهو عنها حائد، وانتصب لطب المرضى وهو محتاج إلى طبيب وعائد؛ فما تنزل بركات السماء إلا على من خاف مقام ربه، وألزم التقوى أعمال يده ولسانه وقلبه؛ فإذا صلحت الولاة صلحت الرعية بصلاحهم؛ وهو لهم بمنزلة المصابيح ولا يستضيء كل قوم إلا بمصباحهم. ومما يؤمرون به أن يكونوا لمن تحت أيديهم إخوانا في الأصحاب، وجيرانا في الاقتراب، وأعوانا في توزع الحمل الذي يثقل على الرقاب؛ فالمسلم أخو المسلم وإن كان عليه أميرًا، وأولى الناس باستعمال الرفق من كان فضل الله

عليه كثيرًا؛ وليست الولاية لمن يستجد بها كثرة اللفيف، ويتولاها بالوطء العنيف؛ ولكنها لمن يمال عن جوانبه، ويؤكل من أطايبه، ولمن إذا غضب لم ير للغضب عنده أثر، وإذا ألحف في سؤاله تخلق بخلق الضجر، وإذا حضر الخصوم بين يديه عدل بينهم في قسمة القول والنظر؛ فذلك الذي يكون لصاحبه في أصحاب اليمين، والذي يدعى بالحفيظ العليم والقوي الأمين. ومن سعادة المرء أن تكون ولاته متأدبين بآدابه، وجارين على نهج صوابه؛ وإذا تطايرت الكتب يوم القيامة كانوا حسنات مثبتة في كتابه. وبعد هذه الوصية، فإن ههنا حسنة هي للحسنات كالأم الولود؛ ولطالما أغنت عن صاحبها إغناء الجود، وتيقظت لنصره والعيون رقود؛ وهي التي تسبغ لها الآلاء، ولا يتخطاها البلاء، ولأمير المؤمنين عناية تبعثها الرحمة الموضوعة في قلبه، والرغبة في المغفرة والرحمة لما تقدم وتأخر من ذنبه. وتلك هي الصدقة التي فضل الله بعض عباده بمزية إفضالها، وجعلها سببا إلى التعويض عنها بعشر أمثالها؛ وهو يأمرك أن تفقد أحوال الفقراء الذين قدرت عليهم مادة الأرزاق، وألبسهم التعفف ثوب الغنى وهم في ضيق من الإملاق؛ فأولئك أولياء الله الذين مستهم الضراء فصبروا، وكثرت الدنيا في يد غيرهم فما نظروا إليها إذا نظروا. وينبغي لك أن تهيئ لهم من أمرهم مرفقًا، وتضرب بينهم وبين الفقر موبقا. وما أطلنا لك القول في هذه الوصية إلا إعلاما بأنها من المهم الذي يستقبل ولا يستدبر، ويستكثر منه ولا يستكبر؛ وهذا يعد من جهاد النفس في بذل المال، ويتلوه جهاد الكافر في مواقف القتال؛ وأمير المؤمنين يعرفك من ثوابه ما يجعل السيف في ملازمته أخا، وتسخو له بنفسك إن كان أحد بنفسه سخا. ومن صفاته أن العمل المحبوب بفضل الكرامة، الذي ينمو أجره بعد صاحبه إلى يوم القيامة، وبه يمتحن طاعة

الخالق على المخلوق، وكل الأعمال عاطلة لا خلوق لها وهي المختص دونها بزينة الخلوق، ولولا فضله لما كان محسوباً بشطر الإيمان؛ ولما جعل الله الجنة له ثمنا وليست لغيره من الأثمان، وقد علمت أن العدو هو جارك الأدنى؛ والذي يبلغك وتبلغه عينًا وأذنا، ولا تكون للإسلام نعم الجار؛ حتى تكون له بئس الجار. ولا عذر لك في ترك جهاده بنفسك، ومالك إذا قامت لغيرك الأعذار. وأمير المؤمنين لا يرضى منك بأن تلقاء مصافحًا، أو تطرق أرضه مماسيًا أو مصابحا، بل يريد أن تقصد البلاد التي في يد قصد المستغير لا قصد المغير، وأن تحكم فيها بحكم الله الذي قضاه على لسان سعد في بني قريظة والنضير، وعلى الخصوص البيت المقدس، فإنه بلاد الإسلام القديم، وأخو البيت الحرام في رف التعظيم، والذي توجهت إليه الوجوه من قبل بالسجود والتسليم. وقد أصبح وهو يشكو طول المدة في أسر ربته، وأصبحت كلمة التوحيد وهي تشكو طول الوحشة في غربتها عنه وغربته. فانهض إليه نهضة متوغل في فرحه، وتبدل صعب قياده بسمحه؛ وإن كان له عام حديبية فاتبعه بعام فتحه. وهذه الاستزادة بعد سداد ما في اليد من ثغر كان مهملًا فحميت موارده، أو مستهدمًا فرفعت قواعده، ومن أهمها ما كان حاضر البحر كأنه أعمه عورته مكشوفة، وخطة مخوفة، والعدو قريب منه على بعده. وكثيرا ما يأتيه فجاءة حتى يشق برقه برعده؛ فينبغي أن ترتب بهذه الثغور رابطة يكثر شجعانها، ويقل أقرانها، ويكون قتالا لأن تكون كلمة الله هي العليا لا لأن يرى مكانها، وحينئذ يصبح كل منها وله من الرجال أسوار، ويعلم أهله أن بناء السيف أمنع من بناء الأحجار؛ ومع هذا فلا بد له من أسطول يكثر عدده، ويقوي مدده، فإنه العمدة التي يستعين بها كشف العماء، والاستكثار من سبايا العبيد والإماء، وجيشه أخو الجيش السليماني، فذاك يسري على متن الريح وهذا يجري على متن الماء. ومن صفات خيله أنها جمعت بين العوم والمطار، وتساوت أقدار خلقها على اختلاف

مدة الأعمار، فإذا أشرعت قيل: جبال متلفعة بقطع من الغيوم، وإذا نظر إلى أشكالها قيل: أهلة غير أنها تهتدي في مسيرها بالنجوم، ومثل هذه الخيل ينبغي أن يغالي من جيادها، ويستكثر من قيادها، وليؤمر عليها أمير يلقى البحر بمثله من سعة صدره، ويسلك طرقه سلوك من لم تقتله بجهلها، ولكن قتلها بخبره؛ وكذلك فليكن ممن أفنت الأيام تجاربه، وزحمتها مناكبه، وممن بذل الصعب إذا هو ساسه وإن سيس؛ لأن جانبه، وهذا هو الرجل الذي يرأس على القوم فلا يجد هذه بالرياسة، فأن كان في الساقة ففي الساقة أو كان في الحراسة ففي الحراسة. ولقد أفلحت عصابة اعتصمت من ورائه، وأيقنت بالنصر من رايته كما أيقنت بالنجح من رأيه. واعلم أنه قد أخل من الجهاد بركن يقدح في علمه، وهو تمامه الذي يأتي في آخره كما أن صدق النية تأتي في أوله؛ وذلك هو قسم الغنائم فإن الأيدي قد تناوله بالإجحاف، وخلطت جهادها فيه بفلولها فلم ترجع بالكفاف. والله قد جعل الظلم في تعدي حدوده المحدودة، وجعل الاستئثار بالمغنم من أشراط الساعة الموعودة؛ ونحن نعوذ به أن يكون زماننا هذا شر زمان وناسه شر ناس، ولم يستخلفنا على حفظ أركان دينه، ثم نهمله إهمال مضيع ولا إهمال ناس. والذي نأمرك به أن تجري هذا الأمر على المنصوص من حكمه، وتبرئ ذمتك مما يكون غيرك الفائز بفوائده وأنت المطالب بإثمه، وفي أرزاق المجاهدين بالديار المصرية، والشامية ما يغنيهم عن هذه الأكلة التي تكون غدًا نكالا وجحيما، وطعامًا ذا غصة وعذابا أليمًا. فتصفح ما سطرناه لك من هذه الأساطير التي هي عزائم مبرمات، بل آيات محكمات، وتحبب إلى الله وإلى أمير المؤمنين باقتفاء كتابها، وابن لك بها مجدًا يبقى في

عقبك إذا أصيبت البيوت في أعقابها؛ وهذا الذي ينطق عليك بأنه لم يأل في الوصايا التي أوصاها، فإنه لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها. ثم إنه قد ختم بدعوات دعا بها أمير المؤمنين عند ختامه، وسأل فيها خيرة الله التي تتنزل من كل أمر منزلة نظامه. ثم قال: إني أشهدك على من قلدته شهادة تكون عليه رقيبة وله حسيبة، فإني لم آمره إلا بأوامر الحق التي فيها موعظة وذكرى، ولمن تبعها هدى ورحمة وبشرى، وإذا أخذ بها فلج بحجته يومًا يسأل فيه عن الحجج، ولم يختلج دون رسوله على الحوض في جملة من يختلج، وقيل له: لا حرج عليك ولا إثم إذ نجوت من ورطات الإثم والحرج. والسلام. قال الفقيه عمارة اليمني يرثي العاضد -وكان من خواصهم: يا عاذلي في هوى أبناء فاطمة ... لك الملامة إن قصرت في عذلي بالله زر ساحة القصرين وابك معي ... عليهما لا على صفين والجمل وقال بعض الشعراء يمدح بني أيوب على ما فعلوه: ألستم مزيلي دولة الكفر من بني ... عبيد بمصر، إن هذا هو الفضل (¬1) زنادقة شيعية باطنية ... مجوس وما في الصالحين لهم أصل يسرون كفرا، يظهرون تشيعًا ... ليستروا شيئًا، وعمهم الجهل قال حسان عرقلة (¬2) : أصبح الملك بعد آل عبيد (¬3) ... مشرفًا بالملوك من آل شاذي وغدا الشرق يحسد الغرب للقو ... م ومصر تزهو على بغداذ ما حووها إلا بعزم وحزم ... وصليل الفؤاد في الفولاذ لا كفرعون والعزيز ومن كا ... ن بها كالخطيب والأستاذ ¬

(¬1) كتاب الروضتين 1: 202. (¬2) كتاب الروضتين 1: 200. (¬3) في الروضتين: "آل علي"، وقال: "يعني بذلك بني عبيد المستخلفين".

قال أبو شامة: يعني بالأستاذ كافور الإخشيدي. قال: وقد أفردت كتابا سميته: "كشف ما كان عليه بنو عبيد، من الكفر والكذب والمكر والكيد". وكذا صنف العلماء في الرد عليهم كتبا كثيرة من أجلها كتاب القاضي أبي بكر الباقلاني الذي سماه "كشف الأسرار وهتك الأستار". ولما استقل السلطان صلاح الدين بأرض مصر، أسقط عن أهلها المكوس والضرائب، وقرأ المنشور بذلك على رءوس الأشهاد يوم الجمعة بعد الصلاة ثالث صفر سنة سبع وستمائة. واستولى على القصر وخزائنه وفيها من الأموال مالا يحصى؛ من ذلك سبعمائة يتيمة من الجوهر، وقضيب زمرد طوله أكثر من شبر وسمكه نحو الإبهام، وعقد من ياقوت، وإبريق عظيم من الحجر المائع إلى غير ذلك من التحف، ووجد خزانة كتب ليس في الإسلام لها نظير، تشتمل على نحو ألفي ألف مجلد منها بالخطوط المنسوبة مائة ألف مجلد، فأعطاها القاضي الفاضل. وأخذ السلطان صلاح الدين في نصر السنة وإشاعة الحق، وإهانة المبتدعة والانتقام من الروافض، وكانوا بمصر كثيرين. ثم تجردت همته إلى الفرنج وغزوهم؛ فكان من أمره معهم ما ضاقت به التواريخ، واسترد منهم ما كانوا استولوا عليه من بلاد الإسلام بالشام. من ذلك القدس الشريف فتحه، بعد أن كان في يد الفرنج (¬1) ... وأجلى ما بين الشام ومصر من الفرنج. ثم افتتح الحجاز واليمن من يد متغلبيها وتسلم دمشق بعد موت نور الدين، فصار سلطان مصر والشام واليمن والحجاز. قال ابن السبكي في الطبقات الكبرى: له من الفتوحات التي خلصها من أيدي الفرنج قلعة أيلة، طبرية، عكا، القدس، الخليل، الكرك، الشوبك، نابلس، ¬

(¬1) بياض في الأصل.

عسقلان، بيوت، صيدا، بيسان، غزة، لُدّ، حيفا، صفورية، معليا، الفولة، الطور، إسكندرونة، هفوس (¬1) ، يافا، أرسوف، قيسارية، جبل، نبل (¬1) ، معليكه (¬1) ، عفربلا، اللجون، لستمة (¬1) ، ياقون، مجدل يابا، تل الصافية، بيت نوبا، الطرون، الجيب البيرة، بيت لحم، أريحاء، قرا (¬1) ، واحصر (¬1) الدير، دمرا (¬1) ، قلقيلية (¬1) ، صرير الزيت (¬1) ، الوعر (¬1) ، الهرمس (¬1) ، تفليسا (¬1) ، العازرية، تفرع (¬1) ، الكرك، مجدل، الحارغير (¬1) في جبل عاملة، الشقيف، سبسطية ويقال: بها قبر زكريا، وجبيل، وكوكب، وأنطرطوس واللاذقية، وبكسرائيل، صهيون، جبلة، قلعة العبد، قلعة الجماهرية، بلاطنس، الشغر، بكاس، وسمر (¬2) سامية، بزرية، ودربساك، وبغراس، وصفد. وله مصافات يطول شرحها. وافتتح كثيرا من بلاد النوبة من يد النصارى، وكانت مملكته من المغرب إلى تخوم العراق، ومعها اليمن والحجاز، فملك ديار مصر بأسرها مع ما انضم إليها من بلاد المغرب، والشام بأسرها مع حلب وما والاها، وأكثرها ديار ربيعة وبكر والحجاز بأسره واليمن بأسره، ونشر العدل في الرعية، وحكم بالقسط بين البرية، وبنى المدارس والخوانق، وأجرى الأرزاق على العلماء والصلحاء، مع الدين المتين والروع والزهد والعلم، وكان يحفظ القرآن والتنبيه والحماسة. وهو الذي ابتنى قلعة القاهرة على جبل المقطم التي هي الآن دار السلاطين، ولم يكن السلاطين يسكنون قبلها إلا دار الوزارة بالقاهرة. وفتح بلاد المسلمين حران، وسروج، والرها والرقة، والبيرة، وسنجار، ونصيبين، وآمد. وملك حلب، والمواريخ وشهرز. وحاصر الموصل إلى أن دخل صاحبها تحت طاعته، وفتح عسكره طرابلس الغرب وبرقة من بلاد المغرب، وكسر ¬

(¬1) وردت أسماء هذه البلاد محرفة في الأصول، وقد رجعت إلى كتب المعاجم وطبقات الشافعية؛ فلم أهتد لتصويبها. (¬2) وردت أسماء البلاد محرفة في الأصول، وقد رجعت إلى كتب المعاجم وطبقات الشافعية؛ فلم أهتد لتصويبها.

عسكر تونس، وخطب بها لبني العباس. ولو لم يقع الخلف بين عسكره الذين جهزهم إلى المغرب لملك الغرب بأسره، ولم يختلف عليه مع طول مدته أحد من عسكره على كثرتهم. وكان الناس يأمنون ظلمه لعدله، ويرجون رفده لكثرته، ولم يكن لمبطل ولا لصاحب هزل عنده نصيب. وكان إذا قال صدق، وإذا وعد وفى، وإذا عاهد لم يخن. وكان رقيق القلب جدًّا، ورحل إلى الإسكندرية بولديه الأفضل والعزيز لسماع الحديث من السلفي، ولم يعهد ذلك لملك بعد هارون الرشيد، فإنه رحل بولديه الأمين والمأمون إلى الإمام مالك لسماع الموطأ. هذا كله كلام السبكي في الطبقات (¬1) . قال: ومن الكتب والمراسيم عنه في النهي عن الخوض في الحرف والصوت؛ وهو من إنشاء القاضي الفاضل: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ... } (¬2) الآية خرج أمرنا إلى كل قائم في صف، أو قاعد في إمام وخلف؛ ألا نتكلم في الحرف بصوت، ولا في الصوت بحرف، ومن تكلم بعدها كان الجدير بالتكليم، {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (¬3) ، ويسأل النواب القبض على مخالفي هذا الخطاب، وبسط العذاب، ولا يسمع لمتفقه في ذلك تحرير جواب، ولا يقبل عن هذا الذنب متاب. ومن رجع إلى هذا الإيراد بعد الإعلان؛ وليس الخبر كالعيان، رجع أخسر من صفقة أبي غبشان (¬4) ، وليعلن (¬5) بقراءة هذا الأمر على المنابر، وليعلم به الحاضر، والبادي ليستوي فيه البادي والحاضر، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (¬6) . ¬

(¬1) طبقات الشافعية: 4: 329، 330. (¬2) سورة الأحزاب: 60. (¬3) النور: 63. (¬4) وردت هذه الجملة محرفة في الأصول، والصواب ما أثبته. وصفقة أبي غبشان يضرب بها المثل في الخسران، وكان أبو غبشان والي أمر خزاعة، وكانت خزاعة سدنة الكعبة قبل قريش؛ ولأبي غبشان وصفقته خبر في المضاف والمنسوب 135. (¬5) في الأصول: "وليعلى"، والصواب ما أثبته من الطبقات. (¬6) طبقات الشافعية: 4: 331.

ومن صنائع السلطان صلاح الدين أنه أسقط المكوس، والضرائب عن الحجاج بمكة، وقد كان يؤخذ منهم شيء كثير، ومن عجز عن أدائه حبس، فربما فاته الوقوف بعرفة، وعوض أميرها ثمال إقطاعا بديار مصر، يحمل إليه منه في كل سنة ثمانية آلاف إردب غلة، لتكون عونًا له ولأتباعه، وقرر للمجاورين أيضا غلَّات تحمل إليهم وصلات، فرحمة الله عليه في سائر الأوقات، فلقد كان إمامًا عادلا، وسلطانا كاملا لم يل مصر بعد الصحابة مثله، لا قبله ولا بعده! وقد كان الخليفة المستضيء أرسل إليه في سنة أربع وسبعين خلعًا سنية جدًّا، وزاد في ألقابه "معز أمير المؤمنين". ثم لما ولي الخليفة الناصر في سنة ست وسبعين أرسل إليه خلعة الاستمرار، ثم أرسل إليه في سنة اثنتين وثمانين يعاتبه في تلقيبه بالملك الناصر، مع أنه لقب أمير المؤمنين، فأرسل يعتذر إليه بأن ذلك كان من أيام الخليفة المستضيء، وأنه إن لقبه أمير المؤمنين بلقب، فهو لا يعدل عنه، وتأدب مع الخليفة غاية الأدب. قال العماد: وقد كان للمسلمين لصوص يدخلون إلى خيام الفرنج فيسرقون، فاتفق أن بعضهم أخذ صبيًّا رضيعًا من مهده ابن ثلاثة أشهر، فوجدت عليه أمه وجدًا شديدًا، واشتكت إلى ملوكهم؛ فقالوا لها: إن سلطان المسلمين رحيم القلب، فاذهبي إليه، فجاءت إلى السلطان صلاح الدين فبكت، وشكت أمر ولدها، فرق لها رقة شديدة، ودمعت عيناه، فأمر بإحضار ولدها، فإذا هو بيع في السوق، فرسم بدفع ثمنه إلى المشتري، ولم يزل واقفا حتى جيء بالغلام، فدفعه إلى أمه، وحملها على فرس إلى قومها مكرمة. واستمر السلطان صلاح الدين على طريقته العظيمة؛ من مثابرة الجهاد للكفار، ونشر العدل، وإبطال المكوس والمظالم، وإجراء البر والمعروف إلى أن أصيب به

المسلمون، وانتقل بالوفاة إلى رحمة الله تعالى ليلة الأربعاء سادس عشري صفر سنة تسع وثمانين وخمسمائة، وله من العمر سبع وخمسون سنة، وعمل الشعراء فيه مرائي كثيرة، من ذلك قصيدة للعماد الكاتب، مائتان وثلاثون بيتا أولها: شمل الهدى والملك عم شتاته ... والدهر ساء وأقلعت حسناته (¬1) بالله أين الناصر الملك الذي ... لله خالصة صفت نياته أين الذي ما زال سلطانًا لنا ... يرجى نداه وتتقى سطواته أين الذي شرف الزمان بفضله ... وسمت على الفضلاء تشريفاته أين الذي عنت الفرنج لبأسه ... ذلا ومنها أدركت ثاراته أغلال أعناق العدا أسيافه ... أطواق أجياد الورى مناته قال العماد وغيره: لم يترك في خزانته من الذهب سوى دينار واحد صوريِّ وستة وثلاثين درهما، ولم يترك دارًا ولا عقارًا ولا مزرعة، ولا شيئًا من أنواع الأملاك، وترك سبعة عشر ولدا ذكرا وابنة واحدة. وكان متدينًا في مأكله ومشربه ومركبه وملبسه، فلا يلبس إلا القطن والكتان والصوف، وكان يواظب الصلاة في الجماعة، ويواظب سماع الحديث، حتى إنه سمع في بعض المصافات جزءًا وهو بين الصفين ويتبجح بذلك، وقال: هذا موقف لم يسمع فيه أحد حديثًا. وبالجملة فمناقبه الحميدة كثيرة لا تستقصى إلا في مجلدات، وقد أفرد سيرته بالتصنيف جماعة من العلماء والزهاد والأدباء، وكان به عرج في رجله، فقال فيه ابن عُنّين الشاعر: سلطاننا أعرج وكاتبه ... ذو عمش والوزير منحدب ¬

(¬1) النجوم الزاهرة 6: 60، وكتاب الروضتين 2: 215.

قال ابن فضل الله في المسالك: ومن غرائب الاتفاق أن الشيخ علم الدين السخاوي مدح السلطان صلاح الدين، ومدحه الأديب رشيد الدين الفارقي، وبين وفاتيهما مائة سنة. وذكر اليافعي في روض الرياحين أن السلطان صلاح الدين كان من الأولياء الثلثمائة، وأن السلطان محمودًا كان من الأولياء الأربعين. وقام بمصر من بعده ولده الملك العزيز عماد الدين أبو الفتح عثمان، وكان نائب أبيه بها في حياته مدة اشتغاله بفتح البلاد الشامية، فاستقل بها بعد وفاته، فسار سيرة حسنة بعفة عن الفرج والأموال، حتى إنه ضاق ما بيده، ولم يبق في الخزانة لا درهم ولا دينار، فجاءه رجل يسعى في قضاء الصعيد بمال فامتنع، وقال: والله لا بعتُ دماء المسلمين وأموالهم بملك الأرض. وسعى آخر قضاء الإسكندرية بأربعين ألف دينار، وحملها إليه فلم يقبلها، ولم يزل إلى أن مات في المحرم سنة خمس وتسعين، وله سبع أو ثمان وعشرون سنة، ودفن في قبة الإمام الشافعي. فأقيم ولده ناصر الدين محمد، ولقب المنصور فاستمر إلى رمضان سنة ست وسبعين، ثم استفتى عم أبيه الملك العادل سيف الدين أبو بكر بن أيوب بن شاذي الفقهاء في عدم صحة مملكته لكونه صغيرًا ابن عشر سنين، فأفتوا بأن ولايته لا تصح، فنزع وأقيم الملك العادل. وقيل: إن العادل أخذها من الأفضل علي بن السلطان صلاح الدين، وكان الأفضل غلب عليها، وانتزعها من المنصور، وأرسل العادل إلى الخليفة يطلب التقليد بمصر والشام، فأرسله إليه مع الشهاب السهروردي، فكان يصيف بالشام ويشتي بمصر، وينتقل في البلاد إلى أن مات يوم الجمعة سابع جمادى الآخرة سنة خمس عشرة وستمائة. ومن قول ابن عنِّين فيه:

إن سلطاننا الذي نرتجيه ... واسع المال ضيق الإنفاق هو سيف كما يقال ولكن ... قاطع للرسوم والأرزاق والعادل أول من سكن قلعة الجبل بمصر من الملوك، سكنها في سنة أربعين وستمائة، ونقل إليها أولاد العاضد وأقاربه في بيت في صورة حبس، وكان ابنه الملك الكامل ناصر الدين أبو المعالي محمد ينوب عنه بمصر في أيام غيبته، فاستقل بها بعد وفاته. وفي هذه السنة نزلت الفرنج على دمياط، وأخذوا برج السلسلة، وكان حصنًا منيعا، وهو قفل بلاد مصر، وصفته أنه في وسط جزيرة في النيل عند انتهائه إلى البحر؛ ومن هذا البرج إلى دمياط وهي على شاطئ البحر وحافة النيل سلسلة، ومنه إلى الجانب الآخر، وعلى الجسر سلسلة أخرى، ليمنع دخول المراكب من البحر إلى النيل؛ فلا يتمكن من البلاد، فلما ملكت الفرنج هذا البرج شق ذلك على المسلمين بديار مصر وغيرها، ووصل الخبر إلى الملك العادل وهو بمرح الصفراء، فتأوه تأوها شديدًا، ودق بيده على صدره أسفا وحزنا، ومرض من ساعته مرض الموت. ثم في سنة ست عشرة استحوذ الفرنج على دمياط، وجعلوا الجامع كنيسة لهم، وبعثوا بمنبره وبالربعات ورءوس القتلى إلى الجزائر، فإنا لله وإنا إليه راجعون! واستمرت بأيديهم إلى سنة سبع عشرة. وكان الكامل عرض عليهم أن يرد إليهم بيت المقدس، وجميع ما كان صلاح الدين فتحه من بلاد السواحل ويتركوا دمياط؛ فامتنعوا من ذلك (¬1) ؛ فقدر الله أنه ضاقت ¬

(¬1) ج: "هذا".

عليهم الأقوات، فقدمت عليهم مراكب فيها ميرة، فأخذها الأسطول البحري، وأرسلت المياه على أراضي دمياط من كل ناحية، فلم يمكنهم بعد ذلك أن يتصرفوا في أنفسهم، وحصرهم المسلمون من الجهة الأخرى؛ حتى اضطروهم إلى أضيق الأماكن، فعند ذلك أنابوا إلى المصلحة بلا معارضة، وكان يومًا مشهودًا، ووقع الصلح على ما أراد الكامل، ومد سماطا عظيما، وقام راجح الحلي فأنشد: هنيئاً فإن السعد أضحى مخلدًا ... وقد أنجز الرحمن بالنصر موعدا حبانا إله الخلق فتحًا بدا لنا ... مبينًا وإنعاما وعزًا مؤيدا إلى أن قال: أعباد عيسى إن عيسى وحزبه ... وموسى جميعًا يخدمون محمدا وكان حاضرا حينئذا الملك المعظم عيسى، والملك الأشرف موسى ابنا الملك العادل. قال أبو شامة: وبلغني أنه لما أنشد هذا البيت، أشار إلى الملك المعظم عيسى والأشرف موسى، والكامل محمد؛ فكان ذلك من أحسن شيء اتفق، وتراجعت الفرنج إلى عكا وغيرها من البلدان. قال الحافظ شرف الدين الدمياطي في معجمه: أنشدنا أبو زكريا يحيى بن يوسف الصرصري لنفسه ببغداد، وقد ورد كتاب من ديار مصر إلى الديوان بانتصار المسلمين على الروم وفتح ثغر دمياط: أتانا كتاب فيه نسخة نصرة ... ألخص معناها لذي فطن جلد يقول ابن أيوب المعظم حامدًا ... لرب السماء الواحد الصمد الفرد أمرنا بحمد الله جل ثناؤه ... وعز أرى دفريس في طالع السعد تركنا من الأعلاج بالسيف مطعنًا ... ثلاثين ألفا للقشاعم والأسد ومنهم ألوف أربعون بأسرنا ... فكم ملك في قبضنا صار كالعبد

ودمياط عادت مثل ما بدأت لنا ... ويافا ملكناها، فيالك من جد! ونحن على أن نملك السيف كله ... على ثقة ممن له خالص الحمد ألا يا بن أيوب لقد نلت غاية ... من النصر ضاهت ما بلغت من المجد قهرت فرنج الروم قهرًا سماعه ... يقسم ذل الرعب في الترك والسغد (¬1) وما نلت أسباب العلا عن كلالة ... ولم يأتك المجد المؤثل من بعد ولكن ورثت الملك والفضل عن أب ... جليل وعن عم نبيل وعن جد لجأت إلى ركن شديد ومعقل (¬2) ... منيع وكنز جامع جوهر المجد إلى فاتح باب الرشاد ببعثه ... وخاتم ميثاق النبوة والعهد إلى الشافعي المنجي الوجيه محمد ... فأحسنت في صدق التوجه والقصد فمهما تجد من كيد ضد مضاغن ... بوجه به تظفر وتنصر على الضد فلا صد عن عز سوابق مجدكم ... كلال ولا غالى الكلول شبا الحد إلى أن تذيق الروم في عقر دارهم ... زعافا وتسقي المؤمنين جنى الشهد ولما تولى المستنصر الخلافة أرسل إلى الكامل محيي الدين يوسف بن الشيخ أبي الفرج بن الجوزي، ومعه كتاب عظيم فيه تقليده الملك، وفيه أوامر كثيرة مليحة من إنشاء الوزير نصير الدين أحمد بن الناقد؛ رأيت بخط قاضي القضاة عز الدين بن جماعة. قال: وقفت على نسخة تقليد من الخليفة المنصور أبي جعفر المستنصر بالله أمير المؤمنين بخط وزيره أبي الأزهر أحمد بن الناقد في رجب سنة نيف وعشرين وستمائة للملك الكامل. الحمد لله الذي اطمأنت القلوب بذكره، ووجب على الخلائق جزيل حمده وشكره ¬

(¬1) ط: "السفد"، تحريف. (¬2) ط: "معمل" تحريف.

ووسعت كل شيء رحمته، وظهرت في كل أمر حكمته، ودل على وحدانيته بعجائب ما أحكم صنعًا وتدبيرًا، وخلق كل شيء فقدره تقديرا، ممد الشاكرين بنعمائه التي لا تحصى عددا، وعالم الغيب الذي لا يظهر على غيبه أحدًا؛ لا معقب لحكمه في الإبرام والنقض، ولا يئوده حفظ السموات والأرض، تعالى أن يحيط به الضمير، وجل أن يبلغ وصفه البيان والتفسير؛ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. وأحمد الله الذي أرسل محمدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحق بشيرًا ونذيرًا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، وابتعثه هاديًا للخلق، وأوضح به مناهج الرشد وسبل الحق، واصطفاه من أشرف الأنساب وأعز القبائل، وجعله أعظم الشفعاء وأقرب الوسائل، فقذف -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالحق على الباطل، وحمل الناس بشريعته على المحجة البيضاء والسنن العادل؛ حتى استقام اعوجاج كل زائغ، ورجع إلى الخلق كل حائد عنه ومائل، وسجد لله كل شيء تتفيأ ظلاله على اليمين والشمائل؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الكرام الأفاضل، صلاة مستمرة بالغدوات والأصائل، وخصوصا على عمه وصنو أبيه العباس بن عبد المطلب الذي اشتهرت مناقبه في المجامع والمحافل، ودرت ببركة استسقائه (¬1) أخلاف السحب الهواطل، وفاز من تنصيص الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الخلافة المعظمة بما لم يفز به أحد من الأوائل. والحمد لله الذي حاز مواريث النبوَّة والإمامة، ووفر من جزيل الأقسام من الفضل والكرامة، لعبده وخليفته، ووارث نبيه ومحيي شريعته وسنته. ولما وفق الله نصير الدين محمد بن سيف الدين أبي بكر بن أيوب من الطاعة المشهورة، والخدم المشكورة، أنعم عليه بتقليد شريف إمامي، فقلده على خيرة الله الرعاية والصلاة وأعمال الحرب والمعاون والأحداث والخراج والضياع والصدقات والجوالي وسائر وجوه الجبايات، والقرض والعطاء، والنفقة في الأولياء، والمظالم ¬

(¬1) صبح الأعشى: "الاستسقاء به"

والحسبة في بلاده، وما يفتتحه ويستولي عليه من بلاد الفرنج الملاعين، وبلاد من تبرز إليه الأوامر الشريفة بقصده من المارقين عن الإجماع المنعقد بين علماء المسلمين. ومنه أمره بتقوى الله تعالى التي هي الجنة الواقية؛ والنعمة الباقية، والملجأ المنيع، والعماد الرفيع، والذخيرة النافعة في السر والنجوى، والجذوة المقتبسة من قوله تعالى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} (¬1) ؛ وأن يدرع شعارها في جميع الأقوال، ويهتدي بأنوارها من مشكلات الأمور والأحوال، وأن يعمل بها سرًّا وجهرا، ويشرح للقيام بحدودها الواجبة صدرًا، قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا} (¬2) ، وأمره بتلاوة كتاب الله تعالى، متدبرًا غوامض عجائبه، سالكًا سبيل الرشاد، والهداية في العمل به، وأن يجعله مثالا يتبعه ويقتفيه، ودليلا يهتدي بمراشده الواضحة في أوامره ونواهيه؛ فإنه النفل الأعظم، وسبب الله المحكم، والدليل الذي يهدي للتي هي أقوم؛ ضرب الله لعباده جوامع الأمثال، وبين لهم بهداه مسالك الرشد والضلال، وفرق بدلائله الواضحة ونواهيه الصادقة بين الحرام والحلال، فقال عز من قائل: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ} (¬3) ، وقال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (¬4) . أمره بالمحافظة على مفروض الصلوات، والدخول فيها على أكمل هيئة من قوانين الخشوع والإخبات، وأن يكون نظره في موضع نجواه من الأرض، وأن يمثل لنفسه في ذلك موقفه بين يدي الله تعالى يوم العرض، قال تعالى: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (¬5) ، وقال سبحانه: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} (¬6) ¬

(¬1) سورة البقرة: 197. (¬2) سورة الطلاق: 5. (¬3) سورة آل عمران: 138. (¬4) سورة ص: 29. (¬5) سورة المؤمنون: 2. (¬6) سورة النساء: 103.

وألا يشتغل بشاغل عن أداء فروضها الواجبة، ولا يلهو بسبب عن إقامة سنتها الراتبة، فإنها عماد الدين التي سمت أعاليه، ومهاد الشرع الذي رست قواعده ومبانيه، قال تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (¬1) ، وقال تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَر} (¬2) . وأمره أن يسعى إلى صلاة الجمع والأعياد، ويقوم في ذلك بما فرضه الله عليه وعلى العباد، وأن يتوجه إلى المساجد والجوامع متواضعًا، ويبرز إلى المصليات الضاحية في الأعياد خاشعا، وأن يحافظ في تشييد قواعد الإسلام على الواجب والمندوب، ويعظم باعتماده ذلك شعائر الله التي هي من تقوى القلوب. وأن يشمل بوافر اهتمامه واعتنائه، وكما نظره وإرعائه، بيوت الله التي هي محال البركات، وموطن العبادات، والمساجد التي تأكد في تعظيمها وإجلالها حكمه، والبيوت التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، وأن يرتب لها من الخدم من يتبتل لإزالة أدناسها، ويتصدى لأذكاء مصابيحها في الظلام وإيناسها، ويقوم بما يحتاج إليه من أسباب الصلاح والعمارات، ويحضر إليها ما يليق من الدهن والكسوات. وأمره باتباع سنة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- التي أوضح جددها، وثقف عليه السلام أودها، وأن يعتمد فيها على الأسانيد التي نقلتها الثقات، والأحاديث التي صحت بالطرق السليمة والروايات، وأن يقتدي بما جاءت به من مكارم الأخلاق التي ندب -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى التمسك بسببها، ورغب أمته في الأخذ بها والعمل بأدبها، ¬

(¬1) سورة البقرة: 438. (¬2) سورة العنكبوت: 45.

قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (¬1) ، وقال سبحانه وتعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (¬2) . وأمره بمجالسة أهل العلم والدين، وأولي الإخلاص في طاعة الله واليقين، والاستشارة بهم في عوارض الشك والالتباس، والعمل بآرائهم في التمثيل والقياس؛ فإن في الاستشارة بهم عين الهداية، وأمنًا من الضلال والغواية، وألا يلقح عقم الأفهام والألباب، ويقتدح زناد الرشد والصواب، قال الله تعالى في الإرشاد إلى فضلها، والأمر في التمسك بحبلها: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} (¬3) . وأمره بمراعاة أحوال الجند والعسكر في ثغوره، وأن يشملهم بحسن نظره وجميل تدبيره، مستصلحًا شأنهم بإدامة التلطف والتعهد، مستوضحًا أحوالهم بمواصلة التفحص عنها والتفقد، وأن يسوسهم بسياسة تبعثهم على سلوك المنهج السليم، ويهيديهم في انتظامها واتساقها إلى الصراط المستقيم، ويحملهم على القيام بشرائط الخدم، والتمسك منها بأقوى الأسباب وأمتن العصم، ويدعوهم إلى مصلحة التواصل والائتلاف، ويصدهم عن موجبات التخاذل والاختلاف، وأن يعتمد فيهم شرائط الحزم في الإعطاء والمنع، وما تقتضيه مصلحة أحوالهم من أسباب الخفض والرفع؛ وأن يثيب المحسن وامتنانه، وأن يأخذ برأي ذوي التجارب منهم والحنكة، ويجتني بمشاورتهم ثمر البركة (¬4) ؛ إذ في ذلك أمن من خطأ الانفراد، وتزحزح عن مقام الزيغ والاستبداد. وأمره بالتبتل لما يليه من البلاد، ويتصل بنواحيه من ثغور أولي الشرك والعناد؛ وأن يصرف مجامع الالتفات إليها، ويخصها بوفور الاهتمام بها، والتطلع عليها، وأن ¬

(¬1) سورة الحشر: 7. (¬2) سورة النساء: 8. (¬3) سورة آل عمران: 159. (¬4) صبح الأعشى: "الشركة".

يشمل ما ببلاده من الحصون، والمعاقل والأحكام والإتقان، وينتهي في أسباب مصالحها إلى غاية الوسع والإمكان، وأن يشحنها بالميرة الكثيرة والذخائر، ويمدها من الأسلحة والآلات بالعدد المستصلح الوافر، وأن يتخير لحراستها من الأمناء الثقات (¬1) ، ويسدها بمن ينتخبه من الشجعان الكماة، وأن يؤكد عليهم في استعمال أسباب الحيطة والاستظهار، ويوقظهم إلى الاحتراس من غوائل الغفلة والاغترار، وأن يكون المشار إليهم ممن تربوا في ممارسة الحروب على مكافحة الشدائد، وتدربوا في نصب الحبائل للمشركين والأخذ عليهم بالمراصد، وأن يعتمد هذا القبيل بمواصلة المدد، وكثرة العدد، والتوسعة في النفقة والعطاء، والعمل معهم بما يقتضيه حالهم، وتفاوتهم في التقصير والعناء، إذ في ذلك حسم لمادة الأطماع في بلاد الإسلام، وردُّ لكيد (¬2) المعاندين من عبدة الأصنام؛ فمعلوم أن هذا الفرض أولى ما وُجِّهت إليه العنايات وصرفت، وأحق ما قصرت عليه الهمم ووقفت؛ فإن الله تعالى جعله من أهم الفروض التي لزم القيام فيها بحقه، وأكبر الواجبات التي كتب العمل بها على خلقه، فقال سبحانه وتعالى هاديا في ذلك إلى سبيل الرشاد، ومحرضًا لعباده على قيامهم له بفرض الجهاد: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ ... } ، إلى قوله تعالى: {لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ، وقال تعالى: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} (¬3) ، وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من نزل منزلا لا يخيف فيه المشركين ويخيفونه، كان له كأجر ساجد لا يرفع رأسه إلى يوم القيامة، وأجر قائم لا يقعد إلى يوم القيامة، وأجر صائم لا يفطر". وقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "غدوه في سبيل الله أو روحة خير مما طلعت عليه الشمس"، هذا قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حق من سمع هذه المقالة فوقف لديها، فكيف بمن كان قال ¬

(¬1) صبح الأعشى: "النقاه". (¬2) ح، ط: "الكثير"، وصوابه من الأصل وصبح الأعشى. (¬3) سورة البقرة: 191.

عليه السلام: "ألا أخبركم بخير الناس! ممسك بعنان فرسه في سبيل الله، كلما سمع هيمة طار إليها". وأمره باقتفاء أوامر الله تعالى في رعاياه، والاهتداء إلى رعاية العدل والإنصاف والإحسان بمراشده الواضحة ووصاياه؛ وأن يسلك في السياسة بهم سبيل الصلاح، ويشملهم بلين الكنف، وخفض الجناح، ويمد ظل رعايتهم على مسلمهم ومعاهدهم، ويزحزح الأقذاء والشوائب عن مناهلهم في العدل ومواردهم، وينظر في مصالحهم نظرًا يساوي فيه بين الضعيف والقوي، ويقوم بأودهم قيامًا تهتدي به، ويهديهم إلى الصراط السوي؛ قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ... } (¬1) الآية. وأمره باعتماد أسباب الاستظهار، والأمنة واستقصاء الطاقة المستطاعة والقدرة الممكنة، في المساعدة على قضاء تفث حجاج بيت الله الحرام، وزوار نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام، وأن يمدهم بالإعانة في ذلك على تحقيق الرجاء وبلوغ المرام، ويحرسهم من التخطف والأذى في حالتي الظعن والمقام؛ فإن الحج أحد أركان الدين المشتدة، وفروضه الواجبة المؤكدة، قال تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (¬2) . وأمره بتقوية أيدي العاملين بحكم الشرع في الرعايا، وتنفيذ ما يصدر عنهم من الأحكام والقضايا، والعمل بأقوالهم فيما يثبت لذوي الاستحقاق، والشد على أيديهم فيما يرونه من المنع والإطلاق، وأنه متى تأخر أحد الخصمين عن إجابة داعي الحكم، أو تقاعس في ذلك لما يلزم من الأداء والغرم، جذبه بعنان القسر إلى مجلس الشرع، واضطره بقوة الأنصار إلى الأداء بعد المنع، وأن يتوخى عمال الوقوف التي تقرب المتقربون بها، ¬

(¬1) سورة النحل: 90. (¬2) سورة الحج: 97.

واستمسكوا في ظل ثواب الله بمتين سببها، وأن يمدهم بجميل المعاونة والمساعدة، وحسن المؤازرة والمعاضدة، في الأسباب التي تؤذن بالعمارة والاستنماء، ويعود عليها بالمصلحة، والاستخلاص والاستيفاء، قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (¬1) . وأمره أن يتخير من أولي الكفاية، والنزاهة من يستخلصه للخدم والأعمال، والقيام بالواجب؛ من أداء الأمانة والحراسة، والتمييز لبيت المال، وأن يكونوا من ذوي الاطلاع بشرائط الخدم المعينة وأمورها، والمهتدين إلى مسالك صلاحها (¬2) . قال الصلاح الصفدي في تاريخه: حكى صاحب كتاب الإشعار بما للملوك من النوادر والأشعار، قال: كان الملك الكامل ليلة جالسا فدخل عليه مظفر الأعمى، فقال له أجز يا مظفر: قد بلغ الشوق منتهاه فقال مظفر: وما درى العاذلون ما هو فقال السلطان: ولي حبيب رأى هواني فقال مظفر: وما تغيرت عن هواه فقال السلطان: رياضة النفس في احتمال فال مظفر: وروضة الحسن في حلاه ¬

(¬1) سورة المائدة: 2. (¬2) العهد في صبح الأعشى 1: 99-111 مع حذف واختصار.

فقال السلطان: اسمر لدن القوام ألمى فقال مظفر: يعشقه كل من يراه فقال السلطان: وريقه كله (¬1) مدام فقال مظفر: ختامه المسك من لماه فقال السلطان: ليلته كلها رقاد فقال مظفر: وليلتي كلها انتباه فقال السلطان: وما يرى أن أكون عبدًا فقام مظفر على قدميه، وقال: بالملك الكامل احتماه العالم العامل الذي في ... كل صلاة ترى إياه ليث وغيث وبدر تم ... ومنصب جل مرتقاه قال الحافظ عبد العظيم المنذري: أنشأ الملك الكامل دارَ الحديث بالقاهرة، وعمر القبة على ضريح الشافعي، وأجرى الماء من بركة الحبش إلى حوض السبيل، والسقاية على باب القبة المذكورة، ووقف غير ذلك من الوقوف على أنواع البر، وله المواقف المشهودة ¬

(¬1) ج، ط: "كلها"، والصواب ما أثبته من الأصل.

بدمياط، وكان معظمًا للسنة وأهلها، قال الذهبي: وكانت له إجازة من السلفي، وخرج له أبو القاسم بن الصفراوي أربعين حديثًا سمعها من جماعة. وقال ابن خلِّكان: اتسعت المملكة للملك الكامل، حتى قال خطيب مكة مرة عند الدعاء له: سلطان مكة وعبيدها، واليمن وزبيدها، ومصر وصعيدها، والشام وصناديدها، والجزيرة ووليدها، سلطان القبلتين، ورب العلامتين، وخادم الحرمين الشريفين، الملك الكامل أبو المعالي ناصر الدين محمد خليل أمير المؤمنين. وكانت وفاته بدمشق يوم الأربعاء حادي عشري رجب سنة خمس وثلاثين وستمائة. وأقيم بعده ولده الملك العادل أبو بكر، وكان نائب أبيه بمصر مدة غيبته، فبلغ ذلك أخاه الأكبر الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل صاحب حصن كيفا، فقدم، وبرز العادل إلى بلبيس قاصدًا للقتال، فاختلفت عليه الأمراء، فقيدوه، واعتقلوه، وأرسلوا إلى الصالح أيوب فوصل إليهم، فملكوه، وذلك في صفر سنة سبع وثلاثين. فأقام في الملك عشر سنين إلا أربعة أشهر. وكان مهيبًا جدًّا، دبر المملكة على أحسن وجه، وبنى المدارس الأربعة بين القصرين، وعمر قلعة بالروضة، واشترى ألف مملوك وأسكنهم بها، وسماهم البحرية، وهو الذي أكثر من شراء الترك وعتقهم وتأميرهم، ولم يكن ذلك قبله، فقام الشيخ عز الدين بن عبد السلام القومة الكبرى في بيع أولئك الأمراء، وصرف ثمنهم في مصالح المسلمين، وقال بعض الشعراء: الصالح المرتضى أيوب أكثر من ... ترك بدولته، يا شر مجاوب!

قد آخذ الله أيوبًا بفعلته ... فالناس كلهم في ضر أيوب ولما تولى الخليفة المستعصم أنفذ الصالح إليه رسوله، يطلب تقليدًا بمصر والشام، فجاءه التشريف والطوق الذهب والمركوب، فلبس التشريف الأسود والعمامة والجبة، وركب الفرس، وكان يوما مشهودا. فلما كان سنة سبع وأربعين، هجمت الفرنج على دمياط، فهرب من كان فيها، واستحوذوا عليها، والملك الصالح مقيم بالمنصورة لقتالهم، فأدركه أجله ومرض ومات بها ليلة النصف من شعبان. فأخفت جاريته شجر الدر موته، وبقيت تعلم بعلامته سواه، وأعلمت أعيان الأمراء، فأرسلوا إلى ابنه الملك المعظم تورانشاه وهو بحصن كيفا، فقدم في ذي القعدة، وملكوه، فركب في عصائب الملك، وقاتل الفرنج وكسرهم، وقتل منهم ثلاثين ألفا ولله الحمد. وكان في عسكر المسلمين الشيخ عز الدين بن عبد السلام، وكانت النصرة أولا للفرنج، وقويت الريح على المسلمين، فقال الشيخ عز الدين بأعلى صوته مشيرًا بيده إلى الريح: يا ريح خذيهم، عدة مرار، فعادت الريح على مراكب الفرنج فكسرتها، وكان الفتح، وغرق أكثر الفرنج، وصرخ من المسلمين صارخ: الحمد لله الذي أرانا في أمة محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجلًا سخر له الريح، وكان ذلك في يوم الأربعاء ثالث المحرم. وأسر الفرنسيس ملك الفرنج، وحبس مقيدًا بدار ابن لقمان، ووكل بحفظه طواشي يقال له: صبيح. ثم نفرت قلوب العسكر من المعظم لكونه قرب مماليكه، وأبعد مماليك أبيه، فقتلوه في يوم الاثنين سابع عشر المحرم وداسوه بأرجلهم، وكانت مملكته شهرين. قال ابن كثير وقد رئي أبوه الصالح في النوم بعد قتل ابنه، وهو يقول: قتلوه شر قِتْلَهْ ... صار للعالم مثله

لم يراعوا فيه إلا ... لا ولا من كان قبله ستراهم عن قريب ... لأقل الناس أكله فكان كذلك، وقع بعد ذلك قتال بين المصريين والشاميين، وعدم من المصريين طائفة كثيرة (¬1) . واتفقوا بعد قتل المعظم على تولية شجر (¬2) الدر أم خليل جارية الملك الصالح، فملكوها، وخطب لها على المنابر، فكان الخطباء يقولون بعد الدعاء للخليفة: واحفظ اللهم الجهة الصالحة ملكة المسلمين، عصمة الدنيا والدين، أم خليل المستعصمية، صاحبة السلطان الملك الصالح. ونقش اسمها على الدينار والدرهم، وكانت تعلم على المناشير وتكتب: والدة خليل. ولم يل مصر في الإسلام امرأة قبلها. ولما توليت تكلم الشيخ عز الدين بن عبد السلام في بعض تصانيفه على ما إذا ابتلي المسلمون بولاية امرأة، وأرسل الخليفة المستعصم يعاتبُ أهل مصر في ذلك ويقول: إن كان ما بقي عندكم رجل تولونه، فقولوا لنا نرسل إليكم رجلًا. ثم اتفقت شجر الدر والأمراء على إطلاق الفرنسيس، بشرط أن يردوا دمياط إلى المسلمين، ويعطوا ثمانمائة ألف دينار عوضًا عما كان بدمياط من الحواصل، ويطلقوا أسراء المسلمين. فأطلق على هذا الشرط، فلما سار إلى بلاده أخذ في الاستعداد والعود إلى دمياط، فندمت الأمراء على إطلاقه؛ وقال الصاحب جمال بن مطروح وكتب بها إليه: ¬

(¬1) البداية والنهاية 13: 180، قال في آخر الخبر: "فمنهم الشمس لؤلؤ مدير ممالك الحلبيين، وكان من خيار عباد الله الصالحين الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر". (¬2) كذا ورد اسمها في الأصل، وهو الصواب، وفي ح، ط: "شجرة الدر".

قل للفرنسيس إذا جئته ... مقال صدق من قؤول نصيح (¬1) آجرك الله على ما جرى ... من قتل عباد يسوع المسيح أتيت مصر تبتغي ملكها ... تحسب أن الزمر بالطبل ريح (¬2) فساقك الحين إلى أدهم ... ضاق به عن ناظريك الفسيح وكل أصحابك أودعتهم ... بحسن تدبيرك بطن الضريح تسعين ألفًا لا ترى منهم (¬3) ... إلا قتيلًا أو أسيرًا جريح وفقك الله لأمثالها ... لعل عيسى منكم يستريح إن كان باباكم بذا راضيًا ... فرب غش قد أتى من نصيح وقل لهم إن أضمروا عودة ... لأخذ ثأر أو لعقد صحيح: دار ابن لقمان على حالها ... والقيد باق والطواشي صبيح فلم ينشب الفرنسيس أن أهلكه الله، وكفى المسلمين شره، وأقامت شجر الدر في المملكة ثلاثة أشهر، ثم عزلت نفسها. واتفقوا على أن يملكوا الملك الأشرف موسى بن صلاح الدين يوسف بن المسعود بن الملك الكامل، فملكوه وله ثماني سنين، وذلك في يوم الأربعاء ثالث جمادى الأولى سنة ثمان وأربعين. وجعل عز الدين أيبك التركماني مملوك الصالح أتابكه (¬4) ، وخطب لهما، وضربت السكة باسمهما، وعظم شان الأتراك من يومئذ، ومدوا أيديهم إلى العامة، وأحدث وزيره الأسعد الفائزي ظلامات ومكوسا كثيرة. ¬

(¬1) النجوم الزاهرة 6: 370. (¬2) النجوم الزاهرة: "يا طبل ريح". (¬3) النجوم الزاهرة: "خمسون ألفا". (¬4) يطلق هذا اللفظ على مقدم العساكر أو القائد العام، وهو لفظ تركي أصله: "أطابك".

ثم إن عز الدين خلع الملك الاشرف واستقل بالسلطنة في سنة اثنتين وخمسين، ولقب الملك المعز؛ وهو أول من ملك مصر من الأتراك، وممن جرى عليه الرق، فلم يرض الناس بذلك حتى أرضى الجند بالعطايا الجزيلة. وأما أهل مصر فلم يرضوا بذلك، ولم يزالوا يسمعونه ما يكره إذا ركب ويقولون: لا نريد إلا سلطانًا رئيسًا ولد على الفطرة، وكان المعز تزوج شجر الدر. ثم إنه خطب ابنة صاحب الموصل، فغارت شجر الدر فقتلته في أواخر ربيع الأول سنة خمس وخمسين، وأقيم بعده ولده علي ولقب المنصور، وعمره نحو خمس عشرة سنة، فأقام سنتين وثمانية أشهر، وفي أيامه أخذ التتار بغداد، وقتل الخليفة. ثم إن الأمير سيف الدين قُطُز مملوك المعز قبض على المنصور، واعتقله في أواخر ذي القعدة سنة سبع وخمسين؛ وتملك مكانه، ولقب بالملك المظفر بعد أن جمع الأمراء، والعلماء والأعيان، وأفتوا بأن المنصور صبي لا يصلح للملك، لا سيما في هذا الزمان الصعب الذي يحتاج إلى ملك شهم مطاع لأجل إقامة الجهاد، والتتار قد وصلوا البلاد الشامية، وجاء أهلها إلى مصر يطلبون النجدة؛ وأراد قطز أن يأخذ من الناس شيئًا ليستعين به على قتالهم؛ فجمع العلماء، فحضر الشيخ عز الدين بن عبد السلام، فقال: لا يجوز ان يؤخذ من الرعية شيء حتى لا يبقى في بيت المال شيء، وتبيعوا مالكم من الحوائص والآلات، ويقتصر كل منهم على فرسه وسلاحه، وتتساووا في ذلك أنتم والعامة. وأما أخذ أموال العامة مع بقاء ما في أيدي الجند من الأموال والآلات الفاخرة فلا. ولم يكن قطز هذا مرقوق الأصل، ولا من أولاد الكفر. قال الجزري في تاريخه: كان قطز في رق ابن الزعيم، فضربه أستاذه فبكى، فقيل له: تبكي من لطمة! فقال: إنما أبكي من لعنة أبي وجدي، وهما خير منه، فقيل:

من أبوك! واحد كافر. قال: ما أنا إلا مسلم، أنا محمود بن مودود بن أخت خوارزم شاه من أولاد الملوك. وخرج المظفر بالجيوش في شعبان سنة ثمان وخمسين متوجهًا إلى الشام لقتال التتار وشاويشه (¬1) ركن الدين بيبرس البندقدارى، فالتقوا هم والتتار عند عين جالوت، ووقع المصاف يوم الجمعة خامس عشري رمضان، فهزم التتار شر هزيمة، وانتصر المسلمون ولله الحمد، وجاء كتاب المظفر إلى دمشق بالنصر، فطار الناس فرحًا، ثم دخل المظفر إلى دمشق مؤيدًا منصورا، فأحبه الخلق غاية المحبة، وقال بعض الشعراء في ذلك: هلك الكفر في الشام جميعا ... واستجد الإسلام بعد دحوضه (¬2) بالمليك المظفر الملك الأر ... وع سيف الإسلام عند نهوضه (¬3) وقال الإمام أبو شامة رحمه الله في ذلك شعرًا: غلب التتار على البلاد فجاءهم ... من مصر تركي يجود بنفسه بالشام أهلكهم وبدد شملهم ... ولكل شيء آفة من جنسه وساق بيبرس وراء التتار إلى حلب، وطردهم عن البلاد، ووعده السلطان بحلب، ثم رجع عن ذلك، فتأثر بيبرس ووقعت الوحشة بينهما، فأضمر كل لصاحبه الشر، فاتفق بيبرس مع جماعة من الأمراء على قتل المظفر، فقتلوه في الطريق في سادس عشر ذي القعدة سنة ثمان وخمسين بين العرابي والصالحية، وتسلطن بيبرس، ولقب بالملك القاهر، ودخل مصر وأزال عن أهلها ما كان المظفر أحدثه عليهم من المظالم، وأشار عليه الوزير زين الدين أن يغير هذا اللقب، وقال: ما تلقب به أحد فأفلح؛ فأبطل السلطان هذا اللقب، وتلقب بالملك الظاهر. ¬

(¬1) الشاويش، أو الجاويش: لفظ تركي، وكان من وظيفة الجاوشية أيام المماليك السير أمام السلطان في مراكبه. (¬2) النجوم الزاهرة 7: 82. (¬3) في الأصول: "دحوضه"، تحريف.

أرجوزة الجزار في الأمراء المصرية:

أرجوزة الجزار في الأمراء المصرية: وقد نظم الأديب جمال الدين المصري المعروف بالجزار الشاعر المشهور أرجوزة سماها "العقود الدرية في الأمراء المصرية"، ضمنها أمراء مصر من عمرو بن العاص إلى الملك الظاهر، هذا فقال: الحمد لله العلي ذكره ... ومن يفوق كل أمر أمره أحمده وهو ولي الحمد ... على توالي بره والرفد ثم الصلاة بعد هذا كله ... على أجل خلقه ورسله محمد خير بني عدنان ... ومن أتاه الوحي بالتبيان دامت عليه صلوات ربه ... ثم على عترته وصحبه يا سائلي عن أمراء مصر ... منذ حباها عمر لعمرو خذ من جوابي ما يزيل اللبسا ... واحفظه حفظ ذاكر لا ينسى أول من كان إليه الأمر ... مفوضًا بعد الفتوح عمرو وابن أبي سرح تولى أمرها ... وقيس ساس نفعها وضرها ثم تولى النخعي الأشتر ... وأبن أبي بكر كما قد ذكروا ثم أعيدت بعده لعمرو ... ثانية وعتبة في الأثر وعقبة ثم الأمير مسلمه ... وابن يزيد وهو نجل علقمه ثم تولى الأمر عبد الرحمن ... وبعده تأمر ابن مروان إذ كان ولاها له أبوه ... وهو بمصر حوله ذووه ثم لعبد الله تعزى الإمره ... وبعده نجل شريك قره

ثم تولى بعده عبد الملك ... نقلا صحيحا غير نقل مؤتفك وابن شرحبيل الأمير أيوب ... وبشر فالأمر إليه منسوب ثم أخو بشر الأمير حنظلة ... ثم غدا محمد والأمر له والحر نجل يوسف وحفص ... من بعده جاء بذلك النص ثم فتى رفاعة عبد الملك ... ثم الوليد صنوه كل ملك ثم أبن خالد يعد تاليه ... ثم ابن صفوان تولى ثانيه وحفص قد عاد إليها واليًا ... وقام حسان الأمير تاليا ثم تولى حفص وهي الثالثه ... وابن سهيل جاء فيها وارثه وابن عبيد واسمه المغيره ... دبر إقليمًا غدا أميره ثم ابن مروان ولي لخم ... وكان للدولة أي ختم وصالح أول من تولى ... ثم ابن عون وهو نعم المولى ثم أعيد صالح لمصر ... ثانية بنهيه والأمر ثم أبو عون لها أعيدا ... ثانية وأدرك المقصودا وجاء موسى بعده ابن كعب ... محكمًا في سلمها والحرب ثم أتى محمد بن الأشعث ... فاسمع لما حدثته وحدث ثم حميد وهو ابن قحطبه ... ثم يزيد نال أيضًا منصبه وقام عبد الله فيها يحمد ... ثم أخوه بعده محمد ثم غدا الأمير موسى بن علي ... وبعده عيسى بن لقمان ولي وواضح وكان مولى المنصور ... وبعد ذاك ابن يزيد منصور وجاء يحيى بعده ابن ممدود ... وسالم في الأمراء معدود وبعده إبراهيم نجل صالح ... ولم يزل ينظر في المصالح

وجاء موسى وهو نجل مصعب ... وبعده أسامة بها حبي والفضل نجل صالح أيضا ولي ... وبعده نجل سليمان علي ثم حوى موسى بن عيسى حرمه ... ثم تولاها ابن يحيى مسلمه وابن زهير واسمه محمد ... وجاء داود وهذا مسند وجاء موسى نجل عيسى ثانيه ... ونال في إمرتها أمانيه كذاك إبراهيم أيضًا ولي ... فيها كما قد قيل بعد العزل وحاز عبد الله منها الآفاق ... وابن سليمان المسمى إسحاق ثم أتى هرثمة وهو الملك ... وبعده ابن صالح عبد الملك ثم عبيد الله نجل المهدي ... وكان رب حلها والعقد وبعده موسى بن عيسى ثالثه ... حتى رأى من دهره حوادثه ثم عبيد الله نجل المهدي ... ثانية في حلها والعقد وجاء إسماعيل نجل صالح ... يأمر في الغادي بها والرائح وبعده سميه ابن عيسى ... تحدو إليه القاصدون العيسا ثم تولى الليث نجل الفضل ... وأحمد من بعده ذو الفضل وجاء عبد الله يقفو جنده ... ثم الحسين بن جميل بعده ثم تولى مالك ثم الحسن ... كلاهما أوضح في العدل السنن ثم غدا الأمير فيها حاتم ... وجابر بالأمر فيها قائم ثم لعباد غدت تنتسب ... وبعده أميرها المطلب ثم تولى أمرها العباس ... وفوض الأمر إليه الناس ثم أعيد الأمر للمطلب ... ثانية ثم السري فاعجب ثم سليمان له الأمر حصل ... ثم السري بعد ما كان انفصل

ثم تولى ابن السري الأمرا ... وطالما ساء بها وسرا ثم عبيد الله وهو ابن السري ... وبعده ابن طاهر فحرر وبعده عيسى فتى يزيد ... ثم عمير من بني الوليد قد كان ولاها له لما قدم ... على البلاد ابن الرشيد المعتصم وعاد عيسى وهو فيها والي ... وعبدويه ذو المحل العالي وقد تولى بعده ابن منصور ... عيسى وهذا الأمر أمر مشهور وعند ذاك قدم المأمون ... لمصر والدنيا له تدين في سنة تعد سبع عشرة ... ومائتين بعد عام الهجرة ثم تولى نصر وهو كيدر ... ثم تولاها ابنه المظفر ثم تولى ابن أبي العباس ... موسى بلا شك ولا التباس ومالك بن كيدر ثم علي ... وبعده عيسى بن منصور ولي وبعده هرثمة بن النضر ... وحاكم وكان رب الأمر ثم علي نجل يحيى ثانيه ... وجاء إسحاق بن يحيى تاليه وبعده الأمير عبد الواحد ... وهو ابن يحيى فارض بالفوائد وبعده عنبسة بن إسحاق ... ثم يزيد حاز منها الآفاق ثم تولى أمرها مزاحم ... ثم ابنه أحمد فيها القائم ونال أرجوز بها ما يقصد ... ثم ابن طولون الأمير أحمد ثم أبو الجيش ابنه من بعده ... ثم أتى جيش وليّ عهده ثم تولى بعده هارون ... وبعده من جده طولون وبعده عيسى فتى محمد ... ثم تكين صار رب السؤدد ثم تولاها ذكا الأعور ... ثم تكين وهو وقت آخر ثم هلال وهو ابن بدر ... أصب فيها وهو رب الأمر ثم تولى أحمد بن كيغلغ ... ثم تكين إذ له الأمر بلغ

ثم أتى محمد بن طغج ... وأحمد ثانيه في النهج ثم تولاها ابن طغج ثانيه ... ثم أبو القاسم جاء تاليه ثم أتى الإخشيد من بعد علي ... وبعد ذاك الأمر كافور ولي وبعد كافور تولى أحمد ... ثم أتى جوهر وهو أيد ثم تولاها المعز إذ أتى ... ثم العزيز نجله خير فتى ثم ابنه الحاكم ثم الظاهر ... وكلهم في المأثرات باهر ثم تولى أمرها المستنصر ... وهو لعمري يقظ مستبصر ثم تولى أمرها المستعلي ... وكان رب عقدها والحل وبعد ذلك قد حواها الآمر ... ولم تكد تعصي له أوامر ثم تولاها الإمام الحافظ ... وهو على تدبيرها محافظ وجاء إسماعيل وهو الظافر ... ثم ابنه الفائز وهو الآخر أعني بمن قلت الإمام العاضدا ... محررا فاغتنم الفوائدا وشيركوه مدة يسيره ... تناهز الشهرين منه السيره ثم تولاها الصلاح يوسف ... ثم العزيز وابنه مستضعف ثم أتى الأفضل نور الدين ... وبعده العادل ذو التمكين ثم ابنه الكامل ثم العادل ... كلاهما بالحكم فيها عادل ثم أتى الصالح وهو الأعظم ... ثم تولاها ابنه المعظم وبعده أم خليل ملكت ... وطابت الأفعال فيها وزكت والملك الأشرف كان طفلًا ... فلم يدبر عقدها والحلَّا ثم استبد الملك المعز ... ثم ابنه ووافقته الغز ثم حواها الملك المظفر ... وحظه من نصره موفر ثم حوى الأمر المليك الظاهر ... لا زال للأعداء وهو قاهر!

ذكر من قام بمصر من الخلفاء العباسيين:

ذكر من قام بمصر من الخلفاء العباسيين: كان لانقراض الخلافة ببغداد وما جرى على المسلمين بتلك البلاد مقدمات نبه عليها العلماء: منها، أنه في يوم الثلاثاء ثامن عشر ربيع الآخر سنة أربع وأربعين وستمائة، هبت ريح عاصفة شديدة بمكة، فألقت ستارة الكعبة المشرفة، فما سكنت الريح إلا والكعبة عريانة، قد زال عنها شعار السواد، ومكثت إحدى وعشرين يوما ليس عليها كسوة. وقال الحافظ عماد الدين بن كثير: وكان هذا فألا على زوال دولة بني العباس؛ ومنذرًا بما سيقع بعد هذا من كائنة التتار لعنهم الله (¬1) . ومنها، قال ابن كثير في حوادث سنة سبع وأربعين: طغى الماء ببغداد، حتى أتلف شيئًا كثيرًا من المحال والدور الشهيرة، وتعذرت إقامة الجمعة بسبب ذلك (¬2) . وفي هذه السنة هجمت الفرنج على دمياط؛ فاستحوذوا عليها وقتلوا خلقًا من المسلمين (¬3) . وفي سنة خمسين وقع حريق بحلب احترق بسببه ستمائة دار؛ فيقال: إن الفرنج لعنهم الله ألقوه فيها قصدًا (¬4) . وفي سنة اثنتين وخمسين، قال سبط ابن الجوزي في مرآة الزمان: وردت الأخبار من مكة شرفها الله، بأن نارا ظهرت في أرض عدن في بعض جبالها، بحيث إنه يطير ¬

(¬1) البداية والنهاية 13: 173. (¬2) البداية والنهاية 13: 177، وبعدها: "سوى ثلاث جوامع". (¬3) البداية والنهاية 13: 177، قال: "وذلك في ربيع الأول منها". (¬4) نقله ابن كثير في البداية والنهاية 13: 182.

شررها إلى البحر في الليل، ويصعد منها دخان عظيم في أثناء النهار (¬1) ، فتاب الناس وأقلعوا عما كانوا عليه من المظالم والفساد، وشرعوا في أفعال الخير والصدقات (¬2) . وفي سنة أربع وخمسين زادت دجلة زيادة مهولة، فغرق خلق كثير من أهل بغداد، ومات خلق تحت الهدم، وركب الناس في المراكب، واستغاثوا بالله، وعاينوا التلف، ودخل الماء من أسوار البلاد، وانهدمت دار الوزير وثلثمائة وثمانون دارا، وانهدم مخزن الخليفة، وهلك شيء كثير من خزانة السلاح (¬3) . قال ابن السبكي في الطبقات الكبرى: وكان ذلك من جملة الأمور، التي هي مقدمة لواقعة التتار. وفي هذه السنة، في يوم الاثنين مستهل جمادى الآخرة، وقع بالمدينة الشريفة صوت يشبه صوت الرعد البعيد تارة وتارة، وأقام على هذه الحالة يومين، فلما كان ليلة الأربعاء تعقب الصوت زلزلة عظيمة، رجفت منها الأرض والحيطان، واضطرب المنبر الشريف، واستمرت تزلزل ساعة بعد ساعة إلى يوم الجمعة خامس الشهر، ظهر من الحرة نار عظيمة، وسالت أودية منها سيل الماء، وسالت الجبال نارًا، وسارت نحو طريق الحاج العراقي، فوقفت وأخذت تأكل الأرض أكلا، ولها كل يوم صوت عظيم من آخر الليل إلى الضحوة، واستغاث الناس بنبيهم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأقلعوا عن المعاصي، واستمرت النار فوق الشهر، وخسف القمر ليلة الاثنين منتصف الشهر، وكسفت الشمس في غدوة، وبقيت أياما متغيرة اللون ضعيفة النور، واشتد فزع الناس، وصعد علماء البلد إلى الأمير يعظونه، فطرح المكوس، ورد على الناس ما كان تحت يده من أموالهم (¬4) . ¬

(¬1) بعدها فيما نقله ابن كثير: "فما شكوا أنها النار التي ذكر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنها تظهر في آخر الزمان". (¬2) نقله ابن كثير في البداية والنهاية 13: 185. (¬3) البداية والنهاية 13: 190، 191. (¬4) البداية والنهاية 13: 187.

وقال سيف الدين علي بن عمر بن قذل المشد في هذه النار: ألا سلما عني على خير مرسل ... ومن فضله كالسيل ينحط من عل واشرف من شدت إليه رحالنا ... لتورد هيم الشوق أعذب منهل تحملن منا كل أشعث أغبر ... فيا عجبا من رحلها المتحمل! إلى سيد جاءت بعالي محله ... ومعجزه آي الكتاب المنزل نبي هدانا للهدى بأدلة ... فهمنا معانيها بحسن التأول محمد المبعوث والغي مظلم ... فأصبح وجه الرشد مثل السجنجل وقولا له: إني إليك لشيق ... عسى الله يدني من محلك محملي فتخمد أشواقي وتسكن لوعتي ... وأصبح عن كل الغرام بمعزل ولما نفى عني الكرى خبر التي ... أضاءت بإذن ثم رضوى ويذبل ولاح سناها من جبال قريظة ... لسكان تيما فاللوى فالعقنقل وأخبرت عنها في زمانك منذرًا ... بيوم عبوس قمطرير مطول فقلت كلاما لا يدين لقائل ... سواك ولا يستطيعه رب مقول ستظهر نار بالحجاز مضيئة ... كأعناق عيس نحو بصرى لمخيل فكانت كما قد قلت حقا بلا مرى ... صدقت وكم كذبت كل معطل لها شرر كالبرق لكن شهيقها ... فكالرعد عند السامع المتأمل وأصبح وجه الشمس كالليل كاسفًا ... وبدر الدجى في ظلمة ليس تنجلي وغابت نجوم الجو قبل غروبها ... وكدرها دور الدخان المسلسل وهبت سموم كالحميم فأذبلت ... من الباسقات الشم كل مذلل وأبدت من الآيات كل عجيبة ... وزلزلت الأرضون أي تزلزل وأيقن كل الناس أن عذابهم ... تعجل في الدنيا بغير تمهل

وأعولت الأطفال مع أمهاتها ... فيا نفس جودي، يا مدامعي أهملي جزعت فقام الناس حولي وأقبلوا ... يقولون: لا تهلك أسى وتجمل لعل إله الخلق يرحم ضعفهم ... وما أظهروه من عظيم التذلل وتاب الورى واستغفروا لذنوبهم ... ولاذوا بمنوال الكريم المبجل شفعت لهم عند الإله فأصبحوا ... من النار في أمن وبر معجل أغاثهم الرحمن منك بنفحة ... ألذ وأشهى من جنى ومعسل طفى النار نور من ضريحك ساطع ... فعادت سلاما لا تضر بمصطلي وعاش رجاء الناس بعد مماتهم ... فيالك من يوم أغر محجل! فيا راحلا عن طيبة إن طيبة ... هي الغاية القصوى لكل مؤمل قفا نبك ذكراها فإن الذي بها ... أجل حبيب وهي أشرف منزل دخلت إليها محرما وملبيا ... وأضربت عن سقط الدخول فحومل مواقف أما تربها فهي عنبر ... وأما كلاها فهو نبت القرنفل يفوح شذاها ثم يعقب نشرها ... لما راوحتها من جنوب وشمأل فيا خير مبعوث وأكرم شافع ... وأنجح مأمول وأفضل موئل عليك سلام الله بعد صلاته ... كما شفع المسك العبيق بمندل وقال بعضهم في ذلك (¬1) : يا كاشف الضر صفحًا عن جرائمنا ... لقد أحاطت بنا يا رب بأساء نشكو إليك خطوبًا لا نطيق لها ... حملا ونحن بها حقا أحقاء زلازلًا تخشع الصم الصلاب لها ... وكيف يقوى على الزلزال شماء أقام سبعا ترج الأرض فانصدعت ... عن منظر منه عين الشمس عشواء ¬

(¬1) البداية والنهاية لابن كثير 13: 191.

بحر من النار تجري فوقه سفن ... من الهضاب لها في الأرض إرساء كأنما فوقه الأجبال طافية (¬1) ... موج عليه لفرط الهيج وعثاء (¬2) ترى لها شررا كالقصر طائشة (¬3) ... كأنها ديمة تنصب هطلاء تنشق منها قلوب الصخر إن زفرت (¬4) ... رعباً، وترعد مثل السعف أضواء (¬5) منها تكاثف في الجو الدخان إلى ... أن عادت الشمس منه وهي دهماء قد أثرت سفعةً في البدر لفحتها ... فليلة التم بعد النور ليلاء (¬6) وقال آخر في هذه النار، وغرق بغداد: سبحان من أصبحت مشيئته ... جارية في الورى بمقدار (¬7) أغرق بغداد بالمياه كما ... أحرق أرض الحجاز بالنار قال أبو شامة: والصواب أن يقال: في سنة أغرق العراق وقد ... أحرق أرض الحجاز بالنار وذكر ابن الساعي أن النجاب لما جاء إلى بغداد بخبر هذه النار، قال له الوزير: إلى أي الجهات ترمي شررها؟ قال: إلى جهة الشرق (¬8) . قال أبو شامة: وفي ليلة الجمعة مستهل رمضان من هذه السنة، احترق المسجد الشريف النبوي، ابتدأ حريقه من زاويته الغربية من الشمال، وكان دخل أحد القومة إلى خزانة ثم، ومعه نار فعلقت في الآلات، واتصلت بالسقف بسرعة (¬9) ، ثم دبت في السقوف، فأعجلت النار في قطعها، فما كان إلا ساعة حتى احترقت سقوف المسجد أجمع، ¬

(¬1) ح، ط: "طاقته"، صوابه من الأصل وابن كثير. (¬2) ح، ط: "عثاء" تحريف. (¬3) ابن كثير: "ترمي". (¬4) ط: "ظفرت" تحريف. (¬5) الذيل: "مثل السيف". (¬6) وانظر في ابن كثير والذيل على الروضتين 193 بقية الأبيات. (¬7) ابن كثير 13: 162. (¬8) نقله ابن كثير في البداية والنهاية 13: 192. (¬9) ط: "سرعة".

ووقعت بعض أساطينه، وذاب رصاصها "وكل ذلك قبل أن ينام الناس" (¬1) ، واحترق سقف الحجرة النبوية الشريفة، واحترق المنبر الذي كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخطب عليه. قال أبو شامة: وعد ما وقع من تلك النار وحريق المسجد من الآيات، وكأنها كانت منذرةً بما يعقبها في السنة الآتية من الكائنات (¬2) . وقال أبو شامة في ذلك: نار أرض الحجاز مع حرق الم ... سجد مع تغرق دار السلام (¬3) بعد ست من المئين وخمسي ... ن لدى أربع جرى في العام ثم أخذ التتار بغداد في أو ... ل عام من بعد ذاك وعام لم يعن أهلها وللكفر أعوا ... ن عليهم يا ضيعة الإسلام! وانقضت دولة الخلافة منها ... صار مستعصم بغير اعتصام فحنانًا على الحجاز ومصر ... وسلامًا على بلاد الشآم (¬4) وفي تاريخ أبن كثير عن الشيخ عفيف الدين يوسف بن البقال أحد الزهاد، قال: كنت بمصر، فبلغني ما وقع ببغداد من القتل الذريع، فأنكرته بقلبي، وقلت: يا رب كيف هذا وفيهم الأطفال ومن لا ذنب له! فرأيت في المنام رجلًا وفي يده كتاب فأخذته فإذا فيه: دع الاعتراض فما الأمر لك ... ولا الحكم في حركات الفلك ولا تسأل الله عن فعله ... فمن خاض لجة بحر هلك ¬

(¬1) من الذيل. (¬2) الذيل على الروضتين 194. (¬3) البداية والنهاية 13: 193، والبيت الأول بعد الثاني هناك. (¬4) بعده في ابن كثير: رب سلم وصن وعاف بقايا ال ... مدن، يا ذا الجلال والإكرام

قلت: أجرى الله تعالى عادته إن العامة إذا زاد فسادها وانتهكوا حرمات الله، ولم تقم عليهم الحدود أرسل الله عليهم آية في إثر آية، فإن لم ينجح ذلك فيهم أتاهم بعذاب من عنده، وسلط عليهم من لا يستطيعون له دفاعا؛ وقد وقع في هذه السنين ما يشبه الآيات الواقعة في مقدمات واقعة التتار، وأنا خائف من عقبى ذلك، فاللهم سلم سلم! فأول ما وقع في سنة ثلاث وثمانين حصول قحط عظيم بأرض الحجاز. وفي سنة خمس وثمانين لم يزد النيل القدر الذي يحصل به الري، ولا ثبت المدة التي يحتاج إلى ثبوته فيها، فأعقب ذلك غلاء الأسعار في كل شيء (¬1) . وفي سنة ست وثمانين في سابع عشر المحرم زلزلت مصر زلزلة منكرة لها دوي شديد، وقع بسببها قطعة من المدرسة الصالحية على قاضي الحنفية شمس الدين بن عيد، وكان من خيار عباد الله فقتلته. وفي ليلة ثالث عشر رمضان من هذه السنة، نزلت صاعقة من السماء على المسجد الشريف النبوي، فأحرقته بأسره وما فيه من خزائن وكتب، وأحرقت الحجرة الشريفة والمنبر والسقوف، ولم يبق سوى الجدران، واحترقت فيه جماعة من أهل الفضل والخير؛ وكان أمرًا مهولا. وفي هذه السنة وقع بالغربية برد كبار بحيث قتل كثيرا من الطير؛ وقيل: إن وزن البردة سبعون درهما. وفي سنة سبع وثمانين ورد الخبر بأن صاعقة نزلت بحلب، وبأن الفناء وقع ببغداد وبلاد الشرق عظيما جدًّا حتى قيل: إنه عد ببغداد من تأخر من الرجال؛ فكانوا مائتين واثنين وأربعين نفسا. وفي ذي الحجة وردت الأخبار بأنه حصل بمكة في يوم الأربعاء رابع عشر من ذي القعدة ¬

(¬1) البداية والنهاية.

سيل عظيم بحيث دخل البيت الشريف، فكان فيه قامة، وأخرب بيوتا كثيرة، وهدم جملة من أساطين الحرم، ووجد في المسجد من الغرقاء سبعين إنسانًا، وخارج المسجد خمسمائة نفس، واستمر الماء في المسجد إلى يوم السبت، ولم تصل الجمعة. وكتب القاضي برهان الدين بن ظهيرة إلى مصر كتابا بذلك يقول فيه: إن هذا السيل لم يعهد مثله لا في جاهلية ولا في إسلام، وإنه ذرع موضع وصوله في المسجد؛ فكان سبع أذرع وثلث ذراع؛ وقد قلت في ذلك هذه الأبيات: في عام ست أتى المدينة في ال ... مسجد نارًا فأفنته بالحرق وعام سبع أتى لمكة في ال ... مسجد سيل قد عم بالغرق وقبلها القحط بالحجاز فشا ... ومصر قد زلزلت من الفرق وانهبط النيل غير منتفع ... به وضاقت معايش الفرق فهذه جملة أتت نذرًا ... مستوجبات للخوف والقلق فليحذر الناس أن يحل بهم ... ما حل بالأولين من حنق ولما أخذ التتار بغداد، وقتل الخليفة، وجرى ما جرى، أقامت الدنيا بلا خليفة ثلاث سنين ونصف سنة؛ وذلك من يوم الأربعاء رابع عشر صفر سنة ست وخمسين، وهو يوم قتل الخليفة المستعصم -رحمه الله- إلى أثناء سنة تسع وخمسمائة؛ فلما كان في رجب من هذه السنة قدم أبو القاسم أحمد بن أمير المؤمنين الظاهر بأمر الله، وهو عم الخليفة المستعصم وأخو المستنصر، وقد كان معتقلًا ببغداد ثم أطلق، فكان مع جماعة من الأعراب بالعراق، ثم قصد الملك الظاهر حين بلغه ملكه، فقدم عليه الديار المصرية صحبة جماعة من أمراء الأعراب عشرة، منهم الأمير ناصر الدين مهنا، وكان دخوله إلى القاهرة في ثاني رجب

فخرج السلطان للقائه، ومعه القاضي تاج الدين والوزير، والعلماء والأعيان والشهود والمؤذنون فتلقوه، وكان يومًا مشهودا، وخرج اليهود بتوراتهم والنصارى بإنجيلهم، ودخل من باب النصر بأبهة عظيمة. فلما كان يوم الاثنين ثالث عشر رجب، جلس السلطان والخليفة في الإيوان بقلعة الجبل والقاضي والوزير والأمراء على طبقاتهم، وأثبت نسب الخليفة على القاضي تاج الدين؛ فلما ثبت قام قاضي القضاة قائمًا، وأشهد على نفسه بثبوت النسبة الشريفة. ثم كان أول من بايعه شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام، ثم السلطان الملك الظاهر، ثم القاضي تاج الدين، ثم الأمراء والدولة، وركب في دست الخلافة بمصر والأمراء بين يديه، والناس حوله، وشق القاهرة، وكان يوما مشهودًا ولقب المستنصر بالله بلقب أخيه، وخطب له على المنابر، وضرب اسمه على السكة، وكتبت بيعته إلى الآفاق، وأنزل بقلعة الجبل هو وحشمه وخدمه، فلما كان يوم الجمعة سابع عشر رجب، ركب في أبهة السواد، وجاء إلى الجامع بالقلعة فصعد المنبر، وخطب خطبة ذكر فيها شرف بني العباس، ودعا للسلطان، ثم نزل فصلى بالناس، وكان وقتا حسنا ويوما مشهودًا. ثم في يوم الاثنين رابع شعبان ركب الخليفة، والسلطان والقاضي والوزراء والأمراء، وأهل الحل والعقد إلى خيمة عظيمة قد ضربت ظاهر القاهرة؛ فألبس الخليفة السلطان بيده خلعة سوداء وعمامة سوداء، وطوقًا في عنقه من ذهب، وقيدًا من ذهب في رجليه. وفوض إليه الأمور في البلاد الإسلامية، وما سيفتحه من بلاد الكفر، ولقبه بقيم أمير المؤمنين؛ وصعد فخر الدين بن لقمان رئيس الكتاب منبرا، فقرأ عليه تقليد السلطان، وهو من إنشائه وصورته: الحمد لله الذي أضفى (¬1) على الإسلام ملابس الشرف، وأظهر بهجة درره وكانت ¬

(¬1) ط: "أخفى" تحريف. وفي السلوك: "اصطفى".

خافية بما استحكم عليها من الصدف، وشيد ما وهى من علائه حتى أنسي به ذكر من سلف، وقيض لنصره ملوكا اتفق عليهم من اختلف. أحمده على نعمته التي رتعت (¬1) الأعين منها في الروض الأنف، وألطافه التي وقف الشاكر عليها، فليس له عنها منصرف. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة توجب من المخاوف أمنًا، وتسهل من الأمور ما كان حزنًا. وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي جبر من الدين وهنا، والذي أظهر من المكارم فنونًا لا فنًّا، صلى الله عليه وعلى آله الذين أضحت مناقبهم باقية لا تفنى، وأصحابه الذين أحسنوا في الدين فاستحقوا الزيادة بالحسنى، وبعد: فإن أولى الأولياء بتقديم ذكره، وأحقهم أن يصبح القلم راكعا وساجدا في تسطير مناقبه وبره، من سعى فأضحى سعيه للحمد متقدما، ودعا إلى طاعته فأجاب من كان منجدًا ومتهما، وما بدت يد المكرمات إلا كان لها زندا ومعصما، ولا استباح بسيفه حمى وغى إلا أضرم منه نارا، وأجرى منه دما. ولما كانت هذه المناقب الشريفة مختصة بالمقام العالي المولوي السلطاني الملكي الظاهري الركني شرفه الله وأعلاه. ذكره الديوان العزيز النبوي الإمامي المستنصري أعز الله سلطانه تنويهًا بشريف قدره، واعترافًا بصنيعه الذي تنفد العبارة المسهبة ولا تقوم بشكره. وكيف لا، وقد أقام للدولة العباسية، بعد أن أقعدتها زمانة (¬2) الزمان، وأذهبت ما كان لها من محاسن وإحسان، وعتب دهرها المسيء لها فأعتب (¬3) ، وأرضى عنها ¬

(¬1) ح: "وقعت". (¬2) الزمانة: الضعف. (¬3) أعتب: "أرضى".

زمنها. وقد كان صال عليها صولة مغضب، فأعاده لها سلما بعد أن كان عليها حربًا، وصرف إليها اهتمامه فرجع كل متضايق من أمورها واسعا رحبًا. ومنح أمير المؤمنين عند القدوم عليه حنوًّا وعطفا، وأظهر من الولاء رغبة في ثواب الله ما لا يخفى، وأبدى من الاهتمام بأمر الشريعة والبيعة أمرا لو رامه غيره لامتنع عليه، ولو تمسك بحبله متمسك لانقطع به قبل وصوله إليه، ولكن الله ادخر هذه الحسنة ليثقل بها ميزان ثوابه، ويخفف بها يوم القيامة حسابه والسعيد من خفف من حسابه. فهذه منقبة أبى الله إلا أن يخلدها في صحيفة صنعه، ومكرمة تضمنت لهذا البيت الشريف بجمعه، بعد أن حصل الإياس من جمعه. وأمير المؤمنين يشكر لك هذه الصنائع؛ ويعترف أنه لولا اهتمامك لاتسع الخرق على الراقع، وقد قلدك الديار المصرية والبلاد الشامية، والديار البكرية والحجازية، واليمنية والفراتية، وما يتجدد من الفتوحات غورًا ونجدًا، وفوض أمر جندها ورعاياها إليك حين أصبحت بالمكارم فردا، ولا جعل منها بلدًا من البلاد، ولا حصنا من الحصون يستثنى، ولا جهة من الجهات تعد في الأعلى ولا في الأدنى. فلاحظ أمور الأمة فقد أصبحت لها حاملا، وخلص نفسك من التبعات اليوم ففي غد تكون مسئولا لا سائلا، ودع الاغترار بأمر الدنيا فما نال أحد منها طائلا، وما رآها أحد بعين الحق إلا رآها حائلًا زائلًا؛ فالسعيد من قطع منها آماله الموصولة، وقدم لنفسه زاد التقوى؛ فتقدمة غير التقوى مردودة لا مقبولة. وابسط يدك بالإحسان، والعدل فقد أمر الله بالعدل وحث على الإحسان، وكرر ذكره في مواضع القرآن، وكفر به عن المرء ذنوبا كتبت عليها وآثاما، وجعل يومًا واحدا منها كعبادة العابد ستين عاما، وما سلك أحد سبيل العدل إلا واجتنيت ثماره من أفنان، ورجع الأمر به بعد تداعي أركانه، وهو مشيد الأركان، وتحصن به من حوادث زمانه؛ والسعيد من تحصن من حوادث الزمان.

وكانت أيامه في الأيام أبهى من الأعياد، وأحسن في العيون من الغرر في أوجه الجياد، وأحلى من العقود إذا حلى بها عاطل الأجياد. وهذه الأقاليم المنوطة بك تحتاج إلى نواب وحكام، وأصحاب رأي من أصحاب السيوف والأقلام؛ فإذا استعنت بأحد منهم في أمورك، فنقب عليه تنقيبا، واجعل عليه في تصرفاته رقيبًا، واسأل عن أحواله ففي يوم القيامة تكون عنه مسؤولا، وبما اجترم (¬1) مطلوبا. ولا تول منهم إلا من تكون مساعيه حسنات لك لا ذنوبا. وأمرهم بالأناة في الأمور والرفق، ومخالفة الهوى إذا ظهرت أدلة الحق، وأن يقابلوا الضعفاء في حوائجهم بالثغر الباسم والوجه الطلق؛ وألا يعاملوا أحدًا على الإحسان والإساءة إلا بما يستحق، وأن يكونوا لمن تحت أيديهم من الرعايا إخوانا، وأن يوسعوهم برا وإحسانا، وألا يستحلوا حرماتهم إذا أستحل الزمان لهم حرمانا، فالمسلم أخو المسلم ولو كان أميرا عليه وسلطانا. والسعيد من نسج ولاته في الخير على منواله، واستنوا (¬2) بسنته في تصرفاته وأحواله، وتحملوا عنه ما تعجز قدرته عن حمل أثقاله؛ ومما يؤمرون به أن يمحى ما أحدث من سيئ السنن، وجدد من المظالم التي هي من أعظم المحن، وأن يشترى بإبطالها المحامد، فإن المحامد رخيصة بأغلى ثمن. ومهما جبي منها من الأموال فإنما هي باقية في الدم حاصلة، وأجياد الخزائن وإن أضحت بها حالية؛ فإنما هي على الحقيقة منها عاطلة؛ وهل أشقى ممن احتقب (¬3) إثما، وأكتسب بالمساعي الذميمة ذما، وجعل السواد الأعظم له يوم القيامة خصما، وتحمل ظلم الناس فيما صدر عنه من أعماله، وقد خاب من حمل ظلما! وحقيق بالمقام الشريف المولوي السلطان الملكي الظاهري الركني أن تكون ¬

(¬1) السلوك: "أجرم". (¬2) ط: "استنوا". (¬3) احتقب: حمل.

ظلامات الأنام مردودة بعدله، وعزائمه تخفف ثقلا لا طاقة له بحمله؛ فقد أضحى على الإحسان قادرا، وصنعت له الأيام ما لم تصنعه لغيره ممن تقدم من الملوك وإن جاء آخرًا. فاحمد الله على أن وصل إلى جانبك إمام هدى أوجب لك مزية التعظيم، ونبه الخلائق على ما فضل الله به من هذا الفضل العظيم. وهذه أمور يجب أن تلاحظ وترعى، وأن يوالي عليها حمد الله؛ فإن الحمد يجب عليها عقلا وشرعا، وقد تبين أنك صرت في الأمور أصلًا وصار غيرك فرعا. ومما يجب أيضا تقديم ذكره أمر الجهاد الذي أضحى على الأمة فرضًا، وهو العمل الذي يرجع به مسود الصحائف مبيضًّا. وقد وعد الله المجاهدين بالأجر العظيم، وأعد لهم عنده المقام الكريم، وخصهم بالجنة التي لا لغو فيها ولا تأثيم. وقد تقدمت لك في الجهاد يد بيضاء أسرعت في سواد الجهاد، وعرفت منك عزيمة هي أمضى مما تجنه ضمائر الأغماد، وأشهى إلى القلوب من الأعياد، وبك صان الله حمى الإسلام من أن يبتذل، وبعزمك حفظ على المسلمين نظام هذه الدول؛ وسيفك أثر في قلوب الكافرين قروحًا لا تندمل، وبك يرجى أن يرجع من الخلافة ما كان عليه في الأيام الأول. فأيقظ لنصرة الإسلام جفنا ما كان غافيا ولا هاجعا، وكن في مجاهدة أعداء الله إمامًا متبوعا لا تابعا، وأيد كلمة التوحيد فما تجد في تأييدها إلا مطيعا سامعا (¬1) ، ولا تخل الثغور من اهتمام بأمرها تبسم لك الثغور، واحتفال يبدل ما دجى من ظلماتها بالنور، واجعل أمرها على الأمور مقدما، وشيد منها كل ما غادره العدو منهدمًا؛ فهذه حصون بها يحصل الانتفاع، وهي على العدو داعية الافتراق والاجتماع، وأولاها بالاهتمام ما كان ¬

(¬1) ط: "متابعا".

البحر له مجاورًا، والعدو له متلفتًا ناظرًا؛ لا سيما ثغور الديار المصرية، فإن العدو وصل إليها وأتى وراح خاسرا، واستأصلهم الله فيها حتى ما أقال منهم عاثرا. وكذلك أمر الأسطول الذي تزجى خيله كالأهلة، وركائب سائقه بغير سائق مستقلة، وهو أخو الجيش السليماني، فإن ذاك غدت الرياح له حاملة، وهذا تكفلت بحملة المياه السائلة. وإذا لحظها جارية في البحر كانت كالأعلام، وإذا شبهها قال: هذه ليال تقلع بالأيام. وقد ساق الله لك من السعادة كل مطلب، وآتاك من أصالة الرأي الذي يريك المغيب، وبسط بعد القبض منك الأمل، ونشط بالسعادة ما كان من كسل. وهداك إلى مناهج الحق وما زلت مهتديًا إليها، وألزمك المراشد ولا تحتاج إلى تنبيه عليها. والله يمدك بأسباب نصره، ويوزعك شكر نعمه، فإن النعمة تستتم بشكره (¬1) ! ثم ركب السلطان بهذه الأبهة والقيد في رجليه، والطوق في عنقه، والوزير بين يديه، وعلى رأسه التقليد، والأمراء والدولة مشاة سوى القاضي والوزير. فشق القاهرة وقد زينت له، وكان يومًا عظيمًا. ثم طلب الخليفة من السلطان أن يجهزه إلى بغداد، فرتب له جندا، وأقام له كل ما يحتاج إليه، وعزم عليه ألف ألف دينار. وسار السلطان صحبته إلى دمشق، فدخلاها يوم الاثنين سابع ذي القعدة، وصليا فيها الجمعة. ثم رجع السلطان إلى مصر وسار الخليفة ومعه ملوك الشرق، ففتح الحديثة (¬2) ثم هيت، فجاءه عسكر من التتار فتصافوا، فقتل من المسلمين جماعة، وعدم الخليفة، فلا يدرى: أقتل (¬3) أم هرب! وذلك في ثالث المحرم سنة ستين. فكانت خلافته دون ستة أشهر. ¬

(¬1) التقليد في السلوك 1: 453-457. (¬2) ح، ط: "الحديث"، والصواب ما أثبته من تاريخ الخلفاء 478. (¬3) تاريخ الخلفاء: "فقيل: قتل هو والظاهر، وقيل: سلم وهرب فأضمرته البلاد".

وكان ممن شهد الواقعة معه وهرب فيمن هرب أبو العباس أحمد بن الأمير أبي علي الحسن القبي (¬1) بن الأمير علي بن الأمير أبي بكر أمير المؤمنين المسترشد بالله فقصد الرحبة، وجاء إلى عيسى بن مهنا، فكاتب فيه الملك الظاهر (¬2) فطلبه، فقدم القاهرة ومعه ولده وجماعة، فدخلها في سابع عشر ربيع الآخر فتلقاه السلطان، وأظهر السرور به، وأنزله بقلعة الجبل، وأغدق عليه، واستمر بقية العام بلا مبايعة، والسكة تضرب باسم المستنصر المقتول أول العام. فلما كان يوم الخميس ثامن المحرم سنة إحدى، وستين جلس السلطان مجلسا عاما، وجاء أبو العباس المذكور راكبًا إلى الإيوان الكبير، وجلس مع السلطان، وذلك بعد ثبوت نسبه، فقرئ نسبه على الناس، ثم أقبل عليه السلطان وبايعه بإمرة المؤمنين. ثم اقبل هو على السلطان، وقلده الأمور، ثم بايعه الناس على طبقاتهم، ولقب الحاكم بأمر الله؛ وكان يوما مشهودا. فلما كان من الغد يوم الجمعة خطب الخليفة بالناس، فقال في خطبته: الحمد لله الذي أقام لآل العباس ركنًا وظهيرًا، وجعل لهم من لدنه سلطانا نصيرا، أحمده على السراء والضراء، وأستعينه على شكر ما أسبغ من النعماء، وأستنصره على الأعداء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعلى آله وصحبه نجوم الاهتداء، وأئمة الاقتداء "لا سيما" (¬3) الأربعة الخلفاء، وعلى العباس عمه، وكاشف غمه، وعلى السادة (¬4) الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين، وعلى بقية الصحابة والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. ¬

(¬1) ضبطه في تاريخ الخلفاء: "بضم القاف وتشديد الباء الموحدة". (¬2) تاريخ الخلفاء: "فطالع به الناصر صاحب دمشق". (¬3) من البداية والنهاية لابن كثير. (¬4) ابن كثير: "أبى السادة".

أيها الناس، اعلموا أن الإمامة فرض من فروض الإسلام، والجهاد محتوم على جميع الأنام، ولا يقوم علم الجهاد، إلا باجتماع كلمة العباد، ولا سبيت الحرم إلا بانتهاك المحارم، ولا سفتن الدماء إلا بارتكاب المآثم، فلو شاهدتم أعداء (¬1) الإسلام حين دخلوا دار السلام، واستباحوا الدماء والأموال، وقتلوا الرجال والأطفال "وسبوا الصبيان والبنات، وأيتموهم من الآباء والأمهات"، وهتكوا حرم الخلافة والحريم، وأذاقوا من استبقوا العذاب الأليم؛ فارتفعت الأصوات بالبكاء والعويل، وعلت الضجات من هول ذلك اليوم الطويل؛ فكم من شيخ خضبت شيبته بدمائه، وكم من طفل بكى فلم يرحم لبكائه! فشمروا ساق الاجتهاد في إحياء فرض الجهاد. {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (¬2) ، فلم تبق معذرة في القعود عن أعداء الدين، والمحاماة عن المسلمين. وهذا السلطان الملك الظاهر، السيد الأجل العالم العادل المجاهد المؤيد، ركن الدنيا والدين، قد قام بنصر الإمامة عند قلة الأنصار، وشرد جيوش الكفر بعد أن جاسوا خلال الديار، فأصبحت البيعة باهتمامه منتظمة العقود، والدولة العباسية به متكاثرة الجنود. فبادروا عباد الله إلى شكر هذه النعمة، وأخلصوا نياتكم تنصروا، وقاتلوا أولياء الشيطان تظفروا، ولا يرد عنكم ما جرى؛ فالحرب سجال والعاقبة للمتقين. والدهر يومان والآخر للمؤمنين؛ جمع الله على التقوى أمركم، وأعز بالإيمان نصركم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين. فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم (¬3) . ¬

(¬1) في الأصول: "أهل"، والصواب ما أثبته من ابن كثير. (¬2) سورة التغابن: 16. (¬3) نقلها ابن كثير في البداية والنهاية 13: 228.

ثم خطب الثانية، ونزل فصلى بالناس، وكتب بيعته إلى الآفاق ليخطب له، وتكتب السكة باسمه. قال أبو شامة: فخطب له بجامع دمشق وبسائر الجوامع يوم الجمعة سادس عشر المحرم (¬1) . قال ابن فضل الله: ونقش اسمه على السكة، وضرب بها الدينار والدرهم. قال: ثم خاف الظاهر عاقبة أمره، فأسكنه عنده في القلعة، وعند حريمه وخدمه وغلمانه، موسعًا عليه في النفقات والكساوي، يتردد إليه العلماء والقراء على أكمل ما يكون من أنواع الإكرام، وملاحظة جانب الإجلال والمهابة، ممنوعا من اجتماع أحد من أهل الدولة. ثم أسقط اسمه من سكة النقود، وأبقاه على المنابر. ثم لاحظه الملك الأشرف خليل بن قلاوون أتم من تلك الملاحظة، ورعى لود نعمة الخلافة فيه حقها، من جميل المحافظة. انتهى. قال غيره: وقد خطب بالقلعة مرة ثانية يوم الجمعة رابع شوال سنة تسعين بسؤال الملك الأشرف له في ذلك، وذكر في خطبة توليته السلطنة للأشرف. ثم خطب مرة ثالثة بالمنصورية بحضرة السلطان والقضاة، وحض على غزو التتار واستنقاذ بلاد العراق من أيديهم؛ وذلك في ذي القعدة سنة تسعين. ثم خطب مرة رابعة في التاسع والعشرين من ربيع الأول سنة إحدى وتسعين، وحث على الجهاد والتنفير، وصلى بالناس الجمعة، وجهر بالبسملة. قال الذهبي في العبر: آخر خليفة خطب يوم الجمعة الراضي بالله، ولم يخطب بعده خليفة إلى الحاكم العباسي هذا، فإنه خطب في خلافته. انتهى. ¬

(¬1) نقله ابن كثير في البداية والنهاية 3: 238.

قال ابن فضل الله: ثم لما ملك المنصور لاجين زاد في إكرامه، وصرفه في الركوب والنزول، فبرز إلى قصر الكبش، وسكن به. ثم إنه حج في سنة سبع وتسعين، فأعطاه المنصور لاجين سبعمائة ألف درهم، ورجع من الحج، فأقام بمنزله إلى أن مات ليلة الجمعة ثامن عشر جمادى الأولى سنة إحدى وسبعمائة، ودفن بجوار السيدة نفيسة في قبة بنيت له؛ وهو اول خليفة مات بها من بني العباس. وأرسل نائب السلطنة الأمير سلار خلف كل من في البلد من الأمراء والقضاة والعلماء، والصوفية ومشايخ الزوايا والربط وغيرهم؛ حتى حضروا الصلاة عليه. وولي الخلافة بعده بعهد منه ولده أبو الربيع سليمان، ولقب المستكفي بالله، وخطب له على المنابر بالبلاد المصرية والشامية، وسارت البشارة بذلك إلى جميع الأقطار والممالك الإسلامية. قال ابن كثير: قدم البريد من القاهرة سادس جمادى الآخرة، فأخبر بوفاة أمير المؤمنين الحاكم ومبايعة المستكفي، وأنه حضر جنازته الناس كلهم مشاة (¬1) . فخطب يوم الجمعة تاسع جمادى الآخرة للخليفة المستكفي بجامع دمشق، وكتب له تقليد بالخلافة، وقرئ بحضرة السلطان والدولة يوم الأحد العشرين من ذي الحجة، ولم يكن السلطان أمضى له عهد والده؛ حتى سأل الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد، وهو قاضي القضاة يومئذ: هل يصلح للخلافة أم لا؟ فقال الشيخ تقي الدين: نعم يصلح، وإنما احتيج إلى ذلك؛ لأنه كان صغير السن، لم يبلغ عشرين سنة، فإن مولده في أربع وثمانين ¬

(¬1) بعدها في ابن كثير 14: 18، "ودفن بالقرب من الست نفيسة، وله أربعون سنة في الخلافة"، وقدم مع البريد تقليد بالقضاء لشمس الدين الحريري الحنفي.

وستمائة، وكان له ابن أخ أسن منه، فكان ينازعه الأمر، فلما أشار الشيخ باستخلافه، أمضى عهد والده، وهذه صورة العهد: الحمد لله الذي رفع المستكفي به لما انتصب بشريف همته للمحل الأسمى، ومنح الأمة به ربيع خفض العيش، وجزم أمرهم على الصلاح والتوفيق جزمًا، وأدام الأئمة من قريش، ونظم لآلئ حكم أحكامهم في جيد الزمان نظما، وجعل الناس تبعا لهم في هذا الأمر، فغيرهم بالخلافة المعظمة لا يدعى ولا يسمى، فالحاكم الحسن المسترشد المستظهر بذخيرة الدين القائم بأمر الله القادر المقتدر المعتضد الموفق المتوكل المعتصم الرشيد المهدي الكامل من اقتفى لسنن سنتهم رسمًا، استودع الخلافة في بني العباس الذي كان لنبيه الكريم عمًّا، وفرج عنه ليلة العقبة بمبايعة الأنصار كربة وغما، فبشره بأن الخلافة في عقبه فعمه بالسرور عما. فلما انتهى ذلك السر في العوالم إلى الحاكم قيل وقد أمسكت هيبة الخلافة عن معرفة حقوقها العظيمة من كل عظيم فما {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} (¬1) . أحمده حمد من لم يثن عن طاعته، وطاعة رسوله وأولي الأمر عزما، ويورثها من يشاء من خلقه اختيارا ورغما، واشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي دعا إلى مودة أولي القربى، ومن أفضل من قرابته زكاة وأقرب رحمًا، صلى الله عليه وآله وصحبه وخلفائه وعترته، الذين هم أعدل البرية حكما، وبعد: فإن الملك السلام منذ أسجد لآدم ملائكته الكرام في سالف الزمان قدمًا، جعل طاعة خلفائه في بلاده على سائر عباده حتمًا، كيف لا وبهم يعمر الوجود، وتقام الحدود وتهدم أركان الجحود هدمًا، فبحياتهم تأمن البلاد وربما صادف قرب وفاتهم أن لبس القمر ليلة التم حلة السواد وأخفى جرما. ولما كان سنة من تقدم من الأئمة الخلفاء إذا ¬

(¬1) الأنبياء: 79.

خاف أن يهجم عليه الحمام هجمًا، أو تهدي إليه الأيام ألمًا وسقًا، تفويض الأمر بولاية العهد على الخلق لخير ذويه وبنيه نجدة وحزما، أشهد على نفسه الشريفة مولانا الإمام الحاكم -والحاكم عليه تقواه- المراقب لله في سره ونجواه، الحاكم بأمر الله أمير المؤمنين وخليفة رب العالمين، أبن عم سيد المرسلين، وارث الخلفاء الراشدين، أبو العباس أحمد بن الأمير الحسن بن الأمير أبي بكر بن الأمير علي القبي بن أمير المؤمنين الراشد بالله بن أمير المؤمنين المسترشد بالله أبي منصور الفضل بن أمير المؤمنين المستظهر بالله أبي العباس أحمد بن أمير المؤمنين أبي القاسم عبد الله بن المرحوم الذخيرة للدين، ولي عهد المسلمين محمد بن الإمام القائم بأمر الله أبي عبد الله محمد بن القادر بالله أبي العباس أحمد بن أمير المؤمنين أبي الفضل جعفر المقتدر بالله بن أمير المؤمنين المعتضد بالله أبي العباس بن الأمير محمد الموفق بالله طلحة، ولي عهد المسلمين بن أمير المؤمنين، جعفر المتوكل بن أمير المؤمنين أبي إسحاق محمد المعتصم بن أمير المؤمنين، هارون الرشيد بن أمير المؤمنين محمد المهدي أمير المؤمنين، عبد الله المنصور بن محمد الكامل بن علي السجاد بن عبد الله حبر الأمة بن العباس بن عبد المطلب، عم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أعز الله به الدين، وأمتع ببقاء نسله الشريف الإسلام والمسلمين؛ وهو في حالة يسوغ معها الشهادة عليه، ويرجع في الأمور المنوطة للخلافة الشريفة إليه: أنه عهد إلى ولده لصلبه الإمام المستكفي بالله أبي الربيع سليمان، شيد الله به أركان الإيمان، ونصر ببركة سلفه العصابة المحمدية على أهل الكفر والطغيان، وجعله ولي عهده، واستخلفه من بعده، لما علمه من أهليته وعدالته وكفالته، وصلاحه لذلك وكفايته، وشخصه لشهود هذا المكتوب الشريف، ونبه على استحقاقه لذلك ومحله العالي المنيف، عهدًا صحيحًا شرعيًّا، معتبرًا تامًّا مرعيًّا، وفوض إليه أمر الخلافة المعظمة تفويضًا شرعيًّا صريحًا، وعقد له عقد ولاية العهد على الأمة عقدًا صحيحًا، وقبل

ذلك من القبول الشرعي المعتبر المرضي، فالله تعالى يجمع به كلمة الإسلام، ويصحبه في خلافته الشريفة رأيًا موفقا، ويقمع ببركة سلفه الكرام أهل الطغيان، ويهيئ له من أمره مرفقًا؛ بمنه وكرمه آمين. والحمد لله رب العالمين، وصلاته على سيد المرسلين نبيه، وآله وصحبه أجمعين. وبه شهد في اليوم المبارك السابع عشر من جمادى الأولى سنة إحدى وسبعمائة، أحسن الله العقبى في ختامها، وأجرى الخيرات فيما بقي من شهورها وأيامها، وشهد عليه بذلك أربعة شهود، ورسموا خطوطهم تحت نسخة العهد بما نصه: أشهدني مولانا الإمام جامع كلمة الإيمان، ناظم شمل الإسلام، سيد الخلفاء الأعلام، إمام المسلمين، والمناضل عن شريعة سيد المرسلين -الحاكم بأمر الله أمير المؤمنين، أعز الله به الدين، وأمتع ببقائه الإسلام والمسلمين، على نفسه الزكية الشريفة، وهو على الحالة التي يسوغ معها تحمل الشهادة عليه بما نسب إليه أعلاه وشخص، إلى مولانا وسيدنا الإمام المستكفي بالله أمير المؤمنين في التاريخ المذكور فيه، وثبت هذا العهد على قاضي القضاة شمس الدين الحنفي. وكتب صورة الإسجال بما نصه: ثبت إشهاد مولانا الإمام الحاكم بأمر الله أمير المؤمنين، سليل الأئمة المهديين، بركة الإسلام والمسلمين، المنتظم به عقد جواهر زواهر أحكام الدين، ابن عم سيد المرسلين، أبي العباس بن أحمد الراقي بهمة شرفه أعالي الدرجات، المنقول برحمة الله ومنه، وحسن سيرته إلى روضات الجنات، المشار إليه بأعاليه، قرن الله بمن خلّفه خَلْفَه تأييدًا وتسديدًا وتوفيقا، وقرب له إلى مشاهدة ابن عمه والخلفاء الراشدين في دار كرامته طريقًا، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين، والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

وإشهاد ولده لصلبه ولي عهده للخلافة الشريفة المعظمة من بعده مولانا الإمام المستكفي بالله أبي الربيع سليمان، ثبت الله به أركان الإيمان، وسلك به مسالك الخلفاء الراشدين، وآبائه الطاهرين التابعين لهم بإحسان، وبارك الأمة المحمدية فيه، ونصرهم ببركة سلفه على أهل الطغيان، على أنفسهما الشريفة المكرمة، الطاهرة الزاكية المعظمة، بجميع ما نسب إليهما في كتاب العهد الشريف المسطر بأعاليه، على ما نص وشرح فيه المؤرخ بالسابع عسر من جمادى الأولى سنة تاريخ هذا الإسجال، ثبوتًا صحيحًا شرعيًّا، معتبرا تامًّا مرعيًّا، عند سيدنا ومولانا العبد الفقير إلى الله تعالى الكريم، الحامد فيض فضله العميم، قاضي القضاة، حاكم الحكام، مفتي الأنام، حجة الإسلام، عمدة العلماء الأعلام، شمس الدين، خالصة أمير المؤمنين، أبي العباس أحمد بن الشيخ الصالح الورع الزاهد، برهان الدين أبي إسحاق إبراهيم بن عبد الغني الحنفي، عامله الله بلطفه الخفي، الناظر في الحكم بالقاهرة، ومصر المحروستين، وسائر أعمال الديار المصرية بالتولية الصحيحة الشرعية. أدام الله أيامه الزاهرة، وجمع له بين خيري الدنيا والآخرة؛ وذلك بشهادة الشهود المعلم لهم بالأداء أعلاه، بعد أن أقام كل واحد منهم شهادته بذلك بشروط الأداء المعتبرة، وذلك أنه شهد على مولانا الإمام الحاكم بأمر الله المشار إليه، تغمده الله بالرحمة والرضوان، وأسكنه فسيح الجنان؛ وهو على الحالة التي تسوغ معها الشهادة عليه أحسن الله في آخرته إليه. فقبل ذلك منه، وأعلم له ما جرت به العادة من علامة الأداء، والقبول على الرسم المعهود في مثله. وحكم مولانا قاضي القضاة شمس الدين الحاكم المذكور، وقاه الله كل محظور، بذلك كله الحكم الشرعي، المعتبر المرعي، وأجاز ذلك وأمضاه، واختاره وارتضاه، وألزم ما اقتضاه مقتضاه، بسؤال من جازت مسألته، وسوغت في الشريعة المطهرة إجابته، وذلك بعد استيفاء الشرائط الشرعية، والقواعد المحررة المرعية، وتقدم الدعوى المعتبرة المرضية. وتقدم هذا الحاكم وفقه الله لمراضيه،

وأعانه على ما هو متوليه، بكتابه هذا الإسجال، فكتب عن إذنه الكريم على هذا المنوال، بعد قراءته وقراءة ما يحتاج إلى قراءته من كتابة العهد الشريف المسطر أعلاه، على شهود هذا الإسجال، وهو وهم يستمعون لذلك في اليوم المبارك من العشر الأخير من جمادى الأولى سنة إحدى وسبعمائة، أحسن الله تقضيها في خير وعافية. وبايعه السلطان والقضاة والأعيان، وألبس جبة سوداء وطرحة (¬1) سوداء، وخلع على أولاد أخيه خلع الأمراء، وأشهد عليه أنه ولى الملك الناصر جميع ما ولاه والده، وفوضه إليه. ثم نزل إلى داره بالكبش، ونقش اسمه على سكة الدينار والدرهم. ثم رسم السلطان في جمادى الآخرة بأن ينتقل الخليفة، وأولاده وجميع من يلوذ به إلى القلعة إكرامًا لهم. فنزلوا في دارين، وأجرى عليهم الرواتب الكثيرة، واستمر دهرًا وهو والسلطان كالأخوين يلعبان بالأكرة، ويخرجان إلى السرحات وسافرا معا إلى غزوة التتار نوبة غازيين، حتى وشى الواشين بينهما، فتغير خاطر الناصر منه، وذلك في سنة ست وثلاثين. فأمره أن ينتقل من القلعة إلى مناظر الكبش (¬2) حيث كان أبوه ساكنًا، ثم أمره أن يخرج إلى قوص، فيقيم بها وذلك في ثامن عشر ذي الحجة سنة سبع وثلاثين، فخرج إليها هو وأولاده وأهله، وهم قريب من مائة نفس، ورتب له على واصل المكارم أكثر مما كان له بمصر، وتوجع الناس لذلك كثيرًا. قال الحافظ ابن حجر: وكان يطول مدته خطبته له على المنابر؛ حتى في مدة إقامته بقوص، واستمر بها إلى أن مات في شعبان سنة أربعين وسبعمائة، ودفن بها، وقد عهد ¬

(¬1) الطرحة: ملبوس القضاء. (¬2) مناظر الكبش: كانت على جبل يشكر بجوار الجامع الطولوني، وتعرف اليوم باسم قلعة الكبش.

بالخلافة إلى ابنه أحمد وأشهد عليه أربعين عدلا، وأثبت ذلك على قاضي قوص. فلما بلغ الناصر ذلك لم يلتفت إلى ذلك العهد، وطلب ابن أخي المستكفي إبراهيم ابن ولي العهد المستمسك بالله أبي بكر عبد الله محمد بن الحاكم بأمر الله أبي العباس أحمد، وكان جده الحاكم عهد إلى ابنه محمد، ولقبه المستمسك بالله، فمات في حياته. فعهد إلى ابنه إبراهيم هذا ظنا أنه يصلح للخلافة، فرآه غير صالح لما هو فيه من الانهماك في اللعب، ومعاشرة الأرذال، فنزل عنه، وعهد إلى ولد صلبه المستكفي، وهو عم إبراهيم؛ وكان إبراهيم قد نازعه لما مات الحاكم، فلم يلتفت إلى منازعته اعتمادا على قول الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد، فأقام على ضغينته حتى كان هو السبب في الوقيعة بينه، وبين عمه وبين الناصر، وجرى ما جرى. فلم يمض الناصر عهد المستكفي لولده، وبايع إبراهيم هذا في يوم الاثنين ثالث رمضان، ولقب الواثق بالله، وراجع الناس السلطان في أمره، ووسموه بسوء السيرة، خصوصًا قاضي القضاة عز الدين بن جماعة، فإنه جهد كل الجهد في صرف السلطان عنه، فلم يفعل؛ وما زال بهم حتى بايعوه. ثم إن الله فجع الناضر بموت أعز أولاده الأمير أنوك، فكانت أول عقوباته ولم يمتع بالملك بعد وفاة المستكفي، فأقام بعده سنة وأياما، وأهلكه الله. وقد قيل: إن وفاة المستكفي كانت سنة إحدى وأربعين، فعلى هذا لم يتم الحول على الناصر، حتى مات بعد ثلاثة أشهر؛ سنة الله فيمن مس أحدًا من الخلفاء بسوء، فإن الله يقصمه عاجلا، وما يدخره له في الآخرة من العذاب أشد. ثم إن الله انتقم من الناصر في أولاده فسلط عليهم الخلع، والحبس والتشريد في

البلاد والقتل، فجميع من تولى الملك من ذريته؛ إما أن يخلع عاجلا، وإما أن يقتل (¬1) ؛ فأول ولد تولى بعده، عوجل بخلعه ونفيه إلى قوص، حيث كان سير الخليفة، ثم قتل بها. وغالب من تولى من ذريته لم تطل مدته كما سيأتي. وقد أقام الناصر في قوص نيّفًا وأربعين سنة، وتولى من ذريته اثنا عشر نفرا، لم يتموا هذه المدة، بل عجلوا واحدا في إثر واحد، فما أشبههم إلا بملوك الفرس حيث قال الكاهن لكسرى لما سقطت من إيوانه أربع عشرة شرفة ليلة ولد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يملك منكم أربعة عشر ملكا؛ ثم يذهب الملك منكم، فقال كسرى: إلى أن يمضي أربعة عشر ملكا تكون أمور وأمور! فانقرضوا في أقصر مدة، وكان آخرهم في زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه. ثم إن الله نزع الملك من ولد قلاوون، وأعطاه بعض مماليكهم، ولم يعد إليهم إلى وقتنا هذا، وبعض ذريته أحياء إلى الآن في أسوأ حال، دينًا ودينا. ومن تأمل بدائع صنع الله رأى العجب العجاب؛ ولكن أكثر الناس لا يعلمون، وإنما يتذكر أولو الألباب! ولما حضر الناصر الوفاة ندم على ما فعل من مبايعة إبراهيم، فأوصى الأمراء برد العهد إلى ولي عهد المستكفي، فلما تسلطن ولده أبو بكر المنصور عقد مجلسا يوم الخميس حادي عشر ذي الحجة سنة إحدى وأربعين، وطلب الواثق إبراهيم وولي العهد أحمد بن المستكفي والقضاة، وقال: من يستحق الخلافة شرعا؟ فقال ابن جماعة: إن الخليفة المستكفي المتوفى بمدينة قوص أوصى بالخلافة من بعده لولده أحمد، وأشهد عليه أربعين عدلا بمدينة قوص، وثبت ذلك عندي بعد ثبوته على نائبي بمدينة قوص. فخلع السلطان الواثق حينئذ وبايع أحمد، وبايعه القضاة. ¬

(¬1) ح، ط: "قتل بها".

قال الحافظ ابن حجر. ولقب أولا بالمستنصر، ثم لقب الحاكم بأمر الله لقب جده، وكتب له ابن فضل الله صورة المبايعة؛ وهي هذه: بسم الله الرحمن الرحيم: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} (¬1) ، هذه بيعة رضوان وبيعة إحسان، وبيعة رضا يشهدها الجماعة، ويشهد عليها الرحمن. بيعة يلزم طائرها العنق، ويحوم بسائرها وكل أنبائها البراري والبحار مشحونة الطرق، بيعة يصلح الله بها الأمة، ويمنح بسببها النعمة، ويتجارى الرفاق، ويسري الهناء في الآفاق، وتتزاحم زهر الكواكب على حوض المجرة الدقاق. بيعة سعيدة ميمونة، بها السلامة في الدين والدنيا مضمونة، بيعة صحيحة شرعية، بيعة ملحوظة مرعية، تسابق إليها كل نية، وتطاوع كل طوية، ويجمع عليها شتات البرية. بيعة يستهل بها العام، ويتهلل البدر التمام، بيعة متفق على الإجماع عليها، والإجماع يبسط الأيدي إليها، انعقد عليها الإجماع فاعتقد صحتها من سمع لله وأطاع، وبذل في تمامها كل امرئ ما استطاع، حصل عليها اتفاق الأبصار والأسماع، ووصل بها الحق إلى مستحقه، وأقر الخصم وانقطع النزاع. تضمنها كتاب مرقوم يشهده المقربون، وتلقاه الأئمة الأقربون. {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} (¬2) ، ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس، وإلينا بحمد الله وإلى بني العباس. أجمع على هذه البيعة أرباب العقد والحل، من أصحاب الكلام فيما قل وجل وولاة الأمور والحكام، وأرباب المناصب والأحكام، وحملة العلم والأعلام، وحماة السيوف والأقلام، وأكابر ¬

(¬1) سورة الفتح: 10. (¬2) سورة الأعراف: 43.

بني عبد مناف، ومن انخفض قدره وأناف، وسروات (¬1) قريش ووجوه بني هاشم، والبقية الطاهرة من بني العباس، وخاصة الأئمة وعامة الناس، بيعة ترى بالحرمين خيامها، ويخفق بالمأزِمين أعلامها، وتتعرف عرفات بركاتها، وتعرف بمنى ويؤمن عليها يوم الحج الأكبر، ويوم ما بين الركن والمقام والمنبر، ولا يبتغى بها إلا وجه الله الكريم. بيعة لا يحل عقدها، ولا ينبذ عهدها، لازمة جازمة، دائبة دائمة، تامة عامة شاملة كاملة، صحيحة صريحة، متعبة مريحة، ولا من يوصف بعلم ولا قضاء، ولا من يرجع إليه في اتفاق ولا إمضاء، ولا إمام مسجد ولا خطيب، ولا ذو فتوى يسأل فيجيب، ولا من حشى المساجد (¬2) ، ولا من تضمهم أجنحة المحاريب، ولا من يجتهد في رأي فيخطئ أو يصيب، ولا مجادل بحديث (¬3) ، ولا متكلم في قديم وحديث، ولا معروف بدين وصلاح، ولا فرسان حرب وكفاح، ولا راشق بسهام ولا طاعن برماح، ولا ضارب بصفاح، ولا ساع بقدم ولا طائر بجناح، ولا مخالط الناس ولا قاعد في عزلة، ولا جمع تكسير (¬4) ولا قلة، ولا من يستقل بالجوزاء لواؤه، ولا من يعلو فوق الفرقدين ثواؤه، ولا باد ولا حاضر، ولا مقيم ولا سائر، ولا أول ولا آخر، ولا مسر في باطن ولا معلن في ظاهر، ولا عرب ولا عجم، ولا راعي إبل ولا غنم، ولا صاحب أناة ولا بدار، ولا ساكن في حضر وبادية بدار، ولا صاحب عمد ولا جدار، ولا ملجج في البحار الزاخرة والبراري القفار، ولا من يعتلي صهوات الخيل، ولا من يسبل على العجاجة الذيل، ولا من تطلع عليه شمس النهار ونجوم الليل، ولا من تظله السماء وتقله الأرض، ولا من تدل عليه الأسماء على اختلافها، وترفع درجات بعضهم على بعض؛ حتى آمن بهذه البيعة وأمن عليها، وآمن بها ومن الله عليه وهداه إليها، وأقر ¬

(¬1) ط: "وسراة". (¬2) تاريخ الخلفاء: "لزم المساجد". (¬3) تاريخ الخلفاء: "محدث". (¬4) تاريخ الخلفاء: "كثرة".

بها وصدق، وخفض لها بصره خاشعا وأطرق، ومد إليها يده بالمبايعة، ومعتقده بالمتابعة، ورضي بها وارتضاها، وأجاز حكمها على نفسه وأمضاها، ودخل تحت طاعتها. وعمل بمقتضاها، {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (¬1) . وإنه لما استأثر الله بعبده سليمان أبي الربيع الإمام المستكفي بالله أمير المؤمنين كرم الله مثواه، وعوضه عن دار السلام بدار السلام، ونقله مزكى به عن شهادة الإسلام، بشهادة الإسلام حيث آثره بقربه، ومهد لجنبه، وأقدمه على ما قدمه من مرجو عمله وكسبه، وحاز له في جواره فريقا، وأنزله مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين، والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. الله أكبر ليومه لولا مخلفة (¬2) كانت تضيق الأرض بما رحبت، وتجزى كل نفس بما كسبت، وتنبئ كل سريرة ما ادخرت وما خبأت (¬3) . لقد اضطرم سعير (¬4) إلا أنه في الجوانح، لقد اضطرب منبر وسرير لولا خلفه الصالح، لقد اضطرب مأمور وأمير لولا الفكر بعده في عاقبة المصالح؛ ولم يكن في النسب العباسي ولا في البيت المسترشدي، ولا في غيره من بيوت الخلفاء من بقايا آباء (¬5) وجدود، ولا من تلده أخرى الليالي وهي عاقر غير ولود؛ من تسلم إليه أمة محمد عقد نياتها، وسر طوياتها، إلا واحد وأين ذلك الواحد! هو والله من انحصر فيه استحقاق ميراث آبائه الأطهار، وتراث أجداده "الأخيار" (¬6) ، ولا شيء هو إلا ما اشتمل عليه رداء الليل والنهار؛ وهو ولد المنتقل إلى ربه، وولد الإمام الذاهب لصلبه، المجمع على أنه في الأيام فرد الأنام، وواحد وهكذا في الوجود الإمام، وأنه الحائز لما زرت عليه جيوب المشارق والمغارب، والفائز لملك (¬7) ما بين المشارق والمغارب، الرامي في صفيح (¬8) السماء هذه الذروة المنيفة، الراقي بعد الأئمة ¬

(¬1) الزمر: 75. (¬2) تاريخ الخلفاء: "محلفة". (¬3) تاريخ الخلفاء "جنت". (¬4) ط: "سعر" تحريف. (¬5) ط: "آبائهم". (¬6) من تاريخ الخلفاء. (¬7) تاريخ الخلفاء: "يملك". (¬8) تاريخ الخلفاء: "صفح".

الماضين ونعم الخليفة، المجتمع فيه شروط الإمامة، المتضع لله وهو ابن بيت لا يزال الملك فيهم إلى يوم القيامة، الذي يفضح السحاب نائله، والذي لا يعزه عادله (¬1) ولا يغيره (¬2) عاذله، والذي ما ارتقى صهوة المنبر بحضرة سلطان زمانه، إلا قال ناصره وقام قائمه، ولا قعد على سرير الخلافة إلا وعرف أنه ما خاب مستكفيه ولا غاب حاكمه، نائب الله في أرضه، والقائم مقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخليفته وابن عمه، وتابع عمله الصالح ووارث علمه، سيدنا ومولانا عبد الله، ووليه أبو العباس الإمام الحاكم بأمر الله، أمير المؤمنين، أيد الله ببقائه الدين، وطوق سيفه رقاب الملحدين، وكبت تحت لوائه المعتدين، وكتب له النصر إلى يوم الدين، وكب (¬3) بجهاده على الأذقان طوائف المفسدين، وأعاذ به الأرض ممن لا يدين بدين، وأعاد بعدله أيام آبائه الخلفاء الراشدين، والأئمة المهذبين، الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون، ونصر أنصاره، وقدر اقتداره، وأسكن في القلوب سكينته ووقاره، ومكن له في الجود وجمع له أقطاره. ولما انتقل إلى الله ذلك السيد ولقي أسلافه، ونقل إلى سرير الجنة عن سرير الخلافة، وخلا العصر من إمام يمسك ما بقي من نهاره، وخليفة يغالب مزيد الليل بأنواره، ووارث نبي بمثله ومثل آبائه استغنى "الوجود" (¬4) بعد ابن عمه خاتم الأنبياء عن نبي يقتفى على آثاره، ومضى ولم يعهد فلم يبق إذ لم يوجد النص إلا الإجماع، وعليه كانت الخلافة بعد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بلا نزاع، اقتضت المصلحة الجامعة عقد مجلس كل طرف منه معقود، وعقد بيعة عليها الله والملائكة شهود، وجمع الناس له وذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود؛ فحضر من لم يعبأ بعده بمن تخلف، ¬

(¬1) لا يعزه: لا يغلبه. وعادله: مساويه. (¬2) تاريخ الخلفاء: "لا يغره". (¬3) تاريخ الخلفاء: "كبته". (¬4) من تاريخ الخلفاء.

ولم ير بائعه وقد مد يده طائعا لمزيدها وقد تكلف، وأجمعوا على رأى واحد استخاروا الله فيه فخار، وأخذ يمين تمد لها الأيمان، ويشد بها الإيمان، وتعطى عليها المواثيق، وتعرض أمانتها على كل فريق؛ حتى تقلد كل من حضر في عنقه هذه الأمانة، وحط على المصحف الكريم يده وحلف بالله وأتم أيمانه، ولم يقطع ولا استثنى ولا تردد، ومن قطع عن غير قصد أعاد وجدد، وقد نوى كل من حلف أن النية في يمينه نية من عقدت له هذه البيعة، ونية من حلف له، وتذمم بالوفاء له في ذمته وتكفله، على عادة أيمان البيعة وشروطها وأحكامها المرددة، وأقسامها المؤكدة، بأن يبذل لهذا الإمام المفترض الطاعة الطاعة، ولا يفارق الجمهور ولا يفر عن الجماعة الجماعة، وغير ذلك مما تضمنته نسخ الأيمان المكتتب فيها أسماء من حلف عليها مما هو مكتوب بخطوط من يكتب منهم، وخطوط العدل الثقات عمن لم يكتبوا وأذنوا أن يكتب عنهم، حسبما يشهد به بعضهم على بعض، وتتصادق عليه أهل السماء والأرض، بيعة تم بمشيئة الله تمامها، وعم بالصوب المغدق غمامها؛ وقالوا: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن، ووهب لنا الحسن، ثم الحمد لله الكافي عبده، الوافي لمن تضاعف على كل موهبة حمده، ثم الحمد لله على نعمة يرغب (¬1) أمير المؤمنين في ازديادها، ويرهب إلا أن يقاتل أعداء الله بإمدادها، ويرأب بها من أثر في (¬2) منابر ممالكه ما بان من مباينة أضدادها؛ نحمده والحمد لله، ثم الحمد لله، كلمة لا يمل من تردادها، ولا تخل بما تفوق السهام من سدادها، ولا تبطل إلا على ما يوجب تكثير أعدادها، وتكبير أقدار أهل ودادها، وتصغير التحقير لا التحبيب لأندادها. ونشهد أن لا الله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تتقايس بدماء الشهداء وإمداد ¬

(¬1) في الأصول: "برغبة"، والأجود ما أثبته من تاريخ الخلفاء. (¬2) تاريخ الخلفاء: "من ارتقى منابر".

مدادها، وتتنافس طرر الشباب وغرر السحاب على استمدادها، وتتجانس رقومها المدبجة وما تلبسه الدولة العباسية من شعارها، والليالي من دثارها والأعداء من حدادها؛ صلى الله عليه وعلى جماعة أهله، ومن خلف من أبنائها وسلف من أجدادها، ورضي الله عن الصحابة أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد؛ فإن أمير المؤمنين لما ألبسه الله من ميراث النبوة ما كان لجده، ووهبه من الملك السليماني ما لا ينبغي لأحد من بعده، وعلمه منطق الطير بما تحمله حمائم النطائق (¬1) من بدائع البيان، وسخر له من البريد على متون الخيل ما سخره من الريح لسليمان، وآتاه من خاتم الأنبياء ما امتد به أبوه سليمان وتصرف، وأعطاه من الفخار به ما أطاعه كل مخلوق ولم يتخلف، وجعل له من لباس العباس ما يقضي سواده بسؤدد الأجداد، وينفض على ظل الهدب ما فضل عن سويداء القلب وسواد البصر من السواد، ويمد ظله على الأرض وكل مكان دار ملك وكل مدينة بغداد، وهو في ليله السجاد، وفي نهاره العسكري وفي كرمه جعفر وهو الجواد؛ يديم الابتهال إلى الله في توفيقه، والابتهاج بما يغص كل عدو بريقه. وتبدأ بعد (¬2) المبايعة بما هو الأهم من مصالح الإسلام، وصالح الأعمال فيما تتحلى به الأيام، ويقدم التقوى أمامه، ويقرر عليها أحكامه، ويتبع الشرع الشريف ويقف عنده ويوقف الناس، ومن لا يحمل أمره طائعا على العين يحمله غصبًا على الرأس، ويعجل أمير المؤمنين بما استقرت به النفوس، ويرد به كيد الشيطان إنه يئوس، ويأخذ بقلوب الرعايا وهو غني عن هذا ولكنه يسوس. وأمير المؤمنين يشهد الله وخلقه عليه، أنه أقر ولي كل أمر من ولاة أمور الإسلام ¬

(¬1) تاريخ الخلفاء: "البطائق". (¬2) تاريخ الخلفاء: "يوم".

على حاله، واستمر به في مقيله تحت كنف ظلاله، على اختلاف طبقات ولاة الأمور، وطرقات الممالك والثغور، برًّا وبحرًا، سهلًا ووعرًا، شرقًا وغربا، بعدًا وقربًا، وكل جليل وحقير، وقليل وكثير، وصغير وكبير، وملك ومملك (¬1) وأمير، وجندي يرى (¬2) له سيف شهير، ورمح ظهير، ومن مع هؤلاء من وزراء وقضاة وكتاب، ومن له تدقيق في إنشاء وتحقيق في حساب، ومن يتحدث في بريد وخراج، ومن يحتاج إليه ومن لا يحتاج، ومن في التدريس والمدارس، والربط والزوايا والخوانق، ومن له أعظم التعلقات وأدنى العلائق، وسائر أرباب المراتب، وأصحاب الرواتب، ومن له من الله رزق مقسوم، وحق مجهول أو معلوم، استمرارًا لكل امرئ على ما هو عليه، حتى يستخير الله ويتبين له ما بين يديه، فمن أزداد تأهيله زاد تفضليه، وإلا فأمير المؤمنين لا يريد إلا وجه الله، ولا يحابي أحدًا في دين الله، ولا يحابي حقًّا في حق؛ فأن المحاباة في الحق مداجاة على المسلمين، وكل ما هو مستمر إلى الآن مستقر على حكم الله مما فهمه الله له، وفهمه سليمان، لا يغير أمير المؤمنين في ذلك ولا في بعضه شكرًا لله على نعمه، وهكذا يجازي من شكر، ولا يكدر على أحد موردا نزه الله نعمه الصافية عن الكدر، ولا يتأول في ذلك متأول إلا من جحد النعمة أو كفر، ولا يتعلل متعلل؛ فإن أمير المؤمنين يعوذ بالله، ويعيذ أيامه [الغرر] (¬3) من الغير، وأمر أمير المؤمنين -أعلى الله أمره- أن يعلن الخطباء بذكره، وذكر سلطان زمانه على المنابر في الآفاق، وأن تضرب باسمهما النقود وتسير بالإطلاق، ويوشح بالدعاء لهما عطف الليل والنهار، ويصرح منه بما يشرق به وجه الدرهم والدينار. ¬

(¬1) تاريخ الخلفاء: "ومالك ومملوك". (¬2) تاريخ الخلفاء: "يبرق له". (¬3) من تاريخ الخلفاء.

وقد أسمع أمير المؤمنين في هذا المجمع المشهود ما يتناقله كل خطيب، ويتداوله كل بعيد وقريب، ومختصره أن الله أمر بأوامر ونهى عن نواه وهو رقيب، وسيفرغ لها الأولياء السجايا، ويفرع الخطباء لها شعوب الوصايا، وتتصل بها المزايا، وتخرج من المشايخ الخبايا من الزوايا، ويسمر (¬1) بها السمار ويترنم بها الحادي والملاح، ويرق شجوها في الليل المقمر ويرقم على جبين الصباح، وتعظ بها مكة بطحاءها، ويحيا بحُدَائها فناه، ويلقنها كل أب فهمه ابنه ويسأل كل ابن نجيب أباه: وهو لكم أيها الناس من أمير المؤمنين من سدد عليكم سنة، وإليكم ما دعاكم به إلى سبيل ربه من الحكمة والموعظة الحسنة. ولأمير المؤمنين عليكم الطاعة. ولولا قيام الرعايا ما قبل الله أعمالها، ولا أمسك بها البحر ودحى الأرض وأرسى جبالها، ولا اتفقت الآراء على من يستحق وجاءت إليه الخلافة تجر أذيالها، وأخذها دون بني أبيه: ولم تك تصلح إلا له ... ولم يك يصلح إلا لها وقد كفاكم أمير المؤمنين السؤال بما فتح لكم من أبواب الأرزاق وأسباب الارتزاق، وآجركم على وفاقكم وعلمكم مكارم الأخلاق، وأجراكم على عوائدكم، ولم يمسك خشية الإنفاق، ولم يبق لكم على أمير المؤمنين إلا أن يسير فيكم بكتاب الله وسنة رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويعمل بما يسعد به من يجئ -أطال الله بقاء أمير المؤمنين- من بعده، ويزيد على ما تقدم، ويقيم فروض الحج والجهاد، ويقيم الرعايا بعدله الشامل في مهاد. وأمير المؤمنين يقيم على عادة آبائه موسم الحج في كل عام، ويشمل بره سكان الحرمين الشريفين وسدنة بيت الله الحرام، ويجهز السبيل على حالته (¬2) ، ¬

(¬1) في الأصول: "يستمر" وصوابه من تاريخ الخلفاء. (¬2) تاريخ الخلفاء: "ويجهر السبيل على ضالة".

ويرجو أن يعود على حاله الأول في سالف الأيام، ويتدفق في هذين المسجدين بحره الزاخر ويرسل إلى ثالثهما في البيت المقدس ساكب الغمام، ويقيم بعدله (¬1) قبور الأنبياء صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أينما كانوا وأكثرهم في الشام. والجمع والجماعات هي فيكم على قديم سنتها وقويم سننها، وستزيد في أيام أمير المؤمنين لمن تضم إليه، وفيما يتسلم من بلاد الكفر ويسلم منهم على يديه. وأما الجهاد فكفى باجتهاد القائم عن أمير المؤمنين بمأموره (¬2) ، المقلد عنه جميع ما وراء سريره. وأمير المؤمنين قد وكل منه -خلد الله ملكه وسلطانه- عينًا لا تنام، وقلَّد سيفا لو أغفت بوارقه ليلة واحدة عن الأعداء سلت خياله عليهم الأحلام؛ وسيؤكد أمير المؤمنين في ارتجاع ما غلب العدا. وقد قدم الوصية بأن يوالي غزو العدو المخذول برًّا وبحرًا. ولا يكف عمن ظفر به منهم قتالا ولا أسرًا، ولا يفك أغلالا ولا إصرارًا، ولا ينفك يرسل عليهم في البر من الخيل عقبانًا وفي البحر غربانًا، تحمل كل منهما من كل فارس صقرا، ويحمي الممالك مما يخترق أطرافها بإقدام، ويتحول أكنافها بإقدام، وينظر في مصالح القلاع والحصون والثغور، وما يحتاج إليه من آلات وأمهات الممالك التي هي مرابط البنود، ومرابض الأسود، والأمراء والعساكر والجنود، وترتيبهم في الميمنة والميسرة والجناح الممدود، ويتفقد أحوالهم بالعرض، بما لهم من خيل تعقد ما بين السماء والأرض، وما لهم من زرد موضون، وبيض مسها ذائب ذهب (¬3) فكانت كأنها بيض مكنون، وسيوف قواضب، ورماح بسبب دوامها من الدماء خواضب، وسهام تواصل القسي وتفارقها، فتحن حنين مفارق وتزمجر القوس زمجرة مغاضب. ¬

(¬1) ط: "معونة". (¬2) ح: "بمأموره". (¬3) تاريخ الخلفاء: "ذهب ذائب".

وهذه جملة أراد بها أمير المؤمنين إطابة قلوبكم، وإطالة ذيل التطويل على مطلوبكم، ودماؤكم وأموالكم، وأعراضكم في حماية إلا ما أباح الشرع المطهر، ويزيد (¬1) الإحسان إليكم على مقدار ما يخفى منكم ويظهر. وأما جزيئات الأمور فقد علمتم بأن من بعد عن أمير المؤمنين عني عن مثل هذه الذكرى، وأنتم على تفاوت مقاديركم وديعة أمير المؤمنين، وكلكم سواء في الحق عند أمير المؤمنين، وله عليكم أداء النصيحة، وإبداء الطاعة بسريرة صحيحة؛ فقد دخل كل منكم في كنف أمير المؤمنين وتحت رقه، ولزمه حكم بيعته وألزم طائره في عنقه؛ وسيعلم كل منكم في الوفاء بما أصبح بها عليما، ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما. هذا هو قول أمير المؤمنين؛ وقال وهو يعمل في ذلك كله بما تحمد عاقبته من الأعمال، وعلى هذا عهد إليه وبه يعهد، وما سوى ذلك فجور لا يشهد به عليه ولا يشهد؛ وأمير المؤمنين يستغفر الله على كل حال، ويستعيذ به من الإهمال، ويسأله أن يمده لما يحب من الآمال، ولا يمد له حبل الإهمال. ويختم أمير المؤمنين قوله بما أمر الله به من العدل والإحسان، والحمد لله وهو من الخلق أحمد، وقد آتاه الله ملك سليمان، والله يمتع أمير المؤمنين بما وهبه، ويملكه أقطار الأرض ويورثه بعد العمر الطويل عقبه، فلا يزال على سدة العلياء قعوده، ولد ست الخلافة به أبهة الجلالة كأنه ما مات منصوره ولا أورى مهديه ولا رشيده (¬2) . ومن قصيدة ابن فضل الله التي سماها حسن الوفاء بمشاهير الخلفاء: وطار منهم نحو مصر قشعم ... قد جاءها كما يجيء الطائر ¬

(¬1) تاريخ الخلفاء: "ومزيد". (¬2) نقله السيوطي في تاريخ الخلفاء "491-499".

قال أخي مستنصر ووالدي ... والده وهو الإمام الظاهر فلقبوه مثله مستنصرا ... ذاك أن جد هذا الناصر وكان منه الظاهر السلطان ذا ... خوف ومن بأسائه يحاذر فبايعوه الحاكم بعد أن أتى ... وفر فالتفت به العشائر وهو أبو العباس أحمد الرضا ... من ولد الراشد نجم زاهر وقام مستكف كفاه ربه ... جميع ما يخاف ناه آمر وبعده الواثق إبراهيم لا ... عاد ولا دارت له الدوائر والحاكم الآن إمام عصرنا ... بشرى لنا إنا له نناصر ثم في يوم الاثنين ثاني محرم سنة اثنتين وأربعين حضر الخليفة الحاكم، والسلطان المنصور والقضاة بدار العدل، فجلس الخليفة على الدرجة العلياء، وعليه خلعة خضراء، وفوق عمامته طرحه سوداء مرقومة بالذهب، وجلس السلطان دونه، فقام الخليفة وخطب خطبة افتتحها بقوله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (¬1) ، وبقوله: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} (¬2) ثم أوصى الأمراء بالرفق بالرعية وإقامة الحق، وتعظيم شعائر الإسلام ونصرة الدين، ثم قال: فوضت إليك جميع أحكام المسلمين، وقلدتك جميع ما تقلدته من أمور الدين {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ} (¬3) وقرأ الآية، وجلس. ثم جيء بخلعة سوداء ألبسها الخليفة السلطان بيده، ثم قلده سيفا عربيًّا، ثم أخذ علاء الدين بن فضل الله كاتب السر في قراءة عهد الخليفة للسلطان، حتى فرغ منه، ثم قدمه إلى الخليفة، فكتب عليه ثم ¬

(¬1) النحل: 90. (¬2) النحل: 91. (¬3) الفتح: 10.

كتب بعده القضاة الأربعة بالشهادة عليه، واستمر الخليفة في منصبه الشريف إلى أن مات بالطاعون شهيدا في منتصف سنة ثلاث وخمسين، ولم يعهد بالخلافة لأحد. فجمع الأمراء شيخو ورفقته القضاة، وطلب جماعة من بني العباس، فوقع الاختيار على أخيه أبي بكر المستكفي (¬1) ، فبايعوه ولقب المعتضد بالله، وكُنِّي أبا الفتح، وضم إليه نظر المشهد النفيسي، فأقام إلى أن مات ليلة الأربعاء ثامن عشر جمادى الأولى سنة ثلاث وستين. قال بدر الدين بن حبيب في ترجمته: أمير المؤمنين، وقائد المذعنين، وإمام الأئمة، وقدوة المتكلمين في براءة الذمة، علت أركانه، وبسقت أغصانه، وتجملت به ديار مصره، وصغت إلى رأيه ملوك عصره، راس وساد، ومنح وأفاد، ورفل في حلل النعيم، وهدي إلى سلوك الطريق المستقيم، واعتضد بالله في أموره، ولم يختف عن الناس بحجبه ولا ستوره، واستمر سائرًا في منهاج عزه وبقائه، إلى أن لحق بعد عشرة أعوام بالخلفاء الكرام من آبائه. وعهد بالخلافة لولده أبي عبد الله محمد، فقام بعده ولقب المتوكل على الله؛ هذه صورة العهد: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله الذي ميز أبناء الخلفاء برتب العدالة، وألبس من نشأ منهم على ستر العفاف خلعها المذالة، ورفع قدره على أقرانه حين سلك سبل الرشاد التي أوضحها له. ¬

(¬1) في تاريخ الخلفاء 500: "بويع بالخلافة بعد موت أخيه في سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة بعهد منه، وكان خيرًا متواضعا محبا لأهل العلم، مات في جمادى الأولى سنة ثلاث وستين وسبعمائة".

أحمده على نعمه التي هي على عبده منهاله، وأشكره شكرًا أستزيد به نعمه وإفضاله. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة امرئ أخلص بها نيته ومقاله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المخصوص بعموم الرسالة، والمبعوث بأوضح حجة ودلالة، والصادق الأمين الذي أخلص لله أقواله وأفعاله؛ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أولي الصدر والأصالة، والمفاخرة الباهرة والجلالة، وسلم تسليما كثيرًا. ورضي الله عن أول الخلفاء بعد نبينا محمد المصطفى الذي صحبه بوفاء شيخ الوقار، ومعدن الجود والافتخار، وأنيس سيد المرسلين في الغار، ذي الكرم العريق، والرأي الوثيق، والإخلاص والتصديق. السابق للنبوة، والرسالة بالتصديق، المكنى بعتيق؛ هو الإمام أبو بكر الصديق. وعن عمي نبيه حمزة والعباس، المطهرين من الدنس والأرجاس. وبعد، فالخلافة أشرف ملابس أهل الديانة، وأزهى حلل الصيانة، وهي أصل كل سيادة يتوصل إليها، ورياسة جل الاعتماد عليها؛ إذ هي أجل المناصب وأنماها، وأشرفها وأربعها وأسناها، وانفسها وأعلاها وأغلاها، ومن لوازمها ألا يؤتى تقليدها إلا من اتصف بصفاتها المرضية، وتحلى بحلالها المرعية، ورقى بجميل سيرته إلى مراتبها العلية. ولما كان من يأتي اسمه في هذا المكتوب ممن هو حقيق بها لا محالة، وجدير بأن يبلغه حسن الظن منها آماله؛ إذ كان متصفا بصفاتها الحميدة، متقيدًا بآرائها السديدة؛ وقد لاحت عليه أثار الخلافة وظهرت، وذاعت محامده واشتهرت، وقامت الأدلة بأهليته لتقليدها، وأنه كفء لتناول طريفها وتليدها؛ استخار الله سيدنا ومولانا الإمام المعتضد بالله، المستمسك بتقواه، المراقب له في سره ونجواه، أمير المؤمنين، خليفة رب العالمين، ابن عم سيد المرسلين أبو الفتح أبو بكر بن سيدنا ومولانا المستكفي بالله أبي الربيع سليمان أمير المؤمنين، أعز الله به الدين، وأمتع ببقائه الإسلام والمسلمين، واشهد على نفسه الكريمة، وأسبغ الله عليه نعمه العميمة، إنه عهد إلى ولده لصلبه الإمام

المتوكل على الله أبي عبد الله محمد نصر الله به الإسلام وأيده، ونفع به نفعا مستمرًّا مؤبده وجعله ولي عهده، ورضيه خليفة على الرعية من بعده؛ لما علم من ديانته وعدالته وكفالته وكفايته ومروءته وحسن قصده، عهدا صحيحا شرعيًّا، تامًّا معتبرا مرضيا، وفوض إليه أمر الخلافة تفويضًا صريحا، وعقد له ولاية العهد على الرعية عقدًا صحيحًا وقبل ذلك قبولا شرعيًّا، جعله الله لشريعة نبيه محمد ناصرًا مؤيدًا، وجمع به كلمة الإسلام. وصدر الإشهاد بذلك في اليوم المبارك يوم الثلاثاء الثالث عشر من ربيع الأول سنة ثلاث وستين وسبعمائة. فاستمر إلى أن قتل الأشرف شعبان وأقيم ولد المنصور علي، وكان أينبك البدري مدبر دولته، وقد حقد على المتوكل أمورًا، فطلب نجم الدين زكريا بن إبراهيم بن ولي العهد المستمسك بن الخليفة يوم الاثنين رابع ربيع الأول سنة تسع وسبعين، فخلع عليه، واستقر خليفة بغير مبايعة ولا إجماع، ولقب المعتصم بالله. ثم في العشرين من الشهر كلم الأمراء أينبك فيما فعله مع المتوكل، ورغبوه في إعادته إلى الخلافة، فأعاده وخلع زكريا، فكانت خلافته خمسة عشر يوما. ثم لم يتم الشهر على أينبك حتى اتفق العساكر على خلافه والخروج عليه، فهرب ثم ظفر به في تاسع ربيع الآخر، فقيد وسجن بالإسكندرية، وكان آخر العهد به. وقال فيه الأديب شهاب الدين بن العطار: من بعد عز أذل أينبكا ... وانحط بعد السمو من فتكا (¬1) وراح يبكي الدماء منفردًا ... والناس لا يعرفون أين بكى واستمر المتوكل في الخلافة إلى رجب سنة خمس وثمانين. فبلغ الظاهر برقوقًا أنه ¬

(¬1) النجوم الزاهرة 11: 158.

واطأ جماعة أن يقتلوه إذا لعب الأكرة، ويقوموا بنصرة الخليفة واستبداده بالأمر، وإن الخليفة ذكر أنه ما فوض إليه السلطنة إلا كرهًا، وأنه لم يسر في ملكه بالعدل. فاستدعى برقوق بالقضاة ليفتوه في الخليفة بشيء فامتنعوا، وقاموا عنه، فخلع هو الخليفة بقوته وسجنه بالقلعة. ثم طلب عمر بن إبراهيم بن المستمسك بن الحاكم، وبايعه بالخلافة ولقب الواثق بالله. ثم في ذي القعدة من السنة، أخرج المتوكل من السجن، وأقام بداره مكرمًا، واستمر الواثق في الخلافة إلى أن مات يوم الأربعاء تاسع عشري شوال سنة ثمان وثمانين. فكلم الناس برقوقًا في إعادة المتوكل، فأبى وأحضر أخا عمر زكريا الذي كان أينبك ولاه تلك الأيام اليسيرة، فبايعه ولقب المعتصم بالله، فاستمر إلى يوم الخميس ثاني جمادى الأولى سنة إحدى وتسعين. فندم برقوق على ما صنع بالمتوكل، فخلع زكريا وأعاد المتوكل إلى الخلافة، وحلف القضاة كلا من الخليفة والسلطان للآخر على الموالاة والمناصحة. وأقام زكريا بداره إلى أن مات مخلوعا في جمادى الأولى سنة إحدى وثمانمائة. وقرئ تقليد المتوكل بالمشهد النفيسي في ثامن عشر الشهر بحضرة القضاة والأمراء، وقرر له السلطان دارًا بالقلعة يسكنها، ويركب إلى داره بالمدينة متى شاء. واستمر المتوكل في خلافته هذه إلى أن مات ليلة الثلاثاء ثامن عشري رجب سنة ثمان وثمانمائة. قال المقريزي: وهو أول من أثرى من خلفاء مصر، وكثر ماله، ورزق أولادا كثيرة، يقال: إنه جاء له مائة ولد، ما بين مولود وسقط، ومات عن عدة أولاد ذكور وإناث، ولي الخلافة منهم خمسة، ولا نظير لذلك؛ وأكثر إخوته ولوا الخلافة فيما تقدم، أربعة. واتفق للمتوكل هذا أنه عاد إلى الخلافة بعد خلعه مرتين، ولم يقع ذلك لأحد فيما تقدم إلا للمقتدر فقط.

ورأيت في تاريخ عالم حلب المحب أبي الوليد بن الشحنة أنه في سنة سبع وتسعين وسبعمائة، أرسل أبو يزيد بن عثمان إلى الخليفة المتوكل بهدايا، وتحف في طلب تشريف منه بأن يكون سلطان الروم؛ فجهز له ذلك. وذكر الحافظ ابن حجر في أبناء الغمر، أن مولد المتوكل هذا في سنة نيف وأربعين وسبعمائة، وأنه لما تسلطن برقوق المرة الأولى حسن له جماعة من أهل الدولة وغيرهم طلب الملك؛ فكاتب الأمراء والعربان مصرا وشاما وعراقا، وبث الدعاة في الآفاق. فبلغ ذلك برقوقًا، فخلعه وسجنه، فخرج يلبغا الناصري على برقوق بسبب ذلك، فأفرج عنه برقوق، وأعاده إلى الخلافة، وفرح الناس به فرحًا كثيرا. فلما انتصر الناصري، وزالت دولة برقوق قال الناصري للخليفة بمحضر من الأمراء: يا مولانا أمير المؤمنين، ما ضربت بسيفي هذا إلَّا في نصرتك؛ وبالغ في تعظيمه وتبجيله، فتبرم المتوكل من الدخول في الملك، وأشار بإعادة حاجي بن شعبان. وكان المتوكل عهد الخلافة لولده أحمد، ولقبه المعتمد على الله، ثم خلعه وعهد إلى ابنه أبي الفضل العباسي؛ فاستقر في الخلافة بعده، ولقب المستعين بالله، فأقام إلى أن خرج شيخ علي ناصر فرج، وذلك في المحرم سنة خمس عشرة وثمانمائة، فأشهد على الخليفة بخلع الناصر من الملك، لما ثبت عليه من الكفريات والانحلال والزندقة، وحكم ناصر الدين بن العديم بسفك دمه. واتفق رأي الأمراء على سلطنة الخليفة واستقلاله بالأمر، فلم يوافقهم الخليفة إلا بعد شدة وتوثق منهم بالإيمان، فبايعه الأمراء كلهم، وحلفوا له على الوفاء، ولم يغير لقبه، وجلس على كرسي الملك، وقام الكل بين يديه؛ وذلك بالشام، وقرر بكتمر جلق في نيابة الشام وقرقماس في نيابة حلب، وسودون الجلب في نيابة طرابلس، وشيخ ونوروز في ركابه، يدبران الأمر، ونادى منادي الخليفة: ألا إن فرج بن برقوق

قد خلع من السلطنة، ومن حضر إلى أمير المؤمنين وابن عم سيد المرسلين فهو آمن. فتسلل الناس من الناصر. وكتب المستعين إلى القاهرة باجتماع الكلمة له. وعزل الجلال البلقيني عن قضاة الشافعية، وولى بدله شهاب الدين الباعوني، فحقدها عليه البلقيني، حتى فعل معه بعد ذلك ما فعل. ثم أرسل المستعين كتابًا ثانيًا إلى من بالقاهرة من الأعيان، فأرسل إلى الجامع الطولوني، فقرأه خطيبه ابن النقاش على المنبر، ثم أرسل إلى الجامع الأزهر، فقرأه خطيبه الحافظ ابن حجر على المنبر، ثم فر الناصر إلى حلب، فقام ناس على الأسواق، فنادوا: نصر الله أمير المؤمنين، فلما سمع الرماة ذلك تخوفوا على أنفسهم ولم يغيثوه، ثم قبض على الناصر وقتل بحكم ابن العديم. ثم إن المستعين صرف بكتمر جلق عن نيابة الشام وقرر فيها نوروز، وقرر بكتمر أميرا كبيرا بالقاهرة، وصدرت الكتب من المستعين إلى أمراء التركمان والعربان والعشير. ومفتتحها: من عبد الله ووليه الإمام المستعين بالله أمير المؤمنين وخليفة رب العالمين، وابن عم سيد المرسلين المفترضة طاعته على الخلق أجمعين، أعز الله ببقائه الدين، إلى فلان. ثم توجه هو والعسكر إلى القاهرة، فدخلوا في يوم الثلاثاء ثاني ربيع الآخر بعد أن تلقاهم الناس إلى قطيا وإلى الصالحية وإلى بلبيس، وحصل للناس من الفرح بذلك ما لا مزيد عليه، ونادى في الناس برفع المظالم والمكوس. وعمل الحافظ أبو الفضل بن حجر في المستعين قصيدته المشهورة، وهي: الملك أصبح ثابت الأساس ... بالمستعين العادل العباسي (¬1) رجعت مكانة آل عم المصطفى ... لمحلها من بعد طول تناس ¬

(¬1) نقلها السيوطي في تاريخ الخلفاء 506-508، وفيه: "الملك فينا ثابت الأساس".

ثاني ربيع الآخر الميمون في ... يوم الثلاثا حف بالأعراس بقدوم مهدي الأنام أمينهم ... مأمون غيب طاهر الأنفاس ذو البيت طاف به الرجاء فهل يرى ... من قاصد متردد في الياس فرع نما من هاشم في روضة ... زاكي المنابت طيب الأغراس بالمرتضى والمجتبى، والمشتري ... للحمد للحالي به والكاسي (¬1) من أسرة أسروا الخطوب وطهروا ... مما يغيرهم من الأدناس أسد إذا حضروا الوغى وإذا خلوا (¬2) ... كانوا بمجلسهم ظباء كناس مثل الكواكب نورهم ما بينهم ... كالبدر أشرق في دجى الأغلاس وبكفه عند العلامة آية ... قلم يضيء إضاءة المقباس فلبشره للوافدين مباسم ... تدعى وللإجلال بالعباسي فالحمد لله المعز لدينه ... من بعد ما قد كان في إبلاس بالسادة الأبرار أركان العلا ... من بين مدرك ثأره ومواس نهضوا بأعباء المناقب وارتقوا ... في منصب العليا الأشم الراسي تركوا العدى صرعى بمعترك الردى ... فالله يحرسهم من الوسواس وإمامهم بجلاله متقدم ... تقديم "بسم الله" في القرطاس لولا نظام الملك في تدبيره ... لم يستقم في الملك حال الناس كم من أمير قبله خطب العلا ... وبجهده رجعته بالإفلاس حتى إذا جاء المعالي كفؤها ... خضعت له من بعد فرط شماس ¬

(¬1) تاريخ الخلفاء: "والحالي". (¬2) في الأصول: "خافوا" والصواب ما أثبته من تاريخ الخلفاء.

طاعت له أيدي الملوك وأذعنت ... من نيل مصر أصابع المقياس فهو الذي قد رد عنا البؤس في ... دهر به لولاه كل الباس وأزال ظلمًا عم كل معمم ... من سائر الأنواع والأجناس بالخاذل المدعو ضد فعاله ... بالناصر المتناقض الآساس كم نعمة لله كانت عنده ... فكأنها في غربة وتناس ما زال سر الشر بين ضلوعه ... كالنار أو صحبته للأرماس كم سن سيئة عليه أثامها ... حتى القيامة ماله من آس مكرًا بنى أركانه، لكنها ... للغدر قد بنيت بغير أساس كل امرئ ينسى ويذكر تارة ... لكنه للشر ليس بناس أملى له رب الورى حتى إذا ... أخذوه لم يفلته مر الكاس وأدالنا منه المليك بمالك ... أيامه صدرت بغير قياس فاستبشرت أم القرى والأرض من ... شرق وغرب كالعذيب وفاس آيات مجد لا يحاول جحدها ... في الناس غير الجاهل الخناس ومناقب العباس لم تجمع سوى ... لحفيده ملك الورى العباس لا تنكروا للمستعين رياسة ... في الملك من بعد الجحود الناسي فبنو أمية قد أتى من بعدهم ... في سالف الدنيا بنو العباس وأتى أشج بني أمية ناشرًا ... للعدل من بعد المبير الخاسِي مولاي عبدك قد أتى لك راجيًا ... منك القبول فلا ترى من باس لولا المهابة طولت أمداحه ... لكنها جاءته بالقسطاس فأدام رب الناس عزك دائما ... بالحق محروسًا برب الناس وبقيت تستمع المديح لخادم ... لولاك كان من الهموم يقاسي

عبد صفا ودا وزمزم حاديًا ... وسعى على العينين قبل الرأس أمداحه في آل بيت محمد ... بين الورى مسكية الأنفاس ولما دخل الخليفة القاهرة شقها والأمراء بين يديه، فاستمر إلى القلعة، فنزل بها ونزل شيخ الإصطبل بباب السلسلة (¬1) . ثم في ثامن ربيع الآخر صعد شيخ والأمراء إلى القصر، وجلس الخليفة على تخت الملك، فخلع على شيخ خلعة عظيمة بطراز لم يعهد مثلها، وفوض إليه أمر المملكة بالديار المصرية في جميع الأمور، وكتب له أن يولي ويعزل من غير مراجعة، وأشهد عليه بذلك؛ ولقب نظام الملك؛ فكانت الأمراء إذا فرغوا من الخدمة بالقصر، نزلوا في خدمة شيخ إلى الإصطبل؛ فأعيدت الخدمة عنده، ويقع عنده الإبرام والنقص، ثم يتوجه دواداره إلى المستعين، فيعلم على المناشير والتواقيع. ثم إنه تقدم إليه بألا يمكن الخليفة من كتابة العلامة إلا بعد عرضها عليه، فاستوحش الخليفة عليه، وضاق صدره، وكثر قلقله. فلما كان في شعبان سأل شيخ الخليفة أن يفوض إليه السلطنة على العادة، فأجاب بشرط أن ينزل من القلعة إلى بيته، فلم يوافق شيخ على النزول، بل استنظره أياما. ثم إنه نقل المستعين من القصر إلى دار من دور القلعة، ومعه أهله، ووكل به من يمنعه الاجتماع بالناس، فبلغ ذلك نوروز، فجمع القضاة والعلماء في سابع ذي القعدة، واستفتاهم عما صنعه شيخ بالخليفة، فأفتوه بعدم جواز ذلك؛ فأجمع على قتال شيخ، واستمر المستعين في القلعة إلى ذي الحجة سنة ست عشرة، وهو باق على الخلافة، فلما عزم شيخ إلى الشام خشي من غائلته، وأراد خلعه فراجع البلقيني في ذلك. وكان في نفسه من المستعين شي لكونه عزله، فرتب له دعوى شرعية، وحكم بخلعه من الخلافة، ¬

(¬1) تاريخ الخلفاء: "وفوض إليه المستعين تدبير المملكة الإسلامية ولقبه نظام الملك".

وبايع بالخلافة أخاه أبا الفتح داود، ولقب المعتضد بالله، وسير المستعين إلى الإسكندرية، فأقام بها إلى أن مات شهيدًا بالطاعون، في جمادى الآخرة سنة ثلاث وثلاثين. واستقرت الخلافة باسم المعتضد، وكان من سروات الخلفاء، نبيلًا ذكيا فاضلا، يجالسه العلماء والفضلاء، ويستفيد منهم ويشاركهم فيما هم فيه، جوادًا سمحًا، وطالت مدته في الخلافة نحو ثلاثين سنة، فلما حضرته الوفاة عهد بالخلافة إلى شقيقه أبي الربيع سليمان، ولقب المستكفي بالله؛ وكان والدي خصيصا به، فكتب له العهد بيده وهذه صورته: بسم الله الرحمن الرحيم؛ هذا ما أشهد على نفسه الشريفة حرسها الله وحماها، وصانها من الأكدار ورعاها، سيدنا ومولانا ذو المواقف الشريفة الطاهرة الزكية الإمامية الأعظمية العباسية النبوية المعتضدية، أمير المؤمنين وابن عم سيد المرسلين، ووارث الخلفاء الراشدين، المعتضد بالله تعالى أبو الفتح داود، أعز الله به الدين، وأمتع ببقائه الإسلام والمسلمين؛ أنه عهد إلى شقيقه المقر العالي المولوي الأصيلي العريقي الحسيبي النسيبي السليلي سيدي أبي ربيع سليمان المستكفي بالله، عظم الله شأنه، بالخلافة المعظمة، وجعله خليفة بعده، ونصبه إماما على المسلمين، عهدًا شرعيًّا، معتبرًا مرضيًّا، نصيحة للمسلمين، ووفاء بما يجب عليه من مراعاة مصالح الموحدين، واقتداء بسنة الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين. وذلك لما علم من دينه وخيره، وعدالته وكفالته وأهليته، واستحقاقه بحكم أنه اختبر حاله، وعلم طويته، وأنه الذي يدين الله به أتقى لله ممن رآه، وأنه لا يعلم صدر منه ما ينافي استحقاقه لذلك، وإنه إن ترك الأمر هملا من غير تفويض للمشار إليه أدخل إذ ذاك المشقة على أهل الحل، والعقد في اختيار من ينصبونه للإمامة، ويرتضونه لهذا الشأن، فبادر إلى هذا الشان، شفقة عليهم، وقصدًا لبراءة ذمتهم ووصول الأمر

إلى من هو أهله، لعلمه أن العهد كان غير محوج إلى رضا سائر أهله، ووجب على من سمعه وتحمل ذلك منه أن يعلم به، ويأمر بطاعته عند الحاجة إليه، ويدعو الناس إلى الانقياد له، فسجل ذلك على من حضره حسب إذنه الشريف، وسطر عن أمره قبل ذلك سيدي المستكفي أبو الربيع سليمان، المسمى فيه، عظم الله شأنه قبولًا شرعيًّا. ومات المعتضد يوم الأحد رابع ربيع الأول سنة خمس وأربعين واستقر المستكفي، وكان من صلحاء الخلفاء وعبادهم، صالحًا دينًا عابدًا، كثير التعبد والصلاة والتلاوة، كثير الصمت، حسن السيرة. وكان الظاهر جقمق يعتقده، ويعرف له حقه، فأقام إلى أن مات ليلة الجمعة، سلخ ذي الحجة سنة أربع وخمسين، ولم يعهد بالخلافة لأحد. وكان والدي خصيصا به جدًّا، فلم يعش بعده إلا أربعين يوما، ومشى السلطان في جنازة المستكفي إلى تربته، وحمل نعشه بنفسه. وبايع بعده بالخلافة أخاه أبا البقاء حمزة، ولقب القائم بأمر الله، وكان سهمًا صارما، أقام أبهة الخلافة قليلًا، ثم إن الجند خرجوا على الأشرف إينال، فقام معهم، وحدثته نفسه بطلب الملك، فانهزم الجند، فلم يحصل من يدهم شيء. فغضب عليه الأشرف، وطلبه إلى القلعة، وعاتبه في ذلك؛ فحكي أن الخليفة قال: خلعت نفسي وعزلتك، وكان غلطة منه؛ فقال شيخنا قاضي القضاة علم الدين البلقيني -وكان حريصًا على جر الخلافة إلى أخي الخليفة يوسف، لكونه زوج ابنته؛ فقال: قد بدأ بخلع نفسه فانخلع، وثنى بخلع السلطان وهو غير خليفة؛ فلم ينفذ عزله، وحكم بصحة خلعه؛ وذلك في جمادى الآخرة سنة تسع وخمسين، وبايع أخاه أبا المحاسن يوسف ولقب المستنجد بالله، وسير القائم إلى الإسكندرية إلى أن مات بها سنة ثلاث وستين، ودفن عند شقيقه المستعين. ومن الاتفاق الغريب أنهما شقيقان، كل منهما رام السلطنة، وكل منهما خلع،

وسكن الإسكندرية، ودفنا معا؛ وحكم بخلعهما قاضيان أخوان؛ ذلك خلعه الجلال البلقيني؛ وهذا أخوه العلم البلقيني. واستمر المستنجد في الخلافة ساكنا بمنزل إخوته، إلى أن توفي الظاهر خشقدم، فدعاه إلى أن يسكن عنده في القلعة، واستمر ساكنا بها إلى أن مات يوم السبت رابع عشري المحرم سنة أربع وثمانين وثمانمائة. وعهد بالخلافة إلى ابن أخيه سيدي عبد العزيز أبي العز يعقوب بن المتوكل على الله فلما كان يوم الاثنين سادس عشري المحرم طلع إلى القلعة، وحضر القضاة والأعيان، فأمضوا عهد عمه، ولبس تشريف الخلافة، ونزل إلى داره، والقضاة والأعيان بين يديه، وكان يوما مشهودا، وكان أراد أن يتلقب بالمستعز بالله، ثم وقع التردد بينه وبين المستعين أو المتوكل، واستقر الحال على أن لقب: "المتوكل على الله"، وهو الآن عين بني العباس وشامتهم؛ لم يزل مشارا إليه، محبوبًا في صدور الناس، وله اشتغال على والدي وغيره من المشايخ، وأجاز له باستدعائي جماعة من المسندين، وقد خرجت لهم عنه جزءًا حدث به. وألفت برسمه كتاب "الأساس في فضل بني العباس"، وكتاب "رفع الباس عن بني العباس". أبقاه الله بقاء جميلا، وأدامه على رباع المسلمين ظلا ظليلًا! وتعفف عن أخذ ما يتحصل من مشهد السيدة نفيسة من النذور من شمع وزيت وغيرهما، وصرفه إلى مصالح المكان من عمارة وغيرها، وكان الخلفاء قبله يأخذون لأنفسهم غالبه، والباقي يفرقونه على من شاءوا من إلزامهم، فرفع ذلك من أصله.

فصل في قواعد الخلافة:

فصل في قواعد الخلافة: مدخل قال ابن فضل الله في المسالك: إن قاعدة الخلافة أول ما كانت المدينة شرفها الله مدة أبي بكر وعمر وعثمان، فلما انتهت الخلافة إلى علي انتقل من المدينة إلى الكوفة، واتخذها قاعدة خلافته، وربما استوطن البصرة. وجاء ابنه الحسن والكوفة قاعدة خلافته على ما كان عليه أبوه، فلما ولي معاوية انتقلت قاعدة الخلافة إلى دمشق، واستقرت قاعدة لبني أمية؛ وإن كان هشام قد سكن الرصافة، وعمر بن عبد العزيز خناصرة، فأنهما لم يكونا قاعدتي خلافه؛ لأنهما سكناهما غير مفارقين لدمشق، بل هي القاعدة والمعتمدة بأنها مستقر الخلافة، ولم تزل كذلك إلى آخر الدولة الأموية. فلما ملك السفاح سكن الأنبار، فلما ولي المنصور بني الهاشمية وسكنها، ثم بغداد، فصارت قاعدة الخلافة له ولبنيه إلى المعتصم؛ فبنى سر من رأى، فانتقلت قاعدة الخلافة إليها. ثم بنى ابنه هارون الواثق إلى جانبها الهارونية، فانتقلت قاعدة الخلافة إليها. ثم بنى أخوه جعفر المتوكل إلى جانبها الجعفرية، فانتقلت قاعدة الخلافة إليها، ثم عادت قاعدة الخلافة إلى بغداد في زمن المعتمد إلى المستعصم الذي قتلته التتار، فانتقلت قاعدة الخلافة إلى مصر. قال: فانظر كيف تنقلت قواعد الخلافة من بلد إلى بلد بتنقل الزمان، وقد كانت بخارى قاعدة السلطنة زمن بني ساسان، ثم صارت غزنة مكان محمود بن سبكتكين وبنيه، ثم همدان زمان الدولة السلجوقية، ثم خوارزم مكان الملوك الخوارزمية، ثم دمشق زمان الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي، ثم مصر من زمن السلطان صلاح الدين

يوسف بن أيوب وإلى اليوم. وإذا اعتبرت أحوال البلاد تجد السعادة قد نظرت هذه مرة، ثم تلك أخرى كما قال الشاعر: وإذا نظرت إلى البقاع رأيتها ... تشقى كما تشقى الرجال وتسعد واعلم أن مصر من حين صارت دار الخلافة عظم أمرها، وكثرت شعائر الإسلام فيها، وعلت فيها السنة، وعفت منها البدعة، وصارت محل سكن العلماء، ومحط رحال الفضلاء، وهذا سر من أسرار الله أودعه في الخلافة النبوية حيث ما كانت يكون معها الإيمان والكتاب، كما أخرج. . . . . . . . . . . . . . . (¬1) . دل هذا الحديث على أن الإيمان والعلم يكونان مع الخلافة أينما كانت، فكانا أولًا بالمدينة زمن الخلفاء الراشدين، ثم انتقلا إلى الشام زمن خلفاء بني أمية، ثم انتقلا إلى بغداد زمن خلفاء بني العباس، ثم انتقلا إلى مصر حين سكنها خلفاء بني العباس؛ ولا يظن أن ذلك بسبب الملوك، فقد كانت ملوك بني أيوب أجل قدرًا، وأعظم خطرا من ملوك جاءت بعدهم بكثير، ولم تكن مصر في زمنهم كبغداد، وفي أقطار الأرض الآن من الملوك من هو أشد بأسا، وأكثر جندا من ملوك مصر، كالعجم والعراق والروم والهند والمغرب، وليس الدين قائما ببلادهم كقيامه بمصر، ولا شعائر للإسلام في أقطارهم ظاهرة كظهورها في مصر، ولا نشرت السنة والحديث والعلم فيها كما في مصر، بل البدع عندهم فاشية، والفلسفة بينهم مشهورة، والسنة والأحاديث دائرة، والمعاصي والخمور واللواط متكاثرة. ¬

(¬1) بياض بالأصول.

ذكر سلاطين مصر الذين فوض إليهم خلفاء مصر العباسيون فاستبدوا بالأمر دونهم:

ذكر سلاطين مصر الذين فوض إليهم خلفاء مصر العباسيون فاستبدوا بالأمر دونهم: أولهم الملك الظاهر ركن الدين، أبو الفتح بيبرس البندقداري. ولما فوض إليه خليفة مصر لقبه قسيم أمير المؤمنين وهو أول من لقب بها، وكان الملوك قديمًا يكتب أحدهم من جهة الخليفة: "مولى أمير المؤمنين" أي عتيقه، ويكتب هو إلى الخليفة "خادم أمير المؤمنين"، فإن زيد في تعظيمه لقب "ولي أمير المؤمنين"، ثم "صاحب أمير المؤمنين"، ثم "خليل أمير المؤمنين"، وهو أعلى ما لقب به ملوك بني أيوب، فلقب الظاهر هذا قسيم أمير المؤمنين؛ وهو أجل من تلك الألقاب، وكان في الظاهر محاسن وغيرها، وظلم أهل الشام غير مرة، وأفتاه جماعة بموافقة هواه، فقام الشيخ محيي الدين النووي في وجهه، وأنكر عليه، وقال: أفتوك بالباطل! وكان بمصر منقمعًا تحت كلمة الشيخ عز الدين بن عبد السلام، لا يستطيع ان يخرج عن أمره، حتى إنه قال لما مات الشيخ: ما استقر ملكي إلا الآن. ومن محاسنه ما حكاه ابن كثير في تاريخه أنه حضر في يوم الثلاثاء تاسع رجب سنة ستين إلى دار العدل في محاكمة في بئر بين يدي القاضي تاج الدين ابن بنت الأعز، فقام الناس سوى القاضي، فإنه أشار إليه ألا يقوم، فقام هو وغريمه بين يدي القاضي وتداعيا، وكان الحق بيد السلطان، وله بينة عادلة به، فانتزعت البئر من يد الغريم وهو أحد الأمراء. والظاهر هو الذي أكمل عمارة المسجد النبوي من الحريق، وكان الخليفة المستعصم شرع فيه بعد أن احترق، فقتل قبل أن يتم، فجهز الظاهر في رمضان سنة

إحدى وستين صناعًا وأخشابًا وآلات، وطيف بها بالديار المصرية فرحة بها، وتعظيما لشأنها، ثم ساروا بها إلى المدينة الشريفة، وأرسل منبرًا فنصب هنالك، وحج في سنة سبع وستين، فغسل الكعبة بيده بماء الورد، وزار المدينة الشريفة، فرأى الناس يلتصقون بالقبر النبوي، فقاس ما حوله بيده، وأرسل في العام الذي يليه دارابزيا من خشب، فأدير حول القبر الشريف. وللظاهر فتوحات كثيرة، وملك الروم، وجلس بقيسارية على تخت آل سلجوق، ولبس التاج، وضرب باسمه الدينار والدرهم، وهو الذي جعل القضاة أربعة من كل مذهب قاض، ولم يعهد ذلك قبله في ملة الإسلام، وهو الذي جدد صلاة الجمعة بالجامع الأزهر وبجامع الحاكم، وكانا مهجورين من زمن العبيديين، فأساء في ذلك كل الإساءة كما سنبينه بعد هذا. وأمر في أيامه بإراقة الخمور، وإبطال المفسدات والخواطئ وإسقاط المكوس المرتبة عليها، فأحسن في ذلك كل الإحسان. وفي أيامه طيف بالمحمل وبكسوة الكعبة المشرفة بالقاهرة وذلك في سنة خمس وسبعين، وكان يوما مشهودا، وهو أول من فعل ذلك بالديار المصرية. وكان له صدقات كثيرة؛ من ذلك كل سنة عشرة آلاف إردب قمح للفقراء والمساكين وأرباب الزوايا، وكان يخرج كل سنة جملة مستكثرة يستفك بها من حبس القاضي من المفلسين، وكان يرتب في أول رمضان مطابخ لأنواع الأطعمة برسم الفقراء والمساكين، ووقف وقفا على تكفين أموات الغرباء، وأجرى على أهل الحرمين وطرق الحجاز ما كان انقطع في أيام غيره من الملوك، وله أنواع من المعروف وأوقاف البر. نقلت من خط شيخنا الإمام تقي الدين الشمني؛ قال: نقلت من خط الشيخ كمال الدين الدميري، نقل من خط الشيخ جمال الدين بن هشام، قال: من غريب ما رأيت على

كراريس من تسهيل الفوائد بخط الشيخ جمال الدين بن مالك، في أواخرها صورة رفعها الفقير إلى رحمة ربه محمد بن مالك: يقبل الأرض، وينهى إلى السلطان أيد الله جنوده وأيد سعوده، أنه أعرف أهل زمانه بعلوم القراءات والنحو واللغة وفنون الآداب. وأمله أن يعينه نفوذًا من سيد السلاطين، ومبيد الشياطين، خلد الله ملكه، وجعل المشارق والمغارب ملكه، على ما هو بصدده من إفادة المستفيدين، وإفادة المسترشدين؛ بصدقة تكفيه هم عياله، وتغنيه عن التسبب في صلاح حاله؛ فقد كان في الدولة الناصرية عناية تتيسر بها الكفاية؛ مع أن الدولة، من الدولة الظاهرية كجدول من البحر المحيط، والخلاصة من الوسيط والبسيط؛ وقد نفع الله بهذه الدولة الظاهرية الناصرية خصوصًا وعمومًا، وكشف بها عن الناس أجمعين عمومًا؛ ولم بها من شعث الدين ما لم يكن ملمومًا، فمن العجائب كون المملوك من مزيد خيراتها، وعن يمين عنايتها غائبا محرومًا؛ مع أنه من ألزم المخلصين الدعاء بدوامها، وأقوم الموالين بمراعاة زمانها؛ لأبرحت أنوارها زاهرة، وسيوف أنصارها قاهرة ظاهرة، وأياديها مبذولة موفورة، وأعاديها مخذولة مقهورة، بمحمد وآله! وكان الشيخ محيي الدين النووي يكثر المكاتبات إليه، ويعظه في أمور المسلمين. قال الشيخ علاء الدين بن العطار: كتب الشيخ محيي الدين ورقة إلى الظاهر بيبرس، تتضمن العدل في الرعية، وإزاله المكوس. وكتب فيها معه جماعة، ووضعها في ورقة كتبها إلى الأمير بدر الدين بيليك الخازندار (¬1) بإيصال ورقة العلماء إلى السلطان، وصورتها: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله يحيى النووي، سلام الله تعالى ورحمته وبركاته ¬

(¬1) كذا في الأصل والنجوم الزاهرة 7: 98، والسلوك 436، وفي ح، ط: "بليلبك، بالباء الموحدة قبل الكاف، وهو أحد الخارندارية، وموضوعها التحدث في خزائن الأموال السلطانية من نقش وقماش وغير ذلك. وانظر صبح الأعشى 4: 21.

على المولى المحسن، ملك الأمراء بدر الدين. أدام الله الكريم له الخيرات، وتولاه بالحسنات، وبلغه من أقصى الآخرة، والأولى كل آماله، وبارك له في جميع أحواله؛ آمين وينهي إلى العلوم الشريفة، أن أهل الشام في هذه السنة في ضيق عيش وضعف حال، بسبب قلة الأمطار وغلاء الأسعار، وقلة الغلات والنبات، وهلاك المواشي وغير ذلك؛ وأنتم تعلمون أنه تجب الشفقة على الرعية ونصيحته في مصلحته ومصلحتهم؛ فإن الدين النصيحة. وقد كتب خدمة الشرع الناصحون للسلطان المحبوبون له كتابا يذكره النظر في أحوال رعيته، والرفق بهم؛ وليس فيه ضرر، بل هو نصيحة محضة، وشفقة وذكرى لأولي الألباب، والمسئول من الأمير أيده الله تعالى تقديمه إلى السلطان، أدام الله له الخيرات. ويتكلم عنده من الإشارة بالرفق بالرعية بما يجده مدخرًا له عند الله تعالى {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} (¬1) . وهذا الكتاب أرسله العلماء أمانة، ونصيحة للسلطان أعز الله أنصاره، فيجب عليكم إيصاله للسلطان (¬2) أعز الله أنصاره، وأنتم مسئولون عن هذه الأمانة، ولا عذر لكم في التأخر عنها، ولا حجة لكم في التقصير عنها عند الله تعالى وتسألون عنها يوم القيامة {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ} (¬3) ، {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ، وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ، وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} (¬4) . وأنتم بحمد الله تحبون وتحرصون عليه، وتسارعون إليه، وهذا من أهم الخيرات وأفضل الطاعات، وقد أهلتم له، وساقه الله إليكم، وهو فضل من الله ونحن خائفون أن يزداد الأمر شدة، إن لم يحصل النظر في الرفق بهم، قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا ¬

(¬1) سورة آل عمران: 30. (¬2) ح، ط: "إلى السلطان". (¬3) الشعراء: 88. (¬4) عبس: 34-37.

إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} (¬1) ، وقال الله تعالى: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} (¬2) . والجماعة الكاتبون منتظرون ثمرة هذا، فإذا فعلتم هذا فأجركم على الله {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} (¬3) ؛ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. فلما وصلت الورقتان إليه، أوقف عليهما السلطان، فرد جوابهما ردًّا عنيفًا مؤلمًا، فتكدرت خواطر الجماعة الكاتبين، فكتب رضي الله عنه لذلك الجواب وهذه صورته: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آل محمد. من عبد الله يحيى النووي، ينهي أن خدمة الشرع كانوا كتبوا ما بلغ السلطان أعز الله أنصاره، فجاء الجواب بالإنكار والتوبيخ والتهديد، وفهمنا منه أن الجهاد ذكر في الجواب على خلاف حكم الشرع، وقد أوجب الله إيضاح الكلام عند الحكام عند الحاجة إليه، فقال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} (¬4) ، فوجب علينا حينئذ بيانه، وحرم علينا السكوت. وقال تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (¬5) . وذكر في الجواب أن الجهاد ليس مختصًّا بالأجناد؛ وهذا أمر لم ندعه، وكان الجهاد فرض كفاية، فإذا قرر السلطان له أجنادًا مخصوصين، ولهم أخباز معلومة من بيت المال كما هو الواقع، تفرغ باقي الرعية لمصالحهم ومصالح السلطان، والأجناد وغيرهم من الزراعة والصنائع وغيرهما، مما يحتاج الناس كلهم إليه، فجهاد الأجناد مقابل بالأخباز المقررة لهم، ولا يحل أن يؤخذ من الرعية شيء ما دام في بيت المال شيء من نقد، أو متاع أو أرض ¬

(¬1) الأعراف: 201. (¬2) البقرة: 215. (¬3) النحل: 128. (¬4) آل عمران: 187. (¬5) التوبة: 90.

أو ضياع تباع أو غير ذلك؛ وهؤلاء علماء المسلمين في بلاد السلطان أعز الله أنصاره. متفقون على هذا، وبيت المال بحمد الله معمور، زاده الله عمارة وسعة وخيرًا وبركة في حياة السلطان، المقرونة بكمال السعادة والتوفيق والتسديد، والظهور على أعداء الدين، وما النصر إلا من عند الله. وإنما يستعان في الجهاد وغيره بالافتقار إلى الله تعالى، واتباع آثار النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما لزمه أحكام الشرع. وجميع ما كتبناه أولا وثانيا. هو النصيحة التي نعتقدها، وندين الله بها، ونسأل الله الدوام عليها حتى نلقاه. والسلطان يعلم أنها نصيحة له وللرعية، وليس فيها ما يلام عليه. ولم نكتب هذا السلطان إلا لعلمنا أنه يحب الشرع، ومتابعة أخلاق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الرفق بالرعية، والشفقة عليهم وإكرامه لآثار النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكل ناصح للسلطان موافق على هذا الذي كتبناه. وأما ما ذكر في الجواب من كوننا لم ننكر على الكفار كيف كانوا في البلاد؛ فكيف يقاس ملوك الإسلام، وأهل الإيمان والقرآن بطغاة الكفار! وبأي شيء كنا نذكر طغاة الكفار، وهم لا يعتقدون شيئًا من ديننا! وأما تهديد الرعية بسبب نصيحتنا وتهديد طائفة العلماء؛ فليس هذا المرجو من عدل السلطان حلمه؛ وأي حيلة لضعفاء المسلمين الناصحين نصيحة للسلطان ولهم، ولا علم لهم به! وكيف يؤاخذون به لو كان فيه ما يلام عليه! وأما أنا في نفسي فلا يضرني التهديد، ولا أكثر منه، ولا يمنعني ذلك من نصيحة السلطان؛ فإني أعتقد أن هذا واجب علي وعلى غيري، وما ترتب على الواجب، فهو خير وزيادة عند الله تعالى، {إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} (¬1) ، {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} (¬2) ، وقد أمرنا رسول الله - ¬

(¬1) غافر: 39. (¬2) غافر: 44.

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن نقول الحق حيث ما كنا، وألا نخاف في الله لومة لائم، ونحن نحب السلطان في كل الأحوال، وما ينفعه في آخرته ودنياه، ويكون سببًا لدوام الخيرات له، ويبقى ذكره على ممر الأيام، ويخلد به في الجنة، ويجد نفسه {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا} (¬1) . وأما ما ذكر من تمهيد السلطان البلاد، وإدامته الجهاد، وفتوح الحصون، وقهر الأعداء؛ فهذا بحمد الله من الأمور الشائعة التي اشترك في العلم بها الخاصة والعامة، وطارت في أقطار الأرض، فلله الحمد، وثواب ذلك مدخر للسلطان إلى يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرًا، ولا حجة لنا عند الله تعالى إذا تركنا هذه النصيحة الواجبة علينا، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. وكتب إلى الملك الظاهر لمَّا احتيط على أملاك دمشق: بسم الله الرحمن الرحيم. قال الله تعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} (¬2) . وقال الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} (¬3) ، وقال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (¬4) . وقد أوجب الله على المكلفين نصيحة السلطان أعز الله أنصاره ونصيحة عامة المسلمين، ففي الحديث الصحيح عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: $"الدين النصيحة لله وكتابه وأئمة المسلمين وعامتهم"؛ ومن نصيحة السلطان وفقه الله تعالى لطاعته، وأولاه كرامته، أن ننهى إليه الأحكام إذا جرت على خلاف قواعد الإسلام، وأوجب الله تعالى الشفقة على الرعية، والاهتمام بالضعفة وإزالة الضرر عنهم، قال الله تعالى: ¬

(¬1) آل عمران: 30. (¬2) الذاريات: 55. (¬3) آل عمران: 187. (¬4) المائدة: 2.

{وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (¬1) . وفي الحديث الصحيح: "إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم"، وقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من كشف عن مسلم كربة من كرب الدنيا كشف الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه". وقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم، فأرفق اللهم به، ومن عشق عليهم، فأشفق اللهم عليه"، وقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته"، وقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن المقسطين على منابر من نور عن يمين الرحمن؛ الذين يعدلون في حكمهم، وأهليهم وما ولوا". وقد أنعم الله علينا وعلى سائر المسلمين بالسلطان أعز الله أنصاره، فقد أقامه لنصرة الدين، والذب عن المسلمين، وأذل الله الأعداء من جميع الطوائف، وفتح عليهم الفتوحات المشهورة في المدة اليسيرة، وأوقع الرعب منه في قلوب أعداء الدين وسائر الماردين، ومهد له البلاد والعباد، وقمع بسيفه أهل الزيغ والفساد، وأمده بالإعانة، واللطف والسداد، فلله الحمد على هذه النعم المتظاهرة، والخيرات المتكاثرة، ونسأل الله الكريم دوامها لنا وللمسلمين، وزيادتها في خير وعافية، آمين. وقد أوجب الله شكر نعمه، ووعد الزيادة للشاكرين، فقال تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} (¬2) . وقد لحق المسلمين بسبب هذه الحوطة على أملاكهم أنواع من الضرر لا يمكن التعبير عنها، وطلب منهم إثبات ما لا يلزمهم، فهذه الحوطة لا تحل عند أحد من علماء المسلمين، بل من في يده شيء فهو ملكه، لا يحل الاعتراض عليه، ولا يكلف بإثبات، وقد اشتهر من سيرة السلطان أنه يحب العمل بالشرع فيوصي نوابه، فهو أول (¬3) من عمل به، والمسئول إطلاق الناس من هذه الحوطة، والإفراج عن جميعهم. ¬

(¬1) الشعراء: 215. (¬2) إبراهيم: 7. (¬3) ح: "أول".

فأطلقهم أطلقك الله من كل مكروه، فهم ضعفة وفيهم الأيتام والأرامل والمساكين والضعفة والصالحون، وبهم تنصر وتغاث وترزق، وهم سكان الشام المبارك، جيران الأنبياء صلاة الله وسلامه عليهم، وسكان ديارهم، فلهم حرمات من جهات. ولو رأى السلطان ما يلحق الناس من الشدائد لاشتد حزنه عليهم، وأطلقهم في الحال، ولم يؤخرهم؛ ولكن لا تنهى إليه الأمور على جهتها. فبالله أغث المسلمين يغثك الله، وارفق بهم يرفق الله بك، وعجل لهم الإفراج قبل وقوع الأمطار وتلف غلاتهم، فإن غالبهم (¬1) ورثوا هذه الأملاك عن أسلافهم، ولا يمكنهم تحصيل كتب شراء وقد نهبت كتبهم، وإذا رفق السلطان بهم حصل له دعاء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لمن رفق بأمته، ونصره على أعدائه، فقد قال الله تعالى: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ} (¬2) ، ويتوفر له من رعيته الدعوات، وتظهر في مملكته البركات، ويبارك له في جميع ما يقصده من الخيرات، وفي الحديث عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "من سن سنة حسنة، فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة، فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة". ونسأل الله الكريم، أن يوفق السلطان للسنن الحسنة التي يذكر بها إلى يوم القيامة، ويحميه من السنن السيئة. فهذه نصيحتنا الواجبة علينا للسلطان، ونرجو من فضل الله تعالى أن يلهمه فيها القبول. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وكتب إليه لما رسم بأن الفقيه لا يكون منزلا في أكثر من مدرسة واحدة: بسم الله الرحمن الرحيم، خدمة الشرع ينهون أن الله تعالى أمر بالتعاون على البر والتقوى، ونصيحة ولاة الأمور وعامة العلماء (¬3) ، وأخذ على العلماء العهد، وتبليغ أحكام الدين ومناصحة المسلمين، وحث على تعظيم حرماته، وإعظام شعائر الدين، وإكرام ¬

(¬1) ح: "أكثرهم". (¬2) محمد: 7. (¬3) ط: "المسلمين".

العلماء وأتباعهم. وقد بلغ الفقهاء أنه رسم في حقهم بأن يغيروا عن وظائفهم، ويقطعوا عن بعض مدارسهم، فتنكدت بذلك أحوالهم، وتضرروا بهذا التضييق عليهم، وهم محتاجون، ولهم عيال، وفيهم الصالحون "والمشتغلون بالعلوم، وإن كان فيهم طائفة لا يلحقون مراتب غيرهم؛ فهم منتسبون إلى العلم" (¬1) ويشاركون فيه. ولا يخفى مراتب أهل العلم، وثناء الله تعالى عليهم وبيانه مزيتهم على غيرهم، وأنهم ورثة الأنبياء صلوات الله عليهم؛ فإن الملائكة عليهم السلام تضع أجنحتها لهم، ويستغفر لهم كل شيء حتى الحوت في الماء. واللائق بالجناب العالي إكرام هذه الطائفة، والإحسان إليهم ومعاضدتهم، ورفع المكروهات عنهم، والنظر بما فيه من الرفق بهم، فقد ثبت في صحيح مسلم عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قال: "اللهم من ولي من أمور أمتي شيئًا فرفق بهم فارفق به". وروى أبو عيسى الترمذي بإسناده عن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه، أنه كان يقول لطلبة العلم: مرحبًا بوصية رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "إن رجالًا يأتونكم يتفقهون، فاستوصوا بهم خيرًا". والمسئول ألا يغير على هذه الطائفة شيء، وتستجاب دعوتهم لهذه الدولة القاهرة، وقد ثبت في صحيح البخاري أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم"!. وقد أحاطت العلوم بما أجاب به الوزير نظام الملك حين أنكر عليه السلطان صرفه الأموال الكثيرة في جهة طلب العلم، فقال: أقمت لك جندًا لا ترد سهامهم بالأسحار؛ فاستصوب فعله، وساعده عليه. والله الكريم يوفق الجناب دائما لمرضاته، والمسارعة إلى طاعته والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. ¬

(¬1) تكملة من ط.

وقال بعضهم: لما خرج السلطان الظاهر بيبرس إلى قتال التتار بالشام، أخذ فتاوى العلماء بأنه يجور له أخذ مال من الرعية ليستنصر به على قتال العدو، فكتب له فقهاء الشام بذلك، فقال: هل بقي أحد؟ فقيل: نعم، بقي الشيخ محيي الدين النووي، فطلبه فحضر، فقال: اكتب خطك مع الفقهاء، فامتنع. فقال: ما سبب امتناعك؟ فقال: أنا أعرف أنك كنت في الرق للأمير بندقدار (¬1) ، وليس لك مال. ثم من الله عليك، وجعلك ملكًا. وسمعت أن عندك ألف مملوك، كل مملوك له حياصة من ذهب، وعندك مائتا جارية، لكل جارية حقٌّ من الحلي، فإذا أنفقت ذلك كله، وبقيت مماليك بالبنود الصوف بدلًا عن الحوائص، وبقيت الجواري بثيابهن دون الحلي، أفتيتك بأخذ المال من الرعية. فغضب الظاهر من كلامه، وقال: اخرج من بلدي -يعني دمشق- فقال: السمع والطاعة! وخرج إلى نوى، فقال الفقهاء: إن هذا من كبار علمائنا وصلحائنا، وممن يقتدى به، فأعده إلى دمشق، فرسم برجوعه. فامتنع الشيخ، وقال: لا أدخلها والظاهر بها. فمات الظاهر بعد شهر. قال الذهبي: كان الظاهر خليقًا بالملك (¬2) ، لولا ما كان فيه من ظلم. قال: والله يرحمه ويغفر له؛ فإن له أيامًا بيضاء في الإسلام، ومواقف مشهودة وفتوحات معدودة. واستمر الملك الظاهر إلى أن مات يوم الخميس سابع عشري المحرم سنة ست وسبعين وستمائة بدمشق. وقام بعده في الملك ولده الملك السعيد ناصر الدين أبو المعالي محمد، وسنه ثماني عشرة سنة، وكان أبوه عقد له في حياته، ولقبه هذا اللقب، واستنابه على مصر أيام سفره، ¬

(¬1) في النجوم الزاهرة 8: 42: "البندقداري"، وفي حواشيه: "هو علم الدين سنجر بن عبد الله التركي البندقداري أحد الأمراء الكبار الأكابر بالديار المصرية". (¬2) ط: "الملك".

فاستقل بالسلطنة من يوم موته، واستمر إلى سنة ثمان وسبعين، فاختلف عليه الأماء، وقاتلوه، فخلع نفسه من السلطنة، وأشهد على نفسه بذلك، وذلك في يوم سابع عشر ربيع الآخر. وأقيم مقامه (¬1) أخوه بدر الدين سلامش؛ ولقب الملك العادل، وعمره سبع سنين، وجعل أتابكه الأمير سيف الدين قلاوون الصالحي الألفي -سمي بذلك؛ لأنه اشتري بألف دينار- وضربت السكة باسمه على وجه، وباسم أتابكه على وجه. ودعي لهما معا في الخطبة، فأقام إلى يوم الثلاثاء حادي عشر رجب من هذه السنة، فاجتمع الأمراء بالقلعة، وخلعوا العادل. قال صاحب السكردان: وهو السادس من دولة الأتراك؛ فإن أولهم المعز أيبك، وكل سادس من الخلفاء والملوك لا بد أنه يخلع. وأقاموا بعده قلاوون الصالحي، ففوض إليه الخليفة، ولقب الملك المنصور، وكتب له تقليد هذه صورته، من إنشاء القاضي محيي الدين عبد الظاهر: الحمد لله الذي جعل آية السيف ناسخة لكثير من الآيات، وناسخة لعقود أولي الشك والشبهات، الذي رفع بعض الخلق على بعض درجات، وأهل لأمور البلاد والعباد من جاءت خوارق تملكه بالذي إن لم يكن من المعجزات فمن الكرامات. ثم الحمد لله الذي جعل الخلافة العباسية بعد القطوب حسنة الابتسام، وبعد الشحوب جميلة الاتسام، وبعد التشريد لها دار سلام أعظم من دار السلام. والحمد لله على أن أشهدها مصارع أعدائها، وأحمد لها عواقب إعادة نصرتها وإبدائها، ورد شبيهتها بعد أن ظن كل أحد أن شعارها الأسود ما بقي منه إلا ما أصابته العيون في جفونها، والقلوب في سويدائها. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة يتلذذ بذكرها اللسان، وتتعطر بنفحاتها الأفواه والآذان، وتتلقاها ملائكة القبول فترفعها إلى أعلى مكان. ¬

(¬1) ط: "مكانه".

ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي أكرمنا به وشرف لنا الأنساب، وأعزنا به حتى نزل فينا محكم الكتاب؛ صلى الله عليه وآله الذين انجاب الدين منهم عن أنجاب، ورضي الله عن صحابته الذين هم أعز صحاب؛ صلاة توفي قائلها أجره بغير حساب يوم الحساب. وبعد حمد الله على أن أحمد عواقب الأمور، وأظهر الإسلام سلطانا اشتدت به من الأمة الظهور، وشفيت الصدور، وأقام الخلافة العباسية في هذا الزمن المنصور، كما أقامها فيما مضى بالمنصور، واختار لإعلان دعوتها من يحيي معالمها بعد العفاء ورسومها بعد الدثور، وجمع لها الآن ما كان جمح عليها فيما قبل من خلاف كل ناجم، ومنحها ما كانت تبشرها به الملاحم، وأنفذ كلمتها في ممالك الدولة العلوية بخير سيف مشحوذ ماضي العزائم، ومازج بين طاعتهما في القلوب وذكرهما في اللسان؛ وكيف لا والمنصور هو الحاكم. وأخرج لحياطة الأمة المحمدية ملكا تنقسم البركات من يمينه، وتقسم السعادات بنور جبينه، ويقهر الأعداء بفتكاته، وتمهر عقائل العقائل بصفر راياته؛ ذي السعد الذي ما زال سعده يشف حتى ظهر، ومفخره يرف إلى أن بهر، وجوهره ينتقل من جيد إلى جيد حتى يملأ الجين، وسره يكمن في كل قلب حتى علم العلم اليقين. والحمد لله الذي جعل بنا تمكينه في الأرض بعد حين، فاختاره الله على علم، واصطفاه من بين عباده بما جبله الله عليه من كرم وشجاعة وحلم، وأتى الله به الأمة المحمدية في وقت الاحتياج غوثًا، وفي إبان الاستمطار غيثا (¬1) ، وفي حين عبث الأشبال في غير وقت الافتراش ليثًا، فوجب على كل من له في أعناق الأمة المحمدية بيعة الرضوان، وعند إيمانهم مصافحة الإيمان، ومن حيث وجبت باستحقاقه لميراث ¬

(¬1) ح: "عيث".

منصب النبوة، ومن تصح به كل رسمية شرعية يؤخذ كتابها قوة، ومن هو خليفة الزمان والعصر، ومن بدعواته تنزل عليكم معاشر كماة المسلمين ملائكة النصر، ومن نسبه بنسب (¬1) نبيكم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منتسج، وحسبه بحسبه ممتزج -أن يفوض له ما فوض الله إليه من أمر الخلق، ليقوم عنه بفرض الجهاد والعمل بالحق، وأن يوليه ولاية شرعية تصح بها الأحكام، وتنضبط أمور الإسلام، وتأتي هذه العصبة الإسلامية يوم تأتي كل أمة بإمامها من طاعة خليفتها بخير إمام. وخرج أمر مولانا أمير المؤمنين شرفه الله أن يكون المقر العالي المولوي السلطاني الملكي المنصوري أجله الله ونصره، وأظفره وأقدره وأيده وأبده، كلما فوضه مولانا أمير المؤمنين من حكم في الوجود، وفي التهائم (¬2) والنجود، وفي الجيوش والجنود، وفي الخزائن والمدائن، وفي الظواهر والبواطن، وفيما فتحه الله تعالى وفيما سيفتحه، وفيما فسد بالكفر والرجا من الله أن سيصلحه، وفي كل جود ومن وكل عطاء، وفي كل هبة وتمليك، وفي كل تفرد بالنظر في أمور المسلمين بغير شريك، وفي كل تعاهد ونبذ، وفي كل عطاء وأخذ، وفي كل عزل وتولية، وفي كل تسليم وتخلية، وفي كل إرفاق وإنفاق، وفي كل إنعام وإطلاق، وفي كل استرقاق وإعتاق، وفي كل تقليل وتكثير، وفي كل تأثيل وتأثير، وفي كل تقليد وتفويض، وفي كل تجديد وتعويض، وفي كل حمد وتقريض، ولاية تامة محكمة، منضدة منظمة، لا يعقبها نسخ من بين يديها ولا من خلفها، ولا يعتريها فسخ يطرأ عليها، يزيدها مر الليالي جدة يعقبها حسن شباب، ولا ينتهي عن الأعوام والأحقاب، ونعم تنتهي إلى ما نصبه الله تعالى للإرشاد، ومن سنة وكتاب؛ وذلك من شرع الله، أقامه للهداية علمًا، وجعله إلى اختيار الثواب سلمًا. ¬

(¬1) ط: "ببيت". (¬2) ط: "البهائم" تحريف.

فالواجب أن يعمل بجزئيات أمره وكلياته، وألا يخرج أحد عن مقدماته. والعدل، فهو الغرس المثمر، والسحاب الممطر، والروض المزهر، وبه تنزل البركات، وتخلف الهبات، وتربو الصدقات، وبه عمارة الأرض، وبه تؤدى السنة والفرض؛ فمن زرع العدل اجتنى الخير، ومن أحسن كفي الضرر والضير. والظلم، فعاقبته وخيمة، وما يطول عمر الملك إلا بالمعدلة الرحيمة. والرعية، هم الوديعة عند أولي الأمر، فلا يختص منهم زيد دون عمرو. والأموال، فهي ذخائر العاقبة والمآل، فالواجب أن تؤخذ بحقها، وتنفق في مستحقها. والجهاد برًّا وبحرًا، فمن كنانة الله يفوق سهامه، وتؤرخ أيامه، وينتضى حسامه، وتجري منشآته في البحر كالأعلام وتنشر أعلامه، وفي عقر دار الحرب يحط ركابه، ويخط كتابه، وترسل أرسانه، وتجوس خلالها فرسانه، فيلزم منه دنيا ديدنا، ويستصحب منه فعلا حسنا. وجيوش الإسلام وكماته، وأمراؤه وحماته، فمنهم من قد علمت قدم هجرته، وعظم نصرته، وشدة بأسه، وقوة مراسه، وما منهم إلا من شهد الفتوحات والحروب، وأحسن في المحاماة عن الدين الدءوب، وهم بقايا الدول، وسجايا الملوك الأول، ولاسيما أولي السعي الناجح، والرأي الراجح، ومن له نسبة صالحية؛ فإذا فخروا بها قيل لهم: نعم السلف الصالح! فأوسعهم برًّا، وكن بهم برًّا، فهم مما يجب من خدمتك أعلم، وأنت بما يجب من حقهم أدرى. والحصون والثغور، فهي ذخائر الشدة، وخزائن العديد والعدة، ومقاعد القتال، وكنائن الرجا والرجال؛ فأحسن لها التحصين، وفوض أمرها إلى كل قوي أمين، وإلى كل ذي دين متين، وإلى كل ذي عقل رصين.

ونواب الممالك ونواب الأمصار، فأحسن لهم الاختيار، وأجمل لهم الاختبار، وتفقد لهم الأخبار. وأما ما سوى ذلك فهو داخل في حدود هذه الوصايا، ولولا أن الله تعالى أمر بالتذكير لكان ذلك سجايا المقر الأشرف السلطاني الملكي المنصور مكتفية بأنواره المضيئة الساطعة. وزمام كل صلاح يجب أن يشغل به جميع أوقاته، هو تقوى الله تعالى، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} (¬1) ، فليكن ذلك نصب العين، وشغل القلب والشفتين. وأعداء الدين من أرمن وتتار، فأذقهم وبال أمرهم في كل إيراد وإصدار، وخذ للخلفاء العباسيين ولجميع المسلمين منهم الثار، واعلم أن الله ينصرك على ظلمهم وما للظالمين من أنصار. وأما غيرهم من مجاوريهم من المسلمين، فأحسن لهم باستنقاذك من العلاج، وطبهم باستصطلاحك فبالطب المنصوري والملكي ما زال يصلح المزاج، والله الموفق بمنه، وكرمه إن شاء الله تعالى. واستمر قلاوون في السلطنة، فكان له مشاهد حسنة، وفتوحات، فمنها طرابلس وقد كانت في أيدي الفرنج من سنة ثلاث وخمسمائة وإلى الآن. وهو الذي أحدث وظيفة كتابة السر، وأحدث اللعب بالرمح أيام إدارة المحمل وكسوة الكعبة، وغير ملابس الدولة عما كانوا عليه في دولة بني أيوب. قال الصلاح الصفدي: كان الجند يلبسون فيما تقدم كلوتات (¬2) صفر مضربة ¬

(¬1) سورة آل عمران: 102. (¬2) الكلوتة: غطاء الرأس تلبس وحدها أو بعمامة، وهو مما استحدثه سلاطين الأيوبيين بمصر، انظر حواشي السلوك 493.

بكلبندات (¬1) بغير شاشات، وشعورهم مضفورة دبابيق في أكياس حرير ملونة، وفي خواصرهم موضع الحوائص بنود ملونة، وأكمام أقبيتهم ضيقة وأخفافهم برغالي، ومن فوق قماشهم بحلق وإبزيم (¬2) وجلواز كبير، يسع نصف ويبة أو كثر؛ فأبطل المنصور ذلك كله بأحسن منه؛ وأقام في السلطنة إلى أن توفي يوم السبت سادس ذي القعدة سنة تسع وثمانين. وأقيم بعده ولده الملك الأشرف صلاح الدين خليل، فلما كان يوم الجمعة رابع عشر شوال سنة تسعين، سأل الشرف الخليفة الحاكم بأمر الله، أن يخطب بنفسه الناس، وأن يذكر في خطبته أنه قد ولى السلطنة الأشرف خليل بن المنصور، فلبس الخليفة خلعة سوداء، وخطب الناس بجامع القلعة، ورسم لقاضي القضاة بدر الدين بن جماعة من ثم أن يخطب بالقلعة عند السلطان، فخطب يوم الجمعة التي خطب فيها الخليفة، واستمر يخطب ويستنيب في الجامع الأزهر، ثم أمر الأشرف بقراءة ختمة عند قبر الملك المنصور في ليلة الاثنين رابع ذي القعدة، فحضرها القضاة والأمراء والأعيان، ونزل السلطان ومعه الخليفة إليهم وقت السحر، وخطب الخليفة بعد الختمة خطبة بليغة، حرض الناس فيها على غزو بلاد العراق، واستنقاذها من أيدي التتار، واستمر الأشرف في السلطنة إلى أن قتل بتروجة (¬3) في ثالث المحرم سنة ثلاث وتسعين، ونقل فدفن في مدرسته التي أنشأها بالقرب من السيدة نفيسة، وقال ابن حبيب يرثيه: تبا لأقوام لمالك رقهم ... قتلوا وما رقوا لحالة مترف وافوه غدرا ثم صالوا جملة ... بالمشرفي على المليك الأشرف ¬

(¬1) الكلبند: جزء من غطاء الرأس؛ وانظر حواشي السلوك 494. (¬2) الإبزيم: ما يكون في رأس المنطقة وما أشبهه، وهو ذو لسان يدخل فيه الطرف الآخر. (¬3) تروجة: قرية بمصر؛ من كورة البحيرة من أعمال الإسكندرية، ذكرها ياقوت.

وأقيم أخوه ناصر الدين أبو الفتوح محمد، ولقب الملك الناصر، وعمره يومئذ تسع سنين، واستمر إلى حادي عشر المحرم سنة أربع وتسعين، فخلع. وتسلطن زين الدين كتبغا المنصوري من سبي التتار ولقب الملك العادل، فأقام إلى صفر سنة ست وتسعين، فخلع وتسلطن حسام الدين لاجين المنصوري، وشق القاهرة، وعليه الخلعة الخليفية، والأمراء بين يديه مشاة، وجاء في تلك السنة غيث عظيم، بعد ما كان تأخر، فقال الوادعي في ذلك: يا أيها العالم بشراكم ... بدولة المنصور رب الفخار فالله قد بارك فيها لكم ... فأمطر الليل وأضحى النهار إلى أن قتل ليلة الجمعة حادي عشر ربيع الآخر سنة ثمان وتسعين، وأعيد الملك الناصر محمد بن قلاوون، وكان منفيًّا بالكرك، فأحضر، وقلده الخليفة يوم السبت رابع جمادى الأولى، وشق القاهرة وعليه خلعة الخليفة، والجيش مشاة بين يديه، فأقام إلى سنة ثمان وسبعمائة، فخرج في رمضان قاصدًا الحج، فاجتاز بالكرك، فأقام بها، ثم كتب كتابا إلى الديار المصرية، يتضمن عزل نفسه عن المملكة، فأثبت ذلك على القضاة بمصر، ثم نفذ على قضاة الشام. وأقيم في السلطنة الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير المنصوري، وذلك يوم السبت الثالث والعشرين من شوال، ورقب الملك المظفر، وقلده الخليفة، وألبسه الخلعة السوداء والعمامة المدورة، وركب بذلك وشق القاهرة، والدولة بين يديه والصاحب ضياء الدين النشائي حامل التقليد من جهة الخليفة في كيس أطلس أسود وأوله: إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم. ثم نفذ التقليد إلى الشام، فقرئ هناك، ثم عاد الملك الناصر من الكرك طالبًا عوده إلى ملكه، وبايعه على ذلك جماعة من الأمراء، فبلغ ذلك المظفر بيبرس، فاستدعى بالشيخ زين الدين بن المرحل وبالشيخ شمس الدين بن عدلان، واستشارهما، فأشارا عليه

بتجديد العهد من الخليفة وتخليف الأمراء ففعل ذلك، وكتب له عهد من الخليفة، صورته: إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله وخليفة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أبي الربيع سليمان العباسي لأمراء المسلمين وجيوشها، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (¬1) . وإني رضيت لكم بعبد الله تعالى الملك المظفر ركن الدين بيبرس نائبا عني لملك الديار المصرية والبلاد الشامية، وأقمته مقام نفسي لدينه وكفايته وأهليته، ورضيته للمؤمنين، وعزلت من كان قبله، بعد علمي بنزوله عن الملك، ورأيت ذلك متعينًا عليّ، وحكمت بذلك الحكام الأربع. واعلموا رحمكم الله أن الملك عقيم ليس بالوراثة لأحد خالف عن سالف، ولا كابر عن كابر، وقد استخرت الله تعالى ووليت عليكم الملك المظفر، فمن أطاعه فقد أطاعني، ومن عصاه فقد عصاني، ومن عصاني فقد عصى أبا القاسم ابن عمي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وبلغني أن الملك الناصر ابن السلطان الملك المنصور شق العصا على المسلمين، وفرق كلمتهم، وأطمع عدوهم فيهم، وعرض البلاد الشامية والمصرية إلى سبي الحريم والأولاد، وسك الدماء، فتلك دماء قد صانها الله تعالى من ذلك، وأنا خارج إليه ومحاربه إن استمر على ذلك، وأدافع عن حريم المسلمين وأنفسهم، وأولادهم بهؤلاء الأمراء والجيش العظيم، وأقاتله حتى يفيء إلى أمر الله. وقد أوجبت عليكم يا معاشر المسلمين كافة الخروج تحت لوائي، اللواء الشريف، فقد أجمعت الحكام على وجوب دفعه وقتاله عن استمر على ذلك، وأنا أستصحب معي الملك المظفر، فجهزوا أرواحكم. والسلام. وقرئ هذا العهد على منابر الجوامع بالقاهرة، وأما الناصر فإنه سار من الكرك بمن معه في أول شعبان سنة ثمان وسبعمائة، فأتى دمشق فانتظم أمره، ثم توجه إلى مصر، فلما بلغ ذلك المظفر بيبرس، أخذ جميع ما في الخزائن من الأموال، وتوجه إلى جهة أسوان، ¬

(¬1) النساء: 59.

فدخل الناصر إلى مصر يوم عيد الفطر، وصعد القلعة، وجلس على سرير الملك، وحلقت له العساكر، ثم وجه إلى المظفر من أحضره واعتقله، ثم خنقه في خامس عشر شوال. وقال العلاء الوداعي في عود الناصر إلى ملكه: الملك الناصر قد أقبلت ... دولته مشرقة الشمس عاد إلى كرسيه مثل ما ... عاد سليمان إلى الكرسي وقال الصلاح الصفدي: تثني عطف مصر حين وافى ... قدوم الناصر الملك الخبير فذل الجشنكير بلا لقاء ... وأمسى وهو ذو جأش نكير إذا لم تعضد الأقدار شخصًا ... فأول ما يراع من النصير وشرع يعاتب الناس في أمره، فقال للخليفة: هل أنا خارجي وبيبرس من سلالة بني العباس! وقال للقاضي علاء الدين بن عبد الظاهر: وكان هو الذي كتب عهد المظفر عن الخليفة: يا أسود الوجه. وقال للقاضي بدر الدين بن جماعة: كيف تفتي المسلمين بقتالي! فقال: معاذ الله، أن تكون الفتوى كذلك! وإنما الفتوى على مقتضى كلام المستفتي. ثم عزله عن القضاء، وعزل القاضيين: شمس الدين السروجي الحنفي والحنبلي، وأبقى المالكي، لكونه كان وصيًّا عليه من جهة أبيه قلاوون. وقال للشيخ صدر الدين بن المرحل: كيف تقول في قصيدتك: ما للصبي وما للملك يكفله ... شأن الصبي بغير الملك مألوف! فخلف ابن المرحل ما قال هذا، وإنما الأعداء زادوا هذا البيت في القصيدة، والعفو من شيم الملوك؛ فعفا عنه.

وجاء الشيخ شمس الدين بن عدلان يستأذن، فقال الناصر للدوادار (¬1) : قل له: أنت أفتيت أنه خارجي، وقتاله جائز، ما لك عندي دخول! ولكن عرفه أنه وابن المرحل بكفهما ما قال الشارمساحي في حقهما، وكان الأديب أحمد بن عبد الدائم الشارمساحي الماجن قال: ولي المظفر لما فاته الظفر ... وناصر الحق وافى وهو منتصر وقد طوى الله من بين الورى فتنا ... كادت على عصبة الإسلام تنتشر فقل لبيبرس إن الدهر ألبسه ... أثواب عارية في طولها قصر لما تولى تولى الخبر عن أمم ... لم يحمدوا أمره فيها ولا شكروا وكيف تمشي به الأحوال في زمن ... لا النيل أوفى، ولا وافاهم مطر ومن يقوم ابن عدلان بنصرته ... وابن المرحل قل لي: كيف ينتصر! وكان النيل لم يوف سنة تولى المظفر، وارتفع السعر. قلت: الكل مظلمون مع الناصر، فإنهم أفتوا بالحق، ولكن جبروت وظلم وعسف، وشوكة وصبًا وجهل، فمن يخاطب الإنسان! واستمر الناصر في السلطنة بلا منازع، فحج خفيفا في سنة اثنتي عشرة من طريق الكرك، وعاد إلى دمشق، ثم حج من القاهرة سنة تسع عشرة ومعه قاضي القضاة البدر ابن جماعة، والأمراء وغالب أرباب الدولة، وكان خروجه في سادس ذي القعدة، وأبطل في هذه السنة مكوس الحرمين، وعوض أميري مكة والمدينة عنها إقطاعات بمصر والشام، ومهد ما كان في عقبة إيلياء من الصخور، ووسع طريقها. واتفق في هذه السنة أن كريم الدين ناظر الخاص حضر إلباس الكعبة الكسوة، فصعد الكعبة، وجلس على العتبة يشرف على الخياطين، فأنكر الناس استعلاءه على ¬

(¬1) الداودار: وظيفة تعادل السكرتير الخاص للسلطان، وهو الذي يحمل دولته وغيرها؛ مع ما يلحق ذلك من المهمات، حواشي السلوك 1: 141.

الطائفين، فسقط لوقته على رأسه، وصرخ الناس صرخة عظيمة تعجبا من ظهور قدرة الله، وانقطع ظهره، ولولا تداركه من تحته لهلك؛ وعلم بذنبه، فتصدق بمال جزيل. ثم حج الناصر حجة ثالثة في سنة اثنتين وثلاثين، وهو الذي حفر الخليج الناصري الداخل من قنطرة قديدار (¬1) ، وعزم على أن يجري النيل تحت القلعة، ويشق له من ناحية حلوان، فثبطه عن ذلك فخر الدين ناظر الجيش، وقال: إنه يحتاج إلى ثلاث خزائن من المال، ولا يدري: هل يصح أو لا! فرجع عنه. واستمر الناصر إلى أن مات يوم الأربعاء عاشر ذي الحجة سنة إحدى وأربعين. وهو أطول ملوك الترك مدة. وأقيم بعده ولده سيف الدين أبو بكر، ولقب الملك المنصور، فأقام دون الشهرين، ثم خلع في يوم الأحد العشرين من صفر سنة اثنتين وأربعين، ونفي هو وأخوته إلى قوص، وتهتكت حريم أبيه الناصر، وكثر البكاء والعويل بالقاهرة. وكان يومًا من أشنع الأيام، ثم قتل بقوص، وأقيم بعده أخوه علاء الدين كحك ولقب الملك الأشرف، وعمره دون ست سنين، فقال بعض الشعراء في ذلك: سلطاننا اليوم طفل والأكابر في ... خلف وبينهم الشيطان قد نزغا فكيف يطمع من تغشاه مظلمة ... أن يبلغ السؤل والسلطان ما بلغا فأقام خمسة أشهر، ثم خلع في أول شعبان، واعتقل بالقلعة إلى أن مات سنة ست وأربعين، قال صاحب السكردان: والله أعلم كيف موته (¬2) . وأقيم أخوه شهاب الدين أحمد ولقب الملك الناصر، وكان قدم من الكرك، وكان ¬

(¬1) قنطرة قديدار، كانت على الخليج الناصري، وانظر حواشي النجوم الزاهرة 9: 82. (¬2) السكردان: 58.

الذي عقد المبايعة بينه وبين الخليفة الشيخ تقي الدين السبكي، وقد حضر من الشام إلى مصر، قال في السكردان: فأقام في الملك بمصر أربعين يوما، ثم رجع إلى الكرك، ولم يزل هناك حتى خلع يوم الخميس ثاني عشر المحرم سنة ثلاث وأربعين، ثم قتل في أول (¬1) سنة خمس وأربعين، وأقيم بعده أخوه عماد الدين إسماعيل، ولقب الملك الصالح، فأقام إلى أن مات في رابع ربيع الآخر سنة ست وأربعين وعمره نحو عشرين سنة (¬2) . وقال الصلاح الصفدي يرثيه: مضى الصالح المرجو للباس والندى ... ومن لم يزل يلقى المنى بالمنائح فيا ملك مصر كيف حالك بعده ... إذا نحن أثنينا عليك بصالح وأقيم بعده أخوه زين الدين شعبان، ولقب الملك الكامل. وقال الجمال بن نباته في ذلك: طلعة سلطاننا تبدت ... بكامل السعد في الطلوع (¬3) فاعجب لها منه كيف أبدت ... هلال شعبان في ربيع وقال أيضًا: شعبان سلطاننا المرجى ... مبارك الطالع البديع يا بهجة البدر إذ تبدى ... هلال شعبان في ربيع فأقام سنة وأياما، ثم خلع في جمادى الأولى سنة سبع وأربعين، وسجن وقتل. وكان من شرار الملوك ظلمًا وعسفا وفسقا، فقال فيه الصلاح الصفدي: بيت قلاوون سعاداته ... في عاجل كانت وفي آجل حل على أملاكه للردى ... دين قد استوفاه بالكامل ¬

(¬1) السكردان: "في صفر". (¬2) السكردان: 58. (¬3) السكردان: 59.

وأقيم بعده أخوه زين الدين حاجي، ولقب الملك المظفر؛ فأقام سنة وثلاثة أشهر، ثم خلع في يوم الأحد ثاني عشر رمضان سنة ثمان وأربعين، وذبح من ساعته، وقال فيه الصلاح الصفدي: أيها العاقل اللبيب تفكر ... في المليك المظفر الضرغام كم تمادى في البغي والغي حتى ... كان بعث الحمام حد الحمام وقال أيضا: حان الردى للمظفر ... وفي التراب تعفر كم قد أباد أميرًا ... على المعالي توفر وقاتل النفس ظلمًا ... ذنوبه ما تكفر وأقيم بعده أخوه ناصر الدين أبو المحاسن حسن؛ ولقب الملك الناصر، وعمره يومئذ إحدى عشرة سنة؛ فأقام إلى أن خلع في جمادى الآخرة سنة اثنتين وخمسين، وسجن بالقلعة، وأقيم بعده أخوه صالح، ولقب الملك الناصح، وجعل شيخو أتابكه (¬1) فأقام إلى أن خلع في شوال سنة خمس وخمسين، وحبس بالقلعة، وأعيد الناصر حسن، فأقام إلى أن قتل ليلة الأربعاء تاسع جمادى الأولى سنة اثنتين وستين، وأقيم بعده ابن أخيه ناصر الدين أبو المعالي محمد بن المظفر حاجي، ولقب الملك المنصور، فأقام إلى أن خلع في شعبان سنة أربع وستين وسجن بالقلعة إلى ان مات سنة إحدى وثمانين، وأقيم بعده ابن عمه أبو المفاخر شعبان بن الأمير حسين بن الملك الناصر محمد بن قلاوون، ولقب الملك الأشرف وعمره يومئذ عشر سنين، واستقر أتابكه يلبغا العمري. ثم إن يلبغا قتل بأيدي مماليكه في سنة ثمان وستين، وكان ساكنا بالكبش، فقال فيه بعض الشعراء: ¬

(¬1) الأتابك: في أيام المماليك مقدم العساكر أو القائد العام.

بدا شقا يلبغا وعدت ... عداه في سفنه إليه والكبش لم يفده وأضحت ... تنوح غربانه عليه وأقيم أسندمر الناصر أتابكا، فاتفقت معه مماليك يلبغا، فركبوا على الأشرف فهزموا، ونصر الأشرف، وقال بعض الشعراء في ذلك: هلال شعبان جهرًا لاح في صفر ... بالنصر حتى أرى عيدا بشعبان وأهل كبش كأهل الفيل قد أخذوا ... رغما وما انتطحت في الكبش شاتان ثم أقيم الجائي اليوسفي أتابكا وهو زوج أم الأشرف، فاتفق موت أم الأشرف، فقال شهاب الدين السعدي متفائلا بالجائي: في مستهل العشر من ذي الحجة ... كانت صبيحة موت أم الأشرف فالله يرحمها ويعظم أجره ... ويكون في عاشور موت اليوسفي فأتفق أن وقع الأمر كذلك، ركب الجائي على الأشرف في سابع المحرم، فكسر وطلب يوم الثامن، فساق حتى أرمى نفسه في البحر، فغرق، ثم أخرجه الغواصون ودفن في تاسع المحرم. ثم إن الأشرف تأهب للحج، وسافر في شوال ثمان وسبعين، وصحبه الخليفة والقضاة والأمراء، فلما وصل إلى العقبة، ركب عليه من معه من الأمراء والجند، فانكسر السلطان، ورجع هاربا إلى مصر، فاختفى بها. قال الحافظ ابن حجر: أخبر الشيخ بدر الدين السلسولي أحد علماء المالكية وصلحائهم، أنه رأى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما تجهز الأشرف للحج، وعمر يقول له: شعبان بن حسين يريد أن يجيء إلينا، فقال: لا ما يأتينا أبدا! فلم يلبث الأشرف أن رجع من العقبة. قال ابن حجر: وعرض طشتمر على الخليفة أن يتسلطن، فامتنع وقال: بل اختاروا

من شئتم، وأنا أوليه، ورجع هو والقضاة إلى مصر. ثم إنهم ظفروا بالأشرف، فخنقوه وأقيم بعده ولده علاء الدين علي وهو صبي، ولقب الملك المنصور، فأقام إلى أن مات في صفر سنة ثلاث وثمانين، وعمره يوم مات اثنتا عشرة سنة. وكان التدبير في أيامه لا ينبك البدري، ثم لقرطاي، ثم لبرقوق. وأقيم بعده أخوه صلاح الدين حاجي بن الأشرف شعبان، ولقب الملك الصالح، وسنة حينئذ تسع سنين، ثم خلع في رمضان سنة أربع وثمانين، وأقيم في السلطنة سيف الدين أبو سعيد برقوق بن أنص؛ ولقب الملك الظاهر؛ وهو أول السلاطين من الجراكسة، وليس فيهم من تسلطن وأبوه مسلم غيره؛ فإن أباه قدم إلى الديار المصرية، فأسلم ومات قبل سلطنة ولده بشهر. وكان الذي أشار بتلقيب برقوق بالظاهر شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني؛ فإن ولايته كانت وقت الظهر، وخطب الخليفة قبل أن يفوض إليه خطبة بليغة، ثم قلده بحضرة البلقيني والقضاة، واستمر في السلطنة إلى ثالث جمادى الآخرة سنة إحدى وتسعين، فخلع وسجن بالكرك، وأعيد حاجي إلى السلطنة، ولقب الملك المنصور، فأقام إلى صفر سنة اثنتين وتسعين وخلع، وعاد برقوق إلى السلطنة، فاستمر إلى أن مات في شوال سنة إحدى وثمانمائة، وأقيم بعده ولده زين الدين أبو السعادات فرج، ولقب الملك الناصر، وقال بعض الشعراء في ولايته: مضى الظاهر السلطان أكرم مالك ... إلى ربه يرقى إلى الخلد في الدرج وقالوا ستأتي شدة بعد موته ... فأكذبهم ربي وماجا سوى فرج فأقام إلى سادس ربيع الأول سنة ثمان وثمانمائة، فخلع وأقيم أخوه عبد العزيز، ولقب الملك المنصور، ثم خلع في رابع جمادى الآخرة من السنة، وأعيد الناصر فرج، فأقام إلى أن خرج عليه شيخ المحمودي، وقاتله وحصره، وظفر به وحكم ابن العديم

بسفك دمه وقتل بسيف الشرع؛ وذلك في المحرم سنة خمس عشرة وثمانمائة، وأقيم الخليفة المستعين بالله أبو النصر العباسي سلطانًا مستقلًّا بالأمر، وحلف له الأمراء على الوفاء ولم يتغير لقبه، فأقام يتصرف بالولاية والعزل وغيرهما، ثم سأله شيخ أن يفوض إليه السلطنة على العادة، فأجابه إلى ذلك في شعبان من السنة، وبقيت الخلافة باسمه، واستقر شيخ في السلطنة، ولقب الملك المؤيد، وكان من خيار الملوك. ترجمه الحافظ ابن حجر في معجمه وأثنى عليه، وقال: أين مثله؟ بل أين أين مثله! وكان معه إجازة بصحيح البخاري من شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني، فكانت لا تفارقه سفرًا ولا حضرا، وأقام إلى أن توفي في ثامن محرم سنة أربع وعشرين، وأقيم بعده ولده أحمد، ولقب الملك المظفر، وعمره يومئذ سنتان. وجعل ططر مدبر المملكة، ولقب نظام الملك، فلما كان سلخ شعبان من السنة خلع من الملك لصغره، وأقيم ططر، ولقب الملك الظاهر، فأقام إلى أن مات في سادس ذي الحجة من السنة. وأقيم بعد ططر ولده محمد ولقب الملك الصالح، وجعل برسباي نظام الملك، فلمَّا كان في ثامن ربيع الآخر سنة خمس وعشرين وأقيم برسباي، ولقب الملك الأشرف، فأقام إلى أن مات في ذي الحجة سنة إحدى وأربعين. وأقيم ولده يوسف، ولقب الملك العزيز، وجعل جمقمق نظام الملك، فلما كان في سنة اثنتين وأربعين خلع وأقيم جمقمق، ولقب الملك الظاهر، فأقام إلى أن مات سنة سبع وخمسين. وأقيم ولده عثمان، ولقب الملك المنصور، فمكث شهرا ونصفا، ثم خلع في ربيع الأول، وأقيم إينال العلائي؛ ولقب الملك الأشرف، فأقام إلى أن مات في جمادى الأولى سنة خمس وستين.

وأقيم ولده أحمد ولقب الملك المؤيد ثم خلع في رمضان من السنة، وأقيم خشقدم الناصري، ولقب الملك الظاهر، فأقام إلى أن مات في ربيع الأول سنة اثنتين وسبعين. وأقيم قايتباي العلائي، ولقب الملك الظاهر، فأقام نحو شهرين وخلع، وأقيم تمربغا، ولقب الملك الظاهر، فأقيم أيضًا نحو شهرين، وخلع في رجب. وأقيم سلطان العصر الملك الأشرف قايتباي المحمودي، فأقام إلى أن مات ليلة الاثنين ثاني عشر ذي القعدة سنة إحدى وتسعمائة. وأقيم ولده محمد، ولقب الملك الناصر أبو السعادات محمد (¬1) . وقد نظم بعضهم أسماء بعض السلاطين في أرجوزة، وهو حمزة بن علي الحسني مذيلا على أرجوزة الجزار عقب ذكر الملك الظاهر، فقال: ثم تولى الملك السعيد ... وكل يوم في ذراه عيد ثم أخوه العادل استقلا ... بالملك أياما بها وولى ¬

(¬1) ورد في هامش الأصل ما يأتي: "وقتل في يوم الأربعاء منتصف ربيع الأول سنة أربع، فولي بعده خاله قانصوه الغوري يوم الجمعة سابع عشرة، ثم خلع أول ذي الحجة سنة خمس، وولي بعده خاله جان بلاط، ولقب الأشرف، ثم أقام في الملك إلى أن خرج من مصر في منتصف ربيع الآخر سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة في جيش كبير إلى البلاد الحلبية لملاقاة السلطان سليم بن عثمان، فوقع المصاف بينهما بمرج دابغ في خامس عشري رجب من السنة المذكورة، فمات في ذلك حتف أنفه، ولم توجد جثته. ثم في يوم الجمعة رابع عشر شهر رمضان من السنة المذكورة تولى طومان باي الداودار ابن أخي الغوري، ولقب الأشرف، ثم إن السلطان سليم بن عثمان دخل مصر في يوم الخميس سلخ الحجة، وقتل طومان باي يوم الاثنين حادي عشري ربيع الأول سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة. وأقام بمصر إلى أن رحل عنها في رابع عشري شعبان من السنة المذكورة، وخلف عليها خاير بك المحمدي. ثم إن ابن عثمان مات ببلاد الروم في ليلة السبت تاسع شوال سنة ست وعشرين، وقام بعده في الملك ولده سلطان العصر سليمان نصره الله تعالى. ثم مات خاير بك في ثالث عشري ذي القعدة سنة ثمان وعشرين وتسعمائة، ثم ولي بعده خاير بك مصطفى أحد وزراء السلطان سليمان. ثم في شهر رمضان قدم من الروم أمير لنيابة مصر يسمى قاسم، ثم جاء من بعده أحمد باشا، ثم من بعده سليمان باشاه، ثم من بعده سليمان باشاه خسرو، ثم من بعد خسرو أعيد سليمان باشاه، ثم من بعده الزيني داود باشاه متوليها الآن أدامه الله تعالى". وقد وضع هذا النص خطأ داخل نسختي ح، ط.

ثم تولى الملك المنصور ... ومن جرى بنصره المقدور ثم تولاها المليك الأشرف ... ومن غدا بكل جود يعرف ثم تولاها المليك الناصر ... وما له في نصره موازر ثم الأمير كتبغاء العادل ... وما جرى في وقته فسائل وبعده لاجين المنصور ... ودولة بلاؤها مشهور ثم بها الناصر عاد ثانيه ... ولم ينل في ملكه أمانيه ثم حوى الأمر بها المظفر ... ليقض أمر ربنا المقدر ثم بها الناصر عاد ثالثه ... ونجله المنصور كان وارثه وبعده الأشرف وهو يافع ... فلا ممانع ولا مدافع ثم تولى الناصر بن الناصر ... وبعده الصالح ذو المماكر أعني أبا الفداء إسماعيلا ... طائره أضحى به جميلا هذا آخر ما نظمه، وقد ذيلت عليه فقلت: وبعده شعبان وهو الكامل ... وبعده المظفر المماحل وبعده الناصر واسمه حسن ... وبعده الصالح في البرج سجن ثم أعيد حسن وبعده ... محمد المنصور أوهي عهده وبعده شعبان وهو الأشرف ... وهو ابن عشر أمره مستضعف وبعده المنصور واسمه علي ... وبعده الصالح حاجي قد ولي وبعده برقوق وهو الظاهر ... ثم أعيد الصالح المنافر ولقبوه الملك المنصورا ... ثم أعادوا الظاهر المذكورا وبعده الناصر واسمه فرج ... وبعده عبد العزيز قد خرج ولقب المنصور ثم أمسكا ... وأحضر الناصر حتى ملكا

وبعد هذا بويع الخليفه ... ذو الرتبة العالية المنيفه المستعين الأعظم العباس ... فاستوثق الأمر وسر الناس وبعد هذا ملك المؤيد ... شيخ وبعده المظفر أحمد وبعده الظاهر واسمه ططر ... ثم ابنه الصالح لما أن غبر ثم برسباي وذاك الأشرف ... ثم ابنه الملك العزيز يوسف وبعده الظاهر وهو جقمق ... ثم ابنه المنصور ثم أطلقوا وبعده إينال وهو الأشرف ... ثم ابنه المؤيد المنصرف وبعده خشقدم ليث الوغى ... وبعد يلباي أتى تمربغَا والكل بالظاهر رسما يوصف ... وبعدهم جاء المليك الأشرف أقام في الملك ثلاثين سوى ... سبع شهور وحوى ما قد حوى وسلطنوا ولده محمدا ... ولقب الناصر رغمًا للعدا

ذكر الفرق بين الخلافة والملك والسلطنة من حيث الشرع:

ذكر الفرق بين الخلافة والملك والسلطنة من حيث الشرع: قال ابن سعد في الطبقات: أخبرنا محمد بن عمر، حدثني قيس بن الربيع، عن عطاء بن السائب، عن زادان، عن سلمان أن عمر بن الخطاب، قال له: أملك أنا أم خليفة؟ فقال: له سلمان إن أنت جبيت من أرض المسلمين درهمًا أو أقل أو أكثر، ثم وضعته في غير حقه فأنت ملك غير خليفة، فاستعبر عمر. وقال: أخبرنا محمد بن عمر، حدثني عبد العزيز بن الحارث، عن أبيه سفيان بن أبي العوجاء، قال: قال عمر بن الخطاب: والله ما أدري أخليفة أنا أم ملك؟ فإن كنت ملكا، فهذا أمر عظيم، قال قائل: يا أمير المؤمنين إن بينهما فرقًا، قال: ما هو؟ قال: الخليفة لا يأخذ إلا حقًّا ولا يضعه إلا في حق، وأنت بحمد الله كذلك، والملك يعسف الناس، فيأخذ من هذا، ولا يعطي هذا. فسكت عمر. ذكر من يطلق عليه السلطنة من حيث المصطلح: قال ابن فضل الله في المسالك: ذكر علي بن سعيد أن الاصطلاح ألا تطلق هذه التسمية إلا على من يكون في ولايته ملوك، فيكون ملك الملوك فيملك، مثل مصر، أو مثل الشام، أو مثل أفريقية، أو مثل الأندلس، ويكون عسكره عشرة آلاف فارس أو نحوها، فإن زاد بلادا أو عددا في الجيش، كان أعظم في السلطنة. وجاز أن يطلق عليه السلطان الأعظم، فإن خطب له في مثل مصر والشام والجزيرة، ومثل خراسان

ذكر ما يلقب به ملك مصر:

وعراق العجم وفارس، ومثل إفريقية والمغرب الأوسط والأندلس، كان سمته سلطان السلاطين كالسلجوقية. ذكر ما يلقب به ملك مصر: قال الكندي: قال تعالى حكاية عن اخوة يوسف: {يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ} (¬1) فحكى أن اسم ملكها العزيز، وذكر جماعة من المفسرين أن فرعون لقب لكل من ولي مصر، ولعل هذا خاص بملوك الكفر. ¬

(¬1) سورة يوسف: 88.

ذكر جلوس السلطان في دار العدل للمظالم:

ذكر جلوس السلطان في دار العدل للمظالم: قال ابن فضل الله: إذا جلس السلطان للمظالم، جلس عن يمينه قضاة القضاة من المذاهب الأربعة، الوكيل عن بيت المال، ثم الناظر في الحسبة، ويجلس عن يساره كاتب السر، وقدامه ناظر الجيش وجماعة الموقعين تكملة حلقة دائرة، وإن كان ثم وزير من أرباب الأقلام كان بينه وبين كاتب السر، وإن كان الوزير من أرباب السيوف كان واقفًا على بعد، مع بقية أرباب الوظائف، ويقف من وراء السلطان صفان عن يمينه ويساره من السلاح دائرة، والجمدارية (¬1) والخاصكية (¬2) ، ويجلس على بعد تقديره خمسة عشر ذراعا من يمنة ويسرة، ذوو السن من أكابر أمراء المؤمنين، وهم أمراء المشورة، ويليهم من دونهم من أكابر الأمراء وأرباب الوظائف وقوفا وبقية الأمراء وقوف من وراء أمراء المشورة، ويقف خلف هذه الحلقة المحيطة بالسلطان الحجاب والدوادارية (¬3) ، لإحضار قصص الناس وإحضار المساكين، وتقرأ عليه فما احتاج إلى مراجعة القضاة راجعهم فيه، وما كان متعلقًا بالعسكر تحدث مع الخاص وكاتب السر فيه. قال: وهذا الجلوس يكون يوم الاثنين ويوم الخميس، إلا أن القضاة وكاتب السر لا يحضرون يوم الخميس. قال: ومن عادته إذا ركب يوم العيدين ويوم دخول المدينة يركب، وعلى ¬

(¬1) الجمدار هو الذي يتصدى لإلباس السلطان أو الأمير ثيابه، وأصله: "جاما دار، لفظان فارسيان". وانظر صحيح الأعشى 5: 459. (¬2) الخاصكية: فرقة من المماليك السلطانية، خاصة بالسلطان وحاشيته. (¬3) الداودارية: وظيفة تعادل وظائف السكرتارية الخاصة.

رأسه العصائب السلطانية وهي صفر مطرزة بذهب بألقابه واسمه، وترفع المظلة على راسه، وهي قبة مغشاة بأطلس أصفر مزركش، عليها طائرة من فضة مذهبة، يحملها بعض أمراء المئين الأكابر، وهو راكب فرسه إلى جانبه، وأمامه الطبرداية (¬1) مشاة، وبأيديهم الأطبار. قلت: العصائب المذكورة حرام، وقد بطلت الآن ولله الحمد. ¬

(¬1) الطبردار: هو الذي يحمل الطبر، أي الفأس، وهي فأس السلطان عند ركوبه في المراكب وغيرها. وانظر حواشي السلوك 1: 427.

ذكر عساكر مملكة مصر:

ذكر عساكر مملكة مصر: قال ابن فضل الله في المسالك: أما عساكر هذه المملكة، فمنهم من هو بحضرة السلطان، ومنهم من فرق في أقطار المملكة وبلادها، ومنهم سكان بادية كالعرب والتركمان، وجندها مختلط من أتراك وجركس وروم وأكراد وتركمان، وغالبهم من المماليك المبتاعين، وهم طبقات أكابرهم من له إمرة مائة فارس، وتقدمة ألف فارس، ومن هذا القبيل يكون أكابر النواب، وربما زاد بعضهم بالعشرة فوارس والعشرين. ثم أمراء الطبلخاناه، ومعظمهم من تكون له إمرة أربعين فارسا وقد يزيد إلى السبعين، ولا تكون الطبلخاناه لأقل من أربعين، ثم أمراء العشرات، ومنهم من كان يكون له عشرون فارسًا، ولا يعد إلا في أمراء العشرات، ثم جند الحلقة، وهؤلاء لكل أربعين نفرا، منهم مقدم ليس له حكم عليهم إلا خرج العسكر، كانت مرافقتهم معه، وتربيتهم في موقفهم إليه، ويبلغ بمصر إقطاع بعض أكابر الأمراء المئين المقربين من السلطان مائتي ألف دينار جيشه، وأما غيرهم فدون ذلك، ودون دونه إلى ثمانين ألف دينار وما حولها، وأما العشرات فنهايتها سبعة آلاف دينار إلى ما دون ذلك. وأما إقطاعات جند الخليفة، فمنه ما يبلغ ألفا وخمسمائة دينار، وما دون ذلك إلى مائتين وخمسين دينارًا. وأما إقطاعات أمراء الشام فعلى الثلاثين من مصر.

ذكر أرباب الوظائف في هذه المملكة:

ذكر أرباب الوظائف في هذه المملكة: قال ابن فضل الله: الوظائف الكبار من ذوي السيوف: إمرة سلاح الدوادارية، الحجوبية، إمرة جاندار (¬1) الأستاذ دارية (¬2) ، المهمندارية (¬3) ، نقابة الجيوش. ومن ذوي الأقلام: الوزارة، كتابة السر، نظر الجيش، نظر الأموال، نظر الخزانة، نظر البيوت، نظر بيت المال، نظر الإسطبلات. ومن ذوي العلم: القضاة، الخطباء، وكالة بيت المال، الحسبة. قال: وكانت وظيفة تسمى نيابة السلطان، أبطلها الملك الناصر محمد بن قلاوون، وكان النائب أولا سلطانا مختصرا، وكان هو الذي يفرق الإقطاعات ويعين الإمرة والوظائف، ويتصرف التصرف المطلق في كل أمر، إلا في ولاية المناصب الجليلة، كالقضاء والوزارة وكتابة السر، لكن يعرض هو على السلطان من يصلح، وقل ألا يجاب، وكان يسمى كافل الممالك والسلطان الثاني. وأما الوزارة، فكان يليها من أرباب السيوف والأقلام على قدر ما يتفق، وكان الوزير النائب في المكانة. قال: وقد أبطل الناصر الوزارة أيضا، واستقل هو بما كان يفعله النائب والوزير، واستجد وظيفة يسمى مباشرها ناظر الخاص، أصل موضوعها أن يكون مباشرها متحدثا فيما هو خاص بمال السلطان يتحدث في مجموع الأمر الخاص بنفسه، وفي العام ¬

(¬1) الجاندارية، مثل الخاصكية، مركبة من لفظين أحدهما جان، ومعناه سلاح، والثاني دار، ومعناه ممسك، ومعنى جاندار سلطان؛ أن صاحبها يستأذن على دخول الأمراء للخدمة، ويدخل أمامهم إلى الديوان. انظر حواشي السلوك 1: 133. (¬2) الأستاذدار هو الذي يتولى شئون مسكن السلطان أو الأمير وصرفه، وتنفذ فيه أوامره، وانظر صبح الأعشى 4: 20. (¬3) المهمندار: هو الذي يتلقى الرسل والعربان الواردين على السلطان، وينزلهم دار الضيافة ويتحدث في القيام بأمورهم. انظر صبح الأعشى 4: 22.

يأخذ رأيه فيه، فيبقى بسبب ذلك كأنه الوزير لقربه من السلطان. وأول من ولي هذه الوظيفة كريم الدين عبد الكريم بن هبة الله بن السديد. وأما إمرة سلاح فموضوعها أن صاحبها مقدم السلاح دارية، والمتولي بحمل سلاح السلطان في المجامع الجامعة، وهو المتحدث في السلاح خاناه وتعلقاتها، وهو من أمراء المئين. والدوادارية موضوعها أن صاحبها يبلغ الرسائل عن السلطان، ويقدم القصص إليه، ويشاور على من يحضر إلى الباب، ويقدم البريد إذا حضر، ويأخذ خط السلطان على عموم المناشير والتواقيع والكتب. والحجوبية موضوعها أن صاحبها يقف بين الأمراء والجند، وهو المشار إليه في الباب بالقائم مقام البواب في كثير من الأمور. وإمرة جاندار صاحبها كالمتسلم للباب، وهو المتسلم للزردخاناه (¬1) ، ومن أراد السلطان قتله، كان على يد صاحب هذه الوظيفة. والأستاذدارية صاحبها إليه أمر بيوت السلطان كلها من المصالح والنفقات والكساوي، وما يجري مجرى ذلك، وهو من أمراء المئين. ونقابة الجيش صاحبها كأحد الحجاب الصغار، وله تحلية الجند في عرضهم، وإذا أمر السلطان بإحضار أحد، أو الترسيم عليه فهو صاحب ذلك. والولاية صاحبها هو صاحب الشرطة. وأما الوزارة فصاحبها ثاني السلطان إذا أنصف، وعرف حقه، ولكن في هذه المدد تقدمت عليها النيابة وتأخرت الوزارة وتقهقرت، فصار المتحدث فيها كناظر المال لا يتعدى الحديث في المال، ولا يتسع له في التصرف بحال، ولا يمد يده في الولاية والعزل كتطلع السلطان إلى الإحاطة بجزئيات الأحوال. ثم إن السلطان أبطل هذه الوظيفة، وعطل جيد الدولة من عقودها، وصار ما كان ¬

(¬1) الزردخاناه: دار السلاح، كلمة فارسية مركبة، وقد أطلقها المقريزي على السلاح نفسه. حواشي السلوك 1: 306.

إلى الوزير منقسما إلى ثلاثة: إلى ناظر المال أو شاد الدواوين، أمر تحصيل المال، وصرف النفقات والكلف، وإلى ناظر الخاص تدبير جملة الأمور، وتعيين المباشرين، وإلى كاتب السر التوقيع في دار العدل مما كان يوقع فيه الوزير مشاورة واستقلالا، ثم إن كلًّا من المتحدثين الثلاثة لا يقدر على الاستقلال بأمر إلا بمراجعة السلطان. ومن وظيفة كتابة السر قراءة الكتب الواردة على السلطان، وكتابة أجوبتها والجلوس لقراءة القصص بدار العدل، والتوقيع عليها وتصريف المراسيم، ورودا أو صدورا. وأما نظر الجيش فلصاحبه النظر في الإقطاعات، ومعه من المستوفين ما يحرر كليات المملكة وجزئياتها. وأما نظر الخزانة فكانت وظيفة كبيرة الوضع؛ لأنها مستودع أموال المملكة، فلما استحدثت وظيفة الخاص ضعف أمرها، وغالب ما يكون نظرها من القضاة أو نحوهم. وأما نظر البيوت فمنوط بالأستاذدارية فكل ما يتحدث فيه الأستاذدارية يشارك فيه. وأما نظر بيت المال فوظيفة جليلة موضوعها حمل حمول المملكة إلى بيت المال والتصرف فيه تارة بالميزان وتارة بالتسبيب بالأقلام، ولا يلي هذه الوظيفة إلا من هو من ذوي العدالة المبرزة. وأما نظر الإصطبلات، فلصاحبه الحديث في أنواع الإصطبل والمناخات، وعلفها وأرزاق خدمها وما يبتاع لها. وأما وظائف أهل العلم فمعروفة مشهورة لا تخلو مملكة من ممالك الإسلام منها. هذا كله كلام ابن فضل الله. ذكر في التاريخ أن الخليفة المقتفي بالله نقل المظفر بن جهير من الأستاذ دارية إلى

الوزيرية في سنة خمس وثلاثين وخمسمائة، قال بعضهم: وذلك أول ما سمع بوظيفة الأستاذدارية في الدول. وقال بعض المؤرخين: لما تولى الظاهر بيبرس أحب أن يسلك في ملكه بالديار المصرية طريقة جنكيزخان ملك التتار وأموره، ففعل ما أمكنه، ورتب في سلطنته أشياء كثيرة لم تكن قبله بديار مصر، مثل ضرب البوقات وتجديد الوظائف، فأحدث أمير سلاح وأمير مجلس ورأس نوبة الأمراء وأمير خور، وحاجب الحجاب والدوادار والجمدار وأمير شكار. وموضوع أمير سلاح أنه يتحدث على السلاح داريه، وينال السلطان آلة الحرب والسلاح يوم القتال ويوم الأضحى، ولم تكن رتبته في زمن الظاهر أن يجلس في ميسرة السلطان، إنما كان يجلس في هذا الموضع أتابك، ثم في زمن الناصر ابن قلاوون كان يجلس فيه رأس نوبة الأمراء. وموضوع أمير مجلس، أنه يحرس مجلس السلطان وفرشه، ويتحدث على الأطباء والكحالين ونحوهم، وكانت وظيفة جليلة أكبر قدرا من أمير سلاح. ورأس نوبة، وظيفة عظيمة عند التتار ويفخمون فيها السين، ولما أحدثها الظاهر بمملكة مصر كان صاحبها يسمى رأس نوبة الأمراء؛ ومعناه أكبر طائفة الأمراء، وهو أكبر من أمير مجلس وأمير سلاح، وهو في مرتبة الأمير الكبير الآن، ولم يكن أحد يسمى بالأمير الكبير إذ ذاك؛ إلى أن ولي هذه الوظيفة شيخو العمري في زمن السلطان حسن، فلقب بالأمير الكبير زيادة على التقليب برأس نوبة الأمراء، وهو أول من لقب بالأمير الكبير كما ذكر. وموضوع أمير أخور النظر في علف الخيل، وأخور بالمعجمة المذود الذي يأكل فيه الفرس. والحاجب كان في الزمن الأول من أيام الخلفاء للذي يحجب الناس عن الدخول على

الخليفة، وكان يرفأ حاجب عمر بن الخطاب، ثم عظمت الحجوبية في أيام الناصر بن قلاوون. والدوادار كان في زمن الخلفاء أيضا، وهو الذي يحمل الدواة ويحفظها، ومعناه ماسك الدواة، وأول من أحدث هذه الوظيفة الملوك السلجوقية، وكانت في زمنهم وزمن الخلفاء لرجل متعمم ثم صارت في زمن الظاهر لأمير عشرة. والجمدار: ماسك البقجة التي للقماش.

ذكر قضاة مصر:

ذكر قضاة مصر: قال ابن عبد الحكم: أول قاض استقضى بمصر في الإسلام -كما ذكر سعيد بن عفير- قيس بن أبي العاصي، [فمات] (¬1) سنة أربع وعشرين، فكتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص أن يستقضي كعب بن يسار بن ضنة [العبسي] (¬1) . قال ابن أبي مريم: وهو ابن بنت خالد بن سنان العبسي الذي "تزعم عبس فيه" أنه (¬2) تنبأ في الفترة بين عيسى بن مريم، وبين رسول الله (¬3) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأبى كعب أن يقبل القضاء، وقال: قضيت في الجاهلية ولا أعود إليه في الإسلام (¬4) . حدثنا سعيد بن عفير، حدثنا ابن لهيعة، قال: كان قيس بن أبي العاصي بمصر، ولاه عمرو بن العاص القضاء. وقد قيل: إن أول من استقصى بمصر كعب بن ضنة بكتاب عمر بن الخطاب فلم يقبل (¬5) . حدثنا المقرئ عبد الله بن يزيد، أنبأنا حيوة بن شريح، أنبأنا الضحاك بن شرحبيل الغافقي، أن عمار (¬6) بن سعيد التجيبي أخبرهم أن عمر بن الخطاب كتب إلى عمرو بن العاص، أن يجعل كعب بن ضنة على القضاء، فأرسل إليه عمرو، فأقرأه كتاب أمير المؤمنين، فقال كعب: والله لا ينجيه الله من أمر الجاهلية وما كان فيها من الهلكة، ثم يعود فيها أبدًا إذ أنجاه الله منها، فأبى أن يقبل القضاء، فتركه عمرو. قال ابن عفير: وكان حكمًا في الجاهلية (¬7) . فلما امتنع كعب أن يقبل القضاء ولى عمرو بن العاص عثمان ¬

(¬1) من فتوح مصر. (¬2) من ابن عبد الحكم. (¬3) بعدها في ابن عبد الحكم: "ولخالد بن سنان حديث فيه طول". (¬4) فتوح مصر لابن عبد الحكم 229. (¬5) فتوح مصر: 230، وفي آخر الخبر هناك: "والله أعلم". (¬6) ح، ط: "عماد" تحريف. (¬7) في ابن عبد الحكم: "وخطة كعب بن ضنة بمصر، بسوق بربر في الدار التي تعرف بدار النخلة".

بن قيس بن أبي العاص القضاء، وقد كان عمر بن الخطاب قد كتب إلى عمرو بن العاص أن يفرض له في الشرف (¬1) . قال: ودعا عمرو خالد بن ثابت الفهمي ليجعله على المكس، فاستعفاه منه، فكان شرحبيل بن حسنة على المكس، وكان مسلمة بن مخلد على الطواحين؛ طواحين (¬2) البلقس. وأقام عثمان على القضاء إلى أن صرف سنة اثنتين وأربعين، ثم ولي سليم بن عتر التجيبي على القضاء في أيام معاوية بن أبي سفيان، وجعل إليه القصص والقضاء جميعا (¬3) . حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ، حدثنا حيوة بن شريح، حدثنا الحجاج بن شداد الصنعاني، أن أبا صالح سعيد بن عبد الرحمن الغفاري أخبره، أن سليم بن عتر كان يقص على الناس وهو قائم، فقال له صلة بن الحارث الغفاري -وهو من أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: والله ما تركنا عهد نبينا، ولا قطعنا أرحامنا، حتى قمت أنت وأصحابك بين أظهرنا! وكان سليم بن عتر أحد العباد المجتهدين، وكان يقوم في ليله فيبتدئ القرآن حتى يختمه، ثم يأتي أهله، ثم يقوم فيغتسل ثم يقرأ فيختم، ثم يأتي أهله "فيقضي منهم حاجته" (¬4) ، وربما فعل ذلك في الليلة مرات، فلما مات قالت امرأته: رحمك الله! فوالله لقد كنت ترضي ربك وتسر أهلك (¬5) . ثم لما ولي مسلمة بن مخلد البلد، ولي السائب بن هشام بن عمرو أحد بني مالك بن ¬

(¬1) في ابن عبد الحكم: "كتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص أن افرض لكل من قبلك ممن بايع تحت الشجرة في مائتين من العطاء، وأبلغ ذلك لنفسك بإمارتك، وافرض لخارجة بن حذافة في الشرق لشجاعته، وافرض لعثمان بن قيس بن أبي العاص في الشرف لضيافته". (¬2) ابن عبد الحكم: "قال عبد الرحمن: طواحين البلقس". (¬3) ابن عبد الحكم 231، وفيه: "وقد أدرك عمر بن الخطاب، وحضر خطبته بالجابية، وجعل إليه القصص والقضاء جميعا". (¬4) من ابن عبد الحكم. (¬5) ابن عبد الحكم 232.

حسل شرطه، وكان هشام بن عمرو أحد النفر الذين قاموا في نقض الصحيفة التي كانت في قريش كتبت. وكان عمرو بن العاص ولي السائب بن هشام شرطه بعد خارجة بن حذافة، وكان أيضًا على شرطه عبد الله بن سعد بن أبي سرح، ثم عزل مسلمة السائب وولي عابس بن ربيعة المرادي الشرطة، ثم جمع له القضاء مع الشرطة (¬1) . وسبب ذلك أن معاوية كتب إلى مسلمة يأمره بالبيعة ليزيد، فأتى مسلمة الكتاب وهو بالإسكندرية، فكتب إلى السائب بذلك، فبايع الناس إلا عبد الله بن عمرو بن العاصي، فأعاد عليه مسلمة الكتاب فلم يفعل، فقال مسلمة: من لعبد الله بن عمرو؟ فقال عابس بن سعيد: أنا، فقدم الفسطاط، فبعث إلى عبد الله بن عمرو فلم يأته، فدعا بالنار والحطب ليحرق عليه قصره، فأتى فبايع، واستمر عابس على القضاء حتى دخل مروان بن الحكم مصر في سنة خمس وستين، فقال: أين قاضيكم؟ فدعى له عابس -وكان أميًّا لا يكتب- فقال له مروان: أجمعت كتاب الله؟ قال: لا، قال: فأحكمت الفرائض؟ قال: لا، قال: فبم تقضي؟ قال: أقضي بما علمت، وأسأل عما جهلت، قال: أنت القاضي. فلم يزل عابسًا على القضاء إلى أن توفي سنة ثمان وثمانين (¬2) . فولى عبد العزيز بن مروان بشير بن النضر المزني القضاء (¬3) . ثم ولي عبد الرحمن بن حجيرة الخولاني، وجمع له القضاء والقصص وبيت المال، فكان يأخذ رزقه في السنة ألف دينار على القضاء؛ فلم يكن يحول عليه الحول وعنده ما تجب فيه الزكاة، فلم يزل على القضاء حتى مات سنة ثلاث وثمانين. ويقال: بل ولي في سنة ثلاث وثمانين، ومات في سنة خمس وثمانين. ثم ولي القضاء مالك بن شراحيل الخولاني، فلم يزل على القضاء حتى مات (¬4) . ¬

(¬1) فتوح مصر: 234، 245. (¬2) فتوح مصر 234، قضاة مصر للكندي 312. (¬3) قضاة مصر: "وكان أبوه النضر ممن حضر فتوح مصر واختط بها". (¬4) في كتاب قضاة مصر: "ولي القضاء مالك بن شراحبيل من قبل عبد العزيز بن مروان في المحرم سنة ثلاث وثمانين".

فولي من بعده يونس بن عطية الحضرمي، وجمع له القضاء والشرطة، فلم يزل حتى مات سنة ست وثمانين (¬1) . فولي بعده ابن أخيه أوس، ثم ولي عبد الرحمن بن معاوية بن حديج الكندي، وجمع له القضاء والشرطة، فتوفي عبد العزيز بن مروان، وولي بعده عبد الله بن عبد الملك فأراد عزل ابن حديج فاستحيا من عزله عن غير شيء، ولم يجد عليه مقالا ولا متعلقا، فولاه مرابطة الإسكندرية. وولي عمران بن عبد الرحمن بن شرحبيل بن حسنة القضاء، والشرطة فلم يزل إلى سنة تسع وثمانين، فغضب عليه عبد الله بن عبد الملك، فعزله وولى عبد الأعلى بن خالد بن ثابت الفهمي مكانه (¬2) . ثم أتى عبد الله بن عبد الملك فعزله. وولي قرة بن شريك العبسي الإمرة، فعزل عبد الأعلى، وولي عبد الله بن عبد الرحمن بن حجيرة، وهو ابن حجيرة الأصغر، ثم عزل في سنة ثلاث وتسعين. وولي عياض بن عبد الله الأزدي ثم السلامي، ثم صرف في سنة ثمان وتسعين، وأعيد ابن حجيرة ثم صرف وأعيد، فلم يزل إلى سنة مائة. ثم صرف (¬3) وولي عبد الله بن خذامر ثم صرف سنة اثنتين ومائة (¬4) . وولي يحيى بن ميمون الحضرمي فأقام إلى سنة أربع عشرة ومائة، ثم صرف ولم يكن بالمحمود في ولايته (¬5) . ثم ولي يزيد بن عبد الله بن خذامر ثم صرف. وولي الخيار بن خالد المدلجي، فأقام نحو سنة، ومات سنة خمس عشرة ومائة وكان محمودًا جميل المذهب. ¬

(¬1) قضاة مصر 333 "كان يونس أول قاض بمصر من حضرموت". (¬2) قضاة مصر 238. (¬3) فتوح مصر 239. (¬4) فتوح مصر 240. (¬5) فتوح مصر 244.

ثم ولي توبة بن نمر الحضرمي، فأقام ما شاء الله، ثم استعفي، فقيل له: فأشر علينا برجل نوليه، فقال: كاتبي خير بن نعيم الحضرمي، فولي خير سنة إحدى وعشرين ومائة، فلم يزل حتى صرف سنة ثمان وعشرين ومائة. وولي عبد الرحمن بن سالم بن أبي سالم الجيشاني، فلم يزل إلى ولاية بني العباس سنة ثلاث وثلاثين ومائة، فصرف عن القضاء واستعمل على الخراج، ورد خير بن نعيم؛ فلم يزل حتى عزل نفسه في سنة خمس وثلاثين؛ وذلك أن رجلا من الجند قذف رجلًا، فخاصمه إليه وثبت عليه بشاهد (¬1) واحد، فأمر بحبس الجندي إلى أن يثبت الرجل شاهدا آخر، فأرسل أبو عون عبد الملك بن يزيد، فأخرج الجندي من الحبس، فاعتزل خير وجلس في بيته، وترك الحكم، فأرسل إليه أبو عون، فقال: لا، حتى يرد الجندي إلى مكانه! فلم يرد، وتم على عزمه، فقالوا له: فاشر علينا برجل نوليه، فقال: كاتبي غوث بن سليمان. فولي غوث بن سليمان الحضرمي، فلم يزل حتى خرج مع صالح بن علي إلى الصائفة. ثم ولي أبو خزيمة إبراهيم بن يزيد الحميري (¬2) ، وذلك أن أبا عون- ويقال: صالح بن علي شاور في رجل يوليه القضاء، فأشر عليه بثلاثة نفر. حيوة بن شريح، وأبو خزيمة، وعبد الله بن عياش القتباني (¬3) ، وكان أبو خزيمة يومئذ بالإسكندرية، فأشخص، ثم أتى بهم إليه، فكان أول من نوظر حيوة بن شريح، فامتنع، فدعي له بالسيف والنطع، فلما رأى ذلك حيوة أخرج مفتاحا كان معه، فقال: هذا مفتاح بيتي، ولقد اشتقت إلى لقاء ربي، فلما رأوا عزمه تركوه، فقال لهم حيوة: لا تظهروا ما كان من إبائي لأصحابي فيفعلوا مثل ما فعلت، فنجا حيوة. ثم دعي بأبي خزيمة فعرض عليه القضاء ¬

(¬1) ابن عبد الحكم: "ثبت عليه شاهدًا واحدًا". (¬2) ابن عبد الحكم: "الثاني"، وقال: "بطن من حمير". (¬3) ح، ط: "الغساني"، وصوابه من الأصل وابن عبد الحكم.

فامتنع، فدعي له بالسيف والنطع فضعف قلبه (¬1) ، ولم يحتمل ذلك، فأجاب إلى القبول فاستقضى (¬2) . وكان أبو خزيمة يعمل الأرسان ويبيعها قبل أن يلي القضاء، فمر به رجل من أهل الإسكندرية، وهو في مجلس الحكم، فقال: لأختبرن أبا خزيمة، فوقف عليه فقال له: يا أبا خزيمة، احتجت إلى رسن لفرسي، فقام أبو خزيمة إلى منزله، فأخرج رسنًا فباعه منه، ثم جلس. وكان أبو خرشة المرادي صديقاً لأبي خزيمة، فمر به يوما، فسلم عليه، فلم ير منه ما كان يعرف، وكان "أبو خرشة" (¬3) قد خوصم إليه في جدار، فاشتد ذلك على أبي خرشة، "فشكاه إلى بعض قرابته، فسأل أبا خزيمة، فقال" (¬4) : ما كان ذلك إلا أن خصمك خفت أن يرى سلامي عليك، فيكسره ذلك عن بعض حجته، فقال أبو خرشة: فإني أشهدك أن الجدار له. ثم استعفى أبو خزيمة فأعفي. وولي مكانه عبد الله بن بلال الحضرمي، ويقال: إنما هو غوث الذي كان استخلفه حين شخص غوث إلى أمير المؤمنين أبي جعفر، وذلك في سنة أربع وأربعين (¬5) . ثم قدم غوث، فاقره خليفة له يحكم بين الناس حتى مات عبد الله بن بلال. قال يحيى بن بكير: لم يزل أبو خزيمة على القضاء، حتى قدم غوث من الصائفة فعزل أبو خزيمة، ورد غوث "على القضاء" (¬6) . ثم إن غوثا شخص إلى العراق، فأعيد أبو خزيمة إلى القضاء، فلم يزل حتى توفي سنة أربع وخمسين. وكان ابن حديج إذ ذاك بالعراق، قال: فدخلت على ¬

(¬1) ابن عبد الحكم: "قلب الشيخ". (¬2) بعدها في ابن عبد الحكم: "وأجرى عليه في كل شهر عشرة دنانير، وكان لا يأخذ ليوم الجمعة رزقا، ويقول: "إنما أنا أجير المسلمين، فإذا لم أعمل لهم آخذ متاعهم. فكان يقال لحيوة بن شريح: ولي أبو خزيمة القضاء، فيقول حيوة: أبو خزيمة خير مني، اختبر ففتح". (¬3) من ابن عبد الحكم. (¬4) ابن عبد الحكم: "فشكا ذلك إلى بعض قرابته، فقال له: إن اليوم يوم الخميس -أو قال: الاثنين- وهو صائم، فإذا صلى المغرب ودخل، فاستأذن عليه، ففعل أبو خرشة، قال: فدخلت عليه وبين يديه ثريد عدس، فسلمت عليه، فرد علي كما كان يعرف، وقال: ما جاء بك؟ فأخبره أبو خرشة فقال....". (¬5) بعدها في ابن عبد الحكم: "وكان يجلس للناس في المجلس الأبيض". (¬6) من ابن عبد الحكم.

أمير المؤمنين أبي جعفر، فقال لي: يا بن حديج، لقد توفي ببلدك رجل أصيبت به العامة! قلت: يا أمير المؤمنين، ذاك إذا أبو خزيمة، قال: نعم (¬1) . ثم ولي مكانه ابن لهيعة، وأجرى عليه في كل شهر ثلاثين دينارا؛ وهو أول قاض بمصر أجري عليه ذلك، وأول قاض استقضاه بها خليفة، وإنما كان ولاة البلد هم الذين يولون القضاة، فلم يزل قاضيًا حتى صرف سنة أربع وستين. وولي إسماعيل بن اليسع (¬2) الكوفي، وعزل سنة سبع وستين. وكان محمودا عند أهل البلد، إلا أنه كان يذهب إلى قول أبي حنيفة، ولم يكن أهل البلد يومئذ يعرفونه. قال ابن عبد الحكم: حدثنا أبي "عبد الله" قال: كتب فيه الليث بن سعد إلى أمير المؤمنين: يا أمير المؤمنين: إنك وليتنا رجلا يكيد سنة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين أظهرنا، مع أنا ما علمنا في الدينار والدرهم إلا خيرا، فكتب بعزله. ورد غوث بن سليمان على القضاء، فأقام حتى توفي في جمادى الآخرة سنة ثمان وستين. حدثنا أبو رجاء حماد بن مسور، قال: قدمت امرأة من الريف، فرأت غوثا رائحًا إلى المسجد، فشكت إليه أمرها، فنزل عن دابته، وكتب لها بحاجتها، ثم ركب إلى المسجد فانصرفت المرأة وهي تقول: أصابت والله أمك حتى سمتك غوثا، أنت غوث عند اسمك (¬3) . وقيل: إنه أول قاض ركب للهلال مع الشهود. وقيل: بل ابن لهيعة. فلما مات غوث ولي المفضل بن فضالة بن عبيد القتباني، ثم عزل سنة تسع وستين، ¬

(¬1) بعدها في ابن عبد الحكم: "فمن ترى أن نولي القضاء بعده؟ قلت: أبو معدان اليحصبي، قال: ذاك رجل أصم، ولا يصلح للقاضي أن يكون أصما، قال: قلت: فابن لهيعة يا أمير المؤمنين، قال: ابن لهيعة على ضعف فيه، فأمر بتوليه....". (¬2) في الأصول: "سميع"، وصوابه من ابن عبد الحكم. (¬3) ابن عبد الحكم 244، والخبر هناك: "قدمت امرأة من الريف، وغوث قاض في محقة، فوافت غوث بن سليمان عند السراجين رائحًا إلى المسجد، فشكت إليه أمرها، وأخبرته بحاجتها، فنزل عن دابته في حوانيت السراجين، ولم يبلغ المسجد، وكتب لها بحاجتها، وركب إلى المسجد، فانصرفت المرأة وهي تقول: أصابت أمك....".

وهو أول القضاة بمصر طول الكتب، وكان أحد فضلاء الناس وخيارهم. ثم ولي أبو طاهر الأعرج عبد الملك بن محمد بن أبي بكر بن حزم الأنصاري، وكان محمودا في ولايته (¬1) ، ثم استعفي فأعفي في سنة أربع وسبعين. قالوا: فأشر علينا برجل، فأشار بالمفضل بن فضالة، فولي المفضل، فأقام إلى صفر سنة سبع وسبعين وعزل. وولي محمد بن مسروق الكندي من أهل الكوفة، ولم يكن بالمحمود في ولايته، وكان فيه عتو وتجبر، فلم يزل إلى سنة أربع وثمانين، فخرج إلى العراق. واستخلف إسحاق بن الفرات التجيبي، فعزل في صفر سنة خمس وثمانين (¬2) . وولي عبد الرحمن بن عبد الله بن الحسين بن عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب؛ وهو أول من دون أسماء الشهود، فأقام إلى عزل في جمادى الأولى سنة أربع وتسعين (¬3) . وولي هاشم بن أبي بكر البكري من ولد أبي بكر الصديق، وكان يذهب مذهب أبي حنيفة، فأقام حتى توفي في أول يوم من المحرم سنة ست وتسعين. ثم ولي إبراهيم بن البكاء؛ ولاه جابر بن الأشعث، وجابر يومئذ والي البلد، فأقام إلى أن صرف جابر سنة ست وتسعين، وولي مكانه عباد بن محمد، فعزل ابن البكاء. ولي لهيعة بن عيسى الحضرمي، فأقام حتى قدم المطلب بن عبد الله بن مالك سنة ثمان وتسعين فعزل لهيعة. ¬

(¬1) وذكر ابن عبد الحكم قال: "كتب إليه صاحب البريد؛ إنك تبطئ بالجلوس للناس، فكتب إليه أبو الطاهر: إن كان أمير المؤمنين أمرك بشيء، وإلا فإن في أكفك وبراذعك ودبر دوابك ما يشغلك عن أمر العامة". (¬2) ابن عبد الحكم: "فلم يزل على القضاء إلى صفر سنة خمس وثمانين ومائة فعزل". (¬3) في ابن عبد الحكم: "وقد كان قوم تظلموا منه، ورفعوا فيه إلى أمير المؤمنين هارون، فقال: انظروا في الديوان: كم لي من وال من آل عمر بن الخطاب؟ فنظروا فلم يجدوا غيره فقال: والله لا أعزله أبدًا".

وولي الفضل بن غانم، وكان قدم مع المطلب من العراق فأقام نحو سنة، ثم غضب عليه المطلب فعزله. وولي لهيعة بن عيسى، فأقام حتى توفي في ذي القعدة سنة أربع ومائتين. فولي السري بن الحكم بعد مشاورة أهل البلد إبراهيم بن إسحاق القارئ حليف بني زهرة، وجمع له القضاء والقصص؛ وكان رجل صدق، ثم استعفي لشيء أنكره فأعفي. وولي مكانه إبراهيم بن الجراح؛ وكان يذهب إلى قول أبي حنيفة، ولم يكن بالمذموم في ولايته، حتى قدم عليه ابنه من العراق، فتغيرت حالته، وفسدت أحكامه؛ فلم يزل "قاضيا" (¬1) إلى سنة اثنتي عشرة ومائتين، فدخل عليه عبد الله بن الطاهر البلد فعزله. وولي عيسى بن المنكدر بن محمد بن المنكدر، وخرج إبراهيم بن الجراح إلى العراق ومات هناك. وأجرى (¬2) عبد الله بن طاهر على عيسى بن المنكدر أربعة آلاف درهم في الشهر؛ وهو أول قاض أجري عليه ذلك، وأجازه بألف دينار، فلما قدم المعتصم مصر في سنة أربع عشرة ومائتين كلمه فيه بن أبي دؤاد، فأمره فوقف عن الحكم، ثم أشخص بعد ذلك إلى العراق، فمات هناك. وبقيت مصر بلا قاض حتى قدم المأمون الخليفة مصر في محرم سنة سبع عشرة، وولي القضاء يحيى بن أكثم فحكم بها ثلاثة أيام، وخرج المأمون إلى سخا، وأصلح أحوالها وتوجه إلى الإسكندرية وعاد إلى مصر، وخرج عنها في الخامس من صفر (¬3) . ¬

(¬1) من ابن عبد الحكم. (¬2) ح، ط: "فأحرز" وما أثبته من الأصل وابن عبد الحكم. (¬3) ابن عبد الحكم: "وبقيت مصر بلا قاض حتى ولي المأمون هارون بن عبد الله الزهري القضاء، فقدم البلد لعشر ليال بقين من شهر رمضان سنة سبع عشرة ومائتين، وكان محمودًا عفيفًا محببا في أهل البلد فلم يزل قاضيا إلى شهر ربيع الأول من سنة ست وعشرين ومائتين، فكتب إليه أن يمسك عن الحكم، وقد كان ثقل مكانه على ابن أبي دؤاد".

وجعل القضاء بمصر إلى هارون بن عبد الله الزهري المالكي، قلده ذلك وهو بالشام، فقدم في رمضان سنة ربيع تسع عشرة ومائتين، وكان محمودًا عفيفًا محببًا في أهل البلد، فأقام إلى ربيع الأول سنة ست وعشرين، فكتب إليه أن يمسك عن الحكم، وقد كان ثقل مكانه على ابن أبي دؤاد. وقدم أبو الوزير واليًا على خراج مصر، وقدم معه بكتاب ولاية محمد بن أبي الليث الأصم "على القضاء" (¬1) ، فلم يزل قاضيًا إلى شعبان سنة خمس وثلاثين ومائتين، فعزل وحبس. وبقيت مصر بلا قاض حتى ولي الحارث بن مسكين في جمادى الأولى سنة سبع وثلاثين (¬2) ، ثم صرف في ربيع الآخر سنة خمس وأربعين. وولي دحيم بن اليتيم عبد الرحمن بن إبراهيم بن اليتيم الدمشقي جاءته ولايته بالرملة، فتوفي قبل أن يصل إلى مصر في العام (¬3) المذكور. ولي بعده بكار بن قتيبة [أبو بكرة الثقفي] (¬4) من أهل البصرة من ولد أبي بكرة صاحب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ودخل البلد في جمادى الآخرة فأقام قاضيًا، [وأحمد بن طولون يصله في كل سنة بألف دينار. ثم إن ابن طولون بلغه أن الموفق خرج عن طاعة أخيه المعتمد، وكان المعتمد ولي عهد أخيه، فأراد ابن طولون خلع الموفق من ولاية العهد، فوافقه فقهاء مصر، وخالف القاضي بكار فحبسه أحمد بن طولون، وذلك في سنة سبع وخمسين ومائتين، ورتب في الحكم عوضا عنه، وهو كالخليفة عنه محمد بن شاذان الجوهري، ومات بكار ذي الحجة سنة خمس وسبعين ومائتين] . (¬4) ¬

(¬1) من ابن عبد الحكم. (¬2) ابن عبد الحكم: "جاءته ولاية القضاء وهو بالإسكندرية". (¬3) ابن عبد الحكم: "وكانت وفاته سنة خمس وأربعين ومائتين". (¬4) ساقط من المطبوع التي رجعت إليها من كتاب فتوح مصر.

وأقامت مصر بعد بكار بلا قاض، حتى ولي خمارويه بن أحمد بن طولون أبا عبد الله محمد بن عبدة بن حرب القضاء سنة سبع وسبعين ومائتين، فأقام إلى سنة ثلاث وثمانين، فألزم منزله في جمادى الآخرة. "وبقيت مصر بلا قاض حتى ولي أبو زرعة محمد بن عثمان الدمشقي، فأقام ثماني سنين، وعزل في صفر سنة اثنتين وتسعين. وأعيد ابن عبدة، ثم صرف في رجب من السنة. وولي أبو مالك بن أبي الحسن الصغير. ثم ولي بعده أبو عبيدة علي بن الحسين بن حرب المعروف بابن حربويه، في شعبان سنة ثلاث وتسعين، ثم عزل في سنة إحدى وثلاثمائة. قال ابن يونس في تاريخ مصر: كان أبو عبيد بن حربوية شيئًا عجبا، ما رأينا قبله ولا بعده مثله. وكان آخر قاض يركب إليه أمراء مصر، وكان لا يقوم للأمير إذا أتاه، ثم أرسل موقعه الإمام أبا بكر بن الحداد إلى بغداد سنة إحدى وثلاثمائة في طلب إعفائه من القضاء فأعفي" (¬1) . انتهى. هذا ما ذكره ابن عبد الحكم (¬2) . وولي مكانه أبو الذكر محمد بن يحيى (¬3) الأسواني خلافة لأبي يحيى عبد الله بن إبراهيم بن مكرم، إلى أن صرف في صفر سنة اثنتين وثلاثمائة. وولي أبو علي عبد الرحمن بن إسحاق بن محمد بن معتمر الدوسي، وصرف في ربيع الآخر سنة أربع عشرة (¬4) . وولي أبو عثمان أحمد بن إبراهيم بن حماد، وصرف في ذي الحجة سنة ست عشرة. ¬

(¬1) ساقط من النسخة المطبوعة لابن عبد الحكم. (¬2) أخبار القضاة في ابن عبد الحكم من ص226-247. (¬3) انظر الولاة والقضاة للكندي 481. (¬4) في الولاة والقضاة، أن الذي تولى بعد أبي الذكر هو إبراهيم بن محمد الكريزي، ثم هارون بن إبراهيم بن حماد، ثم أحمد بن إبراهيم بن حماد.

وولي أبو محمد عبد الله بن أحمد بن ربيعة بن سليمان الربعي الدمشقي، وصرف في جمادى الآخرة سنة سبع عشرة. وأعيد أبو عثمان بن حماد، وصرف في ربيع الآخر سنة عشرين. وأعيد الربعي، وصرف في صفر سنة إحدى وعشرين. وولي أبو هاشم إسماعيل بن عبد الواحد الربعي المقدسي الشافعي، وصرف في ربيع الآخر من السنة (¬1) . وولي أبو جعفر أحمد بن عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، وصرف في رمضان سنة اثنتين وعشرين (¬2) . وولي أبو عبد الله محمد بن موسى بن إسحاق السرخسي (¬3) . ثم ولي أبو بكر بن الحداد الإمام المشهور صاحب المولدات، بأمر أمير مصر في ربيع الأول سنة أربع وعشرين، فباشر مدة لطيفة (¬4) . ثم ولي محمد بن بدر مولى أبي خيثمة خلافة لمحمد بن الحسن بن أبي الشوارب إلى أن مات سنة خمس وثلاثين. وولي أبو محمد عبد الله بن أحمد بن شعيب بن الفضل بن مالك بن دينار، يعرف بابن أخت وليد، وصرف سنة ثلاث وثلاثين. ¬

(¬1) في الولاة والقضاة أن الذي تولى بعد أحمد بن إبراهيم بن حماد، عبد الله بن أحمد بن زبر، ثم أعيد أحمد بن إبراهيم بن حماد، ثم أعيد عبد الله بن أحمد بن زبر، ثم تولى إسماعيل بن عبد الواحد المقدسي، ثم أحمد بن عبد الله بن قتيبة. (¬2) في الولاة والقضاة أن الذي تولى بعد ابن قتيبة هو أحمد بن إبراهيم بن حماد، الثالثة. (¬3) في الولاة والقضاة أن الذي تولى بعد السرخسي، هو محمد بن بدر الصيرفي، ثم عبد الله بن أحمد بن زبر الثالثة، ثم محمد بن أحمد بن الحداد. (¬4) في الولاة والقضاة، أن الذي تولى بعده الحسين بن زرعة، ثم محمد بن بدر الصيرفي الثالثة، ثم عبد الله بن زبر الرابعة، ثم عبد الله بن أحمد بن شعيب، ثم محمد بن بدر الصيرفي الثالثة، ثم أبو الذكر محمد بن يحيى الثانية، ثم الحسن بن عبد الرحمن بالجوهري، ثم أحمد بن عبد الله الكشي، ثم عبد الله بن شعيب الثانية، ثم الحسن بن عبد الرحمن الجوهري الثالثة، ثم محمد بن أحمد الحداد الثانية، ثم عبد الله بن أحمد بن شعيب الثالثة، ثم عمر بن الحسن الهاشمي، ثم عبد الله بن محمد بن الخصيب، ثم محمد بن عبد الله بن محمد بن الخصيب، ثم أبو طاهر الذهلي".

وأعيد ابن الحداد وولي بعده عبد العزيز بن الحسن بن عبد العزيز العباسي الهاشمي خليفة لأخيه، ثم صرف في ذي الحجة سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة. وولي أبو بكر عبد الله بن محمد الخصيبي الشافعي سنة خمس وأربعين؛ فأقام إلى أن مات في المحرم سنة ثمان وأربعين. وولي بعده ابنه محمد، فأقام شهرا واحدا، ثم اعتل ومات في سادس ربيع الأول من عامه. فولى كافور بعده أباه الطاهر محمد بن أحمد بن عبد الله البغدادي الدهلي المالكي، فأقام ست عشرة سنة -وقبيل ثماني عشرة سنة- إلى أن قامت الدولة العبيدية بالقاهرة، وقدم المعز ومعه قاضيه أبو حنيفة النعمان بن محمد بن منصور القيرواني، فاجتمع أبو الطاهر بالمعز، فأعجب به، وأقره على ولايته. وأقام النعمان بمصر لا ينظر في شيء، ثم إن أبا الطاهر استعفي قبل موته بيسير فأعفي؛ وذلك في صفر سنة ست وستين. وولي بعده أبو الحسن علي بن النعمان، وكان شيعيًّا غاليًا، وشاعرًا مجيدًا، فأقام إلى أن مات في رجب سنة أربع وسبعين؛ وهو أول من نعت قاضي القضاة في مصر؛ ولم يكن يدعى بذلك إلا ببغداد. وولي بعده أخوه أبو عبد الله محمد، وكان شيعيًّا أيضا، قال ابن زولاق: ولم نشاهد بمصر لقاض من الرياسة ما شاهدناه له، ولا بلغنا ذلك عن قاض بالعراق، ووافق ذلك استحقاقًا؛ لما فيه من العلم والصيانة والهيئة وإقامة الحق، وقد ارتفعت رتبته؛ لأن العزيز أجلسه معه يوم العيد على المنبر، وزادت عظمته في دولة الحاكم، إلى أن مات في صفر سنة تسع وثمانين. وولي القضاء بعده ابن أخيه الحسين بن علي بن النعمان، ثم صرف سنة أربع وتسعين.

وولي أبو القاسم عبد العزيز بن محمد بن النعمان، ثم صرف في رجب سنة ثمان وتسعين. وولي بعده مالك بن سعد الفارقي، ثم صرف في ربيع الآخر سنة خمس وأربعين. وولي أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي العوام، إلى أن مات في ربيع الأول سنة ثماني عشرة وأربعمائة (¬1) . وولي أبو محمد قاسم بن عبد العزيز بن النعمان، ثم صرف في رجب سنة تسع عشرة وأربعمائة. وولي أبو الفتح عبد الحاكم بن سعيد الفارقي، ثم صرف في ذي القعدة سنة تسع وعشرين (¬2) . وأعيد أبو محمد القاسم بن عبد العزيز بن النعمان، ولقب بقاضي القضاة وداعي الدعاة، وثقة الدولة، وأمير الأمراء، وشرف الحكام؛ واستخلف عنه القاضي يحيى الشهاب فأقام ثلاث عشرة سنة، ثم عزل في المحرم سنة إحدى وأربعين. وأعيد قاسم ثم صرف من عامه، وولي مكانه أبو محمد الحسن بن علي بن عبد الرحمن البازوري، ثم أضيف إليه الوزارة أيضًا، وهو أول من جمع بينهما، ثم صرف عنهما في المحرم سنة خمس وأربعين. وولي القضاء أبو علي أحمد بن قاضي القضاة عبد الحاكم بن سعيد الفارقي، ثم صرف في ذي القعدة من السنة. ولي أبو القاسم عبد الحكم بن وهب بن عبد الرحمن المليجي، ثم صرف في جمادى الآخرة سنة اثنتين وأربعين. ¬

(¬1) في الولاة والقضاة: "فكان بين ولايته وموته اثنتا عشرة سنة، وستة أشهر وخمسة وعشرون يومًا". (¬2) انظر الولاة والقضاة ص497، وص604.

وولي أبو عبد الله أحمد بن محمد أبو زكريا بن عمر بن أبي العوام، إلى أن مات في ربيع الأول سنة ثلاث وأربعين. وأعيد أبو علي أحمد بن عبد الحاكم بن سعيد، ثم صرف في رجب. وأعيد أبو القاسم عبد الحاكم بن وهب ثم صرف في رمضان. وولي أبو محمد عبد الكريم بن عبد الحاكم بن سعيد، ثم صرف في صفر سنة أربع وأربعين. وأعيد أبو القاسم عبد الحاكم بن وهب بن عبد الرحمن، ثم صرف في المحرم سنة أربع وأربعين. وأعيد أبو علي أحمد بن عبد الحاكم مضافًا للوزارة، ثم صرف في صفر. وأعيد أبو القاسم عبد الحاكم بن وهب، ثم صرف في شعبان. وولي أبو محمد الحسن بن مجلي بن أسد بن أبي كدينة مضافًا للوزارة، ثم صرف في ذي الحجة. وولي جلال الملك أحمد بن عبد الكريم بن عبد الحاكم بن سعيد مضافًا للوزارة، ثم صرف في المحرم سنة ست وأربعين. وأعيد الحسن بن مجلي بن أبي كدينة، ثم صرف في ربيع الآخر. وأعيد أبو القاسم عبد الحاكم بن وهب، ثم صرف في رمضان. وأعيد ابن أبي كدينة ثم صرف في ذي الحجة. وأعيد ابن عبد الحاكم، ثم صرف في نصف المحرم سنة سبع وأربعين. وأعيد ابن أبي كدينة، ثم صرف في السادس والعشرين منه. وأعيد جلال الملك أحمد بن عبد الكريم، ثم صرف في جمادى.

وأعيد أبن أبي كدينة، ثم صرف في نصف رجب. وأعيد عبد الحاكم بن وهب، ثم صرف. وأعيد ابن أبي كدينة، ثم صرف في صفر سنة ثمان وأربعين. وأعيد جلال الملك، ثم صرف. وأعيد ابن أبي كدينة، ثم صرف في المحرم سنة تسع وأربعين. وولي عبد الحكم المليجي، ثم صرف في سابع جمادى الآخرة. وأعيد ابن أبي كدينة، ثم صرف في ذي القعدة. وأعيد جلال الملك، ثم صرف في صفر سنة خمس وستين. وأعيد المليجي ثم صرف في ربيع الأول. وأعيد ابن أبي كدينة، ثم صرف في جمادى الأولى. وأعيد جلال الملك، ثم صرف في رمضان. وأعيد المليجي، ثم صرف في ذي الحجة. وأعيد ابن أبي كدينة، ثم صرف في صفر سنة إحدى وستين. وأعيد المليجي، ثم صرف بعد يوم. وولي خطير الملك بن قاضي القضاة الوزير البازوري، ثم صرف في شوال. وأعيد ابن أبي كدينة، قم صرف في ذي القعدة. وأعيد المليجي، ثم صرف. وأعيد ابن أبي كدينة في ربيع الأول سنة أربع وستين، ثم صرف سنة ست وستين. وولي أبو يعلى حمزة بن الحسين بن أحمد العراقي إلى أن مات سنة اثنتين وسبعين.

وولي أبو الفضل طاهر بن علي القضاعي. ثم ولي بعدن جلال الدولة أبو القاسم علي بن أحمد بن عمار، ثم صرف. ولي سنة خمس وسبعين أبو الفضل هبة الله بن الحسين بن عبد الرحمن بن نباتة. ثم ولي أبو الحسن علي بن يوسف بن الكمال، ثم صرف. وولي سنة سبع وثمانين فخر الحكام أبو الفضل محمد بن الحاكم المليجي. ثم ولي الحسن بن علي بن أحمد المكرمي، ثم صرف بعد شهر. وولي أبو الطاهر محمد بن رجاء إلى أن مات سنة ثلاث وتسعين. وولي أبو الفرج محمد بن جوهر بن ذكاء النابلسي، ثم صرف في ربيع الأول سنة أربع وتسعين، لكونه أحدث في مجلس الحكم. وولي حسين بن يوسف بن أحمد الرصافي، ثم صرف. وولي أبو النجم بدر بن بدر الحراني. ثم ولي أبو الفضل نعمة بن بشير النابلسي المعروف بالجليس، ثم استعفي فأعفي سنة أربع وأربعين. وولي الرشيد أبو عبد الله محمد بن قاسم بن زيد الصقلي إلى أن مات، فأعيد الجليس إلى أن مات. وولي ثقة الملك أبو الفتح مسلم بن علي الرسعني سنة ثلاث وأربعين. قال ابن ميسر في تاريخ مصر: لما ولي الحكم رفع إلى الأفضل: إني قد اعتبرت ما في مودع الحكم من مال المواريث -وكان يقارب مائة ألف دينار- ورفعها إلى بيت المال أولى من تركها في المودع، وإن لها سنين طويلة لم يطلب شيء منها. فوقع على رقعته: إنما قلدناك الحكم ولا أرى لنا فيما لا نستحقه، فاتركه على حاله لمستحقه، ولا تراجع فيه. ثم اتفق أنه صلى

إماما في مجلس صلاة الصبح، وخلفه الوزير المأمون، فقرأ سورة الشمس وضحاها. فأرتج عليه، وقرأ "ناقة الله وسقناها" بالنون، فعزل عن القضاء سنة ست وأربعين. وولي أبو الحجاج بن أيوب المغربي إلى أن مات سنة إحدى وعشرين. وولي أبو عبد الله محمد بن هبة الله بن الميسر القيرواني، ولقب القاضي الأمير سناه الملك شرف الأحكام قاضي القضاة عمدة أمير المؤمنين، قال في تاريخ مصر: وهو الذي أخرج الفستق الملبس بالحلوى، ثم صرف في ربيع الأول سنة ست وعشرين.. وولي أبو الفخر صالح بن عبد الله بن رجاء، ثم صرف في جمادى الآخرة. وولي سراج الدين نجم بن جعفر إلى أن قتل في شوال سنة ثمان وعشرين. وأعيد ابن الميسر، ثم صرف في المحرم سنة إحدى وثلاثين. وولي الأعز أبو المكارم أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي عقيل إلى أن مات في شعبان سنة ثلاث وثلاثين، وأقام الحكم "بعده شاغرا" (¬1) ثلاثة أشهر. ثم اختير أبو العباس أحمد بن الحطيئة، فاشترط ألا يحكم بمذهب الدولة، فلم يمكن من ذلك. وولي فخر الأمناء هبة الله بن حسين الأنصاري؛ يعرف بابن الأزرق في ذي القعدة سنة ثلاث وثلاثين، ثم صرف في جمادى الآخرة سنة أربع وثلاثين. وولي أبو الطاهر إسماعيل بن سلامة الأنصاري (¬2) ، ثم صرف في المحرم سنة ثلاث وأربعين. وولي أبو الفضل يونس بن محمد بن حسن المقدسي، ثم صرف سنة سبع وأربعين. وولي عبد المحسن بن محمد بن مكرم، ثم صرف. ¬

(¬1) من رفع الإصر. (¬2) بعدها في رفع الإصر: "الجلجلوتي".

ثم ولي أبو المنجم بدر بن غالي (¬1) . ثم ولي أبو المعالي مجلي بن جميع الشافعي صاحب الذخائر، فأقام إلى سنة تسع وأربعين، ثم صرف. وأعيد أبو [[الفضل]] يونس ثم صرف. وولي المفضل أبو القاسم جلال الدين هبة الله بن عبد الله بن كامل بن عبد الكريم الصوري، في شعبان سنة سبع وأربعين، ثم صرف في المحرم سنة ثمان وأربعين. وأعيد أبو [[الفضل]] يونس، ثم صرف في ذي الحجة من السنة. وأعيد ابن كامل، ثم صرف في ربيع الأول سنة تسع وأربعين. وولي الأعز أبو محمد الحسن بن علي بن سلامة المصري ثم صرف (¬2) . وولي أبو الفتح عبد الجبار بن إسماعيل بن عبد القوي، ثم صرف (¬3) . وأعيد ابن كامل في ذي الحجة سنة أربع وستين، فلما استولى الملك الناصر صلاح الدين بن أيوب على القاهرة، وزيرًا عن العاضد، أزال دولة الرفض والشيعة، وصرف ابن كامل. وولي صدر الدين عبد الملك بن درياس الكردي الشافعي قضاء القضاة بالقاهرة، وذلك في سنة ست وستين وأربعمائة، فأقام إلى أن صرف بعد وفاة صلاح الدين في ربيع الأول في سنة تسعين في أيام العزيز. وولي في سنة خمس وتسعين وأربعمائة محيي الدين محمد أبو حامد بن الشيخ شرف الدين عبد الله بن هبة الله بن أبي عصرون؛ ثم صرف في سنة إحدى وتسعين. وولي زين الدين علي بن يوسف بن عبد الله بن بندار الدمشقي، ثم عزل في جمادى الأولى من السنة. ¬

(¬1) في رفع الإصر 1: 137، "بدر بن بدر بن عالي"، وفي صفحة 138، "بدر بن عبد الله بن عالي". (¬2) رفع الإصر 1: 189، "الحسن بن علي بن سلامة أبو محمد المعروف بابن العدريس". (¬3) رفع الإصر: "عبد الجبار بن إسماعيل بن جعفر بن عبد القوي بن الجليس".

وأعيد ابن أبي عصرون، ثم عزل في محرم سنة اثنتين وتسعين. وأعيد ابن بندار، ثم صرف في محرم سنة أربع وتسعين. وأعيد صدر الدين، ثم صرف في جمادى الأولى سنة خمس وتسعين. وأعيد زين الدين بن بندار؛ وذلك لما انتزع الملك الأفضل علي بن السلطان صلاح الدين بن أيوب مملكة مصر من ابن أخيه المنصور محمد العزيز عثمان؛ وكتب له الصاحب ضياء الدين نصر الله بن الأثير الجزري تقليدا، هذا صورته: {أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} (¬1) . من السنة أن تفتح صدور التقليدات بدعاء يعم بفضله، ويكون وزانًا للنعمة الشاملة من قبله، وخير الأدعية ما أجرم الله على لسان نبي من أنبيائه أو رسول من رسله، وكذلك جعلنا من هذا التقليد الذي أمضى الله قلمنا في كتابه، وصرف أمرنا في اختيار أربابه، ثم صلينا على رسوله محمد الصادع بخطابه، الساطع بشهابه، الذي جعلت الملائكة من أحزابه، وضرب له المثل بقلب قوسين في اقترابه؛ وعلى آله وصحبه الذين منهم من خلفه في محرابه، ومنهم من كملت به عدة الأربعين من أصحابه، ومنهم من جعل أثواب الحياء من أثوابه، ومنهم من بشر أنه من أحباب الله وأحبائه، أما بعد: فإن منصب القضاء في المناصب بمنزلة المصباح الذي به يستضاء، أو بمنزلة العين التي عليها تعتمد الأعضاء؛ وهو خير ما رقمت به الدول مسطور كتابها، وأجزلت به مذخور ثوابها، وجعلته بعد الأعقاب كلمة باقية في أعقابها. وقد جعله الله ثاني النبوة حكما، ووارثها علما؛ والقائم بتنفيذ شرعها ما دام الإسلام يسمى، لا يستصلح له إلا الواحد الذي يعد محفلا، وإذا جاءت الدنيا بأسرها خفت على أنمله، وقد أجلنا النظر ¬

(¬1) سورة النمل: 19.

مجتهدين، وعولنا على توفيق الله معتضدين، وقدمنا قبل ذلك صلاة الاستخارة وهي سنة متبوعة، وبركة في الأعمال موضوعة؛ لا جرم أنا أرشدنا في أثرها إلى من صرح الرشد فيه بآثاره، وقال الناس هذا هو الذي جاء على فترة من وجود انتظاره (¬1) ؛ وهو أنت أيها القاضي فلان، مهد الله لجنبك، وجعل التوفيق من صحبك، وأنزل الحكمة على يدك ولسانك وقلبك؛ وقد قلدناك هذا المنصب بمدينة مصر وأعمالها، وهي مصر من الأمصار تجمع وجوهًا وأعيانًا، وقد رسم بأنه كرسي مملكته عزًّا وتبيانًا، وعظمت سلطانا، ولما قلدناك هو علمنا أنه سيعود وهو بك غض طري، وإن ولايته نيطت منك بكفء فهي بك حرية وأنت بها حري، ممن طلبها ومن الناس فإنها لم تكن عندك مطلوبة، ومن انتسب في وجاهته إليها فليست وجاهتك إليها منسوبة، وما أردت بها شيئا سوى تحمل الأثقال، وبيع الراحة بالتعب في الأشغال؛ وتعريض النفس لمضاضة الضيم والحيف، والوقوف على الصراط الذي هو أدق من الشعرة وأحد من السيف؛ ولكنك في خلال ذلك تشتري الجنة بساعة من ساعاتك، وإذا رعيت مقام ربك فقد أرصدته لمارعاتك؛ وليس في الأعمال الصالحة أقوم من إحياء حق وضع في لحده، أورد حق مطلت الأيام برده. فاستخر الله تعالى، وتول ما وليناك بعزيمة؛ لأنك بها شامة، ولا تأخذها في الله ملامة. وهذا زمان قد تلاشت فيه العلوم، وعفت رسوم الشريعة حتى صارت كالرسوم، ومشت الأمة المطيطى (¬2) وخلفها ابنا فارس والروم؛ وإذا نظر إلى دين الله وجد وقد خلط أمره خلطا، وتخطى رقاب الناس من هو جدير بأن يتخطى، وآذنت الساعة بالاقتراب حتى كاد أن يستوي ما بين السبابة والوسطى؛ والمتصدي لحفظه يعد ثقله بثقلين، وفضله بفضلين، ويؤتيه الله من رحمته كفلين، وحق له أن يتقدم على السلف الصالح الذي ¬

(¬1) ح: "أنظاره". (¬2) المطيطى: مشية التبختر.

كان كثيرًا رشده، حسنا هديه وقصده، وكان قريبًا برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فان أولئك لم يؤتوا من جهالة، ولا حرموا من مقالة، ولا حدث في زمانهم بدعة وكل بدعة ضلالة، ونحن نرجو أن يكون ذلك الرجل الذي وزن بالناس فرجح وزنه، وسبق القرون الأولى وإن تأخر قرنه. ولقد ألبسنا الله بك لباسًا يبقى جديدًا، ويسرنا للعمل الذي يكون محضرًا، لا للعمل الذي نود لو أن بيننا وبينه أمدا بعيدا. وإياك ثم إياك أن تقف معنا موقف الاعتذار، وما نخشى عليك إلا الشيطان الناقل للطباع في تقليب الأطوار، ولطالما أقام عابدًا من مصلاه، وغره بامتساك حبله ودلاه، ولمكانتك عندنا أضربنا عن وصيتك صفحًا، وتوسمنا أن صدرك قد شرحه الله فلم نزده شرحًا؛ والذي تضمنه تقليد غيرك من الوصايا لم يسفر إلا عن نقاب خطأ الأقلام، وقصر أقوالها عن المماثلة من مراتب أولي التعليم وبين العلماء الأعلام، ولا يفتقر إلى ذلك إلا من ثقل منصب القضاء على كاهله، وقضى جهله بتحريمه عليه، وفرق بين عالم أمرٍ وجاهله. وأما أنت فإن علم القضاء بعض مناقبك، وهو من أوانسك لا من غرائبك؛ لكن عندنا أربع من الوصايا لا بد من الوقوف فيها على سنن التوقيف، وإبرازها إلى الأسماع في لباس التحذير والتخويف: فالأولى منهن، وهي المهم الذي زاغت عنه الأبصار، وهلك من هلك فيه من الأبرار، ولربما سمعت هذا القول فظننته مما تجوز في مثله القائلون، وليس كذلك بل هو نبأ عظيم أنتم غافلون، وسنقصه عليك كما فوضناه إليك؛ وذلك هو التسوية في الحكم بين أقوالك وأفعالك، والأخذ من صديقك لعدوك ومن يمينك لشمالك. وقد علمت أنه لم تخل دولة من الدول من قوم يعرفون بطيش الحلوم، ويغترون بقرب السلطان وهو ظل عليهم ولا يدوم، وإذا دعوا لمجلس الحكم حملهم البطر والأشر على الامتناع من مساواة الخصوم، ولا يفرق بين هؤلاء وبين

ضعيف لا يرفع يدًا ولا طرفا، ونحن نبرأ من مخالفة الدرجات في حكم العزيز الحكيم، ولعن الله اليهود الذين نسخوا آية الرجم بما أحدثوه من التجبية والتحميم، وقد بسطنا يدك بسطا ليس له انقباض، ولا عليه اعتراض؛ وأنت القاضي الذي لا يكون اسمك منقوصًا فيقال فيه: إنك قاض. وإذا استقللت بهذه الوصية، فانظر فيما يليها من أمر الوكلاء القائمين بمجلس الحكم الذين لا ترد أحدًا منهم إلا خليًّا لويًّا، أو خادعا خلويًّا، وإذا اعتبرت أحوالهم وجدوا عذابا على الناس مصبوبًا، ولا يتم لهم إلا في ستر القضايا ونعيمها، ولا ينحون في شيء منها إلا نحو إمالتها وترخيمها؛ فأرح الناس من هذه الطائفة المعروفة بنصب الحبالة، التي تأكل الرشاء وتخرجها في مخرج الجعالة، وطهر منها مجلسك الذي ليس بمجلس ظلم وزور، وإنما هو مجلس عدل وعدالة؛ ومن العدل أن يخلى بين الخصوم حتى يكافح بعضهم بعضا، والمهل في مثل هذا المقام لرعاية لرعي الرعاية لما يقضى؛ وغن كان أحدهم ألحن بحجته فكله إلى عالم الأسرار، وإذا حكمت له بشيء من حق أخيه فلا تبال أن تقطع له قطعة من النار. وكذلك فانظر في الوصية المختصة بالشهداء؛ فإنهم قد تكاثرت أعدادهم وأهمل انتقادهم، وصار منصب الشهادة يسأله وسؤاله من الحرام لا من الحلال، وأصبح وهو يورث عن الآباء والأولاد والوراثة تكون في الأموال، والشاهد دليل يمشي القضاء على منهاجه، ويستقيم باستقامته ويعوج باعوجاجه؛ فانف كل من شانتك منه شائنة، أو رابتك منه رائبة، وعليك منهم بمن تخلق بخلق الحياء والورع، وأخذ بالقول الذي على مثلها فاشهد أو فدع. وأما الوصية الرابعة فإنها مقصورة على كاتب الحكم الذي إليه الإيراد والإصدار، وهو المهيمن على النقض والإمرار؛ وينبغي أن يكون عارفا بالحلي والوسوم والحدود والرسوم، وان يكون فقيها في البيوع والمعاملات، والدعاوي والبينات؛ ومن أدنى

صفاته أن يكون قلمه سائحًا، وخطه واضحا؛ وإذا استكمل ذلك فلا يستصلح حتى يكون العفاف شعاره، والأمانة عياره، والحفظ والعلم سوره وسواره، وهذا الرجل إن خلوت به فامض يده فيما يقول ويفعل، واستتم إليه استتامة الواثق الذي لا يخجل؛ والله يختار لنا فيما بيناه من المراشد، ويجعل أقوالنا ثمارا يانعة إذا كانت الأقوال من الحصائد. وبعد أن بوأناك هذه المكانة، وحملناك هذه الأمانة، فقد رأينا أن نجمع لك من تنفيذ الأحكام وحفظ أصولها، وألا نخليك من النظر في دليلها ومدلولها؛ فإن الترك يوحش العلوم من معهود أماكنها، ويذهب بها من تحت أقفال خزائنها، ومنصب التدريس كمنصب القضاء أخ يشد (¬1) من عضده، ويكثر من عدده؛ فتول المدرسة الفلانية عالمًا أنك قد جمعت بين سيفين (¬2) في قراب، وسلكت بابين إلى تحصيل الثواب، وركبت أعز مكان وهو تنفيذ الحكم، وجالست خير جليس وهو الكتاب. ونحن نوصيك بطلبة العلم وصيتين؛ إحداهما أعظم من الأخرى؛ وكلتاهما ينبغي أن تصرف إليهما من اهتمامك شطرا؛ فالأولى أن تتخولهم (¬3) في أوقات الاشتغال، وتكون لهم كالرائض الذي لا يبسط لهم بساط الراحة ولا يكلفهم مشقة الكلال. والثانية أن تدر عليهم أرزاقهم إدرار (¬4) المسامح، وتنزلهم فيها على قدر الإفهام والقرائح؛ وعند ذلك لا تعدم منهم منبعا في كل حين، ويسرك في حالتيه من دنيا ودين؛ والله يتولاك فيما تنويه صالحة، ويوفقك للعمل بها لا لأن يكون في قلبك سانحة. وقد فرضنا لك في بيت المال قسما طيبا مكسبه، هنيئا مأكله ومشربه؛ لا تعاقب غدا على كثيره، وإن حوسبت على فتيله ونقيره (¬5) . والمفروض في هذا المال ينبغي أن يكون على ¬

(¬1) ط: "يشهد" تحريف. (¬2) ح، ط: "سبعين" تحريف. (¬3) تتخولهم: تتعهدهم. (¬4) ط: "إذرار" تحريف. (¬5) فتيله وتقيره؛ أي على الصغير والكبير.

قدر الكفاف لا على نسبة الأقدار، ورب متخوض فيما شان نفسه من مال الله، ومال رسوله ليس له في الآخرة إلا النار؛ والدنيا حلوة خضرة تلعب بذوي الألباب، وعلاقاتها بتجدد الأيام فلا تنتهي الآراب منها إلا إلى آراب (¬1) . ومن أراد الله به خيرًا لم يسلك إليها، وإن سلك كان كمن استظل بظل شجرة ثم راح وتركها، ونحن نخلص الضراعة والمسألة (¬2) في السلامة من تبعاتها، وأن نوفق لرعي ولاية العدل والإحسان إذ جعلنا من رعاتها. وهذا التقليد ينبغي أن يقرأ في المسجد الجامع بعد أن يجمع له الناس على اختلاف المراتب، ما بين الأباعد والأقارب، والعراقيب والذوائب، والأشائب وغير الأشائب؛ ولتكن قراءته (¬3) بلسان الخطيب وعلى منبره، وليقل: هذا يوم رسم بجميل صيته واعتضاض محضره؛ ثم بعد ذلك فأنت مأخوذ بتصفح مطلوبه على الأيام، وإثباته في قلبك بالعلم الذي لا يمحى سطره إذا محيت سطور الأقلام. واعلم أنا غدا وإياك بين يدي الحكم العدل الذي تكف لديه الألسنة عن خطابها، وتستنطق الجوارح بالشهادة على أربابها، ولا ينجو منه حينئذ إلا من أتى بقلب سليم؛ وأشفق من قول نبيه: "لا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم". والله يأخذ بناصية كل منا إليه، ويخرجه من هذه الدنيا كفافًا لا له ولا عليه، والسلام. فولى عماد الدين بن عبد الرحمن بن عبد العلي بن السكري مصنف الحواشي على الوسيط، ثم صرف في المحرم سنة ثلاث عشرة؛ لأنه طلب منه قرض شيء من مال الأيتام فامتنع. ¬

(¬1) الآراب: الحاجات. (¬2) ط: "والمسلمة". (¬3) ط: "ولكن قرأته" تحريف.

قال القاضي تاج الدين السبكي في الطبقات الكبرى: وبلغني أنه كان في زمانه رجل صالح يقال له: الشيخ عبد الرحمن النويري، وكان كثير المكاشفات والحكم بها، وكان القاضي عماد الدين ينكر عليه؛ فبلغ القاضي أنه أكثر الحكم بالمكاشفات، فعزله، فقال النويري: عزلته وذريته. فكان كما قال. وبلغني عن الظهير التزمنتي شيخ ابن الرفعة، قال: زرت قبر القاضي عماد الدين بعد موته بأيام، فوجدت عنده فقيرًا، فقال لي: يا فقيه، يحشر العلماء وعلى رأس كل واحد منهم لواء، وهذا القاضي عماد الدين منهم؛ وطلبته فلم أره. وولي بعده شرف الدين محمد بن عبد الله الإسكندراني المعروف بابن عين الدولة قضاء القضاة بالقاهرة والوجه البحري، وتاج الدين عبد السلام بن الخراط مصر والوجه القبلي، ثم صرف ابن الخراط في شعبان سنة سبع عشرة وستمائة، وجميع العملان لابن عين الدولة. ثم صرف ابن عين الدولة عن مصر والوجه القبلي بالقاضي بدر الدين يوسف بن الحسن السنجاري في ربيع الآخر تسع وثلاثين، وبقي قاضيا بالقاهرة والوجه البحري فقط. وفي زمنه اتفقت الحكاية التي اتفقت في زمان الإمام محمد بن جرير الطبري (¬1) ؛ وهو أن امرأة كادت زوجها، فقالت: إن كنت تحبني فأحلف بطلاقي ثلاثا: مهما قلت لك تقول مثله في ذا المجلس؛ فحلف، فقالت له: أنت طالق ثلاثا، قل كما قلت لك. فأمسك، وترافعا إلى ابن عين الدولة، فقال: خذ بعقصتها: وقل: أنت طالق ثلاثًا إن طلقتك. ¬

(¬1) هي قصة محمد بن جرير الطبري، ومحمد بن نصر المروزي ومحمد بن هارون الروياني؛ حيثما اجتمعوا في تاريخ مصر، وأرملوا ولم يبق عندهم زاد يقوتهم؛ وأضر بهم الجوع؛ وما كان من أمرهم مع الوالي. وانظر تفصيل القصة في تاريخ بغداد 2: 164، 165.

قال ابن السبكي: وكأنهما ارتفعا إليه في المجلس؛ وكان بمصر مغنية تدعى عجيبة، قد أولع بها الملك الكامل، فكانت تحضر إليه ليلا وتغنيه بالجنك (¬1) على الدف في مجلس بحضرة ابن شيخ الشيوخ وغيره. ثم اتفقت قضية شهد فيها الكامل عند ابن عين الدولة، وهو في دست ملكه، فقال ابن عين الدولة: السلطان يأمر ولا يشهد، فأعاد عليه القول، فلما زاد الأمر، وفهم السلطان أنه لا يقبل شهادته، قال: أنا أشهد، تقبلني أم لا؟ فقال القاضي: لا ما أقبلك، وكيف أقبلك وعجيبة تطلع إليك بجنكها كل ليلة! وتنزل ثاني يوم بكرة وهي تتمايل سكرى على أيدي الجواري، وينزل ابن الشيخ من عندك! أيحسن ما نزلت، فقال له السلطان: يا كيواج -وهي كلمة شتم بالفارسية- فقال: ما في الشرع يا كيواج، اشهدوا على أني قد عزلت نفسي ونهض. فقام ابن الشيخ إلى الملك الكامل، وقال: المصلحة إعادته لئلا يقال: لأي شيء عزل القاضي نفسه؟ وتطير الأخبار إلى بغداد، ويشيع أمر عجيبة! ونهض إلى القاضي، وترضاه، وعاد إلى القضاء (¬2) . ومن شعره: وليت القضاء وليت القضاء ... لم يك شيئًا توليته وقد ساقني للقضاء القضاء ... وما كنت قدمًا تمنيته وأقام إلى أن توفي في ذي القعدة سنة تسع وثلاثين وستمائة. فولي بعده قضاء القاهرة بدر الدين يوسف السنجاري. وولي الشيخ عز الدين بن عبد السلام قضاء مصر والوجه القبلي، وكان قدم في هذه السنة من دمشق بسبب أن سلطانها الصالح إسماعيل استعان بالفرنج وأعطاهم مدينة صيدا وقلعة الشقيف. فأنكر عليه الشيخ عز الدين، وترك الدعاء له في الخطبة، وساعده في ذلك الشيخ جمال الدين أبو عمرو بن الحاجب المالكي، فغضب السلطان منهما، فخرجا ¬

(¬1) الجنك من آلات الطرب، فارسي معرب. (¬2) طبقات الشافعية 5: 27.

إلى الديار المصرية فأرسل السلطان إلى الشيخ عز الدين؛ وهو في الطريق قاصدا يتلطف به في العود إلى دمشق، فاجتمع به ولاينه، وقال له: ما نريد منك شيئًا إلا أن تنكسر للسلطان، وتقبل يده لا غير. فقال الشيخ له: يا مسكين، ما أرضاه يقبل يدي فضلا عن أن أقبل يده! يا قوم، أنتم في واد وأنا في واد! والحمد لله الذي عافانا مما ابتلاكم. فلما وصل إلى مصر، تلقاه سلطانها الصالح نجم الدين أيوب وأكرمه، وولاه قضاء مصر، فاتفق أن أستاداره (¬1) فخر الدين عثمان بن شيخ الشيوخ -وهو الذي كان إليه أمر المملكة- عمد إلى مسجد بمصر، فعمل على ظهره بناء طبلخاناه، وبقيت تضرب هناك، فلما ثبت هذا عند الشيخ عز الدين حكم بهدم ذلك البناء، وأسقط فخر الدين، وعزل نفسه من القضاء، ولم تسقط بذلك منزلة الشيخ عند السلطان، وظن فخر الدين وغيره أن هذا الحكم لا يتأثر به في الخارج، فاتفق أن جهز السلطان رسولا من عنده إلى الخليفة المستعصم ببغداد، فلما وصل الرسول إلى الديوان، ووقف بين يدي الخليفة، وأدى الرسالة له، خرج إليه، وسأله: هل سمعت هذه الرسالة من السلطان؟ فقال: لا، ولكن حملنيها عن السلطان فخر الدين بن شيخ الشيوخ أستاداره، فقال الخليفة: إن المذكور أسقطه ابن عبد السلام، فنحن لا نقبل روايته. فرجع الرسول إلى السلطان حتى شافهه (¬2) بالرسالة، ثم عاد إلى بغداد، وأداها. ولما تولى الشيخ عز الدين القضاء تصدى لبيع أمراء الدولة من الأتراك، وذكر أنه لم يثبت عنده إنهم أحرار، وإن حكم الرق مستصحب عليهم لبيت مال المسلمين، فبلغهم ذلك، فعظم الخطب عندهم، واجترم الأمر، والشيخ مصمم لا يصحح لهم بيعا ولا شراء ولا نكاحا، وتعطلت مصالحهم لذلك؛ وكان من جملتهم نائب السلطنة، فاستثار غضبا، فاجتمعوا وأرسلوا إليه، فقال: نعقد لكم مجلسًا، وننادي عليكم لبيت مال المسلمين، فرفعوا الأمر إلى السلطان، فبعث ¬

(¬1) الأستادار: هو الذي يتولى شئون مسكن السلطان أو الأمير. (¬2) ط: "شافه".

إليه فلم يرجع، فأرسل إليه نائب السلطنة بالملاطفة فلم يفد فيه، فانزعج النائب، وقال: كيف ينادي علينا هذا الشيخ، ويبيعنا ونحن ملوك الأرض! والله لأضربنه بسيفي هذا، فركب بنفسه في جماعته، وجاء إلى بيت الشيخ والسيف مسلول في يده، فطرق الباب، فخرج ولد الشيخ، فرأى من نائب السلطان ما رأى، وشرح له الحال، فما اكترث لذلك، وقال: يا ولدي، أبوك أقل من أن يقتل في سبيل الله، ثم خرج. فحين وقع بصره على النائب يبست يد النائب، وسقط السيف منها، وأرعدت مفاصله، فبكى وسأل الشيخ أن يدعو له، وقال: يا سيدي إيش تعمل؟ فقال: أنادي عليكم وأبيعكم، قال: ففيم تصرف ثمننا؟ قال: في مصالح المسلمين، قال: من يقبضه؟ قال: أنا. فتم ما أراد، ونادى على الأمراء واحدا واحدا، وغالى في ثمنهم ولم يبعهم إلا بالثمن الوافي، وقبضه وصرفه في وجوه الخير. وأتفق له في ولايته القضاء عجائب وغرائب، وفيه يقول الأديب أبو الحسين يحيى بن عبد العزيز الجزار: سار عبد العزيز في الحكم سيرًا ... لم يسره سوى ابن عبد العزيز عمنا حكمه بعدل وسيط ... شامل الورى، ولفظ وجيز ولما عزل الشيخ نفسه عن القضاء، تلطف السلطان في رده إليه، فباشره مدة، ثم عزل نفسه منه مرة ثانية، وتلطف مع السلطان في إمضاء عزله، فأمضاه وأبقى جميع نوابه من الحكام، وكتب لكل حاكم تقليدا، ثم ولاه تدريس مدرسته التي أنشأها بين القصرين (¬1) . وولي بعده أفضل الدين محمد الخونجي صاحب المنطق والمعقولات، فأقام إلى أن ¬

(¬1) رفع الإصر: 350-353.

مات في رمضان سنة ست وأربعين وستمائة، ورثاه العز الإربلي بقصيدة أولها: قضى أفضل الدنيا، نعم وهو فاضل ... وماتت بموت الخونجي الفضائل وكان يخلفه على الأحكام الجمال يحيى، فلم يزل إلى أن تولى القاضي عماد الدين القاسم بن إبراهيم بن هبة الله الحموي، فبقي إلى أن صرف في جمادى الأولى سنة ثمان وأربعين. وتولى القاهرة وصرف عنها القاضي بدر الدين، ورتب قاضيا بمصر والوجه القبلي صدر الدين موهوب بن عمر الجزري، وكان نائبا عن الشيخ عز الدين ثم صرف. وأعيد القاضي عماد الدين الحموي بمصر، ورتب بالقاهرة بدر الدين السنجاري، وذلك في رجب سنة ثمان وأربعين، ثم بعد ذلك بأيام يسيرة أضيف له مصر أيضا، وذلك في شوال من السنة. ثم صرف عنه القضاء بمصر، وكان يخلفه أخوه برهان الدين، وذلك في رمضان سنة أربع وخمسين. ورتب فيه تاج الدين عبد الوهاب بن بنت الأعز، ثم صرف السنجاري عن القاهرة أيضا، وأضيف لابن بنت الأعز إلى أن توفي الملك المعز. فرتب في القاهرة البدر السنجاري في ربيع الآخر سنة خمس وخمسين، وبقي مع ابن بنت الأعز مصر خاصة. ثم أضيف قضاء مصر أيضا إلى السنجاري في رجب من السنة، فأقام إلى جمادى الأولى سنة تسع وخمسين، فعزل. وأعيد تاج الدين بن بنت الأعز لقضاء مصر والقاهرة معا، ثم في شوال سنة إحدى وستين عزل ابن بنت الأعز عن قضاء مصر وحدها. ووليه برهان الدين الخضر بن الحسن السنجاري، وبقي مع ابن بنت الأعز قضاء القاهرة، فلم يزل إلى رمضان سنة اثنتين وستين.

فصرف قضاء مصر عن السنجاري، وأضيف إلى ابن بنت الأعز، فلم يزل على هذه الولاية إلى أن مات يوم الأحد سابع عشر رجب سنة خمس وستين. قال ابن السبكي في الطبقات الكبرى: وفي ولايته هذه جدد الملك الظاهر بيبرس القضاة الثلاثة من كل مذهب: قاض في القاهرة، ثم في دمشق، وكان سبب ذلك أنه سأل القاضي تاج الدين في أمر، فامتنع من الدخول فيه، فقيل له: مر نائبك الحنفي، وكان القاضي هو الشافعي يستنيب من شاء من المذاهب الثلاثة، فامتنع عن ذلك، فجرى ما جرى، وكان الأمر متمحضا للشافعية، فلا يعرف أن غيرهم حكم في الديار المصرية منذ وليها أبو زرعة محمد بن عثمان الدمشقي في سنة أربع وثمانين إلى أن مات الظاهر، إلا أن يكون نائب بعض قضاة الشافعية في جزئية خاصة، وكذا دمشق لم يلها بعد أبي زرعة المشار إليه إلا شافعي. قال ابن ميسر في تاريخ مصر: في سنة خمس وعشرين وخمسمائة رتب أبو أحمد بن الأفضل في الحكم أربع قضاة، يحكم كل قاض بمذهبه، ويورث بمذهبه، فكان قاضي الشافعية سلطان بن رشا، وقاضي المالكية أبا محمد عبد المولى بن اللبنى، وقاضي الإسماعيلية أبا الفضل بن الأزرق، وقاضي الإمامية ابن أبي كامل، ولم يسمع بمثل هذا. وقال ابن ميسر: وقد تجدد في عصرنا هذا الذي نحن فيه أربع قضاة على الأربعة مذاهب. انتهى. قال ابن السبكي: وقال أهل التجربة: إن هذه الأقاليم المصرية والشامية والحجازية، متى كانت البلد فيها لغير الشافعية خربت، ومتى قدم سلطانها غير أصحاب الشافعي زالت

دولته سريعا. قال: وكأن هذا السر جعله الله في هذه البلاد، كما جعله الله لمالك في بلاد المغرب، ولأبي حنيفة فيما وراء النهر. قال: وسمعت الشيخ الإمام الوالد يقول: سمعت الشيخ صدر الدين بن المرحل يقول: ما جلس على كرسي مصر غير شافعي إلا وقتل سريعا، قال: وهذا الأمر يظهر بالتجربة، فلا يعرف غير شافعي إلا قطز، كان حنفيا، ومكث يسيرا وقتل، وأما الظاهر فقلد الشافعي يوم ولاية السلطنة، ثم لما ضم القضاء إلى الشافعي استثنى للشافعي الأوقاف، وبيت المال والنواب وقضاة البر والأيتام، وجعلهم الأرفعين، ثم إنه ندم على ما فعل. وذكر أنه رأي الشافعي في النوم لما ضم إلى مذهبه بقية المذاهب، وهو يقول: تهين مذهبي! البلاد لي أو لك! قد عزلتك، وعزلت ذريتك إلى يوم الدين. فلم يمكث إلا يسيرا ومات، ولم يمكث ولده السعيد إلا يسيرًا، وزالت دولته، وذريته إلى الآن فقراء، هذا كلام ابن السبكي. قال: وجاء بعده قلاوون، وكان دونه تمكنا ومعرفة، ومع ذلك مكث الأمر فيه وفي ذريته إلى هذا الوقت، وفي ذلك أسرار الله لا يدركها إلا خواص عباده. قال: وقد حكي أن الظاهر رئي في النوم، فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: عذبني عذابا شديدا لجعلي القضاة أربعة، وقال: فرقت كلمة المسلمين! وقال أبو شامة: لما بلغهم ضم القضاة الثلاثة لم يقع مثل هذا في ملة الإسلام قط، وكان إحداث القضاة الثلاثة في سنة ثلاث وستين وستمائة؛ وأقام ابن بنت الأعز قاضيا إلى أن توفي سنة خمس وستين، وكان شديد التصلب في الدين، فكان الأمراء الكبار يشهدون عنده فلا يقبل شهادتهم؛ وكان ذلك أيضا من جملة الحوامل على ضم القضاة الثلاثة إليه. وحكي أنه ركب وتوجه إلى القرافة، ودخل على الفقيه مفضل، حتى

تولى عنه الشرقية، فقيل له: تروح إلى شخص توليه، فقال: لو لم يفعل لقبلت رجله حتى يقبل، فإنه يسد عني ثلمة من جهنم. قال ابن السبكي: وكان يقال: إن القاضي تاج الدين آخر قضاة العدل؛ واتفق الناس على عدله؛ وقد اجتمع له من المناصب الجليلة ما لم يجتمع لغيره؛ فإنه ولي خمس عشرة وظيفة: القضاء، والوزارة، ونظر الأحباس، وتدريس الشافعية، والصالحية، والحسبة، والخطابة، ومشيخة الشيوخ، وإمامة الجامع. وولي بعده مصر والوجه القبلي محيي الدين عبد الله بن القاضي شرف الدين بن عين الدولة، والقاهرة والوجه البحري تقي الدين محمد بن الحسن بن رزين، ثم مات ابن عين الدولة في رجب سنة ثمان وسبعين، وعزل ابن رزين في رجب أيضا سنة ثمان وسبعين لكونه توقف في خلع الملك السعيد. وولي صدر الدين عمر بن القاضي تاج الدين بن بنت الأعز، فمشى على طريقة والده في التحري والصلابة، ثم عزل نفسه في رمضان سنة تسع وسبعين. وأعيد ابن رزين فأقام إلى أن مات في رجب سنة ثمانين، وولي بعده وجيه الدين عبد الوهاب بن الحسين البهنسي قضاء الديار المصرية، ثم عزل عن القاهرة والوجه البحري، واستمر على قضاء مصر والوجه القبلي، إلى أن توفي سنة خمس وثمانين. وولي القاهرة بعد عزله عنها شهاب الدين بن الخويي (¬1) ، فأقام إلى أول سنة ست وثمانين، فعزل. وولي بعده برهان الدين الخضر السنجاري، فأقام شهرا، ثم توفى. ¬

(¬1) الخوبي، بضم الخاء وفتح الواو المشددة وتشديد الياء، منسوب إلى خوي، مدينة بأذربيجان، واسمه أحمد بن خليل بن سعادة، انظر شذرات الذهب 5: 183.

وولي بعده تقي الدين عبد الرحمن بن القاضي تاج الدين بن بنت الأعز، مضافا لما كان معه من قضاء مصر؛ فإنه وليه بعد موت البهنسي، وكان من أحسن القضاة سيرة، وكان ابن السلعوس وزير الملك الأشرف يكرهه؛ فعمل عليه، ورتب من شهد عليه بالزور بأمور عظام، منها أنهم أحضروا شابا حسن الصورة، واعترف على نفسه بين يدي السلطان بأن القاضي لاط به، وأحضروا من شهد بأنه يحمل الزنار في وسطه، فقال القاضي: أيها السلطان كل ما قالوه ممكن؛ ولكن حمل الزنار لا يعتمده النصراني، تعظيمًا ولو أمكنه تركه لتركه؛ فكيف أحمله! ثم عزل القاضي، وكان رجلًا صالحًا لا يشك فيه، بريئا من كل ما رمي به. وولي بدر الدين محمد بن إبراهيم بن جماعة؛ وذلك في رمضان سنة تسعين وستمائة، فتوجه القاضي تقي الدين إلى الحجاز، ومدح النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقصيدة، وكشف رأسه، ووقف بين يدي الحجرة الشريفة، واستغاث بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأقسم عليه ألا يصل إلى وطنه إلا وقد عاد إلى منصبه، فلم يصل إلى القاهرة إلا والأشرف قد قتل، وكذلك وزيره، فأعيد إلى القضاء، ووصل إليه الخبر بالعود قبل وصوله إلى القاهرة، وذلك في أول سنة ثلاث وتسعين؛ فأقام في القضاء إلى أن مات في جمادى الأولى سنة خمس وتسعين. وولي بعده الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد بعد امتناع شديد، حتى قالوا له: إن لم تفعل ولوا فلانا أو فلانا -لرجلين لا يصلحان للقضاء- فرأى أن القبول واجب عليه حينئذ. ذكره الإسنوي في الطبقات. قال ابن السبكي: وعزل نفسه غير مرة ثم يعاد. قال الإسنوي: وكانت القضاة يخلع عليهم الحرير، فامتنع الشيخ من لبس الخلعة، وأمر بتغييرها إلى الصوف، فاستمرت إلى الآن. وحضر مرة عند السلطان

لاجين، فقام إليه السلطان، وقبل يده؛ فلم يزده على قوله: أرجوها لك بين يدي الله. وكان يكتب إلى نوابه، ويعظهم ويبالغ في وعظهم، ومع ذلك رآه بعض خيار أصحابه في المنام وهو في مسجد، فسأله عن حاله، فقال: أنا معوق ههنا بسبب نوابي. هذا مع الاحتراز التام والكرامات الصحيحة الثابتة عنه. فهذا كله كلام الإسنوي. ومن لطائفه ما كتب إلى نائبه بإخميم: صدرت هذه المكاتبة إلى مجلس مخلص الدين، وفقه الله تعالى لقبول النصيحة، وآتاه لما يقربه إليه قصدا صحيحا ونية صحيحة، أصدرناه إليه بعد حمد الله الذي يعلم خائنة الأعين، وما تخفي الصدور، ويمهل حتى لا يلتبس الإمهال بالإهمال على المغرور؛ وتذكره بأيام الله {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} (¬1) ، ونحذره صفقة من باع الآخرة بالدنيا فما أحد سواه مغبون؛ عسى الله أن يرشده بهذا التذكار وينفعه، وتأخذ هذه النصائح بحجزته عن النار؛ فإني أخاف أن يتردى فيخر من ولاه معه. والعياذ بالله. والمقتضي لإصدارها ما لمحناه من الغفلة المستحكمة على القلوب، ومن تقاعد الهمم مما يجب للرب على المربوب، ومن أنسهم بهذه الدار وهم يزعجون عنها، وعلمهم بما بين أيديهم من عقبة كؤود وهم لا يتخففون منها. ولا سيما القضاة الذين تحملوا أعباء الأمانة على كواهل ضعيفة، وظهروا بصور كبار وهمم نحيفة، ووالله إن الأمر عظيم، والخطب جسيم؛ ولا أرى مع ذلك أمنا ولا قرارا، ولا راحة ولا استمرارا، اللهم إلا رجلا نبذ الآخرة وراه، واتخذ إلهه هواه، وقصر همه وهمته على حظ نفسه ودنياه، فغاية مطلبه حب الجاه. والرغبة في قلوب الناس وتحسين الزي والملبس، والركبة والمجلس، غير مستشعر خساسة حاله ولا ركاكة مقصده، فإنك لا تسمع الموتى وما أنت بمسمع من في القبور. فاتق الله الذي يراك حين تقوم، وأقصر أملك عليه فإن المحروم من فضله غير ¬

(¬1) الحج: 47.

مرحوم، وما أنا وإياكم أيها النفر إلا كما قال حبيب العجمي، وقد قال له قائل: ليتنا، لم نخلق! قال: قد وقعتم فاحتالوا!. وإن خفي عليك مثل هذا الخطر، وشغلتك الدنيا عن معرفة الوطر، فتأمل كلام النبوة: "القضاة ثلاثة قاض في الجنة، وقاضيان في النار"، وقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأبي ذر مشفقا عليه: "لا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم" وما أنا والسير في متلف مبرح بالذاكر الضابط، هيهات جف القلم، ونفذ حكم الله، فلا راد لما حكم. إيه، ومن هناك شم الناس من فم الصديق رائحة الكبد المشوي. وقال الفاروق: ليت أم عمر لم تلده! وقال علي والخزائن مملوءة ذهبا وفضة: من يشتري سيفي هذا ولو وجدت ما أشتري به رداء ما بعته. وقطع الخوف نياط قلب عمر بن عبد العزيز فمات من خشية العرض، وعلق بعض السلف سوطا يؤدب به نفسه إذا فتر. فترى ذلك سدى، أم نحن المقربون وهم البعداء! فهذه أحوال لا تؤخذ من كتاب السلم، والإجارة (¬1) ، والجنايات، وإنما تنال بالخضوع والخشوع، وأن تظمأ وتجوع. ومما يعينك على الأمر الذي دعوتك إليه، ويزودك في السفر المعرض عليه، أن تجعل لك وقتا وتعمره بالتذكر والتفكر، وإنابة تجعلها معدة لجلاء قلبك، فإنه إن استحكم صداه صعب تلافيه، وأعرض عنه من هو أعلم بما فيه. فاجعل أكثر همومك الاستعداد ليوم المعاد، والتأهب لجواب الملك الجواد، فإنه يقول: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ، عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} . ومهما وجدت من همتك قصورًا، واستشعرت من نفسك عما بدا لها نفورا، فاجررها إليه وقف ببابه واطلب، فإنه لا يعرض عمن صدق، ولا يعزب عن علمه خفايا الضمائر {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} . ¬

(¬1) النجوم الزاهرة.

فهذه نصيحتي إليك، وحجتي بين يدي الله إن فرطت إذا سئلت عليك؛ فنسأل الله لي ولك قلبا شاكرا، ولسانًا ذاكرًا، ونفسا مطمئنة بمنه وكرمه، وخفي لطفه، والسلام. واستمر الشيخ إلى أن توفي في صفر سنة اثنتين وسبعمائة. وأعيد بعده القاضي بدر الدين بن جماعة، ثم صرف في ربيع الأول سنة عشر وسبعمائة. وولي جمال الدين بن عمر الزرعي، ثم صرف. وأعيد ابن جماعة في ربيع الآخر سنة إحدى عشرة، فلم يزل إلى أن عمي سنة سبع وعشرين. فولي بعده جلال الدين محمد بن عبد الرحمن القزويني مصنف التلخيص في المعاني والبيان، فأقام مدة ثم صرف في سنة ثمان وثلاثين. وولي بعده عز الدين بن القاضي بدر الدين بن جماعة، فاستمر إلى سنة تسع وخمسين، فعزل بواسطة صرغمتش. وولي مكانه بهاء الدين بن عبد الله بن عقيل مؤلف شرح الألفية وشرح التسهيل، فأقام ثمانين يوما وصرف. وأعيد ابن جماعة، فولي على كره منه، واستمر يطلب الإقالة إلى جمادى الأولى سنة ست وستين، فعزل نفسه، وصمم على عدم العود، ونزل إليه الأمير الكبير يلبغا إلى داره، ودخل عليه أن يعود فأبى. فولي مكانه بهاء الدين أبو البقاء محمد بن عبد البر السبكي، فأقام إلى أن عزل في سنة ثلاث وسبعين. وولي بعده برهان الدين إبراهيم بن جماعة، ثم عزل نفسه، وولي بدر الدين محمد بن عبد البر السبكي في صفر سنة تسع وسبعين.

ثم أعيد البرهان بن جماعة في سنة إحدى وتمانين، ثم أعيد البدر بن أبي البقاء في صفر سنة أربع وثمانين، ثم ولي ناصر الدين محمد بن الميلق في شعبان سنة تسع وثمانين ثم عزل. وولي صدر الدين محمد بن إبراهيم المناوي في ذي القعدة سنة إحدى وتسعين. ثم أعيد بدر الدين بن أبي البقاء في ذي الحجة سنة إحدى وتسعين. ثم ولي عماد الدين أحمد بن عيسى الكركي في رجب سنة ثنتين وتسعين، ثم عزل في ذي الحجة سنة أربع وتسعين. وأعيد الصدر المناوي في المحرم (¬1) سنة خمس وتسعين. ثم أعيد البدر بن أبي البقاء في ربيع الأول سنة ست وتسعين. ثم أعيد المناوي في شعبان سنة سبع وتسعين. ثم ولي تقي الدين الزبيري في جمادى الأولى سنة تسع وتسعين. ثم أعيد المناوي في رجب سنة إحدى وثمانمائة. ثم ولي ناصر الدين محمد بن محمد بن عبد الرحمن الصالحي في شعبان سنة ثلاث. ثم ولي جلال الدين البلقيني في جمادى الأولى سنة أربع في حياة والده. ثم أعيد الصالحي في شوال سنة خمس، ومات في المحرم سنة ست. فولي شمس الدين محمد بن الأخنائي. ثم أعيد البلقيني في ربيع الأول من السنة. ثم أعيد الأخنائي في شعبان من السنة. ثم أعيد البلقيني في ذي الحجة من السنة. ثم أعيد الأخنائي في جمادى الأولى سنة سبع. ¬

(¬1) ط: "الحرم".

ثم أعيد البلقيني في ذي القعدة من السنة. ثم أعيد الأخنائي في صفر سنة ثمان. ثم أعيد البلقيني في ربيع الأول من السنة، فأقام إلى محرم سنة خمس عشرة، فعزله المستعين. وولي شهاب الدين الباعوني، فأقام شهرا، وعزل. ثم أعيد البلقيني في صفر سنة خمس عشرة، فأقام إلى جمادى الأولى سنة إحدى وعشرين. وولي شمس الدين محمد بن عطا الله الهروي، وفي ولايته هذه وجد في مجلس السلطان ورقة فيها شعر، وهو: يأيها الملك المؤيد دعوة ... من مخلص في حبه لك ينصح انظر لحال الشافعية نظرة ... فالقاضيان كلاهما لا يصلح هذا أقاربه عقارب وابنه ... وأخو وصهر، فعلهم مستقبح غطوا محاسنه بقبح صنيعهم ... ومتى دعاهم للهدى لا يفلحوا وأخو هراة بسيرة اللنك اقتدى ... وله سهام في الجوانح تجرح لا درسه يقرا، ولا أحكامه ... تدرى، ولا حين الخطابة يفصح فأرح هموم المسلمين بثالث ... فعسى فساد منهم يستصلح وكان ذلك في أول شعبان، فعرض السلطان الورقة على الجلساء من الفقهاء الذين يحضرون عنده، فلم يعرفوا كاتبها، وطالت الأبيات. فأما الهروي فلم ينزعج من ذلك، وأما البلقيني فقام وقعد، وأطال البحث والتنقيب عن ناظمها، وتقسمت الظنون؛ فمنهم من اتهم شعبان الأثاري، ومنهم من اتهم تقي الدين بن حجة. قال العيني: وبعضهم نسبها لابن حجر؛ قال: والظاهر أنه هو.

ثم أعيد البلقيني في ربيع الأول سنة اثنتين وعشرين، فأقام إلى أن مات في شوال سنة أربع وعشرين. وولي الشيخ ولي الدين العراقي، ثم عزل في ذي الحجة سنة خمس وعشرين. وولي شيخنا شيخ الإسلام علم الدين صالح بن شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني. ثم تولى الحافظ ابن حجر في المحرم سنة سبع وعشرين. ثم أعيد الهروي في ذي القعدة من السنة. ثم أعيد ابن حجر في رجب سنة ثمان وعشرين. ثم أعيد شيخنا البلقيني في صفر سنة ثلاث وثلاثين. ثم أعيد ابن حجر في جمادى الأولى سنة أربع وثلاثين. ثم أعيد شيخنا البلقيني في شوال سنة أربعين. ثم أعيد ابن حجر في شوال سنة إحدى وأربعين. ثم ولي شمس الدين القاياتي في المحرم سنة تسع وأربعين، فأقام إلى أن مات في المحرم سنة خمسين. وأعيد ابن حجر. ثم أعيد شيخنا البلقيني في أول المحرم سنة إحدى وخمسين. ثم ولي ولي الدين السقطي في نصف ربيع الأول من السنة؛ ثم عزل. وأعيد ابن حجر في ربيع الآخر سنة اثنتين وخمسين، ثم عزل نفسه في آخر جمادى الآخرة من السنة. وأعيد شيخنا البلقيني في صفر سنة سبع وخمسين، فأقام إلى شوال سنة خمس وستين، فعزل.

وأعيد المناوي ثم أعيد البلقيني في شوال سنة سبع وستين، فأقام إلى أن مات في سنة ثمان وستين. وأعيد المناوي، ثم عزل في جمادى الآخرة سنة سبعين. وولي صلاح الدين المكيني ربيب شيخنا البلقيني. ثم عزل بعد ستة أشهر. وولي بدر الدين أبو السعادات محمد بن تاج الدين بن قاضي القضاة جلال الدين البلقيني في أول سنة إحدى وسبعين، ثم عزل بعد أربعة أشهر. وولي ولي الدين أحمد بن أحمد الأسيوطي في نصف جمادى الأولى من السنة فأقام خمس عشرة سنة، ثم عزل في جمادى الآخرة سنة ست وثمانين. وولي الشيخ زكريا محمد الأنصاري السبكي. وقد نظم محمد بن دانيال الموصلي إرجوزة فيمن ولي قضاء مصر من حين فتحت إلى عهد البدر بن جماعة، فقال: يقول راجي كرم الله العلي ... محمد بن دانيال الموصلي (¬1) من بعد حمد للعلي حاكم ... غامرنا بالجود والمراحم ثم الصلاة بعد ترتيل اسمه ... على أحمد الهادي أمين حكمه (¬2) وآله وصحبه العدول ... شهود حجة أحمد الرسول فإنني ضمنت هذا الشعرا ... أنباء كل من تولى مصرا من سائر القضاة والحكام ... مذ ملكتها ملة الإسلام (¬3) من لدن ابن العاص أعني عمرا ... لفتحها إلى هلم جرا (¬4) ¬

(¬1) أوردها ابن حجر في رفع الإصر 1: 2-4، وقال: أنبأنا أبو الحسن علي بن أبي بكر بن سليمان مشافهة عن أبي عمرو بن أبي عبد الله بن إسحاق الكناني، قال: "أنشدنا ابن دانيال لنفسه". (¬2) رفع الإصر: "على النبي الهادي". (¬3) رفع الإصر: "دولة الإسلام". (¬4) رفع الإصر: "من فتحها".

لكنني اخترت الكلام الراجزا ... في حصرهم إذ كان لفظا موجزا (¬1) أول من ولي القضا للحكم ... قيس فتى عدي بن سهم وآل بعده لكعب عبس ... ثم لعثمان بغير لبس ثم ولي سليم نجل عتر ... وبعده السائب نجل عمرو ثم يليه عابس المرادي ... وبعده ابن النضر في البلاد وآل بعده لعبد الرحمن ... ثم إلى مالك نجل خولان ويونس من بعده ولي القضا ... ثم ولي أوس بعزم منتضى ثم تولى الحكم عبد الرحمن ... ثم وليه بعد ذاك عمران وبعده صار لعبد الأعلى ... وابن حديج ذي الفخار الأعلى (¬2) ثم لعبد الله ذاك القاضي ... آل ومن بعده إلى عياض (¬3) ¬

(¬1) بعده في رفع الإصر: ليغتدي عقدا من اللآلي ... ينفسه ذكر الجناب العالي العالمي العاملي الأوحد ... بدر التمام ذو السنا محمد أعني الكناني ابن إبراهيما ... السيد المفضل الكريما قاضي القضاة وإمام العصر ... مفتي الفريقين بأرض مصر تظمتها وسيلة إليه ... معتمدا دون الورى عليه لأزال سترا مسبلا علينا ... يبعث فضل رفده إلينا وها أنا بذكر ذاك مبتدي ... بحمد ذي الحمد البديع الصمد (¬2) ط: "جريح"، وصوابه من الأصل ورفع الإصر. (¬3) رفع الإصر.

وعاد للقضا بحكم ثان ... ابن حجيرة الفتى الخولاني (¬1) ثم إلى عياض آل ثانيه ... ثم لعبد الله غير وانيه والحضرمي ثم للخيار ... ثم يزيد جاء في الآثار وآل بعد توبة وخبر ... إلى ابن سالم بكل خير هذا وفي عصر بني العباس ... صار نعيم ثابت الأساس وعاد غوث بعد ذاك يحكم ... ثم ولي يزيد بعد فاعلموا وعاد غوث قبل إبراهيما (¬2) ... والحضرمي بعده مأموما ثم لإسماعيل نجل اليسع ... ثم تلاه الغوث خير تبع وبعد هذا حكم المفضل (¬3) ... ثم أبو طاهر ذاك الأفضل ثم المفضل الأمين حكما ... ثم ابن مسروق وما إن ظلما ثم وليها بعده التجيبي (¬4) ... والعمري أيما نجيب وبعده البكري وابن ألبكا ... ثم ابن عيسى وهو أزكى نسكا والأسلمي حاكم الشريعة ... ثم ابن عيسى واسمه لهيعه ثم لإبراهيم نجل القاري ... ثم لابن إبراهيم ذي الفخار ثم لعيسى آلت الأحكام ... وبعده زهريها الإمام (¬5) ثم ولي الأحكام نجل شداد ... وبعده الحارث خير الأجواد (¬6) وبعد ما ولي دحيم الأمصار (¬7) ... صار لها قاضي القضاة بكار هذا ونجل عبدة تولى (¬8) ... ثم أبو زرعة لما ولى ¬

(¬1) رفع الإصر: "نجل حجيرة". (¬2) رفع الإصر: "قبل إبراهيما". (¬3) رفع الإصر: "ولي المفضل". (¬4) رفع الإصر: "ثم وليى من بعده التجنيبي". (¬5) رفع الإصر: "هارون الإمام". (¬6) رفع الإصر: "خير من جاد". (¬7) رفع الإصر: "الأنصار". (¬8) رفع الإصر: "محمد بن عبدة تولى".

ثم ابن عبدة تولى الحكما ... وكان فيه بالمحل الأسمى ثم ابن حرب وأبو الذكر حكم ... قبل الكريزي زمانا في الأمم والجوهري، وهو نعم القاضي ... ومن به قد وقع التراضي وبعده أحمد وابن أحمدا ... وأحمد ثانية فيه اغتدى وصرفوه بابن زبر فقضى ... من قبل إسماعيل فيما قد مضى ثم ابن مسلم ونجل حماد ... والسرخسي والصيرفي بإسناد وبعد عبد الله نجل زبر ... ولي أبو بكر جميع الأمر ثم ابن زرعة ونجل بدر ... من قبل عبد الله نجل زبر ثم ابن بدر بعد عبد الله ... أمسى عليها آمرا وناهي ثم أبو ذكر تولى والحسن ... وبعده الكشي في ذاك زمن وبعد ذا ابن أخت وليد لم يزل ... حاكمها والعدل عنه ما عدل (¬1) وبعده ولي القضا ابن الحداد (¬2) ... وبعده ابن أخت وليد قد عاد وبعد ذاك ولد الخطيب ... ولي القضا وولد الخصيب وبعده محمد قد حكما ... ثم أبو الطاهر فيما علما الدولة المصرية: وبعد هذا ولد النعمان (¬3) ... ونجله في ذلك الزمان ثم أبنه وصنوه الحسين ... ولم يشنه في القضاء شين وبعد ذاك مالك تولى ... ثم أبو العباس فيما يتلى وقاسم ثم أبو الفتح ولي ... وهو بغير قاسم لم يعزل (¬4) ¬

(¬1) هذا البيت ساقط من رفع الإصر. (¬2) رفع الإصر: "ثم تولى حكمها ابن الحداد". (¬3) رفع الإصر: "وبعد ذاك". (¬4) بعده في رفع الإصر: وصرفوه بأبي محمد ... قبل أبي علي المسدد

ثم ابن وهب جاءها في الإثر ... ونالها من قبل نجل ذكري (¬1) ثم أعيد أحمد للحكم ... ثم ابن وهب فاستمع لنظمي ثم ولي الحكم ابن عبد الحاكم ... ثم أعيد بعده للقاسم ثم لعبد الحاكم الإمام ... وقاسم وجه بالأحكام وبعده ولي القضا نجل أسد ... وبعده أحمد ذو الحكم الأسد ثم أعيد ابن أبي كدينه ... لما ارتضوا سيرته ودينه ثم علي بعده الميسر (¬2) ... ثم الرصافي الجميل الذكر وبعده ولي القضا ابن وهب ... وابن أبي كدينة ذو اللب وبعده المليجي في المدينة ... ولي القضا وابن أبي كدينه ثم وليه بعده البازور ... وابن أبي كدنة بغير زور (¬3) وبعده العرقي والقضاعي ... ولي القضا حقًّا بلا نزاع ثم جلال الدولة ابن القاسم ... عاد فأضحى وهو خير حاكم (¬4) وبعده نجل نباتة ولي ... وولد الكحال ذو التفضل وبعده المليجي والمكرم ... ثم أبو الطاهر ذو التكرم وبعده ولي القضا نجل ذكا ... وبعده الحسين وهو ذو الذكا ثم ابن بدر وأبو الفضل قضى ... من بعده الصقلي وأبو الفضل الرضى وبعده ابن ظافر تولى ... وابن الحسين ذو المقام الأعلى ثم أبو الفتح ويوسف ولي ... وكان كل ذا محل أفضل ثم وليه ولد الميسر ... أعني سناء الملك رب المفخر ¬

(¬1) في الأصل: "ذكر"، وما أثبته من رفع الإصر؛ وهو أحمد بن أبي محمد بن زكريا. (¬2) ط: "المعري"، صوابه من الأصل ورفع الإصر. (¬3) رفع الإصر: "وابن كدينة بغير زور". (¬4) رفع الإصر: "عاد وولي وهو خير حاكم".

ثم أبو الفخر ونجل جعفرا ... ثم محمد ولي بلا مرا وبعد هذا ولي الرعيني ... ثم سنا الملك بغير مين وبعده نجل عقيل لم يزل ... وابن حسين صار حاكم العمل وابن سلامة ونجل المقدسي ... وكان فيها ذا محل أنفس وابن مكرم ونجل عالي ... ثم ضياء الدين ذو الإفضال ثم الأعز وأبو الفتح ولي ... وبعده أعيد نجل كامل وبعد ذاك في زمان الغز ... ذوي الفخار والعلا والعز وليه عبد الملك بن عيسى ... قبل علي أعني الفتى الرئيسا ثم ابن عصرون تولى الحكما ... وعاد صدر الدين وهو الأسمى والسكري وأبو محمد ... قبل ابن عين الدولة الممجد ثم تولى يوسف السنجاري ... وجاء عز الدين في الآثار وبعده موهوب -أعني الجزري ... والخونجي ثم العماد الحموي ثم أعيد يوسف السنجاري ... ثم تلاه التاج ذو الفخار وولي البرهان أعني الخضرا ... وعاد تاج الدين فيما غبرا ثم ولي الأحكام محيي الدين ... وابن رزين ذو الحجى الرزين وبعد عزله تولاه عمر ... أعني العلامي وبالعدل أمر (¬1) ثم أعيد ابن رزين فحكم ... من بعد صدر الدين عدلا في الأمم ثم الوجيه البهنسي للقضا ... عين بعد ذا التقى إذ قضى وعندما استعفى لبعد القاهرة ... عن مصره خص بها أوامره ثم الشهاب رفعوا محله ... واشخصوه من ربى المحله (¬2) ¬

(¬1) في الأصول: "العلاقي"، وصوابه من رفع الإصر. (¬2) رفع الإصر: "واستحضروه من قضا المحلة".

ولم يزل حتى توفاه الردى ... وولي الشام الفتى ابن أحمدا ثم ولي القاضي التقي ابن خلف ... بعد الوجيه والشهاب المنصرف وعزلوه عن قضاء القاهرة ... ثم وليه سيد السناجرة ثم ولي التقى عبد الرحمن ... وبان بدر الدين لما أن بان وعاد بدر الدين للشام ... ثم ولي الحكم الفتى العلامي ولم يزل حتى توفاه القضا ... ثم ولي التقي أبو الفتح القضا (¬1) وإذ أتاه نازل الحمام ... عاد إليها البدر في التمام بدر منير كامل الأوصاف ... والمنهل العذب المنير الصافي (¬2) لا برحت نافذة أحكامه ... وخلدت زاهرة أيامه (¬3) قلت: وقد ذيلت عليه بمن جاء بعد ذلك، فقلت: وبعد ذاك قد وليه الزرعي ... ثم أعيد البدر لما أن دعي ثم وليه بعده القزويني ... وبعده ابن البدر عز الدين وبعده نجل عقيل قد ولي ... ثم أعيد العز ذا تبجل وبعده ولي أبو البقاء ... وبعده البرهان ذو ارتقاء ¬

(¬1) رفع الإصر: "الرضا". (¬2) بعده في رفع الإصر: قاضي القضاة حاكم الحكام ... واسطة العقود في النظام (¬3) بعده في رفع الإصر: ما لاح بدر كامل الإبدار ... وما انجلى الهلال من سرار والحمد لله على إنعامه ... وفضل ما سدد من أحكامه وأفضل الصلاة والسلام ... على النبي سيد الأنام وآله وصحبه وعترته ... وكل من أخلص في محبته

وبعده البدر هو السبكي ... ثم أتى برهاننا الزكي ثم أعيد البدر ذو التحقق ... ثم وليه الناصر ابن الميلق ثم وليه صدرنا المناوي ... ثم أعيد البدر ذو الفتاوي ثم تولاه العماد الكركي ... ثم أعيد الصدر ذو التمسك ثم أعيد البدر ثم الصدر ... ثم الزبيري وعاد الصدر ثم وليه بعد ذاك الصالحي ... ولم يكن في علمه بالراجح ثم وليه ولد البلقيني ... عالم عصره جلال الدين ثم أعيد الصالحي النائي ... ثم ولي محمد الإخنائي وبعده عاد الجلال للقضا ... ثمت الأخنائي وهو من مضى ثم الجلال بعده الباعوني ... ثم الجلال باذل الماعون ثم ولي الهروي فالجلالي ... ثم العراق وهو ذو الكمال ثم وليه العلم البلقيني ... فحافظ العصر شهاب الدين ثم أعيد الهروي ثم استقر ... من بعد عزله شهاب ابن حجر ثم أعيد شيخنا فابن حجر ... ثم أعيد شيخنا فابن حجر ثم وليه بعده القاياتي ... ثم أعيد حافظ السنات ثم أعيد شيخنا البلقيني ... ثم أتى السفطي ولي الدين ثم أعيد بعد ذاك ابن حجر ... ثم أعيد شيخنا ثم استقر من بعد ذاك الشرف المناوي ... وشيخنا من بعد ذو الفتاوي ثم أعيد بعد ذاك الشرف ... ثم أعيد شيخنا فالشرف ثم الصلاح وهو المكيني ... ثم ولي البدر هو البلقيني

ثم السيوطي ولي الدين ثم ... للشيخ أعني زكريا الحكم عم (¬1) ¬

(¬1) وفي رفع الإصر: "وقد ذيل عليها بعض أصحابنا إلى عصرنا، فسرد الشافعية على منوال ابن دانيال، ثم سرد القضاة الثلاثة مذهبا بعد مذهب إلى عصره، وهذا صورة ما نظم في قضاة الشافعية: أنشدنا العز أحمد بن إبراهيم العسقلاني لنفسه مكاتبة قال: والزرعي والبدر والقزويني ... والعز والبها وعز الدين أبو البقا البرهان ثم البدر ... وعاد برهان لها وبدر وبعده ابن الميلق المناوي ... والبدر والعماد والمناوي وبعده هذا البدر والمناوي ... ثم الزبيري مع المناوي والصالحي مع جلال الدين ... والصالحي ثم شمس الدين ثم جلال الدين والإخنائي ... ثم جلال الدين والإخنائي ثم جلال الدين ثم الشمس ... ثم جلال الدين ثم الشمس ثم الجلالي ولي الدين ... والعلمي مع شهاب الدين والهروي مع شهاب الدين ... والعلمي مع شهاب الدين عين الوجود ثم رأس المحتفي ... ومن به منصبه تشرفا كم قلد الأعناق منا منه ... مواسي القلب الضعيف منه وأوصل الإجداء في الإجداب ... واستعمل الإغضاء في الإغضاب دام علاه في سما السعود ... ما أمطرت بوارق الرعود وسيأتي ما نظمه في قضاة المذاهب، أما المؤلف فلم يعقد فصلا لقضاة الشافعية.

ذكر قضاة الحنفية:

ذكر قضاة الحنفية: أول من ولي منهم زمن الظاهر بيبرس في سنة ثلاث وستين وستمائة صدر الدين سليمان بن أبي العز. وولي بعده معز الدين النعمان بن الحسن، إلى أن مات في شعبان سنة اثنتين وتسعين. وولي شمس الدين محمد السروجي، ثم عزل أيام المنصور لاجين. وولي حسام الدين الحسن بن أحمد الرازي، ثم عزل سنة ثمان وتسعين. وأعيد السروجي، ثم عزل في ربيع الآخر سنة عشر وسبعمائة. وولي شمس الدين محمد بن عثمان الحريري إلى أن مات في جمادى الآخرة سنة ثمان وعشرين. وولي برهان الدين إبراهيم بن عبد الحق، وقال بعض الشعراء في ذلك: طوبى لمصر فقد حل السرور بها ... من بعد ما رميت دهرًا بأحزان كنانة الله قد قام الدليل على ... تفضيلها من نبي حق ببرهان ثم عزل في جمادى الآخرة سنة ثمان وثلاثين. وولي حسام الدين الحسن بن محمد الغوري، ثم عزل في سنة اثنتين وأربعين. وولي زين الدين عمر البسطامي، ثم عزل في جمادى الأولى سنة ثمان وأربعين. وولي علاء الدين التركماني إلى أن مات في المحرم سنة خمسين. وولي ولده جمال الدين عبد الله إلى أن مات في شعبان سنة تسع وستين. ولي سراج الدين عمر بن إسحاق الهندي إلى أن مات في رجب سنة ثلاث وسبعين.

وولي صدر الدين محمد بن جمال الدين التركماني، إلى أن مات في ذي القعدة سنة ست وسبعين. وولي نجم الدين أحمد بن العماد إسماعيل بن الكشك، طلب من دمشق في المحرم سنة سبع وسبعين، ثم عزل. وولي صدر الدين علي بن أبي العز الأذرعي، ثم استعفي فأعفي. وولي شرف الدين أحمد بن منصور الدمشقي، ثم عزل نفسه في سنة ثمان وسبعين. وولي جلال الدين جار الله إلى أن مات في رجب سنة اثنتين وثمانين. وولي صدر الدين محمد بن علي بن منصور إلى أن مات في ربيع الأول سنة ست وثمانين. وولي شمس الدين محمد بن أحمد الطرابلسي، ثم عزل نفس سنة اثنتين وتسعين. وولي مجد الدين إسماعيل بن إبراهيم الكناني، ثم عزل في شعبان سنة اثنتين وتسعين. وولي جمال الدين محمود القيصري إلى أن مات في ربيع الأول سنة تسع وتسعين. وأعيد الطرابلسي إلى أن مات في آخر الستة. وولي الجمال الدين يوسف بن موسى الملطي، طلب من حلب في ربيع الآخر سنة ثمانمائة، فأقام إلى أن مات في ربيع الآخر سنة ثلاث. وولي أمين الدين عبد الوهاب بن قاضي القضاة شمس الدين الطرابلسي، ثم عزل في رجب سنة خمس. وولي كمال الدين عمر بن العديم إلى أن مات في جمادى الآخرة سنة إحدى عشرة.

وولي ابنه ناصر الدين محمد، ثم عزل في رجب من السنة. وأعيد الأمين بن الطرابلسي، ثم عزل في المحرم سنة اثنتي عشرة. وأعيد ناصر الدين بن العديم، ثم عزل في سنة خمس عشرة. وولي صدر الدين علي بن الآدمي إلى أن مات في رمضان سنة ست عشرة. وأعيد ابن العديم إلى أن مات في ربيع الآخر سنة تسع عشرة. وولي شمس الدين الديري، طلب من القدس، ثم عزل في ذي القعدة سنة اثنتين وعشرين. وولي زين عبد الرحمن بن علي التفهني، ثم عزل في ربيع الآخر سنة تسع وعشرين. وولي بدر الدين العيني، ثم عزل في صفر سنة ثلاث وثلاثين. وأعيد التفهني، ثم عزل في جمادى الآخرة سنة خمس وثلاثين. وأعيد العيني، ثم عزل في سنة اثنتين وأربعين. وولي سعد الدين بن الديري، فأقام إلى ان عزل قبل موته بيسير في شوال سنة ست وستين. وولي محب الدين بن الشحنة، ثم عزل في رجب سنة سبع وستين. وولي بدر الدين بن الصواف الحموي إلى أن مات آخر العام، وأعيد ابن الشحنة، ثم عزل في جمادى الآخرة سنة سبعين. ولي البرهان ابن الديري، ثم عزل. وأعيد ابن الشحنة في أول سنة إحدى وسبعين، ثم عزل في سنة ست وسبعين. وولي شمس الدين محمد بن الحسن الأمشاطي، إلى أن مات في رمضان سنة خمس وثمانين.

وولي شرف الدين موسى بن عيد، طلب من دمشق، فأقام دون الشهرين، ومات من واقع وقع عليه من الزلزلة بالمدرسة الصالحية في المحرم سنة ست وثمانين. وولي شمس الدين محمد بن المغربي، ثم عزل في رمضان سنة إحدى وتسعين. وولي القاضي ناصر الدين الإخميمي (¬1) . ¬

(¬1) وفي قضاة الحنفية نظم أحمد بن إبراهيم العسقلاني هذه الأرجوزة، ونقلها ابن حجر في رفع الإصر 1: 17: وابن أبي العز معز الدين ... ثم السروجي حسام الدين ثم السروجي مع الحريري ... ثم ابن عبد الحق ثم العوري والزين والعلا جمال الدين ... كذلك الهندي صدر الدين والنجم والصدر كذا ابن منصور ... والجار والصدر هو ابن منصور والشمس والمجد كذاك العجمي ... والشمس ثم الملطي فاعلم ثم أمين الدين والعديمي ... ونجله الأمين والعديمي والآدمي وابن العديم يا فتى ... عينيهم، والسعد بعده أتى

ذكر قضاة المالكية:

ذكر قضاة المالكية: أول من ولي منهم زمن الظاهر شرف الدين عمر بن السبكي، إلى أن مات سنة سبع وستين وستمائة. وولي بعده نفيس الدين بن شكر إلى أن مات سنة ثمانين وستمائة. وولي تقي الدين بن شاس، إلى أن مات في ذي الحجة سنة خمس وثمانين. وولي زين الدين بن مخلوف النويري إلى أن مات سنة خمس وسبعمائة. وولي نور الدين علي بن عبد النصير السخاوي، إلى أن مات في جمادى الأولى سنة ست وخمسين. وولي تقي الدين محمد بن شاس، إلى أن مات في شوال سنة ستين وسبعمائة. وولي تاج الدين محمد بن القاضي علم الدين محمد بن أبي بكر بن الأخنائي إلى أن مات في أول سنة ثلاث وستين. وولي أخوه برهان الدين بن إبراهيم، إلى أن مات في رجب سنة سبع وسبعين. وولي ابن أخيه بدر الدين عبد الوهاب بن الكمال أحمد، ثم صرف في ذي القعدة سنة ثمان وسبعين. وولي علم الدين سليمان بن خالد البساطي، ثم عزل في صفر سنة تسع وسبعين. وأعيد البدر الأخنائي، ثم صرف في رجب من السنة. وأعيد البساطي في سنة ثلاث وثمانين. وولي جمال الدين عبد الرحمن بن محمد بن خير السكندري، وقال بعضهم في ذلك: قالوا تولى ابن خير ... فقيه ثغر الرباط فقلت: ذا فيض خير ... من بعد خير البساط

ثم عزل في جمادى الآخرة من سنة ست وثمانين. وولي عبد الرحمن بن خلدون، ثم عزل في جمادى الآخرة سنة سبع وثمانين. وأعيد ابن خير إلى أن مات سنة إحدى وتسعين. وولي تاج الدين محمد بن يوسف الكركي، إلى أن مات في شوال سنة ثلاث وتسعين. وولي شهاب الدين النحريري، ثم عزل في ذي الحجة من السنة. وولي ناصر الدين أحمد بن محمد التنسي، إلى أن مات في رمضان سنة إحدى وثمانمائة. وولي ولي الدين بن خلدون، ثم عزل في المحرم سنة ثلاث. وولي نور الدين علي بن الخلال إلى أن مات من عامه. وولي جمال الدين عبد الله الأقفهسي، ثم عزل بعد شهر. وأعيد ابن خلدون، ثم عزل في شعبان سنة أربع. وولي جمال الدين يوسف البساطي، ثم صرف في ذي الحجة من نفس السنة. وأعيد ابن خلدون، ثم صرف في ربيع الأول من سنة ست. وأعيد البساطي، ثم صرف في رجب سنة سبع. وأعيد ابن خلدون، ثم صرف في ذي القعدة من عامه. وأعيد الجمال الأقفهسي. ثم ولي جمال الدين عبد الله القاضي ناصر الدين التنسي في مستهل ربيع الأول سنة ثمان، ثم عزل بعد يومين. وأعيد البساطي، ثم صرف في رمضان من عامه. وأعيد ابن خلدون، ثم لم يلبث أن مات فيه.

وأعيد جمال الدين التنسي، ثم صرف في سادس عشر من شوال. وأعيد البساطي، ثم صرف في شوال سنة اثنتي عشرة. وولي شمس الدين محمد بن علي المدني ثم صرف في ربيع الآخر سنة ست عشرة. وولي شهاب الدين الأموي، ثم أعيد الجمال الأقفهسي إلى أن مات في جمادى الأولى سنة ثلاث وعشرين. وولي العلامة شمس الدين البساطي، فأقام إلى أن مات في رمضان سنة اثنتين وأربعين. وولي بدر الدين بن القاضي ناصر الدين التنسي إلى أن مات في صفر سنة ثلاث وخمسين. وولي ولي الدين السنباطي، إلى أن مات في رجب سنة إحدى وستين. وولي حسام الدين بن جرير إلى أن مات سنة ثلاث وسبعين. وولي أخوه سراج الدين ثم عزل، وولي البرهان اللقاني، ثم عزل في جمادى سنة ست وثمانين. وولي صاحبنا محيي الدين بن تقي (¬1) . ¬

(¬1) ونظم أيضا أحمد بن إبراهيم العسقلاني في قضاة المالكية، ونقله ابن حجر في رفع الإصر 1: 18، 19: والحسني وابن شكر وابن شاس ... ثم ابن شكر قد تلا ابن شاس ثم ابن مخلوف تقي تاج ... ثم السخاوي تلاه التاج وبعد البرهان بدر وعلم ... أعني البساطى وبدر وعلم ثم ابن خلدون مع خير ... بهرام ثم العدني النحريري ثم ابن خلدون مع البساطي ... ثم ابن خلدون مع البساطي ثم ابن خلدون مع البساطي ... والتنسي هكذا البساطي ثم ابن خلدون جمال الدين ... ثم البساطي ثم شمس الدين ثم البساطي المدني الأموي ... ثم الجمال والبساط المحتوي ابن التنسي والبساطي ولوه ... وابن جرير بعده أخوه

ذكر قضاة الحنابلة:

ذكر قضاة الحنابلة: أول من ولي منهم زمن الظاهر شمس الدين محمد بن العماد الجماعيلي، ثم عزل سنة سبعين وستمائة، ولم يل الوظيفة بعد عزله أحد حتى توفي سنة ست وسبعين. وولي عز الدين عمر بن عبد الله بن عوض في جمادى الآخرة سنة ثمان وسبعين، إلى أن مات سنة ست وتسعين. وولي شرف الدين عبد الغني بن يحيى الحراني، إلى أن مات في ربيع الأول سنة تسع وسبعمائة. وولي الحافظ سعد الدين الحارثي، ثم عزل في ربيع الأول سنة اثنتي عشرة. وولي تقي الدين بن قاضي القضاة عز الدين عمر، ثم عزل. وولي موفق الدين عبد الله بن محمد المقدسي في جمادى الآخرة سنة ثمان وثلاثين، إلى أن مات في المحرم سنة تسع وستين. وولي ناصر الدين نصر الله بن أحمد العسقلاني، إلى أن مات في شعبان سنة خمس وتسعين. وولي ابنه برهان الدين إبراهيم، إلى أن مات في ربيع الأول سنة اثنتين وثمانمائة. وولي أخوه موفق الدين أحمد بن نصر الله، ثم صرف. وولي نور الدين علي الحكري (¬1) ، ثم صرف. وأعيد موفق الدين إلى أن مات في رمضان سنة ثلاث وثمانمائة. وولي مجد الدين سالم ثم صرف في سنة ثماني عشرة. وولي علاء الدين علي بن مغني، إلى أن مات في صفر سنة ثمان وعشرين. ¬

(¬1) في الأصول: "الكرى"، وما أثبته من النجوم الزاهرة 7: 134.

وولي محب الدين أحمد بن نصر الله البغدادي، ثم صرف في جمادى الآخرة سنة تسع وعشرين. وولي عز الدين عبد العزيز بن علي البغدادي، ثم صرف في سنة إحدى وثلاثين. وأعيد محب الدين إلى أن مات في جمادى الأولى سنة أربع وأربعين. وولي بدر الدين محمد بن عبد المنعم البغدادي، إلى أن مات في جمادى الأولى سنة سبع وخمسين. وولي شيخنا عز الدين أحمد بن قاضي القضاة برهان الدين بن قاضي القضاة نصر الله إلى أن مات في سنة ست وسبعين. وولي تلميذه البدر السعدي (¬1) . ¬

(¬1) وفي قضاة الحنابلة نظم أيضا أحمد بن إبراهيم العسقلاني، هذا الرجز، ونقله ابن حجر في رفع الإصر 1: 20: وابن العماد قد تلاه ابن عوض ... عبد الغني والحارثي وابن عوض ثم موفق الدين تلاه الناصر ... ثم ابنه، ثم أخوه الآخر وبعده الحكري والموفق ... وسالم ثم ابن فعله يلحق ثم محب ثم عز والمحب ... والبدر والناظم نال ما يحب

ذكر وزراء مصر:

ذكر وزراء مصر: اعلم أن الوزارة وظيفة قديمة كانت للملوك من قبل الإسلام؛ بل من قبل الطوفان، وكانت للأنبياء؛ فما من نبي إلا وله وزير، قال تعالى حكاية عن موسى عليه السلام: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي، هَارُونَ أَخِي، اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي، وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} ، وقال تعالى مخاطبًا له: {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا} . وكان للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وزراء؛ روى البزار والطبراني في الكبير عن ابن عباس، قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن الله أيدني بأربعة وزراء اثنين من أهل السماء: جبريل وميكائيل، واثنين من أهل الأرض: أبي بكر وعمر". وقد وردت الأحاديث في وزراء الملوك، روى أبو داود عن عائشة، قالت: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا أراد الله بالأمير خيرًا جعل له وزير صدق؛ إن نسي ذكره، وإن ذكر أعانه، وإذا أراد الله به غير ذلك جعل له وزير سوء؛ إن نسي لم يذكره، وأن ذكر لم يعنه". ولم تكن الوزارة في صدر الإسلام إلا للخلفاء دون أمراء البلاد، فكان وزير أبي بكر الصديق عمر بن الخطاب، ووزير عمر ووزير عثمان مروان بن الحكم؛ ذكره ابن كثير في تاريخه. ووزير عبد الملك روح بن زنباع، ووزير سليمان بن عبد الملك عمر بن عبد العزيز. قال ابن كثير: وكان رجاء بن حيوة وزير صدق لأمراء بني أمية. ووزير هشام بن عبد الملك فمن بعده عبد الحميد بن يحيى؛ غير أنه لم يكن أحد في عهده يلقب بالوزير، ولا يخاطب بوصف الوزارة.

وأول من لقب الوزير في الإسلام أبو سلمة حفص بن سليمان الخلال، وزير الخليفة السفاح، أول خلفاء بني العباس. وقال ابن فضل الله في المسالك: لم تكن للوزارة رتبة تعرف مدة بني أمية وصدرًا من دولة السفاح، بل كان كل من أعان الخلفاء على أمرهم، يقال له: فلان وزير فلان؛ بمعنى أنه موازر له، لا أنه متولي رتبة خاصة يجري لها قوانين، وتنتظم بها دواوين. وأول من فخم قواعد الملك في هذه الأمة، وعظم عوائد السلطان عبد الملك بن مروان؛ إذ لم يستتب الأمر لأحد بعد عثمان بن عفان كما استتب له، وكان منه إلى معاوية خبط عشواء، وأما معاوية فعمرو بن العاص، وإن كان له وزرًا ورداء، فإنه أجل قدرا وأعظم أمرا من أنه يجري معه مجرى الوزراء، إذ كان لا يزال كالممتن عليه لانحيازه إلى جمعه مع ما يكنه (¬1) له في شرفه ... وسابقته (¬2) في الإسلام. وأول من دعي بالوزير في دولة السفاح أبو سلمة حفص سليمان الخلال؛ وكان يقال له: وزير آل محمد؛ ثم إن أبا مسلم الخراساني بعث إليه من قتله، وفيه قيل هذا البيت: إن الوزير وزير آل محمد ... أودى فمن يشناك كان وزيرًا ووزر للسفاح بعده أبو الجهم بن عطية، وخالد بن برمك، وسليمان بن مخلد، والربيع بن يونس. ووزر للمنصور أبو أيوب المورياني وعبد الجبار بن عبد الرحمن، والربيع بن يونس، وخالد بن برمك، وسليمان بن مخلد، وعبد الحميد (¬3) . ووزر للمهدي معاوية بن عبد الله الطبري، ويعقوب بن داود بن طهمان، والفيض بن صالح. ¬

(¬1) ط: "تكنه". (¬2) كذا في الأصل بعد بياض، وفي ح، ط: "وما أبقاه". (¬3) كذا في الأصول.

ووزر للهادي الربيع بن يونس، والفضل بن الربيع، وإبراهيم بن ذكوان. فلما استخلف الرشيد ولَّى الوزارة يحيى بن خالد البرمكي، وقال له: فوضت إليك (¬1) أمر الرعية، وخلعت ذلك من عنقي، وجعلته في عنقك، فول من شئت، واعزل من شئت؛ وقال إبراهيم الموصلي في ذلك: ألم تر أن الشمس كانت سقيمة ... فلما ولي هارون أشرق نورها تبسمت الدنيا جمالا بملكه ... فهارون واليها ويحيى وزيرها ومن هذا الوقت عظم أمر الوزارة. ولم تكن قبل ذلك بهذه المثابة؛ وهي عن الخلافة في معنى السلطنة عن الخلافة الآن؛ وكانت البرامكة كلهم في معنى الوزراء، للرشيد خالد بن برمك، وأولاده يحيى والفضل وجعفر؛ حتى قال سلم الخاسر: إذا ما البرمكي غدا ابن عشر ... فهمته أمير أو وزير ثم لما قتل الرشيد البرامكة، استوزر الفضل بن الربيع بن يونس، وفي ذلك يقول أبو نواس: ما رعى الدهر آل برمك لما ... أن رمى ملكهم بأمر فظيع إن دهرا لم يرع عهدا ليحيى ... غير راع ذمام آل الربيع ووزر للأمين الفضل أيضا. ووزر للمأمون الفضل بن سهل ذو الرياستين، وأخوه الحسن بن سهل، وأحمد ابن أبي خالد، وعمرو بن مسعدة. ووزر للمعتصم الفضل بن مروان، وأحمد بن عمار، ومحمد بن عبد الملك الزيات. ووزر للواثق محمد بن عبد الملك الزيات. ¬

(¬1) ح: "لك".

ووزر للمتوكل محمد بن عبد الملك أيضا، والفتح بن خاقان، ومحمد بن الفضل الخراساني، وعبيد الله بن يحيى بن خاقان. ووزر للمنتصر أحمد بن الخصيب. ووزر للمستعين ابن الخصيب، وسعيد بن حميد. ووزر للمعتز جعفر الإسكاف وعيسى بن فروخ شاه، وأحمد بن إسرائيل. ووزر للمهتدي. ووزر للمعتمد عبيد الله بن يحيى بن خاقان، والحسن بن مخلد وسليمان بن وهب، وابنه عبيد الله بن إسماعيل بن بلبل. قال محمد بن عبد الملك الهمداني في كتاب عنوان السير: وزر للمعتضد أبو القاسم عبيد الله بن سليمان بن وهب، ثم ابنه أبو الحسين القاسم، وهو أول وزير لقب في الدولة، فإن المعتضد لقبه ولي الدولة، وتوفي في زمن المكتفي، فوزر له أحمد أبو العباس بن الحسن بن أحمد بن أيوب، وهو أول وزير منع أصحاب الدواوين من الوصول إلى الخليفة. ووزر للمقتدر أبو الحسن علي بن محمد بن الفرات ثلاث مرات، وأبو علي محمد بن الوزير أبي الحسن عبيد الله بن خاقان، وأبو الحسن علي بن عيسى بن داود بن الجراح مرتين. قال الصولي: ولا أعلم أنه وزر لبني العباس وزير يشبهه في زهده وعفته وتعبده، كان يصوم نهاره، ويقوم ليله، وكان يسمى الوزير الصالح (¬1) . وقال الذهبي في العبر (¬2) : كان في الوزراء كعمر بن عبد العزيز في الخلفاء. وأبو محمد حامد بن العباس، وكان له أربعمائة مملوك يحملون السلاح، ولكل منهم عدة مماليك، ¬

(¬1) نقله ابن الطقطقي في الفخري 236، والعبارة هناك: "وما أعلم أنه وزر لبني العباس وزير يشبه علي بن عيسى في زهده وعفته، وحفظه للقرآن وعلمه بمعانيه وكتابته وحسابه وصدقاته ومبرراته". (¬2) العبر 2: 238.

وكان يخدمه على بابه ألف وسبعمائة راجل وعشرون حاجبا، يجري مجرى الأمراء (¬1) . وأبو العباس أحمد بن عبيد الله ابن الوزير أبي العباس بن الخصيب، وأبو علي محمد بن أبي العباس بن مقلة صاحب الخط المنسوب، ولما خلع عليه بالوزارة قال نفطويه النحوي: إذا أبصرت في خلع وزيرًا ... فقل أبشر بقاصمة الظهور بأيام طوال في بلاد ... وأيام قصار في سرور وأبو علي الحسين بن الوزير أبي الحسين القاسم بن الوزير عبيد الله، ولقب عميد الدولة، وأبو القاسم سليمان بن الوزير، وأبو محمد الحسن بن مخلد بن الجراح، وأبو الفتح الفضل بن جعفر بن محمد بن الفرات المعروف بابن حنزابه، هؤلاء وزراء المقتدر. ووزر للقاهر أبو علي بن مقلة، وأبو العباس بن الخصيب، وأبو جعفر محمد بن الوزير القاسم بن الوزير عبيد الله. ووزر للراضي أبو علي بن مقلة، وابنه علي أبو الحسين شريكًا مع أبيه؛ فكانت الكتب يكتب عليها: "من أبي علي وعلي بن أبي علي". ولم يل الوزارة أصغر سنًا من علي هذا، فإنه ولي وسنه ثماني عشرة سنة. وأبو الفتح الفضل بن الفرات، وأبو علي ¬

(¬1) قال في الفخري: "وكما عرف المقدر قلة فهم حامد، وقلة خبرته بأمور الوزارة أخرج إليه علي بن عيسى بن الجراح من السجن، وضمه إليه، وجعله كالنائب له، فكان علي بن عيسى لخبرته هو الأصل؛ فكل ما يعقده ينعقد، وكل ما يحله ينحل، وكان اسم الوزارة لحامد، وحقيقتها لعلي بن عيسى؛ حتى قال بعض الشعراء: قل لابن عيسى قولة ... يرضى بها ابن مجاهد أنت الوزير وإنما ... سخروا بلحية حامد جعلوه عندك سترة ... لصلاح أمر فاسد مهما شككت فقل له ... كم واحدا في واحد

عبد الرحمن بن عيسى بن داود بن الجراح، وأبو القاسم سليمان بن الجراح، وأبو جعفر محمد بن القاسم الكرخي وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن يعقوب البريدي. وفي أيام الراضي تغلب محمد بن رائق، وولي إمارة الأمراء، وصارت الكتب تؤرخ عن ابن رائق، وتقدم على الوزير، فسقط حكم الوزارة من ذلك الوقت. ووزر للمقتفي علي بن مقلة، وأبو القاسم سليمان بن الجراح، وأبو جعفر الكرخي وأبو عبد الله البريدي، وأبو الحسين أحمد بن محمد بن ميمون الأفطس (¬1) ، وأبو إسحاق محمد بن أحمد القراريطي الإسكافي، وأبو العباس أحمد بن عبد الله الأصفهاني. ووزر للمستكفي أبو الفرج محمد بن علي السريري. قال الهمداني: وصادره توزون على ثلاثين ألف دينار. وانتقلت الوزارة من كتاب الخلفاء إلى كتاب الديلم، فلم يخاطب بوزير غيرهم، وكتب أبو أحمد الفضل بن عبد الرحمن الشيرازي للمستكفي، وكتب أبو نصر إبراهيم بن الوزير أبي الحسن علي بن علي بن عيسى للمطيع، وكتب أبو الحسن علي بن جعفر الأصبهاني للطائع، وبعده أبو القاسم عيسى بن الوزير أبي الحسن علي بن عيسى، وبعده أبو الحسن علي بن عبد العزيز بن حاجب النعمان، وخوطب برئيس الرؤساء. وكتب أيضا للقادر، وبعده ابنه أبو الفضل، وبعده أبو طالب محمد بن أيوب ولقب عميد الرؤساء. وكتب أيضا للقائم وبعده رئيس الرؤساء أبو القاسم علي بن أبي الفرج الحسن بن مسلمة، وخوطب وزير أمير المؤمنين؛ وهو الذي استدعى الغزالي إلى بغداد، وأزال دولة بني بويه. ووزر بعده للقائم أبو الفتح منصور بن أحمد بن داوست الشيرازي، وهو أول من خوطب بالوزير لدار الخلافة في الدولة السلجوقية، ووزر بعده فخر الدولة أبو نصر محمد بن محمد بن جهير الموصلي. ووزر أيضا للمقتدي، وبعده ولده عميد الدولة شرف الدين أبو منصور محمد، ¬

(¬1) ح، ط: "الأخطس"، وما أثبته من الأصل.

وعزل بالوزير أبي شجاع ظهير الدين محمد بن الحسين، ثم عزل وأعيد عميد الدولة. وقال أبو شجاع حين عزل: تولَّاها وليس له عدو ... وفارقها وليس له صديق ووزر للمستظهر عميد الدولة، وسديد الملك أبو المعالي الفضل بن عبد الرزاق الأصبهاني، وأخو عميد الدولة زعيم الرؤساء أبو القاسم علي بن محمد بن جهير، وأبو المعالي هبة الله بن محمد بن علي بن المطلب، ونظام الدين أبو منصور الحسين بن أبي شجاع. ووزر للمسترشد ابنه عضد الدولة أبو شجاع، وسنه تسع عشرة سنة وستة أشهر، ولم يل الوزارة أصغر منه، وأبو نصر أحمد بن نظام الملك، وعميد الدولة جلال الدين أبو علي الحسن بن صدقة، وشرف الدين صدر الإسلام أبو شروان بن خالد القاساني؛ وهو الذي كلف الحريري تصنيف المقامات، وشرف الدين يمين الدالة أبو القاسم علي بن طراد الزينبي العباسي؛ قال الهمداني: ولم يل الوزارة عباسي سواه، ولقب معز الإسلام عضد الدولة الإمام صدر الشرق والغرب وكذا قال ابن كثير: لا يعرف أحد من العباسيين باشر الوزارة غيره. وأما الراشد فلم يرتب له وزير مراقبة للعسكري، وكان المتولي لأمره (¬1) ناصح الدولة بهاء الدين أبو عبد الله الحسين بن جهير أستاذ الدار إذ ذاك، وجلس للمظالم في بيت التوبة جلوس الوزراء، ووزر له بالمعسكر جلال الدين بن نوشروان، وما تمت وزارته، ووزر له جلال الدين أبو الراضي بن صدقة. ووزر للمقتفي شرف الدين الزينبي، ونظام الدين أبو نصر المظفر بن الزعيم علي بن جهير، وعون الدين أبو المظفر يحيى بن هبيرة، وهو مصنف كتاب الإفصاح، وكان من خيار الوزراء وعلمائهم، وكان يبالغ في إقامة الدولة العباسية وحسم مادة الملوك ¬

(¬1) ح: "أمره".

السلجوقية عنهم بكل ممكن، حتى استقرت الخلافة بالعراق كله، ليس للملوك معهم حكم بالكلية، ولله الحمد. ووزر للمستنجد بن هبيرة المذكور إلى أن مات سنة ستين وخمسمائة، فوزر بعده شرف الدين أبو جعفر بن البلدي، ولقب جلال الدين معز الدولة. ووزر للمستضيء عضد الدولة رئيس الرؤساء محمد بن عبد الله بن المظفر، وقيماز المستنجدي، وعضد الدولة بن رئيس الرؤساء بن المسلمة. ووزر للناصر أبو المظفر جلال الدين عبد الله بن يونس الحنبلي، ومؤيد الدين أبو الفضل محمد بن علي بن القصاب، وعز الدين أبو المعالي سعيد بن علي بن حديدة الأنصاري، ونصير الدين ناصر بن مهدي العلوي، ومؤيد الدين محمد بن عبد الكريم القمي. ووزر للظاهر القمي هذا. ووزر للمستنصر القمي أيضًا، وشمس الدين أبو الأزهر أحمد بن محمد بن الناقد، ونصير العلقمي. ووزر للمستعصم نصير الدين محمد بن الناقد إلى أن مات سنة اثنتين وأربعين وستمائة. فلما مات استوزر مؤيد الدين أبا طالب محمد بن أحمد بن العلقمي، وهو الوزير المشئوم على الخليفة، وعلى بقية بني العباس، وعلى سائر المسلمين وعلى نفسه أيضًا؛ فإنه الذي مالأ التتار، حتى قدموا وأخذوا بغداد، وقتلوا الخليفة، وجرى ما جرى، وقال فيه بعضهم: يا فرقة الإسلام نوحوا واندبوا ... أسفًا على ما حل بالمستعصم دست الوزارة كان قبل زمانه ... لابن الفرات فصار لابن العلقمي

وقال ابن فضل الله في ترجمته: وزير وليته ما وزر، وارتفع رأسه وليته رض بالحجر، كمن كمون الأرقم، وسقى الناس من كأسه العلقم. وأما مصر فكانت إمرة بلا وزارة إلى أيام السلطان أحمد بن طولون، فعظم أمرها، ووزر لخمارويه أبو بكر محمد بن رستم الماذرائي الكاتب. ووزر لكافور الإخشيدي أبو الفضل جعفر بن الفرات المعروف بابن خنزابه. ووزر للمعز جوهر القائد. وللعزيز أبو الفرج يعقوب بن يوسف بن كلس، وكان يهوديًّا فأسلم، وفوض إليه الأمور في سائر مملكته، قال ابن زولاق: هو أول من وزر للدولة العبيدية بالديار المصرية، وكان من جملة كتاب كافور، فلما مات حزن عليه العزيز حزنا شديدًا، وأغلق الديوان من أجله، وكانت وفاته سنة ثمانين وثلثمائة. ووزر بعده نصراني يقال له: عيسى بن نسطورس، ثم قبض عليه. ووزر للظاهر أبو القاسم علي بن أحمد الجرجرائي في سنة ثماني عشرة وأربعمائة إلى أن مات في زمن المستنصر سنة ست وثلاثين، فوزر بعده أبو نصر صدقة بن يوسف الفلَّاحي، وكان يهوديًّا فأسلم، وفيه يقول الحسن بن خاقان الشاعر المصري: حجاب وإعجاب وفرط تصلف ... ومد يد نحو العلا بتكلف فلو كان هذا من وراء كفاية ... عذرنا ولكن من وراء تخلف وكان معه أبو سعد التستري اليهودي يدبر الدولة له، فقال بعض الشعراء: يهود هذا الزمان قد بلغوا ... غاية آمالهم وقد ملكوا العز فيهم والمال عندهم ... ومنهم المستشار والملك يا أهل مصر إني نصحت لكم ... تهودوا قد تهود الفلك

ثم عزل الفلاحي سنة تسع وثلاثين؛ ووزر بعده أبو البركات الحسين بن محمد بن أحمد الجرجرائي ابن أخي الوزير صفي الدين، ثم صرف في شوال سنة إحدى وأربعين. ووزر القاضي أبو محمد الحسن بن علي البازوري مضافا لقضاء القضاة، ولقب الناصر للدين، غياث المسلمين الوزير لأجل المكين سيد الرؤساء تاج الأصفياء قاضي القضاة، وداعي الدعاة، وفي أيامه سأله المستنصر أن يكتب اسمه معه على السكة، فكان ينقش عليها: ضربت في دولة آل الهدى ... من آل طه وآل ياسين مستنصر بالله جل اسمه ... وعبده الناصر للدين "سنة كذا"، وطبعت عليها الدنانير نحو شهر، فأمر المستنصر ألا تسطر في البر. ثم عزل البازوري، عن الوزارة والقضاء في المحرم سنة خمسين. ووزر أبو الفرج عبد الله بن محمد البابلي، ثم صرف في ربيع الأول من السنة. ووزر أبو الفرج محمد بن جعفر المغربي، ثم صرف في رمضان سنة اثنتين وخمسين. وأعيد البابلي، ثم صرف في المحرم سنة ثلاث وخمسين. ووزر أبو الفضل عبد الله بن يحيى بن المدبر ثم صرف في رمضان. ووزر أبو محمد عبد الكريم بن عبد الحاكم أخو قاضي القضاة إلى أن مات في المحرم سنة أربع وخمسين. ووزر أخوه أبو علي أحمد مصروفا عن القضاء، ثم صرف في شوال، وأعيد أبو الفرج البابلي، ثم صرف في المحرم سنة خمس وخمسين. وأعيد أبو علي أحمد بن عبد الحاكم، مضافا للقضاء، ثم صرف في صفر، وأعيد أبو الفضل بن المدبر، فمات في جمادى الأولى من السنة. ووزر أبو غالب عبد الظاهر بن الفضل بن الموفق المعروف بابن العجمي، ثم صرف في شعبان.

ووزر الحسن بن مجلي بن أسد بن أبي كدينة مضافا للقضاء، ثم صرف في ذي الحجة. ووزر أحمد بن عبد الحاكم مضافًا للقاء، ثم صرف في المحرم سنة ست وخمسين. ووزر أبو المكارم المشرف بن أسعد بن عقيل، ثم صرف في ربيع الآخر. وأعيد أبو غالب عبد الظاهر، ثم صرف في رجب. ووزر أبو البركات الحسين بن عماد الدولة بجرجراي، ثم صرف في رمضان وأعيد الحسن بن مجلي، ثم صرف في ذي الحجة. ووزر أبو علي الحسن بن أبي سعد إبراهيم بن سهل التستري، ثم صرف. ووز محمد بن جعفر المغربي ثم صرف. ووزر جلال الملك ثم صرف. ووزر خطير الملك بن الوزير البازوري، ثم صرف وأعيد ابن أبي كدينة، ثم صرف في سنة ست وستين. وولي الوزارة التستري، ثم صرف في نصف المحرم سنة سبع وخمسين. ووزر أبو شجاع محمد بن الأشرف أبو غالب محمد بن علي بن خلف، ثم صرف ثاني يومه عنها، وأعيد ابن أبي كدينة، ثم صرف بعد أربعة أيام. وأعيد أبو شجاع بن الأشرف، ثم صرف في نصف ربيع الأول. ووزر سديد الدولة أبو القاسم هبة الله بن محمد الرحبي، ثم صرف في ربيع الآخر. وأعيد ابن أبي كدينة، ثم صرف في رجب. وأعيد أبو المكارم المشرف بن أسعد، ثم صرف في شوال. ووزر الأمير أبو الحسن علي بن الأنباري، ثم صرف في ذي الحجة. وأعيد سديد الدولة هبة الله، ثم صرف في ربيع الآخر سنة ثمان وخمسين.

ووزر جلال الملك أحمد بن عبد الكريم مضافًا للقضاء، ثم صرف بعد أيام. وزر أبو الحسن بن طاهر بن وزير، ثم صرف بعد أيام. ووزر أبو عبد الله محمد بن أبي حامد التنسي يومًا واحدا، ثم صرف. ووزر أبو سعد منصور بن زنبور ثم هرب بعد أيام. ووزر أبو العلاء عبد الغني بن نصر بن سعيد، ثم صرف بعد أيام. وأعيد ابن أبي كدينة. وولي الوزارة أمير الجيوش بدر بن عبد الله الجمالي، وإليه تنسب قيسارية أمير الجيوش، والعامة يقولون: "مرجوش"، وهو باني الجامع الذي بثغر الإسكندرية بسوق العطارين، فأقام إلى أن مات سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، فقام في الوزارة ولده الأفضل أبو القاسم شاهنشاه، فوزر للمستنصر بقية أيامه وللمستعلي وصدرًا من ولاية الآمر، ثم إنه قتل، ضربه فداوى وهو راكب، وذلك في رمضان سنة خمس عشرة وخمسمائة. قال ابن خلكان: وترك من الأموال ما يفوق العد من ذلك من الذهب العين ستمائة ألف ألف دينار، ومن الفضة مائتين وخمسين أردبا، وسبعين ألف ثوب ديباج أطلس، ودواة ذهب فيها جوهر باثني عشر ألف دينار، وخمسمائة صندوق للبس بدنه، وصندوقان كبيران فيهما إبر ذهب برسم النساء، ومن سائر الأنواع ما لا يعلم قدره إلا الله. وقام في الوزارة مكانه أبو عبد الله محمد بن مختار بن بابك البطائحي، ولقب المأمون، وهو باني الجامع الأقمر، وله صنف الإمام أبو بكر الطرطوشي كتاب سراج الملوك، ثم قبض عليه الآمر، وقتله في سنة تسع عشرة. وقام في الوزارة أبو علي بن الأفضل، ولقب أمير الجيوش، فلما ولي الحافظ استحوذ الوزير على الأمور دونه، وحصر الحافظ في موضع لا يدخل عليه إلا من يريده، ونقل الأموال من القصر إلى داره، ولم يبق للحافظ سوى الاسم فقط، ودعا لنفسه على المنابر

بناصر أيام الحق، هادي العصاة إلى أتباع الحق، مولى الأمم، ومالك فضيلتي السيف والقلم. وخطب للمهدي المنتظر آخر الزمان، فلم يزل كذلك إلى أن قتل في العشرين من المحرم سنة خمس وعشرين، قتله مملوك إفرنجي للحافظ بأمره. واستوزر بعده مملوكه أبا الفتح بالبس الحافظي، ولقب أمير الجيوش أيضا، ثم تخيل منه الحافظ، فدس عليه من سمه في ماء الاستنجاء، فمات. واستوزر بعده ابنه الحسن -أعني ابن الحافظ الخليفة- وكان ولي عهد أبيه، فأقام ثلاثة أعوام، يظلم ظلما فاحشا؛ حتى إنه قتل في ليلة أربعين أميرا، فخافه أبوه، فدس عليه من سمه، فهلك في سنة تسع وعشرين. ثم استوزر بهرام الأرمني النصراني، ولقب تاج الدولة، فتمكن في البلاد، وأساء السيرة، فقبض عليه الحافظ، وسجنه. واستوزر بعده رضوان بن الوحشي، ولقبه الملك الأفضل، ولم يلقب وزير بذلك، قبله، ثم وقع بينه وبين الحافظ، فقتله سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة، واستقل بتدبير أموره وحده من غير وزير. فلما ولي الظافر سنة أربع وأربعين وخمسمائة، استوزر أبا الفتح بن فضالة بن المغربي، ولقب أمير الجيوش، فأحسن السيرة، ثم قتل سنة خمس وأربعين. ووزر ابن سلار، ولقب الملك العادل، ثم قتل من عامه. ووزر ابن نصر عباس الصنهاجي، فدس عليه الظافر من قتله فقتل هو أيضا. فلما أقيم الفائز وزر له طلائع بن زريك، وتلقب بالملك الصالح، وهو صاحب الجامع بجوار باب زويلة، وخلع عليه الأفضل أمير الجيوش بدر الجمالي من الطيلسان المقور، وكتب له تقليد من إنشاء الموفق أبي الحجاج يوسف بن علي بن الخلال، وهذه صورته: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد فالحمد لله المنعم على المخلصين من أوليائه بسوابغ

آلائه، والمتكفل لمن نصره بنصره وتثبيت قدمه وإعلائه، الممهد لمن قام بحقه أرفع مراتب الدنيا والآخرة، والموضح لمن حامى عن الدولة الفاطمية آيات التأييد الباهرة، والجامع القلوب على طاعة من أطاعه في الدفاع عن أهل بيت نبيه، والمحسن إلى من أحسن إلى مهجته غيرة لأئمة الهدى المصطفين من عترة وصيه، والمذلل الصعاب لمن رفع راية الإيمان ونشرها، والميسر الطلاب لمن أحيا كلمة التوحيد وأنشرها، ممن احب الله ورسوله ممن اصطفاه من أبرار عباده، والماحي إساءة من أعلن ببيان الحق وجهر بعباده، والمعرض من أسعده بالسبق إلى مرضاته، لنيل غايات المن الجسيم والمرتب من جاء في ذاته، في أرفع مراتب الإجلال والتفخيم، والموجب لمن أخلص منه وأحسن عملا تعجيل مقام الفخر الكريم، وتأجيل الخلود في النعيم، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم. والحمد لله الذي أوضح أنوار الحقائق بأنبيائه الهداة، وأبان برسله الأمناء لعباده مناهج النجاة، وجعل العمل بمراشدهم ذريعة الموقنين إلى علي المنازل ورفيع الدرجات، وختمهم بأفضلهم نفسًا ومحتدا، وأحقهم بأن يكون لكفاتهم سيدا، محمد هادي الأنام، والداعي إلى الإسلام، والمخصوص بانشقاق القمر وتظليل الغمام، وأورث أخاه وابن عمه باهر شرفه وبارع علمه، وأفرده بإمامة البشر وخص، وأقرها فيه في عقبه إلى يوم القيامة بجلي النص، فأصبحت الإمامة للملة الحنيفية قواما، ولأسباب الشريعة بأسرها نظاما، ونقل الله نورها في أئمة الهدى من نسله فتناولها الآخر من الأول، وتلقاها الأكمل عن الأكمل، فكلما رام معاند بحيف نورها، أو قصد منافق إخفاء ظهورها، زاد أنوارها إشراقا، ووجد لبدورها كمالا واتساقا، ومكن قواعد دولتها وإن زحزحها الغادرون، وإن جهد في حلها الماكرون، يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم، والله متم نوره ولو كره الكافرون.

والحمد لله الذي حفظ بأمير المؤمنين نظام الخلافة واتساقها، وحمى لميامنه دوحة الإمامة وأبقى نضرتها وإبراقها، وأورث خصائص الأئمة الراشدين في آبائه، وأودعه سرائر دينه المصونة في صدور أنبيائه، وأيده بموارد الإرشاد والإلهام، وجعل طاعته فرضًا مؤكدا على كافة الأنام، وخصه بالتوفيق والعصمة، وأفاض للأمة به سجال الرحمة، وأبرم بأمانته أمر الملة، وأحكم معاقد الدين، وجعله من هداته، قال جل وعلا فيهم: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ} . يحمده أمير المؤمنين على ما نقله إليه من خصائص آبائه الأئمة الأطهار، وأيده به في أنصار دعوته من العلو والاستظهار، واتخذه به من جنود السماء والأرض، وأظهر له من معجزاته وآياته، وأظهر بمزيته من مظاهر الظفر لألويته وراياته. ونسأله أن يصلي على جده محمد نبيه الأمين، ورسوله المبعوث في الأميين، الهادي إلى جنات النعيم، والمحيطة متابعته بالفوز العظيم، الذي جلى الله ظلمات الجهالة بمبعثه، وشرف الأئمة من ذريته بمقامه ومورثه، ورد النافر إلى الطاعة بالبر والإيناس، وجعله خير رسول إلى خير أمة أخرجت للناس. وعلى أخيه وابن عمه أبينا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قسيمه في المناسب والفضائل، وثالثه في تشفيع الذرائع والوسائل، ومفرج الكرب عنه بموازرته وصدق كفاحه، وباب مدينة علمه الذي لا يوصل إليه إلا باستفتاحه، وعلى الأئمة من ذريتهما الذين بلغ الله بهم الأرب والسؤال، وأغنى الأئمة بهداهم عن التقفية بعده برسول، والعترة المصطفين، وأحد الثقلين، وبحار العلم الزاخرة، والمرجوين لصلاح الدنيا والآخرة، وسلم ومجد، ووالى وردد. وإن أمير المؤمنين لما مهده الله من ذوي الشرف الباذخ، وحازه لمنصبه من الفخر

الأصيل والمجد الشامخ، وأفرد به من خلافته على العالمين، وأورثه إياه من غوامض الحكم التي لا يعقلها إلا أعيان العالمين، وحباه به من ضروب الوجاهة والكرامة، وأفاضه عليه من أنوار الإمامة، وواصله (¬1) إليه من العناية الشاملة والبر الخفي، وجمعه له من الإحسان الجلي واللطف الخفي، وأقره من مواهب الفضل والإفضال لديه، وجعل في كل حركة وسكون دليلًا واضحا يشير إليه، يقدر نعم الله حق قدرها، ويواصل العكوف على الاعتداد بها ونشرها، ويبالغ في شكرها قولًا وعملا ونية، ويجهد نفسه في حمدها اجتهادًا يرجو به درك الأمنية، ويتحقق أن أسماها محلًّا وقدرا، وأولاها على كافة البرية ثناء وشكرا، وأعلاها قيمة، وأعمها نفعا وأعذبها ديمة، وأجمعها لضروب الجدل والاستبشار، وأجدرها بأن تؤثر في الأمم أحسن الآثار، وأوسعها في مضمار الاعتداد مجالًا، وأعظمها على الرئيس والمرؤوس نفعا وجمالا. النعمة بك أيها السيد الأجل والتغوث والدعاء إذ كنت نجدة الله المذخورة لأمنائه على خلقه، والقائم دون البرية بما افترضه عليهم من مظاهرة أمير المؤمنين والأخذ له بحقه، واللطف الذي كان في الإمامة ومن إعدامها حاجزًا، والنصر الذي أصبح به أمير المؤمنين بعون الله فائزا، وحزب الله القاهر الغالب، وشهاب أمير المؤمنين الصائب الثاقب، وظله الذي يفيء على العام والخاص، ومنهل فضله الذي يصفو ويعذب لذوي الولاء والإخلاص، وسيفه الذي يستأصل ذوي الشقاق والنفاق، ويده التي ينبعث منها ينابيع العطاء وسحائب الأرزاق، والولى الذي ارتضاه أمير المؤمنين للمصالح كفيلا، والصفي الذي لا تبغي دولته عن موازرته تبديلا ولا تحويلا. فعلو قدرك عند أمير المؤمنين لا ينتهي إلى أمد محدود، وقيامك في الأخذ بحقه يتجاوز كل سعي مبرور ومقام محمود، ودعائمه بنصرك الله في طاعته يصفو عنده كل ¬

(¬1) ح: "وأوصل إليه".

عظيم في مجافاتك، وشفاؤك صدر أمير المؤمنين من أعدائه، أعجز القدرة عما يشفي غليله في إحسان مجازاتك. ولقد حزت من المآثر ما فقت به أهل عصرك قدمًا وسبقًا، وسموت بجمالك إلى ذرى مجد لا تجد الهمم العلية إلى تمنيها مرقا، وما زلت في كل أزمنتك سلطانا مهيبا، وفردا في المجالس لا تدرك له الأقمار ضريبا، ومطاعًا تبارك بأنبائه الأندية والمحافل، وهماما تخضع باسمه المهائب وتذعن الجحافل، وسيدا تلقى إليه مقاليد التقدمة والسيادة، ومعظما ليس على ما خصه الله به من التعظيم موضع الزيادة. وكشف الله أمرك في الولاء فدعاك الأئمة ظهيرًا، وزاد في إنعامه على الأمة فارتضاك لهداة أهل بيته معينا ونصيرا، ووفر نصيبك من الفضائل والمناقب فوهبك منها ما أفاضه عليك شرفا، وأحظى الملوك بتمكنك منهم وكونك لهم فخرًا وشرفا، فلا رتبة علاء إلا وقد فرعتها منزلًا، ولا منزلة سناء إلا وقد سموت إليها منتقلا، ولا مزية فضل إلا احتويت عليها وحزتها، ولا منزلة فخر إلا طلتها بفضائلك وجزتها، ولا مأثرة إلا وكنت فاتح بابها، ولا منزلة خطيرة إلا وأنت مستوجبها وأولى بها، ولا سماة مجد إلا وخصائلك طالعة في آفاقها أقمارا، ولا موقف فضل إلا ولك فيه تقدم لا تنازع فيه ولا تمارى، فما يوجد مقدم إلا وقد فضلته بآثارك وتقدمته، ولا مميز إلا أسمته في جناب فضلك ورسمته. تقلدت جلائل الأمور فلبستها نباهة وتقويما، وباشرتها فأحرزت بمناقبك جلالة ووجاهة وتفخيما، تجرجر بك الرتب أذيال الفخر والإجلال، وتزهى بأفعالك التي يبعث عليها ما أوتيته من شرف الجلال. ولم تزل تدابير أولياء الدولة ورجالها بفضائل سياستك فتثبت لهم الأقدام، وتكسبهم عزة النفوس فيستهينوا في حق الانتصار بك بملاقاة الحمام.

ورمى الله بك طغاة الكفار بتأييد الإسلام، واختارك للمجاهدة عن الملة فأصبحت بك مرفوعة الأعلام، وأبدت الأعداء الجوامع الباكيات من المحايد والمخاوف وأعمال الحسام؛ فلو تراخى بك الأمل في جهادهم لكنت لجملهم مستأصلا، ولغدوت لهم عن الأعمال السامية بعرفانك فاضلا، فأثرك فيهم الأثر الذي لم يبلغه مجاهد، وما فللت في هامهم من حد العضب الصارم بباسل ناطق وبجدل شاهد. فما يبلغ التعداد ما جمعته من المناقب والفضائل، ولا يستولي الإحصاء على مالك من المفاخر التي لا يحيط بها أحد من الملوك الأوائل، فتجمع زهد الإبدال إلى همم الأكاسرة، وتوفق في أعمالك بين ما يقضي بصلاح الدنيا وحسن ثواب الآخرة، فأنت البر التقي النقي الحسيب، الظاهر المبرأ من كل دنس وعيب، والمرضي خالقه بالأفعال التي لا ينجو بها لبس ولا ريب، وواحد الدنيا لا يسامى ولا يطاول، والملك الأوحد الذي برعت أدوات كماله فما يشابه ولا يماثل. جعلتك الفضائل غريبًا في الأنام، وخصك الحظ السعيد بفطرة تهرب فتهرب أن تأتي بمثلها الأيام، وحويت من الأخلاق الملوكية ما قصر بعظماء الملوك عن مجاراتك، واقتنيت من الحكم والمعارف ما جعل كافة العلماء مفترقين بعظم فضيلة ذاتك، وقرنت بين من عزه إذفرار البيت ولطافة حكم القلم، وكاثرت فيك المعجزات لجمعك ما افترق من مفاخر الأمم. فما أشرف ما أفردك الله به من كمال الشجاعة والبراعة، وتوحدك بمجده من معجزات تصنيف الصارم واليراعة، فسيفك مؤيد في قط العضو والهام، وقلمك ماض في البلاغتين مضاء لا يدرك إلا بالإلهام، فكم مقام جلال وجلاد فرجته بعضب وبنان، وموقف خطاب وضراب كشفت غمته بسن قلم وسنان. فسبحان من أفردك باستكمال المآثر، وجمع لك من المحاسن ما أعجز وصفه جهد

الناظم والناثر، وآتاك غاية شرف النفس وكرم الأصل، ومكنك من كل منقلة بإحراز السبق وإدراك الحصل، وأطلعك من أفق علاء تكاثرت سعوده، وأستخلصك من منصب سناء سما فأعجز النجم صعوده، وانتخبك من بيت عز غدت دعائمه لذات السمهرية وظلاله صفحات القبض المشرفية، وحشاياه صهوات الجرد الأعوجية. ولقد كان وقع التحامل على الحضرة ببعدك عن فنائها، وحسدت على قربك منها لما يعلم من متابعتك لها، وإغراقك في ولائها، وحاد بك عن موضعك من الاختصاص بها من قصد اهتضامها، وأفسد لسوء عقيدته نظامها، وصلمها على أنك لم تخل بنصرتها على بعد الدار، بل نصرت الحق حيث كان، ودرت معه حيث دار. وقد كان أمير المؤمنين حين أبهمت الأمور، وحرجت الصدور، وحارت الألباب، واستشرف للارتياب، يرجو من الله أن يفجأه منك بالفرج القريب، ويصمي أعداءه من عزمك بالسهم المصيب، واستجاب الله دعاءه فيك بما ماثل دعاء جده رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وضاهى، وحصل في ذلك على معنى قوله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} . ولما أذهب الله بك أيها السيد الأجل الملك الصالح عن دولة أمير المؤمنين غايات العي، وأدرك بها ثار أولياء الله من ذوي المباينة والبغي، وأحسن له الصنيع بموازرتك، وبلغه مظافرتك ومكانفتك لما أحاط الخبرة بأرجائه، وفقه من التعويل عليك لما كان غاية رجائه، فقلدك من وزارته، وفوض إليك تدبير مملكته وكفالته، وجعلك إمارة جيوشه الميامين، وكفالة قضاة المسلمين، وهداية دعاة المؤمنين، وتدبير ما هو مردود إليهم من الصلاة والخطابة وإرشاد الأولياء المستجيبين، والنظر في كل ما أغدقه الله من أمور أوليائه أجمعين، وجنوده وعساكره المؤيدين، وكافة رعاياه بالحضرة وجميع أعمال المملكة دانيها وقاصيها، وسائر أحوال الدولة باديها وخافيها، وكل ما تنفذ فيه أوامره،

تبوح بشعاره منابره، ورد إليك تدبير ما وراء سرير خلافته، وسياسة ما تحتوي عليه أقطار مملكته، وألقى إليك مقاليد البسط والقبض، والرفع والخفض، والإبرام والنقض، والقطع والوصل، والولاية والعزل، والتصرف والصرف، والإمضاء والوقف، والغض والتنبيه، والإخمال والتنويه، وجميع ما يقتضيه صواب التدبير من الإنعام والإرغام، وما توجبه أحكام السياسة من الإباء والإتمام، تيمنًا بما يحقق مبالغتك من متابعته، واجتهادك في إعلامنا ودعوته، وعلمًا بأن التوفيق لا يعدو وراك، والمسعود لا يفارق أنحاك. فتقلد ما قلدك أمير المؤمنين من هذه الرتب العالية، والمنزلة التي قرب عليك تناولها أعمالك الزاكية، والمنصب الذي تحكم (¬1) فيه بأمر أمير المؤمنين وتنطق بلسانه (¬2) ، وتبطش (¬3) بيده وتحب وتبغض بقلبه وجنانه، جاريًا على رسمك في تقوى الله وخشيته، واتباع مرضاته واستشعار رجعته، ومنتجزًا ما عد به في كتابه، إليه ينتهي الحكم (¬4) وينتسب (¬5) ، إذ يقول تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} (¬6) . والعساكر المنصورة فهم أشياع الدين، وأعضاد دولة أمير المؤمنين، وأبناء دعوة آبائه الراشدين، والقائمون بمدافعة الأعداء عن حوزة الدولة العلوية، والمدخرون لكفاح المباين للملكة الفاطمية، والمنادون بشعارها في كل وقت وحين، والمعدّون للذب عن بيضة المسلمين، وأنصار الخلافة، وطاردو الوجل والمخافة، المصطلون نيران الحرب والكفاح، ذوو القلوب في المواقف التي تهتز فيها السيوف، وتضطرب كعوب ¬

(¬1) ط: "يحكم"، بالمبني للمجهول. (¬2) ط: "وينطق". (¬3) ط: "وتبطن". (¬4) بعدها في ط: "إليه". (¬5) ح: "وينسب". (¬6) سورة الطلاق: 2.

الرماح، والممنوحون مزية اللطف لحسن معتقدهم في الطاعة، والمستعملون في خدمة ولي نعمتهم جهد الطاقة والاستطاعة. ومنهم الأمراء الأكابر، والأعيان الأخاير (¬1) ، وولاة الأعمال وسداد الثغور، واللائقة بهم سوامي الرتب ومعالي الأمور، والأولياء الذين سلمت موالاتهم من الشوائب، واشتملوا على غرر المآثر والمناقب، والأنجاد الذين يندفع بهم الخطب الملم، والكفاة الذين يتسرعون إلى ما يندبون له من كل مهم، وما زلت تحسن لهم الوساطة في المحضر والمغيب، ويشيع ذكرهم بما يتضوع نشره ويطيب، وتسفر لهم بما يبلغون به آمالهم، وتجهد في توفير المنافع عليهم، وتحرص على إيصالها لهم لا سيما الآن وجميع أمرهم إليك مردود، وقد ظهر لك إخلاصهم في الطاعة مقامهم المشهور وسعيهم المحمود؛ فهم خليقون منك بمضاعفة المكرمة والتبجيل، جديرون بتوفير حظهم من الإحسان الجزيل. فتوخى كلًّا منهم بما يقتضيه له حاله، وتستدعيه نهضته واستقلاله، وتعرب لهم عما يمنون به من محض طاعتهم، وصريح مسابقتهم، وتسرعهم إلى مقارعة الأعداء والمخالفين، وتمسكهم بحبل الولاء المتين. فأما القضاة والدعاة فأنت كافلهم وهاديهم، وعلمك محيط بقاصيهم ودانيهم، وتأنيك (¬2) يبعثك على استكفاء إعفائهم وديانتهم، ويمنعك من استعمال المفضولين في علم وأمانة، ويحضك على التعويل على ذوي النزاهة والصيانة. فأما الأموال وهي عماد الدول وقوامها، وبها يكون استثبات أمورها وانتظامها، ويستعان بها على الاستكثار من الرجال والأنصار، وبوفورها تقوم المهابة في نفوس مماليك ¬

(¬1) ط: "الأجابر". (¬2) ح: "وتأتيك".

الأطراف والأمصار؛ وأمير المؤمنين يرجو أن تتضاعف بنظرك، وتنمي لفاضل سياستك وحمد أثرك، تتسع بإذن الله في أيامك العمارة؛ وتتوافر بما ينعم الأعمال بحسن تأنيك من البهجة والنضارة. والرعايا فهم ودائع الله عند من استحفظ أمورهم، وعياله الذين يتعين على ولاة الأمر أن يشرحوا بالرعاية صدورهم، وتأكيد الوصايا بتخفيف الوطأة عنهم، والأمر بالعدل والاحسان على الصغير والكبير منهم؛ وقد خصك الله بالكمال، وحبب إليك الإحسان والإجمال، بغايات تنتج لك من أبواب المصالح ما لا تحيط به الوصايا، ويشترك في عائدة نفعه الخواص والأجناد والرعايا. وقدرك يجل أن نكثر لك بالقول ما نبتدع أضعافه بأفعالك المستحسنة، ومحلك مرتفع عن التنبيه إذ لا تلم بعين رعايتك إغفاءة (¬1) ولا سنة. والله سبحانه يؤيد الدولة العلوية بعزماتك الثاقبة، ويعيد عليها حقوقها بسيوفك القاضية وآرائك الصائبة، ويجعل أمد عمرك مديدًا، وإقبالك في كل وقت جديدا، وأعمالك مرتضاة عند الله متقبلة، ووفود المنا إلى جنابك متوالية مقبلة، فاعمل به إن شاء الله تعالى. وكتب أمير المؤمنين الفائز على طرة السجل بخطه ما نصه: "لوزيرنا السيد الأجل الملك الصالح من جلالة القدر، وعظم الأمر وفخامة الشأن، وعلو المكان، واستحباب (¬2) الفضل واستحقاق غاية المن الجزيل، ومزية الولي الذي بعثه على بذل النفس في نصرتنا، ودعاه دون الخلائق إلى القيام بحق متابعتنا وطاعتنا، ما يبعثنا على التبرع له ببذل كل مصون، والابتداء من ذاتنا بالاقتراح له كل شيء يسر النفوس ويقر العيون. والذي ¬

(¬1) ط: "أغواك"، تحريف صوابه من الأصل. (¬2) ط: "واستيجاب".

تضمنه هذا السجل من تقريظه وأوصافه، فالذي تشتمل عليه ضمائرنا أضعاف أضعافه؛ وكذلك شرفناه بجميع التدبير والإنالة، ورفعناه إلى أعلى رتب الاصطفاء بما جعلناه له من الكفالة، والله تعالى يعضد به دولتنا، ويحوط به حوزتنا، ويمده بمواد التوفيق والتأييد، ويجعل أيامه في وزارتنا ممنوحة بآيات الاستمرار والتأييد، إن شاء الله تعالى. قلت: كانت الوزارة قديمًا تعدل السلطنة الآن، فإن الوزير كان نائب الخليفة في بلده، يفوض إليه جميع أمور المملكة، وتولية من رآه من القضاة ونواب البلاد وتجهيز العساكر والجيوش وتفرقة الأرزاق، إلى غير ذلك مما هو الآن وظيفة السلطان وكان الوزير يلقب بألقاب السلطنة الآن كالملك الصالح ونحوه، وقد تقهقر أمر الوزير حتى قال بعض وزراء القرن السابع: الوزير الآن عبارة عن "حوش كاش عفش" يشتري اللحم والحطب وحوايج الطعام، والأمر كما قال. وأقام ابن رزيك وزيرا إلى أن قتل في رمضان سنة ست وخمسين في خلافة العاضد، وكان العاضد والفائز وكلاهما تحت حجره، فأقيم بعده في الوزارة ابنه رزيك، ولقب العادل، فأقام فيها سنة وأيامًا، وقتل. ووزر بعده شاور بن مجير أبو شجاع السعدي، ولقب أمير الجيوش، وهو الوزير المشئوم الذي يضاهيه في الشؤم العلقمي وزير المستعصم؛ فإن هذا قد أطمع الفرنج في أخذ الديار المصرية، ومالأهم على ذلك، كما أن العلقمي هو الذي طمع التتار في أخذ بغداد، إلا أن لطف الله بمصر وأهلها، فقيض لهم عسكر نور الدين الشهيد، فأزاحوا الفرنج عنها، وقتل الوزير شاور بيد صلاح الدين يوسف بن أيوب؛ وقال بعض الشعراء في ذلك: هنيئًا لمصر حوز يوسف ملكها ... بأمر من الرحمن قد كان موقوتا وما كان فيها قتل يوسف شاورًا ... يماثل إلا قتل داود جالوتا

وكان قتل شاور في ربيع الآخر سنة أربع وستين. وولي الوزارة بعده الأمير أسد الدين شيركوه؛ ولقب الملك المنصور، لقبه بذلك العاضد، فأقام فيها شهرين وخمسة أيام، ومات في جمادى الآخرة. فاستوزر العاضد بعده ابن أخيه صلاح الدين يوسف بن أيوب، ولقب الملك الناصر، وقد تقدم ذكر الخليعة التي لبسها يومئذ. ثم إن صلاح الدين أزال دولة بني عبيد، وأعاد الخطبة لبني العباس في أول سنة سبع وستين، فصار لمصر أميرًا بعد أن كان وزيرًا. وجعل وزيره القاضي الفاضل محيي الدين عبد الرحيم البيساني، فاستمر وزيرا له، ولولده الملك العزيز، ولولد العزيز الملك المنصور، إلى أن مات سنة ست وتسعين وخمسمائة. فوزر بعده للعادل صفي الدين بن شكر الدميري، إلى أن عزل سنة تسع وستمائة. ووزر للكامل ابن شكر أيضا، والحسن بن أحمد الديباجي. ووزر للصالح جمال الدين علي بن جرير الرقي، ومعين الدين الحسن بن صدر الدين شيخ الشيوخ، وأخوه فخر الدين يوسف، والقاضي بدر الدين السنجاري، والقاضي تاج الدين بن بنت الأعز. ووزر لشجرة الدر في دولتها بهاء الدين علي بن محمد بن سليم المعروف بابن حنا. ووزر للمعز الأسعد -بل الأنحس الأشقى- هبة الله بن صاعد الفائزي، وكان هذا أول شؤم الأتراك في مملكتهم، أن عدلوا عن وزارة العلماء الأقباط والمسالمة، وكان الأسعد هذا نصرانيًّا فأسلم، فلما تولى الوزارة أحدث مكوسًا ومظالم كثيرة على نحو ما كانت في أيام العبيديين، ووزرائهم النصارى والرافضة، وقد كان السلطان صلاح الدين -رحمه الله- أبطلها فأحدثها هذا الملعون، وقد قال فيه بعضهم:

لعن الله صاعدا ... وأباه فصاعدا وبنيه فنازلا ... واحدًا ثم واحدا ولما قتل المعز، وقبض على والده المنصور، أهين الأسعد هذا، ثم قتل في سنة خمس وخمسين. وولي الوزارة للمظفر بعده القاضي بدر الدين السنجاري مضافًا لقضاة القضاة، ثم صرف من عامه عن الوزارة. ووليها القاضي تاج الدين بن بنت الأعز، ثم صرف في ذي القعدة سنة سبع وخمسين. ووزر رزين الدين يعقوب بن عبد الرفيع المعروف بابن الزبير، فأقام إلى أيام الظاهر بيبرس، فعزله عن الوزارة في ربيع الآخر سنة تسع وخمسين، واستوزر بعده الصاحب بهاء الدين بن حنا؛ فأقام وزيرا إلى أن مات الظاهر، وتولى ولده الملك السعيد، فأقره على الوزارة، وكتب له تقليدا من إنشاء القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر. وهذه صورته: الحمد لله الذي وهب هذه الدولة القاهرة من لدنه وليا، وجعل مكان سرها وشد أزرها عليًّا، ورضي لها من لم يزل ربه مرضيًّا. نحمده على نعمه التي أمسى بنا بره حفيًّا، ونشكره على أن جعل دولتنا جنة أورث تدبيرها من عباده من كان تقيا. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نسبح بها بكرة وعشيا، ونصلي على سيدنا محمد الذي آتاه الله الكتاب، وجعله نبيًّا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة نتبع بها صراطًا سويًّا. وبعد، فإن أولى ما تنغمت به ألسنة الأقلام بتلاوة سوره، وتنعمت أفواه المحابر

بالاستمداد لتسطير سيره، وتناجت الكرام الكاتبون بمجمله ومفصله، وتناشدت الرواة حسن نسيبه، وترنمت الحداة بطيب غزله، وتهادت الأقاليم تحف معجله ومؤجله، وعنيت (¬1) وجوه المهارق لصعود كلمه (¬2) الطيب ورفع صالح عمله، ما كان فيه شكر لنعمة تمنها على الدولة سعادة جدودها وحظوظها، وإفادة مصونها ومحفوظها، وإرادة مرقومها بحسن الاستبداع (¬3) وملحوظها، وحمد لمنحة وافاتها بركة أحسنت للمملكة الشريفة مآلا، وقربت لها مثالا، وأصلحت لها أحوالا، وكاثرت مدد البحر وكلما أجرى ذلك ماء أجرت هي مالًا، وإن ضنت السحب أنشأت سحبًا، وإن قيل: سح سحها ورونق الأرض ذهب، عوضت عنه ذهبا، كم لها في الوجود من كرم وكرامة، وفي الوجوه من وسوم ووسامة، كم أحيت مهجًا، وكم جعلت للدولة من أمرها مخرجًا، وكم وسعت أملا وكم تركت صدر الخزائن ضيقًا حرجا، وكم استخدمت جيش تهجد في بطن الليل، وجيش جهاد على ظهور الخيل. وكم أنفقت في واقف في قلب بين الصفوف والحروب، وفي واقف في صفوف المساجد من أصحاب القلوب، كم سبيل يسرت، وسعود كثرت. وكم مخاوف أدبرت حين دبرت، وكم آثار في البلاد والعباد أبرت وأثرت. وكم وافت ووفت، وكم كَفَت وكَفَّت، وكم أعفت وَعَفَت وعفَّت. وكم بها موازين للأولياء ثقلت وموازين للأعداء خفت. وكم أجرت من وقوف وكم عرفت بمعروف. وكم بيوت عبادة صاحب هذه البركات هو محرابها، وسماء جود هو سيحانها ومدينة علم هو بابها. تثني (¬4) الليالي على تغليسه إلى المساجد في الحنادس، والأيام على تهجيره لعيادة مرضى الفقراء، وحضور جنائز وزيارة القبور الدوارس. يكتن تحت جناح عدله الظاعن والمقيم، ويشكر يثرب ومكة وزمزم والحطيم. كم عمت سنن تفقداته ¬

(¬1) ط: "وعنت". (¬2) ط: "كلمة". (¬3) ح: "الاستيداع". (¬4) ح: "تنثني".

ونوافله. وكم مرت صدقاته بالوادي فسح الله في مدته فأثنت عليه رماله، وبالنادي فأثنت أرامله (¬1) ، ما زار الشام إلا أغناه عن مسه المطر، ولا صحب سلطانه في سفر إلا قال. نعم الصاحب في السفر والحضر. ولما كان المتفرد بهذه البركات هو واحد الوجود، ومن لا يشاركه في المزايا شريك، وإن الليالي بإيجاد مثله غير ولود. وهو الذي إن لم نسمه، قال سامع هذه المناقب: هو الموصوف، عند الله وعند خلقه معروف. وهذا الممدوح بأكثر من هذه الممادح، والمحامد من ربه ممدوح وممنوح. والمنعوت بذلك، قد نعتته بأكثر من هذه النعوت الملائك، وإنما نذكر نعوته التذاذًا، فلا يعتقد كاتب ولا خاطب أنه وفى جلالته بعض حقها؛ فإنه أشرف من هذا. وإذا كان لا بد للمادح أن يجول، وللقلم أن يقول، فتلك بركات للمجلس العالي الوالدي الصاحبي الوزيري السيدي الورعي الزاهدي العابدي الذخري الكفيل المهدي المشيدي العوني القوامي النظامي الأفضلي الأشرفي العاملي العادلي البهائي، سيد الوزراء والأصحاب في العالمين، كهف العابدين، ملجأ الصالحين، شرف الأولياء المتقين، مدبر الدول، سداد الثغور، صلاح الممالك، قدوة الملوك والسلاطين، يمين أمير المؤمنين، علي بن محمد أدام الله جلاله، من تشرف الأقاليم بحياطة قلمه المبارك، والتقاليد بتجديد تنفيذه الذي لا يساهم فيه ولا يشارك، فما جدد منها إنما هو بمثابة آيات تزاد فتردد، أو بمنزلة أسجال في كل حين به يحكم وفيه يشهد؛ حتى تتناقل بثبوته الأيام والليالي، ولا يخلو جيد دولة أن يكون الحالي بما له من مفاخر اللآلئ، فلذلك خرج الأمر العالي لا برح بكسب بهاء الدين المحمدي أتم الأنوار، ولا برحت مراسمه تزهو من قلم منفذه بذي الفقر وذي الفقار؛ أن يضمن هذا التقليد الشريف بالوزارة التامة العامة الشاملة الكاملة ¬

(¬1) ط: "أرماله" تحريف.

الشريفة الصاحبية البهائية أحسن التضمين، وأن ينشر منها ما يتلقى روايته كل رب سيف وقلم باليمين، وأن يعلم كافة الناس ومن يضمه طاعة هذه الدولة وملكها من ملك وأمير، وكل مدينة ذات منبر وسرير، وكل من جمعته الأقاليم من نواب سلطنة، وذوي طاعة مذعنة، وأصحاب عقد وحل، وذوي جنود وحشود، ورافعي أعلام وبنود، وكل راع ورعية، وكل من ينظر في الأمور الشرعية، وكل صاحب علم وتدريس، وتهليل وتقديس، وكل من يدخل في حكم هذه الدولة العالية من شموسها المضيئة، وبدورها المنيرة، ونجومها المشرقة وشهبها الثاقبة في الممالك المصرية والنوبية والساحلية، والكركية والشوبكية والشامية والحلبية، وما تداخل بين ذلك من ثغور وحصون وممالك. إن القلم المبارك الصاحبي البهائي في جميع هذه الممالك مبسوط، وأمر تدبيرها به منوط، وعناية شفقته لها تحوط، وله النظر في أحوالها وأموالها، وإليه أمر قوانينها ودواوينها، وكتابها وحسابها ومراتبها، ورواتبها وتصريفها ومصروفها، وإليه التولية والصرف، وإليه تقدمة البدل والنعت والتوكيد والعطف، وهو صاحب الرتبة التي لا يحلها سواه، وسوى من هو مرتضيه من السادة الوزرانية، ومن سمينا غيره وغيرهم بالصحوبية. فليحذر من يخاطب غيرهم بها أو يسميه، فكما كان والدنا الشهيد يخاطبه بالوالد خاطبناه بذلك وخطبناه، وما عدلنا عن ذلك بل عدلنا (¬1) ؛ لأنه ما ظلم من أشبه أباه، فمنزلته لا تسامى ولا تسام، ومكانته لا ترامى ولا ترام؛ فمن قدح في سيادته من حساده -أبادهم الله- زناد قدح أحرق بشرر شرره، ومن ركب إلى جلالته سيح سوء أغرق في ¬

(¬1) في الأصل "أعدلنا" تحريف.

بحره، ومن فتل لسعادته حبل كيد فإنما فتله مبرمه لنحره. فلتلزم (¬1) الألسنة والأقلام والأقدام في خدمته أحسن الآداب، وليقل المترددون: حطة إذا دخلوا الباب، ولا يغرنهم فرط تواضعه لدينه وتقواه، فمن تأدب معنا تأدب مع الله. وليتل هذا التقليد على رءوس الأشهاد، وتنسخ نسخته حتى تتناقلها الأمصار والبلاد؛ فهو حجتنا على من سميناه خصوصًا ومن يدخل في ذلك بطريق العموم، فليعلموا فيه بالنص والقياس والاستنباط والمفهوم. والله يزيد المجلس العالي الصاحبي البهائي من فضله، ويبقيه لغاية هذه الدولة ويصونه لشبله كما صانه لأشده من قبله، ويمتع بنيته الصالحة التي يحسن بها إن شاء الله نماء الفرع كما حسن نماء أصله. واستمر الصاحب بهاء الدين في الوزارة إلى أن مات في ذي القعدة سنة سبع وسبعين. وكان الملك السعيد إذ ذاك بدمشق، فلما بلغته وفاته، أرسل إلى برهان الدين الخضر بن الحسن السنجاري باستقراره وزيرا بالديار المصرية، فقال القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر حين سير إليه تقليد الوزارة: بك زال الخلاف، واصطلح الخصمان يا دولة الملك السعيد، فلما قالت الوزارة بالبرهان قال البرهان بالتقليد. وقال السراج الوراق حين خلع عليه: تهن بخلعة لبست جمالًا ... بوجه منك سمح يجتلوه وقال الناس حين طلعت فيها: ... أهذا البدر؟ قلت لهم: أخوه وقال في خلعة ولده شمس الدين: ¬

(¬1) ط: "فتلزم" تحريف.

أهني الوزير ابن الوزير بخلعة ... محاسنها فتانة العقل والحس أضاءت بها الآفاق شرقًا ومغربًا ... ولم لا، ومن أطواقها مطلع الشمس! ولما عوجل خلع الملك السعيد، قال ناصر الدين بن النقيب: تطيرت الوزارة من قريب ... بصاحبها الجديد ومن بعيد وقالت: كعبه كعب شؤم ... ولاسيما على الملك السعيد وأقام السنجاري في الوزارة إلى أن ولي قلاوون في رجب سنة ثمان وسبعين، فعزله. واستوزر فخر الدين بن لقمان كاتب السر، فأقام إلى جمادى الآخرة سنة تسع وسبعين. فأعيد السنجاري إلى الوزارة، ورجع ابن لقمان إلى كتابة الإنشاء، فأقام إلى ربيع الأول سنة ثمانين، فعزل. ووزر نجم الدين حمزة بن محمد بن هبة الله الأصفوني: ووزر الأمير علم الدين سنجر الشجاعي، وهو أول من ولي الوزارة من الأمراء، وأول وزير ضربت على بابه الطلبخاناه على قاعدة وزراء الخلافة بالعراق، ثم عزل. ووزر الأمير بدر الدين بيدار، ثم صرف. وأعيد الشجاعي، ثم صرف. ووزر شمس الدين محمد بن عثمان المعروف بابن السلعوس، فأقام إلى أن قتل الأشرف، فأخذ وضرب إلى أن مات تحت الضرب. وكان لما تولى الوزارة، كتب إليه بعض أصحابه يحذره من الأمير علم الدين سنجر الشجاعي المنصوري: تنبه يا وزير الأرض واعلم ... بأنك قد وطئت على الأفاعي

وكن بالله معتصمًا فإني ... أخاف عليك من نهش الشجاعي فكان الذي تسبب في إهلاكه الشجاعي. وولي الشجاعي الوزارة مكانه، فأقام بها أكثر من شهر، وحدثته نفسه بالسلطنة، فقتل. وولي الوزارة بعده تاج الدين بن فخر الدين بن الصاحب بهاء الدين بن حنا، فأقام إلى أن تولى العادل كتبغا، فعزل. وولي مكانه فخر الدين عثمان بن مجد الدين عبد العزيز بن الخليل، فأقام إلى أن تولى لاجين، فعزل. وولي مكانه الأمير شمس الدين سنقر الأعصر، ثم عزل من عامه وحبس؛ فلما أعيد الملك الناصر إلى السلطنة أخرج الأعسر من الحبس وأعاده إلى الوزارة، ثم عزله في سنة إحدى وسبعمائة. وولي الأمير عز الدين أيبك المنصوري، وولي ناصر الدين محمد السنجى ثم عزل في شوال سنة أربع. ووزر سعد الدين محمد بن محمد بن عطاء الله في المحرم سنة ست. ووزر التاج أبو الفرج بن سعيد الدولة المسلماني، ووزر ضياء الدين النشأني (¬1) ، فلما عاد الناصر إلى السلطنة المرة الثالثة سنة سبع استوزر فخر الدين الخليلي، ثم عزل في رمضان سنة عشرة. ووزر الأمير سيف الدين بكتمر الحاجب، ثم عزل في ربيع الآخر سنة إحدى عشرة. ووزر أمين الملك أبو سعيد المستوفى. ¬

(¬1) النشائي، بكسر ثم معجمة، ممدود؛ كذا ضبطه صاحب الضوء اللامع 11: 23.

ووزر في سنة ثلاث وعشرين أمين الملك ثم الأمير علاء الدين مغلطاي الجمالي. ثم أبطل الناصر الوزارة، ورتب وظيفة ناظر الخواص، وولاها كريم الدين عبد الكريم بن هبة الله بن السديد، فكان كالوزير وربما قيل له: الصاحب، واستمرت الوزارة شاغرة إلى سنة أربع وأربعين. فاستوزر الكامل شعبان نجم الدين محمود بن شروين، وكان أصله وزير بغداد في المحرم ووزر الأمير أيتمش المحمدي، ووزر الأمير منجك اليوسفي، ثم عزل ثالث ربيع الأول سنة تسع وأربعين. ووزر الأمير أستدمر العمري في رابع عشرة، ثم استعفي في خامس عشرين ربيع الآخر، فأعفي. وأعيد منجك، ثم عزل في محرم سنة إحدى وخمسين. ووزر علم الدين عبد الله بن أحمد بن زنبور القبطي، ثم عزل في رمضان سنة ثلاث وخمسين. ووزر موفق الدين هبة الله بن سعد الدولة القبطي، فأقام إلى أن مات في ربيع الآخر سنة خمس وخمسين، وشغرت الوزارة بعده إلى سنة ثمان وخمسين. ووزر الأمير قشتمر، ثم عزل سنة تسع وخمسين. ووزر تاج الدين بن رشية، ثم عزل سنة إحدى وستين. ووزر جمال الدين يوسف بن أبي شاكر. ثم وزر الأمير الأكز الكثلاوي. ثم وزر كريم الدين بن غنام، ثم فخر الدين بن تاج الدين موسى، ثم صرف سنة أربع وسبعين. ووزر ابن الغنام، ثم صرف سنة خمس وسبعين.

وأعيد منجك اليوسفي إلى الوزارة، وفوض إليه السلطان كل أمور المملكة، وأنه أقامه مقام نفسه في كل شيء، وأنه يخرج الإقطاعات التي عبرتها سبعمائة دينار فما دونها، وأنه يعزل من شاء من أرباب الدولة، ويخرج الطبلخانات والعشراوات بسائر الممالك الشامية، ورسم للوزير أن يجلس قدامه في الدركات، ثم مات منجك في سنة سبعين. قال ابن الكرماني في مختصر المسالك: وهو الذي جعل المماليك اللحم السميط في وزارته، ولم يكن يفرق عليهم قبل ذلك إلا السليخ. ووزر تاج الدين عبد الوهاب الملكي، ويعرف بالنشو، ثم صرف في رجب سنة ست وسبعين. وأعيد ابن الغنام، ثم صرف من عامه. وتعطلت الوزارة إلى ربيع الأول سنة سبع وسبعين، فأعيد التاج الملكي، ثم صرف سنة ثمان وسبعين. وأعيد ابن الغنام ثم صرف. وأعيد النهشور ثم صرف. واستقر كريم الدين بن الرويهب، ثم عزل في شوال سنة تسع وسبعين. ووزر صلاح الدين خليل بن عرام، ثم عزل في صفر سنة ثمانين. ووزر كريم الدين بن مكانس، ثم عزل في شوال من السنة. وأعيد النشو، ثم عزل في ربيع سنة إحدى وثمانين. ووزر شمس الدين بن أبر (¬1) ثم عزل سنة خمس وثمانين. ووزر شمس الدين إبراهيم كاتب أربان، فأقام إلى أن مات سنة تسع وثمانين. ووزر بعده علم الدين إبراهيم القبطي بن كاتب سيدي، ثم عزل في رمضان سنة تسع. ¬

(¬1) ح، ط: "أبره".

ووزر كريم الدين بن غنام، ثم وزر موفق الدين أبو الفرج في صفر سنة اثنتين وتسعين. ثم وزر سعد الدين الله بن البقري في ربيع الآخر من السنة، ثم عزل في رمضان سنة اثنتين وتسعين. وأعيد أبو الفرج، ثم عزل في صفر. ووزر ركن الدين عمر بن قيماز، ثم عزل في رجب. ووزر تاج الدين بن أبي شاكر، ثم عزل في المحرم سنة خمس وتسعين. وأعيد موفق الدين، ثم عزل سنة ست وتسعين. ووزر الأمير ناصر الدين محمد بن رجب بن كلبك بن الحسام، ولقب وزير الوزراء إلى أن مات سنة ثمان وتسعين. ووزر مبارك شاه، ثم صرف في رجب. وأعيد ابن البقري، ثم عزل في ربيع الأول سنة تسع وتسعين. ووزر بدر الدين محمد الطوخي، ثم صرف في ربيع الآخر سنة إحدى وثمانمائة. ووزر بدر الدين عبد الرزاق بن أبي الفرج، ثم صرف في ذي القعدة من السنة، ووزر الشهاب أحمد بن عمر بن قطنة، ثم صرف في ذي الحجة من السنة. ووزر فخر الدين ماجد بن غراب، ثم صرف في ربيع الآخر سنة اثنتين. وأعيد بدر الدين الطوخي، ثم عزل. وأعيد ابن غراب، ثم عزل في رجب سنة ثلاث. ووزر علم الدين يحيى بن أسعد المعروف بأبوكمّ ثم صرف في ربيع الآخر سنة أربع. ووزر الأمير مبارك شاه الحاجب، ثم صرف.

ووزر تاج بن البقري، ثم صرف في المحرم. ووزر فخر الدين بن غراب، ثم عزل سنة خمس. ووزر علاء الدين الأخمص، ثم عزل في شوال. ووزر مبارك شاه، ثم صرف. وولي تاج الدين بن البقري، ثم توارى في المحرم سنة ست وثمانمائة. وأعيد علم الدين أبوكم، ثم هرب بعد ثمانية أيام. وأعيد ابن البقري، ثم هرب في ربيع الأول. وأعيد تاج الدين بن عبد الرزاق، ثم هرب أيضا بعد أيام. وأعيد ابن البقري، ثم صرف في ذي الحجة سنة سبع. وأعيد فخر الدين ماجد بن غراب، ثم صرف سنة تسع. ووزر جمال الدين البيري الأستادار، ثم صرف في سنة اثنتي عشرة. ووزر سعد الدين إبراهيم بن البشيري، ثم صرف في ربيع الأول سنة ست عشرة. ووزر تاج الدين بن الهيصم. ثم وزر تقي الدين عبد الوهاب بن أبي شاكر في المحرم سنة تسع عشرة، فأقام إلى ذي القعدة من السنة، ومات. فوزر فخر الدين الأستادار في سنة عشرين. ووزر أرغون شاه، ثم صرف في جمادى الأولى سنة إحدى وعشرين. ووزر بدر الدين بن محب الدين، ثم صرف في ذي القعدة من عامه. ووزر بدر الدين بن نصر الله، ثم صرف في المحرم سنة أربع وعشرين. ووزر تاج الدين كاتب المناخات، ثم صرف في ذي الحجة سنة خمس وعشرين. ووزر أرغون شاه، ثم صرف في شوال سنة ست وعشرين.

ووزر كريم الدين بن كاتب المناخات، ثم صرف في رجب سنة سبع وثلاثين. ووزر أمين الدين بن الهيصم، ثم صرف في سنة ثمان وثلاثين. ووزر سعد الدين إبراهيم بن كاتب جكم. ثم وزر أخوه جمال الدين يوسف في ربيع الأول من السنة، ثم صرف في جمادى الآخرة من السنة. ووزر تاج الدين عبد الوهاب بن الخطير، ثم صرف في رمضان سنة تسع وثلاثين. ووزر الأمير خليل بن شاهين نائب الإسكندرية، ثم صرف. ووزر كريم الدين بن كاتب المناخ في ربيع الأول سنة أربعين. ثم في جمادى الآخرة سنة إحدى وخمسين وزر عوضًا عن أمين الدين بن الهيصم، ثم صرف. ووزر سعد الدين فرج بن النجار، ثم صرف في جمادى سنة ثمان وخمسين. وأعيد أمين الدين بن الهيصم، ثم صرف في ذي القعدة من السنة. وأعيد سعد الدين. ثم وزر علي بن محمد الأهناسي، ثم صرف في سنة أربع وستين. ووزر فارس المحمدي يوما واحدا، ثم صرف. ووزر منصور الكاتب ثم صرف. ووزر محمد الأهناسي والد علي المذكور عشرة أيام. ثم وزر منصور الأسلمي ثم صرف في ربيع الآخر. وأعيد سعد الدين بن النجار، ثم صرف في ربيع الأول سنة خمس وستين. وأعيد علي بن الأهناسي، ثم صرف. ووزر شمس الدين بن صنيعة، ثم صرف في صفر سنة سبع وستين.

وأعيد ابن الأهناسي، ثم صرف في شوال. ووزر مجد الدين بن البقري، ثم صرف في المحرم سنة ثمان وستين. ووزر يونس بن عمر بن جربغا، ثم صرف عن قرب. وأعيد المجد بن البقري ثم صرف في ربيع الأول. ووزر محمد البباوي إلى أن غرق آخر ذي الحجة سنة تسع وستين. وأعيد الشرف يحيى بن صنيعة، ثم صرف في جمادى الآخرة. ووزر قاسم القرافي، ثم صرف. ووزر الأمير يشبك الدوادار، ثم صرف. ووزر الأمير خشقدم الطواشي، ثم صرف. ووزر ابن الزرازيري كاشف الصعيد ثم صرف عن قرب. وأعيد قاسم، ثم صرف. ووزر الأمير أقبردي الدوادار. ثم ولي بعده الأمير كربتاي الأحمر يوم الخميس، مستهل ذي الحجة سنة إحدى وتسعمائة.

ذكر كتاب السر:

ذكر كتاب السر: قال ابن الجوزي في التلقيح (¬1) : كان يكتب لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أبو بكر وعمر، وعثمان وعلي وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت الأنصاري ومعاوية بن أبي سفيان، وحنظلة بن الربيع الأسدي، وخالد بن سعيد بن القاضي وأبان بن سعيد والعلاء بن الحضرمي؛ وكان المداوم على الكتابة زيد ومعاوية. وكان كاتب أبي بكر الصديق عثمان بن عفان، وكاتب عمر زيد بن ثابت وكاتب عثمان مروان بن الحكم، وكاتب علي عبد الله بن رافع وسعيد بن أبي نمر، وكاتب الحسن كاتب أبيه، وكاتب معاوية عبيد الله بن أوس الغساني. وكاتب يزيد عبيد الله بن أوس، ثم عمر العذري، وكاتب ابنه معاوية زمل بن عمر العذري، وكاتب مروان عبيد الله بن أوس وشعبان الأحول، وكاتب عبد الملك بن مروان روح بن زنباع الجذامي، وقبيصة بن ذؤيب، وكاتب ابنه الوليد قبيصة بن ذؤيب وقرة بن شريك والضحاك بن زمل، وكاتب سليمان يزيد بن المهلب وعبد العزيز بن الحارث، وكاتب عمر بن عبد العزيز رجاء بن حيوة الكندي، وليث بن أبي رقية، وكاتب يزيد بن عبد الملك سعيد بن الوليد الأبرش، ومحمد بن عبد الله بن حارثة الأنصاري، وكاتب هشام هذان وسالم مولاه، وكاتب الوليد العباس بن مسلم، وكاتب يزيد بن الوليد ثابت بن سليمان، وكاتب إبراهيم بن الوليد ثابت هذا، وكاتب مروان الحمار عبد الحميد بن يحيى مولى بني عامر. وقال ابن فضل الله: كانت كتابة الإنشاء في المشرق في خلافة بني العباس منوطة ¬

(¬1) هو كتاب "تلقيح فهوم أهل الآثار، في مختصر السير والأخبار" طبعت قطعة منه في ليدن سنة 1892م.

بالوزراء، وربما انفرد بها رجل، واستقل بها كتاب لم يبلغوا مبلغ الوزارة، فكان يسمى في المشرق كتاب الإنشاء. ثم لما كثر عددهم سمي رئيسهم رئيس ديوان الإنشاء، ثم بقي يطلق عليه تارة صاحب ديوان الإنشاء وتارة كاتب السر. قال: وهي عندي أنبه، وعند الناس أدل، وكانت في دولة السلاجقية وملوك الشرق يسمى ديوان الطغراوية، والطغراء، هي الطرة بالفارسية. وأهل المغرب يسمون صاحب ديوان الإنشاء صاحب القلم الأعلى. انتهى. وقال غيره: إنما حدثت وظيفة كتابة السر في أيام قلاوون، وكانت هذه الوظيفة قديما في ضمن الوزارة، والوزير هو المتصرف في الديوان، وتحت يده جماعة من الكتاب، وفيهم رجل كبير يسمى صاحب ديوان الإنشاء، وصاحب ديوان الرسائل، فكان الكاتب للسفاح عبد الجبار بن عدي ثم كتب للمنصور، وكتب أيضا عبد الله بن المقفع المشهور بالبلاغة وأبو أيوب المورياني (¬1) ، وكتب للمهدي وزيره معاوية بن عبد الله والربيع بن يونس الحاجب، وكتب للهادي عمرو بن بزيع، فلما استخلف الرشيد ولي يوسف بن القاسم بن صبيح كتابة الإنشاء، فكان هو الذي قام خطيبا بين يديه، حتى أخذت له البيعة، وكتب للمأمون أحمد بن يوسف بن صبيح الكاتب وأحمد ابن الضحاك الطبري، وعمرو بن مسعدة، والمعلى بن أيوب وعمرو بن مهبول، وكتب للمعتصم والواثق إبراهيم الموصلي. وكتب للمتوكل أحمد بن المدبر وإبراهيم بن العباس الصولي. وكتب للطائع أبو القاسم عيسى بن الوزير علي بن عيسى بن الجراح. وكتب للقادر إبراهيم بن هلال الصابئ، وكان على دين الصابئة إلى أن مات. وكتب لجماعة من الخلفاء أبو سعيد العلاء بن الحسن بن وهب بن الموجلايا، ¬

(¬1) في الأصول: "المرزباني" تحريف، صوابه من الفخري 152.

قال بعضهم: كتب في الإنشاء للخلفاء خمسا وستين سنة، وكان نصرانيا، فأسلم على يد المقتدي. وكتب للمقتدي سديد الدولة أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن عبد الكريم بن الأنباري. قال ابن كثير: كان كاتب الإنشاء ببغداد للخلفاء، وانفرد بصناعة الإنشاء. وكتب للناصر قوام الدين يحيى بن سعيد الواسطي المشهور بابن زيادة صاحب ديوان الإنشاء ببغداد، ومن انتهيت إليه رياسة الترسل. وكتب للمستعصم عز الدين عبد الحميد بن هبة الله بن أبي الحديد المدائني الكاتب ومات سنة خمس وخمسين وستمائة، وقتل الخليفة عقب موته. فهو آخر كتاب الإنشاء لخلفاء بغداد. قلت: ومن الاتفاق الغريب أن آخر خلفاء بني أمية كتب له عبد الحميد الكاتب، وآخر خلفاء بني العباس ببغداد كتب له من اسمه عبد الحميد. وأما مصر فلم يكن بها ديوان إنشاء من حين فتحت إلى أيام أحمد بن طولون، فقوي أمرها، وعظم ملكها، فكتب عنده أبو جعفر محمد بن أحمد بن مودود. وكتب لولده خمارويه إسحاق بن نصر العبادي. وتوالت دواوين الإنشاء بذلك إلى أن ملكها العبيدية، فعظم ديوان الإنشاء بها ووقع الاعتناء به، واختيار بلغاء الكتاب ما بين مسلم وذمي؛ فكتب للعزيز بن المعز وزيره ابن كلس ثم أبو عبد الله الموصلي، ثم أبو المنصور بن حورس النصراني، ثم كتب للحاكم ومات في أيامه.

وكتب للحاكم بعده القاضي أبو الطاهر الهولي، ثم كتب لابن الحاكم الظاهر. وكتب للمستنصر القاضي ولي الدين بن خيران وولي الدولة موسى بن الحسن بعد انتقاله إلى الوزارة وأبو سعيد العبدي. وكتب للآمر والحافظ أبو الحسن علي بن أبي أسامة الحلبي، إلى أن توفي، فكتب ولده أبو المكارم إلى أن توفي، ومعه أمين الدين تاج الرياسة أبو القاسم علي بن سليمان المعروف بابن الصرفي، والقاضي كافي الكفاة محمود بن الموفق بن قادوس وابن أبي الدم اليهودي. ثم كتب بعد ابن أبي المكارم القاضي موفق الدين أبو الحجاج يوسف بن الخلال بقية أيام الحافظ إلى آخر أيام العاضد، وبه تخرج القاضي الفاضل. ثم أشرك العاضد مع ابن الخلال في ديوان الإنشاء القاضي جلال الدين محمود الأنصاري. ثم كتب القاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني بين يدي ابن الخلال في وزارة صلاح الدين، فلما ملك صلاح الدين كتب له القاضي الفاضل. ثم أضيفت إليه الوزارة. ثم كتب بعده لابنه العزيز ثم لولده المنصور ومات. وكتب للكامل أمين الدين سليمان المعروف بكاتب الدرج إلى أن مات، فكتب بعده أمين الدين عبد المحسن بن حمود الحلبي، ثم كتب للصالح أيضا. ثم ولي ديوان الإنشاء الصاحب بهاء الدين زهير الشاعر المشهور (¬1) ، ثم صرف وولي بعده الصاحب فخر الدين إبراهيم بن لقمان الأسعردي، فأقام إلى انقراض الدولة الأيوبية، وكتب بعدها للمعز أيبك ثم للمظفر قطز، ثم للظاهر بيبرس ثم للمنصور قلاوون، ثم نقله قلاوون من ديوان الإنشاء للوزارة. ¬

(¬1) صاحب الديوان المعروف باسمه.

وولي ديوان الإنشاء مكانه فتح الدين بن عبد الظاهر، وهو أول من سمي كاتب السر، وسبب ذلك ما حكاه الصلاح الصفدي أن الملك الظاهر رفع إليه مرسوم أنكره، فطلب محيي الدين بن عبد الظاهر وأنكر عليه، فقال: يا خوند (¬1) ، هكذا قال لي الأمير سيف الدين بن بلبان الدوادار، فقال السلطان: ينبغي أن يكون للملك كاتب سر يتلقى المرسوم منه شفاها -وكان قلاوون حاضرا من جملة الأمراء- فوقرت هذه الكلمة في صدره، فلما تسلطن اتخذ كاتب سر، فكان فتح الدين هذا أول من شهر بهذا الاسم؛ وكان هو والوزير لقمان بين يدي السلطان، فحضر كتاب، فأراد الوزير أن يقرأه، فأخذ السلطان الكتاب منه، ودفعه إلى فتح الدين، وأمره بقراءته، فعظم ذلك على ابن لقمان؛ وكانت العادة إذ ذاك ألا يقرأ أحد على السلطان كتابا بحضرة الوزير. واستمر فتح الدين في كتابة السر إلى أن توفي أيام الأشرف خليل. فولي مكانه تاج الدين بن الأثير إلى أن توفي. وولي شرف الدين بن عبد الوهاب العمري، ثم نقله الناصر في سنة إحدى عشرة وسبعمائة إلى كتابة السر بدمشق. وولي مكانه علاء الدين بن تاج الدين بن الأثير إلى أن فلج. وولي محيي الدين بن فضل الله، وولده شهاب الدين معينا له لكبر سنه، ثم صرفا. وولي شرف الدين بن الشهاب محمود ثم صرف، وأعيد ابن فضل الله وولده شهاب الدين ثم صرفا إلى الشام. وولي علاء الدين بن فضل الله أخو شهاب الدين، فاستمر في الوظيفة نيفًا وثلاثين سنة إلى أن مات سنة تسع وستين وسبعمائة. ¬

(¬1) خوند: لفظ تركي أو فارسي، وأصله خداوند بضم الخاء، ومعناه السيد أو الأمير، ويخاطب به الذكور والنساء على السواء. حواشي السلوك 1: 224.

وولي ولده بدر الدين محمد إلى أن تسلطن برقوق فصرفه. وولى أوحد الدين عبد الواحد بن إسماعيل التركماني؛ إلى أن مات في ذي الحجة سنة ست وثمانين. وأعيد بدر الدين إلى أن تسلطن برقوق الثانية، فصرفه. وولي علاء الدين علي بن عيسى الكركي إلى أن مات سنة أربع وتسعين. وأعيد بدر الدين إلى أن مات في شوال سنة ست وتسعين. وولي بدر الدين محمود الكلستاني إلى أن مات في جمادى الأولى سنة إحدى وثمانمائة. وولي فتح الدين فتح الله بن مستعصم التبريزي، ثم صرفه الناصر فرج بسعد الدين بن غراب مدة يسيرة، ثم صرف ابن غراب، وأعيد فتح الله ثم صرف، وولي فخر الدين بن المزوق ثم صرف، وأعيد فتح الله إلى أن قبض عليه المؤبد سنة ست عشرة وثمانمائة. وولي ناصر الدين محمد بن البارزي إلى أن مات في سنة ثلاث وعشرين. وولي ولده كمال الدين محمد، ثم صرف. وولي علم الدين داود بن الكويز إلى أن مات سنة ست وعشرين. وولي جمال الدين يوسف بن الكركي ثم صرف. وولي قاضي القضاة شمس الدين الهروي الشافعي، ثم صرف. وولي نجم الدين عمر بن حجي ثم صرف. وولي شمس الدين محمد بن مزهر إلى أن مات في جمادى الآخرة سنة اثنتين وثلاثين. وولي ولده جلال الدين محمد، ثم صرف. وولي الشريف شهاب الدين الدمشقي إلى أن مات بالطاعون. وولي شهاب الدين أحمد بن السفاح الحلبي إلى أن مات سنة خمس وثلاثين.

وولي الوزير كريم الدين عبد الكريم كاتب المناخ مضافا للوزارة، ثم صرف بعد أشهر. وأعيد الكمال بن البارزي، ثم صرف في رجب سنة تسع وثلاثين. وولي محب الدين بن الأشقر، ثم صرف. وولي صلاح الدين محمد بن الصاحب بدر الدين حسن نصر الله إلى أن مات بالطاعون سنة إحدى وأربعين. وولي مكانه أبوه الصاحب بدر الدين حسن، ثم صرف في ربيع الآخر سنة اثنتين وأربعين. وأعيد ابن البارزي إلى أن مات في صفر سنة ست وخمسين. وأعيد ابن الأشقر ثم صرف في ذي القعدة. وولي محب الدين بن الشحنة ثم صرف بعد ستة أشهر. وأعيد ابن الأشقر، ثم صرف في جمادى الأولى سنة ثلاث وستين. وأعيد ابن الشحنة ثم صرف في شوال سنة ست وستين. وولي القاضي برهان الدين بن الديري، ثم صرف بعد نصف شهر. وولي القاضي تقي الدين أبو بكر بن كاتب السر بدر الدين بن مزهر، فاستمر إلى الآن عامله الله بألطافه، وختم لنا وله بخير. آمين! ثم توفي في سادس رمضان سنة ثلاث وتسعين، وولي ولده القاضي بدر الدين أعزه الله تعالى!

ذكر جوامع مصر*:

ذكر جوامع مصر*: مدخل اعلم أنه من حين فتحت مصر لم يكن بها مسجد تقام فيه الجمعة سوى جامع عمرو بن العاص إلى أن قدم عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس من العراق في طلب مروان الحمار سنة ثلاث وثلاثين ومائة، فنزل عسكره في شمالي الفسطاط وبنوا هنالك الأبنية، فسمي ذلك الموضع بالعسكر، وأقيمت هناك الجمعة في مسجد فصارت الجمعة تقام بجامع عمرو وبجامع العسكر إلى أن بنى السلطان أحمد بن طولون جامعه حين بنى القطائع (¬1) ، فأبطلت الخطبة من جامع العسكر، وصارت الجمعة تقام بجامع عمرو وبجامع ابن طولون إلى أن قدم جوهر القائد (¬2) ، واختط القاهرة، وبنى الجامع الأزهر في سنة ستين وثلاثمائة، فصارت الجمعة تقام بثلاثة جوامع (¬3) . ثم إن العزيز بالله بنى في ظاهر القاهرة من جهة باب الفتوح الذي يعرف اليوم بجامع الحاكم سنة ثمانين وثلاثمائة، وأكمله ابنه الحاكم، ثم بنى جامع المقس وجامع راشدة، فكانت الجمعة تقام في هذه الجوامع الستة إلى أن انقضت دولة العبيديين في سنة سبع وستين، وخمسمائة، فبطلت الجمعة من الجامع الأزهر، وبقيت فيما عداه. فلما كانت الدولة التركية أحدثت عدة جوامع، فبني في زمن الظاهر بيبرس جامع الحسينية في سنة تسع وستين؛ ثم بنى الناصر بن قلاوون الجامع الجديد بمصر في سنة اثنتي عشرة وسبعمائة، وبنى أمراؤه وكتابه في أيامه نحو ثلاثين جامعا، وكثرت في هذا القرن وما بعده إلى الآن؛ فلعلها الآن في مصر والقاهرة أكثر من مائتي جامع. ¬

* المقريزي 4: 2. (¬1) المقريزي: "على جبل يشكر، في سنة تسع وخمسين ومائتين حين بنى القطائع". (¬2) المقريزي: "من بلاد القيروان بالمغرب". (¬3) المقريزي: "فكانت الجمعة تقام في جامع عمرو، وجامع ابن طولون والجامع الأزهر، وجامع القرافة الذي يعرف اليوم بجامع الأولياء".

قال هشام بن عمار: حدثنا المغيرة بن المغيرة، حدثنا عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه، قال: لما افتتح عمر البلدان كتب إلى أبي موسى وهو على البصرة يأمره أن يتخذ مسجدًا للجماعة، ويتخذ للقبائل مساجد، فإذا كان يوم الجمعة انضموا إلى مسجد الجماعة، وكتب إلى سعد بن أبي وقاص وهو على الكوفة بمثل ذلك، وكتب إلى عمرو بن العاص وهو على مصر بمثل ذلك، وكتب إلى أمراء أجناد الشام ألا ينبذوا إلى القرى وأن ينزلوا المدائن، وأن يتخذوا في كل مدينة مسجدا واحدا، ولا تتخذ القبائل مساجد؛ وكان الناس متمسكين بأمر عمر وعهده. وقال القضاعي: لم تكن الجمعة تقام في زمن عمرو بن العاص بشيء من أرض مصر إلا بجامع الفسطاط. قال ابن يونس: جاء نفر من غافق إلى عمرو بن العاص، فقالوا: إنا نكون في الريف، فنجتمع في العيدين الفطر والأضحى، ويؤمنا رجل من، قال: نعم، قالوا: فالجمعة؟ قال: لا، ولا يصلي الجمعة بالناس إلا من أقام الحدود، وأخذ بالذنوب، وأعطى الحقوق.

جامع عمرو*:

جامع عمرو*: قال ابن المتوج في إيقاظ المتغفل وإيعاظ المتؤمل: هو الجامع العتيق المشهور بتاج الجوامع، قال الليث بن سعد: ليس لأهل الراية مسجد غيره؛ وكان الذي حاز موضعه ابن كلثوم التجيبي (¬1) ، ويكنى أبا عبد الرحمن، ونزله في حصارهم الحصن، فلما رجعوا من الإسكندرية سأل عمرو وقيسبة في منزله هذا، تجعله مسجدا؟ فقال قيسبة: فإني أتصدق به على المسلمين، فسلمه إليهم؛ فبني في سنة إحدى وعشرين، وكان طوله خمسين ذراعا في عرض ثلاثين. ويقال: إنه وقف على إقامة قبلته ثمانون رجلا من الصحابة، منهم الزبير ابن العوام والمقداد بن الأسود وعبادة بن الصامت و"أبو" الدرداء، وأبو ذر وأبو بصرة ومحمية بن جزء الزبيدي، ونبيه بن صواب وفضالة بن عبيد وعقبة بن عامر، ورافع بن مالك وغيرهم (¬2) . ويقال: إنها كانت مشرفة جدًّا، وأن قرة بن شريك لما هدم المسجد وبناه في زمن الوليد تيامن قليلا. وذكر أن الليث بن سعد وعبد الله بن لهيعة كانا يتيامنان إذا صليا فيه؛ ولم يكن للمسجد الذي بناه عمرو محراب مجوف، وإنما قرة بن شريك جعل المحراب المجوف. ¬

* المقريزي 4: 5. (¬1) هو قيسبة بن كلثوم التجيي؛ أحد بني سوم؛ سار من الشام إلى مصر مع عمرو بن العاص، فدخلها في مائة راحلة وخمسين عبدا وثلاثين فرسا. فلما أجمع المسلمون وعمرو بن العاص على حصار الحصن، نظر قيسبة بن كلثوم، فرأى جنانا تقرب من الحصن، فعرج عليها في أهله وعبيده، فنزل فضرب فيها فسطاطه، وأقام فيها طول حصارهم الحصن، حتى فتحه الله عليهم، ثم خرج قيسبة مع عمرو إلى الإسكندرية وخلف أهله فيها، ثم فتح الله عليهم الإسكندرية، وعاد قيسبة إلى منزله فهذا فنزله" المقريزي. (¬2) المقريزي عن داود بن عقبة: "أن عمرو بن العاص بعث ربيعة بن شرحبيل بن حسنة، وعمرو بن علقمة القرشي ثم العدوي يقيمان القبلة؛ وقال لهما: قوما إذا زالت الشمس -أو قال: انتصفت- فاجعلاها على حاجبيكما، ففعلا".

وأول من أحدث ذلك عمر بن عبد العزيز، وهو يومئذ عامل الوليد على المدينة حين هدم المسجد النبوي، وزاد فيه. وأول من زاد في جامع ومسلمة بن مخلد، وهو أمير مصر سنة ثلاث وخمسين، شكا الناس إليه ضيق المسجد، فكتب إلى معاوية، فكتب معاوية إليه يأمره بالزيادة فيه، فزاد فيه من بحرية، وجعل له رحبة من البحري وبيضه وزخرفه، ولم يغير البناء القديم، ولا أحدث في قبلته ولا غربيه شيئا. وكان عمرو قد اتخذ منبرا، فكتب إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعزم عليه في كسره: أما بحسبك أن تقوم قائما، والمسلمون جلوس تحت عقبيك! فكسره. وذكر أنه زاد من شرقيه حتى ضاق الطريق بينه، وبين دار عمرو بن العاص وفرشه بالحصر، وكان مفروشا بالحصباء. وقال في كتاب الجند العربي: إن مسلمة نقض ما كان عمرو بن العاص بناه، وزاد فيه من شرقيه، وبنى فيه أربع صوامع، في أركانه الأربعة برسم الأذان، ثم هدمه عبد العزيز بن مروان أيام إمرته بمصر في سنة تسع وسبعين، وزاد فيه من ناحية الغرب، وأدخل فيه الرحبة التي كانت بحرية. ثم في سنة تسع وثمانين أمر الوليد نائبه بمصر برفع سقفه وكان مطأطئًا، ثم هدمه قرة بن شريك بأمر الوليد سنة اثنتين وتسعين وبناه، فكانوا يجمعون في قيسارية العسل حتى فرغ من بنائه في رمضان سنة ثلاث وتسعين، ونصب فيه المنبر الجديد في سنة أربع وتسعين، وعمل فيه المحراب المجوف، وعمل للجامع أربعة أبواب، ولم يكن له قبل إلا بابان، وبنى فيه بيت المال، بناه أسامة بن زيد التنوخي متولي الخراج بمصر سنة تسع وتسعين؛ فكان مال المسلمين فيه، ثم زاد فيه صالح علي بن عبد الله بن عباس،

وهو يومئذ أمير من قبل السفاح، وذلك في سنة ثلاث وثلاثين ومائة، فأدخل فيه دار الزبير بن العوام، واحدث له بابا خامسا. ثم زاد فيه موسى بن عيسى الهاشمي، وهو يومئذ أمير مصر من قبل الرشيد في شعبان سنة خمس وسبعين ومائة. ثم زاد فيه عبد الله بن طاهر بن الحسين -وهو أمير مصر من قبل المأمون- في جمادى الآخرة سنة اثنتي عشرة (¬1) ومائتين؛ فتكامل ذرع الجامع مائتين وتسعين ذراعا بذراع العمل طولا في مائة وخمسين عرضا. ويقال: إن ذرع جامع ابن طولون مثل ذلك سوى الأزقة المحيطة بجوانبه الثلاثة. ونصب عبد الله بن طاهر اللوح الأخضر، فلما احترق الجامع احترق ذلك اللوح، فجعل أحمد بن محمد العجيفي هذا اللوح مكانه، وهو الباقي إلى اليوم. ولما تولى الحارث بن مسكين القضاء من قبل المتوكل سنة ثلاث وثلاثين ومائتين، أمر ببناء هذه (¬2) الرحبة لينتفع الناس بها، وبلط زيادة بن طاهر، وأصلح السقف. ثم زاد فيه أبو أيوب أحمد بن محمد بن شجاع صاحب الخراج في أيام المستعصم في سنة ثمان وخمسين ومائتين. ثم وقع في مؤخر الجامع حريق في ليلة الجمعة لتسع خلون من صفر سنة خمس وسبعين ومائتين، فأمر خمارويه بن أحمد بن طولون بعمارته على يد العجيفي، فأعيد على ما كان، وأنفق فيه ستة آلاف وأربعمائة دينار، وكتب اسم خمارويه في دائرة الرواق الذي عليه اللوح الأخضر (¬3) . ¬

(¬1) في المقريزي: "وصل عبد الله بن طاهر بن الحسين بن مصعب مولى خزاعة، أميرًا من قبل المأمون في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة ومائتين، وتوجه إلى الإسكندرية مستهل صفر سنة اثنتي عشرة ومائتين، ورجع إلى الفسطاط في جمادى الآخرة من السنة المذكورة". (¬2) المقريزي: "ورحبة الحارث هي الرحبة البحرية من زياد الخازن، وكانت رحبة يتابع الناس فيها يوم الجمعة". (¬3) المقريزي: "وأمر عيسى النوشري في ولايته الثانية على مصر في سنة أربع وتسعين ومائتين بإغلاق الجامع فيما بين الصوات، فكان يفتح للصلاة فقط، وأقام على ذلك أياما، فضج أهل المسجد ففتح لهم".

وزاد فيه أبو حفص العباسي أيام نظره في قضاء مصر خلافة لأخيه الغرفة التي يؤذن فيها المؤذنون في السطح؛ وذلك في سنة ست وثلاثين وثلثمائة. ثم زاد فيه أبو بكر محمد بن عبد الله بن الخازن رواقا مقداره تسعة أذرع، وذلك في رجب سنة سبع وخمسين وثلثمائة، ومات قبل إتمامه، فأتمه ابنه علي، وفرع في رمضان سنة ثمان وخمسين، ثم بنى فيه الوزير أبو الفرج يعقوب بن كلس بأمر العزيز بالله الفوارة التي تحت قبة بيت المال، وهو أول من عمل فيه فوارة (¬1) . وفي سنة سبع وثمانين وثلثمائة بيض المسجد، ونقشت ألواحه، وذهب على يد برجوان الخادم، وعمل فيه تنور يوقد كل ليلة جمعة. وفي سنة ثلاث وأربعمائة أنزل إليه من القصر بألف ومائتين وتسعين (¬2) مصحفًا في ربعات، فيها ما هو مكتوب بالذهب كله، ومكن الناس من القراءة فيها، وأنزل إليه تنور من فضة استعمله (¬3) الحاكم بأمر الله برسم الجامع، فيه مائة ألف درهم فضة، فاجتمع الناس، وعلق بالجامع بعد أن قلعت عتبتا الجامع حتى أدخل به. ثم في أيام المستنصر في رمضان سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة زيد في المقصورة في شرقيها وغربيها، وعملت منطقة فضة في صدر المحراب الكبير، أثبت عليها اسم أمير المؤمنين، وجعل لعمودي المحراب أطواقًا من فضة، فلم يزل (¬4) ذلك إلى أن استبد السلطان صلاح الدين بن أيوب فأزاله (¬5) . وفي ربيع الآخر سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة، عمل مقصورة خشب ومحراب ساج ¬

(¬1) المقريزي: "وزاد فيه مساقف الخشب المحيطة بها على يد المعروف بالمقدسي الأطروشي متولي مسجد بيت المقدس". (¬2) المقريزي: "وثمان وتسعين". (¬3) المقريزي: "عمله". (¬4) المقريزي: "وجرى ذلك على يد عبد الله بن محمد بن عبد الله في شهر رمضان سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة". (¬5) المقريزي: "بعد موت العاضد لدين الله في محرم سنة سبع وستين وخمسمائة، فقلع مناطق الفضة من الجوامع بالقاهرة".

منقوش بعمودي صندل برسم الخليفة، تنصب له في زمن الصيف، وتقلع في زمن الشتاء إذا صلى الإمام في المقصورة الكبيرة. وفي سنة أربع وستين وخمسمائة تمكن الفرنج من ديار مصر، وحكموا في القاهرة حكما جائرا، فتشعث الجامع، فلما استبد السلطان صلاح الدين جدده في سنة ثمان وستين وخمسمائة، ورخمة ورسم عليه اسمه، وعمر المنظرة التي تحت المئذنة الكبيرة، وجعل لها سقاية. ولما تولى تاج الدين بن بنت الأعز قضاء الديار المصرية أصلح ما مال منه، وهدم ما به من الغرف المحدثة، وجمع أرباب الخبرة، واتفق الرأي على إبطال جواز الماء (¬1) إلى الفسقية، وكان الماء يصل إليها من بحر النيل، فأمر بإبطاله لما كان فيه من الضرر على جدار الجامع. وجد السلطان بيبرس في عمارة ما تهدم من الجامع، فرسم بعمارته، وكتب اسم الظاهر بيبرس على اللوح الأخضر، وجليت العمد كلها، وبيض الجامع بأسره، وذلك في رجب سنة ست وستين وستمائة. ثم جدد في أيام المنصور قلاوون سنة سبع وثمانين وسبعمائة. ولما حدثت الزلزلة في سنة اثنتين وسبعمائة تشعث الجامع فجدده (¬2) سلار نائب السلطنة. ثم تشعث في أيام الظاهر برقوق، فعمره الرئيس برهان الدين إبراهيم بن عمر المحلي ¬

(¬1) المقريزي: "جريان الماء إلى فوارة الفسقية". (¬2) المقريزي: "فأنفق الأميران بيبرس الجاشنكير -وهو يومئذ أستادار الملك الناصر محمد بن قلاوون، والأمير سلار وهو نائب السلطنة، وإليهما تدبير الدولة- على عمارة الجامعين بمصر والقاهرة".

رئيس التجار، وأزال اللوح الأخضر، وجدد لوحا آخر بدله وهو الموجود الآن، وانتهت عمارته في سنة أربع وثمانمائة. وقال ابن المتوج: ذرع هذا الجامع اثنان وأربعون ألف ذراع بذراع البز المصري القديم، وهو ذراع الحصر المستمر الآن، وذرعه بذراع العمل ثمانية وعشرون ألف ذراع، وعدد أبوابه ثلاثة عشر بابا. وممن تولى إمامة هذا الجامع أبو رجب العلاء بن عاصم الخولاني، وهو أول من سلم في الصلاة تسليمتين بهذا الجامع، بكتاب ورد عليه من المأمون يأمره بذلك؛ وصلى خلفه الإمام الشافعي حين قدم مصر، فقال: هكذا تكون الصلاة، ما صليت خلف أحد أتم صلاة من أبي رجب ولا أحسن. ولما تولى القصص حسن بن الربيع بن سليمان في زمن المتوكل سنة أربعين ومائتين، أمر بترك قراءة "بسم الله الرحمن الرحيم" في الصلاة، وأمر أن تصلى التراويح، وكانت تصلى قبل ذلك ست تراويح. قال القضاعيّ: ولم يكن الناس يصلون بالجامع صلاة العيد، حتى كانت سنة ست وثلثمائة صلى فيها رجل يعرف بعلي بن أحمد بن عبد الملك الفهمي (¬1) صلاة الفطر، ويقال: إنه خطب من دفتر نظرا، وحفظ عنه أنه قال: "اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مشركون"، فقال بعض الشعراء: قام في العيد لنا خطيبًا ... فحرض الناس على الكفر (¬2) وذكر بعضهم أنه كان يوقد في الجامع العتيق كل ليلة ثمانية عشر ألف فتيلة، ¬

(¬1) المقريزي: "يعرف بابن أبي شيخة". (¬2) بعده في المقريزي: "وتوفي سنة تسع وثلثمائة".

وأن المطلق برسمه خاصة لوقود كل ليلة أحد عشر قنطارًا زيتًا طيبًا. وقال المقريزي: أخبرني شهاب الدين أحمد بن عبد الله الأوحدي، أخبرني المؤرخ ناصر الدين محمد بن عبد الرحيم بن الفرات، أخبرنا العلامة شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن الصائغ الحنفي، أنه أدرك بجامع عمرو قبل الوباء الكائن في سنة تسع وأربعين وسبعمائة بضعًا وأربعين حلقة لإقراء العلم لا تكاد تبرح منه.

جامع أحمد بن طولون*:

جامع أحمد بن طولون*: هذا الجامع موضعه يعرف بجبل يشكر، قال ابن عبد الظاهر: وهو مكان مشهور بإجابة الدعاء، وقيل: إن موسى عليه صلاة والسلام ناجى ربه عليه بكلمات. وابتدأ في بناء هذا الجامع الأمير أبو العباس أحمد بن طولون بعد بنائه القطائع (¬1) ، وهي مدينة بناها ما بين سفح الجبل حيث القلعة الآن، وبين الكبارة وما بين كوم الجارح وقناطر السباع؛ فهذه كانت القطائع (¬2) . وكان ابتداء بنائه في سنة ثلاث وستين ومائتين، وفرغ منه سنة ست وستين، وبلغت النفقة عليه في بنائه مائة ألف دينار وعشرين ألف دينار. وقيل: إنه قال: أريد أن أبني بناء إن احترقت مصر بقي، وإن غرقت بقي، فقيل: تبني بالجير والرماد والآجر الأحمر، ولا تجعل فيه أساطين خام، فإنه لا صبر له في النار؛ فبنى هذا البناء، فلما كمل بناؤه أمر بأن يعمل دائرة منطقه عنبر معجون ليفوح ريحها على المصلين، وأشعر الناس بالصلاة فيه، فلم يجتمع فيه أحد، وظنوا أنه بناه من مال حرام، فخطب ¬

* المقريزي 4: 36-49. (¬1) المقريزي: "في سنة ثلاث وستين ومائتين". (¬2) قال ابن تغري بردي: "القطائع كانت بمعنى الأطباق التي للمماليك السلطانية الآن، وكانت كل قطيعة لطائفة تسمى بها، فكانت قطيعة تسمى قطيعة السودان، وقطيعة الروم، وقطيعة الفراش؛ ونحو ذلك، وكانت كل قطيعة لكن جماعة؛ وهي بمنزلة الحارات اليوم، وسبب بناء ابن طولون القصر والقطائع، لكثرة مماليكه وعبيده، فضاقت دار العمارة عليه، فركب إلى سفح الجبل، وأمر بحرث قبور اليهود والنصارى، واختط موضعها، وبنى القصر والميدان، ثم أمر لأصحابه وغلمانه أن يختطوا لأنفسهم حول قصره وميدانه بيوتا، واختطوا وبنوا حتى اتصل البناء بعمارة الفسطاط -أعني مصر القديمة- ثم بنيت القطائع، وسميت كل قطيعة باسم من سكنها". النجوم الزاهرة 3: 15.

فيه، وحلف أنه ما بني هذا المسجد بشيء من ماله، وإنما بناه بكنز ظفر به، وإن العشار الذي نصبه على منارته وجده في الكنز (¬1) . فصلى الناس فيه، وسألوه أن يوسع قبلته، فذكر أن المهندسين اختلفوا في تحرير قبلته، فرأى في المنام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو يقول: يا أحمد، ابن قبلة هذا الجامع على هذا الموضع؛ وخط له في الأرض صورة ما يعمل. فلما كان الفجر مضى مسرعا إلى ذلك الموضع؛ فوجد صورة القبلة في الأرض مصورة، فبنى المحراب عليها، ولا يسعه أن يوسع فيه لأجل ذلك، فعظم شأن الجامع، وسألوه أن يزيد فيه زيادة، فزاد فيه. قال الخطيب: ركب أحمد بن طولون يومًا يتصيد بمصر، فغاصت قوائم فرسه في الرمل، فأمر بكشف ذلك الموضع، فظهر له كنز فيه ألف ألف دينار، فأنفقها في أبواب البر والصدقات، وبنى منها الجامع، وأنفق عليه مائة ألف دينار وعشرين ألف دينار، وبنى المارستان، وأنفق عليه ستين ألف دينار. وقال صاحب مرآة الزمان (¬2) : قرأت في تاريخ مصر أن ابن طولون كان لا يعبث قط، ¬

(¬1) المقريزي: "كان أحمد بن طولون يصلي الجمعة في المسجد القديم اللاصق للشرطة، فلما ضاق عليه بنى الجامع الجديد مما أفاء الله عليه من المال الذي وجده فوق الجبل في الموضع المعروف بتنور فرعون، ومنه بني العين، فلما أراد بناء الجامع قدر له ثلاثمائة عمود، فقيل له: ما تجدها أو تنفذ إلى الكنائس في الأرياق والضياع والخراب، فتحمل ذلك؛ فأنكر ذلك ولم يختره، وتعذب قلبه بالفكر في أمره، وبلغ النصراني الذي تولى له بناء العين، وكان قد غضب عليه وضربه، ورماه في المطبق، فكتب إليه يقول: أنا أبنيه لك كما تحب وتختار بلا عمد إلا عمودي القبلة، فأحضروه وقد طال شعره حتى نزل على وجهه، فقال له: ويحك! ما تقول في بناء الجامع؟ فقال: "أنا أصوره للأمير حتى يراه عيانا بلا عمد إلا عمودي القبلة، فأمر بأن تحضر له الجلود فأحضرت، وصوره له، فأعجبه واستحسنه وأطلقه وخلع عليه، وأطلق له للنفقة عليه مائة ألف دينار، فقال له: أنفق، وما احتجت إليه بعد ذلك أطلقناه لك، فوضع النصراني يده في البناء في الموضع الذي هو فيه، وهو جبل يشكر، فكان ينشر منه، ويعمل الجير، ويبني إلى أن فرغ من جميعه، وبيضه وعلق فيه القناديل، والسلاسل الحسان الطوال، وفرش فيه الحصر، وحمل إليه صناديق المصاحف، ونقل إليه القراء والفقهاء". (¬2) مرآة الزمان في تاريخ الأعيان، لسبط ابن الجوزي، في التواريخ القديمة الإسلامية وأخبار الأمم الماضية، رتبه على السنين إلى سنة 654، وهي السنة التي مات فيها المؤلف.

وأنه أخذ يومًا درجًا من الكاغد، وجعل يعبث به، وبقي بعضه في يده، فعجب الحاضرون فقال: اصنعوا منارة الجامع على هذا المثال، وهي قائمة اليوم على ذلك. قال: ولما تم بناء الجامع رأى ابن طولون في منامه كأن الله تجلى للقصور التي حول الجامع، ولم يتجل للجامع، فسأل المعبرين، فقالوا: يخرب ما حوله، ويبقى الجامع قائما وحده. قال: ومن أين لكم هذا؟ قالوا: من قوله تعالى: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} (¬1) . وقوله عليه الصلاة والسلام: "إذا تجلى الله لشيء خضع له"، فكان كما قالوا. وفي الخطط للمقريزي: بنى أحمد بن طولون جامعه على بناء جامع سامراء، كذلك المنارة، وبيضه وحلقه وفرشه بالحصر العبدانية، وعلق فيه القناديل المحكمة لسلاسل النحاس المفرغة الحسان الطوال، وحمل إليه صناديق المصاحف، وكان في وسط صحنه قبة مشبكة من جميع جوانبها، وهي مذهبة على عشرة عمد رخام مفروشة كلها بالرخام، وتحت القبة قصعة رخام سعتها أربعة أذرع، وسطها فوارة تفور بالماء، وكانت على السطح علامات للزوال وأسطح بدرابزين ساج، فاخترق هذا كله في ساعة واحدة في ليلة الخميس لعشر خلون من جمادى الأولى سنة تسع وسبعين وثلاثمائة، فلما كان في محرم سنة خمس وثمانين وثلاثمائة؛ أمر العزيز بالله بن المعز ببناء فوارة عوضا عن التي احترقت. قال المقريزي: ولما كمل بناء جامع بن طولون صلى فيه القاضي بكار (¬2) إمامًا، وخطب فيه أبو يعقوب البلخي، وأملى فيه الحديث الربيع بن سليمان تلميذ الإمام الشافعي، ودفع إليه أحمد بن طولون في ذلك اليوم كيسا فيه ألف دينار (¬3) . وعمل الربيع ¬

(¬1) سورة الأعراف آية: 143. (¬2) المقريزي: "بكار بن قتيبة القاضي". (¬3) المقريزي: "فلما فرغ المجلس خرج إليه غلام بكيس فيه ألف دينار وقال: يقول لك الأمير: نفعك الله بما علمك؛ وهذه لأبي طاهر -يعني ابنه- وتصدق أحمد بن طولون بصدقات عظيمة فيه، وعمل طعاما عظيما للفقراء والمساكين وكان يومًا عظيمًا".

كتابًا (¬1) فيما روي عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: "من بنى لله مسجدًا ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة"، ودس أحمد بن طولون عيونا لسماع ما يقوله الناس من العيوب في الجامع، فقال رجل: محرابه صغير، وقال آخر: ما فيه عمود، وقال آخر: ليس له ميضأة، فجمع الناس وقال: أما المحراب فإني رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد خطه لي، وأما العمد فإني بنيت هذا الجامع من مال حلال وهو الكنز، وما كنت لأشوبه بغيره، وهذه العمد إما أن تكون من مسجد أو كنيسة، فنزهته عنهما؛ وأما الميضأة، فها أنا أبنيها خلفه، ثم عمل في مؤخره ميضأة وخزانة شراب فيها، جمع الأشربة والأدوية، وعليها خدم، وفيها طبيب جالس يوم الجمعة لحادث يحدث من الحاضرين للصلاة، وأوقف على الجامع أوقافًا كثيرة سوى الرباع ونحوها، ولم يتعرض إلى شيء من أراضي مصر ألبتة. ثم لما وقع الغلاء في زمن المستنصر خربت القطائع بأسرها، وعدم السكن هنالك، وصار ما حول الجامع خرابًا. وتوالت الأيام على ذلك، فتشعث الجامع، وخرب أكثره، وصارت المغاربة تنزل فيه بإبلها ومتاعها عند ما تقدم الحج، وتمادى الأمر على ذلك. ثم إن لاجين لما قتل الأشرف خليل بن قلاوون هرب، فاختفى بمنارة هذا الجامع فنذر إن نجاه الله من هذه الفتنة ليعمرنه، فنجاه الله، وتسلطن، فأمر بتجديده، وفوض أموره إلى الأمير علم الدين سنجر الزيني، فعمره ووقف عليه وقفًا، ورتب فيه دروس التفسير والحديث والفقه على المذاهب الأربعة والقراءات والطب، والميقات حتى جعل من جملة ذلك وقفا على الديكة تكون في سطح الجامع في مكان مخصوص بها؛ لأنها تعين الموقتين وتوقظهم في السحر. فلما قرئ كتاب الوقف على السلطان أعجبه، ¬

(¬1) المقريزي: "بابا".

كل ما فيه إلا أمر الديكة، فقال: أبطلوا هذا لا تضحكوا الناس علينا، فأبطل. وأول من ولي نظره بعد تجديده الأمير علم الدين سنجر العادلي، وهو إذ ذاك دوادار السلطان لاجين. ثم ولي نظره قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة، ثم وليه أمير مجلس في أيام الناصر محمد بن قلاوون؛ فلما مات وليه قاضي القضاة عز الدين بن جماعة. ثم ولاه الناصر للقاضي كريم الدين، فجدد فيه مئذنتين، فلما نكبه السلطان عاد نظره للقاضي الشافعي إلى أيام السلطان حسن، فتولاه الأمير صرغتمس؛ وتوفر في مدة نظره من مال الوقف مائة ألف درهم فضة، وقبض عليه وهي حاصلة، فباشره قاضي القضاة إلى أيام الأشرف شعبان، ففوض نظره إلى الأمير الجاي اليوسفي إلى أن غرق، فتحدث فيه القاضي الشافعي إلى أن فوض الظاهر برقوق نظره إلى الأمير قطلوبغا الصفوي، ثم عاد نظره إلى القضاة بعد الصفوي، وهو بأيديهم إلى اليوم. وفي سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة جدد الرواق البحري الملاصق للمئذنة البازدار مقدم الدولة عبيد بن محمد بن عبد الهادي، وجدد فيه أيضًا ميضأة بجانب الميضأة القديمة.

الجامع الأزهر*:

الجامع الأزهر*: هذا الجامع أول جامع أسس بالقاهرة، أنشأه القائد جوهر الكاتب الصقلي مولى المعز لدين الله لما اختط القاهرة، وابتدأ بناءه في يوم السبت لست بقين من جمادى الأولى سنة تسع وخمسين وثلاثمائة، وكمل بناؤه لسبع (¬1) خلون من رمضان سنة إحدى وستين، وكان به طِلَّسم، لا يسكنه عصفور ولا يمام ولا حمام، وكذا سائر الطيور (¬2) . ثم جدده الحاكم بأمر الله، ووقف عليه أوقافًا، وجعل فيه تنورين فضة وسبعة وعشرين قنديلًا فضة، وكان نضده في محرابه منطقة فضة، كما كان في محراب جامع عمرو، فقلعت في زمن صلاح الدين يوسف بن أيوب، فجاء وزنها خمسة آلاف درهم نقرة (¬3) ، وقلع أيضا المناطق من بقية الجوامع. ثم إن المستنصر جدد هذا الجامع أيضا وجدده الحافظ، وأنشأ فيه مقصورة لطيفة بجوار الباب الغربي الذي في مقدم الجامع (¬4) . ثم جدد في أيام الظاهر بيبرس. ولما بني الجامع كانت الخطبة تقام فيه، حتى بني الجامع الحاكمي، فانتقلت الخطبة إليه، وكان الخليفة يخطب في جامع عمرو جمعة، وفي جامع ابن طولون جمعة، وفي ¬

* المقريزي: 4: 49-55. (¬1) المقريزي: "لتسع". وفيه: "وجمع فيه وكتب بدائرة القبة التي في الرواق الأول وهي على يمنة المحراب، والمنبر ما نصه بعد البسملة: "مما أمر ببنائه عبد الله ووليه أبو تميم معد الإمام المعز لدين الله أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى آبائه، وأبنائه الأكرمين على يد عبده جوهر الكاتب الصقلي، وذلك في سنة ستين وثلثمائة". (¬2) المقريزي: "وهو صورة ثلاثة طيور منقوشة، كل صورة على رأس عمود، فمنها صورتان في مقدم الجامع بالرواق الخامس، منها صورة في الجهة الغربية في العمود، وصورة في أحد العمودين اللذين على يسار من استقبل سدة المؤذنين، والصورة الأخرى في الصحن في الأعمدة القبلية مما يلي الشرقية". (¬3) النقرة: القطعة المذابة من الذهب أو الفضة. (¬4) المقريزي: "عرفت بمقصورة فاطمة، من أجل فاطمة الزهراء -رضي الله عنها- رئيت بها في المنام".

الجامع الأزهر جمعة، ويستريح جمعة. فلما بني الجامع الحاكمي صار الخليفة يخطب فيه. ولم تنقطع الجمعة من الجامع الأزهر بالكلية. فلما ولي السلطان صلاح الدين بن أيوب، قلد وظيفة القضاء صدر الدين بن درباس، فعمل بمقتضى مذهبه، وهو امتناع إقامة خطبتين في بلد واحد، كما هو مذهب الشافعي -رضي الله عنه، فأبطل الخطبة من الجامع الأزهر، وأقرها بالجامع الحاكمي لكونه أوسع، فلم يزل الجامع الأزهر معطلا من إقامة الخطبة فيه إلى أيام الظاهر بيبرس، فتحدث في إعادتها فيه، فامتنع قاضي القضاة ابن بنت الأعز وصمم، فولى السلطان قاضيا حنفيا، فأذن في إعادتها فأعيدت.

جامع الحاكم*:

جامع الحاكم*: أول من أسسه العزيز بالله ابن المعز، وخطب فيه، وصلى بالناس (¬1) ، ثم أكمله الحاكم بأمر الله (¬2) ، وكان أولا يعرف بجامع الخطبة، ويعرف اليوم بجامع الحاكم، ويقال له: الجامع الأنور، وكان تمام عمارته في سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة وحبس عليه الحاكم عدة قياسر، وأملاك بباب الفتوح، وقد قدم في الزلزلة الكائنة في سنة اثنتين وسبعمائة، فجدده بيبرس الجاشنكير، ورتب فيه دروسًا على المذاهب الأربعة، ودرس حديث ودرس نحو، ودرس قراءات. ومن بناء الحاكم أيضًا جامع راشدة، بجوار رباط الآثار، وعرف بجامع راشدة؛ لأنه في خطة راشدة؛ قبيلة من لخم. وصلى به الحاكم الجمعة أيضا (¬3) . ومن بنائه أيضًا الجامع الذي بالمقس على شاطئ النيل، ووقف عليه أوقافا، ثم جدده في سنة سبعين وسبعمائة الوزير شمس الدين المقسي (¬4) . ¬

* المقريزي 4: 55-62. (¬1) المقريزي: "هذا الجامع بني خارج باب الفتوح أحد أبواب القاهرة". (¬2) المقريزي: "ثم أكمله الحاكم بأمر الله، فلما وسع أمير الجيوش بدر الجمالي القاهرة، وجعل أبوابها حيث هي اليوم صار جامع الحاكم داخل القاهرة، وكان يعرف أولا بجامع الخطبة". (¬3) نقل المقريزي عن المسبحي في حوادث سنة ثلاث وتسعين وثلثمائة، "ابتدئ ببناء جامع راشدة سابع عشر ربيع الآخر، وكان مكانه كنيسة حولها مقابر لليهود، والنصارى فبنى بالطوب ثم هدم وزيد فيه، وبنى بالحجر، وأقيمت به الجمعة". وانظر المقريزي 4: 63-65. (¬4) انظر المقريزي 4: 63-65.

ومن الجوامع التي بنيت في خلافة بني عبيد الجامع الأقمر، بناه الآمر بأحكام الله (¬1) . والجامع الأفخر؛ وهو (¬2) الذي يقال له اليوم: جامع الفكاهيين بناه الخليفة الظافر. وجامع الصلاح خارج (¬3) باب زويلة بناه الملك الصالح طلائع بن رزيك وزير الخليفة الفائز. ¬

(¬1) المقريزي عن ابن عبد الظاهر "كان مكانه علافون والحوض كان المنظرة، فتحدث الخليفة الآمر مع الوزير المأمون بن البطائحي في إنشائه جامعا، فلم يترك قدام القصر دكانا، وبنى تحت الجامع المذكور في أيامه دكاكين ومخازن من جهة باب الفتوح، لا من صوب القصر، وكمل الجامع المذكور في أيامه، وذلك في سنة تسع عشرة وخمسمائة، وذكر أن اسم الأمر والمأمون عليه". وانظر المقريزي 4: 75-76. (¬2) ذكره المقريزي في 4: 80 باسم جامع الظافر، وقال: "هذا الجامع بالقاهرة في وسط السوق الذي كان يعرف قديما بسوق السراجيين، ويعرف اليوم بسوق الشرابيين.... وهو من المساجد الفاطمية". (¬3) ذكره المقريزي في 4: 81 باسم جامع الصالح.

ذكر أمهات المدارس والخانقاه العظيمة بالديار المصرية:

ذكر أمهات المدارس والخانقاه العظيمة بالديار المصرية: مدخل قال: أول من بنى المدارس في الإسلام الوزير نظام الملك قوام الدين الحسن بن علي الطوسي، وكان وزير السلطان البارسلان السلجوقي عشر سنين، ثم وزر لولده ملكشاه عشرين سنة. وكان يحب الفقهاء والصوفية ويكرمهم، ويؤثرهم، بنى المدرسة النظامية ببغداد، وشرع فيها في سنة سبع وخمسين وأربعمائة، ونجزت سنة تسع وخمسين، وجمع الناس على طبقاتهم فيها يوم السبت عاشر ذي القعدة ليدرس فيها الشيخ أبو إسحاق الشيرازي، فجاء الشيخ ليحضر الدرس، فلقيه صبي في الطريق، فقال: يا شيخ كيف تدرس في مكان مغصوب؟ فرجع الشيخ؛ واختفى. فلما يئسوا من حضوره، ذكر الدرس بها أبو نصر بن الصباغ عشرين يوما. ثم إن نظام الملك احتال على الشيخ أبي إسحاق، ولم يزل يرفق به حتى درس بها، فحضر يوم السبت مستهل ذي الحجة، وألقى الدرس بها إلى أن توفي. وكان يخرج أوقات الصلاة فلا يصلي بمسجد خارجها احتياطًا. وبنى نظام الملك أيضا مدرسة بنيسابور تسمى النظامية، درس بها إمام الحرمين، واقتدى الناس به في بناء المدارس. وقد أنكر الحافظ الذهبي في تاريخ الإسلام على من زعم أن نظام الملك أول من بنى المدارس وقال: قد كانت المدرسة البيهقية بنيسابور قبل أن يولد نظام الملك، والمدرسة السعيدية بنيسابور أيضا، بناها الأمير نصر بن سبكتكين أخو السلطان محمود لما كان واليا بنيسابور، ومدرسة ثالثة بنيسابور، بناها أبو سعد إسماعيل بن علي بن المثنى الأستراباذي الصوفي الواعظ شيخ الخطيب، ومدرسة رابعة بنيسابور أيضا بنيت للأستاذ أبي إسحاق. قال الحاكم في ترجمة الأستاذ أبي إسحاق: لم يكن بنيسابور مدرسة قبلها مثلها؛

وهذا صريح في أنه بني قبلها غيرها. قال القاضي تاج الدين السبكي في طبقاته الكبرى: قد أدرت فكري، وغلب على ظني أن نظام الملك أول من رتب فيها المعاليم للطلبة، فإنه لم يصح لي: هل كان للمدارس قبله معاليم أم لا؟ والظاهر أنه لم يكن لهم معلوم. انتهى. وأما مصر، قال ابن خلكان: لما ملك السلطان صلاح الدين بن أيوب بالديار المصرية، لم يكن بها شيء من المدارس، فإن الدولة العبيدية كان مذهبها مذهب الرافضة والشيعة، فلم يكونوا يقولون بهذه الأشياء، فبنى السلطان صلاح الدين بالقرافة الصغرى المدرسة المجاورة للإمام الشافعي، وبنى مدرسة مجاورة للمشهد الحسيني بالقاهرة، وجعل دار سعيد السعداء خادم الخلفاء المصريين خانقاه (¬1) ، وجعل دار عباس الوزير العبيدي مدرسة للحنفية، وهي المعروفة الآن بالسيوفية، وبنى المدرسة التي بمصر المعروفة بزين التجار للشافعي، وتعرف الآن بالشريفية، وبنى بمصر مدرسة أخرى للمالكية، وهي المعروفة الآن بالقمحية. وقد حكي أن الخليفة المعتضد بالله العباسي لما بنى قصره ببغداد استزاد في الذرع، فسئل عن ذلك، فذكر أنه يريده ليبني فيها دورا ومساكن ومقاصر، يرتب في كل موضع رؤساء، كل صناعة ومذهب من مذاهب العلوم النظرية والعملية، ويجري الأرزاق السنية، ليقصد كل من اختار علما أو صناعة رئيسا، فيأخذ عنه. وقد ذكر الواقدي أن عبد الله بن أم مكتوم قدم مهاجرا إلى المدينة، فنزل دار القراء. ¬

(¬1) الخانقاه، وجمعها خوانق، وكذلك الرباطات والزوايا: معاهد دينية إسلامية للرجال والنساء، أنشئت لإيواء المنقطعين والزهاد والعباد. ولفظ الرباط والزاوية عربيان، أما الخانقاه ففارسية ومعناها البيت، وهي حديثة في الإسلام، في حدود الأربعمائة، وجعلت لتخلي الصوفية فيها للعبادة والتصرف.

ذكر المدرسة الصلاحية:

ذكر المدرسة الصلاحية: بجوار الإمام الشافعي رضي الله عنه، وينبغي أن يقال لها: تاج المدارس، وهي أعظم مدارس الدنيا على الإطلاق لشرفها بجوار الإمام الشافعي؛ ولأن بانيها أعظم الملوك، ليس في الإسلام مثله، لا قبله ولا بعده، بناها السلطان صلاح الدين بن أيوب -رحمه الله تعالى- سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة، وجعل التدريس والنظر بها للشيخ نجم الدين الخبوشاني، وشرط له من المعلوم في كل شهر أربعين دينار معالمة، صرف كل دينار ثلاثة عشر درهما وثلث درهم عن التدريس، وجعل عن معلوم النظر في أوقاف المدرسة عشرة دنانير، ورتب له من الخبز في كل يوم ستين رطلا بالمصري، وراويتين من ماء النيل. قال المقريزي: ولي تدريسها جماعة من الأكابر الأعيان، ثم خلت من مدرس ثلاثين سنة، واكتفي فيها بالمعيدين (¬1) ، وهم عشرة أنفس، فلما كان سنة ثمان وسبعين وستمائة، ولي تدريسها تقي الدين بن رزين، وقرر له نصف المعلوم، فلما مات وليها الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد بربع المعلوم، فلما ولي الصاحب برهان الدين الخضر السنجاري التدريس قرر له المعلوم الشاهد به كتاب الوقف. وقد استمرت بيد الخبوشاني إلى أن مات سنة سبع وثمانين وخمسمائة، فوليها شيخ الشيوخ صدر الدين أبو الحسن محمد بن حَمَّويْه الجويني في حياة الواقف، فلما مات الواقف عزل ¬

(¬1) المعيد: ما عليه قدر زائد على سماع الدروس، من تفهيم الطلبة ونفعهم، معيد النعم 180.

عنها واستمرت عليها أيدي بني السلطان، واحدا بعد واحد، ثم خلصت بعد ذلك وعاد إليها الفقهاء والمدرسون. كذا في تاريخ ابن كثير. وذكر المقريزي في الخطط أن صدر الدين بن حموي ولي تدريس الشافعي، وأنه وليها ولده كمال الدين أحمد، ومات سنة سبع وثلاثين وستمائة، ثم وليها قاضي القضاة تاج الدين بن بنت الأعز، ثم وليها قاضي القضاة تقي الدين بن رزين، ثم وليها قاضي القضاة تقي الدين بن بنت الأعز، ثم وليها قاضي القضاة شخ الإسلام تقي الدين بن دقيق العيد، ثم وليها عز الدين محمد بن محمد بن الحارث بن مسكين، ثم وليها في سنة إحدى عشرة وسبعمائة ضياء الدين عبد الله بن أحمد بن منصور النشائي (¬1) ، ومات سنة ست عشرة وسبعمائة، ثم وليها مجد الدين حرمي بن قاسم بن يوسف الفاقوسي إلى أن مات سنة أربع وثلاثين وسبعمائة، ثم وليها شمس الدين بن القماح، ثم ضياء الدين محمد بن إبراهيم المناوي، ثم شمس الدين بن اللبان، ثم شمس الدين محمد بن أحمد بن خطيب بيروت الدمشقي، ثم بهاء الدين بن الشيخ تقي الدين السبكي، ثم أخوه تاج الدين لما سافر بهاء الدين عوضه قاضيا بالشام، ثم لما عاد تاج الدين إلى القضاء عاد إليها إلى التدريس إلى أن مات. ثم ابن عمه قاضي القضاة بهاء الدين أبو البقاء محمد بن عبد البر السبكي، ثم ولده بدر الدين محمد، ثم البرهان بن جماعة، ثم الشيخ سراج الدين البلقيني، ثم أعيد البرهان بن جماعة، ثم أعيد بدر الدين أبو البقاء السبكي، ثم قاضي القضاة عماد الدين أحمد بن عيسى الكركي، ثم أعيد البدر بن أبي البقاء، ثم وليها بعده ولده جلال الدين محمد إلى أن مات، فوليها بعده شمس الدين البيري أخو جمال الدين الأستادار، ثم عزل في سنة اثنتي عشرة وثمانمائة لما نكب أخوه. ووليها ¬

(¬1) ط: "النسائي" تحريف.

نور الدين علي بن عمر التلواني (¬1) ، فأقام بها مدة طويلة إلى أن مات في ذي القعدة سنة أربع وأربعين وثمانمائة؛ وهو أطول شيوخها مدة، ووليها بعده العلاء القلقشندي، ثم ابن حجر الوناني (¬2) ، ثم القاياتي، ثم السفطي، ثم الشرف المناوي، ثم السراج الحمصي ثم أعيد المناوي إلى أن مات، ثم ولده زين العابدين، ثم ابنه ثم إمام الكاملية، ثم الحمصي، ثم الشيخ زكريا. ¬

(¬1) التلواني، بالكسر، ونسبه لتلوانة قرية بالمنوفية. (¬2) الونائي، منسوب لوناء من قرى الصعيد.

خانقاه سعيد السعداء*:

خانقاه سعيد السعداء*: وقفها السلطان صلاح الدين بن أيوب، وكانت دارا لسعيد السعداء قنبر -ويقال: عنبر- عتيق الخليفة المستنصر (¬1) ، فلما استبد الناصر صلاح الدين بالأمر، وقفها على الصوفية في سنة تسع وستين وخمسمائة، ورتب لهم كل يوم طعاما ولحما وخبزا، وهي أول خانقاه عملت بديار مصر، ونعت شيخها بشيخ الشيوخ، وما زال ينعت بذلك إلى أن بنى الناصر محمد بن قلاوون خانقاه سرياقوس، فدعي شيخها بشيخ الشيوخ، فاستمر ذلك بعدهم إلى أن كانت الحوادث، والمحن منذ سنة ست وثمانمائة، وضاعت الأحوال، وتلاشت الرتب، تلقب كل شيخ خانقاه بشيخ الشيوخ، وكان سكانها من الصوفية، يعرفون بالعلم والصلاح، وترجى بركتهم. وولي مشيختها الأكابر، وحيث أطلق في كتب الطبقات في ترجمة أحد أنه ولي "مشيخة الشيوخ"، فالمراد مشيختها، ولشيخها شيخ الشيوخ؛ هذا هو المراد عند الإطلاق. وقد وليها عن الواقف صدر الدين محمد بن حمويه الجويني، ثم ولده كمال الدين أحمد، ثم ولده معين الدين حسن أخو كمال الدين، ثم وليها كريم الدين عبد الكريم بن الحسين الآملي، ثم وليها قاضي القضاة تاج الدين بن بنت الأعز، ثم وليها الشيخ صابر الدين حسن البخاري، ثم وليها شمس الدين محمد بن أبي بكر الأيلي، ثم وليها قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة، ثم وليها الآملي، ثم وليها العلامة علاء الدين القونوي، ثم وليها مجد الدين موسى بن أحمد بن محمود الأقصرائي، ثم وليها شمس الدين محمد بن إبراهيم ¬

* المقريزي 4: 273-275. (¬1) في المقريزي: "أحد الأستاذين المحنكين خدام القصر عتيق الخليفة المستنصر، قتل في سابع شعبان سنة أربع وأربعين وخمسمائة، ورمى برأسه من القصر، ثم صلبت جثته بباب زويلة".

النقشواني، ثم وليها كمال الدين أبو الحسن الجواري، ثم سراج الدين عمر الصدي إلى أن مات سنة تسع وأربعين وسبعمائة، ثم وليها الشيخ بدر الدين حسن بن العلامة علاء الدين القونوي إلى أن مات سنة ست وسبعين وسبعمائة، ثم جلال الدين جار الله الحنفي إلى سنة ثمان وسبعين وسبعمائة، ثم وليها علاء الدين أحمد بن السرائي، ثم الشيخ برهان الدين الأنباسي، ثم شمس الدين محمد بن محمود بن عبد الله ابن أخي جار الله، ثم أعيد البرهان الأنباسي، ثم شهاب الدين أحمد بن محمد الأنصاري، ثم أعيد محمد بن أخي جار الله، ثم وليها شمس الدين محمد بن علي البلالي مدة متطاولة إلى أن مات سنة عشرين وثمانمائة، ثم وليها شمس الدين البيري أخو جمال الدين الأستادار، ثم وليها الشيخ شهاب الدين بن المحموه، ثم جمال الدين يوسف بن أحمد التزمنتي المعروف بابن المجبر، ثم أعيد ابن المحموه، ثم القاياتي، ثم الشيخ خالد، ثم تقي الدين القلقشندي، ثم السراج العبادي، ثم الكوراني، ثم السنتاوي.

المدرسة الكاملية*:

المدرسة الكاملية*: وهي دار الحديث، وليس بمصر دار حديث غيرها، وغير دار الحديث التي بالشيخونية. قال المقريزي: وهي ثاني دار عملت للحديث، فإن أول من بنى دار حديث على وجه الأرض الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي بدمشق، ثم بنى الكامل هذه الدار، بناها الملك الكامل، وكملت عمارتها في سنة إحدى وعشرين وستمائة، وجعل شيخها أبا الخطاب عمر بن دحية، ثم وليها بعده أخوه أبو عمرو عثمان بن دحية، ثم وليها الحافظ زكي الدين عبد العظيم المنذري، ثم وليها شرف الدين بن أبي الخطاب بن دحية، ثم وليها بعده المحدث محيي الدين بن سراقة، ثم وليها تاج الدين بن القسطلاني المالكي، ثم وليها النجيب عبد اللطيف الحراني، ثم وليها القطب القسطلاني الشافعي، ثم وليها ابن دقيق العيد، ثم وليها أبو عمرو بن سيد الناس والد الحافظ فتح الدين، فانتزعها منه البدر بن جماعة، ثم وليها عماد الدين محمد بن علي بن حرمي الدمياطي ومات سنة تسع وأربعين وسبعمائة، ثم البدر بن جماعة، ثم نزل عنها للجمال بن التركماني إلى أن مات سنة تسع وستين وسبعمائة، ووليها الحافظ زين الدين العراقي، ثم لما أن ولي قضاء المدينة سنة ثمان وثمانين وسبعمائة، استقر فيها الشيخ سراج الدين بن الملقن.

المدرسة الصالحية*:

المدرسة الصالحية*: بين القصرين هي أربع (¬1) مدارس للمذاهب الأربعة، بناها الملك الصالح نجم الدين أيوب ابن الملك الكامل، شرع في بنائها سنة تسع وثلاثين (¬2) . قال المقريزي: وهذه المدرسة من أجل مدارس القاهرة، إلا أنها قد تقادم عهدها، فرثت، ولما فتحت أنشد فيها الأديب أبو الحسين الجزار: ألا هكذا يبني المدارس من بنى ... ومن يتغالى في الثواب وفي البنا في أبيات أخر. قال السراج الوراق: مليك له في العلم حب وأهله ... فلله حب ليس فيه ملام! فشيدها للعلم مدرسة غدا ... عراق أهلها إذ ينسبون وشام ولا تذكرن يوما نظامية لها ... فليس يضاهي ذا النظام نظام قال ابن السنبرة الشاعر -وقد نظر إلى قبر الملك الصالح، وقد دفن إلى ما يختص بالمالكية من مدرسته: بنيت لأرباب العلوم مدارسًا ... لتنجو بها من هول يوم المهالك وضاقت عليك الأرض لم تلق منزلا ... تحل به إلا إلى جنب مالك ¬

* المقريزي 4: 209-211. (¬1) المقريزي: "هذه المدرسة بخط بين القصرين من القاهرة، كان موضعها من جملة القصر الكبير الشرقي". (¬2) قال المقريزي: "ورتب فيها دروسًا أربعة للفقهاء المنتمين إلى المذاهب الأربعة في سنة إحدى وأربعين وستمائة، وهو أول من عمل بمصر دروسًا أربعة في مكان.

المدرسة الظاهرية القديمة*:

المدرسة الظاهرية القديمة*: للملك الظاهر بيبرس البندقداري شرع في بنائها سنة إحدى وستين وستمائة، وتمت في أول سنة اثنتين وستين، ورتب لتدريس الشافعية بها تقي الدين بن رزين، والحنفية محب الدين عبد الرحمن بن الكمال عمر بن العديم، ولتدريس الحديث الحافظ شرف الدين الدمياطي، ولإقراء القراءات بالروايات كمال الدين القرشي، ووقف بها خزانة كتب (¬1) . المدرسة المنصورية*: أنشأها هي والبيمارستان الملك المنصور قلاوون، وكان على عمارتها الأمير علم الدين سنجر الشجاعي، فلما تما دخل عليه الشرف البوصيري، فمدحه بقصيدة أولها: أنشأت مدرسة ومارستانا ... لتصحح الأديان والأبدانا فأعجبه ذلك وأجزل عطاءه، ورتب في هذه المدرسة دروس فقه على المذاهب الأربعة، ودرس تفسير ودرس حديث، ودرس طب. ¬

* المقريزي: 4: 216-217. (¬1) المقريزي: "جعل بها خزانة كتب تشتمل على أمهات الكتب في سائر العلوم، وبنى بجانبها مكتبا لتعليم أيتام المسلمين كتاب الله تعالى، وأجرى لهم الجرايات والكسوة".

المدرسة الناصرية*:

المدرسة الناصرية*: ابتدأها العادل كتبغا، وأتمها الناصر محمد بن قلاوون، فرغ من بنائها سنة ثلاث وسبعمائة، ورتب بها درسا للمذاهب الأربعة. قال المقريزي: أدركت هذه المدرسة وهي محترمة إلى الغاية، يجلس بدهليزها عدة من الطواشية، ولا يمكن غريب أن يصعد إليها (¬1) . الخانقاه البيبرسية*: بناها الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكيري في سنة سبع وسبعمائة موضع دار الوزارة، ومات بعد أن تسلطن، فأغلقها الناصر بن قلاوون في سلطنته الثالثة مدة، ثم أمر بفتحها. قال المقريزي: وهي أجل خانقاه بالقاهرة بنيانًا، وأوسعها مقدارا، وأتقنها صنعة، والشباك الكبير الذي بها هو الشباك الذي كان بدار الخلافة ببغداد. وكانت الخلفاء تجلس فيه، حمله الأمير البساسيري من بغداد لما غلب على الخليفة القائم العباسي، وأرسل به إلى صاحب مصر. ¬

* المقريزي 4: 221. (¬1) بعدها في المقريزي "وكان يفرق بها على الطلبة والقراء، وسائر أرباب الوظائف بها السكر في كل شهر لكل أحد منهم نصيب".

خانقاه قوصون بالقرافة*:

خانقاه قوصون بالقرافة*: بنيت في سنة ست وثلاثين وسبعمائة، وأول من ولي مشيختها الشمسي محمود الأصفهاني الإمام المشهور صاحب التصانيف المشهورة، وكانت من أعظم جهات البر، وأعظمها خيرًا، إلى أن حصلت المحن سنة ست وثمانمائة، فتلاشى أمرها كما تلاشى غيرها. خانقاه شيخو*: بناها الأمير الكبير رأس نوبة الأمراء الجمدارية سيف الدين شيخو العمري جالبه خواجا عمر، وأستاذه الناصر محمد بن قلاوون، ابتدأ عماراتها في المحرم سنة ست وخمسين وسبعمائة، وفرغ من عمارتها في سنة سبع وخمسين وسبعمائة ورتب فيها أربعة دروس على المذاهب الأربعة، ودرس حديث، ودرس قراءات ومشيخة إسماع الصحيحين والشفاء، وفي ذلك يقول ابن أبي حجلة: ومدرسة للعلم فيها مواطن ... فشيخو بها فرد وإيتاره جمع لئن بات منها في القلوب مهابة ... فواقفها ليث وأشياخها سبع ومات شيخو بعد فراغها بسنة في ذي الحجة سنة ثمان وخمسين، وشرط في شيخها الأكبر، وهو شيخ حضور التصوف وتدريس الحنفية بالديار المصرية، وان يكون عارفا بالتفسير والأصول، وألا يكون قاضيا؛ وهذا الشرط عام في جميع أرباب الوظائف بها.

وأول من تولى المشيخة بها الشيخ أكمل الدين محمد بن محمود البابرتي. وأول من تولى تدريس الشافعية بها الشيخ بهاء الدين بن الشيخ تقي الدين السبكي. وأول من تولى تدريس المالكية بها الشيخ خليل، صاحب المختصر. وأول من تولى تدريس الحنابلة بها قاضي القضاة موفق الدين. وأول من تولى تدريس الحديث بها جمال الدين عبد الله بن الزولي، وأقام الشيخ أكمل الدين في المشيخة إلى أن مات في رمضان سنة ست وثمانين. وولي بعده عز الدين يوسف بن محمود الرازي إلى أن مات في المحرم سنة أربع وتسعين. وولي بعده جمال الدين محمود بن أحمد القيصري المعروف بابن العجمي، ثم عزل في سنة خمس وتسعين. وولي الشيخ سيف الدين السيرامي مضافا لمشيخة الظاهرية. ثم ولي بدر الدين الكلساني، ثم عزل وولي الشيخ زاده. ثم ولي بعده جمال الدين بن العديم سنة ثمان وثمانمائة، ثم ولده ناصر الدين سنة إحدى عشرة وثمانمائة. ثم وليها أمين الدين بن الطرابلسي سنة اثنتي عشرة، ثم أعيد ابن العديم، ثم وليها شرف الدين بن التباني، سنة خمس عشرة إلى أن مات في صفر سنة سبع وعشرين، وولي الشيخ سراج قارئ الهداية إلى أن مات سنة تسع وعشرين، ووليها الشيخ زين الدين التفهني، ثم صرف في سنة ثلاث وثلاثين بالقضاء، ووليها صدر الدين بن العجمي، فمات في رجب من عامه، ووليها البدر حسن بن أبي بكر القدسي، ثم وليها الشيخ باكير.

مدرسة صرغتمش*:

مدرسة صرغتمش*: ابتدأ بعمارتها في رمضان سنة ست وخمسين وسبعمائة، وتمت في جمادى الأولى سنة سبع وخمسين، وهي من أبدع المباني وأجلها، ورتب فيها درس فقه على مذهب الحنفية، قرر فيه القوام الإتقاني، ودرس حديث. وقال العلامة شمس الدين بن الصائغ: ليهنك يا صرغتمش ما بنيته ... لأخراك في دنياك من حسن بنيان به يزدهي الترخيم كالزهر بهجة ... فلله من زهر ولله من بان!

مدرسة السلطان حسن بن الناصر محمد بن قلاوون:

مدرسة السلطان حسن بن الناصر محمد بن قلاوون: شرع في بنائها في سنة ثمان وخمسين وسبعمائة، وكان في موضعها دور وإسطبلات. قال المقريزي: لا يعرف ببلاد الإسلام معبد من معابد المسلمين يحكي هذه المدرسة في كبر قالبها، وحسن هندامها، وضخامة شكلها، قامت العمارة فيها مدة ثلاث سنين، لا تبطل يوما واحدا، وأرصد لمصروفها في كل يوم عشرين ألف درهم، منها نحو ألف مثقال ذهبًا، حتى قال السلطان: لولا أن يقال: ملك مصر عجز عن إتمام ما بناه لتركت بناءها؛ من كثرة ما صرف. وذرع إيوانها الكبير خمسة وستون ذراعا في مثلها، ويقال: إنه أكبر من إيوان كسرى بخمسة أذرع، وبها أربع مدارس للمذاهب الأربعة. قال الحافظ ابن حجر في إنباء الغمر: يقال: إن السلطان حسن أراد أن يعمل في مدرسته درس فرائض، فقال البهاء السبكي: هو باب من أبواب الفقه، فأعرض عن ذلك. فاتفق وقوع قضية في الفرائض مشكلة، فسئل عنها السبكي، فلم يجب عنها، فأرسلوا إلى الشيخ شمس الدين الكلائي (¬1) فقال: إذا كانت الفرائض بابًا من أبواب الفقه، فما له لا يجيب؟ فشق ذلك على بهاء الدين وندم على ما قال. وكان السلطان قد عزم على أن يبني أربع منائر، يؤذنون عليها، فتمت ثلاث منائر إلى أن كان يوم السبت سادس ربيع الآخر سنة اثنتين وستين وسبعمائة، سقطت المنارة التي على الباب، فهلك تحتها نحو ثلاثمائة نفس من الأيتام الذي كانوا قد رتبوا بمكتب السبيل ومن غيرهم، فلهج الناس بأن ذلك ينذر بزوال الدولة، فقال الشيخ بهاء الدين السبكي في ذلك أبياتا: أبشر فسعدك يا سلطان مصر أتى ... بشيره بمقال سار كالمثل ¬

(¬1) الكلائي، بالفتح، منسوب لكفر كلا الباب بالغربية.

إن المنارة لم تسقط لمنقصة ... لكن لسر خفي قد تبين لي من تحتها قرئ القرآن فاستمعت ... فالوجد في الحال أداها إلى الميل لو أنزل الله قرآنا على جبل ... تصدعت رأسه من شدة الوجل تلك الحجارة لم تنقض بل هبطت ... من خشية الله لا للضعف والخلل وغاب سلطانها فاستوحشت فرمت ... بنفسها لجوى في القلب مشتعل فالحمد لله خط العين زال بما ... قد كان قدره الرحمن في الأزل لا يعتري البؤس بعد اليوم مدرسة ... شيدت بنيانها للعلم والعمل ودمت حتى ترى الدنيا بها امتلأت ... علمًا فليس بمصر غير مشتغل فاتفق قتل السلطان بعد سقوط المئذنة بثلاثة وثلاثين يوما.

المدرسة الظاهرية:

المدرسة الظاهرية: كان الشروع في عمارتها في رجب سنة ست وثمانين، وانتهت في رجب سنة ثمان وثمانين، وكان القائم على عمارتها جركس الخليلي أمير أخور، وقال الشعراء في ذلك وأكثروا، فمن أحسن ما قيل: الظاهر الملك السلطان همته ... كادت لرفعته تسمو على زحل وبعض خدامه طوعًا لخدمته ... يدعو الجبال فتأتيه على عجل قال ابن العطار: قد أنشأ الظاهر السلطان مدرسة ... فاقت على إرم مع سرعة العمل يكفي الخليلي أن جاءت لخدمته ... شم الجبال لها تأتي على عجل قال الحافظ ابن حجر: ومن رأى الأعمدة التي بها عرف الإشارة. ونزل السلطان غليها في الثاني عشر من رجب، ومد سماطا عظيما، وتكلم فيها المدرسون، واستقر علاء الدين السيرامي مدرس الحنفية بها، وشيخ الصوفية، وبالغ السلطان في تعظيمه حتى فرش سجادته بيده، واستقرأ أوحد الدين (¬1) الرومي مدرس الشافعية، وشمس الدين ابن مكين مدرس المالكية، وصلاح بن الأعمى مدرس الحنابلة، وأحمد زاده العجمي مدرس الحديث، وفخر الدين الضرير إمام الجامع الأزهر مدرس القراءات. قال ابن حجر: فلم يكن منهم من هو فائق في فنه على غيره من الموجودين غيره، ثم بعد مدة قرر فيها الشيخ سراج الدين البلقيني مدرس التفسير، وشيخ الميعاد. ¬

(¬1) ط: "وحيد الدين".

المدرسة المؤيدية:

المدرسة المؤيدية: انتهت عمارتها في سنة تسع عشرة وثمانمائة، وبلغت النفقة عليها أربعين ألف دينار، واتفق بعد ذلك بسنة ميل المئذنة التي بنيت لها على البرج الشمالي بباب زويلة، وكان الناظر على العمارة بهاء الدين بن البرجي، فأنشد تقي الدين بن حجة في ذلك أبيات: على البرج من بابي زويلة أنشئت ... منارة بيت الله للعمل المنجي فأخذ بها البرج اللعين آمالها ... ألا صرحوا يا قوم باللعن للبرج وقال شعبان الأثاري: عتبنا على ميل المنار زويلة ... وقلنا تركت الناس بالميل في هرج فقالت قريني برج نحس أمالني ... فلا بارك الرحمن في ذلك البرج قال الحافظ ابن حجر: لجامع مولانا المؤيد رونق ... منارته بالحسن تزهو وبالزين تقول وقد مالت عن القصد أمهلوا ... فليس على جسمي أضر من العين وقال العيني: منارة كعروس الحسن إذ جليت ... وهدمها بقضاء الله والقدر قالوا أصيبت بعين قلت ذا غلط ... ما أوجب الهدم إلا خسة الحجر وقال نجم الدين بن النبيه: يقولون في تلك المنار تواضع ... وعين وأقوال وعندي جليها فلا البرج أخنى والحجارة لم تعب ... ولكن عروس أثقلتها حليها

رباط الآثار*:

وقال أيضا: بجامع مولانا المؤيد أنشئت ... عروس سمت ما خلت قط مثالها ومذ علمت أن لا نظير لها انثنت ... وأعجبها والعجب عنا أمالها رباط الآثار*: بالقرب من بركة الحبش (¬1) عمره الصاحب تاج الدين بن الصاحب فخر الدين بن الصاحب بهاء الدين حنا (¬2) ، وفيه قطعة خشب وحديد، وأشياء أخر من آثار رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬3) ، اشتراها الصاحب المذكور بمبلغ ستين ألف درهم فضة من بني إبراهيم أهل ينبع؛ ذكروا إنها لم تزل موروثة عندهم من واحد إلى واحد إلى رسول -الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحملها إلى هذا الرباط، وهي به إلى اليوم يتبرك (¬4) بها. ومات الصاحب تاج الدين في جمادى الآخرة سنة سبع وسبعمائة. وللأديب جلال الدين بن خطيب داريا في الآثار بيتان: يا عين إن بعد الحبيب وداره ... ونأت مرابعه وشط مزاره (¬5) فلقد ظفرت من الزمان بطائل ... إن لم تريه فهذه آثاره ¬

* المقريزي 4: 295-297. (¬1) المقريزي: "مطل على النيل وبحاور للبستان المعروف بالمعشوق". (¬2) هو تاج الدين محمد بن الصاحب فخر الدين محمد بن الوزير الصاحب بهاء الدين علي بن سليم بن حنا. ولد سنة 640، وسمع من سبط السلفي، وحدث، وإليه انتهت رياسة عصره، وكان صاحب صيانة وسؤدد ومكارم وشاكلة حسنة، وبزة فاخرة. وزر سنة 693. وتوفي سنة 707. المقريزي 4: 296. (¬3) المقريزي: "وإنما قيل له: رباط الآثار؛ لأن فيه قطعة خشب وحديد، ويقال: إن ذلك من آثار رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (¬4) قال المقريزي: "وأدركنا لهذا الرباط بهجة، وللناس فيه اجتماعات، ولسكانه عدة منافع لمن يتردد إليه أيام كان ماء النيل تحته دائما، فلما انحسر الماء من تجاهه وحدثت المحن من سنة ست وثمانمائة قل تردد الناس إليه، وفيه إلى اليوم بقية". (¬5) المقريزي 4: 276، قال: وقد سبقه لذلك الصلاح خليل بن أيبك الصفدي؛ فقال: أكم بآثار النبي محمد ... من زاره استوفى السرور مزاره يا عين دونك فانظري وتمتعي ... إن لم تريه فهذه آثاره واقتدى بهما في ذلك أبو الحزم المدني فقال: يا عين كم ذا تفحين مدامعا ... شوقا لقرب المصطفى ودياره إن كان صرف الدهر عاقك عنهما ... فتمتعي يا عين في آثاره

ذكر الحوادث الغريبة الكائنة بمصر في ملة الإسلام من غلاء ووباء وزلازل وآيات وغير ذلك:

ذكر الحوادث الغريبة الكائنة بمصر في ملة الإسلام من غلاء ووباء وزلازل وآيات وغير ذلك: في سنة أربع وثلاثين من الهجرة، قال سيف بن عمر: إن (¬1) رجلا يقال له: عبد الله بن سبأ كان يهوديا فأظهر الإسلام، وصار إلى مصر، فأوحى إلى طائفة من الناس كلامًا اخترعه من عند نفسه، مضمونه أنه كان يقول للرجل: أليس قد ثبت أن عيسى بن مريم سيعود إلى هذه الدنيا (¬2) ؟ فيقول الرجل: بلى، فيقول له: رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أفضل منه، فما يمنع أن يعود إلى هذه الدنيا وهو أشرف من عيسى! ثم يقول: وقد كان أوصى إلى علي بن أبي طالب؛ فمحمد خاتم الأنبياء، وعلي خاتم الأوصياء. ثم يقول: فهو أحق بالأمر من عثمان، وعثمان معتد في ولايته ما ليس له. فأنكروا عليه، فافتتن به بشر كثير من أهل مصر وكان ذلك مبدأ تألبهم على عثمان. وفي سنة ست وستين وقع الطاعون بمصر (¬3) . وفي سنة سبعين كان الوباء بمصر، قاله الذهبي (¬4) . وفي سنة أربع وثمانين قتل عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي، ¬

(¬1) الخبر في الطبري 4: 340. (¬2) كذا في الأصول، وعبارة الطبري: "العجب ممن يزعم أن عيسى يرجع، ويكذب بأن محمدًا يرجع، وقد قال تعالى: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} ، فمحمد أحق بالرجوع من عيسى". (¬3) النجوم الزاهرة 1: 179: "وفيها كان الطاعون بمصر، ومات فيه خلائق عظيمة، وهذا خامس طاعون مشهور في الإسلام". (¬4) في العبر 1: 78.

وقطع رأسه، فأمر الحجاج فطيف به في العراق، ثم بعث به إلى عبد الملك بن مروان، فطيف به في الشام، ثم بعث به إلى عبد العزيز بن مروان وهو بمصر، فطيف به فيها، ودفن بمصر، وجثته بالرخج (¬1) ، فقال بعض الشعراء في ذلك: هيهات موضع جثة من رأسها ... رأس بمصر وجثة بالرخج وفي سنة خمس وثمانين كان الطاعون بالفسطاط، ومات فيه عبد العزيز بن مروان أمير مصر. وفي سنة خمس وأربعين ومائة، انتثرت الكواكب من أول الليل إلى الصباح، فخاف الناس. ذكره صاحب المرآة. وفي سنة ثمانين ومائة كان بمصر زلزلة شديدة سقطت منها رأس منارة الإسكندرية. وفي سنة ست عشرة ومائتين، وثب رجل يقال له: عبدوس الفهري في شعبان ببلاد مصر، فتغلب على نواب أبي إسحاق بن الرشيد (¬2) ، وقويت شوكته، واتبعه خلق كثير، فركب المأمون من دمشق في ذي الحجة إلى الديار المصرية، فدخلها في المحرم سنة سبع عشرة، وظفر بعبدوس، فضرب عنقه، ثم كر راجعا إلى الشام (¬3) . وفي سنة سبع وثلاثين ومائتين ظهر في السماء شيء مستطيل دقيق الطرفين، عريض الوسط، من ناحية المغرب إلى العشاء الآخرة، ثم ظهر خمس ليل وليس بضوء كوكب، ولا كوكب له ذنب، ثم نقص. قاله في المرآة. وفي سنة ثمان وثلاثين ومائتين، أقبلت الروم في البحر في ثلثمائة مركب، وأبهة عظيمة، فكبسوا دمياط، وسبوا وأحرقوا وأسرعوا الكسرة في البحر، وسبوا ستمائة امرأة، وأخذوا من الأمتعة والأسلحة شيئًا كثيرا، وفر الناس منهم في كل جهة، ¬

(¬1) الرخج: كورة أو مدينة من نواحي كابل. (¬2) هو أبو إسحاق المعتصم، وكان من ولاته على مصر عيسى بن منصور بن موسى بن عيسى الرافقي، مولى بني نصر بن معاوية، وليها بعد عزل عبدويه بن جبلة عنها. النجوم الزاهرة 2: 215. (¬3) الحادثة مفصلة في النجوم الزاهرة 2: 215، 216.

فكان من غرق في بحيرة تنيس أكثر ممن أسر، ورجعوا إلى بلادهم، ولم يعرض لهم أحد (¬1) . وفي سنة اثنتين وأربعين ومائتين، زلزلت الأرض ورجمت السويداء "قرية بناحية مصر" من السماء، ووزن حجر من الحجارة فكان عشرة أرطال. وفي سنة أربع وأربعين ومائتين، اتفق عيد الأضحى وعيد الفطر لليهود، وشعانين النصارى في يوم واحد. قال ابن كثير: وهذا عجيب غريب (¬2) . وقال في المرآة: لم يتفق في الإسلام مثل ذلك. وفي سنة خمس وأربعين ومائتين زلزلت مصر، وسمع بتنيس ضجة دائمة طويلة، مات منها خلق كثير (¬3) . وفي سنة ست وستين ومائتين قتل أهل مصر عاملهم الكرخي. وفي سنة ثمان وستين ومائتين، قال ابن جرير: اتفق أن رمضان كان يوم الأحد وكان الأحد الثاني الشعانين، والأحد الثالث الفصح، والأحد الرابع السرور، والأحد الخامس انسلاخ الشهر. وفي سنة تسع وستين في المحرم، كسفت الشمس وخسف القمر، واجتماعهما في سهر نادر. قاله في المرآة. وفي سنة ثمان وسبعين ومائتين، قال ابن الجوزي: لليلتين بقيتا من المحرم طلع نجم ذو جمة، ثم صارت الجمة ذؤابة. قال: وفي هذه السنة وردت الأخبار أن نيل مصر غار، فلم يبق منه شيء، وهذا شيء لم يعهد مثله، ولا بلغنا في الأخبار السابقة، فغلت الأسعار بسبب ذلك. وفي أيام أحمد بن طولون تساقطت النجوم، فراعه ذلك فسأل ¬

(¬1) النجوم الزاهرة 2: 296. (¬2) تاريخ ابن كثير 10: 346. (¬3) ابن كثير 10: 346.

العلماء والمنجمين عن ذلك، فما أجابوا بشيء، فدخل عليه الجمل الشاعر وهم في الحديث، فأنشد في الحال: قالوا تساقطت النجو ... م لحادث فظ عسير فأجبت عند مقالهم ... بجواب محتنك خبير هذي النجوم الساقطا ... ت نجوم أعداء الأمير فتفاءل ابن طولون بذلك، ووصله. وفي سنة اثنتين وثمانين ومائتين، زفت قطر الندى بنت خمارويه بن أحمد بن طولون، من مصر إلى الخليفة المعتضد، ونقل أبوها في جهازها ما لم ير مثله، وكان من جملته ألف تكة بجوهر وعشرة صناديق جوهر، ومائة هون ذهب، ثم بعد كل حساب معها مائة ألف دينار لتشتري بها من العراق ما قد تحتاج إليه مما لا يتهيأ مثله بالديار المصرية. وقال بعض الشعراء: يا سيد العرب الذي وردت له ... باليمن والبركات سيدة العجم فاسعد بها كسعودها بك إنها ... ظفرت بما فوق المطالب والهمم شمس الضحى زفت إلى بدر الدجى ... فتكشفت بهما عن الدنيا الظلم وفي سنة أربع وثمانين ومائتين ظهر بمصر ظلمة شديدة، وحمرة في الأفق حتى جعل الرجل ينظر إلى وجه صاحبه فيراه أحمر اللون جدًّا، وكذلك الجدران، فمكثوا كذلك من العصر إلى الليل، فخرجوا إلى الصحراء يدعون الله ويتضرعون إليه حتى كشف عنهم. حكاه ابن كثير (¬1) . وفي سنة ثلاث وتسعين ومائتين، ظهر رجل بمصر يقال له: الخلنجي (¬2) ، فخلع الطاعة واستولى على مصر، وحارب الجيوش، وأرسل إليه الخليفة المكتفي جيشًا فهزمهم ¬

(¬1) تاريخ ابن كثير 11: 76. (¬2) هو محمد بن علي، قال صاحب النجوم الزاهرة: "شاب من الجند المصريين".

ثم أرسل إليه جيشًا آخر عليهم فاتك المعتضدي، فهزم الخلنجي، وهرب، ثم ظفر به وأمسك، وسير إلى بغداد (¬1) . وفي سنة تسع وتسعين ومائتين، ظهر ثلاثة كواكب مذنبة، أحدها في رمضان، واثنان في ذي القعدة تبقى أياما، ثم تضمحل حكاه ابن الجوزي (¬2) . وفيها استخرج من كنز مصر خمسمائة ألف دينار من غير موانع، ووجد في هذا الكنز ضلع إنسان طوله أربعة عشر شبرا وعرضه شبر، فبعث به إلى الخليفة المقتدر (¬3) ، وأهدى معه من مصر تيسًا له ضرع يحلب لبنا، حكى ذلك الصولي صاحب المرآة وابن كثير (¬4) . وفي سنة إحدى وثلاثمائة، سار عبد الله المهدي المتغلب على المغرب. في أربعين ألفا ليأخذ مصر، حتى بقي بينه وبين مصر أيام، ففجر تكين (¬5) الخاصة النيل فحال الماء بينهم وبين مصر، ثم جرت حروب فرجع المهدي إلى برقة بعد أن ملك الإسكندرية والفيوم. وفي سنة اثنتين وثلاثة مائة عاد المهدي إلى الإسكندرية، وتمت وقعة كبيرة، ثم رجع إلى القيروان (¬6) . وفي سنة ست وثلاثمائة أقبل القائم بن المهدي في جيوشه، فأخذ الإسكندرية وأكثر الصعيد، ثم رجع. وفي سنة سبع كانت الحروب والأراجيف الصعبة بمصر، ثم لطف الله وأوقع المرض بالمغاربة، ومات جماعة من أمرائهم، واشتدت علة القائم. ¬

(¬1) انظر تفصيل الخبر في النجوم الزاهرة 3: 147-150، وكان ذلك الحادث في ولاية عيسى بن محمد الأمير أبو موسى النوشري. (¬2) المنتظم 6: 109. (¬3) ابن كثير: "وذكر أنه من قوم عاد". (¬4) تاريخ ابن كثير 11: 116. (¬5) تكين: والي مصر للمرة الرابعة، من قبل المقتدر. (¬6) النجوم الزاهرة 3: 184.

وفيها انقض كوكب عظيم، وتقطع ثلاث قطع، وسمع بعد انقضاضه صوت رعد شديد هائل من غير غيمٍ. وفي سنة ثمان ملك العبيديون جزيرة الفسطاط، فجزعت الخلق، وشرعوا في الهرب والجفل. وفي سنة تسع استرجعت الإسكندرية إلى نواب الخليفة، ورجع العبيدي إلى المغرب. وفي سنة عشر وثلثمائة في جمادى الأولى ظهر كوكب له ذنب طوله ذراعان، وذلك في برج السنبلة، وفي شعبان منها أهدى نائب (¬1) مصر إلى الخليفة المقتدر هدايا من جملتها بغلة معها فلوها يتبعها، ويرجع معها، وغلام يصل لسانه إلى طرف أنفه. حكاه صاحب المرآة وابن كثير (¬2) . وفي سنة ثلاث عشرة وثلثمائة في آخر المحرم انقض كوكب من ناحية الجنوب إلى الشمال قبل مغيب الشمس، فأضاءت الدنيا منه، وسمع له صوت كصوت الرعد الشديد. وفي سنة ثلاث وثلثمائة في المحرم ظهر كوكب بذنب رأسه إلى المغرب وذنبه إلى المشرق، وكان عظيما جدًّا وذنبه منتشر، وبقي ثلاثة عشر يوما إلى أن اضمحلّ. وفي سنة أربع وأربعين زلزلت مصر زلزلة صعبة هدمت البيوت، ودامت ثلاث ساعات، وفزع الناس إلى الله بالدعاء. وفي سنة تسع وأربعين رجع حجيج مصر من مكة، فنزلوا واديا، فجاءهم سيل فأخذهم كلهم، فألقاهم في البحر عن آخرهم. وفي سنة خمس وخمسين قطعت بنو سليم الطريق على الحجيج من أهل مصر، وأخذوا منهم عشرين ألف بعير بأحمالها، وعليها من الأموال والأمتعة ما لا يقوم كثرة، وبقي الحاج في البوادي، فهلك أكثرهم. وفي أيام كافور الإخشيدي كثرت ¬

(¬1) في ابن كثير: "وهو الحسين بن المارداني". (¬2) تاريخ ابن كثير 11: 145.

الزلازل بمصر، فأقامت ستة أشهر، فأنشد محمد بن القاسم بن عاصم قصيدة منها: ما زلزلت مصر من سوء يراد بها ... لكنها رقصت من عدله فرحا (¬1) كذا رأيته في نسخة عتيقة، من كتاب مذهب الطالبيين، تاريخ كتابتها بعد الستمائة، ثم رأيت ما يخالف ذلك كما سأذكر. وفي سنة تسع وخمسين انقض كوكب في ذي الحجة، فأضاء الدنيا حتى بقي له شعاع كالشمس، ثم سمع له صوت كالرعد. وفي سنة ستين وثلثمائة، سارت القرامطة في جمع كثير إلى الديار المصرية، فاقتتلوا هم وجنود جوهر القائد قتالًا شديدا بعين شمس، وحاصروا مصر شهورا؛ ومن شعر أمير القرامطة الحسين بن أحمد بن بهرام: زعمت رجال الغرب أني هبتهم ... فدمي إذن ما بينهم مطلول يا مصر إن لم أسق أرضك من دم ... يروي ثراك فلا سقاني النيل وفي هذه السنة سار رجل من مصر إلى بغداد، وله قرنان، فقطعهما وكواهما وكانا يضربان عليه. حكاه صاحب المرآة. وفي سنة ثلاث وستين، خرج بنو هلال وطائفة من العرب على الحجاج، فقتلوا منهم خلقًا كثيرًا، وعطلوا على من بقي منهم الحج في هذا العام، ولم يحصل لأحد حج في هذه السنة سوى أهل درب العراق وحدهم. وفي سنة سبع وستين كان أمير الحاج المصري الأمير باديس بن زيري، فاجتمع إليه اللصوص، وسألوا منه أن يضمنهم الموسم هذا العام بما شاء من الأموال، فأظهر لهم الإجابة، وقال: اجتمعوا كلكم حتى أضمنكم كلكم، فاجتمع عنده بضع وثلاثون لصًّا، ¬

(¬1) تمام المتون 67، وقبله: بالحاكمِ العدْلِ أضحَى الدينُ معتليا ... نجل العلا وسليل السادة الصلحا

فقال: هل بقي منكم أحد؟ فحلفوا أنه لم يبق منهم أحد، فعند ذلك أمر بقطع أيديهم كلهم. ونعما فعل! وفي سنة أربع وثمانين انفرد بالحج أهل مصر، ولم يحج ركب العراق ولا الشام لخوف طريقهم، وكذا في سنة خمس وثمانين والتي بعدها. وفي سنة ست وثمانين قدمت مصر أربع عشرة قطعة من الأسطول، فقتلت ونهبت، وأحرقت أموال التجار، وأخذت سرايا العزيز وحظاياه، وكان حالًّا لم ير أعظم منه. ذكره ابن المتوج. وفي سنة تسعين أمر الحاكم بمصر بقتل الكلاب فقتلت كلها. وفي سنة اثنتين وتسعين ليلة الاثنين ثالث ذي القعدة انقض كوكب أضاء كضوء القمر ليلة التمام، ومضى الضياء، وبقي جرمه يتموج (¬1) نحو ذراعين في ذراع برأي العين، وتشقق بعد ساعة. وفي هذه السنة انفرد المصريون بالحج، ولم يحج أحد من بغداد وبلاد المشرق لعبث الأعراب بالفساد، وكذا في سنة ثلاث وتسعين. وفي سنة ثلاث وتسعين أمر الحاكم بقطع جميع الكروم التي بديار مصر والصعيد، والإسكندرية ودمياط، فلم يبق بها كرم، احترازًا من مصر الخمر. وفي هذه السنة أمر الحاكم الناس بالسجود إذا ذكر اسمه في الخطبة. وفي سنة سبع وتسعين انفرد المصريون بالحج، ولم يحج أهل العراق لفساد الطريق بالأعراب، وكسا الحاكم الكعبة القباطي البيض. وفي سنة ثمان وتسعين هدم الحاكم الكنائس التي ببلاد مصر، ونادى: من لم يسلم وإلا فليخرج من مملكتي، أو يلتزم بما أمر، ثم أمر بتعليق صلبان كبار على صدور النصارى، وزن الصليب أربعة أرطال بالمصري، وبتعليق خشبة على تمثال رأس ¬

(¬1) ط: "متموج".

عجل وزنها ستة أرطال في عنق اليهود. وفي هذه السنة كان سيل عظيم حتى غرق الخندق، ذكره ابن المتوج. وفي سنة تسع وتسعين انفرد المصريون بالحج. وفي سنة أربعمائة بنى الحاكم دار للعلم وفرشها، ونقل إليها الكتب العظيمة مما يتعلق بالسنة، وأجلس فيها الفقهاء والمحدثين، وأطلق قراءة فضائل الصحابة، وأطلق صلاة الضحى والتراويح، وبطل الأذان بحي على خير العمل، فكثر الدعاء له، ثم بعد ثلاث سنين هدم الدار، وقتل خلقا ممن كان بها من الفقهاء والمحدثين وأهل الخير والديانة، ومنع صلاة الضحى والتراويح. وفي سنة إحدى وأربعمائة انفرد المصريون بالحج. وفي سنة اثنتين وأربعمائة كتب محضر ببغداد في نسب خلفاء مصر الذين يزعمون أنهم فاطميون وليسوا كذلك، وكتب فيه جماعة من العلماء والقضاة والفقهاء، والأشراف والأماثل والمعدلين والصالحين، شهدوا جميعا أن الناجم بمصر وهو منصور بن نزار المتلقب بالحاكم -حكم الله عليه بالبوار والدمار، والخزي والنكال والاستئصال- ابن معد بن إسماعيل بن عبد الرحمن بن سعيد -لا أسعده الله- فإنه لما صار إلى المغرب تسمى بعبيد الله، وتلقب بالمهدي، ومن تقدم من سلفه من الأرجاس الأنجاس -عليه وعليهم لعنة الله ولعنة اللاعنين- أدعياء خوارج، ولا نسب لهم في ولد علي بن أبي طالب، ولا يتعلقون منه بسبب، وأنه منزه عن باطلهم، وان الذي ادعوه من الانتساب إليه باطل وزور، وأنهم لا يعلمون أن أحدا من أهل بيوت الطالبيين توقف عن إطلاق القول في هؤلاء الخوارج أنهم أدعياء، وقد كان هذا الإنكار لباطلهم شائعًا في الحرمين، وفي أول أمرهم بالمغرب منتشرا انتشارا يمنع من أن يدلس على أحد كذبهم، أو يذهب وهم إلى تصديقهم، وأن هذا الناجم بمصر هو وسلفه كفار وفساق فجار وملحدون زنادقة،

معطلون وللإسلام جاحدون، ولمذهب الثنوية (¬1) والمجوسية معتقدون، قد عطلوا الحدود وأباحوا الفروج، وأحلوا الخمر، وسفكوا الدماء، وسبوا الأبناء، ولعنوا السلف، وادعوا الربوبية. وكتب في ربيع الآخر سنة اثنتين وأربعمائة. وقد كتب خطه في المحضر خلق كثيرون، فمن العلويين المرتضى، والرضي وابن الأزرق الموسوي وأبو طاهر بن أبي الطيب، ومحمد بن محمد بن عمرو بن أبي يعلي، ومن القضاة أبو محمد بن الأكفاني، وأبو القاسم الحريري وأبو العباس بن السيوري. ومن الفقهاء أبو حامد الإسفراييني وأبو محمد بن الكشفلي، وأبو الحسين القدوري وأبو عبد الله الصيمري، وأبو عبد الله البيضاوي وأبو علي بن حمكان. ومن الشهود أبو القاسم التنوخي، في كثير. وفي سنة ثلاث وأربعمائة، قال ابن المتوج: رسم الحاكم بألا تقبل الأرض بين يديه، ولا يخاطب مولانا ولا بالصلاة عليه، وكتب بذلك سجل في رجب. قال: وفيها حبس النساء ومنعهن من الخروج في الطرقات، وأحرق الزبيب وقطع الكرم، وغرق العسل. قال ابن الجوزي: وفي رمضان انقض كوكب من المشرق إلى المغرب غلب ضوءه على ضوء القمر، وتقطع قطعًا، وبقي ساعة طويلة. وفي سنة خمس وأربعمائة زاد الحاكم في منع النساء من الخروج من المنازل، ومن دخول الحمامات ومن التطلع من الطاقات، والأسطلحة ومنع الخفافين من عمل الخفاف لهن، وقتل خلقا من النساء على مخالفته في ذلك، وهدم بعض الحمامات عليهن، وغرق خلقا. وفي سنة سبع وأربعمائة ورد الخبر بتشعيث الركن اليماني من المسجد الحرام، وسقوط جدار بين قبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبسقوط القبة الكبيرة على صخرة ¬

(¬1) ط: "النبوية" تحريف.

بيت المقدس. قال ابن كثير: فكان ذلك من أغرب الاتفاقات وأعجبها (¬1) . وفي سنة سبع أيضا انفرد المصريون بالحج، ولم يحج أحد من بلاد العراق لفساد الطرقات بالأعراب؛ وكذا في سنة ثمان. وفي سنة إحدى عشرة وأربعمائة، قال ابن المتوج: عز القوت، ثم هان بعد أراجيف عظيمة. وفي أيام الحاكم، قال ابن فضل الله في المسالك: زلزلت مصر حتى رجفت أرجاؤها، وضجت الأمة لا تعرف كيف جارها، فقال محمد بن قاسم بن عاصم شاعر الحاكم: بالحاكم العدل أضحى الدين معتليًا ... نجل الهدى وسليل السادة الصلحا ما زلزلت مصر من كيد يراد بها ... وإنما رقصت من عدله فرحا وكانت أيام الحاكم من سنة ست وثمانين وثلثمائة إلى سنة إحدى عشرة وأربعمائة. وفي سنة ثلاث عشرة وأربعمائة. قال ابن كثير: جرت كائنة غريبة ومصيبة عظيمة؛ وهي أن رجلا من المصريين من أصحاب الحاكم اتفق مع جماعة من الحجاج المصريين على أمر سوء، فلما كان يوم الجمعة، وهو يوم النفر الأول، طاف هذا الرجل بالبيت، فلما انتهى إلى الحجر الأسود، جاء ليقبله فضربه بدبوس كان معه ثلاث ضربات متواليات، وقال: إلى متى يعبد هذا الحجر؟! ولا محمد ولا علي يمنعني عما أفعله، فإني أهدم اليوم هذا البيت، فاتقاه أكثر الحاضرين، وتأخروا عنه، وذلك أنه كان رجلًا طويلا جسيما، أحمر أشقر، وعلى باب المسجد جماعة من الفرسان وقوف ليمنعوه ممن أراده بسوء، فتقدم غليه رجل من أهل اليمن، معه خنجر، وفاجأه بها، وتكاثر عليه الناس فقتلوه، وقطعوه قطعًا، وتتبعوا أصحابه، فقتل منهم جماعة ونهب أهل مكة ركب المصريين، وجرت فتنة عظيمة جدًّا، وسكن الحال، وأما الحجر ¬

(¬1) 12: 5.

الشريف فإنه سقط منه ثلاث فلق مثل الأظفار، وبدا ما تحتها أسمر يضرب إلى صفرة، محببًا، مثل الخشخاش، فأخذ بنو شيبة تلك الفلق، فعجنوها بالمسك واللك (¬1) وحشوا بها تلك الشقوق التي بدت، "وذلك ظاهر فيه إلى الآن" (¬2) . وفي سنة سبع عشرة منع الظاهر صاحب مصر من ذبح البقر السليمة من العيوب التي تصلح للحرث، وكتب عن لسانه كتاب قرئ على الناس، فيه: "إن الله بسابغ نعمته، وبالغ حكمته، خلق ضروب الأنعام، وعلم بها منافع الأنام، فوجب أن تحمى البقر المخصوصة بعمارة الأرض المذللة لمصالح الخلق، فإن ذبحها غاية الفساد، وإضرار بالعباد والبلاد". وفيها انفرد المصريون بالحج، ولم يحج أهل العراق والمشرق لفساد الأعراب، وكذا في سنة ثمان عشرة وفي سنة تسع عشرة لم يحج أحد من أهل المشرق، ولا من أهل الديار المصرية أيضًا، إلا أن قوما من خراسان ركبوا في البحر من مدينة مكران، فانتهوا إلى جدة، فحجوا. وفي سنة عشرين حج أهل مصر دون غيرهم. وفيها في رجب انقضت كواكب كثيرة شديدة الصوت، قوية الضوء. وفي سنة إحدى وعشرين تعطل الحج من العراق أيضا، وقطع على حجاج مصر الطريق، وأخذت الروم أكثره. وفي سنة ثلاث وعشرين تعطل الحج من العراق أيضا. وفيها قال ابن المتوج: استحضر خليفة مصر الظاهر بن الحاكم كل من في القصر من الجواري، وقال لهم: تجتمعون لأصنع لكم يومًا حسنا لم ير مثله بمصر، وأمر كل من كان له جارية فليحضرها، ولا تجيء جارية إلا وهي مزينة بالحلي والحلل، ففعلوا ذلك حتى لم تترك جارية إلا أحضرت، فجعلهن في مجلس، ودعا بالبنائين، فبنى أبواب المجلس عليهن، حتى ¬

(¬1) الملك نبات يصبغ به. (¬2) ابن كثير 12: 14 "فاستمسك الحجر، واستمر على ما هو عليه الآن، وهو ظاهر لمن تأمله".

ماتوا عن آخرهن، وكان يوم جمعهن يوم الجمعة لست من شوال، وعدتهن ألفان وستمائة وستون جارية، فلما مضى لهن ستة أشهر أضرم النار عليهن، فأحرقهن بثيابهن وحليهن، فلا رحمه الله ولا رحم الذي خلفه!. وفي سنة خمس وعشرين كثرت الزلازل بمصر. وفيها انقض كوكب عظيم، وسمع له صوت مثل الرعد وضوء مثل المشاعل. ويقال: إن السماء انفرجت عند انقضاضه. حكاه في المرآة. ولم يحج أحد سوى أهل مصر، وكذا في سنة ست وعشرين وسنة ثمان وعشرين. وفي سنة ثمان وعشرين بعث صاحب مصر بمال لينفق على نهر الكوفة إن أذن الخليفة العباسي في ذلك، فجمع القائم بالله الفقهاء، وسألهم عن هذا المال، فأفتوا بأن هذا فيء للمسلمين يصرف في مصالحهم، فأذن في صرفه في مصالح المسلمين. وفي سنة ثلاثين وأربعمائة تعطل الحج من الأقاليم بأسرها، فلم يحج أحد، لا من مصر ولا من الشام، ولا من العراق ولا من خراسان. وفي سنة إحدى وثلاثين والتي تليها تفرد بالحج أهل مصر، وكذا في سنة ست وثلاثين وسبع وثلاثين وتسع وثلاثين وثلاث وستين بعدها. وفي سنة إحدى وأربعين في ذي الحجة ارتفعت سحابة سوداء ليلًا، فزادت على ظلمة الليل، وظهر في جوانب السماء كالنار المضيئة، فانزعج الناس لذلك، وأخذوا في الدعاء والتضرع، فانكشفت بعد ساعة. وفي سنة خمس وأربعين وثلاث تليها انفرد أهل مصر بالحج. وفي سنة ثمان وأربعين. قال في المرآة: عم الوباء والقحط مصر والشام وبغداد والدنيا، وانقطع ماء النيل. واتفقت غريبة، قال ابن الجوزي: ورد كتاب من مصر أن ثلاثة من اللصوص نقبوا بعض الدور، فوجدوا عند الصباح موتى؛ أحدهم على

باب النقب، والثاني على رأس الدرجة، والثالث على الثياب المكورة. وفيها، في العشر الثاني من جمادى الآخرة ظهر وقت السحر نجم له ذؤابة بيضاء، طولها في رأي العين نحو ذراع، ولبث على هذه الحال إلى نصف رجب ثم اضمحل. وفي سنة إحدى وخمسين وسنتين بعدها، انفرد أهل مصر بالحج. وفي شوال من هذه السنة لاح في السماء في الليل ضوء عظيم كالبرق يلمع في موضعين؛ أحدهما أبيض، والآخر أحمر إلى ثلث الليل، وكبر الناس وهللوا. حكاه في المرآة. وفي سنة ثلاث وخمسين في جمادى الآخرة لليلتين بقيتا منه، كسفت الشمس كسوفا عظيما، جميع القرص، فمكثت أربع ساعات حتى بدت النجوم، وأوت الطيور إلى أوكارها لشدة الظلمة. وفي سنة خمس وخمسين وقع بمصر وباء شديد، كان يخرج منها في كل يوم ألف جنازة. وفي سنة ست وخمسين وقعت فتنة عظيمة بين عبيد مصر والترك، واقتتلوا. وغلب العبيد على الجزيرة التي في وسط النيل بين مصر والجيزة، واتصل الحرب بين الفريقين. وفي سنة ثمان وخمسين، في العشر الأول من جمادى الأولى ظهر كوكب كبير، له ذؤابة عرضها نحو ثلاثة أذرع وطولها أذرع كثيرة، وبقي إلى أواخر الشهر، ثم ظهر كوكب آخر عند غروب الشمس، قد استدار نوره عليه كالقمر، فارتاع الناس وانزعجوا، فلما اعتم الليل، رمى ذؤابة نحو الجنوب، وأقام إلى أيام في رجب، وذهب. وفي سنة ستين وأربعمائة كان ابتداء الغلاء العظيم بمصر، الذي لم يسمع بمثله في

الدهور؛ من عهد يوسف الصديق عليه الصلاة السلام، واشتد القحط والوباء سبع سنين متوالية بحيث أكلوا الجيف والميتات، وأفنيت الدواب، وبيع الكلب بخمسة دنانير والهر بثلاثة دنانير، ولم يبق لخليفة مصر سوى ثلاثة أفراس بعد العد الكثير، ونزل الوزير يوما عن بغلته، فغفل الغلام عنها لضعفه من الجوع، فأخذها ثلاثة نفر فذبحوها وأكلوها، فأخذوا فصلبوا وأصبحوا وقد أكلهم الناس، ولم يبق إلا عظامهم. وظهر على رجل يقتل الصبيان والنساء ويبيع لحومهم، ويدفن رءوسهم وأطرافهم فقتل. وبيعت البيضة بدينار، وبلغ الأردب القمح مائة دينار ثم عدم أصلًا، حتى حكى صاحب المرآة أن امرأة خرجت من القاهرة، ومعها مد جوهر، فقالت: من يأخذه بمد قمح؟ فلم يلتفت إليها أحد، وقال بعضهم يهنئ القائم ببغداد: وقد علم المصري أن جنوده ... سنو يوسف هولا وطاعون عمواس أقامت به حتى استراب بنفسه ... وأوجس منها خيفة أي إيجاس وفي سنة اثنتين وستين، زلزلت مصر حتى نفرت إحدى زوايا جامع عمرو. وفيها ضرب صاحب مصر اسم ابنه ولي العهد على الدينار، وسمي الآمري، ومنع التعامل بغيره. وفي سنة خمس وستين اشتد الغلاء، والوباء بمصر حتى إن أهل البيت كانوا يموتون في ليلة، وحتى إن امرأة أكلت رغيفا بألف دينار، باعت عروضها قيمته ألف دينار، واشترت بها جملة قمح، وحمله الحمال على ظهره فنهبه الناس، فنهبت المرأة مع الناس فصح لها رغيف واحد، وكان السودان يقفون في الأزقة، يصطادون النساء بالكلاليب، فيأكلون لحومهن، واجتازت امرأة بزقاق القناديل، فعلقها السودان بالكلاليب، وقطعوا من عجزها قطعة، وقعدوا يأكلونها وغفلوا عنها، فخرجت من الدار، واستغاثت، فجاء الوالي وكبس الدار، فأخرج منها ألوفًا من القتلى.

وفي سنة ست وثمانين وسنتين بعدها انفرد المصريون بالحج. وفي سنة إحدى وتسعين حدثت بمصر ظلمة عظيمة، غشيت أبصار الناس، حتى لم يبق أحد يعرف أين يتوجه! وفي سنة سبع وتسعين عز القمح بمصر، ثم هان. وفيها تولى الآمر بمصر فضرب الفضة السوداء المشهورة بالآمرية. وفي سنة خمس عشرة وخمسمائة هبت ريح سوداء بمصر، فاستمرت ثلاثة أيام، فأهلكت خلقًا كثيرًا من الناس، والدواب والأنعام. قاله ابن كثير (¬1) . وفي سنة سبع عشرة بلغ النيل ستة عشر ذراعًا سواء بعد توقف. وفي سنة ثمان عشرة أوفى النيل بعد النيروز بتسعة أيام، وزاد عن الستة عشر ذراعا أحد عشر إصبعا لا غير، وعز السعر ثم هان. وفي حدود هذه السنين احترق جامع عمرو. وفي سنة خمس وستين حاصرت الفرنج دمياط خمسين يوما، بحيث ضيقوا أهلها، وقتلوا منهم، فأرسل نور الدين محمود الشهيد إليهم جيشًا عليهم صلاح الدين يوسف بن أيوب، فأجلوهم عنها، وكان الملك نور الدين شديد الاهتمام بذلك؛ حتى إنه قرأ عليه بعض طلبة الحديث جزءًا فيه حديث مسلسل بالتبسم، فطلب منه أن يبتسم ليتصل التسلسل، فامتنع من ذلك، وقال: إني لأستحيي من الله أن يراني متبسمًا، والمسلمون تحاصرهم الفرنج بثغر دمياط. وذكر أبو شامة أن بعضهم رأى في تلك الليلة التي أجلي فيها الفرنج عن دمياط رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو يقول له: سلم على نور الدين، وبشره بأن الفرنج قد رحلوا عن دمياط، فقال له الرائي: يا رسول الله، بأي علامة؟ ¬

(¬1) تاريخ ابن كثير 12: 188.

فقال: بعلامة لما سجد يوم كذا، وقال في سجوده: اللهم انصر دينك ومن هو محمود الكلب! فأصبح الرائي، وبشر نور الدين بذلك، وأعلمه بالعلامة، ففرح، ثم جاء الخبر بإجلائهم تلك الليلة (¬1) . فرحم الله هذا الملك وأمثاله! وفي سنة ثلاث وثمانين، قال ابن الأثير في الكامل: كان أول يوم منها يوم السبت، وكان يوم النيروز؛ وذلك أول سنة الفرس، واتفق أنه أول سنة الروم أيضا، وفيه نزلت الشمس برج الحمل، وكذلك كان القمر في برج الحمل أيضا، قال: وهذا شيء يبعد وقوع مثله (¬2) . وفي سنة ثلاث وتسعين ورد كتاب من "القاضي" الفاضل من مصر إلى القاضي محيي الدين بن الذكي يخبره فيه بأن في ليلة الجمعة التاسع من جمادى الآخرة أتى عارض فيه ظلمات متكاثفة، وبروق خاطفة، ورياح عاصفة، فقوي أهويتها، واشتد هبوبها، فتدافعت لها أعنة مطلقات، وارتفعت لها صواعق مصعقات، فرجفت لها الجدران واصطفقت، وتلاقت على بعدها واعتنقت، وثار بين السماء والأرض عجاج فقيل: لعل هذه على هذه أطبقت، ولا نحسب إلا أن جهنم قد سال منها واد، وعدا منها عاد، وزاد عصف الرياح إلى أن انطفأت سرج النجوم، ومزقت أديم السماء ومحت ما فوقه من الرقوم؛ فكنا كما قال الله: {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ} ، وكما قلنا: ويردون أيديهم على أعينهم من البوارق، لا عاصم من الخطف للأبصار، ولا ملجأ من الخطب إلا معاقل الاستغفار، وفر الناس نساء ورجالا وأطفالا، ونفروا من دورهم خفافًا وثقالا، لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلًا، فاعتصموا بالمساجد الجامعة، وأذعنوا للنازلة بأعناق خاضعة، ووجوه عاينة، ونفوس عن الأهل والمال سالية، ينظرون من طرف خفي، ويتوقعون أي خطب جلي، قد انقطعت من الحياة علقهم، وعيت عن النجاة طرقهم، ووقعت الفكرة فيما هم قادمون، وقاموا إلى ¬

(¬1) كتاب الروضتين 1: 181. (¬2) الكامل لابن الأثير 9: 175.

صلاتهم، وودوا أن لو كانوا من الذين هم عليها دائمون، إلى أن أذن الله في الركود، وأسعف الهاجدين بالهجود، واصبح كل ليسلم على رفيقه، ويهنئه بسلامة طريقه، ويرى أنه قد بعث بعد النفخة، وأفاق بعد الصيحة والصرخة، وأن الله قد رد له الكرة، وأدبه بعد أن كان يأخذه على الغرة. وودت الأخبار بأنها كسرت المراكب في البحار والأشجار في القفار، وأتلفت خلقا كثيرا من السفار، ومنهم من فر فلم ينفعه الفرار. إلى أن قال: ولا يحسب المجلس أني أرسلت القلم محرَّفًا، والقول مجزفا، فالأمر أعظم، ولكن الله سلم، ونرجو أن يكون الله قد أيقظنا بما وعظنا، ونبهنا بما ولهنا، فما من عباده من رأى القيامة عيانا، ولم يلتمس عليها من بعده برهانا، إلا أهل بلد يافا، اقتص الأولون مثلها في المثلات، ولا سبقت لها سابقة في المعضلات، والحمد لله الذي من فضله جعلنا نخبر عنها ولا تخبر عنا، ونسأل الله أن يصرف عنا، عارضي الحرص والغرور إذا عنا. وفي سنة ست وتسعين، قال الذهبي، في العبر: كسر النيل من ثلاثة عشر ذراعا إلا ثلاثة أصابع، فاشتد الغلاء، وعدمت الأقوات، ووقع البلاء وعظم الخطب، إلى أن آل بهم الأمر إلى أكل الآدميين الموتى (¬1) . قال ابن كثير في هذه السنة والتي بعدها: كان بديار مصر غلاء شديد، فهلك الغني والفقير، وعم الجليل والحقير، وهرب الناس منها نحو الشام، ولم يصل منها إلا القليل من الفئام (¬2) ، وتخطفتهم الفرنج من الطرقات، وعزوهم في أنفسهم، واغتالوهم بالقليل من الأقوات. وكان الأمير لؤلؤ أحد الحجاب بالديار المصرية (¬3) يتصدق في هذا الغلاء في كل يوم باثني عشر ألف رغيف على اثني عشر ألف فقير (¬4) . ¬

(¬1) العبر 4: 290. (¬2) الفئام: الجماعة من الناس. (¬3) قال ابن كثير: "كان من أكابر الأمراء في أيام صلاح الدين، وهو الذي كان متسلم الأسطول في البحر". (¬4) ابن كثير 13: 23، 24.

وفي سنة سبع وتسعين، قال الذهبي في العبر: كان الجوع والموت المفرط بالديار المصرية، وجرت أمور تتجاوز الوصف، ودام ذلك إلى نصف العام الآتي، فلو قال القائل: مات ثلاثة أرباع أهل الإقليم لما بعد، والذي دخل تحت قلم الحصرية (¬1) في مدة اثنين وعشرين شهرا مائة ألف وأحد وعشرون ألفا بالقاهرة، وهذا نزر في جنب ما هلك بمصر والحواضر، وفي البيوت والطرقات ولم يدفن، وكله نزر في جنب ما هلك بالأقاليم. وقيل: إن مصر كان فيها تسعمائة منسج للحصر، فلم يبق إلا خمسة عشر منسجًا، فقس على هذا؛ وبلغ الفروج مائة درهم، ثم عدم الدجاج بالكلية، لولا ما جلب من الشام، وأما أكل لحوم الآدميين فشاع وتواتر، هذا كلام الذهبي (¬2) . وقال صاحب المرآة: في هذه السنة كان هبوط النيل، ولم يعهد ذلك في الإسلام إلا مرة واحدة في دولة الفاطميين، ولم يبق منه إلا شيء يسير، واشتد الغلاء والوباء بمصر، فهرب الناس إلى المغرب والحجاز واليمن والشام، وتفرقوا وتمزقوا كل ممزق. قال: وكان الرجل يذبح ولده، وتساعده أمه على طبخه وشيه؛ وأحرق السلطان جماعة فعلوا ذلك ولم ينتهوا، وكان الرجل يدعو صديقه وأحب الناس إليه إلى منزله ليضيفه، فيذبحه ويأكله، وفعلوا بالأطباء ذلك، وفقدت الميتات والجيف، وكانوا يخطفون الصبيان من الشوارع فيأكلونهم، وكفن السلطان في مدة يسيرة مائتي ألف وعشرين ألفا، وامتلأت طرقات المغرب والحجاز والشام برمم الناس، وصلى إمام جامع إسكندرية في يوم واحد على سبعمائة جنازة. قال العماد الكاتب: في سنة سبع وتسعين وخمسمائة اشتد الغلاء، وامتد الوباء وحدثت المجاعة، وتفرقت الجماعة، وهناك القوي فكيف الضعيف! ونحف السمين فكيف العجيف! وخرج الناس حذر الموت من الديار، وتفرقت فرق مصر في ¬

(¬1) كذا في ح، وفي ط والأصل والعبر: "الحشرية". (¬2) العبر 4: 295، 296.

الأمصار، ولقد رأيت الأرامل على الرمال، والجمال باركة تحت الأحمال، ومراكب الفرنج واقفة بساحل البحر على اللقم، تسترق الجياع باللقم. قال صاحب المرآة وغيره: وكان في هذه السنة، في شعبان، زلزلة هائلة من الصعيد، هدمت بنيان مصر، فمات تحت الهدم خلق كثير. وفي سنة تسع وتسعين في ليلة السبت سلخ المحرم ماجت النجوم في السماء شرقًا وغربا، وتطايرت كالجراد المنتشر يمينا وشمالا، ودام ذلك إلى الفجر، وانزعج الخلق، وضجوا بالدعاء، ولم يعهد مثل ذلك إلا في عام البعث وفي سنة إحدى وأربعين ومائتين. قاله صاحب المرآة وغيره. وفي سنة ستمائة، كانت زلزلة عظيمة كانت زلزلة عظيمة بديار مصر، قاله ابن الأثير في الكامل. وفيها أخذت الفرنج قوة واستباحوها، دخلوا من فم رشيد في النيل. ذكره الذهبي "في العبر" (¬1) . وفي سنة سبع وستمائة، دخلت الفرنج من البحر من غربي دمياط، وساروا في البر فاخذوا قرية بورة، واستباحوها قتلًا وسبيا، وردوا في الحال، ولم يدركهم الطلب (¬2) . وفي سنة ثمان وستمائة، كانت زلزلة شديدة، هدمت بمصر والقاهرة دورا كثيرة، ومات خلق تحت الهدم. وفي سنة خمس عشرة وستمائة، في جمادى الأولى، نزلت الفرنج على دمياط، وأخذوا برج السلسلة (¬3) ، ثم استحوذوا على دمياط في سنة ست عشرة، فاستمرت بأيديهم إلى أن استردت منهم في سنة ثمان عشرة. ¬

(¬1) العبر 4: 311. (¬2) العبر: 5: 21. (¬3) في العبر 5: 53: "وأخذت برج السلسلة من دمياط، وكان قفل ديار مصر، وهو في وسط النيل، فكان يمد منه سلسلة على وجه النيل إلى دمياط وأخرى إلى برج آخر، فلا يمكن المراكب أن تعبر من البحر في النيل".

قال الذهبي في العبر: في سنة ست عشرة وستمائة، حاصر الفرنج أهل دمياط، ووقعت حروب كثيرة يطول شرحها، وجدت الفرنج في المحاصرة، وعملوا عليهم خندقًا كبيرا، وثبت أهل البلد ثباتا لم يسمع بمثله، وكثر فيهم القتل والجرح والموت، وعدمت الأقوات، ثم سلموها بالأمان في شعبان، وطار عقل الفرنج، وتسارعوا إليها من كل فج، وشرعوا في تحصينها، وأصبحت دار هجرتهم، ورجوا بها أخذ ديار مصر، وأشرف الإسلام على خطة خسف، وأقبل التتار من المشرق والفرنج من المغرب، وعزم المصريون على الجلاء؛ فثبتهم الكامل إلى أن سار إليه أخوه الأشرف والمعظم، وحصل الفتح ولله الحمد (¬1) . وفي سنة ثمان وعشرين وستمائة، كان غلاء شديد بديار مصر، قاله ابن كثير (¬2) . وبلغ النيل ستة عشر ذراعًا وثلاثة أصابع فقط، بعد توقف عظيم، ووصل القمح خمسة دنانير الإردب، فرسم السلطان بفتح الأهراء وشون الأمراء، وأن يباع بثمانين درهما الإردب من غير زيادة، فانحط السعر إليه. ذكره ابن المتوج. وفي سنة تسع وعشرين، وصل النيل ثمانية عشر ذراعا وستة أصابع، وتأخر نزوله حتى خاف الناس من عدم نزوله، فغلا السعر، ثم نزل، فانحط السعر. وفي سنة إحدى وثلاثين، قدم إلى الملك الكامل هدية من الإفرنج، فيها دب ابيض وشعره مثل شعر السبع، ينزل البحر فيصعد بالسمك فيأكله. وفي سنة اثنتين وثلاثين كان الوباء العظيم بمصر. وفي سنة ثلاث وأربعين كان الغلاء بمصر، وقاسى أهلها شدائد. وفي سنة سبع وأربعين نزلت الفرنج دمياط برًّا وبحرا، وملكوها، ثم استنقذت منهم. ¬

(¬1) العبر: 59، 60. (¬2) البداية والنهاية 13: 128.

وفي سنة تسع وأربعين، قال ابن كثير: صليت صلاة العيد يوم الفطر بعد العصر، قال: وهذا اتفاق غريب (¬1) . وفي سنة سبع وخمسين، حصلت بديار مصر زلزلة عظيمة جدًّا. وفي سنة إحدى وستين، جهز الظاهر بيبرس -رحمه الله تعالى- أخشابًا وآلات كثيرة لعمارة المسجد النبوي بعد حريقه، فطيف بها بالديار المصرية، فرحًا بها، وتعظيمًا لشأنها ثم ساروا بها إلى المدينة. وفي سنة اثنتين وستين كان بديار مصر غلاء عظيم، وفرق الظاهر الفقراء على الأمراء والأغنياء، وألزمهم بإطعامهم، وفرق هو قمحا كثيرًا، ورتب كل يوم للفقراء مائة إردب تخبز، وتفرق عليهم. وفي هذه سنة ولد بمصر ولد ميت، له رأسان وأربعة أعين وأربعة أيد وأربعة أرجل. وفي سنة ثلاث وستين وقع حريق عظيم ببلاد مصر، اتهم به النصارى، فعاقبهم السلطان عقوبة عظيمة، وفيها استجد الظاهر بمصر القضاة الثلاثة، من كل مذهب قاض. وفي سنة أربع وستين، قال ابن المتوج: حفر الظاهر بحر مصر بنفسه، وعسكره ما بين الروضة والمنشأة. وفي سنة خمس وستين كبا الفرس بالملك الظاهر، فانكسرت فخذه، وحصل له عرج. وفي سنة ست وستين كانت كائنة الحبيس (¬2) النصراني، كان كاهنًا ثم ترهب وأقام بمفازة بجبل حلوان، فقيل: إنه ظفر بكنز للحاكم صاحب مصر، فواسى منه الفقراء ¬

(¬1) تاريخ ابن كثير 13: 181. (¬2) في ح: "الجيش".

والمستورين من كل ملة، واشتهر أمره وشاع ذكره، وأنفق في ثلاث سنين أموالًا عظيمة، فأحضره السلطان، وتلطف به، فأبى عليه أن يعرفه بجلية أمره، وأخذ يراوغه ويغالطه، فلما أعياه حنق عليه، وبسط عليه العذاب فمات. قال الذهبي: وقد أفتى غير واحد بقتله خوفًا على ضعفاء الإيمان من المسلمين أن يضلهم ويغويهم (¬1) . وفي سنة سبع وستين، رسم السلطان بإراقة الخمور، وإبطال المفسدات والخواطئ من الديار المصرية والشامية، وحبست الخواطئ حتى يتزوجن، وكتب إلى جميع البلاد بذلك، وأسقطت الضرائب التي كانت مرتبة عليها (¬2) . وفي هذه السنة حج السلطان فأحسن إلى أهل الحرمين، وغسل الكعبة بماء الورد بيده. وفي أواخر ذي الحجة من هذه السنة هبت ريح شديدة بديار مصر، غرقت مائتي مركب في النيل، وهلك فيها خلق كثير، ووقع مطر شديد جدًّا، وأصابت الثمار صعقة أهلكتها، حكاه ابن كثير (¬3) . وفي سنة تسع وستين شدد السلطان في أمر الخمور، وهدد من يعصرها بالقتل، وأسقط الضمان في ذلك، وكان ألف دينار كل يوم بالقاهرة وحدها، وكتب بذلك توقيع قرئ على منبر مصر والقاهرة، وسارت البرد بذلك إلى الآفاق. وفي سنة سبعين، قال قطب الدين: في جمادى الآخرة ولدت زرافة بقلعة الجبل، وأرضعت من بقرة، قال: وهذا شيء لم يعهد مثله. وفي سادس (¬4) عشر شوال سنة خمس وسبعين، قال ابن كثير: طيف بالمحمل، وبكسوة الكعبة المشرفة بالقاهرة، وكان يوما مشهودا (¬5) . قلت: كان هذا مبدأ ذلك، واستمر ذلك كل عام إلى الآن. وفي سنة تسع وسبعين، في يوم عرفة وقع ببلاد مصر برد كبار، أتلف كثيرا من ¬

(¬1) العبر: 285. (¬2) ابن كثير 13: 254. (¬3) ابن كثير 13: 255. (¬4) ابن كثير: "في حادي عشرة". (¬5) ابن كثير 13: 271.

الغلال، ووقعت صاعقة بالإسكندرية، وأخرى تحت الجبل الأحمر على حجر فأحرقته، فأخذ ذلك الحجر وسبك، فخرج منه من الحديد أواق بالرطل المصري. وفي سنة ثمان وستمائة تربت جزيرة كبيرة ببحر النيل اتجاه قرية بولاق واللوق، وانقطع بسببها مجرى البحر، ما بين قلعة المقس وساحل باب البحر، واشتد ونشف بالكلية، واتصل ما بين المقس وجزيرة الفيل بالمشي، ولم يعهد فيما تقدم، وحصل لأهل القاهرة مشقة من نقل الماء لبعد النيل، فأراد السلطان حفره، فقالوا: إنه لا يفيد، ونشف إلى الأبد. وفي سنة إحدى وثمانين في شعبان، طافوا بكسوة الكعبة، ولعبت مماليك الملك المنصور أيام الكسوة بالرماح والسلاح؛ وهو أول ما وقع ذلك بالديار المصرية، واستمر ذلك إلى الآن، يعمل سنين ويبطل سنين. وفي سنة إحدى وتسعين في الرابع والعشرين من المحرم، وقع حريق عظيم بقلعة الجبل، أتلفت شيئًا كثيرًا من الذخائر والنفائس والكتب. وفي سنة ثلاث وتسعين، قال ابن المتوج: كثرت النفوس وردها أرباب المعائش، وجعلت بالميزان بربع نقرة كل أوقية، ثم بسدس الأوقية، وتحرك السعر بسبب ذلك. وكان القمح في أول السنة بثلاثة عشرة درهمًا الإردب، فانتقل إلى ستين درهما الإردب. وفيها، قال ابن المتوج: كانت زلزلة بديار مصر. وفي سنة أربع وتسعين، أوفى النيل في السادس من أيام النسيء وكسر، وبلغ مجموع زيادته ستة عشرة ذراعا وسبعة عشر إصبعا، وحصل في هذه السنة بديار مصر غلاء شديد. واستهلت سنة خمس وتسعين وأهل الديار المصرية في قحط شديد ووباء مفرط، حتى أكلوا الجيف، ونفدت حواصل السلطان من العليق، فأقامت خيول السلطان ثلاثة أيام حتى أحضرت التقاوي المخلد في البلاد، وبلغ الإردب القمح مائة وسبعين درهما

نقرة، وذلك عبارة عن ثمانية مثاقيل ذهب ونصف مثقال، والخبز كل رطل وثلث بالمصري بدرهم نقرة، وأكلت الضعفاء الكلاب، وطرحت الأموات في الطرقات، وكانوا يحفرون الحفائر الكبار، فيلقون فيها الجماعة الكثيرة. وبيع الفروج بالإسكندرية بستة وثلاثين درهما نقرة، وبالقاهرة بتسعة عشر، والبيض كل ثلاثة بدرهم، وفنيت الحمر والخيل والبغال والكلاب، ولم يبق شيء من هذه الحيوانات يلوح، وفي جمادى الآخرة خف الأمر، وأخذ بالرخص، وانحط سعر القمح إلى خمسة وثلاثين درهما الإردب. وفي سنة ست وتسعين، بلغت زيادة النيل إلى أول توت خمسة عشر ذراعا وثمانية عشر إصبعا، ثم نقص ولم يوف. وفي سنة سبع وتسعين توقف النيل، ثم أوفى آخر أيام النسيء. وفي سنة ثمان وتسعين في المحرم، ظهر كوكب له ذؤابة. وفي سنة تسعين، أوفى النيل في ثالث عشر توت. وفي شعبان سنة سبعمائة، أمر بمصر والشام اليهود بلبس العمائم الصفر، والنصارى بلبس الزرق، والسامرة بلبس الحمر، واستمر ذلك إلى الآن. وقال الشعراء في ذلك، فقال العلاء الوادعي: لقد ألزموا الكفار شاشات ذلة ... تزيدهم من لعنة الله تشويشا فقلت لهم: ما ألبسوكم عمائمًا ... ولكنهم قد ألبسوكم براطيشا وقال آخر: تعجبوا للنصارى واليهود معًا ... والسامريين لما عمموا الخرقا كأنما بات بالأصباغ منسهلا ... نسر السماء فأضحى فوقهم فرقا وفي سنة اثنتين وسبعمائة في ذي الحجة، كانت الزلزلة العظمى بمصر، وكان تأثيرها

بالإسكندرية أعظم من غيرها، وطلع البحر إلى نصف البلد، وأخذ الحمال والرجال، وغرقت المراكب، وسقطت بمصر دور لا تحصى، وهلك تحت الردم خلق كثير. وفي هذه السنة، قال البرزالي في تاريخه: قرأت في بعض الكتب الواردة من القاهرة أنه لما كان بتاريخ يوم الخميس رابع جمادى الآخرة، ظهرت دابة عجيبة الخلقة من بحر النيل إلى أرض المنوفية، وصفتها: لونها لون الجاموس بلا شعر، وآذانها كآذان الجمل، وعيناها وفرجها مثل الناقة، يغطي فرجها ذنبها، طوله شبر ونصف، طرفه كذنب السمك، ورقبتها مثل غلظ المسند المحشو تبنًا، وفمها وشفتاها مثل الكربال، ولها أربعة أنياب، اثنان من فوق واثنان من أسفل، طولها دون الشبر، وعرض إصبعين، وفي فمها ثمانية وأربعون ضرسا وسنا، مثل بيادق الشطرنج، وطول يديها من باطنها إلى الأرض شبران ونصف، ومن ركبتها إلى حافرها مثل بطن الثعبان، أصفر مجعد ودور حافرها مثل السكرجة بأربعة أظافير مثل أظافير الجمل، وعرض ظهرها مقدار ذراعين ونصف، وطولها من فمها إلى ذنبها خمسة عشر قدما، وفي بطنها ثلاثة كروش، ولحمها أحمر، وزفرته مثل السمك، وطعمه كطعم الجمل، وغلظ جلدها أربعة أصابع، ما تعمل فيه السيوف، وحمل جلدها على خمسة أجمال في مقدار ساعة، من ثقله على جمل بعد جمل، وأحضروه إلى القلعة بين يدي السلطان، وحشوه تبنا، وأقاموه بين يديه. وفي هذه السنة أبطل الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير عيد الشهيد بمصر، وذلك أن النصارى كان عندهم تابوت فيه إصبع، يزعمون أنه من أصابع بعض شهدائهم، وأن النيل لا يزيد ما لم يلق فيه هذا التابوت، وكان يجتمع النصارى من سائر النواحي إلى شبرا، ويقع هناك أمور فظيعة؛ من سكر وغيره، فأبطل ذلك إلى يومنا هذا، ولله الحمد. وفي سنة أربع وسبعمائة ظهر من معدن الزمرد قطعة زنتها مائة وخمسة وسبعون

مثقالا، فأخفاها الضامن، ثم حملها إلى بعض الملوك، فدفع له فيها مائة ألف وعشرين ألف درهم، فأبى أن يبيعها بذلك، فأخذها الملك منه غصبًا، وبعث بها إلى السلطان، فمات الضامن غمًّا. وفيها أوفى النيل رابع توت، وكذا في سنة خمس. وفي سنة تسع وسبعمائة توقف النيل، واستسقى الناس فلم يسقوا، وانتهت زيادته في سابع عشري توت إلى خمسة عشر ذراعا وسبعة عشر إصبعا، ثم زاد. وأوفى ستة عشر ذراعا في تاسع عشر بابه، وتشاءم الناس بسلطنة بيبرس، وغنت العامة في ذلك: سلطاننا ركين، ونائبنا، يجيئنا الماء من أين! يجيب لنا الأعرج، يجيء الماء ويدحرج. وفي هذه السنة لما عاد ابن قلاوون تكلم الوزير ابن الخليلي في إعادة أهل الذمة إلى لبس العمائم البيض بالعلائم، وأنهم قد التزموا للديوان بسبعمائة ألف في كل سنة زيادة على الجالية، فسكت أهل المجلس، وقام الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله، وتكلم كلاما عظيما، ورد على الوزير مقالته، وقال للسلطان: حاشاك أن تكون ممن ينصر أهل الذمة! فأصغى إليه السلطان، واستمر لبسهم للأصفر والأزرق، ثم عمد ذلك ببغداد أيضا في سنة أربع وثلاثين اقتداء بملك مصر. وفي سنة خمس عشرة وسبعمائة وقع الشروع في رَوْك (¬1) الإقطاعات بمصر، وأبطل السلطان مكوسا كثيرة، وأفردت الجهات التي بقيت من المكس، وأضيفت ¬

(¬1) الروك في كتب المؤرخين معناه مسح أرض الزراعة في بلد من البلاد لتقدير الخراج المستحق عليه لبيت المال، ومنه تصرف أعطية الجند ورواتب الولاة، وموظفي دواوين الدولة، وما زاد عن ذلك يودع بيت المال. حواشي السلوك 1: 841.

للوزير. وأفرد لكل راتب من الدولة، ولكل فريق جهة من البلاد، ولم يكن الوزير يتعلق به جهة مكس قديما، ولذا كان يتولاه العلماء وقضاة القضاة. وفي سنة عشرين وسبعمائة حصل بالديار المصرية مرض كثير، قل أن سلمت منه دار، وغلت الأدوية والأشربة، وبيعت الرمانة الحامضة بثلاثة أرباع نقرة، والعناب الرطل المصري بستة دراهم نقرة، وكذلك الإجاص والقراصيا والقلب اللوز، وتمت مدة عظيمة؛ ولكن كان المرض سليما والموت قليلا. ذكره في العبر. وفي سنة إحدى وعشرين، كان بالقاهرة حريق كبير متتابع خارج عن الوصف، ودام أياما في أماكن، وأحرق جامع ابن طولون وما حوله بأسره، ثم ظفر بفاعليه، وهم جماعة من النصارى يعملون قوارير النفط، فقتلوا وأحرقوا، وهدم غالب كنائس النصارى بمصر، ونهب الباقي، وبقيت القاهرة أيامًا لم يظهر فيها أحد من النصارى، وبقي لا يظهر نصراني إلا ضربه العوام، وربما قتلوه. وفي هذه السنة، قال الذهبي في العبر: نقلت من خط بدر الدين العزازي أن كلبة ولدت بالقاهرة ثلاثين جروًا، وإنها أحضرت بين يدي السلطان، فعجب منها وسأل المنجمين عن ذلك، فلم يكن عندهم علم منه. وفي سنة اثنتين وعشرين أبطل السلطان المكس المتعلق بالمأكول بمكة، وعوض صاحبها ثلثي بلد دمامين (¬1) ، من صعيد مصر. وفي سنة أربع وعشرين رسم السلطان بإبطال الملاهي بالديار المصرية، وحبس جماعة من النساء الزواني، وحصل بالديار المصرية موت كثير. وفي هذه السنة، نودي على الفلوس أن يتعامل بها بالرطل، كل رطل بدرهمين، ورسم بضرب فلوس زنة الفلس منها درهم. ¬

(¬1) تقع شرقي النيل على شاطئه فوق قوص. ذكرها ياقوت.

وفي سنة خمس وعشرين، وقع بالقاهرة مطر كثير، قل أن وقع مثله، وجاء سيل إلى النيل حتى تغير لونه، وزاد نحو أربعة أصابع. وفي هذه السنة حضر السلطان القاسم بن قلاوون عند قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة، فسمع عليه عشرين حديثا من تساعياته، وخلع عليه خلعة عظيمة، وفرق من الذهب والفضة على الفقراء نحو ثلاثين ألف درهم.

وفي سنة سبع وعشرين، رسم بقتل الكلاب بالديار المصرية. وفي سنة تسع وعشرين، رسم بألا يباع مملوك تركي لكاتب ولا لعامي. وفي سنة أربعين، نودي على الذهب كل دينار بخمسة وعشرين درهما، وكان بعشرين درهما، وأن يتعاملوا به ولا يتعاملوا بالفضة، فشق ذلك على الناس، ثم بطل ذلك. وفي سنة أربع وأربعين، اشتد آل ملك نائب السلطنة على وادي القاهرة في إراقة الخمر، ومنع المحرمات، وعاقب جماعة كثيرة على ذلك، وأخرب خزانة النبوذ، وكانت دار فسق وفجور، وبنى مكانها مسجدًا، ونادى: من أحضر سكرانا، أو من معه جرة خمر خلع عليه. فقعد العامة لذلك بكل طريق، وأتوه بجندي سكران، فضربه وقطع خبزه، وأخلع على الآتي به، وصار له مهابة عظيمة، وكف الناس عن أشياء كثيرة، حتى أعيان الأمراء، فقال بعض الشعراء في ذلك: آل ملك الحاج غدا سعده ... يملأ ظهر الأرض فيما سلك فالأمر أمن دونه سوقة ... والملك الظاهر هو آل ملك وفي سنة سبع وأربعين قل ماء النيل، حتى صار ما بين المقياس ومصر يخاض، وصار من بولاق إلى المنشية طريقا يمشى فيه، وبلغت راوية الماء درهمين، وكانت بنصف درهم. وفي سنة تسع وأربعين كان الطاعون بمصر وغيرها. وفي سنة خمس وخمسين وسبعمائة أمر بأن يكون إزار النصرانية ازرق وإزار اليهودية أصفر، وإزار السامرية أحمر. وفي سنة سبع وخمسين في ربيع الآخر، هبت ريح من جهة المغرب، وامتدت من مصر إلى الشام في يوم وليلة، وغرقت ببولاق نحو ثلاثمائة مركب، واقتلعت من النخيل، والجميز ببلاد مصر وبلبيس شيئًا كثيرا. وفي سنة إحدى وستين وقع الوباء بالديار المصرية. وفي سنة أربع وستين كان الطاعون بديار مصر. وفي سنة خمس وستين وقع الفناء في البقر، فهلك منه شيء كثير. وفي سنة سبع وستين أخذت الفرنج مدينة إسكندرية، وقتلوا وأسروا، فخرج السلطان والعسكر لقتالهم، ففروا وتركوها. وفي سنة تسع وستين وقع الوباء بالديار المصرية. وفي سنة ثلاث وسبعين رسم للأشراف بالديار المصرية والشامية أن يسموا عمائمهم علامة خضراء، تمييزا لهم عن الناس، ففعل ذلك في مصر والشام وغيرهما، وفي ذلك يقول أبو عبد الله بن جابر الأندلسي الأعمى نزيل حلب: جعلوا لأبناء الرسول علامة ... إن العلامة شأن من لم يشهر نور النبوة في كريم وجوههم ... يغنى الشريف عن الطراز الأخضر وقال في ذلك جماعة من الشعراء ما يطول ذكره؛ ومن أحسنها قول الأديب شمس الدين محمد بن إبراهيم الدمشقي: أطراف تيجان أتت من سندس ... خضر بأعلام على الأشراف والأشرف السلطان خصصهم بها ... شرفًا ليعرفهم من الأطراف

وفي هذه السنة زاد النيل زيادة مفرطة، وثبت إلى أيام من هاتور، فاجتمع جماعة بالجامع الأزهر، وجامع عمرو، وسألوا الله في هبوطه، وعمل ابن أبي حجلة مقامته المشهورة. وفي هذه السنة أراد السراج الهندي قاضي الحنفية أن يساوي قاضي الشافعية في لبس الطرحة، وتولية القضاة في البلاد، وتقرير مودع الأيتام، فأجيب إلى ذلك؛ فاتفق أنه توعك عقب ذلك، وطال مرضه إلى أن مات ولم يتم الذي أراده. وفي سنة أربع وسبعين وقعت صاعقة على القلعة، فأحرقت منها شيئًا كثيرا، واستمر الحريق أياما، وفي هذه السنة عقد الجائي مجلسًا بالعلماء في إقامة خطبة بالمنصورية، فأفتاه البلقيني وابن الصائغ بالجواز، وخالف الباقون، وصنف البلقيني كتابا في الجواز، وصنف العراقي كتابا في المنع، وجمع أيضا القاضي برهان الدين بن جماعة جزءا في المنع. وفي سنة خمس وسبعين، توقف النيل عن الزيادة، وأبطأ إلى أن دخل توت، واجتمع العلماء والصلحاء بجامع عمرو، واستسقوا، وكسر الخليج تاسع توت عن نقص أربعة أصابع من العادة، ثم نودي بصيام ثلاثة أيام، وخرجوا إلى الصحراء مشاة، وحضر غالب الأعيان ومعظم العوام وصبيان المكاتب، ونصب المنبر، فخطب عليه شهاب الدين القسطلاني خطيب جامع عمرو، وصلى صلاة الاستسقاء، ودعا وابتهل، وكشف رأسه واستغاث وتضرعوا، وكان يوما مشهودا، وابتدأ الغلاء وزادت الأسعار. وفي هذه السنة في أول جمادى الأولى حدثت زلزلة لطيفة، فيها ابتدئت قراءة البخاري في رمضان بالقلعة بحضرة السلطان، ورتب الحافظ زين الدين العراقي قارئًا، ثم اشترك معه شهاب الدين العرياني يوما بيوم، وأمر السلطان مشايخ العلم أن يحضروا عنده سامعين ليتباحثوا، فحضر جماعة من الأكابر. وفيها أبطل ضمان المغاني ومكس القراريط التي كانت في ربيع الدور، وقرئ بذلك

مرسوم على المنابر، وكان ذلك بتحريك البلقيني، وأعانه أكمل الدين والبرهان ابن جماعة. وفي سنة ست وسبعين وقع الفناء بالديار المصرية، وبيع كل رمانة بستة عشر درهما وهي قريب من دينار، وكل فروج بخمسة وأربعين، وكل بطيخة بسبعين. وفي هذه السنة أحضر والي الأشمونين إلى الأمير منجك بنتا عمرها خمس عشرة سنة، فذكر أنها لم تزل بنتًا إلى هذه الغاية، فاستد الفرج وظهر لها ذكر وأنثيان، واحتلمت، فشاهدوها وسموها محمدا، ولهذه القضية نظير، ذكرها ابن كثير في تاريخه. قال الحافظ ابن حجر: ووقع في عصرنا نظير ذلك في سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة. وفي سنة سبع وسبعين وصلت هدايا إسطنبول من الروم، وفي جملة الهدايا صندوق فيه شخوص له حركات، وكلما مضى ساعة من الليل ضربت تلك الشخوص بأنواع الملاهي، وكلما مضت درجة سقطت بندقة. وفي سنة ثمان وسبعين، في شعبان، خسف الشمس والقمر جميعا، فطلع القمر خاسفًا ليلة السبت رابع عشرة، وكسفت الشمس بين الظهر والعصر يوم السبت ثامن عشرينه. وفي سنة ثمانين كان بمصر حريق عظيم ودام أياما. وفي هذه السنة، في ذي القعدة عقد برقوق أتابك العساكر مجلسًا بالقضاة والعلماء. وذكر أن أراضي بيت المال أخذت منه بالحيلة، وجعلت أوقافا من بعد الناصر بن قلاوون، وضاق بيت المال بسبب ذلك، فقال الشيخ سراج الدين البلقيني: أما ما وقف على خديجة وعويشة وفطيمة فنعم، وأما ما وقف على المدارس والعلماء والطلبة فلا سبيل إلى نقضه؛ لأن لهم في الخمس أكثر من ذلك. فانفصل الأمر على مقالة البلقيني.

وفي هذه السنة ظهر كوكب له ذؤابة، وبقي مدة يرى في أول النهار من ناحية الشمال. وفي هذه السنة أمر بتبطيل الوكلاء من دور القضاة. وفي سنة إحدى وثمانين رسم الأمير بركة بنفي الكلاب من مصر، ورسم بأن يعمل على قنطرة فم الغور سلسلة تمنع المراكب من الدخول وإلى بركة الرطلي، فقال بعض الشعراء في ذلك: أطلقت دمعي على خليج ... مذ سلسلوه فراح مقفل من رام من دهرنا عجيبًا ... فلينظر المطلق المسلسل وفي ربيع الآخر من هذه السنة أحدث السلام على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عقب أذان العشاء ليلة الاثنين مضافا إلى ليلة الجمعة، ثم أحدث بعد عشر سنين عقب كل أذان إلا المغرب. وفي سنة ثلاث وثمانين ابتدأ الطاعون بالقاهرة. وفيها أمطرت السماء مطرًا عظيمًا، حتى صار باب زويلة خوضًا إلى بطون الخيل، وخرج سيل عظيم إلى جهة طرى، فغرق زرعها، وأقام الماء أياما، ولم يعهد الناس ذلك بالقاهرة. وفيها ظهر نجم له ذؤابة قد رمحين من جهة القبلة. وفي سنة أربع وثمانين وقع الغلاء بمصر. وفيها شرع جركس الخليلي في عمل جسر بين الروضة ومصر، وطوله مائتا قصبة في عرض عشرة عند موردة الحبش، وعمل على النيل طاحونا تدور الماء. وفي هذه السنة قال الحافظ ابن حجر: توجه الظاهر برقوق إلى بولاق التكرور، فاجتاز من الصليبة وقناطر السباع وفم الخور. قال: وكانت عادة السلاطين قبله من زمن الناصر لا يظهرون إلا في الأحيان، ولا يركبون إلا من طريق الجزيرة الوسطى.

قال: ثم تكرر ذلك منه، وشق القاهرة مرارا، وجرى على ما ألف في زمن الإمرة، وأبطل كثيرا من رسوم السلطنة، وأخذ من بعده بطريقته في ذلك إلى أن لم يبق من رسمها في زماننا إلا اليسير جدا. وفي هذه السنة بنى السلطان قناطر بني منجة، فأحكم عمارتها. وفي سنة خمس وثمانين نزل السلطان إلى النيل، فخلق المقياس، وكسر الخليج بحضرته. قال ابن حجر: ولم يباشر ذلك السلطان قبله في زمن الظاهر بيبرس. وفي سنة سبع وثمانين زلزلة مصر والقاهرة زلزلة لطيفة، في ليلة الثالث عشر من شعبان. وفيها أحضرت صغيرة ميتة لها رأسان وصدر واحد ويدان فقط، ومن تحت السرة (¬1) صورة شخصين كاملين، كل شخص بفرج أنثى، فشاهدها الناس، ودفنت. وفيها وقع الغلاء بمصر. وفي سنة ثمان وثمانين في جمادى الآخرة زلزلت الأرض زلزلة لطيفة، وفي هذه السنة عز الفستق عزة شديدة إلى أن بيع الرطل منه بمثقال ذهب ونصف. وفي سنة تسع وثمانين ضربت الدراهم الظاهرية، وجعل اسم السلطان في دائرة، فتفاءلوا له من ذلك بالحبس، فوقع عن قريب، ووقع نظيره لولده الناصر فرج في الدنانير الناصرية. وفي سنة تسعين أصاب الحاج في رجوعهم عند ثغرة حامد سيل عظيم، أهلك خلقا كثيرا. وفي هذه السنة وقع الطاعون بالقاهرة. وفي سنة إحدى وتسعين في شعبان أمر نجم الدين الطنبدي المحتسب أن يزاد بعد كل أذان الصلاة على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما يصنع ذلك ليلة الجمعة بعد العشاء، فصنعوا ذلك إلا في المغرب لضيق وقتها. وفي سنة اثنتين وتسعين عطش الحاج بعجرود؛ حتى بلغت القربة مائة درهم فضة. ¬

(¬1) ساقط من ط.

وفي سنة ثلاث وتسعين أمر كتبغا نائب الغيبة ألا تخرج النساء إلى الترب بالقرافة وغيرها، ومنع النساء من لبس القمصان الواسعة الأكمام وشدد في ذلك. وفي هذه السنة في جمادى الآخرة ظهر كوكب كبير بذؤابة طول رمحين. وفي سنة أربع وتسعين وقع الوباء في البقر، حتى كاد إقليم مصر أن يفنى منها. وفي هذه السنة أمر أصحاب العاهات والقطعات أن يخرجوا من القاهرة. وفيها ضربت بالإسكندرية فلوس ناقصة الوزن عن العادة طمعا في الربح، فآل الأمر إلى أن كانت أعظم الأسرار في فساد الأسرار ونقص الأموال. وفي سنة تسع وتسعين استأذن كاتب السر بدر الدين الكلستاني السلطان له ولجميع المتعممين أن يلبسوا الصوف الملون في المواكب، فأذن لهم، وكان لا يلبسون إلا الأبيض خاصة. وفيها ولدت امرأة بظاهر القاهرة أربعة ذكور أحياء. وفي سنة ثمانمائة هبت ريح شديدة بالقاهرة، حتى اتفق الشيوخ العتق على أنهم لم يسمعوا بمثلها. وفي سنة إحدى وثمانمائة، ذكر أهل الهيئة أنه يقع في أول يوم منها زلزلة، وشاع ذلك في الناس فلم يقع شيء من ذلك. وفي رجب سنة أربع ظهر كوكب قدر الثريا، له ذؤابة ظاهرة النور جدًّا فاستمر يطلع ويغيب، ونوره قوي يرى مع ضوء القمر، حتى رئي بالنهار في أوائل شعبان، فأوله بعضهم بظهور ملك الشيخ المحمودي. وفي سنة؟؟ وثمانمائة، نودي على الفلوس بأن يتعامل بها بالميزان، سعرت كل رطل ستة دراهم، وكانت فسدت إلى الغاية بحيث صار وزن الفلوس ربع درهم بعد أن كان مثقالا. وفي سنة عشر، وقع الطاعون بالديار المصرية. وفي سنة خمس عشرة ضربت الدراهم الخالصة، زنة الواحد نصف درهم والدينار ثلاثين منه، وفرح الناس بها، وبطلت الدراهم النقرة، وكان ضربها قديما في كل درهم عشرة فضة، وتسعة أعشاره نحاس.

وفي سنة ست عشرة فشا الطاعون بمصر. وفي سنة سبع عشرة أمر المؤيد بضرب الدراهم المديدية. وفي سنة ثمان عشرة كان الطاعون بالقاهرة. وفي سنة تسع عشرة كان الطاعون بالقاهرة، وكثر الوباء بالصعيد والوجه البحري. وفي هذه السنة أمر الملك المؤيد الخطباء إذا وصلوا إلى الدعاء إليه في الخطبة أن يهبطوا من المنبر درجة، ليكون اسم الله ورسوله في مكان أعلى من المكان الذي يذكر فيه السلطان، وصنع ذلك الحافظ ابن حجر بالجامع الأزهر، وابن النقاش بجامع ابن طولون. قال ابن حجر: وكان مقصد السلطان في ذلك جميلا. وفي سنة عشرين ولدت جاموسة ببلبيس مولودا برأسين وعنقين وأربعة أيد وسلسلتي ظهر واحد ورجلين اثنتين لا غير، وفرج واحد أنثى، والذنب مفروق باثنتين، فكانت من بديع صنع الله. وفي هذه السنة أمسك نصراني زنا بامرأة مسلمة، فاعترفا، فحكم برجمهما، فرجما خارج باب الشعرية وأحرق النصراني ودفنت المرأة. وفي سنة اثنتين وعشرين فشا الطاعون بالديار المصرية. وفي سنة خمس وعشرين زلزلت القاهرة زلزلة لطيفة. وفي سنة سبع وعشرين جدد للمشايخ الذين يحضرون سماع الحديث بالقلعة فراجي سنجاب، وهو أول ما فعل بهم ذلك. وفي سنة ثمان وعشرين وقع بدمياط حريق عظيم حتى احترق قدر ثلثها، وهلك من الدواب والناس شيء كثير. وفي سنة ثلاث وثلاثين كان الطاعون العظيم بالديار المصرية. وفي سنة إحدى وأربعين كان الطاعون بالديار المصرية.

ذكر الطريق المسلوك من مصر إلى مكة شرفها الله تعالى:

ذكر الطريق المسلوك من مصر إلى مكة شرفها الله تعالى: قال ابن فضل الله: المحامل السلطانية وجماهير الركبان لا تخرج إلا من أربع جهات: مصر، ودمشق، وبغداد، وتعز (¬1) . قال: فيخرج الركب من مصر بالمحمل السلطاني، والسبيل والمسبل (¬2) للفقراء والضعفاء والمنقطعين بالماء والزاد والأشربة والأدوية، والعقاقير والأطباء والكحالين والمجبرين، والإدلاء والأئمة والمؤذنين والأمراء، والجند والقاضي والشهود والدواوين والأمناء ومغسل الموتى؛ في أكمل زي، وأتم أهبة، وإذا نزلوا منزلا أو رحلوا مرحلا تدق الكوسات (¬3) ، وينفر النفير (¬4) ليؤذن الناس بالرحيل والنزول، فإذا خرج الراكب من القاهرة نزل البركة (¬5) على مرحلة واحدة، فيقيم بها ثلاثة أيام أو أربعة، ثم يرحل إلى السويس في خمس مراحل، ثم إلى نخل في خمس مراحل. وقد عمل فيها الأمير آل ملك الجوكندار المنصوري أحد أمراء المشورة في الدولة الناصرية بن قلاوون بركا، واتخذ لها مصانع، ثم يرحل إلى أيلة في خمس مراحل وبها العقبة العظمى، فينزل منها إلى حجز (¬6) بحر القلزم، ويمشي على حجزه حتى يقطعه من الجانب الشمالي إلى الجانب الجنوبي، ويقيم به أربعة أيام أو خمسة، وبه سوق عظيم فيه أنواع المتاجر، ثم يرحل إلى حفل مرحلة واحدة، ثم إلى بر مدين في أربع مراحل وبه مغارة شعيب عليه الصلاة والسلام، ¬

(¬1) تعز، بالفتح ثم الكسر والزاي مشددة: قال ياقوت: "قلعة عظيمة من قلاع اليمن المشهورات". (¬2) أسلبت الطريق: كثرت سابلتها. (¬3) الكوسات: صنوجات من نحاس شبه الترس الصغير، يدق أحدها على الآخر بإيقاع مخصوص؛ ويتولى ذلك الكوسي. صبح الأعشى 4: 1329، وانظر حواشي السلوك 1: 126. (¬4) النفير: الناس الذين يحجون. (¬5) هي بركة الحبش؛ كانت مشرفة على نيل مصر خلف القرافة؛ وكانت من أجل متنزهات مصر، قال ياقوت: "رأيتها، وليست بركة ماء؛ وإنما شبهت بها". (¬6) الحجز، بالضم أو الكسر: الناحية.

ويقال: إن ماءها هو الذي سقى عليه موسى عليه الصلاة والسلام غنم بنات شعيب، ثم يرحل إلى عيون القصب في مرحلتين، ثم إلى المويلحة في ثلاث مراحل، ثم إلى الأزلم في أربع مراحل. وماؤه من أقبح المياه، وهناك خان بناه الأمير آل ملك الجوكندار، وعمل هناك بئرا أيضا، ثم إلى الوجه في خمس مراحل، وماؤه من أعذب المياه، ثم إلى أكرى في مرحلتين وماؤه أصعب ماء في هذه الطريق، ثم إلى الحوراء، وهي على ساحل بحر القلزم في أربع مراحل، وماؤها شبيه بماء البحر لا يكاد يشرب، ثم إلى نبط في مرحلتين وماؤه عذب، ثم إلى ينبع في خمس مراحل ويقيم عليه ثلاثة أيام، ثم إلى الدهناء في مرحلة، ثم إلى بدر في ثلاث مراحل، وهي مدينة حجازية وبها عيون وجداول وحدائق، وبها الجار فرضة المدينة الشريفة، ثم يرحل إلى رابغ في خمس مراحل، وهي بإزاء الجحفة التي هي الميقات، ثم يرحل إلى خليص في ثلاث مراحل، وبها بركة عملها الأمير أرغون الناصري، ثم إلى بطن مر في ثلاث مراحل، وفي طريقه بئر عسفان، ثم يرحل من بطن مر إلى مكة المشرفة مرحلة واحدة. ثم يرجع في منازله إلى بدر، فيعطف إلى المدينة الشريفة، فيرحل إلى الصفراء في مرحلة، ثم إلى ذي الحليفة في ثلاث مراحل، ثم إلى المدينة الشريفة في مرحلة، ثم يرجع إلى الصفراء، ويأخذ بين جبلين في فجوة تعرف نقب علي؛ حتى يأتي الينبع في ثلاث مراحل، ثم يستقيم على طريقه إلى مصر.

ذكر قدوم المبشر سابقا يخبر بسلامة الحاج:

ذكر قدوم المبشر سابقا يخبر بسلامة الحاج: كان ذلك في عهد الخلفاء الراشدين: عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان فمن بعدهم، وله حكمة لطيفة قل من يعرفها، قال الحافظ عماد الدين بن كثير في تاريخه في قصة حصر عثمان -رضي الله عنه؛ واستمر الحصار بالديار المصرية حتى مضت أيام التشريق، ورجع البشير من الحج، فأخبر بسلامة الناس، وأخبر أولئك أن أهل الموسم عازمون على الرجوع إلى المدينة ليكفوهم عن أمير المؤمنين. وأخرج مالك في الموطأ عن ابن دلان عن أبيه أن رجلًا من جهينة كان يشتري الرواحل فيتغالى بها، ثم يسرع السفر فيسبق الحاج، فأفلس، فرفع أمره إلى عمر، فقال: أما بعد أيها الناس، إن الأسيقع أسيقع جهينة رضي من دينه، وأمانته أن يقال: سبق الحاج، ألا وإنه أدان معرضا، فأصبح وقد دين به فهمد، فمن كان له عليه دين فليأته بالغداة. فقسم ماله بين غرمائه، ثم كمل الدين. وأخرج الخطيب البغدادي في تالي التلخيص من طريق عبد الملك بن عمير عن عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه، قال: تخرج الدابة من جبل أجياد في أيام التشريق والناس بمنى، قال: فلذلك جاء سابق الحاج يخبر بسلامة الناس.

ذكر حمائم الرسائل:

ذكر حمائم الرسائل: قال ابن كثير في تاريخه: في سنة سبع وستين وخمسمائة اتخذ السلطان نور الدين الشهيد الحمام الهوادي، وذلك لامتداد مملكته، واتساعها، فإنها من حد النوبة إلى همذان (¬1) ، فلذلك اتخذ قلعة، وحبس الحمام التي تسري الآفاق في أسرع مدة، وأيسر عدة، وما أحسن ما قال فيهن القاضي الفاضل: الحمام ملائكة الملوك، وقد أطنب في ذلك العماد الكاتب وأظرف وأطرب، وأعجب وأغرب (¬2) . وفي سنة إحدى وتسعين وخمسمائة، اعتنى الخليفة الناصر لدين الله بحمام البطاقة اعتناء زائدا، حتى صار يكتب بأنساب الطير المحاضر إنه من ولد الطير الفلاني. وقيل: إنه بيع بألف دينار. وقد ألف القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر في أمور هذه الحمام كتابا سماه "تمام الحمائم" (¬3) ، وذكر فيه فصلا فيما ينبغي أن يفعله المنطق، وما جرت العادة به في ذلك فقال: كان الجاري به العادة أنها لا تحمل البطاقة إلا في جناحها، لأمور منها، حفظها من المطر ولقوة الجناح؛ والواجب أنه إذا انطلق من مصر لا يطلق إلا من أمكنة معلومة، فإذا سرحت إلى الإسكندرية، فلا تسرح إلا من منية عقبة بالجيزة، وإلى الشرقية، فمن مسجد التين ظاهر القاهرة، وإلى دمياط فمن بيسوس بشط بحر منجي. والذي استقرت قواعد الملك عليه، أن طائر البطاقة لا يلهو الملك عنه ولا يغفل، ولا يمهل لحظة واحدة، فتفوت مهمات لا تستدرك، إما من واصل وإما من هارب، وإما من متجدد في الثغور. ¬

(¬1) بعدها في ابن كثير: "لا يتخللها إلا بلاد الإفرنج، وكلهم تحت قهره وهدنته". (¬2) تاريخ ابن كثير 12: 269. (¬3) قال في كشف الظنون: "صنفه حين حافظ عليها الفاطميون بمصر، وبالغوا فيها حتى أفردوا لها ديوانا، وجرائد بأنساب الحمائم".

ولا يضع (¬1) البطاقة من الحمام إلا السلطان بيده من غير واسطة أحد؛ فإن كان يأكل لا يمهل حتى يفرغ، وإن كان نائمًا لا يمهل حتى يستيقظ بل ينبه. وينبغي أن تكتب البطائق في ورق الطير المعروف بذلك. قال: ورأيت الأوائل لا يكتبون في أوائلها بسملة. قال: وأنا ما كتبتها قط إلا ببسملة للبركة، وتؤرخ بالساعة واليوم، لا السنين؛ وينبغي ألا يكثر في نعوت المخاطب فيها، ولا يذكر في البطائق حشو الألفاظ، ولا يكتب إلا لب الكلام وزبدته. ولا بد أن يكتب شرح الطائر ورفيقه إن كانا طائرين قد سرحا حتى إن تأخر الطائر الواحد رقب حضوره، أو يطلق لئلا يكون قد وقع في برج من أبراج المدينة، ولا يعمل للبطائق هامش ولا يحمدي، وجرت العادة بأن يكتب في آخرها: "وحسبنا الله ونعم الوكيل"، وذلك حفظ لها. ومن فصل في وصفها لتاج الدين أحمد بن سعيد بن الأثير كاتب الإنشاء: طالما جادت بها فأوضحت مخلفة وراءها تبكي عليه السحب، وصدق من سماها أنبياء للطير؛ لأنها مرسلة بالكتب. وفيها يقول أبو محمد أحمد بن علوي بن أبي عقال القيرواني: خضر تفوت الريح في طيرانها ... يا بعد بين غدوها ورواحها تأتي بأخبار الغدو عشية ... لمسير شهر تحت ريش جناحها وكأنما الروح الأمين بوحيه ... نفث الهداية منه في أرواحها وقال غيره: يا حبذا الطائر الميمون يطرقنا ... في الأمر بالطائر الميمون تنبيها فاقت على الهدهد المذكور إذ حملت ... كتب الملوك وصانتها أعاليها ¬

(¬1) ط: "يقع".

تلقي بكل كتاب نحو صاحبه ... تصون نظرته صونًا وتخفيها فما تمكن عين الشمس تنظره ... ولا تجوز أن تلقيه من فيها منسوبة لرسالات الملوك فب ... المنسوب تسمو ويدعوها تسميها أكرم بجيش سعيد ما سعادته ... مما يشكيك فيها فكر حاكيها (¬1) حما حمى الغار يوم الغار حرمته ... فيالها وقعة عزت مساعيها! وقوفه عند ذاك الباب شرفه ... وللسعادة أوقات تؤاتيها ويوم فتح رسول الله مكته ... عند الدخول إليها من بواديها صفت تظلل من شمس كتيبته الـ ... خضر أمطره فيها تواليها فظللته بما كانت تود هوى ... لو قابلتها بأشواق فتنهيا فعندما حظيت بالقرب أمنها ... فشرفت بعطايا جل مهديها فما يحل لدى صيد تناولها ... ولا ينال المنى بالنار مصليها ولا تطير بأوراق الفرنج ولا ... يسير عنها بما فيه امانيها سمت بملك المعاني غير ذي دنس ... لا ترضيهم، ولو جزت نواصيها وانظر لها كيف تأتي للخلائق من ... آل رسول بحب كامن فيها من المقام إلى دار السلام فلم ... يمض النهار بعزم في دواعيها وربما ضل عنه الهند ملتقطاً ... حبات فلفله وارتد مبطيها فجاء في يومه في إثر سابقه ... حفظاً لحق يد طابت أياديها مناقب لرسول الله أيسرها ... لدى نبوته الغراء تكفيها ومن إنشاء القاضي الفاضل في وصف حمائم الرسائل: سرحت لا تزال أجنحتها محملة من البطائق أجنحة، وتجهز جيوش المقاصد والأقلام أسلحة، وتحمل من الأخبار ما تحمله الضمائر، وتطوى الأرض إذا نشرت الجناح الطائر، ¬

(¬1) ط: "جاليها".

وتزوى لها الأرض حتى يرى ملك هذه الأمة، وتقرب من السماء حتى ترى مالا يبلغه وهم ولا همة، وتكون مراكب للأغراض وكانت والأجنحة قلوعاً، وتركب الجو بحر تصفق فيه هبوب الرياح موجاً مرفوعاً، وتعلق الحاجات على اعجازها، ولا تفوق الإرادات عن إنجازها، ومن بلاغات البطائق استفادت ما هي مشهورة به من السجع، ومن رياض كتبها الفت الرياض فهي إليها دائمة الرجع. وقد سكنت البروج فهي أنجم، وأعدت في كنائنها فهي للحاجات أسهم، وكادت تكون ملائمة؛ لأنها رسل فإذا نيطت بالرقاع، صارت أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع. وقد باعد الله بين أسفارها وقربها، وجعلها طيف خيال اليقظة الذي صدق العين وما كذبها، وقد أخذت عهود الأمانة في رقابها أطواقا، فأدتها من فأذنابها أوراقا، وصارت خوافي من وراء الخوافي، وغطت سرها المودع بكتمان سحبت عليه ذيول ريشها الضوافي، ترغم النوى بتقريب العهود، وتكاد العيون تلاحظها تلاحظ أنجم السعود؛ وهي أنبياء الطير لكثرة ما تأتي به من الأنباء، وخطباؤها؛ لأنها تقوم على الأغصان مقام الخطباء (¬1) . وقال في وصفها شيخ الكتاب ذو البلاغتين السديد أبو القاسم شيخ القاضي الفاضل: وأما حمام الرسائل؛ فهي من آيات الله المستنطقة الألسن بالتسبيح، العاجز عن وصفها إعجاز البليغ الفصيح، فيما تحمله من البطائق، وترد به مسرعة من الأخبار الواضحة الحقائق، وتعاليه في الجو محلقا عند مطاره، وتهديه على الطريق التي عليها ليأمن من فوت الإدراك وأخطاره، ونظره إلى المقصد الذي يسرح إليه من علي، ووصوله إلى أقرب الساعات بما يصل به البريد في أبعد الأيام من الخبر الجلي، ومجيئه معادلًا لرءوس السفار مسامتا، وإيثاره بالمتجددات فكأنه ناطق وإن كان صامتا، وكونه يمضي محمولا على ظهر المركوب، ويرجع عاملا على ظهره للمكتوب، ولا يعرج على تذكار الهدير، ولا يسأم من الدأب في الخدمة زائدا على التقدير، وفي تقدمه البشائر، يكون ¬

(¬1) نهاية الأرب 10: 280.

المعنى بقولهم: أيمن طائر؛ ولا غرو أن فارق رسل أهل الأرض وفاتهم وهو مرسل والعنان عنانه، والجو ميدانه، والجناح مركبه، والرياح موكبه، وابتداء الغاية شوطه، والشوق إلى أهله سوطه؛ مع أمنه ما يحدث لمنتاب السفار، ومخبآت القفار، من مخاوف الطوارق وطوارق المخاوف، ومتلف الغوائل وغوائل المتالف، إلا ما يشد من اعتراض خارج (¬1) وانقضاض كاسب كاسر، فتكف سعادة الدولة تأمينه، وتصد عنه تصميمه؛ لأنه أخذ جيشها من الطيرين اللذين يحدثان في أعدائها؛ هذا بالإنذار الجاعل كيدهم في تضليل، وذلك بما ترى رأيتها المنصورة عليهم من تضليل. وقال القاضي محيي الدين بن الظاهر رحمه الله تعالى: ولما وقفت على ما أنشأه القاضي الفاضل، على ما أنشأه الشيخ السديد أردت أن أجر الخاطر، فأنشات وأنا غير مخاطب أحدًا بل مخاطر، وأين الثرى من الثريا، وما الحسن لكل أحد يتهيا، وعلي أن أجيب وما علي أن أجيد، وما كل والد يدرك شأو الوليد، ولا كل كاتب عبد الرحيم ولا عبد الحميد، فقلت: وأما حمائم الرسائل فكم أغنت البرد عن جوب القفار، وكم قدت جيوبها على أسرى أسرار؛ وكم أعارت السهام أجنحة فأحسنت بتلك العارية المطار، وكم قال جناحها لطالب النجاح: لا جناح، وكم سرت فحمدت المساء إذا حمد غيرها من السارين الصباح، وكم ساوقت الصبا والجنائب فقاقتهما ولم تحوج سلام المشتاقين إلى امتطاء كاهل الرياح. كم حسن ملك كل منهما ملك، وكم قال مسرحها لمجيئه بها: قرة عين لي ولك، كم أجملت في الهوى تقلبًا، وإذا غنت الحمائم على الغصون صمتت عن الهديل والهدير تأدبا، كم دفعت شكا بيقينها، ورفعت شكوى بتبيينها، وكم أدت أمانة ولم تعلم أجنحتها ¬

(¬1) ح، ط: "جارح"، وما أثبته من الأصل.

بما في شمالها ولا شمالها بما في يمينها. كم التفت منها الساق بالساق، فأحسنت لربها المساق، وكم أخذت عهود الأمانة فبدت أطواقا في الأعناق، ويقال: ما تضمنته من البطائق بعض ما تعلق منها في الرياض من الأوراق، تسبق اللمح، وكم استفتح بها بشير إذا جاء بالفتح، تفوت (¬1) الطرف السابق، والطرف الرامي الرامق، وما تلت سورة البروج إلا وتلت سورة الطارق. كم أنسى مطارها عدو السلكة والسليك، وكم غنيت في خدمة سلطانها عن الغناء وقال كل منهما لرفيقه: إليك عن الأيك. ما أحوج تصديقهما في رسالتهما إلى الإعزاز بثالث، وكم قيل في كل منهما لمن سام هذا حام في خدمة أبناء يافث، كم سرحا بإحسان، وكم طارا بأفق فاستحق أن يقال لهما: فرسا سحاب إذا قيل لأحدهما فرسا رهان، حاملة علم لمن هو أعلم به منها، يغني السفار والسفارة فلا تحوجهم إلى الاستغناء عنها. تغدو وتروح، وبالسر لا تبوح، فكم غنيت باجتماعها بإلفها عن أنها تنوح. كم سارت تحت أمر سلطانها أحسن السير، وكم أفهمت أن ملك سليمان إذ سخر له منها في مهماته الطير، أسرع من السهام المفوقة، وكم من البطائق مخلقة وغير مخلقة، كم ضللت من كيد، وكم بدت في مقصورة دونها مقصورة ابن دريد. ومن إنشاء الأديب تقي الدين أبو بكر بن حجة في ذلك: سرح فما سرح العيون إلا دون رسالته المقبولة، وطلب السبق فلم يرض البرق سرحا ولا استظل صفحته المصقولة؛ وكم جرى دونه النسيم فقصر وأمست أذياله بعرف السحب ملولة. وأرسل فأقر الناس برسالته وكتابه المصدق، وانقطع كوكب الصبح خلفه فقال عند التقصير: كتب يجاب وعلى يدي يخلق، يؤدي ما جاء على يده من الترسل فيهيج الأشواق، وما برحت الحمام تحسن الأداء في الأوراق، وصحبناه على الهدى فقال: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} ، ومن روى عنه الحديث المسند فعن عكرمة قد روى، يطير مع ¬

(¬1) ح، ط: "تسبق".

الهوى لفرط صلاحه، ولم يبق على السر المصون جناح إذا دخل تحت جناحه؛ إن برز من مقفصه لم يبق للصرح الممرد قيمة، بل ينعزل بتدبيج أطواقه ويعلق عليه من العين تلك التميم، ما سجن إلا صبر على السجن وضيقة الأطواق، ولهذا حمدت عاقبته على الإطلاق، ولا غنى على عود إلا أسال دموع الندى من حدائق الرياض، ولا أطلق من كبد الجو إلا كان سهما مريشا تبلغ به الأغراض. كم علا فصاد بريش القوادم كالأهداب لعين الشمس، وأمسى عند الهبوط لعيون الهلال كالطمس؛ فهو الطائر الميمون والغاية السباقة، والأمين الذي إذا أودع أسرار الملوك حملها بطاقة؛ فهو من الطيور التي خلا لها الجو فنقرت ما شاءت من حبات النجوم، والعجماء التي من أخذ عنها شرح المعلقات فقد أعرب من دقائق المفهوم، والمقدمة والنتيجة للكتاب الحجلي في منطق الطير، وهي من حملة الكتاب الذي إذا وصل القارئ منه إلى الفتح يتهلل لحبه الخير؛ إن يصدر البازي بغير علم فكم جمعت بين طرفي كتاب، وإن سألت العقبان على بديع السجع أحجمت عن رد الجواب. رعت النسور بقوة جيف الفلا ... ورعى الذباب الشهد وهو ضعيف ما قدمت إلا وأرتنا من شمائلها اللطيفة نعم القادمة، وأظهرت لنا من خوافيها ما كانت له خير كاتمة. كم أهدت من مخلبها وهي غادية رائحة، وكم حنت إليها الجوارح وهي أدام الله إطلاقها عز جارحة، وكم أدارت من كؤوس السجع ما هو أرق من قهوة الغنشا، وأبهج على زهر المنثور من صبح الأعشى. وكم عامت بحور الفضاء ولم تحفل بموج الجبال، وكم جاءت ببشارة وخضبت الكف من تلك الأنملة قلامة الهلا، وكم زاحمت النجوم بالمناكب حتى ظفرت بكل كف خضيب، وانحدرت كأنها دمعة سقطت على خد الشقيق لأمر مريب، وكم لمع في أصيل الشمس خضاب كفها الوضاح، فصارت بسموها وفرط البهجة كمشكاة مصباح. والله تعالى يديم بأفنان أبوابه العالية الحان السواجع، ولا برح تغريدها بين البادئ والراجع.

ذكر عادة المملكة في الخلع والزي:

ذكر عادة المملكة في الخلع والزي: قال ابن فضل الله: وأما القضاة والعلماء فخلعهم من الصوف بغير طراز، فلهم الطرحة، وأصل الصوف أن يكون أبيض وتحته أخضر. وأما زي القضاة والعلماء فدلق (¬1) متسع بغير تفريق، فتحته على كتفه، وشاش كبير منه ذؤابة بين الكتفين، ويميلها إلى الكتف الأيسر. وأما من دون هؤلاء فالفرجية الطويلة الكم بغير تفريج، "وأما زاهدهم فيقصر الذؤابة" (¬2) ويميلها إلى الكتف الأيسر. ومنهم من يلبس الطيلسان. وأما قاضي القضاة الشافعي -رضي الله تعالى عنه، فرسمه الطرحة، وبها يمتاز ومراكبهم البغال، ويعمل بدلا من الكنبوش (¬3) الزناري، وهو من الجوخ بالعباء المجوفة الصدر مستدير من وراء الكفل. وألبسه الخطباء دلق مدور أسود للشعار العباسي، وشاش أسود وطرحة سوداء. وأما زي الأمراء والجند، فتقدم عند ذكر السلطان. وأما خلعهم وخلع الوزراء ونحوهم فأسقطتها من كلام ابن فضل الله؛ لأنها ما بين حرير وذهب؛ وذلك محرم شرعا، وقد التزمت ألا أذكر في هذا الكتاب شيئًا أسأل عنه في الآخرة، إن شاء الله تعالى. ¬

(¬1) الدلق: نوع من الملابس الصوفية. (¬2) كذا في الأصل وفي ح، ط: "والذؤابة أيضا ويميلها"، وكلاهما غير واضح. (¬3) الكنبوش: من معانيه اللثام الذي يستعمله أهل المغرب لتغطية الوجه من الدقن إلى الخيشوم اتقاء لبرودة الصباح. وانظر حواشي السلوك 1: 452.

ذكر عادة السلطان في الكتابة على التقاليد:

ذكر عادة السلطان في الكتابة على التقاليد: قال ابن فضل الله: عادته إذا كتب لأحد من النواب يكتب اسمه فقط، فإن كان من كبارهم، وهو من ذوي السيوف، كتب "والده فلان"، وإن كان من القضاة والعلماء كتب: "أخوه فلان". ذكر معاملة مصر: قال ابن فضل الله في المسالك: معاملة مصر الدراهم، ثلثاها فضة وثلثها نحاس، والدرهم ثمان عشرة حبة (¬1) خرنوبة، والخرنوبة ثلاث قمحات، والمثقال أربعة وعشرون خرنوبة، والدرهم منها قيمته ثمانية وأربعون فلسا، والدينار الحبشي ثلاثة عشر درهما وثلث الدرهم. وأما الكيل فيختلف (¬2) بمصر: الإردب، وهو ست ويبات، الويبة أربعة أرباع، الربع أربعة أقداح، القدح مائتان واثنان وثلاثون درهما؛ هذا إردب مصر، وفي أريافها يختلف الإردب من هذا المقدار إلى أنهى ما ينتهي ثلاث ويبات. والرطل اثنا عشر أوقية، والأوقية اثنا عشر درهما. قال صاحب المرآة: في سنة خمس وسبعين من الهجرة ضرب عبد الملك بن مروان على الدنانير والدرهم اسم الله تعالى، قال الهيثم: وسببه أنه وجد دراهم ودنانير تاريخها قبل الإسلام بأربعمائة سنة، عليها مكتوب "باسم الأب والابن وروح القدس"، فسبكها ونقش عليها اسم الله تعالى وآيات من القرآن واسم الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. واختلف في صورة ما كتب، فقيل: جعل في وجه "لا إله إلا الله" وفي الآخر "محمد رسول الله" ¬

(¬1) ساقطة من ح، ط. (¬2) ح، ط: "فمختلف في مصر".

وأرخ وقت ضربها. وقيل: جعل في وجه "قل هو الله أحد" وفي الآخر "محمد رسول الله". وقال القضاعي: كتب على أحد الوجهين "الله أحد من غير قل"، ولما وصلت إلى العراق أمر الحجاج فزيد فيها في الجانب الذي فيه محمد رسول الله في جوانب الدرهم مستديرا: "أرسله بالهدى ودين الحق ... " الآية. واستمر نقشها كذلك إلى زمن الرشيد، فأراد تغييرها فقيل له: هذا أمر قد استقر وألفه الناس، فأبقاها على ما هي عليه اليوم، ونقش عليها اسمه. وقيل: أول من غير نقشها المنضور، وكتب عليها اسمه. وأما الوزن فما تعرض أحد لتغييره. انتهى كلام صاحب المرآة.

ذكر كوكب الذنب:

ذكر كوكب الذنب: قال صاحب المرآة: إن أهل النجوم يذكرون أن كوكب الذنب طلع في وقت قتل قابيل، وهابيل، وفي وقت الطوفان، وفي وقت نار إبراهيم الخليل، وعند هلاك قوم هاد وثمود وقوم صالح، وعند ظهور موسى وهلاك فرعون، وفي غزوة بدر، وعند قتل عثمان وعلي، وعند قتل جماعة من الخلفاء، منهم الرضي والمعتز والمهتدي والمقتدر. وقال: وأدنى الأحداث عند ظهور هذا الكوكب الزلازل والأهوال. قلت: يدل لذلك ما أخرجه الحاكم في المستدرك، وصححه من طريق ابن أبي مليكة، قال: غدوت على ابن عباس، فقال: ما نمت البارحة! قلت: لم؟ قال: طاح الكوكب ذو الذنب، فخشيت أن يكون الدجال قد طرق.

ذكر بقية لطائف مصر:

ذكر بقية لطائف مصر: قال الكندي: ذكر يحيى بن عثمان، عن أحمد بن الكريم، قال: جلت للدنيا، ورأيت آثار الأنبياء والملوك والحكماء، ورأيت آثار سليمان بن داود عليهما السلام ببيت المقدس، وتدمر والأردن، وما بنته الشياطين، فلم أر مثل برابي مصر ولا مثل حكمتها، ولا مثل الآثار التي بها، والأبنية التي لملوكها وحكمائها. ومصر ثمانون كورة، ليس منها كورة إلا وفيها ظرائف وعجائب من أصناف الأبنية والطعام والشراب والفاكهة والنبات وجميع ما ينتفع به الناس، ويدخره الملوك، وصعيدها أرض حجازية، حرها كحر الحجاز، تنبت النخل والأراك والقرظ والدوم والعشر، وأسفل أراضي مصر شامية تمطر مطر الشام، وتنبت نبات الشام من الكرم والتين والموز وسائر الفاكهة، والبقول والرياحين. ويقع به الثلج، ومنها لوبية ومراقية (¬1) برابي وجبال وغياض، وزيتون وكروم برية بحرية جبلية، بلاد إبل وماشية، ونتاج وعسل ولبن. وكل كورة (¬2) من مصر مدينة، قال تعالى: {وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ} ، وفي كل مدينة منها آثار عجيبة من الأبنية والصخور والرخام والبرابي، وتلك المدن كلها تأتي منها السفن، تحمل المتاع والآلة إلى الفسطاط، تحمل السفينة الواحدة ما تحمله خمسمائة بعير. قال الكندي: وليس في الدنيا بلد يأكل أهله صيد البحر طريًّا غير أهل مصر. قال: وذكر بعض أهل العلم أنه ليس في الدنيا شجرة إلا وهي بمصر، عرفها من عرفها، وجهلها من جهلها. ¬

(¬1) قال ياقوت: "مراقية بالفتح والقاف والياء مخففة؛ إذا قصد القاصد من الإسكندرية إلى إفريقية فأول بلد يلقاه مراقية، ثم لوبية". (¬2) الكورة في اصطلاح القدماء: كل صقع يشتمل على عدة قرى، ولا بد لتلك القرى من قصبة أو مدينة أو نهر يجمع اسمها، وانظر معجم البلدان 1: 36.

ويوجد بمصر في كل وقت من الزمان من المأكول والمأدوم، والمشموم وسائر البقول والخضر؛ جميع ذلك في الصيف والشتاء، لا ينقطع منها شيء لبرد ولا حر (¬1) . وذكر أن بخت نصر قال لابنه بلسطان: ما أسكنتك مصر إلا لهذه الخصال. وبلسطان هو الذي بنى قصر الشمع. وقال بعض من سكن مصر: لولا ماء طوبة، وخروف أمشير، ولبن برمهات، وورد برمودة، ونبق بشنس، وتين بؤونة، وعسل أبيب، وعنب مسرى، ورطب توت، ورمان بابة، وموز هاتور، وسمك كيهك، ما أقمت بمصر. وأخرج ابن عساكر من طريق الربيع بن سليمان، قال: سمعت الشافعي رضي الله عنه يقول: ثلاثة أشياء، دواء للداء الذي لا دواء له، الذي أعيا الأطباء أن يداووه: العنب، ولبن اللقاح، وقصب السكر، ولولا قصب السكر ما أقمت بمصر. وقال بعضهم: يجتمع بمصر في وقت واحد ما لا يجتمع بمدينة؛ وذلك البنفسج والورد والسوسن، والمنثور والنرجس وشقائق النعمان والبهار والياسمين والنسرين، واللينوفر والنمام والمرزنجووش والريحان والنارنج، والليمون والتفاح الشامي والأترج والباقلي الأخضر، والعنب والتين والموز واللوز الأخضر والسفرجل، والكمثرى والرمان والنبق والقثاء والخيار، والطلع والبلح والبسر الرطب واللفت، والقنبيط والأسفاناخ والقرع والجزر والباذنجان؛ كل ذلك يجتمع في وقت واحد من السنة. وقال بعض من صنف في فضائل مصر: بمصر الحمير المريسية، والبقر الحسينية، والنجب النجارية، والأغنام النوبية، والدجاج الحبشية، والمراكب الحربية، والسفن الزيبقية، والمناسف الحملية، والستور البهنساوية، والغلائل القصبية، والحرم ¬

(¬1) ح: "لحر".

السمطاوية، والنعال السندية، والسلال الوهبانية، والمضارب السلطانية. ويحمل إلى العراق وغيرها من مصر زيت الفجل والعسل النحل، ويفخر به على أعسال الدنيا. ويروى أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بارك فيه لما أهداه إليه المقوقس. وبمصر يزرع البلسان، ودهنه يستعمل في أكثر العلاج، والنفط وهو من آلة الحرب التي بها قهر الأعداء، ودهن الخروع وزيت البزر والدهن الصيني، وزيت الخردل وزيت الخس، ودهن القرطم، وزيت السلجم، وخشب اللبخ، وهو أصلح من الأبنوس اليوناني. وفي صعيد مصر خشب الأبنوس الأبلق، وسائر العقاقير التي تدخل في الطب والعلاج. وكل ما زرع في أرض مصر ينبت. وفيها من نبات الهند والسند مثل الأهليلج والخيار شنبر والتمر هندي وغيره مما لا يوجد في بلد من البلاد الإسلامية. وبها الشب الواحي؛ وهو أبلغ من اليماني، والأفيون والشاهترج والصفر والزجاج والجزع الملون والصوان؛ وهو حجر لا يعمل فيه الحديد؛ وكانت الأوائل تعمده وتقطعه بأسوان؛ ومنه العمد الجافية، التي لا تكون بسائر الدنيا، وكل حمامات مصر بالرخام لكثرته عندهم، وكذلك صحون دورهم. وبها الحجارة المسماة بالكذان؛ يبلط بها الدور ويعقد بها الدرج. وبها من الحصر العبداني، ومن سائر أصناف الحصر ما لا يوجد في غيرها، ويجلب من مصر البز الأبيض من الديبقي وغيره الذي يعمل بدمياط وتنيس. وبالإسكندرية يعمل الوشى الذي يقوم مقام وشي الكوفة. وبالصعيد يعمل من الجلود الأنطاع، وبالبهنسا الستور التي هي أحسن ستور الأرض

والبسط وأجلة الدواب والبراقع وستور النسوان في المضارب والأكسية والطيالسة. وكان يعمل بإخميم الفرش التي تسمى نطوع الخز. وبمصر من أصناف الرقيق ما ليس ببلد من البلدان، وأصناف الطير الحسن الصوت (¬1) في صعيدها مثل القمري والنوبي، والنواح والدبسي الأحمر والأبلق، والكروان الذي ليس مثله في بلد. ومنها يحمل الطير إلى البلدان في الشرق والغرب، والأشماع المتخذة من الشهد وعسل الأسطروس والنبيذ المعمولة من القمح والقند والأباليج والطبرزد، وماء طوبة الذي لا يعدله شيء، ولا يتغير على ممر الايام، والسمك الذي هو ملك الأسماك، والبوري الطري والمملوح، والبلاطي الذي كأنه دروع من الفضة، وطير الماء، وطير الحوصل يعمل من جلده الخفاف الناعمة والفراء الأبيض الذي يقوم مقام الفنك في لينه ورقته. وبها الكتان، ومنها يحمل إلى سائر الأرض، والقراطيس، وبها من العلم القديم ما ليس ببلد، كعلم الطب اليوناني والمساحة، والنجوم والحساب القبطي، واللحون والشعر الرومي. وفيها من سائر الثمار والأشجار، والمشمومات والعقاقير والنبات والحشائش ما لا يحصى. والعصفور يفرخ بمصر في كانون، وليس ذلك في بلد إلا بها. وقال الكندي: بمصر معدن الزمرد، وليس في الدنيا زمرد إلا معدن بمصر، ومنها يحمل إلى سائر الدنيا. قال: وبها معدن الذهب، يفوق على كل معدن. قال: وفيها القراطيس، وليس هي في الدنيا إلا بمصر. وقال غيره: من خصائص مصر القراطيس، وهي الطوامير، وهي أحسن ما كتب ¬

(¬1) ح: "الصورة".

فيه، وهو من حشيش أرض مصر، ويعمل طوله ثلاثون ذرعا وأكثر في عرض شبر. وقيل: إن يوسف عليه السلام أول من اتخذ القراطيس، وكتب فيها. قال الكندي: وبها من الطرز والقصب التنيسي والشرب والدبيقي ما ليس بغيرها، وبها الثياب الصوف والأكسية المرعز (¬1) ، وليس هي في الدنيا إلا بمصر. ويحكى أن معاوية لما كبر كان لا يدفأ، فاتفقوا أنه لا يدفئه إلا أكسية تعمل في مصر، من صوفها المرعز العسلي غير مصبوغ، فعمل له منها عدد، فما احتاج منها إلا إلى واحد. وبها طراز البهنسا من الستور والمضارب ما يفوق ستور الأرض. وبها من النتاج العجيب من الخيل والبغال، والحمير ما يفوق نتاج أهل الدنيا، وليس في الدنيا فرس في نهاية الصورة في العنق غير الفرس المصري، وليس في الدنيا فرس لا يردف غير المصري، وسبب ذلك قصر ساقيه وبلاغة صدره وقصر ظهره. ويحكى أن الوليد عزم على إجراء الحلبة، فكتب إلى الأمصار أن يوجه إليه بخيار خيل كل بلد، فلما اجتمعت عرضت عليه، فمرت عليه المصرية، فلما رآها دقيقة العصب، لينة المفاصل والأعطاف، قال: هذه خيل ما عندها طائل، فقال له عمر بن عبد العزيز: وأين الخير كله إلا لهذه! فقال له: ما تترك تعصبك لمصر يا أبا حفص! فلما أجريت الخيل جاءت المصرية كلها سابقة ما خالطها غيرها. قال: وبها زيت الفجل ودهن البلسان والأفيون والأبرميس وشراب العسل والبسر البرني الأحمر، واللبخ والخس والكبريت والشمع والعسل وخل الخمر والترمس، والجلبان والذرة والنبيذ والأترج الأبلق والفراريج الزبلية. وذكر أن مريم عليها السلام شكت إلى ربها قلة لبن عيسى، فألهمها أن غلت النيدة فأطعمته إياها. وذكر بعضهم أن رهبان الشام لا يكادون يرون إلا عمشا من أكل العدس، ورهبان مصر سالمون من ذلك لأكلهم الجلبان. ¬

(¬1) في اللسان: "المرعز كالصوف، يخلص من بين شعر العنز".

والبقر الذي بمصر أحسن البقر صورة، وليس في الدنيا بقر أعظم خلقا منها، حتى إن العضو منها يساوي أكبر ثور من غيرها. وبها الحطب الصنط والأبنوس الأبلق والقرط الذي تعلفه الدواب. وذكر أنه يوقد بالحطب الصنط عشرين سنة في الكانون أو التنور، فلا يوجد له رماد طول هذه المدة. وجيزتها في وقت الربيع من أحسن مناظر الدنيا. وقال صاحب مباهج الفكر: يقال: إن بمصر سبعمائة وخمسين معدنًا، توجد بجبل المقطم: الذهب والفضة والخارصين والياقوت؛ إلا أنه لطيف جدًّا، يستعمل في الأكحال والأدوية، وفي أسوان يغاص على السنفاوح ومعدن الزمرد؛ وليس في الدنيا غيره، وبجبال القلزم المتصلة بجبل المقطم حجر المغناطيس. ومن خصائص مصر بركة النطرون. وينبت في أرض مصر سائر ما ينبت في الأرض. انتهى. وقال صاحب غرائب العجائب: بمصر بئر البلسم بالمطربة، يسقى بها شجر البلسان، ودهنه عزيز والخاصية في البئر؛ فإن المسيح عليه السلام اغتسل فيها، وليس في الدنيا موضع ينبت فيه البلسان إلا هذا الموضع، وقد استأذن الملك الكامل أباه العادل أن يزرعه فأذن له، ففعل ولم ينجح، ولم يخلص منه دهن، فسأل أباه أن يجري له ساقية من المطرية إليه، ففعل فلم ينجح. قال: بأرض مصر حجر القيء، إذا أخذه الإنسان بيده غلب عليه الغثيان، حتى يتقيأ جميع ما في بطنه، فإن لم يلقه من يده خيف عليه التلف. وقال الكندي: جعل الله مصر متوسطة الدنيا، وهي في الإقليم الثالث والرابع، فسلمت من حر الإقليم الأول والثاني، ومن برد الإقليم الخامس والسادس، فطاب

هواؤها وبقي حرها. وضعف حرها، وخف بردها، فسلم أهلها من مشاتي الجبال ومصائف عمان وصواعق تهامة، ودماميل الجزيرة وجرب اليمن، وطواعين الشام وغيلان العراق، وعقارب عسكر مكرم، وطلب البحرين وحمى خيبر، وأمنوا من غارات الترك، وجيوش الروم وطوائف العرب، ومكابرة الديلم، وسرايا القرامطة، وبثوق الأنهار، وقحط الأمطار، وقد اكتنفها معادن رزفها؛ وقرب تصرفها، فكثر خصبها، ورغد عيشها، ورخص سعرها. وقال الجاحظ في مصر: إن أهلها يستغنون عن كل بلد، حتى لو ضرب بينها وبين بلاد الدنيا سور لغني أهلها بما فيها عن سائر بلاد الدنيا، وفيها ما ليس بغيرها، وهو حيوان السقنقور والنمس، ولولاه لأكلت الثعابين أهلها، وهو لها كقنافذ سجستان لأفاعيها، والسمك الرعاد والحطب الصنط الذي أوقد منه يوما أجمع ما وجد من رماده ملء كف، صلب العود، سريع الوقود، بطيءالخمود. ويقال: إنه الأبنوس؛ لكن البقعة قصرت عن الكتان، فجاء أحمر شديد الحمرة، ودهن البلسان، والأفيون وهو عصارة الخشخاش واللبخ، وهو ثمر في قدر اللوز الأخضر؛ إلا أن المأكول منه الظاهر، والأترج الأبلق والزمرد. وأهلها يأكلون صيد بحر الروم وبحر فارس طريًّا، وفي كل شهر من شهورها القبطية صنف من المأكول والمشروب والمشموم، يوجد فيه دون غيره، فيقال: رطب توت، ورمان بابة، وموز هتور، وسمك كيهك، وماء طوبة، وخروف أمشير، ولبن برمهات، وورد برمودة، ونبق بشنس، وتين بئونة، وعسل أبيب، وعنب مسرى. وإن صيفها خريف، وشتاءها ربيع، وما يقطعه الحر في سائر البلاد من الفواكه يوجد فيها في الحر والبر؛ إذ هي في الإقليم الثالث والإقليم الرابع، فسلمت من حر الأول والثاني وبرد الخامس والسادس. ويقال: لو لم يكن من فضل

مصر إلا أنها تغني في الصيف عن الخيش والثلج وبطون الأرض، وفي الشتاء عن الوقود والفراء لكفاها. ومما وصفت به أن صعيدها حجازي كحر الحجاز، ينبت النخل والدوم وهو شجر المقل، والعشر، والقرظ والإهليلج والفلف والخيار شنبر، وأسفل أرضها شامي يمطر مطر الشام، ويقع فيه الثلوج، وينبت التين والزيتون والعنب والجوز واللوز والفستق وسائر الفواكه، والبقول الرياحين وهي ما بين أربع صفات، فضة بيضاء أو مسكة (¬1) سوداء، أو زبرجدة خضراء أو ذهبة (¬2) صفراء، وذلك أن نيلها يطبقها فتصير كأنها فضة بيضاء، ثم ينضب عنها فتصير مسكة سوداء، ثم تزرع فتصير زبرجدة خضراء، ثم تستحصد فتصير ذهبة صفراء. وحكى ابن زولاق في كتابه، أن أمير مصر موسى بن عيسى كان واقفًا بالميدان عند بركة الحبش، فالتفت يمينا وشمالا، وقال لمن معه من جنده: أترون ما أرى؟ قالوا: وما يرى الأمير؟ قال: أرى عجبًا، ما في شيء من الدنيا مثله، فقالوا: يقول الأمير، فقال: ارى ميدان أزهار، وحيطان نخل وبستان شجر، ومنازل سكنى، وجبانة أموات، ونهرًا عجاجًا وأرض زرع ومراعي ماشية، ومرابط خيل، وساحل بحر، وقانص وحش، وصائد سمك، وملاح سفينة، وحادي إبل، ومقابر (¬3) ورملا وسهلا وجبلا، فهذه سبعة عشر؛ مسيرها في أقل من ميل في ميل، ولهذا قال أبو الصلت أمية بن عبد العزيز الأندلسي يصف الرصد الذي بظاهر مصر: يا نزهة الرصد التي قد نزهت ... عن كل شيء خلا (¬4) في جانب الوادي فذا غدير وذا روض وذا جبل ... فالضب والنون والملاح والحادي ¬

(¬1) المسكة: نوع من الطيب. (¬2) كذا في ح، ط، وفي الأصل: "ذهبية". (¬3) ط: "معاير"، وصوابه ما في الأصل. (¬4) كذا في الأصل، وفي ط، ح: "حلا".

قال ابن فضل الله في المسالك: مملكة مصر من أجل ممالك الأرض لما حوت من الجهات المعظمة، والأرض المقدسة والمساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال، وقبور الأنبياء والطور والنيل والفرات؛ وهما من الجنة، وبها معدن الزمرد، ولا نظير له في أقطار الأرض. وحسب مصر فخرا ما تفردت به من هذا المعدن واستمداد ملوك الآفاق له منها، وبينه وبين قوص صمانية أيام بالسير المعتدل، والبجاة (¬1) تنزل حوله لأجل القيام بحفره، وهو في الجبل الآخذ على شرقي النيل في منقطع من البر لا عمارة عنده، ولا قريبا منه، والماء عنه مسيرة نصف يوم؛ وهذا المعدن في صدر مغارة طويلة في حجر أبيض منه، يضرب فيستخرج منه الزمرد؛ وهو كالعروق فيه. قال: وأكثر محاسن مصر مجلوبة إليها؛ حتى بالغ بعضهم فقال: إن العناصر الأربعة مجلوبة إليها: الماء وهو النيل مجلوب من الجنوب، والتراب مجلوب من حمل الماء؛ وإلا فهي رمل محض لا ينبت، والنار لا توجد بها شجرتها وهو الصوان إلا إذا جلب إليها، والهواء لا يهب إليها إلا من أحد البحرين، إما الرومي وإما الخارج من القزم إليها. وهي كثيرة الحبوب من القمح والشعير والفول، والحمص والعدس والبسلة واللوبيا والدخن والأرز، وبها الرياحين الكثيرة كالحبق (¬2) والآس والورد وغيرها، وبها الأترج والنارنج والليمون والحماض والكباد، والموز الكثير وقصب السكر الكثير والرطب والعنب، والتين والرمان والتوت والفرصاد والخوخ، واللوز والجميز والنبق والبرقوق والقراصيا والتفاح. وأما السفرجل والكمثرى فقليل؛ وكذلك الزيتون مجلوب إلا قليلا في الفيوم، وبها البطيخ الأصفر أنواع والأخضر والخيار والقثاء على أنواع، والقلقاس واللفت والجزر والقنبيط والفجل والبقول المنوعة. ¬

(¬1) البجاة: من القبائل التي كانت تسكن صعيد مصر. (¬2) في القاموس: "الحبق، محركة: نبات طيب الرائحة، فارسية: الفوتنج، يشبه الثمام".

وبها أنواع الدواب من الخيل والبغال، والحمير والبقر والجاموس والغنم والمعز. ومما يوصف من دوابها بالجودة الحمر لفراهتها، والبقر والغنم لعظمها، وبها الأوز والدجاج والحمام، ومن الوحش الغزلان والنعام والأرنب؛ وأما من أنواع الطير فكثير كالكركي وغيره. وأوسط الأسعار في غالب أوقاتها الإردب القمح بخمسة عشر درهما، والشعير بعشرة، وبقية الحبوب على هذا الأنموذج؛ وأما الأرز فيبلغ أكثر من ذلك، وأما اللحم فأقل سعره الرطل بنصف درهم. ويعمل بمصر معامل كالتنانير، ويعمل بها البيض؛ ويوقد بنار يحاكي بها نار الطبيعة في حضانة الدجاجة البيض، ويخرج في تلك المعامل الفراريج، وهي معظم دجاجهم. وبها ما يستطاب من الألبان والأجبان، وبها العسل بمقدار متوسط بين الكثرة والقلة، وأما السكر فكثير جدًّا، وقيمته المعهودة على الغالب من السعر الرطل بدرهم ونصف، ومنها يجلب السكر إلى كثير من البلاد، وقد نسي بها ما كان يذكر من سكر الأهواز. وبها الكتان المعدوم المثل المنقول منه، ومما يعمل من قماشه إلى أقطار الأرض. ومبانيها بالحجر، وأكثرها بالطوب وأفلاق النخل والجريد. وخشب الصنوبر مجلوب إليهم من بلاد الروم في البحر، ويسمى عندهم النقي. وبها المدارس والخوانق والربط والزوايا، والعمائر الجليلة الفائقة المعدومة المثل المفروشة بالرخام، المسقوفة بالأخشاب، والمدهونة الملمعة بالدهب واللازورد. قال: وحاضرة مصر تشتمل على ثلاث مدن عظام: الفسطاط، وهو بناء عمرو بن العاص؛ وهي المسماة عند العامة بمصر العتيقة، والقاهرة بناها جوهر القائد لمولاه الخليفة المعز، وقلعة الجبل بناها قراقوش للملك الناصر صلاح الدين أبي المظفر يوسف بن أيوب، وأول من سكنها أخوه العادل. وقد اتصل بعض هذه الثلاثة ببعض بسور بناه قراقوش بها

إلَّا أنه قد تقطع الآن في بعض الأماكن، وهذا السور، هو الذي ذكره القاضي الفاضل في كتاب كتبه إلى السلطان صلاح الدين، فقال: والله يحيي الموتى حتى يستدير بالبلدين نطاقه، ويمتد عليهما رواقه، فهما عقيلة ما كان معصمهما بغير سوار، ولا حضرهما ليجلي بلا منطقة نضار (¬1) . قال: وبها المارستان المنصوري المعدوم النظير، لعظم بنائه وكثرة أوقافه. وبها البساتين الحسان والمناظر النزهة والآدار المطلة على البحر، وعلى الخلجاناة الممتدة فيه أوقات مدها. وبها القرافة تربة عظمى لمدفن أهلها، وبها العمائر الضخمة، وهي من أحسن البلاد إبان ربيعها للغدر الممتدة من مقطعات النيل بها، وما يحفها من زرع أخرجت شطأها وفتقت أزهارها، وبها من محاسن الأشياء ولطائف الصنائع ما تكفي شهرته ومن الأسلحة، والقماش والزركش والمصوغ والكفت (¬2) وغير ذلك ما لا يكاد يعد تفردها به، والرماح التي لا يعمل في الدنيا أحسن منها. انتهى كلام ابن فضل الله. وقال الكندي في فضل مصر: بمصر العجائب والبركات، فجلبها المقدس، ونيلها المبارك، وبها الطور الذي كلم الله عليه موسى؛ فإن أهل العلم ذكروا أن الطور من المقطم، وأنه داخل فيما وقع عليه القدس؛ قال كعب: كلم الله موسى عليه السلام من الطور إلى أطراف المقطم من القدس. وبها الوادي المقدس، وبها ألقى موسى عصاه، وبها فلق البحر لموسى، وبها ولد موسى وهارون، وبها ولد عيسى، وبها كان ملك يوسف، وبها النخلة التي ولدت مريم عيسى تحتها بريف من كورة أهناس، وبها اللبخة التي أرضعت عندها مريم عيسى بأشمون، فخرج من هذه اللبخة الزيت، وبها مسجد ¬

(¬1) ح، ط: "نصار" تحريف. (¬2) الكفت: ما تطعم به أواني النحاس من الذهب والفضة.

إبراهيم، ومسجد يعقوب، ومسجد موسى، ومسجد يوسف، ومسجد مارية سرية رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حفن (¬1) ، أوصت أن يبنى بها مسجد فبني، وبها مجمع البحرين وهو البرزخ الذي قال الله: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ، بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ} (¬2) وقال: {وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا} (¬3) . وقال غيره: لأهل مصر القلم المعروف بقلم الطير، وهو قلم البرابي، وهو قلم عجيب الحرف. قال: ومصر عند الحكماء العالم الصغير، سليل العالم الكبير؛ لأنه ليس في بلد غني غريب إلا وفيها مثله وأغرب منه، وتفضل على البلدان بكثرة عجائبها ومن عجائبها النمس؛ وهو أقتل للثعابين بمصر من القنافد للأفاعي بسجستان. وبمصر جبل يكتب بحجارته كما يكتب بالمداد، وجبل يؤخذ منه الحجر، فيترك في الزيت فيقد كما يقد السراج. ويقال: إنه ليس على وجه الأرض نبت ولا حجر إلا وفي مصر مثله، وليس تطلب في سائر الدنيا الأموال المدفونة إلا بمصر. ويقال: إن بمصر بقلة؛ من مسها بيده ثم مس السمك الرعاد لم ترعد يده، وبها حجر الخل يطفأ على الخل. وبها حجر القيء إذا أمسكه الإنسان بيديه تقيأ كل ما في بطنه، وبها خرزة تجعلها المرأة على حقوقها فلا تحبل. وبها حجر يوضع على حرف التنور فيتساقط خبزه، وكان يوجد بصعيدها حجارة رخوة تكسر فتقد كالمصابيح. ومن عجائبها حوض كان بدلالات مدون من حجارة. ¬

(¬1) انظر فتوح مصر. (¬2) الرحمن: 20. (¬3) الفرقان: 53.

السبب في كون أهل مصر أذلاء يحملون الضيم:

السبب في كون أهل مصر أذلاء يحملون الضيم: قال محمد بن الربيع الجيزي: سمعت يحيى بن عثمان بن صالح، يقول: قدم سعد بن أبي وقاص في خلافة عثمان رسولا من قبل عثمان إلى أهل مصر أيام ابن أبي حذيفة، فلقوه خارجا من الفسطاط، ومنعوه من دخولها، فقال لهم: فلتسمعوا ما أقول لكم؛ فامتنعوا عليه، فدعا عليهم أن يضربهم الله بالذل. هذا معناه. قلت: وسعد ممن عرف بإجابة الدعوة؛ لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دعا له: "اللهم استجب له إذا دعاك". في تذكرة الصلاح الصفدي: كان الشيخ تاج الدين الفزاري يقول: إن الحكماء وأهل التجارب ذكروا أن من أقام ببغداد سنة وجد في علمه زيادة، ومن أقام بالموصل سنة وجد في عقله زيادة، ومن أقام بحلب سنة وجد في نفسه شحًّا، ومن أقام بدمشق سنة وجد في طباعه غلظة وفظاظة، ومن أقام بمصر سنة وجد في أخلاقه رقةً وحسنًا. في مباهج الفكر: يروى عن كعب، قال: لما خلق الله الأشياء، قال القتل: أنا لاحق بالشام، فقالت الفتنة: وأنا معك، وقال الخصب أنا لاحق بمصر، فقال الذل: وأنا معك، وقال الشقاء: أنا لاحق بالبادية، فقالت الصحة: وأنا معك. وقال محمد بن حبيب: لما خلق الله الخلق خلق معهم عشرة أخلاق: الإيمان والحياء والنجدة والفتنة والكبر، والنفاق والغنى (¬1) والفقر والذل والشقاء، فقال الإيمان: أنا لاحق باليمن، فقال الحياء: وأنا معك، وقالت النجدة: أنا لاحقة بالشام، فقالت الفتنة: وأنا معك، وقال الكبر: أنا لاحق بالعراق، فقال النفاق: وأنا معك، وقال الغني: أنا لاحق بمصر، فقال الذل: وأنا معك، وقال الفقر: أنا لاحق بالبادية، فقال الشقاء: وأنا معك. ¬

(¬1) في ط، ح: "الفناء"، تحريف.

وقال غيره: إن الله جعل البركة عشرة أجزاء، فتسعة منها في قريش وواحد في سائر الناس، وجعل الكرم عشرة أجزاء فتسعة منها في العرب وواحد في سائر الناس، وجعل الغيرة عشرة أجزاء فتسعة منها في الأكراد وواحد في سائر الناس، وجعل المكر عشرة أجزاء، فتسعة منها في القبط وواحد في سائر الناس، وجعل الجفاء عشرة أجزاء، فتسعة منها في البربر وواحد في سائر الناس، وجعل النجابة عشرة أجزاء، فتسعة منها في الروم وواحد في سائر الناس، وجعل الصناعة عشرة أجزاء؛ فتسعة منها في الصين وواحد في سائر الناس، وجعل الشهوة عشرة أجزاء، فتسعة منها في النساء وواحد في سائر الناس، وجعل العمل عشرة أجزاء فتسعة منها في الأنبياء وواحد في سائر الناس، وجعل الحسد عشرة أجزاء، فتسعة منها في اليهود وواحد في سائر الناس. ويحكى أن الحجاج سأل ابن القرية عن طبائع أهل الأرض، فقال: أهل الحجاز أسرع الناس إلى الفتنة وأعجزهم عنها؛ رجالها حفاة، ونساؤها عراة، وأهل اليمن أهل سمع وطاعة، ولزوم الجماعة، وأهل عمان عرب استنبطوا، وأهل البحرين قبط استعربوا، وأهل اليمامة أهل جفاء، واختلاف آراء. وأهل فارس أهل بأس شديد، وعز عتيد، وأهل العراق أبحث الناس عن صغيرة، وأضيعهم لكبيرة. وأهل الجزيرة أشجع فرسان، وأقتل للأقران. وأهل الشام أطوعهم لمخلوق وأعصاهم لخالق. وأهل مصر عبيد لمن غلب، أكيس الناس صغارًا، وأجهلهم كبارًا. وعن ابن القرية قال: الهند بحر هادر، وجبلها ياقوت، وشجرها عود، وورقها عطر. وكرمان ماؤها وشل (¬1) ، وثمرها دقل (¬2) ، ولصها بطل. وخراسان ماؤها جامد، وعدوها جاهد. وعمان حرها شديد، وصيدها عتيد. والبحرين كناسة بين المصرين. والبصرة ماؤها ملح، وحربها صلح، مأوى كل تاجر، وطريق كل عابر. والكوفة ارتفعت عن ¬

(¬1) الوشل: الماء القليل. (¬2) الدقل: أردأ التمر.

حر البحرين، وسفلت عن برد الشام، وواسط جنة، بين كماة وكنة، والشام عروس، بين نساء جلوس، ومصر هواؤها راكد، وحرها متزائد، تطول الأعمار، وتسود الأبشار. وقال بعضهم: يقال في خصائص البلاد في الجوهر: فيروزج نيسابور، وياقوت سرنديب، ولؤلؤ عمان، وزبرجد مصر، وعقيق اليمن، وجزع (¬1) ظفار، وكاري بلخ، ومرجان إفريقية. وفي ذوات السموم: أفاعي سجستان، وحيات أصبهان، وثعابين مصر، وعقارب شهر زور، وجرارات (¬2) ، الأهواز، وبراغيث أرمينية، وفار أردن، ونمل ميافارقين، وذباب تل بابان (¬3) ، وأوزاغ بلد (¬4) . وفي الملابس برود اليمن، ووشي صنعاء، وريط (¬5) الشام وقصب مصر، وديباج الروم، وقز السوس، وحرير الصين، وأكسية فارس، وحلي البحرين وسقلاطون بغداد، وعمائم الأبلة، وملحم (¬6) مرو، وتكك أرمينية، ومناديل الدامغان، وجوارب قزوين. وفي المراكيب: عتاق البادية، ونجائب الحجاز، وبراذين طخارستان، وحمير مصر، وبغال برزغة. وفي الأمراض طواعين الشام، وطحال البحرين، ودماميل الجزيرة، وحمى خيبر، وجنون حمص، وعرق اليمن، ووباء مصر، وبرسام العراق، والنار الفارسية، وقروح بلخ. وقال الجاحظ في كتاب الأمصار: الصناعة بالبصرة، والفصاحة بالكوفة، والتخنيث ¬

(¬1) الجزع. الخرز اليماني. (¬2) الجرارة: ضرب من العقارب الصغار؛ تجرر أذيالها. (¬3) بابان: بلد بالبحرين. (¬4) بلد، هي مرو الردذ، وانظر ياقوت. (¬5) ربط: جمع ربطة، وهي الملاءة. (¬6) الملحم: ضرب من الأكسية.

ببغداد، والطرمذة (¬1) بسمرقند والعي بالري، والجفاء بنيسابور، والحسن بهراة، والمروءة ببلخ، والبلح بمرو، والعجائب بمصر. وقال غيره: قراطيس سمرقند لأهل المشرق كقراطيس مصر لأهل المغرب. وقال القاضي الفاضل: أهل مصر على كثرة عددهم وما ينسب من وفور المال إلى بلدهم، مساكين يعملون في البحر، ومجاهيد يدأبون في البر، ومن العجائب شجرة العباس في دندار من صعيد مصر، وهي شجرة متوسطة، وأوراقها قصيرة منبسطة، فإذا قال الإنسان: يا شجرة العباس، جال الناس، تجتمع أوراقها، وتحترق لوقتها. ¬

(¬1) المطرمذ: الذي يقول ما لا يفعل.

ذكر النيل:

ذكر النيل: مدخل قال التيفاشي في كتاب سجع الهديل: لم يسم نهر من الأنهار في القرآن سوى النيل في قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ} (¬1) قال: أجمع المفسرون على أن اليم هنا نيل مصر. أخرج أحمد ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "النيل وسيحان وجيحان والفرات من أنهار الجنة". قال ابن عبد الحكم (¬2) : حدثنا عبد الله بن صالح، حدثنا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن كعب الأحبار، أنه كان يقول: أربعة أنهار من الجنة وضعها الله في الدنيا؛ فالنيل نهر العسل في الجنة والفرات نهر الخمر في الجنة، وسيحان نهر الماء في الجنة، وجيحان نهر اللبن في الجنة. أخرجه الحارث في مسنده والخطيب في تاريخه. وقال: حدثنا عثمان بن صالح، حدثنا ابن لهيعة، عن وهب بن عبد الله المعافري، عن عبد الله بن عمرو بن العاصي، أنه قال: نيل مصر سيد الأنهار، سخر الله له كل نهر بالمشرق والمغرب، فإذا أراد الله أن يجري نيل مصر أمر كل نهر أن يمده، فأمدته الأنهار بمائها، وفجر الله له الأرض عيونا، فإذا انتهت جريته إلى ما أراد الله، أوحى الله إلى كل ماء أن يرجع إلى عنصره (¬3) . أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره. وقال: حدثنا عثمان بن صالح، حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب أن معاوية بن أبي سفيان سأل كعب الأحبار: هل تجد لهذا النيل في كتاب الله خبرا؟ قال: ¬

(¬1) القصص: 7. (¬2) فتوح مصر 149، 105. (¬3) فتوح مصر 149.

أي والذي فلق البحر لموسى، إني لأجده في كتاب الله يوحى إليه في كل عام مرتين، يوحى إليه عند جريه: إن الله يأمرك أن تجري فيجري ما كتب الله، ثم يوحى إليه بعد ذلك: يا نيل عد (¬1) حميدًا (¬2) . وأخرج الخطيب في تاريخه وابن مردويه في تفسيره والضياء المقدسي في صفة الجنة عن ابن عباس مرفوعًا: أنزل الله تعالى من الجنة إلى الأرض خمسة أنهار: سيحون، وجيحون، ودجلة، والفرات والنيل؛ أنزلها الله من عين واحدة من عيون الجنة، من أسفل درجة من درجاتها، على جناحي جبريل، واستودعها الجبال، وأجراها في الأرض، وجعل فيها منافع للناس، فذلك قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ} (¬3) ، فإذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج، أرسل الله جبريل، فرفع من الأرض القرآن والعلم والحجر من البيت، ومقام إبراهيم وتابوت موسى بما فيه؛ وهذه الأنهار الخمسة، فيرفع كل ذلك إلى السماء؛ فذلك قوله: {وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ} (¬3) ، فإذا رفعت هذه الأشياء من الأرض عدم أهلها خيرها. وأخرج الحارث بن أبي أسامة في مسنده، وابن عبد الحكم في تاريخ مصر، والخطيب في تاريخ بغداد، والبيهقي في البعث عن كعب الأحبار، قال: "نهر النيل العسل في الجنة، ونهر دجلة نهر اللبن في الجنة، ونهر الفرات نهر الخمر في الجنة، ونهر سيحان نهر الماء في الجنة" (¬4) . وأخرج البيهقي في شعب الإيمان، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: غار النيل على عهد فرعون، فأتاه أهل مملكته، فقالوا: أيها الملك أجر لنا النيل، قال: إني لم أرض عنكم، فذهبوا ثم أتوه، فقالوا: أيها الملك، أجر لنا النيل، قال: إني لم أرض عنكم، فذهبوا ثم أتوه، فقالوا: أيها الملك ماتت البهائم، وهلكت الأبكار، لئن لم ¬

(¬1) فتوح مصر: "غز". (¬2) فتوح مصر 239. (¬3) المؤمنون: 18. (¬4) فتوح مصر: 150.

تجر لنا النيل لنتخذن إلهًا غيرك، قال: اخرجوا إلى الصعيد، فخرجوا فتنحى عنهم حيث لا يرونه، ولا يسمعون كلامه، فألصق خده بالأرض، وأشار بالسبابة لله، ثم قال: اللهم إني خرجت إليك مخرج العبد الذليل إلى سيده، وإني أعلم أنه لا يقدر على إجرائه أحد غيرك فأجره. قال: فجرى النيل جريًا لم يجر قبله مثله، فأتاهم فقال: إني قد أجريت لكم النيل، فخروا له سجدا، وعرض له جبريل، فقال: أيها الملك أعدني على عبدي، قال: وما قصته؟ قال: عبد لي ملكته على عبيدي، وخولته مفاتيحي، فعاداني، فأحب من عاديت، وعادى من أحببت، قال: بئس العبد عبدك! لو كان لي عليه سبيل لغرقته في بحر القلزم! فقال: يا أيها الملك، اأكتب لي كتابًا، فدعا بكتاب ودواة: ما جزاء العبد الذي خالف سيده فأحب من عادى وعادى من أحب إلا أن يغرق في بحر القلزم. قال: يا أيها الملك اختمه لي، فختمه ثم دفعه إليه، فلما كان يوم البحر، أتاه جبريل بالكتاب، فقال: خذ هذا ما حكمت به على نفسك.

أثر متصل الإسناد في أمر النيل:

أثر متصل الإسناد في أمر النيل: أخبرني أبو الطيب الأنصاري إجازة، عن الحافظ أبي الفضل عبد الرحيم بن الحسين العراقي، عن أبي الفتح محمد بن محمد الميدومي، أخبرتنا أمة الحق شامية بنت الحافظ صدر الدين الحسن بن محمد بن محمد سماعا، أخبرنا أبو حفص عمر بن طبرزد سماعًا، أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن أحمد السمرقندي، وغيره سماعا، قالوا: أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن القنور سماعا، أخبرنا أبو طاهر محمد بن عبد الرحيم المخلص سماعًا، أخبرنا عبيد الله بن عبد الرحمن بن عيسى السكري، حدثنا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل الترمذي، وأبو بكر محمد بن صالح بن عبد الرحمن الحافظ الأنماطي، قالا: حدثنا أبو صالح عبد الله بن صالح بن محمد، كاتب الليث، قال: حدثني الليث بن سعد، قال: بلغني أنه كان رجل من بني العيص يقال له: حائد بن أبي شالوم بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام، خرج هاربًا من ملك من ملوكهم؛ حتى دخل أرض مصر، فأقام بها سنين، فلما رأى أعاجيب نيلها وما يأتي به، جعل الله تعالى عليه ألَّا يفارق ساحلها حتى يبلغ منتهاه؛ من حيث يخرج أو يموت قبل ذلك، فسار عليه -قال بعضهم: سار (¬1) ثلاثين سنة في الناس وثلاثين في غير الناس. وقال بعضهم: خمسة عشر كذا، وخمسة عشر كذا- حتى انتهى إلى بحر أخضر، فنظر إلى النيل ينشق مقبلًا، فصعد على البحر، فإذا رجل قائم يصلي تحت شجرة من تفاح، فلما رآه استأنس به، وسلم عليه، فسأله الرجل صاحب الشجرة، فقال له: من أنت؟ قال: أنا حامد (¬2) بن أبي شالوم بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام، فمن أنت؟ قال: أنا عمران بن فلان بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم، قال: فما الذي جاء بك إلى هنا يا عمران؟ قال: جاء بي الذي جاء بك، حتى انتهيت إلى هذا الموضع؛ فأوحى الله إلي أن أقف في هذا الموضع، حتى يأتيني أمره، ¬

(¬1) ساقط من ط. (¬2) ط، ح: "حائد".

قال له حامد: أخبرني يا عمران، ما انتهى إليك من أمر هذا النيل؟ وهل بلغك في الكتب أن أحدًا من بني آدم يبلغه؟ قال له عمران: نعم، بلغني أن رجلا من بني العيص يبلغه، ولا أظنه غيرك يا حامد، قال له حائد: يا عمران، أخبرني كيف الطريق إليه؟ قال له عمران: لست أخبرك بشيء إلا أن تجعل لي ما أسألك! قال: وما ذاك يا عمران؟ قال: إذا رجعت إلي وأنا حي أقمت عندي حتى يوحي الله تعالى إلي بأمره، أو يتوفاني فتدفنني؛ فإن وجدتني ميتًا دفنتني وذهبت، قال: ذلك لك علي، قال له: سر كما أنت على هذا البحر؛ فإنك تأتي دابة ترى آخرها ولا ترى أولها، فلا يهولنك أمرها، اركبها؛ فإنها دابة معادية للشمس، إذا طلعت أهوت إليها لتلتقمها حتى يحول بينها وبينها حجبتها، وإذا غربت أهوت إليها لتلتقمها؛ فتذهب بك إلى جانب البحر، فسر عليها راجعًا حتى تنتهي إلى النيل، فسر عليه، فإنك ستبلغ أرضًا من حديد، جبالها وأشجارها وسهولها من نحاس، فإن أنت جزتها وقعت في أرض من فضة؛ جبالها وأشجارها وسهولها من فضة، فإن أنت جزتها وقعت في أرض من ذهب جبالها وأشجارها وسهولها من ذهب، فيها ينتهي إليك علم النيل. فسار حتى انتهى إلى أرض الذهب، فسار فيها حتى انتهى إلى سور من ذهب شرفة من ذهب، وقبة من ذهب، لها أربعة أبواب؛ فنظر إلى ما ينحدر من فوق ذلك السور حتى يستقر في القبة ثم ينصرف في الأبواب الأربعة؛ فأما ثلاثة فتغيض في الأرض، وأما واحد فيسير على وجه الأرض؛ وهو النيل. فشرب منه واستراح، وأهوى إلى السور ليصعد، فأتاه ملك فقال له: يا حامد قف مكانك، فقد انتهى إليك علم هذا النيل؛ وهذه الجنة؛ وإنما ينزل من الجنة، فقال: أريد أن أنظر إلى الجنة، فقال: إنك لن تستطيع دخولها اليوم يا حامد، قال: فأي شيء هذا الذي أرى؟ قال:

هذا الفلك الذي تدور فيه الشمس والقمر، وهو شبه الرحا، قال: إني أريد ان اركبه فأدور فيه- فقال بعض العلماء: إنه قد ركبته؛ حتى دار الدنيا وقال بعضهم: لم يركبه- فقال له يا حامد: إنه سيأتيك من الجنة رزق، فلا تؤثر عليه شيئًا من الدنيا، فإنه لا ينبغي لشيء من الجنة أن يؤثر عليه شيء من الدنيا عن لم تؤثر عليه شيئًا من الدنيا بقي ما بقيت. قال: فبينا هو كذلك واقف، إذ نزل عليه عنقود من عنب فيه ثلاثة أصناف لون كالزبرجد الأخضر، ولون كالياقوت الأحمر، ولون كاللؤلؤ الأبيض، ثم قال له: يا حامد، أما إن هذا من حصرم الجنة، وليس من طيب عنبها، فارجع يا حامد، فقد انتهى إليك علم النيل، فقال: هذه الثلاثة التي تغيض في الأرض، ما هي؟ قال: أحدهما الفرات، والآخر دجلة، والآخر جيحان، فارجع. فرجع حتى انتهى إلى الدابة التي ركبها، فركبها، فلما أهوت الشمس لتغرب قذفت به من جانب البحر، فأقبل حتى انتهى إلى عمران، فوجده ميتًا فدفنه، وأقام على قبره ثلاثا، فأقبل شيخ متشبه بالناس أغر من السجود، ثم أقبل إلى حامد، فسلم عليه، ثم قال له: يا حامد، ما انتهى إليك من علم هذا النيل؟ فأخبره، فلما أخبره، قال له: هكذا نجده في الكتب، ثم أطرى (¬1) ذلك التفاح في عينيه، وقال: ألا تأكل منه؟ قال: معي رزقي، قد أعطيته من الجنة ونهيت أن أوثر شيئًا من الدنيا، قال: صدقت يا حامد، هل ينبغي لشيء من الجنة أن يؤثر بشيء من الدنيا، وهل رأيت في الدنيا مثل هذا التفاح؟ إنما أنبتت له في الأرض ليس من الدنيا، وإنما هذه الشجرة من الجنة، أخرجها الله لعمران يأكل منها، وما تركها إلا لك، ولو قد وليت عنها رفعت، فلم يزل يطريها في عينيه، حتى أخذ منها تفاحة، فعضها، فلما عضها عض ¬

(¬1) ح، ط: "طرى"، وما أثبته من الأصل.

يده، ثم قال: أتعرفه؟ هو الذي أخرج أباك من الجنة؛ أما إنك لو سلمت بهذا الذي كان معك لأكل منه أهل الدنيا قبل أن ينفد، وهو مجهودك إن تبلغه فكان مجهوده أن بلغه. وأقبل حامد حتى دخل أرض مصر، فأخبرهم بهذا؛ فمات حامد بأرض مصر. وبهذا الإسناد إلى عبد الله بن صالح، حدثني ابن لهيعة عن وهب بن عبد الله المعافري، عن عبد الله بن عمرو في قوله تعالى: {فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} (¬1) قال: كانت الجنان بحافتي هذا النيل، من أوله إلى آخره في الشقين جميعا من أسوان إلى رشيد، وكان له سبعة خلج: خليج الإسكندرية، وخليج دمياط، وخليج سردوس، وخليج منف، وخليج الفيوم، وخليج المنهى وخليج سخا، متصلة لا ينقطع منها شيء عن شيء، ويزرع ما بين الجبلين كله من أول مصر إلى آخر ما يبلغه الماء، وكانت جميع مصر كلها يومئذ تروى من ستة عشر ذراعا. وبهذا الإسناد إلى ابن لهيعة، وعن يزيد بن أبي حبيب؛ أنه كان على نيل مصر فرضة لحفر خليجها، وإقامة جسورها وبناء قناطرها، وقطع جزائرها مائة ألف وعشرون ألف فاعل، معهم الطور والمساحي والأداة، يعتقبون ذلك، لا يدعون ذلك شتاء ولا صيفا. وذكر بعض الإخباريين أن حامدًا هذا لم يتنبأ، وأنه أوتي الحكمة، وأنه سأل الله أن يريه منتهى النيل، فأعطي قوة على ذلك، فوصل إلى جبل القمر، وقصد أن يطلع إلى أعلاه، فلم يقدر؛ فسأل الله فيسره عليه، فصعد فرأى خلفه البحر الزفتي، وهو بحر أسود منتن الريح مظلم، فرأى النيل يجري في وسطه؛ كأنه السبيكة الفضة. وقال صاحب مباهج الفكر: ذكر أبو الفرج قدامة أن مجموع ما في المعمور من ¬

(¬1) الشعراء 57، 58.

الأنهار مائتان وثمانية وعشرون نهرا؛ منها ما يجري من المشرق إلى المغرب، ومنها ما يجري من الشمال إلى الجنوب، ومنها ما جريانه كنهر النيل من الجنوب إلى الشمال، ومنها هو مركب من هذه الجهات كالفرات وجيحون؛ فأما النيل فذكر قدامة أن انبعاثه من جبل القمر وراء خط الاستواء من عين تجري منها عشرة أنهار؛ كل خمسة منها يصب إلى بطيحة (¬1) كبيرة في الإقليم الأول، ومن هذه البطيحة يخرج نهر النيل (¬2) . وذكر صاحب كتاب "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق" أن هذه البحيرة تسمى بحيرة كورى منسوبة لطائفة من السودان، يسكنون حولها متوحشين يأكلون من وقع إليهم من الناس (¬3) ، فإذا خرج النيل منها يشق بلاد كورى ثم بلاد ننه "طائفة من السودان"، بين كانم (¬4) والنوبة، فإذا بلغ دنقلة مدينة النوبة عطف من غربيها إلى المغرب، وانحدر إلى الإقليم الثاني، فيكون على شطئه (¬5) عمارة النوبة، وفيه هناك جزائر متسعة عامرة بالمدن والقرى، ثم يشرق (¬6) إلى الجنادل، وإليها تنتهي مراكب النوبة انحدارًا، ومراكب الصعيد الأعلى صعودًا (¬7) وهناك أحجار مضرسة لا مرور للمراكب عليها إلا في أيام (¬8) زيادة النيل، ثم يأخذ إلى الشمال، فيكون على شرقيه مدينة أسوان من الصعيد الأعلى، ثم يمر بين جبلين مكتنفين (¬9) لأعمال مصر شرقي وغربي إلى الفسطاط (¬10) ، فإذا تجاوزها مسافة يوم انقسم إلى قسمين أحدهما يمر حتى يصب في بحر الروم "عند دمياط، ويسمى بحر الشرق والآخر وهو عمود النيل، ومعظمه يمر إلى أن يصب" (¬11) عند رشيد، ويسمى بحر الغرب، ومسافة النيل من منبعه إلى ¬

(¬1) الطيحة: مسيل الماء، وفي ط: "البطخة"، تحريف. (¬2) نقله في نهاية الأرب 1: 262. (¬3) بعدها في نهاية الأرب: "ومن هذه البحيرة يخرج نهر غانة ونهر الحبشة". (¬4) ط: "كانم". (¬5) نهاية الأرب: "شطه". (¬6) ح، ط: "يشرف". (¬7) نهاية الأرب: "انحدارا". (¬8) نهاية الأرب: "إبان". (¬9) ح: "يكتنفان". (¬10) بعدها في نهاية الأرب: "حتى يأتي مدينة مصر فتكون في شرقيه". (¬11) من نهاية الأرب.

أن يصب في رشيد سبعمائة فرسخ وثمانية وأربعون فرسخا. وقيل: إنه يجري في الخراب أربعة أشهر، وفي بلاد السودان شهرين، وفي بلاد الإسلام شهرا، وليس في الأرض نهر يزيد حين تنقص الأنهار غيره؛ وذلك أن زيادته تكون في القيظ الشديد في شمس السرطان والأسد والسنبلة. وروي أن الأنهار تمده بمائها. وقال قوم: عن زيادته من ثلوج يذيبها الصيف وعلى حسب مدها تكون كثرته وقلته (¬1) . وذهب آخرون إلى أن زيادته بسبب أمطار كثيرة تكون ببلاد الحبشة. وذهب آخرون إلى أن زيادته عن اختلاف الريح، وذلك أن الشمال إذا هبت عاصفة يهيج البحر الرومي، فيدفع إليه ما فيه منه، فيفيض على وجه الأرض، فإذا هبت الجنوب سكن هيجان البحر، فيستريح منه ما دب إليه، فينقص. وزعم آخرون أن زيادته من عيون على شاطئه، يراها من سافر ولحق أعاليه. وقال آخرون: إن مجراه من جبال الثلج، وهي بجبل قاف، وأنه يخرق البحر الأخضر، ويمر على معادن الذهب والياقوت والزمرد والمرجان، فيسير ما شاء الله إلى أن يأتي إلى بحيرة الزنج. قالوا: ولولا دخوله في البحر الملح، وما يختلط به منه لم يستطع شربه لشدة حلاوته وزيادته بتدريج وترتيب في زمان مخصوص مدة معلومة، وكذا نقصه ومنتهى زيادته التي يحصل بها الري الأرض مصر ستة ذراعا، والذراع أربعة وعشرون إصبعًا، فإن زاد على الستة عشر ذراعا إصبعا واحدًا ازداد في الخراج مائة ألف دينار لما يروى من الأراضي العالية. والغاية القصوى في الزيادة ثمانية عشر ذراعًا؛ هذا في مقياس مصر، فإذا انتهى فيه ¬

(¬1) نهاية الأرب 1: 262، 263.

إلى ذلك كان في الصعيد الأعلى واثنين وعشرين ذراعا، لارتفاع البقاع التي يمر عليها، ويسوق الري إليها، فإذا انتهت زيادته فتحت خلجانات وترع، فيخرج الماء يمينًا وشمالا إلى الأرض البعيدة عن مجرى النيل؛ حكمة دبرت بالعقول السليمة وقدرت، ومنافع مهدت في الزمن القديم وقررت. وللنيل ثماني خلجانات: خليج الإسكندرية، وخليج دمياط، وخليج منف، وخليج المنهى -حفره يوسف عليه السلام- وخليج أشموم طناح، وخليج سردوس -حفره هامان لفرعون- وخليج سخا، وخليج حفره عمرو بن العاصي زمن عمر بن الخطاب. ويحصل لأهل مصر يوم وفائه الستة عشر ذراعا التي هي قانون الري سرور شديد بحيث يركب الملك في خواص دولته الحراريق المزينة إلى المقياس، ويمد فيه سماطا ويخلق العمود الذي يقاس فيه، ويخلع على القياس، ويعطيه صلة مقررة له. وقد ذكر بعض المفسرين أنه يوم الزينة، الذي وعد فرعون موسى بالاجتماع فيه. هذا كله كلام مباهج الفكر (¬1) . وقد اختلف في ضبط جبل القمر، فقيل: إنه بفتح القاف والميم بلفظ أحد النيرين. قال التيفاشي: وإنما سمي بذلك؛ لأن العين تقمر منه، إذا نظرت إليه لشدة بياضه. قال: ولذلك أيضا سمى القمر قمرا. قال: وهذا الجبل مستطيل من المشرق إلى المغرب، نهايته في ناحية المغرب إلى حد الخراب، ونهايته في المشرق إلى مثل ذلك، وهو نفسه بجملته في الخراب من ناحية الجنوب، وله أعراق في الهواء، منها طوال ومنها دونها. قال في مختصر المسالك: وذكر بعضهم أن أناسًا انتهوا إلى هذا الجبل وصعدوه، ¬

(¬1) نقله صاحب نهاية الأرب 1: 264.

فرأوا وراءه بحرًا ماؤه أسود كالليل، يشقه نهر أبيض كالنهار، يدخل الجبل من جنوبه، ويخرج من شماله، ويتشعب على قبة هرمس المبنية هناك. وزعموا أن هرمس الهرامسة -وهو إدريس عليه السلام فيما يقال- بلغ ذلك الموضع، وبنى فيه قبة. وذكر بعضهم أن أناسًا صعدوا الجبل، فصار الواحد منهم يضحك، ويصفق بيديه، وألقى نفسه إلى ما وراء الجبل، فخاف البقية أن يصيبهم مثل ذلك، فرجعوا. وقيل: إن أولئك إنما رأوا حجر الباهت، وهي أحجار براقة كالفضة البيضاء تتلألأ، كل من نظرها ضحك والتصق بها حتى يموت، ويسمى مغناطيس الناس. وذكر بعضهم ان ملكا من ملوك مصر الأول، جهز أناسا للوقوف على أول النيل، فانتهوا إلى جبال من نحاس، فلما طلعت عليها الشمس انعكست عليها، فأحرقتهم. وقيل: إنهم انتهوا إلى جبال براقة لماعة كالبلور، فلما انعكست عليهم أشعة الشمس الواقعة عليهم أحرقتهم. وقال صاحب مرآة الزمان: ذكر أحمد بن بختيار أن العين التي هي أصل النيل، هي أول العيون من جبل القمر، ثم نبعث منها عشرة أنهار، نيل مصر أحدهما، قال: والنيل يقطع الإقليم الأول، ثم يجاوزه إلى الثاني، ومن ابتدائه، من جبل القمر إلى انتهائه إلى البحر الرومي، ثلاثة آلاف فرسخ، ويبتدي بالزيادة في نصف حزيران، وينتهي إلى أيلول. قال: واختلفوا في سبب زيادته، فقال قوم: لا يعلم ذلك إلا الله. وقال آخرون: سببه زيادة عيونه. وقال آخرون، وهو الظاهر: سببه كثرة المطر والسيول ببلاد الحبش والنوبة،

وإنما يتأخر وصوله إلى الصيف لبعد المسافة. ورد ذلك قوم بأن عيونه التي تحت جبل القمر تتكدر في أيام زيادته، فدل على أنه فعل الله من غير زيادة بالمطر. قال: وجميع الأنهار تجري إلى القبلة سواه، فإنه يجري إلى ناحية الشمال. وكان القاضي بحماه قال: ومتى بلغ ستة عشر ذراعا استحق السلطان الخراج، وإذا بلغ ثمانية عشر ذراعا قالوا: يحدث بمصر وباء عظيم، وإذا بلغ عشرين ذراعا مات ملك مصر. وقال ابن المتوج: من عجائب مصر النيل الذي يأتي من غامض علم الله في زمن القيظ، فيعم البلاد سهلًا ووعرًا، ويبعث الله في أيام مدده الريح الشمال فيصد له البحر المالح، ويصير له كالجسر، ويزيد. وإذا بلغ الحد الذي هو تمام الري وأوان الزراعة، بعث الله بالريح الجنوب فكنسته، وأخرجته إلى البحر الملح، وانتفع الناس بالزراعة. ومن عجائب هذا النيل سمكة تسمى الرعاد (¬1) من مسها بيده، أو بعود متصل بيده أو جذب شبكة هي فيها، أو قصبة أو سنارة وقعت فيها رعدت يده ما دامت فيها، وبمصر بقلة من مسها بيده، ثم مس الرعاد لم ترعد. وفي النيل خيل تظهر في بلد النوبة، ويصيدونها، وفي سنة من أسنانها شفاء من وجع المعدة. وقال التيفاشي: سبب زيادة النيل هبوب ريح يسمى الملثن، وذلك لسببين أحدهما أنها تحمل السحاب الماطر خلف خط الاستواء، فتمطر ببلاد السودان والحبشة والنوبة، والآخر أنها تأتي في وجه البحر الملح، فيقف ماؤه في وجه النيل، فيتراجع حتى يروي البلاد. وفي ذلك يقول الشاعر: اشفع فللشافع أعلى يد ... عندي وأسنى من يد المحسن والنيل ذو فضل ولكنه ... الشكر في ذلك للملثن وقال صاحب سجع الهديل: ذكر جماعة من المنجمين وأرباب الهيئة أن النيل يجيء ¬

(¬1) معجم البلدان 8/ 365.

من خلف خلف الاستواء بإحدى عشرة درجة ونصف، ويأخذ نحو الجنوب إلى أن ينتهي إلى دمياط والإسكندرية وغيرهما عند عرض ثلاثين في الشمال، قالوا: فمن بدايته إلى نهايته اثنتان وأربعون ومائة درجة؛ كل درجة ستون ميلا وثلث بالتقريب، فيكون طوله من الموضع الذي يبتدئ منه إلى الموضع الذي منه إلى البحر الملح ثمانية ألف ميل، وستمائة وأربعة عشر ميلا وثلثا ميل على القصد والاستواء، وله تعريجات شرقًا وغربًا، يطول بها ويزيد على ما ذكرناه. ونقلت من خط الشيخ عز الدين بن جماعة من كتاب له في الطب، قال: منبع النيل من جبل القمر وراء خط الاستواء بإحدى عشرة درجة ونصف، وامتداد هذا الجبل خمس عشرة درجة وعشرون دقيقة، يخرج منه عشرة أنهار من أعين فيه ترمي كل خمسة إلى بحيرة عظيمة مدورة بعد مركزها عن أول العمارة بالمغرب سبع وخمسون درجة، والبعد عن خط الاستواء في الجنوب سبع درج وإحدى وثلاثون دقيقة، وهاتان البحيرتان متساويتان، وقطر كل واحدة خمس درج، ويخرج من كل واحدة أربعة أنهار ترمي إلى بحيرة صغير مدورة في الإقليم الأول بعد مركزها عن أول العمارة بالمغرب ثلاث وخمسون درجة وثلاثون دقيقة، وعن خط الاستواء من الشمال درجتان من الإقليم الأول، وقطرها درجتان، ومصب كل واحد من الأنهار الثمانية في هذه البحيرة غير مصب الآخر، ثم يخرج من البحيرة نهر واحد؛ وهو نيل مصر، ويمر ببلاد النوبة، ويصب إليه نهر آخر ابتداؤه من غير مركزها على خط الاستواء، في بحيرة كبيرة مستديرة قطرها ثلاثة درج، وبعد مركزها عن أول العمارة بالمغرب إحدى وسبعون درجة، فإذا تعدى النيل مدينة مصر إلى مدينة يقال لها: شطنوف، تفرق هناك إلى نهرين يرميان إلى البحر المالح أحدهما يعرف ببحر رشيد، والآخر بحر دمياط، وهذا البحر إذا وصل إلى المنصورة تفرع منه نهر يعرف ببحر أشمون، يرمي إلى بحيرة هناك وباقيه إلى البحر المالح عند دمياط، وهذه صورة ذلك:

وذكر الجاحظ في كتاب الأمصار، أن مخرج نهر السند والنيل من موضع واحد، واستدل على ذلك اتفاق زيادتهما، وكون التمساح فيهما، وأن سبيل زراعتهم في البلدين واحد. وقال المسبحي في تاريخ مصر: في بلاد تكنة أمة من السودان أرضهم تنبت الذهب، يفترق النيل فيصير نهرين أحدهما أبيض وهو نيل مصر، والآخر أخضر يأخذ إلى المشرق فيقطع البحر الملح إلى بلاد السند، وهو نهر ميران. قال ابن عبد الحكم: حدثنا عثمان بن صالح، عن ابن لهيعة، عن قيس بن الحجاج، عمن حدثه، قال: لما فتح عمرو بن العاص مصر، أتى أهلها إليه حين دخل بؤونة من أشهر العجم، فقالوا له: أيها الأمير، إن لنيلنا هذا سنة لا يجري إلا بها، فقال لهم: وما ذاك؟ قالوا: إذا كان لثنتي عشرة ليلة تخلو من هذا الشهر، عَمَدنا إلى جارية بكر بين أبويها، فأرضينا أبويها، وجعلنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون، ثم ألقيناها في هذا النيل. فقال لهم عمرو: إن هذا لا يكون في الإسلام، وإن الإسلام يهدم ما قبله، فأقاموا بؤونة وأبيب ومسرى لا يجري قليلا ولا كثيرا، حتى هموا بالجلاء، فلما رأى ذلك عمرو كتب إلى عمر بن الخطاب بذلك، فكتب إليه عمر: قد أصبت، إن الإسلام يهدم ما كان قبله، وقد بعثت إليك بطاقة (¬1) فألقها في داخل النيل إذا أتاك كتابي. فلما قدم الكتاب على عمرو، فتح البطاقة فإذا فيها: من عبد الله أمير المؤمنين إلى نيل مصر، أما بعد فإن كنت تجري من قبلك، فلا تجر، وإن كان الواحد القهار يجريك، فنسأل الله الواحد القهار أن يجريك. فألقى عمرو البطاقة في النيل قبل يوم الصليب بيوم، وقد تهيا أهل مصر للجلاء ¬

(¬1) فتوح مصر: "بطاقة".

ذكر مزايا النيل:

والخروج منها؛ لأنه لا يقوم بمصلحتهم فيها إلا النيل، فأصبحوا يوم الصليب وقد أجراه الله ستة عشر ذراعا، وقد زالت تلك السنة السوء عن أهل مصر (¬1) . حدثنا عثمان بن صالح، حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن موسى عليه السلام دعا على آل فرعون، فحبس الله عنهم النيل حتى أرادوا الجلاء حتى طلبوا إلى موسى أن يدعو الله رجاء أن يؤمنوا، فدعا الله، فأصبحوا وقد أجراه الله في تلك الليلة ستة عشر ذراعا. فاستجاب الله بتطوله لعمر بن الخطاب كما استجاب لنبيه موسى عليه السلام (¬2) . ذكر مزايا النيل: قال التيفاشي: اتفق العلماء على أن النيل أشرف الأنهار في الأرض لأسباب: منها عموم نفعه، فإنه لا يعلم نهر من الأنهار في جميع الأرض المعمورة يسقي ما يسقيه النيل. ومنها الاكتفاء بسقيه، فإنه يزرع عليه بعد نضوبه، ثم لا يسقى الزرع حتى يبلغ منتهاه؛ ولا يعلم ذلك في نهر سواه. ومنها أن ماءه أصح المياه وأعدلها وأعذبها وأفضلها. ومنها مخالفته أنهار الأرض في خصال هي منافع فيه، ومضار في غيره. ومنها أنه يزيد عند نقص سائر المياه، وينقص عند زيادتها؛ وذلك أوان الحاجة إليه. ومنها أنه يأتي أرض مصر في أوان اشتداد القيظ، والحر ويبس الهواء وجفاف ¬

(¬1) فتوح مصر: 150. (¬2) فتوح مصر: 151.

الأرض، فيبل الأرض، ويرطب الهواء، ويعدل الفصل تعديلا زائدا. ومنها أن كل نهر من الأنهار العظام، وإن كل فيه منافع، فلا بد أن يتبعها مضار في أوان طغيانه بإفساد ما يليه ونقص ما يجاوره، والنيل موزون على ديار مصر بوزن معلوم، وتقدير مرسوم لا يزيد عليه، ولا يخرج عن حده {ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} (¬1) . ومنها أن المعهود في سائر الأنهار أن يأتي من جهة المشرق إلى المغرب، وهو يأتي من جهة المغرب إلى الشمال، فيكون فعل الشمس فيه دائمًا، وأثرها في إصلاحه متصلا ملازما؛ وفي ذلك يقول الشاعر: مصر ومصر ماؤها عجيب ... ونهرها يجري به الجنوب ومنها أن كل الأنهار يوقف على منبعه وأصله، والنيل لا يوقف له على أصل منبع. وليس في الدنيا نهر يصب في بحر الصين والروم غيره؛ وليس في الدنيا نهر يزيد ثم يقف، ثم ينقص ثم ينضب على الترتيب والتدريج غيره؛ وليس في الدنيا نهر يزرع عليه ما يزرع على النيل، ولا يجيء من خراج غلة زرعه ما يجيء من خراج غلة زرع النيل. قال صاحب مباهج الفكر: النيل أخف المياه وأحلاها، وأرواها وأمراها، وأعمها نفعا، وأكثرها خراجا؛ ويحكى أنه جبي في أيام كنعاوس؛ أحد ملوك القبط الأول مائة ألف ألف وثلاثون ألف دينار، وجباه عزيز مصر مائة ألف ألف دينار، وجباه عمرو بن العاص اثني عشر ألف ألف دينار، وجباه عبد الله بن أبي سرح أربعة عشر ألف ألف دينار، ثم رذل إلى أن جبي أيام جوهر القائد ثلاثة آلاف ألف ومائتي ألف دينار؛ وسبب تقهقره أن الملوك لم تسمح نفوسهم بما كان ينفق في الرجال الموكلين ¬

(¬1) الأنعام: 96.

لحفر خلجه وإصلاح جسوره، ورم قناطره، وسد ترعه، وقطع القضب وإزالة الحلفاء؛ وكانوا مائة ألف وعشرين ألف رجل مرتبين على كور مصر سبعين ألفًا للصعيد، وخمسين ألفا لأسفل الأرض. ويحكى أنها مسحت أيام هشام بن عبد الملك، فكان ما يركبه الماء مائة ألف ألف فدان، والفدان أربعمائة قصبة والقصبة عشرة أذرع. وأما أحمد بن المدبر، فإنه اعتبر ما يصلح للزرع بمصر في وقت ولايته، فوجده أربعة وعشرين ألف ألف فدان، والباقي قد استبحر وتلف، واعتبر مدة الحرث فوجدها ستين يوما، والحراث الواحد يحرث خمسين فدانا، فكانت محتاجة إلى أربعمائة ألف وأربعين ألف حراث. وقال صاحب مرآة الزمان: ذكر أحمد بن بختيار أن في الليل عجائب منها التمساح، ولا يوجد إلا فيه، ويسمى في مصر التمساح، وفي بلاد النوبة الورل، ووراء النوبة الشوشار. قال: والتمساح لا دبر له، وما يأكله يتكون في بطنه دودا، فإذا آذاه خرج إلى البرية فينقض عليه طائر فيأكل ما بين أسنانه، وما يظهر من الدود، وربما يطبق عليه التمساح، فيبلعه. وذكر ابن حوقل أن بنيل مصر أماكن لا يضر التمساح فيها، كعدوة بوصير والفسطاط. قال: وفي النيل السقنقور، ويكون عند أسوان، وفي حدودها. وقيل: إنه من نسل التمساح إذا وضعه خارج الماء، فما قصد الماء صار تمساحا، وما قصد البر صار سنقنقورا. وله قضيبان كالضب.

وفيه السمك الرعاد إذا وقع في شبكة الصياد، لا يزال ترتعد يداه، ورجلاه حتى يلقيها أو يموت، وهي نحو الذراع. وفيه سمكة على صورة الفرس. والمكان الذي يكون فيه لا يقربه التمساح. وفيه شيخ البحر سمكة على صورة آدمي، وله لحية طويلة، ويكون بناحية دمياط وهو مشؤوم، فإذا رئي في مكان دل على القحط والموت والفتن. ويقال: إن دمياط ما تنكب حتى يظهر عندها.

ذكر ما قيل في النيل من الأشعار:

ذكر ما قيل في النيل من الأشعار: قال التيفاشي: قد ذكرت العرب النيل في أشعارها، وضربت به الأمثال، قال قيس بن معدي كرب، فيما أورده الجاحظ في كتاب الأمصار: ما النيل أصبح زاخرًا بمدوده ... وجرت له ريح الصبا فجرى بها قال بعضهم: واهًا لهذا النيل أي عجيبة ... بكر بمثل حديثها لا يسمع (¬1) يلقي الثرى في العام وهو مسلم ... حتى إذا ما مل عاد يودع متنقل (¬2) مثل الهلال فدهره ... أبدا يزيد كما يريد ويرجع ظافر الحداد: والنيل مثل عمامة (¬3) ... شرب محشاة بأخضر والجسر فيها كالطراز ... وموجه رقم مصور تفريكه ما درجته ... له الرياح من التسكر وقال يصف افتراقه عند رأس الروضة: لله يوم أناله النيل ... لحسنه جملة وتفصيل في منظر مشرف على خضر ... كأنه في الظلام قنديل تبدي لنا جانبا جزيرته ... أشيا بها للعين تأميل ورقمه جسره وتفريكه الموج ... وفي نكته للخليج تجميل ¬

(¬1) خطط المقريزي 1: 101. (¬2) المقريزي: "مستقبل". (¬3) ط، ح: "غمامة".

ابن الساعاتي: ولما توسطنا على النيل غدوة ... ظننت وقلت اليوم باللهو ملآن عشارية أنشا لها الماء مقلة ... وليس لها إلا المجاذيف أجفان محيي الدين بن عبد الظاهر: نيل مصر لمن تأمل مرأى ... حسنه معجز وبالحسن معجب كم به شاب فودها وعجيب ... كيف شابت بالنيل والنيل يخضب! وقال: كم قطع الطرق نيل مصر ... حتى لقد خافه السبيل بالسيف والرمح من غدير ... ومن قناة لها نصول ابن نباته: زادت أصابع نيلنا ... وطغت وطافت في البلاد وأتت بكل مسرة ... ماذي أصابع ذي أيادي النصير الحمامي: عن عجل النيروز قبل الوفا ... عجل للعالم صفع القفا فقد كفى من دمعهم ما جرى ... وما جرى من نيلهم ما كفى ناصر الدين حسن بن النقيت: كأن النيل ذو فهم ولب ... لما يبدو لعين الناس منه (¬1) فيأتي عند حاجتهم إليه ... ويمضي حين يستغنون عنه آخر: النيل قال وقوله ... إذ قال ملء مسامعي ¬

(¬1) المقريزي 1: 101، نهاية الأرب 1: 281.

في غيظ من طلب العلا ... عم البلاد منافعي وعيونهم بعد الوفا ... قلعتها بأصابعي شمس الدين بن دانيال الحكيم: كأنما النيل الخضم إذ بدا ... يروى حديثا وهو ذو تسلسل لما رأى الأرض بها شقيقه ... ضمخها بمائه المصندل آخر: يا نيل اجر على حسن العوائد في ... أرجاء مصرك واجبر كل مرتزق واعلم بأنك مصري فلست ترى ... حلو الفكاهة ما لم تأت بالملق خليل بن الكفتي: مولاي إن البحر لما زرته ... حياك وهو أخو الوفا بالإصبع فانظر لبسطته فرؤيتك التي ... هي مشتهاه وروضة المتمتع أرخى عليه الستر لما جئته ... خجلا ومدت تضرعا بالأذرع آخر: سد الخليج بكسره جبر الورى ... طرا فكل قد غدا مسرورا الماء سلطان فكيف تواترت ... عنه البشائر إذ غدا مكسورا شمس الدين سبط الملك الحافظ: لله در الخليج إن له ... تفضلًا لا نزال نشكره حسبك منه بأن عادته ... يجبر من لا يزال يكسره الصلاح الصفدي: رأيت في أرض مصر مذ حللت بها ... عجائبًا ما رآها الناس في جيل تسود في عيني الدنيا فلم أرها ... تبيض إلا إذا ما كنت في النيل

وقال: ركبت في النيل يومًا مع أخي أدب ... فقال: دعني من قال ومن قيل شرحت يا بحر صدري اليوم قلت له: ... لا تنكر الشرح يا نحوي للنيل وقال: قالوا علا نيل مصر في زيادته ... حتى لقد بلغ الأهرام حين طما فقلت: هذا عجيب في بلادكم ... أن ابن ستة عشر يبلغ الهرما وقال: قد زاد هذا النيل في عامنا ... فأغرق الأرض بإنعامه وكاد أن يعطف من مائه ... عرى على أزرار أهرامه تميم بن المعز العبيدي: يوم لنا بالنيل مختصر ... ولكل يوم لذاذة قصر (¬1) والسفن تجري كالخيول بنا ... صعدًا وجيش الماء منحدر (¬2) فكأنما أمواجه عكن ... وكأنما داراته سرر آخر: مد نيل الفسطاط فالبر بحر ... زاخر فيه كل سفن تعوم فكأن الأرضين منه سماء ... وكأن الضياع فيها نجوم ظافر: ولله مجرى النيل فيها إذا الصبا ... أرتنا به في سيرها عسكرا مجرى فشط يهز السمهرية ذبلا ... ونهر يهز البيض هندية بترا ¬

(¬1) المقريزي 1: 102. (¬2) ديوانه: 255.

إذا مد حاكي الورد غضا وإن صفا ... حكى ماؤه لونا ولم يعده بسرا أيدمر التركي: كيمياء النيل خالصة ... قد أتتنا منه بالعجب كان من ذوب اللجين فقد ... عاد بالتدبير من ذهب راقص بالحسن مبتهج ... فهو في عجب وفي طرب ومغاني مصر تسمعه ... نغمة الشادي بلا صخب ونسيم الريح لاعبة ... في خلال الروض بالقضب إبراهيم بن عبدون الكاتب: والنيل بين الجانبين كأنما ... صبت بصفحته صفيحة صقيل يأتيك من كدر الزواخر مده ... بممسك من مائه ومصندل فكان ضوء البدر في تمويجه ... برق يموج في سحاب مسبل وكأن نور السرج من جنباته ... زهو الكواكب تحت ليل أليل مثل الرياض مصنفا أنوارها ... يبدو لعين مشبه وممثل آخر: أرى أبدًا كثيرا من قليل ... وبدرًا في الحقيقة من هلال (¬1) فلا تعجب فكل خليج ماء ... بمصر مشبه بخليج مال زيادة إصبع في كل مد ... زيادة أذرع في كل حال الأمير تميم بن المعز: نظرت إلى النيل في مده ... بموج يزيد ولا ينقص (¬2) كأن معاطف أمواجه ... معاطف جارية ترقص ¬

(¬1) المقريزي 1: 102. (¬2) ديوانه: 255.

أيدمر التركي: انظر إلى النيل السعيد المقبل ... والماء في أنهاره كالسلسل أضحى يريك الحسن بين مورد ... من لونه حينًا وبين مصندل ويمر في قيد الرياح مسلسلًا ... يا حسنه من مطلق ومسلسل وترى زوارقه على أمواجه ... منسوبة للناظر المتأمل مثل العقارب فوق حيات غدت ... يسعى بها في عدوها ما يأتلي وكأنما أسماكه من فضة ... من جمد ذائب مائه من أول بعضهم: أتطلب من زمانك ذا وفاء ... وتأمل ذاك جهلًا من بنيه لقد عدم الوفاء به وإني ... لأعجب من وفاء النيل فيه ومن كلام القاضي الفاضل في وصف النيل المصري الذي يكسو الفضاء ثوبا فضيًّا، ويدلي من الأرض ماءه سراجا من النور مضيا، ويتدافع تياره واقفا في صدر الجدب بيد الخصب، ويرضع أمهات خلجه المزارع فيأتي أبناؤها بالعصف والأب (¬1) . وقال فيه أيضا: وأما النيل فقد امتدت أصابعه، وتكسرت بالموج أضالعه، ولا يعرف الآن قاطع طريق سواه، ولا من يرجى ويخاف إلا إياه (¬2) . وقال أيضًا: وأما النيل المبارك فقد ملأ البقاع، وانتقل من الإصبع إلى الذراع، فكأنما غار على الأرض فغطاها، وأغار عليها فاستقعد وما تخطاها (¬3) . ¬

(¬1) مسالك الأبصار 2: 67. (¬2) مسالك 1: 67. (¬3) المقريزي 1: 102، نهاية الأرب 1: 281.

ومن كتاب السجع الجليل فيما جرى من النيل: وأما البحر الذي بنى عليه عنوان هذه العبودية، فلا تسأل عما جرى منه، وما نقلت الرواة من العجائب عنه؛ وذلك أنه عم قدومه بالنفع البلاد، وساوى بين بطون الأودية وظهورها الوهاد. وقدم المفرد مبشرا بوفائه في جمع لا نظير له في الآحاد، واحمرت على ما طلب الغلاء عيونه، وتكفل للمصر بأن يوفي بعد وفائه ديونه، ونزل السعر حين أخذ منه طالع الارتفاع، وأحدق بالقرى فأصبح كأنه سماوات كواكبها الضياع؛ فلم يكن بعد ذلك إلا كلمح البصر أو هو أقرب، حتى عسل (¬1) في شوارع مصر كما عسل الطريق الثعلب، وجاس خلال ديارها فأصبح على زرائبها المبثوثة بسطة، وأحاط بالمقياس إحاطة الدائرة بالنقطة. ثم علت أمواجه، واشتد اضطرابه، وكاد يمتزج بنهر المجرة الذي الغمام زبده والنجوم حبابه. وشرق حتى ليس للشرق مشرق ... وغرب حتى ليس للغرب مغرب إلى أن قال: أما دير الطين فقد ليس سقوف حيطانه، واقتلع أشجار غيطانه، وأتى على ما فيه من حاصل وغلة، وتركه ملقة فكان كما قيل: زاد الطين بلة. وأما الجيزة فقد طغى الماء على قناطرها وتجسر، ووقع بها القصب من قامته حين علا عليه الماء وتكسر، فأصبح بعد اخضرار بزته شاحب الإيهاب، ناصل الخضاب، غارقًا في قعر {بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ} ، وقطع طريق زاويتها على من بها من المنقطعين والفقراء، وترك الصالح كالصالح يمشي على الماء {فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ، أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ، فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ، أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ} وأدركهم الغرق فأيسوا من الخلاص، {فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} فنادوا {وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ} ، {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ} فانهدت قواهم، واستغاثوا من كثرة الماء بالذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم. وأما الروضة فقد أحاط بها إحاطة الأكمام بزهره، والكأس بحباب خمره: فكأنها فيه بساط أخضر ... وكأنه فيها طراز مذهب ¬

(¬1) عسل، أي سار مسرعًا.

فكم بها من متهم ومنجد، ومسافر مما حصل له من المقيم المقعد. وحائك أصبح حول نوله ينير، وجعل من غزله بل من غيظه على أجيره يحمل ويسير. ومنجم وصل الماء من منزله إلى العتبة الخارجة فأصبح في أنحس تقويم، ودخل إلى بيت أمراضه {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ، فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ} ، فأصبح في الطريق وعليه كآبة وصفرة، ودموعه في المحاجر كالحصى لها اجتماع وحمرة. وشاعر أوقعه في الضرورة بحره المديد، واشتغل بهدم داره عن بيت القصيد، وعروضي ضاقت عليه الدائرة: هذه الفاصلة، وقلع من عروض بيته وتدًا أزعج بقلعه مفاصله. ونحوي اشتغل عن زيد وعمرو يبل كتبه، وذهل حين استوى الماء والخشبة، عن المفعول معه والمفعول به، وطار عقله ولا سيما عن تصانيف ابن عصفور، وأخبر أن البحر وأثاث بيته جار ومجرور. وأما الجزيرة الوسطى فقد أفسد جل ثمارها، وأتى على مقاتيها فلم يدع شيئًا من رديها وخيارها، وألحق موجدها بالمعدوم، وتلا علي التكروري {سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ} ، وأخلق ديباج روضها الأنف، وترك قلقاسها بمده وجزره على شفا جرف. وأما المنشأة فقد أصبحت للهجر مقرة، بعد أن كانت للعيون قرة، وقيل لمنشيها: {أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا} ، فقال: {يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّة} . ومال على ما فيها من شون الغلات كل الميل، وتركها تتلو بفمها الذي شقتاه مصراعا الباب: {يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْل} . وأما بولاق فقد أصبحت صعيدًا زلقًا من الملق، وقامت قيامة المار بها حين التفت الساق بالساق من الزلق، فكم اقتلع بها شجرة لبت رءوسها، وترك ساقية تنوح على أختها التي أصبحت خاوية على عروشها. وأما الخليج الحاكمي فقد خرج عسكر موجه بعد الكسر على حمية، ومرق من قسي قناطره كالسهم من الرمية، وتواضع حين قبل بحارة زويلة عتاب غرفها العالية وترك الساقين في حالة العجز عن وصفها صريع الدلاء وحماد الراوية. فأصبحوا من الكساد وقد سئموا الإقامة، قائلين في شوارع مصر: يا الله السلامة.

ذكر البشارة بوفاء النيل:

ذكر البشارة بوفاء النيل: جرت العادة كل سنة إذا وفي النيل أن يرسل السلطان بشيرًا بذلك إلى البلاد لتطمئن قلوب العباد، وهذه عادة قديمة، ولم يزل كتاب الإنشاء ينشئون في ذلك الرسائل البليغة؛ فمن إنشاء القاضي الفاضل في وفاء النيل عن السلطان صلاح الدين بن أيوب: نعم الله سبحانه وتعالى من أضوئها بزوغا، وأخفاها سبوغًا، وأصفاها ينبوعا، وأسناها منفوعا، وأمدها بحر مواهب، وزختمها حسن عواقب. النعمة بالنيل المصري الذي يبسط الآمال، ويقبضها مده وجزره، ويرمي النبات حجره، ويحيي مطلعه الحيوان، ويجني ثمرات الأرض صنوانا وغير صنوان، وينشر مطوي حريريها وينشر مواتها، ويوضح معنى قوله تعالى: {وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا} (¬1) . وكان وفاء النيل المبارك تاريخ كذا، فأسفر وجه الأرض وإن كان تنقب، وأمن يوم بشراه من كان خائفا يترقب، ورأينا الإبانة عن لطائف الله التي خفقت الظنون، ووفت بالرزق المضمون، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (¬2) . وقد أعلمناك لتستوفي حقه من الإذاعة، وتبعده من الإضاعة، وتتصرف على ما نصرفك من الطاعة، وتشهر ما أورده البشير من البشرى بإبانته، وتمده بإيصال رسمه مهنى على عادته (¬3) . وكتب القاضي محيي الدين عبد الله بن عبد الظاهر عن السلطان إلى نائب السلطنة يحلب بشارة بوفاء النيل: ¬

(¬1) سورة فصلت آية: 10. (¬2) سورة الأنعام آية: 99. (¬3) ثمرات الأوراق "على هامش المستطرف" 2: 60، 61.

أعز الله أنصار المقر وسره بكل مبهجة، وهنأه بكل مقدمة سرور تفد وللخصب والبركة منتجه، وبكل نعمى لا تصبح لمنة السحاب محوجة، وبكل رحمى لا يستعد لأيامها الباردة ولا للياليها المثلجة. هذه المكاتبة تفهمه أن نعم الله وإن كانت متعددة، ومنحه وإن غدت بالبركات مترددة، ومنته وإن أصبحت إلى القلوب متوددة، فإن أشملها وأكملها، وأجملها وأفضلها، وأجزلها وأنهلها، وأتمها وأعمها، وأضمها وألمها، نعمة أجزأت المن والمنح، وأنزلت في برك سفح المقطم أغزر سفح. وأتت بما يعجب الزراع، ويعجل الهراع، ويعجز البرق اللماع، ويعل القطاع، ويغل الأقطاع، وتنبعث أفواهه وأفواجه، ويمد خطاها أمواهه وأمواجه، ويسبق وفد الريح من حيث ينبري، ويغيط مريخه الأحمر القمر؛ لأن بيته السرطان كما يغبط الحوت؛ لأنه بيت المشتري، ويأتي عجبه في الغد بأكثر من اليوم وفي اليوم بأكثر من الأمس، ويركب الطريق مجدًّا فإن ظهر بوجهه حمرة فهي ما يعرض للمسافر من حر الشمس. ولو لم تكن شقته طويلة لما قيست بالذراع، ولولا أن مقياسه أشرف البقاع لما اعتبر ما تأخر من ماء حوله الماضي بقاع، بينا يكون في الباب إذا هو في الطاق، وبينا يكون في الاحتراق إذا هو في الاختراق للإغراق، وبينا يكون في المجاري، إذا هو في السواري، وبينا يكون في الجباب إذا هو في الجبال، وبينا يقال لزيادته: هذه الامواه إذ يقال لغلاته: هذه الأموال. وبينا يكون ماء إذ أصبح حبرا، وبينا هو يكسب تجارة قد أكسب بحرًا، وبينا يفسد عراه قد أتى بعرار جسور على الجسور جيشه الكرار، وكم أمست التراع منه تراع والبحار منه تحار. كم حسنت مقطعاته على مر الجديدين، وكم أعانت مرارة مقياسه على الغرو من بلاد سيس على العمودين (¬1) . أتم الله لطفه في الإتيان به على التدريج، وأجراه بالرحمة إلى نقص العيون بالتفرج، والقلب بالتفريج، فأقبل جيشه بمواكبه، وجاء يطاعن الجدب بالصواري من مراكبه، ويصافف ¬

(¬1) كذا في الأصول.

لجاجة الجسور في بيداء لججه، ويثاقف القحط بالتراس من بركه والسيوف من خلجه. ولما تكامل إيابه، وصح في ديوان الفلاح والفلاحة حسابه، وأظهر ما عنده من ذخائر التيسير وودائعه، ولفظ (¬1) عموده حمل ذلك على أصابعه. وكانت الستة عشر ذراعًا تسمى ماء السلطان، نزلنا وحضرنا مجلس الوفاء المعقود، واستوفينا شكر الله تعالى بفيض ما هو من زيادته محسوب، ومن صداقاتنا مخرج ومن القحط مردود، ووقع تياره بين أيدينا سطورًا تفوق، وعلت يدنا الشريفة بالخلوق، وحمدنا السير كما حمد لنا السري، وصرفناه في القرى للقرى، ولم نحضره في العام الماضي فعملنا له من الشكر شكرانا وعمل هو ما جرى. وحضرنا إلى الخليج وإذا به أمم قد تلقونا بالدعاء المجاب، وقرظونا فأمرنا ماءه أن يحثو من سده في وجوه المداحين التراب، ومر يبدي المساد ويعيدها، ويزور منازل القاهرة ويعودها، وإذا سئل عن أرض الطبالة، قال: جننا بليلى، وعن خلجها، وهي جنت بغيرنا. وعن بركة الفيل قال: وأخرى بنا مجنونة لا نريدها. وما برح حتى تعوض عن القيعان البقيعة، من المراكب بالسرر المرفوعة، ومن الأراضي المحروثة، من جوانب الأدرب بالزرابي المبثوثه. وانقضى هذا اليوم عن سرور لمثله فليحمد الحامدون، وأصبحت مصر جنة فيها ما تشتهي الأنفس، وتلذ الأعين وأهلها في ظل الأمن خالدون. فليأخذ حظه من هذه البشرى التي ما كتبنا بها كتبت بها الرياح إلى نهر المجرة إلى البحر المحيط، ونطقت بها رحمة الله تعالى إلى مجاوري بيته من لابسي التقوى ونازعي المخيط، وبشرت بها مطايا المسير الذي يسير من قوص غير منقوص، ويتشارك بها الابتهاج في العالم فلا مصر دون مصر بها مخصوص. ¬

(¬1) كذا في الأصول.

والله تعالى يجعل الأولياء في دولتنا يبتهجون بكل أمر جليل، وجيران الفرات يفرحون بجريان النيل. وكتب الصلاح الصفدي بشارة إلى بعض النواب في بعض الأعوام: ضاعف الله نعمة الجناب وسر نفسه بأنفس بشرى، وأسمعه من الهناء كل آية أكبر من الأخرى، وأقدم عليه من المسار ما يتحرز ناقله ويتحرى، وساق إليه كل طليعة إذا تنفس صبحها تفرق الليل وتفرى، وأورد لديه من أنباء الخصب ما يتبرم به محل المحل ويتبرى. هذه المكاتبة إلى الجناب العالي تخصه بسلام يرى كالماء انسجامًا، ويروق كالزهر ابتساما، ونتحفه بثناء جعل المسك له ختاما، وضرب له على الرياض النافحة خياما، ونقص عليه من أنباء النيل الذي خص الله البلاد المصرية بوفادة وفائه، وأغنى به قطرها عن القطر فلم تحتج إلى مد كافه وفائه، ونزهه عن منة الغمام الذي إن جاد فلا بد من شهقة رعده ودمعة بكائه، فهي الأرض التي لا يذم للأمطار في جوها مطار، ولا يزم للقطار في نفعها قطار، ولا ترمد الأنواء فيها عيون النوار، ولا تشيب بالثلوج مفارق الطرق ورءوس الجبال، ولا تفقد فيها حلى النجوم لاندراج الليلة تحت السحب بين اليوم وأمس، ولا يتمسك في سنائها المساكين كما قيل بحبال الشمس، وأين أرض يخد عجاجها بالبحر العجاج، وتزدحم في ساحاتها أفواج الأمواج، من أرض لا تنال السقيا إلا بحرب؛ لأن القطر سهام والضباب عجاج قد انعقد، ولا يعم الغيث بقاعها؛ لأن السح لا تراها إلا بسراج البرق إذا اتقد. فلو خاصم النيل مياه الأرض لقال: عندي قبالة كل عين إصبع، ولو فاخرها لقال: أنت بالجبال أثقل وأنا بالملق أطبع. والنيل له الآيات الكبر، وفيه العجائب والعبر، منها وجود الوفا، عند عدم الصفا، وبلوغ الهرم، إذا احتد واضطرم، وأمن كل فريق، إذا قطع الطريق، وفرح قطان الأوطان إذا كسر وهو كما يقال: سلطان.

وهو أكرم منتدى، وأعزب محتبى، وأعظم مجتدى، إلى غير ذلك من خصائصه، وبراءته مع الزيادة من نقائصه. وهو أنه في هذه العام المبارك جذب البلاد من الجدب وخلصها بذراعه، وعصمها بخنادقه التي لا تراع من تراعه، وحضها بسواري الصواري تحت قلوعه وما هي إلا عمد قلاعه، وراعى الأدب بين أيدينا الشريفة بمطالعتنا في كل يوم بحر قاعه في رقاعه، حتى إذا أكمل الستة عشر ذراعا، وأقبلت سوابق الخيل سراعا، وفتح أبواب الرحمة بتغليقه، وجد في طلب تخليقه، تضرع بمد ذراعه غلينا، وسلم عند الوفاء بأصابعه علينا. ونشر علم ستره، وطلب لكرم طباعه جبر العالم بكسره، فرسمنا بأن يخلق، ويعلم تاريخ هنائه ويعلق، فكسر الخليج وقد كاد يعلوه فوق موجه، ويهيل كئيب سده هول هيجه، ودخل يدوس زرابي الدور المبثوثة، ويجوس خلال الحنايا كان له فيها خبايا موروثة. ومرق كالسهم من قسي قناطره المنكوسة، وعلاه زبد حركته ولولاه ظهرت في باطنه من بدور إناثه أشعتها المعكوسة. وبشر بركة الفيل ببركة الفال، وجعل المجنونة من تياره المنحدر في السلاسل والأغلال، وملأ أكف الرجا بأموال الأمواه، وازدحمت في عبارة شكره أفواج الأفواه. وأعلم الأقلام بعجزها عما يدخل من خراج البلاد، وهنأت طلائعه بالطوالع التي نزلت بركاتها من الله على العباد. وهذه عوائد الألطاف الإلهية بنا لم نزل نجلس على موائدها، ونأخذ منها ما نهبه لرعايانا من فوائدها. ونخص بالشكر قوادمها فهي تدب حولنا وتدرج، وتخص قوادمها بالثناء والمدح، والحمد فهي تدخل إلينا وتخرج. فليأخذ الجناب العالي حظه من هذه البشرى التي جاءت بالمن والمنح، وانهلت أياديها المغدقة بالسح والسفح، وليتلقاها بشكر يضيء به في الدجى أديم الأفق، ويتخذها عقدًا تحيط منه بالعنق إلى النطق، وليتقدم الجناب العالي بألا يحرك الميزان في هذه البشرى بالجباية لسانه، وليعط كل عامل في بلادنا بذلك أمانه، وليعمل بمقتضى هذا المرسوم

حتى لا يرى في إسقاط الجباية خيانة، والله يديم الجناب العالي لقص الأنباء الحسنة عليه، ويمتعه بجلاء عرائس التهاني والأفراح لديه. وكتب الأديب تقي الدين أبو بكر بن حجة بشارة عن الملك المؤيد شيخ، سنة تسع عشرة وثمانمائة. ونبدي لعلمه الكريم ظهور آية النيل الذي عاملنا الله فيه بالحسنى وزيادة، وأجراه لنا في طرق الوفاء على أجمل عادة، وخلق أصابعه ليزول الإيهام فأعلن المسلمون بالشهادة، كسر بمسرى (¬1) فأمسى كل قلب بهذا الكسر مجبورا، وأتبعناه بنوروز (¬2) وما برح هذا الاسم بالسعد المؤيدي مكسورا، دق قفا السودان فالراية البيضاء من كل قلع عليه، وقبل ثغور الإسلام فأرشفها ريقه الحلو فمالت أعطاف غصونها إليه، وشبب خريره في الصعيد بالقصب، ومد سبائكه الذهبية إلى جزيرة الذهب، فضرب الناصرية واتصل بأم دينار، وقلنا: لولا أنه صبغ بقوة (¬3) لما جاء وعليه ذلك الاحمرار. وطال الله عمر زيادته فتردد إلى الآثار، وعمته البركة فأجرى سواقي ملكه إلى أن غدت جنة تجري من تحتها الأنهار، وحضن (¬4) مشتهي الروضة في صدره، وحنا عليها حنو المرضعات على الفطيم. وأرشفنا على ظمأ زلالًا ... ألذ من المدامة للنديم وراق مديد بحره لما انتظمت عليه تلك الأبيات، وسقى الأرض سلافته الخمرية فخدمته بحلو النبات، وأدخله إلى جنات النخيل والأعناب فالق النوى والحب، فأرضع "في أحشاء الأرض" (¬5) جنين النبت، وأحيا له أمهات العصف والأب. وصافحته كفوف الموز فختمتها ¬

(¬1) ط: "جسره". (¬2) ط: "بنوروزه". (¬3) حلية الكميت: "ملئه". (¬4) ط: "وحصن". (¬5) من حلية الكميت.

بخواتمه العقيقية ولبس الورد تشريفه، وقال: أرجو أن تكون شوكتي في أيامه قوية، ونسي الزهر بحلاوة لقائه مرارة النوى، وهامت به مخدرات الأشجار فأرخت ضفائر فروعها عليه من شدة الهوى، واستوفى النبات ما كان له في ذمة الري من الديون، ومازج الحوامض بحلاوته فهام الناس بالسكر والليمون، وانجذب إليه الكباد وامتد، ولكن قوي قوسه لما حظي منه بسهم لا يرد، ولبس شربوش الأترج وترفع إلى أن لبس بعده التاج، وفتح منثور (¬1) الأرض لعلامته بسعة الرزق وقد نفذ أمره وراج، فتناول مقالم الشنبر وعلم بأقلامها، ورسم (¬2) لمحبوس كل سد بالإفراج، وسرح بطائق السفن فخفقت أجنحتها بمخلق بشائره، وأشار بأصابعه إلى قتل المحل فبادر الخصب إلى امتثال أوامره، وحظي بالمعشوق وبلغ من كل منية مناه، فلا سكن على البحر إلا تحرك ساكنه بعد ما تفقه، وأتقن باب المياه، ومد شفاه أمواجه إلى تقبيل فم الخور (¬3) ، وزاد مترعه (¬4) فاستحلى المصريون زائده على الفور، ونزل في بركة الحبش فدخل التكرور في طاعته، وحمل على الجهات البحرية فكسر المنصورة وعلا على الطويلة بشهامته، وأظهر في مسجد الخضر عين الحياة فأقر الله عينه، وصار أهل دمياط في برزخ بين المالح وبينه، وطلب المالح رده بالصدر وطعن في حلاوة شمائله، فما شعر إلا وقد ركب عليه ونزل في ساحله. وأما المحاسن فدارت دوائره على وجنات الدهر عاطفة، وثقلت أرداف أمواجه على خصور (¬5) الجواري واضطربن كالخائفة، ومال شيق النخيل إليه فلثم ثغر طلعه وقبل سالفه، وأمست سود الجواري كالحسنات على حمرة وجناته، وكلما زاد زاد الله في حسناته؛ فلا فقير سد إلا حصل له من فيض نعماه فتوح، ولا ميت خليج إلا عاش به ¬

(¬1) الثمرات: "منشور". (¬2) ح: "لكل سد". (¬3) الثمرات: "الجسر". (¬4) ح: "زاد بسرعة". (¬5) في الأصول: "حضور" وصوابه من الثمرات.

ودبت فيه الروح، ولكنه احمرت عينه على الناس بزيادة وترفع، فقال له المقياس: عندي قبالة كل عين إصبع. ونشر أعلام قلوعه وحمل وله على ذي الجزيرة زمجرة، ورام أن يهجم على غير بلاده فبادر إليه عزم (¬1) المؤيدي وكسره. وقد آثرنا الجناب بهذه البشرى التي سرى فضلها برًّا وبحرًا، وحدثناه عن البحر ولا حرج وشرحنا له حالًا وصدرًا، ليأخذ حظه من هذه البشارة البحرية بالزيادة الوافرة، وينشق من طيبها (¬2) نشرا، فقد حملت له من طيبات ذلك النسيم أنفاسًا عاطرة. والله تعالى يوصل بشائرنا الشريفة لسمعه الكريم ليصير بها في كل وقت مشنفا، ولا برح من نيلها المبارك وإنعامنا الشريف على كلا الحالين في وفا (¬3) . ¬

(¬1) في الأصول: "عزمنا"، وما أثبته من الثمرات. (¬2) الثمرات: "طيبات". (¬3) ثمرات الأوراق 2: 63، 64، حلية الكميت 266، 267.

ذكر المقياس:

ذكر المقياس: قال ابن عبد الحكم: كان أول من قاس النيل بمصر يوسف عليه السلام، ووضع مقياسا بمنف، ثم وضعت العجوز دلوكة ابنة زباء مقياسا بأنصنا؛ وهو صغير الذرع ومقياسا بأخميم. ووضع عبد العزيز بن مروان مقياسا بحلوان وهو صغير، ووضع أسامة بن زيد التنوخي في خلافة الوليد بالجزيرة؛ وهي المسماة الآن بالروضة، وهو أكبرها؛ حدثنا يحيى بن بكير، قال: أدركت القياس يقيس في مقياس منف ويدخل بزيادته إلى الفسطاط. هذا ما ذكره ابن عبد الحكم (¬1) . قال التيفاشي: ثم هدم المأمون مقياس الجزيرة، وأسسه ولم يتمه، فأتم المتوكل بناءه وهو الموجود الآن. وقال صاحب مباهج الفكر: المقياس الذي بأنصنا ينسب لأشمون بن قفطيم بن مصر ويقال: إنه من بناء دلوكة، وبناؤه كالطيلسان، وعليه أعمدة بعدد أيام السنة من الصوان الأحمر. ورأيت (¬2) في بعض المجاميع ما نصه: قال ابن حبيب (¬3) : وجدت في رسالة منسوبة إلى الحسن بن محمد بن عبد المنعم، قال: لما فتحت مصر عرف عمر بن الخطاب ما يلقى أهلها من الغلاء عن وقوف النيل عن مده (¬4) في مقياس لهم فضلا عن تقاصره، وإن فرط الاستشعار يدعوهم إلى الاحتكار، ويدعو الاحتكار إلى تصاعد الأسعار بغير ¬

(¬1) فتوح مصر 16. (¬2) نقله المقريزي 4: 93 عن القضاعي. (¬3) في المقريزي: "يزيد بن حبيب". (¬4) المقريزي: "حده".

قحط، فكتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص، يسأله عن شرح الحال،، فأجابه فقال عمرو (¬1) : إني وجدت ما تروى به مصر حتى لا يقحط أهلها أربعة عشر ذراعا، والحد الذي يروى منه سائرها حتى يفضل عن حاجتهم ويبقى عندهم قوت سنة أخرى ستة عشر ذراعا، والنهايتين (¬2) المخوفتين في الزيادة والنقصان -وهو الظمأ والاستبحار- اثنتا عشر ذراعا في النقصان وثماني عشرة ذراعا في الزيادة؛ هذا والبلد في ذلك محفور الأنهار، معقود الجسور، عندما تسلموه من القبط وخمير العمارة فيه. فاستشار عمر بن الخطاب علي بن أبي طالب في ذلك، فأمره أن يكتب إليه أن يبني مقياسا، وأن ينقص (¬3) ذراعين على اثنتي عشرة ذراعا، وأن يقر ما بعدها على الأصل، وأن ينقص من ذراع بعد الستة عشر ذراعا إصبعين. ففعل ذلك وبناه بحلوان، فاجتمع له ما أراد من حال الإرجاف، وزال ما منه كان يخاف، بأن يجعل الاثنتي عشرة ذراعا أربع عشرة ذراعا؛ لأن كل ذراع أربعة وعشرون إصبعا، فجعلها ثمانية وعشرين من أولها إلى الأثنتي عشرة ذراعا، تكون مبلغ الزيادة على الاثنتي عشرة ثمانية وأربعين إصبعا؛ وهي الذراعان، وجعل الأربع عشرة ست عشرة والستة عشرة ثماني عشرة والثماني عشرة عشرين ذراعا، وهي المستقرة الآن (¬4) . وقال بعضهم: كتب الخليفة جعفر المتوكل إلى مصر يأمر ببناء المقياس الجديد الهاشمي في الجزيرة سنة سبع وأربعين ومائتين؛ وكان الذي يتولى أمر المقياس النصارى، فورد كتاب أمير المؤمنين المتوكل في هذه السنة على بكار بن قتيبة قاضي مصر، بألا يتولى ذلك إلا مسلم يختاره؛ فاختار القاضي بكار لذلك الرداد عبد الله بن ¬

(¬1) في الأصول: "عمر" وهو خطأ. (¬2) المقريزي: "والنهايتان". (¬3) في ط: "يغض"، وما أثبته من المقريزي والأصل. (¬4) المقريزي 1: 54.

عبد السلام المؤدب، وكان محدثا فأقامه القاضي بكار لمراعاة المقياس، وأجرى عليه الرزق، وبقي ذلك في ولده إلى اليوم. وقال صاحب المرآة: المقياس الظاهر الآن بناه المأمون، وقيل: إنما بناه أسامة بن زيد التوخي في خلافة سليمان بن عبد الملك، ودثر فجدده المأمون. وبنى أحمد بن طولون مقياسين؛ أحدهما بقوص وهو قائم اليوم، والآخر بالجزيرة وقد انهدم. قال القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر في العود الذي يطلع به المقسي قياس النيل في كل يوم بزيادة النيل: قد قلت لما أتى المقسي وفي يده ... عود به النيل قد عودي وقد نودي أيام سلطاننا سعد السعود وقد ... صح القياس بجري الماء في العود

ذكر جزيرة مصر وهي المسماة الآن بالروضة:

ذكر جزيرة مصر وهي المسماة الآن بالروضة: قال المقريزي: اعلم أن الروضة تطلق في زماننا على الجزيرة التي بين مدينة مصر وبين مدينة الجيزة، وعرفت في أول الإسلام بالجزيرة وجزيرة مصر، ثم قيل لها: جزيرة الحصن، وعرفت الروضة من زمن الأفضل بن أمير الجيوش إلى اليوم. انتهى. والجزيرة كل بقعة في وسط البحر لا يعلوها البحر، سميت بذلك؛ لأنها جزرت، أي قطعت وفصلت من تخوم الأرض، فصارت منقطعة. وفي الصحاح: الجزيرة: واحدة جزائر البحر؛ سميت بذلك لانقطاعها عن معظم الأرض. وقال ابن المتوج في كتابه إيقاظ المتغفل واتعاظ المتأمل: إنما سميت جزيرة مصر بالروضة؛ لأنه لم يكن بالديار المصرية مثلها وبحر النيل حائز لها ودائر عليها، وكانت حصينة، وفيها من البساتين والثمار ما لم يكن في غيرها. ولما فتح عمرو بن العاصي مصر تحصن الروم بها مدة، فلما طال حصارها وهرب الروم منها خرب عمرو بن العاص بعض أبراجها وأسوارها، وكانت مستديرة عليها، واستمرت إلى أن عمر حصنها أحمد بن طولون في سنة ثلاث وستين، ولم يزل هذا الحصن حتى خربه النيل. وقال المقريزي: اعلم أن الجزائر التي هي الآن في بحر النيل كلها حادثة في الإسلام ما عدا الجزيرة التي تعرف اليوم بالروضة تجاه مدينة مصر؛ فإن العرب لما دخلوا مع عمرو بن العاص إلى أرض مصر، وحاصروا الحصن الذي يعرف اليوم بقصر الشمع في مصر؛ حتى فتحه الله عنوة على المسلمين، كانت هذه الجزيرة حينئذ تجاه القصر، لم يبلغني إلى

الآن متى حدثت، وأما غيرها من الجزائر كلها فقد تجددت بعد فتح مصر، وإلى هذه الجزيرة التجأ المقوقس لما فتح الله على المسلمين القصر، وصار بها هو ومن معه من جموع الروم والقبط. وقال ابن عبد الحكم: كان بالجزيرة في أيام عبد الملك بن مروان أمير مصر خمسمائة فاعل عدة لحريق إن كان في البلاد أو هدم. وقال الكندي: بنيت بالجزيرة الصناعة في سنة أربع خمسين -والصناعة اسم لمكان قد أعد لإنشاء المراكب البحرية- وأول صناعة عملت بأرض مصر التي بنيت بالروضة في سنة أربع وخمسين من الهجرة، فاستمرت إلى أيام الإخشيد، فأنشأ صناعة بساحل فسطاط مصر، وجعل موضع الصناعة التي بالروضة بستانا سماه المختار. وقال القضاعي: حصن الجزيرة بناه أحمد بن طولون في سنة ثلاث وستين ومائتين، ليحرز فيه حريمه وماله، وكان سبب ذلك مسير موسى بن بغا من العراق واليًا على مصر، وجميع أعمال ابن طولون، وذلك في خلافة المعتمد على الله، فلما بلغ أحمد بن طولون مسيره تأمل مدينة فسطاط مصر، فوجدها لا تأخذ إلا من جهة النيل، فبنى الحصن بالجزيرة التي بين الفسطاط والجيزة ليكون معقلًا لحريمه وذخائره، واتخذ مائة مركب حربية سوى ما يضاف إليها من العشاريات وغيرها؛ فلما بلغ موسى بن بغا بالرقة تثاقل عن المسير لعظم شأن ابن طولون وقوته، ثم لم يلبث موسى أن مات، وكفى ابن طولون أمره. وقال محمد بن داود لأحمد بن طولون: لما قضى ابن بغا بالرقتين ملا ... ساقيه درقًا إلى الكعبين والعقب بنى الجزيرة حصنًا يستجن به ... بالعسف والضرب، والصناع في تعب وواثب الجيزة القصوى فخندقها ... وكاد يصعق من خوف ومن رعب

له مراكب فوق النيل راكدة ... لما سوى القار للنظار والخشب ترى عليها لباس الذل مذ بنيت ... بالشط ممنوعة من عزة الطلب فما بناها لغزو الروم محتسبًا ... لكن بناها غداة الروع للهرب وقال سعيد القاص من أبيات: وإن جئت رأس الجسر فانظر تأملًا ... إلى الحصن أو فاعبر إليه على الجسر ترى أثرًا لم يبق من يستطيعه ... من الناس في بدو البلاد ولا حضر وما زال حصن الجزيرة هذا عامرًا أيام بني طولون؛ حتى أخذه النيل شيئًا فشيئًا، وقد بقيت منه بقايا متقطعة إلى الآن. وكان نقل الصناعة من الجزيرة إلى ساحل مصر في شعبان سنة خمس وعشرين وثلثمائة، وبنى مكانها البستان المختار، وصرف على بنائه خمسة آلاف دينار؛ فاتخذه الإخشيد متنزهًا به، وصار يفاخر به أهل العراق، ولم يزل متنزها إلى أن زالت الدولة الإخشيدية والكافورية، وقدمت الدولة العبيدية؛ فكان يتنزه فيه المعز والعزيز، وصارت الجزيرة مدينة عامرة بالناس، بها وال وقاض. وكان يقال: القاهرة ومصر والجزيرة؛ فلما استولى الأفضل شاهنشاه ابن أمير الجيوش بدر الدين، أنشأ في بحري الجزيرة بستانًا نزهًا سماه الروضة، وتردد إليه ترددات كثيرة؛ ومن حينئذ صارت الجزيرة كلها تعرف بالروضة. قال ابن ميسر في تاريخ مصر: أنشأ الأفضل الروضة بحري الجزيرة، وكان يمضي كل يوم إليها في العشاريات الموكبية، وكان قتل الأفضل في سنة خمس عشرة وخمسمائة. قال: وفي سنة ست عشرة وخمسمائة، نقل المأمون البطائحي الوزير عمارة المراكب الحربية من الصناعة التي تجري بجزيرة مصر إلى الصناعة القديمة بساحل مصر، وبنى عليها منظرة كانت باقية إلى آخر أيام الدولة العلوية، فلما استبد الخليفة الآمر بالأمر، أنشأ بجوار البستان

المختار من جزيرة الروضة مكانًا لمحبوبته البدوية عرف بالهودج، وذلك لما صعب عليها السكنى في القصور، ومفارقة ما اعتادته من الفضاء. وكان الهودج على شاطئ النيل في شكل غريب، ولم يزل الآمر يتردد إليه للنزهة فيه، إلى أن ركب إليه يوما، فلما كان برأس الجسر، وثب عليه قوم كانوا كمنوا له بالروضة، فضربوه بالسكاكين حتى أثخنوه، وذلك يوم الأربعاء رابع ذي القعدة سنة أربع وعشرين وخمسمائة، ونهب سوق الجزيرة ذلك اليوم. قال ابن المتوج: اشترى الملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب جزيرة مصر المشهورة بالروضة من بيت المال المعمور في شعبان سنة ست وعشرين وخمسمائة، وبقيت على ملكه إلى أن سير السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب ولده الملك العزيز عثمان إلى مصر، ومعه عمه الملك العادل، وكتب إلى الملك المظفر أن يسلم لهما البلاد، ويقدم عليه إلى الشام، فلما ورد عليه الكتاب، ووصل ابن عمه الملك العزيز وعمه الملك العادل، شق عليه خروجه من الديار المصرية، وتحقق أنه لا عود له إليها أبدًا، فوقف مدرسته التي تعرف في مصر بالمدرسة التقوية؛ وكانت قديمًا تعرف بمنازل العز على الفقهاء الشافعية، ووقف عليها جزيرة الروضة بكمالها، ووقف أيضا مدرسة بالفيوم، وسافر إلى عمه صلاح الدين إلى دمشق، فملكه حماة، ولم يزل الحال كذلك إلى أن ولي الملك الصالح نجم الدين أيوب، فاستأجر الجزيرة من القاضي فخر الدين أبي محمد عبد العزيز بن قاضي القضاة عماد الدين أبي القاسم عبد الرحمن بن محمد المعروف بابن السكري مدرس المدرسة المذكورة لمدة ستين سنة في دفعتين؛ كل دفعة قطعة، فالقطعة الأولى من جامع عين إلى المنظر طولا وعرضا من البحر إلى البحر، واستأجر القطعة الثانية، وهي باقي أرض الجزيرة الدائر عليها بحر النيل حينذاك، واستولى على ما كان للجزيرة من النخل

والجميز والغروس، فكأنه لما عمر الملك الصالح مناظر قلعة الجزيرة قطعت النخل، ودخلت في العمائر. وأما الجميز فإنه كان بشاطئ بحر النيل صف جميز يزيد على أربعين شجرة، وكان أهل مصر فرجهم تحتها في زمن النيل والربيع، قطعت جميعها في الدولة الظاهرية، وعمر بها شواني عوض الشواني التي كان سيرها إلى جزائر قبرص، وتكسرت هناك، واستمر تدريس المدرسة التقوية بيد القاضي فخر الدين إلى حين وفاته، ثم وليها بعده ولده القاضي عماد الدين أبو الحسن علي، وفي أيامه تسلم له القطعة المستأجرة من الجزيرة أولا، وبقي بيد السلطنة القطعة الثانية إلى الآن، وكان الإفراج عنهما في شهور سنة ثمان وتسعين وستمائة في الدولة الناصرية، ولم يزل القاضي عماد الدين مدرسها إلى حين وفاته، فوليها ولده وهو مدرسها الآن في شعبان سنة أربع عشرة وسبعمائة. هذا كله كلام ابن المتوج. ولم تزل الروضة متنزها ملوكيًّا، ومسكنا للناس إلى ان تسلطن الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل محمد، فأنشأ بالروضة قلعة، واتخذها سرير ملك، فعرفت بقلعة المقياس، وبقلعة الروضة، وبقلعة الجزيرة وبالقلعة الصالحية. وكان الشروع في حفر أساسها يوم الأربعاء خامس شعبان سنة ثمان وثلاثين وستمائة، ووقع الهدم في الدور والقصور والمساجد التي كانت بجزيرة الروضة، وتحول الناس من مساكنهم التي كانت بها، وهدم كنيسة كانت لليعاقبة بجانب المقياس، وأدخلها في القلعة، وأنفق في عمارتها أموالا جمة، وبنى فيها الدور والقصور، وعمل لها ستين برجًا، وبنى بها جامعا، وغرس بها جميع الأشجار، ونقل إليها من البرابي العمد الصوان والعمد الرخام، وشحنها بالأسلحة وآلات الحروب وما يحتاج إليها من الغلال، والأقوات خشية من محاصرة الفرنج فإنهم كانوا حينئذ على عزم قصد بلاد مصر.

وبالغ في إتقانها مبالغة عظيمة؛ حتى قيل: إنه استقام كل حجر فيها بدينار، وكل طوبة بدرهم، وكان الملك الصالح يقف بنفسه، ويرتب ما يعمل، فصارت تدهش من كثرة زخرفها، ويحير الناظر إليها حسن سقوفها المقرنصة، وبديع رخامها. ويقال: إنه قطع من الموضع الذي أنشا فيه هذه القلعة ألف نخلة مثمرة، وكان رطبها يهدى إلى ملوك مصر لحسن منظره، وطيب طعمه. وخرب البستان المختار والهودج، وهدم ثلاثة وثلاثين مسجدًا كانت بالروضة، وأدخلت في القلعة. واتفق له في بعض هذه المساجد خبر عجيب؛ قال الحافظ جمال الدين يوسف بن أحمد اليغموري: سمعت الأمير جمال الدين موسى بن يغمور بن جلدك، يقول: من عجيب ما شاهدته من الملك الصالح، أنه أمرني أن اهدم مسجدا بجزيرة مصر، فأخرت ذلك، وكرهت أن يكون هدمه على يدي، فأعاد الأمر، وأنا كاسر عنه؛ فكأنه فهم عني ذلك، فاستدعى بعض خدمه وأنا غائب، وأمره أن يهدم ذلك المسجد، وأن يبنى في مكانه قاعة، وقدر له صفتها، فهدم ذلك المسجد، وعمر تلك القاعة مكانه وكملت. وقدم الفرنج على الديار المصرية، وخرج الملك الصالح مع عساكره إليهم، ولم يدخل تلك القاعة التي بنيت في مكان المسجد، فتوفي السلطان بالمنصورة، وجعل في مركب، وأتي به إلى الروضة فجعل في تلك القاعة التي بنيت مكان المسجد مدة إلى أن بنيت له التربة التي في جنب مدرسته بالقاهرة. وكان النيل في القديم محيطا بالروضة طول السنة، وكان فيما بين ساحل مصر والروضة جسر من خشب، وكذلك فيما بين الروضة، والجيزة جسر من خشب يمر عليهما الناس والدواب من مصر إلى الروضة، ومن الروضة إلى الجيزة؛ وكان هذان الجسران من مراكب مصطفة بعضها بحذاء بعض، وهي موثقة، ومن فوق المراكب أخشاب ممتدة فوقها تراب. وكان عرض الجسر ثلاث قصبات، ولم يزل هذا الجسر قائما إلى أن قدم المأمون

مصر، فأحدث جسرا جديدا، فاستمر الناس يمرون عليه، وكان عبور العساكر التي قدم من المعز مع جوهر القائد على هذين الجسرين، وكان الجسر المتصل بالروضة كرسيه حيث المدرسة الخروبية قبلي دار النحاس، وكان النيل عندما عزم الملك الصالح على عمارة قلعة الروضة قد أنطرد عن بر مصر، ولا يحيط بالروضة إلا في أيام الزيادة، فلم يزل يغرق السفن في ناحية الجيزة، ويحفر فيما بين الروضة ومصر ما كان هناك من الرمال، حتى عاد ماء النيل إلى بر مصر، واستمر هناك، فأنشأ جسرا عظيما ممتدا من بر مصر إلى الروضة، وجعل عرضه ثلاث قصبات. وكان كرسيه حيث المدرسة الخروبية قبلي دار النحاس، وصار أكثر مرور الناس بأنفسهم ودوابهم في المراكب؛ لأن الجسرين قد اجترما بحصولهما في حيز قلعة السلطان، وكان الأمراء إذا ركبوا من منازلهم يريدون الخدمة إلى السلطان بقلعة الروضة يترجلون عن خيولهم عند البر، ويمشون في طول الجسر إلى القلعة، ولا يمكن أحد من العبور عليه راكبا، سوى السلطان فقط. ولما كملت تحول إليها بأهله وحريمه، واتخذها دار ملك، وأسكن معه فيها مماليكه البحرية؛ وكانت عدتهم نحو الألف. وما برح الجسر قائما إلى أن خرب المعز أيبك قلعة الروضة بعد سنة ثمان وأربعين وستمائة، فأهمل، ثم عمره الظاهر بيبرس على المراكب، وعمله من ساحل مصر إلى الروضة، ومن الروضة إلى الجيزة، لأجل عبور العسكر عليه لما بلغه حركة الإفرنج. وقال علي بن سعيد في كتاب المغرب -وقد ذكر الروضة: هي أمام الفسطاط فيما بينها وبين مناظر الجيزة، وبها مقياس النيل، وكانت متنزها لأهل مصر، فاختارها الصالح بن كامل سرير السلطنة، وبنى فيها قلعة مسورة بسور ساطع اللون، محكم

البناء، عالي السمك، لم تر عيني أحسن منه، وفي هذه الجزيرة كان الهودج الذي بناه الآمر الخليفة لزوجته البدوية التي هام في حبها، والمختار بستان الإخشيد وقصره، وله ذكر في شعر تميم بن المعز وغيره. ولشعراء مصر في هذه الجزيرة أشعار منها قول أبي الفتح بن قادوس الدمياطي: أرى سرح الجزيرة من بعيد ... كإحداق تغازل في المغازل كأن مجرة الجوزاء خطت ... وأثبتت المنازل في المنازل وكنت أبيت بعض الليالي في الفسطاط على ساحلها، فيزدهيني ضحك البدر في وجه النيل. أما سور هذه الجزيرة الدري اللون، فلم ينفصل عن مصر حتى كمل سور هذه القلعة، وفي داخله من الدور السلطانية ما ارتفعت إليه همة بانيها، وهو من أعظم السلاطين همة في البناء، وأبصرت في هذه الجزيرة إيوانًا لجلوسه لم تر عيني مثاله، ولا يقدر ما أنفق عليه، وفيه من الكتابة بصفائح الذهب والرخام الأبنوسي والكافوري والمجزع ما يذهل الأفكار، ويستوقف الأبصار، ويفصل عما أحاط به السور أرض طويلة في بعضها حاظر حظر على أصناف الوحوش التي يتفرج فيها السلطان، وبعدها بروج يتقطع فيها مياه النيل، فينظر فيها أحسن منظر، وقد تفرجت كثيرًا في طرق هذه الجزيرة مما يلي بر القاهرة، فقطعت بها عشيات مذهبات، لا تزال لأحزان الغربة مذهبات، وإذا زاد النيل فصل ما بينها وبين الفسطاط بالكلية. وفي أيام احتراق النيل يتصل برها ببر السلطان من جهة خليج القاهرة، ويبقى موضع الجسر يكون فيه المراكب. وركبت مرة في هذا النيل أيام الزيادة مع الصاحب المحسن محيي الدين بن بندار وزير الجزيرة، وصعدنا إلى جهة الصعيد ثم انحدرنا، واستقبلنا هذه الجزيرة وأبراجها تتلألأ، والنيل قد انقسم عنها، فقلت:

تأمل لحسن الصالحية إذ بدت ... مناظرها مثل النجوم تلالا وللقلعة الغراء كالبدر طالعا ... يفرج صدر الماء عنه هلالا ووافى إليها الماء من بعد غيبة ... كما زار مشغوفا يروم وصالا وعانقها من فرط شوق لحسنها (¬1) ... فمد يمينا نحوها وشمالا ولم تزل هذه القلعة عامرة، حتى زالت دولة بني أيوب، فلما ملك السلطان الملك المعز عز الدين أيبك التركماني أول ملوك الترك بمصر، أمر بهدمها، وعمر منها مدرسته المعروفة بالمعزية في رحبة الحناء بمدينة مصر، وطمع في القلعة من له جاه، وأخذ جماعة منها عدة سقوف وشبابيك وغير ذلك، وبيع من أخشابها ورخامها أشياء جليلة، فلما صارت مملكة مصر إلى السلطان الملك الظاهر بيبرس البندقداري اهتم بعمارة قلعة الروضة، ورسم للأمير جمال الدين موسى بن يغمور أن يتولى عمارتها كما كانت. فأصلح بعض ما تهدم منها، ورتب بها الجاندارية وأعادها إلى ما كانت عليه من الحرمة، وأمر بأبراجها ففرقت على الأمراء، وأعطى برج الزاوية للأمير سيف الدين قلاوون الألفي، والبرج الذي يليه للأمير عز الدين الحلي، والبرج الثالث من برج الزاوية للأمير عز الدين أدغان، وأعطى برج الزاوية الغربي للأمير بدر الدين الشمسي، وفرقت بقية الأبراج على سائر الأمراء. ورسم أن يكون بيوت جميع الأمراء وإصطبلاتهم فيها، وسلم المفاتيح لهم. فلما تسلطن الملك المنصور قلاوون، وشرع في بناء المارستان والقبة والمدرسة المنصورية نقل من قلعة الروضة هذه ما يحتاج إليه من العمد الصوان، والعمد الرخام التي كانت قبل عمارة القلعة بالبرابي، وأخذ منها رخاما كثيرا، وأعتابا جليلة، مما كان بالبرابي وغير ذلك. ثم أخذ منها السلطان الناصر محمد بن قلاوون ما احتاج إليه ¬

(¬1) ط: "وحسنها".

من العمد الصوان في بناء الإيوان المعروف بدار العدل من قلعة الجبل، وبالجامع الجديد الناصري ظاهر مدينة مصر، وأخذ غير ذلك حتى ذهبت كأن لم تكن. قال المقريزي: وتأخر منها عقد جليل تسمية العامة القوس، كان مما يلي جانبها الغربي أدركناه باقيا إلى نحو سنة عشرين وثمانمائة، وبقي من أبراجها عدة قد انقلب كثير منها، وبنى الناس فوقها دورهم المطلة على النيل، وعادت الروضة بعد هدم القلعة منها متنزهًا، تشتمل على دور كثيرة، وبساتين عدة، وجوامع تقام بها الجمعات والأعياد، ومساجد. وفي الروضة يقول الأسعد بن مماتي: جزيرة مصر لاعدتك مسرة ... ولا زالت اللذات فيك اتصالها (¬1) فكم فيك من شمس على غصن بانة ... يميت ويحيي هجرها ووصالها مغانيك فوق النيل أضحت هوادجًا ... ومختلفات الموج فيها جمالها ومن أعجب الأشياء جنة ... ترف على أهل الضلال ظلالها وقال ظافر الحداد: انظر إلى الروضة الغراء والنيل ... واسمع بدائع تشبيهي وتمثيلي (¬2) وانظر إلى البحر مجموعا ومفترقًا ... هناك أشبه شيء بالسراويل والريح تطويه أحيانا وتنشره ... نسيمها بين تفريك وتعديل الأسعد بن مماتي في الروضة، وقد حلها السلطان الملك الكامل: جزيرة مصر، أنت أشرف موضع ... على الأرض لما حل فيك محمد وفيك علا البحران لكن كف ذا ... على الناس أندى بالعطاء وأجود وأصبحت الأغصان من فرح به ... تمايل، والأطيار فيك تغرد يرق نسيم حين سار وجدول (¬3) ... ويشدو هزاز حين يرقص أملد ¬

(¬1) ح: "فما زالت". (¬2) حلية الكميت 265. (¬3) ح: "فرق نسيم".

ذكر خليج مصر:

ذكر خليج مصر: قال المقريزي: هذا الخليج بظاهر فسطاط مصر، ويمر من غربي القاهرة، وهو خليج قديم احتفره بعض قدماء ملوك مصر، بسبب هاجر أم إسمعيل حين أسكنها إبراهيم عليه السلام بمكة، ثم تمادته الدهور والأعوام، فجدد حفره ثانيا بعض من ملك مصر من ملوك الروم بعد الإسكندر، فلما فتحت مصر على يد عمرو بن العاص، جدد حفره بإشارة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، فحفر عام الرمادة، وكان يصب في بحر القلزم كما تقدم في أول الكتاب، ولم يزل على ذلك إلى أن قام محمد بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب بالمدينة، فكتب الخليفة المنصور إلى عامله بمصر أن يطم هذا الخليج حتى لا تحمل الميرة من مصر إلى المدينة، فطم وانقطع من حينئذ اتصاله ببحر القلزم، وصار على ما هو عليه الآن. وكان هذا الخليج يقال له أولا: خليج أمير المؤمنين -يعني عمر بن الخطاب-؛ لأنه الذي أشار بتحديد حفره، ثم صار يقال له: خليج مصر؛ فلما بنيت القاهرة بجانبه من شرقيه صار يعرف بخليج القاهرة، والآن تسميه العامة بالخليج الحاكمي. وتزعم أن الحاكم احتفره، وليس بصحيح. وكان اسم الذي حفره في زمن إبراهيم عليه السلام طوطيس (¬1) ، وهو الجبار الذي أراد أخذ سارة، وجرى له معها ما جرى، ووهب لها هاجر. فلما سكنت هاجر مكة وجهت إليه تعرفه أنها بمكان جدب، فأمر بحفر نهر في شرقي مصر بسفح الجبل حتى ينتهي إلى مرفأ السفن في البحر الملح؛ فكان يحمل إليها الحنطة، وأصناف الغلات، فتنقل إلى جدة، ويحمل من هناك على المطايا، فأحيا بلد الحجاز مدة. وكان اسم الذي حفره ثانيا أرديان (¬2) قيصر، وكان عبد العزيز بن مروان بنى عليه قنطرتين في سنة تسع وستين، وكتب اسمه عليها، ثم جددهما تكين أمير مصر ¬

(¬1) في المقريزي: "طوطيس بن ماليا". (¬2) في المقريزي: "أندرومانوس".

في سنة ثماني عشرة وثلاثمائة، ثم جددهما الإخشيد في سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة، ثم عمرتا في أيام العزيز، وكان موضع هاتين القنطرتين خلف خط السبع سقايات، وهي التي كانت تفتح عند وفاء النيل في زمن الخلفاء، وكان الخليفة يركب لفتح الخليج. فلما انحسر النيل عن ساحل مصر، وربا الجرف أهملت هذه القنطرة فدثرت، وعملت قنطرة السد عند فم بحر النيل، وكان الذي أنشأها الملك الصالح أيوب في سنة بضع وأربعين وستمائة (¬1) . قال ابن عبد الظاهر: وأول من رتب حفر خليج القاهرة على الناس المأمون بن البطائحي، وجعل عليه واليًا بمفرده. ولأبي الحسن بن الساعاتي في كسر يوم الخليج: إن يوم الخليج يوم من الحسن ... بديع المرئي والمسموع كم لديه من ليث غاب صئول ... ومهاة مثل الغزال المروع وعلى السد عزة قبل ... أن تملكه ذلة المحب الخضوع كسروا جسره هناك فحاكى ... كسر قلب يتلوه فيض دموع ¬

(¬1) المقريزي 1: 114 مع تصرف.

ذكر الخليج الناصري:

ذكر الخليج الناصري: حفره الملك الناصر محمد بن قلاوون في سنة خمس وعشرين وسبعمائة، لما بنى الخانقاه بسرياقوس، فأراد إجراء الماء من النيل إليها ليرتب عليه السواقي والزراعات، وفوض أمره إلى أرغون النائب، فحفره في مدة شهرين من أول جمادى الأولى إلى سلخ جمادى الآخرة، وبنى فخر الدين ناظر الجيش عليه قنطرة، وبنى قديدار والي القاهرة قنطرة قديدار، وقناطر الأرز وقناطر الأميرية (¬1) . ¬

(¬1) انظر المقريزي 1: 115.

ذكر بركة الحبش:

ذكر بركة الحبش: قال ابن المتوج: هذه البركة مشهورة في مكانها، وقد اتصل وقفها على قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة على أنها وقف على الأشراف الأقارب والطالبيين نصفين بينهما بالسوية، النصف على الأقارب والنصف على الطالبيين، وثبت قبله عند قاضي القضاة بدر الدين يوسف السنجاري أن النصف منها وقف على الأشراف الأقارب بالاستفاضة بتاريخ ثاني عشر ربيع الآخر سنة أربعين وستمائة، وثبت قبله عند قاضي القضاة عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام بالاستفاضة أيضا أنها وقف على الأشراف، والطالبيين بتاريخ التاسع والعشرين من ربيع الآخر سنة أربعين وستمائة. وفي سنة إحدى وأربعين وسبعمائة أمر الناصر بن قلاوون بحفر خليج من النيل إلى حائط الرصد ببركة الحبش، وحفر عشر آبار كل بئر أربعون ذراعا، يركب عليها السواقي ليجري الماء منها إلى القناطر التي تحمل الماء إلى القلعة، فشق الخليج من مجرى رباط الآثار، وكان مهما عظيما، وأمر الناصر في هذه السنة بتجديد جامع راشدة، وكان قد تهدم غالبه. ظافر الحداد في بركة الحبش: تأملت نهر النيل طولا وخلفه ... من البركة الغناء شكل مقدر فكان وقد لاحت بشطيه خضرة ... وكانت وفيها الماء باق موفر غمامة شرب في جواشن خضرة ... أضيف إليها طيلسان مقور أبو الصلت أمية بن عبد العزيز الأندلسي: لله يوم ببركة الحبس ... والأفق بين الضياء والغَبَش (¬1) والنيل بين الرياح مضطرب ... كصارم في يمين مرتعش ونحن في روضة منوقة ... دبج بالنور عطفها ووُشي قد نسجتها يد الغمام لنا ... فنحن من نسجها على فُرُشِ ¬

(¬1) حلبة الكميت: 269.

البساتين والثمار ونحوها

ذكر ما قيل في الأنهار والأشجار زمن الشتاء والربيع من الأشعار: شمس الدين بن التلمساني: ولما جلا فصل الربيع محاسنًا ... وصفق ماء النهر إذ غرد القمري أتاه النسيم الرطب رقص دوحه ... فنقط وجه الماء بالذهب المصري وقال: تغنت في ذرا الأوراق ورق ... ففي الأفنان من طرب فنون وكم بسمت ثغور الزهر عجبا ... وبالأكمام قد رقصت غصون أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن فتحون المخزومي يصف نارنجة في نهر: ولقد رميت مع العشي بنظرة ... في منظر غض البشاشة يبهج نهر صقيل كالحسام بشطه ... روض لنا تفاحه يتأرج تثني معاطفه الصبا في بردة ... موشية بيد الغمامة تنسج والماء فوق صفاته نارنجة ... تطفو به وعبابه يتموج حمراء قانية الأديم كأنها ... وسط المجرة كوكب يتأجج القاضي عياض: كأنما الزرع وخاماته (¬1) ... وقد تبدت فيه أيدي الرياح كتائب تجفل مهزومة ... شقائق النعمان فيها جراح كتب القاضي شهاب الدين بن فضل الله إلى الأمير الجائي الدوادار: بلد أنت ساكن في رباها ... بلد تحسد الثريا ثراها ¬

(¬1) الخامة: الرطبة الغضة.

قد تعالت إلى السماء بسكنا ... ك، على البطاح رداها جمد الطل في الزهور فخلنا ... أنه عقد جوهر لرباها وجرى الماء في الرياض فقلنا: ... كسرت فوقه الغواني (¬1) حلاها مثلما أنت في معانيك فرد ... هي فرد البلاد في معناها يقبل الأرض، وينهي أنه لما عبر على هذه الربا المعشبة، والغدران التي كأنها صفائح فضة مذهبة، ثم مر على قرية تعرف بوسيم، تفتر من شنب زهرها عن ثغر بسيم، استحسن مرآها، ونظم في معناها، ما يعرضه على الخاطر الكريم، ليوقف المملوك توقيف عليم، أو يتجاوز عن تقصيره تجاوز حليم: لمصر فضل باهر ... لعيشها الرغد النضر (¬2) في كل سفح يلتقي ... ماء الحياة والخضر وكذلك: ما مثل مصر في زمان ربيعها ... لصفاء ماء واعتلال نسيم أقسمت ما تحوي البلاد نظيرها ... لما نظرت إلى جمال وسيم وقال: ما بين أكناف البطاح ... مسك يذر على الرياح من حيث يلقى الروض في ... أزهارها ريان ضاحي والريح في السحر البهيم ... يطير مسكي الجناح تسري فتغتبق الغصون ... بها على عين الصباح والنيل في تياره ... المنصب مهتز الصفاح وبه السفائن كالجبال ... تجول أمثال القداح ¬

(¬1) ط: "المغاني". (¬2) المقريزي 2: 2: 194.

فركبت من صهواتها ... دهماء ساكنة الجماح (¬1) حراقة تجري على ... اسم الله في الماء القراح والأفق مثل حديقة ... خضراء مزهرة النواحي تحكي المجرة بينها ... نهر تدفق في أقاح واقتادت الجوزاء لليل ... البهيم إلى الرواح فكأنه زنجية ... جذبت بأطراف الوشاح وبدا الصباح كوجه أل ... جائي المهلل لامتداحي وقال: وحديقة غنى الربا ... ب لها بتوقيع السحاب فتمايلت حتى لقد ... رقصت على صوت الرباب وقال: في نيل مصر مراكب ... تحوي بدور المواكب فكم بها الفلك في مج ... راه تسري الكواكب ابن عبد الظاهر: روض به أشياء ليست في ... سواه تؤلف فمن الهزار تهازر ... ومن القضيب تقصف ومن النسيم تلطف ... ومن الغدير تعطف نور الدين علي بن سعد الغماري الأندلسي: كأنما النهر صفحة كتبت ... أسطرها والنسيم منشئها لما أبانت عن حسن منظرها ... مالت عليه الغصون تقرؤها ¬

(¬1) ح: "الجناح".

الصلاح الصفدي: قال خلي: بالله صف أرض مصر ... وقت كتانها بوصف محقق قلت: أرض بالنيل يروى ثراها ... فلهذا الكتان نور أزرق وقال: لم لا أهيم بمصر ... وأرتضيها وأعشق (¬1) ولم ترى العين أحلى ... من مائها أن تملق ابن الواسطى: كأنما السفن بأرجائها ... وهي على الماء جريات عقارب في رفع أذنابها ... تسري على أبطن حيات ابن الساعاتي: ولقد ركبت البحر وهو كحلية ... والموج تحسبه جيادًا تركض وكأنما سلت به أمواجه ... بيضاء تذهب تارة وتفضض كل يصح إذا تصح حياته ... إلا النسيم يصح ساعة يمرض مجير الدين بن تميم: يا حسنه من جدولٍ متدفقٍ ... يلهي برونق حسنه من أبصرا ما زلت أنذره عيونًا حوله ... خوفًا عليه أن يصاب فيعثرا فأبى وزاد تماديًا في جريه ... حتى هوى من شاهقٍ فتكسرا وقال: وحديقة مالت بعا ... طف دوحها من غير سكر والنهر ساج قد غدا ... بسعادة الأغصان يجري ¬

(¬1) حلبة الكميت: 262.

وقال: لم لا أهيم إلى الرياض وحسنها ... وأظل منها تحت ظل واف والروض حياتي بثغر باسم ... والماء يلقاني بقلب صاف وقال: ونهر خالف الأهواء حتى ... غدت طوعًا له في كل أمر إذا سرقت حلى الأغصان ألقت ... إليه بها فيأخذها ويجري وقال: تأمل إلى الدولاب والنهر إذ جرى ... ودمعها بين الرياض غدير كأن نسيم الروض قد ضاع منهما ... فاصبح ذا يجري وذاك يدور ناصر الدين بن النقيب: وروضة توسوس الغصن بها ... لما هدى فيها النسيم الشمال قد جن في أرجائها جدولها ... فهو على وجه الثرى سلسال آخر: وحديقة باكرتها مطولة ... والشمس ترشف ريق أزهار الربا يتكسر الماء الزلال على الحصا ... فإذا أتى نحو الرياض تشعبا آخر: مياه بوجه الأرض تجري كأنها ... صفائح تبر قد سبكن جداولا كأن بها من شدة الجري جنة ... وقد ألبستهن الرياح سلاسلا ابن قزل: كأنما النهر إذ مر النسيم به ... والغيم يهمي وضوء البرق حين بدا رشق السهام ولمع البيض يوم وغى ... خاف الغدير سطاها فاكتسى زردا

آخر: يا حسن وجه النهر حين بدا ... والسحب تهطل فوقه هطلا فكأنه درع وقد ملأت ... أيدي الكماة عيونه نبلا الغزي: في روضة قرن النهار نجومها ... بسنا ذكاء فزادهن توقدا وانجز فوق غديرها ذيل الصبا ... سحرًا فأصبحت الصفيحة مبردا تاج الدين مظفر الذهبي: وجدول خط فيه ... سطر بكف القبول بدا عليه ارتعاش ... كذاك خط القليل (¬1) الشهاب محمود: والسرو مثل عرائس ... لفت عليهن الملاء شمرن فضل الأزر عن ... سوق خلاخلهن ماء والنهر كالمرآة تبصر وجه ... ها فيه السماء قاضي القضاة مجير الدين بن العديم: كأنما (¬2) النهر وقد حفت به ... أشجاره فصافحته الأغصن مرآة غيد قد وقفن حولها ... ينظرن فيها: أيهن أحسن! آخر: شجرات الخريف تكثر من ... غير سؤال إلى الرياح نشاطًا تتعرى من لبسها وهو تبر ... ثم تلقيه للنديم بساطا آخر: انظر إلى الروض النض ... ير فحسنه للعين قره ¬

(¬1) ح: "حظ". (¬2) ح، ط: "كأنها" تحريف.

فكأن خضرته السما ... ء ونهره فيه المجره ابن وكيع: غدير يجعد أمواهه ... هبوب الرياح ومر الصبا إذا الشمس من فوقه أشرقت ... توهمته جوشنًا مذهبا سيف الدين علي بن قزل: في يوم غيم من لذاذة جوه ... غنى الحمام وطابت الأنداء والروض بين تكبر وتواضع ... شمخ القضيب به وخر الماء آخر: أيا حسنها من روضة ضاع نشرها ... فنادت عليه في الرياض طيور ودولابها أضحى تعد ضلوعه ... لكثرة ما يبكي بها ويدور سعد الدين بن شيخ الصوفية محيي الدين بن عربي: شاهدت دولابًا له أدمع ... تكلفت اللروض بالري فاعجب له من فلك دائر ... ما فيه برج غير مائي آخر: وناعورة فارقت ... بواكي من جنسها تدور على قلبها ... وتبكي على نفسها وجيه الدين المناوي: فوارة تحسب من حسنها ... سبيكة من فضة خالصه تلهيك بالحسن فقد أصبحت ... جارية ملهية راقصه الصلاح الصفدي: النهر مولى والنسيم خديمه ... هذا كلام لست فيه أشكك

ولو لم يكن في خدمة النهر انبرى ... ما كان يصقل ثوبه ويفرك وقال: لما زها زهر الربيع بروضة ... وغدا له الفضل المبين عليه قام الحمام له خطيبا بالثنا ... وجرى الغدير فخر بين يديه مجير الدين بن تميم: تكسر الماء لما أن جرى فغدا الد ... دولاب يندبه شجوًا ويبكيه وأصبح الغصن بالأوراق ملتطمًا ... والورق فوق كراسي الدوح ترثيه وقال: والنهر مذ علق الغصون محبة ... أضحت تطيل صدوده وجفاه فنراه يجري لائمًا إقدامها ... وخريره شكوى الذي يلقاه وقال: بعث الربيع رسالة بقدومه ... للروض، فهو بقربه فرحان ولطيب ما قرأ الهزار بشدوه ... مضمونها مالت له الأغصان شمس الدين بن التلمساني: كأنما البرق خلال السما ... من فوق غيم ليس بالكابي طراز تبر في قبا أزرق ... من تحته فروة سنجاب وقال: فصل الشتا منح النواظر نضرة ... لما كسا الألوان وهي عوار لم يلبس الغبراء لين مطارف ... حتى كسا الزرقاء بيض إزار مجير الدين بن تميم: ودولاب روض كان من قبل أغصنا ... تميس فلما فرقتها يد الدهر

تذكر عهدًا بالرياض فكله ... عيون على أيام عصر الصبا تجري آخر: وناعورة قد ضاعفت بنواحها ... نواحي وأجرت (¬1) مقلتي دموعها وقد ضعفت مما تئن وقد غدت ... من الضعف والشكوى تعد ضلوعها نور الدين علي بن سعد الأندلسي: لله دولاب يفيض بسلسل ... في روضة قد أينعت أفنانًا قد طارحت فيه الحمام بشجوها ... ونحيبها فترجع الألحانا فكأنه دنف يطوف بمعهد ... يبكي ويسأل فيه عمن بانا ضاقت مجاري طرفه عن دمعه ... فتفتحت أضلاعه أجفانا ابن منير الطرابلسي في ناعورة: هي مثل الأفلاك شكلا وفعلا ... قسمت قسم جاهل بالحقوق بين عال سام يُنَكِّسه الحظ ... ويعلو بساحل مرزوق آخر: النهر مكسو غلالة فضة ... فإذا جرى سيل فثوب نضار وإذا استقام رأيت صفحة منصل ... وإذا استدار رأيت عطف سوار إبراهيم بن خفاجة الأندلسي: النهر قد رقت غلالة خصره ... وعليه من صبغ الأصيل طراز (¬2) تترقرق الأمواج فيه كأنها ... عكن الخصور تهزها الأعجاز بعضهم: إن هذا الربيع شيء عجيب ... تضحك الأرض من بكاء السماء ¬

(¬1) ط: "وأحرق". (¬2) نهاية الأرب 1: 283، ونسبه إلى أبي مروان بن أبي الخصال.

ذهب حيثما ذهبنا ودر ... حيث درنا وفضة في الفضاء ابن قلاقس: كأنما الرعد والسحاب وقد ... حلا سويًّا والبرق قد لاحا ثلاثة من عدوهم نفروا ... وقد غدا نحوهم وقد راحا فسل ذا سيفه، وبكى ... هذا، وهذا من خيفة صاحا

ذكر الرياحين والأزهار الموجودة في البلاد المصرية، وما ورد فيها من الآثار النبوية، والأشعار الأدبية والإشارات الصوفية:

ذكر الرياحين والأزهار الموجودة في البلاد المصرية، وما ورد فيها من الآثار النبوية، والأشعار الأدبية والإشارات الصوفية: ما ورد في الفاغية: وهي نور الحناء. أخرج البيهقي في شعب الإيمان عن بريدة، قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "سيد الرياحين في الدنيا والآخرة الفاغية". وأخرج البيهقي عن أنس، قال: كان أحب الرياحين إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الفاغية. ما ورد في الورد: رويت فيه أحاديث كلها موضوعة، منها حديث علي مرفوعا: "لما أسري بي إلى السماء، سقط إلى الأرض من عرقي، فنبت منه الورد، فمن أحب أن يشم رائحتي فليشم الورد". أخرجه ابن عدي في كامله. وحديث أنس مرفوعا: "الورد الأبيض خلق من عرقي ليلة المعراج، وخلق الورد الأحمر من عرق جبريل، وخلق الورد الأصفر من عرق البراق"، أخرجه ابن فارس في كتاب الريحان. والحديثان أوردهما ابن الجوزي في الموضوعات، ونص على وضع الثاني أيضا الحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر.

قال صاحب مباهج الفكر: كان الخليفة المتوكل قد حمى الورد، ومنعه من الناس كما حمى النعمان بن المنذر الشقيق واستبد به، وقال: لا يصلح للعامة، فكان لا يرى إلا في مجلسه. وكان يقول: أنا ملك السلاطين، والورد ملك الرياحين، وكل منا أولى بصاحبه. وغلى هذا أشار ابن سكرة بقوله: للورد عندي محل ... لأنه لا يمل كل الرياحين جند ... وهو الأمير الأجل إن جاء عزوا وتاهوا ... حتى إذا غاب ذلوا قال ابن البيطار في مفرداته: الورد أصناف: أحمر، وأبيض، وأصفر، وأسود. زاد غيره: وأزرق. وحكى صاحب كتاب نشوار المحاضرة، أنه رأى وردا أسود حالك السواد، له رائحة ذكية، وأنه رأى بالبصرة وردة نصفها أحمر قاني الحمرة، ونصفها الآخر أبيض ناصع البياض، والورقة التي وقع الخط فيها كأنها مقسومة بقلم (¬1) . قال صاحب مباهج الفكر: رأينا بثغر الإسكندرية الورد الأصفر كثيرا، وعددت ورق وردة، فكانت ألف ورقة. قال: وحكى لي بعض الأصحاب أنه رأى بحلب ورقة لها وجهان: أحدهما أحمر والآخر أصفر. قال: وحكى بعض الأصحاب أنه رأى آبارًا تجري إلى شجر الورد ماء مخلوطا بالنيل، فسأله فقال: إن الورد يكون أزرق بهذا العمل. قال صاحب المباهج: والظاهر من الورد الأسود، أنه احتيل عليه كذلك. وقال ¬

(¬1) نقله صاحب نهاية الأرب 11: 185، وبعده: "وفيه ماله وجهان: أحمر وأبيض، ويقال: إنه ربما وجد ورد أحد وجهي الورقة منه أحمر قانئ، والآخر أصفر".

الحافظ الذهبي في الميزان: روى قريش عن أنس عن كليب بن وائل -وكليب نكرة لا يعرف- أنه رأى بالهند ورقا في الوردة مكتوب فيه "محمد رسول الله". وروى ابن العديم في تاريخه بسنده إلى علي بن عبد الله الهاشمي الرقي، قال: دخلت الهند، فرأيت في بعض قراها وردة كبيرة طيبة الرائحة، سوداء، عليها مكتوب بخط أبيض "لا إله إلا الله محمد رسول الله، أبو بكر الصديق، عمر الفاروق". فشككت في ذلك، وقلت: إنه معمول، فعمدت إلى وردة لم تفتح، ففتحتها، فكان فيها مثل ذلك، وفي البلد منه شيء كثير، وأهل تلك القرية يعبدون الحجارة، لا يعرفون الله عز وجل. ويقال: ورد جور، ونرجس جرجان، ونيلوفر شروان، ومنثور بغداد، وزعفران قم، وشاهسبرم سمرقند (¬1) . قال أبو العلاء صاعد الأندلسي في باكورة ورد: ودونك يا سيدي وردة ... يذكرك المسك أنفاسها كعذراء أبصرها مبصر ... فغطت بأكمامها راسها آخر: وردة تحكي أمام الورد ... طليعة سابقة للجند قد ضمها في الغصن قر البرد ... ضم فم لقبلة من بعد أبو عبادة البحتري: أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكا ... من الحسن حتى كاد أن يتكلما (¬2) وقد نبه النوروز في غسق الدجى ... أوائل ورد كن بالأمس نوما (¬3) ¬

(¬1) الشاهسبرم: الريحان. (¬2) ديوانه 2: 234، نهاية الأرب 11: 189. (¬3) النوروز والنيروز -والثاني أشهر- أول يوم من السنة الشمسية، وعند الفرس يوم نزول الشمس أول الحمل.

يفتحه برد الندى فكأنما ... يبث حديثا بينهن مكتما محمد بن عبد الله بن طاهر: أما ترى شجرات الورد مظهرة ... لنا بدائع قد ركبن في قصب (¬1) كأنهن يواقيت يطيف بها ... زبرجد وسطه شذر من الذهب يقال: إنه نظم هذين البيتين من قول أزدشير بن بابك، وقد وصف الورد: وهو در أبيض، وياقوت أحمر، على كراسي زبرجد أخضر، بوسطه شذر من ذهب أصفر. الناشي: قضب الزبرجد قد حملن عقائقا ... أثمارهن قراضة العقيان (¬2) وكأن دمع القطر في أهدابه (¬3) ... دمع مرته (¬4) فواتر الأجفان محمد بن عبد الله بن طاهر: مداهن من يواقيت مركبة ... على الزبرجد في أجوافها ذهب (¬5) كأنه حين يبدو من مطالعه ... صب يقبل حبا وهو يرتقب خاف الملال إذا طالت إقامته ... فظل يظهر أحيانا ويحتجب أبو طالب الرقي: ووردة من نبات معطار ... حيت بها في لطيف أسرار (¬6) كأنها وجنة الحبيب وقد ... نقطها عاشق بدينار ¬

(¬1) نهاية الأرب 11: 189. (¬2) نهاية الأرب 11: 189، وفيه: "حملن شقاشقا". (¬3) نهاية الأرب: "وكأن قطر الطل". (¬4) ط، ح: "فرته"، والصواب ما أثبته من نهاية الأرب والأصل. (¬5) نهاية الأرب 11: 189، وقبل هذا البيت: أما ترى الورد يدعو للورود إلى ... خمر معتقة في لونها صهب (¬6) ط: "حب بها"؟

العماد الأصبهاني: قلت للورد ما لشوكك يدمي ... كل ما قد سعرت منه جراحي (¬1) قال لي: هذه الرياحين جندي ... أنا سلطانها وشوكي سلاحي في الورد الأصفر لبعضهم: رعى الله وردا غدا أصفرا ... بهيا نضيرا يحاكي النضارا (¬2) وأسقى غصونا به أثمرت ... وحملن منه شموسًا صغارا المؤيد الطغرائي: شجرات ورد أصفر تخذت ... في قلب كل متيم طربا (¬3) سبكت يد الغيم اللجين لها ... فكسته صبغا مونقا عجبا من ذا رأى من قبله شجرًا ... سقي اللجين فأثمر الذهبا (¬4) وقال: ألم تر أن جند الورد وافى ... بصفر من مطارده وخضر أتى مستلئمًا بالشوك فيه ... نصال زمرد وتراس تبر في الورد الأزرق من وصف بستان لبعضهم: وبه وارد من الورد قد ... أينع في رقة الهواء اللطيف (¬5) ¬

(¬1) نهاية الأرب 11: 190. (¬2) نهاية الأرب: 11: 194. (¬3) نهاية الأرب 11: 194، وفيه: "بعثت". (¬4) بعده في نهاية الأرب: خرطت نهود زبرجد حملت ... أجوافها من عجد لعبا فإذا الصبا فتقت كمائمها ... سحرا، وماد الغصن وانتصبا شبهتها بخريدة طرحت ... في الخصر من أثوابها لهبا (¬5) نهاية الأرب 11: 195.

شبهوه بدمعة العاشق الآ ... لف نالته جفوة من أليف فهو يحكيه زرقة ومثال ... القرص لونًا في خد ظبي تريف (¬1) ورق أزرق كزرق يواقيت ... تطلعن من لجين مشوف (¬2) في الورد الأبيض للسري الرفاء: وروض كساه الغيث إذ جاد دمعه ... مجاسد وشي من بهار ومنثور (¬3) بدا أبيض الورد الجني كأنما ... تنسم للناشي بمسك وكافور (¬4) كأن اصفرارًا منه تحت ابيضاضه ... برادة تبر في مداهن بلُّور في الورد الأسود لأبي أحمد الطراري: لله أسود ورد ظل يلحظنا ... من الرياض بإحداق اليعافير (¬5) كأنها وجنات الزنج نقطها ... كف الإمام بأنصاف الدنانير آخر: وورد أسود خلناه لما ... تنشق نشره ملك الزمان (¬6) مداهن عنبر غض وفيها ... بقايا من سحيق الزعفران علي بن الرومي يهجو الورد: يا مادح الورد لا ينفك من غلطه ... ألست تنظره في كف ملتقطه (¬7) ؟ كأنه سرم بغل حين يبرزه ... عند البراز، وباقي الروث في وسطه قال ابن المعتز يرد عليه: ¬

(¬1) في الأصول: "ينزلف"، وما أثبته من نهاية الأرب، والتريف: المترف المتنعم. (¬2) المشوف: المجلو. (¬3) نهاية الأرب 11: 193. (¬4) في الأصول: "تبسم" وما أثبته من نهاية الأرب والناشي: اسم فاعل من قولهم: "نشيت منه ريحًا طيبة". (¬5) نهاية الأرب 11: 195، ونسبها إلى مؤيد الدين الطغرائي، واليعافير: الظباء التي بلون العفر وهو التراب. (¬6) نهاية الأرب 11: 196. (¬7) نهاية الأرب 11: 192.

يا هاجي الورد لا حييت من رجل ... غلطت، والمرء قد يؤتى على غلطه هل تنبت الأرض شيئا من أزاهرها ... إذا تحلت يحاكي الوشى من نمطه أحلى وأشهر من ورد له أرج ... كأنما المسك مذرور على وسطه علي بن الرومي يفضل النرجس على الورد: أيها المحتج للور ... د بزور ومحال ذهب النرجس بالفضل ... فأنصف في المقال لا تقاس الأع ... ين النجل بأسرام البغال أبو هلال العسكري يرد عليه: أفضل الورد على النرجس ... لا أجعل الأنجم كالأشمس (¬1) ليس الذي يقعد في مجلس ... مثل الذي يمثل في مجلس علي بن سعيد المؤرخ: من فضل النرجس فهو الذي ... يرضى بحكم الورد إذ يرأس أما ترى الورد غدا قاعدًا ... وقام في خدمته النرجس والناس يشبهون عدم دوام الورد بقلة بقاء الود، ولهذا كتب أبو دلف إلى عبد الله بن طاهر يعاتبه: أرى حبكم كالورد ليس بدائم ... ولا خير فيمن لا يدوم له عهد (¬2) وودي لكم كالآس حسنًا ونضرة ... له زهرة تبقى إذا فني الورد فأجابه عبد الله بن طاهر: وشبهت ودي الورد وهو شبيهه ... هل زهرة إلا وسيدها الورد ووودك كالآس المرير مذاقه ... وليس له في القلب قبل ولا بعد ¬

(¬1) نهاية الأرب 11: 192. (¬2) نهاية الأرب 11: 192، 193.

ما ورد في النرجس:

واعتذر ديك الجن عن قلة لبث الورد فقال: للورد حسن وإشراق إذا نظرت ... إليه عين محب هاجه الطرب خلاف الملال إذا دامت إقامته ... فصار يظهر حينًا ثم يحتجب ما ورد في النرجس: روى فيه حديث موضوع، أخرجه الديلمي في مسند الفردوس، وابن الجوزي في الموضوعات بسند مسلسل بالقضاة عن علي مرفوعا: "شموا النرجس ولو في اليوم مرة، ولو في الشهر مرة، ولو السنة مرة، ولو في الدهر مرة، فإن في القلب حبة من الجنون، والجذام والبرص لا يقطعها إلا شم النرجس". قال بقراط: كل شيء يغذو الجسم والنرجس يغذو العقل. وقال جالينوس: من كان له رغيف فليجعل نصفه في النرجس، فإنه راعي الدماغ، والدماغ راعي العقل. وقال الحسن بن سهل: من أدمن شم النرجس في الشتاء أمن البرسام في الصيف. وقال بعض الأدباء: النرجس نزهة الطرف، وطرف الظرف، وغذاء الروح، ومادة الروح. وكان كسرى أنو شروان مغرمًا بالنرجس، ويقول: هو ياقوت أصفر بين در أبيض على زمرد أخضر. وقال: إني لأستحيي أن أباضع في مجلس فيه النرجس؛ لأنه أشبه شيء بالعيون الناظرة. وقال الشاعر: فإذا قضيت لنا بعين مراقب ... في الحب فليك من عيون النرجس أبو نواس: لدى نرجس غض القطاف كأنه ... إذا ما منحناه العيون عيون (¬1) ¬

(¬1) نهاية الأرب 11: 23.

مخالفة في شكلهن فصفرة (¬1) ... مكان سواد والبياض جفون ابن المعتز: كأن عيون النرجس الغض بيننا ... مداهن تبر حشوهن عقيق إذا بلهن خلت دموعها ... بكاء جفون كحلهن خلوق كشاجم: كأنما نرجسنا ... وقد تبدى من كثب (¬2) أنامل من فضة ... يحملن كأسًا من ذهب الصنوبري: أضعف قلبي النرجس المضعف ... ولا عجيب إن صبا مدنف كأنه بين رياحيننا ... أعشار آي ضمها مصحف ابن مكنسة: ونرجس إلى حدا ... ثق الربا محدق (¬3) كأنما صفرته ... على بياض يقق أعشار جزء أذهبت ... في ورق من ورق أبو بكر بن حازم: ونرجس ككئوس التبر لائحة ... من الزبرجد قد قامت بها ساق (¬4) كأنها من عيون هدبها ورق ... لهن من خالص العقيان إحداق آخر: وأحسن ما في الوجوه العيون ... وأشبه شيء بها النرجس (¬5) ¬

(¬1) نهاية الأرب: "بصفرة". (¬2) هاية الأرب 11: 230. (¬3) نهاية الأرب 11: 231. (¬4) نهاية الأرب 11: 231. (¬5) نهاية الأرب 11: 235، ونسبه إلى ابن الرومي.

يظل يلاحظ وجه الندي ... م فردًا وحيدًا فيستأنس الصنوبري: وعندنا نرجس أنيق ... تحيا بأنفاسه النفوس كأن أجفانه بدور ... كأن إحداقه شموس وقال: أرأيت أحسن من عيون النرجس ... أو من تلاحظهن وسط المجلس (¬1) در تشقق عن يواقيت على ... قصب الزبرجد فوق بسط السندس ابن الرومي: ونرجس كالثغور مبتسم ... له دموع المحدق الشاكي (¬2) أبكاه قطر الندى وأضحكه ... فهو مع القطر ضاحك باكي وقال: انظر إلى نرجس في روضة أنف ... غناء قد جمعت شتى من الزهر (¬3) كأن ياقوتة صفراء قد طبعت ... في غصنها حولها ست من الدرر آخر: أبصرت باقة نرجس ... في كف من أهواه غضه (¬4) فكأنها قضب الزبرجد ... قمعت ذهبًا وفضه ومن رسالة لضياء الدين الأثير يصف منتزها: جاء فيها في وصف النرجس: ¬

(¬1) نهاية الأرب 11: 231. (¬2) نهاية الأرب 11: 232، ونسبه إلى ابن الرومي. (¬3) نهاية الأرب 11: 232، ونسبه إلى شاعر أندلسي. (¬4) نهاية الأرب 11: 232، وفي الحاشية: "في مباهج الفكر: طاقة" وهو الصواب، فإن الباقة الحزمة من البقل. أما الطاقة فهي من الريحان.

ما ورد في البنفسج:

فمن جاني نرجس يقول: هذا صاحب القد المائس، والذي عينه عين متيقظ وجيده جيد ناعس، وهو بكر الربيع والبكر أكرم الأولاد على الوالد، وقد جعل ذا لونين اثنين؛ إذ لم يحظ غيره إلا بلون واحد. ما ورد في البنفسج: فيه أحاديث ذكرها ابن الجوزي في الموضوعات، منها حديث أبي سعيد مرفوعًا: "فضل دهن البنفسج على سائر الأدهان، كفضلي على سائر الخلق، بارد في الصيف حار في الشتاء". أخرجه ابن حبان في تاريخ الضعفاء والحاكم في تاريخ نيسابور، والديلمي في مسند الفردوس. وورد أيضا بهذا اللفظ من حديث أبي هريرة وأنس أخرجهما الخطيب البغدادي، ومن حديث علي أخرجه ابن الجوزي، وقال في الأربعة: إنها موضوعة. وأخرج أبو نعيم في الحلية من حديث الحسين بن علي مرفوعًا: "فضل دهن البنفسج على سائر الأدهان، كفضل ولد عبد المطلب على سائر قريش، وفضل البنفسج كفضل الإسلام على سائر الأديان". قال أبو نعيم: هذا حديث غريب من حديث جعفر بن محمد، لم نكتبه إلا بهذا الإسناد عن هذا الشيخ، أفادنا إياه الدارقطني، وأخرجه ابن الجوزي في الموضوعات أيضا. قال ابن وحشية: البنفسج نوعان: جبلي وبستاني، والجبلي دقيق الورق، أزرق اللون، والبستاني عريض الورق حائك اللون، ويوجد فيه الأبيض على لون الشمع، ولا يوجد إلا بمصر، ويسمى الكوفي. ومن عجيب أمره أن الإنسان إذا تغوط في مجاري الماء إليه مات وذبل، وكذا إن خرج منه ريح في مزرعته، وانه إذا دام عليه الضباب يوما أو نحوه ضعف، ومتى توالي نقصت زهرته، وصغر ورقه، وتغيرت

رائحته؛ ومن الأشياء المضادة له القصب، فإنه لا يكاد يفلح بقربه ولا ينمى، وإن وقعت صاعقة على أربعمائة ذراع منه فأقل هلك سريعا. ويفسده أيضا البرد والرعد الشديد المتتابع والسموم وريح الشمال الباردة، والمطر الكثير وماء الآبار والدخان والتراب المقبرة. ومن رسالة لأبي العلاء عطارد بن يعقوب (¬1) الخوارزمي يصف بنفسجة: سماوية اللباس، مسكية الأنفاس، واضعة رأسها على ركبتها كعاشق مهجور، تنطوي على قلب مسجور، كبقايا النقش (¬2) في بنان الكاعب، أو النقس في أصابع الكاتب، أو الكحل في الألحاظ الملاح، المراض الصحاح، الفاترات الفاتنات، المحييات القاتلات، لازوردية أربت بزرقتها على زرق اليواقيت، كأوائل النار في أطراف كبريت، أو القرص في خدود العذارى. أو عذار خلعت فيه العذارا أبو القاسم بن هذيل الأندلسي: بنفسج جمعت أوراقه فحكت ... كحلا تشرب دمعا يوم تشتيت (¬3) أو لازوردية أوفت بزرقتها ... وسط الرياض على زرق اليواقيت كأنه وضعاف القضب تحمله ... أوائل النار في أطراف كبريت آخر: بنفسج بذكي الريح مخصوص ... ما في زمانك إذ وافاك تنغيص (¬4) كأنما شعل الكبريت منظره ... أو خد أغيد بالتخميش مقروص (¬5) ¬

(¬1) نهاية الأرب 11: 229، وفيه: "عطاء بن يوسف السندي". (¬2) في الأصول: "النفس"، وصوابه من نهاية الأرب. (¬3) نهاية الأرب 11: 226، قال: "ويروى لابن المعتز". (¬4) نهاية الأرب 11: 227. (¬5) في الأصول: "التحميش"، وصوابه من نهاية الأرب.

ما قيل في النيلوفر:

آخر: ماس البنفسج في أغصانه فحكى ... زرق الفصوص على بيض القراطيس (¬1) كأنه وهبوب الريح تعطفه ... بين الحدائق أعراف الطواويس آخر في البنفسج الأبيض: كأن البنفسج فيما حكى ... لطائف أخلاقك المونقه (¬2) يلوح ومن تحت طاقاته ... فصوص من الفضة المحرقه الأمير عبد الله الميكالي: يا مهديا لي بنفسجا أرجا ... يرتاح صدري له وينشرح (¬3) بشرني عاجلا مصحفه ... بأن ضيق الأمور ينفسح مجير الدين بن تميم الحموي: عاينت ورد الروض يلطم خده ... ويقول وهو على البنفسج محنق لا تقربوه وإن تضوع نشره ... ما بينكم فهو العدو الأزرق آخر: بنفسج الروض تاه عجبا ... وقال طيبي للجو ضمخ فاقبل الزهر في احتفال ... والبان من غيظه تنفخ ما قيل في النيلوفر: قال ابن التلميذ: اسم فارسي معناه النيلي الأجنحة والنيلي الأرياش (¬4) . ¬

(¬1) نهاية الأرب 11: 227. (¬2) نهاية الأرب 11: 228. (¬3) نهاية الأرب 11: 228. (¬4) نهاية الأرب 11: 219، وقال: وربما سمي بالفارسية اسما معناه كرنب الماء.

وقال ابن وحشية: الفرس تسميه نينوفر والعرب نيلوفر، والهند نيلوفك والنبط نيلوفريا. قال ابن التلميذ: ومن عاداته أن يحول وجهه إلى الشمس إذا طلعت، فيزيد انفتاحه بزيادة علوّ الشمس، فإذا أخذت في الهبوط ابتدأ ينضم على ذلك الترتيب، حتى ينضم انضمامًا كاملا عند الغروب، ويبقى مضموما الليل كله، فإذا طلعت أخذ في انفتاح، وهذا دأبه أبدا. قال: وهو نبات قمري يزيد بزيادة القمر، وينقص بنقصانه. أبو بكر الزبيدي الأندلسي: وبركة تزهو بنيلوفر ... نسيمها يشبه ريح الحبيب (¬1) حتى إذا الليل دنا وقته ... ومالت الشمس لوقت المغيب (¬2) أطبق جفنيه على جَيْبه (¬3) ... وغاص في البركة خوف الرقيب آخر: وبركة أحيا بها ماؤها ... من زهرها كل نبات عجيب (¬4) كأن نيلوفرها عاشق ... نهاره يرقب وجه الحبيب حتى إذا الليل بدا نجمه ... وانصرف المحبوب خوف الرقيب أطبق جفنيه عسى في الكرى ... يبصر من فارقه عن قريب آخر: يا حبذا بركة نيلوفر ... قد جمعت من كل فن عجيب (¬5) ¬

(¬1) نهاية الأرب 11: 224. (¬2) نهاية الأرب: مفتح الأجفان في يومه ... حتى إذا الشمس دنت للمغيب (¬3) نهاية الأرب: حبه (¬4) نهاية الأرب 11: 221، ونسبها إلى أبي بكر الزبيدي. (¬5) نهاية الأرب 11: 222، ومطالع البدور، ونسبه إلى ابن صابر.

أزرق في أحمر في أبيض ... كقرصة في صحن خد الحبيب كأنه يعشق شمس الضحى ... فانظره في الصبح وعند المغيب إذا تجلت يتجلى لها ... حتى إذا غاب سناها يغيب (¬1) آخر: كلنا باسط اليد ... نحو نيلوفر ندى (¬2) كدبابيس عسجد ... قضبها من زبرجد آخر: انظر إلى بركة نيلوفر ... محمرة الأوراق خضراء (¬3) كأنما أزهارها أخرجت ... ألسنة النار من الماء آخر: ونيلوفر صافحته الرياح ... وعانقها الماء صفوا ورنقا (¬4) وتحمل أوراقه في الغدير ... ألسنة النار حمرًا وزرقًا آخر: صفر المداري تضمها شرف ... مفتضح عند نشرها العطر (¬5) تحملها خيزرانة ذبلت ... ذبول صب أذابه الهجر ¬

(¬1) بعده في نهاية الأرب: يرنو إليها مبصرا يومه ... ولا يحاشي نظرات الرقيب لا يبتغي وجها سوى وجهها ... فعل محب مخلص في حبيب (¬2) نهاية الأرب 11: 222، ومن غاب عنه المطرب للثعالبي 37، ونسبه إلى أبي بكر الصنوبري. (¬3) نهاية الأرب 11: 222، ومطالع البدور 1: 112، ونسبه إلى ابن حمديس. (¬4) نهاية الأرب 11: 223، وفي الأصول: "وريقا"، وصوابه من نهاية الأرب. (¬5) نهاية الأرب 11: 223، وفيها: "صفر الدراري".

البشنين:

كأنها إذ رأيت ألسنة ... أنطقها للمهيمن الشكر خناجر من خناجر نزعت ... فهي على الماء من دم حمر الطغرائي: ونيلوفر أعناقه أبدا صفر ... كأن به سكرًا وليس به سكر (¬1) إذا انفتحت أوراقه فكأنها ... وقد ظهرت ألوانها البيض والصفر أنامل صباغ صبغن بنيلة ... وراحتها بيضاء في وسطها تبر ابن الرومي: يرتاح للنيلوفر القلب الذي ... لا يستفيق من الغرام وجهده والورد أصبح في الروايح عبده ... والنرجس المسكي خادم عبده يا حسنة في بركة قد أصبحت ... محشوة مسكًا يشاب بنده مهجور حب طل يرفع رأسه ... كالمستجير بربه من صده (¬2) وكأنه إذ غاب عند مسائه ... في الماء فانحجبت نضارة قده صب تهدده الحبيب بهجره ... ظلما فغرق نفسه من وجده الوجيه بن الذروي يهجو النيلوفر: ونيلوفر أبدى لنا باطنا له ... مع الظاهر المخضر حمرة عندم فشبهته لما قصدت هجاءه ... بكاسات حجام بها لوثة الدم البشنين: قال في مباهج العبر: وإذا مر النيل بمصر ينبت في أماكن منخفضة، قد وقف فيها الماء نباتًا يشبه النيلوفر، ليست له رائحة ذكية، يسمى البشنين، يتخذ منه دهن وهو ¬

(¬1) نهاية الأرب 11: 224. (¬2) نهابة الأرب: "ضده".

ما ورد في الآس:

نوعان نوع يسمى الخريري، يشبه الرمان، وتسميه أهل مصر الجلجلان، والآخر يسمونه الغزي، وله أصل يسمى البيارون. ما ورد في الآس: أخرج ابن السني وأبو نعيم، كلاهما في الطب النبوي عن ابن عباس، قال: أهبط آدم من الجنة بثلاثة أشياء: بالآسة، وهي سيدة ريحان الدنيا، وبالسنبلة وهي سيدة طعام الدنيا، وبالعجوة وهي سيدة ثمار الدنيا. وأخرج ابن أبي حاتم في تفسيره وابن السني عن ابن عباس قال: أول شيء غرس نوح حين خرج من السفينة الآس. وأخرج ابن السكن عن عائشة، قالت: نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يستاك بعود الآس وعود الرمان، فإنهما يحركان عرق الجذام. وأخرج ابن السني عن الأوزاعي، يرفع الحديث إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه نهى عن التخلل بالآس، وقال: إنه يسقي عرق الجذام. قال في مباهج العبر: اليونان تسمى الآس مرسينا، وتسميه العامة المرسين. وقال ابن وحشية: الآس سيد الرياحين، ويعظم حتى إنه يشجر ويثمر ثمرًا قدر الحمص، وهو ثلاثة أنواع: أخضر وهو المشهور، وأصفر وهو ما فسد من ورق الأول، وأزرق ويسمى الخسرواني، وهو أن يخلط في أصوله عند الزرع ورق النيل، قال الأخيطل الأهوازي: للآس فضل بقائه ووفائه ... ودوام منظره (¬1) على الأوقات ¬

(¬1) نهاية الأرب 11: 241، وفيه: "دوام نضرته"، وبعده هناك: الجو أغبر وهو أخضر والثرى ... يبس ويبدو ناضر الورقات

ما ورد في الريحان، وهو الحبق:

قامت على أغصانه (¬1) ورقاته ... كنصول نبل جئن مؤتلفات (¬2) آخر: ومشمومة مخضرة اللون غضة ... حوت منظرا للناظرين أنيقا (¬3) إذا شمها المعشوق خلت اخضرارها ... ووجنته فيروزجًا وعقيقا ابن وكيع: خليلي ما للآس يعبق نشره ... إذا هب أنفاس الرياح العواطر (¬4) حكى لونه أصداغ ريم معذر ... وصورته آذان خيل نوافر ما ورد في الريحان، وهو الحبق: روى فيه أحاديث موضوعة، منها حديث ابن عباس مرفوعا: "نعم الريحان ينبت تحت العرش، وماؤه شفاء للعين" أخرجه العقيلي، وقال: باطل لا أصل له، وابن الجوزي في الموضوعات. وورد نحوه من حديث أنس أخرجه الخطيب البغدادي، وقال: موضوع، وابن الجوزي أيضا. وأخرج الخطيب في تالي التلخيص من حديث جابر بن عبد الله مرفوعا: "المرزنجوش مزروع حول العرش، فإذا كان في دار لم يدخلها الشيطان"، قال الخطيب: باطل. قال ابن الجوزي: وروي بسند مجهول من حديث أنس مرفوعا: "إن في الجنة بيتا سقفه من مرزنجوش". قال في مباهج العبر: العرب تطلق اسم الريحان على كل نبت له ريح طيبة. ¬

(¬1) نهاية الأرب: "قضبانه". (¬2) نهاية الأرب: "جسد مؤتلفات". (¬3) نهاية الأرب 11: 242، ونسبهما إلى أبي سعيد الأصفهاني. (¬4) نهاية الأرب 11: 242.

والحبق أنواع: منه الريحان النبطي، وهو عريض الورق، ويسمى الباذروج، وهو المعروف عند الناس المتخذ في البساتين. وحبق ترجاني، وله رائحة كرائحة الأترج، ويسمى الباذرنجبويه والباذرنبويه، واسمه بالفارسية مرمخوز، بالزاي المعجمة، وهو دقيق الورق. وحبق قرنقلي، وله رائحة كرائحة القرنفل، ويسمى الفرنحمشك بالفارسية. وحبق صعتري، له رائحة كرائحة الصعتر. وحبق كرماني، ويسمى بالفارسية الشاهسفرم، ومعناه ملك الرياحين، والعرب تسميه الضميران والضومران، وهو دقيق الورق جدا، يكاد أن يكون دون السداب. وحبق الفتى وهو المرزنجوش، والعرب تسميه العبقر، ويقال: إنه الثمام. وريحان الكافور، ويسمى بالفارسية سوسن، وشكله شكل المنثور وزهره وورقه يؤديان رائحة الكافور (¬1) . قال السري الرفاء يصف حوض ريحان: وبساط ريحان كماء زبرجد ... عبثت به أيدي النسيم فأرعدا (¬2) يشتاق القوم (¬3) الكرام فكلما ... مرض النسيم سعوا إليه عودا (¬4) أبو الفضل الميكالي: أعددت محتفلا ليوم فراغي ... روضا غدا إنسان عين الباغ (¬5) روض يروض هموم قلبي حسنه ... فيه ليوم اللهو أي مساغ (¬6) ¬

(¬1) انظر نهاية الأرب 11: 247-250 وحواشيه. (¬2) نهاية الأرب 11: 252. (¬3) نهاية الأرب: "الشرب". (¬4) نهاية الأرب: "سروا إليه". (¬5) نهاية الأرب 11: 252. والباغ: البستان فارسي معرب. (¬6) نهاية الأرب: "الكأس اللهو".

وإذا انثنت قضبان ريحان به ... حيت بمثل سلاسل الأصداغ أبو القاسم الصقلي: أنا بالريحان مفت ... ون، ولا مثل الحماحم فتأمله تجد عنذ ... رًا لصب القلب هائم غلمة الجند بخضر ... القمص في خمر العمائم الطغرائي: مراضيع من الريحان تسقى ... سقيط الطل أو در العهاد (¬1) ملابسهن خضر مسبغات (¬2) ... بأشكال تميل إلى السواد إذا ذرت عليها المسك ريح ... وجاد بفيضهن يد الغوادي تخللها الرياح فسرحتها ... صنيع المشط في اللمم الجعاد (¬3) ابن أفلح: وحماحم كأسنة ... في كل معترك قديم (¬4) أو أنجم بزغت (¬5) ... لتحرق كل شيطان رجيم أو مثل أعراف الديوك ... لدى مبارزة الخصوم أو كالشقيق تحرشت ... بفروعه أيدي النسيم أو ثاكل صبغت ثيابا (¬6) ... من دم الخد اللطيم ¬

(¬1) نهاية الأرب 11: 253. (¬2) نهاية الأرب: "مشيعات". (¬3) بعده في نهاية الأرب: جرت دهنا بها وسرت عليها ... فطاب نسيمها في كل واد (¬4) نهاية الأرب 11: 253، وفيه "كل معترك قويم". (¬5) نهاية الأرب "نزعت". (¬6) نهاية الأرب: "بنانا".

ما قيل في المنثور، وهو الخيري:

ابن وكيع: هذا الحماحم زهر ... فيه حياة النفوس كأنه حين يبدو ... برادة الآبنوس آخر: أما ترى الريحان أهدى لنا ... حمامًا منه فأحيانا تحسبه في طله والندى ... زمردا يحمل مرجانا ابن وكيع في الصعتري: صعتري أرق من أرجل النم ... ل، وأذكى من نفحة الزعفران (¬1) كسطور كسين نقطًا وشكلًا ... من يدي كاتب ظريف البنان صاعد الأندلسي في الريحان الترنجي: لم أدر قبل ترنجان مررت به ... أن الزمرد أغصان وأوراق (¬2) من طيبة سرق الأترج نكهته ... يا قوم حتى من الأشجار سراق! آخر: ذكي العرف مشكور الأيادي ... كريم عرفه يسلي الحزينا (¬3) أغار على الترنج وقد حكاه ... وزاد على اسمه ألفًا ونونًا ما قيل في المنثور، وهو الخيري: ابن وكيع: انظر إلى المنثور في ميدانه ... يدنو إلى الناظر من حيث نظر ¬

(¬1) نهاية الأرب 11: 255. (¬2) نهاية الأرب 11: 255. (¬3) نهاية الأرب 11: 255، وفيه: "كريم عرقه" بالقاف.

ما قيل في الياسمين:

كجوهر مختلف لونه ... أسلمه سلك نظام فانتثر آخر: انظر إلى المنثور ما بيننا ... وقد كساه الطل قمصانًا كأنه صاغته أيدي الحيا ... من أحمر الياقوت مرجانا (¬1) ومن خواصه أنه لا تعبق له رائحة إلا ليلًا، وفيه يقول الشاعر: ينم مع الإظلام طيب نسيمه ... ويخفي مع الإصباح كالمتستر كعاطرة ليلا لوعد محبها ... وكاتمة صبحا نسيم التعطر ما قيل في الياسمين: كتب ناصر الدين التنيسي إلى النصير الحمامي ملغزا فيه: يا من يحل اللغز في ساعة ... كلمحة من طرفة العين ما اسم إذا أنقصت من عده ... في الخط حرفًا صار اسمين فأجابه نصير: لعرض مولانا وأنفاسه ... ألغزت لي حقًّا بلامين اسم سداسي لطيف به ... نحافة تظهر للعين لكنه يغدو سمينا إذا ... أسقطت من أولاه حرفين أبو إسحاق الحصري يصف الياسمين قبل انفتاحه: خليلي هبا وانفضا عنكما الكرى ... وقوما إلى روض ونشر عبيق (¬2) فقد راح رأس الياسمين منورا ... كأقراط در قمعت بعقيق ¬

(¬1) نهاية الأرب 11: 11: 272. (¬2) نهاية الأرب 11: 237، وفيه: "وكأس رحيق".

يميل على ضعف الغصون كأنما ... له حالتا ذي غشية ومفيق (¬1) إذا الريح أدنته إلى الأرض خلته ... نسيم جنوب ضمخت بخلوق آخر: وروضة نورها يرف ... مثل عروس إذا تزف (¬2) كأنما الياسمين فيها ... أنامل ما لها أكف أبو بكر بن القوطية: وأبيض ناصع صافي الأديم ... يطلع فوق مخضر بهين كأن نواره المجني منه ... سماء قد تحلت بالنجوم آخر: كأن الياسمين الغض لما ... أدرت عليه وسط الروض عيني (¬3) سماء للزبرجد قد تبدت ... لنا فيها نجوم من لجين المعتمد بن عباد: كأنما ياسميننا الغض ... كواكب في السماء تبيض (¬4) والطرق الحمر في بواطنه ... كخد عذراء مسه عض ابن عبد الظاهر: وياسمين قد بدت ... أزهاره لمن يضف كمثل ثوب أخضر ... عليه قطن قد ندف آخر: وياسمين عبق النشر ... يزري بريح العنبر الشحري (¬5) ¬

(¬1) في الأصول: "ونفيق" تحريف. (¬2) نهاية الأرب 11: 237. (¬3) نهاية الأرب 11: 237. (¬4) نهاية الأرب 11: 237. (¬5) نهاية الأرب 11: 237. والشحري: نسبة إلى الشحر، وهو صقع على ساحل الهند من ناحية اليمن.

ما قيل في النسرين:

يلوح من فوق غصون له ... كمثل أقراط من الدر ابن الحداد الأندلسي: بعثت بالياسمين الغض مبتسما ... وحسنه فاتن للنفس والعين (¬1) بعثته منبئا عن صدق معتقدي ... فانظر تجد لفظه يأسا من المين وقال آخر: لا مرحبا بالياسمين وإن ... غدا في الروض زينا (¬2) صحفته فوجدته ... متقابلًا يأسا ومينا آخر: وياسمين إن تأملته ... حقيقة أبصرته شينا (¬3) لأنه يأس ومين ومن ... أحب قط اليأس والمينا! ما قيل في النسرين: قال ابن وحشية: الياسمين والنسرين متقاربان حتى كأنهما أخوان، وكل واحد منهما نوعان: أبيض وأصفر، ولهما شقيق آخر ورده أكبر من وردهما، يسمى جلنسرين، قال عبد الرزاق بن علي النحوي: زان حسن الحدائق النسرين ... فالحجا في رياضه مفتون (¬4) قد جرى فوقه اللجين وإلا ... فهو من ماء فضة مدهون أشبهته طلى الحسان بياضًا ... وحوته شبه القدود غصون آخر: أكرم بنسرين تذيع الصبا ... من نشره مسكا وكافورا (¬5) ¬

(¬1) نهاية الأرب 11: 239. (¬2) نهاية الأرب 11: 238. (¬3) نهاية الأرب 11: 238. (¬4) نهاية الأرب 11: 214. (¬5) نهاية الأرب 11: 214، وفيه "يذيع الصبا".

ما قيل في الأقحوان:

ما إن رأينا قط من قبله ... زبرجدًا يثمر بلورا آخر: انظر لنسرين يلوح ... على قضيب أملد (¬1) كمداهن من فضة ... فيها برادة عسجد حيتك من أيدي الغصون ... بها أكف زبرجد ما قيل في الأقحوان: مجير الدين محمد بن تميم: لا تمش في روض وفيه شقائق ... أو أقحوان غب كل غمام إن اللواحظ والخدود أجلها ... عن وطئها في الروض بالأقدام آخر: كأن نور الأقاحي ... إذ لاح غب القطر أنامل من لجين ... أكفها من تبر علي بن عباد الإسكندراني: والأقحوانة تحكي وهي ضاحكة ... عن واضح غير ظلم ولا شنب (¬2) كأنها شمسة من فضة حرست ... خوف الوقوع بمسمار من الذهب ظافر الحداد: والأقحوانة تحكي ثغر غانية ... تبسمت فيه من عجب ومن عجب (¬3) في القد والبرد والريق الشهي وطيب الر ... يح واللون والتفليج والشنب كشمسة (¬4) من لجين في زبرجدة ... قد شرفت حول مسمار من الذهب ¬

(¬1) نهاية الأرب 11: 214. (¬2) نهاية الأرب 11: 288، وفيه: "تجلى وهي ضاحكة". (¬3) نهاية الأرب 11: 289. (¬4) الشمسة: القطعة المدورة على هيئة الشمس.

ما قيل في البان:

الجمال علي بن ظافر المصري: انظر فقد أبدى الأقاح مباسمًا ... ضحكت تهلل في قدود زبرجد كفصوص در لطفت أجرامها ... قد نظمت من حول شمسة عسجد آخر: ظفرت يدي للأقحوان بزهرة ... تاهت بها في الروضة الأزهار (¬1) أبدت ذراع زبرجد وأناملًا ... من فضة في كفنها دينار ما قيل في البان: شمس الدين بن محمد التلمساني: تبسم زهر البان عن طيب نشره ... وأقبل في حسن يجل عن الوصف هلموا إليه بين قصف ولذة ... فإن غصون البان تصلح للقصف الشهاب محمود على لسان البان: إذا دغدغتني أيدي النسيم ... فملت وعندي بعض الكسل فسل كيف حال قدود الملاح ... وعن حال سمر القنا لا تسل أبو جنك الشاعر يهجو القاضي شمس الدين بن خلكان: لله بستان حللنا دوحه ... في جنة قد فتحت أبوابها (¬2) والبان تحسبه سنانيرًا رأت ... قاضي القضاة فنفشت أذنابها تاج الدين بن شقير: قد أقبل الصيف وولى الشتا ... وعن قريب نشتكي الحرا أما ترى البان بأغصانه ... قد أقلب الفرو إلى برا ¬

(¬1) نهاية الأرب 11: 290. (¬2) نهاية الأرب 11: 218، وفيه: "في لذة".

ما قيل في الشقيق:

ما قيل في الشقيق: ابن الرومي: يصوغ لنا كف الربيع حدائقا ... كعقد عقيق بين سمط لآل (¬1) وفيهن نوار الشقائق قد حكى ... خدود غوان نقطت بغوال كشاجم: فرج القلب غاية التفريج ... ابتهاجي ما بين روض بهيج (¬2) فكأن الشقيق فيه أكال ... يل عقيق على رءوس زنوج أبو العلاء السروي: جام تكون من عقيق أحمر ... ملئت قرارته بمسك أذفر خرط الربيع مثاله فأقامه ... بين الرياض على قضيب أخضر أبو بكر الصنوبري: وكأن محمر الشقيق ... إذا تصوب أو تصعد أعلام ياقوت نشرن ... على رماح من زبرجد (¬3) الخيار البلدي: انظر إلى مقل الشقيق ... تضمنت حدق السبج من فوق أغصان حسن ... وما سمجن من العوج آخر: شقيقة شق على الورد ما ... قد لبست من كثرة الصبغ (¬4) كأنها في حسنها وجنة ... يلوح فيها طرف الصدغ ¬

(¬1) نهاية الأرب 11: 282. (¬2) نهاية الأرب 11: 282. (¬3) نهاية الأرب 11: 284. (¬4) نهاية الأرب 11: 284.

في زهر النارنج، في الخشخاش، في نور الكتان:

في زهر النارنج، في الخشخاش، في نور الكتان: للقاضي الفاضل: نديمي هيا قد قضى النجم نحبه ... وهب نسيم ناعم يوقظ الفجرا وقد أزهر النارنج أزرار فضة ... تزر على الأشجار أوراقها الخضرا ابن وكيع وخشخاش كأنا منه نفري ... قميص زبرجد عن جسم در (¬1) كأقداح من البلور صينت ... بأغشية من الديباج خضر ابن وكيع: ذوائب كتان تمايل في الضحى ... على خضر أغصان من الري ميد (¬2) كأن اصفرار الزهر فوق اخضرارها ... مداهن تبر ركبت في زبرجد آخر: كأنه حين يبدو ... مداهن اللازورد (¬3) إذا السماء رأته ... تقول: هذا فرندي ابن الرومي: وحلس (¬4) من الكتان أخضر ناعم ... سقى نبته داني الرباب مطير (¬5) إذا درجت فيه الشمال تتابعت ... ذوائبه حتى يقال غدير ¬

(¬1) نهاية الأرب 11: 26. (¬2) نهاية الأرب 11: 27. (¬3) نهاية الأرب 11: 27. (¬4) نهاية الأرب 11: 27 ويريد بالحلس النبات الذي يغطي الأرض كثرة، تشبيها له بالحلس. (¬5) نهاية الأرب "الرياح". والرباب: السحاب المعلق الذي تراه كأنه دون السحاب.

ذكر الفواكه:

ذكر الفواكه: ما ورد في البطيخ: أخرج ابن عدي في الكامل عن عائشة، قال: كان أحب الفاكهة إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرطب والبطيخ. وأخرج الطبراني والحاكم في المستدرك، عن أنس، أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يأخذ الرطب بيمينه، والبطيخ بيساره، فيأكل الرطب بالبطيخ، وكان أحب الفاكهة إليه. قال في مباهج الفكر: البطيخ ثلاثة أصناف: هندي ويسمى بمصر البطيخ الأخضر وبالحجاز الحبحب، وصيني ويسمى بمصر الأصفر، وفيه يقول الشاعر: ثلاث هن في البطيخ زين ... وفي الإنسان منقصة وذله (¬1) خشونة لمسه والنقل فيه ... وصفرة لونه من غير عله (¬2) وخراساني، ويسمى بمصر العبدلي منسوب لعبد الله بن طاهر، فإنه الذي دخل به مصر، قال أبو طالب المأموني في البطيخ الهندي: ومبيضة فيها طرائق خضرة ... كما اخضر مجرى السيل من صيب المزن (¬3) كحقة عاج ضببت بزبرجد ... حوت قطع الياقوت في عصب القطن (¬4) آخر: أخ لي صادق أهدى إلينا ... كما يهدي الصديق إلى الصديق ¬

(¬1) نهاية الأرب 11: 31. (¬2) نهاية الأرب: إذا شققته يوما تراه ... بدورًا أشرقت منها أهله (¬3) نهاية الأرب 11: 32. (¬4) نهاية الأرب: "عطب القطن". والعطبة: القطعة من القطن وجمعها عطب.

قلال زبرجد فيهن شهد ... وحشو الشهد شيء كالعقيق آخر: رأيتها في كف جلابها ... وقد بدت في غاية الحسن (¬1) كسلة خضراء مختومة ... على الفصوص الحمر في القطن أبو طالب المأموني في البطيخ الأصفر: وبطيخة مسكية عسلية ... لها ثوب ديباج وعرف مدام (¬2) محققة ملء الأكف كأنها ... من الجزع كسرى لم ترض بنظام (¬3) لها حلة من جلنار وسوسن ... معمدة بالآس غب غمام تمازج فيها لون حب وعاشق ... كساه الهوى والبين ثوب سقام إذا فصلت للأكل كانت أهلة ... وإن لم تفضل فهي بدر تمام وقال: يقطع بالسكين بطيخة ضحى ... على طبق في مجلس لأن صاحبه (¬4) كبدر ببرق في سماء أهلة ... على هالة في الأفق شتى كواكبه (¬5) آخر: أتانا الغلام ببطيخة ... وسكينة أشبعوها صقالا فقطع بالبرق شمس الضحى ... وناول كل هلال هلالا (¬6) ¬

(¬1) نهاية الأرب 11: 33. (¬2) نهاية الأرب 11: 33، 34. (¬3) الجزع: نوع من الخرز اليمانى. (¬4) نهاية الأرب 11: 35، ونسبه إلى نجم الدين بن البارزي. (¬5) رواية البيت في نهاية الأرب: كشمس ببرق قد بدرا أهلة ... لدى هالة في الأفق شتى كواكبه (¬6) نهاية الأرب 11: 35.

ما ورد في الرمان:

آخر: ألا فانظروا البطيخ وهو مشقق ... وقد جاز في التشقيق كل أنيق صفاها كبلور بدت في زمرد ... مركبة فيها فصوص عقيق ما ورد في الرمان: أخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند وابن السني بسند رجاله ثقات، عن علي بن أبي طالب، قال: كلوا الرمان بشحمه، فإنه دباغ للمعدة. وأخرج الطبراني بسند صحيح، عن ابن عباس، أنه كان يأخذ الحبة من الرمان فيأكلها، فقيل له: لم تفعل هذا؟ قال: بلغني أنه ليس في الأرض رمانة إلا تلقح بحبة من حب الجنة، فلعلها هذه. قال بعضهم: رمانة صبغ الزمان أديمها ... فتبسمت في ناضر الأغصان (¬1) فكأنها في حقة من عسجد ... قد أودعت خرزًا من المرجان آخر: رمانة مثل نهد الكاعب الريم ... تزهى بشكل ولون غير مذموم (¬2) كأنها حقة من عسجد ملئت ... من اليواقيت نثرًا غير منظوم آخر: ولاح رماننا فأبهجنا ... بين صحيح وبين مفتوت (¬3) من كل مصفرة مزعفرة ... تفوق في الحسن كل منعوت كأنها حقة فإن فتحت ... فصرة من فصوص ياقوت ¬

(¬1) نهاية الأرب 11: 102. (¬2) نهاية الأرب 11: 103. (¬3) نهاية الأرب 11: 103.

في جلنارة:

آخر: طعم الوصال يصونه طعم النوى ... سبحان خالق ذا وذا من عود (¬1) فكأنها والخضر من أوراقها ... خضر الثياب على نهود الغيد آخر: خذوا صفة الرمان عني فإن لي ... لسانًا عن الأوصاف غير قصير (¬2) حقاق كأمثال العقيق تضمنت ... فصوص بلخش في غشاء حرير (¬3) في جلنارة: أبو فراس الحمداني: وجلنار مشرف ... على أعالي شجره (¬4) كأنه في أغصانه ... أحمره وأصفره (¬5) قراصنة من ذهب ... في خرق معصفره عبد الله بن المعتز: وجلنار كاحمرار الخد ... أو مثل أعراف ديوك الهند ابن وكيع: وجلنار بهي ... ضرامه يتوقد (¬6) بدا لنا في غصون ... خضر من الرمي مُيَّد (¬7) ¬

(¬1) نهاية الأرب 11: 104. (¬2) نهاية الأرب 11: 102. (¬3) البلخش: نوع من الجواهر؛ وانظر حواشي نهاية الأرب. (¬4) نهاية الأرب 11: 104. (¬5) سقط هذا البيت من ح، ط، وأثبته من الأصل ونهاية الأرب. (¬6) نهاية الأرب 11: 105. (¬7) نهاية الأرب 11: 105.

ما ورد في الموز:

يحكي فصوص عقيق ... في قبة من زبرجد آخر: كأنما الجلنار لما ... أظهره العرض للعيون أنامل كلها خضيب ... تزهي احمرارًا على الغصون ما ورد في الموز: أخرج الخطيب فيما رواه مالك عن مالك بن أنس، قال: ليس في الدنيا شيء يشبه ما في الجنة إلا الموز؛ لأن الله تعالى يقول: {أُكُلُهَا دَائِمٌ} (¬1) ، وأنت ترى الموز في الشتاء والصيف. دخل القاضي أبو بكر بن فريقة على عز الدولة بن بويه، وبين يديه طبق فيه موز، فلم يدعه إليه، فقال: ما بال الأمير لا يدعوني إلى الفوز بأكل الموز! فقال له: صفه حتى أطعمك منه، فقال: ما أصف من جرب ديباجية، فيها سبائك ذهبية، كأنما حشيت زبدًا وعسلا، أو خبيصًا مرملا، أطيب الثمر كأنه مخ الشجر، سهل المقشر، لين المكسر، عذب المطعم بين الطعوم، سلس في الحلقوم. وقال النجم بن إسرائيل: أنعته موزًا شهي المنظر ... مستحكم النضج لذيذ المخبر (¬2) كأن تحت جلده المزعفر ... لفات زبد عجنت بسكر ابن الرومي: للموز إحسان بلا ذنوب ... ليس بمعدود ولا محسوب (¬3) ¬

(¬1) سورة الرعد: 35. (¬2) نهاية الأرب 11: 108. (¬3) نهاية الأرب 11: 107.

ما ورد في النخل:

يكاد من موقعه المحبوب ... يسلمه البلع إلى القلوب البهاء زهير: يا حبذا الموز الذي أرسلته ... لقد أتانا طيب من طيب (¬1) في لونه وطعمه وريحه ... كالمسك أو كالتبر أو كالضرب وافت به أطباقه منضدًا ... كأنه مكاحل من ذهب آخر: يحكي إذا قشرته ... أنياب أفيال صغار (¬2) ذو باطن مثل الأقا ... ح، وظاهر مثل البهار (¬3) ما ورد في النخل: أخرج الشيخان عن ابن عمر؛ أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: "إن في الشجر شجرة، مثلها مثل المسلم، أخبروني ما هي"؟ فوقع الناس في شجر البوادي، ووقع في قلبي أنها النخلة، فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هي النخلة". وأخرج أبو يعلى في مسنده وابن السني عن علي، قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أكرموا عمتكم النخلة، فإنها خلقت من الطين الذي خلق منه آدم، وليس من الشجر شيء يلقح غيرها". قال في مباهج الفكر: ويقال: إن مما أكرم الله به الإسلام النخل، وأنه قدر جميع نخل الدنيا لأهل الإسلام فغلبوا على كل موضع هو فيه. وقال الدينوري في المجالسة: حدثنا محمد بن عبد العزيز، حدثنا أبي، عن محمد بن ¬

(¬1) ديوانه 7. (¬2) نهاية الأرب 11: 107، وقبله: موز حلا فكأنه ... عسل ولكن غير جار (¬3) نهاية الأرب 11: 174.

في الطلع:

يزيد بن مطير، قال: قال محمد بن إسحاق: كل نخلة على وجه الأرض فمنقولة من الحجاز، نقلها النماردة إلى المشرق، ونقلها الكنعانيون إلى الشام، ونقلها الفراعنة إلى باب أليون وأعمالها، وحملها التبابعة في مسيرهم إلى اليمن وعمان والشجر وغيرها. الحداد: روض كمخضر العذار وجدول ... نقشت عليه يد النسيم مواردا والنخل كالهيف الحسان تزينت ... فلبسن من أثمارهن قلائدا في الطلع: كأنما الطلع يحكي ... لناظري حين أقبل سلاسلا من لجين ... يضمها حق صندل في الجمار: أهدي لنا جمارة ... من لست أخشى من عذابه فكأنما هي جسمه ... لما تجرد من ثيابه في البلح الأخضر: أما ترى النخل نثرت بلحًا ... جاء بشيرا بدولة الرطب (¬1) كأنه والعيون تنظره ... مقمعات الرءوس بالذهب (¬2) مكاحل من زبرجد خرطت ... مقمعات الرءوس بالذهب في الأصفر: أما ترى البسر الذي ... قد جاءنا بالعجب (¬3) ¬

(¬1) نهاية الأرب 11: 127. (¬2) سقط هذا البيت من الأصول وأثبته من نهاية الأرب. (¬3) نهاية الأرب 11: 127.

في الأحمر:

كيف غدا في لونه ... كعاشق مكتئب (¬1) مكاحلًا من فضة ... قد طليت بالذهب في الأحمر: انظر إلى البسر إذ تبدى ... ولونه قد حكى الشقيقا (¬2) كأنما خوصه عليه ... زبرجد مثمر عقيقا ما ورد في الأترج: أخرج الشيخان عن أبي موسى الأشعري، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة طعمها طيب، وريحها طيب". وأحرج ابن السني عن أبي كبشة، قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعجبه النظر إلى الأترج والحمام الأحمر. بعضهم: كأن أترجنا النضير وقد ... زان تحياتنا مصبعه أيد من التبر أبصرت بدرا ... من جوهر فانثنت تجمعه آخر: يا حبذا أترجة ... تحدث للنفس الطرب (¬3) كأنها كافورة ... لها غشاء من ذهب الأسعد بن مماتي: لله بل للحسن أترجة ... تذكر الناس بأمر النعيم كأنها قد جمعت نفسها ... من هيبة الفاضل عبد الرحيم ¬

(¬1) ساقط هذا البيت من ح، ط. وأثبته من الأصل ونهاية الأرب. (¬2) نهاية الأرب 11: 127. (¬3) نهاية الأرب 11: 181.

ما ورد في القصب:

ابن المعتز: أترجة قد أتتك لطفًا ... لا يقبلنها وإن سررت (¬1) لا تهد (¬2) أترجة فإني ... رأيت مقلوبها "هجرت" ما ورد في القصب: أخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق من طريق الربيع بن سليمان، قال: سمعت الشافعي يقول: ثلاثة أشياء دواء للداء الذي لا دواء له، الذي أعيا الأطباء أن يداووه: العنب ولبن اللقاح، وقصب السكر؛ ولولا قصب السكر ما أقمت بمصر. بعضهم: تحكيه سمر القنا ولكن ... تراه في جسمه طلاوه وكلما زدته عذابًا ... زادك من ريقه حلاوه في الكمثرى: بعضهم: حيا بكمثراية لونها ... لون محب زائد الصفره تشبه نهد البنت إن قعدت ... وهي لها إن قلبت سره في الخوخ: بعضهم: كأنما الخوخ في دوحه ... وقد بدا أحمره العندمي ¬

(¬1) نهاية الأرب 11: 183. (¬2) نهاية الأرب: "لا تهد".

ما ورد في التين:

بنادق من ذهب أصفر ... قد خضبت أنصافها بالدم ما ورد في التين: أخرج ابن السني والديلمي في مسند الفردوس، عن أبي ذر، قال: أهدي إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طبق من تين، فقال لأصحابه: $"كلوا، فلو قلت: إن فاكهة نزلت من الجنة بلا عجم لقلت: هي التين، وإنه يذهب بالبواسير، وينفع من النقرس". كشاجم: أهلًا بتين جاءنا ... منضدا على طبق (¬1) يحكي الصباح بعضه ... وبعضه يحكي الغسق (¬2) كسفرة مضمومة ... قد جمعت بلا حلق ابن المعتز: أنعم بتين طاب طعمًا واكتسى ... حسنا، وقارب منظرا من مخبر (¬3) في برد ثلج، في قفا تبر، وفي ... ريح العبير وطيب طعم السكر يحكي إذا ما صب في أطباقه ... خيمًا ضربن من الحرير الأخضر في اللوز الأخضر: ابن المعتز: ثلاثة أثواب على جسد رطب ... مخالفة الأشكال من صنعة الرب (¬4) تقيه الردى في ليله ونهاره ... وإن كان كالمسجون فيها بلا ذنب ¬

(¬1) نهاية الأرب: 11: 159. (¬2) ساقط من ط، ح. (¬3) نهاية الأرب 11: 159، 160. (¬4) نهاية الأرب 11: 88.

ما قيل في المشمش:

آخر: أما ترى اللوز حين ترجله ... من الأفانين كف مقتطف (¬1) وقشره قد جلا القلوب لنا ... كأنه الدر داخل الصدف ظافر الحداد: جاء بلوز أخضر ... أصفره ملء اليد (¬2) كأنما زئبره ... نبت عذار الأمرد كأنما قلوبه ... من توأم ومفرد جواهر لكنما الأ ... صداف من زبرجد البدر الذهبي: ما نظرت مقلتي عجيبا ... كاللوز لما بدا نواره اشتعل الرأس منه شيبا ... واخضر من بعد ذا عذاره ما قيل في المشمش: محيي الدين بن عبد الظاهر: حبذا مشمش على الدوح أضحى ... ذا شعاع يستوقف الأبصارا شجر أخضر لنا جعل ... الله تعالى منه كما قال نارا وقال: وكان ضوء الشمس من أوراقها ... في نقش أسوقة الغصون خلاخل وكأن مشمشها بصوت هزارها ... إذ حركته به النسيم جلاجل ¬

(¬1) نهاية الأرب 11: 88، وترجله، أي تنزله. (¬2) نهاية الأرب 11: 88.

ما قيل في النبق:

آخر: ومشمش جاءنا من أعجب العجب ... أشهى إلي من اللذات والطرب (¬1) كأنه وهبوب الريح تنثره ... بنادق خرطت من خالص الذهب ما قيل في النبق: ابن الجيلي: انظر إلى النبق في الأغصان منتظمًا ... والشمس قد أخذت تجلوه في القضب كأن صفرته للناظرين غدت ... تحكي جلاجل قد صيغت من الذهب آخر: وسدرة كل يوم ... من حسنها في فنون (¬2) كأنما النبق فيها ... وقد بدا للعيون جلاجل من نضار ... قد علقت في الغصون ¬

(¬1) نهاية الأرب 11: 141. (¬2) نهاية الأرب 11: 144.

ذكر الحبوب والخضروات والبقول

ذكر الحبوب والخضروات والبقول في سنابل البر والشعير: القاضي عياض: انظر إلى الزرع وخاماته ... تحكي وقد ماست أمام الرياح (¬1) كتيبة تجفل مهزومة ... شقائق النعمان فيها جراح آخر: يا حبذا سنبلة ... تبدو العين المبصر (¬2) كأنها سلسلة ... مضفورة من عنبر ظافر الحداد: كأن سنابل حب الحصيد ... وقد شارفت وقت إبانها (¬3) كنائس مضفورة ربعت ... وأرخي فاضل خيطانها ابن رافع القيرواني: انظر إلى سنبل الزروع وقد ... مرت عليه الجنوب والشمل (¬4) كأنه البحر في تموجه ... يعلو مرارا، ومرة يسفل (¬5) والماء للسقي في جوانبه ... المسك للناظرين أو صندل في الباقلا: قال بعض الشعراء وهو ابن لنكك (¬6) البصري: فصوص زبرجد في غلف در ... بأقمع حكت تقليم ظفر (¬7) ¬

(¬1) نهاية الأرب 11: 16. (¬2) نهاية الأرب 11: 17. (¬3) نهاية الأرب 11: 16. (¬4) نهاية الأرب 11: 16، والشمل ريح الشمال. (¬5) نهاية الأرب: "مرارا به ويستفل". (¬6) في الأصول: "نيكل" تحريف. (¬7) نهاية الأرب 11: 20، ونسبه إلى الصنوبري.

في القثاء:

وقد حاك الربيع لها ثيابًا ... لها لونان من بيض وخضر آخر: لي نحو ورد الباقلا ... إدمان لهو ولهج (¬1) كأنما مبيضه ... يلوح في ذاك الدعج خواتم من فضة ... فيها فصوص من سبج (¬2) ابن وكيع: ولاح ورد الباقلاء ناظرا ... عن مقلة تفتح جفنًا عن حور كمثل ألحاظ اليعافير إذا ... روعها من قانص فرط الحدر كأنها مداهن من فضة ... مجلوة فيها من المسك أثر كأنها سوالف من خرد ... قد زينت سوادها سود الطرر في القثاء: عبد الرحيم بن رافع القيرواني: أحبب بقثاء أتانا من ... فوق أطباق منضد (¬3) كمضارب قد حدرت ... أجرامهن من الزبرجد نعم الدواء إذا الهوا ... ء من الهواجر قد توقد (¬4) ابن المعتز: انظر إليه أنابيبًا منضدة ... من الزبرجد خضرا ما لها ورق إذا قلبت اسمه بانت حلاوته ... وكان معكوسه إني بكم أثق ¬

(¬1) نهاية الأرب 11: 22. (¬2) السبح: خرز أسود. (¬3) نهاية الأرب 11: 38. (¬4) نهاية الأرب 11: 41.

في الخيار:

في الخيار: لبعضهم: خيار حين تنسبه لبيت ... كريحان السرور به اخضرار كأن نسيمه أنفاس حب ... فليس لمغرم عنه اصطبار في الفقوس: بعضهم: شبهت حين بدا الفقوس مبتهجًا ... على الرياض بحب فيه مأسور مخازن من لجين لف ظاهرها ... بسندس حشوه حبات كافور في القرع: لعبد الرحيم بن نافع: وقرع تبدى للعيون كأنه ... خراطيم أفيال لطخن بزنجار مررنا فعايناه بين مزارع ... فأعجب منها حسنه كل نظار في الباذنجان: لبعضهم: أهدت لنا الأرض من عجائبها ... ما سوف يزهو بمثله وقتي (¬1) إذا أجاد الذي يشبهه ... وأحكم الوصف منه في النعت قال كرات الأديم قد حشيت ... بسمسم قمعت بكيمخت (¬2) ¬

(¬1) نهاية الأرب 11: 44. (¬2) الكيمخت: ضرب من الجلود المدبوغة يتخذ من ظهور الخيل والحمير.

في السلجم:

آخر: ومستحسن عند الطعام مدحرج ... غذاه نمير الماء في كل بستان تطلع من أقماعه فكأنه ... قلوب نعاج في مخاليب عقبان آخر: وكأنما الأبذنج سود حمائم ... أوكارها روض الربيع المسكر (¬1) لقطت مناقرها الزبرجد سمسمًا ... فاستودعته حواصلًا من عنبر آخر: وباذنجانة حشيت حشاها ... صغار الدر باللبن الحليب وغشيت البنفسج واستقلت ... من الآس الرطيب على قضيب في السلجم: لابن رافع القيرواني: كأنما السلجم لما بدا ... في حسنه الرائق من غير مين (¬2) قطائع الكافور ملمومة ... لمبصريها أو كرات اللجين في الفجل: لبعضهم: لله فجل قد أتتنا به ... جارية تخجل شمس النهار كأنه في يدها إذ أتت ... به لنا غصنا بصوب العطار سبائك من فضة قد صفت ... أو مثل أنياب الفيول الصغار ¬

(¬1) نهاية الأرب 11: 45. (¬2) نهاية الأرب 11: 51.

في الجزر:

آخر: أحبب بفجل قد أتانا به ... طباخنا من بعد تقشير (¬1) منضدا في طبق خلته ... من حسنه قضبان بلور آخر: وبيضاء من حور الجنان ملكتها ... ولمت عليها صاحبي ولي العذر وما كسيت من سندس الخلد حلة ... ولا معجرًا لكن ذوائبها خضر في الجزر: لابن رافع القيرواني: انظر إلى الجزر البديع كأنه ... في حسنه قضب من المرجان (¬2) أوراقه كزبرجد في لونها ... وقلوبه صيغت من العقيان آخر: انظر إلى الجزر الذي ... يحكي لنا لهب الحريق (¬3) كمدية من سندس ... فيها نصاب من عقيق في الثوم: لابن رافع القيرواني: يا حبذا ثومة في كف جارية ... بديعة الحسن تسبي كل من نظرا (¬4) أبصرتها، وهي من عجب تقلبها ... كصرة من ديبقي حوت دررا آخر: الثوم مثل اللوز إن قشرته ... لولا روائحه وطعم مذاقه (¬5) ¬

(¬1) نهاية الأرب 11: 55. (¬2) نهاية الأرب 11: 57. (¬3) نهاية الأرب 11: 57. (¬4) نهاية الأرب 11: 61. (¬5) نهاية الأرب 11: 61.

في النمام:

كالندل غرك منظرا فإذا دعي ... لفضيلة ينمى إلى أعراقه في النمام: ابن رشيق: لم كره النمام أهل الهوى ... أساء إخواني وما أحسنوا (¬1) إن كان نماما فتنكيسه ... من غير تكذيب لهم مأمن آخر: لا بارك الله في النمام إن له ... اسما قبيحا من الأسماء مهجورا (¬2) لو لم ينم على العشاق سرهم ... ما كان فيهم بهذا الاسم مشهورا في النعناع: "بعضهم": وجاءت بنعناع كأن غصونه ... وأوراقه مخلوقة من زبرجد إذا مسه نفح الحرور رأيته ... كأصداغ زنج فلفلت من تجعد في النارنج: لبعضهم: تأملها كرات من عقيق ... يروقك في ذرا دوح وريق (¬3) صوالج من غصون ناعمات ... غذتها درة العيس الأنيق آخر: انظر إلى منظر يلهيك منظره ... بمثله في البرايا يضرب المثل (¬4) ¬

(¬1) نهاية الأرب 11: 72. (¬2) نهاية الأرب 11: 72. (¬3) نهاية الأرب 11: 111. (¬4) نهاية الأرب 11: 112.

في الليمون:

نار تلوح على الأغصان في شجر ... لا النار تطفي، ولا الأغصان تشتعل أبو الحسن الصقلي: ونارنجة بين الرياض نظرتها ... على غصن رطب كقامة أغيد (¬1) إذا ميلتها الريح مالت كأكرة ... بدت ذهبًا في صولجان زبرجد وقال: تنعم بنارنجك المجتنى ... فقد حضر السعد لما حضر (¬2) فيا مرحبًا بقدود الغصون ... ويا مرحبا بخدود الشجر كأن السماء همت بالنضا ... ر، فصاغت لنا الأرض منها أكر ابن المعتز: كأنما النارنج لما بدت ... صفرته في حمرة كاللهب (¬3) وجنة معشوق رأى عاشقا ... فاصفر ثم احمر خوف الرهب آخر: وشادن قلت له صف لنا ... بستاننا هذا ونارنجنا فقال لي: بستانكم جنة ... ومن جنى النارنج نارًا جنى في الليمون: قال ابن وحشية: الليمون والنارنج في الأصل شجر هندي: السري الرفاء: ظللته شجرات ... عطرها أطيب عطر فلك أنجمه الليمون ... من بيض وصفر ¬

(¬1) نهاية الأرب 11: 116. (¬2) نهاية الأرب 11: 112. (¬3) نهاية الأرب 11: 113، مع اختلاف في القافية.

أكر من فضة قد ... شابها تلويح تبر آخر: يا رب ليمونة حيا بها قمر ... حلو المقبل ألمى بارد الشنب (¬1) كأنها أكرة من فضة خرطت ... فاستودعوها غلافًا صيغ من ذهب آخر: أما ترى الليمون لما بدا ... يأخذ في إشراقه بالعيان (¬2) كأنه بيض دجاج وقد ... لطخها العابث بالزعفران تم كتاب حسن المحاضرة ولله الحمد ¬

(¬1) نهاية الأرب 11: 116، والشنب: الرقة والعذوبة في الأسنان. (¬2) نهاية الأرب 11: 116، مع اختلاف في القافية.

§1/1