حديث رزية يوم الخميس في الصحيحين

عبد القادر المحمدي

توطئة

توطئة إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، أما بعد: فإن لكل أمة تاريخاً يمثل مجموعة الأحداث والمواقف التي مرت بها تلك الأمة خلال الحقب الزمنية المتتالية، والتي أسهمت في البناء الحضاري لتلك الأمة. وهذه الأحداث والمواقف منها ما هو ايجابي يفتخر به الناس، ومنها ما هو سلبي يستفاد منه كدروس ينبغي الاعتبار بها، وتجنب تكرارها، فأما الأولى وهي (الايجابيات) فالتاريخ الإسلامي حافل بها، والعالم كله يعرف ما حصده تاريخ المسلمين من حسنات طيلة الحقبة الزمنية التي كان له فيها سلطان، فانتشر العلم والعلماء، وأُنصف الناس وعاشوا في رخاء وعدل، ولم يقتصر هذا الخير على المسلمين بل عمّهم وغيرهم، وكل هذا الخير انتشر من خلال المبادئ السامية المنبثقة عن العقيدة الصافية، والتضحيات الجسيمة الغالية، ولم يقتصروا في دعوتهم على السيف والرمح كما يزعم بعض دعاة الشؤم وأذنابهم، بل تعددت السبل وتنوعت الأسباب في ذلك، حتى فتح الله على يد تجار لا علاقة لهم بالسيف ولا بالقلم آذاناً صماً وقلوباً غلفاً، وأما السيف والرمح فكانا الدرع الحصين الذي يحمي بلاد المسلمين من أطماع الطامعين. فالتاريخ الإسلامي أنساني بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى، وحق لنا أن نفتخر به وتشرئب الأعناق. ورحم الله من قال: ملكنا فكان العدل منا سجية ... فلما ملكتم سالت بالدم أبطح وأما عن هاتيك السلبيات في تاريخ المسلمين والتي يجعجع بها بعض المغرضين، فالباحث اليقظ المنصف يجدها في الغالب (مفتعلة)،مسيّسة لأهداف وأغراض شتى، وهي في الحقيقة لا تتعدى عن كونها: 1 - وردت في كتب التاريخ التي لم تشترط الصحة في الروايات، لأنها عنيت بجمع الروايات حسب، كتاريخ الطبري وطبقات ابن سعد وغيرهما، فالإمام الطبري ت (310هـ) قصد جمع الروايات والأحداث التاريخية دون نقد وتفتيش، ولو أراد أن يعمد إلى نقدها لما عجز فهو ناقد بارع، وكتابه (تهذيب الآثار) شاهد على ذلك، ولو قصد نقدها على طريقة النقاد لأصبح حجمه أضعاف أضعافه، ولأفنى عمره في أوله،،وتاريخه على ما فيه إلا أنه عمل كبير، فجزاه الله خيراً على هذا الجهد العظيم الذي تفطن له في وقت مبكر، ولولا هذا العمل لفاتت علينا روايات كثيرة، وقد تضمن كتابه روايات صحيحة وهي كثيرة، وفيه أيضاً من القصص الباطلة والأحداث المنكرة التي يشهد القلب ببطلانها.

2 - أنها وردت في كتب اختصرت تلك الكتب، إذ إنّ تاريخ الطبري -مثلاً- مصدر كل المؤرخين، فتجد الحادثة الواحدة تتكرر في أكثر من مصدر فيظن من لا يحسن البحث أنها تقوية للرواية والأمر ليس هكذا. 3 - قد ترد في مصادر باطلة غير موثقة عند أهل العلم، كمروج الذهب للمسعودي، ومقاتل الطالبيين، والأغاني لأبي فرج الأصفهاني ففيهما أوابد وطامات. 4 - قد تأتي حادثة ما بروايات عديدة، وبألفاظ مختلفة وفي كتب شتى، فتلفق الروايات الصحيحة بغيرها، وتدلس ألفاظ بعضها ببعض إما بقصد من رجل مبتدع مريض، أو لهوى سياسي وهكذا. أو بغير قصد فيقع في مثله عالم نحرير يخطئ في نسبتها أو تتداخل عليه الألفاظ، كما وقع للإمام الناقد المحقق شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في نسبة قول (أهجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) إلى عمر - رضي الله عنه - (¬1)،والصحيح أنها لم تأت من طريق صحيح عنه ولم يذكرها أحد من رواة الأثر بسند معتبر. وما أظنها إلا سبق قلم- كما يقال-،والعصمة لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -. 5 - وقد يأتي اسم أو كنية لرجل كذاب أو مبتدع موافقاً لإمام معتبر عند أهل العلم مشهور به، فيُنسب إليه قول مستنكر يظنه بعض الناس ممن لا يميزه أنه قول لذاك الإمام، فمن أمثلة ذلك: السدي: فهناك السدي الكبير (إسماعيل بن عبد الرحمن بن ابي كريمة الكوفي الأعور ت128هـ) وهذا من أئمة العلم الثقات. والآخر: السدي الصغير الكذاب الرافضي الخبيث. وكذا الطبري: فهناك الطبري الثقة الإمام المفسر المحدث: (محمد بن جرير بن يزيد بن كثير الآملي أبو جعفر الطبري ت 310هـ) صاحب المصنفات، والآخر الكذاب رافضي خبيث (محمد بن جرير بن رستم الطبري) له مؤلفات في مذهبه. ونجد اليوم كثيراً من الكذابين يدلسون على الناس بهذه الطريقة. * وقد تٍقع مثل تلك الروايات المنكرة والباطلة في كتب الرواية المسندة كذا لأسباب: 1 - إما أن يكون هدف المصنِف في مصنَفه جمع الروايات عن شيوخه التي جمعها طيلة حياته، فيصنف كتابه للناس ولا يشترط على نفسه درجة الصحة بل ولا حتى أدنى درجات القبول، فالشيخ أنما ألف كتابه ليجمع فيها حديثه ليس غير فيرتبه على طريقة المعجم كالإمام الطبراني ت (360هـ)،أو أنه خرّج الروايات فقط ولم ¬

_ (¬1) منهاج السنة 6/ 24.فلعل الشيخ رحمه الله عرض المسألة على سبيل المجادلة أي حتى لو ثبتت -وهي لا تثبت - فأجاب عنها، أو هي سبق قلم، والله أعلم.

يحكم عليها بحكم معين فينقلها على وجهها، ويترك الأمر على من بعده، وهو معذور بذلك، كما في كتاب "كنز العمال" وغيره. 2 - أو أن تكون تلك الروايات وردت في مصنفات اشترط أصحابها الصحة ولم يوفقوا إلى ذلك فأطلقوا اسم الصحيح على مصنفاتهم فظن من لا يميز أنها روايات صحيحة كالمستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري ت (405هـ) فإنه زعم أنّ رواياته على شرط صحيحي الشيخين أو أحدهما، فجاء بالقليل مما يقبل والكثير مما ينتقد حتى ملأ كتابه بالأوابد والطامات، فيأتي من لا يعرف العلم فيقول صححه الحاكم! والحق أنه باطل منكر حكم عليه أئمة الصنعة من شيوخ شيوخ الحاكم بالبطلان، ومن تتبع عرف. وكذا صحيح ابن خزيمة ت (311هـ) فهو وإن كان من النقاد والحفاظ المتقنين إلا أنه أورد في صحيحه أحاديث ضعيفة ومنكرة فيظن بعض عوام الناس أنها صحيحة لوردوها فيه. وكذا كتاب المسند الصحيح على التقاسيم والأنواع المسمى اختصاراً (صحيح ابن حبان) ت (354هـ). 4 - أو يأتي في طبعة من طبعات كتاب ما اسم الصحيح على كتاب وهذه الزيادة غلط محض وقع فيه ناسخ أو محقق، كما وقع في طبعة من طبعات جامع الإمام الترمذي ت (279هـ) ففي طبعة الشيخ أحمد محمد شاكر: (الصحيح الجامع)،وهو غلط فالإمام لم يشترط صحته، واسمه على الصحيح (الجامع)،وقد اشتهر باسم السنن، ولا ضير، المهم أنه لم يشترط الصحة -إصلاً- وفيه الصحيح والحسن والضعيف والباطل كما نص على ذلك مصنفه رحمه الله تعالى، وهو جامع معلل لمن تامله. فيأتيك جاهل أو جاحد أو حاسد أو حاقد فيتهم الأمة بالتناقض أو بتحريف الحق ونكرانه لأنهم ينكرون رواية جاءت في مثل هاتيك المصنفات (الصحيحة!) فتأمل. 5 - أو يأتي شيخ متأخر أو معاصر فيحكم باجتهاده تصحيحاً وتضعيفاً، فيخطئ في حكمه، فيصحح حديثاً منكراً - هو يراه بحسب اجتهاده صحيحاً - فيأتيك مبتدع أو جاهل ليحاكم الأمة أو يحاكم إماماً من أئمة العلم كونه يضعف حديثاً في مصنف ذلك الشيخ المتأخر أو المعاصر، كأحكام الهيثمي في مجمع الزوائد، أو السيوطي في الجامع الكبير والصغير، أو الشيخ أحمد محمد شاكر والشيخ الألباني أو الشيخ شعيب الأرنؤوط وغيرهم من المعاصرين، وكثيراً ما أجد من يفعل مثل ذلك في القنوات الفضائية اليوم، فتأمل! لهذا ولغيره من الأسباب يجب على طلبة العلم اليوم التوجه إلى التفتيش والنقد في الروايات التاريخية وإشاعة مفهوم التثبت والدليل في المعلومة التاريخية وغيرها، وضرورة تطبيق القواعد الحديثية النقدية على الروايات

التاريخية، لا سيما تلك التي يثار حولها الجدل، وكذا التزام طريقة نقد أئمة الصنعة المتقدمين في التعامل مع الروايات الحديثية، والتأني الشديد في أحكامهم على الأحاديث، فالخطب جلل. فهذه بعض أسباب تنطع بعض الجهلة بها في اتهام التاريخ الإسلامي وتعكزه على بعض الروايات المنكرة أو الألفاظ المتشابهة، أو تلفيق النصوص زيغاً في قلوبهم أو بدعة تشربت في نفوسهم أو حسداً منهم، لما سطره تاريخ المسلمين من مفاخر عظام وأحداث جسام ورموز فرائد عز التاريخ أن يأتي بمثلهم: أولئك آبائي فجئني بمثلهم ... إذا جمعتنا يا جرير وليس غريباً على أعداء الإسلام مثل ذلك، ولكن العجب في لهث بعض الجهلة والمنتحلين وراءهم! فكنا بالأمس نسمع تلك الشبه من محافل اليهود والصليبين، واليوم نسمعها من بني جلدتنا وممن يلبسون ثوب الإسلام- زوراً-،والعياذ بالله. وفي الوقت الذي يفتخر العالم كله بتاريخهم الغابر الأغبر! الذي ليس فيه إلا الدماء والقتل والظلم، ففارس اليوم تمجد كسرى ورستم، وتحتفل بيوم النار المقدسة!! والغرب يمجد الحملات الصليبية، حتى أنّ الرئيس الأمريكي "بوش" تبجح بها في غزوه لبلادنا اليوم! نجد كثيراً ممن يزعم أنه عربي مسلم يدوس العروبة بقدميه، ويشنع على الإسلام وأهله، ومصداق ذلك ما تخطه أنامله وتنطق زوراً شفتاه، فيخرج علينا بين الفينة والأخرى دعيٌ يتهم رجالاً لو لم يكونوا -بمن الله وفضله- ولم يبذلوا ما بذلوا من المهج والأرواح لكنا اليوم عبيداً في قصور كسرى وقيصر؟ يتهجم على جيل فريد عقم الزمان أن يأتي بمثلهم إلى يوم الدين، وعقمت الأرحام أن تلد كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد ... الخ رضي الله عنهم. ولكي يتحقق لهم مقصودهم وتتم لهم مآربهم راحوا يطعنون في أصح الكتب التي نقلت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فشمروا السواعد، وبذلوا أوقاتهم للطعن في صحيح الإمام البخاري ت (256هـ) وصحيح الإمام مسلم بن الحجاج ت (261هـ)،الذَين يعدهما المسلمون أصح كتابين في الدنيا بعد كتاب الله تعالى، تلقتهما الأمة بالقبول. فجاء هذا المؤتمر المبارك ليس نصرة للصحيحين فحسب، بل نصرة للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ونصرة للطائفة المنصورة التي من علاماتها اتباعها الحق وتمسكها به، رغم كيد الكائدين وانحراف المنحرفين وانبطاح المتخاذلين، وتميع الجاهلين، فهذا المؤتمر -إن شاء الله - في صحيفة من أقامه ورعاه وشارك فيه، وأعان عليه ولو بشطر كلمة، وما هو إلا دلالة على صدق وإخلاص هذين الجبلين (البخاري ومسلم) فإن الله يدافع عن الذين آمنوا فسخرنا بعد هذه القرون الغابرة لنقف مناصرين لهما ولكتابيهما، وسبحان القدوس الذي أيد البخاري بالنصرة في كل حين بعد تلك المحنة التي عاشها في زمانه! وصدق الإمام مالك رحمه الله لما قال:"ما كان لله بقي".

ومن هنا وقع اختياري على هذا العنوان الدقيق والمسألة المهمة في حديث ورد في هذين الصحيحين فأسميته:"حديث رزية يوم الخميس في الصحيحين دراسة نقدية تحليلية "،وجاء في مبحثين، أما المبحث الأول فاوردت فيه ألفاظ الحديث في الصحيين وبينت الأختلاف الواقع فيها بين طريقي سعيد بن جبير عن ابن عباس - رضي الله عنه - وطريق عبيد الله بن عبد الله عنه. وجاء في ثلاثة مطالب: أما المطلب الأول: فأوردت فيه: نص حديث ابن عباس - رضي الله عنه -. وأما المطلب الثاني فبينت فيه: الصناعة الحديثية العالية عند البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى. وذكرت المعنى العام للحديث باختصار في المطلب الثالث. وفي المبحث الثاني: بينت شبهات المبتدعة حول الحديث. وجاء في سبعة مطالب. ذكرت في المطلب الأول: مضمون الكتاب الذي هم النبي - صلى الله عليه وسلم - بكتابته. وفي المطلب الثاني: ناقشت فريتهم في قول بعض الصحابة: أهجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ ونسبتها إلى عمر - رضي الله عنه -.أما في المطلب الثالث: ناقشت قول عمر - رضي الله عنه - حسبكم كتاب الله. وفي المطلب الرابع: ناقشت زعمهم أن عمر - رضي الله عنه - أتلف حق الأمة لما منع الكتابة. وخصصت المطلب الخامس: لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (قوموا عني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني). وجاء المطلب السادس: في مناقشة وصايا النبي - صلى الله عليه وسلم - الثلاث. وأما في المطلب السابع: فوضحت قول ابن عباس - رضي الله عنه - (الرزية كل الرزية .... ). ثم ختمت البحث بأهم النتائج والتوصيات. وأخيرا فهذا جهد المقل، وبضاعة مزجاة ما لم يتقبلها الله عز وجل بمنه وفضله، وقد أفدت من كل من كتب في هذا الموضوع من العلماء والمشايخ الفضلاء السابقين والمعاصرين، فإن أصبت فالحمد لله وحده، وان أخطأت فبتقصيري وقلة بضاعتي. والحمد لله رب العالمين.

المبحث الأول ألفاظ حديث رزية يوم الخميس

المبحث الأول ألفاظ حديث رزية يوم الخميس ورد الحديث في أصح كتابين بعد كتاب الله تعالى تلقتهما الأمة المسلمة بالقبول، وكذا ورد في كتب السنة المعتمدة الأخرى كالكتب الأربعة، والموطأ للإمام مالك بن أنس رحمه الله ت (179هـ)،والمسند للإمام أحمد بن حنبل ت (241هـ) وغيرها، بألفاظ متقاربة كلها تدور حول المعاني التي جاءت في الصحيحين. وجاءت بعض الألفاظ المستنكرة في بعض المصنفات الأخرى التي لا تشترط أدنى درجات الصحة، وإنما همها جمع الروايات المتعلقة بسنة تاريخية ما، أو بحادثة ما، أو بشخصية يترجم لها في كتابه كما جاء في طبقات ابن سعد رحمه الله أو تاريخ الطبري، بل وأحيانا نجد في بعض التفاسير تجد مثل ذلك، فليس من الموضوعية العلمية ترك الروايات الصحيحة المخرجة في أبوابها والتشبث بهاتيك الروايات الضعيفة والباطلة لهوى في النفس أو تأييد لقول شاذ، وهذا من الكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم -،ومصداقه حديث المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:"من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين" (¬1). المطلب الأول نص حديث الباب. * قال البخاري باب: مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - ووفاته: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَوْمُ الْخَمِيسِ وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَجَعُهُ فَقَالَ:" ائْتُونِي أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا، فَتَنَازَعُوا وَلَا يَنْبَغِي عِنْدَ نَبِيٍّ تَنَازُعٌ فَقَالُوا: مَا شَأْنُهُ أَهَجَرَ؟ اسْتَفْهِمُوهُ فَذَهَبُوا يَرُدُّونَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: دَعُونِي فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونِي إِلَيْهِ، وَأَوْصَاهُمْ بِثَلَاثٍ قَالَ: أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ ".وَسَكَتَ عَنْ الثَّالِثَةِ أَوْ قَالَ: فَنَسِيتُهَا. أخرجه البخاري في (4431) باب مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - ووفاته وفي (3053) باب هل يستشفع إلى أهل الذمة ومعاملتهم وفي (3168) باب إخراج اليهود من جزيرة العرب. وأخرجه مسلم 3/ 1257 (1637) من طرق عن سفيان بن عيينة به (¬2). ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه 1/ 8،وغيره. (¬2) وأخرجه الحميدي (526)، وأحمد 1/ 222وأبو داود (3029)،والنَّسائي في الكبرى (5824).

المطلب الثاني براعة الأمامين في الصنعة الحديثية

* وقال البخاري في الباب نفسه: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَمَّا حُضِرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - َ وَفِي الْبَيْتِ رِجَالٌ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - هَلُمُّوا أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ غَلَبَهُ الْوَجَعُ وَعِنْدَكُمْ الْقُرْآنُ حَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْبَيْتِ وَاخْتَصَمُوا فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ قَرِّبُوا يَكْتُب لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغْوَ وَالِاخْتِلَافَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قُومُوا". قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ فَكَانَ يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ ذَلِكَ الْكِتَابَ لِاخْتِلَافِهِمْ وَلَغَطِهِمْ. أخرجه البخاري في (4432) باب مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - ووفاته، وفي (114) باب كتابة العلم، وفي (5669) و (7366) باب قول المريض قوموا عني. وأخرجه مسلم 3/ 1257 (1637) من طرق عن الزهري به (¬1). المطلب الثاني براعة الأمامين في الصنعة الحديثية. يتميز الإمامان البخاري ومسلم بالصناعة الحديثية العالية، وهي جلّية واضحة في مصنفاتهم ولاسيما في صحيحيهما، ومن يطالعهما بتأنٍ يلمس ذلك بوضوح، فالإمام البخاري رحمه الله صنف كتابه بطريقة رائعة، ولا أبالغ إذا قلت إنها سحر! ولم يسبق إليها البتة، فهو يقطع الحديث الواحد قطعاً، ويورد كل قطعة بما يناسب بابها وقد يسوق هذا الحديث بسنده المتصل في موضع ويأتي به معلقاً في باب آخر، ثم يورد الحديث تاماَ في بابه المناسب، وتجده يكرر الحديث في عدة مواضع مرة تاماً وأخرى ببعض ألفاظه حسب ما يحتاج إليه. وليس عجيباً أن يحفظ حديث ما بأسانيده المختلفة ولكنّ العجيب استحضاره لهذه الألفاظ المختلفة في أبوابها المختلفة، فتراه يأتي - مثلاً- بحديث يرويه الإمام الزهري (125هـ) ويرويه عنه (مالك وسفيان ومعمر والأوزاعي ويونس وعقيل وأبو إسحاق السبيعي) فتلامذة الزهري ليسوا على طبقة واحدة، فبعضهم أتقن من بعض لذا يقدم النقاد بعضهم على بعض حسب الإتقان فمالك بن أنس وابن عيينة يقدمان على معمر، ومعمر يقدم على الأوزاعي، واتفق أهل العلم بالاستقراء التام على أنّ البخاري ينتقي أعلى هذه المراتب، وكذا مسلم رحمهما الله تعالى. ¬

_ (¬1) وأخرجه أحمد 1/ 324 وفي 1/ 336،و"النَّسائي في الكبرى (5822 و7474).

وقد يقع مثل هذا الاختلاف في الطبقات العليا أي على الصحابي فيرويه عنه ثلاثة أو خمسة من التابعين يختلفون فيه، وقد يكون هذا الاختلاف في طبقة شيوخه كأن يقع اختلاف بين شيوخه (عبد الله بن يوسف التنيسي، وإسحاق الفروي، وعبد الله بن مسلمة القعنبي، وإسماعيل بن أبي أويس، ويحيى بن بكير، ويحيى بن قزعة، وأبي نعيم، وعبد العزيز بن عبد الله الأويسي) وغيرهم. فهؤلاء جميعاً -شيوخ البخاري- يروون عن مالك وقد يجد البخاري حديثاً يرويه خمسة منهم أو أكثر أو أقل، وهذا الحديث يروونه بأسانيد وألفاظ متفقة أو مختلفة، وقريبة أو بعيدة فيأتي الإمام البخاري فيورد طريق كل واحد منهم في بابه المناسب، وإنما تميز ما تميز به البخاري لكونه واسع الحفظ شديد الإتقان كثير الرحلة والشيوخ، جامعاً بين حفظ الحديث ونقده والفقه وقواعده، ثم مصنفاً كتابه على طريقة حديثية فقهية، مقتصراً على ما صح من حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - فبرع وأجاد، فلله دره. وأما الإمام مسلم فإنه رتب أحاديثه على ثلاث طبقات فأورد أولاً أصح الطرق ثم تبعها بالصحيح دون الصحيح ثم بالشواهد الأقل فالأقل كما نص على ذلك في مقدمته الرائعة، ويفترق عن شيخه البخاري أنه صنفه على طريقة الصناعة الحديثية العالية، فجمع بين حفظ الأحاديث ونقدها وترتيبها على أبواب الفقه الرئيسة معتمداً على أصح الروايات عنده. والذي أريده ههنا: أنّ الحديث إذا وجدته في صحيح البخاري وأردت معرفة أصح الروايات - عنده- ابحث عنها في بابها أولاً فإنه يوردها على الوجه الذي رجح عنده هناك، وأما إذا وجدت الحديث في غير بابه فأعلم أن الإمام البخاري قد يكون خرجها هناك مختصرة مقتصرة على الشاهد في الباب، ولا يجوز لك أن تحتج عليه بها في غير بابها، على أن كل هذه الروايات صحيحة ثابتة، هذه نكتة قل من يتنبه إليها من المعاصرين. والحال نفسه عند الإمام مسلم: فلا يصح أن تأتي بلفظ زائدة مخالفة في آخر حديث في الباب لتحتج به على حديث الباب، وهكذا. وكذا الحال ههنا في حديث الرزية هذا، فالحديث أخرجه الشيخان في صحيحيهما، ولكن يجب التنبه إلى ما فيه من الصنعة الحديثية: فحديث ابن عباس - رضي الله عنه - رواه عنه اثنان: 1 - سعيد بن جبير الإمام الفقيه الحجة ت (90هـ). 2 - عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الإمام الفقيه الحجة، توفي على الأرجح (95هـ). فأما طريق سعيد بن جبير: فرواه البخاري في:

* (3053) باب: (هل يستشفع إلى أهل الذمة ومعاملتهم): قال: حدثنا قبيصة حدثنا ابن عيينة عن سليمان الأحول عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: يوم الخميس وما يوم الخميس، ثم بكى حتى خضب دمعه الحصباء فقال: اشتد برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعه يوم الخميس فقال:" ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا". فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: هجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال:" دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه ". وأوصى عند موته بثلاث:" أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ". ونسيت الثالثة. وقال يعقوب بن محمد: سألت المغيرة بن عبد الرحمن عن جزيرة العرب؟ فقال: مكة والمدينة واليمامة واليمن. وقال يعقوب والعرج أول تهامة. وفي (3168) باب: (إخراج اليهود من جزيرة العرب):قال حدثنا محمد-ابن سلام - قال حدثنا ابن عيينة عن سليمان بن أبي مسلم الأحول سمع سعيد بن جبير سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقول: يوم الخميس وما يوم الخميس ثم بكى حتى بل دمعه الحصى قلت: يا ابن عباس: ما يوم الخميس؟ قال اشتد برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعه فقال:" ائتوني بكتف أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: ما له أهجر؟ استفهموه، فقال: ذروني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه، فأمرهم بثلاث: قال: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم"، والثالثة خيرٌ إما أن سكت عنها وإما أن قالها فنسيتها. قال سفيان هذا من قول سليمان. * وفي (4431) باب (باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته. وقوله تعالى {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ} الزمر30،قال: حدثنا قتيبة حدثنا سفيان عن سليمان الأحول عن سعيد بن جبير قال: قال ابن عباس: يوم الخميس وما يوم الخميس؟ اشتد برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعه فقال:" ائتوني أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا. فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: ما شأنه أهجر؟ استفهموه، فذهبوا يردون عليه فقال:" دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه ". وأوصاهم بثلاث قال:" أخرجوا المشركين من الجزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ". وسكت عن الثالثة أو قال فنسيتها. ويلاحظ في هذه الرواية التقارب في الألفاظ، إذ اتفقت على: -التنازع تقدم على قول القائل: أهجر؟ -اتفقت اثنتان منها على لفظ أهجر؟ استفهموه، خلا رواية قبيصة: هجر. -عدم ذكر عمر - رضي الله عنه -. -عدم ذكر لفظة رزية.

-ذكر الوصيتين وترك الثالثة. -جاء قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (دعوني -ذروني)،وليس (قوموا عني) وبين ذين فرق كبير. طريق عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس: أخرجه البخاري في: * (114) باب العلم: فقال: حدثنا يحيى بن سليمان قال حدثني ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال: لما اشتد بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وجعه قال: ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده. قال عمر - رضي الله عنه -:إن النبي - صلى الله عليه وسلم - غلبه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا. فاختلفوا وكثر اللغط، قال:"قوموا عني ولا ينبغي عندي التنازع"،فخرج ابن عباس - رضي الله عنه - يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين كتابه". ومما يلاحظ في هذا الطريق: -اختلاف ألفاظ طرقه اختلافاً واضحاً، والحمل فيه جزماً ليس من الزهري وإنما ممن هم دونه، فطريق سعيد بن جبير أصح لهذا أورده البخاري في أصل بابه (مرض النبي - صلى الله عليه وسلم -) وكذا مسلم كما سيأتي. - ففي الطريق الأول: أورده البخاري من طريق يونس الأيلي عن الزهري وهو مختصر في باب (كتابة العلم) بما يناسب ترجمة الباب فأراد اثبات كتابة العلم من قوله - صلى الله عليه وسلم -: (ائتوني بكتاب). لذا لا تجد فيها ذكراً للوصايا الثلاث، ولا قولهم: أهجر؟. -قدم فيها قول عمر - رضي الله عنه -: (غلبه الوجع .... ) قبل اختلاف الناس، وهو معارض بالروايات الصحيحة التي بينت أنّ عمر - رضي الله عنه - حل النزاع بتلك المقولة كما جاءت في رواية معمر عن الزهري التالية، وليس العكس، فالبخاري ههنا أوردها ولم يلتفت إلى هذا الاختلاف في المعنى لأنه لا يؤثر فسيأتي به على وجهه في بابه. -قال في آخره: (فخرج ابن عباس وهو يقول .. ) وهذا يوهم أن عبيد الله كان حاضراً تلك الحادثة وليس الأمر كذلك. * وفي (4432): (باب مرض النبي - صلى الله عليه وسلم -) قال: حدثنا علي بن عبد الله حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما حضر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي البيت رجال فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:هلموا أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده. فقال بعضهم: إنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد غلبه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله. فاختلف أهل البيت واختصموا فمنهم من يقول قربوا يكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده ومنهم من يقول غير ذلك فلما أكثروا اللغو والاختلاف قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قوموا".قال عبيد الله فكان

يقول ابن عباس: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم". -ويلاحظ في هذه الرواية،: - إن البخاري أوردها في باب مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - (وهو حديث الباب والمعتمد في روايتنا هذه) وأتى بها عقب حديث سعيد آنف الذكر متابعاً له، وفي هذا الطريق الى معمر اختلاف واضح مع بقية الفاظ حديث معمر إذ جاء فيها: -لم يذكر "يوم الخميس"بل ذكرت عبارة "الرزية" وهو في سائر طرق رواية عبيد الله عن ابن عباس - رضي الله عنه -. -ليس فيه ذكر لعمر - رضي الله عنه -،وإنما جاءت: فقال بعضهم. -فاختلف أهل البيت. -ليس في ذكر الوصايا الثلاث. وإنما جاء بها الإمام البخاري مقويا بها طريق سعيد بن جبير الأصل في الباب. * وفي (7366):باب (قول المريض قوموا عني): قال: حدثنا إبراهيم بن موسى حدثنا هشام عن معمر وحدثني عبد الله بن محمد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما حُضِرَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: هلم أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده. فقال عمر: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله. فاختلف أهل البيت فاختصموا منهم من يقول قربوا يكتب لكم النبي - صلى الله عليه وسلم - كتابا لن تضلوا بعده ومنهم من يقول ما قال عمر فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي صلى الله عليه وسلم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قوموا". قال عبيد الله: فكان ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم". وهنا يلاحظ: - ذكر فيها عمر - رضي الله عنه -. -لم تذكر الوصايا الثلاث. وإنما جاء بهذه الرواية لورد عبارة (قول المريض قوموا عني)،فاراد اثبات مشروعيتها من قوله - صلى الله عليه وسلم -:" قوموا عني"،بما يلائم عنوان الباب، لأنها في رواية سعيد بن جبير:"دوني "،ذروني".وبين ذين فرق جلي.

أما عند الإمام مسلم رحمه الله فهو على شرطه في تقديم أصح الروايات في الباب، جاء من طريق سعيد بن جبير أولاً فقال في: * 3/ 1257 (1637):حدثنا سعيد بن منصور وقتيبة بن سعيد وأبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد ... (واللفظ لسعيد) قالوا: حدثنا سفيان عن سليمان الأحول عن سعيد بن جبير قال: قال ابن عباس: يوم الخميس وما يوم الخميس؟ ثم بكى حتى بل دمعه الحصى فقلت يا ابن عباس وما يوم الخميس؟ قال اشتد برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعه فقال: ائتوني أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعدي. فتنازعوا وما ينبغي عند نبي تنازع وقالوا ما شأنه؟ أهجر؟ استفهموه، قال: دعوني فالذي أنا فيه خير أوصيكم بثلاث أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم. قال: وسكت عن الثالثة أو قال فأنسيتها. * -ثم أردفه-قال أبو إسحاق إبراهيم حدثنا الحسن بن بشر قال حدثنا سفيان بهذا الحديث. * -ثم أردفه- (1637) فقال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا وكيع عن مالك بن مغول عن طلحة بن مصرف عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: يوم الخميس وما يوم الخميس؟ ثم جعل تسيل دموعه حتى رأيت على خديه كأنها نظام اللؤلؤ، قال: قال رسول الله: ائتوني بالكتف والدواة - أو اللوح والدواة - أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا. فقالوا إنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسلم يهجر. * -ثم أردفه- (1637) فقال: وحدثني محمد بن رافع وعبد بن حميد -قال عبد أخبرنا وقال ابن رافع حدثنا عبدالرزاق - أخبرنا معمر عن الزهري عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: لما حضر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:هلم أكتب لكم كتابا لا تضلون بعده. فقال عمر - رضي الله عنه -: إنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله. فاختلف أهل البيت فاختصموا فمنهم من يقول: قربوا يكتب لكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتاباً لن تضلوا بعده ومنهم من يقول ما قال عمر - رضي الله عنه -، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قوموا. قال عبيدالله: فكان ابن عباس يقول: إنّ الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم. فتأمل في تقديمه حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس - رضي الله عنه -: من طريق أربعة من الحفاظ عن سفيان عن الأحول عن سعيد به. ثم أعقبه بإسناد -نازل - من طريق خامس (أبي اسحاق عن بشر) عن سفيان به. ثم أعقبه بطريق طلحة بن مصرف عن سعيد بن جبير به.

المطلب الثالث المعنى العام للحديث

ثم أتى بطريق عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس - رضي الله عنه - آخر الباب. ولعل تأخيره لحديث عبيد الله بسبب الاختلاف الكبير الذي وقع في ألفاظه. وهكذا يتبين دقة الإمامين وبراعتهما في الصناعة الحديثية رحمهما الله تعالى. وباختصار أقول: إن الألفاظ المعتمدة في مناقشة هذا الحديث يجب ان تكون محصورة في الحديثين الذين أخرجهما البخاري في باب مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - من طريق سعيد بن جبير وطريق عبيد الله عن ابن عباس - رضي الله عنه - بالألفاظ التي أخرجها البخاري في باب مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - أما التشبث بالطرق الأخرى في الأبواب الأخرى فليس من الإنصاف الاتكاء عليها للأسباب آنفة الذكر. وإن كنا سنناقش بعض الألفاظ في تلك الطرق من باب دفع الشبه، والله أعلم. المطلب الثالث المعنى العام للحديث. نجد من الأولى قبل البحث في تفريعات الشبه التي أثارها بعض المبتدعة حول هذه الرواية، أن نتطرق اجمالاً إلى المعنى العام للحديث باختصار، فنقول: لما اشتد الوجع بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في مرضه الذي توفى فيه - صلى الله عليه وسلم - وذلك يوم الخميس أي قبل أربعة أيام من وفاته - صلى الله عليه وسلم - وبينما كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قد ملأوا بيته - صلى الله عليه وسلم - خوفاً عليه ووجلاً، طلب النبي - صلى الله عليه وسلم - ممن حوله من الناس بصوت ضعيف فيه (بحة) إذ أرهقه المرض، وهذا عارض طبيعي يصيب الأنبياء بوصفهم بشراً، حيث مرض - صلى الله عليه وسلم - وأصيب، وأدميت قدماه، وكسرت رباعيته الشريفة، وغيرها من الأعراض الأخرى فطلب منهم - صلى الله عليه وسلم - أن يأتوه بدواة وصحيفة ليكتب لهم كتاباً لن يضل الناس بعده، فلم يفهم الناس مراده، فأعادوا عليه وكرروه، فاختلفوا فبعضهم فهم المراد وقال: آتوه بالكتاب، وبعضهم استنكره؛ لأنه لم يفهم منه ذلك، لا أنه فهمه وخالف لأن ذلك يعني مخالفة النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة يستحيل عليهم مخالفته جميعاً، لا سيما أنّ فيهم مثل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير ... الخ. فتنازع الناس واختلفوا، وهم يلحون عليه بذالك، فضج الجالسون، فقال بعض الناس ممن ليس له طول صحبة: أهجر رسول الله؟ استفهاماً، ثم قالوا: استفهموه أي اختبروه او امتحنوه أو كرروا القول عليه لنعلم أحقا يريد أم إنها آثار سكرات الموت؟ والرسول - صلى الله عليه وسلم - أتعبه المرض واشتد عليه الوجع، فأراد عمر - رضي الله عنه - حسم الخلاف وفك التنازع فوق رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال عمر - رضي الله عنه -: (غلبه الوجع حسبنا كتاب الله) والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعاني أوجاع المرض بأبي هو وأمي والناس أجمعين فقال:"دعوني فالذي أنا فيه خير".

المبحث الثاني شبهات حول الحديث

وقد أثار أصحاب البدع شبهات كثيرة حول هذا الحديث، متعكزين في ذلك على بعض الألفاظ المتشابهة في بعض طرق الحديث وسنحاول في هذا البحث عرض تلك الشبه والرد عليها إن شاء الله تعالى. المبحث الثاني شبهات حول الحديث المطلب الأول: مضمون الكتاب الذي هم النبي - صلى الله عليه وسلم - بكتابته. أما عن مضمون الكتاب الذي عزم النبي - صلى الله عليه وسلم - على كتابته للمسلمين فقد اختلف فيه على أقوال: قال الإمام النووي:" اختلف العلماء في الكتاب الذي هم النبي - صلى الله عليه وسلم - به فقيل أراد أن ينصّ على الخلافة في إنسان معين لئلا يقع نزاع وفتن، وقيل: أراد كتاباً يبين فيه مهمات الأحكام ملخصة ليرتفع النزاع فيها ويحصل الاتفاق على المنصوص عليه، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - هم بالكتاب حين ظهر له أنه مصلحة أو أوحي إليه بذلك ثم ظهر أن المصلحة تركه أو أوحي إليه بذلك ونسخ ذلك الأمر الأول وأما كلام عمر - رضي الله عنه - فقد اتفق العلماء المتكلمون في شرح الحديث على أنه من دلائل فقه عمر وفضائله ودقيق نظره لأنه خشي أن يكتب - صلى الله عليه وسلم - أمورا ربما عجزوا عنها واستحقوا العقوبة عليها لأنها منصوصة لا مجال للاجتهاد فيها فقال عمر:"حسبنا كتاب الله"، لقوله تعالى:"ما فرطنا في الكتاب من شيء"، وقوله:" اليوم أكملت لكم دينكم "،فعلم أن الله تعالى أكمل دينه فأمن الضلال على الأمة وأراد الترفيه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان عمر أفقه من ابن عباس وموافقيه" (¬1). وقال البيهقي:" وإنما أراد ما حكى سفيان بن عيينة عن أهل العلم قبله أن يكتب استخلاف أبي بكر ثم ترك كتابته اعتمادا على ما علم من تقدير الله تعالى ذلك، كما هم به في ابتداء مرضه حين قال: وارأساه، ثم بدا له أن لا يكتب وقال يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر ثم نبه أمته على خلافته باستخلافه إياه في الصلاة حين عجز عن حضورها ... " (¬2). وقال ابن حجر:" وهذا يدل على أن الذي أراد أن يكتبه لم يكن أمرا متحتماً لأنه لو كان مما أمر بتبليغه لم يكن يتركه لوقوع اختلافهم ولعاقب الله من حال بينه وبين تبليغه ولبلغه لهم لفظا كما أوصاهم بإخراج المشركين وغير ذلك" (¬3). وقد اختلف أهل العلم في مضمونه على أقوال: ¬

_ (¬1) شرح النووي 11/ 76،وينظر إكمال المعلم 5/ 379،وعمدة القاري3/ 328،وفتح الباري 1/ 209. (¬2) دلائل النبوة 7/ 144. (¬3) فتح الباري 8/ 134.

1 - أنه أراد أن ينصَّ على خلافة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -. وقد حكى هذا القول سفيان بن عيينة عن أهل العلم قبله (¬1) وإليه ذهب البيهقي (¬2) والقرطبي (¬3)،وشيخ الإسلام ابن تيمية (¬4)، والسويدي (¬5)،وذكر القاضي عياض:" أن الكتاب كان في أمر الخلافة وتعيينها من غير أن يشير إلى أبي بكر" (¬6). ويؤيده ما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه:"ادعي لي أبا بكر: أباك وأخاك حتى اكتب كتابا فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل: أنا أولى ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر" (¬7).وهذا الحديث نص في موضع النزاع، وهو من أقوى الأدلة لمن قال بتنصيص النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر - رضي الله عنه -. وأخرج البخاري ومسلم عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال:" أتت امرأة للنبي - صلى الله عليه وسلم - فأمرها أن ترجع إليه قالت: أرأيت إن جئت ولم أجدك ـ كأنها تريد الموت ـ قال - صلى الله عليه وسلم -: إن لم تجديني فأتِ أبا بكر" (¬8). على أنّ الصديق لم يدع وصية به! لما وقع الخلاف في سقيفة بني ساعدة، بل أشار عليهم بعمر أو أبي عبيدة - رضي الله عنهم -؟ 2 - أنه أراد أن يكتب بعض المسائل الفقهية المهمة التي ستطرأ على الأمة (¬9). 3 - ذهبت الشيعة الإمامية إلى أنه أراد أن يوصي لعلي - رضي الله عنه - بالخلافة من بعده. نص على ذلك كل أئمة الشيعة، وهو من أصول دينهم ومعتقدهم. ومن ذلك ما نقله الكليني عن موسى بن جعفر رحمه الله تعالى قال: "قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أليس كان أمير المؤمنين كاتب الوصية ورسول الله (ص) المملي عليه وجبرئيل والملائكة المقربون عليهم السلام؟ قال: فأطرق طويلاً ثم قال: يا أبا الحسن قد كان ما قلت؛ ولكن حين نزل برسول الله (ص) الأمر نزلت الوصية من عند الله كتاباً مسجلا ً نزل بها جبرئيل مع أمناء الله تبارك وتعالى من الملائكة فقال جبرائيل: يا محمد ¬

_ (¬1) شرح النووي 11/ 76. (¬2) دلائل النبوة 7/ 144. (¬3) المفهم 4/ 558. (¬4) منهاج السنة 23. (¬5) الصارم الحديد في عنق صاحب سلال الحديد 2/ 48. (¬6) الشفا 2/ 890. (¬7) أخرجه أحمد 6/ 144،ومسلم 7/ 110،وغيرهما. ٍ (¬8) برقم (3659). (¬9) ينظر: إكمال المعلم 5/ 379،وشرح النووي 11/ 76،وعمدة القاري3/ 328،وفتح الباري 1/ 209.

مُر بإخراج من عندك إلا وصيك ليقبضها منّا وتشهدنا بدفعك إياها إليه ضامناً لها ـ يعني علياً (ع) - وفاطمة فيما بين الستر والباب ... " (¬1). ومنه: قال سليم بن قيس الهلالي:" سمعت سلمان يقول: سمعت علياً (ع) بعد ما قال ذلك الرجل (عمر) ما قال وغضب رسول الله (ص) ودفع الكتف: ألا نسأل رسول الله (ص) عن الذي كان أراد أن يكتبه في الكتف مما لو كتبه لم يضل أحد ولم يختلف اثنان فسكت حتى إذا قام من في البيت وبقي علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وذهبنا نقوم وصاحبي أبو ذر والمقداد قال لنا علي (ع): اجلسوا. فأراد أن يسأل رسول الله (ص) ونحن نسمع فابتدأه رسول الله (ع) فقال: ((يا أخي أما سمعت ما قال عدو الله أتاني جبرئيل (ع) قبل فأخبرني أنه سامري هذه الأمة (¬2)، وأن صاحبه عجلها (¬3)،وأن الله قد قضى الفرقة والاختلاف على أمتي من بعدي فأمرني أن اكتب ذلك الكتاب الذي أردت أن أكتبه في الكتف لك وأشهد هؤلاء الثلاثة عليه أدع لي بصحيفة. فأتى بها فأملى عليه أسماء الأئمة الهداة من بعده رجلا ً رجلاً وعلي (ع) يخط بيده وقال رسول الله (ص): إني أشهدكم أن أخي ووزيري ووارثي وخليفتي على أمتي علي بن أبي طالب ثم الحسن ثم الحسين ثم من بعدهم تسعة من ولد الحسين ... " (¬4). وروى الطوسي (شيخ الطائفة) بسنده عن جعفر الصادق عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"ما قبض الله نبياً إلا أمره أن يوصي إلى أفضل عشيرته من عصبته وأمرني أن أوصي. فقلت: إلى من يا رب؟ فقال: أوص يا محمد إلى ابن عمك علي بن أبي طالب فإني قد أثبته في الكتب السالفة وكتبت فيها أنه وصيك، وعلى ذلك أخذت ميثاق الخلائق ومواثيق أنبيائي ورسلي أخذت مواثيقهم لي بالربوبية ولك يا محمد بالنبوة ولعلي بالولاية" (¬5). قلت نعم، ما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا وأوصى وصيته، فأوصى بكتاب الله تعالى، وبالصلاة، وبالنساء، وبالوصايا الثلاث في هذا الحديث وغيرها مما ثبت، وقد سئل ابن أبي أوفى عن مثل هذا السؤال، كما أخرج ابن ¬

_ (¬1) الكافي1/ 311. (¬2) يريد الفاروق عمر - رضي الله عنه -! ولا حول ولا قوة إلا بالله. (¬3) يريد أبا بكر الصدّيق! ولا حول ولا قوة إلا بالله. (¬4) كتاب سليم بن قيس الهلالي ص398،وينظر غيبة النعماني ص81. (¬5) أمالي الشيخ الطوسي 1/ 102.

حبان عن طلحة بن مصرف قال:"سئلت عبد الله بن أبي أوفى: هل أوصى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: ما ترك شيئا يوصي فيه. قيل: فكيف أمر الناس بالوصية ولم يوص؟ قال: أوصى بكتاب الله" (¬1). قال شيخ الإسلام ابن تيمية:"من جهل الرافضة أنهم يزعمون أن ذلك الكتاب كان كتابه بخلافة علي وهذا ليس في القصة ما يدل عليه بوجه من الوجوه ولا في شيء من الحديث المعروف عند أهل النقل أنه جعل عليا خليفة كما في الأحاديث الصحيحة ما يدل على خلافة أبي بكر ثم يدعون مع هذا أنه كان قد نص على خلافة علي نصا جليا قاطعا للعذر فإن كان قد فعل ذلك فقد أغنى عن الكتاب وإن كان الذين سمعوا ذلك لا يطيعونه فهم أيضا لا يطيعون الكتاب فأي فائدة لهم في الكتاب لو كان كما زعموا؟ " (¬2). وقال ابن كثير رحمه الله تعالى:"وهذا الحديث مما قد توهم به بعض الأغبياء من أهل البدع من الشيعة وغيرهم كل مدع أنه كان يريد أن يكتب في ذلك الكتاب ما يرمون إليه من مقالاتهم، وهذا هو التمسك بالمتشابه. وترك المحكم وأهل السنة يأخذون بالمحكم، ويردون ما تشابه إليه، وهذه طريقة الراسخين في العلم كما وصفهم الله عز وجل في كتابه، وهذا الموضع مما زل فيه أقدام كثير من أهل الضلالات، وأما أهل السنة فليس لهم مذهب إلا اتباع الحق يدورون معه كيفما دار، وهذا الذي كان يريد عليه الصلاة والسلام أن يكتبه قد جاء في الأحاديث الصحيحة التصريح بكشف المراد منه" (¬3).يريد خلافة أبي بكر والله أعلم. ونقول: إنّ في إثبات مثل هذه النصوص واعتقادها أموراً خطيرة للغاية قد توصل صاحبها إلى الكفر والعياذ بالله، فالوصية إن ثبتت كانت واجباً شرعياً ضرورياً لا يصح مخالفته أو تركه أو إنكاره ويكفر منكره ولازمه أنّ عامة الصحابة كفروا وارتدوا؟ وهو معارض بنصوص القرآن الكريم فقد جاء في أكثر من موضع امتداحهم والرضى عنهم، فمن ذلك: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} التوبة100،وقال: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً} الفتح18،وقال: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} الفتح29. ¬

_ (¬1) أخرجه ابن حبان (6130). (¬2) منهاج السنة 6/ 315. (¬3) البداية والنهاية 5/ 248.

ثم من المعروف أن القرآن كان ينزل لحوادث معينة أو بغيرها ولكنه في أمات القضايا وطوارئ الأمور كان ينزل في ساعته، حتى كان بعض المنافقين يحذرون من نزول آية أو سورة تكشف عورتهم، قال تعالى: {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِئُواْ إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ} التوبة64. وكان الصحابة يحذرون مثل ذلك من شدة تقواهم وورعهم فعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال:" لما أصيب حمزة بن عبد المطلب - رضي الله عنه - خرج زيد بن حارثة حتى أقدم ابنة حمزة، وقال: أنا أحق بها تكون عندي؛ تجشمت السفر، وهي ابنة أخي. وقال علي بن أبي طالب: أنا أحق بها تكون عندي، وهي ابنة عمي، وعندي ابنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقال جعفر بن أبي طالب: أنا أحق بها، لي مثل قرابتك، وعندي خالتها، والخالة والدة. فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أنا أقضي بينكم في ذلك وفي غيره ". قال علي: فتخوفت أن يكون قد نزل فينا قرآن لرفعنا أصواتنا، .... الحديث" (¬1). وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال:"كنا نتقي الكلام والانبساط إلى نسائنا على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - هيبة أن ينزل فينا شيء فلما توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - تكلمنا وانبسطنا" (¬2). ومنه أيضاً: ما رواه سلمة بن صخر الأنصاري - رضي الله عنه - قال: كنت رجلا قد أوتيت من جماع النساء ما لم يؤت غيري فلما دخل رمضان تظاهرت من امرأتي حتى ينسلخ رمضان فرقا من أن أصيب منها في ليلتي فأتتابع في ذلك إلى أن يدركني النهار وأنا لا أقدر أن أنزع فبينما هي تخدمني ذات ليلة إذ تكشف لي منها شيء فوثبت عليها فلما أصبحت غدوت على قومي فأخبرتهم خبري فقلت انطلقوا معي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بأمري فقالوا لا والله لا نفعل نتخوف أن ينزل فينا قرآن أو يقول فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقالة يبقى علينا عارها ولكن اذهب أنت فاصنع ما بدا لك .... الحديث (¬3). فتأمل مثل ذلك، وحذر الصحابة من نزول قرآن فيهم، ثم يأتي مفتر ٍ أشر يتهمهم بالنكوص وإنكار أمر شرعي وأصل من الأصول –كما يزعمون-. وهنا سؤال مهم: لماذا لم يتنزل القرآن في هذه الحادثة والنبي - صلى الله عليه وسلم - عاش بعدها أربعة أيام؟ إذن إثبات هذه الوصية معارض بالقرآن الكريم، ومعارض بقول علي - رضي الله عنه - فقد نقلوا عنه في خطبته حينما دعوه إلى البيعة بعد مقتل عثمان - رضي الله عنه - أنه قال فيها:" دعوني والتمسوا غيري، فإنا مستقبلون أمرا له وجوه وألوان، لا تقوم له ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد 1/ 98 و115،أبو داود (2280) والنسائي في الكبرى (8402) والطحاوي –واللفظ له-في شرح مشكل الآثار 7/ 107،وغيرهم. ٍوالحديث أصله في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس - رضي الله عنه -. (¬2) أخرجه البخاري (4788). (¬3) أخرجه الترمذي (3221).

القلوب، ولا تثبت عليه العقول ... إلى أن قال: وإن تركتموني فأنا كأحدكم، ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم، وأنا لكم وزير خير لكم مني أمير " (¬1). فكيف يرفض تكليفاً شرعياً، ومستحقاً له منع منه لعقود من الزمن؟ ثم ما حكمه من الناحية الشرعية؟ هل سيجر حكمهم في علي - رضي الله عنه - كما قالوا في الصحابة؟ ونقل عن علي - رضي الله عنه - أيضاً في نهج البلاغة مخاطباً طلحة والزبير:" والله ما كانت لي في الخلافة رغبة، ولا في الولاية إربة، ولكنكم دعوتموني إليها وحملتموني عليها " (¬2). فتأمل في قوله (رغبة) وقوله (دعوتموني .. حملتموني) فأين هي الوصية؟ وأورد الطبري في تاريخه أنّ علياً ارتقى في يوم الجمعة أعواد منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أول خطبة له، وقال: "أيها الناس -عن ملأٍ واُذُنٍ -إنّ هذا أمركم، ليس لأحد حق إلا أن أمرتم. وقد افترقنا في الأمس على أمر -أي على البيعة له -فإن شئتم قعدت لكم، وإلا فلا أجد على أحد" (¬3). فعلي - رضي الله عنه - " يعلن على رؤوس الأشهاد في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،وعلى منبره وبعد البيعة له أنه لا يستمد الخلافة من حق يدعيه ولا من شيء سبق، بل يستمدها من البيعة إذا ارتضها الأمة، وإلا فإنه - كإخوانه الثلاثة الذين سبقوه - أرفع من أن يجعلها أكبر همه وغرض نفسه. هذا هو الذي وقع، وهذه الحقائق صدرت من فم علي بن أبي طالب نفسه، ومن سنة 35هـ إلى اليوم الذي تحاور فيه الإمام زيد بن علي بن الحسين مع شيطان الطاق لم يخطر على بال أحد من آل البيت، لا علي، ولا الحسن، ولا الحسين، ولا علي بن الحسين، ولا محمد بن الباقر، ولا غيرهم - أن هناك إمامة لآل البيت كما اخترعها شيطان الطاق فأساء بذلك إلى الإسلام وإلى آل البيت، وإلى أمة محمد جميعاً، فالله حسبه " (¬4). وأتساءل هنا: ما الحكم -عندهم- فيمن أنكر هذه الوصية وخالفها؟ قال الصدوق (ابن بابويه القمي):" اعتقادنا فيمن جحد إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والأئمة من بعده أنه كمن جحد جميع الأنبياء، واعتقادنا فيمن أقر بأمير المؤمنين وأنكر واحدا من بعده من الأئمة إنه بمنزلة من أقر بجميع الأنبياء، ثم أنكر نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - " (¬5). ¬

_ (¬1) نهج البلاغة ص 178، 179 شرح محمد عبده. (¬2) نهج البلاغة ص 397 شرح محمد عبده (¬3) تاريخ الطبري 6/ 157. (¬4) مختصر التحفة الأثني عشرية ص263 (¬5) الاعتقادات للقمي ص111.

وقال الطوسي:" ودفع الإمامة كفر، كما أن دفع النبوة كفر لأن الجهل بهما على حد واحد " (¬1). فعلي - رضي الله عنه - حينما رفضها ههنا هل يعد كافراً –حاشاه-أو لا؟ فإن قالوا: لا؟ نقول: تناقضتم! فمن باب أولى أنّ من أنكرها من عامة الناس غير كافر فالجاهل يعذر! ثم إن كانت الوصية لعلي - رضي الله عنه - واجبة وتركها النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد زعمتم أنه خان الرسالة-حاشاه - رضي الله عنه -؟! ثم كيف يبايع علي - رضي الله عنه - أئمة ضلالة خائنين لوصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاشاهم –فهو إما أنه بايع أو لا، والثابت عند الجميع أنه بايع (¬2)؟،فإن اعتذرتم أنها تقية! قلنا: فأين التقية في إقراره بالبيعة بعد خلافته؟ فقد جاء في نهج البلاغة قول علي - رضي الله عنه - وهو يذكر أمر الخلافة والإمامة: " رضينا عن الله قضاءه، وسلمنا لله أمره ....... فنظرت في أمري فإذا طاعتي سبقت بيعتي إذ الميثاق في عنقي لغيري " (¬3). ويقول علي البحراني في منار الهدى:" ولما رأى ذلك تقدم إلى الصديق، وبايعه المهاجرون والأنصار، والكلام من فيه وهو يومئذ أمير المؤمنين وخليفة المسلمين، لا يتقي الناس، ولا يظهر إلا ما يبطنه لعدم دواعي التقية، وهو يذكر الأحداث الماضية فيقول: (فمشيت عند ذلك إلى أبي بكر، فبايعته، ونهضت في تلك الأحداث فتولى أبو بكر تلك الأمور فسدد ويسر وقارب واقتصد فصحبته مناصحاً، وأطعته فيما أطاع الله جاهدا " (¬4). وقد جاء في نهج البلاغة نصّ علي - رضي الله عنه - على خلاف زعمهم في تنصيصه بالوصية، واحتج لصحة خلافته بالشورى لما أرسل إلى معاوية - رضي الله عنه -:" إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان، على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضىً فإن خرج منهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى " (¬5). وهنا يستدل عليٌّ - رضي الله عنه - على صحة خلافته وانعقاد بيعته بصحة بيعة من سبقه، وهذا يعني أن عليا - رضي الله عنه - كان يعتقد بشرعية خلافة أبى بكر وعمر وعثمان، وأن الإمامة والخلافة تنعقد باتفاق المسلمين واجتماعهم على شخص معين، فاجتماع الأنصار والمهاجرين عليهم لم يبق للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يرد، فأين الوصية به وبابنائه من بعده؟ ¬

_ (¬1) تلخيص الشافي4/ 131، وبحار الأنوار 8/ 368. (¬2) ينظر كتاب سليم بن قيس الهلالي ص119،وأصل الشيعة وأحوالها لمحمد الحسين آل كاشف الغطاء ص69. (¬3) نهج البلاغة ص 81 خطبة 37 ط بيروت بتحقيق صبحي الصالح، ونهج البلاغة شرح محمد عبده ص 95 - 96. (¬4) منار الهدى / لعلي البحراني ص 373، وأيضا ناسخ التواريخ 3/ 532. (¬5) نهج البلاغة ص246،247. شرح محمد عبده.

وقد أوردوا في مصادرهم عن علي بن أبي طالب أنه مدح الخلفاء الراشدين من قبله فقال –مثلاً- في عمر - رضي الله عنه - في خطبته: " ووليهم والٍ فأقام واستقام حتى ضرب الدين بجرانه " (¬1).قال شراح نهج البلاغة " ... هذا الوالي هو عمر بن الخطاب" (¬2). وقال مادحاً عثمان - رضي الله عنه -:" والله ما أدري ما أقول لك؟ ما أعرف شيئا تجهله، ولا أدلك على أمر لا تعرفه، إنك لتعلم ما نعلم ما سبقناك إلى شيءٍ فنخبرك عنه ولا خلونا بشيء فنبلغكه، وقد رأيت كما رأينا وسمعت كما سمعنا وصحبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما صحبنا وما ابن قحافة ولا ابن الخطاب بأولى لعمل الحق منك وأنت أقرب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشيجة رحم منهما وقد نلت من صهره مالم ينالا " (¬3). وهو كلام صريح من علي في مدح عثمان رضي الله عنهما بمدح لا أعرف أحداً من الصحابة ولا من بعدهم إلى يوم الناس هذا مدح عثمان - رضي الله عنه - بمثل هذا الكلام، وهو إقرار صريح منكم بقرب وفضل الصديق والفاروق وعثمان من الحق. ثم تأمل نفي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لتلك الوصية وغيرها: فعن الأسود قال: ذكروا عند عائشة أنّ علياً رضي الله عنهما كان وصياً فقالت:"متى أوصى إليه وقد كنت مسندته إلى صدري. أو قالت: حجري فدعا بالطست فلقد انخنث في حجري فما شعرت أنه قد مات فمتى أوصى إليه" (¬4). فعائشة رضي الله عنها لم تنفِ صدور مطلق الوصية منه - صلى الله عليه وسلم - إذ ثبتت وصيته - صلى الله عليه وسلم - بإخراج المشركين من جزيرة العرب وإجازة الوفد وتجهيز جيش أسامة - رضي الله عنه -،وإنما نفت الوصية لعلي - رضي الله عنه - سواء أرادت نفي وصيته - صلى الله عليه وسلم - بفدك أو باستخلافه - رضي الله عنه -. وهذا يدلنا على عمق امتداد هذه الشبهة ووقوعها في وقت مبكر، ومحاولة بعض الناس استغلالها في مشاريعهم المشبوهة ضد الإسلام من خلال بث الشبهات والشهوات في الأمة، لذا طالما سئل علي - رضي الله عنه -:هل خصكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشيء؟ فقال: لا؟ ¬

_ (¬1) نهج البلاغة بشرح أبي حديد 4/ 519. (¬2) شرح أبي حديد 4/ 519،وكذا شرح ميثم البحراني 5/ 463،والدرة النجفية ص394. والحديث أصله في مسند أحمد:"عن علي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال يوم الجمل: إنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يعهد إلينا عهدا نأخذ به في الإمارة ولكنه شيء رأيناه من قبل أنفسنا ثم استخلف أبو بكر رحمة الله على أبي بكر فأقام واستقام ثم استخلف عمر رحمة الله على عمر فأقام واستقام حتى ضرب الدين بجرانه".وفي إسناده رجل مجهول لا يعرف. (¬3) نهج البلاغة ص 291 شرح محمد عبده، وشرح أبي الحديد 9/ 261. (¬4) أخرجه البخاري (2536)،ومسلم8/ 124 (1636)،وغيرهما.

ونصّ النوبختي في كتابه فرق الشيعة –وهو من كتبهم المعتمدة-على أن أول من أثار هذه الشبهة، وزعم أنّ علياً وصي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو عبد الله بن سبأ اليهودي، فقال:"السبأية أصحاب عبد الله بن سبأ وكان ممن أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ منهم وقال إن عليا عليه السلام أمره بذلك فأخذه علي فسأله عن قوله هذا فأقر به فأمر بقتله فصاح الناس إليه يا أمير المؤمنين أتقتل رجلا يدعو إلى حكم أهل البيت وإلى ولايتك والبراءة من أعدائك فصيره إلى المدائن، وحكى جماعة من أهل العلم من أصحاب علي عليه السلام أن عبد الله بن سبأ كان يهوديا فأسلم ووالى عليا عليه السلام، وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون بعد موسى عليه السلام بهذه المقالة فقال في إسلامه بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - في علي عليه السلام بمثل ذلك، وهو أول من شهر القول بفرض إمامة علي عليه السلام وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه فمن هناك قال من خالف الشيعة أن أصل الرفض مأخوذ من اليهودية" (¬1). وروى البخاري بإسناده عن أبي جحيفة، قال: سألنا علياً فقلنا: هل عندكم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيء سوى القرآن؟ فقال: لا، والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، إلا أن يعطي الله، ٍعز وجل، عبدا فهما في كتابه، أو ما في هذه الصحيفة، قلت: وما في الصحيفة؟ قال: فيها العقل، وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر" (¬2). وفي رواية لمسلم: عن أبي الطفيل قال: سئل علي أخصكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشيء؟ فقال ما خصنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشيء لم يعم به الناس كافة إلا ما كان في قراب سيفي هذا، قال: فأخرج صحيفة مكتوب فيها:" لعن الله من ذبح لغير الله ولعن الله من سرق منار الأرض ولعن الله من لعن والده ولعن الله من آوى محدثا " (¬3). وقال المهلب: "في حديث علي من الفقه ما يقطع بدعة المتشيعة المدعين على علىِّ أنه الوصي، وأنه المخصوص بعلم من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يخص به غيره، لقوله ويمينه: أن ما عنده إلا ما عند الناس من كتاب الله تعالى، ثم أحال على الفهم الذي الناس فيه على درجاتهم، ولم يخص نفسه بشيء غير ما هو ممكن في غيره فصح بهذا وثبت من إقراره على نفسه أنه ليس بوصي للنبي - صلى الله عليه وسلم - " (¬4). ¬

_ (¬1) فرق الشيعة ص22. (¬2) أخرجه البخاري (111) و (3047) وغيرها من المواضع. (¬3) أخرجه مسلم 3/ 1567 (1978). (¬4) شرح ابن بطال 1/ 188.

المطلب الثاني قولهم: أهجر

وتأمل قول الهزيل بن شرحبيل لما بين بطلان مثلها فقال:"أبو بكر - رضي الله عنه - كان يَتَأَمَّرُ على وصيِّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟! ودَّ أبو بكر أنّه وجد من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عهداً فَخُزِمَ أَنْفُهُ بِخِزَامٍ " (¬1). وهنا استفهام انكاري: أي هل كان أبو بكر يتأمر على عليّ لو كان وصياً كما يُزعم؟ ولو وجد مثل ذلك لانساق له انسياقاً! المطلب الثاني قولهم: أهجر أثار المبتدعة شبهة حول صدور هذه العبارة من الصحابة واتهموهم بالإساءة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وزعموا أن قائل تلك العبارة هو عمر - رضي الله عنه -،ولبيان الرد على شبههم نقول: أولاً: معنى الهجر لغة: الهُجْر بالضم. وهَجَر يَهْجُر هَجْراً، ضبط في الأصل: هَجَراً بفتحتين، وليس في المعاجم بالفتح: إذا خَلَط في كلامه وإذا هَذَى (¬2) فالهجر في اللغة هو اختلاط الكلام بوجه غير مفهوم وهو على قسمين:- قسم لا نزاع لأحد في عروضه للأنبياء عليهم السلام، وهو عدم تبيين الكلام لبحة الصوت وغلبة اليبس بالحرارة على اللسان، وقد ثبت بإجماع أهل العلم أن نبينا - صلى الله عليه وسلم - كانت بحة الصوت عارضة له في مرض موته - صلى الله عليه وسلم - فجاء في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت:"كنت أسمع أنّه لا يموت نبيّ حتى يخير بين الدنيا والآخرة فسمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في مرضه الذي مات فيه وأخذته بحة يقول: {مع الذين أنعم الله عليهم} الآية فظننت أنه خير" (¬3). والقسم الآخر: هو جريان الكلام غير المنتظم أو المخالف للمقصود على اللسان بسبب العوارض من أمراض أو آفات (الهذيان) وهذا يمتنع بحق الأنبياء، فعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أريد حفظه فنهتني قريش وقالوا أتكتب كل شىء تسمعه ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشر يتكلم في الغضب والرضا فأمسكت عن الكتاب فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأومأ بإصبعه إلى فيه فقال: "اكتب فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق " (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجه الحميدي (722) وأحمد 4/ 381 وابن ماجه (2696). (¬2) النهاية في غريب الحديث 5/ 557.وينظر القاموس المحيط 2/ 30. (¬3) أخرجه البخاري (4081)،ومسلم 7/ 137 (2444). (¬4) أخرجه أحمد 2/ 162،وأبو داود (3646)،وغيرهما.

أما نسبة القول إلى عمر - صلى الله عليه وسلم - كما قال بعض المبتدعة، فأقول: ذهبت بعض الفرق المبتدعة إلى الطعن في الصحابي الجليل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - زاعمين أنه هو من قال: (هجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)! يقول الخميني في كشف الإسرار: "عندما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في فراش المرض، ويحف به عدد كثير، قال مخاطباً الحاضرين: تعالوا أكتب لكم شيئاً يحميكم من الوقوع في الضلالة، فقال عمر بن الخطاب: لقد هجر رسول الله. وقد نقل نص هذه الرواية المؤرخون وأصحاب الحديث من البخاري ومسلم وأحمد مع اختلاف في اللفظ، وهذا يؤكد أن هذه الفرية صدرت من ابن الخطاب المفتري. الواقع أنهم ما أعطوا الرسول حق قدره ... الرسول الذي كد وجد وتحمل المصائب من أجل إرشادهم وهدايتهم، وأغمض عينيه وفي أذنيه كلمات ابن الخطاب القائمة على الفرية والنابعة من الكفر والزندقة" (¬1)!! ويقول ابن المطهر الحلي:" في المطاعن التي نقلها السنة عن عمر بن الخطاب: نقل الجمهور عن عمر مطاعن كثيرة منها قوله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما طالب في حال مرضه دواة وكتفاً ليكتب فيه كتاباً لا يختلفون بعده وأراد أن ينصّ حال موته على علي ابن أبي طالب "ع"، فمنعهم عمر وقال: إنّ رسول الله ليهجر حسبنا كتاب الله. فوقعت الغوغاء وضجر النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال أهله: لا ينبغي عند النبي الغوغاء. فاختلفوا فقال بعضهم: أحضروا ما طلب، ومنع آخرون. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ابعدوا. هذا الكلام في صحيح مسلم. وهل يجوز مواجهة العامي بهذا السفه فكيف بسيد المرسلين" (¬2). وقال أحمد حسين يعقوب: (أول من اتهم بالهجر، رسول الله ورفع بوجهه شعار "حسبنا كتاب الله" هو عمر بن الخطاب، حيث حضر هو وثلة من حزبه ليطمئنوا على الوضع الصحي لرسول الله، ومن المؤكد أن شخصاً ما أخبر عمر بأن الرسول سوف يكتب وصية تلك الليلة، فأحضر عمر عدداً كبيراً من حزبه ليحول بين الرسول، وبين كتابة وصيته كما أقر عمر بذلك. وما أن قال الرسول: "قربوا أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً" حتى تصدى له عمر بن الخطاب، فقال فوراً دون أن يسأل عن مضمون الكتاب: "حسبنا كتاب الله، إن رسول الله قد هجر" وبدون تروٍ صاح الحاضرون من حزب عمر فقالوا: القول ما قاله عمر!! إن رسول الله يهجر، واستغرب الحاضرون من غير حزب عمر، وصعقوا من هول ما سمعوا، فقالوا عفوياً: قربوا ¬

_ (¬1) كشف الأسرار ص 137. (¬2) نهج الحق ص 273.

يكتب لكم رسول الله، وكان الحاضرون من حزب عمر يشكلون الأكثرية، لأنهم أعدوا للأمر عدته فصاح عمر وأعوانه: "حسبنا كتاب الله إن الرسول يهجر" واختلف الفريقان وتنازعوا، وصدم عمر وحزبه خاطر النبي، فقال النبي للجميع: "قوموا عنى، ولا ينبغي عندي التنازع، وما أنا فيه خير مما تدعوني إليه" ولقد أصاب ابن عباس عندما سمى ذلك اليوم بيوم الرزية) (¬1). ويقول العاملي البياضي في مطاعن عمر:"وثالثها أن الغوغاء لم تكن بطلب الكتاب بل بالمخالفة كما أخرجه البخاري وغيره من قول بني هاشم قربوا إليه كتاباً وقول عمر ومن معه لا ندعه يكتب وإنه قد هجر ... وهذا آذى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،وقد قال الله: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ) الأحزاب/ 57 (¬2). وقال نور الدين التستري:"وذلك لأن أول من سبَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه الذي توفي فيه هو عمر بن الخطاب ... حيث قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: آتوني بدواة وكتف لأكتب كتاباً لن تضلوا بعده أبداً فقال عمر إن الرجل ليهجر حسبنا كتاب الله" (¬3).اهـ ثم يأتي شخص أو مؤسسة إعلامية يفترض بها الأمانة والموضوعية لتدلس على السائل أنّ لفظة (هجر) قالها عمر - رضي الله عنه - وتأمل فيما جاء في موقع: مركز الأبحاث العقائدية الألكتروني16/ 12/2004،جاء فيه جواب على هذا السؤال: بعد السلام والتحية لكم كنت ابحث عن مصدر قول عمر: إنّ الرجل ليهجر. وجزاكم الله خيرا. الأخ السيد حيدر الموسوي المحترم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: منع عمر من أن يكتب النبي (صلى الله عليه وآله) عند مماته كتاباً وقال: (إن الرجل ليهجر) أو: (إن النبي غلبه الوجع) , تجده بألفاظ مختلفة في: صحيح البخاري 1/ 32 كتاب العلم / باب كتابة العلم و 4/ 7 كتاب المرضى / باب قول المريض قوموا عني و 4/ 271 كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة / باب كراهية الخلاف و 2/ 178 كتاب الجهاد والسير / باب هل يستشفع إلى أهل الذمة و 4/ 62 باب الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب , صحيح مسلم 3/ 1259 كتاب الوصية / باب ترك الوصية و 3/ 1257 كتاب الوصية / باب ترك الوصية , مسند أحمد 1/ 24 و 222 و 3/ 346 , ودمتم سالمين. أ. هـ وهذا تدليس صريح وكذب لا يبرره إلا التعصب الأعمى، فالحق أنّ هذه اللفظة (يهجر) لم تنسب إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في أي رواية لا في الصحيحين ولا في غيرهما من كتب أهل السنة كما يدعون، نعم هي ثابتة في الصحيحين وغيرهما لكن ليست عنه - رضي الله عنه -،والذي هو محل النزاع، والصحيح كما في الروايات الصحيحة أنّ من قالها هم بعض الحاضرين كما في رواية الشيخين. والأصح في ضبط هذه اللفظة (أهجر) بالهمز أي بالاستفهام اعتراضاً على من رفض الكتابة للرسول - صلى الله عليه وسلم - أي هل يمكن أن يهذي حتى تمنعوا عن أن تحضروا دواة ليكتب لنا الكتاب؟ نص على ذلك القاضي عياض (¬4) والنووي (¬5) والسيوطي (¬6). وقال الإمام النووي: "وإن صحت الروايات الأخرى كانت خطأ من قائلها، قالها بغير تحقيق بل لما أصابه من الحيرة والدهشة لعظيم ما شاهده من النبي - صلى الله عليه وسلم - من هذه الحال الدالة على وفاته وعظيم المصاب وخوف الفتن والضلال بعده" (¬7). وقال الدهلوي:"من أين يثبت أن قائل هذا القول هو عمر - رضي الله عنه - مع أنه وقع في أكثر الروايات (قالوا) بصيغة الجمع " (¬8). ونجمل الرد في الآتي: أولاً: إنّ الثابت الصحيح في هذه اللفظة أنها وردت بصيغة الاستفهام هكذا (أهجر؟) استفهاماً، وهذا بخلاف ما جاء في بعض الروايات بلفظ (هجر، ويهجر) وتمسك به بعضهم فإنه مرجوح على ما حقق ذلك المحدثون، وشراح الحديث: منهم القاضي عياض (¬9)، والقرطبي (¬10)، والنووي (¬11)، وابن حجر (¬12). فقد نصوا على أن الاستفهام هنا جاء من الصحابة لا على سبيل وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - بالهجر، وإنما على سبيل الإنكار على من قال منهم: (لا تكتبوا).وهو استنكار استفهامي. قال الإمام القرطبي: ((وقوله: أهجرَ؟ استفهموه؛ كذا الرِّواية الصحيحة في هذا الحرف أهَجَرَ؟ بهمزة الاستفهام، وهَجَرَ بالفتح بغير تنوين على أنَّه: فعل ماض. وقد رواه بعضهم: أهُجُرًا بفتح الهمزة، ¬

_ (¬1) كربلاء الثورة والأساة ص84. (¬2) الصوارم المهرقة ص224. (¬3) المصدر نفسه. (¬4) إكمال المعلم 5/ 380. (¬5) شرح النووي 11/ 78. (¬6) الديباج 4/ 237. (¬7) شرح مسلم 11/ 78. (¬8) مختصر التحفة الإثني عشرية ص250. (¬9) انظر: الشفا 2/ 886. (¬10) انظر المفهم 4/ 559. (¬11) انظر شرح صحيح مسلم 11/ 79. (¬12) انظر فتح الباري 8/ 133.

وبضم الهاء، وتنوين الراء، على أن يجعله مفعولاً بفعل مضمر؛ أي: أقال هُجْرًا. وقد روي في غير "الأم": هَجَرَ بلا استفهام. والهجر: يراد به هذيان المريض، وهو: الكلام الذي لا ينتظم، ولا يعتد به لعدم فائدته. ووقوع مثل هذا من النبي - صلى الله عليه وسلم - في حال مرضه أو صحته محال لأن الله تعالى حفظه من حين بعثه إلى حين قبضه عمَّا يُخِلّ بالتبليغ. ألا تسمع قوله تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى} النجم3و4 وقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} الحجر9. وقد شهد له بأنه على صراط مستقيم، وأنه على الحق المبين، إلى غير ذلك؛ ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -:"خذوا عني في الغضب والرضا، فإني لا أقول على الله إلا حقًّا " (¬1). ولمَّا علم أصحابه هذا: كانوا يأخذون عنه ما يقوله في كل حالاته، حتَّى في هذه الحالة، فإنهم تلقَّوا عنه، وقبلوا منه جميع ما وصَّى به عند موته، وعملوا على قوله: "لا نورث" (¬2)، ولقوله:" أخرجوا المشركين من جزيرة العرب" (¬3)، و" أجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم " (¬4)، إلى غير ذلك. ولم يتوقفوا، ولا شكُّوا في شيء منه. وعلى هذا: يستحيل أن يكون قولهم: أَهَجَرَ، لشكٍّ عرض لهم في صحة قوله زمن مرضه، وإنَّما كان ذلك من بعضهم على جهة الإنكار على من توقف في إحضار الكتف والدواة، وتلكَّأ عنه، فكأنه يقول لمن توقف: كيف تتوقف، أتظن: أنه قال هذيانًا؟ فدع التوقف وقرِّب الكتفَ، فإنه إنما يقول الحق، لا الْهَجَرَ. وهذا أحسنُ ما يحمل ذلك عليه. فلو قدَّرنا: أن أحدًا منهم قال ذلك عن شكٍّ عرض له في صحَّة قوله؛ كان خطأ منه. وبعيدٌ أن يقرَّه على ذلك القول من كان هناك ممن سمعه من خيار الصحابة، وكبرائهم، وفضلائهم. هذا تقديرٌ بعيدٌ، ورأيٌّ غير سديد. ويحتمل: أن يكون هذا صدَرَ عن قائله عن دهشٍ وحيرةٍ أصابه في ذلك المقام العظيم، والمصاب الجسيم ". (¬5) إنتهى كلام القرطبي. قلت: وتوجيه القرطبي رحمه الله لقول من قال: هجر على ثلاثة أوجه: الأول: على المعنى اللغوي العام (الهذيان)،وقد استبعده، وهو قول الأمة بالإجماع. الثاني: قالها جماعة استفهاماً إنكارياً لمن تلكأ عن إنفاذ أمر الكتابة. وحسنه القرطبي. ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد 2/ 162،وأبو داود (3646)،وغيرهما. (¬2) قطعة من حديث أخرجه البخاري (2862)،ومسلم 9/ 109 (1758) من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وقد صح من حديث غيرها. (¬3) قطعة من حديث بحثنا هذا. (¬4) قطعة من حديث بحثنا هذا (¬5) المفهم 4/ 560.

والثالث: أنه قالها القائل (وهم على الراجح: بعض من قرب دخوله في الاسلام) دهشة وحيرة للمصاب الجلل بالنبي - صلى الله عليه وسلم -. وقد حسّن الأخير الحافظُ ابن حجر وقال:" ويظهر لي ترجيح ثالث الاحتمالات التي ذكرها القرطبي، ويكون قائل ذلك بعض من قرب دخوله في الإسلام، وكان يعهد أن من اشتد عليه الوجع قد يشتغل به عن تحرير ما يريد أن يقوله لجواز وقوع ذلك ولهذا وقع في الرواية الثانية فقال بعضهم إنه قد غلبه الوجع ووقع عند الإسماعيلي من طريق محمد بن خلاد عن سفيان في هذا الحديث، فقالوا: ما شأنه يهجر؟ استفهموه. وعن ابن سعد من طريق أخرى عن سعيد بن جبير أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - ليهجر، ويؤيده أنه بعد أن قال ذلك: استفهموه بصيغة الأمر بالاستفهام أي اختبروا أمره بأن يستفهموه عن هذا الذي أراده وابحثوا معه في كونه الأولى أولا وفي قوله في الرواية الثانية فاختصموا فمنهم من يقول قربوا يكتب لكم ما يشعر بأن بعضهم كان مصمما على الامتثال والرد على من امتنع منهم ولما وقع منهم الاختلاف ارتفعت البركة كما جرت العادة بذلك عند وقوع التنازع والتشاجر وقد مضى في الصيام أنه - صلى الله عليه وسلم - خرج يخبرهم بليلة القدر فرأى رجلين يختصمان فرفعت" (¬1). قلت: وهذان التوجيهان جيدان، وهما في الجملة يدلان على توقير الصحابة للنبي - صلى الله عليه وسلم -،وحتى من قالها من عامة الصحابة ممن تأخر إسلامه: أهجر؟ فإنه معذور بالذهل، فالرجل يعذر بالإغلاق إما لشدة فرح أو حزن، كما في قصة الرجل الذي فقد دابته ثم وجدها بعد يأس فقال: " اللهم أنت عبدي، وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح" (¬2). ثالثاً: إنّ هذه اللفظة صدرت بحضور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكبار أصحابه،-وفيهم علي - رضي الله عنه - فلم ينكروا على قائلها، ولم يؤثموه، فدل على أنه معذور على كل حال، ولا ينكر عليه بعد ذلك إلا مفتون في الدين، زائغ عن الحق والهدى، والعياذ بالله. والذي يظهر –كما سبق- أنّ بعض الصحابة لم يفهم من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - وما أمر به - صلى الله عليه وسلم - لبحة صوته، فراحوا يلحون عليه ويكررون السؤال، ماذا تقصد؟ وكما جاء في لفظ النسائي:"استفهموه فذهبوا يفدون عليه" (¬3).فالنبي - صلى الله عليه وسلم - في شدة المرض كما جاء في كل الروايات عند الجميع قال ابن عباس:"لما اشتد به الوجع .... ".والناس يفدون عليه جماعات يسألونه ماذا تقول؟ استفهموه؟ فاختلفوا فقائل يقول: اختبروه ¬

_ (¬1) فتح الباري 8/ 132. (¬2) أخرجه مسلم4/ 2104، (2747). (¬3) السنن الكبرى 3/ 343.

وامتحنوه، فلعلها مما يصيب المحتضر، وقائل يقول: ائتوه بالكتاب وقائل يقول: لا غير ذلك، ويذهبون ويعودون إليه - صلى الله عليه وسلم - فحينها قال القائل: أهجر؟ استفهاماً واستنكاراً لا إقراراً، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد غلبه الوجع:"قوموا عني فالذي أنا فيه خير .. ". وقال شيخ الإسلام:" فحصل لهم شك هل قوله: أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده هو مما أوجبه المرض أو هو الحق الذي يجب اتباعه وإذا حصل الشك لهم لم يحصل به المقصود فأمسك عنه، وكان لرأفته بالأمة يحب أن يرفع الخلاف بينها ويدعو الله بذلك ولكن قدر الله قد مضى بأنه لا بد من الخلاف كما في الصحيح عنه أنه قال:"سألت ربي ثلاثا فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة سألته أن لا يسلط على أمتي عدوا من غيرهم فيجتاحهم فأعطانيها وسألته أن لا يهلهكم بسنة عامة فأعطانيها وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها ... " (¬1). إذن فهذه الشبه باطلة جملة وتفصيلاً لا تثبت بحق عمر - رضي الله عنه - ولا حتى في حق الصحابة الكرام، وإنما جل المسألة: أن بعض الصحابة ممن قرب دخوله الإسلام قال: (أهجر)؟ استفهاماً أو طلباً لاستفهامه كما يفعل مع المحتضر ليرى هل خلّط أو لا؟ -حاشاه - صلى الله عليه وسلم - لما رأى هؤلاء الجدد على الاسلام من حال لم يعرفوها عن النبي - صلى الله عليه وسلم -،أما عمر والصحابة الآخرون فهم أشد تعظيماً وتوقيراً له - صلى الله عليه وسلم - لأنهم أعرف الناس بنبيهم وسيدهم - صلى الله عليه وسلم -. ثم لا أجد تفسيراً لهذه الحرقة المصطنعة على لفظة (غلبه الوجع، أهجر) وهما حمّالتا أوجه، ثم تأمل في هذا النص الذي نقله القوم في كتبهم وتلقوه بالقبول والتصديق وفيه تصريح واضح منهم أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - هجر؟ -حاشاه-بأبي هو وأمي ونفسي والناس أجمعين. فروى الصدوق في أماليه بإسناده عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال:"ثم أغمي على رسول لله صلى الله عليه وآله فدخل بلال وهو يقول: الصلاة رحمك الله، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وصلى بالناس، وخفف الصلاة. ثم قال: ادعوا لي علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد، فجاءا فوضع صلى الله عليه وآله يده على عاتق علي عليه السلام، والأخرى على أسامة ثم قال: انطلقا بي إلى فاطمة. فجاءا به حتى وضع رأسه في حجرها، فإذا الحسن والحسين عليهما السلام يبكيان ويصطرخان وهما يقولان: أنفسنا لنفسك الفداء، ووجوهنا لوجهك الوقاء. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله من هذان يا علي؟ قال: هذان ابناك الحسن والحسين. فعانقهما وقبلهما" (¬2). ¬

_ (¬1) منهاج السنة 8/ 572. (¬2) الأمالي للصدوق ص732 - 735 وانظر بحار الأنوار للمجلسي22/ 510 والفتال النيسابوري في روضة الواعظين ص74. ولو قالوا –مثلاً- هذه الرواية غير ثابتة أو ضعيفة لكان خيراً لهم والعجيب أنهم يصححونها ويتلقونها بالتصديق والاحتجاج حتى اختارت لجنة حديثية علمية متخصصة في معهد باقر العلوم انتخاب هذه الرواية من ضمن كلمات الحسين وضمن كتاب أسموه: كلمات الإمام الحسين ص98 دار المعروف بطهران.

المطلب الثالث قول عمر - رضي الله عنه - حسبكم كتاب الله

ولا أدري عدم معرفة الرجل لولديه في ساعة الموت ما يسمى؟ وهي وهذه الرواية -المنكرة - لو سلمنا لهم بصحتها أليس فيها عذر لمن قال من الصحابة: أهجر؟ ولا أدري لماذا هم مفتونون بتتبع المتشابهات عند غيرهم ولا يبصرون الأوابد والطامات في كتبكم؟،وأين الإنصاف والموضوعية في البحث والجدال. المطلب الثالث قول عمر - رضي الله عنه - حسبكم كتاب الله وأما ما ادعوه من اعتراض عمر على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: (عندكم كتاب الله، حسبنا كتاب الله) وأنه لم يمتثل أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيما أراد من كتابة الكتاب، فالرد عليه: أنه ليس في قول عمر هذا الاحتمال، أي اعتراض على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعدم امتثال أمره كما قد يتوهم، ويرد عليهم: 1 - أنّ قول عمر - رضي الله عنه -: (حسبنا كتاب الله) حسم للخلاف الذي وقع بين الحاضرين لا على أمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذا ظاهر من قوله: (عندكم كتاب الله) فإن المخاطب جمع وهم المخالفون لعمر - رضي الله عنه - في رأيه. وإلا فعمر - رضي الله عنه - هو من اشد الناس إتباعاً للنبي - صلى الله عليه وسلم -. ثم لو ادعى مدعٍ أنّ عليَّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - كان ممن قال بقول عمر - رضي الله عنه - أو ممن خالفه لما وجد إلى ذلك سبيلاً فاحتمال الأمرين جائز. 2 - أنّه ظهر لعمر - رضي الله عنه - ومن كان على رأيه من الصحابة، أن أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بكتابة الكتاب ليس على الوجوب، وأنه من باب الإرشاد إلى الأصلح، وقد نبه على هذا القاضي عياض (¬1)، والقرطبي (¬2)، والنووي (¬3)، وابن حجر (¬4). ثم إنه قد ثبت بعد هذا صحة اجتهاد عمر - صلى الله عليه وسلم - وذلك بترك الرسول - صلى الله عليه وسلم - كتابة الكتاب، ولو كان واجباً لم يتركه لاختلافهم، لأنه لن يترك التبليغ لمخالفة من خالف، ولهذا عد هذا من موافقات عمر - رضي الله عنه -. قال القرطبي في سبب اختلافهم:"وسبب ذلك أن ذلك كله إنما حمل عليه الاجتهاد المسوغ، والقصد الصالح، وكل مجتهد مصيب، أو أحدهما مصيب، والآخر غير مأثوم بل مأجور كما قررناه في الأصول " (¬5). ¬

_ (¬1) إكمال المعلم 5/ 381. (¬2) المفهم 4/ 560. (¬3) شرح مسلم 11/ 78. (¬4) فتح الباري 8/ 134. (¬5) المفهم 4/ 560.

ثم صح عن علي - رضي الله عنه - أنه رفض محو كلمة (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) لما أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلح الحديبية أن يفعل ذلك؟ فهل تعد مخالفة؟ الجواب قطعاً: لا؟ وهذه كتلك، فتأمل. وحتى على قول من قال إنّ خطاب عمر - رضي الله عنه - لما قال (حسبنا كتاب الله) أراد التوقف عن الإتيان بالكتاب فلم يفهم من قول عمر - رضي الله عنه - أنه قصد الاستغناء عن سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -،ومن زعم ذلك من المبتدعة فهو زعم لا دليل عليه، لأن عمر - رضي الله عنه - لم يرد بقوله هذا الاستغناء عن بيان السنة المطهرة، بل قال ما قاله لما قام عنده من القرينة بالاجتهاد السائغ على أنّ كتابة هذا الكتاب مما سبق تأصيله في كتاب الله عز وجل. وقال الخطابي: "لم يتوهم عمر الغلط فيما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يريد كتابته، بل امتناعه محمول على أنه لما رأى ما هو فيه من الكرب وحضور الموت خشي أن يجد المنافقون سبيلاً إلى الطعن فيما يكتبه وإلى حمله على تلك الحالة التي جرت العادة فيها بوقوع بعض ما يخالف الاتفاق فكان ذلك سبب توقف عمر - رضي الله عنه -، لا أنه تعمد مخالفة النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا جواز الغلط عليه حاشا وكلا " (¬1). وقال النووي:" أما كلام عمر - رضي الله عنه - فقد اتفق العلماء المتكلمون في شرح الحديث على أنه من دلائل فقه عمر - رضي الله عنه - وفضائله ودقيق نظره، لأنه خشي أن يكتب - صلى الله عليه وسلم - أموراً ربما عجزوا عنها واستحقوا العقوبة عليها لأنها منصوصة لا مجال للاجتهاد فيها فقال عمر: حسبنا كتاب الله لقوله تعالى {ما فرطنا في الكتاب من شيء} وقوله تعالى {اليوم أكملت لكم دينكم} فعلم أنّ الله تعالى أكمل دينه فأمن الضلالة على الأمة وأراد الترفيه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان عمر أفقه من ابن عباس وموافقيه" (¬2). وقال ابن بطال:" فعمر أفقه من ابن عباس حين اكتفى بالقرآن الذى أكمل الله فيه الدين، ولم يكتف بذلك ابن عباس " (¬3). وتُعقب ابن بطال:" بأن إطلاق ذلك مع ما تقدم ليس بجيد فإن قول عمر - رضي الله عنه -:حسبنا كتاب الله. لم يرد أنه يكتفى به عن بيان السنة بل لما قام عنده من القرينة وخشي من الذي يترتب على كتابة الكتاب مما تقدمت الإشارة إليه فرأى أن الاعتماد على القرآن لا يترتب عليه شيء مما خشيه. وأما ابن عباس فلا يقال في حقه لم يكتف بالقرآن مع كونه حبر القرآن وأعلم الناس بتفسيره وتأويله؛ ولكنه أسف على ما فاته من البيان بالتنصيص عليه لكونه أولى من الاستنباط والله أعلم" (¬4). ¬

_ (¬1) شرح النووي 11/ 77،وفتح الباري 8/ 134. (¬2) شرح مسلم 11/ 77. (¬3) شرح البخاري1/ 189. (¬4) فتح الباري8/ 132.

أما عن ادعائهم أن عمر - رضي الله عنه - اضطهد الصحابة وغلبهم بالقوة فدونه خرط القتاد! فكيف يستطيع رجل واحد –كما جاء في رواياتهم (¬1) - أن يمنع النبي - صلى الله عليه وسلم - من تبليغ أمرٍ تزعمون أنه وصية الله ورسوله! وهو أمر لا يجوز جهله ناهيك عن نكرانه والتنكب له؟ ثم أنتم زعمتم أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلغه مراراً وتكراراً في غدير خم وغيره –فلو سلمنا جدلاً- فما الطائل إذن من دفعه في هذا الموضع أو منعه، والناس كل الناس تعرفه؟ ولو أعملتم النظر في فريتكم هذه لوقعتم في الكفر على قواعدكم إذ تزعمون أنّ الوصية نصَّ عليها القرآن وذكرت صراحة بقوله تعالى:" {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} المائدة67. يقول ابن تيمية رحمه الله:" ومن توهم أن هذا الكتاب كان بخلافة علي فهو ضال باتفاق عامة الناس من علماء السنة والشيعة، أما أهل السنة فمتفقون على تفضيل أبي بكر وتقديمه، وأما الشيعة القائلون بأن علياً كان هو المستحق للإمامة فيقولون إنه قد نص على إمامته قبل ذلك نصاً جلياً ظاهراً معروفاً وحينئذ فلم يكن يحتاج إلى كتاب، وإن قيل إن الأمة جحدت النص المعلوم المشهور فلأن تكتم كتاباً حضره طائفة قليلة أولى وأحرى، وأيضاً: فلم يكن يجوز عندهم تأخير البيان إلى مرض موته، ولا يجوز له ترك الكتاب لشك من شك فلو كان ما يكتبه في الكتاب مما يجب بيانه وكتابته لكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يبينه ويكتبه ولا يلتفت إلى قول أحد فإنه أطوع الخلق له، فعلم أنه لما ترك الكتاب لم يكن الكتاب واجباً ولا كان فيه من الدين ما تجب كتابته حينئذ إذ لو وجب لفعله ......... كما لم يترك تبليغ غير ذلك لمخالفة من خالفه ومعاداة من عاداه وكما أمر في ذلك الحال بإخراج اليهود من جزيرة العرب وغير ذلك مما ذكره في الحديث ... وقد حكى سفيان بن عيينة عن أهل العلم قبله أنه - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يكتب استخلاف أبي بكر - رضي الله عنه -، ثم ترك ذلك اعتماداً على ما علمه من تقدير الله تعالى ذلك كما هم بالكتاب في أول مرضه حين قال: "وارأساه"، ثم ترك الكتاب، وقال: "يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر"، ثم نبه أمته على استخلاف أبي بكر بتقديمه إياه في الصلاة" (¬2). ثم كيف يستطيع عمر - رضي الله عنه - أن يقهر أمة كاملة فيهم أمثال أبي بكر وعثمان وعلي وطلحة وسعد، وهم أهل الشجاعة والدين وقد نصّ القرآن على صدقهم وشدتهم!! فيكتمونه عن الناس ولا يبلغونه، ولا ينصرون نبيهم في هذه اللحظات التي هي أشد اللحظات عليهم، لحظات الفراق وقد عرفوا بحبه واتباعه، حتى قال ¬

_ (¬1) ينظر مثلا: إثبات الهداة، الحر العاملي1/ 549،والغيبة، للمجلسي ص150،وله أيضاً: بحار الأنوار 53/ 147وغاية المرام، لهاشم البحراني 1/ 370. (¬2) منهاج السنة 6/ 25 - 26.

عروة بن مسعود الثقفي - رضي الله عنه - لما أرسلته قريش مفاوضاً قبل أن يسلم لما رجع إلى قريش:" ... والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي والله إن رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم محمدا والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده وإذا أمرهم ابتدروا أمره وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون إليه النظر تعظيما له ... " (¬1). فالصحابة الذين قتلوا وأوذوا وشردوا فصبروا من أجل إعلاء كلمة الحق أمام طاغية عصره أبي جهل وغيره من طواغيت الباطل في بدر الفرقان وأحد وحنين .. الخ أيعجزون عن رد رجل واحد، كائناً من كان -لو سلمنا لكم- وفي حضرة من هو أحب إليهم من أنفسهم وأموالهم والناس أجمعين؟ ولو أردنا إيراد بعض مآثرهم في توقير النبي - صلى الله عليه وسلم - وتعظيمه والأدب بين يديه لما وسعنا مثل هذا البحث ولا عشرات أمثاله! ووالله لو حدثت طفلاًلم يبلغ الحلم على فطرته بمثل هكذا خرافة لاستنكرها أيما استنكار؟!،ولكن ما قولك فيمن رضع الحقد والطعن والتكفير، أعاذنا الله من الجهل والبدع. زيادة على ما في هذا القول من تهمة لكل الصحابة – ومنهم علي - رضي الله عنه - في دينهم وشجاعتهم. وقد جاءت في كتب القوم نصوص كثيرة تنصّ على أنّ هناك من سمع وعلم الوصية المزعومة وهم من أبرز الصحابة جرأة وشجاعة وجلادة: كعلي بن أبي طالب والمقداد وأبي ذر وسلمان وأسامة، وطلحة والزبير، وأبي سفيان!!! وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين، ومن ذلك ما يروونه: عن سليم بن قيس الهلالي: قال الإمام علي (ع) لطلحة: " ألست قد شهدت رسول الله (ص) حين دعا بالكتف ليكتب فيها مالا تضل الأمة ولا تختلف، فقال صاحبك ما قال: (إن نبي الله يهجر) فغضب رسول الله (ص) ثم تركها قال: بلى قد شهدت ذلك. قال: فإنكم لما خرجتم أخبرني بذلك رسول الله (ص) بالذي أراد أن يكتب فيها وأن يشهد عليها العامة فأخبره جبرئيل: (إن الله عز وجل قد علم من الأمة الاختلاف والفرقة) ثم دعا بصحيفة فأملى عليّ ما أراد أن يكتب في الكتف وأشهد على ذلك ثلاث رهط: سلمان وأبا ذر والمقداد وسمى من يكون من أئمة الهدى الذين أمر الله بطاعتهم إلى يوم القيامة. فسماني أولهم ثم ابني هذا ـ وأدنى بيده إلى الحسن ـ ثم الحسين ثم تسعة من ولد ابني هذا ـ يعني الحسين- كذلك كان يا أبا ذر وأنت يا مقداد فقاموا وقالوا: نشهد بذلك على رسول الله (ص) " (¬2). ¬

_ (¬1) صحيح البخاري (2529). (¬2) كتاب سليم بن قيس الهلالي ص211،وغيبة النعماني ص81.

فهذا سلمان وأبو ذر رضي الله عنهما، وكذا العباس عم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأسامة وأبو سفيان وغيرهم كما نقل في نهج البلاغة (¬1) فهؤلاء كلهم يعلمون بوصيته - صلى الله عليه وسلم - لعلي –كما يزعمون- فلماذا سكتوا جميعاً! هل خوفاً من رجل واحد!؟،ومما ثبت عند الجميع أنّ الصحابة الكرام كان ينتقد أحدهم الآخر ولا يسلّم له إلا بما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فهل يعقل أن يرد سلمان على عمر رضي الله عنهما وهو خليفة المسلمين لثوب لبسه ويسكت عن وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - في علي؟ ولا يقال إنّ علياً ومن معه كانوا مستضعفين؟ فهو قول باطل لكون الولاء في الإسلام لم يكن للعشيرة ولا للقبيلة وإنما للدين، ولو كان الأمر للعشيرة أو القبيلة لكان الأمر للأوس أو الخزرج؟ لأن أبا بكر وعمر وعلياً وعثمان رضي الله عنهم كانوا من أهل مكة والخلاف وقع في المدينة. فعلي - رضي الله عنه - من أشرف قبائل العرب وأعزها بيتاً وأمنعها رجالاً فكيف يصبر على ضيم ولا سيما إن كان في الدين!! وهذه العزة والمنعة يقرون بها في كتبهم: فيروون عن علي - رضي الله عنه - أنه قال ليهودي:"يا أخا اليهود (¬2)!!! - ثم إني لو طلبت حقي لكنت أولى ممن طلبه لعلم من مضى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ومن بحضرتك منه بأني كنت أكثر عدداً وأعز عشيرة وأمنع رجالاً وأطوع أمراً وأوضح حجة وأكثر في هذا الدين مناقب وآثاراً لسوابقي وقرابتي ووراثتي ...... " (¬3). فهذا النص من فمهم وهو يدينهم فلم يكن مستضعفاً كما يصورونه، وهذه فاطمة بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - وزوج علي جهرت بطلبها أرض فدك وخاصمت من أجلها، فهل أرض فدك أعز على فاطمة من وصية الدين؟ وهل علي - رضي الله عنه - أقل شجاعة منها؟ – حاشاه- فهذه الفرية مردودة شرعاً وعقلاً، والهدف الواضح هو الطعن في علي - رضي الله عنه - أولاً؛ إذ يصورنه ضعيفاً مهزوماً خواراً –حاشاه- فهو أسد الله وسيف نبيه المسلط على أعداء الله تعالى. وتأمل في هذه النصوص الباطلة التي ينقلونها فتنقلب على قائلها حجة!،فجاء في نهج البلاغة يصف حادثة السقيفة:"فقام الحباب بن المنذر بن الجموح فقال: يا معشر الأنصار املكوا عليكم أمركم فإنّ الناس في ظلكم ولن يجترئ مجترئ على خلافكم، ولا يصدر أحد إلا عن رأيكم أنتم أهل العزة والمنعة، وأولو العدد والكثرة وذوو البأس والنجدة وإنما ينظر الناس ما تصنعون، فلا تختلفوا فتفسد عليكم أموركم فإن أبى هؤلاء إلا ما سمعتم فمنا أمير ومنهم أمير. فقال عمر هيهات لا يجتمع سيفان في غمد والله لا ترضى العرب أن تؤمركم ونبيها من غيركم، ولا تمتنع العرب أن تولي أمرها من كانت النبوة منهم من ينازعنا سلطان محمد ونحن أولياؤه ¬

_ (¬1) نهج البلاغة شرح أبي حديد 1/ 210. (¬2) وعجباً لهذه العقيدة التكفيرية التي تكفر الصحابة الموحدين، وتجعل من اليهود المشركين أخواناً لهم؟!. (¬3) الخصال ص374.

وعشيرته. فقال الحباب بن المنذر: يا معشر الأنصار املكوا أيديكم ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر فإن أبوا عليكم فأجلوهم من هذه البلاد فأنتم أحق بهذا الأمر منهم فإنه بأسيافكم دان الناس بهذا الدين أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب أنا أبو شبل في عريسة الأسد، والله إن شئتم لنعيدنها جذعة. فقال عمر: إذن يقتلك الله. قال: بل إياك يقتل" (¬1). وهذه القصة لا تثبت من وجه صحيح بل هي باطلة، وفيها ما فيها من الدس والطعن، إذ الثابت عن الحباب بن المنذر - رضي الله عنه - أنه قال: منا أمير ومنكم أمير (¬2)،والمهم هنا: لماذا اعترض الحباب –وسكت علي رضي الله عنهما، وأنتم تقولون هو وصي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ وهذا النص –المزعوم-يقطع أن عمر - رضي الله عنه - يرد ويناقش بل ويسب؟! - حاشاه – فأين زعمكم أنّ عمر - رضي الله عنه - الجم الصحابة كلهم ومنع الوصية؟ ثم ثبت بالسند الصحيح عندنا أن بعض الأنصار أرادوا سعد بن عبادة للخلافة في حادثة سقيفة بني ساعدة (¬3)،فلماذا تكلم كل هؤلاء وترك مثله علي رضي الله عنه، ولماذا لم يدلِ برأيه مثل بقية الصحابة؟ فإن قيل ترك ذلك لئلا تقع فتنة بين الصحابة؟ أجيب: ألستم من نقل قول الحباب بن المنذر –المزعوم –آنفاً: (فإن أبوا عليكم فأجلوهم من هذه البلاد)، أي: اطردوهم من المدينة، (فأنتم أحق بهذا الأمر منهم)؛لأنه يرى قومه أحق بالخلافة! فأين وصيتكم المزعومة؟، (فإنه بأسيافكم دان الناس بهذا الدين)، وهذه أوضح صورة على الدس في هذه القصة (¬4)،فكيف ينسبه الصحابي الجليل الحباب بن المنذر إلى نفسه وهو من البدريين! ثم يقول: (أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب أنا أبو شبل في عريسة الأسد، والله إن شئتم لنعيدنها جذعة. فقال عمر: إذن يقتلك الله. قال-احباب-: بل إياك يقتل)! وهل بعد هذه الفتنة فتنة؟ فإذا وقع المحذور بزعمكم كانت الفرصة سانحة للمطالبة بالحق الشرعي؟ والأهم من هذا كله: لو كان عمر - رضي الله عنه - بهذه الصورة المشوهة التي ترسمونها له من حب للدنيا وطمع في الخلافة –حاشاه-فلماذا رفض عمر الخلافة وقد دعاه إليها أبو بكر؟ أليس هذا زهداً منه ومعرفة بحق أبي بكر ومنزلته؟ وهو أهل لها وحق له ذلك. 3 - إنّ عمر - رضي الله عنه - كان بعيد النظر، ثاقب البصيرة، سديد الرأي، وقد رأى أن الأولى ترك كتابة الكتاب -بعد أن تقرر عنده أن الأمر به ليس على الوجوب- وذلك لمصلحة شرعية راجحة للعلماء في توجيهها أقوال، فقيل: شفقته على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما يلحقه من كتابة الكتاب مع شدة المرض، ويشهد لهذا قوله: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلبه الوجع) فكره أن يتكلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يشق ويثقل عليه (¬5) مع استحضاره قوله تعالى: {ما فرطنا في الكتاب من شيء} الأنعام /38، {تبياناً لكل شيء}.النحل/89. وقيل: إنه خشي تطرق المنافقين، ومن في قلبه مرض، لما كتب في ذلك الكتاب في الخلوة، وأن يتقولوا في ذلك الأقاويل، نصّ على ذلك القاضي عياض وغيره من أهل العلم (¬6). وقيل: إنه خشي أن يكتب أموراً ربما عجزوا عنها فاستحقوا العقوبة لكونها منصوصة، ورأى أن الأرفق بالأمة في تلك الأمور سعة الاجتهاد، لما فيه من الأجر والتوسعة على الأمة. وقد يكون عمر - رضي الله عنه - لاحظ هذه الأمور كلها، أو كان لاجتهاده وجوه أخرى لم يطلع عليها العلماء، كما خفيت قبل ذلك على من كان خالفه من الصحابة، ووافقه عليها الرسول - رضي الله عنه - بتركه كتابة الكتاب، ولهذا عد العلماء هذه الحادثة من دلائل فقهه ودقة نظره. قال النووي:"وأما كلام عمر - رضي الله عنه - فقد اتفق العلماء المتكلمون في شرح الحديث، على أنه من دلائل فقه عمر، وفضائله، ودقيق نظره" (¬7). الوجه الرابع: أن عمر - رضي الله عنه - كان مجتهداً في موقفه من كتابة الكتاب، والمجتهد في الدين معذور على كل حال، بل مأجور لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم اخطأ فله أجر " (¬8)، فكيف وقد كان اجتهاد عمر بحضور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يؤثمه، ولم يذمه به، بل وافقه على ما أراد من ترك كتابة. ¬

_ (¬1) نهج البلاغة 1/ 364. (¬2) مسند أحمد1/ 132. (¬3) صحيح البخاري (6328) (¬4) وهو على طريقتهم في الطعن في أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -،فلا يعقل أن يصدر مثل هذا الكلام من رجل تربى في مدرسة القرآن وكنف النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ بل ولا يعقلها الطفل الصغير الذي قرأ شيئاً من القرآن، فلم تأت آية في القرآن الكريم تتحدث عن النصر إلا قرنت بالله تعالى أو نسب النصر إليه تعالى، ومن ذلك قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} آل عمران126. و {وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} الأنفال10.وكذا {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ} التوبة25.و {وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً} الفتح3.بل في آية تحفظها عجائز المسلمين وصغارهم: {إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} النصر1. ولا عجب، فهذا ديدنهم، فهم يتهمون النبي - صلى الله عليه وسلم - حاشاه- أنه فشل في تربية أصحابه، يقول الخميني:" إن رسول الله قد فشل في تربية أصحابه" خطاب ألقاه في إذاعة طهران بمناسبة مولد الرضا 15 شعبان1400هـ، وينظر أحاديث يحتج بها الشيعة، عبد الرحمن دمشقية 1/ 198. (¬5) انظر: الشفا للقاضي عياض 2/ 888، وشرح صحيح مسلم للنووي 11/ 90، وفتح الباري لابن حجر 1/ 209. (¬6) انظر: الشفا 2/ 889، وشرح النووي 2/ 92. (¬7) شرح النووي 11/ 76. (¬8) رواه البخاري من حديث عمرو بن العاص (7352)، ومسلم 3/ 1342 (1716).

وأما قولهم: إنّ الأكثرية الساحقة كانت على قول عمر - رضي الله عنه -، ولذلك رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عدم الجدوى من كتابة الكتاب، لأنه علم بأنهم لن يمتثلوه بعد موته. فهذا الكلام مع ما فيه من الكذب على الرسول - صلى الله عليه وسلم - والطعن على الصحابة بمجرد التخرص والظنون الكاذبة، فهو دليل على جهل مركب، إذ الرسول - صلى الله عليه وسلم - مأمور بالتبليغ سواء استجاب الناس أو لم يستجيبوا، قال تعالى: {وَأَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ} المائدة92. فلو كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمر بكتابة الكتاب، ما كان ليتركه لعدم استجابة أصحابه، كما أنه لم يترك الدعوة في بداية عهدها لمعارضة قومه وشدة أذيتهم له، بل بلّغ ما أُمر به، وما أثناه ذلك عن دعوته، حتى هلك من هلك عن بينة، وحيَ من حيي عن بينة (¬1). فلو كان في هذا الكتاب أمر شرعي واجب التبليغ لاستحال شرعاً وعقلاً وعرفاً أنّ يتركه النبي - صلى الله عليه وسلم - علماً أنّ الحادثة يوم الخميس ووفاته - صلى الله عليه وسلم - يوم الاثنين بالاتفاق فلماذا لم يبلغه بعد؟ علماً أنه أوصى بعد ذلك بغيره من الوصايا الأخرى الواردة في الحديث نفسه؟ قال النووي:"كان النبي - صلى الله عليه وسلم - همّ بالكتاب حين ظهر له أنه مصلحة، أو أوحي إليه ذلك، ثم ظهر أن المصلحة تركه، أو أوحي إليه بذلك ونسخ ذلك الأمر الأول" (¬2). ثم لو سلمنا لهكذا شبه فستفتح علينا أبواب كثيرة أمام شبه أكبر، إذ على هذه القواعد العرجاء يستطيع أي مفتر كذاب أن يدعي ما يشاء في أي مسألة! فالدين كمل والرسالة تمت وما مات النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا وقد بلغ الدين كله. وقال شيخ الاسلام:"إن قيل: أن الأمة جحدت النص المعلوم المشهور، فلأن تكتم كتابا حضره طائفة قليلة أوْلى وأحرى. وأيضا فلم يكن يجوز عندهم تأخير البيان إلى مرض موته، ولا يجوز له ترك الكتاب لشك من شك، فلو كان ما يكتبه في الكتاب مما يجب بيانه وكتابته، لكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يبيّنه ويكتبه، ولا يلتفت إلى قول أحدٍ، فإنه أطوع الخلق له، فعُلم أنه لما ترك الكتاب لم يكن الكتاب واجباً، ولا كان فيه من الدين ما تجب كتابته حينئذ، إذ لو وجب لفعله، ولو أن عمر - رضي الله عنه - اشتبه عليه أمر، ثم تبيّن له أوشك في بعض الأمور، فليس هو أعظم ممن يفتى ويقضى بأمور ويكون النبي - صلى الله عليه وسلم - قد حكم بخلافها، مجتهدا في ذلك، ولا يكون قد علم حكم النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فإن الشك في الحق أخف من الجزم بنقيضه" (¬3). ¬

_ (¬1) الإنتصار للصحب، الرحيلي ص293،بتصرف. (¬2) شرح النووي 11/ 76،وينظر منهاج السنة 6/ 315،وفتح الباري 1/ 209. (¬3) منهاج السنة 1/ 396.

المطلب الرابع أما عن ادعائهم أن عمر - رضي الله عنه - أتلف حق الأمة لما منع الكتابة

المطلب الرابع أما عن ادعائهم أن عمر - رضي الله عنه - أتلف حق الأمة لما منع الكتابة. فأقول: أين الدليل أن عمر - رضي الله عنه - منع النبي - صلى الله عليه وسلم - من الكتابة؟ وهل بمقدور عمر - رضي الله عنه - أو غيره منع النبي - صلى الله عليه وسلم - من كتابة أمر فيه تبليغ شرع الله؟ واين أنت من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} المائدة67. ولا أرى في قول عمر - رضي الله عنه - (حسبكم كتاب الله) منعاً من الكتابة، وإنما هو حسم للخلاف الذي وقع -كما مر- فأين الإتلاف؟ ثم زعمتم أنّ علياً معصوم من الخطأ؟ فهل سكوته عن هذا الأمر نقض للعصمة أو لا؟ ثم لو سلمنا -جدلاً- أن الكتاب كان بالتنصيص على الوصية لعلي - رضي الله عنه - من بعده، ثم تزعمون أن الوصية ثبتت بالقرآن الكريم وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -،وقد نقل إجماعكم على هذه العقيدة شيخكم المفيد في مقالاته حيث قال:"واتفقت الإمامية على أن رسول الله صلى الله عليه وآله استخلف أمير المؤمنين عليه السلام في حياته، ونص عليه بالإمامة بعد وفاته، وأن من دفع ذلك دفع فرضاً من الدين " (¬1). وزعمتم أنّ الأمة شهدت كلها في غدير خم فأين الإتلاف إذن؟ هذا إذا سلمنا جدلا أن عمر - رضي الله عنه - كان بمقدوره فعل ذلك -وحاشاه-. ثم أنتم تقولون بوجوب كتمان الوصية فأين الإتلاف المزعوم؟ إذا كان الأصل عدم إعلان الوصية فما فعله عمر - رضي الله عنه - على ادعائكم- حق وشرع محضّ، إذ جاء في الكليني عن أبي عبد الله أنه قال: "يا سليمان إنكم على دين من كتمه أعزه الله ومن أذاعه أذله الله " (¬2). وأظهر من ذلك ما روى عن أبي جعفر أنه قال:"ولاية الله أسرها إلى جبرئيل عليه السلام وأسرها جبرئيل إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - وأسرها محمد إلى علي عليه السلام وأسرها علي إلى من شاء الله، ثم أنتم تذيعون ذلك ". (¬3) المطلب الخامس قوله - صلى الله عليه وسلم - (قوموا عني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني). وقوله - صلى الله عليه وسلم - قوموا عني: هو خطاب موجه لمن حوله في البيت لما اختلفوا وتنازعوا في أمر الكتابة، فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - قوموا عني من شدة ما يصيب المريض من الانزعاج من أشياء قد لا تكون مزعجة له قبل المرض، وهذا أمر طبعي فأي إنسان قد يتأذى من أي شيء حتى لو كان هذا الشيء مباحاً وربما مسنوناً، وقد نبه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى هذا الأمر فأخرج الشيخان من حديث أبي مسعود الأنصاري - رضي الله عنه - قال: قال رجل يا رسول الله لا أكاد أدرك ¬

_ (¬1) أوائل المقالات ص44. (¬2) الكافي 2/ 176كتاب الإيمان والكفر باب الكتمان. (¬3) الكافي 2/ 178 كتاب الإيمان والكفر باب الكتمان.

الصلاة مما يطول بنا فلان فما رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في موعظة أشد غضبا من يومئذ فقال:" أيها النّاس إنّكم منفّرون فمن صلى بالنّاس فليخفّف فإن فيهم المريض والضعيف وذا الحاجة " (¬1). وأحياناً تجد أحدنا ينفر من أحب الناس إليه، ومن أحب المجالس إليه بسبب ما يطرأ عليه من آلام المرض، فكيف بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يتوجع أشد مما يتوجع به رجلان؟ كما جاء في حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -:"إني أوعك كما يوعك رجلان منكم قلت ذلك أن لك أجرين قال أجل ذلك" (¬2). وهذا من باب ما يعرض للأنبياء من عوارض المرض بوصفهم بشراً وليس بوصف النبوة، وهذا أمر طبعي فالنبي - صلى الله عليه وسلم - جاع وعطش ومرض وجرح وكسرت رباعيته الشريفة، وسحر، وطرأت عليه ما يطرأ على غيره من البشر، وهذا من كمال نبوته فهو أسوة للناس - صلى الله عليه وسلم - يجوع كما يجوعون ويمرض كما يمرضون ولكنه مع هذا فهو لا يقول إلا حقاً ولا ينطق إلا صدقاً، وهذا كله في غير التبليغ فهو معصوم فيه: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} النجم3 - 4. قال النووي:" أعلم أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - معصوم من الكذب ومن تغيير شيء من الأحكام الشرعية في حال صحته وحال مرضه، ومعصوم من ترك بيان ما أمر ببيانه وتبليغ ما أوجب الله عليه تبليغه، وليس معصوماً من الأمراض والأسقام العارضة للأجسام ونحوها، مما لا نقص فيه لمنزلته ولا فساد لما تمهد من شريعته وقد سحر - صلى الله عليه وسلم - حتى صار يخيل إليه أنه فعل الشيء ولم يكن فعله ولم يصدر منه - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحال كلام في الأحكام مخالف لما سبق من الأحكام التي قررها فإذا علمت ما ذكرناه فقد " (¬3). وقال أيضاً:"معناه دعوني من النزاع واللغط الذي شرعتم فيه، فالذي أنا فيه من مراقبة الله تعالى والتأهب للقائه والفكر في ذلك ونحوه أفضل مما أنتم فيه" (¬4). قال ابن الجوزي:"يحتمل أن يكون المعنى دعوني فالذي أعاينه من كرامة الله التي أعدها لي بعد فراق الدنيا خير مما أنا فيه في الحياة أو أن الذي أنا فيه من المراقبة والتأهب للقاء الله، والتفكر في ذلك ونحوه، أفضل من الذي تسألونني فيه من المباحثة عن المصلحة في الكتابة أو عدمها ويحتمل أن يكون المعنى فإن امتناعي من أن أكتب لكم خير مما تدعونني إليه من الكتابة" (¬5). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (90) وغيرها من المواضع ومسلم 3/ 12 (466). (¬2) قطعة من حديث أخرجه البخاري (5336)،ومسلم 8/ 14 (6724) وغيرهما. (¬3) شرح النووي 11/ 76. (¬4) المصدر نفسه. (¬5) فتح الباري 8/ 132.

وتعقبه الحافظ فقال:" ويحتمل عكسه، أي الذي أشرت عليكم به من الكتابة خير مما تدعونني إليه من عدمها بل هذا هو الظاهر وعلى الذي قبله كان ذلك الأمر اختبارا وامتحانا فهدى الله عمر لمراده وخفي ذلك على غيره" (¬1). :"والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد عزم على أن يكتب الكتاب الذي ذكره لعائشة، فلما رأى أن الشك قد وقع، علم أن الكتاب لا يرفع الشك، فلم يبق فيه فائدة، وعلم أن الله يجمعهم على ما عزم عليه، كما قال:" ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر" (¬2). أما عن تهمة بعض المرضى للصحابة كون النبي - صلى الله عليه وسلم - طردهم من بيته تشبثاً بظاهر هذا الحديث وأمثاله، فالذي يتهم الصحابة بهذا فإنه لزاماً يتهم علياً - رضي الله عنه - لأنه كان فيهم، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يستثن أحداً من الناس وإنما أطلق (قوموا عني). ثم تأمل فيما أورده الكليني عن موسى بن جعفر رحمه الله تعالى قال:"قلت لأبي عبد الله عليه السلام: كان أمير المؤمنين كاتب الوصية ورسول الله (ص) المملي عليه وجبرئيل والملائكة المقربون عليهم السلام؟؟ قال: فأطرق طويلاً ثم قال: يا أبا الحسن قد كان ما قلت ولكن حين نزل برسول الله (ص) الأمر نزلت الوصية من عند الله كتاباً مسجلا ً نزل بها جبرئيل مع أمناء الله تبارك وتعالى من الملائكة فقال جبرائيل: يامحمد مُر بإخراج من عندك إلا وصيك ليقبضها منّا وتشهدنا ليقبضها منّا وتشهدنا بدفعك إياها إليه ضامناً لها ـ يعني علياً (ع) - وفاطمة فيما بين الستر والباب ... (الحديث) (¬3)!! فهذا النص يعارض تهمتكم للصحابة ولعمر رضي الله عنهم، ويخالف أصل دعوتكم أن عمر منع النبي - صلى الله عليه وسلم - من الكتابة، فجبريل هو من طلب من النبي - صلى الله عليه وسلم - اخراج من عنده إلا علي بن أبي طالب لتبليغ الوصية. ولا يفهم من قوله (قوموا عني) غضباً أو أنه طردهم! كما يظن بعض المرضى، وإنما هو حسم للخلاف، فقد صح في الحديث الذي أخرجه الشيخان من حديث جندب بن عبد الله - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" اقرؤوا القرآن ما ائتلفت قلوبكم فإذا اختلفتم فقوموا عنه " (¬4).فهل قوله - صلى الله عليه وسلم - ههنا قوموا عنه يريد تركه أو مخالفته؟! أم يريد ترك الخلاف وحسمه. ¬

_ (¬1) المصدر نفسه. (¬2) منهاج السنة 1/ 395. (¬3) أصول الكافي 1/ 311. (¬4) أخرجه البخاري (4773) و (6930) وغيره.

المطلب السادس وصاياه - صلى الله عليه وسلم -.

المطلب السادس وصاياه - صلى الله عليه وسلم -. ذكر ابن عباس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أوصى الناس بثلاث وصايا: الأولى: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب. وأصل الجزر في اللغة: القطع (¬1). وقد اختلف في تحديد جزيرة العرب، فقال يعقوب بن محمد الزهري كما جاء في إحدى روايات الحديث: هي مكة والمدينة واليمامة واليمن، ونقل مثله عن مالك رحمه الله (¬2). وروى الإمام مالك عن ابن شهاب رحمهما الله أنه قال: "جزيرة العرب المدينة" (¬3). وقال الإمام أحمد رحمه الله:" جزيرة العرب المدينة وما والاها يعني أن الممنوع من سكنى الكفار به المدينة وما والاها وهو مكة والمدينة وخيبر والينبع. وقيل: ومخاليفها وما والاها وهو قول الشافعي لأنهم لم يجلوا من تيماء ولا من اليمن" (¬4). وقال الزبير بن بكار:"جزيرة العرب ما بين العذيب إلى حضر موت، وحضر موت آخر اليمن" (¬5). وقال الخليل بن أحمد: "سميت جزيرة العرب لأن بحر فارس وبحر الحبشة والفرات ودجلة أحاطت بها، وهي أرض العرب ومعدنها " (¬6). وقال أبو عبيد:"قال الأصمعي جزيرة العرب ما بين أقصى عدن اليمن إلى ريف العراق في الطول وأما في العرض فمن جدة وما والاها إلى أطراف الشام. وقال أبو عبيدة: هي ما بين حفر أبي موسى إلى أقصى اليمن في الطول، وأما في العرض فما بين رمل يرين إلى منقطع السماوة" (¬7). وقال النووي:"ولا يُمنع الكفار من التردد مسافرين في الحجاز ولا يمكنون من الإقامة فيه أكثر من ثلاثة أيام، قال الشافعي وموافقوه: إلا مكة وحرمها فلا يجوز تمكين كافر من دخوله بحال فإن دخله في خفية وجب ¬

_ (¬1) ينظر: الصحاح الجوهري 2/ 175،والقاموس المحيط 1/ 465 مادة (جزر). (¬2) فتح الباري 6/ 171،وينظر خصائص جزيرة العرب، بكر أبو زيد ص 19. (¬3) شرح النووي 11/ 78،وفتح الباري 6/ 171. (¬4) الشرح الكبير10/ 263. (¬5) فتح الباري 6/ 171. (¬6) المغني، ابن قدامة 10/ 306،وشرح النووي 11/ 78،وفتح الباري 6/ 171. (¬7) المغني، ابن قدامة 10/ 306،وشرح النووي 11/ 78،وفتح الباري 6/ 171.

الثانية: أجيزوا الوفود بنحو ما كنت أجيزهم

إخراجه فإن مات ودفن فيه نبش وأخرج مالم يتغير هذا مذهب الشافعي وجماهير الفقهاء وجوز أبو حنيفة دخولهم الحرم " (¬1). وقال الشافعي:"لا يدخلون الحرم أصلاً إلا بإذن الإمام لمصلحة المسلمين خاصة" (¬2). وقال ابن قدامة:" ويمنعون من الاقامة بالحجاز كالمدينة واليمامة وخيبر وفدك وما والاها، وبهذا قال مالك والشافعي إلا أن مالكاً، قال: أرى أن يجلوا من ارض العرب كلها لان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"لا يجتمع دينان في جزيرة العرب". وروى أبو داود بإسناده عن عمر - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:"لأخرجنّ اليهود والنصارى من جزيرة العرب فلا أترك فيها إلا مسلماً" (¬3). قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح (¬4)." (¬5). الثانية: أجيزوا الوفود بنحو ما كنت أجيزهم. لما قدمت الوفود إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - مسلمة سنة تسع للهجرة، حتى سمي ذاك العام عام الوفود، أكرمهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأجاب سؤالهم، وكان يعطيهم جوائز فيعطي الواحد منهم أوقية من فضة، وهي أربعون درهماً، فأوصى النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته من بعده إلا يتخلفوا عن هذه السنة، قال المهلب:" في حديث ابن عباس أن جوائز الوفود سنّة " (¬6). فالوافد: هو القادم على القوم والرسول إليهم " (¬7). والجائزة العطية، وقيل في أصل الإجازة: أن ناسا وفدوا على ملك من الملوك وهو قائم على قنطرة، فقال: أجيزوهم فصاروا يعطون الرجل ويطلقونه فيجوز على القنطرة متوجهاً فسميت عطية من يقدم على الكبير جائزة، وتستعمل أيضا في إعطاء الشاعر على مدحه ونحو ذلك (¬8). وقال القرطبي:" وهذا منه - صلى الله عليه وسلم - عهدٌ ووصيةٌ لولاة المسلمين بإكرام الوفود، والإحسان إليهم، قضاء لحق قصدهم، ورفقًا بهم، واستئلافًا لهم" (¬9). ¬

_ (¬1) شرح مسلم 11/ 78،وينظر المجموع19/ 428. (¬2) فتح الباري 6/ 171. (¬3) سنن أبي داود (2635). (¬4) جامع الترمذي (1532). (¬5) المغني 10/ 306. (¬6) شرح ابن بطال 5/ 346. (¬7) ينظر المفهم 4/ 74،وشرح النووي 11/ 76،وفتح الباري 5/ 316. (¬8) ينظر فتح الباري 5/ 315،وعمدة القاري 26/ 348. (¬9) المفهم 4/ 74.

الثالثة: "وسكت عن الثالثة أو قال: فنسيتها"

وقال النووي:"قال العلماء هذا أمر منه - صلى الله عليه وسلم - بإجازة الوفود وضيافتهم واكرامهم تطييباً لنفوسهم وترغيباً لغيرهم من المؤلفة قلوبهم ونحوهم، وإعانة على سفرهم" (¬1). وسواء كان الوفد مسلمين أو كفارا لأن الكافر إنما يفد غالبا فيما يتعلق بمصالحنا ومصالحهم (¬2). الثالثة: "وسكت عن الثالثة أو قال: فنسيتها" وقد اختلف في من الذي سكت أو نسي؟ قال النووي:" الساكت ابن عباس، والناسي سعيد بن جبير" (¬3). قال الحافظ:"قوله: يحتمل أن يكون القائل ذلك هو سعيد بن جبير، ثم وجدت عند الإسماعيلي التصريح بأن قائل ذلك هو ابن عيينة. وفي "مسند الحميدي" ومن طريقه أبو نعيم في "المستخرج": قال سفيان: قال سليمان أي ابن أبي مسلم: لا أدري أذكر سعيد بن جبير الثالثة فنسيتها أو سكت عنها. وهذا هو الأرجح" (¬4). وقال المهلب الثالثة:"هي تجهيز جيش أسامة - رضي الله عنه - " (¬5). وقواه ابن بطال، وقال:" وفيه دليل أن الوصية المدعاة لعليٍ باطلة؛ لأنه لو كان وصياً كما زعموا لعلم قصة جيش أسامة كما علم ذلك أبو بكر، وما جهله" (¬6). وقال القاضي عياض:" ويحتمل هذا قوله عليه السلام:" لا تتخذوا قبري وثناً يعبد". فقد ذكر مالك في الموطأ (¬7) معناه" (¬8). وقال الداودي: "الثالثة الوصية بالقرآن، وبه جزم ابن التين" (¬9). ويحتمل أن يكون ما وقع في حديث أنس أنها قوله: "الصلاة وما ملكت أيمانكم" (¬10). ¬

_ (¬1) شرح النووي 11/ 76. (¬2) ينظر إكمال المعلم 5/ 383،وشرح النووي 11/ 76. (¬3) شرح النووي 11/ 79. (¬4) فتح الباري 5/ 261. (¬5) شرح ابن بطال 5/ 214،وفتح الباري 5/ 261. (¬6) المصدر نفسه. (¬7) الموطأ (376). (¬8) إكمال المعلم 5/ 383. (¬9) فتح الباري 5/ 261،وعمدة القاري 26/ 348. (¬10) أخرجه أحمد 3/ 117،والنسائي في الكبرى 4/ 258، عن أنس - رضي الله عنه - قال: كانت عامة وصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين حضره الموت:"الصلاة وما ملكت أيمانكم حتى جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغرغر بها صدره وما يكاد يفيض بها لسانه ".بإسناد صحيح.

والذي يظهر أنّ سبب هذا الاختلاف في ما وصّى به النبي - صلى الله عليه وسلم - عائد إما إلى أن كل صحابي ينفي أو يثبت بنحو ما سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم -،فأنس - رضي الله عنه - يذكر آخر وصية قالها النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يغرغر بأبي هو وامي والناس أجمعين، وهذه الوصايا الثلاث إنما ذكرها النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل وفاتة بأيام، فلا تعارض. وقد تمسك بعض المبتدعة وتشبثوا بهذه الوصية الثالثة زاعمين أن أهل السنة حذفوها أو بعض الرواة كتموها! قال صاحب المراجعات: " ومع ذلك فقد أوصاهم عند موته بوصايا ثلاث: أن يولوا عليهم علياً، وأن يخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأن يجيزوا الوفد بنحو ما كان يجيزه، لكن السلطة والسياسة يومئذ ما أباحتا للمحدثين بوصيته الأولى، فزعموا أنهم نسوها " (¬1). وهو مردود باطل، فلو كان هناك ما يخفى أو يمنع من الإظهار إلى العلن –جدلاً- فلماذا يقول:"نسيتها" أو "تركتها"؟ بل تحذف الثالثة وتصبح الوصية أمرين فقط؟ علماً أن في الروايات الحديثية مثل ذلك كثير، منها: ما اخرجه أحمد بسنده عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"زينوا القرآن بأصواتكم ".كنت نسيتها فذكرنيها الضحاك بن مزاحم (¬2). وكذا ما أخرجه باسناده عن سيار بن سلامة قال: دخلت أنا وأبي على أبي برزة فسألناه عن وقت صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: "كان يصلي الظهر حين تزول الشمس والعصر يرجع الرجل إلى أقصى المدينة والشمس حية والمغرب قال سيار نسيتها والعشاء لا يبالي بعد تأخيرها إلى ثلث الليل وكان لا يحب النوم قبلها والحديث بعدها وكان يصلي الصبح فينصرف الرجل فيعرف وجه جليسه وكان يقرأ فيها ما بين الستين إلى المائة قال سيار لا أدري في إحدى الركعتين أو في كلتيهما" (¬3). ونظراء هذا كثير لمن تتبع. وهنا نسأل فلماذا لم تكن هذه الوصية الثالثة هي باستخلاف أبي بكر- مثلا-ولا سيما أنه قد تعددت شواهده! فنسيها ابن عباس - رضي الله عنه - أو الراوي عنه عبيد الله –جدلاً-؟ ولو فتحنا مثل هذه التساؤلات في الروايات لردت أمور ثابتة، وابتدعت أخرى وتحرف دين الله تعالى. ثم لماذا يكتمها ابن عباس –جدلاً- أو عبيد الله؟ بعد خلافة علي - رضي الله عنه -؟ على علمهم بإثم من كتم الشهادة، رضي الله عنهم أجمعين. ¬

_ (¬1) المراجعات ص 255/ 284. (¬2) المسند 4/ 304. (¬3) المسند 4/ 425.

المطلب السابع قول ابن عباس - رضي الله عنه - (الرزية كل الرزية)

قال الحافظ ابن حجر:" أخرج ابن حبان الحديث من طريق ابن عيينة عن مالك بن مغول بلفظ يزيل الإشكال فقال: "سئل ابن أبي أوفى: هل أوصى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: ما ترك شيئا يوصي فيه. قيل: فكيف أمر الناس بالوصية ولم يوص؟ قال: أوصى بكتاب الله"، وقال القرطبي: استبعاد طلحة واضح لأنه أطلق، فلو أراد شيئا بعينه لخصه به، فاعترضه بأن الله كتب على المسلمين الوصية وأمروا بها فكيف لم يفعلها النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فأجابه بما يدل على أنه أطلق في موضع التقييد، قال: وهذا يشعر بأن ابن أبي أوفى وطلحة بن مصرف كانا يعتقدان أن الوصية واجبة، كذا قال، وقول ابن أبي أوفى "أوصى بكتاب الله" أي بالتمسك به والعمل بمقتضاه، ولعله أشار لقوله صلى الله عليه وسلم: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لم تضلوا كتاب الله"، وأما ما صح في مسلم وغيره أنه صلى الله عليه وسلم: "أوصى عند موته بثلاث: لا يبقين بجزيرة العرب دينان" وفي لفظ: "أخرجوا اليهود من جزيرة العرب" وقوله: "أجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم به" ولم يذكر الراوي الثالثة، وكذا ما ثبت في النسائي أنه - صلى الله عليه وسلم - "كان آخر ما تكلم به الصلاة وما ملكت أيمانكم" وغير ذلك من الأحاديث التي يمكن حصرها بالتتبع، فالظاهر أن ابن أبي أوفى لم يرد نفيه، ولعله اقتصر على الوصية بكتاب الله لكونه أعظم وأهم، ولأن فيه تبيان كل شيء إما بطريق النص وإما بطريق الاستنباط، فإذا اتبع الناس ما في الكتاب عملوا بكل ما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم به لقوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} الآية، أو يكون لم يحضر شيئا من الوصايا المذكورة أو لم يستحضرها حال قوله، والأولى أنه إنما أراد بالنفي الوصية بالخلافة أو بالمال، وساغ إطلاق النفي أما في الأول فبقرينة الحال وأما في الثاني فلأنه المتبادر عرفا، وقد صح عن ابن عباس: "أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يوص" أخرجه ابن أبي شيبة من طريق أرقم بن شرحبيل عنه، مع أن ابن عباس هو الذي روى حديث أنه - صلى الله عليه وسلم - أوصى بثلاث، والجمع بينهما على ما تقدم " (¬1). المطلب السابع قول ابن عباس - رضي الله عنه - (الرزية كل الرزية). وقال ابن حجر:" قوله يوم الخميس هو خبر لمبتدأ محذوف أو عكسه، وقوله: وما يوم الخميس يستعمل عند إرادة تفخيم الأمر في الشدة والتعجب منه زاد في أواخر الجهاد من هذا الوجه ثم بكى حتى خضب دمعه الحصي. ولمسلم من طريق طلحة بن مصرف عن سعيد بن جبير ثم جعل تسيل دموعه حتى رأيتها على خديه كأنها نظام اللؤلؤ وبكاء بن عباس يحتمل لكونه تذكر وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتجدد له الحزن عليه ويحتمل أن يكون أنضاف إلى ذلك ما فات في معتقده من الخير الذي كان يحصل لو كتب ذلك الكتاب ولهذا أطلق في الرواية الثانية أن ذلك رزية ثم بالغ فيها فقال كل الرزية وقد تقدم في كتاب العلم الجواب عمن أمتنع من ذلك ¬

_ (¬1) فتح الباري 5/ 261.

كعمر - رضي الله عنه - قوله اشتد برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعه زاد في الجهاد يوم الخميس وهذا يؤيد أن ابتداء مرضه كان قبل ذلك " (¬1). قلت: هكذا جاء في بعض الروايات أنّ ابن عباس - رضي الله عنه - كان يقول حينما يذكر هذا الحديث:"الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب".والتي راح بعض المبتدعة يتشبثون بها افتراء أنّ ابن عباس قصد بها عمر - رضي الله عنه - ويجاب عليهم: أنّ النص واضح كون ابن عباس بين سبب ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - للكتابة وهو اختلاف بعض الصحابة، فقال عبيد الله فكان يقول ابن عباس: إنّ الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله - رضي الله عنه - وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب (لاختلافهم ولغطهم)،فالسبب إذن: اللغط والاختلاف في الأمر، فأين ذكر عمر - رضي الله عنه - فيه؟ ووجه ابن تيمية رحمه الله الأمر توجيهاً رائعاً إذ قال:" وقول ابن عباس - رضي الله عنه - إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين أنْ يكتب الكتاب يقتضي أن هذا الحائل كان رزية وهو رزية في حق من شك في خلافة الصديق أو اشتبه عليه الأمر فإنه لو كان هناك كتاب لزال هذا الشك فأما من علم أن خلافته حق فلا رزية في حقه" (¬2). فإنه لو خيرا لما تركه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،وإن كانت الوصية واجبة فلا يجوز للنبي - صلى الله عليه وسلم - أن يترك واجباً. فالنبي - صلى الله عليه وسلم - أحرص الأنبياء على أمته بل وعلى جميع الناس، كما جاء في أحاديث الشفاعة العظمى والمقام المحمود، ولم يغمض عينيه إلا بعد أن بلغ رسالة ربه عز وجل، قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} المائدة3. فالنبي - صلى الله عليه وسلم - شهيد على أمته، وأمته شهيدة على الناس، كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} البقرة143. وأخرج البخاري بسنده عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"يدعى نوح يوم القيامة فيقول لبيك وسعديك يا رب فيقول هل بلغت فيقول نعم فيقال لأمته هل بلغكم فيقولون ما أتانا من نذير ¬

_ (¬1) فتح الباري 8/ 132. (¬2) منهاج السنة6/ 25.

فيقول من يشهد لك فيقول محمد وأمته فتشهدون أنه قد بلغ {ويكون الرسول عليكم شهيدا} فذلك قوله جل ذكره {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا} (¬1). ولا أدري كيف تكون هذه الأمة المعدلة بنصّ القرآن والسنة خير الأمم شهيدة للأنبياء على أممهم بين يدي الله، وهي مرتدة خائنة تاركة لوصية نبيها –حاشاها-!! فالرزية كل الرزية ليست في حق من زكّاهم القرآن وشهد بفضلهم الملائكة والأنس والجآن، بل الرزية كل الرزية، والطامة كل الطامة في حق من خسر دينه ودنياه، فراح يمجد في أمة الأعاجم، ويفتخر بحضارة فارس، ثم يلعن ويسب أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - وأهل بيته، واتباعه! ولإن بكى ابن عباس - رضي الله عنه - دموعاً على خديه، لاختلاف الناس على نبيهم، فلا أحسبه إلا أن يبكي دماً على من يفتري على الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ويطعن في خير الأنبياء وخير الأجيال وخير الأمم؟ بل كأني به شحذ سيفه وسل رمحه ليقطع ألسنة الكذب ورؤوس الضلالة. ¬

_ (¬1) صحيحه (4487).

أهم النتائج

أهم النتائج بعد عرض هذا الحديث ومناقشته يمكن تلخيص أهم نتائج البحث بما يلي: 1 - الحديث صحيح وارد في أصح دواوين الإسلام صحيحي البخاري ومسلم. 2 - ورد الحديث من طريق سعيد بن جبير وعبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس - صلى الله عليه وسلم -، أما طريق سعيد بن جبير فلم يقع فيه اختلاف في لفظه، لذا فالإمامان خرجاه أصلاً في الباب، وأما طريق عبيد الله فوقع فيه اختلاف على الزهري روي عنه بألفاظ مختلفة جداً، بعضها أصح من بعض، وأصحها طريق معمر عن الزهري وألفاظه قريبة من ألفاظ طريق سعيد بن جبير، فلعل البخاري ومسلم أخرجاه متابعاً لحديث سعيد لهذا السبب. 3 - تبين بطلان ما تنسبه المبتدعة إلى عمر - رضي الله عنه - أنه قال في النبي - صلى الله عليه وسلم -:يهجر، فلم يثبت في طريق صحيح هكذا لفظة عنه، والصحيح في هذه اللفظة:"أهجر استَفْهِموه؟ "،قالها بعض الصحابة ممن تأخر إسلامهم على سبيل الاستفهام ويتضح بقولهم: استفهموه، أي اطلبوا من تكرار ما يقول، لا كما يفتريه بعض الناس أنهم قصدوا أنه يهذي -حاشاه-. 4 - قول عمر - رضي الله عنه -:"حسبكم كتاب الله .. " قالها حسماً للخلاف والنزاع وليس كما يفتري المبتدعة أنه استغناءٌ عن السنة النبوية. 5 - وبينا في طيات البحث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حينما قال:"قوموا عني فالذي أنا فيه خير .. "هو خطاب موجه لمن حوله لما اختلفوا وتنازعوا في أمر الكتابة، وناتج من شدة ما يصيب المريض من الانزعاج وهذا أمر طبعي. لا كما يزعمه المبتدعة. 6 - بينّا أن نسيان الوصية الثالثة أو تركها من ابن عباس - رضي الله عنه - أو من الراوي عنه (عبيد الله)،أمر سائغ ومألوف، ولا يبطن تحته ما لا يظهر لا كما يفتريه المبتدعة زاعمين أنه من قبيل الكتمان. 7 - بينا معنى الرزية في قول ابن عباس - رضي الله عنه -:"الرزية كل الرزية .. "،وأن المراد منها اختلاف الصحابة على الكتابة التي أمر بها النبي - صلى الله عليه وسلم - وضياع أمر مهم من وصاياه - صلى الله عليه وسلم -. 9 - وضحنا أنّ أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالكتاب لم يكن من قبيل الواجبات التي لا تترك، وإلا لما تركها النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد عاش بعدها أياماً ثلاثة، وأوصى بوصايا كثيرة. 10 - اتضح بطلان دعوة من زعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خص علياً - رضي الله عنه - بوصية خاصة، كما يدعيه المبتدعة.

أهم المصادر والمراجع

أهم المصادر والمراجع * القرآن الكريم. * الاحتجاج: لأبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي، منشورات الأعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان، ط الثانية 1403هـ * 1983م. * الاختصاص: محمد بن محمد بن النعمان الملقب (بالمفيد) تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم، إيران. * الإصابة في تمييز الصحابة: للإمام شهاب الدين أحمد بن حجر العسقلاني، تحقيق: طه محمد الزيني، مكتبة ابن تيمية، القاهرة 1414هـ. * أصل الشيعة وأصولها: محمد الحسين آل كاشف الغطاء، ط الرابعة 1402هـ، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان. * أصول السنة: لأبي بكر عبد الله بن الزبير الحميدي، تحقيق: د. عبد الله ابن سليمان الغفيلي، نشر وتوزيع دار البخاري، المدينة المنورة، ط الأولى 1416هـ. * أعلام الموقعين عن رب العالمين: لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية، تعليق: طه عبد الرؤوف سعد، الناشر: مكتبة الكليات الأزهرية 1388هـ. * أمالي الطوسي: تأليف شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، ط الثانية 1401هـ. * الإمامة والرد على الرافضة: للحافظ أبي نعيم الأصبهاني، المتوفى، تحقيق الدكتور علي بن محمد ناصر الفقيهي، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، الطبعة الأولى 1407هـ. * أمل الآمل: محمد بن الحسن (الحر العاملي) تحقيق: أحمد الحسيني، نشر دار الكتاب الإسلامي، قم، إيران. * الانتصار للصحب والآل من افتراءات السماوي الضال، إبرهيم بن عامر الرحيلي الطبعة: الثانية، مكتبة الغرباء الأثرية. * الأنوار النعمانية: تأليف نعمة الله الموسوي الجزائري، مطبعة شركة جاب تبريز، إيران. * الأنوار الوضية في العقائد الرضوية: حسين بن الشيخ محمد العصفور البحراني، تحقيق: أبو أحمد أحمد ابن خلف بن أحمد العصفور البحراني. * الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة: تأليف محمد بن الحسن الحر العاملي، المطبعة العلمية، قم، إيران. * بحار الأنوار الجامعة لدور أخيار الأئمة الأطهار: تأليف محمد باقر المجلسي، ط الثانية 1403هـ، مؤسسة الوفاء.

* البداية والنهاية: للحافظ ابن كثير، تحقيق: د. أحمد أبو ملحم، د. علي نجيب عطوي، دار الريان للتراث، الطبعة الأولى 1408هـ. * بذل المجهود في إثبات مشابهة الرافضة لليهود: تأليف عبدالله الجميلي، مكتبة الغرباء الأثرية، المدينة المنورة، الطبعة الثانية 1414هـ. * البرهان في تفسير القرآن: لهاشم بن سليمان الحسيني البحراني، المطبعة العلمية، قم، إيران، ط 1393هـ. * بطلان عقائد الشيعة: محمد عبدالستار التونسوي، دار النشر الإسلامية العالمية، فيصل أباد، باكستان. * تاريخ الخلفاء: للإمام جلال الدين السيوطي، تحقيق: الشيخ قاسم الرفاعي، الشيخ محمد العثماني، دار القلم، بيروت، لبنان، ط الأولى 1406هـ. * تاريخ الطبري (تاريخ الأمم والملوك):لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم. * تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة من روايات الطبري والمحدثين: د. محمد أمحزون، مكتبة الكوثر، الرياض، ط الأولى 1415هـ. * التعريفات: لأبي الحسن الجرجاني، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر. * تفسير القمي: لأبي الحسن علي بن إبراهيم القمي، ط الثانية 1387هـ، مطبعة النجف. * تلبيس إبليس: للحافظ أبي الفرج عبدالرحمن بن الجوزي البغدادي، دار المدني للطباعة والنشر. * التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع: لمحمد بن أحمد بن عبدالرحمن الملطي (ت377هـ) تعليق: محمد زاهد الكوثري، مكتبة المثنى بغداد، مكتبة المعارف، بيروت 1388هـ. * ثم اهتديث: د. محمد التيجاني السماوي، مؤسسة الفجر، لندن. * الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة: للحافظ قوام السنة أبي القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل الأصبهاني بتحقيق: د. محمد بن ربيع مدخلي (الجزء الأول) والشيخ محمد بن محمود أبو رحيم (الجزء الثاني) دار الراية للنشر، ط الأولى 1411هـ. * الحكومة الإسلامية: آية الله الخميني، من منشورات المكتبة الإسلامية الكبرى. * الخصال: لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي (الصدوق) تصحيح: علي أكبر الغفاري، نشر مكتبة الصدوق، دار التعارف. * دلائل النبوة ـ لأبي بكرالبيهقي، تحقيق: الدكتور عبد المعطى قلعجى، دار الكتب العلمية ـ ودار الريان للتراث، ط1 1988 م. * رجال الطوسي: لأبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، المطبعة الحيدرية في النجف، 1380هـ. * رجال الكشي (معرفة أخبار الرجال):تأليف محمد بن عمر بن عبدالعزيز الكشي، المطبعة الصفوية ببلدة بمبئ باي دهوني. * الرجعة: أحمد بن زين الدين الأحسائي، الطبعة الثانية منشورات مكتبة العلامة الحائري العامة، كربلاء. * رسالة في الرد على الرافضة: لأبي حامد محمد المقدسي (ت888هـ) تحقيق: عبدالوهاب خليل الرحمن، الدار السلفية، الهند، ط الأولى 1403هـ. * رسالة في الرد على الرافضة: للشيخ محمد بن عبدالوهاب، تحقيق: ناصر بن سعد الرشيد، ط الثانية 1400هـ. * سنن ابن ماجه: للإمام الحافظ أبي عبدالله بن يزيد القزويني (ت275هـ) تحقيق: محمد فؤاد عبدالباقي، مطبعة دار إحياء الكتب العربية. * سنن أبي داود: للإمام الحافظ أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني (ت275هـ) تعليق: عزت عبيد الدعاس، عادل السيد، دار الحديث، حمص، سورية. * (الجامع الصحيح):لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي (ت297هـ) تحقيق: إبراهيم عطوه عوض، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر. * سنن الدارمي: للإمام الحافظ عبدالله بن عبدالرحمن الدارمي، تحقيق: فؤاد أحمد زمزلي، خالد السبع العلمي، دار الريان، ط الأولى 1407هـ. * السنن الكبرى: للإمام أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي، دارا لفكر. * سنن النسائي (المجتبى):للإمام الحافظ أبي عبدا لرحمن بن شعيب النسائي، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي بمصر، ط 1383هـ. * سير أعلام النبلاء: للإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، ط التاسعة 1413هـ. * شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: لأبي القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري اللالكائي، تحقيق: د. أحمد بن سعد حمدان الغامدي، دار طيبة للنشر، الرياض. * شرح صحيح البخاري، لأبي الحسن علي بن خلف بن عبد الملك بن بطال البكري القرطبي تحقيق: أبو تميم ياسر بن إبراهيم،، مكتبة الرشد * السعودية / الرياض ط2،2003م * شرح صحيح مسلم: للإمام أبي زكريا يحيى بن شرف النووي، المطبعة المصرية، بالأزهر، ط الأولى 1347هـ.

* شرح العقيدة الطحاوية: للإمام القاضي علي بن علي بن محمد بن أبي العز الحنفي، تحقيق: د. عبدا لله بن عبد المحسن التركي، شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، ط الثانية 1413هـ. * شرح نهج البلاغة، لأبي حامد عز الدين بن هبة الله بن محمد بن محمد بن أبي الحديد المدائني حقيق: محمد عبد الكريم النمري، دار الكتب العلمية * بيروت / لبنان، طا 1998م * الشريعة: للإمام أبي بكر محمد بن الحسن الآجري، تحقيق: محمد حامد الفقي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط الأولى 1403هـ. * الشفا بتعريف حقوق المصطفى * مذيلا بالحاشية المسماة مزيل الخفاء عن ألفاظ الشفاء ،العلامة القاضي أبو الفضل عياض اليحصبي. * الشيعة والتشيع: للشيخ إحسان إلهي ظهير، نشر ادارة ترجمان السنة، لاهور، باكستان، ط الثانية 1404هـ. * الصارم الحديد في عنق صاحب سلاسل الحديد: للعلامة أبي الفوز محمد أمين بن علي السويدي (ت1246هـ) تحقيق: د. سعد الشهري، د. فهد السحيمي، د. جازي الجهني، رسائل علمية مطبوعة على الآلة الكاتبة. * صحيح البخاري: للإمام الحافظ أبي عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري المطبوع مع فتح الباري لابن حجر، ترقيم محمد فؤاد عبدالباقي، تصحيح: محب الدين الخطيب، الناشر دار المعرفة، بيروت. * صحيح مسلم: للإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، المكتبة الإسلامية، استانبول، تركيا. * عقائد الإمامية الإثني عشرية: تأليف الموسوي الزنجاني النجفي، مؤسسة الوفاء، بيروت، لبنان. * علل الشرائع: لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي، منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها في النجف 1385هـ * 1966م. * العواصم من القواصم في تحقيق مواقف الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم: للإمام القاضي أبي بكر محمد بن عبدالله ابن العربي (ت543هـ) تحقيق: محب الدين الخطيب، دار الكتب السلفية، ط الأولى 1405هـ. * الغيبة: لأبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، ط الثانية، طبع في مطابع النعمان. * فتح الباري شرح صحيح البخاري، لأبي الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني، تحقيق: عبد العزيز بن عبد الله بن باز ومحب الدين الخطيب، رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه وذكر أطرافها: محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر: دار الفكر (مصور عن الطبعة السلفية). *

* الفرق بين الفرق: لعبد القاهر بن ظاهر بن محمد البغدادي، تحقيق: محمد محيى الدين عبدالحميد، دار المعرفة، بيروت، لبنان. * فرق الشيعة: للحسن بن موسى النوبختي، ط الثانية 1404هـ * 1984م، منشورات دار الأضواء، بيروت، لبنان. * فصل الخطاب في اثبات تحريف كتاب رب الأرباب: حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي، طبعة حجرية. * الفصل في الملل والأهواء والنحل: للإمام أبي محمد علي بن أحمد المعروف بابن حزم الأندلسي، تحقيق: د. محمد إبراهيم نصر، د. عبدالرحمن عميرة، دار الجيل، بيروت،1405هـ. * فضائل الصحابة: للإمام أبي عبدالله أحمد بن حنبل (ت241هـ) تحقيق: وصي الله بن محمد عباس، ط جامعة أم القرى، ط الأولى 1403هـ. * القاموس المحيط: للعلامة محمد بن يعقوب الفيروز أبادي، ط عالم الكتب، بيروت، لبنان. * الكافي: لأبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، الناشر دار الكتب الإسلامية، طهران. * كتاب سليم بن قيس الكوفي: منشورات مؤسسة الأعلمي، بيروت، لبنان. * كشف الأسرار: روح الله الخميني، ترجمه عن الفارسية: د. محمد البنداري وعلق عليه: سليم الهلالي، ط الأولى 1408هـ * 1987م، دار عمار للنشر والتوزيع، عمان. * كشف أسرار الباطنية وأخبار القرامطة وكيفية مذهبهم وبيان اعتقادهم: لمحمد بن مالك بن أبي الفضائل الحمادي (ت470هـ) تحقيق: محمد عثمان الخشت، مكتبة ابن سينا. * كشف الغمة في معرفة الأئمة: لأبي الحسن علي بن عيسى الأربلي، الناشر مكتبة بني هاشمي، تبريز، المطبعة العلمية، قم، تاريخ الطبع 1381هـ. * لأكون مع الصادقين: للدكتور محمد التيجاني السماوي، مؤسسة الفجر، لندن. * لمع الأدلة في عقائد أهل السنة: لعبد الملك بن عبدالله بن يوسف الجويني المعروف بإمام الحرمين (ت478هـ) تحقيق: فوقيه حسين محمود، القاهرة، الدار المصرية للتأليف 1385هـ. * مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: جمع وترتيب عبدالرحمن بن محمد بن قاسم وابنه محمد، تصوير الطبعة الأولى 1398هـ. * مختصر التحفة الإثني عشرية: تأليف شاه عبدالعزيز غلام حكيم الدّهلوي، اختصره وهذبه السيد محمود شكري الألوسي، تحقيق: محبّ الدين الخطيب، المطبعة السلفية، القاهرة، 1373هـ.

* مرآة العقول في شرح أخبار الرسول: محمد باقر المجلسي، ط الثانية 1404هـ، دار الكتب الإسلامية، طهران. * المستدرك على الصحيحين: للإمام أبي عبد الله الحاكم النيسابوري، تحقيق: مصطفى عبد القادرعطا، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط الأولى 1411هـ. * مسند الإمام أحمد: للإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل (ت241هـ) ملتزم النشر والطبع، دار الفكر العربي. * المغازي: لمحمد بن عمر الواقدي، تحقيق: ماردسن جونس، بيروت، عالم الكتب. * المغني: لموفق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي (ت620هـ) تحقيق: د. عبد الله بن عبد المحسن التركي، د. عبد الفتاح محمد الحلو، هجر للطباعة، القاهرة، ط الأولى 1406هـ. * المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم: للإمام الحافظ أبي العباس أحمد بن عمر القرطبي، تحقيق: محيى الدين ديب مستو، يوسف على بديوي ... دار ابن كثير، بيروت، دمشق، دار الكلم الطيب، دمشق، بيروت، ط الأولى 1417هـ. * من لا يحضره الفقيه: لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان. * منهاج السنة: لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، تحقيق: محمد رشاد سالم، طبع إدارة الثقافة والنشر بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ط الأولى، 1406هـ.

§1/1