حجة القراءات

ابن زنجلة

سورة فاتحة الكتاب

سُورَة فَاتِحَة الْكتاب بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم رب يسر 1 - الْفَاتِحَة {مَالك يَوْم الدّين} 4 قَرَأَ عَاصِم وَالْكسَائِيّ {مَالك يَوْم الدّين} بِأَلف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِغَيْر ألف وحجتهم {الْملك القدوس} و {ملك النَّاس} فتعالى الله الْملك الْحق وَكَانَ أَبُو عَمْرو يَقُول أَولا تَقولُونَ {فتعالى الله الْملك الْحق} وَحجَّة أُخْرَى ذكرهَا أَبُو عبيد وَهِي أَن كل ملك فَهُوَ مَالك

وَلَيْسَ كل مَالك ملكا لِأَن الرجل قد يملك الدَّار وَالثَّوْب وَغير ذَلِك فَلَا يُسمى ملكا وَهُوَ مَالك وَكَانَ أَبُو عَمْرو يَقُول ملك تجمع مَالِكًا وَمَالك لَا يجمع ملكا وَحجَّة أُخْرَى وَهِي أَن وَصفه بِالْملكِ أبلغ فِي الْمَدْح من وَصفه بِالْملكِ وَبِه وصف نَفسه فَقَالَ {لمن الْملك الْيَوْم} فامتدح بِملك ذَلِك وانفراده بِهِ يَوْمئِذٍ فمدحه بِمَا امتدح بِهِ أَحَق وَأولى من غَيره وَالْملك إِنَّمَا هُوَ من ملك لَا من مَالك لِأَنَّهُ لَو كَانَ من مَالك لقيل لمن الْملك بِكَسْر الْمِيم والمصدر من الْملك الْملك يُقَال هَذَا ملك عَظِيم الْملك وَالِاسْم من الْمَالِك الْملك يُقَال هَذَا مَالك صَحِيح الْملك بِكَسْر الْمِيم وَحجَّة من قَرَأَ مَالك هِيَ أَن مَالِكًا يحوي الْملك ويشتمل عَلَيْهِ وَيصير الْملك مَمْلُوكا لقَوْله جلّ وَعز قل {اللَّهُمَّ مَالك الْملك} فقد جعل الْملك للْمَالِك فَصَارَ مَالك أمدح وَإِن كَانَ يشْتَمل على مَا يشْتَمل عَلَيْهِ الْملك وعَلى ملكه سوى مَا يتلوه 1 / 2 من زِيَادَة الْألف الَّتِي هِيَ حَسَنَة قد ضمن عَنْهَا عشر حَسَنَات وَالدَّلِيل على هَذَا أَن شَاعِرًا جَاءَ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يشكو امْرَأَته فَقَالَ يَا مَالك الْملك وديان الْعَرَب

فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَه ذَلِك الله وَحجَّة أُخْرَى وَهِي قَوْله {يَوْم لَا تملك نفس لنَفس شَيْئا} فقد أخبر أَنه وَإِذا كَانَ يملك فَهُوَ مَالك وَحجَّة أُخْرَى ذكرهَا الْأَخْفَش وَهِي أَن مَالِكًا يُضَاف فِي اللَّفْظ إِلَى سَائِر الْمَخْلُوقَات فَيُقَال هُوَ مَالك النَّاس وَالْجِنّ وَالْحَيَوَان وَمَالك الرِّيَاح وَمَالك الطير وَسَائِر الْأَشْيَاء وَلَا يُقَال هُوَ ملك الرّيح وَالْحَيَوَان فَلَمَّا كَانَ ذَلِك كَذَلِك كَانَ الْوَصْف بِالْملكِ أَعم من الْوَصْف بِالْملكِ لِأَنَّهُ يملك جَمِيع مَا ذكرنَا وتحيط بِهِ قدرته وَيحكم يَوْم الدّين بَين خلقه دون سَائِر خلقه قَالَ عُلَمَاؤُنَا إِنَّمَا يكون الْملك أبلغ فِي الْمَدْح من مَالك فِي صفة المخلوقين لِأَن أحدهم يملك شَيْئا دون شَيْء وَالله يملك كل شَيْء

{صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين}

{اهدنا الصِّرَاط الْمُسْتَقيم صِرَاط الَّذين أَنْعَمت عَلَيْهِم} 5 و 6 قَرَأَ ابْن كثير فِي رِوَايَة القواس السراط وسراط بِالسِّين وحجته هِيَ أَن السِّين الأَصْل وَلَا ينْتَقل عَن الأَصْل إِلَى مَا لَيْسَ بِأَصْل وَرُوِيَ ان ابْن عَبَّاس كَانَ يقْرؤهَا بِالسِّين وَقَرَأَ حَمْزَة بإشمام الزَّاي وَرُوِيَ عَنهُ بالزاي وَهِي لُغَة للْعَرَب وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بالصَّاد وحجتهم أَنَّهَا كتبت فِي جَمِيع الْمَصَاحِف بالصَّاد قَالَ الْكسَائي هما لُغَتَانِ {صِرَاط الَّذين أَنْعَمت عَلَيْهِم غير المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين} قَرَأَ حَمْزَة عَلَيْهِم وإليهم ولديهم بِضَم الْهَاء قَرَأَ ابْن كثير وَنَافِع فِي رِوَايَة القَاضِي عَن قالون عَنهُ عليهمو وإليهمو

بِكَسْر الْهَاء وَضم الْمِيم وَيصلونَ بواو فِي اللَّفْظ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِكَسْر الْهَاء وَسُكُون الْمِيم وَاعْلَم أَن الأَصْل فِي عَلَيْهِم عَلَيْهِم بِضَم الْهَاء وَالْمِيم وَالْوَاو الَّتِي بعد الْمِيم وَالدَّلِيل على ذَلِك أَن هَذِه الْهَاء للمذكر تضم وتشبع ضمتها فيتولد مِنْهَا الْوَاو نَحْو ضَربته وَإِذا فتحت كَانَت للمؤنث نَحْو رَأَيْتهَا وَهَذِه أَيْضا وَإِن فتحت فأصلها الضَّم بِدلَالَة قَوْلك للاثنين رأيتهما وللجماعة رأيتهن وعلامة الْجمع فِي الْمُذكر إِلَى هَذِه الْهَاء هِيَ الْمِيم المضمومة الَّتِي بعْدهَا وَاو كَمَا هِيَ فِي قَوْلكُم ضربتكم وَأَصله ضربتكمو يتَبَيَّن لَك ذَلِك إِذا اتَّصل بِهِ مُضْمر آخر ترد مَعَه الْوَاو نَحْو ضربتكموه وَلَا تَقول ضربتكمه وَمِنْه قَول الله عز وَجل {أنلزمكموها} فَهَذَا مِمَّا يبين لَك أَن الأَصْل عليهمو بِضَمَّتَيْنِ وواو وَحجَّة من قَرَأَ عَلَيْهِم بِضَم الْهَاء وَسُكُون الْمِيم أَن أَصْلهَا الضَّم فأجري على أصل حركتها وَطلب الخفة بِحَذْف الْوَاو والضمة فَأتى بِأَصْل هُوَ ضم الْهَاء وَترك أصلا هُوَ إِثْبَات الْوَاو وَضم الْمِيم وَأما من قَرَأَ عَلَيْهِم فَإِنَّهُ استثقل ضمة الْهَاء بعد الْيَاء فَكسر الْهَاء لتَكون الْهَاء مَحْمُولَة على الْيَاء الَّتِي قبلهَا وَالْمِيم مَضْمُومَة للواو الَّتِي بعْدهَا فَحمل كل حرف على مَا يَلِيهِ وَهُوَ أقرب إِلَيْهِ

وَحجَّة البَاقِينَ أَن الْهَاء إِذا وَقعت بعد يَاء أَو كسرة كسرت نَحْو بِهِ وَإِلَيْهِ وَعَلِيهِ وَإِنَّمَا اختير الْكسر على الضَّم الَّذِي هُوَ الأَصْل لاستثقال الضمة بعد الكسرة أَلا ترى أَنه قد رفض فِي أصل الْبناء فَلم يجِئ بِنَاء على فعل مَضْمُومَة الْعين بعد كسر الْفَاء وَأما حذف الْوَاو فَلِأَن الْمِيم استغني بهَا عَن الْوَاو وَالْوَاو أَيْضا تثقل على ألسنتهم فَإِذا لقِيت الْمِيم ألف وَلَام فَإِنَّهُم مُخْتَلفُونَ مثل {عَلَيْهِم الذلة} وبهم الْأَسْبَاب فَقَرَأَ أَبُو عَمْرو بِكَسْر الْهَاء وَالْمِيم وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ بضمهما وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِكَسْر الْهَاء وَضم الْمِيم وَإِنَّمَا كسروا الْهَاء لمجاورة الْيَاء والكسرة وَإِنَّمَا رفعوا الْمِيم لأَنهم لما احتاجوا إِلَى تحريكها من أجل السَّاكِن الَّذِي لَقيته رد عَلَيْهَا الْحَرَكَة الَّتِي كَانَت لَهَا فِي الأَصْل وَهِي الضَّم لِأَن أصل الْمِيم الضَّم وَقد بَينا فِيمَا تقدم وَأما أَبُو عَمْرو فَإِنَّهُ لما غير الْهَاء عَن أَصْلهَا كَرَاهِيَة الثّقل فعل ذَلِك فِي الْمِيم حِين أَرَادَ تحريكها للساكن بعْدهَا فأتبع الْمِيم كسر مَا قبلهَا كَرَاهِيَة أَن يخرج من كسر إِلَى ضم فأتبع الْكسر الْكسر ليؤلف بَين الحركات عِنْد حَاجته إِلَى تَحْرِيك الْمِيم وَحجَّة من ضم الْهَاء وَالْمِيم هِيَ أَن الْمِيم لما احْتِيجَ إِلَى تحريكها من أجل السَّاكِن رد عَلَيْهَا الْحَرَكَة الَّتِي كَانَت فِي الأَصْل وَهِي الضَّم فَلَمَّا انضمت الْمِيم غلبت على الْهَاء وأخرجتها فِي حيّز مَا قبلهَا من الْكسر فَرَجَعت الْهَاء إِلَى أَصْلهَا

- سورة البقرة

2 - سُورَة الْبَقَرَة بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم {ذَلِك الْكتاب لَا ريب فِيهِ هدى لِلْمُتقين} قرأن ابْن كثير فيهي وعليهي بإشباع الْهَاء يصلها بياء وحجته أَن أَصْلهَا فيهو وعليهو ثمَّ قلبوا الْوَاو يَاء للياء الَّتِي قبلهَا وكسروا الْهَاء فَصَارَت فيهي وعليهي وَقَرَأَ ايضا فَقُلْنَا اضربوهو ومنهو بإشباع الْهَاء يصلها بواو على أَصْلهَا قَرَأَ الْبَاقُونَ فِيهِ وَعَلِيهِ من غير إشباع وحجتهم أَن الكسرة تنوب عَن الْيَاء وتدل عَلَيْهَا وَكَذَلِكَ الضمة قَالَ أهل الْبَصْرَة إِنَّمَا حذفت الْيَاء لسكونها وَسُكُون الْيَاء الَّتِي قبل الْهَاء لِأَن الْهَاء لَيست بحاجز حُصَيْن فَكَأَن السَّاكِن قبلهَا ملاق للساكن الَّذِي بعْدهَا فتحذف الْيَاء أَلا ترى أَنَّهَا إِذا تحرّك مَا قبلهَا لم تحذف مِنْهَا الْيَاء نَحْو أمه وصاحبته لِأَن مَا قبلهَا متحرك فَلَيْسَ يجْتَمع ساكنان قَرَأَ أَبُو عَمْرو فِيهِ هدى وَقيل لَهُم بِالْإِدْغَامِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بالإظهار

{الذين يؤمنون بالغيب}

وَحجَّة أبي عَمْرو أَن إِظْهَار الْكَلِمَتَيْنِ كإعادة الحَدِيث مرَّتَيْنِ فأسكن الْحَرْف الأول وأدغمه فِي الثَّانِي ليعْمَل اللِّسَان مرّة وَاحِدَة وَشبه الْخَلِيل ذَلِك بالمقيد إِذا رفع رجله فِي مَوضِع ثمَّ أَعَادَهَا إِلَيْهِ ثَانِيَة قَالَ وَالَّذِي أوجب الْإِدْغَام هُوَ أَنه يثقل على اللِّسَان رَفعه من مَكَان وإعادته فِي ذَلِك الْمَكَان أَو فِيمَا يقرب مِنْهَا وَشبه غَيره بِإِعَادَة الحَدِيث مرَّتَيْنِ وَأما من أظهر فَإِنَّهُ أَتَى بالْكلَام على أَصله وَأدّى لكل حرف حَقه من إعرابه لتكثر حَسَنَاته إِذْ كَانَ لَهُ بِكُل حرف عشر حَسَنَات {الَّذين يُؤمنُونَ بِالْغَيْبِ} 3 3 قَرَأَ أَبُو عَمْرو وورش عَن نَافِع يومنون بِغَيْر همز وَكَذَلِكَ يَأْكُلُون ويومرون وحجتهما فِي ذَلِك ثقل الْهَمْز وَبعد مخرجها وَمَا فِيهَا من الْمَشَقَّة فَطلب من تخفيفها مَا لم يطْلب من تَخْفيف مَا سواهَا وَلِهَذَا قيل النُّطْق بهَا كالتهوع وورش يتْرك أَيْضا الْهمزَة المتحركة مثل / لَا يُوَاخِذُكُمْ / وَلَا يوده وَأَبُو عَمْرو يهمز

{والذين يؤمنون بما أنزل إليك} {وعلى أبصارهم غشاوة}

وحجته أَن الْهمزَة الساكنة أثقل من المتحركة وَذَلِكَ أَن تخرج الْهمزَة الساكنة من الصَّدْر وَلَا تخرج إِلَّا مَعَ حبس النَّفس والهمزة المتحركة تعينها حركتها وَتعين الْمُتَكَلّم بهَا على خُرُوجهَا فَلذَلِك همز أَبُو عَمْرو المتحركة وَترك الساكنة وَترك أَيْضا ورش مَا كَانَ سكونها عَلامَة للجزم نَحْو إِن نَشأ وتسؤهم وهمز أَبُو عَمْرو وحجته فِي ذَلِك أَن الْكَلِمَة قد سقط مِنْهَا حرف قبل الْهمزَة لسكونها وَسُكُون الْهمزَة وَهُوَ الْألف من نشَاء وَالْوَاو من تسوؤهم وَسَقَطت حَرَكَة الْهمزَة للجزم فَلَو أسقط مِنْهَا الْهمزَة لَكَانَ قد أسقط من الْكَلِمَة ثَلَاثَة اشياء الْهمزَة وحركتها وَالْألف فيخل بِالْكَلِمَةِ {وَالَّذين يُؤمنُونَ بِمَا أنزل إِلَيْك} {وعَلى أَبْصَارهم غشاوة} قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو بِمَا أنزل إِلَيْك وعَلى أَبْصَارهم لَا يمدون حرفا لحرف وَهُوَ أَن تكون الْمدَّة من كلمة والهمزة من أُخْرَى وحجتهم فِي ذَلِك أَنهم أَرَادوا الْفرق بَين مَا الْمدَّة فِيهِ لَازِمَة لَا تَزُول بِحَال وَبَين مَا هِيَ فِيهِ عارضة قد تَزُول فِي بعض الْأَحْوَال نَحْو بِمَا أنزل إِلَيْك فَإِنَّهَا تَزُول عِنْد الْوَقْف وَالَّتِي لَا تَزُول نَحْو دُعَاء ونداء وَبِنَاء وسماء فَجعلُوا ذَلِك فرقا بَينهمَا وَقَرَأَ ابْن عَامر وَالْكسَائِيّ مدا وسطا وَمد حَمْزَة وَعَاصِم مدا

{سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون}

مفرطا وحجتهم فِي ذَلِك أَن الْمَدّ إِنَّمَا وَجب عِنْد اسْتِقْبَال الْهمزَة سَوَاء كَانَت الْهمزَة من نفس الْكَلِمَة أَو من الْأُخْرَى إِذا التقتا لِأَنَّهُ لَا فرق فِي اللَّفْظ بَينهمَا {سَوَاء عَلَيْهِم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لَا يُؤمنُونَ} قَرَأَ نَافِع وَأَبُو عَمْرو آنذرتهم آنت يهمزان ثمَّ يمدان بعد الْهمزَة وَتَقْدِير هَذَا أَن تدخل بَين ألف الإستفهام وَبَين الْهمزَة الَّتِي بعْدهَا ألفا ليبعد الْمثل عَن الْمثل وَيَزُول الإجتماع فيخف اللَّفْظ وَالْأَصْل {أأنذرتهم} ثمَّ تلين الْهمزَة فِي أنذرتهم وحجتهما فِي ذَلِك أَن الْعَرَب تستثقل الْهمزَة الْوَاحِدَة فتخففها فِي أخف أحوالها وَهِي سَاكِنة نَحْو كاس فَإِذا كَانَت تخفف وَهِي وَحدهَا فَإِن تخفف وَمَعَهَا مثلهَا أولى وَقَرَأَ ابْن كثير أنذرتهم بِهَمْزَة وَاحِدَة غير مُطَوَّلَة ومذهبه أَن يُحَقّق الأولى ويخفف الثَّانِيَة وَقَرَأَ ابْن عَامر وَأهل الْكُوفَة {أأنذرتهم} أَأَنْت بهمزتين وحجتهم فِي ذَلِك أَن الْهمزَة حرف من حُرُوف المعجم كَغَيْرِهِ من سَائِر الْحُرُوف صَحا بِالْجمعِ بَينهمَا نَحْو مَا يجْتَمع فِي الْكَلِمَة حرفان مثلان فَيُؤتى بِكُل وَاحِد مِنْهُمَا صَحِيحا على جِهَته من غير تَغْيِير كَقَوْلِه {أتمدونن بِمَال} و {لَعَلَّكُمْ تتفكرون} ونظائر ذَلِك فَلَا يستثقل اجْتِمَاعهمَا بل يُؤْتى بِكُل وَاحِد مِنْهُمَا فَجعل الهمزتين كَغَيْرِهَا من سَائِر الْحُرُوف

{في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون}

قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَالْكسَائِيّ وورش على ابصارهم وقنطار ودينار بإمالة الْألف وحجتهم فِي ذَلِك أَن انْتِقَال اللِّسَان من الْألف إِلَى الكسرة بِمَنْزِلَة النَّازِل من علو إِلَى هبوط فقربوا الْألف فإمالتهم إِيَّاهَا من الْكسر ليَكُون عمل اللِّسَان من جِهَة وَاحِدَة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ أَبْصَارهم بِغَيْر إمالة وحجتهم فِي ذَلِك أَن بَاب الْألف هُوَ الْفَتْح دون غَيره وَأَن مَا قبل الْألف لَا يكون أبدا إِلَّا مَفْتُوحًا لِأَنَّهُ تَابع لَهَا فتركوها على بَابهَا من غير تَغْيِير {وَمَا يخدعون إِلَّا أنفسهم} قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {وَمَا يخدعون إِلَّا أنفسهم} بِالْألف وَاحْتج أَبُو عَمْرو بِأَن قَالَ إِن الرجل يُخَادع نَفسه وَلَا يخدعها قَالَ الْأَصْمَعِي لَيْسَ أحد يخدع نَفسه إِنَّمَا يخادعها وَقَرَأَ أهل الشَّام والكوفة {وَمَا يخدعون} بِغَيْر ألف وحجتهم فِي ذَلِك أَن الله أخبر عَن هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقين أَنهم يخادعون الله وَالَّذين آمنُوا بقَوْلهمْ {آمنا بِاللَّه وباليوم الآخر} فَأثْبت لَهُم مخادعتهم الله وَالْمُؤمنِينَ ثمَّ يخبر عَنْهُم عقيب ذَلِك أَنهم لَا يخادعونه وَلَا يخادعون إِلَّا أنفسهم فَيكون قد نفى عَنْهُم فِي آخر الْكَلَام مَا أثْبته لَهُم فِي أَوله وَلكنه أخبر أَن المخادعة من فعلهم ثمَّ إِن الخدع إِنَّمَا يَحِيق بهم خَاصَّة دونه {فِي قُلُوبهم مرض فَزَادَهُم الله مَرضا وَلَهُم عَذَاب أَلِيم بِمَا كَانُوا يكذبُون}

قَرَأَ حَمْزَة فَزَادَهُم الله بالإمالة وَكَذَلِكَ جَاءَ وَشاء وخاب وحاق وَخَافَ وطاب وضاق وزاع وَدخل ابْن عَامر مَعَه فِي جَاءَ وَشاء و {فَزَادَهُم الله} وحجتهما فِي ذَلِك أَن فَاء الْفِعْل مِنْهَا مَكْسُورَة إِذا ردهَا الْمُتَكَلّم إِلَى نَفسه نَحْو زِدْت وَجئْت وطبت وَلِهَذَا قَرَأَ حَمْزَة {فَلَمَّا زاغوا} بالإمالة أزاع الله بِالْفَتْح لِأَن فَاء الْفِعْل مَفْتُوحَة تَقول أزغت وَكَذَلِكَ فأجاءها الْمَخَاض بِغَيْر إمالة لِأَنَّك تَقول أجأت وَقَرَأَ الْبَاقُونَ جَمِيع ذَلِك بِغَيْر إمالة على أصل الْكَلِمَة وحجتهم فِي ذَلِك أَن أصل كل فعل إِذا كَانَ ثلاثيا أَن يكون أَوله مَفْتُوحًا قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {بِمَا كَانُوا يكذبُون} بِالتَّخْفِيفِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ من كذب يكذب تَكْذِيبًا أَي إِنَّهُم يكذبُون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وحجتهم مَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ إِنَّمَا عوتبوا على التَّكْذِيب لَا على الْكَذِب وَفِي التَّنْزِيل مَا يدل

{وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض}

على التثقيل {وَلَقَد كذبت رسل من قبلك} وَحجَّة أُخْرَى أَن وَصفهم بالتكذيب أبلغ فِي الذَّم من وَصفهم بِالْكَذِبِ لِأَن كل مكذب كَاذِب وَلَيْسَ كل كَاذِب مُكَذبا وَحجَّة التَّخْفِيف أَن ذَلِك أشبه مَا قبل الْكَلِمَة وَمَا بعْدهَا فَالَّذِي قبلهَا مِمَّا يدل على الْكَذِب {وَمن النَّاس من يَقُول آمنا بِاللَّه وباليوم الآخر} وَقَالَ الله {وَلَهُم عَذَاب أَلِيم بِمَا كَانُوا يكذبُون} وَمَا بعْدهَا قَوْله {وَإِذا لقوا الَّذين آمنُوا قَالُوا آمنا وَإِذا خلوا إِلَى شياطينهم قَالُوا إِنَّا مَعكُمْ} فَقَوله {وَإِذا خلوا إِلَى شياطينهم} دلَالَة على كذبهمْ فِيمَا ادعوهُ من إِيمَانهم وَإِذا كَانَ أشبه بِمَا قبله وَمَا بعده فَهُوَ أولى {وَإِذا قيل لَهُم لَا تفسدوا فِي الأَرْض} قَرَأَ الْكسَائي {وَإِذا قيل لَهُم} بالإشمام وَكَذَلِكَ يفعل فِي غيض المَاء وسيء وحيل وَجِيء وسيق وَابْن عَامر دخل مَعَه فِي حيل وَشَيْء وسيق وَنَافِع دخل مَعَهُمَا فِي سيء

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ جَمِيع ذَلِك بِالْكَسْرِ وحجتهم فِي ذَلِك أَن الأَصْل فِي ذَلِك قَول وحول وسوئ وسوق وغيض وجيئ فاستثقلت الضمة على فَاء الْفِعْل وَبعدهَا وَاو مَكْسُورَة وياء مَكْسُورَة فنقلت الكسرة مِنْهُمَا إِلَى فَاء الْفِعْل وقلبت الْوَاو يَاء لسكونها وانكسار مَا قبلهَا فَقيل فِي ذَلِك قيل وحيل وَأَخَوَاتهَا وَحجَّة الْكسَائي فِي ذَلِك أَنه لما كَانَ الأَصْل فِي كل ذَلِك فعل بِضَم الْفَاء الَّتِي يدل ضمهَا على ترك تَسْمِيَة الْفَاعِل أَشَارَ فِي أوائلهن إِلَى الضَّم لتبقى بذلك دلَالَة على معنى مَا لم يسم فَاعله وَأَن الْقَاف كَانَت مَضْمُومَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب الهمزتين بَاب الهمزتين تلتقيان من كَلِمَتَيْنِ وهما مختلفتا الْإِعْرَاب وهما على سِتَّة أوجه وَجه مِنْهَا لم يجِئ فِي الْقُرْآن وَهِي الْهمزَة الْمَكْسُورَة الَّتِي بعْدهَا همزَة مَضْمُومَة كَقَوْلِك هَؤُلَاءِ أُمَرَاء وباقيها مَوْجُودَة فِي الْقُرْآن 1 - فَأول ذَلِك المضمومة الَّتِي بعْدهَا الْمَفْتُوحَة كَقَوْلِه {السُّفَهَاء أَلا} تهمز الأولى وتخفف الثَّانِيَة وتنحو بهَا نَحْو الْألف 2 - وَبعد ذَلِك المضمومة الَّتِي بعْدهَا مَكْسُورَة كَقَوْلِه {وَلَا يأب الشُّهَدَاء إِذا مَا دعوا} تهمز الأولى وتنحو بِالثَّانِيَةِ نَحْو

الْيَاء من غير أَن تكسرها 3 - وَالثَّالِثَة الْمَفْتُوحَة الَّتِي بعْدهَا مَكْسُورَة نَحْو قَوْله {أم كُنْتُم شُهَدَاء إِذْ حضر} 4 - وَالرَّابِعَة الْمَفْتُوحَة الَّتِي بعْدهَا مَضْمُومَة كَقَوْلِه {جَاءَ أمة رسولها} تهمز الأولى وتنحو بِالثَّانِيَةِ نَحْو الْوَاو من غير ضم 5 - وَالْخَامِسَة الْمَكْسُورَة الَّتِي بعْدهَا مَفْتُوحَة نَحْو قَوْله {أأمنتم من فِي السَّمَاء أَن يخسف} تهمز الأولى وتنحو بِالثَّانِيَةِ نَحْو الْألف فَهَذَا مَذْهَب نَافِع وَابْن كثير وَأبي عَمْرو وحجتهم أَن الْعَرَب تستثقل الْهمزَة الْوَاحِدَة فتخففها فِي أخف أحوالها وَهِي سَاكِنة نَحْو كاس فتقلب الْهمزَة ألفا فَإِذا كَانَت تخفف وَهِي وَحدهَا فَأن تخفف وَمَعَهَا مثلهَا أولى وَقَرَأَ ابْن عَامر وَأهل الْكُوفَة بهمزتين فِي جَمِيع ذَلِك أَرَادوا التَّحْقِيق وتوفية كل حرف حَقه من حركته ونصيبه من الْإِعْرَاب إِذْ كَانَت الْهمزَة حرفا من حُرُوف المعجم يلْزمهَا من الْحَرَكَة مَا يلْزم سَائِر الْحُرُوف فجاؤوا بِكُل همزَة من المجتمعتين على هيأتها إِرَادَة التَّبْيِين والنطق بِكُل حرف من كتاب الله على جِهَته من غير إِبْدَال وَلَا تَغْيِير فَإِذا التقتا متفقتي الْإِعْرَاب وَذَلِكَ أَن تَكُونَا مكسورتين كَقَوْلِه {هَؤُلَاءِ إِن كُنْتُم} أَو تَكُونَا مفتوحتين كَقَوْلِه جَاءَ أمرنَا أَو تَكُونَا مضمومتين كَقَوْلِه أَوْلِيَاء أُولَئِكَ فَقَرَأَ ابْن عَامر وَأهل الْكُوفَة

جَمِيع ذَلِك بهمزتين وَقد مر الْكَلَام فِيهِ وورش عَن نَافِع والقواس عَن ابْن كثير يهمزان الأولى ويلينان الثَّانِيَة ويشيران بِالْكَسْرِ إِلَيْهَا وَفِي المتفوحتين يشيران بِالْفَتْح إِلَيْهَا وَفِي المضمومتين يشيران بِالضَّمِّ إِلَيْهَا وَأما نَافِع والبزي عَن ابْن كثير فيلينان الأولى شبه الْيَاء ويهمزان الثَّانِيَة وَفِي المضمومتين شبه الْوَاو وَهَذَا بَاب تحكمه المشافهة لَا الْكِتَابَة وَفِي المفتوحتين يحذفون الأولى بِلَا عوض وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو جَمِيع ذَلِك بِهَمْزَة وَاحِدَة حذف إِحْدَاهمَا وَاكْتفى بِالْأُخْرَى عَنْهَا وَهَا هُنَا خلاف آلمحذوفة هِيَ الأولى أم الثَّانِيَة فَمن حجَّة من يَقُول الثَّانِيَة أَنَّهَا هِيَ الَّتِي جلبت مُعظم الثّقل فَكَانَ الْحَذف فِيهَا أوجب لِأَن الأولى لَو انْفَرَدت لما وَجب حذفهَا وَلما جَازَ وَحجَّة من يَقُول الأولى هِيَ المحذوفة هِيَ أَن الأولى وَقعت فِي الْكَلِمَة آخرا وَالثَّانيَِة وَقعت فِي كلمتها أَولا والأواخر أَحَق بالإعلال من الْأَوَائِل أَلا ترى أَن هَذِه الْهمزَة إِذا وقف الْإِنْسَان على جَاءَ وعَلى هَؤُلَاءِ فَإِنَّهَا تسْقط عِنْد الْوَقْف فَالْأولى إِذا أَحَق بالإسقاط من الثَّانِيَة

{وهو بكل شيء عليم}

{وَهُوَ بِكُل شَيْء عليم} وَقَرَأَ أبوعمرو وَنَافِع فِي رِوَايَة إِسْمَاعِيل وقالون وَالْكسَائِيّ وَهُوَ بِكُل لَهو فَهِيَ سَاكِنة الْيَاء وحجتهم أَن الْفَاء مَعَ هِيَ وَهُوَ قد جعلت الْكَلِمَة بِمَنْزِلَة فَخذ وفخذ فاستثقلوا الكسرة والضمة فحذفوها للتَّخْفِيف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ فَهُوَ فَهِيَ بالتثقيل على أصل الْكَلِمَة وَذَلِكَ أَن الْهَاء كَانَت متحركة قبل دُخُول هَذِه الْحُرُوف عَلَيْهَا فَلَمَّا دخلت هَذِه الْحُرُوف لم تَتَغَيَّر عَمَّا كَانَت عَلَيْهِ من قبل {قَالَ إِنِّي أعلم مَا لَا تعلمُونَ} قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو إِنِّي أعلم بِفَتْح الْيَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِإِسْكَان الْيَاء فَأَما من فتح الْيَاء فعلى أصل الْكَلِمَة وَذَلِكَ أَن الْيَاء اسْم الْمُتَكَلّم وَالِاسْم لَا يَخْلُو من أَن يكون مضمرا أَو مظْهرا فَإِذا كَانَ ظَاهرا أعرب وَإِذا كَانَ مضمرا بني على حَرَكَة كالكاف فِي ضربتك وَالتَّاء فِي قُمْت وَكَذَلِكَ الْيَاء وَجب أَن تكون مَبْنِيَّة على حَرَكَة لِأَنَّهَا عَلامَة إِضْمَار وَهِي خلف من المعربة وَالدَّلِيل على ذَلِك قَوْله وَمَا أَدْرَاك ماهيه حسابيه لِأَن الْهَاء إِنَّمَا أُتِي بهَا للسكت لتبين بهَا حَرَكَة مَا قبلهَا وَأما من سكن الْيَاء فَإِنَّهُ عدل بهَا عَن أَصْلهَا استثقالا للحركة عَلَيْهَا لِأَن الْيَاء حرف ثقيل فَإِذا حرك ازْدَادَ ثقلا إِلَى ثقله

{فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه}

وَفِي يَاء الْإِضَافَة أَربع لُغَات فتح الْيَاء على أصل الْكَلِمَة وإسكانها تَخْفِيفًا وَإِثْبَات الْهَاء بعد الْيَاء والحذف تَقول هَذَا غلامي قد جَاءَ وَغُلَامِي وغلاميه وَغُلَام {فأزلهما الشَّيْطَان عَنْهَا فأخرجهما مِمَّا كَانَا فِيهِ} قَرَأَ حَمْزَة / فأزالهما الشَّيْطَان عَنْهَا / بِالْألف أَي نحاهما عَن الْحَال الَّتِي كَانَا عَلَيْهَا من قَول الْقَائِل أَزَال فلَان فلَانا عَن مَوْضِعه إِذا نحاه عَنهُ وَزَالَ هُوَ وحجته قَوْله {يَا آدم اسكن أَنْت وزوجك الْجنَّة} أَي اثبتا فثبتا فأزالهما الشَّيْطَان فقابل الثَّبَات بالزوال الَّذِي هُوَ خِلَافه وَمِمَّا يُقَوي قِرَاءَته قَوْله {فأخرجهما مِمَّا كَانَا فِيهِ} فإخراجهما فِي الْمَعْنى قريب من إزالتهما وَقَرَأَ الْبَاقُونَ فأزلهما من زللت وأزلني غَيْرِي أَي أوقعهما فِي الزلل وَهُوَ أَن يزل الْإِنْسَان عَن الصَّوَاب إِلَى الْخَطَأ والزلة وحجتهم قَوْله إِنَّمَا استزلهم الشَّيْطَان وَنسب الْفِعْل إِلَى الشَّيْطَان لِأَنَّهُمَا زلا بإغواء الشَّيْطَان إيَّاهُمَا فَصَارَ كَأَنَّهُ أزلهما {فَتلقى آدم من ربه كَلِمَات} 37 قَرَأَ ابْن كثير فَتلقى آدم نصب كَلِمَات رفع جعل الْفِعْل للكلمات لِأَنَّهَا تلقت آدم عَلَيْهِ السَّلَام وحجته أَن الْعَرَب تَقول تلقيت زيدا وتلقاني زيد وَالْمعْنَى وَاحِد لِأَن من لَقيته فقد لقيك وَمَا نالك فقد نلته

{فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون}

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فَتلقى آدم من ربه كَلِمَات} آدم رفع بِفِعْلِهِ لِأَنَّهُ تلقى من ربه الْكَلِمَات أَي أَخذهَا مِنْهُ وحفظها وفهمها وَالْعرب تَقول تلقيت هَذَا من فلَان الْمَعْنى إِن فهمي قبلهَا مِنْهُ وحجتهم مَا رُوِيَ فِي التَّفْسِير فِي تَأْوِيل قَوْله {فَتلقى آدم من ربه كَلِمَات} أَي قبلهَا فَإِذا كَانَ آدم الْقَابِل فالكلمات مَقْبُولَة {فَمن تبع هُدَايَ فَلَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ} قَرَأَ ورش عَن نَافِع {فَمن تبع هُدَايَ} سَاكِنة الْيَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْح الْيَاء وَإِنَّمَا فتحت لِأَنَّهَا أَتَت بعد سَاكن واصلها الْحَرَكَة الَّتِي هِيَ الْفَتْح وَقد ذكرته عِنْد قَوْله إِنِّي أعلم {وَلَا يقبل مِنْهَا شَفَاعَة} قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَلَا تقبل مِنْهَا بِالتَّاءِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ من قَرَأَ بِالتَّاءِ فلتأنيث الشَّفَاعَة وَسقط السُّؤَال فَصَارَ كَقَوْلِه {وَأخذت الَّذين ظلمُوا الصَّيْحَة} وَحجَّة من قَرَأَ بِالْيَاءِ هِيَ أَن تَأْنِيث الشَّفَاعَة لَيست حَقِيقِيَّة فلك فِي لَفظه فِي الْفِعْل التَّذْكِير والتأنيث تَقول قد قبل مِنْك الشَّفَاعَة وَقبلت مِنْك وَكَذَلِكَ {فَمن جَاءَهُ موعظة} لِأَن معنى موعظة وَوعظ وشفاعة وَتشفع وَاحِد فَلذَلِك جَازَ التَّذْكِير والتأنيث على اللَّفْظ وَالْمعْنَى

{فتوبوا إلى بارئكم}

وَحجَّة أُخْرَى لما فصل بَين اسْم الْمُؤَنَّث وَفعله بفاصل ذكر الْفِعْل لِأَن الْفَاصِل صَار كالعوض مِنْهُ وَمثله {لِئَلَّا يكون للنَّاس عَلَيْكُم حجَّة} {وَإِذ واعدنا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَة} 51 قَرَأَ ابو عَمْرو وإ وعدنا مُوسَى بِغَيْر ألف وَكَذَلِكَ فِي الْأَعْرَاف وطه وحجته أَن المواعدة إِنَّمَا تكون بَين الْآدَمِيّين وَأما الله جلّ وَعز فَإِنَّهُ الْمُنْفَرد بالوعد والوعيد وَيُقَوِّي هَذَا قَوْله {إِن الله وَعدكُم وعد الْحق} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ وَإِذ واعدنا بِالْألف وحجتهم أَن المواعدة كَانَت من الله وَمن مُوسَى فَكَانَت من الله أَنه وَاعد مُوسَى لقاءه على الطّور ليكلمه ويكرمه بمناجاته وواعد مُوسَى ربه الْمصير إِلَى الطّور لما أمره بِهِ وَيجوز أَن يكون الْمَعْنى على إِسْنَاد الْوَعْد إِلَى الله نَظِير مَا تَقول طارقت نَعْلي وسافرت وَالْفِعْل من وَاحِد على مَا تَكَلَّمت بِهِ الْعَرَب {فتوبوا إِلَى بارئكم}

{وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين}

قَرَأَ أَبُو عَمْرو إِلَى بارئكم ويأمركم وينصركم بالإختلاس وحجته فِي ذَلِك أَنه كره كَثْرَة الحركات فِي الْكَلِمَة الْوَاحِدَة وَرُوِيَ عَنهُ إسكان الْهمزَة قَالَ الشَّاعِر ... إِذا اعوججن قلت صَاحب قوم ... وَالْكَلَام الصَّحِيح يَا صَاحب أقبل أَو يَا صَاحب اقبل وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بارئكم ويأمركم بالإشباع على أصل الْكَلِمَة وَهُوَ الصَّوَاب ليوفى كل حرف حَقه من الْإِعْرَاب {وَإِذ قُلْنَا ادخُلُوا هَذِه الْقرْيَة فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُم رغدا وادخلوا الْبَاب سجدا وَقُولُوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد الْمُحْسِنِينَ} قَرَأَ نَافِع يغْفر لكم بِالْيَاءِ وَفتح الْفَاء على مَا لم يسم فَاعله خطاياكم فِي مَوضِع رفع لِأَنَّهُ مفعول مَا لم يسم فَاعله وحجته فِي الْيَاء أَن الْفِعْل مُتَقَدم وَقد حيل بَينه وَبَين الْخَطَايَا ب لكم فَصَارَ الْحَائِل كالعوض من التَّأْنِيث وَحجَّة أُخْرَى وَهِي أَن الْخَطَايَا جمع وَجمع مَا لَا يعقل يشبه بِجمع مَا يعقل من النِّسَاء كَمَا قَالَ وَقَالَ

{ويقتلون النبيين بغير الحق}

نسْوَة فِي الْمَدِينَة فَلَمَّا ذكر فعل جَمِيع النِّسَاء ذكر فعل الْخَطَايَا وَنَحْوه أم هَل يَسْتَوِي الظُّلُمَات وَقَرَأَ ابْن عَامر تغْفر بِالتَّاءِ وَقد ذكرنَا إعرابها وحجته فِي التَّاء أَنه فعل مُتَقَدم نَحْو قَوْله قَالَت الْأَعْرَاب وَقَرَأَ الْبَاقُونَ نغفر بالنُّون وحجتهم فِي ذَلِك أَن نغفر بَين خبرين من أَخْبَار الله عَن نَفسه قد أخرجَا بالنُّون وَذَلِكَ قَوْله {وَإِذ قُلْنَا ادخُلُوا هَذِه الْقرْيَة} فَخرج ذَلِك بالنُّون وَلم يقل وَإِذ قيل فَيُقَال تغْفر وَيغْفر وَالْآخر قَوْله {وسنزيد الْمُحْسِنِينَ} وَلم يقل وسيزاد المحسنون وَاعْلَم أَن من قَرَأَ يغْفر فَهُوَ يؤول أَيْضا إِلَى هَذَا الْمَعْنى فَيعلم من الفحوى أَن ذَنْب الْخَلَائق وخطاياهم لَا يغفره إِلَّا الله وَيُقَوِّي هَذَا قَوْله {قل للَّذين كفرُوا إِن ينْتَهوا يغْفر لَهُم مَا قد سلف} {وَيقْتلُونَ النَّبِيين بِغَيْر الْحق} قَرَأَ نَافِع / وَيقْتلُونَ النبيئين / بِالْهَمْز من أنبأ أَي أخبر عَن الله كَمَا قَالَ جلّ وَعز من أَنْبَأَك هَذَا فالنبي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُنبئ أَي يخبر عَن الله وَهُوَ فعيل من أنبأ وَإِنَّمَا كَانَ الِاسْم مِنْهُ منئ وَلكنه صرف عَن مفعل إِلَى فعيل

وحجته فِي أَن النبئ مَهْمُوز قَول عَبَّاس بن مرداس فِي مدحه نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... يَا خَاتم النباء إِنَّك مُرْسل ... بِالْحَقِّ خير هدى السَّبِيل هداكا ... فَقَالَ يَا خَاتم النباء فَجَمعه على فعلاء لِأَن الْوَاحِد مَهْمُوز فقد صَحَّ على أَن أَصله الْهَمْز وَأَنه من بَاب الصَّحِيح لَا من بَاب المعتل لِأَن الصَّحِيح كَذَا يجمع كَمَا تجمع النعوت الَّتِي على فعيل من غير ذَوَات الْيَاء وَالْوَاو مثل الشَّرِيك والشركاء والحكيم والحكماء والعليم وَالْعُلَمَاء وَلَو كَانَ النَّبِي غير مَهْمُوز لم يجمع على فعلاء لِأَن النعوت الَّتِي تكون على فعيل من ذَوَات الْيَاء وَالْوَاو إِنَّمَا تجمع على أفعلاء كفعلهم ذَلِك فِي ولي ووصي ودعي إِذا جمع يجمع أَوْلِيَاء وأوصياء وأدعياء وَلَا يجمع على فعلاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ النَّبِيين بِغَيْر همز من نبانبو إِذا ارْتَفع فَيكون فعيلا من الرّفْعَة والنبوة الِارْتفَاع وَإِنَّمَا قيل للنَّبِي نَبِي لارْتِفَاع مَنْزِلَته وشرفه تَشْبِيها لَهُ بِالْمَكَانِ الْمُرْتَفع على مَا حوله وحجتهم فِي ذَلِك أَن كل مَا فِي الْقُرْآن من جَمِيع ذَلِك على أفعلاء نَحْو أَنْبيَاء الله وَفِي ذَلِك الْحجَّة الْوَاضِحَة على أَن الْوَاحِد مِنْهُ بِغَيْر همز كَمَا جمع ولي وأولياء ووصي وأوصياء وَلَو كَانَ فِي التَّوْحِيد مهموزا لَكَانَ الْجمع مِنْهُ فعلاء وَحجَّة أُخْرَى رُوِيَ أَن رجلا قَالَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا نبيء الله قَالَ لست بنيء الله وَلَكِنِّي

{إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون}

نَبِي الله قَالَ أَبُو عبيد كَأَنَّهُ كره الْهَمْز {إِن الَّذين آمنُوا وَالَّذين هادوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ من آمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر وَعمل صَالحا فَلهم أجرهم عِنْد رَبهم وَلَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ} قَرَأَ نَافِع والصابين والصابون بِغَيْر همز من صبا يصبو أَي مَال إِلَى دينه وحجته قَوْله تَعَالَى وَإِلَّا تصرف عني كيدهن أصب إلَيْهِنَّ أَي أمل إلَيْهِنَّ وَمِنْه سمي الصَّبِي صَبيا لِأَن قلبه يصبو إِلَى كل لعب لفراغ قلبه وَقَرَأَ الْبَاقُونَ الصابئين بِالْهَمْز أَي الخارجين من دين إِلَى دين يُقَال صَبأ فلَان إِذا خرج من دينه يصبأ وَيُقَال صَبَأت النُّجُوم إِذا ظَهرت وصبأ نابه إِذا خرج {قَالُوا أتتخذنا هزوا} قَرَأَ حَمْزَة وَإِسْمَاعِيل عَن نَافِع هزءا سَاكِنة الزَّاي وَقَرَأَ

{وما الله بغافل عما تعملون}

الْبَاقُونَ هزؤا بِضَم الزَّاي وهما لُغَتَانِ التَّخْفِيف لُغَة تَمِيم والتثقيل لُغَة أهل الْحجاز قَالَ الْأَخْفَش وَزعم عِيسَى بن عمر أَن كل اسْم على ثَلَاثَة أحرف أَوله مضموم فَمن الْعَرَب من يثقله وَمِنْهُم من يخففه نَحْو الْيُسْر واليسر والعسر والعسر فَمن خفف طلب التَّخْفِيف لِأَنَّهُ استثقل ضمتين فِي كلمة وَاحِدَة وَقَرَأَ حَفْص هزوا بِغَيْر همز لِأَنَّهُ كره الْهَمْز بعد ضمتين فِي كلمة وَاحِدَة فلينها {وَمَا الله بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ} قَرَأَ ابْن كثير {وَمَا الله بغافل عَمَّا يعْملُونَ} بِالْيَاءِ أَي وَمَا الله بغافل عَمَّا يعْمل هَؤُلَاءِ الَّذين اقتصصنا عَلَيْكُم قصصهم أَيهَا الْمُسلمُونَ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ على الْخطاب وحجتهم قَوْله قبلهَا {ثمَّ قست قُلُوبكُمْ من بعد ذَلِك فَهِيَ كالحجارة} {وَمَا الله بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ}

{بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته}

{بلَى من كسب سَيِّئَة وأحاطت بِهِ خطيئته} قَرَأَ نَافِع وأحاطت بِهِ خطيئاته بِالْألف وحجته أَن الْإِحَاطَة لَا تكون للشَّيْء الْمُنْفَرد إِنَّمَا تكون لِأَشْيَاء كَقَوْلِك أحَاط بِهِ الرِّجَال وأحاط النَّاس بفلان إِذا داروا بِهِ وَلَا يُقَال أحَاط زيد بِعَمْرو وَحجَّة أُخْرَى جَاءَ فِي التَّفْسِير قَوْله بلَى من كسب سَيِّئَة وأحاطت بِهِ خطيئاته أَي الْكَبَائِر أَي أحاطت بِهِ كَبَائِر ذنُوبه وَقَرَأَ الْبَاقُونَ خطيئته على التَّوْحِيد وحجتهم أَن الْخَطِيئَة لَيست بشخص فَإِذا لم تكن شخصا واشتملت على الْإِنْسَان جَازَ أَن يُقَال أحاطت بِهِ خطيئته وَحجَّة أُخْرَى جَاءَ فِي التَّفْسِير من كسب سَيِّئَة أَي الشّرك وأحاطت بِهِ خطيئته أَي الشّرك الَّذِي هُوَ سَيِّئَة {وَإِذ أَخذنَا مِيثَاق بني إِسْرَائِيل لَا تَعْبدُونَ إِلَّا الله وبالوالدين إحسانا وَذي الْقُرْبَى واليتامى وَالْمَسَاكِين وَقُولُوا للنَّاس حسنا} وَقَرَأَ ابْن كثير وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وَمَا يعْبدُونَ إِلَّا الله} بِالْيَاءِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ وحجتهم قَوْله {وَقُولُوا للنَّاس حسنا وَأقِيمُوا الصَّلَاة} {وَإِذ أَخذنَا ميثاقكم لَا تسفكون دماءكم وَلَا تخرجُونَ أَنفسكُم من دِيَاركُمْ} فَحكى مَا خاطبهم بِهِ فَجرى الْكَلَام على لفظ المواجهة وَاحْتج من قَرَأَ بِالْيَاءِ أَن قَالَ أول الْآيَة إِخْبَار عَن غيب يعنون

{تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون}

بذلك قَوْله {وَإِذ أَخذنَا مِيثَاق بني إِسْرَائِيل} قَالُوا فإجراء الْكَلَام على مَا ابتدئ بِهِ أول الْآيَة وافتتح بِهِ الْكَلَام أولى وأشبه من الإنصراف عَنهُ إِلَى الْخطاب قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وَقُولُوا للنَّاس حسنا} بِفَتْح الْحَاء وَالسِّين وحجتهم أَن حسنا وصف لِلْقَوْلِ الَّذِي كف عَن ذكره لدلَالَة وَصفه عَلَيْهِ كَأَن تَأْوِيله وَقُولُوا للنَّاس قولا حسنا فَترك القَوْل وَاقْتصر على نَعته وَقد نزل الْقُرْآن بنظير ذَلِك فَقَالَ جلّ وَعز وَجعل فِيهَا رواسي وَلم يذكر الْجبَال وَقَالَ {أَن اعْمَلْ سابغات} وَلم يذكر الدروع إِذْ دلّ وصفهَا على موصوفها وَقَرَأَ الْبَاقُونَ حسنا بِضَم الْحَاء وحجتهم أَن الْحسن يجمع وَالْحسن يَتَبَعَّض أَي قولا للنَّاس الْحسن فِي الْأَشْيَاء كلهَا فَمَا يجمع أولى مِمَّا يَتَبَعَّض قَالَ الزّجاج وَفِي قَوْله {حسنا} قَولَانِ الْمَعْنى قولا للنَّاس قولا ذَا حسن وَزعم الْأَخْفَش أَنه يجوز أَن يكون حسنا فِي معنى حسن كَمَا قيل الْبُخْل وَالْبخل والسقم والسقم وَفِي التَّنْزِيل {إِلَّا من ظلم ثمَّ بدل حسنا} {وَوَصينَا الْإِنْسَان بِوَالِديهِ حسنا} {تظاهرون عَلَيْهِم بالإثم والعدوان وَإِن يأتوكم أُسَارَى تفادوهم وَهُوَ محرم عَلَيْكُم إخراجهم أفتؤمنون بِبَعْض الْكتاب وتكفرون بِبَعْض فَمَا جَزَاء من يفعل ذَلِك مِنْكُم إِلَّا خزي فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَيَوْم الْقِيَامَة يردون إِلَى أَشد الْعَذَاب وَمَا الله بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ}

85 - قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {تظاهرون عَلَيْهِم} بِالتَّخْفِيفِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {تظاهرون} بِالتَّشْدِيدِ الأَصْل فِيهِ تتظاهرون فَمن قَرَأَ بِالتَّشْدِيدِ أدغم التَّاء فِي الظَّاء لقرب المخرجين وأتى بِالْكَلِمَةِ على أَصْلهَا من غير حذف وَمن قَرَأَ {تظاهرون} بِالتَّخْفِيفِ وَالْأَصْل أَيْضا فِيهِ تتظاهرون حرف التَّاء الثَّانِيَة لِاجْتِمَاع تاءين إِحْدَاهمَا تَاء الِاسْتِقْبَال وَالثَّانيَِة تَاء تزاد فِي الْفِعْل فأسقط الثَّانِيَة وحجته قَوْله {وَلَقَد كُنْتُم تمنون الْمَوْت} فَطرح الثَّانِيَة مِنْهَا قَرَأَ حَمْزَة {وَإِن يأتوكم أُسَارَى} بِغَيْر ألف جمع أَسِير وحجته أَن كل فعيل من نعوت ذَوي العاهات إِذا جمع فَإِنَّمَا يجمع على فعلى وَذَلِكَ كجمعهم الْمَرِيض مرضى والجريح جرحى والقتيل قَتْلَى والصريع صرعى وَكَذَلِكَ اسير وَأسرى لِأَنَّهُ قد ناله الْمَكْرُوه والأذى وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أُسَارَى} قَالَ بعض عُلَمَائِنَا هما لُغَتَانِ كَمَا يُقَال سَكرَان وسكارى وَقَالَ أَبُو عَمْرو إِذا أخذُوا فهم عِنْد الْأَخْذ أُسَارَى وَمَا لم يؤسر بعد مِنْهُم أسرى كَقَوْلِه {مَا كَانَ لنَبِيّ أَن يكون لَهُ أسرى} قَرَأَ نَافِع وَعَاصِم وَالْكسَائِيّ {تفادوهم} بِالْألف وحجتهم

{وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس}

أَن هَذَا فعل من فريقين أَي يفْدي هَؤُلَاءِ أساراهم من هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاء أساراهم من هَؤُلَاءِ وَكَانَ أَبُو عَمْرو يَقُول تعطوهم ويعطوكم وتفدوهم تعطوهم فَقَط وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / تفدوهم / أَي تشتروهم من الْعَدو وحجتهم فِي ذَلِك أَن فِي دين الْيَهُود أَلا يكون أَسِير من أهل ملتهم فِي إسار غَيرهم وَأَن عَلَيْهِم أَن يفدوهم بِكُل حَال وَإِن لم يفدهم الْقَوْم الْآخرُونَ كَا قَالَ ابْن عَبَّاس قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو بكر {وَمَا الله بغافل عَمَّا يعْملُونَ} بِالْيَاءِ وحجتهم قَوْله {وَيَوْم الْقِيَامَة يردون إِلَى أَشد الْعَذَاب} فَيكون قَوْله {عَمَّا يعْملُونَ} إِخْبَارًا عَنْهُم وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {عَمَّا تَعْمَلُونَ} بِالتَّاءِ وحجتهم قَوْله {أفتؤمنون بِبَعْض الْكتاب وتكفرون بِبَعْض} {وآتينا عِيسَى ابْن مَرْيَم الْبَينَات وأيدناه بِروح الْقُدس} قَرَأَ ابْن كثير {وأيدناه بِروح الْقُدس} بِإِسْكَان الدَّال فِي جَمِيع الْقُرْآن كَأَنَّهُ استثقل الضمتين وحجته قَول الشَّاعِر ... وَجِبْرِيل رَسُول الله فِينَا ... وروح الْقُدس لَيْسَ لَهُ كفاء ...

{بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده}

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِضَم الدَّال وَهُوَ الأَصْل {بئْسَمَا اشْتَروا بِهِ أنفسهم أَن يكفروا بِمَا أنزل الله بغيا أَن ينزل الله من فَضله على من يَشَاء من عباده} قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {أَن ينزل الله} بِالتَّخْفِيفِ فِي جَمِيع الْقُرْآن وحجتهما فِي الْآيَة {أَن يكفروا بِمَا أنزل الله} وَلم يقل نزل الله وَأَبُو عَمْرو قَرَأَ فِي الْأَنْعَام بِالتَّشْدِيدِ {قل إِن الله قَادر على أَن ينزل آيَة} بِالتَّشْدِيدِ لِأَن قبلهَا {لَوْلَا نزل عَلَيْهِ} وَمَا ننزله إِلَّا بِقدر مَعْلُوم لِأَنَّهُ شَيْء بعد شَيْء فَكَأَنَّهُ لما تردد وَطَالَ نُزُوله شدده لتردده وَابْن كثير خَالف مذْهبه فِي سُورَة سُبْحَانَ فَقَرَأَ بِالتَّشْدِيدِ كَأَنَّهُ أَرَادَ أَن يجمع بَين اللغتين وَقَرَأَ الْبَاقُونَ جَمِيع ذَلِك بِالتَّشْدِيدِ وحجتهم أَن نزل وَأنزل لُغَتَانِ مثل نبأته وأنبأته وأعظمت وعظمت وَفِي التَّنْزِيل {وَيَقُول الَّذين آمنُوا لَوْلَا نزلت سُورَة فَإِذا أنزلت سُورَة محكمَة} فجَاء باللغتين وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ فِي لُقْمَان وعسق بِالتَّخْفِيفِ وحجتهما قَوْله {وأنزلنا من السَّمَاء مَاء} {من كَانَ عدوا لله وَمَلَائِكَته وَرُسُله وَجِبْرِيل وميكال فَإِن الله عَدو للْكَافِرِينَ}

قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَأَبُو عَمْرو وحفض {وَجِبْرِيل} بِكَسْر الْجِيم وَالرَّاء جعلُوا جِبْرِيل اسْما وَاحِدًا على وزن قطمير وحجتهم قَول الشَّاعِر ... وَجِبْرِيل رَسُول الله فِينَا ... ورورح الْقُدس لَيْسَ لَهُ كفاء ... وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / جبرئيل / بِفَتْح الْجِيم وَالرَّاء مهموزا قَالَ الشَّاعِر ... شَهِدنَا فَمَا تلقى لنا من كَتِيبَة ... مدى الدَّهْر إِلَّا جبرئيل أمامها ... وحجتهم مَا رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ أَنه قَالَ إِنَّمَا جبرئيل وَمِيكَائِيل كَقَوْلِك عبد الله وَعبد الرَّحْمَن جبر هُوَ العَبْد وإيل هُوَ الله فأضيف جبر إِلَيْهِ وَبني فَقيل جبرئيل وَقَرَأَ ابْن كثير / جِبْرِيل / بِفَتْح الْجِيم وَكسر الرَّاء مثل سمويل وَهُوَ اسْم طَائِر قَالَ عبد الله بن كثير رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ فِي الْمَنَام فأقرأني جِبْرِيل فَأَنا لَا أَقرَأ إِلَّا كَذَلِك وَقَرَأَ يحيى عَن أبي بكر / جبرئل / على وزن جبرعل وَهَذِه لُغَة تَمِيم وَقيس

{وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا}

وَقَرَأَ أبوعمرو وَحَفْص {وميكال} بِغَيْر همز على وزن سربال وحجتهما قَول من مدح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ ... وَيَوْم بدر لقيناكم لنا مدد ... فِيهِ مَعَ النَّصْر ميكال وَجِبْرِيل ... وَقَرَأَ نَافِع / ميكائل / بِهَمْزَة مختلسة لَيْسَ بعْدهَا يَاء كَأَنَّهُ كسرة الإشباع وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / مِيكَائِيل / ممدودا وحجتهم مَا رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ أَنه قَالَ فِي صَاحب الصُّور جبرئيل عَن يَمِينه وَمِيكَائِيل عَن يسَاره قَالَ الْكسَائي قَوْله جبرئيل وَمِيكَائِيل وَإِبْرَاهِيم فَإِنَّهَا أَسمَاء أَعْجَمِيَّة لم تكن الْعَرَب تعرفها فَلَمَّا جاءتها أعربتها فلفظت بهَا بِأَلْفَاظ مُخْتَلفَة {وَمَا كفر سُلَيْمَان وَلَكِن الشَّيَاطِين كفرُوا} قَرَأَ ابْن عَامر وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وَلَكِن} خَفِيفَة {الشَّيَاطِين} رفع وَكَذَلِكَ {وَلَكِن الله قَتلهمْ} {وَلَكِن الله رمى} وحجتهم أَن الْعَرَب تجْعَل إِعْرَاب مَا بعد لَكِن كإعراب مَا قبلهَا فِي الْجحْد فَتَقول مَا قَامَ عَمْرو وَلَكِن أَخُوك وَتصير لَكِن نسقا إِذا كَانَ مَا قبلهَا جحد وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَلَكِن} بِالتَّشْدِيدِ {الشَّيَاطِين} نصب وحجتهم فِي ذَلِك أَن دُخُول الْوَاو فِي {وَلَكِن} يُؤذن باستئناف الْخَبَر بعْدهَا وَأَن الْعَرَب تُؤثر تشديدها وَنصب الْأَسْمَاء بعْدهَا وَفِي التَّنْزِيل {وَلَكِن الظَّالِمين بآيَات الله يجحدون}

{ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها}

{وَلَكِن أَكْثَرهم لَا يعلمُونَ} {وَلَكِن أَكْثَرَكُم للحق كَارِهُون} أَنَّهَا بِالتَّشْدِيدِ للواو الَّتِي فِي أَولهَا ثمَّ أَجمعُوا على تَخْفيف لَكِن الراسخون و {لَكِن الله يشْهد} لما لم يكن فِي أَولهَا وَاو أعلم أَن لَكِن كُله تَحْقِيق وَلَكِن بِالتَّخْفِيفِ كلمة اسْتِدْرَاك بعد نفي تَقول مَا جَاءَ عَمْرو وَلَكِن زيد خرج {مَا ننسخ من آيَة أَو ننسها نأت بِخَير مِنْهَا أَو مثلهَا} قَرَأَ ابْن عَامر {مَا ننسخ من آيَة} بِضَم النُّون وَكسر السِّين بِمَعْنى مَا ننسخك يَا مُحَمَّد ثمَّ حذف الْمَفْعُول من النّسخ وَمَعْنَاهُ مَا آمُرك بنسخها أَي بِتَرْكِهَا تَقول نسخت الْكتاب وأنسخت غَيْرِي أَي حَملته على النّسخ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ مَا ننسخ بِفَتْح النُّون وَالسِّين من نسخ إِذا غير الحكم وَبدل يَقُول نسخ الله الْكتاب ينسخه نسخا وَهُوَ أَن يرفع حكم آيَة بِحكم آخرى قَالَ ابْن عَبَّاس {مَا ننسخ من آيَة} أَي مَا نبدل من حكم آيَة بِحكم آخر قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو / أَو ننسأها / أَي نؤخر حكمهَا وحجتهما أَن ذَلِك من التَّأْخِير فتأويله مَا ننسخ من آيَة فنبدل حكمهَا أَو نؤخر تَبْدِيل حكمهَا فَلَا نبطله نأت بِخَير مِنْهَا وَيكون الْمَعْنى مَا نرفع من آيَة أَو نؤخرها فَلَا نرفعها

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أَو ننسها} بِضَم النُّون وحجتهم فِي ذَلِك قِرَاءَة أبي وَسعد بن أبي وَقاص وَقَرَأَ أبي بن كَعْب {أَو ننسها} مَعْنَاهُ ننسك نَحن يَا مُحَمَّد وَقَرَأَ سعد أَو تنسها الْمَعْنى أَو تنسها أَنْت يَا مُحَمَّد وقراءتهما تدل على النسْيَان وَإِن كَانَ بَعضهم أَضَافَهُ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَبَعْضهمْ أخبر أَن الله فعل ذَلِك بِهِ وَلَيْسَ بَين الْقَوْلَيْنِ اخْتِلَاف لِأَنَّهُ لَيْسَ يفعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ إِلَّا مَا وَفقه الله لَهُ إِذا أنساه نسي قَالَ أَبُو عبيد أَو ننسها من النسْيَان وَمَعْنَاهُ أَن الله إِذا شَاءَ أنسى من الْقُرْآن من يَشَاء أَن ينسيه وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُم ابْن عَبَّاس أَو ننسها أَو نتركها فَلَا نبدلها قَالَ عُلَمَاؤُنَا يلْزم قَائِله أَن يَقْرَأها أَو ننسها بِفَتْح النُّون ليَصِح معنى نتركها فَأَما إِذا ضمت النُّون فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ ننسك يَا مُحَمَّد وَهَذَا لَا يكون بِمَعْنى التّرْك الْجَواب عَنهُ يُقَال نسيت الشَّيْء أَي تركته وأنسيته أَي أمرت بِتَرْكِهِ فَتَأْوِيل الْآيَة {مَا ننسخ من آيَة} أَي نرفعها بِآيَة أُخْرَى ننزلها {أَو ننسها} وَقَالُوا اتخذ الله ولدا سبحنه 116 وَقَرَأَ ابْن عَامر {قَالُوا اتخذ الله} بِغَيْر وَاو كَذَا مَكْتُوب

{وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون}

مصاحف أهل الشَّام وحجته أَن ذَلِك قصَّة مستانفة غير مُتَعَلقَة بِمَا قبلهَا كَمَا قَالَ {وَإِذ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ} ثمَّ قَالَ {قَالُوا أتتخذنا هزوا} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَقَالُوا} بِالْوَاو لِأَنَّهُ مثبتة فِي مصاحفهم وَهِي عطف جملَة على جملَة {وَإِذا قضى أمرا فَإِنَّمَا يَقُول لَهُ كن فَيكون} قَرَأَ ابْن عَامر {فَيكون} نصب كَأَنَّهُ ذهب إِلَى أَنه الْأَمر تَقول أكْرم زيدا فيكرمك وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْع قَالَ الزّجاج رَفعه من جِهَتَيْنِ إِن شِئْت على الْعَطف على يَقُول وَإِن شِئْت على الِاسْتِئْنَاف الْمَعْنى فَهُوَ يكون {إِنَّا أَرْسَلْنَاك بِالْحَقِّ بشيرا وَنَذِيرا وَلَا تسْأَل عَن أَصْحَاب الْجَحِيم} قَرَأَ نَافِع {وَلَا تسْأَل عَن أَصْحَاب الْجَحِيم} بِفَتْح التَّاء والجزم على النَّهْي وحجته مَا رُوِيَ فِي التَّفْسِير أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ قَالَ لَيْت شعري مَا فعل أبواي فَنزلت {وَلَا تسْأَل عَن أَصْحَاب الْجَحِيم} فَنَهَاهُ الله عَن الْمَسْأَلَة قيل إِنَّه مَا ذكرهمَا حَتَّى توفاه الله وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَلَا تسْأَل عَن أَصْحَاب الْجَحِيم} بِرَفْع التَّاء

{قال لا ينال عهدي الظالمين}

وَاللَّام وحجتهم أَن فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود / وَلنْ تسْأَل / وَرَفعه من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن يكون {وَلَا تسْأَل} استئنافا كَأَنَّهُ قيل وَلست تسْأَل عَن أَصْحَاب الْجَحِيم كَمَا قَالَ {فَإِنَّمَا عَلَيْك الْبَلَاغ وعلينا الْحساب} وَالْوَجْه الثَّانِي على الْحَال فَيكون الْمَعْنى وأرسلناك غير سَائل عَن أَصْحَاب الْجَحِيم {قَالَ لَا ينَال عهدي الظَّالِمين} قَرَأَ حَمْزَة وَحَفْص {لَا ينَال عهدي الظَّالِمين} بإرسال الْيَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْح الْيَاء وحجتهم فِي ذَلِك أَن لَو لم تتحرك الْيَاء ذهبت فِي الْوَصْل فَلم يكن لَهَا أثر على اللِّسَان فحركوهها ليعلم أَن فِي الْحَرْف يَاء فَإِذا ظهر على اللِّسَان أرسلوها فَقَالُوا {وطهر بَيْتِي للطائفين} {وَإِذ جعلنَا الْبَيْت مثابة للنَّاس وَأمنا وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى}

قَرَأَ ابْن عَامر وَنَافِع {وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم} بِفَتْح الْخَاء وحجتهما أَن هَذَا إِخْبَار عَن ولد إِبْرَاهِيم صلى الله عَلَيْهِم أَنهم أتخذوا مقَام إِبْرَاهِيم مصلى وَهُوَ مَرْدُود إِلَى قَوْله {وَإِذ جعلنَا الْبَيْت مثابة للنَّاس وَأمنا وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَاتَّخذُوا} بِكَسْر الْخَاء وحجتهم فِي ذَلِك مَا رُوِيَ فِي التَّفْسِير أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ أَخذ بيد عمر فَلَمَّا أَتَى على الْمقَام قَالَ لَهُ عمر هَذَا مقَام أَبينَا إِبْرَاهِيم صلى الله عَلَيْهِ قَالَ نعم قَالَ أَفلا نتخذه مصلى فَأنْزل الله جلّ وَعز {وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى} يَقُول وافعلوا قَرَأَ ابْن عَامر / إبراهام / بِأَلف كل مَا فِي سُورَة الْبَقَرَة وَفِي النِّسَاء بعد المئة وَفِي الْأَنْعَام حرفا وَاحِدًا / مِلَّة إبراهام / وَفِي التَّوْبَة بعد المئة / إبراهام / وَفِي سُورَة إِبْرَاهِيم / إبراهام / وَفِي النَّحْل وَمَرْيَم كلهَا / إبراهام / وَفِي العنكبوت الثَّانِي / إبراهام / وعسق / إبراهام / وَفِي سور الْمفصل كلهَا / إبراهام / إِلَّا فِي سُورَة الْمَوَدَّة {إِلَّا قَول إِبْرَاهِيم} بِالْيَاءِ وَفِي سبح {صحف إِبْرَاهِيم}

{وأرنا مناسكنا وتب علينا}

وَمَا بَقِي فِي جَمِيع الْقُرْآن بِالْيَاءِ وحجته فِي ذَلِك أَن كل مَا وجده بِأَلف قَرَأَ بِأَلف وَمَا وجده بِالْيَاءِ قَرَأَ بِالْيَاءِ اتِّبَاع الْمَصَاحِف وَاعْلَم أَن إِبْرَاهِيم اسْم أعجمي دخل فِي كَلَام الْعَرَب وَالْعرب إِذا أعربت اسْما أعجميا تَكَلَّمت فِيهِ بلغات فَمنهمْ من يَقُول إبراهام وَمِنْهُم من يَقُول أبرهم قَالَ الشَّاعِر ... نَحن آل الله فِي بلدته ... لم يزل ذَاك على عهد ابرهم ... {قَالَ وَمن كفر فأمتعه قَلِيلا} قَرَأَ ابْن عَامر {فأمتعه قَلِيلا} بِالتَّخْفِيفِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ وهما لُغَتَانِ يُقَال متع الله بِهِ وأمتع بِهِ وَالتَّشْدِيد هُوَ الإختيار لِأَن الْقُرْآن يشْهد بذلك فِي قَوْله {ومتعناهم إِلَى حِين} وَلم يقل أمتعناهم {وأرنا مناسكنا وَتب علينا} قَرَأَ أَبُو عَمْرو {وأرنا} مختلسا وَقَرَأَ ابْن كثير {وأرنا} سَاكِنة فِي جَمِيع الْقُرْآن وحجته أَن الرَّاء فِي الأَصْل سَاكِنة وَأَصلهَا أرئينا على وزن أكرمنا فحذفت الْيَاء للجزم ثمَّ تركت الْهمزَة كَمَا تركت فِي يرى وَترى وَبقيت الْيَاء محذوفة كَمَا كَانَت والأجود أَن تَقول نقلنا حَرَكَة الْهمزَة إِلَى الرَّاء ثمَّ حذفنا لِكَثْرَة الحركات وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أرنا} بِكَسْر الرَّاء وحجتهم فِي ذَلِك أَن الكسرة

{أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى}

إِنَّمَا هِيَ كسرة همزَة ألغيت وطرحت حركتها على الرَّاء فالكسرة دَلِيل الْهمزَة فحذفها قَبِيح {ووصى بهَا إِبْرَاهِيم بنيه وَيَعْقُوب} قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر / وَأوصى بهَا / بِالْألف وحجتهما أَن أوصى يكون للقليل وَالْكثير ووصى لَا يكون إِلَّا للكثير وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {ووصى} التَّشْدِيد وحجتهم أَن وصّى أبلغ من أوصى لِأَن أوصى جَائِز أَن يكون مرّة ووصى لَا يكون إِلَّا مَرَّات كَثِيرَة وَقَالَ الْكسَائي هما لُغَتَانِ معروفتان تَقول وصيتك وأوصيتك كَمَا تَقول كرمتك وأكرمتك وَالْقُرْآن ينْطق بِالْوَجْهَيْنِ قَالَ الله {وَلَقَد وصينا الَّذين أُوتُوا الْكتاب من قبلكُمْ} {مَا وصّى بِهِ نوحًا} {ذَلِكُم وَصَّاكُم بِهِ} وَقَالَ {يُوصِيكُم الله} و {من بعد وَصِيَّة توصون} وَالتَّشْدِيد أَكثر {أم تَقولُونَ إِن إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب والأسباط كَانُوا هودا أَو نَصَارَى} قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَأَبُو بكر {أم يَقُولُونَ} بِالْيَاءِ وحجتهم أَن هَذَا إِخْبَار عَن الْيَهُود أَرَادَ أم يَقُول الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ وحجتهم المخاطبة الَّتِي قبلهَا وَالَّتِي بعْدهَا فالمتقدمة قَوْله {قل أتحاجوننا فِي الله} 139 والمتأخرة قَوْله

{قل أأنتم أعلم أم الله} فَتَأْوِيل الْآيَة قل يَا مُحَمَّد لِلْقَائِلين لكم {كونُوا هودا أَو نَصَارَى} أتحاجوننا أم تَقولُونَ إِن إِبْرَاهِيم وَأَوْلَاده كَانُوا يهودا {إِن الله بِالنَّاسِ لرؤوف رَحِيم} قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَأَبُو بكر {إِن الله بِالنَّاسِ لرؤوف} على وزن رعف وحجتهم أَن هَذَا أبلغ فِي الْمَدْح كَمَا تَقول رجل حذق ويقظ للْمُبَالَغَة قَالَ الشَّاعِر ... يرى للْمُسلمين عَلَيْهِ حَقًا ... كَفعل الْوَالِد الرؤف الرَّحِيم ... وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لرؤوف} على وزن فعول وحجتهم فِي ذَلِك أَن أَكثر أَسمَاء الله على فعول وفعيل مثل غَفُور وشكور وَرَحِيم وقدير قَالَ الشَّاعِر ... نطيع نَبينَا ونطيع رَبًّا ... هُوَ الرَّحْمَن كَانَ بِنَا رؤوفا ... {وَإِن الَّذين أُوتُوا الْكتاب ليعلمون أَنه الْحق من رَبهم وَمَا الله بغافل عَمَّا يعْملُونَ} قَرَأَ ابْن عَامر وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وَمَا الله بغافل عَمَّا يعْملُونَ} بِالتَّاءِ وحجتهم قَوْله قبلهَا {وَحَيْثُ مَا كُنْتُم فَوَلوا وُجُوهكُم شطره} فَكَانَ ختم الْآيَة بِمَا افتتحت بِهِ من الْخطاب عِنْدهم أولى من الْعُدُول عَن الْخطاب إِلَى الْغَيْبَة

{ولكل وجهة هو موليها}

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ وحجتهم قَوْله {وَإِن الَّذين أُوتُوا الْكتاب ليعلمون أَنه الْحق من رَبهم} وَالْكَلَام خبر عَنْهُم {وَلكُل وجهة هُوَ موليها} قَرَأَ ابْن عَامر / هُوَ مَوْلَاهَا / بِفَتْح اللَّام أَي هُوَ موجهها وحجته أَنه قدر لَهُ أَن يتولاها وَلم يسند إِلَى فَاعل بِعَيْنِه فَيجوز أَيكُون هُوَ كِنَايَة عَن الِاسْم الَّذِي أضيفت إِلَيْهِ كل وَهُوَ الْفَاعِل وَيجوز أَن يكون فَاعل التَّوْلِيَة الله وَهُوَ كِنَايَة عَنهُ وَالتَّقْدِير وَلكُل ذِي مِلَّة قبْلَة الله موليها وَجهه ثمَّ رد ذَلِك إِلَى مَا لم يسم فَاعله وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {هُوَ موليها} أَي متبعها وراضيها وحجتهم مَا قد جَاءَ فِي التَّفْسِير عَن مُجَاهِد {وَلكُل وجهة هُوَ موليها} أَي لكل صَاحب مِلَّة وجهة أَي قبْلَة هُوَ موليها هُوَ مستقبلها قَوْله {هُوَ موليها} هُوَ كِنَايَة عَن الِاسْم الَّذِي اضيفت إِلَيْهِ كل فِي الْمَعْنى لِأَنَّهَا وَإِن كَانَت منونة فَلَا بُد من أَن تسند إِلَى اسْم {وَإنَّهُ للحق من رَبك وَمَا الله بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ وَمن حَيْثُ خرجت فول وَجهك شطر الْمَسْجِد الْحَرَام} قَرَأَ أَبُو عَمْرو / وَمَا الله بغافل عَمَّا يعْملُونَ وَمن حَيْثُ / بِالْيَاءِ وحجته قَوْله قبلهَا {يعرفونه كَمَا يعْرفُونَ أَبْنَاءَهُم} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ وحجتهم قَوْله وَإنَّهُ للحق من رَبك

{ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم}

{وَمن تطوع خيرا فَإِن الله شَاكر عليم} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / وَمن يطوع / بِالْيَاءِ وَجزم الْعين وَكَذَلِكَ الَّذِي بعده وحجتهما أَن حُرُوف الْجَزَاء وضعت لما يسْتَقْبل من الأزمة فِي سنَن الْعَرَبيَّة وَأَن الْمَاضِي إِذا تكلم بِهِ بعد أحرف الْجَزَاء فَإِن المُرَاد مِنْهُ الِاسْتِقْبَال نَحْو قَول الْقَائِل من أكرمني أكرمته أَي من يكرمني أكْرمه وَيُقَوِّي قراءتهما قِرَاءَة عبد الله / وَمن يتَطَوَّع / على مَحْض الِاسْتِقْبَال فأدغمت التَّاء فِي الطَّاء فِي قراءتهما لقرب مخرجها مِنْهَا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَمن تطوع} بِالتَّاءِ وَفتح الْعين على لفظ الْمُضِيّ وَمَعْنَاهُ الِاسْتِقْبَال لِأَن الْكَلَام شَرط وَجَزَاء لفظ الْمَاضِي فِيهِ يؤول إِلَى معنى الِاسْتِقْبَال كَمَا قَالَ جلّ وَعز {من كَانَ يُرِيد الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزينتهَا نوف إِلَيْهِم} وحجتهم فِي ذَلِك أَن الْمَاضِي أخف من الْمُسْتَقْبل وَلَا إدغام فِيهِ {إِن فِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار والفلك الَّتِي تجْرِي فِي الْبَحْر بِمَا ينفع النَّاس وَمَا أنزل الله من السَّمَاء من مَاء فأحيا بِهِ الأَرْض بعد مَوتهَا وَبث فِيهَا من كل دَابَّة وتصريف الرِّيَاح} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وتصريف الرِّيَاح} بِغَيْر ألف وحجتهما أَن الْوَاحِد يدل على الْجِنْس فَهُوَ أَعم كَمَا تَقول كثر الدِّرْهَم وَالدِّينَار فِي ايدي النَّاس إِنَّمَا تُرِيدُ هَذَا الْجِنْس قَالَ الْكسَائي وَالْعرب تَقول جَاءَت الرّيح من كل مَكَان فَلَو كَانَت ريحًا وَاحِدَة جَاءَت من مَكَان وَاحِد فَقَوْلهم من كل مَكَان وَقد وحدوها تدل على أَن بِالتَّوْحِيدِ معنى الْجمع

{ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب}

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وتصريف الرِّيَاح} وحجتهم أَنَّهَا الرِّيَاح الْمُخْتَلفَة المجاري فِي تصريفها وتغاير مهابها فِي الْمشرق وَالْمغْرب وتغاير جِنْسهَا فِي الْحر وَالْبرد فَاخْتَارُوا الْجمع فِيهِنَّ لِأَنَّهُنَّ جمَاعَة مختلفات الْمَعْنى وَيُقَوِّي الْجمع مَا رُوِيَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ أَنه كَانَ إِذا هَاجَتْ ريح جثا على ركبته واستقبلها ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رياحا وَلَا تجعلها ريحًا اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رَحْمَة وَلَا تجعلها عذَابا {وَلَو يرى الَّذين ظلمُوا إِذْ يرَوْنَ الْعَذَاب أَن الْقُوَّة لله جَمِيعًا وَأَن الله شَدِيد الْعَذَاب} قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر / وَلَو ترى الَّذين ظلمُوا / بِالتَّاءِ وحجتهما قَوْله {وَلَو ترى إِذْ الظَّالِمُونَ} {وَلَو ترى إِذْ يتوفى الَّذين كفرُوا} وَجَوَاب لَو مكفوف الْمَعْنى وَلَو ترى يَا مُحَمَّد هَؤُلَاءِ الْمُشْركين عِنْد رُؤْيَتهمْ الْعَذَاب لرأيت أمرا عَظِيما ينزل بهم {وَإِن} بِمَعْنى لِأَن الْقُوَّة لله جَمِيعًا وَلِأَن الله شَدِيد الْعَذَاب وَيجوز أَن يكون الْعَامِل فِي {أَن الْقُوَّة} الْجَواب الْمَعْنى فَلَو ترى يَا ممد الَّذين ظلمُوا لرأيت

{ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين}

أَن الْقُوَّة لله جَمِيعًا وَهَذَا خطاب للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ يُرَاد بِهِ النَّاس أَي لرأيتم أَيهَا المخاطبون أَن الْقُوَّة لله أَو لرأيتم أَن الأنداد لم تَنْفَع وَإِنَّمَا بلغت الْغَايَة فِي الضَّرَر وَلَا يجوز أَن يكون الْعَامِل فِي أَن ترى لِأَنَّهُ قد عمل فِي الَّذين وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَلَو يرى الَّذين ظلمُوا} بِالْيَاءِ وحجتهم مَا جَاءَ فِي التَّفْسِير لَو رأى الَّذين كَانُوا يشركُونَ فِي الدُّنْيَا عَذَاب الْآخِرَة لعلموا حِين يرونه أَن الْقُوَّة لله جَمِيعًا قَالَ الزّجاج أما من قَرَأَ {أَن الْقُوَّة} فموضع أَن نصب بقوله وَلَو يرى الَّذين ظلمُوا شدَّة عَذَاب الله وقوته لعلموا مضرَّة اتخاذهم الأنداد وَقد جرى ذكر الأنداد وَيجوز أَن يكون الْعَامِل فِي أَن الْجَواب أَي وَلَو رأى الَّذين كَانُوا يشركُونَ فِي الدُّنْيَا أَن الْقُوَّة لله جَمِيعًا وَكَذَلِكَ نصب أَن الثَّانِيَة وَالْمعْنَى لَو يرى الَّذين ظلمُوا فِي الدُّنْيَا عَذَاب الْآخِرَة لعلموا حِين يرونه {أَن الْقُوَّة لله جَمِيعًا وَأَن الله شَدِيد الْعَذَاب} قَرَأَ ابْن عَامر {إِذْ يرَوْنَ الْعَذَاب} بِضَم الْيَاء على مَا لم يسم فَاعله فعل يَقع بهم تَقول أريته كَذَا وَكَذَا أَي أظهرته لَهُ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {إِذْ يرَوْنَ} بِفَتْح الْيَاء يَعْنِي الْكفَّار {وَلَا تتبعوا خطوَات الشَّيْطَان إِنَّه لكم عَدو مُبين} قَرَأَ نَافِع وَأَبُو عَمْرو وَحَمْزَة وَأَبُو بكر والبزي {خطوَات} سَاكِنة

{قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا}

الطَّاء وحجتهم أَنهم استثقلوا الضمتين بعدهمَا وَاو فِي كلمة وَاحِدَة فسكنوا الطَّاء طلبا للتَّخْفِيف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ خطوَات بِضَم الطَّاء وحجتهم أَن أصل فعلة إِذا جمعت أَن تحرّك الْعين بحركة الْفَاء هَذَا الْمُسْتَعْمل فِي الْعَرَبيَّة مثل ظلمَة وظلمات وحجرة وحجرات وقربة وقربات وخطوة وخطوات وَقَالُوا وَلم تستثقل الْعَرَب ضمة الْعين {قَالُوا بل نتبع مَا ألفينا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} اخْتلف الْقُرَّاء فِي إدغام لَام هَل وبل عِنْد التَّاء والثاء والطاء والظاء وَالصَّاد وَالزَّاي وَالسِّين وَالنُّون نَحْو {بل نتبع} و {هَل ترى} فَقَرَأَ الْكسَائي جَمِيع ذَلِك بِالْإِدْغَامِ دخل حَمْزَة مَعَه عِنْد التَّاء والثاء وَالسِّين وَقَرَأَ الْبَاقُونَ جَمِيع ذَلِك بالإظهار حجَّة الْكسَائي فِي ذَلِك أَن هَذِه اللَّام لما كَانَت سَاكِنة فِي الْخلقَة أشبهت لَام الْمعرفَة فأدغمها عِنْد هَذِه الْحُرُوف كَمَا تُدْغَم لَام الْمعرفَة عِنْدهن فَأجرى لَام هَل وبل مجْرى لَام الْمعرفَة فأدغمها فِيمَا أدغم فِيهِ لَام الْمعرفَة أَلا ترى أَنه لم يدغم لَام قل فِي شَيْء لِأَن سكونها عَارض وَأَن الْحَرَكَة أَصْلهَا وَكَذَلِكَ {وَمن يُبدل نعْمَة الله} وَحجَّة من أظهر لَام هَل وبل أَن هَذِه اللَّام تفارق لَام الْمعرفَة من جِهَة أَن كل وَاحِدَة مِنْهُمَا من حرف يسكت عَلَيْهِ وَالَّذِي لقيها من حرف آخر فضعفت عَن الْإِدْغَام الَّذِي يكون فِي الْحَرْف الْوَاحِد الَّذِي

{فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه}

لَا يفصل بعضه عَن بعض {فَمن اضْطر غير بَاغ وَلَا عَاد فَلَا إِثْم عَلَيْهِ} قَرَأَ حَمْزَة وَأَبُو عَمْرو وَعَاصِم {فَمن اضْطر} بِكَسْر النُّون حَيْثُ كَانَ وَكَذَلِكَ {وَقَالَت اخْرُج} {وَلَقَد استهزئ} و {فتيلا انْظُر} بِكَسْر التَّاء وَالدَّال والتنوين زَاد عَاصِم وَحَمْزَة عَلَيْهِ كسر اللَّام وَالْوَاو مثل {قل ادعوا الله أَو ادعوا الرَّحْمَن} وَدخل ابْن عَامر مَعَهم فِي التَّنْوِين فَحسب وَقَرَأَ الْبَاقُونَ جَمِيع ذَلِك بِالرَّفْع وحجتهم أَنهم كَرهُوا الضَّم بعد الْكسر لِأَن يثقل على اللِّسَان فضموا ليتبع الضَّم الضَّم وَحجَّة الْكسر أَن الساكنين إِذا اجْتمعَا يُحَرك أَحدهمَا إِلَى الْكسر كَقَوْلِه {وَقل الْحق من ربكُم} وَذكر اليزيدي عَن أبي عَمْرو قَالَ وَإِنَّمَا كسرت النُّون لأنني رَأَيْت النُّون حرف إِعْرَاب فِي حَال النصب وَالرَّفْع تذْهب إِلَى الْكسر مثل قَوْله {غَفُورًا رحِيما النَّبِي} وَقَوله {وَالله عَزِيز حَكِيم الطَّلَاق} قَالَ فَإِذا كَانَت النُّون نَفسهَا فَهُوَ أَحَق أَن يذهب بهَا إِلَى الْكسر قَالَ وَالتَّاء وَالدَّال بِمَنْزِلَة النُّون وهما أُخْتا النُّون إِذْ كَانَت لَام التَّعْرِيف تندغم فِيهَا كإدغامها فِي التَّاء وَالدَّال فَتَقول هِيَ التَّاء وَالدَّال وَالنُّون فترى اللَّام فِيهِنَّ

{ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله}

مدغمة وَضم الْوَاو لِأَن اللَّام تظهر عِنْد الْوَاو وَضم اللَّام فِي قَوْله {قل ادعوا الله} كَرَاهِيَة كسرة اللَّام بَين ضمتين ضمة الْقَاف وضمة الْعين فأتبع الضمة الضَّم {لَيْسَ الْبر أَن توَلّوا وُجُوهكُم قبل الْمشرق وَالْمغْرب وَلَكِن الْبر من آمن بِاللَّه} قَرَأَ حَمْزَة وَحَفْص {لَيْسَ الْبر أَن توَلّوا} نصبا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْع فَمن نصب جعل أَن مَعَ صلتها الِاسْم فَيكون الْمَعْنى لَيْسَ توليتكم وُجُوهكُم قبل الْمشرق وَالْمغْرب الْبر كُله وَمن رفع فَالْمَعْنى الْبر كُله توليتكم فَيكون {الْبر} اسْم لَيْسَ وَيكون {أَن توَلّوا} الْخَبَر وحجتهم قِرَاءَة أبي / لَيْسَ الْبر بِأَن توَلّوا / أَلا ترى كَيفَ أَدخل الْبَاء على الْخَبَر وَالْبَاء لَا تدخل فِي اسْم لَيْسَ إِنَّمَا تدخل فِي خَبَرهَا قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر {وَلَكِن} خَفِيفَة {الْبر} رفعا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَلَكِن الْبر} بالتشد وَالنّصب اعْلَم أَنَّك إِذا شددت {لَكِن} نصبت {الْبر} ب لَكِن وَإِذا خففت رفعت الْبر وَكسرت النُّون لالتقاء الساكنين وَقد بيّنت الْحجَّة فِيمَا تقدم {فَمن خَافَ من موص جنفا}

{وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين}

وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَأَبُو بكر {فَمن خَافَ من موص} وحجتهم قَوْله {مَا وصّى بِهِ نوحًا} و {فَلَا يَسْتَطِيعُونَ توصية} مصدر من وصّى وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {موص} بِالتَّخْفِيفِ وحجتهم قَوْله {يُوصِيكُم الله} و {من بعد وَصِيَّة توصون} قَالَ الْكسَائي هما لُغَتَانِ مثل أوفيت ووفيت وأكرمت وكرمت وَقد رُوِيَ عَن أبي عَمْرو أَنه فرق بَين الْوَجْهَيْنِ فَقَالَ مَا كَانَ عِنْد الْمَوْت فَهُوَ موص لِأَنَّهُ يُقَال أوصى فلَان بِكَذَا وَكَذَا فَإِذا بعث فِي حَاجَة قيل وصّى فلَان بِكَذَا {وعَلى الَّذين يطيقُونَهُ فديَة طَعَام مِسْكين} قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر {وعَلى الَّذين يطيقُونَهُ فديَة طَعَام} / ومساكين / جمع وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فديَة} منونة {طَعَام} رفعا {مِسْكين} وَاحِد وحجتهم أَن الطَّعَام هُوَ الفد الَّتِي أوجبهَا الله على الْمُفطر الَّذِي رخص لَهُ فِي الْفطر وَجعل إطْعَام الْمِسْكِين جَزَاء إفطاره فَلَا وَجه لإضافة الْفِدْيَة إِلَيْهِ إِذْ كَانَ الشَّيْء لَا يُضَاف إِلَى نَفسه إِنَّمَا يُضَاف إِلَى غَيره وحجتهم فِي التَّوْحِيد فِي الْمِسْكِين أَن فِي الْبَيَان على حكم الْوَاحِد فِي ذَلِك الْبَيَان عَن حكم جَمِيع أَيَّام الشَّهْر وَلَيْسَ فِي الْبَيَان عَن حكم إفطار جَمِيع الشَّهْر الْبَيَان عَن حكم إفطار الْيَوْم الْوَاحِد فَاخْتَارُوا التَّوْحِيد لذَلِك إِذْ كَانَ أوضح فِي الْبَيَان

{شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله}

وَحجَّة من أضَاف الْفِدْيَة إِلَى الطَّعَام أَن الْفِدْيَة غير الطَّعَام وَأَن الطَّعَام إِنَّمَا هُوَ المفدى بِهِ الصَّوْم لَا الْفِدْيَة والفدية هِيَ مصدر من الْقَائِل فديت صَوْم هَذَا الْيَوْم بِطَعَام مِسْكين أفديه فديَة فَإِذا كَانَ ذَلِك كَذَلِك فَالصَّوَاب فِي الْقِرَاءَة إِضَافَة الْفِدْيَة إِلَى الطَّعَام وَحجَّة من قَرَأَ {مَسَاكِين} قَوْله قبلهَا {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا كتب عَلَيْكُم الصّيام كَمَا كتب على الَّذين من قبلكُمْ} ثمَّ قَالَ {أَيَّامًا معدودات} قَالَ إِنَّمَا عرف عباده حكم من أفطر الْأَيَّام الَّتِي كتب عَلَيْهِ صَومهَا بقوله {أَيَّامًا معدودات} فَإِذا كَانَ ذَلِك كَذَلِك فَالْوَاجِب أَن تكون الْقِرَاءَة فِي الْمَسَاكِين على الْجمع لَا على التَّوْحِيد وَتَأْويل الْآيَة وعَلى الَّذين يطيقُونَهُ فديَة أَيَّام يفْطر فِيهَا إطْعَام مَسَاكِين ثمَّ تحذف أَيَّامًا وتقيم الطَّعَام مَكَانهَا قَالَ الْحسن فالمساكين عَن الشَّهْر كُله وَالْأَيَّام {شهر رَمَضَان الَّذِي أنزل فِيهِ الْقُرْآن هدى للنَّاس وبينات من الْهدى وَالْفرْقَان فَمن شهد مِنْكُم الشَّهْر فليصمه وَمن كَانَ مَرِيضا أَو على سفر فَعدَّة من أَيَّام أخر يُرِيد الله بكم الْيُسْر وَلَا يُرِيد بكم الْعسر ولتكملوا الْعدة ولتكبروا الله} قَرَأَ ابْن كثير {الْقُرْآن} بِغَيْر همز وحجته مَا رُوِيَ عَن الشَّافِعِي عَن إِسْمَاعِيل قَالَ الشَّافِعِي قَرَأت على إِسْمَاعِيل فَكَانَ يَقُول

{أجيب دعوة الداع إذا دعان}

الْقرَان اسْم وَلَيْسَ مهموزا وَلم يُؤْخَذ من قَرَأت وَلَو أَخذ من قَرَأت لَكَانَ كل مَا قرئَ قُرْآنًا وَلكنه اسْم مثل التَّوْرَاة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {الْقُرْآن} بِالْهَمْز مصدر قَرَأت الشَّيْء أَي ألفته وَجمعته قُرْآنًا قَالُوا فَسُمي بِالْمَصْدَرِ وحجتهم قَوْله {إِن علينا جمعه وقرآنه فَإِذا قرأناه} أَي جمعناه {فَاتبع قرآنه} أَي تأليفه قَرَأَ أَبُو بكر {ولتكملوا الْعدة} بِالتَّشْدِيدِ من كمل يكمل وحجته قَول النَّاس تَكْمِلَة الثَّلَاثِينَ عَن أبي بكر {ولتكملوا} بِالتَّشْدِيدِ وَقَالَ شددتها لقَوْله {ولتكبروا الله} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ من أكمل يكمل وحجتهم قَوْله {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ} وهما لُغَتَانِ مثل كرمت وأكرمت قَالَ الله {وَلَقَد كرمنا بني آدم} وَقَالَ {أكرمي مثواه} {أُجِيب دَعْوَة الداع إِذا دعان} قَرَأَ إِسْمَاعِيل وورش عَن نَافِع وَأَبُو عَمْرو / دَعْوَة الدَّاعِي إِذا دَعَاني / بِالْيَاءِ فِي الْوَصْل والحلواني دخل مَعَهم فِي الثَّانِي وَإِذا وقفُوا وقفُوا بِغَيْر يَاء وحجتهم أَن الأَصْل فِي ذَلِك إِثْبَات الْيَاء لِأَن

{وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها}

الْيَاء لَام الْفِعْل وَإِذا وقفت حذفت الْيَاء اتبَاعا للمصحف وَهَذَا حسن لأَنهم اتبعُوا الأَصْل فِي الْوَصْل وَفِي الْوَقْف الْمُصحف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِغَيْر يَاء فِي الْوَصْل وحجتهم أَن ذَلِك فِي الْمُصحف بِغَيْر يَاء فَلَا يَنْبَغِي أَن يُخَالف رسم الْمُصحف وَحجَّة أُخْرَى وَهِي أَنهم اكتفوا بالكسرة عَن الْيَاء لِأَن الكسرة تنوب عَن الْيَاء {وَلَيْسَ الْبر بِأَن تَأْتُوا الْبيُوت من ظُهُورهَا وَلَكِن الْبر من اتَّقى وَأتوا الْبيُوت من أَبْوَابهَا} قَرَأَ نَافِع فِي رِوَايَة إِسْمَاعِيل وورش وابو عَمْرو وَحَفْص {وَأتوا الْبيُوت} بِضَم الْبَاء على أصل الْجمع تَقول بَيت وبيوت مثل قلب وَقُلُوب وفلس وفلوس وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {الْبيُوت} بِكَسْر الْبَاء وحجتهم فِي ذَلِك أَنهم استثقلوا الضمة فِي الْبَاء وَبعدهَا يَاء مَضْمُومَة فيجتمع فِي الْكَلِمَة ضمتان بعْدهَا وَاو سَاكِنة فَتَصِير بِمَنْزِلَة ثَلَاثَة ضمات وَهَذَا من أثقل الْكَلَام فكسروا الْبَاء لثقل الضمات ولقرب الْكسر من الْيَاء وَكَذَلِكَ الْكَلَام فِي {الغيوب} و {جُيُوبهنَّ} و {شُيُوخًا} {وَلَا تقاتلوهم عِنْد الْمَسْجِد الْحَرَام حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فاقتلوهم} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / وَلَا تقاتلوهم عِنْد الْمَسْجِد الْحَرَام حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قتلوكم / بِغَيْر ألف

{الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج}

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَلَا تقاتلوهم} بِالْألف أَي لَا تحاربوهم حَتَّى يحاربوكم فَإِن حاربوكم فاقتلوهم وحجتهم قَوْله {وقاتلوا فِي سَبِيل الله الَّذين يقاتلونكم} {وقاتلوهم حَتَّى لَا تكون فتْنَة} وَحجَّة أُخْرَى وَهِي أَن الْقِتَال إِنَّمَا يُؤمر بِهِ الْأَحْيَاء فَأَما المقتولون فَإِنَّهُم لَا يُقَاتلُون فيؤمروا بِهِ وَإِذا قرئَ {وَلَا تقاتلوهم عِنْد الْمَسْجِد الْحَرَام حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ} كَانَ ظَاهره أمرا للمقتول بقتل القاتلين وَذَلِكَ محَال إِذا حمل على ظَاهره وَحجَّة من قَرَأَ بِغَيْر ألف أَن وصف الْمُؤمنِينَ بِالْقَتْلِ فِي سَبِيل الله أبلغ فِي الْمَدْح وَالثنَاء عَلَيْهِم وَأَن معنى ذَلِك وَلَا تَقْتُلُوهُمْ عِنْد الْمَسْجِد الْحَرَام حَتَّى يقتلُوا بَعْضكُم فَإِن قتلوا بَعْضكُم فاقتلوهم وَحكى الْفراء عَن الْعَرَب أَنهم يَقُولُونَ قتلنَا بني فلَان وَإِنَّمَا قتلوا بَعضهم وَحجَّة أُخْرَى جَاءَ فِي التَّفْسِير أَن الْمَعْنى فِيهِ وَلَا تبدؤوهم بِالْقَتْلِ حَتَّى يبدؤوكم بِهِ فَإِن بدؤوكم بِالْقَتْلِ فاقتلوهم {الْحَج أشهر مَعْلُومَات فَمن فرض فِيهِنَّ الْحَج فَلَا رفث وَلَا فسوق وَلَا جِدَال فِي الْحَج} قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {فَلَا رفث وَلَا فسوق} رفع منون {وَلَا جِدَال} نصبا قَالَ أَبُو عبيد وَإِنَّمَا افْتَرَقت الْحُرُوف عِنْدهم لأَنهم جعلُوا قَوْله {فَلَا رفث وَلَا فسوق} بِمَعْنى النَّهْي أَي لَا يكون

{ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد}

فِيهِ ذَاك وتأولوا فِي قَوْله {وَلَا جِدَال} أَنه لَا شكّ فِي الْحَج وَلَا اخْتِلَاف فِيهِ أَنه فِي ذِي الْحجَّة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ جَمِيع ذَلِك بِالنّصب وحجتهم قَول ابْن عَبَّاس {وَلَا جِدَال فِي الْحَج} قَالَ لَا تمار صَاحبك حَتَّى تغضبه فَلم يذهب بهَا ابْن عَبَّاس ذَلِك الْمَذْهَب وَلكنه جعله نهيا كالحرفين الْأَوَّلين وَأَن حرف النَّهْي دخل فِي الثَّلَاثَة وَحجَّة من فتح أَن يَقُول إِنَّه أبلغ للمعنى الْمَقْصُود أَلا ترى أَنه إِذا فتح فقد نفى جَمِيع الرَّفَث والفسوق كَمَا أَنه إِذا قَالَ لَا ريب فِيهِ فقد نفى جَمِيع هَذَا الْجِنْس وَإِذا رفع وَنون فَكَأَن النَّفْي لوَاحِد مِنْهُ فالفتح أولى لِأَن النَّفْي بِهِ أَعم وَالْمعْنَى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لم يرخص فِي ضرب من الرَّفَث والفسوق كَمَا لم يرخص فِي ضرب من الْجِدَال فالفتح جَوَاب قَائِل هَل من رفث هَل من فسوق ف من يدْخلهُ للْعُمُوم وَلَا أَيْضا تدخل لنفي الْعُمُوم وَإِذا قلت هَل من رجل فِي الدَّار فَجَوَابه لَا رجل فِي الدَّار وَحجَّة من رفع أَنه يعلم من الفحوى أَنه لَيْسَ النَّفْي وقتا وَاحِدًا وَلكنه بِجَمِيعِ ضروبه وَقد يكون اللَّفْظ وَاحِدًا وَالْمرَاد جَمِيعًا {وَمن النَّاس من يشري نَفسه ابْتِغَاء مرضات الله وَالله رؤوف بالعباد} قَرَأَ الْكسَائي / مرضاة الله / بالإمالة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِغَيْر إمالة وحجتهم أَن الْكَلِمَة من ذَوَات الْوَاو أَصْلهَا مرضوة فقلبت الْوَاو ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا يدلك على ذَلِك {رضوَان الله}

{يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة}

أَنَّهَا من ذَوَات الْوَاو وَحجَّة الْكسَائي أَن الْعَرَب إِذا زَادَت على الثَّلَاثَة من ذَوَات الْوَاو حرفا أمالته وكتبته بِالْيَاءِ من ذَلِك قَوْله أدنى ويدعى حَمْزَة إِذا وقف على {مرضات الله} وقف عَلَيْهَا بِالتَّاءِ وَهِي لُغَة للْعَرَب يَقُولُونَ هَذَا طلحت بِالتَّاءِ وَالْبَاقُونَ إِذا وقفُوا عَلَيْهَا وقفُوا / مرضاه / بِالْهَاءِ وحجتهم أَنهم أَرَادوا الْفرق بَين التَّاء الْمُتَّصِلَة بالإسم وَالتَّاء الْمُتَّصِلَة بِالْفِعْلِ فالمتصلة بِالِاسْمِ نعْمَة والمتصلة بِالْفِعْلِ قَامَت وَذَهَبت {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا ادخُلُوا فِي السّلم كَافَّة} قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَالْكسَائِيّ {ادخُلُوا فِي السّلم} أَي فِي المسالمة والمصالحة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فِي السّلم} بِالْكَسْرِ أَي فِي الْإِسْلَام وَقَالَ قوم هما لُغَتَانِ قَالَ الشَّاعِر ... أنائل إِنَّنِي سلم ... لأهْلك فاقبلي سلمي ... {وَإِلَى الله ترجع الْأُمُور} قَرَأَ ابْن عَامر وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وَإِلَى الله ترجع الْأُمُور} بِفَتْح التَّاء فِي جَمِيع الْقُرْآن وحجتهم قَوْله {أَلا إِلَى الله تصير الْأُمُور}

{وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله}

وَلم يقل تصار فَلَمَّا أسْند الْفِعْل إِلَيْهَا بِإِجْمَاع ردوا مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {ترجع} بِضَم التَّاء وَفتح الْجِيم أَي ترد الْأُمُور وحجتهم قَوْله {إِلَيْهِ تحشرون} و {تقلبون} فَجعلُوا الْأُمُور دَاخِلَة فِي هَذَا الْمَعْنى والمعنيان يتداخلان وَذَلِكَ أَن الله هُوَ الَّذِي يرجع الْأُمُور فَإِذا رجعها رجعت فَهِيَ مرجوعة وراجعة {وزلزلوا حَتَّى يَقُول الرَّسُول وَالَّذين آمنُوا مَعَه مَتى نصر الله} قَرَأَ نَافِع {حَتَّى يَقُول الرَّسُول} بِالرَّفْع وحجته أَنَّهَا بِمَعْنى قَالَ الرَّسُول على الْمَاضِي وَلَيْسَت على الْمُسْتَقْبل وَإِنَّمَا ينصب من هَذَا الْبَاب مَا كَانَ مُسْتَقْبلا مثل قَوْله {أفأنت تكره النَّاس حَتَّى يَكُونُوا مُؤمنين} {حَتَّى يَأْتِي وعد الله} فَرفع يَقُول ليعلم أَنه مَاض وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {حَتَّى يَقُول} بِالنّصب وحجتهم أَنَّهَا بِمَعْنى الِانْتِظَار وَهُوَ حِكَايَة حَال الْمَعْنى وزلزلوا إِلَى أَن يَقُول الرَّسُول وَاعْلَم أَن حَتَّى إِذا دخلت على الْفِعْل فلهَا أَرْبَعَة أوجه وَجْهَان فِي الرّفْع ووجهان فِي النصب فَأَما وَجها الرّفْع فأحدهما كَقَوْلِك سرت حَتَّى أدخلها فَيكون

{يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو}

السّير وَاقعا وَالدُّخُول فِي الْحَال مَوْجُودا كَأَنَّهُ قَالَ سرت حَتَّى أَنا دَاخل السَّاعَة وعَلى هَذَا قَوْله {حَتَّى يَقُول الرَّسُول} أَي حَتَّى الرَّسُول قَائِل وَالْوَجْه الثَّانِي أَن يكون الْفِعْل الَّذِي قبل حَتَّى وَالَّذِي بعْدهَا واقعين جَمِيعًا فَيَقُول الْقَائِل سرت أمس نَحْو الْمَدِينَة حَتَّى أدخلها وَيكون السّير وَالدُّخُول وَقعا ومضيا كَأَنَّهُ قَالَ سرت أمس فَدخلت وعَلى هَذَا أَيْضا قَوْله {حَتَّى يَقُول الرَّسُول} مَعْنَاهُ حَتَّى قَالَ الرَّسُول فَرفع الْفِعْل على الْمَعْنى لِأَن حَتَّى وَأَن لَا يعملان فِي الْمَاضِي وَإِنَّمَا يعملان فِي الْمُسْتَقْبل وَأما وَجها النصب فأحدهما كَقَوْلِك سرت حَتَّى أدخلها لم يكن الْفِعْل وَاقعا مَعْنَاهُ سرت طلبا إِلَى أَن أدخلها فالسير وَاقع وَالدُّخُول لم يَقع فعلى هَذَا نصب الْآيَة وتنصب الْفِعْل بعد حَتَّى بإضمار أَن وَهِي تكون الجارة كَقَوْلِك أقعد حَتَّى تخرج الْمَعْنى إِلَى أَن تخرج وَالْوَجْه الثَّانِي أَن تكون حَتَّى بِمَعْنى اللَّام الَّتِي هِيَ عِلّة وَذَلِكَ مثل قَوْلك أسلمت حَتَّى أَدخل الْجنَّة لَيْسَ المُرَاد إِلَى أَن أَدخل الْجنَّة إِنَّمَا المُرَاد لأدخل الْجنَّة وَلَيْسَ هَذَا وَجه نصب الْآيَة {يَسْأَلُونَك عَن الْخمر وَالْميسر قل فيهمَا إِثْم كَبِير وَمَنَافع للنَّاس وإثمهما أكبر من نفعهما ويسألونك مَاذَا يُنْفقُونَ قل الْعَفو} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {قل فيهمَا إِثْم كَبِير} بالثاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {إِثْم كَبِير} بِالْبَاء وحجتهم قَوْله {وإثمهما أكبر} وَلم يقل أَكثر

وَحجَّة أُخْرَى وَهِي أَنهم استعملوا فِي الذَّنب إِذا كَانَ موبقا يدل على ذَلِك قَوْله {الَّذين يجتنبون كَبَائِر الْإِثْم} قَالُوا كَذَلِك يَنْبَغِي أَن يكون إِثْم {كَبِير} لِأَن شرب الْخمر وَالْميسر من الْكَبِير وَحجَّة من قَرَأَ بالثاء قَوْله {إِنَّمَا يُرِيد الشَّيْطَان أَن يُوقع بَيْنكُم الْعَدَاوَة والبغضاء فِي الْخمر وَالْميسر ويصدكم عَن ذكر الله وَعَن الصَّلَاة} فَذكر أَشْيَاء من الْإِثْم وَحجَّة أُخْرَى أَن الْإِثْم وَاحِد يُرَاد بِهِ الآثام فَوحد فِي اللَّفْظ وَمَعْنَاهُ الْجمع وَالَّذِي يدل عَلَيْهِ {وَمَنَافع للنَّاس} فعودل الْإِثْم بالمنافع فَلَمَّا عودل بهَا حسن أَن يُوصف بالكثير فَإِن قَالَ قَائِل يَنْبَغِي أَن يقْرَأ وإثمهما أَكثر بالثاء قيل هَذَا لَا يلْزم من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَنهم مجمعون على الْبَاء من وَجْهَيْن وَمَا خرج بِالْإِجْمَاع فَلَا نظر فِيهِ وَالْوَجْه الثَّانِي أَن الِاسْم الثَّانِي بِخِلَاف معنى الأول لِأَن الأول بِمَعْنى الآثام فَوحد فِي اللَّفْظ وَمَعْنَاهُ الْجمع وَالدَّلِيل على ذَلِك {وَمَنَافع للنَّاس} وَتَقْدِير الْكَلَام قل فيهمَا آثام كَثِيرَة وَمَنَافع للنَّاس كَمَا قَالَ {يتفيأ ظلاله عَن الْيَمين وَالشَّمَائِل} فَوحد الْيَمين فِي اللَّفْظ وَالْمرَاد الْأَيْمَان فَلذَلِك عطف عَلَيْهِ بالشمائل وَهِي جمع وَأما قَوْله وإثمهما أكبر من نفعهما فلفظه وَمَعْنَاهُ معنى التَّوْحِيد يدل على ذَلِك أَنه أُتِي بالنفع بعده موحدا قَرَأَ أَبُو عَمْرو {قل الْعَفو} بِالرَّفْع وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالنّصب من جعل مَا اسْما وَذَا خَبَرهَا وَهِي فِي مَوضِع الَّذِي رد

{الْعَفو} فرفغ كَأَنَّهُ قَالَ مَا الَّذِي يُنْفقُونَ فَقَالَ الْعَفو أَي الَّذِي يُنْفقُونَ الْعَفو فَيخرج الْجَواب على معنى لفظ السُّؤَال وحجته قَوْله {وَإِذا قيل لَهُم مَاذَا أنزل ربكُم قَالُوا أساطير الْأَوَّلين} قَالَ أَبُو زيد أساطير لَيْسَ بِجَوَاب هَذَا السُّؤَال لِأَن الْكفَّار لم يُؤمنُوا بإنزال الْقُرْآن على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَقَالَ {إِنَّمَا يُعلمهُ بشر} وَلَو أقرُّوا أَن الله ينزل عَلَيْهِ لما قَالُوا {أساطير الْأَوَّلين} فَهَذَا عدُول عَن الْجَواب وَلَكِن التَّقْدِير الَّذِي تَزْعُمُونَ أَنه أنزل ربكُم هُوَ أساطير الْأَوَّلين من نصب {الْعَفو} جعل {مَاذَا} اسْما وَاحِدًا بِمَعْنى الِاسْتِفْهَام أَي أَي شَيْء يُنْفقُونَ رد الْعَفو عَلَيْهِ فينصب أَي شَيْء يُنْفقُونَ فَخرج الْجَواب على لفظ السُّؤَال مَنْصُوبًا وحجتهم قَوْله {وَقيل للَّذين اتَّقوا مَاذَا أنزل ربكُم قَالُوا خيرا} على معنى أَي شَيْء أنزل فَقَالُوا خيرا فجَاء الْجَواب على لفظ السُّؤَال مَنْصُوبًا {وَلَا تقربوهن حَتَّى يطهرن فَإِذا تطهرن فأتوهن من حَيْثُ أَمركُم الله إِن الله يحب التوابين وَيُحب المتطهرين} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَأَبُو بكر يطهرن بتَشْديد الطَّاء وَالْهَاء

{ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله}

وحجتهم مَا جَاءَ فِي التَّفْسِير حَتَّى يغتسلن بِالْمَاءِ بعد انْقِطَاع الدَّم وَذَلِكَ أَن الله أَمر عباده باعتزالهن فِي حَال الْحيض إِلَى أَن يتطهرن بِالْمَاءِ وَحجَّة أُخْرَى وَهِي قَوْله {فَإِذا تطهرن} قَالُوا وَهِي على وزن تفعلن فَيجب أَن يكون لَهَا فعل وفعلها إِنَّمَا هوالاغتسال لِأَن انْقِطَاع الدَّم لَيْسَ من فعلهَا وَحجَّة أُخْرَى اعْتِبَارا بِقِرَاءَة أبي حَتَّى يتطهرن ثمَّ أدغموا التَّاء فِي الطَّاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يطهرن} بتَخْفِيف الطَّاء وَضم الْهَاء وحجتهم أَن معنى ذَلِك حَتَّى يَنْقَطِع الدَّم عَنْهُن {فَإِذا تطهرن} أَي بِالْمَاءِ قَالُوا إِن الله أَمر عباده باعتزال النِّسَاء فِي الْمَحِيض إِلَى حِين انْقِطَاع دم الْحيض قَالَ الزّجاج يُقَال طهرت المراة وطهرت إِذا انْقَطع الدَّم عَنْهَا {وَلَا يحل لكم أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئا إِلَّا أَن يخافا أَلا يُقِيمَا حُدُود الله} قَرَأَ حَمْزَة {إِلَّا أَن يخافا} بِضَم الْيَاء وحجته قَوْله بعْدهَا فَإِن خِفْتُمْ فَجعل الْخَوْف لغَيْرِهِمَا وَلم يقل فَإِن خافا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {إِلَّا أَن يخافا} وحجتهم مَا جَاءَ فِي التَّفْسِير {إِلَّا أَن يخافا} أَي إِلَّا أَن يخَاف الزَّوْج وَالْمَرْأَة أَلا يُقِيمَا حُدُود الله فِيمَا يجب لكل وَاحِد مِنْهُمَا على صَاحبه م الْحق وَالْعشرَة

{لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف}

{لَا تكلّف نفس إِلَّا وسعهَا لَا تضار وَالِدَة بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُود لَهُ بولده وعَلى الْوَارِث مثل ذَلِك فَإِن أَرَادَا فصالا عَن ترَاض مِنْهُمَا وتشاور فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا وَإِن أردتم أَن تسترضعوا أَوْلَادكُم فَلَا جنَاح عَلَيْكُم إِذا سلمتم مَا آتيتم بِالْمَعْرُوفِ} قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {لَا تضار وَالِدَة} بِالرَّفْع على الْخَبَر وحجتهما قَوْله قبلهَا {لَا تكلّف نفس إِلَّا وسعهَا} فأتبعا الرّفْع الرّفْع نسقا عَلَيْهِ وجعلاه خَبرا بِمَعْنى النَّهْي فَإِن قلت إِن ذَلِك خبر وَهَذَا أَمر قيل فَالْأَمْر قد يَجِيء على لفظ الْخَبَر فِي التَّنْزِيل أَلا ترى قَوْله {والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} و {لَا تظْلمُونَ وَلَا تظْلمُونَ} وَالْأَصْل لَا تضارر وَالْعرب لَا تذكر فِي الْأَفْعَال حرفين من جنس وَاحِد متحركين فسكن الأول وأدغم فِي الثَّانِي وَهُوَ وَإِن كَانَ مَرْفُوعا فِي معنى النَّهْي وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لَا تضار} بِفَتْح الرَّاء على النَّهْي وحجتهم قِرَاءَة ابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس قَرَأَ ذَلِك / لَا تضارر / براءين فَدلَّ ذَلِك على أَنه نهي مَحْض فَلَمَّا اجْتمعت الراءان أدغمت الأولى فِي الثَّانِيَة وَفتحت الثَّانِيَة لالتقاء الساكنين وَهَذَا هُوَ الِاخْتِيَار فِي التَّضْعِيف إِذا كَانَ قبله فتح أَو ألف الِاخْتِيَار ضار يَا رجل

{ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره}

قرا ابْن كثير {إِذا سلمتم مَا آتيتم} مَقْصُورَة الْألف أَي مَا جئْتُمْ وَفِي الْكَلَام حذف الْمَعْنى إِذا سلمتم مَا أتيتم بِهِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {مَا آتيتم} بِالْمدِّ أَي أعطيتم وحجتهم قَوْله {إِذا سلمتم} لِأَن التَّسْلِيم لَا يكون إِلَّا مَعَ الْإِعْطَاء {ومتعوهن على الموسع قدره وعَلى المقتر قدره} قَرَأَ ابْن عَامر وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {على الموسع قدره وعَلى المقتر قدره} بِفَتْح الدَّال وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالسُّكُونِ وحجتهم أَن الْقدر مصدر مثل الوسع وَفِي مَعْنَاهُ كَقَوْلِك قدر فلَان ألف دِرْهَم أَي وَسعه وَحجَّة من فتح أَن الْقدر أَن تقدر الشَّيْء بالشَّيْء فَيُقَال ثوبي على قدر ثَوْبك فَكَأَنَّهُ اسْم التَّأْوِيل على ذِي السعَة مَا هُوَ قَادر عَلَيْهِ من الْمَتَاع وعَلى ذِي الإقتار مَا هُوَ قَادر عَلَيْهِ من ذَلِك وَيُقَوِّي هَذِه الْقِرَاءَة قَوْله {فسالت أَوديَة بِقَدرِهَا} وَكَانَ الْفراء يذهب إِلَى أَنَّهُمَا بِمَعْنى وَاحِد تَقول هَذَا قدر هَذَا قدره {وَإِن طلقتموهن من قبل أَن تمَسُّوهُنَّ} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {من قبل أَن تمَسُّوهُنَّ} بِضَم التَّاء وبالألف

{والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم}

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {من قبل أَن تمَسُّوهُنَّ} بِفَتْح التَّاء من مسست امْرَأَتي وَهُوَ الْجِمَاع وحجتهم أَن الرجل هُوَ الْمُنْفَرد بالمسيس وَيُقَوِّي هَذِه الْقِرَاءَة قَوْله فِي قصَّة مَرْيَم {وَلم يمسسني بشر} وَلم يقل يماسني وَجَاء فِي الحَدِيث أَيْضا إِذا طلق الرجل من قبل أَن يمس وَحجَّة من قَرَأَ / تماسوهن / أَن الْمَسِيس وَإِن كَانَ من الرجل فالمرأة مُشَاركَة فِيهِ وكل مَاس شَيْئا فالممسوس مَاس لَهُ وَكَذَلِكَ الملاقي وَيُقَوِّي هَذِه الْقِرَاءَة قَوْله {من قبل أَن يتماسا} على إِسْنَاد الْفِعْل إِلَيْهِمَا {وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا وَصِيَّة لأزواجهم} قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَابْن عَامر وَحَمْزَة وَحَفْص {وَصِيَّة} بِالنّصب وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْع فَمن نصب أَرَادَ فليوصوا وَصِيَّة لأزواجهم وَمن رفع فَالْمَعْنى فَعَلَيْهِم وَصِيَّة لأزواجهم وحجتهم أَن فِي قِرَاءَة أبي الْوَصِيَّة لأزواجهم قَالَ نحويو الْبَصْرَة يجوز أَن ترْتَفع من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن تجْعَل الْوَصِيَّة متبدأ والظرف خَبرا كَمَا تَقول سَلام عَلَيْكُم وَالْآخر أَن تضمن لَهُ خَبرا الْمَعْنى فَعَلَيْهِم وَصِيَّة لأزواجهم {من ذَا الَّذِي يقْرض الله قرضا حسنا فيضاعفه لَهُ أضعافا كَثِيرَة وَالله يقبض ويبسط وَإِلَيْهِ ترجعون} قَرَأَ ابْن كثير / فيضعفه / بِالرَّفْع وَالتَّشْدِيد

{قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا}

وَقَرَأَ ابْن عَامر / فيضعفه / بِالنّصب وَالتَّشْدِيد وَقَرَأَ عَاصِم {فيضاعفه} بِالنّصب وَالْألف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْألف وَالرَّفْع من رفع عطف على {يقْرض الله} وَمن نصب نصب على جَوَاب الإستفهام كَمَا تَقول نم يزورني فَأكْرمه وَحجَّة التَّشْدِيد أَن الْمَعْنى فِيهَا تَكْرِير الْفِعْل وَزِيَادَة الضعْف على الْوَاحِد إِلَى مَا لَا نِهَايَة لَهُ جَاءَ فِي التَّفْسِير الله عز وَجل يضعف لَهُ أضعافا كَثِيرَة بِالْوَاحِدِ سَبْعمِائة وَحجَّة التَّخْفِيف قَالُوا إِن أَمر الله أسْرع من تَكْرِير الْفِعْل إِنَّمَا هُوَ كن فَكَانَ قَالَ الْكسَائي الْمَعْنى فيهمَا وَاحِد ضعف وضاعف قَرَأَ نَافِع وَالْكسَائِيّ وَأَبُو بكر / يقبض ويبصط / بالصَّاد وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالسِّين وحجتهم أَن السِّين هُوَ الأَصْل وَقَالُوا لَا ينْتَقل عَن الأَصْل إِلَى مَا لَيْسَ بِأَصْل وَحجَّة من قَرَأَ بالصَّاد أَن الصَّاد هِيَ أُخْت الطَّاء فقلبوا السِّين صادا ليَكُون اللِّسَان من جِهَة وَاحِدَة {قَالَ هَل عسيتم إِن كتب عَلَيْكُم الْقِتَال أَلا تقاتلوا} 246 قَرَأَ نَافِع {هَل عسيتم} بِكَسْر السِّين وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْفَتْح هما لُغَتَانِ تَقول الْعَرَب عَسَيْت أَن أفعل وعسيت قَالَ أَبُو عبيد

{ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده}

الْقِرَاءَة عندنَا هِيَ الْفَتْح لِأَنَّهَا أعرف اللغتين وَلَو كَانَ عسيتم لقرئت عسي رَبنَا وَمَا اخْتلفُوا فِي هَذَا الْحَرْف وَقد حُكيَ عَن أبي عَمْرو أَنه كَانَ يحْتَج بِهَذِهِ الْحجَّة {وَمن لم يطعمهُ فَإِنَّهُ مني إِلَّا من اغترف غرفَة بِيَدِهِ} قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {غرفَة بِيَدِهِ} بِفَتْح الْغَيْن وحجتهم مَا ذكرهَا اليزيدي عَن أبي عَمْرو فَقَالَ مَا كَانَ بِالْيَدِ فَهُوَ غرفَة بِالْفَتْح وَمَا كَانَ بِإِنَاء فَهُوَ غرفَة بِالضَّمِّ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالضَّمِّ وحجتهم مَا جَاءَ فِي التَّفْسِير إِلَّا من اغترف كفا من مَاء فالغرفة بِالضَّمِّ المَاء قَالَ الزّجاج غرفَة أَي مرّة وَاحِدَة بِالْيَدِ وَمن قَرَأَ {غرفَة} كَانَ مَعْنَاهُ مِقْدَار ملْء الْيَد اعْلَم أَن الغرفة الْمصدر تَقول اغترفت غرفَة والغرفة الِاسْم وَمثله الْأكلَة الْمرة الْوَاحِدَة والأكلة اللُّقْمَة والخطوة الْمرة تَقول خطوت خطْوَة والخطوة الِاسْم لما بَين الرجلَيْن {وَلَوْلَا دفع الله النَّاس بَعضهم بِبَعْض لفسدت الأَرْض} قَرَأَ نَافِع {وَلَوْلَا دفع الله النَّاس} بِالْألف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {دفع الله} مصدر من دفع دفعا وحجتهم أَن الله عز وَجل لَا مدافع لَهُ وَأَنه هُوَ الْمُنْفَرد بِالدفع من خلقه وَكَانَ أَبُو عَمْرو يَقُول إِنَّمَا الدفاع من النَّاس وَالدَّفْع من الله

{لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة}

وَحجَّة نَافِع إِن الدفاع مصدر من دفع كالكتاب من كتب كَمَا قَالَ {كتاب الله عَلَيْكُم} فالكتاب مصدر لكتب الَّذِي دلّ عَلَيْهِ قَوْله {حرمت عَلَيْكُم أُمَّهَاتكُم} لِأَن الْمَعْنى كتب هَذَا التَّحْرِيم عَلَيْكُم وَيجوز أَن يكون مصدرا لفاعل تَقول دَافع الله عَنْك الشَّيْء يدافع مدافعة ودفاعا وَالْعرب تَقول أحسن الله عَنْك الدفاع وَمثل ذَلِك عافاك الله وَمثل فاعلت للْوَاحِد كثير قَالَ الله {قَاتلهم الله} {لَا بيع فِيهِ وَلَا خلة وَلَا شَفَاعَة} قَرَأَ ابْن كثير وابو عَمْرو {لَا بيع فِيهِ وَلَا خلة وَلَا شَفَاعَة} نصب بِغَيْر تَنْوِين على النَّفْي والتبرئة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْع والتنوين اعْلَم أَن لَا إِذا وَقعت على نكرَة جعلت هِيَ وَالِاسْم الَّذِي بعْدهَا كاسم وَاحِد وَبني ذَلِك على الْفَتْح فَإِذا كررت جَازَ الرّفْع وَالنّصب وَإِذا لم تكَرر فَالْوَجْه فِيهِ الْفَتْح قَالَ الله جلّ وَعز {لَا ريب فِيهِ} من رفع جعله جَوَابا لقَوْل الْقَائِل هَل فِيهِ بيع هَل فِيهِ خلة وَمن نصب جعله جَوَابا لقَوْل الْقَائِل هَل من بيع فِيهِ هَل من خلة

{قال أنا أحيي وأميت}

فَجَوَابه لَا بيع فِيهِ وَلَا خلة لِأَن من لما كَانَت عاملة جعلت لَا عاملة وَلما كَانَت جَوَاب هَل لم تعملها إِذْ كَانَت هَل غير عاملة وَقد تقدم الْكَلَام فِيهِ عِنْد قَوْله {فَلَا رفث وَلَا فسوق} {قَالَ أَنا أحيي وأميت} قَرَأَ نَافِع {أَنا أحيي} و {أَنا آتِيك} بِإِثْبَات الْألف من أَنا فِي الْوَصْل وحجته إِجْمَاعهم على الْوَقْف بِالْألف فِي أَنا فَأجرى الْوَصْل مجْرى الْوَقْف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أَنا أحيي} بغيرألف فِي الْوَصْل وحجتهم أَن الْألف بعد النُّون إِنَّمَا زادوا للْوَقْف فَإِذا أدرجوا الْقِرَاءَة زَالَت الْعلَّة فطرحوها لزوَال السَّبَب الَّذِي أدخلوها من اجله وَهِي بِمَنْزِلَة هَاء الْوَقْف تدخل لبَيَان الْحَرَكَة فِي الْوَقْف {فَانْظُر إِلَى طَعَامك وشرابك لم يتسنه وَانْظُر إِلَى حِمَارك ولنجعلك آيَة للنَّاس وَانْظُر إِلَى الْعِظَام كَيفَ ننشزها ثمَّ نكسوها لَحْمًا فَلَمَّا تبين لَهُ قَالَ أعلم أَن الله على كل شَيْء قدير} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / لم يتسن / بِحَذْف الْهَاء فِي الْوَصْل أَي لم تغيره السنون وَالْهَاء زَائِدَة للْوَقْف وحجتهما أَن الْعَرَب تَقول فِي جمع السّنة سنوات وَفِي تصغيرها سنية تَقول

سانيت مساناة فالهاء زيدت لبَيَان الْحَرَكَة فِي حَال الْوَقْف فَإِذا وصل الْقَارئ قِرَاءَته اتَّصَلت النُّون بِمَا بعْدهَا فاستغنى عَن الْهَمْز حِينَئِذٍ فطرحها لزوَال السَّبَب الَّذِي أدخلها من أَجله وَكَانَ فِي الأَصْل لم يتسنى فحذفت الْألف للجزم وَكَانَ الْفراء يَقُول لم يتسنه لم يتَغَيَّر من قَوْله {من حمإ مسنون} وَكَانَ الأَصْل لم يتسنن ثمَّ قلبت النُّون الْأَخِيرَة يَاء استثقالا لثلاث نونات مُتَوَالِيَات كَمَا قَالُوا تظنيت وَأَصله الظَّن فَصَارَت يتسنى ثمَّ يدْخل الْجَزْم على الْفِعْل فَتسقط الْيَاء فَتَصِير لم يتسن ثمَّ زادوا الْهَاء للْوَقْف فَإِذا أدرجوا الْقِرَاءَة حذفوا لِأَن الْعلَّة زَالَت وَقَرَأَ الْبَاقُونَ لم يتسنه بِإِثْبَات الْهَاء فِي الْوَصْل أَي لم تأت عَلَيْهِ السنون فالهاء لَام الْفِعْل وسكونها عَلامَة جزم الْفِعْل وحجتهم أَن الْعَرَب تَقول مسانهة ماسنهة وَفِي التصغير سنيهة فَلهَذَا أثبتوا الْهَاء فِي الْوَصْل لِأَنَّهَا لَام الْفِعْل قَالَ الشَّاعِر ... فَلَيْسَتْ بسنهاء وَلَا رجبية ... وَلَكِن عرايا فِي السنين الجوائح ...

قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو / ننشرها / بالراء أَي كَيفَ نحييها وحجتهم قَوْله قبلهَا {أَنى يحيي هَذِه الله بعد مَوتهَا} وَالزَّاي يَعْنِي بهَا كَيفَ نرفعها من الأَرْض إِلَى الْجَسَد وَالْقَائِل لم يكن فِي شكّ فِي رفع الْعِظَام إِنَّمَا شكه فِي إحْيَاء الْمَوْتَى فَقيل لَهُ انْظُر كَيفَ ننشر الْعِظَام فنحييها تَقول أنشر الله الموتي فنشروا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {كَيفَ ننشزها} بالزاي أَي نرفعها وحجتهم قَوْله {وَانْظُر إِلَى الْعِظَام كَيفَ ننشزها} وَذَلِكَ أَن الْعِظَام إِنَّمَا تُوصَف بتأليفها وَجمع بَعْضهَا إِلَى بعض إِذْ كَانَت الْعِظَام نَفسهَا لَا تُوصَف بِالْحَيَاةِ لَا يُقَال قد حَيّ الْعظم وَإِنَّمَا يُوصف بِالْإِحْيَاءِ صَاحبهَا وَحجَّة أُخْرَى قَوْله {ثمَّ نكسوها لَحْمًا} دلّ على أَنَّهَا قبل أَن يَكْسُوهَا اللَّحْم غير أَحيَاء لِأَن الْعظم لَا يكون حَيا وَلَيْسَ عَلَيْهِ لحم فَلَمَّا قَالَ {ثمَّ نكسوها لَحْمًا} علم بذلك أَنه لم يحيها قبل أَن يَكْسُوهَا اللَّحْم قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {قَالَ أعلم أَن الله على كل شَيْء قدير} جزما على الْأَمر من الله وحجتهما قِرَاءَة ابْن مَسْعُود / قيل اعْلَم أَن الله على كل شَيْء قدير / وَكَانَ ابْن عَبَّاس يقْرؤهَا أَيْضا {قَالَ أعلم} وَيَقُول أهوَ خير أم إِبْرَاهِيم إِذْ قيل لَهُ {وَاعْلَم أَن الله عَزِيز حَكِيم} وَحجَّة أُخْرَى وَهِي أَن التوقفة بَين ذَلِك وَسَائِر مَا تقدمه إِذْ كَانَ جرى ذَلِك كُله بِالْأَمر فَقيل {فَانْظُر إِلَى طَعَامك} وَانْظُر إِلَى حِمَارك {وَانْظُر إِلَى الْعِظَام} وَكَذَلِكَ أَيْضا قَوْله {أعلم أَن الله} إِذْ كَانَ فِي سِيَاق ذَلِك

{قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا}

قَالَ الزّجاج وَمن قَرَأَ {قَالَ أعلم} فتأويله أَنه يقبل على نَفسه فَيَقُول اعْلَم أَيهَا الْإِنْسَان أَن الله على كل شَيْء قدير وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {قَالَ أعلم} رفعا على الْخَبَر عَن نفس الْمُتَكَلّم وحجتهم مَا رُوِيَ فِي التَّفْسِير قَالُوا لما عاين من قدرَة الله مَا عاين قَالَ {أعلم أَن الله على كل شَيْء قدير} قَالُوا فَلَا وَجه لِأَن يَأْمر بِأَن الله على كل شَيْء قدير وَقد عاين وَشَاهد مَا كَانَ يستفهم عَنهُ وَقَالَ الزّجاج لَيْسَ تَأْوِيل قَوْله {أعلم أَن الله على كل شَيْء قدير} أَنه لَيْسَ يعلم قبل مَا شَاهد وَلَكِن تَأْوِيله إِنِّي قد علمت مَا كنت أعلمهُ غيبا مُشَاهدَة {قَالَ فَخذ أَرْبَعَة من الطير فصرهن إِلَيْك ثمَّ اجْعَل على كل جبل مِنْهُنَّ جُزْءا} قَرَأَ حَمْزَة {فصرهن إِلَيْك} بِكَسْر الصَّاد أَي قطعهن وشققهن ومزقهن وَفِي الْكَلَام تَقْدِيم وَتَأْخِير يكون مَعْنَاهُ فَخذ أَرْبَعَة من الطير إِلَيْك فصرهن فَيكون إِلَيْك من صلَة خُذ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فصرهن} بِضَم الصَّاد أَي أملهن واجمعهن وَقَالَ الْكسَائي وجههن إِلَيْك قَالَ وَالْعرب تَقول صر وَجهك إِلَيّ أَي أقبل عَليّ وَاجعَل وَجهك إِلَيّ وَكَانَ أَبُو عَمْرو يَقُول ضمهن إِلَيْك وَمن وَجه قَوْله {فصرهن إِلَيْك} إِلَى هَذَا التَّأْوِيل كَانَ فِي الْكَلَام عِنْده مَتْرُوك وَيكون مَعْنَاهُ فَخذ أَرْبَعَة من الطير فصرهن إِلَيْك ثمَّ قطعهن ثمَّ اجْعَل على كل جبل قَرَأَ أَبُو بكر / جزؤا / بِضَم الزَّاي وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِإِسْكَان الزَّاي وهما لُغَتَانِ معروفتان

{كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين}

{كَمثل جنَّة بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وابل فآتت أكلهَا ضعفين} قَرَأَ ابْن عَامر وَعَاصِم {بِرَبْوَةٍ} بِفَتْح الرَّاء وَهِي لُغَة بني تَمِيم وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {بِرَبْوَةٍ} بِضَم الرَّاء وَهِي لُغَة قُرَيْش قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {أكلهَا} بِسُكُون الْكَاف وحجتهم أَنهم استثقلوا الضمات فِي اسْم وَاحِد فأسكنوا الْحَرْف الثَّانِي وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِضَم الْكَاف على أصل الْكَلِمَة وَقَالُوا لَا ضَرُورَة تَدْعُو إِلَى إسكان حرف يسْتَحق الرّفْع وحجتهم إِجْمَاعهم على قَوْله {هَذَا نزلهم} وَقد اجْتمعت فِي كلمة ثَلَاث ضمات {وَلَا تيمموا الْخَبيث مِنْهُ تنفقون} قَرَأَ ابْن كثير فِي راوية البزي {وَلَا تيمموا الْخَبيث} بتَشْديد التَّاء وَكَانَ الأَصْل تتيمموا فأدغم التَّاء بِالتَّاءِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ وحذفوا التَّاء الثَّانِيَة {إِن تبدوا الصَّدقَات فَنعما هِيَ وَإِن تخفوها وتؤتوها الْفُقَرَاء فَهُوَ خير لكم وَيكفر عَنْكُم من سَيِّئَاتكُمْ} قَرَأَ نَافِع وَأَبُو عَمْرو وَأَبُو بكر {فَنعما هِيَ} بِكَسْر النُّون وَسُكُون الْعين وحجتهم قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ لعَمْرو بن الْعَاصِ

نعما بِالْمَالِ الصَّالح للرجل الصَّالح وَاصل الْكَلِمَة نعما بِفَتْح النُّون وَكسر وَكسر الْعين فكسروا النُّون لكسرة الْعين ثمَّ سكنوا الْعين هربا من الاستثقال وقرا حَمْزَة وَابْن عَامر وَالْكسَائِيّ {فَنعما هِيَ} بِفَتْح النُّون وَكسر الْعين وحجتهم أَن أصل الْكَلِمَة نعم فَأتوا بِالْكَلِمَةِ على أَصْلهَا وَهِي أحسن لِأَنَّهُ لَا يكون فِيهَا الْجمع بَين ساكنين فَأتوا بِالْكَلِمَةِ على أَصْلهَا وَهِي أحسن لِأَنَّهُ لَا يكون فِيهَا الْجمع بَين ساكنين وَقَرَأَ ورش وَابْن كثير وَحَفْص {فَنعما} بِكَسْر النُّون وَالْعين وَقد بَينا أَن الأَصْل فِيهَا نعم بِفَتْح النُّون وَكسر الْعين وَتركُوا الْعين على أَصْلهَا قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَأَبُو بكر {ونكفر} بِرَفْع الرَّاء على الِاسْتِئْنَاف يَقُول الله جلّ وَعز وَنحن نكفر وحجته قَوْله {فَهُوَ خير} لكم لما كَانَ جَوَاب الْجَزَاء فِي الْفَاء وَلم يكن فعلا مَجْزُومًا لم يستجيزوا أَن ينسقوا فعلا على غير جنسه وَلَو كَانَ جزما لجزموا الْفِعْل المنسوق على الْجَزَاء إِذا كَانَ فعلا مثله وَقَرَأَ نَافِع وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ

{يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف}

{ونكفر} بِالْجَزْمِ على مَوضِع {فَهُوَ خير لكم} لِأَن الْمَعْنى يكن خيرا وَاحْتَجُّوا بِأَن قَالُوا الْجَزْم أولى ليخلص معنى الْجَزَاء وَيعلم بِأَن تَكْفِير السَّيِّئَات إِنَّمَا هُوَ ثَوَاب للمتصدق على صدقته وَجَزَاء لَهُ وَإِذا رفع الْفِعْل احْتمل أَن يكون ثَوابًا وَجَزَاء وَاحْتمل أَن يكون على غير مجازاة وَكَانَ الْجَزْم أبين الْمَعْنيين وَقَرَأَ ابْن عَامر وَحَفْص {وَيكفر} بِالْيَاءِ وَالرَّفْع على الِاسْتِئْنَاف أَيْضا وَيكون إِخْبَارًا عَن الله عز وَجل أَنه يكفر السَّيِّئَات {يَحْسبهُم الْجَاهِل أَغْنِيَاء من التعفف} قَرَأَ ابْن عَامر وَعَاصِم وَحَمْزَة {يَحْسبهُم} بِفَتْح السِّين وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ وهما لُغَتَانِ حسب يحْسب وَحسب يحْسب وَقَالَ قوم يحْسب بِكَسْر السِّين من حسب وَقَالُوا وَقد جَاءَت كَلِمَات على فعل يفعل مثل حسب يحْسب وَنعم ينعم ويئس ييئس {فَإِن لم تَفعلُوا فأذنوا بِحَرب من الله وَرَسُوله} قَرَأَ حَمْزَة وَأَبُو بكر عَن عَاصِم {فَإِن لم تَفعلُوا فأذنوا} مَفْتُوحَة الْهمزَة والذال مَكْسُورَة أَي فاعلموهم وَأَخْبرُوهُ بأنكم على حربهم تَقول آذَنت الرجل بِكَذَا أَي أعلمته وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فأذنوا} سَاكِنة الْهمزَة أَي فاعلموا أَنْتُم يُقَال أذن بِهِ يَأْذَن إِذْنا إِذا علم بِهِ قَالَ أَبُو عبيد الِاخْتِيَار الْقصر لِأَنَّهُ خطاب بِالْأَمر والتحذير وَإِذا قَالَ {فأذنوا} بِالْمدِّ وَالْكَسْر فَكَأَن الْمُخَاطب خَارج من التحذير

{وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون}

مَأْمُور بتحذير غَيره وإعلامه {وَإِن كَانَ ذُو عسرة فنظرة إِلَى ميسرَة وَأَن تصدقوا خير لكم إِن كُنْتُم تعلمُونَ} قَرَأَ نَافِع {إِلَى ميسرَة} بِضَم السِّين وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالنّصب وهما لُغَتَانِ مثل المشرقة والمشرقة قَرَأَ عَاصِم {وَأَن تصدقوا} بتَخْفِيف الصَّاد وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ الأَصْل تتصدقوا من خفف حذف التَّاء الثَّانِيَة اكْتِفَاء بعلامة الِاسْتِقْبَال مِنْهَا وَمن شدد أدغم التَّاء فِي الصَّاد لقرب المخرجين {وَاتَّقوا يَوْمًا ترجعون فِيهِ إِلَى الله} 28 قَرَأَ أَبُو عَمْرو {وَاتَّقوا يَوْمًا ترجعون فِيهِ إِلَى الله} بِفَتْح التَّاء أَي تصيرون نسب الْفِعْل إِلَيْهِم وحجته قَوْله {وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُون} فأنسد الرُّجُوع إِلَيْهِم فَكَذَلِك قَوْله {ترجعون} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {ترجعون} بِضَم التَّاء أَي تردون وحجتهم قَوْله {ثمَّ إِلَى رَبهم يحشرون} {وَإِلَيْهِ تقلبون} {فَإِن لم يَكُونَا رجلَيْنِ فَرجل وَامْرَأَتَانِ مِمَّن ترْضونَ من الشُّهَدَاء أَن تضل إِحْدَاهمَا فَتذكر إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى} قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {من الشُّهَدَاء أَن تضل} بِفَتْح أَن فَتذكر بِإِسْكَان الذَّال وَفتح الرَّاء

وَقَرَأَ حَمْزَة {أَن تضل} بِكَسْر {إِن} فَتذكر بتَشْديد الْكَاف وَرفع وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أَن تضل} بِفَتْح {إِن} {فَتذكر} بِالتَّشْدِيدِ وَنصب الرَّاء فَمن فتح فَلِأَن الْمَعْنى عِنْد الْفراء لِئَلَّا تضل إِحْدَاهمَا فتذكرها الْأُخْرَى وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ إِنَّمَا فتح أَن لِأَنَّهُ أَمر بِالشَّهَادَةِ الْمَعْنى اسْتشْهدُوا امْرَأتَيْنِ لِأَن تذكر إحدهما الْأُخْرَى من أجل أَن تذكر فَإِن قَالَ قَائِل كَيفَ جَازَ أَن تَقول تضل وَلم يعد هَذَا للإضلال فَالْجَوَاب أَنه إِنَّمَا ذكر {أَن تضل} لِأَنَّهُ سَبَب الإذكار كَمَا يَقُول الرجل أَعدَدْت الْخشب أَن يمِيل الْحَائِط فأدعمه وَهُوَ لَا يطْلب إعداده ذَلِك لميلان الْحَائِط وَلكنه أخبر بالشَّيْء الَّذِي الدعم بِسَبَبِهِ وَأما حَمْزَة فَإِنَّهُ جعل {إِن} حرف شَرط وَتضِل جزم بِالشّرطِ وَالْأَصْل إِن تضلل فَلَمَّا أدغمت اللَّام فِي اللَّام فتحت لإلتقاء الساكنين كَقَوْلِه {من يرْتَد مِنْكُم عَن دينه} وَالْفَاء جَوَاب الشَّرْط وتذكر فعل مُسْتَقْبل لِأَن مَا بعد فَاء الشَّرْط يكون الْفِعْل فِيهِ مستأنفا كَقَوْلِه وَمن عَاد فينتقم الله مِنْهُ وَحجَّة من قَرَأَ {فَتذكر} بِالتَّخْفِيفِ حَكَاهَا الْأَصْمَعِي عَن أبي

{إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها}

عَمْرو قَالَ أبوعمرو إِذا شهِدت الْمَرْأَة على شَهَادَة ثمَّ جَاءَت الْأُخْرَى فَشَهِدت مَعهَا أذكرتها أَي جَعلتهَا ذكرا لِأَنَّهُمَا تقومان يَعْنِي صَارَت الْمَرْأَتَانِ كذكر وَكَذَا رُوِيَ عَن أبي عَيْنِيَّة وَحجَّة أُخْرَى وَهِي أَنَّك تَقول أذكرت النَّاسِي الشَّيْء حَتَّى ذكره وأذكرتك مَا قد نسيت وَلَا تَقول ذكرته وَإِنَّمَا تَقول ذكرته فِي الموعظة قَالَ الله تَعَالَى {وَذكر فَإِن الذكرى تَنْفَع الْمُؤمنِينَ} وَقَالَ {وَذكرهمْ بأيام الله} وَحجَّة التَّشْدِيد أَنَّهُمَا لُغَتَانِ وتأويله فَجعل الله الْمَرْأَتَيْنِ بِإِزَاءِ رجل لضعفما وَضعف عُقُولهمْ ولمزية الرِّجَال على النِّسَاء وَفضل رَأْيهمْ إِن لم يكن الشَّاهِدَانِ رجلَيْنِ فَرجل وَامْرَأَتَانِ فَمَتَى نسيت إِحْدَاهمَا ذكرتها الْأُخْرَى تَقول تذكري يَوْم شَهِدنَا فِي مَوضِع كَذَا وَكَذَا فَجعل بدل رجل امْرَأتَيْنِ {إِلَّا أَن تكون تِجَارَة حَاضِرَة تديرونها بَيْنكُم فَلَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَلا تكتبوها} قَرَأَ عَاصِم إِلَّا {أَن تكون تِجَارَة} بِالنّصب الْمَعْنى إِلَّا أَن تكون المداينة تِجَارَة حَاضِرَة والمعاملة تِجَارَة حَاضِرَة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْع الْمَعْنى إِلَّا أَن تقع تِجَارَة حَاضِرَة كَقَوْلِه قبلهَا وَإِن كَانَ ذُو عسرة أَي وَقع ذُو عسرة {وَإِن كُنْتُم على سفر وَلم تَجدوا كَاتبا فرهان مَقْبُوضَة}

{وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء}

قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو / فرهن / بِرَفْع الرَّاء وَالْهَاء وحجتهما مَا رُوِيَ عَن أبي عَمْرو أَنه قَالَ إِنَّمَا قُرِئت / فرهن / ليفصل بَين الرِّهَان فِي الْخَيل وَبَين جمع رهن فِي غَيرهَا تَقول فِي الْخَيل راهنته رهانا وَالرَّهْن جمع رهن وَهُوَ نَادِر كَمَا تَقول سقف وسقف وَقَالَ الْفراء الرَّهْن جمع الْجمع رهن ورهان ثمَّ رهن كَمَا تَقول ثَمَرَة وثمار وثمر وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فرهان} وحجتهم أَن هَذَا فِي الْعَرَبيَّة أَقيس أَن يجمع فعل على فعال مثل بَحر وبحار وَعبد وَعباد ونعل ونعال وكلب وكلاب {وَإِن تبدوا مَا فِي أَنفسكُم أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبكُمْ بِهِ الله فَيغْفر لمن يَشَاء ويعذب من يَشَاء} قَرَأَ عَاصِم وَابْن عَامر {فَيغْفر لمن يَشَاء ويعذب من يَشَاء} بِرَفْع الرَّاء وَالْبَاء على الِاسْتِئْنَاف وحجتهم أَن قَوْله {إِن تبدوا} شَرط {يُحَاسِبكُمْ} جزم لِأَنَّهُ جَوَاب وَقد تمّ الْكَلَام فيرفع فَيغْفر ويعذب على تَقْدِير ضمير فَهُوَ يغْفر ويعذب وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْجَزْمِ فيهمَا عطف على يُحَاسِبكُمْ بِهِ الله {كل آمن بِاللَّه وَمَلَائِكَته وَكتبه وَرُسُله} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / وَكتابه / وحجتهما أَن الْكتاب هُوَ الْقُرْآن فَلَا وَجه لجمعه وَحجَّة أُخْرَى قَالَ ابْن عَبَّاس {الْكتاب} أَكثر

- سورة آل عمران

من الْكتب قَالَ أبوعبيدة أَرَادَ كل كتاب الله بِدلَالَة قَوْله {فَبعث الله النَّبِيين مبشرين ومنذرين وَأنزل مَعَهم الْكتاب} فَوحد إِرَادَة الْجِنْس وَهَذَا كَمَا تَقول كثر الدِّرْهَم فِي أَيدي النَّاس تُرِيدُ الْجِنْس كُله وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَكتبه} وحجتهم مَا تقدم وَمَا تَأَخّر مَا تقدم ذكر بِلَفْظ الْجمع وَهُوَ قَوْله {كل آمن بِاللَّه وَمَلَائِكَته} وَمَا تَأَخّر {وَرُسُله} فَكَذَلِك كتبه على الْجمع ليأتلف الْكَلَام على نظام وَاحِد 3 - سُورَة آل عمرَان {قل للَّذين كفرُوا ستغلبون وتحشرون إِلَى جَهَنَّم وَبئسَ المهاد} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / سيغلبون ويحشرون / بِالْيَاءِ فيهمَا أَي بَلغهُمْ بِأَنَّهُم سيغلبون وحجتهما إِجْمَاع الْجَمِيع على قَوْله {قل للَّذين كفرُوا إِن ينْتَهوا يغْفر لَهُم مَا قد سلف} وَيُقَوِّي الْيَاء أَن

{قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين}

أهل التَّفْسِير تأولوا فِي ذَلِك أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما هزم الْمُشْركين يَوْم بدر قَالَت الْيَهُود بَعضهم لبَعض هَذَا هُوَ النَّبِي الَّذِي لَا ترد لَهُ راية فصدقوا فَقَالَ بَعضهم لَا تعجلوا بتصديقه حَتَّى تكون وقْعَة أُخْرَى فَلَمَّا اصاب الْمُسلمين يَوْم أحد مَا أَصَابَهُم شكوا فِي أمره وخالفوه فَأنْزل الله قل يَا مُحَمَّد سيغلبون ويحشرون وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {ستغلبون وتحشرون} بِالتَّاءِ على المخاطبة أَي قل لَهُم فِي خطابك {ستغلبون وتحشرون} وحجتهم قَوْله {قل للَّذين كفرُوا} فقد أمره أَن يخاطبهم والمخاطبة لَهُم أَن يَقُول فِي وُجُوههم {ستغلبون وتحشرون} بِالتَّاءِ {قد كَانَ لكم آيَة فِي فئتين التقتا فِئَة تقَاتل فِي سَبِيل الله وَأُخْرَى كَافِرَة يرونهم مثليهم رَأْي الْعين} قَرَأَ نَافِع / ترونهم مثليهم / بِالتَّاءِ على مُخَاطبَة الْيَهُود وحجته أَن الْكَلَام قبل ذَلِك جرى بمخاطبة الْيَهُود وَهُوَ قَوْله {قد كَانَ لكم آيَة} فإلحاق هَذَا أَيْضا بِمَا تقدم أولى وَمعنى الْكَلَام قد كَانَ يَا معشر الْيَهُود آيَة فِي فئتين التقتا فِئَة تقَاتل فِي سَبِيل الله وهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَأَصْحَابه ببدر وَأُخْرَى كَافِرَة وهم مشركون ترونهم أَنْتُم أَيهَا الْيَهُود مثلي الفئة الَّتِي تقَاتل فِي سَبِيل الله وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ وحجتهم مَا رُوِيَ عَن أبي عَمْرو قَالَ أَبُو عَمْرو لَو كَانَت ترونهم لكَانَتْ مثليكم قَالَ الْفراء

{قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله}

من قَرَأَ بِالتَّاءِ فَإِنَّهُ ذهب إِلَى الْيَهُود وَمن قَرَأَ بِالْيَاءِ فعل ذَلِك كَمَا قَالَ {حَتَّى إِذا كُنْتُم فِي الْفلك وجرين بهم} فَإِن شِئْت جعلت يرونهم من الْمُسلمين دون الْيَهُود أَي يرى الْمُسلمُونَ الْمُشْركين مثليهم {قل أؤنبئكم بِخَير من ذَلِكُم للَّذين اتَّقوا عِنْد رَبهم جنَّات تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار خَالِدين فِيهَا وَأَزْوَاج مطهرة ورضوان من الله} ذكر أَبُو بكر ابْن مُجَاهِد فِي كِتَابه عَن أبي عبد الرَّحْمَن اليزيدي عَن أَبِيه قَالَ لَقِيَنِي الْخَلِيل بن أَحْمد فِي حَيَاة أبي عَمْرو قَالَ لي لم قَرَأَ {أؤلقي الذّكر} و / آؤنزل / وَلم يقْرَأ {أؤنبئكم} قَالَ فَلم أدر مَا أَقُول لَهُ فرحت إِلَى أبي عَمْرو فَذكرت لَهُ مَا قَالَ الْخَلِيل فَقَالَ فَإِذا ليقته فَأخْبرهُ أَن هَذَا من نبأت وَلَيْسَ من أنبأت قَالَ فَلَقِيته فَأَخْبَرته بقول أبي عَمْرو فَسكت أَبُو بكر قَالَ هَذَا شَيْء لَا أَدْرِي مَا مَعْنَاهُ اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون الَّذِي علم مِنْهُ شَيْئا منع غَيره أَن يُعلمهُ وَإِن كَانَت الْعَرَبيَّة فَلَا فرق بَين اجْتِمَاع الهمزتين من نبأت وَلَا من أنبأت قَالَ الشَّيْخ أَبُو زرْعَة رَضِي الله عَنهُ سَأَلت أَبَا عبد الله الْخَطِيب

عَن هَذَا فَقَالَ إِن أَبَا عَمْرو أَشَارَ إِلَى أَنه يرى الْفَصْل بِالْألف بَين الهمزتين المتلازمتين نَحْو همزَة الِاسْتِفْهَام إِذا دخلت على همزَة ثَانِيَة فِي الْفِعْل الْمَاضِي نَحْو أفعل لِأَن هَذَا الْمِثَال مَبْنِيّ على الْهمزَة فَهِيَ تصحبه فِي متصرفاته إِمَّا مقدرَة فِي اللَّفْظ وَإِمَّا مقدرَة فِي النِّيَّة فَفِي اللَّفْظ فِي الْمَاضِي والمصدر نَحْو أنذر إنذارا وَفِي التَّقْدِير فِي الْمُسْتَقْبل نَحْو أنذر واصله أؤنذر بِهَذِهِ الْهمزَة الَّتِي بني الْفِعْل عَلَيْهَا بملازمتها لَهُ هِيَ أثقل من الْهمزَة الَّتِي تعرض من جملَة امثلة الْأَفْعَال فِي مِثَال وَاحِد وَهِي فِي إِخْبَار الْمُتَكَلّم عَن نَفسه بِفعل مُسْتَقْبل فَلَمَّا كَانَت أثقل كَانَ الْفَصْل مَعهَا أوجب وَلما كَانَت الْعَارِضَة فِي حَال وَاحِدَة أخف لم يحْتَج عِنْد دُخُول ألف الِاسْتِفْهَام عَلَيْهَا إِلَى الْفَصْل بَينهَا وَبَينهَا لخفتها والهمزة فِي {أؤنبئكم} عارضة فِي الْمُسْتَقْبل وَلَيْسَت ثَابِتَة فِي الْمَاضِي والمصدر والهمزة فِي أنذر ثَابِتَة فِي الْمَاضِي والمصدر قَرَأَ أبي عَن نَافِع {قل أؤنبئكم} بِهَمْزَة وَاحِدَة مُطَوَّلَة وَالْأَصْل فِي هَذَا {أؤنبئكم} بهمزتين ثمَّ زَاد الْألف الفاصلة بَينهمَا ليبعد الْمثل عَن الْمثل وَيَزُول الِاجْتِمَاع فيخف اللَّفْظ فَصَارَ آؤنبئكم وَهَذِه قِرَاءَة هِشَام ثمَّ لين الْهمزَة الثَّانِيَة فَصَارَ {أؤنبئكم} وَقَرَأَ نَافِع إِلَّا مَا ذكرنَا وَبَان كثير وَأَبُو عَمْرو {أؤنبئكم} بِهَمْزَة

{إن الدين عند الله الإسلام}

وَاحِدَة من غير مد الأَصْل فِي هَذَا أؤنبئكم بهمزتين مثل مَا ذكرنَا ثمَّ لينوا الْهمزَة الثَّانِيَة وَلم يدخلُوا بَينهمَا ألفا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بهمزتين على أصل الْكَلِمَة وَقد ذكرنَا الْحجَّة فِي سُورَة الْبَقَرَة قَرَأَ أَبُو بكر عَن عَاصِم {ورضوان من الله} بصم الرَّاء فِي جَمِيع الْقُرْآن إِلَّا فِي سُورَة الْمَائِدَة فَإِنَّهُ قَرَأَ بالكسرة وَفِي رِوَايَة الْأَعْشَى قَرَأَ بِالضَّمِّ أَيْضا وحجته أَنه فرق بَين الِاسْم والمصدر وَذَلِكَ أَن اسْم خَازِن الْجنَّة رضوَان كَذَا جَاءَ فِي الحَدِيث ورضوان مصدر رَضِي يرضى رضى ورضوانا فَفرق بَين الِاسْم والمصدر وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ وحجتهم أَن ذَلِك لُغَتَانِ معروفتان يُقَال رَضِي يرضى رضى ومرضاة ورضوانا ورضوانا والمصادر تَأتي على فعلان وفعلان فَأَما فعلان فَقَوله عَرفته عرفانا وحسبته حسبانا وَأما فعلان فَقَوْلهم غفرانك لَا كُفْرَانك {إِن الدّين عِنْد الله الْإِسْلَام} قَرَأَ الْكسَائي {إِن الدّين عِنْد الله الْإِسْلَام} بِفَتْح الْألف وحجته

{فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن}

قَوْله قبله {شهد الله أَنه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ} وَقد أَجمعُوا على فتح أَنه فَجعل الشَّهَادَة وَاقعَة عَلَيْهِ كَأَنَّهُ قَالَ شهد الله أَنه وَشهد الله أَن الدّين عِنْد الله الْإِسْلَام وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {إِن الدّين} بِكَسْر الْألف على الِاسْتِئْنَاف {فَقل أسلمت وَجْهي لله وَمن اتبعن} قَرَأَ نَافِع وَأَبُو عَمْرو {وَمن اتبعني} بياء فِي الْوَصْل وحجتهما أَنَّهَا يَاء الْمُتَكَلّم كَمَا تَقول من كلمني فَلَا تحذف الْيَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِحَذْف الْيَاء وحجتهم مرسوم الْمَصَاحِف بِغَيْر يَاء وَحجَّة أُخْرَى أَن الكسرة تنوب عَن الْيَاء وأصل اتبعني اتبعي وَلَكِن النُّون زيدت لتسلم فَتْحة الْعين فالكسرة مَعَ النُّون تنوب عَن الْيَاء {وَيقْتلُونَ النَّبِيين بِغَيْر حق وَيقْتلُونَ الَّذين يأمرون بِالْقِسْطِ من النَّاس} قَرَأَ حَمْزَة / ويقاتلون الَّذين يأمرون / بِالْألف وبضم الْيَاء أَي يُحَاربُونَ وحجته قِرَاءَة عبد الله / وقاتلوا الَّذين يأمرون بِالْقِسْطِ من النَّاس / وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَيقْتلُونَ الَّذين يأمرون} بِغَيْر ألف وحجتهم أَنهم لم يَخْتَلِفُوا فِي الْحَرْف الأولى أَنه بِلَا ألف وَهُوَ قَوْله {وَيقْتلُونَ النَّبِيين بِغَيْر حق} وَكَذَلِكَ {وَيقْتلُونَ الَّذين يأمرون بِالْقِسْطِ}

{وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي}

{وَتخرج الْحَيّ من الْمَيِّت وَتخرج الْمَيِّت من الْحَيّ} 27 قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَابْن عَامر وَأَبُو بكر {يخرج الْحَيّ من الْمَيِّت وَيخرج الْمَيِّت من الْحَيّ} بِالتَّخْفِيفِ حَيْثُ كَانَ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ أصل الْكَلِمَة ميوت على فيعل فقلبوا الْوَاو يَاء للياء الَّتِي قبلهَا فَصَارَت مييتا فَمن قَرَأَ بِالتَّخْفِيفِ فَإِنَّهُ استثقل تَشْدِيد الْيَاء مَعَ كسرهَا فأسكنها فَصَارَت مَيتا وَزنه فيل وَمن قَرَأَ بِالتَّشْدِيدِ فَإِن التَّشْدِيد هُوَ الأَصْل وَذَلِكَ أَنه فِي الأَصْل ميوت فاستثقلوا كسرة الْوَاو بعد الْيَاء فقلبوها يَاء للياء الَّتِي قبلهَا ثمَّ أدغموا الساكنة فِي الثَّانِي فصارتا يَاء مُشَدّدَة وَاعْلَم أَنَّهُمَا لُغَتَانِ معروفتان قَالَ الشَّاعِر ... لَيْسَ من مَاتَ فاستراح بميت ... إِنَّمَا الْمَيِّت ميت الْأَحْيَاء ... / إِلَّا أَن تتقوا مِنْهُم تقة / 28 قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {تقاة} حمالَة وحجتهما أَن فعلت مِنْهَا بِالْيَاءِ إِذا قلت وقيت فابقيا فِي لَام الْفِعْل دلَالَة على أَصله فِي فعلت وَهِي ألإمالة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِغَيْر إمالة وحجتهم أَن فَتْحة الْقَاف تغلب على الْألف فتمنعها من الإمالة

{قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت}

وَأما قَوْله حق تُقَاته فَإِن الْكسَائي قَرَأَ بالإمالة وَحده فَإِن سَأَلَ سَائل فَقَالَ لم أمال حَمْزَة الأولى وفخم الثَّانِيَة الْجَواب أَن الأولى كتبت فِي الْمَصَاحِف بِالْيَاءِ وَالثَّانيَِة بالأف وَكَانَ حَمْزَة مُتبعا للمصحف وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَن يَعْقُوب قَرَأَ / تقية / وأصل الْكَلِمَة وقية على وزن فعلة فقلبت الْيَاء ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا فَصَارَت وقاة ثمَّ أبدلوا من الْوَاو تَاء كَمَا قَالُوا تجاه وَأَصله وجاه {قَالَت رب إِنِّي وَضَعتهَا أُنْثَى وَالله أعلم بِمَا وضعت} قَرَأَ ابْن عَامر وَأَبُو بكر {وَالله أعلم بِمَا وضعت} بِضَم التَّاء جعلوها من كَلَام أم مَرْيَم وحجتهم أَنَّهَا قَالَت {رب إِنِّي وَضَعتهَا أُنْثَى} كَانَت كَأَنَّهَا أخْبرت الله بِأَمْر هُوَ أعلم بِهِ مِنْهَا فتداركت ذَلِك بقولِهَا {وَالله أعلم بِمَا وضعت} كَمَا قَالَ عز وَجل {قَالَت الْأَعْرَاب آمنا} قَالَ الله جلّ وَعز {قل أتعلمون الله بدينكم وَالله يعلم مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض} وَهِي مَعَ ذَلِك إِذا قُرِئت بِالضَّمِّ لم يكن فِيهَا تَقْدِيم وَتَأْخِير وَقَرَأَ الْبَاقُونَ وَالله أعلم {بِمَا وضعت} بِسُكُون التَّاء وحجتهم أَنَّهَا {قَالَت رب إِنِّي وَضَعتهَا أُنْثَى} فَكيف تَقول بعْدهَا {وَالله أعلم بِمَا وضعت} أَنا وَالْمعْنَى الْوَاضِح هُوَ أَنَّهَا {قَالَت رب إِنِّي وَضَعتهَا أُنْثَى}

{وكفلها زكريا}

فَقَالَ الله جلّ وَعز {وَالله أعلم بِمَا وضعت} هِيَ مِنْهَا وَفِي الْقِرَاءَة تَقْدِيم وَتَأْخِير مَعْنَاهَا قَالَت رب إِنِّي وَضَعتهَا أُنْثَى وَلَيْسَ الذّكر كالأنثى فَقَالَ الله جلّ وَعز {وَالله أعلم بِمَا وضعت} وَحجَّة أُخْرَى لَو كَانَ كُله كَلَامهَا لكَانَتْ رب إِنِّي وَضَعتهَا أُنْثَى وَأَنت أعلم بِمَا وضعت {وكفلها زَكَرِيَّا} قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ وكفلها بِالتَّشْدِيدِ زَكَرِيَّا مَقْصُورا وَقَرَأَ أَبُو بكر / زَكَرِيَّاء / بِالنّصب أَي / وكفلها الله زَكَرِيَّاء / أَي ضمهَا إِلَيْهِ وحجتهم أَن الْكَلَام تقدم بِإِسْنَاد الْأَفْعَال إِلَى الله وَهُوَ قَوْله قبلهَا {فتقبلها رَبهَا بِقبُول حسن وأنبتها نباتا حسنا} فَكَذَلِك أَيْضا وكفلها ليَكُون مَعْطُوفًا على مَا تقدمه من أَفعَال الله وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وكفلها} بِالتَّخْفِيفِ / زَكَرِيَّاء / بِالْمدِّ وَالرَّفْع قَالَ أَبُو عبيد كفلها أَي ضمنهَا وَمَعْنَاهُ فِي هَذَا ضمن الْقيام بأمرها وحجتهم قَوْله {إِذْ يلقون أقلامهم أَيهمْ يكفل مَرْيَم} وَلم يقل يكفل فالكفالة مُسندَة إِلَيْهِم وَكَذَلِكَ فِي هَذَا الْموضع وَأما زَكَرِيَّاء وزَكَرِيا فَإِنَّهُمَا لُغَتَانِ بِالْمدِّ وَالْقصر وَالْقصر أشبه بِمَا جَاءَ فِي الْقُرْآن وَفِي غَيره من أَسمَاء الْأَنْبِيَاء كموسى وَعِيسَى وانشا ويهودا وَلَيْسَ فِيهَا

{فنادته الملائكة وهو قائم يصلي}

شَيْء مَمْدُود فَكَذَلِك زَكَرِيَّا هُوَ بِمَنْزِلَة نَظَائِره {فنادته الْمَلَائِكَة وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي} 39 قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / فناداه / بِأَلف ممالة وحجتهما أَن الَّذِي ناداه جِبْرِيل وَالتَّقْدِير فناداه الْملك فَأخْرج الإسم الْوَاحِد بِلَفْظ الْجمع وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فنادته الْمَلَائِكَة} بِالتَّاءِ وحجتهم إِجْمَاع الْجَمِيع على قَوْله {تحمله الْمَلَائِكَة} قَالَ عَبَّاس سَأَلت أَبَا عَمْرو فَقَرَأَ {وَإِذ قَالَت الْمَلَائِكَة} بِالتَّاءِ وَلم يقل وَإِذ قَالَ الْمَلَائِكَة فأنث فعل الْمَلَائِكَة هَا هُنَا بِلَا خلاف الْوَاجِب أَن يرد مَا هم مُخْتَلفُونَ فِيهِ إِلَى مَا هم عَلَيْهِ مجمعون قَالَ الزّجاج الْوَجْهَانِ جَمِيعًا جائزان لِأَن الْجَمَاعَة يلْحقهَا اسْم التَّأْنِيث لِأَن مَعْنَاهَا معنى جمَاعَة وَيجوز أَن يعبر عَنْهَا بِلَفْظ التَّذْكِير كَمَا يُقَال جمع الْمَلَائِكَة قَالَ وَيجوز أَن يَقُول نادته الْمَلَائِكَة وَإِنَّمَا ناداه جِبْرِيل وَحده لِأَن مَعْنَاهُ أَتَاهُ النداء من هَذَا الْجِنْس كَمَا تَقول ركب فلَان فِي السفن وَإِنَّمَا ركب سفينة وَاحِدَة تُرِيدُ بذلك جعل ركُوبه فِي هَذَا الْجِنْس {إِن الله يبشرك بِكَلِمَة مِنْهُ اسْمه الْمَسِيح عِيسَى ابْن مَرْيَم} 45 قَرَأَ حَمْزَة وَابْن عَامر إِن الله يبشرك بِكَسْر الْألف وَقَرَأَ

{ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل}

الْبَاقُونَ أَن الله بِالْفَتْح فَمن فتح فَالْمَعْنى نادته بِأَن الله يبشرك أَن نادته بالبشارة وَمن كسر أَرَادَ قَالَت لَهُ {إِن الله يبشرك} وَيجوز أَن تَقول إِنَّمَا كَسره على الإستئناف قَرَأَ حَمْزَة الْكسَائي {يبشرك} بِفَتْح الياءوإسكان الْبَاء وَضم الشين أَي يَسُرك ويفرحك يُقَال بشرت الرجل أُبَشِّرهُ إِذا فرحته وحجتهما قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَل أَنْت باشرنا بِخَير وقرا الْبَاقُونَ {يبشرك} بِالتَّشْدِيدِ أَي يُخْبِرك يُقَال بَشرته أُبَشِّرهُ أَي أخْبرته بِمَا أظهر فِي بشرة وَجهه من السرُور وحجتهم قَوْله {فبشرناها بِإسْحَاق} وَقَوله {وَبشر الْمُحْسِنِينَ} قَالَ الْكسَائي وَأَبُو عُبَيْدَة هما لُغَتَانِ {ويعلمه الْكتاب وَالْحكمَة والتوراة وَالْإِنْجِيل} 48 قَرَأَ عَاصِم وَنَافِع ويعلمه الْكتاب بِالْيَاءِ إِخْبَار عَن الله أَنه يُعلمهُ الْكتاب وحجتهما قَوْله قبلهَا {قَالَ كَذَلِك الله يخلق مَا يَشَاء إِذا قضى أمرا فَإِنَّمَا يَقُول لَهُ كن فَيكون ويعلمه} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / ونعلمه / بالنُّون أَي نَحن نعلمهُ وحجتهم قَوْله قبلهَا {ذَلِك من أنباء الْغَيْب نوحيه إِلَيْك}

{أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله}

{أَنِّي قد جِئتُكُمْ بِآيَة من ربكُم أَنِّي أخلق لكم من الطين كَهَيئَةِ الطير فأنفخ فِيهِ فَيكون طيرا بِإِذن الله} 49 قَرَأَ نَافِع إِنِّي أخلق لكم بِكَسْر الْألف على الِاسْتِئْنَاف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {إِنِّي} بِالْفَتْح وحجتهم أَنَّهَا بدل من قَوْله {قد جِئتُكُمْ بِآيَة من ربكُم} قَالَ الزّجاج {إِنِّي} فِي مَوضِع جر على الْبَدَل من آيَة الْمَعْنى جِئتُكُمْ من أَنِّي أخلق لكم من الطين قرا نَافِع / فَيكون طائرا / على وَاحِد كَمَا تَقول رجل وراجل وَركب وراكب قَالَ الْكسَائي الطَّائِر وَاحِد على كل حَال وَالطير يكون جمعا وواحدا وحجته أَن الله أخبر عَنهُ أَنه كَانَ يخلق وَاحِدًا ثمَّ وَاحِدًا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {طيرا} وحجتهم أَن الله جلّ وَعز إِنَّمَا أذن لَهُ أَن يخلق طيرا كَثِيرَة وَلم يكن يخلق وَاحِدًا فَقَط {فَأَما الَّذين كفرُوا فأعذبهم عذَابا شَدِيدا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَمَا لَهُم من ناصرين وَأما الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات فيوفيهم أُجُورهم وَالله لَا يحب الظَّالِمين} 56 و 57 قَرَأَ حَفْص {فيوفيهم أُجُورهم} بِالْيَاءِ أَي فيوفيهم الله وحجته قَوْله {وَالله لَا يحب الظَّالِمين} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / فنوفيهم / بالنُّون الله جلّ وَعز أخبر عَن نَفسه وحجتهم قَوْله {فأعذبهم عذَابا شَدِيدا} وَلم يقل فيعذبهم

{ها أنتم هؤلاء حاججتم}

{هَا أَنْتُم هَؤُلَاءِ حاججتم} 66 قَرَأَ نَافِع وَأَبُو عَمْرو / هانتم / بِغَيْر همز ويمدان قَلِيلا كَانَ أبوعمرو يذهب فِي / هانتم / إِلَى أَن الْهَاء بدل من همزَة أأنتم بهمزتي ثمَّ أَدخل بَين الهمزتين ألفا فَقَالَ أاأنتم ثمَّ قلب الْهمزَة الأولى هَاء فَقَالَ هَا أَنْتُم ثمَّ خفف الْهمزَة من أَنْتُم فَصَارَ هانتم والهمزة تقلب هَاء كثيرا لقربها من الْهَاء كَمَا قيل هرقت المَاء وأرقته وَإِيَّاك وهياك وَأهل وَآل فَإِنَّمَا ذهب أَبُو عَمْرو إِلَى أَن الْهَاء بدل من الْهمزَة وَلَيْسَت للتّنْبِيه لِأَن الْعَرَب تَقول هَا أَنا ذَا وَلَا تَقول هَا أَنا هَذَا فتجمع بَين حرفين للتّنْبِيه وَكَذَلِكَ فِي قَوْله {هَا أَنْتُم أولاء} لَا يكون جمع بَين حرفين للتّنْبِيه هَا للتّنْبِيه وَهَؤُلَاء للتّنْبِيه وَقَرَأَ ابْن كثير فِي رِوَايَة القواس / هأنتم / مَقْصُورا على وزن هعنتم وَالْأَصْل عِنْده أَيْضا أأنتم بهمزتين فأبدل من الْهمزَة هَاء وَلم يدْخل بَينهمَا ألفا فَصَارَ هأنتم على وزن هعنتم وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {هَا أَنْتُم} بِالْمدِّ والهمز وَهَا على مَذْهَبهم أدخلت للتّنْبِيه كَمَا أدخلت على ذَا فَقيل هَذَا فوصلت هَا ب أَنْتُم الَّتِي هِيَ أَسمَاء المخاطبين فَقيل هَا أَنْتُم فَلَا بُد من الْمَدّ والهمز من جِهَة الْألف فِي هَا والهمزة فِي أَنْتُم قَالُوا وَيجوز أَيْضا أَن تكون الْهَاء فِي هَذِه الْقِرَاءَة بَدَلا من الْهمزَة {وَلَا تؤمنوا إِلَّا لمن تبع دينكُمْ قل إِن الْهدى هدى الله أَن يُؤْتى أحد مثل مَا أُوتِيتُمْ} 73 قَرَأَ ابْن كثير {أَن يُؤْتى أحد} بِمد الْألف على الِاسْتِفْهَام على

{ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك}

وَجه الْإِنْكَار أَي لَا يعْطى أحد مثل مَا أعطيتم وَهُوَ مُتَّصِل بقوله {وَلَا تؤمنوا إِلَّا لمن تبع دينكُمْ} {أَن يُؤْتى أحد} وَيكون قَوْله {إِن الْهدى هدى الله} خَبرا اعْترض فِي وسط الْكَلَام وَلم يُغير من الْمَعْنى شَيْئا وَإِذا حمل الْكَلَام على هَذَا كَانَ قَوْله أَن يُؤْتى بعد من الْحِكَايَة عَن الْيَهُود يَقُول لَا تصدقوا أَن يعْطى أحد مثل مَا أعطيتم وَقَرَأَ الْبَاقُونَ أَن يُؤْتى بِلَا اسْتِفْهَام وتأويله وَلَا تؤمنوا إِلَّا لمن تبع دينكُمْ وَلَا تؤمنوا أَن يُؤْتى أحد مثل مَا أُوتِيتُمْ وَقد بَينا فِي كتاب التَّفْسِير {وَمن أهل الْكتاب من إِن تأمنه بقنطار يؤده إِلَيْك وَمِنْهُم من إِن تأمنه بِدِينَار لَا يؤده إِلَيْك} 75 قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَحَمْزَة وَأَبُو بكر {يؤده إِلَيْك} و {لَا يؤده إِلَيْك} بِسُكُون الْهَاء وحجتهم أَن من الْعَرَب من يجْزم الْهَاء إِذا تحرّك مَا قبلهَا فَيَقُول ضَربته ضربا شَدِيدا فينزلون الْهَاء إِذا سكنوها وَأَصلهَا الرّفْع بِمَنْزِلَة أَنْتُم ورأيتهم إِذا سكنوا الْمِيم فِيهَا وَأَصلهَا الرّفْع وَلم يصلوها بواو فَلذَلِك اجريت الْهَاء مجْرى الْمِيم فِي أَنْتُم أنْشد الْفراء ... فيصلح الْيَوْم ويفسده غَدا ... وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / يؤدهي إِلَيْك / و / لَا يؤدهي إِلَيْك / يصلونَ بياء فِي اللَّفْظ وحجتهم أَن الْيَاء بدل من الْوَاو وَأَصلهَا يؤدهو إِلَيْك

{ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما} 79 و

لَكِن قلب الْوَاو يَاء لانكسار مَا قبلهَا فَلَا سَبِيل إِلَى حذف الْيَاء وَهِي بدل من الْوَاو قَالَ سِيبَوَيْهٍ الْوَاو زيدت على الْهَاء فِي الْمُذكر كَمَا زيدت الْألف فِي الْمُؤَنَّث فِي قَوْلك ضربتها ومررت بهَا وضربتهو ليستوي ضَربته الْمُذكر والمؤنث فِي بَاب الزِّيَادَة قَرَأَ نَافِع فِي رِوَايَة الْحلْوانِي {يؤده} بالإختلاس وحجته أَن الكسرة تدل عل الْيَاء وتنوب عَنْهَا {مَا كَانَ لبشر أَن يؤتيه الله الْكتاب وَالْحكم والنبوة ثمَّ يَقُول للنَّاس كونُوا عبادا لي من دون الله وَلَكِن كونُوا ربانيين بِمَا} 79 و 80 قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {بِمَا كُنْتُم تعلمُونَ الْكتاب} بِالتَّخْفِيفِ أَي يعلمكم الْكتاب قَالَ أَبُو عَمْرو وحجتهما قَوْله {وَبِمَا كُنْتُم تدرسون} وَلم يقل تدرسون وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {بِمَا كُنْتُم تعلمُونَ} بِالتَّشْدِيدِ من قَوْلك علمت زيدا الْكتاب أعلمهُ تَعْلِيما وَالْمعْنَى تعلمُونَ النَّاس الْكتاب وحجتهم أَن تعلمُونَ أبلغ فِي الْمَدْح من تعلمُونَ لِأَن الْمعلم لَا يكون معلما حَتَّى يكون عَالما بِمَا يُعلمهُ النَّاس قبل تَعْلِيمه وَرُبمَا كَانَ عَالما لَيْسَ بمعلم

{وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب} {فمن تولى} 81 و

وَقد رُوِيَ عَن مُجَاهِد أَنه قَالَ مَا علموه حَتَّى علموه قَرَأَ ابْن عَامر وَعَاصِم وَحَمْزَة {وَلَا يَأْمُركُمْ} بِالنّصب وحجتهم أَنَّهَا نسق على قَوْله {مَا كَانَ لبشر أَن يؤتيه الله الْكتاب وَالْحكم والنبوة ثمَّ يَقُول للنَّاس} وَلَا أَن يَأْمُركُمْ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَلَا يَأْمُركُمْ} بِالرَّفْع على وَجه الِابْتِدَاء من الله بالْخبر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ أَنه لَا يَأْمُركُمْ ايها النَّاس أَن تَتَّخِذُوا من الْمَلَائِكَة والنبيين أَرْبَابًا {وَإِذ أَخذ الله مِيثَاق النَّبِيين لما آتيتكم من كتاب} {فَمن تولى} 81 و 82 قَرَأَ حَمْزَة {وَإِذ أَخذ الله مِيثَاق النَّبِيين لما آتيتكم} بِكَسْر اللَّام جعل مَا بِمَعْنى الَّذِي الْمَعْنى وَإِذ أَخذ الله مِيثَاق النَّبِيين للَّذي آتيتكم أَي لهَذَا هَذِه اللَّام لَام الْإِضَافَة وَاللَّام مُتَعَلقَة ب أَخذ الْمِيثَاق الْمَعْنى أَخذ الْمِيثَاق لإتيانه الْكتاب وَالْحكمَة أَخذ الْمِيثَاق قَالَ الْفراء من كسر اللَّام يُرِيد أَخذ الْمِيثَاق للَّذي آتَاهُم من الْحِكْمَة قَالَ الزّجاج وَيكون الْكَلَام يؤول إِلَى الْجَزَاء كَمَا تَقول لما جئتني أكرمتك وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لما آتيتكم} بِفَتْح اللَّام كَانَ الْكسَائي يَقُول مَعْنَاهُ مهما آتيتكم على تَأْوِيل الْجَزَاء قَالَ وَجَوَابه {فَمن تولى} وَهَذِه اللَّام تدخل فِي مَا وَفِي من على وجد الْجَزَاء قَالَ الزّجاج مَا هَا هُنَا على ضَرْبَيْنِ يصلح أَن تكون للشّرط

وَالْجَزَاء وَهُوَ أَجود الْوَجْهَيْنِ لِأَن الشَّرْط يُوجب أَن كل مَا وَقع من أَمر الرُّسُل فَهَذِهِ طَرِيقَته وَاللَّام دخلت فِي مَا كَمَا تدخل فِي إِن الْجَزَاء إِذا كَانَ فِي جوابها الْقسم قَالَ الله {وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَينَا إِلَيْك} وَقَالَ {قل لَئِن اجْتمعت الْإِنْس وَالْجِنّ} فَاللَّام فِي إِن دخلت مُؤَكدَة موطئة للام الْقسم وَلَام الْقسم هِيَ اللَّام الَّتِي للْيَمِين لِأَن قَوْلك وَالله لَئِن جئتني لأكرمنك إِنَّمَا حلفك على فعلك إِلَّا أَن الشَّرْط مُعَلّق بِهِ فَلذَلِك دخلت اللَّام على الشَّرْط فَإِذا كَانَت مَا فِي معنى الْجَزَاء موضعهَا نصب بقوله {آتيتكم} وَتَقْدِير الْكَلَام أَي شَيْء آتيتكم فَتكون اللَّام الأولى على مَا فسره دخلت للتوكيد أَي توكيد الْجَزَاء وَاللَّام الثَّانِيَة فِي قَوْله {لتؤمنن بِهِ} لَام الْقسم قَالَ وَيجوز أَن تكون مَا فِي معنى الَّذِي وَيكون موضعهَا الرّفْع الْمَعْنى أَخذ الله ميثاقهم أَي استحلفهم للَّذي آتيتيكم الْمَعْنى آتيتكموه لتؤمنن بِهِ وَحذف الْهَاء من قَوْله آتيتكموه لطول الِاسْم قَرَأَ نَافِع / لما آتيناكم / بالنُّون وَالْألف وحجته قَوْله {وَلَقَد آتَيْنَا بني إِسْرَائِيل الْكتاب} و {خُذُوا مَا آتيناكم} فَهَذِهِ اللَّفْظ تكون للتعظيم كَمَا قَالَ {نَحن قسمنا بَينهم} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {آتيتكم} وجحتهم قَوْله {فَخذ مَا آتيتك}

{أفغير دين الله يبغون} {وإليه يرجعون}

{أفغير دين الله يَبْغُونَ} {وَإِلَيْهِ يرجعُونَ} 83 قَرَأَ أَبُو عَمْرو {يَبْغُونَ} بِالْيَاءِ وحجته أَن الْخطاب قد انْقَضى بِالْفَصْلِ بَينه وَبَين ذَلِك بقوله {فَمن تولى بعد ذَلِك فَأُولَئِك هم الْفَاسِقُونَ} 82 ثمَّ قَالَ {أفغير دين الله يَبْغِي الْفَاسِقُونَ} فَيكون الْكَلَام نسقا وَاحِدًا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ وحجتهم قَول قبلهَا {أأقررتم وأخذتم} فَيكون نسقوا مُخَاطبَة على مُخَاطبَة وَقَالَ قوم يجوز أَن يكون ابْتَدَأَ خطابا مجددا على تَأْوِيل قل لَهُم يَا مُحَمَّد أفغير دين الله تبغون أَيهَا المخاطبون فَكَانَ خطابا عَاما للْيَهُود وَغَيرهم من النَّاس وَقَرَأَ حَفْص {يَبْغُونَ} بِالْيَاءِ جعله خَبرا عَن الْيَهُود {وَإِلَيْهِ يرجعُونَ} بِالْيَاءِ أَيْضا يَعْنِي الْيَهُود وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ أَي أَنْتُم وهم {وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {حج الْبَيْت} بِكَسْر الْحَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْفَتْح وهما لُغَتَانِ الْفَتْح لأهل الْحجاز وَبني أَسد وَالْكَسْر لُغَة أهل نجد وَقيل إِن الْفَتْح مصدر وَالْكَسْر اسْم {وَمَا يَفْعَلُوا من خير فَلَنْ يكفروه} 115 قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {وَمَا يَفْعَلُوا من خير فَلَنْ يكفروه}

{وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا}

171 - بِالْيَاءِ فيهمَا وحجتهم قَوْله قبلهَا {من أهل الْكتاب أمة قَائِمَة يَتلون آيَات الله آنَاء اللَّيْل وهم يَسْجُدُونَ يُؤمنُونَ بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر} 113 و 114 الْآيَة وَكَذَلِكَ {وَمَا يَفْعَلُوا من خير} أَي هَؤُلَاءِ المذكورون وَسَائِر الْخلق دَاخل مَعَهم وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ فيهمَا وحجتهم قَوْله قبلهَا {كُنْتُم خير أمة أخرجت للنَّاس تأمرون بِالْمَعْرُوفِ وتنهون عَن الْمُنكر وتؤمنون بِاللَّه} {وَمَا يَفْعَلُوا من خير فَلَنْ يكفروه} أَيهَا المخاطبون بِهَذَا الْخطاب {وَإِن تصبروا وتتقوا لَا يضركم كيدهم شَيْئا} قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {لَا يضركم} بِكَسْر الضَّاد وحجتهم قَوْله {لَا ضير إِنَّا إِلَى رَبنَا منقلبون} وَكَانَت فِي الأَصْل لَا يضيركم مثل يضربكم فاستثقلت الكسرة على الْيَاء فنقلت كسرة الْيَاء إِلَى الضَّاد فَصَارَت لَا يضيركم وَدخل الْجَزْم على الرَّاء فَالتقى ساكنان الْيَاء وَالرَّاء فطرحت الْيَاء فَصَارَت {لَا يضركم} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يضركم} بِضَم الضَّاد وَتَشْديد الرَّاء وَضمّهَا من ضرّ يضر وحجتهم أَن ضرّ فِي الْقُرْآن أَكثر من ضار وَاسْتِعْمَال الْعَرَب ضرّ أَكثر من ضار من ذَلِك {ضرا وَلَا نفعا} و {نفعا وَلَا ضرا} وَهُوَ كثير فِي الْقُرْآن فَلَا يصرف عَن شَيْء كثر فِي الْقُرْآن وَأما ضم الرَّاء فَفِيهِ وَجْهَان عِنْد الْكسَائي أَحدهمَا أَن يكون الْفِعْل

{ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين}

عِنْده مَجْزُومًا بِجَوَاب الْجَزَاء وَتَكون المضة فِي الرَّاء تَابِعَة لضمة الضَّاد كَقَوْلِهِم مد ومده فأتبعوا الضَّم الضَّم فِي المجزوم وَكَانَت فِي الأَصْل لَا يضرركم وَلَكِن كثيرا من الْقُرَّاء وَالْعرب يدغم فِي مَوضِع الْجَزْم فَلَمَّا أَرَادوا الْإِدْغَام سكنوا الرَّاء ونقلوا الضمة الَّتِي كَانَت على الضَّاد فَصَارَت لَا يضرركم ثمَّ أدغموا الرَّاء فِي الرَّاء وحركوها بحركة الضَّاد فَصَارَت لَا يضركم فَهَذِهِ الضمة ضمة إتباع وَأهل الْحجاز يظهرون التَّضْعِيف وَفِي هَذِه الْآيَة جَاءَت فِيهَا اللغتان جَمِيعًا فَقَوله {إِن تمسسكم حَسَنَة} على لُغَة أهل الْحجاز وَلَا يضركم على لُغَة غَيرهم من الْعَرَب وَالْوَجْه الآخر أَن يكون الْفِعْل مَرْفُوعا فَتَصِير لَا على مَذْهَب لَيْسَ وتضمر فِي الْكَلَام فَاء كَأَنَّهُ قَالَ فَلَيْسَ يضركم وَالْفَاء المضمرة تكون جَوَاب الْجَزَاء وَاسْتشْهدَ الْكسَائي على إِضْمَار الْفَاء هَا هُنَا بقوله {وَإِن تصبهم سَيِّئَة بِمَا قدمت أَيْديهم إِذا هم يقنطون} مَعْنَاهُ فَإِذا هم وَكَذَلِكَ قَوْله {وَإِن أطعتموهم إِنَّكُم لمشركون} أَي فَإِنَّكُم لمشركون {ألن يكفيكم أَن يمدكم ربكُم بِثَلَاثَة آلَاف من الْمَلَائِكَة منزلين} 124 قَرَأَ ابْن عَامر {من الْمَلَائِكَة منزلين} بِالتَّشْدِيدِ وحجته قَوْله {لنزلنا عَلَيْهِم من السَّمَاء ملكا} وهما لُغَتَانِ نزل وأ نزل مثل كرم وَأكْرم

{بخمسة آلاف من الملائكة مسومين}

{بِخَمْسَة آلَاف من الْمَلَائِكَة مسومين} 125 قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَعَاصِم {مسومين} بِكَسْر الْوَاو أَي معلمين أَخذ من السومة وَهِي الْعَلامَة وحجتهم مَا جَاءَ فِي التَّفْسِير قَالَ مُجَاهِد كَانُوا سوموا نواصي خيولهم بالصوف الْأَبْيَض فهم على هَذَا التَّفْسِير مسومون لأَنهم فاعلون ووردت الْأَخْبَار بِأَن الْمَلَائِكَة نزلت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ معتمين بعمائم صفر فأضافوا الاعتمام إِلَيْهِم وَلم يقل معممين فَيَكُونُوا مفعولين وَتَكون القراةء بِفَتْح الْوَاو وَقَالَ رَسُول الله لأَصْحَابه يَوْم بدر تسوموا فَإِن الْمَلَائِكَة قد تسومت وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {مسومين} بِفَتْح الْوَاو وحجتهم {منزلين} لما كَانَ فتح الزَّاي مجمعا عَلَيْهِ إِذْ كَانُوا مفعولين ردوا قَوْله {مسومين} إِذْ كَانَت صفة مثل معنى الأول ففتحوا الْوَاو وجعلوهم مفعولين كَمَا كَانُوا منزلين فكأنهم أنزلوا مسومين وَقد رُوِيَ عَن عِكْرِمَة وَقَتَادَة فِي تَفْسِير ذَلِك أَنَّهُمَا قَالَا فِيهِ عَلَيْهِم سِيمَا الْقِتَال وَقَالَ قوم {مسومين} مرسلين تَقول الْعَرَب لنسومن فِيكُم الْخَيل أَي لنرسلنها حكى ذَلِك الْكسَائي قَالَ وَتقول الْعَرَب سوم الرجل غُلَامه أَي خلى سَبيله فعلى هَذَا التَّأْوِيل يُوَجه معنى ذَلِك إِلَى معنى مرسلين على الْكفَّار فَيكون مُوَافقا الْمَعْنى منزلين

{وسارعوا إلى مغفرة من ربكم} قرأ نافع وابن عامر / سارعوا إلى مغفرة من ربكم / بغير واو اتباعا لمصاحفهم

{وسارعوا إِلَى مغْفرَة من ربكُم} قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر / سارعوا إِلَى مغْفرَة من ربكُم / بِغَيْر وَاو اتبَاعا لمصاحفهم وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وسارعوا} بِالْوَاو اتبَاعا لمصاحفهم {إِن يمسسكم قرح فقد مس الْقَوْم قرح مثله} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وابو بكر {إِن يمسسكم قرح فقد مس الْقَوْم قرح مثله} بِضَم الْقَاف فيهمَا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْفَتْح فيهمَا قَالَ الْفراء كَأَن الْقرح بِالضَّمِّ ألم الْجِرَاحَات وَكَأن الْقرح الْجراح بِأَعْيَانِهَا وَقَالَ الْكسَائي هما لُغَتَانِ مثل الضعْف والضعف والفقر والفقر وَأولى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ قَول الْفراء لتصييرهما لمعنيين وَالدَّلِيل على ذَلِك قَول الله جلّ وَعز حِين أساهم بهم فِي مَوضِع آخر بِمَا دلّ على أَنه أَرَادَ الْأَلَم فَقَالَ وَلَا تهنوا فِي ابْتِغَاء الْقَوْم إِن تَكُونُوا تألمون فَإِنَّهُم يألمون كَمَا تألمون فَدلَّ ذَلِك على أَنه اراد إِن يمسسكم ألم من أَيدي الْقَوْم فَإِن بهم من ذَلِك مثل مَا بكم {وكأين من نَبِي قَاتل مَعَه ربيون كثير فَمَا وهنوا لما أَصَابَهُم فِي سَبِيل الله} 146 قَرَأَ ابْن كثير / وكائن من نَبِي / على وزن كاعن وحجته قَول الشَّاعِر ... وكائن بالأباطح من صديق ... يراني لَو أصبت هُوَ المصابا ...

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وكأين} على وزن كعين وحجتهم قَول الشَّاعِر كاين فِي المعاشر من أنَاس ... أخوهم فَوْقهم وهم كرام وهما لُغَتَانِ جيدتان يقْرَأ بهما وَكَانَ أَبُو عَمْرو يقف على / وكأي / على الْيَاء فِي قَول عبيد الله بن مُحَمَّد عَن أَخِيه وَعَمه عَن اليزيدي عَن أبي عَمْرو وَقَالَ بعض عُلَمَائِنَا كَأَنَّهُمْ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّهَا كَانَت فِي الأَصْل أَي مُشَدّدَة زيدت عَلَيْهَا كَاف وَالْبَاقُونَ يقفون {وكأين} بالنُّون وحجتهم أَن النُّون أَثْبَتَت فِي الْمَصَاحِف للتنوين الَّذِي فِي أَي وَنون التَّنْوِين لم يثبت فِي الْقُرْآن إِلَّا فِي هَذَا الْحَرْف قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو / وكأين من نَبِي قتل / بِضَم الْقَاف وَكسر التَّاء أَي وَكم من نَبِي قتل قبل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَمَعَهُ ربيون كثير وحجتهم أَن ذَلِك أنزل معاتبة لمن أدبر عَن الْقِتَال يَوْم أحد إِذْ صَاح الصائح قتل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ فَلَمَّا تراجعوا كَانَ اعتذارهم أَن قَالُوا سمعنَا قتل مُحَمَّد فَأنْزل الله {وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول قد خلت من قبله الرُّسُل أَفَإِن مَاتَ أَو قتل انقلبتم} ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك وكأين من نَبِي قتل مَعَه ربيون كثير أَي جموع كثير فَمَا تضعضع الجموع وَمَا وهنوا لَكِن قَاتلُوا وصبروا فَكَذَلِك أَنْتُم كَانَ يجب عَلَيْكُم أَلا تهنوا لَو قتل نَبِيكُم فَكيف وَلم يقتل وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {قَاتل مَعَه} وحجتهم قَوْله {فَمَا وهنوا} قَالُوا لأَنهم لَو قتلوا لم يكن لقَوْله {فَمَا وهنوا} وَجه مَعْرُوف لِأَنَّهُ يَسْتَحِيل أَن يوصفوا بِأَنَّهُم لم يهنوا بَعْدَمَا قتلوا وَكَانَ ابْن مَسْعُود يَقُول {قَاتل} أَلا ترى

{سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب}

أَنه يَقُول {فَمَا وهنوا لما أَصَابَهُم} وَحجَّة أُخْرَى أَنه قَاتل أبلغ فِي مدح الْجَمِيع من معنى قتل لن الله إِذا مدح من قتل خَاصَّة دون من قَاتل لم يدْخل فِي المديح غَيرهم فمدح من قَاتل أَعم للْجَمِيع من مدح من قتل دون من قَاتل لِأَن الْجَمِيع داخلون فِي الْفضل وَإِن كَانُوا متفاضلين {سنلقي فِي قُلُوب الَّذين كفرُوا الرعب} قَرَأَ ابْن عَامر وَالْكسَائِيّ {الرعب} بِضَم الْعين وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِإِسْكَان الْعين وهما لُغَتَانِ أجودهما السّكُون {ثمَّ أنزل عَلَيْكُم من بعد الْغم أَمَنَة نعاسا يغشى طَائِفَة مِنْكُم وَطَائِفَة قد أهمتهم أنفسهم} {قل إِن الْأَمر كُله لله} 153 قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ تغشى بِالتَّاءِ والإمالة ردا على ال أَمَنَة وحجتهما قَوْله {وَطَائِفَة قد أهمتهم أنفسهم} فَذكر من غَشيته الأمنة ثمَّ أتبعه من لم يَأْمَن وأهمته نَفسه من الْخَوْف فَكَانَ تَقْدِير الْكَلَام أَن بَعضهم قد غَشيته الأمنة وَبَعْضهمْ خَائِف لم تغشه وَقَرَأَ الْبَاقُونَ يغشى بِالْبَاء إِخْبَارًا عَن النعاس وحجتهم أَن الْعَرَب تَقول غشيني النعاس وَلَا تكَاد تَقول غشيني الْأَمْن لِأَن النعاس يظْهر والأمن شَيْء يَقع فِي الْقلب وَحجَّة أُخْرَى أَنهم أسندوا الْفِعْل إِلَى النعاس بِإِجْمَاع الْجَمِيع فِي قِرَاءَة من يقْرَأ / يغشاكم النعاس / وَفِي قِرَاءَة من يقْرَأ {إِذْ يغشيكم النعاس} مشددا ومخففا

{ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم والله يحيي ويميت والله بما تعملون بصير}

فَدلَّ ذَلِك على أَن الَّذِي غشيهم هُوَ النعاس لَا الأمنة لِأَن الْآيَتَيْنِ نزلتا فِي طَائِفَة وَاحِدَة قَرَأَ أَبُو عَمْرو {قل إِن الْأَمر كُله لله} بِرَفْع اللَّام وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالنّصب فَمن نصب فعلى توكيد الْأَمر وَمن رفع فعلى الِابْتِدَاء و {لله} الْخَبَر وَنَظِير ذَلِك قَوْله {وَيَوْم الْقِيَامَة ترى الَّذين كذبُوا على الله وُجُوههم مسودة} عدل بالوجوه عَن أَن يعْمل فِيهَا الْفِعْل وَرفعت {مسودة} وَكَذَلِكَ عدل ب كل عَن إتباع {الْأَمر} وَرفع بالإبتداء {ليجعل الله ذَلِك حسرة فِي قُلُوبهم وَالله يحيي وَيُمِيت وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير} 156 قَرَأَ ابْن كثير وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ / وَالله بِمَا يعْملُونَ بَصِير / بِالْيَاءِ وحجتهم أَن الْكَلَام أَتَى عقيب الْإِخْبَار عَن الَّذين قَالُوا لَو كَانَ إِخْوَاننَا عندنَا مَا مَاتُوا وَمَا قتلوا فَأخْبر الله الْمُؤمنِينَ أَنه جعل ذَلِك القَوْل حسرة مِنْهُم فِي قُلُوبهم إِذْ قَالُوهُ ثمَّ أتبع ذَلِك أَنه بِمَا يعْملُونَ من الْأَعْمَال بَصِير وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {بِمَا تَعْمَلُونَ} بِالتَّاءِ وحجتهم أَن الْكَلَام فِي أول الْآيَة وَبعد الْآيَة جرى بِلَفْظ مُخَاطبَة الْمُؤمنِينَ فَقَالَ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِين كفرُوا} إِلَى قَوْله تَعَالَى {وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير} ثمَّ قَالَ بعد هَذِه {وَلَئِن قتلتم فِي سَبِيل الله أَو متم} وَحجَّة

{ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم}

الْيَاء قَوْله {ليجعل الله ذَلِك حسرة فِي قُلُوبهم} {وَلَئِن قتلتم فِي سَبِيل الله أَو متم} قَرَأَ نَافِع وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {أَو متم} بِكَسْر الْمِيم فِي جَمِيع الْقُرْآن وَقَرَأَ حَفْص هَا هُنَا بِالضَّمِّ وَفِي سَائِر الْقُرْآن بِالْكَسْرِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {متم} و {متْنا} جَمِيع ذَلِك بِالضَّمِّ وحجتهم أَنَّهَا من مَاتَ يَمُوت فعل يفعل مثل دَامَ يَدُوم وَقَالَ يَقُول وَكَانَ يكون وَلَا يُقَال كنت وَلَا قلت وَحجَّة أُخْرَى وَهُوَ قَوْله {وفيهَا تموتون} {وَيَوْم أَمُوت} وَلَو كَانَت على اللُّغَة الْأُخْرَى لكَانَتْ تماتون وَيَوْم أمات لِأَن من مت تمات يَجِيء فعل يفعل وَمن فعل يفعل يَجِيء قَالَ يَقُول وَقد ذكرنَا وأصل الْكَلِمَة عِنْد أهل الْبَصْرَة موت على وزن فعل مثل قَول ثمَّ ضمُّوا الْوَاو فَصَارَت موت وَإِنَّمَا ضمُّوا الْوَاو لأَنهم أَرَادوا أَن ينقلوا الْحَرَكَة الَّتِي كَانَت على الْوَاو إِلَى الْمِيم وَهِي الفتحة وَلَو نقلوها إِلَى الْمِيم لم تكن هُنَاكَ عَلامَة تدل على الْحَرَكَة المنقولة إِلَى الْمِيم لِأَن الْمِيم كَانَت مَفْتُوحَة فِي الأَصْل وَيَقَع اللّبْس بَين الْحَرَكَة الْأَصْلِيَّة وَبَين المنقولة وَأَيْضًا لم تكن هُنَاكَ عَلامَة تدل على الْوَاو المحذوفة فضموا الْوَاو لهَذِهِ الْعلَّة ثمَّ نقلوا ضمة الْوَاو إِلَى الْمِيم فَصَارَ موت واتصل بهَا اسْم الْمُتَكَلّم فسكنت التَّاء فَاجْتمع ساكنان الْوَاو وَالتَّاء فحذفت الْوَاو وأدغمت التَّاء فِي التَّاء فَصَارَت متم وَكَذَلِكَ الْكَلَام فِي قلت

{وما كان لنبي أن يغل}

وَأما من قَرَأَ {متم} بِالْكَسْرِ لَهُ حجتان إِحْدَاهمَا ذكرهَا الْخَلِيل قَالَ يُقَال مت تَمُوت ودمت تدوم فعل يفعل مثل فضل يفضل قَالَ الشَّاعِر ... وَمَا مر من عيشي ذكرت وَمَا فضل ... وَكَانَ الأَصْل عِنْده موت على فعل ثمَّ استثقل الكسرة على الْوَاو فنقلت إِلَى الْمِيم فَصَارَت موت ثمَّ حذفت الْوَاو لما اتَّصَلت بهَا تَاء المتلكم لِاجْتِمَاع الساكنين فَصَارَت مت فَهَذَا فِي المعتل وَفضل يفضل فِي الصَّحِيح وَالثَّانيَِة قَالَ الْفراء مت مَأْخُوذَة من يمات على فعل يفعل مثل سمع يسمع وَكَانَ الأَصْل يَمُوت ثمَّ نقلوا فَتْحة الْوَاو إِلَى الْمِيم وقلبوا الْوَاو ألفا لانفتاح مَا قبلهَا فَصَارَت يمات إِلَّا أَنه لم يجِئ يمات فِي الْمُسْتَقْبل وَالْعرب وَالْعرب قد تسْتَعْمل الْكَلِمَة بِلَفْظ مَا وَلَا تقيس مَا تصرف مِنْهَا على ذَلِك الْقيَاس من ذَلِك قَوْلهم رَأَيْت همزته فِي الْمَاضِي ثمَّ أَجمعُوا على ترك الْهمزَة فِي الْمُسْتَقْبل فَقَالُوا ترى ونرى بِغَيْر همز فخالفوا بَين لفظ الْمَاضِي والمستقبل فَكَذَلِك خالفوا بَين لفظ مت وَتَمُوت وَلم يَقُولُوا تمات {وَمَا كَانَ لنَبِيّ أَن يغل} قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَعَاصِم {أَن يغل} بِفَتْح الْيَاء وَضم الْغَيْن أَي مَا كَانَ لنَبِيّ أَن يخون أَصْحَابه فِيمَا أَفَاء الله عَلَيْهِم وحجتهم فِي ذَلِك أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ جمع الْغَنَائِم فِي غزَاة فَجَاءَهُ جمَاعَة من المسملين فَقَالُوا أَلا تقسم بَيْننَا غنائمنا فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ لَو أَن لكم مثل أحد ذَهَبا مَا منعتكم درهما أترونني أغلكم مغنمكم

فَنزلت {وَمَا كَانَ لنَبِيّ أَن يغل} أَي مَا يَنْبَغِي لنَبِيّ أَن يجور فِي الْقسم وَلَكِن يعدل وَيُعْطِي كل ذِي حق حَقه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ نزلت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ فِي قطيفة حَمْرَاء فقدت فِي غَزْوَة بدر فَقَالَ من كَانَ مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ لَعَلَّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ أَخذهَا فَأنْزل الله الْآيَة وَحجَّة أُخْرَى وَهِي أَن الْمُسْتَعْمل فِي كَلَام الْعَرَب أَن يُقَال لمن فعل مَا لَا يجوز لَهُ أَن يفعل مَا كَانَ لزيد أَن يفعل كَذَا وَكَذَا وَمَا كَانَ لَهُ أَن يظلم وَلَا يُقَال أَن يظلم لِأَن الْفَاعِل فِيمَا لَا يجوز لَهُ يُقَال لَهُ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَن يفعل ذَلِك بِهِ نَظِير قَوْله وَمَا كَانَ لكم أَن تُؤْذُوا رَسُول الله وكما قَالَ {مَا كَانَ للنَّبِي وَالَّذين آمنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا للْمُشْرِكين} أَلا ترى أَنهم المستغفرون وَلم يقل أَن يَسْتَغْفِرُوا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يغل} بِضَم الْيَاء وَفتح الْغَيْن أَي مَا كَانَ لنَبِيّ أَن يغله أَصْحَابه أَي يخونوه ثمَّ أسقط الْأَصْحَاب فَبَقيَ الْفِعْل غير مُسَمّى فَاعله وتأويله مَا كَانَ لنَبِيّ أَن يخان وحجتهم مَا ذكر عَن قَتَادَة قَالَ مَا كَانَ لنَبِيّ أَن يغله اصحابه الَّذين مَعَه من الْمُؤمنِينَ ذكر لنا أَن هَذِه الْآيَة نزلت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ يَوْم بدر وَقد غل طوائف من أَصْحَابه وَقَالَ آخَرُونَ معنى ذَلِك وَمَا كَانَ لنَبِيّ

{يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين}

أَن يتهم بالغلول قَالَ الْفراء يغل أَي يسرق ويخون أَي ينْسب إِلَى الْغلُول يُقَال أغللته أَي نسبته إِلَى الْغلُول وَقَالَ آخَرُونَ {وَمَا كَانَ لنَبِيّ أَن يغل} أَي يلفى غالا أَي خائنا كَمَا يُقَال أحمدت الرجل إِذا وجدته مَحْمُودًا {يستبشرون بِنِعْمَة من الله وَفضل وَأَن الله لَا يضيع أجر الْمُؤمنِينَ} قَرَأَ الْكسَائي {وَأَن الله لَا يضيع أجر الْمُؤمنِينَ} بِكَسْر الْألف على معنى وَالله لَا يضيع أجر الْمُؤمنِينَ وَكَذَلِكَ هِيَ فِي قِرَاءَة عبد الله / وَالله لَا يضيع / فَهَذَا يُقَوي إِن بِالْكَسْرِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَأَن الله} بِالْفَتْح وَهِي فِي مَوضِع خفص على النسق على {بِنِعْمَة من الله وَفضل} الْمَعْنى ويستبشرون بِأَن الله لَا يضيع أجر الْمُؤمنِينَ {وَلَا يحزنك الَّذين يُسَارِعُونَ فِي الْكفْر} 176 قَرَأَ نَافِع {وَلَا يحزنك} بِضَم الْيَاء فِي كل الْقُرْآن إِلَّا قَوْله {لَا يحزنهم الْفَزع الْأَكْبَر} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْفَتْح وهما لُغَتَانِ يُقَال حزن وأحزن وَالِاخْتِيَار حزن لقَولهم محزون وَلَا يُقَال محزن وَحجَّة نَافِع قَول الْعَرَب هَذَا أَمر محزن

{ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم}

{وَلَا يَحسبن الَّذين كفرُوا أَنما نملي لَهُم خير لأَنْفُسِهِمْ} قَرَأَ حَمْزَة {لَا تحسبن الَّذين كفرُوا} بِالتَّاءِ خطاب للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَمَوْضِع الَّذين نصب الْمَفْعُول الأول من {تحسبن} و {كفرُوا} صلته و {إِنَّمَا} مَعَ مَا بعْدهَا فِي مَوضِع الْمَفْعُول الثَّانِي لِأَن حسب يتَعَدَّى إِلَى مفعولين تَقول حسبت زيدا مُنْطَلقًا وَلَا يجوز حسبت زيدا وَإِنَّمَا فتحت {إِنَّمَا} لِأَن الْفِعْل وَاقع عَلَيْهَا قَالَ الزّجاج قَوْله أَنما نملي يجوز على الْبَدَل من الَّذين الْمَعْنى لَا تحسبن إملاءنا للَّذين كفرُوا خيرا لَهُم وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَلَا يَحسبن} بِالْيَاءِ إِخْبَار عَن الَّذين كفرُوا فموضع الَّذين رفع بفعلهم والمحسبة وَاقعَة على {إِنَّمَا} ونابت عَن الِاسْم وَالْخَبَر تَقول حسبت أَن زيدا منطلق فاسم إِن وخبرها سد مسد المفعولين وَتَقْدِير الْكَلَام لَا يَحسبن الَّذين كفرُوا إملاءنا خيرا لَهُم {حَتَّى يُمَيّز الْخَبيث من الطّيب} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {حَتَّى يُمَيّز الْخَبيث} بِالتَّشْدِيدِ من قَوْلك ميزت بَين الشَّيْئَيْنِ أميز تمييزا إِذا خلصته كَمَا تَقول فرقت بَينهمَا أفرق تفريقا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {حَتَّى يُمَيّز الْخَبيث} بِالتَّخْفِيفِ من مزت الشَّيْء وَأَنا أميز ميزا وحجتهم قَوْله {الْخَبيث من الطّيب} وَالتَّشْدِيد إِنَّمَا يدْخل فِي الْكَلَام للتكثير قَالَ أَبُو عَمْرو لَا يكون يُمَيّز

{ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به} {والله بما تعملون خبير}

بِالتَّشْدِيدِ إِلَّا كثيرا من كثير فَأَما وَاحِد من وَاحِد ف يُمَيّز على معنى يعْزل وَحجَّة التَّشْدِيد أَن الْعَرَب للمشدد أَكثر اسْتِعْمَالا وَذَلِكَ أَنهم وضعُوا مصدر هَذَا الْفِعْل على معنى التَّشْدِيد فَقَالُوا فِيهِ التَّمْيِيز وَلم يَقُولُوا الميز فَدلَّ استعمالهم الْمصدر على بنية التَّشْدِيد فَتَأْوِيل الْكَلَام حَتَّى يُمَيّز جنس الْخَبيث من جنس الطّيب {وَلَا يَحسبن الَّذين يَبْخلُونَ بِمَا آتَاهُم الله من فَضله هُوَ خيرا لَهُم بل هُوَ شَرّ لَهُم سيطوقون مَا بخلوا بِهِ} {وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير} 180 قَرَأَ حَمْزَة / وَلَا تحسبن الَّذين يَبْخلُونَ / بِالتَّاءِ خطاب للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ ف الَّذين فِي مَوضِع نصب على الْمَفْعُول الأول و {خيرا لَهُم} الْمَفْعُول الثَّانِي قَالَ أَحْمد بن يحيى الْوَجْه عندنَا بِالتَّاءِ ليَكُون للمحسبة اسْم وَخبر فَيكون {الَّذين} نصبا باسم المحسبة و {هُوَ خيرا لَهُم} خَبرا وَالْمعْنَى لَا تحسبن بخل الباخلين خيرا لَهُم فَأَقَامَ الباخلين مقَام بخلهم وَإِذا قَرَأت بِالْيَاءِ لم تأت للمحسبة باسم فَلذَلِك اخترنا التَّاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَلَا يَحسبن} بِالْيَاءِ مَوضِع {الَّذين} رفع و {يَبْخلُونَ} صلَة الَّذين والم الأول مصدر مَحْذُوف وَهُوَ الْبُخْل دلّ {يَبْخلُونَ} عَلَيْهِ الْمَعْنى وَلَا يَحسبن الَّذين يَبْخلُونَ

{سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق}

الْبُخْل هُوَ خيرا لَهُم فَحذف الْمَفْعُول الأول واجتزئ ب يَبْخلُونَ عَن الْبُخْل كَمَا يُقَال من صدق كَانَ خيرا لَهُ وَمن كذب كَانَ شرا تُرِيدُ كَانَ الصدْق خيرا وَكَانَ الْكَذِب شرا قَالَ الْفراء إِنَّمَا {هُوَ} عماد يُقَال فَأَيْنَ اسْم هَذَا الْعِمَاد قيل مُضْمر مَعْنَاهُ لَا يَحسبن الباخلون الْبُخْل هُوَ خيرا لَهُم فَاكْتفى بِذكر يَبْخلُونَ من الْبُخْل كَمَا قَالَ الشَّاعِر ... إِذا نهي السَّفِيه جرى إِلَيْهِ ... وَخَالف وَالسَّفِيه إِلَى خلاف ... يُرِيد جرى إِلَى السَّفه وَلم يذكر السَّفه وَلَكِن دلّ السَّفِيه على السَّفه فَكَذَلِك دلّ يَبْخلُونَ على الْبُخْل قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو / وَالله بِمَا يعلمُونَ خَبِير / بِالْيَاءِ إِخْبَار عَن الْكَفَرَة وحجتهما قَوْله {سيطوقون مَا بخلوا بِهِ} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير} التَّاء أَي أَنْتُم ووحجتهم قَوْله قبلهَا {وَمَا كَانَ الله ليطلعكم على الْغَيْب} {سنكتب مَا قَالُوا وقتلهم الْأَنْبِيَاء بِغَيْر حق ونقول ذوقوا عَذَاب الْحَرِيق} قَرَأَ حَمْزَة / سيكتب مَا قَالُوا / بِالْيَاءِ وَضمّهَا {وقتلهم الْأَنْبِيَاء} بِالرَّفْع على مَا لم يسم فَاعله {وَيَقُول} بِالْيَاءِ

{جاؤوا بالبينات والزبر والكتاب المنير}

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {سنكتب مَا قَالُوا} بالنُّون أخبر جلّ وَعز عَن نَفسه {وقتلهم الْأَنْبِيَاء} نصب أَي ونكتب قَتلهمْ الْأَنْبِيَاء {ونقول} بالنُّون {جاؤوا بِالْبَيِّنَاتِ والزبر وَالْكتاب الْمُنِير} 184 قَرَأَ ابْن عَامر {بِالْبَيِّنَاتِ وبالزبر} بِالْبَاء وَكَذَلِكَ هِيَ فِي مصاحف أهل الشَّام وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {والزبر} بِغَيْر بَاء وَاخْتلف أهل النَّحْو فِي ذَلِك فَقَالَ قوم مَرَرْت بزيد وَعَمْرو ومررت بزيد وبعمرو سَوَاء وَكَذَلِكَ {جاؤوا بِالْبَيِّنَاتِ والزبر} {وبالزبر} وَقَالَ الْخَلِيل مَرَرْت بزيد وَعَمْرو مرورا وَاحِدًا كَأَنَّك مَرَرْت بمها فِي حَال وَاحِد فَكَذَلِك جَاءَت الرُّسُل بِالْبَيِّنَاتِ والزبر فِي حَال وَفِي وَقت وَاحِد ومررت بزيد وبعمرو مرورين هَذَا لَا يكون فِي وَقت وَاحِد فَكَذَلِك قَوْله {جاؤوا بِالْبَيِّنَاتِ} ثمَّ جاؤوا بالزبر وَأَرَادَ بِالْبَيِّنَاتِ المعجزات ثمَّ جاؤوا بعد ذَلِك بالزبر أَي بالكتب {لتبيننه للنَّاس وَلَا تكتمونه فنبذوه وَرَاء ظُهُورهمْ} قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَأَبُو بكر / ليبيننه للنَّاس وَلَا يكتمونه / بِالْيَاءِ فيهمَا وحجتهم قَوْله {فنبذوه} وَلم يقل فنبذتموه وَبِهَذَا كَانَ يحْتَج أَبُو عَمْرو وَيَقُول الْكَلَام أَتَى عَقِيبه بِلَفْظ الْخَبَر

{لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب}

وَهُوَ قَوْله {فنبذوه} فَجعل مَا قبله بِلَفْظِهِ ليأتلف الْكَلَام على نظام وَاحِد وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ بِلَفْظ الْخطاب وحجتهم أَنه يَحْكِي اللَّفْظ الَّذِي خوطبوا بِهِ فِي وَقت أَخذ الْمِيثَاق عَلَيْهِم والميثاق الَّذِي أَخذ عَلَيْهِم هُوَ بَيَان أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ {لَا تحسبن الَّذين يفرحون بِمَا أَتَوا وَيُحِبُّونَ أَن يحْمَدُوا بِمَا لم يَفْعَلُوا فَلَا تحسبنهم بمفازة من الْعَذَاب} 188 قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة 4 وَالْكسَائِيّ {لَا تحسبن الَّذين يفرحون} بِالتَّاءِ هَؤُلَاءِ قوم من الْيَهُود أظهرُوا لأَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ أَنهم مَعَهم ليحمدوا وأضمروا خلاف مَا أظهرُوا فَقَالَ الله لنَبيه صلى الله عَلَيْهِ {لَا تحسبن الَّذين يفرحون بِمَا أَتَوا وَيُحِبُّونَ أَن يحْمَدُوا بِمَا لم يَفْعَلُوا} ثمَّ كرر عَلَيْهِ لطول الْقِصَّة فَقَالَ {فَلَا تحسبنهم بمفازة من الْعَذَاب} أَي بمنجاة من النَّار فَأعلمهُ الله أَمرهم وأعلمهم أَنهم لَيْسُوا بمفازة من الْعَذَاب وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / لَا يَحسبن / بِالْيَاءِ إِن قيل أَيْن مفعول / لَا يَحسبن / الْجَواب عَنهُ من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن {الَّذين} فِي مَوضِع نصب على قِرَاءَة من قَرَأَ {تحسبن} بِالتَّاءِ وَلم يذكر الْمَفْعُول الثَّانِي لِأَنَّهُ ذكره فِي قَوْله {فَلَا تحسبنهم بمفازة من الْعَذَاب} وَإِنَّمَا لم يذكر الْمَفْعُول الثَّانِي فِي قَوْله {تحسبن الَّذين} لِأَنَّهُ كرر الْفِعْل وتكرير الْفِعْل يَنْوِي بِهِ التوكيد للنَّهْي كَأَنَّهُ قَالَ لَا تحسبن لَا تحسبنهم كَمَا تَقول لَا تقومن لَا تقومن إِلَى ذَلِك

{فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم}

وَالْوَجْه الآخر أَن يكون أَرَادَ لَا تحسبن الَّذين كفرُوا بمفازة من الْعَذَاب فَيكون الْخَبَر فِي قَوْله بمفازة ثمَّ قَالَ {فَلَا تحسبنهم} وَيكون الْخَبَر فِي الثَّانِيَة متروكا اكْتفى بِعلم الْمُخَاطب بموضعه قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو / فَلَا يحسبنهم / بِالْيَاءِ وَرفع الْبَاء وَالْفِعْل للْكفَّار أَي فَلَا يحْسب الْكفَّار أنفسهم بمفازة من الْعَذَاب وَإِنَّمَا أُعِيد يحسبنهم ثَانِيَة لِأَن مَعهَا الِاسْم وَالْخَبَر وَلَيْسَ مَعَ الْفِعْل الأول الِاسْم وَالْخَبَر فاجتزئ بِالثَّانِي عَن الأول وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {تحسبنهم} بِالتَّاءِ وَنصب الْبَاء {فَالَّذِينَ هَاجرُوا وأخرجوا من دِيَارهمْ وأوذوا فِي سبيلي وقاتلوا وَقتلُوا لأكفرن عَنْهُم سيئاتهم} 195 قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وقاتلوا} وقاتوا يبدآن بالمفعولين قبل الفاعلين فَإِن سَأَلَ سَائل فَقَالَ فَإِذا قتلوا كَيفَ يُقَاتلُون فَالْجَوَاب أَن الْعَرَب تَقول قتل بَنو تَمِيم بني أَسد إِذا قتل بَعضهم فَكَأَنَّهُ يقتل بَعضهم فَيقْتل الْبَاقُونَ البَاقِينَ قَالَ أَحْمد بن يحيى هَذِه الْقِرَاءَة أبلغ فِي الْمَدْح لأَنهم يُقَاتلُون بعد أَن يقتل مِنْهُم وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وقاتلوا وَقتلُوا} وحجتهم أَن الله بَدَأَ بوصفهم بِأَنَّهُم قَاتلُوا أَحيَاء ثمَّ قتلوا بعد أَن قَاتلُوا وَإِذا اخبر عَنْهُم بِأَنَّهُم قتلوا فمحال أَن يقاتلوا بعد هلاكهم فَهَذَا يُوجِبهُ ظَاهر الْكَلَام

ينسق باسم ظَاهر على اسْم مُضْمر فِي حَال الْخَفْض إِلَّا بِإِظْهَار الْخَافِض يستقبح النحويون مَرَرْت بِهِ وَزيد ومررت بك وَزيد إِلَّا مَعَ إِظْهَار الْخَافِض حَتَّى يَقُولُوا بك وبزيد وَقد فسر الْمَازِني هَذَا تَفْسِيرا

مقنعا فَقَالَ الثَّانِي فِي الْعَطف شريك للْأولِ فَإِن كَانَ الأول يصلح أَن يكون شَرِيكا للثَّانِي وَإِلَّا لم يصلح أَن يكون الثَّانِي شَرِيكا لَهُ قَالَ فَكَمَا لَا نقُول مَرَرْت بزيد وك فَكَذَلِك لَا نقُول مَرَرْت بك وَزيد وَمن قَرَأَ {والأرحام} فَالْمَعْنى تساءلون بِهِ وبالأرحام وَقَالَ أهل التَّفْسِير وَهُوَ قَوْله أَسَالَك بِاللَّه وَالرحم وَقد أَنْكَرُوا هَذَا وَلَيْسَ بمنكر لِأَن الْأَئِمَّة أسندوا قراءتهم إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وأنكروا أَيْضا أَن الظَّاهِر لَا يعْطف على الْمُضمر الْمَجْرُور إِلَّا بِإِظْهَار الْخَافِض وَلَيْسَ بمنكر وَإِنَّمَا الْمُنكر أَن يعْطف الظَّاهِر على الْمُضمر الَّذِي لم يجر لَهُ ذكر فَتَقول مَرَرْت بِهِ وَزيد وَلَيْسَ هَذَا بِحسن فَأَما أَن يتَقَدَّم للهاء ذكر فَهُوَ حسن وَذَلِكَ عَمْرو مَرَرْت بِهِ وَزيد فَكَذَلِك الْهَاء فِي قَوْله {تساءلون بِهِ} وَتقدم ذكرهَا وَهُوَ قَوْله {وَاتَّقوا الله} وَمثله قَول الشَّاعِر ... فاليوم أَصبَحت تهجونا وتشتمنا ... فَاذْهَبْ فَمَا بك وَالْأَيَّام من عجب ... {وَلَا تُؤْتوا السُّفَهَاء أَمْوَالكُم الَّتِي جعل الله لكم قيَاما} قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر {قيمًا} بِغَيْر ألف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {قيَاما}

وسيصلون سعيرا

وأصل الْكَلِمَة قواما فقلبت الْوَاو يَاء لانكسار مَا قبلهَا فَصَارَت قيَاما قَالَ الْكسَائي قيَاما وقواما وقيما ثَلَاث لُغَات وَالْمعْنَى وَاحِد وَهُوَ مَا يُقيم شَأْن النَّاس ويعيشهم وَفِي تَفْسِير بَعضهم قيَاما معاشا {وسيصلون سعيرا} قَرَأَ ابْن عَامر وَأَبُو بكر {وسيصلون سعيرا} بِضَم الْيَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وسيصلون} بِفَتْح الْيَاء إِخْبَار عَنْهُم أَي هم يصلونَ من قَول الْعَرَب صلي النَّار يصلاها وحجتهم قَوْله {لَا يصلاها إِلَّا الأشقى} أَي إِذا دنا مِنْهَا يُصِيبهُ حرهَا وَمن ضم الْيَاء فَمَعْنَاه أَنه يفعل بهم على مَا لم يسم فَاعله وحجته قَوْله {سأصليه سقر} وَقَالَ قوم {وسيصلون} يحرقون

{وإن كانت واحدة فلها النصف} {فلأمه الثلث} {يوصي بها أو دين}

{وَإِن كَانَت وَاحِدَة فلهَا النّصْف} {فلأمه الثُّلُث} {يُوصي بهَا أَو دين} 11 قَرَأَ نَافِع {وَإِن كَانَت وَاحِدَة} بِالرَّفْع أَي وَإِن وَقعت وَاحِدَة جعل كَانَ بِمَعْنى حدث وَوَقع كَمَا قَالَ {وَإِن كَانَ ذُو عسرة} أَي وَقع ذُو عسرة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَإِن كَانَت وَاحِدَة} بِالنّصب أضمروا فِي كَانَ اسْما وَالتَّقْدِير وَإِن كَانَت الْبِنْت وَاحِدَة قَالَ الزّجاج فالنصب أَجود لِأَن قَوْله قبلهَا {فَإِن كن نسَاء} قد بَين أَن الْمَعْنى كَانَ الْأَوْلَاد نسَاء وَكَذَلِكَ الْمَوْلُود وَاحِدَة فَلذَلِك اخترنا النصب قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {فلأمه} و {فِي أمهَا} بِكَسْر الْهمزَة إِذا كَانَت قبلهَا كسرة أَو يَاء سَاكِنة وحجتهما أَنَّهُمَا استثقلا ضم الْألف بعد كسرة أَو يَاء فكسرا للكسرة وَالْيَاء ليَكُون عمل اللِّسَان من جِهَة وَاحِدَة إِذْ لم يكن تَغْيِير الْألف من الضَّم إِلَى الْكسر يزِيل معنى وَلَا يُغير إعرابا يفرق بَين مَعْنيين فأتبعا لذَلِك الكسرة الكسرة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالضَّمِّ على الأَصْل وَمثله {عَلَيْهِم} و {عَلَيْهِم} وحجتهم أَن الأَصْل فِي ذَلِك كُله الضَّم وَهُوَ بنية هَذَا الِاسْم وَذَلِكَ أَنَّك إِذا لم تصله بِشَيْء قبله لم يخْتَلف فِي ضمة أَلفه فَحكمه إِذا اتَّصل بِشَيْء أَلا يُغَيِّرهُ عَن حَاله وَأما قَوْله {فِي بطُون أُمَّهَاتكُم} فَإِن حَمْزَة بكسره الْهمزَة وَالْمِيم أتبع الكسرة الكسرة

{ومن يطع الله ورسوله يدخله} {ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله} 13 و

قَرَأَ ابْن كثير وَابْن عَامر وَأَبُو بكر {يُوصي بهَا} بِفَتْح الصَّاد وَكَذَلِكَ فِي الثَّانِي على مَا لم يسم فَاعله وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يُوصي} بِكَسْر الصَّاد على إِضْمَار الْفَاعِل أَي يُوصي بهَا الْمَيِّت وحجتهم أَنه ذكره فِي صدر الْقِصَّة وَهُوَ قَوْله {ولأبويه} أَي ولأبوي الْمَيِّت وَقَوله {إِن كَانَ لَهُ ولد} {وَورثه أَبَوَاهُ} فقد جرى ذكر الْمَيِّت وَكَذَلِكَ قَالَ {مِمَّا ترك} يَعْنِي الْمَيِّت والحرف الآخر قَوْله {وَإِن كَانَ رجل يُورث كَلَالَة أَو امْرَأَة} وَمن قَرَأَ {يُوصي} فَإِنَّمَا يحسبه أَنه لَيْسَ لمَيت معِين إِنَّمَا هُوَ شَائِع فِي الْجَمِيع فَهُوَ فِي الْمَعْنى يؤول إِلَى {يُوصي} {وَمن يطع الله وَرَسُوله يدْخلهُ} {وَمن يعْص الله وَرَسُوله ويتعد حُدُوده يدْخلهُ} 13 و 14 قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر / وَمن يطع الله وَرَسُوله ندخله / / وَمن يعْص الله وَرَسُوله ندخله / بالنُّون فيهمَا إِخْبَار الله عَن نَفسه وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ فيهمَا وحجتهم قَوْله وَمن يطع الله يدْخلهُ فَيكون كلَاما وَاحِدًا وَلَو كَانَ بالنُّون لَكَانَ الأول وَمن يطعنا ندخله فَلَمَّا كَانَ {يطع الله} قَالَ {يدْخلهُ} على معنى يدْخلهُ الله {واللذان يأتيانها} قَرَأَ ابْن كثير {واللذان} بتَشْديد النُّون وَكَذَلِكَ / هاذان /

و {هَاتين} و {أرنا الَّذين} وحجته أَن الأَصْل فِي قَوْله {واللذان} اللذيان فَحذف الْيَاء وَجعل النُّون الْمُشَدّدَة عوضا من الْيَاء المحذوفة الَّتِي كَانَت فِي الَّذِي وَكَذَلِكَ فِي {إِحْدَى ابْنَتي هَاتين} الأَصْل هاتيين وأرنا اللذيين وَفِي هَذَانِ هَذَا ان شدد هَذِه النونات وَجعل التَّشْدِيد عوضا من الْيَاء المحذوفة وَالْألف إِذا سَأَلَ سَائل فَقَالَ لم شددت النُّون فِي هَذِه الْكَلِمَة وَلم تشددها فِي قَوْله {برهانان} و {غلامان} فَالْجَوَاب عَن ذَلِك من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن هَذِه النُّون لما كَانَت ثَابِتَة فِي الْأَحْوَال كلهَا وَلم تكن الْإِضَافَة تسقطهما لِأَن هَذِه الْأَسْمَاء لَا تُضَاف الْبَتَّةَ ففرقوا بَينهَا وَبَين النُّون الضعيفة الَّتِي تسْقط فِي الْإِضَافَة فَتَقول هَذَانِ غُلَاما زيد فَلَمَّا كَانَت أقوى شددت ليدل بِالتَّشْدِيدِ على قوتها بِالْإِضَافَة لغَيْرهَا من النونات الَّتِي تتسلط الْإِضَافَة عَلَيْهَا

{لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة}

وَالْوَجْه الثَّانِي يُقَال لهَذِهِ النُّون فِي المبهمات بدل من الْألف المحذوفة وَالْيَاء المحذوفة وهما حرفان فِي الأَصْل من نفس الْكَلِمَة وَالنُّون فِي التَّثْنِيَة فِي قَوْلك برهانان ورجلان بدل من التَّنْوِين الَّذِي هُوَ زَائِد وعارض فِي الْكَلِمَة فَجعلت للنون الَّتِي هِيَ بدل من الأَصْل مزية على النُّون الَّتِي هِيَ بدل من عَارض فِي الأَصْل وَتلك المزية التَّشْدِيد وَقَرَأَ الْبَاقُونَ جَمِيع ذَلِك بِالتَّخْفِيفِ وحجتهم أَن من كَلَام الْعَرَب أَن يحذفوا ويعوضوا وَأَن يحذفوا وَلَا يعوضوا فَمن عوض آثر تَمام الْكَلِمَة وَمن لم يعوض آثر التَّخْفِيف وَمثل ذَلِك فِي تَصْغِير مغتسل تَقول مغيسل ومغيسيل فَمن قَالَ مغيسل لم يعوض من التَّاء شَيْئا وَمن قَالَ مغيسيل عوض من التَّاء {لَا يحل لكم أَن ترثوا النِّسَاء كرها وَلَا تعضلوهن لتذهبوا بِبَعْض مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة مبينَة} 19 قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {أَن ترثوا النِّسَاء كرها} بِالضَّمِّ قَرَأَ الْبَاقُونَ بِالنّصب وَاخْتلف النَّاس فِي الضَّم وَالْفَتْح فال ابْن عَبَّاس من قَرَأَ {كرها} بِالضَّمِّ أَي بِمَشَقَّة وَمن قَرَأَ {كرها} بِالْفَتْح أَي إجبارا أَي أجبر عَلَيْهِ جعل ابْن عَبَّاس الكره فعل الْإِنْسَان والكره مَا أكره عَلَيْهِ صَاحبه تَقول كرهت الشَّيْء كرها وأكرهت على الشَّيْء كرها قَالَ أَبُو عَمْرو والكره مَا كرهته والكره مَا استكرهت عَلَيْهِ ويحتج فِي ذَلِك بقول الله جلّ وَعز {كتب عَلَيْكُم الْقِتَال وَهُوَ كره لكم}

{والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم وأحل لكم} {أن ينكح المحصنات} {فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات}

وَقَالَ الْأَخْفَش هما لُغَتَانِ مثل الضعْف والضعف والفقر والفقر وَقَالَ قوم الكره الْمصدر تَقول كرهته كرها مثل شربته شربا والكره اسْم ذَلِك الشَّيْء قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو بكر {بِفَاحِشَة مبينَة} بِفَتْح الْيَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِكَسْر الْيَاء جَاءَ فِي التَّفْسِير أَن من قَرَأَ {مبينَة} بِالْكَسْرِ فمعناها ظَاهِرَة وَمن قَرَأَ {مبينَة} بِالْفَتْح فمعناها مكشوفة مظهرة أَي أوضح أمرهَا اعْلَم أَنَّك إِذا كسرتها جَعلتهَا فاعلة أَي هِيَ الَّتِي تبين على صَاحبهَا فعلهَا وَإِذا فتحتها جَعلتهَا مَفْعُولا بهَا وَالْفَاعِل مَحْذُوف وَكَانَ التَّقْدِير وَالله أعلم هُوَ بَينهَا فَهِيَ مبينَة {وَالْمُحصنَات من النِّسَاء إِلَّا مَا ملكت أَيْمَانكُم كتاب الله عَلَيْكُم وَأحل لكم} {أَن ينْكح الْمُحْصنَات} {فَإِذا أحصن فَإِن أتين بِفَاحِشَة فعليهن نصف مَا على الْمُحْصنَات} 24 25 قَوْله {وَالْمُحصنَات من النِّسَاء} اتّفق الْقُرَّاء على فتح الصَّاد فِي هَذَا الْحَرْف وَاخْتلفُوا فِيمَا عداهُ فَقَرَأَ الْكسَائي {أَن ينْكح الْمُحْصنَات الْمُؤْمِنَات} {فعليهن نصف مَا على الْمُحْصنَات} بِكَسْر الصَّاد فِي جَمِيع الْقُرْآن أَي هن أحصن أَنْفسهنَّ بِالْإِسْلَامِ والعفاف فَذهب الْكسَائي إِلَى أَن الْمُحْصنَات المسلمات العفايف هن أحصن أَنْفسهنَّ بِالْإِسْلَامِ والعفاف وَالْعرب تَقول أحصنت الْمَرْأَة فَهِيَ مُحصنَة وَذَلِكَ إِذا حفظت نَفسهَا وفرجها وحجته فِي فتح الْحَرْف الأول وَكسر مَا عداهُ أَن الْمَعْنى فِيهِ غير مَوْجُود فِيمَا عداهُ وَذَلِكَ أَن

الْمُحْصنَات هَا هُنَا هن ذَوَات الْأزْوَاج اللَّاتِي أحصنهن أَزوَاجهنَّ سوى ملك الْيَمين اللَّاتِي كَانَ لَهُنَّ الْأزْوَاج فَكُن محصنات بهم فأحلهن بعد استبرائهن بِالْحيضِ فَأَما مَا سوى هَذَا الْحَرْف فَإِن المُرَاد فِيهِ مَا ذكرنَا من الْإِسْلَام والعفة عَن الْحسن فِي قَوْله {وَالْمُحصنَات من النِّسَاء} قَالَ ذَوَات الْأزْوَاج فَقَالَ الفرزدق قد قلت فِيهِ شعرًا قَالَ الْحسن مَا قلت يَا ابا فراس قَالَ قلت ... وَذَات حليل أنكحتها رماحنا ... حَلَال لمن يَبْنِي بهَا لم تطلق ... رُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ بعث يَوْم حنين سَرِيَّة فَأَصَابُوا حَيا من الْعَرَب يَوْم أَوْطَاس فهزموهم وقتولهم وَأَصَابُوا نسَاء لَهُنَّ أَزوَاج فَكَانَ نَاس من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ تأثموا من غشيانهن من اجل أَزوَاجهنَّ فَأنْزل الله عز وَجل {وَالْمُحصنَات من النِّسَاء} أَي المتزوجات {إِلَّا مَا ملكت أَيْمَانكُم} أَي السبايا من ذَوَات الْأزْوَاج لَا بَأْس فِي وطئهن بعد استبرائهن وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {الْمُحْصنَات} بِفَتْح الصَّاد أَي متزوجات أحصنهن أَزوَاجهنَّ والأزواج محصنون وَالنِّسَاء محصنات قَالَ أَبُو عَمْرو الزَّوْج يحصن الْمَرْأَة وَالْإِسْلَام وَكَذَلِكَ {فَإِذا أحصن} أَي أحصنهن الْأزْوَاج وَالْإِسْلَام قَالَ وَلَا تَقول الْعَرَب هَذَا قَاذف مُحصنَة لَا محصنات إِلَّا مُحصنَة ومحصنات فَتَأْوِيل الْمُحْصنَات أَزوَاجهنَّ أعفوهن أَو إسلامهن أحصنهن فهن محصنات بذلك

قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {وَأحل لكم} بِضَم الْألف وَكسر الْحَاء على مَا لم يسم فَاعله وحجتهم أَن ابْتِدَاء التَّحْرِيم فِي الْآيَة الأولى أجري على ترك تَسْمِيَة الْفَاعِل وَهُوَ قَوْله {حرمت عَلَيْكُم أُمَّهَاتكُم} وَمَا ذكر بعدهن فأجري التَّحْلِيل عقيب التَّحْرِيم وعَلى لَفظه ليَكُون لفظ التَّحْرِيم والتحليل على لفظ وَاحِد فَكَأَنَّهُ قَالَ حرم عَلَيْكُم كَذَا وَأحل لكم كَذَا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَأحل} بِالْفَتْح وحجتهم فِي ذَلِك قربه من ذكر الله فَجعلُوا الْفِعْل مُسْندًا إِلَيْهِ لذَلِك وَهُوَ قَوْله {كتاب الله عَلَيْكُم وَأحل لكم} أَي وَأحل الله لكم قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَأَبُو بكر {فَإِذا أحصن} بِفَتْح الْألف وَالصَّاد أَي أسلمن وَيُقَال عففن كَذَا جَاءَ فِي التَّفْسِير يسندون الْإِحْصَان إلَيْهِنَّ وَإِذا قرئَ ذَلِك على مَا لم يسم فَاعله كَانَ وجوب الْحَد فِي ظَاهر اللَّفْظ على الْمَمْلُوكَة ذَات الزَّوْج دون الأيم وَفِي إِجْمَاع الْجَمِيع على وجوب الْحَد على الْمَمْلُوكَة غير ذَات الزَّوْج دَلِيل على صِحَة فَتْحة الْألف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فَإِذا أحصن} أَي الْأزْوَاج جعلوهن مفعولات بإحصان أَزوَاجهنَّ إياهن فتأويله فَإِذا أحصنهن أَزوَاجهنَّ ثمَّ رد إِلَى مَا لم يسم فَاعله نَظِير قَوْله {محصنات} بِمَعْنى أَنَّهُنَّ مفعولات وَهَذَا مَذْهَب ابْن عَبَّاس قَالَ لَا تجلد إِذا زنت حَتَّى تتَزَوَّج وَكَانَ ابْن مَسْعُود يَقُول إِذا أسلمت وزنت جلدت وَإِن لم تتَزَوَّج

{لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم}

{لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تكون تِجَارَة عَن ترَاض مِنْكُم} 28 قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {إِلَّا أَن تكون تِجَارَة} نصا أَي إِلَّا أَن تكون الْأَمْوَال تِجَارَة فَجعلُوا {تِجَارَة} خبر {تكون} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {تِجَارَة} جعلُوا {تكون} بِمَعْنى الْحُدُوث والوقوع أَي إِلَّا أَن تقع تِجَارَة {وَنُدْخِلكُمْ مدخلًا كَرِيمًا} قَرَأَ نَافِع {وَنُدْخِلكُمْ مدخلًا كَرِيمًا} بِنصب الْمِيم جعله مصدرا من دخل يدْخل مدخلًا فَإِن سَأَلَ سَائل فَقَالَ قد تقدم مَا يدل على أَنه من أَدخل فَالْجَوَاب فِي ذَلِك أَن الْمدْخل مصدر صدر عَن غير لَفظه كَأَنَّهُ قَالَ ويدخلكم فتدخلون مدخلًا وَكَذَلِكَ قَوْله {وَالله أنبتكم من الأَرْض نباتا} وَلم يقل إنباتا قَالَ الْخَلِيل تَقْدِيره فنبتم نباتا وَيجوز أَن يكون الْمدْخل اسْما

للمكان فَكَأَنَّهُ قَالَ وَنُدْخِلكُمْ مَوضِع دخولكم قَالَ الزّجاج قَالَه {مدخلًا} يَعْنِي بِهِ هَا هُنَا الْجنَّة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {مدخلًا} بِضَم الْمِيم مصدر من أَدخل يدْخل إدخالا وحجتهم قَوْله {وَنُدْخِلكُمْ مدخلًا كَرِيمًا} وَفِي التَّنْزِيل {وَقل رب أدخلني مدْخل صدق وأخرجني مخرج صدق} {واسألوا الله من فَضله} 32 قَرَأَ ابْن كثير وَالْكسَائِيّ / وسلوا الله من فَضله / و / فَسَلُوا أهل الذّكر / بِفَتْح السِّين وَترك الْهمزَة وَكَذَلِكَ كل أَمر مواجه وحجتهما إِجْمَاع الْجَمِيع على طرح الْهمزَة فِي قَوْله سل بني إِسْرَائِيل / وسلهم أَيهمْ بذلك زعيم / فَردُّوا مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ فطرحا الْهمزَة من جَمِيع ذَلِك فَإِن سَأَلَ سَائل فَقَالَ هلا طرحا من غير المواجهة كَمَا طرحا من المواجهة فقرأا / وليسلوا مَا أَنْفقُوا / بِغَيْر همز الْجَواب لم يطرحا

{والذين عقدت أيمانكم}

الْهمزَة من غير المواجهة لِأَن الْعَرَب لم تطرح اللَّام من أَوله كَمَا طرحته من المواجهة فَقَالُوا ليقمْ زيد فَتَرَكُوهُ على أَصله وَقَالُوا قُم يَا زيد فحذفوا ذَلِك على أَنهم لم يستثقلوا فِي غير المواجهة مَا استثقلوه فِي المواجهة فَلهَذَا حذفا من المواجهة كَمَا حذفت الْعَرَب اللَّام من المواجهة وَلم يحذفا الْهمزَة من غير المواجهة كَمَا لم تحذف الْعَرَب اللَّام من غير المواجهة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {واسألوا الله} بِالْهَمْز وحجتهم فِي ذَلِك أَن الْعَرَب لَا تهمز سل فَإِذا أدخلُوا الْوَاو وَالْفَاء وَثمّ همزوا فَإِن سَأَلَ سَائل فَقَالَ إِذا أدخلُوا الْوَاو وَالْفَاء لم همزوا هلا تركوها فَالْجَوَاب فِي ذَلِك أَن أصل سل اسْأَل فاستثقلوا الهمزتين فنقلوا فَتْحة الْهمزَة إِلَى السِّين فَلَمَّا تحركت السِّين استغنوا عَن ألف الْوَصْل فَإِذا تقدمه وَاو أَو فَاء ردوا الْكَلِمَة إِلَى الأَصْل وَأَصله واسألوا لأَنهم إِنَّمَا حذفوا لِاجْتِمَاع الهمزتين فَلَمَّا زَالَت الْعلَّة ردوهَا إِلَى الأَصْل {وَالَّذين عقدت أَيْمَانكُم} قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وَالَّذين عقدت أَيْمَانكُم} بِغَيْر ألف وحجتهم أَن الْإِيمَان عقدت بَينهم لِأَن فِي قَوْله {إيمَانكُمْ} حجَّة على أَن أَيْمَان الطَّائِفَتَيْنِ هِيَ عقدت مَا بَينهمَا وَفِي إِسْنَاد الْفِعْل إِلَى الْأَيْمَان كِفَايَة من الْحجَّة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / وَالَّذين عاقدت / بِالْألف وحجتهم أَن العقد

{والجار ذي القربى}

كَانَ من الْفَرِيقَيْنِ وَكَانَ هَذَا فِي الْجَاهِلِيَّة يَجِيء الرجل الذَّلِيل إِلَى الْعَزِيز فيعاقده ويحالفه وَيَقُول لَهُ أَنا ابْنك ترثني وأرثك وحرمتي حرمتك وَدمِي دمك وثأري ثأرك فَأمر الله جلّ وَعز بِالْوَفَاءِ لَهُم فَهَذَا العقد لَا يكون إِلَّا بَين اثْنَيْنِ وَقيل إِن ذَلِك أَمر قبل تَسْمِيَة الْمَوَارِيث وَهِي مَنْسُوخَة بِآيَة الْمَوَارِيث {وَالْجَار ذِي الْقُرْبَى} قَرَأَ الْكسَائي {وَالْجَار ذِي الْقُرْبَى} ممال وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو بِغَيْر إمالة وَبِه قَرَأَ الْآخرُونَ فَإِن قيل فَمَا بَال أبي عَمْرو لم يمل الْألف فِي قَوْله {وَالْجَار ذِي الْقُرْبَى} مَعَ أَنَّهَا تلِي الطّرف كالألف فِي جَبَّار ونهار فَالْجَوَاب عَن ذَلِك أَن يُقَال لما كَانَت الصّفة والموصوف بمجموعهما يفيدان مَا يُفِيد الِاسْم الْوَاحِد صَارَت الصّفة هَا هُنَا لكَونهَا من تَمام الأول آخر الِاسْم وَالْألف صَارَت متوسطة لما لم ينْتَه الْمَعْنى إِلَى آخر الِاسْم الأول فَصَارَ الْجَار مَعَ ذِي الْقُرْبَى كاسم وَاحِد وَخرجت الْألف

{ويأمرون الناس بالبخل}

عَن الطّرف وَجَرت مجْرى ألف الغارمين {ويأمرون النَّاس بالبخل} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {بالبخل} بِفَتْح الْبَاء وَالْخَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {بالبخل} وهما لُغَتَانِ مثل الْحزن والحزن والرشد والرشد {إِن الله لَا يظلم مِثْقَال ذرة وَإِن تَكُ حَسَنَة يُضَاعِفهَا} 40 قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير {وَإِن تَكُ حَسَنَة} بِالرَّفْع على أَنَّهَا اسْم كَانَ وَلَا خبر لَهَا وَهِي هَا هُنَا فِي مَذْهَب التَّمام الْمَعْنى وَإِن تحدث حَسَنَة أَو تقع حَسَنَة يُضَاعِفهَا كَمَا قَالَ {وَإِن كَانَ ذُو عسرة} أَي وَقع ذُو عسرة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَإِن تَكُ حَسَنَة} بِالنّصب خبر كَانَ وَالِاسْم مُضْمر فَمَعْنَاه إِن تَكُ زنة الذّرة حَسَنَة الْمَعْنى إِن تَكُ فعلته حَسَنَة يُضَاعِفهَا قَرَأَ ابْن كثير وَابْن عَامر / يضعفها / بِالتَّشْدِيدِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يُضَاعِفهَا} وهما لُغَتَانِ يُقَال أضعفت الشَّيْء وضعفته كَمَا يُقَال كرمت وأكرمت {لَو تسوى بهم الأَرْض} قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَعَاصِم {لَو تسوى} بِضَم التَّاء على مَا لم يسم فَاعله وحجتهم أَن الْمَعْنى فِي ذَلِك يود الَّذين كفرُوا

{أو لامستم النساء}

لَو يجعلهم الله تُرَابا فيسوي بَينهم وَبَين الأَرْض كَا فعل بالبهائم ثمَّ رد إِلَى مَا لم يسم فَاعله وَقَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر {تسوى} بتَشْديد السِّين وَالْوَاو الأَصْل تتسوى ثمَّ أدغمت التَّاء فِي السِّين أَي يودون لَو صَارُوا تُرَابا فَكَانُوا سَوَاء هم وَالْأَرْض قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {تسوى} بتَخْفِيف السِّين وَفتح التَّاء أسْند الْفِعْل إِلَى الأَرْض بِمَعْنى الأول وَالْأَصْل تتسوى ثمَّ حذفوا إِحْدَى التَّاءَيْنِ تَخْفِيفًا مثل {تذكرُونَ} فَأَما وَجه تصير الْفِعْل للْأَرْض فَلِأَن الْكفَّار إِنَّمَا تمنوا أَن تستوي الأَرْض بهم إِذْ شهِدت عَلَيْهِم أعضاؤهم فَيَكُونُوا تُرَابا كَمَا قَالَ جلّ وَعز حِكَايَة عَن الْكفَّار {وَيَقُول الْكَافِر يَا لَيْتَني كنت تُرَابا} قَالَ وَيجوز أَن يُرَاد بالْكلَام يود الَّذين كفرُوا لَو يستوون هم بِالْأَرْضِ فَيَكُونُوا تُرَابا من ترابها ثمَّ يحول الْفِعْل إِلَى الأَرْض لأَنهم إِذا تسووا بهَا فقد تسوت بهم فَيكون كل صنف مِنْهُمَا قد اسْتَوَى بِصَاحِبِهِ وَقد استعملته الْعَرَب فِي كَلَامهَا قَالَ الشَّاعِر ... كَأَن لون أرضه سماؤه ... يُرِيد كَأَن لون سمائه لون أرضه من شدَّة الْغُبَار فَشبه أرضه بسمائه وَإِنَّمَا أَرَادَ أَن يشبه لون سمائه بلون أرضه {أَو لامستم النِّسَاء} 43 قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / أَو لمستم النِّسَاء / بِغَيْر ألف جعلا

الْفِعْل للرِّجَال دون النِّسَاء وحجتهما أَن اللَّمْس مَا دون الْجِمَاع كالقبلة والغمزة عَن ابْن عمر اللَّمْس مَا دون الْجِمَاع أَرَادَ اللَّمْس بِالْيَدِ وَهَذَا مَذْهَب ابْن مَسْعُود وَسَعِيد بن جُبَير وَإِبْرَاهِيم وَالزهْرِيّ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أَو لامستم} بِالْألف أَي جامعتم وَالْمُلَامَسَة لَا تكون إِلَّا من اثْنَيْنِ الرجل يلامس الْمَرْأَة وَالْمَرْأَة تلامس الرجل وحجتهم مَا رُوِيَ فِي التَّفْسِير قَالَ عَليّ بن ابي طَالب صلوَات الله عَلَيْهِ قَوْله {لامستم النِّسَاء} أَي جامعتم وَلَكِن الله يكني وَعَن ابْن عَبَّاس

{ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم}

{أَو لامستم} قَالَ هُوَ الغشيان وَالْجِمَاع وَقَالَ إِن الله كريم يكني عَن الرَّفَث وَالْمُلَامَسَة والمباشرة والتغشي والإفضاء وَهُوَ الْجِمَاع {وَلَو أَنا كتبنَا عَلَيْهِم أَن اقْتُلُوا أَنفسكُم أَو اخْرُجُوا من دِيَاركُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيل مِنْهُم} قَرَأَ ابْن عَامر / مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلا / بِالنّصب أَي اسْتثْنِي قَلِيلا مِنْهُم وَالْعرب تنصب فِي النَّفْي والإيجاب فَتَقول فِي الْإِيجَاب سرت بالقوم إِلَّا زيدا ومررت بالقوم إِلَّا زيدا وَرَأَيْت الْقَوْم إِلَّا زيدا وَتقول فِي النَّفْي مَا جَاءَنِي أحد إِلَّا زيد فَترفع على الْبَدَل من أحد كَأَنَّهُ يَصح وَضعه مَكَانَهُ أَن تَقول مَا جَاءَنِي إِلَّا زيد وَقد يجوز أَن تَقول مَا جَاءَنِي أحد إِلَّا زيدا أَو مَا قَامَ الْقَوْم إِلَّا زيدا فَلَا تَجْعَلهُ بَدَلا وَلَكِن تَجْعَلهُ اسْتثِْنَاء مُنْقَطِعًا أَي أستثني زيدا فعلى هَذَا قَوْله {إِلَّا قَلِيلا} أَي أستثني قَلِيلا أَو {إِلَّا قَلِيل} على

الْبَدَل من الْوَاو الْمَعْنى مَا فعله إِلَّا قَلِيل مِنْهُم وَاعْلَم أَن الِاخْتِيَار فِي الِاسْتِثْنَاء إِذا كَانَ منفيا وَكَانَ مَا بعد إِلَّا من جنس مَا قبلهَا فالرفع أولى على الْبَدَل كَقَوْلِك مَا فِي الدَّار أحد إِلَّا زيد وَالنّصب جَائِز فَتَقول مَا فِي الدَّار أحد إِلَّا زيدا وَإِذا كَانَ مَا بعد إِلَّا لَيْسَ من جنس مَا قبله فالنصب أولى كَقَوْلِك مَا فِي الدَّار أحد إِلَّا حمارا وَمَاله ابْن إِلَّا بِنْتا فنصبه على الِاسْتِثْنَاء لِأَن الْحمار لَا يكون من جنس الْإِنْسَان وَالرَّفْع جَائِز على الْبَدَل قَالَ الشَّاعِر ... وبلدة لَيْسَ بهَا أنيس ... إِلَّا اليعافير وَإِلَّا العيس ... وَجَائِز أَن يكون جعل أنيس ذَلِك الْبَلَد اليعافير والعيس وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {إِلَّا قَلِيل} بِالرَّفْع على الْبَدَل وَقد ذكرت

{كأن لم تكن بينكم وبينه مودة}

{كَأَن لم تكن بَيْنكُم وَبَينه مَوَدَّة} قَرَأَ ابْن كثير وَحَفْص {كَأَن لم تكن بَيْنكُم} بِالتَّاءِ لتأنيث الْمَوَدَّة كَقَوْلِه / وَلَا تقبل مِنْهَا شَفَاعَة / وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / كَأَن لم يكن / بِالْيَاءِ وحجتهم أَن الْمَوَدَّة والود بِمَعْنى وَاحِد كَمَا كَانَت الموعظة بِمَعْنى الْوَعْظ قَالَ الله جلّ وَعز {فَمن جَاءَهُ موعظة من ربه} وَأُخْرَى قَالَ أهل الْبَصْرَة فَلَمَّا فصل بَين الِاسْم وَالْفِعْل بفاصل صَار الْفَاصِل كالعوض من التَّأْنِيث {وَالْآخِرَة خير لمن اتَّقى وَلَا تظْلمُونَ فتيلا أَيْنَمَا تَكُونُوا يدرككم الْمَوْت} 77 و 78 قَرَأَ ابْن كثير وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وَلَا يظْلمُونَ فتيلا} بِالْيَاءِ وحجتهم قَوْله {وَالْآخِرَة خير لمن اتَّقى} فَأخْبر عَنْهُم وَلم يقل خير لكم وَأَن الْكَلَام أَيْضا جرى قبل ذَلِك بِلَفْظ الْخَبَر عَنْهُم فَقَالَ {ألم تَرَ إِلَى الَّذين قيل لَهُم} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَلَا تظْلمُونَ} بِالتَّاءِ أَي أَنْتُم وهم وحجتهم قَوْله {أَيْنَمَا تَكُونُوا يدرككم الْمَوْت} {فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقولُوا لمن ألْقى إِلَيْكُم السَّلَام لست مُؤمنا} 94

{لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون}

قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / فتثبتوا / بالثاء وَكَذَلِكَ فِي الحجرات أَي فتأنوا وتوقفوا حَتَّى تتيقنوا صِحَة الْخَبَر وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فَتَبَيَّنُوا} بِالْيَاءِ وَالنُّون أَي فافحصوا واكشفوا وحجتهم قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ أَلا إِن التبين من الله والعجلة من الشَّيْطَان فَتَبَيَّنُوا قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَحَمْزَة / لمن ألْقى إِلَيْكُم السّلم / بِغَيْر ألف أَي المقادة والاستسلام وَعَن الرّبيع قَالَ الصُّلْح وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {السَّلَام} أَي التَّحِيَّة وحجتهم فِي ذَلِك أَن الْمَقْتُول قَالَ لَهُم السَّلَام عَلَيْكُم فَقَتَلُوهُ وَأخذُوا سلبه فَأعْلم الله أَن حق من ألْقى السَّلَام أَن يتَبَيَّن أمره {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ من الْمُؤمنِينَ غير أولي الضَّرَر وَالْمُجَاهِدُونَ} 95

قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَالْكسَائِيّ {غير أولي الضَّرَر} بِنصب الرَّاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْع قَالَ الزّجاج فَأَما الرّفْع فَمن جِهَتَيْنِ إِحْدَاهمَا أَن يكون {غير} صفة للقاعدين وَإِن كَانَ أَصْلهَا أَن تكون صفة للنكرة الْمَعْنى لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ الَّذين هم غير أولي الضَّرَر أَي لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ الأصحاء وَالْمُجَاهِدُونَ وَإِن كَانُوا كلهم مُؤمنين قَالَ وَيجوز أَن يكون {غير} رفعا على جِهَة الِاسْتِثْنَاء الْمَعْنى لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ وَالْمُجَاهِدُونَ إِلَّا أولو الضَّرَر فَإِنَّهُم يساوون الْمُجَاهدين لِأَن الَّذين أقعدهم عَن الْجِهَاد الضَّرَر وَمن نصب جعله اسْتثِْنَاء من القاعدين وَهُوَ اسْتثِْنَاء مُنْقَطع عَن الأول الْمَعْنى لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ إِلَّا أولي الضَّرَر فَإِنَّهُم يساوون وحجتهم أَن الْأَخْبَار تظاهرت بِأَن هَذِه الْآيَة لما نزلت شكا ابْن أم مَكْتُوم إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ عَجزه عَن الْجِهَاد فِي سَبِيل الله فاستثنى الله أهل الضَّرَر من القاعدين وَأنزل {غير أولي الضَّرَر}

{ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما ومن يشاقق الرسول} {نوله ما تولى} 114 و

ويروي عَن زيد بن ثَابت قَالَ كنت أكتب لرَسُول اله صلى الله عَلَيْهِ فَقَالَ لي اكْتُبْ / لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ من الْمُؤمنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل الله / فجَاء عبد الله بن أم مَكْتُوم فَقَالَ يَا رَسُول الله إِنِّي أحب الْجِهَاد فِي سَبِيل الله وَلَكِن بِي من الزمانة مَا قد ترى ذهب بَصرِي قَالَ زيد فَثقلَتْ فَخذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ على فَخذي حَتَّى خشيت أَن تَرضهَا ثمَّ سري عَنهُ ثمَّ قَالَ اكْتُبْ {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ من الْمُؤمنِينَ غير أولي الضَّرَر} وَيجوز أَن يكون غير مَنْصُوبًا على الْحَال الْمَعْنى لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ فِي حَال صحتهم وَالْمُجَاهِدُونَ كماتقول جَاءَنِي زيد غير مَرِيض أَي جَاءَنِي زيد صَحِيحا {وَمن يفعل ذَلِك ابْتِغَاء مرضات الله فَسَوف نؤتيه أجرا عَظِيما وَمن يُشَاقق الرَّسُول} {نوله مَا تولى} 114 و 115 قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَحَمْزَة / وَمن يفعل ذَلِك ابْتِغَاء مرضاة الله فَسَوف يؤتيه / بِالْيَاءِ أَي فَسَوف يؤتيه الله وحجتهما أَنه قرب من ذكر الله وَهُوَ قَوْله {مرضات الله} فَجعلَا الْفِعْل بعده على لفظ مَا تقدمه ليأتلف نظام الْكَلَام على سِيَاق وَاحِد

{فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا}

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فَسَوف نؤتيه} بالنُّون وحجتهم فِي قَوْله قبل آيَات {وَمن يُقَاتل فِي سَبِيل الله فَيقْتل أَو يغلب فَسَوف نؤتيه أجرا عَظِيما} فَردُّوا مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ قَوْله نوله ونصله قد مضى ذكرهَا {فَأُولَئِك يدْخلُونَ الْجنَّة وَلَا يظْلمُونَ نقيرا} قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {فَأُولَئِك يدْخلُونَ الْجنَّة} بِضَم الْيَاء وَفتح الْخَاء على مَا لم يسم فَاعله وَكَذَلِكَ فِي مَرْيَم وحم الْمُؤمن وحجتهم قَوْله {وَأدْخل الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات} وَأُخْرَى ذكرهَا اليزيدي فَقَالَ ذَلِك إِذا كَانَ بعْدهَا مَا يؤكدها مثل {وَلَا يظْلمُونَ} و {يرْزقُونَ} و {يحلونَ} لِأَن الْأُخْرَى توكيد الأو فَإِذا كَانَ لم يكن مَعهَا ذَلِك فالياء مَفْتُوحَة مثل قَوْله فِي الرَّعْد

{فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا}

{جنَّات عدن يدْخلُونَهَا} وَفِي النَّحْل {جنَّات عدن يدْخلُونَهَا} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يدْخلُونَ الْجنَّة} بِفَتْح الْيَاء وَضم الْخَاء وحجتهم قَوْله {ادخلوها بِسَلام آمِنين} {ادخُلُوا الْجنَّة بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} فَكَانَ أَمر الله إيَّاهُم أَن يدخلوها دَلِيلا على إِسْنَاد الْفِعْل إِلَيْهِم اعْلَم أَن الْمَعْنيين متداخلان لأَنهم إِذا أدخلُوا دخلُوا وَإِذا دخلُوا فبإدخال الله إيَّاهُم يدْخلُونَ فَأَما {سيدخلون جَهَنَّم} فَفتح أَبُو عَمْرو لِأَنَّهُ لم يَأْتِ بعده مَا يؤكده مثل مَا جَاءَ فِي سَائِر الْقُرْآن من {يرْزقُونَ} و {لَا يظْلمُونَ} {فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا أَن يصلحا بَينهمَا صلحا} قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {أَن يصلحا} بِضَم الْيَاء وَسُكُون الصَّاد وَكسر اللَّام وحجتهم فِي ذَلِك أَن الْعَرَب إِذا جَاءَت مَعَ الصُّلْح ب بَين قَالَت أصلح الْقَوْم بَينهم وَأصْلح الرّجلَانِ بَينهمَا قَالَ الله جلّ وَعز {فأصلحوا بَينهمَا} وَإِذا لم تأت ب بَين قَالُوا تصالح الْقَوْم وتصالح الرّجلَانِ فَفِي مَجِيء {بَينهمَا} مَعَ قَوْله {أَن يصلحا} دَلِيل وَاضح على صِحَة مَا قُلْنَا وَأُخْرَى لَو كَانَ الصَّوَاب يصالحا لجاء الْمصدر على لفظ الْفِعْل فَقيل تصالحا لَا صلحا فَلَمَّا جِيءَ بِالْمَصْدَرِ على غير بِنَاء الْفِعْل دلّ ذَلِك على أَنه صدر على غير هَذَا اللَّفْظ

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / يصالحا / بِفَتْح الْيَاء وَتَشْديد الصَّاد وَفتح اللَّام أَي يتصالحا فأدغموا التَّاء فِي الصَّاد لقرب مخرجهما وحجتهم أَن الْمَعْرُوف من كَلَام الْعَرَب إِذا كَانَ بَين اثْنَيْنِ مشاجرة أَن يَقُولُوا تصالح الْقَوْم فهم يتصالحون وَلَا يكادون يَقُولُونَ أصلح الْقَوْم فهم مصلحون وَأُخْرَى أَنه لَو كَانَ الْوَجْه أَن يصلحا لخرج مصدره على لَفظه فَقيل إصلاحا قلت هَذَا غير لَازم لَهُم وَذَلِكَ أَن الْعَرَب تضم الِاسْم مَوضِع الْمصدر فَتَقول هَذَا يَوْم الْعَطاء أَي يَوْم الْإِعْطَاء وَفِي التَّنْزِيل وأنبتها نباتا حسنا وَلم يقل إنباتا

{وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا}

{وَإِن تلووا أَو تعرضوا فَإِن الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرا} قَرَأَ حَمْزَة وَابْن عَامر وَإِن / تلوا أَو تعرضوا / بِضَم اللَّام وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَإِن تلووا} بواوين من لويت فلَانا حَقه ليا أَي دافعته وماطلته يُقَال لوى فلَانا غَرِيمه قَالَ أَبُو عُبَيْدَة يُقَال رجل ليان وَامْرَأَة ليانة أَي مماطلة فَمَعْنَى {تلووا} تدافعوا وتمطلوا وحجتهم فِي ذَلِك مَا جَاءَ فِي التَّفْسِير إِن لوى الْحَاكِم فِي قَضيته فَإِن الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرا وَأُخْرَى روى ابْن جريج عَن مُجَاهِد {وَإِن تلووا} أَي تبدلوا الشَّهَادَة {أَو تعرضوا} أَي تكتوها فَذهب مُجَاهِد أَن هَذَا خطاب من الله جلّ وَعز للشهداء لَا للحكام وَاصل الْكَلِمَة تلويوا فاستثقلوا

{آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل}

الضمة على الْيَاء فحذفوها وحذفت الْيَاء لالتقاء الساكنين ثمَّ ضمُّوا الْوَاو لمجاورتها الثَّانِيَة وَمن قَرَأَ بواو وَاحِدَة فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَن يكون أَصله تلووا فأبدل من الْوَاو المضمومة همزَة فَصَارَ تلؤوا بِإِسْكَان اللَّام ثمَّ طرحت الْهمزَة وطرحت حركتها على اللَّام فَصَارَ تلوا وَيجوز أَن يكون من الْولَايَة من قَوْلك وليت الحكم وَالْقَضَاء بَين الرجلَيْن أَي إِن قُمْتُم بِالْأَمر أَو أعرضتم فَإِن الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرا وَالْأَصْل توليوا فحذفت الْوَاو كَمَا حذفنا من يعد فَصَارَ تليوا ثمَّ حذفنا الْيَاء ونقلنا الضمة إِلَى اللَّام فَصَارَ تلوا {آمنُوا بِاللَّه وَرَسُوله وَالْكتاب الَّذِي نزل على رَسُوله وَالْكتاب الَّذِي أنزل من قبل} قَرَأَ ابْن كثير وابو عَمْرو وَابْن عَامر {وَالْكتاب الَّذِي نزل على رَسُوله} بِضَم النُّون وَكسر الزَّاي {وَالْكتاب الَّذِي أنزل من قبل} بِضَم الْألف وَكسر الزَّاي على مَا لم يسم فَاعله وحجتهم قَوْله

{وقد نزل عليكم في الكتاب أن}

{وآمنوا بِمَا نزل على مُحَمَّد} وَقَوله {وَمَا أنزل إِلَيْنَا} و {علينا} واشباه ذَلِك قَرَأَ الْبَاقُونَ {نزل} {أنزل} وحجتهم أَنه قرب من ذكر الله فِي قَوْله {آمنُوا بِاللَّه وَرَسُوله} {وَقد نزل عَلَيْكُم فِي الْكتاب أَن} قَرَأَ عَاصِم {وَقد نزل عَلَيْكُم} بِفَتْح النُّون وَالزَّاي نسقه على ذكر الله قبل الْآيَة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِضَم النُّون وَكسر الزَّاي جعلُوا خَبرا مستأنفا {وَإِذا قَامُوا إِلَى الصَّلَاة قَامُوا كسَالَى} قَرَأَ الْكسَائي فِي رِوَايَة نصير {كسَالَى} بإمالة الْألف الَّتِي قبل اللَّام وَكسر السِّين وحجته فِي ذَلِك أَنه لما أمال الْألف الَّتِي بعد اللَّام أمال الْألف الَّتِي قبل اللَّام بإمالة اللَّام فتبعتها السِّين وَكَذَلِكَ حجَّته فِي {سكارى} و {يتامى} و {النَّصَارَى} و {أُسَارَى} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْح السِّين وحجتهم أَن الْفَتْح بَاب السِّين لمجيء الْألف بعْدهَا

{إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار}

{إِن الْمُنَافِقين فِي الدَّرك الْأَسْفَل من النَّار} قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {فِي الدَّرك} بِسُكُون الرَّاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْح الرَّاء وهما لُغَتَانِ مثل النَّفر والنفر والطرد والطرد {وَالَّذين آمنُوا بِاللَّه وَرُسُله} {أُولَئِكَ سَوف يُؤْتِيهم أُجُورهم} 152 قَرَأَ حَفْص عَن عَاصِم {أُولَئِكَ سَوف يُؤْتِيهم} بِالْيَاءِ إِخْبَار عَن الله وحجته قَوْله {وَالَّذين آمنُوا بِاللَّه وَرُسُله} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / نؤتيهم / بالنُّون أَي نَحن نؤتيهم {وَقُلْنَا لَهُم لَا تعدوا فِي السبت} قَرَأَ نَافِع {لَا تعدوا} سَاكِنة الْعين مُشَدّدَة الدَّال وحجته قَوْله {وَكَانُوا يعتدون} وَالْأَصْل لَا تَعْتَدوا ثمَّ سكن التَّاء وأدغم فِي الدَّال فَصَارَ تعدوا وَقَرَأَ ورش {لَا تعدوا} بِفَتْح الْعين نقل فَتْحة التَّاء إِلَى الْعين مثل يهدي وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لَا تعدوا} خَفِيفَة الدَّال من قَوْلك عدا يعدو إِذا جَاوز فِي الحدر وحجتهم قَوْله {إِذْ يعدون فِي السبت}

{أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما}

{أُولَئِكَ سنؤتيهم أجرا عَظِيما} قَرَأَ حَمْزَة / أُولَئِكَ سيؤتيهم / بِالْيَاءِ إِخْبَارًا عَن الله وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {سنؤتيهم} بالنُّون أخبر عَن نَفسه أَي نَحن سنؤتيهم {وآتينا دَاوُد زبورا} قَرَأَ حَمْزَة {وآتينا دَاوُد زبورا} بِرَفْع الزَّاي أَي كتبا وصحفا جمع زبر وزبور ك بَيت وبيوت وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {زبورا} بِالْفَتْح وحجتهم أَن الْآثَار كَذَا جَاءَت زبور دَاوُود وكما جَاءَ توراة مُوسَى وإنجيل عِيسَى 5 - سُورَة الْمَائِدَة {وَلَا يجرمنكم شنآن قوم أَن صدوكم عَن الْمَسْجِد الْحَرَام أَن تَعْتَدوا} قَرَأَ نَافِع فِي رِوَايَة إِسْمَاعِيل وَابْن عَامر وَأَبُو بكر / شنئان قوم / بِإِسْكَان النُّون مثل سرعَان ووشكان

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {شنآن} بِفَتْح النُّون وَهُوَ الِاخْتِيَار لِأَن المصادر مِمَّا أَوله مَفْتُوح جَاءَ أَكْثَرهَا محركا مثل غلى غليانا وَضرب ضربانا والإسكان قَلِيل وَإِنَّمَا يَجِيء فِي المضموم والمكسور مثل شكران وكفران وحرمان قَالَ الْفراء الشنآن بالإسكان الِاسْم والشنآن الْمصدر قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {أَن صدوكم} بِالْكَسْرِ وحجتهما أَن الْآيَة نزلت قبل فعلهم وصدهم قَالَ اليزيدي مَعْنَاهُ لَا يحملنكم بغض قوم أَن تَعْتَدوا إِن صدوكم يَقُول إِن صدوكم فَلَا يحملنكم بغضهم على أَن تَعْتَدوا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أَن صدوكم} أَي لِأَن صدوكم وحجتهم أَن الصد وَقع من الْكفَّار والمائدة فِي آخر مَا أنزل من الْقُرْآن وَقد صحت الْأَخْبَار عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة أَن نزُول هَذِه السُّورَة كَانَ بعد فتح مَكَّة لم يكن حِينَئِذٍ بِنَاحِيَة مَكَّة أحد من الْمُشْركين يخَاف أَن يصد الْمُؤمنِينَ عَن الْمَسْجِد الْحَرَام فَيُقَال لَا يحملنكم إِن صدكم الْمُشْركُونَ عَن الْمَسْجِد بغضكم إيَّاهُم أَن تَعْتَدوا عَلَيْهِم فَلَمَّا كَانَ كَذَلِك دلّ على أَن الْقَوْم إِنَّمَا نهوا عَن الاعتداء على الْمُشْركين لصد كَانَ قد سلف

{فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين}

{فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمرَافِق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إِلَى الْكَعْبَيْنِ} قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {وأرجلكم} بِالْفَتْح وحجتهم أَنَّهَا معطوفة على الْوُجُوه وَالْأَيْدِي فأوجبوا الْغسْل عَلَيْهِمَا وَعَن أبي عبد الرَّحْمَن عبد الله بن عمر قَالَ كنت أَقرَأ أَنا وَالْحسن وَالْحُسَيْن قَرِيبا من عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام وَعِنْده نَاس قد شغلوه فقرأنا {وأرجلكم} فَقَالَ رجل {وأرجلكم} بِالْكَسْرِ فَسمع ذَلِك عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ لَيْسَ كَمَا قلت ثمَّ تَلا {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمرَافِق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إِلَى الْكَعْبَيْنِ} هَذَا من الْمُقدم والمؤخر فِي الْكَلَام قلت وَفِي الْقُرْآن من هَذَا التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير كثير قَالَ الله {الْيَوْم أحل لكم الطَّيِّبَات وَطَعَام الَّذين أُوتُوا الْكتاب حل لكم} ثمَّ قَالَ {وَالْمُحصنَات من الْمُؤْمِنَات} وَعطف ب الْمُحْصنَات على الطَّيِّبَات وَقَالَ {وَلَوْلَا كلمة سبقت من رَبك لَكَانَ لزاما} ثمَّ قَالَ {وَأجل مُسَمّى} فعطف الْأَجَل على الْكَلِمَة وَبَينهمَا كَلَام فَكَذَلِك ذَلِك فِي قَوْله {وأرجلكم} عطف بهَا على الْوُجُوه وَالْأَيْدِي على مَا أَخْبَرتك بِهِ من التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير وَأُخْرَى هِيَ صِحَة الْأَخْبَار عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ أَنه تَوَضَّأ فَغسل رجلَيْهِ وَأَنه رأى رجلا يتَوَضَّأ وَهُوَ يغسل رجلَيْهِ فَقَالَ بِهَذَا أمرت وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ ويل لِلْأَعْقَابِ وبطون الْأَقْدَام

من النَّار وَعَن ابْن مَسْعُود قَالَ خللوا الْأَصَابِع بِالْمَاءِ لَا تلحقها النَّار وَقَالَ عبد الْملك قلت لعطاء هَل علمت أحدا من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ مسح على الْقَدَمَيْنِ فَقَالَ وَالله مَا أعلمهُ وَالْأَخْبَار كَثِيرَة فِي هَذَا الْمَعْنى وَقد ذَكرنَاهَا فِي تَفْسِير الْقُرْآن وَأُخْرَى قَالَ الزّجاج الدَّلِيل على أَن الْغسْل هُوَ الْوَاجِب فِي الرجل وَأَن الْمسْح لَا يجوز تَحْدِيد قَوْله {إِلَى الْكَعْبَيْنِ} كَمَا جَاءَ فِي تَحْدِيد الْيَد {إِلَى الْمرَافِق} وَلم يجِئ فِي شَيْء من الْمسْح تَحْدِيد قَالَ {وامسحوا برؤوسكم} بِغَيْر تَحْدِيد فِي الْقُرْآن قَالَ وَيجوز أَن يقْرَأ {وأرجلكم} على معنى واغسلوا لِأَن قَوْله {إِلَى الْكَعْبَيْنِ} دلّ على ذَلِك كَا وَصفنَا وينسق بِالْغسْلِ على الْمسْح كَمَا قَالَ الشَّاعِر ... يَا لَيْت بعلك قد غَدا ... مُتَقَلِّدًا سَيْفا ورمحا ...

وجعلنا قلوبهم قسية

وَالْمعْنَى مُتَقَلِّدًا سَيْفا وحاملا رمحا وَقَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَحَمْزَة وَأَبُو بكر {وأرجلكم} خفضا عطفا على الرؤوس وحجتهم فِي ذَلِك مَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ الْوضُوء غسفتان ومسحتان وَقَالَ الشّعبِيّ نزل جِبْرَائِيل بِالْمَسْحِ أَلا ترى أَنه أهمل مَا كَانَ مسحا وَمسح مَا كَانَ غسلا فِي التَّيَمُّم وَالصَّوَاب من القَوْل مَا عَلَيْهِ فُقَهَاء الْأَمْصَار أَن الْغسْل هُوَ الْوَاجِب نَحْو الرجلَيْن وَيجوز أَن يكون قَوْله {وأرجلكم} بالخفض حملت على الْعَامِل الْأَقْرَب للجوار وَهِي فِي الْمَعْنى للْأولِ كَمَا يُقَال هَذَا جُحر ضَب خرب فَيحمل على الْأَقْرَب وَهُوَ فِي الْمَعْنى للْأولِ قَالَ الْفراء وَقد يعْطف بِالِاسْمِ على الِاسْم وَمَعْنَاهُ يخْتَلف كَمَا قَالَ عز وَجل {يطوف عَلَيْهِم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معِين} ثمَّ قَالَ {وحور عين} وَهن لَا يُطَاف بِهن على أَزوَاجهنَّ / وَجَعَلنَا قُلُوبهم قسية 13 / قَرَأَ حَمْزَة / قُلُوبهم قسية / وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {قاسية} وحجتهم إِجْمَاعهم على قَوْله {فويل للقاسية قُلُوبهم من ذكر الله} فَلَمَّا أَجمعُوا على إِحْدَاهمَا وَاخْتلفُوا فِي الْأُخْرَى رد مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ

{يا ويلتى}

وهما لُغَتَانِ بمنزل عَالم وَعَلِيم وَحجَّة من قَرَأَ / قسية / هِيَ أَن فعيلا أبلغ فِي الذَّم والمدح من فَاعل كَمَا أَن عليما أبلغ من عَالم وسميعا أبلغ من سامع وَهِي فعيلة من الْقَسْوَة وَقَالَ آخَرُونَ بل معنى قسية غير معنى الْقَسْوَة وَإِن معنى القسية الَّتِي لَيست بخالصة الْإِيمَان أَي قد خالطها كفر فَهِيَ فَاسِدَة وَلِهَذَا قيل للدراهم قد خالطها غش من نُحَاس أَو غَيره قسية وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة القسية هِيَ الرَّديئَة مشبهة بِالدَّرَاهِمِ القسية وَالْأَصْل فِي قاسية قاسوة لِأَنَّهُ من قسا يقسو فقلبوا الْوَاو يَاء لما قبلهَا من الكسرة وَالْأَصْل فِي قسية قسيوة فقلبوا الْوَاو يَاء وأدغموا الْيَاء فِي الْيَاء {يَا ويلتى} 31 قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {يَا ويلتى} و {يَا حسرتى} و {يَا أسفى} ممالا وحجتهما أَن النِّيَّة فِيهَا إِضَافَة الويل وَالْحَسْرَة والأسف إِلَى نَفسه فَكَأَنَّهُ فِي الْمَعْنى يَا ويلتي وَيَا حسرتي فَلَمَّا جعل الْيَاء ألفا أمالاها ليعلما أَن أَصْلهَا كَانَ يَاء لِأَن الإمالة من الْيَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِغَيْر إمالة وحجتهم أَنَّهَا ألف الندبة وَلَا أصل لَهَا فِي الإمالة

{جاءتهم رسلنا}

{جَاءَتْهُم رسلنَا} قَرَأَ أَبُو عَمْرو {رسلنَا} و {رسلكُمْ} و {رسلهم} بِإِسْكَان السِّين إِذا كَانَ بعد اللَّام أَكثر من حرف وَكَذَلِكَ مذْهبه فِي {سبلنا} فَإِذا كَانَ بعد اللَّام حرف ضم السِّين مثل {رسله} وحجته أَنه استثقل حَرَكَة بعد ضمتين لطول الْكَلِمَة وَكَثْرَة الحركات فأسكن السِّين وَالْبَاء فَإِذا قصرت الْكَلِمَة لم يسكن السِّين وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {رسلنَا} بِضَم السن وحجتهم أَن بِنَاء فعول وفعيل على فعل بِضَم الْعين فِي كَلَام الْعَرَب وَلم تدع ضَرُورَة إِلَى إسكان الْحَرْف فتركوا الْكَلِمَة على حق بنيتها {سماعون للكذب أكالون للسحت} قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَالْكسَائِيّ {للسحت} بِضَم الْحَاء وقرأه الْبَاقُونَ سَاكِنا وهما لُغَتَانِ مثل الْأذن وَالْأُذن والقدس والقدس والسحت هُوَ الْحَرَام سمي سحتا لِأَنَّهُ يسحت الْبركَة أَي يمحقها {وكتبنا عَلَيْهِم فِيهَا أَن النَّفس بِالنَّفسِ وَالْعين بِالْعينِ وَالْأنف بالأنف وَالْأُذن بالأذن وَالسّن بِالسِّنِّ والجروح قصاص} قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَابْن عَامر {وَالْعين بِالْعينِ وَالْأنف بالأنف وَالْأُذن بالأذن وَالسّن بِالسِّنِّ} كلهَا بِالنّصب {والجروح} رفعا

وَقَرَأَ نَافِع وَعَاصِم وَحَمْزَة جَمِيع ذَلِك بِالنّصب وَقَرَأَ الْكسَائي كلهَا بِالرَّفْع فَمن قَرَأَ {الْعين} أَرَادَ أَن الْعين بِالْعينِ فأضمر أَن وَهَذَا مَذْهَب الْأَخْفَش وَمذهب سِيبَوَيْهٍ نسق على قَوْله {أَن النَّفس بِالنَّفسِ} وَحجَّة من رفع {والجروح} ذكرهَا اليزيدي عَن أبي عَمْرو فَقَالَ رفع على الِابْتِدَاء يَعْنِي والجروح من بعد ذَلِك قصاص

{وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه}

وَحجَّة أُخْرَى هِيَ إِنَّمَا اخْتَارُوا الِانْقِطَاع عَن الْكَلَام الأول والاستئناف ب الجروح لِأَن خبر الجروح يتَبَيَّن فِيهِ الْإِعْرَاب وَخبر الِاسْم الأول مثل خبر الِاسْم الثَّانِي وَالثَّالِث وَالرَّابِع وَالْخَامِس فَأشبه الْكَلَام بعضه بَعْضًا ثمَّ استأنفوا الجروح فَقَالُوا {والجروح قصاص} لِأَنَّهُ لم يكن خبر الجروح يشبه أَخْبَار مَا تقدمه فَعدل بِهِ إِلَى الِاسْتِئْنَاف وَحجَّة الْكسَائي فِي ذَلِك صِحَة الْخَبَر عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ أَنه قَرَأَ {وَالْعين بِالْعينِ وَالْأنف بالأنف} كلهَا بِالرَّفْع قَالَ الزّجاج رَفعه على وَجْهَيْن على الْعَطف على مَوضِع {النَّفس بِالنَّفسِ} وَالْعَامِل فِيهَا الْمَعْنى وكتبنا عَلَيْهِم النَّفس أَي قُلْنَا لَهُم النَّفس وَيجوز أَن يكون {وَالْعين بِالْعينِ} على الِاسْتِئْنَاف وَعند الْفراء أَن الرّفْع أَجود الْوَجْهَيْنِ وَذَلِكَ لمجيء الِاسْم الثَّانِي بعد تَمام خبر الأول وَذَلِكَ مثل قَوْلك إِن عبد الله قَائِم وَزيد قَاعد وَقد أَجمعُوا على الرّفْع فِي قَوْله {إِن الأَرْض لله يُورثهَا من يَشَاء من عباده وَالْعَاقبَة لِلْمُتقين} فَكَانَ إِلْحَاق مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ أولى قَرَأَ نَافِع {وَالْأُذن بالأذن} سَاكِنة الذَّال فِي جَمِيع الْقُرْآن كَأَنَّهُ استثقل الضمتين فِي كلمة وَاحِدَة فأسكن وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالضَّمِّ على أصل الْكَلِمَة {وليحكم أهل الْإِنْجِيل بِمَا أنزل الله فِيهِ} قَرَأَ حَمْزَة {وليحكم أهل الْإِنْجِيل} بِكَسْر اللَّام وَفتح الْمِيم جعل اللَّام لَام كي وَنصب الْفِعْل بهَا وَكَأَنَّهُ وَجه معنى ذَلِك إِلَى

{أفحكم الجاهلية يبغون}

{وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيل فِيهِ هدى وَنور ومصدقا لما بَين يَدَيْهِ من التَّوْرَاة} وكي يحكم أَهله بِمَا أنزل الله فِيهِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وليحكم} سَاكِنة اللَّام وَالْمِيم على الْأَمر فأسكنوا الْمِيم للجزم وأسكنوا اللَّام للتَّخْفِيف وحجتهم فِي ذَلِك أَن الله عز وَجل أَمرهم بِالْعَمَلِ بِمَا فِي الْإِنْجِيل كَمَا أَمر نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ فِي الْآيَة الَّتِي بعْدهَا بِمَا أنزل الله إِلَيْهِ فِي الْكتاب بقوله {وأنزلنا إِلَيْك الْكتاب بِالْحَقِّ مُصدقا لما بَين يَدَيْهِ من الْكتاب ومهيمنا عَلَيْهِ فاحكم بَينهم بِمَا أنزل الله} {أَفَحكم الْجَاهِلِيَّة يَبْغُونَ} قَرَأَ ابْن عَامر / أَفَحكم الْجَاهِلِيَّة تبغون / بِالتَّاءِ أَي قل لَهُم يَا مُحَمَّد / أَفَحكم الْجَاهِلِيَّة تبغون / يَا كفرة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ أَي ايطلب هَؤُلَاءِ الْيَهُود حكم عَبدة الْأَوْثَان وحجتهم مَا تقدم وَهُوَ قَوْله قبلهَا {فَإِن توَلّوا فَاعْلَم أَنما يُرِيد الله أَن يصيبهم بِبَعْض ذنوبهم}

{ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم}

{وَيَقُول الَّذين آمنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذين أَقْسمُوا بِاللَّه جهد أَيْمَانهم} قَرَأَ ابو عَمْرو {وَيَقُول الَّذين آمنُوا} بِالنّصب رد على قَوْله {فَعَسَى الله أَن يَأْتِي بِالْفَتْح} و {أَن يَقُول الَّذين آمنُوا} وَقَرَأَ أهل الْحجاز وَالشَّام / يَقُول / بِغَيْر الْوَاو وَكَذَلِكَ هِيَ فِي مصاحفهم وحجتهم مَا رُوِيَ عَن مُجَاهِد فِي تَفْسِيره {فَعَسَى الله أَن يَأْتِي بِالْفَتْح} فتح مَكَّة {أَو أَمر من عِنْده فيصبحوا على مَا أَسرُّوا فِي أنفسهم نادمين} / يَقُول الَّذين آمنُوا / أَي حِينَئِذٍ / يَقُول الَّذين آمنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذين أَقْسمُوا بِاللَّه جهد أَيْمَانهم / أَي لَيْسَ كَمَا قَالُوا وَقَرَأَ أهل الْكُوفَة {وَيَقُول} بِالْوَاو وَالرَّفْع على الِانْقِطَاع من الْكَلَام الْمُتَقَدّم فابتدأ الْخَبَر عَن قَول الَّذين آمنُوا وَقد يجوز أَن تكون

{من يرتد منكم عن دينه}

مَرْدُودَة على قَوْله {فترى الَّذين فِي قُلُوبهم مرض يُسَارِعُونَ فيهم} وَيَقُول الَّذين آمنُوا أَي وَترى الَّذين آمنُوا يَقُولُونَ {أَهَؤُلَاءِ الَّذين أَقْسمُوا بِاللَّه} {من يرْتَد مِنْكُم عَن دينه} قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر / من يرتدد مِنْكُم / بدالين وحجتهما إِجْمَاع الْجَمِيع فِي سُورَة الْبَقَرَة {وَمن يرتدد مِنْكُم عَن دينه فيمت} بدالين وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {من يرْتَد} بدال مُشَدّدَة اعْلَم أَن الْإِظْهَار لُغَة أهل الْحجاز وَهُوَ الأَصْل لِأَن التَّضْعِيف إِذا سكن الثَّانِي من المضاعفين ظهر التَّضْعِيف نَحْو قَوْله {إِن يمسسكم قرح} وَلَو قُرِئت / إِن يمسكم قرح / كَانَ صَوَابا والإدغام لُغَة غَيرهم وَالْأَصْل كَمَا قُلْنَا {يرتدد} فأدغمت الدَّال الأولى بِالثَّانِيَةِ وحركت الثَّانِيَة بِالْفَتْح لالتقاء الساكنين {لَا تَتَّخِذُوا الَّذين اتَّخذُوا دينكُمْ هزوا وَلَعِبًا من الَّذين أُوتُوا الْكتاب من قبلكُمْ وَالْكفَّار أَوْلِيَاء} قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَالْكسَائِيّ {من قبلكُمْ وَالْكفَّار} بالخفض على النسق على {الَّذين أُوتُوا الْكتاب} الْمَعْنى من الَّذين أُوتُوا الْكتاب من قبلكُمْ وَمن الْكفَّار وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالنّصب على النسق على قَوْله

{وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت}

{لَا تَتَّخِذُوا الَّذين اتَّخذُوا دينكُمْ هزوا وَلَعِبًا} وَلَا تَتَّخِذُوا الْكفَّار أَوْلِيَاء {وَجعل مِنْهُم القردة والخنازير وَعبد الطاغوت} قَرَأَ حَمْزَة {وَعبد} بِضَم الْبَاء {الطاغوت} جر يُقَال عبد وَعبد قَالَ الشَّاعِر ... ابْني لبينى إِن أمكُم ... أمة وَإِن أَبَاكُم عبد ... قَالَ الْفراء الْبَاء تضمها الْعَرَب للْمُبَالَغَة فِي الْمَدْح والذم نَحْو رجل حذر ويقظ أَي مبالغ فِي الحذر فَتَأْوِيل عبد أَنه بلغ الْغَايَة فِي طَاعَة الشَّيْطَان وَكَذَا قَرَأَ مُجَاهِد ثمَّ فسره وَقَالَهُ وخدم الطاغوت قَالَ الزّجاج وَكَانَ اللَّفْظ لفظ وَاحِد يدل على الْجَمِيع كَمَا تَقول للْقَوْم مِنْكُم عبد الْعَصَا تُرِيدُ إِن فِيكُم عبيد الْعَصَا وَالنّصب فِي عبد من وَجْهَيْن أَحدهمَا على وَجعل مِنْهُم عبد الطاغوت وَالثَّانِي على الذَّم على أَعنِي عبد الطاغوت وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَعبد الطاغوت} وَلَهُم فِي ذَلِك حجتان إِحْدَاهمَا النسق على قَوْله {من لَعنه الله} و {عبد الطاغوت} والطاغوت هُوَ الشَّيْطَان أَي أطاعه فِيمَا سَوَّلَ لَهُ وأغواه بِهِ وَالثَّانيَِة أَن ابْن مَسْعُود وأبيا قرأا / وعبدوا الطاغوت / حملا الْفِعْل على معنى

{وإن لم تفعل فما بلغت رسالته}

من لِأَن من وَاحِد فِي اللَّفْظ وَجمع فِي الْمَعْنى فقراءة الْعَامَّة على اللَّفْظ وقراءتهما على الْمَعْنى كَمَا قَالَ {وَمِنْهُم من يَسْتَمِعُون إِلَيْك} على الْمَعْنى ثمَّ قَالَ {وَمِنْهُم من ينظر إِلَيْك} على اللَّفْظ {وَإِن لم تفعل فَمَا بلغت رسَالَته} قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَأَبُو بكر / فَمَا بلغت رسالاته / على الْجمع وحجتهم أَنهم جعلُوا لكل وَحي رِسَالَة ثمَّ جمعُوا فَقَالُوا / فَمَا بلغت رسالاته / وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {رسَالَته} وحجتهم قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ إِن الله جلّ وَعز أَرْسلنِي برسالة وَأَمرَنِي أَن أبلغهَا الْخَبَر ثمَّ تَلا الْآيَة {وَحَسبُوا أَلا تكون فتْنَة}

قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وَحَسبُوا أَلا تكون} بِالرَّفْع أَي أَنه لَا تكون فتْنَة كَمَا قَالَ فِي مَوضِع آخر {أَلا يقدرُونَ} أَي أَنهم لَا يقدرُونَ على شَيْء فَهِيَ مُخَفّفَة من أَن وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أَلا تكون} نصبا ونصبه ب أَن وَلَا تفصل بَين الْعَامِل والمعمول فِيهِ كَقَوْلِك أحب أَن تذْهب وَأحب أَلا تذْهب وحجتهم قَوْله {وَمَا لنا أَلا نُقَاتِل فِي سَبِيل الله} {وَمَا لكم أَلا تنفقوا فِي سَبِيل الله} كل هَذَا نصب ب أَن لَا وَلما أَجمعُوا على إِحْدَاهمَا وَاخْتلفُوا فِي الْأُخْرَى رد مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ وَاعْلَم أَن أَن تدخل فِي الْكَلَام على أَرْبَعَة أضْرب 1 - أَن الناصبة للْفِعْل وَهِي الَّتِي ذَكرنَاهَا تَقول أُرِيد أَن تخرج 2 - وَالثَّانِي أَن الْخَفِيفَة عَن أَن الثَّقِيلَة كَقَوْل الْأَعْشَى ... فِي فتية كسيوف الْهِنْد قد علمُوا ... أَن هَالك كل من يحفى وينتعل ... أَرَادَ أَنه هَالك 3 - والموضع الثَّالِث أَن تكون بِمَعْنى أَي كَقَوْلِه {أَن امشوا}

{ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان}

مَعْنَاهُ أَي امشوا 4 - وَالرَّابِع أَن يكون للتوكيد كَقَوْلِه {وَلما أَن جَاءَت} {وَلَكِن يُؤَاخِذكُم بِمَا عقدتم الْأَيْمَان} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَأَبُو بكر {بِمَا عقدتم} بتَخْفِيف الْقَاف أَي أوجبتم وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {عقدتم} بِالتَّشْدِيدِ وحجتهم ذكرهَا أَبُو عَمْرو فَقَالَ عقدتم أَي وكدتم وتصديقها قَوْله {وَلَا تنقضوا الْأَيْمَان بعد توكيدها} والتوكيد هُوَ ضد اللَّغْو فِي الْيَمين واللغو مَا لم يكن باعتقاد وَأُخْرَى وَهِي جمع الْأَيْمَان فكأنهم أسندوا الْفِعْل إِلَى كل حَالف عقد على نَفسه يَمِينا وَالتَّشْدِيد يُرَاد بِهِ كَثْرَة الْفِعْل وتردده من فاعليه أَجْمَعِينَ فَصَارَ التكرير لَا لوَاحِد فَحسن حِينَئِذٍ التَّشْدِيد وَحجَّة التَّخْفِيف أَن الْكَفَّارَة تلْزم الحانث إِذا عقد يَمِينا بِحلف مرّة وَاحِدَة كَمَا يلْزم بِحلف مَرَّات كَثِيرَة إِذا كَانَ ذَلِك على الشَّيْء الْوَاحِد وَلِأَن بَاب فعلت يُرَاد بِهِ رددت الْفِعْل مرّة بعد مرّة وَإِذا شددت الْقَاف سبق إِلَى وهم السَّامع أَن الْكَفَّارَة لَا تجب على الحانث الْعَاقِد على نَفسه يَمِينا بِحلف مرّة وَاحِدَة حَتَّى يُكَرر الْحلف وَهَذَا خلاف حميع الْأمة فَإِذا خففت دفع الْإِشْكَال

{ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين}

وَقَرَأَ ابْن عَامر / بِمَا عاقدتم / بِالْألف أَي تحالفتم فعل من اثْنَيْنِ {وَمن قَتله مِنْكُم مُتَعَمدا فجزاء مثل مَا قتل من النعم يحكم بِهِ ذَوا عدل مِنْكُم هَديا بَالغ الْكَعْبَة أَو كَفَّارَة طَعَام مَسَاكِين} قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {فجزاء} منون {مثل} رفع وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فجزاء مثل} مُضَافا فَمن رفعهما جَمِيعًا فرفعه على معنى فَعَلَيهِ جَزَاء مثل الَّذِي قتل فَيكون مثل من نعت الْجَزَاء قَالَ الزّجاج وَيجوز أَن يرْتَفع جَزَاء على الِابْتِدَاء يكون مثل {مَا قتل} خبر الِابْتِدَاء فَيكون الْمَعْنى فجزاء ذَلِك الْفِعْل مثل مَا قتل وَمن خفض أَرَادَ فَعَلَيهِ جَزَاء مثل ذَلِك الْمَقْتُول من النعم وَقَالَ الْآخرُونَ إِذا نون فَكَأَنَّهُ قَالَ فَجَزَاؤُهُ عَلَيْهِ ثمَّ فسر فأبدل مثل من الْجَزَاء وَإِذا أضيف فَكَأَنَّهُ قَالَ فجزاء مثل الْمَقْتُول وَاجِب عَلَيْهِ أَي فداؤه وَاخْتلف الْعلمَاء فِي تَأْوِيل هَذِه الْآيَة فَذهب الشَّافِعِي أَن الرجل

إِذا اصاب صيدا وَهُوَ محرم فِي الْحرم يجب عَلَيْهِ مثل الْمَقْتُول من الصَّيْد من النعم من طَرِيق الْخلقَة لِأَن الْقيمَة فِيمَا لَهُ مثل ذَلِك أَن الرجل إِذا اصاب صيدا وَهُوَ محرم فِي الْحرم يحكم عَلَيْهِ فقيهان مسلمان وهما اللَّذَان ذكرهمَا الله جلّ وَعز {يحكم بِهِ ذَوا عدل مِنْكُم} فَيَقُولَانِ لَهُ هَل أصبت صيدا قبل هَذَا فَإِن قَالَ نعم لم يحكما عَلَيْهِ وَقَالا الله ينْتَقم مِنْهُ وَإِن قَالَ لَا حكما عَلَيْهِ بِمثل مَا أصَاب إِن أصَاب حمَار وَحش فَعَلَيهِ بَدَنَة وَإِن أصَاب ظَبْيًا فَعَلَيهِ شَاة وَالَّذِي يدل على مذْهبه قَوْله {فجزاء مثل} الْمَعْنى فجزاء ذَلِك الْفِعْل مثل مَا قتل والمثل فِي ظَاهره يَقْتَضِي الْمُمَاثلَة من طَرِيق الصُّورَة لَا من طَرِيق الْقيمَة وَدَلِيل آخر قد قُلْنَا إِن قَوْله {فجزاء} رفع بِالِابْتِدَاءِ و {مثل} خَبره أَو بدل مِنْهُ أَو نعت وَإِذا كَانَ بَدَلا مِنْهُ أَو مُبْتَدأ يكونَانِ شَيْئا وَاحِدًا لِأَن خبر الِابْتِدَاء هُوَ الأول إِذا قلت زيد منطلق فَالْخَبَر هُوَ نفس الأول وَكَذَلِكَ الْبَدَل هُوَ الْمُبدل مِنْهُ وَكَذَلِكَ النَّعْت هُوَ المنعوت وَدَلِيل آخر أَنه قرنه بِالنعَم فَقَالَ {فجزاء مثل مَا قتل من النعم} فَدلَّ على أَن ذَلِك يعْتَبر فِيهِ الْخلقَة لَا الْقيمَة وَمذهب أبي حنيفَة أَنه يقوم الصَّيْد الْمَقْتُول قِيمَته من الدَّرَاهِم

{جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس}

ثمَّ يَشْتَرِي الْقَاتِل بِقِيمَتِه فدَاء من النعم ثمَّ يهديه إِلَى الْكَعْبَة وَاسْتدلَّ على هَذَا بِقِرَاءَة من قَرَأَ {فجزاء مثل} مُضَافا أَي فَعَلَيهِ جَزَاء مثله اَوْ جَزَاء مثل الْمَقْتُول وَاجِب عَلَيْهِ وَوجه الدَّلِيل فِي هَذَا أَنَّك إِذا أضفته يجب أَن يكون الْمُضَاف غير الْمُضَاف إِلَيْهِ لِأَن الشَّيْء لَا يُضَاف إِلَى نَفسه قَالَ فَيجب أَن يكون الْمثل غير الْجَزَاء قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر {أَو كَفَّارَة} غير منون {طَعَام} خفض وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {كَفَّارَة} منون {طَعَام} رفع وحجتهم أَن الطَّعَام هُوَ الْكَفَّارَة فَلَا وَجه لإضافتها إِلَى نَفسهَا وَالشَّيْء لَا يُضَاف إِلَى نَفسه وَحجَّة من أضَاف قَوْله {إِن هَذَا لَهو حق الْيَقِين} فأضاف الْحق إِلَى الْيَقِين وهما وَاحِد وَالشَّيْء يُضَاف إِلَى نَفسه وَقَالَ {ولدار الْآخِرَة} وَمذهب الْفراء إِنَّمَا جَازَ أَن تُضَاف الْكَفَّارَة إِلَى الطَّعَام لاخْتِلَاف اللَّفْظَيْنِ {جعل الله الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام قيَاما للنَّاس} قَرَأَ ابْن عَامر / قيمًا للنَّاس / وَهُوَ مصدر قَامَ يقوم قيَاما وقيما وحجته قَول حسان بن ثَابت ... فنشهد أَنَّك عبد الملي ... ك أرْسلت نورا بدين قيم ... وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {قيَاما للنَّاس} أَي صلاحا لدينهم وَأمنا وهما مصدران من قَامَ وَالْأَصْل فِيهِ قواما تَقول قاوم يُقَاوم مقاومة

{فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان}

وَتقول قَامَ يقوم قيَاما فَإِذا اعتل الْفِعْل اعتل الْمصدر وقاوم لَيْسَ بمعتل فَلذَلِك لم يقل قواما وَلَيْسَ لَك أَن تَقول قيَاما كَانَ فِي الأَصْل قواما فقلبت الْوَاو يَاء لانكسار مَا قبلهَا لِأَنَّهُ ينعكس عَلَيْك بِقَوْلِك صوان وخوان {فآخران يقومان مقامهما من الَّذين اسْتحق عَلَيْهِم الأوليان} قَرَأَ حَمْزَة وَأَبُو بكر {من الَّذين اسْتحق} بِضَم التَّاء / الولين / على الْجَمِيع قَالَ الْفراء كَانَ ابْن عَبَّاس أَيْضا يقْرَأ {الْأَوَّلين} يَجعله نعتا ل الَّذين وحجته مَا قَالَه ابْن عَبَّاس قَالَ أَرَأَيْت إِن كَانَ الأوليان صغيرين كَيفَ يقومان مقامهما قَرَأَ حَفْص {من الَّذين اسْتحق} بِفَتْح التَّاء {الأوليان} على التَّثْنِيَة و {الأوليان} رفع ب اسْتحق الْمَعْنى اسْتحق عَلَيْهِم الأوليان رد الْأَيْمَان وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {من الَّذين اسْتحق} بِضَم التَّاء {عَلَيْهِم الأوليان} وتأويلها الأولى فَالْأولى وَالْأَقْرَب قَالَ الْفراء الأوليان أَرَادَ وليي

{فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين}

الْمَوْرُوث يقومان مقَام النصرانيين إِذا أتهما أَنَّهُمَا قد خَانا فيحلفان بعد حلف النصرانيي وَظهر على خيانتهما قَالَ وَمن قَرَأَ {الْأَوَّلين} فَهُوَ جمع الأول وَهُوَ على الْبَدَل من الَّذين اسْتحق اخْتلف أهل الْعَرَبيَّة فِي السَّبَب الَّذِي من أَجله رفع {الأوليان} فَقَالَ الزّجاج رفعهما على الْبَدَل من الْألف فِي {يقومان} الْمَعْنى فَليقمْ الأوليان بِالْمَيتِ مقَام هذَيْن الخائنين فيقسمان بِاللَّه لَشَهَادَتنَا أَحَق من شَهَادَتهمَا وَقَالَ آخَرُونَ بدل من قَوْله {فآخران} فَهَذَا بدل الْمعرفَة من النكرَة وَقَالُوا يجوز أَن يكون الأوليان خبر الِابْتِدَاء الَّذِي هُوَ {فآخران} وَيجوز أَن يكون {الأوليان} مُبْتَدأ وآخران خَبرا مقدما التَّقْدِير فالأوليان آخرَانِ يقومان مقامهما {فَقَالَ الَّذين كفرُوا مِنْهُم إِن هَذَا إِلَّا سحر مُبين} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / إِن هَذَا إِلَّا سَاحر مُبين / بِالْألف وَكَذَلِكَ

{إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء}

فِي يُونُس وَهود والصف دخل مَعَهُمَا عَاصِم وَابْن كثير فِي يُونُس وحجتهم إِجْمَاع الْجَمِيع على قَوْله {فَقَالُوا سَاحر كَذَّاب} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {إِن هَذَا إِلَّا سحر مُبين} وحجتهم قَوْله {إِن هَذَا إِلَّا سحر يُؤثر} وَقَوله {سحر مُسْتَمر} وَأُخْرَى ذكرهَا اليزيدي عَن أبي عَمْرو فَقَالَ مَا كَانَ فِي الْقُرْآن مُبين فَهُوَ سحر بِغَيْر ألف وَمَا كَانَ عليم فَهُوَ سَاحر بِالْألف فَكَأَن أَبَا عَمْرو ذهب إِلَى أَنه إِذا وَصفه بِالْبَيَانِ دلّ على أَنه عَنى السحر الَّذِي يبين عَن نَفسه أَنه سحر لمن تَأمله وَإِذا نعت ب عليم لم يجز أَن يسند الْعلم إِلَى السحر فَجعله لفاعل السحر وَالسحر عِنْده أوعب معنى لِأَنَّهُ يدل على فَاعله والساحر قد يُوجد وَلَا يُوجد مَعَه السحر وَالسحر لَا يُوجد إِلَّا مَعَ سَاحر {إِذْ قَالَ الحواريون يَا عِيسَى ابْن مَرْيَم هَل يَسْتَطِيع رَبك أَن ينزل علينا مائدة من السَّمَاء} قَرَأَ الْكسَائي / هَل تَسْتَطِيع / بِالتَّاءِ {رَبك} نصب أَي

هَل تقدر يَا عِيسَى أَن تسل رَبك لأَنهم كَانُوا مُؤمنين وَكَانَت عَائِشَة تَقول كَانَ الْقَوْم أعلم بِاللَّه من أَن يَقُولُوا {هَل يَسْتَطِيع رَبك} إِنَّمَا قَالُوا / هَل تَسْتَطِيع رَبك / وحجته قَوْله قبلهَا {وَإِذ أوحيت إِلَى الحواريين أَن آمنُوا بِي وبرسولي قَالُوا آمنا} وَالله تَعَالَى سماهم حواريين وَلم يكن الله ليسميهم بذلك وهم برسالة رَسُوله كفرة قَالَ أهل الْبَصْرَة الْمَعْنى هَل تَسْتَطِيع سُؤال رَبك فَحذف السُّؤَال والقى إعرابه على مَا بعده فنصبه كَمَا قَالَ {واسأل الْقرْيَة} أَي أهل الْقرْيَة وقرا الْبَاقُونَ {هَل يَسْتَطِيع} بِالْيَاءِ {رَبك} أَي هَل يستجيب لَك رَبك إِن سَأَلته ذلكما كَمَا يَقُول الْقَائِل لآخر أتستطيع أَن تسْعَى مَعنا فِي كَذَا وَهُوَ يعلم أَنه على ذَلِك قَادر وَلَكِن يُرِيد السَّعْي مَعنا فِيهِ وَإِنَّمَا أَرَادوا بذلك أَن يَأْتِيهم بِآيَة يستدلون بهَا على صدقه وحجته قَول عِيسَى لَهُم {اتَّقوا الله إِن كُنْتُم مُؤمنين} استعظاما لما قَالُوهُ فَقَالُوا {نُرِيد أَن نَأْكُل مِنْهَا} الْآيَة

{قال الله إني منزلها عليكم}

{قَالَ الله إِنِّي منزلهَا عَلَيْكُم} قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَعَاصِم {قَالَ الله إِنِّي منزلهَا عَلَيْكُم} بِالتَّشْدِيدِ من نزل ينزل وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {منزلهَا} بِالتَّخْفِيفِ وحجتهم قَوْله قبلهَا {رَبنَا أنزل علينا مائدة من السَّمَاء} {قَالَ الله هَذَا يَوْم ينفع الصَّادِقين صدقهم} 119 قَرَأَ نَافِع {هَذَا يَوْم ينفع الصَّادِقين} الْمَعْنى قَالَ الله جلّ وَعز هَذِه الْأَشْيَاء وَهَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ تقع فِي يَوْم ينفع الصَّادِقين أَي هَذَا الْجَزَاء يَقع يَوْم نفع الصَّادِقين وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {هَذَا يَوْم} بِالرَّفْع هَذَا رفع بِالِابْتِدَاءِ وَيَوْم خَبره أَي هَذَا الْيَوْم يَوْم مَنْفَعَة الصَّادِقين فَإِن سَأَلَ سَائل فَقَالَ لم أضفت الْيَوْم إِلَى الْفِعْل وَالْفِعْل لَا يدْخلهُ الْجَرّ وعلامة الْإِضَافَة سُقُوط التَّنْوِين من يَوْم فَالْجَوَاب عَنهُ أَن إِضَافَة أَسمَاء الزَّمَان إِلَى الْأَفْعَال فِي الْمَعْنى وَمَعْنَاهُ أَنَّك تضيف إِلَى المصادر التَّقْدِير هَذَا يَوْم نفع الصَّادِقين وَكَذَلِكَ قَوْله {يَوْم تبيض وُجُوه} أَي يَوْم ابيضاض الْوُجُوه وَيَوْم اسوداد الْوُجُوه وَإِنَّمَا أضفناه إِلَى المصادر 6 - سُورَة الْأَنْعَام {من يصرف عَنهُ يَوْمئِذٍ فقد رَحمَه}

{ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين}

قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَأَبُو بكر {من يصرف} بِفَتْح الْيَاء وَكسر الرَّاء أَي من يصرف الله عَنهُ الْعَذَاب يؤمئذ وحجتهم قَوْله قبلهَا {قل لمن مَا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض قل لله} فَكَذَلِك {من يصرف عَنهُ} وَأُخْرَى أَنه ختم الْكَلَام بِمثل معنى يصرف فَقَالَ {فقد رَحمَه} وَلم يقل فقد رحم فَيكون على نَظِيره مِمَّا لم يسم فَاعله فَكَانَ التَّوْفِيق بَين أَوله وَآخره أولى من أَن يُخَالف بَينهمَا فَجعل آخِره مثل الأول مُلْحقًا بِهِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {من يصرف عَنهُ} بِضَم الْيَاء وَفتح الرَّاء على مَا لم يسم فَاعله وحجتهم أَن هَذَا الْوَجْه أقل إضمارا لِأَنَّهُ إِذا قَالَ {من يصرف عَنهُ يَوْمئِذٍ فقد رَحمَه} أَي فقد رَحمَه الله لِأَنَّهُ تقدمه {إِن عصيت رَبِّي} وَفِي {يصرف} ذكر الْعَذَاب وَإِذا قَالَ {من يصرف} أضمر ذكر الْعَذَاب وَفِي قراءتهم ذكر الْعَذَاب فِي {يصرف} فَحسب {ثمَّ لم تكن فتنتهم إِلَّا أَن قَالُوا وَالله رَبنَا مَا كُنَّا مُشْرِكين} قَرَأَ ابْن كثير وَابْن عَامر وَحَفْص {ثمَّ لم تكن} بِالتَّاءِ {فتنتهم} رفع جعلُوا الْفِتْنَة اسْم كَانَ وَالْخَبَر {إِلَّا أَن قَالُوا} لِأَن أَن مَعَ الْفِعْل فِي تَقْدِير المصد ر الْمَعْنى ثمَّ لم تكن فتنتهم إِلَّا قَوْلهم وَقَرَأَ نَافِع وَأَبُو عَمْرو وَأَبُو بكر {ثمَّ لم تكن} بِالتَّاءِ {فتنتهم} نصب جعلُوا الْفِتْنَة خَبرا وَالِاسْم {إِلَّا أَن قَالُوا} وَتَقْدِير الْكَلَام ثمَّ لم تكن فتنتهم إِلَّا قَوْلهم يُقَال لم أنث تكن وَالِاسْم مُذَكّر الْجَواب إِنَّمَا أنث لِأَن الْفِعْل لما جَاءَ ملاصقا للفتنة أنث لتانيثها وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِك لِأَن الْفِتْنَة هِيَ القَوْل وَالْقَوْل هُوَ الْفِتْنَة فَجَاز أَن يحل مَحَله

{فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين}

وَلَا يُؤثر فِي الْخَبَر إِلَّا فِيمَا كَانَ الأول بِعَيْنِه نَحْو كَانَ زيد أَخَاك فَالْخَبَر هُوَ الِاسْم فَكَذَلِك الْفِتْنَة هِيَ القَوْل وَجَوَاب آخر وَهُوَ أَن الْمصدر قد يقدر مؤنثا ومذكرا التَّقْدِير ثمَّ لم تكن فتنتهم إِلَّا مقالتهم وَالِاسْم مؤنث قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / ثمَّ لم يكن / بِالْيَاءِ {فتنتهم} نصبا جعلا {أَن قَالُوا} الِاسْم التَّقْدِير ثمَّ لم يكن فتنتهم إِلَّا قَوْلهم وحجتهما إِجْمَاع الْقُرَّاء على نصب قَوْله {فَمَا كَانَ جَوَاب قومه إِلَّا أَن قَالُوا} وَأُخْرَى وَهِي أَن فِي حرف عبد الله / فَمَا كَانَ فتنتهم / فَهَذَا دَلِيل على التَّذْكِير قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وَالله رَبنَا} بِالنّصب أَي يَا رَبنَا على النداء وحجتهما أَن الْآيَة ابتدئت بمخاطبة الله إيَّاهُم إِذْ قَالَ للَّذين أشركوا {أَيْن شركاؤكم} فَجرى جوابهم إِيَّاه على نَحْو سُؤَاله لمخاطبتهم إِيَّاه فَقَالُوا {وَالله رَبنَا} بِمَعْنى وَالله يَا رَبنَا مَا كُنَّا مُشْرِكين فَأَجَابُوهُ مخاطبين لَهُ كَمَا سَأَلَهُمْ مخاطبين وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَالله رَبنَا} خفضا على النَّعْت وَالثنَاء وحجتهم فِي ذَلِك أَنَّك إِذا قلت أَحْلف بِاللَّه رَبِّي كَانَ أحسن من أَن تَقول أَحْلف بِاللَّه يَا رب {فَقَالُوا يَا ليتنا نرد وَلَا نكذب بآيَات رَبنَا ونكون من الْمُؤمنِينَ}

قَرَأَ حَمْزَة وَحَفْص {فَقَالُوا يَا ليتنا نرد وَلَا نكذب بآيَات رَبنَا ونكون} بِنصب الْيَاء وَالنُّون جعلاه جَوَاب التَّمَنِّي لِأَن الْجَواب بِالْوَاو ينصب كَا ينصب بِالْفَاءِ قَالَ الشَّاعِر ... لَا تنه عَن خلق وَتَأْتِي مثله ... عَار عَلَيْك إِذا فعلت عَظِيم ... وكما تَقول ليتك تصير إِلَيْنَا ونكرمك الْمَعْنى لَيْت مصيرك يَقع وإكرامنا وَيكون الْمَعْنى لَيْت ردنا وَقع وَلَا نكذب أَي إِن رددنا لم نكذب وَقَرَأَ ابْن عَامر {يَا ليتنا نرد وَلَا نكذب} بِالرَّفْع {ونكون} بِالنّصب جعل الأول نسقا وَالثَّانِي جَوَابا كَأَنَّهُ قَالَ وَنحن لَا نكذب ثمَّ رد الْجَواب إِلَى {يَا ليتنا} الْمَعْنى يَا ليتنا نرد فنكون من الْمُؤمنِينَ وحجته قَوْله {لَو أَن لي كرة فَأَكُون من الْمُحْسِنِينَ} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يَا ليتنا نرد وَلَا نكذب بآيَات رَبنَا ونكون} بِالرَّفْع فيهمَا جعلُوا الْكَلَام مُنْقَطِعًا عَن الأول قَالَ الزّجاج الْمَعْنى أَنهم تمنوا الرَّد وضمنوا أَنهم لَا يكذبُون الْمَعْنى يَا ليتنا نرد وَنحن لَا نكذب بآيَات رَبنَا رددنا أم لم نرد ونكون من الْمُؤمنِينَ أَي عانينا وشاهدنا مَا لَا نكذب مَعَه أبدا قَالَ وَيجوز الرّفْع على وَجه آخر على معنى يَا ليتنا نرد وَيَا ليتنا لَا نكذب بآيَات رَبنَا كَأَنَّهُمْ تمنوا الرَّد والتوفيق للتصديق

{وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون}

{وللدار الْآخِرَة خير للَّذين يَتَّقُونَ أَفلا تعقلون} 32 قَرَأَ ابْن عَامر {ولدار الْآخِرَة} بلام وَاحِدَة {الْآخِرَة} جر وحجته فِي ذَلِك إِجْمَاع الجمي على قَوْله فِي سُورَة يُوسُف {كَيفَ كَانَ عَاقِبَة الَّذين من قبلهم ولدار الْآخِرَة} بلام وَاحِدَة فَرد ابْن عَامر مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وللدار الْآخِرَة} بلامين الْآخِرَة رفع نعت وحجتهم مَا فِي سُورَة الْأَعْرَاف {وَالدَّار الْآخِرَة خير للَّذين يَتَّقُونَ} قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَحَفْص {أَفلا تعقلون} بِالتَّاءِ أَي قل لَهُم أَفلا تعقلون وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ وحجتهم أَن صدر الْآيَة خبر {قد نعلم إِنَّه ليحزنك الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُم لَا يكذبُونَك وَلَكِن الظَّالِمين بآيَات الله يجحدون} قَرَأَ نَافِع {ليحزنك} بِضَم الْيَاء وَكسر الزَّاي فِي جَمِيع الْقُرْآن إِلَّا فِي سُورَة الْأَنْبِيَاء فَإِنَّهُ قَرَأَ {لَا يحزنهم} بِفَتْح الْيَاء وَضم الزَّاي فَإِن سَأَلَ سَائل فَقَالَ لم خَالف أَصله الْجَواب عَنهُ مَا ذكره سِيبَوَيْهٍ أَن بَين أحزنته وحزنته فرقانا وَهُوَ أَن أحزنته أدخلته فِي الْحزن وحزنته أوصلت إِلَيْهِ الْحزن فَقَوْلهم {لَا يحزنهم الْفَزع الْأَكْبَر} أَي لَا يصيبهم أدنى حزن فَإِذا قلت أحزنته أَي أدخلته فِي الْحزن أَي أحَاط بِهِ وَمَا اهْتَدَى إِلَى هَذَا الْفرْقَان غير نَافِع

قَرَأَ نَافِع وَالْكسَائِيّ {فَإِنَّهُم لَا يكذبُونَك} بِإِسْكَان الْكَاف وَتَخْفِيف الذَّال قَالَ الْكسَائي معنى لَا يكذبُونَك أَنهم لَيْسُوا يكذبُون قَوْلك فِيمَا سوى ذَلِك قَالَ وَالْعرب تَقول أكذبت الرجل إِذْ إخبرت أَنه جَاءَ بِالْكَذِبِ وكذبته أخْبرت أَنه كَاذِب فَكَانَ الْكسَائي يذهب إِلَى أَن الإكذاب يكون فِي بعض حَدِيث الرجل وأخباره الَّتِي يَرْوِيهَا والتكذيب يكون فِي كل مَا أخبر أَو حدث بِهِ وَهَذَا معنى قَول الْفراء وَذَاكَ أَنه قَالَ معنى التَّخْفِيف وَالله أعلم لَا يجعلونك كذابا وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ أَن مَا جِئْت بِهِ بَاطِل لأَنهم لم يجربوا عَلَيْهِ كذبا فيكذبوه إِنَّمَا أكذبوه أَي مَا جِئْت بِهِ كذب لَا نعرفه وَالتَّفْسِير يصدق قَوْلهم رُوِيَ عَن عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه أَنه قَالَ إِن أَبَا جهل قَالَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَآله إِنَّا لَا نكذبك إِنَّك عندنَا لصَادِق وَلَكِن نكذب الَّذِي جِئْت بِهِ فَأنْزل الله الاية وحجتهم فِي ذَلِك قَوْله جلّ وَعز {وَكذب بِهِ قَوْمك وَهُوَ الْحق} أَي قَالُوا مَا جئتنا بِهِ كذب إِذْ لم يقل وَكَذبَك قَوْمك وَهُوَ الْحق كَأَنَّهُمْ قَالُوا هُوَ كذب أَخَذته عَن غَيْرك كَمَا قَالَ جلّ وَعز {إِنَّمَا يُعلمهُ بشر} وَقد اخْتلف فِي ذَلِك المتقدمون فَقَالَ مُحَمَّد بن كَعْب فَإِنَّهُم

لَا يكذبُونَك أَي لَا يبطلون مَا فِي يَديك وَقَالَ قطرب أكذبت الرجل إِذا دللت على كذبه فَكَانَ تَأْوِيل ذَلِك لَا يدلون على كَذبك ببرهان يبطل مَا جئتهم بِهِ وَقَالَ ابْن مُسلم {فَإِنَّهُم لَا يكذبُونَك} أَي لَا يجدونك كَاذِبًا تَقول أكذبت الرجل إِذا وجدته كَاذِبًا كَمَا تَقول أحمدت الرجل إِذا وجدته مَحْمُودًا وَكَانَ قوم من أهل الْعَرَبيَّة يذهبون إِلَى أَنَّهُمَا لُغَتَانِ مثل أوفيت الرجل حَقه ووفيته وأعظمته وعظمته وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فَإِنَّهُم لَا يكذبُونَك} بِالتَّشْدِيدِ قَالَ ابْن عَبَّاس لَا يسمونك كذابا وَلَكنهُمْ يُنكرُونَ آيَات الله بألسنتهم وَقُلُوبهمْ موقنة بِأَنَّهَا من عِنْد الله وحجتهم مَا وَرَاه اليزيدي عَن أبي عَمْرو فَقَالَ

{قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله}

وتصديقها قَوْله بعْدهَا {وَلَقَد كذبت رسل من قبلك فصبروا على مَا كذبُوا} فَتَأْوِيل ابي عَمْرو فَإِن الْكفَّار لَا يكذبُونَك جهلا مِنْهُم بِصدق قَوْلك بل هم موقنون بأنك رَسُول من عِنْد رَبهم وَلَكنهُمْ يكذبُونَك قولا وَقَالَ الزّجاج وَتَفْسِير {لَا يكذبُونَك} أَي لَا يقدرُونَ أَن يَقُولُوا لَك فِيمَا أنبأت بِهِ مِمَّا فِي كتبهمْ كذبت وَوجه آخر أَنهم لَا يكذبُونَك بقلوبهم أَي يعلمُونَ أَنَّك صَادِق وَالَّذِي يدل على هَذَا القَوْل أَنهم لَا يكذبُونَك بقلوبهم قَوْله {وَلَكِن الظَّالِمين بآيَات الله يجحدون} والجحد أَن تنكر بلسانك مَا تستيقنه فِي نَفسك أَلا ترى أَنَّك تَقول جحدني حَقي قَالَ الله جلّ وَعز {وجحدوا بهَا واستيقنتها أنفسهم} وَكَانَ ابْن عَبَّاس يحْتَج بِهَذَا وَقد اخْتلف فِي ذَلِك أهل الْعَرَبيَّة فَقَالَ عبد الله ابْن مُسلم {فَإِنَّهُم لَا يكذبُونَك} أَي لَا ينسبونك إِلَى الْكَذِب تَقول كذبت الرجل أَي نسبته إِلَى الْكَذِب وظلمته أَي نسبته إِلَى الظُّلم وَقَالَ بعض أهل الْعَرَبيَّة {فَإِنَّهُم لَا يكذبُونَك} أَي لَا يصححون عَلَيْك الْكَذِب تَقول كَذبته أَي صححت عَلَيْهِ الْكَذِب {قل أَرَأَيْتكُم إِن أَتَاكُم عَذَاب الله} 40

{فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء}

قَرَأَ نَافِع {قل أَرَأَيْتكُم} و {أَرَأَيْتُم} بِالْألف من غير همز وحجته فِي ذَلِك أَنه كره أَن يجمع بَين همزتين أَلا ترى أَنه قَرَأَ {وَإِذا رَأَيْت} بِالْهَمْز لِأَنَّهُ لم يتقدمه همزَة الِاسْتِفْهَام فَيتْرك الثَّانِيَة وَقَرَأَ الْكسَائي / أريتكم / بِغَيْر همزَة وَلَا ألف وحجته إِجْمَاع الْعَرَب على ترك الْهمزَة فِي الْمُسْتَقْبل فِي وَقَوْلهمْ ترى ونرى فَبنِي الْمَاضِي على الْمُسْتَقْبل مَعَ زِيَادَة الْهمزَة فِي أَولهَا فَإِذا لم تكن فِي أَولهَا همزَة الِاسْتِفْهَام لم يتْرك الْهمزَة مثل رَأَيْت لِأَن من شَرطه إِذا تقدمها همزَة الِاسْتِفْهَام فَحِينَئِذٍ يستثقل الْجمع بَينهمَا وَأُخْرَى وَهِي أَنَّهَا كتبت فِي المصافح بِغَيْر ألف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أَرَأَيْتكُم} و {أَرَأَيْتُم} بِالْهَمْزَةِ وحجتهم أَنهم لم يَخْتَلِفُوا فِيمَا كَانَ من غير اسْتِفْهَام فَكَذَلِك إِذا دخل حرف الِاسْتِفْهَام فالحرف على أَصله أَلا ترى أَنهم لم يَخْتَلِفُوا فِي قَوْله {رَأَيْت الْمُنَافِقين} و {وَرَأَيْت النَّاس} {فَلَمَّا نسوا مَا ذكرُوا بِهِ فتحنا عَلَيْهِم أَبْوَاب كل شَيْء} قَرَأَ ابْن عَامر {فتحنا عَلَيْهِم} بِالتَّشْدِيدِ أَي مرّة بعد مرّة وحجته قَوْله {أَبْوَاب كل شَيْء} الْأَبْوَاب فَذكر الْأَبْوَاب وَمَعَ الْأَبْوَاب تشدد كَمَا قَالَ {مفتحة لَهُم الْأَبْوَاب} وَكَذَلِكَ قَرَأَ فِي الْأَعْرَاف والأنبياء وَالْقَمَر بِالتَّشْدِيدِ

{ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي}

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ وحجتهم أَن التَّخْفِيف يصلح للقليل وللكثير {وَلَا تطرد الَّذين يدعونَ رَبهم بِالْغَدَاةِ والعشي} قَرَأَ ابْن عَامر / بالغدوة والعشي / بِالْوَاو وَضم الْغَيْن وحجته فِي ذَلِك أَنه وجده فِي الْمُصحف بِالْوَاو فَقَرَأَ ذَلِك اتبَاعا لِلْخَطِّ فَإِن قيل لم أَدخل الْألف وَاللَّام على الْمعرفَة فَالْجَوَاب أَن الْعَرَب تدخل الْألف وَاللَّام على الْمعرفَة إِذا جاورتها فِيهِ الْألف وَاللَّام ليزدوج الْكَلَام كَمَا قَالَ الشَّاعِر ... رَأَيْت الْوَلِيد بن اليزيد مُبَارَكًا ... شَدِيدا بأحناء الْخلَافَة كَاهِله ... فَأدْخل الْألف وَاللَّام فِي اليزيد لما جاور الْوَلِيد فَكَذَلِك أَدخل الْألف وَاللَّام فِي / الغدوة / لما جاور {والعشي} وقرا الْبَاقُونَ {بِالْغَدَاةِ} وَهَذَا هُوَ الْوَجْه لِأَن غَدَاة نكرَة وغدوة معرفَة وَلَا تسْتَعْمل بالأل وَاللَّام وَدخلت على غَدَاة لِأَنَّهَا نكرَة وَالْمعْنَى وَالله أعلم وَلَا تطرد الَّذين يدعونَ رَبهم بِالْغَدَاةِ والعشي أَي غَدَاة كل يَوْم {كتب ربكُم على نَفسه الرَّحْمَة أَنه من عمل مِنْكُم سوءا بِجَهَالَة ثمَّ تَابَ من بعده وَأصْلح فَأَنَّهُ غَفُور رَحِيم}

قَرَأَ عَاصِم وَابْن عَامر {كتب ربكُم على نَفسه الرَّحْمَة أَنه من عمل} {فَأَنَّهُ غَفُور رَحِيم} الْألف فيهمَا مَفْتُوحَة قَالَ الزّجاج مَوضِع {إِن} الأولى النصب الْمَعْنى كتب ربكُم على نَفسه الْمَغْفِرَة وَهِي بدل من الرَّحْمَة كَأَنَّهُ قَالَ كتب ربكُم على نَفسه الرَّحْمَة وَهِي الْمَغْفِرَة للمذنبين التائبين لِأَن معنى أَنه غَفُور رَحِيم الْمَغْفِرَة مِنْهُ فَيجْعَل أَنه بَدَلا من الرَّحْمَة وتفسيرا عَنْهَا قَالَ وَيجوز أَن تكون أَن الثَّانِيَة وَقعت مُؤَكدَة للأولى لِأَن الْمَعْنى كتب ربكُم أَنه غَفُور رَحِيم فَلَمَّا طَال الْكَلَام أُعِيد ذكر أَن وَقَالَ أَبُو حَاتِم يجوز أَن تكون فِي مَوضِع رفع على ضمير هِيَ أَنه كَأَنَّهُ فسر الرَّحْمَة فَقَالَ هِيَ أَنه وَحمل الثَّانِي على الأول لِأَن الْمَعْنى كتب ربكُم أَنه غَفُور رَحِيم للَّذي يَتُوب وَيصْلح وَقَرَأَ نَافِع {أَنه من عمل مِنْكُم} بِفَتْح الْألف {فَأَنَّهُ غَفُور رَحِيم} بِالْكَسْرِ جعل الْفَاء جَوَاب الشَّرْط ل من واستأنف كَقَوْلِه {وَمن عَاد فينتقم الله مِنْهُ} وَكَقَوْلِه {وَمن يعْص الله وَرَسُوله فَإِن لَهُ نَار جَهَنَّم} وَقَالَ الزّجاج من فتح الأولى وَكسر الثَّانِيَة فَالْمَعْنى

رَاجع إِلَى الْمصدر وكأنك لم تذكر إِن الثَّانِيَة الْمَعْنى كتب ربكُم على نَفسه الرَّحْمَة إِنَّه غَفُور رَحِيم وَقَرَأَ الْبَاقُونَ إِنَّه فَإِنَّهُ بِكَسْر الْألف فيهمَا على مَذْهَب الْحِكَايَة كَأَنَّهُ لما قَالَ {كتب ربكُم على نَفسه الرَّحْمَة} قَالَ {أَنه من عمل مِنْكُم سوءا بِجَهَالَة ثمَّ تَابَ من بعده وَأصْلح فَأَنَّهُ غَفُور رَحِيم} {ولتستبين سَبِيل الْمُجْرمين} قَرَأَ نَافِع {ولتستبين} بِالتَّاءِ {سَبِيل} نصب أَي ولتستبين أَنْت يَا مُحَمَّد سَبِيل الْمُجْرمين فَإِن قَالَ قَائِل أفلم يكن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَآله مستبينا سَبِيل الْمُجْرمين فَالْجَوَاب فِي هَذَا إِن جَمِيع مَا يُخَاطب بِهِ الْمُؤْمِنُونَ يُخَاطب بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ قيل ولتستبينوا سَبِيل الْمُجْرمين أَي لتزدادوا استبانة لَهَا وَلم يحْتَج إِلَى أَن يَقُول ولتستبين سَبِيل الْمُؤمنِينَ مَعَ ذكر سَبِيل الْمُجْرمين لِأَن سَبِيل الْمُجْرمين إِذا بَانَتْ فقد بَان مَعهَا سَبِيل الْمُؤمنِينَ وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وابو بكر / وليستبين / بِالْيَاءِ {سَبِيل} رفع وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ اعْلَم أَن السَّبِيل يذكر وَيُؤَنث جَاءَ الْقُرْآن بِالْوَجْهَيْنِ فالتأنيث قَوْله {ويصدون عَن سَبِيل الله ويبغونها عوجا} و {قل هَذِه سبيلي} والتذكير قَوْله {وَإِن يرَوا سَبِيل الرشد لَا يتخذوه سَبِيلا وَإِن يرَوا سَبِيل الغي يتخذوه سَبِيلا}

{إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين}

{إِن الحكم إِلَّا لله يقص الْحق وَهُوَ خير الفاصلين} قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَعَاصِم {إِن الحكم إِلَّا لله يقص الْحق} بِضَم الْقَاف وَالصَّاد الْمَعْنى إِن جَمِيع مَا أنبأ بِهِ أَو أَمر بِهِ فَهُوَ من أقاصيص الْحق وَاحْتج ابْن عَبَّاس على هَذِه الْقِرَاءَة بقوله {نَحن نقص عَلَيْك} وَقَالَ {إِن هَذَا الْقُرْآن يقص على بني إِسْرَائِيل} و {ألم يأتكم رسل مِنْكُم يقصون عَلَيْكُم آياتي} وَأُخْرَى قَالَ مُجَاهِد لَو كَانَ يقْضِي لكَانَتْ يقْضِي بِالْحَقِّ وَالْعرب تَقول قضيت بِالْحَقِّ قَالَ الله جلّ وَعز {وَالله يقْضِي بِالْحَقِّ} بِإِثْبَات الْيَاء وَالْبَاء مَعَ الْقَضَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / يقْضِي الْحق / بالضاد وَسُكُون الْقَاف من قضى يقْضِي إِذا حكم وَفصل وحجتهم قَوْله {وَهُوَ خير الفاصلين} والفصل يكون فِي الْقَضَاء لَا فِي الْقَصَص وَكَانَ أَبُو عَمْرو يعْتَبر بِهَذِهِ وَقَالَ إِنَّمَا الْفَصْل فِي الْقَضَاء لَا فِي الْقَصَص وَكَانَ الْكسَائي يَعْتَبِرهَا بِقِرَاءَة ابْن مَسْعُود قَالَ وَفِي قِرَاءَته {يقْضِي بِالْحَقِّ} {توفته رسلنَا وهم لَا يفرطون} قَرَأَ حَمْزَة / توفه رسلنَا / بِالْيَاءِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ الْوَجْهَانِ جَمِيعًا جائزان لِأَن الْجَمَاعَة يلْحقهَا اسْم التَّأْنِيث لِأَن مَعْنَاهَا معنى جمَاعَة وَيجوز أيعبر عَنْهَا بِلَفْظ التَّذْكِير كَمَا يُقَال جمع الرُّسُل والتأنيث

{تدعونه تضرعا وخفية لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب} 63 و

كَمَا قَالَ {قد جَاءَت رسل رَبنَا بِالْحَقِّ} {تَدعُونَهُ تضرعا وخفية لَئِن أنجانا من هَذِه لنكونن من الشَّاكِرِينَ قل الله ينجيكم مِنْهَا وَمن كل كرب} 63 و 64 قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {لَئِن أنجانا من هَذِه} بِغَيْر تَاء على لفظ الْخَبَر عَن غَائِب بِمَعْنى لَئِن أنجانا الله وحجتهم أَنَّهَا فِي مصاحفهم بِغَيْر تَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لَئِن أنجيتنا} بِالتَّاءِ على الْخطاب لله أَي لَئِن أنجيتنا يَا رَبنَا وحجتهم مَا فِي يُونُس {لَئِن أنجيتنا من هَذِه} وَهَذَا مجمع عَلَيْهِ فَردُّوا مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {قل الله ينجيكم مِنْهَا} بِالتَّشْدِيدِ من نجى يُنجي وحجتهم إِجْمَاعهم على تَشْدِيد قَوْله قبلهَا {قل من ينجيكم من ظلمات} فَكَانَ إِلْحَاق نَظِير لَفظه بِهِ أولى من الْمُخَالفَة بَين اللَّفْظَيْنِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {قل الله ينجيكم} بِالتَّخْفِيفِ وحجتهم قَوْله {لَئِن أنجيتنا من هَذِه} وَلم يقل نجيتنا قَرَأَ أبوبكر {تضرعا وخفية} بِكَسْر الْخَاء وَفِي الْأَعْرَاف مثله وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالضَّمِّ وهما لُغَتَانِ مثل رشوة ورشوة من أخفيت الشَّيْء إِذا سترته وَالَّتِي فِي خَاتِمَة الْأَعْرَاف {تضرعا وخيفة} وَهُوَ من الْخَوْف فتقلب الْوَاو يَاء للكسرة الَّتِي فِي الْخَاء

{وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين}

{وَإِمَّا ينسينك الشَّيْطَان فَلَا تقعد بعد الذكرى مَعَ الْقَوْم الظَّالِمين} قَرَأَ ابْن عَامر {وَإِمَّا ينسينك الشَّيْطَان} بِالتَّشْدِيدِ تَقول نسيت الشَّيْء وأنساني غَيْرِي ونساني أَيْضا وحجته مَا جَاءَ فِي الحَدِيث لَا يَقُولَن أحدكُم نسيت آيَة كَذَا وَكَذَا بل هُوَ نسي وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَإِمَّا ينسينك} بِالتَّخْفِيفِ من أنساني غَيْرِي وحجتهم قَوْله {فأنساه الشَّيْطَان ذكر ربه} وَلم يقل فنساه {كَالَّذي استهوته الشَّيَاطِين} قَرَأَ حَمْزَة {كَالَّذي استهوته الشَّيَاطِين} بِالْيَاءِ ذهب إِلَى جمع الشَّيَاطِين وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {استهوته} بِالتَّاءِ ذَهَبُوا إِلَى جمَاعَة الشَّيَاطِين {فَلَمَّا جن عَلَيْهِ اللَّيْل رأى كوكبا} {فَلَمَّا رأى الْقَمَر} {فَلَمَّا رأى الشَّمْس} 76 78 قَرَأَ أَبُو عَمْرو {فَلَمَّا جن عَلَيْهِ اللَّيْل رأى كوكبا} بِفَتْح الرَّاء وَكسر الْهمزَة وَإِنَّمَا كسر الْهمزَة لمجاورة الْيَاء وَالْألف هِيَ الممالة وأشير إِلَى كسر الْهمزَة كَمَا يشار إِلَى كسر الْمِيم فِي قَوْله {وَلَكِن الله رمى} وَإِلَى كسر الضَّاد فِي قَوْله ثمَّ قضى فَكَذَلِك كسر الْهمزَة لمجاورة الْألف الممالة

{أتحاجوني في الله}

قَرَأَ ابْن عَامر وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَأَبُو بكر {رأى كوكبا} بِكَسْر الرَّاء وَإِنَّمَا كسروا الرَّاء لمجاورة الْهمزَة وَمن الْعَرَب من يَقُول رمى بِكَسْر الرَّاء وَالْمِيم وَقَرَأَ أهل الْحجاز وَحَفْص بِفَتْح الرَّاء والهمزة على أصل الْكَلِمَة وَالْأَصْل رأى مثل رعى فقلبوا الْيَاء ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا فَصَارَت ألفا فِي اللَّفْظ يَاء فِي الْخط قَرَأَ حَمْزَة وَأَبُو بكر {رأى الْقَمَر} و {رأى الشَّمْس} بِكَسْر الرَّاء وَفتح الْهمزَة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْح الرَّاء وحجتهم فِي ذَلِك أَن الرَّاء إِنَّمَا كسرت لمجاورة الْهمزَة الْمَكْسُورَة والهمزة كسرت لمجاورة الْيَاء فَلَمَّا سَقَطت الْيَاء عَادَتْ الْهمزَة إِلَى أَصْلهَا فَلَمَّا عَادَتْ الْهمزَة إِلَى أَصْلهَا عَادَتْ الرَّاء إِلَى أَصْلهَا وَحجَّة من كسر الرَّاء وَفتح الْهمزَة أَن الْيَاء لما سَقَطت فَعَادَت الْهمزَة إِلَى الْفَتْح الَّذِي هُوَ أَصْلهَا لم يبْق فِي الْفِعْل مَا يدل على مذْهبه فَترك فِي الرَّاء من الْكسر مَا يدل على مذْهبه {أتحاجوني فِي الله} قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر {أتحاجوني} بتَخْفِيف النُّون وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أتحاجوني} بِالتَّشْدِيدِ الأَصْل أتحاجونني بنونين الأولى عَلامَة الرّفْع وَالثَّانيَِة مَعَ يَاء الْمُتَكَلّم فِي مَوضِع النصب

{نرفع درجات من نشاء}

فَاجْتمع حرفان من جنس وَاحِد فأدغموا الأولى فِي الثَّانِيَة وَمثله {أفغير الله تأمروني} وَأما نَافِع فَإِنَّهُ كره الْجمع بَين نونين فَحذف إِحْدَى النونين طلبا للتَّخْفِيف وحجته قَول الشَّاعِر ... ترَاهُ كالثغام يعل مسكا ... يسوء الفاليات إِذا فليني ... أَرَادَ فلينني فَحذف إِحْدَى النونين {نرفع دَرَجَات من نشَاء} قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {نرفع دَرَجَات من نشَاء} بِالتَّنْوِينِ جعلُوا الْمَرْفُوع هُوَ الْإِنْسَان وحجتهم فِي ذَلِك أَن الله قد بَين معنى هَذَا الْكَلَام فِي غير مَوضِع من الْقُرْآن فَجعل الْمَرْفُوع هُوَ الْإِنْسَان وَبَين فضل من أحب أَن يفضله بِأَن يرفعهُ فَقَالَ {يرفع الله الَّذين آمنُوا مِنْكُم} وَقَالَ {وَفضل الله الْمُجَاهدين على القاعدين أجرا عَظِيما} فجعلهم هم المرفوعين دون الدَّرَجَات وَفِي الْآيَة تَقْدِيم وَتَأْخِير الْمَعْنى نرفع من نشَاء دَرَجَات وَمن فِي مَوضِع النصب ونجعل دَرَجَات مَفْعُولا ثَانِيًا أَو حَالا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {نرفع دَرَجَات} بِغَيْر تَنْوِين وحجتهم ذكرهَا اليزيدي فَقَالَ كَقَوْلِك نرفع أَعمال من نشَاء فَجعل اليزيدي

الرّفْع للأعمال دون الْإِنْسَان وَالَّذِي يدل على هَذَا أَن الْآثَار قد جَاءَت فِي الدُّعَاء مُضَافَة كَقَوْلِهِم للْمَيت اللَّهُمَّ شرف بُنْيَانه وارفع دَرَجَته وَلَا يُقَال ارفعه وَقد رُوِيَ فِي التَّفْسِير فِي قَوْله {نرفع دَرَجَات من نشَاء} أَي فِي الْعلم {وَإِسْمَاعِيل وَالْيَسع} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / والليسع / بلامين وحجتهما فِي ذَلِك أَن الليسع اشبه بالأسماء الأعجمية وَدخُول الْألف وَاللَّام فِي اليسع قَبِيح لِأَنَّك لَا تَقول اليزيد وَلَا اليحي وَتَشْديد اللَّام أشبه بالأسماء العجمية وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَالْيَسع} بلام وَاحِدَة وحجتهم ذكرهَا اليزيدي عَن أبي عَمْرو فَقَالَ هُوَ مثل الْيُسْر وَإِنَّمَا هُوَ يسر ويسع فَردَّتْ الْألف وَاللَّام فَقَالَ اليسع مثل اليحمد قَبيلَة من الْعَرَب واليرمع الْحِجَارَة وَالْأَصْل يسع مثل يزِيد وَإِنَّمَا تدخل الْألف وَاللَّام عِنْد الْفراء للمدح فَإِن كَانَ عَرَبيا فوزنه يفعل وَالْأَصْل يُوسع مثل يصنع وَإِن كَانَ أعجميا لَا اشتقاق لَهُ فوزنه فعل تجْعَل الْيَاء أَصْلِيَّة قَالَ الْأَصْمَعِي كَانَ الْكسَائي يقْرَأ الليسع وَيَقُول لَا يكون

{فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجرا}

اليفعل كَمَا لَا يكون اليحي قَالَ فَقلت لَهُ اليرمع واليحمد حَيّ من الْيمن فَسكت وَمن قَرَأَ بلامين وَزنه فيعل اللَّام أَصْلِيَّة مثل صيرف ثمَّ أدخلت الْألف وَاللَّام للتعريف فَقلت الليسع مثل الصيرف وَالله أعلم {فبهداهم اقتده قل لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / اقتد قل لَا أَسأَلكُم / بِغَيْر هَاء فِي الْوَصْل وحجتهما فِي ذَلِك أَن الْهَاء إِنَّمَا دخلت للْوَقْف ولبيان الْحَرَكَة فِي حَال الْوَقْف فَإِذا وصل الْقَارئ قِرَاءَته اتَّصَلت الدَّال بِمَا بعْدهَا فاستغنى عَن الْهَاء لزوَال السَّبَب الَّذِي أدخلها من أَجله فطرحها وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِإِثْبَات الْهَاء فِي الْوَصْل وحجتهم فِي ذَلِك أَنَّهَا مثبتة فِي الْمُصحف فكرهوا إِسْقَاط حرف من الْمَصَاحِف وَقَرَأَ ابْن عَامر / اقتدهي / بالإشباع جعلهَا اسْما قَالَ بعض أهل الْبَصْرَة جعل ابْن عَامر الْهَاء فِيهِ ضميرا لمصدر وَهُوَ الِاقْتِدَاء كَأَن الأَصْل فِيهِ فبهداهم اقتد اقْتِدَاء ثمَّ أضمر الِاقْتِدَاء فَقَالَ / بهداهم اقتدهي / {قل من أنزل الْكتاب الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نورا وَهدى للنَّاس تجعلونه قَرَاطِيس تبدونها وتخفون كثيرا وعلمتم مَا لم تعلمُوا أَنْتُم وَلَا آباؤكم} قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو / يجعلونه قَرَاطِيس يبدونها ويخفون

{وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها}

كثيرا / وَالْيَاء قَالَ أَبُو عَمْرو يَعْنِي أهل الْكتاب {وعلمتم مَا لم تعلمُوا} يَعْنِي الْمُسلمين لِأَن الْعَرَب لم يكن لَهَا قبل ذَلِك كتاب وحجته قَوْله {جَاءَ بِهِ مُوسَى نورا وَهدى للنَّاس} أَي يَجعله النَّاس قَرَاطِيس يَعْنِي الْيَهُود فَلَمَّا قرب الْفِعْل مِنْهُم جعل الْفِعْل لَهُم وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ قَالَ أَبُو عبيد التَّاء تخْتَار للمخاطبة قبلهَا وَبعدهَا فالتي قبل قَوْله {قل من أنزل الْكتاب} وَالَّتِي بعْدهَا قَوْله {وعلمتم مَا لم تعلمُوا أَنْتُم وَلَا آباؤكم} يَعْنِي وعلمتم فِيمَا أنزلهُ عَلَيْكُم فِي الْكتاب مَا لم تعلمُوا فَكَأَن قراءتهم مَا توَسط بَين الخطابين من الْكَلَام على لفظ مَا قبله وَمَا بعده ليأتلف نظام الْكَلَام على سِيَاق وَاحِد أولى {وَهَذَا كتاب أَنزَلْنَاهُ مبارك مُصدق الَّذِي بَين يَدَيْهِ ولتنذر أم الْقرى وَمن حولهَا} قَرَأَ أَبُو بكر / ولينذر أم الْقرى / وحجته قَوْله {وَهَذَا كتاب أَنزَلْنَاهُ مبارك} أَي لينذر الْكتاب أهل مَكَّة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ أَي لتنذر أَنْت يَا مُحَمَّد أهل مَكَّة وحجتهم قَوْله {إِنَّمَا أَنْت مُنْذر} {لقد تقطع بَيْنكُم} قَرَأَ نَافِع وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {لقد تقطع بَيْنكُم} بِالْفَتْح أَي لقد تقطع مَا بَيْنكُم كَذَا قَالَ أهل الْكُوفَة وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِقِرَاءَة عبد الله لِأَن فِي قِرَاءَته / لقد تقطع مَا بَيْنكُم / ف مَا عِنْدهم مَوْصُولَة وَبَين صلَة وحذفوا الْمَوْصُول وَهُوَ مَا وَبقيت الصِّلَة وَهِي بَيْنكُم

{فالق الإصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا}

وَعند أهل الْبَصْرَة غير جَائِز هَذَا لِأَن الصِّلَة والموصول اسْم وَاحِد ومحال أَن يحذف صدر الِاسْم وَيبقى آخر الِاسْم وَلَكِن التَّقْدِير لقد تقطع الْأَمر بَيْنكُم وَالسَّبَب بَيْنكُم لِأَن الْأَمر وَالسَّبَب ليسَا مِمَّا يحْتَاج إِلَى صلَة ف بَين إِذا نصب على الظّرْف عِنْد أهل الْبَصْرَة والكوفة وَإِنَّمَا اخْتلفُوا فِي تَقْدِير الْكَلَام {فالق الإصباح وَجعل اللَّيْل سكنا وَالشَّمْس وَالْقَمَر حسبانا} قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وَجعل اللَّيْل سكنا} بِغَيْر ألف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / وجاعل اللَّيْل / بِالْألف وَكسر اللَّيْل وحجتهم قَوْله {فالق الإصباح} فأجروا / جَاعل اللَّيْل / على لفظ مَا تقدمه إِذْ أَتَى فِي سِيَاقه ونصبوا {وَالشَّمْس وَالْقَمَر} على تَأْوِيل وَجعل الشَّمْس وَالْقَمَر حسبانا قَالَ الزّجاج لِأَن فِي {جَاعل} معنى جعل وَبِه نصب {سكنا} قَالَ أَبُو عَمْرو وَنصب {الشَّمْس وَالْقَمَر} على الإتباع لما قلت {سكنا} أتبعت النصب النصب وَحجَّة من قَرَأَ {وَجعل اللَّيْل سكنا} هِيَ أَن الْأَفْعَال الَّتِي عطفت عَلَيْهِ جَاءَت بِلَفْظ الْمَاضِي وَهُوَ قَوْله بعْدهَا {وَهُوَ الَّذِي جعل لكم النُّجُوم} {وَهُوَ الَّذِي أنشأكم} {وَهُوَ الَّذِي أنزل} فَلِأَن تكون معطوفة على شبهها وَيكون مَا تقدمها جرى بلفظها أولى {وَهُوَ الَّذِي أنشأكم من نفس وَاحِدَة فمستقر ومستودع} قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {فمستقر} بِكَسْر الْقَاف جعلا الْفِعْل

{فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب} {انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه}

لَهُ أَي فمنكم مُسْتَقر ومنكم مستودع تَقول قر الشَّيْء يقر وَاسْتقر يسْتَقرّ بِمَعْنى وَاحِد وحجتهم ذكرهَا اليزيدي فَقَالَ فمستقر فِي الرَّحِم يَعْنِي الْوَلَد ومستودع فِي أصلاب الرِّجَال كَمَا تَقول هَذَا ولد مُسْتَقر فِي رحم أمه وَأَنا مُسْتَقر فِي مَكَان كَذَا وَعَن الْحسن الْبَصْرِيّ قَالَ مُسْتَقر فِي الْقَبْر ومستودع فِي الدُّنْيَا يُوشك أَن يلْحق بِصَاحِبِهِ قَالَ الزّجاج وَجَائِز أَن يكون فمستقر أَي فمنكم مُسْتَقر فِي الْأَحْيَاء ومنكم مستودع فِي الثرى فَجعل أَبُو عَمْرو المستقر فَاعِلا والمستودع مَفْعُولا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فمستقر} بِالْفَتْح وحجتهم إِجْمَاع الْجَمِيع على فتح الدَّال فِي مستودع على معنى أَن الله استودعه فَكَذَلِك مُسْتَقر موجه إِلَى أَن الله استقره فِي مقره فَهُوَ مُسْتَقر كَمَا هُوَ مستودع فِي مستودعه وَقَوله {وَيعلم مستقرها ومستودعها} يشْهد لِلْفَتْحِ والوجهان يتداخلان لِأَن الله إِذا أقره اسْتَقر وَلَا شكّ أَنه لَا يسْتَقرّ حَتَّى يقره فَهُوَ مفعول وفاعل قَالَ الزّجاج أما رفع فمستقر ومستودع فعلى معنى لكم مُسْتَقر وَلكم مستودع أَي فلكم فِي الْأَرْحَام مُسْتَقر وَلكم فِي الأصلاب مستودع وَجَائِز أَن يكون مُسْتَقر فِي الدُّنْيَا ومستودع فِي الأصلاب لم يخلق بعد {فأخرجنا مِنْهُ خضرًا نخرج مِنْهُ حبا متراكبا وَمن النّخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب} {انْظُرُوا إِلَى ثمره إِذا أثمر وينعه}

{وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم}

قَرَأَ الْأَعْشَى عَن أبي بكر {وجنات} قَالَ الْفراء وَلَو رفعت الجنات تتبع القنوان كَانَ صَوَابا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {جنَّات} نصب نسق على قَوْله {خضرًا} أَي فأخرجنا من المَاء خضرًا وجنات من اعناب قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {انْظُرُوا إِلَى ثمره} بِضَم الثَّاء وَالْمِيم أَرَادَ جمع الْجمع تَقول ثَمَرَة وثمار وثمر كَمَا تَقول أكمة وإكام وأكم وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {ثَمَرَة} بِفَتْح الثَّاء وَالْمِيم جمع ثَمَرَة مثل بقر وبقرة وشجرة وَشَجر {وخلقهم وخرقوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَات بِغَيْر علم} قَرَأَ نَافِع {وخرقوا} بِالتَّشْدِيدِ أَي مرّة بعد مرّة مثل قتل وَقتل وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وخرقوا} بِالتَّخْفِيفِ وَمعنى خرقوا واخترقوا واختلقوا كذبُوا {وليقولوا درست} قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَابْن كثير / دارست / بِالْألف أَي ذاكرت أهل الْكتاب وَعَن ابْن عَبَّاس قارأت وتعلمت وَقَرَأَ ابْن عَامر {درست} بِفَتْح السِّين وتسكين التَّاء أَي درست

{قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون}

هَذِه الْأَخْبَار الَّتِي تتلوها علينا أَي مَضَت وامحت وَقَرَأَ أهل الْمَدِينَة وَأهل الْكُوفَة {درست} بِسُكُون السِّين وَفتح التَّاء أَي قَرَأت أَنْت وتعلمت أَي درست أَنْت يَا مُحَمَّد كتب الْأَوَّلين وتعلمت من الْيَهُود وَالنَّصَارَى وحجتهم قِرَاءَة عبد الله / وليقولوا درس / دلّ على أَن الْفِعْل لَهُ وَحده {قل إِنَّمَا الْآيَات عِنْد الله وَمَا يشعركم أَنَّهَا إِذا جَاءَت لَا يُؤمنُونَ} قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَأَبُو بكر {وَمَا يشعركم أَنَّهَا إِذا جَاءَت} بِكَسْر الْألف قَالَ اليزيدي الْخَبَر متناه عِنْد قَوْله {وَمَا يشعركم} أَي مَا يدريكم ثمَّ ابْتَدَأَ الْخَبَر عَنْهُم إِنَّهُم لَا يُؤمنُونَ إِذا جَاءَتْهُم وكسروا الْألف على الِاسْتِئْنَاف قَالَ سِيبَوَيْهٍ سَأَلت الْخَلِيل عَن قَوْله {وَمَا يشعركم أَنَّهَا إِذا جَاءَت} مَا منعهَا أَن تكون كَقَوْلِك وَمَا يدْريك أَنه لَا يفعل فَقَالَ لَا يحسن ذَلِك فِي هَذَا الْموضع إِنَّمَا قَالَ {وَمَا يشعركم} ثمَّ ابْتَدَأَ فَأوجب فَقَالَ {أَنَّهَا إِذا جَاءَت لَا يُؤمنُونَ} لَو قَالَ {وَمَا يشعركم أَنَّهَا إِذا جَاءَت لَا يُؤمنُونَ} كَانَ عذرا لَهُم وحجتهم قَوْله بعْدهَا {وَلَو أننا نزلنَا إِلَيْهِم الْمَلَائِكَة} إِلَى قَوْله {مَا كَانُوا ليؤمنوا} فَأوجب لَهُم الْكفْر وَقَالَ {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كَمَا لم يُؤمنُوا بِهِ أول مرّة} أَي إِن الْآيَة إِن جَاءَتْهُم لم يُؤمنُوا

كَمَا لم يُؤمنُوا أول مرّة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أَنَّهَا إِذا جَاءَت} بِالْفَتْح قَالَ الْخَلِيل إِن مَعْنَاهَا لَعَلَّهَا إِذا جَاءَت لَا يُؤمنُونَ قَالَ وَهَذَا كَقَوْلِهِم إيت السُّوق أَنَّك تشتري لنا شَيْئا أَي لَعَلَّك أنْشد أَبُو عُبَيْدَة ... أريني جوادا مَاتَ هزلا لأنني ... أرى مَا تَرين أَو بَخِيلًا مخلدا ... يُرِيد لعلني أرى مَا تَرين يرْوى فِي التَّفْسِير أَنهم اقترحوا الْآيَات وَقَالُوا {لن نؤمن لَك حَتَّى تفجر لنا من الأَرْض ينبوعا} إِلَى قَوْله {حَتَّى تنزل علينا كتابا نقرؤه} فَأنْزل الله {قل إِنَّمَا الْآيَات عِنْد الله وَمَا يشعركم أَنَّهَا إِذا جَاءَت لَا يُؤمنُونَ} أَي لَعَلَّهَا إِذا جَاءَت لَا يُؤمنُونَ على رَجَاء الْمُؤمنِينَ وَقَالَ آخَرُونَ بل الْمَعْنى وَمَا يشعركم أَنَّهَا إِذا جَاءَت يُؤمنُونَ فَتكون لَا مُؤَكدَة للجحد كَمَا قَالَ {وَحرَام على قَرْيَة أهلكناها أَنهم لَا يرجعُونَ} بِمَعْنى وَحرَام عَلَيْهِم أَن يرجِعوا قَالَ الْفراء سَأَلَ الْكفَّار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ أَن يَأْتِيهم بِالْآيَةِ الَّتِي نزلت فِي الشُّعَرَاء {إِن نَشأ ننزل عَلَيْهِم من السَّمَاء آيَة فظلت أَعْنَاقهم لَهَا خاضعين} وَقَالَ الْمُؤْمِنُونَ يَا رَسُول الله سل رَبك أَن ينزلها حَتَّى يُؤمنُوا فَأنْزل الله {وَمَا يشعركم أَنَّهَا إِذا جَاءَت لَا يُؤمنُونَ} أَي إِذا

{وحشرنا عليهم كل شيء قبلا}

جَاءَت يُؤمنُونَ وَلَا صلَة كَقَوْلِه {مَا مَنعك أَلا تسْجد إِذْ أَمرتك} أَي أَن تسْجد قَرَأَ حَمْزَة وَابْن عَامر / إِذا جَاءَت لَا تؤمنون / بِالتَّاءِ وحجتهما قَوْله {وَمَا يشعركم} قَالَ مُجَاهِد قَوْله {وَمَا يشعركم} خطاب للْمُشْرِكين الَّذين أَقْسمُوا فَقَالَ جلّ وَعز وَمَا يدريكم أَنكُمْ تؤمنون وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ إِخْبَارًا عَنْهُم وحجتهم قَوْله {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم} وَلم يقل أفئدتكم {وحشرنا عَلَيْهِم كل شَيْء قبلا} قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر {قبلا} بكسرالقاف أَي عيَانًا كَمَا تَقول لقته قبلا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {قبلا} بِضَمَّتَيْنِ جمع قبيل وَالْمعْنَى وحشرنا عَلَيْهِم كل شَيْء قبيلا قبيلا أَي جمَاعَة جمَاعَة قَالَ الزّجاج وَيجوز أَن يكون قبلا جمع قبيل وَمَعْنَاهُ الْكَفِيل ليَكُون الْمَعْنى لَو حشرنا عَلَيْهِم كل شَيْء فتكفل لَهُم بِصِحَّة مَا يَقُول مَا كَانُوا ليؤمنوا وَقَالَ الْفراء وَيجوز أَن يكون {قبلا} من قبل وُجُوههم أَي

{يعلمون أنه منزل من ربك بالحق}

مَا يقابلهم وَالْمعْنَى لَو حشرنا عَلَيْهِم كل شَيْء فقابلهم {يعلمُونَ أَنه منزل من رَبك بِالْحَقِّ} قَرَأَ ابْن عَامر وَحَفْص {أَنه منزل من رَبك} بِالتَّشْدِيدِ من نزل ينزل جمعا بَين اللغتين لِأَنَّهُ قد تقدم قَوْله {وَهُوَ الَّذِي أنزل إِلَيْكُم الْكتاب مفصلا} وَلم يقل وَهُوَ الَّذِي نزل {وتمت كلمة رَبك صدقا وعدلا لَا مبدل لكلماته} قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وتمت كلمة رَبك} على التَّوْحِيد وحجتهم إِجْمَاع الْجَمِيع على التَّوْحِيد فِي قَوْله {وتمت كلمة رَبك الْحسنى على بني إِسْرَائِيل} {وتمت كلمة رَبك لأملأن جَهَنَّم} فَردُّوا مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / كَلِمَات ربكُم / على الْجمع وحجتهم فِي ذَلِك أَنَّهَا مَكْتُوبَة بِالتَّاءِ فَدلَّ ذَلِك على الْجمع وعَلى أَن الْألف الَّتِي قبل التَّاء اختصرت فِي المحصف وَأُخْرَى أَن الْكَلِمَات جَاءَت بعْدهَا بِلَفْظ الْجمع فَقَالَ {لَا مبدل لكلماته} وفيهَا إِجْمَاع فَكَانَ الْجمع فِي الأول أشبه بِالصَّوَابِ للتوفيق بَينهمَا إِذْ كَانَا بِمَعْنى وَاحِد {وَمَا لكم أَلا تَأْكُلُوا مِمَّا ذكر اسْم الله عَلَيْهِ وَقد فصل لكم مَا حرم عَلَيْكُم إِلَّا مَا اضطررتم إِلَيْهِ وَإِن كثيرا ليضلون بأهوائهم بِغَيْر علم} قَرَأَ أَبُو بكر عَن عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وَقد فصل}

بِفَتْح الْفَاء وَالصَّاد وحجتهم ظُهُور اسْم الله فِي قَوْله {وَمَا لكم أَلا تَأْكُلُوا مِمَّا ذكر اسْم الله عَلَيْهِ} فَلَمَّا قرب اسْم الله من الْفِعْل قرؤوا فصل لقرب اسْمه مِنْهُ فَكَانَ مَعْنَاهُ وَقد فصل الله لكم ثمَّ قرؤوا {مَا حرم} بترك تَسْمِيَة الْفَاعِل بِدلَالَة مَا جَاءَ فِي الْقُرْآن من التَّحْرِيم بترك تَسْمِيَة الْفَاعِل فِي قَوْله {حرمت عَلَيْكُم الْميتَة وَالدَّم} و {وَحرم عَلَيْكُم صيد الْبر} جرى الْكَلَام فِيهَا بترك تَسْمِيَة الْفَاعِل فأجروا مَا اخْتلفُوا فِيهِ من ذَلِك بِلَفْظ مَا اتَّفقُوا عَلَيْهِ وَأُخْرَى أَن الْكَلَام أَتَى عَقِيبه بترك تَسْمِيَة الْفَاعِل وَهُوَ قَوْله {إِلَّا مَا اضطررتم إِلَيْهِ} فَألْحق قَول {حرم} ليَكُون لفظا الْمُسْتَثْنى والمستثنى مِنْهُ متفقين وَقَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَابْن عَامر {وَقد فصل} بِضَم الْفَاء {مَا حرم} بِضَم الْحَاء على مَا لم يسم فَاعله وحجتهم قَوْله {ثمَّ فصلت من لدن حَكِيم خَبِير} وَهَذِه أحسن أعنى {فصل} و {حرم} ليأتلف اللفظان على نظام وَاحِد إِذْ كَانَ الْمفصل هُوَ الْمحرم وَلَا ضَرُورَة تَدْعُو إِلَى الْمُخَالفَة بَين اللَّفْظَيْنِ وَقَرَأَ نَافِع وَحَفْص {فصل} بِفَتْح الْفَاء و {حرم} بِالْفَتْح أَي بَين الله لكم مَا حرمه عَلَيْكُم قَرَأَ عَاصِم حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وَإِن كثيرا ليضلون} بِضَم الْيَاء وحجتهم فِي وَصفهم بالإضلال أَن الَّذين أخبر الله عَنْهُم بذلك قد ثَبت لَهُم أَنهم ضالون بِمَا تقدم من وَصفه جلّ وَعز إيَّاهُم بالْكفْر بِهِ قبل أَن يصفهم بالإضلال فَلَا معنى إِذا لوصفهم بالضلال وَقد تقدم أَنهم

{أو من كان ميتا فأحييناه}

ضالون فَكَانَ وَصفهم بِأَنَّهُم يضلون النَّاس يَأْتِي بفائدة غير مَا تقدم من وَصفهم فِي الْكَلَام الأول فهم الْآن ضالون بشركهم ويضلون غَيرهم بِمَا جاؤوا بِهِ جَاءَ فِي التَّفْسِير أَنَّهَا نزلت فِي قوم من الْمُشْركين قَالُوا للْمُسلمين تَأْكُلُونَ مَا قتلتم وَلَا تَأْكُلُونَ مَا قتل الله قَالُوا فَإِذا قرئَ {ليضلون} بِفَتْح الْيَاء لم يكن فِي الْكَلَام فَائِدَة غير أَنهم ضالون فَقَط وَقد علم ضلالتهم بِمَا تقدم من وَصفهم فَكَأَنَّهُ كرر كلامين وَمَعْنَاهُ وَاحِد وَقَرَأَ أهل الْحجاز وَالشَّام وَالْبَصْرَة {ليضلون} أَي ليضلون هم وحجتهم قَوْله {إِن رَبك هُوَ أعلم بِمن ضل عَن سَبيله} وَقَوله {وَأُولَئِكَ هم الضالون} وَصفهم بالضلال لَا بالإضلال {أَو من كَانَ مَيتا فأحييناه} قَرَأَ نَافِع {أَو من كَانَ مَيتا} بِالتَّشْدِيدِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ وَقد ذكره فِيمَا تقدم {حَتَّى نؤتى مثل مَا أُوتِيَ رسل الله الله أعلم حَيْثُ يَجْعَل رسَالَته} قَرَأَ ابْن كثير وَحَفْص {الله أعلم حَيْثُ يَجْعَل رسَالَته} على وَاحِد وَقَرَأَ الْبَاقُونَ على الْجمع وحجتهم أَن الله جلّ وَعز ذكر الرُّسُل

{ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء}

قبله فَقَالَ {حَتَّى نؤتى مثل مَا أُوتِيَ رسل الله} وَمَا بعده يجب أَن يكون الْجمع ليأتلف اللَّفْظ وَالْمعْنَى وَمن قَرَأَ بِالتَّوْحِيدِ اجتزأ بِالْوَاحِدِ عَن الْجَمِيع {وَمن يرد أَن يضله يَجْعَل صَدره ضيقا حرجا كَأَنَّمَا يصعد فِي السَّمَاء} قَرَأَ ابْن كثير {ضيقا} خَفِيفا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ وَالْأَصْل ضييق على وزن فيعل ابْن كثير حذف الْيَاء الثَّانِيَة وَالْبَاقُونَ أدغموا الْيَاء وَلم يحذفوا من الْكَلِمَة شَيْئا وَمثله هَين وهين قَرَأَ نَافِع وَأَبُو بكر {حرجا} بِكَسْر الرَّاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْفَتْح وهما لُغَتَانِ مثل الدنف الدنف وَحجَّة من فتح قَوْله {وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج} فَإِن قَالَ قَائِل لم قَالَ الله {صَدره ضيقا} مُثقلًا الْجَواب إِن الْحَرج أَشد الضّيق فَكَأَنَّهُ قَالَ ضيق جدا قَرَأَ ابْن كثير {كَأَنَّمَا يصعد} خَفِيفا من صعد يصعد وحجته قَوْله {إِلَيْهِ يصعد الْكَلم الطّيب} وَقَرَأَ أَبُو بكر / يصاعد / الأَصْل يتصاعد فأدغم التَّاء فِي الصَّاد لقربها من الصَّاد وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يصعد} الأَصْل يتَصَعَّد فأدغموا التَّاء فِي الصَّاد وَمعنى يصعد ويصاعد ويصعد كُله وَاحِد {وَمَا رَبك بغافل عَمَّا يعْملُونَ}

{قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار}

قَرَأَ ابْن عَامر {وَمَا رَبك بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ} بِالتَّاءِ على الْخطاب وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ وحجتهم قَوْله قبلهَا ذَلِك {أَن لم يكن رَبك مهلك الْقرى بظُلْم وَأَهْلهَا غافلون} {قل يَا قوم اعْمَلُوا على مكانتكم إِنِّي عَامل فَسَوف تعلمُونَ من تكون لَهُ عَاقِبَة الدَّار} قَرَأَ أَبُو بكر / اعْمَلُوا على مكاناتكم / على الْجمع فِي كل الْقُرْآن وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {على مكانتكم} أَي على تمكنكم وأمركم وحالكم والتوحيد هُوَ الِاخْتِيَار لِأَن الْوَاحِد يَنُوب عَن الْجمع وَلَا يَنُوب الْجمع عَن الْوَاحِد قَوْله {مكانتكم} وَزنه مفعلة من الْكَوْن وَالْمِيم زَائِدَة وَالْألف منقلبة عَن الْوَاو من كَانَ يكون مفعلة وَقَالَ قوم وَزنه فعال مثل ذهَاب وَالْألف زَائِدَة وَالْمِيم أَصْلِيَّة وَالدَّلِيل على ذَلِك أَن فعالا تجمعه على أفعلة تَقول أمكنة وَلَو كَانَ مفعلا لم يجمع على أفعلة قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {من يكون} بِالْيَاءِ وَكَذَلِكَ فِي الْقَصَص لِأَن تأنيثهما غير حَقِيقِيّ الْعَاقِبَة وَالْآخر وَاحِد وحجتهما قَوْله {فَانْظُر كَيفَ كَانَ عَاقِبَة مَكْرهمْ} وَقَوله {ثمَّ كَانَ عَاقِبَة الَّذين} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {من تكون} بِالتَّاءِ لتأنيث الْعَاقِبَة

{هذا لله بزعمهم}

{هَذَا لله بزعمهم} قَرَأَ الْكسَائي {بزعمهم} بِضَم الزَّاي وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْفَتْح وهما لُغَتَانِ {وَكَذَلِكَ زين لكثير من الْمُشْركين قتل أَوْلَادهم شركاؤهم} قَرَأَ ابْن عَامر / وَكَذَلِكَ زين / بِضَم الزَّاي {قتل} بِالرَّفْع أَوْلَادهم نصب {شركائهم} بالخ {زين} على مَا لم يسم فَاعله {قتل} اسْم مَا لم يسم فَاعله {أَوْلَادهم} نصب بوقو الْفِعْل عَلَيْهِم {شركائهم} جر بِالْإِضَافَة على تَقْدِير قتل شركائهم أَوْلَادهم فَفرق بَين الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ وحجته قَول الشَّاعِر ... فزججتها مُتَمَكنًا ... زج القلوص ابي مزاده ... أَرَادَ زج أبي مزادة القلوص وَأهل الْكُوفَة يجوزون الْفرق بَين الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَكَذَلِكَ زين} بِفَتْح الزَّاي {قتل} نصب أَوْلَادهم جر {شركاؤهم} رفع وهم الفاعلون وَالتَّقْدِير وَكَذَلِكَ زين شركاؤهم أَن قتل كثير من الْمُشْركين أَوْلَادهم

{وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء}

قَالَ الزّجاج {شركاؤهم} ارتفعوا بتزيينهم وَيُقَال إِن هَؤُلَاءِ المزينين كَانُوا يخدمون الْأَوْثَان وَقيل شركاؤهم شياطينهم {وَقَالُوا مَا فِي بطُون هَذِه الْأَنْعَام خَالِصَة لذكورنا ومحرم على أَزوَاجنَا وَإِن يكن ميتَة فهم فِيهِ شُرَكَاء} قَرَأَ ابْن عَامر / وَإِن تكن / بِالتَّاءِ {ميتَة} رفع وتكن بِمَعْنى الْحُدُوث والوقوع أَي وَإِن تقع أَو تحدث ميتَة وَقَرَأَ ابْن كثير {وَإِن يكن} بِالْيَاءِ {ميتَة} رفع جعل أَيْضا يكن بِمَعْنى الْوُقُوع إِلَّا أَنه ذكر الْفِعْل لِأَن تَأْنِيث الْميتَة غير حَقِيقِيّ فَلذَلِك ذكر الْفِعْل وَقَرَأَ أَبُو بكر وَإِن تكن بِالتَّاءِ ميتَة نصب الْمَعْنى وَإِن تكن تِلْكَ الحمول الَّتِي فِي الْبُطُون ميتَة وَيجوز أَن ترد على الْأَنْعَام أَو على معنى مَا وَلَك أَن ترجع عَن لفظ مَا وَمن إِلَى مَعْنَاهُمَا وَمن مَعْنَاهُمَا إِلَى لَفْظهمَا لِأَن لَفْظهمَا وَاحِد ومعناهما الْجمع والتأنيث وَقد جَاءَ فِي التَّنْزِيل حرف قد حمله على اللَّفْظ ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَعْنى ثمَّ حمله ثَانِيًا على اللَّفْظ وَهُوَ قَوْله {وَمن يُؤمن بِاللَّه وَيعْمل صَالحا يدْخلهُ جنَّات} فَوحد وَحمله على اللَّفْظ ثمَّ قَالَ {خَالِدين فِيهَا أبدا} فَجمع على الْمَعْنى ثمَّ قَالَ {قد أحسن الله لَهُ رزقا} فَرجع بعد الْجمع إِلَى التَّوْحِيد وَحمله أَيْضا على التَّوْحِيد وَكَذَلِكَ قَوْله هُنَا {وَقَالُوا مَا فِي بطُون هَذِه الْأَنْعَام خَالِصَة لذكورنا} على معنى مَا {ومحرم} مُذَكّر بعد مؤنث على لفظ مَا فَهُوَ حرف ثَان وَهُوَ حسن

{قد خسر الذين قتلوا}

وَقَرَأَ نَافِع وَأَبُو عَمْرو وَحَمْزَة الْكسَائي وَحَفْص {وَإِن يكن} بِالْيَاءِ {ميتَة} نصب جعلوها خبر كَانَ وَالِاسْم الْمُضمر فِي {يكن} ردُّوهُ على لفظ مَا الْمَعْنى وَإِن يكن فِي فِي الْبُطُون ميتَة وَإِن يكن الَّذِي فِي الْبُطُون ميتَة قَالَ أَبُو عَمْرو الْوَجْه {يكن} بِالْيَاءِ لقَوْله {فهم فِيهِ} وَلم يقل فِيهَا {قد خسر الَّذين قتلوا} قَرَأَ ابْن كثير وَابْن عَامر {قد خسر الَّذين قتلوا} بِالتَّشْدِيدِ أَي مرّة بعد مرّة كَمَا يُقَال رجل قتال إِذا كثر مِنْهُ الْقَتْل وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {قتلوا} بِالتَّخْفِيفِ {وَآتوا حَقه يَوْم حَصَاده} قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَعَاصِم وَابْن عَامر {يَوْم حَصَاده} بِفَتْح الْحَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ وهما لُغَتَانِ مثل الصرام والصرام قَالَ الْفراء بِالْكَسْرِ حجازية وَأهل نجد وَتَمِيم بِالْفَتْح {وَمن الْمعز اثْنَيْنِ} قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَابْن عَامر / من الْمعز / بِفَتْح الْعين وَقَرَأَ الْبَاقُونَ سَاكِنة الْعين وهما لُغَتَانِ وَالْأَصْل تسكين الْعين لِأَنَّهُ جمع مَاعِز مثل تَاجر وتجر وَصَاحب وَصَحب وحجتهم إِجْمَاع الْجَمِيع على تسكين الْهمزَة فِي الضَّأْن وَهُوَ جمع ضائن كماعز والهمزة وَالْعين من حُرُوف

{قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا}

الْحلق فَردُّوا مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ وَاعْلَم أَنه إِنَّمَا جَازَ فيهمَا الْفَتْح وَإِن كَانَ الأَصْل الإسكان لِأَن فِيهَا حرفا من حُرُوف الْحلق وَالْعرب تفتح إِذا كَانَ فِيهَا حرف من حُرُوف الْحلق وَذَلِكَ نَحْو النَّهر وَالنّهر والزهر والزهر والظعن والظعن وَإِنَّمَا جَازَ فتحهَا لِأَن الحركات ثَلَاث ضمة وفتحة وكسرة فالفتحة من الْألف فَهِيَ من حيّز حُرُوف الْحلق هَذَا قَول سِيبَوَيْهٍ فَإِن قَالَ قَائِل هلا فتحت الْهمزَة من الضَّأْن إِذْ كَانَت من حُرُوف الْحلق كَمَا فتحت الْعين من الْمعز الْجَواب أَن الْهمزَة أثقل من الْعين لِأَنَّهَا تخرج من أقْصَى الْحلق وتحريكها أثقل من تَحْرِيك الْعين وَكَذَلِكَ فرق بَينهمَا {قل لَا أجد فِيمَا أُوحِي إِلَيّ محرما على طاعم يطعمهُ إِلَّا أَن يكون ميتَة أَو دَمًا مسفوحا} قَرَأَ نَافِع وَأَبُو عَمْرو وَعَاصِم وَالْكسَائِيّ {إِلَّا أَن يكون} بِالْيَاءِ {ميتَة} نصب هَذَا هُوَ الْوَجْه لِأَن الِاسْم الْمُضمر فِي {يكون} مُذَكّر وَهُوَ قَوْله {قل لَا أجد فِيمَا أُوحِي إِلَيّ محرما} وَلم يقل مُحرمَة قَالَ الزّجاج تَقْدِيره إِلَّا أَن يكون الْمَأْكُول ميتَة أَو ذَلِك الشَّيْء ميتَة وَقَرَأَ ابْن عَامر {إِلَّا أَن تكون} بِالتَّاءِ {ميتَة} رفع {يكون} فِي هَذِه الْقِرَاءَة بِمَعْنى االحدوث والوقوع الْمَعْنى إِلَّا أَن تقع ميتَة وَقَرَأَ ابْن كثير وَحَمْزَة {إِلَّا أَن تكون} بِالتَّاءِ {ميتَة} نصب {ذَلِكُم وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تذكرُونَ} {وَأَن هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبعُوهُ} 152 و 153

{هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة}

قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وَأَن هَذَا صِرَاطِي} بِالْكَسْرِ على الِاسْتِئْنَاف وَذَلِكَ أَن الْكَلَام متناه عِنْد انْقِضَاء الْآيَة نكسر {إِن} للابتداء بهَا وحجتهما فِي أَن المُرَاد من الْكَلَام هُوَ الِاسْتِئْنَاف قَوْله فِي هَذِه السُّورَة {وَهَذَا صِرَاط رَبك مُسْتَقِيمًا} 126 على الِابْتِدَاء بالْخبر عَن صفة الصِّرَاط قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَعَاصِم {وَأَن هَذَا} بِفَتْح الْألف وَتَشْديد النُّون وحجتهم ذكرهَا اليزيدي فَقَالَ على معنى وَصَّاكُم بِهِ وَبِأَن هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا وَقَالَ آخَرُونَ بل نسق على قَوْله {أتل مَا حرم ربكُم} أَي أتل مَا حرم ربكُم وأتل أَن هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا وَقَرَأَ ابْن عَامر {وَأَن هَذَا} بِفَتْح الْألف وَتَخْفِيف النُّون عطف على قَوْله {أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا} و {إِن هَذَا} عطف {إِن} على {إِن} {هَل ينظرُونَ إِلَّا أَن تأتيهم الْمَلَائِكَة} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / هَل ينظرُونَ إِلَّا أَن يَأْتِيهم الْمَلَائِكَة / بِالْيَاءِ ذهب إِلَى جمع الْمَلَائِكَة وَقد ذكرت الْحجَّة فِي آل عمرَان وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ ذَهَبُوا إِلَى جمَاعَة الْمَلَائِكَة وحجتهم قَوْله {تحمله الْمَلَائِكَة} وَقَوله {وَإِذ قَالَت الْمَلَائِكَة} وَاعْلَم أَن فعل

{إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء}

الجموع إِذا تقدم يذكر وَيُؤَنث تذكره إِذا قدرت الْجمع وتؤنثه إِذا أردْت الْجَمَاعَة {إِن الَّذين فرقوا دينهم وَكَانُوا شيعًا لست مِنْهُم فِي شَيْء} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / إِن الَّذين فارقوا / بالأل وَفِي الرّوم أَيْضا وَمعنى / فارقوا / أَي زايلوا وَقد رُوِيَ أَن رجلا قَرَأَ عِنْد عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه {إِن الَّذين فرقوا} دينهم فَقَالَ عَليّ لَا وَالله مَا فرقوه وَلَكِن فارقوه ثمَّ قَرَأَ / إِن الَّذين فارقوا دينهم / أَي تركُوا دينهم الْحق الَّذِي أَمرهم الله باتباعه ودعاهم إِلَيْهِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فرقوا دينهم} من التَّفْرِيق تَقول فرقت المَال تفريقا وحجتهم قَوْله بعد {وَكَانُوا شيعًا} أَي صَارُوا أحزابا وفرقا قَالَ عبد الْوَارِث وتصديقها قَوْله {كل حزب بِمَا لديهم فَرِحُونَ} يدلك على أَنهم صَارُوا أحزابا وفرقا والمعنيان متقاربان لأَنهم إِذا فرقوا الدّين فقد فارقوه {دينا قيمًا} قَرَأَ ابْن عَامر وَأهل الْكُوفَة {دينا قيمًا} بِكَسْر الْقَاف أَي مُسْتَقِيمًا

{قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين}

مَا قَالَ الزّجاج قيم مصدر كالصغر وَالْكبر إِلَّا أَنه لم يقل قوما مثل {لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حولا} لِأَن قيمًا من قَوْلك قَامَ قيَاما وَالْأَصْل قوم فقلبت الْوَاو ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا فَصَارَ قَامَ فَلَمَّا اعتل الْفِعْل اعتللمصدر فَقيل قيم وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ وحجتهم قَوْله {وَذَلِكَ دين الْقيمَة} و {فِيهَا كتب قيمَة} قَالَ الْفراء فِي هَذِه الْكَلِمَة لُغَات للْعَرَب تَقول هَذَا قيام أَهله وقوام أَهله وقيم أَهله وقيم أَهله {قل إِن صَلَاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب الْعَالمين} قَرَأَ نَافِع {ومحياي} سَاكِنة الْيَاء {ومماتي لله} بِفَتْح الْيَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ ومحياي بِفَتْح الْيَاء {ومماتي} سَاكِنة الْيَاء وَقد بيّنت فِي سُورَة الْبَقَرَة 7 - سُورَة الْأَعْرَاف {قَلِيلا مَا تذكرُونَ} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {قَلِيلا مَا تذكرُونَ} بتَخْفِيف الذَّال وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ والأل تتذكرون من خفف حذف إِحْدَى التَّاءَيْنِ وَهِي الثَّانِيَة وهما زائدتان إِلَّا أَن الأولى تدل على معنى الِاسْتِقْبَال وَالثَّانيَِة إِنَّمَا دخلت على معنى فعلت الشَّيْء على تمهل نَحْو قَوْلك تفهمت الشَّيْء أَي أخذت على مهل وَمن شدد أدغم التَّاء فِي الذَّال لقرب مَكَان هَذِه من مَكَان هَذِه

{قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون}

وَقَرَأَ ابْن عَامر / قَلِيلا مَا يتذكرون / بياء وتاء أَي قَلِيلا مَا يتذكرون هم وَكَذَلِكَ مَكْتُوب فِي مصاحفهم {قَالَ فِيهَا تحيون وفيهَا تموتون وَمِنْهَا تخرجُونَ} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ بن عَامر {وَمِنْهَا تخرجُونَ} بِفَتْح التَّاء جعلوالفعل لَهُم لِأَن الله جلّ وَعز إِذا بَعثهمْ يَوْم الْقِيَامَة فأحياهم وأخرجهم خَرجُوا كَمَا تَقول مَاتَ فلَان فتنسب الْفِعْل إِلَيْهِ وَإِنَّمَا أَمَاتَهُ الله وحجتهم قَوْله {فِيهَا تحيون وفيهَا تموتون} على تصيير الْفِعْل لَهُم فَكَذَلِك أَيْضا {وَمِنْهَا تخرجُونَ} على مَا تقدمه من الْكَلَام وَفِي التَّنْزِيل مَا يدل على قراءتهم وَهُوَ قَوْله {إِذا دعَاكُمْ دَعْوَة من الأَرْض إِذا أَنْتُم تخرجُونَ} بِالْفَتْح وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {تخرجُونَ} بِالضَّمِّ على مَا لم يسم فَاعله وحجتهم إِجْمَاع الْجَمِيع على قَوْله {ثمَّ إِنَّكُم يَوْم الْقِيَامَة تبعثون} على أَنهم مفعولون وَلم يسم الْفَاعِل والمعنيان يتداخلان لِأَن الله إِذْ أخرجهم خَرجُوا وَإِذا خَرجُوا ف بِإِخْرَاج الله خَرجُوا فهم فاعلون مفعولون {يَا بني آدم قد أنزلنَا عَلَيْكُم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التَّقْوَى ذَلِك خير} قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَالْكسَائِيّ {وريشا ولباس التَّقْوَى} بِالنّصب عطفوا على الريش الْمَعْنى وأنزلنا عَلَيْكُم لِبَاس التَّقْوَى وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْع قَالَ الزّجاج وَرَفعه على ضَرْبَيْنِ أحده

{قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة}

أَن يكون مُبْتَدأ وَيكون {ذَلِك} من صفته وَيكون خير خبر الِابْتِدَاء الْمَعْنى ولباس التَّقْوَى الْمشَار إِلَيْهِ خير وَيجوز أَن يكون {ولباس التَّقْوَى} مَرْفُوعا بإضمار هُوَ الْمَعْنى وَهُوَ لِبَاس التَّقْوَى أَي وَستر الْعَوْرَة لِبَاس الْمُتَّقِينَ وحجتهم مَا جَاءَ فِي التَّفْسِير قيل ولباس التَّقْوَى أفضل من الأثاث وَالْكِسْوَة وَجَاء أَيْضا ولباس التَّقْوَى الْحيَاء {قل هِيَ للَّذين آمنُوا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا خَالِصَة يَوْم الْقِيَامَة} قَرَأَ نَافِع {خَالِصَة يَوْم الْقِيَامَة} بِالرَّفْع أَي هِيَ خَالِصَة للَّذين آمنُوا قَالَ الزّجاج قَوْله {خَالِصَة} خبر بعد خبر كَمَا تَقول زيد عَاقل لَبِيب فَالْمَعْنى قل هِيَ ثَابِتَة للَّذين آمنُوا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا خَالِصَة يَوْم الْقِيَامَة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {خَالِصَة} نصبا على الْحَال كَمَا تَقول المَال لزيد خَالِصا {قَالَ لكل ضعف وَلَكِن لَا تعلمُونَ} قَرَأَ أَبُو بكر / قَالَ لكل ضعف وَلَكِن لَا يعلمُونَ / بِالْيَاءِ إِخْبَار عَن غيب الْمَعْنى وَلَكِن لَا يعلم كل فريق مِقْدَار عَذَاب الْفَرِيق الآخر وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ أَي وَلَكِن لَا تعلمُونَ أَيهَا المخاطبون مَا لكل فريق مِنْكُم من الْعَذَاب وَيجوز وَالله أعلم وَلَكِن لَا تعلمُونَ يَا أهل الدُّنْيَا مِقْدَار ذَلِك

{إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء}

{إِن الَّذين كذبُوا بِآيَاتِنَا واستكبروا عَنْهَا لَا تفتح لَهُم أَبْوَاب السَّمَاء} قَرَأَ أَبُو عَمْرو {لَا تفتح} بِالتَّاءِ وَالتَّخْفِيف وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ بِالْيَاءِ وَالتَّخْفِيف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ وَالتَّشْدِيد وَحجَّة التَّاء قَوْله {وَفتحت أَبْوَابهَا} ذَهَبُوا إِلَى جمَاعَة الْأَبْوَاب وَحجَّة من قَرَأَ بِالْيَاءِ هِيَ أَنه لما فصل بَين الْمُؤَنَّث وَبَين فعله بفاصل صَار الْفَاصِل كالعوض من التَّأْنِيث والتذكير والتأنيث فِي هَذَا النَّوْع قد جَاءَ بهما التَّنْزِيل فَمن الأول قَوْله {لن ينَال الله لحومها وَلَا دماؤها} وَمن التَّأْنِيث قَوْله {يَوْم تبيض وُجُوه وَتسود وُجُوه} وَلَو ذكر أما وأنث فعل اللحوم كَانَ جَائِزا حسنا فَأَما التَّشْدِيد فَإِنَّهُ من التفتيح مرّة بعد مرّة أُخْرَى وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَار لِأَنَّهَا جمَاعَة وحجتهم قَوْله {مفتحة لَهُم الْأَبْوَاب} وَلم يقل مَفْتُوحَة وَقَالَ {وغلقت الْأَبْوَاب} وَمن خفف دلّ على الْمرة الْوَاحِدَة وَمعنى قَوْله {لَا تفتح لَهُم أَبْوَاب السَّمَاء} أَي لَا يستحاب لَهُم دعاؤهم فتفتح لَهُم أَبْوَاب السَّمَاء وَقد ذكرت فِي تَفْسِير الْقُرْآن {قَالُوا نعم فَأذن مُؤذن بَينهم أَن لعنة الله على الظَّالِمين} قَرَأَ الْكسَائي {قَالُوا نعم} بِكَسْر الْعين حَيْثُ كَانَ وحجته

{يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره}

مَا رُوِيَ فِي الحَدِيث أَن رجلا لَقِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَآله بمنى فَقَالَ أَنْت الَّذِي يزْعم أَنه نَبِي فَقَالَ نعم بِكَسْر الْعين وَرُوِيَ أَيْضا أَن عمر سَأَلَ رجلا شَيْئا فَقَالَ نعم فَقَالَ قل نعم إِنَّمَا النعم الْإِبِل وَقَرَأَ الْبَاقُونَ نعم بِالْفَتْح وهما لُغَتَانِ قَرَأَ نَافِع وَعَاصِم وَأَبُو عَمْرو والقواس عَن ابْن كثير {أَن لعنة الله} {إِن} خَفِيفَة {لعنة الله} رفع وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {إِن} بِالتَّشْدِيدِ لعنة نصب من خفف فَلهُ مذهبان أَحدهمَا أَنه أَرَادَ أَن الْخَفِيفَة عَن أَن الثَّقِيلَة كَمَا قَالَ جلّ وَعز {أَلا يقدرُونَ على شَيْء} أَرَادَ أَنهم وَالثَّانِي بِمَعْنى أَي الَّتِي هِيَ تَفْسِير كَأَنَّهَا تفسر لما أذنوا بِهِ أَرَادَ {فَأذن مُؤذن بَينهم أَن لعنة الله} وَهَذَا حَكَاهُ الْخَلِيل وَحجَّة التَّخْفِيف قَوْله {ونودوا أَن تلكم الْجنَّة} و {أَن سَلام عَلَيْكُم} وَلم يقْرَأ أحد أَن تلكم وَلَا أَن سَلاما {يغشي اللَّيْل النَّهَار يَطْلُبهُ حثيثا وَالشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم مسخرات بأَمْره}

قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَأَبُو بكر {يغشي اللَّيْل النَّهَار} بِالتَّشْدِيدِ وَفِي الرَّعْد أَيْضا من غشى يغشي أَي يغشي الله اللَّيْل النَّهَار وحجتهم أَن هَذَا فعل يتَرَدَّد ويتكرر وَذَلِكَ أَن كل يَوْم وكل لَيْلَة غير الْيَوْم الآخر وَغير اللَّيْلَة الْأُخْرَى فالتغشية مكررة مَرْدُودَة لمجيئها يَوْمًا بعد يَوْم وَلَيْلَة بعد لَيْلَة وَفِي التَّنْزِيل {فغشاها مَا غشى} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ وحجتهم قَوْله {فأغشيناهم فهم لَا يبصرون} وَقَالَ {كَأَنَّمَا أغشيت وُجُوههم قطعا} وَلم يقل غشيت قَرَأَ ابْن عَامر {وَالشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم مسخرات} بِالرَّفْع جعل الْوَاو وَاو حَال كَمَا تَقول لقِيت زيدا وَيَده على رَأسه أَي رَأَيْته فِي هَذِه الْحَال فَكَذَلِك قَوْله {يغشي اللَّيْل النَّهَار يَطْلُبهُ حثيثا وَالشَّمْس وَالْقَمَر} أَي حَالهمَا التسخير وَكَذَلِكَ {والنجوم مسخرات} وَيجوز أَن يكون {وَالشَّمْس وَالْقَمَر} رفعا على الِابْتِدَاء وَالْخَبَر {مسخرات} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالنّصب على إِضْمَار خلق لِأَنَّهُ لما قَالَ قبلهَا {إِن ربكُم الله الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض} ثمَّ قَالَ {وَالشَّمْس وَالْقَمَر} دلّ على أَن الْمَعْنى وَخلق الشَّمْس وَالْقَمَر كَمَا خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض

{وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته}

{وَهُوَ الَّذِي يُرْسل الرِّيَاح بشرا بَين يَدي رَحمته} قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو / نشرا بَين / بِضَم النُّون والشين جمع نشور كَقَوْلِك صبور وصبر وعجوز وَعجز وَرَسُول ورسل قَالَ اليزيدي الْعَرَب تَقول هَذِه ريَاح نشر مثل قَوْلك نسَاء صَبر قَالَ أَبُو عبيد الرّيح النشور الَّتِي تهب من كل جَانب وَتجمع السحابة الممطرة وَقَالَ غَيره الرّيح النشور الَّتِي تنشر السَّحَاب وَقَرَأَ الْبَاقُونَ نشرا بِضَم النُّون وَسُكُون الشين أَرَادَ {نشرا} فَخفف مثل رسل ورسل وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {نشرا} بِفَتْح النُّون وَسُكُون الشين قَالَ الْفراء النشر من الرِّيَاح الطّيبَة اللينة الَّتِي تنشئ السَّحَاب فَكَأَن الْفراء ذهب إِلَى أَن النشر صنف من صنوف الرِّيَاح وَنَوع من أَنْوَاعهَا وَقَالَ آخَرُونَ يجوز أَن يكون قَوْله {نشرا} مصدر نشرت الرّيح السَّحَاب نشرا فَكَأَن معنى ذَلِك على هَذَا التَّأْوِيل وَهُوَ الَّذِي يُرْسل الرِّيَاح نَاشِرَة للسحاب ثمَّ اكْتفى بِالْمَصْدَرِ عَن الْفَاعِل كَمَا تَقول الْعَرَب رجل صَوْم وَرجل فطر أَي صَائِم

{ما لكم من إله غيره}

قَالَ أَبُو عُبَيْدَة وحجته فِي هَذِه الْقِرَاءَة قَوْله {والناشرات نشرا} وَقَرَأَ عَاصِم {بشرا} بِالْيَاءِ وَإِسْكَان الشين أَخذه من الْبشَارَة وحجته قَوْله {وَمن آيَاته أَن يُرْسل الرِّيَاح مُبَشِّرَات} وَذَلِكَ أَن الرّيح تبشر بالمطر وَكَانَ عَاصِم يُنكر أَن تكون الرّيح تنشر وَكَانَ يَقُول الْمَطَر ينشر أَي يحيي الأَرْض بعد مَوتهَا يُقَال نشر وأنشر إِذا أَحْيَا {مَا لكم من إِلَه غَيره} قَرَأَ الْكسَائي {مَا لكم من إِلَه غَيره} بالخفض جعله صفة ل إِلَه ولموافقة اللَّفْظ الْمَعْنى وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {مَا لكم من إِلَه غَيره} بِالرَّفْع أَي مَا لكم إِلَه غَيره وَدخلت من مُؤَكدَة وَهُوَ الْمُخْتَار على مَذْهَب التَّحْقِيق لِأَن غير إِذا كَانَت بِمَعْنى إِلَّا جعلت على إِعْرَاب مَا بعد إِلَّا وَأَنت قَائِل مَا لكم من إِلَه إِلَّا الله وَلَو جعلت مَكَان إِلَّا غير رفعته وَالِاسْتِثْنَاء بعد الْجحْد تَحْقِيق {أبلغكم رسالات رَبِّي} قَرَأَ أَبُو عَمْرو {أبلغكم رسالات} بِالتَّخْفِيفِ من أبلغ يبلغ

{قال الملأ الذين استكبروا من قومه}

وحجته قَوْله {لقد أبلغتكم رسالات رَبِّي} فَرد أَبُو عَمْرو مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أبلغكم} بِالتَّشْدِيدِ وحجتهم قَوْله تبَارك وَتَعَالَى {يَا أَيهَا الرَّسُول بلغ مَا أنزل إِلَيْك من رَبك} وَقَالَ {الَّذين يبلغون رسالات الله} وهما لُغَتَانِ مثل عظمت الْأَمر وأعظمته {قَالَ الْمَلأ الَّذين استكبروا من قومه} قَرَأَ ابْن عَامر فِي قصَّة صَالح / وَقَالَ الْمَلأ الَّذين استكبروا من قومه / بِزِيَادَة وَاو كَذَلِك فِي مصاحفهم وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِغَيْر الْوَاو فَمن قَرَأَ بِالْوَاو عطفه على مَا قبله وَمن قَرَأَ بِغَيْر الْوَاو ابْتَدَأَ بِغَيْر عطف {إِنَّكُم لتأتون الرِّجَال} قَرَأَ نَافِع وَحَفْص {إِنَّكُم لتأتون الرِّجَال} بِكَسْر الْألف على الْخَبَر وقرا ابو عَمْرو / ءاينكم / بهمز ثمَّ بِمد بعد الْهَمْز أصل الْكَلِمَة إِنَّكُم ثمَّ دخلت همزَة الِاسْتِفْهَام وَصَارَ أئنكم فاستثقل الْجمع بَين الهمزتين فَأدْخل بَينهمَا ألفا ليبعد الْمثل عَن الْمثل وَيَزُول الِاجْتِمَاع فيخف اللَّفْظ فَصَارَ ءائنكم ثمَّ لين الثَّانِيَة فَصَارَ ءاينكم وحجته أَن الْعَرَب تستثقل الْهمزَة الْوَاحِدَة فتخففها فِي أخف أحوالها وَهِي سَاكِنة نَحْو كأس وبأس وَتَقَلُّبهَا ألفا فَإِذا كَانَت تخففها وَهِي وَحدهَا فَأن تخففها وَمَعَهَا مثلهَا أولى

{لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض}

وَقَرَأَ ابْن كثير / أينكم / بِهَمْزَة وَاحِدَة غير مُطَوَّلَة وَهُوَ أَن تحقق الأولى وتخفف الثَّانِيَة وَالثَّانيَِة إِذا خففت جعلت بَين الْهمزَة وَبَين الْحَرْف الَّذِي عَنهُ حَرَكَة الْهمزَة وَهُوَ هَا هُنَا همزَة مَكْسُورَة وَالْأَصْل إِنَّكُم ثمَّ دخلت همزَة الِاسْتِفْهَام فَصَارَ أئنكم ثمَّ لين الثَّانِيَة فَصَارَ أينكم قَرَأَ ابْن عَامر فِي رِوَايَة هِشَام / ءائنكم / بهمزتين بَينهمَا مُدَّة وَهُوَ أَن تزاد الْألف بَين الهمزتين ليبعد الْمثل عَن الْمثل فيخف اللَّفْظ بالهمزتين مَعَ الْحَائِل بَينهمَا وَهُوَ الْمدَّة وَقَرَأَ ابْن عَامر وَأهل الْكُوفَة {أئنكم} بهمزتين وحجتهم أَن الْهمزَة حرف من حُرُوف المعجم كَغَيْرِهِ من سَائِر الْحُرُوف جَازَ الْجمع بَينهمَا من غير تَغْيِير كَقَوْلِه {أتمدونن بِمَال} و {لَعَلَّكُمْ تتفكرون} فَجعلُوا الهمزتين كغيرهما من سَائِر الْحُرُوف فَافْهَم ذَلِك وَقس وَابْن على هَذَا جَمِيع مَا يَأْتِي فِي الْقُرْآن من هَذَا النَّوْع من اخْتِلَاف الْقُرَّاء على مَا بيّنت لَك {لفتحنا عَلَيْهِم بَرَكَات من السَّمَاء وَالْأَرْض} قَرَأَ ابْن عَامر {لفتحنا} بِالتَّشْدِيدِ أَي مرّة بعد مرّة وحجته قَوْله {بَرَكَات من السَّمَاء} وَلم يقل بركَة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ أَرَادوا الْوَاحِد {أَو أَمن أهل الْقرى}

{حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق}

قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَابْن عَامر {أَو أَمن أهل الْقرى} بِإِسْكَان الْوَاو جَعَلُوهُ نسقا فِي الاستفها كَمَا تَقول أَقمت أَو قعدت وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أَو أَمن} بِفَتْح الْوَاو جعلُوا وَاو عطف دخلت عَلَيْهَا ألف الِاسْتِفْهَام وَهُوَ الْمُخْتَار لِأَنَّهُ مثل قَوْله قبلهَا {أفأمن أهل الْقرى} {حقيق على أَن لَا أَقُول على الله إِلَّا الْحق} قَرَأَ نَافِع {حقيق على} مُشَدّدَة الْيَاء وحجته مَا جَاءَ فِي التَّفْسِير حقيق عَليّ أَي وَاجِب عَليّ كَمَا يَقُول الرجل هَذَا عَليّ وَاجِب فالياء الْأَخِيرَة يَاء الْإِضَافَة وَالْأولَى من نفس الْكَلِمَة فأدغمت الأولى فِي الثَّانِيَة وَفتحت الثَّانِيَة لالتقاء الساكنين على أَصْلهَا وَمثله لدي وإلي وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / حقيق على أَلا أَقُول / بِالتَّخْفِيفِ مَعْنَاهُ حقيق بألا أَقُول كَقَوْلِك جدير وخليق أَلا أفعل كَذَا وَقَالَ قوم مَعْنَاهُ حَرِيص على أَلا أَقُول وحجتهم قِرَاءَة ابْن مَسْعُود قَرَأَ / حقيق بألا اقول / قَالَ الْفراء الْبَاء بِمَعْنى على كَقَوْل الْعَرَب فلَان على حَالَة حَسَنَة وبحالة حَسَنَة {قَالُوا أرجه وأخاه} قَرَأَ ابْن كثير وَهِشَام عَن ابْن عَامر / أرجئه / مَهْمُوزَة بواو بعد الْهَاء فِي اللَّفْظ وَاصل هَذِه الْهَاء الَّتِي للمضمر أَن تكون مَضْمُومَة

بعْدهَا وَاو كَقَوْلِك ضربتهو يَا فَتى ومررت بهويا فَتى زعم سِيبَوَيْهٍ أَن الْوَاو زيدت على الْهَاء فِي الْمُذكر كَمَا زيدت الْألف فِي الْمُؤَنَّث كَقَوْلِك ضربتها ومررت بهَا ليستوي الْمُذكر والمؤنث فِي بَاب الزِّيَادَة وعلامة الْأَمر فِي أرجئهو سُكُون الْهمزَة وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو / وأرجئه / مَضْمُومَة الْهَاء من غير إشباع اكْتِفَاء بالضمة عَن الْوَاو لِأَنَّهَا نابت عَن الْوَاو وَأُخْرَى أَن الْهَاء لَيست بحاجز حُصَيْن فَكَأَن السَّاكِن الَّذِي قبلهَا ملاق للساكن الَّذِي بعْدهَا فتحذف الْوَاو كَمَا يحذف السَّاكِن عِنْد ملاقاة سَاكن وَقَرَأَ نَافِع وَالْكسَائِيّ / أرجهي / بِغَيْر همزَة وبجر الْهَاء يصلان بياء وَالْأَصْل فِي هَذِه الْهَاء الضمة كَمَا ذكرنَا وَلَكنهُمْ قلبوا الْوَاو يَاء لانكسار مَا قبلهَا أَعنِي كسرة الْجِيم وَإِنَّمَا اخْتَار الكسرة على الضمة الَّتِي هِيَ الأَصْل لاستثقال الضمة بعد الكسرة أَلا ترى أَنه رفض فِي اصل الْبناء فَلم يجِئ بِنَاء على فعل مَضْمُومَة الْعين بعد كسرة الْفَاء وَقَرَأَ الْحلْوانِي عَن نَافِع {أرجه} بِكَسْر الْهَاء من غير إشباع وحجته هِيَ أَن الكسرة تدل على الْيَاء وتنوب كَمَا قَالَ {أكرمن} و {أهانن} وَالْأَصْل أكرمني وأهانني وَقَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة {أرجه} بترك الْهمزَة وَسُكُون الْهَاء وحجتهما ذكرهَا الْفراء قَالَ إِن من الْعَرَب من يسكن الْهَاء إِذْ تحرّك مَا قبلهَا فَيَقُول ضَربته ضربا شَدِيدا فينزلون الْهَاء وَأَصلهَا الضمة بِمَنْزِلَة أَنْتُم وأصل الْمِيم الرّفْع وَلم يصلوها بواو وَالَّذِي يدل على مَا قَالَ

{يأتوك بكل ساحر عليم}

أَنَّك تردها إِلَى الأَصْل مَعَ الْمُضمر فَتَقول رَأَيْتُمُوهُ قَالَ الله تَعَالَى {فقد رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُم تنْظرُون} فأجريا الْهَاء وَأَصلهَا الضَّم مجْرى الْمِيم قَالَ الشَّاعِر ... فيصلح الْيَوْم ويفسده غَدا ... وَقَرَأَ ابْن عَامر / أرجئه / بِالْهَمْز وَكسر الْهَاء من غير إشباع قَالَ أهل النَّحْو هَذَا غلط لِأَن الكسرة لَا تجوز فِي الْهَاء إِذا سكن مَا قبلهَا نَحْو مِنْهُم بِكَسْر الْهَاء قَالَ وَإِنَّمَا يجوز كسر الْهَاء إِذا كَانَ مَا قبلهَا يَاء أَو كسرة فتكسر الْهَاء لأجلهما وَله وَجه قد ذكره بعض النَّحْوِيين قَالَ إِن الْهمزَة لما سكنت للجزم وَبعدهَا الْهَاء سَاكِنة على لُغَة من يسكن فَكسر الْهَاء لالتقاء الساكنين وَلَيْسَ هَذَا كَقَوْلِهِم مِنْهُم لِأَن الْهَاء هُنَالك لَا تكون إِلَّا متحركة {يأتوك بِكُل سَاحر عليم} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {بِكُل سحار عليم} بِالْألف بعد الْحَاء وَكَذَلِكَ فِي يُونُس وحجتهما إِجْمَاع الْجَمِيع على قَوْله فِي سُورَة الشُّعَرَاء {بِكُل سحار عليم} وَلَا فرق بَينهمَا وَبَين مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ فَرد مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ وَأُخْرَى أَن سحارا أبلغ من سَاحر وَأَشد مُبَالغَة فِي الْوَصْف من ذَلِك علام أبلغ من عَالم فَكَذَلِك سحار أبلغ من سَاحر

{قالوا إن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين}

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يأتوك بِكُل سَاحر} الْألف قبل الْحَاء وحجتهم إِجْمَاعهم على قَوْله {وَلَا يفلح السَّاحر حَيْثُ أَتَى} {قَالُوا إِن لنا لأجرا إِن كُنَّا نَحن الغالبين} قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَحَفْص {قَالُوا إِن لنا لأجرا} على الْخَبَر وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو / إين لنا / بِالْمدِّ وَقَرَأَ هِشَام بهمزتين بَينهمَا مُدَّة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أئن} بهمزتين وَقد كرنا الْحجَّة عِنْد قَوْله {أئنكم لتأتون الرِّجَال} {فَإِذا هِيَ تلقف مَا يأفكون} قَرَأَ حَفْص عَن عَاصِم {فَإِذا هِيَ تلقف} سَاكِنة اللَّام من لقفت الشَّيْء ألقفه وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {تلقف} بِالتَّشْدِيدِ من تلقف يتلقف على وزن تعلم يتَعَلَّم وَالْأَصْل تتلقف فحذفوا إِحْدَى التَّاءَيْنِ مثل تذكرُونَ و {يَوْم يَأْتِ لَا تكلم} أَي لَا تَتَكَلَّم وَقَرَأَ البزي {فَإِذا هِيَ تلقف} بتَشْديد التَّاء أَرَادَ تتلقف فأدغم التَّاء فِي التَّاء وَكَذَلِكَ فِي طه {قَالَ فِرْعَوْن آمنتم بِهِ}

قَرَأَ ورش عَن نَافِع وَحَفْص {قَالَ فِرْعَوْن آمنتم بِهِ} على لفظ الْخَبَر بِغَيْر اسْتِفْهَام أَي صَدقْتُمْ بِهِ وَقَرَأَ نَافِع والبزي عَن ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَابْن عَامر {قَالَ فِرْعَوْن آمنتم} بِالْهَمْز وَالْمدّ على الِاسْتِفْهَام أَي أجعلتم لَهُ الَّذِي أَرَادَ فِي {آمنتم} ثَلَاث ألفات ألف الِاسْتِفْهَام بِمَعْنى التوبيخ وَالْألف الْوُسْطَى ألف افْعَل وَهِي ألف الْقطع والأخيرة فَاء الْفِعْل وَالْأَصْل قبل دُخُول ألف التوبيخ ءامنتم بِهَمْزَة بعْدهَا ألف ملينة الأَصْل أأمنتم فَخفف مثل آدم قَرَأَ ابْن كثير فِي رِوَايَة القواس / قَالَ فِرْعَوْن وامنتم / بواو فِي اللَّفْظ إِذا وصل وَلَا يهمز وَاعْلَم أَن هَذِه الْهمزَة إِذا خففت لم تكن بَين بَين بل تنْقَلب واوا لِأَن جعلهَا بَين بَين هُوَ أَن تكون الْهمزَة وَالْألف وَالْألف لَا تقع قبلهَا ضمة فمنعت ضمة النُّون فِي {قَالَ فِرْعَوْن} أَن تجْعَل الْهمزَة بَين بَين وَجَرت مجْرى الهمة فِي جؤن إِذا خففت قلبت واوا فَتَقول جون وَكَذَلِكَ كل همزَة مَفْتُوحَة قبلهَا ضمة فَإنَّك إِذا خففتها قلبتها واوا مثل / لَا يُوَاخِذُكُمْ الله / و / المولفة / وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَأَبُو بكر / قَالَ فِرْعَوْن أآمنتم / بهمزتين وحجتهم أَن الْهمزَة حرف من حُرُوف المعجم كَغَيْرِهِ من سَائِر الْحُرُوف جَازَ الْجمع بَينهمَا نَحْو مَا يجْتَمع فِي الْكَلِمَة حرفان فَيُؤتى بِكُل وَاحِد مِنْهُمَا من غير تَغْيِير كَقَوْلِه {لَعَلَّكُمْ تتفكرون} فَجعلُوا

{قال سنقتل أبناءهم}

الهمزتين كغيرهما من سَائِر الْحُرُوف {قَالَ سنقتل أَبْنَاءَهُم} قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير {قَالَ سنقتل أَبْنَاءَهُم} بِالتَّخْفِيفِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ لِكَثْرَة الْقَتْل مرّة بعد مرّة فَأكْثر مَا تكلم بِهِ الْعَرَب التَّشْدِيد وَمن خفف فَإِنَّهُ أَرَادَ مرّة وَاحِدَة {وَمَا كَانُوا يعرشون} قَرَأَ ابْن عَامر وَأَبُو بكر {يعرشون} بِضَم الرَّاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِكَسْر الرَّاء {فَأتوا على قوم يعكفون على أصنام لَهُم} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {يعكفون} بِكَسْر الْكَاف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالضَّمِّ وهما لُغَتَانِ تَقول عكف يعكف ويعكف وَكَذَلِكَ عرش يعرش ويعرش {وَإِذ أنجيناكم من آل فِرْعَوْن يسومونكم سوء الْعَذَاب يقتلُون أبناءكم} قَرَأَ ابْن عَامر / وَإِذ أنجاكم من آل فِرْعَوْن / بِغَيْر يَاء وَلَا نون وَكَذَا فِي مصاحفهم وَالْمعْنَى وَإِذ أنجاكم الله وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَإِذ أنجيناكم} بِالْيَاءِ وَالنُّون أخبر جلّ وَعز عَن نَفسه بِلَفْظ الْمُلُوك قَرَأَ نَافِع {يقتلُون أبناءكم} بِالتَّخْفِيفِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ {فَلَمَّا تجلى ربه للجبل جعله دكا}

{قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي}

قَرَأَ حَمْزَة الْكسَائي {جعله دكاء} بِالْمدِّ والهمز قَالَ الْأَخْفَش قَول تَعَالَى {دكاء} أَي جعله مثل دكاء ثمَّ حذف الْمُضَاف وأقم الْمُضَاف إِلَيْهِ مقَامه كَمَا قَالَ / وسل الْقرْيَة الَّتِي / وَالْعرب تَقول نَاقَة دكاء أَي لَا سقام لَهَا وَقَالَ قطرب قَوْله {دكاء} صفة التَّقْدِير جعله أَرضًا دكاء أَي ملساء فأقيمت الصّفة مقَام الْمَوْصُوف وَحذف الْمَوْصُوف وَدلّ عَلَيْهِ الصّفة كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ {وَقُولُوا للنَّاس حسنا} أَي قولا حسنا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {دكا} منونا جعلُوا دكا مصدرا من دككت الشَّيْء إِذا كَسرته وفتته فتأويله جعلته مفتتا كالتراب وحجتهم قَوْله تَعَالَى {كلا إِذا دكت الأَرْض دكا دكا} الْمَعْنى فَلَمَّا تجلى ربه للجبل جعل مدكوكا فَكَأَنَّهُ دكه فَيجْعَل قَوْله {دكا} مصدرا صدر عَن معنى الْفِعْل لَا عَن لَفظه {قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصطفيتك على النَّاس برسالاتي وبكلامي} قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير / إِنِّي اصطفيتك على النَّاس برسالتي / على التَّوْحِيد وحجته مَا بعده {وبكلامي} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {برسالاتي} على الْجمع أرْسلهُ مرَارًا {وَإِن يرَوا سَبِيل الرشد لَا يتخذوه سَبِيلا} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {الرشد} بِفَتْح الرَّاء والشين وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِضَم الرَّاء وَسُكُون الشين وهما لُغَتَانِ مثل السقم والسقم والحزن

{واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا}

والحزن قَالَ أَبُو عَمْرو سَبِيل الرشد أَي الصّلاح وتصديقها قَوْله {فَإِن آنستم مِنْهُم رشدا} والرشد فِي الدّين فَلذَلِك قَرَأَ فِي الْكَهْف {مِمَّا علمت رشدا} {وَاتخذ قوم مُوسَى من بعده من حليهم عجلا جسدا} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {من حليهم} بِكَسْر الْحَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالضَّمِّ وحجتهم أَن الضَّم هُوَ الأَصْل وَفِيه علم الْجمع وَذَلِكَ أَن الْحلِيّ جمع حلي مثل حقو وحقي وَالْأَصْل حلوي مثل قلب وَقُلُوب فَلَمَّا سبقت الْوَاو الْيَاء قلب الْوَاو يَاء فأدغمت فِي الْيَاء فَصَارَت حلي بِضَم الحاءواللام فاجتمعت ضمتان وبعدهما يَاء مُشَدّدَة فَكَانَ ذَلِك أَشد ثقلا فَكسرت اللَّام لمجيء الْيَاء فَصَارَت حلي بِضَم الْحَاء وَكسر اللَّام وَحجَّة من كسر الْحَاء هِيَ أَنه استثقل ضمة الْحَاء بعد كسر اللَّام وَبعدهَا يَاء فَكسر الْحَاء لمجاورة كسرة اللَّام وَأُخْرَى أَنهم قد أَجمعُوا على قَوْله من عصيهم فَردُّوا مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ {قَالُوا لَئِن لم يَرْحَمنَا رَبنَا وَيغْفر لنا لنكونن من الخاسرين} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / لَئِن لم ترحمنا / بِالتَّاءِ على الْخطاب {رَبنَا} بِالنّصب على النداء أَي يَا رَبنَا / وَتغْفر لنا / بِالتَّاءِ وحجتهما أَن فِي حرف أبي قَالُوا / رَبنَا لَئِن لم ترحمنا وَتغْفر لنا /

{قال ابن أم إن القوم استضعفوني}

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لَئِن لم يَرْحَمنَا} بِالْيَاءِ {رَبنَا} بِالرَّفْع على الْخَبَر {وَيغْفر} بِالْيَاءِ أَيْضا وحجتهم هِيَ أَنه لما تبين لَهُم الضلال بعبادتهم الْعجل قَالَ بَعضهم لبَعض لَئِن لم يَرْحَمنَا رَبنَا وَيغْفر لنا مَا جنيناه على أَنْفُسنَا لنكونن من الخاسرين فَجرى الْكَلَام على لفظ الْخَبَر من بَعضهم لبَعض {قَالَ ابْن أم إِن الْقَوْم استضعفوني} قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَحَفْص {قَالَ ابْن أم} بِفَتْح الْمِيم جعلُوا الاسمين اسْما وَاحِدًا نَحْو خَمْسَة عشر ففتحوا ابْن أم وَابْن عَم لِكَثْرَة استعمالهم هَذَا الِاسْم وَاعْلَم أَن النداء كَلَام مُحْتَمل الْحَذف فَجعلُوا ابْن وَأم شَيْئا وَاحِدًا وَقَالَ آخَرُونَ إِنَّهُم أَرَادوا الندبة ب ابْن أُمَّاهُ قَالُوا وَالْعرب تَقول يَا بن عماه وَالْأَصْل يَا بن أُمِّي ثمَّ قلبت الْيَاء ألفا فَصَارَت يَا بن أما ثمَّ حذفت الْألف لِأَن الفتحة تنوب عَنْهَا وَقَرَأَ أهل الشَّام والكوفة {قَالَ ابْن أم} بِالْكَسْرِ وَكَذَلِكَ فِي طه وَالْأَصْل يَا بن أُمِّي بِإِثْبَات الْيَاء ثمَّ حذفوا الْيَاء لِأَن الكسرة نابت عَن الْيَاء وحجتهم قَوْله {يَا قوم لَا أَسأَلكُم} فَإِن قيل لم حذفت الْيَاء من قَوْلك يَا بن أم والمنادى هَا هُنَا الابْن لَا الْأُم وَهُوَ مثل قَوْلك يَا غُلَام غلامي وَهَا هُنَا لم تجوز حذف الْيَاء وَإِنَّمَا سَقَطت الْيَاء من المنادى من نَحْو يَا قوم وَيَا عباد

{ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم}

الْجَواب عَنهُ إِنَّمَا جَازَ حذف الْيَاء من الْأُم تَشْبِيها بياء الْإِضَافَة فِي قَول الْقَائِل يَا غُلَام وَذَلِكَ أَنا جعلنَا الاسمين اسْما وَاحِدًا فتنزلا منزلَة اسْم وَاحِد كَأَنَّك تنادي وَاحِدًا لِأَنَّك إِذا قلت يَا بن أم كَأَنَّك قلت يَا أَخ فَهُوَ بِمَنْزِلَة قَوْلك يَا غُلَام وَيَا قوم {وَيَضَع عَنْهُم إصرهم والأغلال الَّتِي كَانَت عَلَيْهِم} قَرَأَ ابْن عَامر / وَيَضَع عَنْهُم آصارهم / على الْجمع أَي أثقالهم تَقول إصر وآصار مثل جذع وأجذاع وَفِي قِرَاءَته همزتان الأولى ألف الْجمع وَالثَّانيَِة اصلية فَلَمَّا اجْتمعت همزتان لينوا الثَّانِيَة وَالْأَصْل أأصارهم وحجته أَنه لم يخْتَلف فِي جمع الأغلال وَهِي نسق على الإصر وَكَذَلِكَ آصارهم لقَوْله {والأغلال الَّتِي كَانَت عَلَيْهِم} قيل إِن الآصار هِيَ العهود وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {إصرهم} وحجتهم قَوْله تَعَالَى {رَبنَا وَلَا تحمل علينا إصرا} وَقَوله {وأخذتم على ذَلِكُم إصري} فَردُّوا مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ عَن سعيد بن جُبَير {وَيَضَع عَنْهُم إصرهم} قَالَ شدَّة الْعِبَادَة {وادخلوا الْبَاب سجدا نغفر لكم خطيئاتكم سنزيد الْمُحْسِنِينَ} قَرَأَ نَافِع / تغْفر لكم / بِالتَّاءِ مَضْمُومَة {خطيئاتكم} على الْجمع

وَضم التَّاء على مَا لم يسم فَاعله وَهِي جمع سَلامَة كَمَا تَقول صحيفَة وصحائف وحجته أَن أول الْآيَة {وَإِذ قيل لَهُم} على مَا لم يسم فَاعله فَكَذَلِك {تغْفر} على مَا لم يسم فَاعله وَالتَّاء فِي قَوْله {تغْفر} فعل جمَاعَة تقدم وَقَرَأَ ابْن عَامر {تغْفر} بِالتَّاءِ أَيْضا إِلَّا أَنه وحد فَقَرَأَ / خطيئتكم / وحجته أَن الْوَاحِدَة تُؤدِّي عَن الْجمع قَالَ الله تَعَالَى {ليغفر لَك الله مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر} وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو {نغفر لكم} بالنُّون الله أخبر عَن نَفسه وحجته قَوْله {سنزيد الْمُحْسِنِينَ} {خطاياكم} بِالْجمعِ جمع تكسير كَمَا تَقول رعية ورعايا وبرية وبرايا وضحية وضحايا قَالَ سِيبَوَيْهٍ الأَصْل فِي خَطَايَا خطائي مثل خطائع فَيجب أَن يُبدل من هَذِه الْيَاء همزَة فَيصير خطائئي مثل خطايع وَإِنَّمَا همز ليَكُون فرقا بَين الْأَصْلِيَّة وَغير الْأَصْلِيَّة مثل معيشة فتجتمع همزتان فنقلب الثَّانِيَة يَاء فَتَصِير خطائي مثل خطاعي ثمَّ يجب أَن تقلب الْيَاء والكسرة إِلَى الفتحة وَالْألف فَتَصِير خطاءا مثل خطاءا فَيجب أَن تبدل الْهمزَة يَاء لوقوعها بَين أَلفَيْنِ فَتَصِير خَطَايَا وَإِنَّمَا أبدلت الْهمزَة حِين وَقعت بَين أَلفَيْنِ لِأَن الْهمزَة مجانسة للألفات فاجتمعت ثَلَاثَة أحرف من جنس وَاحِد وَقَرَأَ ابْن كثير وَأهل الْكُوفَة {نغفر} بالنُّون أَيْضا {خطيئاتكم}

{قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون}

بِالتَّاءِ مَهْمُوزَة على الْجمع جمع السَّلامَة نَحْو سفينة وسفينات وصحيفة وصحيفات وخطيئة وخطيئات على وزن فعيلات وَهِي فِي مَوضِع نصب وَإِنَّمَا كسرت التَّاء لِأَنَّهَا غير أَصْلِيَّة {قَالُوا معذرة إِلَى ربكُم ولعلهم يَتَّقُونَ} قَرَأَ حَفْص عَن عَاصِم {قَالُوا معذرة} بِالنّصب على الْمصدر وحجته أَن الْكَلَام جَوَاب كَأَنَّهُ قيل لَهُم لم تعظون قوما الله مهلكهم فَأَجَابُوا فَقَالُوا نعظهم اعتذارا ومعذرة إِلَى رَبهم وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {معذرة} بِالرَّفْع قَالَ سِيبَوَيْهٍ مَعْنَاهُ موعظتنا إيَّاهُم معذرة فَالْمَعْنى أَنهم قَالُوا الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَاجِب علينا فعلينا موعظة هَؤُلَاءِ لَعَلَّهُم يَتَّقُونَ {وأخذنا الَّذين ظلمُوا بِعَذَاب بئيس بِمَا كَانُوا يفسقون} قَرَأَ ابْن عَامر / بِعَذَاب بئس / بِكَسْر الْبَاء وبهمزة سَاكِنة خرج الْهمزَة على الأَصْل وَلم يلف فِي الْهمزَة هَا هُنَا ثقل لخفة الْحَرْف وَقلة حُرُوفه وَقَرَأَ نَافِع / بِعَذَاب بيس / بِغَيْر همز فعل من الْبُؤْس ترك همزه فأبدلت الْيَاء من الْهمزَة لثقل الْهَمْز لِأَن الْيَاء أخف مِنْهُ وَقَرَأَ أَبُو بكر عَن عَاصِم / بيأس / على فيعل مثل رجل صيرف إِذا كَانَ يتَصَرَّف فِي الْأُمُور وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {بِعَذَاب بئيس} على فعيل من الْبُؤْس وَتَفْسِيره الشَّديد {ودرسوا مَا فِيهِ وَالدَّار الْآخِرَة خير للَّذين يَتَّقُونَ أَفلا تعقلون}

{وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا} 172 و

{وَالَّذين يمسكون بِالْكتاب} 169 و 170 قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَحَفْص {أَفلا تعقلون} بِالتَّاءِ على الْخطاب وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ إِخْبَار عَنْهُم قَرَأَ أَبُو بكر {وَالَّذين يمسكون بِالْكتاب} بِالتَّخْفِيفِ أَي يَأْخُذُونَ بِمَا فِيهِ من حَلَاله وَحَرَامه وحجته قَوْله {فَكُلُوا مِمَّا أمسكن عَلَيْكُم} وَقَوله {أمسك عَلَيْك زَوجك} وَلم يقل مسك وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يمسكون} بِالتَّشْدِيدِ وحجتهم فِي ذَلِك أَنهم قَالُوا إِنَّمَا يُقَال مسكت بالشَّيْء فَإِذا خففوا لم يدخلُوا بِالْبَاء وَقَالُوا أَمْسَكت الشَّيْء وَلَا يُقَال أَمْسَكت بالشَّيْء الْجَواب عَن قِرَاءَة أبي بكر أَن الْعَرَب تزيد الْبَاء وَفِي كتاب الله {عينا يشرب بهَا عباد الله} أَي يشْربهَا وَالْبَاء زَائِدَة فَكَذَلِك تَقول أَمْسَكت بالشَّيْء مَعْنَاهُ أَمْسَكت الشَّيْء {وَإِذ أَخذ رَبك من بني آدم من ظُهُورهمْ ذُرِّيتهمْ وأشهدهم على أنفسهم أَلَسْت بربكم قَالُوا بلَى شَهِدنَا أَن تَقولُوا يَوْم الْقِيَامَة إِنَّا كُنَّا عَن هَذَا غافلين أَو تَقولُوا} 172 و 173 قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَأَبُو عَمْرو / من ظُهُورهمْ ذرياتهم / بِالْألف وَكسر التَّاء وحجتهم أَن الذريات الأعقاب المتناسلة وَأَنَّهَا إِذا كَانَت كَذَلِك كَانَت أَكثر من الذُّرِّيَّة وَاحْتج أَبُو عَمْرو فِي ذَلِك عِنْد قَوْله / هَب لنا من أَزوَاجنَا وَذُرِّيَّتنَا قُرَّة أعين / أَن الذُّرِّيَّة مَا كَانَ فِي

حجورهم وَأَن الذريات مَا تناسل بعدهمْ وأحال أَن تكون ذريات بقد قَوْله {قُرَّة أعين} وَقَالَ لِأَن الْإِنْسَان لَا تقر عينه بِمَا كَانَ بعده وَقَرَأَ أهل مَكَّة والكوفة {ذُرِّيتهمْ} وحجتهم أَن الذُّرِّيَّة لما فِي الجحور وَمَا يتناسل بعد وَالدّلَالَة على ذَلِك قَوْله تَعَالَى {أُولَئِكَ الَّذين أنعم الله عَلَيْهِم من النَّبِيين من ذُرِّيَّة آدم} فَلَا شىء أَكثر من ذُرِّيَّة آدم وَالَّذين لم يرهم آدم من ذُريَّته أَكثر من الَّذين رَآهُمْ وَقد أَجمعُوا هُنَا على ذُرِّيَّة بِلَا خلاف بَين الْأمة فَكَانَ رد مَا اخْتلفُوا إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ أولى بِالصَّوَابِ وَقَوله عقيب ذَلِك {وَكُنَّا ذُرِّيَّة من بعدهمْ} بِلَفْظ وَاحِد أدل دَلِيل على صِحَة التَّوْحِيد إِذْ كَانُوا هم الَّذين أخبر عَنْهُم وَقد أَجمعُوا على التَّوْحِيد قَرَأَ أَبُو عَمْرو / أَن يقولو يَوْم الْقِيَامَة / / أَو يَقُولُوا / بِالْيَاءِ فيهمَا وحجته ذكرهَا اليزيدي فَقَالَ وتصديقها قَوْله / من ظُهُورهمْ ذرياتهم وأشهدهم / وَبعدهَا أَيْضا {وَكَذَلِكَ نفصل الْآيَات ولعلهم يرجعُونَ} فَذكر أَبُو عَمْرو فَذهب إِلَى أَن الْكَلَام أجري على لفظ مَا تقدمه من الْخَبَر عَن الذُّرِّيَّة لِأَن الْكَلَام ابتداؤه بالْخبر عَنْهُم فَمَا كَانَ فِي سِيَاقه فَهُوَ جَار على لَفظه وَمَعْنَاهُ فَكل هَذَا خبر عَنْهُم وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ ردوا الْكَلَام على المخاطبة وحجتهم قَوْله {أَلَسْت بربكم} فَجرى مَا بعده على لَفظه وسياقه عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَآله {وَإِذ أَخذ رَبك من بني آدم من ظُهُورهمْ ذُرِّيتهمْ} قَالَ أخذُوا من ظَهره كَمَا يُؤْخَذ من الراس بالمشط فَقَالَ لَهُم أَلَسْت بربكم قَالُوا بلَى قَالَت الْمَلَائِكَة

{وذروا الذين يلحدون في أسمائه}

شَهِدنَا أَن تَقولُوا يَوْم الْقِيَامَة إِنَّا كُنَّا عَن هَذَا غافلين أَي لِئَلَّا تَقولُوا يَوْم الْقِيَامَة {وذروا الَّذين يلحدون فِي أَسْمَائِهِ} قَرَأَ حَمْزَة {وذروا الَّذين يلحدون} بِفَتْح الْيَاء والحاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يلحدون} بِضَم الْيَاء وَكسر الْحَاء قَالَ الْكسَائي هما لُغَتَانِ يُقَال لحد وألحد وَقَالَ غَيره يلحدون أَي يطعنون فِي أَسْمَائِهِ ويلحدون يعرضون وَكَانَ ابْن جريج يَقُول يلحدون قَالَ اشتقوا أَسمَاء آلِهَتهم من أَسمَاء الله اشتقوا الْعُزَّى من الْعَزِيز وَاللات من الله وَقَالَ أَبُو عبيد يلحدون يَجُورُونَ وَلَا يستقيمون وَإِنَّمَا سمي اللَّحْد لِأَنَّهُ فِي نَاحيَة وَلَو كَانَ مُسْتَقِيمًا كَانَ ضريحا وَحجَّة الرّفْع قَوْله {وَمن يرد فِيهِ بإلحاد} أَي باعتراض {من يضلل الله فَلَا هادي لَهُ ويذرهم فِي طغيانهم يعمهون} قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَابْن كثير {ونذرهم فِي طغيانهم} بالنُّون وَالرَّفْع على الِاسْتِئْنَاف أَي نَحن نذرهم أخبر عَن نَفسه وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو وَعَاصِم {ويذرهم} بِالْيَاءِ وَالرَّفْع على الِاسْتِئْنَاف ايضا وحجتهما قَوْله {من يضلل الله} ثمَّ قَالَ {ويذرهم} أَي ويذرهم الله إِخْبَار عَنهُ

{جعلا له شركاء فيما آتاهما}

قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {ويذرهم} بِالْيَاءِ والجزم عطفا على مَوضِع الْفَاء فِي قَوْله {فَلَا هادي لَهُ} الْمَعْنى من يضلل الله يذره فِي طغيانه {جعلا لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتاهما} 190 قَرَأَ نَافِع وَأَبُو بكر / جعلا لَهُ شركا / بِكَسْر الشين وحجتهما أَنَّهَا قِرَاءَة ابْن عَبَّاس وَهِي مَعَ ذَلِك أبعد من الالتباس لِأَنَّهُمَا لم يجعلا لَهُ شُرَكَاء جمَاعَة وَإِنَّمَا سميا الْوَلَد عبد الْحَارِث وَلَا يُقَال لِلْحَارِثِ شُرَكَاء لِأَنَّهُ وَاحِد وَكَأن الْمَعْنى فَلَمَّا آتاهما صَالحا جعلا لَهُ نَصِيبا لم يخلصاه لَهُ بتسميتهما إِيَّاه عبد الْحَارِث والتفاسير على ذَلِك تدل كَانَ ابْن جُبَير يَقُول شركا فِي طَاعَته وَلم يكن فِي عِبَادَته قَالَ الزّجاج من قَرَأَ / شركا / فَهُوَ مصدر شركت الرجل أشركه شركا قَالَ بَعضهم يَنْبَغِي أَن يكون عَن قِرَاءَة من قَرَأَ شركا جعلا لغيره شركا يَقُول لِأَنَّهُمَا لَا ينكران إِن يكون الأَصْل لَهُ جلّ وَعز فالشرك يَجْعَل لغيره وَهَذَا على معنى جعلا لَهُ ذَا شرك فَحذف ذَا مثل وسل الْقرْيَة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {شُرَكَاء} على فعلاء جمع شريك وحجتهم فِي ذَلِك أَن آدم وحواء كَانَا يدينان بِأَن ولدهما من رزق الله وعطيته ثمَّ سمياه عبد الْحَارِث فَجعلَا لإبليس فِيهِ شُرَكَاء بِالِاسْمِ وَلَو كَانَت الْقِرَاءَة شركا وَجب أَن يكون الْكَلَام جعلا لغيره فِيهِ شركا وَفِي نزُول وَحي الله جلّ وَعز بقوله {جعلا لَهُ} مَا يُوضح أَن الصَّحِيح من الْقِرَاءَة شُرَكَاء بِضَم الشين على مَا بَيناهُ فَإِن قَالَ قَائِل فَإِن آدم

{وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم}

وحواء إِنَّمَا سميا ابنهما عبد الْحَارِث والْحَارث وَاحِد وَقَوله شُرَكَاء جمَاعَة قيل إِن الْعَرَب تخرج الْخَبَر عَن الْوَاحِد مخرج الْخَبَر عَن الْجَمَاعَة كَقَوْلِه تَعَالَى {الَّذين قَالَ لَهُم النَّاس إِن النَّاس قد جمعُوا لكم} {وَإِن تدعوهم إِلَى الْهدى لَا يتبعوكم} قَرَأَ نَافِع {لَا يتبعوكم} سَاكِنة التَّاء من تبع يتبع وَقَرَأَ الْبَاقُونَ لَا يتبعوكم من اتبع يتبع وحجتهم إِجْمَاع الْجَمِيع على قَوْله {إِلَّا لنعلم من يتبع الرَّسُول} بِالتَّشْدِيدِ {إِن الَّذين اتَّقوا إِذا مسهم طائف من الشَّيْطَان تَذكرُوا فَإِذا هم مبصرون} قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَعَاصِم وَحَمْزَة {طائف} بِالْألف من طَاف بِهِ إِذا دَار حوله فَهُوَ طايف كَذَا قَالَ الْكسَائي وَقَالَ غَيره هُوَ من طَاف بِهِ من وَسْوَسَة الشَّيْطَان وَقَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو / طيف من الشَّيْطَان / أَي لمة وخطرة من الشَّيْطَان وَكَانَ مُجَاهِد يَقُول طيف من الشَّيْطَان غضب وحجتهم قَوْله قبله {وَإِمَّا يَنْزغَنك من الشَّيْطَان نَزغ} وَلم يقل

{وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون}

نازغ وَقَالَ {وَإِذا مسكم الضّر} وَلم يقل الضار وَيُقَال أَصَابَته نظرة وَلَا يُقَال ناظرة فَقَوله طيف يحْتَمل أَن يكون مصدر طَاف يطِيف طيفا كَمَا يُقَال طَاف الخيال يطِيف طيفا وَيحْتَمل أَن يكون اسْما مثل الطاف سَوَاء كَمَا يُقَال مائت وميت وَالَّذِي يدل عَلَيْهِ قِرَاءَة ابْن مَسْعُود / طيف / بِالتَّشْدِيدِ مثل هَين وهين بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف {وإخوانهم يمدونهم فِي الغي ثمَّ لَا يقصرون} قَرَأَ نَافِع {وإخوانهم يمدونهم} بِضَم الْيَاء وَكسر الْمِيم من من أمد يمد وَهُوَ من قَوْلك أمددت الْجَيْش إِذا زِدْته بمدد قَالَ الله تَعَالَى {وأمددناكم بأموال وبنين} فَمَعْنَى {يمدونهم} يزيدونهم غيا وَكَأَنَّهُ قَالَ يمدونهم من الغي وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يمدونهم} بِفَتْح الْيَاء من مد يمد إِذا جر فَقَوله يمدونهم أَي يجرونهم فِي الغي وَقَالَ قوم يمدونهم يتركونهم فِي الغي تَقول الْعَرَب لأمدنك فِي باطلك أَي لأتركنك فِيهِ وَلَا أخرجك مِنْهُ

- سورة الأنفال

8 - سُورَة الْأَنْفَال {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ ربكُم فَاسْتَجَاب لكم أَنِّي مُمِدكُمْ بِأَلف من الْمَلَائِكَة مُردفِينَ} قَرَأَ نَافِع {مُردفِينَ} بِفَتْح الدَّال مفعول بهم أَي الله أردفهم أَي بَعثهمْ على آثَار من تقدمهم قَالَ أَبُو عبيد تَأْوِيله أَن الله تبَارك وَتَعَالَى أرْدف الْمُسلمين بهم وَكَانَ مُجَاهِد يُفَسِّرهَا ممدين وَهُوَ تَحْقِيق هَذَا الْمَعْنى وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {مُردفِينَ} بِكَسْر الدَّال أَي جاؤوا بعدهمْ على آثَارهم أَي ردفوا أصَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَآله وَأَرْدَفَ بِمَعْنى ردف قَالَ الشَّاعِر ... إِذا الجوزاء أردفت الثريا ... ظَنَنْت بآل فَاطِمَة الظنونا ... قَالَ أَبُو عبيد أَرَادَ بقوله أردفت ردفت أَي جَاءَت بعْدهَا أَلا ترى أَن الجوزاء تطلع بعد طُلُوع الثريا وعَلى أَثَرهَا وَقَالَ ابْن عَبَّاس مُردفِينَ أَي مُتَتَابعين وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُم أَبُو عَمْرو مُردفِينَ أَي أرْدف بَعضهم بَعْضًا فالإرداف أَن يحمل الرجل

صَاحبه خَلفه تَقول ردفت الرجل أَي ركبت خَلفه وأردفته إِذا أركبته خَلْفي وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُم أَبُو بكر بن مُجَاهِد مُردفِينَ أَي متقدمين لمن وَرَاءَهُمْ كَأَن من يَأْتِي بعدهمْ ردف لَهُم أَي أَتَوا فِي ظُهُورهمْ فعلى هَذَا الْوَجْه لَا يكون أرْدف بِمَعْنى ردف لأَنهم أردفوا خَلفهم {إِذْ يغشيكم النعاس أَمَنَة مِنْهُ وَينزل عَلَيْكُم من السَّمَاء مَاء ليطهركم بِهِ} قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَابْن كثير / إِذْ يغشاكم / بِالْألف {النعاس} رفع فعل الْفِعْل النعاس لِأَنَّك تَقول غشيني النعاس يَغْشَانِي وحجتهما فِي أَن الْفَاعِل هُوَ النعاس قَوْله {أَمَنَة نعاسا يغشى طَائِفَة مِنْكُم} أَلا ترى أَن النعاس هُوَ الَّذِي يغشى فَهُوَ الْفَاعِل والقصة وَاحِدَة فَلذَلِك اختارا هَذَا الْوَجْه وَقَرَأَ ابْن عَامر وَأهل الْكُوفَة {إِذْ يغشيكم} بِضَم الْيَاء وتشد الشين {النعاس} نصب أَي الله يغشيكم النعاس وحجتهم أَن الْفِعْل أَتَى عقيب ذَلِك مُسْندًا إِلَى الله وَهُوَ قَوْله {وَينزل عَلَيْكُم من السَّمَاء مَاء ليطهركم بِهِ وَيذْهب عَنْكُم رجز الشَّيْطَان} فَكَانَ الأولى بِمَا قبله أَن يكون خَبرا عَن الله أَنه هُوَ الْفَاعِل لَهُ لينتظم الْكَلَام على سِيَاق وَاحِد وَحجَّة التَّشْدِيد قَوْله {فغشاها مَا غشى}

{ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى}

وَقَرَأَ أهل الْمَدِينَة {إِذْ يغشيكم} بِضَم الْيَاء وَسُكُون الْغَيْن {النعاس} نصب أَي يغشيكم الله النعاس وحجتهم قَوْله {فأغشيناهم فهم لَا يبصرون} {وَلَكِن الله قَتلهمْ وَمَا رميت إِذْ رميت وَلَكِن الله رمى} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَابْن عَامر {وَلَكِن} خَفِيفَة {الله} رفع وَكَذَلِكَ الَّذِي بعده وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَلَكِن} بِالتَّشْدِيدِ {الله} نصب وَقد ذكرت الْحجَّة فِي سُورَة الْبَقَرَة {ذَلِكُم وَأَن الله موهن كيد الْكَافرين} قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {موهن} بِالتَّشْدِيدِ {كيد} نصب من وَهن يوهن مثل قتل يقتل وحجتهم فِي ذَلِك أَن التَّشْدِيد إِنَّمَا وَقع لتكرر الْفِعْل وَذَلِكَ مَا ذكره الله من تثبيت أَقْدَام الْمُؤمنِينَ بالغيث وربطه على قُلُوبهم وتقليله إيَّاهُم فِي أَعينهم عِنْد الْقِتَال فَذَلِك مِنْهُ شَيْء بعد شَيْء وَحَال بعد حَال فِي وَقت بعد وَقت فَكَانَ الأولى بِالْفِعْلِ أَن يشدد لتردد هَذِه الْأَفْعَال فَكَأَنَّهُ أوقع الوهن بكيد الْكَافرين مرّة بعد مرّة فَوَجَبَ أَن يُقَال {موهن} لهَذِهِ الْعلَّة وَقَرَأَ أهل الْكُوفَة وَأهل الشَّام {موهن} بِإِسْكَان الْوَاو من

{ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين}

أوهن يوهن فَهُوَ موهن مثل أَيقَن يُوقن فَهُوَ موقن وهما لُغَتَانِ مثل كرم وَأكْرم وَكلهمْ ينصبون {كيد} وينونون {موهن} إِلَّا حفصا عَن عَاصِم فَإِنَّهُ أَضَافَهُ فَقَرَأَ {موهن كيد} وَمثله {بَالغ أمره} فَمن نون أَرَادَ الْحَال والاستقبال كَقَوْلِك الْأَمِير خَارج الْآن أَو غَدا وَمن لم ينون جَازَ أَن يُرِيد الْمَاضِي والاستقبال {وَلنْ تغني عَنْكُم فِئَتكُمْ شَيْئا وَلَو كثرت وَأَن الله مَعَ الْمُؤمنِينَ} قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وفحص {وَلَو كثرت وَأَن الله مَعَ الْمُؤمنِينَ} بِفَتْح الْألف أَي وَلِأَن الله مَعَ الْمُؤمنِينَ فَلَمَّا حذفت اللَّام جعلت أَن فِي مَحل النصب كَأَنَّهُ قَالَ وَلنْ تغني عَنْكُم فتئتكم لكثرتها لِأَن الله مَعَ الْمُؤمنِينَ وحجتهم فِي ذَلِك أَنَّهَا مَرْدُودَة على قَوْله قبلهَا {وَأَن للْكَافِرِينَ} و {وَأَن الله موهن} و {وَأَن الله مَعَ الْمُؤمنِينَ} فَيكون الْكَلَام وَاحِدًا يتبع بعضه بَعْضًا {إِذْ أَنْتُم بالعدوة الدُّنْيَا وهم بالعدوة القصوى} {ليهلك من هلك عَن بَيِّنَة وَيحيى من حَيّ عَن بَيِّنَة} قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {إِذْ أَنْتُم بالعدوة الدُّنْيَا وهم بالعدوة القصوى}

{ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة}

بِكَسْر الْعين فيهمَا مثل إسوة وقدوة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْع فيهمَا قَالَ الْكسَائي وَأَبُو عبيد هما لُغَتَانِ مثل حذوة وجذوة قَرَأَ نَافِع والبزي عَن ابْن كثير وَأَبُو بكر / ويحيا من حييّ / بياءين وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {حَيّ} بِالْإِدْغَامِ قَالَ الْخَلِيل يجوز الْإِدْغَام والإظهار إِذا كَانَت الْحَرَكَة فِي الثَّانِي لَازِمَة فَأَما من أدغم فلاجتماع الحرفين من جنس وَاحِد كَمَا تَقول عيي بِالْأَمر يعيا ثمَّ تَقول عي بِالْأَمر وَأما من أظهر فَلِأَن الْحَرْف الثَّانِي ينْتَقل من لفظ الْيَاء تَقول حييّ يحيا والمحيا وَالْمَمَات فَلهَذَا جَازَ الْإِظْهَار {وَلَو ترى إِذْ يتوفى الَّذين كفرُوا الْمَلَائِكَة} قَرَأَ ابْن عَامر / وَلَو ترى إِذْ تتوفى الَّذين كفرُوا / بِالتَّاءِ وحجته قَوْله / إِن الَّذين كفرُوا تَوَفَّاهُم الْمَلَائِكَة / وَقَوله {تحمله الْمَلَائِكَة} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {إِذْ يتوفى} بِالْيَاءِ الْأَمر بَينهمَا قريب وَذَلِكَ أَنَّك إِذا قَرَأت بِالتَّاءِ أردْت جمَاعَة الْمَلَائِكَة وَإِذا قَرَأت بِالْيَاءِ أردْت جمع الْمَلَائِكَة كَمَا تَقول قَالَت الرِّجَال وَقَالَ الرِّجَال قَالَ الله تَعَالَى / فناداه الْمَلَائِكَة / و {فنادته الْمَلَائِكَة}

{ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون}

{وَلَا يَحسبن الَّذين كفرُوا سبقوا إِنَّهُم لَا يعجزون} قَرَأَ ابْن عَامر وَحَمْزَة وَحَفْص {وَلَا يَحسبن الَّذين كفرُوا} بِالْيَاءِ قَالَ الزّجاج وَجههَا ضَعِيف عِنْد أهل الْعَرَبيَّة إِلَّا أَنَّهَا جَائِزَة على أَن يكون الْمَعْنى وَلَا يَحسبن الَّذين كفرُوا أَن سبقوا لِأَنَّهَا فِي حُرُوف ابْن مَسْعُود / أَنهم سبقوا / ف أَن مُخَفّفَة من أَن وَأَن تنوب عَن الِاسْم وَالْخَبَر قَالَ وفيهَا وَجه آخر يكون وَلَا يَحسبن قبيل الْمُؤمنِينَ الَّذين كفرُوا سبقوا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَلَا تحسبن الَّذين} بِالتَّاءِ ف {الَّذين} الْمَفْعُول الأول و {سبقوا} الْمَفْعُول الثَّانِي الْمَعْنى لَا تحسبن يَا مُحَمَّد من أفلت من هَذِه الْحَرْب قد سبق إِلَى الْحَيَاة قَرَأَ ابْن عَامر {إِنَّهُم لَا يعجزون} بِفَتْح الْألف الْمَعْنى وَلَا تحسبن الَّذين كفرُوا سبقوا لأَنهم لَا يعجزون الله قَالَ الزّجاج وَقد يجوز أَن يكون {لَا} لَغوا فَيكون الْمَعْنى وَلَا تحسبن الَّذين كفرُوا أَنهم يعجزون وَتَكون أَن بَدَلا من سبقوا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {إِنَّهُم} بِالْكَسْرِ على الِابْتِدَاء {وَإِن جنحوا للسلم فاجنح لَهَا} قَرَأَ أَبُو بكر عَن عَاصِم {وَإِن جنحوا للسلم} بِالْكَسْرِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْفَتْح وهما لُغَتَانِ وَهُوَ الصُّلْح {وَإِن يكن مِنْكُم مائَة يغلبوا ألفا} {الْآن خفف الله عَنْكُم وَعلم أَن فِيكُم ضعفا فَإِن يكن مِنْكُم مائَة صابرة يغلبوا مِائَتَيْنِ}

{ما كان لنبي أن يكون له أسرى} {يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى} 67 و

65 - و 66 قَرَأَ ابْن كثير وَنَافِع وَابْن عَامر / وَإِن تكن مِنْكُم مئة / / فَإِن فتكن مِنْكُم مئة صابرة / بِالتَّاءِ فيهمَا وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو الثَّانِيَة بِالتَّاءِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ فيهمَا فَمن أنث فلتأنيث المئة وَمن ذكر فَلِأَن المئة وَقعت على عدد مُذَكّر وَأُخْرَى وَهِي أَنه لما حجز بَين الِاسْم وَالْفِعْل بحاجز ذكر الْفِعْل لِأَن الحاجز صَار كالعوض مِنْهُ وَحجَّة أبي عمر ذكرهَا اليزيدي فَقَالَ لقَوْله {صابرة} ذهب اليزيدي إِلَى أَنه لما نعتها بالتأنيث وَجب أَن يكون فعلهَا بِلَفْظ التَّأْنِيث لِأَن الْمُذكر لَا ينعَت بِهِ الْمُؤَنَّث قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة {وَعلم أَن فِيكُم ضعفا} بِفَتْح الضَّاد وَفِي الرّوم مثله وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْع وهما لُغَتَانِ مثل الْمكْث والمكث والفقر والفقر والقرح والقرح 2 {مَا كَانَ لنَبِيّ أَن يكون لَهُ أسرى} {يَا أَيهَا النَّبِي قل لمن فِي أَيْدِيكُم من الأسرى} 67 و 70 قَرَأَ أَبُو عَمْرو / مَا كَانَ لنَبِيّ أَن تكون لَهُ أسرى / بِالتَّاءِ أَرَادَ جمَاعَة أسرى فَجرى مجْرى قَوْله {كذبت قوم نوح الْمُرْسلين} ونظائر ذَلِك وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أَن يكون} بِالْيَاءِ أَرَادَ جمع أسرى قَالَ أهل الْبَصْرَة لما فصل بَين الِاسْم وَالْفِعْل بفاصل ذكر الْفِعْل لِأَن الْفَاصِل صَار كالعوض

قَرَأَ أَبُو عَمْرو يَا أَيهَا النَّبِي قل لمن فِي أَيْدِيكُم من الْأُسَارَى بِالْألف قَالَ أَبُو عَمْرو إِذا كَانَ عِنْد الْقِتَال فَأسر الْقَوْم عدوهم فهم الأسرى فَإِذا ذهبت زحمة الْقِتَال فصاروا فِي أَيْديهم فهم الْأُسَارَى وَقَالَ أَيْضا مَا كَانَ فِي الْأَيْدِي وَفِي السجْن فَإِنَّهَا أُسَارَى وَمَا لم يكن فِي الْأَيْدِي وَلَا فِي السجْن فَقل مَا شِئْت أسرى وأسارى وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {من الأسرى} بِغَيْر ألف وحجتهم أَن الْعَرَب جمعت على فعلى من كَانَت بِهِ دمامة أَو مرض يمنعهُ من النهوض فَقَالُوا فِي صريع صرعى وجريح جرحى وَلما كَانَ الْأسر آفَة تدخل على الْإِنْسَان فتمنعه من النهوض أجري مجْرى ذَوي العاهات فَقَالُوا أَسِير وَأسرى {مَا لكم من ولايتهم من شَيْء حَتَّى يهاجروا} قَرَأَ حَمْزَة {مَا لكم من ولايتهم} بِكَسْر الْوَاو وَهِي مصدر وليت الشَّيْء ولَايَة ووال حسن الْولَايَة قَالَ الْفراء {مَا لكم من ولايتهم} يُرِيد من ميراثهم وَكسر الْوَاو فِي الْولَايَة أعجب إِلَيّ من فتحهَا لِأَنَّهَا إِنَّمَا يفتح أَكثر ذَلِك إِذا كَانَت فِي معنى نصْرَة قَالَ فَكَانَ الْكسَائي يفتحها وَيذْهب بهَا إِلَى النُّصْرَة وَلَا اراه علم التَّفْسِير ويختارون فِي وليته ولَايَة الْكسر وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {من ولايتهم} بِفَتْح الْوَاو أَي من نَصرهم وَالْعرب تَقول نَحن لكم على بني فلَان ولَايَة أَي أنصار

- سورة التوبة

9 - سُورَة التَّوْبَة {فَقَاتلُوا أَئِمَّة الْكفْر إِنَّهُم لَا أَيْمَان لَهُم لَعَلَّهُم ينتهون} قَرَأَ ابْن عَامر وَأهل الْكُوفَة {فَقَاتلُوا أَئِمَّة الْكفْر} بهمزتين الْهمزَة الأولى ألف الْجمع وَالثَّانيَِة أَصْلِيَّة لِأَنَّهَا جمع إِمَام وَالْأَصْل أأممة أَفعلهُ مثل حمَار وأحمرة وَلَكِن الميمين لما اجْتمعَا نقلوا كسرة الْمِيم إِلَى الْهمزَة فأدغموا الْمِيم فِي الْمِيم فَصَارَت أَئِمَّة بهمزتين قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو / أيمة / بِغَيْر مد بِهَمْزَة وَاحِدَة كَأَنَّهُمْ كَرهُوا الْجمع بَين همزتين فِي بنية وَاحِدَة وَلَا اعْتِبَار بِكَوْن الأولى زَائِدَة كَمَا لم يكن بهَا اعْتِبَار فِي آدم قَرَأَ ابْن عَامر {إِنَّهُم لَا أَيْمَان لَهُم} بِكَسْر الْألف أَي لَا إِسْلَام وَلَا دين لَهُم وَقَالَ آخَرُونَ مَعْنَاهُ لَا أَمَان لَهُم مصدر آمنته أومنه إِيمَانًا الْمَعْنى إِذْ كُنْتُم أَنْتُم آمنتموهم فنقضوا هم عَهدهم فقد بَطل الْأمان الَّذِي أعطيتموهم وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لَا أَيْمَان لَهُم} بِالْفَتْح جمع يَمِين وحجتهم قَوْله {اتَّخذُوا أَيْمَانهم جنَّة} وَهُوَ الِاخْتِيَار لِأَنَّهُ فِي التَّفْسِير لَا عهود لَهُم وَلَا مِيثَاق وَلَا حلف فقد وَصفهم بالنكث فِي العهود {مَا كَانَ للْمُشْرِكين أَن يعمروا مَسَاجِد الله} {إِنَّمَا يعمر مَسَاجِد الله من آمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر} 17 و 18

وأزواجكم وعشيرتكم

قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو / مَا كَانَ للْمُشْرِكين أَن يعمروا مَسْجِد الله / على التَّوْحِيد يَعْنِي الْمَسْجِد الْحَرَام وحجتهما قَوْله {إِنَّمَا الْمُشْركُونَ نجس فَلَا يقربُوا الْمَسْجِد الْحَرَام} قَالَ أَبُو عَمْرو وتصديقها قَول {أجعلتم سِقَايَة الْحَاج وَعمارَة الْمَسْجِد الْحَرَام} قَالَ وَالثَّانيَِة {إِنَّمَا يعمر مَسَاجِد الله} على الْجمع فِي كل مَكَان {من آمن بِاللَّه} على هَذَا الْمَعْنى وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أَن يعمروا مَسَاجِد الله} بِالْألف وحجتهم إِجْمَاع الْجَمِيع على قَوْله {إِنَّمَا يعمر مَسَاجِد الله} على الْجمع فَرد مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ وَأُخْرَى وَهِي أَنه إِذا قرئَ على الْجمع دخل الْمَسْجِد الْحَرَام فِيهِ وَغير الْمَسْجِد الْحَرَام وَإِذا قرئَ على التَّوْحِيد لم يدْخل فِيهِ غير الْمَسْجِد الْحَرَام وَإِنَّمَا عني بِهِ الْمَسْجِد الْحَرَام فَحسب {وأزواجكم وعشيرتكم} قَرَأَ أَبُو بكر / وعشيراتكم / بِالْألف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وعشيرتكم} بِغَيْر ألف كَمَا تَقول قرابتكم وقراباتكم {وَقَالَت الْيَهُود عُزَيْر ابْن الله} قَرَأَ عَاصِم وَالْكسَائِيّ {وَقَالَت الْيَهُود عُزَيْر ابْن الله} بِالتَّنْوِينِ وحجته أَنه اسْم خَفِيف فوجهه الصّرْف تخفته وَإِن كَانَ أعجميا وَقَالَ قوم يجوز أَن تعجله عَرَبيا لِأَنَّهُ على مِثَال المصغرات من الْأَسْمَاء الْعَرَبيَّة

وَهُوَ يشبه فِي التصغير نَصِيرًا أَو بكيرا فأجري وَإِن كَانَ فِي الأَصْل أعجميا وَأُخْرَى أَن الْكَلَام عِنْد السُّكُوت على عُزَيْر بن الله نَاقص وَأَن قَوْله {ابْن} خبر عَن عُزَيْر فنون من أجل حَاجَة الْكَلَام إِلَيْهِ كَقَوْلِك زيد ابْن عمنَا فَلَمَّا كَانَت الْفَائِدَة فِي ابْن أوقعت التَّنْوِين وَإِذا تركت التَّنْوِين كَانَ الابْن نعتا وَكَانَت الْفَائِدَة بعد النَّعْت كَقَوْلِك زيد ابْن عمنَا ظريف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {عُزَيْر ابْن الله} بِغَيْر تَنْوِين وحجتهم أَن التَّنْوِين حرف الْإِعْرَاب مشبه للواو وَالْيَاء وَالْألف فَكَمَا يسقطن إِذا سكن وَسكن مَا بعدهن كَذَلِك يسْقط التَّنْوِين إِذا سكن وأتى بعده سَاكن فكأنهم ذَهَبُوا إِلَى أَنه مَصْرُوف وَأَن التَّنْوِين سقط الساكنين أنْشد الْفراء ... إِذا غطيف السّلمِيّ فرا ... فأسقط التَّنْوِين من غطيف وَالدَّلِيل على صِحَة هَذَا القَوْل أَن هَارُون قَالَ سَأَلت أَبَا عَمْرو عَن عُزَيْر فَقَالَ أَنا أصرف

{إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما} {زين لهم سوء أعمالهم}

عُزَيْرًا وَلَكِنِّي أَقُول هَذَا الْحَرْف {عُزَيْر ابْن الله} فَدلَّ قَوْله أَنا أصرف عُزَيْرًا على أَنه عِنْده مَصْرُوف وَأَنه حذف التَّنْوِين عِنْده لغير ترك صرفه بل هُوَ لما أَخْبَرتك بِهِ من حذفه للساكنين وَيجوز أَن نقُول إِن عُزَيْر اسْم أعجمي غير مَصْرُوف قَالَ الزّجاج يجوز حذف التَّنْوِين لإلتقاء الساكنين وَقد رُوِيَ {قل هُوَ الله أحد الله الصَّمد} فَحذف التَّنْوِين لسكونه وَسُكُون اللَّام فَكَذَلِك حذف التَّنْوِين من {عُزَيْر ابْن الله} لسكونه وَسُكُون الْبَاء وَفِيه وَجه آخر أَن يكون الْخَبَر محذوفا فَيكون مَعْنَاهُ عُزَيْر ابْن الله معبودنا فَيكون ابْن نعتا وَلَا اخْتِلَاف بَين النَّحْوِيين أَن إِثْبَات التَّنْوِين أَجود قَالَ وَالْوَجْه إِثْبَات التَّنْوِين لِأَن ابْن خبر وَإِنَّمَا يحذف التَّنْوِين فِي الصّفة نَحْو قَوْلك جَاءَنِي زيد بن عَمْرو فيحذف التَّنْوِين لالتقاء الساكنين وَلِأَن ابْن مُضَاف إِلَى علم وَأَن النَّعْت والمنعوت كالشيء الْوَاحِد وَإِذا كَانَ خَبرا فالتنوين {إِنَّمَا النسيء زِيَادَة فِي الْكفْر يضل بِهِ الَّذين كفرُوا يحلونه عَاما ويحرمونه عَاما} {زين لَهُم سوء أَعْمَالهم} 37 قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {إِنَّمَا النسيء زِيَادَة فِي الْكفْر يضل} بِضَم الْيَاء وَفتح الضَّاد على مَا لم يسم فَاعله إِن الْكَافرين يضلون وحجتهم أَن الْكَلَام أَتَى عقيب ذَلِك بترك تَسْمِيَة الْفَاعِل وَهُوَ قَوْله {زين لَهُم سوء أَعْمَالهم} فَدلَّ على أَن مَا تقدمه من الْفِعْل جرى بِلَفْظِهِ إِذا كَانَ التزيين إضلالا فِي الْحَقِيقَة فَجعل مَا قبل التزيين

{قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم إنكم كنتم قوما فاسقين وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم}

مشاكلا للفظه ليأتلف الْكَلَام على نظام وَاحِد وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يضل} بِفَتْح الْيَاء وَكسر الضَّاد أَي هم يضلون لايهتدون وحجتهم قَوْله {يحلونه عَاما ويحرمونه عَاما} فَجعل الْفِعْل لَهُم فَكَذَلِك {يضل بِهِ الَّذين كفرُوا} وَكَانُوا يؤخرون شهر الْحَج ويقدمون فضلوا هم بتأخيرهم شهرا وبتقديمهم شهرا {قل أَنْفقُوا طَوْعًا أَو كرها لن يتَقَبَّل مِنْكُم إِنَّكُم كُنْتُم قوما فاسقين وَمَا مَنعهم أَن تقبل مِنْهُم نفقاتهم} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {قل أَنْفقُوا طَوْعًا أَو كرها} بِضَم الْكَاف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالنّصب وَقد ذكرنَا الْحجَّة فِي سُورَة النِّسَاء قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / وَمَا مَنعهم أَن يقبل مِنْهُم نفقاتهم / بِالْيَاءِ لِأَن النَّفَقَات فِي معنى الْإِنْفَاق فَالْكَلَام مَحْمُول على الْمَعْنى وَهُوَ الْمصدر وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أَن تقبل مِنْهُم نفقاتهم} بِالتَّاءِ وحجتهم أَن النَّفَقَات مُؤَنّثَة فأنث فعلهَا ليُوَافق اللَّفْظ الْمَعْنى {وَيَقُولُونَ هُوَ أذن قل أذن خير لكم يُؤمن بِاللَّه ويؤمن للْمُؤْمِنين وَرَحْمَة للَّذين آمنُوا مِنْكُم} قَرَأَ نَافِع / قل هُوَ أذن / بِإِسْكَان الذَّال فِي كل الْقُرْآن كَأَنَّهُ استثقل ثَلَاث ضمات فسكن وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِضَم الذَّال على أصل الْكَلِمَة قَرَأَ أَبُو بكر فِي رِوَايَة الْأَعْشَى / قل هُوَ أذن / منون {خير لكم}

{إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين}

بِالرَّفْع والتنوين الْمَعْنى قل يَا مُحَمَّد فَمن يستمع مِنْكُم وَيكون قَرِيبا مِنْكُم قَابلا للْعُذْر خير لكم وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أذن خير} بِالْإِضَافَة وَهُوَ نفي لما قَالُوهُ الْمَعْنى أذن خير لَا أذن شَرّ أَي مستمع خير ثمَّ بَين مِمَّن يقبل فَقَالَ {يُؤمن بِاللَّه ويؤمن للْمُؤْمِنين} أَي يسمع مَا ينزله الله عَلَيْهِ فَيصدق بِهِ وَيصدق الْمُؤمنِينَ فِيمَا يخبرونه وَلَا يصدق الْمُنَافِقين وَالْبَاء وَاللَّام زائدتان الْمَعْنى يصدق الله وَيصدق الْمُؤمنِينَ قَرَأَ حَمْزَة {وَرَحْمَة للَّذين آمنُوا} بالخفض على الْعَطف على {خير} الْمَعْنى أذن خير وَأذن رَحْمَة للْمُؤْمِنين وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَرَحْمَة} أَي وَهُوَ رَحْمَة خبر ابْتِدَاء لِأَنَّهُ كَانَ سَبَب الْمُؤمنِينَ فِي إِيمَانهم {إِن نعف عَن طَائِفَة مِنْكُم نعذب طَائِفَة بِأَنَّهُم كَانُوا مجرمين} قَرَأَ عَاصِم {إِن نعف} بالنُّون الله أخبر عَن نَفسه {نعذب} بالنُّون أَيْضا {طَائِفَة} بَال مفعول بهَا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / إِن يعف / بِالْيَاءِ وَضمّهَا {تعذب} بِالتَّاءِ {طَائِفَة} رفع على مَا لم يسم فَاعله

وجاؤوا بعذر وكان ابن عباس يقرؤها كذلك ويقول هم أهل العذر أي جاؤوا معذرين ولهم عذر والمعذر الذي قد بلغ أقصى العذر والعرب تقول أعذر من أنذر أي بالغ في العذر

{وَجَاء المعذرون من الْأَعْرَاب ليؤذن لَهُم} قَرَأَ الْكسَائي فِي رِوَايَة قُتَيْبَة / وَجَاء المعذرون / بِالتَّخْفِيفِ أَي الَّذين أعذروا وجاؤوا بِعُذْر وَكَانَ ابْن عَبَّاس يقْرؤهَا كَذَلِك وَيَقُول هم أهل الْعذر أَي جاؤوا معذرين وَلَهُم عذر والمعذر الَّذِي قد بلغ أقْصَى الْعذر وَالْعرب تَقول أعذر من أنذر أَي بَالغ فِي الْعذر وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَجَاء المعذرون} بِالتَّشْدِيدِ أَي المعتذرون إِلَّا أَن التَّاء أدغمت فِي الذَّال لقرب المخرجين قَالَ الزّجاج وَمعنى المعتذرين الَّذين يَعْتَذِرُونَ كَانَ لَهُم عذر أَو لم يكن لَهُم عذر وَهُوَ هَا هُنَا أشبه بِأَن يكون لَهُم عذر وأنشدوا ... إِلَى الْحول ثمَّ اسْم السَّلَام عَلَيْكُمَا ... وَمن يبك حولا كَامِلا فقد اعتذر ... يُرِيد قد أعذر وَقد يكون لَا عذر لَهُ قَالَ الله تَعَالَى {يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُم إِذا رجعتم إِلَيْهِم} ثمَّ قَالَ {لَا تعتذروا} أَي لَا عذر لكم وَكَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول رحم الله المعذرين وَلعن الله المعذرين ذهب إِلَى من يعْتَذر بِغَيْر عذر وَقَالَ آخَرُونَ المعذرون المقصرون أَي الَّذين يوهمون أَن لَهُم عذرا وَلَا عذر لَهُم {عَلَيْهِم دَائِرَة السوء} قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {عَلَيْهِم دَائِرَة السوء} بِضَم السِّين وحجتهما قَوْله تَعَالَى {وَالسوء على الْكَافرين}

{ألا إنها قربة لهم}

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْفَتْح وحجتهم قَوْله {وظننتم ظن السوء} السوء بِالضَّمِّ الِاسْم مثل الْبُؤْس والشؤم وَالسوء بِالْفَتْح الْمصدر كَذَا قَالَ الْفراء سؤته سوءا أَو مساءة وَقَالَ آخَرُونَ السوء بِالضَّمِّ الشَّرّ وَالْعَذَاب وَالسوء بِالْفَتْح الْفساد والهلاك قَالَ الْخَلِيل قَوْله {عَلَيْهِم دَائِرَة السوء} الْفساد والهلاك وَقَالَ آخَرُونَ هما لُغَتَانِ مثل الضّر والضر {أَلا إِنَّهَا قربَة لَهُم} قَرَأَ نَافِع فِي رِوَايَة ورش وَإِسْمَاعِيل {أَلا إِنَّهَا قربَة} بِرَفْع الرَّاء مثل الرعب والسحت وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {قربَة لَهُم} بِإِسْكَان الرَّاء مثل جرعة {وَأعد لَهُم جنَّات تجْرِي تحتهَا الْأَنْهَار} قَرَأَ ابْن كثير / وَأعد لَهُم جنَّات تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار / بِزِيَادَة من وَكَذَلِكَ فِي مصاحفهم وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {تحتهَا} من غير من وَهَكَذَا فِي مصاحفهم {وصل عَلَيْهِم إِن صَلَاتك سكن لَهُم} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {إِن صَلَاتك سكن لَهُم} على التَّوْحِيد وَكَذَلِكَ فِي هود وحجتهم فِي ذَلِك إِجْمَاع الْجَمِيع على

{وآخرون مرجون لأمر الله}

التَّوْحِيد فِي قَوْله تَعَالَى {إِن صَلَاتي ونسكي} فَردُّوا مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / إِن صلواتك / على الْجمع وحجتهم إِجْمَاع الْجَمِيع على الْجمع فِي قَوْله قبلهَا {وصلوات الرَّسُول} فَلَا فرق فِي شَيْء من ذَلِك فِي وَجه من الْوُجُوه {وَآخَرُونَ مرجون لأمر الله} قَرَأَ نَافِع وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص وَآخَرُونَ {مرجون} بِغَيْر همز وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْهَمْز وهما لُغَتَانِ يُقَال أرجأت الْأَمر إِذا أَخَّرته وأرجيته أَيْضا {وَالَّذين اتَّخذُوا مَسْجِدا ضِرَارًا} قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر / الَّذين اتَّخذُوا مَسْجِدا / بِغَيْر وَاو وَكَذَلِكَ فِي مصاحفهم وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَالَّذين} بِالْوَاو وَهَكَذَا فِي مصاحفهم {أَفَمَن أسس بُنْيَانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بُنْيَانه على شفا جرف هار} قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر {أَفَمَن أسس} بِضَم الْألف وَكسر السِّين {بُنْيَانه} بِرَفْع النُّون وَكَذَلِكَ {أم من أسس بُنْيَانه} على مَا لم يسم فَاعله وحجتهما قَوْله قبلهَا {لمَسْجِد أسس على التَّقْوَى} قَالُوا وَإِنَّمَا كَانَ يحسن تَسْمِيَة الْفَاعِل لَو كَانَ للْفَاعِل ذكر فَأَما

{لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم}

إِذا لم يكن للْفَاعِل ذكر وَقد تقدمه {لمَسْجِد أسس على التَّقْوَى} على ترك تَسْمِيَة الْفَاعِل فَترك التَّسْمِيَة أَيْضا فِي هَذَا أقرب وَأولى على أَن الْمَسْجِد الَّذِي أسس على التَّقْوَى هُوَ الْمَسْجِد الَّذِي بُنْيَانه على تقوى من الله وَهُوَ مَسْجِد الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أسس} بِفَتْح الْهَمْز وَنصب {بُنْيَانه} فِي الحرفين وحجتهم فِي ذَلِك أَن صدر هَذِه الْقِصَّة هُوَ مَبْنِيّ على تَسْمِيَة الْفَاعِل وَهُوَ قَوْله {وَالَّذين اتَّخذُوا مَسْجِدا} فَجعل الاتخاذ لَهُم فَكَذَلِك التأسيس يَجْعَل لَهُم ليَكُون الْكَلَام وَاحِدًا ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك {لَا يزَال بنيانهم الَّذِي بنوا رِيبَة} وَالَّذين بنوا رِيبَة هم الَّذين أسسوا فَلذَلِك آثروا تَسْمِيَة الْفَاعِل قَرَأَ ابْن عَامر وَحَمْزَة وَأَبُو بكر {على شفا جرف} سَاكِنة الرَّاء كَأَنَّهُمْ استثقلوا ضمتين وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {جرف} بِالرَّفْع وَإِنَّمَا يستثقل ثَلَاث ضمات فَأَما اثْنَتَانِ فَلَا يستثقل {لَا يزَال بنيانهم الَّذِي بنوا رِيبَة فِي قُلُوبهم إِلَّا أَن تقطع قُلُوبهم} قَرَأَ ابْن عَامر وَحَفْص {إِلَّا أَن تقطع} بِفَتْح التَّاء أَي إِلَّا أَن تتقطع قُلُوبهم ندما وأسفا على تفريطهم والقلوب رفع بِفِعْلِهَا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {إِلَّا أَن تقطع} بِضَم التَّاء على مَا لم يسم فَاعله أَي إِلَّا أَن يفعل ذَلِك بهَا وهما فِي الْمَعْنى شَيْء وَاحِد

{بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون}

{بِأَن لَهُم الْجنَّة يُقَاتلُون فِي سَبِيل الله فيقتلون وَيقْتلُونَ} قَرَأَ حمز 4 ة وَالْكسَائِيّ {فيقتلون} بِضَم الْيَاء {وَيقْتلُونَ} بِفَتْح الْيَاء يبدآن بالمفعولين قبل الفاعلين قَالَ أَحْمد بن يحيي هَذَا مدح لأَنهم يقتلُون بعد أَن يقتل مِنْهُم وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فيقتلون} بِالْفَتْح {وَيقْتلُونَ} بِضَم الْيَاء يبدؤون بالفاعلين قبل المفعولين وحجتهم فِي ذَلِك أَن الله وَصفهم بِأَنَّهُم قَاتلُوا أَحيَاء ثمَّ قتلوا بعد أَن قَاتلُوا وَإِذا أخبر عَنْهُم وَبَدَأَ بِأَنَّهُم قد قتلوا فمحال أَن يقتلُوا بعد هلاكهم هَذَا مَا يُوجِبهُ ظَاهر الْكَلَام {الَّذين اتَّبعُوهُ فِي سَاعَة الْعسرَة من بعد مَا كَاد يزِيغ قُلُوب فريق مِنْهُم} قَرَأَ حَمْزَة وَحَفْص {من بعد مَا كَاد يزِيغ} بِالْيَاءِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ اعْلَم أَن فعل جمَاعَة يتَقَدَّم لمذكر أَو مؤنث إِن شِئْت أنثت فعله إِذا قَدمته وَإِن شِئْت ذكرته كَمَا قَالَ جلّ وَعز {لن ينَال الله لحومها وَلَا دماؤها} و {لَا يحل لَك النِّسَاء} فَإِذا أنثت أردْت جمَاعَة وَإِذا ذكرت أردْت جمعا وَمن قَرَأَ {يزِيغ} بِالْيَاءِ جعل فِي كَاد اسْما وترتفع الْقُلُوب ب {يزِيغ} وَالتَّقْدِير كَاد الْأَمر يزِيغ قُلُوب فريق مِنْهُم وَإِنَّمَا قَدرنَا هَذَا التَّقْدِير لِأَن كَاد فعل ويزيغ فعل وَالْفِعْل لَا يَلِي الْفِعْل وعَلى هَذِه الْقِرَاءَة لَا يجوز أَن يرْتَفع الْقُلُوب ب كَاد وَمن قَرَأَ بِالتَّاءِ ارْتَفَعت الْقُلُوب ب كَاد

{أو لا يرون أنهم يفتنون}

فَلَا يجوز حِينَئِذٍ إِلَّا تزِيغ بِالتَّاءِ لِأَن فِيهِ إضمارا للقلوب وَمَعْنَاهُ التَّأْخِير وَالتَّقْدِير من بَعْدَمَا كَاد قُلُوب فريق مِنْهُم تزِيغ وَمن رفع الْقُلُوب ب تزِيغ أضمر فِي كَاد الْأَمر كَمَا ذكرنَا فِي قِرَاءَة حَمْزَة وَحجَّة التَّاء قَوْله {وتطمئن قُلُوبنَا} وَلم يقْرَأ أحد بِالْيَاءِ فِي هَذَا الْموضع مَسْأَلَة فَإِن قيل لم أنث تزِيغ وَلم تؤنث كَاد وهما فعلان الْجَواب قَالَ الْفراء {كَاد} فعل و / تزِيغ / فعل فلك أَن تذكرهما جَمِيعًا وَلَك أَن تؤنثهما جَمِيعًا فَلَمَّا كَانَ لَك الْوَجْهَانِ ذكرت الأول لِأَن بعده فعلا آخر مُلْتَزما بالقلوب فَذكرت الأول لِأَنَّهُ تبَاعد من الْقُلُوب وأنثت الَّذِي بِجنب الْقُلُوب وَقَالَ آخَرُونَ {كَاد} لَيْسَ بِفعل متصرف وَلَا يكادون يَقُولُونَ مِنْهُ فَاعِلا وَلَا مَفْعُولا بِهِ فَذَكرته وأنثت / تزِيغ / لِأَنَّهُ فعل مُسْتَقْبل متصرف {أَو لَا يرَوْنَ أَنهم يفتنون} قِرَاءَة حَمْزَة / أَولا ترَوْنَ / بِالتَّاءِ أَي أَنْتُم معشر الْمُؤمنِينَ أَنهم يفتنون يَعْنِي الْمُنَافِقين وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أَو لَا يرَوْنَ} بِالْيَاءِ أَي أَولا يرى المُنَافِقُونَ أَنهم يفتنون أَي يمْتَحنُونَ بِالْمرضِ من كل عَام مرّة أَو مرَّتَيْنِ

- سورة يونس عليه السلام

10 - سُورَة يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَحَفْص {الر} بِفَتْح الرَّاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِكَسْر الرَّاء وهما لُغَتَانِ أهل الْحجاز يَقُولُونَ وباء وثاء وَرَاء وطاء وَغَيرهم يَقُولُونَ بَاء وتاء وَرَاء وطاء {أَكَانَ للنَّاس عجبا أَن أَوْحَينَا إِلَى رجل مِنْهُم} {قَالَ الْكَافِرُونَ إِن هَذَا لساحر مُبين} قَرَأَ ابْن كثير وَأهل الْكُوفَة {قَالَ الْكَافِرُونَ إِن هَذَا لساحر مُبين} بِالْألف قَوْله {إِن هَذَا} إِشَارَة إِلَى الْمُرْسل وحجتهم قَوْله {أَن أَوْحَينَا إِلَى رجل مِنْهُم أَن أنذر النَّاس} {قَالَ الْكَافِرُونَ إِن هَذَا} يَعْنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ {لساحر مُبين} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {سحر مُبين} بِغَيْر ألف يعنون الْقُرْآن وحجتهم أَن السحر يدل على السَّاحر لِأَن الْفِعْل لَا يكون إِلَّا من فَاعل والساحر قد يُوجد وَلَا يُوجد مَعَه السحر {هُوَ الَّذِي جعل الشَّمْس ضِيَاء} {مَا خلق الله ذَلِك إِلَّا بِالْحَقِّ يفصل الْآيَات لقوم يعلمُونَ}

{ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم}

قَرَأَ ابْن كثير فِي رِوَايَة القواس / جعل الشَّمْس ضئاء / بهمزتين وحجته قَوْله تَعَالَى {رئاء النَّاس} وضئاء جمع ضوء مثل بَحر وبحار وَالْأَصْل ضواء فقلبت الْوَاو يَاء لانكسار مَا قبلهَا فَصَارَت ضِيَاء كَمَا تَقول ميزَان وميقات وَجَائِز أَن يكون الضياء مصدرا مثل الصَّوْم وَالصِّيَام وَالْأَصْل صوام فقلبت الْوَاو يَاء تَقول ضاء الْقَمَر يضوء ضوءا وضياء كَمَا تَقول قَامَ يقوم قيَاما قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَحَفْص {يفصل الْآيَات} بِالْيَاءِ إِخْبَار عَن الله وحجتهم قَوْله {مَا خلق الله ذَلِك إِلَّا بِالْحَقِّ} فَجعلُوا الْفِعْل مُسْندًا إِلَيْهِ بِلَفْظ التَّوْحِيد فَكَأَنَّهُ قَالَ يفصل الله الايات وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {نفصل} بالنُّون وحجتهم أَن مَا جَاءَ فِي الْقُرْآن من قَوْله {فصلنا} و {نفصل} بِلَفْظ الْجمع كثير فَألْحق بِهِ مَا كَانَ لَهُ نظيرا ليَكُون الْكَلَام على سِيَاق وَاحِد {وَلَو يعجل الله للنَّاس الشَّرّ استعجالهم بِالْخَيرِ لقضي إِلَيْهِم أَجلهم} قَرَأَ ابْن عَامر {لقضي إِلَيْهِم} بِفَتْح الْقَاف وَالضَّاد أَجلهم ذهب أَي لقضى الله إِلَيْهِم أَجلهم وحجته قَوْله {وَلَو يعجل الله للنَّاس الشَّرّ استعجالهم} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لقضي إِلَيْهِم أَجلهم} على مَا لم يسم فَاعله {قل لَو شَاءَ الله مَا تلوته عَلَيْكُم وَلَا أدراكم بِهِ} قَرَأَ ابْن كثير / ولأدراكم بِهِ / بِغَيْر مد لِأَنَّهُ كَانَ لَا يرى مد حرف لحرف

{ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون}

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَلَا أدراكم} أَي وَلَا أدراكم الله بِهِ أَي وَلَا أعلمكُم بِهِ أَي وَلَا أنزل هَذَا الْقُرْآن عَلَيْكُم {ويعبدون من دون الله مَا لَا يضرهم وَلَا يَنْفَعهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شفعاؤنا عِنْد الله قل أتنبئون الله بِمَا لَا يعلم فِي السَّمَاوَات وَلَا فِي الأَرْض سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يشركُونَ} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا تشركون / بِالتَّاءِ وحجتهما أَن ذَلِك أَتَى عقيب المخاطبة فَأجرى الْكَلَام على لفظ مَا تقدمه وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {قل أتنبئون الله بِمَا لَا يعلم} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ وحجتهم قَوْله {ويعبدون من دون الله مَا لَا يضرهم وَلَا يَنْفَعهُمْ} وَلم يقل وتعبدون مَا لَا يضركم فَلذَلِك جَاءَ الْإِخْبَار فِي قَوْله {عَمَّا يشركُونَ} وَلِأَن الْقُرْآن هُوَ مُخَاطبَة للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَآله وَأَصْحَابه {هُوَ الَّذِي يسيركم فِي الْبر وَالْبَحْر} قَرَأَ ابْن عَامر / هُوَ الَّذِي ينشركم / بالنُّون والشين أَي يبثكم وَهُوَ من النشر وحجته قَوْله تَعَالَى {فَانْتَشرُوا فِي الأَرْض} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يسيركم} من التسيير أَي يحملكم فِي الْبر وَالْبَحْر وَعَن ابْن عَبَّاس يحفظكم إِذا سافرتم {إِنَّمَا بَغْيكُمْ على أَنفسكُم مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا}

{كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما}

قَرَأَ حَفْص عَن عَاصِم {مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {مَتَاع} بِالرَّفْع وَرَفعه من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن يكون {مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا} خَبرا لقَوْله تَعَالَى {بَغْيكُمْ على أَنفسكُم} وَالْوَجْه الثَّانِي أَن يتم الْوَقْف على قَوْله {بَغْيكُمْ على أَنفسكُم} ثمَّ يبتدأ {مَتَاع الْحَيَاة} على تَقْدِير هُوَ مَتَاع فَيكون خبر الِابْتِدَاء قَالَ الزّجاج وَمعنى الْكَلَام أَن مَا تنالونه لهَذَا الْفساد وَالْبَغي تتمتعون بِهِ فِي الدُّنْيَا {كَأَنَّمَا أغشيت وُجُوههم قطعا من اللَّيْل مظلما} قَرَأَ الْكسَائي وَابْن كثير {قطعا من اللَّيْل} ساكنه الطَّاء وإسكانه على وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن تُرِيدُ أَن تجمع قِطْعَة قطعا كَمَا تَقول فِي سِدْرَة وَسدر وبسرة وَبسر وَإِن شِئْت جعلت الْقطع وَاحِدًا تُرِيدُ ظلمَة من اللَّيْل أَو بَقِيَّة من سَواد اللَّيْل وَقَوله {مظلما} من نعت الْقطع وَقَرَأَ الْبَاقُونَ قطعا بِفَتْح الطَّاء جمع قِطْعَة مثل خرقَة وخرق وكسرة وَكسر وَإِنَّمَا اخْتَارُوا الْجمع لِأَن معنى الْكَلَام كَأَنَّمَا أغشي وَجه كل إِنْسَان مِنْهُم قِطْعَة من اللَّيْل ثمَّ جمع ذَلِك لِأَن الْوُجُوه جمَاعَة وَجعلُوا {مظلما} حَالا من اللَّيْل الْمَعْنى أغشيت وُجُوههم قطعا من اللَّيْل فِي حَال ظلمته اعْلَم أَن من حرك الطَّاء جعل مظلما حَالا لِليْل كَمَا ذكرنَا لِأَنَّهُ لَو كَانَ من نعت الْقطع كَانَت مظْلمَة لِأَن الْقطع جمع

{هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت}

{هُنَالك تبلو كل نفس مَا أسلفت} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / هُنَالك تتلو / بِالتَّاءِ قَالَ الْأَخْفَش تتلو من التِّلَاوَة أَي تقْرَأ كل نفس مَا أسلفت وحجته قَوْله {اقْرَأ كتابك} وَقَالَ آخَرُونَ {تتلو} أَي تتبع كل نفس مَا أسلفت وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {تبلو} بِالْبَاء أَي تخبر وتعاين وَمعنى تخبر تعلم كل نفس مَا قدمت من حَسَنَة أَو سَيِّئَة {كَذَلِك حقت كلمة رَبك} قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر / وَكَذَلِكَ حقت كَلِمَات / بِالْألف وَكَذَلِكَ الَّذِي بعده وحجتهما أَنَّهُمَا كتبَتَا فِي الْمَصَاحِف بِالتَّاءِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {كلمة رَبك} وحجتهم إِجْمَاع الْجَمِيع على التَّوْحِيد فِي قَوْله {وتمت كلمة رَبك} فَردُّوا مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ {أم من لَا يهدي إِلَّا أَن يهدى} قَرَأَ نَافِع / أَمن لَا يهدي / بِإِسْكَان الْهَاء وَتَشْديد الدَّال الأَصْل يَهْتَدِي فأدغمت التَّاء فِي الدَّال وَتركت الْهَاء سَاكِنة كَمَا كَانَت وَقَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَابْن عَامر وورش / أَمن لَا يهدي / بِفَتْح التَّاء وَالْهَاء وَتَشْديد الدَّال وَالْأَصْل يَهْتَدِي فأدغموا التَّاء فِي الدَّال وطرحوا فتحتها على الْهَاء وَاحْتَجُّوا بِقِرَاءَة عبد الله / أَمن

{ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار}

لَا يَهْتَدِي / وَكَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول إِن مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ دَعَا قومه إِلَى دين الله وأرشدهم إِلَى طَاعَته فعصوه وَهُوَ أَحَق أَن يتبع أم من لَا يَهْتَدِي إِلَّا أَن يهدى أَي يرشده غَيره قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / أَمن لَا يهدي / سَاكِنة الْهَاء خَفِيفَة الدَّال وحجتهما فِي ذَلِك أَن يهدي فِي معنى يَهْتَدِي تَقول هديت غَيْرِي وهديت أَنا على معنى اهتديت قَالَ الْفراء الْعَرَب تَقول هدى واهتدى بِمَعْنى وَاحِد وهما جَمِيعًا فِي أهل الْحجاز وَسمع أَعْرَابِي فصيح يَقُول إِن السهْم لَا يهدي إِلَّا بِثَلَاث قذذ أَي لَا يَهْتَدِي قَرَأَ عَاصِم فِي رِوَايَة أبي بكر {أم من لَا يهدي} بِكَسْر الْيَاء وَالْهَاء أَرَادَ يَهْتَدِي فأدغم التَّاء فِي الدَّال فَالتقى ساكنان فَكسر الْهَاء لالتقاء الساكنين وَكسر الْيَاء لمجاورة الْهَاء وأتبع الكسرة الكسرة وَقَرَأَ حَفْص {أم من لَا يهدي} يفتح الْيَاء وَكسر الْهَاء فِي الْجَوْدَة كفتح الْهَاء فِي الْجَوْدَة وَالْهَاء مَكْسُورَة لالتقاء الساكنين {وَيَوْم يحشرهم كَأَن لم يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَة من النَّهَار} قَرَأَ حَفْص {وَيَوْم يحشرهم كَأَن لم يَلْبَثُوا} بِالْيَاءِ إِخْبَار عَن الله وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بالنُّون الله يخبر عَن نَفسه {آلآن وَقد كُنْتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُون}

{فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون}

قَرَأَ نَافِع {الْآن} بِفَتْح اللَّام وَإِسْقَاط الْهمزَة نقل فتح الْهمزَة إِلَى اللَّام كَمَا قَرَأَ ورش {الأَرْض} {الْآخِرَة} وَقَرَأَ إِسْمَاعِيل عَن نَافِع {الْآن} بِإِسْكَان اللَّام وَبِه قَرَأَ الْبَاقُونَ على أصل الْكَلِمَة {فبذلك فليفرحوا هُوَ خير مِمَّا يجمعُونَ} قَرَأَ يَعْقُوب فِي رِوَايَة رويس / فبذلك فلتفرحوا هُوَ خير مِمَّا تجمعون / بِالتَّاءِ فيهمَا اعْلَم أَن كل أَمر للْغَائِب والحاضر لابد من لَام تجزم الْفِعْل كَقَوْلِك ليقمْ زيد {لينفق ذُو سَعَة} وَكَذَلِكَ إِذا قلت قُم واذهب فَالْأَصْل لتقم ولتذهب بِإِجْمَاع النَّحْوِيين فَتبين أَن المواجهة كثر استعمالهم لَهَا فحذفت اللَّام اختصارا وإيجازا واستغنوا ب افرحوا عَن لتفرحوا وب قُم عَن لتقم فَمن قَرَأَ بِالتَّاءِ فَإِنَّمَا قَرَأَ على الأَصْل وجته أَنَّهَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أبي بن كَعْب قَالَ قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمرت أَن أَقرَأ عَلَيْك قَالَ قلت وَقد سماني رَبك قَالَ نعم قَالَ فَقَرَأَ عَليّ يَعْنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ / قل بِفضل الله وبرحمته فبذلك فلتفرحوا هُوَ خير مِمَّا تجمعون / بِالتَّاءِ وَقد رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ أَنه قَالَ لِتَأْخُذُوا مَصَافكُمْ أَي خُذُوا مَصَافكُمْ فَهَذَا أَمر المواجهة

{وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين}

وَقَرَأَ ابْن عَامر / خير مِمَّا تجمعون / بِالتَّاءِ أَي تجمعون أَنْتُم من أَعْرَاض الدُّنْيَا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فليفرحوا} و {يجمعُونَ} بِالْيَاءِ فيهمَا على أَمر الْغَائِب أَي ليفرح الْمُؤْمِنُونَ بِفضل الله أَي الْإِسْلَام وبرحمته أَي الْقُرْآن خير مِمَّا يجمعه الْكَافِرُونَ فِي الدُّنْيَا {وَمَا يعزب عَن رَبك من مِثْقَال ذرة فِي الأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء وَلَا أَصْغَر من ذَلِك وَلَا أكبر إِلَّا فِي كتاب مُبين} قَرَأَ الْكسَائي {وَمَا يعزب} بِكَسْر الزَّاي وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْع وهما لُغَتَانِ تَقول عزب يعزب ويعزب مثل عكف يعكف ويعكف قَرَأَ حَمْزَة {وَلَا أَصْغَر من ذَلِك وَلَا أكبر} بِالرَّفْع فيهمَا رد على قَوْله {من مِثْقَال ذرة} لِأَن مَوضِع {مِثْقَال} رفع قبل دُخُول من لِأَنَّهَا زَائِدَة التَّقْدِير مَا يعزب عَن رَبك مِثْقَال ذرة وَلَا أَصْغَر من ذَلِك وَلَا أكبر إِلَّا فِي كتاب مُبين قَالَ الزّجاج وَيجوز رَفعه من جِهَة أُخْرَى على الِابْتِدَاء وَيكون الْمَعْنى وَلَا مَا هُوَ أَصْغَر من ذَلِك وَلَا مَا هُوَ أكبر إِلَّا فِي كتاب مُبين وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَلَا أَصْغَر} {وَلَا أكبر} بِالْفَتْح على معنى مَا يعزب عَن رَبك من مِثْقَال ذرة وَلَا مِثْقَال أَصْغَر من ذَلِك وَلَا أكبر والموضوع مَوضِع خفض إِلَّا أَنه فتح لِأَنَّهُ لَا ينْصَرف

{وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم}

{وَقَالَ فِرْعَوْن ائْتُونِي بِكُل سَاحر عليم} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {بِكُل سحار عليم} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {سَاحر} الْألف قبل الْحَاء وَقد ذكرنَا الْحجَّة فِي سُورَة الْأَعْرَاف {قَالَ مُوسَى مَا جئْتُمْ بِهِ السحر إِن الله سيبطله} قَرَأَ أَبُو عَمْرو {مَا جئْتُمْ بِهِ السحر} بِالْمدِّ جعل مَا بِمَعْنى أَي وَالتَّقْدِير أَي شَيْء جئْتُمْ آلسحر هُوَ اسْتِفْهَام على جِهَة التوبيخ لأَنهم قد علمُوا أَنه سحر فقد دخل اسْتِفْهَام على اسْتِفْهَام فَلهَذَا يقف على قَوْله {مَا جئْتُمْ بِهِ} ثمَّ يَبْتَدِئ {السحر} بِالرَّفْع وَخَبره مَحْذُوف الْمَعْنى الحسر هُوَ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {مَا جئْتُمْ بِهِ السحر} و {مَا} على هَذِه الْقِرَاءَة فِي معنى الَّذِي جئْتُمْ بِهِ السحر وَالَّذِي ابْتِدَاء وَالسحر خبر الِابْتِدَاء كَمَا تَقول الَّذِي مَرَرْت بِهِ زيد {رَبنَا ليضلوا عَن سَبِيلك} قَرَأَ أهل الْكُوفَة {ليضلوا} بِضَم الْيَاء أَي ليضلوا غَيرهم وحجتهم فِي ذَلِك أَن مَا تقدم من وصف فِرْعَوْن بِمَا وصف أَنه بذلك ضال غير مهتد فَكَانَ وَصفه بعد ذَلِك بِأَنَّهُ مَعَ ذَلِك مضل لغيره وَيزِيد الْكَلَام فَائِدَة وَمَعْرِفَة مَا لم يكن مَذْكُورا فِيمَا تقدم من وَصفه

{قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون}

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {ليضلوا} بِفَتْح الْيَاء أَي ليضلوا هم وحجتهم قَوْله {إِن رَبك هُوَ أعلم بِمن ضل عَن سَبيله} وَقد ضلوا {قَالَ قد أجيبت دعوتكما فاستقيما وَلَا تتبعان سَبِيل الَّذين لَا يعلمُونَ} قَرَأَ ابْن عَامر وَلَا تتبعان بتَخْفِيف النُّون الْمَعْنى فاستقيما وأنتما لَا تتبعان سَبِيل الَّذين لَا يعلمُونَ وَهُوَ الَّذِي يُسَمِّيه بعض أهل الْعَرَبيَّة الْحَال وَالْمعْنَى فاستقيما غير متبعين سَبِيل الَّذين لَا يعلمُونَ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ {وَلَا تتبعان} بِالتَّشْدِيدِ مَوضِع تتبعان جزم إِلَّا أَن النُّون الشَّدِيدَة دخلت للنَّهْي مُؤَكدَة وَكسرت لسكونها وَسُكُون النُّون الَّتِي قبلهَا واختير لَهُ الْكسر لِأَنَّهَا بعد الْألف وَهِي تشبه نون الِاثْنَيْنِ {قَالَ آمَنت أَنه لَا إِلَه إِلَّا الَّذِي آمَنت بِهِ بَنو إِسْرَائِيل} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {قَالَ آمَنت أَنه} بِكَسْر الْألف وحجتهما أَن كَلَام متناه عِنْد قَوْله {آمَنت} وَأَن الْإِيمَان وَقع على كَلَام مَحْذُوف نَظِير قَوْله {رَبنَا آمنا فاكتبنا} وَلم يذكر مَا وَقع الْإِيمَان عَلَيْهِ وَتَقْدِيره آمَنت بِمَا كنت بِهِ قبل الْيَوْم مُكَذبا ثمَّ اسْتَأْنف {أَنه لَا إِلَه إِلَّا الَّذِي آمَنت بِهِ بَنو إِسْرَائِيل} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {آمَنت أَنه} بِالْفَتْح على تَقْدِير آمَنت بِأَنَّهُ فَلَمَّا سقط الخافص عمل الْفِعْل فنصب

{ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا كذلك حقا علينا ننج المؤمنين}

{ثمَّ ننجي رسلنَا وَالَّذين آمنُوا كَذَلِك حَقًا علينا ننج الْمُؤمنِينَ} قَرَأَ الْكسَائي وَحَفْص {كَذَلِك حَقًا علينا ننج الْمُؤمنِينَ} خَفِيفَة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ وهما لُغَتَانِ تَقول أنجى يُنجي ونجى يُنجي مثل كرم وَأكْرم وَعظم وَأعظم وَحجَّة من شدد هِيَ أَن أَكْثَرهم أَجمعُوا على تَشْدِيد قَوْله {ثمَّ ننجي رسلنَا} فَرد مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ وَحجَّة من خفف قَوْله {ونجيناه من الْغم وَكَذَلِكَ ننجي الْمُؤمنِينَ} وَقَول {فمهل الْكَافرين} ثمَّ قَالَ {أمهلهم رويدا} فَجمع بَينهمَا لِمَعْنى وَاحِد 11 - سُورَة هود {وَلَقَد أرسلنَا نوحًا إِلَى قومه إِنِّي لكم نَذِير مُبين أَن لَا تعبدوا إِلَّا الله} قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَالْكسَائِيّ {إِنِّي لكم نَذِير} بِفَتْح الْألف الْمَعْنى وَلَقَد أرسلنَا نوحًا إِلَى قومه بالإنذار أَن لَا تعبدوا إِلَّا الله أَي أرسلنَا بِهَذَا الْأَمر وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ الْمَعْنى قَالَ لَهُم إِنِّي لكم نَذِير وحجتهم قَوْله {قَالَ يَا قوم إِنِّي لكم نَذِير مُبين أَن اعبدوا الله} لما أظهر القَوْل هَا هُنَا كَانَ إضماره هُنَاكَ أولى لِأَن الْقِصَّة وَاحِدَة {وَمَا نرَاك اتبعك إِلَّا الَّذين هم أراذلنا بَادِي الرَّأْي}

{قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم}

قَرَأَ أَبُو عَمْرو / بادئ الرَّأْي / بِالْهَمْز أَي ابْتِدَاء الرَّأْي أَي اتبعوك ابْتِدَاء الرَّأْي وَلم يتدبروا مَا قلت وَلم يفكروا فِيهِ وَلَو تَفَكَّرُوا وتدبروا لم يتبعوك وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {بَادِي} بِغَيْر همز من بدا يَبْدُو إِذا ظهر وَيكون التَّفْسِير على نَوْعَيْنِ فِي هَذِه الْقِرَاءَة أَحدهمَا أَن يكون اتبعوك فِي الظَّاهِر وَبَاطِنهمْ على خلاف ذَلِك أَي أَنهم أظهرُوا الْإِسْلَام وابطنوا الْكفْر وَيجوز أَن يكون اتبعوك فِي ظَاهر الراي وَلم يتدبروا مَا قلت وَلم يفكروا فِيهِ {قَالَ يَا قوم أَرَأَيْتُم إِن كنت على بَيِّنَة من رَبِّي وآتاني رَحْمَة من عِنْده فعميت عَلَيْكُم} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {فعميت عَلَيْكُم} بِضَم الْعين وَتَشْديد الْمِيم أَي أخفيت كَمَا يُقَال عميت عَلَيْهِ الْأَمر حَتَّى لَا يبصره وحجتهم فِي حرف عبد الله / فعماها عَلَيْكُم / وَقيل إِن فِي مصحف أبي / فعماها عَلَيْكُم / فَبَان بِمَا فِي حرف مصحف أبي أَن الْفِعْل مُسْند إِلَى الله وَأَنه هُوَ الَّذِي عماها فَردَّتْ فِي قراءتنا إِلَى مَا لم يسم فَاعله وَالْمعْنَى وَاحِد وَالْعرب تَقول عمي على الْخَبَر وَهِي مَعَ ذَلِك لَيْسَ الْفِعْل لَهَا فِي الْحَقِيقَة وَإِنَّا استجازوها على مجَاز كَلَام الْعَرَب فَإِذا ضممت الْعين كَانَت مَفْعُولا بهَا غير مُسَمّى فاعلها فَاسْتَوَى حِينَئِذٍ الْكَلَام فَلم يحْتَج إِلَى مجَاز كَلَام الْعَرَب وَترك الْمجَاز إِذا أمكن تَركه أحسن وَأولى وَأُخْرَى وَهِي أَن ذَلِك أَتَى عقيب قَوْله {وآتاني رَحْمَة من عِنْده} وَذَلِكَ خبر من نوح أَن الله تَعَالَى خصّه بِالرَّحْمَةِ الَّتِي

{قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين}

آتاها إِيَّاه فَكَذَلِك قَوْله {فعميت} خبر عَن الله أَنه هُوَ الَّذِي خذل من كفر بِهِ قَرَأَ أهل الْحجاز وَالشَّام وَالْبَصْرَة وَأَبُو بكر {فعميت} بِفَتْح الْعين وَتَخْفِيف الْمِيم أَي فعميت الْبَيِّنَة عَلَيْكُم وحجتهم أَن الَّتِي فِي الْقَصَص لم يخْتَلف فِيهَا مَفْتُوحَة الْعين قَالَ الله تَعَالَى {فعميت عَلَيْهِم الأنباء} فَهَذِهِ مثلهَا فَكَمَا يُقَال خَفِي علينا الْخَبَر يُقَال عمي عَليّ الْأَمر وَهَذَا مِمَّا حولت الْعَرَب الْفِعْل إِلَيْهِ وَهُوَ لغيره كَقَوْلِهِم دخل الْخَاتم فِي إصبعي والخف فِي رجْلي وَلَا شكّ أَن الرجل هِيَ الَّتِي تدخل فِي الْخُف والإصبع فِي الْخَاتم {قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا من كل زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} قَرَأَ حَفْص عَن عَاصِم {من كل زَوْجَيْنِ} منونا أَرَادَ من كل شَيْء فَحذف كَمَا حذف من قَوْله {وَلكُل وجهة} أَي وَلكُل صَاحب مِلَّة قبْلَة هُوَ موليها لِأَن كلا وبعضا يقتضيان مُضَافا إِلَيْهِمَا قَوْله {زَوْجَيْنِ} على هَذِه الْقِرَاءَة مفعول بِهِ واثنين وصف لَهُ وَتَقْدِير الْكَلَام قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ من كل شَيْء أَي من كل جنس وَمن كل الْحَيَوَان وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {من كل زَوْجَيْنِ} مُضَافا و {اثْنَيْنِ} نصب على أَنه مفعول بِهِ الْمَعْنى فاحمل اثْنَيْنِ من كل زوج {بِسم الله مجْراهَا وَمرْسَاهَا}

{يا بني اركب معنا}

قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {بِسم الله مجْراهَا} بِفَتْح الْمِيم وَكسر الرَّاء من جرت السَّفِينَة جَريا ومجرى وَقَالُوا إِن معنى ذَلِك بِسم الله حِين تجْرِي وحجتهم قَوْله بعْدهَا {وَهِي تجْرِي بهم فِي موج كالجبال} وَلم يقل وَهِي تجْرِي فَهَذَا أول دَلِيل على صِحَة معنى مجْراهَا بِفَتْح الْمِيم وَإسْنَاد إِلَى السَّفِينَة فِي اللَّفْظ وَالْمعْنَى وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {مجْراهَا وَمرْسَاهَا} بِضَم الميمين أَي بِاللَّه إجراؤها وَبِاللَّهِ إرساؤها يُقَال أجريته مجْرى وإجراء فِي معنى وَاحِد وهما مصدران وحجتهم إِجْمَاع الْجَمِيع على ضم الْمِيم فِي {مرْسَاها} فَرد مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ {يَا بني اركب مَعنا} قَرَأَ عَاصِم {يَا بني اركب} بِفَتْح الْيَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ قَالَ الزّجاج كسرهَا من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن الأَصْل يَا بنيي وَالْيَاء تحذف فِي النداء أَعنِي يَاء الْإِضَافَة وَتبقى الكسرة تدل عَلَيْهَا وَيجوز أَن تحذف الْيَاء لسكونها وَسُكُون الرَّاء من قَوْله {اركب} وتقر فِي الْكتاب على مَا هِيَ فِي اللَّفْظ وَالْفَتْح من جِهَتَيْنِ الأَصْل يَا بنيا بِالْألف فتبدل الْألف من يَاء الْإِضَافَة الْعَرَب تَقول يَا غُلَاما أقبل ثمَّ تحذف الْألف لسكونها وَسُكُون الرَّاء وتقر فِي الْكتاب على مَا هِيَ فِي اللَّفْظ وَيجوز أَن أَن تحذف الْألف للنداء كَا تحذف يَاء الْإِضَافَة وَإِنَّمَا حذفت يَاء الْإِضَافَة وَألف الْإِضَافَة فِي النداء

{إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم}

كَمَا تحذف التَّنْوِين لِأَن يَاء الْإِضَافَة زِيَادَة فِي الِاسْم كَمَا أَن التَّنْوِين زِيَادَة {إِنَّه لَيْسَ من أهلك إِنَّه عمل غير صَالح فَلَا تسألن مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم} قَرَأَ الْكسَائي {إِنَّه عمل غير صَالح} بِنصب اللَّام وَالرَّاء وحجته حَدِيث أم سَلمَة قَالَت قلت يَا رَسُول الله كَيفَ أَقرَأ {عمل غير صَالح} أَو {عمل غير صَالح} فَقَالَ {عمل غير صَالح} بِالنّصب فالهاء فِي هَذِه الْقِرَاءَة عَائِدَة على ابْن نوح لِأَنَّهُ جرى ذكره قبل ذَلِك فكني عَنهُ وَكَانَ بعض أهل الْبَصْرَة يُنكر هَذِه الْقِرَاءَة فاحتج لذَلِك بِأَن الْعَرَب لَا تَقول عمل غير حسن حَتَّى تَقول عمل عملا غير حسن وَقد ذهب عَنهُ وَجه الصَّوَاب فِيمَا حَكَاهُ لِأَن الْقُرْآن نزل بِخِلَاف قَوْله قَالَ الله تَعَالَى {وَمن تَابَ وَعمل صَالحا} مَعْنَاهُ وَمن تَابَ وَعمل عملا صَالحا وَقَالَ {وَاعْمَلُوا صَالحا} وَلم يقل عملا وَقَالَ فِي مَوضِع آخر {إِلَّا من تَابَ وآمن وَعمل عملا صَالحا} وَقَالَ {وَيتبع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ} وَلم يقل سَبِيلا غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ فَكَذَلِك قَوْله إِنَّه عمل غير صَالح مَعْنَاهُ إِنَّه عمل عملا غير صَالح وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {إِنَّه عمل غير صَالح} بِفَتْح الْمِيم وَضم اللَّام وَالرَّاء وحجتهم مَا رُوِيَ فِي التَّفْسِير جَاءَ فِي قَوْله {إِنَّه عمل غير صَالح}

أَي إِن سؤالك إيَّايَ أَن أنجي كَافِرًا عمل غير صَالح لِأَن نوحًا قَالَ {رب إِن ابْني من أَهلِي} فَقَالَ الله تَعَالَى {إِنَّه لَيْسَ من أهلك} الَّذين وعدتك أَن أنجيهم إِن سؤالك إيَّايَ {عمل غير صَالح} وَقيل {لَيْسَ من أهلك} أَي من أهل دينك فالهاء فِي قراءتهم كِنَايَة عَن السُّؤَال وَلم يجر لَهُ ذكر ظَاهر وَذَلِكَ جَائِز فيا قد عرف مَوْضِعه أَن يكني عَنهُ أَو جرى مَا يدل عَلَيْهِ كَقَوْلِه جلّ وَعز {وَلَا يَحسبن الَّذين يَبْخلُونَ بِمَا آتَاهُم الله من فَضله هُوَ خيرا} فكنى عَن الْبُخْل لِأَنَّهُ ذكر الَّذين يَبْخلُونَ اكْتِفَاء بِهِ من ذكر الْبُخْل وكنى عَنهُ وَقَالَ {حَتَّى تَوَارَتْ بالحجاب} يَعْنِي الشَّمْس وَهَذِه أَعْلَام لَا يجهل موضعهَا قَالَ الشَّاعِر ... إِذا نهي السَّفِيه جرى إِلَيْهِ ... وَخَالف وَالسَّفِيه إِلَى خلاف ... فَقَالَ جري إِلَيْهِ وَلم يجر ذكر السَّفه وَلَكِن لما ذكر السَّفِيه دلّ على السَّفه وَالسُّؤَال فِي قصَّة نوح لم يجر لَهُ ذكر وَلكنه لما ذكر {إِن ابْني من أَهلِي} دلّ على السُّؤَال وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُم الزّجاج الْهَاء كِنَايَة عَن ابْن نوح أَي

إِنَّه ذُو عمل غير صَالح كَمَا قَالَ الشَّاعِر ... ترتع مَا رتعت حَتَّى إِذا ادكرت ... فَإِنَّمَا هِيَ إقبال وإدبار ... أَي ذَات إقبال وإدبار قَرَأَ ابْن كثير {فَلَا تسألن} بِفَتْح النُّون مَعَ التَّشْدِيد الأَصْل فَلَا تسْأَل جزما على النَّهْي ثمَّ دخلت نون التوكيد ففتحت اللَّام لالتقاء الساكنين كَمَا تَقول لَا تضربن وَلَا تشتمن أحدا الأَصْل لَا تضرب ثمَّ دخلت نون التوكيد فَبنِي الْكَلَام على الْفَتْح لِاجْتِمَاع الساكنين قَرَأَ أهل الْمَدِينَة {فَلَا تَسْأَلنِي} بتَشْديد النُّون وَإِثْبَات الْيَاء فِي الْوَصْل الأَصْل فَلَا تسألنني فاجتمعت ثَلَاث نونات مثل مَا اجْتمعت فِي إِنَّنِي وكأنني ثمَّ حذفوا النُّون الَّتِي زيدت مَعَ الْيَاء فَقيل إِنِّي وَكَذَلِكَ حذفت النُّون فِي قَوْله {فَلَا تَسْأَلنِي} وَقَرَأَ قالون عَن نَافِع وَابْن عَامر فَلَا تسألن مَكْسُورَة النُّون مُشَدّدَة من غير يَاء الأَصْل كَمَا ذكرنَا إِلَّا أَنهم حذلوا الْيَاء لِأَن الكسرة تدل على الْيَاء وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو {فَلَا تَسْأَلنِي} بتَخْفِيف النُّون وَسُكُون اللَّام مثبتة الْيَاء فِي الْوَصْل النُّون مَعَ الْيَاء اسْم الْمُتَكَلّم فِي مَوضِع نصب وَالنُّون

{ومن خزي يومئذ}

إِنَّمَا دخلت ليسلم سُكُون اللَّام قَالَ عَبَّاس سَأَلت أَبَا عَمْرو فَقلت وَقَرَأَ بعض الْقُرَّاء فَلَا {تسألن} بِفَتْح النُّون وَأَنا أَقرَأ {فَلَا تَسْأَلنِي} لقَوْل الله تَعَالَى {رب إِنِّي أعوذ بك أَن أَسأَلك} قَالَ {أَن أَسأَلك} يدل على أَنه نَهَاهُ أَن يسْأَله وَقَرَأَ أهل الْكُوفَة {فَلَا تسألن} خَفِيفَة النُّون محذولة الْيَاء وَإِنَّمَا حذفوا الْيَاء اختصارا لِأَن الكسرة تدل على الْيَاء {وَمن خزي يَوْمئِذٍ} قَرَأَ نَافِع وَالْكسَائِيّ {وَمن خزي يَوْمئِذٍ} بِفَتْح الْمِيم جعلا يَوْم وَإِذ بِمَنْزِلَة اسْمَيْنِ جعلا اسْما وَاحِدًا كَقَوْلِك خَمْسَة عشرَة وَقيل إِنَّمَا فتح لِأَن الْإِضَافَة لَا تصح إِلَى الْحُرُوف وَلَا إِلَى الْأَفْعَال فَلَمَّا كَانَت إِضَافَة يَوْم إِلَى إِذْ غير مَحْضَة فتح وَبني وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَمن خزي يَوْمئِذٍ} بِكَسْر الْمِيم أجروا الْإِضَافَة إِلَى يَوْم مجْراهَا إِلَى سَائِر الْأَسْمَاء فكسروا الْيَوْم على الْإِضَافَة كَمَا يكسر الْمُضَاف إِلَيْهِ من سَائِر الْأَسْمَاء وعلامة الْإِضَافَة سُقُوط التَّنْوِين من خزي {أَلا إِن ثَمُود كفرُوا رَبهم أَلا بعدا لثمود} قَرَأَ حَمْزَة وَحَفْص {أَلا إِن ثَمُود كفرُوا رَبهم} بِغَيْر تَنْوِين

{قالوا سلاما قال سلام}

وَكَذَلِكَ فِي الْفرْقَان وَالْعَنْكَبُوت والنجم وَدخل مَعَهُمَا أَبُو بكر فِي النَّجْم وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّنْوِينِ فَمن ترك التَّنْوِين جعله اسْما لقبيلة فاجتمعت عِلَّتَانِ التَّعْرِيف والتأنيث فَامْتنعَ من الصّرْف وَمن نون جعله اسْما مذكرا لحي أَو رَئِيس وحجتهم فِي ذَلِك الْمُصحف لِأَنَّهُنَّ مكتوبات فِي الْمُصحف بِالْألف وَزَاد الْكسَائي عَلَيْهِم حرفا خَامِسًا وَهُوَ قَوْله {أَلا بعدا لثمود} منونا وَقَالَ إِنَّمَا أجريت الثَّانِي لقُرْبه من الأول لِأَنَّهُ استقبح أَن ينون اسْما وَاحِدًا ويدع التَّنْوِين فِي آيَة وَاحِدَة وَيُخَالف بَين اللَّفْظَيْنِ وَقد جود الْكسَائي فِيمَا قَالَ لِأَن أَبَا عَمْرو سُئِلَ لم شددت قَوْله تَعَالَى {قل إِن الله قَادر على أَن ينزل آيَة} وَأَنت تخفف ينزل فِي كل الْقُرْآن فَقَالَ لقُرْبه من قَوْله {وَقَالُوا لَوْلَا نزل عَلَيْهِ آيَة من ربه قل إِن الله قَادر على أَن ينزل آيَة} فَإِن سَأَلَ سَائل فَقَالَ قَوْله {وآتينا ثَمُود النَّاقة} من مَوضِع نصب فَهَلا نون كَمَا نون سَائِر المنصوبات الْجَواب أَن هَذَا الْحَرْف كتب فِي الْمُصحف بِغَيْر ألف وَالِاسْم الْمنون إِذا استقبله ألف وَلَام جَازَ ترك التَّنْوِين كَقَوْلِه {قل هُوَ الله أحد الله الصَّمد} {قَالُوا سَلاما قَالَ سَلام}

{فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب}

قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / قَالُوا سَلاما قَالَ سلم / بِكَسْر السِّين وَفِي الذاريات مثله جعلاه من السّلم وَهُوَ الصُّلْح أَي أَمْرِي سلم لست مرِيدا غير السَّلامَة وَالصُّلْح قَالَ الْفراء الْمَعْنى نَحن سلم لِأَن التَّسْلِيم لَا يكون من عَدو وَكَأن الْفراء ذهب إِلَى أَن الْمَلَائِكَة لما سلمُوا عَلَيْهِ كَانَ ذَلِك دَلِيلا على براءتهم مِمَّا وَقع فِي نَفسه من أَنهم عَدو فَقَالَ لَهُم حِينَئِذٍ نَحن متسالمون آمنون إِذْ سلمتم علينا وَيكون معنى قَوْله فِي الذاريات {قوم منكرون} أَي غير معروفين فِي بلدنا وَإِن التَّسْلِيم مِنْكُم مُنكر لِأَنَّهُ لَا يعهده إِلَّا مِمَّن هُوَ على دينه وَلم يَتَقَرَّر عِنْده أَنهم مِنْهُم قَالُوا وَالدَّلِيل على أَن الثَّانِي بِخِلَاف معنى الأول أَن إعرابهما مُخْتَلف فَلَو كَانَت الثَّانِيَة مخرجها مخرج الأولى نصبت كَمَا نصبت الأولى وَقَالَ قوم يجوز أَن يكون معنى قَوْله {سلم} فِي معنى سَلام كَمَا قَالُوا حل وحلال وَحرم وَحرَام قَالُوا وَالدَّلِيل على صِحَة ذَلِك أَن التَّفْسِير ورد بِأَنَّهُم سلمُوا عَلَيْهِ فَرد عَلَيْهِم وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {قَالَ سَلام} جَعَلُوهُ من التَّسْلِيم وحجتهم فِي ذَلِك أَنه مجمعون على الأول أَنه بِأَلف وَهُوَ تَسْلِيم الْمَلَائِكَة فَردُّوا مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ الأول نصب على الْمصدر على معنى سلمنَا سَلاما وَالثَّانِي رفع على إِضْمَار عَلَيْكُم سَلام وَمن قَرَأَ {سلم} أَي أَمْرِي سلم {فبشرناها بِإسْحَاق وَمن وَرَاء إِسْحَاق يَعْقُوب}

{فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك}

قَرَأَ حَمْزَة وَابْن عَامر وَحَفْص وَمن وَرَاء إِسْحَاق يَعْقُوب بِالنّصب وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْع قَالَ الزّجاج فَأَما من قَرَأَ {وَمن وَرَاء إِسْحَاق يَعْقُوب} فِي مَوضِع نصب فَمَحْمُول على الْمَعْنى الْمَعْنى وهبنا لَهَا إِسْحَاق وَوَهَبْنَا لَهَا يَعْقُوب وَمن قَرَأَ {يَعْقُوب} فرفعه على ضَرْبَيْنِ أَحدهمَا ابْتِدَاء مُؤخر مَعْنَاهُ التَّقْدِيم وَالْمعْنَى وَيَعْقُوب يحدث لَهَا من وَرَاء إِسْحَاق وَيجوز أَن يكون مَرْفُوعا بِالْفِعْلِ الَّذِي يعْمل فِي قَوْله {من وَرَاء} كَأَنَّهُ قَالَ وَيثبت لَهَا من وَرَاء إِسْحَاق يَعْقُوب {فَأسر بأهلك بِقطع من اللَّيْل وَلَا يلْتَفت مِنْكُم أحد إِلَّا امْرَأَتك} قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير {فَأسر بأهلك} بوصل الْألف فِي كل الْقُرْآن من سرى يسري وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فَأسر} بِقطع الْألف وهما لُغَتَانِ فصيحتان نزل بهما الْقُرْآن قَالَ الله تَعَالَى {سُبْحَانَ الَّذِي أسرى بِعَبْدِهِ} وَقَالَ / وَاللَّيْل إِذْ يسري / يُقَال سريت وأسريت إِذا سرت لَيْلًا وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُم أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ يُقَال سرى فِي أول اللَّيْل وَأسرى من آخِره قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {وَلَا يلْتَفت مِنْكُم أحد إِلَّا امْرَأَتك} بِالرَّفْع على معنى وَلَا يلْتَفت مِنْكُم أحد إِ لَا امْرَأَتك فَإِنَّهَا ستلتفت فَقَوله {امْرَأَتك} بدل من قَوْله {أحد} كَقَوْلِك مَا قَامَ أحد إِلَّا

{أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا}

أَبوك وَمَا رَأَيْت أحدا إِلَّا أَخَاك وَكَانَ أَبُو عَمْرو يتَأَوَّل أَن لوطا كَانَ سَار بهَا فِي أَهله وحجته مَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ إِنَّهَا سَمِعت الوجبة فالتفتت فأصابها الْعَذَاب وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {امْرَأَتك} بِالنّصب اسْتثِْنَاء من الْإِسْرَاء وحجتهم مَا رُوِيَ عَن عبد الله بن مَسْعُود أَنه قَالَ {فَأسر بأهلك بِقطع من اللَّيْل} {إِلَّا امْرَأَتك} فَدلَّ ذَلِك ان الِاسْتِثْنَاء كَانَ من أَهله الَّذين أَمر بالإسراء بهم لَا من {أحد} وَالْمعْنَى فِي هَذِه الْقِرَاءَة أَنه لم يخرج امْرَأَته مَعَ أَهله وَفِي الْقِرَاءَة الْأُخْرَى أَنه خرج بهَا فالتفتت فأصابتها الْحِجَارَة {أصلاتك تأمرك أَن نَتْرُك مَا يعبد آبَاؤُنَا} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {أصلاتك} بِغَيْر وَاحِد وحجتهم إِجْمَاع الْجَمِيع على التَّوْحِيد فِي قَوْله {إِن صَلَاتي ونسكي} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / أصلواتك / على الْجمع وحجتهم أَنَّهَا مَكْتُوبَة فِي الْمُصحف بواو وَكَذَلِكَ فِي سُورَة بَرَاءَة {يَوْم يَأْتِ لَا تكلم نفس إِلَّا بِإِذْنِهِ} قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَالْكسَائِيّ {يَوْم يَأْتِي} بِالْيَاءِ فِي الْوَصْل وأثبتها ابْن كثير فِي الْوَقْف أَيْضا وحجتهم أَنَّهَا مثبتة فِي الْمُصحف

{وأما الذين سعدوا ففي الجنة}

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِحَذْف الْيَاء قَالَ الْخَلِيل إِن الْعَرَب تَقول لَا أدر فتحذف الْيَاء وتجتزئ بِالْكَسْرِ إِلَّا أَنهم يَزْعمُونَ أَن ذَلِك لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال والأجود فِي النَّحْو إِثْبَات الْيَاء {وَأما الَّذين سعدوا فَفِي الْجنَّة} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {وَأما الَّذين سعدوا} بِضَم السِّين على مَا لم يسم فَاعله تَقول سعد زيد لَازِما وسعده الله مُتَعَدِّيا قَالَ الْكسَائي سعد واسعد لُغَتَانِ وَمن ذَلِك رجل مَسْعُود من سعد اعْلَم أَن سعده الله قَلِيل فِي الِاسْتِعْمَال ومصدره ومفعوله كثير لِأَن مسعودا فِي كَلَام الْعَرَب أَكثر من مسعد وأسعده الله فِي كَلَامهم أَكثر من سعده الله فَقَوْل مَسْعُود يدل على جَوَاز سعده الله وقراءتهم لَا تكون إِلَّا من سعده الله فغالب الِاسْتِعْمَال فِي الْمَفْعُول على الْفِعْل الَّذِي لَا زِيَادَة فِيهِ هُوَ سعد وغالب الِاسْتِعْمَال فِي الْفِعْل هُوَ اللَّفْظ الَّذِي بِزِيَادَة الْمِيم وَهُوَ أسعد وَمثله يُقَال أحب وَالِاسْم مِنْهُ محب إِلَّا أَنه قل الِاسْم من أحب وَإِنَّمَا يَقُولُونَ مَحْبُوب وَكثر الْفِعْل مِنْهُ فَيُقَال أحب وَكثر الِاسْم من حب فَيَقُولُونَ مَحْبُوب وَقل الْفِعْل مِنْهُ فَلَا يُقَال حب وَكَذَلِكَ سعد قل الْفِعْل مِنْهُ وَكثر الِاسْم مِنْهُ وَقل الِاسْم من أسعد فَلَا يُقَال مسعد وَكثر الْفِعْل مِنْهُ فَيُقَال أسعد وَقَرَأَ أهل الْحجاز وَالْبَصْرَة وَالشَّام وَأَبُو بكر {وَأما الَّذين سعدوا} بِفَتْح السِّين وحجتهم ذكرهَا اليزيدي فَقَالَ يُقَال مَا سعد زيد حَتَّى أسعده الله وَهَذِه الْقِرَاءَة هِيَ المختارة عِنْد أهل اللُّغَة يُقَال

{وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم}

سعد فلَان وأسعده الله وَأُخْرَى وَهِي أَنهم أَجمعُوا على فتح الشين فِي {شَقوا} وَلم يقل شَقوا فَكَانَ رد مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى حكم مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ أولى وَلَو كَانَت بِضَم السِّين كَانَ الْأَفْصَح أَن يُقَال أسعدوا {وَإِن كلا لما ليوفينهم رَبك أَعْمَالهم} وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو وَالْكسَائِيّ {وَإِن كلا لما} بتَشْديد {إِن} وَتَخْفِيف {لما} وَجهه بَين وَهُوَ أَنه نصب {كلا} ب {إِن} و {إِن} تَقْتَضِي أَن تدخل على خَبَرهَا اللَّام أَو على اسْمه إِذا حل مَحل الْخَبَر فَدخلت هَذِه اللَّام وَهِي لَام الِابْتِدَاء على الْخَبَر فِي قَوْله {وَإِن كلا لما} وَقد دخلت فِي الْخَبَر لَام أُخْرَى وَهِي لَام الْقسم وتختص بِالدُّخُولِ على الْفِعْل ويلزمها فِي أَكثر الْأَمر إِحْدَى النونين فَلَمَّا اجْتمعت اللامان فصل بَينهمَا ب مَا فلام لما لَام إِن وَمَا دخلت للتوكيد وَلم تغير الْمَعْنى وَلَا الْعَمَل وَاللَّام الَّتِي فِي {ليوفينهم} لَام الْقسم وَقَالَ أهل الْكُوفَة فِي مَا الَّتِي فِي {لما} وَجْهَان أَحدهمَا أَن يكون بِمَعْنى من أَي {وَإِن كلا لما ليوفينهم رَبك} كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ {فانكحوا مَا طَابَ لكم من النِّسَاء} وَإِن أَكثر اسْتِعْمَال الْعَرَب لَهَا فِي غير بني آدم وَالْوَجْه الآخر أَن يَجْعَل مَا الَّتِي فِي لما بِمَعْنى مَا الَّتِي تدخل صلَة فِي الْكَلَام ويلي هَذَا الْوَجْه فِي الْبَيَان قِرَاءَة نَافِع وَابْن كثير فَأَما تَخْفيف {إِن} وَترك النصب على حَاله فَلِأَن إِن مشبهة بِالْفِعْلِ فَإِذا حذف التَّشْدِيد بَقِي الْعَمَل على حَاله وَهِي مُخَفّفَة من

إِن قَالَ سِيبَوَيْهٍ حَدثنِي من أَثِق بِهِ أَنه سمع من الْعَرَب من يَقُول إِن عمرا لمنطلق فَإِن سَأَلَ سَائل فَقَالَ إِنَّمَا نصبت ب إِن تَشْبِيها بِالْفِعْلِ فَإِذا خففت زَالَ شبه الْفِعْل فَلم نصبت بهَا فَالْجَوَاب أَن من الْأَفْعَال مَا يحذف مِنْهُ فَيعْمل عمل التَّام كَقَوْلِك لم يَك زيد مُنْطَلقًا فَكَذَلِك إِن جَازَ حذفهَا وإعمالها وَقَرَأَ ابْن عَامر وَحَمْزَة وَحَفْص {كلا لما} بِالتَّشْدِيدِ فِيهَا قَالَ الْكسَائي من شدد {إِن} و {لما} فَالله أعلم بذلك وَلَيْسَ لي بِهِ علم وَقَالَ الْفراء أما الَّذين شَدَّدُوا فَإِنَّهُ وَالله أعلم لمما ثَعْلَب يروي بِكَسْر الْمِيم لمن أَرَادَ لمن مَا ليوفينهم فَلَمَّا اجْتمعت الميمات حذفت وَاحِدَة فَبَقيت ثِنْتَانِ أدغمت وَاحِدَة فِي الْأُخْرَى كَمَا قَالَ الشَّاعِر ... وَإِنِّي لمما أصدر الْأَمر وَجهه ... إِذا هُوَ أعيا بالسبيل مصادره ... وَقَالَ آخَرُونَ معنى ذَلِك وَإِن كلا لما بِالتَّشْدِيدِ أَرَادَ لما بِالتَّنْوِينِ وَلَكِن حذف مِنْهُ التَّنْوِين كَمَا حذف من قَوْله {أرسلنَا رسلنَا تترا} قَالَ الْفراء وَحدثت أَن الزُّهْرِيّ قَرَأَ {وَإِن كلا لما} بِالتَّنْوِينِ يَجْعَل اللم شَدِيدا كَقَوْلِه {أكلا لما} أَي شَدِيدا فَيكون

الْمَعْنى وَإِن كلا شَدِيدا وَحقا ليوفينهم أَعْمَالهم بِمَنْزِلَة قَوْلك فِي الْكَلَام وَإِن كلا حَقًا ليوفينهم وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُم الْمَازِني إِن أَصْلهَا لمما ثمَّ شددت الميمين زِيَادَة للتوكيد وَكيلا يحذفها الْإِنْسَان ويشبهها بقوله {فبمَا رَحْمَة من الله} فَيَقُول وَإِن كلا ليوفينهم فيجتمع لامان فَلهَذَا شددت قَالَ الْفراء وَأما من جعل لما بِمَنْزِلَة إِلَّا فَإِنَّهُ وَجه لَا نعرفه كَمَا لَا يحسن إِن زيدا إِلَّا منطلق فَكَذَلِك لَا يحسن وَإِن كلا إِلَّا ليوفينهم شرح هَذَا أَن إِن إِثْبَات للشَّيْء وَتَحْقِيق لَهُ وَإِلَّا تَحْقِيق أَيْضا وَإِيجَاب وَإِنَّمَا تدخل نقضا لجحد قد تقدمها كَقَوْلِك مَا زيد إِلَّا منطلق وَكَقَوْلِه {إِن كل نفس لما عَلَيْهَا حَافظ} أَي مَا كل نفس إِلَّا عَلَيْهَا حَافظ وَفِي قَوْله تَعَالَى {وَإِن كلا لما} لم يتقدمه حرف جحد فَيَقُول إِن لما بِمَعْنى إِلَّا كَمَا ذكرنَا وَإِنَّمَا تقدم هَا هُنَا إِن الَّتِي للتحقيق فقد بَطل قَول من قَالَ إِن لما بِمَعْنى إِلَّا ووجهها مَا قد ذكرنَا عَن أهل النَّحْو وَقَرَأَ أَبُو بكر {وَإِن كلا} خَفِيفَة {لما} مُشَدّدَة و {إِن} مُخَفّفَة من إِن وَقد ذكرنَا أَن الْعَرَب تَقول إِن عمرا لمنطلق وَلَا يجوز أَن يَجْعَل إِن بِمَعْنى الَّتِي تكون بِمَعْنى الْجحْد لِأَنَّهَا قد نصبت وَإِن إِذا كَانَت بِمَعْنى الْجحْد لَا تنصب قَالَ الْكسَائي من خفف إِن وشدد لما لست أَدْرِي

{وإليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعملون}

وَالله أعلم بِوَجْهِهِ إِنَّمَا نَقْرَأ كَمَا أقرئنا قَالَ وَذَلِكَ أَن إِن إِذا نصبت بهَا وَإِن كَانَت مُخَفّفَة كَانَت بمنزلتها مثقلة وَلما إِذا شددت كَانَت بِمَنْزِلَة إِلَّا قلت وَجه هَذِه الْقِرَاءَة مَا قد ذكرنَا فِي قِرَاءَة حَمْزَة وَابْن عَامر وَالله أعلم {وَإِلَيْهِ يرجع الْأَمر كُله فاعبده وتوكل عَلَيْهِ وَمَا رَبك بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ} قَرَأَ نَافِع وَحَفْص {وَإِلَيْهِ يرجع الْأَمر} بِضَم الْيَاء على مَا لم يسم فَاعله أَي يرد الْأَمر كُله إِلَيْهِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يرجع} أَي يصير الْأَمر إِلَيْهِ وحجتهم قَوْله {أَلا إِلَى الله تصير الْأُمُور} وَلم يقل تصار قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَحَفْص {وَمَا رَبك بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ} بِالتَّاءِ على الْخطاب وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ أَي وَمَا رَبك بغافل عَمَّا يعْمل هَؤُلَاءِ الْمُشْركُونَ 12 - سُورَة يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام {إِذْ قَالَ يُوسُف لِأَبِيهِ يَا أَبَت إِنِّي رَأَيْت} قَرَأَ ابْن عَامر {يَا أَبَت} بِفَتْح التَّاء فِي جَمِيع الْقُرْآن وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِكَسْر التَّاء على الْإِضَافَة إِلَى نَفسه الأَصْل يَا أبي فحذفت الْيَاء لِأَن يَاء الْإِضَافَة تحذف فِي النداء كَمَا يحذف التَّنْوِين

وَتبقى الكسرة تدل على الْيَاء كَمَا تَقول رب اغْفِر لي وَفِي التَّنْزِيل {رب قد آتيتني من الْملك} و {يَا قوم} وَالْأَصْل يَا قومِي فحذفت الْيَاء وَإِنَّمَا تحذف فِي النداء لِأَن بَاب النداء بَاب التَّغْيِير والحذف وَأما إِدْخَال تَاء التَّأْنِيث فِي الْأَب فَقَالَ قوم إِنَّمَا دخلت للْمُبَالَغَة كَمَا تَقول عَلامَة ونسابة فَاجْتمع يَاء الْمُتَكَلّم وَالتَّاء الَّتِي للْمُبَالَغَة فحذفوا الْيَاء لِأَن الكسرة تدل عَلَيْهَا وَقَالَ الزّجاج إِن التَّاء كثرت ولزمت فِي الْأَب عوضا عَن يَاء الْإِضَافَة فَلهَذَا كسرت التَّاء لِأَن الكسرة أُخْت الْيَاء وَمن فتح فَلهُ وَجْهَان أَحدهمَا أَن يكون أَرَادَ يَا أبتا فأبدل من يَاء الْإِضَافَة ألفا ثمَّ حذف الْألف كَمَا تحذف الْيَاء وَتبقى الفتحة دَالَّة على الْألف كَمَا أَن الكسرة تدل على الْيَاء وَالْوَجْه الآخر أَنه إِنَّمَا فتح التَّاء لِأَن هَذِه التَّاء بدل من يَاء الْمُتَكَلّم وَاصل يَاء الْمُتَكَلّم الْفَتْح فَتَقول يَا غلامي وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِك لِأَن الْيَاء هُوَ اسْم وَالِاسْم إِذا كَانَ على حرف وَاحِد فأصله الْحَرَكَة فَتكون الْحَرَكَة تَقْوِيَة للاسم فَلَمَّا كَانَ أصل هَذِه الْيَاء الفتحة كَانَ الْوَاجِب أَن تفتح لِأَنَّهَا بدل من الْحَرْف الَّذِي هُوَ أَصله ليدل على الْمُبدل وقف ابْن كثير وَابْن عَامر / يَا أبه / على الْهَاء وحجتهما أَن التغييرات تكون فِي حَال الْوَقْف دون الإدراج فَتَقول رايت زيدا فتقف عَلَيْهِ بِالْألف ووقف الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ وحجتهم أَن هَذِه التَّاء بدل من الْيَاء فَكَمَا أَن الْيَاء على صُورَة وَاحِدَة فِي الْوَصْل وَالْوَقْف فَكَذَلِك الْبَدَل يجب أَن يكون مثل الْمُبدل مِنْهُ على صُورَة وَاحِدَة

{لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين}

{لقد كَانَ فِي يُوسُف وَإِخْوَته آيَات للسائلين} قَرَأَ ابْن كثير / آيَة للسائلين / أَي عِبْرَة وحجته قَوْله {لقد كَانَ فِي قصصهم عِبْرَة} وَلم يقل عبر كَأَنَّهُ جلّ شَأْنه كُله آيَة كَمَا قَالَ جلّ وَعز {وَجَعَلنَا ابْن مَرْيَم وَأمه آيَة} فأفرد كل وَاحِد مِنْهُمَا آيَة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {آيَات للسائلين} على الْجمع أَي عبر جعلُوا كل حَال من أَحْوَال يُوسُف آيَة وعبرة وحجتهم فِي ذَلِك أَنَّهَا كتبت فِي الْمُصحف بِالتَّاءِ {وألقوه فِي غيابة الْجب} قَرَأَ نَافِع فِي / غيابات الْجب / بِالْألف أَرَادَ ظلم الْبِئْر ونواحيها لِأَن الْبِئْر لَهَا غيابات فَجعل كل جُزْء مِنْهَا غيابة فَجمع على ذَلِك وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {غيابة} وحجتهم أَنهم ألقوه فِي بِئْر وَاحِدَة فِي مَكَان وَاحِد لَا فِي أمكنة {أرْسلهُ مَعنا غَدا يرتع ويلعب} قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَابْن عَامر / نرتع وَنَلْعَب / بالنُّون أخبر الْإِخْوَة عَن أنفسهم وحجتهم ذكرهَا الزيدي قَالَ وتصديقها قَوْله بعْدهَا {إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِق} فَكَأَن اليزيدي ذهب إِلَى أَنهم أسندوا جَمِيع ذَلِك إِلَى جَمَاعَتهمْ إِذْ أسندوا الاستباق قيل لأبي عَمْرو

وكذلك الإنسان يقال رتع يرتع رتعا فهو راتع

فَكيف يَلْعَبُونَ وهم أَنْبيَاء الله فَقَالَ إِذْ ذَاك لم يَكُونُوا أَنْبيَاء الله وَقَرَأَ أهل الْمَدِينَة والكوفة {يرتع ويلعب} بِالْيَاءِ إِخْبَارًا عَن يُوسُف وَبِذَلِك جَاءَ تَأْوِيل أهل التَّأْوِيل فِي ذَلِك قَالَ ابْن عَبَّاس {يرتع ويلعب} أَي يلهو وينشط وَيسْعَى وحجتهم فِي ذَلِك أَن الْقَوْم إِنَّمَا كَانَ قَوْلهم ذَلِك ليعقوب اختداعا مِنْهُم إِيَّاه عَن يُوسُف إِذْ سَأَلُوهُ أَن يُرْسِلهُ مَعَهم لينشط يُوسُف لِخُرُوجِهِ إِلَى الصَّحرَاء ويلعب هُنَاكَ لَا أَنهم أَرَادوا إِعْلَامه بِمَا لَهُم من الرِّفْق والفائدة لِخُرُوجِهِ قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير / نرتع / بِكَسْر الْعين أَي يرْعَى مَاشِيَته ويرعى المَال كَمَا يرعاه الرَّاعِي وَهُوَ يفتعل من الرِّعَايَة تَقول ارتعى الْقَوْم إِذا تحارسوا ورعى بَعضهم بَعْضًا وَحفظ بَعضهم بَعْضًا وَيُقَال رعاك الله أَي حفظك وَالْأَصْل نرتعي فَسَقَطت الْيَاء للجزم لِأَنَّهُ جَوَاب الْأَمر وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يرتع} بجزم الْعين أَي يَأْكُل يُقَال رتعت الْإِبِل وَأَنا أرتعتها إِذا تركتهَا ترعى كَيفَ شَاءَت قَالَ الشَّاعِر ... ترتع مَا رتعت حَتَّى إِذا ادكرت ... فَإِنَّمَا هِيَ إقبال وإدبار ... وَكَذَلِكَ الْإِنْسَان يُقَال رتع يرتع رتعا فَهُوَ راتع وعلامة الْجَزْم سُكُون الْعين فِي هَذِه الْقِرَاءَة وَإِنَّمَا انجزم لِأَنَّهُ جَوَاب الْأَمر الْمَعْنى أرْسلهُ إِن ترسله يرتع ويلعب {وأخاف أَن يَأْكُلهُ الذِّئْب وَأَنْتُم عَنهُ غافلون}

{قال يا بشرى هذا غلام}

قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَالْكسَائِيّ وورش عَن نَافِع / الذيب / بِغَيْر همز وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْهَمْز وَهُوَ الأَصْل لِأَنَّهُ مَأْخُوذ من تذاء بت الرّيح إِذا أَتَت من كل نَاحيَة فَكَأَنَّهُ شبه من خفته وَسُرْعَة حركته بِالرِّيحِ {قَالَ يَا بشرى هَذَا غُلَام} قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {يَا بشرى} بترك الْإِضَافَة فِيهَا وَجْهَان أَحدهمَا أَنهم جَعَلُوهُ اسْم رجل فَيكون دَعَا إنْسَانا اسْمه بشرى وحجتهم مَا قد رُوِيَ عَن جمَاعَة من الْمُفَسّرين أَنهم قَالُوا كَانَ اسْمه بشرى فَدَعَاهُ المستقي باسمه كَمَا يُقَال يَا زيد فَيكون بشرى فِي مَوضِع رفع بالنداء وَالْوَجْه الآخر أَن يكون أضَاف الْبُشْرَى إِلَى نَفسه ثمَّ حذف الْيَاء وَهُوَ يريدها كَمَا تَقول يَا غُلَام لَا تفعل يكون مُفردا بِمَعْنى الْإِضَافَة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / يَا بشراي / بِإِثْبَات يَاء الْإِضَافَة وَفتحهَا أضَاف الْبُشْرَى إِلَى نَفسه وَإِنَّمَا فتحُوا الْيَاء على اصلها لِئَلَّا يلتقي ساكنان فجرت مجْرى عصاي و / بشراي / فِي مَوضِع نصب كَمَا تَقول يَا غُلَام زيد {وَقَالَت هيت لَك} قَرَأَ أهل الْعرَاق هيت لَك بِفَتْح الْهَاء وَالتَّاء أَي هَلُمَّ وتعال وَأَقْبل إِلَى مَا أَدْعُوك إِلَيْهِ وحجتهم قَول الشَّاعِر ابلغ أَمِير الْمُؤمنِينَ أَخا الْعرَاق إِذا أتيتا ... أَن الْعرَاق وَأَهله عنق إِلَيْك فهيت هيتا

{إنه من عبادنا المخلصين}

قَالَ الزّجاج أما فتح التَّاء فِي هيت فَلِأَنَّهَا بِمَنْزِلَة أصوات لَيْسَ مِنْهَا فعل يتَصَرَّف ففتحت التَّاء لسكونها وَسُكُون الْيَاء واختير الْفَتْح لِأَن قبل التَّاء يَاء كَمَا قَالُوا كَيفَ وَأَيْنَ وَقَرَأَ أهل الْمَدِينَة وَالشَّام {هيت} وَهِي لُغَة وَقَرَأَ ابْن كثير {هيت} بِفَتْح الْهَاء وَضم التَّاء وحجته قَول الشَّاعِر لَيْسَ قومِي بالأبعدين إِذا مَا قَالَ دَاع من الْعَشِيرَة هيت ... هم يجيبون ذَا هَلُمَّ سرَاعًا كالأبابيل لَا يُغَادر بَيت فَأَما الضَّم من {هيت} فَلِأَنَّهَا بِمَعْنى الغايات كَأَنَّهَا قَالَت دعائي لَك فَلَمَّا حذفت الْإِضَافَة وتضمنت هيت مَعْنَاهَا بنيت على الضَّم كَمَا بنيت حَيْثُ وَقَرَأَ هِشَام / هئت / بِالْهَمْز من الْهَيْئَة كَأَنَّهَا قَالَت تهيأت لَك {إِنَّه من عبادنَا المخلصين} قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَابْن عَامر {المخلصين} بِكَسْر اللَّام فِي جَمِيع الْقُرْآن أَي أَخْلصُوا دينهم وأعمالهم من الرِّيَاء وحجتهم قَوْله {وَأَخْلصُوا دينهم} وَقَوله {مخلصا لَهُ ديني} فَإِذا

وقلن حاش لله

أَخْلصُوا فهم مخلصون تَقول رجل مخلص مُؤمن فترى الْفِعْل فِي اللَّفْظ لَهُ وَقَرَأَ أهل الْمَدِينَة والكوفة {المخلصين} بِفَتْح اللَّام أَي الله أخلصهم من الأسواء وَالْفَوَاحِش فصاروا مُخلصين وحجتهم قَوْله تَعَالَى {إِنَّا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدَّار} فصاروا مُخلصين بإخلاص الله إيَّاهُم {وقلن حاش لله} قَرَأَ أَبُو عَمْرو / وقلن حاشا لله / بِالْألف وحجته ذكرهَا اليزيدي فَقَالَ يُقَال حاشاك وحاشالك وَلَيْسَ أحد من الْعَرَب يَقُول حاشك وَلَا حاش لَك وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {حاش لله} وحجتهم أَنَّهَا مَكْتُوبَة فِي الْمَصَاحِف بِغَيْر ألف حكى أَبُو عبيد عَن الْكسَائي أَنَّهَا فِي مصحف عبد الله كَذَلِك وأصل الْكَلِمَة التبرئة وَالِاسْتِثْنَاء وَاخْتلف النحويون فِي حاشا مِنْهُم من قَالَ إِنَّه فعل وَمِنْهُم من قَالَ إِنَّه حرف {قَالَ تزرعون سبع سِنِين دأبا} {وَفِيه يعصرون} 47 و 49 قَرَأَ حَفْص {سبع سِنِين دأبا} بِفَتْح الْهمزَة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ سَاكِنة الْهمزَة وهما لُغَتَانِ مثل النَّهر وَالنّهر والظعن والظعن وكل اسْم كَانَ ثَانِيه حرفا من حُرُوف الْحلق جَازَ حركته وإسكانه قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / وَفِيه تعصرون / بِالتَّاءِ أَي تنجون من

{يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين}

الْبلَاء وتعتصمون بِالْخصْبِ قَالَ عدي بن زيد ... لَو بِغَيْر المَاء حلقي شَرق ... كنت كالغصان بِالْمَاءِ اعتصاري ... وَقَالَ مؤرج الْعَصْر الملجأ فعنى / تعصرون / أَي تلجؤون إِلَى الْعَصْر وحجتهما قَوْله {تزرعون سبع سِنِين} و {تَأْكُلُونَ} و {مِمَّا تحصنون} كَأَنَّمَا وَجه الْخطاب إِلَى المستفتين الَّذين قَالُوا أَفْتِنَا فِي كَذَا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يعصرون} بِالْيَاءِ أَي يعصرون الزَّيْت وَالْعِنَب وحجتهم ذكرهَا اليزيدي فَقَالَ يَعْنِي النَّاس ذهب اليزيدي إِلَى أَنه لما قرب الْفِعْل من النَّاس جعله لَهُم {يتبوأ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء نصيب برحمتنا من نشَاء وَلَا نضيع أجر الْمُحْسِنِينَ} قَرَأَ ابْن كثير {حَيْثُ نشَاء} بالنُّون الله أخبر عَن نَفسه وحجته مَا بعده وَهُوَ {نصيب برحمتنا من نشَاء وَلَا نضيع} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ حَيْثُ يَشَاء أَي يُوسُف كَأَنَّهُ قَالَ يتبوأ يُوسُف {وَقَالَ لفتيانه اجعلوا بضاعتهم فِي رحالهم}

وغلمة {منع منا الكيل فأرسل معنا أخانا نكتل وإنا له لحافظون}

وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {وَقَالَ لفتيانه} بِالْألف مثل جَار وجيران وتاج وتيجان والفتيان للكثير من الْعدَد وحجتهم قَوْله {اجعلوا بضاعتهم فِي رحالهم} فَكَمَا أَن الرّحال للعدد الْكثير فَكَذَلِك المتولون ذَلِك لِأَن الْجمع الْقَلِيل أرحل وَيُقَوِّي هَذِه قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَقد مر بِقوم يربعون حجرا فَقَالَ فتيَان الله أَشد من هَؤُلَاءِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / لفتيته / جمع فَتى فِي الْعدَد الْقَلِيل مثل أَخ وإخوة وقاع وقيعة وحجتهم قَوْله جلّ وَعز {إِذْ أَوَى الْفتية إِلَى الْكَهْف} وَقَوله {إِنَّهُم فتية آمنُوا برَبهمْ} فَردُّوا مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ قَالَ الْكسَائي هما لُغَتَانِ مثل إخْوَان وإخوة وصبيان وصبية وغلمان وغلمة {منع منا الْكَيْل فَأرْسل مَعنا أخانا نكتل وَإِنَّا لَهُ لحافظون} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / أخانا يكتل / بِالْيَاءِ أَي أخونا يكتال قَالَ الْفراء من قَالَ / يكتل / بِالْيَاءِ قَالَ يُصِيبهُ كيل لنَفسِهِ فَجعل الْفِعْل لَهُ خَاصَّة لأَنهم يزدادون بِحُضُورِهِ كيل بعير وحجتهما أَنه قرب من الْفِعْل فأسند إِلَيْهِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {نكتل} بالنُّون وحجتهم قَوْله {منع منا الْكَيْل} أَي لغيبة أخينا فَأرْسلهُ مَعنا نكتل مَا منعنَا لغيبته فَإِذا كَانَ مَعنا اكتلنا

{فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين} {ونحفظ أخانا} 64 و

نَحن وَهُوَ وَالنُّون أولى وَذَلِكَ أَنا إِذا قَرَأنَا {نكتل} بالنُّون جَازَ أَن يكون أخوهم دَاخِلا مَعَهم وَإِذا كَانَ / يكتل / بِالْيَاءِ لم يدخلهم فِي هَذِه الْجُمْلَة {فَالله خير حَافِظًا وَهُوَ أرْحم الرَّاحِمِينَ} {ونحفظ أخانا} 64 و 65 قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {فَالله خير حَافِظًا} بِالْألف وحجتهم قَوْله جلّ وَعز حِكَايَة عَن إخْوَة يُوسُف {وَإِنَّا لَهُ لحافظون} فَقَالَ يَعْقُوب حِين قَالُوا {وَإِنَّا لَهُ لحافظون} {فَالله خير حَافِظًا} وَأُخْرَى وَهِي أَن فِي حرف عبد الله بن مَسْعُود / فَالله خير الحافظين / جمع حَافظ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / فَالله خير حفظا / وحجتهم قَوْله {ونحفظ أخانا} فَلَمَّا أضافوا إِلَى أنفسهم قَالَ يَعْقُوب / فَالله خير حفظا / من حفظكم الَّذِي نسبتموه إِلَى أَنفسكُم قَالَ الْفراء / حفظا / تجْعَل مَا بعد خير مصدرا وتنصب على التَّفْسِير وتضمر بعد خير اسْم المخاطبين فَكَأَن تَقْدِيره فَالله خَيركُمْ حفظا ويجرى مجْرى قَوْلك فلَان أحسن وَجها تُرِيدُ أحسن النَّاس وَجها ثمَّ تحذف الْقَوْم فَكَذَلِك خَيركُمْ حفظا ثمَّ تحذف الْكَاف وَالْمِيم قَالَ الزّجاج / حفظا / مَنْصُوب على التَّمْيِيز و {حَافِظًا} مَنْصُوب

{نرفع درجات من نشاء}

على الْحَال وَيجوز أَن يكون {حَافِظًا} على التَّمْيِيز أَيْضا {نرفع دَرَجَات من نشَاء} قَرَأَ أهل الْكُوفَة نرفع دَرَجَات من نشَاء بِالتَّنْوِينِ الْمَعْنى نرفع من نشَاء دَرَجَات وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {دَرَجَات} بِغَيْر تَنْوِين وَقد بيّنت الْحجَّة فِي سُورَة الْأَنْعَام {قَالُوا أئنك لأَنْت يُوسُف قَالَ أَنا يُوسُف وَهَذَا أخي قد من الله علينا إِنَّه من يتق ويصبر فَإِن الله لَا يضيع أجر الْمُحْسِنِينَ} قَرَأَ ابْن كثير وورش / قَالُوا إِنَّك لأَنْت يُوسُف / بِكَسْر الْألف على الْخَبَر كَا تَقول إِنَّك فِي الدَّار وَقَرَأَ نَافِع وَأَبُو عَمْرو / قَالُوا آنك / بالاستفهام بِهَمْزَة مُطَوَّلَة وحجتهم قَوْله {أَنا يُوسُف} فَإِنَّمَا أجابهم عَمَّا استفهموا عَنهُ الأَصْل أإنك بهمزتين ثمَّ أدخلُوا بَينهمَا ألفا ليبعد الْمثل عَن الْمثل ثمَّ لينوا الثَّانِيَة فَصَارَت آنك بِهَمْزَة وَاحِدَة مُطَوَّلَة وَقَرَأَ القَاضِي عَن قالون {إِنَّك} بِهَمْزَة وَاحِدَة من غير مد وَإِنَّمَا لين الثَّانِيَة وَلم يدْخل بَينهمَا ألفا كَمَا فعل من تقدم ذكره وَقَرَأَ أهل الشَّام والكوفة {أئنك} بهمزتين على الأَصْل وَقد

ذكرت الْحجَّة فِي سُورَة الْبَقَرَة قَرَأَ ابْن كثير / إِنَّه من يتقى ويصبر / بِإِثْبَات الْيَاء وحجته أَن من الْعَرَب من يجْرِي المعتل مجْرى الصَّحِيح فَيَقُول زيد لم يقْضِي وَيقدر فِي الْيَاء الْحَرَكَة فيحذفها مِنْهَا فَتبقى الْيَاء سَاكِنة للجزم قَالَ الشَّاعِر ... ألم يأتك والأنباء تنمي ... بِمَا لاقت لبون بني زِيَاد ... وَلم يقل ألم يأتك وَقَالَ آخر ... هزي إِلَيْكُم الْجذع يجنيك الجنى ... وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول يجنك الجنى لِأَنَّهُ جَوَاب الْجَزَاء وَيُقَوِّي هَذَا قِرَاءَة حَمْزَة فِي قَوْله / فَلَا تخف دركا وَلَا تخشى / وَلم يقل تخش قَالَ الْفراء {تخشى} فِي مَوضِع جزم لِأَن من الْعَرَب من يفعل ذَلِك قَالَ وَإِن شِئْت استأنفت {وَلَا تخشى} وَقَالَ وَقَالَ نحويو الْبَصْرَة يجوز أَن يَجْعَل / من يَتَّقِي / بِمَنْزِلَة الَّذِي

{وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى أفلم يسيروا} {أفلا تعقلون}

يَتَّقِي كَمَا تَقول الَّذِي يأتيني وَتحمل الْمَعْطُوف على الْمَعْنى لِأَن من إِذا كَانَت بِمَنْزِلَة الَّذِي فَكَأَنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَة الْجَزَاء الْجَازِم بِدلَالَة أَن كل وَاحِد يصلح دُخُول الْفَاء فِي جَوَابه فَتَقول الَّذِي يأتيني فَلهُ دِرْهَم كَمَا تَقول من يأتني فَلهُ دِرْهَم وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {إِنَّه من يتق} بِغَيْر يَاء مَجْزُومًا بِالشّرطِ {وَمَا أرسلنَا من قبلك إِلَّا رجَالًا نوحي إِلَيْهِم من أهل الْقرى أفلم يَسِيرُوا} {أَفلا تعقلون} قَرَأَ حَفْص عَن عَاصِم {نوحي إِلَيْهِم} بالنُّون وَكسر الْحَاء الله يخبر عَن نَفسه لِأَنَّهُ قَالَ {وَمَا أرسلنَا من قبلك} فَكَذَلِك {نوحي} وحجته قَوْله {إِنَّا أَوْحَينَا إِلَيْك كَمَا أَوْحَينَا إِلَى نوح} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يُوحى} بِالْيَاءِ وَفتح الْحَاء على مَا لم يسم فَاعله وحجتهم قَوْله {وأوحي إِلَى نوح} وَقَوله {قل أُوحِي إِلَيّ أَنه اسْتمع نفر من الْجِنّ} قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَعَاصِم {أَفلا تعقلون} بِالتَّاءِ على الْخطاب وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ وحجتهم قَوْله {أفلم يَسِيرُوا فِي الأَرْض} {حَتَّى إِذا استيأس الرُّسُل وظنوا أَنهم قد كذبُوا جَاءَهُم نصرنَا فنجي من نشَاء وَلَا يرد بأسنا عَن الْقَوْم الْمُجْرمين}

قَرَأَ ابْن كثير فِي رِوَايَة البزي فَلَمَّا / استايسوا مِنْهُ / / حَتَّى إِذا استايس / بِغَيْر همز وَتَقْدِيم الْألف وَالْأَصْل الْهَمْز لِأَنَّهُ من الْيَأْس وَالْعرب تَقول يئست وأيست لُغَتَانِ فَمن قَالَ استايس بِغَيْر همز فَهِيَ على لُغَة من يَقُول أَيِست نقل الْعين إِلَى مَوضِع الْفَاء فَصَارَ استعفل استأيس ثمَّ خففت الْهمزَة فَصَارَت ألفا لسكونها وانفتاح مَا قبلهَا فَصَارَت استايس وَهُوَ من الأياس وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {حَتَّى إِذا استيأس} بِالْهَمْز من الْيَأْس على لُغَة من يَقُول يئست فالياء فَاء الْفِعْل والهمز عينه وَالْعرب تَقول يئس واستيأس وَعجب واستعجب وسخر واستسخر وَفِي التَّنْزِيل {وَإِذا رَأَوْا آيَة يستسخرون} قَرَأَ أهل الْكُوفَة {وظنوا أَنهم قد كذبُوا} بِالتَّخْفِيفِ من قَوْلك كذبتك الحَدِيث أَي لم أصدقك وَفِي التَّنْزِيل {وَقعد الَّذين كذبُوا الله وَرَسُوله} وفيهَا وَجْهَان من التَّفْسِير أَحدهمَا حَتَّى إِذا استيأس الرُّسُل من إِيمَان قَومهمْ وَظن قَومهمْ أَن الرُّسُل قد كذبُوا بِمَعْنى أخْلفُوا مَا وعدوه ن النَّصْر جَاءَ الرُّسُل نصرنَا فَجعل الضَّمِير فِي قَوْله {ظنُّوا} للْقَوْم وَجعل الظَّن مُوَافقا لَفظه مَعْنَاهُ فَإِن قيل كَيفَ يجوز أَن يحمل الضَّمِير فِي {ظنُّوا} على الْقَوْم وَالَّذِي تقدم ذكره الرُّسُل قيل إِن ذَلِك لَا يمْتَنع لِأَن ذكر الرُّسُل يدل على الْمُرْسل إِلَيْهِم فَلهَذَا جَازَ أَن يحمل الضَّمِير على الْمُرْسل إِلَيْهِم وَالْوَجْه الآخر حَتَّى إِذا استيأس الرُّسُل من إِيمَان قَومهمْ وَظن

قَومهمْ أَن الرُّسُل قد كذبتهم فِيمَا أخبروهم بِهِ من أَنهم إِن لم يُؤمنُوا بهم نزل بهم الْعَذَاب ثمَّ رد إِلَى مَا لم يسم فَاعله فَقيل إِنَّهُم كِنَايَة عَن الْقَوْم قَرَأَ أهل الْحجاز وَالْبَصْرَة وَالشَّام {كذبُوا} بِالتَّشْدِيدِ وَفِي التَّنْزِيل {وَلَقَد كذبت رسل} وَقَوله {فكذبوا رُسُلِي} وَجعلُوا الضَّمِير فِي ظنُّوا للرسل وَالظَّن بِمَعْنى الْيَقِين وحجتهم فِي ذَلِك أَن ذكر الرُّسُل قد تقدم وَلم يتَقَدَّم ذكر الْمُرْسل إِلَيْهِم فَيجْعَل الضَّمِير لَهُم وَإِذا كَانَ ذَلِك كَذَلِك فَالْأولى أَن يَجْعَل الضَّمِير للرسل فَيكون الفعلان للرسل وَيصير كلَاما وَاحِدًا وَمعنى الْآيَة حَتَّى إِذا استيأس الرُّسُل من إِيمَان قَومهمْ وظنوا أَي أيقنوا أَن قَومهمْ قد كذبوهم جَاءَهُم نصرنَا أَي جَاءَ الرُّسُل نصرنَا وَقَالَ قوم لَيْسَ الظَّن بِمَعْنى الْيَقِين بل لَفظه مَعْنَاهُ قَالُوا وَمعنى الْآيَة حَتَّى إِذا استيأس الرُّسُل مِمَّن كذبهمْ من قَومهمْ أَن يصدقوهم وظنت الرُّسُل بِأَن من قد آمن بهم من قَومهمْ قد كذبوهم جَاءَهُم نصر الله عِنْد ذَلِك قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا لم يزل الْبلَاء بالرسل حَتَّى خَافُوا أَن يكون من مَعَهم من الْمُؤمنِينَ قد كذبوهم قَرَأَ عَاصِم وَابْن عَامر {فنجي من نشَاء} بنُون وَاحِدَة وَتَشْديد الْجِيم وَفتح الْيَاء على مَا لم يسم فَاعله وحجتهما أَن الْقِصَّة مَاضِيَة فَأتيَا ب نجي على لفظ الْمَاضِي وَيُقَوِّي هَذَا أَنه قد عطف عَلَيْهِ فعل لم يسم فَاعله وَهُوَ قَوْله {وَلَا يرد بأسنا} وَلَو كَانَ ننجي مُسْندًا إِلَى الْفَاعِل كَقَوْل من خَالفه لَكَانَ لَا نرد ليَكُون مثل الْمَعْطُوف عَلَيْهِ

- سورة الرعد

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / فننجي من نشَاء / بنونين وحجتهم قَوْله {إِنَّا لننصر رسلنَا وَالَّذين آمنُوا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} وَقَوله / فننجي من نشَاء / حِكَايَة حَال الْأَمر من الْقِصَّة فِيمَا مضى كَمَا أَن قَوْله {هَذَا من شيعته وَهَذَا من عدوه} إِشَارَة إِلَى الْحَاضِر والقصة مَاضِيَة لِأَنَّهُ حكى الْحَال 13 - سُورَة الرَّعْد {يغشي اللَّيْل النَّهَار} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وابو بكر {يغشى} بِالتَّشْدِيدِ وحجتهم قَوْله تَعَالَى {فغشاها مَا غشى} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يغشى} بِالتَّخْفِيفِ وحجتهم قَوْله {فأغشيناهم}

{وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل}

{وَفِي الأَرْض قطع متجاورات وجنات من أعناب وَزرع ونخيل صنْوَان وَغير صنْوَان يسقى بِمَاء وَاحِد ونفضل بَعْضهَا على بعض فِي الْأكل} قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَحَفْص {وَزرع ونخيل صنْوَان وَغير صنْوَان} بِالرَّفْع وحجتهم ذكرهَا الْعَبَّاس فَقَالَ سَأَلت أَبَا عَمْرو كَيفَ لَا تقْرَأ و {زرع} بِالْجَرِّ قَالَ الجنات لَا تكون من زرع فَذهب أَبُو عَمْرو إِلَى أَن الزَّرْع وَمَا بعده مَرْدُود على قَوْله قطع كَأَنَّهُ قَالَ فِي الأَرْض قطع متجاورات وفيهَا جنَّات وفيهَا زرع ونخيل وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْجَرِّ كلهَا حملُوا الزَّرْع والنخيل على الأعناب كَأَنَّهُ قَالَ جنَّات من أعناب وَغير ذَلِك من زرع ونخيل وحجتهم فِي ذَلِك على أَن الأَرْض إِذا كَانَ فِيهَا النّخل وَالْكَرم وَالزَّرْع سميت جنَّة قَوْله {جعلنَا لأَحَدهمَا جنتين من أعناب وحففناهما بِنَخْل وَجَعَلنَا بَينهمَا زرعا} فَكَمَا سميت الأَرْض ذَات النّخل وَالزَّرْع جنَّة كَذَلِك يكون فِي قِرَاءَة من قَرَأَ {وجنات من أعناب وَزرع ونخيل} أَن يكون الزَّرْع والنخيل محمولين على الأعناب قَرَأَ عَاصِم وَابْن عَامر {يسقى بِمَاء وَاحِد} أَي يسقى الْمَذْكُور بِمَاء وَاحِد وحجتهما قَوْله {وَجَعَلنَا فِيهَا جنَّات من نخيل وأعناب وفجرنا فِيهَا من الْعُيُون ليأكلوا من ثمره} على معنى من ثَمَر الْمَذْكُور وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {تَسْقِي} بِالتَّاءِ أَي تسقى هَذِه الْأَشْيَاء بِمَاء وَاحِد قَالُوا وَلَا يكون التَّذْكِير لِأَنَّك إِن حَملته على الزَّرْع فقد

{وإن تعجب فعجب قولهم أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد}

تركت غَيره وَإِن حَملته على الجنات مَعَ حمله على الزَّرْع فقد ذكرت الْمُؤَنَّث وحجتهم قَوْله تَعَالَى بعْدهَا {ونفضل بَعْضهَا على بعض} فَقَالَ {بَعْضهَا} فَكَمَا حمل هَذَا على التَّأْنِيث كَذَلِك يحمل {تَسْقِي} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / ويفضل بَعْضهَا / بِالْيَاءِ إِخْبَارًا عَن الله أَي يفضل الله بَعْضهَا على بعض وحجتهما أَن ابْتِدَاء الْكَلَام جرى من أول السُّورَة بقوله {وَهُوَ الَّذِي مد الأَرْض وَجعل فِيهَا رواسي} وَفعل وَفعل فَردُّوا قَوْله / ويفضل / على لفظ مَا تقدمه إِذْ كَانَ فِي سِيَاقه ليأتلف نظام الْكَلَام على سِيَاق وَاحِد وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {ونفضل} بالنُّون إِخْبَار الله عز وَجل عَن نَفسه وحجتهم قَوْله {تِلْكَ الرُّسُل فضلنَا بَعضهم على بعض} وَقَالَ {ونفصل الْآيَات} بِلَفْظ الْجمع {وَإِن تعجب فَعجب قَوْلهم أئذا كُنَّا تُرَابا أئنا لفي خلق جَدِيد} قَرَأَ ابْن عَامر / وَإِن تعجب فَعجب قَوْلهم إِذا كُنَّا / على الْخَبَر {أئنا} بهمزتين على الِاسْتِفْهَام وحجته فِي ذَلِك أَن الِاسْتِفْهَام مِنْهُم على إحيائهم بعد الْمَمَات وَلم يستفهموا فِي كَونهم تُرَابا لأَنهم كَانُوا يعلمُونَ أَنهم يصيرون تُرَابا وَمَا كَانُوا يُنكرُونَ وَإِنَّمَا أَنْكَرُوا الْبَعْث والنشور فَيجب على هَذَا أَن يكون مَوضِع الِاسْتِفْهَام فِي الْكَلِمَة الثَّانِيَة فِي قَوْله {أئنا لفي خلق جَدِيد} لَا الأولى وَقَرَأَ نَافِع وَالْكسَائِيّ بالاستفهام فِي الأولى وَالثَّانِي على الْخَبَر

غير أَن الْكسَائي قَرَأَ بهمزتين وَنَافِع بِالْمدِّ وحجتهما فِي ذَلِك أَن الِاسْتِفْهَام إِذا دخل فِي أول الْكَلَام أحَاط بِآخِرهِ وَالَّذِي يدل على هَذَا قَوْله تَعَالَى {أئذا مَا مت لسوف أخرج حَيا} وَقَوله أَيْضا {أَفَإِن مت فهم الخالدون} أَلا ترى أَنه لم يعد الِاسْتِفْهَام فِي قَوْله {فهم الخالدون} وَأُخْرَى لما كَانَ أحد الاستفهامين عِلّة للْآخر كَانَ الْمَعْنى فِي أَحدهمَا دون الآخر وَكَانَ الآخر عِلّة لَهُ يَقع لوُقُوعه ويرتفع بارتفاعه وَيدل عَلَيْهِ {أَفَإِن مت فهم الخالدون} وَلم يعد الِاسْتِفْهَام فِي {فهم} وَهُوَ مَوْضِعه وَكَذَلِكَ قَالَ {أَفَإِن مَاتَ أَو قتل انقلبتم} فَلم يعد الِاسْتِفْهَام مَعَ قَوْله {انقلبتم على أعقابكم} وَهُنَاكَ معقد الِاسْتِفْهَام لِأَن معنى الْكَلَام أفهم الخالدون إِن مت وأفتنقلبون على أعقابكم إِن مَاتَ أَو قتل فالموت وَالْقَتْل عِلّة للانقلاب وَالْخُلُود وَكَذَلِكَ كَونهم تُرَابا وموتهم عِلّة لإحيائهم ورجوعهم خلقا جَدِيدا فَلَمَّا كَانَ ذَلِك كَذَلِك جعل الِاسْتِفْهَام لما هُوَ سَبَب للإحياء وَهُوَ الْمَوْت وَالتُّرَاب وَقَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَعَاصِم وَحَمْزَة {أئذا} {أئنا} بالاستفهام فِي الْكَلِمَتَيْنِ وَمذهب ابْن كثير الْقصر وَمذهب أبي عَمْرو الْمَدّ وَمذهب عَاصِم وَحَمْزَة الهمزتان وحجتهم أَن مَوضِع الِاسْتِفْهَام فِي الْكَلِمَة الثَّانِيَة لِأَن الْمَعْنى أئنا لفي خلق جَدِيد إِذا كُنَّا تُرَابا فَإِنَّمَا كَانَ الِاسْتِفْهَام مِنْهُم عَن إحيائهم بعد الْمَمَات وَلم يستفهموا عَن كَونهم تُرَابا أُعِيد فِي مَوْضِعه الَّذِي هُوَ فَائِدَة السامعين فِي استفهامهم وَالْعرب إِذا بدؤوا بِحرف قبل الْموضع الَّذِي أَرَادوا إِيقَاعه فِيهِ أعادوه فِي مَوْضِعه وَقد نزل بذلك الْقُرْآن قَالَ الله جلّ وَعز {أيعدكم أَنكُمْ إِذا متم وكنتم تُرَابا وعظاما أَنكُمْ مخرجون}

{عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال}

وَإِنَّمَا مَوضِع الْفَائِدَة فِي الْكَلَام الْإِخْرَاج فَلَمَّا بُدِئَ ب أَن قبل الْإِخْرَاج أُعِيدَت مَعَ الْإِخْرَاج وَقد قيل إِن الِاسْتِفْهَام الأول رد على كَلَام مَحْذُوف كَأَنَّهُمْ قَالُوا لَهُم إِنَّكُم مبعوثون بعد الْمَوْت فَردُّوا الِاسْتِفْهَام وَقَالُوا {أئذا كُنَّا تُرَابا} {عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة الْكَبِير المتعال} قَرَأَ ابْن كثير / المتعالي / بِإِثْبَات الْيَاء فِي الْوَصْل وَالْوَقْف وَهُوَ الْقيَاس وَلَيْسَ مَا فِيهِ الْألف وَاللَّام من هَذَا كَمَا لَا ألف وَلَام فِيهِ من هَذَا النَّحْو نَحْو غاز وقاض قَالَ سِيبَوَيْهٍ إِذا لم يكن فِي مَوضِع تَنْوِين يَعْنِي اسْم الْفَاعِل فَإِن الْبَيَان أَجود فِي الْوَقْف وَذَلِكَ قَوْلك هَذَا القَاضِي لِأَنَّهَا ثَابِتَة فِي الْوَصْل يُرِيد أَن الْيَاء مَعَ الْألف وَاللَّام تثبت وَلَا تحذف كَمَا تحذف فِي اسْم الْفَاعِل إِذا لم يكن فِيهِ الْألف وَاللَّام نَحْو هَذَا قَاض فَاعْلَم فالياء مَعَ غير الْألف وَاللَّام تحذف فِي الْوَصْل وَمَعَ الْألف وَاللَّام لَا تحذف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {المتعال} بِغَيْر يَاء وحجتهم خطّ الْمُصحف بِغَيْر يَاء والمتعال متفاعل من الْعُلُوّ وَالْأَصْل متعالو فَانْقَلَبت الْوَاو يَاء لانكسار مَا قبلهَا لِقَوْلِك الدَّاعِي والغازي وَالْأَصْل الداعو والغازو {أم هَل تستوي الظُّلُمَات والنور} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَأَبُو بكر / أم هَل يَسْتَوِي الظُّلُمَات /

{ومما يوقدون عليه في النار} {وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}

بِالْيَاءِ وحجتهم فِي ذَلِك أَن تَأْنِيث {الظُّلُمَات} غير حَقِيقِيّ فَجَاز تذكيره مثل قَوْله {فَمن جَاءَهُ موعظة} ذهب إِلَى الْوَعْظ كَذَلِك ذَهَبُوا فِي الظُّلُمَات إِلَى معنى الْمصدر فَيكون بِمَعْنى الإظلام والظلام وَمثله {وَأخذ الَّذين ظلمُوا الصَّيْحَة} يَعْنِي الصياح وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أم هَل تستوي الظُّلُمَات} بِالتَّاءِ وحجتهم تَأْنِيث الظُّلُمَات ذَهَبُوا إِلَى اللَّفْظ لَا إِلَى الْمَعْنى {وَمِمَّا يوقدون عَلَيْهِ فِي النَّار} {وَأما مَا ينفع النَّاس فيمكث فِي الأَرْض} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {وَمِمَّا يوقدون عَلَيْهِ} بِالْيَاءِ وحجتهم أَن الْكَلَام خبر لَا خطاب فِيهِ بِدلَالَة قَوْله {وَأما مَا ينفع النَّاس} فَأخْبر عَنْهُم فَكَذَلِك {وَمِمَّا يوقدون} جرى بِلَفْظ الْخَبَر نظيرا لما أَتَى عَقِيبه من الْخَبَر وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ ردوا على المخاطبة فِي قَوْله قبلهَا قل {أفاتخذتم من دونه} {بل زين للَّذين كفرُوا مَكْرهمْ وصدوا عَن السَّبِيل} قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وصدوا عَن السَّبِيل} بِضَم الصَّاد على مَا لم يسم فَاعله وحجتهم أَن الْكَلَام أَتَى عقيب الْخَبَر من الله

{يمحو الله ما يشاء ويثبت}

بِلَفْظ مَا لم يسم فَاعله وَهُوَ قَوْله {بل زين للَّذين كفرُوا مَكْرهمْ} فَجرى الْكَلَام بعده بترك تَسْمِيَة الْفَاعِل ليأتلف الْكَلَام على نظام وَاحِد وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وصدوا عَن السَّبِيل} بِفَتْح الصَّاد أسندوا الْفِعْل إِلَى الْفَاعِل وحجتهم قَوْله {الَّذين كفرُوا وصدوا عَن سَبِيل الله} وَقَالَ سُبْحَانَهُ {هم الَّذين كفرُوا وصدوكم عَن الْمَسْجِد الْحَرَام} فَلَمَّا رَأَوْا الصد مُسْندًا إِلَيْهِم فِي هَذ الْآيَات كَذَلِك يكون مُسْندًا إِلَيْهِم فِي قَوْله {وصدوا عَن السَّبِيل} {يمحو الله مَا يَشَاء وَيثبت} قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَعَاصِم و {يثبت} بِالتَّخْفِيفِ من أثبت يثبت إِثْبَاتًا فَهُوَ مُثبت إِذا كتب وحجتهم قَوْلهم فلَان ثَابت وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يثبت} بِالتَّشْدِيدِ أَي يقر الله مَا قد كتبه فيتركه على حَاله وحجتهم قَوْله {وَأَشد تثبيتا} وَقَالَ قوم هما لُغَتَانِ مثل وفيت وأوفيت وعظمته وأعظمته {وَقد مكر الَّذين من قبلهم} {وَسَيعْلَمُ الْكفَّار لمن عُقبى الدَّار}

قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو / وَسَيعْلَمُ الْكَافِر / على التَّوْحِيد قَالَ أَبُو عَمْرو عني بِهِ أَبُو جهل وحجتهم قَوْله {وَيَقُول الْكَافِر يَا لَيْتَني كنت تُرَابا} وَقَالَ آخَرُونَ الْكَافِر وَاحِد وَالْمعْنَى جمع وَلم يرد كَافِرًا وَاحِدًا وَإِنَّمَا أَرَادَ الْجِنْس كَمَا تَقول أهلك النَّاس الدِّينَار وَالدِّرْهَم تُرِيدُ الْجِنْس الْمَعْنى سَيعْلَمُ كل من كفر من النَّاس وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَسَيعْلَمُ الْكفَّار} على الْجمع وحجتهم فِي ذَلِك أَن الْكَلَام أَتَى عقيب قَوْله {وَقد مكر الَّذين من قبلهم} ثمَّ قَالَ {وَسَيعْلَمُ الْكفَّار} بِلَفْظ مَا تقدمه ليأتلف الْكَلَام على سِيَاق وَاحِد وَفِي التَّنْزِيل مَا يُقَوي هَذَا وَهُوَ قَوْله {وَسَيعْلَمُ الَّذين ظلمُوا أَي مُنْقَلب يَنْقَلِبُون} وقف ابْن كثير على {هادي} و / واقي / و {وَإِلَى} بِالْيَاءِ ووقف الْبَاقُونَ بِغَيْر يَاء وَهُوَ الْوَجْه لِأَنَّك تَقول هَذَا قَاض وهاد وواق فتحذف فِي الْوَصْل الْيَاء لسكونها والتقائها مَعَ النُّون لأَنهم استثقلوا الكسرة على الْيَاء فحذفوها فَالتقى ساكنان الْيَاء والتنوين فحذفت الْيَاء لالتقاء الساكنين مثل مَا أَنْت قَاض وَوجه قَول ابْن كثير أَن سِيبَوَيْهٍ قَالَ حَدثنَا أَبُو الْخطاب أَن بعض من يوثق بِهِ من الْعَرَب

- سورة إبراهيم

يَقُول هَذَا دَاعِي فيقفون بِالْيَاءِ وَوجه ذَلِك أَنهم كَانُوا قد حذفوا الْيَاء فِي الْوَصْل لالتقائها مَعَ التَّنْوِين وَقد أَمن فِي الْوَقْف أَن يلْحق التَّنْوِين فَإِذا أَتَى التَّنْوِين الَّذِي كَانَت الْيَاء حذفت فِي الْوَصْل من أجل التقائها مَعَه فِي الْوَصْل ردَّتْ الْيَاء فَصَارَ هَذَا قَاضِي وهادي وواقي ووالي وَمن ثمَّ قَالَ الْخَلِيل فِي نِدَاء قَاض يَا قَاضِي بِإِثْبَات الْيَاء لِأَن النداء مَوضِع لَا يلْحق فِيهِ التَّنْوِين فثبتت الْيَاء فِي النداء لما أَمن من لحاق التَّنْوِين فِيهِ كَمَا ثبتَتْ مَعَ الْألف وَاللَّام لما أَمن التَّنْوِين مَعهَا فِي نَحْو الْمَعَالِي والداعي 14 - سُورَة إِبْرَاهِيم {إِلَى صِرَاط الْعَزِيز الحميد الله الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض} قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر {الله الَّذِي لَهُ} بِالرَّفْع على الِاسْتِئْنَاف لِأَن الَّذِي قبله رَأس آيَة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {إِلَى صِرَاط الْعَزِيز الحميد الله} بالخفض لِأَنَّهُ بدل من {الحميد} وَلَا يجوز أَن يَقُول نعت للحميد وَإِنَّمَا هُوَ كَقَوْلِك مَرَرْت بزيد الظريف فَإِن قلت بالظريف زيد عَاد بَدَلا وَلم يكن نعتا {ألم تَرَ أَن الله خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِالْحَقِّ} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / ألم تَرَ أَن الله خَالق السَّمَاوَات وَالْأَرْض /

{وما أنتم بمصرخي}

وحجتهما أَنه إِذا قرئَ على فَاعل وأضيف دخل بِهِ معنى الْمَاضِي وَدخل فِيهِ معنى الْمَدْح يكسبه لفظ فَاعل وَمِمَّا يُقَوي ذَلِك {فاطر السَّمَاوَات وَالْأَرْض} أَلا ترى أَن فاطرا بِمَعْنى خَالق وَكَذَلِكَ {فالق الإصباح} هُوَ على فَاعل دون فعل وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض} نصبا وحجتهم أَن أَكثر مَا جَاءَ فِي الْقُرْآن على هَذَا اللَّفْظ من قَوْله {خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِالْحَقِّ} {خلق السَّمَاوَات بِغَيْر عمد} ونظائر ذَلِك {وَمَا أَنْتُم بمصرخي} قَرَأَ حَمْزَة {وَمَا أَنْتُم بمصرخي} بِكَسْر الْيَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْح الْيَاء وَهُوَ الِاخْتِيَار لالتقاء الساكنين وَالْأَصْل بمصرخيني فَذَهَبت النُّون للإضافة وأدغمت يَاء الْجمع بياء الْإِضَافَة كَمَا تَقول لدي وَعلي وَتقول مَرَرْت بمسلمين فَإِذا أضفتهم إِلَى نَفسك قلت بمسلمي وأسقطت النُّون وَأهل النَّحْو يلحنون حَمْزَة قَالُوا وَذَلِكَ أَن يَاء الْإِضَافَة إِذا لم يكن قبلهَا سَاكن حركت إِلَى الْفَتْح تَقول هَذَا غلامي قد جَاءَ وَذَلِكَ أَن الِاسْم الْمُضمر لما كَانَ على حرف وَاحِد وَقد منع الْإِعْرَاب حرك بأخف الحركات كَمَا تَقول هُوَ قَامَ وَيجوز إسكاء الْيَاء لثقل الْيَاء الَّتِي قبلهَا كسرة فَإِذا كَانَ قبل الْيَاء سَاكن حركت إِلَى الْفَتْح لَا غير لِأَن أَصْلهَا أَن تحرّك وَلَا سَاكن قبلهَا فَإِذا كَانَ قبلهَا سَاكن صَارَت

{وجعلوا لله أندادا ليضلوا عن سبيله}

حركتها لَازِمَة لالتقاء الساكنين فَتَقول {وَمَا أَنْتُم بمصرخي} وَأما حَمْزَة فَلَيْسَ لاحنا عِنْد الحذاق لِأَن الْيَاء حركتها حَرَكَة بِنَاء لَا حَرَكَة إِعْرَاب وَالْعرب تكسر لالتقاء الساكنين كَمَا تفتح قَالَ الْجعْفِيّ سَأَلت أَبَا عَمْرو عَن قَوْله {بمصرخي} فَقَالَ إِنَّهَا بالخفض لحسنة {وَجعلُوا لله أندادا ليضلوا عَن سَبيله} قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {ليضلوا عَن سَبيله} بِفَتْح الْيَاء أَي ليضلواهم أَي يصيرون هم ضلالا وحجتهم قَوْله {إِن رَبك هُوَ أعلم بِمن ضل عَن سَبيله} وَقد وصف بالضلال وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {ليضلوا} بِضَم الْيَاء أَي ليضلوا غَيرهم وحجتهم فِي وَصفهم الْكفَّار بالإضلال أَن الَّذين أخبر الله جلّ وَعز عَنْهُم بِمَا تقدم من قَوْله {وَجعلُوا لله أندادا} ثَبت أَنهم ضالون بجعلهم لله الأنداد وَلم يكن لإعادة الْوَصْف لَهُم بالضلال معنى لاستقرار ضلالهم بفعلهم ذَلِك عِنْد السامعين بل وَصفهم بإضلال النَّاس عَن السَّبِيل بفعلهم

{وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال}

ذَلِك وَيزِيد الْكَلَام فَائِدَة لأَنهم لم يَكُونُوا وصفوا بهَا فَكَانَ ذَلِك أبلغ فِي ذمهم مِمَّا تقدم م كفرهم وَإِذا قرئَ ليضلوا بِالْفَتْح لم يكن فِي الْكَلَام فَائِدَة غير أَنهم ضالون وَقد علم ضلالهم فِيمَا تقدم وَإِذا قرئَ {ليضلوا} بِضَم الْيَاء فقد وَصفهم بِأَنَّهُم ضالون لشركهم مضلون غَيرهم {وَقد مكروا مَكْرهمْ وَعند الله مَكْرهمْ وَإِن كَانَ مَكْرهمْ لتزول مِنْهُ الْجبَال} قَرَأَ الْكسَائي {وَإِن كَانَ مَكْرهمْ لتزول} بِفَتْح اللَّام الأولى وَضم الثَّانِيَة اللَّام لَام التوكيد وتزول رفع بالمضارعة كَمَا تَقول إِن زيدا ليقول وَإِن فِي قَوْله {وَإِن كَانَ مَكْرهمْ} مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة أَي وَإِن مكر هَؤُلَاءِ لَو بلغ مكر ذَلِك يَعْنِي نمْرُود لم ينتفعوا بِهِ وحجته قِرَاءَة عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه وَابْن مَسْعُود / وَإِن كَاد مَكْرهمْ لتزول / بِالدَّال وَهَذَا دَلِيل على تَعْظِيم مَكْرهمْ قَالَ الزّجاج {وَإِن كَانَ مَكْرهمْ لتزول} مَعْنَاهُ معنى حسن الْمَعْنى وَعند الله مَكْرهمْ وَإِن كَانَ مَكْرهمْ يبلغ فِي الكيد إِزَالَة الْجبَال فَإِن الله جلّ وَعز ينصر دينه ومكرهم عِنْده لَا يخفى وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَإِن كَانَ مَكْرهمْ لتزول} بِكَسْر اللَّام الأولى وَفتح اللَّام الْأَخِيرَة بِمَعْنى مَا وَاللَّام لَام الْجُحُود وَالْمعْنَى وَمَا كَانَ مَكْرهمْ لتزول مِنْهُ الْجبَال أَي مَا كَانَ مَكْرهمْ ليزول بِهِ أَمر النَّبِي وَأمر دين الْإِسْلَام وثبوته كثبوت الْجبَال الراسيات لِأَن

- سورة الحجر

الله جلّ وَعز وعد نبيه صلى الله عَلَيْهِ إِظْهَار دينه على الْأَدْيَان فَقَالَ {لِيظْهرهُ على الدّين كُله} وَدَلِيل هَذَا قَوْله بعْدهَا {فَلَا تحسبن الله مخلف وعده رسله} أَي لَا يخلفهم مَا وعدهم من نَصره وَإِظْهَار نبوتهم وكلمتهم وحجتهم مَا رُوِيَ عَن الْحسن أَنه قَالَ كَانَ مَكْرهمْ أوهن وأضعف من أَن تَزُول مِنْهُ الْجبَال 15 - سُورَة الْحجر {رُبمَا يود الَّذين كفرُوا لَو كَانُوا مُسلمين} قَرَأَ نَافِع وَعَاصِم {رُبمَا يود الَّذين كفرُوا} بِالتَّخْفِيفِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ قَالَ الْكسَائي هما لُغَتَانِ وَالْأَصْل التَّشْدِيد لِأَنَّك لَو صغرت رب لَقلت ربيب فَرددت إِلَى أَصله فَإِن قَالَ قَائِل فَمَا مَوضِع مَا فِي رُبمَا قيل فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَن تكون مَا نائبة عَن اسْم منكور فِي مَوضِع جر بِمَعْنى شَيْء وَذَلِكَ كَقَوْلِه الشَّاعِر ... رُبمَا تكره النُّفُوس من الْأُم ... ر لَهُ فُرْجَة كحل العقال ... ف مَا فِي هَذَا الْبَيْت اسْم لما تقدم من عود الذّكر إِلَيْهِ من الصّفة الْمَعْنى رب شَيْء تكرههُ النُّفُوس

{ما ننزل الملائكة إلا بالحق}

قَالَ الْبَصْرِيّ تَقْدِيره رب ود يود الَّذين كفرُوا وَالْوَجْه الآخر أَن تدخل كَافَّة نَحْو هَذِه الْآيَة وَذَلِكَ أَن إِن وَرب لَا يليهما إِلَّا الْأَسْمَاء فَإِذا وليتهما الْأَفْعَال وصلوهما ب مَا كَقَوْلِه إِنَّمَا يخْشَى الله من عباده الْعلمَاء {مَا ننزل الْمَلَائِكَة إِلَّا بِالْحَقِّ} قَرَأَ عَاصِم فِي رِوَايَة أبي بكر / مَا تنزل / بِضَم التَّاء مَفْتُوحَة الزَّاي {الْمَلَائِكَة} رفع على مَا لم يسم فَاعله حجَّته قَوْله {وَنزل الْمَلَائِكَة تَنْزِيلا} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {مَا ننزل} بالنُّون {الْمَلَائِكَة} نصب يخبر الله عَن نَفسه وحجتهم قَوْله {وَلَو أننا نزلنَا إِلَيْهِم الْمَلَائِكَة} {وَقَالَ الَّذين لَا يرجون لقاءنا لَوْلَا أنزل علينا الْمَلَائِكَة} فَلَمَّا كَانَت الْمَلَائِكَة مفعولين منزلين بِإِجْمَاع رد مَا اخْتلف فِيهِ إِلَى مَا أجمع عَلَيْهِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {تنزل} بِالتَّاءِ مَفْتُوحَة {الْمَلَائِكَة} رفع وحجتهم إِجْمَاعهم على قَوْله {تنزل الْمَلَائِكَة وَالروح فِيهَا} {وَمَا نَتَنَزَّل إِلَّا بِأَمْر رَبك} على أَن التَّنْزِيل مُسْند إِلَيْهِم والمعنيان يتداخلان لِأَن الله لما أنزل الْمَلَائِكَة نزلت وَإِذا نزلت الْمَلَائِكَة فبإنزال الله نزلت وتنزل {لقالوا إِنَّمَا سكرت أبصارنا بل نَحن قوم مسحورون}

{وأرسلنا الرياح لواقح}

قَرَأَ ابْن كثير {لقالوا إِنَّمَا سكرت} أَي سحرت وحبست وَالْعرب تَقول سكرت الرّيح إِذا سكنت فَكَأَنَّهَا حبست فَكَأَن معنى {سكرت أبصارنا} لَا ينفذ نورها وَلَا تدْرك الْأَشْيَاء على حَقِيقَتهَا فَكَأَنَّهَا حبست وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {سكرت} بِالتَّشْدِيدِ أَي غشيت فغطيت كَذَا قَالَ أَبُو عَمْرو والغشاء الْحَبْس أَيْضا وَقَالَ قَتَادَة سدت وحجتهم فِي التَّشْدِيد أَن الْفِعْل مُسْند إِلَّا جمَاعَة وَهُوَ قَوْله {سكرت أبصارنا} وَالتَّشْدِيد مَعَ الْجمع أولى {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاح لَوَاقِح} قَرَأَ حَمْزَة / وَأَرْسَلْنَا الرّيح لَوَاقِح / بِغَيْر ألف وجته أَن الرّيح فِي معنى جمع أَلا ترى أَنَّك تَقول قد جَاءَت الرّيح من كل مَكَان تُرِيدُ الرِّيَاح وكما تَقول ثوب أَخْلَاق قَالَ الشَّاعِر ... جَاءَ الشتَاء وقميصي أَخْلَاق ... وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {الرِّيَاح} على الْجمع وحجتهم قَوْله {لَوَاقِح} وَلم يقل لاقحا {فَبِمَ تبشرون} قَرَأَ ابْن كثير {فَبِمَ تبشرون} مُشَدّدَة النُّون مَكْسُورَة الأَصْل

{قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون}

تبشرونني النُّون الأولى عَلامَة الرّفْع وَالثَّانيَِة مَعَ الْيَاء فِي مَوضِع النصب وَإِنَّمَا دخلت لتمنع الْفِعْل من أَن ينكسر ثمَّ أدغم النُّون فِي النُّون وَحذف الْيَاء اجتزاء بالكسرة لِأَنَّهَا نابت عَن الْيَاء وَقَرَأَ نَافِع {تبشرون} بِكَسْر النُّون مَعَ التَّخْفِيف والأل فَبِمَ تبشرونني كَمَا ذكرنَا فاستثقل النونين فَحذف إِحْدَاهمَا وَهِي الثَّانِيَة لِأَن التكرير بهَا وَقع وَلم يحذف الأولى قَالَ الشَّاعِر فِي حذف النُّون ... ترَاهُ كالثغام يعل مسكا ... يسوء الفاليات إِذا فليني ... وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فَبِمَ تبشرون} بِفَتْح النُّون خَفِيفَة لم يُرِيدُوا الْإِضَافَة إِلَى النَّفس فتجتمع نونان {قَالَ وَمن يقنط من رَحْمَة ربه إِلَّا الضالون} قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَالْكسَائِيّ {وَمن يقنط} بِكَسْر النُّون من قنط يقنط وحجتهما قَوْله {من بعد مَا قَنطُوا} وقرا الْبَاقُونَ بِفَتْح النُّون من قنط يقنط وَقَنطَ يقنط لُغَتَانِ وَمثله نقم ينقم ونقم ينقم {إِنَّا لمنجوهم أَجْمَعِينَ}

{إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين}

وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {إِنَّا لمنجوهم} خَفِيفَة من أنجى يُنجي وحجتهما قَوْله {فأنجاه الله من النَّار} وَالْأَصْل لمنجوونهم بواوين الأولى لَام الْفِعْل من نجا ينجو وَالثَّانيَِة وَاو الْجمع فَانْقَلَبت الأولى يَاء لانكسار الْجِيم فَصَارَت لمنجوونهم فاستثقلوا الضمة على الْيَاء فحذفت فَالتقى ساكنان فحذفوا الْيَاء وضموا الْجِيم لمجاورة الْوَاو وحذفوا النُّون للإضافة وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّا منجوك} وَالْأَصْل منجونك وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {إِنَّا لمنجوهم} بِالتَّشْدِيدِ من نجى يُنجي وحجتهم قَوْله {ونجينا الَّذين آمنُوا} وهما لُغَتَانِ مثل أكْرم وكرم {إِلَّا امْرَأَته قَدرنَا إِنَّهَا لمن الغابرين} قَرَأَ أَبُو بكر {قَدرنَا إِنَّهَا} بِالتَّخْفِيفِ من قدر يقدر وحجته قَوْله {قد جعل الله لكل شَيْء قدرا} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ من قدر يقدر تَقْديرا فَكَانَ الْفِعْل على لفظ مصدره 16 - سُورَة النَّحْل {أَتَى أَمر الله فَلَا تستعجلوه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يشركُونَ} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا تشركون / بِالتَّاءِ وَكَذَلِكَ

{ينزل الملائكة بالروح}

الَّذِي بعده وحجتهما قَوْله {فَلَا تستعجلوه} رد الْخطاب الثَّانِي على الأول وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ على الِابْتِدَاء لَا يردون على أول الْكَلَام وَلَهُم حجتان إِحْدَاهمَا أَن سعيد بن جُبَير قَرَأَ / أَتَى أَمر الله فَلَا يستعجلوه / بِالْيَاءِ وَالثَّانيَِة أَن الله تَعَالَى أنزل الْقُرْآن على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ فَقَالَ مُحَمَّد تَنْزِيها لله {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يشركُونَ} {ينزل الْمَلَائِكَة بِالروحِ} قَرَأَ أَبُو بكر فِي رِوَايَة الْكسَائي {تنزل} بِالتَّاءِ مَضْمُومَة وَفتح الزَّاي {الْمَلَائِكَة} رفع على مَا لم يسم فَاعله وحجته قَوْله {وَنزل الْمَلَائِكَة} وَقَرَأَ روح {تنزل الْمَلَائِكَة} بِفَتْح التَّاء وحجته قَوْله {تنزل الْمَلَائِكَة وَالروح فِيهَا} وَقَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {ينزل الْمَلَائِكَة} أَي الله ينزلها وحجتهم قَوْله {وَلَو أننا نزلنَا إِلَيْهِم الْمَلَائِكَة} وحجتهم فِي التَّخْفِيف {وأنزلنا إِلَيْك الذّكر}

{ينبت لكم به الزرع}

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ وحجتهم قَوْله {إِنَّا نَحن نزلنَا الذّكر} {ينْبت لكم بِهِ الزَّرْع} قَرَأَ أَبُو بكر / ننبت لكم بِهِ الزَّرْع / بالنُّون الله أخبر عَن نَفسه بِلَفْظ الْمُلُوك كَمَا قَالَ {نَحن قسمنا} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ أَي ينْبت الله وحجتهم قَوْله قبلهَا {هُوَ الَّذِي أنزل من السَّمَاء مَاء} {وسخر لكم اللَّيْل وَالنَّهَار وَالشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم مسخرات بأَمْره} قَرَأَ ابْن عَامر {وَالشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم مسخرات} بِالرَّفْع فيهمَا لِأَنَّهُ لَا يصلح أَن تَقول وسخر النُّجُوم مسخرات فقطعها عَمَّا قبلهَا وَجعل {والنجوم} ابْتِدَاء و {مسخرات} خَبرا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ جَمِيع ذَلِك بِالنّصب نسقا على مَا قبله فَإِن قيل فَكيف جَازَ المتصرفة المخلوقة على {سخر} فَإِن تِلْكَ جَاءَ {مسخرات} بعْدهَا هَذِه الْأَشْيَاء المنصوبة المنسوقة على ذَلِك قيل فَإِن ذَلِك لَا يمْتَنع لِأَن الْحَال تكون مُؤَكدَة كَقَوْلِه {وَهُوَ الْحق مُصدقا} و

{والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون}

أَنا ابْن دارة مَعْرُوفا بهَا نسبي ... كفى بالنأي من أَسمَاء كَاف وحجتهم قَوْله {وسخر لكم الشَّمْس وَالْقَمَر} وكما حمل هَا هُنَا على التسخير كَذَلِك فِي الْأُخْرَى وَكَذَلِكَ {النُّجُوم} فِي قَوْله و {وَهُوَ الَّذِي جعل لكم النُّجُوم} {وَالَّذين يدعونَ من دون الله لَا يخلقون شَيْئا وهم يخلقون} قَرَأَ عَاصِم {وَالَّذين يدعونَ من دون الله} بِالْيَاءِ إِخْبَارًا عَن الْمُشْركين وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / وَالَّذين تدعون من دون الله / وحجتهم مَا تقدم وماتأخر فَمَا تقدم {وَإِن تعدوا نعْمَة الله} وَمَا تَأَخّر {إِلَهكُم إِلَه وَاحِد}

{أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم}

{أَيْن شركائي الَّذين كُنْتُم تشاقون فيهم} قَرَأَ نَافِع {تشاقون فيهم} بِكَسْر النُّون أَرَادَ تشاقونني أَي تعادونني فَحذف إِحْدَى النونين استثقالا للْجمع بَينهمَا وَحذف الْيَاء اجتزاء بالكسرة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {تشاقون} بِفَتْح النُّون لَا يجعلونه مُضَافا إِلَى النَّفس وَالنُّون فِي هَذ الْقِرَاءَة عَلامَة الرّفْع وَالنُّون مَعَ الْيَاء المحذوفة فِي قِرَاءَة نَافِع فِي مَوضِع النصب {الَّذين تَوَفَّاهُم الْمَلَائِكَة ظالمي أنفسهم} قَرَأَ حَمْزَة / الَّذين يتوفاهم الْمَلَائِكَة / بِالْيَاءِ وَكَذَلِكَ الَّذِي بعده وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ اعْلَم أَن فعل الْجَمِيع إِذا تقدم يذكر وَيُؤَنث فَإِن ذكرته أردْت جمع الْمَلَائِكَة وَإِذا أنثته أردْت جمَاعَة الْمَلَائِكَة وَحجَّة التَّاء قَوْله تَعَالَى {وَإِذ قَالَت الْمَلَائِكَة} {هَل ينظرُونَ إِلَّا أَن تأتيهم الْمَلَائِكَة} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / إِلَّا ان يَأْتِيهم الْمَلَائِكَة / بِالْيَاءِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ قد تقدم القَوْل فِي هَذَا وَنَحْوه {إِن تحرص على هدَاهُم فَإِن الله لَا يهدي من يضل} قَرَأَ حَمْزَة وَعَاصِم وَالْكسَائِيّ {فَإِن الله لَا يهدي} بِفَتْح الْيَاء

{أن نقول له كن فيكون}

وَكسر الدَّال قَالَ الْكسَائي فِيهِ وَجْهَان أَن الله إِذا كتب عبدا شقيا فَإِنَّهُ لَا يهديه كَقَوْلِه {وَالله لَا يهدي الْقَوْم الظَّالِمين} وَكَانَ مُجَاهِد رَحمَه الله يَقُول أَرْبَعَة أَشْيَاء لَا تغير الشَّقَاء والسعادة والحياة وَالْمَوْت وَالْوَجْه الآخر أَن الله جلّ وَعز من يضل لَا يهدي أَي لَا يَهْتَدِي وَالْعرب تَقول هداه الله فهدى واهتدى لُغَتَانِ بِمَعْنى وَاحِد ف من فِي مَوضِع رفع على هَذَا الْوَجْه وعَلى القَوْل الأول نصب وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فَإِن الله لَا يهدي} بِضَم الْيَاء وَفتح الدَّال على مَا لم يسم فَاعله أَي من أضلّهُ الله لَا يهديه أحد عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قيل لَهُ فَإِن الله لَا يهدي من يضل قَالَ من أضلّهُ الله لَا يهدى وحجتهم قِرَاءَة أبي / لَا هادي لمن أضلّهُ الله / مثل لَا يهان من أكْرمه الله وَمن فِي مَوضِع رفع لِأَنَّهُ لم يسم فَاعله {أَن نقُول لَهُ كن فَيكون} قَرَأَ ابْن عَامر وَالْكسَائِيّ {أَن نقُول لَهُ كن فَيكون} بِالنّصب وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْع

{وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم}

فالنصب على ضَرْبَيْنِ أَحدهمَا أَن يكون قَوْله {فَيكون} عطفا على {أَن يَقُول} الْمَعْنى أَن يَقُول فَيكون وَالْوَجْه الثَّانِي أَن يكون نصبا على جَوَاب {كن} وَالرَّفْع على فَهُوَ يكون على معنى مَا أَرَادَ الله فَهُوَ يكون {وَمَا أرسلنَا من قبلك إِلَّا رجَالًا نوحي إِلَيْهِم} قَرَأَ حَفْص {إِلَّا رجَالًا نوحي} بالنُّون وَكسر الْحَاء إِخْبَار الله عَن نَفسه وحجته مَا تقدم وَهُوَ قَوْله {وَمَا أرسلنَا} وَفِي التَّنْزِيل {إِنَّا أَوْحَينَا إِلَيْك كَمَا أَوْحَينَا إِلَى نوح} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يُوحى} بِضَم الْيَاء على مَا لم يسم فَاعله وحجتهم قَوْله {وأوحي إِلَى نوح} و {قل أُوحِي إِلَيّ} {أَو يَأْخُذهُمْ على تخوف فَإِن ربكُم لرؤوف رَحِيم أَو لم يرَوا إِلَى مَا خلق الله من شَيْء يتفيأ ظلاله عَن الْيَمين وَالشَّمَائِل} 47 و 48 قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / أَو لم تروا إِلَى مَا خلق الله / بِالتَّاءِ على الْخطاب وحجتهما قَوْله قبلهَا / فَإِن ربكُم لرؤوف رَحِيم ألم تروا /

{لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون}

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ إِخْبَارًا عَن غيب وتوبيخا لَهُم وحجتهم قَوْله قبلهَا {أَو يَأْخُذهُمْ على تخوف} قَرَأَ أَبُو عَمْرو / تتفيأ ظلاله / بِالتَّاءِ وحجته أَن كل جمع خَالف الآدمين فَهُوَ مؤنث تَقول هَذِه الْمَسَاجِد وَهَذِه الظلال وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يتفيأ} وحجتهم أَن الْفِعْل إِذا تقدم جَازَ التَّذْكِير مِنْهُ {لَا جرم أَن لَهُم النَّار وَأَنَّهُمْ مفرطون} قَرَأَ نَافِع {وَأَنَّهُمْ مفرطون} بِكَسْر الرَّاء أَي مسرفون مكثرون من الْمعاصِي كَمَا تَقول أفرط فلَان فِي كَذَا إِذا تجَاوز الْحَد وأسرف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {مفرطون} بِفَتْح الرَّاء أَي متروكون فِي النَّار منسيون فِيهَا كَذَا قَالَ ابْن عَبَّاس وَقَالَ ابْن جُبَير مبعدون وَعَن أبي عَمْرو معجلون مقدمون فِي الْعَذَاب {وَإِن لكم فِي الْأَنْعَام لعبرة نسقيكم مِمَّا فِي بطونه} قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَأَبُو بكر {وَإِن لكم فِي الْأَنْعَام لعبرة نسقيكم} بِفَتْح النُّون وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْع قَالَ الْخَلِيل سقيته كَقَوْلِك ناولته فَشرب وأسقيته جعلت لَهُ سقيا وَقَالَ الْفراء الْعَرَب تَقول كل مَا كَانَ من بطُون الْأَنْعَام وَمن مَاء السَّمَاء أَو نهر أسقيت وَفِي الْفرْقَان {ونسقيه مِمَّا خلقنَا أنعاما} وَتقول سقيته إِذا ناولته مَاء يشربه لَا يَقُولُونَ غَيره قَالَ الله

أفبنعمة الله يجحدون

تَعَالَى {وسقاهم رَبهم} فَمن قَرَأَ بِالرَّفْع فَإِنَّهُ يُرِيد أَنا جعلنَا فِي كثرته وإدامته كالسقيا كَقَوْلِك أسقيته نَهرا قَالَ الله تَعَالَى {وأسقيناكم مَاء فراتا} أَي جَعَلْنَاهُ سقيا لكم وَأما من فتح النُّون فَإِنَّهُ لما كَانَ للشفة فتح النُّون وَقَالَ آخَرُونَ سقى وأسقى لُغَتَانِ قَالَ الشَّاعِر ... سقى قومِي بني مجد وأسقى ... نميرا والقبائل من هِلَال ... {اتخذي من الْجبَال بُيُوتًا وَمن الشّجر وَمِمَّا يعرشون} قَرَأَ ابْن عَامر وَأَبُو بكر {يعرشون} بِضَم الرَّاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ وهما لُغَتَانِ يُقَال عرش يعرش ويعرش {أفبنعمة الله يجحدون} قَرَأَ أَبُو بكر / أفبنعمة الله تجحدون / بِالتَّاءِ أَي قل لَهُم يَا مُحَمَّد أفبنعمة الله أَي بِهَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي ذكرهَا تجحدون وحجته قَوْله أول الْآيَة {وَالله فضل بَعْضكُم على بعض} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يجحدون} بِالْيَاءِ الله وبخهم على جحودهم وَيُقَوِّي الْيَاء قَوْله تَعَالَى بعْدهَا {وبنعمة الله هم يكفرون} {ألم يرَوا إِلَى الطير مسخرات فِي جو السَّمَاء}

{وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم}

قَرَأَ ابْن عَامر وَحَمْزَة / ألم تروا إِلَى الطير / بِالتَّاءِ على الْخطاب وحجتهما أَن المخاطبة لاصقة بقوله قبلهَا {وَالله أخرجكم من بطُون أُمَّهَاتكُم لَا تعلمُونَ شَيْئا وَجعل لكم السّمع والأبصار والأفئدة لَعَلَّكُمْ تشكرون} 78 فَكَذَلِك / ألم تروا إِلَى الطير / وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {ألم يرَوا} بِالْيَاءِ وَكَانَ أَبُو عَمْرو يرد الْيَاء إِلَى قَوْله قبل آيَات {ويعبدون من دون الله مَا لَا يملك لَهُم رزقا} ألم ير هَؤُلَاءِ إِلَى تسخير الطير {وَجعل لكم من جُلُود الْأَنْعَام بُيُوتًا تستخفونها يَوْم ظعنكم وَيَوْم إقامتكم} قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {يَوْم ظعنكم} بِفَتْح الْعين وَقَرَأَ الْبَاقُونَ سَاكِنة الْعين وهما لُغَتَانِ مثل النَّهر وَالنّهر تَقول ظعن وظعنا وَحجَّة الإسكان فِي قَوْله {سرا وجهرا} وَالْهَاء أَحَق أَن تفتح لخفائها فَلَمَّا كَانُوا قد أَجمعُوا على إسكانها ردوا مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ {مَا عنْدكُمْ ينْفد وَمَا عِنْد الله بَاقٍ ولنجزين الَّذين صَبَرُوا أجرهم} قَرَأَ ابْن كثير وَعَاصِم وَابْن عَامر {ولنجزين} بالنُّون أخبر جلّ وَعز عَن نَفسه وحجتهم إِجْمَاعهم على قَوْله فِي الْآيَة بعْدهَا {ولنجزينهم} بالنُّون وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / وليجزين / بِالْيَاءِ إِخْبَارًا عَن الله جلّ وَعز

{ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا}

وحجتهم ذكر الله قبله وَهُوَ قَوْله / وَمَا عِنْد الله بَاقٍ وليجزين / فَإِذا عطفت الْآيَة على مثلهَا كَانَ أحسن من أَن تقطع مِمَّا قبلهَا {لِسَان الَّذِي يلحدون إِلَيْهِ أعجمي} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {لِسَان الَّذِي يلحدون} بِفَتْح الْيَاء والحاء من لحد يلْحد إِذا مَال وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يلحدون} بِضَم الْيَاء يُقَال ألحد يلْحد إلحادا وحجتهم قَوْله {وَمن يرد فِيهِ بإلحاد بظُلْم} قَالَ الْكسَائي إِن كل وَاحِد من لحدت وألحدت يَأْتِي بِمَعْنى غير معنى الآخر وَذَلِكَ أَن ألحد يلْحد مَعْنَاهُ اعْترض وَأَن لحد يلْحد مَعْنَاهُ مَال وَعدل فَلَمَّا ولي ألحد مَا يَلِي الِاعْتِرَاض الَّذِي هُوَ بِمَعْنَاهُ قَرَأَ بِأَلف فَقَالَ {وذروا الَّذين يلحدون فِي أَسْمَائِهِ} و {إِن الَّذين يلحدون فِي آيَاتنَا} بِمَعْنى يعترضون فِي آيَاتنَا إِذْ كَانَ من عَادَة فِي أَن تصْحَب الِاعْتِرَاض الَّذِي بِمَعْنى الْإِلْحَاد فَلَمَّا ولي الْفِعْل مَا لَيْسَ من عَادَة الِاعْتِرَاض أَن يَلِيهِ وَهُوَ إِلَى دلّ على أَن مَعْنَاهُ غير معنى الِاعْتِرَاض وَأَنه بِمَعْنى الْميل فقرأه يلحدون بِفَتْح الْيَاء إِذْ كَانَت بِمَعْنى يميلون فَحسن ذَلِك وَكَانَ ذَلِك مَشْهُورا من كَلَام الْعَرَب لحد فلَان إِلَى كَذَا إِذا مَال إِلَيْهِ {ثمَّ إِن رَبك للَّذين هَاجرُوا من بعد مَا فتنُوا}

{ولا تك في ضيق مما يمكرون}

قَرَأَ ابْن عَامر / من بَعْدَمَا فتنُوا / بِفَتْح الْفَاء وَالتَّاء جعل الْفِعْل لَهُم يُقَال فتنت الشَّيْء إِذا امتحنته وفتنت الذَّهَب إِذا امتحنته فَعرفت جيده من رديئه فَمَعْنَى الْقِرَاءَة أَنهم هجروا أوطانهم وَقد عرفُوا مَا فِي ذَلِك من الشدَّة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فتنُوا} بِضَم الْفَاء على مَا لم يسم فَاعله أَي من بَعْدَمَا فتنهم الله وحجتهم {فَإنَّا قد فتنا قَوْمك من بعْدك} {وَلَا تَكُ فِي ضيق مِمَّا يمكرون} قَرَأَ ابْن كثير {وَلَا تَكُ فِي ضيق} بِكَسْر الضَّاد وَفِي النَّمْل مثله وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْفَتْح

- سورة سبحان

قَالَ أَبُو عبيد ضيق تَخْفيف ضيق يُقَال أَمر ضيق وضيق وَالْأَصْل ضييق فيعل ثمَّ حذفوا الْيَاء فَصَارَ ضيق على وزن فيل مثل هَين وهين قَالَ الْأَخْفَش الضّيق والضيق لُغَتَانِ وَقَالَ أَبُو عَمْرو الضّيق بِالْفَتْح الْغم والضيق بِالْكَسْرِ الشدَّة قوم الضّيق بِالْفَتْح مصدر والضيق اسْم ووزنه على هَذَا القَوْل فعل لم يحذف مِنْهُ شَيْء 17 - سُورَة سُبْحَانَ {وآتينا مُوسَى الْكتاب وجعلناه هدى لبني إِسْرَائِيل أَلا تَتَّخِذُوا من دوني وَكيلا} قَرَأَ أَبُو عَمْرو / أَلا يتخذوا / بِالْيَاءِ وحجته أَن الْفِعْل قرب من الْخَبَر عَن بني إِسْرَائِيل فَجعل الْفِعْل مُسْندًا إِلَيْهِم إِذْ قَالَ {وجعلناه هدى لبني إِسْرَائِيل} الْمَعْنى جَعَلْنَاهُ هدى لبني إِسْرَائِيل لِئَلَّا يتخذوا من دوني وَكيلا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أَلا تَتَّخِذُوا} بِالتَّاءِ على الْخطاب وحجتهم فِي الِانْصِرَاف إِلَى الْخطاب بعد الْغَيْبَة قَوْله {الْحَمد لله رب الْعَالمين} ثمَّ قَالَ {إياك نعْبد وَإِيَّاك نستعين} فَالضَّمِير فِي {تَتَّخِذُوا} وَإِن كَانَ على لفظ الْخطاب فَإِنَّمَا يَعْنِي بِهِ الْغَيْب فِي الْمَعْنى وَيجوز أَن تكون أَن بِمَعْنى أَي الَّتِي هِيَ للتفسير على هَذَا التَّأْوِيل لِأَنَّهُ انْصَرف الْكَلَام من الْغَيْبَة إِلَى الْخطاب وَيجوز أَن تكون زائده وتضمر القَوْل

{فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا}

الْمَعْنى وجعلناه هدى لبني إِسْرَائِيل وَقُلْنَا لَهُم لَا تَتَّخِذُوا من دوني وَكيلا وَيجوز أَن تكون الناصبة للْفِعْل فَيكون الْمَعْنى وجعلناه هدى كَرَاهَة أَن تَتَّخِذُوا من دوني وَكيلا أَو بِأَن لَا تَتَّخِذُوا {فَإِذا جَاءَ وعد الْآخِرَة ليسوؤوا وُجُوهكُم وليدخلوا الْمَسْجِد كَمَا دَخَلُوهُ أول مرّة وليتبروا مَا علوا تتبيرا} قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَحَفْص {ليسوؤوا وُجُوهكُم} بِالْيَاءِ على الْجمع وحجتهم ذكرهَا اليزيدي فَقَالَ وَالْألف تدل على أَنَّهَا جمع وَلَو كَانَت ليسوء على وَاحِد أَو لتسوء لم يكن فِيهَا ألف وَحجَّة أُخْرَى وَهِي أَن مَا قبله وَمَا بعده جَاءَ بِلَفْظ الْجمع فَالَّذِي قبله {بعثنَا عَلَيْكُم عبادا} وَالَّذِي بعده {وليدخلوا الْمَسْجِد} {وليتبروا} قَوْله {ليسوؤوا} إِخْبَار عَن قَوْله {بعثنَا عَلَيْكُم عبادا} وَجَوَاب إِذا مَحْذُوف الْمَعْنى فَإِذا جَاءَ وعد الْآخِرَة بعثنَا عَلَيْكُم عبادا لنا ليسوؤوا وُجُوهكُم أَي ليسوء الْعباد وُجُوهكُم وَقَرَأَ ابْن عَامر وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ / ليسوء / بِالْيَاءِ وَفتح الْهمزَة فَاعل / ليسوء / يجوز أَن يكون أحد شَيْئَيْنِ أَحدهمَا أَن يكون اسْم الله تَعَالَى أَي ليسوء الله وُجُوهكُم وَالْآخر أَن يكون الْعَذَاب أَي ليسوء الْعَذَاب وُجُوهكُم وَيجوز أَن يكون الْوَعْد وَجَوَاب إِذا مَحْذُوف الْمَعْنى فَإِذا جَاءَ وعد الْآخِرَة جَاءَ ليسوء وُجُوهكُم وَمن وَجه تَأْوِيله إِلَى ليسوء الله كَانَ أَيْضا فِي الْكَلَام مَحْذُوف غير أَنه سوى

{وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا}

جَاءَ وَيكون معنى الْكَلَام فَإِذا جَاءَ وعد الْآخِرَة بعثناهم ليسوء الله وُجُوهكُم قَرَأَ الْكسَائي / لتسوء / بالنُّون وَفتح الْهمزَة أخبر جلّ وَعز عَن نَفسه وحجته أَن الْكَلَام أَتَى عقيب قَوْله {بعثنَا عَلَيْكُم} {ثمَّ رددنا لكم الكرة عَلَيْهِم وأمددناكم} وَبعده {وَإِن عدتم عدنا} وأعتدنا لَهُم فَكَانَ حكم مَا توَسط الْكَلَامَيْنِ الخارجين بِلَفْظ الْجمع أَن يجْرِي على لَفْظهمَا أولى من صرفه إِلَى الْعباد وَإِذا قرئَ بالنُّون اسْتعْمل على الْمعَانِي كلهَا لِأَن الله تَعَالَى هُوَ الْفَاعِل لذَلِك فِي الْحَقِيقَة فَإِذا أسْند الْفِعْل فِي اللَّفْظ إِلَيْهِ جَازَ أَن يسوء وُجُوههم بالوعد وَجَاز أَن يسوءها بالعباد {وكل إِنْسَان ألزمناه طَائِره فِي عُنُقه وَنخرج لَهُ يَوْم الْقِيَامَة كتابا يلقاه منشورا} قَرَأَ ابْن عَامر {كتابا يلقاه منشورا} بِضَم الْيَاء وَفتح اللَّام وَتَشْديد الْقَاف جعل الْفِعْل لغير الْإِنْسَان أَي الْمَلَائِكَة تتلقاه بكتابه الَّذِي فِيهِ نُسْخَة عمله وَهُوَ من قَوْلك لقِيت الْكتاب فَإِذا ضعفت قلت لقانيه زيد فيتعدى الْفِعْل بِتَضْعِيف الْعين إِلَى مفعولين بَعْدَمَا كَانَ يتَعَدَّى بِغَيْر التَّضْعِيف إِلَى مفعول وَاحِد وَيُقَوِّي هَذَا قَوْله {ولقاهم نَضرة} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يلقاه} بِفَتْح الْيَاء جعلُوا الْفِعْل للْإنْسَان لِأَن الله تَعَالَى إِذا ألزمهُ طَائِره لَقِي هُوَ الْكتاب كَمَا قَالَ تَعَالَى {يلق أثاما}

{وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف}

{وَمن يفعل ذَلِك يلق أثاما} وَلم يقل يلق أثاما وَهَذَا بَين وَاضح مَتى بني الْفِعْل للْمَفْعُول بِهِ نقص مفعول من المفعولين لِأَن أَحدهمَا يقوم مقَام الْفَاعِل فِي إِسْنَاده إِلَيْهِ فَيبقى مُتَعَدِّيا إِلَى مفعول وَاحِد {وَقضى رَبك أَلا تعبدوا إِلَّا إِيَّاه وبالوالدين إحسانا إِمَّا يبلغن عنْدك الْكبر أَحدهمَا أَو كِلَاهُمَا فَلَا تقل لَهما أُفٍّ} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / إِمَّا يبلغان / على الِاثْنَيْنِ وحجتهما أَن الْوَالِدين تقدم ذكرهمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وبالوالدين إحسانا} فأخرجا الْفِعْل على عددهما مثنى فَإِن قيل فَبِمَ يرْتَفع {أَحدهمَا أَو كِلَاهُمَا} قيل فِي ذَلِك وَجْهَان أَحدهمَا أَن يكون بَدَلا من الضَّمِير فِي يبلغان وَالْوَجْه الآخر أَن يرفعهُ بِفعل مُجَدد تَقْدِيره إِمَّا يبلغان عنْدك الْكبر يبلغهُ أَحدهمَا أَو كِلَاهُمَا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {إِمَّا يبلغن} على وَاحِد وحجتهم أَن الْفِعْل إِذا تقدم لم يثن وَلم يجمع ويرتفع {أَحدهمَا} بِفِعْلِهِ وَهُوَ {يبلغن} قَرَأَ ابْن كثير وَابْن عَامر {أُفٍّ} بِفَتْح الْفَاء وَقَرَأَ نَافِع وَحَفْص أُفٍّ بِالتَّنْوِينِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أُفٍّ} خفضا بِغَيْر تَنْوِين قَالَ أَبُو عبيد من خفض بِغَيْر تَنْوِين قَالَ إِنَّمَا يحْتَاج إِلَى تَنْوِين فِي الْأَصْوَات النَّاقِصَة الَّتِي على حرفين مثل مَه وصه لِأَنَّهَا قلت فتمموها بالنُّون وأف على ثَلَاثَة أحرف قَالُوا فَمَا حاجتنا إِلَى التَّنْوِين وَلَكنَّا إِنَّمَا خفضنا لِئَلَّا نجمع بَين ساكنين وَمن قَرَأَ أُفٍّ بِالْفَتْح فَهُوَ

{إن قتلهم كان خطأ كبيرا}

مَبْنِيّ على الْفَتْح وَإِنَّمَا بني على الْفَتْح لالتقاء الساكنين وَالْفَتْح مَعَ التَّضْعِيف حسن لخفة الفتحة وَثقل التَّضْعِيف وَمن نون {أُفٍّ} فَإِنَّهُ فِي الْبناء على الْكسر مَعَ التَّنْوِين مثل الْبناء على الْفَتْح إِلَّا أَنه بِدُخُول التَّنْوِين دلّ على التنكير مثل صه ومه وَقَالَ الزّجاج {أُفٍّ} غير مُتَمَكن بِمَنْزِلَة الْأَصْوَات فَإِذا لم ينون فَهُوَ معرفَة وَإِذا نون فَهُوَ نكرَة بِمَنْزِلَة غاق وعاق فِي الصَّوْت وَهَذِه الْكَلِمَة يكني بهَا عَن الْكَلَام الْقَبِيح لِأَن الأف وسخ الْأَظْفَار والتف الشَّيْء الحقير {إِن قَتلهمْ كَانَ خطأ كَبِيرا} قَرَأَ ابْن عَامر {إِن قَتلهمْ كَانَ خطأ كَبِيرا} بِفَتْح الْخَاء والطاء وَهُوَ ضد الْعمد وحجته قَوْله {أَن يقتل مُؤمنا إِلَّا خطأ} قَالَ الزّجاج خطأ لَهُ تأويلات احدها مَعْنَاهُ إِن قَتلهمْ كَانَ غير صَوَاب يُقَال أَخطَأ يُخطئ إخطاء وَخطأ وَالْخَطَأ الِاسْم من هَذَا لَا الْمصدر وَقد يكون الْخَطَأ من خطئَ يخطأ خطأ إِذا لم يصب مثل فزع يفزع فَزعًا قَرَأَ ابْن كثير / خطاء / بِكَسْر الْخَاء وَفتح الطَّاء وَهُوَ مصدر

خطئَ يخطأ {خطأ} وخطاء إِذا لم يصب كَمَا تَقول سفد الطَّائِر يسفد سفادا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ خطأ بِكَسْر الْخَاء وَإِسْكَان الطَّاء مَعْنَاهُ إِثْمًا كَبِيرا وَهُوَ مصدر ل خطئَ الرجل يخطأ خطئا مثل أَثم يَأْثَم إِثْمًا فَهُوَ آثم قَالَ الشَّاعِر ... عِبَادك يخطؤون وَأَنت رب ... بكفيك المنايا لَا تَمُوت ... وَالْفَاعِل مِنْهُ خاطئ وَقد جَاءَ الْوَعيد فِيهِ فِي قَوْله تَعَالَى {لَا يَأْكُلهُ إِلَّا الخاطئون} أَي الآثمون

{ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا}

{وَمن قتل مَظْلُوما فقد جعلنَا لوَلِيِّه سُلْطَانا فَلَا يسرف فِي الْقَتْل إِنَّه كَانَ منصورا} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / فَلَا تسرف فِي الْقَتْل / بِالتَّاءِ على الْخطاب للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْمرَاد بِهِ هُوَ وَالْأَئِمَّة من بعده يَقُول لَا تقتل بالمقتول ظلما غير قَاتله وحجتهما أَنَّهَا فِي حرف عبد الله / فَلَا تسرفوا فِي الْقَتْل / فَدلَّ هَذَا على أَن ذَلِك وَجه النَّهْي للمواجهة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فَلَا يسرف} بِالْيَاءِ وحجتهم أَن هَذَا الْكَلَام أَتَى عقيب خبر عَن غَائِب وَهُوَ قَوْله {وَمن قتل مَظْلُوما فقد جعلنَا لوَلِيِّه سُلْطَانا} فَكَأَنَّهُ قَالَ فَلَا يسرف الْوَلِيّ فِي الْقَتْل وفاعل {يسرف} يجوز أَن يكون أحد شَيْئَيْنِ أَحدهمَا أَن يكون الْقَاتِل الأول كَذَا قَالَ مُجَاهِد وَيكون التَّقْدِير فَلَا يسرف الْقَاتِل فِي الْقَتْل فَيكون بقتْله مُسْرِفًا وَالْآخر أَن يكون فِي {يسرف} ضمير الْوَلِيّ أَي فَلَا يسرف الْوَلِيّ فِي الْقَتْل والإسراف فِي الْقَتْل قد اخْتلف فِيهِ قَالَ أَكثر النَّاس الْإِسْرَاف أَن يقتل غير قَاتل صَاحبه وَقيل الْإِسْرَاف أَن يقتل هُوَ الْقَاتِل دون السُّلْطَان وَقيل أَن يقتل جمَاعَة بِوَاحِد {وأوفوا الْكَيْل إِذا كلتم وزنوا بالقسطاس الْمُسْتَقيم ذَلِك خير وَأحسن تَأْوِيلا} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {وزنوا بالقسطاس} بِكَسْر الْقَاف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالضَّمِّ وهما لُغَتَانِ مثل القرطاس والقرطاس {كل ذَلِك كَانَ سيئه عِنْد رَبك مَكْرُوها}

{ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا وما يزيدهم إلا نفورا}

قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {كل ذَلِك كَانَ سيئه} منونة وحجتهم ذكرهَا اليزيدي فَقَالَ يَعْنِي كل مَا نهى الله عَنهُ مِمَّا وصف فِي هَذِه الْآيَات كَانَ سَيِّئَة وَكَانَ مَكْرُوها قَالَ أَبُو عَمْرو وَلَا يكون فِيمَا نهى الله عَنهُ شَيْء حسن فَيكون سيئه مَكْرُوها وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {كل ذَلِك كَانَ سيئه} مُضَافا وحجتهم قَوْله {مَكْرُوها} بالتذكير وَلَو كَانَ سيئه غير مُضَاف للَزِمَ أَن يكون مَكْرُوهَة بالتأنيث لِأَنَّهُ وصف للسيئة وَأُخْرَى وَهِي أَنه ذكر فِي هَذِه الْآيَات من لدن قَوْله {وَقضى رَبك أَلا تعبدوا إِلَّا إِيَّاه} حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى قَوْله {كل ذَلِك كَانَ سيئه عِنْد رَبك مَكْرُوها} بعضه طَاعَة مَأْمُور بِهِ وَبَعضه مَعْصِيّة مَنْهِيّ عَنهُ فالمأمور بِهِ قَوْله {واخفض لَهما جنَاح الذل} وَقَوله {وَآت ذَا الْقُرْبَى حَقه} والمنهي عَنهُ {وَلَا تقتلُوا أَوْلَادكُم} {وَلَا تقربُوا الزِّنَى} {وَلَا تقتلُوا النَّفس الَّتِي حرم الله} {وَلَا تقربُوا مَال الْيَتِيم} فقد أمروا بِبَعْض هَؤُلَاءِ الْآيَات ونهوا فِي بَعْضهَا فَقَالَ {كل ذَلِك كَانَ سيئه عِنْد رَبك مَكْرُوها} لِأَن فِيهَا ذكر الْحسن والسيء والسيء هُوَ الْمَكْرُوه دون الْحسن {وَلَقَد صرفنَا فِي هَذَا الْقُرْآن لِيذكرُوا وَمَا يزيدهم إِلَّا نفورا} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وَلَقَد صرفنَا فِي هَذَا الْقُرْآن لِيذكرُوا} بِالتَّخْفِيفِ

{قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا} 42 و

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لِيذكرُوا} بِالتَّشْدِيدِ أَي ليدبروا ويتعظوا وَالْأَصْل ليتذكورا فأدغموا التَّاء فِي الذَّال وحجتهم أَن تذكر أبلغ فِي الْوَصْف من ذكر لِأَن أَكثر مَا يُقَال ذكر يذكر إِذا نسي شَيْئا ثمَّ ذكره وَإِذا قيل تذكر فَمَعْنَاه تفكر قَالَ تبَارك وَتَعَالَى {وليتذكر أولُوا الْأَلْبَاب} وَحجَّة التَّخْفِيف أَن الْوَجْهَيْنِ متقاربان يُقَال ذكرت مَا صنعت وتذكرت مَا صنعت وَفِي التَّنْزِيل {كلا إِنَّه تذكرة فَمن شَاءَ ذكره وَمَا يذكرُونَ إِلَّا أَن يَشَاء الله} فَهَذَا بِمَعْنى التفكر والاتعاظ {قل لَو كَانَ مَعَه آلِهَة كَمَا يَقُولُونَ إِذا لابتغوا إِلَى ذِي الْعَرْش سَبِيلا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ علوا كَبِيرا} 42 و 43 قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَأَبُو عَمْرو وَأَبُو بكر / قل لَو كَانَ مَعَه آلِهَة كَمَا تَقولُونَ / بِالتَّاءِ {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ} بِالْيَاءِ الْحَرْف الأول قرؤوه بِالتَّاءِ على مُخَاطبَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُم أَي قل يَا مُحَمَّد للَّذين أشركوا لَو كَانَ مَعَه آلِهَة كَمَا تَقولُونَ إِذا لابتغوا إِلَى ذِي الْعَرْش سَبِيلا ثمَّ قَالَ جلّ وَعز مستأنفا بتنزيه نَفسه لَا على مخاطبتهم {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ علوا كَبِيرا} وَيجوز أَن تحمله على القَوْل كَأَنَّهُ يَقُول الله جلّ وَعز لنَبيه صلى الله عَلَيْهِ قل أَنْت يَا مُحَمَّد سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ وَقَرَأَ ابْن كثير وَحَفْص جَمِيعًا بِالْيَاءِ قَوْله {قل لَو كَانَ مَعَه آلِهَة كَمَا يَقُولُونَ}

{تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن}

خطاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ للْمُؤْمِنين يخاطبهم بِمَا يَقُول الْمُشْركُونَ ثمَّ عطف عَلَيْهِ بقوله {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ} وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / كَمَا تَقولُونَ / بِالتَّاءِ / عَمَّا تَقولُونَ / بِالتَّاءِ أَيْضا قيل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ قل للَّذين أشركوا لَو كَانَ مَعَه آلِهَة كَمَا تَقولُونَ ثمَّ عطف عَلَيْهِ قَوْله / سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا تَقولُونَ / على مُخَاطبَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إيَّاهُم وَحجَّة التَّاء قَوْله قبلهَا {أفأصفاكم ربكُم بالبنين} {تسبح لَهُ السَّمَاوَات السَّبع وَالْأَرْض وَمن فِيهِنَّ} قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {تسبح لَهُ السَّمَاوَات السَّبع} بِالتَّاءِ وحجتهم قِرَاءَة أبي / سبحت لَهُ السَّمَاوَات / وَأُخْرَى أَن السَّمَاوَات مُؤَنّثَة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ وحجتهم أَن فعل الْجمع إِذا تقدم يذكر وَيُؤَنث فَمن ذكر ذهب إِلَى جمع السَّمَوَات وَمن أنث ذهب إِلَى جمَاعَة السَّمَاوَات وَأُخْرَى أَن ابْن مَسْعُود قَالَ إِذا اختلفتم فِي الْيَاء وَالتَّاء فاجعلوها يَاء {وأجلب عَلَيْهِم بخيلك ورجلك} قَرَأَ حَفْص {وأجلب عَلَيْهِم بخيلك ورجلك} بِكَسْر الْجِيم هَذِه لُغَة للْعَرَب يُقَال رجل وَرجل يَقُول الْعَرَب قصر وَقصر قَالَ الشَّاعِر

{أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا ثم لا تجدوا لكم وكيلا أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى فيرسل عليكم قاصفا من الريح فيغرقكم بما كفرتم ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا} 68 و

.. أضْرب بِالسَّيْفِ وَسعد فِي الْقصر ... وَقَالَ بعض أهل الْبَصْرَة إِنَّمَا كسرت الْجِيم إتباعا لكسرة اللَّام وَاللَّام كسرت عَلامَة للجر كَمَا قَرَأَ الْحسن الْبَصْرِيّ {الْحَمد لله} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {ورجلك} بِإِسْكَان الْجِيم جمع راجل تَقول راجل وَرجل مثل صَاحب وَصَحب وتاجر وتجر {أفأمنتم أَن يخسف بكم جَانب الْبر أَو يُرْسل عَلَيْكُم حاصبا ثمَّ لَا تَجدوا لكم وَكيلا أم أمنتم أَن يعيدكم فِيهِ تَارَة أُخْرَى فَيُرْسل عَلَيْكُم قاصفا من الرّيح فيغرقكم بِمَا كَفرْتُمْ ثمَّ لَا تَجدوا لكم علينا بِهِ تبيعا} 68 و 69 قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو / أفأمنتم أَن نخسف بكم أَو نرسل أَو نعيدكم فنرسل فنغرقكم / كلهَا بالنُّون يخبر الله جلّ وَعز عَن نَفسه وحجتهما ذكرهَا اليزيدي فَقَالَ لقَوْله {ثمَّ لَا تَجدوا لكم علينا بِهِ تبيعا} كَأَنَّهُ لما أَتَى الْكَلَام عَقِيبه بِلَفْظ الْجمع جعل مَا قبله على لَفظه ليأتلف نظام الْكَلَام على لفظ وَاحِد وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ إِخْبَارًا عَن الله وحجتهم أَن الْكَلَام ابتدئ بِهِ بالْخبر عَن الله بِلَفْظ التَّوْحِيد فَقَالَ {الَّذِي يزجي لكم الْفلك} وَقَالَ {ضل من تدعون إِلَّا إِيَّاه} فَجعلُوا مَا أَتَى عَقِيبه من

الْكَلَام جَارِيا على مَعْنَاهُ لِأَن الْقِصَّة وَاحِدَة وَالْكَلَام يتبع بعضه بَعْضًا {وَمن كَانَ فِي هَذِه أعمى فَهُوَ فِي الْآخِرَة أعمى وأضل سَبِيلا} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَأَبُو بكر {وَمن كَانَ فِي هَذِه أعمى فَهُوَ فِي الْآخِرَة أعمى} بِكَسْر الْمِيم فيهمَا وحجتهم أَن الْألف تنْقَلب إِلَى الْيَاء إِذا قلت أعميان فالإمالة فيهمَا حَسَنَة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أعمى} {أعمى} بِغَيْر إمالة وحجتهم أَن الْيَاء فيهمَا قد صَارَت ألفا لانفتاح مَا قبلهَا وَالْأَصْل {وَمن كَانَ فِي هَذِه أعمى} بِفَتْح الْيَاء {فَهُوَ فِي الْآخِرَة أعمى} بِضَم الْيَاء فقلبت الْيَاء ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا وَكَانَ أَبُو عَمْرو أحذقهم فَفرق بَين اللَّفْظَيْنِ لاخْتِلَاف الْمَعْنيين فَقَرَأَ {وَمن كَانَ فِي هَذِه أعمى} بالإمالة {فَهُوَ فِي الْآخِرَة أعمى} بِالْفَتْح فَجعل الأول صفة بِمَنْزِلَة أَحْمَر وأصفر وَالثَّانِي بِمَنْزِلَة أفعل مِنْك أَي أعمى قلبا قَالَ ابْن كثير من عمي فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يرى من آيَات الله وعبره فَهُوَ عَمَّا لم ير من الْآخِرَة أعمى واضل سَبِيلا قَالَ أَبُو عبيد وَكَانَ أَبُو عَمْرو يقْرَأ هَذَا الْحَرْف على تَأْوِيل ابْن كثير {فَهُوَ فِي الْآخِرَة أعمى} يَعْنِي أَشد عمى وأضل سَبِيلا وَحجَّة من أمال هِيَ أَن الإمالة وَالْفَتْح لَا يأتيان على الْمعَانِي بل الإمالة تقريب من الْيَاء وَإِن كَانَ بِمَعْنى أفعل فَلَا يمْنَع من الإمالة

{وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه}

كَمَا لَا يمْتَنع {الَّذِي هُوَ أدنى} {وَإِذا لَا يلبثُونَ خِلافك إِلَّا قَلِيلا} قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَأَبُو بكر / وَإِذا لَا يلبون خَلفك / بِغَيْر ألف أَي بعْدك كَمَا قَالَ جلّ وَعز {نكالا لما بَين يَديهَا وَمَا خلفهَا} أَي بعْدهَا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ خلاخل بِالْألف أَي مخالفتك قَالَ ذَلِك الْفراء يَقُول لَو أَنَّك خرجت وَلم يُؤمنُوا لنزل بهم الْعَذَاب وحجتهم إِجْمَاع الْجَمِيع على قَوْله {فَرح الْمُخَلفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خلاف رَسُول الله} فَردُّوا مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ {وَإِذا أنعمنا على الْإِنْسَان أعرض ونأى بجانبه} قَرَأَ ابْن عَامر / وناء بجانبه / مثل ناع وَهَذَا على الْقلب وَتَقْدِيره فلع وَمثل هَذَا فِي الْقلب قَوْلهم رأى وَرَاء قَالَ الشَّاعِر ... وكل خَلِيل راءني فَهُوَ قَائِل ... من اجلك هَذَا هَامة الْيَوْم أَو غَد ... وَقَالَ قوم من ناء أَي نَهَضَ كَمَا قَالَ {مَا إِن مفاتحه لتنوء بالعصبة} أَي تنهض وَالْأَصْل نوأ فَانْقَلَبت الْوَاو ألفا لتحركها

{وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا}

وانفتاح مَا قبلهَا ومددت الْألف تمكينا للهمزة قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {ونأى} بإمالة الْألف بعد الْهمزَة وكسرة النُّون وحجتهما أَن الْألف منقلبة عَن الْيَاء الَّتِي فِي النأي فتبعتها هَذِه الْألف فَأَرَادَ أَن ينحو نَحْوهَا فَأَما الْألف بعد الْهمزَة فتبعت الْهمزَة وَكسر النُّون قبل الْهمزَة إتباعا لكسرة الْهمزَة قَرَأَ أَبُو بكر وخلاد عَن حَمْزَة {ونأى} بِفَتْح النُّون وَكسر الْهمزَة وَلم يكسرا فَتْحة النُّون لأجل كسرة الْهمزَة بل تركا النُّون على حَالهَا كَمَا تَقول رمي بِفَتْح الرَّاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / نأى / بِفَتْح النُّون والهمزة أَي بعد وَتَنَحَّى وَترك الإمالة هُوَ الأَصْل لِأَن الْيَاء قد انقلبت ألفا {وَقَالُوا لن نؤمن لَك حَتَّى تفجر لنا من الأَرْض ينبوعا} قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {حَتَّى تفجر لنا} بِفَتْح التَّاء وَسُكُون الْفَاء وحجتهم قَوْله {ينبوعا} والينبوع وَاحِد وَالتَّشْدِيد إِنَّمَا يكون للتكثير مرّة بعد مرّة فَلَا يحسن سعه فعل لما كَانَ الينبوع وَاحِدًا

{أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا}

وَيدل على هَذَا أَنهم قرؤوا {فتفجر الْأَنْهَار} بِالتَّشْدِيدِ لِأَنَّهَا جمَاعَة يكثر مَعهَا الْفِعْل وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {حَتَّى تفجر لنا} بِالتَّشْدِيدِ وحجتهم إِجْمَاع الْجَمِيع على التَّشْدِيد فِي قَوْله {وفجرنا خلالهما نَهرا} وَالنّهر وَاحِد كالينبوع فشددوا فِي فعل الْوَاحِد لتكرر الانفجار مِنْهُ مرّة بعد مرّة {أَو تسْقط السَّمَاء كَمَا زعمت علينا كسفا} قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَعَاصِم {كسفا} متحركة السِّين قَالَ أَبُو عبيد كسفا متحركة السِّين جمع كسفة مثل قِطْعَة وَقطع وكسرة وَكسر وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {كسفا} سَاكِنة السِّين جمع كسفة كَمَا تَقول بسرة وَبسر الْفرق بَين الْوَاحِد وَالْجمع طرح الْهَاء وَلَيْسَ بِجمع تكسير {قل سُبْحَانَ رَبِّي هَل كنت إِلَّا بشرا رَسُولا} قَرَأَ ابْن كثير وَابْن عَامر / قَالَ سُبْحَانَ رَبِّي / على الْخَبَر وحجتهما أَن الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ قَالَ عِنْد اقتراحهم هَذِه الْأَشْيَاء الَّتِي لَيست فِي طَاقَة الْبشر أَن يفعها فَقَالَ {سُبْحَانَ رَبِّي هَل كنت إِلَّا بشرا رَسُولا} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {قل} على الْأَمر وحجتهم مَا تقدم من المخاطبة

للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ {وَقَالُوا لن نؤمن لَك حَتَّى تفجر لنا} {أَو يكون لَك} 90 و 93 كَذَا إِلَى أَن قَالَ الله لَهُ {قل سُبْحَانَ رَبِّي هَل كنت إِلَّا بشرا رَسُولا} وَيُقَوِّي هَذَا مَا بعده {قل لَو كَانَ فِي الأَرْض مَلَائِكَة} و {قل كفى بِاللَّه شَهِيدا} {قَالَ لقد علمت مَا أنزل هَؤُلَاءِ إِلَّا رب السَّمَاوَات وَالْأَرْض} قَرَأَ الْكسَائي {قَالَ لقد علمت} بِرَفْع التَّاء وحجته مَا رُوِيَ عَن عَليّ بن أبي طَالب صلوَات الله عَلَيْهِ قَالَ {لقد علمت} قَالَ وَالله مَا علم عَدو الله إِنَّمَا علم مُوسَى صلى الله عَلَيْهِ وقراها بِالرَّفْع مَسْأَلَة فَإِن قلت كَيفَ يَصح الِاحْتِجَاج عَلَيْهِ بِعِلْمِهِ وَعلمه لَا يكون حجَّة على فِرْعَوْن إِنَّمَا يكون علم فِرْعَوْن مَا علمه من صِحَة أَمر مُوسَى حجَّة عَلَيْهِ فَالْقَوْل فِيهِ إِنَّه لما قيل لَهُ {إِن رَسُولكُم الَّذِي أرسل إِلَيْكُم لمَجْنُون} كَانَ ذَلِك قدحا فِي علمه لِأَن الْمَجْنُون لَا يعلم فَكَأَنَّهُ نفى ذَلِك وَدفع عَن نَفسه فَقَالَ لقد علمت صِحَة مَا أتيت بِهِ علما صَحِيحا كعلم الْفُضَلَاء فَصَارَت الْحجَّة عَلَيْهِ من هَذَا الْوَجْه وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {قَالَ لقد علمت} بِفَتْح التَّاء على المخاطبة عَن مُوسَى صلى الله عَلَيْهِ لفرعون وحجتهم فِي ذَلِك أَن فِرْعَوْن وَمن كَانَ تبعه قد علمُوا صِحَة أَمر مُوسَى بِدلَالَة قَوْله تَعَالَى {لَئِن كشفت عَنَّا الرجز لنؤمنن لَك} وَقَوله {وجحدوا بهَا واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا} يَعْنِي أَن فِرْعَوْن كَانَ عَالما بِأَن مَا أنزل هَؤُلَاءِ الْآيَات إِلَّا الله وَلَكِن جحد مَا كَانَ يعرف حَقِيقَته وَهُوَ عَالم بِأَن الله هُوَ ربه

- سورة الكهف

18 - سُورَة الْكَهْف {قيمًا لينذر بَأْسا شَدِيدا من لَدنه} قَرَأَ أَبُو بكر / من لدنهي / بِإِسْكَان الدَّال وإشمام الضَّم وَكسر وَالنُّون وَالْهَاء وَوصل الْهَاء بِالْيَاءِ الأَصْل لدن بِضَم الدَّال ثمَّ إِنَّه أسكن الدَّال استثقالا للضمة كَمَا تَقول عضد فَلَمَّا أسكن الدَّال التقى ساكنان النُّون وَالدَّال فَكسر النُّون لالتقاء الساكنين وَكسر الْهَاء لمجاورة حرف مكسور وَوَصلهَا بياء كَمَا تَقول مَرَرْت بِهِ ي يَا فَتى وَأما إشمام الضمة فِي الدَّال ف ليعلم أَن الأَصْل كَانَ فِي الْكَلِمَة الضمة وَمثل ذَلِك قيل وَجِيء فاعرفه فَإِنَّهُ حسن وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {من لَدنه} بِضَم الدَّال وَسُكُون النُّون وَضم الْهَاء على أصل الْكَلِمَة كَقَوْلِه {من لدن حَكِيم عليم} {فأووا إِلَى الْكَهْف ينشر لكم ربكُم من رَحمته ويهيئ لكم من أَمركُم مرفقا} قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر {من أَمركُم مرفقا} بِفَتْح الْمِيم وَكسر الْفَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {مرفقا} بِكَسْر الْمِيم وَفتح الْفَاء قَالَ أَبُو عَمْرو مرفق الْيَد بِكَسْر الْمِيم وَفتح الْفَاء وَكَذَلِكَ مرفق الْأَمر مثل مرفق الْيَد سَوَاء وَكَذَا قَالَ أَيْضا أَبُو الْحسن الْأَخْفَش

{وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين}

قَالَ هما لُغَتَانِ لَا فرق بَينهمَا وَقَالَ الْفراء فَكَأَن الَّذين فتحُوا الْمِيم أَرَادوا أَن يفرقُوا بَين الْمرْفق من الْأَمر والمرفق من الْإِنْسَان وَأكْثر الْعَرَب على كسر الْمِيم فِي الْأَمر وَفِي الْمرْفق من الْإِنْسَان وَقد تفتح الْعَرَب أَيْضا الْمِيم من مرفق الْإِنْسَان وهما لُغَتَانِ فِي هَذَا وَفِي هَذَا {وَترى الشَّمْس إِذا طلعت تزاور عَن كهفهم ذَات الْيَمين} قَرَأَ ابْن عَامر / تزور عَن كهفهم / مثل تحمر وَتَصْفَر وَمَعْنَاهُ تعدل وتميل وَقَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {تزاور} بِالتَّشْدِيدِ وَقَرَأَ أهل الْكُوفَة بِالتَّخْفِيفِ من شدد أَرَادَ تتزاور فأدغمت التَّاء فِي الزَّاي وَمن خفف حذف إِحْدَى التَّاءَيْنِ وَهِي الثَّانِيَة {لَو اطَّلَعت عَلَيْهِم لَوَلَّيْت مِنْهُم فِرَارًا وَلَمُلئت مِنْهُم رعْبًا} قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير {وَلَمُلئت مِنْهُم} بِالتَّشْدِيدِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ وهما لُغَتَانِ يُقَال ملئ فلَان رعْبًا فَهُوَ مَمْلُوء وملئ فَهُوَ مملأ {فَابْعَثُوا أحدكُم بورقكم هَذِه إِلَى الْمَدِينَة} قَرَأَ أَبُو بكر وَحَمْزَة وَأَبُو عَمْرو {بورقكم} سَاكِنة الرَّاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِكَسْر الرَّاء على أصل الْكَلِمَة من سكن الرَّاء طلب التَّخْفِيف بِإِسْكَان الرَّاء لِأَن الرَّاء ب تكررها بِمَنْزِلَة حرفين

{ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا}

{وَلَبِثُوا فِي كهفهم ثَلَاث مائَة سِنِين وازدادوا تسعا} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / وَلَبِثُوا فِي كهفهم ثلثمِائة سِنِين / مُضَافا بِغَيْر تَنْوِين قَالَ قوم لَيست هَذِه الْقِرَاءَة مختارة لِأَن الْعَرَب غذ أضافت هَذَا الْجِنْس أفردت فَيَقُولُونَ عِنْدِي ثلثمِائة دِينَار وَلَا يَقُولُونَ ثلثمِائة دَنَانِير وَلَا يَقُولُونَ هَؤُلَاءِ ثلثمِائة رجال إِنَّمَا يَقُولُونَ ثلثمِائة رجل بل هَذِه الْقِرَاءَة مختارة وحجتهما أَنَّهُمَا أَتَيَا بِالْجمعِ بعد قَوْله ثلثمِائة على الأَصْل لِأَن الْمَعْنى فِي ذَلِك هُوَ الْجمع وَذَلِكَ أَنَّك إِذا قلت عِنْدِي مئة دِرْهَم فَالْمَعْنى مئة من الدَّرَاهِم وَالْجمع هُوَ المُرَاد من الْكَلَام وَالْوَاحد إِنَّمَا اكْتفي بِهِ من الْجمع إِذا قيل ثلثمِائة سنة وثلثمائة رجل لِأَن الْوَاحِد هَا هُنَا يُؤَدِّي على معنى الْجمع بِذكر الْعدَد قبله فعاملوا الأَصْل الَّذِي هُوَ مُرَاد الْمُتَكَلّم وَلم يكتفيا بِالْوَاحِدِ من الْجمع هَذَا مَذْهَب قطرب قَالَ الْكسَائي الْعَرَب تَقول أَقمت عِنْده مئة سنة ومئة سِنِين وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / ثلثمِائة سِنِين / منونا أوقعوا اللباث على السنين ثمَّ بينوا عَددهَا بعد فَقَالُوا وَلَبِثُوا فِي كهفهم سِنِين ثلثمِائة قَوْله {سِنِين} بدل من {ثَلَاث} قَالَ الزّجاج {سِنِين} جَائِز أَن يكون نصبا وَجَائِز أَن يكون جرا فَأَما النصب فعلى معنى وَلَبِثُوا فِي كهفهم سِنِين ثلثمِائة وَيكون على تَقْدِير الْعَرَبيَّة سِنِين مَعْطُوفًا على مَعْطُوفًا على ثَلَاث عطف الْبَيَان والتوكيد وَجَائِز أَن يكون سِنِين من نعت المئة وَهُوَ رَاجع فِي الْمَعْنى إِلَى ثَلَاث {مَا لَهُم من دونه من ولي وَلَا يُشْرك فِي حكمه أحدا}

{يدعون ربهم بالغداة والعشي}

قَرَأَ ابْن عَامر / وَلَا تشرك فِي حكمه أحدا / بِالتَّاءِ والجزم على النَّهْي أَي لَا تنسبن أحدا إِلَى علم الْغَيْب فالخطاب لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَالْمرَاد غَيره وَيُقَوِّي التَّاء مَا بعده وَهُوَ قَوْله {واتل مَا أُوحِي} قَالَ الْفراء وَهُوَ وَجه غير مَدْفُوع كَمَا قَالَ {وَلَا تدع مَعَ الله إِلَهًا آخر} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَلَا يُشْرك} بِالْيَاءِ وَضم الْكَاف على الْخَبَر الْمَعْنى وَلَا يُشْرك الله فِي حكمه أحدا قَالَ الزّجاج قد جرى ذكر علمه وَقدرته فَأعْلم جلّ وَعز أَنه لَا يُشْرك فِي حكمه مِمَّا يخبر بِهِ من الْغَيْب أحدا كَمَا قَالَ جلّ وَعز {عَالم الْغَيْب فَلَا يظْهر على غيبه أحدا} وَكَانَ السّديّ يَقُول {وَلَا يُشْرك فِي حكمه أحدا} أَي لَا يشاور فِي أمره وقضائه أحدا {يدعونَ رَبهم بِالْغَدَاةِ والعشي} قَرَأَ ابْن عَامر / بالغدوة والعشي / بِضَم الْغَيْن وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْفَتْح وحجتهم أَن غَدَاة نكرَة تعرف بِالْألف وَاللَّام وغدوة معرفَة فَلَا يجوز دُخُول تَعْرِيف على تَعْرِيف كَمَا لَا يُقَال مَرَرْت بالزيد وَحجَّة ابْن عَامر هِيَ أَن الْعَرَب تدخل الْألف وَاللَّام على الْمعرفَة

{ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا}

إِذا جَاوَرت مَا فِيهِ الْألف وَاللَّام ليزدوج الْكَلَام كَمَا قَالَ الشَّاعِر ... وجدنَا الْوَلِيد بن اليزيد مُبَارَكًا ... شَدِيدا بأحناء الْخلَافَة كَاهِله ... {وَكَانَ لَهُ ثَمَر} {وأحيط بثمره} 34 و 42 قَرَأَ عَاصِم {وَكَانَ لَهُ ثَمَر} و {وأحيط بثمره} بِفَتْح الثَّاء وَالْمِيم فِي الحرفين جمع ثَمَرَة وثمر ك بقرة وبقر الْفرق بَين الْوَاحِد وَالْجمع إِسْقَاط الْهَاء وحجته قَوْله قبلهَا {كلتا الجنتين آتت أكلهَا} يَعْنِي ثَمَرهَا وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو {ثَمَر} و / أحيط بثمره / بِضَم الثَّاء وَسُكُون الْمِيم جمع ثَمَرَة ك بَدَنَة وبدن وخشبة وخشب وَثَمَرَة وثمر وَيجوز أَن يكون جمع ثمار كَمَا يُخَفف كتب وَيجوز أَن يكون ثَمَر وَاحِدَة ك عنق وطنب فعلى أَي هَذِه الْوُجُوه جَازَ إسكان الْعين مِنْهُ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {ثَمَر} بِضَم الثَّاء وَالْمِيم جمع ثمار وثمر كَقَوْلِك كتاب وَكتب وحمار وحمر {وَلَئِن رددت إِلَى رَبِّي لأجدن خيرا مِنْهَا منقلبا} قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَابْن عَامر / لأجدن خيرا مِنْهُمَا منقلبا / بِزِيَادَة مِيم وَكَذَلِكَ فِي مصاحفهم وحجتهم قَوْله قبلهَا {جعلنَا لأَحَدهمَا جنتين}

{لكن هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدا}

فَذكر جنتين فَكَذَلِك / مِنْهُمَا منقلبا / وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {مِنْهَا منقلبا} بِغَيْر مِيم وحجتهم قَوْله {وَدخل جنته وَهُوَ ظَالِم لنَفسِهِ} {لَكِن هُوَ الله رَبِّي وَلَا أشرك بربي أحدا} قَرَأَ نَافِع فِي رِوَايَة إِسْمَاعِيل وَابْن عَامر / لَكنا هُوَ الله رَبِّي / بِإِثْبَات الْألف فِي الْوَصْل وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لَكِن} بِغَيْر ألف فِي الْوَصْل وَأَجْمعُوا كلهم على الْوَقْف بِالْألف أصل الْكَلِمَة لَكِن أَنا أَقُول هُوَ الله رَبِّي فطرحت الْهمزَة على النُّون فتحركت بِالْفَتْح فَصَارَ لكننا فَاجْتمع حرفان من جنس وَاحِد فأدغمت النُّون الأولى فِي الثَّانِيَة فَصَارَ / لَكنا هُوَ الله / حجَّة من لم يثبت الْألف فِي الْوَصْل قَوْلك أَن قلت محذوفة الْألف فَإِذا وقفت عَلَيْهَا أثبت الْألف فَقلت أَنا وتحذف فِي الْوَصْل فِي أَجود اللُّغَات نَحْو أَن قُمْت بِغَيْر ألف وَيجوز أَنا قُمْت بِإِثْبَات الْألف وَهُوَ ضَعِيف وَمن قَرَأَ {لَكنا} بِإِثْبَات الْألف فِي الْوَصْل ف على لُغَة من قَالَ أَنا قُمْت قَالَ الشَّاعِر ... أَنا شيخ الْعَشِيرَة فاعرفوني ... حميدا قد تذريت السناما ...

{ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله}

فَكَذَلِك لَكنا تحذف الْألف فِي الْوَصْل وتثبتها فِي الْوَقْف لأَنهم زادوا الْألف للْوَقْف فَإِذا أدرجوا الْقِرَاءَة طرحوها لزوَال السَّبَب الَّذِي من أَجله زادوها وَمن أثبت الْألف فِي الْوَصْل أجْرى الْوَصْل مجْرى الْوَقْف قَالَ الزّجاج إِثْبَات الْألف جيد لِأَن الْهمزَة قد حذفت من أَنا فَصَارَ إِثْبَات الْألف عوضا من الْهمزَة {وَلم تكن لَهُ فِئَة ينصرونه من دون الله} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / وَلم يكن لَهُ فِئَة / بِالْيَاءِ وحجتهما قَوْله {ينصرونه} وَلم يقل تنصره كَمَا قَالَ فِي مَوضِع آخر {فِئَة تقَاتل فِي سَبِيل الله} وَكَانَ تذكير مَا تقدم من فعلهم من أجل تذكير مَا تَأَخّر من فعلهم أولى ليأتلف الفعلان على لفظ وَاحِد وَقيل إِنَّه قد حيل بَين الْفِعْل وَالِاسْم بِحَائِل وَهُوَ قَوْله لَهُ والحائل صَار كالعوض من التَّأْنِيث وَقَرَأَ الْبَاقُونَ وَلم تكن بِالتَّاءِ لتأنيث الفئة وَقد سقط السُّؤَال {هُنَالك الْولَايَة لله الْحق هُوَ خير ثَوابًا وَخير عقبا} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {هُنَالك الْولَايَة} بِكَسْر الْوَاو أَي السُّلْطَان وَالْقُدْرَة لله وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {هُنَالك الْولَايَة} بِالْفَتْح أَي النُّصْرَة لله قَالَ الْفراء من فتح الْوَاو يَقُول النُّصْرَة يُقَال هم أهل ولَايَة عَلَيْك أَي متناصرون عَلَيْك وَكَانَ تَأْوِيل الْكَلَام هُنَالك النُّصْرَة

{ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا}

لله جلّ وَعز ينصر أولياءه ويعزه ويكرمهم وهما مصدران فالكسر مصدر الْوَالِي تَقول وليت الشَّيْء ولَايَة وَهُوَ بَين الْولَايَة والمفتوح مصدر للْوَلِيّ تَقول هَذَا ولي بَين الْولَايَة قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَالْكسَائِيّ {هُنَالك الْولَايَة لله الْحق} بِالضَّمِّ جعلا الْحق نعتا للولاية أَي الْولَايَة الْحق لله أَي لَا يَسْتَحِقهَا غَيره وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لله الْحق} بِالْكَسْرِ جعلُوا نعتا لله وَهُوَ مصدر كَمَا وَصفه بِالْعَدْلِ وَالسَّلَام وَالْمعْنَى ذُو الْحق وَذُو السَّلَام وَكَذَلِكَ الْإِلَه مَعْنَاهُ ذُو الْعِبَادَة وحجتهم قَوْله {ثمَّ ردوا إِلَى الله مَوْلَاهُم الْحق} قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة {وَخير عقبا} سَاكِنة الْقَاف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بضَمهَا وهما لُغَتَانِ وَبِمَعْنى الْعَاقِبَة {وَيَوْم نسير الْجبَال وَترى الأَرْض بارزة وحشرناهم فَلم نغادر مِنْهُم أحدا} قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَابْن عَامر وَيَوْم تسير الْجبَال بِضَم التَّاء وَفتح السِّين {الْجبَال} رفع على مَا لم يسم فَاعله وحجتهم قَوْله {وسيرت الْجبَال فَكَانَت سرابا} فَردُّوا مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {نسير} بالنُّون {الْجبَال} بِالنّصب الله أخبر عَن نَفسه و {الْجبَال} نصب مفعول بهَا

{وما كنت متخذ المضلين عضدا ويوم يقول نادوا شركائي الذين زعمتم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم وجعلنا بينهم موبقا} 51 و

وحجتهم قَوْله {وحشرناهم فَلم نغادر مِنْهُم أحدا} وَلم يقل وحشروا فَكَانَ إِلْحَاق الْكَلَام بِمَا أَتَى عَقِيبه ليأتلف على نظام وَاحِد أولى {وَمَا كنت متخذ المضلين عضدا وَيَوْم يَقُول نادوا شركائي الَّذين زعمتم فدعوهم فَلم يَسْتَجِيبُوا لَهُم وَجَعَلنَا بَينهم موبقا} 51 و 52 قَرَأَ حَمْزَة / وَيَوْم نقُول نادوا شركائي / الله أخبر عَن نَفسه وحجته مَا تقدم وَمَا تَأَخّر فَأَما مَا تقدم فَقَوله {وَمَا كنت متخذ المضلين عضدا} فَكَمَا أَن {كنت} للتكلم كَذَلِك {تَقول} وَأما مَا تَأَخّر فَقَوله {وَجَعَلنَا بَينهم موبقا} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَيَوْم يَقُول} بِالْيَاءِ أَي قل يَا مُحَمَّد يَوْم يَقُول الله تَعَالَى وحجتهم قَوْله {نادوا شركائي الَّذين زعمتم} وَلم يقل شركاءنا {أَو يَأْتِيهم الْعَذَاب قبلا} قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {أَو يَأْتِيهم الْعَذَاب قبلا} بِالضَّمِّ جمع قبيل مثل سَبِيل وسبل الْمَعْنى أَو يَأْتِيهم الْعَذَاب صنفا صنفا أَي أنواعا من الْعَذَاب وَقَالَ الزّجاج {قبلا} بِمَعْنى من قبل أَي مِمَّا يقابلهم وَمن قبل وُجُوههم وَفِي التَّنْزِيل {إِن كَانَ قَمِيصه قد من قبل} أَي من قبل وَجهه وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {قبلا} بِالْكَسْرِ أَي عيَانًا مُوَاجهَة قَالَ أَبُو زيد لقِيت فلَانا قبلا ومقابلة وقبلا وقبلا كُله وَاحِد

{وجعلنا لمهلكهم موعدا}

{وَجَعَلنَا لمهلكهم موعدا} قَرَأَ أَبُو بكر عَن عَاصِم {وَجَعَلنَا لمهلكهم موعدا} بِفَتْح الْمِيم وَاللَّام أَي جعلنَا لهلاكهم موعدا جعله مصدرا ل هلك يهْلك مهْلكا وكل مَا كَانَ على فعل يفعل فاسم الْمَكَان مِنْهُ على مفعل والمصدر على مفعل بِفَتْح الْعين وَقَرَأَ حَفْص {لمهلكهم} بِفَتْح الْمِيم وَكسر اللَّام أَي لوقت هلاكهم قَالَ الزّجاج مهلك اسْم للزمان على هلك يهْلك وَهَذَا زمن مهلكه مثل جلس يجلس فَإِذا أردْت الْمصدر قلت مهلك بِفَتْح اللَّام كَقَوْلِك مجْلِس فَإِذا أردْت الْمَكَان قلت مجْلِس بِكَسْر اللَّام حكى سِيبَوَيْهٍ عَن الْعَرَب أَنهم يَقُولُونَ أَتَت النَّاقة على مضربها أَي على وَقت ضرابها وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لمهلكهم} بِضَم الْمِيم وَفتح اللَّام أَي جعلنَا لإهلاكنا إيَّاهُم موعدا قَالَ أهل الْبَصْرَة تَأْوِيل المهلك على ضَرْبَيْنِ على الْمصدر وعَلى الْوَقْت فَمَعْنَى الْمصدر لإهلاكهم وَمعنى الْوَقْت لوقت إهلاكهم قَالُوا وَهُوَ الِاخْتِيَار لِأَن الْمصدر من أفعل فِي الْمَكَان

{وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره}

وَالزَّمَان يَجِيء على مفعل كَقَوْلِه {وَقل رب أدخلني مدْخل صدق وأخرجني مخرج صدق} {وَمَا أنسانيه إِلَّا الشَّيْطَان أَن أذكرهُ} 63 قَرَأَ حَفْص عَن عَاصِم {وَمَا أنسانيه} بِضَم الْهَاء على أصل الْكَلِمَة واصلها الضَّم وَإِنَّمَا عدل عَن كسر الْهَاء إِلَى الضَّم لما رأى الكسرات من {أنسانيه} وَكَانَت الْهَاء أَصْلهَا الضَّم رأى الْعُدُول إِلَى الضَّم ليَكُون أخف على اللِّسَان من الِاسْتِمْرَار على الكسرات وَمن كسر فلمجاورة الْيَاء كَمَا تَقول فِيهِ عَلَيْهِ قَرَأَ الْكسَائي {أنسانيه} بإمالة الْألف وأنما أمال لِأَن الْألف مبدلة من يَاء وَبعد الْألف كسرة وَالْعرب تميل كل ألف بعْدهَا كسرة نَحْو عَابِد وعالم {قَالَ لَهُ مُوسَى هَل أتبعك على أَن تعلمن مِمَّا علمت رشدا} قَرَأَ أَبُو عَمْرو {مِمَّا علمت رشدا} بِفَتْح الرَّاء والشين وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {رشدا} بِإِسْكَان الشين وَضم الرَّاء وهما لُغَتَانِ مثل الْحزن والحزن وَقَالَ آخَرُونَ الرشد الصّلاح كَقَوْلِه {فَإِن آنستم مِنْهُم رشدا} والرشد فِي الدّين وأجود الْوَجْهَيْنِ الرشد بِضَم الرَّاء وَإِنَّمَا قلت ذَلِك لتوفيق مَا بَينه وَبَين مَا قبله وَمَا بعده من أَوَاخِر الْآي وَذَلِكَ أَن الْآي قبلهَا وَبعدهَا أَتَت بِسُكُون الْحَرْف الْأَوْسَط من الْكَلِمَة وَهُوَ قَوْله {وعلمناه من لدنا علما} {معي صبرا}

{قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا}

67 - و 72 {مَا لم تحط بِهِ خَبرا} فَكَانَ الْوَجْه فِيمَا توَسط أَن يجْرِي بِلَفْظ مَا تقدم وَمَا تَأَخّر إِذْ كَانَ فِي سِيَاقه فَكَانَ أولى من مُخَالفَة مَا بَينهَا ليأتلف رُؤُوس الْآيَات على نظام وَاحِد {قَالَ فَإِن اتبعتني فَلَا تَسْأَلنِي عَن شَيْء حَتَّى أحدث لَك مِنْهُ ذكرا} 70 قَرَأَ العجمي عَن ابْن عَامر / فَلَا تسألن عَن شَيْء / بِفَتْح النُّون وَالتَّشْدِيد وَقَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر {فَلَا تَسْأَلنِي} بِكَسْر النُّون وَالتَّشْدِيد وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فَلَا تَسْأَلنِي} سَاكِنة اللَّام وَقد بيّنت فِي سُورَة هود {قَالَ أخرقتها لتغرق أَهلهَا لقد جِئْت شَيْئا إمرا} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / ليغرق / بِفَتْح الْيَاء وَالرَّاء {أَهلهَا} رفع جعلا الْفِعْل لَهُم كَأَنَّهُ قَالَ أخرقت السَّفِينَة لترسو فِي الْبَحْر فيغرق فِيهِ أَهلهَا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لتغرق} بِالتَّاءِ {أَهلهَا} نصبا وحجتهم قَوْله تَعَالَى {أخرقتها} فَجعلُوا الْفِعْل الثَّانِي مثل الأول وَيُقَوِّي هَذَا قَوْله {لقد جِئْت شَيْئا إمرا} {قَالَ أقتلت نفسا زكية بِغَيْر نفس لقد جِئْت شَيْئا نكرا}

قد بلغت من لدني عذرا

قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو / زاكية / بِالْألف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {زكية} بِغَيْر ألف قَالَ أَبُو عَمْرو الزاكية الَّتِي لم تذنب قطّ والزكية الَّتِي أذنبت ثمَّ غفر لَهَا وَإِنَّمَا قتل الْخضر صَغِيرا لم يبلغ الْحِنْث وَقَالَ آخَرُونَ زاكية أَي طَاهِرَة وَقَالَ قَتَادَة نامية وزكية تقية دينة وَقَالَ الْحسن بريئة وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُم الْكسَائي هما لُغَتَانِ مثل عَالم وَعَلِيم وسامع وَسميع إِلَّا أَن فعيلا أبلغ فِي الْوَصْف والمدح من فَاعل وَيُقَوِّي التَّشْدِيد قَوْله {غُلَاما زكيا} قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَأَبُو بكر {نكرا} بِضَم الْكَاف فِي جَمِيع الْقُرْآن وَقَرَأَ إِسْمَاعِيل عَن نَافِع {نكرا} سَاكِنة الْكَاف وَبِه قَرَأَ الْآخرُونَ وهما لُغَتَانِ مثل الرعب والرعب والسفل والسفل {قد بلغت من لدني عذرا} قَرَأَ نَافِع وَأَبُو بكر {من لدني عذرا} بإشمام الدَّال وَتَخْفِيف النُّون وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {من لدني عذرا} بِضَم الدَّال وَتَشْديد النُّون الأَصْل لدن بِإِسْكَان النُّون فَإِذا أضفتها إِلَى نَفسك زِدْت

{قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا}

نونا ليسلم سُكُون النُّون الأولى تَقول لدن زيد فتسكن النُّون ثمَّ تضيف إِلَى نَفسك فَتَقول لدني فتدغم النُّون فِي النُّون كَمَا تَقول عني وَمن خفف النُّون كره اجْتِمَاع النونين فَحذف وَاحِدَة وَهِي الثَّانِيَة لِأَنَّهَا زَائِدَة كَمَا حذف من قَوْله {تأمروني} وكما حذفت من قدني وقدي قَالَ الشَّاعِر ... قدني من ذكر الخبيبين قدي ... وَأما إشمام الدَّال فَإِنَّهُ علام على أَن الدَّال كَانَت مَضْمُومَة {قَالَ لَو شِئْت لاتخذت عَلَيْهِ أجرا} 77 قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو / لتخذت / بتَخْفِيف التَّاء وَكسر الْخَاء وحجتهما أَن أصل هَذَا الْفِعْل من تخذ يتَّخذ تخذا فالتاء فَاء الْفِعْل مثل تبع يتبع وَأنْشد أَبُو عَمْرو

.. وَقد تخذت رجْلي إِلَى جنب غرزها ... فَقَرَأَ أَبُو عَمْرو على أصل بنية الْفِعْل من غير زِيَادَة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لاتخذت} بِفَتْح الْخَاء على افتعلت فِي هَذِه الْقِرَاءَة قَولَانِ أَحدهمَا أَن تكون التَّاء الأولى أَصْلِيَّة وَالتَّاء الثَّانِيَة تَاء زَائِدَة فِي افتعل زَائِدَة وَالْأَصْل تخذ يتَّخذ فَلَا نظر فِيهِ أَنه افتعل مِنْهُ وَالْقَوْل الثَّانِي أَن يكون اتخذ مأخوذا من أَخذ وَالْفَاء همزَة فَإِذا بني مِنْهُ افتعل شابه افتعل من وعد فَيصير ائتخذ يأتخذ ائتخاذا كَمَا تَقول ايتعد ياتعد ايتعادا فَهُوَ موتعد ثمَّ تَقول اتعد يَتَعَدَّ اتعادا كَذَلِك اتخذ يتَّخذ اتخاذا فأبدلوا من مَكَان الْهمزَة تَاء كَمَا جرت مجْرى الْوَاو فِي التثقيل وَالْأَصْل إأتخذ فَاجْتمع همزتان فقلبت الثَّانِيَة يَاء لسكونها وانكسار مَا قبلهَا فَصَارَت إيتخذ ثمَّ أبدلوا من الْيَاء تَاء ثمَّ أدغموا فِي التَّاء الَّتِي بعْدهَا فَقَالُوا اتخذ يتَّخذ فَهُوَ متخذ

{فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما}

{فأردنا أَن يبدلهما ربهما خيرا مِنْهُ زَكَاة وَأقرب رحما} 81 قَرَأَ نَافِع وَأَبُو عَمْرو {فأردنا أَن يبدلهما} بِالتَّشْدِيدِ فِي جَمِيع الْقُرْآن وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ وهما لُغَتَانِ تَقول بدل وأبدل مثل نزل وَأنزل وَحجَّة التَّشْدِيد قَوْله {وَإِذا بدلنا آيَة} وَقَالَ {لَا تَبْدِيل لكلمات الله} وَلم يقل لَا إِبْدَال وَحجَّة التَّخْفِيف قَوْله {وَإِن أردتم استبدال زوج} فَهَذَا قد يكون بِمَعْنى الْإِبْدَال كَمَا أَن قَوْله فَلم يستجبه عِنْد ذَاك مُجيب بِمَعْنى لم يجبهُ قَرَأَ ابْن عَامر {وَأقرب رحما} بِضَم الْحَاء وحجته قَول الشَّاعِر وَكَيف بظُلْم جَارِيَة ... وَمِنْهَا اللين وَالرحم وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {رحما} وهما لُغَتَانِ مثل الرعب والرعب

{فأتبع سببا}

{فأتبع سَببا} وَقَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {فأتبع سَببا} بِالتَّشْدِيدِ وحجتهما فِي ذَلِك أَن الْمَشْهُور فِي كَلَام الْعَرَب أَن يُقَال اتبع فلَان أثر فلَان إِذا سلك طَرِيقه وَسَار بعده وَاتَّبَعت الرجل إِذا لحقته وَمَعْلُوم أَن الله أخبر عَن مسير ذِي القرنين فِي الأَرْض الَّتِي مكن لَهُ فِيهَا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فأتبع} بِالتَّخْفِيفِ أَي لحق سَببا تَقول اتبعت الرجل إِذا سرت من وَرَائه وأتبعت الرجل ألحقته خيرا أَو شرا كَقَوْلِه تَعَالَى {فَأتبعهُ شهَاب ثاقب} قَالَ أَبُو زيد رَأَيْت الْقَوْم فأتبعتهم بِالتَّخْفِيفِ إتباعا إِذا سبقوك فأسرعت نحوهم ومروا عَليّ فاتبعتهم اتبَاعا بِالتَّشْدِيدِ إِذا ذهبت مَعَهم وَلم يسبقوك قَالَ أَبُو عبيد الْقِرَاءَة عِنْدِي {فأتبع} بِالتَّشْدِيدِ لِأَنَّهَا من الْمسير إِنَّمَا هُوَ افتعل وَأما الإتباع فَإِن مَعْنَاهُ اللحاق كَقَوْلِه {فأتبعوهم مشرقين} وَقَالَ قوم لُغَتَانِ أتبع يتبع وَاتبع يتبع افتعل {وجدهَا تغرب فِي عين حمئة} قَرَأَ ابْن عَامر وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَأَبُو بكر / فِي عين حامية / بِالْألف أَي حارة من حميت تحمى فَهِيَ حامية قَالَ تَعَالَى {تصلى نَارا حامية} أَي حارة وحجتهم مَا رُوِيَ عَن أبي ذَر رَحمَه

الله قَالَ كنت ردف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَهُوَ على حمَار وَالشَّمْس عِنْد غُرُوبهَا فَقَالَ يَا أَبَا ذَر هَل تَدْرِي أَيْن تغرب هَذِه قلت الله وَرَسُوله أعلم قَالَ إِنَّهَا تغرب فِي عين حامية وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فِي عين حمئة} مهموزا فالحمأة الطين المنتن الْمُتَغَيّر اللَّوْن والطعم وحجتهم مَا رُوِيَ فِي حَدِيث ذِي القرنين أَنه رأى مغيب الشَّمْس عِنْد غُرُوبهَا فِي مَاء وطين تغرب قَالَ الشَّاعِر ... فِي عين ذِي خلب وثأط حرمد ... فالخلب الطين والثأط الحمأة والحرمد الْأسود قَالَ ابْن عَبَّاس كنت عِنْد مُعَاوِيَة فَقَرَأَ / تغرب فِي عين حامية / فَقلت مَا نقرؤها إِلَّا {حمئة} فَقَالَ لعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ كَيفَ تقرؤها فَقَالَ كَمَا قرأتها يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ ابْن عَبَّاس فَقلت فِي بَيْتِي نزل الْقُرْآن فَأرْسل مُعَاوِيَة إِلَى كَعْب أَيْن تَجِد الشَّمْس تغرب فِي التَّوْرَاة فَقَالَ أما الْعَرَبيَّة فَأنْتم أعلم بهَا وَأما أَنا فأجد الشَّمْس فِي التَّوْرَاة تغرب فِي مَاء وطين أَرَادَ أَنَّهَا تغرب فِي عين ذَات حمئة وَهَذَا القَوْل لَيْسَ يَنْفِي قَول من قَرَأَهَا حامية إِذا كَانَ جَائِزا أَن تكون الْعين الَّتِي تغرب الشَّمْس فِيهَا حارة

{فله جزاء الحسنى}

وَقد تكون حارة وَذَات حمأة وطينة سَوْدَاء فَتكون مَوْصُوفَة بالحرارة وَهِي ذَات حمأة {فَلهُ جَزَاء الْحسنى} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {فَلهُ جَزَاء الْحسنى} منونا مَنْصُوبًا الْمَعْنى فَلهُ الْحسنى جَزَاء وَجَزَاء مصدر مَنْصُوب فِي مَوضِع الْحَال وَالْمعْنَى فَلهُ الْحسنى مجزيا بهَا جَزَاء فالنصب على التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فَلهُ جَزَاء الْحسنى} بِالرَّفْع وَالْإِضَافَة فالحسنى على هَذِه الْقِرَاءَة تحْتَمل أَن تكون الطَّاعَة الْمَعْنى فَلهُ جَزَاء إحسانه أَي لَهُ جَزَاء الْأَعْمَال الْحسنى وَيحْتَمل أَن يَجْعَل {الْحسنى} الْجنَّة وَيكون الْجَزَاء مُضَافا إِلَيْهَا وَهُوَ لاخْتِلَاف اللَّفْظَيْنِ كَمَا قَالَ {لَهو حق الْيَقِين} و {ولدار الْآخِرَة} يُضَاف الِاسْم إِلَى نَفسه إِذا اخْتلف لفظ الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ وَهُوَ هُوَ فِي الْحَقِيقَة {حَتَّى إِذا بلغ بَين السدين وجد من دونهمَا قوما لَا يكادون يفقهُونَ قولا} قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {بَين السدين} و {وَبينهمْ سدا} 94 بِالْفَتْح وَفِي يس {سدا} بِالرَّفْع قَالَ أَبُو عَمْرو السد الشَّيْء الحاجز بَيْنك وَبَين الشَّيْء والسد فِي الْعين وَالْعرب تَقول بِعَيْنِه سدة بِالرَّفْع وَاسْتدلَّ على ذَلِك بقوله {فأغشيناهم فهم لَا يبصرون}

أَي جعلنَا على أَبْصَارهم غشاوة فهم لَا يبصرون طَرِيق الْهدى وَالْحق قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {بَين السدين} بِالرَّفْع {وَبينهمْ سدا} بِالْفَتْح وَكَذَلِكَ فِي يس قَالَ أَبُو عبيد كل شَيْء وجدته الْعَرَب من فعل الله من الْجبَال والشعاب فَهُوَ سد بِالضَّمِّ وَمَا بناه الآدميون فَهُوَ سد بِالْفَتْح وَكَذَا قَالَ أَيْضا عِكْرِمَة فَذهب حَمْزَة وَالْكسَائِيّ فِي قَوْله {أَن تجْعَل بَيْننَا وَبينهمْ سدا} أَنه من صنع النَّاس وَفِي يس إِلَى الْمَعْنى وَذَلِكَ أَنه يجوز أَن يكون الْفَتْح فيهمَا على معنى الْمصدر الَّذِي صدر عَن غير لفظ الْفِعْل لِأَنَّهُ لما قَالَ {وَجَعَلنَا من بَين أَيْديهم سدا} كَأَنَّهُ قَالَ وسددنا ثمَّ أخرج الْمصدر على معنى الْجعل إِذا كَانَ مَعْلُوما أَنه لم يرد بقوله فِي يس {سدا} مَا أُرِيد بِهِ فِي قَوْله {بَين السدين} لِأَنَّهُمَا جبلان وَهِي هَا هُنَا عَارض فِي الْعين قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَأَبُو بكر جَمِيع ذَلِك بِالرَّفْع وَقَرَأَ حَفْص جَمِيع ذَلِك بِالنّصب وحجتهم أَنَّهُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنى وَاحِد كالضعف والضعف والفقر والفقر

{قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا}

قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {لَا يكادون يفقهُونَ} بِضَم الْيَاء أَي لَا يفقهُونَ غَيرهم إِذا كلموهم تَقول أفقهني مَا تَقول أَي أفهمني وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لَا يكادون يفقهُونَ} بِالْفَتْح أَي لَا يفهمون مَا يُقَال لَهُم كَمَا تَقول كَلمته وَلم يفقه أَي لم يفهم وَاعْلَم أَن فقهت فعل يتَعَدَّى إِلَى مفعول تَقول فقهت السّنة فَإِذا نقلته بِالْهَمْزَةِ تعدى إِلَى مفعولين فَالْمَعْنى فِيمَن ضم لَا يكادون يفقهُونَ أحدا قولا فَحذف أحد المفعولين كَمَا حذف من قَوْله {لينذر بَأْسا شَدِيدا} {قَالُوا يَا ذَا القرنين إِن يَأْجُوج وَمَأْجُوج مفسدون فِي الأَرْض فَهَل نجْعَل لَك خرجا على أَن تجْعَل بَيْننَا وَبينهمْ سدا} قَرَأَ عَاصِم {إِن يَأْجُوج وَمَأْجُوج} بِالْهَمْز وَفِي الْأَنْبِيَاء مثله جعله من أجه الْحر وَمن قَوْله {ملح أجاج} وأجة الْحر شدته وتوقده وَمن هَذَا قَوْلهم أججت النَّار وَيكون التَّقْدِير فِي يَأْجُوج

{قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطرا} 95 و

يفعول نَحْو يَرْبُوع وَفِي مأجوج مفعول وامتنعا من الصّرْف على هَذَا للتأنيث والتعريف كَأَنَّهُ اسْم الْقَبِيلَة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يَأْجُوج وَمَأْجُوج} ياجوج فاعول وماجوج فاعول أَيْضا الْيَاء فَاء الْفِعْل قَالَ النحويون وَهُوَ الِاخْتِيَار لِأَن الْأَسْمَاء الأعجمية سوى هَذَا الْحَرْف غير مَهْمُوزَة نَحْو طالوت وجالوت وحاروت وماروت قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / فَهَل نجْعَل لَك خراجا / بِالْألف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِغَيْر ألف قَالَ الزّجاج الخرج الْفَيْء وَالْخَرَاج الضريبة وَقيل الْجِزْيَة قَالَ وَالْخَرَاج عِنْد النَّحْوِيين الِاسْم لما يخرج من الْفَرَائِض فِي الْأَمْوَال والخرج الْمصدر وَقَالَ غَيره {خرجا} أَي عَطِيَّة نخرجهُ إِلَيْك من أَمْوَالنَا وَأما الْمَضْرُوب على الأَرْض فالخراج وَيدل على الْعَطِيَّة قَوْله فِي جَوَابه لَهُم {مَا مكني فِيهِ رَبِّي خير} {قَالَ مَا مكني فِيهِ رَبِّي خير فَأَعِينُونِي بِقُوَّة أجعَل بَيْنكُم وَبينهمْ ردما آتوني زبر الْحَدِيد حَتَّى إِذا سَاوَى بَين الصدفين قَالَ انفخوا حَتَّى إِذا جعله نَارا قَالَ آتوني أفرغ عَلَيْهِ قطرا} 95 و 96 قَرَأَ ابْن كثير / مَا مكنني فِيهِ رَبِّي خير / بنونين إِنَّمَا أظهر النونين لِأَنَّهُمَا من كَلِمَتَيْنِ الأولى لَام الْفِعْل أَصْلِيَّة وَالثَّانيَِة تدخل مَعَ الِاسْم لتسلم فَتْحة النُّون الأولى وَالنُّون الثَّانِيَة مَعَ الْيَاء فِي مَوضِع نصب

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {مكني} بِالتَّشْدِيدِ أدغموا النُّون فِي النُّون لاجتماعهما وَمَا بِمَعْنى الَّذِي وصلته {مكني} و {خير} خبر الِابْتِدَاء الْمَعْنى الَّذِي مكني فِيهِ رَبِّي خير لي مَا يجمعُونَ لي من الْخراج قَرَأَ أَبُو بكر / ردما ايتوني / بوصل الْألف جعله من الْإِتْيَان أَي جيئوني يُقَال أَتَيْته أَي جِئْته وَالْعرب تَقول خُذ بالخطام وَخذ الخطام وحجته فِي قَوْله / ردما ايتوني / لِأَن إيتوتي أشبه بقوله فَأَعِينُونِي لِأَنَّهُ كلفهم المعونة على عمل السد وَلم يقبل الخرج الَّذِي بذلوه لَهُ فَقَوله / إيتوني / مَعْنَاهُ جيئوني بِمَا هُوَ مَعُونَة على مَا يفهم من قَوْله {فَأَعِينُونِي بِقُوَّة} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {آتوني} ممدودة أَي أعطوني وَالْأَصْل آتيوني فاستثقلوا الضمة على الْيَاء فحذفوها فَالتقى ساكنان الْوَاو وَالْيَاء فحذفوا الْيَاء لالتقاء الساكنين قَرَأَ أَبُو بكر {بَين الصدفين} بِإِسْكَان الدَّال وَضم الصَّاد كَأَنَّهُ استثقل الضمتين وَسكن الدَّال قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَابْن عَامر {الصدفين} بِضَم الصَّاد وَالدَّال وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْح الصَّاد وَالدَّال وهما لُغَتَانِ قَرَأَ حَمْزَة وَأَبُو بكر / قَالَ إيتوني قطرا / أَي جيئوني بِهِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {آتوني} أَي أعطوني

{فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا}

قَالَ أَبُو عَمْرو كَيفَ يَقُول لَهُم جيئوني وهم مَعَه يكلمونه ويخاصمونه {فَمَا اسطاعوا أَن يظهروه وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نقبا} 97 قَرَأَ حَمْزَة {فَمَا اسطاعوا} بتَشْديد الطَّاء أَرَادَ فَمَا اسْتَطَاعُوا فأدغم التَّاء فِي الطَّاء لِأَنَّهُمَا أختَان وحجته قِرَاءَة الْأَعْمَش {فَمَا اسْتَطَاعُوا} بِالتَّاءِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فَمَا اسطاعوا} بتَخْفِيف الطَّاء وَالْأَصْل فَمَا اسْتَطَاعُوا فحذفوا التَّاء كَرَاهَة الْإِدْغَام وَالْجمع بَين حرفين متقاربي الْمخْرج {فَإِذا جَاءَ وعد رَبِّي جعله دكاء} قَرَأَ حَمْزَة وَعَاصِم وَالْكسَائِيّ {جعله دكاء} بِالْمدِّ والهمز أَي جعله مثل دكاء ثمَّ حذف الْمُضَاف وَأقَام الْمُضَاف إِلَيْهِ مقَامه وَتقول الْعَرَب نَاقَة دكاء أَي لَا سَنَام لَهَا ولابد من تَقْدِير الْحَذف لِأَن الْجَبَل مُذَكّر فَلَا يُوصف بدكاء لِأَنَّهَا من وصف الْمُؤَنَّث وَقَالَ قطرب قَوْله {دكاء} صفة التَّقْدِير جعله أَرضًا دكاء أَي ملساء فأقيمت الصّفة مقَام الْمَوْصُوف وَحذف الْمَوْصُوف كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ {وَقُولُوا للنَّاس حسنا} أَي قولا حسنا

{أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء}

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {دكا} منونا غير مَمْدُود وَفِي هَذِه الْقِرَاءَة وَجْهَان أَحدهمَا أَن تجْعَل دكا بِمَعْنى مدكوكة دكا فمقام الْمصدر مقَام الْمَفْعُول وَالْعرب تجْعَل الْمصدر بِمَعْنى الْمَفْعُول فَيَقُولُونَ هَذَا دِرْهَم ضرب الْأَمِير أَي مَضْرُوب الْأَمِير وَالْوَجْه الآخر أَن يكون مَعْنَاهُ دكه دكا فتجعل دكا مصدرا عَن معنى الْفِعْل لَا عَن لَفظه {أفحسب الَّذين كفرُوا أَن يتخذوا عبَادي من دوني أَوْلِيَاء} قَرَأَ الْأَعْشَى عَن أبي بكر {أفحسب الَّذين كفرُوا} بِرَفْع الْبَاء وَسُكُون السِّين وتأويله أفيكفيهم أَن يتخذوا الْعباد أَوْلِيَاء من دون الله وَمَوْضِع {أَن يتخذوا} رفع بِفِعْلِهِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أفحسب الَّذين كفرُوا} أَي أفحسبوا أَن يَنْفَعهُمْ اتخاذهم عبَادي أَوْلِيَاء وَمَوْضِع أَن نصب بِوُقُوع الظَّن عَلَيْهِ {لنفد الْبَحْر قبل أَن تنفد كَلِمَات رَبِّي} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / قبل أَن ينْفد كَلِمَات رَبِّي / بِالْيَاءِ ذَهَبا بالكلمات إِلَى معنى الْمصدر فَكَأَنَّهُ قَالَ كَلَام رَبِّي فذكرا لتذكير الْكَلَام وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {قبل أَن تنفد} بِالتَّاءِ أخرجُوا الْفِعْل على لفظ الْأَسْمَاء المؤنثة إِذْ لم يحل بَين الِاسْم وَالْفِعْل حَائِل

- سورة مريم عليها السلام

19 - سُورَة مَرْيَم عَلَيْهَا السَّلَام قَرَأَ أَبُو عَمْرو {كهيعص} بِكَسْر الْهَاء وَفتح الْيَاء قَالَ اليزيدي قلت لأبي عَمْرو لم كسرت الْهَاء قَالَ لِئَلَّا تَلْتَبِس بِالْهَاءِ الَّتِي للتّنْبِيه إِذا قلت هَا زيد وَقَرَأَ حَمْزَة وَابْن عَامر بِفَتْح الْهَاء وَكسر الْيَاء وحجتهما فِي ذَلِك أَن الكسرة هِيَ أُخْت الْيَاء وَلَيْسَت الكسرة أُخْت الْهَاء فَلهَذَا كسرا الْيَاء وفتحا الْهَاء وَقَرَأَ أَبُو بكر وَالْكسَائِيّ بِكَسْر الْهَاء وَالْيَاء وَإِنَّمَا كسرا الْهَاء لِئَلَّا تَلْتَبِس بِالْهَاءِ الَّتِي للتّنْبِيه وَالْيَاء لِئَلَّا تَلْتَبِس بياء النداء إِذا قلت يَا رجل قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَحَفْص بِفَتْح الْهَاء وَالْيَاء وَهُوَ الأَصْل الْعَرَب تَقول هَا يَا وَمن الْعَرَب من يَقُول هَا يَا قَالَ سِيبَوَيْهٍ إِنَّمَا جَازَت فِيهِ الإمالة نَحْو يَا تا هَا لِأَنَّهَا أَسمَاء مَا تكتبه وَإِنَّمَا أمالتها الْعَرَب لتفصل بَينهَا وَبَين الْحُرُوف لِأَن الإمالة إِنَّمَا تلْحق الْأَسْمَاء وَالْأَفْعَال ويدلك على أَنَّهَا أَسمَاء أَنَّهَا إِذا أخْبرت عَنْهَا أعربتها فَتَقول هَذِه هَاء وياء قَالَ وَلَا أميل لَا وَلَا مَا لِأَنَّهُمَا حرفان وَقَالَ مَا الَّتِي تكون اسْما بِمَنْزِلَة الَّذِي لَا أميلها لِأَنَّهَا لَا تتمّ إِلَّا بصلَة {وَإِنِّي خفت الموَالِي من ورائي وَكَانَت امْرَأَتي عاقرا فَهَب لي من لَدُنْك وليا يَرِثنِي وَيَرِث من آل يَعْقُوب} 5 و 6

{وقد بلغت من الكبر عتيا}

قَرَأَ ابْن كثير {من ورائي} بِفَتْح الْيَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِسُكُون الْيَاء تَخْفِيفًا لطول الْحَرْف مَعَ الْهمزَة قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَالْكسَائِيّ {يَرِثنِي وَيَرِث} جزما جَوَابا لِلْأَمْرِ وَإِنَّمَا صَار جَوَاب الْأَمر مَجْزُومًا لِأَن الْأَمر مَعَ جَوَابه بِمَنْزِلَة الشَّرْط وَالْجَزَاء الْمَعْنى هَب لي وليا فَإنَّك إِن وهبته لي ورثني وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يَرِثنِي وَيَرِث} بِالرَّفْع جَعَلُوهُ صفة للْوَلِيّ أَي أَي وليا وَارِثا وَإِنَّمَا اخْتَارُوا الرّفْع لِأَن {وليا} نكرَة فَجعلُوا {يَرِثنِي} صفة كَمَا تَقول أعرني دَابَّة أركبها وكما قَالَ {خُذ من أَمْوَالهم صَدَقَة تطهرهُمْ وتزكيهم بهَا} وَلَو كَانَ الِاسْم معرفَة لَكَانَ الِاخْتِيَار الْجَزْم كَمَا قَالَ {فذروها تَأْكُل} فالهاء معرفَة فَلَا يجوز أَن تجْعَل النكرَة صفة للمعرفة وَاعْلَم أَن الْفِعْل الْمُضَارع إِذا حل مَحل اسْم الْفَاعِل لم يكن إِلَّا رفعا كَقَوْلِه تَعَالَى {وَلَا تمنن تستكثر} أَي مستكثرا وحجتهم فِي ذَلِك أَن زَكَرِيَّا إِنَّمَا سَأَلَ وليا وَارِثا علمه ونبوته وَلَيْسَ الْمَعْنى على الْجَزَاء أَي إِن وهبته ورث ذَلِك لِأَنَّهُ لَيْسَ كل ولي يَرث فَإِذا لم يكن كَذَلِك لم يسهل الْجَزَاء من حَيْثُ لم يَصح أَن تَقول إِن وهبته ورث لِأَنَّهُ قد يهب وليا لَا يَرث وَأُخْرَى وَهِي أَن الْآيَة قد تمت عِنْد قَوْله {وليا} ثمَّ تبتدئ {يَرِثنِي} أَي هُوَ يَرِثنِي وَيَرِث من آل يَعْقُوب {وَقد بلغت من الْكبر عتيا}

{قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا}

قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {عتيا} و {صليا} و {جثيا} و {وبكيا} بِكَسْر الْعين وَالصَّاد وَالْجِيم وَالْبَاء حَفْص خرج فِي قَوْله {وبكيا} فَرفع وَإِنَّمَا كسروا أَوَائِل هَذِه الْحُرُوف لمجاورة الكسرة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِضَم هَذِه الْحُرُوف على الأَصْل وَكَانَ أصل الْكَلِمَة عتووا مصدر عتا مثل قعد قعُودا ثمَّ جعلُوا الْوَاو الَّتِي هِيَ لَام الْفِعْل يَاء ثمَّ أدغموا فِيهَا وَاو فعول بعد أَن قلبوها فَصَارَت عتيا بِضَم الْعين وَالْيَاء فَاجْتمع ضمتان وبعدهما يَاء مُشَدّدَة وَكسرت التَّاء لمجيء الْيَاء بعْدهَا فَصَارَت عتيا وَمن كسر الْعين فَإِنَّهُ استثقل ضمة الْعين لمجيء كسرة التَّاء وَبعدهَا يَاء مُشَدّدَة وَكَذَلِكَ الْكَلَام فِي قَوْله {أَيهمْ أَشد على الرَّحْمَن عتيا} و {صليا} كَانَ الأَصْل صلويا وَكَذَلِكَ بكويا وَهُوَ جمع باك مثل شَاهد وشهود و {جثيا} جمع جاث وَكَانَ الأَصْل جثووا {قَالَ كَذَلِك قَالَ رَبك هُوَ عَليّ هَين وَقد خلقتك من قبل وَلم تَكُ شَيْئا} 9 قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / وَقد خلقناك / بالنُّون كَذَا يكون كَلَام الْمُلُوك والعظماء وحجتهما أَن مَا أَتَى فِي الْقُرْآن من هَذَا اللَّفْظ بِلَفْظ الْجمع أَكثر مِمَّا أَتَى بِلَفْظ التَّوْحِيد وَذَلِكَ قَوْله {وَمَا خلقنَا السَّمَاوَات وَالْأَرْض} {وَلَقَد خَلَقْنَاكُمْ ثمَّ صورناكم} {وخلقناكم أَزْوَاجًا}

{قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا}

{أم من خلقنَا إِنَّا خلقناهم} فِي نَظَائِر ذَلِك وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَقد خلقتك} بِالتَّاءِ وحجتهم أَنه قرب من قَوْله {قَالَ رَبك هُوَ عَليّ هَين} وَلم يقل علينا يجب أَن يكون الْكَلَام بعده جَارِيا على لَفظه إِذْ هُوَ فِي سِيَاقه وَلم يعْتَرض بَينهمَا بِكَلَام يُوجب صرفه عَن لفظ مَا تقدمه إِلَى لفظ الْجمع {قَالَ إِنَّمَا أَنا رَسُول رَبك لأهب لَك غُلَاما زكيا} 19 قَرَأَ أَبُو عَمْرو وورش والحلواني عَن نَافِع / قَالَ إِنَّمَا أَنا رَسُول رَبك ليهب لَك / بِالْيَاءِ أَي ليهب الله لَك وَلم يكن جِبْرِيل الَّذِي يهب بل الله يهب الْمَعْنى أَرْسلنِي ليهب الله لَك وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لأهب لَك} جبرئيل يخبر عَن نَفسه فَإِن قَالَ قَائِل الْهِبَة من الله تَعَالَى فَلم أخبر جبرئيل عَن نَفسه قيل فَفِي ذَلِك قَولَانِ أَحدهمَا قَالَ إِنَّمَا أَنا رَسُول رَبك يَقُول الله تَعَالَى لأهب لَك قَالَ الزّجاج من قَرَأَ {لأهب لَك} فَهُوَ على الْحِكَايَة وَحمل الْحِكَايَة على الْمَعْنى على ت تَأْوِيل قَالَ أرْسلت إِلَيْك لأهب لَك فَحذف من الْكَلَام أرْسلت لدلَالَة مَا ظهر على مَا حذف وَالْقَوْل الثَّانِي جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لِمَرْيَم إِنَّمَا أَنا رَسُول رَبك أَرْسلنِي لأهب لَك

{قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا}

إِذْ كَانَ النافخ فِي جيبها بِأَمْر الله فَتكون الْهِبَة فِي الْمَعْنى من الله وَهِي فِي اللَّفْظ مُسندَة إِلَى جبرئيل لِأَن الرَّسُول وَالْوَكِيل قد يسندان هَذَا النَّحْو إِلَى أنفسهم وَإِن كَانَ الْفِعْل للْمُوكل والمرسل للْعلم بِأَنَّهُ فِي الْمَعْنى للمرسل وَأَن الرَّسُول مترجم عَنهُ {قَالَت يَا لَيْتَني مت قبل هَذَا وَكنت نسيا منسيا} قَرَأَ حَمْزَة وَحَفْص {نسيا} بِفَتْح النُّون مصدر نسيت أنسى نسيا ونسيانا مثل غَشيته غشيا وغشيانا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {نسيا} بِالْكَسْرِ وَهُوَ الِاسْم وَقَالَ الْفراء هما لُغَتَانِ مثل الجسر والجسر وَالْوتر وَالْوتر قَالَ الْأَخْفَش النسي هُوَ الشَّيْء الحقير ينسى نَحْو النَّعْل قَالَ الزّجاج نسيا حَيْضَة ملقاة وَقيل نسيا فِي معنى منسية لَا أعرف {فناداها من تحتهَا أَلا تحزني} قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَابْن كثير وَابْن عَامر وَأَبُو بكر {فناداها من تحتهَا} بِفَتْح الْمِيم وَالتَّاء جعلُوا {من} اسْما وَجعلُوا النداء لَهُ الْمَعْنى فناداها الَّذِي تحتهَا وَهُوَ عِيسَى و {تحتهَا} صلَة {من} وحجتهم مَا رُوِيَ عَن أبي بن كَعْب قَالَ الَّذِي خاطبها هُوَ الَّذِي حَملته فِي جوفها وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {من تحتهَا} بِكَسْر الْمِيم وَالتَّاء أَي فناداها جِبْرِيل من بَين يَديهَا وحجتهم مَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس {من تحتهَا} قَالَ جِبْرِيل وَلم يتَكَلَّم عِيسَى حَتَّى أَتَت بِهِ قَومهَا وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُم الْحسن

{وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا}

الْبَصْرِيّ من تحتهَا عِيسَى فَكَأَنَّهُ جعل الْفَاعِل مستترا فِي {فناداها} الْمَعْنى فناداها عِيسَى من تحتهَا وَهُوَ أَجود الْوَجْهَيْنِ وَذَلِكَ أَنه جرى ذكره فِي قَوْله {فَحَملته} فَلَمَّا أَتَى الْفِعْل بعد ذكره دلّ على أَنه فعل الْمَذْكُور وَأَنه مستتر فِي فعله فالكسر أَعم وَذَلِكَ أَن من كسر يحْتَمل الْمَعْنى أَن يكون الْملك وَيحْتَمل أَن يكون عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام {وهزي إِلَيْك بجذع النَّخْلَة تساقط عَلَيْك رطبا جنيا} قَرَأَ حَفْص {تساقط} بِضَم التَّاء وَكسر الْقَاف جعله فَاعل سَاقِط يساقط مساقطة وعنى بِهِ النَّخْلَة وَقَالَ {تساقط} لِأَن ذَلِك لَا يكون دفْعَة وَاحِدَة وَمثله فِي الْكَلَام أَنا أساقط إِلَيْك المَال أَولا فأولا قَرَأَ حَمْزَة {تساقط} بِفَتْح التَّاء وَالتَّخْفِيف أَرَادَ تتساقط ثمَّ حذف التَّاء لِاجْتِمَاع التَّاءَيْنِ

{ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون}

وحجته قَوْله {فَأَنت لَهُ تصدى} {فَأَنت عَنهُ تلهى} وَالْأَصْل تتهلى وتتصدى وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {تساقط} بِالتَّشْدِيدِ أدغموا التَّاء فِي السِّين قَرَأَ حَمَّاد / يساقط / بِالْيَاءِ ذهب إِلَى الْجذع وَآخَرُونَ ذَهَبُوا إِلَى النَّخْلَة {ذَلِك عِيسَى ابْن مَرْيَم قَول الْحق الَّذِي فِيهِ يمترون} قَرَأَ عَاصِم وَابْن عَامر {قَول الْحق} بِنصب اللَّام على الْمصدر الْمَعْنى أَقُول قَول الْحق الَّذِي فِيهِ يمترون فَالله جلّ وَعز أخبر عَن نَفسه بِأَنِّي أَقُول قَول الْحق بِأَن عِيسَى هُوَ ابْن مَرْيَم وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {قَول الْحق} بِالرَّفْع وَرَفعه من وَجْهَيْن أَحدهَا أَن يَجْعَل {قَول} نعتا لعيسى قَالَ اليزيدي {قَول الْحق} رفع على النَّعْت وَقَالَ الزّجاج وَيجوز أَن تضمر هُوَ وتجعله كِنَايَة عَن عِيسَى لِأَنَّهُ قد قيل فِيهِ روح الله وكلمته والكلمة قَول وَقَالَ آخَرُونَ بل الْمَعْنى هَذَا الْكَلَام الَّذِي جرى هُوَ قَول الْحق {إِذا قضى أمرا فَإِنَّمَا يَقُول لَهُ كن فَيكون وَإِن الله رَبِّي وربكم فاعبدوه} 35 و 36

{إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا}

قَرَأَ ابْن عَامر {كن فَيكون} بِالنّصب وَقد ذكرت فِي سُورَة الْبَقَرَة قرا نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {وَإِن الله رَبِّي وربكم} بِنصب الْألف وحجتهم ذكرهَا اليزيدي فَقَالَ من فَتحه حمله على قَوْله {وأوصاني بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة} وب {إِن الله رَبِّي وربكم} وَكَانَ أَبُو عَمْرو يتأولها على {إِذا قضى أمرا} وَقضى {إِن الله رَبِّي وربكم} ف {إِن} فِي مَوضِع نصب قَرَأَ أهل الشَّام والكوفة {وَأَن الله} بِالْكَسْرِ على الِاسْتِئْنَاف قَالَ الْكسَائي إِن ذَلِك على قَول عِيسَى حِين قَالَ {إِنِّي عبد الله} و {إِن الله رَبِّي وربكم} {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَت لم تعبد مَا لَا يسمع وَلَا يبصر وَلَا يُغني عَنْك شَيْئا} قَرَأَ ابْن عَامر {يَا أَبَت} بِفَتْح التَّاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ وَقد بيّنت فِي سُورَة يُوسُف {وَاذْكُر فِي الْكتاب مُوسَى إِنَّه كَانَ مخلصا وَكَانَ رَسُولا نَبيا} 51 قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {إِنَّه كَانَ مخلصا} بِفَتْح اللَّام أَي أخلصه الله وَاخْتَارَهُ وَجعله خَالِصا من الدنس وحجتهم قَوْله {إِنَّا أخلصناهم بخالصة}

{فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا}

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {مخلصا} بِكَسْر اللَّام أَي أخْلص هُوَ التَّوْحِيد فَصَارَ مخلصا وَجعل نَفسه خَالِصَة فِي طَاعَة الله وحجتهم قَوْله {مُخلصين لَهُ الدّين} {فَأُولَئِك يدْخلُونَ الْجنَّة وَلَا يظْلمُونَ شَيْئا} قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَأَبُو بكر {يدْخلُونَ الْجنَّة} بِرَفْع الْيَاء وحجتهم قَوْله تَعَالَى {وَأدْخل الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يدْخلُونَ} بِفَتْح الْيَاء وحجتهم قَوْله {جنَّات عدن يدْخلُونَهَا} وَقد تقدم ذكره فِي سُورَة النِّسَاء {أَولا يذكر الْإِنْسَان أَنا خلقناه من قبل وَلم يَك شَيْئا} قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَعَاصِم {أَولا يذكر الْإِنْسَان} بِالتَّخْفِيفِ أَي أَولا يعْمل أَولا يتَنَبَّه من ذكر يذكر وحجتهم قَوْله تَعَالَى {كلا إِنَّهَا تذكرة فَمن شَاءَ ذكره} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أَولا يذكر} بِالتَّشْدِيدِ أَي أَولا يتدبر ويتفكر

{ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا}

وَيعْتَبر وَالْأَصْل يتَذَكَّر فأدغموا التَّاء فِي الذَّال وحجتهم قَوْله تَعَالَى و {إِنَّمَا يتَذَكَّر أولُوا الْأَلْبَاب} {ثمَّ ننجي الَّذين اتَّقوا وَنذر الظَّالِمين فِيهَا جثيا} قَرَأَ الْكسَائي {ثمَّ ننجي الَّذين اتَّقوا} بِالتَّخْفِيفِ من أنجى يُنجي وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ من نجى يُنجي وهما لُغَتَانِ مثل كرم وَأكْرم {أَي الْفَرِيقَيْنِ خير مقَاما وَأحسن نديا} قَرَأَ ابْن كثير {خير مقَاما} بِضَم الْمِيم أَي إِقَامَة يُقَال طَال مقَامي بِالْبَلَدِ وأقمت بِالْبَلَدِ مقَاما وَإِقَامَة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ خير مقَاما بِالْفَتْح أَي مَكَانا تَقول قَامَ يقوم مقَاما وَهَذَا مقامنا فالمقام يَسْتَقِيم أَن يكون مصدرا ويستقيم أَن يكون اسْم الْموضع {وَكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا} 74 قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر / أحسن أثاثا وريا / بِالتَّشْدِيدِ وَقَرَأَ ورش عَن نَافِع {ورئيا} بِالْهَمْزَةِ وَبِه قَرَأَ الْبَاقُونَ الْمَعْنى هم أحسن مَتَاعا

{لأوتين مالا وولدا}

ورئيا أَي منْظرًا من رَأَيْت وَمن لم يهمز فَلهُ حجتان إِحْدَاهمَا أَن يكون أَرَادَ الْهَمْز فَترك كَمَا قرؤوا {خير الْبَريَّة} وَالْأَصْل {رئيا} بِالْهَمْز ثمَّ تركت الْهمزَة فَصَارَت يَاء مثل ذيب إِذا تركت الْهمزَة ثمَّ أدغمت الْيَاء فِي الْيَاء فَصَارَت ريا مشددا فَهَذَا مثل الأول فِي التَّفْسِير وَالثَّانيَِة أَن تَأْخُذهُ من الرّيّ وَهُوَ امتلاء الشَّبَاب أَي أَن منظرهم مرتو من النِّعْمَة كَأَن النَّعيم بَين فيهم {لَأُوتَيَنَّ مَالا وَولدا} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {مَالا وَولدا} بِضَم الْوَاو وَسُكُون اللَّام جَمِيع مَا فِي هَذِه السُّورَة وَفِي الزخرف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْح الْوَاو وَاللَّام قَالَ الْفراء هما لُغَتَانِ مثل الْبُخْل وَالْبخل والحزن والحزن قَالَ الشَّاعِر ... فليت فلَانا كَانَ فِي بطن أمه ... وَلَيْسَت فلَانا كَانَ ولد حمَار ... يَعْنِي الْوَلَد وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُم ابْن أبي حَمَّاد الْوَلَد ولد الْوَلَد وَالْولد بِالْفَتْح ولد الصلب

{تكاد السماوات يتفطرن منه}

{تكَاد السَّمَاوَات يتفطرن مِنْهُ} قَرَأَ نَافِع وَالْكسَائِيّ / يكَاد السَّمَوَات / بِالْيَاءِ لِأَن السَّمَوَات جمع قَلِيل وَالْعرب تذكر فعل الْمُؤَنَّث إِذا كَانَ قَلِيلا كَقَوْلِه {فَإِذا انْسَلَخَ الْأَشْهر الْحرم} وَلم يقل انسلخت وَقَوله {وَقَالَ نسْوَة} وَلم يقل وَقَالَت قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي سَأَلت ثعلبا لم صَار ذَلِك كَذَلِك فَقَالَ لِأَن الْجمع الْقَلِيل قبل الْكثير والمذكر قبل الْمُؤَنَّث فَحمل الأول على الأول وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {تكَاد} بِالتَّاءِ لتأنيث السَّمَوَات وَسقط السُّؤَال قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَابْن عَامر وَحَمْزَة وَأَبُو بكر / ينفطرن / بالنُّون أَي ينشققن وحجتهم إِجْمَاع الْجَمِيع على قَوْله {السَّمَاء منفطر بِهِ} وَلم يقل متفطر و {إِذا السَّمَاء انفطرت} فَرد مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {يتفطرن} بِالتَّاءِ وَالتَّشْدِيد أَي يتشققن وَالْأَمر فِي التَّاء وَالنُّون يرجع إِلَى معنى وَاحِد إِلَّا أَنه

- سورة طه

التَّاء للتكثير وَذَلِكَ أَن ينفطرن إِنَّمَا هُوَ من فطرت فانفطرت مثل كسرت فَانْكَسَرت وَقطعت فَانْقَطَعت و {يتفطرن} من قَوْلك فطرت فتفطرت مثل كسرت فتكسرت وَقطعت فتقطعت فَهَذَا لَا يكون إِلَّا للتكثير فَقَوله {يتفطرن} أَشد مُبَالغَة فِي تغيظهن على من نسب إِلَى الله ولدا كَقَوْلِه فِي قصَّة النَّار {تكَاد تميز من الغيظ} وَلم يقل تنماز 20 - سُورَة طه قَرَأَ أَبُو عَمْرو {طه} بِفَتْح الطَّاء وَكسر الْهَاء قيل لأبي عَمْرو لم كسرت الْهَاء قَالَ لِئَلَّا تَلْتَبِس بِالْهَاءِ الَّتِي للتّنْبِيه وَإِنَّمَا فتح الطَّاء لاستعلائها وَلِأَنَّهَا من الْحُرُوف المناعة

{إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا}

قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَأَبُو بكر {طه} بِكَسْر الطَّاء وَالْهَاء وحجتهم صِحَة الْخَبَر عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَآله أَنه أمال الطَّاء وَالْهَاء عَن زر قَالَ قَرَأَ رجل على ابْن مَسْعُود {طه} فَقَالَ عبد الله طه فَقَالَ لَهُ الرجل يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن أَلَيْسَ إِنَّمَا أَمر أَن يطَأ قدمه فَقَالَ لَهُ عبد الله {طه} هَكَذَا أَقْرَأَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَابْن كثير وَحَفْص {طه} بِفَتْح الطَّاء وَالْهَاء وَهُوَ الأَصْل الْعَرَب تَقول طاء وهاء وَمن الْعَرَب من يكسر {إِذْ رأى نَارا فَقَالَ لأَهله امكثوا} 10 قَرَأَ حَمْزَة {لأَهله امكثوا} بِضَم الْهَاء وَكَذَلِكَ فِي الْقَصَص على أصل الْكَلِمَة وعَلى لُغَة من يَقُول مَرَرْت بِهِ يَا فَتى وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِكَسْر الْهَاء وَإِنَّمَا كسروا لمجاورة الكسرة وَقد بَينا فِي سُورَة الْبَقَرَة

{فلما أتاها نودي يا موسى إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى وأنا اخترتك}

{فَلَمَّا أَتَاهَا نُودي يَا مُوسَى إِنِّي أَنا رَبك فاخلع نعليك إِنَّك بالواد الْمُقَدّس طوى وَأَنا اخْتَرْتُك} 11 13 قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {نُودي يَا مُوسَى إِنِّي أَنا رَبك} بِفَتْح الْألف الْمَعْنى نُودي بِأَنِّي أَنا رَبك وَمَوْضِع {إِنِّي} نصب وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {إِنِّي} بِكَسْر الْألف أوقعوا النداء على مُوسَى فَسلمت {إِنِّي} من وُقُوع النداء عَلَيْهَا فاستأنفوا بهَا الْكَلَام وكسروا كَذَا ذكر الْفراء وَقَالَ الْمبرد الْكسر أقرب لِأَنَّهَا حِكَايَة كَلَام الله بعد النداء فالتقدير وَالله أعلم فناديناه بِأَن قُلْنَا يَا مُوسَى إِنِّي أَنا رَبك قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {طوى} بِغَيْر تَنْوِين وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّنْوِينِ قَالَ الزّجاج فَمن لم ينون ترك صرفه من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن يكون معدولا عَن طاو فَيصير مثل عمر المعدول عَن عَامر فَلَا يصرف كَمَا لَا ينْصَرف عمر وَالْوَجْه الآخر أَن يكون اسْما للبقعة كَمَا قَالَ جلّ وَعز {فِي الْبقْعَة الْمُبَارَكَة من الشَّجَرَة} وَمن ينونه فَهُوَ اسْم الْوَادي وَهُوَ مُذَكّر سمي بمذكر على فعل مثل حطم قَرَأَ حَمْزَة / وَأَنا اخترناك / على معنى نُودي أَنا اخترناك من خطاب الْمُلُوك والعظماء وَمن حجَّته قَوْله قبله {مَا أنزلنَا عَلَيْك الْقُرْآن لتشقى} وَالْأَصْل أننا كَمَا قَالَ {إِنَّنِي مَعَكُمَا} وَلَكِن النُّون حذفت لِكَثْرَة النونات والمحذوف النُّون الثَّانِيَة فِي أَن

{هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري}

الأولى الساكنة وَالثَّانيَِة المتحركة ف نَا فِي مَوضِع نصب ب أَن أَن وَمَا بعْدهَا فِي مَوضِع نصب الْمَعْنى نُودي مُوسَى أَنا اخترناك وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَإِنَّا} خَفِيفَة {اخْتَرْتُك} على لفظ التَّوْحِيد ف أَنا مَوْضِعه رفع بِالِابْتِدَاءِ وَخَبره اخْتَرْتُك فَالْمَعْنى فِي الْقِرَاءَتَيْن وَاحِد غير أَن هَذِه الْقِرَاءَة أَشد مُوَافقَة لِلْخَطِّ وأشبه بنسق اللَّفْظ لقَوْله {إِنِّي أَنا رَبك} فَكَذَلِك {وَأَنا اخْتَرْتُك} {هَارُون أخي اشْدُد بِهِ أزري وأشركه فِي أَمْرِي} 30 32 قَرَأَ ابْن عَامر {أخي اشْدُد بِهِ} بِفَتْح الْألف {وأشركه فِي أَمْرِي} بِضَم الْألف على الإخبا كَأَن مُوسَى أخبر عَن نَفسه كَمَا تَقول زرني أكرمك وَإِنَّمَا انجزم الفعلان لِأَن جَوَاب الْأَمر جَوَاب شَرط وَجَزَاء الْمَعْنى إِن فعلت ذَلِك أشدد بِهِ أزري فَإِن قيل لم فتح الْألف فِي {اشْدُد} وَضم فِي {وأشركه} فَقل إِذا كَانَ الْفِعْل ثلاثيا كَانَ ألف الْمخبر عَن نَفسه مَفْتُوحًا وَإِذا كَانَ الْفِعْل رباعيا كَانَ الْألف مضموما أَلا تراك أَنَّك تَقول شدّ يشد وأشرك يُشْرك وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أخي اشْدُد} بوصل الْألف {وأشركه} بِفَتْح الْألف على الْأَمر وَمَعْنَاهُ الدُّعَاء أَي اللَّهُمَّ اشْدُد بِهِ أزري وأشركه فِي أَمْرِي أَي فِي نبوتي {الَّذِي جعل لكم الأَرْض مهدا}

{فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى}

قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَابْن عَامر / الَّذِي جعل لكم الأَرْض مهادا / بِكَسْر الْمِيم وَفتح الْهَاء وَكَذَلِكَ فِي الزخرف وحجتهم ذكرهَا اليزيدي فَقَالَ إِنَّمَا المهد الْفِعْل يُقَال مهدت الأَرْض مهدا وَهِي نَفسهَا مهاد كَمَا تَقول فرشتها فرشا وَهِي نَفسهَا فرَاش وَفِي التَّنْزِيل {الَّذِي جعل لكم الأَرْض فراشا} وَقَالَ {ألم نجْعَل الأَرْض مهادا} وَلم يقْرَأ أحد {مهدا} قَرَأَ أهل الْكُوفَة مهدا ذَهَبُوا إِلَى الْمصدر فَيكون تَقْدِير الْكَلَام الَّذِي جعل لكم الأَرْض ممهودة مهدا فكيتفي بقوله {مهدا} من ممهودة وَالْعرب تضع المصادر فِي مَوَاضِع الْمَوْصُوف فَتَقول رجل رضى أَي مرضِي وَرجل صَوْم وَيُمكن أَن يكون مهدا اسْما يُوصف بِهِ الأَرْض لِأَن النَّاس يتمهدونها ويسكنونها فَهِيَ لَهُم كالمهد الَّذِي يعرف فسميت بِهِ وَقَالَ قوم هما لُغَتَانِ مثل الريش والرياش {فَاجْعَلْ بَيْننَا وَبَيْنك موعدا لَا نخلفه نَحن وَلَا أَنْت مَكَانا سوى} قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَابْن عَامر {مَكَانا سوى} بِضَم السِّين وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ وهما لُغَتَانِ أَي مَكَانا عدلا وَقيل وسطا بَين قريتين

{لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب}

{لَا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بِعَذَاب} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {فيسحتكم} بِضَم الْيَاء وَكسر الْحَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْح الْيَاء والحاء قَالَ الْفراء هما لُغَتَانِ يُقَال سحته وأسحته إِذا استأصله وأهلكه {قَالُوا إِن هَذَانِ لساحران} 63 قَرَأَ أَبُو عَمْرو / إِن هذَيْن / بِالْيَاءِ لِأَن تَثْنِيَة الْمَنْصُوب وَالْمَجْرُور بِالْيَاءِ فِي لُغَة فصحاء الْعَرَب وَأَبُو عَمْرو مستغن عَن إِقَامَة دَلِيل على صِحَّتهَا كَمَا أَن الْقَارئ فِي قَول الله جلّ وَعز {قَالَ رجلَانِ من الَّذين يخَافُونَ} مستغن عَن الِاحْتِجَاج على منازعه إِن نازعه فِي صِحَة قِرَاءَته وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {إِن هَذَانِ لساحران} بِالْألف وحجتهم أَنَّهَا مَكْتُوبَة هَكَذَا فِي الإِمَام مصحف عُثْمَان وَهَذَا الْحَرْف فِي كتاب الله مُشكل على أهل اللُّغَة وَقد كثر اخْتلَافهمْ فِي تَفْسِيره وَنحن نذْكر جَمِيع مَا قَالَ النحويون فَحكى أَبُو عُبَيْدَة عَن أبي الْخطاب وَهُوَ رَأس رُؤَسَاء الروَاة أَنَّهَا لُغَة كنَانَة يجْعَلُونَ ألف الِاثْنَيْنِ فِي الرّفْع وَالنّصب والخفض على لفظ وَاحِد يَقُولُونَ أَتَانِي الزيدان وَرَأَيْت الزيدان ومررت بالزيدان قَالَ الشَّاعِر تزَود منا بَين أذنَاهُ ضَرْبَة ... دَعَتْهُ إِلَى هابي التُّرَاب عقيم

قَالَ الزّجاج وَقَالَ النحويون القدماء هَا هُنَا هَاء مضمرة وَالْمعْنَى إِنَّه هَذَانِ لساحران كَمَا تَقول إِنَّه زيد منطلق ثمَّ تَقول إِن زيد منطلق وَقَالَ الْمبرد أحسن مَا قيل فِي هَذَا أَن يَجْعَل إِن بِمَعْنى نعم الْمَعْنى نعم هَذَانِ لساحران فَيكون ابْتِدَاء وخبرا قَالَ الشَّاعِر ... وَيَقُلْنَ شيب قد علا ... ك وَقد كَبرت فَقلت إِنَّه ... أَي نعم فَإِن قيل اللَّام لَا تدخل بَين الْمُبْتَدَأ وَخَبره لَا يُقَال زيد لقائم فَمَا وَجه هَذَانِ لساحران الْجَواب فِي ذَلِك أَن من الْعَرَب من يدْخل لَام التوكيد فِي خبر الْمُبْتَدَأ فَيَقُول زيد لأخوك قَالَ الشَّاعِر ... خَالِي لأَنْت وَمن جرير خَاله ... ينل الْعَلَاء وَيكرم الأخوالا ... وَقَالَ الزّجاج الْمَعْنى نعم هَذَانِ لساحران وَقَالَ قطرب يجوز أَن يكون الْمَعْنى أجل فَيكون الْمَعْنى وَالله أعلم {فتنازعوا أَمرهم بَينهم وأسروا النَّجْوَى} قَالُوا أجل تَصْدِيقًا من بَعضهم لبَعض ثمَّ قَالُوا {هَذَانِ لساحران} وَيجوز أَن يكون اللَّام دَاخِلَة فِي الْخَبَر على التوكيد

{فأجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفا وقد أفلح اليوم من استعلى}

وَقَالَ الْفراء فِي {هَذَانِ} إِنَّهُم زادوا فِيهَا النُّون فِي التَّثْنِيَة وتركوها على حَالهَا فِي الرّفْع وَالنّصب والجر كَمَا فعلوا فِي الَّذِي فَقَالُوا الَّذين فِي الرّفْع وَالنّصب والجر وَقَرَأَ حَفْص {إِن هَذَانِ} بتخفف {إِن} جعل إِن بِمَعْنى مَا وَاللَّام بِمَعْنى إِلَّا التَّقْدِير مَا هَذَانِ إِلَّا ساحران وَقَرَأَ ابْن كثير {إِن} بِالتَّخْفِيفِ {هَذَانِ} بِالتَّشْدِيدِ و {إِن} تكون أَيْضا بِمَعْنى مَا والأ فِي هَذَانِ هَذَا ان فَحذف الْألف وَجعل التَّشْدِيد عوضا من الْألف المحذوفة الَّتِي كَانَت فِي هَذَا وَمن الْعَرَب من إِذا حذف عوض وَمِنْهُم من إِذا حذف لم يعوض فَمن عوض آثر تَمام الْكَلِمَة وَمن لم يعوض آثر التَّخْفِيف وَمثل ذَلِك فِي تَصْغِير مغتسل مِنْهُم من يَقُول مغيسل فَلم يعوض وَمِنْهُم من يَقُول مغيسيل فعوض من التَّاء يَاء {فَأَجْمعُوا كيدكم ثمَّ ائْتُوا صفا وَقد أَفْلح الْيَوْم من استعلى} قَرَأَ أَبُو عَمْرو {فَأَجْمعُوا كيدكم} بوصل الْألف وَفتح الْمِيم أَي جيئوا بِكُل كيد تقدرون عَلَيْهِ أَي لَا تدعوا مِنْهُ شَيْئا إِلَّا جئْتُمْ بِهِ وَهُوَ من جمعت الشَّيْء أجمعه وحجته قَوْله تَعَالَى قبلهَا {فَجمع كَيده} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فَأَجْمعُوا} بِقطع الْألف وَكسر الْمِيم أَي أحكموا أَمركُم واعزموا عَلَيْهِ قَالَ الشَّاعِر

{فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى}

.. يَا لَيْت شعري والمنى لَا تَنْفَع ... هَل أغدون يَوْمًا وأمري مجمع ... يُرِيد قد أحكم وعزم عَلَيْهِ {فَإِذا حبالهم وعصيهم يخيل إِلَيْهِ من سحرهم أَنَّهَا تسْعَى} قَرَأَ ابْن عَامر / تخيل إِلَيْهِ / بِالتَّاءِ رده على الحبال والعصي وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يخيل إِلَيْهِ} بِالْيَاءِ الْمَعْنى يخيل إِلَيْهِ سعيها وَيجوز أَن ترده على السحر {وألق مَا فِي يَمِينك تلقف مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كيد سَاحر وَلَا يفلح السَّاحر حَيْثُ أَتَى} 69 قَرَأَ ابْن عَامر {تلقف} بِرَفْع الْفَاء جعله فعلا مُسْتَقْبلا فأضمر فَاء يكون جَوَاب الْأَمر كَأَنَّهُ التَّقْدِير ألق عصاك فَإِنَّهَا تلقف قَالَ الزّجاج وَيجوز الرّفْع على معنى الْحَال كَأَنَّهُ قَالَ ألقها ملقفة على حَال متوقعة كَمَا قَالَ {وَلَا تمنن تستكثر} أَي مستكثرا وَقَرَأَ حَفْص {تلقف} سَاكِنة اللَّام جعله من لقف يلقف وَجزم الْفَاء لِأَنَّهُ جَوَاب الْأَمر وَالْأَمر مَعَ جَوَابه كالشرط وَالْجَزَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {تلقف} بِالتَّشْدِيدِ من تلقف يتلقف وَالْأَصْل

{قال آمنتم له}

تتلقف فحذفوا إِحْدَى التَّاءَيْنِ وَابْن كثير أدغم التَّاء فِي التَّاء فِي رِوَايَة البزي قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / كيد سحر / بِغَيْر ألف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {كيد سَاحر} وحجتهم ذكرهَا اليزيدي فَقَالَ السحر لَيْسَ لَهُ كيد إِنَّمَا الكيد للساحر يُقَوي هَذَا قَوْله {وَلَا يفلح السَّاحر حَيْثُ أَتَى} وَحجَّة من قَرَأَ بِغَيْر ألف هِيَ أَن الكيد إِذا كَانَ بِالسحرِ جَازَ أَن يُضَاف إِلَيْهِ لِأَنَّهُ بِهِ وَمِنْه وَمن سَببه قَالَ الله جلّ وَعز و {وَالنَّهَار مبصرا} لِأَنَّهُ يبصر فِيهِ وَمثله كثير {قَالَ آمنتم لَهُ} 71 وَقَرَأَ القواس عَن ابْن كثير وورش وَحَفْص {قَالَ آمنتم} على الْخَبَر قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَأَبُو بكر / أآمنتم لَهُ / بهمزتين وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِهَمْزَة وَاحِدَة مُطَوَّلَة وَقد بيّنت فِي الْأَعْرَاف {فَاضْرب لَهُم طَرِيقا فِي الْبَحْر يبسا لَا تخَاف دركا وَلَا تخشى} 77 قَرَأَ حَمْزَة / لَا تخف دركا / بجزم الْفَاء على النَّهْي وَسَقَطت الْألف لسكونها وَسُكُون الْفَاء الْمَعْنى لَا تخف أَن يدركك فِرْعَوْن وَلَا تخشى الْغَرق قَالَ مُحَمَّد بن يزِيد الْمبرد من قَرَأَ {لَا تخف}

فَهُوَ على المجازاة الَّتِي هِيَ جَوَاب الْأَمر كَأَنَّهُ قَالَ اضْرِب فَإنَّك إِن تضرب لَا تخف كَقَوْلِه {ادْعُونِي أَسْتَجِب لكم} وَقَوله {وَلَا تخشى} رفع على الِاسْتِئْنَاف كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ {يولوكم الأدبار ثمَّ لَا ينْصرُونَ} فاستأنف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لَا تخَاف دركا} بِالرَّفْع على الْخَبَر الْمَعْنى لست تخَاف دركا قَالَ الْمبرد وَمن قَرَأَ {لَا تخَاف دركا وَلَا تخشى} فعلى ضَرْبَيْنِ كَمَا قَالَ سِيبَوَيْهٍ أَي اضْرِب لَهُم طَرِيقا غير خَائِف وَلَا خاش فيكونان فِي مَوضِع الْحَال كَقَوْلِك انْطلق تَتَكَلَّم يَا فَتى أَي متكلما فَامْضِ لَا تخَاف يَا فَتى أَي غير خَائِف وَالضَّرْب الثَّانِي أَن يكون على الْقطع مِمَّا قبله فَيكون تَقْدِيره وَاضْرِبْ لَهُم

{يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم وواعدناكم جانب الطور الأيمن ونزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى} 80 و

طَرِيقا ثمَّ أخبر فَقَالَ أَنْت غير خَائِف وَلَا خاش أَي لست تخَاف {يَا بني إِسْرَائِيل قد أنجيناكم من عَدوكُمْ وواعدناكم جَانب الطّور الْأَيْمن ونزلنا عَلَيْكُم الْمَنّ والسلوى كلوا من طَيّبَات مَا رزقناكم وَلَا تطغوا فِيهِ فَيحل عَلَيْكُم غَضَبي وَمن يحلل عَلَيْهِ غَضَبي فقد هوى} 80 و 81 قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / قد أنجيتكم من عَدوكُمْ وواعدتكم / بِالتَّاءِ على التَّوْحِيد وحجتهما أَن الْخَبَر أخرج فِيمَا ختم بِهِ الْكَلَام على التَّوْحِيد فِي قَوْله تَعَالَى {فَيحل عَلَيْكُم غَضَبي وَمن يحلل عَلَيْهِ غَضَبي} فَكَانَ إِلْحَاقه مَا تقدمه بِلَفْظِهِ أولى من صرفه عَنهُ ليَكُون الْكَلَام خَارِجا عَن نظام وَاحِد وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِأَلف وَنون وحجتهم إِجْمَاع الْجَمِيع على قَوْله {فأنجيناكم وأغرقنا آل فِرْعَوْن} وَقَوله {ونزلنا عَلَيْكُم الْمَنّ والسلوى} وَهن فِي سِيَاقه وَهن أقرب إِلَيْهِ من قَوْله {غَضَبي} فإلحاقه بِمَا قرب مِنْهُ أولى قَرَأَ الْكسَائي {فَيحل عَلَيْكُم غَضَبي وَمن يحلل} بِضَم الْحَاء الْحَرْف الأول وبضم اللَّام فِي الْحَرْف الثَّانِي الْمَعْنى فَينزل عَلَيْكُم غَضَبي يُقَال حل يحل إِذا نزل وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فَيحل} و / من يحلل / بِكَسْر الْحَاء وَاللَّام

{قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها}

أَي يجب عَلَيْكُم غَضَبي وحجتهم إِجْمَاع الْجَمِيع على قَوْله بعْدهَا {أم أردتم أَن يحل عَلَيْكُم غضب من ربكُم} {قَالُوا مَا أخلفنا موعدك بملكنا وَلَكنَّا حملنَا أوزارا من زِينَة الْقَوْم فقذفناها} 87 قَرَأَ نَافِع وَعَاصِم {بملكنا} بِفَتْح الْمِيم على الْمصدر تَقول ملكت أملك ملكا وملكا أَيْضا كَمَا تَقول ضربت أضْرب ضربا قَالَ حمد بن يزِيد الْمبرد الْمصدر الحيح هُوَ الْفَتْح وَالْكَسْر كَأَنَّهُ اسْم الْمصدر وَكِلَاهُمَا حسن وَكَأن الْمَعْنى وَالله أعلم مَا أخلفناه بِأَن ملكنا ذَلِك ملكا وملكا قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَابْن عَامر {بملكنا} بِكَسْر الْمِيم أَي مَا أخلفنا بقوتنا أَي بِمَا ملكناه وَالْملك اسْم لكل مَمْلُوك يملكهُ الرجل تَقول هَذِه الدَّار ملكي وَهَذَا الْغُلَام ملكي قَالَ الزّجاج الْملك مَا حوته الْيَد وَقد يجوز أَن يكون مصدر ملكت الشَّيْء ملكا وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {بملكنا} بِضَم الْمِيم أَي سلطاننا أَي لم يكن لنا سُلْطَان وقدرة على أخلافك الْوَعْد

{قال يا ابن أم} {قال بصرت بما لم يبصروا به} 94 و

قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَحَمْزَة وَأَبُو بكر وَالْكسَائِيّ {وَلَكنَّا حملنَا} بِالتَّخْفِيفِ وَذَلِكَ أَن الْقَوْم حملُوا مَا كَانَ مَعَهم من حلي آل فِرْعَوْن وحجتهم قَوْله {فقذفناها} وَكَذَلِكَ {حملنَا} فَيكون الْفِعْل مُسْندًا إِلَيْهِم كَمَا أَن قذفنا مُسْند إِلَيْهِم قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَابْن عَامر وَحَفْص {حملنَا} على مَا لم يسم فَاعله أَي أمرنَا بحملها وحملنا السامري تَقول حَملَنِي فلَان كَذَا أَي كلفك حمله فَلَمَّا لم يسم السامري رفعت الْمَفْعُول وضممت أَولا الْفِعْل {قَالَ يَا ابْن أم} {قَالَ بصرت بِمَا لم يبصروا بِهِ} 94 و 96 قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / بِمَا لم تبصروا بِهِ / بِالتَّاءِ أَي بصرت بِمَا لم تبصر بِهِ أَنْت يَا مُوسَى وَلَا قَوْمك فأخرجا الْكَلَام على مَا جرى بِهِ الْخطاب قبل ذَلِك وَهُوَ قَوْله {قَالَ فَمَا خَطبك يَا سامري} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {بِمَا لم يبصروا بِهِ} بِالْيَاءِ أَي علمت مَا لم يعلم بَنو إِسْرَائِيل وحجتهم فِي ذَلِك أَن الْخَبَر إِنَّمَا جرى من السامري لمُوسَى مَا كَانَ فِي غيبته من الْحَدث عَمَّا فعله ببني إِسْرَائِيل فخاطب مُوسَى بِخَبَر عَن غيب فعله قَالَ {يَا ابْن أم} وَقد ذكرت فِي سُورَة الْأَعْرَاف {وَإِن لَك موعدا لن تخلفه} قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو / إِن لَك موعدا لن تخلفه / بِكَسْر اللَّام أَي أَنْت يَا سامري قَالَ اليزيدي قَوْله {لن تخلفه}

{يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا}

أَي لن تغيب عَنهُ على وَجه التهدد أَي ستصير إِلَيْهِ مرِيدا أَو كَارِهًا فَلَا يكون لَك سَبِيل إِلَى أَن تخلفه فو خبر فِي معنى وَعِيد وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لن تخلفه} بِفَتْح اللَّام وحجتهم فِي ذَلِك أَن الْمَعْنى فِي ذَلِك أَن لَك من الله موعدا بِعَذَابِك على إضلالك بني إِسْرَائِيل حِين عبدُوا الْعجل لن يخلفكه الله وَلَكِن ينزله فَلَمَّا كَانَ الْموعد مُسْندًا إِلَى الله جلّ وَعز لم يحسن إِسْنَاد الْخلف إِلَى السامري إِذْ كَانَ الْخلف إِنَّمَا يجْرِي فِي الْكَلَام مِمَّن وعد لَا من الْمَوْعُود كَمَا قَالَ الله جلّ وع {وعد الله لَا يخلف} الله وعده وَكَذَلِكَ معنى ذَلِك لن يخلفكه الله ثمَّ رد إِلَى مَا لم يسم فَاعله {يَوْم ينْفخ فِي الصُّور ونحشر الْمُجْرمين يَوْمئِذٍ زرقا} قَرَأَ أَبُو عَمْرو / ننفخ فِي الصُّور / بالنُّون الله أخبر عَن نَفسه على أَن يكون آمرا بذلك كَمَا يَقُول السُّلْطَان نَحن نكتب إِلَى فلَان وَمَعْنَاهُ نأمر لَا أَنه يتَوَلَّى الْكتاب بِيَدِهِ وحجته أَن الْكَلَام أَتَى عَقِيبه بِلَفْظ الْجمع بِإِجْمَاع وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {ونحشر الْمُجْرمين} فَجعل مَا قبله بِلَفْظِهِ لينسق الْكَلَام على نظام وَاحِد وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {ينْفخ} بِالْيَاءِ على مَا لم يسم فَاعله الْمَعْنى ينْفخ ملك الصُّور فِي الصُّور وحجتهم قَوْله {وَنفخ فِي الصُّور} جَاءَ بِلَفْظ مَا لم يسم فَاعله

{ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما}

{وَمن يعْمل من الصَّالِحَات وَهُوَ مُؤمن فَلَا يخَاف ظلما وَلَا هضما} 112 قَرَأَ ابْن كثير / فَلَا يخف ظلما / جزما على النَّهْي وعلامة الْجَزْم سُكُون الْفَاء وَسَقَطت الْألف لسكونها وَسُكُون الْفَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فَلَا يخَاف} رفعا على الْخَبَر {وَأَنَّك لَا تظمأ فِيهَا وَلَا تضحى} قَرَأَ نَافِع وَأَبُو بكر {وَأَنَّك لَا تظمأ} بِكَسْر الْألف على الِاسْتِئْنَاف قَالَ الْفراء من قَرَأَ {وَإِن} عطفا على قَوْله {إِن لَك أَلا تجوع} {وَأَنَّك لَا تظمأ} جعله مردودا على قَوْله {إِن لَك أَلا تجوع فِيهَا} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَأَنَّك لَا تظمأ} {لَعَلَّك ترْضى} قَرَأَ الْكسَائي وَأَبُو بكر {لَعَلَّك ترْضى} بِضَم التَّاء قَالَ أَبُو عبيد فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَن يُرَاد تُعْطى الرضى ويرضيك الله وَالْوَجْه الآخر أَن يكون الْمَعْنى يرضاك الله بِدلَالَة قَوْله {وَكَانَ عِنْد ربه مرضيا} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لَعَلَّك ترْضى} بِالْفَتْح أَي لَعَلَّك ترْضى عَطاء الله وحجتهم إِجْمَاع الْجَمِيع على قَوْله {ولسوف يعطيك رَبك فترضى} فأسند الْفِعْل إِلَيْهِ فَرد مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا هم مجمعون عَلَيْهِ أولى

{أو لم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى}

{أَو لم تأتهم بَيِّنَة مَا فِي الصُّحُف الأولى} 133 قَرَأَ نَافِع وَأَبُو عَمْرو وَحَفْص {أَو لم تأتهم بَيِّنَة} بِالتَّاءِ لتأنيث الْبَيِّنَة وحجتهم إِجْمَاع الْجَمِيع على التَّاء فِي قَوْله {حَتَّى تأتيهم الْبَيِّنَة} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / أولم يَأْتهمْ بَيِّنَة / بِالْيَاءِ لِأَن تَأْنِيث الْبَيِّنَة غير حَقِيقِيّ وَالْبَيِّنَة فِي معنى الْبَيَان وحجتهم قَوْله {فقد جَاءَكُم بَيِّنَة من ربكُم وَهدى وَرَحْمَة} وَقَوله {قل إِنِّي على بَيِّنَة من رَبِّي وكذبتم بِهِ} أَي بِالْبَيِّنَةِ وَلم يقل بهَا 21 - سُورَة الْأَنْبِيَاء {قَالَ رَبِّي يعلم القَوْل فِي السَّمَاء وَالْأَرْض وَهُوَ السَّمِيع الْعَلِيم} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {قَالَ رَبِّي} على الْخَبَر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ أَنه قَالَ للْكفَّار مجيبا عَن قيلهم قبلهَا {هَل هَذَا إِلَّا بشر مثلكُمْ} ونزول هَذِه الْآيَة بعد أَن تقدم هَذَا القَوْل من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُم وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {قل رَبِّي} على الْأَمر وحجتهم فِي ذَلِك أَن الله أمره أَن يَقُول للْكفَّار مجيبا لَهُم عَن قَوْلهم {هَل هَذَا إِلَّا بشر مثلكُمْ}

{وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم}

قل رَبِّي يعلم قَوْلكُم وَقَول كل قَائِل قولا فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض وَهُوَ السَّمِيع لجَمِيع ذَلِك والعليم بخلقه {وَمَا أرسلنَا قبلك إِلَّا رجَالًا نوحي إِلَيْهِم} قَرَأَ حَفْص {إِلَّا رجَالًا نوحي} بالنُّون وَكسر الْحَاء إِخْبَار الله عَن نَفسه وحجته قَوْله {إِنَّا أَوْحَينَا إِلَيْك كَمَا أَوْحَينَا إِلَى نوح} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يُوحى} بِالْيَاءِ وَفتح الْحَاء على مَا لم يسم فَاعله وحجتهم قَوْله {وأوحي إِلَى نوح} {وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول إِلَّا نوحي إِلَيْهِ أَنه لَا إِلَه إِلَّا أَنا فاعبدون} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص و {وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول إِلَّا نوحي إِلَيْهِ} بالنُّون وَكسر الْحَاء وحجتهم فِي ذَلِك أَن {نوحي} جَاءَت على مجْرى {أرسلنَا} ولفظها قريب من لفظ الْجمع فَجرى الْكَلَام على نظام وَاحِد إِذْ كَانَ الْوَحْي والإرسال جَمِيعًا لَهُ فأسندوا الْفِعْلَيْنِ إِلَيْهِ وَيُقَوِّي هَذَا قَوْله {إِنَّا أَوْحَينَا إِلَيْك} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / إِلَّا يُوحى / بِالْيَاءِ وَفتح الْحَاء وَتركُوا لفظ {أرسلنَا} وَإِنَّمَا تركُوا لِأَن آخر الْكَلَام جرى على غير لفظ أَوله وَذَلِكَ

{أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما}

أَنه قَالَ {لَا إِلَه إِلَّا أَنا فاعبدون} وَلَو كَانَ الْكَلَام يتبع بعضه بَعْضًا لم يقل فاعبدون لِأَنَّهُ لم يقل فِي أول الْآيَة وَمَا أرْسلت من رَسُول فَيكون آخر الْكَلَام تَابعا لأوله فَلَمَّا لم يكن الْكَلَام منظوما لم يجب أَن يَجْعَل {نوحي} بالنُّون بِلَفْظ {أرسلنَا} وَلَكِن عدلوا بِهِ إِلَى لفظ مَا لم يسم فَاعله وحجتهم قَوْله {وأوحي إِلَى نوح} {أولم ير الَّذين كفرُوا أَن السَّمَاوَات وَالْأَرْض كَانَتَا رتقا ففتقناهما} 30 قَرَأَ ابْن كثير / ألم ير الَّذين كفرُوا / بِغَيْر وَاو وَكَذَا مَكْتُوب فِي مصاحفهم بِغَيْر وَاو وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْوَاو وَالْوَاو عطف على مَا قبلهَا كَمَا قَالَ / أولم يَأْتهمْ / وَمن أسقط الْوَاو لم يَجعله نسقا لكنه جعله ابْتِدَاء كَلَام فِي معنى وعظ وتذكير {وَلَا يسمع الصم الدُّعَاء إِذا مَا ينذرون} قَرَأَ ابْن عَامر {وَلَا تسمع} بِالتَّاءِ مَضْمُومَة {الصم} نصب أَي أَنْت يَا مُحَمَّد لَا تقدر أَن تسمع الصم كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ {وَمَا أَنْت بمسمع من فِي الْقُبُور} والصم هَا هُنَا المعرضون عَمَّا يُتْلَى عَلَيْهِم من ذكر الله فهم بِمَنْزِلَة من لَا يسمع كَمَا قَالَ الشَّاعِر ... أَصمّ عَمَّا سَاءَهُ سميع ...

{فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين}

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَلَا يسمع} بِالْيَاءِ و {الصم} رفع جعلُوا الْفِعْل لَهُم وَكَانُوا يسمعُونَ ويبصرون وَلَكنهُمْ لم يستعملوا هَذِه الْحَواس اسْتِعْمَالا يجدي عَلَيْهِم فصاروا كمن لم يسمع وَلم يبصر {فَلَا تظلم نفس شَيْئا وَإِن كَانَ مِثْقَال حَبَّة من خَرْدَل أَتَيْنَا بهَا وَكفى بِنَا حاسبين} 47 قَرَأَ نَافِع {وَإِن كَانَ مِثْقَال} بِالرَّفْع أَي وَإِن حصل للْعَبد مِثْقَال حَبَّة كَقَوْلِه تَعَالَى {وَإِن كَانَ ذُو عسرة} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {مِثْقَال} بِالنّصب فجعلوه خبر كَانَ وَالِاسْم مُضْمر الْمَعْنى فَلَا تظلم نفس شَيْئا وَإِن كَانَ الْعَمَل مِثْقَال حَبَّة من خَرْدَل {فجعلهم جذاذا إِلَّا كَبِيرا لَهُم} قَرَأَ الْكسَائي {فجعلهم جذاذا} بِالْكَسْرِ جمع ل جذيذ وجذيذ معدول عَن مجذوذ مثل قَتِيل مقتول ثمَّ جمع الجذيذ جذاذا كَمَا جمع الْخَفِيف خفافا وَالْكَبِير كبارًا وَالصَّغِير صغَارًا وَكَانَ قطرب يذهب إِلَى الْمصدر يَقُول جذذته جذاذا مثل ضرمته ضراما وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {جذاذا} بِالضَّمِّ قَالَ اليزيدي وَاحِدهَا جذاذة مثل زجاجة وزجاج وَقَالَ الْفراء الْجذاذ مثل الحطام فَهُوَ عِنْد اليزيدي جمع وَعند الْفراء فِي تَأْوِيل مصدر مثل الرفات والفتات لَا وَاحِد لَهُ

{وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون}

{وعلمناه صَنْعَة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فَهَل أَنْتُم شاكرون} 80 قَرَأَ ابْن عَامر وَحَفْص {لتحصنكم} بِالتَّاءِ أَرَادوا الدرْع والدرع تؤنث وتذكر وَقَالَ الزّجاج من قَرَأَ بِالتَّاءِ أَرَادَ الصَّنْعَة وَقَرَأَ أَبُو بكر / لنحصنكم / بالنُّون الله جلّ وَعز يخبر عَن نَفسه وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / ليحصنكم / بِالْيَاءِ أَي ليحصنكم الله مثل النُّون وَيجوز ليحصنكم هَذَا اللبوس {وَكَذَلِكَ ننجي الْمُؤمنِينَ} قَرَأَ ابْن عَامر وَأَبُو بكر / وَكَذَلِكَ نجي الْمُؤمنِينَ / بنُون وَاحِدَة وَالْجِيم مُشَدّدَة قَالَ الْفراء لَا وَجه لَهُ عِنْدِي لِأَن مَا لم يسم فَاعله إِذا خلا باسم رفع وَقَالُوا أَيْضا / نجي / لم يسم فَاعله وَكَانَ الْوَاجِب أَن تكون الْيَاء مَفْتُوحَة كَمَا تَقول عزي وَقضي وَقد احْتج لَهُ غَيره فَقَالَ / نجي / فعل مَاض على مَا لم يسم فَاعله ثمَّ سكنوا الْيَاء وتأويله نجي النَّجَاء الْمُؤمنِينَ فَيكون النَّجَاء مَرْفُوعا لِأَنَّهُ اسْم مَا لم يسم فَاعله وَالْمُؤمنِينَ نصب لِأَنَّهُ خبر مَا لم يسم فَاعله كَمَا تَقول ضرب الضَّرْب زيدا ثمَّ يكنى عَن الضَّرْب فَتَقول ضرب زيدا وحجتهم قِرَاءَة أبي جَعْفَر قَرَأَ {ليجزي قوما بِمَا كَانُوا} أَي ليجزى الْجَزَاء قوما وَقَالَ أَبُو عبيد يجوز أَن

{وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون}

يكون أَرَادَ {ننجي} فأدغم النُّون فِي الْجِيم وَالْمُؤمنِينَ نصب لِأَنَّهُ مفعول بِهِ ف نجي على مَا ذكره أَبُو عبيد فعل مُسْتَقْبل وعلامة الِاسْتِقْبَال سُكُون الْيَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {ننجي} بنونين فعل مُسْتَقْبل من أنجى يُنجي و {الْمُؤمنِينَ} معفولون وَكَتَبُوا فِي الْمَصَاحِف بنُون وَاحِد على الِاخْتِصَار {وَحرَام على قَرْيَة أهلكناها أَنهم لَا يرجعُونَ} 95 قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وابو بكر / وَحرم على قَرْيَة / بِغَيْر ألف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَحرَام} قَالَ قطرب هما لُغَتَانِ مثل حل وحلال وَحرم وَحرَام وَقَالَ قوم حرم بِمَعْنى عزم وَحرَام بِمَعْنى وَاجِب قَرَأَ ابْن عَامر {حَتَّى إِذا فتحت} بِالتَّشْدِيدِ أَي مرّة بعد مرّة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ أَرَادوا بِمرَّة وَاحِدَة {يَوْم نطوي السَّمَاء كطي السّجل للكتب} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {كطي السّجل للكتب} بِضَم الْكَاف وَالتَّاء وحجتهم مَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ السّجل ملك وَهُوَ الَّذِي يطوي كتب بني آدم إِذا رفعت إِلَيْهِ

{ولقد كتبنا في الزبور}

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / للْكتاب / وحجتهم أَن الْكتاب فِي معنى مصدر وتأويله كطي الصَّحِيفَة للكتب فِيهَا كَمَا يطوي الْكَاتِب الصَّحِيفَة عِنْد إِرَادَته الْكتب قَالَ مُجَاهِد السّجل الصَّحِيفَة الَّتِي يكْتب فِيهَا فَإِن قَالَ قَائِل كَيفَ تطوي الصَّحِيفَة الْكتاب إِن كَانَ السّجل صحيفَة قيل لَيْسَ الْمَعْنى فِي ذَلِك مَا ذهبت إِلَيْهِ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ يَوْم نطوي السَّمَاء كَمَا يطوى السّجل على مَا فِيهِ من الْكتاب ثمَّ جعل يطوي مصدرا فَقيل {كطي السّجل} وَاللَّام فِي قَوْله للْكتاب بِمَعْنى على وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُم ابْن عَبَّاس السّجل اسْم رجل كَانَ يكْتب لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ فَإِن صَحَّ ذَلِك فالطي مُضَاف إِلَى كَاتبه وَمَعْنَاهُ كطي الْملك أَو الْكَاتِب للْكتاب وقراءتهم أحب إِلَيّ لِأَن الْكتاب يجمع الْمَعْنيين إِن كَانَ مصدرا وَإِن كَانَ وَاحِدًا فَهُوَ يُؤَدِّي عَن معنى الْجمع {وَلَقَد كتبنَا فِي الزبُور} قَرَأَ حَمْزَة {وَلَقَد كتبنَا فِي الزبُور} بِضَم الزَّاي يَعْنِي فِي الْكتب جمع زبر مثل قرح وقروح وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فِي الزبُور} بِفَتْح الزَّاي أَرَادَ زبور دَاوُود {قَالَ رب احكم بِالْحَقِّ} 112 قَرَأَ حَفْص {قَالَ رب احكم} هُوَ إِخْبَار الله جلّ وَعز عَن نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَآله أَنه قَالَ يَا رب احكم بِالْحَقِّ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {قل} على الْأَمر أَي قل يَا مُحَمَّد يَا رب احكم بِالْحَقِّ

- سورة الحج

22 - سُورَة الْحَج {وَترى النَّاس سكارى وَمَا هم بسكارى} قَرَأَ حَمْزَة الْكسَائي / وَترى النَّاس سكرى وَمَا هم بسكرى / وحجتهما أَن فعلى جمع كل ذِي ضَرَر مثل مَرِيض ومرضى وجريح وجرحى وَالْعرب تذْهب ب فَاعل وفعيل وَفعل إِذا كَانَ صَاحبه كَالْمَرِيضِ أَو الصريع فيجمعونه على فعلى وَجعلُوا ذَلِك عَلامَة لجمع كل ذِي زمانة وضرر وهلاك لَا يبالون إِن كَانَ واحده فَاعِلا أَو فعيلا أَو فعلا وَاعْلَم أَن السكرى دَاخل على الْإِنْسَان كالمرض والهلاك فَقَالُوا سكرى مثل هلكى قَالَ الْفراء فَكَأَن واحدهم سكر مثل زمن وزمنى أَو ساكر مثل هَالك وهلكى وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {سكارى} بِالْألف فيهمَا وَهُوَ جمع سَكرَان وحجتهم أَن بَاب فعلان يجمع على فعالى لإجماعهم على قَوْله {قَامُوا كسَالَى} جمع كسلان وَكَذَلِكَ سَكرَان جمعه سكارى وَيُقَوِّي هَذَا إِجْمَاعهم على قَوْله {وَأَنْتُم سكارى} فَرد مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ أولى {ثَانِي عطفه ليضل عَن سَبِيل الله} قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {ليضل عَن سَبِيل الله} بِفَتْح الْيَاء أَي ليضل هُوَ

{ثم ليقطع} {ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق} 15 و

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {ليضل} بِضَم الْيَاء أَي ليضل غَيره وَقد ذَكرْنَاهُ فِي سُورَة الْأَنْعَام {ثمَّ ليقطع} {ثمَّ ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق} 15 و 30 قَرَأَ أَبُو عَمْرو وورش عَن نَافِع وَابْن عَامر / ثمَّ ليقطع ثمَّ ليقضوا / بِكَسْر اللَّام فيهمَا دخل القواس مَعَهم فِي قَوْله {ثمَّ ليقضوا} وحجتهم أَن أصل هَذِه اللَّام الْكسر إِذا كَانَت مُبتَدأَة فَلَمَّا جَاءَت بعد كلمة يُمكن السُّكُوت عَلَيْهَا والابتداء بِمَا بعْدهَا كَانَت اللَّام كالمبتدأ فَأتوا بهَا على أَصْلهَا لذَلِك وَزَاد ابْن عَامر {وليوفوا} و {وليطوفوا} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {ثمَّ ليقطع} {ثمَّ ليقضوا} بِسُكُون اللَّام وحجتهم أَن أَصْلهَا السّكُون وَإِنَّمَا تكسر إِذا وَقعت ابْتِدَاء فَإِذا كَانَ قبلهَا حرف مُتَّصِل بهَا رجعت اللَّام على الأَصْل وَأَصلهَا السّكُون وَيُقَوِّي هَذَا إِجْمَاع الْجَمِيع على إسكان قَوْله {فليعمل عملا صَالحا} و {وَليَضْرِبن بِخُمُرِهِنَّ} فَإِن قيل لم فصل أَبُو عَمْرو بَين ثمَّ وَالْوَاو فَكسر عِنْد ثمَّ وَلم يكسر عِنْد الْوَاو قيل إِنَّمَا فصل بَينهمَا لِأَن ثمَّ تنفصل من اللَّام وأصل لَام الْأَمر الْكسر إِذا ابتدئ بهَا وَسكن إِذا كَانَ مَا قبلهَا مَا لَا ينْفَصل مِنْهَا وَهُوَ الْوَاو وَالْفَاء أما ثمَّ فَإنَّك تقف عَلَيْهَا إِذا شِئْت وتستأنف بعْدهَا فَلذَلِك فرق

{هذان خصمان اختصموا في ربهم}

أَبُو عَمْرو بَينهمَا وَمثل هَذَا {ثمَّ هُوَ يَوْم الْقِيَامَة} بالتثقيل وَهُوَ فَهُوَ بِالتَّخْفِيفِ {هَذَانِ خصمان اخْتَصَمُوا فِي رَبهم} قَرَأَ ابْن كثير {هَذَانِ} بِالتَّشْدِيدِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ وَقد ذكرت الْحجَّة فِي سُورَة النِّسَاء وطه {يحلونَ فِيهَا من أساور من ذهب ولؤلؤا} قَرَأَ نَافِع وَعَاصِم {ولؤلؤا} بِالْألف أَي يحلونَ فِيهَا من أساور وَيحلونَ لؤلؤا وَيجوز أَن يكون عطفا على مَوضِع الْجَار وَالْمَجْرُور لِأَن الْمَعْنى فِي {يحلونَ فِيهَا من أساور} يحلونَ أساور وَفِي الشواذ قِرَاءَة ابْن عَبَّاس / وَيحلونَ / بِفَتْح الْيَاء وَتَخْفِيف اللَّام قَالَ ابْن جني / وَيحلونَ / من حلي يحلى يُقَال لم أحل مِنْهُ بطائل أَي لم أظفر وَيجوز أَن يكون من قَوْلهم امْرَأَة حَالية أَي ذَات حلي وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / ولؤلؤ / أَي يحلونَ فِيهَا من أساور من ذهب وَمن لُؤْلُؤ قَالَ الزّجاج وَجَائِز أَن يكون أساور من ذهب ولؤلؤ يكون ذَلِك فِيمَا خلط خلطا من الصِّنْفَيْنِ

{ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد}

{ويصدون عَن سَبِيل الله وَالْمَسْجِد الْحَرَام الَّذِي جَعَلْنَاهُ للنَّاس سَوَاء العاكف فِيهِ والباد} 25 قَرَأَ حَفْص {سَوَاء العاكف فِيهِ} نصبا جعله مَفْعُولا ثَانِيًا من قَوْله {جَعَلْنَاهُ للنَّاس سَوَاء} أَي مستويا كَمَا قَالَ {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبيا} و {العاكف} يرْتَفع بِفِعْلِهِ فِي هَذِه الْقِرَاءَة أَي اسْتَوَى العاكف فِيهِ والباد وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {سَوَاء} بِالرَّفْع على الِابْتِدَاء والعاكف خَبره قَرَأَ ابْن كثير / والبادي / بِالْيَاءِ فِي الْوَصْل وَالْوَقْف على أصل الْكَلِمَة لِأَنَّك تَقول بدا يَبْدُو إِذا دخل الْبَادِيَة فَهُوَ باد مثل رَاع والراعي وَالْأَصْل البادو فَصَارَت الْوَاو يَاء لانكسار مَا قبلهَا فَصَارَت والبادي قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَإِسْمَاعِيل وورش / والبادي / بِالْيَاءِ فِي الْوَصْل وبالحذف فِي الْوَقْف وَهُوَ الِاخْتِيَار ليكونوا قد تبعوا الأَصْل تَارَة والمصحف أُخْرَى وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِغَيْر يَاء اتبَاعا للمصحف واجتزاء بالكسرة عَن الْيَاء لِأَن الكسرة تدل على الْيَاء {وليوفوا نذورهم} قَرَأَ عَاصِم {وليوفوا نذورهم} بِالتَّشْدِيدِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ وهما لُغَتَانِ تَقول وَفِي يُوفى تَوْفِيَة إِذا أكمل وحجتهم

{فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير}

{وَإِبْرَاهِيم الَّذِي وفى} وَالتَّخْفِيف من أوفى يُوفي وحجتهم قَوْله {وأوفوا بِعَهْد الله} {فَكَأَنَّمَا خر من السَّمَاء فتخطفه الطير} قَرَأَ نَافِع {فتخطفه} بِفَتْح التَّاء وَتَشْديد الطَّاء وَالْأَصْل فتختطفه فأدغم التَّاء فِي الطَّاء وَألقى حَرَكَة التَّاء على الْخَاء فَفَتحهَا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فتخطفه} مخففا من خطف يخطف وَهُوَ الِاخْتِيَار وحجتهم قَوْله تَعَالَى {إِلَّا من خطف الْخَطفَة} وَلم يقل اخْتَطَف وهما لُغَتَانِ تَقول الْعَرَب خطف يخطف واختطف يختطف {وَلكُل أمة جعلنَا منسكا لِيذكرُوا اسْم الله على مَا رزقهم من بَهِيمَة الْأَنْعَام} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وَلكُل أمة جعلنَا منسكا} بِكَسْر السِّين

{إن الله يدافع عن الذين آمنوا}

وَهُوَ الْمَكَان الَّذِي ينْحَر فِيهِ كَمَا يُقَال مجْلِس لمَكَان الْجُلُوس قَالَ الْفراء هُوَ الْمَكَان المألوف الَّذِي يَقْصِدهُ النَّاس وقتا بعد وَقت والمناسك سميت بذلك وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {منسكا} بِالْفَتْح والمنسك بِمَعْنى الْمصدر وحجتهم مَا رُوِيَ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {منسكا} قَالَ ذبحا تَقول نسكت الشَّاة أَي ذبحتها الْمَعْنى جعلنَا لكل أمة أَن تتقرب بِأَن تذبح الذَّبَائِح لله وَيدل على ذَلِك قَول {لِيذكرُوا اسْم الله على مَا رزقهم} أَي عِنْد ذَبحهَا إِيَّاهَا وَيُقَوِّي الْمصدر قَوْله {لكل أمة جعلنَا منسكا هم ناسكوه} فَصَارَ فعلا وَقَالَ بعض النَّحْوِيين من قَالَ نسك ينْسك قَالَ منسكا بِالْفَتْح كَمَا تَقول دخل يدْخل مدخلًا وَمن قَالَ نسك ينْسك قَالَ منسكا بِالْكَسْرِ فعلى هَذَا القَوْل الْفَتْح أولى لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو من أَن يكون مصدرا أَو مَكَانا وَكِلَاهُمَا مَفْتُوح الْعين وَإِذا كَانَ الْفِعْل مِنْهُ على فعل يفعل فالمصدر مِنْهُ وَاسم الْمَكَان على مفعل نَحْو قتل يقتل مقتلا وَهَذَا مقتلنا وَدخل يدْخل مدخلًا وَهَذَا مدخلنا وكل مَا كَانَ على فعل يفعل مثل جلس يجلس فالاسم مِنْهُ بِالْكَسْرِ والمصدر مفعل بِالْفَتْح وَالْمَكَان مفعل بِالْكَسْرِ مثل مغرس اسْما ومغرس مصدرا فَلهَذَا قُلْنَا الْفَتْح أولى لِأَنَّهُ يدل على الْمصدر وَالْمَكَان وَالْكَسْر يدل على الْمَكَان فَحسب {إِن الله يدافع عَن الَّذين آمنُوا} 38 قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو / إِن الله يدْفع عَن الَّذين آمنُوا / بِغَيْر ألف من دفع يدْفع دفعا وحجتهما أَن الله جلّ وَعز لَا يدافعه

{أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير}

شَيْء وَهُوَ يدْفع عَن النَّاس فالفعل وَحده لَهُ لَا لغيره وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {إِن الله يدافع} بِالْألف وحجتهم أَن يدافع عَن مَرَّات مُتَوَالِيَات لِأَن قَول الْقَائِل دافعت عَن زيد يجوز أَن يُرَاد بِهِ دفعت عَنهُ مرّة بعد مرّة وَلَيْسَ ينحى بِهِ نَحْو قَاتَلت زيدا بل ينحى بِهِ نَحْو قَوْله {قَاتلهم الله} وَالْفِعْل لَهُ لَا لغيره وَنَحْو هَذَا طارقت النَّعْل وسافرت {أذن للَّذين يُقَاتلُون بِأَنَّهُم ظلمُوا وَإِن الله على نَصرهم لقدير} قَرَأَ نَافِع وَأَبُو عَمْرو وَعَاصِم {أذن للَّذين يُقَاتلُون} بِضَم الْألف أَي اذن الله للَّذين يُقَاتلُون ثمَّ رد إِلَى مَا لم يسم فَاعله وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {آذن} بِفَتْح الْألف وحجتهم أَنه قرب من قَوْله قبلهَا {إِن الله لَا يحب كل خوان كفور} فأسندوا الْفِعْل إِلَى الله لتقدم اسْمه وَأَن الْفِعْل قرب مِنْهُ وَأُخْرَى وَهِي أَن الْكَلَام عَقِيبه جرى بِتَسْمِيَة الله وَهُوَ قَوْله {وَإِن الله على نَصرهم لقدير} فَكَانَ الأولى أَن يكون مَا بَينهمَا فِي سِيَاق الْكَلَام بلفظهما ليأتلف الْكَلَام على نظام وَاحِد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {أذن للَّذين يُقَاتلُون} قَالَ نَاس مُؤمنُونَ خَرجُوا مُهَاجِرين من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة وَكَانُوا يمْنَعُونَ فأدركهم الْكفَّار فَأذن للْمُؤْمِنين بِقِتَال الْكفَّار فقاتلوهم قَالَ مُجَاهِد هُوَ أول قتال أذن بِهِ للْمُؤْمِنين قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَحَفْص بِفَتْح التَّاء على مَا لم يسم فَاعله أَي

{ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع}

يقاتلهم الْكفَّار وَيُقَوِّي هَذَا قَوْله {بِأَنَّهُم ظلمُوا} أَن الْفِعْل بعده مُسْند إِلَى الْمَفْعُول بِهِ قَالَ عَاصِم لَو كَانَت يُقَاتلُون بِكَسْر التَّاء فَفِيمَ اذن لَهُم فكأنهم ذَهَبُوا إِلَى أَن الْمُشْركين قد كَانُوا بدؤوهم بِالْقِتَالِ فَأذن الله لَهُم حِين قَاتلُوا أَن يقاتلوا من قَاتلهم وَهُوَ وَجه حسن لِأَن الْمُشْركين قد كَانُوا يقتلُون أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَكَانَ الْمُؤْمِنُونَ ممسكين عَن الْقِتَال لأَنهم لم يؤمروا بِهِ فَأذن الله لَهُم أَن يقاتلوا من قَاتلهم وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِكَسْر التَّاء لأَنهم فاعلون الْمَعْنى يُقَاتلُون عدوهم الظَّالِمين لَهُم بإخراجهم من دِيَارهمْ وحجتهم فِي حرف أبي / أذن للَّذين قَاتلُوا / {وَلَوْلَا دفع الله النَّاس بَعضهم بِبَعْض لهدمت صوامع} قرا نَافِع / وَلَوْلَا دفاع الله النَّاس / بِالْألف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَلَوْلَا دفع الله} وَقد بيّنت فِي سُورَة الْبَقَرَة قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير {لهدمت} بِالتَّخْفِيفِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ وهما لُغَتَانِ غير أَن التَّشْدِيد للتكثير {لهدمت} شَيْئا بعد شَيْء مثل ذبحت وذبحت {فكأين من قَرْيَة أهلكناها وَهِي ظالمة} 45 قَرَأَ أبوعمرو / أهلكتها / بِالتَّاءِ وحجته مَا تقدم وَمَا تَأَخّر فَأَما مَا تقدم فَقَوله {وَكذب مُوسَى فأمليت للْكَافِرِينَ ثمَّ أخذتهم}

{وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون}

44 - {وَمَا تَأَخّر} قَوْله {وكأين من قَرْيَة أمليت لَهَا} 48 فَكَانَ الأولى مَا يكون بَينهمَا فِي لَفْظهمَا ليأتلف الْكَلَام على نظام وَاحِد وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أهلكناها} بالنُّون وحجتهم إِجْمَاع الْجَمِيع على قَوْله {وَكم أهلكنا من قَرْيَة} {وَكم من قَرْيَة أهلكناها} {ألم نهلك الْأَوَّلين} وَلم يَأْتِ شَيْء من ذكر الإهلاك بِلَفْظ الْوَاحِد بل كُله أَتَى بِلَفْظ الْجمع فَكَانَ إِلْحَاق هَذَا الْحَرْف بنظائره أولى {وَإِن يَوْمًا عِنْد رَبك كألف سنة مِمَّا تَعدونَ} قَرَأَ ابْن كثير وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ / مِمَّا يعدون / بِالْيَاءِ وحجتهم أَن قبله {ويستعجلونك بِالْعَذَابِ} فَكَذَلِك {يعدون} إِخْبَار عَنْهُم وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {تَعدونَ} بِالتَّاءِ وحجتهم أَن التَّاء أَعم لِأَنَّهُ عَنى النَّاس كلهم فَكَأَنَّهُ قَالَ كألف سنة مِمَّا تَعدونَ أَنْتُم وهم وَيُقَوِّي التَّاء قَوْله تَعَالَى {وَإِن يَوْمًا عِنْد رَبك كألف سنة} مِمَّا تعده أَنْت يَا مُحَمَّد وَمن استعجلك بعذابي {وَالَّذين سعوا فِي آيَاتنَا معاجزين أُولَئِكَ أَصْحَاب الْجَحِيم} 51 قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو / وَالَّذين سعوا فِي آيتنا معجزين / بِغَيْر ألف أَي ينسبون من تبع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ إِلَى الْعَجز وَهَذَا كَقَوْلِهِم جهلته نسبته إِلَى الْجَهْل وفسقته نسبته إِلَى الْفسق

{والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا}

وَقَالَ مُجَاهِد {معجزين} أَي مثبطين ومبطئين أَي يثبطون النَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَعَن أَتبَاع الْحق وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {معاجزين} بِالْألف أَي ظانين أَنهم يعجزوننا لأَنهم ظنُّوا أَنهم لَا يبعثون وَأَنه لَا جنَّة وَلَا نَار قَالَ قَتَادَة ظنُّوا أَنهم يعجزون الله وَقَالَ ابْن عَبَّاس معاجزين مسابقين وَقَالَ الْفراء {معاجزين} أَي معاندين وَأما قَوْله {أُولَئِكَ لم يَكُونُوا معجزين فِي الأَرْض} فأجمع الْقُرَّاء على ذَلِك وَلَا يجوز معاجزين هَا هُنَا لِأَنَّهُ يصير إِلَى معنى أُولَئِكَ لم يَكُونُوا معاندين وَذَلِكَ خطأ لأَنهم قد عاندوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَمعنى معجزين أَي سابقين يُقَال أعجزني أَي سابقني وفاتني {وَالَّذين هَاجرُوا فِي سَبِيل الله ثمَّ قتلوا أَو مَاتُوا} قَرَأَ ابْن عَامر {ثمَّ قتلوا} بِالتَّشْدِيدِ مرّة بعد مرّة وَهُوَ حسن لأَنهم قد أَكْثرُوا الْقَتْل فيهم وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {قتلوا} بِالتَّخْفِيفِ وحجتهم أَن التَّخْفِيف يصلح للكثير والقليل {ليدخلنهم مدخلًا يرضونه} قَرَأَ نَافِع {ليدخلنهم مدخلًا} بِفَتْح الْمِيم جعله مصدرا وَاسم مَكَان تَقول دخل يدْخل مدخلًا وَهَذَا مدخلنا وكل مَا كَانَ

{ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل}

على فعل يفعل فالمصدر وَاسم الْمَكَان على مفعل وَدلّ قَوْله تَعَالَى {ليدخلنهم} على الْمصدر لأَنهم إِذا أدخحلوا دُخُولا فَكَأَنَّهُ قَالَ ليدخلنهم فَيدْخلُونَ مدخلًا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {مدخلًا} وحجتهم قَوْله تَعَالَى {ليدخلنهم} تَقول أَدخل يدْخل إدخالا ومدخلا كَمَا قَالَ {وَقل رب أدخلني مدْخل صدق} {ذَلِك بِأَن الله هُوَ الْحق وَأَن مَا يدعونَ من دونه هُوَ الْبَاطِل} قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَابْن عَامر وَأَبُو بكر / وَإِن مَا تدعون / بِالتَّاءِ هَا هُنَا وَفِي لُقْمَان أَي قل يَا مُحَمَّد لهَؤُلَاء الْكَفَرَة إِن الَّذين تدعون من دون الله هُوَ الْبَاطِل لِأَنَّهُ لَا يعقل وَلَا يسمع وَلَا ينفع وَلَا يضر وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يدعونَ} بِالْيَاءِ إِخْبَار عَن غيب 23 - سُورَة الْمُؤمنِينَ {وَالَّذين هم لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدهمْ رَاعُونَ وَالَّذين هم على صلواتهم يُحَافِظُونَ} 8 و 9 قَرَأَ ابْن كثير وَحده / لأمانتهم / على التَّوْحِيد وحجته قَوْله

{وَعَهْدهمْ رَاعُونَ} وَلم يقل وعهودهم وَقَالَ بعض النَّحْوِيين وَجه الْإِفْرَاد أَنه مصدر وَاسم جنس فَيَقَع على الْكَثْرَة وَإِن كَانَ مُفردا فِي اللَّفْظ وَمن هَذَا قَوْله {كَذَلِك زينا لكل أمة عَمَلهم} فأفرد وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لِأَمَانَاتِهِمْ} وحجتهم إِجْمَاع الْجَمِيع على قَوْله {إِن الله يَأْمُركُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَات إِلَى أَهلهَا} فَرد مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ أولى قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وَالَّذين هم على صلَاتهم يُحَافِظُونَ} على التَّوْحِيد وحجتهما إِجْمَاع الْجَمِيع على التَّوْحِيد فِي سُورَة الْأَنْعَام وَسَأَلَ سَائل عِنْد قَوْله {الَّذين هم على صلَاتهم دائمون} فَردا مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {على صلواتهم} على الْجمع وحجتهم أَن هَذِه مَكْتُوبَة بالمصحف بواو وَكَذَلِكَ فِي بَرَاءَة وَهود فَكَانَ هَذَا دَلِيلا على الْجمع وَكَتَبُوا مَا عدا هَذِه الثَّلَاث {الصَّلَاة} بِأَلف من غير وَاو وَلم يكتبوا الْألف بعد الْوَاو اختصارا وإيجازا وَقد رُوِيَ فِي التَّفْسِير أَنه عَنى الصَّلَوَات الْخمس فجعلوها جمعا لذَلِك

{فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما}

{فخلقنا المضغة عظاما فكسونا الْعِظَام لَحْمًا} 14 قَرَأَ ابْن عَامر وَأَبُو بكر / عظما فكسونا الْعظم لَحْمًا / على التَّوْحِيد لِأَن الْعظم يُجزئ عَن الْعِظَام قَالَ الله عز وَجل {ثمَّ يخرجكم طفْلا} أَرَادَ أطفالا وحجتهما فِي الاية / فكسونا الْعظم لَحْمًا / وَلم يقل لحوما لِأَن لفظ الْوَاحِد قد علم أَنه يُرَاد بِهِ الْجمع وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {عظاما فكسونا الْعِظَام} على الْجمع وحجتهم قَوْله تَعَالَى {من يحيي الْعِظَام وَهِي رَمِيم} وَقَوله {أئذا كُنَّا عظاما نخرة} فالجمع أشبه بِمَا جَاءَ فِي التَّنْزِيل {وشجرة تخرج من طور سيناء تنْبت بالدهن وصبغ للآكلين} قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {من طور سيناء} بِكَسْر السِّين وحجتهم قَوْله {وطور سينين} والسيناء والسينين الْحسن وكل جبل نَبتَت الثِّمَار فِيهِ فَهُوَ سينين وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {سيناء} بِالْفَتْح وهما لُغَتَانِ أَصله سرياني قَالَ مُجَاهِد الطّور الْجَبَل والسيناء الْحِجَارَة الْمُبَارَكَة قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {تنْبت بالدهن} بِضَم التَّاء وَقَرَأَ

{وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها}

الْبَاقُونَ بِالْفَتْح قَالَ الْفراء هما لُغَتَانِ يُقَال نبت الشّجر وَأنْبت قَالَ الشَّاعِر ... رَأَيْت ذَوي الْحَاجَات حول بيوتها ... قطينا لَهُم حَتَّى إِذا انبت البقل ... وَهُوَ كَقَوْلِه {فَأسر بأهلك} بوصل الْألف وبقطعها وَمعنى {تنْبت بالدهن} أَي تنْبت وفيهَا دهن وَمَعَهَا صبغ كَمَا تَقول جَاءَنِي زيد بِالسَّيْفِ تُرِيدُ جَاءَنِي وَمَعَهُ السَّيْف وَقَالَ قوم من قَرَأَ {تنْبت} بِالرَّفْع فالباء زَائِدَة وَقَالُوا إِن نبت وَأنْبت فِي معنى وَاحِد {وَإِن لكم فِي الْأَنْعَام لعبرة نسقيكم مِمَّا فِي بطونها} 21 قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَأَبُو بكر {وَإِن لكم فِي الْأَنْعَام لعبرة نسقيكم} بِفَتْح النُّون وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْع قَالَ سِيبَوَيْهٍ والخليل سقيته كَقَوْلِه ناولته فَشرب وأسقيته جعلت لَهُ سقيا وَقَالَ آخَرُونَ سقى وأسقى لُغَتَانِ وأنشدوا

{وقل رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين}

.. سقى قومِي بني مجد وأسقى ... نميرا والقبائل من هِلَال ... {فاسلك فِيهَا من كل زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأهْلك} قَرَأَ حَفْص {من كل زَوْجَيْنِ} منونا أَرَادَ من كل شَيْء فَحذف كَمَا حذف من قَوْله كل أَتَوْهُ و {زَوْجَيْنِ} معفول بِهِ و {اثْنَيْنِ} وصف لَهُ وَتَقْدِير الْكَلَام اسلك فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ من كل أَي من كل جنس وَمن كل الْحَيَوَان كَمَا قَالَ {وَلكُل وجهة} أَي وَلكُل إِنْسَان قبْلَة لِأَن كلا وبعضا يقتضيان مُضَافا إِلَيْهِمَا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {من كل زَوْجَيْنِ} مُضَافا أضافوا {كلا} إِلَى زَوْجَيْنِ و {اثْنَيْنِ} مفعول بِهِ {وَقل رب أنزلني منزلا مُبَارَكًا وَأَنت خير المنزلين} قَرَأَ أَبُو بكر {وَقل رب أنزلني منزلا} بِفَتْح الْمِيم وَكسر الزَّاي جعله اسْما للمكان كَأَنَّهُ قَالَ أنزلني دَارا مباركة والمنزل اسْم لكل مَا نزلت فِيهِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {منزلا} بِضَم الْمِيم وَفتح الزَّاي جَعَلُوهُ مصدرا بِمَعْنى الْإِنْزَال تَقول أنزلته إنزالا مُبَارَكًا ومنزلا

{ثم أرسلنا رسلنا تترا}

{ثمَّ أرسلنَا رسلنَا تترا} قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو / ثمَّ أرسلنَا رسلنَا تترى / منونا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ تترى فعلى وَمعنى تترى من المواترة والمواترة أَن يتبع الْخَبَر الْخَبَر وَالْكتاب الْكتاب وَلَا يكون بَين ذَلِك فصل كثير قَالَ الْأَصْمَعِي المواترة من واترت الْخَبَر أتبعت بعضه بَعْضًا وَبَين الْخَبَر هنيهة وَقَالَ غَيره المواترة الْمُتَابَعَة وَجَاء فِي التَّفْسِير تترى يتبع بعضه بَعْضًا وَقَالَ الزّجاج وأصل هَذَا كُله الْوتر وَهُوَ الْفَرد أَي جعلت كل وَاحِد بعد صَاحبه فَردا فَردا فَمن قَرَأَ بِالتَّنْوِينِ فَمَعْنَاه وترا فأبدل التَّاء من الْوَاو كَمَا قَالُوا التكلان من الْوكَالَة وتجاه وَإِنَّمَا هُوَ وجاه وحجته ذكرهَا اليزيدي فَقَالَ هِيَ من وترت وَالدَّلِيل على ذَلِك أَنَّهَا كتبت بِالْألف وَهِي لُغَة قُرَيْش وَلَو كَانَت من ذَوَات الْيَاء لكَانَتْ مَكْتُوبَة بِالْيَاءِ تترى كَمَا كتبُوا يخْشَى ويرعى بِالْيَاءِ فَذهب اليزيدي إِلَى أَنَّهَا بِمَعْنى الْمصدر وَأَن الْألف الَّتِي بعد الرَّاء عوض من التَّنْوِين فِي الْوَقْف من قَوْله وتر يتر وترا مثل ضرب يضْرب ضربا فَإِن قيل فَأَيْنَ الْفِعْل الَّذِي هُوَ صَدره قلت صدر هَذَا الْمصدر عَن معنى الْفِعْل لَا عَن لَفظه كَأَنَّهُ حِين قَالَ {ثمَّ أرسلنَا رسلنَا}

{وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين}

قَالَ وترنا رسلنَا فَجعل تترا صادرا عَن غير لفظ الْفِعْل وَحجَّة من لم ينون أَن الْألف الَّتِي بعد الرَّاء ألف تَأْنِيث فَتَقول تترى على وزن فعلى مثل شكوى وَهَذَا هُوَ الأقيس أَلا تصرف لِأَن المصادر تلْحق أواخرها ألف التَّأْنِيث كالدعوى والشورى والذكرى وَنَحْوهَا {وآويناهما إِلَى ربوة ذَات قَرَار ومعين} قَرَأَ عَاصِم وَابْن عَامر {إِلَى ربوة} بِالْفَتْح وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْع وهما لُغَتَانِ {وَإِن هَذِه أمتكُم أمة وَاحِدَة} قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {وَإِن هَذِه أمتكُم} بِفَتْح الْألف وَقَرَأَ أهل الْكُوفَة {وَإِن} بِكَسْر الْألف وَقَرَأَ ابْن عَامر {وَإِن} بالخفيف وَهِي مُخَفّفَة من {إِن} فَمن فتح كَانَ الْمَعْنى فِي قَول الْخَلِيل إِنَّه يحمل على الْجَار التَّقْدِير لِأَن هَذِه أمتكُم أمة وَاحِدَة وَأَنا ربكُم فاتقوني لهَذَا وَمثل ذَلِك عِنْده قَوْله {وَأَن الْمَسَاجِد لله فَلَا تدعوا مَعَ الله} أَي لِأَن الْمَسَاجِد لَهُ فَلَا تدعوا مَعَ الله أحدا وَكَذَلِكَ قَوْله {لِإِيلَافِ قُرَيْش} كَأَنَّهُ قَالَ فليعبدوا رب هَذَا الْبَيْت لِإِيلَافِ قُرَيْش وَقَالَ قوم إِنَّهَا مَرْدُودَة على مَا وَتَقْدِير الْكَلَام أَي إِنِّي بِمَا

{مستكبرين به سامرا تهجرون}

تَعْمَلُونَ عليم وَبِأَن هَذِه أمتكُم وَمن كسر جعل {إِن} استئنافا وابتداءا خبر من الله جلّ وعزلا {مستكبرين بِهِ سامرا تهجرون} 68 قَرَأَ نَافِع {سامرا تهجرون} بِضَم التَّاء وَكسر الْجِيم من أَهجر يهجر إِذا هذى فَمَعْنَى تهجرون أَي تهذون وَقَالُوا أَهجر الْمَرِيض إِذا تكلم بِمَا لَا يفهم فَكَانَ الْكفَّار إِذا سمعُوا قِرَاءَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ تكلمُوا بالفحش وَسبوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ فَقَالَ جلّ وَعز {مستكبرين بِهِ} أَي بِالْقُرْآنِ أَي يحدث لكم بتلاوته عَلَيْكُم استكبارا {سامرا تهجرون} قَالَ ابْن عَبَّاس تأتون بالهجر والهذيان وَمَا لَا خير فِيهِ وَفِي الحَدِيث فِي زِيَارَة الْقُبُور زوروها وَلَا تَقولُوا هجرا وَيجوز أَن تكون الْهَاء للبيت الْعَتِيق سامر وَجمعه سمار وهم الَّذين يتحدثون بِاللَّيْلِ فِي السمر والسمر ظلّ الْقَمَر وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْح التَّاء الْمَعْنى أَنكُمْ تهجرون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وآياتي وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُم من كتابي فَشبه الله تَعَالَى من ترك الْقُرْآن وَالْعَمَل بِهِ كالهاجر لرشده {أم تَسْأَلهُمْ خرجا فخراج رَبك خير} 72 قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / أم تَسْأَلهُمْ خراجا فخراج رَبك / جَمِيعًا بِالْألف وَقَرَأَ ابْن عَامر جَمِيعًا بِغَيْر ألف

{سيقولون لله} 87 و

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أم تَسْأَلهُمْ خرجا} بِغَيْر ألف {فخراج} بِالْألف قَالَ السّديّ / أم تَسْأَلهُمْ خراجا / أَي رزقا {فخراج رَبك خير} أَي رزق رَبك خير قَالَ وَمن قَرَأَ {خرجا} أَرَادَ جعلا وَقَالَ آخَرُونَ الخرج الْجعل وَالْخَرَاج الْعَطاء وَقَالَ آخَرُونَ الخرج وَالْخَرَاج بِمَعْنى وَاحِد {سيقولون لله} 87 و 89 قَرَأَ أَبُو عَمْرو / سيقولون الله / / سيقولون الله / بِالْألف فيهمَا وَلم يَخْتَلِفُوا فِي الأولى وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لله} {لله} من قَرَأَ / سيقولون الله / فَهُوَ على جَوَاب السُّؤَال إِذْ قَالَ قبلهَا {من رب السَّمَاوَات السَّبع} 86 فَالْجَوَاب {الله} وَأما من قَالَ {لله} فعلى الْمَعْنى وَذَلِكَ أَنه إِذا قَالَ من مَالك هَذِه الدَّار فَقَالَ فِي جَوَابه لزيد فقد أَجَابَهُ على الْمَعْنى دون مَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظ وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ من مَالك هَذِه الدَّار أَن يُقَال فِي جَوَابه زيد وَإِذا قَالَ لزيد فقد حمله على الْمَعْنى وَإِنَّمَا استقام هَذَا لِأَن معنى من مَالك هَذِه الدَّار وَلمن هَذِه الدَّار وَاحِد فَلذَلِك حملت تَارَة على اللَّفْظ وَتارَة على الْمَعْنى وَالْجَوَاب على اللَّفْظ

{سبحان الله عما يصفون عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون} 91 و

هُوَ الْوَجْه لِأَنَّك إِذا قلت من صَاحب هَذِه الدَّار فأجبت زيد لَكَانَ جَوَابا على لفظ السُّؤَال وَلَو قلت فِي جَوَاب من صَاحب هَذِه الدَّار لزيد لجَاز لِأَن معنى من صَاحب هَذِه الدَّار معنى لمن هَذِه الدَّار {سُبْحَانَ الله عَمَّا يصفونَ عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة فتعالى عَمَّا يشركُونَ} 91 و 92 قَرَأَ نَافِع وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَأَبُو بكر عَالم بِالرَّفْع وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {عَالم} بالخفص رد على قَوْله سُبْحَانَ الله عَالم الْغَيْب فَأَما الرّفْع فعلى أَن يكون خبر ابْتِدَاء مَحْذُوف كَأَنَّهُ قَالَ هُوَ عَالم {قَالُوا رَبنَا غلبت علينا شِقْوَتنَا} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / شقاوتنا / بِالْألف وَفتح الشين وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {شِقْوَتنَا} بِكَسْر الشين من غير ألف وهما مصدران تَقول شقي من الشقاوة والشقوة والشقوة كالفطنة والشقاوة كالسعادة {فاتخذتموهم سخريا} قَرَأَ طنافع وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {سخريا} بِالضَّمِّ وَفِي ص

{إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون}

مثله وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ وَقَالَ الْخَلِيل هما لُغَتَانِ وَقَالَ آخَرُونَ بل مَا كَانَ فِي الِاسْتِهْزَاء فَهُوَ بِالْكَسْرِ وَمَا كَانَ من جِهَة السخري فَهُوَ بِالضَّمِّ وَالْكَسْر أحسن لاتباع الكسرة وَيُقَوِّي الكسرة قَوْله بعْدهَا {وكنتم مِنْهُم تضحكون} والضحك بالهزء أشبه وَحجَّة الرّفْع اجماع الْجَمِيع على الرّفْع فِي سُورَة الزخرف {ليتَّخذ بَعضهم بَعْضًا سخريا} 32 فَرد مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ أولى {إِنِّي جزيتهم الْيَوْم بِمَا صَبَرُوا أَنهم هم الفائزون} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {أَنهم هم الفائزون} بِكَسْر الْألف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْفَتْح وَالْفَتْح على وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن يكون أَنهم فِي مَوضِع الْمَفْعُول الثَّانِي لِأَن جزيت تتعدى إِلَى مفعولين قَالَ الله جلّ الله وَعز {وجزاهم بِمَا صَبَرُوا جنَّة وَحَرِيرًا} وَيجْعَل {إِنَّهُم} فِي مَوضِع نصب على تاويل إِنِّي جزيتهم الْيَوْم بِمَا صَبَرُوا الْفَوْز يَعْنِي الْجنَّة وَإِن شِئْت لم تأت بالمفعول الثَّانِي فِي جزيت فَكَانَ مَعْنَاهُ أثبتهم وَلم تذكر مَا أثبتهم ثمَّ قلت لأَنهم هم الفائزون بأعمالهم السَّابِقَة

{قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين قال إن لبثتم إلا قليلا} 112 و

قَالَ مُحَمَّد بن يزِيد التَّفْسِير الأول أَجود لِأَن الْفَوْز هُوَ الْجَزَاء وَلَيْسَ بعلة للجزاء وَمن كسر إِن يَقُول إِن الْكَلَام متناه عِنْد قَوْله {بِمَا صَبَرُوا} ثمَّ أخبر فَقَالَ {أَنهم هم الفائزون} قَالَ أَبُو عبيد هَذَا مدح من الله لَهُم {قَالَ كم لبثتم فِي الأَرْض عدد سِنِين قَالُوا لبثنا يَوْمًا أَو بعض يَوْم فاسأل العادين قَالَ إِن لبثتم إِلَّا قَلِيلا} 112 و 114 قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / قل كم لبثتم فِي الأَرْض / / قل إِن لبثتم / بِغَيْر ألف فيهمَا على الْأَمر وَدخل ابْن كثير مَعَهُمَا فِي الأول وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {قَالَ} {قَالَ} على الْخَبَر عَمَّا هُوَ قَائِل أَو من أحب من عباده أَو مَلَائكَته للمبعوثين يَوْم الْقِيَامَة سَائِلًا لَهُم عَن لبثهم بعد وفاتهم وَهُوَ فعل منتظر وَجرى بِمَعْنى الْمُضِيّ لِأَن أَخْبَار الْقِيَامَة وَإِن كَانَت لم تأت بعد فَهِيَ بِمَنْزِلَة مَا قد مضى إِذْ لَيْسَ فِيمَا مضى شكّ فِي كَونه ووجوبه فَجعلت أَخْبَار الْقِيَامَة فِي التَّحْقِيق كَمَا قد مضى وَحجَّة من قَرَأَ {قل} أَن الْمَعْنى فِي ذَلِك أَن أهل النَّار قيل لَهُم قُولُوا {كم لبثتم فِي الأَرْض عدد سِنِين} على الْأَمر لَهُم بِأَن يَقُولُوا ذَلِك فَأخْرج الْكَلَام على وَجه الْأَمر بِهِ للْوَاحِد وَالْمرَاد الْجَمَاعَة إِذْ كَانَ الْمَعْنى مفهوما وَالْعرب تخاطب الْوَاحِد ومرادهم خطاب جمَاعَة إِذا عرف الْمَعْنى كَقَوْلِه يَا أَيهَا الْإِنْسَان مَا غَرَّك بِرَبِّك الْكَرِيم و {إِنَّك كَادِح} وَالْمعْنَى مُخَاطبَة جَمِيع النَّاس

{أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون}

{أفحسبتم أَنما خَلَقْنَاكُمْ عَبَثا وأنكم إِلَيْنَا لَا ترجعون} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وأنكم إِلَيْنَا لَا ترجعون} بِنصب التَّاء وَكسر الْجِيم وحجتهم قَوْله {وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {ترجعون} بِضَم التَّاء وحجتهم قَوْله {وَإِلَيْهِ تقلبون} و {ثمَّ إِلَى رَبهم يحشرون} 24 - سُورَة النُّور {سُورَة أنزلناها وفرضناها} قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وفرضناها بِالتَّشْدِيدِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ معنى فرضناها فَرضنَا فرائضها فَحذف الْمُضَاف وَحسن ذَلِك لإضافة الْفَرَائِض إِلَى السُّورَة وَهِي لله سُبْحَانَهُ لِأَنَّهَا مفهومة عَنْهَا قَالَ الزّجاج من قَرَأَ بِالتَّخْفِيفِ فَمَعْنَاه ألزمناكم الْعَمَل بِمَا فرض فِيهَا وَمن قَرَأَ بِالتَّشْدِيدِ فعلى وَجْهَيْن أَحدهمَا على التكثير على معنى إِنَّا فَرضنَا فِيهَا فروضا وعَلى معنى بَينا مَا فِيهَا من الْحَلَال وَالْحرَام وَحجَّة التَّخْفِيف قَوْله {قد علمنَا مَا فَرضنَا عَلَيْهِم فِي أَزوَاجهم} {وَلَا تأخذكم بهما رأفة فِي دين الله}

{فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين}

قَرَأَ ابْن كثير {وَلَا تأخذكم بهما رأفة} بِفَتْح الْهمزَة تَقول رؤف رافا كَمَا تَقول كرم كرما وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {رأفة} سَاكِنة الْهمزَة وَهُوَ الأَصْل تَقول رؤف يروف رأفة {فشهادة أحدهم أَربع شَهَادَات بِاللَّه إِنَّه لمن الصَّادِقين وَالْخَامِسَة أَن لعنة الله عَلَيْهِ إِن كَانَ من الْكَاذِبين ويدرأ عَنْهَا الْعَذَاب أَن تشهد أَربع شَهَادَات بِاللَّه إِنَّه لمن الْكَاذِبين وَالْخَامِسَة أَن غضب الله عَلَيْهَا إِن كَانَ من الصَّادِقين} 6 9 قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {فشهادة أحدهم أَربع} بِالضَّمِّ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالنّصب قَالَ الزّجاج من قَرَأَ أَربع فعلى خبر الِابْتِدَاء الْمَعْنى فشهادة أحدهم الَّتِي تدرأ حد الْقَاذِف {أَربع} والمبتدأ فشهادة وَمن نصب {أَربع} فَالْمَعْنى فَعَلَيْهِم أَن يشْهد أحدهم أَربع شَهَادَات وينتصب انتصاب المصادر كَا تَقول شهِدت شَهَادَة قَرَأَ حَفْص {وَالْخَامِسَة أَن غضب الله عَلَيْهَا} بِالنّصب على تَأْوِيل وَتشهد الْخَامِسَة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ وَالْخَامِسَة بِالرَّفْع على الِابْتِدَاء وَالْخَبَر قَرَأَ نَافِع {إِن} خَفِيفَة {لعنة الله} على الِابْتِدَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أَن لعنة الله}

{يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون}

قَرَأَ نَافِع {إِن} خَفِيفَة {غضب} بِكَسْر الضَّاد وَفتح الْبَاء {الله} فَاعل رفع {غضب} فعل مَاض وَاسم الله رفع بِفِعْلِهِ قَالَ سِيبَوَيْهٍ هَا هُنَا هَاء مضمرة وَأَن خَفِيفَة من الثَّقِيلَة الْمَعْنى أَنه غضب الله عَلَيْهَا قَالَ الشَّاعِر ... فِي فتية كسيوف الْهِنْد قد علمُوا ... أَن هَالك كل من يحفى وينتعل ... وَقَرَأَ الْبَاقُونَ أَن غضب الله عَلَيْهَا {يَوْم تشهد عَلَيْهِم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بِمَا كَانُوا يعْملُونَ} 24 قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / يَوْم يشْهد عَلَيْهِم ألسنتهم / بِالْيَاءِ لِأَن الْوَاحِد مِنْهَا مُذَكّر وَالْفِعْل مُتَقَدم وَقد حيل بَين الِاسْم وَالْفِعْل بقوله عَلَيْهِم وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يَوْم تشهد} بِالتَّاءِ لِأَنَّهَا جمَاعَة تَقول هَذِه أَلْسِنَة {وَلَا يبدين زينتهن إِلَّا} {لبعولتهن أَو آبائهن} {أَو التَّابِعين غير أولي الإربة من الرِّجَال} {وتوبوا إِلَى الله جَمِيعًا أَيهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تفلحون} 31 قَرَأَ ابْن عَامر وَأَبُو بكر غير أولي الإربة نصبا ونصبه على

ضَرْبَيْنِ أَحدهمَا الِاسْتِثْنَاء الْمَعْنى لَا يبدين إِلَّا للتابعين إِلَّا أولي الإربة فَلَا يبدين زينتهن لَهُم وَيجوز أَن يكون مَنْصُوبًا على الْحَال فَيكون الْمَعْنى أَو التَّابِعين لَا مريدين النِّسَاء أَي فِي هَذِه الْحَال وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {غير} خفضا صفة الْمَعْنى لَا يبدين زينتهن إِلَّا للتابعين الَّذين لَا إربة لَهُم فِي النِّسَاء والإربة الْحَاجة قَالَ الزّجاج وَجَاز وصف التَّابِعين ب غير وَإِن كَانَت غير يُوصف بهَا النكرَة فَإِن التَّابِعين هَا هُنَا لَيْسَ بمقصود بِهِ إِلَى قوم بأعيانهم إِنَّمَا مَعْنَاهُ لكل تَابع غير ذِي إربة قَرَأَ ابْن عَامر / أيه الْمُؤْمِنُونَ / بِضَم الْهَاء وَكَذَلِكَ / أيه السَّاحر /

{ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات}

و / أيه الثَّقَلَان / وَهَذِه لُغَة وحجته أَن الْمَصَاحِف جَاءَت فِي هَذِه الثَّلَاثَة بِغَيْر ألف قَالَ ثَعْلَب كَأَن من يرفع الْهَاء يَجْعَل الْهَاء مَعَ أَي اسْما وَاحِدًا على أَنه اسْم مُفْرد وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أَيهَا} بِفَتْح الْهَاء فِيهِنَّ وابو عَمْرو وَالْكسَائِيّ يقفان عَلَيْهَا بِالْألف لِأَنَّهَا إِنَّمَا سَقَطت لسكونها وَسُكُون لَام الْمعرفَة فَإِذا وقف عَلَيْهَا زَالَ التقاء الساكنين فظهرت الْألف فَلَا وَجه لخدفها فِي الْوَقْف {وَلَقَد أنزلنَا إِلَيْكُم آيَات مبينات} 34 قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَأَبُو بكر {آيَات مبينات} بِفَتْح الْيَاء أَي لَا لبس فِيهَا وحجتهم قَوْله {قد بَينا لكم الْآيَات} وَالْفِعْل مُسْند إِلَى الله فَهِيَ الْآن مبينات بِدلَالَة مَا فِي التَّنْزِيل على صِحَة وَجه إخراجهن مفعولات وَقَرَأَ أهل الشَّام والكوفة غير أبي بكر مبينات بِالْكَسْرِ الْمَعْنى بَين لكم الْحَلَال من الْحَرَام فهن الفاعلات وحجتهم قَوْله {يحذر المُنَافِقُونَ أَن تنزل عَلَيْهِم سُورَة تنبئهم بِمَا فِي قُلُوبهم} فأسند التَّبْيِين إِلَى السُّورَة فَكَذَلِك قَوْله {آيَات مبينات} فأسندوا التَّبْيِين إِلَى الْآيَات {الله نور السَّمَاوَات وَالْأَرْض} {الزجاجة كَأَنَّهَا كَوْكَب دري يُوقد من شَجَرَة مباركة} 35

قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَابْن عَامر وَحَفْص {كَأَنَّهَا كَوْكَب دري} بِضَم الدَّال مُشَدّدَة الْيَاء بِغَيْر همز يحْتَمل قَوْله تَعَالَى {دري} أَمريْن احدهما أَن يكون نِسْبَة إِلَى الدّرّ لفرط ضيائه وبهائه ونوره كَمَا أَن الدّرّ كَذَلِك وحجتهم حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ إِنَّكُم لترون أهل عليين فِي عليين كَمَا ترَوْنَ الْكَوْكَب الدُّرِّي فِي أفق السَّمَاء وَإِن أَبَا بكر وَعمر مِنْهُم وأنعما هَكَذَا جَاءَ فِي الحَدِيث وَيجوز أَن يكون فعيلا من الدرء وَهُوَ الدّفع وَهُوَ أَن يدْفع بنوره من أَن ينظر النَّاظر إِلَيْهِ فخففت الْهمزَة فَانْقَلَبت يَاء كَمَا تنْقَلب من النبيء ثمَّ أدغمت الْيَاء فِي الْيَاء وَقَرَأَ حَمْزَة وَأَبُو بكر / دريء / بِضَم الدَّال مهموزا فعيلا من الدرء وَهُوَ الدّفع وَقد فسرت حكى سِيبَوَيْهٍ عَن أبي الْخطاب / كَوْكَب دريء / من الصِّفَات وَمن الْأَسْمَاء المريق وَهُوَ العصفر وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو وَالْكسَائِيّ / دريء / مهموزا بِكَسْر الدَّال فعيلا من الدرء مثل السكير والفسيق وَالْمعْنَى أَن الخفاء يدْفع عَنهُ لتلألئه فِي ظُهُوره فَلم يخف كَمَا خَفِي نَحْو السها

قَالَ الْكسَائي / كَوْكَب دريء / أَي مضيء تَقول دَرأ النَّجْم يدْرَأ درءا إِذا أَضَاء وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُم أَبُو عَمْرو أَخَذُوهُ من درأت النُّجُوم إِذا اندفعت أَي اندفعت الشَّيَاطِين بهَا وَقَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو / توقد / بِالتَّاءِ وَفتح الْوَاو وَالدَّال فعل مَاض وفاعل توقد الْمِصْبَاح وَيكون الْمَعْنى الْمِصْبَاح فِي زجاجة توقد الْمِصْبَاح وَيجوز أَن يكون التوقد للكوكب لِأَن الْكَوْكَب يُوصف كثيرا بالتوقد لما يعرض فِيهَا من الحركات الَّتِي تشبه توقد النيرَان وَقَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَحَفْص {يُوقد} مَضْمُومَة الْيَاء وَالدَّال وَمن قَرَأَ هَذَا كمن قَرَأَ / توقد / فِي أَنه جعل فَاعل يُوقد الْمِصْبَاح أَو الْكَوْكَب وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وابو بكر / توقد / بِالتَّاءِ جعلُوا الإيقاد للزجاجة لِأَنَّهُ جَاءَ فِي سِيَاق وصفهَا وَقرب مِنْهَا فَجعلُوا الْخَبَر عَنْهَا لقربها مِنْهُ وَبعده من الْمِصْبَاح فَإِن قيل كَيفَ وصفت الزجاجة بِأَنَّهَا توقد وَإِنَّمَا يكون الاتقاد للنار قيل لما كَانَ الاتقاد فِيهَا جَازَ أَن يُوصف بِهِ لارْتِفَاع اللّبْس عَن وهم السامعين وعلمهم بالمراد

{في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال} 26 و

من الْكَلَام وَالْعرب قد تسند الْأَفْعَال كثيرا إِلَى مَا لَا فعل لَهُ فِي الْحَقِيقَة إِذا كَانَ الْفِعْل يَقع فِيهِ فَيَقُولُونَ ليل نَائِم لِأَن النّوم فِيهِ يكون كَمَا قَالَ جلّ وَعز {كرماد اشتدت بِهِ الرّيح فِي يَوْم عاصف} فالعصوف للريح فَجعله من صفة الْيَوْم لكَونه فِيهِ وَهَذَا وَاضح عِنْد أهل الْعَرَبيَّة {فِي بيُوت أذن الله أَن ترفع وَيذكر فِيهَا اسْمه يسبح لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال رجال} 26 و 27 قَرَأَ ابْن عَامر وَأَبُو بكر {يسبح لَهُ فِيهَا} بِفَتْح الْبَاء على مَا لم يسم فَاعله وَقَامَ الْجَار وَالْمَجْرُور مقَام الْفَاعِل ثمَّ فسر من يسبح فَقَالَ {رجال} أَي يسبح لَهُ رجال فَهَذَا الْمُضمر دلّ عَلَيْهِ قَوْله {يسبح لَهُ} لِأَنَّهُ إِذا قَالَ يسبح دلّ على فَاعل التَّسْبِيح فَيكون رفع {رجال} هَا هُنَا على تَفْسِير مَا لم يسم فَاعله وَيجوز أَن يكون الْكَلَام قد تمّ عِنْد قَوْله {وَالْآصَال} ثمَّ يَقُول {رجال لَا تُلْهِيهِمْ} على الِابْتِدَاء وَالْأول بإضمار فعل وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يسبح} بِكَسْر الْبَاء و {رجال} رفع بفعلهم {أَو كظلمات فِي بَحر لجي يَغْشَاهُ موج من فَوْقه موج من فَوْقه سَحَاب ظلمات بَعْضهَا فَوق بعض} 40 قَرَأَ ابْن كثير فِي رِوَايَة القواس {سَحَاب} منونا {ظلمات}

{والله خلق كل دابة من ماء}

مَكْسُورَة التَّاء فَجعله تكريرا أَو بَدَلا من الظُّلُمَات الأولى وَالتَّقْدِير أَو كظلمات ظلمات قَرَأَ البزي {سَحَاب ظلمات} مُضَافا كَمَا تَقول سَحَابَة رَحْمَة وسحاب مطر إِذا ارْتَفع فِي الْوَقْت الَّذِي يكون فِيهِ الرَّحْمَة والمطر وَكَذَلِكَ شبه إِذا ارْتَفع فِي وَقت كَون هَذِه الظُّلُمَات بارتفاعه فِي وَقت الرَّحْمَة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {سَحَاب ظلمات} رفعا جَمِيعًا بِالتَّنْوِينِ {سَحَاب} رفع لِأَنَّهُ خبر الصّفة والظمات رفع لِأَنَّهُ خبر ابْتِدَاء مَحْذُوف تَقْدِيره هَذِه ظلمات بَعْضهَا فَوق بعض {وَالله خلق كل دَابَّة من مَاء} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَالله خَالق كل دَابَّة من مَاء على فَاعل وَهُوَ مُضَاف إِلَى مَا بعده وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {خلق كل دَابَّة} وحجتهم أَن الْمَقْصُود من ذَلِك هُوَ التَّنْبِيه على الِاعْتِبَار بِمَا بعد الْفِعْل من الْمَخْلُوقَات وَإِذا كَانَ ذَلِك كَذَلِك فَأكْثر مَا يتأتي فِيهِ الْفِعْل على فعل وَهَذَا الْموضع مَوْضِعه كَمَا قَالَ {الَّذِي خَلقكُم من نفس وَاحِدَة وَخلق مِنْهَا زَوجهَا} وَقَالَ {وَخلق كل شَيْء فقدره تَقْديرا} فنبههم بذلك أَن يعتبروا ويتفكروا فِي قدرته فَكَذَلِك قَوْله {وَالله خلق كل دَابَّة من مَاء}

{ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون}

وَحجَّة من قَرَأَ / خَالق كل دَابَّة / فَلفظ قَوْله {خَالق} أَعم وَأجْمع لِأَنَّهُ يشْتَمل على مَا مضى وَمَا يحدث مِمَّا هُوَ كَائِن وَيدل عَلَيْهِ قَوْله {خَالق كل شَيْء فاعبدوه} {وَمن يطع الله وَرَسُوله ويخش الله ويتقه فَأُولَئِك هم الفائزون} قَرَأَ نَافِع فِي رِوَايَة الْحلْوانِي {ويخش الله ويتقه} بالاختلاس وَهُوَ الِاخْتِيَار عِنْد أهل النَّحْو لِأَن الأَصْل فِي الْفِعْل قبل الْجَزْم أَن تَقول يتقيه وبالاختلاس فَلَمَّا سَقَطت الْيَاء للجزم بقيت الْحَرَكَة مختلسة كأول وهلة وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو وَأَبُو بكر {ويتقه} سَاكِنة الْهَاء قَالُوا إِن الْهَاء لما اخْتلطت بِالْفِعْلِ ثقلت الْكَلِمَة فخففت بالإسكان وَقَرَأَ حَفْص ويتقه بِإِسْكَان الْقَاف وَكسر الْهَاء وَله حجتان إِحْدَاهمَا أَنه كره الكسرة فِي الْقَاف فأسكنها تَخْفِيفًا وَالْعرب تَقول هَذَا فَخذ وفخذ وكبد وكبد وَيجوز أَن يكون أسكن الْقَاف وَالْهَاء فَكسر الْهَاء لالتقاء الساكنين كَمَا قَرَأَ أَبُو بكر فِي أول الْكَهْف {من لَدنه} بِكَسْر الْهَاء فَإِنَّهُ أسكن الدَّال استثقالا للضمة فَلَمَّا أسكن الدَّال التقى ساكنان النُّون وَالدَّال فَكسر النُّون لالتقاء الساكنين وَكسر الْهَاء لمجاورة حرف مكسور وَوَصلهَا بياء

{ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا}

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {ويتقه} ي بِكَسْر الْهَاء لمجاورة الْقَاف الْمَكْسُورَة يتبعُون الْهَاء يَاء تَقْوِيَة وَقد ذكرت ذَلِك فِي آل عمرَان {ليَستَخْلِفنهم فِي الأَرْض كَمَا اسْتخْلف الَّذين من قبلهم وليمكنن لَهُم دينهم الَّذِي ارتضى لَهُم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا} 55 قَرَأَ أَبُو بكر {اسْتخْلف} بِضَم التَّاء على مَا لم يسم فَاعله وَقَرَأَ الْبَاقُونَ كَمَا اسْتخْلف بِفَتْح التَّاء لذكر الله تَعَالَى قبل ذَلِك وَبعده فَمن ضم التَّاء ف الَّذين فِي مَوضِع رفع وَمن فتح التَّاء ف الَّذين فِي مَوضِع نصب قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو بكر {وليبدلنهم} بِالتَّخْفِيفِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ قَالَ الْفراء هما متقاربان فَإِذا قلت للرجل قد بدلت مَعْنَاهُ قد تغير حالك وَلم يَأْتِ مَكَانك آخر وكل مَا غير عَن حَاله فَهُوَ مبدل وَقد يجوز بِالتَّخْفِيفِ مبدل وَلَيْسَ بِالْوَجْهِ فَإِذا جعلت الشَّيْء مَكَان الشَّيْء قلت أبدلته ابدل لي هَذَا الدِّرْهَم أَي أَعْطِنِي مَكَانَهُ وَبدل جَائِزَة فَمن قَالَ وليهدلنه فَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَن يَجْعَل الْخَوْف أمنا وَمن قَالَ ليبدلنهم بِالتَّخْفِيفِ قَالَ الْأَمْن خلاف الْخَوْف فَكَأَنَّهُ قَالَ اجْعَل لَهُم مَكَان الْخَوْف أمنا أَي ذهب بالخوف وَجَاء الْأَمْن وَهَذَا مَوضِع اتساع الْعَرَب فِي الْعَرَبيَّة {لَا تحسبن الَّذين كفرُوا معجزين فِي الأَرْض}

{ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم}

قَرَأَ ابْن عَامر وَحَمْزَة / وَلَا يَحسبن الَّذين كفرُوا معجزين / بِالْيَاءِ وَجَاز أَن يكون فَاعل الحسبان أحد شَيْئَيْنِ إِمَّا أَن يكون قد يضمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ كَأَنَّهُ قَالَ لَا يَحسبن مُحَمَّد الَّذين كفرُوا معجزين وَالَّذين الْمَفْعُول الأول والمعفول الثَّانِي معجزين وَيجوز أَن يكون فَاعل الحسبان الَّذين كفرُوا وَيكون الْمَفْعُول الأول محذوفا تَقْدِيره لَا يَحسبن الَّذين كفرُوا إيَّاهُم معجزين فِي الأَرْض وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لَا تحسبن الَّذين} بِالتَّاءِ أَي لَا تحسبن يَا مُحَمَّد الْكَافرين معجزين أَي قدرَة الله مُحِيطَة بهم {لِيَسْتَأْذِنكُم الَّذين ملكت أَيْمَانكُم وَالَّذين لم يبلغُوا الْحلم مِنْكُم ثَلَاث مَرَّات من قبل صَلَاة الْفجْر وَحين تضعون ثيابكم من الظهيرة وَمن بعد صَلَاة الْعشَاء ثَلَاث عورات لكم} 58 قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وابو بكر {ثَلَاث عورات لكم} نصبا جَعَلُوهُ بَدَلا من قَوْله {ثَلَاث مَرَّات} و {ثَلَاث مَرَّات} نصب على الظّرْف فَإِن قلت إِن قَوْله {ثَلَاث مَرَّات} وزمان بِدلَالَة أَنه فسر بِزَمَان وَهُوَ قَوْله {من قبل صَلَاة الْفجْر وَحين تضعون ثيابكم من الظهيرة وَمن بعد صَلَاة الْعشَاء} وَلَيْسَ العورات بِزَمَان فَكيف يَصح وَلَيْسَ هَذِه هن قيل يكون ذَلِك على أَن يضمر الْأَوْقَات كَأَنَّهُ قَالَ أَوْقَات

ثَلَاث العورات فَلَمَّا حذف الْمُضَاف أعرب الْمُضَاف إِلَيْهِ بإعراب الْمُضَاف والعورات جمع عَورَة وَحكم مَا كَانَ على فعله من الْأَسْمَاء تَحْرِيك الْعين فِي الْجمع نَحْو حفْنَة وحفنات إِلَّا أَن عَامَّة الْعَرَب كَرهُوا تَحْرِيك الْعين فِيمَا كَانَ عينه واوا أَو يَاء لما كَانَ يلْزم من الانقلاب إِلَى الْألف فأسكنوا وَقَالُوا عورات وبيضات وهذيل حركوا الْعين مِنْهَا فَقَالُوا عورات وَأنْشد عبهضم ... أَخُو بيضات رائح متأوب ... رَفِيق بمسح الْمَنْكِبَيْنِ سبوح ... فحرك الْيَاء من بيضات وَمن قَرَأَ / يَضعن من ثيابهن / فَلِأَنَّهُ لَا يوضع كل الثِّيَاب وَإِنَّمَا يوضع بَعْضهَا وَرُوِيَ عَن أبي عبد الله عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ هُوَ الجلباب إِلَّا أَن يكون أمة فَلَيْسَ عَلَيْهَا جنَاح أَن تضع خمارها قَالَ الزّجاج {ثَلَاث عورات} بِالنّصب على معنى لِيَسْتَأْذِنكُم ثَلَاث عورات

- سورة الفرقان

وقرأالباقون {ثَلَاث عورات} جَعَلُوهُ خبر ابْتِدَاء مَحْذُوف كَمَا قَالَ {وَالَّذين لم يبلغُوا الْحلم مِنْكُم} ثَلَاث مَرَّات وَفصل الثَّلَاث بقوله {من قبل صَلَاة الْفجْر وَحين تضعون ثيابكم من الظهيرة وَمن بعد صَلَاة الْعشَاء} فَكَأَنَّهُ قَالَ هِيَ ثَلَاث عورات فأجمل بعد التَّفْصِيل 25 - سُورَة الْفرْقَان {أَو تكون لَهُ جنَّة يَأْكُل مِنْهَا} {تبَارك الَّذِي إِن شَاءَ جعل لَك خيرا من ذَلِك جنَّات تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار وَيجْعَل لَك قصورا} 8 و 10 قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {نَأْكُل مِنْهَا} بالنُّون وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ أَي مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وحجتهم قَوْله {تبَارك الَّذِي إِن شَاءَ جعل لَك خيرا من ذَلِك} فخصه بِالْوَصْفِ وَلم يقل جعل لكم فيدخلوا مَعَه فِي الْوَصْف وَمن قَرَأَ بالنُّون أخبر الْمُتَكَلّم عَن نَفسه مَعَ جمَاعَة كَأَنَّهُمْ أَرَادوا أَن يكون للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ جنَّة لَهُ دونهم يرونها ويأكلون مِنْهَا حَتَّى يتيقنوا صِحَة ذَلِك بأكلهم مِنْهُ نَظِير مَا أخبر عَنْهُم فِي قيلهم لَهُ {لن نؤمن لَك حَتَّى تفجر لنا من الأَرْض ينبوعا} وقيلهم أَيْضا لَهُ {وَلنْ نؤمن لرقيك حَتَّى تنزل علينا كتابا نقرؤه} وَلم يقل تقرؤه

{وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا}

أَنْت علينا حَتَّى تفجر لنَفسك قَرَأَ ابْن كثير وَابْن عَامر وَأَبُو بكر {وَيجْعَل لَك قصورا} بِرَفْع اللَّام على الِابْتِدَاء قطعوه عَمَّا قبله وَالْمعْنَى وسيجعل لَك قصورا أَي سيعطيك الله فِي الْآخِرَة أَكثر مِمَّا قَالُوا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَيجْعَل لَك} جزما عطفوا على مَوضِع {إِن شَاءَ} الْمَعْنى إِن يَشَأْ يَجْعَل لَك جنَّات وَيجْعَل لَك قصورا {وَإِذا ألقوا مِنْهَا مَكَانا ضيقا مُقرنين دعوا هُنَالك ثبورا} قَرَأَ ابْن كثير ضيقا بِالتَّخْفِيفِ ووزنه فعل وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {ضيقا} بِالتَّشْدِيدِ ووزنه فيعل وهما لُغَتَانِ مثل هَين ولين وهين ولين وَمثله ميت وميت {وَيَوْم يحشرهم وَمَا يعْبدُونَ من دون الله فَيَقُول أأنتم أضللتم عبَادي هَؤُلَاءِ} 17 قَرَأَ ابْن كثير وَحَفْص {وَيَوْم يحشرهم وَمَا يعْبدُونَ من دون الله فَيَقُول} بِالْيَاءِ جَمِيعًا

{فقد كذبوكم بما تقولون فما تستطيعون صرفا ولا نصرا}

وَقَرَأَ ابْن عَامر جَمِيعًا بالنُّون وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {نحشرهم} بالنُّون {فَيَقُول} بِالْيَاءِ حجَّة من قَرَأَ جَمِيعًا بِالْيَاءِ قَوْله قبلهَا {كَانَ على رَبك وَعدا مسؤولا وَيَوْم يحشرهم} أَي وَيَوْم يحشرهم رَبك فَيَقُول وَيُقَوِّي ذَلِك مَا بعده {أضللتم عبَادي} وَلم يقل عبادنَا وَحجَّة من قَرَأَ نحشرهم بالنُّون {فَيَقُول} بِالْيَاءِ فَإِنَّهُ على أَنه أفرد بعد الْجمع مثل قَوْله {وآتينا مُوسَى الْكتاب وجعلناه هدى لبني إِسْرَائِيل أَلا تَتَّخِذُوا من دوني وَكيلا} وَحجَّة من قَرَأَ {نحشرهم} بالنُّون فَالله أخبر عَن نَفسه أَي نَحن نحشرهم ثمَّ عطف عَلَيْهِ / فَنَقُول / بِلَفْظ الْجمع وحجته قَوْله فِي الْأَنْعَام / وَيَوْم نحشرهم جَمِيعًا ثمَّ نقُول للْمَلَائكَة / وكما قَالَ {وحشرناهم فَلم نغادر مِنْهُم أحدا} {فقد كذبوكم بِمَا تَقولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صرفا وَلَا نصرا} قَرَأَ ابْن كثير فِي رِوَايَة قنبل / فقد كذبوكم بِمَا يَقُولُونَ / بِالْيَاءِ أَي كذبوكم بقَوْلهمْ وَقَوْلهمْ {سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لنا أَن نتَّخذ من دُونك من أَوْلِيَاء} وَقَوْلهمْ أَيْضا {سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لنا أَن نتَّخذ من دُونك من أَوْلِيَاء} وَقَوْلهمْ أَيْضا {سُبْحَانَكَ أَنْت ولينا من دونهم} فَفِي قَوْله {أَنْت ولينا من دونهم} دلَالَة على أَنهم لم

{ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا}

يعبدوهم لأَنهم لَو عبدوهم وَرَضوا بذلك لم يكن الله وليا لَهُم من دونهم وَقَرَأَ / فَمَا يَسْتَطِيعُونَ / بِالْيَاءِ أَي فَمَا يَسْتَطِيع الْمَلَائِكَة لَهُم صرفا وَلَا نصرا وَقَرَأَ حَفْص {فقد كذبوكم بِمَا تَقولُونَ} بِالتَّاءِ أَي فقد كذبتكم الْمَلَائِكَة بِمَا تَقولُونَ أَي فِي قَوْلكُم إِنَّهُم آلِهَة وَقَرَأَ {فَمَا تَسْتَطِيعُونَ} بِالْيَاءِ أَي فَمَا يَسْتَطِيع الشُّرَكَاء صرفا وَلَا نصرا لكم {وَيَوْم تشقق السَّمَاء بالغمام وَنزل الْمَلَائِكَة تَنْزِيلا} قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَابْن عَامر {وَيَوْم تشقق السَّمَاء} بِالتَّشْدِيدِ أَرَادوا تتشق فأدغموا التَّاء فِي الشين وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {تشقق} بِالتَّخْفِيفِ أَرَادوا ايضا / تتشقق / فحذفوا إِحْدَى التَّاءَيْنِ الْمَعْنى تشقق السَّمَاء بالغمام أَي مَعَ الْغَمَام وَقد قيل عَن الْغَمَام قَرَأَ ابْن كثير {وننزل} بنونين الأولى مَضْمُومَة وَالثَّانيَِة سَاكِنة وَاللَّام مَرْفُوعَة {الْمَلَائِكَة} نصب الله تَعَالَى يخبر عَن نَفسه أَي ننزل نَحن الْمَلَائِكَة وحجته قِرَاءَة من قَرَأَ {مَا ننزل الْمَلَائِكَة إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذا منظرين} وَقَوله {تَنْزِيلا} مصدرا نزل تَنْزِيلا وَمن أنزل ينزل إنزالا لَا يَجِيء إِلَّا أَنه قد جَاءَ فِي الْقُرْآن مثله وَهُوَ قَوْله {وتبتل إِلَيْهِ تبتيلا} وَلم يقل تبتلا فَكَذَلِك قِرَاءَة ابْن كثير

وهو الذي أرسل الريح بشرا بين يدي رحمته

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَنزل الْمَلَائِكَة} على مَا لم يسم فَاعله وَهُوَ الِاخْتِيَار لِأَن {تَنْزِيلا} لَا يكون إِلَّا مصدر نزل / وَهُوَ الَّذِي أرسل الرّيح بشرا بَين يَدي رَحمته 48 / قَرَأَ ابْن كثير / وَهُوَ الَّذِي يُرْسل الرّيح / بِغَيْر ألف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْألف وَقد ذكرنَا الْحجَّة فِي سُورَة الْبَقَرَة نشرا أَيْضا قد ذكرنَا الْقرَاءَات والحجج فِي الْأَعْرَاف {وَلَقَد صرفناه بَينهم لِيذكرُوا} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {لِيذكرُوا} سَاكِنة الذَّال من ذكر يذكر أَي لِيذكرُوا نعم الله عَلَيْهِم وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لِيذكرُوا} بِالتَّشْدِيدِ أَرَادوا ليتذكروا فأدغموا التَّاء فِي الذَّال وَالْمعْنَى ليتعظوا {وَإِذا قيل لَهُم اسجدوا للرحمن قَالُوا وَمَا الرَّحْمَن أنسجد لما تَأْمُرنَا وَزَادَهُمْ نفورا} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / لما يَأْمُرنَا / بِالْيَاءِ وحجتهما أَن التَّفْسِير

{تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا}

ورد بِأَن مُسَيْلمَة الْكذَّاب كَانَ تسمى بالرحمن فَلَمَّا قيل لَهُم {اسجدوا للرحمن} قَالُوا حِينَئِذٍ أنسجد لما يَأْمُرنَا رَحْمَن الْيَمَامَة تكبرا مِنْهُم واستهزاء فَأنْزل الله جلّ وَعز من قيلهم هَذِه الْآيَة وَقد يجوز أَن يَقُولُوا لَهُ وَمَا الرَّحْمَن ثمَّ يَقُول بَعضهم لبَعض أنسجد لما يَأْمُرنَا مُحَمَّد بِالسُّجُود لَهُ على وَجه الْإِنْكَار مِنْهُم لذَلِك وَيجوز أَيْضا أَن يَعْنِي أَنهم قَالُوا لَا نصدقك فنسجد لما تزْعم أَنه يَأْمُرنَا بذلك وَقَرَأَ الْبَاقُونَ لما تَأْمُرنَا بِالتَّاءِ جعلُوا الْخطاب للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي أنسجد لما تَأْمُرنَا كَأَنَّهُمْ خاطبوه بِالرَّدِّ {وَزَادَهُمْ نفورا} أَي وَزَادَهُمْ أمره إيَّاهُم بِالسُّجُود نفورا عَمَّا أمروا بِهِ {تبَارك الَّذِي جعل فِي السَّمَاء بروجا وَجعل فِيهَا سِرَاجًا وقمرا منيرا} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / وَجعل فِيهَا سرجا / على الْجمع وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {سِرَاجًا} على التَّوْحِيد أَرَادوا الشَّمْس وحجتهم {وَجعل الشَّمْس سِرَاجًا} بِالتَّوْحِيدِ فَردُّوا مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ وَالْهَاء فِي {فِيهَا} عَائِدَة على السَّمَاء وأرادو بالبروج النُّجُوم الْكِبَار وَيجوز أَن تكون الْهَاء عَائِدَة على البروج فَيكون حِينَئِذٍ السراج يُؤَدِّي عَن معنى الْجمع كَمَا قَالَ {يخرجكم طفْلا} وَيكون التَّقْدِير وَجعل فِي البروج سِرَاجًا فَيُؤَدِّي السراج عَن معنى الْجمع وَمن قَرَأَ سرجا الشَّمْس وَالْقَمَر وَالْكَوَاكِب الْعِظَام مَعهَا وَالْهَاء فِي {فِيهَا}

{وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا}

عَائِدَة على البروج وَيكون تَقْدِير الْكَلَام جعل فِي البروج سرجا وقمرا منيرا وَإِذا وجهت الْقِرَاءَة على هَذَا الْوَجْه أخذت الْمَعْنيين الْجمع والتوحيد لِأَن البروج منَازِل الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم فَهِيَ كلهَا فِي البروج وَالشَّمْس دَاخِلَة مَعهَا {وَهُوَ الَّذِي جعل اللَّيْل وَالنَّهَار خلفة لمن أَرَادَ أَن يذكر أَو أَرَادَ شكُورًا} قَرَأَ حَمْزَة {لمن أَرَادَ أَن يذكر} بِإِسْكَان الذَّال وَضم الْكَاف أَي لمن أَرَادَ الذّكر قَالَ الْفراء يذكر ويتذكر بِمَعْنى وَاحِد يُقَال ذكرت حَاجَتك وتذكرتها وَفِي التَّنْزِيل {إِنَّه تذكرة فَمن شَاءَ ذكره} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يذكر} بِالتَّشْدِيدِ أَي يتعظ ويتفكر وَيعْتَبر فِي اخْتِلَافهمَا وَالْأَصْل يتَذَكَّر ثمَّ أدغموا التَّاء فِي الذَّال وحجتهم قَوْله {إِنَّمَا يتَذَكَّر أولُوا الْأَلْبَاب} {وَالَّذين إِذا أَنْفقُوا لم يُسْرِفُوا وَلم يقترُوا} قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر {وَلم يقترُوا} بِضَم الْيَاء وَكسر التَّاء من أقتر يقتر مثل أكْرم يكرم وحجتهما قَوْله {وعَلى المقتر قدره} وَقَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {يقترُوا} بِفَتْح الْيَاء وَكسر التَّاء

{ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا} 68 و

وَقَرَأَ أهل الْكُوفَة {يقترُوا} بِضَم التَّاء من قتر يقتر وهما لُغَتَانِ تَقول قتر يقتر ويقتر مثل عرش يعرش ويعرش وَعَكَفَ يعكف ويعكف وحجتهم قَوْله وَكَانَ الْإِنْسَان قتورا {وَمن يفعل ذَلِك يلق أثاما يُضَاعف لَهُ الْعَذَاب يَوْم الْقِيَامَة ويخلد فِيهِ مهانا} 68 و 69 قَرَأَ ابْن كثير / يضعف لَهُ الْعَذَاب / بِالتَّشْدِيدِ والجزم وَقَرَأَ ابْن عَامر / يضعف / بِالتَّشْدِيدِ وَالرَّفْع {ويخلد} بِالرَّفْع أَيْضا وَقَرَأَ أَبُو بكر {يُضَاعف} بِالرَّفْع وَالْألف {ويخلد} بِالرَّفْع وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يُضَاعف} {ويخلد} بِالْألف والجزم فيهمَا فَمن جزم جعله بَدَلا من جَوَاب الشَّرْط وَالشّرط قَوْله {وَمن يفعل ذَلِك} جَوَابه {يلق} وعلامة الْجَزْم فِيهِ سُقُوط الْألف و {يُضَاعف} بدل من يلق و {ويخلد} نسق عَلَيْهِ قَالَ الزّجاج وَتَأْويل الأثام تَأْوِيل المجازاة على الشَّيْء قَالَ أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ يُقَال لقد لَقِي أثام ذَلِك أَي جَزَاء ذَلِك وسيبويه والخليل يذهبان إِلَى أَن مَعْنَاهُ يلقى جَزَاء الأثام وَمثله {مشفقين مِمَّا كسبوا} قَالَ أَبُو عُبَيْدَة {يلق أثاما} أَي عُقُوبَة أَي عُقُوبَته وَمن رفع فقد اسْتغنى الْكَلَام وَتمّ جَوَاب الشَّرْط فاستأنف على تَأْوِيل تَفْسِير يلق أثاما كَأَن قَائِلا قَالَ مَا لَقِي الآثم

{ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين}

فَقيل يُضَاعف للآثم الْعَذَاب ويخلد نسق عَلَيْهِ و / يضعف / جيد تَقول ضاعفت الشَّيْء وضعفته {رَبنَا هَب لنا من أَزوَاجنَا وَذُرِّيَّاتنَا قُرَّة أعين} 74 قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَابْن عَامر وَحَفْص {من أَزوَاجنَا} وَذُرِّيَّاتنَا بِالْألف على الْجمع وَقَرَأَ الْبَاقُونَ ذريتنا وَاحِدَة فَمن جمع قَالَ الْجمع للأزواج وَمن وحد قَالَ الذُّرِّيَّة فِي معنى الْجمع قَالَ الله تَعَالَى {ذُرِّيَّة من حملنَا مَعَ نوح} {أُولَئِكَ يجزون الغرفة بِمَا صَبَرُوا ويلقون فِيهَا تَحِيَّة وَسلَامًا} 75 قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَأَبُو بكر {ويلقون فِيهَا} بِالتَّخْفِيفِ أَي يلقون أهل الْجنَّة فِيهَا تَحِيَّة وَسلَامًا من الله جعلنَا الله مِنْهُم فالفعل لَهُم وحجتهم قَوْله {فَسَوف يلقون غيا} {وَمن يفعل ذَلِك يلق أثاما} فَجعلُوا قَوْله {ويلقون فِيهَا} بِلَفْظ مَا تقدم ليَكُون الْكَلَام على نظم وَاحِد وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {ويلقون} بِالتَّشْدِيدِ أَي يُلقيهِمْ الله أَو مَلَائكَته التَّحِيَّة وَالسَّلَام إِذا دخلُوا الْجنَّة وحجتهم قَوْله {ولقاهم نَضرة وسرورا} فعلى لقاهم يلقون

- سورة الشعراء

وَاعْلَم أَن لَقِي فعل مُتَعَدٍّ إِلَى مفعول وَاحِد فَإِذا ثقل تعدى إِلَى مفعولين فَقَوله {تَحِيَّة} الْمَفْعُول الثَّانِي من لقِيت زيدا تَحِيَّة فَلَمَّا بنيت الْفِعْل للْمَفْعُول بِهِ قَامَ أحد المفعولين مقَام الْفَاعِل فَبَقيَ الْفِعْل مُتَعَدِّيا إِلَى مفعول وَاحِد 26 - سُورَة الشُّعَرَاء {طسم} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وابو بكر {طسم} بِكَسْر الطَّاء وحجتهم صِحَة الْخَبَر عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ أَنه أمال {طه} فأجروا {طسم} مجْراهَا إِذْ هِيَ هِيَ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْح الطَّاء وحجتهم أَنَّهَا من الْحُرُوف المناعة لِأَنَّك لَا تَقول فِي طَالب طَالب كَا أَنَّك لَا تَقول فِي ظَالِم ظَالِم قَرَأَ حَمْزَة وَإِسْمَاعِيل عَن نَافِع بِإِظْهَار النُّون عِنْد الْمِيم هَا هُنَا وَفِي الْقَصَص وحجتهما أَن حُرُوف الهجاء فِي تَقْدِير الِانْفِصَال والانقطاع مِمَّا بعْدهَا فَإِذا كَانَ ذَلِك كَذَلِك وَجب تَبْيِين النُّون عِنْد الْمِيم وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بإخفاء النُّون عِنْد الْمِيم وحجتهم فِي ذَلِك أَن همزَة الْوَصْل قد وصلت وَلم تقطع فِي قَوْله آلم الله اله فَلَمَّا سَقَطت همزَة

{فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون}

الْوَصْل وَهِي لَا تسْقط إِلَّا فِي الدرج مَعَ هَذِه الْحُرُوف فَكَذَلِك لَا تتبين النُّون عِنْد الْمِيم {فَألْقى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذا هِيَ تلقف مَا يأفكون} قَرَأَ حَفْص {تلقف} من لقف يلقف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ من تلقف يتلقف وَالْأَصْل تتلقف فحذفوا إِحْدَى التَّاءَيْنِ قَرَأَ البزي {فَإِذا هِيَ تلقف} بتَشْديد التَّاء أدغم التَّاء فِي التَّاء {أَن أسر بعبادي} أَن أسر قد ذكرنَا فِي هود {وَإِنَّا لجَمِيع حاذرون} 56 قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو / وَإِنَّا لجَمِيع حذرون / بِغَيْر ألف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ حاذرون بِالْألف أَي مؤدون مقوون أَي ذَوُو أَدَاة وذوو سلَاح وَقُوَّة فالحاذر المستعد والحذر المتيقظ أَي قد أَخذنَا حذرنا وتأهبنا وَقَالَ 4 الحاذر الَّذِي يحذر الْآن والحذر الْمَخْلُوق حذرا لَا تَلقاهُ إِلَّا حذرا حذرا وَكَانَ الْكسَائي يَقُول أَصلهمَا وَاحِد من الحذر

{إن هذا إلا خلق الأولين}

لِأَن المتسلح إِنَّمَا يتسلح مَخَافَة الْقَتْل وَالْعرب تَقول هُوَ حاذر وحذر أَي قد أَخذ حذره {إِن هَذَا إِلَّا خلق الْأَوَّلين} قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَالْكسَائِيّ {إِن هَذَا إِلَّا خلق} الْأَوَّلين بِفَتْح الْخَاء وَسُكُون اللَّام وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {خلق} بِضَم الْخَاء وَاللَّام وَمن قَرَأَ {خلق الْأَوَّلين} بِالْفَتْح فَمَعْنَاه اختلاقهم وكذبهم كَأَنَّهُمْ قَالُوا لهود عَلَيْهِ السَّلَام مَا هَذَا الَّذِي أَتَيْتنَا بِهِ إِلَّا كذب الْأَوَّلين وأحاديثهم قَالَ ابْن عَبَّاس إِن هَذَا إِلَّا خلق الْأَوَّلين أَي كذب الْأَوَّلين وَفِيه وَجه آخر قَالَه قَتَادَة قَوْله {خلق الْأَوَّلين} قَالُوا هَكَذَا كَانَ النَّاس يعيشون مَا عاشوا ثمَّ يموتون قَالَ الزّجاج الْمَعْنى خلقنَا كَمَا خلق من كَانَ قبلنَا نحيا كَمَا حيوا وَنَمُوت كَمَا مَاتُوا وَلَا نبعث لأَنهم أَنْكَرُوا الْبَعْث وَمن قَرَأَ {خلق الْأَوَّلين} فَمَعْنَاه عَادَة الْأَوَّلين أَي مَا هَذَا الَّذِي نفعله نَحن إِلَّا عَادَة الْأَوَّلين من قبلنَا وَالْمُخْتَار ضم الْخَاء لِأَن هودا صلى الله عَلَيْهِ لما وعظهم وحذرهم وَأَنْذرهُمْ وَقَالَ لَهُم {إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم عَذَاب يَوْم عَظِيم} ردوا عَلَيْهِ وعظه وَقَالُوا {سَوَاء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين إِن هَذَا إِلَّا خلق الْأَوَّلين} يُرِيدُونَ مَا هَذَا الَّذِي نَحن عَلَيْهِ إِلَّا عَادَة الْأَوَّلين {وَمَا نَحن بمعذبين}

{وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين}

{وتنحتون من الْجبَال بُيُوتًا فارهين} 149 قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو / فرهين / بِغَيْر ألف أَي أشرين بطرين من خير وَقَالَ مُجَاهِد معجبين بصنعتكم وَعَن الْحسن آمِنين وَقَرَأَ الْبَاقُونَ فارهين أَي حاذقين بنحتها قَالَ الْفراء هما لُغَتَانِ مثل طمع وطامع {كذب أَصْحَاب الأيكة الْمُرْسلين} 176 قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَابْن عَامر / كذب أَصْحَاب ليكة / مَفْتُوحَة اللَّام وَالتَّاء وَفِي ص مثلهَا جَاءَ فِي التَّفْسِير ان اسْم الْمَدِينَة كَانَ ليكة فَلم يصرفوها للتأنيث والتعريف وحجتهم أَنَّهُمَا كتبَتَا فِي الْمَصَاحِف بِغَيْر همز وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {الأيكة} سَاكِنة اللَّام مَكْسُورَة التَّاء والأيكة الشّجر الْمُتْلف وحجتهم مَا ذكر فِي التَّفْسِير جَاءَ أَن أَصْحَاب الأيكة هَؤُلَاءِ كَانُوا

{وزنوا بالقسطاس المستقيم}

أَصْحَاب شجر ملتف وَيُقَال إِن شجرهم هُوَ الدوم والدوم شجر الْمقل {وزنوا بالقسطاس الْمُسْتَقيم} {بالقسطاس} قد ذكرنَا فِي سُورَة سُبْحَانَ {فأسقط علينا كسفا من السَّمَاء إِن كنت من الصَّادِقين} قَرَأَ حَفْص {كسفا من السَّمَاء} بتحريك السِّين أَي قطعا من السَّمَاء جمع كسفة وكسف مثل كسرة وَكسر وَالْفرق بَين واحده وَجمعه إِسْقَاط الْهَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {كسفا} سَاكِنة السِّين أَي جانبا من السَّمَاء وَقد ذكرنَا فِي سُورَة سُبْحَانَ {نزل بِهِ الرّوح الْأمين} قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَحَفْص {نزل} بِالتَّخْفِيفِ {الرّوح الْأمين} بِالرَّفْع أَي جَاءَ بِهِ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وحجتهم قَوْله {قل نزله روح الْقُدس من رَبك} وَقَوله {فَإِنَّهُ نزله على قَلْبك بِإِذن الله} فَلَمَّا كَانَ فِي هذَيْن الْمَوْضِعَيْنِ جِبْرَائِيل هُوَ الْفَاعِل بِإِجْمَاع ردوا مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ وَالْبَاء للتعدية كَمَا أَن التَّشْدِيد فِي قَوْله {نزله} للتعدية

{أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل}

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {نزل بِهِ} بِالتَّشْدِيدِ الرّوح الْأمين بِالنّصب الْمَعْنى نزل الله بِهِ الرّوح الْأمين وحجتهم أَن ذَلِك أَتَى عقيب الْخَبَر عَن تَنْزِيل الْقُرْآن وَهُوَ قَوْله {وَإنَّهُ لتنزيل رب الْعَالمين} والتنزيل مصدر نزل بِالتَّشْدِيدِ فَكَأَن قَوْله {نزل بِهِ الرّوح الْأمين} كَانَ مردودا على مَا تقدمه من ذكر الله تَعَالَى ليَكُون آخر الْكَلَام منظوما على لفظ أَوله إِذْ كَانَ على سِيَاقه {أَو لم يكن لَهُم آيَة أَن يُعلمهُ عُلَمَاء بني إِسْرَائِيل} 197 قَرَأَ ابْن عَامر / أَو لم تكن / بِالتَّاءِ {لَهُم آيَة} بِالرَّفْع جعلهَا اسْم تكون وَخبر {تكن} أَن يُعلمهُ لِأَن أَن مَعَ الْفِعْل مصدر وَالتَّقْدِير أَو لم تكن لَهُم آيَة معْجزَة وَدلَالَة ظَاهِرَة فِي علم بني إِسْرَائِيل بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْكتب إِلَى الْأَنْبِيَاء قبله أَنه نَبِي وَأَن الْقُرْآن من عِنْد الله وَلَكنهُمْ لما جَاءَهُم مَا عرفُوا كفرُوا بِهِ على بَصِيرَة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أَو لم يكن} بِالْيَاءِ {آيَة} بِالنّصب جعلُوا الْآيَة خبر كَانَ وَاسم كَانَ {أَن يُعلمهُ} كَأَن الْمَعْنى أَو لم يكن لَهُم علم بني إِسْرَائِيل أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ حق وَأَن نبوته حق آيَة أَي عَلامَة مُوضحَة لِأَن الْعلمَاء الَّذين آمنُوا من بني إِسْرَائِيل وجدوا ذكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ مَكْتُوبًا عِنْدهم فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل كَمَا قَالَ جلّ وَعز {وتوكل على الْعَزِيز الرَّحِيم}

- سورة النمل {طس تلك آيات القرآن وكتاب مبين}

قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر / فتوكل على الْعَزِيز الرَّحِيم / بِالْفَاءِ كَذَا فِي مصاحفهما وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْوَاو وحجتهم أَنَّهَا مَكْتُوبَة فِي مصاحف أهل الْعرَاق بِالْوَاو {وَالشعرَاء يتبعهُم الْغَاوُونَ} قَرَأَ نَافِع {وَالشعرَاء يتبعهُم الْغَاوُونَ} بِالتَّخْفِيفِ من تبع يتبع وَقَرَأَ الْبَاقُونَ يتبعهُ بِالتَّشْدِيدِ من اتبع يتبع فَتَبِعَهُ سَار فِي أَثَره وَاتبعهُ لحقه 27 - سُورَة النَّمْل {طس تِلْكَ آيَات الْقُرْآن وَكتاب مُبين} قَوْله عز وَجل {طس تِلْكَ} نون سين مخفاة عِنْد التَّاء غير مدغمة إِجْمَاعًا وَلم يَخْتَلِفُوا عِنْد التَّاء كَمَا اخْتلفُوا عِنْد الْمِيم وَالْوَاو وَذَلِكَ أَن التَّاء أقرب إِلَى النُّون من الْمِيم وَالْوَاو وَيعرف ذَلِك بِأَن تَقول هِيَ النُّون وَالتَّاء فترى لَام التَّعْرِيف تندغم فِي التَّاء كَمَا تندغم فِي النُّون وَتقول هِيَ الْوَاو وَالْمِيم فتراها ظَاهِرَة فَلَمَّا قرب التَّاء من النُّون صَارَت النُّون مخفاة عِنْدهَا {أَو آتيكم بشهاب قبس لَعَلَّكُمْ تصطلون} 7 قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {بشهاب قبس} منونا جعلُوا القبس صفة لِلشِّهَابِ وتأويله بشهاب مقتبس قَالَ الْأَخْفَش

{حتى إذا أتوا على وادي النمل}

وَإِن شِئْت كَانَ بَدَلا مِنْهُ وَهُوَ هُوَ فَمن أجل ذَلِك امْتنع من إِضَافَة الشهَاب إِلَى القبس لِأَن الْعَرَب لَا تكَاد تضيف الْأَسْمَاء إِلَى صفاتها إِلَّا فِي شذوذ وَالْأول قَول الْفراء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {بشهاب قبس} مُضَافا فَيكون على ضَرْبَيْنِ أَحدهمَا ذكره اليزيدي فَقَالَ {بشهاب قبس} أَي شعلة نَار كَمَا تَقول أَتَيْتُك بشعلة نَار وَالضَّرْب الآخر ذكره الْفراء قَالَ الشهَاب هُوَ القبس فيضاف إِلَى نَفسه لما اخْتلف لفظاه كَقَوْلِه {لحق الْيَقِين} {ولدار الْآخِرَة} {حَتَّى إِذا أَتَوا على وَادي النَّمْل} 17 وقف الْكسَائي على {وَادي} بِالْيَاءِ قَالَ الْكسَائي لَا يتم إِلَّا بِالْيَاءِ وَإِنَّمَا حذفوا فِي الْوَصْل من أجل السَّاكِن وَهُوَ اللَّام من النَّمْل فَإِذا وقفت وقفت على الْيَاء لِأَن الْعلَّة زَالَت ووقف الْبَاقُونَ بِغَيْر يَاء لِأَنَّهَا كتبت بِغَيْر يَاء على الْوَصْل وَسَقَطت الْيَاء من أجل السَّاكِن {مَا لي لَا أرى الهدهد أم كَانَ من الغائبين}

{أو ليأتيني بسلطان مبين}

قَرَأَ ابْن كثير وَعَاصِم وَالْكسَائِيّ وَابْن عَامر {مَا لي لَا أرى الهدهد} بِفَتْح الْيَاء هَا هُنَا وَفِي يس وَقَرَأَ نَافِع وَأَبُو عَمْرو بِإِسْكَان الْيَاء هَا هُنَا وَفتح الْيَاء هُنَاكَ وأسكنهما حَمْزَة فَمن فتح فعلى أصل الْكَلِمَة لِأَن الْيَاء اسْم مكني وكل مكني فَإِنَّهُ يبْنى على حَرَكَة نَحْو التَّاء فِي قُمْت وَالْكَاف فِي كلمك وَإِنَّمَا فرق أَبُو عَمْرو بَينهمَا لِأَن {مَا لي لَا أرى الهدهد} اسْتِفْهَام يصلح الْوَقْف على {مَا لي} فَإِذا وقفت سكنت الْيَاء {وَمَا لي لَا أعبد} بني الْكَلَام فِيهِ على الْوَصْل فحرك الْيَاء إِذْ لم ينْو الْوَقْف {أَو ليأتيني بسُلْطَان مُبين} 21 قَرَأَ ابْن كثير / أَو ليأتينني / بنونين الأولى مُشَدّدَة وَهِي نون التوكيد وَالثَّانيَِة مَعَ الْيَاء اسْم الْمُتَكَلّم وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أَو ليأتيني} بنُون وَاحِدَة كَرهُوا الْجمع بَين ثَلَاث نونات فحذفوا وَاحِدَة كَمَا قَالَ إِنَّا أعطيناك وَالْأَصْل إننا

{فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبإ بنبإ يقين}

{فَمَكثَ غير بعيد فَقَالَ أحطت بِمَا لم تحط بِهِ وجئتك من سبإ بنبإ يَقِين} قَرَأَ عَاصِم {فَمَكثَ غير بعيد} بِفَتْح الْكَاف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالضَّمِّ وهما لُغَتَانِ مكث وَمكث وكمل وكمل وحمض وحمض فَهُوَ ماكث وكامل وَالِاخْتِيَار مكث بِالْفَتْح لِأَن فعل بِالضَّمِّ أَكثر مَا يَأْتِي الِاسْم مِنْهُ على فعيل نَحْو ظرف وكرم فَهُوَ ظريف وكريم وَمن فعل بِالْفَتْح يَأْتِي الِاسْم على فَاعل تَقول مكث فَهُوَ ماكث قَالَ الله جلّ وَعز ماكثين فِيهِ أبدا وَلَا يكون من فعل بِالضَّمِّ فَاعل إِلَّا حرف وَاحِد قَالُوا فره فَهُوَ فاره ورد الْأَصْمَعِي مَا سوى هَذَا قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {وجئتك من سبإ} غير مَصْرُوف اسْم أَرض أَو مَدِينَة قَالَ الزّجاج {من سبإ} هِيَ مَدِينَة تعرف ب مأرب من الْيمن بَينهَا وَبَين صنعاء مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام وَقَرَأَ الْبَاقُونَ من سبأ مصروفا جَعَلُوهُ اسْما للبلد فَيكون مذكرا سمي بِهِ مُذَكّر وَقَرَأَ القواس {من سبإ} سَاكِنة الْهمزَة لِأَن الِاسْم مؤنث وَهُوَ ثقيل والهمزة ثَقيلَة فَلَمَّا اجْتمع ثقيلان أسكن الْهمزَة تَحْقِيقا {وزين لَهُم الشَّيْطَان أَعْمَالهم فصدهم عَن السَّبِيل فهم لَا يَهْتَدُونَ أَلا يسجدوا لله الَّذِي يخرج الخبء فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَيعلم مَا تخفون وَمَا تعلنون}

قَرَأَ الْكسَائي / فهم لَا يَهْتَدُونَ أَلا يَا اسجدوا / بتَخْفِيف اللَّام وَألا تَنْبِيه وَبعدهَا {يَا} الَّتِي يُنَادى بهَا والابتداء {اسجدوا} على الْأَمر بِالسُّجُود فَالْمَعْنى أَلا يَا قوم اسجدوا لله خلافًا عَلَيْهِم وحمدا لله لمَكَان مَا هدَاكُمْ فَلم تَكُونُوا مثلهم فِي الطغيان وَهَذَا الْكَلَام يكون مُنْقَطِعًا مِمَّا قبله على أَن مَا قبله تَمام وَيكون مَا بعده كلَاما مُعْتَرضًا من غير الْقِصَّة الْمَاضِيَة إِمَّا من سُلَيْمَان صلى الله عَلَيْهِ وَإِمَّا من الهدهد على تَأْوِيل يَا هَؤُلَاءِ اسجدوا فَلَمَّا كف ذكر هَؤُلَاءِ اتَّصَلت {يَا} بقوله {اسجدوا} فَصَارَ يسجدوا كَأَنَّهُ فعل مضارع إِذا أدرجت الْكَلَام وَالْعرب تَقول أَلا يَا ارحمونا أَي الا يَا هَؤُلَاءِ ارحمونا لِأَن يَا لَا يَلِي الْفِعْل إِلَّا مَعَ إِضْمَار وَمثله قَول ذِي الرمة ... أَلا يَا اسلمي يَا دارمي على البلى ... وَلَا زَالَ فَهَلا بجرعائك الْقطر ... أَي يَا دَار هَذِه كنت فِي سَلامَة

قَالَ قطرب الْمَعْنى أَلا يَا قوم اسجدوا فحذفت الْأَسْمَاء وَقَامَت يَا مقَامهَا وَكَانَ هَذَا الْحَذف فِي النداء خَاصَّة لِأَنَّهُ مَوضِع حذف التَّنْوِين إِذا قلت يَا زيد وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فهم لَا يَهْتَدُونَ أَلا يسجدوا} بِالتَّشْدِيدِ وحجتهم اخْتلفُوا فِيهَا فَقَالَ الزّجاج من قَرَأَ بِالتَّشْدِيدِ فَالْمَعْنى فصدهم لِئَلَّا يسجدوا أَي صدهم الشَّيْطَان عَن سَبِيل الْهدى لِئَلَّا يسجدوا ف يسجدوا نصب ب أَن وعلامة النصب حذف النُّون وَقَالَ اليزيدي الْمَعْنى وزين لَهُم الشَّيْطَان أَلا يسجدوا ف أَن فِي مَوضِع نصب لِأَنَّهَا بدل من {أَعْمَالهم} وَقَالَ إِذا خففت / أَلا يَا اسجدوا / فَفِيهِ انْقِطَاع الْقِصَّة الَّتِي كنت فِيهَا ثمَّ تعود بعد إِلَيْهَا وَإِذا اتَّصَلت الْقِصَّة بَعْضهَا بِبَعْض فَذَلِك أسهل وَيجوز أَن يكون مَعْنَاهُ فصدهم أَن يسجدوا وَتَكون لَا دَاخِلَة لتوكيد الْجحْد كَمَا قَالَ {وَحرَام على قَرْيَة أهلكناها أَنهم لَا يرجعُونَ} مَعْنَاهُ أَنهم يرجعُونَ لِأَن الْحَرَام فِي معنى الْجحْد وَكَذَلِكَ الصد فِي معنى الْجحْد وَإِنَّمَا تدخل لَا بِمَعْنى التوكيد إِذا كَانَ قبلهَا جحد مثل قَوْله {مَا مَنعك أَلا تسْجد} وَمِنْه قَول ابي النَّجْم ... فَمَا ألوم الْبيض أَلا تسخرا ... 8 - أَي أَن تسخرا وَقَالَ قوم جَاءَت لَا هَا هُنَا لمجيء لَا الَّتِي فِي قَوْله {فهم لَا يَهْتَدُونَ} كَمَا قَالَ {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى والبصير} فَهَذَا بِغَيْر لَا ثمَّ قَالَ فِي النسق عَلَيْهِ {وَلَا الظُّلُمَات وَلَا النُّور}

{اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم}

فكرر لَا فِي قَوْله {وَلَا النُّور} لمجيء لَا فِي قَوْله {وَلَا الظُّلُمَات} والتأويل وَلَا الظُّلُمَات والنور فَكل مَوضِع دخل لَا فِي مبتدئه حسن أَن يدْخل لَا فِي خَبره على أَن تكون زَائِدَة وَالله أعلم بِمَا أَرَادَ قَرَأَ الْكسَائي وَحَفْص {وَيعلم مَا تخفون وَمَا تعلنون} بِالتَّاءِ فيهمَا على الْخطاب لِأَن الْكَلَام قد دخله خطاب على قِرَاءَة الْكسَائي / اسجدوا لله / الَّذِي يعلم مَا تسرون وَمَا تعلنون وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ فيهمَا أَتَوا فِي سِيَاق الْخَبَر عَنْهُم وحجتهم قَوْله {وزين لَهُم الشَّيْطَان أَعْمَالهم} {أَلا يسجدوا} وَهُوَ يعلم الْغَيْب وَمَا يخفون وَمَا يعلنون هَؤُلَاءِ الْكَفَرَة {اذْهَبْ بكتابي هَذَا فألقه إِلَيْهِم} قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَعَاصِم وَحَمْزَة {فألقه إِلَيْهِم} بِإِسْكَان الْهَاء وَقَرَأَ الْحلْوانِي بالاختلاس وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بالإشباع وَقد ذكرت الْحجَّة فِي آل عمرَان {فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَان قَالَ أتمدونن بِمَال فَمَا آتَانِي الله خير مِمَّا آتَاكُم} 36 قَرَأَ حَمْزَة / أتمدوني بِمَال / 2 بنُون وَاحِدَة مُشَدّدَة وَالْيَاء مثبتة فِي الْوَصْل وَالْوَقْف وَالْأَصْل أتمدونني النُّون الأولى عَلامَة الرّفْع وَالثَّانيَِة نصب ضمير الْمُتَكَلّم الْمَنْصُوب فأدغم النُّون فِي النُّون وَلم يحذف الْيَاء لِأَنَّهُ لَيْسَ بفاصل

{أنا آتيك به}

وَقَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو أتمدونن بنونين أظهرُوا وَلم يدغموا غير أَنهم حذفوا الْيَاء فِي الْوَقْف لِأَنَّهَا لَيست ثَابِتَة فِي الْمُصحف وَأثبت ابْن كثير فِي الْوَقْف وَقَرَأَ ابْن عَامر وَعَاصِم وَالْكسَائِيّ بِحَذْف الْيَاء فِي الْوَصْل وَالْوَقْف اجتزؤوا بِالْكَسْرِ عَن الْيَاء قَرَأَ نَافِع وَأَبُو عَمْرو وَحَفْص {فَمَا آتَانِي الله} بِفَتْح الْيَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِكَسْر النُّون من غير يَاء من قَرَأَ بِسُكُون الْيَاء إِذا أدرج يحذفها لالتقاء الساكنين الْيَاء وَلَام التَّعْرِيف وحذفلوا فِي الْوَقْف إتباعا للمصحف وَمن فتحهَا فعلى أصل مَا يجب لهَذِهِ الْيَاء من الفتحة وَثبتت وَلم تحذف لِأَنَّهَا لَا تلتقي سَاكِنة مَعَ سَاكن فَيلْزم حذفهَا وَقَرَأَ الْكسَائي بالإمالة لِأَن هَذِه الْيَاء ثَابِتَة فِي تصرف هَذَا الْفِعْل وَمَا بِمَعْنى الَّذِي وَهُوَ ابْتِدَاء و {آتَانِي} صلَة {مَا} و {خير} خَبره وَالتَّقْدِير فَالَّذِي آتَانِي الله خير {أَنا آتِيك بِهِ} 39 قَرَأَ 4 حَمْزَة أَنا آتِيك بالإمالة وَإِنَّمَا أمال من أجل لُزُوم الكسرة فِي أَنا آتِي فَإِذا لَزِمت الكسرة جَاءَت الإمالة فأمال الفتحة الَّتِي هِيَ همزَة المضارعة ليميل الْألف فِي آتِي نَحْو الْيَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أَنا آتِيك} بِغَيْر إمالة لِأَن الْهمزَة بَابهَا الْفَتْح

{وكشفت عن ساقيها}

وَلِأَنَّهَا فَاء الْفِعْل فَلذَلِك تركُوا الإمالة فَإِن قيل {فَمَا آتَانِي الله} قبلهَا مَمْدُود لِأَنَّهُ من الْإِعْطَاء فَلم مددت {أَنا آتِيك} وَهُوَ من الْمَجِيء الْجَواب فِي ذَلِك أَن أَتَى فِي الْمَاضِي يكون مَقْصُورا تَقول أَتَى زيد عمرا فَإِذا رددت الْمَاضِي إِلَى الْمُسْتَقْبل زِدْت على الْهمزَة همزَة أُخْرَى وَهِي عَلامَة الِاسْتِقْبَال وَالثَّانيَِة فَاء الْفِعْل فصيرت الثَّانِيَة مُدَّة فَلذَلِك صَار ممدودا قَوْلك {أَنا آتِيك} {وكشفت عَن سَاقيهَا} قَرَأَ القواس {عَن سَاقيهَا} بِالْهَمْز وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بترك الْهَمْز وهما مثل كاس وياس وسَاق وَالْعرب تهمز مَا لَا يهمز تَشْبِيها بِمَا يهمز ف كاس وياس وسَاق وَزنهَا وَاحِد يشبه بَعْضهَا بِبَعْض أَلا ترى أَن الْعَرَب تَقول حلأت السويق وَالْأَصْل حليت تَشْبِيها ب حلأت الْإِنْسَان عَن المَال وَالْإِبِل {قَالُوا تقاسموا بِاللَّه لنبيتنه وَأَهله ثمَّ لنقولن لوَلِيِّه مَا شَهِدنَا مهلك أَهله وَإِنَّا لصادقون} 49 قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / قَالُوا تقاسموا بِاللَّه لتبيتنه / بِالتَّاءِ وَضم التَّاء الثَّانِيَة / ثمَّ لتقولن / بِالتَّاءِ أَيْضا وَضم اللَّام وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بالنُّون فيهمَا وَفتح التَّاء وَاللَّام وحجتهم قَوْله {مَا شَهِدنَا مهلك أَهله وَإِنَّا لصادقون} وَجعلُوا {تقاسموا} أمرا كَأَنَّهُمْ قَالُوا احلفوا لنبيتنه كَمَا تَقول قومُوا نَذْهَب إِلَى فلَان وَإِن الَّذِي

أَمرهم بِالْحلف دَاخل مَعَهم وَقَالَ الْفراء قد يجوز اللَّفْظ {تقاسموا} على هَذِه الْقِرَاءَة أَن يَجْعَل فعلا مَاضِيا فِي معنى الْحلف وَيكون تقاسموا خَبرا عَنْهُم فَيكون التَّأْوِيل قَالُوا متقاسمين بِاللَّه لنبيتنه وَأَهله فَحكى لَفظهمْ بعد القَوْل على مَا نطقوا وَمن قَرَأَ بِالتَّاءِ فَإِنَّهُ جعل {تقاسموا} أمرا أَيْضا فَكَأَنَّهُ قَالَ احلفوا لتفعلن فَكَأَنَّهُ أخرج نَفسه فِي اللَّفْظ وَالنُّون أَجود قَرَأَ ابو بكر {مَا شَهِدنَا مهلك} بِفَتْح الْمِيم وَاللَّام وَقَرَأَ حَفْص بِفَتْح الْمِيم وَكسر اللَّام وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {مهلك} بِضَم الْمِيم وَفتح اللَّام جَعَلُوهُ مصدرا من أهلك يهْلك مهْلكا وإهلاكا قَالُوا فَيحْتَمل ضَرْبَيْنِ يجوز أَن يكون إهلاك أَهله أَي مَا شَهِدنَا إهلاك أَهله وَيجوز أَن يكون الْموضع أَي لم نشْهد مَوضِع الإهلاك وَمن فتح الْمِيم وَاللَّام جعله مصدرا ل هلك يهْلك مهْلكا مثل ضرب يضْرب وَاسم الْمَكَان المهلك بِكَسْر اللَّام وكل مَا كَانَ على فعل يفعل فاسم الْمَكَان على مفعل والمصدر على مفعل الْمَعْنى مَا شَهِدنَا هَلَاك أَهله وَأما رِوَايَة حَفْص مهلك اسْم الْمَكَان الْمَعْنى مَا شَهِدنَا مَوضِع هلاكهم ومكانهم فَيكون المهلك كالمجلس فِي أَنه يُرَاد بِهِ مَوضِع الْجُلُوس وَيجوز أَن يُرِيد بالمهلك الْمصدر لِأَنَّهُ قد جَاءَ الْمصدر من فعل يفعل على مفعل قَالَ الله عز وَجل {إِلَيّ مرجعكم}

{فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين}

{فَانْظُر كَيفَ كَانَ عَاقِبَة مَكْرهمْ أَنا دمرناهم وقومهم أَجْمَعِينَ} قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَابْن عَامر {أَنا دمرناهم} بِكَسْر الْألف على الِابْتِدَاء واستئناف خبر وحجتهم أَن الْكَلَام متناه عِنْد قَوْله {كَيفَ كَانَ عَاقِبَة مَكْرهمْ} ف {عَاقِبَة} اسْم كَانَ وَكَيف فِي مَوضِع نصب خبر {كَانَ} وَيجوز أَن يكون كَانَ الَّتِي بِمَعْنى وَقع وَحدث فَإِذا جعل على معنى وَقع كَانَ قَوْله {كَيفَ} فِي مَوضِع حَال الْمَعْنى على أَي حَال وَقع عَاقِبَة مَكْرهمْ أَي حسنا وَقع عَاقِبَة مَكْرهمْ أم سَيِّئًا وَقَرَأَ أهل الْكُوفَة {أَنا دمرناهم} بِالْفَتْح وحجتهم قِرَاءَة أبي / كَيفَ كَانَ عَاقِبَة مَكْرهمْ أَن دمرناهم / قَوْله أَنا دمرناهم على هَذِه الْقِرَاءَة يكون رفعا من وَجه ونصبا من وَجْهَيْن أما الرّفْع فَأن ترده على قَوْله {عَاقِبَة} فَتكون تَابِعَة لَهَا وَيكون تَقْدِير الْكَلَام فَانْظُر كَيفَ كَانَ تدميرنا إيَّاهُم وقومهم أَجْمَعِينَ على الْبَدَل من {عَاقِبَة} و {كَيفَ} فِي مَوضِع نصب خبر ل كَانَ ونصبها إِن شِئْت جعلت أَنا مَعَ مَا بعده فِي مَوضِع خبر كَانَ الْمَعْنى فَانْظُر كَيفَ كَانَ عَاقِبَة مَكْرهمْ التدمير وَيجوز أَن يكون أَنا فِي مَوضِع نصب على معنى فَانْظُر كَيفَ كَانَ عَاقِبَة مَكْرهمْ لأَنا دمرناهم {فأنجيناه وَأَهله إِلَّا امْرَأَته قدرناها من الغابرين}

{آلله خير أما يشركون}

قَرَأَ أَبُو بكر {قدرناها} بِالتَّخْفِيفِ كَقَوْلِه {فقدرنا فَنعم القادرون} وَلَو كَانَ قَدرنَا لقَالَ فَنعم المقدرون وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {قَدرنَا} بِالتَّشْدِيدِ وَالْعرب تَقول قدرت وقدرت لُغَتَانِ {آللَّهُ خير أما يشركُونَ} 59 قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَعَاصِم {آللَّهُ خير أما يشركُونَ} بِالْيَاءِ جعلا الْكَلَام خَبرا عَن أهل الشّرك وهم غيب فَجرى الْكَلَام على لفظ الْخَبَر عَنْهُم لغيبتهم وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ وحجتهم أَن الْكَلَام أَتَى عقيب المخاطبة فأجروا الْكَلَام على لفظ مَا تقدمه وَذَلِكَ قَوْله {قل الْحَمد لله وَسَلام على عباده الَّذين اصْطفى} ثمَّ قَالَ آللَّهُ خير أم مَا تشركون إِذْ كَانَ أمره أَن يَقُول لَهُم مُخَاطبا لَهُم {أإله مَعَ الله} 60 64 قَرَأَ نَافِع وَأَبُو عَمْرو / آيله مَعَ الله / بِهَمْزَة وَاحِدَة مُطَوَّلَة وأصل الْكَلِمَة إِلَه ثمَّ دخلت هممة الِاسْتِفْهَام فَصَارَ أإله فاستثقل الْجمع بَين الهمزتين أَدخل بَينهمَا ألف ليبعد هَذِه من هَذِه ثمَّ لين الثَّانِيَة وَقَرَأَ ورش وَابْن كثير / أيله / بِهَمْزَة وَاحِدَة من غير مد وَهُوَ أَن تحقق الأولى وتخفف الثَّانِيَة وَلم تدخل بَينهمَا ألفا

{ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون}

وَقَرَأَ هِشَام عَن ابْن عَامر آإله بهمزتين بَينهمَا مُدَّة وَهُوَ أَن تزاد الْألف بَين الهمزتين ليبعد الْمثل عَن الْمثل وَيَزُول الِاجْتِمَاع فيخف اللَّفْظ بالهمزتين مَعَ الْحَائِل بَينهمَا وَقَرَأَ أهل الشَّام والكوفة {أإله} بهمزتين وَقد ذكرت حجتهم فِي سُورَة الْبَقَرَة {ويجعلكم خلفاء الأَرْض أإله مَعَ الله قَلِيلا مَا تذكرُونَ} قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَهِشَام / قَلِيلا مَا يذكرُونَ / بِالْيَاءِ وحجتهما مَا تقدم من رُؤُوس الْآيَات من قَوْله {بل هم قوم يعدلُونَ} {بل أَكْثَرهم لَا يعلمُونَ} فَلَمَّا جَاءَت خَاتِمَة هَذِه الْآيَة فِي سياقهن أجْرى بلفظهن ليأتلف الْكَلَام على نظام وَاحِد وَأَرَادَ التوفقة بَين رُؤُوس الْآيَات وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {قَلِيلا مَا تذكرُونَ} بِالتَّاءِ وحجتهم أَنَّهَا قريب من المخاطبة فِي قَوْله {ويجعلكم خلفاء الأَرْض} فأجروا بِلَفْظ المخاطبة إِذْ كَانَت أقرب إِلَيْهَا من قَوْله {يعدلُونَ} و {لَا يعلمُونَ} {وَمن يُرْسل الرِّيَاح بشرا بَين يَدي رَحمته} 63 قَرَأَ ابْن كثير وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ / وَمن يُرْسل الرّيح / بِغَيْر ألف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْألف وَقد ذكرت الْحجَّة فِي سُورَة الْبَقَرَة قَوْله {نشرا} وَقد ذكرنَا أَيْضا فِي سُورَة الْأَعْرَاف

{وقال الذين كفروا أئذا كنا ترابا وآباؤنا أئنا لمخرجون}

{بل ادارك علمهمْ فِي الْآخِرَة بل هم فِي شكّ مِنْهَا} 66 قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو / بل اِدَّرَكَ علمهمْ / بِقطع الْألف وَسُكُون الدَّال بِمَعْنى هَل أدْرك علمهمْ علم الْآخِرَة كَذَا قَالَ الْفراء {وَهل} بِمَعْنى الْجحْد أَي لم يعلمُوا حدوثها وَكَونهَا وَدلّ على ذَلِك قَوْله تَعَالَى {بل هم فِي شكّ مِنْهَا} وَقَالُوا {فِي} فِي قَوْله {فِي الْآخِرَة} بِمَعْنى الْبَاء وَتَأْويل الْكَلَام لم يدْرك علمهمْ بِالآخِرَة وَيُقَوِّي هَذَا قِرَاءَة من قرا / بل أدْرك علمهمْ / على لفظ الِاسْتِفْهَام بِمَعْنى النَّفْي وَكَانَ قَتَادَة يَقُول / بل أدْرك / أَي لم يدْرك بعد وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {بل ادارك علمهمْ فِي الْآخِرَة} أَي بل تَكَامل علمه يَوْم الْقِيَامَة بِأَنَّهُم مبعوثون وَأَن كل مَا وعدوا بِهِ حق قَالَ ابْن عَبَّاس {بل ادارك علمهمْ فِي الْآخِرَة} أَي مَا جهلوا فِي الدُّنْيَا علموه فِي الأخرة وحجتهم قِرَاءَة أبي بل تدارك علمهمْ فأدغموا التَّاء فِي الدَّال لمقاربتها لَهَا فَلَمَّا سكنت التَّاء للإدغام اجتلبت لَهُ ألف الْوَصْل كَمَا اجتلبت فِي نَحْو {فادارأتم} وَفِي التَّنْزِيل حَتَّى {إِذا اداركوا فِيهَا} {وَقَالَ الَّذين كفرُوا أئذا كُنَّا تُرَابا وآباؤنا أئنا لمخرجون} 67 قَرَأَ نَافِع / وَقَالَ الَّذِي كفرُوا إِذا كُنَّا / بِكَسْر الْألف {أئنا} بالاستفهام وَقَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو جَمِيعًا بالاستفهامين قَرَأَ ابْن عَامر وَالْكسَائِيّ / أإذا / بهمزتين {إننا} بنونين

{ولا تكن في ضيق مما يمكرون}

قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة {أئذا} بهمزتين {أئنا} بهمزتين وَقد ذكرت الْحجَّة فِي سُورَة الرَّعْد {وَلَا تكن فِي ضيق مِمَّا يمكرون} قَرَأَ ابْن كثير {وَلَا تكن فِي ضيق} بِكَسْر الضَّاد وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فِي ضيق} بِالْفَتْح الضّيق بِالْكَسْرِ الِاسْم والضيق بِالْفَتْح الْمصدر وَقَالَ الْفراء الضّيق مَا ضَاقَ عَنهُ صدرك والضيق مَا يكون فِي الشَّيْء الَّذِي يَتَّسِع ويضيق مثل الدَّار وَالثَّوْب وَقَالَ أَبُو عَمْرو الضّيق بِالْفَتْح الْغم والضيق بِالْكَسْرِ الشدَّة {إِنَّك لَا تسمع الْمَوْتَى وَلَا تسمع الصم الدُّعَاء إِذا ولوا مُدبرين} قَرَأَ ابْن كثير {وَلَا يسمع} بِالْيَاءِ وَفتحهَا {الصم} بِالرَّفْع جعلهم الفاعلين أَي لَا ينقادون للحق لعنادهم كَمَا لَا يسمع الْأَصَم مَا يُقَال لَهُ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لَا تسمع} بِالتَّاءِ وَضمّهَا {الصم} نصب خطاب لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وحجتهم أَنه أشبه بِمَا قبله أَلا ترى فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّك لَا تسمع الْمَوْتَى} فأسند الْفِعْل إِلَى الْمُخَاطب فَكَذَلِك تسند إِلَيْهِ فِي قَوْله {وَلَا تسمع الصم} وَيدل على ذَلِك قَوْله وَلَو علم الله فِيهِ خيرا لأسمعهم وَلَو أسمعهم لتولوا فَيكون الْمَعْنى إِنَّك

{وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم}

لَا تسمعهم كَمَا لم يسمعهم الله فَالْمَعْنى أَنهم لفرط إعراضهم عَمَّا يدعونَ إِلَيْهِ من التَّوْحِيد كالميت الَّذِي لَا سَبِيل إِلَى إسماعه وإعلامه شَيْئا كالصم {وَمَا أَنْت بهادي الْعمي عَن ضلالتهم} 81 قَرَأَ حَمْزَة / وَمَا أَنْت تهدي الْعمي / بِالتَّاءِ و {الْعمي} بِالنّصب وحجته قَوْله {أفأنت تهدي الْعمي} وَالْمعْنَى أَنَّك لَا تهديهم لشدَّة عنادهم وفرط إعراضهم فَأَما {أَنْت} فِي قَوْله / وَمَا أَنْت تهدي / فعلى قَول أهل الْحجاز وَهُوَ لُغَة التَّنْزِيل يرْتَفع ب {مَا} {وتهدي} فِي مَوضِع نصب بِأَنَّهُ الْخَبَر وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَمَا أَنْت بهادي الْعمي} مُضَافا وَفِي الرّوم مثله {بهادي} اسْم الْفَاعِل وَهُوَ فِي مَوضِع جر بِالْبَاء وَهُوَ خبر {مَا} كَمَا تَقول مَا أَنْت بقائم وَلَو أسقطت الْبَاء لَقلت مَا أَنْت قَائِما وَكتب {بهادي} فِي هَذِه السُّورَة بِالْيَاءِ على الأَصْل وَكتب فِي الرّوم / بهاد / بِغَيْر يَاء على نِيَّة الْوَصْل وَالِاخْتِيَار أَن تقف هَا هُنَا

{أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون}

بِالْيَاءِ وَفِي الرّوم بِغَيْر يَاء {أخرجنَا لَهُم دَابَّة من الأَرْض تكلمهم أَن النَّاس كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يوقنون} 82 قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {إِن النَّاس} بِفَتْح الْألف وَاحْتَجُّوا بِقِرَاءَة ابْن مَسْعُود / تكلمهم بِأَن النَّاس / بِالْبَاء فَلَمَّا سَقَطت الْبَاء حكم عَلَيْهَا بِالنّصب وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {إِن النَّاس} بِالْكَسْرِ على الِاسْتِئْنَاف جعلُوا الْكَلَام عِنْد قَوْله تكلمهم تَاما {وَيَوْم ينْفخ فِي الصُّور فَفَزعَ من فِي السَّمَاوَات وَمن فِي الأَرْض إِلَّا من شَاءَ الله وكل أَتَوْهُ داخرين} 87 قَرَأَ حَمْزَة وَحَفْص {وكل أَتَوْهُ} مَقْصُورَة مَفْتُوحَة التَّاء جعلاه فعلا مَاضِيا أَي جاؤوه على تَأْوِيل إِذا كَانَ ذَلِك أَتَوْهُ كَقَوْلِه {ونادى أَصْحَاب الْجنَّة} وَإِنَّمَا هُوَ إِذا كَانَ ذَلِك وَكَذَلِكَ قَوْله {يَوْمًا كَانَ شَره مُسْتَطِيرا} أَي إِذا وَقع كَانَ شَره مُسْتَطِيرا وَهُوَ مَرْدُود على قَوْله {فَفَزعَ} كَأَنَّهُمْ وجهوا معنى الْكَلَام إِلَى قَوْله وَيَوْم ينْفخ فِي الصُّور فَفَزعَ من فِي السَّمَوَات وَمن فِي الأَرْض وَكلهمْ أَتَوْهُ داخرين وَالْأَصْل أتيوه فاستثقلوا الضمة على الْيَاء فحذفوها وحذفوا الْيَاء لسكونها وَسُكُون وَاو الْجمع

{وترى الجبال تحسبها جامدة} {إنه خبير بما تفعلون}

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وكل أَتَوْهُ} بِالْمدِّ مَضْمُومَة على الِاسْتِقْبَال وحجتهم قَوْله تَعَالَى {وَكلهمْ آتيه يَوْم الْقِيَامَة} فَكَذَلِك الْجمع {آتوه} وَالْأَصْل آتيونه فَذَهَبت الْيَاء لما أعلمتك وَالنُّون للإضافة وَإِنَّمَا جَازَ فِي كل أَن تَقول آتيه وآتوه لِأَن لَفظهَا لفظ الْوَاحِد وَمَعْنَاهُ الْجمع فَمن جمع رده إِلَى مَعْنَاهَا كَقَوْلِه تَعَالَى {كل لَهُ قانتون} {وكل أَتَوْهُ داخرين} وَمن وحد رده إِلَى لَفظهَا كَمَا قَالَ وَكلهمْ {آتيه يَوْم الْقِيَامَة فَردا} فَوحد ردا إِلَى اللَّفْظ {وَترى الْجبَال تحسبها جامدة} {إِنَّه خَبِير بِمَا تَفْعَلُونَ} 88 قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَابْن عَامر / إِنَّه خَبِير بِمَا يَفْعَلُونَ / بِالْيَاءِ ردُّوهُ على الْخَبَر عَن الْغَيْب فِي قَوْله {وكل أَتَوْهُ داخرين} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {إِنَّه خَبِير بِمَا تَفْعَلُونَ} بِالتَّاءِ أَي أَنْتُم وهم وحجتهم فِي ذَلِك أَنه قرب من المخاطبة فِي قَوْله {وَترى الْجبَال تحسبها جامدة} فَهَذَا خطاب للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَأمته داخلون مَعَه فِي الْخطاب كَمَا قَالَ {فأقم وَجهك للدّين حَنِيفا} ثمَّ قَالَ {منيبين إِلَيْهِ} فَجعل الْحَال من أمته فَدلَّ على أَنه خاطبه وَأمته وَأسْندَ الْخطاب إِلَيْهِ وَالْمعْنَى هُوَ وَأمته فَكَذَلِك قَوْله {وَترى الْجبَال تحسبها جامدة} الْخطاب لَهُ ولأمته فختم الْكَلَام بِمثل معنى مَا تقدمه من الْخطاب {من جَاءَ بِالْحَسَنَة فَلهُ خير مِنْهَا وهم من فزع يَوْمئِذٍ آمنون}

قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وهم من فزع} منون {يَوْمئِذٍ} نصب وَقَرَأَ ابو عَمْرو وَابْن كثير وَابْن عَامر وَإِسْمَاعِيل {من فزع يَوْمئِذٍ} بِكَسْر الْمِيم غير منون جَعَلُوهُ مُضَافا وَقَرَأَ نَافِع {من فزع} غير منون {يَوْمئِذٍ} بِفَتْح الْمِيم قَالَ الْفراء الْإِضَافَة أعجب إِلَيّ لِأَنَّهُ فزع يَوْم مَعْلُوم وَإِذا نون صَار فَزعًا دون فزع وحجتهم قَوْله {لَا يحزنهم الْفَزع الْأَكْبَر} فَجعله معرفَة فَكَانَ تَأْوِيله وهم من فزع يَوْم الْقِيَامَة كُله آمنون وَحجَّة من نون هِيَ أَن النكرَة أَعم من الْمعرفَة لِأَن ذَلِك يَقع على فزع وَهُوَ أَعم وَأكْثر لِأَنَّك إِذْ قلت رَأَيْت رجلا وَقع على كل رجل وَكَذَا إِذا قلت رايت غُلَاما فَإِذا قلت رايت غلامك حصرت الرُّؤْيَة على شخص وَاحِد قَالَ بعض النَّحْوِيين يجوز إِذا نون أَن يَعْنِي بِهِ فزع وَاحِد وَيجوز أَن يعْنى بِهِ كَثْرَة لِأَنَّهُ مصدر والمصادر تدل على الْكَثْرَة وَإِن كَانَت مُفْردَة قَالَ وينتصب يَوْمئِذٍ من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن يكون منتصبا بِالْمَصْدَرِ كَأَنَّهُ قَالَ وهم من أَن يفزعوا يَوْمئِذٍ وَيجوز أَن الْيَوْم صفة لفزع لِأَن أَسمَاء الْأَحْدَاث تُوصَف بأسماء الزَّمَان كَمَا يخبر عَنْهَا بهَا وَفِيه ذكر الْمَوْصُوف وَتَقْدِيره فِي هَذَا الْوَجْه أَن يتَعَلَّق بِمَحْذُوف كَأَنَّهُ من فزع يحدث يَوْمئِذٍ وَالثَّانِي أَن يتَعَلَّق

{وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون}

باسم الْفَاعِل كَأَنَّهُ قَالَ آمنون يَوْمئِذٍ من فزع وَمن لم ينون وَفتح الْمِيم فَإِنَّهُ جعل يَوْم مَعَ إِذْ كالاسم الْوَاحِد فَبنى الْكَلَام وَجعل الإسمين اسْما وَاحِد كَقَوْلِك خَمْسَة عشر وحجته فِي ذَلِك أَن إِضَافَة يَوْم إِلَى إِذْ غير مَحْضَة لِأَن الْحُرُوف لَا يُضَاف إِلَيْهَا وَلَا إِلَى الْأَفْعَال لَا يُقَال هَذَا غُلَام يقوم وَلَا يُقَال هَذ غُلَام إِذْ وَإِنَّمَا تَقول هَذَا غُلَام زيد فَأَما من كسر فقد أضَاف الْيَوْم وَهُوَ مُعرب فِي نَفسه فَأعْطَاهُ حَقه من الْإِعْرَاب كَمَا كَانَ يجب لَهُ فِي غير هَذَا الْموضع وَلم يلْتَفت إِلَى مَا بعده {وَقل الْحَمد لله سيريكم آيَاته فتعرفونها وَمَا رَبك بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ} 93 قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَحَفْص {وَمَا رَبك بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ} بِالتَّاءِ على الْخطاب وحجتهم مَا تقدم وَهُوَ قَوْله {سيريكم آيَاته} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ وحجتهم أَن الْكَلَام انْقَطع عِنْد قَوْله {وَقل الْحَمد لله سيريكم آيَاته} ثمَّ قَالَ {وَمَا رَبك بغافل عَمَّا يعْملُونَ} أَي عَمَّا يعْمل هَؤُلَاءِ الْمُشْركُونَ 28 - سُورَة الْقَصَص {ونريد أَن نمن على الَّذين استضعفوا فِي الأَرْض ونجعلهم أَئِمَّة ونجعلهم الْوَارِثين ونمكن لَهُم فِي الأَرْض ونري فِرْعَوْن وهامان وجنودهما مِنْهُم مَا كَانُوا يحذرون} 5 و 6 قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وَيرى} بِالْيَاءِ {فِرْعَوْن وهامان وجنودهما}

{فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين}

كُله بِالرَّفْع وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {ونري} بالنُّون وَفتح الْيَاء {فِرْعَوْن وهامان وجنودهما} بِالنّصب أَي نَحن نري فِرْعَوْن وهامان وحجتهم أَن مَا قبله للمتكلم فَيَنْبَغِي أَن يكون مَا بعده أَيْضا كَذَلِك ليَكُون الْكَلَام من وَجه وَالَّذِي قبله {ونريد أَن نمن على الَّذين استضعفوا فِي الأَرْض ونجعلهم أَئِمَّة ونجعلهم الْوَارِثين ونمكن لَهُم} فأجروا على لفظ مَا تقدم ليأتلف الْكَلَام وَمن قَرَأَ {يرى} بِالْيَاءِ {فِرْعَوْن وهامان وجنودهما} فَالْمَعْنى هم يعاينون وَالْفِعْل لَهُم وحجتهم أَن الْمَعْنيين يتداخلان لِأَن فِرْعَوْن وَمن ذكر مَعَه إِذا أَرَاهُم الله من الْمُسْتَضْعَفِينَ مَا كَانُوا يحذرون رَأَوْا ذَلِك وَإِذا رَأَوْهُ فَلَا شكّ أَن الله جلّ وَعز أراهموه وَهُوَ مثل قَوْله {يدْخلُونَ} و {يدْخلُونَ} {فالتقطه آل فِرْعَوْن ليَكُون لَهُم عدوا وحزنا إِن فِرْعَوْن وهامان وجنودهما كَانُوا خاطئين} 8 قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وحزنا} بِضَم الْحَاء وَجزم الزَّاي وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْح الْحَاء وَالزَّاي وهما لُغَتَانِ مثل الْبُخْل الْبُخْل والعجم والعجم وَفِي التَّنْزِيل {وابيضت عَيناهُ} {من الْحزن} وَقَالَ {الْحَمد لله الَّذِي أذهب عَنَّا الْحزن} وَقَالَ الْفراء كَأَن الْحزن الِاسْم والحزن الْمصدر تَقول حزن حزنا

{قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء}

{قَالَتَا لَا نسقي حَتَّى يصدر الرعاء} قَرَأَ أبوع عَمْرو وَابْن عَامر {حَتَّى يصدر الرعاء} بِفَتْح الْيَاء وَرفع الدَّال أَي حَتَّى يرجِعوا من سقيهم وَفِي التَّنْزِيل {يصدر النَّاس أشتاتا} قَالَ أَبُو عَمْرو وَالْمرَاد من ذَلِك حَتَّى ينْصَرف الرعاء عَن المَاء وَلَو كَانَ {يصدر} كَانَ الْوَجْه أَن يذكر المعفول فَيَقُول حَتَّى يصدر الرعاء ماشيتهم فَلَمَّا لم يذكر مَعَ الْفِعْل الْمَفْعُول علم أَنه غير وَاقع وَأَنه {يصدر الرعاء} بِمَعْنى يَنْصَرِفُونَ عَن المَاء و {الرعاء} جمع رَاع مثل صَاحب وصحاب وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يصدر} بِضَم الْيَاء وَكسر الدَّال أَي حَتَّى يصدر الرعاء غَنمهمْ عَن لماء فالمفعول مَحْذُوف وَحذف الْمَفْعُول كثير قَالَ الله تَعَالَى {وَلكم فِيهَا جمال حِين تريحون وَحين تسرحون} وَلم يذكر مَعَ الإراحة والسرح مَفْعُولا لدلَالَة الْكَلَام على الْمَفْعُول لِأَن الْمَعْنى حِين تريحون إبلكم وتسرحون إبلكم فَكَذَلِك {يصدر الرعاء} استغني بالإصدار عَن الْمَفْعُول {لعَلي آتيكم مِنْهَا بِخَبَر أَو جذوة من النَّار لَعَلَّكُمْ تصطلون} 29 قَرَأَ عَاصِم {جذوة من النَّار} بِالْفَتْح وَقَرَأَ حَمْزَة {جذوة} بِالضَّمِّ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {جذوة} بِالْكَسْرِ ثَلَاث لُغَات مثل ربوة

{واضمم إليك جناحك من الرهب فذانك برهانان من ربك}

ربوة ربوة وَسمعت الشَّيْخ أَبَا الْحُسَيْن يَقُول سمعنَا قَدِيما بعض أهل الْعلم يَقُول جذوة قِطْعَة وجذوة جَمْرَة وجذوة شعلة {واضمم إِلَيْك جناحك من الرهب فذانك برهانان من رَبك} 32 قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {من الرهب} بِفَتْح الرَّاء وَالْهَاء وَقَرَأَ حَفْص الرهب بِفَتْح الرَّاء وَسُكُون الْهَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {من الرهب} بِضَم الرَّاء وَسُكُون الْهَاء والرهب والرهب لُغَتَانِ مثل الْحزن والحزن والسقم والسقم وَمن سكن الْهَاء مَعَ فتح الرَّاء فَإِنَّهُ ذهب إِلَى التَّخْفِيف مثل شعر وَشعر ونهر ونهر قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {فذانك} بِالتَّشْدِيدِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ قَالَ الزّجاج كَأَن / ذَانك / بِالتَّشْدِيدِ تَثْنِيَة ذَلِك وذانك بِالتَّخْفِيفِ تَثْنِيَة ذَاك يكون بدل اللَّام فِي ذَلِك تَشْدِيد النُّون فِي ذَانك وَقَالَ بعض النَّحْوِيين إِنَّمَا شددت النُّون فِي الِاثْنَيْنِ للتَّأْكِيد لأَنهم زادوا على نون الِاثْنَيْنِ نونا كَمَا زادوا قبل كَاف الْمشَار إِلَيْهِ لاما للتَّأْكِيد

{فأرسله معي ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون}

فَقَالُوا فِي ذَاك ذَلِك فَلَمَّا زادوا فِي ذَاك لاما زادوا فِي ذَانك نونا أُخْرَى فَقَالُوا ذَانك وَقَالَ آخَرُونَ إِن الأَصْل فِي ذَانك ذَا انك بِأَلفَيْنِ فحذفت الْألف وَجعل التَّشْدِيد عوضا من الْألف المحذوفة الَّتِي كَانَت فِي ذَا وَمن الْعَرَب من إِذا حذف عوض وَمِنْهُم من إِذا حذف لم يعوض من عوض آثر تَمام الْكَلِمَة وَمن لم يعوض آثر التَّخْفِيف وَمثل ذَلِك فِي تَصْغِير مغتسل مِنْهُم من يَقُول مغيسل فَلَا يعوض وَمِنْهُم من يَقُول مغيسيل فيعوض من التَّاء يَاء {فَأرْسلهُ معي ردْءًا يصدقني إِنِّي أَخَاف أَن يكذبُون} قَرَأَ نَافِع ردا بِغَيْر همز الأَصْل ردْءًا خفف الْهمزَة وَنقل حَرَكَة الْهمزَة إِلَى مَا قبلهَا فَصَارَ ردا بتحريك الدَّال وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {ردْءًا} بِالْهَمْز قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة {يصدقني} بِالرَّفْع على الِابْتِدَاء أَي هُوَ يصدقني

{وقال موسى ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده ومن تكون له عاقبة الدار}

قَالَ أهل الْبَصْرَة من رفع لم يَجعله جَوَابا لِلْأَمْرِ وَلَكِن جعله حَالا وَصفَة للنكرة وَالتَّقْدِير ردْءًا مُصدقا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يصدقني} بِالْجَزْمِ جَوَابا للمسألة أَي أرْسلهُ يصدقني {وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أعلم بِمن جَاءَ بِالْهدى من عِنْده وَمن تكون لَهُ عَاقِبَة الدَّار} 37 قَرَأَ ابْن كثير / قَالَ مُوسَى رَبِّي / بِغَيْر وَاو كَذَلِك فِي مصحف أهل مَكَّة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَقَالَ} بِالْوَاو قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / من يكون لَهُ عَاقِبَة / بِالْيَاءِ لِأَن تَأْنِيث الْعَاقِبَة غير حَقِيقِيّ وَالثَّانِي أَنه قد حجز بَين الِاسْم وَالْفِعْل حاجز فَصَارَ كالعوض من التَّأْنِيث وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ لتأنيث الْعَاقِبَة ذَهَبُوا إِلَى اللَّفْظ لَا إِلَى الْمَعْنى {وظنوا أَنهم إِلَيْنَا لَا يرجعُونَ} قَرَأَ نَافِع وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وظنوا أَنهم إِلَيْنَا لَا يرجعُونَ} بِفَتْح الْيَاء أَي لَا يصيرون وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لَا يرجعُونَ} أَي لَا يردون وحجتهم قَوْله ثمَّ ردوا إِلَى الله وَحجَّة الْفَتْح قَوْله {وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون} {قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مثل مَا أُوتِيَ مُوسَى أَو لم يكفروا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى من قبل قَالُوا سحران تظاهرا}

قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {قَالُوا سحران} بِغَيْر ألف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / ساحران / بِالْألف وحجتهم ذكرهَا اليزيدي فَقَالَ السحران كَيفَ يتظاهران إِنَّمَا يَعْنِي مُوسَى وَهَارُون وَقيل عنوا مُوسَى وَعِيسَى وَقيل عنوا مُوسَى ومحمدا صلى الله عَلَيْهَا وَسلم وَمن قَرَأَ {سحران} يَعْنِي الْكِتَابَيْنِ فالكتابان كَيفَ يتظاهران إِنَّمَا يَعْنِي الرجلَيْن فَكَانَ تَأْوِيل قَوْله إِن التظاهر بِالنَّاسِ وأفعالهم اشبه مِنْهُ بالكتب كَمَا قَالَ عز وَجل {وَإِن تظاهرا عَلَيْهِ} {وظاهروا على إخراجكم} فأسند التظاهر إِلَى النَّاس فَكَذَلِك أسندوه هَا هُنَا إِلَى الرجلَيْن وَحجَّة من قَرَأَ {سحران} مَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس وَعِكْرِمَة وَقَتَادَة أَنهم تأولوا ذَلِك بِمَعْنى الْكِتَابَيْنِ التَّوْرَاة وَالْقُرْآن وَإِنَّمَا نسب المعاونة إِلَى السحرين على الاتساع كَأَن الْمَعْنى أَن كل سحر مِنْهُمَا يُقَوي الآخر وَقَول أهل الْكُوفَة أولى بِالصَّوَابِ لِأَن الْكَلَام جرى عقيب ذكر الْكتاب فِي قَوْله تَعَالَى {لَوْلَا أُوتِيَ مثل مَا أُوتِيَ مُوسَى} فجرت الْقِصَّة بعد ذَلِك بِذكر الْكتاب وَهُوَ قَوْله {فَأتوا بِكِتَاب من عِنْد الله هُوَ أهْدى مِنْهُمَا} فَهَذَا على الْكِتَابَيْنِ اللَّذين قَالُوا فيهمَا {سحران} فَلِأَن يكون مَا بَينهمَا دَاخِلا فِي قصتهما أولى بِهِ

{أو لم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء}

{أَو لم نمكن لَهُم حرما آمنا يجبى إِلَيْهِ ثَمَرَات كل شَيْء} 57 قَرَأَ نَافِع / تجبى إِلَيْهِ / بِالتَّاءِ لتأنيث الثمرات وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ لِأَن تَأْنِيث الثمرات غير حَقِيقِيّ فَإِذا كَانَ كَذَلِك كَانَ بِمَنْزِلَة الْوَعْظ وَالْمَوْعِظَة إِذا ذكرت جَازَ وَكَذَلِكَ إِذا أنثت {وَمَا أُوتِيتُمْ من شَيْء فمتاع الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزينتهَا} {أَفلا تعقلون} قَرَأَ أَبُو عَمْرو {أَفلا يعْقلُونَ} بِالْيَاءِ على أَنه قل لَهُم يَا مُحَمَّد وَمَا أُوتِيتُمْ من شَيْء ثمَّ قَالَ {أَفلا يعْقلُونَ} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أَفلا تعقلون} بِالتَّاءِ لقَوْله {وَمَا أُوتِيتُمْ من شَيْء} ثمَّ قَالَ {أَفلا تعقلون} فأجروا على مَا تقدمه من الْخطاب {ثمَّ هُوَ يَوْم الْقِيَامَة من المحضرين} قَرَأَ الْحلْوانِي وَإِسْمَاعِيل عَن نَافِع وَالْكسَائِيّ {ثمَّ هُوَ يَوْم الْقِيَامَة} بتَخْفِيف الْهَاء وَقَرَأَ ابو عَمْرو بِضَم الْهَاء وَكَذَلِكَ الْبَاقُونَ وَحجَّة أبي عَمْرو فِي ضم الْهَاء أَن {ثمَّ} تنفصل من الْكِتَابَة وَيحسن الْوَقْف عَلَيْهَا وَكَأن هُوَ مُبتَدأَة فِي الْمَعْنى وَإِذا كَانَت مُبتَدأَة لم يجز فِيهَا غير الضَّم وَحجَّة من سكن الْهَاء أَنَّهَا إِذا اتَّصَلت بفاء أَو وَاو كَانَت فِي قَوْلهم أَجْمَعِينَ سَاكِنة و {ثمَّ} أُخْت الْفَاء وَالْوَاو فجرت مجراهما فِي حكم مَا بعْدهَا

{لولا أن من الله علينا لخسف بنا}

{لَوْلَا أَن من الله علينا لخسف بِنَا} قَرَأَ حَفْص {لخسف بِنَا} بِفَتْح الْخَاء وَالسِّين أَي لخسف الله بِنَا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لخسف بِنَا} بِضَم الْخَاء على مَا لم يسم فَاعله 29 - سُورَة العنكبوت {أَو لم يرَوا كَيفَ يبدئ الله الْخلق ثمَّ يُعِيدهُ إِن ذَلِك على الله يسير قل سِيرُوا فِي الأَرْض فانظروا كَيفَ بَدَأَ الْخلق ثمَّ الله ينشئ النشأة الْآخِرَة} 19 و 20 قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَأَبُو بكر / أولم تروا / بِالتَّاءِ على الْخطاب وحجتهم قَوْله قبلهَا {وَإِن تكذبوا فقد كذب أُمَم من قبلكُمْ} ثمَّ قَالَ / أَو لم تروا كَيفَ يبدئ الله الْخلق / وَمَا بعده يدل أَيْضا على الْخطاب وَهُوَ قَوْله {قل سِيرُوا فِي الأَرْض فانظروا} وَأُخْرَى وَهِي أَن الْكَلَام جرى على حِكَايَة مُخَاطبَة إِبْرَاهِيم قومه فِي قَوْله {وَإِبْرَاهِيم إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعبدوا الله واتقوه} ثمَّ جرى الْكَلَام بِلَفْظ خطابه إيَّاهُم إِلَى قَوْله {وَمَا على الرَّسُول إِلَّا الْبَلَاغ الْمُبين} ثمَّ جرى الْخطاب بعد ذَلِك مِنْهُ لَهُم بقيله / أولم تروا كَيفَ يبدئ الله الْخلق / وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أولم يرَوا} بِالْيَاءِ وحجتهم فِي ذَلِك أَن معنى الْكَلَام أولم ير الَّذين اقتصصنا عَلَيْهِم قصَص سالف الْأُمَم الْمَاضِيَة كَيفَ يبدئ الله الْخلق فينشئه على غير مِثَال قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {ثمَّ الله ينشئ النشأة الْآخِرَة} بِفَتْح الشين فِي كل الْقُرْآن وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {النشأة} بِإِسْكَان الشين

{وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا}

وَحجَّة من فتح الشين هِيَ أَن النشأة اسْم الْمصدر وَالْعرب جعلُوا اسْم الْمصدر فِي مَوضِع الْمصدر فَيَقُولُونَ أَعْطيته عَطاء وكلمته كلَاما وَلَو أخرجُوا الْمصدر فِي صِحَة لقالوا أَعْطيته إِعْطَاء وكلمته تكليما وإنشأته إنْشَاء كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إنْشَاء} وَمن قَرَأَ بِإِسْكَان الشين فَإِنَّهُ جعله مصدرا صدر عَن غير لفظ ينشئ فَكَانَ تَقْرِير الْكَلَام فِي النِّيَّة أَن الله ينشئ يَوْم الْقِيَامَة خلقه الْأَمْوَات فينشؤون النشأة الْآخِرَة وَفِي التَّنْزِيل مَا يُقَوي هَذَا وَهُوَ قَوْله وأنبتها نباتا حسنا {وَقَالَ إِنَّمَا اتخذتم من دون الله أوثانا مَوَدَّة بَيْنكُم فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَأَبُو بكر {مَوَدَّة} بِفَتْح الْهَاء من غير تَنْوِين {بَيْنكُم} بِكَسْر النُّون وَقَرَأَ الْأَعْشَى {مَوَدَّة} بِالرَّفْع والتنوين {بَيْنكُم} بِالنّصب وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو وَالْكسَائِيّ {مَوَدَّة} بِالرَّفْع غير منون {بَيْنكُم} بالخفض فَمن رفع فَلهُ مذهبان أَحدهمَا أَن يَجْعَل إِنَّمَا كَلِمَتَيْنِ وَيكون معنى {مَا} بِمَعْنى الَّذِي وَهُوَ اسْم {إِن} و {مَوَدَّة} خبر إِن ومفعول {اتخذتم} مَحْذُوف الْمَعْنى إِن الَّذِي اتخذتموه مَوَدَّة بَيْنكُم وَالثَّانِي أَن ترفعها بِالِابْتِدَاءِ و {فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} خَبَرهَا وَتجْعَل مَا كَافَّة على هَذَا الْوَجْه وَقَالَ الزّجاج وَيجوز أَن ترفع {مَوَدَّة} على إِضْمَار

{لننجينه وأهله إلا امرأته} {إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك} {إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا}

هِيَ كَأَنَّهُ قَالَ تِلْكَ مَوَدَّة بَيْنكُم فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا أَي ألفتكم وإجماعكم على الْأَصْنَام مَوَدَّة بَيْنكُم فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَمن نصب جعل {الْمَوَدَّة} مفعول {اتخذتم} وَجعل {مَا} مَعَ {إِن} كَافَّة وَلم يعد إِلَيْهَا ذكرا كَمَا أعَاد فِي الْوَجْه الأول وانتصب {مَوَدَّة} على أَنه مفعول لَهُ أَي اتخذتم الْأَوْثَان للمودة {بَيْنكُم} نصب على الظّرْف وَالْمعْنَى إِنَّمَا اتخذتم من دون الله أوثانا آلِهَة فَحذف كَمَا حذف من قَوْله {إِن الَّذين اتَّخذُوا الْعجل سينالهم} مَعْنَاهُ اتَّخذُوا الْعجل إِلَهًا وَمن قَرَأَ {مَوَدَّة بَيْنكُم} أضَاف الْمَوَدَّة إِلَى الْبَين وَجعل الْبَين الْوَصْل {لننجينه وَأَهله إِلَّا امْرَأَته} {إِنَّا منجوك وَأهْلك إِلَّا امْرَأَتك} {إِنَّا منزلون على أهل هَذِه الْقرْيَة رجزا} 32 34 قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {لننجينه وَأَهله} و {إِنَّا منجوك} بتَخْفِيف الحرفين وَقَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَأَبُو عَمْرو وَحَفْص بتَشْديد الحرفين وَقَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو بكر {لننجينه} بِالتَّشْدِيدِ و {إِنَّا منجوك} بِالتَّخْفِيفِ فَمن خففها جَعلهمَا من أنجى يُنجي مثل أَقَامَ يُقيم وحجته قَوْله قبل {فأنجيناه وَأَصْحَاب السَّفِينَة} و {لَئِن أنجيتنا} وَمن شددهما جَعلهمَا من نجى يُنجي وحجته {ونجينا الَّذين آمنُوا} وَقَوله {نجيناهم بِسحر} وهما لُغَتَانِ نطق الْقُرْآن بهما وَمن خفف وَاحِدًا وشدد الآخر جمع بَين اللغتين ليعلم أَنَّهُمَا جائزتان وَالْأَصْل فِي منجوك منجونك فَسَقَطت النُّون للإضافة

{إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء وهو العزيز الحكيم}

قَرَأَ ابْن عَامر {إِنَّا منزلون} بِالتَّشْدِيدِ من نزل ينزل وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ من أنزل وَقد ذكرت {إِن الله يعلم مَا يدعونَ من دونه من شَيْء وَهُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم} قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَعَاصِم {إِن الله يعلم مَا يدعونَ} بِالْيَاءِ لقَوْله قبلهَا {لَو كَانُوا يعلمُونَ} {إِن الله يعلم مَا يدعونَ} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {تدعون} بِالتَّاءِ أَي قل لَهُم إِن الله يعلم مَا تدعون لَا يكون إِلَّا على هَذَا لِأَن الْمُسلمين لَا يخاطبون بذلك {وَقَالُوا لَوْلَا أنزل عَلَيْهِ آيَات من ربه} 50 قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَأَبُو عَمْرو وَحَفْص {وَقَالُوا لَوْلَا أنزل عَلَيْهِ آيَات من ربه} بِالْألف وحجتهم مَا بعْدهَا وَهُوَ قَوْله {إِنَّمَا الْآيَات عِنْد الله} إِنَّمَا جَاءَت بِلَفْظ السُّؤَال وَأُخْرَى وَهِي أَنَّهَا مَكْتُوبَة فِي الْمَصَاحِف بِالتَّاءِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {آيَة من ربه} وحجتهم قَوْله {فليأتنا بِآيَة} وَقَوله {وَقَالُوا لَوْلَا نزل عَلَيْهِ آيَة} من ربه قل إِن الله قَادر على أَن ينزل آيَة

{ويقول ذوقوا ما كنتم تعملون}

{وَيَقُول ذوقوا مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَابْن عَامر {ونقول ذوقوا} بالنُّون أَي نَحن نقُول وحجتهم أَن الْكَلَام أَتَى عقيب لفظ الْجمع فِي قَوْلهم {أَو لم يَكفهمْ أَنا أنزلنَا} 51 وَبعد ذَلِك {ثمَّ إِلَيْنَا ترجعون} ولنبلونهم 58 فَجعلُوا مَا بَين ذَلِك بِلَفْظ الْجمع ليأتلف الْكَلَام على نظام وَاحِد وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَيَقُول} بِالْيَاءِ أَي يَقُول الْملك الْمُوكل بعذابهم أَو يَقُول الله جلّ وَعز وحجتهم قَوْله {قل كفى بِاللَّه بيني وَبَيْنكُم شَهِيدا} وَقَوله {وَكَفرُوا بِاللَّه} وَهَذَانِ أقرب من لفظ الْجمع فَكَانَ رده على لفظ مَا قرب مِنْهُ أولى من رده على الْأَبْعَد {يَا عبَادي الَّذين آمنُوا إِن أرضي وَاسِعَة} 56 قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {يَا عبَادي الَّذين آمنُوا} بِإِسْكَان الْيَاء وحجتهم فِي ذَلِك أَن النداء بَاب الْحَذف كَمَا تَقول يَا رب وَيَا قوم فتحذف الْيَاء وَإِذا وقفُوا وقفُوا على الْيَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يَا عبَادي} بِفَتْح الْيَاء على أَصْلهَا لِأَن أصل كل

{كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون}

يَاء الْفَتْح وَقد ذكرنَا فِي سُورَة الْبَقَرَة {كل نفس ذائقة الْمَوْت ثمَّ إِلَيْنَا ترجعون} قَرَأَ أَبُو بكر / ثمَّ إِلَيْنَا يرجعُونَ / بِالْيَاءِ وحجته فِي ذَلِك أَن الَّذِي قبله على لفظ الْغَيْب وَهُوَ قَوْله / كل نفس ذائقة الْمَوْت ثمَّ إِلَيْنَا يرجعُونَ / وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ وانتقلوا من الْغَيْبَة إِلَى الْخطاب مثل قَوْله {إياك نعْبد} بعد قَوْله {الْحَمد لله رب الْعَالمين} {وَالَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات لنبوئنهم من الْجنَّة غرفا} 58 قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / لنثوينهم / بالثاء من أثويت أَي لنقيمنهم يُقَال ثوى الرجل بِالْمَكَانِ إِذا أَقَامَ بِهِ وأثواه غَيره إِذا جعله بذلك الْمَكَان وحجتهما {وَمَا كنت ثاويا} أَي مُقيما وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لنبوئنهم} بِالْبَاء أَي لننزلنهم من بوأت تَقول الْعَرَب بوأت فلَانا منزلا أَي أنزلته قَالَ تَعَالَى {وَلَقَد بوأنا بني إِسْرَائِيل مبوأ صدق} وَتقول تبوأ فلَان الْمنزل وَقَالَ

الله تَعَالَى {وَالَّذين تبوؤوا الدَّار وَالْإِيمَان} أَي اتَّخَذُوهَا قَالَ الْفراء بوأته منزلا وأنويته منزلا سَوَاء {ليكفروا بِمَا آتَيْنَاهُم وليتمتعوا فَسَوف يعلمُونَ} 66 قَرَأَ ابْن كثير وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ وقالون {وليتمتعوا} بِإِسْكَان اللَّام جعلوها لَام الْأَمر فِي معنى الْوَعيد والتهدد لِأَن الله لَا يَأْمُرهُم بالإصرار على الْمعاصِي وَالْكفْر وَهُوَ كَقَوْلِه {اعْمَلُوا مَا شِئْتُم} على الْوَعيد وَقَرَأَ نَافِع وَأَبُو عَمْرو وَعَاصِم وَابْن عَامر {وليتمتعوا} بِكَسْر اللَّام جعلوها لَام كي الْمَعْنى لكَي يكفروا ولكي يتمتعوا وَسُئِلَ أَبُو عَمْرو عَن هَذِه اللَّام فَقَالَ اقْرَأ مَا قبلهَا {ليكفروا بِمَا آتَيْنَاهُم} {وليتمتعوا} مثلهَا وَقَالَ قوم هِيَ لَام الْأَمر بِمَعْنى الْوَعيد كَالْأولِ لَكِن الْعَرَب لَهَا فِي الْأَمر لُغَتَانِ الْكسر على أصل الِابْتِدَاء والإسكان للتَّخْفِيف

- سورة الروم

30 - سُورَة الرّوم {ثمَّ كَانَ عَاقِبَة الَّذين أساؤوا السوأى أَن كذبُوا بآيَات الله وَكَانُوا بهَا يستهزؤون} قَرَأَ أهل الشَّام والكوفة {ثمَّ كَانَ عَاقِبَة الَّذين} بِالنّصب جعلوها خبر {كَانَ} وَاسم كَانَ السوأى أَي النَّار وَأَن كذبُوا فِي مَوضِع نصب وَالتَّقْدِير ثمَّ كَانَ عاقبتهم النَّار لِأَن كذبُوا بآيَات الله وَقَرَأَ أهل الْحجاز وَالْبَصْرَة عَاقِبَة بِالرَّفْع جعلوها اسْم كَانَ وَالْخَبَر السوأى وَالْخَبَر وَالِاسْم هَا هُنَا معرفتان وَإِذا اجْتمع اسمان نظرت فَإِن كَانَ أَحدهمَا معرفَة وَالْآخر نكرَة جعلت النكرَة الْخَبَر والمعرفة الِاسْم وَإِن كَانَا معرفتين كنت بِالْخِيَارِ أَيهمَا شِئْت جعلته خَبرا وَأيهمَا شِئْت جعلته اسْما {الله يبْدَأ الْخلق ثمَّ يُعِيدهُ ثمَّ إِلَيْهِ ترجعون} قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَأَبُو بكر {ثمَّ إِلَيْهِ يرجعُونَ} بِالْيَاءِ وحجتهما أَن الْمُتَقَدّم ذكره غيبَة / يبْدَأ الْخلق ثمَّ يُعِيدهُ ثمَّ إِلَيْهِ يرجعُونَ / فَقرب من ذكر {الْخلق} فَجعلَا الْكَلَام خَبرا عَنْهُم إِذْ كَانَ مُتَّصِلا بذكرهم والخلق هم المخلوقون فِي الْمَعْنى وَجَاء فِي قَوْله {ثمَّ يُعِيدهُ} على لفظ

{ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون}

الْخلق وَقَوله {يرجعُونَ} على الْمَعْنى وَإِن لم يرجع على لفظ الْوَاحِد كَمَا كَانَ {يُعِيدهُ} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {ترجعون} بِالتَّاءِ وحجتهم ذَلِك أَن الْكَلَام فِي ابْتِدَائه قد يكون خَبرا ثمَّ يصرف عَنهُ إِلَى خطاب كَقَوْلِه تَعَالَى {الْحَمد لله رب الْعَالمين} ثمَّ قَالَ {إياك نعْبد} صَار الْكَلَام من الْغَيْبَة إِلَى الْخطاب {ويحيي الأَرْض بعد مَوتهَا وَكَذَلِكَ تخرجُونَ} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وَكَذَلِكَ تخرجُونَ} بِفَتْح التَّاء وَضم الرَّاء جعلا الْفِعْل لَهُم لِأَن الله تَعَالَى إِذا أخرجهم خَرجُوا هم كَمَا تَقول مَاتَ زيد وَإِن كَانَ الله أَمَاتَهُ وَدخل زيد الْجنَّة وَإِن كَانَ عمله أدخلهُ لِأَن الْمَفْعُول بِهِ فَاعل وحجتهما قَوْله {يخرجُون من الأجداث} وَقَوله {إِلَى رَبهم يَنْسلونَ} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {تخرجُونَ} بِالرَّفْع وحجتهم قَوْله {يَا ويلنا من بعثنَا من مرقدنا هَذَا} وَقَوله تَعَالَى {نخرج الْمَوْتَى} {إِن فِي ذَلِك لآيَات للْعَالمين} قَرَأَ حَفْص {لآيَات للْعَالمين} بِكَسْر اللَّام أَي للْعُلَمَاء وَهُوَ

{وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله}

جمع عَالم لِأَن الْعَالم بالشَّيْء يكون أحسن اعتقادا من الْجَاهِل كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَمَا يَعْقِلهَا إِلَّا الْعَالمُونَ} وحجته مَا تقدم وَمَا تَأَخّر فَأَما مَا تقدم فَقَوله {إِن فِي ذَلِك لآيَات لقوم يتفكرون} وَأما مَا تَأَخّر فَقَوله {لآيَات لقوم يعْقلُونَ} وَإِن كَانَت الْآيَة لكافة النَّاس عالمهم وجاهلهم لِأَن الْعَالم لما تدبر وَاسْتدلَّ بِمَا شَاهد على مَا لم يسْتَدلّ عَلَيْهِ غَيره صَار لَيْسَ كَغَيْر الْعَالم لذهابه عَنْهَا وَتَركه الِاعْتِبَار بهَا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لآيَات للْعَالمين} بِفَتْح اللَّام أَي للنَّاس أَجْمَعِينَ من الْجِنّ وَالْإِنْس {وَمَا آتيتم من رَبًّا ليربو فِي أَمْوَال النَّاس فَلَا يَرْبُو عِنْد الله} قَرَأَ ابْن كثير وَمَا أتيتم من رَبًّا من غير مد أَي مَا جئْتُمْ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَمَا آتيتم من رَبًّا} أَي مَا أعطيتم من قَوْله {فآتاهم الله ثَوَاب الدُّنْيَا} أَي اعطاهم وَأما قصر ابْن كثير فَإِنَّهُ يؤول فِي الْمَعْنى إِلَى قَول من مد إِلَّا أَن أتيتم على لفظ جئْتُمْ فَكَانهُ مَا جئْتُمْ من رَبًّا ومجيئهم لذَلِك

{الله الذي خلقكم ثم رزقكم} {سبحانه وتعالى عما يشركون}

إِنَّمَا هُوَ على وَجه الْإِعْطَاء لَهُ وَمعنى الْآيَة وَمَا أعطيتم من هَدِيَّة أهديتموها لتعوضوا مَا هُوَ أَكثر مِنْهَا فَلَا يَرْبُو عِنْد الله لأنكم إِنَّمَا قصدتم إِلَى زِيَادَة الْعِوَض وَلم تَبْتَغُوا بذلك وَجه الله قَالَ عِكْرِمَة هما ربوان أَحدهمَا حَلَال وَالْآخر حرَام فَأَما الْحَلَال فالرجل يُعْطي أَخَاهُ هَدِيَّة ليكافئه المهدى إِلَيْهِ بأضعافه لَا أَنه يهدي إِلَيْهِ ابْتِغَاء وَجه الله فَهَذَا حَلَال علينا وَحرَام على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَأما الْحَرَام فَهُوَ أَن يُعْطي الرجل دِينَارا على أَن يَأْخُذ أَزِيد مِنْهُ قَرَأَ نَافِع / لتربوا فِي أَمْوَال النَّاس / بِضَم التَّاء وَسُكُون الْوَاو فالتاء هَا هُنَا للمخاطبين وَالْوَاو وَاو الْجمع وَالْوَاو الَّتِي هِيَ لَام الْفِعْل سَاقِطَة لسكونها وَسُكُون هَذِه فَالْأَصْل لتربوون فَانْقَلَبت الْوَاو يَاء لانكسار مَا قبلهَا فَصَارَ لتربيون ثمَّ حذفنا حَرَكَة الْيَاء فَاجْتمع ساكنان الْيَاء وَالْوَاو فحذفت الْيَاء لسكونها وَسُكُون الْوَاو وَسَقَطت النُّون عَلامَة للنصب وفاعل الرِّبَا الْقَوْم الَّذين خوطبوا الْمَعْنى لتربوا أَنْتُم أَي تعطون الْعَطِيَّة لتزدادوا بهَا أَنْتُم وحجته أَنَّهَا كتبت فِي الْمَصَاحِف بِأَلف بعد الْوَاو وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / ليربو / بِالْيَاءِ وَفتح الْوَاو وَيكون فَاعل يَرْبُو الرِّبَا الْمَعْنى ليربو الرِّبَا وعلامة النصب فتح الْوَاو وحجتهم الَّذِي بعده وَهُوَ قَوْله {فَلَا يَرْبُو عِنْد الله} وَلم يقل فَلَا تربون {الله الَّذِي خَلقكُم ثمَّ رزقكم} {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يشركُونَ} 40 قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا تشركون / بِالتَّاءِ وحجتهما فِي ذَلِك أَن ذَلِك أَتَى عقيب الْخطاب فِي قَوْله {الله الَّذِي خَلقكُم ثمَّ رزقكم}

{ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا}

فَجرى مَا بعد ذَلِك على لفظ مَا تقدمه من الْخطاب وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ جعلُوا الْكَلَام خَبرا عَن أهل الشّرك {ظهر الْفساد فِي الْبر وَالْبَحْر بِمَا كسبت أَيدي النَّاس ليذيقهم بعض الَّذِي عمِلُوا} قَرَأَ ابْن كثير فِي رِوَايَة القواس / لنذيقهم بعض الَّذِي / بالنُّون الله يخبر عَن نَفسه وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ إِخْبَارًا عَنْهُم أَي ليذيقهم الله {الله الَّذِي يُرْسل الرِّيَاح فتثير سحابا فيبسطه فِي السَّمَاء كَيفَ يَشَاء ويجعله كسفا} 48 قَرَأَ ابْن عَامر ويجعله كسفا سَاكِنة السِّين وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْح السِّين جمع كسفة مثل قِطْعَة وَقطع وكسرة وَكسر وسدرة وَسدر وَمن قَرَأَ كسفا سَاكِنة السِّين فَهِيَ جمع كسفة مثل سِدْرَة وَسدر قَرَأَ ابْن كثير وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ / الله الَّذِي يُرْسل الرّيح / بِغَيْر ألف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْألف وَقد ذكرت الْحجَّة فِي سُورَة الْبَقَرَة

{فانظر إلى آثار رحمة الله}

{فَانْظُر إِلَى آثَار رَحْمَة الله} 50 قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَأَبُو بكر / فَانْظُر إِلَى أثر رَحْمَة الله / بِغَيْر ألف على التَّوْحِيد وحجتهم أَن الْوَاحِد يَنُوب على الْجَمِيع كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ {هم أولاء على أثري} وَلم يقل آثاري وَيجوز التَّوْحِيد فِي أثر لِأَنَّهُ مُضَاف إِلَى مُفْرد وَجَاز الْجمع لِأَن رَحْمَة الله يجوز أَن يُرَاد بهَا الْكَثْرَة كَمَا قَالَ جلّ وَعز {وَإِن تعدوا نعْمَة الله لَا تحصوها} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {آثَار رَحْمَة الله} أَي آثَار الْمَطَر الَّذِي هُوَ رَحْمَة من الله {فَإنَّك لَا تسمع الْمَوْتَى وَلَا تسمع الصم الدُّعَاء إِذا ولوا مُدبرين وَمَا أَنْت بهادي الْعمي عَن ضلالتهم} 51 و 52 قَرَأَ ابْن كثير {وَلَا يسمع} بِالْيَاءِ وَفتحهَا {الصم} رفع أَي لَا ينقادون للحق لعنادهم كَمَا لَا يسمع الْأَصَم مَا يُقَال لَهُ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لَا تسمع} بِالتَّاءِ {الصم} نصب خطاب لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وحجتهم مَا ذكره فِي أول الاية وَهُوَ قَوْله {فَإنَّك لَا تسمع الْمَوْتَى} فأسند الْفِعْل إِلَى الْمُخَاطب فَكَذَلِك تسند إِلَيْهِ مَا بعده ليَكُون الْكَلَام على نظام وَاحِد قَرَأَ حَمْزَة / وَمَا أَنْت تهدي / بِالتَّاءِ {الْعمي} نصب

{الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة}

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {بهادي} بِالْبَاء وَالْألف و {الْعمي} جر وَقد ذكرت فِي {طس} و {بهادي} أثبتها الْكسَائي فِي الْوَقْف قَالَ سِيبَوَيْهٍ حذف الْيَاء من هادي لالتقائها مَعَ التَّنْوِين فَلَمَّا وقف حذف التَّنْوِين فِي الْوَقْف فَلَمَّا حذف التَّنْوِين عَادَتْ الْيَاء وَكَانَت حذفت لالتقائها سَاكِنة مَعَ التَّنْوِين فَيَقُول هادي أَو يكون أُرِيد ب هادي الْإِضَافَة وَلم ينون فَلَمَّا لم ينون لم يلْزم أَن تحذف الْيَاء كَمَا تحذف إِذا نون لسكونها وَسُكُون الْيَاء {الله الَّذِي خَلقكُم من ضعف ثمَّ جعل من بعد ضعف قُوَّة ثمَّ جعل من بعد قُوَّة ضعفا وَشَيْبَة} قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة {من ضعف} بِفَتْح الضَّاد وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْع وهما لُغَتَانِ مثل الْقرح والقرح {فَيَوْمئِذٍ لَا ينفع الَّذين ظلمُوا معذرتهم} قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {فَيَوْمئِذٍ لَا ينفع الَّذين} بِالْيَاءِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ لتأنيث المعذرة وَمن قَرَأَ بِالْيَاءِ قَالَ إِن المعذرة بِمَعْنى الْعذر كَمَا قَالَ تَعَالَى {فَمن جَاءَهُ موعظة من ربه} بالتذكير لِأَن الموعظة بِمَعْنى الْوَعْظ

- سورة لقمان

31 - سُورَة لُقْمَان {تِلْكَ آيَات الْكتاب الْحَكِيم هدى وَرَحْمَة للمحسنين} 2 و 3 قَرَأَ حَمْزَة {هدى وَرَحْمَة} بِالرَّفْع جعلهَا ابْتِدَاء وخبرا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ هدى وَرَحْمَة بِالنّصب على الْحَال الْمَعْنى تِلْكَ آيَات الْكتاب فِي حَال الْهِدَايَة وَالرَّفْع على مَعْنيين أَحدهمَا على إِضْمَار هُوَ هدى وَرَحْمَة وَالثَّانِي تِلْكَ هدى وَرَحْمَة للمحسنين {وَمن النَّاس من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث ليضل عَن سَبِيل الله بِغَيْر علم ويتخذها هزوا} 6 قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {ويتخذها} بِفَتْح الذَّال بالنسق على قَوْله {ليضل} و {ويتخذها} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْع بالنسق على قَوْله {وَمن النَّاس من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث} {ويتخذها} قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {ليضل} بِفَتْح الْيَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْع مَعْنَاهُ ليضل غَيره فَإِذا اضل غَيره فقد ضل هُوَ أَيْضا وَمن قَرَأَ {ليضل} فَمَعْنَاه ليصير أمره إِلَى الضلال فَكَأَنَّهُ وَإِن لم يكن يقدر أَنه يضل فَإِنَّهُ سيصير أمره إِلَى أَن يضل

{يَا بني لَا تشرك بِاللَّه} قَرَأَ ابْن كثير {يَا بني لَا تشرك بِاللَّه} بِإِسْكَان الْيَاء خَفِيفَة لِأَنَّهُ صغر الابْن وَلم يضفه إِلَى نَفسه فَحذف يَاء وَهِي الَّتِي كَانَت لَام الْفِعْل وَهَذِه الْيَاء المبقاة هِيَ يَاء التصغير وَلَو أَتَى بِهِ على الأَصْل لقَالَ يَا بني لِأَنَّهُ نِدَاء مُفْرد وَلَو كَانَ أرادالإضافة يَا بني لكسر الْيَاء وَإِنَّمَا حذف الْيَاء لِأَن بَاب النداء بَاب الْحَذف وَالتَّخْفِيف أَلا ترى أَنَّك تَقول يَا زيد فتحذف مِنْهُ التَّنْوِين وَتقول يَا قوم فتحذف مِنْهُ الْيَاء فَكَذَلِك حذفت الْيَاء من {يَا بني} قَرَأَ حَفْص يَا بني بِفَتْح الْيَاء فِي جَمِيع الْقُرْآن أَرَادَ يَا بنياه فرخم قد ذكرت فِي سُورَة هود وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يَا بني} بِكَسْر الْيَاء لأَنهم أَرَادوا يَا بنييي بِثَلَاث ياءات الأولى للتصغير وَالثَّانيَِة أَصْلِيَّة لَام الْفِعْل وَالثَّالِثَة يَاء الْإِضَافَة إِلَى النَّفس فحذفت الْأَخِيرَة اجتزاء بِالْكَسْرِ وتخفيفا وأدغمت يَاء التصغير فِي يَاء الْفِعْل فالتشديد من أجل ذَلِك قَرَأَ ابْن كثير فِي رِوَايَة قنبل {يَا بني أقِم الصَّلَاة} بِالتَّخْفِيفِ مثل الأول وَفتح البزي وَحَفْص وَكسر الْبَاقُونَ وَقد ذكرت الْحجَّة

{يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل}

{يَا بني إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَال حَبَّة من خَرْدَل} وَقَرَأَ نَافِع {يَا بني إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَال حَبَّة} بِالرَّفْع جعل {كَانَ} بِمَعْنى حدث وَوَقع أَي إِن وَقع مِثْقَال حَبَّة كَقَوْلِه {وَإِن كَانَ ذُو عسرة} فَإِن قيل لم قلت {تَكُ} بِالتَّاءِ والمثقال مُذَكّر قيل فِي ذَلِك إِن مِثْقَالا هُوَ السَّيئَة أَو الْحَسَنَة فأنث على الْمَعْنى وَقَالَ الْفراء جَازَ تَأْنِيث {تَكُ} والمثقال مُذَكّر لِأَنَّهُ مُضَاف إِلَى الْحبَّة وَالْمعْنَى للحبة فَذهب التَّأْنِيث إِلَيْهَا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ إِن تَكُ مِثْقَال نصب فاسم كَانَ يَنْبَغِي أَن يكون الْمظْلمَة أَو الْحَسَنَة الْمَعْنى إِن تكن الْمظْلمَة أَو الْحَسَنَة مِثْقَال حَبَّة من خَرْدَل {وَلَا تصعر خدك للنَّاس} قَرَأَ ابْن كثير وَعَاصِم وَابْن عَامر {وَلَا تصعر خدك} بِالتَّشْدِيدِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / تصاعر / قَالَ سِيبَوَيْهٍ صعر وصاعر بِمَعْنى وَاحِد كَمَا تَقول ضعف وضاعف {وأسبغ عَلَيْكُم نعمه ظَاهِرَة وباطنة} 20 قَرَأَ نَافِع وَأَبُو عَمْرو وَحَفْص {وأسبغ عَلَيْكُم نعمه} بِفَتْح الْعين جمع نعْمَة كَمَا تَقول سِدْرَة وَسدر وحجتهم أَن النعم الظَّاهِرَة غير النعم الْبَاطِنَة فَهِيَ حِينَئِذٍ جمَاعَة إِذْ كَانَت منوعة وَقد قَالَ جلّ وَعز شاكرا لأنعمه فَلم يكتف بالواحدة من الْجَمِيع فَلَمَّا كَانَت

{ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله}

نعم الله مُخْتَلفَة بَعْضهَا فِي الدّين وَبَعضهَا فِي الأرزاق وَبَعضه فِي العوافي وَغير ذَلِك من الْأَحْوَال قرؤوا بِلَفْظ الْجمع لكثرته وَاخْتِلَاف الْأَحْوَال بهَا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {نعْمَة} وحجتهم صِحَة الْخَبَر عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ هِيَ الْإِسْلَام وَذَلِكَ أَن نعْمَة الْإِسْلَام تجمع كل خير وَعنهُ أَيْضا قَالَ شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله باطنة فِي الْقلب ظَاهِرَة فِي اللِّسَان وَقَالُوا أَيْضا الظَّاهِرَة شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله والباطنة طمأنينة الْقلب على مَا عبر لِسَانه وَأحسن مَا قيل فِي تَفْسِير هَذِه الْآيَة أَن النِّعْمَة الظَّاهِرَة نعْمَة الْإِسْلَام والباطنة ستر الذُّنُوب وَيجوز أَن يعْنى بهَا جمَاعَة النعم فتؤدي الْوَاحِدَة عَن معنى الْجمع بِدلَالَة قَوْله {وَإِن تعدوا نعْمَة الله لَا تحصوها} {وَلَو أَنما فِي الأَرْض من شَجَرَة أَقْلَام وَالْبَحْر يمده من بعده سَبْعَة أبحر مَا نفدت كَلِمَات الله} 27 قَرَأَ أَبُو عَمْرو {وَالْبَحْر يمده} بِفَتْح الرَّاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْع فَأَما النصب فعطف على {مَا} وَالْمعْنَى وَلَو أَن مَا فِي الأَرْض وَلَو أَن الْبَحْر فَإِن سَأَلَ سَائل إِن من اخْتِيَار أبي عَمْرو أَن يرفع الْمَعْطُوف بعد الْخَبَر كَقَوْلِه {إِن وعد الله حق والساعة لَا ريب فِيهَا} فَالْجَوَاب فِي ذَلِك أَن الْكَلَام فِي {إِن وعد الله حق} تَمام ثمَّ يسْتَأْنف {والساعة لَا ريب فِيهَا} وَالْكَلَام عِنْد قَوْله {وَلَو أَنما فِي الأَرْض من شَجَرَة أَقْلَام}

{ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل}

غير تَامّ فَأشبه الْمَعْطُوف قبل الْخَبَر وَهَذَا من حذق أبي عَمْرو إِنَّمَا لم يتم الْكَلَام لِأَن {لَو} يحْتَاج إِلَى جَوَاب وَالرَّفْع على وَجْهَيْن أَحدهمَا على الِاسْتِئْنَاف فَجعل الْوَاو وَاو الْحَال كَأَنَّهُ قَالَ وَالْبَحْر هَذِه حَاله وَيجوز أَن يكون مَعْطُوفًا على مَوضِع {إِن} مَعَ مَا بعْدهَا {ذَلِك بِأَن الله هُوَ الْحق وَأَن مَا يدعونَ من دونه هُوَ الْبَاطِل} قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَابْن عَامر وَأَبُو بكر / وَأَن مَا تدعون / بِالتَّاءِ أَي يَا معشر الْعَرَب من الشُّرَكَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ وَالْقِرَاءَة فِي مثل هَذَا الْحَرْف بِالْيَاءِ لِأَنَّهُ لم يعم النَّاس بِأَنَّهُم كلهم كَانُوا يدعونَ من دون الله وَلَكِن على الْخَواص {إِن الله عِنْده علم السَّاعَة وَينزل الْغَيْث} قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَعَاصِم {ينزل الْغَيْث} بِالتَّشْدِيدِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ وَقد ذكرت الْحجَّة فِي سُورَة الْبَقَرَة 32 - سُورَة السَّجْدَة {الَّذِي أحسن كل شَيْء خلقه وَبَدَأَ خلق الْإِنْسَان من طين} 7 قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَابْن عَامر {أحسن كل شَيْء خلقه} بِسُكُون اللَّام قَالَ الزّجاج قَوْله {خلقه} مَنْصُوب على أَنه مصدر

دلّ عَلَيْهِ مَا تقدم من قَوْله {أحسن كل شَيْء} الْمَعْنى الَّذِي خلق كل شَيْء خلقه وابتدأه ابْتِدَاء وَيجوز أَن يَجْعَل {خلقه} بَدَلا من {كل شَيْء} التَّقْدِير الَّذِي أحسن خلق كل شَيْء وَهَذَا مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ وَجَاء فِي التَّفْسِير أَن تَأْوِيلهَا ألهم خلقه كل مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ كَأَنَّهُ قَالَ أعلمهم كل مَا يَحْتَاجُونَ إِلَى علمه فَأَما الضَّمِير الَّذِي أضيف إِلَيْهِ {خلق} فَلَا يَخْلُو من أَن يكون ضمير اسْم الله أَو يكون كِنَايَة عَن الْمَفْعُول بِهِ فَالَّذِي يدل عَلَيْهِ نَظَائِره أَن الضَّمِير لاسم الله نَحْو قَوْله {صنع الله} و {وعد الله} فَكَمَا أضيفت هَذَا المصادر إِلَى الْفَاعِل فَكَذَلِك يكون {خلقه} مُضَافا إِلَى ضمير الْفَاعِل لِأَن قَوْله {أحسن كل شَيْء} يدل على خلق كل شَيْء قَرَأَ نَافِع وَأهل الْكُوفَة {خلقه} بِفَتْح اللَّام جَعَلُوهُ فعلا مَاضِيا أَي أحسن كل شَيْء فخلقه قَالَ أهل التَّأْوِيل {أحسن} أَي أحكم كَمَا أَرَادَ لَا كمن يُرِيد أَن يَأْتِي بالشَّيْء حسنا فَيَقَع قبيحا كالخط وَالصُّورَة مِمَّا يُعلمهُ الْإِنْسَان وَكَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول القرد لَيْسَ بِحسن وَلكنه أحكم خلقه وَقيل إِن الْحسن مَوْجُود فِي كل مَا خلق الله من جَمِيع الْحَيَوَان وَهُوَ أَن أثر صنع الله وَالدّلَالَة على وحدانيته مَوْجُودَة فِيهِ وَشَاهد هَذَا القَوْل قَوْله {إِنَّا جعلنَا مَا على الأَرْض زِينَة لَهَا} وعَلى الأَرْض حيات وعقارب وقردة وَلَيْسَت من الزِّينَة وَلَكِن الْمَعْنى انها مخلوقات الله وفيهَا آثَار صنع الله وَقَالَ آخَرُونَ {إِنَّا جعلنَا مَا على الأَرْض زِينَة لَهَا} يَعْنِي الرِّجَال فالهاء فِي قَوْله {خلقه} ضمير الْخلق

{فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين}

{فَلَا تعلم نفس مَا أُخْفِي لَهُم من قُرَّة أعين} قَرَأَ حَمْزَة {مَا أُخْفِي لَهُم} سَاكِنة الْيَاء وَجعله فعلا مُسْتَقْبلا الله جلّ وَعز يخبر عَن نَفسه أَي مَا أُخْفِي لَهُم وحجته مَا يتَّصل بالحرف وَهُوَ قَوْله قبله {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفقُونَ} وَيُقَوِّي هَذَا قِرَاءَة عبد الله بن مَسْعُود / مَا نخفي لَهُم / بالنُّون وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {مَا أُخْفِي} بِفَتْح الْيَاء جَعَلُوهُ فعلا مَاضِيا على مَا لم يسم فَاعله وَيُقَوِّي بِنَاء الْفِعْل للْمَفْعُول بِهِ قَوْله {فَلهم جنَّات المأوى} فأبهم ذَلِك كَمَا أبهم قَوْله {أُخْفِي لَهُم} وَلم يسند إِلَى فَاعل بِعَيْنِه وَلَو كَانَ {أُخْفِي} كَمَا قَرَأَهُ حَمْزَة لَكَانَ أعطيهم جنَّات المأوى ليُوَافق أعطي {أُخْفِي} فِي ذكر فَاعل الْفِعْل {وَجَعَلنَا مِنْهُم أَئِمَّة يهْدُونَ بأمرنا لما صَبَرُوا} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ لما صَبَرُوا بِكَسْر اللَّام وَتَخْفِيف الْمِيم الْمَعْنى / جعلناهم أَئِمَّة لصبرهم / وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لما صَبَرُوا} بِالتَّشْدِيدِ قَالَ الزّجاج من قَرَأَ {لما صَبَرُوا} فَالْمَعْنى معنى حِكَايَة المجازاة لما صَبَرُوا جعلناهم أَئِمَّة وأصل الْجَزَاء فِي هَذَا كَأَنَّهُ قَالَ إِن صَبَرْتُمْ جَعَلْنَاكُمْ أَئِمَّة فَلَمَّا صَبَرُوا جعلُوا أَئِمَّة

- سورة الأحزاب

33 - سُورَة الْأَحْزَاب {وَلَا تُطِع الْكَافرين وَالْمُنَافِقِينَ} {إِن الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرا} {إِذْ جاءتكم جنود فَأَرْسَلنَا عَلَيْهِم ريحًا وجنودا لم تَرَوْهَا وَكَانَ الله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصيرًا} 2 و 9 قَرَأَ أَبُو عَمْرو / إِن الله كَانَ بِمَا يعْملُونَ خَبِيرا / و / بِمَا يعْملُونَ بَصيرًا / بِالْيَاءِ جَمِيعًا وحجته أَنه قرب من ذكر الْكَافرين وَالْمُنَافِقِينَ فِي الْحَرْف الأول فختم الْآيَة بالْخبر عَنْهُم إِذْ كَانَ ذَلِك فِي سِيَاقه عَنْهُم وحجته فِي الْحَرْف الثَّانِي أَنه قرب من ذكر الْجنُود فِي قَوْله {إِذْ جاءتكم جنود فَأَرْسَلنَا عَلَيْهِم} فختم بالْخبر عَنْهُم إِذْ كَانَ فِي سِيَاقه وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ جَمِيعًا وحجتهم فِي الْحَرْف الأول أَن افْتِتَاح الْآيَة جرى بِلَفْظ المخاطبة للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَلَا شكّ أَن من بِحَضْرَتِهِ من الْمُسلمين داخلون مَعَه فِيمَا أَمر بِهِ من أَمر الله وَنهي عَنهُ فِي هَذِه فهم حِينَئِذٍ مخاطبون مَعَه بِمَا خُوطِبَ بِهِ من أَمر الله وَنَهْيه نظيرا قَوْله {فأقم وَجهك للدّين حَنِيفا} فخاطب خاصته فِي الظَّاهِر ثمَّ قَالَ منيبين إِلَيْهِ فَأخْرج الْحَال عَنهُ وَعَمن هُوَ على شَرِيعَته فَكَذَلِك خاطبه فِي أول هَذِه الْآيَة خَاصَّة ثمَّ خَتمهَا بمخاطبته ومخاطبة من هُوَ على سَبيله إِذْ كَانُوا يشركُونَ فِي الْأَمر وَالنَّهْي وحجتهم فِي الْحَرْف الثَّانِي أَن افْتِتَاح الْآيَة جرى بالمخاطبة للْمُؤْمِنين فَقَالَ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اذْكروا نعْمَة الله عَلَيْكُم إِذْ جاءتكم جنود}

{وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم}

فختموا الْآيَة بِمَا افْتتح فِي أول الاية ليأتلف الْكَلَام على سِيَاق وَاحِد {وَمَا جعل أزواجكم اللائي تظاهرون مِنْهُنَّ أُمَّهَاتكُم} 4 قَرَأَ أَبُو عَمْرو وورش عَن نَافِع والبزي عَن ابْن كثير / اللاي / بِغَيْر مد وَلَا همز فِي كل الْقُرْآن وَقَرَأَ نَافِع والقواس عَن ابْن كثير اللاء مهموزا مَقْصُورا وَقَرَأَ أهل الشَّام / اللاء / والكوفة {اللائي} بِهَمْزَة بعْدهَا يَاء ووزنها فَاعل وَاعْلَم أَن هَذِه الْوُجُوه كلهَا جمع الَّتِي وَالْعرب تجمع الَّتِي على اللَّاتِي واللائي ثمَّ يجمعُونَ الْجمع فَيَقُولُونَ اللواتي قَالَ الراجز من اللواتي وَالَّتِي واللاتي ... زعمن أَنِّي كَبرت لداتي فَمن قَرَأَ {اللائي} على وزن اللاعي فَهُوَ الْقيَاس على الأَصْل وَهُوَ جمع الَّتِي على غير اللَّفْظ وَمن قَرَأَ / اللاء / على وزن اللاع فَإِنَّهُ اكْتفى بالكسرة على الْيَاء لِأَن الكسرة تنوب عَن الْيَاء قَالَ الشَّاعِر من اللاء لم يحججن يبغين حسبَة وَلَكِن ليقْتلن البريء المغفلا

{وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا}

وَمن ترك الْهَمْز فَإِنَّمَا تَركه للتَّخْفِيف وَهَذِه لُغَات للْعَرَب قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {تظْهرُونَ} بِغَيْر ألف وَتَشْديد الظَّاء وَقَرَأَ حَمْزَة الْكسَائي {تظْهرُونَ} بِفَتْح التَّاء وَتَخْفِيف الظَّاء وَقَرَأَ ابْن عَامر تظاهرون بِالْألف وَالتَّشْدِيد وَالْمعْنَى فِي تظْهرُونَ وتظاهرون وتظاهرون وَاحِد أَصله كُله من الظّهْر لِأَن الَّذِي يتظهر من امْرَأَته إِنَّمَا قَالَ لَهَا أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي فَمن قَرَأَ {تظْهرُونَ} فَالْأَصْل تتظهرون فأدغم التَّاء فِي الظَّاء وَإِدْخَال الْألف وإخراجها سَوَاء وَالْعرب تَقول ضعفت وضاعفت وعقبت وعاقبت وَقَرَأَ عَاصِم {تظاهرون} بِالْألف مَضْمُومَة التَّاء مثل تقاتلون جعله فعلا من اثْنَيْنِ من ظَاهر من امْرَأَته مُظَاهرَة وظهارا وحجتهم قَوْله فِي مصدر ظَاهر الظِّهَار {وَبَلغت الْقُلُوب الْحَنَاجِر وتظنون بِاللَّه الظنونا} قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَأَبُو بكر {وتظنون بِاللَّه الظنونا} و {الرسولا} و {السبيلا} بِالْألف فِي الْوَقْف والوصل

وَقَرَأَ ابْن كثير وَالْكسَائِيّ وَحَفْص بِالْألف فِي الْوَقْف وَبِغير الْألف فِي الْوَصْل وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو وَحَمْزَة بِغَيْر الْألف فِي الْوَصْل وَالْوَقْف حجَّة من أثبتهن فِي الْوَصْل وَالْوَقْف هِيَ أَن من الْعَرَب من يقف على الْمَنْصُوب الَّذِي فِيهِ الْألف وَاللَّام بِأَلف فَيَقُولُونَ ضربت الرجلا وَفِي الْخَفْض مَرَرْت بالرجلي وَأُخْرَى أَنَّهُنَّ رُؤُوس آيَات فَحسن إِثْبَات الْألف لِأَن راس آيَة فِي مَوضِع سكت وَقطع للفصل بَينهَا وَبَين الْآيَة الَّتِي بعْدهَا وللتوفيق بَين رُؤُوس الْآي قَالَ الشَّاعِر ... أقلي اللوم عاذل والعتابا ... وَالْحجّة الثَّالِث اتِّبَاع الْمُصحف قَالَ أَبُو عبيد رَأَيْت فِي الَّذِي يُقَال إِنَّه الإِمَام مصحف عُثْمَان الْألف مثبتة فِي ثلاثتهن وَمن حذف الْألف فِي الْوَصْل وأثبتها فِي الْوَقْف قَالَ جمعت قِيَاس الْعَرَبيَّة فِي أَلا تكون ألف فِي اسْم فِيهِ الْألف وَاللَّام وَاتِّبَاع الْمُصحف فِي إِثْبَات الْألف فَاجْتمع لي الْأَمْرَانِ

{يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا}

وَمن حذف الْألف فِي الْوَصْل وَالْوَقْف احْتج بَان التَّنْوِين لَا يدْخل مَعَ الْألف وَاللَّام فَلَمَّا لم يدْخل التَّنْوِين لم تدخل الْألف لِأَن الْألف مبدلة من التَّنْوِين قَالَ اليزيدي وَلَيْسَ أحد يَقُول دخلت الدارا {يَا أهل يثرب لَا مقَام لكم فَارْجِعُوا} قَرَأَ حَفْص لَا مقَام لكم أَي إِقَامَة لكم تَقول أَقمت فِي الْبَلَد مقَاما وَإِقَامَة وَهُوَ الْمكْث وَالْمقَام يحْتَمل أَمريْن يجوز أَن يكون مَوضِع إقامتكم وَهَذَا أشبه لِأَنَّهُ فِي معنى من فتح فَقَالَ لَا مقَام لكم أَي لَيْسَ لكم مَوضِع تقومون فِيهِ وَيحْتَمل {لَا مقَام لكم} أَي لَا إِقَامَة لكم وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لَا مقَام لكم} بِالْفَتْح الْمَعْنى لَا مَكَان لكم تقومون فِيهِ {وَلَو دخلت عَلَيْهِم من أقطارها ثمَّ سئلوا الْفِتْنَة لآتوها} قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير {ثمَّ سئلوا الْفِتْنَة لآتوها} بقصر الْألف أَي سئلوا فعل الْفِتْنَة {لآتوها} لفعلوها

{لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}

قَالَ الزّجاج قَوْله {لآتوها} أَي لقصدوها وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لآتوها} بِالْمدِّ أَي لأعطوها أَي لم يمتنعوا مِنْهَا وحجتهم قَوْله {ثمَّ سئلوا الْفِتْنَة} فالإعطاء مَعَ السُّؤَال حسن أَي لَو قيل لَهُم كونُوا على الْمُسلمين مَعَ الْمُشْركين لفعلوا ذَلِك وَقَالَ الْحسن لَو دعوا إِلَى الشّرك لأجابوا وأعطوها والفتنة الشّرك {لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة} قَرَأَ عَاصِم {أُسْوَة حَسَنَة} بِضَم الْألف حَيْثُ كَانَ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِكَسْر الْألف وهما لُغَتَانِ وَمعنى {أُسْوَة} أَي قدوة تقتدون بهَا حَيْثُ خرج بِنَفسِهِ إِلَى قتال أَعدَاء الله {يُضَاعف لَهَا الْعَذَاب ضعفين} 30 قَرَأَ أَبُو عَمْرو / يضعف لَهَا الْعَذَاب / بِالْيَاءِ وَالتَّشْدِيد {الْعَذَاب} رفع على مَا لم يسم فَاعله وَكَانَ أَبُو عَمْرو يَقُول إِنَّمَا اخْتَرْت التَّشْدِيد فِي هَذَا الْحَرْف فَقَط لقَوْله ضعفين وَقَرَأَ ابْن عَامر وَابْن كثير / نضعف / بالنُّون وَتَشْديد الْعين وَكسرهَا الله عز وَجل يخبر عَن نَفسه {الْعَذَاب} نصب لِأَنَّهُ مفعول بِهِ وَقَرَأَ نَافِع وَأهل الْكُوفَة {يُضَاعف} بِالْيَاءِ وَالْألف {الْعَذَاب} بِالرَّفْع الْعَرَب تَقول ضاعفت وضعفت لُغَتَانِ

{ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما}

{وَمن يقنت مِنْكُن لله وَرَسُوله وتعمل صَالحا نؤتها أجرهَا مرَّتَيْنِ وأعتدنا لَهَا رزقا كَرِيمًا} 31 قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / وَيعْمل صَالحا يؤتها / بِالْيَاءِ فيهمَا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ {نؤتها} بالنُّون وحجتهم فِي قَوْله {تعْمل} بِالتَّاءِ هِيَ أَن الْفِعْل لما تقدمه قَوْله {مِنْكُن} أجروه بِلَفْظ التَّأْنِيث لِأَن تَأْنِيث {مِنْكُن} أقرب إِلَيْهِ من لفظ {من} وَحجَّة من قَرَأَ {يعْمل} بِالْيَاءِ إِجْمَاع الْجَمِيع على الْيَاء فِي قَوْله {من يَأْتِ مِنْكُن} {وَمن يقنت} فَردُّوا مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ وَأما من قَرَأَ بِالْيَاءِ فَإِنَّهُ حمل الْكَلَام على لفظ {من} دون الْمَعْنى وَمن قَرَأَ بِالتَّاءِ فَإِنَّهُ حمل على الْمَعْنى دون اللَّفْظ لِأَن معنى {من} التَّأْنِيث وَالْجمع وَمِمَّا يُقَوي قَول من حمل على الْمَعْنى فأنث اتِّفَاق حَمْزَة وَالْكسَائِيّ مَعَهم فِي قَوْله نؤتها فحملا أَيْضا على الْمَعْنى وَلَو كَانَ على اللَّفْظ لقالوا {نؤته} فَكَذَلِك قَوْله وتعمل كَانَ يَنْبَغِي أَن يحمل على الْمَعْنى وَحجَّة من قَرَأَ {نؤتها} بالنُّون هِيَ أَن الْكَلَام جرى عَقِيبه بِلَفْظ الْجمع وَهُوَ قَوْله {وأعتدنا لَهَا رزقا كَرِيمًا} فأجراه على لفظ مَا أَتَى عَقِيبه ليأتلف الْكَلَام على نظام وَاحِد وَحجَّة من قَرَأَ / يؤتها / بِالْيَاءِ هِيَ أَن الْكَلَام جرى عقيب الْخَبَر من الله فِي قَوْله {وَمن يقنت مِنْكُن لله وَرَسُوله} فَكَانَ قَوْله / يؤتها / بِمَعْنى يؤتها الله لمجيء الْفِعْل بعد ذكره

{وقرن في بيوتكن}

{وَقرن فِي بيوتكن} قَرَأَ نَافِع وَعَاصِم {وَقرن فِي بيوتكن} بِفَتْح الْقَاف وَهَذَا لَا يكون من الْوَقار إِنَّمَا هُوَ من الِاسْتِقْرَار قَالَ الْكسَائي الْعَرَب تَقول قررت بِالْمَكَانِ أقرّ فِيهِ لُغَتَانِ بِكَسْر الرَّاء وَفتحهَا واصله واقررن مثل اعضضن فحذفوا الرَّاء الأولى لثقل التَّضْعِيف وحولوا فتحتها إِلَى الْقَاف وحذفوا الْألف أَيْضا لِأَن الْقَاف تحركت فَصَارَ {وَقرن} كَمَا قَالَ هَل أحست صَاحبك أَي هَل رَأَيْت وَالْأَصْل هَل أحسست وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَقرن} بِكَسْر الْقَاف احْتمل أَن يكون من الْوَقار تَقول وقر يقر وَالْأَمر مِنْهُ قروا وللنساء قرن مثل عدن وكلن مِمَّا تحذف مِنْهُ الْفَاء وَهِي وَاو فَيبقى من الْكَلِمَة علن وَإِن كَانَ من الْقَرار فَيكون الْأَمر اقررن فيبدل من الْعين الْيَاء كَرَاهَة التَّضْعِيف كَمَا أبدل فِي قِيرَاط ودينار فتضمر لَهَا حَرَكَة الْحَرْف الْمُبدل مِنْهُ ثمَّ تلقى الْحَرَكَة على الْفَاء فَيسْقط همزَة الْوَصْل لتحرك مَا قبلهَا فَتَقول {قرن} كَمَا يُقَال من وصل يصل صلن وَالْأَصْل اوقرن فحذفت الْوَاو لِأَنَّهَا وَقعت بَين كسرتين واستغنيت عَن الْألف لتحرك الْقَاف فَصَارَ قرن على وزن علن وَيحْتَمل أَن يكون من قررت فِي الْمَكَان أقرّ

{وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم}

وَإِذا أمرت من هَذَا قلت واقررن بِكَسْر الرَّاء الأولى فالكسر من وَجْهَيْن على أَنه من الْوَقار وَمن الْقَرار جَمِيعًا {وَمَا كَانَ لمُؤْمِن وَلَا مُؤمنَة إِذا قضى الله وَرَسُوله أمرا أَن يكون لَهُم الْخيرَة من أَمرهم} قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {أَن يكون لَهُم الْخيرَة} بِالْيَاءِ لِأَن تَأْنِيث {الْخيرَة} غير حَقِيقِيّ وَهِي معنى الْخِيَار وحجتهم إِجْمَاع الْجَمِيع على قَوْله {مَا كَانَ لَهُم الْخيرَة} وَلم يثبتوا عَلامَة التَّأْنِيث فِي {كَانَ} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / أَن تكون لَهُم / بِالتَّاءِ لتأنيث {الْخيرَة} وَقد سقط السُّؤَال وَالْكَلَام مَحْمُول على اللَّفْظ لَا على لِمَعْنى {وَلَكِن رَسُول الله وَخَاتم النَّبِيين} قَرَأَ عَاصِم {وَخَاتم النَّبِيين} بِفَتْح التَّاء أَي آخر النَّبِيين لِأَنَّهُ لَا نَبِي بعده صلى الله عَلَيْهِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَخَاتم النَّبِيين} بِكَسْر التَّاء أَي ختم النَّبِيين فَهُوَ خَاتم {ترجي من تشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْك من تشَاء} قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَابْن عَامر وَأَبُو بكر / ترجيء من تشَاء / بِالْهَمْز وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِغَيْر همز وهما لُغَتَانِ أرجأت وأرجيت

{لا يحل لك النساء من بعد}

قَرَأَ نَافِع فِي رِوَايَة ورش / تووي / بترك الْهمزَة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْهَمْز فَإِن سَأَلَ سَائل فَقَالَ أَبُو عَمْرو ترك الْهمزَة الساكنة نَحْو / يومنون / فَهَلا ترك الْهمزَة فِي / تووي / فَقل إِن أَبَا عَمْرو ترك الْهمزَة فِي / يومنون / تَخْفِيفًا فَإِذا كَانَ ترك الْهمزَة أثقل من الْهمزَة لم يدع الْهمزَة أَلا ترى أَنَّك لَو لينت تووي لالتقى واوان قبلهمَا ضمة فَثقلَتْ {لَا يحل لَك النِّسَاء من بعد} قَرَأَ أَبُو عَمْرو / لَا تحل لَك النِّسَاء / بِالتَّاءِ أَي جمَاعَة النِّسَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لَا يحل} بِالْيَاءِ أَي جمع النِّسَاء وَالنِّسَاء تدل على التَّأْنِيث فيستغنى عَن تَأْنِيث {يحل} {إِلَّا أَن يُؤذن لكم إِلَى طَعَام غير ناظرين إناه} 53 قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {غير ناظرين إناه} بالإمالة وحجتهما أَنه من ذَوَات الْيَاء من أَنى يأني إِذا انْتهى نضجه وَالْهَاء كِنَايَة عَن الطَّعَام وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بالتفخيم لِأَن الْيَاء قد انقلبت ألفا وَالْأَصْل إنيه فقلبت الْيَاء ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا و {غير ناظرين} نصب على الْحَال أَي غير منتظرين نضجه {إِنَّا أَطعْنَا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا رَبنَا آتهم ضعفين من الْعَذَاب والعنهم لعنا كَبِيرا} 67 و 68

قَرَأَ ابْن عَامر / إِنَّا أَطعْنَا سَادَاتنَا / بِالْألف وَكسر التَّاء جعله جمع الْجمع لِأَن سادة جمع سيد وسادات جمع الْجمع فسادة جمع التكسير يجْرِي آخِره بِوُجُوب الْإِعْرَاب وَمن قَرَأَ / سَادَاتنَا / فَهِيَ جمع السَّلامَة نصب لجره وَالتَّاء مَكْسُورَة فِي حَال النصب كَقَوْلِه أَن السَّمَوَات وَقَالَ بعض النَّحْوِيين سادة جمع سائد مثل قَائِد وقادة وَهِي جمع التكسير وَلَيْسَ بِجمع سيد لِأَن السَّيِّد يجمع سيدين مثل ميت تَقول فِي جمعه ميتون وأموات كَمَا قَالَ {إِنَّك ميت وَإِنَّهُم ميتون} وَقَالَ {أموات غير أَحيَاء} وسائد وَسيد بِمَعْنى وَاحِد وَسيد أبلغ فِي الْمَدْح وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {سادتنا} بِغَيْر ألف وَفتح التَّاء جمع سيد وَقد ذكرنَا قَرَأَ عَاصِم {والعنهم لعنا كَبِيرا} بِالْبَاء أَي عَظِيما فالكبر مثل الْعظم وَالْكبر وصف للفرد كالعظم وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {كثيرا} بالثاء أَي جما فالكثرة اشبه بِالْمَعْنَى لأَنهم يلعنون بِمرَّة بعد مرّة وَقد جَاءَ {يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون}

- سورة سبأ

34 - سُورَة سبأ {قل بلَى وربي لتأتينكم عَالم الْغَيْب لَا يعزب عَنهُ مِثْقَال ذرة} 3 قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر {عَالم الْغَيْب} بِالرَّفْع على الْمَدْح أَي هُوَ عَالم فَهُوَ خبر ابْتِدَاء مَحْذُوف وَيجوز أَن يكون عَالم ابْتِدَاء وَخَبره {لَا يعزب عَنهُ} وَقَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَعَاصِم {عَالم} بالخفض جَعَلُوهُ صفة لله الْمَعْنى الْحَمد لله عَالم الْغَيْب وَيجوز أَن يكون صفة للرب فِي قَوْله {قل بلَى وربي لتأتينكم عَالم الْغَيْب} أَو بدل مِنْهُ {وربي} جر بواو الْقسم وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / علام الْغَيْب / بالخفض وَاللَّام قبل الْألف وَهُوَ أبلغ فِي الْمَدْح من عَالم وَالْعرب تَقول رجل عَالم فَإِذا زادوا فِي الْمَدْح قَالُوا عليم فَإِذا بالغوا قَالُوا علام وحجتهم قَوْله {قل إِن رَبِّي يقذف بِالْحَقِّ علام الغيوب} و {إِنَّك أَنْت علام الغيوب}

{والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك لهم عذاب من رجز أليم}

وَحجَّة {عَالم} قَوْله {عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة} قَرَأَ الْكسَائي {لَا يعزب} بِكَسْر الزَّاي وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْع وهما لُغَتَانِ تَقول عزب يعزب ويعزب مثل عكف يعكف ويعكف {وَالَّذين سعوا فِي آيَاتنَا معاجزين أُولَئِكَ لَهُم عَذَاب من رجز أَلِيم} 5 قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو / وَالَّذين سعوا فِي آيَاتنَا معجزين / بِغَيْر ألف أَي مثبطين مبطئين أَي يثبطون ويبطئون النَّاس عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَقيل {معجزين} مَعْنَاهُ أَنهم يعجزون من آمن بهَا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {معاجزين} أَي معاندين وَقَالَ الزّجاج معاجزين أَي مسابقين قَرَأَ ابْن كثير وَحَفْص {لَهُم عَذَاب من رجز أَلِيم} بِالرَّفْع وَفِي الجاثية مثله جعلاه نعتا للعذاب أَي لَهُم عَذَاب أَلِيم من رجز وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {من رجز أَلِيم} خفضا جعلاه نعتا للرجز وَالرجز الْعَذَاب بِدلَالَة قَوْله {لَئِن كشفت عَنَّا الرجز} وَقَالَ {فأنزلنا على الَّذين ظلمُوا رجزا من السَّمَاء} فَإِذا كَانَ الرجز الْعَذَاب وصف ب أَلِيم كَمَا أَن نفس الْعَذَاب قد جَازَ أَن يُوصف بِهِ فِي نَحْو قَوْله {وَلَهُم عَذَاب أَلِيم} وَمثل هَذَا فِي أَن الصّفة تجْرِي على

{إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء}

الْمُضَاف مرّة وعَلى الْمُضَاف إِلَيْهِ أُخْرَى قَوْله {بل هُوَ قُرْآن مجيد فِي لوح مَحْفُوظ} و {مَحْفُوظ} فالجر على حمله على اللَّوْح وَالرَّفْع على حمله على الْقُرْآن وَإِذا كَانَ الْقُرْآن فِي لوح وَكَانَ اللَّوْح مَحْفُوظًا فالقرآن مَحْفُوظ {إِن نَشأ نخسف بهم الأَرْض أَو نسقط عَلَيْهِم كسفا من السَّمَاء} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / إِن يَشَأْ يخسف بهم الأَرْض أَو يسْقط / بِالْيَاءِ إِخْبَارًا عَن الله أَي إِن يَشَأْ الله يخسف بهم الأَرْض وحجتهما فِي ذَلِك أَن الْكَلَام أَتَى عقيب الْخَبَر عَن الله فِي قَوْله {افترى على الله كذبا} فَكَذَلِك / إِن يَشَأْ الله / إِذْ كَانَ فِي سِيَاقه وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {إِن نَشأ} بالنُّون الله أخبر عَن نَفسه أَي نَحن نخسف وحجتهم فِي ذَلِك أَن الْكَلَام أَتَى عَقِيبه بِلَفْظ الْجمع وَهُوَ قَوْله {وَلَقَد آتَيْنَا دَاوُد منا فضلا} فَجعل مَا قبله بِلَفْظِهِ إِذْ كَانَ فِي سِيَاقه ليأتلف الْكَلَام على نظام وَاحِد وَيُقَوِّي النُّون قَوْله {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْض} {ولسليمان الرّيح} {يعْملُونَ لَهُ مَا يَشَاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات} 12 و 13 قَرَأَ عَاصِم فِي رِوَايَة أبي بكر {ولسليمان الرّيح} بِالرَّفْع وَقَرَأَ

الْبَاقُونَ بِالنّصب على معنى وسخرنا لِسُلَيْمَان الرّيح وَمِمَّا يُقَوي النصب قَوْله {ولسليمان الرّيح عَاصِفَة} وَالرَّفْع على معنى ثبتَتْ لَهُ الرّيح وَهُوَ يؤول إِلَى معنى سخرنا الرّيح كَمَا أَنَّك إِذا قلت لله الْحَمد فتأويله اسْتَقر لله الْحَمد وَهُوَ يرجع إِلَى معنى أَحْمد الله الْحَمد قَرَأَ ابْن كثير / كالجوابي / بِالْيَاءِ فِي الْوَصْل وَالْوَقْف على الأَصْل والجوابي جمع جابية وَهِي الْحَوْض الْكَبِير قَالَ الْأَعْشَى ... كجابية الشَّيْخ الْعِرَاقِيّ تفهق ... قَرَأَ أَبُو عَمْرو وورش / كالجوابي / بِالْيَاءِ فِي الْوَصْل وحذفا فِي الْوَقْف تبعا الأَصْل فِي الدرج وتبعا الْمُصحف فِي الْوَقْف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِحَذْف الْيَاء فِي الْحَالين اجتزؤوا عَن الْكسر بِالْيَاءِ {مَا دلهم على مَوته إِلَّا دَابَّة الأَرْض تَأْكُل منسأته} قَرَأَ نَافِع وَأَبُو عَمْرو {منسأته} بِغَيْر همز وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {منسأته} بِهَمْزَة مَفْتُوحَة وَقَرَأَ ابْن عَامر بِهَمْزَة سَاكِنة الأَصْل الْهَمْز وَتَركه

{لقد كان لسبإ في مسكنهم آية}

لُغَة والوجهان مستعملان قَالَ الشَّاعِر فِي تَركه ... إِذا دببت على المنساة من كبر ... فقد تبَاعد عَنْك اللَّهْو والغزل ... وَقَالَ فِي الْهَمْز ... أم أجل حَبل لَا أبالك صدته ... بمنسأة قد جر حبلك أحبلا ... المنسأة مفعلة وَهِي الْعَصَا وَإِنَّمَا سميت منسأة لِأَنَّهُ ينسأ بهَا وَمعنى ينسأبها أَي يطرد ويزجر بهَا تَقول نسأت الدَّابَّة إِذا ضربتها بعصا أَو زجرتها {لقد كَانَ لسبإ فِي مسكنهم آيَة} 15 قَرَأَ أَبُو عَمْرو والبزي {لسبإ} بالتفح وَقَرَأَ الْبَاقُونَ لسبأ مجرور فَمن فتح وَترك الصّرْف فَلِأَنَّهُ جعل سبأ اسْما للقبيلة وَمن صرف وَكسر جعل سبأ اسْما لرجل أَو لحي قَرَأَ الْكسَائي {لسبإ فِي مسكنهم} بِكَسْر الْكَاف وَقَرَأَ حَفْص وَحَمْزَة {فِي مسكنهم} بِفَتْح الْكَاف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {مساكنهم} على الْجمع

{جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور} 16 و

فَمن قَرَأَ مساكنهم أَتَى بِاللَّفْظِ وفقا للمعنى لِأَن لكل سَاكن مسكنا فَجمع والمساكن جمع مسكن الَّذِي هُوَ اسْم للموضع من سكن يسكن وحجتهم أَنَّهَا مُضَافَة إِلَى جمَاعَة فمساكنهم بعددهم وَيُقَوِّي الْجمع إِجْمَاع الْجَمِيع على قَوْله {فَتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهمْ} وَمن قَرَأَ {مسكنهم} بِالْفَتْح يشبه أَن يكون جعل الْمسكن مصدرا وَحذف الْمُضَاف وَالتَّقْدِير فِي مَوَاضِع سكناهم فَلَمَّا جعل الْمسكن كالسكن أفرد كَمَا تفرد المصادر وعَلى هَذَا قَوْله {فِي مقْعد صدق} أَي فِي مَوضِع قعُود أَلا ترى أَن لكل وَاحِد من الْمُتَّقِينَ مَوضِع قعُود وَمن قَرَأَ مسكنهم جعله اسْم الْموضع الَّذِي يسكنون فِيهِ وَإِنَّمَا وحد لِأَنَّهُ أَرَادَ بلدهم وَقد يجوز أَن يُرَاد بذلك جمع المساكن ثمَّ يُؤَدِّي الْوَاحِد عَن الْجمع قَالَ الْكسَائي مسكن ومسكن لُغَتَانِ قَالَ نحويو الْبَصْرَة وَالْأَشْبَه فِيهِ الْفَتْح لِأَن اسْم الْمَكَان من فعل يفعل على المفعل بِالْفَتْح وَإِن لم يرد الْمَكَان وَلَكِن أَرَادَ الْمصدر فالمصدر أَيْضا فِي هَذَا النَّحْو يَجِيء على المفعل مثل الْمَحْشَر وَقد يشذ عَن الْقيَاس نَحْو الْمسكن وَالْمَسْجِد وَذهب سِيبَوَيْهٍ على أَنه اسْم الْبَيْت وَلَيْسَ الْمَكَان من فعل يفعل فعلى هَذَا لم يشذ عَن الْبَاب {جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وَشَيْء من سدر قَلِيل ذَلِك جزيناهم بِمَا كفرُوا وَهل نجازي إِلَّا الكفور} 16 و 17

قَرَأَ أَبُو عَمْرو {أكل خمط} مُضَافا أجراه مجْرى قَول الْقَائِل تمر دقل فأضاف الِاسْم إِلَى جنسه لاخْتِلَاف اللَّفْظَيْنِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أكل} منونا وحجتهم أَن الْأكل هُوَ الخمط فالتنوين فِيهِ على أَنه بدل من الْأكل وَقد جَاءَ فِي التَّفْسِير أَن الخمط الْأَرَاك وَأكله ثمره قَالَ الْمبرد التَّنْوِين فِي {أكل} أحسن من الْإِضَافَة على الْبَدَل وَيجوز أَن يكون على النَّعْت لِأَنَّهُ وَإِن كَانَ فَكَأَنَّهُ شَيْء مَكْرُوه الطّعْم فَجرى مجْرى النَّعْت لِأَن بعض الْعَرَب يُسَمِّي مَا كَانَ مَكْرُوه الطّعْم من حموضة أَو مرَارَة خمطا قَالَ وأحسب أَبَا عَمْرو ذهب فِي الْإِضَافَة إِلَى هَذَا كَأَنَّهُ أَرَادَ أكل حموضة أَو مرَارَة وَمَا أشبه ذَلِك قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {وَهل نجازي} بالنُّون {الكفور} نصب الله أخبر عَن نَفسه وحجتهم فِي ذَلِك أَنه أَتَى عقيب لفظ الْجمع فِي قَوْله {ذَلِك جزيناهم بِمَا كفرُوا} فَكَانَ الأولى بِمَا أَتَى فِي سِيَاقه أَن يكون بِلَفْظِهِ وَبعده {وَجَعَلنَا بَينهم} فَهَذَا يُؤَيّد معنى الْجمع ليأتلف الْكَلَام على نظام وَاحِد وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / وَهل يجازى / بِضَم الْيَاء وَفتح الزَّاي الكفور رفع على مَا لم يسم فَاعله وحجتهم فِي ذَلِك أَن مَا أَتَى فِي الْقُرْآن من المجازاة أَكْثَره على مَا لم يسم فَاعله من ذَلِك {الْيَوْم تجزى كل نفس}

{فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا} {ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه} 19 و

{فَلَا يجزى إِلَّا مثلهَا} {ثمَّ يجزاه الْجَزَاء الأوفى} فَرد مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ أولى {فَقَالُوا رَبنَا باعد بَين أسفارنا} {وَلَقَد صدق عَلَيْهِم إِبْلِيس ظَنّه فَاتَّبعُوهُ} 19 و 20 قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو / فَقَالُوا رَبنَا بعد / بِالتَّشْدِيدِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {باعد} بِالْألف قَالَ سِيبَوَيْهٍ إِن فَاعل وَفعل يجيئان بِمَعْنى كَقَوْلِهِم ضاعف وَضعف وقارب وَقرب واللفظان جَمِيعًا على معنى الطّلب وَالدُّعَاء ولظفهما الْأَمر قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة ووالكسائي {وَلَقَد صدق عَلَيْهِم إِبْلِيس ظَنّه} بِالتَّشْدِيدِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ فَمن قَالَ صدق بِالتَّشْدِيدِ وَنصب الظَّن فَلِأَنَّهُ مفعول بِهِ وعدى {صدق} إِلَيْهِ وَالْمعْنَى وَلَقَد صدق إِبْلِيس فِيمَا قَالَه ظَانّا غير مُتَيَقن وَلَا عَالم من أَنه يضل بني آدم ويمنيهم حَتَّى أطاعوه فِي مَعْصِيّة الله وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ ظن ظنا فَصدق ظَنّه وَمن خفف نصب الظَّن مصدرا على معنى صدق عَلَيْهِم إِبْلِيس ظن ظَنّه قَالَ أَبُو الْعَبَّاس الْمبرد النصب فِيهَا على معنى صدق فِي ظَنّه فَتَأْوِيل التَّخْفِيف أَن إِبْلِيس ظن بهم على غير يَقِين فَكَانَ

{ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق}

فِي ظَنّه ذَلِك صَادِقا يَعْنِي أَنه كَانَ مصيبا وَقَالَ الزّجاج صدقه فِي ظَنّه أَنه ظن بهم أَنه إِذا أعواهم اتَّبعُوهُ فَوَجَدَهُمْ كَذَلِك {وَلَا تَنْفَع الشَّفَاعَة عِنْده إِلَّا لمن أذن لَهُ حَتَّى إِذا فزع عَن قُلُوبهم قَالُوا مَاذَا قَالَ ربكُم قَالُوا الْحق} 23 قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {لمن أذن} بِالرَّفْع على مَا لم يسم فَاعله وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {آذن} بِالْفَتْح أَي أذن الله وحجتهم قَوْله تَعَالَى {إِلَّا من أذن لَهُ الرَّحْمَن} وَقَالَ {إِلَّا من بعد أَن يَأْذَن الله لمن يَشَاء ويرضى} فَردُّوا مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ قَرَأَ ابْن عَامر {حَتَّى إِذا فزع عَن قُلُوبهم} بِفَتْح الْفَاء وَالزَّاي أَي فزع الله عَن قُلُوبهم الروعة وخفف عَنْهُم أَي أخرج الله الْفَزع عَن قُلُوبهم وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فزع عَن قُلُوبهم} على الم يسم فَاعله قَالَ الْأَخْفَش فزع مَعْنَاهُ أزيل الْفَزع عَنْهَا وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة نفس عَنْهَا وَقَالَ الزّجاج كشف الْفَزع عَن قُلُوبهم وَقَالَ قَتَادَة فزع جلا من قُلُوبهم قَالَ يوحي الله إِلَى جِبْرِيل فتعرف الْمَلَائِكَة وتفزع أَن يكون شَيْء من أَمر السَّاعَة {قَالُوا مَاذَا قَالَ ربكُم قَالُوا الْحق} {وهم فِي الغرفات آمنون} 37

{ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة}

قَرَأَ حَمْزَة / وهم فِي الغرفة / وَاحِدَة وحجته قَوْله تَعَالَى {أُولَئِكَ يجزون الغرفة بِمَا صَبَرُوا} فَكَمَا أَن الغرفة يُرَاد بهَا الْجمع وَالْكَثْرَة كَذَلِك / وهم فِي الغرفة آمنون / يُرَاد بِهِ الْكَثْرَة وَاسم الْجِنْس وَالْعرب تجتزئ بِالْوَاحِدِ عَن الْجَمَاعَة قَالَ الله تَعَالَى {وَالْملك على أرجائها} يُرِيد الْمَلَائِكَة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وهم فِي الغرفات آمنون} وحجتهم قَوْله {من فَوْقهَا غرف} و {لنبوئنهم من الْجنَّة غرفا} {وَيَوْم يحشرهم جَمِيعًا ثمَّ يَقُول للْمَلَائكَة} 40 قَرَأَ حَفْص {وَيَوْم يحشرهم جَمِيعًا ثمَّ يَقُول} بِالْيَاءِ فيهمَا أَي يحشرهم الله وحجته قَوْله تَعَالَى قبلهَا {قل إِن رَبِّي يبسط الرزق} {وَيَوْم يحشرهم} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَيَوْم نحشرهم} بالنُّون أَي نَحن نحشرهم وَهُوَ انْتِقَال من لفظ الْإِفْرَاد إِلَى الْجمع كَمَا أَن قَوْله {أَلا تَتَّخِذُوا من دوني وَكيلا} انْتِقَال من الْجمع إِلَى الْإِفْرَاد وَالْجمع مَا تقدم من قَوْله {وآتينا مُوسَى الْكتاب} {وَقَالُوا آمنا بِهِ وأنى لَهُم التناوش من مَكَان بعيد} 52 قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَابْن كثير وَحَفْص {وأنى لَهُم التناوش}

غير مَهْمُوز أَي التَّنَاوُل أَي كَيفَ يتناولونه من بعد وهم لم يتناولوه من قرب فِي وَقت الِاخْتِيَار وَالِانْتِفَاع بِالْإِيمَان تَقول نشت تنوش قَالَ الشَّاعِر ... وَهِي تنوش الْحَوْض نوشا من علا ... أَي تتَنَاوَل الْحَوْض وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ / وأنى لَهُم التناؤش / بِالْهَمْز أَي التَّأْخِير قَالَ أَبُو عُبَيْدَة من نأشت وَهُوَ بعد الْمطلب وَيجوز أَن يكون من التناوش فهمزوا الْوَاو لِأَن الْوَاو مَضْمُومَة وكل وَاو مَضْمُومَة ضمتها لَازِمَة إِن شِئْت أبدلت مِنْهَا همزَة وَإِن شِئْت لم تبدل مثل {وَإِذا الرُّسُل أقتت}

- سورة فاطر

35 - سُورَة فاطر {هَل من خَالق غير الله يرزقكم} 3 قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {هَل من خَالق غير الله} خفضا جعلاه صفة للفظ وَذَلِكَ حسن لإتباعه الْجَرّ الْحر وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {غير الله} بِالرَّفْع جَعَلُوهُ صفة للموضع الْمَعْنى هَل خَالق غير الله لِأَن {من} مُؤَكدَة {وَالله الَّذِي أرسل الرِّيَاح فتثير سحابا} 9 قَرَأَ ابْن كثير وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ / وَالله الَّذِي ارسل الرّيح / بِغَيْر ألف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْألف وَقد مر الْكَلَام فِيهَا فِي سُورَة الْبَقَرَة {جنَّات عدن يدْخلُونَهَا يحلونَ فِيهَا من أساور من ذهب ولؤلؤا} 33 قَرَأَ أَبُو عَمْرو {جنَّات عدن يدْخلُونَهَا} بِضَم الْبَاء وَفتح الْخَاء على مَا لم يسم فَاعله قَالَ أَبُو عَمْرو لقَوْله {يحلونَ فِيهَا} فَكَانَ رد اللَّفْظ على اللَّفْظ أولى من الْمُخَالفَة

{ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور}

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يدْخلُونَهَا} بِفَتْح الْيَاء إِخْبَارًا عَنْهُم لِأَن الدُّخُول فعل لَهُم قَرَأَ نَافِع وَعَاصِم {ولؤلؤا} بِالنّصب على معنى يحلونَ من أساور لِأَن معنى من أساور كمعنى أساور ثمَّ نعطف عَلَيْهِ {لؤلؤا} وَيجوز على إِضْمَار يحلونَ لؤلؤا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / ولؤلؤ / على عَنى يحلونَ فِيهَا من أساور من ذهب ولؤلؤ وَالتَّفْسِير على الْخَفْض أَكثر على معنى يحلونَ فِيهَا من أساور من ذهب ولؤلؤ وَجَاء فِي التَّفْسِير أَيْضا أَن ذَلِك الذَّهَب فِي صفاء اللَّوْن كَمَا قَالَ {قواريرا قَوَارِير من فضَّة} أَي هُوَ قَوَارِير وَلَكِن بياضه كبياض الْفضة {وَلَا يُخَفف عَنْهُم من عَذَابهَا كَذَلِك نجزي كل كفور} قَرَأَ أَبُو عَمْرو {كَذَلِك يَجْزِي} بِضَم الْيَاء وَفتح الزَّاي {كل} رفع على مَا لم يسم فَاعله وحجته أَن مَا أَتَى فِي الْقُرْآن من المجازاة أَكْثَره على لفظ مَا لم يسم فَاعله من ذَلِك {الْيَوْم تجزى كل نفس} وَيُقَوِّي الْيَاء قَوْله {وَلَا يُخَفف عَنْهُم من عَذَابهَا} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {نجزي} بالنُّون {كل} نصب أَي نَحن نجزي كل كفور وَيُقَوِّي النُّون قَوْله بعْدهَا {أولم نُعَمِّركُمْ} 37 {أم آتَيْنَاهُم كتابا فهم على بَيِّنَة مِنْهُ} 40

{استكبارا في الأرض ومكر السيء}

قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَأَبُو بكر وَالْكسَائِيّ / فهم على بَيِّنَات مِنْهُ / بِالْألف وحجتهم أَنَّهَا مرسومة فِي الْمَصَاحِف بِالتَّاءِ فَدلَّ ذَلِك على الْجمع وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فهم على بَيِّنَة} بِغَيْر ألف وحجتهم ذكرهَا اليزيدي فَقَالَ يَعْنِي على بَصِيرَة قَالَ وَإِنَّمَا كتبوها بِالتَّاءِ كَمَا كتبُوا {بقيت الله} بِالتَّاءِ وَفِي التَّنْزِيل مَا يدل عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْله {أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَة من ربه} وَقَوله {قل إِنِّي على بَيِّنَة من رَبِّي} {استكبارا فِي الأَرْض ومكر السيء} قَرَأَ حَمْزَة {ومكر السيء} سَاكِنة الْهمزَة قَالَ الْفراء إِنَّمَا فعل ذَلِك لِكَثْرَة الحركات مَعَ الْيَاء والهمزة فأسكنه تَخْفِيفًا كَمَا فعل أَبُو عَمْرو فِي قَوْله {يَأْمُركُمْ} و {ينصركم} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {ومكر السيء} بِكَسْر الْهَمْز

- سورة يس

36 - سُورَة يس قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَأَبُو بكر {يس} بِكَسْر الْيَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْح الْيَاء قَالَ سِيبَوَيْهٍ إِنَّمَا جَازَت الإمالة فِي يَا وطا وَهَا لِأَنَّهَا أَسمَاء مَا تكتبه وَإِنَّمَا أملتها لتفصل بَينهَا وَبَين الْحُرُوف لِأَن الإمالة إِنَّمَا تلْحق الْأَسْمَاء وَالْأَفْعَال وَمن لم يمل فَإِن كثيرا من الْعَرَب لَا يميلون قَرَأَ ابْن عَامر وَالْكسَائِيّ وَأَبُو بكر {يس} وَالْقُرْآن بإخفاء النُّون عِنْد الْوَاو وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِإِظْهَار النُّون عِنْد الْوَاو وَإِنَّمَا جَازَ إِظْهَار النُّون وَإِن كَانَت تخفى مَعَ حُرُوف الْفَم وَلَا تتبين لِأَن هَذِه الْحُرُوف مَبْنِيَّة على الْوَقْف وَمِمَّا يدل على ذَلِك استجازتهم فِيهَا الْجمع بَين ساكنين كَمَا يَجْتَمِعَانِ فِي الْكَلِمَة الَّتِي يُوقف عَلَيْهَا وَلَوْلَا ذَلِك لم يجز فِيهَا الْجمع بَينهمَا وَحجَّة من لم يبين هِيَ وَإِن كَانَت فِي تَقْدِير الْوَقْف لم تقطع فِيهِ همزَة الْوَصْل وَذَلِكَ قَوْله {الم الله} أَلا ترى أَنهم حذفوا همزَة الْوَصْل وَلم يبينوها كَمَا لم يبينوها مَعَ غَيرهَا فَلَا يكون التَّقْدِير فِيهَا وَهِي تجْرِي مجْرى قَوْله {من واق} {تَنْزِيل الْعَزِيز الرَّحِيم} قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَأَبُو بكر {تَنْزِيل الْعَزِيز الرَّحِيم}

{وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون}

بِالرَّفْع وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالنّصب فَمن نصب فعلى الْمصدر على معنى نزل الله ذَلِك تَنْزِيلا مثل قَوْله {صنع الله} وَهُوَ مصدر صدر من غير لَفظه لِأَنَّهُ لما قَالَ {إِنَّك لمن الْمُرْسلين على صِرَاط مُسْتَقِيم} كَأَنَّهُ قَالَ نزل ذَلِك فِي كِتَابه تَنْزِيلا فَأخْرج الْمصدر على الْمَعْنى الْمَفْهُوم من الْكَلَام وَمن قَرَأَ بِالرَّفْع فَإِنَّهُ جعله خبر ابْتِدَاء مَحْذُوف على تَقْدِير هَذَا تَنْزِيل وَهُوَ تَنْزِيل قَالَ الزّجاج من قَرَأَ بِالرَّفْع فعلى معنى الَّذِي أنزل إِلَيْك تَنْزِيل الْعَزِيز الرَّحِيم أَو تَنْزِيل الْعَزِيز الرَّحِيم هَذَا {وَجَعَلنَا من بَين أَيْديهم سدا وَمن خَلفهم سدا فأغشيناهم فهم لَا يبصرون} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {سدا وَمن خَلفهم سدا} بِفَتْح السِّين وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالضَّمِّ قَالَ أَبُو عَمْرو السد الحاجز بَيْنك وَبَين الشَّيْء والسد بِالضَّمِّ فِي الْعين وَأَبُو عَمْرو ذهب فِي سُورَة الْكَهْف إِلَى الحاجز بَين الْفَرِيقَيْنِ فَفتح وَذهب هَا هُنَا إِلَى سدة الْعين فَرفع وَالْعرب تَقول بِعَيْنِه سدة وَالَّذِي يدل على هَذَا قَوْله {فأغشيناهم فهم لَا يبصرون} أَي جعلنَا على أَبْصَارهم غشاوة فَلم يبصروا طَرِيق الْهدى وَالْحق وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة كل شَيْء وجدته الْعَرَب من فعل الله من الْجبَال

فكذبوهما فعززنا بثالث

والشعاب فَهُوَ سد بِالضَّمِّ وَمَا بناه الآدميون فَهُوَ سد فَمن رفع فِي سُورَة الْكَهْف ذهب أَنه من صنع الله وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {بَين السدين} وَذهب فِي يس إِلَى الْمَعْنى وَذَلِكَ أَنه يجوز أَن يكون الْفَتْح فِيهَا على معنى الْمصدر الَّذِي صدر من غير لَفظه لِأَنَّهُ لما قَالَ {وَجَعَلنَا من بَين أَيْديهم سدا} كَأَنَّهُ قَالَ وسددنا من بَين أَيْديهم سدا فَأخْرج الْمصدر على معنى الْجعل إِذْ كَانَ مَعْلُوما أَنه لم يرد بقوله {سدا} مَا أُرِيد فِي قَوْله {بَين السدين} لِأَنَّهُمَا فِي ذَلِك الْموضع جبلان وهما هَا هُنَا عَارض فِي الْعين {فكذبوهما فعززنا بثالث} قَرَأَ أَبُو بكر {فعززنا بثالث} بِالتَّخْفِيفِ أَي فغلبنا من قَول الْعَرَب من عز بز أَي من غلب سلب وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ أَي قوينا وشددنا {وَإِن كل لما جَمِيع لدينا محضرون} قَرَأَ ابْن عَامر وَعَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وَإِن كل لما} بِالتَّشْدِيدِ بِمَعْنى إِلَّا وَإِن بِمَعْنى مَا التَّقْدِير مَا كل إِلَّا جَمِيع لدينا محضرون وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لما} بِالتَّخْفِيفِ الْمَعْنى وَإِن كل لجَمِيع لدينا محضرون ف مَا زَائِدَة وَتَفْسِير الْآيَة أَنهم يحْضرُون يَوْم الْقِيَامَة فيقفون على مَا عمِلُوا

{ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم}

{ليأكلوا من ثمره وَمَا عملته أَيْديهم} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {ليأكلوا من ثمره} بِضَم الثَّاء وَالْمِيم تَقول ثَمَرَة وثمار وثمر جمع الْجمع وَيجوز أَن يكون ثَمَر جمع ثَمَرَة مثل خَشَبَة وخشب وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {من ثَمَرَة} جَعَلُوهُ جمع ثَمَرَة مثل بقرة وبقر وشجرة وَشَجر قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَأَبُو بكر / وَمَا عملت أَيْديهم / بِغَيْر هَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَمَا عملته أَيْديهم} بِالْهَاءِ وحجتهم أَنَّهَا كَذَلِك فِي مصاحفهم فالهاء عَائِدَة على {مَا} و {مَا} فِي معنى الَّذِي وَمَوْضِع مَا خفض نسقا على {ثَمَرَة} الْمَعْنى ليأكلوا من ثمره وَمِمَّا عملته أَيْديهم قَالَ الزّجاج وَيجوز أَن يكون {مَا} نفيا وَتَكون الْهَاء عَائِدَة على الثَّمر فَلَا مَوضِع ل مَا حِينَئِذٍ وَيكون الْمَعْنى ليأكلوا من ثمره وَلم تعمله أَيْديهم قَالَ السّديّ قَوْله {وَمَا عملته أَيْديهم} يَقُول نَحن عَمِلْنَاهُ نَحن أنبتناه لم يعملوه هم وَيُقَوِّي النَّفْي قَوْله {أَفَرَأَيْتُم مَا تَحْرُثُونَ أأنتم تزرعونه أم نَحن الزارعون} وَيُقَوِّي إِثْبَات الْهَاء قَوْله تَعَالَى {كَمَا يقوم الَّذِي يتخبطه الشَّيْطَان} وَلم يقل يتخبط فَكَذَلِك قَوْله {عملته} وَحجَّة من حذف الْهَاء إِجْمَاع الْجَمِيع على حذف الْهَاء فِي قَوْله {مِمَّا عملت أَيْدِينَا أنعاما} و {مَا} فِي قَوْله ليأكلوا من ثمره وَمَا عملت فِي مَوضِع خفض الْمَعْنى ليأكلوا من ثمره وَمِمَّا عملته أَيْديهم قَالَ الزّجاج إِذا حذفت الْهَاء فالاختيار أَن يكون {مَا} فِي مَوضِع خفض فَيكون فِي معنى الَّذِي فَيحسن حذف الْهَاء

{والقمر قدرناه منازل}

وَاعْلَم أَن الْعَرَب تضمر الْهَاء عَائِدَة على من وَالَّذِي وَمَا وَأكْثر مَا جَاءَ فِي التَّنْزِيل من هَذَا على حذف الْهَاء كَقَوْلِه أَهَذا الَّذِي بعث الله رَسُولا أَي بَعثه الله وَقَالَ {وَسَلام على عباده الَّذين اصْطفى} أَي اصطفاهم وَقَالَ {لَا عَاصِم الْيَوْم من أَمر الله إِلَّا من رحم} و {مِنْهُم من كلم الله} أَي كَلمه الله وكل هَذَا على إِرَادَة الْهَاء وَإِنَّمَا حذفوا اختصارا وإيجازا {وَالْقَمَر قدرناه منَازِل} قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو و / الْقَمَر قدرناه / بِالرَّفْع وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالنّصب وَالنّصب على وقدرنا الْقَمَر قدرناه قَالَ سِيبَوَيْهٍ كَمَا تَقول زيدا ضَربته تضمر ضربت وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِك لِأَنَّك قد أظهرت الضَّرْب بعد زيد فَجَاز لَك أَن تضمره قبل زيد وَالرَّفْع على قَوْله وَآيَة لَهُم الْقَمَر قدرناه مثل قَوْله و {وَآيَة لَهُم اللَّيْل نسلخ مِنْهُ النَّهَار} وَيجوز أَن يكون على الِابْتِدَاء و {قدرناه} الْخَبَر {وَآيَة لَهُم أَنا حملنَا ذُرِّيتهمْ فِي الْفلك المشحون}

{ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون}

قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر / وَآيَة لَهُم أَنا حملنَا ذرياتهم / على الْجمع وحجتهم أَنَّهَا مَكْتُوبَة فِي مصاحفهم بِالْألف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {ذُرِّيتهمْ} على التَّوْحِيد وحجتهم أَن الذُّرِّيَّة تكون جمعا وَتَكون وَاحِدًا فالواحد قَوْله {هَب لي من لَدُنْك ذُرِّيَّة} وَالْجمع قَوْله {ذُرِّيَّة ضعافا} {مَا ينظرُونَ إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة تأخذهم وهم يخصمون} قَرَأَ نَافِع {وهم يخصمون} بِسُكُون الْخَاء وَتَشْديد الصَّاد الأَصْل يختصمون ثمَّ أدغمت التَّاء فِي الصَّاد فَبَقيت {يخصمون} وَقَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وورش {يخصمون} بِفَتْح الْخَاء وَالْأَصْل يختصمون وطرحت فَتْحة التَّاء على الْخَاء وأدغمت التَّاء فِي الصَّاد هَذَا أحسن الْوُجُوه بِدلَالَة قَوْلهم رد وفر وعض وَقَرَأَ ابْن عَامر وَعَاصِم وَالْكسَائِيّ {يخصمون} بِكَسْر الْخَاء الأَصْل يختصمون ثمَّ حذفوا الْحَرَكَة وكسروا الْخَاء لسكونها وسكان الصَّاد قَرَأَ حَمْزَة {يخصمون} بكسون الْخَاء وَتَخْفِيف الصَّاد قَالَ الزّجاج وَمَعْنَاهَا تأخذهم ويخصم بَعضهم بَعْضًا فَحذف الْمُضَاف

{إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون} 55 و

وَحذف الْمَفْعُول بِهِ وَيجوز أَن يكون يخصمون مجادلهم عِنْد أنفسهم فَحذف الْمَفْعُول بِهِ وَمعنى يخصمون يغلبُونَ فِي الْخِصَام خصومهم قَالَ وَيجوز أَن يكون تأخذهم وهم عِنْد أنفسهم يخصمون فِي الْحجَّة فِي أَنهم لَا يبعثون فتأخذهم الصَّيْحَة وهم متشاغلون فِي متصرفاتهم {إِن أَصْحَاب الْجنَّة الْيَوْم فِي شغل فاكهون هم وأزواجهم فِي ظلال على الأرائك متكئون} 55 و 56 قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {فِي شغل} سَاكِنة الْغَيْن استثقلوا الضمتين فِي كلمة وَاحِدَة فسكنوا الْغَيْن وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فِي شغل} بِضَمَّتَيْنِ على أصل الْكَلِمَة وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / فِي ظلل على الأرائك / بِغَيْر ألف وَضم الظَّاء الظلل جمع ظله كَمَا تَقول حلَّة وحلل وغرفة وغرف وقربة وَقرب وحجتهما إِجْمَاع الْجَمِيع على قَوْله فِي {ظلل من الْغَمَام} وَقَالَ {ظلل من النَّار} فَرد مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ أولى وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فِي ظلال} بالأف جمع ظلة مثل قلَّة وقلال وحلة وحلال وحفرة وحفار فَيكون على هَذَا معنى القراتين وَاحِدًا وَيجوز أَن تكون {ظلال} جمع ظلّ وحجتهم {يتفيأ ظلاله عَن الْيَمين وَالشَّمَائِل} {وَلَقَد أضلّ مِنْكُم جبلا كثيرا} 62 قَرَأَ نَافِع وَعَاصِم {جبلا كثيرا} وبكسر الْجِيم وَالْبَاء وَالتَّشْدِيد

{ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم}

وحجتهما إِجْمَاع الْجَمِيع على قَوْله تَعَالَى {والجبلة الْأَوَّلين} وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو وَابْن عَامر {جبلا} بِضَم الْجِيم وَسُكُون الْبَاء استثقلا اجْتِمَاع الضمتين فأسكنا الْبَاء طلبا للتَّخْفِيف قَرَأَ ابْن كثير وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ جبلا بِضَمَّتَيْنِ وَهُوَ الأَصْل وَذَلِكَ أَنه جمع جبيلا وجبيل معدول عَن مجبول مثل قَتِيل من مقتول وصريع من مصروع ثمَّ جمع الجبيل جبلا كَمَا يجمع السَّبِيل سبلا وَالطَّرِيق طرقا قَالُوا وَلَا ضَرُورَة تَدْعُو إِلَى إسكان حرف مُسْتَحقّ للتحريك {وَلَو نشَاء لمسخناهم على مكانتهم} قَرَأَ أَبُو بكر / على مكاناتهم / جمَاعَة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {مكانتهم} وَاحِدَة من أفرد فلإنه مصدر والمصادر تفرد فِي مَوضِع الْجمع لِأَنَّهُ يُرَاد بِهِ الْكثير كَمَا يُرَاد فِي سَائِر أَسمَاء الْأَجْنَاس وَمن جمع فلأنهم قد جمعُوا

{ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون}

من المصادر أَيْضا قَالُوا الحلوم والألباب {وَمن نعمره ننكسه فِي الْخلق أَفلا يعْقلُونَ} قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة {ننكسه} بِضَم النُّون الأولى وَتَشْديد الْكَاف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ ننكسه مخففا وهما لُغَتَانِ تَقول نكسته أنكسه وأنكسته أنكسه قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر {أَفلا تعقلون} بِالتَّاءِ وحجتهما قَوْله قبلهَا {وَلَقَد أضلّ مِنْكُم} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ وحجتهم قَوْله قبلهَا {وَلَو نشَاء لطمسنا على أَعينهم} {وَلَو نشَاء لمسخناهم} وَلم يقل لمسخناكم {وَمَا علمناه الشّعْر وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِن هُوَ إِلَّا ذكر وَقُرْآن مُبين لينذر من كَانَ حَيا} 69 و 70 قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر / لتنذر من كَانَ حَيا / بِالتَّاءِ على الْخطاب أَي لتنذر يَا مُحَمَّد من كَانَ حَيا وَيُقَوِّي التَّاء قَوْله إِنَّمَا أَنْت مُنْذر وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لينذر} بِالْيَاءِ جَائِز أَن يكون الْمُضمر فِي قَوْله {لينذر} النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَيُقَوِّي هَذَا قو قبلهَا {وَمَا علمناه الشّعْر وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} ثمَّ يَقُول {لينذر} وَجَائِز أَن يكون الْقُرْآن أَي لينذر الْقُرْآن {إِنَّمَا أمره إِذا أَرَادَ شَيْئا أَن يَقُول لَهُ كن فَيكون} قَرَأَ ابْن عَامر وَالْكسَائِيّ {فَيكون} نصب نسقا على قَوْله

- سورة الصافات

{أَن يَقُول لَهُ كن فَيكون} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فَيكون} رفعا عل تَقْدِير فَهُوَ يكون 37 - سُورَة الصافات {إِنَّا زينا السَّمَاء الدُّنْيَا بزينة الْكَوَاكِب} قَرَأَ حَمْزَة وَحَفْص {بزينة} منون {الْكَوَاكِب} جر جعلا الْكَوَاكِب هِيَ الزِّينَة وَهِي بدل مِنْهَا لِأَنَّهَا هِيَ هِيَ كَمَا تَقول مَرَرْت بِأبي عبد الله زيد الْمَعْنى أَنا زينا السَّمَاء بالكواكب وَبدل الْمعرفَة من النكرَة جيد وَنَظِير هَذَا فِي الْقُرْآن {وَإنَّك لتهدي إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم صِرَاط الله} فأبدل الْمعرفَة من النكرَة وَقَرَأَ أَبُو بكر عَن عَاصِم {بزينة} بِالتَّنْوِينِ {الْكَوَاكِب} نصب مفعول بهَا أعمل {الزِّينَة} فِي {الْكَوَاكِب} الْمَعْنى أَنا زينا الْكَوَاكِب فِيهَا كَقَوْلِك عجبت لعَمْرو من ضرب زيد أَي من أَن يضْرب زيدا فَهَذَا مجْرى المصادر كَمَا قَالَ {أَو إطْعَام فِي يَوْم ذِي مسغبة يَتِيما} وَمثله {مَا لَا يملك لَهُم رزقا من السَّمَاوَات} تَقْدِيره مَا لَا يملك أَن يرْزق شَيْئا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {بزينة الْكَوَاكِب} مُضَافا أضافوا الْمصدر إِلَى الْمَفْعُول بِهِ كَقَوْلِه {من دُعَاء الْخَيْر} و {بسؤال نعجتك} الْمَعْنى بِأَن زينا الْكَوَاكِب

{وحفظا من كل شيطان مارد لا يسمعون إلى الملإ الأعلى ويقذفون من كل جانب} 7 و

{وحفظا من كل شَيْطَان مارد لَا يسمعُونَ إِلَى الملإ الْأَعْلَى ويقذفون من كل جَانب} 7 و 8 قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {لَا يسمعُونَ} بِالتَّشْدِيدِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ وحجتهم مَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَرَأَ {لَا يسمعُونَ} وَقَالَ هم يسمعُونَ وَلَكِن لَا يسمعُونَ وَالدَّلِيل على صِحَة قَول ابْن عَبَّاس أَنهم يسمعُونَ وَلَكِن لَا يسمعُونَ قَوْله {وَأَنا كُنَّا نقعد مِنْهَا مقاعد للسمع فَمن يستمع الْآن يجد لَهُ شهابا رصدا} وَقَوله بعْدهَا {إِلَّا من خطف الْخَطفَة} فَعلم بذلك انهم يقصدون للاستماع وَمن حجتهم أَيْضا إِجْمَاع الْجَمِيع على قَوْله {إِنَّهُم عَن السّمع لمعزولون} وَهُوَ مصدر سمع والقصة وَاحِدَة وَتَأْويل الْكَلَام وحفظا من كل شَيْطَان مارد لِئَلَّا يسمعوا بِمَعْنى أَنهم ممنوعون بِالْحِفْظِ عَن السّمع فكفت لَا من أَن كَمَا قَالَ {كَذَلِك سلكناه فِي قُلُوب الْمُجْرمين لَا يُؤمنُونَ بِهِ} بِمَعْنى لِئَلَّا يُؤمنُوا بِهِ فكفت لَا من أَن كَمَا كفت أَن من لَا فِي قَوْله تَعَالَى {يبين الله لكم أَن تضلوا} فَإِن قَالَ قَائِل فَلَو كَانَ هَذَا هُوَ الْوَجْه لم يكن فِي الْكَلَام إِلَى ولكان الْوَجْه أَن يُقَال لَا يسمعُونَ الْمَلأ الْأَعْلَى قلت الْعَرَب تَقول سَمِعت زيدا وَسمعت إِلَى زيد فَكَذَلِك قَوْله {لَا يسمعُونَ إِلَى الملإ الْأَعْلَى} وَقد قَالَ جلّ وَعز {وَإِذا قرئَ الْقُرْآن فَاسْتَمعُوا لَهُ وأنصتوا} وَقَالَ {وَمِنْهُم من يستمع إِلَيْك} فيعدي الْفِعْل مرّة ب إِلَى وَمرَّة بِاللَّامِ

بل عجبت ويسخرون

كَقَوْلِه {وهداه إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم} و {الْحَمد لله الَّذِي هدَانَا لهَذَا} {وَأوحى رَبك إِلَى النَّحْل} وَقَالَ {بِأَن رَبك أوحى لَهَا} وَمن قَرَأَ {يسمعُونَ} الأَصْل يتسمعون فأدغم التَّاء فِي السِّين لقرب المخرجين وحجتهم فِي أَنهم منعُوا من التسمع الْأَخْبَار الَّتِي وَردت عَن أهل التَّأْوِيل بِأَنَّهُم كَانُوا يتسمعون الْوَحْي فَلَمَّا بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ رموا بِالشُّهُبِ وَمنعُوا فَإِذا كَانُوا عَن التسمع ممنوعين كَانُوا عَن السّمع أَشد منعا وَأبْعد مِنْهُ لِأَن المتسمع يجوز أَن يكون غير سامع وَالسَّامِع قد حصل لَهُ الْفِعْل قَالُوا فَكَانَ هَذَا الْوَجْه أبلغ فِي زجرهم لِأَن الْإِنْسَان قد يتسمع وَلَا يسمع فَإِذا نفي التسمع عَنهُ فقد نفى سمعهم من جِهَة التسمع وَمن جِهَة غَيره فَهُوَ أبلغ {بل عجبت ويسخرون} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {بل عجبت ويسخرون} بِضَم التَّاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْح التَّاء أَي بل عجبت يَا مُحَمَّد من نزُول الْوَحْي عَلَيْك ويسخرون وَيجوز أَن يكون بل عجبت من إنكارهم الْبَعْث وحجتهم قَوْله {وَإِن تعجب فَعجب قَوْلهم} أَي إِن تعجب يَا مُحَمَّد من قَوْلهم فَعجب قَوْلهم عِنْد من سَمعه وَلم يرد فَإِنَّهُ عجب عِنْدِي

قَالَ أَبُو عبيد قَوْله {بل عجبت} بِالنّصب بل عجبت يَا مُحَمَّد من جهلهم وتكذيبهم وهم يسخرون مِنْك وَمن قَرَأَ {عجبت} فَهُوَ إِخْبَار عَن الله جلّ وَعز وحجتهم مَا رُوِيَ فِي الحَدِيث إِن الله قد عجب من فَتى لَا صبوة لَهُ وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ عجب ربكُم من إِلِّكُمْ وَقُنُوطِكُمْ وَسُرْعَة إجَابَته إيَّاكُمْ قَالَ أَبُو عبيد وَالشَّاهِد لَهَا مَعَ هَذِه الْأَخْبَار قَوْله تَعَالَى {وَإِن تعجب فَعجب قَوْلهم} فَأخْبر جلّ جَلَاله أَنه عَجِيب وَمِمَّا يزِيدهُ تَصْدِيقًا الحَدِيث الْمَرْفُوع عجب الله البارحة من فلَان وفلانة قَالَ الزّجاج وَقد أنكر قوم هَذِه الْقِرَاءَة وَقَالُوا إِن الله جلّ وَعز لَا يعجب وإنكار هَذَا غلط لِأَن الْقِرَاءَة وَالرِّوَايَة كَثِيرَة فالعجب من الله خلاف الْعجب من الْآدَمِيّين هَذَا كَمَا قَالَ جلّ وَعز {ويمكر الله} وَمثل قَوْله {سخر الله مِنْهُم} و {وَهُوَ خادعهم} فالمكر

{أو آباؤنا الأولون}

من الله وَالْخداع خِلَافه من الْآدَمِيّين وأصل الْعجب فِي اللُّغَة أَن الْإِنْسَان إِذا رأى مَا يُنكره ويقل مثله قَالَ قد عجبت من كَذَا وَكَذَا فَكَذَلِك إِذا فعل الآدميون مَا يُنكره الله جَازَ أَن يَقُول فِيهِ عجبت وَالله قد علم الشَّيْء قبل كَونه وَلَكِن الْإِنْكَار إِنَّمَا يَقع وَالْعجب الَّذِي تلْزم بِهِ الْحجَّة عِنْد وُقُوع الشَّيْء {أَو آبَاؤُنَا الْأَولونَ} 17 قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر / أوآباؤنا الْأَولونَ / بِإِسْكَان الْوَاو وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْح الْوَاو وَهِي وَاو نسق دخلت عَلَيْهَا همزَة الِاسْتِفْهَام كَمَا يُقَال فلَان ينظر فِي النَّحْو فَتَقول أَو هُوَ مِمَّن ينظر فِي النَّحْو مَعْنَاهُ كنظره فِي غَيره وَمن سكن الْوَاو فَكَأَنَّهُ شكّ مِنْهُ فَيَقُولُونَ أَنَحْنُ نبعث أوآباؤنا الْأَولونَ وهم منكرون للبعث أَي لَا نبعث نَحن وَلَا آبَاؤُنَا {لَا فِيهَا غول وَلَا هم عَنْهَا ينزفون} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وَلَا هم عَنْهَا ينزفون} بِكَسْر الزَّاي من أنزف ينزف إِذا سكر وَيجوز أَن يكون من أنزف إِذا أنفد شرابه فَقَوله {ينزفون} أَي لَا يسكرون من شربهَا وَيجوز أَن يُرَاد لَا ينْفد شرابهم كَمَا ينْفد شراب أهل الدُّنْيَا وَإِذا كَانَ معنى {لَا فِيهَا غول} لَا تغتال عُقُولهمْ حمل قَوْله لَا {ينزفون} على لَا ينْفد شرابهم لِأَنَّك إِن حَملته على أَنهم لَا يسكرون صرت كَأَنَّك كررت يسكرون مرَّتَيْنِ وَإِن حملت {لَا فِيهَا غول} على لَا تغتال صحتهم وَلَا

{فأقبلوا إليه يزفون}

تصيبهم عَنْهَا الْعِلَل الَّتِي تحدث من شربه فِي الدُّنْيَا حملت {ينزفون} على أَنهم لَا يسكرون وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {ينزفون} بِفَتْح الزَّاي أَي لَا تذْهب عُقُولهمْ لشربها يُقَال نزف الرجل إِذا ذهب عقله وَيُقَال للسكران نزيف {فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يزفون} قَرَأَ حَمْزَة {فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يزفون} بِضَم الْيَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يزفون} بِفَتْح الْيَاء من زففت وَهُوَ الِاخْتِيَار وَالْعرب تَقول زف يزف زفيفا إِذا أسْرع وَيُقَال زفت الْإِبِل تزف إِذا أسرعت وَأما حَمْزَة فَإِنَّهُ جعله لغتين زف وأزف وَيجوز أَن يكون زف الرجل بِنَفسِهِ وأزف غَيره فَيكون الْمَعْنى فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يزفون أنفسهم وَيجوز أَن يكون الْمَعْنى يحملون غَيرهم على الزفيف {فَانْظُر مَاذَا ترى} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {فَانْظُر مَاذَا ترى} بِضَم التَّاء وَكسر الرَّاء أَي مَا تُشِير كَذَا قَالَ الزّجاج قَالَ الْفراء مَعْنَاهُ مَا تريني من صبرك وَالْأَصْل ترئي فنقلنا كسرة الْهمزَة إِلَى الرَّاء فَصَارَ تري وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {مَاذَا ترى} أَي مَا الَّذِي عنْدك من الرَّأْي فِيمَا أَخْبَرتك بِهِ {وَإِن إلْيَاس لمن الْمُرْسلين} قَرَأَ ابْن عَامر {وَإِن إلْيَاس} بِغَيْر همز قَالَ الْفراء من قَرَأَ

{أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين الله ربكم ورب آبائكم الأولين} 125 و

{وَإِن إلْيَاس} بوصل الْألف جعل اسْمه ياسا ثمَّ أَدخل عله الْألف وَاللَّام للتعريف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَإِن إلْيَاس} بِالْهَمْز جعلُوا أول الِاسْم على هَذِه الْقِرَاءَة الْألف كَأَنَّهُ من نفس الْكَلِمَة تَقول {إلْيَاس} كَمَا تَقول إِسْحَاق وَإِبْرَاهِيم وحجته قَوْله بعْدهَا {سَلام على إل ياسين} {أَتَدعُونَ بعلا وتذرون أحسن الْخَالِقِينَ الله ربكُم وَرب آبائكم الْأَوَّلين} 125 و 126 قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {الله ربكُم وَرب آبائكم} بِفَتْح الْهَاء وَالْبَاء على الْبَدَل الْمَعْنى وتذرون الله ربكُم و {ربكُم} صفة لله و {الله} نصب على الْبَدَل وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {الله ربكُم وَرب} بِالرَّفْع على الِابْتِدَاء وَالْخَبَر وَحسن الِابْتِدَاء بِهِ لتَمام الْكَلَام الأول {سَلام على إل ياسين} 130 قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر {سَلام على إل ياسين} بِفَتْح الْألف وَكسر اللَّام قَالَ ابْن عَبَّاس {سَلام على إل ياسين} أَي على آل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَآله كَمَا قيل فِي ياسين يَا مُحَمَّد وَآل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ كل من آل إِلَيْهِ بِحَسب أَو بِقرَابَة وَقَالَ قوم آل مُحَمَّد

كل من كَانَ على دينه وَمثله كَمَا قَالَ {أدخلُوا آل فِرْعَوْن أَشد الْعَذَاب} يُرِيد من كَانَ على دينه وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ آل مُحَمَّد كل تَقِيّ وَأجْمع النحويون على أَن الْآل اصله أهل فقلبوا الْهَاء همزَة وجعلوها مُدَّة لِئَلَّا تَجْتَمِع همزتان وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / سَلام على إلياسين / بِكَسْر الْألف سَاكِنة اللَّام قَالَ الْفراء إِن شِئْت ذهبت ب إلياسين إِلَى أَن تَجْعَلهُ جمعا فتجعل أَصْحَابه داخلين فِي اسْمه كَمَا تَقول لقوم رئيسهم الْمُهلب جاءتكم المهالبة والمهلبون تُرِيدُ الْمُهلب وَمن مَعَه كَمَا تَقول رَأَيْت المحمدين تُرِيدُ مُحَمَّدًا وَأمته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الشَّاعِر ... قدني من نصر الخبيبين قدي ... هَكَذَا رَوَاهُ ثَعْلَب أَرَادَ أَبَا خبيب وَهُوَ ابْن الزبير وَمن تَابعه فَجمع على ذَلِك وفيهَا وَجه آخر يكون لغتين إلْيَاس وإلياسين كَمَا قَالُوا ميكال وَمِيكَائِيل وَجِبْرِيل وجبرئيل وَحجَّة هَذِه الْقِرَاءَة أَنه ذكره فِي صدر لآيَة فَقَالَ فِي آخر الْآيَة {سَلام على إل ياسين} كَمَا ذكر نوحًا فِي صدر الْآيَة ثمَّ قَالَ فِي آخر الْقِصَّة {سَلام على نوح} وَكَذَلِكَ إِبْرَاهِيم ومُوسَى وَهَارُون إِنَّمَا قَالَ فِي آخر قصصهم سَلام على فلَان

{ولد الله وإنهم لكاذبون أصطفى البنات على البنين} 152 و

{ولد الله وَإِنَّهُم لَكَاذِبُونَ أصطفى الْبَنَات على الْبَنِينَ} 152 و 153 قَرَأَ إِسْمَاعِيل {لَكَاذِبُونَ أصطفى الْبَنَات} بوصل الْألف على أَن يكون حِكَايَة عَن قَوْلهم ليقولون اصْطفى وَيجوز أَن يكون الْمَعْنى {وَإِنَّهُم لَكَاذِبُونَ} قَالُوا اصْطفى الْبَنَات فَحذف قَالُوا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {اصْطفى} بِفَتْح الْألف وَهُوَ الِاخْتِيَار لِأَن الْمَعْنى سلهم هَل اصْطفى الْبَنَات على الْبَنِينَ فالألف ألف اسْتِفْهَام وَمَعْنَاهَا التوبيخ دخلت على ألف وصل وَالْأَصْل أاصطفى فَسَقَطت ألف الْوَصْل 38 - سُورَة ص {أأنزل عَلَيْهِ الذّكر من بَيْننَا} 8 قَرَأَ الْحلْوانِي عَن نَافِع وَابْن اليزيدي / آنزل عَلَيْهِ الذّكر / بِهَمْزَة وَاحِدَة مُطَوَّلَة وَقَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {أنزل} بِهَمْزَة وَاحِدَة من غير مد

{وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق}

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بهمزتين وَقد ذكرت الْحجَّة فِي سُورَة الْبَقَرَة {وَمَا ينظر هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة مَا لَهَا من فوَاق} 15 قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {مَا لَهَا من فوَاق} بِضَم الْفَاء أَي من رُجُوع وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْفَتْح أَي من رَاحَة وَقَالَ الْفراء هما لُغَتَانِ {وَاذْكُر عبادنَا إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب أولي الْأَيْدِي والأبصار} 45 قَرَأَ ابْن كثير / وَاذْكُر عَبدنَا إِبْرَاهِيم / وَاحِدًا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {عبادنَا} جمَاعَة وحجتهم أَنه ذكر أَسْمَاءَهُم فَقَالَ {إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب} وهم بدل من قَوْله {عبادنَا} وَذَلِكَ أَنه أجملهم ثمَّ بَين أَسْمَاءَهُم كَقَوْلِك رايت أَصْحَابك ثمَّ تَقول زيدا وعمرا وَوجه إِفْرَاد {عَبدنَا} أَنه اختصه بِالْإِضَافَة على التكرمة لَهُ والاختصاص بالمنزلة الرفيعة كَمَا قيل فِي مَكَّة بَيت الله وكما اخْتصَّ بالخلة فِي قَوْله {وَاتخذ الله إِبْرَاهِيم خَلِيلًا} {إِنَّا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدَّار} 46 قَرَأَ نَافِع {إِنَّا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدَّار} مُضَافا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {بخالصة} بِالتَّنْوِينِ من نون جعل {ذكرى الدَّار} بَدَلا من {خَالِصَة} بدل الْمعرفَة

{هذا ما توعدون ليوم الحساب}

من النكرَة وَيكون الْمَعْنى إِنَّا أخلصناهم بذكرى الدَّار فموضع {ذكرى} جر وَيجوز أَن يكون نصبا بإضمار أَعنِي وَيجوز أَن يكون رفعا بإضمار هِيَ ذكرى كَمَا قَالَ تَعَالَى قل أفأنبئكم بشر من ذَلِكُم النَّار أَي هِيَ النَّار وَمن لم ينون جعل {خَالِصَة} مُضَافَة إِلَى ذكرى كَقَوْلِك اختصصت زيدا بخالصة خير فَأَرَادَ بخالصة ذكر لَا يشوبها شَيْء من رِيَاء وَلَا غَيره {هَذَا مَا توعدون ليَوْم الْحساب} قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو / هَذَا مَا يوعدون / بِالْيَاءِ وحجتهما أَن الْكَلَام أَتَى عقيب الْخَبَر عَن الْمُتَّقِينَ فأتبع ذَلِك فَقَالَ {مفتحة لَهُم الْأَبْوَاب} {وَعِنْدهم قاصرات الطّرف أتراب} 50 و 52 فَجرى الْكَلَام بعد ذَلِك بالْخبر عَنْهُم إِذْ كَانَ فِي سِيَاقه ليأتلف الْكَلَام على نظام وَاحِد وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {هَذَا مَا توعدون} بِالتَّاءِ وحجتهما أَن الْخَبَر عَنْهُم قد تناهى عِنْد قَوْله {أتراب} ثمَّ ابتدئ الْكَلَام بعد ذَلِك بالْخبر عَن حِكَايَة مَا خوطبوا بِهِ نَظِير قَوْله {يُطَاف عَلَيْهِم بصحاف من ذهب وأكواب وفيهَا مَا تشتهيه الْأَنْفس وتلذ الْأَعْين} ثمَّ تناهى الْخَبَر عَنْهُم ثمَّ جَاءَ الْكَلَام بعده على حِكَايَة مَا خوطبوا بِهِ فَقَالَ {وَأَنْتُم فِيهَا خَالدُونَ} أَي وَقيل لَهُم {هَذَا فليذوقوه حميم وغساق وَآخر من شكله أَزوَاج} 57 و 58

{وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار أتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار}

قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {وغساق} بِالتَّشْدِيدِ وَكَذَلِكَ فِي {عَم يتساءلون} أَي سيال وَهُوَ فعال من غسق يغسق أَي مَا يسيل من جُلُود أهل النَّار وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وغساق} بِالتَّخْفِيفِ وحجتهم أَنه اسْم مَوْضُوع على هَذَا الْوَزْن مثل عَذَاب وشراب ونكال وَفِي التَّفْسِير أَنه الشَّديد الْبرد قَرَأَ أَبُو عَمْرو {وَآخر من شكله أَزوَاج} بِضَم الْألف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وغساق وَآخر} وَاحِد من أفرد فَإِنَّهُ عطف على قَوْله {حميم وغساق} و {أخر} أَي وَعَذَاب آخر من شكله أَي مثل ذَلِك وحجته مَا رُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَالَ فِي تَفْسِير قَوْله {وَآخر من شكله} الزَّمْهَرِير فتفسيره حجَّة لمن قَرَأَ {وَأخر} بِالتَّوْحِيدِ لِأَن الزَّمْهَرِير وَاحِد فَإِن قيل لم جَازَ أَن ينعَت الآخر وَهُوَ وَاحِد فِي اللَّفْظ ب {أَزوَاج} وَهِي جمع قيل إِن الْأزْوَاج نعت للحميم والغساق وَالْآخر فَهِيَ ثَلَاثَة وَحجَّة من قَرَأَ {أخر} على الْجمع أَن الْأُخَر قد نعتت بِالْجمعِ فَدلَّ على أَن المنعوت جمع مثله قَالَ سُفْيَان لَو كَانَت و {أخر} لم يقل أَزوَاج وَقَالَ زوج وَقَالَ الزّجاج من قَرَأَ {وَأخر} فَالْمَعْنى وأقوام أخر لِأَن قَوْله {أَزوَاج} مَعْنَاهُ أَنْوَاع {وَقَالُوا مَا لنا لَا نرى رجَالًا كُنَّا نعدهم من الأشرار أتخذناهم سخريا أم زاغت عَنْهُم الْأَبْصَار}

62 - و 63 قَرَأَ أبوعمرو وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {من الأشرار أتخذناهم} مَوْصُولَة قَالَ نحويو الْبَصْرَة وَالْجُمْلَة المعادلة ل أم محذوفة الْمَعْنى أتفقدونهم أم زاغت عَنْهُم الْأَبْصَار وَكَذَلِكَ قَوْله {أم كَانَ من الغائبين} لِأَن الْمَعْنى مَالِي لَا أرى الهدهد أَي أخبروني عَن الهدهد أحاضر هُوَ أم كَانَ من الغائبين وَقَالَ أَبُو عبيد بِهَذِهِ الْقِرَاءَة نقُول من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن الِاسْتِفْهَام مُتَقَدم فِي قَوْله مَا لنا لَا نرى رجَالًا وَالْوَجْه الآخر أَن الْمُشْركين لم يشكوا أَنهم اتَّخذُوا الْمُسلمين فِي الدُّنْيَا سحريا فَكيف يستفهمون عَن شَيْء علموه وَفِيه وَجه آخر وَهُوَ أَن يَجْعَل قَوْله {أتخذناهم سخريا} من نعت الرِّجَال كَأَنَّهُ قَالَ مَا لنا لَا نرى رجَالًا اتخذناهم سخريا ثمَّ رَجَعَ فَقَالَ {أم زاغت عَنْهُم الْأَبْصَار} أَي بل زاغت عَنْهُم الْأَبْصَار وَقَالَ السّديّ إِن أهل النَّار أَبَا جهل وكفار قُرَيْش ذكرُوا ضعفاء الْمُسلمين عمار بن يَاسر وخبابا وبلالا وصهيبا الَّذين كَانُوا يستهزئون

بهم فِي الدُّنْيَا فَقَالُوا {مَا لنا لَا نرى رجَالًا} أَي مَا لنا لَا نراهم فِي النَّار وَكُنَّا نعدهم من الأشرار فِي الدُّنْيَا فَنَقُول لَهُم كُنْتُم خالفتمونا فِي الدُّنْيَا فَمَا نَرَاكُمْ إِلَّا مَعنا فِي النَّار أم زاغت عَنْهُم الْأَبْصَار إِلَى غَيرهم وَقَرَأَ أهل الْحجاز وَالشَّام وَعَاصِم {أتخذناهم} بِفَتْح الْألف وَهِي ألف اسْتِفْهَام دخلت على ألف الْوَصْل وَسَقَطت ألف الْوَصْل فَصَارَ {أتخذناهم} أَلا ترى أَنه قَالَ {أم زاغت} فعودلت ب {أم} لِأَنَّهَا على لفظ الِاسْتِفْهَام وَإِن لم يكن استفهاما فِي الْمَعْنى قَالَ مُحَمَّد بن يزِيد الْمبرد فِي هَذِه الْقِرَاءَة بعض الْبعد لأَنهم علمُوا أَنهم اتخذوهم سخريا فَكيف يستفهمون عَن اتخاذهم سخريا وهم قد علمُوا ذَلِك يدل على علمه بِهِ أَنه قد أخبر عَنْهُم بذلك فِي قَوْله {فاتخذتموهم سخريا حَتَّى أنسوكم ذكري} وَلَكِن نقُول إِنَّمَا الِاسْتِفْهَام على معنى التَّقْرِير كَأَنَّهُمْ اعْتَرَفُوا

{قال فالحق والحق أقول لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين} 84 و

وَقَالَ الْفراء هُوَ من الِاسْتِفْهَام الَّذِي مَعْنَاهُ التوبيخ وَالْإِنْكَار على أنفسهم كَمَا يَقُول الْقَائِل وَقد ضرب وَلَده ثمَّ نَدم مَاذَا فعلت أضربت ابْني وَهُوَ غير شَاك أَنه قد ضربه وجتهم أَن مُجَاهدًا قَرَأَ بالاستفهام وَقَالَ {أتخذناهم سخريا} وَلَيْسوا كَذَلِك أم هم فِي النَّار وَلَا نراهم قَرَأَ نَافِع وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {سخريا} بِالرَّفْع وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ وهما لُغَتَانِ وَقد ذكرنَا فِي {قد أَفْلح} {قَالَ فَالْحق وَالْحق أَقُول لأملأن جَهَنَّم مِنْك وَمِمَّنْ تبعك مِنْهُم أَجْمَعِينَ} 84 و 85 قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة {قَالَ فَالْحق} بِالضَّمِّ {وَالْحق} بِالنّصب وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالنّصب فيهمَا من نصب {الْحق} الأول كَانَ مَنْصُوبًا بِفعل مُضْمر وَذَلِكَ الْفِعْل هُوَ مَا ظهر فِي نَحْو قَوْله {ويحق الله الْحق} وَقَوله {ليحق الْحق} وَهَذَا هُوَ الْوَجْه وَيجوز أَن تنصب على التَّشْبِيه بالقسم فَيكون الناصب ل {الْحق} مَا ينصب الْقسم فِي نَحْو الله لَأَفْعَلَنَّ فَيكون التَّقْدِير وَالْحق لأملأن فَإِن قلت فقد اعْترض بَين الْقسم وَجَوَابه قَوْله {وَالْحق} أَقُول فَإِن اعْتِرَاض هَذِه الْجُمْلَة لَا يمْنَع أَن يفصل بَين الْقسم والمقسم عَلَيْهِ لِأَن ذَلِك مِمَّا يُؤَكد الْقِصَّة وَقد يجوز أَن يكون {الْحق} الثَّانِي الأول وَكرر على وَجه التوكيد

- سورة الزمر

وَمن رفع كَانَ {الْحق} مُحْتملا لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا يكون خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره أَنا الْحق وَالْحق أَقُول وَيدل على ذَلِك قَوْله جلّ وَعز {ثمَّ ردوا إِلَى الله مَوْلَاهُم الْحق} فَكَمَا جَازَ وَصفه سُبْحَانَهُ بِالْحَقِّ كَذَلِك يجوز أَن يكون خَبرا فِي قَوْله أَنا الْحق وَالْوَجْه الثَّانِي أَن يكون {الْحق} مُبْتَدأ وَخَبره محذوفا وَتَقْدِيره فَالْحق مني كَمَا قَالَ {الْحق من رَبك} 39 - سُورَة الزمر {وَإِن تشكروا يرضه لكم} 7 قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَالْكسَائِيّ / يرضهولكم / مَوْصُولَة بواو لِأَن مَا قبل الْهَاء متحرك فَصَارَ للحركة بِمَنْزِلَة ضربهو وَقَرَأَ ابْن عَامر وَنَافِع وَحَمْزَة وو عَاصِم {يرضه} من غير إشباع اكتفوا بالضمة لِأَنَّهَا تنبي عَن الْوَاو وَقَرَأَ يحيى {يرضه} بِإِسْكَان الْهَاء هَذِه لُغَة وَقد ذكرنَا وَبينا فِي سُورَة آل عمرَان {وَجعل لله أندادا ليضل عَن سَبيله} قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {ليضل عَن سَبيله} بِفَتْح الْيَاء أَي ليضل هُوَ وحجتهما قَوْله {إِن رَبك هُوَ أعلم بِمن ضل عَن سَبيله}

{أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه}

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {ليضل} بِضَم الْيَاء أَي ليضل غَيره وَإِنَّمَا وَصفه بالإضلال لِأَن الَّذِي اخبر الله عَنهُ ذَلِك قد ثَبت لَهُ أَنه ضال بقوله {وَجعل لله أندادا} فَلم يكن لإعادة الْوَصْف لَهُ بالضلال معنى وَكَانَ صفته بإضلال النَّاس يزِيد الْكَلَام فَائِدَة لم تكن وصف بهَا فَكَانَ ذَلِك ابلغ فِي ذمه مَعَ مَا تقدم من كفرهم {أم من هُوَ قَانِت آنَاء اللَّيْل سَاجِدا وَقَائِمًا يحذر الْآخِرَة ويرجو رَحْمَة ربه} 9 قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَحَمْزَة {آمن} خَفِيفَة الْمِيم وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ وَالْجُمْلَة الَّتِي قد عادلت أم قد حذفت الْمَعْنى الجاحد الْكَافِر بربه خير أم من هُوَ قَانِت وَيجوز أَن يكون التَّقْدِير أأصحاب النَّار خير أم من هُوَ قَانِت وَيدل على الْجُمْلَة المحذوفة المعادلة ل {أم} مَا جَاءَ بعد من قَوْله {قل هَل يَسْتَوِي الَّذين يعلمُونَ وَالَّذين لَا يعلمُونَ} وَفِيه وَجه آخر ذكره الزّجاج قَالَ من قَرَأَ {آمن} بِالتَّشْدِيدِ فَمَعْنَاه بل أَمن هُوَ قَانِت كَغَيْرِهِ أَي أم من هُوَ مُطِيع كمن هُوَ عَاص وَيكون على هَذَا الْخَبَر محذوفا لدلَالَة الْكَلَام عَلَيْهِ كَقَوْلِه {أَفَمَن هُوَ قَائِم على كل نفس بِمَا كسبت} {أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سوء الْعَذَاب} وَمن قَرَأَ {آمن} بِالتَّخْفِيفِ فَإِن

{ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا}

مَعْنَاهُ يَا من هُوَ قَانِت وَالْعرب تنادي بِالْألف كَمَا تنادي بياء فَتَقول يَا زيد أقبل وأزيد أقبل قَالَ الشَّاعِر أبني لبيني لَسْتُم بيد ... إِلَّا يَد لَيست لَهَا عضد اراد يَا بني لبينى قَالَ الْفراء فَيكون الْمَعْنى مردودا بِالدُّعَاءِ كالمنسوق لِأَنَّهُ ذكر النَّاسِي الْكَافِر ثمَّ قصّ قصَّة الصَّالح بالنداء كَمَا تَقول فِي الْكَلَام فلَان لَا يَصُوم وَلَا يُصَلِّي فيا من يَصُوم وَيُصلي أبشر هَذَا هُوَ مَعْنَاهُ فَكَذَلِك قَوْله {أم من هُوَ قَانِت} أَي يَا من هُوَ قَانِت آنَاء اللَّيْل سَاجِدا وَقَائِمًا أبشر وَفِيه وَجه آخر يجوز أَن تكون الْألف فِي أَمن ألف اسْتِفْهَام الْمَعْنى أَمن هُوَ قَانِت آنَاء اللَّيْل سَاجِدا وَقَائِمًا كَغَيْرِهِ فَكف عَن الْجَواب وَقَالَ الزّجاج {آمن} بِالتَّخْفِيفِ تَأْوِيله أَمن هُوَ قَانِت كَهَذا الَّذِي ذكرنَا مِمَّن جعل الله أندادا {ضرب الله مثلا رجلا فِيهِ شُرَكَاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هَل يستويان مثلا} قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو / ورجلا سالما / بِالْألف وَكسر اللَّام أَي خَالِصا للرجل كَذَا جَاءَ فِي التَّفْسِير وَهُوَ اسْم الْفَاعِل على سلم فَهُوَ سَالم وحجتهما قَوْله {فِيهِ شُرَكَاء متشاكسون} فَكَمَا أَن

{أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه}

الشَّرِيك عبارَة عَن الْعين وَلَيْسَ باسم حدث كَذَلِك الَّذِي بإزائه يَنْبَغِي أَن يكون فَاعِلا وَلَا يكون اسْم حدث وَكَذَلِكَ اخْتَارَهَا أَبُو عبيد وَقَالَ إِن الْخَالِص هُوَ ضد الْمُشْتَرك وَأما السّلم فَإِنَّمَا ضد الْمُحَارب وَلَا مَوضِع للحرب هَا هُنَا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {سلما} بِغَيْر ألف وَمَعَ اللَّام وَهُوَ مصدر سلم سلما وحجتهم قَوْله {متشاكسون} لِأَن مَعْنَاهُ متنازعون يَدعِيهِ كل وَاحِد مِنْهُم ثمَّ وصف من هُوَ ضد هَذِه الْحَال مِمَّن لَا تنَازع فِيهِ وَلَا اختصام فَقَالَ رجلا سلما لرجل وَكَانَ مَعْلُوما أَن السّلم ضد التَّنَازُع فَكَانَ تَأْوِيله ورجلا سلم لرجل فَلم يُنَازع فِيهِ وَمِنْه قيل للسلف سلم لِأَنَّهُ سلم إِلَى من استسلفه {أَلَيْسَ الله بكاف عَبده ويخوفونك بالذين من دونه} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / أَلَيْسَ الله بكاف عباده / بِالْألف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {عَبده} ذَهَبُوا إِلَى الْخطاب للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وحجتهم قَوْله {ويخوفونك بالذين من دونه} أَي ويخوفونك يَا مُحَمَّد فَكَأَن الْمَعْنى أَلَيْسَ الله بكافيك وهم يخوفونك من دونه يَعْنِي الْأَصْنَام وَذَلِكَ أَن قُريْشًا قَالُوا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ أما تخَاف أَن يخبلك آلِهَتنَا لعيبك إِيَّاهَا فَأنْزل الله {أَلَيْسَ الله بكاف عَبده} فَأخْبر ثمَّ خاطبه والمخبر والمخاطب وَاحِد وَالْعرب تخبر ثمَّ ترجع إِلَى الْخطاب

{إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته}

وَمن قَرَأَ {عباده} فَالْمَعْنى أَلَيْسَ الله بكاف عباده الْأَنْبِيَاء قبل كَمَا كفى إِبْرَاهِيم النَّار ونوحا الْغَرق وَيُونُس مَا دفع إِلَيْهِ فَهُوَ سُبْحَانَهُ كافيك كَمَا كفى هَؤُلَاءِ الرُّسُل قبلك قَالَ الْفراء قد هَمت أُمَم الْأَنْبِيَاء بهم ووعدوهم مثل هَذَا فَقَالُوا لهود {إِن نقُول إِلَّا اعتراك بعض آلِهَتنَا بِسوء} فَقَالَ الله / أَلَيْسَ الله بكاف عباده / أَي مُحَمَّدًا والأنبياء قبله {إِن أرادني الله بضر هَل هن كاشفات ضره أَو أرادني برحمة هَل هن ممسكات رَحمته} 38 قَرَأَ أَبُو عمر {هَل هن كاشفات} بِالتَّنْوِينِ {ضره} بِالنّصب وَكَذَلِكَ {ممسكات رَحمته} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْإِضَافَة حجَّة أبي عَمْرو أَن الْفِعْل منتظر وَأَنه مِمَّا لم يَقع وَمَا لم يَقع من أَسمَاء الفاعلين إِذا كَانَ فِي الْحَال فَالْوَجْه فِيهِ النصب الْمَعْنى هَل هن يكشفن ضره أَو يمسكن رَحمته وَحجَّة الْإِضَافَة أَن الْإِضَافَة قد استعملتها الْعَرَب فِي الْمَاضِي والمنتظر وَأَن التَّنْوِين لم يسْتَعْمل إِلَّا فِي المنتظر خَاصَّة فَلَمَّا كَانَا مستعملين وَقد نزل بهما الْقُرْآن فَقَالَ جلّ وَعز {كل نفس ذائقة الْمَوْت} أَخذ بِأَكْثَرَ الْوَجْهَيْنِ أصلا وَحجَّة أُخْرَى وَهُوَ أَنه يُرَاد فيهمَا التَّنْوِين ثمَّ يحذف التَّنْوِين للتَّخْفِيف كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ {إِلَّا آتِي الرَّحْمَن عبدا} هَذَا لم يَقع وَتَقْدِيره آتٍ الرَّحْمَن

{الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى}

{الله يتوفى الْأَنْفس حِين مَوتهَا وَالَّتِي لم تمت فِي منامها فَيمسك الَّتِي قضى عَلَيْهَا الْمَوْت وَيُرْسل الْأُخْرَى إِلَى أجل مُسَمّى} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {قضى عَلَيْهَا الْمَوْت} على مَا لم يسم فَاعله وحجتهما أَن الْكَلَام أَتَى عقيب ذَلِك بترك تَسْمِيَة الْفَاعِل وَهُوَ قَوْله {إِلَى أجل مُسَمّى} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {قضى عَلَيْهَا الْمَوْت} بِنصب الْقَاف وَالتَّاء وحجتهم أَن الْكَلَام أَتَى عقيب إِخْبَار الله عَن نَفسه فِي قَوْله {الله يتوفى الْأَنْفس} {فَيمسك} {وَيُرْسل} فَجرى الْفِعْل بعد ذَلِك بِلَفْظ مَا تقدمه من ذكر الْفَاعِل إِذْ كَانَ فِي سِيَاقه ليأتلف الْكَلَام على نظام وَاحِد {وينجي الله الَّذين اتَّقوا بمفازتهم} 61 قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَأَبُو بكر / بمفازاتهم / جمَاعَة مثل مكانتكم ومكاناتكم وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {بمفازتهم} وَاحِدَة أَي بخلاص وَهُوَ الِاخْتِيَار لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة السَّعَادَة والمفازة كَمَا قَالَ {بمفازة من الْعَذَاب} والمفازة مصدر مثل الْفَوْز فإفراد الْمَفَازَة كإفراد الْفَوْز وَوجه الْجمع أَن المصادر قد تجمع إِذا اخْتلفت أجناسها لِأَن لكل وَاحِد مفازة غير مفازة الآخر {قل أفغير الله تأمروني أعبد أَيهَا الجاهلون} 64

{حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها} 71 و

قَرَأَ نَافِع {قل أفغير الله تأمروني أعبد} بِالتَّخْفِيفِ أَرَادَ تأمرونني فَحذف إِحْدَى النونين للتَّخْفِيف وَيَنْبَغِي أَن تكون النُّون الثَّانِيَة محذوفة لِأَن التكرير بهَا وَقع وَلَا تحذف الأولى الَّتِي هِيَ عَلامَة الرّفْع وَقد حذفوا هَذِه النُّون قَالَ الشَّاعِر ... قدني من نصر الخبيبين قدي ... فَحذف وَأثبت وَقَالَ قوم بل حذف نون الْإِعْرَاب كَمَا تحذف الضمة فِي مثل {يَأْمُركُمْ} وَقَرَأَ ابْن عَامر / تأمرونني / بنونين على الأَصْل فَلم يدغم وَلم يحذف وحجته إِجْمَاع الْجَمِيع على إِظْهَار النُّون فِي قَوْله {وكادوا يقتلونني} فَرد مَا اخْتلف فِيهِ إِلَى مَا أجمع عَلَيْهِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {تأمروني} بِالتَّشْدِيدِ الأَصْل تأمرونني النُّون الأولى عَلامَة الرّفْع وَالثَّانيَِة مَعَ الْيَاء فِي مَوضِع النصب ثمَّ أدغموا الأولى فِي الثَّانِيَة فَيصير {تأمروني} {حَتَّى إِذا جاؤوها فتحت أَبْوَابهَا} 71 و 73 قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {فتحت} وَفتحت بِالتَّخْفِيفِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ وحجتهم قَوْله {مفتحة لَهُم الْأَبْوَاب} قَالَ اليزيدي كل مَا فتح مرّة بعد مرّة فَهُوَ التفتيح وَوجه التَّخْفِيف

- سورة حم المؤمن أو سورة غافر

أَن التَّخْفِيف يصلح للقليل وَالْكثير وَقَالُوا لِأَنَّهَا تفتح مرّة وَاحِدَة فَإِن سَأَلَ سَائل فَقَالَ لم دخلت الْوَاو فِي {وَفتحت} وَأَيْنَ جَوَاب {حَتَّى إِذا جاؤوها} فَفِي ذَلِك أجوبة فَقَالَ قوم الْوَاو زَائِدَة وَقَالَ الْمبرد إِذا وجدت حرفا من كتاب الله تَعَالَى قد اشْتَمَل على معنى حسن لم أجعله ملغى وَلَكِن الْوَاو وَاو نسق هَا هُنَا التَّقْدِير حَتَّى إِذا جاؤوها وصلوا وَفتحت ابوابها وَقَالَ أَيْضا إِن الْجَواب مَحْذُوف وَالْمعْنَى حَتَّى إِذا جاؤوها إِلَى آخر الْآيَة سعدوا أَي حَتَّى إِذا كَانَت هَذِه الْأَشْيَاء صَارُوا إِلَى السَّعَادَة وَقَالَ قوم مَعْنَاهُ حَتَّى إِذا جاؤوها جاؤوها وَفتحت أَبْوَابهَا ف جاؤوها عِنْدهم مَحْذُوف وعَلى قَول هَؤُلَاءِ يكون اجْتمع الْمَجِيء مَعَ الدُّخُول فِي حَال وَاحِد وَقد قيل إِن الْعَرَب تعد من وَاحِد إِلَى سَبْعَة ثمَّ تزيد الْوَاو كَمَا قَالَ جلّ وَعز {التائبون العابدون} ثمَّ قَالَ {والناهون} بعد السَّبْعَة وَقَالَ {وَيَقُولُونَ سَبْعَة وثامنهم كلبهم} وَالله أعلم بذلك 40 - سُورَة حم الْمُؤمن أَو سُورَة غَافِر قَرَأَ ابْن عَامر وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ وابو بكر حم بِكَسْر الْحَاء

{وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار}

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْفَتْح وهما لُغَتَانِ قد بَينا فِيمَا تقدم {وَكَذَلِكَ حقت كلمة رَبك على الَّذين كفرُوا أَنهم أَصْحَاب النَّار} 6 قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر / وَكَذَلِكَ حقت كَلِمَات رَبك / بِالْألف على الْجمع وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {كلمة} وحجتهم أَنَّهَا تجمع سَائِر الْكَلِمَات وَتَقَع مُفْردَة على الْكَثْرَة فَإِذا كَانَ ذَلِك كَذَلِك استغني بهَا عَن الْجمع كَمَا تَقول يُعجبنِي قيامكم وقعودكم وَقَالَ {لَا تدعوا الْيَوْم ثبورا وَاحِدًا وَادعوا ثبورا كثيرا} وَقَالَ {إِن أنكر الْأَصْوَات لصوت الْحمير} فأفرد الصَّوْت مَعَ الْإِضَافَة إِلَى الْكَثْرَة فَكَذَلِك الْكَلِمَة وَمن جمع فَلِأَن هَذِه الْأَشْيَاء وَإِن كَانَت تدل على الْكَثْرَة قد تجمع إِذا جعلت أجناسا قَالَ {وصدقت بِكَلِمَات رَبهَا} أَي بشرائعه لِأَن الْكتب قد ذكرت وَقَالَ {وَإِذ ابتلى إِبْرَاهِيم ربه بِكَلِمَات فأتمهن} {لينذر يَوْم التلاق} {إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم يَوْم التناد} 15 و 32 قَرَأَ ابْن كثير وورش / لتنذر يَوْم التلاقي / و / التنادي / بِإِثْبَات الْيَاء فِي الْوَصْل وَابْن كثير أثبتهما فِي الْوَقْف وحذفهما الْبَاقُونَ فِي الْحَالين الْمَعْنى إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم عَذَاب يَوْم التناد من قَرَأَ / التلاقي / و / التنادي / بِالْيَاءِ فِي الْوَصْل وَالْوَقْف فعلى

{والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء}

الأَصْل لِأَنَّهُ من لقِيت وناديت فَهُوَ على الأَصْل وَلَيْسَ مَا فِيهِ الْألف وَاللَّام من هَذَا كَمَا لَا ألف وَلَام فِيهِ من هَذَا النَّحْو مثل قَاض قَالَ سِيبَوَيْهٍ إِذا لم يكن فِي مَوضِع تَنْوِين يَعْنِي اسْم الْفَاعِل فَإِن الثَّبَات أَجود وَكَذَلِكَ قَوْلك هَذَا القَاضِي لِأَنَّهَا ثَابِتَة فِي الْوَصْل يُرِيد أَن الْيَاء مَعَ الْألف وَاللَّام تثبت وَلَا تحذف كَمَا تحذف فِي اسْم الْفَاعِل إِذا لم تكن فِيهِ الْألف وَاللَّام نَحْو هَذَا قَاض فَاعْلَم فالياء مَعَ غير الْألف وَاللَّام تحذف فِي الْوَصْل فَإِذا أدخلت الْألف وَاللَّام تثبت فِي اللُّغَة الَّتِي هِيَ أَكثر عِنْد سِيبَوَيْهٍ وَكَانَ ورش يثبتهما وصلا ويحذفهما وَقفا لِأَنَّهُ تبع الْمُصحف فِي الْوَقْف وَالْأَصْل الدرج وَمن حذف الْيَاء فِي الْحَالين فَإِن سِيبَوَيْهٍ زعم أَن من الْعَرَب من يحذف هَذَا فِي الْوَقْف شبهوه بِمَا لَيْسَ فِيهِ ألف وَلَام إِذْ كَانَت تذْهب الْيَاء فِي الْوَصْل مَعَ التَّنْوِين لَو لم يكن ألف وَلَام وَأُخْرَى أَن خطّ الْمُصحف بِغَيْر يَاء وَأَن الْعَرَب تجتزئ بِالْكَسْرِ عَن الْيَاء {وَالَّذين يدعونَ من دونه لَا يقضون بِشَيْء} قَرَأَ نَافِع {وَالَّذين تدعون} بِالتَّاءِ على الْخطاب أَي قل لَهُم

{كانوا هم أشد منهم قوة}

يَا مُحَمَّد وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ إِخْبَارًا عَنْهُم {كَانُوا هم أَشد مِنْهُم قُوَّة} قَرَأَ ابْن عَامر / كَانُوا هم أَشد مِنْكُم قُوَّة / بِالْكَاف وَكَذَلِكَ هِيَ فِي مصاحف أهل الشَّام وَقَرَأَ الْبَاقُونَ مِنْهُم بِالْهَاءِ أَتَوا بِلَفْظ الْغَيْبَة وحجتهم أَن مَا قبله بِلَفْظ الْغَيْبَة وَهُوَ قَوْله {أَو لم يَسِيرُوا فِي الأَرْض فينظروا كَيفَ كَانَ عَاقِبَة الَّذين من قبلهم} فَكَذَلِك يكون قَوْله {كَانُوا هم أَشد مِنْهُم قُوَّة} على الْغَيْبَة ليَكُون مُوَافقا لما قبله من أَلْفَاظ الْغَيْبَة وَمعنى قَوْله {أَشد مِنْهُم قُوَّة} أَي من قَوْمك وَأما من قَالَ {مِنْكُم} بَعْدَمَا ذَكرْنَاهُ من أَلْفَاظ الْغَيْبَة فعلى الأنصراف من الْغَيْبَة إِلَى الْخطاب كَقَوْلِه {إياك نعْبد} بعد قَوْله {الْحَمد لله} وَحسن الْخطاب هُنَا لِأَنَّهُ خطاب لأهل مَكَّة فَحسن الْخطاب لحضورهم {إِنِّي أَخَاف أَن يُبدل دينكُمْ أَو أَن يظْهر فِي الأَرْض الْفساد} قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {أَو أَن يظْهر} بِالْألف قبل الْوَاو وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / وَأَن يظْهر / بِغَيْر ألف معنى {أَو} وُقُوع أحد الشَّيْئَيْنِ فَالْمَعْنى على {أَو} إِن فِرْعَوْن قَالَ {إِنِّي أَخَاف أَن يُبدل دينكُمْ} أَي يبطل دينكُمْ الْبَتَّةَ فَإِن لم يُبطلهُ

{ومن يضلل الله فما له من هاد}

أوقع فِيهِ الْفساد فَجعل طَاعَة الله هِيَ الْفساد وَمن قَرَأَ {وَإِن} فَيكون الْمَعْنى أَخَاف إبِْطَال دينكُمْ وَالْفساد مَعَه وحجته مَا جَاءَ فِي التَّفْسِير أَنه خَافَ الْأَمريْنِ جَمِيعًا وَلم يخف أَحدهمَا قَرَأَ نَافِع وَأَبُو عمر وَحَفْص {يظْهر} بِضَم الْيَاء {الْفساد} نصب أَي يظْهر مُوسَى فِي الأَرْض الْفساد وحجتهم أَنه أشبه بِمَا قبله لِأَن قبله {يُبدل} فأسندوا الْفِعْل إِلَى مُوسَى بِإِجْمَاع الْجَمِيع وهم كَانُوا فِي ذكره فَكَذَلِك / وَأَن يظْهر فِي الأَرْض الْفساد / ليَكُون مثل {يُبدل} فَيكون الْكَلَام من وَجه وَاحِد وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يظْهر} بِنصب الْيَاء {الْفساد} رفع أَرَادوا أَنه إِذا بدل الدّين يظْهر الْفساد بالتبديل أَو أَن يكون أَرَادَ وَأَن يظْهر فِي الأَرْض الْفساد لمكانه {وَمن يضلل الله فَمَا لَهُ من هاد} / واقي / و {هادي} أثبتهما ابْن كثير فِي الْوَقْف وحذفهما الْبَاقُونَ وَقد ذكرت الْحجَّة فِي سُورَة الرَّعْد {كَذَلِك يطبع الله على كل قلب متكبر جَبَّار} قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَابْن عَامر {على كل قلب متكبر} بِالتَّنْوِينِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِغَيْر تَنْوِين من نون جعل المتكبر نعتا للقلب وَصفَة لَهُ لِأَن الْقلب إِذا تكبر تكبر صَاحبه الْمَعْنى أَن صَاحبه متكبر كَقَوْلِه تَعَالَى {نَاصِيَة كَاذِبَة}

{لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى} 36 و

أضَاف الْفِعْل إِلَى الناصية وَالْمعْنَى لصَاحِبهَا وَمِمَّا يُقَوي ذَلِك قَوْله {إِن فِي صُدُورهمْ إِلَّا كبر} فالكبر فِي الْقلب قَالَ اليزيدي حجَّة هَذِه الْقِرَاءَة قَوْله {ونطبع على قُلُوبهم} وَلم يقل عَلَيْهِم فالطبع إِنَّمَا قصد بِهِ الْقلب وَمن قَرَأَ بِالْإِضَافَة فَهُوَ الْوَجْه لِأَن المتكبر هُوَ الْإِنْسَان الْمَعْنى على قلب كل رجل متكبر {لعَلي أبلغ الْأَسْبَاب أَسبَاب السَّمَاوَات فَأطلع إِلَى إِلَه مُوسَى} 36 و 37 قَرَأَ حَفْص {فَأطلع إِلَى إِلَه مُوسَى} بِالنّصب جعله جَوَابا بِالْفَاءِ كَأَنَّهُ جعل {لعَلي أبلغ} تمنيا وَنصب {فَاطلع} على جَوَاب التَّمَنِّي بِالْفَاءِ جعله جَوَابا بِالْفَاءِ لكَلَام غير مُوجب وَالْمعْنَى إِنِّي إِذا بلغت اطَّلَعت وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فَاطلع} بِالرَّفْع نسقا على قَوْله {أبلغ} الْمَعْنى لعَلي أبلغ ولعلي أطلع وَمثل هَذِه الْقِرَاءَة قَوْله {لَعَلَّه يزكّى أَو يذكر} أَي لَعَلَّه يتزكى وَلَعَلَّه يتَذَكَّر {وَكَذَلِكَ زين لفرعون سوء عمله وَصد عَن السَّبِيل}

{فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب}

قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وَصد عَن السَّبِيل} بِضَم الصَّاد على مَا لم يسم فَاعله وَجعلُوا الْفِعْل لله إِن الله صده عَن السَّبِيل كَمَا قَالَ {وطبع على قُلُوبهم} أَي طبع الله عَلَيْهَا وحجتهم أَن الْكَلَام أَتَى عقيب الْخَبَر من الله فَلفظ مَا لم يسم فَاعله وَهُوَ قَوْله {وَكَذَلِكَ زين لفرعون} فَجرى الْكَلَام بعده بترك تَسْمِيَة الْفَاعِل ليأتلف الْكَلَام على نظام وَاحِد وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَصد عَن السَّبِيل} بِالنّصب أسندوا الْفِعْل إِلَى الْفَاعِل وَجعلُوا الْفِعْل لَهُ لِأَن فِرْعَوْن تقدم ذكره وَهُوَ الصَّاد عَن السَّبِيل فِي قَوْله تَعَالَى {لأقطعن أَيْدِيكُم وأرجلكم} وَنَحْو هَذَا وَمِمَّا يُقَوي بِنَاء الْفِعْل للْفَاعِل قَوْله {الَّذين كفرُوا وصدوا عَن سَبِيل الله} فَذَلِك أسندوا هَا هُنَا إِلَى الْفَاعِل {فَأُولَئِك يدْخلُونَ الْجنَّة يرْزقُونَ فِيهَا بِغَيْر حِسَاب} 40 قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَأَبُو بكر {فَأُولَئِك يدْخلُونَ الْجنَّة} بِضَم الْيَاء وحجتهم ذكرهَا اليزيدي فَقَالَ إِذْ كَانَ بعْدهَا مَا يؤكدها مثل {لَا يظْلمُونَ} و {يرْزقُونَ} و {يحلونَ} لِأَن الْأُخْرَى توكيد الأولى فَإِذا لم يكن مَعهَا ذَلِك فالياء مَفْتُوحَة وَيُقَوِّي هَذَا قَوْله {وَأدْخل الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَّات} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يدْخلُونَ الْجنَّة} بِفَتْح الْيَاء وحجتهم قَوْله تَعَالَى

{النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب}

{ادخلوها بِسَلام آمِنين} وَقَوله {ادخُلُوا الْجنَّة بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} فَكَانَ أَمر الله إيام أَن يدخلوها دَلِيلا على مَا أسْند الْفِعْل إِلَيْهِم والمعنيان يتداخلان لأَنهم إِذا أدخلُوا دخلُوا وَإِذا أدخلهم الله الْجنَّة دخلُوا فَمَعْنَى {يدْخلُونَ} و {يدْخلُونَ} وَاحِد قَالَ الله عز وَجل {وَأدْخل الَّذين آمنُوا} وَقَالَ {سندخلهم} فهم مفعولون وفاعلون {النَّار يعرضون عَلَيْهَا غدوا وعشيا وَيَوْم تقوم السَّاعَة أدخلُوا آل فِرْعَوْن أَشد الْعَذَاب} قَرَأَ نَافِع وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {السَّاعَة أدخلُوا آل فِرْعَوْن} بِقطع الْألف وَكسر الْخَاء على جِهَة الْأَمر للْمَلَائكَة بإدخالهم يُقَال للْمَلَائكَة {أدخلُوا آل فِرْعَوْن} فَيكون {آل فِرْعَوْن} نصبا بِوُقُوع الْفِعْل عَلَيْهِم وحجتهم فِي ذَلِك أَن الْكَلَام أَتَى عقيب الْفِعْل الْوَاقِع بهم وَهُوَ قَوْله {النَّار يعرضون عَلَيْهَا} فهم حِينَئِذٍ مفعولون فَجعل الإدخال وَاقعا بهم ليأتلف الْكَلَام على طرق وَاحِد وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {السَّاعَة أدخلُوا} مَوْصُولَة على الْأَمر لَهُم بِالدُّخُولِ الْمَعْنى وَيَوْم تقوم السَّاعَة نقُول ادخُلُوا يَا آل فِرْعَوْن وحجتهم فِي ذَلِك قَوْله {ادخُلُوا أَبْوَاب جَهَنَّم} وَقَالَ {ادخُلُوا فِي أُمَم قد خلت}

{يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم}

وتنصب {آل فِرْعَوْن} على هَذِه الْقِرَاءَة بالنداء الْمُضَاف {يَوْم لَا ينفع الظَّالِمين معذرتهم} 52 قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَابْن عَامر / يَوْم لَا تَنْفَع الظَّالِمين معذرتهم / التَّاء لتأنيث المعذرة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ لِأَن المعذرة والعذر والاعتذار وَاحِد كَمَا أَن الْوَعْظ وَالْمَوْعِظَة وَاحِد {قَلِيلا مَا تتذكرون} قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {قَلِيلا مَا تتذكرون} على الْخطاب وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يتذكرون} بِالْيَاءِ إِخْبَارًا عَن الْكفَّار وحجتهم فِي قَوْله قبلهَا {إِن الَّذين يجادلون فِي آيَات الله بِغَيْر سُلْطَان} الْآيَة ثمَّ قَالَ {وَلَكِن أَكثر النَّاس} فَكَأَنَّهُ لما جرى الْكَلَام قبله بالْخبر ثمَّ أَتَى عَقِيبه جَعَلُوهُ بِلَفْظ مَا تقدمه إِذْ كَانَ فِي سِيَاقه ليأتلف الْكَلَام على نظام وَاحِد قَالَ وَالتَّاء أَعم لِأَنَّهَا تجمع الصِّنْفَيْنِ أَي أَنْتُم وهم {إِن الَّذين يَسْتَكْبِرُونَ عَن عبادتي سيدخلون جَهَنَّم داخرين}

- سورة حم السجدة أو فصلت

قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو بكر {سيدخلون} بِضَم الْيَاء على مَا لم يسم فَاعله وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْفَتْح إضبارا عَنْهُم وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو {سيدخلون} بِالْفَتْح لِأَنَّهُ لم يَأْتِ بعده مَا يؤكده مثل مَا جَاءَ فِي سَائِر الْقُرْآن من قَوْله {يرْزقُونَ} و {لَا يظْلمُونَ} و {يحلونَ} 41 - سُورَة حم السَّجْدَة أَو فصلت {فَأَرْسَلنَا عَلَيْهِم ريحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّام نحسات} قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وابو عَمْرو {فِي أَيَّام نحسات} سَاكِنة الْحَاء وحجتهم قَوْله {فِي يَوْم نحس مُسْتَمر} وَلم يقل نحس وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {نحسات} بِكَسْر الْحَاء جعلوها صفة من بَاب فرق قَالَ الْكسَائي وَالْفراء هما لُغَتَانِ بِمَعْنى وَاحِد يُقَال يَوْم نحس ونحس وايام نحسات ونحسات أَي مشائيم {وَيَوْم يحْشر أَعدَاء الله إِلَى النَّار فهم يُوزعُونَ} قَرَأَ نَافِع {وَيَوْم نحْشر} بالنُّون {أَعدَاء الله} بِالْفَتْح نسقا على قَوْله قبلهَا {ونجينا الَّذين آمنُوا} وحجتهم قَوْله {يَوْم نحْشر الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَن وَفْدًا} فَرد مَا اخْتلف فِيهِ إِلَى مَا أجمع عَلَيْهِ

{وقال الذين كفروا ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس}

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَيَوْم يحْشر أَعدَاء الله} بِالْيَاءِ على مَا لم يسم فَاعله لم يحملوا على {نجينا} بل استأنفوا الْكَلَام وحجتهم أَنه عطف عَلَيْهِ مثله وَهُوَ قَوْله {فهم يُوزعُونَ} {وَقَالَ الَّذين كفرُوا رَبنَا أرنا الَّذين أضلانا من الْجِنّ وَالْإِنْس} قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَابْن عَامر وَأَبُو بكر {أرنا} سَاكِنة الرَّاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أرنا} بِكَسْر الرَّاء كَانَ الأَصْل أرئئنا على وزن أكرمنا ثمَّ حذفوا الْيَاء للْوَقْف فَصَارَ أرئنا ثمَّ تركت الْهمزَة كَمَا تركت فِي ترى ونرى وَتركت الرَّاء سَاكِنة على مَا كَانَت فِي الأَصْل وَمن كسر الرَّاء نقل حَرَكَة الْهمزَة إِلَى الرَّاء فَصَارَ {أرنا} قَرَأَ ابْن كثير / أرنا اللَّذين / بتَشْديد النُّون وَالْأَصْل اللذيين فحذفت الْيَاء وَجعل التَّشْدِيد عوضا من الْيَاء المحذوفة الَّتِي كَانَت فِي اللَّذين وقرا الْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ وَلم يعوضوا من الْيَاء شَيْئا وَقد ذكرت فِي سُورَة النِّسَاء {إِن الَّذين يلحدون فِي آيَاتنَا لَا يخفون علينا} 40 قَرَأَ حَمْزَة {إِن الَّذين يلحدون} بِفَتْح الْيَاء من لحد يلْحد

{ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي}

إِذا مَال أَي يجْعَلُونَ الْكَلَام على غير جِهَته وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يلحدون} بِضَم الْيَاء من ألحد يلْحد إلحادا وحجتهم قَوْله {وَمن يرد فِيهِ بإلحاد بظُلْم} وَهُوَ مصدر من ألحد {وَلَو جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أعجميا لقالوا لَوْلَا فصلت آيَاته أأعجمي وعربي} 44 قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَأَبُو بكر {أأعجمي} بهمزتين الأولى ألف الِاسْتِفْهَام على وَجه الْإِنْكَار مِنْهُم وَالثَّانيَِة ألف الْقطع قَرَأَ القواس {أعجمي} بِهَمْزَة وَاحِدَة على وَجه الْخَبَر لَا على معنى الِاسْتِفْهَام أَي هلا بيّنت آيَاته فَجعل بعضه بَيَانا للْعَرَب وَبَعضه بَيَانا للعجم وَقَرَأَ الْبَاقُونَ آعجمي بِهَمْزَة وَاحِدَة وَمد كَأَنَّهُمْ كَرهُوا الْجمع بَين همزتين فلينوا الثَّانِيَة وَقد ذكرت الْحجَّة وَالْمعْنَى وَلَو جعلنَا قُرْآنًا أعجميا لقالوا {لَوْلَا فصلت آيَاته} أَي هلا بيّنت آيَاته / آعجمي وعربي / أَي قُرْآن أعجمي وَنَبِي عَرَبِيّ {وَمَا تخرج من ثَمَرَات من أكمامها وَمَا تحمل من أُنْثَى وَلَا تضع إِلَّا بِعِلْمِهِ} قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَحَفْص {من ثَمَرَات من أكمامها} بِالْألف على الْجمع وحجتهم أَنَّهَا مَكْتُوبَة فِي الْمَصَاحِف بِالتَّاءِ وَأُخْرَى وَهِي

{وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه}

أَنه لَيْسَ يُرَاد ثَمَرَة دون ثَمَرَة وَإِنَّمَا يُرَاد جمع الثمرات وَيُقَوِّي الْجمع قَوْله {فأخرجنا بِهِ ثَمَرَات مُخْتَلفا ألوانها} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / من ثَمَرَة من أكمامها / على وَاحِدَة لِأَن الثَّمَرَة تُؤدِّي عَن الثِّمَار لِأَنَّهَا الْجِنْس وحجتهم قَوْله {وَمَا تحمل من أُنْثَى} قَالُوا كَمَا أفرد أُنْثَى كَذَلِك يَنْبَغِي أَن يكون {من ثَمَرَة} مُفْردَة وَيكون المُرَاد أَجنَاس الثِّمَار وَكَذَلِكَ {وَمَا تحمل من أُنْثَى} لَيْسَ بِوَاحِدَة إِنَّمَا هُوَ أَجنَاس الْإِنَاث وَيُقَوِّي الْإِفْرَاد أَيْضا قَوْله {من أكمامها} قَالَ أَبُو عَمْرو وَلَو كَانَت {من ثَمَرَات} لكَانَتْ من أكمامهن {وَإِذا أنعمنا على الْإِنْسَان أعرض ونأى بجانبه} 51 قَرَأَ ابْن عَامر / وناء / على وزن فاع قَالُوا هَذَا من بَاب الْقلب ووزنه فلع وَمثل هَذَا فِي الْقلب قَوْلهم رأى وَرَاء وَقَالَ قوم هُوَ من ناء ينوء أَي نَهَضَ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {مَا إِن مفاتحه لتنوء} أَي تنهض وَالْأَصْل نوأ فَانْقَلَبت الْوَاو ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا ومددت تمكينا للهمزة وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {ونأى} بِكَسْر النُّون والهمزة فكسرا الْهمزَة ولمجيء الْيَاء حِين أمالوا الْيَاء ثمَّ كسروا النُّون لكسرة الْهمزَة قَرَأَ خَلاد عَن حَمْزَة ونصير / ونئي / بِفَتْح النُّون وَكسر الْهمزَة

- سورة حم عسق الشورى

وَإِنَّمَا كسروا الْهمزَة لمجيء الْيَاء وَتركُوا النُّون على حَالهَا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ ونأى بِفَتْح النُّون والهمزة على وزن ونعا قَالُوا لِأَن الْيَاء انقلبت ألفا فَلَا أصل لَهَا فِي الإمالة 42 - سُورَة حم عسق الشورى {كَذَلِك يوحي إِلَيْك وَإِلَى الَّذين من قبلك الله الْعَزِيز الْحَكِيم} قَرَأَ ابْن كثير {كَذَلِك يوحي إِلَيْك} بِفَتْح الْحَاء على مَا لم يسم فَاعله وَقَرَأَ الْبَاقُونَ يوحي بِكَسْر الْحَاء من قَالَ {يُوحى} بِالْفَتْح بني الْفِعْل للْمَفْعُول بِهِ احْتمل أَمريْن جَاءَ فِي التَّفْسِير أَن حم عسق قد أوحيت لى كل نَبِي قبل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعلى هَذَا يجوز أَن يكون {يُوحى} إِلَيْك السُّورَة كَمَا أُوحِي إِلَى الَّذين من قبلك وَيجوز أَن يكون الْجَار وَالْمَجْرُور يقومان مقَام الْفَاعِل وَقَوله {الله الْعَزِيز الْحَكِيم} مُبين للْفَاعِل كَقَوْلِه {يسبح لَهُ فِيهَا} ثمَّ قَالَ {رجال} كَأَنَّهُ قيل من يسبح لَهُ فَقيل يسبح لَهُ رجال فَأَما من قَرَأَ {يُوحى} بِكَسْر الْحَاء فَإِن اسْم الله يرْتَفع بِفِعْلِهِ وَهُوَ {يُوحى} وَمَا بعده يرْتَفع بِالْوَصْفِ وحجتهم فِي بِنَاء الْفِعْل للْفَاعِل

{تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن}

قَوْله {إِنَّا أَوْحَينَا إِلَيْك} {تكَاد السَّمَاوَات يتفطرن من فوقهن} قَرَأَ نَافِع وَالْكسَائِيّ / يكَاد السَّمَوَات / بِالْيَاءِ لِأَن السَّمَاوَات جمع قَلِيل وَالْعرب تذكر فعل الْمُؤَنَّث إِذا كَانَ قَلِيلا كَقَوْلِه {فَإِذا انْسَلَخَ الْأَشْهر الْحرم} وَلم يقل انسلخت {وَقَالَ نسْوَة} وَلم يقل وَقَالَت قَالَ ثَعْلَب لِأَن الْجمع الْقَلِيل قبل الْكثير والمذكر قبل الْمُؤَنَّث فَجعل الأول على الأول وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {تكَاد} بالتأنيث لتأنيث {السَّمَاوَات} وَالْفِعْل مُتَّصِل بِالِاسْمِ قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَأَبُو بكر / ينفطرن / بالنُّون أَي ينشققن وحجتهما قَوْله {السَّمَاء منفطر بِهِ} وَلم يقل متفطر وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يتفطرن} بِالتَّاءِ أَي يتشققن وَالْأَمر فِي التَّاء وَالنُّون يرجع إِلَى معنى وَاحِد إِلَّا أَن التَّاء للتكثير وَذَلِكَ أَن / ينفطرن / من فطرت فانفطرت مثل كسرت فَانْكَسَرت ويتفطرن من قَوْلك فطرت فتفطرت مثل كسرت فتكسرت فَهَذَا لَا يكون إِلَّا للتكثير {ذَلِك الَّذِي يبشر الله عباده الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات} 23 قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {ذَلِك الَّذِي يبشر الله}

{وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون}

بِالتَّخْفِيفِ أَي يبشر الله وُجُوههم أَي ينور الله وُجُوههم وَحجَّة أبي عَمْرو فِي تفريقه بَين الَّتِي فِي عسق وَبَين غَيرهَا ذكرهَا اليزيدي فَقَالَ لما لم يكن بعْدهَا بِكَذَا وَكَذَا كَانَت بِمَعْنى ينضر الله وُجُوههم فترى النضرة فِيهَا وَقَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَعَاصِم {يبشر الله} بِالتَّشْدِيدِ قَالُوا إِذا كَانَ من الْبُشْرَى فَلَيْسَ إِلَّا {يبشر} بِالتَّشْدِيدِ {وَهُوَ الَّذِي يقبل التَّوْبَة عَن عباده وَيَعْفُو عَن السَّيِّئَات وَيعلم مَا تَفْعَلُونَ} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {وَيعلم مَا تَفْعَلُونَ} بِالتَّاءِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ وحجتهم أَنه أخبر عَن عباده الْمَذْكُورين فِي سِيَاق الْكَلَام فَكَأَنَّهُ قَالَ وَهُوَ الَّذِي يقبل التَّوْبَة عَن عباده وَيَعْفُو عَن السَّيِّئَات وَيعلم مَا يفعل عباده وَحجَّة البَاقِينَ أَن الْخطاب يدْخل فِيهِ الْغَائِب والحاضر {وَهُوَ الَّذِي ينزل الْغَيْث من بعد مَا قَنطُوا وينشر رَحمته وَهُوَ الْوَلِيّ الحميد} 28 قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَعَاصِم {وَهُوَ الَّذِي ينزل الْغَيْث} بِالتَّشْدِيدِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ وهما لُغَتَانِ مثل نبأته وأنبأته وعظمته وأعظمته وَإِنَّمَا خص حَمْزَة وَالْكسَائِيّ الحرفين هَا هُنَا وَفِي لُقْمَان

{وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم}

لِأَن ينزل فيهمَا من إِنْزَال الْغَيْث وَقد قَالَ الله تَعَالَى {وأنزلنا من السَّمَاء مَاء} {وَمَا أَصَابَكُم من مُصِيبَة فبمَا كسبت أَيْدِيكُم} قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر / وَمَا أَصَابَكُم من مُصِيبَة بِمَا كسبت / بِغَيْر فَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فبمَا كسبت أَيْدِيكُم} بِالْفَاءِ وَهُوَ فِي الْعَرَبيَّة أَجود لِأَن الْفَاء مجازاة جَوَاب الشَّرْط الْمَعْنى مَا يُصِيبكُم من مُصِيبَة فبمَا كسبت أَيْدِيكُم وَمثله قَوْله {مَا أَصَابَك من حَسَنَة فَمن الله وَمَا أَصَابَك من سَيِّئَة فَمن نَفسك} فَأَما من قَرَأَ / بِمَا كسبت أَيْدِيكُم / على أَن مَا فِي معنى الَّذِي وَالْمعْنَى وَالَّذِي أَصَابَكُم وَقع بِمَا كسبت أَيْدِيكُم {وَمن آيَاته الْجوَار فِي الْبَحْر كالأعلام} 32 قَرَأَ ابْن كثير / وَمن آيَاته الْجَوَارِي / بِالْيَاءِ فِي الْوَصْل وَالْوَقْف على الأَصْل وَاحِدهَا جَارِيَة فلام الْفِعْل يَاء وَقَرَأَ نَافِع وَأَبُو عَمْرو بِإِثْبَات الْيَاء فِي الْوَصْل وحذفها فِي الْوَقْف وَإِنَّمَا قَرَأَ كَذَلِك ليكونا متبعين للْكتاب وللأصل وَقَرَأَ أهل الشَّام الْكُوفَة بِحَذْف الْيَاء فِي الْوَصْل وَالْوَقْف لِأَن مرسوم الْمَصَاحِف بِغَيْر يَاء فاتبعوا الْمَصَاحِف

{ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص}

{وَيعلم الَّذين يجادلون فِي آيَاتنَا مَا لَهُم من محيص} 35 قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر {وَيعلم الَّذين يجادلون فِي آيَاتنَا} بِالرَّفْع على الِاسْتِئْنَاف لِأَن الشَّرْط وَالْجَزَاء قد تمّ فَجَاز الِابْتِدَاء بِمَا بعده وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَيعلم الَّذين} بِالنّصب على إِضْمَار أَن لِأَن قبلهَا جَزَاء تَقول مَا تصنع أصنع مثله وأكرمك على إِضْمَار أَن أكرمك وَإِن شِئْت قلت أكرمك على تَقْدِير أَنا أكرمك على الِاسْتِئْنَاف وَإِن شِئْت قلت وأكرمك {وَالَّذين يجتنبون كَبَائِر الْإِثْم وَالْفَوَاحِش} 37 قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / كَبِير الْإِثْم / على الْوَاحِد وَفِي النَّجْم مثله وحجتهما مَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ عَنى بذلك الشّرك بِاللَّه وَيجوز أَن تَقول بِالتَّوْحِيدِ لِأَن التَّوْحِيد يُؤَدِّي عَن معنى الْجمع فَيكون الْمَعْنى كَبِير كل إِثْم وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {كَبَائِر الْإِثْم} على الْجمع وحجتهم مَا فِي الْآيَة وَهُوَ قَوْله {وَالْفَوَاحِش} قَالُوا وَلَو كَانَ كَبِير الْإِثْم لَكَانَ وَالْفُحْش وَيُقَوِّي الْجمع أَيْضا إِجْمَاع الْجَمِيع على قَوْله {إِن تجتنبوا كَبَائِر مَا تنهون عَنهُ} {وَمَا كَانَ لبشر أَن يكلمهُ الله إِلَّا وَحيا أَو من وَرَاء حجاب أَو يُرْسل رَسُولا فَيُوحِي بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء}

- سورة الزخرف

قَرَأَ نَافِع {أَو يُرْسل} بِالرَّفْع {فَيُوحِي} سَاكِنة الْيَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أَو يُرْسل} بِفَتْح اللَّام {فَيُوحِي} بِالْفَتْح قَالَ سِيبَوَيْهٍ سَأَلت الْخَلِيل عَن قَوْله {أَو يُرْسل رَسُولا} بِالنّصب فَقَالَ {يُرْسل} مَحْمُول على أَن سوى هَذِه الَّتِي فِي قَوْله {أَن يكلمهُ الله} قَالَ لِأَن ذَلِك غير وَجه الْكَلَام لِأَنَّهُ يصير الْمَعْنى مَا كَانَ لبشر أَن يُرْسل الله رَسُولا وَذَلِكَ غير جَائِز وَإِنَّمَا {يُرْسل} مَحْمُول على معنى وَحي الْمَعْنى مَا كَانَ لبشر أَن يكلمهُ الله إِلَّا بِأَن يوحي أَو يُرْسل وَيجوز الرّفْع فِي {يُرْسل} على معنى الْحَال وَيكون الْمَعْنى مَا كَانَ لبشر أَن يكلمهُ الله إِلَّا موحيا أَو مُرْسلا وَيجوز أَن يرفع أَو يُرْسل على هُوَ يُرْسل وَهَذَا قَول الْخَلِيل وسيبويه 43 - سُورَة الزخرف {أفنضرب عَنْكُم الذّكر صفحا أَن كُنْتُم قوما مسرفين} قَرَأَ نَافِع وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {أَن كُنْتُم قوما مسرفين} بِكَسْر الْألف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْفَتْح الْمَعْنى أفنضرب عَنْكُم الذّكر أَن كُنْتُم فكأنهم ذَهَبُوا إِلَى أَنه فعل قد مضى كَقَوْل الْقَائِل أحبك أَن جئتني بِمَعْنى أحبك إِذْ كنت قد جئتني فَأَما {صفحا} فانتصابه من بَاب {صنع الله} لِأَن قَوْله {أفنضرب عَنْكُم الذّكر}

{الذي جعل لكم الأرض مهدا}

يدل على أَنا نصفح عَنْكُم صفحا وَكَأن قَوْلهم صفحت عَنهُ أَي أَعرَضت عَنهُ وَالْأَصْل فِي ذَلِك أَنَّك توليه صفحة عُنُقك الْمَعْنى أفنضرب عَنْكُم ذكر الانتقام مِنْكُم والعقوبة لكم لِأَن كُنْتُم قوما مسرفين وَهَذَا يقرب من قَوْله {أيحسب الْإِنْسَان أَن يتْرك سدى} قَالَ الزّجاج أفنضرب عَنْكُم ذكر الْعَذَاب والعقوبة لِأَن كُنْتُم قوما مسرفين وَقيل الذّكر هَا هُنَا الْعَذَاب وَمن كسرهَا فعلى معنى الِاسْتِقْبَال على معنى إِن تَكُونُوا مسرفين نضرب عَنْكُم الذّكر المُرَاد وَالله أعلم من الْكَلَام اسْتِقْبَال فعلهم فَأَرَادَ جلّ وَعز تعريفهم أَنهم غير متروكين من الْإِنْذَار والإعذار إِلَيْهِم قَالَ الْفراء وَمثله {شنآن قوم أَن صدوكم} و {أَن صدوكم} {الَّذِي جعل لكم الأَرْض مهدا} قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {مهدا} بِغَيْر ألف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ مهادا وحجتهم قَوْله ألم نجْعَل الأَرْض {مهادا} وَقد ذكرت الْحجَّة فِي سُورَة طه {فأنشرنا بِهِ بَلْدَة مَيتا كَذَلِك تخرجُونَ} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَابْن عَامر {كَذَلِك تخرجُونَ} بِفَتْح التَّاء وحجتهم إِجْمَاع الْجَمِيع على فتح التَّاء فِي قَوْله {من الأَرْض إِذا أَنْتُم تخرجُونَ}

{أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين}

قَالُوا فَكَانَ رد مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ أولى وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {تخرجُونَ} على مَا لم يسم فَاعله يَقُول تبعثون من الْقُبُور وحجتهم قَوْله {ثمَّ إِنَّكُم يَوْم الْقِيَامَة تبعثون} وَقَوله {وَمِنْهَا نخرجكم} {أَو من ينشأ فِي الْحِلْية وَهُوَ فِي الْخِصَام غير مُبين} 18 قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {أَو من ينشأ فِي الْحِلْية} بِالتَّشْدِيدِ على مَا لم يسم فَاعله وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {ينشأ} بِفَتْح الْيَاء وَالتَّخْفِيف من قَرَأَ بِالتَّشْدِيدِ جعله فِي مَوضِع مفعول لِأَن الله تَعَالَى قَالَ {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إنْشَاء} وأنشأت ونشأت بِمَعْنى ربيت تَقول نَشأ فلَان ونشأه غَيره تَقول الْعَرَب نَشأ فلَان وَلَده فِي النَّعيم أَي نبته فِيهِ فَقَوله {أَو من ينشأ} أَي يُربي وَالْأَكْثَر من الْأَفْعَال الَّتِي لَا تتعدى إِذا أُرِيد تعديها أَن ينْقل بِالْهَمْزَةِ وبتضعيف الْعين تَقول فَرح فلَان وفرحته وأفرحته تَقول نشأت السحابة وأنشاها الله

{وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون}

وَمن قَرَأَ بِالتَّخْفِيفِ فَإِنَّهُ جعل الْفِعْل لَهُم لِأَن الله أنشأهم فنشؤوا والقرأتان تداخلان كَقَوْلِه {يدْخلُونَ} و {يدْخلُونَ} لِأَنَّهُ إِذا أنشئ فِي الْحِلْية نَشأ فِيهَا وَمَعْلُوم أَنه لَا ينشأ فِيهَا حَتَّى ينشأ {وَجعلُوا الْمَلَائِكَة الَّذين هم عباد الرَّحْمَن إِنَاثًا أشهدوا خلقهمْ ستكتب شَهَادَتهم ويسألون} 19 قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَابْن كثير / وَجعلُوا الْمَلَائِكَة الَّذين هم عِنْد الرَّحْمَن / بالنُّون وحجتهم قَوْله {إِن الَّذين عِنْد رَبك لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَن عِبَادَته} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {عباد الرَّحْمَن} جمع عبد وحجتهم قَوْله {بل عباد مكرمون} فقد جَاءَ التَّنْزِيل بالأمرين جَمِيعًا وَفِي قَوْله {عِنْد الرَّحْمَن} دلَالَة على رفع الْمنزلَة والتقريب كَمَا قَالَ {وَلَا الْمَلَائِكَة المقربون} وَلَيْسَ من قرب الْمسَافَة وَفِي قَوْله عباد الرَّحْمَن دلَالَة على تكذيبهم فِي أَنهم إناث كَمَا قَالَ {أم خلقنَا الْمَلَائِكَة إِنَاثًا وهم شاهدون} قَرَأَ نَافِع / ءأشهدوا / بِضَم الْألف المسهلة مَعَ فَتْحة الْهمزَة أَي أحضروا خلقهمْ كَمَا تَقول أشهدتك مَكَان كَذَا وَكَذَا أَي

{قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم}

أحضرتك وحجته قَوْله {مَا أشهدتهم خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض} وَالْأَصْل أأشهدوا بهمزتين الأولى همزَة الِاسْتِفْهَام بِمَعْنى الْإِنْكَار وَالثَّانيَِة همزَة التَّعْدِيَة ثمَّ خففت الْهمزَة الثَّانِيَة من غير أَن تدخل بَينهمَا ألفا وروى الْمسَيبِي عَن نَافِع / ءاأشهدوا / بِالْمدِّ أَدخل بَينهمَا ألفا وروى الْحلْوانِي عَن نَافِع أشهدوا على مَا لم يسم فَاعله قَالَ الْفراء أشهدوا بِغَيْر الْهَمْز يُرِيد الِاسْتِفْهَام والهمز وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {اشْهَدُوا} بِفَتْح الْألف والشين جعلُوا الْفِعْل لَهُم أَي أحضروا خلقهمْ حِين خلقُوا وحجتهم قَوْله {أم خلقنَا الْمَلَائِكَة إِنَاثًا وهم شاهدون} {قَالَ أولو جِئتُكُمْ بأهدى مِمَّا وجدْتُم عَلَيْهِ آبَاءَكُم} 24 قَرَأَ ابْن عَامر وَحَفْص {قَالَ أولو جِئتُكُمْ} على الْخَبَر وفاعل قَالَ النذير الْمَعْنى {وَكَذَلِكَ مَا أرسلنَا من قبلك فِي قَرْيَة من نَذِير إِلَّا قَالَ مترفوها إِنَّا وجدنَا آبَاءَنَا على أمة} فَقَالَ لَهُم النذير {أولو جِئتُكُمْ بأهدى مِمَّا وجدْتُم عَلَيْهِ آبَاءَكُم}

{لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكؤون وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا}

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {قل} بِالْأَمر أَي قل يَا مُحَمَّد {لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضَّة ومعارج عَلَيْهَا يظهرون ولبيوتهم أبوابا وسررا عَلَيْهَا يتكؤون وزخرفا وَإِن كل ذَلِك لما مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا} 33 35 قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {لبيوتهم} سقفا بِفَتْح السي وَسُكُون الْقَاف على التَّوْحِيد وَقَرَأَ الْبَاقُونَ سقفا بِضَم السِّين وَالْقَاف على الْجمع تَقول سقف وسقف مثل رهن وَرهن قَالَ الْفراء إِن شِئْت جعلته جمعا لسقيف يُقَال سقيف وسقف مثل رغيف ورغف وحجتهم قَوْله ولبيوتهم أبوابا وسررا وَلم يقل بَابا وسريرا فَدلَّ على أَن آخر الْكَلَام منظوم على لفظ أَوله وَمن قَرَأَ سقفا فَهُوَ وَاحِد يدل على أَن الْمَعْنى جعلنَا لبيت كل وَاحِد مِنْهُم سقفا من فضَّة وَيجوز أَن يوحد السّقف لتوحيد لفظ من فَيكون الْمَعْنى جعلنَا لكل من يكفر بالرحمن سقفا من فضَّة قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة {وَإِن كل ذَلِك لما} بِالتَّشْدِيدِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ فَمن شدد كَانَت {إِن} بِمَعْنى مَا النافية كَالَّتِي فِي قَوْله {إِن الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غرور}

{حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين}

و {لما} بِمَعْنى إِلَّا الْمَعْنى مَا كل ذَلِك إِلَّا مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا وَمن خفف جعل مَا صلَة الْمَعْنى وَإِن كل ذَلِك لمتاع الْحَيَاة الدُّنْيَا وَإِن الْخَفِيفَة هِيَ الثَّقِيلَة وَلم تعْمل إِن عمل الْفِعْل لما خففتها لزوَال شبهها بِالْفِعْلِ من أجل التَّخْفِيف وَلَو نصبت بهَا لجاد فِي الْقيَاس {حَتَّى إِذا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْت بيني وَبَيْنك بعد المشرقين فبئس القرين} قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَابْن عَامر وَأَبُو بكر / حَتَّى إِذا جاءانا / على اثْنَيْنِ يَعْنِي الْكَافِر وقرينه من الشَّيَاطِين وحجتهم قَوْله {يَا لَيْت بيني وَبَيْنك بعد المشرقين} يَعْنِي بعد مشرق الصَّيف ومشرق الشتَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {جَاءَنَا} وَاحِدًا وَحده أفرد بِالْخِطَابِ فِي الدُّنْيَا وأقيمت عَلَيْهِ الْحجَّة بإنفاذ الرَّسُول إِلَيْهِ فاجتزئ بِالْوَاحِدِ عَن الِاثْنَيْنِ كَمَا قَالَ {لينبذن فِي الحطمة} وَالْمرَاد لينبذن هُوَ وَمَاله وحجتهم قَوْله قبلهَا {وَمن يَعش عَن ذكر الرَّحْمَن} {وَقَالُوا يَا أَيهَا السَّاحر} 49 قَرَأَ ابْن عَامر / يَا أيه السَّاحر / بِضَم الْهَاء اتبَاعا للمصحف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يَا أَيهَا} بِفَتْح الْهَاء وَقد ذكرت فِي سُورَة النُّور

{فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب}

{فلولا ألقِي عَلَيْهِ أسورة من ذهب} قَرَأَ حَفْص {أسورة من ذهب} بِغَيْر ألف جمع سوار وأسورة كَمَا تَقول سقاء وأسقية ورداء وأردية وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / أساورة / جمع إسوار كَذَا قَالَ أَبُو زيد وَقَالَ الزّجاج وَيصْلح أَن يكون جمع الْجمع نقُول أسورة وأساورة كَمَا تَقول أَقْوَال وأقاويل {فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين} 56 قَرَأَ حَمْزَة الْكسَائي {فجعلناهم سلفا} بِضَم السِّين وَاللَّام جمع سلف مثل أَسد وَأسد ووثن ووثن وَمِمَّا لحقته تَاء التَّأْنِيث من هَذَا خَشَبَة وخشب وبدنة وبدن وَجَاز أَيْضا أَن تَجْعَلهُ جمعا لسليف والسليف الْمُتَقَدّم قَالَ الْكسَائي سلفا جمع السليف مثل السَّبِيل والسبل والتبيل والتبل وَالْعرب تَقول مضى منا سلف وسالف وسليف وَهُوَ الْمُتَقَدّم عَن طَلْحَة بن مصرف أَنه قَالَ

{إذا قومك منه يصدون وقالوا أآلهتنا خير أم هو} 57 و

السّلف بِالْفَتْح فِي الْخَيْر وَالسَّلَف بِالضَّمِّ فِي الشَّرّ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {سلفا} بِفَتْح السِّين وَاللَّام بِلَفْظ الْوَاحِد وَالْمعْنَى جمَاعَة كَمَا يُقَال هم لنا سلف وَكَذَلِكَ يُقَال فِي الْأُنْثَى وَالذكر وَالْوَاحد وَالْجمع والقراءتان متقاربتان فِي الْمَعْنى وَذَلِكَ أَن السّلف جمع سالف وَالسَّلَف جمع سليف بِمَنْزِلَة عليم وعالم وَالْعرب تَقول هَؤُلَاءِ سلفنا وهم السّلف وحجتهم قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ للصَّبِيّ الْمَيِّت اللَّهُمَّ ألحقهُ بالسلف الصَّالح وَمِنْه قَول النَّاس فلَان يحب السّلف ويشتم السّلف وَيجوز أَن يكون جمعا مثل خَادِم وخدم وتابع وَتبع وسالف وَسلف وَالْمعْنَى جعلناهم سلفا متقدمين ليتعظ بهم الْآخرُونَ {إِذا قَوْمك مِنْهُ يصدون وَقَالُوا أآلهتنا خير أم هُوَ} 57 و 58 قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَالْكسَائِيّ {إِذا قَوْمك مِنْهُ يصدون} بِضَم الصَّاد وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يصدون} بِالْكَسْرِ أَي يضجون كَذَا قَالَ ابْن عَبَّاس وَاحْتج بعض النَّاس بِصِحَّة الْكسر وَأَنه بِمَعْنى الضجيج بِصُحْبَة مِنْهُ للْفِعْل قَالَ وَلَو كَانَ بِمَعْنى الصدود كَانَ الْأَفْصَح أَن يصحب الْفِعْل عَنهُ لَا مِنْهُ لِأَن المتسعمل من الْكَلَام صد عَنهُ لَا صد مِنْهُ فَلَمَّا كَانَ الْكَلَام {مِنْهُ يصدون} دلّ على أَنه عَن الصدود بمعزل وَأَنه بِمَعْنى الضجيج وَلَو كَانَ من الصدود لكَانَتْ إِذا قَوْمك عَنهُ يصدون أَو مِنْهُ يصدون عَنْك وَحجَّة من يضم ذكرهَا الْكسَائي قَالَ هما لُغَتَانِ لَا تختلفان فِي الْمَعْنى وَالْعرب 2 تَقول يصد عني ويصد عني مثل يشد ويشد

{يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون}

قَالَ الزّجاج معنى المضمومة يعرضون وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة مجازها يعدلُونَ قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَابْن عَامر / وَقَالُوا آلِهَتنَا / بِهَمْزَة وَاحِدَة مُطَوَّلَة هَا هُنَا ثَلَاث ألفات الأولى ألف التوبيخ فِي لفظ الِاسْتِفْهَام وَالثَّانيَِة ألف الْجمع وَالثَّالِث أَصْلِيَّة وَالْأَصْل أَله ثمَّ يجمع فَيُقَال آلِهَة مثل حمَار وأحمرة وَالْأَصْل أألهة فَصَارَت الْهمزَة الثَّانِيَة مُدَّة ثمَّ دخلت ألف الِاسْتِفْهَام فَصَارَ آلِهَتنَا وَقَرَأَ أهل الْكُوفَة أآلهتنا بهمزتين {يَا عباد لَا خوف عَلَيْكُم الْيَوْم وَلَا أَنْتُم تَحْزَنُونَ} قَرَأَ أهل الْمَدِينَة وَالشَّام {يَا عبَادي} بِالْيَاءِ فِي الْحَالين وَأَبُو عَمْرو مَعَهُمَا فِي رِوَايَة ابْن اليزيدي عَن أَبِيه عَنهُ وَفِي رِوَايَة أبي عمر الدوري

{وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين}

مَعَهُمَا فِي حَال الْوَصْل دون لوقف وَفتح الْيَاء أَبُو بكر وحذفها أهل مَكَّة والكوفة الأَصْل أَن تَقول {يَا عبَادي} بِفَتْح الْيَاء وَإِنَّمَا قُلْنَا لِأَن الْيَاء هُوَ اسْم وَالِاسْم إِذا كَانَ على حرف وَاحِد فأصله الْحَرَكَة فَتَقول ضربتك وَيجوز أَن تَقول قويت الْحَرْف الْوَاحِد بالحركة وَالَّذِي يَلِي هَذَا يَا عبَادي بِسُكُون الْيَاء وَإِنَّمَا حذفت الْحَرَكَة للتَّخْفِيف ثمَّ يَلِي هَذَا يَا عباد بِغَيْر يَاء لِأَن الكسرة تنوب عَن الْيَاء لِأَنَّهُ نِدَاء {وفيهَا مَا تشتهيه الْأَنْفس وتلذ الْأَعْين} قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَحَفْص {وفيهَا مَا تشتهيه} بِإِثْبَات الْهَاء بعد الْيَاء مَا بِمَعْنى الَّذِي وَهُوَ رفع بِالِابْتِدَاءِ وتشتهي صلَة مَا وَالْهَاء عَائِدَة إِلَى مَا وَهُوَ مفعول تشْتَهي وحجتهم قَوْله تَعَالَى {كَمَا يقوم الَّذِي يتخبطه الشَّيْطَان من الْمس} وَلم يقل يتخبط وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِحَذْف الْهَاء على الِاخْتِصَار وَالْأَصْل فِي هَذَا إِثْبَات الْهَاء والحذف للتَّخْفِيف وَهُوَ حسن كَمَا تَقول الَّذِي ضربت زيد وَكَانَ الأَصْل الَّذِي ضَربته زيد فَإِن شِئْت أثبت الْهَاء وَهُوَ الأَصْل لِأَن الْهَاء هُوَ اسْم الْمَفْعُول وَإِن شِئْت حذفت ذَلِك وحجتهم قَوْله {أَهَذا الَّذِي بعث الله رَسُولا} وَلم يقل بَعثه الله {قل إِن كَانَ للرحمن ولد فَأَنا أول العابدين} 81

{وعنده علم الساعة وإليه ترجعون}

قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {قل إِن كَانَ للرحمن ولد} بِضَم الْوَاو وَسُكُون اللَّام وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْح الْوَاو وهما لُغَتَانِ مثل الْبُخْل وَالْبخل والحزن والحزن كَذَا قَالَ الْفراء وَقَالَ الزّجاج الْوَلَد وَاحِد وَالْولد بِالضَّمِّ جمع مثل أَسد واسد {وَعِنْده علم السَّاعَة وَإِلَيْهِ ترجعون} قَرَأَ ابْن كثير وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وَإِلَيْهِ يرجعُونَ} بِالْيَاءِ وحجتهم أَنه عقيب الْخَبَر عَنْهُم فِي قَوْله {فذرهم يخوضوا ويلعبوا} فأجروا الْكَلَام على لفظ مَا تقدمه إِذْ كَانَ فِي سِيَاقه ليأتلف على نظام وَاحِد وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَإِلَيْهِ ترجعون} بِالتَّاءِ على الْخطاب وحجتهم قَوْله قبلهَا {لقد جئناكم بِالْحَقِّ} {وقيله يَا رب إِن هَؤُلَاءِ قوم لَا يُؤمنُونَ} قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة {وقيله يَا رب} بِكَسْر اللَّام على معنى {وَعِنْده علم السَّاعَة} وَعلم قيله وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالنّصب قَالَ الْأَخْفَش مَنْصُوب من وَجْهَيْن أَحدهمَا على الْعَطف على قَوْله {أم يحسبون أَنا لَا نسْمع سرهم} وقيله أَي ونسمع قيله وعَلى قَوْله وَقَالَ قيله قَالَ الزّجاج الَّذِي اخْتَارَهُ أَنا أَن يكون نصبا على معنى {وَعِنْده علم السَّاعَة}

{فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون}

وَيعلم قيله فَيكون الْمَعْنى أَنه يعلم الْغَيْب وَيعلم قيله {فاصفح عَنْهُم وَقل سَلام فَسَوف يعلمُونَ} 89 قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر {فَسَوف تعلمُونَ} بِالتَّاءِ على الْخطاب وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ إِخْبَارًا عَن غائبين وحجتهم قَوْله {فاصفح عَنْهُم} 44 - سُورَة الدُّخان {رَحْمَة من رَبك إِنَّه هُوَ السَّمِيع الْعَلِيم رب السَّمَاوَات وَالْأَرْض} 6 و 7 قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {رب السَّمَاوَات} بالخفص على الصّفة على قَوْله رَحْمَة من رَبك رب السَّمَاوَات وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {رب} بِالرَّفْع على النَّعْت لقَوْله {إِنَّه هُوَ السَّمِيع الْعَلِيم رب السَّمَاوَات} وَإِن شِئْت على الِاسْتِئْنَاف وعَلى معنى هُوَ رب السَّمَوَات وَيجوز أَن يكون مُبْتَدأ وَخَبره الْجُمْلَة الَّتِي عَاد الذّكر مِنْهَا إِلَيْهِ وَهُوَ قَوْله {لَا إِلَه إِلَّا هُوَ} ويقويه قَوْله {رب الْمشرق وَالْمغْرب لَا إِلَه إِلَّا هُوَ}

{إن شجرة الزقوم طعام الأثيم كالمهل يغلي في البطون}

{إِن شَجَرَة الزقوم طَعَام الأثيم كَالْمهْلِ يغلي فِي الْبُطُون} 43 45 قَرَأَ ابْن كثير وَحَفْص {يغلي فِي الْبُطُون} بِالْيَاءِ رد على الْمهل وَال {طَعَام} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / تغلي / بِالتَّاءِ رد على ال {شَجَرَة} وَمثله {أَمَنَة نعاسا يغشى طَائِفَة} و / تغشى / فالتذكير للنعاس والتأنيث للأمنة {ذُقْ إِنَّك أَنْت الْعَزِيز الْكَرِيم} {إِن الْمُتَّقِينَ فِي مقَام أَمِين} 49 و 51 قَرَأَ الْكسَائي {ذُقْ إِنَّك} بِالْفَتْح بِمَعْنى ذُقْ لِأَنَّك أَنْت الْعَزِيز الْكَرِيم عِنْد نَفسك فِي دعواك فَأَما عندنَا فلست عَزِيزًا وَلَا كَرِيمًا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {إِنَّك} بِالْكَسْرِ على الِابْتِدَاء على جِهَة الْحِكَايَة وَذَلِكَ أَن أَبَا جهل كَانَ يَقُول مَا بالوادي أعز مني وَلَا أكْرم فَالْمَعْنى إِنَّك أَنْت الْعَزِيز الْكَرِيم فِي زعمك وَفِيمَا تَقوله وَمثل هَذَا قَوْله تَعَالَى {أَيْن شركائي} فَلَيْسَ لله شريك وَلَكِن على زعمكم قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر {إِن الْمُتَّقِينَ فِي مقَام أَمِين} بِضَم الْمِيم أَي فِي إِقَامَة وَهِي مصدر أَقَامَ يُقيم إِقَامَة ومقاما وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فِي مقَام} بِالْفَتْح أَي فِي مَكَان ومنزل وَصفه بالأمن يُقَوي أَنه يُرَاد بِهِ الْمَكَان

- سورة الجاثية

45 - سُورَة الجاثية {إِن فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض لآيَات للْمُؤْمِنين وَفِي خَلقكُم وَمَا يبث من دَابَّة آيَات لقوم يوقنون وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار وَمَا أنزل الله من السَّمَاء من رزق فأحيا بِهِ الأَرْض بعد مَوتهَا وتصريف الرِّيَاح آيَات لقوم يعْقلُونَ} 3 و 4 و 5 قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وَمَا يبث من دَابَّة آيَات} {وتصريف الرِّيَاح آيَات} بالخفض فيهمَا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْع فيهمَا قَوْله {وَمَا يبث من دَابَّة آيَات} جَازَ الرّفْع فِيهَا من وَجْهَيْن أَحدهمَا الْعَطف على مَوضِع إِن وَمَا عملت فِيهِ فَيحمل الرّفْع على الْموضع فَتَقول إِن زيدا قَائِم وعمرا وَعَمْرو فتعطف ب عَمْرو على زيد إِذا نصبت وَإِذا رفعت فعلى مَوضِع إِن مَعَ زيد وَالْوَجْه الآخر أَن يكون مستأنفا على معنى وَفِي خَلقكُم آيَات وَيكون الْكَلَام جملَة معطوفة على جملَة قَالَ سِيبَوَيْهٍ {آيَات} رفع بِالِابْتِدَاءِ وَوجه قِرَاءَة حَمْزَة وَالْكسَائِيّ فِي قَوْله {وَمَا يبث من دَابَّة آيَات} {وتصريف الرِّيَاح آيَات} فعلى أَنه لم يحمل على مَوضِع إِن كَمَا حمل الرّفْع فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَلَكِن حمل على لفظ إِن دون موضعهَا فَحمل آيَات فِي الْمَوْضِعَيْنِ على نصب إِن فِي قَوْله {إِن فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض لآيَات للْمُؤْمِنين} وَإِنَّمَا كسرت التَّاء لِأَنَّهَا غير أَصْلِيَّة فَإِن سَأَلَ سَائل فَقَالَ كَيفَ جَازَ أَن يعْطف بِحرف وَاحِد على عاملين مُخْتَلفين {إِن} فِي قَوْله {إِن فِي السَّمَاوَات} وَالْعَامِل الثَّانِي قَوْله

{تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون}

{وَفِي خَلقكُم وَمَا يبث من دَابَّة} ثمَّ قَالَ {وَاخْتِلَاف اللَّيْل} فعطف بِالْوَاو على عاملين وسيبويه لَا يُجِيزهُ قيل يجوز أَن تقدر فِي فِي قَوْله تَعَالَى {وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار} وَإِن كَانَت محذوفة فِي اللَّفْظ وَإِنَّمَا لم يذكر لِأَن ذكره قد تقدم فِي موضِعين فِي قَوْله {إِن فِي السَّمَاوَات} {وَفِي خَلقكُم} فَلَمَّا تقدم ذكره فِي هذَيْن لم يذكرهُ وعَلى مَذْهَب الْأَخْفَش يجوز أَن يعْطف على عاملين كَقَوْلِه تَعَالَى {وَاخْتِلَاف اللَّيْل} عطف على قَوْله {وَفِي خَلقكُم} وعَلى قَوْله {إِن فِي السَّمَاوَات} قَالَ وَمثله فِي الْكَلَام إِن فِي الدَّار زيدا والحجرة عمرا فقد عطف على عاملين مُخْتَلفين {تِلْكَ آيَات الله نتلوها عَلَيْك بِالْحَقِّ فَبِأَي حَدِيث بعد الله وآياته يُؤمنُونَ} 6 قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَحَفْص {وآياته يُؤمنُونَ} بِالْيَاءِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ وَحجَّة الْيَاء قَوْله قبلهَا {لآيَات للْمُؤْمِنين} 3 و {لقوم يعْقلُونَ} 5 قَالَ أَبُو عُبَيْدَة مَعَ هَذَا قد خَاطب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ فَقَالَ {تِلْكَ آيَات الله نتلوها عَلَيْك بِالْحَقِّ} فَكيف يجوز أَن يُقَال للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ بِأَيّ حَدِيث بعد الله وآياته تؤمنون بِالتَّاءِ أَي تؤمن أَنْت وهم بل إِنَّمَا قَالَ {فَبِأَي حَدِيث بعد الله وآياته} يُؤمن هَؤُلَاءِ الْمُشْركُونَ وشاهدها قَوْله فِي المرسلات {فَبِأَي حَدِيث بعده يُؤمنُونَ}

{والذين كفروا بآيات ربهم لهم عذاب من رجز أليم}

لم يخْتَلف فِيهِ أَنه بِالْيَاءِ فَهَذِهِ مثلهَا وَحجَّة التَّاء هِيَ أَن الْكَلَام جرى عقيب الْخطاب فِي قَوْله {وَفِي خَلقكُم وَمَا يبث من دَابَّة} فَالْمَعْنى فَبِأَي حَدِيث أَيهَا الْمُشْركُونَ بعد كتاب الله تؤمنون وَيجوز أَن يكون تَمام الْخطاب عِنْد قَوْله {نتلوها عَلَيْك بِالْحَقِّ} ثمَّ اسْتَأْنف بِالْفَاءِ على معنى قل لَهُم فَبِأَي حَدِيث بعد ذَلِك تؤمنون {وَالَّذين كفرُوا بآيَات رَبهم لَهُم عَذَاب من رجز أَلِيم} 11 {من رجز أَلِيم} قد ذكرت فِي سُورَة سبأ {قل للَّذين آمنُوا يغفروا للَّذين لَا يرجون أَيَّام الله ليجزي قوما بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} 14 قَرَأَ ابْن عَامر وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ / لنجزي قوما / بالنُّون على إِخْبَار الله عَن نَفسه أَي نَحن نجزي وحجتهم قَوْله {ذَلِك جزيناهم بِمَا كفرُوا} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {ليجزي} بِالْيَاءِ أَي ليجزي الله

{أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم}

وحجتهم أَن ذكر الله قد تقدم فِي قَوْله {لَا يرجون أَيَّام الله} فَيكون فَاعل {يجزى} {أم حسب الَّذين اجترحوا السَّيِّئَات أَن نجعلهم كَالَّذِين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات سَوَاء محياهم ومماتهم} 21 قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {سَوَاء محياهم} بِالنّصب جَعَلُوهُ الْمَفْعُول الثَّانِي من نجعلهم الْهَاء وَالْمِيم الْمَفْعُول وَإِن جعلت {كَالَّذِين آمنُوا} الْمَفْعُول الثَّانِي نصبت {سَوَاء} على الْحَال وترفع {محياهم} بِمَعْنى استوا محياهم ومماتهم وَالْمعْنَى أحسبوا أَن نجعلهم سَوَاء محياهم ومماتهم أَي أَن يُعْطوا فِي الْآخِرَة كَمَا أعْطوا فِي الدُّنْيَا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {سَوَاء} بِالرَّفْع جَعَلُوهُ مُبْتَدأ وَمَا بعده خَبرا عَنهُ قَالَ مُجَاهِد قَوْله سَوَاء محياهم ومماتهم أَي يَمُوت الْمُؤمن على إيمَانه وَيبْعَث عَلَيْهِ وَيَمُوت الْكَافِر على كفره وَيبْعَث عَلَيْهِ وَهَذَا التَّفْسِير يدل على هَذِه الْقِرَاءَة {وَجعل على بَصَره غشاوة} 23 قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / غشوة / بِفَتْح الْغَيْن وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {غشاوة} وحجتهم قَوْله {وعَلى أَبْصَارهم غشاوة} قَالَ الْفراء كَأَن غشاوة اسْم وغشوة شَيْء يغشي الْبَصَر فِي مرّة وَاحِدَة وَفِي

{وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها}

وقْعَة وَاحِدَة مثل الرَّمية والوقعة {وَإِذا قيل إِن وعد الله حق والساعة لَا ريب فِيهَا} قَرَأَ حَمْزَة {والساعة لَا ريب فِيهَا} بِالنّصب وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْع ورفعها من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن تعطفه من الأول فتعطف جملَة على جملَة على معنى وَقيل السَّاعَة لَا ريب فِيهِ وَالْوَجْه الآخر أَن يكون الْمَعْطُوف مَحْمُولا على مَوضِع {إِن} وَمَا عملت فِيهِ وموضعها رفع وحجتهم إِجْمَاع الْجَمِيع على قَوْله {إِن الأَرْض لله يُورثهَا من يَشَاء من عباده وَالْعَاقبَة لِلْمُتقين} وَمن نصب حمله على لفظ الْوَعْد الْمَعْنى وَإِذا قيل إِن وعد الله حق وَإِن السَّاعَة مثل إِن زيدا منطلق وعمرا قَائِم {فاليوم لَا يخرجُون مِنْهَا وَلَا هم يستعتبون} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {فاليوم لَا يخرجُون مِنْهَا} بِالْفَتْح جعلا الْفِعْل لَهُم وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لَا يخرجُون} بِالرَّفْع وحجتهم قَوْله {رَبنَا أخرجنَا مِنْهَا} وَيُقَوِّي الرّفْع قَوْله {وَلَا هم يستعتبون} فَكَذَلِك مَا تقدم هَذَا ليَكُون الْكَلَام على نظم وَاحِد 46 - سُورَة الْأَحْقَاف {وَهَذَا كتاب مُصدق لِسَانا عَرَبيا لينذر الَّذين ظلمُوا} 1 قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر / لتنذر الَّذين ظلمُوا / بِالتَّاءِ أَي لتنذر

{ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها}

أَنْت يَا مُحَمَّد وحجتهما قَوْله {وأنذر النَّاس} وَقَالَ إِنَّمَا أَنْت مُنْذر وَقَالَ {قل إِنَّمَا أنذركم بِالْوَحْي} فَجعل الْفِعْل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَآله فَكَذَلِك فِي قَوْله {لتنذر} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لينذر} بِالْيَاءِ الْمَعْنى لينذر الْقُرْآن أَو لينذر الله وحجتهم قَوْله {لينذر بَأْسا شَدِيدا} {وَوَصينَا الْإِنْسَان بِوَالِديهِ إحسانا حَملته أمه كرها وَوَضَعته كرها} 15 قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وَوَصينَا الْإِنْسَان بِوَالِديهِ إحسانا} بِالْألف مصدرا من أحسن يحسن إحسانا لِأَن معنى وصينا الْإِنْسَان بِوَالِديهِ أَي أمرناه بِأَن يحسن إِلَيْهِمَا إحسانا أَي ليَأْتِي الْإِحْسَان إِلَيْهِمَا دون الْإِسَاءَة وحجتهم إِجْمَاع الْجَمِيع على قَوْله {وبالوالدين إحسانا} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {حسنا} مصدر من حسن يحسن حسنا وحجتهم قَوْله فِي سُورَة العنكبوت {وَوَصينَا الْإِنْسَان بِوَالِديهِ حسنا} قَالُوا فَرد مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ أولى قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وابو عَمْرو {حَملته أمه كرها وَوَضَعته كرها} بِفَتْح الْكَاف فيهمَا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْع فيهمَا

{أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم}

قَالَ الزّجاج الكره بِالرَّفْع الْمَشَقَّة تَقول فعلت ذَلِك على كره أَي مشقة والكره من الْإِكْرَاه وَهُوَ مَا أكرهت عَلَيْهِ صَاحبك فالكره فعل الْإِنْسَان والكره مَا أكره عَلَيْهِ صَاحبه وَقَالَ قوم هما لُغَتَانِ مثل الْقرح والقرح وَقَالَ قوم الكره الْمصدر تَقول كره زيد كرها والكره الِاسْم {أُولَئِكَ الَّذين نتقبل عَنْهُم أحسن مَا عمِلُوا ونتجاوز عَن سيئاتهم} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ يوحفص {أُولَئِكَ الَّذين نتقبل عَنْهُم} بالنُّون {أحسن مَا عمِلُوا} بِالنّصب {ونتجاوز} بالنُّون أَي نَحن نتقبل عَنْهُم ونتجاوز وحجتهم أَن الْكَلَام أَتَى عقيب قَوْله وَوَصينَا الْإِنْسَان فَأجرى مَا بعده لَفظه إِذْ كَانَ فِي سِيَاقه ليأتلف الْكَلَام على نظام وَاحِد وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / يتَقَبَّل عَنْهُم / بِالْيَاءِ {أحسن} رفع على مَا لم يسم فَاعله ويتجاوز بِالْيَاءِ وحجتهم قَوْله {فَلَنْ يقبل من أحدهم ملْء الأَرْض} و {لن تقبل تَوْبَتهمْ} و {مَا تقبل مِنْهُم} فَأجرى هَذَا مجْرى نَظَائِره ليأتلف الْكَلَام على نظم وَاحِد {وَلكُل دَرَجَات مِمَّا عمِلُوا وليوفيهم أَعْمَالهم وهم لَا يظْلمُونَ} 19

{ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم}

قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَعَاصِم {وليوفيهم أَعْمَالهم} بِالْيَاءِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بالنُّون حجَّة من قَرَأَ بِالْيَاءِ فَإِنَّهُ رد الْفِعْل إِلَى الله تَعَالَى فِي قَوْله {يتَقَبَّل} ويتجاوز بِمَعْنى يتَقَبَّل الله ويتجاوز وليوفيهم الله إِذْ كَانَ فِي سِيَاقه ليأتلف الْكَلَام وَمن قَرَأَ بالنُّون قَالَ لِأَنَّهُ أَتَى عقيب قَوْله {نتقبل} {ونتجاوز} فَكَذَلِك ولنوفيهم إِذْ كَانَ فِي سِيَاقه وَمن جمع بَين الْيَاء وَالنُّون فحجته قَوْله {فَتقبل من أَحدهمَا وَلم يتَقَبَّل من الآخر} على مَا لم يسم فَاعله ثمَّ قَالَ إِنَّمَا يتَقَبَّل الله من الْمُتَّقِينَ {وَيَوْم يعرض الَّذين كفرُوا على النَّار أَذهَبْتُم طَيِّبَاتكُمْ} 20 قَرَأَ ابْن كثير آذهبتم بِهَمْزَة وَاحِدَة مُطَوَّلَة وَقَرَأَ ابْن عَامر / أأذهبتم / بهمزتين الأولى ألف التوبيخ بِلَفْظ الِاسْتِفْهَام وَالثَّانيَِة ألف قطع وَالْمعْنَى وَالله أعلم أأذهبتم طَيِّبَاتكُمْ وتلتمسون الْفرج هَذَا غير كَائِن وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أَذهَبْتُم} على لفظ الْخَبَر الْمَعْنى وَيَوْم يعرض الَّذين كفرُوا على النَّار يُقَال لَهُم أَذهَبْتُم طَيِّبَاتكُمْ

{فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم}

{فَأَصْبحُوا لَا يرى إِلَّا مساكنهم} 25 قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة {فَأَصْبحُوا لَا يرى إِلَّا مساكنهم} مَضْمُومَة الْيَاء وَالنُّون على مَا لم يسم فَاعله الْمَعْنى لَا يرى إِلَى مساكنهم لأَنهم قد أهلكوا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / لَا ترى إِلَى مساكنهم / على خطاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ أَي لَا ترى شَيْئا إِلَى مساكنهم 47 - سُورَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَالَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله فَلَنْ يضل أَعْمَالهم سيهديهم وَيصْلح بالهم} 4 و 5 قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَحَفْص {وَالَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله} بِضَم الْقَاف على مَا لم يسم فَاعله وحجتهما أَن هَذِه الْآيَة مَخْصُوص بهَا الشُّهَدَاء المقتولون فِي سَبِيل الله الَّذين قَالَ الله جلّ وَعز فِيهِ {وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله أَمْوَاتًا} وَقَوله {سيهديهم} إِلَى طَرِيق الْجنَّة وَيصْلح شَأْنهمْ فِي الْآخِرَة ويدخلهم الْجنَّة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ قَاتلُوا وحجتهم أَن قَاتلُوا أَعم ثَوابًا وأبلغ للممدوح فِي الْمُجَاهدين فِي سَبِيل الله لِأَنَّهُ إِذا فعل ذَلِك بالمقاتل فِي سَبيله وَإِن لم يقتل وَلم يقتل كَانَ أَعم من أَن يكون ذَلِك الْوَعْد مِنْهُ لم فتل دون من قَاتل وَحجَّة أُخْرَى أَن الله جلّ وَعز أخبر أَنه {سيهديهم وَيصْلح بالهم}

{مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن}

بَعْدَمَا أخبرنَا عَنْهُم بِالْقِتَالِ فِي سَبيله فَلَو كَانَ المُرَاد من الْكَلَام الْقَتْل لم يكن فِي ظَاهر قَوْله {سيهديهم وَيصْلح بالهم} كَبِير معنى لِأَنَّهُ قتلوا بل إِنَّمَا يدل الظَّاهِر على أَنه وعدهم الْهِدَايَة وَإِصْلَاح البال جَزَاء لَهُم فِي الدُّنْيَا على قِتَالهمْ أعداءه وَأَن يدخلهم فِي الْآخِرَة وَالْجنَّة وَهَذَا أوضح الْوَجْهَيْنِ {مثل الْجنَّة الَّتِي وعد المتقون فِيهَا أَنهَار من مَاء غير آسن} 15 قَرَأَ ابْن كثير {من مَاء غير آسن} مَقْصُورا على وزن فعل قَالَ أَبُو زيد تَقول أسن المَاء يأسن أسنا فَهُوَ أسن كَقَوْلِك هرم الرجل فَهُوَ هرم وعرج فَهُوَ عرج وَمرض يمرض فَهُوَ مرض وَكَذَلِكَ أسن فَهُوَ أسن إِذا تَغَيَّرت رَائِحَته فَأعْلم الله أَن أَنهَار الْجنَّة لَا تَتَغَيَّر رَائِحَة مَائِهَا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {من مَاء غير آسن} بِالْمدِّ على فَاعل فالهمزة الأولى فَاء الْفِعْل وَالْألف بعْدهَا مزيدة فالمد من اجل ذَلِك تَقول أسن المَاء يأسن فَهُوَ آسن مثل أجن المَاء يأجن ويأجن إِذا تغير وَهُوَ آجن وَذهب فَهُوَ ذَاهِب وَضرب فَهُوَ ضَارب قَالَ الْأَخْفَش أسن لُغَة وَفعل إِنَّمَا هُوَ للْحَال الَّتِي تكون عَلَيْهَا فَأَما من قَالَ {غير آسن} على فَاعل فَإِنَّمَا يُرِيد ذَلِك لَا يصير إِلَيْهِ فِيمَا يسْتَقْبل {الشَّيْطَان سَوَّلَ لَهُم وأملى لَهُم} 25 قَرَأَ أَبُو عَمْرو {وأملي لَهُم} بِضَم الْألف وَكسر اللَّام وَفتح الْيَاء

على مَا لم يسم فَاعله قَالَ أَبُو عَمْرو إِن الشَّيْطَان لَا يملي لأحد وحجته قَوْله {وَلَا يَحسبن الَّذين كفرُوا أَنما نملي لَهُم خير لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نملي لَهُم} فَكَأَن أَبَا عَمْرو لما كَانَ الْقَارئ إِذا قَرَأَ {وأملي} بِالْفَتْح جَازَ أَن يَقع فِي الْوَهم أَن الْإِمْلَاء مُسْند إِلَى الشَّيْطَان لِأَن ذكره قد تقدم الْفِعْل وَلم يجر لله قبل الْفِعْل ذكر فَقَرَأَ {وأملي} ليزيل التَّوَهُّم إِن الْإِمْلَاء إِلَى الله لَا إِلَى الشَّيْطَان كَمَا قَالَ جلّ وَعز {فأمليت للْكَافِرِينَ} وأصل الْإِمْلَاء الإطالة فِي الْعُمر يُقَال تملى فَلَا منزله إِذا طَالَتْ إِقَامَته فِيهِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / أمْلى لَهُم / بِفَتْح الْألف أَي زين لَهُم الشَّيْطَان كَذَا قَالَ النَّخعِيّ وَقَالَ آخَرُونَ أمْلى الله لَهُم فالفعل مُسْند إِلَى إِلَيْهِ وَإِن لم يجر لَهُ ذكر وحجتهم فِي هَذَا قَوْله {لتؤمنوا بِاللَّه وَرَسُوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه}

{والله يعلم إسرارهم}

هَذِه الْهَاء أَعنِي {تسبحوه} عَائِدَة على الله وَقَوله {وتعزروه وتوقروه} عَائِدَة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ فَكَذَلِك قَوْله {الشَّيْطَان سَوَّلَ لَهُم وأملى لَهُم} التسويل رَاجع إِلَى الشَّيْطَان والإملاء إِلَى الله {وَالله يعلم إسرارهم} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {وَالله يعلم إسرارهم} بِكَسْر الْألف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {إسرارهم} بِالْفَتْح جمع سر وأسرار مثل حمل وأحمال فكأنهم جمعُوا للِاخْتِلَاف فِي ضروب السِّرّ وَجَمِيع الْأَجْنَاس يحسن جمعهَا مَعَ الِاخْتِلَاف وَجَاء سر فِي قَوْله {يعلم سرهم} على مَا عَلَيْهِ جَمِيع المصادر فأفرد مرّة وَجمع أُخْرَى وَقد جمع فِي غير هَذَا وأفرد كَقَوْلِه {يُؤمنُونَ بِالْغَيْبِ ويقيمون الصَّلَاة} فالغيب الَّذِي يُؤمنُونَ بِهِ ضروب الْبَعْث والنشور وإتيان السَّاعَة فأوقع على هَذِه الْأَشْيَاء وَغَيرهَا وَجمع أَيْضا فِي قَوْله {علام الغيوب} فَكَذَلِك السِّرّ أفرد فِي مَوضِع وَجمع فِي آخر وَقد قيل إِنَّه جمع فَأخْرج الْأَسْرَار بعددهم كَمَا قَالَ بعْدهَا {وَالله يعلم أَعمالكُم} فَجمع الْأَعْمَال لِإِضَافَتِهِ إِيَّاهَا إِلَى جمع وَمن قَرَأَ {إسرارهم} فَهُوَ مصدر أسررت إسرارا وحجتهم قَوْله {ألم يعلمُوا أَن الله يعلم سرهم} فَكَمَا أفرد السِّرّ وَلم يجمع فَكَذَلِك قَالَ {إسرارهم} {ولنبلونكم حَتَّى نعلم الْمُجَاهدين مِنْكُم وَالصَّابِرِينَ ونبلو أخباركم} 31

{فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم}

قَرَأَ أَبُو بكر / وليبلونكم حَتَّى يعلم الْمُجَاهدين ويبلو أخباركم / بِالْيَاءِ إِخْبَارًا عَن الله أَي ليَبْلُوكُمْ الله وحجته مَا تقدم من ذكر الله وَهُوَ قَوْله {وَالله يعلم أَعمالكُم} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {ولنبلونكم حَتَّى نعلم} ونبلو كُله بالنُّون الله يخبر عَن نَفسه وحجتهم أَن قبله {وَلَو نشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ} فَأخْبر عَن نَفسه بِلَفْظ الْجمع {فَلَا تهنوا وَتَدعُوا إِلَى السّلم} قَرَأَ أَبُو بكر وَحَمْزَة {وَتَدعُوا إِلَى السّلم} بِكَسْر السِّين وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْفَتْح السّلم بِالْكَسْرِ الْإِسْلَام كَقَوْلِه {وَإِن جنحوا للسلم} أَي الْإِسْلَام وبالفتح الصُّلْح كَذَا قَالَ أَبُو عَمْرو وَقَالَ آخَرُونَ هما لُغَتَانِ الْفَتْح وَالْكَسْر 48 - سُورَة الْفَتْح {عَلَيْهِم دَائِرَة السوء} قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {عَلَيْهِم دَائِرَة السوء} بِالضَّمِّ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالنّصب السوء بِالضَّمِّ الِاسْم وَالسوء بِالْفَتْح الْمصدر كَذَا ذكر الْفراء من سؤته سوءا ومساءة وَقَالَ اليزيدي السوء بِالضَّمِّ الشَّرّ وَالْعَذَاب وَالْبَلَاء وحجته قَوْله {وَالسوء على الْكَافرين}

{لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا}

يَعْنِي الْعَذَاب والسؤء بِالْفَتْح الْفساد والهلاك وَهُوَ مَا ظنُّوا أَن الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَمن مَعَه لَا يرجعُونَ قَالَ الله تَعَالَى {عَلَيْهِم دَائِرَة السوء} أَي الْفساد والهلاك وحجتهم قَوْله بعْدهَا {وظننتم ظن السوء} وَقَالَ آخَرُونَ هما لُغَتَانِ مثل الضّر والضر {لتؤمنوا بِاللَّه وَرَسُوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرَة وَأَصِيلا} قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو / ليؤمنوا بِاللَّه وَرَسُوله ويعزروه ويوقروه ويسبحوه / كُلهنَّ بِالْيَاءِ أَي إِنَّا أَرْسَلْنَاك ليؤمنوا بِاللَّه وَبِك قَالَ أَبُو عبيد وبهذه نَقْرَأ لذكر الْمُؤمنِينَ قبل هَذَا وَبعده فَالَّذِي تقدم من ذكرهم قَوْله {هُوَ الَّذِي أنزل السكينَة فِي قُلُوب الْمُؤمنِينَ ليزدادوا إِيمَانًا} وَالَّذِي بعده {إِن الَّذين يُبَايعُونَك} وهم الْمُؤْمِنُونَ وَمَعَ ذَلِك المخاطبة فِي قَوْله {إِنَّا أَرْسَلْنَاك} للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَلَيْسَ يحسن إِنَّا أَرْسَلْنَاك يَا مُحَمَّد لتؤمنوا فَحسن أَرْسَلْنَاك ليؤمنوا لِأَن الله سُبْحَانَهُ أرْسلهُ صلى الله عَلَيْهِ ليؤمن بِهِ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمعْنَى فِيهِ إِن شَاءَ الله إِنَّا أَرْسَلْنَاك يَا مُحَمَّد شَاهدا عَلَيْهِم وَمُبشرا بِالْجنَّةِ وَنَذِيرا من النَّار ليؤمن بك من آمن ويعزروك وَلَو كَانَ الْخطاب فِي قَوْله {أَرْسَلْنَاك} إِنَّا أرسلناه إِخْبَارًا لحسن التَّاء فِي قَوْله {لتؤمنوا} فَأَما الْكَاف فالياء مَعهَا أحسن وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ وحجتهم أَنه خَاطب الْمُرْسل إِلَيْهِم بعد مُخَاطبَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ إِذْ قَالَ لَهُ {إِنَّا أَرْسَلْنَاك شَاهدا} ثمَّ صرف الْخطاب بعد ذَلِك إِلَى الْمُرْسل إِلَيْهِم فَقَالَ {لتؤمنوا} بِمَعْنى فعلنَا

{ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما}

ذَلِك تؤمنوا أَيهَا النَّاس بِاللَّه وَرَسُوله فَكَأَن الْخطاب على هَذِه الْقِرَاءَة مُجَدد لمن أرسل إِلَيْهِم بعد مُخَاطبَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ {وَمن أوفى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ الله فسيؤتيه أجرا عَظِيما} 10 قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَابْن عَامر / فسنؤتيه / بالنُّون الله أخبر عَن نَفسه وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ أَي فسيؤتيه الله وحجتهم مَا تقدم وَهُوَ قَوْله {بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ الله} فَكَذَلِك {فسيؤتيه} لتقدم ذكره قَرَأَ حَفْص {بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ الله} مَضْمُومَة الْهَاء على أصل حركتها وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {عَلَيْهِ} بِكَسْر الْهَاء لمجاورة الْيَاء وَقد ذكرت فِي سُورَة الْبَقَرَة {قل فَمن يملك لكم من الله شَيْئا إِن أَرَادَ بكم ضرا أَو أَرَادَ بكم نفعا} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {إِن أَرَادَ بكم ضرا} بِالضَّمِّ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {ضرا} بِالْفَتْح وحجتهم فِي الْآيَة وَذَلِكَ أَنه ذكر النَّفْع وَهُوَ ضد الضّر وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {إِن أَرَادَ بكم ضرا أَو أَرَادَ بكم نفعا} وَهَذَا مَوْضِعه قَالُوا لَا بجد مَقْرُونا ب نفع إِلَّا مَفْتُوحًا وَفِي التَّنْزِيل {مَا لَا يملك لكم ضرا وَلَا نفعا} وَقَالَ {لَا يملكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نفعا وَلَا ضرا} فِي غير مَوضِع من الْقُرْآن والضر بِالضَّمِّ هُوَ السقم والبؤس

{يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا}

وَالْبَلَاء كَقَوْلِه {مسني الضّر} وَلم يقل الضّر وحجتهما قَوْله {إِن أرادني الله بضر هَل هن كاشفات ضره} وَقد أَجمعُوا على ضم الضَّاد هَا هُنَا فَرد مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ أولى وَقَالَ قوم هما لُغَتَانِ كالفقر والفقر والضعف والضعف {يُرِيدُونَ أَن يبدلوا كَلَام الله قل لن تتبعونا} 15 قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / يُرِيدُونَ أَن يبدلوا كَلَام الله / بِكَسْر اللَّام جع كلمة كَمَا جمعُوا الخلفة من النوق فَقَالُوا خلف وَكَانَ الْجمع عِنْدهمَا أَجود بِدلَالَة قَوْله {لَا مبدل لكلماته} و {لَا تَبْدِيل لكلمات الله} وَقد أوقع عَلَيْهِ التبديل الَّذِي أوقعه على الْكَلم وَأعلم بذلك أَن الْمَعْنى فيهمَا وَاحِد وَأَن الْجَمِيع يُرَاد بِهِ الْجمع وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {كَلَام الله} وحجتهم إِجْمَاع الْجَمِيع على قَوْله {يسمعُونَ كَلَام الله} وَحَتَّى يسمع كَلَام الله فَردُّوا مَا ختلفوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ

{ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ومن يتول يعذبه عذابا أليما}

{وَمن يطع الله وَرَسُوله يدْخلهُ جنَّات تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار وَمن يتول يعذبه عذَابا أَلِيمًا} 17 قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر / ندخله / و {نعذبه} بالنُّون إِخْبَار الله جلّ وَعز عَن نَفسه وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ فيهمَا الْمَعْنى يدْخلهُ الله ويعذبه وحجتهم قَوْله {وَمن يطع الله وَرَسُوله} فقد تقدم الِاسْم الظَّاهِر {وَهُوَ الَّذِي كف أَيْديهم عَنْكُم وَأَيْدِيكُمْ عَنْهُم بِبَطن مَكَّة من بعد أَن أَظْفَرَكُم عَلَيْهِم وَكَانَ الله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصيرًا} 24 قَرَأَ أَبُو عَمْرو / وَكَانَ الله بِمَا يعلمُونَ بَصيرًا / بِالْيَاءِ وحجته ذكرهَا اليزيدي فَقَالَ يدلك عَلَيْهَا قَوْله بعْدهَا {هم الَّذين كفرُوا وصدوكم} 25 وَلَو احْتج بقوله {من بعد أَن أَظْفَرَكُم عَلَيْهِم} كَانَ وَجها وَالْمعْنَى كَانَ الله بِمَا عمل الْكفَّار من كفرهم وصدهم عَن الْمَسْجِد بَصيرًا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {بِمَا تَعْمَلُونَ بَصيرًا} بِالتَّاءِ أَي أَنْتُم وهم وحجتهم أَنه قد جرى ذكرهمَا فِي قَوْله {وَهُوَ الَّذِي كف أَيْديهم عَنْكُم وَأَيْدِيكُمْ عَنْهُم} فالخطاب لتقدم هَذَا الْخطاب {كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فَاسْتَوَى على سوقه} 29 قَرَأَ ابْن عَامر وَابْن كثير {شطأه} بِفَتْح الطَّاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِإِسْكَان الْهَاء وهما لُغَتَانِ كالشمع والشمع وَالنّهر وَالنّهر قَرَأَ ابْن عَامر {فآزره} مَقْصُورَة الْألف والهمزة فَاء الْفِعْل وَمعنى أرزه قواه وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {اشْدُد بِهِ أزري} أَي قوتي

- سورة الحجرات

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فآزره} بِالْمدِّ فَاعله مثل عاونه تَقول آزره يؤازره مؤازرة وفاعل آزر الشطء أَي آزر الشطء الزَّرْع فَصَارَ فِي طوله وَقَالَ الْفراء فآزره فأعانه وَقَالَ الْأَخْفَش آزره أَفعلهُ وأفعل فِيهِ الْأَشْبَه ليَكُون قَول ابْن عَامر أزره فعله فَيكون فِيهِ لُغَتَانِ فعل وأفعل وَهَذَا مثل ضربه الله للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ إِذْ خرج وَحده فقواه الله بِأَصْحَابِهِ كَمَا قوى الْحبَّة بِمَا نبت مِنْهَا قرا ابْن كثير فِي رِوَايَة القواس / سوءقه / بِالْهَمْز وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِغَيْر همز وَقد ذكرت حجَّته فِي سور النَّمْل 49 - سُورَة الحجرات {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَة فأصلحوا بَين أخويكم} قَرَأَ ابْن عَامر فِي رِوَايَة الثَّعْلَبِيّ / فأصلحوا بَين إخوتكم / بِالتَّاءِ على الْجمع وحجته أَن الطَّائِفَة جمع وَإِن كَانَ وَاحِدًا فِي اللَّفْظ كَمَا قَالَ {خصمان اخْتَصَمُوا} وَقَالَ هَا هُنَا قبلهَا {وَإِن طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا}

{وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا}

على الْمَعْنى لَا على اللَّفْظ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {بَين أخويكم} بِالْيَاءِ تَثْنِيَة أَخ لِأَن كل طَائِفَة جنس وَاحِد فَردُّوهُ على اللَّفْظ دون الْمَعْنى {وَإِن تطيعوا الله وَرَسُوله لَا يلتكم من أَعمالكُم شَيْئا} 14 قَرَأَ أَبُو عَمْرو / لَا يألتكم من أَعمالكُم / بِالْألف من ألت يألت ألتا مثل ضرب يضْرب ضربا وحجته إِجْمَاع الْجَمِيع على قَوْله {وَمَا ألتناهم من عَمَلهم} فَرد مَا اخْتلف فِيهِ إِلَى مَا أجمع عَلَيْهِ أولى وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يلتكم} من لات يليت إِذا نقص قَالَ مُجَاهِد لَا يلتك أَي لَا ينقصكم وحجتهم إتباع مرسوم الْمَصَاحِف وَذَلِكَ أَنَّهَا مَكْتُوبَة بِغَيْر الْألف وَلَو كَانَت بِأَلف لكتبت الْألف كَمَا تكْتب فِي تَأمر وتأكل وَأُخْرَى أَن فِي حرف ابْن مَسْعُود / مَا التناهم / حَكَاهُ الْكسَائي وَأُخْرَى وَهِي أَنهم جمعُوا بَين اللغتين فقرؤوا هَا هُنَا {لَا يلتكم} وَفِي وَالطور {وَمَا ألتناهم} كَا قَالَ {كَيفَ يبدئ الله الْخلق} فَهَذِهِ من أبدأت ثمَّ قَالَ {كَيفَ بَدَأَ الْخلق} فَهَذِهِ من بدأت وَلم يحمل أحد بعض هَذِه اللُّغَات على بعض فَكَذَلِك قَوْله {لَا يلتكم} من لات {وَمَا ألتناهم} من ألت و / لَا يألتكم / جزم لِأَنَّهَا جَوَاب الشَّرْط وعلامة الْجَزْم سُكُون التَّاء وَمن قَرَأَ {لَا يلتكم} كَانَ الأَصْل لَا يليتكم مثل يضربكم

{أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا}

واستثقلوا الكسرة على الْيَاء فنقلوها إِلَى اللَّام وَدخل الْجَزْم على التَّاء فَاجْتمع ساكنان الْيَاء وَالتَّاء فحذفت الْيَاء لِاجْتِمَاع الساكنين {أَيُحِبُّ أحدكُم أَن يَأْكُل لحم أَخِيه مَيتا} قَرَأَ نَافِع {لحم أَخِيه مَيتا} بِالتَّشْدِيدِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ وهما لُغَتَانِ الأَصْل التَّشْدِيد وَمن خفف استثقل التَّشْدِيد فَحذف الْيَاء كَمَا قَالُوا هَين لين وهين لين قَالَ الشَّاعِر ... لَيْسَ من مَاتَ فاستراح بميت ... إِنَّمَا الْمَيِّت ميت الْأَحْيَاء ... فَجمع بَين اللغتين {وَالله بَصِير بِمَا تَعْمَلُونَ} قَرَأَ ابْن كثير {وَالله بَصِير بِمَا يعْملُونَ} بِالْيَاءِ وحجته قَوْله قبلهَا {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذين آمنُوا} أَي وَالله بَصِير بِمَا يعْمل الْمُؤْمِنُونَ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ وحجتهم قَوْله قبلهَا {لَا تمنوا عَليّ إسلامكم} فخاطبهم ثمَّ قَالَ {وَالله بَصِير بِمَا تَعْمَلُونَ} 50 - سُورَة ق {يَوْم نقُول لِجَهَنَّم هَل امْتَلَأت وَتقول هَل من مزِيد}

{هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ}

قَرَأَ نَافِع وَأَبُو بكر / يَوْم يَقُول لِجَهَنَّم / بِالْيَاءِ أَي يَوْم يَقُول الله وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يَوْم نقُول} بالنُّون أَي نَحن نقُول وحجتهم قَوْله قبلهَا {وَمَا أَنا بظلام للعبيد} فَقَالَ أَنا فَأخْبر عَن نَفسه {هَذَا مَا توعدون لكل أواب حفيظ} قَرَأَ ابْن كثير / هَذَا مَا يوعدون / بِالْيَاءِ وحجته قَوْله قبلهَا {وأزلفت الْجنَّة لِلْمُتقين} ثمَّ قَالَ هَذَا مَا يوعدون أَي يَعْنِي الْمُتَّقِينَ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ هَذَا مَا توعدون بِالتَّاءِ أَي يُقَال لَهُم هَذَا مَا توعدون {وَمن اللَّيْل فسبحه وأدبار السُّجُود} 40 قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَحَمْزَة {وأدبار السُّجُود} بِكَسْر الْألف مصدر أدبر يدبر إدبارا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وأدبار} بِفَتْح الْألف جمع دبر مثل قفل وأقفال {واستمع يَوْم يناد المناد من مَكَان قريب} قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو / يَوْم يُنَادي الْمُنَادِي / بِالْيَاءِ فِي الْوَصْل على الأَصْل وحذفوهما فِي الْوَقْف للْكتاب

{يوم تشقق الأرض عنهم سراعا}

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِحَذْف الْيَاء فِي الْوَصْل وَالْوَقْف اتبَاعا للمصحف {يَوْم تشقق الأَرْض عَنْهُم سرَاعًا} قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَابْن عَامر {تشقق} بتَشْديد الشين الأَصْل تتشقق فأدغموا التَّاء فِي الشين وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يَوْم تشقق} بتَخْفِيف الشين حذفوا التَّاء اختصارا مثل تذكرُونَ وتذكرون 51 - سُورَة الذاريات {فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْض إِنَّه لحق مثل مَا أَنكُمْ تنطقون} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وابو بكر {إِنَّه لحق مثل مَا أَنكُمْ تنطقون} بِرَفْع اللَّام وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالنّصب فَمن رفع {مثل} فَهِيَ من صفة الْحق الْمَعْنى أَنه مثل نطقكم وَمن نصب فعلى ضَرْبَيْنِ أَحدهمَا أَن يكون فِي مَوضِع رفع إِلَّا أَنه لما أضَاف إِلَى أَن فتح وَيجوز أَن يكون مَنْصُوبًا على التوكيد على معنى إِنَّه لحق حَقًا مثل نطقكم {إِذْ دخلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاما قَالَ سَلام قوم منكرون} 25 قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / قَالُوا سَلاما قَالَ سلم / بِغَيْر ألف أَي أَمْرِي سلم أَي لَا بَأْس علينا

{فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون}

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {قَالَ سَلام} قَالَ الزّجاج من قَرَأَ {سَلام} فَهُوَ على وَجْهَيْن على معنى قَالَ سَلام عَلَيْكُم وَيجوز أَن يكون على معنى أمرنَا سَلام {فَأَخَذتهم الصاعقة وهم ينظرُونَ} 44 قَرَأَ الْكسَائي / فَأَخَذتهم الصعقة / بِغَيْر ألف وَهِي مصدر صعق يصعق صعقا وصعقة وَاحِدَة وحجته أَن الصعقة هِيَ الْمرة الْوَاحِدَة بِدلَالَة قَوْله {أخذتهم الرجفة} وَلم يقل الراجفة وَقَوله {وَمِنْهُم من أَخَذته الصَّيْحَة} يَعْنِي الْمرة الْوَاحِدَة فَلَمَّا كَانَ الْمَعْنى فِي الصَّيْحَة الْمرة الْوَاحِدَة رد مَا اخْتلف فِيهِ إِلَى مَا أجمع عَلَيْهِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {الصاعقة} بِالْألف وحجتهم أَن جَمِيع مَا فِي الْقُرْآن من ذكر الصاعقة جَاءَ على هَذَا الْوَزْن مثل الراجفة والرادفة والطامة والصاخة فَردُّوا مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أجمع عَلَيْهِ {وَقوم نوح من قبل إِنَّهُم كَانُوا قوما فاسقين} 46 قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وَقوم نوح} بِالْكَسْرِ حملوه على قَوْله {وَفِي مُوسَى إِذْ أرسلناه إِلَى فِرْعَوْن} وَفِي قوم نوح وَقَوله {وَفِي مُوسَى} أَي أرسلنَا إِلَى فِرْعَوْن عطف على أحد شَيْئَيْنِ إِمَّا أَن

- سورة الطور {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء}

يكون على قَوْله وَتَركنَا فِيهَا آيَة للَّذين يخَافُونَ 37 وَفِي مُوسَى أَو على قَوْله {وَفِي الأَرْض آيَات للموقنين} وَفِي مُوسَى أَي فِي إرْسَال آيَات بَيِّنَة وحجج وَاضِحَة وَفِي قوم نوح آيَة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَقوم نوح} بِالنّصب قَالَ الزّجاج وَمن نصب فَهُوَ عطف على معنى {فَأَخَذتهم الصاعقة} وَمعنى أخذتهم الصاعقة أهلكناهم وأهلكنا قوم نوح فَالْأَحْسَن وَالله أعلم أَن يكون مَحْمُولا على قَوْله تَعَالَى {فأخذناه وَجُنُوده فنبذناهم فِي اليم} أَلا ترى أَن هَذَا الْكَلَام يدل على أغرقنا فَكَأَنَّهُ قَالَ أغرقناه وَجُنُوده وأغرقنا قوم نوح 52 - سُورَة الطّور {وَالَّذين آمنُوا وَاتَّبَعتهمْ ذُرِّيتهمْ بِإِيمَان ألحقنا بهم ذُرِّيتهمْ وَمَا ألتناهم من عَمَلهم من شَيْء} 21 قَرَأَ أَبُو عَمْرو {وأتبعناهم} بالنُّون وَالْألف / ذرياتهم / جمَاعَة / ألحقنا بهم ذرياتهم / جمَاعَة وَكسر التَّاء وَإِنَّمَا كسر التَّاء وَهِي مَوضِع نصب لِأَن التَّاء غير أَصْلِيَّة كَمَا تَقول رايت مسلمات قَوْله {وأتبعناهم} جعل الفع لله سُبْحَانَهُ وحجته قَوْله {ألحقنا بهم} وَلم يقل لحقت فَذهب أَبُو عَمْرو إِلَى أَنه لما أَتَى عقيب الْفِعْل

فعل بِلَفْظ الْجمع وفْق بَين اللَّفْظَيْنِ لِأَنَّهُ فِي سِيَاقه ليأتلف الْكَلَام على نظام وَاحِد وتبعت يتَعَدَّى إِلَى مفعول وَاحِد فَإِذا نقل بِالْهَمْزَةِ تعدى إِلَى مفعولين فالمفعول الأول الْهَاء وَالْمِيم فِي قَوْله {وأتبعناهم} وَالْمَفْعُول الثَّانِي / ذرياتهم / وَقَرَأَ نَافِع {وَاتَّبَعتهمْ} بِالتَّاءِ وَالتَّشْدِيد ذُرِّيتهمْ بِغَيْر ألف وَرفع التَّاء / ألحقنا بهم ذرياتهم / بِالْألف وَكسر التَّاء فَجمع وأفرد لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا جَائِز أَلا ترى أَن الذُّرِّيَّة قد تكون جمعا فَإِذا جمعت فَلِأَن الجموع قد تجمع نَحْو أَقوام قَرَأَ ابْن عَامر {وَاتَّبَعتهمْ} بِالتَّشْدِيدِ / ذرياتهم / بِالْألف وَرفع التَّاء / ألحقنا بهم ذرياتهم / جمَاعَة وَكسر التَّاء وَجمع فِي الْمَوْضِعَيْنِ لِأَن الجموع تجمع نَحْو الطرقات وَقَرَأَ أهل الْكُوفَة وَأهل مَكَّة {وَاتَّبَعتهمْ} بِالتَّشْدِيدِ {ذُرِّيتهمْ} على وَاحِدَة وَارْتَفَعت الذُّرِّيَّة بِفِعْلِهَا {ألحقنا بهم ذُرِّيتهمْ} على التَّوْحِيد أَيْضا وَهِي مفعولة لِأَن الله تَعَالَى لما ألحقها لحقت هِيَ كَمَا تَقول أمات الله زيدا فَمَاتَ هُوَ وأدخلت زيدا الدَّار فَدخل هُوَ والذرية تنوب عَن الْجمع قَوْله {وَاتَّبَعتهمْ} {وأتبعناهم} يتداخلان تدَاخل {يدْخلُونَ الْجنَّة} و {يدْخلُونَ الْجنَّة} لِأَن الله تَعَالَى إِذا أتبعهم ذُرِّيتهمْ اتبعتهم قَرَأَ ابْن كثير {وَمَا ألتناهم} بِكَسْر اللَّام وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْفَتْح

{يتنازعون فيها كأسا لا لغو فيها ولا تأثيم}

وهما لُغَتَانِ يُقَال ألت يألت وألت بِكَسْر اللَّام يألت كَمَا تَقول نقم ينقم ونقم ينقم {يتنازعون فِيهَا كأسا لَا لَغْو فِيهَا وَلَا تأثيم} 23 قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {لَا لَغْو فِيهَا وَلَا تأثيم} بِالنّصب فيهمَا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْع فَمن رفع فعلى ضَرْبَيْنِ على الرّفْع بِالِابْتِدَاءِ وفيهَا الْخَبَر وعَلى أَن تكون لَا فِي مَذْهَب لَيْسَ رَافِعَة وَمن نصب فعلى النَّفْي والتبرئة وَاعْلَم أَن لَا إِذا وَقعت على نكرَة جعلت هِيَ وَالِاسْم الَّذِي بعْدهَا كاسم وَاحِد وَبني ذَلِك على الْفَتْح وَإِذا كررت جَازَ الرّفْع وَالنّصب وَإِذا لم تكَرر فَالْوَجْه فِيهِ الْفَتْح فَمن رفع فَكَأَنَّهُ جعله جَوَابا لقَوْل الْقَائِل أفيها لَغْو أَو تأثيم فَجعله نفيا لهَذَا وَمن نصب جعله جَوَابا لقَوْله هَل من لَغْو فِيهَا أَو تأثيم فَجَوَابه لَا لَغْو فِيهَا وَلَا تأثيم وَقد بيّنت فِي سُورَة الْبَقَرَة {إِنَّا كُنَّا من قبل نَدْعُوهُ إِنَّه هُوَ الْبر الرَّحِيم} قَرَأَ نَافِع والكائي {إِنَّا كُنَّا من قبل نَدْعُوهُ إِنَّه هُوَ الْبر الرَّحِيم}

{أم عندهم خزائن ربك أم هم المصيطرون}

بِفَتْح الْألف الْمَعْنى نَدْعُوهُ لِأَنَّهُ هُوَ الْبر الرَّحِيم أَي لِرَحْمَتِهِ يُجيب من دَعَاهُ فَكَذَلِك ندعون قَالَ أَبُو عبيد من نصب أَرَادَ نَدْعُوهُ بِأَنَّهُ أَو لِأَنَّهُ هُوَ الْبر فَيصير الْمَعْنى إِنَّه يدعى من أجل هَذَا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أَنه} بِكَسْر الْألف قطعُوا الْكَلَام مِمَّا قبله وَاخْتَارَ أَبُو عبيد الْكسر وَقَالَ إِن رَبنَا كَذَلِك على كل حَال {أم عِنْدهم خَزَائِن رَبك أم هم المصيطرون} قَرَأَ ابْن كثير وَحَفْص / أم هم المسيطرون / بِالسِّين وَقَرَأَ حَمْزَة بالإشمام وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بالصَّاد و/ المسيطرون / الأرباب المتسلطون يُقَال تسيطر علينا وتصيطر بالصَّاد وَالسِّين وَالْأَصْل السِّين وكل سين بعْدهَا طاء يجوز أَن تقلب صادا سطر وصطر وَيجوز الإشمام {فذرهم حَتَّى يلاقوا يومهم الَّذِي فِيهِ يصعقون} 45 قَرَأَ عَاصِم وَابْن عَامر {فِيهِ يصعقون} بِضَم الْيَاء أَي يهْلكُونَ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يصعقون} بِالْفَتْح أَي يموتون جعلُوا الْفِعْل مَنْسُوبا إِلَيْهِم تَقول صعق الرجل يصعق وأصعقه غَيره وحجه من فتح قَوْله {فَصعِقَ من فِي السَّمَاوَات وَمن فِي الأَرْض} فَأَما من قَرَأَ {يصعقون} فَإِنَّهُ نقل الْفِعْل بِالْهَمْزَةِ تَقول صعق هُوَ وأصعقه غَيره ف {يصعقون} من بَاب يكرمون لمَكَان النَّقْل بِالْهَمْز

- سورة النجم

53 - سُورَة النَّجْم {مَا كذب الْفُؤَاد مَا رأى أفتمارونه على مَا يرى} 11 و 12 قَرَأَ هِشَام عَن ابْن عَامر {مَا كذب الْفُؤَاد} بِالتَّشْدِيدِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {مَا كذب الْفُؤَاد مَا رأى} بِالتَّخْفِيفِ أَي صدقه فُؤَاده الَّذِي رأى أَي لم يكذب فِيمَا رأى بل رأى الْحق كَقَوْلِك مَا كَذبَنِي زيد أَي لم يقل لي إِلَّا حَقًا وَمن قَرَأَ بِالتَّشْدِيدِ فَمَعْنَاه صدق الْفُؤَاد مَا رأى لم يُنكر وَلم يرتب بِهِ قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / أفتمرونه / بِغَيْر ألف أَي فأفتجحدونه يُقَال مراني وَهُوَ يمريني حَقي مريا جحدني وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أفتمارونه} بِالْألف أَي أفتجادلونه تَقول ماريت وَهُوَ يُمَارِي وحجتهم إِجْمَاع الْجَمِيع على قَوْله {أَلا إِن الَّذين يمارون فِي السَّاعَة} {وَمَنَاة الثَّالِثَة الْأُخْرَى} قَرَأَ ابْن كثير / ومناءة الثَّالِثَة / مَهْمُوزَة ممدودة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَمَنَاة} بِغَيْر همز وهما لُغَتَانِ {تِلْكَ إِذا قسْمَة ضيزى} قَرَأَ ابْن كثير / تِلْكَ إِذا قسْمَة ضئزى / بِالْهَمْز وَقَرَأَ الْبَاقُونَ

{الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم}

بِغَيْر همز وهما لُغَتَانِ تَقول ضازني حَقي أَي نقصني وضازني وضازه ويضيزه وضأزه يضأزه بِمَعْنى أجمع النحويون على أَن وَزنه فعلى وَأَن أصل ضيزي ضوزى بِالضَّمِّ مثل حُبْلَى لِأَن الصِّفَات لَا تَأتي إِلَّا على فعلى بِالْفَتْح نَحْو سكرى وغضبى أَو بِالضَّمِّ نَحْو حُبْلَى والفضلى وَالْحُسْنَى وَلَا تَأتي بِالْكَسْرِ وَالْوَاو الأَصْل فِي ضيزي فَلَو تركت الضَّاد على ضمتها لانقلبت الْيَاء واوا لانضمام مَا قبلهَا فَكسرت لتصح الْيَاء كَمَا قَالُوا أَبيض وبيض {الَّذين يجتنبون كَبَائِر الْإِثْم وَالْفَوَاحِش إِلَّا اللمم} 32 قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / يجتنبون كَبِير الْإِثْم / بِغَيْر ألف يَعْنِي الشّرك كَذَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {كَبَائِر الْإِثْم} وحجتهم ذكرهَا اليزيدي فَقَالَ لَو كَانَ / كَبِير الْإِثْم / لَكَانَ وَالْفُحْش أَو الْفَاحِشَة {وَأَن عَلَيْهِ النشأة الْأُخْرَى} قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {النشأة} بِفَتْح الشين وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {النشأة} بِإِسْكَان الشين قَالَ الْفراء هما لُغَتَانِ وَمثلهَا مِمَّا تَقول الْعَرَب الرأفة والرأفة وَقد ذكرت فِي سُورَة العنكبوت

{وأنه أهلك عادا الأولى وثمود فما أبقى} 50 و

{وَأَنه أهلك عادا الأولى وَثَمُود فَمَا أبقى} 50 و 51 قَرَأَ نَافِع وَأَبُو عَمْرو عَاد لولى مَوْصُولَة مدغمة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {عادا الأولى} منونة قَالَ أَبُو عُثْمَان أَسَاءَ عِنْدِي أَبُو عَمْرو فِي قِرَاءَته لِأَنَّهُ أدغم النُّون فِي لَام الْمعرفَة وَاللَّام إِنَّمَا تحركت بحركة الْهمزَة وَلَيْسَ بحركة لَازِمَة وَالدَّلِيل على ذَلِك أَنَّك تَقول الْأَحْمَر فَإِذا طرحت حَرَكَة الْهمزَة على اللَّام تَقول الْأَحْمَر الْحمر وَلم تحذف ألف الْوَصْل لِأَنَّهَا لَيست بحركة لَازِمَة قَالَ أَبُو عُثْمَان وَلَكِن كَانَ أَبُو الْحسن روى عَن بعض الْعَرَب أَنه يَقُول هَذَا لحمر قد جَاءَ فتحذف ألف الْوَصْل لحركة اللَّام فَهَذَا حجَّة لقِرَاءَة أبي عَمْرو لِأَن الْحَرَكَة قد صَارَت لَازِمَة لِأَنَّك حذفت ألف الْوَصْل وَلَو لم تكن لَازِمَة لما حذفت قَالَ الزّجاج أما {الأولى} فَفِيهَا ثَلَاث لُغَات الأولى بِسُكُون اللَّام وَإِثْبَات الْهمزَة وَهِي أَجود اللُّغَات وَالَّتِي تَلِيهَا فِي الْجَوْدَة الولى بِضَم اللَّام وَطرح الْهمزَة وَمن الْعَرَب من يَقُول لولى فيطرح الْهَمْز لتحرك اللَّام على هَذِه اللُّغَة قَرَأَ أَبُو عَمْرو / عَاد لولى / وَالْقَوْل فِي {عادا الأولى} أَن من حقق الْهمزَة فِي {الأولى} سكنت لَهُ لَام الْمعرفَة والتنوين وَإِذا سكنت لَام العرفة والتنوين من قَوْلك عادا سَاكن التقى ساكنان النُّون الَّتِي فِي {عادا} وَلَام الْمعرفَة فحركة التَّنْوِين بِالْكَسْرِ لالتقاء الساكنين

- سورة القمر

قَرَأَ حَمْزَة وَعَاصِم {وَثَمُود فَمَا أبقى} بِغَيْر تَنْوِين جعلاه اسْما لقبيلة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّنْوِينِ جَعَلُوهُ اسْما لحي 54 - سُورَة الْقَمَر {فتول عَنْهُم يَوْم يدع الداع إِلَى شَيْء نكر خشعا أَبْصَارهم} 6 و 7 قَرَأَ ابْن كثير {إِلَى شَيْء نكر} بِإِسْكَان الْكَاف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِضَم الْكَاف وهما لُغَتَانِ مثل الرعب والرعب وَإِنَّمَا خَالف أَبُو عَمْرو أَصله فقرأها هَا هُنَا بالتثقيل لِأَن رُؤُوس الْآي مثقلة نَحْو عذر كَذَا وَنذر وَلِهَذَا اخْتَار التثقيل قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ / خَاشِعًا أَبْصَارهم / بِالْألف على التَّوْحِيد وَاحْتَجُّوا بِحرف ابْن مَسْعُود {خاشعة أَبْصَارهم} على التَّوْحِيد وَالْعرب تجتزئ فِي مثل هَذَا وتختار التَّوْحِيد لِأَنَّهُ قد جرى مجْرى الْفِعْل إِذْ كَانَ مَا بعده قد ارْتَفع بِهِ نَحْو مَرَرْت بِقوم حسن وُجُوههم وَالتَّقْدِير حسن وُجُوههم وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {خشعا} بِضَم الْخَاء وَتَشْديد الشين جمع خاشع وخشع وَرَاكِع وَركع وتنصب {خشعا} و {خَاشِعًا} على الْحَال قَالَ الزّجاج وَلَك فِي أَسمَاء الفاعلين إِذا تقدّمت على الْجَمَاعَة التَّوْحِيد نَحْو / خَاشِعًا أَبْصَارهم / والتأنيث لتأنيث الْجَمَاعَة نَحْو {خاشعة أَبْصَارهم} وَلَك الْجمع نَحْو {خشعا أَبْصَارهم} تَقول مَرَرْت بشباب حسن أوجههم وَحسان أوجههم وحسنة أوجههم

{ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر}

{ففتحنا أَبْوَاب السَّمَاء بِمَاء منهمر} قَرَأَ ابْن عَامر {ففتحنا أَبْوَاب السَّمَاء} بِالتَّشْدِيدِ أَي مرّة بعد مرّة وشيئا بعد شَيْء وحجته قَوْله {مفتحة لَهُم الْأَبْوَاب} جمعُوا على التَّشْدِيد لِأَنَّهُ ذكر الْأَبْوَاب كَمَا ذكر عِنْد قَوْله {ففتحنا أَبْوَاب السَّمَاء} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {ففتحنا} بِالتَّخْفِيفِ لِأَنَّهُ وَإِن كثر فَإِن فَتحه كَانَ بِمرَّة وَاحِدَة لَا بمرات {سيعلمون غَدا من الْكذَّاب الأشر} قَرَأَ ابْن عَامر وَحَمْزَة / ستعلمون غَدا / بِالتَّاءِ على الْخطاب على أَن رسولهم خاطبهم فَقَالَ لَهُم / ستعلمون غَدا / وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {سيعلمون غَدا} بِالْيَاءِ وحجتهم قَوْله بعْدهَا {فتْنَة لَهُم} وَلم يقل لكم الياءات قَرَأَ قالون عَن نَافِع وَالَّذِي وَأَبُو عَمْرو / يَوْم يَدْعُو الدَّاعِي / بِالْيَاءِ فِي الْوَصْل وحذفها الْبَاقُونَ وَقَرَأَ أهل الْحجاز وَالْبَصْرَة / مهطعين إِلَى الدَّاعِي / بِالْيَاءِ فِي الْوَصْل وأثبتها ابْن كثير فِي الْوَقْف إِثْبَات الْيَاء فيهمَا أَجود على الأَصْل وَيجوز حذفهما لِأَن الكسرة تدل عَلَيْهِمَا وَحجَّة من أثبت الْيَاء هِيَ أَن الْيَاء سَقَطت فِي نَحْو دَاع لسكونها وَسُكُون التَّنْوِين فَإِذا جَاءَ الْألف وَاللَّام بَطل التَّنْوِين فَرَجَعت الْيَاء

- سورة الرحمن عز وجل

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِحَذْف الْيَاء فِي الْوَصْل وَالْوَقْف اتبَاعا للمصحف قَرَأَ ورش / نذري / 16 و 18 و 21 و 30 و 37 و 39 وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِحَذْف الْيَاء 55 - سُورَة الرَّحْمَن عز وَجل {وَالْحب ذُو العصف وَالريحَان} قَرَأَ ابْن عَامر / وَالْحب ذَا العصف وَالريحَان / بِالنّصب حمله على قَوْله {وَالْأَرْض وَضعهَا للأنام} لِأَن {وَضعهَا} بِمَعْنى خلقهَا وَخلق الْحبّ ذَا العصف وَخلق الريحان هَذَا نعت للحب وحجتهما قَوْله {فأخرجنا بِهِ أَزْوَاجًا من نَبَات شَتَّى} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَالْحب ذُو العصف} عطفا على قَوْله {فِيهَا فَاكِهَة} وفيهَا الْحبّ ذُو العصف فَيكون ابْتِدَاء قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وَالريحَان} خفض وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَالريحَان} بِالرَّفْع فَمن قَرَأَ {وَالريحَان} فَإِنَّهُ عطف على {العصف} أَرَادَ وَالْحب ذُو العصف وَذُو الريحان والعصف ورق الزَّرْع وَهُوَ التِّبْن كَذَا قَالَ الضَّحَّاك وَالريحَان الرزق وَالْعرب تَقول ذَهَبْنَا نطلب ريحَان

{يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان}

الله أَي رزق الله فَقَوله {ذُو العصف وَالريحَان} أَي ذُو الْوَرق قَالَ السّديّ الْحبّ الْحِنْطَة وَالشعِير والعصف الْوَرق وَالريحَان الرزق وَمن قَرَأَ {وَالريحَان} بِالرَّفْع فَإِنَّهُ عطف على {الْحبّ} وَيكون الْمَعْنى فِيهَا فَاكِهَة وفيهَا الْحبّ ذُو العصف وفيهَا الريحان فَيكون الريحان هَا هُنَا هُوَ الريحان الَّذِي يشم وَيكون أَيْضا هَا هُنَا هُوَ الرزق {يخرج مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤ والمرجان} قَرَأَ نَافِع وَأَبُو عَمْرو {يخرج مِنْهُمَا} بِضَم الْيَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالنّصب من قَالَ {يخرج} بِالضَّمِّ كَانَ قَوْله بَينا لِأَن ذَلِك إِنَّمَا يخرج وَلَا يخرج بِنَفسِهِ فهما يستخرجان وحجته قَوْله {وتستخرجون حلية} فَهِيَ مفعولة لَا فاعلة وَمن قَرَأَ {يخرج} جعل الْفِعْل للؤلؤ والمرجان وَهُوَ اتساع لِأَنَّهُ إِذا أخرج ذَلِك خرج {وَله الْجوَار الْمُنْشَآت فِي الْبَحْر كالأعلام} 24 قَرَأَ حَمْزَة وَأَبُو بكر / وَله الْجوَار المنشئات / بِكَسْر الشين أَي المبتدئات فِي السّير قَالَ الْفراء المنشئات اللَّاتِي أقبلن

{سنفرغ لكم أيها الثقلان}

وأدبرن وَقَالَ بعض أهل النَّحْو الْمَعْنى المنشئات السّير فَحذف الْمَفْعُول للْعَمَل بِهِ وَنسب الْفِعْل إِلَيْهَا على الاتساع كَمَا يُقَال مَاتَ زيد وَمرض عَمْرو وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يُضَاف الْفِعْل إِلَيْهِ إِذا وجد فِيهِ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة بهبوب الرّيح وَدفع الرِّجَال وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {الْمُنْشَآت} بِفَتْح الشين قَالَ أَبُو عُبَيْدَة الْمُنْشَآت المجريات المرفوعات الشَّرْع وَهِي مفعولة لِأَنَّهَا أنشئت وأجريت وَلم تفعل ذَلِك أَنْفسهَا أَي فعل بهَا الْإِنْشَاء فَهَذَا بَين لَا إِشْكَال فِيهِ {سنفرغ لكم أَيهَا الثَّقَلَان} 31 قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / سيفرغ لكم / بِالْيَاءِ أَي سيفرغ الله لكم وحجتهما أَنه أَتَى عقيب ذكر الله بِلَفْظ التَّوْحِيد وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {يسْأَله من فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض كل يَوْم هُوَ فِي شَأْن} 29 فأجريا الْفِعْل بعده على لفظ مَا تقدمه إِذْ كَانَ فِي سِيَاقه ليأتلف الْكَلَام على نظم وَاحِد وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {سنفرغ} بالنُّون الله يخبر عَن نَفسه وحجتهم أَن مَا جرى فِي الْقُرْآن من إِسْنَاد الْأَفْعَال إِلَى الله بِلَفْظ الْجمع وشبيه بِهِ قَوْله {وَقدمنَا إِلَى مَا عمِلُوا} قَالُوا لِأَن معنى {سنفرغ} سنقصد بحسابكم وَمعنى {وَقدمنَا} وعمدنا وقصدنا متقاربان {يُرْسل عَلَيْكُمَا شواظ من نَار ونحاس فَلَا تنتصران}

قَرَأَ ابْن كثير {شواظ} بِكَسْر الشين وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْع وهما لُغَتَانِ مَعْنَاهُمَا وَاحِد قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {من نَار ونحاس} بالخفض عطفا على قَوْله {من نَار} كَأَنَّهُ أَرَادَ من نَار وَمن نُحَاس قَالَ يُونُس النَّحْوِيّ كَانَ أَبُو عَمْرو يَقُول لَا يكون الشواظ إِلَّا من النَّار والنحاس جَمِيعًا والنحاس الدُّخان فعلى مَا فسره أَبُو عَمْرو يكون النّحاس مَعْطُوفًا على قَوْله {من نَار} فَيكون مَعْنَاهُ يُرْسل عَلَيْكُمَا شواظ وَذَلِكَ الشواظ من نَار ونحاس وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {شواظ من نَار ونحاس} بِالرَّفْع عطفا على الشواظ قَالَ أَبُو عُبَيْدَة شواظ من نَار لَهب من نَار لَا دُخان فِيهِ وَعَن ابْن عَبَّاس قَالَ الشواظ لَا دُخان فِيهِ فكلهم يُرِيدُونَ الَّذِي لَا دُخان لَهُ أَي يُرْسل عَلَيْكُمَا نَار مَحْضَة لَا يشوبها دُخان وَيُرْسل عَلَيْكُمَا دُخان بعد ذَلِك فَيكون واصفا شَيْئَيْنِ من الْعَذَاب من نوع وَاحِد كل وَاحِد مِنْهُمَا عَذَاب على حِدته وَاعْلَم أَنه إِذا كَانَ الشواظ اللهب الَّذِي لَا دُخان فِيهِ ضعفت قِرَاءَة من قَرَأَ {من نَار ونحاس} وَلَا يكون على تَفْسِير أبي عُبَيْدَة إِلَّا الرّفْع فِي {ونحاس} عطفا على قَوْله {يُرْسل عَلَيْكُمَا شواظ} وَيُرْسل نُحَاس أَي يُرْسل هَذَا مرّة وَهَذَا أُخْرَى

{فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان}

{فِيهِنَّ قاصرات الطّرف لم يطمثهن إنس قبلهم وَلَا جَان} 56 قَرَأَ الْكسَائي {لم يطمثهن} بِضَم الْمِيم وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ وهما لُغَتَانِ طمث يطمث ويطمث مثل عكف يعكف ويعكف وَالْمعْنَى لم يمسسهن وَلم يفتضهن {تبَارك اسْم رَبك ذِي الْجلَال وَالْإِكْرَام} 78 قَرَأَ ابْن عَامر / تبَارك اسْم رَبك ذُو الْجلَال وَالْإِكْرَام / بِالْوَاو جعله نعتا للاسم وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {ذِي الْجلَال} بِالْيَاءِ نعتا للرب 56 - سُورَة الْوَاقِعَة {لَا يصدعون عَنْهَا وَلَا ينزفون} قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {لَا يصدعون عَنْهَا وَلَا ينزفون} بِكَسْر الزَّاي أَي لَا ينْفد شرابهم كَمَا ينْفد شراب أهل الدُّنْيَا وَالْعرب تَقول للْقَوْم إِذا فني زادهم قد أنزفوا وَقَالَ مُجَاهِد {وَلَا ينزفون} لَا يسكرون عَن شربهَا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَلَا ينزفون} بِفَتْح الزَّاي يَقُول لَا تذْهب عُقُولهمْ بشربها يُقَال للرجل إِذا سكر أنزف عقله وللسكران نزيف {يطوف عَلَيْهِم ولدان مخلدون بأكواب} {وحور عين} 17 و 18 و 22

{عربا أترابا}

قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وحور عين} بالخفض وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْع وحجتهم فِي ذَلِك أَن الْحور لَا يُطَاف بِهن وَإِنَّمَا يُطَاف بِالْخمرِ فَرَفَعُوهُ على الِابْتِدَاء قَالَ الْفراء الرّفْع على قَوْلك وَلَهُم حور عين وَقَالَ أبوعبيد وَعِنْدهم حور عين وَوجه الْجَرّ تحمله على قَوْله {أُولَئِكَ المقربون فِي جنَّات النَّعيم} 11 و 12 التَّقْدِير أُولَئِكَ المقربون فِي جنَّات النَّعيم وَفِي حور عين أَي فِي مُقَارنَة حور عين أَو مُبَاشرَة حور عين فحذفت الْمُضَاف وَقَالَ الْفراء والخفض أَن تتبع آخر الْكَلَام أَوله وَإِن لم يحسن فِي آخِره مَا حسن فِي أَوله أَنْشدني بعض الْعَرَب ... إِذا مَا الغانيات برزن يَوْمًا ... وزججن الحواجب والعيونا ... فالعين لَا تزجج وَإِنَّمَا تكحل فَردهَا على الحواجب لِأَن الْمَعْنى يعرف وَقَالَ ... علفتها تبنا وَمَاء بَارِدًا ... وَالْمَاء لَا يعلف فَجعله تَابعا للتبن {عربا أَتْرَابًا}

{أو آباؤنا الأولون}

قَرَأَ نَافِع فِي رِوَايَة إِسْمَاعِيل وَحَمْزَة وَأَبُو بكر {عربا أَتْرَابًا} سَاكِنة الرَّاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {عربا أَتْرَابًا} بِضَم الرَّاء على الأَصْل لِأَنَّهُ جمع عروب كَمَا تَقول صبور وصبر وَرَسُول ورسل وَالتَّخْفِيف فِي ذَلِك سَائِغ كَمَا تَقول رسل {أَو آبَاؤُنَا الْأَولونَ} 48 قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر / أَو آبَاؤُنَا الْأَولونَ / بِإِسْكَان الْوَاو وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْفَتْح وَهِي وَاو نسق دخلت عَلَيْهَا ألف الِاسْتِفْهَام وَمن سكن فَكَأَنَّهُ شكّ فهم يَقُولُونَ أَنَحْنُ نبعث أَو آبَاؤُنَا الْأَولونَ {فشاربون شرب الهيم} قَرَأَ نَافِع وَعَاصِم وَحَمْزَة {فشاربون شرب الهيم} بِضَم الشين وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْفَتْح وهما لُغَتَانِ الْعَرَب تَقول أُرِيد شرب المَاء وَشرب المَاء وَقَالَ آخَرُونَ الشّرْب الْمصدر وَالشرب بِالضَّمِّ الِاسْم وَاحْتج من فتح بالْخبر قَالَ صلى الله عَلَيْهِ لِأَنَّهَا أَيَّام أكل وَشرب وبعال {نَحن قَدرنَا بَيْنكُم الْمَوْت وَمَا نَحن بمسبوقين} قَرَأَ ابْن كثير {نَحن قَدرنَا بَيْنكُم الْمَوْت} بِالتَّخْفِيفِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ وهما لُغَتَانِ قدرت وقدرت {إِنَّا لمغرمون}

{فلا أقسم بمواقع النجوم}

قَرَأَ أَبُو بكر / أإنا لمغرمون / بهمزتين على الِاسْتِفْهَام وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {إِنَّا لمغرمون} على لفظ الْخَبَر واستئناف كَلَام يَقُول الْجَمَاعَة إِنَّا أصبْنَا بالغرم {فَلَا أقسم بمواقع النُّجُوم} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / فَلَا أقسم بموقع النُّجُوم / على وَاحِد وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {بمواقع} جمَاعَة أَي بمساقطها قَالُوا فالجمع أولى لِأَنَّهُ مُضَاف إِلَى جمع وَرُوِيَ عَن الْحسن أَنه قَالَ انتشارها يَوْم الْقِيَامَة وَعنهُ أَيْضا قَالَ مغايبها وَعَن ابْن عَبَّاس قَالَ مواقع النُّجُوم نزُول الْقُرْآن كَانَ ينزل نجوما شَيْئا بعد شَيْء فَهَذَا دَلِيل على معنى الْجمع لِأَن الْقُرْآن نزل فِي زمَان طَوِيل وَحجَّة من قَرَأَ بموقع النُّجُوم أَن الْموقع فِي معنى الْمصدر وَهُوَ يصلح للقليل وَالْكثير لِأَن مَعْنَاهُ بِوُقُوع وَيجْرِي مجْرى قَول الرجل عملت عمل الرِّجَال وَأُخْرَى وَهِي مَا رُوِيَ عَن عبد الله قَالَ / فَلَا أقسم بموقع النُّجُوم / أَي بمحكم الْقُرْآن 57 - سُورَة الْحَدِيد {وَمَا لكم لَا تؤمنون بِاللَّه وَالرَّسُول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وَقد أَخذ ميثاقكم} 8 قَرَأَ أَبُو عَمْرو {وَقد أَخذ ميثاقكم} بِضَم الْألف وَالْقَاف على

مَا لم يسم فَاعله وحجته إِجْمَاع الْجَمِيع على قَوْله {ألم يُؤْخَذ عَلَيْهِم مِيثَاق الْكتاب} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْح الْألف وَالْقَاف وحجتهم أَنه قرب من ذكر الله فِي قَوْله {لتؤمنوا بربكم} فأجروا الْفِعْل إِلَى الله أَي وَقد أَخذ ربكُم ميثاقكم ... {وكلا وعد الله الْحسنى} قَرَأَ ابْن عَامر / وكل وعد الله الْحسنى / بِالرَّفْع جعله ابْتِدَاء وعدى الْفِعْل إِلَى ضَمِيره وَالتَّقْدِير وكل وعده وَمن حجَّته أَن الْفِعْل إِذا تقدم عَلَيْهِ مَفْعُوله لم يقو عمله فِيهِ قوته إِذا تَأَخّر أَلا ترى أَنهم قَالُوا زيد ضربت وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وكلا وعد الله الْحسنى} نصبا على أَنه مفعول بِهِ وَحجَّة النصب بَيِّنَة لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة زيدا وعدت خيرا فَهُوَ مفعول وعدت وَتقول ضربت زيدا وزيدا ضربت سَوَاء أصل هَذَا الْبَاب أَن تَقول زيد ضَربته هَذَا حد الْكَلَام لِأَنَّك إِذا شغلت ضربت عَن زيد بضمير تمّ الْفِعْل وَالْفَاعِل ومفعوله وَصَارَ زيد مَرْفُوعا بِالِابْتِدَاءِ وَيجوز أَن تَقول زيدا ضَربته فتنصبه بإضمار فعل هَذَا الَّذِي ذكرته تَفْسِيره كَأَنَّك قلت ضربت زيدا ضَربته تنصب زيدا فَتَقول زيدا ضربت فتشغل الْفِعْل بمفعوله الْمَذْكُور مقدما لِأَنَّهُ

{من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له}

إِذا افْتقر الْفِعْل إِلَى مَفْعُوله وَذكر ذَلِك الْمَفْعُول كَانَ تَعْلِيقه بِهِ أولى من قطعه عَنهُ فَتَقول زيدا ضربت وعَلى هَذَا قَوْله {وكلا وعد الله الْحسنى} فَإِن رفعت زيدا جَازَ على ضعف وَهُوَ أَن تضمر الْهَاء كَأَنَّك قلت زيد ضَربته ثمَّ تحذف الْهَاء من الْخَبَر فَتَقول زيد ضربت وعَلى هَذَا قِرَاءَة ابْن عَامر / وكل وعد الله الْحسنى / {من ذَا الَّذِي يقْرض الله قرضا حسنا فيضاعفه لَهُ} 11 قَرَأَ ابْن كثير وَابْن عَامر / فيضعفه / بِالتَّشْدِيدِ إِلَّا أَن ابْن كثير رفع الْفَاء ونصبها ابْن عَامر وَقَرَأَ عَاصِم {فيضاعفه} بِالْألف وَفتح الْفَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْألف وَالرَّفْع ضاعف وَضعف بِمَعْنى وَاحِد فَأَما الرّفْع فِي {فيضاعفه} فَهُوَ الْوَجْه لِأَنَّهُ مَحْمُول على {يقْرض} أَو على الِانْقِطَاع من الأول فَكَأَنَّهُ قَالَ فَهُوَ يُضَاعف وَمن نصب فعلى جَوَاب الِاسْتِفْهَام ويحمله على الْمَعْنى لِأَنَّهُ إِذا قَالَ {من ذَا الَّذِي يقْرض الله} فَكَأَنَّهُ قَالَ أيقرض الله أحد قرضا فيضاعفه {يَوْم يَقُول المُنَافِقُونَ والمنافقات للَّذين آمنُوا انظرونا نقتبس من نوركم} 13 قَرَأَ حَمْزَة {للَّذين آمنُوا انظرونا} بِقطع الْألف أَي أمهلونا كَمَا تَقول أَنْظرنِي حَتَّى أصنع كَذَا وَكَذَا يَقُول أنظرتك أَي أمهلتك وَقَالَ الْفراء وَقد قيل إِن معنى {انظرونا} أَي انتظرونا أَيْضا قَالَ وَالْعرب تَقول أَنْظرنِي وَهُوَ يُرِيد انتظرني

{فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا}

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {للَّذين آمنُوا انظرونا} أَي بوصل الْألف أَي انتظرونا كَمَا قَالَ {غير ناظرين إناه} أَي غير منتظرين إِدْرَاكه {فاليوم لَا يُؤْخَذ مِنْكُم فديَة وَلَا من الَّذين كفرُوا} قَرَأَ ابْن عَامر / فاليوم لَا تُؤْخَذ مِنْكُم فديَة / بِالتَّاءِ لتأنيث الْفِدْيَة وَسقط السُّؤَال وَقَرَأَ الْبَاقُونَ لَا يُؤْخَذ مِنْكُم بِالْيَاءِ للفصل الْوَاقِع بَين الْفِعْل والفدية فَصَارَ الْفِعْل عوضا عَن التَّأْنِيث وَقيل إِن التَّأْنِيث لَيْسَ يحقيقي إِنَّمَا أَرَادَ الْفِدَاء كَقَوْلِه {وَأخذ الَّذين ظلمُوا الصَّيْحَة} {ألم يَأن للَّذين آمنُوا أَن تخشع قُلُوبهم لذكر الله وَمَا نزل من الْحق} 16 قَرَأَ نَافِع وَحَفْص {وَمَا نزل من الْحق} بِالتَّخْفِيفِ بِمَعْنى وَمَا جَاءَ من الْحق يعنون الْقُرْآن الَّذِي نزل من عِنْد الله تَعَالَى وحجتهما قَوْله {وبالحق نزل} فَرد مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ أولى وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَمَا نزل من الْحق} بِالتَّشْدِيدِ وحجتهم ذكر الله قبله فِي قَوْله {أَن تخشع قُلُوبهم لذكر الله وَمَا نزل} أَي وَمَا نزل الله من الْحق

{إِن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضا حسنا} 18 قَرَأَ ابْن كثير وابو بكر {إِن المصدقين والمصدقات} بتَخْفِيف الصَّاد فيهمَا أَي الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات الَّذين صدقُوا الله وَرَسُوله وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {إِن المصدقين والمصدقات} بتَشْديد الصَّاد فيهمَا أَرَادوا المتصدقين والمتصدقات فأدغموا التَّاء فِي الصَّاد وحجتهم أَن فِي حرف أبي / إِن المتصدقين والمتصدقات / بتاء ظَاهِرَة فَهِيَ حجَّة لمن قَرَأَ بِالتَّشْدِيدِ وَأُخْرَى وَهِي فِي قَوْله {وأقرضوا الله قرضا حسنا} وَذَلِكَ أَن الْقَرْض هُوَ أشبه بِالصَّدَقَةِ من التَّصْدِيق وَحجَّة من خفف هِيَ أَن التَّخْفِيف فِي قَوْله {المصدقين} أَعم من التَّشْدِيد أَلا ترى أَن المصدقين بِالتَّشْدِيدِ مَقْصُورَة على الصَّدَقَة والمصدقين بِالتَّخْفِيفِ يعم التَّصْدِيق وَالصَّدَََقَة لِأَن الصَّدَقَة من الْإِيمَان فَهُوَ أوجب فِي بَاب الْمَدْح {لكَي لَا تأسوا على مَا فاتكم وَلَا تفرحوا بِمَا آتَاكُم} 23 قَرَأَ أَبُو عَمْرو {وَلَا تفرحوا بِمَا آتَاكُم} قصرا أَي جَاءَكُم وحجته فِي ذَلِك أَن {فاتكم} معادل بِهِ {آتَاكُم} فَكَمَا أَن الْفِعْل للْغَائِب فِي قَوْله {فاتكم} كَذَلِك يكون الْفِعْل للآتي فِي قَوْله بِمَا أَتَاكُم قَالَ أَبُو عَمْرو وتصديقها فِي آل عمرَان {وَلَا مَا أَصَابَكُم} قَالَ ف اصابكم وَجَاءَكُم سَوَاء

- سورة المجادلة {الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم}

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {بِمَا آتَاكُم} بِالْمدِّ أَي أَعْطَاكُم وحجتهم فِي ذَلِك أَن فِي حرف ابي وَابْن مَسْعُود / بِمَا أُوتِيتُمْ / أَي أعطيتم {الَّذين يَبْخلُونَ ويأمرون النَّاس بالبخل وَمن يتول فَإِن الله هُوَ الْغَنِيّ الحميد} 24 قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {ويأمرون النَّاس بالبخل} بِفَتْح الْبَاء وَالْخَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بالبخل وهما لُغَتَانِ مثل الرشد والرشد قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر / فَإِن الله الْغَنِيّ الحميد / لَيْسَ فِيهَا هُوَ وَكَذَلِكَ فِي مصاحفهما وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فَإِن الله هُوَ الْغَنِيّ الحميد} فَمن أسقط فَإِنَّهُ جعل {الْغَنِيّ} خبر {إِن} و {الحميد} نعت وَمن زَاد {هُوَ} فَلهُ مذهبان فِي النَّحْو أَحدهمَا أَن يَجْعَل هُوَ عمادا أَو فاصلة وَالْمذهب الثَّانِي أَن يَجْعَل هُوَ ابْتِدَاء والغني خَبره وَتَكون الْجُمْلَة فِي مَوضِع خبر إِن وَمثله {إِن شانئك هُوَ الأبتر} 58 - سُورَة المجادلة {الَّذين يظاهرون مِنْكُم من نِسَائِهِم مَا هن أمهاتهم إِن أمهاتهم إِلَّا اللائي ولدنهم} 2

قَرَأَ ابْن كثير وَنَافِع وَأَبُو عَمْرو {يظهرون} بتَشْديد الظَّاء من غير ألف وَقَرَأَ ابْن عَامر وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {الَّذين يظاهرون} بِالْألف وَالتَّشْدِيد وَقَرَأَ عَاصِم {يظاهرون} بِضَم الْيَاء وَتَخْفِيف الظَّاء وَكسر الْهَاء تَقول ظَاهر من امْرَأَته وَظهر مثل ضاعف وَضعف فَتدخل التَّاء على كل وَاحِد مِنْهُمَا فَيصير تظاهر وَتظهر يدْخل حرف المضارعة فَيصير يتظاهر ويتظهر ثمَّ تُدْغَم التَّاء فِي الظَّاء لمقاربتها فَتَصِير يظاهر وَيظْهر بِفَتْح الْيَاء الَّتِي هِيَ حرف المضارعة لِأَنَّهَا للمطاوعة كَمَا يفتحها فِي يتدحرج الَّذِي هُوَ مُطَاوع دحرجته فتدحرج وَوجه الرّفْع فِي قَوْله {مَا هن أمهاتهم} أَنه لُغَة تَمِيم قَالَ سِيبَوَيْهٍ وَهُوَ أَقيس الْوَجْهَيْنِ وَذَلِكَ أَن النَّفْي كالاستفهام فَكَمَا لَا يُغير الِاسْتِفْهَام الْكَلَام عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ فِي الْوَاجِب يَنْبَغِي أَلا يُغَيِّرهُ النَّفْي عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ فِي الْوَاجِب وَوجه النصب أَنه لُغَة أهل الْحجاز وَالْأَخْذ بلغتهم فِي الْقُرْآن أولى وَعَلَيْهَا جَاءَ {مَا هَذَا بشرا} واما قَول عَاصِم {يظاهرون} على وزن يفاعلون فحجته قَوْلهم الظِّهَار وَكثر ذَلِك على الْأَلْسِنَة اللائي قد ذكرت فِي سُورَة الْأَحْزَاب {ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرَّسُول} 8

2 - قَرَأَ حَمْزَة وينتجون بالإثم بالنُّون وَضم الْجِيم من غير ألف على يفتعلون وَالْأَصْل ينتجبون لِأَن لَام الْفِعْل يَاء من نَاجَيْت فاستثقلوا الضمة على الْيَاء فحذفوها وَقد حذفت لسكونها وَسُكُون الْوَاو يُقَال انتجى الْقَوْم ينتجون إِذا تساروا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ ويتناجون على يتفاعلون لِأَن التفاعل والمفاعلة لَا يكون إِلَّا من اثْنَيْنِ فَصَاعِدا فَكَذَلِك الْمُنَاجَاة بَين جمَاعَة وَهُوَ الْأَشْبَه بتشاكل الْكَلَام فِي هَذَا الْموضع قَالَ الله جلّ وَعز بعْدهَا {إِذا تناجيتم} وَقَالَ {وتناجوا بِالْبرِّ وَالتَّقوى} فَوَقع الْخط فِي هذَيْن الْمَوْضِعَيْنِ على شَيْء يشاكل يتناجون وَقَرَأَ حَمْزَة مثله لِأَن الْعَرَب تَقول اخْتَصَمُوا يختصمون وتخاصموا يتخاصمون وتقاتلوا واقتتلوا وَكَذَلِكَ انتجوا وتناجوا بِمَعْنى كَذَا قَالَ سِيبَوَيْهٍ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا قيل لكم تَفَسَّحُوا فِي الْمجَالِس فافسحوا يفسح الله لكم وَإِذا قيل انشزوا فانشزوا} 11 قَرَأَ عَاصِم {فِي الْمجَالِس} بِالْألف جعله عَاما أَي إِذا قيل لكم توسعوا فِي الْمجَالِس أَي مجَالِس الْعلمَاء وَالْعلم فتفسحوا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / فِي الْمجْلس / على التَّوْحِيد أَي فِي مجْلِس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ خَاصَّة

- سورة الحشر {يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار}

قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَحَفْص / وَإِذا قيل انشزوا فانشزوا / بِضَم الشين فيهمَا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِكَسْر الشين وهما لغتا نشز ينشز وينشز 59 - سُورَة الْحَشْر {يخربون بُيُوتهم بِأَيْدِيهِم وأيدي الْمُؤمنِينَ فاعتبروا يَا أولي الْأَبْصَار} 2 قَرَأَ أَبُو عَمْرو {يخربون} بِالتَّشْدِيدِ أَي يهدمون وحجته قَوْله {بُيُوتهم بِأَيْدِيهِم وأيدي الْمُؤمنِينَ} فَذكر الْبيُوت وَالْأَيْدِي للتكثير وَتردد الْفِعْل كَا قَالَ وغلقت الْأَبْوَاب وَقد أَجمعُوا على التَّشْدِيد فِي هَذَا الْحَرْف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يخربون} باتلخفيف وفيهَا وَجْهَان أَحدهمَا أَن يكون الْأَحْزَاب يَعْنِي بِهِ التّرْك تَقول أخربت الْمَكَان إِذا خرجت عَنهُ وَتركته فَمَعْنَى يخربون أَي يتركون بُيُوتهم وَالْوَجْه الآخر أَن يُرَاد معنى الْهدم فيجرى ذَلِك مجْرى أوفيت ووفيت وأكرمت وكرمت وأذكرته وذكرته وَكَذَلِكَ خربَتْ وأخربت وَالْأَصْل أَن تَقول خرب الْمنزل وأخربه صَاحبه وَخَرَّبَهُ أَيْضا {لَا يقاتلونكم جَمِيعًا إِلَّا فِي قرى مُحصنَة أَو من وَرَاء جدر} 14 قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو / من وَرَاء جِدَار / بِالْألف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {جدر} وَهُوَ جمع جِدَار مثل حمَار وحمر وَكتاب وَكتب وحجتهم أَنه أَتَى عقيب قَوْله {إِلَّا فِي قرى مُحصنَة} فأخرجوا الْقرى

- سورة الممتحنة {لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم}

بِلَفْظ الْجمع ثمَّ عطفوا بقوله {أَو من وَرَاء جدر} فَكَانَ الْجمع أشبه بِلَفْظ مَا تقدمه من التَّوْحِيد ليأتلف الْكَلَام على نظم وَاحِد وَمن قَرَأَ جِدَار فَهُوَ وَاحِد يُؤَدِّي عَن معنى الْجمع 60 - سُورَة الممتحنة {لن تنفعكم أَرْحَامكُم وَلَا أَوْلَادكُم يَوْم الْقِيَامَة يفصل بَيْنكُم} 33 قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {يَوْم الْقِيَامَة يفصل بَيْنكُم} بِرَفْع الْيَاء وَفتح الصَّاد على مَا لم يسم فَاعله وحجتهم قَوْله {وَهُوَ خير الفاصلين} وَلم يقل المفصلين وَقَوله {ليَوْم الْفَصْل} وَلم يقل ليَوْم التَّفْصِيل قَرَأَ عَاصِم {يفصل} بِفَتْح الْيَاء وَكسر الصَّاد مثل يضْرب وَالْمعْنَى يفصل الله بَيْنكُم كَمَا قَالَ {إِن رَبك هُوَ يفصل بَينهم يَوْم الْقِيَامَة} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {يفصل} بِضَم الْيَاء وَكسر الصَّاد وَالتَّشْدِيد أَي يفصل الله بَيْنكُم قَالُوا فلتردد الْفِعْل وَكَثْرَة مَا يفصل الله بَينهم يَوْم الْقِيَامَة وَقع التَّشْدِيد لِأَن التَّشْدِيد إِنَّمَا يدْخل فِي الْكَلَام لتردد الْفِعْل

- سورة الصف {فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين}

قَرَأَ ابْن عَامر {يفصل} بِفَتْح الصَّاد مَعَ التَّشْدِيد على مَا لم يسم فَاعله {وَلَا تمسكوا بعصم الكوافر} وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو {وَلَا تمسكوا} بِالتَّشْدِيدِ من قَوْلك مسك يمسك وحجته قَوْله {وَالَّذين يمسكون بِالْكتاب} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَلَا تمسكوا} بِالتَّخْفِيفِ من أمسك يمسك وحجتهم قَوْله {فإمساك بِمَعْرُوف} وَقَوله {وَلَا تمسكوهن ضِرَارًا} وَقَوله {أمسك عَلَيْك زَوجك} 61 - سُورَة الصَّفّ {فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سحر مُبين} 6 قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / قَالُوا هَذَا سَاحر مُبين / بِالْألف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ سحر وَقد ذكرت الْحجَّة فِي سُورَة الْمَائِدَة {وَالله متم نوره وَلَو كره الْكَافِرُونَ} 8 قَرَأَ نَافِع وَأَبُو عَمْرو وَابْن عَامر وَأَبُو بكر {وَالله متم} منون

نوره نصب وحجتهم أَن الْفِعْل منتظر فالتنوين الأَصْل وَهُوَ وعد من الله فِيمَا يسْتَقْبل وَفِي حَال الْفِعْل كَا ت قَول أَنا ضَارب زيدا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {متم نوره} على الْإِضَافَة وَقد ذكر فِيهَا وَجْهَان أَحدهمَا أَن الْإِضَافَة قد استعملتها الْعَرَب فِي الْمَاضِي والمنتظر وَأَن التَّنْوِين لم يسْتَعْمل إِلَّا فِي المنتظر خَاصَّة فَلَمَّا كَانَا مستعملين وَقد نزل بهما الْقُرْآن أَخذ بِأَكْثَرَ الْوَجْهَيْنِ أصلا وَالْوَجْه الآخر أَن يُرَاد بِهِ التَّنْوِين ثمَّ يحذف التَّنْوِين طلبا للتَّخْفِيف كَمَا قَالَ جلّ وَعز {كل نفس ذائقة الْمَوْت} وَقَوله {إِنَّكُم لذائقوا الْعَذَاب الْأَلِيم} {هَل أدلكم على تِجَارَة تنجيكم من عَذَاب أَلِيم} 10 قَرَأَ ابْن عَامر {تنجيكم من عَذَاب أَلِيم} بِالتَّشْدِيدِ وحجته قَوْله {ونجينا الَّذين آمنُوا} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ وحجتهم {فأنجاه الله من النَّار} وهما لُغَتَانِ {كونُوا أنصار الله كَمَا قَالَ عِيسَى ابْن مَرْيَم للحواريين من أَنْصَارِي إِلَى الله قَالَ الحواريون نَحن أنصار الله} قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو / كونُوا أنصارا لله / منونا أَي كونُوا لله أنصارا أَي اثبتوا أَو دوموا على هَذَا

- سورة الجمعة

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أنصار الله} على الْإِضَافَة كَمَا تَقول كن نَاصِر زيد وحجتهم فِي ذَلِك إِجْمَاع الْجَمِيع على الْإِضَافَة فِي قَوْله {نَحن أنصار الله} وَلم يقل نَحن أنصار لله فَكَانَ رد مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ أولى أنصار وَاحِدهَا نَاصِر مثل شَاهد وأشهاد وَصَاحب وَأَصْحَاب 62 - سُورَة الْجُمُعَة 63 - سُورَة الْمُنَافِقين {كَأَنَّهُمْ خشب مُسندَة} قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَالْكسَائِيّ {كَأَنَّهُمْ خشب} بِإِسْكَان الشين جمع خَشَبَة وخشب وبدنة وبدن وأكمة وأكم وقرا الْبَاقُونَ {خشب} بِضَم الشين جمع خَشَبَة كَمَا تَقول ثَمَرَة وثمر وثمر {لووا رؤوسهم} قَرَأَ نَافِع {لووا رؤوسهم} بِالتَّخْفِيفِ جعله من لوى يلوي ليا وَهُوَ إِذا أنكر الرجل شَيْئا لوى راسه وعنقه وَالْأَصْل لويوا فحذفت الضمة من الْيَاء فَالتقى ساكنان فحذفوا الْيَاء وَحجَّة هَذِه الْقِرَاءَة قَوْله ليا بألسنتهم وَالْأَصْل لويا فقلبوا الْوَاو يَاء

وأدغموا الْيَاء فِي الْيَاء وَالْأَمر مِنْهُ الو وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ من قَوْلك لوى يلوي تلوية وَالْأَصْل لويوا ثمَّ عمِلُوا فِيهَا مَا عمِلُوا فِي التَّخْفِيف وحجتهم فِي ذَلِك أَن الرؤوس جمَاعَة فوجهها التَّشْدِيد وَكَذَلِكَ كل فعل يكثر مرّة بعد مرّة وَمعنى لووا أَنهم ينغضون رؤوسهم أَي يحركونها استهزاء باستغفار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَالْأَمر من هَذَا لَو {رب لَوْلَا أخرتني إِلَى أجل قريب فَأَصدق وأكن من الصَّالِحين} 10 قَرَأَ أَبُو عَمْرو / فَأَصدق وأكون من الصَّالِحين / وقرا الْبَاقُونَ {وأكن} قَوْله {فَأَصدق} {وأكن} كَأَنَّهُ جَوَاب معنى الاستفها الْمَعْنى لَئِن أخرتني وَجزم وأكن عطفا على مَوْضِعه أَلا ترى أَنَّك إِذا قلت أخرني أصدق كَانَ جزما بِأَنَّهُ جَوَاب الْجَزَاء وَقد أغْنى السُّؤَال عَن ذَلِك الشَّرْط وَالتَّقْدِير أخرني فَإِن تؤخرني أصدق فَلَمَّا كَانَ الْفِعْل الْمَنْصُوب بعد الْفَاء فِي مَوضِع فعل مجزوم بانه جَزَاء الشَّرْط حمل قَوْله {وأكن} عَلَيْهِ وَمثل ذَلِك قِرَاءَة من قَرَأَ {من يضلل الله فَلَا هادي لَهُ} ويذرهم لما كَانَ فَلَا هادي فِي مَوضِع فعل مجزوم حمل يذرهم عَلَيْهِ

- سورة التغابن {ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات}

وَأما قَول أبي عَمْرو وأكون فنه حمله على لفظ فأصد وأكون وَذَلِكَ أَن لَوْلَا مَعْنَاهُ هلا وَجَوَاب الِاسْتِفْهَام بِالْفَاءِ يكون مَنْصُوبًا وَكَانَ الْحمل على اللَّفْظ أولى لظُهُوره فِي اللَّفْظ وقربه مِمَّا لَا لفظ لَهُ فِي الْحَال {وَالله خَبِير بِمَا تَعْمَلُونَ} قَرَأَ أَبُو بكر / وَالله خَبِير بِمَا يعْملُونَ / بِالْيَاءِ خبر غائبين وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {بِمَا تَعْمَلُونَ} بِالتَّاءِ على الْخطاب 64 - سُورَة التغابن {وَمن يُؤمن بِاللَّه وَيعْمل صَالحا يكفر عَنهُ سيئاته ويدخله جنَّات} 9 قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر / نكفر عَنهُ سيئاته وندخله / بالنُّون وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ وحجتهم أَن الِاسْم الظَّاهِر قد تقدم وَهُوَ قَوْله {وَمن يُؤمن بِاللَّه وَيعْمل صَالحا} فَكَذَلِك قَوْله {يكفر عَنهُ سيئاته ويدخله جنَّات} وَحجَّة النُّون مَا تقدم أَيْضا وَهُوَ قَوْله {والنور الَّذِي أنزلنَا} وَيجوز أَن يكون النُّون كَقَوْلِه تَعَالَى {سُبْحَانَ الَّذِي أسرى بِعَبْدِهِ} ثمَّ جَاءَ {وآتينا مُوسَى الْكتاب}

- سورة النساء القصوى وهي سورة الطلاق {إلا أن يأتين بفاحشة مبينة}

{إِن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم} 17 قَرَأَ ابْن كثير وَابْن عَامر / يُضعفهُ لكم / وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يضاعفه} بِالْألف ضاعف وَضعف بِمَعْنى فِيمَا قَالَ سِيبَوَيْهٍ 65 - سُورَة النِّسَاء القصوى وَهِي سُورَة الطَّلَاق {إِلَّا أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة مبينَة} 1 بِفَاحِشَة مبينَة و {مبينات} قد ذكرنَا فِي سُورَة النُّور {إِن الله بَالغ أمره} 3 قَرَأَ حَفْص {إِن الله بَالغ أمره} مُضَافا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بَالغ أمره أَي سيبلغ أمره فِيمَا يُرِيد فِيكُم فَهَذَا هُوَ الأَصْل وَمن أضَاف حذف التَّنْوِين اسْتِخْفَافًا وَالْمعْنَى معنى ثبات النُّون {إِنَّا مرسلو النَّاقة} قد ذكرنَا {وَمن يُؤمن بِاللَّه وَيعْمل صَالحا يدْخلهُ جنَّات} 11 قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر / ندخله جنَّات / إِخْبَار الله عَن نَفسه وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ وحجتهم قَوْله {وَمن يُؤمن بِاللَّه وَيعْمل صَالحا}

- سورة التحريم {فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض}

66 - سُورَة التَّحْرِيم {فَلَمَّا نبأت بِهِ وأظهره الله عَلَيْهِ عرف بعضه وَأعْرض عَن بعض} قَرَأَ الْكسَائي {عرف بعضه} بِالتَّخْفِيفِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ عرف بِالتَّشْدِيدِ من قَوْلك عرفتك الشَّيْء أَي أَخْبَرتك بِهِ فَالْمَعْنى عرف حَفْصَة بعض الحَدِيث وَأعْرض عَن بعض فَلم يعرفهُ إِيَّاهَا على وَجه التكرم والإغضاء وَألا يبلغ أقْصَى مَا كَانَ مِنْهَا وَجَاء فِي التَّفْسِير أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ أخْبرهَا بِبَعْض مَا أعلمهُ الله عَنْهَا أَنَّهَا قَالَت وحجتهم قَوْله {فَلَمَّا نبأها} بِهِ أَي خَبَرهَا فَهَذَا دَلِيل على التَّعْرِيف وَيُقَوِّي ذَلِك قَوْله {وَأعْرض عَن بعض} يَعْنِي أَنه لم يعرفهَا إِيَّاه وَلَو كَانَ عرف لَكَانَ الْإِنْكَار ضِدّه فَقيل وَأنكر بَعْضًا وَلم يقل وَأعْرض عَنهُ وَوجه التَّخْفِيف لقِرَاءَة الْكسَائي {عرف بعضه} أَي جازى عَلَيْهِ وَغَضب من ذَلِك وحجته فِي ذَلِك أَن جَاءَ فِي التَّفْسِير أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ جازى حَفْصَة بِطَلَاقِهَا قَالَ الزّجاج وَتَأْويل هَذَا حسن بَين معنى عرف بعضه أَي جازى عَلَيْهِ كَمَا تَقول لمن تتوعده قد علمت مَا عملت وَقد عرفت مَا صنعت تَأْوِيله فسأجازيك عَلَيْهِ لَا أَنَّك تقصد إِلَى أَن تعرفه أَنَّك قد علمت فَقَط وَمثله قَوْله تَعَالَى {وَمَا تَفعلُوا من خير يُعلمهُ الله} فتأويله يُعلمهُ الله ويجازي عَلَيْهِ وَالله يعلم كل مَا يعْمل فَقيل إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ طلق حَفْصَة تَطْلِيقَة فَكَانَ ذَلِك

جزاءها عِنْده وَكَانَت صَوَّامَة قَوَّامَة فَأمر الله عز وَجل أَن يُرَاجِعهَا فَرَاجعهَا {وَإِن تظاهرا عَلَيْهِ فَإِن الله هُوَ مَوْلَاهُ} 4 قرأعاصم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وَإِن تظاهرا عَلَيْهِ} بِالتَّخْفِيفِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ أَرَادوا تتظاهرا فأدغموا التَّاء فِي الظَّاء وَمن خفف أسقط التَّاء مثل {تذكرُونَ} {عَسى ربه إِن طَلَّقَكُن أَن يُبدلهُ أَزْوَاجًا خيرا مِنْكُن} قَرَأَ نَافِع وَأَبُو عَمْرو أَن يُبدلهُ بِالتَّشْدِيدِ من بدل يُبدل وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ من أبدل يُبدل وَقد ذكرت {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا تُوبُوا إِلَى الله تَوْبَة نصُوحًا} 8 قَرَأَ أَبُو بكر {تَوْبَة نصُوحًا} بِضَم النُّون جعله مصدرا من نصح ينصح نصحا ونصاحة ونصوحا مثل شكرت شكُورًا وَجَلَست جُلُوسًا وَقَعَدت قعُودا الْمَعْنى ينصحون فِيهَا نصُوحًا يُقَال نصح الشَّيْء نصُوحًا أَي خلص وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {نصُوحًا} بِالْفَتْح جَعَلُوهُ صفة للتَّوْبَة وَمَعْنَاهُ تَوْبَة بَالِغَة فِي النصح لِأَن فعولًا لَا يسْتَعْمل إِلَّا للْمُبَالَغَة فِي الْوَصْف كَمَا تَقول رجل صبور وشكور وَجَاء فِي التَّفْسِير أَن التَّوْبَة النصوح الَّتِي لَا ينوى مَعهَا معاودة

- سورة الملك {ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت}

وَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن زيد نصُوحًا صَادِقَة وَقيل خَالِصَة وَإِنَّمَا قيل {نصُوحًا} وَلم يقل نصوحة لِأَن فعولًا يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذكر والمؤنث فَتَقول أَرض طهُور وَمَاء طهُور وَرجل صبور وَامْرَأَة صبور {وصدقت بِكَلِمَات رَبهَا وَكتبه وَكَانَت من القانتين} 12 قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَحَفْص {وَكتبه} جمَاعَة وحجتهما أَنَّهَا صدقت بِجَمِيعِ كتب الله فالجمع أولى وَأحسن وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / وَكتابه / أَرَادوا الْجِنْس كَمَا تَقول كثر الدِّرْهَم فِي ايدي النَّاس تُرِيدُ الْجِنْس وكما قَالَ جلّ وَعز {وَإِن تعدوا نعْمَة الله لَا تحصوها} المُرَاد الْكَثْرَة فَكَذَلِك قَوْله / وَكتابه / 67 - سُورَة الْملك {مَا ترى فِي خلق الرَّحْمَن من تفَاوت} 3 قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / من تفوت / وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْألف قَالَ سِيبَوَيْهٍ فَاعل وَفعل بِمَعْنى وَاحِد تَقول ضاعف وَضعف وتعاهد وتعهد فعلى هَذَا الْقيَاس يكون تفَاوت وتفوت بِمَعْنى يُقَال تفَاوت الشَّيْء تَفَاوتا وتفوت تفوتا إِذا اخْتلف وَالْمعْنَى مَا ترى فِي خلقه السَّمَاء اخْتِلَافا وَلَا اضطرابا قَالُوا وتفاوت أَجود لأَنهم يَقُولُونَ تفَاوت الْأَمر وَلَا يكادون يَقُولُونَ تفوت الْأَمر

{فَاعْتَرفُوا بذنبهم فسحقا لأَصْحَاب السعير} 11 قَرَأَ الْكسَائي {فسحقا لأَصْحَاب السعير} بِضَم الْحَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِإِسْكَان الْحَاء وهما لُغَتَانِ مثل الرعب والرعب والسحت والسحت وسقحا مَنْصُوب على الْمصدر الْمَعْنى سحقهم الله سحقا أَي باعدهم من رَحمته مباعدة {وَإِلَيْهِ النشور أأمنتم} 15 و 16 وَقَرَأَ ابْن كثير فِي رِوَايَة القواس / وَإِلَيْهِ النشور وأمنتم / بواو فِي اللَّفْظ أَصله أأمنتم إِذا حقق الهمزتين فَإِذا خفف الْهمزَة الأولى قَلبهَا واوا لانضمام مَا قبلهَا وَهَذَا فِي الْمُنْفَصِل نَظِير قَوْلهم فِي الْمُتَّصِل مثل جؤن إِذا خففت قلبت واوا فَتَقول جون وَقَرَأَ نَافِع وَأَبُو عَمْرو والبزي {آمنتم} فَهُوَ أَن تحقق الأولى وتخفف الثَّانِيَة وَقد ذكرت الْحجَّة فِي سُورَة الْبَقَرَة وَقَرَأَ أهل الشَّام وَأهل الْكُوفَة بهمزتين {فستعلمون من هُوَ فِي ضلال مُبين} 29 قَرَأَ الْكسَائي {فسيعلمون من هُوَ} بِالْيَاءِ وحجته أَن ذكر الْغَيْبَة قد تقدم فِي قَوْله {فَمن يجير الْكَافرين من عَذَاب أَلِيم} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فستعلمون} بِالتَّاءِ أَي قل لَهُم وحجتهم قَوْله {قل أَرَأَيْتُم إِن أهلكني الله وَمن معي} 28

سورة ن {ن والقلم وما يسطرون}

سُورَة ن {ن والقلم وَمَا يسطرون} قَرَأَ ابْن عَامر وَالْكسَائِيّ وَأَبُو بكر وَابْن اليزيدي {ن والقلم} بإخفاء النُّون وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِإِظْهَار النُّون فَمن أظهر قَالَ هُوَ حرف هجاء وَحكمه أَن ينْفَصل عَمَّا بعده فَبنِي الْكَلَام فِيهِ على الْوَقْف لَا على الْوَصْل وَالْبَاقُونَ بنوا الْكَلَام على الْوَصْل قَالَ الزّجاج وَالَّذِي أخْتَار إدغام النُّون فِي الْوَاو كَانَت النُّون سَاكِنة أَو متحركة لِأَن الَّذِي جَاءَ فِي التَّفْسِير يباعدها من الإسكان والتبيين لِأَن من أسكنها وَبَينهَا فَإِنَّمَا يَجْعَلهَا حرف هجاء وَالَّذِي يدغمها فَجَائِز أَن يدغمها وَهِي مَفْتُوحَة وَجَاء فِي التَّفْسِير أَن نون الْحُوت الَّتِي دحيت عَلَيْهَا الأرضون السَّبع وَجَاء فِي التَّفْسِير أَن نون الدواة {أَن كَانَ ذَا مَال وبنين} قَرَأَ ابْن عَامر آن كَانَ بِهَمْزَة مُطَوَّلَة وَقَرَأَ حَمْزَة وَأَبُو بكر أأن الْهمزَة الأولى توبيخ وَالثَّانيَِة ألف أصل وَمن مد كره الْجمع بَينهمَا فلين الثَّانِيَة تَخْفِيفًا قَالَ الْفراء من قَالَ / أأن كَانَ ذَا مَال / بهمزتين فَإِنَّهُ وبخه

- سورة الحاقة {وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة}

ألأن كَانَ ذَا مَال وبنين تُطِيعهُ أَي لَا تطعه ليساره وعدده قَالَ وَإِن شِئْت قلت ألأن كَانَ ذَا مَال وبنين إِذا تليت عَلَيْهِ آيَاتنَا قَالَ أساطير الْأَوَّلين أَي جعل مجازاة النِّعْمَة الَّتِي خولها الله من المَال والبنين الْكفْر بِآيَاتِنَا كَمَا تَقول أأن أَعطيتك مَالِي سعيت عَليّ قَالَ الزّجاج إِذا جَاءَ ألف الِاسْتِفْهَام فَهَذَا هُوَ القَوْل لَا يصلح غَيره وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أَن كَانَ ذَا مَال} بِهَمْزَة وَاحِدَة على الْخَبَر عَنهُ وتأويله لِأَن كَانَ ذَا مَال وبنين وَقيل فِي التَّفْسِير وَلَا تُطِع كل حلاف مهين أَن كَانَ ذَا مَال وبنين أَي لَا تطعه ليساره وعدده {وَإِن يكَاد الَّذين كفرُوا ليزلقونك بِأَبْصَارِهِمْ} 51 قَرَأَ نَافِع {ليزلقونك} بِفَتْح الْيَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {ليزلقونك} بِضَم الْيَاء وَالْمعْنَى يصرعونك وهما لُغَتَانِ يُقَال أزلق يزلق وزلق يزلق وَالْمعْنَى وَاحِد 69 - سُورَة الحاقة {وَجَاء فِرْعَوْن وَمن قبله والمؤتفكات بالخاطئة} 9 قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَالْكسَائِيّ {وَجَاء فِرْعَوْن وَمن قبله} بِكَسْر الْقَاف أَي وتباعه الْمَعْنى جَاءَ فِرْعَوْن وَأَصْحَابه وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَمن قبله} بِفَتْح الْقَاف أَي من تقدمه أَرَادَ من الْأُمَم الْمَاضِيَة قبله {يَوْمئِذٍ تعرضون لَا تخفى مِنْكُم خافية} 18 د قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / لَا يخفى مِنْك خافية / بِالْيَاءِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ لتانيث الخافية وَسقط السُّؤَال وَمن قَرَأَ بِالْيَاءِ فَإِنَّهُ يردهُ

إِلَى أَمر خَافَ أَي خَفِي يجوز أَن يكون لما فصل بَين اسْم الْمُؤَنَّث وَفعله بفاصل ذكر الْفِعْل لِأَن الْفَاصِل كَانَ كالعوض وخافية تكون نعتا لمَحْذُوف أَي لَا تخفى مِنْكُم على الله وَلَا تتوارى من الله نفس خافية كَمَا قَالَ جلّ وَعز {لَا يخفى على الله مِنْهُم شَيْء} فَإِن شِئْت جعلت التَّأْنِيث ل فعلة أَي لَا تخفى مِنْكُم فعلة خافية {مَا أغْنى عني ماليه هلك عني سلطانيه} 28 و 29 قَرَأَ حَمْزَة {مَا أغْنى عني ماليه هلك عني سلطانيه} بِحَذْف الْهَاء فيهمَا فِي الْوَصْل وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِإِثْبَات الْهَاء فِي الْوَصْل وَأَجْمعُوا على إِثْبَات الْهَاء فِي الْوَقْف وَاعْلَم أَن هَذِه الْهَاء أدخلت لتبين بهَا حَرَكَة مَا قبلهَا فِي الْوَقْف إِذْ الْمَسْكُوت عَلَيْهِ سَاكن فكرهوا أَن يسكتوا على الْيَاء فَلَا يفرق بَينهَا وَهِي متحركة فِي الْوَصْل وَبَينهَا وَهِي سَاكِنة فِي الْوَصْل فبينوا حركتها بِهَذِهِ الْهَاء لِأَن الْمَسْكُوت عَلَيْهِ إِذا كَانَ متحركا فِي الْوَصْل مسكن فِي الْوَقْف وَإِذا كَانَ سَاكِنا فِي الْوَصْل سَاكن فِي الْوَقْف وَإِنَّمَا يصلح إِثْبَات هَاء الْوَقْف فِي الفواصل لِأَنَّهَا مسكوت عَلَيْهَا على أَن دُخُول الْهَاء أَمارَة إِذا وصل الْقَارئ الْآيَة بِالْآيَةِ وَحجَّة من حذف الْهَاء فِي الإدراج فَإِنَّهُ يَقُول الْهَاء جلبتها لحفظ

- سورة المعارج {سأل سائل بعذاب واقع}

حَرَكَة الْيَاء فِي حَال الْوَقْف لِأَنَّهُ لَو وقف على الْيَاء المتحركة لَكَانَ الْوَقْف بِالسُّكُونِ فَكَانَت الْيَاء تسكن لأجل الْوَقْف فَإِذا لم يكن وقف لم يجب فِيهَا السّكُون فَلم يحْتَج إِلَى الْهَاء الَّتِي تحفظ حركتها الْوَاجِبَة لَهَا لِأَن الْحَال حَال الإدراج الَّذِي لَا يَقْتَضِي السّكُون {وَمَا هُوَ بقول شَاعِر قَلِيلا مَا تؤمنون وَلَا بقول كَاهِن قَلِيلا مَا تذكرُونَ} 41 و 42 قَرَأَ ابْن كثير / قَلِيلا مَا يُؤمنُونَ / و / قَلِيلا مَا يذكرُونَ / بِالْيَاءِ فيهمَا خبر عَن غائبين كَأَنَّهُ قَالَ قَلِيلا مَا يُؤمنُونَ يَا مُحَمَّد وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ على الْخطاب وحجتهم قَوْله بعْدهَا {فَمَا مِنْكُم من أحد عَنهُ حاجزين} 47 70 - سُورَة المعارج {سَأَلَ سَائل بِعَذَاب وَاقع} 1 قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر {سَأَلَ} غير مَهْمُوز أَرَادَ سَأَلَ بِالْهَمْز فَترك الْهَمْز للتَّخْفِيف قَالَ مُحَمَّد بن يزِيد الْمبرد من لم يهمز فعلى أحد وَجْهَيْن إِمَّا أَن يَأْخُذهَا من سَالَ يسيل من السَّيْل وَالْوَجْه الثَّانِي أَن يكون من سلت أسَال كَمَا تَقول خفت أَخَاف ونمت أَنَام وسلت أسَال فِي معنى سَأَلت أسأَل وَهِي لُغَة مَعْرُوفَة وَالْعرب تَقول سَأَلت أسأَل وَيُقَوِّي الْوَجْه الأول مَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ

من قَرَأَهَا بِلَا همز فَإِنَّهُ وَاد فِي جَهَنَّم وَمن قَرَأَهَا مَهْمُوزَة يُرِيد النَّضر فعلى هَذَا القَوْل سَائل وَاد فِي جَهَنَّم كَمَا قَالَ {فَسَوف يلقون غيا} والغي وَاد وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {سَأَلَ} بِالْهَمْز أَي دَعَا دَاع وَهُوَ النَّضر ابْن الْحَارِث بن كلدة وَأجْمع الْقُرَّاء على همز {سَائل} لِأَنَّهُ إِن كَانَ من سَأَلَ بِالْهَمْز فعين الْفِعْل همزَة وَإِن كَانَ من سَالَ بِغَيْر همز فالهمزة بدل من الْيَاء كَمَا تَقول سَار فَهُوَ سَائِر {تعرج الْمَلَائِكَة وَالروح إِلَيْهِ} 4 قَرَأَ الْكسَائي / يعرج الْمَلَائِكَة / بِالْيَاءِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ الجموع تذكر إِذا قدرت بهَا الْجمع وتؤنث إِذا أُرِيد بهَا الْجَمَاعَة نَحْو قَالَ الرِّجَال وَقَالَت الرِّجَال قَالَ الله {كذبت قوم نوح الْمُرْسلين} وَقَالَ {إِذْ قَالَت الْمَلَائِكَة} فَمن قَرَأَ {تعرج} بِالتَّاءِ فَإِنَّهُ ذهب إِلَى جمَاعَة الْمَلَائِكَة وَمن قَرَأَ بِالْيَاءِ فَإِنَّهُ ذهب إِلَى جمع الْمَلَائِكَة {وَلَا يسْأَل حميم حميما يبصرونهم يود المجرم لَو يفتدي من عَذَاب يَوْمئِذٍ ببنيه} 10 و 11

قَرَأَ البرجمي عَن أبي بكر {وَلَا يسْأَل حميم حميما} بِضَم الْيَاء أَي لَا يُقَال لحميم أَيْن حميمك أَي لَا يُطَالب قَرِيبا بِأَن يحضر قَرِيبه كَمَا يفعل أهل الدُّنْيَا بِأَن يُؤْخَذ الْجَار بالجار وَالْحَمِيم بالحميم لِأَنَّهُ لَا جور هُنَاكَ أعلم أَنَّك إِذا بنيت الْفِعْل للْفَاعِل قلت سَأَلت زيدا عَن حميمه فَإِذا بنيت الْفِعْل للْمَفْعُول بِهِ قلت سُئِلَ زيد عَن حميمه وَقد يحذف الْجَار فيصل الْفِعْل إِلَى الِاسْم الَّذِي كَانَ مجرورا قبل حذف الْجَار فينتصب الِاسْم فعلى هَذَا انتصاب قَوْله {حميما} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَلَا يسْأَل} بِفَتْح الْيَاء لأَنهم فِي شغل فِي أنفسهم عَن أَن يلقى قريب قَرِيبه فَكيف أَن يسْأَل ألم تسمع قَوْله تَعَالَى {يَوْم ترونها تذهل كل مُرْضِعَة عَمَّا أرضعت} قَالَ أَبُو عبيد وَالشَّاهِد عَلَيْهَا قَوْله {يَوْم يفر الْمَرْء من أَخِيه} فَكيف يسألهم عَن شَيْء وَهُوَ يفر مِنْهُم وَالْفِعْل قبل تَضْعِيف الْعين مِنْهُ بصرت بِهِ كَمَا جَاءَ

{بصرت بِمَا لم يبصروا بِهِ} فَإِذا ضعفت عين الْفِعْل صَار الْفَاعِل مَفْعُولا تَقول بصرني زيد بِكَذَا فَإذْ حذفت الْجَار قلت بصرني زيد كَذَا فَإِذا بنيت الْفِعْل للْمَفْعُول بِهِ وَقد حذفت الْجَار قلت بصرت كَذَا فعلى هَذَا قَوْله {يبصرونهم} لِأَن الْحَمِيم وَإِن كَانَ مُفردا فِي اللَّفْظ فَالْمُرَاد بِهِ الْكَثْرَة وَالْجمع قَرَأَ نَافِع وَالْكسَائِيّ {من عَذَاب يَوْمئِذٍ} بِفَتْح الْمِيم وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِكَسْر الْمِيم على أصل الْإِضَافَة وَمن فتح {يَوْم} فَلِأَنَّهُ مُضَاف إِلَى غير مُتَمَكن مُضَاف إِلَى {إِذْ} وَإِذ مُبْهمَة وَمَعْنَاهُ يَوْم يكون كَذَا فَلَمَّا كَانَت مُبْهمَة أضيف إِلَيْهَا بني الْمُضَاف إِلَيْهَا على الْفَتْح {كلا إِنَّهَا لظى نزاعة للشوى} 1615 قَرَأَ حَفْص نزاعة للشوى بِالنّصب وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْع قَالَ الزّجاج من نصب فعلى أَنَّهَا حَال مُؤَكدَة كَمَا قَالَ {هُوَ الْحق مُصدقا} وكما تَقول أَنا زيد مَعْرُوفا فَتكون {نزاعة} مَنْصُوبَة مُؤَكدَة لأمر النَّار وَمن رَفعهَا جعلهَا بَدَلا من لظى على تَقْدِير كلا إِنَّهَا لظى وكلا إِنَّهَا نزاعة للشوى كَذَا كرّ الْفراء وَقَالَ الزّجاج وَالرَّفْع على أَن تكون {لظى} و {نزاعة} خَبرا عَن الْهَاء

وَالْألف كَمَا تَقول إِنَّه حُلْو حامض تُرِيدُ أَنه قد جمع الطعمين وَتَكون الْهَاء وَالْألف إضمارا للقصة الْمَعْنى أَن الْقِصَّة نزاعة للشوى {وَالَّذين هم لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدهمْ رَاعُونَ وَالَّذين هم بشهاداتهم قائمون} 32 و 33 قَرَأَ ابْن كثير / وَالَّذين هم لأمانتهم / وَاحِدَة وحجته قَوْله {وَعَهْدهمْ رَاعُونَ} وَلم يقل وعهودهم قَالَ بعض أهل النَّحْو وَجه الْإِفْرَاد أَنه مصدر وَاسم جنس فَيَقَع على الْكَثْرَة وَإِن كَانَ مُفردا فِي اللَّفْظ وَمن هَذَا قَوْله {كَذَلِك زينا لكل أمة عَمَلهم} فأفرد وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لِأَمَانَاتِهِمْ} جمَاعَة وحجتهم قَوْله إِن الله يَأْمُركُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَات والأمانات جمع امانة وَأَمَانَة مصدر وَيجوز جمع الْمصدر إِذا اخْتلفت أَنْوَاعه فَمن جمع فلاختلاف الْأَمَانَات وَكَثْرَة ضروبها يحسن الْجمع من اجل الِاخْتِلَاف قَرَأَ حَفْص {وَالَّذين هم بشهاداتهم} جمَاعَة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / بِشَهَادَتِهِم / على التَّوْحِيد وَالْقَوْل فِي الشَّهَادَة والشهادات كَمَا تقدم من القَوْل فِي الْأَمَانَة والأمانات {كَأَنَّهُمْ إِلَى نصب يوفضون} قَرَأَ ابْن عَامر وَحَفْص {كَأَنَّهُمْ إِلَى نصب} بِضَم النُّون وَالصَّاد جعلاه جمع نِصَاب كَمَا تَقول حمَار وحمر ونصاب وَنصب وَالنّصب حِجَارَة كَانَت لَهُم يعبدونها وَهِي الْأَوْثَان فَقَوله {كَأَنَّهُمْ إِلَى نصب}

- سورة نوح عليه السلام {واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا}

أَي إِلَى أصنام لَهُم وحجتهما قَوْله {وَمَا ذبح على النصب} قَالَ الْفراء النصب وَاحِد وَجمعه أنصاب قَالَ الله تَعَالَى {والأنصاب والأزلام} فَهُوَ وَاحِد الأنصاب قَالَ الْحسن كَأَنَّهُمْ يبدرون إِلَى نصبهم أَيهمْ يستلمها وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة من قَرَأَ بِضَمَّتَيْنِ جعله جمع نصب كرهن وَرهن وسقف وسقف وَالنّصب الْعلم يَعْنِي الصَّنَم الَّذِي نصبوه وَقَرَأَ الْبَاقُونَ إِلَى نصب بِفَتْح النُّون وَسُكُون الصَّاد أَي كَأَنَّهُمْ إِلَى علم مَنْصُوب يَسْتَبقُونَ وَالنّصب بِمَعْنى الْمَنْصُوب كَمَا تَقول هَذَا ضرب الْأَمِير أَي مَضْرُوب الْأَمِير وَرُوِيَ عَن أبي الْعَالِيَة أَنه قَرَأَ إِلَى نصب بِضَم النُّون وَسُكُون الصَّاد أَي غَايَة يَسْتَبقُونَ وَالنّصب وَالنّصب لُغَتَانِ كالضعف والضعف 71 - سُورَة نوح عَلَيْهِ السَّلَام {وَاتبعُوا من لم يزده مَاله وَولده إِلَّا خسارا} 21 قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَعَاصِم {مَاله وَولده} بِفَتْح الْوَاو وَاللَّام وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِضَم الْوَاو وَسُكُون اللَّام قَالَ الْفراء هما لُغَتَانِ مثل الْحزن والحزن والرشد والرشد وَالْبخل وَالْبخل وَيدل على أَن الْوَلَد يكون وَاحِدًا مَا أنْشدهُ

فليت فلَانا كَانَ فِي بطن أمه ... وليت فلَانا كَانَ ولد حمَار وَقَالَ الزّجاج الْوَلَد وَاحِد وَالْولد بِالضَّمِّ جمع مثل أَسد وَأسد وَقَالَ ابْن أبي حَمَّاد الْوَلَد بِالضَّمِّ ولد الْوَلَد وَالْولد بِالْفَتْح ولد الصلب وَالْولد بِالضَّمِّ يصلح للْوَاحِد وللجمع وَالْولد لَا يصلح إِلَّا للْوَاحِد فَلهَذَا قَرَأَ أَبُو عَمْرو هَا هُنَا بِالضَّمِّ {وَلَا تذرن ودا وَلَا سواعا} قَرَأَ نَافِع وَلَا تذرن ودا بِضَم الْوَاو وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْح الْوَاو وهما لُغَتَانِ وَهُوَ اسْم صنم كَانُوا يَقُولُونَ عبدود وود {مِمَّا خطيئاتهم أغرقوا} 25 قَرَأَ أَبُو عَمْرو / مِمَّا خطاياهم / مثل قضاياهم وحجته أَن الْخَطَايَا أَكثر من الخطيئات لِأَن جمع الْمُؤَنَّث بِالتَّاءِ فِي الْأَغْلَب من كَلَام الْعَرَب أَن يكون للقليل مثل نَخْلَة ونخلات وبقرة وبقرات قَالَ الْأَصْمَعِي كَانَ أَبُو عَمْرو يقْرَأ {خطاياهم} وَيَقُول إِن قوما كفرُوا ألف سنة كَانَت لَهُم خطيئات لَا بل خَطَايَا يذهب أَبُو عَمْرو إِلَى أَن التَّاء وَالْألف للْجمع الْقَلِيل وخطايا جمع التكسير وَهُوَ للتكثير وحجته إِجْمَاع الْجَمِيع فِي سُورَة الْبَقَرَة نغفر لكم خطاياكم

- سورة الجن {وأنه تعالى جد ربنا}

وَكَانَ الأَصْل خطاءا على وزن خطاعى ثمَّ لينت الْهمزَة فَقيل خَطَايَا وَقد بيّنت فِي سُورَة الْأَعْرَاف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {خطيئاتهم} بِالتَّاءِ وحجتهم مرسوم الْمَصَاحِف بِالتَّاءِ وَهُوَ جمع السَّلامَة فِي الْمُؤَنَّث قَالُوا إِن الْألف وَالتَّاء تكون للقليل وَالْكثير وَإِلَيْهِ ذهب الْكسَائي لِأَن الله قَالَ {مَا نفدت كَلِمَات الله} فَلَيْسَتْ كَلِمَات الله قَليلَة وَقَالَ {وهم فِي الغرفات آمنون} 72 - سُورَة الْجِنّ {وَأَنه تَعَالَى جد رَبنَا} قَرَأَ ابْن كثير وَنَافِع وَأَبُو بكر {وَأَنه تَعَالَى جد رَبنَا} بِكَسْر الألفات إِلَّا قَوْله {أَنه اسْتمع} {وَأَن لَو استقاموا} 16 {وَأَن الْمَسَاجِد لله} 18 فَإِنَّهُم قرؤوا بِالْفَتْح وَزَاد ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو عَلَيْهِم {وَأَنه لما قَامَ عبد الله} 8 و 9 وَقَرَأَ الْبَاقُونَ جَمِيع ذَلِك بِالْفَتْح إِلَّا مَا جَاءَ بعد القَوْل أَو بعد فَاء جَزَاء من كسر فَإِنَّهُ رد على قَوْله {فَقَالُوا إِنَّا سمعنَا قُرْآنًا عجبا} وَقَالَ {وَأَنه تَعَالَى جد رَبنَا} ثمَّ أتبع ذَلِك مَا حسن أَن يكون من قَول الْجِنّ ثمَّ يعْتَرض كَلَام الله وَهُوَ قَوْله {وَأَنه كَانَ رجال} وَهَذَا مكسور

@ على الِابْتِدَاء ويتلوه قَوْله {وَأَنَّهُمْ ظنُّوا} نسق على مَا قبله ثمَّ تَقول الْجِنّ {وَأَنا لمسنا السَّمَاء} وَهَذَا مَنْسُوب على مَا تقدم من قَول الْجِنّ ثمَّ تَقول الْجِنّ أَيْضا وَإِنَّا لَا نذري {وَأَنا منا الصالحون} إِلَى قَوْله {وَأَنا منا الْمُسلمُونَ وَمنا القاسطون} ثمَّ يَنْقَطِع قَول الْجِنّ وَيَقُول الله تَعَالَى وَأَن لَو استقاموا على الطرية ق نسقا على قَوْله {قل أُوحِي إِلَيّ أَنه} وَكَذَلِكَ {وَأَن الْمَسَاجِد} {وَأَنه لما قَامَ عبد الله} لِأَنَّهُ لَا يحسن فِي قَوْله وَأَن الْمَسَاجِد لله وَأَنه لما قَامَ عبد الله أَن يكون من قبلهم فَكَانَ مَعْطُوفًا على قَوْله {قل أُوحِي إِلَيّ أَنه اسْتمع} {وَأَنه لما قَامَ عبد الله} فموضعها رفع لما لم يسم الْفَاعِل قَوْله {وَأَن لَو استقاموا} فِيهِ أَمْرَانِ أَحدهمَا أَن تكون الْخَفِيفَة من المثقلة فَيكون مَحْمُولا على الْوَحْي كَأَنَّهُ أُوحِي أَن لَو استقاموا أَي أَنهم لَو استقاموا وَالثَّانِي ذكره الْفراء قَالَ إِنَّمَا فتحُوا لأَنهم أضمروا يمينما وقطعوها عَن النسق فَكَأَنَّهُ قَالَ وَالله إِن لَو استقاموا فَأَما من فتح فَإِنَّهُ نسق على الْوَحْي فِي قَوْله {قل أُوحِي إِلَيّ أَنه اسْتمع} {وَأَنه تَعَالَى جد رَبنَا} وَقَالَ الْفراء فَأَما الَّذين فتحُوا كلهَا فكأنهم ردوا جَمِيع مَا فتحُوا على قَوْله {فَآمَنا بِهِ} وآمنا بِكُل ذَلِك ففتحت أَن لوُقُوع الْإِيمَان عَلَيْهَا وَأَنت مَعَ ذَلِك تَجِد الْإِيمَان يحسن فِي بعض مَا فتح ويقبح فِي بعض فَلَا يمنعك ذَلِك من إمضائهن على الْفَتْح فَإِن الَّذِي يقبح من ظُهُور الْإِيمَان قد يحسن مَعَ صدقنا وَشَهِدْنَا

وَمعنى صدقنا أقررنا {وَمن يعرض عَن ذكر ربه يسلكه عذَابا صعدا} 17 قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {يسلكه} بِالْيَاءِ إِخْبَار عَن الله وحجتهم أَنه قرب من ذكر الله تَعَالَى فِي قَوْله {وَمن يعرض عَن ذكر ربه} فأجروا الْفِعْل على مَا قرب مِنْهُ إِذْ كَانَ فِي سيقاه وَكَانَ أقرب إِلَى الْفِعْل من لفظ الْجمع وقرا الْبَاقُونَ {نسلكه} بالنُّون الله يخبر عَن نَفسه وحجتهم قَوْله قبلهَا {لأسقيناهم مَاء غدقا} لنقتنهم فِيهِ فأجروا الْكَلَام على لفظ الْجمع إِذْ كَانَ فِي سِيَاقه ليأتلف الْكَلَام على نظام وَاحِد {كَادُوا يكونُونَ عَلَيْهِ لبدا} قَرَأَ هِشَام {لبدا} بِضَم اللَّام جمع لبدة مثل غرفَة وغرف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ لبدا وَهُوَ جمع لبدة مثل كسرة وَكسر {قل إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أشرك بِهِ أحدا} قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة {قل إِنَّمَا أَدْعُو} على الْأَمر وحجتهما إِجْمَاع الْجَمِيع على مَا بعده على الْأَمر وَهُوَ قَوْله {قل إِنِّي لَا أملك لكم ضرا وَلَا رشدا} 21 و {قل إِنِّي لن يجيرني من الله أحد} 2 فَرد مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ أولى وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / قَالَ / على الْخَبَر وحجتهم أَن ذكر الْغَيْبَة قد تقدم

- سورة المزمل {إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلا}

وَهُوَ قَوْله {وَأَنه لما قَامَ عبد الله} قَالَ {إِنَّمَا أَدْعُو} على الْغَيْبَة الَّتِي قبلهَا 73 - سُورَة المزمل {إِن ناشئة اللَّيْل هِيَ أَشد وطأ وأقوم قيلا} قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَابْن عَامر / وطاء / بِكَسْر الْوَاو ممدودة الْألف وَهُوَ مصدر فاعلت مفاعلة وفعالا تَقول واطأت فلَانا على كَذَا مواطأة ووطاء أَرَادَ وَالله أعلم أَن الْقِرَاءَة فِي اللَّيْل يواطئ فِيهَا قلب الْمُصَلِّي لِسَانه وسَمعه على التفهم وَالْأَدَاء وَالِاسْتِمَاع أَكثر مِمَّا يتوطأ عَلَيْهِ بِالنَّهَارِ لِأَن اللَّيْل تَنْقَطِع فِيهِ الأشغال وتهدأ فِيهِ الْأَصْوَات والحركات عَن ابْن عَبَّاس / وطاء / قَالَ يواطئ السّمع الْقلب وَعَن يُونُس / أَشد وطاء / قَالَ ملاءمة وموافقة وَمن ذَلِك {ليواطئوا} أَي ليوافقوا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أَشد وطأ} بِفَتْح الْوَاو أَي أثقل على الْمُصَلِّي من سَاعَات النَّهَار وَهُوَ من قَوْلهم اشتدت على الْقَوْم وَطْأَة سلطانهم أَي ثقل عَلَيْهِم مَا يلْزمهُم وَيَأْخُذهُ مِنْهُم وَفِي الحَدِيث اللَّهُمَّ اشْدُد وطأتك على مُضر قَالَ الزّجاج وَيجوز أَن يكون أَشد وطأ

اغلظ وَأَشد على الْإِنْسَان من الْقيام بِالنَّهَارِ لِأَن اللَّيْل جعل للنوم والسكون وَقيل أَشد وطأ أَي أبلغ فِي الثَّوَاب لِأَن كل مُجْتَهد فثوابه على قدر اجْتِهَاده قَالَ آخَرُونَ مِنْهُم الْفراء {هِيَ أَشد وطأ} أَي هِيَ أثبت قيَاما قَالَ قَتَادَة أَشد وطا أَي اثْبتْ فِي الْخَيْر وَأثبت للقلب وَالْحِفْظ {رب الْمشرق وَالْمغْرب لَا إِلَه إِلَّا هُوَ فاتخذه وَكيلا} قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَحَفْص {رب الْمشرق} بِالرَّفْع وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بالخفض الرّفْع يحْتَمل أَمريْن أَحدهمَا أَن يكون كَمَا قَالَ قبلهَا {وَاذْكُر اسْم رَبك} قطعه من الأول فَقَالَ {رب الْمشرق} فَيكون على هَذَا خبر ابْتِدَاء مَحْذُوف وَالْوَجْه الآخر أَن يرفعهُ بِالِابْتِدَاءِ وَخَبره الْجُمْلَة الَّتِي هِيَ {لَا إِلَه إِلَّا هُوَ} وَمن خفض فَإِنَّهُ عطفه على قَوْله قبله {وَاذْكُر اسْم رَبك} فَجعل مَا بعده مَعْطُوفًا عَلَيْهِ إِذْ كَانَ فِي سِيَاقه {إِن رَبك يعلم أَنَّك تقوم أدنى من ثُلثي اللَّيْل وَنصفه وَثلثه} قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَأَبُو عَمْرو {وَنصفه وَثلثه} بِالْكَسْرِ حملوه على الْجَار أَي تقوم أدنى من نصفه وَمن ثلثه وَالْمعْنَى فِي ذَلِك يكون على تَأْوِيل إِن رَبك يعلم أَنَّك تقوم أَحْيَانًا أدنى من ثُلثي اللَّيْل وَأَحْيَانا أدنى من نصفه وَأَحْيَانا أدنى من ثلثه غير عَارِف بالمقدار فِي ذَلِك التَّحْدِيد بِدلَالَة قَوْله بعْدهَا {علم أَن لن تحصوه} وَقَوله وَالله

يقدر اللَّيْل وَالنَّهَار فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنا أعلم من مقادير قيامك بِاللَّيْلِ مَا لَا تعلمه من تَحْدِيد السَّاعَات من آخر اللَّيْل قَالَ أَبُو عبيد الِاخْتِيَار الْخَفْض فِي نصفه وَثلثه لِأَن الله تَعَالَى قَالَ {علم أَن لن تحصوه} فَكيف يقدرُونَ على أَن يعرفوا نصفه وَثلثه وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالنّصب بِوُقُوع الْفِعْل أَي يقوم نصفه وَثلثه وحجتهم فِي ذَلِك أَن النصب أصح فِي النّظر قَالَ الله لنَبيه صلى الله عَلَيْهِ {قُم اللَّيْل إِلَّا قَلِيلا} أَي صل اللَّيْل إِلَّا شَيْئا يَسِيرا مِنْهُ تنام فِيهِ وَهُوَ الثُّلُث وَالثلث يسير عِنْد الثُّلثَيْنِ ثمَّ قَالَ {نصفه أَو انقص مِنْهُ قَلِيلا} أَي من الثُّلُث قَلِيلا أَي نصفه أَو أنقص من النّصْف قَلِيلا إِلَى الثُّلُث أَو زد على النّصْف إِلَى الثُّلثَيْنِ فَإِذا قَرَأت بالخفض كَانَ مَعْنَاهُ أَنهم قد كَانُوا يقومُونَ أقل من الثُّلُث وَفِي هَذَا مُخَالفَة لما أمروا بِهِ لِأَن الله تَعَالَى قَالَ {اللَّيْل إِلَّا قَلِيلا نصفه أَو انقص مِنْهُ قَلِيلا} إِلَى الثُّلُث أَو زد على الثُّلُث وَلم يَأْمُرهُم بِأَن ينقصوا من الثُّلُث شَيْئا وَأما قَوْله {علم أَن لن تحصوه} أَي لن تطيقوه كَمَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ اسْتَقِيمُوا وَلنْ تُحْصُوا أَي وَلنْ تتطيقوا وَالله أعلم

- سورة المدثر {والرجز فاهجر}

74 - سُورَة المدثر {وَالرجز فاهجر} 5 قَرَأَ حَفْص {وَالرجز فاهجر} بِضَم الرَّاء يَعْنِي الصَّنَم كَذَا قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَالرجز} بِالْكَسْرِ يعي الْعَذَاب وحجتهم قَوْله {لَئِن كشفت عَنَّا الرجز} يَعْنِي الْعَذَاب وَمعنى الْكَلَام اهجر مَا يؤديك إِلَى عَذَاب قَالَ الزّجاج هما لُغَتَانِ ومعناهما وَاحِد {وَاللَّيْل إِذْ أدبر وَالصُّبْح إِذا أَسْفر} 3332 قَرَأَ نَافِع وَحَمْزَة وَحَفْص {وَاللَّيْل} إِذْ بِغَيْر ألف {أدبر} بِالْألف وحجتهم قَول الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أقبل اللَّيْل من هَا هُنَا وادبر النَّهَار من هَا هُنَا فقد أفطر الصَّائِم وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {إِذا} بِالْألف دبر بِغَيْر ألف وهما لُغَتَانِ يُقَال دبر اللَّيْل وَأدبر وَكَذَلِكَ قبل اللَّيْل وَأَقْبل وَقَالَ يُونُس

دبر انْقَضى وَأدبر ولى قَالَ أَبُو عبيد الِاخْتِيَار إِذا بِالْألف دبر بِغَيْر ألف لموافقة الْحَرْف الَّذِي يَلِيهِ أَلا ترى قَالَ وَالصُّبْح إِذا أَسْفر فَكيف يكون فِي أَحدهمَا إِذا وَفِي الآخر إِذْ قَالَ فَلهَذَا اخترنا أَن نجعلهما جَمِيعًا إِذْ على لفظ اواحد {كَأَنَّهُمْ حمر مستنفرة فرت من قسورة} 50 و 51 قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر {كَأَنَّهُمْ حمر مستنفرة} بِفَتْح الْفَاء مفعولة أَي مَذْعُورَة قَالَ أهل العاني الْفَتْح هُوَ الْمُخْتَار بِمَعْنى فعل ذَلِك بهَا لِأَن أَكثر مَا تَكَلَّمت بِهِ الْعَرَب إِذا جعلُوا الْفِعْل للحمر أَن يَقُولُوا نفرت وَلَا يكادون يَقُولُونَ استنفرت إِذا كَانَت هِيَ الفاعلة وَيَقُولُونَ استنفرت إِذا فعل ذَلِك بهَا فَهِيَ مستنفرة فَكَأَن القسورة استنفرتها أَو الرَّامِي وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {مستنفرة} بِالْكَسْرِ جعلوها فاعلة وحجتهم أَن الْعَرَب تَقول نفرت الْحمر واستنفرت جَمِيعًا بِمَعْنى وَاحِد قَالَ الشَّاعِر ... أمسك حِمَارك إِنَّه مستنفر ... فِي إِثْر أحمرة عمدن لغرب ... وَالْكَسْر أولى أَلا ترى أَنه قَالَ {فرت من قسورة} فَهَذَا يدل على أَنَّهَا هِيَ استنفرت

- سورة القيامة {لا أقسم بيوم القيامة}

{وَمَا يذكرُونَ إِلَّا أَن يَشَاء الله} 56 قَرَأَ نَافِع / وَمَا تذكرُونَ / بِالتَّاءِ على الْخطاب وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ ردا على مَا قبله 75 - سُورَة الْقِيَامَة {لَا أقسم بِيَوْم الْقِيَامَة} قَرَأَ ابْن كثير / لأقسم بِيَوْم الْقِيَامَة / بِغَيْر ألف يَجْعَل اللَّام لَام تَأْكِيد الْمَعْنى أقسم بِيَوْم الْقِيَامَة كَمَا تَقول أقوم ثمَّ تدخل اللَّام فَتَقول لأَقوم رُوِيَ عَن الْحسن أَنه على هَذِه الْقِرَاءَة قَالَ إِن الله تَعَالَى أقسم بِيَوْم الْقِيَامَة وَلم يقسم بِالنَّفسِ اللوامة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ لَا أقسم بِالْألف وَاخْتلف النَّحْوِيين فِي {لَا} فَقَالَ الْكسَائي وَأَبُو عبيد {لَا} صلَة زَائِدَة وَالتَّقْدِير أقسم بِيَوْم الْقِيَامَة و {لَا} على قَوْلهمَا صلَة كَالَّتِي فِي قَوْله {لِئَلَّا يعلم أهل الْكتاب} وَالْمعْنَى لِأَن يعلم فَإِن قلت لَا وَمَا والحروف الَّتِي تكون زَوَائِد إِنَّمَا تكون بَين كلامين كَقَوْلِه / مِمَّا خطاياهم / وَقَوله {فبمَا رَحْمَة من الله} وَلَا تكَاد تزاد أَولا فقد قَالُوا إِن مجَاز الْقُرْآن مجَاز الْكَلَام الْوَاحِد وَالسورَة الْوَاحِدَة قَالُوا وَالَّذِي يدل على ذَلِك أَنه قد يذكر الشَّيْء فِي سُورَة وَيَجِيء جَوَابه فِي سُورَة أُخْرَى كَقَوْلِه {وَقَالُوا يَا أَيهَا الَّذِي نزل عَلَيْهِ الذّكر إِنَّك لمَجْنُون} جَاءَ جَوَابه فِي سُورَة أُخْرَى فَقَالَ

{مَا أَنْت بِنِعْمَة رَبك بمجنون} وَقَالَ الْفراء الْعَرَب لَا تزيد لَا فِي أول الْكَلِمَة وَلَكِن {لَا} فِي هَا هُنَا رد لكَلَام كَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا الْبَعْث فَقيل لَيْسَ الْأَمر على مَا ذكرْتُمْ أقسم بِيَوْم الْقِيَامَة {فَإِذا برق الْبَصَر} قَرَأَ نَافِع {فَإِذا برق الْبَصَر} بِفَتْح الرَّاء أَي شخص إِذا فتح عَيْنَيْهِ عِنْد الْمَوْت كَذَا قَالَ الْفراء وَقَالَ آخَرُونَ برق لمع بَصَره وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {برق} بِالْكَسْرِ أَي تحير وَقَالَ الْفراء برق فزع قَالَ وأنشدني بعض الْعَرَب وداو الكلوم ولاتبرق ... أَي لَا تفزع من هول الْجراح {كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الْآخِرَة} 2120 قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَابْن عَامر / كلا بل يحبونَ العاجلة ويذرون الْآخِرَة / بِالْيَاءِ وحجتهم أَنه ذكر قبل ذَلِك الْإِنْسَان فَقَالَ {ينبأ} الْإِنْسَان يَوْمئِذٍ {بل الْإِنْسَان على نَفسه بَصِيرَة} 1413 وَالْإِنْسَان فِي هَذَا الْوَضع فِي معنى النَّاس فأخرجوا الْخَبَر عَنْهُم إِذْ كَانَ ذَلِك فِي سِيَاق الْخَبَر عَنْهُم ليأتلف الْكَلَام على نظام وَاحِد وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {بل تحبون} {وتذرون} بِالتَّاءِ على الْخطاب أَي

- سورة الإنسان {إنا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالا وسعيرا}

قل لَهُم يَا مُحَمَّد بل تحبون العاجلة وتذرون الاخرة الْبَاقِيَة ثمَّ وصف الْمُؤمن وَالْكَافِر على إثْرهَا {وَقيل من راق} 27 قَرَأَ حَفْص {وَقيل من راق} بِإِظْهَار النُّون إعلاما أَن من مُنْفَصِلَة من الرَّاء الْمَعْنى هَل من مداو وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْإِدْغَامِ لقرب النُّون من الرَّاء {ألم يَك نُطْفَة من مني يمنى} 37 قرا حَفْص {من مني يمنى} بِالْيَاءِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ فَمن قَرَأَ {يمنى} فللفظ مني وَمن قَرَأَ بِالتَّاءِ فللفظ {نُطْفَة} 76 - سُورَة الْإِنْسَان {إِنَّا أَعْتَدْنَا للْكَافِرِينَ سلاسل وأغلالا وسعيرا} قَرَأَ نَافِع وَأَبُو بكر وَالْكسَائِيّ / سلاسلا / بِالتَّنْوِينِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {سلاسل} بِغَيْر تَنْوِين لِأَن فعالل لَا تَنْصَرِف وكل جمع ثالثه ألف وَبعدهَا حرف مشدد أَو حرفان خفيفان أَو أَكثر فَإِنَّهُ لَا ينْصَرف فِي معرفَة وَلَا نكرَة نَحْو مَسَاجِد قَالَ الله تَعَالَى {ومساجد يذكر فِيهَا اسْم الله كثيرا} وَحجَّة من صرف أَمْرَانِ أَحدهمَا ذكر الْفراء فَقَالَ إِن الْعَرَب

تجْرِي مَا لَا يجْرِي فِي الشّعْر فَلَو كَانَ خطأ مَا أدخلوه فِي أشعارهم فَكَذَلِك هَؤُلَاءِ اجروا / سلاسلا / قَالَ الشَّاعِر ... فَمَا وجد أظآر ثَلَاث روائم ... فَأجرى روائم وَالْوَجْه الثَّانِي أَنهم اتبعُوا مرسوم الْمَصَاحِف فِي الْوَصْل وَالْوَقْف لِأَنَّهَا مَكْتُوبَة بِالْألف وَإِن لم تكن رَأس آيَة فَهِيَ تشاكل رُؤُوس الْآي لِأَن بعده {وأغلالا وسعيرا} {وأكواب كَانَت قواريرا قَوَارِير من فضَّة قدروها تَقْديرا} 1615 قَرَأَ نَافِع وَأَبُو بكر وَالْكسَائِيّ / قواريرا قواريرا / منونا كِلَاهُمَا وَإِذا وقفُوا وقفُوا عَلَيْهِمَا بالف اتبَاعا للمصحف وَلِأَن الأولى راس آيَة وكرهوا أَن يخالفوا بَين لفظين مَعْنَاهُمَا وَاحِد كَمَا قَرَأَ الْكسَائي {أَلا إِن ثَمُود كفرُوا رَبهم أَلا بعدا لثمود} فصرف الثَّانِي لقُرْبه من الأول قَرَأَ ابْن كثير {قواريرا} منونا و {قَوَارِير من فضَّة} بِغَيْر تَنْوِين وَهُوَ الِاخْتِيَار لِأَن الأولى رَأس آيَة وَلَيْسَت الثَّانِيَة كَذَلِك فَمن قَرَأَ / قواريرا قواريرا / بإجرائهما جَمِيعًا كَانَت لَهُ ثَلَاث حجج إِحْدَاهُنَّ أَن يَقُول نونت الأولى لِأَنَّهَا رَأس آيَة ورؤوس

الْآيَات جَاءَت بِالتَّنْوِينِ كَقَوْلِه {مَذْكُورا} {سميعا} {بَصيرًا} فنون الأولى ليُوَافق بَين رُؤُوس الْآيَات وَنون الثَّانِي على الْجوَار للْأولِ وَالْحجّة الثَّانِيَة أَن الْعَرَب تجْرِي مَا لَا يجرى فِي كثير من كَلَامهَا من ذَلِك قَول عَمْرو بن كُلْثُوم ... كَأَن سُيُوفنَا فِينَا وَفِيهِمْ ... مخاريق بأيدي لاعبينا ... فَأجرى مخاريق وَالثَّالِثَة اتِّبَاع الْمَصَاحِف وَذَلِكَ أَنهم جَمِيعًا فِي مصاحف أهل الْحجاز والكوفة بِالْألف وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو وَابْن عَامر وَحَمْزَة وَحَفْص {قواريرا قَوَارِير} بِغَيْر تَنْوِين وَهُوَ مَحْض الْعَرَبيَّة لِأَن فواعل لَا تَنْصَرِف فِي معرفَة وَلَا نكرَة ووقفوا على الأولى بِالْألف لِأَنَّهَا رَأس آيَة وآيتها على الْألف ووقفوا على الثَّانِيَة بِغَيْر ألف لِأَنَّهَا لَيست ب رَأس آيَة ووقف حَمْزَة بِغَيْر ألف فيهمَا قَوْله {كَانَت قواريرا قَوَارِير من فضَّة} يَقُول كَانَت كصفاء الْقَوَارِير وَبَيَاض الْفضة فَاجْتمع فِيهَا صفاء القوراير وَبَيَاض الْفضة {قدروها تَقْديرا} أَي قدرُوا الكأس على ري أحدهم لافضل فِيهِ وَلَا عجز عَن ريه {عاليهم ثِيَاب سندس خضر وإستبرق} 21 قَرَأَ نَافِع وَحَمْزَة {عاليهم} سَاكِنة الْيَاء وَهِي فِي مَوضِع رفع على الِابْتِدَاء وَخَبره ثِيَاب سندس لِأَن العالي هُوَ الثِّيَاب

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ عاليهم بِفَتْح الْيَاء على الْحَال قَالَ الزّجاج نصب على الْحَال من شَيْئَيْنِ أَحدهمَا من الْهَاء وَالْمِيم الْمَعْنى يطوف على الْأَبْرَار ولدان مخلدون على الْأَبْرَار ثِيَاب سندس لِأَنَّهُ قد وصفت أَحْوَالهم فِي الحنة فَيكون الْمَعْنى يطوف عَلَيْهِم فِي هَذِه الْحَال هَؤُلَاءِ ويجو أَن يكون حَالا من الْولدَان الْمَعْنى إِذا رَأَيْته حسبتهم لؤلؤا منثورا فِي حَال علو الثِّيَاب إيَّاهُم وَقَالَ قوم نصب على الظّرْف بِمَعْنى فَوْقهم وَقَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو بكر {ثِيَاب سندس خضر} خفضا {وإستبرق} رفعا وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو وَابْن عَامر {خضر} رفع {وإستبرق} خفض وَقَرَأَ نَافِع وَحَفْص بِالرَّفْع فيهمَا وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ بالخفض فيهمَا فَمن قَرَأَ خضر بِالرَّفْع فَهُوَ أحسن لِأَنَّهُ يكون نعتا للثياب وَلَفظ الثِّيَاب لفظ الْجمع و {خضر} لَفظهَا لفظ الْجمع وَمن قَرَأَ {خضر} فَهُوَ من نعت السندس والسندس فِي الْمَعْنى رَاجع إِلَى الثِّيَاب وَمن قَرَأَ إستبرق بِالرَّفْع فَهُوَ نسق على {ثِيَاب} الْمَعْنى وَعَلَيْهِم إستبرق وَمن خفض فَهُوَ نسق على السندس وَثيَاب إستبرق

وَيكون الْمَعْنى عَلَيْهِم ثِيَاب من هذَيْن النَّوْعَيْنِ ثِيَاب سندس وإستبرق وأجود هَذِه الْوُجُوه قَول أبي عَمْرو وَمن مَعَه فَرفع الْخضر لِأَنَّهُ صفة مَجْمُوعَة لموصوف مَجْمُوع فأتبع الْخضر الَّذِي هُوَ جمع مَرْفُوع الْجمع الْمَرْفُوع الَّذِي هُوَ {ثِيَاب} وَأما {إستبرق} فجر من حَيْثُ كَانَ جِنْسا أضيف إِلَيْهِ الثِّيَاب كَمَا اضيف إِلَى {سندس} فاضاف الثِّيَاب إِلَى الجنسين كَمَا تَقول ثِيَاب خَز وكتان وَيدل على ذَلِك قَوْله تَعَالَى {وَيلبسُونَ ثيابًا خضرًا من سندس وإستبرق} وَأما خفض {خضر} {وإستبرق} بِالرَّفْع فَإِنَّهُ أجْرى الْخضر وَهُوَ جمع على السندس لما كَانَ الْمَعْنى أَن الثِّيَاب من هَذَا الْجِنْس وَأَجَازَ أَبُو الْحسن الْأَخْفَش وصف بعض هَذِه الْأَجْنَاس بِالْجمعِ فَقَالَ تَقول أهلك النَّاس الدِّينَار الصفر وَالدِّرْهَم الْبيض والصفر وَالْبيض جمعان وَالدِّرْهَم لَفظه وَاحِد أَرَادَ بِهِ الْجِنْس {وَمَا تشاؤون إِلَّا أَن يَشَاء الله} 30 قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَابْن عَامر / وَمَا يشاؤون / بِالْيَاءِ ردُّوهُ على قَوْله {ويذرون وَرَاءَهُمْ} 27 {نَحن خلقناهم وشددنا} أسرهم فَجعلُوا قَوْله يشاؤون خَبرا عَنْهُم إِذْ أَتَى فِي سِيَاق الْخَبَر عَنْهُم ليأتلف الْكَلَام على نظام وَاحِد وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَمَا تشاؤون} بِالتَّاءِ على الْخطاب وَإِنَّمَا خاطبهم

- سورة المرسلات {عذرا أو نذرا}

بذلك بعد انْقِضَاء الْخَبَر عَنْهُم وَلِأَن الْخطاب يدْخل فِيهِ معنى الْخَبَر فَهُوَ أوعب 77 - سُورَة المرسلات {عذرا أَو نذرا} قَرَأَ الْأَعْشَى {عذرا أَو نذرا} بِضَم الذَّال فيهمَا وَقَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَابْن كثير وَأَبُو بكر {عذرا} سَاكِنة الذَّال أَو {نذرا} مَضْمُومَة الذَّال وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِإِسْكَان الذَّال فيهمَا فَأَما التَّخْفِيف فَأن يكون مصدرا مُفردا تَقول عذرته عذرا كَمَا تَقول شغلته شغلا وشكرته شكرا وَأما التثقيل فَإِن يكون {عذرا أَو نذرا} جمع عذير ونذير تَقول عذيري من فلَان أَي اعذرني مِنْهُ عذيرا وَمن خفف {عذرا} وَثقل {نذرا} جعل {نذرا} جمع نَذِير قَالَ الله تَعَالَى وَلَقَد جَاءَ آل فِرْعَوْن النّذر قَالَ الزّجاج الْعذر والعذر وَالنّذر وَالنّذر بِمَعْنى وَاحِد ومعناهما الْمصدر {وَإِذا الرُّسُل أقتت} قَالَ أَبُو عَمْرو / وَإِذا الرُّسُل وقتت / بِالْوَاو وَتَشْديد الْقَاف على الأَصْل لِأَنَّهَا فعلت من الْوَقْت مثل قَوْله {ووفيت كل نفس}

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أقتت} بِالْألف وحجتهم فِي ذَلِك خطّ الْمَصَاحِف بِالْألف فَمن همز فَإِنَّهُ أبدل الْهمزَة من الْوَاو لانضمام الْوَاو وكل وَاو انضمت وَكَانَت ضمتها لَازِمَة جَازَ أَن تبدل مِنْهَا همزَة فَتَقول فِي وُجُوه أجوه {فقدرنا فَنعم القادرون} قَرَأَ نَافِع وَالْكسَائِيّ فقدرنا بِالتَّشْدِيدِ ورأ الْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ وحجتهم قَوْله {فَنعم القادرون} وَلم يقل المقدرون فأجروا على لفظ مَا جاوره إِذْ لم يقم على التَّفْرِيق بَين اللَّفْظَيْنِ وَكَانَ الْمَعْنى فِيهِ فملكنا فَنعم المالكون فَكَانَ لفظ يشاكل بعضه بَعْضًا فِي اللَّفْظ وَالْمعْنَى وَمن شدد فَإِنَّهُ أحب أَن يجْرِي على معِين كل وَاحِد مِنْهُمَا بِخِلَاف الآخر وَذَلِكَ {فقدرنا} مرّة بعد مرّة لِأَنَّهُ ذكر الْخلق فَقَالَ {ألم نخلقكم من مَاء مهين} فجعلناه فِي قَرَار مكين إِلَى قدر مَعْلُوم فَذَلِك مِنْهُ فعل مُتَرَدّد فَشدد إِرَادَة تردد الْفِعْل على سنَن الْعَرَبيَّة وَقد أوضح هَذَا الْمَعْنى فِي تَقْدِير خلق الْإِنْسَان بِمَا أَجمعُوا فِيهِ على التَّشْدِيد وَهُوَ قَوْله {من نُطْفَة خلقه فقدره} فَرد مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ أولى

{كأنه جمالة صفر}

ثمَّ قَالَ {فَنعم القادرون} يَعْنِي الْقُدْرَة على ذَلِك وَالْملك وَالْأول من التَّقْدِير والفائدة هَا هُنَا فَائِدَتَانِ وَإِذا كَانَا بِلَفْظ وَاحِد كَانَت الْفَائِدَة وَاحِدَة وَيجوز أَن يَعْنِي بذلك معنى وَاحِد وَيجمع ذَلِك الْمَعْنى بَين اللغتين قَالَ الْفراء هما لُغَتَانِ وَالْعرب تَقول قدر عَلَيْهِ الْمَوْت وَقدر وَقدر عَلَيْهِ رزقه وَقدر وَقيل للكسائي لم اخْتَرْت التَّشْدِيد وَاسم الْفَاعِل لَيْسَ مَبْنِيا على هَذَا الْفِعْل فَقَالَ هَذَا بِمَنْزِلَة قَوْله {فمهل الْكَافرين} ثمَّ قَالَ {أمهلهم} وَلم يقل مهلهم فَجمع بَين اللغتين وَمثله {فَإِنِّي أعذبه عذَابا} وَلم يقل تعذيبا قَالَ الْأَعْشَى ... وأنركتني وَمَا كَانَ الَّذِي نكرت ... من الْحَوَادِث إِلَّا الشيب والصلعا ... {كَأَنَّهُ جمالة صفر} 33 قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {كَأَنَّهُ جمالة صفر} بِغَيْر ألف جمع جمل تَقول جمل وجمال وجمالة وَإِنَّمَا تدخل الْهَاء توكيدا لتأنيث الْجمع كَمَا تَقول عمومة وَنَظِيره حجر وحجار وَحجر وحجارة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / جمالات صفر / فَهُوَ جمع الْجمع تَقول جمل

- سورة عم يتساءلون النبأ {وفتحت السماء فكانت أبوابا}

وجمال وجمالات كَمَا تَقول وَرجل وَرِجَال ورجالا وَبَيت وبيوت وبيوتات 78 - سُورَة عَم يتساءلون النبأ {وَفتحت السَّمَاء فَكَانَت أبوابا} قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة الْكسَائي {وَفتحت السَّمَاء} بِالتَّخْفِيفِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ وحجتهم قَوْله {فَكَانَت أبوابا} وَالتَّشْدِيد للتكثير وَيُقَوِّي هَذَا قَوْله {مفتحة لَهُم الْأَبْوَاب} بِالتَّشْدِيدِ وَمن قَرَأَ بِالتَّخْفِيفِ قَالَ التَّخْفِيف يكون للقليل وَالْكثير {لابثين فِيهَا أحقابا} وَقَرَأَ حَمْزَة / لبثين فِيهَا أحقابا / بِغَيْر ألف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لابثين} بِأَلف وحجتهم مَجِيء الْمصدر عَليّ اللّّبْث يدل على أَنه من بَاب شرب يشرب ولقم يلقم فَهُوَ شَارِب ولاقم وَلَيْسَ من بَاب فرق يفرق وَلَو كَانَ مِنْهُ لَكَانَ الْمصدر مَفْتُوح الْعين فَلَمَّا سكن

وَقيل اللّّبْث وَجب أَن يكون اسْم الْفَاعِل فَاعِلا لما كَانَ اللّّبْث كاللقم وَمن قَرَأَ / لبثين / جعل اسْم الْفَاعِل فعلا وَقد جَاءَ غير حرف من هَذَا النَّحْو على فَاعل وَفعل نَحْو رجل طامع طمع وآثم وأثم وعَلى هَذَا نقُول لبث فَهُوَ لابث ولبث فِي {لَا يسمعُونَ فِيهَا لَغوا وَلَا كذابا} 35 وَقَرَأَ الْكسَائي {لَا يسمعُونَ فِيهَا لَغوا وَلَا كذابا} بِالتَّخْفِيفِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ فَهُوَ مصدر كذب يكذب كذابا وأصل مصدر فعلت إِنَّمَا هُوَ فعال لِأَنَّك إِذا جَاوَزت الثَّلَاثَة من الْأَفْعَال بِالزِّيَادَةِ فوزن الْمصدر على وزن الْفِعْل الْمَاضِي بِزِيَادَة الْألف فِي الْمصدر قبل آخِره وَذَلِكَ نَحْو أكْرم إِكْرَاما وَانْطَلَقت انطلاقا فاصل مصدر فعلت إِنَّمَا هُوَ فعال فَمن كَذبته كذابا وكلمته كلَاما قَالَ سِيبَوَيْهٍ قَوْله كَلمته تكليما وسلمته تَسْلِيمًا وكذبته تَكْذِيبًا إِنَّمَا كرهو التَّضْعِيف فالتاء عوض من التَّضْعِيف وَالْيَاء الَّتِي قبل الآخر كالألف فِي قَوْله كذابا وحجتهم إِجْمَاع الْجَمِيع على قَوْله وكذبوا بِآيَاتِنَا كذابا فَرد مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ أولى فَأَما الْكذَّاب بِالتَّخْفِيفِ فَهُوَ مصدر كذب كذابا مثل كتبه كتابا وحسبه حسابا كَذَا قَالَ الْخَلِيل قَالَ الْأَعْشَى ... فصدقتهم وكذبتهم ... ولمرء يَنْفَعهُ كذابه ...

وَقَالَ مُحَمَّد بن يزِيد الْمبرد وَقد يكون كذابا من قَوْلك كاذبته كذابا مثل قَاتلته قتالا قَالَ الْفراء التَّخْفِيف كَأَنَّهُ وَالله أعلم لَا يتكاذبون وحجته فِي التَّخْفِيف أَن قَوْله لَا يسمعُونَ فِيهَا لَغوا وَلَا كذابا لَيست بمقيدة بِفعل يكون مصدرا لَهُ كَمَا شدد قَوْله {وكذبوا بِآيَاتِنَا كذابا} لمجيء {كذبُوا} فقيدها بل هُوَ مصدر صدر عَن قَوْله كذب كذابا بِالتَّخْفِيفِ وَقد ذكرنَا وَأُخْرَى أَن رُؤُوس الْآيَات من لدن قَوْله {أحصيناه كتابا} إِلَى أخر السُّورَة على التَّخْفِيف فَكَانَ التوفقة بَين نظام رُؤُوس الْآيَات أولى من مخالفتها {جَزَاء من رَبك عَطاء حسابا رب السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا الرَّحْمَن لَا يملكُونَ مِنْهُ خطابا} 36 و 37 قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {رب السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا الرَّحْمَن} بِالرَّفْع فيهمَا على الِاسْتِئْنَاف و {الرَّحْمَن} خَبره وَقَرَأَ ابْن عَامر وَعَاصِم بِالْجَرِّ فيهمَا عطف على قَوْله جَزَاء من رَبك رب السَّمَوَات وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {رب السَّمَاوَات} بالخفض و {الرَّحْمَن} رفع قَوْله رب ترده على قَوْله من رَبك وترفع الرَّحْمَن

- سورة النازعات {أئذا كنا عظاما نخرة}

على الِابْتِدَاء وَتجْعَل قَوْله {لَا يملكُونَ مِنْهُ} فِي مَوضِع خبر قَوْله {الرَّحْمَن} 79 - سُورَة النازعات {أئذا كُنَّا عظاما نخرة} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وبو بكر عظاما ناخرة أَي بالية كَذَا قَالَ ابْن عَبَّاس وَقيل فارغة وَقَالَ آخَرُونَ الناخرة الْعظم المجوف الَّذِي تمر فِيهِ افريح فتنخر وَقَالُوا النخرة البالية وحجتهم فِي ذَلِك أَن رُؤُوس الْآيَات بِالْألف نَحْو الحافرة والرادفة والراجفة والساحرة فالألف أشبه بمجيء التَّنْزِيل وبرؤوس الْآيَات وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {عظاما نخرة} بِغَيْر ألف وحجتهم فِي ذَلِك أَن مَا كَانَ صفة منتظر لم يكن فَهُوَ بِالْألف وَمَا كَانَ وَقع فَهُوَ بِغَيْر ألف قَالَ اليزيدي يُقَال عظم نخر وناخر غَدا فَدلَّ على أَنهم قَالُوا إِذْ كُنَّا بعد موتنا عظاما نخرة قد نخرت وَقَالَ أَبُو عَمْرو نخرة وناخرة وَاحِد وَكَذَا قَالَ الْفراء مثل الطامع والطمع {إِذْ ناداه ربه بالواد الْمُقَدّس طوى} 16 {طوى} قد ذكرت فِي سُورَة طه {فَقل هَل لَك إِلَى أَن تزكّى} 18

- سورة عبس {أو يذكر فتنفعه الذكرى}

قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير إِلَى أَن تزكّى بِالتَّشْدِيدِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ وَالْأَصْل تتزكى فَمن ثقل أدغم التَّاء فِي الزَّاي وَمن خفف حذف إِحْدَى التَّاءَيْنِ 80 - سُورَة عبس {أَو يذكر فتنفعه الذكرى} قَرَأَ عَاصِم {فتنفعه الذكرى} بِفَتْح الْعين على جَوَاب لَعَلَّ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْع نسقا على {يُزكي} الْمَعْنى لَعَلَّه يزكّى وَلَعَلَّه تَنْفَعهُ الذكرى وَمن نصب فعلى جَوَاب {لَعَلَّ} وَنَظِيره لَعَلَّ زيدا يقدم فيكرمني على قَوْلك لَعَلَّه يكرمني فَإِن قلت فيكرمني فَإِنَّمَا ترجيت قدومه وضمنت أَنه إِذا قدم أكرمك {أما من اسْتغنى فَأَنت لَهُ تصدى} 5 و 6 قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير {فَأَنت لَهُ تصدى} بِالتَّشْدِيدِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ فِيهَا

- سورة التكوير {وإذا البحار سجرت}

وَالْأَصْل تتصدى تتعرض وَلَكِن حذفوا الثَّانِيَة لالثانية لاجتماعهما وَمن شدد أدغم التَّاء فِي الصَّاد لقرب المخرجين {فَلْينْظر الْإِنْسَان إِلَى طَعَامه أَنا صببنا المَاء صبا} 2524 قرا عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {أَنا صببنا المَاء} بِفَتْح الْألف على الْبَدَل من الطَّعَام وَيكون {إِنَّا} فِي مَوضِع خفض الْمَعْنى فَلْينْظر الْإِنْسَان إِلَى أَنا صببنا المَاء صبا وَقَالَ إِلَى طَعَامه وَالْمعْنَى على كَونه وحدوثه وَهُوَ مَوضِع الِاعْتِبَار وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {إِنَّا} بِالْكَسْرِ على الِاسْتِئْنَاف وَيكون ذَلِك تَفْسِيرا للنَّظَر إِلَى طَعَامه 81 - سُورَة التكوير {وَإِذا الْبحار سجرت} قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَإِذا الْبحار سجرت بِالتَّخْفِيفِ حجتهما قَوْله {وَالْبَحْر الْمَسْجُور} وَلم يقل المسجر وَاعْلَم أَن التَّخْفِيف يَقع على الْقَلِيل وَالْكثير نَظِير قَوْله {قتل الخراصون} و {قتل أَصْحَاب الْأُخْدُود} وهم جمَاعَة وَكَذَلِكَ {سجرت} وقرا الْبَاقُونَ سجرت بِالتَّشْدِيدِ وحجتهم قَوْله وَإِذا الْبحار وَلَو كَانَ وَاحِدًا لَكَانَ تَخْفِيفًا كَمَا قَالَ {وَالْبَحْر الْمَسْجُور} وَالْعرب

تَقول سجرت التَّنور لَا تَقول غَيره وسجرت التنانير بِالتَّشْدِيدِ وَمعنى سجرت أَي أفْضى بَعْضهَا إِلَى بعض فَصَارَت بحرا وَاحِدًا {وَإِذا الصُّحُف نشرت} قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَعَاصِم {وَإِذا الصُّحُف نشرت} بِالتَّخْفِيفِ وحجتهم قَوْله {فِي رق منشور} فَرد مَا اختلوا فِيهِ إِلَى اأجمعوا عَلَيْهِ أولى وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / وَإِذا الصُّحُف نشرت / بِالتَّشْدِيدِ قَالُوا إِنَّه ذكر الصُّحُف وَهِي جمَاعَة تنشره مرّة بعد مرّة وَالتَّشْدِيد للتكثير كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ {وغلقت الْأَبْوَاب} وحجتهم إِجْمَاع الْجَمِيع على قَوْله {صحفا منشرة} وَلم يقل منشورة {وَإِذا الْجَحِيم سعرت} 12 قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَحَفْص {وَإِذا الْجَحِيم سعرت} بِالتَّشْدِيدِ أَي أوقدت مرّة بعد مرّة وحجتهم قَوْله {كلما خبت زدناهم سعيرا} فَهَذَا يدل على كَثْرَة وَشَيْء بعد شَيْء فحقه التَّشْدِيد وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {سعرت} بِالتَّخْفِيفِ أَي أوقدت وحجتهم قَوْله {وَكفى بجهنم سعيرا} قَوْله سعيرا فَقيل فِي معنى مسعور وَهَذَا إِنَّمَا يَجِيء من فعل

- سورة الانقطار {الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك}

{وَمَا هُوَ على الْغَيْب بضنين} 24 وَقَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَالْكسَائِيّ {وَمَا هُوَ على الْغَيْب بضنين} بِمَعْنى مَا هُوَ بمتهم على الْوَحْي أَنه من الله لَيْسَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُتَّهمًا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {بضنين} بالضاد أَي ببخيل يَقُول لَا يبخل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ آتَاهُ الله من الْعلم وَالْقُرْآن وَلَكِن يرشد وَيعلم وَيُؤَدِّي عَن الله جلّ وَعز 82 - سُورَة الانقطار {الَّذِي خلقك فسواك فعدلك فِي أَي صُورَة مَا شَاءَ ركبك} 87 قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {فعدلك} بِالتَّخْفِيفِ قَالَ الْفراء وَجهه وَالله أعلم فصرفك إِلَى أَي صُورَة شَاءَ إِمَّا حسن أَو قَبِيح أَو طَوِيل أَو قصير وَعَن أبي نجيح قَالَ فِي صُورَة أَب أَو فِي صُورَة عَم وَلَيْسَت {فِي} من صلَة {فعدلك} لِأَنَّك لَا تَقول عدلتك

فِي كَذَا إِنَّمَا تَقول عدلتك إِلَى كَذَا أَي صرفتك إِلَيْهِ وَإِنَّمَا هِيَ مُتَعَلقَة ب {ركبك} كَأَن الْمَعْنى فِي أَي صُورَة شَاءَ أَن يركبك وَقَالَ آخَرُونَ فعدك فسوى خلقك قَالَ مُحَمَّد بن يزِيد الْمبرد فعدك أَي قصد بك إِلَى الصُّورَة المستوية وَمِنْه الْعدْل الَّذِي هُوَ الْإِنْصَاف أَي هُوَ قصد إِلَى الاسْتوَاء فقولك عدل الله فلَانا أَي سوى خلقه فَإِن قيل فَأَيْنَ الْبَاء الَّتِي تصْحَب الْقَصْد حَتَّى يَصح مَا تَقول قلت إِن الْعَرَب قد تحذف حُرُوف الْجَرّ قَالَ الله جلّ وَعز {وَإِذا كالوهم أَو وزنوهم} فَحذف اللامين فَكَذَلِك {فعدلك} بِمَعْنى فَعدل بك وقرا الْبَاقُونَ {فعدلك} التَّشْدِيد يَعْنِي فقومك جعل خلقك معتدلا بِدلَالَة قَوْله {لقد خلقنَا الْإِنْسَان فِي أحسن تَقْوِيم} أَي معتدل الْخلق لَيْسَ مِنْهُ شَيْء بزائد على شَيْء فيفسده وَقَالَ قوم مَعْنَاهُ حسنك وجملك {ثمَّ مَا أَدْرَاك مَا يَوْم الدّين يَوْم لَا تملك نفس لنَفس شَيْئا} 1918 قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عمر {يَوْم لَا تملك نفس لنَفس} بِالرَّفْع جَعَلُوهُ صفة لقَوْله {يَوْم الدّين} وَيجوز أَن يكون خبر ابْتِدَاء مَحْذُوف لما قَالَ {وَمَا أَدْرَاك مَا يَوْم الدّين} قَالَ {يَوْم لَا تملك نفس لنَفس}

- سورة المطففين {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون}

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالنّصب على معنى هَذِه الْأَشْيَاء الْمَذْكُورَة تكون {يَوْم لَا تملك نفس لنَفس شَيْئا} 83 - سُورَة المطففين {كلا بل ران على قُلُوبهم مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} 14 قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَأَبُو بكر {بل ران على قُلُوبهم} بالإمالة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِغَيْر الإمالة وَإِنَّمَا جَاءَت الإمالة لِأَن الْألف منقلبة من يَاء وَترك الإمالة أحسن لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا يَاء فِي لَفظهَا وَلَا كسرة بعْدهَا وَلَا قبلهَا وَقَرَأَ حَفْص {بل ران} بِإِظْهَار اللَّام عِنْد الرَّاء قَالَ لِأَن {بل} من كلمة و {ران} من كلمة أُخْرَى وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْإِدْغَامِ لقرب المخرجين {ختامه مسك} 26 قَرَأَ الْكسَائي خَاتمه مسك بِالْألف بَين الْخَاء التَّاء وَفتح التَّاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {ختامه مسك} بِكَسْر الْخَاء وَبعد التَّاء ألف وحجتهم أَن الْمَعْنى فِي ذَلِك آخِره مسك كَأَنَّهُ إِذا شرب أحدهم الكأس وجد آخر شرابه مسكا وختام كل شَيْء آخِره أَي آخر مَا يجدونه رَائِحَة الْمسك وَهُوَ مصدر خَتمه يختمه ختما وختاما

- سورة انشقت الانشقاق {ويصلى سعيرا}

وَحجَّة الْكسَائي أَن الْخَاتم الِاسْم وَهُوَ الَّذِي يخْتم بِهِ الكأس بِدلَالَة قَوْله قبلهَا {يسقون من رحيق مختوم} ثمَّ أخبر عَن كيفيته فَقَالَ مختوم بِخَاتم من مسك وَقَالَ قوم خَاتمه أَي آخِره كَمَا كَانَ من قَرَأَ {وَخَاتم النَّبِيين} بِالْفَتْح كَانَ مَعْنَاهُ آخِرهم وَكَانَ عَلْقَمَة يَقُول خَاتمه وَقَالَ أما رَأَيْت الْمَرْأَة تَأتي الْعَطَّار وتشتري مِنْهُ الْعطر فَتَقول اجْعَل لي خَاتمه مسكا قَالَ الْفراء الْخَاتم والختام متقاربان فِي الْمَعْنى إِلَّا أَن الْخَاتم الِاسْم والختام الْمصدر {وَإِذا انقلبوا إِلَى أهلهم انقلبوا فكهين} 31 قرا حَفْص انقلبوا فكهين بِغَيْر ألف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْألف قَالَ الْفراء فاكهين وفكهين لُغَتَانِ مثل طمعين وطامعين وبخلين وباخلين وَمعنى فاكهين معجبين بِمَا هم فِيهِ يتفكهون بِذكر أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 84 - سُورَة انشقت الانشقاق {وَيصلى سعيرا} قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَعَاصِم وَحَمْزَة {وَيصلى سعيرا} بِفَتْح الْيَاء وَسُكُون الصَّاد أَي يصلى هُوَ أَي يصير إِلَى النا رمن صلي يصلى فَهُوَ صال وحجتهم إِجْمَاع الْجَمِيع على قَوْله {يصلى النَّار الْكُبْرَى} و {إِلَّا من هُوَ صال الْجَحِيم} فَرد مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ أولى وَمعنى

يصلى أَي أَنه يقاسي حرهَا من صليت النَّار أَي قاسيت حرهَا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَيصلى} بِالتَّشْدِيدِ من قَوْله صليته أصليه تصلية وَالْمعْنَى أَن الْمَلَائِكَة يصلونه بَحر النَّار وجتهم {ثمَّ الْجَحِيم صلوه} وَقَوله {وتصلية جحيم} وروى خَارِجَة عَن نَافِع وَيصلى بِضَم الْيَاء وَإِسْكَان الصَّاد من أصلاه وَهُوَ يصليه مثل عظمت الْأَمر وأعظمته وصليته النَّار وأصليته وَالْمعْنَى وَاحِد لِأَنَّهُ إِذا أُصَلِّي فقد صلي وَإِذا صلي فَإِنَّمَا صلي وَصلي {لتركبن طبقًا عَن طبق فَمَا لَهُم لَا يُؤمنُونَ} 2019 قَرَأَ ابْن كثير وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {لتركبن طبقًا} بِفَتْح الْبَاء أَي لتركبن يَا مُحَمَّد حَالا بعد حَال يذكر حالات النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ من يَوْم أُوحِي إِلَيْهِ إِلَى يَوْم قَبضه الله وَقد رُوِيَ أَيْضا لتركبن يَا مُحَمَّد سَمَاء بعد سَمَاء يَعْنِي فِي لمعارج وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُم ابْن عَبَّاس لتركبن أَي لتصيرن الْأُمُور حَالا بعد حَال بتغيرها وَاخْتِلَاف الْأَزْمَان يَعْنِي الشدَّة ف الْأُمُور فاعلة وَتَكون التَّاء لتأنيث الْجمع وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُم ابْن مَسْعُود وَأَنه قَرَأَ لتركبن السَّمَاء حَالا بعد حَال تكون وردة كالدهان وَتَكون كَالْمهْلِ فِي اخلاتف هيأتها فَتكون التَّاء لتأنيث السَّمَاء

- سورة البروج {ذو العرش المجيد}

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ لتركبن بِرَفْع الْبَاء وحجتهم فِي ذَلِك أَنه يُخَاطب النَّاس فِي ذَلِك لِأَنَّهُ كرّ من يُؤْتى كِتَابه بِيَمِينِهِ وبشماله ثمَّ ذكر ركوبهم طبقًا عَن طبق ثمَّ قَالَ فمالهم لَا يُؤمنُونَ الْمَعْنى لتركبن حَالا بعد حَال من إحْيَاء وإماتة وَبعث حَتَّى تصيروا إِلَى الله عَن الْحسن قَالَ لتركبن حَالا بعد حَال ومنزلا عَن منزل وَعَن مُجَاهِد لتركبن أمرا بعد أَمر 85 - سُورَة البروج {ذُو الْعَرْش الْمجِيد} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ ذُو الْعَرْش الْمجِيد بالخفض وقر الْبَاقُونَ بِالرَّفْع جعلو صفة ل {ذُو} وَالْمجد هُوَ الشّرف فَأَسْنَدُوهُ إِلَى الله تَعَالَى إِذْ كَانَ أولى أَن يكون من أوصفاهه وَمن خفض فَإِنَّهُ جعله صفة للعرش وَأَنه أجراه مجْرى قَوْله {رب الْعَرْش الْكَرِيم} فوصف الْعَرْش بِالْكَرمِ كَمَا وَصفه بالمجد {بل هُوَ قُرْآن مجيد فِي لوح مَحْفُوظ} 2212 قَرَأَ نَافِع {فِي لوح مَحْفُوظ} بِالرَّفْع جعله نعتا لِلْقُرْآنِ بل هُوَ قُرْآن مجيد مَحْفُوظ فِي لوحه قَالَ وَمعنى حفظ الْقُرْآن أَنه يُؤمن من تحريفه وتبديله وتغييره فَلَا يلْحقهُ فِي لَك شَيْء

- سورة الطارق {إن كل نفس لما عليها حافظ}

86 - سُورَة الطارق {إِن كل نفس لما عَلَيْهَا حَافظ} قَرَأَ ابْن عَامر وَعَاصِم وَحَمْزَة {إِن كل نفس لما} بِالتَّشْدِيدِ أَي مَا كل نفس إِلَّا عَلَيْهَا حَافظ ف إِن بِمَعْنى مَا و {لما} بِمَعْنى إِلَّا وَالْعرب تَقول نشدتك الله لما فعلت الْمَعْنى إِلَّا فعلت وقرا الْبَاقُونَ لما بِالتَّخْفِيفِ مَا تكون زَائِدَة على هَذِه الْقِرَاءَة العنى إِن كل نفس لعليها حَافظ 87 - سُورَة الْأَعْلَى {وَالَّذِي قدر فهدى} قَرَأَ الْكسَائي {وَالَّذِي قدر فهدى} بِالتَّخْفِيفِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ الْمَعْنى قدر خلقه فهدى كل مَخْلُوق إِلَى مصْلحَته وَيُقَال

- سورة الغاشية {تصلى نارا حامية}

هدى الذّكر لمأتى الْأُنْثَى من سَائِر الْحَيَوَان وحجتهم قَوْله {وَخلق كل شَيْء فقدره تَقْديرا} وَقد أَجمعُوا على تَشْدِيد هَذَا فَرد مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى أما اجْمَعُوا عَلَيْهِ أولى {بل تؤثرون الْحَيَاة الدُّنْيَا} 16 قَرَأَ ابو عَمْرو بل يؤثرون بِالْيَاءِ وحجته قَوْله {ويتجنبها الأشقى الَّذِي يصلى النَّار الْكُبْرَى} 1211 أَي بل يُؤثر وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {بل تؤثرون} بِالتَّاءِ أَي بل انتم تؤثرون وحجتهم أَن فِي قِرَاءَة أبي / بل أَنْتُم تؤثرون / 88 - سُورَة الغاشية {تصلى نَارا حامية} قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَأَبُو بكر {تصلى نَارا حامية} بِضَم التَّاء وحجتهما ذكرهَا اليزيدي فَقَالَ كَقَوْلِه بعْدهَا {تسقى من عين آنِية} فَجعل اليزيدي {تصلى} بِلَفْظ مَا بعده إِذْ أَتَى فِي سِيَاقه ليأتلف الْكَلَام على نظام وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {تصلى} بِفَتْح التَّاء وحجتهم أَن الصلى مُسْند إِلَيْهِم فِي كثير من الْقُرْآن مثل {يصلونها يَوْم الدّين} وَقَوله {يصلى النَّار الْكُبْرَى} وسيصلى نَارا فَرد مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ أولى

{لَا تسمع فِيهَا لاغية} 11 قَرَأَ ابْن كثير وابو عَمْرو {لَا يسمع} بِضَم الْيَاء {لاغية} رفع على مَا لم يسم فَاعله قَالُوا لِأَن الْخطاب لَيْسَ بمصروف إِلَى وَاحِد وَإِنَّمَا ذكرُوا واللاغية مُؤَنّثَة لِأَن تَأْنِيث اللاغية غير حَقِيقِيّ أَي لَغْو قَالَ اليزيدي الْمَعْنى لَا يسمع فِيهَا من أحد لاغية قَالَ أَبُو عُبَيْدَة {لاغية} أَي لَغوا وَيجوز أَن يكون صفة كَأَنَّهُ قَالَ لَا تسمع كلمة لاغية وحجتهما أَنَّهَا مُوَافقَة لإعراب رُؤُوس الْآيَات قبلهَا وَبعدهَا من قَوْله {خاشعة} {عاملة ناصبة} وَبعدهَا {عين جَارِيَة} 12 {مَرْفُوعَة} 13 {مصفوفة} 15 فَجرى على ذَلِك وَقَرَأَ نَافِع {لَا تسمع} بِضَم التَّاء {فِيهَا لاغية} رفع على مَا لم يسم فَاعله وَأَتَتْ لَا تسمع على لفظ اللاغية دون الْمَعْنى وَقَرَأَ أهل الشَّام والكوفة {لَا تسمع} بِفَتْح التَّاء {لاغية} نصب وحجتهم أَنَّهَا تَنْصَرِف إِلَى وَجْهَيْن يجوز أَن تسند السماع إِلَى الْوُجُوه الْمَذْكُورَة لِأَن ذَلِك أَتَى عقيب الْخَبَر على الْوُجُوه الناعمة إِذْ لم يعْتَرض بَين ذَلِك وَبَين الْوُجُوه شَيْء يصرف إِلَيْهِ عَنْهَا وَالْمعْنَى لأَصْحَاب الْوُجُوه وَالْوَجْه الآخر أَن يكون على مُخَاطبَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا تسمع يَا مُحَمَّد فِي الْجنَّة لاغية بِدلَالَة قَوْله {وَإِذا رَأَيْت ثمَّ رَأَيْت نعيما وملكا كَبِيرا}

- سورة الفجر {والشفع والوتر والليل إذا يسر}

89 - سُورَة الْفجْر {وَالشَّفْع وَالْوتر وَاللَّيْل إِذا يسر} 43 قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وَالشَّفْع وَالْوتر} بِكَسْر الْوَاو وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بالفتحح وهما لُغَتَانِ مثل الجسر والجسر قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو / وَاللَّيْل إِذا يسري / بِالْيَاءِ فِي الْوَصْل وأثبتها ابْن كثير فِي الْوَقْف لِأَن الْيَاء لَام الْفِعْل من سرى يسري مثل قضى يقْضِي فَوقف على الأَصْل وَمن أثبت الْيَاء فِي الْوَصْل وَحذف فِي الْوَقْف تبع الْمُصحف فِي الْوَقْف وَالْأَصْل فِي الْوَصْل وحذفها أهل الشَّام والكوفة والكسرة تنوب عَن الْيَاء {وَأما إِذا مَا ابتلاه فَقدر عَلَيْهِ رزقه فَيَقُول رَبِّي أهانن} 16 قَرَأَ ابْن عَامر {فَقدر عَلَيْهِ} بِالتَّشْدِيدِ أَي ضيق وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ وَهُوَ الِاخْتِيَار وحجتهم قَوْله {يبسط الرزق لمن يَشَاء وَيقدر} وهما لُغَتَانِ وَالْمعْنَى ضيق عَلَيْهِ رزقه وَلم يوسعه لَهُ

{بل لَا تكرمون الْيَتِيم وَلَا تحاضون على طَعَام الْمِسْكِين وتأكلون التراث أكلا لما وتحبون المَال} 20 - 17 قَرَأَ أَبُو عَمْرو / كلا بل بِلَا يكرمون وَلَا يحضون ويأكلون وَيُحِبُّونَ / بِالْيَاءِ وحجته أَنه أَتَى عقيب الْخَبَر عَن النَّاس فَأخْرج الْخَبَر عَنْهُم إِذْ أَتَى فِي سِيَاق الْخَبَر عَنْهُم ليأتلف الْكَلَام على نظام وَاحِد وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ على المخاطبة أَي قل لَهُم وَقَالُوا إِن المخاطبة بالتوبيخ أبلغ من الْخَبَر فَجعل الْكَلَام بِلَفْظ الْخطاب قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وَلَا تحاضون} بِالْألف أَي لَا يحض بَعضهم على ذَلِك بَعْضًا وحجتهم قَوْله {وَتَوَاصَوْا بِالصبرِ وَتَوَاصَوْا بالمرحمة} أَي أوصى بَعضهم بَعْضًا وَالْأَصْل تتحاضون فحذفت التَّاء الثَّانِيَة للتاء الأولى

الياءات

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / تحضون / أَي لَا تأمرون بإطعام الْمِسْكِين وحجتهم قَوْله {إِنَّه كَانَ لَا يُؤمن بِاللَّه الْعَظِيم} وَلَا يحض على طَعَام الْمِسْكِين قَالَ مُحَمَّد بن يزِيد قَوْله / لَا يحضون / أَي لَا يحض الرجل غَيره فها هُنَا مفعول مَحْذُوف مُسْتَغْنى عَن ذكره كَقَوْلِه {تأمرون بِالْمَعْرُوفِ} أَي تأمرون غَيْركُمْ وَحذف الْمَفْعُول هَا هُنَا كالمجيء بِهِ إِذْ فهم مَعْنَاهُ {فَيَوْمئِذٍ لَا يعذب عَذَابه أحد وَلَا يوثق وثَاقه أحد} 2625 قَرَأَ الْكسَائي {فَيَوْمئِذٍ لَا يعذب عَذَابه أحد} بِفَتْح الذَّال {وَلَا يوثق} بِفَتْح الثَّاء الْمَعْنى لَا يعذب أحد يَوْم الْقِيَامَة كَمَا يعذب الْكَافِر وَقَرَأَ الْبَاقُونَ لَا يعذب عَذَابه أحد وَلَا يوثق بِكَسْر الذَّال والثاء الْمَعْنى لَا يعذب عَذَاب الله أحد وَلَا يوثق وثاق الله أحد أَي لَا يعذب أحد فِي الدُّنْيَا مثل عَذَاب الله فِي الْآخِرَة قَالَ الْحسن قد علم الله أَن فِي الدُّنْيَا عذَابا ووثاقا فَقَالَ فَيَوْمئِذٍ لَا يعذب عَذَابه أحد فِي الدُّنْيَا وَلَا يوثق وثَاقه أحد فِي الدُّنْيَا قَالَ الزّجاج من قَرَأَ {يعذب} فَالْمَعْنى لَا يتَوَلَّى يَوْم الْقِيَامَة عَذَاب الله أحد الْملك يَوْمئِذٍ لَهُ وَحده الياءات قَرَأَ ابْن كثير وورش / بالوادي / بِالْيَاءِ فِي الْوَصْل وَابْن كثير فِي الْوَقْف بِالْيَاءِ أَيْضا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِحَذْف الْيَاء فِي الْوَصْل وَالْوَقْف

- سورة البلد {فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو إطعام}

قَرَأَ نَافِع والبزي عَن ابْن كثير / أكرمني / 15 و / أهانني / 16 بِالْيَاءِ فيهمَا فِي الْوَصْل واثبت البزي فِي الْوَقْف ايضا وَقد ذكرت الْحجَّة فِي غير مَوضِع من الْقُرْآن 90 - سُورَة الْبَلَد {فَلَا اقتحم الْعقبَة وَمَا أَدْرَاك مَا الْعقبَة فك رَقَبَة أَو إطْعَام} 14 - 11 قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَالْكسَائِيّ {فك} بِفَتْح الْكَاف جَعَلُوهُ فعلا مَاضِيا {رَقَبَة} نصب مفعول بهَا {أَو إطْعَام} نسق على فك تَقول الْعَرَب فَككت الْأَسير وَالرَّهْن أفكه فكا فالمصدر على لفظ الْمَاضِي قَالَ أَبُو عَمْرو وتصديقه قَوْله {ثمَّ كَانَ من الَّذين آمنُوا} 17 يَقُول لما كَانَ {فك رَقَبَة} فعلا وَجب أَن يكون الْمَعْطُوف عَلَيْهِ مثله تَقول أَفلا فعل ثمَّ قَالَ مَعْنَاهُ فَهَلا فك رَقَبَة أَو أطْعم فَكَانَ من الَّذين آمنُوا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ فك رَقَبَة مُضَافا {أَو إطْعَام} بِكَسْر الْألف قَالَ أَبُو عُبَيْدَة {فَلَا اقتحم الْعقبَة} أَي فَلم يقتحم الْعقبَة فِي الدُّنْيَا ثمَّ فسر الْعقبَة فَقَالَ {وَمَا أَدْرَاك مَا الْعقبَة فك رَقَبَة أَو إطْعَام فِي يَوْم ذِي مسغبة} وحجتهم أَنَّهَا تَفْسِير لقَوْله {وَمَا أَدْرَاك مَا الْعقبَة} ثمَّ أخبر مَا هِيَ فَقَالَ {فك رَقَبَة أَو إطْعَام} وَمثله قَوْله وَمَا أَدْرَاك ماهيه ث قَالَ نَار حامية وَكَذَلِكَ وَمَا أَدْرَاك مَا الحطمة

ثمَّ قَالَ نَار الله الموقدة وَكَذَلِكَ قَوْله وَا أَدْرَاك مَا يَوْم الدّين ثمَّ قَالَ يَوْم لَا تملك نفس لنَفس شَيْئا قَالَ بعض أهل النَّحْو من قَالَ فك رَقَبَة مُضَافا أَو إطام الْمَعْنى فِيهِ مَا أَدْرَاك مَا اقتحام الْعقبَة لَا بُد من تَقْدِير هَذَا الْمَحْذُوف لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو من أَن تقدر حذف الْمُضَاف أَو لَا تقدره فَإِن لم تقدره وَتركت الْكَلَام على ظَاهره كَانَ الْمَعْنى الْعقبَة فك رَقَبَة وَلَا تكون الْعقبَة الفك لِأَنَّهُ عين والفك حدث وَالْخَبَر يَنْبَغِي أَن يكون المتبدأ فِي الْمَعْنى فَإِذا لم يستقم كَانَ الْمُضَاف مرَادا فَيكون الْمَعْنى اقتحام الْعقبَة فك رَقَبَة أَو إطْعَام أَي اقتحامها أحد هذَيْن وَمن قَالَ {فك رَقَبَة} أَو / أطْعم / فَإِنَّهُ يجوز أَن يكون مَا ذكر من الْفِعْل تَفْسِيرا لاقتحام الْعقبَة فَإِن قيل إِن هَذَا الضَّرْب لم يُفَسر بِالْفِعْلِ وَإِنَّمَا فسر بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر نَحْو قَوْله {نَار الله الموقدة} وَقَوله {نَار حامية} قيل إِنَّه يُمكن أَن يكون قَوْله {كذبت ثَمُود وَعَاد بالقارعة} تَفْسِيرا لقَوْله {وَمَا أَدْرَاك مَا الحاقة} وَيكون تَفْسِيرا على الْمَعْنى وَقد جَاءَ {إِن مثل عِيسَى عِنْد الله كَمثل آدم} وَفسّر الْمثل بقوله خلقه نم تُرَاب فَكَذَلِك قَوْله

- سورة الشمس {ولا يخاف عقباها}

/ فك رَقَبَة أَو أطْعم / تَفْسِير على الْمَعْنى {عَلَيْهِم نَار مؤصدة} قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَحَمْزَة وَحَفْص {مؤصدة} بِالْهَمْز وَقَرَأَ لباون بِغَيْر همز فَمن همزه جعله مفعلة من آصدت الْبَاب أَي أطبقته مثل آمَنت فَاء الْفِعْل همزَة تَقول آصد يؤصد إيصادا وَمن ترك الْهَمْز جعله من أوصد يوصد إيصادا فَاء الْفِعْل وَاو قَالَ الْكسَائي أوصدت الْبَاب وآصدته إِذا رَددته 91 - سُورَة الشَّمْس {وَلَا يخَاف عقباها} 15 قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر {فَلَا يخَاف} بِالْفَاءِ مَعْنَاهُ فدمدم عَلَيْهِم رَبهم فَلَا يخَاف قباها أَي لَا يخَاف الله لِأَن رب الْعِزّ لَا يخَاف شَيْئا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ وَلَا يخَاف بِالْوَاو وَالْمعْنَى إِذْ انْبَعَثَ أشقاها لعقر لناقة وَهُوَ لَا يخَاف عقباها أَي لَا يخَاف مَا يكون من عَاقِبَة فعله ففاعل يخَاف الْعَاقِبَة الضَّمِير الْعَائِد على أشقاها

- سورة العلق {إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى}

96 - سُورَة العلق {إِن الْإِنْسَان ليطْغى أَن رَآهُ اسْتغنى} 76 قَرَأَ ابْن كثير فِي رِوَايَة القواس {أَن رَآهُ} على وزن رعه وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أَن رَآهُ} وَالْأَصْل رَأْيه على وزن رعيه فَصَارَت الْيَاء الَّتِي هِيَ لَام الْفِعْل ألفا لانفتاح مَا قبلهَا فَصَارَ {رَآهُ} قَالَ مُجَاهِد رِوَايَة القواس غلط لِأَنَّهُ حذف لَام الْفِعْل الَّتِي كَانَت ألفا مبدلة من الْيَاء وَقَالَ غَيره يجوز أَن يكون حذف لَام الْفِعْل كَمَا حذف من قَوْلهم أصَاب النَّاس جهد وَلَو تَرَ أهل مَكَّة فَلذَلِك حذف من الْمَاضِي كَمَا حذف الْمُسْتَقْبل

- سورة القدر {سلام هي حتى مطلع الفجر}

97 - سُورَة الْقدر {سَلام هِيَ حَتَّى مطلع الْفجْر} 5 قَرَأَ الْكسَائي {حَتَّى مطلع الْفجْر} بِكَسْر اللَّام وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {مطلع} بِفَتْح اللَّام يَعْنِي طُلُوع الْفجْر وَهُوَ الْمصدر من طلعت الشَّمْس مطلعا وطلوعا وَالْمعْنَى سَلام هِيَ حَتَّى طلوعه وَإِلَى وَقت طلوعه وكل مَا كَانَ على فعل يفعل مثل قتل يقتل وطلع يطلع فالمصدر وَالْمَكَان على مفعل بِفَتْح الْعين نَحْو المقتل والمدخل وَقد جَاءَ مثل المطلع والمنبت على غير الْفِعْل وَحجَّة الْكسَائي أَن المطلع يكون الْموضع الَّذِي تطلع فِيهِ وَيكون بِمَعْنى الْمصدر قَالَ الْكسَائي من كسر اللَّام فَإِنَّهُ من طلع يطلع وَمَات يطلع قَالَ وَقد مَاتَ من لُغَات الْعَرَب كثير وَأعلم أَن كل مَا كَانَ من فعل يفعل بِكَسْر الْعين فالموضع مِنْهُ المفعل والمصدر مِنْهُ مفعل تَقول جلس يجلس مَجْلِسا والموضع الْمجْلس وَكَذَلِكَ يطلع يطلّ مطلعا والمطلع اسْم الْموضع قَالَ الْفراء من كسر اللَّام فَإِنَّهُ وضع الِاسْم مَوضِع الْمصدر كَمَا تَقول أكرمتك كَرَامَة وأعطيتك عَطاء فيجتزأ بِالِاسْمِ من الْموضع

- سورة القيمة البينة {هم شر البرية} {هم خير البرية}

97 - سُورَة الْقيمَة الْبَيِّنَة {هم شَرّ الْبَريَّة} {هم خير الْبَريَّة} 76 قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر / خير البريئة / / وَشر البريئة / بِالْهَمْز وحجتهما أَنه من برأَ الله الْخلق يبرؤهم برءا وَالله البارئ والخلق يبرؤون والبريئة فعيلة بِمَعْنى مفعولة كَقَوْلِك قَتِيل بِمَعْنى مقتول وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {خير الْبَريَّة} بِغَيْر همز وَهُوَ من برأَ الله الْخلق إِلَّا أَنهم خففوا الْهمزَة لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال يَقُولُونَ هَذَا خير الْبَريَّة وَشر الْبَريَّة وَإِن كَانَ الأَصْل الْهَمْز 99 - سُورَة الزلزلة {فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره وَمن يعْمل مِثْقَال ذرة شرا يره} 87 قَرَأَ يحيى فِي رِوَايَة الْعجلِيّ خيرا يره وشرا يره بِإِسْكَان الْهَاء فيهمَا وَقَرَأَ الْحلْوانِي يره يره بالاختلاس وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / يرهو / بالإشباع وحجتهم أَن مَا قبل الْهَاء متحرك فَصَارَ الْحَرَكَة بِمَنْزِلَة ضربهوي افتى فَكَمَا أَن هَذَا يشْبع عِنْد الْجَمِيع فَكَذَلِك قَوْله / يرهو / وَمن قَرَأَ بالاختلاس فَإِنَّهُ اكْتفى بالضمة عَن

- سورة القارعة {وما أدراك ما هيه}

عَن الْوَاو لِأَنَّهَا تنبئ عَن الْوَاو وَمن أسكن الْهَاء فَإِن أَبَا الْحسن يزْعم أَن ذَلِك لُغَة وَقد كرت وبينت فِي سُورَة آل عمرَان 101 - سُورَة القارعة {وَمَا أَدْرَاك مَا هيه} 10 قَرَأَ حَمْزَة / ماهي / بِحَذْف الْهَاء فِي الْوَصْل وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِإِثْبَات الْهَاء فِي الْوَصْل وَقد مر الْكَلَام عَلَيْهِ

- سورة التكاثر {لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين}

102 - سُورَة التكاثر {لترون الْجَحِيم ثمَّ لترونها عين الْيَقِين} 76 قرا الْكسَائي وَابْن عَامر {لترون الْجَحِيم} بِضَم التَّاء على مَا لم يسم فَاعله ثمَّ لترونها بِالنّصب وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لترون الْجَحِيم} بِفَتْح التَّاء أَي إِنَّكُم لترونها وحجتهم إِجْمَاع الْجَمِيع على فتح التَّاء فِي قَوْله {ثمَّ لترونها} فَرد مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ أولى وَأما من قَرَأَ فِي أَحدهمَا بِالضَّمِّ وَفِي الْأُخْرَى بِالْفَتْح فَكَأَنَّهُ ذهب إِلَى أَنْت ترى فترى أعلم أَن رأى فعل يتَعَدَّى إِلَى مفعول وَاحِد تَقول رَأَيْت الْهلَال فَإِذا نقلت الْفِعْل بِالْهَمْز زَاد مَفْعُولا آخر تَقول أريت زيدا الْهلَال فَإِن بنيت هَذَا الْفِعْل الْمَنْقُول بِالْهَمْز قلت أرِي زيد الْهلَال فَيقوم الْمَفْعُول الأول مقَام الْفَاعِل وَيبقى الْفِعْل مُتَعَدِّيا إِلَى مفعول وَاحِد فَكَذَلِك {لترون الْجَحِيم} قَامَ الضَّمِير مقَام الْفَاعِل لما بني الْفِعْل للْمَفْعُول بِهِ أَنْت وانتصب {الْجَحِيم} على أَنه مفعول قَالَ الْفراء إِنَّمَا ضمت الْوَاو لِأَن الأَصْل لترأيون فنقلوا فَتْحة

- سورة الهمزة {الذي جمع مالا وعدده}

الْهمزَة إِلَى الرَّاء وحذفوا الْهمزَة تَخْفِيفًا ثمَّ استثقلوا الضمة على الْيَاء فحذفوها فَالتقى ساكنان الْيَاء وَالْوَاو فأسقطوا الْيَاء ثمَّ التقى ساكنان الْوَاو وَالنُّون فحركوا الْوَاو لالتقاء الساكنين وحولت إِلَيْهَا تِلْكَ الْحَرَكَة الَّتِي كَانَت فِي الْيَاء فحركت بهَا وَقَالَ غَيره إِن هَذِه الْوَاو اسْم الفاعلين وإعرابها الرّفْع فَإِذا وَجب تحريكها كَانَت حَرَكَة الأَصْل أولى بهَا وَقَوله {لترون} وَزنهَا لتعون 104 - سُورَة الْهمزَة {الَّذِي جمع مَالا وعدده} 52 قَرَأَ ابْن عَامر وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ جمع مَالا بِالتَّشْدِيدِ لتكرير الْفِعْل لِأَنَّهُ جمعه من هَا هُنَا وَهَا هُنَا لم يجمعه فِي يَوْم وَلَا يَوْمَيْنِ وَلَا شهر وَلَا شَهْرَيْن وَلَا سنة وَلَا سنتَيْن وَأُخْرَى وَهِي أَنه أَتَى عَقِيبه فعل مشدد فَشدد الْمِيم إِذْ أَتَى فِي سِيَاقه ليأتلف الْكَلَام على نظام وَاحِد فَشدد {جمع} لتشديد {وعدده} إِذْ لم يقل عده وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {جمع} بِالتَّخْفِيفِ من جمعت جمعا وحجتهم إِجْمَاع الْجَمِيع فِي قَوْله {خير مِمَّا يجمعُونَ} فإلحاق مَا اخْتلفُوا فِيهِ بِمَا أَجمعُوا عَلَيْهِ أولى

- سورة قريش {لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف}

{فِي عمد ممددة} قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَأَبُو بكر {فِي عمد} بِضَم الْعين وَالْمِيم وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بنصبهما فَمن ضم فَلِأَنَّهُ جمع عَمُود عمد نَحْو صبور وصبر وَيُقَال وَاحِدهَا عماد كَمَا تَقول حمَار وحمر وإهاب وَأهب وَمن قَرَأَ {عمد} قَالُوا وَاحِدهَا عُمْدَة كَمَا تَقول بقرة وبقر وَثَمَرَة وثمر وعمدة وَعمد قَالُوا فِي جمع عَمُود عمد وَقَالُوا أَيْضا أفِيق وأفق وأديم وأدم وعمود وَعمد وَهَذَا اسْم من أَسمَاء الْجمع غير مُسْتَمر 106 - سُورَة قُرَيْش {لِإِيلَافِ قُرَيْش إيلافهم رحْلَة الشتَاء والصيف} 21 رُوِيَ يحيى عَن أبي بكر / لِإِيلَافِ قُرَيْش إئلافهم / بهمزتين الْهمزَة الثَّانِيَة سَاكِنة قيل ثمَّ رَجَعَ عَنهُ وَرُوِيَ عَن الْأَعْشَى إإيلافهم بهمزتين مكسورتين بعدهمَا يَاء قَالَ النحويون تَحْقِيق الهزتين فِي إلافهم لَا وَجه لَهُ أَلا ترى أَنا لم نعلم أحدا حقق الهمزتين فِي نَحْو هَذَا وَلَو جَازَ هَذَا الجاز فِي إِيمَان إئمان إِذا أردْت مصدر آمن يُؤمن إِيمَانًا فَلَمَّا لم يجز فِي إِيمَان إئمان كَذَلِك لم يجز فِي مصدر آلف يؤلف إيلافا إئلاف بهمزتين وَمثل ذَلِك فِي الْبعد مَا رُوِيَ عَن الْأَعْشَى فَإِن ذَلِك أبعد من

الأول لِأَنَّهُ حقق الهمزتين وَألْحق يَاء لَا مَذْهَب لَهَا وَلَا فِي وَجه قَوْله {إيلافهم} أَلا ترى أَن الْهمزَة الأولى هِيَ همزَة الافعال الزَّائِدَة وَالثَّانيَِة الَّتِي هِيَ فَاء الْفِعْل من ألف وَالْيَاء لَا وَجه لَهُ لِأَن بعد الْهمزَة الَّتِي هِيَ الْفَاء يَنْبَغِي أَن تكون اللَّام الَّتِي هِيَ الْعين من آلف فالياء لَا مَذْهَب لَهَا إِلَّا على وجد وَهُوَ أَن تشبع الكسرة فتزيد يَاء فَإِن قيل مَا وَجه تَحْقِيق الهمزتين فِي إألافهم قلت وَجه تحقيقها أَنه شبهها بالهمزتين فِي أَأَنْت فِي أَن الثَّانِيَة مِنْهُمَا أصيلة وَالْأولَى عَلَيْهَا دَاخِلَة لَيست فِي الأَصْل إِلَّا أَنَّهُمَا تخالفان أَأَنْت من جِهَة أَن الْهمزَة الأولى لم تدخل فِي بنية الْكَلِمَة وَهِي فِي إألافه دَاخِلَة فِي البنية وَلأَجل ذَلِك ألزم النحويون الْهمزَة الثَّانِيَة التَّخْفِيف لِاجْتِمَاع همزتين فِي بنية وَاحِدَة وَلَا اعْتِبَار بِكَوْن الأولى زَائِدَة كَمَا لم يكن بهَا اعْتِبَار فِي {آدم} وَلَا يجوز أحد همز الْألف من آدم فَيَقُول أأدم مَعَ مَا أَن الساكنة أخف من المتحركة فَلذَلِك بعد تَحْقِيق لهمزتين وروى الْأَعْشَى أَيْضا عَن أبي بكر / إإلافهم / بهمزتين مكسورتين لَيْسَ بعدهمَا يَاء قَرَأَ ابْن فليح عَن ابْن كثير لِإِيلَافِ قُرَيْش إلفهم سَاكِنة اللَّام وَلَيْسَ قبلهَا يَاء جعله مصدر ألف يألف إلفا الْمَعْنى أَن الله آلفهم

فألفوا قَالَ مُحَمَّد بن يزِيد الْمبرد كَأَنَّهُ لما قَالَ آلفهم جَاءَ بِالثَّانِي على ألفوا إلفا وإلافا كَمَا قَالَ جلّ وَعز {وَالله أنبتكم من الأَرْض نباتا} أَي أنبتكم فنبتم نباتا قَالَ ابْن نَوْفَل ... زعمتم أَن إخوتكم قُرَيْش ... لَهُم إلْف وَلَيْسَ لكم إلاف ... وَالْمعْنَى فيهمَا وَاحِد إلفهم وإلافهم إِنَّمَا هُوَ مصدر على وزن فعل وفعال وهما مصدران فَأَما مَا جَاءَ من المصادر على فعال فنحو لَقيته لِقَاء وكتبته كتابا وَأما مَا كَانَ على فعل فنحو عَلمته علما يَجْعَل بعد الأول مصدر ألف إيلافا فَإِذا عديته إِلَى مفعولين قلت وَكَذَا فمصدره إفعال لَا غير مثل وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لِإِيلَافِ قُرَيْش إيلافهم} من يؤلف إيلافا وأصل الساكنة يَاء لانكسار مَا قبلهَا فَإِن قيل لم رد الْألف رحْلَة الشتَاء والصيف الْجَواب إِنَّمَا رد لِأَن الأول كَانَ غير مُتَعَدٍّ فَأتى بِالثَّانِي معدى إحسانك إحسانك إِلَى عَمْرو أشكرك الْإِحْسَان الأول

- سورة تبت المسد {تبت يدا أبي لهب وتب} {وامرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد}

فَأَما اللَّام فِي قَوْله {لِإِيلَافِ} ذكر النحويون مِنْهَا ثَلَاثَة أوجه {فجعلهم كعصف مَأْكُول لِإِيلَافِ قُرَيْش} أَي {الْفِيل} لتبقى قُرَيْش وَمَا ألفوا من رحْلَة الشتَاء والصيف هَذَا لَام الْإِضَافَة وَقَالَ آخَرُونَ هَذَا كَانَ الْمَعْنى اعجبوا الإيلاف قُرَيْش وَقَالَ مَعْنَاهُ مُتَّصِل بِمَا بعده فليعبدوا أَي 111 - سُورَة تبت المسد {تبت يدا أبي لَهب وَتب} {وَامْرَأَته حمالَة الْحَطب فِي جيدها حَبل من مسد} 541 قَرَأَ ابْن كثير تبت يدا أبي لَهب سَاكِنة الْهَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْح الْهَاء وهما لُغَتَانِ كالشمع والشمع وَالنّهر وَالنّهر واتفاقهم على الْفَتْح يدل على أَنه أَجود من الإسكان قَرَأَ عَاصِم {حمالَة الْحَطب} بِالنّصب على الذَّم لَهَا وَالْمعْنَى

- سورة الإخلاص {ولم يكن له كفوا أحد}

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {حمالَة} بِالرَّفْع فَمن رفع على أَن يَجعله وَصفا لقَوْله {وَامْرَأَته} وعَلى الْخَبَر أَي هِيَ حمالَة الْحَطب وَيكون {حَبل من مسد} خَبرا بعد خبر 112 - سُورَة الْإِخْلَاص {وَلم يكن لَهُ كفوا أحد} 4 قَرَأَ حَمْزَة وَإِسْمَاعِيل / كفئا / سَاكِنة الْفَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِضَم الْفَاء وهما لُغَتَانِ مثل رسل ورسل وَكتب وَكتب وَقَرَأَ حَفْص {كفوا} مَضْمُومَة الْفَاء مَفْتُوحَة الْوَاو غير مَهْمُوزَة أبدل من الْهمزَة واوا وَالْعرب تَقول لَيْسَ لفُلَان كفو وَلَا مثل وَلَا نَظِير وَالله جلّ وَعز لَا نَظِير لَهُ وَلَا مثل

§1/1