حاشية اللبدي على نيل المآرب

عبد الغني اللبدي

حَاشِيةُ اللبَّدِي على نَيْل المَآرِبِ في الفِقهِ الحَنْبَليِّ للِشَّيْخِ عَبْدِ الغَني بْن يَاسِيْن اللبَدِي النَّابُلسِي (1262 - 1319 هـ) تحقيق وتعليق الدكتور محمد سليمان الأشقر دار البشائر الإسلامية

بسم الله الرحمن الرحيم

حَاشِيَةُ اللبَدي على نيل المآرب في الفِقهِ الحَنْبليِّ

حُقوُق الطبع محَفوُظة لِلمُحَقِّق الطّبْعَة الأولى 1419 هـ - 1999 م دار البشائر الإسلاميّة للطبَاعَة وَالنشرَ والتوَزيع بَيروت - لبنان - ص. ب: 5955 - 14

بين يدي التحقيق

بين يدي التحقيق الحمد لله رب العالمين، وبه أستعين. وأشهد أن لا إله إلا الله ولي المتقين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين وإمام المرسلين محمد، وعلى آله وصحابته الغرّ الميامين. وبعد فإنني لما عزمت على تحقيق (نيل المآرب بشرح دليل الطالب) بذلت الجهد في الحصول على ما يمكن أن يكون قد خُدِم به هذا الكتاب الجليل، ليكون مسهلًا لعملي، ومعينًا على إعطاء الكتاب حقه من العناية والإتقان. فوقعتْ إليّ نسخة من حاشية الشيخ عبد الغني اللبدي على نيل المآرب. وقد قرأتها مرّات، وأفدت منها كثيرًا. وصدر التحقيق المذكور سنة 1403 هـ. ثم لما تجدّدت الرغبة في إصدار الطبعة الثانية من (نيل المآرب) بذلت فيها مزيدًا من العناية، وأدخلت عليها مزيدًا من التصحيحات من قبلي، ومما عَلّقه الشيخ محمد بن سليمان الجرّاح، الفقيه الحنبلي، الكويتي المعمّر، إذ كان يقرئ الطلبة في نسخة من الطبعة الأولى المنشورة بتحقيقي. بل إنه قرأ الكتاب كله بغرض التدقيق، وأمدّني بقائمتين تصحيحيتين استعنت بهما في تصحيح الكتاب، فجزاه الله خيرًا. وقد توفي مؤخرًا (1417 هـ) فرحمه الله رحمة واسعة. ثم دفعتُ الكتاب والحاشية إلى المطبعة، وصححتُ بعض التجارب. ووقعتْ حوادث الخليج المفجعة سنة 1990م، ففقد بسببها النصف الأول من الكتاب، والنصف الأول من الحاشية، فلم يعثر لهما على أثر. وكان لا بد من إعادة العمل، فبالله وحده نستعين. * قيمة هذه الحاشية: هذه الحاشية تقويم لكتاب (نيل المآرب) وأصلِهِ (دليل الطالب) وهو المتن الذي يعتمده علماء المذهب الحنبلي في كافة الديار، وخاصة في الديار الشامية -أ-

وبعض الديار السعودية، وسائر دول الخليج العربي، وإن كان يزاحمه في الديار السعودية كتاب زاد المستقنع (مختصر المقنع) للحجاوي صاحب الإقناع. إلا أن (دليل الطالب) أيسر منه، وأوضح عبارة، وأقل تعقيدًا، ولذا كان أيسر على الطلبة. وقد زاده (نيل المآرب) وضوحًا، وإفادة، وزيادة. وقد لَفَت الشيخُ ابن بدران في مدخله الأنظار إلى أن هذا الشرح "غيرُ محرَّر، وغير وافٍ بمقصود المتن". لكن الشيخ محمد بن عبد العزيز المانع رحمه الله، في تقديمه لكتاب "منار السبيل في شرح الدليل"، لفَتَ الأنظار أيضًا إلى أن "حاشية اللبدي " أكملت هذا النقص، وأن "بها تحرَّرَ نيلُ الماَرب" كما قال. وكانت هذه الكلمة شهادةً لهذه الحاشية. وكان ذلك مما حفزني للبحث عنها. والعمل على إخراجها لأهل العلم. فالحمد لله على ذلك. لقد أضافت حاشية الشيخ عبد الغني اللبدي إلى "نيل المآرب" كثيرًا من مسائل الفقه التقليدية المتوارثة، وزادت من تقويمه بما فيها من توضيحٍ لمشكلاته، وتحرير لِمَطالبِهِ، وتقييد لتعبيراته، وصححتْ كثيرًا من الأخطاء التي وقعت فيه، بل التي وقعت في متن "دليل الطالب" وأضافت إليه مسائل ذات أهمية. واستعرضت أوضاعًا وأعرافًا خاصة، كانت جارية في الديار النابلسيّة، وفي قراها خاصة، ولا يزال بعضها موجودًا، كان الشيخ عبد الغني يطّلع عليها، أو يُسْأل عنها، فينزّل عليها ما وَعَاهُ من الأحكام الفقهية المستقرة لديه، بعد مراجعة كتب المذهب، أو يلحقها بنظائرها مما نص عليه العلماء، أو يستخرج حكمها الشرعي بثاقب نظره في الأدلة. وربما اشتبهت عليه، فيصوّر المشكلة، ويبيّن وجه الإشكال، ويذكر أنه لم يتضح له أمره، ثم يقول: "فليحرَّر" أو "فلينظر". ... -ب-

صاحب الحاشية

صاحب الحاشية * اسمه ونسبه: هو الشيخ عبد الغني بن ياسين اللبدي. وقد ذكر هو نَسَبَ نفسه مفصّلاً في خاتمة رسالته في المناسك (ص 74) فقال: "عبد الغني بن ياسين بن محمود بن ياسين بن طه بن أحمد اللبدي النابلسي". وينطق العامة في الديار النابلسية هذه النسبة "اللَّبَدي" بفتح اللام والباء. وقد ضبطها بروكلمان في اسم خليل اللبدي بضم اللام وضم الباء "اللُّبُدي". درج المثقفون على ضبطها بضم اللام وفتح الباء "اللُّبَدي"، ولعل لذلك أصلًا في اللغة، ففي لسان العرب: يقال: "الناسُ لُبَد" أي مجتمعون، وفي التنزيل العزيز: {يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا} قال: المال اللُّبَد: الكثير لا يخشى فناؤه، والرجل اللُّبَدَ الذي لا يسافر ولا يبرح منزله. والمُرَجَّح أن الصواب ضبطُها بفتح اللام والباء، نسبة إلى اللَّبَدِ، وهو في الأصل مصدر "لَبِدَ" بالمكان "لَبَدًا" أي لَزِقَ به ولزمه وأقام به. *مولده ووفاته: ولد الشيخ عبد الغني سنة 1262هـ على ما ذكره محمد جميل بن عمر الشطي في "مختصر طبقات الحنابلة". أما وفاته فقد كانت يوم الجمعة 16 ذي الحجة سنة 1319هـ بمكة المشرفة، كما ذُكر على صفحة العنوان لرسالته "دليل الناسك لأداء المناسك" وذُكِر فيها أنه توفي بعد نزوله من مني، وأنه دفن بالمَعْلاةِ، وهي مقبرة أهل مكة. وذكر الشيخ الشطي أن وفاته كانت سنة 1317 هـ، وهكذا في معجم المؤلفين. والأول هو الصواب في نظري لأن أهل مكة أدرى بمن مات فيهم. * أسرته: تعرف هذه الأسرة الكريمة بهذه النسبة "اللُّبَدي" قديمًا وحديثًا. ويسميها أهل كفر اللبد: (آل الشيخ ياسين) لعله باسم أحد أجداد الشيخ عبد الغني، وهو المذكور في عمود نسبه. ويسفوْن أيضًا بعائلة "الفقهاء"، ربما لكونهم اشتهروا في تلك -ج-

* بلده

الديار بالفقه في الدين. فيظهر أن هذه النسبة "اللبدي" علقت بهم في ديار الاغتراب حتى اشتهروا بها. عرف بالعلم من هذه العائلة الشيخ "طه بن أحمد اللبدي" ذكره ابن حميد في "السحب الوابلة"، وقال عنه: "الشيخ الفاضل الفقيه النبيه، أخذ عن خلقٍ، وأخذ عنه جمعٌ، أجلّهم العلاّمة الشيخ محمد السفاريني. وذكره في ثبته" ثم بيّض لسنة وفاته. ويظهر أن ياسين بن طه المذكور تتلمذ للشيخ السفاريني كما في الورقة 123 من نسخة ض من. هذه الحاشية. ووجدت لابنه الشيخ محمود بن ياسين بن طه الذي هو جد الشيخ عبد الغني، عناية بالفقه الحنبلي، ففد كتب بخطه نسخةً من (نيل المآرب) موجودة بالمكتبة الأزهرية برقم [652] 47853، وبهامشها حواشٍ بقلم محمد بن ياسين بن أحمد اللبدي. ووجدت نسخة من حاشية ابن عوض على دليل الطالب مكتوبة بخط عبد الحافظ بن ياسين بن طه اللبدي. * بلده: بلده "كفر اللبد" من الديار النابلسية. وأهل هذه المنطقة يتبعون المذهب الحنبلي، وقد برّز منهم عدد غفير من علماء الحنابلة، صار لهم مكانة علمية في مجال التدريس والتأليف والإفتاء والقضاء في ديارهم وفي القدس ودمشق وحلب وسائر البلاد الشامية، وفي الديار المصرية، والديار الحجازية. وقد ابتدأ نبوغ شأنهم منذ انتقل الشيخ أبو عمر بن قدامة، من أهل "جَمّاعيل" من قرى نابلس، إلى دمشق، بأهله وذويه في الربع الأخير من القرن السادس الهجري. وانضم بعضهم إلى جيوش صلاح الدين رحمه الله، وجاهدوا معه في استعادة الأرض المقدسة من عبدة الصليب إلى حظيرة الإسلام. واشتغلوا بالعلم في دمشق، ونبغ منهم فيه كثير، منهم الموفق صاحب المغني، وابن أخيه شارح المقنع. ومنذ ذلك الوقت أخذ التاريخ يبرز أسماء المنتمين إلى قرى هذه المنطقة من اللامعين من علماء الحنابلة نحو رامين، ومَرْدَا، وطُولْكَرْم، وبُورِين، وكَفْر سابا، والساوية، وشُوَ يْكَةَ، وحَجَّة، وعنَبْتَا، وجراع، والسِّيلة، وسفّارين وذِنَّابة، وبُرْقا، -د-

* نشأة الشيخ عبد الغني وحياته ورحلاته

وكَفْر قَدُّوم، وحارس، وزَيْتَا، وغيرها، بالإضافة إلى من ينتسب إلى مدينة نابلس نفسها وهم كثير. وقد ساهم هؤلاء مساهمة كبيرة في إعداد المؤلفات الفقهية في المذهب، مما لا يخفى على دارسيه. تقع "كفر اللبد" على جبل على يسار الطريق الرئيسي الذاهب من نابلس إلى طولكرم، وتبعد عن نابلس مسافة 17 كيلو مترًا تقريبًا. وعن طول كرم 11 كيلو مترًا. وانتسب إليها بعض أهل العلم، من أقدمهم محمد بن أحمد بن سعيد اللبدي (771 - 855هـ) تولى قضاء الحنابلة بحلب، ثم بمكة، وبها مات. ومنهم ياسين بن علي بن أحمد اللبدي المتوفى 1058هـ، ذكره صاحب السحب الوابلة، وقال: "له تحريرات على المنتهى نفيسة"، ومنهم مصطفى بن عبد الحق اللبدي (- 1153 هـ) من شيوخ الشيخ محمد السفاريني العلامة المشهور. ومنهم محمد وحامد ابنا مصطفى اللبدي، ذكرهم الشطي في مختصره. * نشأة الشيخ عبد الغني وحياته ورحلاته: لا نجد وصفًا لنشأته في الصغر. وقد سافر الشيخ عبد الغني إلى مصر ودرس بالأزهر، كما ذكره الشطي، وكما يعلم من تقريظ ابن حميد له ولرسالته في المناسك المطبوع بآخرها، حيث يقول بعد أن ذكر شيئًا من فضله: "وقد كنت أتفرَّسُ فيه هذا وأكثر منه، منذ كان مجاورًا بالجامع الأزهر". وذكر الشيخ عبد الغني في حاشية على نيل المآرب، في كتاب الأطعمة منها، قوله في وصف الزَّرافة: "وفيها بقع في جميع بدنها، ولطول يديها وقصر رجليها لا يثبت على ظهرها راكب. وقد رأيتها في مصر، وصورتها عجيبة". وقبل ذلك وَصَفَ النعامة، وقال: "رأيتها بمصر". وقد حجّ الشيخ عبد الغني، واستقرّ بمكة مدة "سنين عديدة، وصار مدرسًا بحرمها الشريف، ولم يزل مجاورًا لها حتى توفي بها" كما ذكره الشطي. ويعلم ذلك أيضاً من قول ابنه محمود في مقدمة هذه الحاشية في التعريف بوالده: "نزيل مكة، والمتوفى بها" لكن لم نجد ذكرًا للسنة التي انتقل فيها إلى الحجاز. فالله -هـ-

* طلبه للعلم، وذكر شيوخه وتلاميذه

بذلك أعلم. * طلبه للعلم، وذكر شيوخه وتلاميذه: لم نجد ما يتبين به مراحل طلبه للعلم في صغره. وقد أكثر في حاشيته من ذكر الشيخ حسن بن عمر بن معروف الشطّي الحنبلي الدمشقي (1205 - 1270هـ) بعنوان "شيخ مشايخنا" وصرح في موضع منها بقوله "شيخ مشايخنا الشيخ حسن الشطي". وكان الشيخ حسن الشطي رحمه الله ذا قدم في العلم راسخة. وكان رفيقًا بطلبة العلم مسعفًا لهم، يبذل لهم ماله وجاهه وعلمه. فانثالوا عليه من الآفاق، وخاصة من الديار النابلسية، كما ذكر ذلك في ترجمتِهِ الشيخُ ابن حميد في السُّحب الوابلة. ولما رجع هؤلاء النابلسيون إلى ديارهم كان الشيخ عبد الغني في سن الطلب، فيبدو أنه أخذ عنهم. وممن صرح الشيخ عبد الغني باسمه منهم: بلديُّنا الشيخ "يوسف البرقاوي" (1250 - 1320هـ) شيخ رواق الحنابلة في الجامع الأزهر. وكان جل انتفاع الشيخ عبد الغني به. وقابَلَهُ إذ ذاك الشيخ ابن حميد صاحب السحب، وتفرس فيه خيرًا كثيرًا، وقد ذكره في مواضع من الحاشية، منها ما في (باب تعليق الطلاق). وإذا قال الشيخ عبد الغني في الحاشية: "قال شيخنا" فإنه يعني الشيخ يوسف البرقاوي. وهو من تلاميذ الشيخ حسن الشطي الدمشقي، كما في الموضع المذكور من الحاشية. وقد ترجم له الشيخ محمد جميل بن عمر الشطي في مختصره، فذكر أن مولده ببرقا بعد 1250هـ، وأنه رحل إلى دمشق، وانتفع بالشيخ حسن الشطي وغيره، ثم رجع إلى بلده فدرّس بها، ثم رحل إلى مصر وجاور في أزهرها مدة حتى صار شيخ رواق الحنابلة. ورحل إليه الطلاب من الآفاق، وانتفعوا به. وكانت وفاته في حدود 1321 هـ. ومن تلاميذ الشيخ حسن الشطي من النابلسيين النابهين الذين عادوا بعد تحصيل العلم بدمشق إلى بلادهم واشتغلوا بالتدريس في نابلس: الشيخ أحمد بن عبيد القدّومي، (- 1314 هـ) والشيخ محمد بن عبيد القَدُّومي (1249 - 1318 هـ) والشيخ أحمد بن حسين القدومي (- 1320 هـ) والشيخ عبد الله بن -و-

تلاميذه

صوفان القدومي (- 1331 هـ) فلعل كل هؤلاء أو بعضهم هم من يعنيهم الشيخ عبد الغني بقوله: "مشايخنا" والله أعلم. تلاميذه: لم نجد فيما اطلعنا عليه تسمية أحد من الآخذين عن الشيخ عبد الغني اللبدي، على الرغم من علمِهِ الجمّ واشتغاله بالتدريس والفتيا. لكن لا يبعد أن يكون ابناه الشيخ محمود اللبدي والشيخ سعيد اللبدي ممن تتلمذ عليه. ويبدو أن الشيخ عبد الغني قد مارس الفتوى والتدريس في منطقة نابلس، قبل أن يذهب إلى الحجاز، على الرغم من أننا لم نجد ذلك في معلومات تاريخية يستند إليها. لكن ما في حاشيته من التعرض للمسائل الواقعة، وخاصة في البيئة الزراعية القروية هناك، يوحي بذلك. هذا وإن حاشيته تدل على نباهته، ودقته في الفهم، وتحريره للمسائل، وتفريقه بين المتشابهات، وغوصه على مواضع الإشكال، واستدراكِهِ على الفحول. * مؤلفاته: لا يعرف للشيخ عبد الغني من المؤلفات إلا كتابان: أحدهما: هذه الحاشية. والثاني: كتابه المسمى: (دليل الناسك لأداء المناسك" وهو منسك على المذهب الحنبلي خاصة. وقد أورد اسمه في حاشيته على نيل المآرب، في كتاب الحج منها، قبيل باب الإحرام، حيث أحال عليه بتفاصيل بعض ما أجمله في الحاشية. وكلامه في "دليل الناسك" يجري على ما في نيل المآرب وغيره من كتب الحنابلة، وربما تعرّض للإفتاء في بعض الأمور التي جدّت في عصره، كاستظلال المُحْرِم بما يسمّى "الشمسية". وقد ألف الشيخ عبد الغني هذا الكتاب قبل أن يتم السابعة والعشرين من عمره، ويدل لذلك أن عليه تقريظًا للشيخ ابن حميد صاحب السحب الوابلة، مؤرّخًا في سنة 1289هـ. وقد ذكر صاحب السحب في تقريظه أن أحد القادمين -ز-

* عقيدته

للحج أطلعه على هذا المنسك، مما يوحي بان الشيخ عبد الغني ألّفه في بلاده أن يقدم للحج، ويستقرّ بمكة. نُشِر هذا الكتابُ على يد الشيخ محمد يوسف أحمد الباز الكتبي بمكة المكرمة سنة 1330 هـ، ثم أعيد نشره سنة 1398 هـ على نفقة مريم عبد الرحمن الدعيج من أهل الكويت. * عقيدته: اشتغال الشيخ عبد الغني كان بالفقه، يبدو أن الفقه أخذ عليه وقته وكل اهتمامه. وهو كأغلب العلماء الحنابلة: يتبع في العقائد طريقة السلف التي عمل علماء السلف لتثبيتها، وجاهد الإمام أحمد لتأسيسها وتقعيدها، ثم تابع أصحابُهُ بعده تشييد أركانها، وخاصة شيخ الإسلام ابن تيمية والعلاّمة ابن القيم. غير أنه يبدو أن الشيخ عبد الغني تأثر في بعض مراحل دراسته بعض التأثر بطريقة أهل الكلام في الصفات، كما يلحظ في كلامه في أول الحاشية على تفسير "الرحمن الرحيم"، وكما في باب شروط من تقبل شهادته ح4، وفي كلامه في "دليل الناسك" على التوسل بالنبي - صلى الله عليه وسلم -. * أولاده: خلّف الشيخ عبد الغني ثلاثة من البنين، هم الشيخ محمود، والشيخ سعيد، وكلاهما كان على حظ من العلم الشرعي، وسليم. وخلف أيضًا ثلاث بنات: كريمة وأسماء وفاطمة. أما الشيخ محمود والشيخ سليم فقد أصهرا إلى إحدى العائلات في قريتنا "بُرْقا". وولد للشيخ محمود ابنان هما الشيخ رضا والشيخ شمس الدين. وولد للشيخ سعيد ابنٌ هو العلامة الشيخ عبد الرؤوف اللبدي، اللغوي والأديب المعروف، زميلنا في التدريس في الجامعة الإسلامية سنة 1383 و 1384 هـ، واستمر هو في التدريس فيها قريبًا من عشرين عامًا، انتهت باعتزاله العمل وله كتابان أحدهما: "رسائل لم يحملها البريد" مطبوع، والآخر: "همزة -ح-

* مصادر ترجمة الشيخ عبد الغني

الاستفهام في القرآن الكريم" صدر منه جزء واحد، ولا يزال لديه جزءان مخطوطان". أما الشيخ محمود بن عبد الغني فقد اشتغل بالعلم واشتهر به، وقد حضر إلى بلدنا برقا، واستقر بها في السنوات الأخيرة من أيامه، وفرّغ نفسه للتدريس، حتى إنه كان يعقد للنساء ببيته دروسًا يوم الخميس والاثنين، أدت إلى تمسّك الكثير منهن بالدين، والتزمن بالأحكام الشرعية. واستمر على ذ لك إلى أن توفي فيها، قبيل سنة 1360 هـ، ونقل جثمانه إلى بلده ودفن بها. وقد كان على درجة حسنة من التحقيق، كما يُعلَم من استدراكاته على كلام والده وغيره، من ذلك ما في الحاشية (5) من كتاب الاعتكاف، حيث ردّ على والده، وعلى الشيخ محمد السفاريني، بما هو عين الصواب. * مصادر ترجمة الشيخ عبد الغني: 1 - مختصر طبقات الحنابلة، للشيخ محمد جميل بن عمر الشطي الدمشقي. بيروت، دار الفكر، 1406 هـ. 2 - بعض ما ذكره صاحب الحاشية في أثنائها. 3 - بعض ما ذكر في رسالته دليل الناسك - نشرت بالكويت. 4 - معجم المؤلفين، لعمر رضا كحالة. 5 - مقابلة شخصية مع حفيده العلامة الشيخ عبد الرؤوف اللبدي في منزله بعمان يوم 24/ 2/ 1998 م. 6 - كتاب أهل العلم والحكم في ريف فلسطين، لأحمد سامح الخالدي. عمّان، جمعية عمّال المطابع التعاونية، 1968م ص 190، 191. 7 - بلادنا فلسطين، قسم الديار النابلسية، لمصطفى مراد الدبّاغ. بيروت، دار الطليعة، 1391 هـ. استدراك: قبل دخول هذه الحاشية إلى المطبعة علمت بوجود (عقيدة) للشيخ عبد الغني في مكتبة الملك فهد الوطنية بالرياض وهي بخطه من 15 ورقة. ... -ط-

الكتاب

الكتاب * اسم الكتاب: اشتهر هذا الكتاب باسم "حاشية اللبدي على نيل المآرب" غير أن نسخة الرياض من هذه الحاشية وضعت عليها إدارة المكتبة التي تقتنيها اسمًا هو "تيسير المطالب إلى فهم وتحقيق نيل المآرب شرح دليل الطالب" ولم أجد فيها إشارة إلى المصدر الذي أخذت عنه هذه التسمية. لذا رأيت وجوب الإبقاء على التسمية التي اشتهر بها الكتاب. * كيفية إعداد الشيخ عبد الغني لهذه الحاشية: يظهر أن الشيخ عبد الغني كان يكتب ملاحظاته وتعليقاته على إحدى نسخ الطبعة البولاقية من نيل المآرب، وهي النسخة التي صدرت بمصر سنة 1288اهـ. والذي غَلّب هذا على ظني، بل كِدْتُ أحقّقُهُ، أن في الحاشية في أول باب الهبة في (ق 48 ب) من نسخة الأصل تعليقين نبه بهما الشيخ عبد الغني على كلمتين ذكرهما مصحح الطبعة البولاقية من نيل المآرب بهامش الصفحة التاسعة من الجزء الثاني. قال الشيخ عبد الغني فيهما: "فلا معنى لتوقف المصحح في الحكم" يعني بالمصحح مصحح الطبعة البولاقية. وإذا علمنا أن الطبعة البولاقية من نيل المآرب صدرت سنة 1288 اهـ فيمكن الافتراض أنه بدأ بالكتابة عليها بعد هذا التاريخ لا قبله. ويبدو أن الشيخ عبد الغني قد أتم العمل في تعليق هذه الحواشي، وارتضاها على الوضع الذي هي عليه، فإنه قد ختمها بقوله "هذا آخر ما يسره الله تعالى من كتابة ما بهامش هذا الكتاب" إلخ. * تجريد هذه الحاشية: الذي قام بتجريد هذه الحواشي من هامش نسخة الشيخ عبد الغني هو الشيخ محمود بن عبد الغني اللبدي. وقد أتم عمله في تجريدها سنة 1321 هـ. وقد علمت من بعض المعمرين ممن كان له علاقة به، أنه بعد وفاة والده بالحجاز ذهب إلى -ي-

* السقط الذي في هذه الحاشية

هناك وأحضر كتب والده إلى قريته كفر اللبد. فالذي يبدو أنه كان على علم بعمل والده في هذه التعليقات، وبقيمتها، وباهتمام والده بها، أو أنه اطّلع على عمل والده ببحثه في الكتب التي استرجعها، وخشي على جهود والده أن تضيع، فبذل الهمة في تجريدها بشكل مستقل، إبقاءًا عليها، وتسهيلاً على أهل العلم أن يستنسخوها ويتناقلوها. وهكذا كان. وقد أتمّ التجريد المطلوب قبل انتهاء السنة الثانية من وفاة والده. فجزاه الله تعالى على جهوده خيرًا وتغمده ووالده بواسع رحمته. أما نسخة الشيخ عبد الغني نفسه فلم نَعْلَقْ لها بأثرٍ بعد السؤال والبحث. هذا ويبدو لي أن الشيخ محمودًا أثناء تجريده لحاشية والده كان يدخل بعض ملاحظاته الخاصة على كتابة والده، زيادة في تحرير المسائل، وربما ناقض كلام والده. ولا حرج في العلم. وفي تقديري أن ما بدئ من الملاحظات بعبارة "أقول" فهو من كلام الشيخ محمود، بخلاف ما بدئ بقوله "قلت" فهو من كلام الشيخ عبد الغني. * السقط الذي في هذه الحاشية: في هذه الحاشية سقط يقدر بخمس ورقات، وهو في أثناء باب النكاح وتوابعه. وقد نبه على ذلك السقط ناسخ نسخة الأصل في خاتمة النسخة. وأشار إلى السقط أيضًا كاتب النسخة ض، وهو محمد بن سعيد بن غباش، نبه إليه في موضع السقط من كتاب النكاح، حيث قال: "لم نجد للمحشّي كلامًا على عدة أبواب، وهي باب المحرمات في النكاح، وباب الشروط فيه، وباب العيوب فيه، وباب نكاح الكفار، وكتاب الصداق. قال: ولا ندري هل سقط ذلك من الناسخ أو لا". أما ناسخ نسخة الأصل فقد استظهر أن الإسقاط كان من نجل المحشّي. وهو الصواب عندي، وأكاد أجزم أن ذلك الإسقاط تفويت في تجريد الشيخ محمود لكلام والده، وأن الشيخ عبد الغني قد حشّى على الأبواب المذكورة. والله أعلم بماكان. -ك-

* مصادر الشيخ عبد الغني في هذه الحاشية

وها هنا سؤال، وهو: هل كتب الشيخ عبد الغني هذه الحاشية في بلده من الأرض المقدّسة فلسطين، أم كتبها بعد سفره إلى الديار الحجازية المقدسة واستقراره هناك، أم جمع فيها بين الموضعين. وهذا سؤال لم نجد عنه جوابًا شافيًا. * مصادر الشيخ عبد الغني في هذه الحاشية: يرجع المحشي في كلامه إلى الكتب المتنوعة المشهورة في المذهب، وخاصة الفروع، والإنصاف، والتنقيح، والمنتهى للفتوحي، وشرحه له، وشرحه للبهوتي، وحاشيته عليه، وإلى شرح المفردات للبهوتي، وإلى الإقناع للحجاوي، وشرحه للبهوتي، وإلى الغاية للكرمي، وشرحَيْها للرحيباني، والجراعي، وتجريد زوائدها لحسن الشطي، وإلى حاشية ابن عوض على الدليل. وهذا بالإضافة إلى الكتب المتقدمة، كمختصر الخرقي، وشروحه للزركشي والموفق، والمقنع والكافي له، وإلى ما قبل ذلك ككتب القاضي أبي يعلى وأبي الخطاب وابن عقيل. وغيرها. وإلى كتب نادرة غير معروفة الآن. ويبدو أنه كان تحت يديه مكتبة حنبلية حافلة. وعلى نيل المآرب وأصلِهِ دليل الطالب حواشٍ ذكرنا قسمًا منها في مقدمة تحقيقنا لكتاب نيل المآرب، فلا يبعد أن يكون الشيخ عبد الغني قد رجع إلى بعضها، والله أعلم. ... -ل-

وصف النسخ المستخدمة في التحقيق

وصف النسخ المستخدمة في التحقيق هما نسختان، كما تقدم: الأولى: نسخة كتبت بخط رقعة حديث، في 94 ورقة مسطرتُها في الغالب 30 سطرًا. ولا يعرف اسم ناسخها. تاريخ نسخها سنة 1324 هـ. وقد اتخذناها أصلاً، لكونها منسوخة عن نسخة ابن المؤلف مباشرة، ولأنها تامّة ما عدا النقص المشار إليه سابقًا. وهي نسخة جيدة مقابلة، والأخطاء والسقط فيها قليل، استدركناه من النسخة الأخرى في كتاب البيع فما بعده. وهذا ما عدا السقط الكبير الذي سبق التنبيه عليه، وقد قال ناسخها في آخرها: "قوبلت على نسخة نجل المؤلف مقابلة تامة، ووجد فيها بعض ألفاظ لا يفهم معناها" قلت: الألفاظ التي أشار إليها أمكن حلها بفضل الله تعالى ولم يبق إلا كلمتان أو ثلاث نبهنا إليها في مواضعها. وقد رمزنا إلى هذه النسخة في التحقيق باسم "الأصل" أو "نسخة الأصل". النسخة الثانية: وهي صورة عن نسخةٍ موجودة بالرياض، في مجمع الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود. وقد زوّدني بيذه الصورة الأخ النبيه الشيخ الفاضل محمد بن ناصر العجمي الكويتي، لمّا علم أني بصدد تحقيق الحاشية المذكورة. وذكر لي أنها صُوِّرت عن نسخة الشيخ محمد بن عبد العزيز المانع، من مكتبته التي آلت إلى مكتبة المجمع المذكور. النسخة المذكورة لا تشتمل على قسم العبادات، بل تبدأ من كتاب البيع، وفيها السقط الكبير الذي نبهنا إليه وقد انتهى ناسخها من كتابتها سنة 1377 هـ، وذكر في موضع أنه كتبه سنة 1374 هـ. أما ناسخها، فقد ذُكِرَ في مواضع منها أنه الشيخ محمد بن سعيد بن غباش (¬1)، وله عليها تعليقات وفوائد مضافة وتنبيهات. ¬

_ (¬1) جاء في كتاب "علامة الكويت الشيخ عبد الله الخلف الدحيّان" للأخ النبيه الشيخ محمد بن =

وفي مواضع أن الناسخ هو عبد الله الغزال. وفي خاتمتها أن كتابتها من أول كتاب البيوع إلى آخرها بقلم عبد الله بن محمد بن صالح بن جابر، ولعله عبد الله الغزال بعينه، فالله أعلم بما كان (¬1). وقد كانت كتابتها في مدينة الدوحة في قطر. ويظهر أن هذه النسخة لم تتمّ مقابلتها، إذ فيها أخطاء وإسقاطات نبهنا إليها. وتأكد لنا أنها ليست منقولة عن نسخة الأصل، لأن فيها مواضع على التمام مع أنها ساقطة من نسخة الأصل. وكانت القراءة فيها متعبة، لأن ناسخها داخَلَ بين تعليقاته وبين كلام صاحب الحاشية. ... ¬

_ = ناصر العجمي، ص 140، ما نصّه: "هو الشيخ محمد بن سعيد بن غباش، من إحدى بلدان سواحل الخليج. وقد درس في الأزهر. وكان بينه وبين الشيخ عبد الله صلة. وقد مَرّ بالكويت عن طريق البحر، وزاره الشيخ عبد الله وهو في المركب. وكان لديه حاشية اللبدي المذكورة، ولم يمكث في الكويت إلا ليلة واحدة. ولما أخبَرَ الشيخُ عبد الله بعضَ طلابه بان لدى الشيخ ابن غباش حاشية اللبدي تاسفوا وقالوا: لو استعرتَها منه لنسخناها في هذه الليلة، كما أخبرني بذلك شيخنا محمد الجرّاح حفظه الله" اهـ. (¬1) لا يبعد عندي أن يكون عبد الله الغزال نَقَل عن نسخة الشيخ محمد بن سعيد بن غباش، كما نبه إليه التعليق المتقدم. وبهذا تكون نسخة ض منسوخة عن نسخة ابن غباش، وليست عينها. -ن-

منهج العمل في التحقيق

منهج العمل في التحقيق 1 - عرّفت بالمؤلف حسب الطاقة. 2 - عرّفت بالحاشية مبينًا قيمتها العلمية. 3 - وصفت النسختين المخطوطتين المستعملتين في التحقيق. 4 - أجريت المقابلة بالنسختين المخطوطتين، وأتممت نقص إحداهما من الأخرى، وأخذت عند الاختلاف بالأصح، ونبهت إلى الوجه الآخر بذيل الصفحات. 5 - علّقت في ذيل الصفحات بما يقتضيه المقام من التنبيه، مع الاقتصاد في التعليق، نظرًا إلى أن الكتاب هو في حد ذاته "حاشية" فلا يحسن الإطناب في التعليق عليها. 6 - أضفت تسميةً لعناوين الفصول تبعًا لما صنعته في "نيل المآرب". 7 - رقمت الحواشي في كل باب أو فصل بأرقام متسلسلة، ليمكن ربطها بنصّ "نيل المآرب" من أجل سهولة المراجعة والاستفادة. 8 - اتبّعت في وضع علامات الترقيم ما استقر عليه أمر مجمع اللغة بالقاهرة. 9 - أثْبَتُّ بين معقوفين أرقام صفحات النسخة الأصل. 10 - ترجمت لأسماء العلماء غير المشهورين لدى الدارسين، بإيجاز شديد. وذكرت بعض البيان لأسماء الكتب غير المشهورة، وإيضاحًا للرموز الواردة في الحاشية، وجعلت كل ذلك في ذيل الصفحات في أول موضع يرد فيه ذكر العالم، أو ذكر الكتاب، أو الرمز، وكان ذلك بالاستعانة بما يذكر في قائمة مراجع التحقيق الآتي ذكرها. 11 - أشرف في أول كل صفحة من صفحات الحاشية على يمين السطر الأول أو يساره إلى رقم صفحة (نيل المآرب) المطبوع بتحقيقنا التي ينتمي إليها هذا السطر وذلك من أجل إتقان الربط. ... -ص-

خريطة تبين مدن وقرى الديار النابلسية التي ينسب إليها بعض الفقهاء الحنابلة ممن ذكرهم ابن حُمَيد في كتابه "السحب الوابلة"

حَاشِيةُ اللبَّدِي على نَيْل المَآرِبِ في الفِقهِ الحَنْبَليِّ للِشَّيْخِ عَبْدِ الغَني بْن يَاسِيْن اللبَدِي النَّابُلسِي (1262 - 1319 هـ) تحقيق وتعليق الدكتور محمد سليمان الأشقر الجزء الأول

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي وفق للتفقه في الدين من أراد به خيرًا من عباده، وأسبغ عليهم جلابيب نعمه، وأسعفهم بمزيد إمداده. أحمده تعالى أن منَّ علينا بنعمة الإسلام، وعلّمنا بالقلم ما لم نكن نعلم، وأحكَمَ لنا الأحكام أيَّ إحكام. وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له، ذو الجلال والإكرام. وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله المبعوث رحمةً للأنام، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه الكرام، صلًاة وسلامًا لا يعتريهما نقصٌ ولا انثلام. أما بعد: فإن الكتاب الموسوم ب (نيل المآرب شرحِ دليلِ الطالب) قد بَلَغَ النهايةَ في حُسْنِ الوَقْع، وعظمِ النفع. وقد عكفَتْ على قراءته الطلاّب، واندفع على تحصيله الراغبون من ذوي الألباب. غير أنه يحتاج إلى كتابةِ حاشيةٍ عليه، تَسْفِرُ عن وجوه مخدّراته النقاب، وتُبْرِزُ من خفيّ مكنوناته ما وراء الحجاب. وإنني لم أكن أهلاً لذلك، ولا لسلوك تلك المسالك. غير أنني لما قرأت النسخة التي كان يقرؤها والدي المرحوم الشيخ عبد الغني اللبدي، نزيل مكة، والمتوفى بها، ورأيتُ بهامشها تقريراتٍ مفيدة، ومباحث سديدة، خطر ببالي أن أُجَرِّدها وأرتبها، وأجعلها حاشية على الشرح المذكور، استظهاراً للصواب، واسترباحًا للثواب. وأرجو من الله الكريم أن يعمّم بها النفع، وأن يجعل لها في القلوب أعظم وقع، إنه جواد كريم، رؤوف رحيم (¬1). (1) قوله: "بسم الله الرحمن الرحيم" إنما ابتدأ بها المصنّف رحمه الله، ¬

_ (¬1) هذا المتقدم هو من كلام الشيخ محمود ابن الشيخ عبد الغني، والكلام بعده للشيخ عبد الغني رحمهما الله. ونرجو أن يكون الله تعا لي قد استجاب لدعوته بعملنا هذا في تحقيق هذه الحاشية والسعي في نشرها.

[1/ 33] اقتداءً بالكتاب العزيز، وعملًا بحديث: "كل أمرٍ ذي بالٍ لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر" أي ذاهب البركة. رواه الخطيب بهذا اللفظ في كتابه "الجامع" (¬1)، والحافظ عبد القادر الرُّهاوي (¬2). والباء في البسملة إما للمصاحبة [2أ] أو للاستعانة، متعلّقة بمحذوف. وتقديرُهُ فعلًا أولى، لأن الأصل في العمل للأفعالِ، وخاصةً لأنه أنسب بالمقام، لأن كل شارعٍ في فنٍّ يضمر ما كانت البسمَلَةُ مبدأً له، ومؤخَرًا لإفادة الاختصاص. و"الله " علم على الذاتِ الواجب الوجود، المستحق لجميع المحامد، الموصوف بكمال الإنعام، وبما دونه. فهو عَلَمٌ على المعبود بحق، إذ لم يستعمل في غيرِه تعالى. قال تعالى: {هل تعلم له سميًّا} [مريم: 65] ومن ثَمَّ كان "لا إله إلا الله" توحيداً، أي لا معبود بحق إلا الله الواحد الحق. فهو من الأعلام الخاصة، من حيث إنه لم يُسَم به غيره تعالى، ومن الأعلام الغالبة، من حيث إن أصله "إله"، قاله بعض المحقّقين. و"الرحمن لما وصفٌ للفظ الجلالة. وهو خاص لفطًا، من حيث إنه لم يُسَمّ به غيره تعالى، وهو أيضًا من الأعلام الغالبة؛ أي: هو عَلَم بالغَلَبة، كـ"النجم" للثريّا، و"الكتاب" لكتاب سيبويه. فهو عامٌ معنىً، لأنه صفة لمعنى كثير الرحمة، ثم غَلَب على البالغ في الرحمة غايتها. ومعناه أيضاً أنه المتفضل بجلائل النعم في ¬

_ (¬1) هو كتاب "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" في أصول الحديث. وهو مطبوع. والحديث فيه (2/ 87) بلفظ: "فهو أقطع" وليس فيه "فهو أبتر" بل هذا اللفظ للرهاوي، كما في الفتح الكبير. وفي إحدى روايات الخطيب: "بحمد الله" بدل "ببسم الله " وكلتا الروايتين من حديث أبي هريرة مرفوعًا. وخرّجه الشيخ شعيب الأرناؤط في تحقيقه لصحيح ابن حبان تخريجًا ضافيًا (1/ 174) وضعّف إسناده. وذكر ممن أخرجه: أحمد (2/ 359) وأَبا داود (4840) والدارقطني (1/ 229) وغيرهم. (¬2) عبد القادر بن عبد الله الرُّهاوي، بضم الراء، ويجوز فتحها، أبو محمد (536 - 612هـ) من أهل الموصل. ذكره إسماعيل البغدادي في هدية العارفين، وقال فيه: الحافظ، محدّث الجزيرة، له تآليف. منها: "المادح والممدوح".

الدنياوالآخرة، فهومن الصفات الغالبة. [1/ 33] و"الرحيم" عامٌ لفظًا، لأنه قد يسمّى به تعالى. قال تعالى في حق نبيّه - صلى الله عليه وسلم -: {بالمؤمنين رؤوف رحيم} [التوبة: 28] و"الرحمن الرحيم" صفتان مشبَّهتان، مشتَقّتان من "رَحِمَ" بنقْلِهِ إلى "رحُمَ" لازمًا، لأن الصفة المشبّهة لا تُشتَقّ إلا من لازمٍ، نحو طَهُرَ وحَسُنَ، فالصفة المشبّهة منهما طاهرٌ وحَسَنٌ. و"الرحمن" أبلغ من "الرحيم" لأن زيادة المعنى تدلّ على زيادة المعنى غالبًا. وقدّمَ "الرحمن"، لأنه كالعلم، من حيث إنه لا يوصف به غيرُه تعالى. وقيل إنه علم. ولم يقل "بالله الرحمن الرحيم": اقتداءً بالكتاب العزيز، وتبركًا بذكر اسمه تعالى، وفرْقًا بين التيمّن واليمين. أو قدم "الرحمن" لأن "الرحيم" كالتتمّة له، لدلالة "الرحمن" على أنه هو المتفضّل بجلائل النعم وأصولها، فَرُودِفَ بـ"الرحيم" ليتناول ما خرج منه. أو قدّم "الرحمن" لمراعاة الفواصل. وهو جواب حسن عمّا يقال: إن الترقي يكون من الأدنى إلى الأعلى، لا من الإعلى إلى الأدنى كما هنا، فَيُجابُ بما ذُكِرة أي: لمراعاة الفواصل. والرحمة في الأصل رقة في القلب تقتضي التفضل والإحسان، وهي بهذا المعنى من المحال على الله تعالى، فيراد لازمها وهو الإنعام [2ب] والإحسان، أو إرادة الإنعام والإحسان. فعلى تفسيرها بذلك تكون صفةَ فعلٍ، وعلى تفسيرها بالإرادة تكون صفة ذات. ولهذا كله إنما يتمشّى على مذهب الخَلَف (¬1) القائلين بأن الرحمة والغضب ¬

_ (¬1) هذه إشارة منه رحمه الله إلى أن مذهب السلف بخلاف ذلك، وهو أن الرحمة تجرى على ظاهرها، فهي أمر معلوم هو غير الإنعام، وغير إرادة الإنعام، بل هي صفة لله تعالى تليق بجلاله، لا نكيّفها ولا نعطّل الله تعالى منها، وليست شبيهة برحمة المخلوقين، على حدّ ما ورد عن الإمام مالك رضي الله عنه، حينما سئل عن قوله تعالى: {الرحمن على =

[1/ 33] والرضا لها مبادئ ونهايات. فالله عزّ وجلّ يوصف بها باعتبار النهاية، لا باعتبار المبادئ. ثم إنه ينبغي الكلام على البسملة بما يناسب الفنّ المبْدوءَ بها. فيناسبها هنا أن نقول: تجب [البسملة] في خمسة مواضع: عند غسل اليدين من نوم الليل، وعند الوضوء، وعند الغسل، وعند التيمّم، وعند غسل الميّت. وتشترط في موضعين: عند الذكاة، إلا أنها تسقط سهوًا لا جهلاً، وعند إرسال الآلة للصيد ولا تسقط لا سهوًا ولا جهلاً. وتُسَنّ في مواضع كثيرة: عند الأكل والشرب ونحوهما. وتكره على أكل محرّم. وتحرم في بيت الخلاء ونحوه. وتباح في غير ذلك. (2) قوله: "المنفرد بصفات الكمال": أي الذي تفرّد بالأوصاف الكاملة. فلا تليق بغيره سبحانه وتعالى. لا يقال: قد يوصف غيره ببعض صفاته، كالعلم والحلم، والكلام، والسمع، والبصر، وغير ذلك، فما معنى قوله: "المنفرد"؟ لأنّ الصفات المذكورة إذا اتصف بها غيره لا تكون مطلقةً، بل مقيّدة. فيكون متصفًا بالعلم ببعض الأشياء لا مطلقًا. وكذا يقال فيما بعده. فهي لا توصف بالكمال المطلق، بخلاف صفاتِ البارئ سبحانه وتعالى، فإنها صفاتُ كمالٍ مطلقًا. ويؤخذ من هذا أيضًا أنه سبحانه وتعالى منزّه عن كل نقص، وعن سماتِ الحدوث، ومشابهتِهِ للحوادث. كيف وهو المحدث الموجد لها سبحانه وتعالى. وقوله: "المنعوت" أي الموصوف "بنعوت أي صفات "الجلال والجمال" أي فالبارئ عزّ وجلّ متصف بالجلال، وهو الهيبةُ والغَلَبَةُ والقهر والسلطان، والجمال، وهو ¬

_ = العرش استوى} كيف استوى؟ قال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. اهـ.

الرحمة والرأفة والكرم والحلم. وكل من هذه الصفاتِ صفات كمال. وقوله: [1/ 33] "المتحبب" أي المتودّد "إلى خلقه بالإنعام والإفضال" أي فهو سبحانه وتعالى كثير الإنعام والمتفضّل على- خلقه. ومن كان كنالك فالقلوب تستروح لمحبته، لأنها مطبوعة على ذلك. والله تعالى يحب من عباده أن يحبّوه. ومن لُطْفِهِ بهم أسبغ عليهم نِعَمَهُ ظاهرة وباطنة، وكانت سببًا لمحبتهم له. وقوله: "والعطاء والنوال" عطفُ مرادفٍ. وقوله: "المحسِنُ على ممرّ الأيام والليال" أي الدائم إحسانه لخلقه في سائر الأوقات. وقوله: "أحمده" أي أصفه بالجميل، وصفًا متجدّدًا يحدث شيئًا بعد شيء. "لا لغيُّرَ له" أي لا نقص له "ولا زوال" أي ولا انقطاع "لا تحوُّل له ولا انفصال" أي لا انتقال له ولا انقطاع. (3) قوله: "ولا مثْلَ له ولا مثال" أي لا يشبهه شيء [3أ]، ولا يُشْبِهُ شيئًا. وقوله: "ولا خلال" أي مُخَالَلَة ومُوَادَّة. (4) قوله: "أصحّ الأقوال لا أي الأقوال الصحيحة "وأسدِّ الأفعال" أي الأفعال السديدة، أي الصواب. وقوله: "المُحْكِم" أي المتُْقنِ للأحكام "الغُدُوّ" جمع غدوة، أي أول النهار، "والآصال" جمع "أَصيلٍ" أي آخر النهار. (5) قوله: "فإن الاشتغال بالعلم" هذه العبارة من خطبة "المبْدع". (6) قوله: "المقدسي" نسبة إلى البلاد المقدّسة، وإلا فهو من طول كَرْم (¬1)، من أعمال نابلس. (7) قوله: "فاستخرت الله الخ": هذا جواب "لمَّا" فكان الأَوْلى إسقاط الفاء. (8) قوله: "ذي بال": أي حالي وشرفٍ يُهْتَمّ به شرعًا. (9) قوله: "واللهِ عَلَمٌ الخ" يقرأ بكسر الهاء على الحكاية، وكذا بترقيق اللام فيما يظهر، لأنه لا يُقرأ على حكايته إلا كذلك. وقوله: "الواجب الوجود": أي ¬

_ (¬1) طول كرم، والأكثر أن تكتب في هذا العصر "طولكرم"، تقع غربيّ نابلس، وتبعد عنها قريبًا من (10) كيلو مترات إلى الغرب. وكانت تسمى قديمًا: "طور كرم" وهي الآن مدينة ومركز قضاء.

[1/ 34] الذي لا يتصور في العقل عَدَمُه، بخلاف "الجائز" فهو الذي يُتصوَّر في العقل وجوده وعدمه، وبخلاف "المستحيل" فإنه الذي لا يتصور في العقل وجوده. فالأول البارئ سبحانهُ وتعالى، والثاني كالمخلوقات، والثالث كالشريك له سبحانه وتعالي. (10) قوله: "من الوصف بالعبودية": أي لأنها تركُ الاختيار، والثقةُ بالفاعل المختار، والتسليم لأمر الواحد القهّار، وعدم منازعة الأقدار (¬1)، حتى لا يبقى له مع الله مراد إلا ما أراد. (11) قوله: "من حلالٍ" أي واجب. ولو عبّر به لكان أولى. لأن الحلال يشمل الواجب والمكروه والمباح، كما هو ظاهر. (12) [قوله]: "وعلى جميع الأنبياء والمرسلين": قد روي بيان عدد الأنبياء في بعض الأحاديث [أنهم] مائة وأربعة وعشرون ألفًا، والرسل منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر (¬2). والأولى أن لا يقتصر على عدد في التسمية. قال الله تعالى: {منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصُصْ عليك} [النساء: 164] ولا يؤمَن في ذكر العَمَد أن يَدْخلَ فيهم من ليس منهم، أو يخرج منهم من هو فيهم. ¬

_ (¬1) أقول: تفسير العبودية بهذا ليس صوابًا، بل إن اختيار الإنسان ما يرى فيه صلاحًا لنفسه وأهله وغيره ليس فيه منازعة للاقدار، بل هو أخذٌ بالأسباب التي وضعها الله تعالى موصلةً إلى مسبّباتها، كالتداوي بما جعله الله مؤدّيًا إلى الشفاء، والطعام الذي جعل الله فيه شبعًا وقوة؛ والشرب الذي جعله الله تعالى مذهبًا للعطش، وإعداد السلاح والمراكب من الخيلِ وغيرها الذي جعل الله فيه الاقتدار والنصر على الأعداء. فليس في شيءٍ من ذلك منازعة للأقدار، ولا منافاة للعبودية. وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعل كل ذلك، وقد كان أكمل البشر عبوديةَ لله تعالى. وأنما العبودية الحقة المبالغة في طاعة الأمر، والحرص على عدم المخالفة، والتقرّب إلى الله تعالى بمراضيه، مع الحب والخوف والإخلاص. (¬2) أخرجه ابن حبان من حديث أبي ذر مرفوعًا. قال ابن كثير في البداية والنهاية (2/ 152) ذكره ابن الجوزي في الموضوعات. قال وأورده ابن أبي حاتم من حديث أبي أمامة، وقال: فيه ثلاثة ضعفاء. وأخرجه الإسماعيلي من حديث أنس، إلا أن فيه أنهم كانوا ثمانية آلاف نبيّ.

(13) قوله: "بناء على أنّ الخ" أي وأما إذا قلنا إن مسمى الكتاب هو [1/ 36] النقوش، كما عليه بعضهم، فلا تصح الإشارة إلا إن كانت الخطبة بعد التأليف. (14) قوله: "الفهم": هو إدراك معنى الكلام. وقيل جودة الذهن. (15) قوله: "معرفة الأحكام": وقيل الأحكام نفسها. وقوله: "الشرعية": خرج العقلية، وقوله: "الفرعية" خرج الأصولية. وقوله: "الفعل" أي الاستدلال. وقوله: "أو بالقوّة القريبة" أي من الفعل. وقوله: "كذلك": أي بالفعل أو بالقوّة. فعلى هذا: من عرف الأحكام بغير ذلك لا يسمى فقيهًا. ***

كتاب الطهارة

كتاب الطهارة [1/ 38] (1) قوله: "وهي رفع الحَدَث" الأولى أن يقول: "وهي ارتفاع الحدث الخ" لأنه تفسير للطهارة، [3ب]، وأما الرفع فهو تفسير للتطهير، لأنه فعل الفاعل، فيحصل التطابق بين المفسَّر والمفسَّر. (2) قوله: "ولا يرفع الحدث" قال المصنف في "الغاية": ويتجه: ولو للناسي؛ لكن ناقشه شارحها (¬1) بما في "المبدع" من أنه كالصلاة بثوبٍ محرّم، وهو تصح الصلاة به لناسٍ. ومثله في "شرح الإقناع" للبهوتي، لكن عارضه العلاّمة النجدي (¬2) بالفرق بينهما بأن الماء يتلف، بخلاف الثوب. وأجاب عن ذلك شيخ مشايخنا الشطّي بان الماء مضمون عليه فكأنه لم يتلف. (3) قوله: "ولو كافرة": كذا قالوا. واعترضه المحقق السفاريني (¬3) بما ملخّصه: أن الكافرة لا طهارة لها كاملة، لفقْدِ النيّة، فلا تؤثّر خَلْوَتُها. وأجابوا عن ¬

_ (¬1) المصنف: المراد به في هذه الحاشية، وبقوله: "المؤلف" أيضًا: الشيخ مرعي الكرمي مصنف دليل الطالب، وربما أريد بعبارة "المصنف" في هذه الحاشية غير الشيخ مرعي، بدلالة السياق. والغاية هي كتابُهُ "غاية المنتهى في الجمع بين الإقناع والمنتهى" وشارحها هو الشيخ الرُّحَيْبَانيّ، شرحها بكتابه المسمى "مطالب أولي النُهى" ولها شرح آخر لابن العماد (- 1089هـ) ولم يكمله وأكمله بعده من باب الوكالة الشيخ إسماعيل بن عبد الكريم الجراعي (- 1202هـ) و "المبدع شرح المقنع" هو للشيخ برهان الدين ابن مفلح (- 884هـ) وهو إبراهيم بن محمد بن مفلح الراميني (ورامين من قرى نابلس) ثم الدمشقي. (¬2) مراده بالعلامة النجدي، الشيخ عثمان بن أحمد بن سعيد النجدي (- 1097هـ) ذكره في السُّحُبِ الوابلة (ص 292) أَخَذ عن علماء الشام ثم علماء مصر، واشتهر بها وأفتى. وله حاشية على المنتهى. وصنّف "هداية الراغب شرح عمدة الطالب" من أنفس كتب المذهب. وله رسائل. (¬3) السفاريني (1114 - 1189هـ)، هو الشيخ محمد بن أحمد بن سالم السَّفَّاريني أبو العون. من أهل سَفَّارين من قرى نابلس دَرَسَ بدمشق، علاّمة في فنون كثيرة، له: "العقيدة" و "شرح منظومة الآداب" وغيرهما.

ذلك بان طهارتها صحيحة ولا تشترط لها النية، للحاجة، ولو لم تصح طهارتها لما [1/ 39] جاز لزوجها المسلم وطؤها. قلت: لكن يشكل على هذا قولهم فيما يكره استعماله عند قولهم: "أو استعمل في غسل كافر" فإنهم قالوا: "وشمل الذّمّيّة التي تغتسل لحلّ وطئها لزوجها المسلم" فجعلوه لم يرفع حدثًا مع أن الحكم مُنَاط (¬1) برفع الحدث، فلْيُتأمل. (4) قوله: "بأن لا يشاهدها الخ" المراد بالمشاهدة الحضور، لما أنهم ذكروا أن الأعمى يزيل الخلوة. لا يقال: المراد بها الرؤية ولو إمكانًا، أي فالأعمى لولا المانع لرأى، لما أنه يترتب على ذلك أنه لو كان بين المتخلّي وبين من تزول به الخلوةُ حائلٌ كجدار ونحوه، لكان لا يعد ذلك خلوة، إذ لولا المانع لحصلت الرؤية، وهو باطل. وظاهر كلامهم أن النائم لا تزول به الخلوة لعدم إحساسه، بخلاف الأعمى. لكن إن كان أصم فالظاهر أنه كالنائم وأولى، فلا تزول به خلوة، فحرِّر. (5) قوله: "وشمل الذّميّة الخ" مع أنهم قالوا: يصح غسلها من الحيض والنفاس بدون نيّة، لحاجة زوجها. وإذا صح غُسلها يكون قد ارتفع حدثها، فيكون ما استعملتْهُ في غسلها مَسْلوبَ الطهورية. فإن قيل: إنّ هذا الغسل مخفَّف ومبيح للوطء للحاجة، وليس رافعًا للحديث، كوضوء الجُنُب للُّبث في المسجد، قلت: يدفع هذا قولهم إن خلوتها بالماء لهذا الغُسل تؤثر فيه. ومن أنها لا تؤثر (¬2) إلا إذا كانت رافعة لحدثٍ، كما تقدم. (6) قوله: "تشريفًا له": أي فعِلّةُ كراهة إزالة الخَبَث به تشريفه وتعظيمه. وقيل إن سبب ذلك اختيار الواقفِ وشرطه (¬3). قال في الفروع: فعلى هذا اختَلَف ¬

_ (¬1) قوهل: "مُنَاطَ" الصواب من حيث اللغة "مَنُوط لا أي معلّق. (¬2) قوله "من أنّها لا تؤثر" كذا في الأصل، ويبدو أن صوابه: "ولا تؤثر". (¬3) يشير إلى ما روي أن العباس بن عبد المطلب، وكانت إليه سقاية زمزم، قال: "إني لا أُحِلُها لمغتسلٍ، وهي لشاربِ حِلٌ وبلّ". ذكره صاحب المغني (1/ 8 ط ثالثة) ولكن ليس العباس عن احتفرها، بل أبوه عبد المطلب جدّ النبي - صلى الله عليه وسلم -.

الأصحاب: لو سَبَّل ماءً للشرب هل يجوز الوضوء به مع الكراهة أم يحرم، على وجهين. اهـ. أقول: سيأتي في الوقف أن الصحيح من المذهب: لا يجوز الوضوء به. فعلى ذلك لا يجوز الوضوء بماء زمزم. وعمل الناس على خلافه [4أ]. (7) قوله: "مطلقاً" أي لا في رفع الحدث، ولا في زوال الخبث، ولا فيما هو بمعناهما، وغير ذلك، ومع الاحتياج إليه وعدمه. (8) قوله: "مُنْطَبع": أي نحاس أو حديد ونحوهما. (9) قوله: "في غير رفع الحدث وزوال الخبث" أي ونحوهما، فلا يصح أن يغسل به ميت، ولا غسل يديْ قائم من نوم ليل، ولا أنْثَيَيْ من نزل منه مَذْي، ولا غسلٌ مستحب، كغسل الجمعة، ولا وضوء مسنون، ونحو ذلك، مع أن هذا ليس رفعَ حدث ولا إزالةَ خبث. ففي عبارته قصور. (10) قوله: "بمخالطة شيء طاهر": إنما قَدّر الشارح المضاف لأن التغيير لا يسلب الطهورية إلا إذا كان بمخالطة المغيِّر وممازجته للماء. وأما إن كان غير ممازج، كقطع الكافور ونحوه، فقد تقدّم أنه لا يسلب الطهورية، إلا أن الماء يكون مكروها. وان تغيّر الماء بمَقَرّ أو مَمَر فلا كراهة أيضاً. ومن هنا يعلم أن البئر إذا قُصِرتْ بجصّ واختلف ماؤها من الجص يكون ماؤها طهورًا غير مكروه. (11) قوله: "بنفسه" ليس بقيد، بل إن زال تغيّره بإضافةٍ ونحوها عاد إلى طَهُوريّتهِ. (12) قوله: "لأنه أزال مانعًا الخ" هذا أحد أقوالٍ ستة. ثانيها: لأنه أسقط واجبًا. ثالثها: لأنه رَفَع حدثًا. رابعها: لأنه أدّى به عبادة. وخامسها: لما تخلَّلَهُ من الأدران والأوساخ. وسادسها: لأن المحدث يثبت بأعضائه نجاسة حُكْميّة. وينبني على هذا الاختلاف فوائد كثيرة. اهـ. هكذا رأيته بهامش الفروع. (13) قوله: "أو انغمست فيه الخ" أي وكذا لو صُبّ الماء عليها كلها يكون مسلوب الطهورية، إذ لا فرق بين ورودِها على الماء وورود الماء عليها. فعلى هذا لو استنجى مثلاً قبل غسلها من نوم الليل، وكان صب الماء يعمّها كلها لا يصح

الاستنجاء، لأن الماء يصير مسلوب الطهوريّة. وإن كان لا يجري على جميعها [1/ 43] صحّ. فتنبّه. (14) قوله: "إذا غَمَسَ بعضها بنية الخ" أي بنيّة غسلها من نوم الليل "فيه" أي في الماء القليل. ويتجه أنه لو نوى الاغتراف بها وغسل يديه خارج الماء لا يضر. فتأمل. (15) قوله: "أكثر من قُلّتين" الأولى أن يقول: قُلّتين فأكثر، لأنه يوهم أن القلّتين غير كثير. وليس بجيد. (16) قوله: "كثير" أي لا بدّ من كون الطهور المضاف كثيرًا، أي قُلَّتيْنِ فصاعدًا. جزم به في "المنتهى" وغيره. وفي "الإنصاف": لو كوثر بماءٍ يسيرٍ، أو بغير الماء، لم يطهر على الصحيح من المذهب. اهـ. وقال العلامة المصنّف في "الغاية": ويتجه صحة عدم اشتراط كثير في إضافةٍ ونزح. اهـ. قلت: وهو ظاهر كلامه هنا أيضًا. وهو قوي من حيث الدليل، وإن كان مخالفًا لما عليه أكثر الأصحاب، وذلك لأنه لو زال التغير بدون إضافة شيء صار الماء طهورًا، فعَوْدُهُ إلى الطهورية بإضافة يسيرٍ من الماء أولى. فتنّبهْ، ولا تكن أسير التقليد. (17) قوله: "تقريبًا": الأولى أن يأتي بهذه اللفظة بعد قوله: "وهما خمسمائة رطلٍ بالعراقي لأن الكثير قلّتان تحديدًا. فلو نقص عن القلتين يسيرًا صار دونهما. ومناط الحكم بلوغُ الماء قفتين، أو عدمه. وأما كون القلّتين خمسمائة رطلٍ بالعراقي، فتقريبٌ لا تحديد. فلو نقص هذا القدر رطلًا أو رطلين فلا يضر. ويسمى قلّتين، لأن هذا التقدير بالنص، وذلك لأن المراد بالقلّتين من قلال هَجَر [4ب] وكانت القلّة تسع قربتين وشيئًا. والقربة تسعمائة رطل. فاحتاطوا وجعلوا "الشيء" نصفًا. وهو يمكن أن يكون أقل من النصف، بل ومن الربع. فاغتفروا النقص اليسير من هذا العدد. وهذا ظاهر لا غبار عليه، لا يحتاج لتأمّل. (18) قوله: "ذراع طولاً الخ" فيه أن الأذرع في المربّع أربعة إلا ربع ذراع وفي المدوَّر ثلاثة ونصف. فكيف يستويان في

باب الآنية

[1/ 44] القدر؟ (¬1). (19) قوله: "توضأ منهما وضوءًا واحدًا الخ" فُهِم منه أنه لو توضأ منهما وضوءين، من كل واحد وضوءًا، أنه لا يصح واحد منهما. وهذا المذهب. وقيل يصحٍ ذلك. وهل إذا اشتبه المحرّم بالمباح، وتوضا منهما وضوءًا واحدًا، من هذا غَرفةً ومن هذا غرفة، يصحّ وضوؤه، وكذا لو توضأ منهما وضوءين، قياسًا على اشتباه الطهور بالطاهر؟ الظاهر: نعم. لكن يشكل على هذا قولهم فيما تقدم، فيما إذا اشتبه محرم بمباحٍ، أو طهور بنجس: لم يتحرّ، ويتيمّم. والله سبحانه وتعالى أعلم. (20) قوله: "إعلام من أراد أن يستعمله إلخ": فإن أعلمه وكان ثقةً لزمه قبوله إن بيّن له السبب. ومن وقع عليه ماء ونحوه من سطح ونحوه يجهل حاله لم يلزمه أن يسأل عنه، بل عدم سؤاله أولى. باب الآنية ترجم لشيء، وزاد عليه، وهذا ليس بعيب (¬2). (1) قوله: "ويحرم استعمال إناء الذهب ولو ميلاً": فيه أن الميل ليس بإناء. فلو قال: ويحرم استعمال آلة من ذهب أو فضة ولو ميلاً، لكان أولى. (2) قوله: "يعني إذا فارقنا شيئًا طاهرًا الخ" هذا ليس بقيد، بل المقصود: إذا جهلنا حال شيء من إناءٍ ونحوه فهو طاهر. وقوله: "لا نوجب بالشك الخ " أي فلو شكّ في حصول الحدث، لا نوجب عليه الوضوء، ونحوإ لك. وكذا لو وجدنا حيوانًا مذبوحًا في بلدٍ وفيها من لا تحل ذبيحته، وغيره، فلا نحرّمها ¬

_ (¬1) قوله: "فكيف يستويان في القدر" هذا غفلة من المحشّي رحمه الله، فإن المسألة ليست مسألة جَمْعٍ للاطوال، بل هي مسألة ضرب، لأن المراد الحجم. وما قاله الشارح صحيح. (¬2) مراده بالزيادة أن المصنف ذكر في آخر الباب حكم ثياب الكفّار، والتنجيس بالشكّ، وحكم الشعر والصوف ونحوها، وليست من الآنية. وليس ذلك معيبًا، لأنه استطراد للمناسبة.

باب الاستنجاء وأداب التخلي

بالشك، باحتمال كون ذابحها من لا تحل ذبيحته. نعم أوجبوا صوم يوم الثلاثين [1/ 47] من شعبان إذا كان مانع من رؤية الهلال، كما يأتي. (3) قوله: "مُطْلَقًا" أي سواء كان جلد حيوان مأكولٍ أم لا، طاهرٍ في الحياة أم لا. وعنه (¬1): يطهر جلد مأكول اللحم بالدبغ. اختارها جماعة. ويحرم استعمال جلدِ آدميّ إجماعًا. قال بعضهم: ولا يطهر بدبغه. وأطلق بعضهم وجهين. وجعلُ المُصْران وترًا دباغ، وكذا الكَرِش. قال في الفروع: ذكره أبو المعالي. ويتوجّه: لا. أقول: جزم في الإقناع وغيره بما قاله أبو المعالي. وهو المذهب. تتمّة: اختلف علماؤنا، فقالت طائفة: الدبغ إحالةٌ لا إزالة. وقال آخرون: إزاله. باب الاستنجاء وأداب التخلي (1) قوله: "ويستفاد من الإقناع الخ" مُحصَّل شروط الاستجمار التي ذكرها أنه لا بدّ أن يكون بطاهرٍ مباحٍ منقّ، ولا بدّ من حصول الإنقاء، وثلاثُ مَسَحاتٍ إن أنقت وإلا فحتّى تنقي، وأن تعمّ كل مَسْحَةٍ المحلّ، وأن يكون الفرجُ أصليًّا، وأن يكون المخرج معتادًا، وأن يكون تنخسه من الخارج، وأن يكون الخارج من غير أجزاء الحقنة، وأن يكون المستجمَر به غير منهىٍّ عنه، وأن لا يتعدى الخارج موضع العادة. فهذه اثنا عشر شرطًا لصحة الاستجمار. (2) قوله: "لم يجزئه بعد ذلك إلا الماء الخ" وهذه يُعَايَا بها، يقال: استجمر بما لا يجزئ، وأتبعه بما يجزئ، هل يجزئ أو لا؟ والجواب: إن كان لا يجزئ لحرمته، كالروث والعظم ونحوهما فلا يجزئ أن يتبعه بما يجزئ من حجر ونحوه، ¬

_ (¬1) أي عن الإمام أحمد. وقوله "اختارها": أي اختار هذه الروايةَ عن أحمد.

فصل في آداب الخلاء

[1/ 51] بل لا بدّ من الماء. وإن كان لا يجزئ لملاسته، كالرخام، فيجزئ أن يتبعه بحجرٍ بالشروط المتقدمة، ويصح استجماره. (3) قوله: "كما لو تعدى الخارج موضع العادة الخ" فلو تعدّى بول المرأة إلى مخرج الحيض لزمها الغَسل، ولا يكفي الاستجمار، لأن مخرجهما مختلف. وذكر في المغني احتمالاً أنه لا يجب الغسل، بل يكفي الاستجمار، وأقره في الشرح والرعاية، لأن هذا عادةٌ في حقها، كالمعتادة في غيرها. قلت: وهذا هو الصواب إن شاء الله، ويرشد لذلك قولهم: "موضع العادة" ولو كان مرادهم ما تقدّم لقالوا: "موضع الخروج" أو: "المخرج" مثلاً. ويلزم عليه أن لا يصح استجمار أنثى أصلاً لأنه لا بدّ من التعدي المذكور، وهذا لا قائل به. والله أعلم. فصل في آداب الخلاء (1) قوله: "ومريدَ لقضاء حاجة الخ": أي كذلك يسن لمريد قضاء الحاجة في الصحراء تقديم رجله اليسرى إلى المحلّ الذي يقضي حاجته فيه. وإذا قام منه قدّم اليمنى، وقال: "غفرانك الخ". (2) قوله: "أي أسألك غفرانك الخ" قال في الحاشية (¬1): والسّرّ في هذا الدعاء أنه لما خلَص من النَّجْوِ والبول المثقِلينِ للبدن سأل الخلاص مما يُثقِل القلب، وهو الذنْب، بالغفران، لتكمل له الراحةُ الحسّيّة والمعنوية. اهـ. (3) قوله: "خشية أن يرد عليه البول الخ" يؤخذ مثه أنه لا يكره استقبال الريح وهو يتغوّط فقط، لعدم المحذور. (4) قوله: "ويكره الكلام الخ" أي إلا إذا كان لتحذير معصومٍ من مهلكةٍ، فيجب. وقال في الحاشية: لما قيل إن الملكين الموكّلين به ينعزلان عن دخول الخلاء، فإذا تكلم أحوجهما إلى العود، فيلعنانه. اهـ. ¬

_ (¬1) لعل المراد بها حاشية دليل الطالب لابن عوض (- 1101هـ) ذكره في السحب الوابلة وهو أحمد بن محمد بن عوض المرداوي من تلاميذ الشيخ محمد الخَلْوَتي، ثم الشيخ عثمان النجدي، وحاشيته هذه في نحو ثلاثين كرّاسًا.

باب السواك

(5) قوله: "والاستتار بدابةٍ وجدار الخ" الظاهر أنه لا بدّ من قربه من السُّترة [1/ 53] نحو ثلاثة أذرع، كسترة الصلاة. (6) قوله: "وأن يلبث الخ" أي لما فيه من كشف العورة بلا حاجة. وقيل إنه يدمي الكبد، ويورث الباسور. قال في "الفروع" (¬1): وفي تحريمه وكراهته روايتان، اختار القاضي (¬2) وغيره الكراهة، واختار صاحب "المحرّر" (¬3) وغيره التحريم. اهـ. باب السواك (1) قوله: في "يُسَنُّ السواك" أي التسوّك. فإن "السواك" يطلق على التسوّك. وقوله: "ليّن" الأولى تصير "رطبٍ " بها. ولو عبّر المصنّف بها لكان أولى، ليشمل اليابس المُنَدَّى. (2) قوله: "إلا بعد الزوال لصائمٍ فيكره" هذا المذهب. وقيل بل يُسَنّ للصائم أيضًا مطلقًا. وجزم به المحقق م س (¬4) وألف رسالة في ذلك وأقام عليه البراهين والأدلّة. وكان السواك واجبًا على النبيّ - صلى الله عليه وسلم -. ويسن السِّواك باليسرى على أسنانٍ ولِثَةٍ ولسان. ¬

_ (¬1) "الفروع " هو للشيخ شمس الدين محمد بن مفلح بن مفرّج الرّامينيّ المقدسي، ثم الصالحي - صالحية دمشق (- 763هـ) وهو من أشمل كتب المذهب لفروع الحنابلة. ويشير فيه إلى المذاهب الأخرى بالرموز. (¬2) مراد الحنابلة بالقاضي: القاضي أبو يعلى (- 458 هـ) وهو محمد بن الحسين بن علي الفراء الحنبلي. كان قاضي دار الخلافة في بغداد. كان إمامًا في الفروع والأصول. له شرح الخرقي، والأحكام السلطانية، وغيرهما. (¬3) "صاحب المحرّر" هو الشيخ أبو البركات عبد السلام بن الخَضرِ بن تيمية، مَجْدُ الدين (- 652 هـ) هو جد شيخ الإسلام ابن تيمية. وكتابه المحرر في الفقه مطبوع، وله أيضًا: "الأحكام الكبرى" و"المنتقى من أحاديث الأحكام" وغيرهما. (¬4) "م. س" رَمَز بهذا للشيخ محمد السفاريني. وقد تقدم ذكره. واسم رسالته "تحفة النُسَّاك في فضل السواك" ذكرها في ذيل كشف الظنون (ص 262) وصاحب السحب الوابلة (ص 342) وغيرهما.

فصل في سنن الفطرة

فصل في سنن الفطرة [1/ 57] (1) قوله: "ولا بأس بأخذ ما زاد على القبضة منها" وعبارة الإقناع: "ولا يكره أخذ ما زاد الخ " أقول: حاصل كلام المصنف كغيره أن حلقها، ومثله قصُّها كلها ونتفها ونحو ذلك، حرام، وأن السّنّة عدم أخذ شيء منها، وأن أخذ ما زاد على القبضة لا بأس به، ولا يكره، وأما أخذ ما دون قبضتِهِ بحيث لا يستأصلها فلم أجد أحدًا تعرّض له. إلا أني رأيتُ بعض الحنفية صرّح بالإجماع على عدم إباحته. وكذا مفهوم نص الإمام أحمد. وعبارة "الإقناع" فليس دالًّا على التحريم ولا على الكراهة، بل هو محتملهما. وإنما يدل على عدم الإباحة فقط. وغالب أهل هذا الزمان يحلقون لحاهم، ومن لم يحلقها يقصها ويبالغ في قصّها، ويُعْفُون شواربهم حتى تسدَّ أفواههم، حتى رأيت بعض القضاة كذلك. وهل هذه إلا مضادّةٌ للشرع الشريف الذي أمر بإِحْفَاءِ الشوارب وإعفاء اللحى. فلا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم. (2) قوله: "فيعايا بها" أي يقال: في أي موضع تكون السنّة أفضل من الواجب؟ فيقال: هنا. وكذا إنظار المعسر واجب وإبراؤه مندوب، وهو أفضل. وكذا ردّ السلام واجب وابتداؤه سنة، وهو أفضل. فيكون هذا ونحوه مستثنًى من قاعدةإ "الفرض أفضل من النّفل". وقد يقال: لا استثناء في الحقيقة، لاختلاف جهة الأفضلية. بيان ذلك أن الختان قبل البلوغ يساوي ما بعده في امتثال الأمر وسقوط الواجب به، ويزيد فضيلة المتقدم وغيره. وكذا إنظار المعسر واجب لدفع أذاه بالمطالبة، ففي إبرائِه وجود ذلك، وزيادة إسقاط الدين عنه بالكليّة. ففيه فضيلة الإسقاط. وكذا ردّ السلام واجب لما يلزم على تركه من العداوة والتباغض، فهو مطلوب للتّوادّ بين المسلمين، وهو حاصل بابتدائه ويزيد فضيلة المتقدم. فقد فَضَل النّفلُ الفرضَ لا من جهة الفرضية، بل من جهةٍ أخرى. وإلا فإنا إذا حكمنا على ماهيّةٍ بأنها خير من ماهيّةٍ أخرى، كالرجل خير من المرأة، لم يمكن أن تفضلها الأخرى بشيء من تلك الحيثيّة، فالرجل من حيث إنه رجل لم يمكن أن تفضلَهُ المرأة من حيث إنها غير الرجل، دالاّ تتكاذبِ القضيتان. وهذا بديهي. نعم قد

باب الوضوء

تفضل المرأة الرجل من جهةٍ غير الذكررة والأنوثة. اهـ من كلام بعض المحققين [1/ 58] فليُعلم. باب الوضوء (1) قوله: "وواجباته": صوابه: "وواجبه"، لأنه ليس للوضوء إلا واجبٌ واحد، وهو التسمية. والأولى أن يزيد: "وصفته وسننه وما يتعلق بذلك". (2) قوله: "وعلى الوجوب الخ": أي وأما على القول بانها فرض فلا تسقط. وهما روايتان، كما في الفروع. (3) قوله: "وقال في الإقناع الخ": واتجه العلامة المصنف (¬1) أنه إذا كان الوقت متسعًا والماء كثيرًا سمّى وابتدأ، وإذا كان الوقتُ ضيّقًا، أو الماء قليلاً، سمّى وبنى. وهو توسّطٌ بين القولين. وهو تفصيل حسن. (4) قوله: "فلو لم تجب لأجزأ غسل اللمعة فقط": يشير إلى ما روي "أن رجلاً توضأ وفي رجله لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء، فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعيد الوضوء" وفي رواية: "والصلاة" (¬2). فهذا يدل على اشتراط الموالاة، وإلا لأمره بغسل اللمعة فقط. وأيضًا لم ينقل عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه توضأ إلا متواليًا. (5) قوله: "فإن قيل: الإسلام عبادة الخ": هذا السؤال وارد على أبي البقاء (¬3)، لما قال: العبادة ما أمرنا به شرعًا من غير [6أ]، اطّرادٍ عُرْفيّ، ولا اقتضاءٍ عقلي، فقيل له: الإسلام والنية عبادتان، ولا يفتقران إلى النيّة. فقال: الإسلام ليس بعبادة، لصدوره من الكافر، وليس من أهلها. سلَّمْنا، لكن للضرورة، لأنه لا ¬

_ (¬1) قوله: "واتجَه" أي رأى أن هذا القول متجه. ولعله أورد ذلك في "الغاية". (¬2) الحديث مرويّ بالمعنى. فقد أخرج أبو داود بسنده عن قتادة، قال: "حدثنا أنس أن رجلاً جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد توضّأ وترك على قدمه مثل موضع الظفر. فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ارجع فأحسن وضوءك" وأخرجه ابن ماجه بزيادة "والصلاة". (¬3) لعل مراده بهذه الكنية أبو البقاء الحسيني الكَفَوي (1093) وهو أيوب بن موسى الحنفي صاحب "الكليات" في اللغة.

فصل في النية

[1/ 60] يصدر إلا من كافر. وأما النيّة، فلقطع التسلسل. اهـ. فإن قلت: السترة والاستقبال من شرط الصلاة، فلم اعتُبرت النيّة للوضوء دونهما، مع أنه شرط أيضًا؟ فالجواب كما في الفروع: أن نيّة الصلاة تضمْنتْهُما لوجودهما فيها حقيقةً، ولهذا لو حلف لا يستتر، وأدام الستر، أو حلف لا يستقبل، وهو مستقبل، فاستدامه، حنث، بخلاف الوضوء، فاستدامته ليست بوضوء، لأن الوضوء عبارة عن الهيئة المعروفة. فصل في النية (1) قوله: "وتتعيّن نيّة الاستباحة" أي فلا يجزئ نيّةُ رفع الحدث، لأنه دائم، أي فينافي نيّة رفعه، لأن شرط رفعه انقطاعُ ما يوجبه، ولم يوجد. هذا معنى ما قرروه هنا. والأشبه أنه يجزئ نيةُ رفع الحدث. لأن الانقطاع ليس شرطًا، للحاجة. ويؤيده قولهم: "ويرتفع حدثه" وإلا لزم أن الذمّيّة التي تغتسل للوطء أنها تنوي الاستباحة، لأن الحدث لا يرتفع بدون نيّة، وهي ليست من أهلها، فلم يقله أحد. فإن قيل: ما الحكمة في غسل الأعضاء المذكورة في الوضوء، دون غيرها؟ فالجواب: لأنها أسرع حركة للمخالفة من غيرها، فأمر بغسلها ظاهرًا، تنبيهًا على طهارتها باطنًا. ورتّب غسلها على ترتيب سرعة حركتها، فبدأ بالمضمضة، لأن اللسان أكثر الأعضاء حركة، وأسرعها مخالفة. فهو كثير العطب، قليل السلامة. ثم الأنف، ليتوب مما شمّه، ثم الوجه ليتوب مما نظر، ثم اليد لتتوب مما بَطَشت. ثم خصّ الرأس بالمسح لأنه مجاور لما تقع منه المخالفة، ثم الأذن لتتوب مما سمعت، ثم الرجل لتتوب مما مشت. ثم أرشده بعدإ لك إلى تجديد الإيمان بالشهادتين. والله أعلم. فصل في صفة الوضوء الكامل (1) قوله: "من منابِتِ شعر الرأس المعتاد الخ": فيدخل فيه عِذار، وهو

فصل في سنن الوضوء

الشعر النابت على العظم الناتى المجاور صِمَاخَ الأذن، وعارِض، وهو ما تحت [1/ 62] العذار إلى الذقَن. ولا يدخل صُدعٌ، وهو الشعر الذي بعد إنتهاء العذار، يحاذي رأس الأذن، وينزل عنه قليلاً، ولا تَحْذيفٌ، وهو الشعر الخارج إلى طرفي الجبين في جانبي الوجه بين النزعة ومنتهى العذار، ولا النزعتان، وهما ما انحسر الشعر عنه من فَوْديِ الرأس. فيُمْسح. اهـ إقناع. (2) قوله: "ولا يضرّ وَسَخٌ يسير الخ": كثيرًا ما سمعنا من إخواننا الطلبة، بَل ومن المشايخ، أن ذلك لا يعفى عنه في الغسل من الحدث الأكبر، بل في الوضوء فقط. ولعلهم أخذوه من اشتراط غسل باطن الشعر ولو كثيفًا، في الغسل دون الوضوء، وإلا فلم أره صريحًا في كلامهم. ويتجه عندي أنه يعفى عنه في الغسل أيضَا، لوجود مشقة التحرز عنه، بخلاف غسل باطن الشعر، فلا مشقة فيه. ولو كان لا يعفى عنه لصرّحوا به في باب الغسل. وإنما لم يصرّحوا بالعفو عنه هناك اعتمادًا على ما ذكروه هنا، إذ لا فرق بين الطهارتين في ذلك. هذا ما ظهر لي. والله أعلم. (3) قوله: "حيث كان من البدن": أي في أي محل كان من البدن. (4) قوله: "يمسح جميع ظاهر رأسه الخ": أي فلا يجب مسح ما نزل من شعر رأسه عن حدّ الفرض، بخلاف شعر الذقن، فيجب غسله وإن طال. (5) قوله: "من مفصل مرفق": متعلق بالأقطع. وقوله: "طرف" مفعول به ليغسل. فصل في سنن الوضوء (1) قوله: "ثمان عشرة" وفي أكثر النسخ: "ثمانية عشر" والصواب الأول، كما هو معلوم من أن العدد من ثلاثة إلى عشرة يذكّر مع المؤنث، ويؤنث مع المذكر. واثنان، وواحد، وعشرة، يذكر مع المذكر، ويؤنث مع المؤنث [6ب] لكن قد يقال: إنّ هذا ما لم يكن المعدود محذوفًا، وإلاّ جاز الأمران. (2) قوله: "حتى لقائم من نوم ليل، وبين الأذنين": قال في الإقناع" قاله

[1/ 65] الزركشي (¬1). وقال الأزجيّ (¬2): يمسحهما معه. (3) قوله: "قال القاضي الخ" الأولى أن يقول: "وقال القاضي الخ " لأنه مخالف لكلام المصنّف، لأن المصنّف جعل الثانية أيضًا سنة. (4) قوله: "والنطق بها الخ" هذا ما جزم به في المنتهى تبعًا للتنقيح. وقال في الإقناع تبعًا لتقي الدين ابن تيمية: والتلفظ بها وبما نواه هنا وفي سائر العبادات بدعة. واستحبّه سرًّا مع القلب كثير من المتأخرين. ومنصوص أحمد وجمع محقّقين خلافه إلا في إحرام، ويأتي وفي الفروع والتنقيح (¬3): يسنّ النطق بها سرًّا. فجعلاه سنّة. وهو سهو. ويكره الجهر بها" وتكرارها. أقول: وشنّع في حاشيته على التنقيح (¬4) على القائل بأنه سنّة. مسألة: يجوز عمل مكانٍ للوضوء في المسجد لمصلحةٍ، بلا محذور، ولكن لا يجوز غسل نجاسةٍ في ذلك المكان. فإن كان في المسجد بركة ماءٍ عليها بابُ المسجدِ، وحولها بالوعات لا يصلَّى حولها، كجامع الأزهر وأكثر جوامع مصر: هل يحرم البول عندها والاستنجاء بالماء؟ قال شيخ الإسلام ابن تيمية: هذا يشبه البول في المسجد في قارورة. والأشبه أن هذا إذا فعل للحاجة جاز. وأما اتخاذ ذلك مَبَالاًومستنجًى فلا. اهـ. أقول: ومن هنا يعلم أنه يجوز لحاجةٍ غسلُ عضوٍ نجِسٍ في محل الوضوء، على وجه لا تتعدى فيه النجاسة إذا كان في المسجد. ¬

_ (¬1) الزركشي (- 774 هـ) هو شمس الدين محمد بن عبيد الله بن محمد الحنبلي المصري. له شرح على مختصر الخرقي، مطبوع. وشرح على المحرر لمجد الدين ابن تيمية. (¬2) الأزجي: هو يحيى بن يحيى الأزجي (- 616هـ) الفقيه الحنبلي، صاحب "نهاية المطلب" قال ابن مفلح في "المقصد الأرشد": هو كتاب كبير جدا حذا فيه حذو "نهاية المطلب" للجوينه الشافعي - فيه أشياء ساقطة لا يعتدّ بها. (¬3) "التنقيح المُشبع في تحرير أحكلام المُقنع" للمرداوي، مصحِّح المذهب، وهو مختصر كتاب الإنصاف لمؤلفه. والمرداوي (- 885هـ) هو علي بن سليمان، علاءُ الدين، من أهل (مَرْدَا) من قرى نابلس. (¬4) للتنقيح حاشيتان: إحداهما لابن النجار الفتوحي صاحب المنتهى، ولعلها المرادة هنا. والأخرى للحجاوي صاحب الإقناع.

باب مسح الخفين

فتأمل. [1/ 65] (5) قوله: "وقول أشهد أن لا إله إلا الله الخ": زاد في الإقناع: "اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين. سبحانك اللهم وبحمدك. أشهد أن لا إله إلا أنت. أستغفرك وأتوب إليك" (¬1). قال: وكذا بعد الغسل. قاله في الفائق (¬2). قلت: وفي الفروع: "ويتوجه ذلك بعد الغسل ولم يذكروه" اهـ. فائدة: هل ورد أذكارٌ وأدعية عند غسل الأعضاء في الوضوء أوْ لا؟ لم يرد شيء من ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا عن أحد من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة. وفيه حديثٌ كذب لا يُعْمل به. اهـ. منه. باب مسح الخفين (1) [قوله]: "وهو رخصة": الرخصة لغةً السهولة. وشرعًا ما ثبت على خلاف دليلٍ شرعي لمعارضٍ راجح. بخلاف العزيمة [فهي] لغةً القصدُ المؤكد. وشرعًا: ما ثبت بدليل شرعي خال عن معارضٍ راجح. والمسح أفضل من الغسل. (2) قوله: "ولا لرَجُلٍ على حرير": أي: ولو في حال الضرورة. لا يقال: لبس الحرير في حال الضرورة مباح فيجوز المسح عليه، لأنّا نقول: إن جواز مسح الخف مشروط بكونه مباحًا مطلقًا. والحرير [مباح] في بعض الحالات، لا مطلقًا. ¬

_ (¬1) وذلك لحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرفوعًا: "من توضأ فأحسن الوضوء، ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله ... الحديث إلى قوله: من المتطهرين فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء" أخرجه الترمذي (ح 55) وابن ماجه (ح 470) وأخرجه مسلم وأبو داود. قال الترمذي: وهذا حديث في إسناده اضطراب. (¬2) "الفائق في المذهب" لابن قاضي الجبل (693 - 771هـ) وهو أحمد بن الحسن بن عبد الله بن قدامة، شرف الدين أبو العباس. دمشقي، ممن أخذ عن شيخ الإسلام ابن تيمية. كان إمامًا عظيم القدر، في كثير من العلوم. وله أيضًا: "المناقلة بالأوقاف" مطبوع في الكويت بتحقيقنا.

باب نواقض الوضوء

[1/ 67] (3) قوله: "بلياليهن: أي الأيام. وكان الأولى أن يقول: "بلياليها" ولو أنه يجاب عنه. (4) قوله: "مع الخف": الصواب: "مع أعلاه". ومفهومه أنه يباح مسحهما مع أعلى الخف، ولا يكره. وهو كذلك. بل قيل يستحب، كما في الفروع. باب نواقض الوضوء (1) قوله: "جمع ناقضة" أي بمعنى ناقض. وإنما لم يقل "جمع ناقض" لأن فاعلًا إذا كان وصفًا ولو لغير عاقلٍ لا يجمع على فواعل. وقيل بلى. وقوله: "مفسداته" أشار إلى أن النقض هنا مجاز، لأن حقيقته إنما تكون في الحسّيات، كالبناء ونحوه (¬1). (2) قوله: "الخارج من السبيلين" أي إلى ما هو في حكم الظاهر ويلحقه حكم التطهير إلا لمن حدثه دائم. ولو احتمل في قُبُلٍ أو دُبُر قطنًا أو ميلاً ثم خرج ولو بلا بَلَلٍ، أو قُطّر في إحليله دهن ثم خرج، أو خرجت أجزاء الحقنة من الفرج، أو ظهر طرف مصرانٍ أو رأس دود، أو وطئ دون الفرج فدب ماؤه فدخل فرجها، أو أدخلته، أو منيَّ امرأة أخرى، نقض ولم يجب عليها الغسل. فإن لم يخرج من الحقنة أو المني شيء لم ينقض. لكن إن كان المحتقِنُ قد أدخل رأس الزرّاقة ثم أخرجه نَقَض. ولو ظهرت مقعدته فعَلِمَ [7أ]، أن عليها بَلَلاً، انتقض، لا إن جَهِل. اهـ. إقناع. قلت: وكذا من به باسور إذا كان داخلَ المقعدة، أو خارجَها، وأدخله، ثم خرج فإنه ينتقض وضوؤه إذا عَلِم بَلَلاً، وإلا فلا. ويتجه فيما إذا أدخله: ينقض مطلقًا. لكن لم أر من صرّح بذلك. وربّما فُهِم من ¬

_ (¬1) أقول: ليس هنا تجوّز، بل هو حقيقة عرفية، إذ قد اصطلح الفقهاء عليها، فلا ينظر إلى معناها اللغوي، وإلا لقيل مثل هذا في جميع المصطلحات الشرعية، كالوضوء، والمسّ، والتيمم، وغيرها.

كلامهم. [1/ 69] وقوله: "السبيلين" ظاهره: ولو كان أحدهما زائدًا. واتجه في الفروع إذا خرج سوى البول والغائط من أحد فرجي خنثى مشكل، وكان يسيرًا، لا ينقض. (3) قوله: "ولو انسد المخرج الخ" أي فيكون المنْفَتحُ لا حكم له، فلا نقض بلمسه، ولا غسل بإيلاجٍ فيه، ونحو ذلك. وقال في "النهاية" (¬1): إلا أن يكون سُدّ خلقة، فسبيل الحدثِ المنفتحُ، والمسدود كعضوِ زائد. قاله في الحاشية. (4) قوله: "أو نوم" وفي الفروع: وعن أحمد لا ينقض نوم مطلقًا. قال: واختاره شيخنا (¬2) إن ظن بقاء طهره. اهـ. (5) قوله: "فلا نقض بمسّ أحد فرجي خنثى مشكل الخ" لاحتمال كونه زائدًا. وكذا لو خرج من أحدهما نجاسة يسيرة غير بول فلا ينتقض وضوؤه. وإن مسّ فرجيه اثنان انتقض وضوء أحدهما لا بعينه. فلا يأتُّم أحدهما بالآخر. (6) قوله: "للجمع بين الآية والأخبار" أي فالآية ظاهرها أن اللمس ينقض الوضوء مطلقًا. وما رُوِي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقعت يد عائشة على قدميه وهو يصلي، ومن أنها قالت: "كان إذا سجد غمزني فقبضت رجلى" ظاهره أنه لا ينقض مطلقًا. فأنيط الحكم بالشهوة للجمع بين ذلك. تنبيه: المراد بالشهوة اللذة. فمتى حصل التلذذ باللمس كان لشهوة. (7) قوله: "ولا نقض بلمس امرأةٍ امرأةً ولو بشهوة" (¬3). قلت: وكذا لمس رجلٍ رجلاً ولو أمرد. هذا مما ظهر لي. ثم رأيته مصرّحًا به في "الإقناع" وغيره. فائدة: "المسّ" باليد خاصّةً، و"اللمس" بجميع البدن. فهو أعم. (8) قوله: "استُحِبّ الوضوء" أي خروجًا من خلاف من أوجبه، كالشافعي ¬

_ (¬1) النهاية: لعل مراء بها "النهاية في تصحيح الفروع، لجمال الدين أبي المحاسن يوسف بن ماجد المرداوي (- 783هـ). (¬2) قوله:"شيخنا" مراد صاحب الفروع بهذه العبارة شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهما الله. (¬3) قوله "ولو بشهوة" ليست هذه الكلمة في نسخ شرح الدليل التي بين يدي.

[1/ 71] ومن تبعه. (9) قوله: "غسل الميت" وعنه (¬1): لا ينقض الوضوء. واختاره جماعة، كما في "الفروع". (10) قوله: "لو غسل يد السارق الخ": ظاهره ولو مات بعد قطعها وقبل غسلها. (11) قوله: "قال القاضي: لا معنى لجعلها الخ": يعني أن الإسلام - كما يأتي - يوجب الغسل، وكل ما أوجبَ الغُسْلَ أوجب الوضوء، غير الموت، فلا فائدة لجعل الردّة من النواقض، لا أن القاضي ينكر كونها ناقضة حتى يعترض عليه بكلام الشيخ. لكن قد يقال إن المقام يقتضي استيعاب ذكر النواقض، ودخول الردّة ضمنًا لا يكفي. ونظير ذلك: جعلوا خروج المنيّ والحيض موجبًا للغسل، بعد أن جعلوا الانتقال موجبًا، فالخروج بالأولى. على أن هذا يرد لو جَعَلَ الإسلام من نواقض الوضوء، وهو إنما جعل الردّة، وهي غير الإسلام، فلا توجب الغسل حتى يقال: كل ما أوجب الغسل أوجب الوضوء. والله أعلم. مسألة: يجوز تقبيل المصحف. وعنه يستحب. ونقل جماعة الوقف فيه لعدم التوقيف، وإن كان فيه رفعة وإكرام. فما طريقُهُ القُرْبةُ ولم يكن للقياس فيه مدخل، لا يشرع فعله ولو كان فيه تعظيم إلاّ بتوقيف. ولهذا قال عمر رضي الله عنه عن الحجر الأسود: "لولا أني رأيت رسول الله يقبّلك ما قبّلتُك". ولما قبّل معاوية الأركان كلها أنكر عليه ابن عباس. وظاهر ذلك أنه لا يقام له، لعدم التوقيف. لكن قال شيخ الإسلام: إذا اعتاد الناس قيام بعضهم لبعض فهو أحق. اهـ. وأما استفتاح الفأل فيه فقد فعله ابن بطة، ولم يرهُ غيره. وذكر بعض الشافعية أنه يكره. ونقل عن بعض المالكية أنه يحرم. والله سبحانه وتعالى أعلم. ¬

_ (¬1) قوله: "وعنه" أي في رواية عن الإمام أحمد. وهذا اصطلاحٌ للحنابلة.

فصل فيما يحرم على المحدث

فصل فيما يحرم على المحدث [1/ 73] (1) قوله: "من المحل الخالي من الكتابة": وعنه: يجوز أيضًا مسّ المكتوب [7ب]. وذكر القاضي روايةً: ومسّ المصحف. اهـ. فروع. قلت: وهذا "يسع الناس غيره، فإنه يشق تحرّز الأولاد الذين في المكاتب عن مسّ اللوح أو المصحف بدون وضوء. والحاجة داعية لذلك، فالقول بجوازهِ حينئذ وجيه. (2) قوله: "قال الشيخ: وحينئذ يجوز الخ" هذا التفريع مبني على محذوف، وهو أن هذا الوضوء يخفّف الحدث، فيزول بعض ما منعه، أي ليس رافعًا لحدثٍ، وحينئذ فيجوز للجنب إذا توضأ أن ينام في المسجد حيث ينام فيه غيره، أي فلا ينتقض هذا الوضوء بالنوم، لأنه مخفّف للحديث لا رافع. هذا ما ظهر. والله سبحانه وتعالى أعلم. باب ما يوجب الغسل (1) قوله: "خروجه من مخرجه" هكذا في المنتهى وغيره. ولم يظهر لفهم كاتبه السقيم اشتراطهم خروج المني من مخرجه، مع قولهم إن الانتقال موجب للغسل، وأنه إن أحسّ بالانتقال ولم يخرج وجب الغسل، فمقتضاه: إن انتقل المني وخرج من غير مخرجه أنه يجب الغسل، لأنه حصل الانتقال الموجب. فخروجه من غير مخرجه المعتاد لا يمنع وجوب الغسل بعد حصوله. نعم يظهر هذا الشرط إن قلنا لا يجب الغسل إلا بخروج المني. فنقول لا بد من خروجه من خروجه (¬1) لمعتاد. (2) قوله: "أحكام": قال في "الإقناع": وجمعها بعضهم فبلغت أربعمائة إلا ثمانية أحكام. ذكره ابن القيم في "تحفة الودود في أحكام المولود". (3) قوله: "وتغييبها الذي يوجب الغسل الخ" أي يوجبه على المغيِّب فيه، ¬

_ (¬1) هكذا في الأصل، والصواب "من مخرجه المعتاد".

فصل في شروط الغسل وآدابه وسننه

[1/ 76] أما المغيّب، فيجب عليه الغسل إذا غيبها في فرج مطلقًا، كما يأتي في المتن، بشرط كونه ابن عشر. وأما المغيّب فيه فهل يشترط أن تكون الحشفة لآدمي ولو طفلاً، أو يعمّم، بحيث لو استدخلت امرأة ذكر غير آدميّ في فرجها ولم تنزل منيًّا يجب عليها الغسل؟ فيه نظر، والظاهر أنه يجب. فإن قلتَ: " يدخل هذا في عموم "إذا التقى الختانان" لأن غير الآدمي لا خِتانَ له. قلتُ: وكذلك إذا كان الموطوء غير آدميّ، مع أنهم صرّحوا بوجوب الغسل إذن. فتامّل. (4) قوله: "إذا أراد ما يتوقف على غُسل أو وضوء الخ": وكذا لو مات قبل غسله شهيدًا. قال في الفروع: وعدّ بعضهم هذا قولاً، والأولى أنه مراد المنصوص، أو يغسل له لو مات، ولعله مراد الإمام. (5) قوله: "ولا يلزمه الوضوء إلخ": ظاهره، بل صريحه، أنه يجوز له اللبث في المسجد بغير وضوء إذا كان ابن عشر، وليس بجيّد. قال في المنتهى: فيلزم -أي الغسل- إذا أراد ما يتوقف على غسل أو وضوءٍ لغير لُبْثٍ في مسجد. قال م ص في شرحه عليه: فإن أراده كفاه الوضوء، كالبالغ، ويأتي. اهـ. وعبارة الإقناع كالمنتهى. أقول: ومعنى ذلك أنه أراد شيئًا يتوقف على الغسل لزمه الغسل، وكذلك إذا أراد ما يتوقف على وضوء لزمه الغسل، إلا اللبث في المسجد، فإنه وإن كان يتوقف على الغسل أو الوضوء، لا يلزمه إذا أراده الغسل، بل يكفيه الوضوء، كالبالغ. وكان الشارح رحمه الله تعالى سها عن ذلك. وهو ظاهر. فصل في شروط الغسل وآدابه وسننه (1) قوله: "وشروط الغسل سبعة": أسقط من شروط الغسل الاستنجاء أو الاستجمار، فيصح الغسل بدون ذلك. وهل إذا نوى رفع الحدثين، وكان غير مستنجٍ أو غير مستجمِرٍ، يرتفعان ولا يضر فقد شرط الوضوء لاندراجِهِ مع الغسل، كالترتيب ونحوه، ثم إذا أراد الصلاة غَسَل النجاسة، فإن مسَّ بيده ذكَرَهُ أو حلقة دُبُرِهِ بلا حائلٍ أعاد الوضوء، وإذا أراد مسّ المصحف فيجوز قبل إزالة النجاسة

لأنها ليست شرطًا له، أو لا يرتفع سوى الحدث أكبر؟ فليحرّر. [1/ 77] (2) قوله: "وبه يخرج من الخلاف" أي من خلاف الإمام مالكٍ ومن تبعه، فإنهم أوجبوا الدَّلْك، أي بدَلْكِ ما ينبو عنه الماء وعَرْكه. وكذا في الوضوء. (3) قوله: "وهو مقتضى قولهم الخ": أي تقييد المسألة بالنسيان هو مقتضى قولهم الخ. أي فإطلاق كلام المصنف، كغيره، مقيّد بكونه ناسيًا للحديث، لأنهم جعلوا تلك، أي مسألة التجديد أصلاً لهذه، أي مسألة الغسل المسنون، فقاسوها عليها. أي لمّا ذكروا مسألة التجديد قالوا: وكذا لو نوى غسلاً مسنونًا، وعليه واجب أجزأ عنهما. فأطلقوا الإجزاء هنا، وفي مسألة التجديد قيّدوا بكونه ناسيًا للحديث. فيحمل المطلق على المقيّد، إذ لا فرق بينهما. فكلام العلاّمة منصورٍ منصورٌ. (4) قوله: "ولم يلزمه ترتيب ولا موالاة الخ": وهل إذا اغتسل بدون استنجاء ونوى رفع المحدثين يرتفع الأصغر، لاندراجه في أكبر، أوْ لا، لأن ذلك شرط للوضوء فلا يصح بدونه؟ لم أَرَ من صرّحَ به ولا من أشار إليه. ينبغي أن يحرر. (5) قوله: "وهو خمسة [8أ]، أرطال. إلخ": وفي مذهب أبي حنيفة: ثمانية أرطال عراقية. والرطل العراقي مائة وثمانية وعشرون درهمًا وأربعة أسباع درهم. فيكون الصاع على ذلك (¬1) ألف درهم وثمانيةً وعشرين درهمًا وأربعة أسباع درهم. وقوله: "نقله الجماعة": أي وهم صالح، وعبد الله، وحنبل، والمَرُّوذي، وإبراهيم الحربي، والميموني. هذا ما كان في حفظي قديمًا (¬2). (6) قوله: "ما لم يؤذِ بِهِ الخ": أي فيجوز جعل مكانٍ مُعَدًّا للوضوء في المسجد، وكذا الغُسل، للحاجة. ولا يجوز غسل نجاسةٍ في المسجد، ولو في ¬

_ (¬1) أي على قول أبي حنيفة. ويلاحظ أن الشارح قدّر الصاع بالدراهم، مع أن الصاع كيل، والدراهم وزن. ومرادهم بمثل هذا التقدير بالوزن لما يتسع له الصاع من البُرِّ الرزين. وقال بعضهم: من العدس. وهكذا في نظائر الصاع. (¬2) الجماعة في اصطلاحهم سبعة: هؤلاء الستة وأبو طالب.

فصل في الأغسال المستحبة

[1/ 81] محل الوضوء، كاستنجاء ونحوه. (7) قوله: "ويكره إراقة ماء الوضوء وماء الغسل في المسجد" أي إن توضأ في طستٍ ونحوه فلا يريق الماء في المسجد، ظاهره: ولو في محلّ وضوء معتاد. وقوله: "تنزيهًا للماء الخ": تعليل لكراهة إراقته في مكان يداس فيه. وأما كراهة إراقته في المسجد فلأنه إنما أبيح الوضوء في المسجد مع عدم الضرر، للحاجة، ولا حاجة إلى إراقته في المسجد، بخلاف الوضوء والغسل. هذا ما ظهَرَ لي. والله أعلم. (1) قوله: "وتكره القراءة فيه" أي الحمام، في المنصوص. ونَقَل صالح: "لا يعجبني" وقوله: "ولو خَفَضَ صوته" أي خلافًا لأبي حنيفة. وقوله: "وكذا السلام" أي خلافًا لأبي حنيفة. وسطحه ونحوه كبقيّتِهِ. اهـ. فروع. فصل في الأغسال المستحبة (1) قوله: "ثُمَّ لغسل ميت": لم يذكروا وقته، والظاهر أنه بعد غسل الميت، دون بقية الأغسال، فإنها تستحبّ قبل فعلِ ما تُسنُ له، فليُتأمل. وليحرّر. (2) قوله: في "لعدم تمييزه الخ": تعليل لاستحباب الغسل، أي فيحتاط بالغسل لئلا يكون أحدَثَ وهو لا يشعر، بخلاف النائم، فإن عدم شعوره بالحدث نادر، فلا يناط به حكم. والله سبحانه وتعالى أعلم. (3) قوله: "ولم أو من تعرّض لذلك. الخ." قال ابن عوض في الحاشية: أفاد ابن نصر الله (¬1) على الكافي أنه يتكرر غسل رمي الجمار بتكررها، فيكون في يومي التشريق للتعجيل، وفي الثلاثة لغيره، فيكون ثلاثة أغسال. وربّما زِيدَ في قولهم غسل رمي جمرة العقبة يوم النحر، فيكون غسل رمي الجمار أربع مرّات. ¬

_ (¬1) ابن نصرالله: المراد به القاضي أحمد بن نصرالله الكرماني الحنبلي، (765 - 844هـ) ولد ببغداد، ثم انتقل إلى مصر. مكثر من التصنيف. له حواشٍ على الكافي. وحواشٍ على كل من المستوعب، والرعاية، والمحرر، والوجيز، وقواعد ابن رجب. والكافي هو كتاب شامل في الفقه الحنبلي لموفق الدين بن قدامة صاحب المغني. مطبوع.

باب التيمم

فهو نص فيما ذكره الشارح رحمه الله تعالى. (4) قوله: "أي لكلّ الأغسال المستحبّة": فيهِ تَسَمُّح، فلو قال: أي لكل ما يسنّ له الغسل، لكان أصوب، لأن التيمم لما يسن له الغسل، لا للأغسال المستحبّة. واختار الموفق (¬1) وصاحب الفائق عدم استحباب التيمّم بدل الأغسال المستحبّة. وهو وجيه، لأن الغسل شرع للتنظيف، وهو غير موجود في التيمم، إلاّ نحو غُسلٍ لغَسْلِ الميّت، ولجنون وإغماء، فاستحباب التيمم بَدَلَه للحاجة له وجه. والله سبحانه وتعالى أعلم. باب التيمم (1) قوله: "والاستنجاء الخ": ظاهره: ولو كان التيمم عن حدثٍ أكبر، أو عن نجاسةٍ على بدن. وهو كذلك. صرح به م ص في شرح المنتهى. وقوله: "المستوفيان": صوابه: "المستوفيينِ" بالقطع، إذ "يجوز: "جاء زيدٌ أو عمرٌو العاقلان" بل يتعيّن القطع، فتأمّل. (2) قوله: "ويصح لركعتي طوافٍ كل وقتٍ الخ": ويتجه: "يصح التيمم لهما قبل الطواف لعدم دخول وقتهما. ولا يصليهما بتيمُّمِهِ للطواف، لما يأتي آخر الباب. ينبغي أن يحرّر. مسألة: ومن خرج إلى أرض بلده لحرثٍ أو صيدٍ أو احتطابٍ ونحوه لزمه حمل الماء إن أمكنه. فإن لم يمكنه حمْلُه، ولا الرجوع للوضوء إلا بتفويت حاجته، تيمَّمَ وصلى ولا يعيد، كما لو كانت حاجته في أرض قريةٍ أخرى، ولو كانت قريبة. قاله في الإقناع. ¬

_ (¬1) الموفق هو عبد الله بن محمد بن أحمد موفق الدين بن قدامة المقدسي الجماعيلي ثم الصالحين - صالحية دمشق- قال ابن غنيمة: ما أعرف أحدًا من زماننا أدرك درجة الاجتهاد إلا الموفق. اشتهر بكتابه "المغني" في أعظم كتب الفقه الإسلامي، لاشتماله على الأدلة، وعرض مذاهب الفقهاء بأدلتهم، وحسن ترتيبه. وله غيره: الكافي، والمقنع، والعمدة، وغيرها.

[1/ 86] (3) قوله: "ويجب بذله الخ" ظاهره: ولو لم يخف التلف. لكن مقتضى ما ذكروه في الأطعمة أنه يجب بذلُهُ بثمن مثله، ولو في ذمّةِ معسر، لا مجانًا، كما هو ظاهر عبارته هنا. وقول الشارح: "يستغني عن شربه": مفهومه أنه إن كان غير مستغنٍ عنه لا يجب بذله لغيره ولو خاف الضرر، لأنه لا يُزَالُ بضرره. وهو كذلك. (4) قوله: "من آدميًّ أو بهيمة محترمين" مفهومه أنه إذا كانا غير محترمين لا يجب بذله (¬1). ثم إن بَذَلَهُ لغير محترم، كزانٍ محصنٍ، ومرتد، وكلبٍ أسوَدَ بهيمٍ، وكان بعد دخول وقت الصلاة، أثم. ثم إن تيمّم وصلّى لم يُعِد، لأنه عادِمٌ للماء، كما يأتي فيمن أراقه، ونحوه. (5) قوله: "ولم يصح البيع ولا الهبة": فيكون الآخذ إن علم ذلك آثممًا، وإن توضأ به فوضوؤه غير صحيح. (6) قوله: "ظاهره أن شرطه الخ": أقول: الحكم كذلك، لكن لا يؤخذ من كلام المصنف حتى يقال "ظاهره الخ". أما لو كانت العبارة: "وإن وجد محدث بثوبه نجاسةٌ ماءًا يكفي لأحدهما وجب غسل ثوبه الخ" لساغ له أن يقول: "ظاهره أن شرطه الخ" فتنبه. مسألة: ظاهر كلامهم أن تراب المسجد كمغصوب، لا يصح التيمم به. قال في "الفروع": ولعله غير مراد، فإنه لا يكره بتراب زمزم، مع أنه مسجد. قال: "ولأنه لو تيمم بتراب الغير جاز، في ظاهر كلامهم، للإذن فيه عادة وعرفًا، كالصلاة في أرضه. ولهذا قال أحمد لمن استأذنه في الكتابة من دواته: "هذا من الورع المظلم" واستأذن هو في مكان آخر، فحمله القاضي وابن عقيل على الكتابة الكثيرة. وعن محمد بن طارق البغدادي، قال: كنت جالسًا إلى جنب أحمد بن حنبل فقلت: يا أبا عبد الله أستمدّ من محبرتك؟ فنظر إلي وقال: لم يبلغ ورعي وورعك ¬

_ (¬1) أي ولكن يستحب للحديث: "في كل ذات كبدٍ حرّى أجر" أخرجه أحمد وابن ماجه من حديث سراقة، وأحمد من حديث عبد الله بن عمرو.

هذا. وتبسّم. وقال رجل لأبي داود السجستاني: أستمدّ من محبرتك؟ فقال: لا. [1/ 88] فانخذل الرجل حياءً. فقال: أما علمت أنه من شرع في مال أخيه بالاستئذان فقد استوجب الحرمان؟ ثم قال في "الفروع": وقد يتوجه أن تراب الغيو يأذن فيه مالكه عادة وعرفًا بخلاف تراب المسجد. اهـ. وذكر عن الإمام أحمد أنه كان لا يترّب الكتاب من تراب المسجد. (7) قوله: "بتراب الخ": ويتجه عندي أنه يصح التيمم بالرمل ونحوه عند عدم التراب، وهو أولى من صلاته حينئذ على حسب حاله، بل يجوز التيمم إذًا بما تصاعد على الأرض من حجر وغيره. (8) قوله: "ولا يزيد في صلاته على ما يجزئ": أي استحبابًا كما في "الغاية" للمصنف، إلا القراءة لجنب فلا يزيد على ما يجزئ منها وجوبًا. (9) قوله:"فإن لم يجر أعاد": أي لزمه مسح أعضائه به، ولا يصح أن يتيمّم إذن، ولزمه إعادة الصلاة. (10) قوله: "الترتيب في الطهارة الصغرى": أي فيلزمه إذا تيمم عن حدث أصغر الترتيب، بأن يمسح وجهه أولاً ثم يديه. فإن نكّس لا يصح تيممه، بخلاف ما إذا تيمم عن حدث أكبر، أو عن نجاسة على البدن، فإنه لا يلزمه ترتيب، بل يصح مسح يديه قبل وجهه. وقوله: "فيلزم من جرحه الخ": الأولى أن يقول: "ويلزم الخ" لأنه غير مفرّع على ما قبله، بل هو حكم آخر، وربما أوهمت عبارته أن هذا، أي قوله "فيلزم الخ" هو المراد من اشتراط الترتيب في التيمم، وليس كذلك، بل كما ذكرنا أولاً. نَعَمْ لا يصح التيمم عن عضو قبل محل غسله، لأنه بدل عن غسله، والترتيب شرط لصحة الوضوء، فلم يصح قبله، لا أنه مبني على اشتراط الترتيب في التيمم. فليفهم. (11) قوله: "الموالاة": أي وهي أن لا يؤخر مسح اليدين عن الوجه مدة زمن تفوت فيه الموالاة في الوضوء. وتقدم ذلك.

[1/ 91] وقوله: "فيلزمه أن يعيد الخ" الأولى أن يقول: "ويلزمه الخ" لأن هذا غير مبني على. ما قبله من اشتراط الموالاة في التيمم، بل هذا مبني على اشتراطها في الوضوء، فإنه إذا تيمم عن عضو وبطل التيمم لنحو خروج وقتِ بعد مضيّ زمن تفوت فيه الموالاة، بطل وضوؤه أيضاً لاشتراط الموالاة فيه. فهذه العبارة، كالتي قبلها، موهمة. (12) قوله: "أحدهما": أي المحدثين. (13) قوله: "هذا إذا كان الخ": يشير إلى أن في عبارة المصنف قصورًا. وإن كان الأولى أن يقول: "ما أبطل ما تيمم عنه" فيشمل ما يبطل الوضوء وما يوجب الغسل. (14) قوله: "قبل الصلاة": أي قبل إتمامها. (15) قوله: "فيعايا بها": أي يلغز بها، فيقال: رجل تيمم، وخرج الوقت، ولم يبطل تيممه. (16) قوله: "في وقت": متعلق بالجمع، لا بنوى. (17) قوله: "فتستحب الإعادة": أي خروجًا من الخلاف. (18) قوله: "وخَلَع ما مَسح عليه": هكذا عبارة غيره، مع أن هذا داخل في قوله "ما أبطل الوضوء" فلا حاجة لجعله قسمًا بحدته. وقال في "الإقناع": "وخلع ما يجوز المسح عليه الخ" فعلى هذا: إذا كان عليه عمامة يجوز المسح عليها، بأن كان لها ذؤابةٌ، وتيمم ثم خلعها، يبطل تيممه، ولو لم يكن له عادةٌ بمسحها. ولي فيه وقفة، بل لا أظن أحدًا يقول به، فليحرر. (19) قوله: "إلى المرفقين": أي خروجًا من الخلاف. (20) قوله: "يرجو وجود الماء": أي يظن، كذا فهم الشارح، بدليل قوله: وعالِمِ وجوده الخ. ومفهومه أنه لو تردد عنده الوجود والعدم، لكن ترجح العدم، لا يسن له التأخير. فتفطن. (21) قوله: "لو تيمم للنفل لم يستبح الفرض": مفهومه أنه لو تيمم لتحية مسجد استباح راتبةً أو صلاة كسوف أو وترًا ونحوه مما هو أعلى منها. وظاهر

باب إزالة النجاسة الحكمية

تعليلهم خلافه، فتأمل. (22) قوله: "فطواف نفل": الأولى كما يعلم مما يأتي من كلام الشيخ تقي الدين أن يقول: "فطواف فرض، فطواف نفل" ومقتضى كلامهم: إذا تيمم للطواف لا يصلي ركعتين بذلك التيمم، بل يتيمّم ثانيًا. فإن أراد أن يطوف ويصلي ركعتي الطواف بتيمم واحد فليتيمم للركعتين ابتداءً. لكن الذي يظهر لي عدم صحة لهذا التيمم، لأن وقت مشروعية الركعتين بعد الطواف، فلا يصح التيمم لهما قبله. باب إزالة النجاسة الحكمية احترز بذلك عن النجاسة العينيّة، كعظم ميتة ونحوه، فإنها لا تطهر بحال. (1) قوله: "حتى ذيل امرأة الخ" إشارة إلى الخلاف في هذه الثلاثة، فقد قيل إنه لا يشترط لها غسل، بل يكفي دلكها بالأرض. واختار ذلك شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم، كما في "الإغاثة" (¬1). (2) قوله: "سبع غسلات الخ" أي لعموم قول ابن عمر "أُمِرنا أن نغسل الأنجاس سبعًا" فيكون الآمر هو النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2). (3) قوله: "مع حتٍّ وقرصٍ" أي ما لم يتضرر بذلك. وكذا يشترط عصره إن كان يتشرب بالماء في كل غسلة. وعصر كل شيء بحسبه، فإن كان خفيفًا لا بد من عصر كثر مائه، وإن كان ثقيلاً فبدقّه وتقليبه أو تثقيله ما أمكن. ولا يكفي تجفيفه كل مرة. ¬

_ (¬1) يعني كتابه "إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان"، وانظر كلامه في ذلك في (ص 154) منه نشر دار ابن زيدون ببيروت. وفلك لحديث أم سلمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يطهره ما بعد" أخرجه أحمد وأبو. داود. (¬2) أثر ابن عمر "أُمِرْنا أن نغسل الأنجاس سبعًا" أورده في المغني (1/ 54) ط ثالثة. ولم يذكر من أخرجه، ولم نجده بعد البحث.

[1/ 97] مسألة: فإن كان المغسول لا يتشرب الماء، كبدن الإنسان ونحوه، اشترط في كل غسلة عدم التقاطر إلا نقطًا يسيرة. فلو واصل السبع غسلات بحيث لا ينعدم التقاطر الكثير فغسلةٌ واحدة، فإن عدم التقاطر بمنزلة العصر فيما يعصر. هذا ما ظهر لي في هذه المسألة، وإن لم أرَ من صرح بذلك، والناس عنها غافلون. فإن الواحد منهم يتابع صبّ الماء على يده ونحوها بحيث لا ينعدم التقاطر، وذلك لا يكفي (¬1). والله أعلم. (4) قوله: "طهور" هكذا عبارة "المنتهى" و"الإقناع" ومفهومه أنه لا يكفي الطاهر، أي المتناثر عن وجهِ أو يدي متيمم. وفي نسخةٍ: "طاهر"، فيراد منه ما قابل النجس. ومقصوده الطهور، موافقةً لغيره. لكن قد يقال: لا وجه لاشتراط طهوريته لأن المقصود منه قوة الإزالة، ولذلك يجزئ الصابون والأشنان والنخالة وما كان في معنى ذلك. والقوة التي في الطهور توجد في الطاهر. فإن قلت: والنجس كذلك؟ فالجواب أن التراب ونحوه له دخل في التطهير، والنجس ينافي ذلك. والله سبحانه وتعالى أعلم. (5) قوله: "ويضر بقاء طعم النجاسة": يفهم منه ومن قوله: "لا لونها أو ريحها أو هما عجزًا، أن بقاء طعم النجاسة يضر ولو عجزًا، وهو كذلك. لكن هل يلزمه أن يذوق المتنجس بعد غسله ليعلم ويتيقن ذهاب طعمها، أو يكفي غلبة ظنه في ذلك؟ الظّاهر أنه يكفي غلبة الظن، لما له من النظائر. والله سبحانه وتعالى أعلم. (6) قوله: "وقال الشافعي: لم يظهر لي فرق الخ": المشهور من مذهب الشافعية كمذهبنا، وإنما قال بعدم الفرق بينهما أبو حنيفة ومالك، وقالا بالغسل ¬

_ (¬1) هذا من المُحشِّي رحمه الله تشدّد، وفتح بابٍ للتشدّد. وإلا فإن الإنسان متى غسل الشيء النجس، وعَصَره، ثم صب عليه الماء مرةً أخرى، فهي غسلة ثانية، ولو لم ينقطع التقاطر. على أن الصحيح أن التسبيع في نجاسة غير الكلب والخنزير لا يشترط، بل يشترط الإنقاء فقط، وهذا لكثرة الأدلة الواردة في التطهير مع إطلاق العدد، أوردها في المغني، ولجهالة حديث التسبيع، كما تقدم.

فيهما مطلقًا، وتأولا النضح الوارد فيه بالغسل. ورد بأن الحديث: "فنضحه ولم [1/ 98] يغسله" (¬1) فهو نص فيما عليه المذهب. ولعل ما ذكر عن الشافعي من بعض الروايات عنه. فليراجع. (7) قوله: "بحيث يذهب لون النجاسة الخ": أي وكذا طعمها، بل هو بالأولى لأنها لا تطهر مع بقائه ولو عجزًا، بخلاف اللون والرائحة، كما يعلم مما تقدم قريبًا. ولا يطهر دُهْنٌ تنجس بغسلٍ، وكذا أرض تنجست بشيء له أجزاء متفرقة، كالرمم إذا جفّت، والروث إذا اختلط بأجزاء الأرض، ولا باطن حبّةٍ، ولا إناء عجين ولحم تشرَّب النجاسة، ولا سكين سقيت النجاسة، ولا يطهر صقيل بمسح (¬2). مسألة: الذي كنا نسمعه من أفواه مشايخنا الكرام، ونَعِيهِ من تقرير ساداتنا الأعلام، أن الوشام نجس، لأنه مختلط بالدم، وتجب إزالته، ولا يطهر بالغسل لبقاء عين النجاسة. فإن لم تمكن إزالته، أو خيف منها ضرر، لزمه التيمم عنه، كمن خاط جرحه أو جبر ساقه ونحوه بنجس من خيط أو عظم، وخاف بنزعه الضرر ولم يستره اللحم فإنه يتيمّم له. وإن غطاه اللحم فلا. لكن [9ب] لم أر من نصّ على مسألة الوشام. والذي يظهر لي عدم لزوم التيمّم له، لأن الظاهر لون النجاسة لا عينها، وبقاء اللون مع العجز عن إزالته لا يضر، فهو كالصبغ بنجس، وما تحت الجلدة لا يلزم التيمم له كما تقدم. فليحرر. ومما سمعته من المشايخ، ولم أره مسطرًا في كتاب، أن النار إذا أوقدت بنجس، كبعر حمار ونحوه، يكون جميع ما تحرقه نجسًا، ولو أحرقت أراضي متسعة مسافة أيام، فرماد جميع ما أحرقته نجسٌ. وإذا عمل بها فريك ونحوه يكون نجسًا. ولعل هذا من قول الفقهاء بنجاسة دخان النجس ورماده. ¬

_ (¬1) حديث "فنَضَحَهُ بماء ولم يغسله" أخرجه البخاري ومسلم. (¬2) أكثر ما ذكره المحشي في هذه الأسطر الثلاثة، فيه نظر، وقد ذُكِر عن أحمد: "ماء المطر لا يأتي على شيء إلاطهّره".

فصل في النجاسات

[1/ 101] وعندي [أن] هذا غير سديد، فإن دخان النجس إذا وقع على ماء ونحوه ينجسه. أما إذا وقع على جاف فلا. وشعلة النار لا تنجِّس. وفيه خطر عظيم فليتأمل. (8) قوله: "أو غيره" أي كالنبيذ إذا وصل لحدٍّ يسكر. فصل في النجاسات (1) قوله: "ظاهره أُميعَتْ أوْ لا": قال بعضهم: والمراد بعد علاجها، وإلا فهي قبله نبات طاهر. اهـ. (2) قوله: "والبغل والحمار": وذكر في "الفروع" رواية أنهما طاهران، واختارها الشيخ الموفق في "المغني" وغيره. (3) قوله: "ولم أرها لغيره": وفي حفظي قديمًا أنه صرح بها في "الإنصاف" والله سبحانه وتعالى أعلم. (4) قوله: "غير ميتة الآدمي": أي والمَلَك، والجن خصوصًا منيهم بعموم "إن المؤمن لا ينجس" أفاده بعضهم. (5) قوله: "وما لا نفس له سائلة الخ": قال في "الإقناع": وللوزغ نفسٌ سائلة نصًّا، كالحية والضفدع والفأرة. (6) قوله: "ولا يعفى عن يسير شيء منها": ظاهره سواء كان بمائع أو لا، وسواء كانت النجاسة يدركها الطَّرْفُ أو لا، كرشاش البول الذي مثل رؤوس الإبر، وكالذي يعلق بأرجل الذباب ونحوه. وهو كذلك، على المذهب. (7) قوله: "إلا منيّ الآدميّ": وهل مثله منّي الجنّي؟ الظاهر نعم، فإن بوله أيضًا طاهر على المذهب، فمنيه أولى. فائدة: قال في "شرح الغاية": إن ما طار من ماءٍ يسير بسبب وقع حافر حيوان نجس العين، أو انتفض عن حافره، معفوّ عن يسيره قياسًا، على طين شارع تحققت نجاسته. اهـ. أقول: لكن ينظر ما المراد هنا باليسير؟ ولعله الذي لا يفحش في النظر.

باب الحيض

فليحرر. [1/ 102] (8) قوله: "ولو من دم حائض الخ": أشار بلو للخلاف فيه، فقد قيل إنه لا يعفى عن شيء منه. ولعل هذا القائل تمسّك بقوله - صلى الله عليه وسلم - للتي قالت له: أرأيت إحدانا تحيض في الثوب كيف تصنع؟ قال: "تحتُّه، ثم تَقْرُصُه بالماء، وتنضحه، وتصلي فيه" فإنه أمرها بغسله، ولم يسْألها عن كثرته وقلته، فدل على عدم العفو عن يسيره. أقول: لكن قد يقال: إن دم الحيض غالبًا يكون كثيرًا في ثوب الحائض، فأطلق أمرها بالغسل لذلك، فالتمسك بظاهره غير وجيه. ولأنه دم طاهرٍ في الحياة كدم شاة ونحوها، وكدم فِصَادَةٍ ونحوها، بل أولى في العفو عن يسيره، لمشقة التحرز عنه، فهو كدم دمّل ونحوه، فلا وجه لعدم العفو عن يسيره، فليحرر. (9) قوله: "وطين شارع الخ" وكذا تراب الشوارع إن سَفَتْهُ الريح إلى ثوبٍ رطبٍ أو بدن، أو علق بالثياب ونحوها، فحكمه حكم الطين، إن ظُنَتْ نجاسته طاهر، وإن تحققت يعفى عن يسيره. ولا فرق بين أيام الشتاء وغيرها كما هو ظاهر. باب الحيض خلق الله تعالى دم الحيض لحكمةٍ تربية الولد وغذائه. والولد خلق من ماء الأبوين. فإذا حملت انصرف حيضها بإذن الله تعالى إلى غذائه، ولذلك لا تحيض الحامل. فإذا وضعت قَلَبَهُ الله تعالى لَبَنًا يتغذى به الولد. ولذلك قلَّ أن تحيض المرضع. فإذا خلت منهما بقى الدم لا مصرف له، فيستقر في مكان ثم يخرج. فسبحان اللطيف الحكيم. (1) قوله: "ولا بعد خمسين سنة": وقيل ستين سنة، وقيل: خمسين في العجم وستين في العرب. وقيل بعد الخمسين إن صلح حيضًا فحيض، وإلا فلا. وقيل: حيض مشكوكٌ فيه، تدع الصلاة والصوم، ثم تقضيهما للشك. (2) قوله: "ولا يمنع وطأها إن خاف العنت": هكذا قيَّده. في "الإقناع". قال

[1/ 104] م ص في شرحه عليه: هذا القيد لم أره في كلام غيره من الأصحاب. وقال بعضهم: لعله مراد من أطلق، بل هو أمين على نقله. اهـ. أقول: ولعل هذا للخلافِ في أنه حيض، فعند الشيخ تقي الدين يكون الحيض مع الحمل أيضًا، فإذا رأت الحاملُ دمًا فهو حيض عنده. والله سبحانه وتعالى أعلم. (3) قوله: "وأقل الحيض يوم وليلة": وعند مالك لا حدَّ لأقله، فلو رأته لحظة وانقطع فحيض. (4) قوله: "بلياليهن": الأولى: بلياليها. (5) قوله: "الوطء في الفرج": أي: وما دونه، كمباشرةٍ يدها أو فخذيها ونحو ذلك، فجائز إن وثق من نفسه. وإلا فمن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه. (6) قوله: "إلا لمن به شبق الخ" أي ولا كفارة عليه إذن. (7) قوله: "والطلاق": أي ما لم تسأله ذلك، كما يأتي (¬1). (8) قوله: "لكن تقضي الصوم الخ": أي بالأمر السابق، لا بأمر جديد، في الأشهر، كسائر المعذورين. وفي "الرعاية": يقضيه مسافر بالأمر الأول على الأصح، وحائض ونفساء بأمر جديد على الأصح. قال في "الفروع": كذا قال. اهـ. (9) قوله: "أي صحة فعله": هذا لا يصح مع كون الفعل يحرم، لأن المعنى يصير: "ويحرم بالحيض صحة فعل الطواف" وهو ركيك جدًا. فالأولى أن يقول: أي فعله. نعم لو كانت العبارة "ويمنع الحيض أشياء الخ" لكان لقول الشارح، أي "صحة فعله"، وجه، وكان العبارة التبست عليه بذلك. والله أعلم. (10) قوله: "بالوطء فيه": أي إذا كان الواطىء ابن عشر، ولو لفّ ذكره بحائل، بخلاف ما يوجب الغسل. ¬

_ (¬1) أي في كتاب الطلاق. ويأتي إن شاء الله التنبيه على ما في ذلك.

فصل

(11) قوله: ولا فرق بين الوطء في أوله أو آخره". وكذا لو نزل الحيض [1/ 107] حال الوطء، ولو نزع في الحال، لأن النزع جماع على المذهب. (12) قوله: "غير الصوم الخ": أي فيبقى على تحريمه الصلاة والطواف وقراءة القرآن والوطء. والمشهور عن أبي حنيفة أنه يباح، تمسُّكًا بقوله تعالى {حتى يطهرن} وبعد الانقطاع تكون طاهرًا، لكن قوله تعالى {فإذا تطهرن فأتوهن} [البقرة: 222] يدل على أن المراد: يتطهرن، وعلى كلٍّ فلا كفارة بالوطء بعد إلانقطاع وقبل الغسل أو التيمم حتى على المذهب القائل بتحريمه. (13) قوله: "ولو أقل": أي ولو لحظةً، بخلاف ما إذا كان الانقطاع بين الحيضتين، فإنّ أقله ثلاثة عشر يومًا. ولا يكره وطؤها زمن الانقطاع، وإن عاد الدم في العادة فهو حيض. (14) قوله: "لتكرُّرِه الخ": أما الحيض فمسلم، وأما النفاس فلا يتكرر أكثر من تكرر الصوم في حق الحائض. فكان القياس أن النفساء تقضي الصلاة أيضاً، لأنه لا يوجد في السنة سوى مرة، وقد لا يوجد في السنتين أو أكثر إلا مرة، فلا مشقة في قضاء صلاةِ مدة النفاس، بل هو كالصوم وأولى، إلا أن يقال إن مدة النفاس غالبًا تزيد على مدة الحيض، فمشقة قضاء صلاة مدة النفاس أكثر من مشقة قضاء صوم مدة الحيض، فوجَبَ قضاء الصوم، لا الصلاة، في النفاس أيضاً. والله سبحانه وتعالى أعلم. (15) قوله: "إلا ركعتي الطواف": لأنها نُسُكٌ لا آخر لوقته. فيعايا بها. وفي الحقيقة إن ركعتي الطواف غيرُ قضاء، بدليل قوله "لا آخر لوقته" فعلى هذا لا معاياة بها. فصل والمعتادة إن جاوز دمها أكثر الحيض فتجلس عادتها ولو كان لها تمييز صالح. هذا إن علمت عادتَهَا، بأن تعرف وقت حيضها ووقت طهرها وعدد أيامها. وإلاّ تعلمْ شيئاً من ذلك، أو جهلت شيئاً منه، عملت بتمييزٍ صالح، كالمبتدأة. فإن

[1/ 108] لم يكن لها تمييزٌ وجهلت عادتها فهي متحيّرة لا تفتقر استحاضتها إلى تكرار، بخلاف المبتدأة. ثم إن نسيت العدد فقط تجلس غالب الحيض بالتحري في موضع حيضها. فإن لم تعلم إلا شهرها، وهو ما يجتمع لها فيه حيضة وطهر صحيحان، تجلس فيه ستًا أو سبعًا إن اتسع له، وإلا جلست الفاضل بعد أقل الطهر. وتجلس العدد به إن ذكرته ونسيت الوقت من أول مدةٍ عُلِم الحيض فيها وضاع موضعه، كنصف الشهر الثاني. وإلا فمن أول كل هلال. وإن نسيت العدد والوقت معًا جلست غالب الحيض من أول كل مدة علم الحيض فيها وضاع موضعه، كنصف الشهر الأول أو الثاني أو العشر الأوسط منه. وإن جهلت مدة حيضها فلم تدر أكانت تحيض أول الشهر أو وسطه أو آخره جلست غالب الحيض من أول كل شهر هلالي كالمبتدأة. ومتى ذكرت عادتها رجعت إليها وقضت الواجب زمنها وزمن جلوسها في غيرها. وان تغيرت عادة معتادةٍ بزيادة أو تقدم أو تأخر فكدم زائد على أقل حيض من مبتدأة، أي تصوم وتصلي وتغتسل عند انقطاعه، حتى يتكرر ثلاثاً، ثم يصير عادَتَها. فتقضي الصوم الواجب الواقع فيه. ومن ترى دمًا متفرقًا يبلغ مجموعه أقلَّهُ، وترى نقاء متخللًا لتلك الدماء لا يبلغ أقل الطهر، فحيض. ومتى انقطع قبل بلوغ الأقل وجب الغسل. فإن جاوز أكثره، كمن ترى يومًا دمًا ويومًا نقاء إلى ثمانية عشر يومًا مثلاً، فهي مستحاضة ترد إلى عادتها إن علمتها، وإلا فإلى تمييز إن كان، وإلا فمتحيّرة على ما تقدم. هذا ملخص ما في "المنتهى" وشرحه الصغير (¬1). (1) قوله: "ويرتفع الحدث عمن حدثه دائم الخ": لم أره في "المنتهى" ولا في "شرحه الصغير" ولا في "الإقناع" ولا في "الفروع" بل جَزَمَ في "الإقناع" بأنه ¬

_ (¬1) لم يتبين لعلمنا القاصر المراد بالشرح الصغير للمنتهى. وقد عرفت له خمسة شروح، لكن لم نعرف أيها المراد.

يبطل بخروج الوقت كالتيمم. [1/ 111] (2) قوله: "لكن يكره وطؤها فيه": أي في زمن النقاء الذي في زمن النفاس. وأما النقاء زمن الحيض فلا يكره وطؤها فيه. وقد يفرق بينهما بان يقال إن النفساء ضعيفة جدًا بسبب الولادة، فعظمها ولحمها في غاية الوهن والضعف، بسبب ما اعتراها من المرض، وهو النفاس مع التألّم، فلا تتحمل الوطء زمن الطهر، بخلاف الحائض اهـ. دنوشري (¬1). لكن مقتضى تعليلهم الكراهة بقولهم "لأنه لا يؤمن الخ" يفيد عدم الفرق بينهما. فليحرر. (3) قوله: "لإلقاء نطفة": ذكره في "الوجيز" (¬2). وفي "أحكام النساء" لابن الجوزي: يحرم قطعًا. وسماه بعضهم (¬3) "المؤودة الصغرى" وأنكر عليٌّ ذلك، وقال: إنما الموءودة بعد التارات السبع، وتلا: {ولقد خلقنا الإنسان ... } إلى {ثم أنشأناه خلقًا آخر} [المؤمنون: 12، 13] قال في "الفنون" (¬4): وهذا فقهٌ عظيم وتدقيق حسن [10ب] وكان يقرأ {وإذا المؤودة سئلت. بأي ذنب قتلت} [التكوير: 7، 8] وهذا لما حلَّتْهُ الروح، لأن ما لم تحله لا يبعث. فقد يؤخذ منه: ¬

_ (¬1) الدنوشري: هو الشيخ عبد القادر الدنوشري (- بعد 1030هـ) وهو أحد تلاميذ الشيخ منصور بن إدريس البهوتي. له حواشٍ على المنتهى لشيخه، على شرح الخطبة. (¬2) الوجيز: متن مختصر في المذهب أثنى عليه صاحب الإنصاف وغيره. وهو لسراج الدين الحسين ابن يوسف بن أبي السّري الدُّجَيْلِي البغدادي (- 732هـ) اشتهر (بالدجيلي) نسبة إلى دُجَيْل، ببغداد. (¬3) الذي سماه "الموءودة الصغرى" هم اليهود في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، كما في سنن أبي داود (ح 2171) ومسند أحمد (3/ 33، 51) بسندهما عن أبي سعيد الخدري. وورَد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما سمع ذلك قال:"كذَبَ اليهود. لو أراد الله أن يخلُقَه ما استطعت أن تصرفه". (¬4) الفنون: كتاب لابن عقيل. وهو أبو الوفاء، علي بن عقيل بن محمد بن عقيل، البغدادي الحنبلي (- 513هـ) الفقيه الأصولي المتفنن المجتهد. وكتابه "الفنون" شامل لأنواع من العلوم. قال ابن الجوزي: جعله مناطًا لخواطره وواقعاته. وضمّنه الفوائد الجليلة في العلوم المختلفة، وله "الواضح" في أصول الفقه. وله في الفقه "الفصول" و"التذكرة" وغيرهما.

باب الأذان والإقامة

[1/ 111] لا يحرم إسقاطه. وله وجه. اهـ باختصار. (4) قوله: "من النسل": يدل على أن ما يقطع الحيض يقطع النسل. وقد ذكر هنا عن "الإقناع" أنه لا يجوز ما يقطع الحمل، مع أنهم صرحوا كما هنا بجواز شرب ما يقطع الحيض. وقيده القاضي بإذن الزوج. فليحرر. ويتجه عندي جواز شرب ما يقطع الحمل بإذن الزوج أخذًا مما مر. وإن كان صريح ما في "الإقناع" بل "والفائق" يخالفه (¬1). باب الأذان والإقامة فائدة: الأصل في مشروعية الأذان هو أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم لما قدموا المدينة كانوا يحبون أن يعملوا شيئًا يعلمون به دخول وقت الصلاة، فتكلموا يومًا في ذلك، فقال بعضهم: اتخِذوا ناقوسًا مثل ناقوس النصارى. وقال بعضهم: بل بوقًا مثل قرن اليهود. فافترقوا. فرأى عبد الله بن زيد في منامه هاتفًا يعلّمه الأذان. فجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقص عليه رؤياه، فصدّقه. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يا بلال، قم فنادِ بالصلاة" (¬2). ويروى أن عمر لما سمع الأذان خرج فقال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: رأيت مثل الذي رأى، أي عبد الله بن زيد (¬3). ¬

_ (¬1) نفرّق الآن بين ما "يمنع" الحمل، وبين ما "يقطعه". فإن كان العلاج يمنع الحمل مؤقتًا. وارتضاه الزوجان، فلا بأس. وأما ما يقطعه نهائيًّا فلا نرى جواز المصير إليه لغير ضرورة، وذلك كإزالة الرحم، أو المبيضين، أو قطع قناتي "فالوب" من الأنثى، أو إزالة الخصيتين من الذكر، وهو ما يسمى "الخِصاء" وذلك لأن هذه قوّة من القوى التي خلقها الله تعالى في الإنسان لعمران الكون، فلا يجوز إزالتها، كما لا يجوز للإنسان أن يعمي نفسه أو يقطع يده، أو نحو ذلك. (¬2) حديث رؤيا عبد الله بن زيد في الأذان: حديث حسن، أخرجه أبو داود (ح 499) والدارمي (1/ 269) وهو بأطول مما هنا. والشيخ عبد الغني ذكره بالمعنى. (¬3) الخبر عن عمر رضي الله عنه أنه رأى مثل ما رأى عبد الله بن زيد: أخرجه الترمذي (ح =

فإن قلت: ما الحكمة في تخصيص الأذان برؤيا رجل ولم يكن بوحي؟ [1/ 112] فالجواب: لما فيه من التنويه بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، والرفع لذكره، لأنه إذا كان على لسان غيره، كان أرفع لذكره، وأفخم لشأنه. على أنه روي أنه نزل الوحي بالأذان بعد لهذه الرؤيا (¬1). والله سبحانه وتعالى أعلم. (1) قوله: "والأذان أفضل من الإقامة والإمامة": أما الإقامة فلأنه أكثر ألفاظًا منها وأبلغ في الإعلام، وأما الإمامة فلحديث "الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن. اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين" (¬2) والأمانة أعلى من الضمان، والمغفرة أعلى من الإرشاد. ولما روي "أطول الناس أعناقًا يوم القيامة المؤذنون" (¬3). وإنما لم يتولَّ الأذانَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وخلفاؤه من بعده لضيق وقتهم. قال عمر "لولا الخلافة لأذّنت" (¬4) كذا قالوه. وهو عندي غير ظاهر، لأن الاشتغال بالخلافة لا يشغل عن الأذان دائمًا. وأيضًا فلم ينقل عن الخلفاء أنهم اشتغلوا بالأذان قبل الخلافة، بخلاف الإمامة. وبالجملة فالذي يتوجه عندي أن الإمامة أعلى مقامًا من الأذان، فان كبار العلماء يتولون الإمامة دون الأذان، كما عليه عمل الناس في سائر الأمصار والأعصار. وقول سيدنا عمر "لولا الخلافة لأذّنت" ربما كان معناه أن وظيفة الخلافة الإمامة، والأذان ليس من وظيفتها. فالإمامة في حقه وحق من مثله أفضل من الأذان، كما أن الأذان في حق بعض الناس أفضل من الإمامة، فلكل مقام مقال. هذا ما ظهر، ¬

_ = 189)، وابن ماجه (ح 706) من حديث عبد الله بن زيدٍ نفسه. وحسنه الترمذي. (¬1) لم نجد هذا في كتب الحديث، ولكن في المعجم الأوسط للطبراني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أُرِيَ الأذان في ليلة الإسراء. ذكره في كنز العمّال (8/ 329). (¬2) حديث "الإمام ضامن إلخ" اختلف الأئمة في صحته: وقد أخرجه من حديث أبي هريرة مرفوعًا: أبو داود (ح 517) والترمذي (1/ 250). (¬3) حديث "أطول الناس أعناقًا ... " أخرجه أحمد من حديث أنس مرفوعًا. (¬4) في لسان العرب: "وروي أن عمر قال: لولا الخِلِّيفى لأذنت، وفي رواية: لو أطقْتُ الأذان مع الخلافة لأذنت". ولم نجد لشيء من ذلك سندًا.

[1/ 112] والله أعلم بالصواب. (2) قوله: "على الرجال": أي اثنين فأكثر. (3) قوله: "وأن يكونا الخ": أي يكون كل واحد منهما من واحدٍ، بدليل قوله في ما بعد "ويسن أن يتولاهما واحد". (4) قوله: "ناطقًا": لا فائدة لهذا الشرط، فإن غير الناطق لا يتأتى منه الأذان، كما هو ظاهر. ولم أره لغيره. [5] قوله: "بعد نصف الليل": المراد من الليل حينئذ من غروب الشمس إلى طلوعها، لا إلى طلوع الفجر فقط. (6) قوله: "واشترطه أبو المعالي" (¬1). وهو فيما يظهر لي أصوب، لأن الأذان عبادة يشترط له الوقت، فلا بد من أدائه مع معرفة الوقت، كما أنه إذا صلى وهو غير عالم بدخول الوقت لا تصح صلاته. ويكفي في علمه بالوقت إخبار ثقة. مسألة: ويكره أن يقرأ قبل الأذان: {وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدًا ... } الآية: [الإسراء: آخرها] وكذلك إن وصله بعده بذكرٍ. وقوله: قبل الإقامة: اللهم صل على محمد" ونحو ذلك، فينبغي أن يقتصر على الأذان: لا يتقدمه بشيء ولا يصله بشيء. قال في "الإقناع": وما سوى التأذين قبل الفجر من التسبيح والنشيد ورفع الصوت بالدعاء ونحو ذلك في المَوَاذِنِ فليس بمسنون. وما أحد من العلماء قال إنه يستحب، بل هو من جملة البدع المكروهة، فليس لأحد أن يأمر به، ولا ينكر على من تركه، ولا يعلق استحقاق الرزق به، ولا يلزم فعله ولو شرطه واقف. وقال ابن الجوزي في كتاب "تلبيس إبليس": قد رأيت من يقوم بقيلٍ كثير على المنارة، فيعظ ويذكِّر ويقرأ سورةً من القرآن بصوت مرتفع، فيمنع الناس من نومهم، ويَخْلِط على المتهجدين قراءتهم، وكل ذلك من المنكرات ¬

_ (¬1) أبو المعالي: هو أسعد بن المُنَجّا وجيه الدين التنوخي الحنبلي الدمشقي، (519 - 616هـ) عُرف له من المؤلفات: "الخلاصة" كتاب محرّر، بيّن فيها الصحيح من الرواية والوجه. هذب فيها كلام أبي الخطاب في "الهداية". ووجدت في "المدخل المفصل" (ص 713) أن له على الهداية شرحًا اسمه "النهاية في شرح الهداية" في بضع عشرة مجلدًا.

اهـ (¬1). كلام "الإقناع". [1/ 116] مسألة: يصح أذان من يَلْحَنُ، مع الكراهة، إن لم يُحِلِ المعنى. فإن أحاله كقوله: "الله وَاكْبَرُ" و"الله أقبر" و"أشبر" و"أكبل" أو"يشحد أن لا إله إلا الله" أو "أسهد" بالسين المهملة، أو لم يبيّن الهاء من لفظ الجلالة، أو من "الصلاة" أو لم يبين الحاء من "الفلاح" فأذانه غير صحيح. فقولي "كقوله الله واكبر" أي بزيادة الواو قبل "أكبر" لا إن أبدل الهمزة واوًا، فقال "الله وَكْبَر" فإنه يصح لأن الهمزة إذا تقدمها ضمة قد تقلب واوًا [11أ]، كما في كثير من القراءات. وما ذكر من أن بلالًا كان يقول "أسهد أن لا إله إلا الله" بالسين المهملة، فَغير صحيح، كما ذكره العلامة الشيخ مرعي الكرمي، مع أنه ذكره شارح "الغاية" وغيره. فليحرر. (7) قوله: "يلتفت يميناً الخ": وهل مثله في الإقامة؟ قال في "الفروع": فيه وجهان. قاله أبو المعالي. وجزم الآجري (¬2) وغيره بعدمه اهـ. كلام "الفروع". (8) قوله: "ما لم يشق الخ": في العبارة حذف، وهو أنه يسن له أن يجيب نفسه. فيكون المراد من حدر الإقامة فيما تقدم عدم التأني الطويل، بل يكون دون الأذان، لا ما عليه الناس الآن من الإسراع المفرط، إذ لا يتصور معه أن يجيب نفسه. فليتأمل. (9) قوله: "أذن للأولى الخ": أقول: فإذا نوى جمع التأخير فهل يؤذن للأولى في وقتها أو حتى يدخل وقت الثانية؟ لم أره صريحًا. ثم رأيت على هامش. ¬

_ (¬1) فكيف لو شاهد فعل ذلك بمكبرات الصوت يتبع الواحد منها الآخر بالأصوات القوية. وما أحسن ما عُمِل في بعض البلاد الإسلامية من توحيد الأذان بالمكروفونات في المدينة الواحدة، تخفيفًا، ولأن الأذان الموحّد كافٍ في البلاغ، وما زاد فإنه قد يزعج بعض الناس من المرضى ونحوهم لتتابع الأصوات الشديدة إذا سمع الأذان بالمكروفونات الضخمة من مسجد بعد مسجد بعد مسجد. (¬2) الآجري (- 360) هو محمد بن الحسن بن عبد الله، أبو بكر الآجري البغدادي ثم المكّي الحنبلي. وقيل: الشافعي. محدث فقيه. قال في البداية والنهاية (11/ 270): "له مصنفات مفيدة" اهـ. له: "النصيحة" في الفقه، و"أحكام النساء" وغير ذلك.

باب شروط الصلاة

[1/ 117] "الفروع" ما نصه: قال شيخ الإسلام ابن تيمية: لما ذهبت على البريد كنا نجمع بين الصلاتين، فكيف أؤذن عند الغروب وأنا راكب؟ ثم تأملت فوجدت النبي - صلى الله عليه وسلم - لما جمع ليلة جمع لم يؤذنوا للمغرب في طريقهم، بل أخر التأذين حتى نزل. فصرت أفعل كذلك، لأنه في الجمع صار وقت الثانية وقتًا لهما، والأذان إعلام بوقت الصلاة. ولهذا قلنا: يؤذن للفائتة كما أذن بلال لما ناموا عن صلاة الفجر، لأنه وقتها، والأذان للوقت الذي تفعل فيه، لا للوقت الذي تجب فيه، والله أعلم. فائدة: ورد كما في صحيح البخاري وغيره "أن ابن عباس أمر المؤذن في يوم مطيرٍ أن يقول بدل الحيعلتين: "الصلاةَ في الرحال" أو "صلوا في رحالكم"، فنظر القوم بعضهم إلى بعض كأنهم أنكروا ذلك. فقال ابن عباس: فَعَلَهُ من هو خير مني، النبي - صلى الله عليه وسلم -". أقول: لكن ذكر في البخاري أيضاً عن ابن عمر أنه قال ذلك بعد فراغ الأذان. وأخبر بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر بذلك كذلك في الليلة الباردة أو المطيرة في السفر (¬1). وقد يجمع بينهما بجواز الأمرين. والله سبحانه وتعالى أعلم. (10) قوله: "الهيثم": بالمثلثة لا بالمثناة. (11) قوله: "والفضيلة": وقول بعضهم "والدرجة الرفيعة" غير ثابت (¬2)، كما بينه بعض الحفاظ. (12) قوله: "الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة" (¬3): أي وعند صعود الخطيب المنبر وبين الخطبتين، وعند نزول الغيث، وبعد العصر يوم الجمعة. باب شروط الصلاة (1) قوله: "إلا النية": أي فإنها شرط ولا تجب قبل الصلاة، بل يستحب ¬

_ (¬1) أخرجه عبد الرزاق (كنز العمال 8/ 308). (¬2) أي "والدرجة الرفيعة أما "والفضيلة" فهو ثابت في البخاري وغيره. (¬3) قوله: "الدعاء لا يرد ... إلخ" روي مرفوعًا. أخرجه أحمد والترمذي وحسّنه (ش المنتهى).

قرنها بالتكبير، كما يأتي. فهو مستثنًى من قوله: "تجب لها قبلها". وخرج به الأركان، فإنها من أجزائها. (2) قوله: "فوقت الظهر الخ": بدأ بالظهر لبداءة جبريل عليه السلام، فإنه أول ما صلى بالنبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة الظهر، إشارة لظهور الدين. وختم بالفجر إشارة إلى ضعفه في آخر الزمان. وبدأ بعض العلماء بالفجر لأنها أول اليوم. ولكل وجهة. (3) قوله: "وهي الوسطى": أي المذكورة في قوله تعالى {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] لحديثٍ ورد في ذلك (¬1). قال في "الإنصاف ": بلا خلاف عن الإمام والأصحاب فيما أعلمه اهـ. ومعنى "الوسطى" الفضلى، وقيل المتوسطة، لتوسطها بين نَهَاريّة وليليّة، أو بين رباعيتين وهما الظهر والعشاء. (4) قوله: "الشفق الأحمرد": أي لا الأصفر ولا الأبيض. وقيل حتى يغيب الأصفر، وقيل الأبيض. قلت: وهذا الذي عليه عمل الناس الآن. (5) قولى: "إلا ليلة جمع": أي المزدلفة. وسميت جمعًا لاجتماع الناس بها. (6) قوله: "ما لم يؤخر المغرب": أي حيث جاز تأخيرها. (7) قوله: "والنوم قبلها": ظاهره ولو كان له من يوقظه. وقوله: "ومع أهلٍ": أي وكذا مع ضيف أو لتعليم ولد. (8) قوله: "وهم النهاية في إتيان الفضائل": وأما حديث "أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر" رواه الإمام أحمد وغيره، فقد حكى الترمذي عن الشافعي وأحمد وإسحق رضى الله تعالى عنهم أن معنى الإسفار أن يضيء الفجر بحيث لا يشك فيه. ويسن جلوسه لصلاةٍ بعد عصرٍ إلى الغروب، وبعد فجر إلى الشروق، ¬

_ (¬1) وهو ما أخرجه البخاري ومسلم عن عليّ قال: "كنا نراها الفجر، حتى سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول يوم الأحزاب: "شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، ملأ الله قبورهم وأجوافهم نارَا". وأخرج مسلم والترمذي عن ابن مسعود مثله (تفسير الشوكاني).

باب العورة

بخلاف بقية الصلوات. ويكره الحديث في أمر الدنيا بعد صلاة الفجر إلى الشروق كما في "الإقناع". وتأخير الكل مع أمن فوات وقتٍ لمصلي كسوف، ومعذور كحاقن وتائق إلى طعام [11 ب] ونحوه أفضل. ولو أمره والده بالتأخير ليصلي به مع سعة الوقت أخّر. قال المصنف م ص (¬1): وظاهره: وجوبًا، لوجوب طاعته اهـ. ويجب التأخير لتعلّم الفاتحة، وذكرٍ واجبٍ. ويقدّر للصلاة أيّام الدجّال الطوال، وهي يومٌ كسنةٍ، ويومٌ كشهرٍِ، ويوم كجمعةٍ، قدرُ الزمن المعتاد (¬2)، لا أنه للظهر بالزوال، ولا للعصر بمصير ظل الشيء مثله وهكذا. والليلةُ في ذلك كاليوم. قال م ص: قلت: وعلى قياسه الصوم وسائر العبادات اهـ. باب العورة فائدة: يكره للرجل لبس المزعفر والمعصفر والأحمر المُصْمَت، أي الذي ليس فيه ما يخالف لونه. ونقل عن الإمام أنه كره المعصفر كراهيةً شديدة. ومذهب الأئمة الثلاثة عدم كراهة لبس ذلك كله. قال في "الفروع": واختاره الشيخ، وهو أظهر اهـ. أقول: ظاهر كلامهم أن ما صُبغَ بلونٍ أصفر غيرِ عُصْفُرٍ أو زعفرانٍ لا يكره لبسه، وإلا لقالوا يكره لبس الأصفر كالأحمر. ولعل مرادهم أيضاً بالأحمر: القاني، فتأمل. (9) قوله: "ويكفي الستر بغير منسوج الخ": أي ولو كان بمتّصل به، كيده، إذا وضعها على خرقٍ في ثوبه، وكلحيته المسترسلة على جيب قميصه الواسع ¬

_ (¬1) مراده بقوله "المصنف": الشيخ مرعي الكرمي مصنف "دليل الطالب" فوضْعُ رمز "م ص" بعده فيه ما فيه، لأنه رمز لمنصور البهوتي في هذه الحاشية وغيرها من كتب متأخري الحنابلة. (¬2) أي لحديث ورد في ذلك، أخرجه مسلم في الفتن (ح 110).

ولولاها لبانت عورته. (10) قوله: "فعورة الذكر البالغ عشرًا الخ ": لهذا صريح كلام كثر أئمتنا من أن الذكر إذا تمَّ له عشر سنين كالبالغ. ومقتضاه أن البنت إذا بلغت تسعًا تكون كالبالغة. ولذا قال أبو المعالي: هي بعد تسع، والصبىّ بعد عشر، كبالغ اهـ. وهو خلاف كلامهم. لكن يطلب الفرق منهم بينهما. والظاهر أن لا فرق، بل لو قيل بأن بنت تسع كالبالغة، وابن عشر ليس كالبالغ، لكان له وجه. وحديث "لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار" يشملها، لأن المراد: من يمكن حيضها. (11) قوله: "والأمة": أي البالغة، فيما يظهر. ويتجه: بنت تسع فصاعدًا، فلا تكون عورتها دون عورة الذكر، بل الظاهر أنهما سواء. قوله: "من دون السبع إلخ": أي سواء كان ذكرًا أو أنثى. قوله: "الرجل البالغ": ومثله الخنثى المشكل كما في "شرح المنتهى" وغيره. (12) قوله: "الذكر" أى: وكذا الخنثى. وقال المجد: الاحتياط للخنثى المشكل أن يستر كالمرأة اهـ. (13) قوله: "في مغصوب": ظاهره سواء كان هو الغاصب أم لا. وهل يشمل ذلك مالكها، أو من أذن له مالكها في الصلاة فيها؟ ينبغي أن يحرر. بالثوب المغصوب الذي لا تصح الصلاة به، أو الحرير، ما كان ساترًا للعورة، أو لولا غيره لكان ساترًا لها، لا نحو عمامةٍ وتكةٍ وخفٍّ غير ممسوح عليه، ونحوهما، لا يلي العورة. وإن كان ظاهر كلام بعضهم يدل على أن هذا التفصيل في الحرير دون الغصب ونحوه، فإنه لا فرق، إذ كل منهما منهيٌّ عن لبسه، فالتفريق تحكُّمٌ. والله أعلم. (14) قوله: "على غير أنثى الخ": شمل الخنثى المشكل وشمل الصبيّ، فيحرم على وليه أن يلبسه ذلك. ولضرورةٍ يجوزُ لبس الحرير كعدم غيره، ولحكّةٍ وجَرَبٍ؛ ولحرب ولو بلا حاجة، ولقمل ونحوه. (15) قوله: "ويباح ما سُدِّيَ بالحرير الخ": قال ابن [عوض] في الحاشية: "أي شرط أن يكون الحرير مستترًا. وغير الحرير هو الظاهر" اهـ وهو تابع في ذلك

لشيخه الشيخ عثمان النجدي. فعلى لهذا: لا يجوز لبس الدَّلاَّجة والكَرْسُوت (¬1) ونحوه. لكن أنكر على الشيخ عثمان علماءُ عصره، فكان ذلك سَبَبَ خروجه من دمشق إلى مصر، وردُّوا عليه بما يطول ذكره. وكذلك الشيخ عثمان أطنب في الاستدلال لما قال (¬2). (16) قوله: "وبقعته": أي محلّ بدنه وثوبه، كما صرّح به في الإقناع وغيره. فلو كان طرف ثوبه وهو جالس مثلاً على نجاسة، كمن يبسط بساطًا طاهرًا على محل متنجس وتكون أطراف ثوبه نازلةً عنه إلى المحل النجس، لم تصحّ صلاته. وقوله: "فتصحّ من حاملٍ مستجمِرًا إلخ": مفرّعٌ على قوله "حيث لم يعف عنها" أي فإن أثر الاستجمار معفو عنه. (17) قوله: "فأن حُبِسَ الخ": مفرع على قوله "مع القدرة". (18) قوله: "من غير متعلق يَنْجَرُّ به الخ ": أي وأما إن كان متعلقًا به، كمن شَدّ في وسطه حبلاً طاهراً متصلاً بنجاسة أو بحيوان نجس ككلب وحمار وبغل، فإن كان الحيوان ينجرّ معه ولو استعصى لا تصح صلاته، وإن كان لا ينجرّ إذا استعصى صحَّت. (19) قوله: "لا تصح إلخ": وعنه تصح. قال في الإقناع: وهو الصحيح عند أكثر المتأخرين. فائدة: وإن خاط جرحه أو جَبَرَ ساقه ونحوه بنجس من خيط أو عظمٍ، فَجَبَرَ وصحّ، لم يلزمه إزالته إن خاف الضرر. ثم إن غطاه اللحم لم يتيمم له، وإلا تيمم له، وقيل لا. وهذا والله أعلم إذا كانت نجاسة الخيط بغير دمٍ ... (¬3) وإلا فلا يكفي [12أ]، التحرز عن نجاسته. فليحرر. ¬

_ (¬1) قوله: "الدلاّجة والكرسوت" كذا في الأصل، ولم نعرفهما. ويظهر أنهما من أنواع الملابس التي كانت دارجة في عصرهم. والله أعلم. (¬2) ذكر طرفًا من ذلك صاحب السحب الوابلة (في ص 282) في ترجمة الشيخ عثمان بن أحمد النجدي. (¬3) في الأصل كلمة خفية لم تمكن قراءتها.

ولو قلعت سنه، فأعادها أو جعل موضعها سن شاة مذكاة ونحوها، صحت صلاته، لأنها طاهرة. وإن شرب خمرًا ولم يسكر غَسَلَ فمه وصلّى، ولا يلزمه القيء. قال في الفروع: ويتوجَّه: يلزمه، لإمكان إزالتها. وأما عدم قبول صلاة السكران، كما في الحديث (¬1)، فأجاب عنه صاحب المحرر بنفي ثوابها، لا صحتها. قال بعضهم: إذا قيل: ما شيء فعله حرام وتركه حرام؟ فالجواب: صلاة السكران، فعلها حرام للنهي عن ذلك، وتركها محرم عليه. وهذا على أنه مكلف، كما نقله عبد الله (¬2). وقاله القاضي وغيره. (20) قوله: "أي مرمى الزبالة الخ": أي الكناسة والقمامة. وأما المحل المعدّ لادّخار السرجين، المسمّى بالزبل في بلادنا، لأجل وقوده وتسجير التنور به المسمى بالطابون، ويسمى ذلك المحل بالمزبل، فإنها تصح الصلاة فيه وعليه، لأنه ليس بمرمى الزبالة، بل مخزن للسّرجين ونحوه من تبن وحثالة زيتون وغيرهما. وهذا مما يكاد يخفى فاحفظه. (21) قوله: "وأسطحة هذه مثلها": هذا إن قلنا إن المنع تَعبُّديّ، وهو أحد الوجهين (¬3). وأما إن قلنا إنه معلّل بمظنة النجاسة، فلا يظهر معنى المنع من صحة الصلاة على أسطحة هذه الأماكن، أعني المقبرة وما بعدها. ينبغي أن يحرر. (22) قوله: "والحِجْرُ منها": أي فيصح التوجه إليه مطلقا من مكّى وغيره، ولا يصح الفرض فيه، كالكعبة. وقيل لا يصح التوجه إليه، وفاقًا للثلاثة. (23) قوله: "كذا في الإقناع": وقال في شرح المنتهى: ولو لم يكن بين ¬

_ (¬1) أي حديث عبد الله بن عمرو مرفوعًا "من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين يومًا ... الحديث" أخرجه أحمد والنسائي. وأخرجه الترمذي من حديث ابن عمر مرفوعًا. (¬2) أي نقله عن والده الإمام أحمد. (¬3) قوله:، أحد الوجهين لا أي أحد الوجهين في المذهب. و"الوجه" لا في اصطلاحهم هو القول من أقوال أئمة مذهب أحمد بعده. وأما ما عن أحمد نفسه فيسمى "الرواية" أو "النص".

[1/ 130] يديه شاخص متصل بها، لكن ما لم يسجد على منتهاها، فلا تصحّ. (24) قوله: "استقبال القبلة": أي الكعبة. لكن فرضُ من قَرُبَ منها إصابة عينها. والمراد من أمكَنَهُ مشاهدتها وفرض من بَعُدَ، وهو من لم يمكنه مشاهدتها، ولو في مكة، لوجود حائل، ولم يجد من يخبره عنها يقينًا: التوجُّهُ إلى جهتها، ولا يضر علوه عن الكعبة أو نزوله عنها. قال في "الإقناع": صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى بيت المقدس عشر سنين بمكة، وستة عشر شهرًا بالمدينة، ثم أمر بالتوجه إلى الكعبة اهـ. [فائدة]: درجات الإخلاص ثلاث: عليا، وهي أن يعمل امتثالاً لأمر الله، وقيامًا بحق عبوديته (¬1)؛ ووسطى، وهي أن يعمل طمعًا في ثواب الآخرة، وخوفًا من عقابها، ودنيا، وهي أن يعمل للإكرامِ في الدنيا والسّلامة من آفاتها. وكل ذلك سالم من الرياء. (25) قوله: "قبل الصلاة شرطٌ وفيها ركن": قال صاحب النظم "فيلزم في بقية الشروط مثلها". اهـ. من "الفروع". (26) قوله: "ولا يمنع صحتها الخ": أي ولكن ينقص الأجر. ومثله لو قصد بنيّةِ الصوم هضم الطعام، وبالحج رؤية البلاد البعيدة. (27) قوله: "أو قبلها بيسير": أي خلافا لمالك والشافعي. وقيل: وبزمن كثيرٍ. نقل أبو طالب (¬2) وغيره: إذا خرج من بيته يريد الصلاة فهو نيّة، أتُراهُ كبَّرَ وهو لا ينوي الصلاة؟ واحتج به الشيخ وغيره على أن النية تتبع العلم، فمن علم ما يريد فِعْله قَصَدَهَ ضرورةً. وعند الحنفية له تقديمها ما لم يوجد ما يقطعها، وهو ¬

_ (¬1) هذا منه رحمه الله جريٌ مع أوهام بعض الصوفية وما رتبوه لأنفسهم، مما لم يشرعه الله تعالى. وإلا فمن طَلَب فضل الله تعالى وثوابه في الدنيا والآخرة لا يقل درجة عمن قبله، وقد أثنى الله تعالى على أنبيائه الكرام بانهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعونه رغبًا ورهبًا. (¬2) أبو طالب: هو أحمد بن حُمَيْد، أبو طالب المُشْكاني، أحد النقلة عن أحمد مسائله، وإذا قيل: روى الجماعة عن أحمد كذا، فابو طالب أحدهم كما تقدم.

عمل لا يليق بالصلاة. وقوله: "لا قبل دخول وقت" أي للخلاف في أنّها ركن وهو لا يتقدم، فليست كسائر (¬1) الشروط. (28) قوله: "فبان وقتها قد خرج الخ": أي إذا كان جاهلاً به، وأما إن كان عالمًا بخروج الوقت، ونوى أداءً، أو بقاء الوقت ونوى قضاءً، لا تصح، لأنه متلاعب، كما صرّحوا به. فإن ائتم مسبوقٌ بمثله في قضاء ما فاتهما في غير جمعة صحّ، وأما إن ائتم بمسبوقٍ من لم يدرك شيئًا من صلاة إمامه، أو في جمعة، لم يصح. (29) قوله: "فله الدخول": وفي "الفصول": ويلزمه لزوال الرخصة. قاله في "شرح المنتهى". (30) قوله: "وكره بغيره غرض": أي ولغرضٍ صحيح لا كراهة، وذلك كمن يحرم منفردًا ثم تقام الجمعة. وقال بعضهم لو قيل بالوجوب هنا لكان حسنًا. ¬

_ (¬1) في الأصل هنا جملة خفية، وهذا أولى ما تقرأ عليه.

كتاب الصلاة

كتاب الصلاة (1) قوله:"كتابًا موقوتا": أي فرضًا محدودًا لها وقت فلا تصح إلا بعد دخوله. (2) قوله: "كمن أسلم بدار حرب": أي فيقضيها إذا علم. (3) قوله: "وهو من بلغ سبعًا": وقيل من فهم الخطاب وَرَدَّ الجواب. ولا يتقيّد بسنٍّ. سئل أبو العباس: هل كانت الصلاة على من قبلنا من الأمم مثل ما هي علينا من الوجوب والأوقات والأفعال والهيئات أم لا؟ فأجاب: كانت لهم صلاة في هذه الأوقات، لكن ليست مماثلة لصلاتنا في الأوقات (¬1)، والهيئات وغيرهما. (4) قوله:"إلا في السترة": أي ستر عورته، فإن البالغ يستر ما بين السرة والركبة، وأحد العاتقين في الفرض، وأما المميز إذا كان دون عشر فلا يجب عليه ستر غير الفرجين، لأن السترة ليست شرطا لصحّة صلاته كما قد يتوهم. وفي لزوم إعلام النائم بدخول وقتها، أي الصلاة، احتمالات: ثالثها يلزم مع ضيقه. وجزم به في "التمهيد" (¬2) [12ب]. (5) قوله: "الثواب له": ذكره الموفق في غير موضع. وذكره الشيخ. وذكر في شرح مسلم في حجِّهِ أنه صحيح يقع تطوّعًا يثاب عليه، عند مالك والشافعي وأحمد. وقال في الفروع: في طريقة بعض أصحابنا في مسألة تصرفه: ثوابه لوالديه. وما روي مرفوعًا: "إن حسنات الصبيّ لوالديه أو أحدهما" فقد ذكره ابن الجوزي في الموضوعات. والمتسحب يثاب بنية القربة، لأنه دله على هدى. اهـ. فلو بلغ الصغير في أثناء الصلاة، أو بعدها في وقتها، يلزمه إعادتها مع إعادة ¬

_ (¬1) كذا في نسخة الأصل، ولعل الصواب "الأفعال". (¬2) التمهيد: في أصول الفقه هو لأبي الخطاب، محفوظ بن أحمد بن الحسن الكَلْوَاذَانيّ البغدادي (- 510 هـ) أحد المجهدين في المذهب. وله في الفقه: "الانتصار" و "رؤوس المسائل".

تيمم لها، لا وضوء وغسل، وبعد وقتها لا إعادة عليه. إلا إذا كانت تجمع مع ما [1/ 134] بعدها، كمن يبلغ بعد العصر، فيلزمه أن يعيد الظهر أيضًا. ومثله من عقل أو أسلم أو انقطع حيضها. (6) قوله "جحودًا": ومثله لو تركها تهاونًا، فدعاه الإمام أو نائبه إليها، فتركها حتى ضاق وقت ما بعدها عنها فإنه يكفر. وقوله: "وجرت عليه أحكام المرتدين" أي يستتاب ثلاثة أيام، فإن تاب وإلا قتل، كما يأتي. فائدة: ومن ارتد ثم تاب لزمه قضاء ما فاته زمن ردةٍ من صلاة وصوم، وفاقًا للشافعي. وعنه: لا، وفاقًا لأبي حنيفة ومالك [ ... ] (¬1) إجماعًا. وإن طرأ جنون على المرتد لزمه قضاء ما فاته زمن جنونه أيضًا، لأن عدم القضاء رخصة تخفيفًا. وقيل: لا يلزمه. ذكر ذلك في الفروع. ويقضي مسلم ما فاته قبل بلوغ. الشرع. وقيل لا، ذكره القاضي، واختاره الشيخ، بناء على أن الشرائع لا تلزم إلا بعد العلم. قال الشيخ: والوجهان في كل من ترك واجبًا قبل بلوغ الشرع، كمن ترك التيمم لعدم الماء لظنه عدم الصحة به، أو لم يزكِّ، أو أكل حتى تبيّن له الخيط الأبيض من الخيط الأسود لظنه ذلك، أو لم تُصل مستحاضةٌ ونحوها. والأصح لا قضاء، وكذا لا إثم اتفاقًا. ومراده: ولم يقصِّرْ، وإلاّ أثم. وكذا لو عامل بربًا أو نكح فاسدًا، ثم تبيّن له التحريم. (7) قوله: "إن مَدَّ اللام ": أي مدّها كثيرًا، وإلاّ فمدها واجب، فلو قصرها لا تصح صلاته فيما يظهر، لأنه يخرجها عن موضعها. وأما إن مدها طويلاً بأن مطَّطَها فيكره، وتنعقد. والحاصل أن مد اللام من لفظ الجلالة بقدر حركتين واجب، وبدونه لا تنعقد صلاته، وهو كالرحمن. وإن لم يكتب بألف فلا بد من إثباتها في اللفظ. وإن أبدل الكاف بالقاف فقال "الله أقبر" لا تنعقد صلاته. كما في الأذان. ¬

_ (¬1) في الأصل هنا كلمة لم تمكن قراءتها، وأولى ما تقرأ عليه: "وحُكِيَ".

(8) قوله: "بقدر ما يسمع نفسه الخ": وإن كان إمامًا يسن له أن يجهر بتكبير وتسميع وتسليمةٍ أُولى وقراءة في جهرية، بحيث يسمع من خلفه. وغير الإمام سنّ له الإسرار في التكبير والسلام ونحو ذلك. وكره جهر مأموم إلا بتكبير وتحميد وسلام لحاجةٍ، بأن كان الإمام لم يُسْمعْ جميع المأمومين. قال م ص: وظاهره: لا تبطل الصلاة به، وإن قصد به الإعلام، لأنه لمصلحة الصلاة اهـ. (9) قوله: "وعدل إلى غيره": أي إلى قوله: "سبحان الله. والحمد لله. ولا إله إلا الله. والله أكبر" قدر الفاتحة. فإن لم يعرف ذلك كله وعرف بعضه كرّره بقدره. وإن لم يعرف شيئاً منه وقف بقدر الفاتحة. (10) قوله: "الرابع الركوع": أي ولا بد من قصده. فلو انحنى لتناول شيء ولم يخطر بباله الركوع، ثم قصده وهو راكع، لم يجزئه، كالرفع منه، كما يأتي. وكذا يقال في السجود، وفي الرفع منه، ونحو ذلك. (11) قوله: "وأكمله تمكين جبهته وأنفه الخ": أي فسجوده على هذه الأعضاء كلها ركن. وعنه: إلاّ الأنف، اختاره جماعة. وعنه: ركنٌ بجبهته، والباقي سنّة. فائدة: فلو علا موضع رأسه على موضع قدميه، فلم تَسْتَعْلِ الأسافل، بلا حاجة، فقيل يجوز، وقيل يكره، وقيل تبطل، وقيل إن كثر. قال أبو الخطاب وغيره: إن خرج به عن صفة السجود لم يجز. (12) قوله: (ومن عجز بالجبهة لم يلزمه غيرها": ظاهره أنه لا يلزمه السجود بالأنف، وهو كذلك، وفاقًا لأبي حنيفة والشافعي. (13) قوله: "الرفع من السجود": وعند الحنفية: يجب رفع الرأس ليتحقق الانتقال، حتى لو تحقق الانتقال بدونه، بأن سجد على وسادة، فنزعت من تحت رأسه، وسجد على الأرض جاز عن السجدتين. واحتج عليهم القاضي وغيره بأنه لو وضع جبهته على مكانٍ، ثم أزالها إلى مكان آخر، فقد اختلف الفعلان، لاختلاف المكانين. ومع هذا لا يجزيه عندهم أيضًا.

فصل في واجبات الصلاة وسننها

(14) قوله: "بعد الإتيان بما يجزئ إلخ": أي مع الإتيان الخ، فهو ركن أيضًا إذا كان آخر صلاته، لأن الركن "اللهم صل [13أ] على محمد" فقط، بل هو والمجزئ من التشهد الأول كما هو ظاهر. (15) قوله: "سلام عليك أيها النبيّ" ظاهر كلامه. كغيره أنه لو قال سلامٌ، أو: السلام على النبيّ الخ بدون كاف الخطاب لا يجزئ، مع أنه ثبت في صحيح البخاري أن بعض الصحابة، كابن مسعود وغيره، كانوا يقولون: كنا نقول "السلام عليك أيها النبيّ" وهو بين ظَهْرانينا، فلما قبض قلنا "السلام على النبيّ" فهذا يدل على أن الإتيان بكاف الخطاب لا يلزم. والله سبحانه وتعالى أعلم. وقوله "ورحمة الله": ظاهرُهُ أنها ركن وأنه لا يكفي "السلام عليكم". وهو كذلك على المذهب. وقدّمه في الفروع. قال: وعنه سنة. (16) قوله: "يكفي في النفل تسليمة واحدة": هذا ما اختاره جمع. وظاهر المنتهى خلافه. [17]، قوله: "عمدًا": أي قصدًا مع علم الحكم بدليل. فصل في واجبات الصلاة وسننها (1) قوله: "وتسقط جهلاً": فإنّ ترك الواجب جهلاً إنما يكون بالقصد. وقول الشارح: "ويسجد له" بعد قوله: "وتسقط جهلاً" يفيد أنه ملحق بالسهو، أي فلو ترك واجبًا جهلاً ثم علمه وهو في الصلاة، أو بعدها، على ما يأتي في سجود السهو، يلزمه السجود له. وعبارة م ص في شرح المنتهى وغيره تفيد خلافه. (2) قوله: "رب اغفر لي": وهل يجزئ "اللهم اغفر لي"؟ الظاهر: نعم. وذكره في الفروع عن جماعة. (3) قوله: "لم يجزئه ذلك إلخ": قال المجد (¬1): هذا قياس المذهب، ¬

_ (¬1) المجد: هو مجدالدين عبد السلام بن تيميٌة، صاحب "المحرر"، تقدم.

ويحتمل أن يعفى عن ذلك، لأن التحرز منه يعسر، والسهو به يكثر، ففي الإبطال به أو السجود له مشقة اهـ. قلت: وهذا لا يسع الناس غيره، وهو الذي قدمه في الفروع. (4) قوله: "والجهر بالقراءة للإمام الخ": عد هذه من سنن الأقوال فيه نظر، خصوصًا وقد جعلوا من سنن الأفعال الجهر بتكبيرة الإحرام، كما يأتي، إذ لا فرق بينهما. وقوله: "ويخيّر المنفرد الخ ": وهل الأفضل الجهر أو تركه؟ صرح البهوتي وغيره بأن تركه أفضل. قلت: وفي رواية: الجهر أفضل، ذكرها في الفروع، وذكر قولاً بكراهته. (5) قوله: "والدعاء بعده،: أي بما أحب. وبما ورد أفضل. ومنه "اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجّال. اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم. اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرا، وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنَّك أنت الغفور الرحيم. ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار" (¬1). (6) قوله: "ووضع اليمين على الشمال": لم يبين كيفية الوضع المشروع. وفي الفروع: ويجعل اليمنى على كوع اليسرى. ونقل أبو طالب: بعضها على الكف وبعضها على الذراع، لا بطنها على ظهر كف اليسرى، خلافا لأبي حنيفة ¬

_ (¬1) هذا وارد في عدة أحاديث، وليس حديثا واحدًا كما يوهمه لفظه، فأوله إلى قوله "ومن شر فتنة المسيح الدجال" أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعًا. وقوله "اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم" أخرجه البخاري والترمذي في كتاب الدعوات من جامعيهما، ومسلم في المساجد (ح 129). وقوله "اللهم إني ظلمتُ إلخ" أخرجه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: "علّمني دعاء أدعو به في صلاتي. فقال: قل: اللهم إني ظلمت. الحديث." (الأذكار للنووي) وأما الدعاء بعد السلام بما في آية (ربنا آتنا في الدنيا حسنة ... ) فلم يذكره النووي، ولم نجده في كتب الحديث.

اهـ. وعند مالكٍ إرسال اليدين أفضل. والله أعلم. (7) قوله: "نظره إلى موضع سجوده": أي لأنه أخشع للمصلي وأَكفُّ لنظره، ما لم يكن في حال إشارته في التشهد، فينظر إلى سبّابته، أو في صلاته تجاه الكعبة، فينظر إليها (¬1). (8) قوله: "مجافاة عضديه عن جنبيه": مكرر مع ما يأتي في كلام المصنف. ولعل هذا في الركوع، وما يأتي في السجود، فلا تكرار. وهو كذلك. (9) قوله: "مباشرتهما": ولعل الصواب: مباشرتها، أي أعضاء السجود، بدليل قوله: سوى الركبتين الخ والظاهر أنه تحريف. وقول الشارح: أي اليدين والجبهة، مبني على هذا التحريف، فتنبه له. (10) قوله: "أصابعها": صوابه أصابعهما. (11) قوله: "رفع يديه أوّلاً ": أي قبل ركبتيه، لا قبل وجهه. فالأولية إضافية، أي عكس الانحطاط للسجود، فإنه فيه يضع ركبتيه قبل يديه، وفي الرفع منه يرفع يديه قبل ركبتيه. وهو فيهما لغير عاجز. (12) قوله: "والافتراش في الجلوس الخ": بان يجلس على قدمه اليسرى وينصب اليمنى. (13) قوله: "والتورّك إلخ": بأن يخرج قدمه اليسرى من تحت رجله اليمنى وينصب قدمه اليمنى. وقوله: "والتورّك في التشهد الثاني" يحتمل أن المراد به ما كان قبله تشهُُّد، أو أن المراد به ما يعقبه السّلام. فعلى الأول: لا يتورّك في صلاة ثنائية، وعلى الثاني: بلى. وتعليلهم يؤيد الاحتمال الثاني. لكن صرح في المنتهى وغيره بأنه لا يتورك في ثنائية. فتنبّه. قوله: "وتكرارها": لكن هنا مسألة يكثر وقوعها وهي أنه قد يُسرّ الإمام قراءة الفاتحة في الصلاة الجهرية سهوًا، ثم يذكر فيبتدئ الفاتحة جهرًا فهل يكره ذلك؟ ¬

_ (¬1) استحباب النظر في الصلاة إلى الكعبة لمن يصلي تُجاهها: أمر لا يقال بالرأي، ولم يذكر دليلاً، فينطبق عليه عموم دليل النظر إلى موضع السجود.

فصل فيما يكره في الصلاة

الذي ظهر لي أنه لا يكره. وقد كنت أفعله مرارًا ثم رأيت في الفروع ما نصه "وقد نقل أبو داود: إذا خافت فيما يجهر به حتى فرغ من الفاتحة، ثم ذكر، فيبتدىء الفاتحة بجهرٍ ويسجد له. فصل فيما يكره في الصلاة (1) وقوله: "والتفاته الخ": إذا كان بوجهه وعنقه وصدره، ولكن كلما زاد الالتفات زادت الكراهة. وأما إذا كان [14أ] (¬1) بجملته انحرف عن القبلة فتبطل صلاته كما نبه عليه الشارح. (2) قوله: "العبث": أي اللعب وعمل ما لا فائدة فيه. (3) قوله: "خلافا لأبي حنيفة": ذكر ذلك خمس مرات. والمراد بالصورة المحرمة أي صورة الحيوان. وأما صورة الشجر ونحوه لم (¬2) تكره الصلاة إليها. (4) قولى: "ووجه آدمى": وكذا تكره صلاته إلى امرأة تصلي بين يديه اهـ. م ص. (5) قوله: "مطلقًا": أي سواء كانت نار حطب أو سراج أو قنديل ونحوه. (6) قوله: "وتروّحٌ بمروحةٍ": أي وأما تراوُحُهُ بين رجليه بأن يقف على إحداهما مرةً، وعلى الأخرى مرة، فمستحب. لكن يكره كثرته، لأنه فعل اليهود. (7) قوله: "وأن يخص جبهته الخ": قال حفيد المنتهي (¬3): وعلى هذا لو شرك فيها أنفه ويديه لم يكره. ¬

_ (¬1) الصفحة [13 ب] من الأصل المخطوط مشطوبة بكاملها لتكرارها، فليس هنا سقط والحمد لله. (¬2) كذا في الأصل. وصوابه لغةً: "فلا تكره " إلخ. (¬3) حفيد المنتهي: هو الشيخ عثمان بن أحمد بن محمد الفتوحي الشهير بابن النجار (-1064 هـ). وجده محمد هو صاحب المنتهى. كان الحفيد قاضيًا ماهرًا في الفقه والعلوم العقلية. له حاشية على منتهى جده (السحب الوابلة ص 283) ويرمُزُ إليه المحشّي فيما يلي بالرمز (ح ف).

فصل فيما يبطله الصلاة

فصل فيما يبطله الصلاة (1) قوله:"وكشف العورة عمدا إلخ": ملخص ما ذكره أنه إن كان الكشف عمداً بطلت الصلاة مطلقا، سواء كان المكشوف كثيرًا أو لا، سَتَرَهُ في الحال أو لا، وإن كان الكشف بغير قصدٍ، فإن ستره في الحال صحت الصلاة مطلقًا، سواء كان المكشوف يفحش في النظر أو لا، وإن لم يستره في الحال فإن كان لا يفحش في النظر صحت الصلاة وإلا فلا. (2) قوله:"لغير ضرورة": ومن الضرورة من به حَكٌّ لا يصبر عنه كما أفاده ابن الجوزي. (3) قوله: "وتقدّم حدّه": أي بحيث يقع لو أزيل ما يستند إليه. (4) قوله: "كما لو لم يذكره إلا بعد الشروع الخ": ليس بتمثيل لقوله "إذا مضى في موضع الخ " بل تنظير لقوله: "فسدت الركعة الخ". (5) قوله: "في القراءة": أي الفاتحة وغيرها. (6) قوله:"عملاً": مفهومه أنه لو قرأ مع شكّه في النيّة. ثم ذكر أنه نوى، لا تبطل صلاته، لأن القراءة ليست عملاً. وظاهر كلام صاحب المحرر (¬1) أنها عمل، فإنه قال: "فإن كان العمل قولاً لم تبطل، وإن كان فعلاً بطلت" والأول صريح كلام صاحب النظم (¬2)، فإنه قال: إنما قال الأصحاب "عملا"، والقراءة ليست عملاً، على أصلنا. ومن أجل ذلك نرجو الثواب لمن تلا مطلقًا. ثم نقل عن الآمدي (¬3) أن القراءة لا تحتاج إلى نيّة. وقال: ولو كانت عملاً لاحتاجت إلى ¬

_ (¬1) صاحب المحرّر: هو مجد الدين ابن تيمية. تقدم. (¬2) صاحب النظم، ويقال له أيضًا: الناظم: هو محمد بن عبد القوي بن بدران المرداوي المقدسي، الفقيه الحنبلي المحفث (-699هـ). مشهور بجودة نظمه للمسائل العلمية. له:"منظومة الآداب" صغرى وكبرى، و "عقد الفرائد" تبلغ 5000 بيت، وكلها علي رويّ الدال من بحر الطويل، و"نظم المفرادات". (¬3) الآمدي: هو علي بن محمد بن عبد الرحمن، أبو الحسن الآمدي ثم البغدادي (- 47 هـ) لا يعرف له من المؤلفات في الفقه إلا:"عمدة الحاضر، وكفاية المسافر" في أربع مجلدات.

[1/ 150] نيّة كسائر العبادات. ثم قال: وقال الآمدي: في ديار بكر رجل مبتدع، يقول: يحتاج أن ينوي حال ابتداء القراءة من يريد يقرأ من أجله، يموّه على العوامّ، ويجعل القراءة فعلاً للقارئ، فيقرن بها النية. وقال: ونحن نبرأ إلى الله من هذا المذهب اهـ. قلت: وقال في الفروع: كذا ذكر صاحب النظم، وهو خلاف كلام الأصحاب. والقراعة عبادة تعتبر لها نية. ويأتي في الأيمان: من حَلَفَ لا يعمل عملاً، فقال قولاً، هل يحنث؟ وقوله: "ثم ذكر أنه نوى" كان الأولى أن يقول: ولو ذكر أنه نوى، كما هو واضح. (7) قوله: "وملاذّ الدنيا الخ": مقتضى كلامهم: لو قال: ارزقني جاريةً أو حُلّةً أو دابة: إن يقول: حَسْنَاءَ، ونحوها، أنها لا تبطل. وكذا: اللهم ارزقني وفاء دَيْني، ونحوه. وهو يحتاج لتأمل. ولو كان مرادهم أن ذلك يبطلها لقالوا: بالدعاء بحوائج الدنيا، مثلاً. ثم رأيت في أخصر المختصرات ما نصه "وتبطل بالدعاء بأمر الدنيا اهـ" فظاهره أنها تبطل بالدعاء بغير أمور الآخرة. والله أعلم. (8) قوله: "بكاف الخطاب": أي في غير التسليمتين. وقوله أيضًا: "بكاف الخطاب": أي وأما قوله عليه السلام لإبليس "ألعنك بلعنة الله" فهو قبل التحريم، أو مؤول قاله في الفروع. (9) قوله: "فلو كان الكلام لمصلحة الصلاة خلافًَا لما في الإقناع" (¬1): وهل إشارة الأخرس كالكلام تبطل بها الصلاة، أو كالعمل لا تبطل إلا إن كثرت؟ قال: قال في الفروع: وإشارة الأخرس، مفهومةً أو لا، كالعمل. ذكره ابن الزاغوني (¬2)، ¬

_ (¬1) قوله "فلو كان الكلام " إلخ: هذه العبارة ليست موجودة في نسخ شرح الدليل التي اطلعنا عليها. فلعلها في بعض النسخ الأخرى. والذي في الإقناع: "إن تكلم لغير مصلحة الصلاة، كقوله: يا غلام اسقني، بطلت، وإن تكلم يسيرًا لمصلحتها لم تبطل" وأطال شارحه البهوتي في (1/ 400) التفصيل وذكر الخلاف. (¬2) ابن الزاغوني: هو علي بن عبد الله بن نصر بن السّري الزاغوني البغدادي الحنبلي (- 527 هـ) أحد أعيان المذهب. له "الإقناع" و "الواضح" و "الخلاف الكبير" و "المفردات"

سجود السهو

ومعناه أبو الخطاب. وقال أبو الوفاء: المفهومةُ كالكلام، تبطل إلا بردٌ سلامٍ اهـ. أي لأن ردّ السلام إشارةً من الناطق لا يبطل الصلاة، فكذا الأخرس. (10) قوله: "ولو لم يجر به الريق". جزم به في التنقيح، وتبعه في المنتهى، والعسكري (¬1) والشويكي (¬2). وفي الإقناع تبعًا للمجدّ: إن جرى به ريق، فإن كان له جرم بحيث يجري بنفسه بطلت اهـ. (11) قوله: "أو تثاوب": قال في الفروع: ولا يقال: تثاوَبَ، بل: تَثَاءَبَ اهـ. أي لا يقال بالواو بل بالهمزة. سجود السهو (1) قوله "غيرَ سلامٍ": أي وأما السلام إذا أتى به في غير محله فيجب له أنه لا تبطل الصلاة بتركه كما يأتي. (2) قوله: "مَسْنونًا": سواء كان قوليًا أو فعليًا كما يعلم من قوله: قال في المقنع الخ. (3) قوله "أو سلم قبل إتمامها الخ ": ثم إن ذكَر قريبًا عرفًا، ولو انحرف من المسجد، أَتمَّ وسجد للسهو وسلم، وإلا استأنفها. وكذا لو فإن شك بعد أن [14ب]، سها هل يجب لهذا السهو سجود أو لا يباح؟ فالذي يظهر لي أنه يسجد له بعد السلام، فإن كان ¬

_ = "التلخيص" في الفرائض. (¬1) العسكري: هو أحمد بن عبد الله بن أحمد العسكري (-910 هـ) فقيه حنبلي دمشقي، من تلاميذ العلامة المرداوي صاحب الإنصاف. له كتاب "التوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح" لم يتمّه، وأتمه بعده الشويكي الآتي. (¬2) الشويكي: هو أحمد بن محمد بن أحمد، شهاب الدين أبو الفضل (- 939 هـ) ولد في قرية شويكة من أعمال نابلس وقدم دمشق، وبها طلب العلم وبرّز وأفتى، وأكمل كتاب "التوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح" عمله بالمدينة المنورة. وبها توفي.

باب صلاة التطوع

مشروعًا فقد أتى به، وإلا فقد فعل خارج الصلاة فلا يضرها. (4) قوله: "ولا يسجد لشكه إذا زال الخ": لهذا ما صححه في الإنصاف، وتبعه في الإقناع، وخالفه الفتوحي (¬1) في شرح المنتهى كما ذكره م ص. (5) قوله: "إلا إن ترك ما وجب بسلامه الخ ": فإن قلت ما معنى قولهم بوجوبه، وتركه عمدًا لا يبطل الصلاة، فهل إلاَّ صَارَ في معنى المسنون أو المباح؟ قلت: معناه أنه يأثم بتركه، ولا يبطل الصلاة، لكونه خارجًا عنها، فهو، كما ذكره الشارح، كالأذان. ومقتضى إطلاقهم أن ما محله قبل السلام تبطل الصلاة بتعمّد تركه ولو تأخر بعد السلام، فلو آخره بنيةِ أن يفعله بعد السلام، ثم تركه عمدًا، بطلت صلاته. كما أن ما محله بعد السلام تركه لا يبطلها، ولو نواه قبل السلام. هذا هو ظاهر كلامهم. ولا يعوّل على من فهم فيه غيرإ لك. فتدبر. (6) قوله: "تشهد وجوباً": وقيل لا يتشهد، واختاره ابن تيمية، كسجوده قبل السلام. ذكره في الخلاف إجماعًا اهـ. فروع. (7) قوله: "ولسهوِهِ معه الخ": أي في الصور الثلاث يسجد بعد إتمام صلاته. وإن سها إمام المسبوقِ، وسجد للسهو، فسجد معه المسبوق، وقد سها في صلاته أيضًا، فلا يجزيه هذا السجود عن سهوِهِ، بل يسجد أيضًا عقب صلاته. (8) قوله: "لزمه الرجوع الخ": وكذا لو ترك واجبًا غيره، كتسبيح ركوع أو سجودٍ، فيلزم الرجوع إليه قبل الاعتدال، ويحرم بعده. فإن رجع عالمًا عمدًا بطلت صلاته، لا سهوًا أو جهلاً فتصح، ولكن لا يعتدّ به مسبوق أدركه فيه. باب صلاة التطوع وأفضل التطوعات بعد الصلاة ما تعدى نفعه، نحو صدقةٍ وعيادة، ويتفاوت: ¬

_ (¬1) الفتوحي: هو العلامة محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن علي بن إبراهيم، الشهير بابن النجار (- 972 هـ) فقيه حنبلي مصري، رحل إلى دمشق وألف بها كتابه "منتهى الإرادات في الجمع بين المقنع والتنقيح وزيادات" ثم رجع إلى مصر وشَرَحَ كتابه المذكور.

فصدقة على قريب محتاج أفضل من عتق أجنبي، وهو أفضل منها على أجنبي، زمن غلاءٍ وحاجةٍ فهي أفضل مطلقًا، ثم حج، ثم صوم. أفاده في المنتهى وغيره. (1) قوله: "إذا لم يكن المصلي أتمّها": أي بأن نقص شيئًا من سننها، أو فعل شيئًا ينقص ثوابها، كما لو كان يَدَعُ من يمرّ بين يديه، أو يصلي منفردًا، أو يفعل مكروهًا، أو نحو ذلك، لا أنه نقص شيئًا يُخل بصحتها كما قد يتوهّم، فافهم. (2) قوله: "أفضل تطوع البدن": أي الجوارح. ولم يتعرض لعمل القلب. والذي مال إليه صاحب الفروع أنه أفضل من عمل الجوارح، كما يؤخذ من شرح المنتهى. (3) قوله:"من تعلُّمٍ وتعليم": يفيد أن المعلم والمتعلم في الأجر سواء. وهو كذلك، كما ورد عن أبي الدرداء رضي الله عنه (¬1). وشرف العلم بحسب شرف متعلَّقِهِ، فأفضله ما يتعلق بمعرفة الله تعالى وأسمائه وصفاته، ثم التفسير والحديث وعلم الفقه، ثم ما يستعان به على فهم ذلك. والله سبحانه وتعالى أعلم. (4) قوله: "ونصّ أن الطواف الخ ": أىِ لأن الاشتغال بمفضولٍ يختص ببقعةٍ أو زمنٍ أفضل من فاضلٍ لا يختصّ، كذا قالوا. (5) قوله: "ما سُن جماعةً": أي ثم الرواتب، وتتفاوت، ويأتي. (6) قوله: "أو سرد الأحد عشر الخ": صوابه: الإحدى عشرة كما هو ظاهر. وهذا من حيث اللفظ. وأما من حيث الحكم فلم أو من ذكر ذلك غيره (¬2)، فقد سبرتُ عبارات كثيرين ولم أجد صريحًا ولا مفهومًا يفيد ما ذكره. قال في ¬

_ (¬1) لعله يعني حديث أبي الدرداء مرفوعًا: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له طريقًا إلى الجنة ... الحديث" أخرجه أبو داود (ح 3641) والترمذي في (العلم باب 19) وابن ماجه (المقدمة 17). (¬2) سبحان الله!! فالأمر قريب، ففي شرح الإقناع (1/ 416): "أو سَرَد الجميع، أي الإحدى عشرة، ولم يجلس إلا في الأخيرة، جاز".

شرح المنتهى بعد قول المتن: "يسلم من كل ثنتين ويوتر بواحدة" ما نصه "وله أيضًا أن يسرد عشرًا، ثم يجلس فيتشهد ولا يسلم، ثم يأتي بالأخيرة، ويتشهد، ويسلم. والأولى أفضل، لأنها أكثر عملاً" انتهى. وقال في الفروع: "وأكثره أي الوتر إحدى عشرة وفاقًا للشافعي، يسلّم بستٍّ. وقيل كالتسع اهـ. ومن المعلوم أن من أوتر بتسع يسرُدُ ثمانيًا ويجلس يتشهد، ثم يأتي بالتاسعة، ولم يذكرا غير ذلك مع شدة اعتناء صاحب الفروع بنقل الأقوال والخلافات. (7) قوله: "وكذا إن أوتر بثلاث الخ": لا يخفى ما فيه من الركاكة. (8) قوله: "وهما ضدّان": أي إذا لجأ الإنسان إلى ما له ضدٌّ لا يتحقق النجاة خشية أن يغلبه ضدّه، فيهلك هو ومن التجأ إليه. ولهذا التفت، فلم يجد نجاةً، فلجأ إلى ما لا ضدّ له، وهو الباري تعالى. (9) قوله: "لقوله تعالى الخ": استدلال للمعنى اللغويّ، أي معنى "أحْصى" أطاق، كما في الآية. فافهم. (10) قوله: "وكذلك إذا اقتدى بشافعي الخ،: وفي حفظي قديمًا أنه لا يرفع يديه. ولم أعلم الآن من ذكره. (11) قوله: "فيسن لإمام الوقت خاصة الخ": وقال العلامة الكَرْمِي: ويتجه: ويباح لغيره، أي الإمام كنوّابه. وقال شيخ مشايخنا في المنحة (¬1): وفي الإنصاف يقتضي أنه مطلوب، [15 أ]، حيث قال وعنه يقنت إمام جماعة. وعنه: وكل مصلٍّ، ¬

_ (¬1) قوله "شيخ مشايخنا": يريد الشيخ عبد الغني بهذه العبارة الشيخ حسن الشطي، كما صرح به في غير موضع من هذه الحاشية منها ما في (باب صلاة الجماعة ح 9) وهو حسن بن عمر بن معروف بن شطّيّ الحنبلي (1205 - 274هـ)، بغدادي الأصل، دمشقي المولد والوفاة. كان من أعيانها في الدين والدنيا، وانتهت إليه رئاسة المذهب، وقُصِد من البلاد للإفادة من علمه. قال في السحب الوابلة (ص 152): "وانتفع به أهل دمشق والنابلسيّون الواردون إليها" قلت: لعل هذا منشأ كونه شيخ مشايخ عبد الغني. للشطي: "مِنْحَةُ مُولي الفتح في تجريد زوائد الغاية والشرح" مجلد حافل. ومراده بالشرح: شرح غاية المنتهى لابن العماد". أفاده د. بكر أبو زيد.

فصل في قيام الليل

اختاره الشيخ تقي الدين اهـ. قلت: قد صرّح باستحبابه، أي لكل إمام جماعةٍ، ولكل مصل، صاحب الفروع، فراجعه. وتأمّل. وقوله: "في غير الجمعة": أي وأما الجمعة فيقوم الدعاء في آخر خطبتها مقام القنوت. والله أعلم. (12) قوله: "والرواتب الخ": قال في شرح المنتهى: "ويكره تركها وتسقط عدالة مداومٍ عليه". وقال الإمام أحمد رضي الله عنه فيمن داوم على تركها: "رجل سوء" وهو يشير إلى أنه محرم. وربما أيّد ذلك قول القاضي أبي يعلى: من داوم على ترك السنن الراتبة أثم اهـ. (13) قوله: "فيخيّر الخ": مفهومه أن الرواتب في السفر غير مندوبة، وفعلها وتركها سواء، سوى سنّة الفجر، وإلا فما معنى التخيير هنا؟ إذ الرواتب ليست لازمة سفرًا وحضراً. فتأمل. (14) قوله: "لتأكُّدها": أي حضرًا وسفرًا، أو لمزيد تأكُّدها. وإلا فالرواتب كلها مؤكدة. (15) قوله: "فرض العشاء": علم منه أنها تصح بعد الفرض وقبل السنة الراتبة، وهو كذلك، كما صرح به في شرح المنتهى وغيره. ولكن الأفضل: بعد الراتبة. وعبارة المنتهى توهم خلاف ذلك. (16) قوله: "محدثًا": أي وكان قد صلى التراويح بوضوء. فصل في قيام الليل (1) قوله: "وصلاة الليل": أي النفل المطلق. وقوله: "أفضل من صلاة النهار": أي النفل المطلق. (2) قوله: "قال أحمد الخ": أي لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل" (¬1) ولأنه محل الغفلة، ومن عمل السِّرِّ، وهو أفضل من العلانية، ولأنه ¬

_ (¬1) حديث "أفضل الصلاة ... " أخرجه مسلم في كتاب الصيام من صحيحه (ح 203) من =

وقت تجليات الباري سبحانه وتعالى، خصوضا في النصف الثاني منه. ولذلك قال: والنصف الأخير أفضل من الأول. قال في المنتهى: والثلث بعد النصف أفضل مطلقًا، أي كما كان يفعل سيدنا داود عليه السلام: كان ينام نصف الليل، ويقوم الثلث الذي يليه، وينام السدس الباقي. وفي الحديث: "أفضل الصلاة صلاة داود" (¬1)، لما في ذلك من المشقة. وهل الأفضل من تشق عليه العبادة فيفعلها بمجاهدة نفسه، أو من لا تشق عليه لاعتيادها، فيفعلها في طمأنينة وسهولة؟ الصحيح الأول، واختار الثاني جماعة. (3) قوله: "ولو يسيرًا": قلت: فظاهره ولو لم ينقض الوضوء. (4) قوله: "ويسن قيام الليل": قال في المنتهى وغيره: وتكره مداومته، لحديث ورد في ذلك. وحمله بعضهم على مداومة قيامه كله، ذكره م ص. وكان واجبًا على النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، لقوله تعالى (قم الليل) الآية [المزّمل: 2]. وهل الوتر قيام الليل أو غيره؟ احتمالان، والأظهر الثاني. قاله في الإقناع اهـ. شرح المنتهى م ص. (5) قوله: "كتب له ما نواه": أي ولو لم يقم حيث كان بنيّةٍ خالصةٍ صادقة. وهذا من محض فضل الله تعالى، حيث يثيب المرء من غير عمل، بل على نومه، كما يُعَنْوِنُ عنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وكان نومه صدقة عليه". قوله: "بركعةٍ ونحوها": أي قياسًا على الوتر. وفي الإقناع: مع الكراهة اهـ. م ص. (6) قوله: "فرضًا ونفلاً": يعني أن المعذور إذا صلى الفرض قاعداً، أجره كمن صلى قائمًا. (7) قوله: "بمحل قيام": أي لا بمحل تشهد أو جلوس بين السجدتين، فإنه ¬

_ = حديث أبي هريرة مرفوعًا بلفظ "أفضل الصلاة بعد المكتوبة الصلاة في جوف الليل" وأخرجه أصحاب السنن. (¬1) هو في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرِو مرفوعَا بلفظ "أحب الصلاة إلى الله صلاة داود، كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه". (اللؤلؤ والمرجان ح 720).

يفترش، كما تقدم. (8) قوله: "يجوز له القيام الخ": أي إذا ابتدأ الصلاة جالسًا له أن يقوم فيركع وهو قائم، أو يصلي ركعة جالسًا، والثانية قائمًا، وله إذا ابتدأها قائمًا الجلوس ليركع وهو جالس، أو يصلي الأولى قائمًا والثانية جالسًا. (9) قوله: "وكثرة الركوع الخ": أي في غير ما ورد عنه عليه السلام من تطويله لصلاة الكسوف. ولله دَرُّ الهُمام الشيخ محمد الخَلْوَتي حيث قال: كأنّ الدّهرَ في خفضِ الأعالي ... وفي رفع الأسَافلة اللئامِ فقيهٌ عنده الأخبارُ صحّتْ ... بتفضيل السجود على القيام وقوله: "أفضل من طول القيام": وقيل عكسه. وقال الشيخ تقيّ الدين: التحقيق أن ذكر القيام، وهو القراءة، أفضل من ذكر الركوع والسجود، وهو التسبيح والدعاء، وأما نفس الركوع والسجود فأفضل من نفس القيام، فاعتدلا. قال: ولهذا كانت صلاته - صلى الله عليه وسلم - معتدلةً، فكان إذا أطال القيام أطال الركوع والسجود بحسب ذلك حتى يتقاربا اهـ. (10) قوله: "غِبًّا": أي بأن يصليها في بعض الأيام دون بعض. وقوله: "لأن النبي الخ": بل في حديث أبي سعيد الخدريّ أنه "كان - صلى الله عليه وسلم - يصلي الضحى حتى نقول لا يدعها، ويدعها حتى نقول لا يصليها" رواه الإمام أحمد والترمذي، وقال: حسن غريب. ولأنها دون الفرائض والرواتب، فلا تُشبّه بها، وهل تكره المداومة عليها أو لا؟ تأمل. أقول: ذكر العلامة الكرمي في باب صلاة الجمعة عند قولهم: تكره [15 ب] مداومة قراءة "آلم السَّجدة"،"وهل أتى" في فجر الجمعة ما نصه: "ويتجه: وكذا كل سُنَّةٍ خَيَّل اعتقادها وجوبًا" اهـ والمراد غير راتبة. وذكر كراهة ترك سنة غير راتبة دوامًا حيث خيف إنكارها. ولذلك كان يجهر ابن عباس بقراءة الفاتحة في الجنازة أحيانًا. واختار الشيخ الجهر بالبسملة والتعوذ والفاتحة في الجنازة ونحو ذلك أحيانًا. وقال: إنه المنصوص عن أحمد. (11) قوله: "وأكثرها ثمان": أي يسلّم من كل ثنتين. وتصح بسلام واحد

فصل في سجود التلاوة

[1/ 146] سرداً كما ورد. قال العلامة الكرمي: ويتجه جواز صلاة الضحى والتراويح بتسليمةٍ واحدة. قال شارح الغاية: وهو متّجه. اهـ. قال شيخ مشايخنا: وهو صريح في الإنصاف وغيره اهـ. (12) قوله: "علت": أي قيد رمح. (13) قوله: "وقَيِّمه": ومثله مجاور يتكرر دخوله. قاله الكرميّ اتجاهًا. (14) قوله: "قطع به في المنتهى وغيره": قال في شرح المنتهى: هو كما لو اغتسل ينوي الجنابَةَ والجمعة اهـ. فصل في سجود التلاوة (1) قوله: "لا يقصد الاستماع": صوابه: "السّماع"، لأن الاستماع لا يكون إلا مقصوداً. (2) قوله: "فيما يعتبر لها": أي من طهارة واجتناب نجاسة وستر عورة واستقبال قبلة. وفي كلام الشارح تسمُّح. وقوله أيضًا: "فيما يعتبر لها": أي يشترط لها. يعني أنه يشترط لسجدة التلاوة ما يشترط لصلاة النافلة. فقول الشارح "من عدم وجوب ستر أحد العاتقين والقيام" فيه نظر، إذ ليس عدم وجوب ذلك شرطًا لصحة النافلة. فلو قال: لا أي من شروط الصلاة وفيما لا يعتبر لها من عدم وجوب الخ" لاستقام كلامه كما هو ظاهر، فتدبر. وسجوده عن قيام أفضل، كما ورد عن السيدة عائشة (¬1). (3) قوله: "يكبر": أي وجوبًا فإذا تركه عمدًا بطل، وسهوًا يسقط. هذا ما ظهر ولم أره صريحًا، لكن قد يؤخذ من كلامهم. تأمل وحرِّر. (4) قوله: "فلم يشرع الخ": أي فلم يجب، بدليل قوله بعد: "ولا يُسَنّ"، ¬

_ (¬1) قوله: "كما ورد عن السيدة عائشة رضي الله عنها" أخرج إسحاق بن راهويه لإسناده عنها "أنها كانت تقرأ في المصحف. فإذا انتهت إلى السجدة قامت فسجدت" كذا في "شرح الإقناع" (1/ 449).

وإلاّ كان في العبارة نوع ركاكة وتكرار. (5) قوله: "وإن سجد المأموم لقراءة نفسه الخ " فلو قال: وإن سجد المأموم لقراءة غير إمامه الخ" لكان أخصر، فإن ذلك يشمل قراءة نفسه. (6) قوله: "ويكره الخ": قال في شرح المنتهى: وردّه في المغنى بفعله عليه الصلاة والسلام. وقوله: "خُي": أي لأن المأموم فيها ليس بتالٍ ولا مستمع، بخلاف الجهرية. كذا في شرح المنتهى لـ م ص. (7) قوله: "ويعتبر الخ": مفهومه أنه لا يسجد المستمع لقراءة فاسق، لأنه لا يصح أن يكون إمامًا. وهو كذلك، اتَّجَهَهُ المصنف في الغاية، وأقره شارحها (¬1)، وأيده شيخ مشايخنا. تأمل. (8) قوله: "اولا قُدَّامَهُ ال": قلت: الظاهر: ولا خلفه منفردًا. ولم أر من صرّحَ به ولا أشار إليه. نعم تسجد المرأة خلف الرجل ولو منفردة، لصحة اقتدائها به إذًا. والله أعلم. قوله: "الظاهر: ولا خلفه الخ" (¬2): ذكره المصنف في الغاية اتجاهًا. وقال شيخ مشايخنا: صرّح به الخلوتي (¬3) اهـ. ولم أره إلا بعد كتابتي. فلله الحمد والمنة. (9) قوله: "وسجود سجدة التلاوة من النوافل": اعلم أن سجدة التلاوة اسم ¬

_ (¬1) قوله: شارحها، لعله يريد الشيخ عبد الحي بن أحمد الشهير بابن العماد (-1089 هـ) فله شرح على "غاية المنتهى". سماه "بغية أولي النهى شرح غاية المنتهى" لم يتمّه، وصل فيه إلى باب الوكالة. فإن هذا الشرح هو الذي اعتنى به الشيخ حسن الشطي، وهو المراد بقول المحشي "شيخ مشايخنا" كما تقدم. (¬2) ليست هذه القولة في نسخ نيل المآرب التي بين أيدينا. (¬3) الخلوتي: هو الشيخ محمد بن أحمد بن علي البهوتي الحنبلي المصري (-1088 هـ) من تلاميذ الشيخ منصور البهوتي صاحب "شرح المنتهى" و "شرح الإقناع". للخلوتي المذكور حاشية على "المنتهى" جمعت بعد موته.

فصل في أوقات النهى

"لما يشتمل على التكبيرة والسجود وتسبيحِِِهِ وتكبيرة الرفع والتسليم". فهذه من النوافل، وأما سجودها فليس نفلاً بل ركنًا لها (¬1)، كما قدّمه آنفا. فتأمل وتنبه. (10) قوله: "والسجدات أربع عشرة الخ": أي سجدة في آخر الأعراف، وسجدة في الرعد عند {بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ}، وأخرى في النحل عند {يَفْعَّلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} وفى الإسراء عند {وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا}، وفي مريم عند {خَرُّوا سُجَّدًا وبكيّا}، وفي الحج ثنتان، الأولى عند {يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ}، والثانية عند {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، وفي الفرقان عند {وَزَادَهُمْ نُفُورًا}، وفي النمل عند {وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} وفي الم السجدة {لَا يَسْتَكْبِرُونَ}، وفي فصلت {وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ}، وفي آخر النجم، وفي الانشقاق {لَا يَسْجُدُونَ}، وفي آخر اقرأ. وإنما صرح بسجدتي الحج وسجدة (ص) لما فيهما من الخلاف. (11) قوله: "بحضوره": أي لكي ينزجر عمّا هو مرتكبه. وقوله "بغير حضور" لئلا يكسر خاطره. فصل في أوقات النهى (1) قوله: "ثلاثة": وعدها بعضهم خمسة. (2) قوله: "من طلوع الفجر": ظاهره ولو لم يصلّ فرض الفجر، وهو كذلك. وقيل بل النهي متعلق بفراغه من الصلاة، كالعصر، وفاقًا للشافعي، أفاده المحقق السَّفَّاريني في "شرح عمدة الأحكام". وقال بعد ذكر الخلاف: والمختار من جهة الدليل أن النهي في الفجر كالنهي في العصر لا يتعلق بالوقت، بل بفعل الصلاة. وقوله: "الثاني ": لا الأول. (3) قوله: "وتفعل سنة الظهر بعدها": لا حاجة لذكره، فقد ذكره في المتن. (4) قوله: "فتحرم عليه الاستدامة": وقال الزركشي: يتمّها خفيفة. وقال ¬

_ (¬1) كذا في الأصل، وصوابه "بل ركنٌ" بالرفع.

صاحب الغاية: ويتجه جلوسه فورَا ليتشهد ويسلم اهـ. قال الرحيباني: أي على ما يجزئ من تسبيح وتشهد، فيصدق عليه أنه أتم نفله مع التخفيف اهـ. والظاهر أنه لم يرد ذلك، بل ظاهره أنه يجلس مطلقَا سواء صلى ركعة أو أكثر، كما ذكره شيخ مشايخنا. تنبه. (5) قوله: "ما له سبب": وعنه جواز ذات السبب، وفاقًا للشافعي. (6) قوله: "لأنها الخ": أي وتقدم أنه لا يصح قضاء سنة راتبة في وقت نهي. (7) قوله: "إذا جمع": وقيل مطلقًا. (8) قوله: "وعلم منه الخ": أي من قوله: "إذا أقيمت وهو بالمسجد" فإنه جملةٌ حاليّة، فتكون قيدًا. ومفهومه أيضَا أنه إذا حضر إقامة الصلاة في غير مسجدٍ لا يعيد. وهو كذلك. وصرح به م ص في شرح المنتهى. (9) قوله: "ويجوز فيها الخ": أي خلافًا لأبي حنيفة. (10) قوله: "بوقت": متعلق بيقيّد. وقوله: "في أيّ وقت": متعلق بِفِعْل أي ويجوز فعلها في أيّ وقت الخ. ولو كان النذر غير مقيّد بوقت. (11) قوله: "فقال: فلم يف بنذره": أقول: الظاهر أنه ليس كذلك، لأن تعيين المكان للصلاة بالنذر غير معتبر، إلا في المساجد الثلاثة، كما صرحوا به. فلو صلى في هذه المسألة في غير المكان الغصب فقد وفي بنذره، أشبه ما لو نذرها في مكان مباح غير المساجد الثلاثة وصلاها في غيره. في عجبًا للإمام القاضي ولصاحب الفروع في قوله: "ويتوجه الخ" لأنه يقتضي أنه يلزمه أن يصلي في غير المكان الغصب ويكفّر كفّارة يمين، لفوات المحل. وقد ظهرَ لَكَ مما قررناه أنه يلزمه أن يصلي في غير الغصب، ولا شيء عليه. فتأمل وأنصِفْ، ولا تكن أسير التقليد. (12) قوله: "كصومِ يوم العيد": أي فلا يجوز الوفاء به، بل يجب عليه أن يصلي في مكان مباح، ويكفّر. (13) قوله: "وماشيًا": قال م ص في شرح المنتهى: ومضطجعًا اهـ. وكذا

[1/ 169] قال مثله في الفروع. وقوله: "في الطريق" خلافًا للمالكية. (14) قوله: "ومع حدثٍ أصغر": أي لا أكبر، فقد تقدّم: تحرم. (15) قوله: "فرض كفاية": أي والمراد أن يحفظه جميعَهُ شخص واحد، لا جماعة كل واحد يحفظ جانبًا. (16) قوله: "ما يجب في الصلاة": أي وهو الفاتحة فقط. ونقل الشالَنْجِيُّ: وسورتان (¬1). قال في الفروع: وهو غلط اهـ. (17) قوله: "فيه احتمالان": التحقيق أن الصغير يقدِّم حفظه بقيّة القرآن، والمكلّف يقدم العلم، لأنه واجب، وحفظ باقي القرآن نفل. على أن المكلف يقدِّم نفل العلم على نفل القرآن، كما يفهم من كلام صاحب الفروع. تأمل (¬2). (18) قوله: "وكره فوق أربعين": أي لأنه يفضي إلى نسيانه، وفيه وعيد شديد. قاله الإمام أحمد. فائدة: يندب إذا ختم القرآن أن يكبّر لآخِرِ كل سورة، من الضحى (¬3)، وأن ¬

_ (¬1) أي نقل الشالَنْجِيُّ عن أحمد أنه يجب حفظ الفاتحة وسورتين، واسمه "إسماعيل بن سعيد الشالنجي" (- 256 هـ) وقيل (230 هـ)، وهو من النقلة للمسائل المباشرين للرواية عن الإمام أحمد، لكن سماعه منه قديم. وكان من أهل الرأي ثم انتقل إلى مذهب أهل الحديث. (¬2) قوله: "يقدم نفل العلم على نفل القرآن": عندي في هذا نظر. بل ينبغي له تقديم نفل القرآن على نفل العلم، لأن القرآن علم، بل هو أصل العلم، ولما في تلاوته من الأجر، ولأن الحفظ في الصغر أثبت. على أن ما جرت عليه دور القرآن من جمع الطلبة بين القرآن وبين علم الشرع في وقت واحد أولى. ثم وجدت الميموني نقل أنه سأل أحمد: أيُّما أحب إليك: أبدأ ابني بالقرآن أو بالحديث؟ قال: لا: بالقرآن القرآن. قلت: أعلِّمه كله؟ قال: إلا أن يعسر فتعلّمه منه. ثم قال: إذا قرأ أولًا تعوَّد القراءة ولَزِمَهَا. (¬3) أي ابتداء من سورة الضحى حتى الناس. هذا يتناقله أهل علم التجويد. قال الشيخ عماد الدين ابن كثير رحمه الله: "لم يُرْوَ ذلك - أي التكبير لقراءة الضحى وما بعدها - بإسنادٍ يحكم عليه بصحة ولا ضعف" (النشر في القراءات العشر 1/ 406).

باب صلاة الجماعة

يكون الختم في الشتاء أوّل الليل، وفي الصيف أول النهار، وأن يجمع أهله عند [1/ 170] ختمه لتحصل لهم البركة. باب صلاة الجماعة (1) قوله: "المؤدّاة": أي لا المقضيات فتسن. (2) قوله: "فلا تجب الخ": في نشره تشويش. (3) قوله: "لا شرط": أي في غير جمعة وعيد، وأما فيهما فشرط، كما سيأتي. وقوله: "فتصح من منفردٍ لا عذر له": أي ويأثم. وفيها فضل. ولكن صلاة الجماعة تفضلها بسبع وعشرين درجة. والمعذور لا ينقص من أجره شيء، لما له من النظائر. تأمل. (4) قوله: "في غير جمعة وعيد": أي لاشتراط الأربعين فيها. (5) قوله: "ولا تنعقد بالمميّز الخ": أي إمامًا كان أو مأمومًا حيث لم يكن معه مكلّف. وفي النفل تنعقد مطلقًا. (6) قوله: "وتسن": أي والسنة أن تكون الجماعة في المسجد، لا أن الجماعة في المسجد تكون سنة أي غير واجبة. (7) قوله: "الشعار": أي العلامات الدالة على قوة المسلمين ونحوها. (8) قوله: "كان فعلها في المسجد أولى": أي تحصيلًا لفضيلة البقعة. واعلم أن المساجد تتفاوت، فأفضلها العتيق، ثم ما كان أكثر جماعة، ثم الأبعد كذا في الإقناع. والصحيح أن الأبعد يقدم على الأكثر جماعةً، جزم به في الوجيز والمنوّر (¬1). ¬

_ (¬1) الوجيز للدجيلي تقدم ذكره. وأما "المنوّر" فهو للآدمي. وتمام اسمه "المنوّر في راجح المحرر" والآدمي هو تقي الدين أحمد بن محمد، البغدادي الحنبلي، توفي بعد 700 هـ. وله أيضًا "المُنْتَخَب".

[1/ 171] (9) قوله: "إمام راتب": أي وكان أهلاً لها. والمراد قبله أو معه لا بعده، كما هو ظاهر. وفي الإقناع: إلا لمن يعادي الإمام (¬1). وقوله: لأن الراتب الخ مفهومه أنّ صاحب البيت حيث كان أهلًا للإمامة لا تصح إمامة غيره فيه بدون إذنه، لا أنه حرام فقط، خصوصًا وقد قاسوا الراتب عليه. وهو كذلك. كما حققه شيخ مشايخنا الشيخ حسن الشطّي رحمه الله. وقال: والإمام الراتب هو من ولاّه الإمام أو نائبه. قاله الخلوتي. انتهى كلامه. (10) قوله: "فلا تصح إلاَّ مع إذنه الخ": وقدّم في "الرعاية" (¬2) الصحّة. (11) قوله: "وإن لم يعتدّ بما أدركه الخ": أي إذا أدرك المأموم الإمام بعد الركوع فيسن له الدخول معه، ولكن لا يعتد بما أدركه من السجود ونحوه. قال في الإقناع: وعليه متابعته قولاً وفعلًا اهـ. ومثله في غاية العلامة الكرمي، لكن قال: "ويتجه: وتبطل بترك متابعةِ فعلٍ لعالمٍ عمدًا، لا قولٍ، كتسبيح" اهـ. قال العلامة عبد الحي: وفيه نظر، لتصريحهم بوجوب المتابعة عليه. قال في شرح الإقناع: والمراد بمتابعته في الأقوال أن يأتي بتكبيرات الانتقال عمّا أدركه فيه، وما في السجود من تسبيح، وما بين السجدتين. وأما التشهد إذا لم يكن مَحَلاٍّ لتشهده فلا يجب عليه اهـ كلام عبد الحيّ. أقول: لم يظهر لي فرق بين تسبيح السجود الذي لا يعتد به ونحوه وبين التشهد، إذ كلّ من ذلك غير معتدٍّ به، وكما أن المتابعة في السجود واجبة فالمتابعة في الجلوس للتشهد كذلك، فلِمَ وجب التسبيح ولم يجب التشهد؟ يثبغي أن ¬

_ (¬1) أي فإن كان الذي يؤم بعد انتهاء صلاة الإمام الراتب، معاديًا للإمام، حرمت إمامته، لقصده إيذاء الإمام، فيشبه ما لو تقدّمه (شرح الإقناع 1/ 457). (¬2) "الرعاية": هي كتاب ابن حمدان (- 695 هـ) في فروع الفقه الحنبلي. وفي الحقيقة: له "الرعاية الكبرى" و"الرعاية الصغرى" قيل: حشاهما بالروايات الغريبة. واخِذَ عليه فيهما طريقتُهُ في إيراد الأقوال، فحصل الخوف من كتابيه، وعدم الاعتماد عليهما، فهما غير محررين (المدخل لابن بدران ص 446 بتصرف) وابن حمدان هو نجم الدين أحمد بن حمدان بن شبيب النميري الحراني (- 695 هـ) فقيه أصولي.

يحرر. والحاصل: أن قولهم بوجوب المتابعة في تسبيح سجود غير معتد به وعدم [1/ 172] وجوب تشهد لا يعتد به، مع قولهم: وعليه متابعته قولًاوفعلًا، لا يصح. وقول شارح الإقناع: "والمراد الخ" تبيينًا لمرادهم قولًا غير ظاهر. ثم إن كان الحامل له على ذلك قولهم: "فإن سلّم إمامه قبل إتمامه، أي التشهد، قام ولم يتمه" فإنه لو كان واجبًا لوجب إتمامه، فيذا غير [16ب]، صريح في ذلك، لأنا نقول: إنما وجب عليه التشهد للمتابعة فقط، وبسلام الإمام انقطعت المتابعة، فلزمه النهوض لقضاء ما فاته وترك بقية التشهد بخلاف ما لو كان التشهد في محله فلا يقطعه بل يتمه، لأنه واجب لا على سبيل المتابعة. فتفطن لهذه المسألة، وأَجِلْ مرآةَ فِكرِكَ فيها، تجد أنّ الصواب وجوب التشهد، كالتسبيح، كما هو ظاهر قولهم: وعليه متابعته قولًا وفعلًا واستحبابًا كما اتجهه صاحب الغاية. لكن الأول أصوب. وإلى الرجحان أقرب. والله سبحانه وتعالى أعلم. (12) قوله: "جالسًا الخ": وكذا ساجدًا. وقوله: "به" أي التكبير. (13) قوله: "وإن قام المسبوق الخ": أي ما لم يكن نحو شافعيّ تركها رأسًا، فيقوم بعد يأسه منها، وبعد ثانية يقوم فورًا، وإلا بطلت صلاة عامدٍ إن لم يكن بموضع تشهُّدٍ، وإلا فبعد فراغه منه. أفاده الكرمي. (14) قوله: "التي يريد أن يصلي مع إمامها الخ": أي وأما لو لم يرد ذلك انعقدت نافِلتُهُ، ثم إن بدا له في أثنائها الدخول مع الإمام أتمّها ودخل، ولا يضره ذلك. قاله الكرمي اتجاهًا. قال شيخ مشايخنا: وهو ظاهر كالصريح في كلامهم اهـ. وقوله: "لم تنعقد نافلته": أي ولو راتبة، أو في بيته، أو جاهلاً. (15) قوله: "سُن أن يعيد": أي غير المغرب، فلا تسن إعادتها، لأنها وتر والتطوع به مكروه، كما في الإقناع. وقوله: "سُنَّ أن يعيد": أي في غير وقت نهي، حيث كان في غير المسجد. وفيه يعيد مُطْلقًا إن أقيمت وهو فيه كما تقدم، خلافًا للمصنف في الغاية.

وقوله: "والأولى فرضه": أي فينوي الثانية نفلًا، أو مُعَادةً، لا فرضًا. قال [1/ 172] العلامة: ويتجه: الأَوْلى التفويض اهـ. أي عدم تقييد النية بشيء. فيترتب عليه أنه لو كانت الأولى فاسدة أجزأت الثانية عنها، بخلاف ما لو نواها نفلًا، فلا تجزئه. أفاده شيخ مشايخناح ش (¬1). فائدة: اتفق العلماء على أن الجماعة من آكد العبادات، وأجلّ الطاعات، ومن ظن من المتنسِّكة أن صلاته وحده أفضل في خلوته، أو غير خلوته، فهو مخطئ ضال. وأضلُّ منه من لم ير الجماعة إلا خلف الإمام المعصوم، فعطّل المساجد عن الجُمَع والجماعات. وإنما تنازع الناس في كونها واجبة على الأعيان كما هو المنصوص عن الإمام أحمد، أو على الكفاية كما هو الراجح من مذهب الشافعية وقول للمالكية والحنابلة، أو سنة مؤكدة كما هو المعروف عن أصحاب أبي حنيفة وكثر أصحاب مالك وكثير من أصحاب الشافعي، ويحكى عن الإمام أحمد رواية. والذين قالوا بوجوبها على الأعيان اختلفوا فمنهم من قال: تصح الصلاة بدونها بلا عذر، وهو المعتمد. ومنهم من قال لا تصح الصلاة بدونها إذن. والله أعلم. أفاده السفاريني عن شيخ الإسلام اهـ باختصار. (16) قوله: "في الركعة الأولى": أي ولو أدركه راكعًا. وقوله: "بها": أي بتلاوة آية السجدة. (17) قوله: "قدّامه الخ": أي فالمراد من السترة ما يضعه المصلي أمامه ليمرّ المارّ من خلفها، لا سترة العورة. فلا يتوهم. وقوله: "لأن سترة الإمام الخ": أي من حيث إنه لو مرّ ما يقطع الصلاة من بين أيديهم لا يضر. كذا قالوا. مع أنهم صرّحوا ببطلان صلاة من مرّ بينه وبين سترته كَلْبٌ أسود بهيم. وهذا قد مرّ بينه وبين سترته اهـ. قال في الفروع: ولمسلم عن أبي هريرة مرفوعًا: "إنما الإمام جنة": أي التُّرْس، يمنع من نقص صلاة المأموم، لا أنه يجوز المرور قُدَّام المأموم، على ما سبق. ¬

_ (¬1) ح ش: أي حسن الشطي. تقدم.

فصل في متابعة المأموم للإمام

(18) قوله: "رباعية فقط": أي لا مغرب، فالمسبوق فيها بركعةٍ يكون تشهّده [1/ 172] الأول في محل التشهد الأخير للإمام. وعبارة الإقناع والمنتهى توهم بخلاف ذلك. (19) قوله: "والثامن الخ": ظاهر صنيعه أن قول: "ملء السماء الخ" من جملة الثامن، ولو أدخل السابع في كلامه في جملة الثالث فجعلهما شيئًا واحدًا، وأفرد قوله: "ملء السماء" الخ لكان أظهر. وإن كان هذا مما لا يترتب عليه حكم. (20) قوله: "حيث شرعت الخ": فإن قيل: كيف يتصوّر عدم مشروعيتها في موضع يجهر فيه الإمام؟ قلنا: إذا كان مسبوقًا بركعة فالتي تليها آخر صلاته حُكْمًا، فلا يقرأ فيها بسورة. وقوله: "في سكتات إمامه لا: فإن لم يسكت كرهت قراءة المأموم، نصًّا. كما في الإقناع. قال في الفروع: وعنه لا يسكت لقراءة مأموم مطلقًا، وفاقًا للحنفية والمالكية، حتى في كلام الحنفية يحرم سكوته، لأن السكوت بلا قراءة حرام اهـ. (21) قوله: "ولا يضرّ تفريق الفاتحة": أي في حق المأموم، بخلاف الإمام والمنفرد إذا قطعاها بسكوت طويل عرفًا، وكان القطع غير مشروع، لزمهما استئنافها. تأمل. (22) قوله: "بعد تكبيرة الإحرام": أي وهي الأولى، وذكر بقيتها هناك. (23) قوله: "إن لم يشغل من بجَنْبِه": فإن شغله فيتجه التحريم. قاله الكرمي، أي لإيذائِهِ من بجنبه. وهو متجه اهـ رحيباني. فصل في متابعة المأموم للإمام (1) قوله: "أو قبل إتمامه الخ": أي بأن ابتدأ المأموم التكبير [17أ]، قبل فراغ الإمام من الراء في "أكبر"، وتقدم في أول كتاب الصلاة. (2) قوله: "فإن وافقه فيها الخ": أي غير تكبيرة الإحرام كما تقدم. (3) قوله: "أو في السلام": أي وإن سبقه به عمدًا بطلت صلاته، وسهوًا لزمه أن يرجع ليأتي به بعد إمامه. وتقدم في مبطلات الصلاة. فلا تغفل. وقوله: "لزمه أن يرجع": محله فيما يظهر: ما لم يدركه الإمام فيما سبقه هو

[1/ 174] به وكان جاهلاً أو ناسيًا، ولم يذكر إلاّ بعد لحوق الإمام له، فحينئذ يعتدّ بالركن المسبوق به، ولا يلزم الرجوع إليه ليأتي به بعد إمامه. تأمل. (4) قوله: "بطلت صلاته": مفهومه أن مجرد السبق ولو عمدًا لا يبطلها، بل الامتناع من الرجوع إلى ما قبله عمدًا. وهو كذلك حيث كان السبق بركنٍ غير ركوعٍ، أو إلى ركن ولو ركوعًا. وأما إن كان السبق بركن الركوع، بأن ركع ورفع منه قبل أن يرفع الإمام، عمدًا، فإنها تبطل صلاته إن لم يكن الرفع رجوعًا لمتابعة الإمام. وإن كان ناسيًا أو جاهلًا فإنها تلغو الركعة. ومثل السبق في الحكم التخلف عن الإمام، وفيه من التفصيل ما في السبق. وتقدم. هذا ملخص ما حققه خاتمة المحققين شيخ مشايخنا الشيخ حسن الشطي طَيَّب الله ثراه آمين. وقوله: "لا صلاة ناس الخ": أي ولا تلغو ركعته إن كان السبق بركنٍ غير ركوعٍ، أو إلى ركن مطلقًا. تأمل. (5) قوله: "ما لم يؤثر المأموم التطويل": أي وكان المامومون محصورين، ولا يأتيهم غيرهم، وإلا خفَّفَ لئلا يحضر من لا يريد التطويل. تنبّه. (6) قوله: "وانتظار داخل الخ": أي سواء كان ذا حرمة أو لا، ولكن بنيّة تقرُّب، لا تودّد، قاله المصنف في الغاية. (7) قوله: "وبيوتهن خير لهن" (¬1): أي لخبر وَرَدَ في ذلك. فصلاة المرأة في بيتها أفضل منها في المسجد، للخبر. قال البهوتي: وظاهره: حتى مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - اهـ. قلت: حتى المسجد الحرام، بل ظاهر إطلاقهم في كون فعل الرواتب في البيوت أفضل أنه ولو بالمسجد الحرام. تنبّه وتدبَّر. ويفهم منه: إذا لم يأذن لها زوجها أو سيدها لا يجوز لها الخروج، وإن أذن لها تخرج، ولكن تَفِلَةً غير مطيّبةٍ ولا لابسةٍ ثياب زينة. وهذا في غير الحسناء، وأما هي فتمنع. لهذا ما ظهر، والله ¬

_ (¬1) في نسخ نيل المآرب التي بين أيدينا "وبيتُها خير لها" والحديث عن ابن عمر مرفوعًا، أخرجه أحمد (2/ 76) بلفظ "لا تمنعوا نساءكم المساجد، وبيوتهن خير لهن" قال الشيخ شعيب: صحيح عدا قوله: "وبيوتهن خير لهن". وأخرجه أبو داود (567) وابن خزيمة (1684).

فصل فيها الإمامة

تعالى أعلم. [1/ 175] (8) قوله: "ومن الانفراد عنه": أي أبيها أو وليها المحرم. فصل فيها الإمامة (1) قوله: "ويقدم قارئ الخ": مفهومه أنه إذا اجتمع قارئ لا يعلم فقه صلاته وفقيه أمّيّ أن تقديم القارئ على الفقيه حالتئذٍ في الأولوية مثل الأفقه مع الفقيه ونحوهما، مع أن الأمّيّ لا تصح إمامته رأسًا إلا بمثله، اللهم إلا أن يقال: ويقدم قارئ الخ أي وجوبًا. تأمل. قوله: "الأشرف" أي فيقدم بنو هاشم على باقي قريش. تنبّه. (2) قوله: "الأورع": الورع اجتناب الشبهات خوفًا من الله تعالى. (3) قوله: ثم يقرع، أي مع التساوي. (4) قوله:"وصاحب البيت الخ": أي فهو أحق من مستعيره أيضًا، لا من مستأجره. وقوله: "ولو كان في الحاضرين من هو أقرأ": أي فيكون مستثنى من قولهم الأولى بها أولاً الأجود قراءة الأفقه. لكن يستحب لصاحب البيت وإمام المسجد تقديم من هو أفضل منهما، كما في الفروع. تأمل. (5) قوله: "والحرّ أولى": أي في غير إمام المسجد كما تقدم. وقوله: "أولى من العبد": أي ومن المبعض، وهو أولى من العبد. قلت: ويتجه: ما كان أكثر حريّةً أولى في مُبَعّضَيْنِ. (6) [قوله: "الفاسق"]: الفاسق من يأتي كبيرة أو يدمن على صغيرة. وقوله: "ولو مستورًا": هذا المذهب. ويتجه صحة الصلاة خلف من ظاهره الصلاح، عملاً بالظاهر، وتحسينًا للظنّ بأهل القبلة. وهذا لا يسع النّاس غيره. وقد سئل الإمام أحمد: يصلّى خلف من يغتاب الناس؟ فقال: لو كان كل من عصى الله لا يصلي خلفه من يؤم الناس؟ اهـ ملخصًا من الغاية وشرحها. فتفطّن. (7) قوله: "وتصح خلف الأقلف": أي ما لم يكن تاركًا للاختتان بلا عذر،

[1/ 177] وإلا فيكون فاسقًا فلا تصح إمامته. هذا ما ظهر لي والله أعلم. ثم رأيت في "الغاية" ما نصه: "وتكره إمامة الأقلف"، ويتجه: لا إن تَرَكَ الختان بالغًا مُصِرًّا بلا عذر، لفسقه" اهـ. وقال شيخ مشايخنا: وهو مصرَّح به في الإنصاف وغيره اهـ. فلله المنّة. (8) قوله: "كثير لحن": فهم منه أنه إن كان [17ب]، قليل لحن لم يُحِلِ المعنى لا كراهة، وهو كذلك، صرّح به البهوتي في شرح المنتهى. وظاهره أنها تصح صلاته ولو كان اللحن عمدًا، حيثُ لم يُحِلِ المعنى، ولكن يحرم. والله أعلم. (9) قوله: "فقط": أي دون غيره من الأركان، بخلاف ما لو كان عاجرًا عن الركوع والسجود ونحوهما، فلا تصح إمامته إلا بمثله، ولو راتبًا بشرطِهِ. فتدبر. وقوله: "بمسجد": قال المؤلف في الغاية: وراتِبُ أعرابٍ لا مسجد لهم كراتب مسجدٍ. (10) قوله: "وتصح قيامًا": أي هذا فيما إذا ابتدأها جالسًا. وأما إذا ابتدأها قائمًا ثم اعتلَّ في أثنائها فإنه يلزمهم أن يتمّوها خلفه قيامًا. وذكر الحلواني (¬1): ولو غير إمام حيّ اهـ من الغاية للمؤلف. (11) قوله: "فلا إعادة على الإمام ولا على المأموم الخ": أي لأن العبرة بعقيدة الإمام. قال في الغاية: ويتجه: والمراد: فيما يتعلق بأركان الصلاة وشروطها بعد توفر شروط إمامةٍ اهـ. قال شيخ مشايخنا في شرحها: وهو اتجاه جيّد. وقال عبد الحي: وفيه نظر بل الأولى العموم، فكل ما لا يراه الإمام مؤثرًا لا ينبغي أن يؤثر في صلاة المأموم. قال: ويؤيده قول شارح الإقناع: ومثله لو صلّى شافعي قبل الإمام الراتب، فتصح صلاة الحنبلي خلفه اهـ. مع أن ذلك ليس من شروط الصلاة ولا من أركانها. وفي كلام شيخ مشايخنا ما يشعر بالفرق بين كون ¬

_ (¬1) الحلواني: هو محمد بن علي بن عثمان بن مراق أبو الفتح الحلواني (- 505 هـ) له "كفاية المبتدي" في الفقه، مجلد واحد، وكتاب مختصر في أصول الفقه (المدخل لابن بدران ص 418).

فصل في موقفه الإمام والمأموم

المتروك من متعلقات الإمامة في بعض الأحيان، كما لو كان قبل الإمام الراتب فيما [1/ 178] ذكره شارح الإقناع فيصح، وكونهِ من متعلّقات الإمامة دائمًا كالعدالة، فلا تصحُّ خلف فاسقٍ شافعي، وإن كان لا يراه مؤثرًا. وهو الصَّواب الذي يجب المصير إليه إن شاء الله تعالى. (12) قوله: "فإن جهل هو والمأموم الخ": أي وإن تعدّد المأمومون، فجهل بعضهم دون بعض، بطلت صلاة الجميع. وقيل العالِمُ فقط، جزم به جماعة. وقوله: "صحّتْ صلاة المأموم وحده": أي ولو لم يقرأ الفاتحة، خلافًا لابن قندس (¬1) في حواشي الفروع. واعلم أن الجهل هو الذي لا يسبقه علم، كمن استيقظ من نومه فتوضأ وصلّى، ثم وَجَدَ في ثوبه منيَّا ولم يشعر باحتلامٍ. فهذا جاهلٌ الحَدَثَ. وكذا من أصابته نجاسَة وهو لا يعلمها حتى فرغ من صلاته. وأما الناسي للحديث أو النجاسة، بأن كان علم لك ثم نَسِيه ولم يذكره حتى فرغ من صلاته، فلا تصح صلاة من صلى خلفه. فتفطن فقد غلط في ذلك كثيرون من الطلبة الكبار. والله أعلم. (13) قوله: "إلاّ ضاد المغضوب الخ" أي فتصح إمامة من يبدل ضاد المغضوب والضالين بظاءٍ عجزًا، ولا يصير أميًّا، بخلافِ من يبدل الراء غينًا، أو الذال زايًا، أو الكاف قافًا، أو عكسه ونحو ذلك، فهذا أميّ لا تصح إمامته إلا بمثله. ومن قدر على إصلاح ذلك كله لم تصح صلاته فتنبه. ثم رأيته في الإقناع صرح بذلك. فصل في موقفه الإمام والمأموم (1) قوله: "فَوَسَطًا وجوبًا": قال في الغاية: ويتجه: لا بظُلْمَةٍ. قال شيخ ¬

_ (¬1) ابن قُنْدُس: هو أبو بكر بن إبراهيم بن قندس؛ تقئ الدين، البعلي (809 - 861 هـ) كان متفنّنَا في علوم الفقه وأصوله والتفسير والعربية، مشاركًا في أكثر الفضائل. له حاشية على الفروع لابن مفلح، وحاشية على المحرّرّ للمجد (السحب الوابلة ص 124 عن الضوء اللامع).

[1/ 180] مشايخنا: صرح به الشيخ منصور في شرح المنتهى اهـ. قلت: ومثله لو كانوا عُمْيًا. (2) قوله: "محاذيًا له": أي مُسَامِتًا ومسامِيًا لإمامه، ولا يضر تخلّفه قليلًا خلافًا لمفهوم الإقناع، بل يندب التخلف قليلًا كما في المبدع. (3) قوله: "وتقف خلفه": أي خلف الإمام، أي حيث كان رجلًا ولو وجد من النساء من يصافُّها. وأما إذا كان الإمام امرأة أو خنثى فتقف عن يمينه. وإن وقفت خلفه أو خلف صفّ النساء حينئذ فصلاتها فذٌ. هذا المذهب. وقدّم في الكافي الصحة مطلقًا. وجزم به جماعة. اهـ ملخصًا. (4) قوله: "وإن صلى الرجل ركعةً الخ": مفهومه أنه لو لم يصل ركعة بل وقف معه آخر قبل ركوع الإمام، أو أدركه قبل الرفع من ركوع الأخيرة، فأحرم خلف الصّفّ واستمر إلى سلام الإمام، أنه يصح. وهو كذلك. (5) قوله: "إن رأى الإمام الخ": قال م ص: الظاهر إمكان الرؤية لولا المانع، فلو كان بالمأموم عمىً، أو كان في ظلمة، وكان بحيث يرى الإمام لولا المانع، صح الاقتداء حيث أمكنت المتابعة اهـ. قُلت: قطع به المصنف في الغاية. قال في شرحها: وجزم به في الفروع. وفي حواشي ابن قندس عليه وشرح الهداية وشرح المنتهى وغيرهم. وقال الشيخ عثمان [18أ]، بل لا بد من الرؤية بالفعل كما يؤخذ من كلام الإقناع اهـ. قال شيخ مشايخنا: والذي يظهر كلام م ص، لما له من النظائر. قال: وقول شيخنا، يعني شارح الغاية: جزم به الخ لم أره. فتدبر اهـ. مع أن م ص قد ذكره أيضًا عن الفروع وحواشيه وشرح الهداية وشرح المنتهى. فتأمل. (6) قوله: "أو كانت مما لا يمكن الخ": ظاهر كلامهم أنه إذا كان بين الإمام والمأموم جدار، وهما أو أحدهما خارج المسجد، أن الصلاة صحيحة إذا أمكنت المتابعة وحصلت الرؤية، ولو من طاق شباك أو كؤة. وهذا إذا كان البناء خلف الإمام، أما لو كان عن يمينه أو شماله، وكان لا يمكن العبور من أحد البنائين إلى الآخر، وأمكنت المتابعة، وحصلت الرؤية من كوة ونحوها، فهل تصح أيضًا؟ لم

فصل في ذكر الأعذار المبيحة ترك الجمعه والجماعة

أو من تعرّض له. وظاهر إطلاقهم أنها تصح. فليحرر. [1/ 181] (7) قوله: "وإن كان الإمام الخ": ملخص كلامه أنه إن كان الإمام والمأموم خارج المسجد، أو أحدهما، اشترط لصحة الاقتداء شرطان: أحدهما: إمكان المتابعة. والثاني: رؤية الإمام أو من وراءه. وإن كانا في المسجد اشترط إمكان المتابعة فقط. وانظر لو كان الإمام في مسجد والمأموم في آخر، ولا مانع بينهما، هل يكفي سماع التكبير. تأمل. (8) قوله: "وكفى سماع إلخ": ظاهره: سواء كان من الإمام أو من أحد المأمومين. وهو كذلك، للحاجة. وانظر لو كان المبلّغ غير ثقةٍ هل يرجع إليه ويتابع؟ الظاهو: نعم. تأمل. (9) قوله: "وكره علو الإمام الخ": قال ابن نصر الله: فإن كان مع الإمام من هو مساوٍ له أو أعلى منه فلا كراهة اهـ. (10) قوله: "وكره لمن أكل بصلاً الخ": وقيل يحرم. ويؤخذ من كلامهم هنا أن آكل ذلك إن لم يجد ما يُذْهِبُ رائحته معذور بترك الجمعة والجماعة. قاله المصنف في الغاية. قال شيخ مشايخنا: ولم أو من صرّح به، وهو ظاهر اهـ. فتدبر. فصل في ذكر الأعذار المبيحة ترك الجمعه والجماعة (1) قوله: "والمدافع أحد الأَخْبَثَيْنِ": ظاهره ولو كان قادرًا على الطهارة إن انتقض وضوؤه. ومثله غلبة نعاس. تأمل. فرع: لا ينقص أجر تارك جمعة وجماعة لعذر شيئًا. ومن مرض أو سافر كتب الله تعالى له أجر ما كان يعمل صحيحًا أو مقيمًا. ومخالطة الناس أولى من اعتزالهم، مع أمن الفتنة، لاكتساب فضائل دينية أو دنيوية. قاله العلامة م ص في الغاية (¬1). ¬

_ (¬1) لعل هنا وهمًا من الشيخ عبد الغني: فليس للشيخ منصور كتاب اسمه "الغاية"، أو لعله أراد بهذا الرمز (م ص) في لهذا الموضع "المصنف" أي مصنف دليل الطالب.

باب صلاة أهل الأعذار

[1/ 183] باب صلاة أهل الأعذار (1) قوله: "ويومىء بالركوع وبالسجود من عجز عنهما": فإن عجز عنهما: وقدر على القيام لزمه أن يومئ بالركوع قائمًا وبالسجود قاعدًا. وإن قدر على تقريب رأسه من الأرض لزمه. كذا قالوا. اهـ. مكرر (¬1). (2) قوله: "انتقل إليه": أي فورًا. فلو أبطأ متثاقلاً، فإن كان بمحلّ قعودٍ، كتشهدٍ، صحتْ صلاته، وإلا بطلت، سواء عاد العجْزُ أو لم يَعُدْ. وإن كان مضطجعًا وقدر على الجلوس أو القيام، وأبطأ، بطلت صلاته مطلقًا. لكن قال شيخ مشايخنا: محل البطلان فيهما حيث تعمد اهـ. (3) قوله: "ولا تصح صلاة الفرض على الراحلة الخ": محله ما لم يعجز عن الركوب لو نزل، إذ يكون هذا عذرًا في غير المريض كما تقدم، فكيف مع المرض. والذي يظهر لي أنه إن حصلت له مشقة وأذًى من النزول تصح صلاته على الراحلة، وأنه لا فرق بينه وبين من يتأذى بنحو مطرٍ ونحوه، وما فرّقوا به غير ظاهر. تدبّر. (4) قوله: "على متن الماء": أي على ظهره. فصل في صلاة المسافر (1) قوله: "فيدخل فيه الواجب": أي ويخرج المحرّم والمكروه، فلا يترخّص فيهما. وفي المنتهى والإقناع وغيرهما: يترخص إن سافر لزيارة مشهدٍ أو قبر نبيٍّ أو غير المساجد الثلاثة اهـ (¬2). ¬

_ (¬1) قوله "مكرر" لم يظهر لي مراده به، فينظر. (¬2) يقول المحقق: هذا مردود لأن مثل هذا السفر غير مشروع إن فُعِل على وجه التقرّب، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد" فلا ينبغي لمثل هذا السفر المنهي عنه شرعًا أن يكون سببًا للرخصة.

(2) قوله: "أربعة برد": بريد 4؛ فرسخ 16؛ ميل 48؛ ذراع 288000؛ [1/ 186] قدم 576000؛ إصبع 6912000 (¬1)؛ شعيرة 41472000؛ شعرة 248832000. الميل: إصبع 144000؛ شعيرة 864000؛ شعرة 5184000. قوله: "والهاشمي اثنا عشر ألف قدم" فعلى هذا يكون الميل الأموي 14400 قدمًا؛ و 7700 ذراعًا بذراع اليد؛ وبذراع الحديد 5 و 6087. فتكون مسافة القصر على حسب ما ضبطناه هنا بالذراع مائتي ألف وثمانية وثمانين ألفًا؛ وبالقدم خمسمائة ألف وستة [18ب]، وسبعين ألفًا؛ وبالإصبع ستة آلاف ألف وتسعمائة واثني عشر ألفًا، وبالشعيرة واحدًا وأربعين ألف ألف حبّة وأربعمائة ألف واثنين وسبعين ألفًا؛ وبالشعرة مائتي ألف ألف وثمانية وأربعين ألف ألف وثمانمائة ألف واثنين وثلاثين ألفًا. وذلك حاصل من ضرب البرد في الفراسخ ثم هي في الأميال ثم هي في الأذرع وهكذا الخ (¬2). (3) قوله: "فنقص عن ذراع الحديد بقدر الثمن" فعلى هذا فالميل بذراع الحديد على القول المشهور: خمسة آلاف ذراع ومائتان وخمسون ذراعًا. (4) قوله: "تزوج فيه الخ" أي قبل مروره. وعلى كلٍّ فيلزمه الإتمام ولو بعد طلاقِ زوجته التي مرّ بالبلد وهي في عصمته. فلا بد من مفارقة البلد. لا إن كان طلقها قبل مروره بالبلد فإنه يقصر، هكذا ينبغي أن يفهم. وقوله أيضًا: "ولو بعد مفارقة الزوجة": كذا قال عامة علماء المذهب، مع أنهم نقلوا أنه - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة أقام فيها تسعة عشر يومًا وهو يقصر الصلاة. فهو ¬

_ (¬1) في الأصل بدل رقم (6) هذا كُتِبَ رقم (4) وهو خطأ، كما يتبين من كلامه الآتي حيث كتب الأعداد بالحروف. (¬2) هذه الطريقة التي درج عليها بعض المؤلفين غير مستقيمة، وهي أنه ضَبَطَ المسافات الكبيرة بالأشياء الصغيرة غير المنضبطة، كالشعيرات والشعرات. وهي تختلف بنسبة كبيرة، فقد تصل نسبة الخطأ فيها إلى 15% أو 20% كما يعرفه من يلاحظ حجم الشعير، إذ منه كبير وصغير. ولو اتخذ المسلمون شيئًا كبيرًا ثابتًا محددًا مبدأ للقياس، كأحد جدران الكعبة مثلاً، لكان أولى بالثبات.

[1/ 187] قد أقام ببلد تزوج فيه، فضلاً عن كونه مرّ به. ومع ذلك قصر. فهل هو معارض لنصوصهم؟ توقف فيه شيخنا (¬1). فتأمل. فإن قلت: يحتمل أن هذا من خصوصياته. قلت: لم ينقل ذلك. وأيضًا في حديث أنس: "أقمنا بمكة عشرًا نقصر الصلاة" وهو من المهاجرين. تأمل. وقوله: "ولو بعد مفارقته الزوجية": الذي يظهر لي أن معنى هذه العبارة أن المسافر إذا مر ببلد له فيه زوجة وجب عليه الإتمام حتى يفارق البلد، وليس له القصر قبل ذلك، ولو فارق زوجته بطلاق ونحوه، لا أنه إذا مرّ ببلدٍ كان تزوج فيه وفارق زوجته قبل مروره بالبلد، لما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من المهاجرين أقاموا بمكة يوم فتحها وكانوا يقصرون الصلاة، مع أنها بلدهم وتزوّجوا فيها. وهكذا ينبغي أن يقال في العبارة والله أعلم. (5) قوله: "بعلامة": أي إن كان عليه علامة سفر ينوي القصر، ثم إن قصر إمامه قصر معه، أو أتَمَّ تابعه. ويصح لو نوى: "إن قصر قصرت وإن أتمّ أتممتُ" كما في الغاية. (6) قوله: "إذا شكّ إمام": أي أو غيره، كما ذكره م ص. وظاهره أنه ولو ذكر بعدُ أنه نوى القصر، وهو كذلك كما هو مصرح به في الغاية. (7) قوله: "يلزمه إتمامها": صفة ثانية لصلاة، بأن ائتم فيها بمقيم أو نحوه، ففسدت، لزمه الإتمام في الإعادة، لأنها وجبت كذلك، فلا تعادُ مقصورةً. وأما إن ابتدأها جاهلاً حَدَثَهُ مثلاً فله إعادتها مقصورةً. والله أعلم. تنبه. (8) قوله: "إذا جهل أن إمامه نواه": قال العلامة في الغاية: ولا يضر جهله أن إمامه نواه؛ أي القصر، عملاً بالظن، خلافًا للمنتهى فيما يوهم اهـ. وعبارة المنتهى كعبارة الشيخ. تأمل. (9) قوله: "وكان نوى القصر الخ": أي هذا إذا كان جاهلاً عدم جواز القصر ¬

_ (¬1) قوله "شيخنا": لعله يريد بهذه العبارة شيخه الشيخ يوسف البرقاوي، كما صرّح به فيما يأتي في كتاب الرهن. والشيخ يوسف البرقاوي ترجمنا له في مقدمة التحقيق.

فصل في الجمع بين الصلاتين

له، وأما إن كان عالمًا فلا تنعقد. [1/ 188] (10) قوله: "حتى ضاق وقتها عنها": أي وكذا لو أخرها مسافر عمدًا حتى خرج وقتها. قاله في المحرّر وغيره. وقيل يقصر فيهما، وفيما إذا ذكر صلاة حضر في سفر اهـ من بعض الهوامش، نقلاً عن المبدع. (11) قوله: "أو حُبِسَ ظلمًا" الخ: قلت ويؤخذ من هذا أن المسافر إذا عرض له ما يسمونه "الكورَنْتِينَا" (¬1) وأقام فيها، ولو مدة طويلة، له القصر. ولو علم بطول المدة، كالمحبوس ظلمًا، فإنه يقصر. ولو علم أنه لا يخلص من الحبس إلاَّ بعد مدة طويلة. وكذلك إذا جاء الحجاج ونحوهم إلى جدة مثلاً وهم راجعون إلى بلادهم، فلم يجدوا سفينة تحملهم، وعلموا أنها لا تحضر إليهم إلا بعد أيام كثيرة، فلهم القصر ما أقاموا، لأنهم لا حاجة لهم في الإقامة أصلاً، بل يحصل بها غاية الكدر والمشقة، ولولا العذر الذي ليس لهم فيه غرض ما أقاموا ولا ساعة، بخلافِ من يقيم لغرضه وعلم أنه لا يحصل إلا بعد الأربعة أيام. هذا الذي يفهم من كلامهم ولا يعوّل على غيره. وقد عرض لنا هذا الأمر فقصرنا، وأفتينا الناس بجواز القصر. والله سبحانه وتعالى أعلم. فصل في الجمع بين الصلاتين (1) قوله: "مطلقًا": أي بين الظهرين والعشائين. (2) قوله: "فليس بمكروه [19أ] ولا مستحب": أي وتركه أفضل خروجًا من الخلاف، غير جَمْعَي عرفةَ ومزدلفة، فيسن. قال المصنف في الغاية: ويتجه غير خائف فوت الجماعة، أي فيسن له الجمع، قال شارحها: وهذا ضعيف عبّر عنه صاحب الفروع بقيل إشارة إلى أنه لم يرتضه اهـ. ¬

_ (¬1) الكورَنْتِينَا: هو ما يسمّى الآن "الحجر الصحي" أي حجز القادمين من خارج البلاد إذا حُجِزوا في مكانٍ أيامًا لتحصل الطمأنينة بخلّوهم من الأمراض السارية، كالملاريا والكوليرا ونحوهما، قبل انتشارهم في البلد.

[1/ 189] وقال شيخ مشايخنا: والذي يظهر أن بحث المصنف وجيه، إذ لا يأباه كلامهم، واستدل له فراجعه اهـ. (3) قوله: "العشاءين وهما الخ": أي فهو من باب التغليب. وقيل إن المغرب تسمى العشاء الأولى، فلا تغليب. (4) [قوله]: "ونحوها": كذي سَلَسٍ وجرحٍ لا يرقأ دمُه. (5) قوله: "ولعاجزٍ عن الطهارة الخ": وانظر هل مثله من عجز عن السترة أو اجتناب النجاسة لكل صلاة ولا فرق، أوْ لا وفيه فرق؟ فحقِّقْ وتدَّبرْ. (6) قوله: "ولعذر الخ": مفهومه حتى نحو غلبة نعاس، ومدافعة أحد الأخبثين، وأكل نحو بصل، وتمريض مريض، ونطارة بستان، وتطويل إمام، ونحو ذلك. فحررِّه وتفطَّنْ. (7) قوله: "لا ليلة مظلمة": أي لا يشترط ذلك. وعلم مما تقدم في الأعذار أنه يجوز الجمع أيضًا فيما إذا وجد ريح باردةٌ بليلة مظلمة وإن لم تكن شديدة. تنبه. (8) قوله: "والأفضل فعل الأرفق الخ": أي في غير جمعي عرفة ومزدلفة. فالأفضل في عرفة التقديم، وفي مزدلفة التأخير، مطلقًا، خلافًا لما في الأقناع. (9) قوله: "سواء نسيه الخ": وفي الإقناع يسقط الترتيب بالنسيان، كقضاء الفوائت. (10) قوله: "وأن لا يفرق الخ": أي ولو سهوًا أو جهلاً على الصحيح من المذهب. (11) قوله: "في غير جمعٍ مطرٍ": أي وأما فيه ففيه التفصيل الآتي. تنبه. (12) قوله: "فإن حصل وحل الخ": ومثله لو حصل ثلج أو برد أو ريح شديدة. قاله العلامة اتجاهًا، ونظَّر فيه عبد الحيّ، وردَّه شيخ مشايخنا بأن الثلج ونحوه منعقد من الماء فكأنَّ المطر لم ينقطع فهو كالوحل، بخلاف المرض ونحوه. وأطال فر اجعه. وقوله: "وإلاّ بطل الخ": أي ولو خَلَفَهُ مرض ونحوه، ثم انقطع العذر في

فصل في صفة صلاة الخوف

الصلاة الأولى أتّمها فرضًا وأخّر الثانية إلى وقتها. وإن انقطع في الثانية أتمها نفلاً، [1/ 191] والأولى وقعت موقعها اهـ ملخّصًا من المنتهى وشرحه. ومثله لو بطل الجمع بترك شرط، كما لو فصل بينهما بنحو نافلةٍ مثلاً، فإن الأولى تقع الموقع، ويبطل الجمع. وكذا لو رفض نية الجمع في الأولى، أو بعد فراغه منها، أو في الثانية، فإن الأولى صحيحة ولا تلزم إعادتها. فتنبه. (13) قوله: "أعادها فقط": هذا في جمع التأخير، أما في التقديم فيبطل الجمع لفوات الموالاة كما هو ظاهر. تأمّل. فصل في صفة صلاة الخوف (1) قوله: "ولو حضرًا": هذا التركيب يفيد صحّتها سفرًا بالأولى، فلا موقع حينئذ لقوله "وتصح سفرًا" لما فيه من الركاكة. فلو أبقى عبارة المتن على حالها لكان أولى، أو قال: "سواء كان القتال آلمباح حضرًا أو سفرًا الخ". (2) قوله: "من وجوهها": أي وهي ستةُ أوجُهٍ أو سبعة، وهي مذكررة في المطوّلات فراجعها. (3) قوله: "هدفًا الخ": الهدف هو ما ينصب ويرمى بالنبل ليُعْرَف الحاذق بإصابته. وفي الإقناع ما يفيد أن هذا يسمى "غرضًا" وما يوضع الغرض فيه فهو "هدف". (4) قوله: "عند المسايفة": أي الضرب بالسيف من كلا الفريقين. (5) قوله: "لم يجز": أي الهرب، فلا تصح صلاته صلاة خائف. (6) قوله: "مقدار ما": أي وقت. ولا بد من علمة أنه إن صلى صلاة خائف أدرك الوقت، فله أن يصلي صلاة خائف. وهو مرادهم وإن لم أره في كلامهم. وانظر لو ظن إدراك الوقوف بصلاة الخوف فصلاها كذلك، ثم إنه لم يدركه، فهل لا إعادة عليه؟ الظاهر نعم. تدبر. (7) قوله: "لم يعد": ومثله لو رأى عدوًّا فهرب منه، وصلى صلاة خائف، ثم بان له أنه لم يقصده، فإن صلاته صحيحة. وهذا بخلاف ما لو رأى سوادًا ظنّه

باب صلاة الجمعة

[1/ 193] عدوًّا، فبان حجرًا أو شجرًا، أو رأى عدوًّا وبينهما مانع كبحر ونحوه، فصلى صلاة خائف، فإنها لا تصح. فتنبه. (8) قوله: "وكذا المتقدم والتأخر": فلو قال "وهو التقدم والتأخر" لكان أصوب، كما هو ظاهر. وهذا بخلاف الصِّياح فإنه يبطلها، لأنه لا حاجة به إليه، بل السكوت أهيب في نفوس الأقران. باب صلاة الجمعة اعلم أن صلاة الجمعة فرض مستقل، لا ظهرٌ مقصورةٌ، فلا تجوز أربعًا، ولا تقصر الظهر خلفها. وهي فرض الوقت، فلو صلى الظهرَ أهلُ بلدٍ [19ب]، تلزمهم، مع بقاء وقتها، لم تصح إلا بعد اليأس من فعلها. فائدة: صلاة الجمعة فرضت بمكة قبل الهجرة. وقال الشيخ: فعلت بمكة على صفة الجواز، وفرضت بالمدينة. انتهى إقناع. (1) قوله: "عاقل": الأَولى الاقتصار على قوله "مكلف" لأنه البالغ العاقل كما هو ظاهر. وقوله: "لأن الإسلام والعقل الخ": كذا في الحاشية، وشرح زاد المستقنع لـ م ص. وفيه نظر، لأن الإسلام ليس شرطًا للتكليف لأن الكافر مكلف، وإلا لما كان مؤاخذا بترك الإسلام وفروعه. فلو قال بعد قول المصنف: مكلف "أي بالغ عاقل لأن البلوغ والعقل شرطان للتكليف" الخ لكان صوابًا. (2) قوله: "وقت فعلها": لم أر هذه العبارة لغيره، ولم يظهر في معناها. فتأمل. (3) قوله: "أجزأته عن صلاة الظهر": بل هي في حقّه أفضل من الظهر، كما هو مصرح به. (4) قوله: "ولا يحسب هو الخ": اعلم أن من لا تجب عليه الجمعة لغير

عذر كالعبد والمرأة ونحوهما، لا يحسب من العدد، ولا تصح إمامته فيها، وإن [1/ 196] كان لعذرٍ غير سفرٍ كالمطر والمرض ونحوهما وحضر الصلاة وجبت عليه، وحسب من العدد المعتبر، وصحت إمامته فيها. فائدة (¬1): إذا كان يوم الجمعة كاملةً الأربعين رجلاً أو أكثر، وكان في الجملة رجل غريب، فلا يصح له أن ينوي إلا أن ينوي أربعون رجلاً، وإن كانت كاملةً الأربعين فقط فلا يصح له أن ينوي إلا أن ينوي الجميع منهم اهـ. (5) قوله: "أحدها الوقت": إنما لم يقل "دخول الوقت" كبقيّة الصلوات لأن الجمعة لا تصح قبل الوقت ولا بعده، بخلاف غيرها، فتصح بعد الوقت. (6) قوله: "من أول وقت العيد": أي من ارتفاع الشمس قدر رُمْح. (7) قوله: "ولأن الناس الخ": في كلامه إيجاز مُخِلّ، أي: والأولى فعلها عقب الزوال، ولو في شدة الحر، لأن الخ. (8) قوله: "أن تكون بقرية الخ": أي بخلاف من استوطن غير بناء، كبيوت الشعر والخيام والخَرَاكي (¬2) ونحوها، أو في بناءٍ ولكن بعضَ السنة دون بعض، فلا تجب عليهم، ولا تصح منهم. (9) قوله: "وتصح فيما قارب البنيان الخ": قال ابن عوض في الحاشية: بأن يكون بينهما فرسخ فأقل، كالاستيطان بموضع قريب من إقامتها اهـ. قلت: وهو يحتاج لدليل، وإلا فهو مردود. وبالجملة فلم أرَ مَنْ قدر هذه المسافة، لكن ذكروا أن أسعد بن زُرارة صلى الجمعة بحّرة بني بياضة (¬3)، وهي على ميل من المدينة. (10) قوله: "بدل ركعتين": لا من الظهر، كذا في المنتهى. ومثله في ¬

_ (¬1) هذه الفائدة موضوعة بهامش الأصل، ولا يبعد أن تكون من الناسخ لا من صاحب الحاشية. (¬2) الخَراكي: لم نجد هذه الكلمة في اللسان ولا في القاموس، ولعلها البيوت التي تصنع من بعض الأنسجة الثقيلة. (¬3) في الأصل هنا كلمة لم تمكن قراءتها، ونحن صححناها من سيرة ابن هشام (1/ 435 تحقيق محمد السّقا وزميله).

فصل في إنصات المأمومين للخطبة

[1/ 197] الإقناع. فهذا يدل على أن الجمعة فرضت أربع ركعات، فقامت الخطبتان مقام ركعتين. وقال الكرمي: الأظهر لا بدلية اهـ. قلت: وقد صرح في الرعاية الكبرى بان القول بان الخطبتين بدل ركعتين مبني على أن الجمعة بدل عن الظهر. والصحيح خلافه. (11) قوله: "كقراءة": أي لا تصح الخطبة بغير العربية لقادر عليها، وتصح لعاجزٍ عن العربية بغيرها. لكن الظاهر أنه لا بدّ أن يكون فيهم من يفهم لغته، وإلا لم تصحّ، وإن صرح في الإقناع بصحة الخطبة من عربيٍّ لمن كلهم عجم لا يفهمون قوله، ومن سميعٍ لمن كلهم صمّ، ومن ناطقٍ لمن كلُّهم خُرْس. وهو عندي غير ظاهر، لعدم حصول المقصود منها. والله أعلم. (12) قوله: "وأن يكون الخ": أي المنبر أو المحل المرتفع. وإن خطب على غير علوٍّ فليكن عن يسار مستقبل القبلة بالمحراب. (13) قوله: "وإشارة إلى أن الدين فتح به": وقال ابن القيم في الهدي (¬1): "وكثير من الجهلة يظن أنه كان يمسك السيف على المنبر إشارة إلى أن الدين إنما قام بالسيف، ولهذا جهل قبيح من وجهين: أحدهما: أن المحفوظ الاتكاء على العصا أو القوس. الثاني: إنما قام الدين بالوحي، وأما السيف فلمحق أهل الفساد والشرك. ومدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي كانت خطبته فيها إنما فتحت بالقرآن ولم تفتح بالسيف. وقال أيضًا: ولم يحفظ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه توكأ على سيف في الخطبة" كذا رأيت بهامشه معزيًّا لـ م خ. اهـ. فصل في إنصات المأمومين للخطبة (1) قوله: "يحرم الكلام الخ": وقد يجب الكلام والإمام يخطب، كما إذا كان لتحذير ضريرٍ أو غافلٍ عن هلكةٍ وبئرٍ ونحوه. تتمّة: إذا كان العيد يوم الجمعة سقطت الجمعة عمّن صلى العيد مع الإمام، ¬

_ (¬1) أي في كتابه المسمى "زاد المعاد في هدي خير العباد" وهو من خير ما كتب في فقه السيرة.

باب صلاة العيدين

سقوط حضورٍ لا سقوط وجوبٍ، بمعنى [20أ]، أنه لا يجب عليه الحضور لصلاة [1/ 200] الجمعة، َ وإن حضرها وجبت عليه، إلا الإمام فيجب عليه الحضور لها أيضًا. ثم إن حضر العدد المعتبر صلى بهم وإلا فلا. (2) قوله: "الأعظم": أي الذي يجمع الخلق الكثير. (3) قوله: "وأقل السنة الخ": أي وفعلها في المسجد أفضل، بخلاف غيرها كما تقدم. باب صلاة العيدين (1) قوله: "لأنه يعود ويتكرر": وإنما قيل في جمعِهِ "أعياده" بالياء، وحقُّه بالواوِ، للفرق بينه وبين أعواد الخشب. لكن قد يقال: يمكن التفرقة بجعل الياء في جمع أعواد الخشب دون جمع عيد. فالأولى أن يقال: جمع العيد بالياء للزومها في الواحد. (2) قوله: "إذا اتفق أهل الخ": أي وتركوها، فلا بد من الترك مع الاتفاق عليه. تأمل. (3) قوله: "كشروط الجمعة، من استيطان وعدد": يعكّر عليه قوله فيما يأتي، كعامّتهم: "وسُنّ لمن فاتته ولو منفردًا قضاؤها على صفتها" فقد قال في الفصول: ولو كان العدد مشروطًا لأدائها لم يصح قضاؤها منفردًا، ألا ترى أن الجمعة لا تصلى إلا جماعة، أي بالعدد المعتبر اهـ. وقال الحجاوي (¬1): ويمكن على اشتراط العدد أن يقال: الصلاة الأولى سقط ¬

_ (¬1) الحجاوي: هو موسى بن أحمد بن موسى بن سالم (- 968 هـ) ولد في "حَجّة" من قرى نابلس، ثم ارتحل إلى دمشق. ولازم طلب العلم، وانفرد في عصره بتحقيق مذهب الإمام أحمد، حتى صار إليه المرجع فيه. اشتهر بكتابه "الإقناع" جرّد فيه الصحيح من المذهب، وكتابه الآخر "زاد المستقنع مختصر المقنع" للشيخ الموفق. وله "منظومة في الآداب الشرعية".

فصل في التكبير في العيدين

[1/ 204] بها فرض الكفاية فصار ما بعدها سنّة، ولأن صلاة الجمعة أدخل في الفرضيّة من صلاة العيد، فسومح فيها ما لا يتسامح في العيد. (4) قوله: "ما عدا الخطبتين": يرد عليه أن من شروط الجمعة الوقت، فلا تصح بعده، بخلاف العيد فإنه يمضى كما يأتي. تأمل. (5) قوله: "في غير العيدين": وقال في المبدع: الظاهر أن المخالفة فيه شرعت لمعنى خاص، فلا يلتحق به غيره اهـ. (6) قوله: "ستًّا": وفاقًا لمالك. وقال الشافعي: سبعًا في الأولى وخمسًا في الثانية. وقال أبو حنيفة: ثلاثاً في الأولى قبل القراءة، وثلاثًا في الثانية بعدها، ليوالى بين القراءتين اهـ. م ص. اهـ. حاشية. (7) قوله: "وإن أحب قال غير ذلك": أي كأنْ يقول "سبحان الله. والحمد لله. ولا إله إلا الله. والله أكبر" أو نحو ذلك. (8) قوله: "فلا سجود للسهو": أي مشروع، وإلاّ فيباح السجود لتركه السهو كما تقدم، لأنه سنة قولية. (9) قوله: "كمدرك الإمام في التشهد": أي فإنه يتمّها على صفتها، بخلاف الجمعة. فصل في التكبير في العيدين (1) قوله: "عقب كل فريضة": فيؤخذ منه أنه يقدم على الاستغفار وعلى قوله اللهم أنت السلام الخ وهو كذلك. (2) قوله: "لأن التلبية تقطع الخ": أي وإنما لم يكبر المحرم من فجر عرفة لأنه مشغول بالتلبية، وإذا رمى جمرة العقبة ضحى يوم العيد تنقطع التلبية. فيكبّر من ظهر ذلك اليوم. لكن لو رمى الجمرة قبل الفجر لم يكبّر إلا من الظهر، وإن انقطعت التلبية، كما أنه لو أخر رميها إلى بعد صلاة الظهر فإنه يكبّر ويلبي كما صرح به م ص وغيره اهـ. ويجزئ التكبير بالصفة المذكورة مرة، وإن زاد إلى ثلاث فحسن.

باب صلاة الكسوف

(3) قوله: "ولا بأس بقوله الخ": أي وأما التهنئة بالعيدين والأعوام [1/ 207] والأشهر، كما يعتاده الناس، فلم أر فيه لأحد من أصحابنا نصًّا. وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يبشر أصحابه بقدوم رمضان (¬1). قال بعض أهل العلم: هذا الحديث أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضًا بشهر رمضان. قلت: وعلى قياسه تهنئة المسلمين بعضهم بعضًا بمواسم الخيرات وأوقات وظائف الطاعات اهـ. ملخصًا من شرح المحرر اهـ. من بعض الهوامش. باب صلاة الكسوف (1) قوله: "من ابتداء الكسوف": أي ما لم يكن وقت نهي، وإلاّ لم يصلّوا، بل يدعونَ ويذكرون الله تعالى، ثم إن دام الكسوف حتى خرج وقت النهي صلَّوا، وإلافلا. (2) قوله: "ولا يزيد على خمسٍ": أي وجوبًا كما ذكره المصنف في الغاية. (3) قوله: "إلاّ زلزلةً دائمة": أي فيصلي لها كصلاة الكسوف. باب صلاة الاستسقاء قوله: "وهو" أي الاستسقاء. (1) قوله: "إجدابُ الخ" الجدب ضد الخصب، وقحط المطر احتباسه. فيسن لنا إذا حصل ذلك ولو لغيرنا (¬2) أن نصلي صلاة الاستسقاء، أو نستسقي عقب الصلوات، وفي خطبة الجمعة. ¬

_ (¬1) حديث أبي هريرة قال: "قال النبي - صلى الله عليه وسلم - يبشر أصحابه بقدوم شهر رمضان إلخ" أخرجه أحمد (2/ 385) وابن أبي شيبة (3/ 1). (¬2) هنا في الأصل كلمة خفية، وهذا أولى ما تقرأ عليه.

[1/ 211] (2) [قوله]: "التشاحن" [20ب]: من الشحناء وهي العداوة. (3) قوله: "ولا يلزمان بأمره": أي وقولهم تجب طاعته في غير معصية محمول على أمور الاجتهاد والسياسة والتدبير لا مطلقًا. (4) قوله: "متواضعًا": أي ببدنه "متخشعًا" بقلبه وعينه "متذللاً" بثيابه "متضرّعًا" بلسانه. قاله ابن نصرالله اهـ. ع ن. ولا يمنع أهل الذمة من خروجهم للاستسقاء منفردين بمكانٍ، لا بيومٍ. وكره إخراجنا لهم لأنهم أعداء الله وأبعد إجابة. (5) قوله: "وظهورهما نحو السماء": قال العلماء: السنة لمن دعا برفع البلاء أن يجعل ظهر كفّه إلى السماء، إشارة إلى الرفع؛ ولمن دعا بطلب شيء أن يجعل بطن كفّه إلى السماء، إشارة إلى الأخذ. قاله الشيشيني (¬1) اهـ حاشية. (6) قوله: "أسقنا": أي بوصل الهمزة وقطعها "غيثًا" أي مطرًا "مغيثًا" منقذًا من الشدة "هنيئًا" حاصلاً بلا مشقة "مريئًا" سهلاً نافعًا محمود العاقبة "غَدَقًا" بفتح المعجمة وكسر الدال المهملة وفتحها، أي كثير الماء والخير "مجلِّلًا" أي يعم البلاد والعباد نفعه "سَحًّا" أي صبًّا "عامًّا" أي شاملًا "طَبَقًا" بالتحريك، يطبِّق البلاد مطره "دائمًا" أي متصلًا بالخصب. (7) قوله: "من اللأواء الخ": اللأواء الشدّة، "والجهد" المشقة "والضَّنْكُ" الضيق. (8) قوله: "اللهم أمطرنا": أي بقطع الهمزة من "أمطر" فإنه يقال: مَطَرَ "وأمْطَرَ"، وقيل: أمطر في العذاب. وعليه فلا يقال: اللهم امطُرنا إلا بوصل الهمزة. (9) قوله: "لأن ذلك أبلغ في التضرع": أي ولحديث: "إن الله يحب ¬

_ (¬1) الشيشيني: لعله أحمد بن علي بن أحمد الشيشيني (أي الشيشاني) أصلاً القاهري الميداني الحنبلي (844 - 919 هـ) ولي القضاء لابن قايتباي. له المقرّر شرح المحرّر" وهو شرح مبسوط غريب الفوائد.

الملخين في الدعاء" (1) قال أصبغ (2): استُسْقِيَ للنيل بمصر خمسة وعشرين مرة [1/ 214] متوالية وحضره ابن وهب (3) وابن القاسم (4) وجمع اهـ. م ص. ... (1) حديث: "إن الله يحب المُلَحين في الدعاء" أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" وابن عديّ من حديث عائشة مرفوعًا. (2) أصبغ: هو أصبغ بن خليل من مقدّمي الفقهاء المالكية (- 273 هـ) فقيه قرطبة ومفتيها، أخذ عن يحيى بن يحيى وسحنون (تهذيب سير أعلام النبلاء ص 520). (3) ابن وهب: هو عبد الله بن وهب بن مسلم، أبو محمد، الفهري بالولاء (125 - 197هـ) من أهل مصر، من تلاميذ الإمام مالك والليث بن سعد. جمع بين الفقه والحديث والعبادة. كان مجتهدًا. (4) ابن القاسم: هو عبد الرحمن بن القاسم العتقي (132 - 191هـ) صاحب الإمام مالك. روى عن الإمام مالك المدونة، وأخذ عنه سحنون وغيره، كان ذا مال ودنيا فانفقها في العلم (مختصر سير أعلام النبلاء ص 314).

كتاب الجنائز

[1/ 216] كتاب الجنائز (1) قوله:"يُسَن الاستعداد": أي التهيؤ، للموت. وقول الشيخ (¬1) "بالتوبة من المعاصي والخروج من المظالم" يدل على أن التوبة والخروج من المظالم سنّةٌ. وليس كذلك، بل يجبان. وإن سبقه إلى تلك العبارة م ص. ولعل المراد أن التوبة والخروج من المظالم واجبان، والسنة قصد التهيؤ للموت بهما، لا أنهما سنتان، كما قد يتوهم. فتدبر. (2) قوله: "مِنْ ذكْرِهِ": هو بضمّ الذال المعجمة بمعنى التذكر، وبكسرها يكون بمعنى النطق به، وليس مرادًا. لكن ذكر بعض أهل اللغة أنه يصح أن يكون مكسور الذال بمعنى التذكر، فعلى هذا يقرأ بهما. تأمل. (3) قوله: "هاذم": بالمعجمة أي قاطع. (4) قوله: "ويستحب للمريض الصبر على المرض": إن أريد به الصبر الجميل، وهو الذي لا تَشَكِّي فيه، فمسلَّم، وإن أريد به عدم الجزع، والتسخط، ففيه أن لك واجب اتفاقًا. وقوله: "والرضا بقضاء الله تعالى": فيه نظر، فإن ذلك واجب أيضًا، نعم ذكروا أنه إذا وقع من شخص ذنب: نظرًا إلى كونه بقضاء الله تعالى يجب عليه الرضا، ونظرًا إلى المقضيِّ وهو الذنب، وكونه فاعلاً له، يجب عليه عدم الرضا (¬2). (5) قوله: "غير المبتدع" أي فتحرم عيادته. ¬

_ (¬1) الشيخ: المراد به هنا الشيخ عبد القادر التغلبي في "نيل المآرب". (¬2) ويستحب السعي لرفع المرض، بالتداوي، للأحاديث الواردة به، بل قد يجب أحيانًا. وكون المؤلماتِ واقعةً بقضاء الله تعالى لا يمنع السعي لرفعها. وأما الرضا بقضائه تعالى فالمراد به أن يكون الإنسان راضيًا عن ربه تاركًا للتسخّط والحزن على ما وقع فعلًا، وأما السعي لرفع الضرر الواقع ومنع الضرر أن يقع مستقبلًا، فلا يدخل في مفهوم الرضا ولا في مستلزماته.

فصل في غسل الميت

وقوله: "ومن يجهر بالمعصية" أي فتكره. [1/ 217] وقوله: "من أول مرضه": وقيل بعد ثلاثة أيام. (6) وقوله: "قال: ثلاثة لا تعاد" أي لا يعاد صاحبها، راجعٌ إلى أبي المعالي. وتسن العيادة غِبّا، بكرة وعشيًّا، وفي رمضان ليلًا. ويسن تذكيره التوبة والوصيّه، وأن يدعو له بالعافية والصلاح، وأن لا يطيل الجلوس عنده إلا إن كان يأنس به. وإذا جلس عنده أخذ بيده ودعا له بما ورد، أو بما أحبّ. (7) قوله: "لا إله إلا الله": قال في الفروع ويتوجَّهُ - كما قال جماعة من الشافعية والحنفية - أنه يلقّنُ الشهادتين اهـ. أي "لا إله إلا الله محمد رسول الله" وحينئذ فالاقتصار على الأولى في الخبر المذكور لأن الإقرار بها إقرار بالأخرى. (8) قوله: "على جنبه الأيمن": وعنه: مستلقيًا مطلقًا، أي واسعاً كان المكان أو ضيقًا. اختاره أكثر، وعليه العمل اهـ. إقناع وشرحه. (9) قوله: "ويوصي الخ": أي في تنفيذ وصاياه، وقضاء ديونه، وتجهيزه، والنظر في مصالح القاصر من أولاده، ونحو ذلك. (10) قوله: "لما روى [21أ]، البيهقي الخ" كذا في شرح المنتهى لـ م ص، وهو كما تراه غير مطابق لما استدل له. تأمل. فصل في غسل الميت (1) قوله: "ونحوهم" الأولى "ونحوهما" لكن قد يقال إن أل في "المحترق" و "المسموم" للجنس مثلاً. (2) قوله: "فيحمل كلام المنقِّح الخ" هكذا حمله صاحب المنتهى. وبهذا يدفع اعتراض الحجّاوي في حاشيته على التنقيح. (3) قوله: "والأولى به الخ": والأولى بغسل أنثى وصيتها، ثم أمها وإن علت، ثم بنتها وإن نزلت، ثم القربى فالقربى، كالإرث.

[1/ 220] (4) قوله: "وهي ما بين سرّة وركبة": أي فيمن بلغ عشرًا فصاعدًا، وكذا الحرة المميزة. وأما ابن سبع إلى عشر فالفرجان، كما تقدم في شروط الصلاة. (5) قوله: "وللرجل الخ": لكن الرجل الأجنبي أولى من الزوجة، والمرأة الأجنبية أولى من الزوج. وكذا السيد والأمة، والزوج والزوجة، أولى من السيد وأم الولد. (6) قوله: "وإن لم يشترط وطأها، أي لأنه يلزمه كفنها ومؤنة تجهيزها. ولها تغسيله إن شرط وطأها وإلا فلا. (7) قوله: "ولا يغسل سيدٌ أَمَتَهُ المزوّجة الخ": تبع الشارح في ذلك صاحب الإقناع. وفي المنتهى: له ذلك، وتبعه المصنف في الغاية، مشيرًا لخلاف الإقناع. (8) قوله: "وللمرأة غسل زوجها": قال أبو المعالي: لو وطئت بعد موته بشبهة، أو قبّلت ابنه لشهوةٍ، لم تغسله، لرفعِ ذلكَ حِلَّ النظر واللمس بعد الموت. ولو وطئ أختها بشبهة، ثمّ مات في العدة، لم تغسله إلاّ أن تضع عقب موته. وإن مات رجل بين نساء، ولم يكن فيهن زوجة ولا أَمَة له، يُمَّمَ. وكذا لو ماتت امرأة بين رجال ليس فيهم زوجها ولا سيدها يُمَّمَتْ، وكذا لو مات خنثى مشكل له سبع سنين فأكثر، ولم تحضره أمة له، يمم. ويكون التيمم في الثلاثة بحائل إن لم يوجد محرم. ورجلٌ أولى بخنثى. (9) قوله: "ومنخريه": بفتح الميم وكسر الخاء، وقد تكسر الميم أيضًا. وفي لغةٍ: مُنْخُور، بضم الميم. (10) قوله: "وجب إعادة الغسل الخ": وحينئذٍ فيعايا بها، فيقال: حدث أصغر أوجب غسلًا وأبطل غُسْلاً. فائدة: ظاهر كلام الأكثر أن غسل الملائكة للميت لا يكفي. وقال في الانتصار: يكفي إن عُلِمَ غُسله. وكذا في تعليق القاضي. واحتج بغسل الملائكة

لحنظلة (¬1)، وبغسلهم لآدم عليه السلام (¬2)، وبأن سَعْدًا لما مات أسرع النبي - صلى الله عليه وسلم - في [1/ 221] المشي إليه، فقيل له في ذلك، فقال: خشيت إن تسبقنا الملائكة إلى غسله (¬3) كما سبقت إلى غسل حنظلة. قال في الفروع: ويتوجه في مسلمي الجن كذلك، وأولى، لتكليفهم (¬4) اهـ. م ص. وزيادة حاشيته. (11) قوله: "واجب": يفيد أنه يشرع إعادة الغسل بعد السبع أيضًا إن خرج منه شيء، لأنه نفى الوجوب فقط. وعبارة الإقناع: "فإن لم يُنْقِ بسبعٍ فالأولى غسله حتى يُنقي اهـ. (12) قوله: "ظلمًا": قال المصنف في الغاية: ويتجه: لا خطأَ. وقوله: "لا يغسل": صوابه: لا يغسلان، إلا أن يكون خبرًا عن قوله "والمقتول ظلمًا" وقوله "وشهيد المعركة": خبره محذوف دل عليه ما قبله. وقول الشارح: "وجوبًا": يشير إلى أن غسلهما حرام، وجزم به في الإقناع. وقطع في المنتهى بأنه مكروه، وتبعه المصنف في الغاية. لكن قال: ومع دم عليهما يحرم، لزواله اهـ. فعلى هذا يمكن الجمع بين الإقناع والمنتهى بحمل كلام صاحب المنتهى على ما إذا لم يكن دم فيكره؛ وكلام صاحب الإقناع على ما إذا كان عليهما دم فيحرم. وكلام المصنف هنا محتمل لذلك. (13) قوله: "ودفنه في ثيابه": أي ولو حريرًا، فإن سُلِبَها كُفِّن بغيرها. (14) قوله: "وعليه ما يوجب الغسل": أي ولو ابن عشير جامَعَ ثم قتل قبل ¬

_ (¬1) حنظلة: هو حنظلة بن أبي عامر، صحابيّ كريم، استُشهد مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد، خرج إليها جُنبًا فغسلته الملائكة، انظر قصته في البداية والنهاية (4/ 21). (¬2) غسل الملائكة لآدم أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد بإسناده. قال ابن كثير: (1/ 89) "إسناد صحيح إليه" يعني إلى أبي بن كعب رضي الله عنه. (¬3) حديث "خشيت أن تسبقنا الملائكة إلى غسله" قصة مقتل سعد بن معاذ وحزن النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه أوردها ابن كثير في البداية والنهاية 4/ 129 لكن لم يورد قوله: "خشيت أن تسبقنا الملائكة إلخ" فلينظر. (¬4) هذا من التكلّف، لأن أمرهم مغيب عنا، فالأولى ترك الخوض فيه.

فصله في الكلام على الكفن

[1/ 223] غسله، ومثله بنت تسع جومعت، كما يعلم من الفروع في باب الغسل. [15] قوله: "بل يوارى الخ" أي وجوبًا كما قال ابن نصرالله. وكذا في شرح الهداية (¬1)، أو جوازًا [21ب]، كما هو ظاهر المحرر حيث قال: وله دفنه إن لم يجد من يدفنه، وقطع به الشيخ وجيه الدين. وذكر في النكت أن مواراة كفّارِ بَدْرٍ في القليب لا تنهض دليلاً على الوجوب، فليحرر اهـ. فصله في الكلام على الكفن (1) قوله: "سوى رأس المحرم ووجه المُحْرِمَة": أي فلا يجب ستره، بل يحرم، لأن المحرم الميت كالمحرم الحيّ، فيجنَّب كل ما يحرم على المحرم من طيب، ومن لبس مخيطٍ لذكرٍ، ومن تغطية رأسه ووجهِ أنثى، ويغطَّى رأس الأنثى ووجه الذكر وجوبًا. بقي أنه لو مات خنثى مشكل وهو محرم ماذا يغطى منه؟ هل رأسه إلحاقًا له بالأنثى دون وجهه؟ أو وجهه دون رأسه إلحاقا له بالذكر، أو كلاهما، وما الحكم في ذلك؟ لم أر من تعرّض له. لكن الظاهر أن الاحتياط ستر جميعه، لأن تحريم ستره دون تحريم كشفه، فإن الأولى فيها خلاف. (2) قوله: "من ملبوسِ مثله": أي في الجمع والأعياد. ومن نُبِشَ وسرق كفنه كُفن ثانيًا وثالثًا من تركته ولو قسمت، ما لم تصرف في دينٍ أو وصية. وإن أكله سَبُع ونحوه وبقي كفنه فما من مالِهِ فتركةٌ وما تُبُرِّع به فهي لمتبرّع، فإن جُهِل ففي كفنِ آخر. (3) قوله: "وإن ورثه غير مكلف": أي يست أن يكفّن الرجل في ثلاث لفائف، بأن لا ينقص عنهن، ولو ورثه صغير أو مجنوق. وأما إن كفِّن من بيت المال أو من أكفانٍ موقوفة فلا يزاد على ثوب واحد يستر جميع بدنه، وفيما زاد وجهان. وقول الشارح: وتكره الزيادة على الثلاث هو خلاف ما صحّحه ابن ¬

_ (¬1) "الهداية" هي للشيخ أبي الخطاب الكلواذاني من أئمة الحنابلة. وعليها شرح للشيخ وجيه الدين أسعد بن المنجا الشهير بأبي المعالي.

فصل في الصلاة عل الميت

تميم (¬1) وقدمه في الفروع من أنه لا يكره إلى سبعة أثواب اهـ. [1/ 224] (4) قوله: "والحنوط فيما بينها": أي بين اللفائف. وكذا يجعل منه في قطن بين أَلْيَتَيْهِ، وعلى منافذ وجهه، ومواضع سجوده، وعلى مغابنه، كطي ركبتيه، وتحت إبطيه، وسُرته. وكره بداخل عينيه. (5) قوله: "ثم يرد طرف اللفافة الخ": أي كعادة الحيّ. (6) قوله: "ويكره التكفين الخ": أي مع وجود غيره، وإلا فيجب، كما هو ظاهر. (7) قوله: "في حق الذكر والأنثى الخ": أي لأنه إنما جاز للأنثى حال الحياة لبس الحرير والمذهب لأنها محل زينة وشهوة، وقد زال ذلك بموتها. فصل في الصلاة عل الميت (1) قوله: "يشرع تغسيله": أي بخلاف الشهيد والمقتول ظلمًا كما تقدم. (2) قوله: "واحد": أي وتسن جماعةً إلا على النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقوله: "مكلف": ظاهره أنها لا تسقط بمميِّز، لأنه ليس من أهل الوجوب. وقدَّم في المحرر: تسقط، كما لو غسله. قال م ص: قلت قد يفرق بأن المميز فيه أهلية الغسل الواجب لنفسه لو وجب عليه لجماعٍ وإسلامٍ، فصحّ أن يقوم فيه عن الميت، وليس أهلًا لفرض الصلاة اهـ. وانظر لو صلى عليه مَلَكٌ أو جنِّيٌّ مسلم وعلمنا ذلك هل يكفي أو لا بد من آدميّ؟ وهل يجري الخلاف الذي في الغسل هنا أو لا؟ فليحرر. (3) قوله: "والتكليف": أي بأن يكون المصلي بالغًا عاقلاً. وهذا شرط للصلاة التي يسقط بها الفرض فقط، وإلا فتصح من المميز كغيرها. (4) قوله: "وحضور الميّت": قال في الرِّعاية: ولا تصحّ على من في تابوت مغطًّى بخشب. وقال م صَ: قلت: بل تصح، ¬

_ (¬1) ابن تميم: هو محمد بن تميم الحرّاني، الفقيه (- 675 هـ) له "المختصر" في الفقه، مشهور، وصل فيه إلى أثناء كتاب الزكاة.

[1/ 225] كالمكبة (¬1)، ومحل ذلك أيضًا ما لم يكن الميت غائبًا عن البلد ولو دون مسافة قصرٍ، أو في غير قبلته، أو غريقًا ونحوه، فيصلي عليه إلى شهر بالنيّة. (5) قوله: "والتكبيرات الأربع": أي تكبيرة الإحرام وثلاث بعدها، وتجوز الزيادة عليها إلى سبع فقط، فيتابعُ الإمامَ إذا زاد على أربع إلى سبع، ما لم تظن بدعته أو رفضه. وينبغي أن يسبِّحَ بالإمام بعد السابعة لاحتمال سهوه، وقبلها لا يسبحَ به. وحرم على مأمومٍ سلامٌ قبله، وهل تبطل بذلك؟ ظاهره: لا. قال م ص: وهو كذلك. وينبغي أن تقيّد الحرمة بما إذا لم ينو المفارقة اهـ. م خ. أقول: ذكر ابن نصرالله في حواشي الكافي، كصاحب الفروع: ولا يجوز أن يسلم قبله. نص عليه. وذكر أبو المعالي وجهًا: ينوي مفارقته ويسلم، فكيف يجزم م ص بعدم بطلان صلاة من يسلم قبل إمامه المجاوِزِ، ظاهِرُهُ ولو لم يَنْوِ المفارقة (¬2)؟ فحرر النظر يظهر لك الصواب اهـ. م ص. وإن كبَّر الأولى، فجيء بجنازةٍ، كبَّر الثانيةَ ونواها لهما، وإن جيء بثالثةٍ كبر الثالثة، ونوى الجنائز الثلاثة، وإن جيء برابعة كبّر الرابعة ونوى الكل ويأتي بثلاثِ تكبيراتٍ أُخَر فتكون سبعًا. ويقرأ في الخامسة [22أ]، الفاتحة ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - في السادسة، ويدعو في السابعة. وإن وُجِدَ بعضُ ميتٍ تحقيقًا لم يُصَل عليه - غير سن وشعر- فككلِّه، أي يغسل ويكفّن ويصلى عليه، وينوي بها ذلك البعضَ فقط، ثم إن وجد الباقي يفعل به كذلك ويدفن بجنبه، أو ينبش بعض القبر ويدفن فيه. وإن كان قد صلى على جُمْلَتِهِ فتسن الصلاة عليه بعد غسله وتكفينه، وليست بواجبة. ولا يصلى على مأكولٍ ببطن آكلٍ، ومستحيلٍ بإحراقٍ، ونحوهما. ولا على ¬

_ (¬1) في الأصل كلمة خفية، وهذا أقرب ما تقرأ عليه، ولم نجدها في كلام الشيخ منصور في شرح المنتهى ولا شرح الإقناع. (¬2) الكلام هنا غير متّسق. ولم نجد للشيخ منصور في شرحيه للمنتهى والإقناع كلامًا حول هذه المسألة، فلعله في بعض شروحه أو حواشيه الأخرى.

بعض حيٍّ كيد سارقٍ قُطِعَتْ، ما لم يمت بعد القطع وقبل دفنها. [1/ 226] ويصلى على المسلمة الحامل دون حملها قبل مضيِّ تصويره، وعليهما معًا بعده. فإن حملت كافرةٌ بمسلم صلى عليه دونها إن مضى تصويره، وإلا فلا. ولا يصلى على أطفال المشركين إلا من حكمنا بإسلامه منهم. وإن اختلط من يصلى عليه بغيرهم، واشتبهوا، صلى على الجميع ينوى بها من يصلى عليهم، وغُسِلوا وكفِّنوا كلهم. وإن أمكن دفنهم منفردين فبها، وإلا دفنوا في مقابرنا. وإن مات من يُعْهَدُ ذمَيًّا فشهد مسلم عَدْلٌ أنه مات مسلمًا، حكم بها في الصلاة عليه، دون توريث قريبه المسلم منه. وللمصلي على الجنازة قيراط من الأجر، وهو أمر معلوم عند الله تعالى، وله بتمام دفنها قيراط آخر، شرطَ أن لا يفارقها حتى تدفن اهـ. ملخصًا من المنتهى وشرحه الصغير، وبعضه من المبدع. وقوله: "فإن ترك منها غيرُ مسبوقٍ الخ ": أي لأن كل واحدة منها بمنزلة الركوع من غيرها، لا أنها كتكبيرات الانتقال، فلا تسقط لا سهوًا ولا جهلاً. وقوله: "غير مسبوق" أي وأما المسبوق فهو مخيَّر في قضاء ما فاته وسلامٍ مع إمامه. (6) قوله: "لإمامٍ ومنفردٍ": أي لا مأموم. (7) قوله: "زاد الأثرم" (¬1): المراد بالسنّة الطريق الشرعية. وهذا مختصر من ¬

_ (¬1) الأثرم: أحمد بن محمد بن هانى الطائي (مات بعد 260 هـ) إمام جليل، من أصحاب أحمد الرواة عنه مباشرة. أثنى عليه يحيى بن معين وغيره. وقوله: "زاد الأثرم" موضع له في الشرح، لأنه لم يورد الحديث أصلاً. فكان على صاحب الحاشية أن ينبه عليه. والحديث أخرجه الشافعي (1/ 214، 215) والأثرم بإسنادهما عن أبي أمامة بن سهل، أنه أخبره رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن السنة في الصلاة على الجنازة: "يكبر الإمام، ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى سرًّا في =

فصل في حمل الميت ودفنه

[1/ 227] أثرٍ رواه الشافعي والأثرم كما في شرح المنتهى فراجعه. (8) قوله: "كفى التشهد": وقال بعضهم: المراد مطلق صلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -. (9) قوله: "وتحرم الصلاة بعد ذلك": أي ما لم يكن غير مدفون، فيصلى عليه ولو مضى أكثر من شهرٍ، بأن كان مطليًّا بعبيرٍ (¬1) ونحوه. فصل في حمل الميت ودفنه (1) قوله: "على الغسل": وفي الغاية اتجاهٌ بتحريمه، لكون فاعله لا بدّ أن يكون من أهل القُربة، كالصلاة، لكن إذا كان الغاسل غير من نوى الغسل فالظاهر عدم التحريم. فيحمل كلامه هنا كغيره على ذلك. فليتأمل. وإذا دفن الميت من غير غسلٍ، وأمكن، لزم نبشه وغسله إن لم يخف تفسخه أو تغييره. ومثله من دفن غير متوجه إلى القبلة، أو قبل الصلاة عليه، أو قبل تكفينه. أما لو كفِّن بحرير فالأولى عدم نبشه. وأما إن دفن بغير غسل لعدم ماء ونحوه ثم أمكن غسله فهل ينبش له إذا لم يخش تفسخه أو تغييره؟ الجواب نعم يجوز نبشه لذلك. وهل هو أولى أو عدمه؟ لم أر من صرّح به ولا من أشار إليه. ولعلَّ عدم نبشِهِ أولى لما في النبش من هَتْكِ حرمة الميت لغير ضرورة فتأمل. (2) قوله: "يعمق": وقال بعضهم: يكون قامةَ وسَطٍ ويدًا مبسوطةً قائمة. وقوله: "بالعين المهملة": والعامة تقوله بالغين المعجمة، وهو غلط. (3) قوله: "ويسن على جنبه الأيمن الخ": فعلى هذا يجوز وضعه على جنبه ¬

_ = نفسه، ثم يصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويخلص الدعاء للجنازة في التكبيرات، لا يقرأ في شيء منهن، ثم يسلم سرًّا في نفسه" زاد الأثرم "والسنة أن يفعل من وراء الإمام مثل ما يفعل إمامهم" والحديث صححه الشيخ محمد الألباني. (¬1) قوله: "مطليًّا بعبير" كلمتان خفيتان في الأصل وهذا أقرب ما تقرآن عليه فينظر صوابه ومراده بهما، ويحتمل أنه مصحّف عن "بِقِير".

الأيسر ورأسه إلى المشرق (¬1)، وكذا لو حفر القبر من الشمال إلى الجنوب ووضع [1/ 230] على ظهره، ورأسه لجهة الشمال، ويرفع رأسه قليلاً ليكون مستقبل القبلة كما ذكروا في صلاة المريض. لكن الصورة المذكورة في المتن أفضل. وينبغي أن يدنى من الحائط لئلا ينكب على وجهه. فائدة: ذكر أنه إذا أخذ من التراب قبضةٌ، وقرئ عليها الإخلاص إحدى عشرة مرة، ثم صُرَّت في الكفن، لم يُسْأل، أو يخفف عنه (¬2). وقوله: "ثلاث حَثَيات": ولا بأس أن يقول مع أول حثية {منها خلقناكم} وفي الثانية {وفيها نعيدكم} وفي الثالثة {ومنها نخرجكم تارة أخرى} اهـ غاية. (4) قوله: "واستحبهُ الأكثر الخ" (¬3): ظاهره: لا فرق بين الصغير والكبير. ورجّحه في الإقناع، وصحّحه الشيخ تقي الدين. وخصه القاضي وابن عقيل بالمكلف، وفاقًا للشافعيّ، وقدّمه في المستوعب. قال في تصحيح الفروع: قلت: وهو الصحيح، وعليه العمل في الأمصاز. قال ابن عبدوس (¬4): يُسال الأطفال عن الإقرار الأول حين الذرية، والكبار يسألون عن معتقدهم في الدنيا وإقرارهم الأول سواء كانوا مؤمنين أو كافرين، كما في النهاية. إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. قوله: "فيقوم عند رأسه" [22ب]: كذا في المنتهى وغيره. ومقتضاه أنه يلقِّن ¬

_ (¬1) مراده بهذا وبقوله فيما بعد "لجهة الشمال" أي في بلادنا وماسامتَهَا نحو تركيا، وليس مراده أن هذا بالنسبة لكل بلد. (¬2) إيراد المحشي لمثل هذا القول المتهافت موضع مؤاخذة، لأن تحديد المقروء، وتحديد عدد المرات، ومعرفة أثره على الميت، لا يصح إلا بنص شرعي. وقد قال الله تعالى {ليس بأمانيكم ولا أمانى أهل الكتاب من يعمل سوءاً يجزَ بِهِ} الَآية. وقل مثل هذا فيما يلي من كلامه. (¬3) قوله: "واستحبه الأكثر" كيف ولم يصح فيه حديث، وهو مخالف للأدلة القرآنية. والوارد الدعاء له. (¬4) ابن عَبْدوس: هو علي بن عمر بن أحمد، الحراني (- 559 هـ) فقيه واعظ. له كتاب "المُذهب في المذهب" وله "التذكرة" قال صاحب الإنصاف: بناها على الصحيح من الدليل.

فصله في أحكام المصاب والتعزية

[1/ 232] واقفًا. وهو مقتضى الحديث الوارد في ذلك، ولفظه "فليقم عند رأسه" وعبارة الفروع: فيجلس الملقِّن عند رأسه الخ. قلت: وهذا ما عليه عمل الناس. (5) قوله: "والبناء": أي على القبر. قال في الإقناع: وهو في المسبَّلة أشد كراهة. وعنه منع البناء في وقفٍ عامّ. قال الشيخ: هو غاصب. قال أبو حفص تحرم الحجرة، بل تهدم، وهو الصواب، اهـ كلام الإقناع. قال ابن القيم في الإغاثة: يجب هدم القباب التي على القبور لأنها أُسِّسَتْ على معصية الرسول اهـ. وقال في الإقناع: وتغشية قبور الأنبياء والصالحين، أي سترها بغاشية، ليس مشروعًا في الدين. قاله الشيخ. وقال، أي الشيخ، في موضعٍ آخر في كسوة القبر بالثياب: اتفق الأئمة على أن هذا منكر إذا فعل بقبور الأنبياء والصالحين، فكيف بغيرهم اهـ. (6) قوله: "والدفن الخ": أي سوى النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1). واختار صاحباه الدفن معه تشريفًا وتبركًا، ولم يزد عليهما لأن الخرق يتسع، والمكان ضيق. وجاءت أخبار تدل على دفنهم كما وقع، كذا ذكر المجد وغيره. (7) قوله: "وأَخْرَجَ النساء الخ": أي لا الرجال فلا يجوز، ولو لم يوجد نساء، كما يذكره الشارح قريبًا. (8) قوله: "لم تدفن الخ": قال حفيد صاحب المنتهى: هل المراد أنه حرام، أو أنه لا يجب؟ اهـ. أقول: يتعين القول بأنه حرام، لما في دفنها من دفن حي، وهو لا يكاد يخفى بل بديهيّ. فصله في أحكام المصاب والتعزية (1) قوله: "تعزية الخ": أي تسليته وحثُّه على الصبر بوعد الأجر، والدعاء ¬

_ (¬1) قوله "سوى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - " هذا الاستثناء لا معنى له، لأنه عليه الصلاة والسلام لم يدفن في المسجد، بل في حجرة عائشة رضي الله عنها. لكن أدخِلت حجرة عائشة بعد ذلك في المسجد بأمر بعض الخلفاء الأمويين، وليس قولهم حجة.

للميت والمصاب [1/ 233] (2) قوله: "إلى ثلاثة أيام": أي من حين الموت، أو من حين الدفن. قال الشيشيني: "لم أجد لأصحابنا كلامًا. وللشافعية في المسألة قولان. ويتوجه لنا مثلهم". وقوله: "فلا تعزية بعدها": قال: إلا إذا كان غائبًا فلا بأس بها إذا حضر. قال الناظم: ما لم تُنْسَ المصيبة اهـ. (3) قوله: "مصاب بمسلم": أي وأما إن كان مصابًا بكافرٍ فيقال له: أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك، فقط. تنبيه: جاءت الأخبار الصحيحة أن الميت يعذّب بالنياحة، وبالبكاء عليه. حَمَلُه ابن حامدٍ (¬1) على من أوصى به. وقال في التلخيص (¬2): يتأذى بذلك إن لم يوص بتركه. واختار صاحب المحرر أن من هو عادة أهله، ولم يوص بتركه، عُذِّب لأنه [إن] لم يوص به فقد رضي به. وأنكرت عائشة رضي الله عنها حمل ذلك على ظاهره. ووافقها ابن عباس. وقالت والله ما حدث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "إن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه" ولكنَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله يزيد الكافر عذابًا ببكاء أهله عليه، وقالت لما بلغها رواية عمر وابنه في ذلك: "إنكم لتحدّثون غير كاذبين ولا متَّهمين، ولكن السمع يخطئ" وقالت: "حسبكم القرآن {ولا تزرُ وازرة وزر أخرى} (¬3) اهـ. حاشية. (4) قوله: "لقبرِ كافرٍ": أي للاعتبار، لا لدعاءٍ له، بل يقال له: "أبشر ¬

_ (¬1) بن حامد: هو الحسن بن حامد بن علي بن مروان البغدادي (- 403هـ) كان إمام الحنابلة في وقته، ومؤدبهم، ومعلمهم. وهو شيخ من شيوخ القاضي أبي يعلى. له " الجامع في المذهب" و "شرح الخرقي". (السحب الوابلة). (¬2): هو كتاب "تلخيص المطلب في تلخيص المذهب" للفخر، محمد بن الخضر، بن تيمية (- 622 هـ). (¬3) حديث: "إن المؤمن ليعذب ... " إلخ متفق عليه. ومراجعةُ عائشة وابن عباس لعمر وابنه في ذلك أخرجها مسلم (المغني 2/ 548).

[1/ 236] بالنار". (5) قوله: "وجوبًا": جزم به في الإقناع، وقدمه في شرح منظومة الآداب (¬1)، وعزاه للشيخ وجيه الدين في شرح الهداية. وقيل لا يجب، وقدّمه في شرح المنتهى. قال في الآداب: وهو أشهر وأصح. (6) قوله (¬2): "معرفًا": أي فلا يكفي منكرًا، كأن يقول: سلام عليكم الخ بخلافه على الحي. فائدة: ومن بُعِثَ معه السلام بلّغه وجوبًا إن تحمَّلَه، ويجب الردّ عند البلاع، ويستحب أن يسلم على الرسول، فيقول: عليك وعليه السلام. (7) قوله: "على امرأة الخ": أي وإن سلم عليها لا تردّه. وأما إن سلمت عليه رده عليها اهـ. إقناع. قال في شرحه: كذا في الرعاية. ولعل في النسخة غلطًا. ويتوجه: لا، قاله في الآداب. وإرسال السلام إلى الأجنبية، وإرسالها السلام إليه، لا بأس به للمصلحة، وعدم المحذور. ويسن أن يسلم الصغير والقليل والماشي والراكب على ضدهم. فإن عكس حصلت السنة. هذا إذا تلاقوا في طريق. أما إذا وردوا على قاعدٍ أو قعود فإن الوارد يبدأ مطلقًا، صغيرًا كان أو كبيرًا أو قليلًا أو ماشيًا أو راكبًا. (8) قوله: "وتشميت العاطس" الخ: ظاهره ولو كان العطاس بسبب، كما لو كان بنشوق ونحوه. وهكذا ظاهر إطلاق غيره، وفاقًا لمالك، وخلافًا للشافعية. والله سبحانه وتعالى أعلم. (9) قوله: "وردُه فرض عين": مقتضاه لو عطس جماعة وشمّتهم رجل دفعة واحدة [23أ]، أنه يجب على كل واحد منهم أن يجيبه. وفي المنتهى: "فرض كفاية" فعليه إذا أجاب بعضهم فيما ذكر يكفي عن الباقين اهـ. فحرره. ¬

_ (¬1) قوله: "معرّفًا" لم نجده في الأصل بهذا اللفظ. وهذا أولى المواضع به. (¬2) "منظومة الآداب": لعله يعني منظومة الحجاوي في الآداب، وهو شارحها أيضًا. وللشيخ محمد بن أحمد بن سالم السفاريني "غذاء الألباب شرح منظومة الآداب" مطبوع.

(10) قوله: "ويعرف الميت زائره الخ" (¬1): أي ويسمع الكلام، وإلا فلا فائدة [1/ 237] في السلام عليه. وقوله "وفي الغنية الخ" (¬2): قال ابن القيم: الأحاديث والآثار تدل على أن الزائر متى جاء علم به المزور، وسمع سلامه، وأنس به ورد عليه. وهذا عام في حق الشهداء وغيرهم، وأنه لا توقيت في ذلك، وهو أصح من أثر الضحاك الدال على التوقيت اهـ. (11) قوله: "ولو جهل الجاعل من جعله له": وعبارة المنتهى وشرحه: ولو جَهِلَهُ، أي الثوابَ، الجاعلُ، لأن الله يعلمه اهـ. ... ¬

_ (¬1) ورد في ذلك أثر واهٍ رواه الضحّاك، ولا يثبت بمثله شرع ولا اعتقاد. وقول ابن القيم هذا ربما كان في كتابه "الروح" وهو من أوائل مؤلفاته، وليس فيه من التحقيق ما في مؤلفاته اللاحقة. (¬2) عله يعني كتاب "الغُنْيَة لطالبي طريق الحق" للشيخ عبد القادر الجيلاني الحنبلي المتصوف (- 561هـ)

كتاب الزكاة

[1/ 238] كتاب الزكاة (1) قوله: "على خمسٍ": أي من خمسٍ، وإلا فالمبنيُّ غير المبني عليه، مع أن المذكررات في الحديث هي الإسلام. يعني أنها كالأركان للبيت، وغيرها من الواجبات والمندوبات كالمحسِّنات للبناء من تجصيص وأدهان وغير ذلك. (2) قوله: "ولأن تعلق الخ": أي كما أن الحر المحجور عليه لفلس إذا ملك نصابًا لا تجب عليه الزكاة، ولو قلنا إن الدين لا يمنع من وجوب الزكاة، كذلك لا تجب على المكاتب، لتعلق حاجته بالمال لفكِّ رقبته. (3) قوله: "ملك النصاب": أي ولو كان بيد غاصب، ويرجع بزكاته على الغاصب، أو كان ضالاًّ، أو كان غائبًا، لا إن شك في بقائه، أو كان مسروقًا، أو مدفونًا منسيًا، أو موروثًا جهله، أو جهل عند من هو، ونحوه، ويزكيه إذا قدر عليه، أو كان مرهونًا، أو كان دينًا على موسر أو معسر حالاًّ أو مؤجلاً، غير بهيمة أنعام إذا كانت دينًا، لعدم السوم، وغير ديةٍ وجبت على قاتل، وغير دين سَلَمٍ، ما لم يكن أثمانًا أو لتجارة اهـ منتهى. قال ع ن (¬1): لا فرق بين دين السَّلَم وغيره في هذا الحكم، فما وجه إفراده وتخصيصه؟ فليحرر اهـ بمعناه. (4) قوله: "لفَلَسٍ": أي ولو قلنا إن الدين لا يمنع وجوب الزكاة، كما في شرح المنتهى. (5) قوله: "معيّن": خرج الوقف على غير معين، كعلى الفقراء ونحوهم، فلا زكاة فيه. وقوله: "من سائمة الخ": الأولى: من أرضٍ وشجر، فإن السائمة لا تجب الزكاة في غلتها بل في عينها، أو الأولى حذف "غلة" كما هو ظاهر. ثم إن كان الوقف أرضًا أو شجرًا فيخرج الزكاة من غلّتِهِ، فإن كان سائمة أخرج من غيره. (6) قوله: "معينين": أي وأما إن كانا مجهولين فمن حين التعيين، لا ¬

_ (¬1) ع ن: مراده بهذا الرمز الشيخ عثمان النجدي، له حاشية على المنتهى.

باب زكاة السائمة

العقد. ويتبع نتاج سائمةٍ الأصلَ. وكذا ربح التجارة يتبع الأصل في الحول إن كان [1/ 240] نصابًا. (7) قوله: "ويمنع وجوبها دين الخ": أي فلو كان عنده أربعون شاة مثلاً، وعليه دين يقابل شاةً، لا تلزمه الزكاة لنقص النصاب، حتى ولو كان عنده مال غير زكويٍّ فاضلٍ عن حاجته الأصلية [يفي بـ] (¬1) الدين، كما في المنتهى وغيره. (8) قوله: "أو زكاة غنم عن إبل": أي بان كان عنده خمس من الإبل ملكها في أول المحّرم، وأربعون شاةً ملكها في آخره مثلاً، فحال الحول، لزمه زكاة الإبل، وهو شاة، لا زكاةُ الغنم لنقص النصاب، وأما إن كان حول الغنم سابقًا لزمه شاتان عنهما. وإن كان حولهما واحدًا: قال ع ن: فالأظهر أنه يلزمه شاتان أيضًا اهـ. (9) قوله: "أخذت من تركته": اعلم أنه يبدأ من تركة الميت أوّلاً بمؤنة تجهيزه، ثم النذر المعين، ثم الأضحية المعنية، ثم الدين بالرهن، ثم الزكاة، والحج، والكفارة، والنذر المطلق، والديون المرسلة، على المُحاصّة بينها، ثم تنفذ الوصايا، ثم يُقسَم الباقي على الورثة. وقوله: "كالعشر": أي زكاة الخارج من الأرض. باب زكاة السائمة (1) قوله: "الثاني أن تسوم الخ": هذا صريح في أن السوم شرط لوجوب الزكاة في الماشية، وجزم به في الإقناع. وعليه فلا يصح تعجيل الزكاة قبل الشروع في السوم. وجزم المصنف في الغاية بأن عدم السوم مانع من وجوب الزكاة، لا أن السوم شرط. وقطع به في المنتهى. وعليه فيصح تعجيل الزكاة قبل الشروع فيه. (2) قوله: "وفي المعيبة الخ": فلو كانت الإبل مراضًا، وقوِّمت لو كانت ¬

_ (¬1) الإضافة من معنى ما في شرح المنتهى، ليستقيم القول.

فصل في نصاب البقر وزكاتها

[1/ 241] صحاحًا بخمسة آلاف، وكانت الشاة فيها قيمتها خمسون، ثم قوّمت مراضًا بأربعة آلاف، كان نقصها بالمرض ألفًا، وهو خُمْسُ قيمتها لو كانت [23ب] صحاحًا، فتجب فيها شاة قيمتها أربعون بقدر نقص الإبل، وهو الخمس من قيمة الشاة هنا. فصل في نصاب البقر وزكاتها (1) قوله: "على الأصح الخ": أي واختار الموفق: وجمع لا تجب في الوحشية. (2) قوله: "تَبِيع": أي ويجزئ عنه مُسِنّ. ولا يجزئ في الزكاة ذَكَرٌ إلا هنا وابن اللبون والحق والجذَعُ والثني عن بنت المخاض، أو كان النصاب كله ذكررًا. (3) قوله: "مسنة": أي ويجزئ إخراج أنثى أعلى منها سنًّا بدلَها. (4) قوله: "كالظباء": ظاهره بل صريحه أن الغنم الوحشيّة هي الظباء أو بعضها. ولم أرها لغيره. بل الذي يفهم من كلام م ص في شرح المنتهى أنها غيرها، حيث قال في أول كتاب الزكاة، بعد قول المصنف ما معناه أنه تجب الزكاة في المتولد بين ما تجب فيه الزكاة وغيره. قال: كالمتولّد بين الظباء والغنم (¬1)، وبين السائمة والمعلوفة، تغليبًا للوجوب. اهـ. مع أنه قلّم أن الزكاة تجب في الغنم الوحشيّة. فهو نصّ في أن الظباء ليست من الغنم الوحشية، بل هي غيرها. نعم ذكر في الفروع عن ابن حامد وجوب الزكاة في الظباء إذا بلغت نصابًا. وهو خلاف المذهب اهـ. ولا تؤخذ هرمة ولا معيبة لا تجزئ أضحيةً، ولا أكولة، ولا سمينة، ولا حامل إلا برضا ربها. فصل في حكم الخلطة (1) قوله: "واشتركا في المبيت الخ": هذه الشروط إنما تعتبر في خلطة ¬

_ (¬1) هذا الكلام لم نجده في المنتهى وشرحه المطبوع للشيخ منصور البهوتي. فلعل المحشي وهم في. تسبته إليه.

باب زكاة الخارج من الأرض

الأوصاف خاصة، كما هو مصرح به في الإقناع والفروع. وهو ظاهر صنيع المنتهى [1/ 245] وشارح هذا الكتاب، وهو ظاهر لا غبار عليه. باب زكاة الخارج من الأرض أي والعسل. فقد ترجم لشيء وزاد عليه، وهو ليس بعيب. (1) وقول الشارح "والمعدن": في الترجمة: فيه أنه لم يذكر المعدن في هذا الباب، بل في باب عروض التجارة، فلا يصح ذكره في الترجمة. وإن كان الصواب ذكره في هذا الباب، كما في المنتهى والإقناع. (2) قوله: "في كل مكيلٍ مدخَرٍ": أي سواء كان يُقتات به أو لا. وقال جماعة: لا بد أن يكون قوتًا. فعليه لا زكاة في حبّ البقول كحب الرشاد والفجل والقُرْطُم (¬1) والأبازير كالكسفرة والكمّون وبزر القثّاء والخيار. وحكى بعضهم رواية عن الإمام أحمد: لا زكاة إلا في التمر والزبيب والبّر والشعير. وقدمه ابن رزين في مختصره (¬2) اهـ. (3) قوله: "في عُنَّاب": بضم العين. وقال في الإنصاف: تجب في العنَّاب على الصحيح. قال في الفروع: وهو أظهر. وجزم به القاضي في الأحكام السلطانية، والمستوعب (¬3) والكافي وابن عقيل في الفصول والتذكرة لأنه مكيل مدخر اهـ. ¬

_ (¬1) القُرْطُم: هو حب العُصْفُر (لسان العرب). (¬2) ابن رزين: هو عبد الرحمن بن رزين بن عبد الله بن نصر الغَسَّاني (- 656 هـ) من أهل حوران، ثم انتقل إلى دمشق. اختصر المغني في مجلدين وسمّى ما اختصره "التهذيب". (¬3) المستوعب: مختصر في مجلدين في الفقه الحنبلي، من تأليف مجتهد المذهب محمد بن عبد الله ابن الحسين بن محمد الشهير بالسامَرّي، كثير الفوائد والمعاني، شمل ما في مختصر الخِرَقي وعدة كتب أخرى. قيل فيه إنه أحسن متنٍ صنّف في المذهب. توفي السامري (616هـ) وله: "الفروق".

[1/ 245] وقوله: "وتين الخ": هذا المذهب وقال في الإقناع والأظهر وجوبها في العنّاب والتين والمشمش والتوت اهـ. (4) قوله: "بعد تصفية الحبّ الخ": وإن كان الحبّ يدّخر في قشره عادةً لحفظه، وهو الأرز والعَلْسُ فقط، فنصابها في قشريهما عشرة أوسق، وان صفِّيا فخمسة أوسق. والعلسُ نوع من الحنطة. (5) قوله: "وبالأرادب الخ": الإردَبّ كيلٌ معروف بمصر، وهو ثمانية وأربعون صاعًا، لأنه أربعة وعشرون ربعًا، والربع أربعة أقداح، وكل قدحين صاع. (6) وقوله: "وبالقدسيّ مائتان وسبعة وخمسون وسبع رطل": أي وكذا ما وافقه كالنابلسي. وهذا باعتبار ما كان. والآن يكون النصاب مقدار مائتي رطلٍ وأربعة عشر رطلًا وثلاث أواق ونصف أوقية إلا شيئًا يسيرًا، لأن الأول مبني على أن أوقية القدسي والنابلسي ستة وستون وثلثا درهم، فالرطل ثمانمائة درهم. وأما الآن فأوقية النابلسي ثمانون درهمًا، فالرطل تسعمائة وستون درهمًا، فإذا حررته وجدته كما ذكرنا. فالنصاب بالدراهم مائتا ألفٍ وخمسةُ آلاف وسبعمائة وأربعة عشر درهمًا وسبعا درهم (¬1). (7) وقوله: "مالكًا للنصاب وقت وجوبها الخ": فعلى هذا لو باع الثمرة والحب، أو تلفا بتعديه بعد ذلك، لم تسقط الزكاة، وقبله فلا زكاة عليه إن لم يقصد الفرار منها، فإن قصده فلا تسقط ببيع ونحوه. وهل إذا أوجبناها في صورة البيع ونحوه تجب أيضًا على المشتري لأنه مالك [24 أ] وقت الوجوب، فتجب زكاتان في عين واحدة؟ قال المصنف بحثًا منه: لعلها لا تجب على البائع إلا إذا باعها لمن لا تجب عليه اهـ. فائدة: اختار القاضي وصاحب المحرر وغيرهما وجوب الزكاة في الزيتون، ¬

_ (¬1) أي قريب من 627 كيلو غرمًا من القمح. ومن الشعير أقل من لك، لأن العبرة بالكيل.

فصل في قدر الواجب في الزرع والثمر

وفاقًا لأبي حنيفة ومالك، واختار الخرقي وأبو بكر والشيخ الموفق وغيرهم عدم [1/ 246] وجوبها فيه، وفاقًا للشافعي. وكذا في القطن روايتان. فعلى القول بوجوبها يكون نصاب الزيتون خمسة أوسق كيلًا. وقال في الإيضاح (¬1): هل يعتبر بالزيت أم بالزيتون؟ فيه روايتان، فإن اعتبر بالزيت فنصابه خمسة أفراق (¬2) اهـ. قال في الفروع: كذا قال، وهو غريب اهـ. وفي المستوعب: هل يخرج من الزيتون أو من دهنه؟ فيه وجهان. قال في الفروع: فيحتمل أن مراده أن الخلاف في الوجوب، ويدل عليه سياق كلامه؛ ويحتمل: في الأفضلية اهـ. قال ابن تميم: إن كان الزيتون لا زيت فيه أخرج من حبه، وإلا خُيِّر. ولا يخرج من دهن السمسم وجهًا واحدًا. ونصاب ما لا يكال، كالقطن ونحوه، ألف وستمائة رطل عراقية. والله سبحانه وتعالى أعلم. فصل في قدر الواجب في الزرع والثمر (1) قوله: "والناعورة يديرها الماء الخ": وقال الشيخ: وما يديره الماء من النواعير ونحوها مما يصنع من العام إلى العام، أو في أثناء العام، ولا يحتاج إلى دولاب تديره الدواب، يجب فيه العشر، لأن مؤنته خفيفة، فهو كحرث الأرض وإصلاح طرق الماء. (2) قوله: "وسُنَّ لإمامٍ بعث خارص الخ": أي وفاقًا لمالك والشافعي، للأخبار المشهورة. وأنكره الحنفية، لأنه غرر وتخمين اهـ. من الفروع. (3) قوله: "لا يُتَهم": أي بأن لا يكون من عمودي نسب رب المال. وظاهر إطلاقهم أنه لا يشترط ذكرريته. وقد اشترطوا ذلك في القائف اهـ ابن نصرالله. قلت: والأولى اشتراطها كما في نظائره. فائدة: وإن أخذ الساعي فوق حقه اعتدّ بالزائد عن سنة ثانية إن نوى المالك ¬

_ (¬1) الإيضاح: لعل مراده به الإيضاح لعبد الواحد الشيرازي المقدسي (- 486 هـ). (¬2) الأفراق: جمع "فَرَقٍ" بفتحتين، وهو إناء يسع ستة أصول.

[1/ 247] ذلك، ولو لم ينوه الساعي، بدليل أن من ظُلِمَ في خراجه يحتسبه من العشر أو من خراجٍ آخر. ونقل حَرْبٌ عن الإمام في أرض صلحٍ يأخذ السلطان منها نصف الغلة: ليس له ذلك. قيل له: فيزكي المالك عما بقي في يده؟ قال: يجزئ ما أخذه السلطان عن الزكاة، يعني إذا نوى به المالك. وقال الشيخ: ما أخذه باسم الزكاة، ولو فوق الواجب، بلا تأويل، اعتدّ به، وإلا فلا اهـ. ملخصًا من الفروع. وإن أخذ الساعي أكثر من الواجب بلا تأويل، كأخذه من أربعين مختلطةٍ شاةً من مال أحدهما، رجع على خليطه بقيمة نصف شاةٍ، لأن الزيادة ظلم. فلا يجوز رجوعه لمحلى غير ظالمه. وأطلق الشيخ تقي الدين في رجوعه على شريكه قولين، قال: أظهرهما يرجع. وقال في "المظالم المشتركة" (¬1): تطلب من الشركاء، يطلبها الولاة والظلمة من البلدان، والكُلَفِ السلطانية وغير ذلك: يلزمهم التزام العدل في ذلك، فمن تغيَّبَ أو امتنع، فأخذت حصته من غيره، رجع عليه من أدّى عنه في الأظهر، إن لم ينو تبرعًا. ولاشبهة على الآخذ في الأخذ. ومن صودر على مالٍ وأُكرِه أقاربه أو جيرانه ونحوهم على أن يؤدوا عنه فلهم الرجوع، لأنهم ظُلِمُوا لأجله اهـ باختصار. (4) قوله: "وتضمين أموال العشر الخ": نص الإمام أحمد رحمه الله تعالى على معنى ذلك، وعلَّلَهُ في الأحكام السلطانية وغيرها بأن ضمانها بقدرٍ معلوم يقتضي الاقتصار عليه في تملك ما زاد وغُرْمِ ما نقص. وهذا منافٍ لموضوع العمالة وحكم الأمانة. أقول: وهل يجزئ ما يأخذه الضامن من العشر عن الواجب، كما يفعله أهل زماننا، فإنهم يضمّنون العشر، فيأخذ الضامن من المزارعين العشر بموجب ضمانه، وتارةً يأخذ القيمة، وقد يكون كافرًا، وقد يأخذه بغير اسم الزكاة؟ لم أَرَ من تعرض له. ¬

_ (¬1) رسالة "المظالم المشتركة" للشيخ تقي الدين بن تيمية، مطبوعة قديمًا بمصر.

باب زكاة الأثمان

قوله: "لم أو من تعرض له" (¬1): فيه أن شارح الغاية صرّح، بجواز دفع الزكاة [1/ 249] لمن التزم بها بمال معلوم، وكذا العشر والخراج، وعلَّله بقوله: لأنه إن فَضَلَ عليه مال مما التزم به لا يلزمه دفعه، وإن زاد المال على ما التزم به يلزمه دفعه للفقراء أو الإمام، لأنه أمين اهـ. من شرح الغاية للشيخ عبد الحي الجراعي. وفي شرح الغاية للرحيباني ما هو قريب من ذلك. فراجعه. (5) قوله: "مائة وستون الخ": أي وبالنابلسي واحدٌ وعشرون رطلًا وثلاث أواق، لأن أوقيته ثمانون درهمًا. (6) قوله: "وباقيه لواجده الخ" أي سواء وجده بدارنا مدفونًا بموات أو شارعٍ أو أرض منتقلة إليه، ولم يَدَّعِهِ منتقلةٌ عنه، أو لا يعلم مالكها، أو يعلم ولم يدَّعِهِ. ومتى ادعى مالك الأرض، أو من انتقلت عنه بلا بينة ولا وصف.، حلف وأخذه، أو وجده ظاهرًا بطريقِ غير مسلوكٍ، أو بخربةٍ بدار إسلامٍ أو عهدٍ أو حربٍ، وقدر عليه وحده ولو بجماعةٍ [24ب] لا صنعة لهم. وما خلا من علامة كفارٍ وكان على شيء منه علامة المسلمين فهو لقطة. وواجدها في مملوكٍ أحق بها من مالك، وربها أحق بركازٍ ولقطةٍ من واجدِ متعدًّ بدخوله. وإذا تداعى دفينةً مؤجرها ومستأجرها أو معيرها ومستعيرها فهي لواضعها بيمينه. فإن لم توصف فقول مُكْتَرٍ أو مستعير بيمينه، لترجحه باليد اهـ. منتهى وشرحه هنا. باب زكاة الأثمان وهي الذهب والفضة. (1) قوله: "والدرهم اثنتا عشرة حبّة خرنوب" (¬2): وفي شرح المنتهى لـ م ¬

_ (¬1) هذه القولة ليست موجودة في شرح الدليل. ولعلها من الشيخ محمود اللبدي، تكميلاً لما ذهب عن والده علمه حيث قال في آخر الكلام السابق "لم أر من تعرّض له". (¬2) الخرنوب: ويقال الخرّوب. شجر ينبت في جبال الشام. له ورق أخضر لا يسقط صيفًا ولا =

فصل في حلية الرجال والنساء

[1/ 250] ص: ست عشرة حبة. قال الصوالحي: اعتبرت وزن الدرهم، فوجدته اثنتي عشر حبة خرنوب من الثقيل، ومن الخفيف ست عشرة حبة، ومن المطلق أربع عشرة حبة اهـ فعلى هذا لا تنافي بين ما هنا وما في شرح المنتهى. فليحرر. (2) قوله: "ولا زكاة في حلي مباح الخ": فإن انكسر الحليّ وأمكن لبسه فهو كالصحيحٍ. وإن لم يمكن لُبْسُه فقال القاضي: إن نوى إصلاحه فلا زكاة فيه، كالصحيح. وعند ابن عقيل: يزكيه ولو نوى صلاحه. وصحَّحَهُ في المستوعب. وجزم به الشيخ. وهذا كما يؤخذ من الفروع إذا كان لم يحتج في إصلاحه إلى سبك وتجديد صنعة. وإلا زكاه اتفاقًا. والله سبحانه وتعالى أعلم. (3) قوله: "إذا بلغ نصابًا": أي الحلي المباح. ومثله المحرّم. وقوله: "ويخرج عن قيمته الخ": أي المباح فقط. تنبّه. فصل في حلية الرجال والنساء (1) قوله: "ولم أرها لغيره": كأن الشارح رحمه الله تعالى لم يجد لها موقعًا. ولعله احترز بذلك عن قبيعة السيف. والأقرب أنه احترز به عن المذكورات بعده من حلية المنطقة والجوشن وغيرها، فإنها لا تباح من ذهب. فقوله "فقط" راجع لقوله "قبيعة السيف" ولو من ذهب، أي بخلاف غيرها. وهو ظاهر لا غبار عليه. (2) قوله: "ويباح للنساء الخ": قال في الإنصاف: ظاهر كلام المصنف وكثير من الأصحاب جواز تحلية المرأة بدراهم ودنانير معرّاة. وفي مرسلةٍ وهو أحد الوجهين فلا زكاة. والوجه الثاني لا يجوز تحليتها بذلك، فعليها الزكاة فيه. ثم قال: فالصواب في ذلك أن يرجع فيه إلى العرف والعادة، فمن كان عرفهم وعادتهم اتخاذ ذلك حليًّا فلا زكاة فيه، وإلا فعليه الزكاة اهـ. ومن هنا يؤخذ حكم ما تتخذه نساء بلادنا بنابلس وقراها من الذهب المضروب، ويكون منظومًا في ¬

_ = شتاءً، يثمر قرونًا طويلة بعرض أصبعين إذا تمت كانت إلى السواد، تؤكل لحلاوتها، وفيها حبوب بُنيّة غامقة، يابسة صغيرة، أكبر من حب العدس.

باب زكاة العروض

سلك، ويوضع على الرأس، وكذلك من الفضة المضروبة، ما يسمونه صمادة. [1/ 253] وتلبسه نساء الفلاحين. فهو عندهم من أحسن ما تتحلى به المرأة. فعلى هذا لا زكاة فيه إلا إن أُعِدَّ لكراء أو نفقة. باب زكاة العروض (1) قوله: "وكذا أموال الصيارف" (¬1): أي كعروض التجارة في أنها تقوّم إذا حال الحول عليها، لأنها عرض، لأنها تعد للبيع والشراء. وصرح به م ص في "شرح المنتهى". وظاهر "الإقناع" خلافه. (2) قوله: "غير حلي اللبس": أي إن كان من نقد اهـ. ع ن. وفي "الغاية": ويتجه: ولو غير نقد اهـ. (3) قوله: "ربع العشر" أي: ربع عشر إن كان نقدًا، وربع عشر قيمته إن كان غير نقد. (4) قوله: "من أهل الوجوب": أي كسائر الزكوات، بخلاف الركاز، وتقدم. باب زكاة الفطر (1) قوله: "ومصرفها" أي: صدقة الفطر. (2) قوله: "طلب": أي فإنه بالطلب يجب وفاؤه، ويتجه: أو مع حول ¬

_ (¬1) أموال الصيارف: مراده بها الفلوس النحاسية ونحوها، وليس الذهب والفضة. وهذا في زمانهم. أما في زماننا فجمهور علماء العصر يوجبون الزكاة في العملات الورقية والمعدنيّة، لأنها حلت محل الذهب والفضة؟ في أنها عامة أموال الناس.

[1/ 255] أجله (¬1)، فإنه يجب وفاؤه حينئذ ولو بلا طلب على الصحيح، كما سيأتي. (3) قوله: "النسيب": أي القريب. (4) قوله: "على كل مسلم": وقيل يختص وجوبها بالمكلف بالصوم اهـ. إنصاف. وظاهر قوله: "مسلم" أنها لا تجب على كافر. وعنه تجب على مرتد. وعنه أيضًا تلزم الكافر عن عبده المسلم. وجزم به جماعة كما في الإنصاف وغيره. تأمل. (5) قوله: "ومكاتب": قال في الإنصاف. وهذا بلا نزاع. وهو من المفردات. ويلزمه أيضًا فطرة من تلزمه مؤنته من قريب وزوجه. (6) قوله: "المسلم": أي تلزمه مؤنته نفسه، وإلا فلا تجب عليه، كما يأتي. (7) قوله: "عمن يمونه": أي عمن تلزمه مؤنته، ولو لم يَمُنْهُ بالفعل. (8) قوله: "وزوجته": ظاهره ولو أمة، وهو صحيح. وعليه أكثر الأصحاب. وقيل لا يلزمه فطرة زوجته الأمة اهـ. إنصاف. (9) قوله: "الحرة": وكذا الأمة، إلا إن كانت عنده ليلًا وعند سيدها نهارًا، فتلزم فطرتها سيدها على الصحيح. وقيل: بينهما نصفان اهـ. إنصاف. (10) قوله: "فرقيقه": هذا الصحيح من المذهب. وقيل يقدم الرقيق على الزوجة اهـ. إنصاف. (11) قوله: "فأمه": هذا المذهب. وقيل يقدم الأب على الأم اهـ. إنصاف. (12) قوله: "أقرع": هذا الصحيح الذي مشى عليه أكثر الأصحاب. وقيل يوزع بينهم. وقيل يخير في الإخراج عن أيهم شاء اهـ. إنصاف. (13) قوله: "وتجب على من تبرع الخ": هذا المذهب. قال في التلخيص: والأقيس أن لا تلزمه. قوله: "وتجب على من تبرع بمؤونةِ شخص الخ": وهل يجوز أن يخرج فطرته أي المتبوع بفطرة من تلزمه مؤنته إلى ذلك الشخص؟ الظاهر: نعم، لعدم ¬

_ (¬1) قوله: "أو مع حول أجله" كذا في الأصل. صوابه "مع حلول أجله".

فصل في إخراج زكاة الفطر

المعارض. وهل يجوز أن يخرج له فطرة نفسه، لأنها إنما تجب على المتبرع [1/ 256] بمؤنته لا عليه، فيجوز له أخذها كغيرها، أو لا يجوز؟ ينبغي أن يحرر. (14) قوله: "لا على من استأجر الخ": وقيل بلى. قال في الرعاية: وهو أقيس اهـ. إنصاف. (15) قوله: "وتسن": وعنه تجب، كما في الإنصاف. وقوله: "الجنين": ظاهره ولو لم يكن له أربعة أشهر. وقوله: "وتسن عن الجنين": قال المصنف في "الغاية": ويتجه: لا من ماله اهـ. قال في شرحها: بل لا يجوز، لأن المطلوب تنميته، والإخراج منه ينافيها. وهو متجه اهـ. قال شيخ مشايخنا: ولم أر من صرّح به. وهو ظاهر يقتضيه كلامهم. فصل في إخراج زكاة الفطر (1) قوله: "ويكره إخراجها": فيه تسمّح، لأن المكروه تأخيرها إلى ذلك الوقت، لا إخراجها فيه. تأمل. (2) قوله: "وسَوِيقُها": أي وهو ما يُحمَّص ثم يُطحن. قوله: "لا خبز": أي لو بُكْصُماتٌ ونحوه. (3) قوله: "أو ردّها له الإمام. الخ": ومثله فقير لزمته، فله إن يدفعها إلى من أخذها منه إن كان أهلاً لها. باب إخراج الزكاة (1) قوله: "لو لم يخف ضررًا على نفسه الخ": أي فإن خاف ضررًا برجوع سَاعٍ، أو كان محتاجًا لزكاته، فله تأخيرها إلى ميسرة. (2) قوله: "ويجوز أيضًا التأخير للجار القريب": مكرر لا حاجة إليه. (3) قوله: "وغيرها": أي كغصبه وسرقته وكونه دَيْنًا. (4) قوله: "ومن جحد وجوبها الخ": أي جحدها على الإطلاق. وأما إن

فصل في النية في الزكاة

[1/ 259] جحده في مال خاص، فإن كان مجمعًا عليه فكذلك، وإلا فلا. وذلك كمال الصغير، والمجنون، وعروض التجارة، وزكاة الفطر، وزكاة العسل، وما عدا البر والشعير والتمر والزبيب من الحبوب والثمار مختلف فيه. ولم ينبه على ذلك للعلم به اهـ. شرح الإقناع. (5) قوله: "أخذت منه": أي إن أمكن، ولو بقتاله، فيجوز لإمام يضعها مواضعها قتالُهُ عليها، وإلا يمكنْ أخْذُها منه، وهو في قبضة الإمام، استُتِيبَ ثلاثة أيام، فإن تاب وإلا قتل حدًا، لأنه لا يكفر بذلك. (6) قوله: "وكما يؤخذ منه العشر": الأَوْلى إبداله بالخراج مثلاً. (7) قوله: "عادل": أي لا فاسق، أو عادل في الزكاة فقط، بأن يضعها في مواضعها. (8) قوله: "أو نقصانها": معطوف على "ما" في قوله "مما يمنع الخ" لكن فيه تكلف. والصواب أنه معطوف على "يمنع" من عطف الاسم على الفعل، على ما فيه، أي أو ينقصها. (9) قوله: "وأن يفرقها ربها بنفسه": أي بشرط أمانته، وثقته بنفسه. فإن لم يثق بنفسه فالأفضل له دفعها إلى من يثق به، يخرجها بالوكالة عنه، لأنه ربما منعه الشح من إخراجها أو بعضها. وكذلك إن خاف من نفسه الرياء ونحوه، فيدفعها إلى أمين يخرجها عنه. فصل في النية في الزكاة (1) قوله: "فإنها تجزئ من غير نية": أي تجزئ ظاهرًا، بمعنى أنها لا تطلب منه ثانيًا. وأما إن أخذها الإمام أو الساعي لغيبةِ رب المال لتعذر الوصول إليه بحبس ونحوه [25ب]، أجزأته ظاهرًا وباطنًا. فائدة: قال في الإقناع: ويشترط لملك الفقير لها، أي الزكاة، وإجزائها عن ربها، قبضُهُ لها، فلا يجزئ غداء الفقير ولا عشاؤه اهـ. أقول: ما المراد بالقبض: هل هو قبض اليد الحقيقية، أو يكفي في ذلك اليد

باب أهل الزكاة

الحكميّة، كما لو دفع الفقير وعاءً إلى الغني قبل زمن إخراج الفطرة مثلاً ليدفعها له [1/ 261] فيه وقت الإخراج، فغاب الفقير، فوضعت له الفطرة في وعائه، وبعد يوم العيد جاء فأخذها بدون حضور مخرجها مثلاً، أو تلفت، فهل تجزئه؟ وكذا ما عليه أكثر أهل القرى من كونهم يدفعون الفطرة إلى إمام القرية، فلا يجدونه في داره. فيدفعونها لزوجته أو ولده ونحوهما، فهل يجزئ؟ وكذا لو وكل الفقير في قبول الزكاة هل يجزئ أم لا؟ وهل يجوز دفع الفطرة لإمام القرية في مقابلة صلاته بهم وأذانه؟ وهل يجوز أن يصلي بهم ويؤذن لأجل ذلك؟ الظاهر: لا، وعامة أهل القرى (¬1) كذلك. والله سبحانه وتعالى أعلم. (2) قوله: "مكلفًا": أي بالغًا عاقلًا. وفي صحة توكيل المميز في إخراج الزكاة خلاف، جزم في الإقناع بصحته تبعًا للإنصاف، وصوَّب في تصحيح الفروع عدمها. وظاهر شرح المنتهى لمؤلفه الجريُ على ما في تصحيح الفروع، وهو أولى لتأخره عن الإنصاف. ولو قيل بجوازة مع القرب دون البعد لم يبعد اهـ عثمان. (3) قوله: "نوى الموكل مع الوكيل الخ": انظر ما الباعث له على تحويل عبارة المصنف مع ما فيه من الركاكة. ولو أبدل "مع" بواو العطف لسلمت عبارته. على أنه أيضًا تطويل من دون فائدة. (4) قوله: "أو نقص النصاب": ظاهره أنه إذا نقص النصاب المعجَّلةُ زكاته في أثناء الحول ثم كمل أنه يستأنف حوله، وأن ما عجّله يقع نفلاً، لأنه عن النصاب الناقص، لا عن الموجود. باب أهل الزكاة (1) قوله: "لا يجوز صرفها إلى غيرهم": أي لكن لا يجب تعميمهم، بل ¬

_ (¬1) أي في زمان المحشي وبلاده، وهي قرى نابلس. وقد أدركنا نحن شيئًا من ذلك. ولا يكون ذلك مشروعًا إلا إن كان الإمام فقيرًا، وكان إعطاؤه على غير سبيل الإجارة.

[1/ 263] يجوز صرفها لواحد من أحد الأصناف الثمانية. (2) قوله: "وهو أشدّ حاجة من المسكين": ويرشد إلى ذلك سؤاله - صلى الله عليه وسلم - المسكنة وتعوذه من الفقر (¬1). (3) قوله: "أو أكثرها": أي فمناط ذلك بوجود الكفاية وعدمها، فمن يجد الكفاية فهو غني، ومن لا فلا، ولو كان له عروضٌ للتجارة قيمتها ألف دينار أو أكثر، وربحها لا يقوم بكفايته، أو له عقارٌ يستغلّه عشرة آلاف أو أكثر فلا تقوم بكفايته، فيجوز له أخذ الزكاة. قلت: ومثله لو كان عنده مال كثير مُغْتَصَب، ومن المكوس ونحوها، وليس له من الحلال ما يكفيه، فإنه يجوز له أخذ الزكاة، لأنه فقير أو مسكين. (4) قوله: "العامل": قال في الإقناع: واشتراط ذكرريته، أي العامل، أولى. (5) قوله: "بين الناس": أي ولو بين أهل الذمة اهـ. إقناع. فائدة: من أبيح له أخذ شيء أبيح له سؤاله (¬2). ويجب قبول مالٍ طيب أتى بلا مسألة ولا استشراف نفس. وإن كان حرامًا أو فيه شبهة رده. وكذا إن استشرفت نفسه إليه، بأن قال: يبعث لي فلان بكذا وفحوه. ويأتي في الهبة ما يخالف هذا، بأنه يسن القبول ويكره الرد. (6) قوله: "ولم يدفع الخ": أي وأما إن دفع ما تحمّله من ماله فلا يعطى من ¬

_ (¬1) يعني حديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا: "اللهم أحْيِني مسكينًا، وأَمِتني مسكينًا، واحشرني في زمرة المساكين" أخرجه ابن ماجه والطبراني والحاكم. وقال العجلوني؛ ضعيف. وقال السخاوي في المقاصد (ص 85) "مع وجود هذه الطرق لا يحسن الحكم عليه بالوضع". قلت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يسأل الله تعالى الغنى، فقد قال: "اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى" أخرجه مسلم وغيره. وان صح حديث أبي سعيد فالمراد به تواضع المساكين ولين أخلاقهم. وليس المسكنة التي بمعنى قلة المال. فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستعيذ بالله من الفقر، وكان غنيًّا وكان له أموال. (¬2) على أن المسألة: أي طلب المال من أيدي الناس لا تحل إلا لثلاثة، كما في حديث قبيصة المرفوع عند مسلم وغيره.

فصل فيمن لا يجوز دفع الزكاة إليهم

الزكاة، وإن استدان وأدّاه جاز له الأخذ، لأن الغرم باقٍ. [1/ 264] (7) قوله: "فيعطى للجميع بقدر الحاجة": أي وإذا أعطى الفقير أو المسكين أو العامل أو المؤلَّف شيئًا من الزكاة يتصرف فيه بما شاء ولا يرد ما فضل عن حاجته، وأما الغارم والمكاتب والغازي وابن السبيل إذا أخذوا شيئًا من الزكاة لا يجوز لهم صرفها إلا فيما أخذوها لأجله. وإن فضل شيء عن حاجتهم ردوه وجوبًا. فعلى هذا لو أُبْرئ الغارم أو أعتق المكاتب ونحوهما، وقد أخذا من الزكاة، رداه وجوبًا. فائدة: قال في المنتهى والإقناع وغيرهما: يجوز دفع الزكاة لمن تبرع بمؤنته بضمه إلى عياله اهـ. أقول: فيشمل ذلك جواز إعطاء زكاة فطرٍة لمن تبرع بمؤنته شهر رمضان فقط، مع أنه تجب عليه فطرته، ولا مانع من ذلك، لدخوله في عموم {إنما الصدقات للفقراء} بدون معارض، وإنما المانع وجوب النفقة. وهذا لا تجب نفقته عليه، وربما جاز أن يعطيه فطرته لنفسه، لأنها واجبة عليه، لأنها واجبة على الدافع لا على الآخذ، لكن لم أو من صرح بذلك، بل ولا من أشار إليه. لكن قد يقال: لا يأباه كلامهم، بل ربما ظهر بالتأمل. فينبغي أن يحرر. فصل فيمن لا يجوز دفع الزكاة إليهم (1) قوله: "وإن دفعها لمن يظنه فقيرًا الخ": أي فيكون هذا مستثنًى من قوله قبله: "فإن دفعها لغير مستحقيها الخ" وليس مناقضًا له. تدبّر قوله "وله تفوقته الخ" أي وسُنَّ له. ولو عبَّر به لكان أولى. (2) قوله: "هذا تكرار مع ما قبله": أي بناء على حَلِّه العبارة الأولى بقوله: "كخالٍ وخالةٍ"، وهو لا يجب [26أ] المصير إليه، بل نقول: المراد: من قوله: "لا تلزمه الخ" أي من نحو أخٍ أو أخت، وكان المخرِجُ غير وارثٍ لقريبه الفقير. وقوله "وذوي أرحامه" أي ولو ورثهم. أو نقول: إن العبارة الأولى عامة، والثانية خاصة، ويكون تخصيصًا بعد تعميم، ونحو هذا لا يقال له تكرار، بل يقع في الكلام الفصيح كثيرًا.

فصل في صدقة التطوع

[1/ 267] فصل في صدقة التطوع (1) قوله: "التطوع": أي بما يفضل عن كفايته وكفاية من يمونه على الدوام، من مُتَّجرٍ أو غلّة وقف أو صَنْعَةٍ. هذا المذهب، وعليه أكثر الأصحاب. وقال صاحب الفروع: وفي الاكتفاء بالصنعة نظر اهـ. قلت: لأنه قد يعرض له ما يشغله عن الصنعة، فيحتاج فيقع في الضرر، فالأولى عدم الاكتفاء بها. (2) قوله: "وبطيب نفس الخ": أي ومما يحب، ومن كسب يده. وعلى عالم وديِّنٍ أفضل. وصدقة التطوع على الرحم أفضل من العتق، وهو أفضل منها على الأجانب، إلاَّ زمن غلاءٍ وحاجةٍ. وفي كلام بعضهم ما يدل على أنه أفضل مطلقًا. وهل حج التطوع أفضل من الصدقة؟ فيه أربع روايات، واختار الشيخ أن الحج أفضل مطلقًا. قال في الإنصاف: قلت: الصدقة زمن المجاعة لا يعدِلُها شيء. (3) قوله: "يُضِرُّ بواحدٍ الخ": هو بضم الياء وكسر الضاد لأنه مضارع أضَرّ الرباعي، وأما الثلاثي فيتعدى بنفسه. (4) قوله: "وكره لمن لا صبر له الخ": وهذا إن لم يحصل ضرر بذلك، وإلّا حرم كما تقدم. ومفهومه أنه إن كان له صبر، ولا عيال له، أو له ووافقوه، فله الصدقة بجميع ماله، كما وقع للصدّيق رضي الله تعالى عنه. وهل الأفضل كسب المال وصرفه لمستحقيه، أو الانقطاع للعبادة وترك مخالطة الناس؟ فيه خلاف، والصحيح أن الأول أفضل، لتعدي نفعه. فرع: الغني الشاكر أفضل من الفقير الصابر. وفي الصحيح: "اليد العليا خير من اليد السفلى" (¬1) وقال بعضهم: الفقير الصابر أفضل. وقال الشيخ تقي الدين: أفضلهما أتقاهما لله، فإن استويا في التقوى استويا في الدرجة اهـ. وهو في غاية ¬

_ (¬1) حديث "اليد العليا ... " أخرجه البخاري وأحمد من حديث حكيم بن حزام، مرفوعاً، وأحمد والطبراني من حديث ابن عمر مرفوعًا.

الحسن. [1/ 268] (5) قوله: "وذكر ابن الجوزي الخ": أي ينبغي للعاقل أن ينظر في عواقب الأمور، فقد يتفق له مرفق، فيخرج ما في يده، فينقطع مرفقه، فيلاقي من الضرر والذل ما يكون الموت دونه. فالحازم من يحفظ ما في يده. والإمساك في حق الكريم جهاد، كما أن إخراج ما في يد البخيل جهاد. والحاجة تخرج إلى كل محنة. وقال سعيد بن المسيب: لا خير فيمن لا يحب المال: يعبد به ربه، ويؤدِّي به أمانته، ويصون به نفسه، ويستغنى به عن الخلق اهـ. من الغاية وشرحها. لكن المراد عدم مجاوزة الحد الشرعي في الإنفاق المذكور في سورة الإسراء (¬1)، لا الحثّ على البخل وإمساك المال عن الصدقة ونحوها. تأمل. (6) قوله: "والمنُّ بالصدقة كبيرة الخ": قال بعضهم: إلا لقصد تربيةٍ وتأديبٍ اهـ. غاية. ... ¬

_ (¬1) لعله يعني قول الله تعالى {ولا تجعل يدك مغلولةً إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملومًا محسورًا} [الإسراء: 29].

كتاب الصيام

[1/ 269] كتاب الصيام (1) قوله: "برؤية هلالِهِ": أي لحديث: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته" (¬1) فمناط الحكم بالرؤية، فظاهره: لو طلع هلال رمضان في السماء، ولم يظهر للناس، لم يكن هلالاً. وهو كذلك. صرح به الشيخ تقي الدين. (2) ءقوله: "حكمًا ظنيًّا الخ": أي وليس هذا شكًّا في النية، بل في المنويّ، أي وهو لا يضر. قاله ابن الجوزي. (3) قوله: "ونصوص أحمد عليه": وقال الشيخ: لا أصل للوجوب في كلام الإمام أحمد، بل المنصوص عنه عدم الوجوب. وأطال في ذلك. ورد صاحب الفروع. القول بالوجوب من وجوه كثيرة. (4) قوله: "ووجوب الإمساك الخ": أي: ولهم ثواب الإمساك، لا ثواب الصيام اهـ. غاية. (5) قوله: "ولو ردّة الحاكم": أي حيث علم عدالته. وأما من رآه لزمه الصوم مطلقًا. وأما إن رأى وحده هلال شوال لم يفطر وجوبًا، وقال ابن عقيل: يجب الفطر سرًّا. وحسّنه في الإنصاف، وتبعه في الإقناع، وصوّبه في الغاية لمن تيقنه تيقنًا لالبْس معه. فائدة: صام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسع رمضانات: رمضانان كاملان، والباقي تسعة وعشرون كل شهر، كما ذكره بعض الحفّاظ كابن حجر وغيره. (6) قوله: "إذا صاموا بشهادة اثنين الخ": ها هنا بحث ينبغي التنبيه عليه، وهو أنه إذا شهد عدلان برؤية [26ب] هلال رمضان، ولم ير في الليلة التي بعدها إلاَّ لحادّ البصر النادر، مع عدم مانع عن الرؤية، فهل يقطع بكذبهما؟ لأن ابن ليلتين لا يكاد يخفى إلا على ضعيف البصر جدًا. الظاهر: نعم، وكلامهم في مواضع يدل عليه. فتنبّه. ¬

_ (¬1) حديث "صوموا لرؤيته ... " أخرجه البخاري ومسلم.

فصل في شروط وجوب الصوم

وقوله: "لا إن صاموا بشهادة واحد": قال ابن نصرالله: لو حكم بشهادة [1/ 271] واحدٍ، فصاموا، ثم جاء شاهد آخر أو أكثر، فشهدوا بما شهد المحكوم بشهادته، هل يكون الصوم بشهادة واحدٍ، لأن الحكم وقع به، فلا يفطرون إذا لم يروا الهلال، أو بشاهدين فيفطرون؟ يتوجه الأول، لأن الحكم بشاهدٍ واحدٍ، ويحتمل الثاني لأنه رآه اثنان، فالفطر إنما هو بشهادة اثنين، وإن كان الحكم بالصوم كان بشهادةِ واحدٍ. وهذا أقوى، بل متعيّن. انتهى من بعض الهوامش. فحرِّر وتأمل. فصل في شروط وجوب الصوم (1) قوله: "وأطعم": أي ما لم يكلن مسافرًا، وإلا فلا يلزمه الإطعام. فيلغز بها (2) قوله: "فكمعضوب": أي إذا عوفي بعد الإطعام لا يلزمه القضاء، وإلا لزمه. (3) قوله: "فيجب على ولي المميز الخ": الأولى التعبير بالواو، بأن يقول: "ويجب الخ" لأنه غير مفرّع على ما قبله، إذ صحته من المميّز لا يستلزم وجوب الأمر على وليه. أو الأولى ذكر هذا الحكم عند قوله في شروط الوجوب: "والبلوغ" فيقول: "لكن يجب على ولي المميز الخ" وكذلك لا يخفى ما في قوله: "لكن لو نوى الصوم ليلاً ثم جن الخ" (¬1) من الركاكة، خصوصًا مع حل الشارح لهما بما تراه، فكان الأولى أن يقول: "فلو نوى الصوم ليلًا، ثم جن أو أغمي عليه جميع النهار لم يصح، وإن أفاق منه قليلاً صح". (4) قوله: "لم يصحّ": أي ويجب على المغمى عليه فقط قضاءُ واجبٍ. (5) قوله: "لكل يوم واجب": وعنه: تكفي النية أول يوم من رمضان عن جميعه. فعليها: لو نام في رمضان قبل المغرب، ولم يفق إلاّ بعد طلوع الفجر، وصام، صحّ صومه. وكذا لو ثبت أولُ رمضانَ نهارًا، وهو غير ناوٍ الصومَ، فإنه ¬

_ (¬1) يأتي هذا قريبًا في كلام الماتن والشارح.

[1/ 273] يمسك، ويصحّ صومه إن لم يكن أفطر، وعلى المذهب: لا يصح فيهما. وقوله: "واجب" أي وأما التطوع فتكفي نية من النهار ولو بعد الزوال، لكن لا يثاب إلاّبعد نية. (6) قوله: "إن كان غدٌ الخ": الموجود في عامة النسخ نصب "غد" فيكون منصوبًا على إضمار اسم كانَ، أي "إن كان الصومُ غدًا الخ" دل على تقديره قوة الكلام، ومن كلامهم: "إذا كان غدًا فأتِنِي". كذا في المُطلع. وذَكَر ما يقتضي جواز تصرفه (¬1) اهـ. ع ن. وقوله: "ففرض": الذي في أكثر النسخ: "ففرضي" بياء المتكلم، أي الذي فرضه الله عليّ. (7) قوله: "لم يضر": أي لأن الحكم منوط بالفجر الثاني. وهل يلزمه إمساك جزء من الليل أو لا؟ فيه خلاف، والصحيح أنه لا يلزمه. بل قال بعضهم: لو قال لعالِمَيْن: ارقبا لي الفجر، فقال أحدهما: طلع الفجر، وقال الآخر: لم يطلع، لم يترك الأكل حتى يتفقا. قلت: وهو ظاهر القرآن، فيجب المصير إليه. ودليل الأول أنه مما لا يتم الواجب إلاّ به، فيكون واجبًا، فتأمل. أقول: وكذا لو لم يكن حائلٌ جهة مطلع الفجر، وأخبَرَ من معه ساعة فلكيّة بطلوع الفجر، ولم يُرَ، لا يلزم الامساك، لأن المشاهدة أقوى، والساعة قد تخطى. هذا ما ظهر لي والله سبحانه وتعالى أعلم. (8) قوله: "تعجيل الفطر". أي: وتحصل فضيلة تعجيله بشربِ ولو قلَّ كجرعة ولقمة وكمالها باكل. (9) قوله: "السُّحور": بضم السين، اسم للفعل، وبفتحهِ اسم لما يؤكل وقت السَّحور. ووقته من نصف الليل إلى قبيل الصبح. وقوله: "ما لم يخش طلوع الفجر" لا أكله وشربه (¬2). ¬

_ (¬1) كذا في الأصل. ولعل صوابه: "جواز نَصْبِه". (¬2) لا يظهر وجه التقييد بهذا. فليُنظر.

فصل في أهل الأعذار

(10) قوله: "عند فطره الخ": الذي يظهر لي أنه يقول ذلك بعد الفطر، [1/ 275] والذي عليه عمل الناس أنه قبله، ولم أَرَ نصًّا في ذلك لأحد من علمائنا وغيرهم. ثم رأيت في حاشية ابن عوض على هذا الكتاب ما نصه: يحتمل أن هذا الدعاء قبل الفطر، ويحتمل أنه بعده، ومقتضى حديث ابن عباس أنه بعده. فإنه قال: إذا أفطر. وكذلك قوله عليه السلام "للصائم عند فطره دعوة لا تردّ" أفاده ابن نصرالله اهـ لكن ما استدل به ليس صريحًا. (11) قوله: "رطب الخ": وقال م ص في شرح المنتهى: وفي معنى الرطب والتمر كل حُلْوٍ لم تمسّه النار اهـ. كتينٍ وبطيخ ونحوهما. فصل في أهل الأعذار (1) قوله: "كما تقدم": أي في صلاة القصر [27أ]، وعند الشيخ تقي الدين: يجوز الفطر برمضان للمسافر ولو كان سفره قصيرًا. (2) قوله: "ولا يفطر مريض لا يتضرر بالصوم الخ": أي ما لم يتضرر بترك التداوي، ولا يمكنه إلاّ بالفطر، كمن به رمدٌ يخاف من ترك الاكتحال ضررًا، وكالاحتقان ومداواة المأمومة أو الجائفة، فإنه يجوز له الفطر، ولو كان قادرًا على الصوم، كما أفاده الصوالحي (¬1). (3) قوله: "ويباح الفطر لحامل الخ": أي لا يحرم، لا أنه مستوي الطرفين، بدليل قول الشارح: "وكره صومهما". فصل في المفطّرات (1) قوله: "ويطعم من تركته الخ": يعني أنه إذا مات في أثناء اليوم، وهو صائم من صوم منذور أو من كفارة، فإنه يبطل صومه، ويطعم من تركته مسكينٌ ما يجزئ في كفارة. وكذلك إذا كان عليه أيَّام نذر أن يصومها، وأمكنه ذلك، ولم يفعل حتى مات، فإنه يطعم من تركته عن كل يوم مسكين. ويجوز لوليَّه أو غيره ¬

_ (¬1) "الصوالحي": لم يتيسر لنا معرفة المراد بهذه النسبة، فلينظر.

[1/ 277] أن يصومها عنه بلا إطعام. بخلاف كفارة، فلا يجزئ إلا الإطعام، وبخلاف صوم الفرض، فإنه لا يصام عنه. (2) قوله: "والردة": ظاهر إطلاقهم أن الردة تبطل الصوم، ولو تاب فورًا، لعموم {لئنْ أشْركتَ ليحبطنَّ عملُك} [الزُّمَر: 65] لكن المعتمد عندنا أن المرتد إذا تاب يحبط عمله من صلاة وصومٍ وحجٍّ وغيرها، أي لا يجب عليه قضاؤها (¬1). فإن قلت: إذا حصلت الردة في أثناء العبادة بطلت ولو تاب، وبعدها لا تبطل إلا إذا لم يتب. فقد فرّقنا بين متماثلين. ولا يقال إن العبادة بالردة في أثنائها تخلو من النية، فتبطل، بخلافها بعدها، لأننا نحكم بصحة صوم من جنَّ أكثر النهار، مع أن المجنون لا نيّة له. وهذا البحث يتأتى على مذهبنا ومذهب الشافعية. وأما الحنفية فيقولون بوجوب قضاء ما فعله المرتد قبل ردته. فليحرر. (3) قوله: "القيء عمدًا" وقال في الفروع: ويتوجه أن لا يفطر به. فائدة: ومن أصبح وفي فيه طعام فلفَظَهُ، أو شق عليه لفظه، فبلعه مع ريقه بلا قصدٍ، لم يفسد صومه، لمشقة الاحتراز منه. وإن تميّز عن ريقه فبلعه اختيارًا أفطر نصًّا. ولو لطخ باطن قدمه بشيء، فوجد طعمه بحلقه لم يفسد صومه لأن القدم غير نافذ للجوف. (4) قوله: "من الدُّبُر": أي وأما لو قطَّر في إحليله، أو غيَّب فيه شيئًا، فوصل إلى المثانة، لم يفسد صومه. وكذا لو دخل شيء غير ذكر في قبل أنثى، كعودٍ أو أصبع أو ذكرٍ غير أصليٍ، كذكر خنثى مشكل، لم يفسد صومها، لأنه في حكم الظاهر كالفم، بدليل وجوب غسل نجاسته، جزم به في المنتهى. وخالفه في الإقناع. واختار الشيخ عدم الفطر بالاحتفان مطلقًا، وبمداواة الجائفة والمأمومة. وبالاكتحال مطلقًا، علم وصوله إلى حلقه أو لا، كما في الإنصاف. ¬

_ (¬1) هكذا في الأصل، ويشكل تفسير الحبوط بعدم وجوب القضاء، ولا يوافق كلامه الآتي. فلينظر.

فصل

(5) قوله: "والحجامة": هذا المذهب، وعليه أكثر الأصحاب، وهو من [1/ 277] المفردات. وعنه إن علما النَّهيَ أفطرا وإلا فلا. (6) قوله: "بتكرار النظر الخ": هذا المذهب، وقال الآجُرِّي: لا يفسد صومه. (7) قوله: "لتقبيلٍ أو لمس الخ": هذا المذهب، ووجَّه في الفروع احتمالاً بأنه لا يفطر إن أمنى بتقبيل أوً لمسٍ، ومال إليه، وردَّ ما استدلَّ به الموفق والمجد. وإن أمذى بذلك فلا يفطر، على ما اختاره الآجُرِّي وأبو محمد الجوزي والشيخ تقي الدين. قال في الفروع: وهو أظهر. وقال في الإنصاف: قلت: وهو الصواب. (8) قوله: "أو إثمد كثيرٍ، أو يسيرٍ مطيّبٍ": هذه عبارة المنتهى. ومفهومه أن القليل غير مفطّر إذا لم يكن مطيّبًا، وأن اليسير المطيب مفطّر. والذي يفهم من الإقناع وغيره أن الحكم منوط بعلم وصوله إلى الحلق أو عدمه، سواء كان مطيَّبًا أولا، كثيرًا أو لا. وهذا هو الظاهر. فليتأمل. (9) قوله: "ناسيًا": وهل يجب إعلام من أراد أن يأكل ناسيًا؟ فيه وجهان، صوّب في الإنصاف وجوبه. (10) قوله: "ناسيًا أو مكرهًا": مفهومه أن الجاهل بالتحريم يفطر بفعل المفطّرات. وهو الصحيح. وقيل: هو كالناسي والمكره. وجزم به جماعة. وصحّحه في الرعاية الكبرى، وقدمه الجد في شرحه. ذكره في الإنصاف. (11) قوله: "ريقه": أي ما لم يكن متنجسًا، في ظاهر المنتهى. بل صرح م ص في شرحه بذلك. وفي الإنصاف والإقناع: إن تنجّس فمه، فبصق وبقى فمه نجسًا [27ب] فبلع ريقه، فإن تحقق أنه بلع شيئًا نجسًا أفطر، وإلا فلا. فصل (1) قوله: "ومن جامع الخ": أي جماعًا يوجب غسلاً، فلو أدخل ذكره

فصل في قضاء الصوم

[1/ 279] بحائلٍ ولم ينزل فلا شيء عليه. قاله المصنف في الغاية اتجاهًا. قال في شرحها: وهو اتجاه حسنٍ اهـ. قال البهوتي: لكن قد تقدم أن وطء الحائض يوجب الكفارة ولو بحائل. والظاهر عدم الفرق اهـ. وعارضهُ شيخ مشايخنا بما يطول، فراجعه في مختَصَرَةِ الغاية (¬1). (2) قوله: "فلو قدر عليها قبل شروعه الخ": كذا في المنتهى والإقناع، وخالفهما في الغاية. فراجعه. (3) قوله: "بخلاف غيرها الخ": أي ما عدا كفارة وطء في حيض، فإنها تسقط بالعجز، كما صرح بها في بابه. تأمل. (4) قوله: "والإنزال بالمساحقةِ": أي من مجبوب، أو امرأةٍ لامرأةٍ، وفاقًا للمنتهى. وفي الغاية: "لا كفارة بذلك" وكذا في الإقناع وغيره. وهو الصحيح. فصل في قضاء الصوم (1) قوله: "ولا يصح ابتداء تطوع ممن عليه قضاء رمضان الخ" قال المصنف في الغاية: ويتجه احتمال: وكذا قبل واجبٍ نذر أو كفارة اهـ. فصل في صيام التطوع (1) قوله: "ذكره أبو الحسن" (¬2): أي في كتابه اللطيف الذي قال عنه صاحب الإنصاف: لا يسع الناس جهله. لكن في تعليله نظر، فإن التوبة على آدم إنما حصلت في أقصر فرض، وليست ممتدة في ثلاث ليال. فالأولى أن يقال: لأنها بيضٌ بالقمر، فإنه يكون فيها من أول الليل إلى آخره. (2) قوله: "ثلاثة عشر" الأولى أن يقول: ثالث عشر، ورابع عشر، وخامس ¬

_ (¬1) لعله يعني بمختصرة الغاية للشيخ الشطي، كتابه المتقدم: "منحة مُولي الفتح في تجريد زوائد الغاية والشرح" إذ لا يعرف له كتاب بعنوان "المختصرة". (¬2) أبو الحسن التميمي: هو عبد العزيز بن الحارث التميمي (371 هـ) الفقيه الحنبلي البغدادي. له كتاب "الخلاف" فلعله هو المراد بقول المحشي "كتابه اللطيف".

عشر، كما هو ظاهر. [1/ 281] (3) قوله: "والمراد الصغائر الخ" أي لأن الكبائر لا يكفّرها إلا التوبة. وقال العيني وابن المحب (¬1): ظاهر الحديث يدل على غفران الصغائر والكبائر، وفضل الله تعالى أعم وأوسع. وقال ابن المنذر: هو قولٌ عام، يرجى أن يغفر له جميع ذنوبه كبيرها وصغيرها اهـ. وأما الدَّيْنُ ومظالم العباد فقد ذكروا أن الشهادة لا تكفِّرها، فلأن لا يكفرها الصوم من باب أولى. ونقل المروزي: بر الوالدين كفارة للكبائر. وفي الصحيح: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهماط قال ابن هبيرة (¬2): فيه إشارة إلى أن كبائر الطاعات يكفر الله ما بينها، لأنه لم يقل "يكفر صغائر ذنوبه" بل عمومه يتناول الصغائر والكبائر اهـ من الغاية وشرحها (¬3). ... ¬

_ (¬1) ابن المحب: هو أحمد بن نصرالله البغدادي (- 844 هـ) له حاشية على الوجيز للحسين بن يوسف الدجيلي. وأما العيني: فهو محمود بن أحمد بدر الدين العيني (- 855هـ) محدث فقيه حنفي، له "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" في 12 مجلدًا. (¬2) ابن هبيرة: هو يحيى بن محمد بن هبيرة، عون الدين أبو المظفّر (499 - 560 هـ) له كتاب "الإفصاح عن معاني الصحاح" في شرح الصحيحين ألفه أثناء توليه الوزارة للخليفة المقتفي. وله "العبادات الخمس". (¬3) رجح ابن عبد البرّ أن المراد تكفير الصغائر، وهو الصواب، لحديث أبي هريرة مرفوعًا عند مسلم: "الصلوات الخمس كفارة لما بينها ما اجتنبت الكبائر" وحديث: "العمرة لي العمرة كفارة لما بينها إذا اجتنبت الكبائر".

كتاب الاعتكاف

[1/ 283] كتاب الاعتكاف (1) قوله: "القول - صلى الله عليه وسلم - الخ": أي لعمر رضي الله تعالى عنه لما قال له: "إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام" (¬1). (2) قوله: "النية": أي ويجب في نذرٍ تعيين النيّة له أيضًا. (3) قوله: "في حق من تلزمه الجماعة الخ": فعلى هذا يجوز للمرأة والعبد والعاجز عن الجماعة الاعتكاف في أي مسجد كان. ومثله لو كان مسجد في بلد صغير لا إمام له، فيجوز الاعتكاف فيه، لتعذر الجماعة فيه وفي البلد. لكن لو كان إمام في البلد يصلي خارج المسجد هل يصح الاعتكاف في المسجد حينئذ أو لا، وإن صحّ هل يلزمه الخروج للجماعة؟ فيه نظر. (4) قوله: "ومسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - ": وخالف فيه جمع، فيهم ابن عقيل وابن الجوزيّ. (5) قوله: "وبنية الخروج": قال م س فيما كتبه على هذا الكتاب: هذا مخالف للمذهب، بل لم يقل به أحد من علمائنا فيما علمت. وكان على شيخنا - يعني الشارح - أن يبيّن ذلك، لكنه لم يتنبّه له، لأنه أقرأنا كذلك. وهو سهو من المصنف بلا شك اهـ (¬2). أقول: معنى كلام م ص المصنف أن الاعتكاف يبطل بنية الخروج منه لا من المسجد، أو من المسجد، وكان قاصدًا الخروج من الاعتكاف، وهذا مبطل له بلا شك، كما لو نوى الخروج من الصوم أو من الصلاة ونحوهما، وهو الموافق لقواعد المذهب. فقول م س مخالف للمذهب غير صحيح كما هو ظاهر، ثم ¬

_ (¬1) حديث: "أوفِ بنذرك" أخرجه البخاري ومسلم. (¬2) رَمَز بـ (م س) للشيخ محمد بن أحمد السفاريني، الذي له شرح على هذا الكتاب وهو دليل الطالب، ومراده بالشارح وبشيخنا: الشيخ عبد القادر التغلبي صاحب نيل المآرب فهو شيخ السفاريني. والمراد بـ "المصنف" الشيخ مرعي مؤلف دليل الطالب.

رأيت في الإقناع ما نصه "وإن نوي الخروج (¬1) منه، أي إبطاله، بطل، إلحاقًا له [1/ 285] بالصلاة والصيام" اهـ. وهو نص فيما قلناه، ويحمل كلام المصنف عليه. وهو المتعين. والله الموفق. (6) قوله: "فيخير بين البناء الخ": ربما فهم بعض الطلبة أن هذا مغاير لما في المتن من قوله: "وجب استئناف النذر المتتابع غير المقيد بزمن، ولا كفارة". والحال أنه لا مغايرة. وتوضيحه أن ما في المتن [28أ]، مبنيّ على من بطل اعتكافه بالخروج لغير عذر ونحوه، وما في الإقناع على من بطل اعتكافه بعد خروجه لعذر غير معتاد، بان تطاول، فإنه يخيّر هنا، وهناك يجب عليه الاستئناف تغليظًا عليه. (7) قوله: "أن ينوي الاعتكاف الخ" قال. م ص: قلت: إلا لقراءة قرآن أو علم ونحوه، إن قلنا يكره للمعتكف اهـ. قلت: المذهب أنه لا يستحب له ذلك. وقيل يستحب إذا قصد به الطاعة. ذكره في الإنصاف. ... ¬

_ (¬1) أي إذا نوى أنه الآن غير معتكف.

كتاب الحج

[1/ 287] كتاب الحج (1) قوله: "وكذا المكاتب الخ": هو داخل في عموم الرقيق، فلو قال: "أي بجميع أنواعه كالمكاتب الخ" لكان أجود. فائدة: لو حجّ أو اعتمر شخص، وفي ظنه أنه صغيرٌ أو قنٌّ، فبان بالغًا حرًّا، أجزأه عن حجة الإسلام وعمرته، إذ نيّة الفرضية ليست شرطًا، وهو اتجاه للمصنف في الغاية. وأيده شيخ مشايخنا الشيخ حسن الشطي في المختصرة. (2) قوله: "وسعى بعد طواف القدوم": أي ولو أعاده بعدُ، لأنه لا يشرع تكراره (¬1). لكن قال المصنف في الغاية: ما لم يتم حجه، ثم يحرم ويقف ثانيًا إن أمكنه. قال: ويتجه الصحة ولو بعد سَعْيٍ إن فسخ حجه عمرة ولم يسق هديًا أو يقف بعرفة اهـ. (3) قوله: "إلا لعاجز الخ": ظاهره أنه إذا كان فوق مسافة قصر عن مكة، وكان لا يملك راحلة، لا يلزمه ولو كان قادرًا على المشي بدون مشقة، وإلا فلا فرق بين القريب والبعيد، تأمل وتنبه. (4) قوله: "أي الزاد": وهو وما عطف عليه بالرفع، بدليل وصفهما، وذلك باعتبار محل الضمير المفسَّر من حيث كونه اسمًا لكون، فإنه من كان الناقصة. ويصح الجر باعتبار كونه مضافًا إليه، فيكون محله الجر. (5) قوله: "ومنها سعة وقت": أي من الاستطاعة، فلو قدر على الحج في أول ذي الحجة مثلاً، وبينه وبين مكة مسافة تزيد على عشرة أيام مثلاً، فهو غير مخاطب بالحج. فلو مات في ذلك العام لم يُخْرَجْ من تركته من يحج ويعتمر عنه، لأنه لم يجب عليه. ¬

_ (¬1) وهكذا قال في (دليل الناسك) (ص 15). أقول: وفي ذلك نظر، إذ ما المانع من تكرار السعي، كالطواف؟! وقد قال تعالى {فمن حجّ البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوّف بهما ومن تطوع خيرًا فإن الله شاكر عليم} [البقرة: 158] فالتطوع هو زيادة سعيٍ آخر على أحد الوجوه في تفسير الآية.

(6) وقوله: (إن كان في الطريق أَمْنٌ": ظاهره أن أمن الطريق شرط للزوم [1/ 289] السعي، لا لوجوب الحج والعمرة. فعليه لو مات ولم يحج، أُخْرِجَ من تركته من يحج ويعتمر عنه وجوبًا. والذي ذكره المصنف في الغاية أن أمن الطريق من الاستطاعة، فيكون كسعة الوقت. وتقدم حكمه. فتأمل وحرِّر. (7) قوله: "ما لم يزل العذر قبل إحرام نائبه": ظاهره: ولو لم يعلم النائب ذلك. وهل إذا لم يعلم حتى أحرم يقع حجِّه عن نفسه أو عن مستنيبه؟ وهل نفقته على مستنيبه أو في ماله؟ وهل ثواب حجِّه له أو لمن استنابه؟ قال المحبّ ابن نصرالله: لم أجد من تكلم على ذلك. قال: ويتجه وقوعه عن مستنيبه، ولزوم نفقته أيضًا، وثوابُهُ له. والله أعلم، لأنه إن فات إجزاء ذلك عنه، لم يفت وقوعه عنه نفلاً. اهـ. واستظهره ع ن وقال: وعليه فيعايا بها، فيقال: شخص صح نفل حجه قبل فرضه اهـ. وقال المصنف في الغاية: ولا يرجع، أي المستنيب، عليه، أي على نائبه بما أنفق قبل أن عوفي لا بعده، لعزله إذن. ومثله قال م ص في شرح المفردات. قال شيخ مشايخنا الشيخ حسن الشطي: وقول ابن نصرالله أظهرُ، يُعَضُّ عليه بالنواجذ، فتأمله اهـ. (8) قوله: "من حيث وجبا": أي من بلد الميت، أو دون مسافة قصرٍ منها، ويجوز من أقرب وَطَنَيْهِ. وإن ضاق ماله حُجَّ عنه من حيث يبلغ. وإن مات في الطريق حج عنه من حيث مات. (9) قوله: "وتزيد الأنثى الخ": ظاهر كلامه كغيره أن الخنثى كالرجل. تدبر. وقوله: "وتزيد الأنثى شرطًا سادسًا الخ": ظاهره أن المَحْرَمَ شرط للوجوب، لا لِلُزوم السعي. وفي الغاية للمصنف: "وشرط لوجوب سعيٍ على أنثى محرمٌ" اهـ. فعليه: إذا ماتت، أو مرضت مرضًا لا يرجى برؤه، ولا محرم لها، أو أيست منه، أقيم من يحج ويعتمر عنها؛ وعلى الأول - وهو المذهب كما في الإنصاف - لا. وذكر في الإقناع أن من أيست من المحرم يلزمها أن تقيم نائبًا، مع أنه ذكر أن

[1/ 290] المحرم شرطٌ لوجوب الحج على المرأة، لا للزوم الأداء. ففيه نوع تناقض. فتأمل وتفطن. (10) قوله في المحرم: "وشرط كونه مسلمًا ذكرًا": يفيد أن الخنثى لا يكون محرمًا. وقوله: "وهو من تحرم عليه على التأبيد" [28ب]: أي فلا يكون محرمًا لأخت زوجته أو عمتها ونحوهما. وكذا لا يكون العبد محرمًا لسيّدته، لأن التحريم غير مؤبد. وكان على الشارح أن يزيد في الحد "لحرمتها" حتى يخرج الملاعِن، فإنه لا يكون محرمًا لمن لاعنها، لأن تحريمها عليه إلى الأبد ليس لحرمتها، بل تغليظًا عليه. وقوله: "أو سبب مباح": أي ومصاهرة، فلا يصير محرمًا لأم موطوءته بزنا أو بشبهة أو بنتِها، لأن تحريمها عليه بسبب محرم. وكان عليه أن يقول "سوى نساء النبي - صلى الله عليه وسلم -" فإنهن محرَّمات على المؤمنين بسبب مباح على الأبد، وليسوا محارم لهن. وقوله: "وشرط كونه مسلمًا": أي فالكافر لا يكون محرمًا لابنته المسلمة ونحوها، ولو قلنا يجوز دخول الكافر في الحرم للضرورة أو للحاجة. وظاهر إطلاقهم أنه لا يشترط في المحرم أن يكون عدلاً أمينًا. وعندي فيه نظر، خصوصًا فيمن يكون محرمًا بالمصاهرة أو الرضاع، فإن الطباع الخسيسة والنفوس [المريضة] لا تحترم أم الزوجة أو بنتها، ولا الأم أو البنت أو الأخت ونحو ذلك من الرضاع، ولا سيما في هذه الأزمان الفاسدة، كما هو مشاهد. وقد أوضحت ذلك في "دليل الناسك لأداء المناسك" فارجع إليه إن شئت (¬1). ¬

_ (¬1) حاصل ما ذكره هناك في (ص 22) أنه لو قيل باشتراط أمانة المحرم وعدالته لسفر الحج. لكان له وجه. قال: ووجدت في الفروع: "ويتوجه اشتراط كون المحرم أمينًا". قال في الإنصاف: "وهو قوي" ثم ذكر أنه وجد نقلًا عن الإمام مالك أنه كره سفر المرأة مع أبي زوجها، لغلبة الفساد. وقوّاه بأن الحكم يختلف باختلاف الزمان.

باب الإحرام

باب الإحرام [1/ 291] (1) قوله: "من الميقات": أي فميقات أهل المدينة "ذو الحليفة"، وتسمَّى أبيار علي، بينها وبين مكة عشر مراحل، وهي عن المدينة ستة أميال أو سبعة. وميقات أهل الشام ومصر والمغرب "الجُحْفَة" قرب رابغ، وهي متوسطة بين مكة والمدينة أو إلى مكة أقرب بيسير. وميقات أهل اليمن "يَلَمْلَم"، عن مكة مرحلتان، ثلاثون ميلًا. وميقات أهل نجد واليمن والطائف "قَرْن المَنَازِل"، أو [قرن] الثعالب، على يوم وليلة من مكة. وميقات أهل العراق وخراسان ونحو ذلك "ذاتُ عِرْقٍ". فهذه المواقيت لأهلها ولمن مرّ عليها. فلو مرّ أهل الشام على ذي الحليفة، لم يكن لهم مجاوزته إلا محرمين. وقال شيخ الإسلام: يجوز تأخير الإحرام إلى الجحفة حينئد. وقوّاه في الفروع. ومن منزله دون الميقات يحرم منه، فمن في مكة يحرم منها، ويصح من الحلّ، ولا دم عليه، ويحرم لعمرةٍ من الحل. ويصح من مكة وعليه دم. ومن لم يمرّ بأحد المواقيت أحرم إذا علم أنه حاذى أقربها إليه. وسن له أن يحتاط وإن لم يحاذِ ميقاتًا، كالذي يجىء من سواكن إلى جدة من غير أن يمرّ برابغ ولا يلملم لأنهما حينئذ أمامه فيصل إلى جدة قبل محاذاتهما، فيحرم عن مكة بقدر مرحلتين فيحرم في المثال من جدة. وذلك أقل المواقيت. (2) قوله: "لأن العمرة الخ" الصواب "العبرة" بالباء، وحاصل هذه العبارة أنه لو أحرم بالعمرة في رمضان، وتحلَّل منها في شوال، لم يصر متمتعًا، لأن العبرة بالشهر الذي يهل بها فيه. باب محظورات الإحرام (1) قوله: "تسعة": أي بجعلِ قص الأظفار محظورًا مستقلًا، وجعل المباشرة دون الفرج محظورًا مستقلًا. وهذا التعداد أولى من تعداد المصنف، فإن

[1/ 294] قص الظفر غير حلق الشعر، والمباشرة دون الفرج غير الوطء في الفرج. والحاصل أن ما في المتن ليس ناقصًا عن الذي في المنتهى والإقناع، بل مستوفٍ كما أوضحناه. (2) قوله: "على الرجل": مفهومه أن الخنثى المشكل يجوز له لبس المخيط، وكذا تغطية الرأس. ومفهوم قوله: "وتغطية الوجه من الأنثى" أن الخنثى إن غطى وجهه لا فدية عليه، وهو كذلك في الجميع. نعم إن غطّى رأسه ووجهه، أو لبس مخيطًا وغطى وجهه، فدى، لأنه لا يخرج عن كونه رجلاً أو امرأة. صرح بذلك كله في الإنصاف، فراجعه. (3) قوله: "قصد شم الطيب": أي بخلاف شم الفواكه، كتفاحٍ ونحوه، فلا يحرم. وكذا شم نبات الصحراء، كشِيحٍ وإذْخِرِ ونحوهما مما لا يتخذ طيبًا، وكذا ما ينبته الآدمي لغير قصد الطيب، كحِنَّاءٍ وقَرَنْفُلٍ ونحوهما، أو ينبته الآدمي لقصد الطيب ولا يتخذ منه طيب، كريحان فارسي. ومحل الخلاف فيه (¬1). ولا فدية أيضًا بشمِّ الآس والنرجس، بخلاف وردٍ وبَنَفْسَجٍ وياسمين ونحو ذلك اهـ. ملخصًا من الإقناع. (4) قوله: "ما يعلق" هو بكسر اللام، لأنه من باب ضرب، كما في الحاشية (¬2). (5) قوله: "وكذا المتولد منه ومن غيره": شمل قسمين أحدهما: المتولد بين وحشيٍّ مأكول وأهليٍّ، ثانيهما: المتولد بين مأكول وحشي وغير مأكول، تغليبًا لجانب الحظر. قلت: [29أ] فيعايا بها، فيقال: شخص محرم قتل صيدًا غير مأكول، ولزمته الفدية. وذلك لأن المتولد بين المأكول وغيره لا يؤكل، كما يأتي في الأطعمة. والله سبحانه وتعالى أعلم. (6) قوله: "وطأً يوجب الغسل": أي بأن يولج الحشفة كلها، أو قدرها من ¬

_ (¬1) أي لأن فيه عن أحمد روايتين، ذكرهما في الفروع وكشاف القِناع. (¬2) بل هو من عَلِقَ يعْلَقُ من باب فَرِحَ، كما في كتب اللغة.

باب الفدية

مقطوعها، بدون حائل. فمفهومه إن كان الوطء غير موجب للغسل لا يحرم. [1/ 297] وليس كذلك، بدليل أن دواعي الوطء والمباشرة دون الفرج حرام أيضًا، كما ذكر المصنف، فالوطء الذي لا يوجب الغسل أولى. ولعل هذا القيد للوطء الذي يفسد النسك، وأما بدونه فيحرم فقط، ثم إن أنزل فعليه فدية، وإلا فلا، ولكن ينبغي أن يُحرَّر الحكم. وقوله: "السابع الوطء الخ": أي ويفسد به النسك قبل التحلل الأول في الحج، وقبل تمام السعي في العمرة. وقوله: "ولو كان المُجامع الخ": اسم فاعل، أي وكذا المجامَعُ، اسم مفعول، بدليل قوله: "أو نائمة"، لكن المكرهة والنائمة لا فدية عليهما، كما صرحوا به. وإنما يفسد نسكهما. هذا توضيح العبارة، فافهمه. (7) قوله: "ودواعيه": أي من نحو قبلة أو لمسٍ لشهوة أو تكرار نظر. (8) قوله: "والمباشرة دون الفرج": أي كالوطء بين الفخذين ونحوهما. وقول الشارح: "ولا يفسد النسك": ظاهره ولو أنزل منيَّا، وهو كذلك. وكان الأولى ذكره بعد قول المصنف "الاستمناء" ليشمله. وقوله: "والاستمناء" أي بيده أو يد زوجته. وظاهره أن ذلك كله محظور ولو لم ينزل منيًّا. (9) وقول المصنف: "وفي جميع المحظورات الفدية، إلاّ القمل الخ": فيه أن دواعي الوطء ونحوها من دون إنزال لا فدية فيها، مع أنها محظورات. والله أعلم. باب الفدية (1) قوله: "وهي ما يجب الخ": أي هذا تعريف الفدية شرعًا. وأما في اللغة فهي مصدر فدى يفدي فداء. وأصل الفدية ما يعطى في افتكاك أسير أو إنقاذٍ من هلكة. وإطلاق الفدية في محظورات الإحرام فيه إشعار بأن من أتى محظورًا منها فكأنه في هلكة، يحتاج إلى إنقاذه منها بالفدية التي يعطيها. وسبب ذلك والله أعلم

[1/ 299] تعظيم أمر الإحرام، وأن محظوراته من المهلكات، لعظم شأنه وتأكُّد حرمته. ولم أجد من اعتنى بالتنبيه على هذا، فليسُتَفَدْ فإنه من النفائس اهـ ابن نصرالله اهـ. ع ن. (2) قوله: "بين ذبح المثل الخ": أي إن كان له مثل، وأما إن كان لا مثل له كالإوزّ ونحوه، فهو بالخيار إما أن يشتري بقيمته طعامًا ويطعمه للمساكين، وإما أن يصوم عن كل طعام مسكين يومًا. وقوله: "أو تقويم المثل الخ": هذا كما قال ابن هشام، مما أولع به الفقهاء، فإنهم يقولون: "يخيّر بين كذا أو كذا" والصواب الواو. أي العطف بالواو، بأن يقال: بين كذا وكذا. وعلى هذا فالأنسب في العبارة هنا أن يقال في قسم التخيير: "فيجب ذبح شاة، أو صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين الخ" وكذا في جزاء الصيد يقال: "فيجب ذبح المثل أو تقويم المثل الخ" ولا حاجة لقوله يخيَّر، فإن "أو" تفيد التخيير. لكن لما كان وضع هذا الكتاب للمبتدئ ناسب التصريح بذلك. والله سبحانه وتعالى أعلم. (3) قوله: "أي عدم المتمتع والقارن الخ": الصواب أن يقول: "أو القارن أو تارك الواجب" لأن الضمير المستتر المفسر بقوله: "أي" الخ مفرد، وكان الأولى أن يقول: "أي عدم أحدهم الهدي الخ" أي أحد الثلاثة المذكورين في عبارة المصنف. والله أعلم. فائدة: ومن كرَّر محظورًا من جنس واحد غير صيد، كمن لبس مخيطًا في أوقات متعددة، أو حلق رأسه مرارًا، أو وَطِئ مرارًا ولو زوجةً غير الأولى، ولم يخرج فدية، لزمته فدية واحدة. وأما لو لبس مخيطًا وفدى، ثم لبسه مرة أخرى، فيفدي ثانيًا، وهكذا. وأما جزاء الصيد فيتكرر بتكرره مطلقًا. فائدة: إذا لم يصم عادم الهدي ثلاثة أيام في الحج، ولو بعذر، صام بعد ذلك عشرة أيام وعليه دم. ولا يجب تتابعٌ في صومها. ومتى وجب عليه الصوم [29ب] ثم قدر على الهدي لم يلزمه الانتقال إليه، سواء شرع في الصوم أم لا، وإن شاء انتقل إليه. ومن لزمه صوم المتعة، فمات قبل أن يأتي به لغير عذر،

فصل في جزاء الصيد

أطعم عنه لكل يوم مسكين، وإن لم يصمه لعذر حتى مات فلا إطعام اهـ ملخصًا [1/ 300] من الإقناع. (4) قوله: "بعد إحرام بحجٍّ": هكذا عبارة المنتهى والإنصاف. وهي توهم، وإن دَفَع الإيهام بقوله "لكن الخ" فالأولى "بعدها فراغ حج" كما هو ظاهر. تأمّل. وقوله: "لا يصح أيام مني": أي ولا بعدها قبل طواف الإفاضة، لأنه من أعمال الحج، وهي لا يصح صومها إلاَّ بعد فراغ أعمال الحج. فتفطن. فصل في جزاء الصيد (1) قوله: "والصيد الذي له مثل": أي في الخلقة، لا في القيمة، ولو أدنى مشابهة. وقوله: "يجب فيه ذلك المثل الخ": أي فما قضت فيه الصحابة يجب المصير فيه إليهم، وما لم تقض فيه الصحابة شيئًا، وكان له مثل من النَّعَمِ، يرجع فيه إلى قول عدلين خبيرين. ويجوز كون القاتل أحدهما أو هما. قال ابن عقيل: إذا كان خطأً، أو لحاجة أكله، أو جاهلاً تحريمَهُ. قال المنقح: وهو قويّ، ولعله مرادهم، أن القتل عمدًا (¬1) ينافي العدالة. وفي الغاية: ولو عمدًا وتابا. فحرّر وتدبر. (2) قوله: "وفي حمار الوحش بقرة": رُوي ذلك عن عمر رضي الله عنه (¬2). (3) قوله: "قال الإمام الخ": أي وحكم بها عمر وابن عباس (¬3). (4) قوله: "روى ذلك عن علي وابن عمر": أي وروى جابر مرفوعًا: "في الظبي شاة" (¬4) قاله في شرح المنتهى لمؤلفه. ¬

_ (¬1) هكذا الأصل، ولعل الصواب: "لأن القتل عمدًا" إلخ. (¬2) راجع تخريج هذا الأثر وما بعده من الآثار للشيخ محمد ناصر الدين الألباني في إرواء الغليل (4/ 241 وما بعدها). (¬3) حديث "في الضبع كبش" أخرجه أبو داود (3801) والحاكم (1/ 452) وصححه الألباني (الإرواء 4/ 242). (¬4) حديث: "في الظبي شاة، وفي الضبع كبش، وفي الأرنب عناق، وفي اليربوع جفرة" أخرجه البيهقي وابن عدي من حديث عمر وحديث جابر مرفوعًا (كنز العمال 5/ 38).

فصل في صيد الحرم ونباته

[1/ 301] (5) قوله: "وفي الضبّ جَدْي": قضى به عمر. (6) قوله: "وفي اليربوع جفرة": رُوي عن عمر وابن مسعود وجابر. (7) قوله: "وفي الأرنب عناق": يروى عن عمر أنه قضى بذلك. (8) قوله: "وفي الحمام الخ": قضى به عمر وعثمان وابن عمر وابن عباس. (9) قوله: "فقيمته مكانه": ظاهره أنه يتصدق بقيمته، وأن ذلك متعين، وليس كذلك، وإنما الواجب أن يشترى بقيمته طعامًا، ويطعمه للمساكين، أو يصوم عن كل طعام مسكينٍ يومًا. فهو من قسم التخيير، وقد نبهنا عليه هناك فتفطن. فصل في صيد الحرم ونباته (1) قوله: فيحرم على المُحِلّ": أي ولو بحريًّا، ولكن لا جزاء فيه، أي البحري، لعدم وروده. (2) قوله: "وسواك": أي بالرفع عطفًا على "ما"، أي وحتى سواك ونحوه، لا بالجر عطفًا على شوك، كما قد يتوهم. (3) قوله: "أو انكسر": أي بفعل غير آدميّ، لا يجوز أخذه والانتفاع به. وهو كذلك، خلافًا لما في الغاية، تدبر. (4) قوله: "وشجر غرس من غير شجر الحرم": مفهومه أنه لو قلع غرسًا من شجر الحرم، وغرسه بالحل، فقلعه غيره من الحل، يلزم الثاني جزاء. وهو كذلك. بخلاف الصيد إذا خرج من الحرم فلا حرمة له، لخروجه باختياره. أفاده ابن نصرالله. (5) قوله: "ويحرم قطع حشيشه": أي بخلاف رَعْيِهِ، فيباح. (6) قوله: "ويجزئ عن سبع شياهٍ بَدَنةٌ أو بقرة": قال في الاقناع: وذكر جماعة: إلاّ في جزاء صيد. (7) قوله: "وتجب كلها": قال المصنف في الغاية: ويتجه إن كانت كلها في ملكه اهـ. أي فلو كان من عليه دم له سُبع ُبدنة، وأذن له شريكه في ذبحها وأخذ

باب أركان الحج وواجباته

حقه منها، فذبحها، فإنه يجزيه ذلك السبع، ولا تجب عليه كلها. وهو ظاهر. [1/ 304] باب أركان الحج وواجباته أي وسننه، فإنه ذكرها في هذا الباب. فقد ترجم لشيء وزاد عليه، وهذا لا يعد عيبًا. (1) قوله: "أو كلهم إلا قليلاً الخ": يفيد أنه لو وقف النصف في الثامن أو العاشر خطاً لا يجزئهم، لأن الباقي ليس قليلًا. وعبارة بعضهم: وإن أخطأ بعضهم فاته الحج. وفي الانتصار: وإن أخطأ عدد يسير، وفي الكافي: إن أخطأ نفر منهم، وهو ما بين الثلاثة إلى العشرة، فاتهم الحج. وقوله: "خطأ": يشمل ما لو كان الخطأ لغلطٍ في العدد، أو في الرؤية، أو الاجتهاد مع الغيم. قال في الفروع: وهو ظاهر كلام الإمام وغيره. اهـ. قلت: وفي الإنصاف ما يفيد أنهم لو أخطأوا لغلطٍ في العدد، أو في الطريق ونحوه، فوقفوا العاشر، لم يجزهم إجماعًا. فليحرر. ثم لو وقف الحجاج كلهم في غير أرض عرفة خطأ، فالظاهر أنه لا يجزئهم. ولم أر من صرح به من علمائنا، ولكن صرح به بعض الشافعية. وقد يؤخذ من كلام علمائنا أيضًا ما يؤيده. لكن يطلب الفرق بينه وبين ما تقدم، فإن الشارع أمر بالوقوف في زمان معين وفي مكان مخصوص، فما الفرق بين من يقف في غير زمان الوقوف، ومن يقف في غير مكانه؟ فإن قيل إن الغلط في الزمان يكثر فاغتُفِر، بخلاف المكان، فإنه [30أ]، لا يكاد يخفى لتكرره من أهل مكة ومن قرب منهم كثيرًا. قلت: قد يعدّ هذا فرقًا لما له من النظائر، لكن يعكِّر عليه كونهم لم يغتفروه في خطأ الأقل، مع أنه نادر أيضًا. لكن قد يقال إنه أكثر من خطأ الأكثر، أو أكثر. (2) قوله: "والرمل الخ": سيأتي التصريح به في المتن قريبًا فلا حاجة لذكره.

فصل في شروط الطواف

[1/ 307] (3) قوله: "فعليه دم": أي [فإن] عدمه أو ثمنه، صام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع، كمتمتع، وتقدم. (4) قوله: "ويكره أن يقال: حجة الوداع": لأنه تفاؤل بأنه لا يعود. فصل في شروط الطواف (1) قوله: "ودخول وقته": أي إن كان واجبًا، وإلا فلا وقت. (2) قوله: كما تقدم أي بيان العورة في شروط الصلاة إذْ لا فرق. (3) قوله: "والطهارة من الحدث،: لم يقيّدوها بالقدرة عليها هنا، وأما في الصلاة فقد تقدّم أنها شرط مع القدرة. ويتجه هنا كذلك، إذ لا فرق، بل الصلاة آكد. وقد أفتى شيخ الإسلام بصحة طواف الحائض لعذر، وهو الصواب إن شاء الله تعالى. ومثله يقال في اجتناب النجاسة. وإذا طاف وعليه نجاسة جهلها أو نسيها يجري فيه الخلاف المذكور في الصلاة. وكذا يقال في ستر العورة، إلاَّ أن يفرق بأن الطواف لا آخر لوقته بخلاف الصلاة. لكن قد يقال: تصح صلاة فاقد الطهورين والسترة من أول الوقت، مع أنه متسع. هذا ما ظهر لي والله سبحانه وتعالى أعلم. (4) قوله: "المشي مع القدرة": وذكر الموفق إجزاء السعي راكبًا لغير عذر اهـ. فصل في شروط السعي (1) قوله: "الطهارة، وستر العورة": أي فلو سعى محدثًا أو عاريًا أجزأ، لكن ستر العورة واجب مطلقًا فيأثم بتركه. (2) ومن خصائص ماء زمزم أنه يقوِّي، ويسكَنُ الرَّوْع، ولذلك غُسِلَ صدره الشريف - صلى الله عليه وسلم - به ليقوى على رؤية ما رأى. وقالوا إنه أفضل من الكوثر، وأفضل منهما ما نبع من بين أصابعه - صلى الله عليه وسلم -.

باب الفوات

باب الفوات [1/ 310] (1) قوله: "وهو سَبْق لا يُدْرَك": أي فهو أخص من السبق. (2) قوله: "فجر الخ": أي الفجر الثاني. وقوله: "لعذر حصر الخ": بإضافة عذر إلى حصر إضافةً بيانية، أي عذرٌ هو حصر. وقوله: "أو غيره" أي أو غير عذر. ولا يصح تنوين عذر لأن المعنى عليه يحصُرُ فوات الحج فيمن فاته وقت الوقوف لعذر، مع أنه عام في المعذور وغيره، إلا أن يقال: غير المعذور معلوم بطريق الأولى. (3) قوله: "وانقلب إحرامه عمرة": أي من غير تجديد نية. وقوله: "فيطوف الخ": أي ولو طاف لقدوم وسعَى بعده. (4) وقوله: "لا تجزئ عن عمرة الإسلام": أي لأنه لم ينوها ابتداءً. (5) وقوله: "وعليه القضاء": أي قضاء الحج الفائت. وبعد القضاء يحج حجة الإسلام إن لم يكن حجها. وقول الشارح: ولو كان الحج الفائت نفلاً. هذا المذهب. وفي الإقناع ما يفيد أن المحصور لا يقضي نفلاً، وغير المحصور يقضي ولو نفلاً. (6) وقوله: "ومن حُصِرَ عن البيت الخ": أي قبل التحلل الأول. وأما لو حصر بعده عن البيت فلا يتحلل إلا بالطواف، كما يأتي قريبًا. (7) قوله: "وعليه دم": أي ويؤخره إلى القضاء يذبحه فيه فإن عدمه زمن الوجوب صام ثلاثة أيام في الحج أي القضاء وسبعة إذا رجع إلى أهله اهـ إقناع. (8) قوله: "ولا قضاء عليه": أي ويحج حجة الإسلام إن لم يكن حج، وكانت واجبة عليه قبل. باب الأضحية والعقيقة (1) قوله: "وتجب بالنذر الخ": أما لو اشتراها ونواها أضحية فلا تجب

[1/ 312] بالنية على الصحيح من المذهب، وإلا فلا تكون التضحية تطوعًا أصلًا (¬1) اهـ فتنبه. (2) قوله: "لزمه" أي ذبحها. وقوله: "وتفريقها على الفقراء": ظاهره أنه لا يجوز له الأكل منها حينئذ، مع أنه يأتي أن له الأكل من أضحيته ولو واجبة بنذر أو تعيين، إلا أن يحمل ما هنا على ما إذا أوجب ذبحها على نفسه من غير أن يقصد أضحيةً بل نذرها مطلقًا، بخلاف ما لو نذرها أضحية، فإنه يجوز له الأكل والهدية والصدقة كالتطوع، لأن هذا حكم الأضحية، فلم يتغير. (3) قوله: "ولو أوجبها ناقصة الخ": أي بأن كانت عوراء أو عرجاء ونحوها. وانظر هل يلزمه ذبحها في أيام النحر، أو في أي وقت شاء. وكلامهم يشمل ما لو أوجبها وهي في سن لا يجزئ. وهل إذا جاء العيد ولم يكن سنها حدّ الإجزاء يلزمه ذبحها، أو يجوز تأخيرها إلى العام القابل، أو يلزمه ذلك؟ وهل إذا أوجب ما في بطن [30ب] بقرته مثلاً، بأن قال: ما في بطن بقرتي هذه أضحية، ثم ولدته وكمل عمره سنتين ودخل في الثالثة يلزمه ذبحه أضحية، أو لا يلزمه؟ وهذه الأخيرة حادثة الفتوى، وقد سئلت عنها فظهر لي في الجواب أنه يلزمه، لأنه لو نذر الصدقة به وهو في بطن أمه لزمه الوفاء، فكذا إذا أوجبه أضحية. لكن لم أو من صرّح به، وربما دل عليه قولهم: وإن أوجبها ناقصةً الخ. وهل مثله لو قال: ما تحمله شاتي أو بقرتي أضحية، فحملت وولدت؟ ينبغي أن يحرر. والذي يظهر لي فيما إذا أوجب ما لا يبلغ حدَّ الإجزاء أنه إذا أوجبه في عامه يلزمه ذبحه، ولا يجزيه عن الشرعية. وإذا أوجبه وأطلق، فيلزمه إبقاؤه إلى العام القابل. لكن لم أره. فتدبر. (4) قوله: "وعن أهل بيته الخ": أي مثل امرأته وأولاده ومماليكه، لا نحو أخٍ، فأخوان مشتركان في عائلةٍ واحدة، واشترى أحدهما أضحية، ونواها لهما، ¬

_ (¬1) قوله: "وإلا فلا تكون التضحية تطوعًا أصلًا": لا يظهر لي معناه، مع أن المذهب كونها تطوعًا أصلاً.

وذبحها، فلا تجزئ أضحية. وإنما لحمٌ يأكلانه. وغالب الناس واقع في ذلك. [1/ 313] (5) قوله: "لأنه قبل ذلك لا يلقح": أي بخلاف الضأن، فإنه ينزو ويلقح بعد ستة أشهر. فائدة: وإن عيَّنَ أضحية أو هديًا فسرق بعد الذبح فلا شيء عليه. وكذا إن عيّنه عن واجبٍ في الذمة، ولو بالنذر. فإن تلفت ولو قبل الذبح أو سرقت أو ضلت قبله فلا بدل عليه إن لم يفرط. وإن عيَّن عن واجبٍ في الذمة وتعيّب أو تلف أو ضل أو عطب أو سرق ونحوه لم يجزئه، ولزمه بدله، ويكون أفضل مما في الذمة. وإن ذبحها ذابح في وقتها بغير إذنٍ، ونواها عن ربها أو أطلق، أجزأت ولا ضمان على الذابح. وإن نواها عن نفسه، مع علمه بأنها أضحية الغير، لم "تجزئ مالكها، وإلا أجزأت إن لم يفرق لحمها الذابح. وإن أتلفها صاحبها ضمنها بقيمتها يوم التلف، تُصْرَفُ في مثلها، كإتلاف أجنبي. وإن فضل من القيمة شيء عن شراء المثل اشترى به شاةً إن اتسع، وإلاّ اشترى به لحمًا، فتصدق به، أو يتصدق بالفضل. وإن فقأ عينه تصدّق بالأرش. ويقدّم واجبٌ في الذبح على تطوّع. قاله في الإقناع. قال م ص ولعل المراد: استحبابًا مع سعة الوقت. وقد تقدم: لمن عليه زكاةٌ الصدقةُ تطوعًا قبل إخراجها. ولا يكاد يتحقق الفرق اهـ. مسألة: وإن اشترى أضحية واستثنى البائع جلدها، فهل تصح التضحية بها ويلزمه أن يتصدق بقيمة الجلد لأن ذلك بمنزلة بيعه، أو لا تصح التضحية بها لنقصها؟ لم أره في كلامهم. والذي يتجه عندي عدم صحة ذلك، ولا يحتمل أن يصح. ينبغي أن يحرر. ومن أوجب أضحية فله إبدالها بخير منها، وكذا بيعها وشراء خير منها، لا مثلها. أو في ونها. وقيل يجوز مثلها، اختاره جماعة.

[1/ 313] (6) قوله: "بيِّنةُ العَوَر الخ": أي وأما لو كان غير ظاهر، كما لو ذهب نورها وهي صحيحة، فتجزئ. (7) قوله: "قاله في المستوعب والتلخيص" أي والترغيب والرعاية الكبرى والزركشي (¬1). (8) قوله: "ولا خصي مجبوب" يفهم من هنا ومن قوله سابقًا: "ويجزئ الخصي" أن المجبوب فقط يجزئ، وهو كذلك. وقوله: "ولا عضباء الخ" هذا الصحيح من المذهب، وهو من المفردات. وقال في الفروع: ويتوجه احتمالٌ: يجوز أَعْضَبُ، الأذن والقرن مطلقًا، لأن في صحة الخبر نظرًا (¬2)، والمعنى يقتضي ذلك، لأن القرن لا يؤكل والأذن لا يقصد أكلها غالبًا. ثم هي كقطع الذنب، وأولى بالإجزاء اهـ. قال في الإنصاف: قلت: هذا الاحتمال هو الصواب اهـ. أقول: ويتجه في العصماء مثله، بل أولى فليحرر. (9) قوله: "ويُسَنُ نحر الإبل": أي ويجوز ذبحها. وقوله: "والبقر والغنم": أي ويجوز نحرها. وقوله: "ويسن نحر الإبل الخ": وإن نحر الأضحيةَ أو ذبحها كتابي جاز على الصحيح. ويسن أن يكون مسلمًا. (10) قوله: "ويأتي حكم ما إذا نسيَ في الذكاة": أي وذلك لا يضر، بخلاف من تَرَكَها عمدًا أو جهلاً. (11) قوله: "اللهم هذا منك ولك": أي من فضلك ونعمتك، لا من حولي وقوَّتي، ولك التقرّب به لا إلى شيء سواك، ولا رياء ولا سمعة. ¬

_ (¬1) أما المستوعب والزركشي والرعاية فقد تقدم بيانهم. وأما الترغيب: فلعل المراد به "ترغيب القاصد في تقريب المقاصد" لفخر الدين بن تيمية (-622 هـ) و "التلخيص" أيضًا له، لكن اسمه "تخليص المطلب في تلخيص المذهب". (¬2) مراده بالخبر حديث علي: "نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يُضَحى بأعضب القرن والأذن " أخرجه الخمسة وصححه الترمذي. هكذا في منتقى الأخبار. ولم يذكر صاحب "نيل الأوطار" (5/ 124) خلافًا في صحة الحديث.

(12) قوله: "فلا تجزئ قبل ذلك" ظاهرٌ أنه لو ذبح قرب الزوال، وكان قبل [1/ 314] الصلاة، لا تجزئ إذا كان في بلدٍ يصلى فيه. نعم، إذا دخل وقت الزوال ولم يصلوا لعذرٍ أو غيره، جاز ذبح الأضحية، لفوات [31أ] التبعية بخروج وقت الصلاة. كذا في حاشية ابن عوض. (13) قوله: "ويجب أن يتصدق الخ": أي ما لم تكن أضحية يتيم، وإلا فلا يجوز الصدقة منها بشيء (¬1). وهل إذا تصدق من الأضحية على كافر يجوز أو لا؟ ذكروا أنه يجوز من غير واجبة. وقوله: "بأقل ما يقع عليه اسم اللحم": قال بعضهم قدر أوقية، ولم يبيّنوا ما المراد بالأوقية، هل هي عراقية أو دمشقية أو قدسية. ينبغي أن يحرر (¬2). وقولهم: (يتصدق بهذا القدر لحمًا فلا يكفي إطعام الفقير" هل مرادهم نيئًا أو يكفي مطبوخًا أو مشويًّا إذا مُلَّك للفقير؟ لم أر من صرح به ولا من أشار إليه، فليحرر. ثم رأيته مصرَّحًا به في الإقناع وغيره أنه يكون نيئًا. والله أعلم. وهل يجوز ادّخار لحم الأَضاحي إلى أكثر من ثلاثة أيام؟ نعم يجوز إلى ما شاء، لأنه نُسِخَ تحريم ادّخاره. قال بعضهم: ما لم يكن زمن مجاعة اهـ. (14) قوله: "ومن مات بعد ذبحها": وفي نسخة قبل ذبحها. (15) قوله: "فالقانع السائل": أي فيكون من "قنع" من باب "ضَرَبَ" (¬3) إذا سأل وطمع. ¬

_ (¬1) أقول: في هذا نظر. فإن الصدقة من الأضحية بشيء منها واجب. والواجب يُخْرَجُ من مال الصغير، كالزكاة. ولو قيل بامتناع الإهداء منها فله وجه. لكن إن كان ذلك يسرّ اليتيم ويُفرِحُهُ فلم لا؟ ثم وجدت للشارح في باب (الحجْر - فصل الولاية) نقولًا تشهد بصحة ما نقوله هنا. والحمد لله. (¬2) هذا التعمق لا داعي له، فإن المراد التقريب وليس التحديد. (¬3) لم نجده هكذا في القاموس ولسان العرب، بل فيهما "قنَع يقنَع" كَمَنَع إذا سأل وذلّ.

فصل في العقيقه

[1/ 315] وقوله: "وقال إبراهيم وقتادة: القانع الجالس في بيته المتعفف الخ" أي فيكون من قنعَ كفَرِحَ إذا تعفَّف. فائدة: يجوز للمرأة أن تضحّي من مال زوجها بدون إذنه عن أهل بيته. قاله الشيخ تقي الدين. فصل في العقيقه (1) قوله: "وهي سنة الخ": وهل إذا مات المولود قبل أن يُعَقَّ عنه تُسَنُ أيضًا أو لا؟ لم أو من صرّح به. وقد كنت سمعت من بعض أقاربي أهل العلم أنها لا تشرع حينئذ، لأنها في مقابلة نعمة المولود، وقد زالت بموته. ولم أدر أنه رأى في ذلك نصًّا أو لا. فقلت: عموم كلامهم يشمل الحيّ والميت. ولم أزل من ذلك الوقت أبحث عن هذا الحكم، إلى أن رأيت في حاشية ابن عوض على هذا الكتاب ما نصه "قوله: والسنة ذبحها، أي العقيقة، في سابع يوم من ولادته. ولو مات الولد قبله، ويتوجه: أو الأب اهـ" وعزاها إلى ع ن. فهو نصّ فيما قلته. وعموم كلامهم يدل عليه. وهو مقتضى عموم الحديث. (2) قوله: "ولا تجزئ بَدَنةٌ ولا بقرة إلاّ كاملة": أي فإذا أراد أن يشترك اثنان فأكثر، إلى سبعة، في بدنة أو بقرة عقيقةً فلا تجزئ عنهم. وانظر لو كان لرجل سبعة أولاد فما دون، وأراد أن يعق عنهم ببدنةٍ أو بقرة، هل يجزئه ذلك عنهم أو لا؟ لم أو من تعرض له، وعموم نصوصهم يدل على أنه لا يجزئ، إلا أن يقال: مرادهم فلا يجزئ فيها شرك لغير ذلك. فتنبه. (3) قوله: "فإن فات ففي أربعة عشر": أي ففي اليوم المتمم لأربعة عشر. وقوله: "ففي إحدى وعشرين": صوابه ففي أحدٍ وعشرين، لأن المعدود مذكر ولعله من النّساخ، وكان الأولى أن يقول ففي رابع عَشْرِهِ، فإن فات ففي الحادي وعشريه، أو: ففي حادي عشريه. وهو ظاهر. (4) قوله: "كالأضحية": أي الواجبة، فإنها إذا لم تذبح في أيام النحر تذبح بعدها في أي وقت شاء، وتكون قضاء، وأما التطوع فقد فات محلّه.

(5) قوله: "ويسمى فيه": أي يوم السابع، وفي الرعاية: يسمى يوم الولادة. [1/ 318] (6) قوله: "وتجوز التسمية باكثر من اسم": أي كما يوضع اسم وكنية ولقب. (7) قوله: "وتحرم التسمية بعبد غير الله كعبد النبي، وعبد المسيح": وكذا تحرم التسمية بسيد ولد آدم، أو سيد الناس، ونحو ذلك. وبعضهم تورع عن إطلاق "قاضي القضاة". (8) قوله: "فإن اتفق وقت عقيقته الخ": أي إن اتفق يوم سابع ولادة المولود، أو يوم الأسبوع الثاني، أو الثالث، هو ويوم النحر، أو ثانيهِ أو ثالثهِ، هذا ما قرره لنا شيوخنا. وهو معنى كلام العلامة البهوتي في شرح المنتهى. وظاهره أن ما قبل الأسبوع لا يعتبر في موافقته لأحد أيام النحر، وكذا ما بين الأسابيع وبعدها. وعندي فيه نظر، لأن وقت العقيقة من الولادة إلى ما لا نهاية له، وإنما الأسابيع وقت فضيلة. سلمنا أنه وقت مشروعية، وبعدها تكون قضاء، ما المانع من إجزائها، فإنه لو صلَّى مكتوبةً قضاء أو راتبة أجزأت عن تحية المسجد، وكذا عن ستة الطواف مع إحدى الصلاتين قضاءً. وعبارة الإقناع لا يفهم منها غير ذلك، وكذا عبارة المصنف لا تاباه. ***

كتاب الجهاد

[1/ 319] كتاب الجهاد (1) قوله: "الكفار": أي خاصة. (2) قوله: "ومعنى فرض الكفاية الخ": أي ومن ذلك دفع ضرر المسلمين، كستر العاري وإشباع الجائع، على القادرين. وكالصنائع المباحة المحتاج إليها غالبًا لمصالح الناس الدينية والدنيوية، كالزرع والغرس ونحوهما، وإقامة الدعوة، ودفع الشبه بالحجة والسيف، وحفر الآبار والأنهار، وتنظيفهما، وعمل القناطر والجسور والأسوار، وإصلاحها، وإصلاح الطرق والمساجد، والفتوى وتعليم العلوم الشرعية، وما تحتاج إليه من نحو حسابٍ ولغة ونحوٍ وتصريفٍ وقراءة. وكذا علم الطب. وأما غير ذلك من العلوم فهو إما حرام، كعلم الكلام، أي المخلوط بالفلسفة، وكعلم الفلسفة، والشعبذة والتنجيم والضرب بالرمل والحصى والكيمياء وعلوم الطبائعيين، إلا الطب. ومن المحرَّم السحر والطِّلَّسْمات، وعلم اختلاج الأعضاء. ونسبته إلى جعفر كذب. وكذا حساب اسم الشخص واسم أمه بالجُمَّل، وأن طالعه كذا، ونحوه. والحكم على ذلك بفقرٍ أو غنى. وإما مكروه كالمنطق. وإما مباح كعلم الهيئة والهندسة والعروض والمعاني والبيان. ومن فروض الكفاية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اهـ. ملخصًا من الإقناع (¬1). وقوله: "أثم الناس كلهم": الذي يظهر أن المراد بالناس من يجب عليهم، دون غيرهم من النساء والأرقاء ونحوهم، لأنهم غير مخاطبين به. فتدبر وحرر. (3) قوله: "للآية الشريفة": أي قوله تعالى {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [الفتح: 17] أو قوله تعالى {ليسَ على ¬

_ (¬1) في بعض أحكامه على العلوم المتقدمة نظر لا يخفى.

الضعفاءِ ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج} الآية [التوبة: [1/ 320] 91]. (4) قوله: {ولا على الذين} الآية. أي وهم سبعة من الأنصار. وقيل بنو مُقَرِّن، كما في [تفسير] الجلالين. (5) قوله: "تكفر كل ذنب حتى الدين". أي وهذا في متهاوِنٍ في قضائه، وإلا فالله يقضيه عنه، سواء مات حتف أنفه، أو قتل، حيث أنفقه في غير سرف ولا تبذير. قاله الآجرّي اهـ. غاية. (6) قوله: "الصغائر فقط": أي وأما الكبائر فلا يكفِّرها إلا التوبة. وقال بعضهم: ظاهر الحديث يدل على غفران الصغائر والكبائر. وفضل الله تعالى أعم وأوسع اهـ ونقل المَرُّوذِي (¬1): برّ الوالدين كفارة للكبائر. (7) قوله: "ويسنّ الرباط الخ" أي لا نقل أهله وذراريه إليه إن كان مخوفًا، فيكره إن كان من غير أهل الثغر. (8) قوله: "وتمامه أربعون يومًا": فإن زاد فله أجره اهـ إقناع. (9) قوله: "إلا متحرّفين الخ": معنى التحرف أن يفرّوا إلى موضع يكون القتال فيه أمكن، مثل أن ينتقلوا من ضيقٍ إلى سعة، أو من معطشة إلى ماء، أو من نزولٍ إلى علوّ، أو من استقبال شمسٍ أو ريح إلى استدبارهما، أو يفرّوا من بين أيديهم لينتقض صفهم، أو تنفرد خيلهم من رجّالتهم، أو ليجدوا فيهم فرصة، ونحو ذلك. ومعنى التحيُّز الانضمام إلى فئة ناصرة تقاتل معهم ولو بعدت كثيرًا. (10) قوله: "جاز": أي لكن إن ظنوا الظفر بالعدو حينئذ فالثبات أولى، بل يستحب. وكذلك لو ظنوا الهلاك بقتالهم وإن لم يقاتلوهم أُخِذُوا أُسارى، فالأولى أن يقاتلوا. قال الإمام أحمد: ما يعجبني أن يستأسروا. وقال: القتال أحبُّ إليّ، ¬

_ (¬1) أي عن الإمام أحمد. والمرّوذي هو أحمد بن محمد بن الحجّاج (- 275هـ) أحد النقلة المباشرين عن أحمد، بل قال ابن العماد: "هو أجلهم، كان إمامًا في الفقه والحديث، كثير التصانيف" شذرات الذهب (2/ 166) و"المروذي" نسبة إلى بلدة بخراسان يقال لها مَرْوُ الرُّوذ.

فصل في الأسرى

[1/ 321] فإن الأسر شديد، ولا بد من الموت. وقال: يقاتل ولو أعطوه الأمان، قد لا يفون. ولو ظن هلاك الفئتين فالقتال أولى. مسألة: ومن أسر أسيرًا لم يجز له قتله، بل يأتي به الإمام، فإن امتنع من المسير معه، ولو بضربٍ ونحوه، جاز له قتله. فإن قتله لغير الك، وكان المقتول رجلاَ أثم، ولا شيء عليه، وإن كان امرأة أو صغيرًا عاقبه الإمام، وغرَّمه قيمته غنيمةً، لأنه صار رقيقًا بمجرد السبْي. فصل في الأسرى (1) قوله: "المقاتلون": أي بخلاف غيرهم من زمنٍ وأعمى وشيخٍ فانٍ وراهبٍ بصومعة. ويكونون أرقاء بمجرد السبي، كما يفهم من الإقناع والمنتهى. (2) قوله: "مخيَّرٌ الخ": أي ما لم يسلموا بعد الأسر، فإن أسلموا تعين [32أ] رقُّهم في الحال، وصار حكمهم حكم النساء. وعنه يخير فيهم بين رقٍّ ومنٍّ وفداءٍ. صححه الموفق. فالفداء ليتخلص من الرق. وأما من أسلم قبل أسرٍ لخوفٍ أو غيره فكمسلم أصليٍّ. وقوله: "تخيير مصلحة الخ": فلو تردَّد في الأصلح فالقتل أولى. وعندي أن ذلك يتعتن حينئذ. والله أعلم. وقوله: "قتل": أي بالسيف في العنق. فلا يجوز التمثيل به ولا تعذيبه. ويفدى الأسير المسلم من بيت المال. فإن تعذّر فمن المسلمين. ولا يفدى بخيلٍ ولا سلاحِ، بل بثيابِ ونحوها. (3) قوله: "من السبي": ليس بقيدٍ، بل المراد العموم. (4) قوله: "كزنا ذمّيّة الخ" ومثله لو مات أبواه أو أحدهما بدارنا، فيحكم بإسلامه. فصل السلب للقاتل (1) قوله: "فله سَلَبُه" أي قَتَله وهو مبارزٌ له، أو كان مُغِرًّا بنفسه. وأما إن قتله وهو مشتغل بأكل ونحوه، أو هاربٌ، فلا يستحق سلبه. وكذا لو قتل شيخًا

فصل يذكر فيه أموال الفيء مصارفها

فانيًا أو امرأةً ونحوهما ممن لا يقتل. [1/ 324] (2) قوله: "وتُقسَم الغنيمة الخ": أي بعد دفع الأسلاب إلى أهلها. (3) قوله: "ابنا عبد مناف": الأولى "ابنَيْ عبد مناف" لأنه صفة لهاشم والمطلب، وهما مجروران. وقوله: "دون غيرهم من بني عبد مناف": أي كبني عبد شمس ونوفل. (4) قوله: "لفقراء اليتامى": فيه تخصيص لعموم الآية. وإن اجتمع أسباب في واحد، بأن كان هاشميًا مسكينًا يتيمًا ابن سبيل، استحق بكل واحد منها، لكن لو أعطي ليتمه فزال فقره لم يعط لفقره لزواله. قلت: وكذا لو أعطي لفقره فزال لم يعط ليتمه، أو أعطي لكونه هاشميًا فصار غنيًا لم يعط لفقره ولا ليتمه. ويعطى الفقير والمسكين وابن السبيل ما يكفيهم، كالزكاة. فصل يذكر فيه أموال الفيء مصارفها (1) قوله: "بين أحرار المسلمين": أي لا عبيدهم، فلا يعطون منفردين، بل تزاد ساداتهم عن غيرهم. (2) قوله: "للآية": أي قوله تعالى {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى} إلى قوله {والذين جاءوا من بعدهم} [الحشر: 7، 8] قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: "استوعبت المسلمين عامّة، ما من أحدٍ إلاّ وله في هذا المال نصيب، إلا العبيد اهـ " (¬1). باب عقد الذمة (1) قوله: "ويجب الخ": سيأتي التصريح به في المتن. ¬

_ (¬1) ذكر هذا الأثر ابن كثير في تفسيره (4/ 341) عند هذه الآية. لكن لفظه قال: "إلا بعض من تملكون من أرقائكم" وقال: رواه أبو داود، وفيه انقطاع. وأخرجه ابن جرير.

[1/ 327] (2) قوله: "لأهل الكتاب": أي التوراة والإنجيل، بخلاف غيرهما من صحف إبراهيم وشيث وزبور داود، فمن تديّن بها لا تقبل منه الجزية، ولا تحل مناكحته ولا ذبيحته. وفيه وجه: بلى. وقوله: "اليهود والنصارى الخ" فيدخل في اليهود كل من تديَّن بدين موسى الكليم عليه السلام، كالسامرة، ويدخل في النصارى كل من تديّن بدين عيسى عليه السلام، كما لإفرنج والأرمن والروم وغيرهم. (3) قوله: "فصار لهم بذلك شبهة كتاب": وهذه الشبهة أوجبت حقن دمائهم بأخذ الجزية منهم. وقد روي أن عمر لم يرض بأخذها منهم حتى شهد عنده عبد الرحمن بن عوف "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذها من مجوس هجر" (¬1). ولكن هذه الشبهة لم تنهض في إباحة نسائهم وحل ذبائحهم. (4) قوله: "يمتهنون": الصواب حذف النون. فائدة: لا تؤخذ الجزية من نصارى بني تغلب ولو بذلوها، لأن عمر عقد الذمة لهم على أن يدفعوا زكاة أموالهم ضعف ما يدفعه المسلمون، وذلك بطلبهم، فإنهم لم يقبلوا الدفع باسم الجزية، وقالوا ندفع باسم الزكاة أو الصدقة من جميع الأموال الزكوية ضعف ما يدفعه المسلمون (¬2). ومن المعلوم أن عقد الذمة مؤبد، فلا يجوز نقضه. (5) قوله: "كالزنا": أي والسرقة. (6) قوله: "وراهبٍ بصومعة": يؤخذ منه أنه لو كان الراهب يخالط الناس، ويبيع ويشتري ويكتسب، يؤخذ منه الجزية. وهو كذلك. صرح به ابن نصرالله. (7) قوله: "بعد الحول سقطت" قال حفيد المنتهي: فلو مضى سنون ولم ¬

_ (¬1) حديث عبد الرحمن بن عوف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ الجزية من مجوس هَجَر: أخرجه البخاري (4/ 117) وأحمد (1/ 190) والترمذي (1586) كذا في المسند الجامع (12/ 348). (¬2) أخذ عمر من بني تغلب الجزية مضاعفة باسم الزكاة أخرجه أبو عبيد في الأموال (ص 538) ط ثانية.

فصل في أحكام أهل الذمة

يكن دَفَعها فهل تسقط كلها؟ ظاهره تعليل (¬1) "في الحول" السقوط في أكثر منه، [1/ 328] ولأن في السقوط ترغيبًا في الإسلام، بخلاف عدمه. ولو دفعها بعد الحول، ثم أسلم، فهل يرجع بها؟ الظاهر: نعم، لأنها لم تجب عليه (¬2). فصل في أحكام أهل الذمة (1) قوله: "من المسلمين" أي ومن غيرهم. (2) قوله: "ويمنعون من تعلية البناء الخ": ومثله بل أولى [32ب]: يمنعون من سكنى محل مرتفع تحته مسلم، كما أفتى به الشيخ عبد الرحمن البهوتي. ويتجه: وتحرم إجارته لهم. وهو ظاهر لا غبار عليه. (3) قوله: "وبكيف أصبحت الخ": وقال الشيخ: يجوز هذا ونحوه، و "أطال الله بقاءك، وأكثر الله مالك" ونحوه. فصل فيما ينتقض به عهد الذمي (1) قوله:"أو زنى بمسلمة الخ": أي ولا يشترط لذلك ثبوته بشهوده المعتبرة، بل يكفي اشتهاره واستفاضته. (2) قوله: "ولو كان سب الخ": أي بغير قذف. وأما إن قذفه فيقتل مطلقًا. وقيل يقتل سابُّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بكل حال. اختاره جمع. قال الشيخ: وهو الصحيح من المذهب اهـ. ... ¬

_ (¬1) كذا في الأصل. (¬2) في هذا نظر، فإنه إن كان دفعها بعد الحول ثم أسلم، فقد أخذت منه بحق، وأصبحت من حقوق بيت المال، فلا تخرج من بيت المال إلا بحق. بخلاف ما لو أسلم قبل دفعها.

كتاب البيع

[1/ 332] كتاب البيع (1) قوله:"عين ماليةٌ": وهي كل جسم أبيح نفعه واقتناؤه مطلقًا. فخرج الخمر والخنزير ونحو ذلك. وقوله: "أو منفعة مباحة مطلقًا": أي بأن لا تختص إباحتها بحالة دون حالة. فخرج ما لو باع منفعة جلد ميتة طاهرةٍ في الحياة مدبوغٍ، فإنه لا يصحّ، لأنه لا ينتفع به إلا في اليابسات فقط. وقوله: "بإحداهما": يشمل أربع صور: عين بعينِ كثوب بثوب، وعين بمنفعة كثوب بممّر دار، ومنفعة بعين كممر دار بثوب، ومنفعة بمنفعة كممر بممر آخر. وقوله: "أو بمالٍ في الذمة": أي من نقد أو غيره. وهو ما يباح نفعه في جميع الأحوال، وذلك يشمل ست صور: عين بمالٍ في الذمة، منفعة بمالٍ في الذمة، وعكسهما، ومال في الذمة بمال في الذمة، وعكسه. فصور البيع تسع. وقوله: "للملك": خرج ما لو أعار فرسه على أن يعيره الآخر فرسه. وقوله: "على التأبيد": أي بأن لم يقيّد بمدّة، فخرجت الإجارة. ولما كان هذا الحدّ شاملاً للرّبا والقرض أخرجهما بقوله "غير ربا وقرض". (2) قوله: "بل هي كل ما أدّى معنى البيع": أي نحو: بعتك، وملّكتك، وولّيتك، ووهبتك بكذا، أو أعطيتك بكذا. والقبول بنحو اشتريت وتملكت وأخذت. (3) قوله: "وبالمعاطاة": أي ويعتبر في المعاطاة معاقبة القبض أو الإقباض للطلب كما في الإقناع. (4) قوله: "بأن يظهرا الخ": هذا بيع التلجئة، وأما بيع الأمانة فقال شيخ الإسلام: مضمونه اتفاقهما على أن البائع إذا جاءه بالثمن أعاد عليه ملكه. قال: وهو عقد باطل بكل حال. ومقصودهما الربا بإعطاء دراهم بدراهم إلى أجل، والمنفعة هي الربح اهـ. قلت: وهذا البيع هو الذي يسمَّى بنابلس ونواحيها ببيع

"الوفاء". وغالب الناس واقع فيه. وهو صحيح عند الحنفية كما هو مصرح به في [1/ 333] كتبهم (¬1). تأمل. (5) قوله: "والمال يصحّ منهما قبول هبة ووصية": واختار جمعٌ صحته منهما ومن قنٍّ. وهو الذي تميل وتطمئن إليه النفس. (6) قوله: "والمال ما يباح نفعه في جميع الأحوال": أي واقتناؤه بلا حاجة. فخرج ما لا نفع فيه أصلاً كالحشرات، وما فيه منفعة محرمة كالخمر، وما فيه منفعة لا تباح إلا في حال الاضطرار، كالميتة، وما لا يباح اقتناؤه إلا لحاجة كالكلب. وظاهره صحة بيع طيرٍ لقصد صوته، ودود قزّ وبزره ونحلٍ وهزٍّ وقيل وبغل وحمار وسباع بهائم وطير تصلح للصيد، إلاَّ الكلب. ويصح بيع قرد لحفظٍ، ولبنِ آدميةٍ، وعَلَقٍ لمصِّ دَمٍ. (7) [قوله]: "الميتة" أي ولو طاهرةً كميتة الآدمي، إلا ما استثني. (8) قوله: "فلا يصح بيع الفضولي الخ" إلا أن يشتري في ذمته ونواه لشخص لم يسمِّه، فيصح، ثم إن أجازه من اشتري له مَلَكَهُ من حين اشتُرِي. وإلا وقع لمشتر ولزمه. (9) قوله: "ولو لقادر على تحصيلهما": وهذا بخلاف المغصوب، فإنه يصح بيعه لقادر على تحصيله، ثم إن عجز عن تحصيله فله الفسخ. وانظر ما الفرق بين المغصوب والآبق والشارد. وحرر وتأمل. فائدة: لا يصح بيع فجل وجزر ونحوهما مما هو مستور في الأرض، كبصل، قبل قلعه، نصًّا. ويصح بيع ما ماكوله في جوفه، كبيض وجوز ولوز وفستق وبندق في قشره. مسألة: فلو أسرّ المتعاقدان ثمنًا بلا عقد، [33أ] ثم عقداه بآخر، فالثمن الأول. وإن عقداه سرًّا بثمن وعلانية بآخر، أخذ بالأول أيضًا. وقال الحلواني: ¬

_ (¬1) ويسميه المالكية: بيع "الثُّنْيا"، والشافعية: بيع العُهدة. وبعض الحنفية جعله من حقيقة الرهن.

فصل في موانع صحة البيع

[1/ 334] كنكاح اهـ. ويتجه في الأولى: ما لم يرجعا عن الذي أسرَّاه. فتدبر. (10) قوله: "ومن باع معلومًا ومجهولًا الخ": وذلك كبعتك هذه الفرس والفرس التي في محل كذا بألفٍ مثلاً، فيصح البيع في الفرس المعلوم بقسطه من الثمن، وذلك كأن يقال والله أعلم: قيمة المعلومة تساوي أربعمائة مثلاً، وقيمة المجهولة تساوي ثمانمائة، فمجموعهما ألف ومائتان، ونسبة قيمة المعلومة إلى ذلك ثلث، فيكون ثمنها ثلث، الألف في المثال المذكور. (11) قوله: "وما في بطن هذه الفرس الأخرى": أي وهذا بخلاف ما لو قال: بعتك هذه الفرس وما في بطنها، فإنه لا يصح ولو بيَّن كل منهما (¬1)، لأن دخوله بالتبعية لا يتأتى بعد مقابلته بثمن. وإبطال البيع فيه دون أمه كاستثنائه، وهو مبطل للبيع اهـ. بهوتي في شرح "الإقناع". قلت: وقد صرح في الغاية بصحة البيع في قوله: بعتك هذه البهيمة وحملها. فتأمل. فصل في موانع صحة البيع (1) قوله: "بحيث إنه يدركها" (¬2): يعني أن من منزله بعيد عن الجمعة لا يصح منه بيع ولا شراء قبل ندائها الذي عند المنبر إذا كان ذلك في وقت بحيث إنه يدرك الجمعة بعد النداء الذي عند المنبر إذا غدا إليها في ذلك الوقت. وهذا على الأصح. ومعنى ذلك في المستوعب، وعبارته: "ولا يصح البيع في وقت لزوم السعي إلى الجمعة" اهـ فتوحي في شرح المنتهى. (2) قوله:"كمضطر إلى طعام أو شراب": أي وجده يباع. وقوله: "وعريان وجد سترة": أي تباع. وقوله: "ومركوبٍ لعاجز": أي ويجوز شراء مركوب لعاجز عن المشي أو ضريرٍ عدم قائدًا. ¬

_ (¬1) هكذا في الأصل وض، ولعل الصواب: "ولو بيّن ثَمَن كل منهما". (¬2) كذا في الأصل وض. والذي في دليل الطالب وشرحه: "بحيث إنه لا يدركها" وهو الصواب.

وقوله: "ونحوه": أي كما لو وجد ماءً يباع واشتراه ليتطهر به. [1/ 335] (3) قوله: "ويصح إمضاء بيع الخ" قال في الغاية: ويتجه: ويحرم اهـ. قال في شرحها: وهو متجه اهـ. وقال شيخ مشايخنا الشطي: وفي غاية المطلب التصريح بعدم الحرمة على الأصح. قال: فتوجيه شيخنا منتقد اهـ. (4) قوله: "ولا بيع قن الخ": حل الشرح بقيد تنوين "قن"، وجعل "مسلم" صفةً له، ويدل لذلك كلامه الآتي. ومفهومه أن القن الكافر، ولو لمسلم، يصح بيعه لكافر. وهو يخالف ما تقدم في الجهاد من قولهم "ولا يصح بيع مسترقٍّ منهم لكافرٍ، ولا فداؤه بمال، ويصحّ بأسير مسلم". بل عبارة المصنف في الغاية: "ولا يصح بيع رقيقنا، ولو كافرًا، لكافر" اهـ. وحينئذ فالأولى جعل "قن" في عبارة المتن بدون تنوين، مضافًا إلى "مسلم"، ويصير المعنى: ولا يصح بيع قن المسلم لكافر، فيشمل القنَّ الكافر والمسلم. فائدة: وإن باعه صبرةً من طعام أو غيره جزافًا صح، علماً قدرها أوْ لا، ومع علم أحدهما فقط يحرم عليه، وللثاني الخيار. وإن باعه قفيزًا منها صح إن تساوت أجزاؤها وكانت أكثر من قفيز. وكذا يصح بيع جزءٍ مشاع منها. وإن باعه حيوانًا مأكولاً إلا رأسه وجلده وأطرافه صح، سفرًا وحضرًا. وإن باع لك منفردًا لم يصح. قال في الإقناع: والذي يظهر أن المراد بعدم الصحة إذا لم تكن الشاة للمشتري، فإن كانت له صح، كبيع الثمرة قبل بدو صلاحها لمن الأصل له. فإن امتنع مشترٍ من ذبحه لم يجبر إذا أطلق العقد، ولزمته قيمة المستثنى تقريبًا. فإن شرط البائع الذبح ليأخذ المستثنا لزم المشتري الذبح، ودفع المستثنى. قاله في شرح المحرر اهـ. أقول: فلو دلت قرينة على أنه اشتراه ليذبحه، كقصاب ونحوه، فلم يشترط البائع ذبحه، ثم إن المشتري اتخذه للقنية وامتنع عن ذبحه، فهل يجبر على ذبحه ودفع المستثنى؟ الظاهر: نعم، لأن عدم اشتراطه للقرينة الدالة عليه. فليحرر. (5) قوله: "كمغصوب": أي فيضمن بمثل مثلئ وقيمة متقوِّم، ما لم يدخل في ملك قابضٍ. فإن دخل، بأن أخذ معلومًا بكيل أو وزن أو حوائج من بقال

[1/ 337] ونحوه، في أيام، ثم يحاسبه بعده، فإنه يعطيه بسعر يوم أخذه، لتراضيهما على ذلك. هذا [33ب] توضيح كلام الشارح رحمه الله تعالى. (6) قوله: "ما لم يدخل في ملك القابض، كالمقبوض على وجه السوم": لم يظهر لي معنى هذه العبارة، فإن المقبوض على وجه السوم، سواء قطع ثمنه أو لا، مضمونٌ مطلقًا، كما يأتي في باب الضمان. بخلاف ما لو أخذ السلعة من غير مساومة ليريها أهله إن رضوا بها أخذها وإلا ردّها، فإنه لا يضمنها إلا بتعدٍّ أو تفريط. والظاهر والله أعلم أنه أراد أن يقول: "لأنه لم يدخل في ملك القابض" فسبق قلمه إلى ما ترى، أي فالمقبوض على وجه السَّوم إن بيّن ثمنه ثم تلف فمن ضمان المشتري، أي يضمنه بالثمن الذي وقعت عليه المساومة فقط، بخلاف المقبوض بعقد فاسدٍ فإنه يضمن بقيمته، لا بما وقع عليه العقد. وكذا تضمن زيادته، لأنه لم يدخل في ملك القابض. فهو كمغصوب في جميع الأحكام. فيكون قوله "كالمقبوض الخ" تمثيلاً للمنفيِّ في قوله "لم يدخل"، لا للنفي، أي فالمقبوض على وجه السوم يدخل في ملك قابضه إن قلنا بصحة بيع المعاطاة، وهو المذهب، فيكون مضمونًا بثمنه دون زيادته. وبالجملة فالعبارة لا تخلو من تسمّح. والله سبحانه وتعالى أعلم. أقول: معنى عبارة الشارح: أن المقبوض بعقد فاسدٍ إنما يكون ضمانُه كمغصوب، أي بمثلِ مثلىٍّ وقيمة متقوّم، إذا لم يدخل في ملكِ قابض، فإن دخل كالمقبوض على وجه السوم ونحوه فإنه يكون ضمانه بالقيمة لا غير، ولو كان مثليًا، وهو أوضح. (7) قوله: "شراءً فاسدًا": وكذا لو كان صحيحًا، فلا فرق. وقوله: "شجرة" أي وتلفت الثمرة. وقوله: "لم يضمنه" أي الثمر (¬1). وقوله: "بذلك" أي بهذا الشراء الفاسد. ¬

_ (¬1) هذه القولة والتي قبلها ساقطتان من ض.

باب الشروط في البيع

[1/ 338] باب الشروط في البيع (1) قوله: "وتعتبر مقارنته للعقد": أي وفي زمن خيار مجلس أو خيار شرط، فإن حكمه حكم صلب العقد. ذكره الشيخ مرعي اتّجاهًا. وصرّح به غيره أيضاً. فائدة: لو أخبر بائع مشتريًا بضفة في المبيع، فصدقه المشتري، ولم يشترطها عليه، فبان فَقْد تلك الصفة، فلا خيار على المذهب. (2) قوله: "أو أرش فقد الصفة": أي وهو قسط ما بين قيمته بالصفة، وعاريًا عنها، من الثمن. فلو اشترى عبدًا على أنه كاتب بألفٍ، فتبيَّن غير كاتبٍ، خُير مشترٍ بين فسخ البيع وأخذ الثمن و [بين] إمساكه وأخذ أرش فقد الصفة، بأن يقوّم العبد في المثال فيقال: وهو كاتب يساوي ألفًا وخمسمائة، وبدون الكتابة يساوي سبعمائة وخمسين، مثلاً، فقد نقص نصف القيمة، فيأخذه بنصف الثمن، وهو خمسمائة في المثال. وعلى ذلك فقس. (2) قوله: "أي فسخ البيع الخ": هذا بيان لقوله في المتن: "ولمشتر الفسخ" أي ما لم توجد فيه صفة أعلى من الصفة المشروطة، كما لو اشترى أمة واشترط كونها كافرةً أو ثيبًا أو سَبْطة أو حاملاً أو قصيرة أو حمقاء أو تبول في الفراش ونحو ذلك، فبانت مسلمة أو بكرًا أو جعدة أو حائلاً أو طويلة أو غير حمقاء أو لا تبول في الفراش، فإنه لا خيار له في ذلك، لأن البائع زاده خيرًا. ومثل ذلك لو اشترط كونها يهودية فبانت نصرانية، لأن اليهودية لا يتمكن من الانتفاع بها يوم السبت. لكن لو شرطها ثيِّبًا لغرض صحيح، مثل الذي لا يقدر على فض البكارة، فبانت بكرًا، فالظاهر أن له الخيار، وإن كان عموم كلامهم يخالفه. (3) قوله: "وحملان الدابة الخ": قال م ص: ونفقة المبيع المستثنى نفعُه مدةَ الاستثناء: الذي يظهر أنها على البائع، لأنه مالك المنفعة، لا من جهة المشتري، كالعين الموصى بنفعها، لا كالمؤجرة والمعارة.

فصل في الشروط الفاسدة

[1/ 340] فائدة: لو باع المشتري العين المستثنى نفعُها في مدة الاستثناء، صح بيعها، وتكون في يد المشتري مستثناة أيضًا، فإن كان عالمًا بذلك فلا خيار له، وإلا فله الفسخ، كمن اشترى أمةً مزوّجة أو دارًا مؤجرة. (4) قوله: "فيثبت له": أي للمشتري. (5) قوله: "أو تكسيره أو خياطته الخ": فلو شرط عليه شرطين ولو صحيحين بطل البيع، وذلك كما لو شرط على البائع حمل ما باعه [34أ]، وتكسيره، أو تفصيله وخياطته ونحو ذلك، ما لم يكونا من مقتضاه أو مصلحته (¬1). (6) قوله: "قبله": أي العمل. وقوله: "عليه": أي على البائع. فصل في الشروط الفاسدة (1) قوله: "كشرط بيع آخر الخ": وهل مثله لو قال: بعتك على أن ترهنني كذا؟ الظاهر نعم، وصرح به في الغاية. لكن يخالفه ما ذكروه من أن شرط رهنٍ أو ضمينٍ صحيحٌ، إلا أن يحمل ما هناك على الرهن على ثمن المبيع فقط. (2) قوله: "المنهي عنه": أي فقد صحّ عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه "نهى عن بيعتين في بيعة" (¬2). وقد فسّره الإمام أحمد بما ذكر، تارةً، وبنحو: بعتك كذا بعشرة نقذًا وهو ¬

_ (¬1) في نسخة ض هنا أضاف الناسخ هاتين الفائدتين، قال: "فائدة: وإن اشترط أن الطير يوقظه للصلاة، أو أن البهيمة تحلب كل يوم كذا، أو أن الكبش مناطح، لم يصح الشرط، لأن هذه الشروط منها ما لا يمكن الوفاء به، ومنها ما هو محرم، فهو ممنوع شرعًا. "فائدة أخرى: اعلم أنه قد أجمعت العلماء على بطلان البيع المتعارف والمتداول عند أكثر الناس من بيع الخيل، واشتراط ما تنتَجُهُ الفرس من أنثى أو أكثر للبائع، فإن نتجت ذكرًا فأكثر ولو طول عمرها فللمشتري ولا شيء من ذلك للبائع إلا ما اشترطه على المشتري، ويلتزم المشتري هذا الشرط الباطل اهـ. بحذفٍ وتوضيحٍ من كلام المحشي عبد الغني اللبدي" اهـ. (¬2) حديث: "نهى عن بيعتين في بيعة": أخرجه من حديث أبي هريرة مرفوعًا: أحمد (2/ 432) والترمذي (3/ 533) وقال: حسن صحيح.

باب الخيار

بعشرين نسيئة، تارةً أخرى. [1/ 341] (3) قوله: "قال أحمد": لعله: "قاله". (4) قوله: "صفقتَان في صفقة ربا": أي حكمه حكم الربا من حيث كونه باطلاً ولا يجوز تعاطيه. (5) قوله: "فالشرط باطل والبيع صحيح": ومثله لو قال لغريمه: بعني هذا على أن أقضيك منه دينك، فباعه، صح البيع لا الشرط، أو قال رب الحق: اقضنيه على أن أبيعك كذا، فكذلك. (6) قوله: "صح": وعنه أنه باطل. (7) قوله: "بعوض": أي عن الزائد. (8) قوله:"أَقْفِزَة": جمع قفيز، وهو مكيال معروف، وقدره ثلاثون رطلاً عراقية، وقيل ستة عشر، وقيل ثمانية أرطال مكّيّة، وهو مكُّوكان. باب الخيار (1) قوله: "في بيع": أي غير كتابة، وتولّي طرفي عقد، وشراء من يعتق عليه. المنقِّح. أو يعترف بحريته قبل الشراء، لعتقه بالملك. (2) وقوله: "في بيعٍ وصلحٍ بمعنى البيع": أي وذلك كما لو صالحه على غير العين المدّعى بها مع الإقرار، فإن هذا الصلح حكمه حكم البيع. وأمّا نحو المساقاة والمزارعة والحوالة والجعالة والشركة فلا خيار فيها. قوله: "وصلح بمعنى بيع": وكذا قسمةٌ وهبة بمعنى بيع. (3) قوله: "عرفًا": أي ويختلف العرف باختلاف مواضع بيعٍ، فبفضاء واسع أو سوقٍ بمشيِ أحدهما مستدبرًا لصاحبه بحيث لا يسمع كلامه المعتاد. ويتجه: لو تبايعا بمكاتبة فبمفارقة مجلس قبول، أو بمناداةٍ من بُعدٍ فبمفارقةِ أحدهما مكَانَه بحيث لو كان معه عُدَّ تفرّقًا. وأنه يصدق منكِرُ عدمِ تفرّقٍ بيمينه اهـ. غاية. (4) قوله: "من غير إكراه": أي ومعه: حتى يتفرقا من مجلس زال فيه الإكراه، ونحوه.

[1/ 343] (5) قوله: "وإن أسقطه أحدهما الخ": وكذا لو قال لصاحبه: اختر. (6) قوله: "ولا يثبت الخيار لوليه": أي المجنون. وفي الإقناع أن من جُنّ، أو خرس ولم تفهم إشارته، قام وليه مقامه. فالشارح تبع المنتهى. وقد جمع بعضهم بينهما بأن كلام صاحب المنتهى محمول على غير المُطْبِق، وكلام الإقناع على المطبق. وهو جمع وجيه. فتأمل. (7) قوله: "وتحرم الفرقة من المجلس الخ": أي لما ورد في ذلك من النهي. وأما ما روي عن ابن عمر أنه كان إذا اشترى شيئًا يحبه مشى خطوات، فمحمول على أنه لم يبلغه الحديث. ولو بلغه لما خالفه، أو مخافة أن تلحق نفسه المبيع إذا رآه فائقًا، فيحبّ لزوم البيع، قطعًا للطمع. (8) قوله: "خيار الشرط": أي ويصح في بيع ونحوه إلاّ فيما قبْضه شرط لصحته كالسلم والصرف وبيع ربويٍّ بجنسه. (9) قوله: "أو بعده في المجلس": أي أو في مدة خيار الشرط إذا شرطا خيارًا آخر. (10) قوله: "وإن طالت": أي فلا تقيّد بثلاثةِ أيام. وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يجوز أكثر من ثلاثٍ. وقال مالك: يجوز فوق ثلاثٍ، ولكن بقدر الحاجة، مثل قريةٍ لا يصل إليها في أقل من أربعة أيام، فقول الشارح: "وبهذا قال أبو يوسف ومحمد الخ" كان الصواب تأخيره بعد قول المتن: "وإن طالت" لأنه يوهم أن الخلاف في ثبوت خيار الشرط من أصله، وليس كذلك، بل في تقدير مدته كما رأيت. فتأمل. (11) قوله: "حيلةً ليربح في قرض": أي وذلك كما لو اشترى فرسًا بألفٍ، وشَرَط الخيار إلى سنة، فحملت وولدت في مدة الخيار، فإن الولد له. فإذا قصد هذا الربح في مقابلة قرض الثمن، بطل البيع من أصله. (12) قوله: "وينتقل الملك من حين العقد": فعلى هذا لو اشترى نصاب ماشيةٍ بشرط الخيار حولاً، تكون زكاته على المشتري. (13) قولى: "ولا إلى رضا" أقول. فإن فسخ المشتري، [34ب] أو البائع

ولم يقبض الثمن، فواضح أن له لك. وأما إن فسخ البائع وقد قبض الثمن فلا [1/ 345] يملك الفسخ إلا برّد الثمن، كما جزم به الشيخ، وإن كان ظاهر إطلاقهم خلافه. فالواجب حمل إطلاقهم على ما جزم به الشيخ، وهو مرادهم قطعًا، فتنبّه له. (14) قوله: "خيار الغبن الخ": أي فيثبت في ثلاث صور: إحداها: لقادمٍ من سفرٍ، تلقّاه مشترٍ وهو لا يعرف سعر السوق. الثانية: لمسترسل، وهو من جهل القيمة ولا يحسن يماكس من بائعٍ ومشتر. الثالثة: في نَجَشٍ، بأن يزايده من لا يريد شراء ولو بلا مواطأة، ومنه: أُعطيت كذا، وهو كاذب. ويحرم على البائع أن يسوم المشتري كثيرًا ليبذل له قريبَهُ، ذكره الشيخ تقي الدين. وهو أي الغبن حرام. وقوله: "الخارج عن العادة": أي لأنه لم يرد بتحديده الشرع، فرجع فيه إلى العرف. وقيل مقدر بنصفٍ، وقيل بثلث، وقيل بسدس. وعلى كلٍّ فاليسير لا خيار فيه. (15) قوله: "وإن لم يكن عيبًا": أي فالتدليس إما أن يكون بكتم عيبٍ، فيخيّر فيه بين ردٍّ وإمساك بأرش كما يأتي. وإن كان غير ذلك، كتصرية اللبن، فيخير بين الإمساك بلا أرش أو الردّ. فتأمل. فائدة: يردّ مع المصرّاة صاع تمرٍ سليم وجوبًا، فإن لم يجده فقيمَتَهُ موضع العقد. وهذا إن كان قد حلَبها، وإلّا ردها بلا شيء. ولو ردّها بعيبٍ غير التصرية فالحكم كذلك. (16) قوله: "ويثبت للمشتري الخيار الخ" أي وهو على التراخي، لا يسقط إلا بما يدل على الرضا، كخيار غبن وعيبٍ، إلا المُصَرَّاة فيخير فيها إلى ثلاثة أيام بعد علمه بالتصرية. فإن اختار فيها وإلا بطل خياره، كما في الإقناع وغيره. (17) قوله: "خيار العيب وما بمعناه": أما العيب فهو إما نقص عين المبيع ولو لم تنقص به القيمة، وإما نقص القيمة عادةً في عرف التجار، كمرض، وذهاب سنٍّ من كبير، أو زيادتها، أو زيادة إصبع، أو نقصها، وحَوَلٍ وطرشِ وقَرَعٍ وعَثْرةِ مركوبٍ ورفسه وقوة رأسه وحرَنه وشموصه، ونحو ذلك. وأما ما بمعنى العيب فكبقٍّ في الدار، أو كونها ينزلها الجند، أو فيها حيّة،

[1/ 347] وكون ماءٍ استعمل في رفع حدثٍ ونحوه، ولو لشرب، وأما عدم حيض الأمة أو كفرها فليس بعيبٍ، وكذا صدل وحُمَّى يسيران، وسقوط آياتٍ يسيرة في مصحف ونحوه. (18) قوله: "في ملكه": أي الردّ، أي في كونه يملكه. (19) قوله: "كثمرة شجرة": أي بعد جدادها، وإلا فمتصلة، أُبِّرتْ أو لم تؤبّر على الصحيح من المذهب. والظاهر: وكونها ظهرت بعد عقد. وقوله: "وولد بهيمة": أي وأما ولد الأمة فيردّ مع أُمِّه، لتحريم التفريق بينهما، وللمشتري قيمته على بائع. (20) قوله: "وعليه أجرة الردّ": قال في الغاية: ويتجه: إلا إن دلّس بائع اهـ. أي فتكون حينئذ الأجرة على البائع، لأنه غازٌ بتدليسه، وهو متجه اهـ من شرحها. وهو مصادم لصريح الإقناع، فإنه صرّح بوجوب أجرة الردّ على المشتري ولو دلس البائع عليه اهـ. شطّي. (21) قوله: "ويرجع بالثمن كاملاً": فلو أبرأ البائع المشتري من الثمن، ووهبه له، ثم تبيّن بالمبيع عيب، فللمشتري رده وأخذ بدل ثمنه من البائع، كزوجٍ طلّق قبل دخول، وقد وهبته الصّداق، فإنه يرجع بنصفه، أو يمسك ويأخذ الأرش. (22) قوله: "فيرجع بخمس الثمن الخ ": فإن قلت: لم لم يرجع بما نقص من القيمة؟ قلت: لأن ذلك قد يفضي إلى أن يرجع بالثمن كله فيما إذا اشتراه بعشرةٍ، ووجد به عيبًا فقُوِّم مع العيبِ بعشرةٍ، ومع عدمه بعشرين، فقد نقصت قيمته عشرة وهي الثمن كله فافهم. (23) قوله: "بجميع ما دفعهه: أي وبِبَدلِ ما أبرأه منه، أو وهبه له. (24) قوله: "واستعماله لغير تجربةٍ": محل هذا في خيار الشرط. (25) قوله: "ولا يفتقر الفسخ الخ": أطلقه الأصحاب. وعنه: يردّ الثمن إن فسخ البائع. وجزم به الشيخ، كالشفيع. وقال: وكذا التملُّكات القهرية، كأخذ الغراس والبناء من المستعير والمستأجر، والزرع من الغاصب. قاله في

الإنصاف (¬1). وهذا الصواب الذي لا يعدل عنه، خصوصًا في زمننا هذا، وقد كثرت [1/ 348] [35أ] الحيل. ويحتمل أن يحمل كلام من أطلق على ذلك اهـ. فائدة: لو اشترى ما ماكوله في جوفه، فكسره فوجده فاسدًا ولا قيمة لمكسوره كبيض دجاجٍ، وبطيخ لا نفع فيه، رجع بالثمن كاملاً. وليس عليه رد المبيع، لأنه لا فائدة فيه. وإن كان الفاسد بعضه رجع فيه بقسطِهِ؛ وإن كان لمكسوره قيمة كبيضِ نعام وجوز هند خُيِّر بين إمساك وأرش، وبين ردٍّ ودفع أرش كسرٍ. وإن اشترى ثوبًا مطويًّا فنشره فوجده معيبًا، فإن كان مما لا ينقصه النشر رده وأخذ الثمن، وإن كان ينقصه فكبيض نعامٍ وجوزِ هندٍ، وتقدّم. (26) قوله: "فقول المشتري الخ": وفي روايةٍ: يقبل قول البائع. قال في الإنصاف: وهي أَنَصُّهما. واختارها القاضي وأبو الخطاب وابن عبدوس، وجزم به في المنوّر ومنتخب الآدمي، وقدمه في المحرر اهـ. أي فيحلف على البتّ أنه باعه وليس به هذا العيب. وهذا عندي هو الصواب، لأن المشتري لو علم العيب به حين البيع لما ثبت له الخيار، فمن أين علم أنه كان به إذن حتى يجوز له الحلف؟ فتنبه. ثم ظهر لي أنه إذا ظهر له، وغلب على ظنه، أن العيب كان بالمبيع قبل بيعه بقرينةٍ ونحوها، كما لو أخبره بذلك من يثق به، ونحو ذلك، يجوز له الحلف على ذلك، لما له من النظائر. والله أعلم. (27) قوله: "فإن خرج عن يده لم يجز له الحلف على البت": أي فلو حلف لا يقبل منه، لا على البتّ ولا على نفي العلم. ثم إن وجد بينة على وجود العيب عند البائع رده، وإلا فلا، خلافًا لما توهم عبارة الشيخ مرعي في الغاية. فراجع وتأمل. (28) قوله:"قول المشتري الخ" لو قال: "قول المنتقل إليه" لكان أولى، لأن العيب قد يكون في الثمن، فيقبل قول البائع بيمينه أن العيب كان عند المشتري، أو: ما حدث عنده، كما هو ظاهر. ¬

_ (¬1) قوله: "قاله في الإنصاف" كذا في الأصل، وفي ض: "قال في الإنصاف".

[1/ 349] فائدة: لو اشترى جاريةً على أنها بكر، ووطئها، وقال: لم أصبها بكرًا، فقوله مع يمينه. وإن اختلفا قبل وطئه أريت النساء. ويقبل قول امرأة ثقةٍ اهـ إقناع. فائدة: وإن تصرف المشتري بالمبيع بما يدل على الرضا، من وطء وسومٍ وإيجار، واستعمال لغير تجربة، عالمًا العيب، ولم يختر الإمساك قبل تصرفه، فلا أرش له، كرٍ. وعنه: له الأرش، كإمساكٍ. قال في الرعاية الكبرى والفروع: وهو أظهر. وقال في القاعدة العاشرة بعد المائة (¬1): هذا قول ابن عقيل. وقال عن القول الأول: فيه بُعْد. قال الموفق: قياس المذهب أنّ له الأرش بكل حال. وصوّبه في الإنصاف اهـ. إقناع. فقوله: "ولم يختر الإمساك" أي مجانًا، وإلا فالظاهر إن اختار الإمساك ليأخذ الأرش ثم تصرف فيه أن له الأرش، وأنه يقبل قوله بيمينه أنه أمسك ليأخذ الأرش. والله أعلم. (29) قوله: "ويقبل قول البائع الخ": أي وكذا المشتري إن وجد البائع عيبًا بالثمن، وأراد ردّه، فيقبل قوله بيمينه أنه ليس هو المردود. وهذا إن كان معيّنًا بعقد. (30) قوله: "حلف البائع الخ": أي وهذا إذا كان قبل قبض ثمن، وأما إن كان بعده، وفسخ عقد بإقالة أو عيب، فإنه يقبل قول بائع في قدر الثمن بيمينه. (31) قوله: "بل نكل أحدهما وحلف الآخر": ظاهره: ولو نكل بائع لا يقضى عليه حتى يحلف مشترٍ، وهو ظاهر الإقناع أيضاً. لكنه مخالف لصريح كلام ابن نصرالله. فتأمل. (32) قوله: "ويتفاسخان الخ": ظاهره: لا ينفسخ بنفس التحالف، بل لا بد ¬

_ (¬1) أي من القواعد الكبرى لابن رجب الحنبلي (706 - 795 هـ) واسم كتابه: "تقرير القواعد وتحرير الفوائد" وهو عبد الرحمن بن الحسن بن محمد بن مسعود البغدادي ثم الدمشقي، أخذ عن جماعة منهم العلامة ابن القيّم، ولزم مجالسه إلى أن مات، وكان أحد الأئمة الكبار. له غير القواعد: "جامع العلوم والحكم شرح الأربعين حديثًا من جوامع الكلم" يعني الأربعين النووية. أجاد فيه وأفاد. وله غيرهما.

فصل في التصرف في المبيع قبل قبضه

من فسخه، وهو كذلك. [1/ 350] (33) قوله: "ظاهرًا وباطنًا": أي سواء كان الفاسخ ظالمًا أو مظلومًا، على الصحيح. (34) قوله: "فإن نكلا الخ": قال ابن نصرالله: "إن قيل ابتداء البائع باليمين واجب، فالقضاء بالنكول يكون عليه، وإن قيل: بداءة البائع لا تتعين، فأيهما يقضى عليه بالنكول؟ " فيه نظر، ويحتمل أن يقرع بينهما، فمن قرعَ فَنكل قضي عليه اهـ. يوسف. فعلى كلام ابن نصرالله: يقضى على البائع بالنكول قبل عرض اليمين على المشتري، لأن وجوب ابتداء البائع باليمين هو المذهب، [35ب] وعليه فلا يتصور نكولهما معًا. فحرر وتدبر. فصل في التصرف في المبيع قبل قبضه (1) قوله: "إن لم يكن فيه خيار": إما غلط من النّساخ، أو سبق قلم من الشارح رحمه الله تعالى، فإن الخيار لا يمنع من انتقال الملك في المبيع، وتقدّم. فالأولى تأخير هذه العبارة بعد قوله: "ويصحّ تصرفه". (2) قوله: "فمن ضمان بائعه الخ": لفٌّ ونشر مشوّش، ومقتضى الترتيب أن يقول: "إلا المبيع بكيل الخ فلا يصح تصرفه فيه قبل قبضه، ويكون من ضمان بائعه الخ". (3) قوله: "الذي ليس في الذمة": أي وأما الذي في الذمة إذا تلف يؤخذ بدله مطلقًا. وكذا يصح بيعه لمن هو في ذمته غيرَ سَلَمٍ. فصل فيما يحصل به القبض (1) قوله: "شرط حضور الخ": أي ووعاؤه كيده، فلو أرسل ظرفًا لمن له بذمته زيت، أو عِدْلاً لمن بذمته حنطة مثلاً، فكيل له حقه في وعائه، فهو قبض صحيح، فإذا تلف بعد ذلك من غير تعَدٍّ من باذلٍ له ولا تفريطٍ، فلا ضمان عليه. ويؤخذ من كلامه أيضًا أنه لو قبض مكيلاً بقولِ باذلٍ أنه قدر حقِّه، ولم

باب الربا

[1/ 352] يحضر كيله لا هو ولا نائبه، يكون القبض غير صحيح، فلا يصح تصرفه فيه قبل اختباره. ثم إن وُجِدَ ناقصًا، فإن كان القابض صدَّق الباذل في قدره لم يقبل قوله إنه ناقص، وإلا قبل بيمينه. وصرّح بذلك في المنتهى وغيره. (2) قوله: "والنّقّاد الخ": أي إذا لم يكن المنقود مقبوضًا، وإلا فعلى القابض. (3) قوله: "ومن مضارب وشريك الخ": أي لا من وكيلٍ في بيع أو شراء إلاّ بإذن موكل، كما في الحاشية عن الصوالحي. باب الربا (1) قوله: "مكيل": أقول: والذي يظهر أن من المكيل حبَّ القهوة والفلفل والبهار ونحو ذلك، ومن الموزون التتن والتنباك والدارَصيني، أي القِرْفَة، وأن ذلك يجري فيه الربا، لعموم عباراتهم. وهل مثله الخرنوب رطبًا ويابسًا؟ تدبّر وحرر. (2) قوله: "لعدم تموّله عادة" قال بعضهم: وفيه نظر، لأن العلة عندنا ليست هي الماليّة. وقال م خ: وقد يقال سَلَّمنا ذلك، لكن مرادهم أن ما ذكر من إباحة الأصل، وعدم التموّل عادة، ضعَّفَ العلّة التي هي الكيل، فلم تؤثّر. اهـ. وقال الزركشيّ: الأظهَرُ جَرَيَان الربا في الماء. وقولهم إنه مباح الأصل ينتقض بلحم الطير، والطينِ الأرمني، ونحوهما. وقولهم: لا يتموّل عادة، ينتقض بان العلة عندنا ليست المالية. (3) قوله: "وكلّ فاكهة رطبة الخ " هذا يشمل بعمومه التين الرطب، فإنه فاكهة، كما في الأيْمان. فظاهره أنه لا ربا فيه. ولكن لم أو من صرّح به لا إثباتًا ولا نفيًا. لكنهم صرحوا بان العنب ربوي، مع أنه فاكهة رطبة، فكان اللائق أن يقال في هذه العبارة: "إلا العنب، وهل التين مثله أو لا؟ ينبغي أن يحرر". (4) قوله: "والفلوس" أي فلا يجري فيها الربا إذا كان يتعامل بها عددًا، ولو ناقصةً، لخروجها عن الوزن، وعدم النصّ، فيصح بيع فلس بفلسين ولو اختلفا

وزنًا. وأما إذا كانت المعاملة بها وزنًا فإنه يجري فيها الربا. قاله ح ف. [1/ 354] (5) قوله: "بجنسه" المراد بالجنس ما يشمل أشياء مختلفة بالنوع، كالبّر مثلاً، فإنه يشتمل على القصري والحوراني والفاشية وغيرها. والنوع ما اشتمل على أشياء مختلفة بالشخص، كأحد لهذه الثلاثة. فيكون النوع داخلاً في الجنس، فإذا كان لا يصح بيع الجنس بمثله إلا بشرطين، فالنوع بمثله من باب أولى. وشمل كلامه ما لو باع تمرةً بتمرة، أنه لا يصح، لعدم العلم بالمماثلة كيلاً. وإذا بيع صُبْرةٌ بصبرة من جنسها صح إن علم كيلهما وتساويهما، وإلا فلا. وقوله: "أي بمكيل" الأولى أن يقول: "أي المكيل" تفسيرًا للضمير، وأما تفسير الجنس بالمكيل فلا يصح، لأن المكيل يعمّ أجناسًا. وعليه يصير المعنى: فإذا بيع المكيل بمكيلٍ أو الموزون بموزون، صح بشرطين إلخ، وفيه قصور. (6) قوله: "وبرٌّ ببرٍّ وشعير بشعير". الأولى ذكر هذا عند قوله "كتمرٍ بتمر" لأنه مكيل. (7) قوله: "في معياره الشرعيّ الخ" أي فلو باع ما أصله الكيل بمثله وزنًا متساويًا، كرطل بُرٍّ برطل بُرٍّ، أو ما أصله الوزن بمثله كيلاً (¬1) متساويًا، كصاعِ رصاصٍ بصاع رصاص، لا يصح، لعدم العلم بالمماثلة في معياره الشرعي الذي هو الكيل في المكيل، والوزن في الموزون، وأما إذا علم التماثل بذلك فيصح. قلت: ومحل ذلك فيما يظهر لي أن المكيل لا يصح بيعُه بمثله وزنًا إذا كان يمكن كيله، وإلا بأن كان جامدًا، كالسمن الجامد، والعسل والدبس الجامدين، ونحوهما كالعجوة، فيصح بيع أحد هذه الأشياء بمثله وزنًا [36أ]، لأنه لا يباع إلا كذلك. والسمن وإن تمكن إذابته ففيها مشقة، بل صرحوا بجواز هذا. فتخصيص إطلاقهم هنا بما قلنا أولى من جعله مناقضًا، بل [هو] متعيّن. (8) قوله: "من غير جنسه" أي وأما إن كان من جنسه، كرطل لحم معزٍ بشاةٍ، فلا يصح. قال م ص: لحديث: "نهى عن بيع الحي ¬

_ (¬1) كذا في ض. أما الأصل ففيها هنا سقط واضطراب.

باب بيع الأصول والثمار

[1/ 355] بالميت" (¬1) ذكره أحمد، واحتج به، ولأنه بيع بأصله الذي فيه منه، فلم يجز، كبيع الشيرج بالسمسم. اهـ. قلت: الحديث الذي احتج به الإمام يشمل ما إذا بيع بحيوان من غير جنسه أيضًا، فليحرر. (9) قوله: "كالعنب بالعنب والرطب بالرطب" تمثيله، كغيره، بهما فقط يدل على أن غيرهما من الفواكه الرطبة ليس بربوي، كالتين والمشمش الرطبين ونحوهما. ويؤيّده ما تقدم من قولهم "وكل فاكهة رطبة" أي فلا يجري فيها الربا. نعم كان الواجب أن يستثنوا الرطب والعنب من عموم هذه العبارة. وعلى كل فعباراتهم تحتاج إلى تنقيح. والله أعلم. فائدة: ولا يصح بيع حبٍّ بدقيقه ولا بِسَوِيقِهِ، ولا دقيق حب بسويقه، ولا خبز ولا زلابية وهريسة وفالوذج ونشا ونحوهما بحبه ولا دقيقِهِ، كيلاً ولا وزنًا اهـ من الإقناع. أقول: وذكر في الإنصاف روايةً بجواز بيع الحب بدقيقه وزنًا. قال واختارها في الفائق اهـ. باب بيع الأصول والثمار (1) قوله: "من باع الخ": "من" اسم شرط مبتدأ، وقوله: "تناول" جواب الشرط، والجملة خبر المبتدأ. والضمير الذي فيه راجع للبيع والهبة والرهن والوقف والإقرار والوصية، ماخوذًا ذلك من "باع" وما عطف عليه. وحينئذ خَلَتْ جملة الخبر عن رابط يربطها بالمبتدأ، إلا أن يقال: معناه: تناول بيعه إيّاها أو هبته الخ فيكون الرابط ضميرًا مقدّرًا، نحو "السمن منوان بدرهم" أي منه. (2) قوله: "وإن كان بقاؤه أنفع له": أي لا يُبقَّى الزرع الذي لا يحصد إلا ¬

_ (¬1) حديث "نهى عن بيع الحي بالميت" أخرجه الشافعي (1306) والبيهقي (5/ 296) وهو حسن (الإراء 5/ 198).

فصل في بيع الشجر عليه ثمر

مرة في الأرض المبيعة إلا لأول وقت أخذها، فليس له تأخيره عن أول وقت [1/ 358] أخذه، وإن كان بقاؤه أنفع له. وقوله: "كالثمرة": أي كما أن الثمرة إذا بيع شجرها بعد ظهورها، فَتُبقَّى إلى أول وقت أخذها فقط، ولو كان بقاؤها أنفع. فصل في بيع الشجر عليه ثمر (1) قوله: "وإذا بيع": أي أو صولح به أو رُهِنَ أو وهب أو جُعل صداقًا أو عوض خلع أو أجرةً أو أُخِذ بشفعةٍ، بخلاف وقفٍ ووصيةٍ، فإن الثمرة تدخل فيهما مطلقًا، كفسخٍ في عيب ومقايلة في بيعٍ، ورجوعِ أبٍ في هبة. قال في المفردات (¬1): ويتجه: "وإقرارٌ مثل الوقف والوصية" قال في شرحها: "لكن الذي يفهم من شرح الإقناع في باب الإقرار: أن الثمرة في الإقرار كالبيع، على التفصيل المذكور، وهو أظهر من اتجاه المصنف" اهـ. أقول: مقتضى قولهم إن الإقرار ليس بإنشاء تمليكٍ، بل هو إخبار عن الواقع: دخول الثمرة مطلقًا. وأيضًا في الفروع: وليس لربّ الأرض قلعها، وثمرتها للمقرّ له. وفي الانتصار (¬2) احتمال، كالبيع. فعلى هذا فاتجاه المصنف أظهر. فائدة: إذا اختلف البائع والمشتري ونحوهما في المبيع ونحوه: هل كان ¬

_ (¬1) قوله: "المفردات": هذا الموضع مشكل، فإن الذهن ينصرف إلى أنها "النظم المفيد الأحمد في مفردات الإمام أحمد" لمحمد بن عبد الرحمن العمري (- 820 هـ) التي شرحها الشيخ منصور البهوتي (- 1051هـ) وهما مطبوعان. لكن لم نجد فيهما ما نقله الشيخ عبد الغني في حاشيته هذه عن المفردات وشرحها. فلعله يعني متنًا آخر في المفردات، له شرح متأخر في الزمان عن شرح الإقناع. فلينظر. وإن كان مراده بالمفردات "نظم المفردات" لابن عبد القوي، فلم نجد لها شرحًا. فينظر مراده. والله أعلم. (¬2) الانتصار في المسائل الكبار" هو للقاضي أبي يعلى الفراء (- 458 هـ).

فصل في بيع الثمر على الشجر

[1/ 360] وقت العقد الثمر باديًا أو لا؟ فيقبل قول البائع ونحوه بيمينه، كما في المنتهى وغيره. (2) قوله: "وإن تشقق الخ": أي ما لم يكن التشقق ونحوه في بعض ثمرة شجرة، وإلا فالكل للبائع، لأن بعض الشيء الواحد يتبع بعضه. (3) قوله: "مكانه" قلت: مفهوم كلامهم أنه إذا بقي شيء من أصلها، فطلع له غصن أنه يُتقى. فليحرر. فائذة: يصح بيع الأصول التي تتكرر ثمرتها، كالقثّاء ونحوه، مطلقًا صغارًا كانت أو كبارًا، مثمرةً أو لا، فهي كالشجرة، وثمرها كثمرةٍ في جميع الأحكام، فلا يصح بيعُها إلا لقطة لقطة، ما لم تبع مع أصلها. وقال الشيخ: يجوز بيع ثمرتها إلى أن تيْبسَ، كما في الإنصاف. ورجحّ صاحب التلخيص أن المقاثي ونحوها لا يجوز بيعها إلا بشرط القطع، ما لم تبع مع الأرض، فهي عنده كالزرع [36ب] الذي لا يحصد إلاّ مرّة. فصل في بيع الثمر على الشجر (1) قوله: "فصلاح البلح أن يحمرّ الخ" قال جماعة: صلاح اللوز ونحوه إذا انعقد لبّه، والزيتون: جريان الدهن فيه، فإن لم يكن له زيت فبأن يصلح للكبس اهـ فروع. (2) قوله:. "وما تلف من الثمرة الخ": مفهومُهُ أن الزرع (¬1) إذا تلف قبل أخذه يكون من ضمان المشتري، فتختص الجائحة بالثمر. وهو كذلك على الصحيح من المذهب، كما في الإنصاف. (3) قوله: "ما لم تُبَعْ مع أصلها": أي فلا ضمان على بائع. فعلى هذا لا ضمان على بائع حالمقاثي ونحوها إن تلفت باَفيما سصاوية، لأنها تباع بأصولها. لكن ينظر فيما لو كان تلفها بسبب حرثها في الوحل، فإنها إذا كانت تحرث كذلك تنمو ¬

_ (¬1) قوله "مفهومه أن الزرع" أقول: هذا مفهوم لقب، وليس حجة عند الأصوليين، فأخذه منه لا يستقيم. وإن كان الحكم صحيحًا. فلو قال: "أما الزرع إلخ" لكان صوابًا.

باب السلم

نموًا زائدًا، بحيث تُرْغَبُ كثيزا لقوّتها، لكن بعد نحو لقطاتٍ تيبس سريعًا. فهل [1/ 362] يكون هذا عيبًا وللمشتري ردّها ورد ما أكل منها، ويرجع بالثمن كاملاً؟ الظاهر نعم. فليحرر. باب السلم (1) قوله: "واللحوم النيئة الخ": مفهومه أنه لا يصحّ في مطبوخ ومشويّ، ولا في لحمٍ بعظم إن لم يعيّن محل قطعه، لاختلافه، وأنه يصح بدون عظم ولو لم يعيّن محل قطعه، لأن القيد راجع لقوله: "ولو مع عظمها" كما يفهم من كلامهم. (2) قوله: "إلا في أمة وولدها"، أي أو أخيها ونحوه، لندرة ذلك. وظاهر كلامهم أنه يصح في شاة وولدها ونحو ذلك. ولكن تعليلهم يأباه. وقوله: "أو في حامل" ظاهر إطلاقهم هنا أنه لا فرف بين الأمة وغيرها، فليحرر. مسألة: وإن أسلم في جنس واحد إلى أجلين، أو في جنسين إلى أجل، صح إن بيَّن قِسْطَ كلِّ أجل، وثمن كل جنس، وإلا فلا. وإن أسلم جنسين في جنس واحد لم يصح حتى يبيِّن حصة كل جنس من المسلم فيه. فعلى هذا: لو أسلم مائة قرش مثلاً من ذهب وفضة في قَدْرٍ معلوم من زيت أو نحوه، ولم يذكر أن الذهب بكذا والفضة بكذا، لا يصح السلم. وغالب الناس لا يتنبه لذلك. ونادرٌ من يعقد عقد سلم بوجه شرعي، مع أنه أكثر المعاملات في ديارنا، بل وغير السلم كذلك، فهذه مصيبة عامّة ورزيّة طامّة. عافانا الله تعالى من مخالفة ما شرع، وموافقة أهل الأهواء والبدع. (3) قوله: "فلا يصح في مكيل وزنًا الخ" أي وتقدم بيان المكيل والموزون في باب الربا، وذكر المكيل أيضاً في باب زكاة الخارج من الأرض. ولا عبرة بما يستعمله الناس الآن من كيل ووزن، بل ما كان على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - في المدينة ومكة، كما ذكروه في الرّبا. وجَوْزُ القطن موزون، كما يفهم من حاشية ابن عوض

[1/ 364] على هذا الكتاب، نقلاً عن ح ف. وبه يعلم بطلان السلم فيه بالكيل، كما عليه بعض أهل قرى نابلس. قال في الإقناع: وعنه يصحّ، أي السلم في المكيل وزنًا، وفي الموزون كيلاً. اختاره الموفق وجمع. (4) قوله: "وفي الكافي: أو نصفه" هكذا عبارة الإقناع. وفي الإنصاف: قال في الكافي: كالشهر ونصفه. ونحوَه قال الزركشي. وكثير من الأصحاب يمثل بالشهر والشهرين. فمن ثمَّ قال بعضهم: أقله شهر اهـ. قال في الفروع: وليس هذا في كلام أحمد، وظاهر كلامه اشتراط الأجل، ولو كان أجلأ قريبًا، ومال إليه، وقال: وهو أظهر. اهـ كلام الإنصاف. فما فيه عن الكافي مخالف لما نقله هنا وصاحب الإقناع، فليحرر. (5) قوله: "ربيع أو جمادى الخ" ومثله: إلى العيد، وذلك لجهالته. فإن عيَّن بان قال: ربيع الأول، أو الثاني، أو جمادى الأول، أو الثانية، أو النَّفْرِ الأول، وهو ثاني أيام التشريق، أو الثاني وهو ثالثها، أو عيد الفطر، أو الأضحى، صح، لأنه معلوم. مسألة: ولا يجوز بيع المسلم فيه قبل قبضه. هذا المذهب، وعليه الأصحاب. وفي المبهج (¬1) وغيره رواية بأن بيعه يصح، واختاره الشيخ تقي الدين. لكن يكون بقدر القيمة فقط، لئلا يربح فيما لم يضمن. اهـ من الإنصاف. ولا يجوز أخذ عوض عن المسلم فيه من غير جنسه مطلقًا، على الصحيح من المذهب. وذكر في الإنصاف رواية بجواز أخذ الشعير عن البرّ، وجَعَل بعض الأصحاب ذلك [37أ] عامًّا في جواز أخذ الأدنى عن الأعلى. قال في التلخيص: وليس عندي الأمر كذلك، وإنما هذا يختص بالحنطة والشعير، بناء على أنهما جنس واحد، ويكمّل بأحدهما نصاب الآخر في الزكاة. اهـ. قلت: وهذا يدلّ على جواز أخذ البر عن الشعير. وظاهر كلامهم خلافه. ينبغي أن يحرر. والله سبحانه ¬

_ (¬1) قوله: "المبهج": هكذا في الأصل وض. ولعله المبهج في فروع الحنابلة لأبي الفرج عبد الواحد بن محمد بن أحمد الشيرازي المقدسي (- 486 هـ) ذكره في ذيل كشف الظنون (2/ 425) أبوه: محمد، وليس عليًا كما ذكره صاحب الذيل.

باب القرض

وتعالى أعلم. [1/ 365] (6) قوله: "ولا يشترط ذكر مكان الوفاء": أي خلافًا للحنفية. وقوله: "لعدم ذكره في الحديث": أي قوله - صلى الله عليه وسلم - "من اسْلَفَ فليسلف في كيلٍ معلوم أو وزنٍ معلوم إلى أجل معلوم" (¬1). (7) قوله: "ولا يصح أخذ رهنٍ أو كفيلٍ بمُسْلَمٍ فيه": هذا المذهب. وفي الإنصاف رواية بصحته. قال: نقلها حنبل. وصححه فى التصحيح (¬2) والرعاية والنظم، وجزم به في الوجيز، واختاره المصنف يعني الموفقن وحكاه القاضي عن أبي بكر (¬3). قال الزركشي: وهو الصواب. قال: وفي تعليلهم على المذهب نظر. قال الناظم: هذا أولى. انتهى كلام الإنصاف. قلت: والحاجة تدعو لصحة ذلك، فلا وجه لمنعه، والله سبحانه وتعالى أعلم. باب القرض بفتح القاف، وحُكِي بكسرها، اسم مصدر بمعنى الاقتراض. وهو من المرافق المندوب إليها للمقرض. وفيه ثواب عظيم لمافيه من قضاءالحاجة لأخيه المسلم، وتفريج كربه. (1) قوله: "والصدقة أفضل منه": أي لحديث: " ما من مسلم يقرض مسلماً قرضًا مرتين إلاّ كان كصدق مرة" رواه ابن ماجه (¬4). وقوله: "أفضل منه": هل لا يصادم قوله - صلى الله عليه وسلم - "رايت لية اسري بي مكتوباً على باب الجنة: الصدقة بعشر أمثالها، والقرض بثمانية عشر" إلى آخر الحديث ¬

_ (¬1) حديث: "من أسلف ... " أخرجه الجماعة من حديث ابن عباس مرفوعًا (¬2) ليس المراد تصحيح الفروع للمرداوي كما هو واضح من السياق، فلعل المراد به "تصحيح المقنع" للشيخ شمس الدين بن أحمد النابلسي (- 805هـ) (¬3) "أبو بكر" هو عبد العزيز بن جعفر بن أحمد، البغدادي، الإمام المحدث الفقيه (- 363هـ) من كتبه "الشافي" و"زاد المسافر". (¬4) وحسنه الشيخ محمد الألباني في الإرواء (5/ 226)

[1/ 367] الشريف (¬1). فإن ظاهره أن مضاعفة ثواب القرض أكثر. فحرر وتدبر. ثم رأيت الفتوحي قال في شرح المنتهى: معناه (¬2)، والله أعلم، أي أكثر تضعيفًا، ولا يلزم من ذلك تفضيل أصل القرض على أصل الصدقة اهـ. والحاصل أن الجمهور على أن الصدقة أفضل من القرض، للأحاديث الواردة فيها، والله أعلم. (2) قوله: "بكل عين الخ": مفهومه أنه لا يصح قرض المنافع. وهو كذلك على الصحيح من المذهب. وجوزه الشيخ تقي الدين، كأن يحصد معه يومًا على أن يحصد معه يومًا بدله؛ أو يسكنه داره على أن يسكنه الآخر داره؛ ونحو ذلك. (3) قوله: "فلا يملك القرض الخ": أي إلا إذا حجر عليه لفلسٍ فله استرجاعه. (4) قوله: "فقيمته وقت القرض": أي إن كان المُقْرَض مما يصح السلم فيه، وإلا فجوهرٌ ونحوه مما لا يصح السلم فيه، فتردُّ قيمته يوم قبضهِ أي طلبه، كما في المنتهى. وصرح المصنف في الغاية، بأن المتقوّم تجب فيه قيمته يوم القبض مطلقا، خلافًا للمنتهى. فعبارة المتن لا تخلو من تسمّح. (5) قوله: "ما لم يكن معيبًا الخ": في العبارة -والله أعلم- حذف، والتقدير "وإن رد المقترض القرض بعينه، لزم المقرض قبوله، ما لم يكن معيبًا، أي ما لم يكن تعيب عند المقترض، أو ما لم يكن فلوسًا فيحرمها السلطان، فلا يلزم المقترض قبوله، بل له قيمته وقت قرض". لكن إن كان المقرَضُ ربويًّا أخذت قيمته من غير جنسه. فتأمل. (6) قوله: "بعد الوفاء": مفهومه أنه لو أهدى له هدية قبل وفاء القرض حرم قبولها. وهو كذلك، إلاَّ إن كان من عادته مهاداته قبل القرض، فلا يحرم. ومحله ما لم يحسب الهدية من أصل القرض، وإلا فلا يحرم مطلقًا. مسألة: لو اقترض شخص من آخر حنطة ونحوهما مما لحمله مؤنة، ثم طلب ¬

_ (¬1) أخرجه ابن ماجه من حديث أنس مرفوعًا. (¬2) كلمة "معناه" ساقطة من ض.

باب الرهن

ذلك المُقْرِضُ بغير بلد القرض، لم يلزمه دفعه له، إلا إذا كانت القيمة ببلد القرض [1/ 370] ومحل الطلب واحدة، كما صرّحوا به، ويتجه: لو شَرَط عليه وفاءه في غير بلد القرض لا يصح، لأنه يجر نفعًا. باب الرهن (1) قوله: "الثبوت والدوام": أي فيقال ماء راهن، أي ثابت وراكد، ونعمةٌ راهنة، أي دائمة. (2) قوله: "دين": أي غير سلم وكتابة. وقوله: "أخذه": أي الدين كله. وقوله: "منها": أي من العين بأن [37ب] كانت من جنس الدين. وقوله: "ثمنها" أي إن كانت من غير جنس الدين. مسألة: لو قال الراهن: رهنتك عبدي بألف، فقال المرتهن: بألفين، أو قال المرتهن: رهنتني عبدين، فقال الراهن: عبدًا واحدًا، أو قال الراهن: رهنتك بالمؤجل، فقال المرتهن: بل بالحالّ، أو قال: رهنتك هذا، فقال المرتهن: بل هذا، فإنه يقبل قول الراهن بيمينه. قلت: فعلى هذا إذا حلف الراهن خرج كلا المعنيين (¬1) من الرهن. مثاله: لو قال الراهن: رهنتك هذا الفرس، فقال المرتهن: بل هذا البغل، حلف الراهن أنه ما رهنه هذا البغل، وخرج البغل من الرهن أيضًا، كالفرس. ثم رأيته في الإقناع صرّح بذلك. أقول: فلو مات الراهن، فقال وارثه: لا أعلم قدر الدين، وإنما أعلم أن هذا العين رهن على دين فقط، ولا بينة للمرتهن في قدر الدين، وحلف الوارث أنه لا يعلم قدره، فهل يصدق المرتهن بيمينه في قدر دينه، أو كيف الحكم؟ لم أر من ذكره، والظاهر أنهما يصطلحان على شيء معلوم، وإلا فلا تطلب اليمين من المدعي. ينبغي أن يحرر. أقول: ثم رأيت العلامة المحقق ابن القيم رجّح أن القول قول المرتهن ¬

_ (¬1) كذا في ض والأصل، ولعل الصواب: "كلا العينين".

[1/ 372] مطلقًا. قال: وهو اختيار شيخنا، وذكر أنه مذهب مالك، وأطال في الاستدلال له. والله أعلم. (3) قوله: "الثاني أن يقوَّم غير المرهون الخ": هذه عبارة ابن النجار في شرح المنتهى، ومفهومه أنه لا يقوّم المرهون وحده في هذا الوجه. وليس كذلك، فإن عبارة الإنصاف: الوجه الثاني: أن يقوّم الولد أيضًا (¬1) منفردًا، فيقال: كم قيمته بدون أمه؟ فيقال: عشرون، فيكون للمرتهن خمسة أسداس. اهـ بحروفه. فقوله: "أيضًا": أي كما أن الأم تقوّم مفردة في المثال. وهو واضح لا غبار عليه. مسألة: لو قال رهنتك عبدي الذي بيدك بألف، فقال: بل بعتنيه بها، أو قال: بعتكَهُ بألف، فقال: بل رهنتنيه بها، ولا بينة، أو لكل منهما بينة، حلف كل منهما على نفي ما ادعاه صاحبه، وسقط، ويأخذ الراهن رهنه، ويبقى الألف بدون رهن. ويتجه مثله لو قال أحدهما: بعتكه بذلك بيعًا وفائيًا (¬2) على مذهب من يرى صحته، وقال الآخر: بيعًا باتًّا، أو عكسه. (4) قوله: "قوّمت ولها ولد الخ": فيقال: كم قيمتها ولها ولد؟ فيقال مثلاً: خمسون، ثم يقال: كم قيمة الولد مع أمه؟ فيقال: خمسة وعشرون، فله ثلثا ثمنهما، بالغًا ما بلغ. (5) قوله: "إذا كان المرتهن يعلم أن لها ولدًا": أي وأما إذا لم يعلم أن لها ولدًا عند الرهن، ثم علم، فيخيَّر بين الإمساك ولا شيء له غيرها، وبين الرد وفسخ البيع إن كانت مشروطة فيه، كما في الإقناع. اهـ. التلخيص للشيخ فخر الدين بن تيمية. الرعاية الكبرى والصغرى لابن حمدان. (6) قوله: "ومثله مكاتب الخ": أي مثل اليتيم في كونه لا يصح رهن ماله لفاسق. وكذا سفيه ومجنون، كما صرح به م ص. تأمل. ¬

_ (¬1) كلمة "أيضًا" ساقطة من الأصل، وثابتة في ض. (¬2) تقدم بيان المراد ببيع الوفاء، وأنه هو ما يسميه الحنابلة بيع الأمانة (وهو البيع الذي يحتال به على الربا).

(7) قوله: "فإن قبضه الخ": أي وصفة قبضه كمبيع: فإن كان منقولاً فبنقله، [1/ 372] أو تناوله، وإن كان مكيلاً فبكيله، أو موزونًا فبوزنه، أو مذروعًا فبذرعِهِ، أو معدودًا فبعدّه. وقبض نحو أرض وشجر بالتخلية بينه وبين مرتهنه بغير حائل. (8) قوله:"لزم": أي في حق الراهن. واستدامة قبضه شرط للزومه. فيزيله أخذ راهن له بإذن مرتهن، ولو بنحو إجارة أو إعارة أو إيدل له. لكن يعود رهنًا بردّه إلى المرتهن بحكم العقد السابق. قال الإمام في رواية ابن منصور: إذا ارتهن دارًا ثم أكراها صاحبَها خرجت من الرهن، فإذا رجعت إليه صارت رهنًا. وكذا لو تخمّر عصير، وكان رهنًا، فإنه يعود بتخلله إلى كونه رهنًا. تأمل. (9) قوله: "أو معسرًا": وعنه لا ينفذ عتق المعسر، كما في شرح المنتهى لمصنفه. (10) قوله: "وإلا فالرهن له": الأولى إسقاط "وإلا"، أو يقول: "إن أتاه بحقه عند الحلول وإلا فالرهن له" هذا حاصل ما قرره لنا شيخنا الشيخ يوسف البرقاوي. وهو إنما يتوجه على جعل "فالرهن الخ" جوابَ إن المدغمة في لا في قولها "وإلا"، وهو غير متعين، إذ يصح جعله جوابًا لإن في قوله "إن لم" ويكون جواب الشرط الثاني محذوفًا، أي: "وإلا فليس الرهن له"، كما يؤخذ من جواب الباجوري عن قول البوصيري في البردة (¬1): "إن لم " تكن في معادي آخذًا بيدي [38أ] فضلاً وإلاّ فقل يا زَلَّة القدمِ فإنه كعبارة المتن سواء بسواء (¬2). ¬

_ (¬1) "البردة" قصيدة البوصيري الميمية الشهيرة في مدح النبي - صلى الله عليه وسلم -. والبوصيري هو محمد بن سعيد الصَّنْهاجي (1211 - 1296م) من أهل مصر، لغويّ نحويّ أديب متصوف، كان فقير الحال شاعرًا مكثرًا للهجاء. اشتهر بقصيدتيه "البردة" و"الهمزية" وكلاهما في مدح النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقد أجاد من وجهة النظر الأدبية، لكنه غلا، وجاوز الحدّ المشروع، ومن غلّوه هذا البيت المذكور في الحاشية، فإن بمثل هذا القول يُتَوَجه إلى الله تعالى وحده، فهو المنجي في الآخرة، لأنه مالك يوم الدين. والنبي - صلى الله عليه وسلم - يشفع، لكن الأمر كله لله تعالى. (¬2) لا يخفى ضعف هذا التوجيه، وكلام بلديّنا الشيخ يوسف البرقاوي رحمه الله أوجه.

فصل فيهه انتفاع المرتهن بالرهن

[1/ 374] فصل فيهه انتفاع المرتهن بالرهن مسألة: قولهم "وللمرتهن الانتفاع بالمرهون مجانًا بإذن راهن ما لم يكن الدين قرضًا": يشمل السكن، والركوب، والحرث، والزرع، وأكل الثمرة، ونحو ذلك من الانتفاعات، لكن للراهن الرجوع في الإذن قبل استيفاء المنفعة وقبل قبض الثمن. وهل إذا ادّعى أنه رجع عن الإذن قبل ذلك، وأنكر المرتهن، يقبل قول الراهن بيمينه، أو لا بد من بينة؟ الظاهر أنه لا بد من بينة، كما لو وكله في بيع شيء مثلاً، فباعه، ثم ادعى الموكل أنه عزل الوكيل قبل البيع، وأن البيع غير صحيح لوقوعه بعد العزل. فإن ذلك لا يقبل إلا ببينة، كما في الإقناع وغيره. والله أعلم. (1) قوله: "به": أي الحديث. قوله: "لأنه": أي القول بأن المراد به الخ. و"قولِهِ" بالجرّ عطفًا على ما في قوله: "بما روي" فهو دليل ثانٍ. (2) قوله: "متحريًا للعدل": أي لا ينتفع به إلا بقدر نفقته، ولا ينهكه، وحينئذ فلا يضمنه إذا تلف بذلك، لأنه مأذون فيه شرعًا. ذكره في الغاية اتجاهًا. (3) قوله: "ويرجع مرتهن بفضل نفقته": ظاهره: ولو لم يستأذن مع قدرته عليه، حيث نوى الرجوع. والظاهر أنه قد يفرق بينه وبين ما يأتي في قوله: "وإن أنفق المرتهن على الرهن الخ " بأن ما هنا مأذون في أصل النفقة عليه من جهة الشارع، بخلاف المسألة الآتية. والله سبحانه وتعالى أعلم. فتأمل وحرر. (4) قوله: "الرهن بعد أن الخ": أي المنتفع به مجانًا. م ص في شرح المنتهى. (5) قوله: "بِجُعْلٍ،: في كلامه الحذف من الأول لدلالة الثاني عليه، أي وكذا مودعَ بجعل، ووكيل بجعل، ووصيّ بجعل، ودَلاّل بجعل. ففي حل الشارح نظر، إذ لا فرق بين الدلاّل والمودع ونحوه. ويأتي بيان ذلك في الوكالة والوديعة ونحوهما من أبواب الأمانات موضَّحًا. فتأمل.

باب الضمان والكفالة

باب الضمان والكفالة [1/ 377] (1) قوله: "وتوقيتًا": أما الكفالة فتصح توقيتًا، كأن كفل ببدنه شهرًا ونحوه، فليس للمكفول له مطالبةُ الكفيل بعد الشهر ونحوه، وأما الضمان فقال م ص وغيره: الظاهر أنه لا يصح توقيتًا. وقول الشارح: كإذا جاء رأس الشهر الخ: فيه نظر؛ فإن هذا تعليقٌ لا توقيتٌ، كما هو ظاهر. فتدبر وحرر. (2) قوله: "ممن يصح تبرّعه": أي أو مفلس ولو بعد الحجر عليه، لأنه ممنوع من التصرف في ماله، لا في ذمته. وقوله: "دون التمييز": أي قولاًواحدًا. وكذا المميز على الصحيح من المذهب كما في الإنصاف. فتقييده بدون التمييز نظرٌ لقوله "بلا خلاف". (3) قوله: لاولا من سفيه": أي محجور عليه. وأما إذا لم يحجر عليه فلا مانع، كما ذكره العلامة (¬1) في الغاية. (4) قوله: " أو أيهما شاء" أي ما لم يكن أحدهما معسرًا، فليس له مطالبته، ضامنًا أو مضمونًا، كما في الغاية. (5) قوله: "لكن لو ضمن الخ": قال ابن عوض في الحاشية: استدراكٌ على قوله "يصحان توقيتًا". اهـ. وفيه نظر، بل هو استدراك على قوله: "ولرب الحق مطالبة الضامن والمضمون معًا" فإنه ربما يتوهم أن له ذلك في جميع الأحوال، فقال: "لكن لو ضمن الخ" أي ففي هذه الصورة ليس له مطالبة الضامن إلى أجلٍ قبل مجيئه. وله أن يطلب المضمون في أي وقت شاء. أي فليس له مطالبتهما معًا قبل الأجل، ولا مطالبة أيهما شاء، بل مطالبة المضمون فقط فتأمل. (6) قوله: "بدليل ما لو مات المضمون عنه الخ": هذه العبارة كلها لابن النجار في شرح المنتهى. ومفهومه أنه إذا مات المضمون عنه، والدين لم يبلغ ¬

_ (¬1) "العلّامة" يريد به المصنف الشيخ مرعي الكرمي رحمه الله.

فصل في الكفالة بالبدن

[1/ 378] أجله، يكون حالاًّ في حقه، مؤجلاً في حق الضامن. وهو إنما يتمشّى على مرجوح (¬1)، كما يؤخذ من الإنصاف. والصحيح -كما سيأتي- أنه لا يحل الدين بموت من هو عليه إذا وجد رهن يُحْرِزُ أو كفيلٌ مليء، إلا أن يقال قد يتصور ما قاله فيما إذا كان الكفيل غير مليء، فإن الدين يحل، ولا يطالب الكفيل قبل الأجل. (7) قوله: "وضمانها في الحقيقة الخ": جواب عما يقال إن الأعيان لا يصح ضمانها، كما هو رواية عن الإمام أحمد. (8) قوله: "بل التعدي فيها": أي فيصح ضمانه. (9) قوله: "ولو قيمة عرض الخ": أي كما لو كان الدين عشرة مثلاً، وعوَّضه الضامن عن ذلك سلعة تساوي ثمانية، أو كان الدين ثمانية وعوَّضه عنه سلعة تساوي عشرة، فلا يرجع في الصورتين إلا بثمانية. وهو واضح. فصل في الكفالة بالبدن (1) قوله: "فلا تصح كفالة الابن لأبيه" أي لأن الابن لا يمكنه إحضار أبيه لمجلس الحكم، ولا تسمع منه دعوى عليه إلا في النفقة الواجبة اهـ حاشية [38ب]. (2) قوله: "وإن ضمن معرفته أخذ به" أي بالمستدين. قاله في المنتهى. واستدل له في شرحه بما يطول، وعزاه إلى شرح المقنع. وفي الإقناع والغاية: لا يلزمه إلا معرفته، فإن لم يعرفه ضمن. ونصره م س وقال: معتمد الفتوى الآن عليه اهـ. تأمل وحرر. (3) قوله: "كالشاهد": أي فيتحمَّل الشهادة ويؤديها ولو بغير رضا المشهود عليه. (4) قوله: "ومؤجلة": أي إن كان الأجل معلومًا. ¬

_ (¬1) "على مرجوح": كذا في الأصل، وفي ض: مرجوع.

باب الحوالة

(5) قوله: "دون الآمر": أي وكذا لو قال لآخر: أعط فلانًا كذا، ونحو [1/ 380] ذلك، كأعط هذا الفقير أو الشاعر أو الظالمٍ كذا، فلا يلزم الآمر شيء إن لم يقل عني، ونحو ذلك. ذكره في الغاية. فراجع إن شئت. (6) قوله: "وقد حل الأجل أو لا": أي أو لم يحل. والمراد به أجل الكفالة، أي إن كانت مؤجلة، لا أجل الدين، لأنه إذا (¬1) لم يحل يستحق رب الدين طلبه، فلا يبرأ الكفيل بتسليم المكفول له إذن. (7) قوله: "أو مضى زمن عيَّنه الخ". أي كأن قال: ضمنت إحضاره في غد، ومضى غد ولم يحضره، ضمن ما عليه. أي ولو أحضره بعد، تفطَّنْ. باب الحوالة (1) قوله: "اتفاق الدينين في الجنس والصفة": انظر لو كان الدينان قروشًا غير معينة، كما عليه أكثر الناس في هذا لزمان، فإنهم يبيعون ويشترون بالقروش جمع قِرْش، وهو كناية عن أربعين مصرية عندهم، ثم يأخذون ذهبًا أو فضة بقيمة القروش، كما لو باع شخص سلعة بمائة قرش مثلاً، والمشتري له بذمة آخر مائة قرش قرضاً، أو ثمن مبيع، فهل يصح أن يحيل مشتري السلعة صاحبَها على من عليه المائة الثانية؟ الظاهر نعم للضرورة. ولكن لم أو من صرح به. فليحرر. (2) قوله: "ولو ميتًا": بان يقول: أحلتك بما على فلان الميت، لا به عليه اهـ. م ص (¬2). (3) قوله: "على أبيه" أي أبي المحيل، أي لأنه لا يملك مطالبته، فلا يملك الإحالة عليه. ¬

_ (¬1) هذا في ض. وفي الأصل: "إذْ لم يحل". (¬2) هكذا النص في الأصل وض. وفيه خفاء. وهو قد أخذ من (م ص) من كشاف القناع (3/ 384) ولكن فيه "وتصح الحوالة على ما في ذمة ميت من دين مستقرّ. وفي الرعاية الصغرى والحاويين: إن قال أحلتك بما علبه أي الميت صح ذلك، لا أحلتُك به عليه، أي الميت، فلا يصح لأن ذمته قد خربت" اهـ. فقد أوجز المحشي إيجازًا مخلًّا.

باب الصلح

[1/ 383] (4) قوله: "عليه" أي على من عليه دين. وكذا مدين على بريء. أي لو أحال من عليه الدين صاحبه على من لا دين عليه فهي وكالة في اقتراض أيضًا. (5) وقوله: "فلا يصارفه" أي إن كان الدين ذهبًا، فلا يأخذ فضة، وعكسه، لأنه وكله في الاقتراض لا المصارفة. باب الصلح فائدة: لا يصح الصلح عن دين مؤجل ببعضه حالاًّ، كأن يكون له على آخر مائة مثلاً إلى أجل، فيقول له: أعطني ثمانين حالَّةً عوضًا عن المائة الآجلة، فلا يصح، إلا في مال كتابة. (1) قوله: "وولي الصغير الخ" أي: إلا إن أنكر الخصم الدين، ولا بيّنة به، فللولي مصالحته، لأن ما لا يدرك جلُّه لا يترك كله. ولأنه مصلحة محضة، فجاز. وكذا لو كان الدين على نحو يتيم، وبه بيّنة، أو كان مدعيه شريرًا يخشى شره، كما في الغاية اتجاهًا. فلوليّه المصالحة عليه. تفطّنْ. (2) قوله: "اشترط قبض العوض في المجلس": أي والتساوي إن اتفقا في الجنس أيضًا، كما لو صالحه عن برّ ببُرٍّ، فلا يجوز بأقل ولا بأكثر على سبيل المعاوضة. فإن كان بأقل على وجه الهبة، أو الإبراء، صحّ لا بلفظ الصلح. (3) قوله: "قال في الإقناع الخ": وعبارة المنتهى: "فإن لم يتعذر فكبَرَاءةٍ من مجهول" اهـ[أي] إن قلنا بصحة البراءة بالمجهول صح الصلح، وإلا فلا. فصل في الصلح على الإنكار (1) قوله: "إن كان" أي المدعى به. قوله شيئًا مفعول يستحق قوله كالمنكر أي كالمدعي عليه المنكر في أنه لا يؤخذ منه بشفعة ولا يستحق لعيب شيئًا لأن المدعي يعتقد أنه أخذ بعض عين ماله ممت هو عنده فلم يكن بيعًا انتهى من شرح المنتهى لمؤلفه باختصار. (2) قوله: "صالحني" الخ: وفي الغاية: "أو

فصل في أحكام الجوار

بعنيهِ (¬1) " اهـ أي: أو قال بِعْنِي الملك الذي تدعيه" لم يكن مقرًا. فليحرر. [1/ 385] قوله: "عن الملك الذي تدعيه" الخ: ويتجه احتمال: أو قال صالحني عن الملك الذي تدعيه لم يكن مقرًّا، لا سيّما إن كان في محل المشاجرة، لأنه قد يكون على سبيل التهكم. وهو متجه لو ساعدتْهُ النصوص اهـ. غاية وشرحها. وقال شيخ مشايخنا: أقول: نَظَّرَ فيه الشارح أيضًا، يعني عبد الحي (¬2)، ولم أو من صرح به ولا ما يعارضه اهـ. (3) قوله: "وفي الرعاية" الخ: وجهه أن المدعي لما رضي بالمصالح به، وانقطعت الخصومة، ولم يُسَلَّم، كان له قيمته. قال الفتوحي في شرح المنتهى: وهو مردود بان الصلح لا أثر له لتبيُّنِ فساده اهـ. (4) قوله: "كما لو بَانَ" لغير المال (¬3). (5) قول: "ولا شاربًا" الخ: أي ولا يصح [أن يصالح] إنسانٌ شاربًا الخ. فصل في أحكام الجوار (1) قوله: "لتضرره الخ": مفهومه: إذا لم يحصل ضرر له أو لأرضه [39أ] أنه يجوز ولو بدون إذن. وليس كذلك، كما يعلم من مفهوم المتن، وصرح به غيره. (2) قوله: "وفي رواية" الخ: أي إن لم يتضرر رب الأرض، ودعت ضرورة أوحاجة إلى إجراء ماء في أرضه، كوضع خشب على جدار غيره، وسيأتي. (3) قوله: "إما بيع أو إجارة" أي إن صالحه على ذلك، مع بقاء ملكه فقط، فهو إجارة. وإلا فهو بيع. ويشترط في الإجارة معرفة قدر ما يزول الماء عنه برؤية أو مساحة، وتقدير ما يجري فيه الماء. (4) قوله: "يُضِرّ" هو بضم الياء وكسر الضاد، فإنه يقال: ضرَّه، وأضرَّ بِهِ، ¬

_ (¬1) في ض: "أو بعينيه". (¬2) عبد الحي: هو الشيخ عبد الحي الجراعي شارح الغاية. تقدّم. (¬3) كذا في النسختين. ولعل صوابه "لغير المالك".

[1/ 389] فهو هنا من الرباعي كما لا يخفى، فتنبّه. أي بخلاف الواقعة في كلام الشارح، فإنها من الثلاثي. (5) قوله: "وله منعه من ذلك": وهذا بخلاف تعلية بناء داره على بناء جاره، فإنه ليس له منعه ولو أفضى إلى سد الفضاء عنه، أو نَقَصَ أجرةَ داره. قاله الشيخ تقي الدين. لكن مقتضى خبر "لا ضرر ولا ضرار" (¬1) أن له منعه، فليحرر. ثم رأيت في الإنصاف ما نصه: قال في الفروع: ويتوجه من قول أحمد "لا ضرر ولا ضرار" منعه. قلت: وهو الصواب. انتهى كلام الإنصاف. فما بحثناه موافقٌ لما في الإنصاف (¬2). فلله الحمد والمنة. فائدة: إذا حصل في هوائه أو أرضه غصن شجر غيره أو عرقه لزم ربه إزالته، وضمن ما تلف به بعد طلب. فإن أبى فلرب الهواء أو الأرض قطعه. وإن اتفقا على أن الثمرة له، أو بينهما، جاز ولم يلزم. وأما إن تصالحا على إبقائه بعوض لم يصح. (6) قوله (¬3): "الكوة": بفتح الكاف وضمها. وقوله: "ما عُطِفَ" أي ثُنِيَ من البنيان، ويكون غير نافذ. (7) قوله: "قال": أي الفتوحي. فائدة: كثيرًا ما يوجد في بلادنا وغيرها شجر الشوك المسمى صَبْرًا، وهو شجر له شوك أبيض، لا أغصان له، بل له أضلاع. وتنبت ثمرته فيها، وقشر الثمرة له شوك أيضاً. ومن ذلك الشجر ما لا شوك له أصلاً. ويزرع غالبًا في حدود الأرض حفظًا لما بداخلها. فتكون بعض ثمرته من جهة الأرض المجاورة لها، فيضطر صاحبه إلى دخول أرض جاره لتناولها، إذ يعسر ذلك من أرضه. فهل له ¬

_ (¬1) حديث: "لا ضرر ولا ضرار" أخرجه مالك في الموطأ مرسلاً. وأخرجه الحاكم والبيهقي من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعاً. قال في الإرواء (ح 896): حديث صحيح اهـ. واحتج به أحمد. وبعد الحديث سقط من نسخة ض بقدر سطر. (¬2) هذه الجملة الأخيرة ساقطة من الأصل. (¬3) هذه القولة ساقطة من ض.

دخولها بدون إذنه، أو هل لربها منعه من ذلك؟ الظاهر أنه لا يمنع، وله الدخول [1/ 389] بلا إذن، لكن بلا ضرر لصاحب الأرض. فإن كان فلا. والله أعلم. (8) قوله: "فيجوز بلا ضرر" أي ولو كان الجدار ليتيم أو مجنون. وقوله: "بلا ضرر" أي وإن كان يتضرر الجدار بوضع الخشب عليه لكونه ضعيفًا، أو الخشب ثقيلاً، ليس له وضعه عليه بدون إذن ربه. ولو لم يمكن تسقيفه إلا به، لأن الضرر لا يزال بالضرر. (9) قوله: "لأن الظاهر أن هذا الوضع بحق" الخ: وإن اختلفا في ذلك هل هو بحق أو بعدوان فالقول قول صاحب الخشب مع يمينه، لأن الظاهر معه، صرح بذلك الفتوحي في شرح المنتهى. (10) قوله: "وينظر في ضوء سراجه": أي وله أن ينظر إلى ما ينتفع بالنظر إليه في ضوء سراج غيره بدون إذنه. (11) قوله: "ولو أذن الإمام" الخ: ظاهر صنيعه التسوية بين الدكان والدكة، وبين الجناح والساباط والميزاب. وهو مخالف لصنيع المنتهى، فإنه قال: وحرم إخراج دكان ودكة بنافذ، فيضمن ما تلف به أي مطلقًا، سواء كان مضرًّا أم لا، وسواء كان بإذن الإمام أم لا. ثم قال: وكذا جناح وساباط وميزاب إلا بإذن إمام أو نائبه بلا ضرر، بأن يمكن عبور محمل ونحوه اهـ. (12) قوله: "فلا شيء عليه" أي بل له أجرة مثل نقضه إن نوى الرجوع. اهـ عثمان. (13) قوله: "ولو اتفقا أي الشريكان" الخ: مفهومه كالمتن أنهما لو لم يتفقا لا ضمان، ومقتضى تعليل شرح المنتهى أنه يضمن حصة شريكه حيث طَلَبَ شريكه منه البناء معه وامتنع، حيث علل بوجوب البناء معه، إذ هو واجب بالاتفاق وبدونه. ح ف. اهـ ابن عوض. قلت: صرح بمفهوم شرح المنتهى في الغاية فراجعه. ***

كتاب الحجر

[1/ 392] كتاب الحجر (1) قوله: "وهو منع المالك" الخ: قال بعضهم: لو قال: منع الإنسان الخ لكان أولى، لأن الأول لا يشمل القن، لأنه غير مالك. ولذا عبَّر في الإقناع بالإنسان بدل المالك اهـ. (2) قوله: "بعد طلب الشفيع": أي على القول بعدم ملكه بالطلب. والصحيح أنه يملكه به إذا كان مليًّا، بالثمن. ويصح تصرفه فيه، فيكون ملكًا للشفيع. (3) قوله: "الضرب": أي النوع. (4) قوله: "ثم الحجر على هؤلاء" الخ: أي فالحجر عليهم عام في أموالهم وذممهم، بخلاف المفلس، فإنه يحجر عليه في ماله فقط. ونقل المَزُّوذي: يحجر الابن علي الأب إذا أسْرف، بأن يضعه في الفساد وشراء القينات (¬1) ونحوه. (5) قوله: "ولم يقيده به في التنقيح والمنتهى": أي لم يقيّدا السفر بالطويل بل أطلقاه. قال م ص: ولعله أظهر. اهـ. ع ن. قلت: وجزم في الإقناع بالأول اهـ. (6) قوله: "بطلب ربه": مفهومه أنه لا يجب الوفاء بدون طلب، فلا يأثم بالتأخير حينئذ، سواء كان مؤجلاً وحلّ، أو لم يكن كذلك، كقرضٍ وثمن مبيع حالٍّ، ونحو ذلك. وقيل إذا كان مؤجلًا وحلّ يجب الوفاء بحلول الأجل ولو بدون طلب. وجزم به في الإقناع. فصل في أثار الحجر على المفلس (1) قوله: "وفائدة الحجر": أي على المفلس. (2) قوله: "حتى ما يتجدد إلخ": ظاهره: حتى ما لا يباع في وفاء دينه، ¬

_ (¬1) كذا في الأصل. وفي ض: "المغنّيات".

كمسكنه وخادمه وآلة حرفتِهِ ونحو ذلك. [1/ 395] وقوله: "ولو بالعتق": أي لا بالتدبير، فيصح، لأن المدبّر يصح بيعه. وإن كان المفلس صانعًا، كحائك وقصّار، وفي حانوته متاع، فأقرّ به لأربابه، لم يقبل إقراره. ويباع المتاع في وفاء ديونه، وتكون قيمته واجبة على المفلس بعد فكّ الحجر عنه للمُقَرِّ له. اهـ. (3) قوله: "أو نحو ذلك": أي كما لو أصدق امرأة عينًا، ثم انفسخ النكاح قبل الدخول على وجه يسقطُ به المهر، ثم حُجِر عليها والعين بيدها بالشروط المذكورة في المتن، فهو أحق بها. (4) قوله: "وإن باع المشتري بعض المبيع إلخ": أي لم يكن له الرجوع بالباقي ما لم يكن المبيع متعددًا، كعبدين، أو ثوبين، وباع [39ب] أحدهما أو تلف، فله الرجوع بالباقي، كما صرحوا به. (5) قوله: "ولم تزد زيادة متصلة": مفهومه أن المنفصلة لا تمنع الرجوع، كالولد والثمرة. وهل هما للمفلس أو للبائع؟ فيه خلاف بين المحققين. وظهَّر في التنقيح كونهما للمفلس. وقال في المغنى: وهو الصحيح إن شاء الله تعالى. والحمل زيادة متصلة، وكذا الثمرة قبل جذاذها، على الصحيح. ولو باع المفلس قبل الحجر عليه ما اشتراه من غيره، ثم اشتراه، ثم حجر عليه مع بقاء العين بحالها، أقرع بين البائعين. (6) قوله: "بقدر ديونهم": وطريق معرفة ذلك أن تَجْمَعَ الديونَ، وتنسب إليها مال المفلس، وتعطي كل غريم من دينه بتلك النسبة، فلو كان مال المفلس ألفًا، وعليه لزيد ألف وأربعمائة، ولعمرٍو ستمائة، فمجموع الدين ألفان، ونسبة مال المفلس إليهما نصف، فلزيد نصف دينه سبعمائة، ولعمرٍو نصف دينه ثلاثمائة، وعلى هذا فقس. ع ن. اهـ ابن عوض. (7) وقوله: "رجع كل غريم بقسطه": أي فلو ظهر في المثال المذكور غريم ثالث في دينه خمسمائة، كانت نسبة مال المفلس إلى جملة الدين خُمُسَيْنِ، فلكل غريم خُمسا دينه. فلهذا الثالث مائتان، وهما خمس الألف الذي هو مال المفلس،

فصل في الحجر على السفيه والمجنون والصغير

[1/ 397] فيرجع على كل من الغريمين بخمس ما في يده، فيأخذ من زيد مائة وأربعين، ومن عمرو ستين. ع ن. اهـ ابن عوض. (8) قوله: "ويشتري له": أي للمفلس من ماله مسكنًا وخادمًا غيرهما "أو يترك له" من ماله "بدلهما" إن وجد ذلك في ماله. (9) قوله: "لكن إذا وجد البائع الخ": فيه نظر، فقد تقدم أن من وجد عين ما باعه أو أقرضه الخ فهو أحق به بشرط كونه لا يعلم بالحجر، والكلام هنا في العالم بالحجر، فلا يصح ما قاله. فتنبّه. وقوله: "فلهما أخذها": أي إن كانا لا يعلمان بالحجر (¬1)، وإلا فليس لهما ذلك كما تقدم قريبًا. فصل في الحجر على السفيه والمجنون والصغير (1) قوله: "ومن دفع الخ": أي دفعًا من غير محجور عليه. أما لو دفع صغير لصغير ونحوهما شيئاً، فأتلفه القابض، ضمنه كأنه لم يُدْفَعْ له، كما في "مغنى ذوي الأفهام" لابن عبد الهادي (¬2). نقله ع ن كما في حاشية ابن عوض. (2) قوله: "وحملها الخ": أي فلو ولدت حكم ببلوغها من ستة أشهر، لأنه اليقين، وإن طلقت زمن إمكان بلوغ، وولدت لأربع سنين، أُلحق بمطلِّقٍ، وحكم ببلوغها من قبل الطلاق. (3) قوله: "وصونه عما لا فائدة فيه": أي وصونه عن الحرام أيضًا (¬3). فصل في الولاية والوصاية (1) قوله: "بشرط أن يكون بالغًا" أي وعاقلًا ورشيدًا وعدلًاولو ظاهرًا كما ¬

_ (¬1) سقط من الأصل قوله: "والكلام في الحجر ... " إلى هنا. وهو ثابت في ض. (¬2) ابن عبد الهادي: المراد به هنا يوسف بن حسن بن أحمد بن عبد الهادي جمال الدين الحنبلي الدمشقي المشهور بابن المِبْرَد (847 - 909هـ) ولد بدمشق، وكان مكثرًا من التصنيف، وكتابه "مغني ذوي الأفهام عن الكتب الكثيرة في الأحكام" مجلد واحد، منه نسخة بمكتبة الموسوعة الفقهية بالكويت، وهي فيما أذكر بخطّ مؤلّفِهِ. (¬3) هذه القولة ساقطة من ض. وهي ثابتة في الأصل.

فصل في أكل الولي من مال اليتيم

يأتي. [1/ 400] (2) قوله: "وقال في حاكمٍ عاجز الخ" قال الإمام أحمد: أما حكامنا اليوم فلا أرى أن يُتَقَدَّم إلى أحد منهم، ولا يدفع إليه شيء. قال م ع (¬1): ويتجه: وهو الصحيح، وكلامهم محمول على حاكمٍ أهلٍ. وهذا ينفعك هنا وفي كل موضع فاعتمده. وسأل الأثرم الإمام عن رجل ماتَ وله ورثة صغار كيف يصنع بهم؟ أي بمالِهِم. فقال: إن لم يكن وصيّ ولهم أم مشفقة يدفع إليها، أي دون الحاكم، لأنه لم يوجد حاكم أهل. وهذا في زمان الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه، فما بالك في هذا الزمان الذي قضاته لا يُوَلَّوْنَ القضاء إلا بدفع العَرَض الدنيوي لمن الولاية بيده، ولا يحكمون إلا بالرشوة. فهؤلاء حكمهم غير نافذ غير شك ولا ريب. وحينئذ فوجودهم كالعدم. فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. فليحرر. (3) قوله: "وتصح معاملة قنّ" الخ يعني إذا وجدنا قنًّا يبيع ويشتري يجوز لنا أن نبيعه ونشتري منه من غير أن يثبت [40أ] كونه مأذونًا له في ذلك، لأن كونه كذلك قرينة دالة على الإذن. فصل في أكل الولي من مال اليتيم (1) قوله: "غير حاكم وأمينِهِ": أي فليس لهما الأكل من مال المحجور عليه مع الحاجة وعدمها. ومن فُكّ جره فادعى على وليِّه تعدّيًا أو موجِبَ ضمان ونحوه، أو ادعى الولي وجود ضرورةٍ أو غبطةٍ أو تلف أو قدر نفقة أو كسوة فقول وليٍّ ما لم يخالفه عادة وعرفٍ، لا في دفع مال بعد فك حجر إلاّ أن يكون متبرعًا، ولا في قدر زمن إنفاق. فائدة: ليس لزوج رشيدةٍ الحجرُ عليها في التبرع بشيءٍ من مالها، ولو زاد على الثلث، على الصحيح من المذهب. ¬

_ (¬1) م ع: لم يتبين لنا المراد بهذا الرمز، فلينظر.

باب الوكالة

[1/ 402] مسألة: يجب على وفي الصغير إخراج زكاة ماله وفطرته من ماله. ويستحب إكرامه إن كان يتيمًا، وإدخال السرور عليه، ودفع النقص والإهانة عنه. فجبر قلبه من أعظم مصالحه. قاله الشيخ. فله شراء أضحية له إن كان له مال كثير. وتحرم صدقته بشيء منها. قلت: أما شراء الأضحية فقيَّده بعضهم بما إذا كان اليتيم يعرف ويفرح بها، ويغضب من عدمها. وهو تقييد حسن. وأما تحريم الصدقة بشيء منها فخالَفَ فيه بعض المحققين، وجعلها كغيرها من الأضاحي، وهو متجه (¬1). باب الوكالة (1) قوله: "وهي لغةً لتفويض": ومنه "وكلت أمري إلى الله" أي فوضته. وتطلق بمعنى الحفظ، ومنه: حسبنا الله ونعم الوكيل، أي الحفيظ. (2) قوله:"فالقول كعقد الخ": كان مقتضاه أن يقول: "والفعل كتفرقة صدقة ونذر" الخ. ومما تصح الوكالة فيه تملّك المباحات، من حشيشٍ واصطيادٍ ونحوهما، كاحتطاب والتقاط حبٍّ وسنبل ومنبوذٍ رغبةً [عنه] وقبول زكاةٍ ولو كان الوكيل غنيًّا. فعلى هذا لو وكل الفقير من يقبض له صدقة الفطر مثلاً، وغاب فقبضها الوكيل، أجزأت. والله سبحانه وتعالى أعلم. (3) قوله: "واغتنامِ": أي والتقاط لقطةٍ. وظاهر كلامهم: ولو كانت تملَك بدون تعريفٍ، كما لو رأى إنسان لقطةَ يسيرة، فقال لآخر: وكلتُكَ في التقاطها، فإنها تكون للملتقط لا للموكل، لأنها لا تكون إلا لقابضها، كما أن الغنيمة لا تكون إلا لمن شهد الوقعة. (4) قوله: "وهو ظاهر كلام الشيخ": أي الموفق، لا تقي الدين، خلافًا لما في الحاشية. فإن العبارة لصاحب الفروع، ولو كان المراد بالشيخ تقي الدين لقال "شيخنا". وعلى هذا لو دفع ثوبًا إلى دلّالٍ مثلاً، فقد وكله في بيعه، مع قرينة، لا ¬

_ (¬1) تقدم لنا في باب الأضحية التنبيه على ما قدمه هنا من جواز الصدقة من أضحية اليتيم. فلله الحمد على ذلك.

فصل فيما تبطله به الوكالة

مطلقًا، فليفهم. [1/ 404] (5) قوله: "وشرط تعيين الوكيل": أي ومعرفة الموكل، كعكسه، قال في الإنصاف: فلو وكل زيدًا وهو لا يعرفه، أو لم يعرف الوكيل موكله، لم يصح اهـ. نقله عنه في الإقناع. (6) قوله: "وللوكيل الخ": قال في الفروع بعد ذلك: ولعل ظاهر ما سبق: يستنيبُ ناذب في الحج فمرض، خلافًا لأبي حنيفة والشافعي رضي الله تعالى عنهما اهـ. [مسألة]: ولا يملك الوكيل في تفريق صدقة أن يأخذ منها ولو كان من أهل الصدقة. وفي دفعها لولده أو أبيه أو مكاتبه أو زوجته وجهان. وكذا لا يصح بيع الوكيل لابنه أو أبيه أو نحوهما ممن ترد شهادته له، للتهمة، وكذا حاكم وأمينه ووصيّ وناظر وقف. فلا يبيع من مال الوقف، ولا يشتري من نفسه ولا لمن ذكر. وأما إجارته فقال الهمام ابن عبد الهادي في كتابه جمع الجوامع (¬1): إن كان الوقف على نفس الناظر فإجارته لولده صحيحة بلا نزاع، وإن كان الوقف على غيره ففيه تردّد، يحتمل أوجهًا منها: الصحة، وحكم به جماعة من قضاة مذهبنا، منهم العلامة البرهان بن مفلح، الثاني: تصح بأجرة المثل فقط. الثالث: لا تصح مطلقًا، وهو الذي أفتى به بعض إخواننا. والمختار من ذلك الثاني. انتهى ملخصًا. وقد أفتى بعده علماء المذهب بعدم الصحة. ذكره ابن عوض معزيًّا للصوالحي. فصل فيما تبطله به الوكالة (1) قوله: "جائزة" أي غير لازمة. مسألة: يصح التوكيل بجُعْلٍ معلوم، كما لو قال للوكيل: كل ثوبٍ بعته من ¬

_ (¬1) "جمع الجوامع" هو كتاب ضخم للشيخ يوسف بن حسن بن عبد الهادي المِبْرد، المتقدم ذكره قبل صفحتين. وكتابه هذا قال فيه صاحب السحب الوابلة: "جمع فيه الكتب الكبار [أي في الفقه الحنبلي] الجامعة لأشتات المسائل كالمغني والشرح الكبير والفروع وغيرها ووسع الكلام فيه" ثم قال: "عمل منه 120 مجلدًا ولو تمّ لبلغ 300 مجلد".

فصل في ضمان الوكيل إذا خالف

[1/ 406] هذه الثياب ذلك على بيعه درهم. وكذا: كل ثوب اشتريته لي من هذه الثياب فلك على شرائه كذا، أي درهم ونحوه. وكذا يصح قوله: بع ثوبي هذا بكذا، وما زاد ذلك. نص عليه الإمام أحمد. وقال: هل هذا إلا كالمضاربة. واحتج بأنه يروى عن ابن عباس. فلو باع الوكيل الثوب بزائد عما عينه له، ولو من غير جنس الثمن، فهو له، وإلا فلا شيء له، كما لو لم يربح مالُ المضاربة. (2) قوله: "فإنها تصح": أي تبقى على صحتها. وكان الصواب أن يقول: "فإنها لا تبطل" أي [40ب]، بطروء سفه الوكيل، لأن هذه لا يشترط لها الرشد، لأنه مقابل لقوله "وتبطل" الخ. وهو ظاهر. (3) قوله: "وبردّته": أي إذا كانت الوكالة في تصرّف في ماله، بدليل التعليل. (4) قوله: "وينعزل الوكيل بموت موكله": قد تقدم التصريح بذلك أول الفصل. وإنما ذكره لزيادة قوله "ولو لم يعلم" فهو محل الفائدة. فصل في ضمان الوكيل إذا خالف (1) قوله: "وضمن في البيع الخ": قال الشيخ تقي الدين: وهذا ظاهر فيما إذا فرّط، إما إذا احتاط ولم يقصر فهو معذور اهـ. ومنه تعلم اعتبار التفريط وعدمه. اهـ ع ن. (2) قوله: "لكنه لو باع الخ": الصواب إسقاط "لو" كما في شرح المنتهى لمؤلّفه، ولا تستقيم العبارة إلا بإسقاطها. ولعلها من النساخ. (3) قوله: "لأنه قد يكون له غرض الخ": يؤخذ منه أنه لو دلّت قرينة على أنه لا غرض له في ذلك يصح البيع، وهو كذلك. صرّح به في المغني وغيره. (4) قوله: "لأنه لا فرق الخ": هذه العبارة كلها للفتوحي في شرح المنتهى. ولم يظهر لي وجه هذا التعليل، ولعله تحريف، والأصل: "وأنه لا فرق الخ " فتأمل. فائدة: لو وكل مدين شخصًا في قضاء دينه، فقضاهُ في غيبته، ولم يُشهد

على ما قضاه، فانكر غريم، ضمن الوكيل، لأنه مفرّط بعدم الإشهاد، سواءٌ صدّقه [1/ 409] الموكل في قضائه أم لا. وإن قضاه بحضرة الموكّل، أو أذن له في القضاء من غير إشهاد، فلا ضمان. (5) قوله: "لم يظهر لي معنى قوله مطلقًا". وعلى هامش بعض النّسخ معزيًّا للمؤلف (¬1) ما نصه:"ثم ظهر لي أنه سواءً كان بجعل أو لا" اهـ. وهو ظاهر من قوله أوله: "وكان بجعل" فلا غبار عليه. (6) قوله: "لم يلزمه دفعه إليه": أي وإن دفعه فأنكر صاحب الحق الوكالة، حلف ورجع على الدافع وحده إن كان دينًا، وهو على الوكيل، مع بقائه أو تعدّيهِ في تلف أو تفريطه. وإن لم يتعذ فيه مع تلفه لم يرجع الدافع. وإن كان عينًا، كوديعة ونحوها، فوجدها، أخذها، وله مطالبة من شاء منهما بردّها. وإن كانت تالفة، أو تعذَّر ردها ضمّن أيهما شاء، ولا يرجع من ضمنه على الآخر، إلا أن يكون الدافع دفَعها إلى الوكيل من غير تصديقٍ، فيرجع على الوكيل. وإن ضمن الوكيل لم يرجع على الدافع وإن صدّقه. لكن إن تعدى أو فرّط الوكيل استقرّ الضمان عليه مطلقًا اهـ. إقناع. (7) قوله: "وإن كذّبه حلف الخ": علم منه أنه إن كذّبه في دعواه الوكالة ونحوها لا يستحلف وهو كذلك. ... ¬

_ (¬1) كلامه يقتضي أن يقول "للشارح " لأن "المؤلّف" في اصطلاحه كما تقدم هو صاحب "دليل الطالب" وعادته أن يعبّر عن التغلبي باسم "الشارح".

كتاب الشركة

[1/ 411] كتاب الشركة (1) قوله: "من النقدين المضروبين" أي فلا تصح في عروض، ولا في سبيكة فضة أو ذهب. ويأتي التصريح بذلك في المضاربة. (2) قوله: "فلا تصحّ على مجهولين" أي كما لو كان لكل واحدٍ صُبْرَةٌ من نقدٍ لا يعلم قدرها، فلا يصح، لأنه لا بد من الرجوع لكل واحد منهما بماله، وهو غير معلوم، فيفضي إلى التنازع. (3) قوله: "على قدر ماله الخ": هذا إذا كان العمل من الشريكين أو الشركاء، أما إذا كان من واحد منهما أو منهم، فيشترط أن يجعل للعامل، واحدًا أو أكثر، أكثر من ربح ماله، وتكون عِنانًا ومضاربة. ولا تصح بقدر ماله أو بدونه. (4) قوله: "أن يبيع الخ": أي وله أن يودع لحاجة، ويرهن ويرتهن مع الحاجة، ويسافر بالمال مع أمنٍ لا مع خوف. وإذا لم يعلم بالخوف، أو فُلِّسَ المشتري، لم يضمن، بخلاف مشتراه خمرًا جاهلاً فيضمن. وليس له أن يهب من الشركة أو يقرض ولو برهن، على ظاهر كلامهم، أو يحابي أو يضارب أو يشارك بالمال أو يخلطه بغيره أو يستدين عليها إلاّ بإذن في الكل. ولو قيل: اعمل برأيك، ورأى مصلحةً، جاز الكلّ. وما استدان بدون إذن فعليه، وربحه له. وإن تقاسما دينًا في ذمّةٍ أو أكثر لم يصح على المذهب، وعنه: يصح إذا كان بذمّتين فأكثر، نقلها حرب (¬1) اهـ ملخصًا من المنتهى وشرحه لمؤلفه. فصل فيها شركة المضاربة (1) قوله: "غشًّا كثيرًا": مفهومه أن الغش اليسير لا يضر، وهو كذلك. فعلى هذا تكون المضاربة بالريالات التي تسمّى "بشالك" ونحوها غير صحيحة. وكذا شركة العنان. وانظر ما المراد بالكثير واليسير؟ لم أو من نصّ عليه. والظاهر ¬

_ (¬1) حرب: هو حرب بن إسماعيل الكرماني أحد النقلة المباشرين عن الإمام أحمد.

أن النصف فما فوق بهثير، ودون النصف يسير، فنحو الريال المجيدي غشه يسير، [1/ 414] فتصح الشركة فيه، وأما البشلك فغشه كثير. وكذلك الوزري (¬1) ونحوه. فليحرر. (2) قوله: "ولو نافقة" أي الفلوس، وكذا المغشوش كثيرًا لا تصح المضاربة به ولو نافقًا. قوله: "المفاضلة" لعله "المفاصلة" أي المفاسخة. فائدة: تصح المضاربة [41أ] موقتة، كضاربتك على هذه الدراهم سنَةً، وإذا مضى كذا فلا تشتر شيئًا، أو فهو قرض. فإذا مضى وهو متاع فلا بأس، إذا باعه كان قرضًا. وتصح معلّقةً، كإذا قدم زيد فضارب بهذا الدينار، أو اقبض ديني من فلان وضارب به، لا: ضاربْ بديني عليك، أو على زيدٍ فاقبضه. ويصح: وكلتك في قبض ديني عليك من نفسك. فإذا قبضته فقد جعلته بيدك مضاربة. (3) قوله: "فلا شيء الخ،: فيكون هذا مستثنًى من قولهم "للعامل أجرة المثل في المضاربة الفاسدة" فإن قوله "قارضتك والربح كله لي" مضاربة فاسدة كما صرّحوا به. (4) قوله: "صح الشراء الخ": وقيل: إن كان الشراء بعين مال المضاربة لم يصح، وإن كان في الذمة وقع المعاقد (¬2)، وليس له دفعه من مال المضاربة، فإن فعل ضمن اهـ. فتوحي. (5) قوله: "ولو لم يعلم": وقال أبو بكر: إن لم يعلم لم يضمن، وجزم به في "عيون المسائل"، واختاره القاضي في التعليق الكبير. قاله في التلخيص (¬3). وقال هذا الصحيح عندي اهـ. (6) قوله: "فله نفقة مثله الخ": وهل تكون من رأس المال أو من الربح؟ ¬

_ (¬1) البِشلِك والمجيدي والوزري: أسماء عملات كانت دارجة في السنين الأخيرة من العهد العثماني. (¬2) "وقع المعاقد" هكذا الأصل وض. ولا يظهر وجه المعنى. ولعله "للعاقد" أي المضارب. (¬3) عيون المسائل، والتعليق الكبير، كلاهما للقاضي أبي يعلى والتلخيص للفخر ابن تيمية. وقد تقدم.

فصل في شركة الوجوه

[1/ 417] تردّد فيه ابن نصرالله. قال م ص: قلت بل الظاهر أنها من الربح، فإن لم يكن ربح فلانفقة فيما يظهر. (7) قوله: "قوّمه الخ": أي وبعد دفع حصة العامل من الربح له ملك ما يقابلها من العروض، ومحل ذلك إن لم يكن حيلةً على قطع ربح عاملٍ، كشرائه شيئاً في الصيف ليربح في الشتاء ونحوه فيبقى حقه في ربحه، نقله في الفروع عن الأزجي وابن عقيل، واقتصر عليه، وجزم به في المنتهى، لأن الحيلة لا أثر لها. (8) قوله: "ذهبًا الخ": ظاهره أنه يلزمه ذلك، سواء كان في المال ربح أم لا. وهو كذلك. (9) قوله: "بإذنٍ": متعلق بمتصرف. (10) قوله: "إن لم تكن الخ": فإن كان لكل منهما بينة قدمت بيّنة ربّ رأس المال كما قال م ص بحثًا. وهو الموافق للقواعد. (11) قوله: "ويقبل قول المالك الخ": أي إن لم يكن للعامل بينة. وإن كان لكل واحد منهما بينة قدمت بينة عاملٍ على ظاهر كلامهم. فصل في شركة الوجوه (1) قوله: "كما شرطا الخ" ظاهره أنه لا يشترط كون ربح كل واحد منهما على قدر ماله، بل يصح أن يكون لأحدهما ثلث المال ونصف الربح مثلاً، وهو كذلك، كشركة عنان، وتقدم. وقال القاضي وابن عقيل ومن تبعهما: لا بد وأن يكون الربح فيهما على ملكيهما، فإن اتفقا على أن يكون لأحدهما ثلث المال فله ثلث الربح، وكذا نحوه. (2) قوله: "أن يشتركا الخ": ومذهب أبي حنيفة عدم جواز هذا النوع، أعني أحد نوعي شركة الأبدان. (3) قوله:"بلا تفريط": أي بالتفريط يضمنه المفرط منهما فقط. (4) قوله:"وهي أن يفؤض الخ": ما لم يدخلا في ذلك كسْبًا نادرًا، كلقطة أو ميراث أو أرش جناية ونحو ذلك، فلا تصح. قال في الإقناع: ولو اشترك ثلاثة، لواحدٍ دابة، ولآخر راوية، وثالث يعمل؛

باب المساقاة

أو اشترك أربعة: لواحد دابة، ولآخر رحًى، ولثالثٍ دكّان، ورابع يعمل، [1/ 418] ففاسدتان، وللعامل الأجرة، وعليه لرفقته أجرة آلتهم. وقياس نصِّه صحتها. واختاره الموفق وغيره. قال المنقح: وهو أظهر. وصحّحه في الإنصاف. ومن استأجر من الأربعة ما ذكر صح، والأجرة بقدر القيمة (¬1)، كتوزيع المهر فيما إذا تزوج أربعًا بمهر واحد. وإن تقبَّل الأربعةُ الطحن في ذممهم صح، والأجرة أرباعًا، ويرجع كل واحدٍ من رفقته لتفاوت قدر العمل بثلاثة أرباع أجرة المثل. انتهى كلام الإقناع. باب المساقاة (1) قوله: "دفع الشجر بلا غرسٍ الخ": مفهومه أنه لا بد أن يكون الشجر من رب الأرض. وهو كذلك على المذهب. وفيه وجه بعدم اشتراطه. قلت: وعليه عمل الناس. (2) قوله: "وكونه، أي البذر، من رب الأرض": قال في الإقناع: وعنه لا يشترط كون البذر من رب الأرض. واختاره الموفق والمجد والشارح وابن رزين وأبو محمد الجوزي والشيخ وابن القيم وصاحب الفائق والحاوي الصغير (¬2). وهو أقوى دليلاً، وعليه عمل الناس اهـ. ومحله -والله أعلم- ما لم يكن البذر من ¬

_ (¬1) أي توزع عليهم على قدر أجر مثل الأعيان المؤجرة (كشاف). (¬2) تقدم بيان المراد ببعض هذه الأسماء، ونذكر هنا باقيها. الشارح: المراد به شارح المقنع، وهو عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي، شمس الدين (- 682هـ) وهو ابن أخي الموفق صاحب المقنع والمغني. وسمى شرحه للمقنع: الشافي. ولم يطبع كتابه هذا فيما نعلم بكماله، لكن طبع مع المغني طبعات أذهبت منه خاصيته الأولى، وهي حسن الترتيب. ابن رزين (- 656 هـ): هو عبد الرحمن بن رزين بن أبي حبيش. له: "التهذيب في اختصار المغني" في مجلدين. أبو محمد الجوزي: هو يوسف بن الإمام عبد الرحمن بن علي الجوزي (- 656 هـ) قتله التتار. له: المذهب الأحمد في الفقه. الحاوي الصغير: لعبد الرحمن البصري الضرير (- 684 هـ) وله أيضًا: الحاوي الكبير. والكافي شرح مختصر الخرقي.

[1/ 422] واحد والأرض والبقر والعمل من آخر، فإن هذه الصورة فاسدة باتفاقٍ (¬1)، كما يعلم من صنيع الإقناع [41ب] فإنه ذكرها بعد الخلاف المتقدم ولم يحكِ خلافًا فراجعه. (3) قوله: "فالمساقاة والمزارعة فاسدة": الأولى: فاسدتان، لأنه خَبَر عن شيئين، إلا أن يقال: فيه حذف من الأول لدلالة الثاني عليه، وإن كان الأكثر عكسه، كقوله تعالى {أُكُلها دائم وظلها} [الرعد: 35] أي دائم. (4) قوله: "ولا شيء له الخ": وانظر هل مثله مُنَاصِب إن فسخ أو هَرَبَ قبل ظهور الثمرة. (5) قوله: "على الغاصب": أي لأنه غرّه، فلا يرجع بها على رب الشجر. (6) قوله: "بعد ظهورها الخ": فلو ظهر ثمر بعض الشجر دون بعض فلكلٍّ حكمه. لكن إن تمّم العامل عمله فله المسمّى مما ظهر قبل فسخٍ، وأجرة المثل فيما لم يظهر، كما يعلم من كلام ابن نصرالله. لكن إن كان الفسخ بعد ظهور بعض ثمر شجرة وظَهَر باقيه بعد الفسخ، أو باقي نوعه، هل حكمه كذلك، أو حكم ما ظهر كله؟ حَرِّر. (7) قوله: "وعلى العامل تمام العمل": قال في التنقيح: فيؤخذ منه في وام العمل على العامل في المناصبة، ولو فسخت، إلى أن تبيد. والواقع كذلك. (8) قوله: "والجذاذ عليهما": أي في المساقاة. وأما الحصاد والدياس والتصفية في المزارعة فعلى العامل. ويكره الحصاد والجذاذ ليلاً. (9) قوله: "وما طلب من قرية الخ": ويحرم توفير بعضهم، وجعل قسطه على غيره، ولو كان ظُلمًا، لوجوب التساوي بينهم. وأما إن كان الممتنع من دفع قسطه لا يُجْعَل قسطه على غيره بل يسقط عن البلد فلا بأس. نبَّه على ذلك شيخ ¬

_ (¬1) بل هي صحيحة عند جماعة، واختارها شيخ الإسلام، وذكر أنها رواية عن أحمد (الفروع 4/ 411 والاختيارات ص 150).

باب الإجارة

الإسلام. [1/ 425] باب الإجارة (1) قوله: "على خلاف القياس" قال في المنتهى: والأصح: لا اهـ. أي ليس حكمها مستقرًا على خلاف القياس بل على وفقه. قال في التنقيح: والأصح على وَفْقِهِ. وقال في الفروع عن الإجارة: وقد قيل هي على خلاف القياس. والأصح: لا، لأن من لم يخصِّص العلة لا يتصوّر عنده مخالفة قياس صحيح، ومن خصَّصها فإنما يكون الشيء خلاف القياس إذا كان المعنى المقتضي للحكم موجودًا فيه، وتخلَّف الحكم عنه اهـ. قلت: وجزم في الإقناع بانها على وفق القياس أيضًا. فما مشى عليه الشارح خلافُ الصحيح. (2) قوله: "فإن كانت موصوفة الخ": مفهومه أن ما لا يصح السَّلَمُ فيه، كالدور والحيوان والأرض التي لا يمكن انضباط صفاتها، لا تصح إجارتها إلا بالمعاينة. وهو كذلك. صرح به ح ف. (3) قوله: "لا الذكررة الخ" وإن شرط شيئاً من ذلك فالظاهر أنه صحيح لازم، لأنه قد يكون له فيه غرض صحيح. وتختلف رغبات الناس في هذا، خصوصًا إذا كان للركوب. (4) قوله: "صح لا أي ولكلٍّ منهما الفسخ أول كل يوم أو شهرٍ في الحال. فائدة: لا تصح إجارة مشاعٍ مفردًا لغير شريكه إلا بإذنه، لأنه لا يقدر على تسليمه بدون إذن شريكه، ولا إجارةُ عينٍ لمتعدد وهي لواحد إلا في قولٍ، قال المنقح بعد أن ذكر المسألتين: وقُدِّم عدم صحة الإجارة فيهما. وعنه: بلى، اختاره أبو حفص (¬1) وأبو الخطاب والحلواني وصاحب الفائق وابن عبد الهادي وهو أظهر ¬

_ (¬1) هو أبو حفص البرمكي، اسمه عمر بن إبراهيم (- 387هـ) ويشتهر أيضًا بابن المسلم. فقيه حنبلي بغدادي. له: "الاختيارات في المسائل المشكلات"و "المجموع" و"شرح الخِرَقي" وغيرها.

[1/ 427] وعليه العمل. (5) قوله: "والقدرة على تسليمها" أي العين المؤجرة، فلا تصح إجارة آبقٍ وشاردٍ ولا مغصوب إلا لغاصبه أو قادرٍ على أخذه منه. وقول الشارح "فلا يصح استئجار ديك ليوقظه" غير مطابق لما هو مفرَّع عليه. وكأنه توهم أن المراد بقوله: "والقدرة على تسليمها" أي المنفعة، فيكون إيقاظ الديك غير مقدور عليه. (6) قوله: "فالكوبة" [هي] الطبل أو الباز (¬1). (7) قوله: "يذكر طوله وعرضه وسمكه الخ" فلو استأجره لحفر بئرٍ عشرة أذرع طولًا وعشرة عرضًا وعشرة عمقًا فحفر خمسة طولًا في خمسة عرضًا في خمسة عمقًا، فاضرب عشرة في عشرة، تبلغ مائة، ثم اضرب المائة في عشرة تبلغ ألفًا. واضرب خمسة في خمسة، بخمسة وعشرين، ثم اضربها في خمسة: بمائة وخمسة وعشرين، وذلك ثمن الألف. فله ثُمُنُ الأجرة إن وجب له شيء. (8) قوله: "فله الأجرة الخ" وإن كان استأجره لبناء قدرٍ معلومٍ، فبنى بعضه وسقط، فعليه إعادته. وتمام القدر المعقود عليه. (9) قوله: "وأن لا يجمع الخ": وهذا بخلاف الجُعالة، فإنها تصح معه، كمن رد [42أ]، لقطتي في يوم كذا ونحوه. (10) قوله: "وتعليم قرآنٍ": أي وأما القراءة فالظاهر أنه لا تجوز الإجارة عليها ولا الجعالة. وقد قال العلماء: إذا قرأ لأجل المال فلا ثواب له، فأيَّ شيء يهدي للميت؟ وهو عام في الإجارة والجعالة. نعم إن قرأ قرآنًا، وأهداه لحيٍّ أو ميت من غير قصد عرض دنيويٍّ، وعُوّضَ شيئًا، أو أهدي له مقابلةً لمعروفه، فلا بأس. فينبغي أن يفهم لهكذا. وعمل الناس بخلافه. (11) قوله: "كما لو استأجر الخ": هذا ونحوه من كل قاصر النفع لا تجوز الإجارة عليه، ولا الجعالة، ولا رزق من بيت المال. ¬

_ (¬1) قوله: (أو الباز) كذا في ض والأصل، ولعله اسم شعبيّ لإحدى أدوات اللهو، ففي القاموس "الكوبة النرد أو الشطرنج، والطبل الصغير المخصّر، والفِهر، والبربط".

فصل فيما تنفسخ به الإجارة

(12) قوله: "وغيره": أي في ثِقَلٍ وخفّة. [1/ 429] (13) قوله: "كصلاةٍ مفروضة": أي لا نحو راتبةٍ أو وتر. (14) قوله: "والوطاء": أي وعلى المستأجر أيضًا الوطاء. فصل فيما تنفسخ به الإجارة (1) قوله: "إلا أبا محمد": أي فإنه قال: "تنفسخ بموت الراكب" وهو وجيه فيما إذا لم يقم مقامه أحد، أو لم يبق له متاع ونحوه، فإنه سيأتي قريبًا أنه إن تعذر استيفاء النفع بفعل غير المؤجر والمستأجر، كشرود المؤجرة ونحوه، وجب من الأجرة بقدر ما استوفى فقط. وبموت الراكب تعذَّر استيفاء النفع بفعل غيرهما. وهو صريح رواية حنبل (¬1)، وجزم به شارح الهداية (¬2)، وأبطل تأويل من أوَّلَ الرواية المذكورة كالقاضي وابن عقيل. فليحرر. (2) قوله: "وفيه التفصيل الخ " يعني إذا مات المرتضع بعد مضيّ مدة من الزمن الذي وقع عليه عقد الإجارة فللمرضعة بقسطها من الأجرة. فصل في الأجير الخاص والأجير المشترك (1) قوله: "لا يضمن ما تلف بيده": أي في يده، كما لو انكسرت منه الجرة التي يستقي بها، والآلة التي يحرث بها، أو المكيال الذي يكيل به، ونحوه. (2) قوله: "والملاّح يضمن الخ": مفهومه أنه لا يضمن ما تلف بسبب عصوف ريح أو هيجان بحر ونحوه، فينبغي أن يحرر. (3) قوله: "وبزلقه": أي الحامل. ¬

_ (¬1) حنبل: هو حنبل بن إسحاق بن حنبل بن أسد (- 273 هـ) ابن عم الإمام أحمد، وسمع من شيوخه. روى عن أحمد مسائل أجاد فيها الرواية، وربما أغرب برواية ينفرد بها، وربما خالفوه. (¬2) شارح الهداية: الهداية لأبي الخطاب لها شروح، ولعل مراد المحشي: شرح أبي المعالي أسعد بن المُنَجّا التنوخي (- 616 هـ) له شرح عليها كبير في 16 مجلدًا.

[1/ 433] (4) قوله: "بغير فعله الخ": أي كما لو سُرِقَ ونحوه، وكذا لو تلف المحمول بفعل الدابّة بان عثرت أو زلقت أو بركت ونحوه، ما لم يكن بسببه، كما لو سلك بالبعير طريقًا فيها زلق أو ما يعثر به، ولم يتأنَّ عليه. هكذا ينبغي أن يفهم هذا المحل. (5) قوله: "شرطين": الأولى: ثلاثة: كونه حاذقًا، وكونه لم تجن يده، وكونه بإذن مكلف أو وليه. (6) قوله: "ضمن": أي السراية، لكن تكون الدية على عاقلته كما يأتي في الجنايات. (7) قوله: "وما أشبه ذلك": وفي الفصول: ويلزم الراعي توخِّي أمكنة المرعى النافع، وتوقي النبات المضرّ، وردّها عن زرع الناس، وإيرادها الماء إذا احتاجت إليه، على الوجه الذي لا يضرها شربه، ودفع السباع عنها، ومنع بعضها عن بعض قتالًاونطْحًا، ويردّ الصائلة عن المصول عليها، والقَرنْاء عن الجمَّاء، والقويّة من الضعيفة. فإذا جاء المساء وجب عليه إعادتها إلى أربابها. وإن ادعى موت شاةٍ ونحوها قُبِل قوله، ولو لم يأت بجلدها أو شيء منه. (8) قوله: "ولو مدة لا تلي العقد": أي كما لو أجره دارًا سنة خمسٍ في سنة ثلاث. فائدة: قال القاضي فيمن استأجر عبدًا للخدمة: إن له المسافرة به في العقد المطلق. قال فإن شرط ترك المسافرة به لزمه الشرط. قال المَجْد: هكذا ذكره في "تعليقه" (¬1) في ضمن مسألة ما إذا شرط لزوجته أن لا يتزوج ولا يسافر بها ولم يذكر فيه خلافًا، بل جعله أصلاً لقياسٍ يمثل به على الخصوم. ولقد عجبت من ذلك. انتهى. وقال المجد أيضًا: وليس للسيد أن يسافر برقيقه إذا آجره، ذكره القاضي على آخر الجزء الخامس والأربعين من تعليقه بخطه. ولا أعلم فيه خلافًا اهـ. ¬

_ (¬1) التعليق: للقاضي أبي يعلى.

باب المسابقة

(9) قوله: "وكذا ببذل تسليم العين الخ": فَصَلَ بكذا إشارة إلى الخلاف في [1/ 435] هذه المسألة، فإن الموفق اختار، فيما إذا كانت الإجارة على عمل من عينٍ معيّنة، أن الأجرة لا تستقر على المستأجر حتى يستوفي العمل ولم تسلم العين. قال: لأنه عقد على منفعة غير مؤقتة بزمن، فلم يستقر بدلها قبل استيفائها كالأجير المشترك (¬1) اهـ. (10) قوله: "وإن اختلفا في قدرها أي الأجرة الخ": وإن اختلفا في قدر مدة الإجارة، كما لو قال: [42ب]، آجرتكها سنة بدينار، فقال: بل سنتين بدينارين، فقول المالك. وإن (¬2) قال آجرتكها سنة بدينار، فقال: بل سنتين بدينار تحالفا. وإن قال: آجرتكها سنة بدينار، فقال: بل استأجرتني على حفظها بدينار، فقول رب الدار. (11) قوله: "فإن نكل أحدهما الج": ويتوجه أن يقال فيما إذا نكلا معًا: صرفهما حاكم، كما تقدم في البيع. وفيه البحث المذكور هناك. (12) قوله: "ولو شرط على نفسه الضمان": أي لأن الشرط باطل. وقوله: "يقبل قوله إن ادًعى أنّ ما استأجره أبق أو شرد الخ": هذا المذهب. وعنه: إن ادعى أن القول للمؤجر. وإن اتفقا على وجود الإباق ونحوِهِ، واختلفا في وقته، ولا بينة للمالك، فالقول للمستأجر، لأن الأصل عدم العمل. وهذا بلا خلاف، على ظاهر كلام صاحب شرح المنتهى لمؤلفه اهـ منه. (13) قوله: "فلا ضمان عليه" أي ما لم يطلبها ربها، فيمتنع عن تسليمها، فإنها مضمونة، كالمغصوبة. وإن اختلفا في الرد فقول المالك. وتقدم قريبًا. باب المسابقة (1) قوله: "في الجملة" أي في بعض الصور لا في جميعها. (2) وقوله:"لكن لا يجوز أخذ العوض الخ" أي لأن هذه الثلاثة معينة على ¬

_ (¬1) راجع الخلاف في (المغني 5/ 408 ط ثالثة). (¬2) هنا في ض سقط بقدر سطر.

[1/ 438] الجهاد، وأخذ العوض يعين عليها، بخلاف غيرها. (3) قوله: "عقبة بن عامر الجهني" أي وهذا كان صاحب بغلة النبي - صلى الله عليه وسلم - يقودها في الأسفار، أي من خدم النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان عالمًا بكتاب الله عز وجل وبالفرائض، فصيحًا شاعرًا مفهمًا (¬1). ولي مصر لمعاوية رضي الله تعالى عنهما وتوفي بها ودفن بِقَرَافَتها. وقبرهُ معروف بها. وصُرِفَ عن ولاية مصر قبل وفاته بمسلمَة بن مخلد رضي الله تعالى عنه اهـ ملخصًا من الحلبية (¬2). فكان على الشارح رحمه الله تعالى أن يترضى عنه. وعقبة هذا أحد من جمع القرآن في المصحف، وكان مصحفه على غير تأليف مصحف عثمان. وشهد صفِّين مع معاوية، وروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كثيرًا. وله في البخاري أحاديث اهـ. قسطلاني. ... ¬

_ (¬1) قوله: "مفهمًا" هكذا في الأصل وض. ولعله تصحيف والصواب "مُفْحِمَا" بالحاء، والشاعر المُفْحِم هو من يُسكِت خصمه حتى لا يستطيع الجواب. (¬2) يعني السيرة الحلبية وهي مشهورة.

كتاب العارية

كتاب العارية [1/ 440] (1) قوله: "وهي مستحبة": قال الفتوحي في شرح المنتهى: وقيل: تجب، لذمِّ مانعها في الآية اهـ. أي في قوله تعالى {ويمنعون الماعون} لكن رد هذا الاستدلال بأن المفسرين اختلفوا في الماعون على خمس تأويلات أحدها: ما تقدم، والثاني: أنه الزكاة، والثالث: أنه المعروف، والرابع: أنه الماء بلسان قريش، والخامس: أنه المنافع. فلا يكون نصًّا في العارية. (2) قوله: "مستحبة" أي إلاّ إعارة مصحف لمحتاج لقراءته لعدم غيره، فتجب. وخرَّج ابن عقيل وجوب الإعارة أيضًا في كتبٍ للمحتاج إليها من القضاة والحكّام وأهل الفتاوى اهـ. (3) قوله: "احتمل أن يكون أباحه الخ" أي فيكون قرضًا، فإن كان مثليًّا ردَّ مثله، وإن كان متقوّمًا ردّ قيمته، لأنه بذله على وجهٍ يوجب الضمان فكان كذلك. (4) قوله: "زاد هذا الشرط في المنتهى" أي وغيره، ففي الإقناع كالمنتهى. (5) قوله: "تُرْسَى": بالبناء للمفعول (¬1). فائدة: وإن حمل السيل بذرًا إلى أرض، فنبت فيها، فهو لصاحبه مبقًّى إلى الحصاد، بأجرة مثله. وإن أحبَّ مالكه قلعه فله ذلك. وإن حمل غرسًا، أو نوى بلحٍ ونحوه، فنبت في أرض غير صاحبه، فلرب الأرض تملكه بقيمته، أو جبر صاحبه على قلعه منها. وإن حمل أرضًا بشجرها فنبت في أرض أخرى، كما كانت، فهو لمالكها، يجبر على إزالتها. قلت: فإذا كان لا يقدر على إزالتها، كما لو كانت المنتقلة جبلًا ونحوه، فالظاهر أنه لا يلزمه، وتبقى على ملك صاحبها وتذهب الأرض السفلى على صاحبها. لكن لم أو من نبه على ذلك. فليحرر (¬2). ¬

_ (¬1) ليس هذا بلازم، فيجوز أن يقال "تُرْسِيَ السفينةُ" لأن "أرسى" الرباعي يجوز أن يكون لازمًا بمعنى ثبت، كما في اللسان والقاموس. (¬2) أقول: في هذا نظر، ويحدث هذا كثيرًا في بعض الأراضي المنزلقة في سفوح الجبال، =

[1/ 442] (6) قوله: "لأن له وقتًا الخ". أي بخلافِ نحو غرسٍ، فإنه إن أعير أرضًا لغرسٍ أو بناء، وشرط قلعه بوقتٍ أو رجوع، لزم عنده، وإلا فلمعيرٍ أخذه بقيمته، أو قلعه ويضمن نقصه. فإن أباهما معيرٌ بيعت الأرض بما فيها إن رضيا، [43أ] أو أحدهما ويجبر الآخر، ودُفع لرب الأرض قيمتُها فارغةً والباقي للآخر. ولكلٍّ بيع ماله منفردًا. أو يكون مشترٍ كبائع وإن أبيا البيع ترك بماله (¬1)، ولمعيرٍ الانتفاع بأرضه على وجهٍ لا يضر ما فيها، ولمستعير الدخول لسقي وإصلاح وأخذ ثمر، لا لتفرج ونحوه. (7) قوله: "وكذا إذا استأجرها": كذا في شرح المنتهى لمؤلفه. ولعله "إذا استعارها". (8) قوله: "ضمَّن المالك أيهما شاء": أي والقرار على الثاني إن علم الحال، وإلا ضمن العين في عاريةٍ فقط، ويستقرّ ضمانُ المنفعة على الأول. (9) قوله: "ويلغو شرط عدم ضمانها" الخ: يعني أنهما لو اتفقا واشترطا عدم ضمان العارية لغا الشرط، وعنه: لا، واختاره أبو حفص والشيخ تقي الدين. (10) قوله: "أو بَلِيَتْ فيما أعيرت له": يؤخذ منه أنه لو ماتت الدابة باستعمالها بالمعروف لا تضمن. قاله ابن نصرالله في حواشي الفروع. فائدة: إذا اختلفا، فقال: آجرتك، فقال: بل أعرتني، قبل مضي مدة لها أجرة، فقول قابضٍ بيمينه، وبعدها فقول مالك فيما مضى، وله أجرة المثل. وكذا لو ادعى أنه زَرَعَ عارية، وقال ربّها: إجارة. وإن قال: أعرتني أو أجرتني، فقال: بل غصبتني، أو قال أعرتك، فقال: بل أجرتني، والبهيمة تالفة، واختلفا في ردّ ¬

_ = عند تعرضها لشدة الأمطار. وينبغي القول بان المقرّ يبقى لصاحب الأرض السّفلى، وعلى صاحب الأرض العليا أن يزيلها، أو يتنازل عنها، فإن لم يفعل لم يمكن إلا الصلح. (¬1) قوله: "أو يكون مشترٍ كبائع" هكذا في النسختين، ولعل صوابه "ويكون مشترٍ كبائع" أي إن باع أحدهما الذي له منفردًا فإن المشتري يحل محل البائع وتكون له حقوقه المتقدم بيانها. وقوله: "ترك بماله" كذا في النسختين، ولعل صوابه "تُرِك بحاله".

العارية، فقول مالكٍ بيمينه في المسائل الأربع. [1/ 443] وإن قال: أعرتك، فقال: أودعتني، فقول مالك، وله قيمة تالفةٍ، وكذا في عكسها. وله أجرة ما انتفع بها. ***

كتاب الغصب

[1/ 444] كتاب الغصب (1) قوله: "استيلاء غير حربيّ" أي وأما استيلاء الحربيّ فلا يكون غصبًا لأنه يملكه بذلك. وقوله: "على حق الغير" متعلق باستيلاء. وقوله: "عدوانًا" أي قهرًا. وقوله: "بغير حق" خرج به استيلاء الولي على مال مَوْليّه، والحاكم على مال المفلس، والمسلمين على مال أهل الحرب. (2) قوله: "كالولد والسمن" أي والكسب. ولو غَصَبَ قنًّا أو شبكةً أو شركًا فأمسك صيدًا أو جارحًا أو فرسًا، فصاد به، أو عليه، أو غَنِم، فلمالكه، لا أجرته زمن ذلك، أي زمن الاصطياد، فلا تجب على الغاصب. أما لو غصب منجلًا أو فأسًا، فقطع حشيشًا أو خشبًا، أو غصب سيفًا فغنم، فللغاصب. (3) قوله: "لكونه بُنِيَ عليه": أي ببناءِ بُني للمفعول. وقوله: "أو بُعّد" أي بضم أوله وتضعيف عينه مبنيًّا للمجهول، معطوف على بُنِيَ. (4) قوله: "وإن سُمِرَ": أي بتخفيف الميم، كضُرِب، كما في المُطْلع (¬1). (5) قوله: "يخير الخ": وهذا في الزرع الذي لا يحصد إلا مرّة، وفي ما يجزّ مرة بعد مرة، كرطبة، ونحوها مما يتكرر حمله كقثاء وباذنجان، بخلاف غرسٍ وبناء، فليس له أن يتملكه بقيمته، كما يدل عليه قوله: أُلزم بقلع غرسه الخ. فصل في ضمان المغصوب (1) قوله: "ونحوه": كعنبر. ¬

_ (¬1) المُطْلع: لعل مراده "المطلع على أبواب المقنع" لشمس الدين محمد بن أبي الفتح البعلي (- 709هـ) مطبوع.

(2) قوله: "ويغرم الغاصب الخ": أي فلو غصب عبدًا يساوي ألفًا، فعمي [1/ 446] عنده فصار يساوي خمسمائة، فيلزمه رده ودفع خمسمائة. وقوله: "لأنه ضمان مالٍ من غير جناية الخ": أي وأما إن كان بجنايةٍ، كما لو ضربه فأعماه أو خصاه ونحو ذلك مما تجب فيه دية من حرٍّ، فإنه يلزمه رده ودفع قيمته. وبه قال مالك والشافعي. وقال أبو حنيفة: يخير المالك بين أخذه ولا شيء له غيره، وبين أخذ قيمته ويملكه الجاني. لكن وافقَ الجمهورَ في ما لو كانت الجناية من اثنين على طرفين، فقال: تلزمهما القيمة، والعبد لسيّده. وإن قطع الغاصب ما فيه دون ديةٍ من حرٍّ، كقطع يد أو رجل، لزمه أكثر الأمرين من أرش نقص قيمته، أو دية ذلك المقطوع. فلو غصب عبدًا قيمته ألف، فزادت عنده إلى ألفين، ثم قطع يده، فصار يساوي ألفًا وخمسمائة، كان عليه مع ردّه ألفٌ اهـ ملخَّصًا من المنتهى وشرحه لمؤلفه. (3) قوله: "لا بعد أخذها": أي القيمة. أي فلو قدر على المثل قبل أخذ القيمة وجب المثل، وبعد أخذها: لا. (4) قوله: "المتقوّم": بكسر الواو المشّددة كما يعلم من المصباح اهـ. ع ن. مسألة: ولو نوى إنسانٌ جحد ما بيده من غصوب وأماناتٍ، أو بذمّته من دين ونحوه، في حياة ربه، فثوابه له. وإلّا بأن لم ينو ذلك حتى مات صاحبه، فثوابه لورثته. ثم لو ندم وردّ ما غصبه ونحوه على الورثة، برئ من إثمه [43ب] أي المال لا من إثم الغصب. ولو مات الغاصب أيضًا، وردَّه ورثته إلى ورثة المغصوب منه، فلمغصوبٍ منه مطالبته في الآخرة. أقول: فإن لم يردّه الورثة أيضًا، ولم يعلموا به، فهل يطالب به أيضًا ورثة المغصوب منه في الآخرة، وورثتهم، وهكذا؟ لأن الحق ينتقل عن المغصوب منه لورثته، وكل منهم ينتقل حقه لوارثه، ولهكذا، أو كيف الحكم؟ لم أره. فتدبر. (5) قوله: "أو أباحه له": أي بأن كان المغصوب شمعًا، فقال الغاصب للمالك: أبحت لك أن تشعل هذا السمع، فاشعله وهو لا يعلم أنه ملكه. وهذا

فصل في الاتلافات

[1/ 447] بخلاف ما إذا دفعه لمالكه عاريةً فإنه يبرأ بذلك، ولو لم يعلم أنه ملكه. وقيل لا، وجزم به في التلخيص. (6) قوله: "ومن اشترى أرضًا الخٍ": يؤخذ من كلامهم أنه لا يرجع على البائع بخراج الأرض إذا ظهرت مستحقةً. وكذا لا يرجع بنفقة عبدٍ أو حيوان إذا بان مستحقًّا. ثم رأيته مصرَّحًا به في حاشية هذا الكتاب لابن عوض. قال: لأنه دخل في الشراء ملتزمًا ضمان ذلك، لأن عقد البيع يقتضي النفقة على المبيع، ودفع خراجه. قلت: قياس ذلك أن الزوج لا يرجع على الغاصب بما أنفقه على الزوجة إذا خرجت مغصوبة، كما أنه لا يرجع على الحرة في النكاح الفاسد اهـ. وعزا ذلك إلى ش ع (¬1). فصل في الاتلافات (1) قوله: "محترمًا" (¬2): خرج به آلات اللهو ونحوها، فإنه لا ضمان على متلفها. وقوله: "وكان المتلف مكلفًا": هذا فيما إذا كان المتلَف مدفوعًا من مالكه للمتلِف، وأما ما لم يدفع فيستوي في إتلافه المكلف وغيره، وتقدم. وقوله: "ملتزمًا": خرج به ما أتلفه الحربي حال الجهاد، أو الباغي حال القتال، أو المسلم والعادل منهما. وقوله: "والمال لمعصومٍ": خرج به ما يتلفه المسلم لحربي غير مستأمن ومعاهد. وقوله: "غير ابنه": أي إذا أتلف الأب مالاً لابنه لا يضمنه، ولا يسوغ له طلبه به، بل وكل دين له عليه، إلا النفقة الواجبة، خصوصًا إن تملّكه بشرطِهِ قبل إتلافه. والله أعلم. (2) قوله: "قال في الإقناع" الخ: ليس هذا استدلالاً لعبارة المصنف، ولا ¬

_ (¬1) ش ع: هكذا في الأصل، وفي ض: "شرح ع" ولم يتبين لنا المراد به. (¬2) في الأصل "محرّمًا" وفي ض: "محترمًا" وهو الصواب كما في نيل المآرب.

فصل في ضمان ما تتلفه البهائم

زائدًا عنها، بل هو معلوم من عبارة المؤلف من باب أولى. نعم، هو تصريح [1/ 448] بمفهوم العبارة المصدّرة بالاستدراك. فتأمل اهـ. مسألة: ومن بيده غصوب أو رهون أو أمانات لا يعرف أربابها، فسلمها إلى حاكم، برئ من عهدتها. قلت: هذا إذا كان الحاكم أهلاً، وإلاّ فحكام زماننا، بل وقبله بأزمان كثيرة، لا يدفع لهم شيء من ذلك ونحوه. فإنهم يأخذون القضاء بالرشوة، ولا يحكمون إلاّ بها، فهم من أفسق الناس وأظلمهم. عافانا الله تعالى منهم ومن أفعالهم. وعلى كل حال فلمن بيده ما تقدم أن يتصدق به عن أربابه بدون إذن حاكم، ولو أهلًا، بشرط ضمانه، ويسقط عنه إثم الغصب، وكذا له أن يشتري به سلاحًا ونحوه يوقفه في مصالح المسلمين، فقد سئل الإمام عمن بيده أرض أو كرم ليس طيبًا، ولا يعرف ربه، قال: يوقفه على المسلمين. وسأله المَرُّوذيُّ عمن مات وكان يدخل في أمور تكره، فيريد بعض ولده التنزه، فقال: إذا وقفها على المساكين فأيُّ شيء بقي عليه"؟! اهـ. وليس له التوسع بشيء منها ولو فقيرًا. وإن أراد أن يتملكها ويتصدق بقيمتها عن مالكها فنقل صالح عن أبيه الجواز. واختاره ابن عقيل اهـ. فصل في ضمان ما تتلفه البهائم (1) قوله: "ولا يضمن الخ" أي يشترط لعدم الضمان أن تكون البهيمة غير ضارية وغير جارح، وأن يكون الإتلاف في النهار، وأن لا تكون يده عليها، وأن لا يكون بتفريطه. فإن كانت ضاريةً أو جارحًا أو أتلفت شيئًا ليلًا، وكان بتفريطه، أو نهارًا وكانت يده عليها، ضمن. والغاصب يضمن ما أتلفته البهيمة المغصوبة مطلقًا ويأتي. (2) قوله: "إن انفرد بتدبيرها" قيد في المعطوف والمعطوف عليه، أي ضمن الأول إن انفرد بتدبيرها، أو ضمن من خلْفَه إن انفرد بتدبيرها، كما يفهم من قوله: وإن اشتركا الخ.

باب الشفعة

[1/ 450] (3) قوله: "ويشارك راكب الخ" هذا المذهب، وقيل: على القائد فقط، لأنه لا حكم للراكب معه. وهذا متجه من حيث التعليل، فإن الراكب غير متصرف فيها، أشبه أحد الراكبين، فإنه إذا انفرد أحدهما بالتصرف فالضمان عليه. وهنا القائد انفرد بالتصرف، فمقتضاه أن الضمان عليه فقط. نعم إن كان الراكب بيده لجام، والقائد بيده مقود، فالضمان عليهما، لأنهما شريكان في التصرف. ولعل هذا مرادهم. ويؤيده قول بعضهم في المسألة المتقدمة: إن الضمان على الراكب دون القائد. قال: لأنه أقوى تصرفًا اهـ. وإذا لم يكن بيده نحو لجام فمن أين يكون له تصرف فضلاً عن أن يكون أقوى تصرفًا؟ فليحرر. (4) قوله: "دافعًا عن [44أ] نفسه أو ماله": يؤخذ منه أنه لو قتل صائلاً على نفس غيره أو مال غيره أنه يضمن. وفي الإقناع: ولو دفعه عن غير نسائه وولده بالقتل ضمن. اهـ. وفي فتاوى العلامة ابن رجب، عن ابن عقيل وابن الزاغوني: لا ضمان على الدافع عن غيره مطلقًا. وفي القواعد عن القاضي: الضمان مطلقًا، كمفهوم كلام المصنف، فصاحب الإقناع توسط بين القولين. وقولى: "أو ماله" ظاهر كلام الإقناع والمنتهى أنه إن قتله دفعًا عن ماله أنه يضمن، على أنه سيأتي أنه لا يجب عليه أن يدفع عن ماله. لكن ذكروا أنه لو قتل من دخل داره متلصِّصَا، ولم يمكن دفعه بدون القتل، لا يضمن. فليحرر. (5) قوله: "رديئة" أي موضوعة. باب الشفعة ذكرت الشفعة عقب الغصب لأنها تؤخذ قهرًا، فكأنها مستثناة من تحريم أخذ مال الغير قهرًا. (1) قوله: "لا شفعة لكافر على مسلم" قال المصنف في الغاية: ويتجه ثبوتها للمجوسيّ على كتابيّ، والكفر ملّة اهـ. وعدم شفعة الكافر على المسلم من المفردات. وهو المذهب. وعليه أكثر الأصحاب. وقيل تثبت، ذكره ناظم المفردات. وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي.

(2) قوله: "أو عوضا في كتابة" قال في شرح المنتهى لمؤلفه: ومثل ذلك لو [1/ 452] أخذ الشِّقص على وجه الجعالة. قال: وكلام الحارثي يقتضي وجوب الشفعة في المسائل الأربع. وذكر كلامه فيها، ثم قال: وهو مردود بما تقدم، أي من أن الخبر وارد في البيع وليس غيره في معناه، وذكر كلامًا طويلًا فراجعه إن شئت اهـ. ولفظ طلب الشفعة: أنا طالبٌ، أو مطالب، أو اَخذٌ بالشفعة، أو قائمٌ عليها، ونحوه مما يفيد محاولة الأخذ. ويملك الشَّقص به، فيصحّ تصرفه فيه، ويورث عنه، ولا يشترط رؤيته لأخذه. قال في التنقيح: ولا يعتبر رؤيته قبل تملّكه اهـ. مسألة: عدم ثبوت الشفعة فيما لا ينقسم إجبارًا هو الصحيح من المذهب. وفي رواية: تثبت فيه أيضًا، اختارها ابن عقيل وأبو محمد الجوزي والشيخ تقي الدين. قلت: وهؤلاء شيوخ المذهب. فما ذهبوا إليه أولى وأصوب. وما عللوا به على المذهب غير واضح الدليل، فالتزم قول المشايخ تفز بالحظ الجزيل. والله سبحانه وتعالى أعلم. وكذا روي عن الإمام أحمد إثبات الشفعة في البناء والغراس ولو بيع منفردًا. وعنه: في كل مالٍ حاشا منقولاً ينقسم. ذكر ذلك في الإنصاف. وجزم الشيخ تقي الدين بثبوت الشفعة للجار مع الشركة في الطريق. واختاره في الفائق. قال الحارثي: ولهذا الصحيح الذي يتعيّن المصير إليه. ثم ذكر أدلته، وقال: وفي هذا المذهب جمع بين الأخبار، فيكون أولى بالصواب اهـ. (3) قوله: "ساعة يعلم" هذا المذهب. وعنه: يختص بالمجلس، اختاره الخِرَقيُّ وابن حامد والقاضي وأصحابه. وعنه: على التراخي كخيار عيب اهـ فتوحي. (4) قوله: "ومثله لا يجهله الخ" أي وإن كان مثله يجهله فهو على شفعته. وبهذا يقيّد إطلاق المصنف. وانظر ما المراد بمن مثله يجهل، أو لا يجهل، وحرر وتدبّر. لعل المراد بمن مثله يجهل كمن نشأ في برّيّة، أو لا يخالط أهل العلم والمعرفة، مثل الرّعاة والحرّاثين ونحوهم. ومع ذلك فالظاهر أنه يحلف أنه لا يعلم أن التأخير مسقط لها، لاحتمال أنه سمع ذلك من بعض الناس. (5) قوله: "على قدر أملاكهم" ولو كان المشتري شريكًا فالشفعة بينه وبين

[1/ 454] الشفيع على قدر حقّهما، فإن ترك المشتري شفعته ليوجب الكل على شريكه لم يلزمه الأخذ ولم يصحّ إسقاطه (¬1)، لملكه له بالشراء. اهـ. إقناع. (6) قوله: "لأن شرط الأخذ سبق الملك الخ" أي وإن ادّعى [44ب] كل منهما سبق الآخر، فتحالفا، أو تعارضت بينتاهما، فلا شفعة لهما. (7) قوله: "باطل" ظاهر كلامهم: ولو قبل دفع الثمن. وانظر لو عجز الشفيع عن أداء الثمن، وسقطت شفعته، هل يحكم بصحة التصرف الواقع قبله وبعد الطلب، أو لا؟ الظاهر أنه لا، فتدبر. (8) قوله: "أو بما لا تجب به شفعة ابتداءًا" أي وأما لو باعه المشتري قبل طلب الشفيع فله أخذه بثمن أي البيعين شاء. (9) قوله: "ولا حيلة الخ" أي ولا يحل الاحتيال لاسقاط الشفعة، ولا تسقط به. وللحيلة صور كثيرة. منها: أن تكون قيمة الشقص مائةً، وللمشتري عرض قيمته مائة، فيبيعه العرض بمائتين، ثم يشتري الشقص منه بمائتين فيتقاصّان، فماذا سمع الشفيع أن الثمن مائتان، وهو لا يساوي إلاّ مائة، ترك الأخذ بالشفعة. ومنها: إظهار كون الثمن مائة، ويكون المدفوع عشرين فقط. ومنها: أن يكون كذلك، ويبرئه من ثمانين. ومنها: أن يهبه الشقص، ويهبه الموهوب له الثمن. ومنها: أن يبيعه الشقص بصبرة دراهم معلومة بالمشاهدة مجهولة المقدار، أو بجوهرةٍ ونحوها. ففي هذه الصُّوَر ونحوها لا تسقط الشفعة بذلك، فيدفع في الأولى قيمة العرض مائة، وفي الثانية والثالثة عشرين، وفي الرابعة مثل الثمن الموهوب له، وفي الخامسة مثل الثمن المجهول، أو قيمته إن كان باقيًا. فإن تعذرت معرفته بتلفٍ أو موت دفع إليه قيمة الشقص المبيع. وإن اختلف ¬

_ (¬1) في النسختين: "ولم إسقاطه" وأتممناه من شرح الإقناع (4/ 149).

باب الوديعة

المشتري والشفيع هل وقع شيء من ذلك حيلةً أوْ لا، فإنه يقبل قول المشتري [1/ 456] بيمينه. وإن خالف أحدهما ما تواطآ عليه، فطالب صاحبه بما أظهره، لزمه في ظاهر الحكم. ولا يحل في الباطن أخذ خلاف ما تواطآ عليه اهـ إقناع. باب الوديعة (1) قوله: "فأتلفه" أي أحد المذكورين. ومقتضاه أنه إذا تلف المودَع بغير فعلهم، ولو بتفريطهم، لا ضمان من باب أولى. وقول الشارح "هذا في مسألة التلف" استدراك على عموم عبارة المصنف. على أن في إتلاف الصغير للوديعة خلافًا: قال في الإنصاف في مسألة الصبي: "وإن أتلفها لم يضمن. هذا المذهب، وعليه أكثر الأصحاب". وذكر كلامًا طويلاً إلى أن قال: "وقال القاضي يضمن. اختاره المصنف (¬1) والشارح". وذكر جماعة من الأصحاب، إلى أن قال "وصححه الناظم". وهذا المذهب على ما اصطلحناه. ثم قال: فائدة: المجنون كالصبيّ، وكذا السفيه عند المصنف والشارح وجماعة، إلى أن قال: قال الحارثي: وإلحاقه بالرشيد أقرب. قلت وهو الصواب اهـ. (2) قوله: "فأحرزها في دونه"، أي دون حرزها الأول في الحصانة. ولكن الظاهر أنه لا بد أن يكون حرز المثل. وهو أظهر. (3) قوله: "وإن ألقاها" الخ: فان لم يُلْقِها، بل أبقاها معه عند هجوم ناهِبٍ ونحوه فأخذت، هل يضمن أو لا؟ تردد فيه الشيخ عثمان النجدي، فليحرر. أقول: فإن كان الإلقاء يخفيها عن العدوّ بحيث تسلم، وأمكن ذلك ولم يفعل، فإنه يضمن، وإلا فلا. وهو كالصريح في كلامهم. فلا وجه لتردّد العلامة النجدي. والله سبحانه وتعالى أعلم. (4) قوله: "مطلقًا" أي سواء كان ينهاه المالك عن علفها أم لا. (5) قوله: "وهو من المفردات" أي قبول قوله في أنك أذنت لي في دفعها ¬

_ (¬1) "المصنف" في عبارة صاحب الإنصاف هو الموفق، صاحب "المقنع" الذي هو المتن المبنيّ عليه الإنصاف.

باب إحياء الموات

[1/ 459] لفلان وفعلتُ، من مفردات المذهب. ومذهب الثلاثة وعليه جماعة من الحنابلة: لا يقبل إلا ببتّنة. (6) قوله: "أما كون ورثة المودع" لم يذكر معادل أمّا، فلو قال: أما كونه لا يقبل قوله في الردّ بعد مطله بلا عذر فلأنه به يصير كالغاصب، وأما كون ورثة المودع الخ فلأنهم الخ لكان أصوب. باب إحياء الموات (1) قوله: "كالسفّارة" وهم المعتدّون للسفر، كأصحاب القوافل المعدة لنقل أموال التجار، والمنتجعين الذين يرحلون من مكان آخر، كالأعراب ونحوهم. فصل فيما يحصل به الإحياء (1) قوله: "أو سقي شجرًا الخ" قال الحَجّاوي في حواشيه على التنقيح: قوله: "سقى" كذا مكتوبٌ في نسخ التنقيح وكل من نقل عنه، وغيره، أي بالسين المهملة والقاف. وهو تصحيف وغلط من الكاتب. وصوابه بالشين المعجمة والفاء المشددة أي قطع منه الأغصان الكبيرة [45أ]، القديمة التي لا تصلح للتركيب، وهو التطعيم، ليستخلف أغصانًا جدول ة تصلح للتركيب. وهذا هو الواقع في جبال الأرض المقدسة وغيرها، كما شاهدناه نحن وغيرنا، فإنه ليس هناك ما يُسْقَى به الزيتون والخروب انتهى. باب الجعالة (1) قوله: "لا يشترط فيه العلم" أي فلو قال الإمام أو نائبه مثلاً: من فتح حصن كذا من بلاد الحرب، أو دل على طريقِهِ، ونحو ذلك، فله ثلث غنيمتها أو ربعها ونحو ذلك، صح. وأما إن كان الجعل على ذلك من بيت المال فلا بدّ أن يكون معلومًا.

باب اللقطة

(2) قوله: "مباحًا" فلا يصح على عملٍ محرمٍ، كغناء وزَمْرٍ ونحوهما، [1/ 465] كالإجارة. (3) قوله: "أو أذَّن بهذا المسجد شهرَا" مفهوم المتن أن هذا مثال للعمل المجهول، ومفهوم الشارح أنه مثال للمدة المجهولة، وكلاهما غير سديد. وإنما هذا من العمل المشترط أن يكون فاعله مسلمًا، يعني أن هذا مما تخالف الجعالة الإجارة. وكذا يصحّ في الجعالة [فيه] الجمع بين تقدير المدة والعمل، كمن خاط لي هذا الثوب في يوم كذا، بخلاف الإجارة. (4) قوله: "فلا شيء له" ظاهره ولو كان العامل معدًّا للإجارة. وهو كذلك. (5) قوله: "من مهلكة" أي كما لو انكسرت سفينة، فوقع المتاع في البحر، فلمن خلّصه من البحر أجرة مثله على رب المال. قال الشيخ في الخامس من الفتاوى المصرية: وإن وجد فرسًا لرجل من المسلمين، مع أناس من العرب - أي البدو - فأخذ الفرس منهم، ثم إن الفرس مرض بحيث لم يقدر على المشي جاز للآخذ بيعه، بل يجب في هذه الحالة أن يبيعه لصاحبه، وإن لم يكن وكّله في البيع. وقد نصّ الأئمة على هذه المسألة ونظائرها. ويحفظ الثمن. انتهى. نقله في الإقناع. وهل يجوز له أن يؤجره لمؤنته؟ الظاهر: نعم. فتأمل. باب اللقطة (1) قوله:"فلقطة" أي فالمتروك لقطة يجب على من هو بيده تعريفه حَوْلاً، ثم يأخذ حقه منه. وظاهره أنه سواء كانت قرينة تدل على السرقة أم لا. وقيل: لا يعرّفه مع قرينة بأن يكون متاعه المأخوذ خيرًا من المتروك، وكان مما لا يشتبه على الآخذ بمتاعه، لأن التعريف إنما جعل للضائع عن ربه ليعلم به وياخذه، وتارك هذا عالم به، راض ببدله، ولا يعترف أنه له. فلا يحصل في التعريف فائدة. قال في الإنصاف: قلت: وهو عين الصواب. قال الحارثي: وهذا أحسن. (2) قوله: "وبه قال الخط" وقال مالك: هي لمالكها، ويغرم ما أنفق عليها. وقال الشافعي: هي لمالكها، والآخر متبرع بالنفقة لا يرجع بشيء.

[1/ 468] (3) قوله: "إلا أن يكون الخ" وإن اختلفا فقال ربها: تركتها لأرجع إليها وضلّت عني، وقال آخذها بل تركتَها تركَ إياسىٍ، فالظاهر أن القول قول المالك، لأنه أعلم بنيّته. ولم أو من صرح به، لكن مع عدم قرينة، وإلا بأن دلت قرينة قوية على تركها ترك إياس فلا يقبل قوله بعدم ذلك. هذا ما ظهر فتأمل. (4) قوله: "وكذا ما يلقى في البحر الخ" وفي الإقناع أن هذا لا يملكه آخذه، وله أجرة مثله كما لو انكسرت السفينة اهـ. (5) قوله: "والحمر الأهلية" وخالف فيها الموفق، فقال: يجوز التقاطها، لأنها لا تمتنع من صغار السباع. وهذا هو المشاهد من حالها، خصوصًا وقد عدُّوا الذئب من صغار السباع، فإن الحمر لا تمتنع مما دونه كابن آوى ونحوه، بل المشهور عنها إذا جاءها السبع، ولو ابن آوى، تقف له ولا تقدر أن تضرب أو تهرب، بل ربما تتقدم إليه. وهذا من فرط حمقها وبلادتها، فإنها يضرب بها المثل في ذلك. فالذي يجب أن يتبع في هذا الشيخ موفق الدين. (6) قوله: "عن ربه" الخ. وقال بعضهم: "ومن كتمها عن الإمام الخ" قال ح ف: ولا تنافي، ويكون المعنى: ومن كتمها عن ربها مع وجوده، أو عن الإمام عند عدم وجود ربها اهـ. (7) قوله: "والعجلان" (¬1) أي وكذا الجحاش وهي أولاد الحمير الصغار. (8) قوله: "ولو وجدها بمضيعة" قال في شرح المنتهى لمؤلفه: وقيل الأفضل أخذها بمضيعة. وخرّج وجوبه إذن اهـ. (9) قوله: المأكول لا أي وأما الحيوان غير المأكول، كالجحش، أو الحمار على القول بجواز التقاطه، فهو من النوع الثاني يلزمه خير أمرين: حفظه وينفق عليه، أو بيعه وحفظ ثمنه. (10) قوله: "كالبطيخ الخ" أي ومثله حيوان غير مأكول، كاولاد الحمير ¬

_ (¬1) قوله: "العجلان" ليس هذا اللفظ في نسختيّ من نيل المآرب، بل فيهما: "العجاجيل"، فلعل هذا في نسخة المحشّي. أو هو سهو منه، وهو الأقرب، فلم يذكر "عجلان" في القاموس ولا اللسان في جمعِ عجْل.

[45ب] الصغار ونحوها. [1/ 471] (11) قوله: "فأبيح له بيعه" أي فيكون كماله. (12) قوله: "قال في المغني الخ" وتمام عبارة المغني بعد أن ذكر أن هذا أيضًا مذهب مالك وأصحاب الرأي وغيرهم كما في شرح المنتهى لمؤلفه: "ولنا على جواز أكله قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في ضالة الغنم: "خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب" وهذا تجويز للأكل. فإذا جاز فيما هو محفوظ بنفسه، ففيما يفسد ببقائه أولى". (13) قوله: "من حيوان وغيره" قال المنقّح (¬1): ولم يذكر الأكثر للحيوان تعريفًا اهـ. ومثله عبارة صاحب الفروع. فليحرر. (14) قوله: "ثم عادة" قال في شرح المنتهى لمؤلفه: وقيل يعرِّفها في كل يومٍ، شهرًا، ثم مرةً في كل شهر. وقيل يعرّفها في كل يومٍ، أسبوعًا، ثم في كل أسبوع مرةً شهرًا، ثم في كل شهر مرة اهـ قلت: وجزم بهذا الأخير في الإقناع. (15) قوله: "ولا يصفها" قال الفتوحي: ومقتضى قولهم: لا يصفها، أنه لو وصفها فأخذها غير مالكها بالوصف ضمنها الملتقط لمالكها، كما لو دل المودَعُ لصًّا على مكان الوديعة فسرقها اهـ. (16) قوله: "حتى يملكها بدونه" أي التعريف، يعني أنه لا بد من تعريفها حولاً بعد الأمن، فإن لم تُعْرَف ملكها كما ذكره الزاغوني بحثًا. (17) قوله: "دخلت في ملكه الخ" قال في المنتهى والإقناع: ولو عروضًا. وقال في التنقيح: وتُمْلَكُ عروض كأثمانٍ. وعنه: لا، اختاره الأكثر. وذكر في الإنصاف في لك خلافًا بين أكابر علماء المذهب، فراجعه إن شئت اهـ. (18) قوله: "ولقطة الحرم كلقطة الحل" أي حكمهما واحد. وقيل: لا تُمْلَك لقطة الحرم بالتعريف مطلقًا. ولا يجوز التقاطها إلا بنيّةِ الحفظ. فائدة: ومن ادعى مالاً بيد لصٍّ أو ناهب أو قاطع طريق قُدِرَ عليه، ووصَفَهُ، ¬

_ (¬1) هكذا في الأصل. وفي ض "المقنع" وهو تصحيف.

[1/ 473] فهو له بمجرد الوصف. ولا يكلَّف بينة تشهد بملكه إياه، لأنه بيد من لا يدعيه أنه ملكه. قال ابن رجب في القاعدة الثامنة والتسعين: من ادعى شيئاً، ووصفه، دُفع إليه إذا جُهِلَ ربه، ولم يثبت عليه يد من جهة مالكه. وإلا فلا. ويتخرّج من ذلك مسائل، ثم قال: ومنها الأموال المغصوبة والمنهوبة والمسروقة، كالموجودة مع اللصوص وقطاع الطريق ونحوهم، يكتفي فيها بالصفة. انتهى. (19) قوله: "والأنشوطة" الخ أي وهي التي تسميها العامة شنطة. (20) قوله: "ومتى وصفها الخ " قال في المنتهى: وإن وصفها ثانٍ قبل دفعها أُقْرِعَ، ودفعت إلى قارعٍ بيمينه، وبعده لا شيء للثاني. وان أقام آخر بينة أنها له أخذها من واصف، فإن تلفت لم يضمن ملتقط اهـ. (21) قوله: "لزم دفعها" الخ ظاهره أنه سواء ظن صدقه أو لا، وأنه أقام على ذلك بينة أو لا، وهو كنالك على الصحيح من المذهب، كما في الإنصاف. وقيل لا يدفعها إليه إذا وصفها إلا إذا ظن صدقه. وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يجبر على ذلك إلا ببينة. ويجوز دفعها إذا غلب على ظنه صدقه. قلت: ومحل ذلك في غير ماشية، فإنه لا يأخذها واصفها إلا ببينة تشهد له بالملك، لأنها تكون ظاهرةً للناس، وهكذا كانت وهي في يد مالكها، فلا يختص بمعرفة صفاتها دون غيره، ولأنه يمكن إقامة البينة عليها لظهورها للناس. وكذا كل ما كان في معنى ذلك. وهذا ما ظهر لي. والله سبحانه وتعالى أعلم. (22) قوله: "وإن أدركها ربها بعد الحول مبيعة" الخ أي وينفسخ البيع إن أدركها زمن خيار وتردُّ له. وكذا إن كانت مرهونة فإنها تنزع من المرتهن وتدفع لمالكها كما في المنتهى وغيره. وقال في الإنصاف: قلت: يتوجه عدم الانتزاع لتعلق حق المرتهن اهـ. وهو الأشبه باصول المذهب. فليحرر. (23) قوله: "فلقطة الخ" أي وأما إن وجد إنسان درّةً غير مثقوبة في سمكة فهي لصياد، لأن الظاهر ابتلاعها من معدنها، حتى ولو باعها الصياد. نص عليه. لأنه لو يعلم ما في بطنها لم يبعه ولم يرض بزوال ملكه عنه، فلم يدخل في البيع. وإن كانت الدرة فيها أثر ملكٍ لآدمي بأن كانت مثقوبة أو متصلة بذهب أو فضة أو

باب اللقيط

غيرهما، فلقطة، لا يملكها الصياد، كما لو وجد دراهم أو دنانير. [1/ 467] باب اللقيط (1) قوله: "إلى سن التمييز" أي [46أ] فقط على المذهب. قال في المنتهى: وعند الأكثر: إلى البلوغ. وذكر نحوه في التنقيح. قال في الفائق: وهو المشهور. قال الزركشي: هذا المذهب. قال في التلخيص: المختار عند أصحابنا أن المميز يكون لقيطًا، لأنهم قالوا: إذا التقط رجل وامرأة معًا من له أكثر من سبع سنين، أقرع ولم يخير، بخلاف الأبوين اهـ. (2) قوله: "كتاجرٍ وأسير الخ" مفهومه أنه لو كان فيه مسلم مقيم يحكم بإسلام اللقيط. وصرّح به في الرعاية، فقال: وإن كان فيها مسلم. ساكن فاللقيط مسلم. انتهى. (3) قوله: "ولا يرجع إذَنْ منفق الخ" قال في التنقيح: وقيل يرجع عليه بنية الرجوع. وقدمه في الفروع اهـ. قلت: وإليه ميل الموفق في المغنى. (4) قوله: "فلا يقرّ في يد سفيه الخ " قال في الإنصاف: وظاهر كلام المصنف، يعني الموفق، هنا، وصاحب المحرر وغيرهما، أنه يقرّ بيده، لأنه أهل للأمانة والتربية. قال الحارثي: وهذا أصح، وهو ظاهر ما قدّمه في الفروع. قلت: وهو الصواب. انتهى. أقول: والذي ينبغي أن يقال: إن كان الواجد هو الذي يحفظ مال اللقيط وينفق عليه منه، أو من مال نفسه، وقلنا: له الرجوع عليه، اشتُرِط الرشد، لأن السفيه لا يلي مال نفسه، فلا يلي مال غيره، وكوليّ اليتيم، وإن كان لا يلي ذلك، بل يربّيه ويعلّمه ويؤدّبه ونحو ذلك فلا يشترط الرشد. وجزم في المنتهى والإقناع بما في المتن. فصل في ميراث اللقيط (1) قوله: "لبيت المال" هذا المذهب، وحكى ابن أبي موسى في الإرشاد

[1/ 476] عن بعض شيوخه روايةً عن أحمد: أن الملتقط يرثه. واختاره الشيخ تقي الدين ونصره، وصاحب الفائق. قال الحارثي: وهو الحق. (2) قوله: "ويخيّر الإمام الخ" وقال في الإنصاف: وذكر في التلخيص وجهًا أنه لا يجب له حق الاقتصاص، وأن أبا الخطاب خرّجه. قال: ووجهه أنه ليس له وارث معيّن، فالمستحق جميع المسلمين، وفيهم صبيان ومجانين فكيف يستوفى؟ قال: وهذا يجري في قتل كل من لا وارث له. انتهى. (3) قوله: "وإن ادّعاه" أي أقرّ به، ولذلك قال الشارح بعد قول المصنف: الحِقَ به: أي بالمقر. وبقية كلام الشارح يدل على ذلك فتأمله. وقوله: "معًا" مفهومه أنه إذا ادعياه واحدًا بعد واحد يلحق بالأول، ما لم تلحقه القافة بالثاني. وهو كذلك. (4) قوله: أو أقام الخ أي ما لم يكن أحدهما خارجًا، بأن كان اللقيط ليس بيده، بل بيد الباقي، فتقدم بيّنتُهُ ويعمل بها. (5) قوله: "رهط مجزِّز" أي المُدْلِجِيّ، الذي رأى أسامة وأباه زيدًا قد غطيّا رؤسهما وبدت أقدامهما، فقال: هذه الأقدام بعضها من بعض. فسرّ بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - ودخل على عائشة تبرق أسارير وجهه وقال لها ذلك (¬1). وكان إياس بن معاوية المزني قائفًا، وكذلك قيل في شريح. (6) قوله: "هذا قول أَنس وعطاءٍ" الخ وقال أصحاب الرأي: لا حكم للقافة، ويلحق بالمدّعيين جميعًا، لأن القيافة مجرّد ظن وتخمين اهـ. فائدة: وإن ولدت امرأةٌ ذكرا، وأخرى أنثى، وادعت كل واحدةٍ منهما أن الذكر ولدها دون الأنثى، فقال في المغني: يحتمل وجهين: أحدهما: أن يُرَى المرأتان القافة مع الولدين، فيلحق كل منهما بمن ألحقته القافة بها، كما لو يكن لهما ولد آخر. والثاني: أن يعرض لبنهما على أهل الطب والمعرفة، فإن لبن الذكر يخالف لبن الأنثى في طبعه وزنته. وقد قيل: لبن الابن ثقيل، ولبن البنت خفيف، ¬

_ (¬1) أورد المحشي الحديث بالمعنى. أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث عائشة.

فيعتبران بطباعهما ووزنهما وما يختلفان به عند أهل المعرفة، فمن كان لبنها لبن [1/ 479] الابن فهو ولدها والبنت للأخرى، فإن لم يوجد قافة اعتبر باللبن خاصة (¬1). (7) قوله: "ومتى حكم الحاكم الخ" يعني أنه إذا ألحقته القافة بواحدٍ، ثم جاءت قافة أخرى ألحقته بآخر، فهو للأول، لأن القائف كالحاكم، ومتى حكم الحاكم حكمًا لم ينقض بمخالفة غيره له. وقوله: "وكذلك لو ألحقته بواحِدٍ الخ" أي لأن الأول حكم باجتهاد فلا ينقض باجتهاد غيره، كما وقع لسيدنا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الإخوة لأم مع الأشقاء، فقال:" ذلك على ما قضينا وهذا على ما نقضي" (¬2) والله أعلم. (8) قوله: "وعلم من اشتراط عدالته الخ" قال في شرح المنتهى لمؤلِّفِهِ: والعجب من خفاء مثل هذا على صاحب المستوعب، فإنه قال: [46ب] أجد أحدًا من أصحابنا اشترط إسلام القائف. وعندي أنه يشترط. انتهى. مع تصريحهم باشتراط عدالته، وهي تستلزم الإسلام. وكذا قولهم فيه: "كحاكم" يستلزم ذلك. وكذا على القول بأنه كشاهدٍ، فإن الكافر لا يصح حكمه ولا شهادته. (9) قوله: "حرًّا" جزم به في المنتهى تبعًا للقاضي وصاحب. المستوعب والموفق والشارح، وذكره في الترغيب عن الأصحاب. قال في القواعد الأصولية (¬3): الأكثرون على أنه كحاكم، فتشترط حريته. وقدمه في الرعاية الكبرى والحاوي الصغير (¬4). وقال في الإقناع: ولا تشترط حريته، معتمدًا في ذلك على ¬

_ (¬1) الآن يمكن اعتبارهما بفحوص طبيّه متقدمة، لفحص الخلايا والموّرثات، ولا يكاد الماهر فيها يخطئ. (¬2) أخرجه عبد الرزاق والبيهقي (كنز العمال 11/ 26). (¬3) يعني كتاب القواعد والفوائد الأصولية (ص 301) وهو لابن اللحام البعلي (- 803 هـ) وكتابه مطبوع. واسمه عليّ بن محمد بن علي بن فتيان البعلي الدمشقي. وله "مختصر الأصول". (¬4) كتاب "الحاوي الصغير" من تأليف عبد الرحمن البصري الضرير (- 684هـ).

[1/ 480] قول صاحب الإنصاف: فيه أن عدم اشتراط الحرية هو المذهب. لكن قال صاحب المنتهى في شرحه عليه: وأما قوله في الإنصاف الخ فقد رجع عنه، بدليل أنه قال في الإنصاف بعد ذكر القولين: فعلى الأول، وهو عدم اشتراط الحرية، يكون بمنزلة الشاهد، وعلى الثاني، وهو اشتراطها، يكون بمنزلة الحاكم. ثم لما ألّف التنقيح جزم بان القائف كحاكم. فإذن تشترط حريته. والله أعلم. (10) قوله: "قال القاضي في كيفيّة التجربة الخ" قال في شرح المنتهى لمؤلفه: ولو اعتبر بأن يُرَى صبيًّا معروفَ النسب، مع قومٍ فيهم أبوه أو أخوه، فإذا ألحقه بقريبه علمت إصابته، وان ألحقه بغيره سقط قوله، جاز اهـ. فائدة: وإن وطئ اثنان امرأة بشبهة، أو أمتهما المشتركة، في طهر، أو وطئ أجنبي زوجة لآخر، وأتت بولد يمكن كونه منهما، أي الواطئين أو الواطىء بشبهة والزوج: فكاللقيط، يُرَى القافة. قال في المحرر: سواء ادَّعيَاه أو جحداه أو أحدهما، وقد ثبت الافتراش. ذكره القاضي وغيره. ***

حَاشِيةُ اللبَّدِي على نَيْل المَآرِبِ في الفِقهِ الحَنْبَليِّ للِشَّيْخِ عَبْدِ الغَني بْن يَاسِيْن اللبَدِي النَّابُلسِي (1262 - 1319 هـ) تحقيق وتعليق الدكتور محمد سليمان الأشقر الجزء الثاني

كتاب الوقف

كتاب الوقف [2/ 9] (1) قوله: "ثم الوقف شرعًا تحبيس مالك إلخ": قال الفتوحي في شرح منتهاه: هذا الحدّ ذكره صاحب المطلع، وتَبِعَهُ (¬1) عليه في "التنقيح"، وتبعتُه عليه في المتن. والذي يظهر أن قوله: "تقربًا إلى الله تعالى" إنما يحتاج لذكره في حد الوقف الذي يترتب عليه الثواب، لا غير ذلك، فإن الإنسان قد يقف ملكه على غيره توددًا لا لأجل القربة ويكون لازمًا، ومن الناس من يقف عقاره على ولده خشيةً على بيعه له بعد موته وإتلاف ثمنه واحتياجه إلى غيره، من غير أن تخطر القربة بباله، وربما يترقى الحال إلى ترتب الإثم به، فإن من الناس من يستدين حتى يستغرق ماله وهو ممن يصح وقفه، فيخشى أن يُحْجَرَ عليه، وأن يباع ماله في الديون، فيقفه ليفوّته على رب الدين، ويكون وقفًا لازمًا، لكونه قبل الحجر عليه مطلق التصرف في ماله. هذا مع أن بعض الناس ربما يقف على ما لا يقع عليه (¬2) غالبًا إلا قربة، كالمساكين والمساجد، قاصدًا بذلك الرياء ونحوه، فإنه يلزم ولا يثاب عليه، لأنه لم يبتغ به وجه الله تعالى. والله تعالى أعلم. انتهى. أقول: مرادهم، والله أعلم، أنه لا بد أن يكون صرف ريعه في قربة وطاعة. ويأتي أن هذا من شروط صحته، احترازًا عن الوقف على الكنائس ونحوها، فإن صرف ريعه في ذلك معصية، لا أن (¬3) نية القربة شرط، حتى يرد على الحد ما ذكر. فليتأمل. (2) قوله: "في أصح الروايتين" قال الموفق والشارح وصاحب الفائق وغيرهم: هذا ظاهر المذهب. قال الحارثي: مذهب أبي عبد الله انعقاد الوقف به، وعليه الأصحاب. انتهى. قال في الإنصاف: وجزم به في "الجامع ¬

_ (¬1) هكذا في الأصل: "وتَبِعَه"، وفي ض "وتبعتُه". (¬2) كلمة "عليمه" ثابتة في الأصل وض، والصواب حذفها. (¬3) ض: "لأن".

فصل في شروط صحة الوقف

[2/ 10] الصغير" (¬1) و"رؤوس المسائل" للقاضي (¬2) و"رؤوس المسائل" لأبي الخطاب، و "الكافي" و "العمدة" و"الوجيز" وغيرهم. (3) قوله: "كلفظ المطلق في الطلاق": الكاف للتنظير، أي يصح الوقف بلفظه الصريح فيه ولو لم ينوه، كالمطلق إذا أتى بصريح الطلاق. ويصح الوقف بلفظ "الوقف" وما تصرف منه، كهذه الدار وقف، أو وقَفْتُها، أو موقوفة. وكذا لفظ حبيس وسبيل، ومحبس ومسبل. لكن لم أجد أحدًا نص على ذلك، فليحرر. (4) قوله: "واعترف أنه نوى إلخ": أي إلا إذا قال: تصدقت بداري على زيد، وقال أردت الوقف، وأنكر زيد، وقال إنما هي صدقة، فلي التصرف في رقبتها بما أريد، فله ذلك، ولم تصر وقفًا. قال في الإنصاف: فيعايا بها اهـ. أي يقال: شخص قال: تصدقت بداري على زيد، وقال: نويت الوقف، ولم يقبل منه. وجوابه أن المتصدَّق عليه أنكر ذلك. (5) قوله: "أو قَرَنَ الكناية إلخ": أي ومن ذلك لو قال: تصدقت بداري، أو أرضي، على زيد، والنظر لي أيام حياتي، أو: ثم من بعد زيد على عمرو، أو على ولده، أو مسجد كذا ونحو ذلك، لأن هذا ما لا يستعمل في غير الوقف. فصل في شروط صحة الوقف (1) قوله: "ولا من مجنون": لا حاجة لذكره لدخوله في المحجور عليه. (2) قوله: "يصح بيعها" أي سوى [47أ] المصحف، فإنه يصح وقفه ولو قلنا إنه لا يصح بيعه، كما في "شرح المنتهى" لمؤلفه، عن الوسيلة (¬3). فإنه قال: يصح ¬

_ (¬1) الجامع الصغير في الفقه للقاضي أبي يعلى، منه نسخة بمكتبة الموسوعة الفقهية الكويتية، مكتوبة بعد وفاة المؤلف بسنوات معدودة. (¬2) عبارة "ورؤوس المسائل" إلخ، ساقطة من ض، وكأن صاحبها ظن التكرار، ولا تكرار. (¬3) لا يعرف في المذهب كتاب بهذا الاسم إلا "وسيلة الراغب لعمدة الطالب" لصالح البَهُوتي وهو نظمٌ للعمدة. لكن لا يصح أن يكون هو المراد هنا لأنه متأخر عن منصور. فلعل هناك وسيلة أخرى، أو أن عبارة المحشي على غير ظاهرها.

وقف المصحف رواية واحدة اهـ. [2/ 12] (3) قوله: "لم يصح وقفه": وقيل يصح، فيكسر ويصرف في مصالحه. اختاره الموفق. قال في "الإنصاف": قلت وهو الصواب اهـ. قلت: ومحل عدم صحة وقف الأثمان ما لم تكن تبعًا، فيصح وقف فرس في سبيل الله بلجام وسرج مفضضين، وتباع الفضة ويشترى بها لجام وسرج، ولا تجعل في نفقة الفرس. نص عليه. (4) قوله: "على جهة بر": ظاهره ولو كان الواقف ذمّيًّا، وهو كذلك، فإذا وقف ذمي أرضًا على كنيسة، ثم أسلم هو أو ولده، فإنها تنزع وتسلّم للواقف أو ولده، لأن الوقف غير صحيح. (5) قوله: "على ذمي معين": أي ولو أجنبيًا من الواقف، على الصحيح من المذهب، ويؤخذ من قوله: ذمّيّ: أنه لا يصح على حربي ولا مرتد. وهو كذلك. (6) قوله: "وعنه: يصح إلخ": قال في "الإنصاف" عن الأول: وهو المذهب، وعليه الأصحاب. وهو ظاهر كلام الخرقي. قال في "الفصول": هذه الرواية أصح. قال الشارح: هذا أقيس. وذكر أنه الأصح عن أكثر الأصحاب. وقال عن الرواية الثانية: وهذه الرواية عليها العمل في زماننا، وقبله عند حكامنا من أزمنة متطاولة. وهو الصواب. وفيه مصلحة عظيمة، وترغيب في فعل الخير، وهو من محاسن المذهب (¬1). انتهى. (7) قوله: "ولو مكاتبًا": أي لأنه وإن كان يملك فإن ملكه غير ثابت. وقيل: يصح عليه، اختاره الحارثي. وقطع بالأول جماعة، وقال في "الإنصاف": إنه الصحيح من المذهب، وعليه أكثر الأصحاب اهـ. (8) قوله: "ولا على الحمل استقلالاً": إلخ: هذا الصحيح من المذهب. واختار الحارثي صحة الوقف على ما يملك من قن وأم ولد ومكاتب وحملٍ أصالةً، وبهيمة، وقال: إنه الأظهر عندي أهـ. ¬

_ (¬1) لكلنه يتخذ وسيلة لحرمان الورثة.

[2/ 13] وقول المصنف: "بل تبعًا": أي كقوله: وقفت كذا على أولادي أو أولاد زيد، وفيهم حمل، فإن الوقف يشمله. ويستحق بوضعٍ من ثمرٍ وزرع ما يستحقه مشتر. وكذا كل حمل من أهل وقف. ومثله من قدم إلى موقوف عليه فيه، أو خرج منه إلى مثله، إلا أن يشترط لكل زمن قدر معين، فيكون له بقسطه. قاله في المنتهى وغيره. وقال ابن عبد القويّ: ولقائل أن يقول: ليس كذلك، لأن واقف المدرسة ونحوها جعل ريع الوقف في السنة كالجعل على اشتغال من هو في المدرسة عامًا، فينبغي أن يستحق بقدر عمله في السنة من ريع الوقف في السنة، لئلا يفضي إلى أن يحضر الإنسان شهرًا مثلاً فيأخذ مُغَلَّ جميع الوقف، ويحضر غيره باقي السنة بعد ظهور الثمرة فلا يستحق شيئًا، وهذا يأباه مقتضى الوقوف ومقاصدها اهـ. قال الشيخ تقي الدين: يستحق بحصته من مُغَلّهِ. وقال: من جعله كالولد فقط فقد أخطأ اهـ. (9) قوله: "فلا يصح تعليقه إلخ": وقيل يصح. واختاره الشيخ تقي الدين وصاحب "الفائق" و "الحاوي" وقال: الصحة أظهر، ونصره اهـ. (10) قوله: "فيلزم الوقف من حين الوقفية" إلخ: فلا يصح التصرف فيه ببيع ونحوه، كما نص عليه الإمام أحمد في رواية الميموني (¬1). وفرّق بينه وبين المدبَّر. وقال الحارثي: الفرق عسر جدًا اهـ. ولذا قال بعضهم بعدم لزومه، فيصح التصرف فيه، كالمدبّر، وكالوصية. وعلى الأول، وهو المذهب: يكون نماؤه المنفصل تابعًا له. وعله الثاني: هل هو يتبعه كولد المدبرة، أو لا، كالموصى به؟ قال ابن رجب: يحتمل وجهين. انتهى. (11) قوله: "على أن أبيعه إلخ": أي فإذا شرط ذلك بطل الوقف والشرط على الصحيح من المذهب. وقيل يبطل الشرط دون الوقف. قال في "الإنصاف": ¬

_ (¬1) الميموني: هو عبد الملك بن عبد الحميد بن بهرام، الرّقّي (- 274هـ) من أصحاب الإمام أحمد، والناقلين عنه مباشرة. روى عنه مسائل كثيرة جدًّا، وانفرد عن سائر رواته بمسائل. كان جليل القدر. وقد كان ملازمًا للإمام. وكان الإمام يكرمه جدًّا.

فصل

وهو تخريج من البيع، وما هو ببعيد. اهـ. [2/ 14] (12) قوله: "صح الوقف إلخ": قال حفيد المنتهي: فيه نظر، لأنه لم يقف على معين، وتقدم أنه شرط. وقال في "الإقناع": وإن قال: وقفت كذا، وسكت، ولم يذكر مصرفه، فالأظهر بطلانه، لأن جهة الصرف مبطلة، فعدم ذكره أولى أهـ. فليحرر. وقوله: "على قدر إرثهم": أي ويكون وقفًا عليهم، وإن عدموا فللفقراء [47ب] والمساكين. ونصه: "في مصالح المسلمين"، فيكون لبيت المال. فصل (1) قوله: "ولا فيما على شخص معيَّن": علم منه أنه لو كان على غير معين لا يشترط القبول من باب أولى. (2) قوله: "أي يملك غلته": لا أدري ما الباعث له على ذلك، مع أن الصحيح أنه يملك عين الوقف، لا منفعتها فقط، ولذلك فرعّ المصنف عليه بقوله: "فينظر فيه هو". وأما إن قيل إن الملك لواقفه، وللموقوف عليه المنفعة فقط، فيكون النظر للواقف. وان قيل إنه ملك لله تعالى، فيكون النظر للحاكم، وامتناع التصرف في الرقبة لا يمنع وجود الملك، كأمّ الولد. وليذا الخلاف فوائد كثيرة ذكرها في "المنتهى" وشرحه، فراجعه إن شئت. (3) قوله: "إلى الجهة التي وقف عليها": أي فيجوز صرف ريع وقفٍ على مسجد لبناء منارته وإصلاحها، وبناء منبره ونحوه، لا في بناء مرحاض، وزخرفة مسجد، ولا في شراء مكانس ومجارف. وقال الحارثي: وإن وقف على مسجد أو مصالحه جاز صرفه في أنواع العمارة، وفي مكانس ومجارف ومَسَاحٍ وقناديل ووقود ورزق إمام ومؤذن وقيّم اهـ. من "الإقناع" وشرحه. والظاهر أنه إن لم يوجد ناظر للوقف يجوز لمن يتولى إمامة المسجد صرف الريع في ما ذكر، فليحرر. (4) قوله: "فافتقر" إلخ: وكذلك لو وقف على العلماء فصار عالمًا ونحوه.

فصل في العمل بنص الوقفية

[2/ 16] لكن مفهوم كلامهم أنه لو كان حال الوقف فقيرًا أو عالمًا لم يجز له أن يتناول منه، واستظهره حفيد المنتهي، وقال: لأنه حينئذ من باب الوقف على النفس اهـ. تأمل. (5) قوله: "لكن لو وطئ" إلخ: أي وأما أن وطئها الواقف وجب المهر للموقوف عليه، ووجب الحد، والولد رقيق، ما لم نقل ببقاء ملكه. قال م ص: قلت: الظاهر عدم وجوب الحد، لشبهة الخلاف في بقاء ملكه. وقوله: "لكن لو وطئ الأمة" إلخ: قال في الحاشية: "استدراكٌ على قوله: "ولا يصح عتق الرقيق الموقوف إلخ " وفيه نظر، والصواب أنه استدراك على قوله في أول الفصل: "ويملكه الموقوف عليه"، يعني أن الموقوف إذا كان أمة، ولو على شخصٍ معين، لا يجوز للموقوف عليه وطؤها مع أنه يملكها على المذهب، لأن ملكه لها ناقص، ولا يؤمن حبلها، إلى آخر ما عللوا به. لكن مقتضى تعليلهم بعدم أمن حبلها أنها إن كانت آيسة يجوز وطؤها. وإطلاقهم ينافيه. فليحرر. قوله: "فيه نظر" إلخ خطأ، لأن المراد من الاستدراك آخر العبارة، وهو قوله "فإن حملت صارت أم ولد تعتق بموته" فكلام المحشي سديد لا غبار عليه (¬1). (6) قوله: "وعليه قيمته": أي يوم وضعه حيًّا، وكذا لو وطئها غيره بشبهة. (7) قوله: "يشترى بها مثلها": قال "الحارثي: المثلية في البدل المشترى بمعنى وجوب الذكر في الذكر، والأنثى في الأنثى، والكبير في الكبير، وسائر الأوصاف، لا سيما الصناعة المقصودة. فصل في العمل بنص الوقفية (1) قوله: "في الترتيب": في صورة الترتيب لا يستحق أحد من البطن الثاني ¬

_ (¬1) هذه القولة في ض موضوعة متأخرةً عن موضعها. ثم إن "فيه نظر" ليس في المتن، ولا في الشرح. ولكن هو في كلام الشيخ عبد الغني أعلاه. فيظهر أن هذه القولة هي للشيخ محمود تصحيحاً للعبارة التي خطّأها والده، أو لناسخ نسخة الأصل. والله أعلم.

فصله في ناظر الوقف

مع وجود أحد من البطن الأول، وذلك فيما إذا قال: "على أولادي، ثم على أولادهم"، وفي صورة الاشتراك وهي ما إذا قال: "على أولادي وأولادهم"، فمن حدث من أولاد أولاده شاركهم. (2) قوله: "لكن عند الضرورة يزاد بحسبها": قال في الحاشية: ولم يزل عمل القضاة في عصرنا وقبله عليه، بل نقل عن أبي العباس (¬1) رحمه الله تعالى. وهو داخل في قوله: "والشروط إنما يلزم الوفاء بها إذا لم تُفضِ إلى الإخلال بالمقصود الشرعي" وأفتى به شيخنا المرداوي (¬2)، ولم نزل نفتي به، إذ هو أولى من بيعه إذن. (3) قوله: "ونص الواقف كنص الشارع": أي في الفهم والدلالة ووجوب العمل إلا لضرورة. وقال الشيخ: قول الفقهاء "نصوصه كنصوص الشارع" يعني: في الفهم والدلالة، لا في وجوب العمل. مع أن التحقيق أن لفظه، ولفظ الموصي، والحالف، والناذر، وكلِّ عاقد: قد يحمل على عادته في خطابه، ولغته التي يتكلم بها، وافقت لغة العرب أو لغة الشارع، أو لا. اهـ. والحاصل أنه لا يلزم العمل بشرط الوقف إلا إذا كان شرعيًا، على اختيار الشيخ. وقال: إذا شرط الصلاة على أهل مدرسة في القدس، فالأفضل لهم الصلاة في الأقصى، ولا يمنعون من استحقاقهم. اهـ. (4) قوله: "إذا استويا في سائر الصفات": أي كما لو وقفه على العلماء العزاب، فالعالم المتزوج أولى، وكذا إذا وقف على الفقراء الأجانب فقريبه [48ا] الفقير أولى. فصله في ناظر الوقف (1) قوله: "ويرجع في شرطه إلى الناظر": في العبارة قلب، والصواب: "ويرجع إلى شرطه في الناظر" كما هو ظاهر. ¬

_ (¬1) مراده بأبي العباس شيخ الإسلام ابن تيمية. (¬2) قوله: "شيخنا المرداوي": لم يتيسر لنا معرفة المراد به. فينظر.

[2/ 19] (2) قوله: "من غير تفصيل فيه": أي بين كون الوقف على معيّن أو على جهة، وبين كونه على مسلمٍ أو على ذمي. وعبارة المغني التي ذكرها الشارح تدل على أنه إن كان النظر للموقوف عليه لا يشترط إسلامه، بدليل قوله: لأنّه ينظر لنفسه، فكان له ذلك، كالطِّلْق. فمقتضاه أن الذمي ينظر في الموقوف عليه، لأنه ينظر لنفسه في ملكه المطلق. قلت: ولعل هذا مراد من أطلق. والله أعلم. (3) قوله: "فإن كان ضعيفًا ضُمَّ إليه قوي أمين" (¬1) ومثله لو كان فاسقًا، وكانت ولايته من الواقف، سواء كان فاسقًا قبلها، أو فسق بعدها، فإنه يضم إليه عدل، ولا يعزل. وقيل: لا تصح توليته، وينعزل بالفسق كغيره، لأنه متصرف على غيره، كولي اليتيم. (4) قوله: "مطلقًا": يشمل المسلم والكافر. (5) قوله: "فنظره للحاكم أو نائبه": فعلى هذا ليس لأهل المسجد، مع وجود إمام أو نائبه، نصب ناظر في مصالحه ووقفه. لكن إن لم يوجد، كالقرى الصغار والأماكن النائية، أو وجد وكان غير مأمون، أو ينصب غير مأمون، فلهم النصب، كما صرَّح به الشيخ تقي الدين. (6) قوله: "صح العقد وضمن النقص": قال في "الحاشية": وفيه وجه بعدم الصحة. قال الحارثي: وهو الأصح، لانتفاء الإِذن فيه. اهـ. (7) قوله: "أكثر مما لا يتغابن إلخ": لهكذا عبارة "شرح المنتهى" لمؤلفه، والصواب إسقاط "لا" أو لفظ "أكثر" بأن يقال: أن يكون أكثر مما يتغابن به، بإسقاط "لا"، أو: أن يكون مما لا يتغابن به، بإسقاط "أكثر" (¬2). وهو ظاهر لا غبارعليه. (8) قوله: "وظاهره": أي نص الِإمام، لا كلام المصنف. (9) قوله: "وله التقرير في وظائفه" إلخ. م ص: قلت: فإن طلب على ذلك ¬

_ (¬1) هكذا في ض. وفي الأصل: "ضم إليه أمين". (¬2) الخيار الثاني ساقط من ض.

فصل في ألفاظ الواقف في الموقوفه عليهم

جُعْلاً سقط حقه، كما لو امتنع، وقرر الحاكم من فيه أهلية، كولي النكاح إذا [2/ 22] عضل. اهـ. قوله: "وله التقرير في وظائفه إلخ": ظاهر إطلاقه يشمل الناظر أصالة، كالحاكم والمستحق والناظر بشرط الواقف، بخلاف نصبٍ وعزلٍ فإنه يختص بهما الناظر أصالة، كما صرحوا به في غير كتاب. (10) قوله: "وكان أحق بها": وقال الشيخ: لا يتعيّن المنزول له، ويولِّي من له الولاية من يستحقها شرعًا. واعترضه ابن أبي المجد (¬1) بما يطول ذكره. وقال الموضح: ملخص كلام الأصحاب: يستحقها منزول له إن كان أهلاً، وإلّا فلناظر تولية مستحقها شرعًا. اهـ. (11) قوله: "في أصح الأقوال الثلاثة": وهي: أحدها: كالأجرة، وثانيها: كجعل، وثالثها: كرزق من بيت المال، وهو الأصح، فلا ينقص الأجر بأخذه ح الإخلاص، لأنه إعانة على الطاعة. وقال الشيخ: المكوس التي يُقطِعُها الِإمام الجند حلال لهم إذا جهل مستحقُّها. وكذا إن رتّبها للفقهاء وأهل العلم اهـ. حفيد. (12) قوله: "قلت إلخ": هذه عبارة "شرح المنتهى" لمؤلفه، إلى قوله: انتهى. وقوله: "يعني إذا لم يكن إلخ " عبارة "شرح الِإقناع". فلو قال: "قال في شرح الإِقناع"، "قال في شرح المنتهى": "قلت" لا إلخ؛ أو قال: "قال في شرح المنتهى، قلت إلخ: وقال في شرح الِإقناع: يعني إلخ" لكان أوضح. فصل في ألفاظ الواقف في الموقوفه عليهم (1) قوله: "دخل الموجودون": أي ولو حملًا. وقوله: "دخل الموجودون فقط": هذا ما جزم به في "التنقيح" وتبعه في "المنتهى". وجزم في "الِإقناع" بدخول من حدث من أولاده. قال: اختاره ابن أبي ¬

_ (¬1) قوله: ابن أبي المجد: لم يتيسّر لنا معرفة المراد به. فليُنظر.

[2/ 23] موسى، وأفتى به الزاغوني، وهو ظاهر كلام القاضي وابن عقيل، وجزم به في "المبهج"، خلافاً لما في "التنقيح" اهـ. قلت: وهو الصواب إن شاء الله تعالى (¬1)، بدليل دخول أولاد البنين الحادثين بعد الوقف. وقالوا: لأن "الولد" يشملهم حقيقةً أو مجازًا، فإن ابن الابن ابن. وقالوا: لا يدخل أولاد البنات، لأن ابن البنت ليس بابن، كما قال الشاعر: بنونا بنو أبنائنا وبناتنا ... بنوهُنَّ أبناء الرجال الأباعِدِ وحيث كان كذلك فدخول الولد الحادث أولى، لأنه ولا حقيقة. وهو ظاهر لا غبار عليه. (2) وقول المصنف: "وإن قال: على أولادي إلخ": مكرر مع ما قبله فتفطّن. (3) قوله: "على أن لولدِ البنات سهمّا إلخ": هذا ليس [48ب] قرينة، بل صريح (¬2). ¬

_ (¬1) جرى في هذه المسألة مراجعة بالمراسلة بين الشيخ محمد بن عبد العزيز بن مانع والشيخ عبد الله الخَلَف رحمهما الله. والشيخ ابن مانع ذكر في رسالته نقل اللبدي هذا. ورسالته محفوظة في مكتبة الموسوعة الفقهية بالكويت. (¬2) وجد في نسخة ض هنا تعليقاً مضافاً إلى التحشية ما يلي: يوجد للمحشّي عبد الغني اللبدي عند قول الشارح هنا: "وعلى هذا لو وقف على بناته شيئاً معلوماً اختص بهن": أقول: وهل إذا وقف شيئاً معلوماً على بنيه، ووقف شيئاً آخر على بناته، وله ولد خنثى مشكل لا حقّ له في الوقف كله، لأنه لا يعلم كونه ابناً فلا يأخذ من وقف البنين، ولا يعلم كونه بنتاً فلا يأخذ من وقف البنات، أو يأخذ من أحدهما بقرعة، لأنه لا يخرج من كونه ابناً أو بنتاً، أو كيف الحكم؟ لم أر من تعرّض له. والظاهر أنه يأخذ من أحدهما بقرعة، لأن القرعة تميّز المستحق، كما في نظائره. اهـ. قلت وما استظهره المحشي وجيه. اهـ. محمد بن سعيد غباش. اهـ. قلت: فعلى كلام الناسخ يكون هذا جزءاً من حاشية اللبدي. لكن الذي يظهر لي أن هذا من كلام الشيخ محمود، مجرِّد الحاشية، إضافةً منه، تعليقاً على كلام الشارح. والله أعلم (د. محمد الأشقر).

فصل في نقض الوقف

فائدة: لو وجد في كتاب وقفٍ أن رجلًا وقف على فلان وعلى بني بنيه، [2/ 24] واشتبه هل المراد "بني بنيه" (جمع ابن) أو: "بني بنته" (واحدة البنات)، فقال ابن عقيل في الفنون: يكون بينهما عندنا، لتساويهما، كتعارض البينّتين. ورده الشيخ فقال: يحتمل أن يقرع، ويحتمل أن يرجح بنو البنين، لأن العادة إذا وقف الإنسان على ولد بنته لا يخص الذكور، بخلافه على ولد الذكور، فيخص ذكورهم، كآبائهم، ولأنه لو أراد ولد البنت لسمّاها. قال: وهذا أقرب إلى الصواب. اهـ. (4) قوله: "على حسب قسمة الله تعالى إلخ": ولا يخفى ما في هذا الاختيار من السداد والحسن، وموافقة الحكمة الإلهية. فلله دره من موفق. (5) قوله:"كالعطية": أي في أن يعطى الذكر مثل حظ الأنثيين، لكن هنا استحبابًا، وفي العطية وجوبًا، فتفطن. فصل في نقض الوقف (1) قوله: "أخرجه مخرج الوصية": أي بأن قال: هو وقف بعد موتي، فإنه يلزم في الحال على الصحيح، كما تقدم. (2) قوله: "حكم به حاكم أو لا": ومذهب الحنفية: لا يلزم إلا بحكم الحاكم، أو يوصي به بعد الموت. (3) قوله: "وكذا المناقلة به": أي وهي إبداله، ولو بخير منه، لأنها بيع. وقد صنف الشيخ يوسف المرداوي كتابًا لطيفًا في ردّ المناقلة بالوقف (¬1)، وأجاد وأفاد، قاله م ص في شرع الإقناع. (4) قوله: "ويصرف ثمنه في مثله": أي يشترى بثمنه مثله. فلو كان الوقف دارًا تعطلت منافعها ولم يوجد ما تعمر به، بيعت وأخذ بثمنها دار أو بعض دارٍ. وظاهره أنه لا يجوز أن يشرى بثمنها أرض أو بستان ونحوإ لك، ولا صرف الثمن ¬

_ (¬1) يوسف بن محمد بن عبد الله، أبو المحاسن، جمالُ الدين المرداوي (700 - 769 هـ) تولى قضاء الحنابلة بدمشق. وكتابه "الواضح الجلي في نقض حكم ابن قاضي الجبل الحنبلي" منشور بتحقيقنا. له ترجمة في "السُّحب الوابلة" (ص 493).

باب الهبة

[2/ 25] في عمارة وقف آخر، ولو اتحد الوقف أو الجهة. وأفتى عُبَادةُ (¬1) بجواز عمارة وقف من ريع وقف آخر على جهته. قال المنقح. وعليه العمل. قال في الإنصاف: وهو قوي، بل عمل الناس عليه. لكن قال شيخنا، يعني ابن قندس، في حواشي الفروع: إن كلامه في الفروع أظهر اهـ. أي من فتوى عبادة. وأما إن اتحد الواقف والجهة، كدارين وقفهما رجل على مسجد، فخربتا، فإنه يجوز بيع إحداهما وصرف ثمنها في عمارة الأخرى، قولًاواحدًا. فائدة: وما فَضَلَ من حاجة الموقوف عليه، سواء كان مسجدًا، أو رباطًا، أو غيرهما، من حُصُرٍ أو زيت، أو مُغَلّ، وأنقاضٍ وآلة، وثمنها، يجوز صرفه في مثله، وإلى فقيرٍ. نصَّ عليه. (5) قوله: "طُمَّتْ وقلعت": ظاهره: وجوبًا، لأنه إزالة منكر. وقوله: "فثمرتها لمساكينه": أي المسجد. قال الحارثي: والأقرب حِلُّهُ لغيرهم من المساكين. وقيل إنما يباح للمساكين مع غنى المسجد عن ثمنه. وإن غرست قبل بنائه، ووقفت معه، فإن عيَّن مصرفها عمل به، وإلا فكمنقطع. قدّمه في الفروع. ثم قال: ونقل جماعة: في مصالحه. وإن فضل شيء فلِجارِ المسجد أكله اهـ. بتصرف. ويجوز رفع مسجد أراد أكثر أهله رفعه، وجعل سُفْلِهِ حوانيت وسقايات، لا نقله مع إمكان عمارته. باب الهبة (1) قوله: "والمجهول الذي تعذر علمه إلخ": وذلك كما لو اختلط مال رجل بمال آخر من جنسه، ولم يعلم قدره، فوهبه له، صح. (2) قوله: "وهي مستحبة": أي لأنها تذهب الحقد، وتجلب المحبة، وفي ¬

_ (¬1) هذه الفتيا عن عبادة مذكررة في كشاف القناع 4/ 294، وذكر أن ابن رجب أوردها في طبقاته. و"عبادة" قال في الكشاف: هو من أئمة أصحابنا.

الحديث: "تَهَادَوْا تحابُّوا" (¬1) والهبة مثل الهدية. [2/ 28] (3) قوله: "وقبضها كبيع، ولا يصح إلخ": سيأتي هذا في ألفصل الآتي قريبًا. (4) قوله: "بل لا بد من تنجيزها": التنجيز لا ينافي التوقيت. وكان الصواب أن يقول "لا بدّ من تأبيدها" وهذا منه بناء على كلامه الأول. قوله:"سابِقِه" أي قوله: منجزة. "ولاحِقِهِ": أي قوله: "وكونها غير مؤقتة" وهذا ظاهر، فرحم الله الشارح رحمة واسعة. قوله:"وحرر الحكم": أي هل هو صحيح من حيث لم يصح تعليق الهبة كما مثل؟ نعم، لا يصح، وهو مفهوم من قول المصنف: "وكون الهبة منجزة"، فلا معنى لتوقف المصحح (¬2) في الحكم. ولكن الذي عكَّر عليه كلام الشارح رحمه الله تعالى. (5) قوله: "ويكره رد الهبة إلخ": ويجوز ردّها لأمور: مثل أن يريد أخذه بعقدِ معاوضةٍ، أو يكون المعطي لا يقنع بالثواب المعتاد، أو تكون بعد السؤال، ونحوه. وقوله: "ويكره ردّ الهبة وإن قلّت": علم منه أن قبولها غير واجب، ولو جاءت بلا سؤال، ولا استشراف نفس، مع أنهم صرحوا في باب الزكاة بأن من أتاه شيء [49أ] من غير مسألة ولا استشراف نفس وجب قبوله، للخبر الوارد في ذلك. لكن في المسألة روايتان: إحداهما: لا يجب القبول، وهو مقتضى كلام الموفق وغيره من الأصحاب، وصوّبه في الإنصاف. والرواية الثانية: يجب، اختارها أبو ¬

_ (¬1) حديث: "تهادوا تحابّوا": أخرجه البخاري في الأدب المفرد (594) والبيهقي (6/ 169) وغيرهم. وهو حسن. (الإرواء). (¬2) يعني مصحح الطبعة البولاقية من نيل المآرب، حيث كتب في الهامش ما يلي: "قوله فلا تصح مؤقتة: مقتضى سابقِهِ ولاحقِهِ أن يقال: فلا تصح معلّقة، كوهبتك كذا إن هلّ الشهر. وحرّر الحكم". ومن هنا استفدنا أن الشيخ عبد الغني كان يعلق حواشيه على إحدى نسخ الطبعة البولاقية كما ذكرناه في المقدمة.

فصل

[2/ 30] بكر في التنبيه، والمستوعب، ومشى عليها صاحب المنتهى في الزكاة، وفي الهبة مشى على الأول (¬1). (6) قوله: "عن ابن الجوزي" ثم قال ابن مفلح: ولم أجد من صرح بذلك غيره. وهو قول حسن، لأن المقاصد عندنا في العقود معتبرة اهـ. فصل (1) قوله: "فيصح تصرف قبل القبض": ظاهره أنه سواء كان الموهوب مكيلًا ونحوه أم لا. وعندي فيه نظر، فإن المبيع إذا كان مكيلًا ونحوه لا يصح تصرف المشتري فيه قبل قبضه، وهذا مثله ولا فرق. على أن البيع يلزم بمجرد العقد، بخلاف الهبة، فإنها لا تلزم إلا بالقبض، فقياسه أن لا يصح التصرف فيها قبل قبضها إذا كانت مكيلة ونحوها بالطريق الأولى، فليتأمل وليُحرَّر. مسألة: إذا دفع إنسان لآخر نقوطًا (¬2) في عرس أو ختان، أو أهدى له عند قدومه من بلاد الحجاز، ونحو ذلك، وكانت العادة جارية بمكافأة من فعل ذلك، بأن يدفع له نظير ما دفعه، ويهدي له نظير ما أهدى إن صار عنده عرس ونحوه. ثم إنه صار عند ذلك الإنسان عرس أو نحوه. فأبى الآخر أن يدفع له شيئاً، فهل له مطالبته بما دفعه؟ ظاهر إطلاقهم: لا، كما في الإقناع وغيره. ولو قيل: له الرجوع مع العادة لكان له وجه، لأنه لو لم يعلم الدافع أنه يدفع له نظير ما دفعه له لم يدفعه. وهذا معروف عندهم، والمعروف كالمشروط (¬3). ومن هذا القبيل أيضاً ما يدفعه الرجل بدلاً عن خدمته العسكرية، فيطلب من بعض أقاربه وأصحابه، فيساعدونه ويعطونه ليدفع بدله المطلوب منه إلى أمير العسكر، فهل إذا احتاجوا لمثل ذلك يلزمه دفع نظير ما قبضه، وإذا امتنع يطالبونه؟ ¬

_ (¬1) ض: "على الأولى". (¬2) ض: نقودًا. والنقوط ما جرت العادة في الأرض المقدّسة بإعطائه من النقود ونحوها للعريس أو العروس، من قبل الأقارب والأصدقاء، كمعونة على الجهاز. (¬3) في هذا نظر، ولا يبلغ هذا في العرف مبلغ الشرط.

فصل في الرجوع في الهبة

يجري فيه التفصيل المتقدم. [2/ 31] (2) قوله: "وإن وهب دينه لمدينه إلخ": قد تقدم في حد الهبة أنه لا بد في المال الموهوب أن يكون موجودًا، وهذا غير موجود. فالظاهر عدم صحة هبة الدين، إلا أن يقال: الهبة هنا بمعنى الإبراء، فصحَّت، ولذلك لم تصح هبة الدين لغير من هو عليه، كما ذكره المصنف، لما ذكرنا. (3) قوله: "إلا إن كان ضامنًا": قال المصنف في الغاية: "ويتجه ولو حيلة" يعني أنه لو ضمن رجل دينًا على آخر حيلةً على صحة هبة الدين له صح الضَّمان وصحت الهبة اهـ. فصل في الرجوع في الهبة (1) قوله: "ما لم يكن أبًا إلخ": وكذلك من وهبت زوجها بمسألته إيّاها، ثم ضرها بطلاق أو غيره، كما لو تزوج عليها، فإن لها أن ترجع في هبتها. وعنه أن لها الرجوع مطلقًا، سألها أو لم يسألها. وعنه: لا رجوع لها مطلقًا. وعنه: إن وهبته مهرها أو شيئاً منه رجعت وإلا فلا. وقيل: إن وهبته لدفع ضرر، فلم يندفع، أو لوجود شرط، فلم يوجد، رجعت، وإلا فلا. والأول المذهب: جزم به في المنتهى وغيره. فكذا حكم الإبراء، كما صرح به ع ن. (2) قوله: "أن لا يسقط حقه من الرجوع": هذا المذهب خلافًا للإقناع. (3) قوله: "وكذلك إذا أفلس الابن إلخ": أي وحجر عليه، كما في الإقناع، وبدليل التعليل المذكور. وعبارة المنتهى والغاية: "له الرجوع ولو تعلق بالموهوب حق كفلسٍ" فظاهره: ولو حجر عليه. فتدبّر وحرر. (4) قوله: "وللأب الخ": ظاهره: ولو كان غير رشيد، فليحرر. فصل في قسمة المال بين الورثه في الحياة (1) قوله: "بين ورثته": ظاهره: سواء كان الإرث بقرابةٍ أو غيرها. وظاهر ما في الإقناع من وجوب التعديل بينهم يخالفه. وفي حاشية ابن عوض على هذا

فصل في تبرعات المريض

[2/ 34] الكتاب ما يؤيده. (2) قوله: "حرم عليه": ظاهره: سواء كان التخصيص أو التفضيل لمصلحةٍ، كما لو خصّ أو فضَّل ذا عيالٍ، أو عاجزًا عن الكسب، أو مشتغلاً بالعلم. وقد تقدم في الوقف أن التخصيص أو التفضيل [49ب] فيه لذلك جائز. وقال في الإقناع: وقيل: إن أعطاه لمعنًى فيه، من حاجةٍ أو زَمَانةٍ أو عمى أو كثرة عياله أو لاشتغاله بالعلم ونحوه، أو مَنَعَ بعض ولده لفسقه أو لبدعته، أو لكونه يعصي الله تعالى بما يأخذه، ونحوه، جاز التخصيص. اختاره الموفق وغيره. انتهى. أقول: وعلى قياسه لو منع أحد أولاده لعقوقه. وربّما كان قوله "لفسقه" شاملاً لذلك. (3) قوله: "والرجوع المذكور إلخ" أي في قولهم "أو يرجع فيما خص به بعضهم". فصل في تبرعات المريض (1) قوله: "كالبرسام": ومن المخوف أيضًا وجع القلب، والرئة، وهيجان الصفراء، والبلغم، والقولنج، والحمى المطبقة، والفالج في ابتدائه، والسل في انتهائه (¬1)، وما قال مسلمان عدلان إنه مخوف. (2) قوله: {يسيّركم}: أي يحملكم على السير، ويمكنكم منه. وفي قراءة: "ينشركم في البر والبحر". وقوله: {وجرين بهم} فيه عدول عن الخطاب للغيبة، للمبالغة، كأنه تذكرة لغيرهم ليتعجب (¬2) من حالهم. وقوله: {بريح طيبة} أي لينة الهبوب. وقوله: {ريح عاصف} أي شديدة الهبوب. وقوله: {أحيط بهم} أي أحاط بهم الهلاك. وقوله: {مخلصين له الدين} أي من الشرك. وقوله: {لئن أنجيتنا} [يونس: 22] أي قالوا ذلك، أو معمول لدعوا فإنه بمعنى القول. (3) قوله: "ببلدم": مفهومه أنه إذا وقع الطاعون ببدنه فهو مخوفٌ من باب ¬

_ (¬1) ينبغي أن يقال في المرض المخوف إنه يختلف بحسب تقدم الطب فربّ مرض كان مخوفًا وأصبح مما يمكن علاجه. والله أعلم. (¬2) كذا في ض. وفي الأصل: "يتعجب" بدون لام.

أولى. قال في المغني عن وقوع الطاعون ببلده: يحتمل أنه ليس بمخوف، لأنه [2/ 37] ليس بمريض، وإنما يخاف المرض. والله تعالى أعلم اهـ. قال في الإنصاف عن هذا الاحتمال: وما هو ببعيد اهـ. (4) قوله: "حتى تنجو من نفاسها": أي حتى ينقطع الألم والضربان ونحو ذلك. فائدة: ومن ذبح أو أبينت حشوته فهو كميت، لا يعتد بكلامه. ذكره الموفق وغيره. ***

كتاب الوصايا

[2/ 38] كتاب الوصايا (1) قوله: "الأمر بالتصرف": أي كأن يوصي إلى إنسان بتزويج بناته، أو بأن يغسله، أو يصلي عليه إمامًا، أو يتكلم على صغار أولاده، أو يُفرِّق ثلثه، ونحو ذلك. (2) قوله: "فيه أقوال": قال في تصحيح الفروع: والأقوال الثلاثة متقاربة. والصواب: تقبل ما دام عقله ثابتًا اهـ. م ص. وتصح وصية من أخرس بإشارة مفهومه أو كتابة. وإن وجدت وصية إنسان بخطه الثابت، أو ببينة، أو إقرار ورثته، صحت. ويستحب أن يكتب وصيّته ويشهد عليها. (3) قوله: "وتحرم على من له وارث إلخ": فعلى هذا تعتريها الأحكام الخمسة. (4) قوله: "غير زوج أو زوجة": أي فلو كان الوارث زوجًا فقط فلها الوصية بالنصف، ولو كان الوارث زوجة فله الوصية بثلاثة أرباع، بخلاف الوارث غيرهما فلا يباح للمورث الوصية إلا بالثلث، ولو كان الوارث أمًّا فقط، أو بنتًا فقط، لأن الباقي بعد الفرض يرد عليهما، بخلاف الزوجين. باب الموصى له (1) قوله: "من مسلم وكافر" لكن لا تصح الوصية لكافر بمصحف، ولا بعبد مسلم، ولا بسلاح، ولا بحد قذف. فلو كان العبد كافرًا ثم أسلم قبل موت الموصي، أو بعده قبل القبول، بطلت. (2) قوله: "قال في التنقيح: مطلقًا": أي تصح لكل من يصح تمليكه مطلقًا، فشمل المسلم والكافر، وشمل المرتد والحربي، فلذلك قال المصنف: "ولو مرتدًا أو حربيًّا".

(3) قوله: "أو لا يملك، كحمل وبهيمة": أي فقط. وإنما صحت الوصية [2/ 41] للحمل لكونها تجري مجرى الميراث، وهو يرث. وإنما صحت للبهيمة لأنها أمر بصرف المال في علفها، ولذلك لا يصرفه عليها مالكها، بل الوصي أو الحاكم. وإذا ماتت قبل تمامه يكون الباقي للورثة. وإنما قلنا "فقط" لأنه سيأتي أنها لا تصح لمَلَكٍ ولا جني ولا ميت، لأنهم لا يملكون. نعم تصح الوصية لقِنِّ الموصي بمشاع، كثلث من ماله ونحوه. ويعتق بقبول إن خرج من الثلث، وإلا بقدره، وإن فضل شيء أخذه. وأما إن وصى بمعين لا يدخل فيه فلا تصح. ولا تصح أن وصى لعبد غيره لأنه لا يملك. قال في التنقيح [50أ]: وتصح لعبد غيره إن قلنا يملك، وإلا فلا. اهـ. والمذهب أنه لا يملك، فلا تصح الوصية له. وعبارته في الإنصاف: قوله: وتصح لعبد غيره، هذا المذهب وعليه الأصحاب. ثم قال: ظاهر كلام المصنف صحة الوصية له، سواء قلنا يملك أو لا، صرح به ابن الزاغوني في الواضح. وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب. والذي قدمه في الفروع أنها لا تصح إلا إذا قلنا يملك، جزم بالأول في المنتهى تبعًا للتنقيح، وجزم بالثاني في الإقناع. وقال في حاشيته على التنقيح: والمذهب الذي عليه الأصحاب أنها تصح له مطلقًا، وهو مذهب الشافعي ومالك، سواء قلنا يملك أو لا. وصرح به ابن الزاغوني، وأطلقه في المقنع والكافي والهادي (¬1) والمغني والشرح ومسبوك الذهب (¬2) وابن رزين وأبو الخطاب في الهداية والمذهب والوجيز ونظمه (¬3) والخلاصة (¬4) والنظم والحارثي والمستوعب ¬

_ (¬1) الهادي: هو كتاب للموفق ابن قدامة رحمه الله، واسمه "عمدة الحازم في المسائل الزوائد عن مختصر أبي القاسم" أي الخرقي. والكتاب مطبوع. (¬2) مسبوك الذهب في تصحيح المذهب لابن الجوزي (- 597 هـ). (¬3) نظم الوجيز: تقدم أن الوجيز هو للحسين بن يوسف الدُّجيلي (- 732هـ) ونظمه هذا في سبعة آلاف بيت للتستري، وهو نصر الله بن أحمد البغدادي. وتسمّى "منظومة الوجيز". (¬4) الخلاصة: في الفقه لأسعد بن المنجّا (- 606 هـ) هذّب فيها كلام أبي الخطاب في الهداية.

فصل في ألفاظ الموصي في حق الموصى لهم

[2/ 42] والبلغة (¬1) وغيرهم. ثم قال: والعجب أن المنقح قال في الإنصاف: هذا المذهب، وعليه الأصحاب، ثم خالف هنا اهـ. وقوله: "كحمل فرس زيدٍ إلخ": لا يخفى ما في كلام الشارح من الركاكة. (4) قوله: "يَعْلَمُ موته أو لا": جزم به في المنتهى والإقناع، وهو المذهب، وعليه عامة الأصحاب. وقيل إن علم موت زيد كان الكل للحي، قدمه في المقنع. قال في الإنصاف: وهو أحد الوجهين. ونُقل عن أحمد ما يدل عليه. اهـ. قلت: وعلى المذهب يحتاج إلى الفرق بين هذا وبين ما إذا وصى لزيد ولجبريل مثلاً، وهو عَسِر (¬2). وحينئذ فالقول الثاني متجه. فصل في ألفاظ الموصي في حق الموصى لهم (1) قوله: "فلأهل زقاقه حال الوصية": أي لا حال الموت، فلو انتقل بعد الوصية وسكن في غير زقاقه فمات، فالوصية لأهل زقاقه الذي كان فيه حال الوصية، لا لأهل الزقاق الذي مات فيه. وهذا والله أعلم بخلاف ما لو وصّى لفقراء الحرم مثلاً، أو لطلبة العلم في الأزهر ونحوه، فإنها تصرف لمن وجد في ذلك المحل حال صرفها، سواء وجد حال الوصية أو لا، ينبغي أن يحرر. (2) قوله: "من يسمعوا النداء": الصواب "يسمعون" ولعله من الناسخ. والمراد بالنداء الأذان. (3) قوله: "اليتيم": أي هو الذي لا أب له ولم يبلغ. والمراد من فقد أبوه بعد وجوده، ولذلك لا يسمى ابن الزنا يتيمًا. وفي غير الإنسان: اليتيم: الذي تموت أمه. ومن مات أبوه وأمه من الآدميين فلطيم، ومن ماتت أمه فقط فَعَجِي (¬3). ¬

_ (¬1) البُلغة: لعل المراد به "بُلغةُ الساغب، وبغية الراغب" لفخر الدين محمد بن الخضر بن تيمية (-622 هـ). (¬2) ض: وهو عسِرٌ جدًّا. (¬3) بيّض في ض لهذه الكلمة.

باب الموصى به

(4) قوله: "كان لمن لم يميز منهم": والذي يظهر لي أن ذلك منوط بما بعد [2/ 44] موت الموصي، لا بحال الوصية، بخلاف من وصّى لأهل سِكِّتِهِ (¬1) أو جيرانه ونحو ذلك فإن الاعتبار في ذلك بحالة الوصية كما تقدم. وأما من وصى لليتامى، أو الأطفال، أو المميزين، ونحو ذلك، فالموصى به لمن اتصف بذلك بعد موت الموصي لأنه لا يقصد إلا ذلك، بخلاف ما تقدم. ولكن لم أجد من صرح به، بل ولا من أشار إليه، فليحرر. (5) قوله: "بَجَالة": مصدر بَجُلَ كعَظُمَ لفظًا ومعنى. (6) قوله: "رجل ثيب وامرأة شيبة": أي فالثيب يشمل الذكر والأنثى. وهذا فيما يظهر ما لم تقم قرينة على التخصيص، كقوله "الثيبين"، فيراد به الذكور والإناث، أو "لثيبات" فيراد به الإناث فقط (¬2). والله أعلم. (7) قوله: "والرهط ما دون العشرة": فلو وصى لرهط من قبيلة، فهو لما دون العشرة منها، ولعله يبدأ بالأقرب فالأقرب. وإن قلنا الرهط من ثلاثة إلى عشرة كيف الحكم؟ ينبغي أن يحرر. باب الموصى به مسألة: قال في الفروع: نقل جماعة في من أوصى بصدقةٍ طعامًا (¬3) هل يجوز للوصي دفع قيمته؟ قال: لا إلا ما أوصى، وجعله في الانتصار وفاقًا. ولو وصى بأضحية أنثى أو ذكر، فضحَّوا بغيره خيرًا منه، جاز اهـ. ملخّصًا. ¬

_ (¬1) في الأصل: "لأهل مكة". وفي ض على الصواب. (¬2) أي لأن النساء يدخلن في جمع المذكر السالم تبعًا، ولا يدخل الرجال في جمع المؤنث السالم أصالةً ولا تبعًا. على إن إثباته "ثيِّبة" بالتاء، للمرأة، فيه نظر، فلم يذكر ذلك في القاموس ولا في لسان العرب، بل يقال للمرأة "ثيّب" بغير تاء، لا غير. (¬3) ض: "بصدقة طعامٍ ". وقوله "نقل جماعة" أي عن الإمام أحمد.

[2/ 46] قلت: فعلى ظاهر المسألة الأولى: لو وصّى بدراهم لا يجزئ دفع طعام ولا عروض أو غيره عوضًا عن الدراهم. وهل لو وصى بنوع من النقدين، كعشرين وَزَرِيٍّا أو مجيديًّا (¬1)، يجوز دفع بدله من نوع غيره أو لا؟ لم أره. ولي فيه وقفة. (1) قوله: "بعجز الموصي عن تسليمه": أي بسبب عجز الموصي إلخ. وقوله "كالآبق إلخ" تمثيل له. لكن ناقش الحارثي في التمثيل باللبن في الضرع بأنه غير معجوز عن تسليمه، لكنه من نوع المجهول أو المعدوم لتجدُّده شيئًا فشيئًا اهـ. (2) قوله: "ويعتبر وجوده في الأمة إلخ": أي بأن تلده [50ب] لأقل من ستة أشهر من حين الوصية إن كانت فراشًا لزوج، أو لأقل من أربع سنين إذا لم تكن فراشًا، أو كانت فراشًا لزوج ولم يطأ لمرض وحبس ونحوهما، أو أقر الورثة بأنه لم يطأ، وذلك كالحمل الموصى له، فإنه إنما تصح الوصية له إذا كان موجودًا حال الوصية وإلا فلا، ويعلم لك بما تقدم ذكره. (3) قوله: "يوم وضعه" أي إن قبل الوصية قبله، وإلّا فيوم القبول. ولو ماتت أمه بمجرد وضعه فمقتضى التعليل أن يكون للموصى له، وإن كان ظاهر الإطلاق خلافه اهـ. خ ف. أقول: مقتضى هذا البحث أنه لو ماتت بعد وضعه بيوم أو أكثر ليس له إلا قيمته، ولو قبل أخذ القيمة، فليحرر. (4) قوله: "ولو كثر المال": أي لأن ذلك ليس من المال، فاعتبر بحاله، فلا تنفذ الوصية إلا بثلثه، ما لم تجز الورثة ذلك فتنفذ في جميعه. (5) قوله: "لأن غاية ذلك أنه مجهول": أي والجهل بالموصى به لا يضر، لأن الوصية تصح بالمعدوم، ففي المجهول من باب أولى اهـ. م ص. (6) قوله: "غلبت الحقيقة": وقيل يُغلب العرف، كالأيمان، وقدمه في الإقناع. فعليه: "الشاة للأنثى فقط، والبعير والثور للذكر خاصة. وإن قلنا: تغلب ¬

_ (¬1) تقدم أن الوزري والمجيديّ نوعان من العملات العثمانيّة.

باب الموصى إليه

الحقيقة، وهو المذهب، فلا فرق بين تذكير العدد وتأنيثه، بأن يقول "ثلاثة شياه" [2/ 48] أو"ثلاث شياه". وقيل إن ذكَّر العدد كان الموصى به مؤنثًا، وإن أنَّثه كان الموصى به مذكَّرًا، كما هو القاعدة في ذلك. والمذهب الأول. (7) قوله: "والعبد للذكر خاصة ": وقيل العبد للذكر والأنثى. قاله م ص. ويؤيده ما يأتي في العتق إذا قال: "عبيدي أحرار عتق مكاتبوه ومدبروه وأمهات أولاده اهـ". قلت: لكن قد يفرق بين الجمع، فتدخل الأنثى تبعًا، وبين المفرد، لما له من النظائر. (8) قوله: "والدابة عرفًا إلخ ": أي وأما في الحقيقة اللغوية [فهي] اسم لكل ما يدبّ على الأرض. ومقتضى ما تقدم أنه يراد بالدابة كل ما دب ودرج، لكن خولف هذا لما ذكره الشارح عن الحارثي من أنهم لحظوا غلبة استعمال العرف. وهو عندي غير وجيه، فإن غلبة استعمال العرف في الثور للذكر خاصة أكثر، فمقتضاه أنه يُغَلَّب فيه العرف أيضًا، ولأن المتكلم لا يريد بكلامه إلا ما هو معروف ومعهود عند الناس، فالأولى حمل كلامه على ذلك، وإن كان المذهب خلافه. فليحرر. باب الموصى إليه (1) قوله: "ولا تزال يده إلخ": أي فيكون الوصي هو الأول، فالتصرف له وحده، والثاني إنما هو مُعِين. قال م ص: فدل أن الناظر الحِسْبِيَّ، حيث ساغت إقامته، لا تَصَرُّفَ له، وإنما التصرف للأول اهـ. (2) قوله: "بالنسبة": لعل الصواب "بالنسب"، أي القرابة، يعني أنه يلي مال غيره بالقرابة، كالأب يلي على مال ولده الصغير بسبب القرابة إلخ. فائدة: ما أنفقه وصيّ متبرع بمعروف في ثبوتها فمن مال يتيم. وإذا أُخرِج عن اليتيم إقطاعُهُ، فللوصي الصرف من ماله بالمعروف في إعادته. وعلى قياس ذلك الوظائف. قاله الشيخ. قال م ص: وهو متوجِّه، لأنه مصلحة له اهـ. أقول:

فصل

[2/ 49] وهل مثله ما يأخذه الحكام ويسمونه "خرج محاسبة" (¬1) ونحو ذلك؟ الظاهر: نعم. (3) قوله: "وليس للوصي إلخ": قال الحارثي: لو غلب على الظن أن القاضي يستند إلى من ليس أهلاً اتجه جواز الإيصاء قولاً واحدًا، بل يجب، لصون المال عن التلف والضياع. فصل (1) قوله: "يملك الموصي فعله": أي وأما ما لا يملك فعله، كالنظر في مال أولاده الذين لا ولاية له عليهم، وهم المكلفون الرشيدون، أو النظر في مال إخوته أو أعمامه أو أولاد ابنه وسائر أقاربه، وكالمرأة توصي بالنظر في مال أولادها، فلا تصح فيه. فائدة: إذا ظهر دين مستغرق للتركة بعد تفرقة الوصي الثلث الموصى إليه بتفرقته لم يضمن الوصي لرب الدين شيئا، لأنه بعدم علمه، وإن أمكن رجوع على آخذ رجع عليه، ووفي به الدين. قاله ابن نصرالله بحثًا. (2) قوله:"لمعيّن إلخ": ظاهره أن الموصى به لغير معيّن، كالفقراء، إذا صرفه أجنبي [51أ] في جهته ضمنه، لأن المدفوع إليه لم يتعيَّن مستحقًا، ولا نظر للدافع في تعيينه اهـ. م ص. (3) قوله: "ولا دفعه إلى أقاربه الوارثين إلخ": قال الحفيد: وهل المراد كونهم وارثين حال الدفع، أو حال الوصية؟ اهـ. أقول: مرادهم، والله أعلم، حال الدفع. فليحرر. (4) قوله: "فعلى من تلزمه نفقته": وعبارة الإقناع: فعلى من يلزمه كفنه. وهي أولى، لأن الزوجة تلزم نفقتُها زوجَها، ولا يلزمه كفنها، كما مر. ... ¬

_ (¬1) يعني رسوم القضايا.

كتاب الفرائض

كتاب الفرائض [2/ 53] (1) قوله: "يذكر فيه جُل أحكام الفرائض": أي معظمها. والأولى أن يقول: نبذة من أحكام الفرائض، لأن المذكور في هذا الكتاب ليس معظم أحكام الفرائض. نعم فيه معظم قواعدها، وهو المراد. فائدة: السبب في مشروعية الفرائض ما روي أن أوس بن الصامت خلَّف زوجته أم كُجَّة وثلاث بنات. فزوى عمّاه (¬1) سُوَيْد وعُرْفُطة ميراثَه عنهن، على عادة الجاهلية، فإنهم كانوا لا يورّثون النساء ولا الأطفال، ويقولون: إنما يرث من يحارب ويذب عن الحَوْزة. فجاءت أمّ كجة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فشكت إليه، فقال: ارجعي حتى انظر ما يحدث الله. فنزلت {للرجال نصيب} الآية [النساء: 9]، فبعث إليهما: لا تفرقا من مال أوسٍ شيئاً فإن الله قد جعل لهن نصيبًا ولم يبيّن، حتى يبتن، فنزلت {يوصيكم الله في أولادكم الآية} (¬2). [النساء: 11]. وقيل إن امرأة سعد بن الربيع جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بابنتيها من سعد، فقالت: "يا رسول الله، هاتان ابنتا سعد، قُتِل أبوهما معك يوم أحُد شهيدًا، وإن عمّهما أخذ مالهما، ولا ينكحان إلا ولهما مال" (¬3) فنزلت آية المواريث. ولا مانع مع صحة الحديثين من كون الآية نزلت في شأن المرأتين. والله سبحانه وتعالى أعلم. ¬

_ (¬1) قوله: "عمّاه" كذا في الأصل، وفي ض: "ابن عمر" وهو خطأ. وفي تفسير القرطبي (5/ 46): "ابنا عمّه". (¬2) ذكر الحديث القرطبي في تفسيره (5/ 46) بأوفى مما هنا، ولم يذكر مخرجه. على أنه مشكل لأن المعروف أن أوس بن الصامت مات في خلافة عثمان رضي الله عنهما. وفي بعض الروايات أن المتوفي كان أخا حسّان بن ثابت. فالله أعلم. (¬3) الحديث هنا مذكرر بالمعنى. وقد أخرجه بأتمّ مما هنا أبو داود (2892) والترمذي (2/ 11) كلاهما من حديث جابر. وهو حديث حسن (الإرواء 6/ 122) وفي تفسير القرطبي (5/ 57) قال الترمذي: صحيح.

فصل

[2/ 53] فائدة: يبدأ من تركة الميت أولاً بمؤنة تجهيزه، ثم النذر المعين، ثم الأضحية المعينة، ثم الدّين بالرهن، ثم الزكاة والحج والكفارة والنذر المطلق والديون المرسلة، على المُحَاصَّة بينها، ثم تنفّذ الوصايا، ثم يقسم الباقي على الورثة. فالوصايا، سواءً كانت بمشاعٍ أو بمعيّن، تنفّذ من ثلث الباقي الباقي بعد ما تقدم. فلو كانت تركته أربعين، وأوصى بثلث ماله، وعليه دين عشرة، فتخرج العشرة أولاً، ويدفع إلى الموصى له عشرة، وهي ثلث الباقي بعد الدين. (2) قوله: "للخيط" أو غيره. (3) قوله: "بالتخفيف": وبالتشديد: جعلناها فريضة بعد فريضة، أو: فصّلناها اهـ. فتوحى. فائدة: حكي أن الوليد بن مسلم رأى في منامه أنه دخل بستانًا، فأكل من جميع ثمره، إلا العنب الأبيض. فقصَّها على شيخه الأوزاعي، فقال: تصيب من العلوم كلها إلا الفرائض، فإنها جوهر العلم، كما أن العنب الأبيض جوهر العنب. (4) قوله: "وهو ينسى إلخ": وفي الحديث "تعلموا الفرائض وعلموها الناس، فإني امرؤ مقبوض، وإن العلم سيقبض، وتظهر الفتن، حتى يختلف اثنان في الفريضة فلا يجدان من يفصل بينهما" رواه أحمد والترمذي والحاكم. (5) قوله: "وديون الآدميين": أي ويبدأ منها ما تعلق بعين المال، كدينٍ برهنٍ، وأرش جنايه برقبة العبد الجاني، ونحوه، ثم الديون المرسلة في الذمة. (6) قوله: "أو دين": وإنما قدمت الوصية على الدين في الآية اهتمامًا بشانها، ولأنها تثْقُل على الورثة. فصل (1) قوله: "لذاته": أي فقد لا يوجد الإرث مع وجود سببه، ولكن لعارض، كما لو تزوج مسلم ذمّيّة، فإنه لا توارث بينهما مع وجود السبب وهو النكاح، لاختلاف دينهما. وكذا يقال في بقية الموانع مع الأسباب. (2) قوله: "فلا ميراث في النكاح الفاسد": أي ما لم يحكم بصحته حاكم

اهـ. خ ف. [2/ 55] أقول: ومثله فيما يظهر إذا كان الزوجان يريان صحة النكاح، أو كانا مقلدين لمن يرى ذلك. فحررِّهُ فإنه مهم. وأما [النكاح] الباطل فلا توارث به إجماعًا. (4) قولى:"ولا عكس" أي فلا يرث العتيق من معتِقِه. قال العلماء: وقد يرث، كما لو اشترى ذمّيّ عبدًا وأعتقه، ثم التحق السيد بدار الحرب، فاستُرقّ، فاشتراه عتيقه فأعتقه. فكل منهما يرث الآخر حيث لا مانع، من حيث كونه معتقًا لا من حيث كونه عتيقًا. وقولهم: حيث لا مانع، أي من موانع الإرث. (5) قوله: "وموانعه": المانع لغة الحائل، واصطلاحًا ما يلزم من وجوده العدم، ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم لذاته، عكس الشرط. فائدة: لو مات شخص، فأحياه الله كرامة لوليٍّ [51ب] فلا تعادُ لَهُ تركته بعد تحقق موته. وكذا لا تحل له زوجته إلا بعقد جديد. ومثله لو مُسِخَ جمادًا ثم عاد لحاله الأولى. والله أعلم. (6) قوله: "تحقق حياة الوارث": أي بعد موت الموروث، حياةً مستقرة. (7) قوله: "أو إلحاقه بالأحياء":. أي تقديرًا، كحملٍ انفصل حيًّا حياة مستقرة يظهر وجوده عند الموت، ولو نطفة أو علقة. (8) قوله: "تحقق موت المورث": أي كما إذا شوهد ميتًا. (9) قوله: "أو إلحاقه بالأموات": أي حكمًا كما في المفقود، أو تقديرًا، كالجنين الذي انفصل بجناية على أمة توجب الغزة، إذ لا يورث عنه غيرها، والغرة عبد أو أمة قيمتها عشر دية أمه، كما ياتي ذلك في الجنايات موضّحًا. (10) قوله:"والعلم بالجهة إلخ " هذا يختص بالقضاء، فلا بد من معرفة سبب الإرث، والدرجة التي اجتمع فيها الوارث والموروث تفصيلاً، فلو شهد شخص عند قاضيف بأن هذا وارثه فلا يكفي، حتى يبين سبب إرثه تفصيلاً. (11) قوله: "وأما الذي للأبوين أو للأب فبقوله - صلى الله عليه وسلم - إلخ: ظاهره أنه لم يذكر في القرآن، وليس كذلك، بل ذكر في قوله تعالى في آخر [سورة] النساء: {إن أمرو هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها

فصل في الفروض المقدرة في كتاب الله تعالى

[2/ 57] ولد} فإن المراد بالأخت: التي للأبوين أو للأب، وأما التي للأم فلها السدس، كما في الآية التي ذكرها الشارح. فقوله تعالى {وهو يرثها} أي الأخ {إن لم يكن لها ولد} أي فإن كان {لها ولد وكان} ذكرًا فلا شيء له، وإن كان أنثى فله ما فضل عن نصيبها. وهو ظاهر. والله سبحانه وتعالى أعلم. (12) قوله: "والجدة مطلقًا" أي كأمّ الأم وأمهاتها المدليات بإناث خالصات، وأم الأب وأمهاتها المدليات بإناث خلص (¬1). وأما إن أدلت الجدة بالجد، كام أبي الأب، فغير مجمع على إرثها، فإنها لا ترث عند المالكية. وان أدلت بأبي الجد كأم أبي أبي الأب، فلا ترث عندنا، ومذهب الحنفية والشافعية أنهما ترثان. وأما الجدة التي تدلى بذكر بين أنثيين، كام أبي الأم، فهي من ذوات الأرحام باتفاق الأئمة الأربعة. وستأتي إن شاء الله تعالى. فصل في الفروض المقدرة في كتاب الله تعالى (1) قوله: "فالنصف فرض خمسة إلخ" انظر إلى هذا الصنيع ما أحسنه، فإن كل واحدٍ من أصحاب النصف الخمسة لا يأخذه إلا بشرط موافق لرتبته في العدد: فالمذكرر أولًا يأخذه بشرط واحد، والمذكرر ثانيًا يأخذه بشرطين، وهكذا إلى الخمسة. فإن الزوج له النصف بشرط واحد، وهو عدم الفرع الوارث؛ والبنت تأخذه بشرطين: عدم المعصّب، وعدم المساوي لها؛ وبنت الابن لها [النصف] بثلاثة شروط: عدم الفرع الوارث، وعدم المعصب، وعدم المساوي لها؛ وهو [أي النصف] للأخت الشقيقة بأربعة شروط: بما ذكر في بنت الابن، وبعدم الأب؛ وتاخذه الأخت للأب بخمسة: بما ذكر في الشقيقة، وبعدم الشقيقة أو الشقيقات والأشقاء. ولا تعلم لهذه الشروط كلها من كلام المصنف والشارح. (2) قوله: "مع الفرع الوارث": وهو الابن، أو البنت، أو ابن الابن، أو ¬

_ (¬1) قوله:"وأم الأب ... إلخ" ساقط من ض.

بنت الابن. وكون الزوجين يحجبان من الفرض الأعلى إلى الأدنى بابن الابن أو [2/ 59] بنته مجمع عليه بين أهل العلم، لكن اختلفوا هل هذا الحجب بالاسم أو المعنى؟ على قولين. والأول هو ظاهر قول الأصحاب، لأنه يسمى ولدًا، فالآية تدل عليه. وعلم مما تقدم أن ولد البنت لا يَحْجُبُ ولو ورَّثنا ذوي الأرحام، لأنه لم يدخل في مسمى الولد، ولم ينزله الشرع منزلته اهـ. ملخصًا من شرح المنتهى لمؤلفه. (3) قوله: "والثلثان فرض أربعة": أي أربعة أصناف، لكن يشترط لكل صنف على حسب رتبته في العدد في عبارة المصنف. فالأول له شرط واحد، والثاني اثنان، وهكذا. فالبنتان بشرط عدم المعصب، وبنتا الابن بشرط عدم الفرع الوارث وعدم المعصب، والشقيقتانِ بعدم المعصب من أخٍ وجدٍّ، وعدم الفرع الوارث، وعدم الأصل الوارث، وهو الأب. والأختان للأب بذلك وبعدم الشقيقة والشقيقات أو الأشقاء. (4) قوله: "إلا ما شذّ عن ابن عباس إلخ": وهو قوي، لولا الإجماع على خلافه. وقد رجحه ابن حزم في بعض كتبه. لكن قال بعض العلماء: صح عن ابن عباس رجوعه عنه وصار إجماعًا. على أن ابن عبد البر قال إن ذلك لا يصح عن ابن عباس، بل هو مُنكر (¬1) اهـ. (5) قوله: "وفوق في الآية الكريمة ادُّعِيَ زيادتها": أي كقوله تعالى {فاضربوا فوق الأعناق} [الأنفال: 12] أي اضربوا الأعناق [52أ]. ورده ابن عطية وجماعة، إذ الأسماء لا تجوز زيادتها لغير معنى. و"فوق" في قوله تعالى {فاضربوا فوق الأعناق} غير زائدة، لأن الضرب يكون في أعلى العنق، في المفصل اهـ. (6) قوله: "لأن الله تعالى قال {فإن لم يكن له ولد} الآية": هذا صريح في أن الأم لها الثلث مع عدم الولد. لكن يفهم منه أنه لا يحجبها عنه إلا الولد. ¬

_ (¬1) لكن قال القرطبي في تفسيره (5/ 63): هو الصحيح عن ابن عباس. ولم يذكر من أخرج هذا الأثر.

[2/ 62] والشارح استدل بها على أنه يحجبها الأخوة والأخوات أيضًا، وليس فيها ما يدل على ذلك، بل تدل على عدم حجبهم لها. نعم يعلم ذلك من قوله تعالى {فإن كان له إخوة فلأمه السدس} وهو واضح. (7) قوله: "أو محجوبًا بالأب": أي وكذا الأخ لأب المحجوب بالشقيق، فإن الأم معهما ترث السدس فقط. ومرادهم الاحتراز عن المحجوب بالوصف، كالرقيق، والمخالف للدين، والقاتل، فإنهم لا يحجبون الأم، لأن وجودهم كعدمه. واختار الشيخ تقي الدين أن الإخوة المحجوبين بالأب لا يحجبون الأم من الثلث، فلها في مثل أبوين وأخوين: الثلث عنده. قال في الإنصاف: والأصحاب على خلافه. اهـ. (8) قوله: "وقد يكون عائلاً": أي كما يأتي، وذلك كزوج وأم وبنتين وجد، فإنها تعول لخمسة عشر، فيكون له سهمان من خمسة عشر، وهو أقل من سدس المال. واعلم أن الجدّ لا يحجبه غير الأب، إجماعًا، ذكره ابن المنذر. واختلف في الجد مع الإخوة أو الأخوات لأبوين أو لأب: فذهب الصّدّيق وابن عباس وابن الزبير وغيرهم من الصحابة إلى أن الجد يسقط جميع الإخوة والأخوات من جميع الجهات، كأب، وهو مذهب أبيّ (¬1). قلت: واختاره من أئمتنا ابن بطة (¬2) وأبو حفص البرمكي والآجُرِّي، وذكره ابن الجوزي عن أبي حفص العُكْبُري أيضًا، والشيخ تقي الدين، وصاحب الفائق (¬3). قال في الفروع: وهو أظهر. قال في الإنصاف: قلت: وهو الصواب. وحديث "أفرضكم زيد" ضعَفه الشيخ تقي ¬

_ (¬1) هكذا في الأصل. وفي ض: "وهو مذهب أبي حنيفة". وكلاهما: أبيّ وأبو حنيفة - ذهب إلى ذلك، كما في المغني (6/ 215) ط ثالثة. (¬2) ابن بطة: هو عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان العكبري الحنبلي (-،.ظهـ) فقيه محدث. له كتاب "السنن"، وكتاب "الإبانة عن أصول الديانة". (¬3) صاحب الفائق: هو أحمد بن الحسن بن قدامة (- 771 هـ) الدمشقي الحنبلي، المشهور بابن قاضي الجبل. تقدم. وكتابه "الفائق" في الفقه لم يتمّ، مجلد واحد.

فصل في أحكام الجد والإخوة

الدين (¬1). قال ابن الجوزي: الآجري من أعيان أعيان أصحابنا. انتهت عبارة [2/ 62] الإنصاف. وذهب علي وزيد بن ثابت وابن مسعود إلى توريثهم معه، على اختلاف بينهم، وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وأبي يوسف ومحمد. فصل في أحكام الجدّ والإخوة (1) قوله: "عده على الجد إلخ": أي فلو كان للميت أخ شقيق وأخ لأب وجدّ، فإن الشقيق يقول للجد: نحن اثنان وأنت واحد، فلك الثلث، ولنا الثلثان. فيعطيه الثلث ثم يعود [الشقيق] فيأخذ الثلث الذي قُسِمَ للأخ لأب، فيكون له الثلثان، كما ذكره المصنف بقوله: "ثم يأخذ إلخ" قال في المغني: وقد مثلت هذه المسألة بمسالة في الوصايا، وهي ما إذا أوصى لرجلٍ بثلث ماله، ولآخر بمائةٍ، ولثالث بتمام الثلث، وكان ثلث المال مائتين، فإن الموصى له بالمائة يزاحم صاحب الثلث بصاحب التمام، فيقاسمه الثلث نصفين، ثم يختص صاحب المائة بها، ولا يحصل لصاحب التمام (¬2) شيء. انتهى. لكن قال الفتوحي: وتقدمت هذه المسألة في الوصايا، وأن قياسها على ما نحن فيه قول مرجوح. والله أعلم. (2) قوله: "ولا يتفق هذا في مسألة فيها فرضٌ غير السدس": أي لأنه لا يكون في مسائل المُعَادَّة فرض إلا السدس أو الربع أو النصف، وذلك لأن الثلث للأم مع عدم الإخوة، والثلثين للبنتين، وبنتي الابن، والأختين، مع عدم المعصب، والثمن للزوجة مع الولد. فإذا انتفى ذلك بقي الربع والنصف والسدس. ومع الربع متى كانت المقاسمة أحظَّ له بقي للأخوة أقل من النصف، فهو لولد الأبوين، وإلا وجب أن يكون الربع للجد، لأنه ثلث الباقي، ولا ينقص عنه، فيبقى للأخوة النصف، فيأخذه ولد الأبوين، ولا يبقى لولد الأب شيء. وكذا إذا كان الفرض النصف، بل أولى، فحينئذ لا يتصور أن يبقى بعد الأحظّ للجد وفرض ¬

_ (¬1) حديث "أفرضكم زيد" أخرجه أحمد والترمذي والنسائي من حديث أنس مرفوعًا، ضمنَ حديثٍ أوّله: "أرحم أمّتي بأمتي أبو بكر". (¬2) كلمة "التمام" ساقطة من ض.

باب الحجب

[2/ 65] الشقيقة مع فرضٍ غير السدس، وأما السدس فيتصور أن يبقى معه لولد الأب، كما في مختصرة زيد وتسعينيته. وإذا لم يكن فرض مطلقًا قد يبقى شيء لولد الأب، كما في العَشْريّة والعشرينيّة، وقد لا يبقى شيء، كجدٍّ وأخت لأبوين وأخت لأب، فإن المسألة من أربعة: للجد سهمان لأن المقاسمة أحظّ له، ولكلِّ أختٍ سهم، ثم تأخذ التي لأبوين ما سُمِّي للتي لأب تستكمل به فرضها، وهو النصف. فائدة: ما تقدم كله من العمل في الجد مع الإخوة هو مذهب زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه. قال في الفروع: ونص أحمد على بعض ذلك، وعلى معناه، متبعًا له. اهـ. وأما مذهب الصديق ومن تبعه: يحجب الجد الإخوة مطلقًا. قلت: وهو أقل تعسُّفًا. (3) قوله: "لصحّت ابتداء من أربعة وخمسين": أي كأن يقال: أصل المسألة من ستة: [52ب] للأم السدس واحد، وللجد ثلث الباقي وهو خمسة، ولا ثلث له صحيح. ومخرجه من ثلاثة، فاضرب ثلاثةً في المسألة، ستة، تكون ثمانية عشر: للأم السدس ثلاثة، وللجد ثلث الباقي خمسة، وللشقيقة النصف تسعة، يبقى واحد للأخ والأخت لأب، على ثلاثةٍ لا ينقسم، فاضرب الثلاثة في ثمانية عشر تكون أربعة وخمسين، ومنها تصح: للأم تسعة، وللجد خمسة عشر، وللشقيقة سبعة وعشرون، وللأخ لأب اثنان، وللأخت لأب واحد. باب الحجب (1) قوله: "اعلم أن الحجب إلخ": الخطاب لمن يتأتى منه العلم. وإنما صدِّر هذا الباب بهذا اللفظ تهويلاً له وتعظيمًا لشأنه، فإنه باب عظيم في الفرائض، حتى قال بعضهم: حرام على من لم يعرف الحجب أن يفتي في الفرائض. اهـ. وقوله: "الحجب بالوصف": يؤخذ منه أنه يقال للمتصف بواحد من الثلاثة: محجوب عن الِإرث، كما يقال: ممنوع، وهو كذلك. لكن اصطلح الفرضيون على أن المحجوب بالشخص يقال له محجوب، ولا يقال له ممنوع، وإن صح

ذلك في المعنى؛ وأن المحجوب بالوصف يقال له ممنوع، ولا يقال له محجوب، [2/ 68] وإن كان ذلك في المعنى صحيحًا. لكنه شيء اصطلحوا عليه، ولا مشاحَّة في الاصطلاح. (2) قوله: "على خمسةٍ": وبعضهم عندهم ستة، بجعل الابن والبنت مكان الولد في كلام المصنّف. (3) قوله: "وكل جَدّةٍ بُعْدى بجدةٍ قربى": أما إن كانا من جهة فبالِإجماع، وأما إن كانا من جهتين، فإن كانت القُرْبى من جهة الأم، فإنها تحجب البعدى من جهة الأب، إجماعًا أيضًا. وإن كانت القربى من جهة الأب فإنها تحجب البعدى من جهة الأم على الصحيح المفتى به عندنا. وهو مذهب الحنفية. وعند مالك لا تسقط، بل يكون السدس بينهما. وهو الصحيح من مذهب الشافعي. وبه قال من أئمتنا القاضي أبو يعلى وابن عقيل وغيوهما. (4) قوله: "أيضًا": مصدر من "آضَ" إذا رجع، مفعول مطلق حذف عامله، أي أرجع إلى الِإخبار بكذا رجوعًا، أو حال حذف عاملها وصاحبها، كأخبر بكذا راجعًا إلى الإخبار به. ولا تستعمل إلا مع شيئين بينهما توافق، فلا يجوز جاء زيد ومضى عمرو أيضًا، ونحو ذلك. (5) قوله: "والأخ للأم يسقط باثنين إلخ": قال في المغني: أجمع على هذا أهل العلم، فلا نعلم أحدًا منهم خالف هذا إلا روايةً عن ابن عباس شذّت في أبوين وأخوين لأم: للأم الثلث، [و] للأخوين لأم الثلث. وقيل عنه: لهما ثلث الباقي، وهذا بعيدٌ جدًا، فإن ابن عباس يسقط الِإخوة كلهم جميعًا بالجد، فكيف يورث ولد الأم مع الأب؟! اهـ. (6) قوله: "يعصّبهن إلخ": إنما يعصب ابن الابن من هي أعلى منه إن احتاجت إليه، بأن كانت بنات الصلب ثنتين فأكثر، فإنه لو لم يكن موجودًا لسقطت بنت الابن، وبوجوده يعصّبها، فيأخذ مِثْلَيْ ما لها من الثلث الباقي. وأما لو كانت بنت الصلب واحدة فإنها تأخذ النصف، وبنت الابن السدس، والباقي لابن ابن الابن. فلا يعصّبها لأنها غير محتاجة إليه، فلو خلف ميت أخًا وخمسًا من بنات

[2/ 70] ابن بعضهن أنزل من بعض لا ذكر معهن: كان للعليا النصف، وللثانية السدس، وكان الباقي للأخ، وسقط سائرهن. فلو كان مع العليا أخوها أو ابن عمها كان للعليا النصف، والباقي بينه وبين الثانية أثلاثًا. ولو كان مع الثالثة (¬1) فللعليا النصف، وللثانية السدس، والباقي بينه وبين الثالثة أثلاثًا. وإن كان مع الرابعة فللعليا النصف، وللثانية السدس، والباقي بينه وبين الثالثة (¬2) والرابعة على أربعة. وإن كان مع الخامسة على خمسة، وتصح من ثلاثين: للعليا نصفها خمسة عشر، وللثانية السدس خمسة، يبقى عشرة: للذكر أربعة، وللثالثة سهمان، وللرابعة سهمان، وللخامسة سهمان. وكذا لو كان الذكر أنزل من الخامسة. قال في المغني: لا أعلم في هذا خلافا بين القائلين بتوريث بنات الابن مع بني الابن بعد استكمال الثلثين. اهـ. (7) قوله: "لكونه إلخ": فيه نظر، والصواب: لكونِهِ محجوبًا بالوصف، أو التعميم. (8) قوله: "إلا الإخوة إلخ" [53أ]: وعند الشيخ: حتى الإخوة. ففي أخوين وأبوين: للأم الثلث اهـ. قوله: "لكونه محجوبًا بالشخص": إنما قيده بذلك لأجل الاستثناء في قوله "إلا الِإخوة إلخ" وذلك لأنهم قد يحجبونها وهم محجوبون، إلا إذا كان حجبهم بالشخص، كالأب ونحوه. وأما إن حُجبُوا بالوصف، كالرق ونحوه، فلا يحجبونها، لأن وجودهم كالعدم. وبهذَا يندفع التنظير الذي بجانب لهذه الهامشة (¬3). ¬

_ (¬1) هكذا في الأصل وض. وأضاف ناسخ ض هنا "أخوها أو ابن عمها" ونبّه على أنها ليست من أصله. (¬2) سقط من الأصل من قوله: "أثلاثًا" إلى هنا. وهو في ض على التمام. (¬3) لعل هذه القولة من كلام الشيخ محمود تعقيبًا على كلام والده في (ح 7) المتقدمة، ودفعًا لمؤاخذته للشارح. ويحتمل أيضًا أن الكل من كلام الشيخ عبد الغني، وقوله "يندفع التنظير" أي قوله فيما تقدم: "فيه نظر".

باب العصبات

باب العصبات [2/ 71] (1) قوله:"وإن الأخوات مع البنات عصبات": أي فيحجبن من هو دونهن أو أضعف منهن، فلو هلك هالك عن بنت وأخت شقيقة وأخ لأب، فللبنت النصف، والباقي للشقيقة تعصيبًا، ولا شيء للأخ لأب. وكذا لو كان أم: فلها السدس، وللبنت النصف، والباقي للشقيقة. وكذا لو مات عن بنتين وأخت لأب وابن أخ أو عم شقيق أو لأب: فللبنتين الثلثان، والباقي للأخت للأب، ولا شيء لابن الأخ أو العم، لأنها هنا أقرب، وفي الأولى أقوى. وقس على ذلك. فائدة: جهات العصوبة ست: البنوة، ثم الأبوة، ثم الجدودة والأخوة، ثم بنو الإخوة، ثم العمومة (¬1)، ثم الولاء. فالحكم في إرث العصبات للأقرب فالأقرب من الجهات المذكورة. فإن اتحدت الجهة فالأقوى، كالأخ الشقيق مع الأخ للأب، فان الجهة واحدة، لكن الشقيق أقوى لكونه أدْلى بجهتين. وهكذا. فبنو عمٍّ للميت بعضهم أنزل من بعض: الِإرث للأقرب، فإن استووا فيه فللأقوى، فإن استووا فهو بينهم على عدد رؤوسهم، ولو كانوا جماعةً أبناء عمٍّ واحد، وآخر ابن عمٍّ آخر، لأنهم استووا في القرب والجهة والقوّة، فاستووا في الِإرث. والله أعلم. (2) قوله: "ولا تتمشّى على قواعدنا المسألة المسماة إلخ": أي بل تتمشى على مذهب الشافعي رضي الله عنه تبعًا لزيد، فإنه شرَّك بين الِإخوة لأم والأشقاء، ولذلك سميت "مشُرًكة"، وتسمى أيضَا "الحماريّة"، لأن بعض الورثة قال لعمر: هبْ أن أبانا كان حمارًا أليستْ أمنا واحدة؟ فشرَّك بينهم. والأول مذهب عليّ، وبه قال أبو حنيفة وإمامنا وغيرهم. قال العنبريّ (¬2): القياس ما قال عليٌّ، والاستحسان ما قال عمر. قال بعض العلماء: وهذه واسطة مليحة، وعبارة صحيحة. وهو كما ¬

_ (¬1) أي: وبنوهم. (¬2) قال في التقريب: عبيد الله بن الحسن العنبري، البصريّ، قاضيها، ثقة فقيه، من السابعة، مات سنة 168هـ. ليس له عند مسلم إلا حديث واحد. وقال الزركشي: كان معتزليًّا.

باب الرد وذوي الأرحام

[2/ 74] قال، لأن الاستحسان المجرد ليس بحجة في الشرع، ولا يجوز الحكم به لو انفرد عن معارض، فكيف وهو في مسألتنا يخالف ظاهر القرآن والسنة والقياس؟ ومن العجب ذهاب الشافعي إليه هنا، مع تخطئته الذاهبين إليه في غير هذا الموضع، وقوله "من استحسن فقد شرَّع". وموافقتُهُ للكتاب والسنة أولى. انتهى. قاله في المغني. (3) قوله: "عصبته الذكور": أي دون الِإناث. وظاهره أنه إذا ماتَ المعتِق، وخلَّف بناتٍ أو أخوات أو أمًّا ونحوهن من أصحاب الفروض، ثم مات العتيق ولم يخلّف صاحبَ فرض يستغرق التركة، ولم يخلف عصبةً من النسب، لم يرث واحدةٌ من بنات المُعتِقِ ونحوهن من تركة العتيق شيئًا. وكذا لو كان معهن من يعصّبهن، فإن الِإرث هنا للذكرر خاصة. والله أعلم. باب الرد وذوي الأرحام (1) قوله: "فلا يردّ عليهما": أي إجماعًا. وما روي عن عثمان رضي الله تعالى عنه أنه ردَّ على زوج، فقال في المغني: ولعله كان عصبةً أو ذا رحمٍ فأعطاه لذلك، أو أعطاه من بيت المال، لا على سبيل الميراث اهـ. (2) قوله: "إلا أخًا لأمّ إلخ": الصواب رفع "أخًا" وما عطف عليه، لأنه فاعل يرث المنفي بلم، وهو استثاء مفرع يكون فيه ما بعد إلا معمولاً لما قبلها، كقولك ما قام إلا زيدٌ، وما رأيت إلا زيدًا، وما مررت إلا بزيدٍ، بخلاف ما لو ذكر المستثنى منه نحو "ما قام القوم إلا زيد" يجوز فيه رفع المستثنى ونصبه. وفي كلام الشارح لم يذكر المستثنى منه فهو كقولك: ما قام من القوم إلا زيد. (3) قوله: "لأنها لو زادت سدسًا آخر إلخ": أي كما لو مات عن المذكورين وعن جدٍّ فإنه يأخذ السدس الباقي. (4) قوله: "وإن كانت زوجة مع الولد إلخ": أي وإن كانت الزوجةُ مع عدم الولد فالباقي بعد فرضها ثلاثة، إما أن ينقسم على مسألة الردّ، كزوجةٍ وأمٍّ وأخوين

فصل في إرث ذوي الأرحام

لأم كما تقدم، وإما أن لا ينقسم، كزوجة وأخت لغير أمٍّ وأخٍ لأم مثلاً، فالباقي [2/ 78] بعد فرض الزوجة ثلاثة، ومسألة الردِّ من أربعة، لا تنقسم عليها، فاضرب مسألة الردّ في مسألة الزوجيّة، تبلغ ستة عشر: للزوجة أربعة، وللأخت تسعة، وللأخ لأمٍ ثلاثة. (5) قوله: "إلا على فريق": أي لأن الزوج لا يتعدّد، والأخ لأمٍّ [53ب] إذا تعدد زاد سهمه إلى الثلث. فصل في إرث ذوي الأرحام (1) قوله: "واختلف العلماء إلخ": أي فعند مالك لا يرثون، بل إذا لم يكن وارث مجمع على إرثه ممن تقدم ذكرهم أوَّل كتاب الفرائض، أو كان ممن لم يستغرق التركة، فالمال كله في الأولى، والباقي بعد صاحب الفرض في الثانية، لبيت المال. فهو ينفي الرّدّ وذوي الأرحام. وأصل مذهب الشافعي كذلك، لكن المفتى به الآن عند محققي أصحابه أن ذلك مخصوص بما إذا انتظم بيت المال. وأما إذا لم ينتظم فالحكم كمذهبنا ومذهب الحنفية. (2) قوله: "أو بأبٍ أعلى من الجد": أي كأم أبي أبي الأب. وعند أبي حنيفة والشافعي ترث. (3) قوله:"وعليه التفريع": أي في قولهم: فتنزل إلخ ويسمى هذا مذهب أهل التنزيل. وعند أبي حنيفة يقدم الأقرب فالأقرب، كالعصبات. ويسمى هذا مذهب أهل القرابة. فبنت أخت شقيقة، وبنت أخت لأب: فعلى الأول: لبنت الأولى ثلاثة أرباع، ولبنت الأخرى ربع. وعلى الثاني: لا شيء للثانية، كالأخ لأب مع الشقيق. وهكذا: عمّات متفرقات، وخالات متفرقات: فعلى الأول: للعمات الثلثان، على خمسة، وللخالات الثلث على خمسة. وعلى الثاني: للعمة الشقيقة الثلثان،

باب أصول المسائل

[2/ 81] وللخالة الشقيقة الثلث، ويسقط الباقي. وقس على ذلك ما أشبهه. (4) قوله: "فلبنت الأخت الأولى النصف إلخ": أي حيث استوت الأختان في كونهما لأبوين أو لأب أو لأم. وأما لو كانت إحداهما شقيقة والأخرى لأب أو لأم فلبنت الشقيقة ثلاثة أرباع، ولبنت الأخت لأبٍ أو لأم الربع. وإن اختلفت منزلتهم منه، كثلاث خالات متفرقات: واحدة شقيقة، وواحدة لأب، وواحدة لأم، وثلاث عمات متفرقات كذلك، فالثلث الذي كان للأم بين الخالات على خمسة، لأنهن يرثنها كذلك، والثلثان اللذان للأب بين العمات على خمسة، لأنهن يرثنه كذلك (¬1)، والخمسة والخمسة متماثلان، فاكتفِ بأحدهما، واضرب الخمسة في ثلاثةٍ أصل المسألة مخرج الثلث تكن خمسة عشر للخالات منها خمسة، وللعمات عشرة: فللخالة من جهة الأبوين ثلاثة، ومن جهة الأب واحد، ومن جهة الأم واحد، وللعمة من الأبوين ستة، ومن الأب سهمان، ومن الأم سهمان (¬2). باب أصول المسائل (1) قوله: القول ابن عباس إلخ": أي وقال أيضًا: لو قدَّموا ما قدَّم الله، وأخّروا ما أخَّر الله، ما عالت فريضة أبدًا. فقال زفر: فمن الذي قدَّمه الله، ومن الذي آخره الله تعالى؟ فقال: الذي أهبطه من فرض إلى فرض فذلك الذي قدمه الله، والذي أهبطه من فرض إلى ما بقي فنالك الذي آخره الله تعالى. فقال زفر: فمن أول من أعال الفرائض؟ قال: عمر بن الخطاب. فقلت: ألا أشرف عليه؟ فقال: هبته. وكان امرأً مهيبًا" (¬3) اهـ. ¬

_ (¬1) سقط من ض قوله "والثلثان اللذان كان للأب ... إلخ". (¬2) هكذا في ض. وهو الصواب. وفي الأصل: "ومن الأب ثلاثة، ومن الأم ثلاثة". (¬3) أخرجه البيهقي في سننه (6/ 253) وللحديث بقية يتضح بها مراد ابن عباس فانظرها فيه، وفي كنز العمال (11/ 28) وأخرجها الحاكم، وسندها حسن (الإرواء ح 1706).

باب ميراث الحمل

(2) قوله: "والاثنا عشر تعول إلخ" وهي والأربعة والعشرون لا يكونان إلا [2/ 84] عائلتين أو ناقصتين، فلا يكونان عادلتين أصلاً، بخلاف الستة، فإنها تكون عائلة وناقصة وعادلة. فالعائلة هي التي تزيد فروضها على مالِها، وعكسها الناقصة، والعادلة هي التي يستوي فروضها ومالها. (3) قوله: "وتسمّى أم الأرامل" وكذا تسمى "الدينارية الصغرى" لأنه صحّ لكل واحدة دينار. وأما "الدينارية الكبرى" فهي: زوجة وبنتان وأم واثنا عشر أخًا وأخت. فللزوجة الثمن ثلاثة، وللبنتين الثلثان ستة عشر، وللأم السدس أربعة، يبقى سهم للإخوة والأخت، [من 24] على خمسة وعشرين، لا تصح، فاضرب خمسة وعشرين في أربعة وعشرين تبلغ ستمائة، ومنها تصح: للزوجة ثلاثة في خمسة وعشرين بخمسة وسبعين، وللبنتين ستة عشر في خمسة وعشرين بأربعمائة، وللأم أربعة في خمسة وعشرين بمائة. يبقى للأخوة والأخت خمسة وعشرون: للأخت واحد، ولكل أخ اثنان. وسميت الدينارية لما روي أن امرأة قالت لعليِّ: إن أخي من أبي وأمي مات وترك ستمائة دينار، ونابني منه دينار واحد، فقال: لعل أخاك خلَّف من الورثة كذا وكذا، قالت: نعم. قال قد استوفيت حقَّك. (4) قوله: "ثلث": أي سدسان، وإلا فالثلث لا يوجد مع الثمن أصلاً. باب ميراث الحمل (1) قوله:"بفتح الحاء": وأما بكسرها فمصدر "حَمَلَ" الشيء على ظهره أو رأسه. وفي حمل الشجرة الوجهان [54أ]. (2) قوله: "الأكثر من إرث ذكرين": أي كما لو مات عن زوجة حامل وابن، فإنه يوقف إرث ذكرين لأنه أكثر. (3) قوله: "أو أنثيين": أي كما لو مات عن زوجة حامل منه وأبوين، فالأكثر هنا إرث أنثيين.

باب ميراث المفقود

[2/ 87] (4) قوله: "إرثه كاملًا": أي كما لو ماتت امرأة، وخلّفت زوخا وأمًّا حاملًا، فإنه يدفع للزوج إرثه كاملًا، وأما الأم فيدفع لها السدس، لاحتمال أن يكون الحمل توأمين. (5) قوله: "استهل صارخًا": قبل بالبناء للفاعل، وقيل بالبناء للمفعول. ومعنى "استهل": خرج صارخًا، وأما "أهلَّ" فبالبناء للفاعل. وقال الجوهري وغيره: استهل المولود إذا صاح عند الولادة. وحينئذ فالاستهلال رفع الصوت، فصارخًا حال مؤكدة لعاملها. باب ميراث المفقود (1) قوله: "كالأسر": أي عند من عادته عدم قتل الأسير. (2) قوله: "هذا المذهب إلخ": وعنه أنه ينتظر حتى يتيقن موته، أو مدة لا يعيش لمثلها. وهو مردود إلى اجتهاد الحاكم. وبه قال الشافعي ومحمد بن الحسن، وهو المشهور عن أبي خنيفة ومالك وأبي يوسف. فيكون ما في المتن من مفردات المذهب. (3) قوله: "فأشبه التعيين": أي أشبه تعيين موته. ولعل هذه اللفظة غير صحيحة، وإنما هي مأخوذة من عبارة شرح المنتهى لمؤلفه على وجه الوهم، وعبارته: "وقال عبد الله بن الحكم: ينتظر إلى تمام سبعين، ولعله احتج بقوله - صلى الله عليه وسلم - "أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين" أو كما قال؛ ولأن الغالب أنه لا يعيش أكثر من هذا، فاشبه التسعين" اهـ. فالظاهر أنه التبس عليه لفظ التسعين "بالتعيين" فليفهم. قوله: "فأشبه التعيين" [أيضًا]: هكذا في النسخ التي بأيدينا، وهي لا معنى لها، وليس ذلك من عبارة الإنصاف، ولعل هذه اللفظة مأخوذة من قول بعضهم ينتظر تتمة سبعين سنة، أي بتقديم السين الموحدة، قال: لأن الأغلب أنه لا يعيش أكثر من هذا، فأشبه التسعين، أي بتقديم المثناة فوق على السين المهملة، فحصل

باب ميراث الخنثى

لها تحريف من النساخ. وعلى كل ففي عبارته ما لا يخفى. [2/ 90] (4) قوله:"أخذ ما وجده إلخ" وعنه لا يرجع على من أخذ شيئاً، نص عليه في رواية ابن منصور، وقال: إنما قسم لهم بحق. انتهى. وظاهره: سواء كان موجودًا أو تالفًا. وعبارة الفروع تفيد أن ذلك في التالف فقط، فراجعه. (5) قوله: "إن تباينتا إلخ" اعلم أنه لا بد من الوقوف على معنى التباين، والتوافق، والتماثل، والتداخل. فمعنى التباين: أن يكون كل من العددين له جزء غير موجود في الثاني، كثلاثة وأربعة، فإن جزء الثلاثة الثلث، والأربعة لا ثلث لها. ومعنى التوافق: أن يكون كل من العددين له جزء تصح نسبته من الثاني، كأربعة وستة، فلكل منهما نصف (¬1). ومعنى التماثل: أن يكون أحد العددين مثل الآخر، كأربعة وأربعة، وخمسة وخمسة. ومعنى التداخل: أن يكون أقل العددين إذا سلِّط على الأكثر أفناه، كاثنين وأربعة، وكأربعة وثمانية، أو وستة عشر، فإنك تقول: اثنان واثنان أربعة، وأربعة وأربعة ثمانية، وثمانية وثمانية ستة عشر، ونحو ذلك. فليعلم. باب ميراث الخنثى (1) قوله: "وعددًا": ناقشه م خ بما نصه: وكثرة العدد مشكلة في هذه الحالة، ضرورية (¬2) المعية، إلا أن تجعل "معًا" بمعنى جميعًا، أو يكون ابتداء الخروج معًا، لكنه ينقطع على دفعات، وكون دفعات إحداهما أكثر اهـ. قلت: وما اعتذر به بقوله: "إلا أن تجعل" إلخ، لا يجدي نفعًا، بل المناقشة في محلها، كما لا يخفى بالتأمل. ¬

_ (¬1) في ض هنا زيادة، نصها كما يلي: "وكثلاثة وتسعة، فلكل منهما ثلث. وكالأربعة والاثني عشر، فلكل منهما ربع". (¬2) كذا في النسختين، ولعل صوابه: "ضرورة المعيّة".

باب ميراث الغرقى ونحوهم

[2/ 94] باب ميراث الغرقى ونحوهم (1) قوله: "إذا علم إلخ": قَيَّد في المحرر والرعاية العلم بالورثة، وقال ابن نصر الله: ليس علم الورثة بذلك شرطًا، بل شرطه الثبوت، كغيره من الأحكام المطلقة. وهذا القيد لا حاجة إليه. ثمّ لو فرض أن الورثة ممن لا يعقل لم يؤثر ذلك في الحكم اهـ. وهو كما قال. (2) قوله: "وجهل عينه إلخ": هذا هو المذكور في قول المتن: "وكذا إن جهل الأسبق" فالصواب أن يقول: وكذا لو جهل السبق، بأن لم يعلم هل حصل سبق لأحدهما أو لا. والأحسن في العبارة من أصلها أن يقال: وكذا إن جهل السبق، أو علم وجهل السابق، أو علم ثم نسي. فهذه أخصر وأوضح. فليتأمل. باب ميراث أهل الملل (1) قوله: "إذا أسلم إلخ": وهذا عندي يُعَدّ من محاسن [54ب] المذهب، لأن فيه ترغيبًا في الإسلام. (2) قوله: "فاليهودية ملة إلخ ": وقال القاضي: الكفر ثلاث ملل: اليهودية، والنصرانية، ودين من عداهم. وَرُدَّ بافتراق حكمهم، فالمجوس يُقَرُّون بالجزية، وغيرهم لا، وهم مختلفون في معبوداتهم ومعتقداتهم وآرائهم، يكفر بعضهم بعضًا، ويستحلون بعضهم دماء بعض اهـ. م ص. (3) قوله: "ومن حكم بكفره من أهل البدع إلخ ": أي كالداعية منهم، وكالجهمية القائلين بالتعطيل، ويزعمون أن القرآن مخلوق، وأن الله لم يتكلم، ولا يرى، وليس له عرش ولا كرسي، وأنكروا الموازين وعذاب القبر، وأنكروا صفات الرب عز وجل، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.

باب ميراث المطلقة

(4) قوله: "فلو خلَّف المجوسي إلخ": ومثله في الحكم لو وطئ مسلم بنته [2/ 97] وأخته ونحوهما بشبهة نكاح أو تسرٍّ، وولدت الموطوءة ولدًا، فإنه يرث بجميع قراباته، لأن النسب يلحق الواطىء. باب ميراث المطلقة (1) قوله: "سواء كان في المرض إلخ" أي إذا مات أحدهما وهي في العدة. وأما إن انقضت فلا توارث إلا إذا كان [طلاقه لها] في مرض موته المخوف، فإنها ترث ولو انقضت عدتها، ما لم تتزوج أو ترتد. (2) قوله: "وليس منه كلام أبويها": أي لأن لها غنى عنه شرعًا، فإنه لا يحرم عليها عدمه، بخلاف نحو الصلاة. هكذا يفهم من هذه العبارة. ينبغي أن يحرر الحكم. (3) قوله: "أو وكل في صحته من يُبينُها متى شاء إلخ": ولعل وجه التهمة هنا أنه ربما كان واطأه على إبانتها في مرضه المخوف، وإلا فهذا لا تهمة فيه. (4) قوله: "ولو لم يمت": أي من ذلك الرجز، بل لُسِعَ أو أكل أو تردى من علو أو نحو ذلك، وهو في مرضه. أما إذا صح من ذلك المرض، ثم مات، فإنها لا ترثه لأنه حينئذ لم يطلقها في مرض موته، فافهم. فائدة: لو أبان رجل زوجته في مرض موته المخوف لا بقصد حرمانها بل لتكون أجنبية تصح الوصية لها، فأوصى لها عقب إبانتها بما يزيد عن فرضها، فهل تكون وارثة ولا تصح الوصية لها إذ لا وصية لوارث، أو لا ترث لعدم التهمة، بقرينة الوصية، وتصح الوصية لها، لأنها غير وارثة؟ الذي يفهم من كلام بعض المحققين أنها ترث، ولا تصح الوصية. ولي فيه وقفة. فليحرر. (5) قوله: "بشرطه المتقدم": أي وهو التهمة بحرمانها، وقد مَرّ تصويره. (6) قوله: "ما دامت معتدة": مفهومه أنه إذا انقضت عدتها انقطع الإرث، وهو مقتضى كلامه في التنقيح والإنصاف، وظاهر كلامه في الفروع،

باب ميراث القاتل

[2/ 100] كالمقنع (¬1) والشرح، حيث أطلقوا "ولو بعد العدة" واختاره في الإقناع، وقال إنه أصوب مما في التنقيح اهـ. م ص. أي كما لو كان هو المطلّق. وعلى كل فالظاهر: ما لم تتزوج، لئلا يرثها زوجان، وهو لم يعهد. وأما نكاحه غيرها فلا يقطع إرثه منها. هذا ما ظهر لي، فليحرر. باب الإقرار بمشارك في الميراث (¬2) (1) قوله: "بمشارك في الميراث" أي بمن يرث، أعم من مشاركته أو حجبه، فإن الإقرار بمن يحجبه ذكر في هذا الباب، أو يقال: ترجم لشيء وزاد عليه، وهو غير معيب. (2) قوله: "فيشترط لثبوت النسب أربعة شروط": أسقط شرطين، أحدهما ذكره المصنف، وهو كونه مجهول النسبة، وثانيهما ذكره في المغني، وهو أن لا يكون مورثهم نفاه في حياته. فعلم بهذا أن الشروط ستة. باب ميراث القاتل (1) قوله: "فلا يرث من سقى ولده إلخ": اعترضه الموفق بأن هذا قتلٌ غير مضمون بقصاص ولا دية ولا كفارة، على ما يأتي في الجنايات، فكان مقتضاه عدم ¬

_ (¬1) ض: "المنقِّح" وهو خطأ. (¬2) في الأصل: "باب الإقرار بمشارك في الميراث" وهو الصواب وهو موافق لما في متن الدليل. وأراد الشارح التغلبي رحمه الله التوضيح بالزيادة، حتى كان العنوان عنده هكذا: "باب حكم تصحيح المسألة مع الإقرار بمشاركٍ في الميراث" ومن هنا جاء العنوان في ض هكذا: "باب حكم تصحيح المسألة" وهو بعيد، فليس هنا تصحيحٌ أصلًا، فإن الصحيح عند الفرضيين له معنى خاص غير موجود هنا أصلًا.

باب ميراث المعتق بعضه

المنع من الإرث. وصوَّب ذلك في الإقناع. وهو الموافق لقاعدة المذهب. [2/ 104] واختاره الشارح أيضًا. قلت: وهو الذي يجب المصير إليه. باب ميراث المعتق بعضه (1) قوله: "لكن المبعض إلخ": لم يتعرض الأصحاب لتوريثه بالولاء، ولا ذكروا في العتق صحة عتقه لما يملكه. قال ابن نصر الله: والظاهر صحة ذلك، إذ لا مانع منه، مع ثبوت الملك. وقد نصوا على ما يقتضي ذلك في الكفارات، فإنهم جعلوا كفارته ككفارة الحرّ في أنه يجوز تكفيره بجميع خصال الكفارة، وهذا يقتضي صحة عتقه، وصحة عتقه يقتضي ثبوت الولاء له، وثبوته له يقتضي ثبوت الإرث. والظاهر أنه يرث هنا جميع تركة مولاه، لأن إرثه بالملك، وهو تام، بخلاف إرثه من أقاربه اهـ. م ص. باب الولاء (1) قوله: "وعلى أولاده": هذا إذا كان كامل العتق، وأما المبعض فولاء أولاده بين السيد وبين مولى الأم بقدر حصتي الحرية والرق. قاله ابن نصر الله. اهـ. خ ف. (2) قوله: "فيما إذا التزم به ": أي لا في قوله [55أ]: أعتق عبدك عني مجانًا، أو أعتق عني عبدك. قال ابن نصر الله في حاشية الزركشي: والمراد بالثمن القيمة، لا ثمنه الذي اشتراه به. ح ف. وهو ظاهر. فصل في الإرث بالولإ (1) قوله: "المتعصبون بأنفسهم" أي وهم الذكور خاصة. وهنا مسألة غلط فيها أناس كثيرون: وهي ما إذا اشترى أخ وأخت أباهما أو أخاهما، فاشترى عبدًا فأعتقه، ثم مات العتيق، فإنه يرثه الابن دون أخته، لكونه

[2/ 107] عصبة المعتق. فقدم على مولاه. ذكرها في الإقناع، فليراجع. مسألة: لو اشترى أخ وأخته أباهما عتق عليهما، ثم لو ملك الأب بعد ذلك رقيقًا فأعتقه، ثم مات الأب، ثم مات عتيقه، وخلف ابن معتقه وبنته المذكورين، فإرثه لابن المعتق دون أخته، لأن الإرث لعصبة المعتق الذكور، والنساء لا يرثن بالولاء إلا بمباشرة العتق، وهذه إن باشرت عتق المعتق، وهو أبوهما، فلا تستحق الإرث، لأن عصبة المعتق أولى من معتق المعتق، فتنبه لهذه المسألة فقد غلط فيها سبعون قاضيًا من قضاة العراق سألهم عنها الإمام مالك رحمه الله تعالى، كما في الإنصاف وغيره (¬1). ... ¬

_ (¬1) هذه المسألة عين السابقة فيما يبدو. ومثل هذا التكرار غير نادر في هذه الحاشية.

كتاب العتق

كتاب العتق [2/ 109] (1) قوله: "من الرق": وهو لغة: العبودية، وشرعًا: عَجْز حُكميّ يقوم بالإنسان سببه الكفر اهـ. م ص. (2) قوله: "فكاكًا": بفتح الفاء وكسرها. مصباح. وهذا إشارة لقوله - صلى الله عليه وسلم - "من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل إرب منها إربًا منه من النار، حتى إنه ليعتق اليد باليد، والرجل بالرجل، والفرج بالفرج" (¬1). أو كما قال. وهل هو عام أو مخصص؟ فليحرر. (3) قوله: "ويحرم إن علم إلخ" ذكر في المتن للعتق ثلاثة أحكام، وبقي اثنان، وذلك أنه يجب بنذر، وعن كفارة، ويباح إن لم يقصد به ثواب الآخرة. فتعتريه الأحكام الخمسة. (4) قوله: "وصريحُهُ لفظ العتق إلخ": قال ابن نصر الله في حاشية الوجيز: ظاهر عباراتهم أنه يحصل بلفظ "العتق"، فلو قال لعبده: أنت عِتْقٌ، عَتَقَ. وفيه نظر اهـ. وكذا يقال في لفظ الحرية اهـ. م خ. (5) قوله: "واسم فاعل": أي كما مثل الشارح بقوله: "وهذا محرِّر" بكسر الراء، وهذا معتِق بكسر التاء. وأما لو قال: أنت عاتق، فقياس ما ذكره في شرح الإقناع في الطلاق أنه يعتق بذلك. (6) قوله:"عتق": أي ولو لم ينو العتق، بخلاف ما بعده، فليعلم. والمراد والله أعلم ما لم ينو بذلك إكرامه واحترامه. وقد تقدم ما يؤيده، فليتنبه له. فصل في العتق بالفعل (1) قوله: "أو خرق" أي خرقًا تحصل به المُثْلة، بخلاف ما لو خرق أذنه لوضع قرط فيها. ¬

_ (¬1) حديث "من أعتق ... " أخرجه البخاري ومسلم والترمذي بلفظٍ مقارب.

[2/ 112] قال م خ: يبقى النظر فيما لو أراد خرق أذنه لذلك، فثلمت فصار مُثْلَة، فإن مقتضى ما هنا أنه يعتق عليه بذلك، حيث قالوا: ولو بلا قصد اهـ. وهو يستوي فيه الذكر والأنثى. (2) قوله: "لصغر": مفهومه أنه لو كانت لا توطأ لكونها نِضْوَةَ الخلقة، لا لكونها صغيرة، أنها لا تعتق بذلك. وعلم من قول الشارح "أي أمةً مباحة" أنه لو كانت محرمة كمجوسية، وأخته من الرضاع، ونحوهما، لا تعتق بالإفضاء. ينبغي أن يحرر. (3) قوله: "كأجنبيين": يعني أنه لو ملك ابنه من الزنا، أو أباه من الزنا، لا يعتق عليه، لأنه لا نسب بينهما شرعًا. (4) قوله: "كفطرة": أي تكون قيمته فاضلة عن حاجته وحاجة من يمونه الأصلية يوم العتق وليلته. فائدة: قال ابن نصر الله: لو حلف، فقال "العتق يلزمني" فهل تنعقد يمينه إذا كان في ملكه عبد؟ يحتمل أنها تنعقد، كالطلاق. وإن لم يكن في ملكه فالظاهر أنها لا تنعقد، ويحتمل أن تنعقد، كالنذر اهـ. ح ف. أقول: وكذا مثله "عليَّ العتق لأفعلن كذا" ونحوه. والذي ينبغي الجزم به لزوم العتق في المسألتين، فلا وجه لتردد ابن نصر الله فيهما، إذ هو بالنذر أشبه، من حيث إنه قربة، لكن يكون هذا من نذر اللجاج والغضب، وهو على الصحيح يخير فيه بين فعله وبين كفارة يمين، إذا وجد الشرط. بل جزم في الإقناع بأن من حلف فقالا "علي عتق رقبة" فحنث، يلزمه كفارة يمين، فعلى هذا: الظاهر: لا يلزم العتق في الصورتين، لما ذكروه في النذر، فليراجع. قوله: "ولا يبطل إلا بموته": أقول: مقتضى تعليلهم أنه يبطل أيضًا بالوقف، لأنه يزول ملكه عنه زوالاً غير قابل للعود. بقي أنه لو مات السيد، ثم وجدت الصفة، ثم عاش، كما يقع لبعض الناس، فإنه يموت ثم يعيش بعد غسله أو وضعه في القبر، ومنهم بعد يوم أو يومين، فهل يبطل التعليق بهذا الموت، ولا حكم لوجود الصفة بعده، أو يفرق بين وجودها

فصل في تعليق العتق وإضافقه

حال موته أو بعد أن عاش، أو كيف الحكم؟ لم أرَ من نص عليه، ولا من أشار [3/ 114] له. ويتفرع على ذلك كثير من الأحكام، فينبغي أن [55ب] يحرر الحكم، فإنه مهم جدًا. والله أعلم (¬1). فصل في تعليق العتق وإضافقه (1) قوله: "ولا يبطل التعليق إلا بموته": مقتضى ما يأتي في التدبير أنه يبطل بوقف المعلَّق عتقه أيضًا، فلا وجه للحصر هنا (¬2). (2) قوله:"فلم يملك أو لم يطلع إلا واحد" من باب التنازع وإعمال الثاني على مذهب البصريين. والذي يظهر لي أنه لا يحكم بعتقه فيما إذا قال: "آخر قنٍّ أملكه، أو آخر قن يطلع، حُرّ"، إلا بالياس من ملكه غيره، كأن يموت القائل، وباليأس من طلوع غيره. ولذلك قالوا: إن قال: آخر مملوك أملكه فهو حر، فملك عبيدًا واحدًا بعد واحدٍ، لم يعتق واحد منهم حتى يموت، فيعتق آخرهم ملكًا منذ ملكه، وكسبه له دون سيده. فإن ملك أمةً حرم وطؤها حتى يملك غيرها، وهكذا الثانية. وهلم جرًّا. انتهى. (3) قوله: "العوض": أي كقوله تعالى {فهل نجعل لك خَرْجًا على أن تجعل بيننا وبينهم سدُّا} [الكهف: 94]. (4) قوله: "يعتق في الحال": قال ح ف: وأما لو قال: إن خَدَمتني سنة فأنت حر، فإنه لا يعتق حتى يخدمه سنة، فإن مات السيد فيها لم يعتق اهـ. وهو كما قال. وإنما يعتق في الأولى ولزمته الخدمة لأنها ملك لسيد، فكأنه أعتقه واستثنى خدمته، وذلك صحيح كما ذكره بقوله "ويصح إلخ". (5) قوله: "ولو لم ينو معينًا": قال ابن نصر الله: مفهومه أنه لو نوى معيّنًا لم يعتق عليه إلا ما نواه، وهو كذلك. وعموم هذا المفهوم أنه لو نوى بذلك عددًا ¬

_ (¬1) لا يخفى أن الصواب في مثل هذه الحالات أنه لا يقال: "مات ثم عاش" بل الحق أنه لم يمت أصلًا. ولذا لا تنطبق عليه أحكام من مات، وإنما غُسِل وصُلّي عليه ودُفِنَ غلطًا. (¬2) في ض هنا كلمة "عنه" ولا موقع لها.

باب التدبير

[2/ 117] من عبيده، كخمسة أو ستة، أو من زوجاته كاثنتين أو ثلاث، عتق وطلق من نواه دون غيرهم. والظاهر أن القول قوله في ذلك بغير يمين، وهو إما من إطلاق العامّ وإرادة الخاص، أو استثنى بقلبه بعض أفراد العامّ. لكن هذا لا يصح إلا في النصف فأقل. اهـ. مخلصًا. (6) قوله:"وطلق الكل": هذه من مفردات المذهب، كما في الحاشية. باب التدبير (1) قوله: "ممن تصح وصيته": أي لا يشترط كونه جائز التصرف، ولذلك قال الشارح: فيصح من محجور عليه إلخ. فإن قلت: العتق بالمباشرة يشترط أن يكون من جائز التصرف، وهنا لا يشترط، فما الفرق؟ فالجواب أن العتق قد يُفَوِّت عليه الانتفاع بالعبد، بخلاف التدبير، فإن المدبّر لا يعتق إلا بموت السيد، وهو بعد الموت غير مفتقر إلى العبد. أشار إلى ذلك م خ. (2) قوله: "قدم العتق": أي فلو أعتق عبدًا في مرض موته المخوف، ودبَّر آخر، فخرج أحدهما من الثلث، قدم المعتق، سواء كان التدبير بعد العتق أو قبله، لأن العتق تنجيز في الحال، بخلاف التدبير. (3) قوله: "وإن اجتمع التدبير والوصية بالعتق تساويا": أي فلو أوصى بعتق زيد، ودبَّر عمرًا، ولم يخرجا من الثلث، تحاصَصَا في الثلث لاستوائهما. (4) قوله: "ولفظ تدبير": هكذا قال عامة علماء المذهب. وفيه تسامح، لأنه لو قال لعبده "أنت تدبير" لم يكن مدبَّرًا فيما يظهر. والله أعلم. (5) قوله: "ويصح بيع المدبر": قال أبو إسحق الجوزجاني (¬1): صحت أحاديث بيع المدبّر باستقامة الطرق اهـ. م ص. ¬

_ (¬1) أبو إسحاق الجوزجاني: هو إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق الجوزجاني (- 259 هـ) قال فيه ابن كثير في تاريخه (11/ 31): خطيب دمشق وإمامها وعالمها، له المصنفات المشهورة. اهـ. وهو من أهل الحديث.

باب الكتابة

(6) قوله: "بوقفه": ومن هنا يؤخذ صحة ما بحثناه سابقًا من أن تعليق العتق [2/ 120] على صفةٍ يبطل بالوقف، كما أنه يبطل بالموت، فانظره بهامش الصحيفة التي قبل هذه. وهذا بخلاف الكتابة، فإنها لا تبطل بالوقف كما يأتي قريبًا، بل متى أدّى دين الكتابة عتق وبطل الوقف. فائدة: ومن أنكر التدبير، فشهد عدلان أو رجل عدل وامرأتان، أو رجل عدل وحلف معه المدبَّر، حكم بالتدبير، لأنه يتضمن إتلاف مالٍ، والمال يقبل فيه ما ذكرناه. م ص. (7) قوله: "وجب أن يبطل به الأضعف": أي فلو دبّر أمة، ثم استولدها، ثم مات، فإنها تعتق بالاستيلاد لا بالتدبير، فيتفرعّ على ذلك أنها تعتق من رأس المال ولو كان لا يملك غيرها، بخلاف المدبّرة فإنها من الثلث. (8) قوله: "بيع عليه": وهذا بخلاف ما لو استولد الكافر أمته، ثم أسلمت، فإنه لا يصح بيعها، فتبقى عنده إلى أن يموت، لكن يحال بينه وبينها، بأن توضع عند امرأة ثقة، وينفق عليها مالكها الكافر، وسيأتي ذلك. باب الكتابة (1) قوله: "بيع السيد رقيقة": شمل السيدَ الكافر، وهو كذلك، لكن لو كاتب المرتد عبده فالكتابة موقوفة، فإن أسلم تبيّنَّا أنها صحيحة، وإن قتل أو مات بطلت. وإن أدّى مال الكتابة له في حال ردته لم يحكم بعتقه، ويكون موقوفًا، فإن أسلم صح الدفع وعَتَق، وإن قتل أو مات على ردّتِهِ بطل والعبد رقيق. (2) قوله: "ولا تصح إلا بالقول": قال ح ف: ولعله يحترز بالقول عن الكتابة والإشارة ولو فهمت، أو كانتا من أخرس [56أ]، أو معتقلٍ لسانُه، أو عن النية المجرّدة، أن المراد الأخير، ولهذا قال في المقنع: ويحتمل أن يشترط قوله أو نيّته. (3) قوله: "أو أبرأه وارث موسر إلخ": وأما إن كان معسرًا فإنه لا يعتق إلا قدر نصيبه منه.

[2/ 123] (4) قوله:"ولو أخذ السيد حقه إلخ " فلو علم ذلك بعد موت المكاتب فتركته لسيده أو ورثته، فلو ادعى المكاتب أن السيد قصد تنجيز عتقه مجانًا، وأنكر السيد، فقوله اهـ. ح ف. أقول: ويتجه: ورثة السيد كهو، فليحرر. (5) قوله: "لغير سيّده": مفهومه أنها لو كانت لسيده فله أن ينفق على ولده منها. وهو كذلك، لأنه مملوك لسيده، بخلاف ما لو كانت لغير سيده، أو كانت حرة. وأما المكاتبة فليس له النفقة على ولده منها ولو كانت لسيده، كما هو صريح. كذا رأيت بهامش نسخةٍ من نسخ هذا الكتاب (¬1) بلا عزو لأحد. ولعله إذا كان الولد بعد الكتابة، وإلا فينفق عليه، لأنه مملوك للسيد، فلا يعتق بأداء الكتابة كما يأتي، ينبغي أن يفهم هكذا. (6) قوله: "أو يضارب": أي يدفع ماله لغيره مضاربة، وأما لو أخذ هو مالاً لغيره، وضارب به، فله ذلك من غير إذن سيده، كما هو ظاهر. (7) قوله: "ولو بعوض": أما إذا كان العوض مجهولاً فباطلةٌ، وتقدم في الهبة، وأما إن كانت بعوض معلوم، فإما أن يكون قدر ثمن المثل أو أقل أو أكثر، فإن كان أقل فغير صحيحة، لأنها محاباة، وقد تقدم أنه ليس له أن يحابي، وإن كان قدر الثمن أو أكثر فالذي يظهر لي صحتها لأنها بيع بدون محاباة، وقد تقدم أنه يصح بيعه لا إلى أجل، وكذلك الهبة بالعوض المعلوم الذي يساوي قيمته العين الموهوبة. ولعل هذا مرادهم. والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم رأيت بهامش بعض النسخ معزيًا للشيخ عثمان ما نصه: "قوله: ولو بعوض: أي مجهول، أو معلوم فيه محاباة، كما استظهره م ص، أما إذا كانت بمعلوم لا محاباة فيه فهي بيع حقيقي، فئصح اهـ. (8) قوله: "ولو مطاوعة": قال ع ن: سيأتي أن الزانية المطاوعة لا مهر لها. ويمكن الجواب بأن المكاتبة، وإن ملكت منافعها يغلب فيها جانب المالية، وهي ¬

_ (¬1) يعني إحدى نسخ نيل المآرب شرح الدليل.

فصل في لزوم الكتابة وما تنفسخ به

رقيقة ما بقي عليها درهم. فلذا كانت مطاوعتها كمطاوعة الأمة، لا كمطاوعة [2/ 125] الحرة. اهـ. قلت: وهو ظاهر لا غبار عليه. (9) قوله: "بشرطه": أي المماثلة في القدر والجنس والنوع والصفة والحلول أو الأجل. وهذا إنما يظهر هنا بعد فرض مهر المثل والاتفاق عليه. فصل في لزوم الكتابة وما تنفسخ به (1) قوله: "مطلقًا": أي لا خيار مجلس ولا شرط ولا غيرهما، وذلك لما علل به الشارح. (2) قوله: "فلسيده الفسخ": أي بعد الطلب لا قبله، كما في الإقناع. (3) قوله: "كما لو أعسر المشتري إلخ": أي فإن له الفسخ، وكذا لو كان موسرًا مماطلًا على ما قاله الشيخ، وصوّبه في الإنصاف، وقدم في الإقناع في الثانية: لا يفسخ اهـ. (4) قوله: "وأما كونه إلخ": ظاهر صنيعه أن هذا من مقول الشافعي، وليس كذلك. والعبارة في شرح المنتهى لمؤلفه، ونصها "أما وجوب الإيتاء فلقوله تعالى {وآتوهم من مال الله الذي آتاكم} [النور:] وبوجوب إيتاء أقل ما يقع عليه الاسم. قال الشافعي: وأما كونه ربع مال الكتابة فلما روي إلخ" فظن أن قوله: قال الشافعي إلخ داخل على قوله: وأما كونه ربع إلخ. فليس كذلك، بل راجع لقوله: "وبوجوب إلخ". (5) قوله: "وهذا لا يحصل إلا بأقل إلخ": الصواب إسقاط "إلا"، ولا يظهر معنى العبارة إلا به. والمراد بهذا الرد على من قال إن الواجب أقل ما يقع عليه الاسم، لأنه في الآية مطلق. فصل في اختلاف المكاتب وسيده (1) قوله: "وفي قدر عوضها": وقيل في هذه الصورة: يتحالفان، كما في البيع. وقيل يقبل قول العبد بيمينه لأنه منكر للزائد، والقول للمنكر.

باب أحكام أم الولد

[2/ 130] (2) قوله: "إذا كاتب": أي السيد "جماعة" أي عبيدًا متعددين. وقوله: "فأدى إلى أحدهم": الصواب "فأدّى أحدهم" كما هو ظاهر. (3) قوله: "عتق على قول من قال إلخ": وهو الصحيح في الكتابة الصحيحة، وذلك كأن يكاتب جماعة من عبيده بمال معلوم كتابة صحيحة. فإنه يقسط مال الكتابة على قدر قيمتهم وقت العقد، ثم متى أدى أحدهم قسطه عتق، وكذا في الفاسدة على الصحيح. (4) قوله: "وتفارق الصحيحة في ثلاثة أحكام": بل الصواب أربعة أيضًا، والرابع ما أشار إليه في المتن بقوله "وتنفسخ بموت السيد إلخ" إلاّ أن يقال: هذا داخل في كونها جائزة، أي غير لازمة، الدال عليه قوله: "الثاني أن لكل واحد من السيد والعبد فسخها". باب أحكام أم الولد (1) قوله: "من ولدت إلخ": مفهومه أنه لو تبين حملها ولم تضع لم تصر أم ولد. فعليه لا تعتق بموت سيدها قبل الوضع، [56 ب] وفي الفروع: إن لم تضع، وتبين حملها عتقت، وأنه يمنع من نقل الملك فيها حتى يعلم ما في بطنها. (2) قوله: "ولو مكاتبًا": أي لكن لا يثبت لها أحكام أم الولد حتى يعتق المكاتب، فإن عجز وعاد إلى الرق فهي أمةٌ قنٌّ، وإن أدى وعتق صارت أم ولد تعتق بموت سيدها. (3) قوله: "ولو خَفِيّةً": أي وتثبت بشهادة امرأةٍ ثقةٍ، ولو بعض صورةٍ كرأسٍ ويدٍ ورجلٍ، أو تخطيطٍ، سواء ولدته حيًّا أو ميتًا. وبطريق الأولى لو وضعت ولدًا تامًا، لكن لا بد فيه من إمكان كونه من الواطىء، على ما يأتي في لحوق النسب. (4) قوله: "ويلزمه عتقه" وفي الإنصاف: يعتق عليه. وصرح في الكافي عن القاضي بأنه إن وطئها بعد أن كمل للحمل خمسة أشهر لم تصر أم ولد، وإن وطئها

في ابتداء حملها أو في وسطه صارت أم ولد، لأن الماء يزيد في سمعه وبصره [2/ 132] اهـ. ح ف. (5) قوله: "ولم تصر أم ولد": ظاهره أنه سواء وطئها أيضًا بعد أن ملكها أم لا. ويؤخذ من كلام القاضي فيما إذا ملك أمة حاملاً من غيره، ووطئها، أنه إن كان الوطء في ابتداء الحمل أو في وسطه تصير أم ولد له بالطريق الأولى، فليحرر. (6) قوله: "ويثبت النسب": أي ويعتق عليه أيضًا. (7) قوله: "ولو بقتلها لسيدها": أي سواء كان القتل خطأ أو عمدًا. وللورثة القصاص في العمد إن لم يكن لها منه ولدٌ حين القتل، أو كان وقام به مانع من الإرث. فإن كان ولا مانع سقط القصاص، وعليها قيمة نفسها. كذا في الحاشية. وفي الإقناع: فعليها الأقل من قيمتها أو ديته اهـ. وهو الصواب. (8) قوله: "كل ما يجوز في أم الولد": أي من خدمةٍ ووطء وإجارة وتزويج وعتق وملك كسب. ويمتنع نقل الملك فيه، كبيع ونحوه. (9) قوله: "على الأصح": أي من أن الحمل يرث بمجرد موت موّرثه، والاستهلال شرط لثبوته. وهذا الذي جزم به في الإقناع. والقول الثاني: أنه لا يرث إلا بالاستهلال، فعليه لا مال للحمل حتى تنفق منه. (10) قوله: "كالقنِّ": فيه تسمُّح، لأن القن إذا جنى لا يلزم سيده فداؤه، بل يخيَّر بين أن يفديه، أو يسلمه إلى ولي الجناية فيملكه، أو يبيعه ويدفع ثمنه. وإنما لزم فداء أم الولد لأنها لا ينقل الملك فيها، فيتعين الفداء. (11) قوله: "ولم يكن على السيد إلخ": قال في شرح المنتهى: وإن ماتت أم الولد الجانية قبل فدائها فلا شيء على سيدها، لأنه لم يتعلق بذمته شيء، إلا أن يكون هو الذي أتلفها، فيكون عليه قيمتها اهـ. أي ويعمل به كحال حياتها. (12) قوله: "وحيل بينه وبينها": أي وتسلم إلى امرأة ثقة تكون عندها وتقوم بأمرها. فإن احتاجت المرأة إلى أجرة، أو احتيج إلى أجرة منزل، فعلى سيدها. اهـ. ح ف.

كتاب النكاح

[2/ 136] كتاب النكاح (1) قوله: "ولو فقيرًا إلخ": لكن إن وَجَدَ الطَّوْل. (2) قوله: "ويجب على من يخافه": أي الزنا. وعبارة المقنع بدل "الزنا": "المحظور"، وهو وهم إذ يشمل حتى الاستمناء باليد. اهـ. ع ن. (3) قوله: "ويباح لمن لا شهوة له إلخ": أي فتخلِّيه لنوافل العبادة أفضل اهـ. م ص. (4) قوله: "ويحرم النكاح إلخ": أي الوطء، ولو كانت الزوجة مسلمة، أو وطئ سُرّيته. والمراد بالضرورة غلبة الشهوة. ويتجه: ولم تندفع إلا بالوطء. وممن يحرم نكاحه أيضاً من علم [أنه] إذا تزوج اضطر إلى كسبٍ حرام، من سرقة ونحوها. وهل إذا علم من نفسه لك، وخاف الزنا بترك النكاح، يجوز له أن يتزوج أو لا؟ لم أو من ذكره، وينبغي أن يحرر. (5) قوله: "الجميلة": أي لأنه أسكنُ لنفسه، وأغضُّ لبصره، وأكمل لمودته. ولذلك شرع النظر قبل النكاح. وهي التي تسرُّه إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ولا في ماله بما يكره. (6) قوله: "والخُطا" أي بضم الخاء ممدودًا ومقصورًا، فالأول جمع "خَطوة" (¬1) بفتح الخاء، بمعنى المرة [من الخَطْوِ]، والثاني جمع "خُطْو" بضم الخاء، اسم لما بين القدمين. وقوله: والقلب يهوى، الحديث، أي إلى آخر الحديث. فلفظ "الحديث" ليس من الحديث. بل هو كما ذكرناه. وأما تمام الحديث فهو: "والقلب يهوى ويتمنّى، ويصدّق ذلك الفَرْجُ أو يكذبه" (¬2). قوله: "بالصبيان" لعله: "الخصيان" فليحرر. ¬

_ (¬1) هذا يعني أن جمع خَطْوةٍ: خُطاء. وفيه نظر، بل جمعها خِطاء، بكسر الخاء، كَرْكْوةٍ ورِكاء، وجَعْبةِ وجعاب. وقيل الخَطْوَة والخُطْوة لغتان. وانظر لسان العرب. (¬2) والحديث المذكور أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة مرفوعاً.

(7) قوله: "وبرزة إلخ": لا بد من ملاحظة قوله: "لا تشتهى" في الجميع. [2/ 138] وإنما نبَّهتُ على ذلك، مع أنه ظاهر، لما سمعته من كثير من الناس، وهو أن نساء الفلاحين كلهن بَرْزَات، لأنهن يبرزْنَ لقضاء حوائجهن، فيجوز النظر لوجوههن. وهذا [57 أ] مما عمَّتْ به البلوى في الفلاحين، بل لا يقتصرن على كشف وجوههن، فيكشفهن أيديهن إلى فوق المرافق، وأرجلهن إلى أكثر من نصف الساق، وصدورهن ورقابهن وأكثر شعورهن. وهذه هي محاسن المرأة دون ما وراءها، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. (8) قوله: "لا يرجى برؤها": ظاهره أنها إذا كانت يرجى برؤها لا يجوز. ولعل ذلك لأنه ربما تعلق بها إذا برئت، خصوصًا إذا نظر في محاسنها، بخلاف من لا يرجى برؤها. (9) قوله: "أو سبب مباح": وتمام الحدّ أن يقول: "لحرمتها" ليخرج الملاعنة، وأن يقول: "إلاّ نساءَ النبي - صلى الله عليه وسلم - ". وقوله: "بنَسَبٍ أو سبب مباح" شمل من تحرم عليه بالمصاهرة، كزوجة أب، وأم زوجة، ونحوهما. وخرج أم المزنيّ بها ونحوها. وقوله: "لحرمتها" أخرج الملاعنة، لأنه حرمت عليه عقوبةً له، لا لحرمتها (¬1). (¬2). (10) قوله: "وكذا المحرّمة باللعان": مقتضى كلامه أن تحريم الملاعنة بسب محرم، بدليل عطفها على أم المزنيّ بها وبنتها. وعطف بنت الموطوعة بشبهة عليها، وليس كذلك، لأنها حرمت بالملاعنة، وليست محرمة، بل ربما تكون واجبة. والصواب أن يقال في الحد: "ذوات المحارم: من تحرم عليه أبدًا بنسبٍ أو سبب مباح لحرمتها إلا نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - ". فقوله: من تحرم عليه أخرج من يجوز له ¬

_ (¬1) هذا جيّد لولا أن قوله "لحُرمتها" يجعل في الحدّ دَوْرًا، فيؤول كلامه إلى أن الحرمة ما لا يحل انتهاكه لكونه محرّمًا. فلو قال في الحدّ " ... إلا نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - وإلا الملاعنة". لكان أجود. (¬2) في ض في هذه القولة تقديم وتأخير. وسقط من الأصل عبارة: "وأن يقول ... إلخ".

فصل

[2/ 139] نكاحها، وقوله: أبدًا، خرج أخت زوجته ونحوها. (11) قوله: "أو لبنت تسع": أي فأكثر إلى البلوغ كما يؤخذ من سابقه ولاحقه. (12) قوله: "سواء كانت مُسْتَامةً أو لا": خلافًا لما في التنقيح، وتبعه في المنتهى، من قوله: إن كانت مستامة فيجوز نظر ستة أعضاء منها، وهي الوجه والرقبة واليد والساق والقدم والرأس، وإن كانت غير مستامة فيجوز النظر إلى غير عورة صلاةٍ. وهذا بعيد جدًا مخالف للقواعد، لأنه لو عكس لكان له وجه، وأما ما ذكره المنقح فلا سلف له فيه فيما نعلم، وهو غير سديد، ولذلك رجع صاحب المنتهى عن متابعته كما ذكر في شرحه، فراجعه إن شئت. فائدة: والخنثى المشكل في النظر إليه كامرأةٍ، ونظره إلى رجل كنظر امرأة إليه، ونظر امرأة إليه (¬1) كنظرها إلى رجل، ونظره إلى امرأة كنظر رجل إليها، تغليبًا لجانب الحظر. فصل (1) قوله: "ولمسٌ كنظر وأولى": أي ما حرم نظره حرم لمسه بالأولى، وليس كل ما أبيح نظره يباح لمسه إلا لحاجة. (2) قوله: "وتحرم خلوة رجل غير محرم إلخ": الرجل: الذكر البالغ من بني آدم. فعلى هذا لا يحرم خلوة غير بالغ بالنساء، ولو غير محرم. وعبارة المنتهى: وتحرم خلوة غير مَحْرَم على الجميع مطلقًا. اهـ. وقريب منه في الإقناع. وقوله: "مطلقًا" (¬2) أي بشهوة ودونها. فمقتضى قول المنتهى والإقناع: "على الجميع " أي جميع من تقدم ذكرهم، أنه لا يجوز للمميز غير المحرم الخلوة بامرأة، ولا للمرأة أن تخلو بمميز، ونحو ذلك. ينبغي أن يحرر الحكم. ¬

_ (¬1) سقط من ض قوله: "ونظر امرأة إليه". (¬2) صنيعه يوحي بان كلمة "مطلَقًا" موجودة في "نيل المآرب" ولم نجدها فيه في النسخ التي بين أيدينا. ولكن في المنتهى: "ويحرم خلوة غير محرمٍ على الجميع مطلقًا".

فصل في الخطبة

فصل في الخطبة [2/ 141] (1) قوله: "لا التعريض في الخطبة": كقوله: إني في مثلك لراغب، أو متى انقضت عدتك أخبريني. ونحو ذلك. وهي في جوابٍ كهو، يحرم عليها التصريح به لا التعريض، إلا الرجعية. وتصريحها أن تقول: لا أتزوج غيرك، ونحوه. وتعريضها أن تقول: إن كان الله قدّر شيئًا صار، أو من يرغب عن مثلك، ونحوه. (2) قوله: "في عدة وفاة": أي أو طلاق بائن أو فسخ لعيب ونحوه. فائدة: قال في الإقناع: قال الشيخ: لو خَطَبَت المرأةُ أو وليُّها الرجلَ ابتداء، فأجابها، فينبغي أن لا يحل لرجل آخر خطبتها. إلا أنه أضعف من أن يكون هو الخاطب. ونظير الأولى أن تخطبه امرأةٌ أو وليها بعد أن خطب هو امرأة، فإن هذا إيذاء للمخطوب في الموضعين، كما أن ذلك إيذاء للخاطب. وهذا بمنزلة البيع على بيع أخيه قبل انعقاد البيع، وذلك كله ينبغي أن يكون حرامًا. انتهى. والسعي من الأب للأيم في التزويج واختيار الأكفاء غير مكروه، لفعل عمر. اهـ. أي لأنه عرض حفصة على عثمان، رضي الله عنهم أجمعين. (3) قوله: "وليٌ يُجْبرُ": أي كتاب ووصي إن كانت حرة بكرًا، وكسيِّد أمة بكير أو ثيِّب. فلا أثر لإجابة مُجْبَرَةٍ، لكن إن كرهت من أجابَهُ وليُّها وعيَّنت غيره سقط حكم إجابة وليها، لتقديم اختيارها عليه. ولا أثر لإجابة [57 ب] وليِّ غير مُجْبَرَة، ومفهوم قوله "مسلم" أنه لو خطب كافر كتابيةً وأجيب يجوز للمسلم خطبتها عليه، وهو كذلك كما صرحوا به في غير كتاب. باب ركني النكاح وشروطه (1) قوله: "بلفظ النكاح إلخ": فيه تسمُّح، أي إلا بلفطٍ مشتق من النكاح أو التزويج، كأنكحت وزوّجت.

[2/ 143] ومن الإيجاب الصحيح قول سيّدٍ لأمةٍ: أعتقتُك وجعلت عتقك صداقك. وإن فتَحَ وليٌ تاء زوجتك، فقيل: يصح مطلقًا، وأفتى به الموفق. وقيل لا يصح إلاّ من جاهل بالعربية أو عاجز عن النطق بها بضمِّ التاء. قال صاحب المنتهى: هذا هو الظاهر اهـ. وقطع به في الإقناع. (2) قوله: "إن تقدم قبول إلخ": مطلقًا، سواء كان بلفظ الماضي المجرّد عن الاستفهام، نحو قوله "زوجت ابنتك؟ " فيقول "زوجتكها"، أم لا، بخلاف البيع، فإنه يصح بالمعاطاة، وبكل لفظٍ أو فعلٍ أدّى معناه، وبخلاف الخلع، لأنه يصح تعليقه على شرط إذا نوى به الطلاق. اهـ. م ص. ولو قال الخاطب للولي أزوجت؟ فقال: نعم، وقال للزوج: أقبلت؟ فقال: نعم، صحّ. واختار الموفق وجمعٌ أن النكاح ينعقد بغير العربية لمن يحسنها، وقال الشيخ: ينعقد بما عدَّه الناس نكاحًا بأيّ لغةٍ ولفظٍ كان. ومثله كل عقد. اهـ. (3) قوله: "تعيين الزوجين": أي في العقد، كما في المحرر، فلا يكفي تعيينهما قبله. اهـ. حاشية. ومن له ابنتان: فاطمة وعائشة، فقال: زوجتُكَ بنتي عائشة، فقبل الزوج، ونويا فاطمة، لم يصح، كذا في المنتهى وغيره. وانظر لو كان اسم عائشة جرى على لسان الولي بغير قصد، هل لا يصح أيضاً؟ ظاهر إطلاقهم: نعم. ومن سُمِّيَ له في العقد غير مخطوبته، فقبل يظنها إياها، لم يصحّ. وهذا يقع من كثير من أجلاف الناس، فإنهم يعرضون على الخاطب بنتًا جميلةً، وعند العقد يسمون له غيرها، ويقولون له هذا اسم التي رأيتها، فلا حول ولا قوة إلاّ بالله. ثم إن وطئها وهي جاهلة بالحال، أو التحريم، فلها الصداق يرجع به على وليّها. وإن علمت فهي زانية لا صداق لها. ولا يجوز له وطؤها بعد علمه بالحال. (4) قوله. "فلا يصح: زوجتك بنتي، وله غيرها": ظاهره: ولو كان غيرها لا يحلّ نكاحها، كمزوّجة ومعتدة ونحوهما. ويتجه صحته إذن لانصراف اللفظ

لمن يحلّ نكاحها، وإن لم أو من أشار إليه. [2/ 145] (5) قوله: "ولو بالغةً": لكن إن (¬1) عيَّنَتْ بنتٌ تم لها تسع سنين، ولو بكرًا، كفؤًا، وعينّ الأب غيره، قُدِّم من عيَّنَتْهُ هي، لا إن كان غير كفء. (6) قوله: "والبكر تستأذن" هكذا في النسخ التي وقفت عليها، وهو خطأ. والصواب كما في شرح م ص على المنتهى: "تستأمر"؛ وأما لفظ "تستأذن" ففي حديث أبي هريرة، ونصه "لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن" (¬2) وهذا هو الموافق لقول الشارح فيما يأتي: ودل الحديث إلخ، فلعله غلط من النُّسَّاخ. (7) قوله: "على أن الاستئمار هنا": أي قوله "والبكر تستأمر" والاستئذان أي في قوله "والبكر تستأذن" في حديث أبي هريرة، ولم يذكره الشارح رحمه الله، ونصه "لا تنكح الأيِّم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن" وقول الشارح "في حديثهم" ومثله في شرح المنتهى لمؤلفه، لم يظهر لي. ثم ظهر لي معناه، وعبارة م ص: "ودل الحديث على أن الاستئمار هنا والاستئذان في الحديث السابق مستحب غير واجب" اهـ. وأشار بقوله "في الحديث السابق " إلى حديث أبي هريرة الذي ذكرناه فتأمّل. (8) قوله: "في حديثهم" أي الذي استدل به المخالفون على أن البكر يشترط إذنها كالثيب، وهو ما رواه أبو هريرة "لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن" فإن ظاهره: لا فرق بينهما. فنقول إن استئذان البكر هنا مستحب، بدليل حديث ابن عباس: "الأيم أحق بنفسها إلخ" ووجه الدلالة ما ذكره الشارح بقوله: فلما قسم النساء إلخ (¬3). ¬

_ (¬1) "إن" ساقطة من الأصل ثابتة في ض. (¬2) بل في حديث ابن عباس "والبكر تستأذن" أخرجه باللفظ الذي في شرح الدليل أحمد ومالك، وعنه مسلم، وأبو داود وغيرهم. (الإرواء6/ 231). (¬3) يمكن القول إن قوله في البكر: "حتى تستأذن" وقوله في الثيب "حتى تستأمر" يدل على وجوب استئمار الثيب. ووجوب استئذان البكر. وفَرَّق بينهما لأن معنى الاستئمار هو =

[2/ 146] قوله أيضًا: "في حديثهم" أي المخالفين لنا القائلين بأن البكر البالغ كالثيب لا يصح [58 أ] تزويجها إلا بإذنها، أي في الحديث الذي استدلوا به وهو "لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن" قالوا يا رسول الله كيف إذنها؟ قال "أن تسكت" متفق عليه. أي فالاستئذان هنا مستحب بدليل الحديث الثاني "وهو الأيم أحق بنفسها إلخ" هذا توضيح عبارته فتنبه. و"الأيِّم" كثيِّبٍ وزنًا ومعنى. (9) قوله: "لما روى ابن عمر إلخ" أي لأن استئمار النساء في بناتهن لم يوجبه أحد. قوله أيضًا: "لما روى ابن عمر إلخ" هذا دليل استحباب استئذان أم البنت، فهو ذكر الدليل ولم يذكر المستَدلَّ له (¬1). (10) قوله: "والموطوءة بالزنا ثيب إلخ" قد تقدّم هذا، فلا أدري لم أعاده، مع ما فيه من ركاكة العبارة وطولها من غير فائدة. رحمه الله. (11) قوله: "ولو ضحكت أو بكت إلخ" أي لأن الضحك يكون للفرح، وكذا البكاء، وإنما يكون لك منها لفرط الحياء، ولأنها لو أرادت الكراهة لامتنعت نطقًا، لأن الامتناع لا تستحيي منه، وإنما تستحي من الرضا، فكان سكوتها ونحوه رضًا، بخلاف الثيّب. (12) قوله: "ولو مكلفة" وإنما لم يجبر العبد المكلف لأنه يملك الطلاق، فلا وجه لجبره على النكاح، وهذا في غير المكاتب والمكاتبة، فلا يجبران ولو صغيرين، لأنها بمنزلة الخارجين عن ملكه، كما صرحوا به. (13) قوله: "إلا على النبي - صلى الله عليه وسلم -": أي لقوله تعالى {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} [الأحزاب: 6] والأصل في اشتراط الوليّ حديث أبي موسى مرفوعاً: "لا ¬

_ = الأخذ والردّ والمفاوضة، وذلك يناسب الثيب. والاستئذان للبكر أن لا ترفض، وهو مناسب لها، لكن لا بدّ منه. وهذا عندي هو الصحيح في معنى الحديث. (¬1) الشارح لم يورد الحديث للدلالة على استحباب استئمار الأم، بل للدلالة على أن الأمر في الحديث ليس للوجوب.

نكاح إلاّ بوليٍّ" (¬1) وعن عائشة مرفوعاً: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليِّها فنكاحها [2/ 147] باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل إلخ" (¬2) فيزوِّج أمةَ المرأةِ وليُّ سيدتها. (14) قوله: "لأن الأب أكمل نظرًا وأشد شفقة إلخ": أي بخلاف أبي المعتق مع ابنه، فإنه يقدّم ابنه عليه في ولاية المعتَقة، لأنه مقدَّم عليه في الإرث، فقدم عليه هنا، وإنما قدم الأب من النسب لما ذكره الشارح رحمه الله تعالى بقوله: لأن الأب إلخ. (15) قوله: "الأقرب فالأقرب": أي ويقدم هنا الابن وإن نزل على الأب، فلو اجتمع ابن المعتق وأبوه يقدم الابن، كما في الإقناع وغيره، لأنه في الِإرث كذلك، وتقدم. (16) قوله: "كعضل الولي": العضل المنع، أي كما لو امتنع أولياؤها من تزويجها: وعدم إمام أو نائبه في مكانها، فيزوجها ذو سلطان إلخ. ومن حَكَّمَهُ الزوجان وهو يصلح للحكم، فكحاكم. (17) قوله: "فلو زوَّج الحاكم إلخ": ويتجه أن هذا فيما إذا لم يكن الحاكم يرى الصحة، وإلا فيصح ولا ينقض، كما ذكروه فيما إذا زوج الحاكم بلا وليٍّ مع وجوده. وحيث قلنا: المحكَّم كالحاكم، يكون مثله هنا. بقي أنه إذا قلَّد الزوجان من يرى صحة النكاح بلا وفي، وعَقَد لهما فقيهٌ حنبليٌّ مثلاً مقلذا في ذلك لمن يرى صحته، هل يكون النكاح صحيحًا غير فاسد وليس لحاكم نقضه؟ أو كيف الحكم؟ والذي يؤخذ من أحكام التقليد في العبادات أن هذا صحيح. وأفتى بذلك الشيخ عبد الله القدومي (¬3) حفظه الله تعالى، واستدل ¬

_ (¬1) حديث: أبي موسى أخرجه أحمد (4/ 394) وأبو داود (2085) والترمذي. وهو صحيح (الإرواء). (¬2) حديث عائشة أخرجه أحمد (6/ 47) وأبو داود (2083) والترمذي (2041) وهو صحيح أيضًا (الإرواء). (¬3) الشيخ عبد الله القدومي (- 1331 هـ) هو الشيخ عبد الله بن عودة بن عبد الله صوفان، نسبته إلى كفر قَدُّوم من قرى نابلس، ترجم له الشطي في مختصره (ص 213 - 215 هـ) وفيها: =

فصل في التوكيل في التزويج والإيصاء به

[2/ 151] له بكلام الشيخ عثمان وغيره. وليس هذا محل بَسْطِهِ. أقول: سيأتي في باب طريق الحكم وصفته قول المصنف في فصل (وحكم الحاكم يرفع) ما نصه: ومن قلّد مجتهدًا في نكاحٍ، صحّ، ولم يفارق بتغيُّرِ اجتهاده، كالحكم بذلك. اهـ. وهو صريح فيما قلناه، فتأمل. فصل في التوكيل في التزويج والإيصاء به (1) قوله: "إن لم يكن مجبزاً": وهكذا قال م ص في شرح المنتهى. أي والمجبر من باب أولى. فصواب العبارَة: "ولو لم يكن مجبرًا". (2) قوله: "وكيل" بالتنوين، و"غيرَ" بالنصب، معمول لمراجعة، أي لا بد من أن يراجعَ الوكيلُ، أي وكيلُ الوليِّ، غيرَ المجبرة. (3) قوله: "ولا يملك به أن يزوجها من نفسه"، لأنه لا يدخل في ذلك، وأما لابنه أو لأبيه فيجوز. (4) قوله: "زوجت فلانة فلانًا أو لفلان": أي: أو لموكلك فلان. وأما لو قال للوكيل "زوجتُكَ" ونحوه فلا يصح، لأنه غير مقصود. ويحتمل أنه يصح للوكيل، خصوصًا إن نوى بالقبول لنفسه، لأن النكاح ينعقد ولو هزلاً. ينبغي أن يحرر الحكم، فإنّي لم أو من تعرَّضَ له. (5) قوله: "أي في إيجاب النكاح": أي: أو قبوله إن كان الموصّى عليه ذكرًا. (6) قوله: "وإن استوى وليّان إلخ": قال ابن نصر الله: لو كانت المرأة ملحقة بأبوين، فهل كل منهما وليٌّ بانفراده، أو يشترط اجتماعهما؟ لم أجد به نقلاً، والقياس يقتضي اشتراط اجتماعهما، لأن ميراثهما منها ميراث أب واحدٍ، ¬

_ = هو عالم الديار النابلسيّة، وبركة الديار الحجازية، وأنه درس بدمشق ولازم الشيخ حسن الشطي، ثم درّس بالجامع الصلاحيّ بنابلس. وذكر الشيخ محمد نصيف من أعيان جدة رحمه الله أن الشيخ عبد الله صوفان درّس وأفتى بالمدينة المنورة عشرين عامًا، من (1311 - 1331 هـ) (هامش ص 329 من السحب الوابلة، ط 1409هـ).

باب الوليمة وآداب الأكل

فدلَّ ذلك على أن الأبوة شائعة بينهما اهـ. ح ف. [2/ 153] (7) قوله: "في [58 ب] تزويجها": أي له، فيقول: تزوجت فلانة، باسمها وما تتميز به عن غيرها فقط. (8) قوله: "ونحو النكاح من العقود": أي وشبه النكاح من العقود مثله في الحكم، فالخبر محذوف. (9) قوله: "ونكاحها": لعله: وقبلت نكاحها لنفسي (¬1). باب الوليمة وآداب الأكل فائدة: من صنع وليمة، ودعا الناس إليها، وقصد أن يعطوه نقوطًا، بأن عُلِمَ [2/ 202] منه ذلك بقرينة، أو كانت العادة كذلك، فالظاهر أن إجابته لها لا تحب، لأنه لم يقصد السّنّة المشروعة، بل قَصْدُه الربح. لكن إن كان في عدم الإجابة حينئذ دناءة واتهام له بالبخل، أو كان ذلك يخل بالمروءة عادة، فالإجابة أولى إن كان قادرًا على دفع النقوط. والله سبحانه وتعالى أعلم. (1) قوله: "لطعامِ قادمٍ": أي بأن يصنع القادم طعامًا للناس. وأما النقيعة فهي أن يصنع الطعام للقادم، كما تقدم. (2) قوله: "ومشداخ إلخ": يؤخذ من كلامهم أنّ المشداخ والحِذَاق لطعام واحد. (3) قوله: "إلا وليمة العرس إلخ": حيث حوّل الشارح عبارة المتن هكذا كان عليه أن يقول "وإلا العقيقة" فإنها تسنُّ أيضًا، والإجابة إليها مستحبة، "وإلا المأتم"، وهو الطعام الذي يصنع لمن يحضر عنده أهل الميت، أو يصنعه أهل الميت، فيكره، وتكره الإجابة إليه، إلا لحاجة، كأن يجيئهم من يحضر ميّتهم من ¬

_ (¬1) من هنا يبدأ السقط الكبير الذي في حاشية اللبدي، الذي استظهرنا في المقدّمة أنه من جهة مجرِّدها هـ) الشيخ محمود اللبدي رحمهما الله.

[2/ 202] أهل القرى البعيدة، فلا يمكنهم إلا أن يطعموه. وإن كان من التركة، وفي الورثة محجور عليه، حرم فعله والأكل منه، كما ذكروا ذلك في الجنائز. (4) قوله: "أن لا تنقص عن شاة": ظاهر إطلاقهم: ولو لم تجز أضحية، بأن كان سنها دون ذلك، أو فيها عيب يمنع من إجزائها أضحية. ينبغي أن يحرر. (5) قوله: "ولا منكر": أقول: من المنكر ما يصنعه الناس اليوم من غناء النساء ونحوه (¬1)، ومن الأعذار عدم وجود ما يبذله نقوطًا إذا كانت العادة جارية به، لما يترتب على من يحضر الوليمة، ولم يبذل نقوطًا، من الخجل والعار. والله سبحانه وتعالى أعلم. (6) قوله: "وفي الثالثة مكروهة": أي في اليوم الثالث، لما فيها من الرياء والسمعة غالبًا، ولحديث ورد في ذلك (¬2). (7) قوله: "كرهت إجابته إلخ": وقيل: يحرم، كما لو كان كله حرامًا. وقال الأزجي: وهو قياس المذهب. اهـ. وقيل: إن زاد الحرام على الثلث حرم، وإلا فلا. وقيل: إن كان الحرام أكثر حرم، وإلا فلا. (8) قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فأجب أقربهما بابًا إلخ": يدل على أن الجوار قرب الباب لا ملاصقة البناء، وإلا فقد يكون بيت رجل ملاصقًا لبيت آخر، وبابه من جهة أخرى بينهما مسافة بعيدة، وبيت غير ملاصق وبابه قريب، فهو مجاور. (9) قوله: "غير الشرعية": مفهومه أن الدعوات الشرعية، كطعام العرس والعقيقة، لا يكره لهم الإسراع إليها، لأنه إسراع لمشروع، وهو واضح. (10) قوله: "إن كان في ترك الأكل إلخ": هذا تفصيل حسن. قال الشيخ: ¬

_ (¬1) ليس غناء النساء في الأعراس منكرًا، بل هو سنة، فلعل مراد المحشي رحمه الله أن غناءهن الذي يمنع وجوب الإجابة إلى الوليمة ما كان في محضر الرجال. وكان فيه فتنة. (¬2) الحديث ذكره صاحب كشاف القناع (5/ 168) ولفظه: "الوليمة أول يوم حق، والثاني معروف، والثالث رياء وسمعة" أخرجه أحمد (5/ 28) وأبو داود (3745) وغيرهما. وهو ضعيف (الإرواء).

وهو أعدل الأقوال. اهـ. [2/ 205] (11) قوله: "أو قرينة": أي كتقديم طعام، أو دعاءٍ إليه. (12) قوله: "قال في الآداب إلخ ": الأولى "وقال إلخ" للمخالفة. وما قاله في الآداب هو ظاهر كلام ابن الجوزي وغيره. قال في الفروع: واختاره شيخنا، وهو أظهر. اهـ. قلت والقرآن يؤيده (¬1). (13) قوله: "وليس الدعاء إذنًا في الدخول": أي إلى بيت الداعي، بل لا بد من الاستئذان للدخول، خلافًا للموفق في المغني. ويتجه: إن دلت قرينة يكون إذنًا. والله أعلم. ثم رأيت في الإقناع ما يصرح بذلك، فلله الحمد. (14) قوله: "ولا يملك الطعامَ من قُدِّمَ إليه إلخ": أي فلا يملك التصرف فيه بلا إذن. قال في الإقناع: ولا يجوز للضيفان قَسْمُه. اهـ. أي بلا إذن [59 أ] من رب الطعام. وليس هذا من باب الإيثار. ومن هنا يؤخذ تحريم ما يفعله أهل زماننا في بلادنا، وذلك أن الضيف يعطي مما قُدِّم إليه من لم يجلس معه على المائدة، من لحم ونحوه. ولكن قد يقال: إذا كانت العادة جارية بذلك فهي كالإذن. وما يفعله أهل بلادنا عادة عندهم، حتى إنهم يُعيِّرون من لم يفعل ذلك، وربما حصل لرب الطعام بفعله بشاشة وسرور، وبعدمه انقباض وغمّ. وحينئذ فالعمل بالعادة أولى. والحاصل أنه يعمل بالقرائن، فربما كان رب الطعام يحب من ضيف أن يطعم غيره، ولا يحبه من آخر، وربما أحب أن يُطْعَمَ شخص ويكره أن يطعم آخر (¬2)، وهكذا. والله سبحانه وتعالى أعلم. قوله: "ويكره غسل يديه بقوت" (¬3): ولو بدقيق حمص وعدس وباقلاء ونحوه. وليس منه الملح. ولا بأس بنخالة. وإن دعت حاجة إلى استعمال القوت في غسل ودبغ ونحوهما فلا بأس به. ¬

_ (¬1) أي لقوله تعالى {ليس عليكم جناح أن تأكلوا} إلى قوله {أو صديقكم} [النور: 61]. (¬2) قوله: "ويكره أن يطعم" ساقط من الأصل. (¬3) هذه القولة ليست في نسخ نيل المآرب التي بأيدينا.

فصل في آداب الأكل

[2/ 207] فصل في آداب الأكل (1) قوله: "ويؤثر المحتاج": أما إيثار رب الطعام فبالتقديم للضيف، وتفسيخ اللحم، ونحو ذلك، وأما إيثار الضيف لغيره فبعدم تناول أحاسن الطعام، بل يبقيها للفقير المحتاج الذي لا يجدها في بيته، ونحو ذلك. (2) قوله: "فيغفر له بسببه": لعله يشير بذلك إلى حديث تداولته الألسن، وهو: "من أكل مع مغفورٍ له غُفِرَ له" وفي ظني أنه عُدَّ من الموضوعات، فيراجع (¬1). (3) قوله: "وكونه حارًّا) أي لأن الحارّ لا بركة فيه اهـ. (4) قوله: "ولا بأس بالملعقة": أي وإن كانت بدعة. وقال م ص: قلت ربما يؤخذ من قول الإمام: أكره كل محدث، كراهته لها. اهـ. أقول: إذا احتيج إليها تزول الكراهة، كنظائرها (¬2). (5) قوله: "بحيث يؤذيه": وفي القليل "بحيث يضره": تفنن في التعبير. ثم القول بتحريم كثرة الأكل وقلته بحيث يضره متجه، والقواعد تقتضيه. وقول الإمام: لا يعجبني، يدل على ذلك. وهو بديهي. ولعل الكراهة في كلام المصنف وغيره للتحريم. والله أعلم. (6) قوله: "على ظهر كفه": ولعل المراد كف يساره. (7) قوله:"وإذا شرب لبنًا قال إلخ": أي وأما إذا أكل طعامًا غيره فليقل: "اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيرًا منه". ¬

_ (¬1) حديث "من أكل مع مغفورٍ له ... " راجعتُ فلم أجد له سندًا. وذكره الشوكاني في لآلئه (ص 158) وقال: قال ابن حجر: موضوع. (¬2) وأنا أقول: لا حاجة إلى هذا، لأن الابتدل المحرم هو ما كان في أمر الدين، وهو الذي قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد". فالمراد بأمرنا ديننا. وأما الابتدل في أمور الدنيا ففيه خير جزيل إن كان نافعًا، كابتداع الملعقة ونحوها. وإلا لزم المسلمين أن يجتنبوا كل الاختراعات النافعة، كالسيارة والطائرة والقطار والباخرة والهاتف والكمبيوتر وغيرها.

باب عشرة النساء

(8) قوله: "وجوازه أظهر": أي عملًا بالعادة والعرف. وقال م ص: لكن [2/ 210] الأدب والأولى الكف عنه، لما فيه من إساءة الأدب على صاحبه، والإقدام على طعامه ببعض التصرف من غير إذن صحيح. اهـ. (9) قوله: "الحمد لله الذي أطعمني إلخ لا: ظاهر كلام الشارح أن يقول ذلك الآكل والشارب. ولو قال الشارب: "الحمد لله الذي سقاني هذا الشراب إلخ" لكان حسنًا. (10) قوله: "صنوج": الصنوج ما يجعل في الدف من نحاس مدوَّرًا وصفرٍ ونحوهما. (11) قوله: "مطلقا": أي سواء كان له حلق وصنوج أو لا. باب عشرة النساء (1) قوله: "أصلها الاجتماع": أي فيقال لكل جماعة عشرة ومعشر. م ص. ومما ينبغي له أن لا يُعْلِمَها بقدر ماله، لأنه إن كان قليلًا احتقرته، وإن كان كثيرًا تتبسَّط في الطلب. ولا يفشي إليها سرًا يخاف إذاعته، ولا يكثر من الهبة لها، ولا يسلم لها ماله لمحبة لها، فربما تتغير المحبة فيصعب عليه الخلاص منها، فيصير كالأسير معها. فينبغي للعاقل أن لا يدخل في أمر إلا إذا دبَّر الخروج منه. (2) قوله: "وأن لا يمطله بحقه": فحق الزوج أن تمكنه من الوطء ودواعيه. وحقها النفقة وتوابعها. والوطء في كل ثلث سنة مرة، والمبيت مع الحرة من كل أربع ليلة، والأمة من سبع، والقَسْمُ إن كان معه غيرها. ويأتي لك إن شاء الله تعالى. (3) قوله: "لئلا ترمى بالشر إلخ": أي فإذا تشدد في المغيرة عليها ربما أوقعت نفسها في الزنا لتغيظه أو يفارقها، وقد بلغنا من ذلك ما يضيق به هذا المحل. (4) قوله: "وينبغي إمساكها مع الكراهة لها" أي لقوله تعالى: {فإن

فصل في الوطء

[2/ 213] كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا} [النساء: 19] قال ابن عباس: ربما رزق منها ولدًا فجعل الله فيه خيرًا كثيرًا، ومصداق الآية الشريفة مشاهد للعموم [59 ب]. (5) قوله: "كحائض": أي كما يستمتع من الحائض، بأن يباشرها دون الفرج. فائدة: لو ادعت أن وطأه يؤذيها، وأنكر، وكانت بنت تسع فأكثر، لزمتها البينة. ويقبل قول امرأة ثقة في ضيق فرجها وعبالة ذكره ونحوهما. وتنظرهما وقت اجتماعهما للحاجة. (6) قوله: "لأن كلاً من ذلك إلخ": مفهومه أنها إن كانت مريضة مرضًا لا يرجى زواله، يلزمها تسليم نفسها. وهو كذلك. صرح به في الإقناع. (7) قولى: "زمنا": أي كاليوم واليومين والثلاثة. فصل في الوطء (1) قوله: "ما لم يضرها إلخ": قاله في الإقناع وغيره. فإن زاد عليها في الجماع صولح على شيء. قال القاضي: لأنه غير مقدر، فرجع فيه إلى اجتهاد الإمام. وجعل ابن الزبير لرجل أربعًا بالليل وأربعًا بالنهار. وصالح أنس رجلاً استعدى على امرأته على ستة. (2) قوله: "ويحرم وطؤها": أي وهو كبيرة، أما وطؤها في الدُّبُر فيحرم عند أكثر أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم. ورويت إباحته عن ابن عمر وزيد بن أسلم ونافع ومالك. لكن أهل العراق من أصحاب مالك ينكرون ذلك. أما وطؤها في الحيض فيحرم إجماعًا. (3) قوله: "فإن فعل عزر إلخ": أي فإن وطئ في الدبر عزر، لأنه معصية لا حدّ فيها ولا كفارة، لقوله - صلى الله عليه وسلم - "إن الله لا يستحيي من الحق، لا تأتوا النساء في أعجازهن" وقوله تعالى: {فاتوا حرثكم أنَّى شئتم} [البقرة: 223] غير أنه في القبل، كما بينته السنة.

فصل في حقوق الزوج

(4) قوله: "أو يكثر الكلام إلخ": مفهومه أن الكلام القليل لا يكره، وهو [2/ 215] كذلك. وقد ورد أن كثرة الكلام عند الجماع يكون منها الخرس والفأفأة (¬1). (5) قوله: "أن يقول عند الوطء بسم الله": قبل الوطء (¬2) لا حاله، وقوله: "اللهم جنبنا الشيطان إلخ " محله بعد الفراغ. (6) قوله: "وأن تتخذ المرأة خرقة إلخ": أي غير الخرقة التي تمسح بها فرجها. قال أبو حفص: وينبغي أن لا تظهر الخرقة بين يدي امرأة من أهل دارها. اهـ. أقول ومن الأدب أن لا يدخل الرجل الحمام صباحًا بحضور بعض أقارب زوجته، لأنه يدل على الجماع، أو يغتسل في غير حمام كذلك، إلا لضرورة أو حاجة. (7) قوله: "وقال ابن القطان": أي في كتاب "أحكام النساء" (¬3). فصل في حقوق الزوج (1) قوله: "وأوجب الشيخ إلخ": أي وفاقًا للمالكية. (2) قوله: "وله أن يلزمها بغسل نجاسيةٍ إلخ": أما إن اتحد مذهبهما فظاهر، وأما إن اختلف، فإن كان كل منهما عارفًا بمذهبه عاملًا به فيعمل كل منهما بمذهبه، وليس لأحدهما الاعتراض على الآخر، ويصلي فيما طهرته على مذهبها وعكسه، وإن كانت عامية لا مذهب لها فإنه يلزمها بمذهبه. اهـ. ع ن. (3) قوله: "إذا كانت مسلمة": أما غسلها من الحيض والنفاس فيلزمها به ولو ذمية، قولاً واحدًا، وأما من الجنابة فكذلك على الصحيح. وفي الإقناع: لا يجبر الذمية عليه، كالتي دون البلوغ. اهـ. (4) قوله: "كبصل إلخ": قال م خ: وعلى قياسه شرب الدخان، بل هو ¬

_ (¬1) وهو ما أخرجه ابن عساكر من طريق قبيصة بن ذؤيب. وهو منكر (الإرواء). (¬2) سقط من الأصل قوله: "بسم الله عند الوطء" وهو ثابت في ض. (¬3) المشهرو لابن القطان كتاب "حكام النّظر" واسمه عليّ بن محمد بن عبد الملك (- 628 هـ) محدث وفقيه مالكي من أهل فاس.

فصل في حق الزوجة في المبيت والقسم

[2/ 218] أقبح. اهـ. قلت: ما لم تتضرر بتركه، وإلا فهو من النفقة الواجبة (¬1). والله أعلم. (5) قوله: "ما لم يخف منهما الضرر": هذا ما صوّبه في الإنصاف، وجزم به في الإقناع. فصل في حق الزوجة في المبيت والقسم (1) قوله: "في المضجع": بفتح الجيم، مكان الاضطجاع. وقوله: "في المضجع": أي بأن ينام بجنبها، لا في البيت ولو بعد عنها. (2) قوله: "ويلزمه" أي الزوج، بخلاف السيد، فلا قسم للأمة المملوكة من مالكها، وإنما يجب عليه إعفافها إما بوطئها أو تزويجها. (3) قوله: "ولها السابعة": أي لأن الأمة على النصف من الحرة، فعلى هذا لو تزوج حرة وأمة، لزمه أن يبيت عند الحرة ليلتين، وعند الأمة ليلة، وهكذا. ويفهم منه أن الأمة إذا كانت بملك اليمين لا قسم لها، وهو كذلك. (4) قوله: "حتى مضت الأربعة أشهر": ظاهره أن هذا غاية لعدم الوطء والبيتوتة، وأنه لا خيار لها بترك البيتوتة دون الأربعة أشهر، وأنه لو وطئها بعد الأربعة أشهر بلا بيتوتة لها الفسخ أيضًا. وهكذا مفهوم عبارة الإقناع. (5) قوله: "في غير أمر واجب": وأما إن سافر [60 أ] لعذر أو حاجة فلا تملك الفسخ ولو طال سفره، لأنه سقط حقها من الوطء أو القسم بسفره لذلك، كامرأة المفقود إذا ترك نفقة. (6) قوله: "كالحج إلخ": تمثيل للمنفي لا للنفي. (7) قوله: "إلا أن يرضين بأكثر": ومثله لو كن بِمَحَالَّ متباعدة، بحيث لا يمكنه المبيت عند كل واحدة ليلة، أو كان يشق عليه، فله جعل القسم أكثر من ¬

_ (¬1) قوله في الدخان: "ما لم تتضرر بتركه، وإلا فهو من النفقة الواجبة" قد كان هذا الوجه مساغ فيما تقدم، أما الآن وقد عُلِم ضرره يقينًا عند أهل الطب والاختصاص فلا وجه للقول بحله، ولا بوجوب جعله من النفقة، لأن الضرر لا يزال بالضرر، فهو سم قاتل بطيء المفعول.

ليلة، على حسب قرب البلدين وبعدهما، كاسبوع أو شهر أو نحوهما. ثم له أن [2/ 219] ينفرد إذا كان له زوجتان حرتان بليلتين، لا أن يجعلهما لواحدة دون الأخرى. (8) قوله: "وعماد القسم الليل": أي لمن معاشه نهارًا، وأما من معاشه بالليل كالحارس، فعماد قسمه النهار. ولا فرق بين الخصي والعنين والمريض وغيرهم. فإن شق على المريض استأذن أزواجه أن يكون عند إحداهن، فإن أبين أقام عند إحداهن بقرعة، واعتزلهن جميعًا. (9) قوله: "إذا كان": أي خروجه قبل الأوقات. (10) قوله: "وجماع": مع أنه لا يجب عليه التسوية في الوطء، لكن لما كان في نوبة غيرها لزمه. (11) قوله: "أثم": أي لما ذكره الشارح رحمه الله تعالى. قال م ص: ولعله إذا لم يكن بسؤالها اهـ. قال م خ: ويعايا بها، فيقال: لنا طلاق محرم وليس زمن البدعة ولا فرارًا من الإرث. (12) قوله: "في الوطء": أي إلا إن وطئ واحدة في نوبة ضرتها، فيجب عليه أن يطأ ضرتها في نوبتها، وتقدم. (13) قوله: "لا أملك": أي من الميل والشهوة. (14) قوله: "لا تعزيرها في حادث إلخ": أي لأن هذه من وظيفة الحاكم. وينبغي له أن يعلق السوط بالبيت لحديث: "رحم الله عبدًا علق في بيته سوطًا يؤدب أهله" رواه الخلال بإسناده عن جابر (¬1). فإن لم تصل فقال الإمام أحمد: أخشى أن لا يحل للرجل أن يقيم مع امرأة لا تصلي ولا تغتسل من الجنابة ولا تتعلم القرآن. ذكره م ص. (15) قوله: "ضربها إلخ": أي ويتجنب الوجه والمواضع المخوفة. ولا ¬

_ (¬1) وأخرجه ابن عدي أيضًا. وبلفظ "علّقوا السوط حيث يراه أهل البيت" أخرجه أبو نعيم في الحلية من حديث ابن عمر؛ وعبد الرزاق والطبراني في الكبير من حديث ابن عباس. على أن هذا "الانبغاء" من المحشي رحمه الله فيه نظر، فالظاهر أن الحديث لم يصح، ولم تورده كتب المذهب الموسّعة كالفروع وكشاف القناع وشرح المنتهى.

[2/ 222] يسأله أحد لم ضربها، ولا أبوها. فإن تلفت فلا ضمان عليه لأنه مأذون فيه شرعًا. وعلم منه أنه لا يجوز له ضربها شديدًا، أو فوق عشرة أسواط. فإن فعل فتلفت ضمن. ويأتي في الجنايات. (16) قوله: "وينبغي للمرأة أن لا تغضب زوجها": وكذلك ينبغي للزوج مداراتها. قيل للإمام أحمد: العافية عشرة أجزاء تسعة منها في التغافل. فقال: كلها في التغافل. اهـ. م ص. ***

كتاب الخلع

كتاب الخلع [2/ 223] (1) "الخُلْع" بضم الخاء، اسم من الخَلْع بفتحها، بمعنى النزع. (2) قوله: "من زوج يصح طلاقه": هكذا عبارة الإقناع، وهي لا تشمل الحاكم، أو الحَكَم، في الشقاق وغيره من المواضع التي يملك الحاكم فيها الفرقة، فإنه يصح طلاقه وفسخه. وعبارة المنتهى: "ويصح ويلزم ممن يقع طلاقه" فهي أوضح وأشمل. نبّه على ذلك م خ. (3) قوله: "كالوصية": أي كما تصح الوصية بذلك، وحكمها كما مر. (4) قوله: "والزوجية بحالها": أي ما لم ينو به الطلاق، ولم يجبها بلفظ الطلاق، وإلا وقع طلاقًا رجعيًّا لفساد العوض. وهل إذا قال لزوجته "إن أبرأتني مما بذمتي وهو كذا فأنت طالق" فأبرأته، ثم تبيّن أن ليس لها بذمته شيء، هل يقع الطلاق؟ وهل إذا وقع يكون رجعيًا أو كيف الحكم؟ ينبغي أن يحرر. (5) قوله: "على جميع الزوجة" فلو قال: خلعت يدك أو رجلك على كذا لم يصح الخلع، لكن إن نوى به طلاقًا وقع، كما في الإقناع. (6) قوله: "ولا يصح إلخ": قال م ص: ويشبهه من يخلع الأخت، ثم يتزوج أختها، ثم يخلع الثانية، ويعيد الأولى. وهلم جرًّا. قوله: "كما لا يصح إلخ" (¬1): قال الشيخ: كما لا يصح نكاح المحلل. وقال: لو اعتقد البينونة بذلك، ثم [60 ب] فعل ما حلف عليه، فكطلاق أجنبية، فتبين امرأته. اهـ. أي كما لو لقى امرأة يظنها أجنبية، فقال لها: أنت طالق، فبانت امرأته. وفي وقوع الطلاق على امرأته بذلك خلاف: ففي المنتهى: يقع، لأنه خاطب امرأته بذلك، ولا عبرة بظنه. وفي الإقناع: لم تطلق امرأته، لأنه لم يقصدها، ومثله العتق. وتقدم أن الإمام أحمد قال فيمن قال لامرأةٍ: تنحي يا حرة، فإذا هي جاريته، تعتق عليه. وحينئذ فما في المنتهى أصح. والله أعلم. ¬

_ (¬1) لم نجد هذه القولة في دليل الطالب وشرحه.

[2/ 224] (7) قوله: "قال في التنقيح إلخ": أي بعد ذكر القول بتحريمه ووقوعه: وقال في الإنصاف: وللناس في هذا القول فَرَج. اهـ. وقوله في التنقيح "وغالب الناس إلخ" لو قال "وكثير من الناس إلخ" لكان أجود كما ذكره الحجاوي. (8) قوله: "ويقع بلفظ طلاقٍ أو نيتِهِ رجعيًا إلخ": فيه نظر، لأن الطلاق على عوض كالخلع في الإبانة، ولو طلقةً. وإنما يتجه كلامه إذا كان بغير عوض. ولعله أخذ ذلك من قول صاحب المنتهى: "وإن خالعت على شيء أمةٌ أو محجورةٌ لسفهٍ أو صغر أو جنون لم يصح، ولو أذن فيه وليٌ، ويقع بلفظ طلاقٍ أو نيّته رجعيًا"، والحال أن ذلك لعدم صحة تسمية العوض من المذكورات. (9) قوله: بل بصيغته الموضوعة له من المتخالعين": أي فالصيغة من الزوج: "خلعتك، ونحوه، على كذا" ومنها: "رضيت، ونحوه" أي فلا بدّ من الإيجاب والقبول في المجلس، كما في الإقناع وغيره. فإن تقدم القبول على الإيجاب فالظاهر أنه كالبيع. (10) قوله: "إلا أن ينوي به الطلاق": فإن نواه به، وكان على عوض، وقع طلاقًا بائنًا، وبدون عوض: رجعيًا. وكذا بعوض محرم يعلمانه، لأن لفظ الخلع من كنايات الطلاق. والله سبحانه وتعالى أعلم. (11) قوله: "وفسخت": أي نكاحك. (12) قوله: "ويصح بكل لغةٍ من أهلها": هكذا عبارة المنتهى والإقناع وغيرهما. ولعل المراد بالأهل من يعرف المعنى، فمن أتى بلفظٍ يدل على الخلع، ولو بغير لغته، وكان يعرف معنى ما تلفظ به، صح الخلع منه، كما ذكروا ذلك في الطلاق. وهو واضح لا غبار عليه. أقول: ثم رأيت في حاشية هذا الكتاب نقلاً عن م خ. ما يصرح بذلك. فلله الحمد والمنة. ***

كتاب الطلاق

كتاب الطلاق [2/ 227] (1) قوله: "وهو حلّ قيد النكاح": أي بإيقاع نهاية عدده. وقوله: "أو بعضه": أي بإيقاع ما دون النهاية. (2) قوله: "ولا يمكنه إجبارها": هذه الجملة حالية. أي والحال أنه لا يمكنه إلخ أي وأما إن أمكنه ذلك فيجبرها ولا يطلق. وما في المتن هو المذهب. وعنه: يجب الطلاق لتفريطها في حقوق الله الواجبة، كصلاة ونحوها. قلت: ولعله إن لم يمكن أن يجبرها عليها. (3) قوله: "على من علم إلخ": أي تيقن، إما برؤية أو إخبار ثقة، لا بتهمة أو قرينة أو إشاعة، لأنه ربما شاع ما لا صحة له. وفي قصة الإفك أكبر شاهد على ذلك، فلربما تكون امرأةٌ مبغضة لها تشيع عنها الفاحشة، فيكثر فيها القال. نعم إن انضم إلى ما شاع قرينة يعلم منها ذلك، فقريب من اليقين. وحينئذ فله عضلها والتضييق عليها لتفتدي منه، للآية الكريمة. وكذا تاركة الصلاة ونحوها إن لم يمكن أن يجبرها. والله سبحانه وتعالى أعلم. (4) قوله: "إن كان مختارًا إلخ": أي فإن كان مكرها على شربه، أو شربه وهو لا يعلمه، فسكر وطلق امرأته وهو سكران: لا يقع طلاقه لأنه غير آثم. وهذا إذا لم يزِد على ما أكره عليه. وإلا وقع، لأنه آثم بالزيادة. ويؤخذ من هذا أن من شرب مسكرًا لدفع لقمة غص بها، فسكر، لا يقع طلاقه لأنه غير آثم. وقد ألمَّ بذلك المحقق الخلوتي رحمه الله تعالى. وقيل يؤاخذ السكران بأفعاله دون أقواله. وقيل يؤاخذ بما يستقل به، كطلاف وظهار وقتل ونحوها، دون ما لا يستقل به، كبيع وشراء ونحوهما، كما يؤخذ من شرح المنتهى لمؤلفه. (5) قوله: "كالبنج": أي في عدم مؤاخذة شاربها إذا سكر بأقواله وأفعاله، فإن أكل البنج لتداوٍ وغيره لا يقع طلاقه، ومثله الحشيشة. لكن الصحيح ما قاله

فصل في جعل الطلاق إلى الغير

[2/ 229] الشيخ من أن حكم الحشيشة (¬1) حكم الشراب المسكر، وقد تبعه في المنتهى. والفرق بينها وبين [61 أ] البنج أنها تشتهى وتطلب، كالخمر، بخلاف البنج. وقدَّم الزركشي أنها ملحقة بالبنج. ذكره م ص. (6) قوله: "ويقع ممن أفاق من جنون إلخ" قال الموفق: وهذا -والله أعلم- فيمن جنونه بذهاب معرفته بالكلية وبطلان حواسِّه، فأما من كان جنونه لنشافٍ، أو كان مبرسمًا، فإن ذلك يسقط حكم تصرفه، مع أن معرفته غير ذاهبة بالكلية، فلا يضر ذكره للطلاق إن شاء الله تعالى. اهـ. قلت: وهذا هو مفهوم نصوصهم، لأنهم قالوا: ويقع ممن أفاق من جنون أو إغماء، فذكر أنه طلق. وهو يقتضي أن غيرهما من مبرسم ونحوه لا يقع طلاقه، ولو ذكر أنه طلق، فتنبه له. (7) قوله: "وضرب شديد": مفهومه أنه إن كان الضرب يسيرًا فليس بإكراه مطلقًا. وقال الموفق والشارح: فإن كان الضرب يسيرًا في حق من لا يبالي به فليس بإكراه، وفي حق ذوي المروءات، وعلى وجه يكون إهانة وشهرة، فهو كالضرب الكثير. اهـ. فصل في جعل الطلاق إلى الغير (1) قوله: "ما لم يحدّ له حدًا": أي فإن حدَّ له حدًّا، كأن وكله أن يطلقها اليوم، فطلّقها في غدٍ، لا يقع الطلاق، لأنه بعد مضي اليوم يكون غير وكيل. (2) قوله: "ولم يقع إلخ": وقيل يحرم ويقع، قدَّمه في الرعايتين والحاوي الصَّغير. ذكره في الإنصاف. وجزم بوقوعه في الإقناع اهـ. م ص. قلت: فإن وكله وهي حائض، فطلّقها، ينبغي أن يقع، حتى على المذهب. فليحرر. (3) قوله: "وإن قال لها طلقي نفسك إلخ": أي وصفة طلاقها أن تقول "طلقت نفسي" لا: أنت طالق، ولا: أنا طالق منك، ونحوه، فلا يقع. (4) قوله: "إن قال: طلاقك إلخ": أي لأنه مفردٌ مضافٌ فيعمُّ، وكذا: ¬

_ (¬1) قوله: "لكن الصحيح إلخ" ساقط من ض.

باب سنة الطلاق

وكلتك في الطلاق، لأن "أل" استغراقية. [2/ 230] (5) قوله: "ويبطل التوكيل بالرجوع": أي عن الوكالة قبل وقوع الطلاق. فإن اختلفا فقال: رجعت قبل وقوع الطلاق، وقالت: وقع الطلاق قبل رجوعك، فقوله، لأنه لا يعلم إلا من جهته. وعنه: لا يقبل منه إلا ببينة، واختاره الشيخ وغيره. باب سنة الطلاق (1) قوله: "إلا في طهر إلخ": أي كأن طلقها في حيض ثم راجعها، فطهرت من حيضها، فطلقها بعد طهرها ولو لم يصبها فيه، فهو بدعة. وأما لو أمسكها حتى طهرت من حيضةٍ أخرى أي غير المتراجع فيها، وطلقها قبل أن يصيبها، فليس ببدعة. (2) قوله: "فإن طلقها ثلاثًا": أي وكانت مدخولاً بها كما يعلم مما يأتي. (3) وقول الشارح: "لا اثنتين": أي فلا إثم عليه إن طلقها ثنتين، أي إن كان حرًّا. كذا ذكره م ص عن الشرح وغيره. وأما الطلقتان من العبد فالذي يظهر لي أنها كالثلاث من الحر. (4) قوله: "لا في زمن": أي لا يكون سنة في زمن، كأن يطلقها في طهر لم يصبها فيه، ولا في عدد، كأن يطلقها واحدة، ولا يكون بدعة في زمن الحيض أو طهر أصابها فيه بالنسبة للصغيرة وما بعدها، ولا في عدد، كأن يطلقها ثلاثًا. قوله: "والصغيرة إلخ": أي التي يوطأ مثلها وهي بنت تسع فأكثر. وأما من كانت دونها فلا عدة عليها، كما يأتي في العدة، فهي كغير المدخول بها. باب صريح الطلاق وكنايته (1) قوله: "إن المعتبر في الطلاق اللفظ": أي وما يقوم مقامه، كالإشارة

[2/ 233] المفهومة من الأخرس، وكالكتابة، كما يأتي. (2) قوله: "دون النية إلخ": أي خلافًا لابن سيرين والزهري. (3) قوله: "الصريح ما لا يحتمل غيره": أورد عليه ابن قندس ما حاصله أن لفظ الطلاق يحتمل غيره، لما ذكروه في باب التأويل، فقالوا لو نوى بقوله "طالق": من وثاق ونحوه، لم يقع عليه طلاق. ولولا أنه يحتمله لم ينصرف إليه. فالأولى أن يقال: الصريح في الشيء هو ما استعمل فيه عند الإطلاق. وقد يقال: ما لا يحتمل غيره، أي في الحقيقة العرفية. (4) قوله: "لفظ الطلاق": أي فيقع بقوله: "أنت الطلاق". اهـ. م ص. (5) قوله: "كطلّقي": هكذا عبارة م ص في شرح المنتهى، وفيه نظر، لأن هذا من التطليق لا من الطلاق، ولا يتوهم وقوع الطلاق بهذا الطلاق حتى يحتاج إلى استثنائه، فإنه توكيل لها بان تطلق نفسها أو غيرها. والصواب كما في الإقناع أن يقول كاطلقي (¬1). وكأني بقائل يقول: هذا مثال، ولا تشترط صحته. والمناقشة فيه ليست من دأب المحصّلين. (6) قوله: "هازلًا كان أو لاعبًا": لا يصح أن يكون قوله "أو لاعبًا" مقابلاً لقوله "هازلاً" ولعل المقابل محذوف، أي وغيرهما. ولو قال "ولو كان هازلاً أو لاعبًا" لكان أولى. وهل الهزل واللعب بينهما فرق؟ قال م خ: الظاهر أنهما بمعنى واحد اهـ. (7) قوله: "ولو قيل له: أطلقت امرأتك؟ إلخ": أي وأما إن قيل له: ألم تطلق امرأتك؟ فقال: بلى، طَلَقَتْ. وإن قال: نعم، طلقت امرأةُ غيرِ النَّحْويّ. (8) قوله: "والجواب الصريح إلخ": أي ولهذا لو قيل له: أخليت امرأتك؟ ونحوه من الكنايات، فقال نعم، فكناية. وكذا: ليس لي امرأة، أو: لا امرأة لي. ولو قيل له: ألك امرأة، فقال: لا، وأراد الكذب، لم تطلق. ولو حَلَفَ بالله على ¬

_ (¬1) في الإقناع المطبوع معِ شرحه: "غيرَ أمْرِ نحو طلقي". وما قاله المحشي غير وارد، فإن "الطلاق" اسم مصدر طلَّقَ، فيُحتاج إلى استثناء نحو طلِّقي.

ذلك، وإلاّ طلقت. [2/ 234] (9) قوله: "منجَّزًا": أي كقوله: عليَّ الطلاق، ويسكت. وقوله: "معلَّقًا": أي كقوله "عليَّ الطلاق لأفعلن كذا" أو "لا أفعل كذا". (10) قوله: "فظهار": أي ولو نوى طلاقًا، لأنه صريح في تحريمها اهـ. م ص. وقال: قدّمه ابن رزين، وصوّبه في الإنصاف. وقال في تصحيح الفروع (¬1): والصواب أن يكون طلاقًا بالنية، لأن هذه الألفالظ أولى بأن تكون كناية من قوله اخرجي ونحوه. قال: والصواب أن العرف قرينة. اهـ. وسمعت شيخنا الشيخ يوسف البرقاوي يقول: كان شيخنا الشيخ حسن الشطي يفتي من قال: عليَّ الحرام، بوقوع الطلاق، يقول: لأن الحرام في عرف أهل بلاد الشام طلاق، ولا يفهمون منه غيره، فرحمه الله رحمة واسعة (¬2). اهـ. (11) قوله: "ومن كتب صريح طلاق زوجته وقع": هكذا عبارة غيره. وظاهرها أنه لا يقع بكتابة الكناية، ولو نواه. ولعله غير مراد. فليحرر. وقول الشارح: "بما يبين" أي وأما إذا كتبه بشيء لا يبين، مثل أن كتبه بإصبعه على وسادةٍ ونحوها، أو على شيء لا تثبت عليه، كالكتابة على الماء، أو في الهواء، فإنه لا يقع. (12) قوله: "فقط": أقول ومثله من اعتُقِلَ لسانه، لأنه ملحق بالأخرس في ¬

_ (¬1) "تصحيح الفروع" لعلاء الدين المرداوي صاحب الإنصاف. مطبوع بهامش "الفروع". (¬2) إن قول "على الحرام" الذي تولّع به المتأخرون يظهر لي أنه لا يقع به طلاق ولا ظهار ولا غيرهما، لأنه لا يفيد ذلك لغةً، لأنه بمعنى "الحرامُ عليّ" فأي شيى يفيده هذا؟ وهو لا يفيده عرفًا أيضًا، بل الذي يتكلم بقوله "عليّ الحرام " يقوله وهو لا يعلم له مضمونًا، فليس صريحًا، ولا كناية. وقد سألتُ عددًا ممن قال ذلك: ماذا تفهم من هذه الكلمة؟ فقالوا: لا أدري. ففي رأي: أن ما قاله الشيخ وشيخه وشيخ شيخه فيه استعجال. والله أعلم. وهذا بخلاف ما لو قال: "أنتِ عليّ حرام" فهذا ظاهر في التحريم، وهو إما طلاق أو ظهار أو يمين، وهو الأظهر.

فصل في كنايات الطلاق

[2/ 236] غالب الأحكام. (13) قوله: "مفهومة": أي لجميع الناس أو لأكثرهم، فلو لم يفهمها إلا بعض الناس فهي كناية، أي فإن دلت قرينة على الطلاق وقع. والظاهر أنه لا بد أن يكون من فهم الإشارة ثقة. وهل يكفي واحد؟ فليحرر. وقوله: "الأخرس": قال في المبدع: ويقع في العدد ما أشار إليه. فصل في كنايات الطلاق (1) قوله: "فلا يتعين بدون النية": أي ولا بدّ أن تكون النية مقارنة للفظ الكناية. فلو تكلَّم بالكناية غير ناوٍ للطلاق، ثم نوى بها الطلاق بعد ذلك، لم يقع. قال في الشرح: فإن وجدت في أوّله وعزبت في سائره وقع، خلافًا لبعض الشافعية اهـ. (2) قوله: "على الأصح": أي وعنه: أنه يقع ما نواه. وكان الإمام أحمد يكره الفتيا في الكناية الظاهرة، مع ميله إلى أنها ثلاث. اهـ. م ص. فعلى هذه الرواية: إن لم ينو عددًا تقع واحدة، كما في الإقناع. (3) قوله: "بَتْلَة: أي مقطوعة. وسميت مريم "البتول" لانقطاعها عن الرجال، وفاطمة "البتول" لانقطاعها عن فساد الدنيا حسبًا وفضلًا ودينًا. (4) قوله: "حرة": أي من رقِّ النكاح. (5) قوله: "الحرج": أي الإثم، مبالغة. (6) قوله: "وحبلك على غاربك" أي مُرْسلة غير مشدودة. فائدة: لو قال: أنا طالق، أو: بائن، أو: حرام، أو: بريء، أو زاد "منك" في الصور كلها، فلغو، ولو نوى به الطلاق. وإن وهبها لأهلها، أو لأجنبي، أو لنفسها، فردّت، أو لم ينو طلاقًا، أو نواه ولم ينوه موهوبٌ له، فلغو كبيعها لغيره، نصًّا. وإن قبل موهوبٌ له وقع رجعيًّا، كسائر الكنايات الخفية. وإن نوى بهبةٍ الطلاقَ في الحال وقع، ولم يحتج إلى قبول. وتعتبر نية موهوب له وواهب في العدد، فإن اختلفا في النية وقع أقلُّهما عددًا.

باب ما يختلف به عدد الطلاق

باب ما يختلف به عدد الطلاق [2/ 238] (1) قوله: "وعنه أن الطلاق بالنساء": أي فيملك زوج الحرة، ولو عبدًا، ثلاث طلقات، ولا يملك زوج الأمة، ولو حرًّا، إلا طلقتين. (2) قوله: "أو طرأ رقه": أي كما لو كان ذمِّيًّا حرًّا، ثم دخل دار الحرب، فأُسِر وصار رقيقًا. لكن إن كان قد طلق اثنتين [62 أ] وهو حر فيملك الثالثة. (3) قوله: "وإن علقها بعتقه إلخ": أي بأن قال: إن أُعتِقْتُ فأنت طالق ثلاثًا، فعتق، لغت الثالثة، لوقوع الطلاق بالعتق، بخلاف ما قبلها فإنه وقع بعد العتق. وحيث لغت الثالثة فإنه يملكها، وله رجعتها في العدة، وبعدها بعقد. (4) قوله: "أو قبل الدخول": ويتجه: وكذا بعده إذا كان من ابن دون عشر، أو ببنت دون تسع، لأن هذا الدخول غير معتبر شرعًا. وقد سألت أكثر علماء الحنابلة في بلادنا عن رجل طلق زوجته، وقد دخل بها وهي دون تسع سنين، هل يملك رجعتها إذا كان الطلاق واحدة؟ فكلهم أجابوا بأنه يملك مراجعتها إذا كان النكاح صحيحًا. فقلت لهم: متى يراجعها؟ فقالوا ما دامت في العدة، فقلت: لا عدة عليها، فارتبكوا في ذلك، ومنهم من قال: يملك مراجعتها لبينما تصير بنت تسع وثلاثة أشهر. فقلت: وهذه أيضًا عدة طويلة، فكيف بِقولهم لا عدة عليها، فإن مقتضى قولهم لك أن لها أن تتزوج حالاً، ولا يتصوّر ذلك مع إمكان مراجعتها. فليتأمل. وليحرر. (5) قوله: "أنت طالق بلا رجعة": ويتجه: مثله: أنت طالق لا حنبلي يردك ولا شافعي ولا حنفي ولا مالكي ونحو ذلك. (6) قوله: "وقع ما نواه": أي في قوله: أنت الطلاق، وأنت الطالق، ونحوه. وقال في الإقناع: وعنه واحدة، أي ولو نوى أكثر، اختاره أكثر المتقدمين. (7) قوله: "كما لو نوى بأنت طالق إلخ" لا حاجة إليه، لأنه في داخل في عبارة

[2/ 239] المتن. وإن قال: أنت طالق ما بين واحدة أو ثلاث، فواحدة، لأنها التي بينهما. اهـ. م ص. وإن قال: أنت طالق طلقةً في اثنتين، ونوى: طلقةً مع اثنتين، فثلاث. وإن نوى موجَبَه عند الحُسَّاب، عرفه أو لا، فثنتان. وإن لم ينو شيئًا وقع من حاسِبٍ طلقتان، ومن غيره طلقة، لأن لفظ الإيقاع اقترن بالواحدة، وجعل الاثنتين ظرفًا ولم يقترن بها إيقاع اهـ. م ص. وغيره. (8) قوله: "وإن طلق جزءًا ينفصل، كشعرها إلخ": ومثله لو قال: سوادك أو بياضك أو سمعك أو بصرك أو يَدُكِ (¬1) طالق، ولا يد لها، أو قال لها: إن قمت فيدك طالق، فقامت وقد قطعت يدها. أما لو قال: حياتك طالق فانها تطلق. (9) قوله: "ثم ذكر توجيه حكم الأولى": ولعّل وجهه أن حروف العطف تقتضي المغايرة، وبل من حروف العطف إذا كان بعدها مفرد، كما هنا، لأن اسم الفاعل من المفردات ولو تحمّل الضمير، كما ذكره م ص. (10) قوله: "فلا يقع به طلقة ثانية" قال م ص: وهو قريب من الاستدراك، كأنه نسي أن الطلاق الموقع لا ينفى، فاستدرك وأثبته لئلا يتوهم السامع أن الطلاق قد ارتفع بنفيه، فهو إعادة للأول، لا استئناف طلاق. (11) قوله: "فيقع عليه اثنتان": أي لأن حروف العطف تقتضي المغايرة. ولو قال أنت طالق فطالق فطالق، وقال أردت تأكيد ثانية بثالثة قبل لأنها مثلها في اللفظ، وكذا لو قال "أنت طالق ثم طالق ثم طالق"، وإن غاير الحروف كقوله: أنت طالق وطالق ثم طالق، أو: أنت طالق ثم طالق فطالق، ونحوه، لم يقبل منه إرادة توكيد ونحوه. (12) قوله: "فيكون موقعًا للثلاث جميعًا إلخ": لكن لو قال أردت تأكيد ثانية بثالثه، قبل منه حكمًا، لمطابقتها لها في اللفظ، لا تأكيد أولى بثانية لمغايرتها لها باقترانها بالعطف دونها. ¬

_ (¬1) قوله: "أو يدك" ثابت في ض، وفي موضعه في الأصل بياض.

فصل في حكم الاستثناء

فصل في حكم الاستثناء [2/ 242] (1) قوله: "أنت طالق أربعًا إلا ثنتين إلخ": هذا يؤيد القول بأن الاستثناء يرجع إلى ما تلفظ به، لا إلى ما يملكه، خلافًا لما في قواعد ابن اللحام. (2) قوله: "لأنه لم يسكت إلخ": لكن هذا قد يعارضه قولهم في الإقرار: لو قال: له عشرة إلا خمسة إلا ثلاثة إلا اثنين إلا واحدة، لزمه خمسة. قالوا: لأن استثناء الثلاثة من الخمسة أكثر من النصف، فبطل هو وما بعده. وأما على صحة هذا الاستئناء فيلزم المقر بذلك سبعة. ووجهه ظاهر. (3) قوله: "قبل تمام مستثنى منه": فإذا قال: أنت طالق ثلاثاً إلا واحدة، لم يعتد بالاستثناء [62 ب] إلا إذا نواه قبل تمام قوله "ثلاثاً". (4) قوله: "وكذا شرط ملحق": أي لآخر الكلام، كانت طالق إن قمت، فيشترط اتصاله ونيته قبل تمام "أنت طالق"، وكذا عطف مغيّر نحو"وأنت طالق أو لا" فلا يقع إن اتصل عادة، ونواه قبل تمام المعطوف عليه. فصل في الطلاق في الزمن الماضي المسقبل (1) قوله: "الزمن": شمل الماضي والمستقبل والحال، فهي أحسن من عبارة المنتهى والإقناع. وفي عدم ذكر الشارح للحال قصور، والحال كقوله "أنت طالق اليوم، أو: أنت طالق كل يوم" فيقع طلقة واحدة في الحال. (2) قوله: "قبل أن أتزوجك إلخ": أقول: وفي عرف العوام أن التزوج هو الدخول بالمرأة، حتى لو سئل عامي أتزوّجْتَ؟ وكان عاقدًا على امرأة غير داخل بها لقال: لا، فعلى هذا لو قال عامي لامرأته: أنت طالق قبل أن أتزوجك، ولم ينو وقوعه في الحال، احتمل أن يقع أيضاً، لاحتمال أن يقصد قبل الدخول بها وبعد العقد عليها، ولكن إن قال: لم أقصد ذلك أيضًا، احتمل أن لا يقع. ينبغي أن يحرر. (3) قوله: "وإلا أي وإن لم ينو إلخ": أي فلا يقع طلاقه، ولو مات أو جُنَّ أو خرس قبل العلم بمراده، لأن العصمة متيقنة فلا تزول بالشك.

[2/ 243] (4) قوله: "أي فلا يقع": لأن الطلاق رفعٌ للاستباحة، ولا يمكن رفعها في الماضي، كما لو قال: أنت طالق قبل قدوم زيد بيومين، فقدم اليوم اهـ. م ص. وقول الشارح "لما روى إلخ" لا دليل فيه للأولى من مسألتي المتن. وانظر لو قال: أنت طالق من أمس، أو من شهر ونحوه، ولم ينو إيقاعه في الحال، هل يقع الطلاق مؤاخذة له بإقراره؟ وهل لا يقبل قوله إن قال كذبت؟ وكذا لو قال: أنت طالق في أمس، أو في الشهر الماضي ونحوه؟ لكن الظاهر أن هذا من قبيل ما في المتن دون ما قبله، فليحرر. فائدة: إذا قال: أنت طالق يوم يقدم زيد، يقع يوم قدومه من أوله، ولو ماتا غدوة وقدم بعد موتهما من ذلك اليوم، ولا يقع إذا قُدِمَ به ميتًا أو مكرهًا إلا بنية. ولا يقع إذا قدم ليلاً مع نيته نهارًا. وإن لم ينو تطلق قدم ليلاً أو نهارًا، هذا ظاهر المنتهى. وقطع به في التنقيح والإقناع، لأن "اليوم" يستعمل في مطلق الزمن. وقدّم في الفروع: لا تطلق. قال في الإنصاف: وهو المذهب. قال الشهاب الفتوحي والد صاحب المنتهى: هو مقتضى كلام الشيخ في المقنع. وهو أظهر. اهـ. وإذا قال أنت طالق في غد إذا قدم زيد، فماتت في الغد قبل قدومه، لم تطلق ولو قدم في الغد، بخلاف أنت طالق في غد إن قدم زيد. والفرق بين الثلاثة بيّن. (5) قوله: "لأن مقتضاه وقوع الطلاق إذا جاء غد" أي في اليوم، وهذا مستحيل، وكذلك إذا قال أنت طالق اليوم إذا قدم زيد، ولم يقدم زيد في اليوم، لم يقع الطلاق. (6) قوله: "وأنت طالق غدًا إلخ" الغد اسم لليوم الذي يلي يومك أو ليلتك، وقد يراد منه ما قرب من الزمان. فلو قال: والله لأفعلن هذا غدًا، أو إن لم أفعل هذا غدًا، ففلانة طالق، وأراد به ما قرب من الزمن، أي زمن حلفه، لم يحنث بفعله بعد الغد اهـ. ابن نصر الله. وهل إذا مات أو جُنَّ أو خَرس بعد الغد، وقبل العلم بمراده، يقع طلاقه ولم يَبَرَّ بفعله بعد الغد الواقع قبل موته ونحوه؟ الظاهر

باب تعليق الطلاق

نعم. هذا ولي في كلام ابن نصر الله وقفة، وإنما يتجه كلامه لو قال: لأفعلن أو [2/ 244] إن لم أفعل كذا في غدٍ، لا غدًا. والفرق ظاهر فليتأمل. (7) قوله: "وكذلك إذا مضت سنة إلخ" أي إذا قال: أنت طالق إذا مضت سنة، فإنها تطلق بمضي اثني عشر شهرًا هلالية. وإن قال: إذا مضت السنة، أو هذه السنة، فإنها تطلق بتمام ذي الحجة. فإن قال أردت بالسنة اثني عشر شهرًا دُيِّن وقُبِل حكمًا، كما في المنتهى وغيره. باب تعليق الطلاق (1) قول الشارح: "عادة" ليس للاحتراز. وإلا فالمستحيل عقلاً بالأولى. والمستحيل عادة هو ما لا يتصور في العادة وجوده، وإن وجد يكون خارقًا للعادة، وذلك كما مثَّل المصنف. والمستحيل عقلاً هو الذي لا يتصور في العقل وجوده، وكذلك كقوله إن رَدَدْتِ أمس، أو جمعتِ بين الضدين، أو شربت ماء الكوز ولا ماء فيه. ونحو ذلك. (2) قول الشارح: "فعل" الصواب أن يقدر لفظ "عدم" بان يقول: "وإن علقه، أي الطلاق، على عدم غير المستحيل إلخ" ليوافق مثاله. فإن الطلاق فيه معلق على عدم الشراء الذي هو غير مستحيل، لا على الشراء. (3) قوله: "وهو موت العبد إلخ": أي أو موت المعلِّق، فإنها تطلق بآخر جزء من حياته، وترثه ولو بائنًا. (4) قوله: "مع تقدم الشرط إلخ": اعلم أن أدوات الشرط المستعملة في الطلاق والعتق غالبًا ست، [63 أ] وهي: إن وإذا ومتى ومن وأيّ وكلما، وهي وحدها للتكرارة وكلها ومهما ولو على التراخي إذا تجردت عن لم أو نية فور أو قرينة، فإن اتصلت بلم صارت على الفور، ولو بلا نية أو قرينة، إلا "إن" فقط نفيًا أو إثباتًا، فهي على التراخي إلا بنية أو قرينة. فائدة: من حلف بالطلاق لا يدخل دار زيد مثلاً، ثم ماتت زوجته أو بانت،

فصل في مسائل متفرقة يعلق فيها الطلاق

[2/ 246] فتزوج أخرى، ودخل دار زيد، فلا يقع عليه شيء (¬1)، كقوله لأجنبية: إن فعلت كذا فأنت طالق، فتزوجها ثم فعلته، فإنه لا يقع الطلاق. ومن علق الطلاق على فعل شيء وقع بفعله لا قبله، ولو قال عجَّلته. لكن إن أراد تعجيل طلاق غير المعلق، أو قال سبق لساني بالشرط ولم أرده، وقع إذن. يؤخذ من هذه الفائدة أن من حلف بالطلاق لا يدخل دار زيد، فتزوج امرأة أخرى، ثم دخلها، لا تطلق إلا التي كان تزوجها قبل الحلف. وأما الثانية فلا. ينبغي أن يحرر. (5) قوله: "أو إن قمت يا زانية إلخ": ظاهره أنه يضر القطع بين الشرط وحكمه بالسكوت، والكلام غير منتظم سواء كان الشرط مقدمًا أو مؤخرًا. (6) قوله: "يمكنه فيه الكلام": أي ولو قل. اهـ. ع ن. فائدة: ومن علَّق طلاق زوجته ثلاثًا على وطئها أُمِرَ بطلاقها وحرم عليه وطؤها، لوقوع الثلاث بإدخال ذكره، فيكون نزعه في أجنبية، والنزع جماع. فإن وطئ وتمم وطأه لحقه نسبه، ولزمه المهر، ولا حدّ. وإن نزع في الحال فلا حدّ ولا مهر. وإن كان المعلّق طلقةً وقع رجعيًّا ولو غير مدخول بها. قاله م ص (¬2). قلت وتحصل رجعتها بنزعه لأن النزع جماع. فصل في مسائل متفرقة يعلق فيها الطلاق (1) قوله: "لأن الإذن هو الإعلام إلخ": أي ولأنها قصدت بخروجها مخالفته وعصيانه، أشبه ما لو لم يأذن لها في الباطن، لأن العبرة بالقصد لا بحقيقة الحال. اهـ. م ص. (2) قوله: "طلقت": أي إلا أن ينوي بالإذن مرة، فيأذن لها ثم تخرج بعد، فلا حنث. وكذا إن قال: إن خرجت بغير إذني فأنت طالق، فأذن فيه مرة، لم ¬

_ (¬1) الصواب أن يقول "فلا يقع عليها شيء" لأن الطلاق يقع على المرأة لا على الزوج. (¬2) كذا في الأصل. وفي ض: "قاله م ص".

يحنث بخروجها بعد بغير إذنه. وأما إن قال: إن خرجت مرة بغير إذن فأنت طالق، [2/ 247] ثم أذن لها في الخروج، ثم خرجت بغير إذنه، حنث، كما في المنتهى وشرحه. اهـ. حاشية. (3) قوله: "وإن قال رجل: زوجتي طالق إلخ" أي ولا فرق بين تقدم الشرط وتأخره. وأما لو قال: دخلت الدار فأنت طالق إن شاء الله، أو أنت طالق ان دخلت الدار إن شاء الله تعالى، فدخلت، فإن نوى رد المشيئة إلى الفعل لم يقع، وإن نواه إلى الطلاق وقع. قال في الشرح: وإن لم تُعْلَم نيته فالظاهر رجوعه إلى الدخول، ويحتمل أن يرجع إلى الطلاق. اهـ. فائدة: ومتى قال من حلف لا تخرج زوجته إلا بإذنه وخرجت: كنت أذنت لها في الخروج، وأنكرت الزوجة الإذن، لا يقبل قوله إلا ببينة، لأن الأصل عدم الإذن. ولو خاطبها بالإذن بحضور بينة، ثم قالت الزوجة: ما سمعت الإذن، فالظاهر أن القول قولها، لأنه لا يعلم إلا من جهتها، ما لم تظهر للبينة قرينة على أنها سمعت، كأن يخاطبها قريبًا منها، فتجيبه، ثم يقول لها: أذنت لك في الخروج، ونحو ذلك. هذا ما ظهر لي. والله سبحانه وتعالى أعلم. ما في هذه الفائدة من البحث مبني على أن الإذن لها لا يكون إلا بعلمها، وليس كذلك، بل لو أذن لها بدون علمها وخرجت لا يقع، لأن العبرة بما في الواقع لا بما في ظنها، ولذلك لو قال إنسان: أذنت لفلان الغائب أن يبيع كذا من ملكي، أو يطلق زوجتي، ففعل قبل علمه، صح، إلا أن يريد مشافهتها بالإذن. (4) قوله: "لم يقع إلا أن يشاء فلان": أي وإن شاء فلان وقع ولو كان فلان مميزًا يعقل المشيئة. وإشارة مفهومة من الأخرس كنطق في المشيئة. وإن شاء وهو سكران طلقت. والصحيح أنها لا تطلق. ولا يقع: إن شاء فلان، وهو مجنون، لأنه لا حكم لِكلامه. (5) قوله: "عيانا": بكسر العين، أي معاينة. أي وأما إن قال لها: إن رأيت الهلال فأنت طالق، ولم يقل: عيانًا، وقع الطلاق إذا رؤي الهلال منها أو من غيرها وقد غربت الشمس، لا قبله، أو بتمام عدة الشهر الذي قبله، إلا أن ينوي

فصل في الشك في الطلاق

[2/ 248] حقيقة رؤيتها. ويقبل حكمًا لأن لفظه يحتمله. (6) قوله: "وقع إلخ": ومثله لو عقدها يظن صدق نفسه، كمن حلف: ما فعلت كذا، ظانا أنه لم يفعله، فبان بخلافه، فإنه يحنث في طلاق وعتق فقط. هذا المذهب. وجزم به في المنتهى وقدمه في الإقناع. وعنه: لا يحنث في الجميع، بل يمينه باقية. واختاره الشيخ وغيره. وإن حلف على غيره ليفعلنه، أو: لا يفعلنه، فخالفه، حنث الحالف. وقال الشيخ [63 ب]: لا يحنث إن قصد إكرامه، لا إلزامه به. (7) قوله: "وعكسه مثله": أي فإن تركت، أو ترك ما حلف على فعله، مكرهة أو مكرهًا، لم يحنث. ومع النسيان والجهل يحنث، هذا ما جزم به في الإقناع. وقيل لا يحنث مطلقًا، قطع به في التنقيح، وجزم به في المنتهى. فصل في الشك في الطلاق (1) قوله: "وهو هنا مطلق التردد": أي بين وجود المشكوك فيه من طلاق أو عدده أو شرطه، أو عدمه. فيدخل فيه الظن والوهم. وإلا فالشك عند الأصوليين التردد بين أمرين لا مزية لأحدهما على الآخر. والظن الطرف الراجح. والوهم الطرف المرجوح. واليقين ما أذعنت إليه النفس وجزمت به، وجزمت بأن جزمها به صحيح. (2) قوله: "قال الموفق إلخ ": وقال أيضًا: فإن كان المشكوك فيه رجعيًّا راجعها إن كانت مدخولًا بها، وإلا جدّد نكاحها، بأن كانت غير مدخول بها، أو انقضت عدتها. وإن شك في طلاقٍ ثلاثٍ طلقها واحدة، وتركها حتى تنقضي عدتها، فيجوز لغيره نكاحها، لأنه إذا لم يطلقها فيقين نكاحه باق، فلا تحل لغيره. اهـ. قلت وتبعه على ذلك صاحب المنتهى وغيره. وهو الصواب إن شاء الله تعالى. (3) قوله: "فمن حلف لا يأكل ثمرة إلخ" أي ويمنع من أكل واحدة من ذلك وإن لم يحنث بأكلها. ولو حلف ليأكلنّ هذه التمرة، لم يتحقق برّه حتى يعلم أنه

باب الرجعة

أكلها، أو يأكل جميع ما اختلطت به من التمر. [2/ 249] (4) قوله: "هل هي طلاق أو ظهار" لعل مراده أو غيرهما، أي بأن لم يَدْرِ اللفظة هل هي طلاق أو ظهار أو كلام آخر، وأما إن تحقق منه أن الواقع منه (¬1) إما طلاق أو ظهار إلا أنه لا يعلم ذلك منهما، فالظاهر أن يقرع بين اليمينين، أو يلزمه كفارة ظهار، وبهذا يندفع ما بحثناه بهامش هذه الصحيفة. فتأمله. (5) قوله: "لم يلزمه شيء": أي لأن الأصل عدمهما، ولم يتيقن أحدهما اهـ. م ص. وقيل يقرع بين اليمينين، فإذا خرجت القرعة لأحدهما كانت كأنها المحلوف بها، فيلزمه موجبها، وهذا أجرى على القواعد. واستظهر بعض المتأخرين أنه يلزمه ابتداءًا كفارةُ ظهارٍ لأنها الأخف اهـ. من حاشية ابن عوض. أقول: وما ذكره المصنف، وهو المذهب، فغير ظاهر، لأنه متيقن وقوع أحدهما، وإنما شك في عينه. فالصواب القول بالقرعة، أو بإخراج كفارة ظهار، ولذلك قالوا فيمن شك هل ظاهر من زوجته أو حَلَفَ أنه لا يطأها، لزمه بحنثٍ أدنى كفارتيهما، لأنه اليقين. ومقتضى ما ذكره في المسألة الأولى أنه لا يلزمه هنا أيضًا شيء، لأنه لم يتيقن واحدًا منهما، وإلا فما الفرق؟ ولا أكاد أجد بينهما فرقًا. (6) قوله: "حلف": أي حلف لا يطؤها. (7) قوله: "اليقين": أي والأحوط أعلاهما. اهـ. م ص. باب الرجعة (1) [الرجعة] بفتح الراء أفصح من كسرها، جوهري. وقال م ص: بالفتح فعل المرتجع مرة واحدة، فلهذا اتفق الناس على فتحها اهـ. وهذا مخالف لما نقله الشارح عن الأزهري. وقد يقال إن أريد بها المرة من الارتجاع فبالفتح، وإن أريد بها هيئتُهُ فبالكسر. ¬

_ (¬1) عبارة "أن الواقع منه" ساقطة من الأصل.

[2/ 250] (2) قوله: "أن يكون دخل أو خلا بها": أي وكانت بنت تسع فصاعدًا، وكان زوجها ابن عشر فصاعدًا، لأن دخول من كان دون ذلك غير معتبر شرعًا، بدليل عدم العدة، كما يأتي في العدة، ولأنه لو ملك رجعتها وهي دون تسع، للزم أن تكون لها عدة يملك رجعتها فيها، وقد صرحوا بأنه لا عدة عليها، فلا وقت لمراجعتها، كما عللوا عدم الرجعة في غير المدخول بها فقالوا: لأن الرجعة لا تكون إلا في العدة، وغير المدخول بها لا عدة عليها. وإن كان ظاهر كلامهم تقرير الصداق، أي بالدخول لا بالخلوة من ابن دون عشر ببنت دون تسع. وتقدم. هذا ما ظهر لي والله سبحانه وتعالى أعلم. (3) قوله: "من قطع الإرث إلخ": أي [إن] طلقها رجعيًا ومات بعد إنقطاع دم الحيضة الثالثة، وقبل غسلها، لا ترث، لأنها بانت بانقطاع دم الحيضة الثالثة. وكذلك إذا أوقع عليها طلاقًا لا يلحقها. وليس له أن يلاعنها، ولا نفقة لها، ونحو ذلك. وإنما يملك مراجعتها لما ذكره الشارح. وكذلك لا يصح تزويجها قبل غسلها أو تيممها لعذر. (4) قوله: "ونحوه": وقول الشارح: "مثل أعدتها" كذا في المنتهى وشرحه. قال ح ف: وفيه نظر، كما صرح به في الترغيب والفصول. والمذهب أنها لا تصح بالكناية، ولهذا لم يقل في المقنع والمحرر والإقناع: "ونحوه". وقال في الفروع وفي الترغيب: هل تحصل بكناية، نحو أعدتُك واستدمتُك؟ فيه وجهان. اهـ. قال بعض من [64أ] كتب على الفروع: فدم في المحرر عدم الصحة، وجعل الثاني قول ابن حامد: تصح موقوفة كالطلاق. اهـ. وانظر لو قال لها: أنت مراجعة، أو: مردودة، أو: ممسوكة، هل هو صريح تصح الرجعة به؟ فإن قلنا: نعم، فيحمل قول المصنف ونحوه على ذلك. ينبغي أن يحرر. (5) قوله: "بل تحصل رجعتها بوطئها": ظاهره: ولو كان الوطء محرَّمًا، كفي حيض وإحرام. اهـ. ع ن. قلت: وظاهره ولو في دُبُرٍ، فليحرر. ومفهومه أنها لا تحصل بمباشرةٍ دون الفرج، ولا بنظرٍ إلى فرجٍ، ولا بخلوة لشهوة. وهو كذلك، صرَّح به في المنتهى، ثم قال: إلاَّ على قول المنقح، اختاره الأكثر اهـ.

فصل فيما تحل به المطلقة ثلاثا

أي قياسًا على إلحاقها بالوطء في تقرير الصداق ونحوه. [2/ 252] وقوله: "بل تحصل رجعتها بوطئها"، فلو طلّقها وذكره في فرجها ثم نزعه حصلت الرجعة، حيث كان الطلاق رجعيًّا، لأن النزع جماع. وقد ذكر م ص فيمن علّق طلاق امرأته على وطئها ما يصرّح بذلك. فائدة: قال في المنتهى وغيره: وإن أشهد على رجعتها في العدة، ولم تعلم حتى اعتدت ونكحت من أصابها، ثم ادّعى رجعتها، وأقام البينة، ردَّت إليه، ولا يطؤها حتى تعتّد من الثاني. وكذا إن صدقته. وإن لم تثبت رجعته، وأنكراه، ردّ قوله، وإن صدّقه الثاني بانت منه، ولا تسلّم للمدعي لأنه لا يقبل قول الثاني عليها إلا في حق نفسه، والقول قولها بغير يمين. وإن صدقته المرأة فقط لم يقبل قولها على الثاني. لكن متى بانت من الثاني عادت إلى الأول بلا عقدٍ جديد، وإن مات الأول قبل ذلك ترثه، وإن ماتت لم يرثها لتعلق حق الثاني بها، وإن مات الثاني لم ترثه، لإنكارها صحة نكاحه. ولا يمكّن الأول من تزوج أختها ونحوها، ولا أربع سواها. وإن قالت: انقضت عدتي، في زمن يمكن فيه ذلك، فقال: كنت راجعتك، فقالت: انقضت عدتي قبل رجعتك، وأنكرها، فقوله. والله أعلم. فصل فيما تحل به المطلقة ثلاثا (1) قوله: "ولو مجنونًا" أي وكذا لو كانت هي مجنونة، أو كانا مجنونين. لكن إن كان المجنون ذاهب الحس، كالمصروع والمغمى عليه، لم يحصل الحلّ بوطئه، ولا بوطء مجنونة في هذه الحالة، لأنها لا تذوق العسيلة، ولا تحصل له لذة. قاله في الشرح الكبير. أقول: وهذا يدل على أن إدخال ذكر النائم ونحوه في فرجها، أو وطء النائمة ونحوها، لا يكفي في التحليل. وهو - وإن كان خلاف المذهب - قوي الدليل. (2) قوله: "أو لم يبلغ عشرًا" هكذا عامة كلامهم، وهو يصدق بابن سنة مثلاً، وليس بمرادٍ قطعًا. وكان الواجب ذكر أقل سن يجزئ في ذلك، فإن في كلامهم تعمية. والظاهر أنه لا بد أن يكون مشتهًى حتى يتحقق ذوق العُسَيْلة، أي

[2/ 254] لذة الجماع. والله سبحانه وتعالى أعلم. وانظر لو كانت المطلقة ثلاثًا دون تسع، ووطئها آخر بنكاح صحيح، فهل تحل لمطلقها؟ ظاهر كلامهم: نعم. والذي يظهر أنه لا بد في ذلك من بلوغها حدًّا تشتهي فيه الجماع، كما تقدم في الزوج، فليتأمل. فلو غاب عن مطلقته ثلاثًا، أو غابت عنه، ثم ذكرت أنها نكحت من أصابها وطلقها وانقضت عدتها منه، وأمكن ذلك بأن مضى زمن يتسع لذلك، فله نكاحها إذا غلب على ظنه صدقها، لا إن رجعت عن ذلك قبل عقد. ولا يقبل رجوعها بعده، لتعلق حقه بها. وكذا لو جاءت حاكمًا وادّعت أن زوجها طلّقها وانقضت عدتها، فله تزويجها إن لم يكن وفيٌ غيره إن ظن صِدْقها، ولا سيما إن كان الزوج لا يعرف. كذا في المنتهى تبعًا للتنقيح. ومفهومه أنها إن كان لها زوج معروف، وادّعت ذلك، تزوج أيضًا. وليس كذلك، فعبارة الإقناع "إن ظن صدقها وكان الزوج ذلك مجهولاً ولم تعينه" اهـ. وقال أيضًا في الإقناع: لو كان للمرأة زوج معروف، فادعت أنه طلقها، لم تتزوج بمجرد ذلك باتفاق المسلمين. اهـ. وظاهره سواء ادعت أنه طلقها بحضورها، أو أنه أخبرها بذلك من تثق به. وهل إذا أخبرها شخص تثق به أن زوجها طلقها أو مات يسوغ لها أن تتزوج؟ لم أره. فليحرر. (3) قوله: "ويكفي تغييب الحشفة" ظاهره ولو بحائل. ***

كتاب الإيلاء

كتاب الإيلاء [2/ 256] (1) قوله: "من زوج [64ب] إلخ": أي فلو حلف أن لا يطأ أمته أو أجنبية مطلقًا، أو قال: إن تزوجتها، لم يصر موليًا، لمفهوم الآية. أقول: يشكل على هذا صحة الظهار من الأجنبية، كما يأتي، ولم يعتبروا مفهوم {يظاهرور من نسائهم} [المجادلة: 2]. قوله: "الممكن جماعها": أي وأما إذا لم يمكن جماعها، كرتقاء ونحوها، أو صغيرة لا يوطأ مثلها ... (¬1). (2) قوله: "أو مدة تزيد على أربعة أشهر": أي ولو ظنا، مثل: والله لا وطئتك حتى ينزل عيسى، أو يخرج الدجال، أو غير ذلك من أشراط الساعة، لأن الغالب على الظن عدم وجود ذلك في أقل من أربعة أشهر، ونحو ذلك، [مثل] حتى أموت، أو حتى تموتي، أو يموت فلان. أو علقه على مستحيل، كقوله: حتى تصعدي السماء، أو يشيب الغراب، ونحوه. وإن قال: والله لا وطئتك في السنة إلا مرة، لم يكن موليًا حتى يطأ ويبقى من السنة فوق ثلثها اهـ. من الإقناع. (3) قوله: "بخلاف حيضٍ": أي فيحسب من المدة، ولا يقطعها، لئلا يؤدّي ذلك إلى إسقاط حكم الإيلاء، إذ لا يخلو من الحيض شهر غالبًا. وإن حدث عذرها في أثناء المدة استؤنفت، لزوالها، ولم تبن علي ما مضى، لأن ظاهر قوله تعالى {تربُّصُ أربعة أشهر} يقتضي أنها متوالية، لا إن حدث عذره. وإن ارتدَّا أو أحدهما بعد دخول، ثم أسلما أو أسلم من ارتد منهما في العدة، استؤنفت المدة، كمن بانت في المدة ثم عادت في أثنائها. وإن انقضت المدة وقد حدث بها عذر يمنع وطأها لم تملك طلب الفيئة. وإن كان العذر به، وهو مما يعجز به عن الوطء، امِرَ أن يفيء بلسانه، فيقول: متى قدرت جامعتُك، ثم متى قدر وطئ أو ¬

_ (¬1) هكذا في الأصل وض، لم يذكر جواب "أمّا". ولعله: "لم يصح إيلاؤه" أو نحو ذلك.

[2/ 257] طلّق اهـ. ملخضا من المنتهى وشرحه الصغير. (4) قوله: "طلقة إلخ" فإن طلقها هو أو الحاكم طلقة له مراجعتها. ***

كتاب الظهار

كتاب الظهار [2/ 258] (1) قوله: "أو عضوًا منها": أي كيدها ونحوها، غير سنٍّ وظفر وشعر ودم ونحوها، فلو قال: شعرك، أو سنك، أو ظفرك، أو روحك، كأمّي، أو كظهر أمي، أو كشعر أمي، أو أنت علي كشعر أمي أو سنها أو روحها ونحو ذلك فليس مظاهرًا، كالطلاق. (2) قوله: "وكذلك يكون مظاهرًا إذا شبّه امرأته بذكر": لا حاجة إليه لأنه داخل في عبارة المصنف. وقول المتن "أو بعضو منه" الضمير فيه راجع لمن في قوله "بمن يحرم إلخ". (3) قوله: "وإن نوى به طلاقًا إلخ": وقيل: إن قال: أنت عليّ حرام، ونحوه، ونوى به الطلاق يقع طلاقًا، لأنه أولى بان يكون من كنايات الطلاق من قوله اخرجي واذهبي ونحوهما. قلت: وكان شيخ مشايخنا الشيخ حسن الشطي يفتي بذلك كما حكاه لنا شيخنا الشيخ يوسف البرقاوي. (4) قوله: "ويقبل منه في الحكم": أي وهذا بخلاف ما قبله، وهو قوله: أنت علي كظهر أمي، أو يد أمي، أو رأس أمي، ونحوه، فإنه لا يقبل قوله: أردت: في الكرامة ونحوها، فيكون التشبيه بعضو ممّن يحرم عليه أصرح في الظهار من التشبيه بالكل. وهو ظاهر. (5) قوله: "لأن احتمال هذه الصُوَر إلخ": أي قوله: أنت أمي، أو محل أمي، ونحوه. وأما قوله: عليَّ الظهار، أو يلزمني الظهار، أو أنا مظاهر، ليس بظهار إلاَّ مع نية أو قرينة، فلأن لفظ الظهار لا دخل له في التحريم، وإنما التحريم (¬1) تشبيه الزوجة أو عضو منها بمن يحرم على الزوج، أو بعضو منه، ظهارًا، لأن الغالب فيه قولهم: أنت عليَّ كظهر أمي، أو لأن الواقعة التي نزلت في ¬

_ (¬1) قوله: "وإنما التحريم ... ظهارًا" كذا في الأصل وض. ولعل هنا سقطًا والصواب: "سُمِّيَ ظهارًا" فلينظر.

[2/ 259] شأنها آية الظهار كانت كذلك، فسمّاه الله تعالى ظهارًا في قوله {الذين يظاهرون منكم من نسائهم} الآية [المجادلة: 2]، وذلك لأن أوس بن الصامت قال لزوجته خولة بنت ثعلبة: "أنت عليَّ كظهر أمي" فجاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخبرته بذلك، واشتكت إلى [الله] وحدتها وصِبْيَةً صغارًا لها: إن تركتْهم عنده ضاعوا، أو عندها جاعوا، فأجابها - صلى الله عليه وسلم - بأنها حَرُمَتْ عليه، بناء على ما هو معتاد عندهم أن الظهار محرِّم على الأبد، فنزل قوله تعالى {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها} الآيات، وكالإيلاء، فلا يصير مؤليًا بقوله: أنا مؤل، أو: عليَّ الإيلاء ونحوه، بخلاف الطلاق. (6) قوله: "أي زوج إلخ": فهم منه أن السيد إذا قال لأمته: أنت كظهر أمي، مثلاً، لا يكون مظاهرًا. وهو كذلك، ويلزمه بوطئها كفارة يمين. وكذلك الزوجة إذا قالت لزوجها: أنت كظهر أبي ونحوه، ليس بظهار، وليس لها أن تمنع زوجها من الوطء، وإذا وطئها [65أ] لزمتها كفارة ظهارٍ تغليظًا عليها، ولما ورد في ذلك (¬1). ويكره دعاء أحد الزوجين الآخر بما يختص بذي رحمٍ، كأبي وأمي، وأخي وأختي. قال الإمام أحمد لا يعجبني. (7) قوله: "أو مميزًا إلخ": وقال الموفق: الأقوى عندي أنه لا يصح من الصبي ظهار ولا إيلاء اهـ. إقناع. (8) قوله: "فإن نَجَّزه لأجنبية أو علّقه إلخ": انظر ما الفرق بينه وبين الطلاق، فإنه تقدم أن الطلاق على الوجه المذكور لا يصح؟ وقد يفرق بينهما بوجهين: أحدهما: أن الطلاق حَل قيد النكاح، ولا يمكن حله قبل عقده، وأما الظهار فهو تحريم للوطء، فيجوز تقديمه على الوطء، ¬

_ (¬1) لم يرد في ذلك حديث. بل فيه أثر يروى "أن عائشة بنت طلحة قالت: إن تزوّجتُ مصعبًا فهو علي كظهر أبي، ثم إنها رغبت فيه، فاستفتت أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهم يومئذ كثير، فأمروها أن تعتق رقبة" أخرجه سعيد بن منصور، وأخرجه الأثرم بلفظ مقارب. كذا في المغني (7/ 384) ط ثالثة.

فصل في كفارة الظهار

كالحيض (¬1). والثاني: أن الطلاق يزيل المقصود من النكاح، فلم يصح قبله. وهذا [2/ 260] لا يزيله وإنما يعلِّق الإباحة على شرط. ذكر ذلك الزركشي بمعناه، وحينئذ فالآية في قوله {والذين يظاهرون من نسائهم} [المجادلة: 3] خرجت مخرج الغالب. (9) قوله: "ونوى أبدًا إلخ": هذا قيد لقوله: أنتِ علىَّ حرام، فقط. (10) قوله: "ولو بإطعام": أشار بذلك للخلاف، فقد روي عن الإمام أحمد أنه لا يحرم الوطء قبل التكفير بالإطعام، لأن الله تعالى لما ذكر الإطعام لم يقل: "من قبل أن يتماسَّا". ووجه المذهب أن الإطعام مطلق وغيره مقيّد، فيحمل المطلق على المقيد، لأن سببهما واحد وهو الظهار. وتجزئه كفارة واحدة ولو كرّر الوطء. اهـ. ح ف. وزيادة. (11) قوله: "ولو مجنونًا": وكذا لو بانت منه ثم زنى بها. اهـ. م ص. فصل في كفارة الظهار (1) قوله: "أو رجل": كذا في المنتهى، وهو تابع للمنقّح في التنقيح. وقال الحجاوي في حاشيته عليه: لم نر من قاله غيره فيما اطلعنا عليه من كلام الأصحاب. وظاهر كلامهم خلافه، ولأن ذلك لا يضرّ بعمل الرجل وهو المشي، وقد صرّحوا أن العرج اليسير لا يضرّ، وأطال في ذلك. فراجعه إن شئت. (2) قوله: "وصغير": أي ولو غير مميّز. اهـ. م ص. (3) قوله: "الأصم": أي الأعمى والأطرش (¬2). (4) قوله: "بأن عجز عنها العجز الشرعي": أي بأن لم تفضل عما يحتاجه من أدنى مسكن صالح لمثله، وخادم لكون مثله لا يخدم نفسه، أو لعجزه، وعن مركوب وعرض بذلةٍ، كلباسه وفرشه وآنيته وآلة حرفته، وعن كتب علم يحتاجها، وثياب تجمُّل لمثله، وعن كفايته ومن يمونه دائمًا، وعن رأس ماله كذلك، وعن ¬

_ (¬1) قوله: "كالحيض" هكذا في النسختين: الأصل وض، ولم يظهر لي معناه. ولعل صوابه: "كاليمين". (¬2) بل الأصم هو فاقد السمع ولو كان بصيرًا.

[2/ 262] وفاء دينٍ لله أو لآدمي، حالِّ أو مؤجل. (5) قوله: "في الثلاثة": أي النسيان، ومع العذر، وفي الليل. (6) قوله: "قال في المنتهى: ولو رجى برؤه": وكذا في الإقناع. (7) قوله: "ولا يضر وطء مظاهر منها أثناء الإطعام": أي لا يبطلها، لأنها لا تتابع فيها، لا أنه يجوز، بل يحرم، وتقدَّم. (8) قوله:"ولا يجزئ خبز": وعنه يجزئ، واختاره جمع، فيخرج من خبز البر رطلين بالعراقي، ومن خبز الشعير أربعة أرطال، لا يجزئ أقل من ذلك، إلا إن علم أنه مُد من البر، أو نصف صاع من الشعير، فيجزىء ولو أقل. (9) قوله: "ولا غير ما يجزئ في الفطرة": أي من الأصناف الخمسة. قاله م ص. قلت: فإن عدمت الأصناف الخمسة أجزأ عنها ما يقتات، من حبٍّ وتَمْر على ما تقدم في الفطرة اهـ. ***

كتاب اللعان

كتاب اللعان [2/ 264] (1) قوله: "لأنّ كلاً من الزوجين يلعن إلخ": فيه شيء. (2) قوله: "وقائمة مقام حبس في جانبها": يعني أنه إذا لاعنها وسكتت، تحبس حتى تلاعن أو تقر أربعًا فتحدّ، فإن لاعنت فلا تحبس، فاللعان قائم مقام خبسها. (3) قوله: "مُحْصَنة": أي مسلمة حرةٍ عاقلة عفيفة عن الزنا يوطأ مثلها. (4) قوله: "ثم يزيد في الخامسة إلخ": مفهومه أن الشهادات خمس، ويزيد في الخامسة: وأن لعنة الله إلخ وليس كذلك. وعبارة الإقناع: "ثم يقول في الخامسة إلخ" وهي أولى. والمراد بالخامسة: الجملة الخامسة، لأنها ليست شهادة. (5) قوله: "ولا يشترط على الأصح أن يقول إلخ": أقول: وظاهر كلام الإقناع أنه يشترط من الرجل دون المرأة، فليراجع وليحرر. وهذا في اللعن والغضب، أما في الشهادات الأربع فالظاهر أنه لا بد منه. (6) قوله: "فإن نقص لفظ مما ذكر": أي جملة من الجمل [65 ب] الخمس، أو ما يختل به المعنى. اهـ. م ع. (7) قوله: "أو بلا حضور حاكم أو نائبه": قال في الإقناع وكذا لو حكَّما رجلاً أهلاً للحكم. (8) قوله: "وسن تلاعنهما قيامًا": لو قال: قائمين، كان أبين، لكونه حينئذ حالاً، وأما "قيامًا" فإنه مصدر، فيحتاج إلى عامل مقدر، قاله الشهاب الفتوحي على المحرر اهـ. ع ن. أقول: ويجوز وقوع المصدر المنكر حالاً، قال ابن مالك: ومصْدرٌ منكَرٌ حالاً يقَعْ ... بكثرة كبَغْتَةً زيدٌ طَلَعْ وقد جاء في فصيح الكلام من قول السيدة عائشة رضي الله عنها "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا، وصلى وراءه رجالٌ قيامًا" لكنه غير

فصل في شروط اللعان

[2/ 226] مقيس، على الصحيح (¬1). (9) قوله: "بعد العصر": وقال أبو الخطاب في موضع آخر: بين الأذانين، لأن الدعاء بينهما لا يرد اهـ. إقناع. (10) قوله: "رجلاً" أي أو امرأة من محارم الزوج. وقوله: "وامرأة": أي أو رجلاً من محارم الزوجة. (11) قوله: "ويبعث الحاكم إلى خَفِرةٍ إلخ ": الخفرة هي من تترك الخروج من منزلها صيانةً، من الخَفَر وهو الحياء، خلاف البَرْزَة. فصل في شروط اللعان (1) قوله: "مكلفين": قال م ص: "أما اعتبار التكليف فلأن قذف غير المكلف لا يوجب حدًّا، واللعان إنما وجب لإسقاط الحد. اهـ. أقول: وفي هذا التعليل نظر لأن الأمة والذمية والفاسقة، أي غير العفيفة، لا يجب الحد بقذفهن، وإنما يجب التعزير، وهو يوجب اللعان، لعموم {والذين يرمون أزواجهم} الآية كما صرّحوا به، واللعان يقوم مقام الحد أو التعزير. على أن غير البالغ إذا كان يطأ أو يوطأ مثله يجب الحد بقذفه، غير أنه لا يقام إلا بعد بلوغه. (2) قوله: "فلا لعان": أي ويلحقه الولد إن كان، وإن قال: وطئك فلانٌ بشبهةٍ وكنتِ عالمةً، فله أن يلاعن وينفي الولد، على ما اختاره الموفق وغيره. (3) قوله: "ويعتبر لنفيه إلخ": وكذا يشترط لنفيه أن لا يوجد منه ما يدل على الإقرار به، بأن هُنِّىء به فسكت، أو أمَّن على الدّعاء، أو قال: رزقك الله مثله، وأن ينفيه حال علمه بولادته من غير تأخير إذا لم يكن عذرٌ. فإن وجد منه ¬

_ (¬1) يجوز أن يكون "قيامًا" في لفظ المصنف، وفي الحديث، جمعًا، كما في قوله تعالى {فإذا هم قيام ينظرون} وهو أولى من جعله مصدرًا. على أن فيه استعمال الجمع للمثنى، وله شواهد.

ما يدل على الإقرار، أو أخر نفيه مع إمكانه، لحقه نسبه، وامتنع نفيه. وإن قال: [2/ 268] لم أعلم بولادته، وأمكن صِدْقه، قبل منه بيمينه، وكذا لو قال: لم أعلم أن لي نفيه، أو: لم أعلم أنه على الفور، وكان ممن يخفى عليه. وإن كان فقيهًا لم يقبل منه. (4) قوله: "ولو كان ابن عشر" كوامل. والمراد -والله أعلم- ما عدا مدة الحمل، وهي نصف سنة. فليحرر. (5) قوله: "ومع هذا لا يحكم ببلوغه إلخ": قال ابن نصر الله: وهل يلزمه النفقة مدة الحمل إذا كان ذلك قبل الدخول؟ يحتمل، تبعًا للنسب، ويحتمل عدمه، لأن إلحاق النسب له خصوصية لا تساويه النفقة فيها. والأول أظهر. ولم أجد فيها نقلًا. (6) قوله: "ولا تثبت به عدة ولا رجعة": يعني أنه لو طلقها بعد أن ولدت، وكان ذلك قبل الدخول أو الخلوة، لا عدة عليها، بل لها أن تتزوج في الحال. وكذا لا يملك رجعتها، بل تبين بطلقة، لأن موجِبَ العدَّة وثبوتِ الرجعة الدخولُ أو الخلوة، وذلك غير محقّق، وإنما ألحِقَ الولد به حفظًا لنسبه فقط. (7) قوله: "وعاش" قال م ص: فإن مات، أو ولدته ميتًا، لحقه بالإمكان. اهـ فائدة: إن أقرّت بائن بانقضاء عدتها بالقروء، ثم ولدت لفوق نصف سنة منها، أي من عدتها، لم يلحق الزوج. وإن ولدته لدون نصف سنةٍ من آخر أقرائها وعاش لحق بزوج، لتبئن أنها لم تحمل به بعوإنقضاء العدة، فلزم أن لا يكون الدم حيضًا، فلا تنقضي عدتها به. وإن ولدت رجعية بعد أربع سنين منذ طلقها زوجها، وقبل انقضاء عدتها، لحقه نسبه. وكذا لو ولدت لأقل من أربع سنين منذ انقضت عدتها، ولو بالأقراء، لحق نسبه بالمطلِّق، لأن الرجعية في حكم الزوجات في أكثر الأحكام اهـ. ملخصًا من المنتهى وشرحه. (8) قوله: "أو قطع ذكره مع أنثَيَيْهِ" أي بخلاف من قطع ذكره فقط، فإنه

فصل فيما يلحق به نسب ولد الأمة

[2/ 269] يلحقه النسب. قال في المنتهى: وكذا من قطع أنثياه فقط عند الأكثر من الأصحاب. وقيل: لا. المنقح: وهو الصحيح. اهـ. [66أ] قال في شرحه: لأنه لا يخلق من مائه ولدٌ عادةً، ولا وجد ذلك، أشبه ما لو قطع ذكره مع أنثييه. اهـ. قلت وجزم به في الإقناع. فصل فيما يلحق به نسب ولد الأمة (1) قوله: "ومن ثبت إلخ" أي ببينة، ولا يقبل فيه أقل من رجلين. فإن شهدا بوطءٍ في الفرج فالظاهر أنه يشترط فيه أن يشهدا بمشاهدة فرجه في فرجها، كالزنا، وإن شهدا بوطءٍ دون الفرج فكذلك. اهـ. ابن نصر الله على الفروع. (2) قوله: "ولنصف سنة فأكثر لحق المشتري" هذا إن استبرأها البائع المقر بوطئها، وإما إن لم يستبرئها فأتت به لنصف سنة ودون أربع سنين، فإن ادعى مشتر أنه من بائع لحق به، وإن ادعاه مشتر لنفسه، أو كل منهما أنه للآخر، أُرِيَ القافة. (3) قوله: "ويتبع": أي لقوله تعالى {ادعوهم لآبائهم} [الأحزاب: 5]. (4) قوله: "على أنها حرةٌ": أي يظنها حرة. وقوله: "فإن ولدها في الصورتين يكون حرًّا": أي ولو كان الأب رقيقًا. قلت: فقد يعايا بها، فيقال: مولودٌ ولد حرًا وأبواه رقيقان. (5) قوله: "وفي النجاسة": أي كما إذا تولّد بين هرة وما فوقها في الخلقة مما لا يؤكل فإنه نجس حتى في الحياة. (6) قوله: "وتحريم النكاح": أي كما لو تزوّج كتابيٌّ مجوسيةً فولدت أنثى فإنه لا يجوز نكاحها، وكذا لو ولدت ذكرًا فإنه لا تحل ذبيحته، مع أنه في الدين يتبع خيرهما، فهو كتابيّ. وظاهر كلامهم: كذلك المتولّد بين متولد من طاهر ونجس ونحوه، وبين غيره، إلى ما لا نهاية له. فالكتابي إذا كان أحد أجداده أو جداته غير كتابيٍّ، ولو علا، لا تحل مناكحته ولا مناكحة نسله إلى الأبد، وكذا

يقال في غيره (¬1). [2/ 270] ... ¬

_ (¬1) في هذا نظر، لأنه يفضي إلى أن لا تحل كتابية لمسلم، لأن أجدادها كانوا مشركين أهل أوثان. وقد دخل عامة النصارى في النصرانية بعد عيسى عليه السلام وكان آباؤهم أهل أوثان. فلعل مرادهم من تدين من المشركين باليهودية أو النصرانية بعد بعثة محمد - صلى الله عليه وسلم -، ومن تدين باليهودية بعد بعثة عيسى عليه السلام. وفيه نظر أيضًا. وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية "هذا قول ضعيف، بل المقطوع به أن كون الرجل كتابيًّا أو غير كتابي هو حكم يستفيده بنفسه لا بنسبه، فكل من تديّن بدين أهل الكتاب فهو منهم، سواء كان أبوه أو جده قد دخل في دينهم أو لم يدخل، وسواء كان دخوله بعد النسخ والتبديل أو قبل ذلك" قال: "وهو الصحيح المنصوص عن أحمد". (الاختيارات ص 324).

كتاب العدة

[2/ 271] كتاب العدة (1) قوله: "ونحوهما": أي كوضع الحمل. (2) قوله:"مطلقًا": شمل من مات عن امرأةٍ نكاحُها فاسد. (3) قوله: "حتى تضع كل الحمل": قال م ص: وظاهره: ولو مات ببطنها، لعموم الآية. قلت: ولا نفقةَ لها حيث تجب للحامل، لما يأتي أن النفقة للحمل، والميت ليس محلاًّ لوجوبها. (4) قوله: "لأن النهار تبع لليل": أي فنص القرآن {أربعة أشهر وعشرًا} [البقرة: 234] وتذكير العدد يدل على تأنيث المعدود، فدل على أن المراد عشرُ ليال. وإنما لم يكتف بعشر ليال، لا بد من تمام اليوم العاشر، لأن النهار تبع لليل. والله سبحانه وتعالى أعلم. وقولنا: "تذكير العدد يدل على تأنيث المعدود" أي غالبًا، وإلا فيجوز تذكيره وتأنيثه مع تذكير المعدود وتأنيثه حيث كان المعدود محذوفًا، كما هنا. ويدل لذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - "من صام رمضان، وأتبعه بستٍّ من شوال" فقد حذف التاء من العدد، مع أن المعدود مذكر، لأنه لا يصام إلا الأيام. وحينئذ فلا مانع من أن يراد بقوله تعالى {وعشرًا} عشرة أيام. والله أعلم. فائدة: ولو علّق سيِّدُ أمةٍ عتقها بموت زوجها، بأن قال: إن مات زوجها فهي حرة، أو علق زوج أمةٍ طلاقها بعتقها بأن قال لها: إن عتقت فأنت طالق، فمات الزوج في الأولى، وعتقت الأمة في الثانية، فهل يلزمها أن تعتد عدة حرة، أو عدة أمة؟ لم أجد من صرح بذلك، بل ولا من أشار إليه. والذي يظهر لي أنها تعتد عدة أمةٍ في الأولى وتعتد عدة حرةٍ في الثانية، لأنها لا تعتق إلا بعد حصول الموت، ولا تطلق إلا بعد حصول العتق، وهو ظاهر، بل لا يكاد يخفى. (5) قوله: "ولا يعتبر الحيض في عدة الوفاة" أي فلو حاضت ثلاث حيضات في دون أربعة أشهر وعشر، لا يكتفى بها، للآية.

(6) قوله: "وعدة الأمة نصفها" وفي التنقيح: "كحرّة" قال في الإقناع: وهو [2/ 272] سهو. وقوله: "وعدة الأمة نصفها" أي لإجماع الصحابة على تنصيفها في عدة الطلاق، وكالحدّ. ومن نصفها حرّ، ثلاثة أشهر وثمانية أيام، ومن ثلثها حر شهران وسبعة وعشرون يومًا، وهكذا بالحساب، ويجبر الكسر. (7) قوله: "وكان ممن يطأ مثله إلخ" أي وفاقًا للمالكية. وإنما لم يشترط ذلك في المتوفى عنها زوجها لعموم الآية، فإنها تعمّ المدخول بها وغيرها، والصغيرة، ومن زوجها صغير، وغيرهما. فإن قلت: كذلك قوله تعالى {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} عام فيشمل الصغيرة ومن زوجها صغير؟ قلت: قد فرق سبحانه وتعالى بين المطلقة وبين المتوفى عنها زوجها، بأن المطلقة قبل المسيس لا عدة عليها، بخلاف المتوفى عنها زوجها، فعموم الآية يشمل من مات عنها قبل المسيس، فدخلت الصغيرة التي لا يوطأ مثلُها، ومن زوجها لا يطأ مثله، لأن المعنى الموجود فيهما [66ب] موجود فيمن مات عنها قبل المسيس. فالأمر في لك تعبديّ. ولما كانت المطلقة قبل المسيس لا علّه عليها لتحقق براءة رحمها، كذلك الصغيرة ومن زوجها صغير، لتحقق براءة رحمهما أيضًا. فالوطء منهما لايعتبر، بل هو كعدمه. أقول: لكن ظاهر كلامهم اعتباره في تقرير المهر، وفي عدم البينونة بطلقةٍ، وفي ملكه رجعتها. والذي يظهر لي عدم تقرير المهر به، وأنه لا يملك رجعتها، حيث قالوا: لا علّه عليها، لما ذكروا في غير المدخول بها. قالوا: لأنها لا عدة عليها. فلا يملك رجعتها، لأن الرجعة إنما تكون في عدة، ويلزم من تقرير المهر به لزوم العدة به، لمفهوم {من قبل أن تمسوهن} فيهما، والله سبحانه وتعالى أعلم. (8) قوله: "إن كانت حرة" دخل فيه من عتقت تحت عبدٍ فاختارت نفسها.

[2/ 273] (9) قوله: "والقَرْء إلخ" هو بفتح القاف كما في الجلالين (¬1). (10) قوله: "الحيض" أي لأنه المعهود في لسان الشرع، كما في حديث "تدع الصلاة أيام أقرائها" وحديث "إذا أتى قرؤك فلا تصلي"، "وإذا تم قرؤك فتطهري، ثم صلي ما بين القرء إلى القرء". (11) قوله: "حيضات" أي وتغتسل بعدها، فلا تزوَّج قبل ذلك. (12) قوله: "وهي من بلغت خمسين سنة" واختار الشيخ: لا حدّ لأكثر سنِّه. اهـ. أقناع. فائدة: وإن مات في عدَّةٍ مرتدٌّ أو زوج كافرة أسلمت أو زوج رجعيةٍ، سقط الباقي من العدّة، واستأنفت عدة وفاةٍ من موته. وإن مات في عدة من أبانها في الصحة لم تستأنف بل تكمل عدة الطلاق. وإن أبانها في مرض موته المخوف ومات في العدة اعتدت الأطول من عدة وفاة أو طلاق إن كانت وارثة، وإلا بأن كانت أمةً أو ذمية أو جاءت البينونة منها فتعتد لطلاق فقط. (13) قوله: "آيسة إلخ" أي ولو زال السبب الذي رفع الحيض، من مرض أو رضاع ونحوهما، ولم يعد الحيض، فلا تزال معتدة حتى يعود أو تصير آيسة إلخ. وقال في الإقناع: وعنه تنتظر زواله، ثم إن حاضت اعتدت به، وإلا اعتدت بسنة اهـ. أي إن زال السبب الذي رفع الحيض ولم تحض تصير كمن لم تعلم ما رفعه. قلت: وهو أظهر والله أعلم. (14) قوله: "بلا حملٍ منه" أي وإن كانت حاملاً من غيره فإنها تعتد له بعد وضع الحمل. فائدة: لو مُسِخَ رجلٌ جمادًا تعتد امرأته عدة وفاة، وحيوانًا: تعتد عدة طلاق، كما اتجهه المصنف في الغاية. ويؤخذ منه أن النكاح ينفسخ حين المسخ. وعليه فلو عاد الممسوخ لحاله الأول لا تحل له زوجته إلا بعقد جديد. والله أعلم. ¬

_ (¬1) لكن قال في القاموس المحيط "القرء، بالفتح والضم".

فصل في العدة في غير النكاح الصحيح

(15) قوله: "زاد في الإقناع والمنتهى إلخ" أقول: لا حاجة لزيادتهما لأنها [2/ 275] داخلة في المتوفى عنها زوجها، لأن المراد بالوفاة: إما حقيقةً أو حكمًا، فهي تعتد عدة وفاة لكن بعد الحكم بوفاته، بأن يمضي لغيبته أربع سنين إن كان ظاهرها الهلاك، أو يكمل عمره تسعين سنة إن كان ظاهرها السلامة. وقول الشارح: "وقد ذكرها المؤلف في الفرائض" فيه تسمّح، لأنه لم يذكر هناك إلا مدة التربص التي يحكم بها بوفاته، ولم يذكر العدة التي يجوز النكاح بمضيها. فصل في العدة في غير النكاح الصحيح (1) قوله: "من" هي مفعول وطئ، أي وطئ الأجنبي بشبهةٍ ونحوها من كانت معتدة. (2) قوله: "فتنقضي عدتها" أي من الثاني ثم تتم عدة الأول. (3) قوله: "ولا يحتسب من عدة الأول إلخ" أي فلو تزوجها وهي معتدة من غيره، وأقامت عنده مدة ولو طويلة، ثم فرق بينهما، فإنها تكمل عدتها من الأول، ولا يحتسب منها مقامها عند الثاني، ثم تعتد للثاني. فائدة: قال في الإقناع: وكل معتدة من غير النكاح الصحيح، كالزانية والموطوءة بشبهة، أو في نكاح فاسدٍ، قياس المذهب تحريمها على الواطىء وغيره في العدة. قال الشارح: وقال الموفق: الأولى حل نكاحها لمن هي معتدة منه إن كان يلحقه نسب ولدها. اهـ. (4) قوله: "اعتدت له ثم تتم للشبهة": إنما قدمت عدة الطلاق لأنها عدة مستحقة بالزوجية، فقدمت على غيرها بقوتها. اهـ. م ص. (5) قوله: "لا بزنا": أي خلافًا للإقناع، فإنه قال: تتعدد العدة بتعدد الواطىء بالزنا أيضًا، وهو الذي قدّمه في المبدع والتنقيح، وهو مقتضى المقنع. وما ذكره المصنف: قال الفتوحي عنه: إنه الأصح. وفي التنقيح: وهو أظهر. اهـ. وقال م ص: ولهذا اختيار ابن حمدان، لعدم لحوق النسب فيه، فبقي القصد العلم ببراءة الرحم. وعليه فعدتها من آخر وطء. اهـ.

فصل في الإحداد

[2/ 276] فصل في الإحداد (1) قوله: "والمكلفة وغيرها إلخ": أي فيلزم وليَّ غير المكلفة أن يجنبها ما تجنبه المكلفة في عدتها. (2) قوله: "والاكتحال بالأسود": ظاهره سواء كان إثمدًا أو غيره، وهو أولى، خلافًا لظاهر الإقناع. (3) قوله: "بلا حاجة": أي فإن كانت حاجة، كالتداوي، جاز، وظاهره [67أ] سواء كان ليلاً أو نهارًا. وفي الإقناع: إلا إذا احتاجت للتداوي، فتكتحل ليلًا وتمسحه نهارًا. اهـ. (4) قوله: "والادّهان بالمطيَّب": أي وأما بغير المطيب، كزيتٍ وشَيْرَجٍ وسمنٍ وصَبٍر في غير وجه فيجوز لها، وأما الصبر في الوجه فلا يجوز لها، لأنه يصفره. (5) قوله: "وتجب عدة الوفاة": أي كلها، فلا يجوز لها أن تخرج من المنزل ليلًا ولو لحاجة، إلا لضرورة، ولها أن تخرج نهارًا لحوائجها فقط. (6) قوله: "وهي ساكنة": هذا القيد لا بد منه، وعبارة المصنف بدونه غير مستقيمة. (7) قوله: "وإن انتقلت إلى غيره لزمها العَوْدُ": أي لتتم عدتها فيه، تدارُكًا للواجب. وكذا لو سافرت بإذنه، أو مطلقًا على ما استظهره ابن نصر الله، أو سافرت معه لنُقْلةٍ إلى بلد آخر، فمات قبل مفارقة البنيان، رجعت فاعتدت بمنزله. وإن كان السفر لغير نقلة، ولو لحجٍّ، ولم تُحْرِم، فمات قبل مسافة قصر، رجعت واعتدّت بمنزله أيضًا. وبعد مفارقة البنيان في الأولى، ومسافة القصر في الثانية، تخير بين الرجوع والمضي إلى مقصدها. وإن أحرمت بحجٍّ، ولو قبل موته، وأمكن الجمع بين العدة في منزله والحج بأن اتسع الوقت لهما، رجعت إلى منزله فاعتدت ثم حجت، وإلا قُدِّمَ حج مع بعدها عن بلدها مسافة قصر، وإلا فالعدة. وتتحلل لفواته بعمرة إن أمكنها السفر للعمرة بعد العدة، وإلا تحللت كمحصر. (8) قوله: "ما لم يتعذر": أي كخروجها خوفًا على نفسها من هدمٍ ونحوه،

باب استبراء الإماء

أو تحويل مالك المنزل لها منه، أو طلبه فوق أجرته، أو لا تجد ما تكتري به إلا [2/ 279] من مالها، فيجوز إلى حيث شاءت. وتُحوَّل إن حَصَل منها أذى لجيرانها. باب استبراء الإماء (1) الاستبراء في الشرع قَصْدُ علمِ براءة رحمِ ملكِ يمينٍ، حدوثًا أو زوالاً، من حمل غالبًا، بوضعٍ أو بحيضةٍ أو بشهرٍ، أو بعشرة أشهر. وخُصَّ الاستبراء بهذا الاسم لتقديره بأقل ما يدل على البراءة، من غير تكرُّرٍ وتعدُّد، بخلاف العدة كما تقدم. والأصل فيه ما رواه أبو سعيد في سَبْي أوطاسٍ مرفوعًا: "لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير حاملٍ حتى تحيض حيضةً" (¬1). (2) قوله: "لم يحل استمتاعه بها ولو بالقبلة حتى يستبرئها": أي لو عتقت قبله لم يجز أن ينكحها، ولم يصحّ، حتى يستبرئها، وليس لها نكاح غيره، ولو لم يكن بائعها يطأ، إلا على رواية المنقح، وهي أصح. اهـ. منتهى. قال في شرحه: وصححها في المجرّد، وجزم بها في المغني والشرح والوجيز وشرح ابن منجا وتذكرة ابن عبدوس وقدّمها في الحاوي الصغير. ذكره في الإنصاف. (3) قوله: "وإن لم يطأها جاز": أي إذا ملك أمة ولم يطأها، فباعها أو زوجَّها قبل استبرائها جاز. وهذا إن كان البائع قد استبرأها قبل البيع، وإلا لم يصح التزويج حيث كان يطؤها، حذرًا من اختلاط المياه، كما يعلم من المنتهى وغيره، أي حيث لزم استبراؤها. (4) قوله: "أي بوضع ما تنقضي به العدة": وهو ما تبيّن فيه خلق إنسان، وتقدَّم قريبًا. ¬

_ (¬1) حديث أبي سعيد الخدرفي مرفوعًا: "لا توطأ حامل ... " أخرجه أحمد (3/ 62) وأبو داود (2157). والحاكم وغيرهم. وهو صحيح.

[2/ 281] (5) قوله: "بخمسين سنة وشهر": أي بتمام سنها خمسين سنة، وبشهرٍ إن لم يعد الحيض. وإن عاد قبل ذلك: فبحيضةٍ، لا أنها تُستبرأ بخمسين سنة وشهر كما قد يتوهم. وقول الشارح: "قال في المنتهى إلخ": مراده مناقشة المصنف في التعبير بحسب ما يظهر. والله سبحانه وتعالى أعلم. (6) قوله: "وإن ادّعت الأمة الموروثة إلخ": قال م ص: ولعله ما لم تمكنه قبل اهـ. أي فإن مكنته من الوطء، ثم ادّعت تحريمها عليه، لم تصدّق. أقول: وكذا يقال فيما بعدها، فليحرر. ***

كتاب الرضاع

كتاب الرضاع [2/ 283] (1) قوله: "ونحوه": أي كأكله بعد تجبينه، وسعوط به، ووَجُورٍ. (2) قوله: "من ثدي امرأة": متعلق بمصّ، وعبارة المنتهى: مص لبنٍ ثاب عن حمل من ثدي امرأة، أو شربه ونحوه اهـ. وهي أوضح من عبارة الشارح. وإن سبقه إليها صاحب الإقناع. (3) قوله: "والذمية والمشركة": عموم الكافرة يتناولهما، فلا فائدة بذكرهما بواو العطف الذي يقتضي المغايرة. (4) قوله: "وفي الترغيب: وعمياء": انظر ما وجه كراهة استرضاع العمياء. (5) قوله: "لاحقٍ بالواطىء": شمل الزوجَ، والواطىء بملك اليمين، أو بشبهةٍ، أو نكاحٍ فاسد. (6) قوله: "كما لو تزوجت من غيره": أي كما لو تزوجت المرضعة بغير صاحب اللبن وصار لها منه أولاد، أو تزوج الواطىء بغير المرضعة وصار له منها أولاد، فالذكور يصيرون إخوته، والبنات أخواته. هكذا تقرير عبارة المصنف. وعبارة الشارح لا تخلو من تسمح. (7) قوله: "من أخ وأخت": بيان [67ب] لمن بدرجته، وقوله "وأبي وأم إلخ " بيان لمن فوقه. فائدة (¬1): ومن أرضعت بلبن حملٍ من زنا، أو نُفِيَ بلعانٍ، طفلاً في الحولين، صار ولدًا لها فقط، وإن كان أنثى حرم على الواطىء تحريم المصاهرة. فائدة أخرى: ومن تزوج أو اشترى ذات لبن من زوج أو سيِّدٍ قبله، فوطئها، فزاد لبنها؛ أو حملت ولم يزد لبنها، أو زاد قبل أوانه، فاللبن للأول. وإن زاد في أوانه بعد حملها من الثاني، وولدت ولم يزد ولم ينقص فاللبن لهما. وإن زاد بعد وضع فاللبن للثاني وحده. ¬

_ (¬1) هذه الفائدة ساقطة من ض.

[2/ 285] (8) قوله: "في العامين": أي من حين وضعه، فيكمل العام الثاني في مثل الساعة التي ولد فيها من اليوم والشهر الذي (¬1) ولد فيهما. ويكون ذلك تحديدًا لا تقريبًا، بدليل قوله: "فلو ارتضع بقية الخمس إلخ". فائدة: إذا أرضعت زوجة رجل بلبن ثاب من حمل منه زوجةً له صغيرة دون الحولين خمس رضعات انفسخ نكاحها، وحرمتا عليه إلى الأبد: لأن الكبيرة صارت أم زوجته، والصغيرة صارت ابنته. وكذا لو كان اللبن من غيره، فإنها تكون ابنة زوجته المدخول بها. وأما إن كانت الكبيرة غير مدخولٍ بها فإنها تحرم عليه دون الصغيرة، لأن الربيبة لا تحرم إلا بالدخول بأمها، ويرجع على الكبيرة بنصف مهر الصغيرة فيما إذا انفسخ نكاحها. وكذا لو طلق صغيرةً، فأرضعتها امرأة له، حرمت المرضعة، وإن كانت مدخولاً بها حرمت الصغيرة أيضًا إلى الأبد، وكذا لو أرضعت مطلقتُهُ بنتًا صغيرة بلبنه أو لبن غيره حرمتا عليه، لكن إن كانت المطلقة غير مدخولٍ بها في المسألة الأخيرة فله نكاح الصغيرة، لأنها ربيبة غير مدخول بامها. (9) قوله: "أو لملله" أي لشيء يلهيه عن المصّ. (15) قوله: "والسعوط إلخ": السعوط بالفتح ما يُصَبُّ في الأنف، والوَجور بالفتح: ما يصب في الحلق من اللبن وغيره، وأما بالضم فيهما فهو نفس الفعل، وهو المراد هنا اهـ ابن نصر الله على المحرَّر. (11) قوله: "وأكل ما جُبِّن": قال م خ: والظاهر أن العدد معتبر، فلا يحرم إلا خمس لقم. فليحرر اهـ. (12) قوله: "أو خلط بالماء إلخ": أي وشَرِبَهُ خمسَ دفعات، أما شربه دفعة واحدة فكرضعةٍ واحدة، ولو حلب في خمسة أوقات، كما في الإقناع. (13) قوله: "وإن شك في الرضاع إلخ": أي وكذا لو تيقن الرضاع، وشك هل وجد في العامين أو لا، كما صرّح به م ص، لأن الأصل الحل. ¬

_ (¬1) كذا في النسختين، وصابه "اللَّذَيْنِ" لأنه نعت لليوم والشهر.

فائدة: ومن طلق امرأته ولها منه لبن، فتزوجت بصبيٍّ دون الحولين، [2/ 287] فأرضعته بلبنه، انفسخ نكاحها منه، وحرمت عليه وعلى الأول أبدًا. وكذا لو تزوجت الصبي أولاً، ثم فسخت نكاحه بمقتضٍ، ثم تزوجت كبيرًا فصار لها منه لبن، فأرضعت به الصبي وهو دون الحولين، حرمت عليهما أبدًا. قال في المستوعب: وهي مسألة عجيبة، لأنه تحريمٌ "طرأ لرضاع أجنبيٍّ" اهـ. وأما تحريمها على الصبي فلأنها أمه من الرضاع، وأما تحريمها على الكبير فلأنها زوجة ابنه من الرضاع. والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

كتاب النفقات

[2/ 289] كتاب النفقات (1) قوله: "جمع نفقة": وهي في اللغة الدراهم ونحوها، وشرعًا كفايةُ من يمونه خبزًا وأدمًا وكُسوةً ومسكنًا وتوابعها. (2) قوله: "غير مطاوعة للواطىء": قال م ص: فإن طاوعت عالمةً فلا نفقة لها، لأنها في معنى الناشز. وظاهر الإقناع: لا نفقة لها مطلقًا، حيث قال: أو لزمتها عدة من غيره (في فصل: وإذا نشزت المرأة) إلخ. اهـ. (3) قوله: "فيفرض للموسرة مع الموسر إلخ": حاصله أن لنالك تسع صور: موسرة مع موسر، مع معسر، مع متوسط، متوسطة مع موسر، مع معسر، مع متوسط، معسرة مع موسر، مع معسر، مع متوسط. وقد ذكروا حكم خمسة ولم يذكروا حكم أربعة، وهي: المتوسطة مع الموسر، ومع المعسر، وعكسهما، فليحرر. (4) قوله: "ولحمًا العادة": قال م ص. وذكر جماعة: لا يقطعها اللحم فوق أربعين. وقدم في الرعاية: كل شهر مرة. (5) قوله: "وعكسها": أي فقيرة مع موسر. وفي النسخ التي اطّلعنا عليها "وعكسهما" وهو غير صواب، لأن عكس الصورة الأولى عينها. (6) قوله: "وتلزمه مؤنسة لحاجة": قال الشهاب الفتوحي: والظاهر أن القول قولها في احتياجها لمؤنسةٍ، وتعيين [68أ] المؤنسة للزوج، ويكتفي بتونيسه هو لها. اهـ. م ص. فصل (1) قوله: "في أول كل يوم": أي عند طلوع الشمسِ. واختار الشيخ: لا يلزمه تمليك، بل ينفق ويكسو بحسب العادة. (2) قوله: "لأن الحق لا يعدوهما": أي ولكل منهما الرجوع بعد التراضي في المستقبل.

فصل

(3) قوله: "مثلاً": أي أمثِّل لك مثلاً، إذ لا يصح أن يفرض الحاكم أيضًا [2/ 292] حبًّا إلا بتراضيهما كما تقدم. (4) قوله: "وفي الفروع: وهذا متجه إلخ": أي فرض الحب أو الدراهم، لا خصوص الدراهم، كما قد يتوهم. (5) قوله: "في أول كل عام": الظاهر أن ابتداء العام من حين دخوله بها إن لم يفرضها حاكم، وإلا فمن حين فرضه. (6) قوله: "وقال الحلواني إلخ": أقول يتوجه هذا في كسوة الموسرة مع الموسر، فتكون كسوة الصيف خفيفة، وكسوة الشتاء ثقيلة. (7) قوله: "فلا بدل لما سرق": أي مما تملكه بالقبض، بخلاف ما لا تملكه، كإناء وماعون ومشط ولحاف وفرش، فهذا إذا سرق أو كسر أو بلي يلزمه بدله فيما يظهر. (8) قوله: "أو بلي": أي في وقت لا يبلي مثله فيه عادة، بل من كثرة الدخول والخروج ونحو ذلك. أما إن بلى في وقت يبلى مثله فيه عادة يلزمه بدله، لأنه من تمام كسوتها، كما في الكافي. قلت: وهذا متعين. والله أعلم. (9) قوله: "بخلاف ماعونٍ ونحوه": أي كمشط وغطاء ووطاء، فإن ذلك إذا بَلِيَ بعد انقضاء العام لا يلزمه بدله، كما أنه إذا سرق أو بلي قبل مضي العام يلزمه بدله. (10) قوله: "سقطت": قال م ع: وظاهره: ولو بعد فرض نحو دراهم عن نفقتها، فإن ادعت تبرعّه بذلك حلف. اهـ. فقول الشارح: ومتى ادعت إلخ أي المفروضة نفقتها. فصل (1) قوله: "والمتوفى عنها زوجها حاملاً": فيه نظر يعلم مما يأتي في عبارة الإقناع. (2) قوله: "ما لم تستدن إلخ": أي لتقويتها في الأولى بإذن الحاكم،

[2/ 294] ولأدائها عنه واجبًا في الثانية. قال م ص: فيه شيء. فائدة: وإن دفع الزوج إليها شيئًا زائدًا على الكسوة، مثل مصاغ وفلائد وما أشبه ذلك، على وجه التمليك، فقد ملكته، وليس له إذا طلقها أن يطالبها به، وإن كان أعطاها إياة تتجمل به، كما يُرْكِبُها دابته وَيخْدِمُها عبدَه، ونحو ذلك، لا على وجه التمليك، فهو باق على ملكه له أن يرجع فيه متى شاء، طلقها أو لا. اهـ. إقناع. والظاهر: إن اختلفا يقبل قوله بيمينه (¬1)، وكذا ورثته. فليحرر. (3) قوله: "قبل أن يطأها زوجها" أي وأما بعد أن يطأها فهي محصنة ترجم ولا تغرّب. (4) قوله: "ولو أن نذرهما بإذنه": أي لتفويتها حقه من الاستمتاع باختيارها، بالنذر الذي لم يوجبه الشرع عليها. (5) قوله: "لأنه تعارض الأصل والظاهر": أي وإن كان الأصل عدم النفقة فالظاهر من حال الزوج في دخوله عندها وخروجه، وإقامتها عنده وسكوتها لذلك، يدل على وجود النفقة. على أنّ ابن القيم جعل الأصل مع الزوج أيضًا، قال: "فإنهما اتفقا على القيام بواجب حقها، وهي تضيف ذلك إلى نفسها أو إلى أجنبي، وهو يدعي أنه هو الذي قام بيذا الواجب، فقد اتفقا على وصول النفقة والكسوة لها، بخلاف ما إذا لم يعلم وصول الحق إلى ربه، كالديون والأعيان المضمونة، فإن قبول قول المنكر متوجّه، ومعه الأصل". [قال]: ونظير مسألة الإنفاق: أن يعترف من له الدين بوصوله إليه، ثم ينكر أن يكون وصل إليه من جهة من عليه الدين، فهل يقبل قولَهُ هنا أحد، ويقال: الأصل بقاء الدين في ذمته؟ وكذلك الزوجة تقول: وصلتني النفقة، ثم تنكر أنها وصلتها من جهة الزوج، وهو يدعي ذلك، فالأصل معه والظاهر معه، ولذلك لا يقبل هذه الدعوى مالك وفقهاء المدينة. وقولهم هو الصواب والحق الذي ندين ¬

_ (¬1) بل الظاهر في نحو إعطاء المصاغ والقلائد ونحوها أنه تمليك، عملًا بالعرف كما لا يخفى، فيكون القول قولها بيمينها حيث لا بيّنة. والله أعلم.

باب نفقة الأقارب والمماليك

الله به، ولا نعتقد سواه". اهـ. بتصرف [2/ 296] (6) قوله: "أو أعسر ببعض النفقة إلخ" البعض يصدق بالقليل والكثير، والظاهر أن أقل ذلك ما تتضرر بفواته المرأة عرفًا، وبذلك أفتى ابن نصر الله. (7) قوله: "أو غاب الموسر" لعل المراد به القادر على النفقة، وإلا فالمتوسط والفقير كذلك. (8) قوله: "وإن امتنع الموسر" الظاهر: أن المراد به القادر على النفقة [68ب] لا مقابل المعسر، وإلا فحكم المعسر والمتوسط كذلك. فائدة: لو فسخ الحاكم نكاح امرأة لفقد مالٍ لزوجها الغائب ينفق عليها منه، ثم تبين له مال، قال ابن نصر الله في حواشي "القواعد الفقهية" (¬1): الظاهر صحة الفسخ وعدم نقضه، لأن نفقتها تتعلق بما قدر عليه من مال زوجها، وأما ما كان غائبًا عنها فلا تكلف الصبر لاحتماله. ولا تشبه مسألة التيمم إذا نسي الماء في رحله، لأن الماء في قبضة يده، ونسيانه لا يخلو من تقصير وتفريط، بخلاف هذه. ولم أجد في المسألة نقلاً. اهـ. باب نفقة الأقارب والمماليك (1) قوله: "الأقارب" المراد بالأقارب من يرثه المنفق بفرض أو تعصيب، فدخل فيه العتيق. (2) قوله: "لا مال لهم": فإن كان لهم مال لا يكفي وجب إتمام كفايتهم، وكذا إن كان لهم كسب لا يكفي. (3) قوله: "أو كسبه": يؤخذ منه أن من قدر على الكسب يجبر عليه لينفق على قريبه. وهو كذلك. ولا تجبر امرأة على نكاع، ولو رغب فيها، لتنفق من مهرها على قريبها الفقير. هذه المسألة مذكررة في هذا الباب، فلا حاجة لذكرها ¬

_ (¬1) يعني القواعد الفقهية لابن رجب.

[2/ 299] هنا. (4) قوله: "حتى ذي الرحم منهم": أي كالجد أبي الأم وولد البنت. (5) قوله: "كمن له ابنان إلخ": هذه العبارة للفتوحي في شرحه على المنتهى، وهو سبق قلم، لما مر قريبًا من أن الأصول والفروع تجب لهم وعليهم مطلقاً. ففي هذه الصورة: تجب نفقة الأب على الابن الموسر كلها. والصواب أن يقول: كمن له أخوان، أحدهما موسر والآخر معسر، فلا يجب على الموسر إلا نصف النفقة. وفي حفظي قديمًا أن المحقق الشيخ محمد السفاريني، تلميذ الشارح، قال: سألت شيخنا -يعني الشارح- عن قوله "كمن له ابنان إلخ" بأنه غير موافق، لما مرّ. قال: فأبى إلا التصميم. اهـ. (6) قوله: "أي جد الميت": صوابه: جد المنفق، كما لا يخفى. (7) قوله: "فيقدم أب على ابن ابن إلخ": وكذا الأم تقدم على ابن الابن، وقد تقدم ذلك، فلا حاجة لذكره. فلو قال الشارح "فيقدم شقيق من أخ أو ابن أخ أو عم أو ابن عم ونحو ذلك" لكان أصوب. تتمة: ويجب إعفاف من تجب له النفقة من عمودي النسب وغيرهم، كزوجة حرة أو سرّية تُعِفُّهُ، ولا يملك استرجاعها مع غناه. ويقدم مع استواء مهر (¬1) تعيين منفقٍ على تعيين زوجٍ، لكن ليس له تعيين عجوز قبيحة المنظر أو معيبة، ويصدّق أنه لائق للنكاح بلا يمين. وفي الفروع: ويتوجه بيمين. ويلزمه إعفاف أمٍّ كأب. اهـ. (8) قوله: "كزوجة": أي كما أنه يجوز للزوجة أن تأخذ نفقتها من مال زوجها بدون إذنه إن امتنع. يجوز للقريب الفقير أن يأخذ نفقته من مال من تجب عليه نفقته بدون إذنه إن امتنع. ومن ترك ما وجب عليه من نفقة قريب أو عتيق مدةً لم يلزمه لما مضى شيء. قال في المنتهى: أطلقه أكثر، وذكر بعضهم: إلا بفرض حاكمٍ، وزاد ¬

_ (¬1) قوله: "مع استواء مهرٍ" هكذا في الأصل، وهو الصواب. وفي ض "مع استوائهم".

فصل في نفقة المماليك وحقوقهم

غيره: أو إذنه في الاستدانة. اهـ. [2/ 302] ولو غاب زوج امرأة، فاستدانت لها ولأولادها الصغار، رجعت. فصل في نفقة المماليك وحقوقهم (1) قوله: "قال في المبدع إلخ" أي فإن كان للمملوك كسب يكفيه فلا يجب على السيد أن ينفق عليه ويكسوه، وإن كانت لا تكفيه فعليه تمام كفايته. ويجوز له أن يأخذ كسبه وينفق عليه من ماله. (2) قوله: "بشرطه" أي الوطء. قوله: "غير أمة يستمتع بها": أي فلا يجب عليه تزويجها، ولو طلبت، لأن القصد قضاء الحاجة ودفع ضرر الشهوة، وذلك حاصل باستمتاعه بها، وتصدق في أنه لم يطأ. (3) قوله: "ويحرم أن يضربه على وجهه": مفهومه أن له أن يضرب على غير وجهه للتأديب، ولكن ضربًا غير شديد، ولا يضربه إلا في ذنب عظيم نصًّا. ويسنّ العفو عنه أولًاوثانيًا. ويقيِّده إذا خاف عليه الإباق. ويؤدَّب على ترك فرائضه، وعلى ما إذا كلفه ما يطيقه فامتنع. (4) قوله: "ومن وليه": أي وَلِيَ مباشرة الطعام من المماليك، فيجلسه معه، أو يناوله منه، لأن نفسه تستشرف إليه. (5) قوله: "ولا يأكل من طعام سيده بلا إذنه": أي لأنه افتيات عليه. قال م ص: قلت: إن منعه ما وجب عليه (¬1) فله الأكل بالمعروف، كالزوجة والقريب اهـ. (6) قوله: "وربما امتدت عين امرأة إلى غلام إلخ": أقول: قد وجد من نساء أكابر [69أ] الأمراء من تتزوج بعد موت زوجه؟ ـا من كان من مماليكه، أو كان يسوق البغلة بها إذا ركبت لحاجتها، ويمشي محاذيًا لها خوفًا من وقوعها، ونحو ذلك، وهل ذلك إلا بعشْرةٍ متقدمة منهما وصحبةٍ قوية، وإني أستغفر الله ¬

_ (¬1) سقط من ض قوله: وقال م ص إلخ.

فصل فيها نفقة البهائم، والرفق بالعيوان

[2م 304] العظيم. (7) قوله: "مع قيامه بحقوقه": أي وأما إن لم يقم بحقوقه من نفقة وكسوة ونحوهما أجبر على إزالة ملكه عنه دفعًا للضرر. فصل فيها نفقة البهائم، والرفق بالعيوان (1) قوله: "ولو عطبت" أي بأن لم يمكن الانتفاع بها، لمرض أو كسر عضو ونحو ذلك. فإن كانت مما لا يؤكل أجبر على الإنفاق عليها، كالعبد الزَّمِن، وإن كانت تؤكل خُيِّر بين الإنفاق وبين ذبحها، لعموم حديث ابن عمر "عُذِّبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت جوعًا" الحديث (¬1). (2) قوله: "ويحرم لعنها إلخ": لحديث عمر "أنه عليه السلام كان في سفرٍ، فلعنت امرأة ناقةً، فقال: خذوا ما عليها ودعوها مكانها ملعونة. فكأني أراها الآن تمشي في الناس ما يعرض لها أحد". رواه أحمد ومسلم (¬2). ولعله فعل ذلك عليه السلام تغليظًا على المرأة اللاعنة. والله أعلم. (3) قوله: "ويكره خصاء": ظاهره: في غنم وغيرها. وهو ظاهر المنتهى. وفي الإقناع: ويكره خَصْيُ غير غنم وديوك. اهـ. ومحل الكراهة إذا كان الخصي لغير حاجة، وإلا فلا. ويحرم في الآدمي إلا لقصاص. (4) قوله: "ونزو حمار على فرس": أي يكره ذلك، كالخصي، لأنه لا نسل فيهما (5) قوله: "الشيخ موسى": أي الحجاوي صاحب الإقناع. (6) قوله: "الناظم": أي ناظم الآداب، وهو الهمام ابن عبد القوي. ¬

_ (¬1) تمام الحديث: "فلا هي أطعمتها، ولا هي تركتها تأكل من خَشَاش الأرض" أخرجه البخاري (2/ 78) ومسلم (7/ 43) (الإرواء: 7/ 0 24) والخشاش الحشرات والهوامّ. (¬2) الحديث عن عمران بن حصين مرفوعًا وليس عن ابن عمر. وقد أخرجه أحمد (4/ 429) ومسلم (8/ 23) (الإرواء: 7/ 241) وفي حديث أبي برزة: "لا تصاحبنا ناقة عليها لعنة".

باب الحضانة

باب الحضانة [2/ 307] (1) قوله: "من الحضن": أي بكسر الحاء، كما في الحاشية عن ابن نصر الله. (2) قوله: "لأنها أشفق عليه": قال المصنف رحمه الله تعالى: فإن قيل: ما الحكمة في أن الأم أشفق على الولد من الأب؟ قيل: لأن خروج ماء المرأة من رأس ثديها، وهو قريب من القلب، وموضع الحب القلب؛ وخروج ماء الأب من وراء الظهر. فإن قيل: ما الحكمة في أن الولد ينسب إلى الأب دون الأم، وقد خلق من مائهما؟ قيل: لأن ماء الأم يخلق منه الحُسْنُ والجمال والسِّمَنُ والهزال، وهذه الأشياء لا تدوم، وماء الأب خلق منه العظم والعروق ونحوهما، وهذه الأشياء تدوم إلى آخر عمره، فلذلك ينسب إلى الأب. اهـ. (3) قوله: "لأن هؤلاء نساء يُدْلِينَ بالأم فكان إلخ": لا يخفى ما في هذه العبارة من الركاكة. ولو قال الآن هؤلاء نساء من أهل الحضانة، فكان من يدلي إلخ" لكان واضحًا (¬1). (4) قوله: "ثم خالةٌ لأم إلخ": ينظر وجه تقديم التي لأم على التي لأب، إذ كل منهما يدلي إلى المحضون بالأم، والتي للأب أقوى. وكذا تقديم العمة التي لأم على التي لأب، إذ كل منهما تدلي بالأب، والثانية أقوى. والظاهر أنه لما كانت جهة النساء أحق من جهة الرجال، فقدمت من كانت من جهتهن اهـ. ج ف. وهكذا أجاب م ص. ¬

_ (¬1) هكذا المذهب. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "العمّة أحق من الخالة. وهكذا نساء الأب أحق أن يقدّمن على نساء الأم، لأن الولاية للأب. وكذا أقاربه. وإنما قدمت الأم على الأب لأنه لا يقوم مقامها هنا في مصلحة الطفل". قال: "وإنما قدم الشارع عليه الصلاة والسلام خالة بنت حمزة على عمتها صفيّة، لأن صفية لم تطلب. وجعفر طلب نائبًا عن خالتها، فقضى لها بها في غيبتها" اهـ. (الاختيارات ص 288) وهو عندي أصوب مما سبق. وهو في الجملة المققم عند الشافعية. انظر نهاية المحتاج (7/ 226).

فصل في الحضانة بعد السابعة منه العمر

[2/ 308] (5) قوله: "ثم عمات أبيه": مفهومه أنه لا حضانة لعمات أمه مع عمات أبيه، لأنهن يدلين بأبي الأم وهو من ذوي الأرحام، وعمات الأب يدلين بالأب وهو عصبة، كما ذكره م ص. (6) قوله: "وشرط كون العصبة محرمًا إلخ": فإن كان غير محرم، كابن عمّ، وتعذَّر غيره، يسلمها إلى امرأة ثقة يختارها، أو إلى محرمِهِ، لأنه أولى من أجنبي وحاكم. وكذا أم تزوجت ليس لولدها غيرها، فتسلم إلى ثقة أو محرمها. (7) قوله: "ولا حضانة لكافر على مسلم": وهل تثبت حضانة المسلم على الكافر؟ الظاهر: نعم. ح ف. (8) قوله: "ولا لطفل": ظاهره أنها تكون لمميز. لكن قال ح ف: وجدت على بعض نسخ الإقناع: المراد بالطفل من لم يبلغ اهـ. (9) قوله: "فإذا زال المانع عاد الحق إلخ": ونظير هذه المسألة. لو وقف على أولاده، وشرط أن من تزوّج من البنات لا حقّ لها، فتزوجت ثم طلِّقت، عاد إليها حقها. ومثله لو وقف على زوجته ما دامت عازبة، فإن تزوجت فلا حق لها، فإن طلقت، وكان قد أراد برّها، رجع حقها. وإن أراد صلتها ما دامت حافظةً لحرمة فراشه فلا حقَّ لها اهـ. (10) قوله: "وهو مسافة قصر" أي والبلد [69ب] وطريقه آمنان، والّا فالمقيم منهما أحق. فصل في الحضانة بعد السابعة منه العمر (1) قوله: "خُيّر بين أبويه" قال ابن عقيل: مع السلامة من فسادٍ، فأما إن علم أنه يختار أحدهما لتمكنه من الفساد، ويكره الآخر للأدب، لم يعمل بمقتضى شهوته. اهـ. أقول: ولهذا هو الصواب، لأن الواجب صيانته وإصلاحه وتأديبه. ثم إن كان أحد أبويه لا يصلح للحضانة تعيَّن الآخر، ولا تخيير له بينهما. وقوله: "للحديث": وهو "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خير غلامًا بين أبيه وأمّه". رواه سعيد والشافعي.

(2) قوله: "ولا يمنع من زيارة أمه" أي على العادة، كاليوم في الأسبوع اهـ. [2/ 310] م ص. فائدة: فإذا استوى اثنان فأكثر في حضانة من له دون سبع سنين، كالأختين أو الأخوين، ونحوهما، قدم أحدهما بقرعةٍ؛ فإذا بلغ سبعًا، ولو أنثى، كان عند من شاء منهما. وسائر العصبات الأقرب فالأقرب منهم كأبٍ عند عدمه، أو عدم أهليّته، في التخيير والإقامة والنّقلة إذا كان محرمًا للجارية. وسائر النساء المستحقات لها كأمِّ في ذلك اهـ. إقناع. (3) قوله: "عند أمه مطلقًا" فإن عدمت أمه فأمهاتها القربى فالقربى على ما تقدم. ***

كتاب الجنايات

[2/ 312] كتاب الجنايات (1) قوله: "وأجمع المسلمون على تحريم القتل إلخ": أي لقوله تعالى {ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم} [النساء: 93] الآية، وحديث ابن مسعود مرفوعًا: "لا يحل دم امرئٍ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة" متفق عليه. فمن قتل مسلمًا متعمدًا فسَقَ، وأمره إلى الله تعالى، وتوبته مقبولة عند أكثر أهل العلم (¬1) لقوله تعالى {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء: 48] والآية محمولة على من قتله مستحلاًّ ولم يتب، أو أن هذا جزاؤه إن جازاه الله، وله العفو إن شاء. والأخبار لا يدخلها النسخ، بل التخصيص والتأويل. اهـ. م ص. (2) قوله:"العدوان": أي تجاوز الحلال، خرج القتل بحق. (3) قوله: "أو عفا على غير مال": أي كخمر وخنزير. (4) قوله: "أو عفا عن القَوَدِ مطلقًا": أي بان لم يقل: على مال، أو: بلا مال. وإنما لزمت الدية في هذه الصور لأن العفو إذا أطلق ينصرف إلى القصاص دون الدية، لأن العفو عن القصاص هو المقصود الأعظم في باب القود، إذ المقصود منه التشفي، فانصرف العفو إليه، لأنه في مقابلة الانتفاع، وهو إنما يكون بالقتل بالمال (¬2)، فتبقى الدية على أصلها اهـ. م ص. (5) قوله: "كسكين وشوكة": أشار به إلى أنه لا فرق بين الحديد وغيره، فإن غرزه بإبرة أو شوكةٍ في مقتل كالفؤاد وغيره، ومات في الحال، أو صار ¬

_ (¬1) لكن لا يسقط حق المقتول في الآخرة بمجرد التوبة. قال الشيخ: فعلى هذا يأخذ المقتول من حسنات القاتل بقدر مظلمته، وإن سلّم نفسه للقصاص وتاب سقط حق الله تعالى وحق الوليّ. ويعوّض الله تعالى المقتول عن حقه في الآخرة. اهـ. (هامش ض). (¬2) هكذا في النسختين، ولعل الصواب: "بالقتل لا بالمال".

ضَمِنًا (¬1) حتى مات، فعمد. [2/ 313] (6) قوله: "فوق عمود الفسطاط": أي عمود بيت الشَّعَر. مفهومه أنه إن كان مثله أو دونه ليس بعمد. وهو كذلك. لكن المراد به كما في الإقناع: الذي تتخذه العرب لبيوتها، فيه رقة ورشاقة. وأما الذي تتخذه الترك وغيرهم لأخبيتهم فالقتل به عمد، لأنه يقتل غالبًا. وإن ضربه بدون ذلك فمات فليس بعمد، إلا إذا ضربه في مقتل كالفؤاد والخصيتين ونحو ذلك، أو في حال ضعف قوةٍ من مرض أو صغر أو كبر أو حر أو بردٍ ونحوه، أو أعاد الضرب به، فعمد ولو كان مما لا يقتل غالبًا، كعصا وحجر صغير. (7) قوله: "لُتّ": نوع من السلاح (¬2). (8) قوله: "ويمنعه الطعام والشراب": قال ابن عقيل: أو منعه الدفء في الشتاء ولياليه الباردة، حتى مات بردًا في مدة يموت في مثلها غالبًا. قال في الإقناع: والمدة التي يموت فيها غالبًا تختلف باختلاف الناس والزمان والأحوال، فإذا عطَّشه في الحرّ مات في الزمن القليل، وعكسه في البرد. وإن كان في مدة لا يموت فيها غالبًا فعمد الخطأ. وإن شككنا فيها لم يجب القَوَد. اهـ. (9) قوله: "أن يقتله بسحر يقتل غالبًا": قال ابن البنّا (¬3): يقتل القاتل بالسحر حدًّا لا قصاصًا، وتجب دية المقتول في تركته، وصححه في الإنصاف، وجزم به في الإقناع. فإن قال القاتل بالسمّ أو السحر: لا أعلم أنه قاتل، لم يقبل. والذي يقتل بعينه كالساحر. ¬

_ (¬1) ضَمِنًا: أي مريضَا متألمًا. (¬2) بهذا فَسَّره الشيخ منصور في شرح الإقناع، ولم نجد الكلمة في اللسان ولا في القاموس. ولعله حجر أو نحوه يتخذ للدقّ. والله أعلم. (¬3) المراد به الحسن بن أحمد بن عبد الله بن البنا البغدادي الحنبلي (- 471 هـ). وهو تلميذ القاضي أبي يعلى. كان فقيهًا مكثرًا من التصنيف. له "المقنع شرح مختصر الخرقي". له ترجمة في سير أعلام النبلاء (18/ 380).

[2/ 314] (10) قوله: "فلا يلزمهم أكثر من دية إلخ" أي وله أن يعفو عن بعضهم في القود (¬1) ويأخذ [70أ] منه نسبته من الدية، ويقتص من الباقي. اهـ. م ص. (11) قوله: "وإن جرح واحد جرحًا إلخ": يُشير بيذا إلى أن الجماعة الذين اشتركوا في قتل واحد، وكان يصلح فعل كل واحد منهم للقتل، يقتلون به ولو أن أحدهم ضرب أكثر من غيره أو أقل. فإن كان لا يصلح فعلهم للقتل، بان ضربوه بما لا يقتل غالبًا في غير مقتل فلا قود، إلا أن توافقوا على قتله بذلك. فإن صلح فعل بعضهم للقتل دون بعض فالظاهر أن لكلٍّ حكمه، ويؤخذ الأول بالقود، والثاني بنسبته من الدية، ولكن لم أو به نضٍّا (¬2). فليحرر. (12) قوله: "خطرة" مفهومه أنها لو كانت غير خطرة، وقطعها أو بَطَّها من مكلف بدون إذنه، أنه شبه عمد. ولم أره صريحًا. لكنه مقتضى القواعد، لأنه لا يقتل غالبًا. اهـ. ح ف. (13) قوله: "أو صاح بعاقل" أي وغير العاقل أولى. (14) قوله: "أو صاح بصغير إلخ" مفهومه أنه لو صاح بمكلف فسقط فلا شيء عليه. وهو كذلك. صرح به في الإقناع. وإمساك الحية محرّم، فلو قتلت ممسكها فقاتلُ نفسه. ومع ظن أنها لا تقتل فشبه عمد. (15) قوله: "وهو أن يفعل ما يجوز له فعله إلخ" علم منه أنه لو قصد رمي معصومٍ من آدمي أو بهيمة، فقتل غير الذي قصده، أنه لا يكون خطأ بل عمدًا. قال في الإنصاف: وهو منصوص الإمام أحمد، وقدِّم في المغني أنه خطأ، وهو مقتضى كلامه في المحرر وغيره. وجزم به في الإقناع. (16) قوله: "أو يتعمد القتل صغيرٌ أو مجنون" أي فعمدهما كخطأ المكلف. (17) قوله: "ففي القسمين الأخيرين إلخ" فإن قيل: فهلا جعلا قسمًا واحدًا ¬

_ (¬1) كذا في النسختين، ولعل صوابه: "عن القود". (¬2) كذا في ض. وفي الأصل: "ويأخذ". ويؤخذ على المحشّي أن المسألة مذكررة في الإقناع وشرحه (5/ 511).

باب شروط القصاص في النفس

حيث استويا في وجوب الكفارة على القاتل والدية على العاقلة؟ قلت: بل يفرق [2/ 315] بينهما بأن الدية في الأول مغلّظة، وفي الثاني مخفَّفة، وبأن القاتل في الأول آثم دون الثاني، كما ذكره ع ن. لكن حيث لم يأثم القاتل خطأ فلم وجبت عليه الكفارة؟ ينبغي أن يحرر. (18) قوله: "لم يلزمه شيء": أي من قود أو دية، وإلا فالذي يظهر أنه تلزمه الكفارة، لأنه لا يباح قتله بذلك، إلا إن قال له: اقتلني وإلا قتلتك، وكان قادرًا عليه، فيكون غير آثم في قتله. ومحل ذلك إذا كان القائل مكلفًا غير قنٍ، وإلا ضمن القاتل. (19) قولى: "ولم يأمره به": فإن أمره بالقتل فقَتَلَ قُتِل الآمر. باب شروط القصاص في النفس (1) قوله: "فلا قصاص على صغير الخ": ومثله نائم ومغمى عليه. أما السكران فعليه القصاص إن كان آثمًا في سكره، لأنه مؤاخذ بجميع ما يصدر منه. (2) قوله: "تعارضتا": أي وسقطتا وكان وجودهما كالعدم. وحينئذ فيقبل قول الصغير، كما صرح بذلك م ص وغيره. أي ويحلف، وإن قال: قتلته وأنا مجنون، فإن عرف له حال جنون فقوله مع يمينه، وإلا فقول الوقي. وان قال: كنت مجنونًا، فقال الوليّ: بل سكران، فقول القاتل بيمينه. (3) قوله: "عصمة المقتول": أي بالنسبة للقاتل، ولذلك قال الشارح "ولو كان مستحقًا دمه" إلى آخره، أي فلو قتل إنسان رجلاً مثلاً عمدًا عدوانًا يقاد به، فجاء رجل من غير أولياء المقتول فقتله، فإن القاتل الثاني يقاد بالقاتل الأول، لأنه معصوم الدم بالنسبة له، وإن كان غير معصوم بالنسبة لأولياء المقتول. هذا تقرير عبارة الشارح. (4) قوله: "إن قبلت توبته ظاهرًا": أي وأما إذا كان لا تقبل توبته ظاهرًا، كالزنديق ومن تكررت ردّته، فلا فرق بين ما قبل التوبة وبعدها.

[2/ 318] (5) قوله: "بأن لا يفضل إلخ،: أي فلا اعتداد (¬1) بالتفاوت بالعلم والشرف والغنى ونحو ذلك. ويجري القصاص بين الولاة والعمّال وبين رعيتهم. (6) قوله: "حال الجناية": أي لأنه وقت انعقاد السبب، فلو قتل كافر كافرًا، ثم أسلم القاتل، فعليه القود، لأنه حين الجناية كان كافرًا مثله، وكذا لو قَتَلَ عبدٌ عبدًا ثم عتق القاتل. (7) قوله: "فلا يقتل المسلم ولو عبدًا بالكافر [70ب] إلخ": أي لعدم المكافأة. حكي أن أبا يوسف رُفع إليه مسلم قتل ذميًّا، فأراد قتله، فرأى في النوم قائلاً يقول: يا قاتل المسلم بالكافِرِ ... جرْتَ وليس العدل كالجائِرِ جا رأبو يوسف في حكمِهِ ... بقتله المسلم بالكافِرِ فأصبح، فاعتل بأنه إنما أراد قتله إذا ثبت أنه كان يؤدي الجزية إلى حين قتله، فتعذَّر ذلك. والله أعلم. (8) قوله: "ولو ذميًّا": أي لا يقتل الحر الذّمّي بالعبد المسلم قصاصًا، وإلا فإنه يقتل، لنقض العهد بذلك. ويلزمه قيمة العبد لسيده. فتنبه. (9) قوله: "ولو كان ذا رحم إلخ": كذا في المنتهى، وعبارة الإقناع "ولا يقتل المكاتب بعبده الأجنبي، ويقتل بعبده ذي الرحم المحرم (¬2). اهـ". ويقتل المكاتب بِقِنّ غيره، ويقتل مَنْ بعضه حر بمثله أو أكثر منه حرية، لا بأقل، ويقتل النصراني واليهودي بالمجوسي. (10) قوله: "فمتى ورث القاتل إلخ": أي بوجود واسطة بينه وبين المقتول، كما لو قتل أخا زوجته، فورثته ثم ماتت، فورثها القاتل، فلا قصاص، وإلا فلا يتصور أن يرث القاتل من المقتول، لأن القتل مانع، فليتنبه له. (11) قوله: "أو ولده": أي كما لو قتَلَ زوجتَه وله منها ولد، فلا قصاص، ¬

_ (¬1) كذا في الأصل. وفي ض:"فلا عبرة بالتفاوت" إلخ. (¬2) كلمة "المحرم" ليست في الإقناع، على ما نظرناه في كشاف القناع.

باب شروط استيفاء القصاص

لأن ولده يرثها. وكذا لو قتلت زوجها ولها منه ولد. [2/ 319] (12) قوله: "أو قتل شخصًا في داره": أي دار القاتل، ظاهره: ولو كان المقتول له عادة بأخذ أموال الناس، أو كان بينه وبين القاتل عداوة، أو كان قد توغَّده بالقتل، ونحو ذلك. ولو قيل. بعدم الضمان، فضلاً عن القود، مع وجود هذه القرائن، وكان القتل في وقت نوم الناس، ووجد مع المقتول سلاح، ونحو ذلك، لكان له وجه. وإلا فإذا عمد رجل لبَيْت آخر ليقتله أو يفجر بزوجته ماذا يصنع؟ فإن لم يقتله دفعًا له عن ذلك، ويقبَلْ منه مع هذه القرائن، فلعمري إنها الطامة الكبرى. ولكن الشرع ليس بالرأي، فيجب الوقوف عند النص. والله سبحانه وتعالى أعلم. باب شروط استيفاء القصاص (1) قوله: "من غير إذنٍ من الجاني": مفهومه أنهما لو قتلا أو قطعا بإذن من الجاني لا يسقط حقهما، ويكون ما فعلاهُ هَدْرًا. 21) قوله: "فلا ينفرد به بعضهم إلخ": فلو انفرد به بعضهم بدون إذن الباقي عُزِّر فقط، ولشريكه في تركة الجاني حقه من الدية، ويرجع وارث الجاني على المقتص بما فوق حقه من الدية. فإن قيل: لم قتل الحسَنُ [عبدَ الرحمن] بن مُلْجِمٍ قاتل علي، ولم ينتظر قدوم من غاب من الورثة؟ قيل: لأنه لم يقتله قصاصًا، وإنما قتله كفرًا، لأن من اعتقد حِلَّ ما حرّم الله كافر، ولسعيه في الأرض بالفساد، كما في شرح المنتهى الصغير. (3) قوله: "غير متحتِّم": أي بل يجوز الانتقال منه إلى الدية، وإلى العفو مجانًا، بخلاف قتلٍ في محاربة، فلا يشترط اتفاق المشتركين فيه، لتحتّمه لحق الله تعالى، وبخلاف حدّ قذفِ إذا كان موروثًا لجماعةٍ، أو قذفوا بكلمةٍ واحدة، فإن لكل واحد منهم أن يقيمه بدون إذن الباقي، لأنه إذا سقط بعفو بعضهم يسقط لا إلى بدل، فيضيع حق الباقين، بخلاف القصاص، فإنه إذا سقط بعفو بعضهم يسقط

[2/ 321] إلى بدل وهو الدية، فلا يضيع حق من لم يعفُ. (4) قوله: "ولو زوجًا أو زوجة إلخ": أي لما روي عن عمر أنه أُتي برجلٍ قتل قتيلاً، فجاء ورثة المقتول ليقتلوه، فقالت امرأة المقتول، وهي أخت القاتل: قد عفوتُ عن حقي. فقال عمر: الله أكبر، عتق القتيل. رواه أبو داود. (5) قوله: "قال في المنتهى: أو شهد إلخ": وكذا عبارة الإقناع، وكان الشارح أراد معارضة المصنف في قوله: أو أقر" بقوله "قال في المنتهى إلخ". أقول: ولعلَّ المصنف أراد أن معنى قوله في المنتهى: "أو شهد إلخ" مجرد الإخبار، ولا تشترط الشهادة عند حاكم ونحوه، فليحرر الحكم. (6) قوله: "اللِّبأ": بالهمز، على وزن عِنَب: أول اللبن عند الولادة، وأقله حَلْتة، وأكثره ثلاث. وإنما لم تقتل حتى تسقيه اللبأ لأنه يضر بالولد، لأنه لا يعيش غالبًا إلا به، وكالتي وجب رجمها، كما يأتي في حد الزنا. (7) قوله: "وإن وجد من يرضعه إلخ": ظاهره: ولو أمكن سقيه بلبن شاة فقط تترك ولا تقتل حتى ينفطم. وصرَّح في المغني بقتلها حينئذ. وكذا جزم به في الإقناع. وعلى كلِّ فيستحب لولي المقتول تأخيره إلى الفطام. (8) قوله:"بمجرد وضعٍ": وفي المغني "وسقي اللبأ" وفي المستوعب وغيره: وتفرغ من نفاسها اهـ. م ص. (9) قوله: "وكان لها زوج أو سيد [71أ] يطؤها": هذا ليس بشرط، وعبارة المنتهى: "ومتى ادّعته وأمكن قُبِل" قال م ص في شرحه عند قوله "وأمكن": أي بان كانت في سنِّ يمكن أن تحمل فيه. قلت: وإن لم يكن زوج أو سيد. اهـ، لاحتمال أن يكون من شبهة ونحوها. وقوله: "قُبِل قولها" ظاهره: ولو بلا يمين. فليحرر. (10) قوله: "بغير حضور الإمام": إظهار في مقام الإضمار. (11) قوله: "قبل برئه إلخ": أي وأما إن كان بعد برئه فإنه يستقر حكم القطع، فلوليِّه أن يفعل به كما فعل، وله أخذ دية ما قطع، وقتله. وإن اختلفا في برئه فقولى منكر، إن لم تمض مدة يمكن فيها، وإلا فقول وليٍّ بيمينه. وإن اختلفا

باب شروط القصاص فيما دون النفس

في مضي المدة فقول جانٍ بيمينه. وتُقَدَّم بينة ولي إن أقاما بينتين، لأنها مثبتة [2/ 324] للبرء. اهـ. م ص. باب شروط القصاص فيما دون النفس (1) قوله: "والحر مع العبد إلخ": أي: والمكاتَبُ مع مملوكه. وقوله: "المكافاة" أي في الحر مع العبد وما بعده. وأما في الأبوين مع الابن فللولادة، لا لعدم الكفاعة، كما قد يتوهم. وكذا لا يقتص من صغيرٍ أو مجنونٍ قَطَع طرفًا، لأنهما لا يقتص منهما في النفس كما تقدم. (2) قوله: "والآية مخصوصة بالخطأ": أي قوله تعالى {ومن قتل مؤمنًا خطأ} الآية. يعني أن الآية المذكورة دالة على وجوب الدية دون القصاص، وذلك في الخطأ صريح (¬1). وأما شِبْهُ العمد فبالقياس عليه، لأنه يسمى خطأ العمد، وهذا في النفس وما دونها، فهو أولى. وهذا ما ظهر لي في حلّ هذه العبارة. (3) قوله: "مَفْصِل": بفتح أوله وكسر ثالثه، واحد المفاصل، وهي ما بين الأعضاء، كما بين الأنامل، وبين الكفّ والساعد، وبين الساعد والعضد، وأما المِفْصَل بكسر الميم وفتح الصاد فهو اللِّسان. اهـ. ح ف. كذا في الحاشية. (4) قوله: "غير سنٍّ وضرس": أي ففيهما القصاص، لأن الحيف فيهما مأمون، لكونه يمكن أن يأخذ يالمبرد بقدر ما أتكسر، فإن انتفى الحيف انتفى المانع من القصاص. والله سبحانه وتعالى أعلم. (5) قوله: "فلم يجز: ظاهره، ولو رضي المجنى عليه أن يقتص من المرفق أو الكوع، فيما إذا كانت الجناية على بعض العضد، أو من مفصل الكعب، فيما إذا كانت على الساق، أو على الورك، لا يمكن منه. وهو أحد الوجهين، كما في المغني. ¬

_ (¬1) هكذا في ض. وفي الأصل: "وذلك في الخطأ الصريح".

[2/ 326] (6) قوله: "قاله القاضي إلخ": أي وجزم به في الإقناع. وقال المجد: يقتص هنا من الكوع، لأنه محل جنايته. اهـ. (7) قوله: "الأمن من الحيف شرط لجوازه: أي جواز الاستيفاء، لا لوجوبه. وقيل شرط لوجوبه. وفائدة الخلاف أنّا إذا قلنا إنه شرط للوجوب تعينّت الدية مع خوف الحيف، إذ لم يوجد الشرط، وإذا قلنا إنه شرط لجوازه، فإن قلنا: الواجب القصاص عيناً، لم يجب بذلك شيء، إلا أن المجني عليه إذا عفا يكون قد عفا عن حقٍّ يحصل له ثوابه، وإن قلنا: موجَبُ العمد أحد شيئين انتقل الوجوب إلى الدية. اهـ. م ص. (8) قوله: "وخُصْيَة": أي إن قال أهل الخبرة: يمكن أخذها مع سلامة الثانية. قاله م ص. (9) قوله: "وألية": أي وكذا شَفْرُ امرأة، وهو أحد شفريها، أي اللحمين المحيطين بالفرج إحاطة الشفتين بالفم. وعلم منه جريان القصاص في الألية والشفر، لأن لهما حدًا ينتهيان إليه، فجرى القصاص فيهما. (10) قوله: "ولا صحيح بأشل": أي والعبرة بوقت الجناية، فلو شلَّ العضو بعد الجناية على نظيره لا يؤخذ به، لأنه حين الجناية كان صحيحًا، كما في القصاص في النفس. فائدة: وإن ادّعى الجاني أنه قطع العضو أشلّ، وقال المجني عليه: بل صحيحًا، فقول مجنيٍّ عليه بيمينه، لأنه الظاهر، ما لم تكن للجاني بينة. فإن كان لهما بينتان هل تقبل بينة الجاني أو تتعارضان؟ لم أر من نص عليه. (11) قوله: "وهو الذي لا يجد رائحة شيء": هذا تصير للأخشم، والذي يجد الرائحة يسمى الأشم (¬1). والأشل العضو الذي تعطلت حركته. فعلى هذا لا يقال: مارن أشل، بل أخشم، أو مخروم، وهو الذي قطع وتر أنفه، أو مستحشف ¬

_ (¬1) هكذا في ض. وهو الصواب. وفي الأصل: "هذا تصير للأخشم، وهو الذي يجد الرائحة. وأما الأشل ... إلخ".

فصل في القصاص في الجروح

وهو الرديء. فقول المصنف "أشل" لم أره لغيره. [2/ 327] (12) قوله: "وتؤخذ أُذن صحيحة بأذن شلاّء": أي لأن العضو صحيح، والمقصود منه الجمال لا السمع، وذهاب السمع لنقصٍ في الرأس لا في الأذن. (13) قوله: "ويؤخذ [71ب] معيب بصحيح": أي وكذا يؤخذ معيب بمثله، إذا قال أهل الخبرة إنه إذا قطع لم تفسد العروق، ولم يدخل الهواء فيفسد البدن (¬1)، وإلا سقط القصاص. فصل في القصاص في الجروح (1) قوله: "كجرح العضد (¬2) إلخ": لكن لا يستوفى القصاص في ذلك إلا بآلةٍ صغيرة لا يخشى منها الزيادة، كالموسى، أو حديدة معدّةٍ لذلك، ولا يستوفيه إلا من له علم بذلك كالجرائحيّ ونحوه. ويعتبر قدر الجرح بالمساحة دون كثافة اللحم. (2) قوله: "والهاشمة والمنقّلة والمأمومة": قد يوهم أن هذه الثلاثة فيها قصاص أيضًا، وليس كذلك، قال في الإقناع بعد ذكر ما تقدم أول الفصل: ولا يقتص في غير ذلك من الشجاج والجروح كما دون الموضحة، أو أعظم منها كالهاشمة والمُنَقِّلة والمأمومة اهـ. وقول الشارح: قال في المنتهى وشرحه إلخ لا ¬

_ (¬1) قوله: "لم تفسد العروق ولم يدخل الهواء فيفسد البدن" هكذا في الأصل وض. وهو كذلك أيضًا في كشاف القناع المطبوع بدار الفكر (5/ 557) وفي شرح المنتهى نشر مكتبة السنة المحمدية بالقاهرة (3/ 295). أمّا المغني (7/ 735) ط 3، فقد ورد النص فيه هكذا: "لم تنفسد العروق ودخل الهواء إلى البدن فأفسده" وكل هذا خطأ ينتقل من كتاب إلى كتاب، والصواب: "لم تنسدّ العروق ودخل الهواء إلى البدن فأفسده"، وذلك أن بعض أنواع الشلل إذا قُطعَ العضوُ الأشل: لا تنسدّ عروق الدم بالحَسْمِ بالنار ولا غيرها، فيفضي إلى الموت، فيكون ذلك مانعًا من القصاص في الطرف الأشل. ووجدناه على الصواب هكذا في كتب الشافعية، انظر مثلاً نهاية المحتاج (7/ 291) والله المستعان. (¬2) كذا في الأصل. وفي ض: "العضو".

[2/ 328] يدفع هذا الإيهام، لأنه ربما يوهم أن فيها قصاصًا، ولكن له أن يقتص أيضًا منه موضحة إلخ فكان الأولى للمصنّف أن يقول: "بخلاف هاشمةٍ ومنقِّلةٍ ومأمومة، وله أن يقتص فيها موضحة ويأخذ ما بين دية تلك الشجّة والموضحة" مثلاً. والله أعلم. ***

كتاب الديات

كتاب الديات [2/ 330] (1) قوله:"من أتلف إنسانًا": أي مسلمًا أو ذميًّا أو معاهدًا، بمباشرة، أو سبب كحفر بئر يحرم حفرها، ورمي قشر بطيخ بطريق، وصب ماءٍ فيه، ووضع حجرٍ فيه، لا في ماء وطين ليطأ الناس عليه. (2) قوله: "إن كان عمداً إلخ": أي ولو كان لا يوجب القود، كالمسلم إن قتل ذميًا. (3) قوله: "فعلى عاقِلَتِه": ظاهره أنه لا يلزم القاتل في الخطأ وشبه العمد في الدية شيء. وهو كذلك. صرّح به في الإقناع، وسيأتي في باب العاقلة التصريح به، والله سبحانه وتعالى أعلم. (4) قوله: "ومن حَفَر تعدّيًا": أي بأن حفرها في فنائه، ولو بإذن الإمام، وكان لنفسه، أو حفرها في ملك غيره بغير إذنه، أو في مشترك بينه وبين غيره بلا إذنه، أو في طريق ضيق، أو واسع وفيه ضرر، وكان لنفسه، أو في دربٍ غير نافذ بدون إذن أهله، ونحو ذلك، فهذا تعدًّ ويحرم حفر. وما تلف فيه يكون من ضمان الحافر. (5) قوله: "كمكشوفةٍ إلخ": أي كما لو سقط فيِ بئرٍ مكشوفة بحيث يراها الداخل البصير، فإن كان أعمى أو في ظلمة لا يبصرها ضمِن. (6) قوله: "لا في كشفها" أي لا يقبل قول الحافر في أنها كانت مكشوفة إذا ادعى ولي الداخل أنها كانت مغطاة، لأنه خلاف الظاهر. (7) قوله: "كان الضمان على الحافر إلخ": مفهومه: لو كان كل منهما غير متعد، كما لو حفر بئرًا في طريق واسعة لمصلحة المسلمين أو في ملكه، ووضع غيره حجرًا بجانب البئر ليطأ الناس عليه، أنه لا ضمان عليهما. وهو كذلك. (8) قوله: "وإن تجاذب حُرّان إلخ": أما لو تجاذب قِنّان، فماتا، فهدر. وإن مات أحدهما فقيمته في رقبة الآخر. وإن كانا حرًّا وقنًّا فقيمة قنّ في دية حر، ودية الحر في تلك القيمة، كما في الاصطدام. اهـ. ح ف.

[2/ 331] (9) قوله: "لكن نصف دية المُنكَبِّ إلخ": أي لأن قتل المنكب يشبه العمد، والمستلقي يشبه الخطأ. قال ح ف: لكن ينظر في النصف الثاني من دية كل منهما: فإن كان مخفَّفًا من المنكب، ومغلظًّا من المستلقي، فقد صار نصف دية كل منهما مغلظًا والآخر مخففًا. وهو غير ظاهر، لأنه يلزم عليه استواء ديتيهما، مع أن الظاهر أنه ليس مرادًا، إذ لو أريد ذلك لقيل: نصفها مغلظ والآخر مخفّف. اهـ. أقول: ولو أريد أيضًا أن النصف الثاني مخفف منهما لقال: "ودية المستلقي مخففة". ولو أريد أنه مغلظ فيهما لقال: "ودية المنكبِّ على عاقلة المستلقي مغلظة" ولم يقل نصفها. فليحرر. أقول: ثم ظهر لي بان عبارة الرعاية محمولة على القول بأن الواجب في نحو المتجاذبين نصف الدية على عاقلة كل منهما، فقط، فيكون هذا النصف مغلظًا من عاقلة المستلقي ومخففًا من عاقلة المنكب، لا أنه تجب دية كاملة ويكون نصفها مغلظًا، حتى يسأل عن النصف الثاني ما حكمه. فعلى هذا يقال على المذهب: تجب دية المنكب مغلظة ودية المستلقي مخففة. وهذا هو التحقيق. ولم أر من عرَّج عليه. والقول بوجوب نصف الدية فقط هو العدل، كما في الإقناع، لأنه هلك بفعل نفسه وفعل صاحبه، فَيُهْدَرُ فعل نفسه. والله أعلم. (10) قوله: "وإن جُنِيَ عليه ضمنه المُرسل إلخ" قال في المنتهى وشرحه: قال ابن حمدان: إن تعذر تضمين الجاني، أي على الصغير، فإن لم يتعذر تضمينه فعليه الضمان، لأنه مباشر والمرسل متسبب. اهـ. (11) قوله: "وخَرَّج أبو الخطاب إلخ": هذا خلاف المذهب، كما يأتي في المتن. (12) قوله [72أ]: "ضمنه": قال في المغني: وظاهر كلام أحمد أن الدية في ماله، لأنه تعمد هذا الفعل الذي يقتل مثله غالبًا. وقال القاضي: على عاقلته، لأنه لا يوجب قصاصًا، فهو شِبْهُ عمد. اهـ. (13) قوله: "فأحدث بغائطٍ أو بول إلخ": قال م ص: والقياس: لا ضمان، وهو قول الأكثر، وروي عن أحمد. ولكن المذهب الأول، أي وجوب ثلث الدية

فصل

وقوله: "ولم يدم": وأما إن دام فسيأتي أن في الدية كاملة. [2/ 333] فصل (14) قوله: "مكلفًا" أما لو كان المأمور غير مكلف، فهلك بنزوله أو صعوده، ضمنه الآمر. وقال في المغني والشرح: إذا كان المأمور صغيرًا لا يميز فعليه، وإن كان مميزًا لا ضمان. قال في الفروع: ولعل مراد الشيخ ما جرى به عرف وعادة لقرابة وصحبةٍ وتعليم ونحوه، فيذا متجه، وإلا ضمنه. وقد كان ابن عباس يلعب مع الصبيان، فبعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى معاوية. وقال (¬1) في شرح مسلم: لا يقال: هذا تصرُّف في منفعة الصبي، لأنه قدر يسير ورد الشرع بالمسامحة به للحاجة، واطَّرَدَ به العرف وعمل المسلمين اهـ. م ص (¬2) 0 اهـ. ع ن. اهـ حاشية. (15) قوله: "من صبيّ" أي لم يميّز، لأنه لا فائدة في تأديبه، لعدم عقله، والمميز يعقل. فصل في مقادير ديات النفس فائدة: ويجب من إبلٍ في عمد وشبهه خمس وعشرون بنت مخاضٍ، وخمس وعشرون بنت لبون، وخمس وعشرون حِقَّة، وخمس وعشرون جَذعة. وفي الخطأ أخماسًا: عشرون من كل من الأربعة المذكورة، وعشرون ابن مخاض. وتغلَّظ دية طرفٍ كنفس. ولا تغليظ في غير إبلٍ. ومن بقَرٍ مُسِنّات وأَتْبِعة، نصفين. ومن غنمٍ ثنايا وأجْذعة، نصفين. وتعتبر سلامة من عيب، لا أن تبلغ قيمتها دية نقدٍ. فإذا أحضر من عليه ديةٌ أحدَ هذه الأصناف الخمسة المذكورة في المتن لزم وليَّ جناية قبوله. ¬

_ (¬1) أي النووي من الشافعية. (¬2) كذا في الأصل. وليس في ض قوله: "اهـ. م ص".

[2/ 335] (1) قوله: "ويدل لذلك ما روى إلخ" فيه قصور، حيث لا دلالة في الحديث الشريف على الذهب والفضة. وقد استوفى الدليل على ذلك في شرح المنتهى لمؤلفه، فقال: وعن عكرمة عن ابن عباس: "أن رجلاً قُتِل، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ديته اثني عشر ألف درهم" (¬1)، وفي كتاب عمرو بن حزم "وعلى أهل الذهب ألف دينار" (¬2). لكن يشكل على ذلك ما ذكروه في كتاب الزكاة، من أن زنة الدينار درهم وثمن، وزنةُ المثقال درهم وثلاثة أسباع درهم، فيكون الألف دينار دون ألف مثقال بكثير، فلا يطابق الدليل ما استدلوا له، إلا أن يكون المراد بالدينار المثقال، وهو يحتاج إلى دليل فتأمل (¬3). (2) قوله: "فقط": أي دون المال ونحوهما (¬4). ¬

_ (¬1) حديث ابن عباس أخرجه أبو داود (4546) والنسائي (2/ 248) والترمذي (1/ 261) وهو ضعيف (الإرواء 7/ 301). (¬2) حديث عمرو بن حزم أخرجه النسائي (2/ 252) والدارمي (2/ 192) بسند ضعيف (الإرواء 7/ 305). (¬3) الدينار اسم خاص بقطعة الذهب المسكوكة التي وزنُها مثقال. والمثقال اسم للعيار، أو الصنجة، التي يساوي وزنها وزن درهم وثلاثة أسباع درهم، كان توزن بها الأشياء الثمينة، كالذهب والفضة والعنبر ونحوها. أما قوله: "وذكروا في كتاب الزكاة أن وزن الدينار درهم وثمن" فهذا ليس وزن الدينار الشرعي، بل دينار اصطلح عليه في العصور اللاحقة، وعبارة الإقناع وشرحه واضحة في ذلك حيث قال في (2/ 229): "زنة المثقال درهم وثلاثة أسباع درهم، ولم تتغير المثاقيل في جاهلية ولا إسلام، وزنة العشرين مثقالًا بدينار الوقت الآن الذي زنته درهم وثمن درهم ... إلخ" أما الدينار الشرعي، وهو الذي ضربه عبد الملك بن مروان، واتفقت الأمة على اعتباره في الشرعيات، فوزنه مثقال تامّ، أي درهم وثلاثة أسباع الدرهم، كما قدمنا. فلا إشكال بحمد الله. وقوله: "وهو يحتاج إلى دليل" فالدليل هو أحاديث باب الديات هذا، ففي بعضها "ألف مثقال" وفي بعضها "ألف دينار" فاستوى مثقال الذهب والدينار. والله أعلم. (¬4) هكذا في النسختين، والمراد به مشكل. فلينظر. ثم رأيت في شرح الإقناع (6/ 19) =

(3) قوله: "ودية الحرة المسلمة إلخ": أي ودية الخنثى المشكل ثلاثة أرباع [2/ 335] دية الذكر. وكذا جراحته. (4) قوله:"عقل المرأة" أي ديتها. (5) قوله: "عقلها" أي ديتها. (6) قوله: "في كلِّ من حرم إلخ": هل المراد أن يكون القاتل والمقتول محرِمًا أو في الحرم؟ تأمل. وقوله: "في كلِّ من حرم إلخ" هذا كلام مجمل لا يعرف ما المراد منه، هل هو أن يكون القاتل والمقتول في الحرم، أو محرمين كلاهما، أو إذا كان القاتل قائمًا في غير الحرم فقتل إنسانًا بالحرم خطأ، أو عكسه، يكون الحكم كذلك: تغلظ الدية، أو تغلظ في الأولى فقط، أو بالعكس؟ لم أو من صرح به، بل ولا من أشار إليه. فليحرر. أقول: ثم رأيت في حاشية ابن عوض عن الحفيد ما نصه: "المراد إحرام المقتول كما هو ظاهر المغني اهـ". فعلى هذا أقول: فالمراد من الحرم أن يكون المقتول فيه. فتنبه. (7) قوله: "فمع اجتماع الثلاثة يجب ديتان": وقال في الشرح: وظاهر كلام الخرقي أن الدية لا تغلظ بشيء من ذلك، وهو ظاهر الآية والأخبار. وعلم منه أنه لا تغليظ في شبه العمد، ولا في قطع طرف. قال م ص: ولعل المراد بالخطأ هنا ما يعم شبه العمد اهـ. قلت: وفي حاشية ابن عوض على قول المصنف "وتغلظ دية قتل الخطأ" ما نصه: لا دية العمد وشبهه اهـ. وكذا رأيت مناقشته من م خ. لشيخه م ص. في قوله "ولعل المراد بالخطأ هنا ما يعم شبه العمد" وجعل كلام المتن على ظاهره من كون ذلك خاصُّا [72ب] بالخطأ. (8) قوله: "أضعفت ديته": ظاهره تخصيص التضعيف بالقتل، وظاهر ¬

_ = الإشارة إلى أن المراد: لا حُلَل، فقد قال بعضهم إنها أصل، لما ورد في رواية أبي داود من حديث عطاء عن جابر مدفوعًا: "أو ألفيْ حُلَّة" وبهذا يتبين أن كلام المحشي قد صُحّف، والصواب: "أي دون الحلل ونحوها" وحديث جابر معلول بعلَّتين. انظر نيل الأوطار (7/ 83).

[2/ 336] تعليلهم بإزالة القود أن ذلك في غيره مما يوجب القود من الجراح وقطع الأطراف أيضًا. وصرح به في الوجيز. واعتمدع ن في حواشيه على المنتهى عدم التضعيف في الجراح. (9) قوله: "لإزالة القود": يرد عليه إذا كان القاتل غير مكلّف ونحوه مما لا قود فيه، فإنه لا تضعّف فيه الدية. فليحرر. (10) قوله: "عشر دية أمه": فيه نظر، لأنه قد تكون أم الحر المسلم كتابية، أو رقيقة، كما لو تزوّجها حرّ واشترط الحرية، أو غُرَّ بها، فلا تكون الغرة فيه عشر دية أمه (¬1). فلو قال، كغيره: "قيمتها خمس من الإبل" لكان أولى، على أن رفع الإبهام بقوله "وهي خمس من الإبل" لا يرفع التسمُّح في العبارة. وفي قول الشارح: "ولو قال إلخ" إيماء لذلك. والله أعلم. (11) قوله: "وهي خمس من الإبل": يقتضي ما تقدم من أن الخمسة المذكورة في أول الباب أصول في الدية: أنه يصح أن تكون قيمة الغُرَّة عشر أيِّ صنف شاء الجاني من الخمسة من دية الأم، خلافًا لظاهر كلامهم. ثم لم يذكروا الإبل التي تقوّم بها الغرة من أي صنف هي. قال ح ف: والظاهر أنه في العمد وشبهه تقوّم بالخمسة من الأنواع الأربعة المتقدمة في كامل الدية، وفي الخطأ بأربعة منها، والخامس ابن مخاض، فسكتوا عن التعيين اكتفاء بما في أصل الدية. اهـ. (12) قوله: "ولو لم يستهل": أي ولو لم يصرخ، وهذا إذا كان فيه حياة مستقرّة. ويعلم ذلك بتنفّسه أو ارتضاعه أو عطاسه ونحو ذلك، أما مجرد الحركة فلا يدل. وعنه: لا يثبت له هذا الحكم إلا إن استهل. اهـ. ح ف. (13) قوله: "ولا بينة لواحد منهما" أما لو كان لأحدهما بينة فيعمل بها، فإن أقاما بينتين قدّمت بينة الأم. اهـ. م ص، أي تقدم بينة وارث الجنين، لا ¬

_ (¬1) إنما قال بعضهم "لا عشر دية أمة" لأن أمه إن كانت كتابية أو مجوسية لم يجب خمس من الإبل، بل عشر دية أمه كيف كانت، على ما تقدم.

فصل في دية الأعضاء

خصوص الأم، فليفهم. [2/ 339] (14) قوله: "وإن لم تكن متألّمة إلخ": وإن اختلفا في وجود التألم فقوله، وإن تألّمت في بعض المدة فادعى برأها فقولها، والمراد: مع اليمين، في حق كل من قلنا يقبل قوله. ويقبل قول امرأةٍ عدل في استهلال الجنين، وسقوطه، وبقائه متألمًا، أو بقاء أمه متألمة، كما في الإقناع. وقال أيضًا: وإن اعترف الجاني باستهلال الجنين، أو ما يوجب فيه دية كاملة، فالدية في ماله، وإن كان مما تحمل العاقلة فيه الغرة فهي على العاقلة، وباقي الدية في مال القاتل. فصل في دية الأعضاء (1) قوله:"أي في إتلافهما": جواب عما قد يقال: لِمَ أُفْرِدَ مع أن المتقدم شيئان، ولذلك كانت عبارة المنتهى "ففيهما الدية". (2) قوله: "ولو قطعت مع ظفر": فإن قطع ظفر وحده ولم يَعُدْ، أو عاد أسود، ففيه خمس دية إصبع نصًّا، لما روي عن اين عباس. ذكره ابن المنذر. ولم يعرف له مخالف من الصحابة. اهـ. م ص. (3) قوله: "بالسين المهملة" أي وبكسرها. (4) قوله: "فيكون في جميعها إلخ": قال ابن نصر الله: وليس في البدن شيء من جنس تزيد ديته على دية النفس إلا الأسنان. قال في المغني: وقد روى أنه ليس فيها إلا دية، قياسًا على سائر ما في البدن. والصحيح الأول للخبر. اهـ. ح ف. قلت: فعلى الثاني تكون دية السن جزءاً من اثنين وثلاثين جزءًا من دية النفس. (5) قوله: "أربع ثنايا" إلخ: الثنايا في مقدم الفم: اثثتان من فوق واثنتان من تحت، والرَّباعيّات، بفتح الراء وتخفيف الباء، هي التي بجانب الثنايا الأربع، والأنياب هي التي بجانب الرباعيات، والعشرون ضرسًا منها أربعة ضواحك، وهي التي بجانب الأنياب، واثنا عشر تسمى "الطواحين" وهي بجانب كل ضاحكٍ، منها ثلاثة، ومنها أربعة تسمى نواجذ، وهي في آخرها من داخل الفم اهـ ملخصًا من

فصل في دية المنافع

[2/ 341] الحاشية. فصل في دية المنافع (1) قوله: "في إذهاب كلٍّ من سمعٍ إلخ": أي ولا بدّ من ذهاب جميع الحاسّة، فلو ذهب بعض سمعه وبعض بصره ونحو ذلك، وكان يعلم قدر الذاهب، ففيه ديته بقدره. وإلا يعلم قدره ففيه حكومة. ويقبل قول مجني عليه في نقص بصره وسمعه بيمينه. وإن ادعى نقص إحدى عينيه عصبت التي ادعى نقصها وأطلقت الأخرى، ونصب له شخص ويتباعد عنه حتى تنتهي رؤيته، فيعلم الموضع. ثم تشد الصحيحة وتطلق الأخرى، وينصب له شخص ثم يذهب حتى تنتهي رؤيته، ثم يعلم. ثم يدار الشخص إلى جانب آخر ويصنع به كذلك، ثم يعلم عند المسافتين، ويذرعان، ويقابل بينهما، فإن استويا فقد صدق وله من الدية بقدر ما بين الصحيحة والعليلة من الرؤية، وإن اختلفت المسافتان فقد كذب. قلت: وهذا -والله أعلم- فيما إذا كانت العينان متماثلتين [73أ] في الضوء قبل الجناية، وأما إن كانت المجني عليها أحسن ضوءًا من أختها فلا يتأتى ذلك، إذ لا يعلم قدر التفاوت سابقًا، فلا يعلم لاحقًا. وقوله: "وذوق": أي للمذاق الخمسة (¬1)، وهي الحلاوة والمرارة والعذوبة والملوحة والحموضة. وفي كل واحد خمس الدية. (2) [قوله: "وكلام"]،: وفي إذهاب بعض الكلام بحسابه، ويقسم على ثمانية وعشرين حرفًا. فصل في دية الشِّجاج والجراح (1) قوله: "لأنها قطع الجلد" أي، والشَجُّ القطع. (2) قوله: "البازلة": من بزلَ الشيءُ إذا سأل، "والدامية" لأنها تُدْمي الجلد، ¬

_ (¬1) المذاق مفرد، وأراد به هنا الجمع، وفي صحة ذلك هنا نظر، فليحرر.

باب العاقلة وما تحمله

كما ذكر الشارح، "والدامعة" لقلة سيلان الدم منها، تشبيهًا لها بخروج الدمع من [2/ 343] العين. (3) قوله: "وفيها نصف عشر الدية": خمسة أبعرة. ظاهره أنه لا فرق بين كون الموضحة في حرّ مسلمٍ أو حرة مسلمة، وهو مقتضى ما تقدم من أنه لا فرق بين الذكر والأنثى فيما يوجب دون ثلث الدية، خلافًا لظاهر المنتهى في قوله "فمن حرٍّ مسلمٍ خمسة أبعرة" والعجب من م ص في شرحه عليه حيث لم ينبّه به. (4) قوله: "وتسمى الآمَّة ": أي في لغة أهل العراق، وأما "المأمومة" فلغة أهل الحجاز، ذكره ابن عبد البر. (5) قوله: "لا يوطأ مثلها": أي بان كانت دون تسع، وآلة الذكر كبيرة. ويكون ذلك في ماله إن كان عمدًا محضًا، بان كان يعلم أنها لا تطيقه، وأن وطأه يفضيها، وإلا فعلى عاقلته. (6) قوله:"ولا شبهة للواطى إلخ": انظر لو كانت اشتبهت عليه أجنبية بزوجته فوطئها وأفضاها، ولكن هي تعلم أنه أجنبي، ومكنته من نفسها، فهل يكون ذلك هدرًا حيث كانت مكلّفة؟ الظاهر من تعليلهم: نعم. فعلى هذا: قول الشارح "للواطى إلخ" فيه قصور. ولا بد أن تكون الشبهة من جهتها أو من جهتهما. والله أعلم. باب العاقلة وما تحمله (1) قوله: "وهي ذكرر عصبة الجاني إلخ": فعلى هذا إذا جنى العتيق خطأ، ولم يكن له عصبة من النسب، فعاقلته معتِقهُ إذا كان ذكرًا، وإن كان أنثى حمل عنها جناية عتيقها من يحمل جنايتها من عصباتها، ثم عصباته، الأقرب فالأقرب. (2) قوله: "ولا تحمل إقرارًا إلخ": علم من هذا أنها لا تحمل إلا ما ثبت ببينة أو بتصديقها. (3) قوله: "ولا ما دون ثلث دية ذكر مسلم": فعلى هذا لا تحمل دية يد

باب كفارة القتل

[2/ 345] امرأة أو رجلها، أو يد كتابيّ أو عينه، أو دية مجوسي ونحوه، لأنها دونه، لكن تحمل العاقلة الغرة إذا مات الجنين مع أمه، أو بعدها، بجناية واحدة، لتبعيّتها لدية الأم. وأما إذا مات قبلها فلا. (4) قوله: "مؤجلاً في ثلاث سنين": هذا إذا كان دية كاملة، فيدفع في آخر كل سنة ثلث. وإن كان المحمول ثلث دية، كالجائفة ونحوها، فتدفع في آخر السنة الأولى. وإن كان نصف دية وجب في آخر السنة الأولى ثلث، وفي آخر الثانية السدس الباقي. وهكذا الثلثان. وإن كان المحمول ديتين، كما لو أذهب سمعه وبصره، وجب ذلك في ستّ سنين. في كل سنة ثلث، وهكذا إذا زاد. (5) قوله: "ويبدأ بالأقرب فالأقرب": لكن تؤخذ من بعيد، لغيبة قريب. فإن تساووا في القرب، أو كثروا، وُزِّع الواجب بينهم بحسب ما يسهل على كل منهم. فإن اتسعت أموال الأقربين لها لم يتجاوزهم. وإلا انتقل إلى من يليهم. ويجتهد الحاكم في تحميل العاقلة، فيحمل كلاًّ منهم ما يسهل عليه. (6) قوله: "ولا صبيّ ولا مجنون": لكن إذا بلغ الصغير، أو عقل المجنون عند الحول، لزمه. وإن كان عاقلاً فجنّ بعد الحول، فعليه قسطه. وإن جنّ مع الحول أو في أثنائه فلا شيء عليه. ومثله فقير استغنى، وعكسه. (7) قوله: "فلا دية": وتكون في بيت المال. وعنه تجب في مال القاتل. قال في المقنع "وهو أولى" أي لما يلزم على الأول من إهدار دم الأحرار في أغلب الأحوال، فإنه لا تكاد توجد عاقلة تحمل الدية كلها، ولا سبيل إلى أخذها من بيت المال، فتضيع الدماء. والدية تجب على القاتل ثم تحملها العاقلة، وإن سلمنا وجوبها عليهم ابتداءً لكن مع وجودهم، كما قالوا في المرتد: يجب أرش خطئه في ماله، لأنه لا عاقلة له تحملها. اهـ. باب كفارة القتل (1) قوله: "قال في الإقناع وشرحه": هذه العبارة بتمامها من الإقناع [73ب]

دون شرحه. [2/ 348] (2) قوله:"كفارة كاملة": عبارة الإقناع: فعليه كفارة إلخ ولهذه اللفظة لا بد منها، إذ ليس في العبارة بدونها جواب لمن في أولها. (3) قوله: "النفسٍ محرمة": أي ولو نفسه، كما تقدم في عبارة الإقناع. فتؤخذ الكفارة من تركته، كما لو أمسك حيّةً ظانًّا أنها لا تقتل غالبًا، فتقتله، لعموم الآية. وقال أبو حنيفة: لا كفارة فيه. وقال الموفق: وقول أبي حنيفة أقرب إلى الصواب إن شاء الله تعالى. واستدل له بما لا يسعه هذا المحل. فانظر حاشية ابن عوض. (4) قوله: "كما لو ضرب بطن امرأة إلخ ": ومثله والله أعلم إذا لم يتوقها في الجماع، بأن نام على بطنها أو أكثر من جماعها ونحوه مما يضرّ بالحمل، فأسقطت ما فيه صورة. فتلزمه الكفارة. (5) قوله: "ثم مات": أي في الحال، أو بعد مدة وبقي متألمًا، كما تقدم في فصل "ومن جنى إلخ". (6) قوله: "ويكفر الرقيق بالصوم": فإن عجز عنه لكبرٍ أو مرضٍ لا يرجى برؤه فهل تبقى بذمته؟ ظاهر قولهم: نعم. (7) قوله: "ويكفر الكافر بالعتق": أي لأنه لا يصح الصيام منه، وإنما صحّ العتق منه، مع أنه طاعة، لأنه قد لا يكون طاعة، ولنالك لا يحتاج إلى نية القربة، بل لا يحتاج إلى نيّة العتق مع صريحه، كما تقدم. نعم لا بد في الكفارة من نيتها في العتق كغيره. فليحرر. (8) قوله: "كزان محصن": أي بعد ثبوت زناه لدى حاكم. وقوله: "ومرتد" مجمع على ردته. وقوله: "وباغٍ" قتله أهل العدل. وقوله: "وقصاص" قتله الوليُّ أو نائبه. وقوله: "ومرتد" ظاهره ولو قبل استتابته ثلاثًا. إن كان ممن تقبل توبته. ورأيت ابن عوض في حاشيته قيّد ذلك ببعد الاستتابة ثلاثة أيام، فليحرر. ***

كتاب الحدود

[2/ 350] كتاب الحدود فائدة: موجبات الحد خمسة: الزنا، والقذف، والسرقة، وقطع الطريق، وشرب المسكر. وأما البغي والردة فقد عدهما جماعة فيما يوجب الحدّ، لأنه يقصد بقتالهم المنع من ذلك، ولم يعدهما آخرون، لأنه لا يقصد بهما الزجر عن السابق، وإنما يقاتل فاعل ذلك على الرجوع عما هو عليه من ترك الطاعة والكفر، فهو كقتال الكفار على الإسلام، فلا يسمى حدًّا لذلك. اهـ. ح ف. (1) قوله: "وهي ما حدَّه إلخ": أي وتطلق أيضًا حدود الله تعالى على ما حدّه سبحانه وتعالى وقدّره، لقوله تعالى {تلك حدود الله فلا تعتدوها} [البقرة: 229] وسميت العقوبة حدًّا إما لمنعها من الوقوع في مثلها، وإما لكونها من التقدير، لأنها مقدر. (2) قوله: "والمستأمن": أي والمهادَن، في حق الله تعالى فقط، وأما حق الآدمي، كالقذف والسرقة (¬1)، فيستوفى منه. (3) قوله: "بعد أن يبلغ الإمام" قال في الحاشية نقلًا عن الحفيد: والمراد ببلوغه به الإتيان إليه بالمحدود، لا مجرد البلوغ، كما يعلم من الحديث، وهو "فهلا قبل أن تأتيني به" وعلم منه جوازهما قبل ذلك. واحترز بحد الله تعالى عن حد الآدمي، كحد القذف ونحوه، فإنه يجوز أن يشفع فيه عند من وجب له مطلقًا. اهـ. بتصرف وزيادة. (4) قوله: "عدد الشفع والوتر": المراد منه كثرة ذلك. (5) قوله: "واغْدُ يا أنيس إلخ": وسبب ذلك أن رجلين اختصما إلى رسول ¬

_ (¬1) ليس المراد أن حدّ السرقة حق للمسروق منه، بل يستوفى الحدّ من السارق المستأمن ولو عفا عنه المسروق، لأن الحق في إقامة حد السرقة لله تعالى. ولكن المراد أن المال المسروق يستوفى من السارق لحق المسروق منه. وانظر كثاف القناع في آخر باب الهدنة (3/ 115)

الله - صلى الله عليه وسلم - وكان ابنُ أحدهما عسيفًا عند الآخر، فزنى بامرأته، فجلد النبي - صلى الله عليه وسلم - ابنه [2/ 351] مائةً وغربَّه عامًا، وأمر أنيسًا الأسلمي المذكور أن يأتي امرأة الآخر، وقال له "فإن اعترفت فارجمها" فاعترفت فرجمها (¬1). وهذا يدل على أنه إن كان أحد الزانيين محصنًا والآخر غير محصن، لكل واحد منهما حكمه، وهو كذلك. (6) قوله: "الحرّ": خرج به المكاتب، فلا يقيم الحد على مملوكه. (7) قوله: "على رقيقه": ظاهره ولو كان الرقيق مكاتَبًا، وصرح به في المنتهى تبعًا للتنقيح والفروع. وكذا صرح به في الإقناع. قال م ص: ونقل في تصحيح الفروع عن أكثر الأصحاب خلافه، لاستقلاله بمنافعه وكسبه. (8) قوله: "ولأن ما دونه أخف منه في العدد إلخ": وهذا بالنسبة إلى الزنا وما بعده، وأما القذف والشرب فعدد الحدِّ فيهما سواء، فلم كان الجلد في القذف أشدّ؟ قلت: إما لكون القذف فيه حقًّا لآدمي، وإما لكونه قيل في حد الشرب إنه أربعون، فيكون للاختلاف في عدده، بخلاف حد القذف. وعلى كل فلا بد من التأليم في الضرب. فليفهم. (9) قوله: "قال في شرح المهذب إلخ": قلت: قال في الرعاية، من عندِهِ: حجم السوط بين القضيب والعصا. (10) قوله: "ومن المختار [74أ] لهم،: أي للحنفية. (11) قوله: "من غير الجلد": أي كالكرباج. (12) قوله: "وتضرب المرأة جالسةً": أي فتضرب على ظهرها وجنبها إذ لا يمكن الزيادة على ذلك، إذ الرأس والوجه والبطن ممنوع من ضربها، والأليتان قد وطئت بهما الأرض، يبقى الفخذان والساقان فإذا كفَّتْهما لا يتمكن الضارب منهما، فأما إن مدَّتهما تضرب عليهما. ويعتبر لإقامة الحد نية. اهـ معنى ¬

_ (¬1) أورد الحديث بمعناه. وقد أخرجه البخاري (2/ 27) ومسلم (5/ 124) ومالك (2/ 826) (الإرو اء 7/ 361).

باب حد الزنا

[2/ 353] كلام ح ف. (13) قوله: "بعد الحد": ظاهره أنه لا يحرم ذلك قبل الحد، مع أن الحبس والإيذاء منسوخان بالحد، أما الحبس لأجل إقامته فمتجه جوازه، وأما إيذاؤه بالكلام فالظاهر عدم جوازه بعد الحد وقبله. والله أعلم. (14) قوله: "تداخلت": قال ح ف: بان فعل أحدهما مرارًا قبل أن يحد للأول، أما لو حد للأول حد للثاني ثانيًا اهـ. قلت وهو مرادهم. (15) قوله: "بل يجب أن يبدأ بالأخف فالأخف": أي إذا كانت الحدود حقوقًا لله تعالى أو لآدمي، فإن اجتمعت حقوق لادميٍّ وحدود لله تعالى، فإنه يبدأ فيها بحقوق الآدمي، فلو زنى وشرب وقذف وقطع يدًا، قُطعَ أوّلاً، لأنه محض حق آدمي، ثم حد لقذفٍ للخلاف في كونه حق آدمي، ثم لشرب ثم لزنا. تأمل. باب حد الزنا (1) بالقصر لغة الحجاز، وبالمدّ لغة تميم. (2) قوله: "المحصن": بفتح الصاد وكسرها. (3) قوله: "وجب رجمه حتى يموت": أي بحجارة متوسطة كالكف، لا بصخرة كبيرة ولا بحصباء خفيفة. ولا يحفر له، رجلاً كان أو امرأة، ثبت ببينة أو إقرار. والسنة أن يدور الناس حول المرجوم من كل جانب كالدائرة، إن ثبت ببينة، لا بإقرار، لاحتمال أن يهرب فيترك. (4) قوله: "هو من وطئ زوجته إلخ": هذا تعريف المحصن في باب الزنا. وأما في باب القذف فهو الحر المسلم العاقل العفيف عن الزنا الذي يطأ أو يوطأ مثله. وقد يطلق على الحرية، ومنه {ومن لم يستطع منك طوْلاً أن ينكح المحصنات المؤمنات} [النساء: 25] الآية وقوله تعالى {والمحصنات من الذين

أوتوا الكتاب من قبلكم} [المائدة: 5] وغير ذلك. [2/ 355] (5) قوله: "ذميين": أي ولو مجوسيين. لكن لا يصير المجوسي محصنًا بنكاح رحمه المحرم. (6) قوله: "أو مستأمنين": قال في الإقناع: لكن لا يقام حد الزنا على مستأمن، نصًّا، أي لأنه غير ملتزم لأحكامنا، خلافًا لما في شرح المنتهى لمؤلفه. ثم إن كان الزنا بمسلمة قتل لنقضه العهد، وبغيرها لا يحد، كما تقدم. (7) قوله: "وأما الإسلام فليس بشرط إلخ": أي لرجمه عليه الصلاة والسلام اليهوديين الزانيين (¬1)، كما في المتفق عليه. (8) قوله: "وغُرِّبَ عامًا": أي ولو أنثى. وتكون مع محرم، وعليها أجرته، فإن تعذرت منها فمن بيت المال. فإن أبى المحرم أو تعذر غربت وحدها. (9) قوله: "إلى مسافة قصر": وإن رأى الإمام إلى أكثر فله. (10) قوله:"والمبعَّض يجلد ويغرب بحسابه": أي فمن نصفه حر جلد خمسًا وسبعين جلدة وغرب ستة أشهر أي نصف عام وهكذا. (11) قوله: "ومن زنى ببهيمة إلخ": ومثله إذا مكنت امرأة قردًا ونحوه من نفسها فإنها تعزر. (12) قوله: "عُزِّر": أي فيبالغ في تعزيره. (13) قوله: "لكن لا تقتل إلا بالشهادة": أي بشهادة رجلين. (14) قوله:"إن لم يكن يملكها": أي وأما إن كان يملكها فتقتل بالبينة، أو بإقراره ولو مرة. (15) قوله: "تغييب الحشفة": ظاهرهُ: ولو بحائل. (16) قوله: "أصلي": خرج به الخنثى المشكل. (17) قوله: "ليدخل اللواط": أي فيحد اللوطي كالزاني: إن كان محصنًا ¬

_ (¬1) حديث رجم اليهوديين الزانيين أخرجه البخاري (4/ 495) ومسلم (5/ 122) ومالك (2/ 819) (الإرواء 5/ 93).

[2/ 357] فالرجم، وإلا فالجلد والتغريب، كما تقدم. فائدة: وإن أُكرهت المرأة على الزنا، أو المفعول به لواطًا، بضرب، أو منع من طعام أو شراب اضطر إليه، ونحوه، فلا حد. وإن أكره عليه الرجل فزنى حد. وعنه: لا، اختاره الموفق وجمع. وإن أكره على إيلاج ذكره بإصبعه من غير انتشار، أو باشر المُكْرِهُ أو مأموره ذلك، فلا حد. إقناع. وظاهره أنه لا حد في المسألة الأخيرة، باتفاق، حيث ذكرها بعد الخلاف في الأولى. (18) قوله: "برضاع أو غيره": أي كموطوءة أبيه أو ابنه، أو أم زوجته، أو بنت زوجته. (19) قوله: "وهو يعتقد تحريمَهُ" أما لو كان يعتقد حِلَّهُ، ولو بتقليد لمن يراهُ، فلا تحريم، فضلاً عن إقامة الحدّ عليه. (20) قوله: "إما لإقرار إلخ": أي ولا بد أن يصرّح في إقراره بذكر حقيقة [74ب] الوطء، لحديث ابن عباس "لما أتى ماعز بن مالك النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: لعلك قبلت، أو غمزت، أو نظرت؟ قال: لا يا رسول الله. قال: أنكتها؟ لا يكني. قال: نعم. فعند ذلك أمر برجمه" رواه البخاري وأبو داود. فعلى هذا لو قال: ضاجعتها، أو: بت في فراشها، أو نحو ذلك من المكنيات، لا يعتبر إقراره، لأن الحد يدرأ بالشبهة. (21) قوله: "ولو جاؤوا متفرقين": وقال مالك وأبو حنيفة: إن جاؤوا متفرقين فهم قذفة. اهـ. ع ن. (22) قوله: "كالمرود في المكحلة": أي أو "كالرشاء في البئر" وهذا تأكيد غير لازم، بل يكفي قولهم: رأينا ذكره في فرجها، كما في الإقناع وغيره. فائدة: ولا يعتبر في الشهادة على الزنا ذكر مكانه ولا زمانه، ولا ذكر المزنيِّ بها، إن كانت الشهادة على رجل، ولا ذكر الزاني، إن كانت الشهادة على امرأة. وإن أقر أنه زنى بفلانة إقرارًا معتبرًا شرعًا، فانكرت، حُدَّ دونها. فائدة أخرى: متى كان الوطء موجبًا للحد فلا بد فيه من أربعة شهود، وإن كان موجبًا للتعزير، كوطء بهيمة ونحوها، فيكفي فيه شاهدان، أي رجلان عدلان،

باب حد القذف

فشهود المباشرة دون الفرج ونحوها (¬1). [2/ 359] (23) قوله: "دون من شهدوا عليهما من فلان وفلانة": هذه عبارة صاحب المنتهى في شرحه عليه، أما الرجل فلما ذكره الشارح، وأما المرأة فلعله لاحتمال كونها مكرهة، وإلا فلا مسقط للحد عنها بهذه الشهادة. وعبارة البهوتي في شرح المنتهى بعد قوله: "حد الأولون فقط": "أي دون المشهود عليه لقدح الآخرين في شهادتهم عليه" اهـ. وهو نص في سقوط الحد عن الرجل فقط. اهـ. أقول: ثم رأيت عن الحفيد ما نصه: "وكذا تحد المرأة، لثبوت زناها بشهادة الآخرين. اهـ". وهذا متعين، إذ لا غبار عليه، لكن لا بد في ذلك من الشهادة على مطاوعتها من الأربعة. (24) قوله:"لم تحد": أي لأنه يدرأ بالشبهة. باب حد القذف (1) قوله: "حرَّا": الظاهر أن المراد من كان كامل الحرية، وأن المبعض كالقن. (2) قوله: "ظاهرًا": أي بان لا يثبت زناه ببينة أو شاهدين أو إقرار، ولو دون الأربع، فهذا يكون محصنًا يحد قاذفه ولو كان في الباطن زانيًا، وأما إن ثبت زناه بذلك فلا حدَّ بقذفه إلا إن كان تائبًا، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له. (3) قوله: "فلا يقام بلا طلبه" أي وليس له أن يقيمه بنفسه، بل يقيمه الإمام أو نائبه، فإن أقامه بنفسه لم يعتد به. ويسقط بعفوه عنه. (4) قوله: "بإقراره مرة": أي وإن رجع عن إقراره لم يقم عليه الحد. ولعله في غير القذف، لأنه حق آدمي فلا يقبل فيه الرجوع عن الإقرار، أخذًا من تعليل ¬

_ (¬1) قوله: "فشهود المباشرة إلخ" كذا في النسختين، ولا معنى له، وصوابه: "كشهود المباشرة إلخ" كما في شرح الإقناع (6/ 103).

فصل فيما يسقط به حد القذف

[2/ 361] صاحب المنتهى في شرحه عليه، وإن كان ظاهر كلامهم خلافه. أقول: ثم رأيته صرح في الإقناع باستثناء حد القذف في عدم صحة رجوعه عن الإقرار به، فلله الحمد. فائدة: تجب التوبة من القذف والغيبة وغيرهما. ولا يشترط لصحتها من ذلك إعلامه، ولأن في ذلك، أي إعلامه، دخول غ {مَ عليه وزيادة إيذاء. وقال القاضي والشيخ عبد القادر (¬1): يحرم إعلامه، فإن سأله المقذوف ونحوه لم يجب على القاذف ونحوه الاعتراف، على الصحيح من الروايتين، كما قاله الشيخ. وقال: فيعرِّض له ولو مع استحلافه، لصحة توبته، وأما مع عدم التوبة والإحسان فتعريضه كذب، ويمينه غموس. قال: واختيار أصحابنا: لا يُعْلِمُه، بل يدعو له في مقابلة مظلمته. قال: ومن هذا الباب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -:"أيما مسلم شتمته أو سببته فاجعل ذلك له صلاة وزكاة وقربة تقرِّبه بها إليك يوم القيامة" (¬2). فلو أعلمه بما فعل، ولم يبينه، فحلله، فهو كإبراء من مجهول. وفي الغنية: لا يكفي الاستحلال المبهم، فإن تعذر فيكثر الحسنات. اهـ. ملخصًا من الإقناع. فصل فيما يسقط به حد القذف (1) قوله: "لشبهه به": وكذا لو رآها تزني في طهر لم يصبها فيه، واعتزلها، وأتت بولد لستة أشهر فأكثر، فيلزمه قذفها ونفيه. وإن أتت امرأة شخص بولد ¬

_ (¬1) هو الشيخ عبد القادر بن أبي صالح، أبو محمد الجيلي، أو: الجيلاني، الحنبلي البغدادي (470 - 561 هـ) الفقيه الواعظ الزاهد، تفقه بأبي سعيد المخرمي الحنبلي، وخَلَفه في مدرسته. له كتاب "الغُنية لطالبي طريق الحق"، و"فتوح الغيب" قال ابن كثير: فيهما أشياء حسنة، وذكر فيهما أحاديث ضعيفةً وموضوعة، وكان صالحًا ورعًا، وللناس فيه مغالاة (البداية والنهاية 12/ 252). (¬2) الحديث من رواية أبي هريرة مرفوعًا، وأوله: "اللهم إني أتخذ عندك عهدًا لن تخلفنيه، فإنما أنا بشر، فأيما مؤمنِ آذيتُهُ أو شتمتُه أو جلدتُه أو لعنتُه، فاجعله ... الحديث" أخرجه مسلم (كتاب البر والصلة، ب 91، 93) وأحمد (2/ 316 و 3/ 44).

فصل في ألفاظ القذف

يخالف لونه لونها لم يجز نفيه بذلك بلا قرينة. فإن كانت، بأن رأى عندها رجلاً [2/ 363] يشبه ما ولدته، فله نفيه، لأن ذلك من الشَّبَهِ يغلِّب على الظن أنه من غيره، [75أ]، كما في المنتهى وغيره. فصل في ألفاظ القذف (1) قوله: "عاهر": أصل العهر إتيان الرجل المرأة ليلاً للفجور بها، ثم غلب على الزنا، سواء جاءها أو جاءته، ليلاً أو نهارًا. اهـ. م ص. (2) قوله: "فقذف لأمه": أي صريح. وأما قوله لولده: لست بولده (¬1)، فكناية في قذف أمه، نصًّا. فإن أراد أنه لا يشبهه في أحواله فلا حدّ عليه، بخلاف الأجنبي. (3) قوله: "والغير لا يمكنه أن يحبلها إلخ": فيه نظر، لأنه قد يحبلها من الشبهة، فليحرر. ثم رأيت م ص قال: وكأنهم لم ينظروا لاحتمال الشبهة لبعده. اهـ. (4) قوله: "يا مخنث": ومثله: يا خنيث، بالنون لا بالباء الموحدة، فإنه ليس بكناية على المذهب. قال ح ف: وحينئذ ينظر ما الفرق بينه وبين قوله للأنثى: يا خبيثة. اهـ. (5) قوله: "ولعربي: يا نبطيّ إلخ": الظاهر أن ذلك قذف لأمه، وكذا: يا حلال ابن الحلال، أو: ما أمي بزانية، ونحوه، إن أراد بيذه الألفاظ حقيقة الزنا حُدّ بطلب أم المقول له إن كانت حية، لأن الحق لها لا له، والله سبحانه وتعالى أعلم. ومن قذف نبيًا من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أو أم نبي، كَفَر وقُتِل ولو تاب، أو كان كافرًا فأسلم. ولا يكفر من قذف آباء شخص إلى آدم نصًّا، ويقام عليه حد واحد. ¬

_ (¬1) هكذا في الأصل. وفي ض: "لستَ بولدي". والمعنى واحد، وكلاهما صواب.

باب حد المسكر

[2/ 365] باب حد المسكر (1) قوله "وكل مسكر خمر": هكذا عبارة المنتهى، وهي قطعة من الحديث (¬1)، فظاهره أن الحشيشة تسمى خمرًا، لأنها تسكر. وعبارة الإقناع: كل شراب أسكر كثيره فقليله حرام من أي شيء كان، ويسمى خمرًا. فظاهره أن الحشيشة لا تسمى خمرًا لأنها غير شراب. (2) قوله: "ولو لعطش": بخلاف دفع لقمة غُصَّ بها، فيجوز إذا لم يوجد غيره وخاف تلفًا. ويقدم عليه بول، وعليهما ماء نجس في دفع اللقمة التي غص بها. ولا يجوز استعمال المسكر لدواء ونحوه. (3) قوله: "أو أكل عجينًا ملتوتًا به": أما لو خبز العجين فأكله خبزًا فلا حدّ، لأن النار تأكل أجزاء الخبز (¬2). (4) قوله: "حد ثمانين إن كان حرًّا، وأربعين إن كان رقيقًا": لم يذكروا هنا حكم المبعض، ولعل ذلك اكتفاء بما تقدم في حد الزنا والقذف من أنه بالحساب مما فيه من الرق والحرية، كما نبه عليه ح ف. (5) قوله: إ ولو ادعى جهل وجوب الحد": أي لا عذر له في ذلك، أما لو ادعى جهل تحريمه، وكان مثله يجهل، فلا حد ولا تعزير. (6) قوله: "مسلمًا": أي لا كافرًا. (7) قوله: "ومن تشبه إلخ": وقال م ص: وهذا منشأ ما وقع في قهوة البن، ¬

_ (¬1) حديث: "كل مسكرٍ خمر ... " أخرجه أحمد ومسلم وأصحاب السنن من حديث ابن عمر مرفوعًا؛ وأبو داود والترمذي من حديث عائشة مرفوعًا. وفي لفظِ لها في الصحيحين: "كل شراب أسكر فهو حرام". (¬2) كذا في النسختين. والصواب: "تأكل أجزاء الخمر" أي لأن الكحول سريع التبخر فلا يبقى منه في الخبز مع النار شيء. لكن ليس للمسلم أن يصنع ذلك. بخلاف خبز صنَعَهُ كافرٌ بها، فيجوز كله، كبعض أنواع البسكويت.

باب التعزير

حيث استند إليه من أفتى بتحريمها. قال ولا يخفاك أن المحرم التشبه، لا ذاتها، [2/ 366] حيث لا دليل يخصه، لعدم إسكارها كما هو محسوس. اهـ (¬1). (8) قوله: "إن ذهب ثلثاه": وقال الموفق والشارح وغيرهما: الاعتبار في حله عدم الإسكار، سواء ذهب بطبيخه ثلثاه أو أقل أو أكثر. اهـ. والنبيذ مباح ما لم يغلِ، أو يأتيَ عليه ثلاثة أيام. وهو ماء يلقى فيه تمر أو زبيب أو نحوهما ليحلو الماء. ويكره الخليطان، وهو أن ينتبذ شيئين، كتمر وزبيب، ما لم يغل، أو تأتي عليه ثلاثة أيام، فيحرم. باب التعزير (1) قوله: "بمعنى النُّصرة": أي كقوله تعالى {وتعزروه} [لفتح: 9] أي تنصروه. (2) قوله: "نقل الميموني إلخ": وقال الشيخ تقي الدين: لا نزاع بين العلماء في أن غير المكلف، كالصبي المميز، يعاقب على الفاحشة تعزيرًا بليغًا. اهـ. قال في الإقناع: وإن ظلم صبيٌّ صبيًا، أو مجنون مجنونًا، أو بهيمة بهيمة، اقتُصَّ للمظلوم من الظالم، وإن لم يكن في ذلك زجر، لكن لاشتفاء المظلوم وأخذ حقه. ويقدم تأديب الصبي على الطهارة والصلاة، وذلك ليتعود، كتأديبه على خط وقراءة وصناعة وشبهها. اهـ. فإن شتم نفسه أو سبها فلا يعزر. (3) قوله: "إلا إذا شتم الوالد ولده إلخ": ظاهر المنتهى عدم استثنائه، فليحرر. (4) قوله: "ولا يزاد في جلد التعزير على عشرة [75ب] أسواط": ظاهره أنه ينقص عن ذلك إذا رآه الإمام. وهو كذلك، لأن الشارع قدّر أكثره ولم يقدر أقله، فيرجع فيه إلى اجتهاد الحاكم بحسب حال الشخص. ويشهره لمصلحة. وله أن ¬

_ (¬1) الذي غرّ بعض العلماء أن البُنّ سمي أول ما ورد "قهوة"، وهو لغةً اسم من أسماء الخمر، فأفتوا بتحريمها. لكن لما عُلِمتْ حقيقتها، وأنه لا إسكار فيها ألبتة، أجمعوا على أنها مباحة.

[2/ 368] يعزِّرَ بحبس وصفع وتوبيخ وعزل عن ولاية ونحو ذلك، كإقامته من المجلس، وصلبه حيًّا (¬1)، حسب ما يراه الحاكم. ولا يُمْنَعُ [المصلوب] من أكلٍ ووضوء، ويصلي بالإيماء ولا يعيد. وفي الفنون: للسلطان سلوك السياسة، وهو الحزم عندنا، ولا تقف السياسة على ما نطق به الشرع (¬2).اهـ. م ص. (5) قوله:"إلا إذا وطئ أمة له فيها شرك إلخ ": ظاهره أنه إذا وطئ أمته المزوجة، أو جارية ولده، أو جارية أحد أبويه، أو جاريته المحرمة برضاع ونحوه، حيث قلنا لا حد فيهن: لا يزاد على التعزير فيهن على العشرة أسواط. وعنه: يعزر الحر بمائة، والعبد بخمسين، إلا سوطًا. واختاره جماعة، كما في الإقناع. قال: وكذا لو وجد مع امرأته رجلاً. (6) قوله: "فيعنرر بعشرين إلخ": أي وللإمام نقصه، أي "التعزير، فيما سبق، بحسب اجتهاده على جسب حال الشخص. ومن وطئ أمةَ امرأتِهِ حُدّ، ما لم تكن أحَلَّتْها له، فإن أحلَّتها له جلد مائة إن علم التحريم وإن ولدت منه لم يلحقه نسبه لانتفاء الملك والشبهة. ولا. يسقط حدٌّ بإباحةٍ في غير هذا الموضع. فإن رأى الإمام العفو عن التعزير جاز. (7) قوله: "وأخذ مال": وقال الشيخ: التعزير بالمال سائغ إتلافًا وأخذًا. وقول أبى محمد المقدسى (¬3): لايجوز أخذ ماله، إشارة منه إلى ما يفعله الولاة الظلمة. اهـ. إقناع. ¬

_ (¬1) المراد بالصلب شرعًا: ربط المعزَّرِ بالحبال على خشبة قائمة ثُبِّتت بها خشبة معترضة، ليحصل التشهير. ولا يجوز أن يدق المصلوب بمسامير إلى الخشبة، كما كان الروم يفعلونه، لأن ذلك من المثلة، وهي محرّمة. وهذا معنى قول المحشّي: "صلبه حيًّا" وانظر مصطلح "تصليب" في الموسوعة الفقهية. وهو من إعداد المحقق. (¬2) لكن بما يوافق روح الشرع، ولا يجاوز ما حده، فلا يجوز القتل سياسةً، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحل دم. امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفنس، والتارك لدينه اِلمفارق للجماعة" (¬3) - أبو محمد المقدسي: يعني به الموفق صاحب المغني رحمه الله.

فصل

فائدة: ومن استمنى بيده خوفًا مي الزنا، وخوفًا على بدنه، فلا شيء عليه إذا [2/ 368] لم يقدر على نكاح، ولو أمة، ولا يجد ثمن أمة، وإلا حرم وعزر. وحكم المرأة في ذلك حكم الرجل، فتستعمل شيئًا مثل الذكر. ولو اضطر إلى جماع وليس عنده من يباح وطؤها حرم الوطء. فصل (8) قوله: "يا كافر": إذا لم يعتقد كفره، كما في "نهاية المبتدئين" (¬1). (9) قوله: "أو لعنه": أي الذمي. ومثله الحربي إذا كان معينًا. (10) قوله:"موجب": ما المراد بالموجب؟ تأمل (¬2). تتمة: من عرف بأذى الناس وأخذ مالِهِم، حتى بعينه، حبس حتى يموت أو يتوب. ونفقته مدة حبسه من بيت المال مع عجزه، ليدفع ضرره. ومن مات من التعزير لم يضمن. مسألة: ولا يجوز للجَذمى مخالطة الأصحاء عمومًا، ولا مخالطة واحد معين صحيح إلا بإذنه. وعلى ولاة الأمور منعهم من مخالطة الأصحاء، وإذا امتنع ولاة الأمور أو المجذوم من ذلك، أثم. والقوَّادة التي تفسد النساء والرجال أقل ما يجب في حقها الضرب البليغ شهرة. باب القطع في السرقة (1) قوله: "أحدها السرقة": لا يخفى ما فيه من الركاكة، وإن كان سبقه إلى ¬

_ (¬1) "نهاية المبتدئين" في أصول الدين، لابن حمدان الحنبلي، وهو أحمد بن حمدان بن شبييب (- 695) صاحب الرعاية. تقدمت ترجمته، وقد اختصر النهاية الشيخ محمد بن بدر الدين بن بلبان الحنبلي (1006 - 1083هـ) (¬2) أقول: لو لعنه الذمّيّ، فهذا موجب. أو آذى الله أو رسولَه، أو طعن في الدين، ولم يقدر على إقامة الحدّ عليه، فلعَنَه لذلك، فلا بأس. وقد قال الله تعالى {إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة}.

[2/ 370] ذلك صاحب المنتهى. وأما صاحب الإقناع فإنه بعد ذكر حد السرقة قال "ويشترط في قطع سارق أن يكون مكلَّفًا مختارًا إلخ"، وهذا هو الصواب، لأن الكلام في القطع في السرقة، فلا معنى لجعل السرقة من شروطه. (2) الفرق بين المنتهب والمختطف أن الأول يأخذ الشيء جهرة مع سكون منه وطمأنينة، والثاني يأخذ الشيء جهرةً ولكن مع سرعة وخوف، وأما السرقة فعلى وجه الاختفاء كما تقدم في كلام المصنف. (3) قوله: "عالمًا بمسروق": أي فلا قطع على من تعلَّق بثوبه ما يساوي نصابًا وهو لا يعلمه. ويتجه: وكذا لو أمسك ما يساوي نصابًا من مالكه، ثم غفل عنه فذهب به وهو لا يعلم أنه معه. وهذا يقع كثيرًا في نحو مسبحة. وقوله: "لم يعلمه": أي وأما إن علم ما في المنديل فإنه يقطع. (4) قوله: "السرجين النجس": أي وأما الطاهر فيقطع به، وكذا كل ما أصله الإباحة، كملحٍ وترابٍ وأحجار ولبن وشوك وكلأ وثلج وغيره. والإداوة إناء من جلد. (5) قوله: "ولا بما عليه من حلي": أي حيث سرق ذلك مع المصحف، لا إذا سرق دون المصحف، وكانت قيمته تبلغ نصابًا، كما يؤخذ من تعليلهم. (6) قوله: "تبعًا للصناعة": أي المحرَّمة المجمع على تحريمها، [76أ]، ولأنه غير محرم بل واجب الإتلاف، بخلاف آنية نقد، أو دراهم عليها تماثيل، فإن ذلك لا يخرجها عن كونها مالاً محترمًا. اهـ. م ص. (7) قوله: "دينار": أي مثقال. (8) قوله: "لا إن أتلفه إلخ": فعلى هذا يُعَايَا بها. فيقال: رجل هتك الحرز وأخذ نصابًا ولا قطع عليه بذلك. اهـ. م ص. (9) قوله: "ولما ثبت اعتبار الحرز إلخ": أي وإنما كان حرز كل مالٍ ما حفظ فيه عادة لأنه لم يرد تقديره في الشرع، وإنما ورد مجملاً، فاعتبر فيه العرف، كالقبض والتفرق في البيع ونحوه. (10) قوله: "يتقرر به": لعله "يتقيد به".

(11) قوله: "وراء الشرائج": جمع شريجة، وهي شيء يعمل من قصب [2/ 373] يضم بعضه إلى بعض بنحو حبل. "والحظائر": جمع حظيرة، وهي ما يعمل للغنم والإبل من الشجر تأوي إليه، فيعبر بعضه في بعض ويربط بحيث يعسر أخذ شيء منه. قلت: والعادة في بلادنا وضع الحطب على حائط الدار، أو على ظهر البيت. ومنهم من عادته أن يضع ذلك خارج البنيان بدون حظيرة، فهل ذلك يسمى حرزًا حيث كانت عادتهم كذلك؟ ينبغي أن يحرر. (12) قوله: "وبالسلاطين": أي فإن كان السلطان عدْلاً يقيم الحدود فإنه يقل السراق خوفًا من القطع، فلا يحتاج لزيادة حرز، وإن كان جائرًا يشارك من التجأ إليه، وَيَذُبُّ عنهم، قويت صولتهم، فيحتاج لزيادة الحرز. (13) قوله: "فلا قطع عليهما": أي وأما لو هتكا حرزًا، وأخرج أحدهما المال، قطع المخرج دون الثاني. (14) قوله: "ولو تواطآ": أي اتفقا على أن يهتك الحرز أحدهما، ويخرج المال الثاني خوفًا من القطع. ومن فعل هذا فإنه عندي يسمّى اللص الظريف. (15) قوله: "من مال فروعه وأصوله": أي بخلاف باقي الأقارب، كالإخوة والأعمام، فإن بعضهم يقطع بسرقة مال بعض، لأن قرابتهم لا لمنع قبول الشهادة من أحدهم على الآخر، فلا تمنع القطع (¬1). (16) قولى: "ولو أحرز عنه": وفي رواية يقطع في المحرز عنه. وهو مذهب مالك وأبي ثور وابن المنذر. اهـ. ح ف. (17) قوله: "من مالٍ له فيه شِرْكٌ": فلا قطع بسرقة مسلم من بيت المال، إلا القن. قال المنقح: والصحيح: لا قطع، لأنه لا يقطع بسرقةٍ من مال لا يقطع به سيده. اهـ. منتهى. قلت: ويتجه: لا قطع على كافرٍ أحد عمودي نسبه مسلم ¬

_ (¬1) ينبغي أن يقال: هذا ما لم يكونوا في مسكن واحدٍ، كما يقع كثيرًا، فلا قطع، لأن التحرز من بعضهم عن بعضٍ يقلّ، وقياسًا على الزوج والزوجة. والله أعلم.

[2/ 374] بسرقته بيت المال، لأنه لا يقطع بسرقة مالٍ أحد عمودي نسبه، فكذا ما لَهُ فيه شرك، ومنه بيت المال. فلو ادعى سارقٌ أن ما سرقه ملكه، أو يملك بعضه، وأنه كان عند من أخذه منه وديعة ونحوها، ولم تقطع يده لاحتمال صدقه، ثم لم يقم بينة بدعواه، حلف المسروق منه وأخذ الشيء المسروق، وإن نكل قضي عليه. وسماه الإمام الشافعي اللص الظريف. (18) قوله: "ويصفانها": أي السرقة، بأن يقولا: أخذها منه على وجه الاختفاء من حرز مثلها، ويذكرا جنس النّصاب وقدره، وكذا في إقراره، يصفها بذلك في كل مرة، لاحتمال ظنه وجوب القطع مع فقد بعض شروطه. (19) قوله: "قطعت يده اليمنى": وصفة القطع أن يجلس السارق، ويُضْبَط لئلا يتحرك، وتشدُّ يده بحبل، وتجرّ حتى يبين مفصل الكف من مفصل الذراع، ثم توضع بينهما سكين حادة ويدق فوقها بقوة لتقطع في مرة واحدة. ولا يقطع في شدة حرّ ولا برد، ولا مريض في مرض، ولا حامل حال حملها، ولا بعد الوضع حتى ينقضي نفاسها. ولا يتعين الدق فوق السكين، بل إذا وضع السكين على المفصل وجرّها جَلْدٌ بقوة ليقطعها في مرة جاز. وقوله:"اليمنى": فلو قطع قاطعٌ يسراه بلا إذنه عمدًا فعليه القَوَدُ، وإلا فالدية. ولا تقطع يمين السارق. وفي التنقيح: بلى. قال: وإن قطع القاطع يسراه عمدًا أو خطأ قطعت يمناه. اهـ. قال م ص: واختار الموفق: تجزئ ولا ضمان. اهـ. وفي الإقناع: تجزئ ولا تقطع يمين السارق. والقاطع إن كان يعلم أنها اليسرى وأنها لا تجزئ فعليه القصاص، وإن كان لا يعلم ذلك فالدية. وإن أخرجها السارق اختيارًا عالمًا بالأمرين فلا شيء على القاطع، ولا تقطع يمين السارق. اهـ. فلو سرق ويده اليمنى [76ب] ذاهبة قطعت رجله اليسرى، وإن كانت يداه ذاهبتين فلا قطع. وإن كان الذاهب رجليه قطعت يمنى

باب حد قطاع الطريق

يديه (¬1). وإن كان الذاهب يسرى يديه فلا قطع. وإن كان الذاهب يمنى يديه ويسرى [2/ 375] رجليه فلا قطع. (20) قوله: "قطعت رجله اليسرى": أي بعد أن يندمل القطع الأول، وكذا لو قطعت رجله قصاصًا لم تقطع اليد في السرقة حتى تبرأ الرجل. (21) قوله: "أي ضمان ما سرقه": أي أو أرش نقصٍ إن نقص، كما لو سرق ثوبًا فقطعه فنقصت قيمته. (22) قوله: أوعليه أجرة القاطع وثمن الزيت": قال م ص: وقيل هما في بيت المال، لأنهما من المصالح العامة. اهـ. أقولي: لم يذكروا فيمن يقيم الحدَّ غير القصاص إن احتيج إلى أجرةٍ على من تكون أجرته؟ والظاهر أنها على من عليه الحدّ أيضًا. باب حد قطاع الطريق (1) قوله: "قطاع الطريق": سموا بذلك لأنهم يمنعون الناس من المرور فيه. ويسمَّوْن محاربين، وبه عبر بعضهم كصاحب الإقناع. (2) قوله: "أو ذميّين": أي وينقض عهدهم بذلك، فتحل دماؤهم وأموالهم. (3) قوله: "يحاربون الله ورسوله": أي أولياءَهما وهم المسلمون. (4) قوله: "والكفار تقبل توبتهم إلخ": أي وأما الحد فلا يسقط بالتوبة بعد وجوبه. اهـ. م ص. (5) قوله: "ببينة": أي بشهادة رجلين عدلين. فلو شهدت البينة بالمحاربة فقط، أو أقرَّ بها فقط من غير تبيين قتلٍ أو أخذ مالٍ أو إخافةٍ للناس، وجب أقل الأحكام الأربعة، وهو النفي. اهـ. ح ف. وأيضًا (ح) (¬2). ¬

_ (¬1) في ض هنا تكرار فحذفناه. (¬2) قوله: (ح): الظاهر أن مراده بهذا الرمز حاشية ابن عوض المرداوي على دليل الطالب.

[2/ 379] (6) قوله: "ولهم أربعة أحكامٍ إلخ": هذا يدل على أن "أو" في الآية المتقدمة للتنويع، لكن "أو" في قوله تعالى "أو يصلبوا" بمعنى الواو، لأن الصلب ليس حدًّا وحده، بل تبعًا. اهـ. ح ف. أقول: فعلى هذا تكون الأحكام التي في الآية ثلاثةً لا أربعة. فالأولى عندي جعل "أو" في "أو يصلَّبوا" على حقيقتها أيضًا، ويقدّر بعدها عاطف، أي"أو ويصلبوا" والله سبحانه وتعالى أعلم. (7) قوله: "تحتَّم قتلهم جميعًا": أي ولو كان القاتل أحدهم، ولو لم يكن المقتول مكافئًا، ولو عفا عنه ولي المقتول، لأنه لحق الله تعالى، لكن لا يصلَّب إلا للمكافىء. (8) قوله: "وصلبهم حتى يشتهروا": أي ليس مؤقتًا بمدة معينة. وقال أبو حنيفة والشاقعه: يصلب ثلاثًا. وعلى كل حال فيغسَلون ويكفَّنون ويصلى عليهم ويدفنون. (9) قوله: "وتنفى الجماعة متفرقة": أي لئلا يجتمعوا على المحاربة ثانيًا. (10) قوله: "قبل ثبوته عند الحاكم" ظاهره أنه لو تاب بعد ثبوته لم يسقط بالتوبة. (11) قوله: "أو أريد ماله" حَوَّلَ (¬1) عبارة المصنف لما فيها من نوع تسمُّح. (12) قوله: "من أريدت نفسه": اسم الموصول فاعل يكافىء، والمفعول محذوف، أي لم يكافىء المريدَ لذلك. (13) قوله: "بالأسهل فالأسهل": أي فإن اندفع بالقول لم يجز ضربه. وإن لم يندفع بالقول فله ضربه. فإن ظن أنه يندفع بضرب عصًا لم يجز له ضربه بحديد. وإدة ولَّى هاربًا لم يجز له قتله، ولا اتباعه. وإن ضربه فعطَّله لم يكن له أن يثنِّي عليه، فإن ضربه وهو هارب ضمن ما أتلفه منه، لا وهو مقبل عليه. ومحل ذلك إن لم يخف ابتداءًا أن يبتدره بالقتل، فإن خاف ذلك فله أن يقتله ¬

_ (¬1) ض: "حاول".

ابتداءً، ولا يلزمه دفعه بالأسهل. [2/ 380] قال في الإقناع: وإن قتل رجلًا وادّعى أنه هاجم منزله (¬1) فلم يمكنه دفعه إلا بالقتل لم يقبل قوله بغير بينة. وعليه القود، سواء كان المقتول يعرف بسرقةٍ أو عَيَارة أو لا. فإن شهدت بيتة أنهم رأوا هذا مقبلاً إلى هذا بسلاحٍ مشهورٍ فضربه هذا، فدمه هدر. وإن ذكروا أنهم رأوه داخلاً داره ولم يذكروا سلاحًا، أو ذكروا سلاحًا غير مشهور، لم يسقط القود بذلك. اهـ. وتقدم في القصاص ما يدل عليه. فائدة: ويسقط الدفع بإياسه، لا بظنّه أنه لا يفيد. (14) قوله: "لكن لا بد من ثبوت صِيَالِها إلخ": أي بشاهدين كما في الإقناع. (15) قوله: "وجب عليه قتله": فإن قتله فلا ضمان إن كان له بينة بذلك، أو صدَّقه الوليّ، وإلا [77أ] فعليه الضمان في لظاهر. (16) قوله: "في غير الفتنة" أي فإن كان ثم فتنة لم يجب الدفع عن نفسه ولا عن نفس غيره، لقصة عثمان. اهـ. م ص. (17) قوله: "مع ظن سلامة الدافع والمدفوع عن حرمته أو ماله": هذه عبارة صاحب المنتهى في شرحه عليه. وأما عبارة م ص بعد قوله في المنتهى: "مع ظن سلامتهما"، فنصها: "أي الدافع والمدفوع. اهـ." وعبارة الإقناع: "وظن الدافع سلامة نفسه" اهـ. وعبارة بعضهم: "مع ظن السلامة". وعبارة م ص أوجه، فليحرر. قوله: "عن الضياع والهلاك": الضياع ذهاب الشيء عن رأي العين مع وجوده، والهلاك ذهاب عين الشيء، كاستهلاك المائع يشربٍ أو إراقة. أو المراد بالضياع تلف غير الحيوان، وبالهلاك تلفه. أو الهلاك عطف بيان (¬2). ¬

_ (¬1) ض: "هجم منزله". (¬2) قوله: "أو الهلاك عطف بيان" فيه نظر، فإن عطف البيان لا يكون بالواو، لأنه لا يكون في مثل هذا إلا صالحًا للبدلية. بل هو هنا عطف نَسَقٍ لا غير، وإن كان مطابقًا في المعنى =

باب قتال البغاة

[2/ 383] باب قتال البغاة (1) قول الله تعالى {اقتتلوا} [الحجرات: 9] جمع باعتبار المعنى، وثنَّى في قوله {فاصلحوا بينهما} باعتبار اللفظ. نزلت في قضية هي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ركب حمارًا، ومر على ابن أُبَيٍّ، فبال الحمار، فسدَّ ابن أُبَيٍّ أنفه. فقال ابن رواحة: والله لبول حماره أطيب ريحًا من مسكِكَ. فكان بين قوميهما ضرب بالأيدي والنعال والسعف. اهـ. جلال (¬1). وإن اقتتلت طائفتان من المؤمنين، لعصبيةٍ، أو رياسةٍ، فهما ظالمتان، تضمن كل منهما ما أتلفته على الأخرى. والضمان على مجموع الطائفة. وضمنتا ما جُهِل متلفه بالسوية، كما لو قُتِلَ داخلٌ بينهما لصلح وجهل قاتله. وإن عُلِم كونه من طائفة وجهل عينه ضمنته وحيدها. اهـ. ملخصًا من المنتهى وشرحه م ص. فائدة: لم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى حكم الخوارج، وهم الذين يكفّرون بالذنب، ويكفّرون أهل الحق وعثمان وعليًّا وطلحة والزبير وكثيرًا من الصحابة، ويستحلون دماء المسلمين وأموالهم إلا من خرج معهم، فهم فَسَقة يجوز قتلهم ابتداءً والإجازة. على جريحهم. وذهب أحمد في إحدى الروايتين عنه وطائفة من أهل الحديث إلى أنهم كفار مرتدون. قال في الترغيب والرعاية: وهي أشهر. وذكر ابن حامد أنه لا خلاف فيه. قال في المنتهى: وعنه كفار. قال المنقح: وهو أظهر اهـ. قال في الإنصاف: وهو الصواب الذي ندين الله به (¬2). اهـ. ¬

_ = للمعطوف عليه، فيكون بمعنى التوكيد، كقوله الشاعر: وألفى قولَها كَذِبًا ومَيْنًا (¬1) يعني تفسير الجلالين. والحديث أخرجه البخاري في الصلح ومسلم في المغازي، وأحمد، من حديث أنس. والمحشّي هنا أورده بالمعنى. (¬2) لا يمكن إطلاق الكفر في حق الخوارج، لأنهم فرق، منهم الغلاة الذين يكفِّرون الصحابة ويستحلون دماء الأطفال والنساء والرجال من مخالفيهم من أهل القبلة، فلو قيل بكفر هذا =

[فائدة أخرى]: يثبت نصب الإمام بإجماع المسلمين عليه، كإمامة أبي بكر، [2/ 384] من بيعة أهل الحل والعقد من العلماء ووجوه الناس، أو بجعل الأمر شورى في عدد محصور ليتفق أهلها على أحدهم فاتفقوا عليه، أو بنصِّ من قبله عليه، أو باجتهادٍ، أو بقهره الناس بسيفه ختى أذعنوا له ودعوه إمامًا. اهـ. إقناع. (2) قوله: "كونه قرشيًا": لكن لو تولى غير قرشي قهرًا بسيفه وجبت طاعته. وقال الموفق في عقيدةٍ له: "ونسمع ونطيع لمن ولاّه الله أمرنا وإن عبدًا حبشيًّا" (¬1) اهـ. ح ف. (3) قوله: "عاقلاً": فلو طرأ له المجنون المطبق انعزل. وكذا إن كان أكثر زمانه المجنون، وإلا فلا. (4) قوله: "سميعًا بصيرًا ناطقًا": فإذا عمي انعزل، وإن فقد السمع والنطق فكذلك. وقيل لا يخرج بهما من الإمامة، لقيام الإشارة مقامهما. (5) قوله: "وذهاب اليدين والرجلين إلخ": فهل ذهاب أحدهما يمنع؟ فليحرر. (6) قوله: "ولا ينعزل بفسقه": وكذا لا ينعزل بموت من بايعه، لأنه ليس وكيلاً عنه، بل عن المسلمين. ويحرم قتاله. (7) قوله: "بعث إليهم عبد الله بن عباس": أي فرجع منهم أربعة آلاف. (8) قوله: "وإزالة شبههم إلخ": فإن نقموا مما يحل فعله لالتباس الأمر فيه عليهم، فاعتقدوا مخالفته للحق، بيَّنَ لهم دليله، وأظهر لهم وجهه، وإن كان مما لا يحل فعله أزاله لهم. ولا يجوز قتالهم قبل ذلك إلا أن يخاف كَلَبَهم. (9) قوله:"إن كان قادرًا": أي وإلاّ آخره [77ب] لوقت الإمكان. فإن استنظروه مدةً رجي رجوعهم فيها أنظرهم. وإن ظن أنها مكيدة لم ينظرهم. (10) قوله:"ويحرم قتل مُدْبرهم": ظاهره ولو كان المدبر متحرفًا لقتال أو ¬

_ = النوع منهم لكان له وجه، أما غيرهم ممن يؤمن بالله ورسوله وكتابه ولكن يخالفنا في الإمامة، ولا يستحلون الدماء ولا المحرمات فباي شيء يحكم بكفرهم؟! فلينظر وليحرر. (¬1) نص على ذلك الإمام أحمد. انظر كلامه في شرح الإقناع 6/ 159.

باب حكم المرتد

[2/ 387] متحيزًا إلى فئة، وربما كان ما في الإقناع من قوله "أو بالهزيمة إلى فئة" يؤيده. وقال في المستوعب: المدبر من انكسرت شوكته، لا المتحرّف إلى موضع. اهـ. (11) قوله: "حال الحرب" أي وأمّا ما أتلفوه في غير الحرب فإنه مضمون عليهم. (12) قوله: "حكم حاكمهم إلخ": وأما الخوارج: فإن قلنا إنهم كفار لا ينفذ حكم حاكمهم، وإن قلنا إنهم فسقة ففيه خلاف. باب حكم المرتد (1) قوله: "وهو من كفر بعد إسلامه": أي بعد أن كان مسلمًا، سواء كان كافرًا فأسلم، أو كان مسلمًا بأصل الفطرة. ولهذا عبّر عنه في المبدع وغيره بأنه "الراجع عن دين الإسلام إلى الكفر". اهـ. ح ف. قلت: لكن الرجوع يقتضي سبق كفر، فالأولى أن يقال: وهو من كفر بعد أن كان مسلمًا. (2) قوله: "كسبِّ الله تعالى": أي بأن يقول في حقه تعالى قولًا لو كان لمخلوق لكان سبًّا. (3) قوله: "أو رسوله": يؤخذ من هنا ومن قوله في آخر الباب: "وكذا من قذف نبيًّا" أن من سبَّ نبيًّا غير رسول بغير القذف، لا يكفر، ولعله غير مرادٍ لهم. فليحرّر. (4) قوله: "أو كتابًا من كتبه: قلت: أو بعض كتابٍ، كآية من القرآن، بل كلمة مجمع عليها، أو حرف. (5) وقوله:"أو صفة من صفاته اللازمة": أي الذاتية، أما الصفات الفعلية كالخلق والرزق، والصفات المعنوية، ككونه حيًّا عالمًا قديرًا ونحوه، فالظاهر أنه لا يكفر جاحدها، لقول المعتزلة بنفيها وهم غير كفار، هذا ما ظهر لي. والله سبحانه وتعالى أعلم. (6) وقوله: "الذين ثبت أنهم رسله": أي بالإجماع، أو بالتواتر، لا بالآحاد

كخالد بن سنان، كما في شرح المنتهى الصغير. [2/ 389] (7) قوله: "من العبادات الخمس": وهي الصلاة والزكاة وصوم رمضان والحج وشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. (8) قوله: "إجماعًا قطعيًّا": أي لا سكوتيًّا، لأن فيه شبهة. قال حفيد صاحب المنتهى: احترز به عن المجمع عليه الخفيّ، كاستحقاق بنت الابن السدس مع البنت، وتحريم نكاح المرأة على عمتها أو خالتها، أو فساد الحج بالوطء قبل الوقوف بعرفة، فيذا لا يكفر جاحده اهـ. قلت: وكذا تحريم شحم الخنزير، ووجوب غسل الرجلين في الوضوء، أي دون مسحهما. (9) قوله: "ومثله لا يجهله": أي: أو كان يجهله مثله وعُرِّف حكمه، وأصَرّ على الجحد أو الشك، فإنه يكفر. (10) قوله: "فمن ارتد وهو مكلف": أي بالغ عاقل. أما العقل فظاهر، وأما البلوغ فهو شرط للاستتابة والقتل، لا لردّة، لصحتها من المميز، كما يأتي. فائدة: لو خلق شخصٌ برأسين، أحدهما نطق بالإسلام والثاني نطق بالكفر، فإن تأخر الكفر عن الإسلام فمرتد، وإن نطقا معًا فأيهما يغلب؟ احتمالان. قاله في الفنون بمعناه. (11) قوله: "مختارًا"، وكذا مكره إن بقي على كفره بعد زوال الإكراه. (12) قوله: "قتل": أي إلا رسولُ كفّارٍ فلا يقتل، ولو مرتدًا، بدليل رسولي مسيلمة، وهما ابن النَّوَّاحة، وابن أُثال، جاءا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يقتلهما. (13) قوله: "أو عبدًا": ظاهره أن المرتد إذا كان عبدًا لا يجوز لسيده أن يقتله. وهو كذلك. ولا يعارضه حديث: "أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم" (¬1) لأن قتل المرتد لكفره لا حدًّا. ¬

_ (¬1) حديث "أقيموا الحدود ... " أخرجه أحمد (1/ 135) والبيهقي (8/ 245) من حديث عليٍّ مرفوعًا. قال في الإرواء (7/ 359): ضعيف.

فصل في توبة المرتد

[2/ 391] (14) قوله:، ولا ضمان لو قَبْل استتابته": ظاهره أنه لا كفارة على القاتل أيضًا، وهو ظاهر ما تقدم في كفارة القتل. وظاهر ما في الحاشية هناك أن ذلك مقيّد بما بعد الاستتابة، وقد نبهنا عليه ثَمَّ. (15) قوله: "لا يخرج به عن الإسلام": أي وإنما هو كفر دون كفر. وقيل كفر نعمة، قاله طوائف من الفقهاء والمحدّثين. وروي عن أحمد. وقيل: قارَبَ الكفر. وقال بعضهم: كفرٌ حقيقةً. وهو محمول على من اعتقد تصديق العرّاف بعد معرفته تكذيب النبي - صلى الله عليه وسلم - له، أو محمول على من اعتقد حله. وروي عن الإمام أحمد أنه كان يتوقى [78ب] الكلام في تفسير هذه النصوص تورُّعًا، ويمِرُّها كما جاءت من غير تفسير، مع اعتقادهم أن المعاصي لا تخرج عن الملّة. اهـ. (16) قوله: "وهو ابن ثمان سنين": وروي عنه أنه قال: سبقتكمو إلى الإسلام طرًّا ... صبيًّا ما بلغت أوانَ حلمي فائدة: ومن شُفع عنده في رجل، فقال: لو جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - ليشفع فيه ما قبلت منه: إن تاب بعد القدرة عليه قُتِل، لا قبلها في أظهر قولي العلماء. قاله الشيخ. اهـ إقناع. والذي يظهر بي أنه إن أراد حقيقة المخالفة فالقول بقتله متجه، وإلا فلا، لأنه قد يريد بذلك تعظيم النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل هو المتبادر، لكن لا ينبغي هذا اللفظ، لما فيه من إساءة الأدب. (17) قوله: "بعد بلوغه": أي لأنه أول زمن صار فيه من أهل العقوبة، لأنه قبل ذلك مرفوع عنه القلم. وأما السَّكران فلأن الحد شرع للزجر، وهو لا يحصل في حال السكر. اهـ. م ص. وفيه نظر، لأن القتل هنا ليس حدًا وإنما هو لكفره. فصل في توبة المرتد (1) قوله: "وهو قول: أشهد أن لا إله إلا الله إلخ": أي أو قول"لا إله إلا الله محمد رسول الله" بدون "أشهد". (2) قوله: "إلا بحق الإسلام": أي من قتل نفسٍ أو حدٍّ أو غرامة متلف. فإن فعلوا شيئًا من ذلك فلا عصمة لهم.

(3) قوله: "متفق عليه": أي رواه الشيخان، وليس هو في مسند الإمام أحمد [2/ 392] على سعته كما قاله الحافظ ابن حجر (¬1). (4) قوله: "وهذا يدل على أن العصمة تثبت بمجرد الإتيان بالشهادتين": فيه نظر، لأن الحديث لا يدل على ذلك، بل يدل على أن العصمة لا تحصل بهما، وأنه لا بد من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة. وأما حديث أبي هريرة الذي أخرجه البخاري في الجهاد، ففيه الاقتصار على "لاإله إلا الله" ويراد منها ضَمِيمَتُها وهي "محمد رسول الله" فيكون دالاًّ على ما ذكره الفقهاء من حصول الإسلام بهما من غير عمل. والحاصل أن الحديث الذي ذكره الشارح لا ينافي حصول الإسلام بالشهادتين فقط، لأن القتال قد يكون للمسلمين التاركين للجمعة والجماعة، والمانعين للزكاة. قال البيضاوي في تفسير قوله تعالى: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم} [التوبة: 8]: في ذلك دليل على أن تارك الصلاة ومانع الزكاة لا يخلى سبيله". اهـ. وما ذكرته من أنه لا يشترط في كلمة الإخلاص لفظ: "أشهد" هو الصواب إن شاء الله تعالى، وإن كان ظاهر كلامهم كي مواضع خلافه، لأن في بعض الروايات: "حتى يقولوا لا إله إلا الله" قال ح ف: وظاهر إطلاقهم: لا يشترط بينهما، أي كلمتي الإخلاص، ترتَيبٌ ولا موالاة. اهـ. وقال ع ن: ومقتضى قول المنتهي: ولا يغني قوله: محمد رسول الله عن كلمة التوحيد، ولو من مُقِرٍّ به: أنه لا بدّ من التوالي. فليحرر. (5) قوله: "يبين": أي يظهر، فلا يكفي كتبه على الهواء أو على الماء. (6) قوله: "وإن قال: أسلمت، أو: أنا مسلم إلخ: وهذا في الكافر يجحد الوحدانية ونحوها، أما من كفر من أهل البدع فلا يكفي قوله: أنا مسلم، لأنه يعتقد أن الإسلام ما هو عليه. (7) قوله: "ولا يقبل في الدنيا بحسب الظاهر توبة زنديق إلخ": أي وأما في الآخرة فمن صدق منهم في توبته قبلت باطنًا. واختارم ص أن محل ذلك إذا لم ¬

_ (¬1) بل هو في مسند الإمام أحمد في سبعة عشر موضعًا على الأقل. راجع المعجم المفهرس.

[2/ 393] يُشعْ عقيدة من كان على دينهم، ويفضحْ أحوالهم ويهتكْ أسرارهم؛ فإن فعل ذلك فإنه يقبل ظاهرًا وباطنًا، كما جرى للعيلبوني (¬1) فإنه فعل ذلك وحسن إسلامه. وما قاله نفيس جدًا يعضُّ عليه بالنواجذ. (8) قوله: "ولا من تكررت ردته": هل يحصل التكرّر بمرتين، أو لا بد من ثلاث؟ على وجهين: أحدهما: يكفي مرتان، لصدق التكرُّر عليه لغةً، والثاني: لا يكفي، لأن الآية تدل لذلك، وهي قوله تعالى {إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرًا} [النساء: 137] لأن زيادة الكفر لا تكون إلا بأن يؤمن ثمّ يكفر، ولأن التكرر تفعُّلٌ، وهو يشعر بكثرة، وأقلها ثلاث. اهـ. ابن نصر الله. أقول: والظاهر أن من تكررت ردته لا تقبل توبته ظاهرًا ولا باطنًا لظاهر الآية، وكذا من بعده في ظاهر كلامهم. (9) قوله: "لقوله تعالى {إن الذين آمنوا} ": قال بعض المفسرين: أي بموسى، {ثم كفروا} بعبادتهم العجل، {ثم آمنوا} بعد رجوعهم عنها، {ثم كفروا} بعيسى، {ثم ازدادوا} [78ب] {كفرًا} بمحمد - صلى الله عليه وسلم - أو أن المراد: من تكررت ردته {لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلاً} [النساء: 137] أي يستبعَد منهم الرجوع عن الكفر والثبوت على الإيمان، فإن قلوبهم ضربت على الكفر، وعميت بصائرهم عن الحق، ولو أخلصوا الإيمان لم يقبل منهم ولم يغفر لهم (¬2). اهـ. (10) قوله: "وكذا من قذف نبيًّا": أي ولو غير رسول. وظاهره أنه لو سبَّ نبيًّا غير مرسل بغير القذف، تقبل توبته، بل ربما يوهم كلامه كغيره عدم كفره. وفيه وقفة. (11) قوله: "أو قذف أمه": ظاهره أنه لو قذف أباه لا يكفر. (12) قوله: "ملتزمًا": أي ذميًّا، ظاهره أنه لو كان قاذف النبي حربيًّا أو ¬

_ (¬1) لم نجده بعد البحث، فينظر من هو وما قصّته؟ (¬2) التوبة إذا صدقت باطنًا فرحمة الله واسعة.

مستأمنًا فأسلم لا يقتل، لأن القتل هنا حد للقذف، وهو لا يقام على غير ملتزم، [2/ 349] كما تقدم في الحدود. (13) قوله: "ويقتل": أي من قذف نبيًّا أو أمَّه. وأما غيره ممن لا تقبل توبته، كمن سب رسولًا بغير القذف، أو سب الله، أو مَلَكًا، وكان كافرًا فأسلم، فإنه يقبل إسلامه ولا يقتل بذلك، كما تقدم بعضه في الجهاد. (14) قوله: "بما بَرَّأها الله": ظاهره أنه لو قذفها بغيره لا يكفر. ولعله غير مراد. (15) قوله: "ومن سبّ غيرها إلخ": ظاهره: بقذفٍ أو غيره، ولعل قوله: "كقذف عائشة" يدل على أن المراد بالسبّ القذف. لأن ظاهر كلامهم أن سب عائشة بغير القذف ليس كفرًا، فغيرها أولى. والحاصل أن من سبّ صحابيًّا، ويتجه: أو صحابتَّةً، فإن كان ذلك لا يقدح في عدالتهم ولا دينهم، مثل وصف بعضهم ببخل أو جبن أو قلة علم ونحوه، فلا يكفر، ويعزَّر بليغًا، وأما من لَعَنَ أو فبَّح، فهل يكفر أو يفسق؟ قولان، توقف أحمد في كفره وقتله. (16) قوله: "لصاحبه": أي فمنكر الصحبة يكون مكذبًا لله تعالى. وهو كفر. ***

كتاب الأطعمة

[2/ 396] كتاب الأطعمة (1) قوله: "وهو ما يؤكل ويشرب": أما ما يؤكل فظاهر، وأما ما يشرب فلقوله تعالى {إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني} [البقر ة: 249]. (2) قوله: "وأصلها الحل": لقوله تعالى {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعًا} [البقرة: 29] وقوله {كلوا مما في الأرض حلالاً طيبًا} [البقرة: 168] وقوله {أحل لكم الطيبات} [المائدة: هـ] وغير ذلك. فالأصل في الأشياء الحل حتى يرد التحريم. (3) قوله: "طاهر": لو زاد "غير مستقذر" ليخرج به البول والرجيع الطاهران، كما يأتي، لكان أولى. (4) قوله: "فإن اضطر إليهما": أي البول والروث الطاهرين، كالتداوي ببول الإبل، أو نجسين، كما لو اشتد به العطش فخاف الهلاك، أو غُصَّ بلقمة ولا ماء عنده طاهرًا ولا نجسًا فله دفع الأذى بالبول النجس، كما تقدم بعضه مصرَّحًا به. (5) قوله: "وما يفترس بنابه": إلا الضبع، كما يأتي، فإنه مباح ولو كان له نِاب، لما روى جابر، قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الضبع، فقال: "هو صيد، وفيه كبش إذا صاده المحرم" رواه أبو داود. وهذا خاص، فيقدم على العام. وما روي مخالفًا لهذا فغير صحيح، كما ذكره أئمتنا. (6) قال في المصباح: السَّمُّور حيوان ببلاد الروس يشبه النمس، ومنه أسود وأشقر. وحكى لي بعض الناس أن أهل تلك الناحية يصيدون منها، فيخصون الذكر منها، ويرسلونها ترعى. فإذا كان أيام الثلج خرجوا للصيد، فما كان فحلًا لم يدركوه، وما كان خصيًّا استلقى على ظهره فأدركوه وقد سمن وحسن شعره. والجمع سمامير، مثل تنّور وتنانير. اهـ. ع ن. (7) قوله: "وباز": ويقال: بازي، كقاضي، وباز كبابٍ، وبازيٌ بتشديد

الياء. اهـ. ح ف [2/ 398] (8) قوله: "طائر نحو الأوزّ إلخ": وهو يسمى في بلادنا بأبي الحيّات، معروف مشهور. (9) قوله: "خُقاش": كتفّاح، ويسمى أيضًا خُشَافًا. (10) قوله: "ومن يأكل الخفّاشَ؟ ": استفهام إنكاريّ، أي لا يأكله أحد. (11) قوله: "يقرأ بالهمزة" قال النووي: وقد غلط من الفقهاء وغيرهم من قال إن الفأرة لا تهمز. وفرَّق بين فارة المسك والحيوان. قال (¬1): الصواب إن الجميع مهموز، ويخفّف بتركه، كما في رأس ونظائره. اهـ. قلت وقد قيل لأعرابي: أتهمز الفأر؟ فقال الهرّ يهمزها. اهـ. (12) قوله: "طائر أسود إلخ": والسّنونو نوع منه. (13) قوله: "وقُنْفُذ": بضم القاف والفاء، وبفتح الفاء، ويقال بالدال والذال، وحكى بعضهم: "قنفظ" بالظاء المعجمة. قال في المُطلع: وهو غريب. اهـ. (14) قوله: "كالجراذين": أي الفئران، ومثلها بقية الفواسق. (15) قوله: "ما تولَّد بين مأكول وغيره، كبغلٍ": أي وكحمارٍ تولَّد بين حمار أهلي وحمار وحشي، وكسِمْعٍ وهو ولد الضبع من ذئب، وكعِسْبار وهو ولد [79أ] ذئبة من ضَبُعَانٍ، وهو ذكر الضبع. وعلم من كلامهم حل بغل تولًّد بين خيل وحمر وحشية. وهو كذلك. (16) قوله: "وقال ابن عقيل: يحل بموته": ظاهره أنه إن كان حيًّا لا يحل أكله ولو تبعًا، أو أنه يحل أكله بموته ولو منفردًا. وصنيع الشارح يدل على الثاني. وربما دل كلام الإمام أحمد على كراهته تبعًا. (17) قوله: "وكره أحمد إلخ": أي بان يأكل من التمر ونحوه ويجعل نواه أو تفله في الإناء الذي فيه التمر ونحوه. وتقدّم ذلك في الوليمة. ¬

_ (¬1) في ض: "بل قال:".

فصل في الحيوانات المباح أكلها

[2/ 400] فصل في الحيوانات المباح أكلها (1) قوله: "والخيل": أي خلافًا لمالكٍ. (2) قوله: "وبراذينها": البرذون هو ما أبواه نبطيَّان. فعلم من هذا أن "الهَجين" وهو ما أبوه فقط عربيّ، و"المُقْرِف" وهو ما أمه فقط عربية، مباحٌ من باب أولى. وهو كذلك. (3) قوله: "وجسمها ألطف من جسمه": أي أقل، وفيها بقع في جميع بدنها. ولطول يديها وقصر رجليها لا يثبت على ظهرها راكب. وقد رأيتها في مصر، وصورتها عجيبة. فسبحان البديع الحكيم. (4) قوله:"ووبر": الوبر دُوَيْبّه كحلاء دون السِّنَّور، لا ذَنَبَ لها. واليربوع دويْتَّة تشبه الفأر، لها جحر في الأرض ويجعل آخره رقيقًا بحيث إذا أُتي من باب الجحر دفعه برأسه وخرج. والوبر حرَّمه أبو حنيفة وأصحابه إلا أبا يوسف. (5) قوله: "وضبّ": حرمه أبو حنيفة. وعدم أكله - صلى الله عليه وسلم - منه لا يدل على تحريمه، لأن الإنسان قد يعاقب المباح. وقد كله خالد بحضوره - صلى الله عليه وسلم -. (6) قوله: "وهو دابّة تشبه الحرذون": الحرذون بالحاء المهملة والذال المعجمة، وفي بعفر النسخ "الجردون" بالجيم والدال المهملة. وهي غير صحيحة. (7) قوله: "كنعام": النعام طير كبير كفصيل الناقة، طويل العنق جدًّا، له أجنحة إلا أنه لا يطير لكبر جسمه. وقد رأيته في مصر. وقول الشارح هنا: "الواحدة دجاجة للذكر والأنثى" أي فيسمي الديك دجاجة، كما قال ابن دُرُسْتُوَيه، فيقال "صاحت الدجاجة" لصياح الديك. (8) قوله:"وزاغ": الزاغ: هو الزرزور (¬1). ¬

_ (¬1) قوله: "الزاغ هو الزرزور" فيه نظر، فقد قال صاحب لسان العرب: الزك نوع من الغربان أسود صغير. اهـ. والزرزور ليس غرابًا بل هو كما قال الدميري: نوع من العصافير.

(9) قوله: "وغراب زرع": هو الذي يسمى في بلادنا بالزاغ. [2/ 401] وقوله: "وهو أسود كبير": أحمر المنقار والرجلين. قاله م عن. (10) قوله: "وتقدم": لعله يشير بذلك إلى ما تقدم في كتاب الحج من أن الحمام بأنواعه يُفْدى في الحرم، فيكون مباحًا. ويشبهه زاغٌ وغراب زرعٍ. والله سبحانه وتعالى أعلم. (11) قوله: "كخنزير الماء وإنسانه وكلبه": أي فإنها مباحة. قال ابن نصر الله: وأما حماره فلم أجد لأصحابنا فيه نصًّا. وصرح الشافعية بتحريمه، وإن كان الحمار الوحشي يؤكل، تغليبًا للتحريم. إهـ. كلامه بمعناه. أقول: عموم كلامهم يدل على إباحته. وأيضًا فهو أولى بالإباحة من الحمار الوحشي، ومن خنزير الماء وكلبه، كما هو ظاهر. (12) قوله: "وإن كان كثر علفها الطاهر لم تحرم": هذا مقابل لقوله "الجلاّلة التي كثر علفها النجاسة" فيبقى النظر فيما إذا استوى علفها من الطاهر والنجس، هل تحرم أو لا؟ أقول: ظاهر كلام الموفق الذي ذكره الشارح بقوله "وتحديد الجلاّلة إلخ" يدل على أنها تحرم، لأنه إذا كان نصف علفها النجاسة يكون كثيرًا، بل الثلث كثير، فلا يعفى عنه، لأنه غير يسير. والله سبحانه وتعالى أعلم. (13) قوله: "وتمنع من النجاسة": أي تطعم الطاهر فقط، كما في المنتهى. فظاهره أنها إن أكلت نجاسة ولو قليلة لا تحلّ. (14) قوله: "وغُدَّة": الغدة عقدة في الجسد يلتصق بها شحم، وكل قطعة صلبة بين العصب، أي وهو الذي يسمى بالدَّرن (¬1). ¬

_ (¬1) قوله: "وهو الذي يسمى بالدّرَن" فيه نظر، فالغدة توجد في بدن الإنسان في أصل الخلقة السوية، ولها وظائف جمّة، لكونها تفرز ما فيه صلاح البدن، كالغدة الدرقية، والغدة الكظرية، والخصية. أما الدرن: فهو في عرف بلادنا فلسطين: عُقْدةٌ مَرَضيّة تحت جلد الحيوان، تكون منتبِرةً، وربما حصل فيها دود. وهي كلمة عامية. إذ لم يذكر لها هذا المعنى في لسان العرب.

فصل في أحكاء المضطر

[2/ 403] (15) قوله: "وخالفه فيهما في المنتهى": أي فقال في المنتهى: لا يكره لحم نيء ومنتن. أي وعليه نص الأمام أحمد اهـ. فصل في أحكاء المضطر (1) قوله: "قال في الإقناع إلخ": معارضة للمؤلف في قوله: جاز له الأكل، أي: وفي الإقناع: وجب. وكذا في المنتهى، لقوله تعالى {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة [البقرة: 195] وقد يقال: الجواز هنا ما قابل التحريم، فيدخل الواجب. نعم: الإطلاق في محل التقييد خطأ، كما هو القاعدة [79ب]. (2) قوله: "ومن لم يجد إلا آدميًّا": ظاهره أنه لم يجد شيئًا من المحرمات أيضًا كميتة ونحوها، وأن هذه الأشياء تقدَّم على آدميّ مباح الدم. (3) قوله: "وجب على ربه بذله له": أي مع عدم حاجة ربهّ إليه، وإلا فهو أحق به. وإنما وجب ذلك لأن الله تعالى ذمَ على منعه بقوله {ويمنعون الماعون} [الماعون: 7] وأما من اضطر إلى طعامِ غيره، فإن كان ربّه مضطرًا أيضًا أو خائفًا أن يضطر، فهو أحق به، وليس له إيثاره. وقيل: بلى. وإن كان غير مضطرٍّ لزمه بذل ما يسدُّ رمق مضطرّ فقط، بقيمته، ولو في ذمة معسر، فإن كان متقوِّمًا فقيمته يوم أخذه. فان أبى ربّ الطعام أَخَذَهُ مضطرّ بالأسهل، ثم قهرًا: ويعطيه عوضه، فإن كان منعه فله قتاله عليه. فإن قتل المضطر ضمنه ربّ الطعام، بخلاف عكسه، وإن مَنَعه فيما فوق القيمة، فاشتراه بها كراهة أن يقع بينهما قتال، لم يلزمه إلا القيمة اهـ. ملخصًا من المنتهى. أقول: وهل قولهم: "يأخذه بالأسهل": يشمل أخذه خفيةً بنيّة دفع قيمته، أو لا يجوز ذلك؟ لم أرَ نَصًّا في إباحة ذلك ولا منعه. (4) قول الشارح: "أن يأكل": الأولى إسقاطه لذكره في المتن، ولصيرورة العبارة قَلِقَةً، كما هو ظاهر. (5) فائدة: الذي يظهر لي أن من راقب صاحب شجرة مثلاً حتى ينصرف عنها إلى بلده لمصلحة، ولا حائط عليها، لا يجوز له الأكل من ثمرتها ولو من

غير أن يصعد عليها، كما يؤخذ من تعليلهم، وذلك كمن يذهب بالليل إلى الثمار، [2/ 405] ويزعم أن لا حائط عليها ولا ناطر، مع أن الناطر (¬1) يقيم النهار كلَّه عندها، وهذا متعيِّن .. (6) قوله: "المسلم": أي لا الذميّ، كما يأتي في الشرح. (7) قوله: "على المسلم لا: أي لا الذمي لمفهوم [حديث] "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزتَهُ". اهـ. م ص. فائدة: وليس للضيفان قسمة طعامٍ قُدِّم لهم، لأنه إباحة لا تمليك. ويجوز للضيف أن يشرب من كوز صاحب البيت، والاتكاء على وسادته، وقضاء حاجته في مرحاضه من غير استئذان باللفظ، كطرق بابه عليه، وطرقِ حَلْقته. فائدة أخرى: قال الشيخ: من امتنع من الطيبات بلا سببٍ شرعيٍّ فمذموم، وما نقل عن إمامنا الإمام أحمد أنه امتنع عن أكل البطيخ لعدم علمه بكيفية أكل النبي - صلى الله عليه وسلم - له كذب. اهـ. (8) قوله: "يومًا وليلة": لحديث "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته لما قالوا: وما جائزته يا رسول اْلله؟ قال: "يومه وليلته" (¬2). وظاهر الحديث أن يطعمه يومه، أي يوم قدومه، وليلته أي الليلة التي تليه، سواء قدم أول النهار أو آخره. وظاهر كلام الفقهاء: أربعًا وعشرين ساعة. ولعل ظاهر الحديث هو مرادهم. (9) قوله: "جاز له الأخذ": ظاهره ولو بعد إنصرافه من بيته، أو بعد أكله من عند غيره، وهل يجوز له أخذ متاعِ قيمته تساوي قيمةَ ما وجب له، أوْ لا يأخذ إلا طعامًا أو نقدًا؟ وهل إذا ضاف أهلَ بلدٍ ونزل في محلهم المعدّ للضيافة حيث كان، فلم يطعموه، له أن يأخذ من مال من شاء منهم إن قدر، أو الحكم ¬

_ (¬1) هكذا في الأصل، وهو الصواب. وفي ض: "ولا ناظر، لأن الناظر ... إلخ" والناطر والناطور، بالطاء المهملة، حارس الثمار على الشجر. (¬2) حديث: "فليكرم ضيفه جائزئه ... إلخ" أخرجه البخاري ومسلم وأحمد من حديث أبي شريح مرفوعًا.

باب الذكاة

[2/ 406] مخصوص بمضافِ معين؟ باب الذكاة (1) قوله: "وهي ذبحُ أونحر المحيوان المقدور عليه": أي أو عقر غيره. فالذكاة ثلاثة أقسام: أحدها: الذبح، وهو قطع الحلقوم والمريء. ويسن في بقرٍ وغنمِ وطير وصيد مقدور عليه. والثاني: النحر، وهو الطعن بحربةٍ ونحوها في الوَهْدَة التي بين أصل العنق والصدر، ويسن في إبل. والثالث: العقر، وهو في الصيد وما لا يقدر على ذبحه. فيجرحه في أي محل كان، ويحل. ويأتي ذلك بأوضح. (2) قول الشارح: "أي الذكاة، وكذا النحر": فيه أن النحر من الذكاة كما تقدم في تعريفها. (3) قوله: "والكتابي": أي إذا كان أبواه كتابيَّين، أما لو كان أحدهما غير كتابي فلا تحل ذبيحته. ومن انتقل ممن لا تحل ذبيحتهم إلى دين أهل الكتاب فإنها تحلّ ذبيحته، كما يعلم من الإقناع في باب أحكام [أهل] الذمّة، وجزم في كتاب النكاح بأنه لا تصح مناكحته. ففي كلامه نوع تناقض. أقول: وقولهم في النسب: ويتبع الولد في الذكاة وتحريم النكاح أخبث أبويه، يفهم منه (¬1) أن من تولد بين من تحل ذبيحته وبين من لم تحل من غير كتابيٍّ، أو من كتابيٍّ متولد بين كتابيٍّ وغيره، كأن تقول: زيد [80أ] تولّد بين كتابيٍّ وغيره، فهو لا تحل ذبيحته ولا مناكحته، ثم ولد لزيد ولد، فهو أيضًا لا تحلُّ ذبيحته ولا مناكحته، وإن كان هو كتابيًّا، تغليبًا لجانب التحريم، كما أن ما تولَّد بين مأكولٍ وغيره لا يؤكل، فلو قدَّرنا أنه حَصَل منه نسل أيضًا فلا يؤكل نسله ¬

_ (¬1) قوله: "يفهم منه" ساقط من ض.

تغليبًا، لجانب الحظر. [2/ 407] فعلى هذا إذا كان أحد أجداد الكتابي أو جداته غير كتابي لا تحل ذبيحته ولا مناكحته، ولعلَّه غير مرادٍ لهم، كما يدل عليه كلامهم في أحكام [أهل] الذمة، فراجعه إن شئت. وحرِّر. (4) قوله: "ولا المجوسي": أي وإنما أخذت منهم الجزية لأن لهم شبهة كتابٍ تقتضي تحريم دمائهم، فلما غلب التحريم فيها غلب عدم الكتاب في تحريم ذبائحهم ونسائهم، احتياطًا للتحريم في الموضعين. اهـ. م ص. (5) قوله في الحديث الشريف: "أما السن فعظْم": مع أنه تقدم أنه تصح التذكية بالعظم، مشكل. وقوله "أما الظفر فمُدَى الحَبَشَة" أي ففي الذبح به تشبه بهم وهو منهي عنه. وقد رأيت صاحب المنتهى في شرحه أجاب عن الإشكال المذكور بما يطول، وحاصله أن عموم "ما أنهر الدم إلخ" يشمل العظم، وحيث استثنى السِّن يبقى ما عداه، والتعليل بأنه عظم لا يدل على بقية العظام، بدليل أنه يجوز الذبح بمدى الحبشة غير الظفر، ولا يضر التعليل به بأنه مدى الحبشة. اهـ (6) قوله: "وعن كعب عن أبيه" الصواب "عن ابن كعب عن أبيه" كما رأيته لـ م س. (7) قوله: "قطع الحلقوم والمريء": أي سواء كان القطع فوق الغَلْصَمة، وهي الموضع الناتىء من الحلق، أو دونها، خلافًا للشافعية. (8) قوله: "ويكفي قطع البعض منهما": أي فلا تشترط إبانتهما، بل يكفي شق بعض كل منهما، وظاهره ولو قلَّ. فليحرر. (9) قوله: "سواء أتت الآلة على محلّ الذبح إلخ": هذه عبارة الفتوحي في شرح المنتهى، بعد قوله في المتن: "فلو أبان رأسه حل مطلقًا" ففسّر الإطلاق بذلك. وفسّره م ص. بقوله: "أي سواء كان من جهة وجهه أو قفاه أو غيرهما" اهـ. وهو أظهر من كلام الفتوحي. ولا يقال: هو أدرى بكلامه، لأن صاحب البيت أدرى بما فيه، فالظاهر، بل المتعين، أنه لا بدَّ من مجيء الآلة على محلّ الذبح وفيه حياة مستقرة، كالذي ذبح من قفاه.

[2/ 409] (10) قوله: "وفيه حياة مستقرة": قال م ص: وتعتبر الحياة المستقرة بالحركة القوية اهـ. (11) قوله: "يمكن زيادتها على حركة مذبوح": وعند الشيخ: تحل إذا ذكيتْ وفيها حياةٌ، ولا تعتبر حركة المذبوح، لأنها لا تنضبط، تارة تطول، وتارة تقصر. وهو حسن. (12) قوله:"لم يضرّ إن عاد فتمَّم الذكاة على الفور": قال م ص: فإن تراخى، ووصل الحيوان إلى حركة المذبوح فأتمها، لم يحل. اهـ. فظاهر قوله "ووصل الحيوان (¬1) إلخ" أنه إن لم يصل لذلك، بل تمم ذكاته وفيه فوق حركة المذبوح يحل، ولو تراخى، فيكون كالمنخنقة ونحوها مما أصابه سبب الموت، مع أنه تقدم أن ما قطع حلقومه حكمه كالميت، واستثنى رفع يده إن أتم الذكاة على الفور. فظاهره أنه إن تراخى لا يحل ولو تمّم ذكاته وفيه حياة مستقرة، لأن وجود هذه الحياة كعدمها، لأنه لا يمكن أن يعيش عادة. قلت: لكن يشكل على هذا قولهم في المنخنقة ونحوها: تحلّ إذا ذكيت وفيها حياة مستقرة، ولو انتهت إلى حالٍ يعلم أنها لا تعيش معه، فما الفرق بين هذه وبين ما قُطع حلقومه أو أبينت حشوته؟ ومما يزيد الإشكال عندي قول الشارح هنا والبهوتي في شرح المنتهى بعد ذكر المنخنقة ونحوها: "فأصابه شيء من ذلك، ولم يصل إلى حدِّ لا يعيش معه" مع قولهما بعده بسطر وشيء "سواء انتهت المنخنقة ونحوها إلى حالٍ يعلم أنها لا تعيش معه أو لا حلّتْ". والذي يتوجه عندي حِلُّ الحيوان المذبوح وفيه حياة مستقرة، سواء وصل إلى حال لا يعيش، كقطع حلقومٍ أو إبانة حَشوة ونحوهما، أو لا، وألا فما الفرق بين قطع الحلقوم وإبانة الحشوة وبين غيرهما مما يعلم أنه لا يعيش معه الحيوان، كتفتُّت كبدٍ، أو كَسْرِ رأسٍ ونحوه، مما لا يعيش معه يقينًا؟ لا يكاد يوجد فرق. أقول أيضًا: ومما يؤيد قولي أن ما فيه حياة حكمه حكم الحيّ، ولو أبينت ¬

_ (¬1) سقط من الأصل قوله: "إلى حركة مذبوح ... إلخ" وهو ثابت في ض.

حشوته مثلاً، قولهم فيما يأتي [80ب]: وما ذبح فغرق لا يحلّ، فحيث جعلنا قطع [2/ 410] الحلقوم وحده موجبًا لذلك لا يجعل الحيوان كالميت في هذا (¬1)، فلم جعلنا قطع الحلقوم وحده موجبًا لذلك فيما تقدم؟ وهل هذا إلا تضارب (¬2)؟! (13) قوله: "ولا تستحب الصلاة": أي على النبي - صلى الله عليه وسلم -، يعني على الذبيحة. (14) قوله:"يضمن أجير إلخ": مفهومه أنه إذا لم يكن أجيرًا للذبح لا يضمن، ولعله غير مراد، فليحرر. فائدة: قال في الإقناع "ويحل مذبوح منبوذ بموضع يحلُّ ذبح أكثر أهله، ولو جهلت تسمية الذابح". وإسماعيل هو الذبيح على الصحيح. اهـ. (15) قوله: "فهو مذكًّى. إلخ" أيْ إن قصد بذلك تذكية الجنين، وقصد التسمية عليها، لأنه قد تقدم أنه لا بد من قصد التذكية. قالوا: فلو احتكَّ حيوان بمحدد بيد إنسان لم يقصد ذبحه، فقطع حلقومه ومريئه، لم يحل، لعدم قصد التذكية. وقالوا: يشترط قصد التسمية على ما يذبحه، فلو سمى على شاة فتركها وذبح غيرها لم تحل. وحينئد فلا بد من اشتراط ما ذكرنا، وإنما لم ينبّهوا عليه لوضوحه. (16) قوله: "وكره نفخ لحم يباع": لأنه غش، ومقتضاه: لغير البيع لا يكره. (17) قوله:"وما ذبح فغرق إلخ": هذا وإن كان هو المذهب فعندي فيه نظر، لأنه قد تقدّم أن ما قطع حلقومه فقط كالميتة، وهذا قد قطع حلقومه ومريئه فلم لا يجعل كأنه مات بالذبح ولا يضره وقوع في ماءٍ ونحوه؟ على أنه قد تقدم ¬

_ (¬1) قوله: "لا يجعل الحيوان ... إلخ" ساقط من ض. (¬2) إشكاله وجيه. ولعل جوابه، أنه إن كان سبب الموت غير قطع الحلقوم والمريء كإبانة والحشوة فذبحه وفيه حياة مستقرة حلّ، فأما إن كان الحلقوم والمريء قد قُطِعا بغير الذبح، أو بذبح مجوسي مثلاً، فإنه إن أرأد تذكيته بقطع الحلقوم والمريء لم يزد شيئًا.

[2/ 411] قريبًا أنه يكره كسر عنقه قبل الزهوق، وقالوا: ولا يؤثر ذلك في حلِّها، مع أنه معين على زهوق الروح، كَتَرَدِّيه مِنْ عُلْوٍ وأولى. ثم رأيت م ص قال: وقال الأكثر: يحلّ اهـ. (18) قوله:"على الأصح": وعنه: يحل، اختاره الأكثر. ***

كتاب الصيد

كتاب الصيد [2/ 412] (1) قوله: "وهو أن يريد إلخ": لو قال "وهو اقتناص حيوان إلخ " لكان أوضح. (2) قوله: "غير مقدور عليه": أي ولا مملوك. زاده في الإقناع. (3) قوله: "والمراد إلخ": أي فهو مصدر بمعنى اسم المفعول. (4) قوله: "والزراعة أفضل مكتسب": أي لأنها أقرب إلى التوكل، ولخبر "لا يغرس مسلم غرسًا، ولا يَزْرَع زرعًا، فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا شيء إلا كانت له حسنة" (¬1). وقال في الرعاية: وأفضل المعاش التجارة. اهـ. م ص. ويسنّ التكسب، ومعرفة أحكامه. ويباح كسب الحلال لزيادة المال والترفُّه والتنعم والتوسعة على العيال، مع سلامة الدين والعرض والمروءة وبراءة الذمة. ويجب على من لا قوت له ولا لمن تلزمه مؤنته. ويقدم الكسب لعياله على نفلٍ. ويكره الاتكال على الناس وترك الكسب. قال الإمام أحمد في قوم لا يعملون، ويقولون: نحن متوكلون: "هؤلاء مبتدعة". وقال القاضي: الكسب الذي لا يقصد به التكاثر، وإنما يقصد به التوسل إلى الطاعة لله، من صلة الإخوان، أو التعفف عن وجوه الناس، هو أفضل، لتعدي نفعه، فهو أفضل من التفرغ لطلب العلم وغيره من إلنوافل. (5) قوله: "وأبغضها في رقيق وصَرْفٍ": أي لتمكن الشبهة فيهما. (6) قوله: "ونص": أي الإمام أحمد في رواية اين هانئ. (7) قوله: "وقال المزُوذي إلخ": وقال أحمد أيضاً لم أو مثل الغنى عن الناس. (8) قوله: "وأدنى الصناعة حياكة إلخ": أي لما في ذلك من الغش ومباشرة ¬

_ (¬1) حديث "لا يغرس مسلم غرسًا ... " أخرجه البخاري (كتاب الحرث ب1) ومسلم (كتاب المساقاة ح 7).

[2/ 413] النجاسة. قال في الفروع: والمراد مع إمكان ما هو أصلح منها. وقاله ابن عقيل (9) قوله: "لم يبح إلاّ بها": ظاهره ولو أبينت حشوته أو قطع حلقومه. (10) قوله: "أهلاً للذكاة": قال ابن نصر الله وينبغي أن يزاد في أهلية الصائد: كونه حلالاً، لما علم أن صيد المُحْرِمِ لا يباح، ولم أر من تعرض له. قاله في حواشي الكافي. (11) قوله: "إلا أن يصيب الرامي الأول مقتله": أي كحلقومه أو قلبه. فإن أصابه حلَّ، ولو رماه آخر قبل موته، لأن حياته إذًا غير معتبرة. فعلى هذا لو أدركه في هذه الحالة ولم يذكِّهِ حلَّ، وإن اتسع الوقت لتذكيته، فيكون مخصِّصًا لعموم كلامهِم المتقدم. ينبغي أن يحرّر فإنه مهم جدًا. وربما ظهر ذلك مما تقدم في الذكاة، فقد قدَّمنا هناك الكلام مستوفى. (12) قوله: "ما له حدّ يجرح": أي من حديد وغيره. أي وأما ما يقتله بثقله كعصًا وبندقة (¬1) وفخّ وشبكة فإنه لا يباح، ولو مع شدخٍ أو قطع حلقوم أو مريء، ما لم يجرحه [81أ]. وكذا معراض، وهو خشبة محدّدة الطرف. فإن قتله بعرضه لم يبح، وإن خرقه برأسه حلّ. والحجر إن كان له حدّ فكمعراض، وإلا فكبندقة ولو خرق. أقول: ومن هنا يعلم أن الرصاص الذي يضرب بالبارود لا يحلّ ما قتل به لأنه لا حد له، ولو خَرَقَ، كالحجر وكالبندق. والله سبحانه وتعالى أعلم. (13) قوله: "لقوله تعالى إلخ": صدر الآية {يسألونك ماذا أُحلَّ لهم قل أحِلَّ لكم الطيبات} أي المستلذات {وما عَلَّمتم} أي وصيد ما علمتم {من ¬

_ (¬1) هذا عندهم قديمًا، وكان البندق يصنع من الطين بشكل كرة صغيرة. أما رصاص البنادق الآن فهو من المعدن، وهو أنواع: منه ما له رأس محدد، فهذا لا إشكال في حل ما اصطيد به، ومنه ما رأسه مكوّر، ففي هذا يكون الإشكال. وقد قال الشوكاني في شرح المنتقى: يخرج الرصاص من البندقية وقد صيرته نار البارود كالميل، فيحل ما صيد به. وبهذا يعلم ما في كلام المحشي الآتي.

الجوارح} أي الكواسب من الكلاب والسباع والطير {مكلِّبين} أي حال كونكم [2/ 414] مرسلين لها، من كلَّبْتُ الكلب إذا أرسلته على الصيد {تعلمونهن} أي تؤدّبونهن {مما علّمكم الله} [المائدة: 4] من آداب الصيد. ويعرف ذلك بما ذكره المصنف بقوله "فتعليم الكلب والفهد إلخ". (14) قوله: "وهو الذي لا بياض فيه": قال في الإقناع: أو بين عينيه نكتتان، كما اقتضاه الحديث الصحيح (¬1). وإنما حرم صيده واقتناؤه لأنه عليه السلام أمر بقتله، والحِل لا يستفاد من المُحرَّم. اهـ. م ص. (15) قوله: "ويباح قتله": كذا في المنتهى. وقال في الإقناع: ويسن قتله ولو كان معلَّمًا، وكذا الخنزير، ويحرم الانتفاع به. اهـ. قال في المنتهى: ولا يباح قتل غيرهما، أي الأسود البهيم والعقور. (16) قوله: "وينزجر إذا زُجر": أي ينتهي إذا نهاه. وقد يكون الزجر بمعنى الحث، كما يأتي في كلام الشارح، فيكون من الأضداد: تقول زجره [إذا] كفَّهُ، وزجره [إذا] حثَّه، والله سبحانه وتعالى أعلم. (17) قوله: "ولم يحرم ما تقدم من صيده": أي ولا ما يصيده بعد ذلك مما لم يأكل منه، كما يعلم من قوله: لم يخرج عن كونه معلَّمًا. وصرح به في الإقناع. (18) قوله: "ويشترط أن يجرح الصيد إلخ": أي بنابه أو مِخْلَبِهِ أو منقاره. وعلى هذا فيكون كالمستثنى من عموم [حديث]: "ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلْ، ليس السنّ والظفر" (¬2). وهل إذا رماه على شيءٍ له حدّ فجرحه يحلّ أو لا؟ لم أو من تعرض له. وقد يقال: إن ذلك لا يحل، لأنه جرح بغير الآلة المرسلة المسمى عليها. (19) قوله: "وقيذ": أي موقوذ. (20) قوله: "ولم يره": أي لم يعلمه، أما رؤية البصر فلا تشترط، لصحة ¬

_ (¬1) المراد حديث جابر مرفوعًا: (عليكم بالأسود البهيم ذي النقطتين، فإنه شيطان" أخرجه مسلم (بتحقيق عبد الباقي 3/ 1200). (¬2) تقدم تخريج الحديث في أوائل الذكاة.

[2/ 416] صيد الأعمى وحله، كما يؤخذ من كلام م ص. وإن رمى ما يظنه صيدًا غير متحقِّقِهِ، فإن غَلَب على ظنه أنه صيد فبان كذلك حلّ، وإلا فلا ولو بان صيدًا فقتله. وإن رمى صيدًا فقتل غيره حل. وكذا لو رمى صيدًا واحذا فأصاب عددًا حلً الكل. وكذا جارح (¬1). ومن أعانت ريحٌ ما رمى به من سهمٍ فقتل ولولاها ما وصل السهم لم يحرم الصيد، لأنه لا يمكن التحرز منه. (21) قوله: "ولو زَجَر الجارِحَ رَبّه": أي ولو حثَّه، فالزجر هنا بمعنى الحث بدليل قوله: "ما لم يزد الجارح إلخ": فإنه يطلق بالمعنيين، فهو من باب الأضداد. وتقدم ذلك. (22) قوله: "قول بسم الله": أي لا من أخرس. قال م ص: والظاهر أنه لا بدّ من إشارته لها، كما تقدم في الذكاة والوضوء اهـ. (23) قوله: "وكذا تأخر إذا كثر في جارحٍ إذا زجره فانزجر": أي حثه فأسرع كثر من قبل الزجر. وإنما حل ذلك لأن زجره، أي حثَّه، كإرساله ابتداء، فكأنه لم يؤخر التسمية. (24) قوله: "وإن رماه في الهواء إلخ": حاصل ما قالوه هنا أن الصيد المتردِّي من علوٍّ ونحوه إذا كان ذلك من رمية السَّهم، كما لو كان على حائطٍ أو شجرة، فرماه بالسهم [فوقع] عن ذلك، حل، وإلا بأن عدا بعد إصابته بالسَّهم فوقع عن محل عالٍ كحائط ونحوه فلا يحل، لأن الأول ضروري، بخلاف ما بعده، فليتأمل. ... ¬

_ (¬1) سقط من ض قوله "وإن رمى صيدًا ... إلى قوله وكذا جارح" وهو ثابت في الأصل.

كتاب الأيمان

كتاب الأيمان [2/ 418] (1) فائدة: الأيمان منها ما يجب، وهي التي ينجِّي بها إنسانًا معصومًا من هلكة؛ ومنها مندوب، وهي التي يتعلق بها مصلحةٌ من إصلاحٍ بين متخاصمين، أو إزالة حقدٍ من قلب مسلم على حالف أو غيره؛ ومنها مباح، وهو الحلف على فعل مباحٍ أو تركه، والحلفُ على الخبر بشيءٍ هو فيه صادق، أو يظن أنه فيه صادق؛ [81ب] ومنها مكروه، مثل الحلف على فعل مكروه أو ترك مندوب؛ ومنها محرَّم، وهو الحلف الكاذب. وأما الحلف على فعل طاعةٍ أو ترك معصية ففيه وجهان: الندب، وهو قول أصحابنا وأصحاب الشافعي. والثاني ليس بمندوب. قال ذلك في شرح المقنع. اهـ. ابن قندس اهـ. فتوحى. ذكره ابن عوض. قلت: وذكر ذلك أيضًا في المنتهى والإقناع. وقالا أيضًا: ومن حلف على مكروه أو ترك مندوب سنَّ حِنْثُهُ، ومن حلف على فعلٍ محرمٍ أو ترك واجب وجب حنثه، ومن حلف على فعل واجب أو ترك محرم حرم حنثه ووجب بِرُّه، ومن حلف على فعلِ مندوب أو ترك مكروه كره بره وسن حنثه، ويخير في مباحٍ، وحفظهما (¬1) فيه أولى، انتهيا. فقد اشتملت الأيمان والحنث والبرّ على الأحكام الخمسة. اهـ. (2) قوله: "ولا كفارة": عند الأكثر من أصحابنا إلا في حلفٍ بنبيِّنا محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، فتجب الكفارة إذا حلف به وحنث في رواية أبي طالب، لأنه أحد شطري الشهادتين اللتين يصير بهما الكافر مسلمًا (¬2). ¬

_ (¬1) هكذا في ض وموضعها في الأصل مطموس. والصواب عندي: "وحفظها" أي اليمين. (¬2) هذا لا يستقيم، وان قالوه، لأنه قياس في مقابلة النص الناهي عن الحلف بغير الله. فهو محرم فلا ينعقد ولا يكون فيه كفارة، وإنما كفارة الحلف به أن يقول لا إله إلا الله وأن يستغفر الله.

[2/ 419] ويكره الحلف بالأمانة لحديث: "من حلف بالأمانة فليس منا" رواه أبو داود. وفي الإقناع: كراهة تحريم. اهـ. م ص. أقول: ظاهر هذا أن تحريم الحلف بغير الله أو صفاته يشمل نبيه - صلى الله عليه وسلم - بالاتفاق، لأنهم لم يستثنوا إلاَّ وجوب الكفارة فيه. (3) قوله: "في عُرْضِ حديثه": بضم العين، أي جانبه. وإما بالفتح فهو خلاف الطول. وتصح إرادته هنا مجازًا. وظاهره ولو على أمر مستقبلٍ. ومثله لو عقدها يظن صدق نفسه فبان بخلافه. لكن يحنث في طلاقٍ وعتاقٍ فقط على المذهب. وتقدَّم في الهوامش. وعنه: لا يحنث فيهما أيضًا، واختاره الشيخ وغيره. (4) قوله: "وإلا بأن لم يتعمد الكذب إلخ": أي كما لو حلف على ماضٍ يظن صدق نفسه، فتبيّن بخلافه، فلا شيء عليه، لأنه من لغو اليمين. وقيل: فيه كفارة. والأول المذهب. (5) قوله:"فلم يطعه": لكن إن حلف ظانًّا أنه يطيعه فلم يطعه لا كفارة عليه، في ظاهر كلام الشيخ، كمن حلف على ماضٍ يظن صدق نفسه. (6) قوله: "ولو كان فعل ما حلف على تركه إلخ": أي كما لو حلف على ترك الخمر فشربها، أو حلف على فعل صلاة فرض فتركها، فيكفّر. (7) قوله: "محرَّمين إلخ": هل يؤخذ من هذا أن المانع الشرعي لا يعد إكراهًا، فلو حلف ليقتلن زيدًا يوم كذا، فلم يقتله لمنع الشرع منه، حنث، وأما لو لم يقتله لمانع حسيّ، كان مُسِكَ أو حُبِسَ ونحوه، فلا يحنث؟ أقول: لا يؤخذ هذا البحث من هذه العبارة. وإنما قد يؤخذ من قولهم: من حلف على فعل محرَّم وجب حنثه، فجعلوا عدم فعل المحرّم المحلوف عليه حِنْثًا، وإن كان المانع من فعله خوفَ الإثم فقط، لا شيء آخر، كما هو ظاهر. والله سبحانه وتعالى أعلم. (8) قوله: "جاهلاً": وكذا ناسيًا. (9) قوله: "ومن حلف بالله إلخ": ومثله نذر وظهار ونحوهما، كقوله: هو

فصل في أنواع من الأيمان

يهودي أو نصراني إن فعل كذا إن شاء الله، أو: إلا أن يشاء الله. فهذه الأشياء [2/ 422] التي تدخلها الكفارة إن وصلها بالاستثناء المذكور لا يلزمه بها شيء. فصل في أنواع من الأيمان (1) قوله: "ومن قال: طعامي إلخ": أي ومن حرَّم حلالاً غير زوجته من أمةٍ أو طعامٍ أو لباس ونحو ذلك لم يحرم، وعليه كفارة يمين. وأما تحريم زوجته فظهار، وتقدم حكمه، فيجوز وطء الأمة، وأكل الطعام، ونحوهما، قبل إخراج الكفارة، بخلاف تحريم الزوجة، فلا يجوز وطؤها قبل الكفارة، وتقدم، لأنها تحرم. (2) قول الله تعالى: {يا أيها النبي لم تحرم إلخ} [التحريم: 1] سبب نزول هذه الآيات أن النبي - صلى الله عليه وسلم - واقع مارية القبطية في بيت حفصة، وكانت غائبة، فجاءت وشق عليها ذلك لكونه في بيتها وعلى فراشها. فقال - صلى الله عليه وسلم - "هي على حرام" ليُرْضي حفصة. وقيل غير ذلك. وهل كفَّر عن ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال مقاتل: أعتَقَ رقبة في تحريم مارية. وقال الحسن: لم يكفر، لأنه - صلى الله عليه وسلم - مغفورٌ له. اهـ. جلال. فائدة: ومن قال: "أيمان البيعة تلزمني" أيمان البيعة يمينٌ رتّبها الحجاج، والخليفة المعتمد، تشتمل على اليمين بالله والطلاق [82أ] والعتاق وصدقة المال. فإن كان الحالف يعرفها، ونواها، انعقدت يمينه بما فيها، وإن لم يعرفها ولم ينوها، أو عرفها ولم ينوها، أو نواها ولم يعرفها، فلا شيء عليه. ولو قال "أيمان المسلمين" تلزمني إن فعلت كذا، وفعله، لزمته يمين الظهار والطلاق والعتاق والنذر واليمين بالله إذا نوى ذلك. ولو حلف بشيء من هذه الخمسة، فقال له آخر: يميني مع يمينك، ونوى: عليَّ مثل يمينك (¬1)، يريد التزام مثل يمينه، لزمه ذلك، إلا في اليمين بالله تعالى. اهـ. إقناع. قال م ص في شرح المنتهى: قلت: فيشكل لزومها في "أيمان المسلمين" ¬

_ (¬1) قوله: "ونوى إلخ" هكذا في الأصل. ووقع في ض: "أو أنا على مثل يمينك".

فصل فيما يكفر به

[2/ 423] "وأيمان البيعة" فليحرر الفرق. اهـ. يعني أنه لو حلف بالله على شيء، فقال آخر: يميني مع يمينك، ونحوه، لا تنعقد يمينه، لأنها لا تنعقد بالكناية، لوجوب الكفَّارة فيها لما ذكر فيها من اسم الله تعالى المعظم المحترم، ولم يوجد ذلك في الكناية ولا غيرها، بخلاف غيرها من الأيمان المذكورة. فقولهم: إذا قال: "أيمان البيعة أو: أيمان المسلمين" تلزمني، يلزمه اليمين بالله تعالى، مشكل، لأنه لم يوجد في كلامه اسم الله تعالى أو صفته، فتكون قد انعقدت بالكناية، وإلا فما الفرق؟ هذا توضيح كلام م ص. أقول: وقد يقال إن دخولها في "أيمان البيعة" و"أيمان المسلمين" بطريق التبعية، فقد يكون للشيء حكم بالتبعية خلاف حكمه بالاستقلال في كثير من الأحكام. والله أعلم. فصل فيما يكفر به (1) قوله: "إطعام عشرة مساكين" أي لكل مسكين مدُّ بُرٍّ أو نصف صاع من غيره مما يجزئ في فطرة. ويعتبر أن يكون المسكين مسلمًا حرًّا، ولو صغيرًا، ويَقْبل له وليُّه في ماله. والمراد بالمساكين ما يشمل الفقراء، لأنهما في غير الزكاة صنفٌ واحد. وقال الزركشي: يجوز دفعها للغارم لاحتياجه، فهو كالمسكين. وكلام أبي محمد يوهم المنع. اهـ. قال ح ف: وكلام أبي محمد هو الظاهر من كلامهم، وهو ظاهر القرآن اهـ. قلت: وهو الصواب. (2) قوله: "أو يكسو النساء من الحرير" مفهومه أنه لو كسا الرجال من الحرير لا يجزيه، وهو ظاهر قولهم: تجزئ صلاته فيه. نعم إن كان لبس الحرير مباحًا للرجل لحاجة فيتجه إجزاء كسوته به، لإجزاء صلاته فيه. ينبغي أن يحرر. (3) قوله: "فإن أطعم المسكين بعض الطعام إلخ) أي كما لو أطعم مسكينًا مدًّا من شعيرٍ أو ونصف مدٍّ من برّ، وكساه بعض الكسوة التي تجزئ صلاته فيها. أما لو أطعم بعض المساكين القدر الواجب، وكسا بعضهم القدر الواجب أيضاً،

باب جامعى الأيمان

فإنه يجزيه. [2/ 426] (4) قوله: "وإخراج الكفّارة قبل الحنث وبعده سواء": أي وتكون قبل الحنث محلِّلة لليمين، وبعده مكفّرة، لكن قال ابن نصر الله: الأصحُّ أنه لا إثم بالحنث، لقوله عليه السلام "لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرًا منها إلا أتيت الذي هو خير" (¬1). وهو عليه السلام لا يُقْدِمُ على ما فيه إثم. اهـ. ح ف. أقول: وقد تقدّم في الهوامش أن الحنث تعتريه الأحكام الخمسة، فما يباح فعله وحلف على تركه، لا يحرم فعله. وقيل: يحرم، ولذا لزمته كفارة بالحنث. والصواب الأول. (5) قوله: "قبل الحنث إلخ": أي ويجب إخراجها بعد الحنث على الفور، كالنذر. باب جامعى الأيمان (1) أحكام هذا الباب يشترك فيها الطلاق والعتاق واليمين بالله تعالى. اهـ. خ ف. (2) قوله:"أبدًا": لعله "ابتداءًا"، وإلا فالمعنى غير صحيح. (3) قوله: "غير ظالمٍ بها": أي باليمين، وسواء كان مظلومًا أوْ لا، وأما الظالم الذي يستحلفه حاكم بحق عليه فيمينه على ما يقصده صاحبه. اهـ. م ص. (4) قوله: "وكان لفظه يحتمل النية": أي كنيّتِهِ بالسقف والبناء السماء، وبالفراش والبساط الأرض، وباللباس الليل، وبالأخوّة أخوة الإسلام، وما ذكرتُ فلانًا: أي قطعت ذكره، وما رأيته: أي ما ضربت رئته، وبنسائي طوالق: أقاربه من النساء، وبجواريَّ أحرارٌ: سفنه، وما كاتبتُ فلانًا: مكاتبةَ الرقيق، وما عرفته: ¬

_ (¬1) حديث: "لا أحلف ... " أخرجه البخاري (الأيمان ب1) ومسلم (لأيمان ح 9) وأحمد (4/ 401)

[2/ 428] جعلته عريفًا، وما أعلمته: أي جعلته أعلم، أي شققت شفته، وما سألتُه حاجةً: أي شجرة صغيرة، وما أكلت له دجاجة: أي كُبّه من الغزل، ونحو ذلك. (5) قوله: "قبل حكمًا": أي في غير طلاق وعتاق، وأما فيهما فلا، كما في الإقناع. (6) قوله: "وما هَيجَها": أي أثارها. (7) قوله: "لم يحنث إذا قصد عدم تجاوزه": أي فيكون مبنيًّا على نيته [82ب]. (8) قوله: "واقتضاه السبب": أي كما لو كانت اليمين في حال خصومةٍ مع غريمه بسبب مَطْلٍ، فيكون مبنيًّا على السبب، وهو يقوم مقام النية عند فقدها. (9) قوله: "وكذا أكل شيء وبيعه وفعله غدًا": أي كما لو حلف لآكلن كذا غدًا، أو لأبيعنه، أو لأفعلنه، وكانت نيته أو [كان] السبب [يقتضي] تعجيل ذلك، لا يحنث باكله وبيعه وفعله قبل الغد. (10) قوله: "إلا بمائة إلخ": فإن قال المشتري: أنا آخذه بمائة ولكن هب لي منها كذا، فقال الإمام أحمد: حيلة. اهـ. (11) قوله: "رجع إلى التعيين": أي تتعلق اليمين بالمعيّن، ولو تغيرت صفته واسمه واستحالت أجزاؤه، كقوله "لا أكلت هذه البيضة" فصارت فرخًا، أو "هذه الحنطة" فصارت زرعًا، فأكله، حنث. (12) قوله: "وهو الإشارة": أي وكذا الإضافة تفيد التعيين، كما لو حلف لا يدخل دار زيدٍ، أو لا كلَّمت عبده، فدخل الدار وقد باعها زيد، وكلّم العبد وقد باعه زيد، حنث حيث لا نيّة ولا سبب لتخصيص ذلك بحال ملك زيد، لأن اليمين تعلّقت بما يسمى دار زيد أو عبده حال صدورها، فهو كالتعيين بالإشارة. (13) قوله: "ولا نية ولا سبب": أي وأما إن نوى: ما دام على تلك الحالة، أو كان السبب المهيج لليمين يقتضي التخصيص بذلك، فلا حنث. فائدة: ومن حلف "لا يحج" أو "لا يعتمر" حنث بإحرامٍ به أو بها، لأنه يسمى حاجَّا ومعتمرًا بمجرد الإحرام. و"لا يصوم": حنث بشروع صحيح في

الصوم ولو نفلًا بنيةٍ من النهار حيث لم يأت بمنافٍ، فإذا صام يومًا تبينَّا أنه [2/ 429] حنث منذ شرع، فلو كان حلفه بطلاقٍ، وولدتْ بعد الشروع في الصوم، وقبل تمام اليوم، انقضت عدتها، وإن كان الطلاق بائنًا وماتت في أثناء ذلك اليوم لم يرثها. قال م ص: قلت: فإن مات هو أو بطل الصَّوم فلا حنث، لتبيُّن أن لا صوم. فإن كان حالة حلفه لا يحج أوْ لا يصوم حاجًّا أو صائمًا، فاستدامَهُ، حنث، خلافًا لما في الإقناع اهـ. ومن حلف "لا يصلي" حنث بتكبيرة إحرام، ولو على جنازة، لأنها صلاة، بخلاف الطواف. وإن حلف "لا يصلي صلاةً" لم يحنث حتى يفرغ مما يقع عليه اسم الصلاة. وكذا "لا يصوم صومًالا لم يحنث حتى يصوم يومًا، ظاهره ولو بنية في أثناء النهار في نفلٍ، مع أن أول النهار عريٌّ عن النية والثواب. والله أعلم. (14) قوله: "والصلح على مالٍ شراء": أي فيما إذا ادعى عليه شخص عينًا فأقرَّ بها، ثم صالحه على عينٍ غير المدعى بها، فيكون قد اشترى العين المدَّعى بها بذلك. وإما إن صالحه على بعض العين المدعاة فهو هبة، وتقدم. (15) قوله: "والحلف على الماضي والمستقبل سواء": أي لا فرق بين قوله: "لا أبيع" فباع بيعًا صحيحًا، فيحنث، وفاسدًا لا، وبين قوله: "ما بعت" وكان قد باع بيعًا صحيحًا فيحنث، وفاسدًا لا، وذلك لما ذكره الشارح. (16) قوله: "فالأيمان مبناها العرف" أي دون الحقيقة، لأنها صارت مهجورة لا يعرفها أكثر الناس. فمن حلف "لا يشتري راوية" حنث بشراء مزادة، لا بشراء جمل؛ "ولا يطأ ظعينة" حنث بوطء المرأة لا الناقة، "ولا ينظر إلى غائط" حنث بالرّوث الخارج دون المكان المنخفض من الأرض. ولا يحنث إذا قصد معناه الحقيقي. وكذا كل ما في معناه فتدبر. (17) قوله: "لأن ظاهر حلفه إرادة الامتناع" أي ما لم ينو حقيقة ذلك، أو اقتضاه السبب، فإنه لا يحنث إلا بها. (18) قوله: "وبيت الشعر" ظاهره سواء كان الحالف بدويًا أو لا، وهو

[2/ 431] كذلك، صرح به في الإقناع. والأَدَم بفتح الهمزة والدال الجلد. (19) قوله: "ولا يضرب فلانة، فخنقها إلخ لا أي ما لم ينو حقيقة الضرب، فإنه لا يحنث بذلك. وقوله: "وإن ضربها بعد موتها لم يبَرّ" يؤخذ منه أنه لو حلف لا يضربها، فضربها بعد موتها، لا يحنث أيضاً. فتدبر. (20) قوله: "من حلف [83أ]، لا يشم الريحان فشم وردًا إلخ" وقال القاضي: يختص يمينه بالريحان الفارسي، لأنه مسماه عرفًا، وقدمه في المقنع، وجزم به في الوجيز اهـ. م ص. (21) قوله: "فإن عدم العرف": أي بان اشتهرت حقيقته دون مجازه، أو لم يكن له مجاز، فيرجع إلى الحقيقة اللغوية. (22) وقوله: "لا بما لا يسمى لحمًا، كالشحم ونحوه": أي ومحل ذلك ما لم يقصد اجتناب الدسَم، فإن قصد ذلك حنث بأكل الشحم ونحوه، لأن فيه دَسَمًا. وكذا لو اقتضاه سبب اليمين وما هيّجها، وهو معلوم مما تقدم، فليتنبه له. ومن حلف لا يأكل شحمًا، فأكل شحم الظهر أو الجنب، أو سمينهما، أو الألية، أو السنام، حنث، لأن الشحم ما يذوب من الحيوان بالنار. أقول: لكن لا يطلق الشحم على الألية عرفًا (¬1). ينبغي أن يحرر، والله أعلم. (23) قوله: "يسمى رأاسًا لا لحّامًا": وعبارة م ص على المنتهى: وبائع الرؤوس يسمّى روّاسًا لا لحّامًا، فتأمله. (24) قوله: "ولو من لبن آدمية": أي أو من لبن محرم، كما ذكره م ص بحثًا منه قياسًا على اللحم اهـ. (25) قوله: "لا إن أكل زبدًا إلخ": أي لا يحنث من حلف لا يأكل لبنًا بأكل ¬

_ (¬1) يعني في عرف أهل بلادنا فلسطين. فليست "الألية" عندهم شحمًا. فلا يحنث واحدهم بأكلها إن حلف لا يأكل شحمًا.

زبد إلخ، لأنه لا يدخل في مسمّى اللبن. [2/ 432] (26) قوله: "ما سأل من الأقطِ": بكسر القاف، وهو اللبن المجفف. وكذا من حلف "لا يأكل زبدًا" فأكل سمنًا لا يحنث، كعكسه، ما لم يظهر في أحدهما طعم الآخر. فإن ظهر فيه طعمه حنث اهـ. م ص. (27) قوله: "كبلح وعنب ورمان": فإن قيل: قوله تعالى {فيهما فاكهة ونخل ورمان} [الرحمن: 68] يقتضي أن البلح والرمان ليسا من الفاكهة؟ فالجواب أن العطف هنا للتشريف، لا للمغايرة، فهي كقوله تعالى {من كان عدوًّا لِلهِ وملائكته ورسله وجبريل وميكال} [البقرة: 98] الآية. (28) قوله: "كثمر القيقب والعفص": قال م ص: بخلاف الخرنوب. فظاهره أنه من الفاكهة. اهـ. (29) قوله: "لا يتغدى فأكل بعد الزوال": ظاهره ولو كان الغداء في عرف الحالف هو الأكل بعد الزوال، كما هو في عرف أهل بلادنا، مع أنه تقدم أن المعتبر بعد النية والسبب العرف، وهو قد يختلف باختلاف الناس. والذي يتجه عندي أنه لا يحكم على كل الناس بعرف بعضهم، بل يعتبر عرف كل ناحية لحدتها، والله أعلم. والغداء والعشاء أن يأكل أكثر من نصف شِبَعِهِ، والأكلة ما يعده الناس أكلةً، وبالفم اللقمة. اهـ. م ص. ومن حلف "لا يأكل سمنًا" فأكله في خبيصٍ، أو: "لا يأكل بيضًا" فأكل ناطفًا، أو "لا يأكل شعيرًا" فأكل حنطة فيها حبات شعير، لم يحنث إلا إذا ظَهَرَ طعم شيء من محلوف عليه. اهـ. منتهى. (30) قوله: "فإنه لا يحنث" أي ما لم ينو الشرب من مائه، أو يقتضيه السبب، كما يعلم مما تقدم. (31) قوله:"حنث بما جعله لعبده من دارٍ إلخ" أي ما لم ينو مسكنه، أو ما اختص به من ذلك، فإنه لا يحنث. (32) قوله: "أو بما استأجره فلان" وكذا يحنث بدخوله الدار الموصى له

[2/ 434] بمنفعتها، والموقوفة على عينه. أما الموقوفة على الجنس فهي أقوى من المعارة، لأن المنفعة مستحقة للجنس. اهـ. ح ف. أقول: وكذا يحنث بدخوله داره الموصى بنفعها لغيره، لأنها كالمؤجرة. والله أعلم. (33) قوله: "لا بما استعاره" أي ما لم ينو مسكنه، أو كان السبب المهيّج لليمين يقتضيه، كما علم مما تقدم. (34) قوله: "لا بمِلْكِهِ الذي يسكنه" أي لا يحنث بدخوله دارًا لزيد غير مسكونة له. (35) قوله: "حنث بكلامِ كل إنسان" أي ما لم ينو إنسانًا بعينه، أو كان سبب اليمين يقتضيه. (36) وقوله: "حتى بقوله: تنحَّ، أو: اسكُتْ" أي إلا أن ينوي كلامًا غير هذا. (37) وقوله: "ولا كلمت فلانًا، فكاتبه أو راسله" أي أرسل له رسولاً. وكذا إن أشار إليه حنث. قاله القاضي. وإن سلّم على قومِ هو فيهم ولم يعلم فكناس. وإن علم به ولم ينوه ولم يستثنه بقلبه ولا بلسانه كان يقول: "السلام عليكمَ إلا فلانًا"، حنث. (38) وقوله: "ولا بدأت فلانًا بكلامٍ" فتكلما معًا، لم يحنث، أي بخلاف قوله: "لا كلمته حتى يكلمني أو يبدأني بكلامٍ" فيحنث بكلامهما معًا. (39) قوله: "وبمالٍ غير زكويّ": لو قال "وبمال ولو غير زكوي" [83ب] لكان أوضح، لأنه يحنث بالزكوي من باب أولى. (40) قوله: "وليضربن فلانًا بمائة إلخ": قال ع ن: لعل الفرق بينها وبين التي بعدها أن ما دخلت عليه الباء صادق على الآلة، فُرِّقَتْ أو جمعت، وما لم تدخل عليه الباء صادق في الفعلات، وهي لا تكون من شخصٍ إلا مرتّبة. اهـ. أقول: وقوله تعالى {وخذ بيدك ضغثًا فاضرب به ولا تحنث} [ص: 44]

لسيدنا أيوب عليه السلام، وكان قد حلف ليضربن زوجته مائة ضربة، لعله [2/ 436] خصوصية (¬1). والله سبحانه وتعالى أعلم. (41) قوله: "لزمه الخروج بنفسه وأهله ومتاعه المقصود": المراد بأهله زوجته أو عائلته، وبمتاعه المقصود ما لا يستغني عنه الساكن، فإن انتقل بدون ذلك [حنث] (¬2). (42) قوله: "ولا يمكنه إجبارها، فخرج وحده". وكذا إذا لم يخرج وكان لا يمكنه النقلة بدونها، لكن بنية النقلة متى قدر عليها. ومثل الزوجة عائلته. (43) قوله: "فخرج وحده": أي بمتاعه المقصود له، وإلا حنث، كما ذكره ح ف. (44) قوله: "إلا أنه يبرّ بخروجه وحده": إذا حلف ليخرجن منه. علم منه أنه لو حلف ليرحلنّ من البلد لا يَبَرُّ بخروجه وحده، بل بأهله ومتاعه المقصود، كالدار. (45) قوله: "ولا يحنث في الجميع بالعود إلخ": أي ولهذا بخلاف ما لو حلف لا يسكنها، فإنه إن خرج ثم عاد إليها وسكنها يحنث، لا إن دخلها زائرًا ولو أقام أيلمًا، فإن الزيارة ليست بسكن (¬3) اتفاقًا. (46) قوله: "فخدمه وهو ساكت": أي لم ينهه. ومفهومه أنه إذا نهاه فلم ينته لا يحنث. اهـ. ح ف. (47) قوله: "فوكل فيه من يفعله حنث": وفي المستوعب أنه إذا قصد بيمينه أنه لا يتولى هو فعله فلا يحنث إذا أمر غيره بفعله ففعله. ذكره ابن أبي موسى. ¬

_ (¬1) الحمل على الخصوصية خلاف الأصل. ومما يؤيد أن الآية للعموم ما ورد في مسند أحمد وسنن أبي داود وابن ماجه من حديث سعيد بن سعد بن عبادة في المريض الذي زنى بأمَةٍ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - "خذوا له عِثكالًا فيه مائة شِمراخ، ثم اضربوه به ضربة واحدة" وانظر شرحه في شرح المنتقى (7/ 120). (¬2) جواب إن ساقط من النسختين، وأثبتناه هكذا لأن المعنى لا يحتمل غيره. (¬3) كذا في الأصل. ووقع في ض: "ليست سكنى".

باب النذر

[2/ 437] ولعله مراد من أطلق. اهـ. ح ف. وهو كما قال. والله أعلم. (48) قوله: "وإنما الحالق غيرهما": الصواب غيرهم. ومن هذا الباب قوله تعالى: {قال يا هامان ابن لي صرحًا] [غافر: 36] ونحوه مما تدخله النيابة. وكذا لو حلف لا يبيع، فتوكل عن غيره في بيعٍ فباع، لا يحنث، لإضافة فعله لموكله. قال م ص: قلت: إلاّ أن يكون نيتُهُ أو سبب اليمين الامتناع من فعل ذلك لنفسه وغيره، فيحنث إذن بذلك. اهـ. باب النذر (1) قوله: "هو لغة الإيجاب": وشرعًا إلزام مكلفٍ مختارٍ نفسه لله تعالى شيئًا غير لازمٍ بأصل الشرع بالقول، كعليَّ لله، أو نذرت لله، ونحوه. فلا تعتبر له صيغة خاصة. ويصح من كافر بعبادةٍ، لقول عمر: "إني كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلةً. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - أوف بنذرك" (¬1) ولأن نذر العبادة ليس بعبادة. (2) قوله: "وهو مكروه": قال م ص: وحرَّمه طائفة من أهل الحديث. (3) قوله:"ولو عبادة": ظاهره أنه يصلي النفل كما هو، لا ينذره ثم يصليه، كما يفعله بعض الناس المتعبدين. (4) قوله: "لا يأتي بخير": أي لا يجلب نعمة ولا يردّ قضاء، أي لا يدفع نقمة (¬2). (5) قوله: "ولا يضر قوله: على مذهب من يُلزِم بذلك": أي بالمنذور أي كمالك، لأن ذلك توكيد، والشرع لا يتغير بالتوكيد. قاله الشيخ. (6) قوله: "فيخيَّر أيضًا": أي كما لو حلف عليه. وقد روى أبو داود: "أن امرأة أتت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدفّ. فقال لها ¬

_ (¬1) حديث عمر في النذر: أخرجه البخاري في الاعتكاف (ب 5، 15) ومسلم في الأيمان (ح27، 28). (¬2) لحديث: "إن النذر لا يأتي بخير، ولكن يستخرج به من البخيل" أخرجه أحمد (2/ 61) والبخاري (4/ 254) ومسلم (5/ 77) (الإرواء 8/ 209).

رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أوفي بنذرك" (¬1). اهـ. م ص. [2/ 440] (7) قوله: "كشرب خمر إلخ": ومن ذلك إسراج القبر، والشجرة، والنذر لها، أو المغارة، أو القبر، إذا نذر لذلك أو نذر لسكّانه، أو المضافين إلى ذلك المكان. قاله الشيخ تقي الدين رحمه الله تعالى. (8) قوله: "فيحرم الوفاء": أي لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه" (¬2). (9) قوله: "غير صوم يوم حيض": أي فلا يقضي، لأن الحيض منافٍ للصوم لمعنى فيه، فلا ينعقد نذره، كنذر صوم ليلةٍ، لأنها ليست محل صوم. (10) قوله: "ولو واجبين": هذا على القول بانعقاد النذر في الواجب، كلله عليَّ صوم رمضان ونحوه، فيكفِّر إن لم يصم، كحلفه عليه، وهو الذي قدمه في المنتهى والإقناع. ثم قالا: وعند الأكثر: لا. [84أ] أي لا ينعقد النذر في الواجب. والله أعلم. فائدة: ومن نَذْرِ التبرُّرِ لو حلف بقصد التقرب. فقال: والله إن سلم مالي لأتصدقن بكذا، فوجد الشرط، لزمه. ومن نَذَرَ الصدقة بكلِّ ماله نذر قربةٍ، لا نذرَ لجاجٍ وغضبٍ، أجزأه ثلثه. ولا كفارة. وثلث المال معتبر يوم نذره. وإن نذر بعضًا مسمًّى من ماله، كنصفه أو ألْفٍ وهو بعض ماله، لزمه. أقول: وظاهر هذا: لو نذر الصدقة بتسعة أعشار ماله، أو بتسعةٍ وتسعين جزأً من مائة جزءٍ من ماله، أنه يلزمه ذلك ولا يجزيه الثلث كنذر الصدقة بجميع ماله. والله أعلم. (11) قوله: "قال الشيخ تقي الدين إلخ": أي لا يشترط ذكر النذر، ولا قوله "لله علي" لأن دلالة الحال تدل على إرادة النذر. فمتى وجد شرطه انعقد نذره ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (ح 3312) ومن طريقه البيهقي. وهو حديث صحيح (الإرواء 8/ 213). (¬2) حديث عائشة مرفوعًا: "من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه" أخرجه أحمد (6/ 36) ومالك (2/ 476) والبخاري (4/ 274) (الإرواء 4/ 0 4 1).

[2/ 440] ولزمه فعله. ونص عليه الإمام في: "إن قدم فلان تصدقت بكذا" وقال الشيخ: من قال عنه ليس بنذر فقد أخطأ. وقال: قول القائل: لئن ابتلاني الله لأصبرن، ولئن لقيت العدو لأجاهدنه، ولو علمت أيُّ العمل أحب إلى الله لعملتُه، نذر معلق بشرط، كقول آخر {لئن آتانا من فضله لنصَّدَّقَنَّ} الآية [التوبة: 75]. ونظير ابتداءِ الإيجاب تمنّي لقاء العدو. ويشبهه سؤال الإمارة. فإيجاب المؤمن على نفسه إيجابًا لم يحتج إليه، بنذرٍ وعهد وطلب وسؤالٍ، جهل منه وظلم. (12) قوله: "قال الشيخ: النذر للقبور إلخ": أي ومحل ذلك إن قال الناذر: للنبي فلان، أو الوليّ فلان، عليَّ كذا. وأما إن قال: "لله عليَّ أن أذبح ذبيحةً وأطبخ كذا من الأرز ونحوه في محل النبيِّ فلانٍ، أو الوليّ فلانٍ"، وأطعمه لفقراء ذلك المحل فهذا يجب الوفاء به، لكن لا على ما يفعله أهل زماننا هذا من أخذهم تلك النذور، وصحبتهم النساء الشوابَّ الحسان، ومرد الشبان، ويركبون الهوادج، ويضربون البارود، مع ترنُّم النساء بالغناء والأصوات المُفْتنة (¬1). فهذا لا يشك عاقل في عدم جوازه. وإذا كان هذا مقصود الناذر فهو نذر معصية لا يجوز الوفاء به. والله سبحانه وتعالى أعلم (¬2). (13) قوله: "وإن تصدق بما نَذَرهُ إلخ": ظاهره إن ذلك ليس بواجب عليه، مع أنه تقدم: من نَذَرَ صوم يوم عيد ونحوه لا يجوز الوفاء به، ويلزمه أن يصوم يومًا مكانه ويكفّر. فمقتضاه أن هذا أيضًا يلزمه أن يتصدق بما نذره على الفقراء (¬3). ¬

_ (¬1) الأولى أن يقول: "الفاتنة" لأن فتَن متعدٍّ، واختلف اللغويون في صحة "أفْتَنَ" فأنكره بعضهم، كما في لسان العرب. (¬2) هذا من المحشي رحمه الله فيه نظر، فسواء نذر لصاحب القبر، أو لسكانه، أو المضافين إليه، فكل ذلك داخل في المحظور ولو لم يكن معه طبل ولا زمر ولا فتنة. وإطعام هؤلاء المقيمين حول القبر المضافين إليه تعظيم للفتنة به، وصرف لهم عن عبادة الله الواحد القهار، فيكون إطعامهم من باب تقوية البدعة والذريعة إلى الشرك، فلا يجب الوفاء به كما قال، بل لا يجوز الوفاء به. وهو ظاهر. (¬3) الظاهر أن هذا إنما يتم على القول بأن نذر المعصية ينعقد ويحرم الوفاء به وتجب الكفارة؛=

والله سبحانه وتعالى أعلم. [2/ 441] (14) قوله: "من نذر إسراج بئر إلخ": أي وأما من نذر للمساجد ما تنوّر به أو يصرف في مصالحها فهذا نذرُ بِرٍّ فيوفى به. قاله الشيخ. (15) قوله: "ويكفر لفوات التتابع،: أي ولفوات المحل. فانه يقضي ما أفطره في غير الشهر المنذور. ويلزمه تتابع القضاء. 161) قوله: "مما نذره": وظاهره: ولا كفارة. اهـ. م ص. فائدة: ولا يلزم الوفاء بالوعد. ... ¬

_ = والقول الآخر: أن نذر المعصية لا ينعقد، ولا كفارة له إلا تركه. فعليه لا يلزم الناذر في هذه المسألة شيء، لأن النذر للقبر أو لسكانه معصية وذريعة إلى الشرك. والله أعلم. وانظر المَغنى (9/ 23) ط 3.

كتاب القضاء والفتيا

[2/ 443] كتاب القضاء والفتيا (1) زاد الشارح في الترجمة الفتيا مع أنه لم يذكر أحكامها. (2) قوله: "وهي": أي الفتيا. (3) قوله: "ولا يلزم جواب ما لم يقع": لما روي من النهي عن ذلك. واحتج الشافعي على كراهة السؤال قبل وقوعه بقوله تعالى: {لا تسألوا عن أشياء إن تُبْد لكم تسؤكم} [الأنعام: 101]. (4) قوله: "ولا ما لا يحتمله سائل": أي لما ذكر البخاري، قال: "قال عليٌّ: حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذَّب الله ورسوله؟ " وفي مقدمة مسلم عن ابن مسعود: "ما أنت بمحدِّثٍ قومًا حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنةً". (5) قوله: "ولا ما لا نفع فيه": أي لقول ابن عباس لعكرمة "من سألك عما لا يعنيه فلا تُفْتِه". قال في الإقناع: كان السلف يهابون الفتيا ويشدِّدون فيها ويتدافعونها. وأنكر أحمد وغيره على من يهجم على الجواب. وقال: لا ينبغي أن يجيب في كل ما يستفتى فيه. وقال: إذا هاب (¬1) الرجل شيئًا لا ينبغي أن يحمل على أن يقول. وقال: لا ينبغي للرجل أن ينصب نفسه للفتيا (¬2) حتى يكون فيه خمس خصال: أولها: أن تكون له نيّة، فإن لم تكن له نية لم يكن عليه [نور] (¬3) ولا على كلامه نور. الثانية: أن يكون له [84ب] حلم ووقار وسكينة. ¬

_ (¬1) ض: "إذا أجاب" والأصل: "إذا حاب" والصواب ما ذكرناه، كما في الإقناع وشرحه (6/ 299) (¬2) "للفتيا" ثابتة في ض، وسقطت من الأصل. (¬3) من شرح الإقناع (6/ 299).

الثالثة: أن يكون قويًا على ما هو فيه وعلى معرفته. [2/ 443] الرابعة: الكفاية، وإلا أبغضه الناس (¬1) لاحتياجه لما في أيديهم. الخامسة: معرفة الناس، بان يكون بصيرًا بمكر الناس وخداعهم. ولا ينبغي أن يحسّن الظن بهم، بل يكون حذرًا فطنًا مما يصوّرون في سؤالاتهم. ويحرم أن يفتي في حالٍ لا يحكم فيها، كغضب ونحوه. فإن أفتى وأصاب صح وكره. اهـ. باختصار. (6) قوله: "وهو" أي القضاء "فرض كفاية": أي وهو رتبة دينية ونصبة شرعية. وفيه فضل عظيم لمن قوي على القيام به وأداء الحق فيه. قال الشيخ: والواجب اتخاذها دينًا وقربةً، فمانها من أفضل القربات. وإنما فسد حال الأكثر لطلب الرياسة والمال بها. اهـ. وفيه خطر كبير ووزر عظيم لمن لم يؤدِّ الحق فيه، فمن عرف الحق ولم يقض به، أو قضى على جهل، ففي النار، ومن عرف الحق وقضى به ففي الجنة. وهذا معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - "قاضٍ في الجنة، وقاضيان في النار" أو كما قال. ويجب على من يصلح للقضاء ولم يوجد غيره ممن يوثق به الدخول فيه إن لم يشغله عما هو أهم منه. ومن لا يحسنه، ولم يجتمع فيه شروطه، حرم عليه الدخول فيه. ومن كان من أهله ووجد غيره فلا يجب عليه. والأولى أن لا يجيب إذا طلب له. فطريقة السلف الامتناع. وإن لم يمكنه القيام بالواجب، لظلم السلطان أو غيره، حرم، وتأكد الامتناع. ويحرم بذل المال في لك. ويحرم أخذه. اهـ. ملخصًا من الإقناع. (7) قوله: "ويختار لذلك أفضل من يجد إلخ": أي وإن لم يعرف من اتصف بذلك سأل عمن يصلح، فإن ذكر له من لا يعرفه أحضره وسأله. فإن عرف عدالته وإلا بحث عنها. فإذا عرفها ولّاه وكتب له بذلك عهدًا. (8) قوله: "ومعلقة": أي لحديث: "أميركم زيد، فإن قتل فجعفر، فإن قتل ¬

_ (¬1) في حفظي قديمًا أن عبارته: "وإلا مَضَغَهُ الناس" فلتراجع في كتب المتقدمين.

[2/ 444] فعبد الله بن رواحة" (¬1) والقضاء كالإمارة، بجامع أن كلاً منهما نيابةٌ في عمل مخصوص، ولأنه لا محظور في ذلك. (9) قوله: "كونها من إمام": فلو خلا البلد من قاض، فاجتمع أهل البلد وقلدوا قاضيًا عليهم، فإن كان الإمام مفقودًا صح ونفذت أحكامه عليهم، وإن كان موجودًا لم يصح. فإن لم يكن فتجدّد بعد ذلك لم يستدم هذا القاضي النظر إلا بعد إذنه. ولا ينقض ما تقدم من حكمه. ويستثنى من اشتراط تولية الإمام أو نائبه تولية المحكَّم، فإنها تصح من غير توليتهما. اهـ. خ ف. (10) قوله: "أو نائبه فيه": أي في القضاة، بأن يفوض الإمام إلى إنسان تولية القضاة، فيكون نائبًا عن الإمام في توليته القضاء، لأن الإمام له تولي ذلك، فجاز له التوكيل فيه، كالبيع. فإن فوَّض له اختيار قاضٍ جاز، وليس له أن يختار نفسه أو ولده أو والده. اهـ. ح ف. بتصرف. (11) قوله: "فلا تجوز توليته مع العلم بعدم صلاحيته: ظاهره أنه تجوز توليته مع الجهل، وليس كذلك، وهو مناقض لما قبله. فالصواب أن يقول: "فلا تجوز توليته مع عدم العلم بصلاحيته"، فالعلم بالصلاحية شرط، لأن الجهل بها كالعلم بعدمها، لأنه الأصل. فإن لم يعرفه سأل عنه من له معرفة به، فإن وجده صالحًا ولاّه، وإلا فلا. (12) قوله: "ومشافهته بها": أي إن كان حاضرًا بالمجلس، "أو مكاتبته" أي إن كان غائبًا، "وإشهاد عدلين عليها" أي التولية، بأن يكتب العهد، ويقرأه على العدلين، ويشهدهما على ما فيه، ويأخذاه إلى الموَلَّى ليشهدا له هناك إذا كان محله فوق خمسة أيام من بلده. (13) قوله: "أو استفاضتها": أي فيكفي استفاضة الولاية إذا كان محل ¬

_ (¬1) حديث "أميركم زيد ... " أورده ابن إسحاق في السيرة (2/ 373) في أول قصة غزوة مؤتة.

فصل فيما تفيده ولاية القضاء

الولاية خمسة أيام فما دون. لأن الاستفاضة آكد من الشهادة. وليذا يثبت بها [2/ 446] النسب والموت، فلا حاجة معها إلى الشهادة كما ذكره م ص. فصل فيما تفيده ولاية القضاء (1) قوله: "ولا يستفيد إلاحتساب إلخ": أي بسبب [عدم] توفية الكيل أو الوزن ونحوهما، لأن العادة [85أ] لم تجر بتولّي القضاة لذلك، لكن إن تخاصموا [إليه] في صحة البيع أو فساده أو قبض ثمنِ أو مثمنٍ فله النظر فيه. وقال في التبصرة (¬1): ويستفيد منه أيضاً الاحتساب على الباعة والمشترين، وإلزامهم بالشرع. ذكره في الإقناع وأقره، وقال: قال الشيخ: ما يستفيده بالولاية لا حدّ له. (2) قوله: "وله طلب رزقٍ من بيت المال": أي لحاجة الناس إلى القضاء، فلو لم يجز الفرض للقضاة لتعطل القضاء وضاعت الحقوق، ولأن أبا بكر لما ولي الخلافة فرضوا له رزقًا في كل يوم درهمين. اهـ. م ص. (3) قوله: "وخلفائه": أي نوابه في الحكم. فإن لم يجعل له شيء من بيت المال، وليس له ما يكفيه ويكفي عياله، ولو من غلةِ وقفٍ ونحوه، وقال للخصمين: لا أقضي بينكما إلا بجعلٍ، جاز له أخذ الجعل، لا الأجرة. وإن كان له ما يكفيه لم يجز أخذالجعل أيضًا. وكذا من تعيّن أن يفتي، وله كفاية، لا يجوز له أخذ الجعل على فتياه، ولا يأخذ أيضًا أجرة خطِّه إن كان له رزق من بيت المال، وإلا جاز. وأمَّا من لم يتعين للفتوى بأن كان بالبلد عالم يقوم مقامه، أو لم يكن له كفاية، جاز له أخذ الجعل على الإفتاء. وعلى الإمام أن يفرض لمن نصب نفسه لتدريس العلم والفتوى في الأحكام ما يغنيه عن الكسب. وله قبول هدية لا ليفتيه بما يريد، وإلا حرمت. ¬

_ (¬1) للحنابلة تبصرتان: الأولى في الفقه وهي للحلواني (- 546 هـ) وهو عبد الرحمن بن محمد، أبو الفتح، وتقدم؛ والثانية في الخلاف، وهي لأبي خازم محمد بن القاضي أبي يعلى (- 527 هـ) ولم يتبين لنا أيهما المراد هنا.

فصل في شروط القاضي

[2/ 446] (4) قوله: "ولا ينفذ حكمه في غير محل عمله": أي وهو محل نفوذ حكمه. لكن له أن يحكم في أي محل شاء منه، فلو شرط عليه في عقد الولاية موضعًا مخصوصًا، إما في داره أو في المسجد ونحوهما، بطلت الولاية، لأن الولاية عامّة فلا يجوز الحجر عليه في موضع جلوسه. وإن قال له: وليتك الحكم بين من ورد دارك والمسجد الفلاني ونحو ذلك، صح ولم يجز أن يحكم في غير داره أو المسجد المسمى له، لأنه جعل ولايته مقصورة على من ورد إلى داره أو مسجده، وهم لا يتعيّنون إلا في ورودهم إلى ذلك. اهـ. ح ف. ببعض تصرف. فصل في شروط القاضي (1) قوله: "ويشترط في القاضي عشر خصال": أي ولا يشترط غيرها. والشاب المتصف بالصفات المذكورة كغيره، لكن الأسن أولى مع التساوي. ويرجّح أيضًا بحسن الخلق، وكذا كل من كان أكمل في الصفات. اهـ. ح ف. ولا يشترط ذلك في المفتي، فتصح فتوى عبدٍ وامرأة وقريبٍ وأمي وأخرس مفهوم الإشارة أو الكتابة. وتصح مع جر النفع ودفع الضرر، ومن العدوّ، وأن يفتي أباه وابنه وشريكه، ومن لا تقبل شهادته له. لكن لا تصح من فاسق لغيره، ولو مجتهدًا. وكذا مستور الحال. ولهما إفتاء أنفسهما. (2) قوله: "مجتهدًا": المجتهد من يعرف من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - الحقيقة والمجاز، والأمر والنهي، والمجمل والمبين، والمحكم والمتشابه، والخاص والعام، والمطلق والمقيد، والناسخ والمنسوخ، والمستثنى والمستثنى منه. ويعرف من السنة صحيحها من سقيمها، وتواترها من آحادها، ومرسلها ومتصلها، ومسندها ومنقطعها، مما له تعلق بالأحكام خاصة. ويعرف ما أجمع عليه مما اختلف فيه، والقياسَ وحدوده وشروطه وكيفية استنباطه، والعربيَّة المتداولة بالحجاز والشام والعراق وما يواليهم. فمن عرف ذلك أو أكثره، ورزق فهمه، صلح للفتيا والقضاء. لكن قال الشيخ: لو ولَّاه في المواريث لم يجب أن يعرف إلا الفرائض والوصايا وما يتعلق بذلك. وإن ولَّاه عقد الأنكحة وفسخها لم

فصل في آداب القضاء

يجب أن يعرف إلا ذلك. وعلى هذا فقضاة الأطراف يجوز أن لا يقضوا في الأمور [2/ 448] الكبار، كالدماء والقضايا المشكلة. وعلى هذا لو قال: اقض فيما تعلم، جاز، ويبقى ما لا يعلم خارجًا عن ولايته. اهـ. قاله في الإقناع [85ب]. (3) قوله: "ولا تشترط العشر صفات" أي لا تشترط كلها، وانظر ما المراد بالصفة التي لا تشترط من هذه الصفات العشر، وهو يحتاج لنظر. فتأمل (¬1). فصل في آداب القضاء (1) قوله: "بلا عنف": بضم العين على المشهور، وحكى بعضهم ضمها وفتحها وكسرها (¬2). (2) قوله: "في لحظِهِ": أي فلا يجوز له أن ينظر لأحدهما في الحكومة كثر من الآخر، أو ينْهَر أحدهما، أو يرفع صوته عليه ما لا يرفعه على الآخر، إلا إذا فعل ما يقتضيه، كأن يفتات عليه، ولا أن يُجْلس أحدهما ويوقف الآخر، ولا يجلس أحدهما بجانبه والآخر بين يديه، إلا أن يأذن أحد الخصمين في رفع الآخر عليه في المجلس، ولا أن يُدخل أحدهما قبل الآخر. (3) قوله: "إلا المسلم إلخ": أي لما روي "أن عليًّا وجد درعه مع يهودي، فاختصما إلى شريح، فلما رأى عليّا قام شريح من مجلِسِهِ وأجلسه في موضعه، وجلس هو مع اليهودي بين يديه. فقال علي: لو كان خصمي مسلمًا لجلست بين يديك" (¬3)، ولما في ذلك من إظهار شرف الإسلام. (4) قوله: "ويحرم عليه أخذ الرشوة": أي لحديث ابن عمر: "لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الراشي والمرتشي" زاد بعضهم "والرائش" ¬

_ (¬1) ذكر شيخ الإسلام في الاختيارات (ص 336) جواز تحكيم الأعمى، مع أنهم قالوا: يشترط في القاضي أن يكون بصيرا. (¬2) لم يذكر في لسان العرب إلا الضمّ. (¬3) القصة أخرجها أبو أحمد الحاكم في الكنى في ترجمة أبي سمير عن الأعمش. وعلّقه البيهقي في السنن (10/ 136) وسندها ضعيف (الإرواء 8/ 243).

[2/ 449] وهو (¬1) السفير بينهما. (5) وقوله: "وكذا هديّة": أي لقوله عليه السلام "هدايا العمال غلول" لكن إن كانت الهدية ممن كان يهاديه قبل ولايته، وليس له حكومةٌ، جاز قبولها. والأولى ردّها. وقال ابن نصر الله: ولا يبعد أن ذلك بشرط أن تكون هديته بعد ولايته كما كانت قبلها، فإن كثَّرها، أو كرَّرها فالظاهر أنه كغيره اهـ. ح ف. حاشية. (6) قوله:"أو يقوم له دون الآخر": أما لو قام لهما فلا كراهية، كما في المنتهى. ويستحب القيامُ للإمام العادل، والوالدين، وأهل الدين والورع، وكرام الناس، وأهل الحسب، ولا يستحب القيام لغير هؤلاء. ويكره القيام لأهل المعاصي والفجور. والذي يقام له ينبغي أن لا تستشرف نفسه إليه، ولا يتعاظم به، فيكون هو وعدمه عنده على حد سواء. ولا يستحب القيام لمن يتكرر مجيئه. والله أعلم. (7) قوله: "وهو حاقن": أي حابس البول. وكذا وهو حاقب، أي حابس الغائط. وقوله "أو شدة جوع إلخ" ظاهره أنه لا يحرم مع الجوع اليسير ونحوه، ومثل ذلك تَوَقَانُ جماعٍ، وفرحٌ غالب، أو خوف، ونحوه من كل ما يشغل الفكر، لأنه يمنع فهم الحكم. فائدة: لا يجوز للقاضي منع الفقهاء من عقد العقود وكتابة الحجج وما يتعلق بأمور الشرع مما أباحه الله ورسوله، إذا كان الكاتب فقيهًا عالمًا بأمور الشرع وشروطه، ولا سيما إذا كان الكاتب مرتزقًا بذلك. وإذا منع القاضي من ذلك ليصير إليه منافع هذه الأمور كان هذا من المكس، وإن كان مَنَع الجاهلين لئلا يعقدوا عقلًا فاسدًا فالطريق أن يعزّر من يعقد نكاحًا فاسدًا، كما فعل عثمان رضي الله عنه فيمن تزوج بغير ولي، ونحوه. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1/ 250) والحاكم (4/ 102) والطّيالِسِي (2276) (الإرواء 8/ 245).

باب طريق الحكم وصفته

(8) قوله: "وإن إمكنه الكتابة بنفسه جاز له اتخاذ الكاتب": مقتضى سياق [2/ 450] العبارة أن يقول "جاز له أن يتولى الكتابة إلخ". (9) وقوله: "جيد الخط": أي لا يشتبه فيه سبعة بتسعة، ونحو ذلك، ويكون صحيح الضبط. باب طريق الحكم وصفته (1) قوله: "كون الدعوى معلومة": أي وكونها محرَّرة. فإن كانت بدينٍ على ميتٍ ذى موته، وحرّر الدين، فإن كان أثمانًا ذكر جنسه ونوعه وقدره؛ وحرَّر التركة. ولا بد من ذكر الدعوى صريحًا، فلا يكفي قوله: لي عنده كذا، حتى يقول: وأنا مطالب به. ولا يشترط ذكر سبب الاستحقاق لعين أو دين، لكثرة سببه، وقد يخفى على المدعي. (2) قوله: "اشترط كونه حالًّا": أي فلا تسمع بمؤجل، لأنه لا يملك طلبه قبل أجله. وقال في الترغيب: الصحيح: تسْمع، إلى آخر ما ذكره الشارح. وهذا توضيح عبارته رحمه الله تعالى. (3) وقوله: "كدعوى تدبير": أي كما أنه تسمع الدعوى بالتدبير، أي وكذا الكتابة والاستيلاد قبل موت السيد، أو أداء مال الكتابة، لصحة الحكم بها، وإن تأخر أثرها. (4) قوله: "وصفها كصفات السلم": فإن كانت عقارًا اشترط مشاهدتها أو ذكر اسمها وحدودها بما تتميز به عن غيرها. وتكفي شهرة العقار عند المتداعيين وعند الحاكم عن تحديده، لحديث الحضرمي والكندي. ومن ادعى عقدًا، ولو غير نكاح، ذَكَرَ شروطه، للاختلاف فيها، فقد لا يكون صحيحًا عند القاضي [86أ]، إلا أن ادَّعى استدامة الزوجية، لأنه لم يدع عقدًا وإنما يدعي خروجها عن طاعته. ويجزي عن تعيين المرأة إن غابت ذكر اسمها ونسبها. وإن ادعى قتل مورّث ذكر القتل، وكونه عمدًا أو شبه عمدٍ أو

فصل في تعديل الشهود وجرحهم

[2/ 453] خطأ. ويصفه، وأن القاتل انفرد بقتله أو لا. وإن ادعى إرْثًا ذكر سببه. (5) قوله: "ويلزمه بالحق بعد أن يسأله المدعي الحكم": وليس له أن يحكم عليه بمجرد إقراره، أو ثبوت الحق عليه ببينة، حتى يسأل المدعي، لأن الحق له، فلا يستوفيه إلا بمسألته. وكذا تحليفه، كما يأتي. (6) قوله: "فيصرفه الحاكم": ويحكم له بالبراءة إن سأله الحكم. (7) قوله: "أو قال: لا يستحق عليَّ شيئًا مما ادعاه": أي وهذا بخلاف ما لو قال: لا يستحقُّ عليَّ ما ادّعاه، فلا يصح هذا الجواب حتى يقول: ولا شيئًا منه، ولا بعضه. وهذا ما لم يعترف بسبب الحق، فلو ادَّعت امرأة مهرها على معترفٍ بزوجيتها، فقال: لا تستحق علي شيئًا، لم يصحّ الجواب، ولزمه المهر إذا لم يقم بيّنةً بإسقاطه أو أدائه. وكذا لو ادَّعت عليه نفقةً أو كسوة، وكذا لو ادعى عليه قرضًا فاعترف به، وقال: لا يستحق علي شيئًا، فلا يكفي، لثبوت سبب الحق. (8) قوله: "فإذا أحضرها وشهدت سمعها": أي وجوبًا، وحَكَمَ إن سأله المدعي الحكم. ولا يلزم البينة أن تقول: "والدين باق بذمته إلى الآن" بل يحكم إذا ثبت سبب الحق استصحابًا للأصل، إجماعًا. (9) قوله: "ترديدها": أي طلب إعادة الشهادة ثانيًا وثالثًا. فصل في تعديل الشهود وجرحهم (1) قوله: "فلا بد من العلم بها": فإن رضي أن يحكم له بشهادة فاسق لم يجز، لأن التزكية حق للشرع. (2) قوله: "فيما أقرّ به في مجلس حكمه": مفهومه أن لا يعمل بعلمه فيما أقر به في غير مجلس حكم، لكن إن استند إلى علمه، معتمدًا على استفاضته، جاز له الحكم، كما ذكر في "الطرق الحكمية" (¬1). ¬

_ (¬1) كتاب الطرق الحكميّة للعلامة محمد بن أبي بكر الزرعي الشهير بابن قيّم الجوزية (- 754 هـ) وكتابه هذا كتاب قيّم استوفى فيه كل ما يصلح أن يكون حجّة يستند إليها القاضي في قضائه غير الشهادات، مع استحضار الحجة من الكتاب والسنة لكل نوع من الحجج.

(3) قوله: "ولا يحكم بعلمه في غير ما ذكر": أي إلا على روايةٍ مرجوحة. [2/ 454] قال المنقّح: وقريب منها، أي مسألة القضاء بعلمه: العمل بطريق مشروع، بان يولَّى الشاهد الباقي من شاهدين بعد موت رفيقه القضاء للعذر، فيقضي بما شهد عليه. وقد عمل به كثير من حكامنا، وأعظمهم الشارح، أي شارح المقنع. اهـ. توضيح. (4) قوله: "فلا بد من المزكين لها": أي للبيّنة. ولا بد مع المزكّين من معرفة حاكمٍ خبرة باطنهما بصحبةٍ أو معاملةٍ (¬1) ونحوهما ككونه جارًا لهما. (5) قوله: "ويكفي في تزكية الشاهد إلخ": أي لا يشترط أن يقول المزكي: "أرضاهُ لي وعليَّ" لكن لا بد من المشافهة في التعديل والجرح، فلا يكفي كتابته أنه عدل أو ضده. ومتى ارتاب الحاكم من عدلين لم يختبر قوة ضبطهما وقوة دينهما لَزِمَهُ البحث عما شهدا به بسؤال كل واحد منهما منفردًا (¬2) عن كيفية تحمله، ومتى وأين، وهل تحمَّل وحده أو مع صاحبه، فإن اتفقا وعظهما وخوَّفهما، فإن ثبتا حكم، وإلا لم يقبلهما. ولا يكفي قول مزكٍّ: لا أعلم إلا خيرًا وإن شهد عليَّ أقبله، ونحوه، بل لا بد من الشهادة بأنه عدل. (6) قوله: "لئلا يجب عليه الحدّ": أي حد القذف. فعلى هذا إذا كان الجارح والدًا للمجروح [له] أن يصرح بالزنا، لأنه لا يحد بقذف ابنه، بل ولا يعزر، كما تقدم. (7) قوله: "ولا بد في اليمين من سؤال المدعي": أي فلو حلف قبل سؤاله فله إعادته. وكذا بلا إذن حاكم. ويحرم تحليف البريء لأنه ظلم، ولا يقبل توريةٌ ولا تأويل إلا لِمظلومٍ. ولا يحلف في مختلفٍ فيه لا يعتقده، نصًّا، وحمله الموفق على الورع. وقال [أحمد] أيضًا: لا يعجبني. وتوقف فيها فيمن عَامَل بحيلةٍ، ¬

_ (¬1) ض: "بصحبتِهِ أو معاملتِه". (¬2) في النسختين: "بسوء" إذ كلّ واحد منهما منفردًا" وهو تصحيف. والتصحيح من شرح الإقناع (6/ 349).

فصل هل ينفذ حكم القاضي باطنا

[2/ 456] كعينةٍ، إذا أنكر الآخذ الزيادة وأراد الحلف عليها. (8) قوله: "فله أن يقيمها بعد ذلك": أي إذا قال: "لا أعلم لي بيّنة"، لا إذا قال "ليس لي بينة" لأنه يكون حينئذ مكذَّبًا لها. وكذا لو قال: كذب شهودي، أو كل بينةٍ أقمتها فهي زور، ونحوه. وحينئذ فكلام المصنف مُنْتَقَدٌ كما لا يخفى. والله سبحانه وتعالى أعلم. (9) قوله: "إن لم تحلف وإلا قضيت إلخ" (¬1) قضيت جواب الشرط الأول، وجواب الثاني محذوف. وتقدم تظير ذلك في هامش باب الرهن، فليراجع. فصل هل ينفذ حكم القاضي باطنا (1) قوله: "ولو كان ذلك في عقدٍ إلخ" أي خلافًا لأبي حنيفة، فعنده: لو أقام بينة زورٍ بزوجية امرأة، وحكم له بها، حلّتْ له. وكذا لو أقام [86ب] بينة زور على رجل بأنه طلق زوجته ثلاثًا، جاز لأحد الشهود أن يتزوجها. (2) قوله: "ويصح أن تتزوج غيره ... إلخ" وقال الموفق: لا يصح، لئلا يلزم عليه أن يطأها اثنان أحدهما جهرًا والآخر سرًا. فصل في القضاء على الغائب (1) قوله: "ولو في غير عمله إلخ" وفاقًا لما قاله في الإقناع وغيره، وخلافًا لما في المنتهى. فليتأمل. فائدة: ولا يجب على المحكوم له على الغائب ونحوه يمين على بقاء حقه في ذمة غائب ونحوه، إلا على رواية: قال المنقح: وعليها العمل في هذه الأزمنة. اهـ، لفساد أحوال غالب الناس، ولاحتمال أن يكون استوفى ما شهدت له به البينة ة ولا يلزم القاضي أن ينصب من ينكر أو يجيب بغيره عن الغائب. ¬

_ (¬1) الأولى أن يقول: "إن حلفتَ وإلا قضيت عليك" أي إن حلفت برئتَ وإلا قضيت عليك. أو يقول: "إن لم تحلف قضيت عليك" بغير إلّا. وهو ظاهر. والله أعلم.

باب القسمة

(2) قوله: "في غير مال" أي كنكاح وطلاق ونحوهما. والتوكيل في المال [2/ 458] من باب أولى. فلو قال: "ولو في غير مال" لكان أولى. وأجمعوا على قبول كتاب القاضي إلى القاضي، لدعاء الحاجة إليه، فإن من له حق في غير بلده لا يمكنه إثباته والطلب به بغير ذلك، إذ يتعذر عليه السفر بالشهود، وربما كانوا غير معروفين به، فيتعذر الإثبات به عند حاكم. اهـ. م ص. (3) قوله: "ويدفعه لهما": أي فإذا وصلا بالكتاب إلى المكتوب إليه دَفَعاهُ له وقالا: "نشهد أن هذا الكتاب كتاب القاضي فلان، كتبه بعمله، وأشهدَنَا عليه" والاحتياط ختمه بعد أن يقرأ عليهما. (4) قوله: "يقع به إشكال": أي وأما إن كان الميت لا يقع به إشكال (¬1) ولا التباس بالمدعى عليه المذكور فلا يعتبر قوله. (5) قوله: "فيتوقف حتى يعلم الخصم": أي فيحضر القاضي المساوي له إن أمكن، ويسأله، فإن اعترف بالحق لزمه وتخلص الأول، وإن أنكر وقف الحكم، وكتب إلى القاضي الكاتب يعلمه بما حصل من اللبس، حتى يرسل الشاهدين، فيشهدا عنده على أحدهما بعينه، فيلزمه الحق. اهـ. م ص. باب القسمة (1) قوله: "وكانت بيعًا إلخ": فعلى هذا يشترط لها شروط البيع، من الرضا والرشد ونحوهما. قال ح ف: ومقتضاه أنه لا تصح القسمة فيها إن كانت مرهونة أو موقوفة، أو بعضها. اهـ. (2) قوله: "يثبت فيها ما يثبت فيه من الأحكام": أي من رد بعيب، وخيار مجلس، وخيار شرط وغبن، وغير ذلك. اهـ. م ص. (3) قوله: "أجبر إلخ": أي إذا دعاه لبيعه من غيرهما، وأما إن طلب منه أن ¬

_ (¬1) قوله: "وأما إن كان به إلخ" ساقط من ض.

[2/ 460] يبيعه منه حقه فلا يجبر. وكذا شراؤه أو إجارته أو استئجاره منه، بل يباع أو يؤجر لغيرهما. وهذا كالصريح في كلامهم. فلو اقتسما لبن الحيوان ليحتلبه هذا يومًا ولهذا يومًا، أو ثمرة الشجرة لتكون هذا عامًا ولهذا عامًا لم يصح، لما فيه من التفاوت الظاهر. لكن طريقه أن يبيح كل واحد منهما نصيبه لصاحبه في المدة. اهـ. ح ف. (4) قوله: "غرم ما انفرد به": ومثله لو استوفى أحدهما نوبته، ثم تلفت المنافع في مدة الآخر، فإنه يرجع على الأول ببدل حصته من تلك المدة التي استوفاها، ما لم يكن قد رضي بمنفعة الزمن المتأخر على أي حال كان. قاله الشيخ تقي الدين. اهـ. ح ف. قلت: فعلى هذا فالرّحى التي يديرها الماء بوادي نابلس، وهي لا تدور إلا بعض فصلي الشتاء والربيع لضعف الماء، وبعض السنين لا تدور أصلاً لعدم خروج الماء فإنها إذا قسمت مهايأة على السنين، ورضي كل منهما بسنته على أي حال كانت، ليس لمن تعطل نفعها في سنَتِهِ الرجوع على الآخر، وإلا فله الرجوع. والله أعلم. وها هنا مسألة أيضًا، وهي أنه إذا تهايأ الشريكان أرضًا، كل واحد منهما يزرعهما عامًا أو أكثر، ومضى لذلك مدة طويلة، حتى جهل من زرعها أولاً، ثم أرادا أن يقتسماها، فقال أحدهما لصاحبه: أنت زرعتها في العام الماضي فأريد أن أزرعها في هذا العام بمقابلة ما زرعت، فقال له الآخر: أنت زرعت العام الذي قبله، وأنا زرعتها بمقابلة ذلك، فتساوينا، ونريد أن نقسمها، وأبى الآخر حتى يستوفي نوبته على زعمه، فهل يتحالفان ويقتسمانها ولا رجوع لأحدهما على الآخر، وإذا نكل أحدهما لزمه ما قال صاحبه؟ الظاهر: نعم. فتأمل. فائدة: لا تصح قسمة الدين في ذمم الغرماء، ولو بالرضاء. واضطرب كلام صاحب الإقناع، فذكر في الشركة أنها لا تصح، وذكر في باب القسمة أنها تصح. فالظاهر أنه مشى في كل موضع على قول، لكن بعد ذكره في القسمة أنها تصح قال "وتقدم في الشركة" فهذا يدل على أنه سهو [87أ].

فصل في قسمة الإجبار

فصل في قسمة الإجبار [2/ 461] (1) قوله: "ولو لم تتساو أجزاء هذه إلخ": أي بان كانت الأرض الواسعة مثلاً بين ثلاثة أثلاثًا، وهي ثلاثون ذراعًا، لكن بعضها جيد وبعضها رديء وبعضها متوسط، فأخذ أحدهم خمسة أذرع، والثاني عشرة، والثالث خمسة عشر، ولكن قيمة ذلك متساوية، فهذه قسمة إجبار. (2) قوله: "ويدخل الشجر تبعًا": يعني إذا قسم البستان أرضًا وشجرًا معًا فهي قسمة إجبار، كقسمة أرضه دون الشجر. وأما قسمة الشجر دون الأرض فقسمة تراضٍ، وتقدم. (3) قوله: "فيجبر الحاكم إلخ": هذا مفرع على قوله "ليس بيعًا" أي فلو كانت بيعًا لم يجبر الحاكم إلخ. أي ولهذا امتنع الأخذ بالشفعة فيها ولزمت بالقرعة. وصحّ قَسْمُ لحم هدي وأضاحٍ ونحوه مما لا يصح بيعه، لا رطب من ربوي ويابس منه، بأن يأخذ أحدهما الرطب والآخر اليابس. ويصح قسم وقف. قال في المنتهى: "ولو على جهة" أي واحدة. وذكر في الفروع أنه ظاهر كلام الأصحاب. وقال: وهو أظهر. وقال الشيخ: إذا كان الوقف على جهة واحدة فلا تقسم عينُهُ قسمةً لازمة اتفاقًا، لتعلق حق الطبقة الثانية والثالثة، لكن تجوز المهاياة بلا مناقلة (¬1). قال م ص: قلت: بل ما ذكره الشيخ تقي الدين أظهر، وجزَم به في الإقناع. والله أعلم. (4) قوله: "أن يثبت عند الحاكم ملك الشركاء إلخ": أي فإذا سألوا الحاكم قسمة عقار لم يثبت عنده أنه لهم لم يجب عليه قَسْمُهُ، بل يجوز برضاهم، فإن قسمه ذكر في كتاب القسمة أنه قسمه بمجرد دعواهم بملكه، لا عن بينة شهدت ¬

_ (¬1) في ض "بلى مناقلة" وفي الأصل "تجوز المهاياة مناقلة" وأثبتنا ما هو الصواب على ما يقتضيه السياق.

[2/ 464] لهم به. وإن ثبت عنده ببينة قسمه بطلب بعضهم ولو لم يتفقوا، لجواز جبر الممتنع. (5) قوله: "وإن خير أحدهما الآخر إلخ" هذا مقابل لقوله: "وإن تقاسما بالقرعة إلخ" يعني إذا كانت القسمة بالقرعة فليس فيها خيار مجلس ولو تقاسما بأنفسهما، وإن كانت بالتخيير والرضا ثبت فيها خيار المجلس، ولو كان القاسم غيرهما. هذا ما ظهر لي، خلافًا لما ذكره م ص في شرح المنتهى. (6) قوله: "بين فسخ أو إمساك": أو بمعنى الواو على حد قول الشاعر: قومٌ إذا سمعوا الصَّرِيخَ رأيتَهُمْ ... ما بين ملجم مُهْرِه أو سافِعِ ولهذا مما أولع به الفقهاء، والصواب ذكره بالواو لأن التخيير بين الشيئين، لا بين شيء أو شيءٍ، كما هو واضح، ولذلك قال الشارح: فيخير بين الفسخ والإرث. (7) قوله: "قال في المنتهى إلخ" ليس هذا مباينًا لعبارة المصنف، بل مبيِّن لها. وتوضيح ذلك أنه إن ادعى أحد المتقاسمين غلطًا، ولم يصدقه المدعى عليه، فإن كانا تقاسما بأنفسهما وأشهدا على رضاهما، لم يلتفت لهذه الدعوى ولو مع بينة. ولا يحلف غريمه إلا أن يكون مسترسلاً فيغبن بما لا يتسامح به عادة، فتسمع بينته. وإن كان بقاسم نصباه، أو نصبه حاكم، حلف منكر الغلط إن لم تكن بينة. (8) قوله: "تحالفا إلخ": فإن نكل أحدهما فهو، أي المدعى به، للحالف، وإن نكلا فالظاهر أنها تنقض القسمة أيضًا. والله أعلم. (9) قوله: "وإن حصلت الطريق إلخ": ظاهر هذا أنه لا يجبر من يلي الباب على الاستطراق من حصته كما هي قبل القسمة، مع أن مسيل الدماء يبقى بعد القسمة على ما هو عليه قبلها إلا باشتراط منعه، فهل بينهما فرق؟ (10) وقوله: "بطلت" أي ما لم يكن راضيًا عالمًا بأن لا طريق له، كما ذكره ح ف عن ابن قندس. وهو واضح.

باب الدعاوى والبينات

باب [2/ 465] الدعاوى والبينات (1) الدعاوى بكسر الواو وفتحها، كما في الحاشية. (2) قوله: "جائز التصرف": وهو الحر المكلف الرشيد. (3) قوله: "أن لا تكون بيد أحد": أي كما لو تنازعا مسناة بين نهر أحدهما وأرض الآخر، فيحلف كل منهما أن نصفها له، ويتناصفانها، كجدارٍ بين ملكيهما، ولا يقدح إن حلف أن كله له أحدهما أو كلاهما. قاله في المنتهى. قلت: ومن هنا يؤخذ حكم ما يوجد بين أرضين إحداهما أعلى من الأخرى، ويسمونه "الحَبَلَة" فهو جدار ممسك للعليا لاصق بالسفلى، ومنه ما يكون قائمًا منتصبًا ومنه ما يكون فيه ميل، ويتفاوت. وعل كل فالظاهر أنهما يتحالفان ويتناصفانها. لكن يتوجّه أنه ليس لرب السفلى أن يحرث أو يحفر [87ب] فيها إذا كان ذلك سببًا لسقوط شيء من العليا. والله أعلم. (4) قوله: "بيد أحدهما": أي ولا بينة للآخر، فهي له بيمينه. لكن لو ادّعى كفنًا على ميتٍ ولا بينة له، فهو للميت، ولا يمين على واحد. اهـ. ح ف. (5) قوله: "ولو أقام بينة": أي لأنه داخل، ولا تسمع بينة داخلٍ مع عدم بينة خارج، كما صرح به في المنتهى؛ ولأنه مدعًى عليه. وقد قال في الانتصار (¬1): لا تسمع إلا بينة مدّعٍ باتفاقنا. فقوله "ولو أقام بينة" غاية لقوله "فإن لم يحلف قضي عليه بالنكول" وحينئذ فقول الشارح: قال في المنتهى إلخ غير مصادمٍ لعبارة المصنف، لأن عبارة المنتهى: "الثاني أن تكون بيد أحدهما، فهي له، ويحلف إن لم تكن بينة" اهـ. أي إن لم تكن لمن العين بغير يده، وهو المدعي، فإن كان له بينة حكم له بها. وعبارة الإقناع بمعناها. فعبارة الشارح تشعر بالاعتراض على عبارة المصنف، وقد علمت ما فيه. ¬

_ (¬1) الانتصار هو للقاضي أبي يعلى.

[2/ 466] (6) قوله: "وإن تنازع صانعان إلخ": ومثله لو تنازع زوجان، أو ورثتهما، أو أحدهما وورثة الآخر، ولو مع رِقِّ أحدهما، في قماش البيت ونحوه، فما يصلح لرجل فهو له، وما يصلح لها فهو لها، وما يصلح لهما فهو لهما. وكل من قلنا هو له فهو له (¬1) كما صرحوا به في غير موضع. (7) قوله: "من طريق الحكم أو من طريق المشاهدة": أي عملاً بالظاهر، فإن لم تكن يَدٌ حُكميةٌ، كرجل وامرأة تنازعا شيئًا ليس بدارهما، أو صانعان تنازعا آلة ليست بدكانهما، فلا يرجَّح أحدهما بشيء مما ذكر، بل إن كان بيد أحدهما فله، أو بيديهما فلهما، أو في يد غيرهما ولم ينازع أُقرع بينهما. اهـ. م ص. (8) قوله: "فالعين له إلخ": أي سواء كان المدعي أو المدعى عليه، قاله م ص في شرح المنتهى. ثم قال: وقد ذكرت ما فيه في الحاشية. اهـ. فالظاهر أن الذي ذكره في الحاشية يرد عليه قوله فيما سبق: "ولا تسمع بينة داخل مع بينة خارج " إلا أن يقال: كل واحد منهما واضع يده، فليس داخلاً محضًا. والله سبحانه وتعالى أعلم. (9) قوله:"وتساوتا من كل وجه": أي بأن تشهد كل منهما باليد والملك. فلو شهدت إحداهما بالملك، والأخرى باليد، قدمت الأولى. ذكره ح ف. لكن لو وقتت إحداهما دون الأخرى، أو شهدت بينةٌ بالملك وسببه، كنتاج أو غيره، وبينة بالملك وحده، أو بينة أحدهما بالملك له منذ سنة، وبينة الآخر بالملك له منذ شهر، ولم تقل اشتراه منه، فهما سواء، ولا تقدم إحداهما بكثرة العدد ولا اشتهار العدالة، ولا الرجلان على الرجل والمرأتين، ولا الشاهدان على الشاهد واليمين. (10) قوله: "فهي له بيمينه": أي فمن قَرَعَ صاحبه حلف وأخذه، كما لو لم يكن لواحد منهما بينة. روي عن ابن عمر وإبن الزبير. قاله م ص. ثم قال: وفيه ما نبّهت عليه في الحاشية. اهـ. والذي يظهر لي أن الذي نبّه عليه في الحاشية كون هذا معارضًا لما تقدم أوَّل الباب، من أنهما يتحالفان ويتناصفان، مع أن عبارة ¬

_ (¬1) هكذا في النسختين. ولعل الصواب "فهو له بيمينه".

المنتهى والإقناع كذلك. فليحرر. [2/ 467] (11) قوله: "وبينة الخارج مقدَّمة على بينة الداخل": أي سواء أقيمت بينة الداخل بعد رفع يده أوْ لا، وسواء شهدت بنتاجه في ملكه أوْ لا. وتسمع بينته وهو منكر لادِّعائه الملك لما بيده. وكذا من ادعى عليه تعدّيًا ببلد ووقت معينين، وقامت به بينة، وهو منكر، فادعى كذبها، أو أقام بينةً أنه كان بذلك الوقت بمحلٍّ بعيد من البلد، فتسمع ويعمل بها. (12) قوله: "عن اليمين": أي لكل واحد منهما إن نكل عن اليمينَيْن. أما إن نكل عن إحداهما فإنه يحكم بها كلها لمن نكل عن الحلف له، ويحلف من يأخذها لصاحبه أيضًا، كما صرح به ع ن. وظاهر كلامهم أنه لو حلف لهما يمينًا واحدة، وذكرهما فيها معًا، لا يكفي، بل لا بد من يمينين، ما لم يرضيا بواحدة، والله أعلم. (13) قوله: "وحلف كل واحد لصاحبه": فإن أقام أحدهما بينة أنها له بعد حلف صاحبه فالظاهر أنه يحكم له بها، ويرجع من انتزع منه النصف على المقر بذلك. اهـ. ع ن. وكذا لو أقر لأحدهما بالعين، فأقام الآخر بيّنة أنها ملكه، أخذها من المقر له. قال في الروضة (¬1): وللمقرّ له قيمتها على المقِرِّ. قال الفتوحي: ولم يعرف ذلك لغير صاحب الروضة اهـ. قال م ص: وهو بعيد. اهـ. مع أنه جزم به في المنتهى والإقناع، لكن قواعد المذهب تأباه. (14) قوله: "أي وإن لم يصدّقاه": أي بأن يكذباه أو يكذبه أحدهما. (15) قوله: "وإلّا حلف يمينًا [88أ] واحدة ويقرع إلخ": لم يقل: ثم يقرع، إشارة إلى أن القرعة لا تتوقف على الحلف، بل تصح قبله، فإن نكل عن اليمين أخذ العين من خرجت له القرعة، ويحلف للمقروع إن كذَّبه في عدم العلم. فإن نكل أخذ منه بدلها. وإن أنكرها ولم ينازع أقرع بينهما. فلو علم أنها للمقروع فقد ¬

_ (¬1) "روضة الفقه" قال الدكتور بكر أبو زيد: هو كتاب لم يُعْلَم مؤلفه من الحنابلة. ونقل عنها الفتوحي كما في هذه المسألة. ونقل عنها غيره (المدخل المفصّل 2/ 1046) قلت: ونقل عنه قبل ذلك صاحب الفروع كما في (6/ 3).

[2/ 469] مضى الحكم، فإنها لمن خرجت له القرعة. وإن كان لأحدهما بينة حكم له بها، وإن كان لكلٍّ بينة تعارضتا، سواء أقر لهما أو لأحدهما لا بعينه، أو ليست بيد أحد. وإن أنكرهما فأقاما بيّنتين، ثم أقر لأحدهما بعينه، لم ترجح بينة المقر له بذلك، وحكم التعارض بحاله، وإقراره صحيح. وإن كان إقراره قبل إقامتهما البينتين فالمقَرُّ له كداخلٍ والآخر كخارج، وإن لم يدّعها لنفسه ولم يقرّ بها لغيره ولا بينة لواحد فهي لأحدهما بقرعة. ***

كتاب الشهادات

كتاب الشهادات [2/ 470] (1) قوله: "ولا توجبه": أي بل القاضي يوجبه بها (¬1). فائدة: قال في الفروع "ولا يقيمها" أي الشهادة، على مسلم بقتل كافر. قال م ص: فظاهره: يحرم. ولعل المراد عند من يقتله به. اهـ. أقول: يؤخذ منه أن الشاهد على شيءٍ مختلف فيه، كمسائل العينة ونحوها ممّا زاد على أصل المال، لا يشهد به عند من يلزمه به. ويتجّه أن هذا يجوز فيه الأداء وتركه. والله أعلم. (2) قوله: "في حقوق الآدميين": وأما في حقوق الله تعالى كزنا وشرب خمر فيُخيَّر بين أدائها وعدمه، لأن حقوق الله مبنيّة على المسامحة. بل استحب القاضي وأصحابه وأبو الفرج والموفّق ترك الأداء، ترغيبًا في الستر. وللحاكم أن يُعَرِّض للشهود بالتوقف عن الشهادة فيها. (3) قوله: "وغيرها": أي كحدّ قذف. (4) قوله: "وأداؤها فرض عين": هذا نص الإمام، على ما في الفروع. وهو ظاهر الخرقى. وقال عنه في الإنصاف: إنه المذهب. وقدّم الموفق أنه فرض كفاية أيضًا، وجزم به جمع. قلت: ولعل الخلاف لفظي، فمن قال إنه فرض عين أراد أنه إذا دُعيَ أحد الشهود لأدائها تعيّن عليه، ولا يجوز له التخلف بدون عذر، ومن قال: فرض كفاية، أراد أنه إذا تحمل الشهادة جمع، فشهد منهم من يكفي في إثبات الدعوى، سقط أداؤها عن الباقين، وكلا ذين لا خلاف فيه. والله سبحانه وتعالى أعلم. (5) قوله: "ويحرم كتم الشهادة": أي للآية. واعلم أن تحمُّل الشهادة وأداءها إنما يجبان على من يدعى لهما ممن تقبل شهادته، ويقدر عليهما، بلا ضرر يلحقه في بدنه أو ماله أو أهله أو عرضه، أو يحتاج إلى تبذُّلٍ في التزكية، ونحو ¬

_ (¬1) هكذا في ض. وفي الأصل: "بل القاضي يوجبه أيضًا".

فصل

[2/ 471] ذلك. (6) قوله: "ولا ضمان": أي على كاتم الشهادة إذا تعذّر الحق بدونها، وإنما يأثم بذلك. هذا ما ظهر لي من هذه العبارة. وفي الحاشية: قوله "ولا ضمان" أي لا يضمن من بان فسقه من الشهود. اهـ. وفيه نظر، لأنه لم يتقدم لمن بان فسقه ذكر، فتنبه. (7) قوله: "بدليل قوله تعالى إلخ": أي ولقول ابن عباس:"سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الشهادة، قال: ترى الشمس؟ قال: على مثلها فاشهد أو دَعْ". رواه الخلال في جامعه (¬1). والمراد العلم بأصول المُدْرَك لا بدوامه، ولذلك يشهد بالدَّيْنِ مع جواز دفع المدين له، وبالإجارة والبيع مع جواز الإقالة ونحوها. أشار إليه القرافي. اهـ. م ص. (8) قوله: "كمعاينة السبب من بيع وإرثٍ": أي لأنه يحتمل أن يكون البائع والمورث غير مالك، كما أنه يحتمل أن من بيده شيء يتصرف فيه مدة طويلة غاصب له، ونحوه. فكما جازت الشهادة بالملك في الأولى جازت في الثانية، إذ لا فرق بينهما. فصل (1) قوله: "وهذا فيما إذا أطلق الشهادة": أي الاثنان أو أحدهما فقط، كما لو شهد أحدهما بألفٍ وأطلق، وشهد الثاني بخمسمائة ثمن مبيع، فإنها تكمل البينة بخمسمائة، ويحلف على الباقي. وأما إن قيّد كل واحد منهما، فإن اتفقا كملت البينة، وإن اختلفا فقال أحدهما ثمن مبيع، وقال الآخر: قرضًا، فلا. (2) قوله: "لأن ذلك رجوع عن الشهادة إلخ": هذه إشارة للذي قال: قضاه بعضه، في المسألة الأولى. وقوله: "هذا لا يقول إلخ" إشارة لمن قال: قضاه نصفه، في الثانية. ¬

_ (¬1) وفي الإرواء (8/ 282): أخرجه العقيلي في الضعفاء (380)، والحاكم (4/ 98) والبيهقي (10/ 156) وإسناده ضعيف.

باب شروط من تقبل شهادته

(3) قوله: "والمنصوص عن أحمد أن شهادته تقبل إلخ": أي في المسألة [2/ 473] الأولى. وقوله: "وللمشهود له ما اجتمعا عليه إلخ" أي ويحلف [88ب] على الباقي مع الشاهد الثاني، ويستحقه، قياسًا على ما تقدم. (4) قوله: "لم يقبل منه": أي لأنه ينافي شهادته أولاً. وهذا -والله أعلم- فيما إذا شهد بأن له عليه ألفًا، وأما إن شهد بأنه أقرضه ألفًا، ثم بعد الحكم به شهد بقضاء خمسمائة، فلا مانع من قبول شهادته، إلا أنه لا يكفي وحده، بل لا بد من شاهد آخر، أو يمين. فليحرر. والله سبحانه وتعالى أعلم. (5) قوله: "ولو شهد اثنان في جمع من الناس إلخ": قال في المنتهى: ولا يعارضه قول الأصحاب: إذا انفرد واحد فيما تتوفر الدواعي على نقله مع مشاركة خلق كثيرين رُدَّ قوله. قال في شرحه: للفرق بين ما إذا شهد واحد وبين ما إذا شهد اثنان، وبين التقييد يكون الشيء مما تتوفر الدواعي على نقله وبين عدم ذلك القيد اهـ. باب شروط من تقبل شهادته (1) قوله:"لصغير": أي دون البلوغ، ولو على صغير مثله. وقيل تقبل من ابن عشر فأكثر إذا كان متصفًا بما يتصف به المكلف العدل، بأن كان صدوقًا غير متهم بالكذب. كما في الشرح الكبير. (2) قوله: "والصبي لا يسمى رجلاً": فيه أنه قد ذكر أهل اللغة أن الرجل اسم للذكر البالغ من بني آدم، أو هو [رجل] ساعةَ يولد. ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم - "ما أبقت الفروض فلأولى رجل ذكر" وألحق برجل لفظ "ذكر" خوفًا من توهم أن الرجل لا يطلق إلا على البالغ، فيكون التعصيب له دون غيره. إلا أن يقال: لا يطلق الرجل على الصغير إلا بقرينة، كما في الحديث. والله أعلم. (3) قوله: "وهو نوع من العلوم الضرورية": أي غريزة ينشأ عنها ذلك، وليس مكتسبًا، بل خلقه الله تعالى للفرق بين الإنسان والبهيمة. والعلم الضروري

[2/ 475] هو الذي لا يمكن ورود الشك عليه. فالعقل قوة تدرك ذلك، لا نفس الإدراك. ومحله القلب، وله اتصاله بالدماغ. (4) قوله: "الضروري وغيره": أي غير الضروري، وهو النظري. اعلم أن الواجب عقلاً هو الذي لا يدرك في العقل عدمه، إما ابتداءً بلا احتياج إلى سبق نظرٍ، ويسمى الضروري، كالتحيّز للجرم، فإن العقل يدرك ابتداء أنه لا بد للجرم من الحيِّز، أي أخذه قدرًا من الفراغ. وإما بعد سبق نظر، ويسمى "نظريًا"، كالقِدَم لمولانا عز وجل، فإن العقل إنما يدرك وجوبه له سبحانه وتعالى إذا فكَر العاقل وعرف ما يترتب على ثبوت الحدوث له عز وجل من الدور والتسلسل الواضحي الاستحالة. والحاصل أن الواجب عقلاً هو ما لا يتصور في العقل عدمه. والممكن هو ما يتصور في العقل وجوده وعدمه. وهو إما ضروري أو نظري، فالأول كاتصاف الجرم بخصوص الحركة، والثاني كتعذيب المطيع الذي لم يعص الله طرفة عين. والممتنع، أي المستحيل، هو ما لا يتصور في العقل وجوده. وهو ضروري ونظري، فالأول كتجرد الجرم عن الحركة والسكون معًا، والثاني ككون الذات العلية جرمًا، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا، لأنه لو كان جرمًا لوجب له الحدوث (¬1). (5) قوله: "كوجود الباري": هذا مثال للواجب النظري، وقوله "وكون الجسم الواحد ليس إلخ" مثال للواجب الضروري. وكذا قوله "وكون الواحد إلخ" وقوله "واستحالة اجتماع الضدين" الصواب أن يقول "واجتماع الضدين" فيكون ¬

_ (¬1) الصواب أن الجسم والجرم والجهة ونحوها لا نُثْبَتُ لله تعالى ولا تنفى عنه، إذ لم يرد في الكتاب والسنة إثباتها ولا نفيها، ولأن إثباتها قد يوهم كونه تعالي مخلوقًا، ونفيها يوهم التعطيل من صفات الاستواء والمجيء والنزول. فمثبت ما أثبته الكتاب أو السنة الصحيحة، وننفي ما نفياه، وما عدا ذلك نسكت عنه لأنه من عالم الغيب، وهو لا يقاس على عالم الشهادة.

تمثيلًا للممتنع، ولم يمثل للممكن، وهو كوجود العالم. ولا يخفى ما في هذه [2/ 476] العبارة من التسمّح. فائدة: وما اتخذه أرباب الدنيا من العادة والنزاهة عن أمور لا يقبحها السّلف، ولا اجتنبها أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،كتقذرهم من حمل الحوائج والأقوات للعيال، ولبس الصوف، وركوب الحمار، وحمل الماء على الظهر، والرزمة إلى السوق، فلا يعتبر في المروعة الشرعية، لفعل الصحابة رضي الله عنهم وعنَّا بهم. (6) قوله: "وهو أداء الفرائض": أي الصلوات الخمس والجمعة وصوم رمضان والزكاة والحج ونحو ذلك مما يجب شرعًا. (7) قوله:"برواتبها": أي رواتب فرائض الصلاة، ومنها الوتر، بل هو آكدها، للخلاف في وجوبه. (8) وقوله: "رجل سوء": أي لأن تهاونه بالسنن يدل على عدم اعتنائه بالدين، ولأنه ربما أدى إلى تهاونه بالفرائض. (9) قوله: ولا يُدْمِنَ على صغيرة": أي لا يداوم عليها. وفي الترغيب: بأن لا يكثر منها، ولا يصرّ على واحدة منها. قال في الفروع: وظاهر الكافي [89أ]: العدل من رَجَحَ خيره ولم يأت كبيرةً، لأن الصغائر تقع مكفَّرةً أوّلاً فاوّلًا، فلا تجتمع. اهـ. م ص. (10) قوله: "والكذب إلخ": ومن الكذب إذا جاءه طعام فقال: لا آكله، ثم أكله، ومن كتب لغيره كتابًا، فأملى عليه كذبًا لم يكتبه. نقله الأثرم اهـ. م ص. (11) قوله: "وترك ما يدنسه وبشينه": ظاهر عطفه بالواو أن المروعة فعل ما يجمِّل ويزين، وترك ما يدنس ويشين، معًا. فلو كان سخيًّا حسن الخلق والجوار، يبذل جاهه لمن استوجهه، ومع ذلك يحكي المضحكات، أو يلعب بالشطرنج، ونحوهما، فإنه لا تقبل شهاداته. وكذا لو كان بخيلاً سيّئ الخلق والجوار فلا تقبل شهادته ولو غير متصف بلعب وَنحوه، لأن ذلك أيضًا مخل بالمروءة، كما يعلم من عباراتهم.

[2/ 477] وهل لا بد من اتصاف من تقبل شهادته بجميع الأوصاف المذكورة، وهي حسن الخلق والمجاورة والسخاء وبذل الجاه، أو يكفي واحدة منها؟ وقد يقال: هي متلازمة غالبًا قلَّ من يوجد سخيًا إلا وهو متصف بجميع ذلك. (12) قوله: "وتاب الفاسق": فتوبة القاذف بتكذيب نفسه ولو صادقًا (¬1)؛ وتوبة غيره ندم وإقلاع، وعزم على أن لا يعود. وتوبة من ترك واجبًا بفعله، ومن قصاصٍ وحد قذفٍ ببذلِ نفسه للمستحق. ويعتبر ردُّ مظلمةٍ فُسِّق بترك ردّها كمغصوب ونحوه، أو يستحلّه، والتوبة من الباع الرجوع عنها. ولا يشترط لصحة التوبة من قذفٍ وغيبةٍ ونحوها إعلام المقذوف أو المغتاب ونحوهما. وأذا استحلّه يأتي بلفظٍ مبهم، لصحة البراءة من المجهول. ومن أخذ بالرخص، أي تتبَّعها من المذاهب فعمل بها، فُسِّق، نصًّا. وذكره ابن عبد البر إجماعًا. وذكر القاضي: غير متأول ولا مقلد. والأشهر عدم وجوب التمذهب بمذهب، والامتناع من الانتقال إلى غيره. ومن أوجب تقليد إمام بعينه استتيب، فإن تاب وإلا قتل. وإن قال: ينبغي، كان جاهلاً ضالاًّ. قاله الشيخ. ومن أتى قرعًا فقهيًّا مختلفًا فيه، فإن اعتقد تحريمه ردت شهادته، وإن تأول أو قلّد من يقول بحلِّه فلا ترد. وأدخل القاضي وغيره الفقهاء في أهل الأهواء وأخرجهم ابن عقيل وغيوه. وهو المعروف عند العلماء. ذكره ابن مفلح في أصوله. نقله عنه في الإقناع. (13) قوله: "قبلت الشهادة بمجرد ذلك". لكن لو شهد الفاسق فردت شهادته، ثم تاب وأعاد تلك الشهادة بعينها، لم تقبل، للتهمة. وظاهر هذا أنه إن تاب بالمجلسى قبل أدائها، ثم أداها، تقبل. فليحرر. (14) قوله: "فتقبل شهادة حجّام إلخ": أي لحاجة الناس إلى هذه الصنائع، لأن كل أحد لا يليها بنفسه، فلو ردت بها الشهادة أفضى إلى ترك الناس لها، فيشق ذلك عليهم. ¬

_ (¬1) أي في الباطن.

باب موانع الشهادة

أقول: ويتجه: إن وَلِيَ هذه الصنائع من لا تليق يه، كأهل العلم ونحوهم، [2/ 479] فلا تقبل شهادته لأنها دنيئة في حقهم. والله أعلم. باب موانع الشهادة (1) قوله: "وهي ستة": وكذا في الإقناع. وعدها في المنتهى سبعة، فزاد من الموانع: الحرص على أدائها قبل استشهاد من يعلم بها، قبل الدعوى أو بعدها. قال م ص: وهل يصير مجروحًا بذلك؟ يحتمل وجهين، ذكره في الترغيب. (2) قوله: "ولو في الماضي": ظاهره أنه سواء كانت ردت شهادته حال الزوجية ثم أداها بعد الفراق، أوْ لا، خلافًا لما في الإقناع. واستغرب صاحب الإقناع في حاشيته على التنقيح إطلاق عدم قبولها بعد الفراق، مع أن المنقِّح لم ينفرد بذلك، بل سبقه إليه في المبدع. فظاهر كلامهما عدمه مطلقًا. ويؤيده تعليل م ص. بقوله: "لتمكنه من بينونتها ثم يعيدها" اهـ. قال ح ف: ولذلك نظائر، وهي عدم قبول شهادة الوكيل بعد العزل، والأجير بعد فراغ العمل، والشريك بعد ألانفصال، فيما يتعلق بذلك. اهـ. قلت: وفيه شيء، والمتجه عندي: إذا ظهرت قرينةٌ أو إمارةٌ على إرادة بينونتها لذلك فلا تقبل الشهادة، وإلا، كان أبانها منذ سنين متعددة، فلا مانع من قبول الشهادة. وبهذا يحصل التوفيق بين كلامهم. والله سبحانه وتعالى أعلم. (3) قوله: "وكل من لا تُقْبَلُ له فإنها تقبل عليه": قال ع ن: إلا على زوجته بالزنا، فلا تقبل، لأنه يقرّ على نفسه بعداوته لها، لافسادها فراشه. اهـ. ولا حاجة إلى استثنائه، لأنهم ذكروا ذلك في مانع العداوة. والمعنى: فإنها تقبل عليه مع عدم مانع [89ب]، والعداوة مانع. (4) قوله: "شهود قتل الخطأ": أي أو شبه العمد، لا إن شهدت بجرح شهود قتل العمد، فتقبل، لأنهم غير متهمين، إلا أن يكونوا من أصول المشهود

[2/ 481] عليه أو فروعه ونحوهم، كما تقدم. ويأتي. (5) قوله: "على مفلس": ومثله ميت تضيق تركته عن ديونه، فلا تقبل شهادة غرمائه بجرح شهود دين عليه للعلة المذكورة في الشرح. اهـ. م ص. (6) قوله: "العداوة": أي سواء كانت موروثة، بان كانت بين الآباء والأجداد، أو مكتسبة. أما المخاصمة في الأموال بدون عداوة ظاهرة فإنها لا تمنع قبول الشهادة، لأنها لو لم تقبل لاتخذ الناس ذلك وسيلة إلى إبطال الشهادة والحقوق. (7) قوله: "الغير الله": احترز به عن العداوة التي لله، وهي العداوة في الدين، كالمسلم يشهد على الكافر، والمحق من أهل السنة يشهد على المبتدع، فإنها تقبل، لأن الدين يمنعه من ارتكاب محظور في دينه. وتقبل شهادة العدو لعدوه لعدم التهمة. اهـ. إقناع وشرحه. (8) قوله: "أن عليه": أي الحاسد "أن يستعمل معه" أي الحسد "التقوى" بان لا يقع منه أذى للمحسود، لا بيده ولا بلسانه، "والصبر، بأن" يحبس نفسه ويجاهدها على دفع أذى المحسود، "فيكره ذلك من نفسه" أي كما يكرهه من غيره "ويستعمل معه الصبر والتقوى" فيه تكرار "لا يضرُّ" أي الحسد "ما لم تَعْدُ بِهِ يدًا أو لسانًا" أي ما لم تؤذِ بِهِ بيدك أو لسانك "لا يعين من ظلمه" أي المحسود، أي وكثير من الحاسدين لشخص لا يعين من ظلم ذلك الشخص المحسود على ظلمه له، وذلك لأن دينه يمنعه من ذلك، ولكن لا يقوم بما يجب عليه في حقه" أي المحسود، من دفع الظلم عنه بما أمكنه لما عنده من الحسد له، فهو لا يؤذيه ولا يدفع الأذى عنه، "بل إذا ذمّه أحد لم يوافقه" أي على ذمه له "ولا يذكر محامده" لمن يذمه فيكون معارضًا له في ذمِّه له. "وكذا لو مدحه أحد لسكت" أي وكذا لا يوافق من مدحه على مدحه له، "وهذا" أي من فعل ذلك "مذنب" أي آثم "في ترك المأمور" به لأنه مأمور بالمعروف والنهي عن المنكر "لا متعدِّ" أي لا ظالم للمحسود لأنه لم يحصل له منه ضرر. (9) قوله: "إذاحسدت فلا تبغ": أي فلا تظلم بان تؤذي المحسود بقولك أو

باب أقسام المشهود به

فعلك، "وإذا ظننت بأحد سوءًا فلا تحقِّق أي فلا تتيقن ما ظننت به وتجزم بصدقه [2/ 483] منه بل كذِّب نفسك في ذلك. "وإذا تطيَّرْتَ" أي تشاءمت من فعل شيء، بأن رأيت ما تكره، فتطيرت به من فعل ما تريد فعله أو ترك ما تريد تركه، فامض لما تريده، ولا تنظر لما تطيرت به، فإنه لا أثر له في جلب نفع أو دفع ضرر. (10) قوله: "فلا تقبل في الجميع": قال م ص في حاشيته على المنتهى: هذا أحد الوجهين، وقطع به في التنقيح، وذكر الدليل الذي ذكره الشارح، ثم قال: والوجه الثاني: تقبل، قال في الإنصاف: وهو المذهب. وصححه المصنف والشارح وابن منجا في شرحه وصاحب التصحيح وغيرهم. وجزم به في الوجيز ومنتخب الآدمي (¬1). ورد في المغني الدليل السابق، أي وهو ما ذكره الشارح، بأن قياس هذا الشاهد على مردود الشهادة للفسق لا يصح، لوجود التهمة في حق الفاسق، وانتفائها هنا. وأما نقض الاجتهاد بالاجتهاد فهو جائز بالنسبة إلى المستقبل، غير جائز بالنسبة إلى ما مضى. ولذلك لمّا قضى عمر في قضية بقضايا مختلفة، قال: ذلك على ما قضينا، وهذا على ما نقضي (¬2). وقبول الشهادة هنا من النقض في المستقبل اهـ. هذا وعندي توقف في قولهم: لأن ردّها كان باجتهاد الحاكم. فليحرر. باب أقسام المشهود به (1) قوله: "والخلع": أي إذا ادّعته الزوجة. وأما إن ادّعاه الزوج فكالمال، كما صرحوا به. (2) قوله: "والطلاق": أي بلا مال، وكذا به إذا ادعته الزوجة. ¬

_ (¬1) في ض: "الآمدي" وهو غلط. (¬2) تقدم في المسألة المشزكة في الفرائض.

[2/ 483] وقوله: "والتوكيل في غير المال" أي في النكاح والطلاق ونحوه. وقوله: "وتعديل شهود وجرحهم" أي في غير مالٍ. (3) قوله: "وإيصاء في غير مال": أي كنكاح. (4) قوله: "والعتق": لأن الشارع يتشوف إليه. وفي قبول شاهد ويمين العبد، أو رجل ويمين، توسعة في ثبوته، ولأنه إتلاف مالٍ فكان كباقي الإتلافات. اهـ. خ ف. (5) قوله: "والوقف،: أي على معيّن، كما قيَّد به في المنتهى والإقناع، وكذا الوصية، لأن الوقف والوصية إذا كانا لغير معين لا يتصور فيهما اليمين، فلا بد فيهما من رجلين أو رجل وامرأتين، فإن كانا على معين ثبتا برجل ويمين. (6) قوله:"وجناية الخطأ": أي وكذا شبه العمد (¬1)، وكذا عمد لا يوجب [90أ] قودًا كما هو ظاهر. (7) قوله: "أو رجل ويمين": أي ويجب تقديم الشهادة على اليمين، فلو نكل عن اليمين من أقام شاهدًا حلف مدعًى عليه وسقط الحق، فإن نكل مدعى عليه حكم عليه بالنكول، نصًّا. ولا ترد اليمين على المدعي، كما لو نكل عنها مع عدم بينة مدع. (8) قول الشارح: "ويمين": معطوف على امرأتين، لا على رجل، كما هو ظاهر. وظاهر كلامهم: لا تقبل شهادة النساء في هذا القسم منفردات ولو كثرن. (9) قوله: "وموضحة" عطف على دابة، أي وداء موضحة تسبب عنها، لا نفس الموضحة، لئلا يخالف ما سبق. اهـ. م خ. وزيادة. (10) قوله: "ويقبل قول طبيب إلخ": أي شهادته في ذلك، لا إخباره كما قد يتوهم. اهـ. ح ف. (11) قوله: "قُدم قول المثبت": ظاهره ولو كان النافي أحذق من المثبت. تدبر. ¬

_ (¬1) كذا في الأصل. وسقَط من ض قوله: "وكذا شبه العمد".

فصل

(12) قوله: "تحت الثياب": أي في الوجه والكفين والقدمين (¬1). [2/ 485] (13) قوله: "والاستهلال": أي صراخ المولود عند الولادة. (14) قوله: "وكذا جراحة وغيرها": أي من نحو عارية ووديعة وقرض وكسر عظم وموجِبِ تعزيرٍ. فإذا وجدت لهذه الأشياء في نحو حمّامٍ وعرسٍ مما لا يدخله الرجال، يكفي فيه امرأة عدل إلخ. (15) قوله: "كان أولى، لكماله": أي لأنه أكمل من المرأة. اهـ. م ص. فصل (1) قوله: "فلو شهد إلخ": قال في الحاشية: لا يصح أن تكون الفاء للتفريع، ولا بمنزلة الاستدراك، ولعلها تكون الفصيحة، أو أنه محترز قوله "القسم الثالث القود إلخ" اهـ. باختصار. (2) قوله: "ثبت المال": وكذا يثبت المال دون القطع فيما لو نكل المدعى عليه عن اليمين إذا تَوَجّهتْ عليه، إذ لا يقضى بالنكول إلا في الأموال. (3) قوله: "ومن حلف بالطلاق": وفي الإقناع: "والعتاق"، ثم قال: "ولم يثبت طلاق ولا عتق". وفيه نظر، فإن العتق يثبت بشاهد وامرأتين، أو يمين كما تقدم، ولهذا اقتصر في المنتهى على الطلاق، وتبعه المصنف، وهو الصواب. (4) قوله: "إن فلانة أمّ ولده إلخ": توضيحه أنه إذا ادعاها على من هي بيده، فانكرها، فأقام شاهدًا وامرأتين، أو ويمينًا، ثبتت الجارية أنها أم ولد للمدَّعي، ويقرّ ولدها في يد المنكر مملوكًا له. قال في الإقناع: وإن ادّعى أنها كانت ملكه فأعتقها، وشهد بذلك رجل وامرأتان، لم يثبت ملك ولا عتق. (5) قوله: "لو وجد على دابة مكتوب: حبيس في سبيل الله إلخ": وكذا لو وجد على كتب علم في خزانةٍ مدة طويلة، حُكِمَ به، والّا عُمِلَ بالقرائن. ¬

_ (¬1) وغير هذه الثلاثة من باب الأولى.

باب الشهادة على الشهادة وصفة أدائها

[2/ 478] باب الشهادة على الشهادة وصفة أدائها (1) قوله: "أن يقول إلخ": أي فيشترط في قبول شهادة الفرع أن يسترعيه الأصل، بأن يقول له: "اشهد إلخ" وكذا إن استرعى غيره وهو يسمع، فإن لم يسترعه، أو لم يسمعه يسترعي غيره، لم يشهد، إلا إن سمعه يشهد عند حاكم، أو سمعه يعزو شهادته إلى سبب، كبيعٍ وقرض، فيشهد ولو لم يسترعه. ولا بد أن يؤديها الفرع بصفة تحمله. ولا بدّ من تعيين فرع لأصله. وهذا كله يعلم من عبارة المصنف. فلا يقال: كيف عد المصنف الشروط هنا أربعة، مع أن صاحب المنتهى عدها ثمانية، وهو أصل هذا المؤلّف؟ وإنما حمله على ذلك الاختصار. (2) قوله: "أي في المال": لو ذكر هذا قبل قوله: "وامرأة على امرأة إلخ" وقال هنا: "أي فيما لا يطلع عليه الرجال غالبًا" كما فعل [90ب] غيره، لكان أولى. (3) قوله: "بموتٍ أو مرض إلخ": قال ابن عبد القوي: وفي معناه الجهل بمكانه، ولو بالمصر. والمرأة المخدّرة كالمريض اهـ. إقناع. (4) قوله: "أو غيبة مسافة القصر": أي عن عمل القاضي، و [من كان] دون ذلك كحاضر. اهـ. ح ف. (5) قوله: "ويدوم تعذّرهم إلخ": هذا هو الشرط الثاني في المنتهى، وبقية الشروط تعلم مما تقدم. (6) قوله: "كما لو كانا حاضرين أصحاء": هذا التركيب من حيث العربية فاسد، فإن "أصحاء" جمع "صحيح" وموصوفه مثنى كما يدل عليه "كانا"، فلو قال: "كما لو كان أي الأصل حاضرًا صحيحًا" لكان أوجه. (7) قوله: "ثبوت عدالة الجميع": انظر هل هذا يحتاج إليه بعد اشتراطهم دوام العدالة؟ (8) قوله: "لا تعديل شاهد لرفيقه": أي إن عدَّله بعد شهادته، أمَّا إن زكّاة

فصل في صفة الأداء

قبلها، ثم شهد، قبلت شهادتهما، لانتفاء التهمة إذن. ولم أره مصرّحًا به ولكنه [2/ 489] مفهوم "رفيقه". قاله ابن نصر الله. (9) قوله: "لم يضمنا": أي الفريقان. فصل في صفة الأداء (1) قوله: "إلا بأشْهَدُ أو شهدت": قال في الإقناع: وقال الشيخ وابن القيم: لا يعتبر لفظ الشهادة. (2) قوله: "بفعله المشتق منها": ذكَّر الضمير أولاً بإرجاعه إلى المصدر، وأنَّثه أخيرًا بإرجاعه إلى الشهادة، فلو قال "بفعله المشتق منه"، كـ م ص، لكان أصوب. (3) قوله: "أو أشهد بما وضعت به خطي" أي فلا يكفي ذلك، للإجمال والإبهام. ومثله لو قال من تقدّمه غيره بشهادة: أشهد بمثل ما شهد به، بخلاف من قال، وقد تقدّمه غيره بشهادة: بذلك أشهد، أو: وكذلك أشهد، فإنه يصح، كما ذكره المصنف بقوله "لكن لو قال إلخ" قال م ص: وفي النكت (¬1): القول بالصحة في الجميع أولى. (4) قوله: "ويضمنون": أي بالسّوية. وانظر فيما إذا كانت البينة الراجعة رجلًا وامرأتين هل المال بينهم أثلاثًا، أو على الرجل النصف وعلى كل واحدةٍ الربع؟ والظاهر الثاني لقيامهما مقام رجل. لكن لو حكم القاضي بشاهد ويمينٍ، ثم رجع الشاهد، غرم المال كله دون الحالف، كما صرح به الحفيد. ثم رأيت ما بحثته مصرّحًا به في غير كتاب، فلله الحمد. (5) قوله:"أو تكون الشهادة بدينٍ فيبرأ منه إلخ": أي لأن المشهود عليه لم يغرم شيئاً. ولو قبضه المشهود له ثم وهبه لمشهودٍ عليه ثم رجعا، غرماه. وإن رجع بعد حكمٍ شهودُ طلاقٍ بعد دخول فلا غرم عليهم، بخلاف قبل الدخول. ¬

_ (¬1) لعل مراده بالنكت: "النكت والفوائد السنيّة على مُحَرَّر مجد الدين ابن تيمية" لشمس الدين محمد بن مفلح الراميني المقدسي صاحب الفروع (- 763 هـ).

باب اليمين في الدعاوى

[2/ 491] فإنهم يغرمون نصف المسمى أو المتعة إن لم يكن مسمى. ولو رجع شهود زنا أو إحصانٍ غرموا الدية كاملة لحصول القتل بشهادتهم. (6) قوله: "ومتى ادّعى شهودُ قودٍ إلخ": قال هذا في الترغيب، وتبعه في المنتهى. باب اليمين في الدعاوى (1) قوله: "بحقٍّ لله": وكذا لآدميٍ إن لم يقصد منه المال، كنكاح وطلاق ورجعة وإيلاء ونسبٍ وقصاص في غير قسامةٍ، ونحو ذلك، كقذفٍ. فقوله "ولو قذفًا" يوهم أنه حقٌ لله، وليس كذلك. فائدة: قال القاضي: يجوز أن يحلف على ما لا تجوز الشهادة عليه، مثل أن يجد بخطه دينًا على إنسان، وهو يعرف أنه لا يكتب إلا حقًا، ولم يذكره، أو يجد في رزماتج (¬1) أبيه بخطه دينًا على إنسان، ويعرف من أبيه الأمانة، وأنه لا يكتب إلا حقًا، فله أن يحلف عليه، ولا يجوز أن يشهد به، ولو أخبره بحق أبيه ثقة فسكن إليه جاز له أن يحلف عليه، ولم يجز أن يشهد به. والأولى الورع عن ذلك. اهـ. إقناع. (2) قوله: "فرقيقه": أي فرقيقه كأجنبي. (3) قوله: "وَمَوليِّه"، فيه نظر، فإنه لا يحلف عن موليِّه إن كان غير مكلف، بل يوقف الأمر إلى أن يكلف، كما صرحوا به [91أ]. (4) قوله: "ومن توجه عليه حلفٌ لجماعةٍ إلخ": أي ومثله لو ادّعى واحد حقوقًا على واحد، فعليه في كل حق يمين. (5) قوله: "ما لم يرضوا بواحدة": قال م ص: ولا يلزم من رضاهم بيمين ¬

_ (¬1) "الرزماتج" بمعنى الدفتر أو دفتر الحقوق والديون. ويبدو أنها فارسية معربة. وفي ض: "روزبانج" وهو تصحيف.

فصل في تغليظ اليمين

واحدة أن يكون لكل واحد بعض البينة. اهـ. [2/ 494] فصل في تغليظ اليمين (1) قوله: "ولحاكم تغليظ اليمين إلخ": قال الشافعي: رأيتهم يؤكّدون اليمين بالمصحف. ورأيت ابن مازن قاضي صنعاء يغلِّظ اليمين به. قال ابن المنذر: "لا نترك سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - لفعل ابن مازن ولا غيره" اهـ. م ص. (2) قوله: "بمكة بين الركن والمقام إلخ": أي ويحلف الذمّيّ بموضع يعظمه، ككنيسةٍ ونحوها (¬1). (3) قوله: "وعند الصخرة": وهي كما في سنن ابن ماجه مرفوعًا: من الجنة (¬2) اهـ. م ص. فائدة: ويحلف من يعبد غير الله تعالى بالله تعالى، لا بما يعبده، لحديث: "من كان حالفًا فليحلف بالله" (¬3). فائدة أخرى: قال في الإقناع: ولا تدخل النيابة في اليمين، فلا يحلف أحد عن غيره. فلو كان المدعى عليه صغيرًا أو مجنونًا لم يحلف، ووقف الأمر إلى أن يكلَّف. (4) قوله: "ولا يحلَّف بطلاق" قال في الإقناع: وفي الأحكام السلطانية: ¬

_ (¬1) هذا يعني إحياء تعظيم هذه الأماكن التي يعبد فيها غير الله تعالى، فالذي ينبغي تركه. وعموم هذا يقتضي أن يحلف المجوسي في بيت النار، وفي ذلك ما فيه. (¬2) حديث العجوة والصخرة والشجرة من الجنة" أخرجه ابن ماجه (الطب ب8) (ح 3456) وأحمد "5/ 21، 65) من حديث رافع بن عمرو المزني قال في الزوائد: إسنئاده صحيح (كنز العمال 12/ 340). وقد قال شيخ الإسلام: تغليظ اليمين بالمكان عند الصخرة لا أصل له نجيْ كلام أحمد ولا غيره من الأئمة، بل السنة أن تغفظ اليمين عند المنبر، كسائر المساجد (الاختيارات ص 354). (¬3) حديث "من كان حالفًا ... " أخرجه البخاري (2/ 161) ومسلم (5/ 81) وأحمد (2/ 11) وغيرهم (الأرواء 8/ 192).

[2/ 495] للوالي إحلاف الشهود استبراءً وتغليظًا في الكشف في حق الله تعالى وحق آدمي، وتحليفه بطلاق وعتق ونحوه، وسماع شهادة أهل المهن إذا كثروا. وليس للقاضي ذلك. اهـ.

كتاب الإقرار

كتاب الإقرار [2/ 496] (1) قوله: "فلا يصح من صغير"، فإن كان مراهقًا غير مأذون له وأقرّ، ثم اختلف هو والمقرّ له في بلوغه، فقول المقر. ولا يحلف إلا أن تقوم بينة ببلوغه. ويصح إقرار ابن عشرٍ ببلوغه باحتلام، لا بالسن إلا ببينة. ولو أقر بمالٍ أو بيعٍ ونحوه، ثم قال بعد تيقن بلوغه: لم أكن حين الإقرار بالغًا، لم يقبل. (2) قوله: "فلا يصح من مكره إلخ": ويقبل منه دعوى الإكراه مع قرينةٍ، كحبسٍ وتهديد، مع يمينه. وتُقَدَّم بينة إكراهٍ على بينة طواعية. (3) قوله: "فيصح حتى مع إضافة الملك إلخ": لا يصح أن يكون هذا تفريعًا على قوله: "وليس الإقرار بإنشاء تمليك" لأن قوله "كتابي هذا لزيد" متناقض فيما يظهر، حيث إن الإقرار إخبار عما في نفس الأمر، فكيف يكون كتابه لزيد؟ وأما لو قيل: الإقرار إنشاء تمليكٍ، لصحّ قوله "كتابي لزيد"، لأنه لا منافاة في ذلك، بخلاف الأول. لكن لما كانت الإضافة تأتي لأدنى ملابسة صح الإقرار بذلك، مع قولنا هو ليس بإنشاء تمليك، لكن التفريع غير ظاهر، كما لا يخفى. فقول الشارح: "إذا علمت ذلك إلخ" فيه شيء. وإن سبقه إلى ذلك صاحب المنتهى في شرحه عليه. والله سبحانه وتعالى أعلم. (4) قوله: "بطل الإقرار": أي إن كان المقر له المكذّب مكلّفًا (¬1) كما قيده به في المنتهى وغيره. (5) قوله: "ولو برق نفسه": أي: ولو أقر برق نفسه وكان مجهول النسب إلخ. (6) قوله: "ويُقَرُّ بيد المقرّ": لأنه مال بيده لا يدّعيه غيره (¬2) أشبه اللقطة. ¬

_ (¬1) قوله: "مكَلّفًا": كذا في ض. وفي الأصل "مطلقًا". (¬2) سقط من الأصل كلمة، "غيره" وهي ثابتة في ض.

فصل في المقر له

[2/ 498] (7) قوله: "ولا يقبل عود مقرّ له إلخ": أي بان رجع عن تكذيبه فصدَّق المقرّ له، وإنما لم يقبل لأنه مكذِّب لنفسه. فصل في المقر له (1) قوله: "بتصديق السيد إلخ": أي فلا يعتبر تصديق العبد ولا دّه. (2) قوله: "ولمسجد إلخ": أي فيصرف المقرّ به في مصالح المسجد ونحوه [91ب]. (3) قوله: "والإقرار لدارٍ أو بهيمة إلخ": أي فإن قال "على لدار زيدٍ كذا من أجرةٍ" وصدّقه زيد، لزمه ذلك لرب الدار، وكذا البهيمة. (4) قوله: "ما لم يَعْزُ إقراره إلخ ": أي ما لم ينسب إقراره إلى سبب إلخ بان يقول: عليَّ لحملِ فلانَةَ كذا وكذا من ميراث أبيه، ونحوه، فلو قال: من إرثٍ وأطلق، فكذلك أو لا (¬1)، لاحتمال أنه من إرث أخيهما لأمٍّ، فتدبّر. (5) قوله: "أو جحد ثم صدَّقه صح" إلخ: لا يقال إن هذا مغاير لما تقدّم من أن المقرّ له إذا كذَّب المقر، ثم عاد فصدّقه، لا يقبل منه، فإنه تكذيب لنفسه، وذلك لأن الإقرار بالزوجيّة يتضمن دعوى على المقرّ له بها، لأنها تشتمل على حقوق للمقر وعليه، وكذا المقر له، فحيث جحد المقر له بها، ثم صدّقه، كان كمن ادعى عليه بحق فجحده ثم أقر به، كما أشار إليه الشارح. فتنبه له. باب ما يحصل به الإقرار وما يغيره (1) قوله: "ومن ادُّعيَ عليه بألف إلخ": قال الشيخ: لا يكون ذلك إلا إذا كانت الدعوى بصيغة الخبر، وهو: إني استحق عنده، أو لي عنده؛ فأما بصيغة الطلب، كأعطني مائة، فيقول: نعم، لم يكن ذلك إقرارًا، لأنه لا يلزمه أن تكون ¬

_ (¬1) كتبت في الأصل وض هكذا: "أولى" ولا يستقيم عليها الكلام.

مستحقَّةً عليه. اهـ. ح ف. [2/ 500] (2) قوله: "فقال: نعم، أو: صدقت إلخ": أقول: ويتجه أنه لو دلّت قرينة على الهزل والتهكم بذلك لا يكون إقرارًا، لأنه يقع كثيرًا مع إرادة الإنكار، كما شاهدنا مرارًا. والله سبحانه وتعالى أعلم. (3) قوله: "وبلى في جواب إلخ": أي لأن نفي النفي إثبات. (4) وقوله: "لا نعم": أي ليس "نعم" إقرارًا في جواب: أليس عليك كذا؟ لأن معناها هنا: ليس لك عليَّ كذا، إلا من عامّي، فيكون إقرارًا، كقوله: عليّ عشرة غير درهم، بضم راء غير، فيلزمه تسعة، إذ لا يرفه إلا الحذّاق من أهل العربية. اهـ. م ص. مسألة: لو قال إنسان: "لي على فلان الميت كذا وكذا" فقال وارثه: أعلم أن لك عليه دينًا، لكن لا أعلم قدره، وحلّفه على ذلك، ولا بينة للمدعي بما ادعى به، فهل يصدق المدعي بيمينه في قدر الدين، أو كيف الحكم؟ لم أو من ذكره مع كثرة وقوعه واحتياج الناس إليه. أما لو قال المدعي: لي مائة، مثلاً، فقال الوارث: لا أعلم أن لك مائةً، لزمه أن يقول: ولا شيئًا منها. فإن نكل عما دون المائة حكم عليه بمائةٍ إلا جزءًا، كما في الإقناع وغيره. والظاهر في المسألة الأولى أنهما يصطلحان على شيء، فإن اليمين لا تطلب من المدعي، والله أعلم. (5) قوله: "فقال نعم": أي أو قال: "أجل" فإنه حرفُ تصديقٍ كنعم. قال الأخفش: إلا أنه أحسن من"نعم" في التصديق، "ونعم" أحسن منه في [جواب] الاستفهام. ويدل عليه قوله تعالى: {فهل وجدتم ما وعد ربكم حقًا قالوا نعم} [الأعراف: 44] وقيل لسَلْمَان: علَّمكمُ نبيُّكم كل شيء حتى الخراءة. قال: أجل (¬1). اهـ. م ص. أقول: وفي مختصر ابن رزين: إذا قال: لي عليك كذا، فقال: نعم، أو: ¬

_ (¬1) حديث سلمان أخرجه مسلم (طهارة ب 57) وأبو داود (طهارة 4).

[2/ 501] بلى فمقر. اهـ. فدلّ على أن "بلى" يصح الجواب بها وإن لم يسبقها نفي، وأن الإقرار بها صحيح. وهو الصحيح في مذهب الشافعية كما ذكره النوويّ في شرح مسلم. اهـ. (6) قوله: "لأنه قد بدأ بالإقرار": لم يظهر لي معناه، فإن عبارة المصنف نصها كما ترى [92أ] "إذا جاء وقت كذا فله عليّ كذا" فالإقرار غير مبدوء به، وإنما بدأ بالتعليق. ثم رأيت في المنتهى وشرحه ما نصه: "إلا إن قال: له عليَّ كذا إذا جاء وقت كذا" فإقرار، لأنه بدأ بالإقرار فعمل به. اهـ. فكأن الشارح سرى له ذلك من لهذه العبارة، وهي لا توقّف فيها، فالإقرار فيها مبدوء به. هذا من حيث اللفظ. وأما من حيث الحكم فالظاهر أنه لا فرق بين أن يبدأ بالإقرار أو بالتعليق بإذا، فهو على كليهما إقرارٌ، خلافًا لما يوهمه تعليل م ص في شرح المثتهى. فتفطن. (7) قوله: "إن شهد به زيد فهو صادق إلخ": ومثله لو قال "إن قال زيدٌ: لفلانٍ عليّ كذا، فهو عليّ" لأنه تعليق. وان قال: له عليَّ كذا، أو: كان له عليّ كذا وبرئت منه إلخ، أو قال: قضيتُه إياه، أو: بعضَه، ولم يَعْزُ المقرَّ به إلى سبب، فهو منكر يقبل قوله بيمينه حيث لا بينة. هذا المذهب، قاله في الإنصاف. وقال أبو الخطاب: يكون مقرًّا مدَّعيًا للقضاء، فلا يقبل إلا ببينة. وهذا هو الصواب الذي لا يعدل عنه. اهـ. ولو قال: لك علي عشرةٌ ألاّ خمسةً إلا ثلاثةً إلا اثنين إلا واحدًا، لزمه خمسة، لأن استثناء ثلاثةٍ من خمسة أكثر من النصف، فلا يصحّ هو وما بعده. وفيه طريق آخر: يلزمه سبعة، وذلك أن تسقط آخر العدد مما قبله، وما بقي مما قبله، وهكذا، فإنه يبقى سبعة. وهو مقتضى ما ذكروه في الطلاق من قولهم: إذا قال: أنت طالق ثلاثًا إلا اثنتين إلا واحدة، يلزمه اثنتان. فائدة: وسائر أدوات الاستثناء كإلَّا، مثل: خلا وعدا وحاشا وسوى وغير. لكن إن قال: له علي عشرة غيرُ درهم، بضم راء غير، وهو من أهل العربية، كان مقرًّا بعشرة، لأنها تكون صفة للعشرة المقر بها، ولو كانت استثنائية لكانت

منصوبة. وإن لم يكن من أهل العربية لزمه تسعة، لأن الظاهر أنه يريد الاستثناء، [2/ 504] وضمُّها جهل منه بالعربية. (8) قوله: "ويعتبر فيها شرط الهبة": أي من العلم بالموهوب، والقدرةِ على تسليمه، ونحوه. فإن وجد صحَّتْ، وإلا فلا. ومن أقر بقبضٍ ثمن مبيع ونحوه، ثم قال: ما قبضته، غير جَاحِدٍ لإقراره بالقبض، ولا بينة للمقر له تشهد له بالقبض، أو أقر أنه باع ونحوه ثم ادعى أن العقد وقع تلجئةً ونحوه، ولا بينة، وسأل إحلاف خصمه، لزمه، لاحتمال صحة قوله. فإن نكل قضي عليه. وإن ادّعى فساد العقد، وأنه أقرّ يظن الصحة، لم يقبل، وله تحليفُ المقَرّ له، فإن نكل حلف مدعي الفساد ببطلانه، وبرئ منه. (9) قوله: "فهو لزيدٍ إلخ": مقتضى ما تقدم أن العين لعمرو وقيمتها لزيد، حيث إنه أقر بأنها ملكه أوّلاً. ثم رأيت الفتوحيّ ذكره قولاً لبعض الأصحاب، وهو أظهر مما عليه أكثر، فتأمل. (10) قوله: "ولا يغرم لعمرو شيئًا": قال الفتوحي: وقيل: يغرم قيمته لعمرو. اهـ. أقول: وهذا هو الظّاهر، إذ لا فرق بين هذه الصورة والتي قبلها. على أنهم صرّحوا بأنه لو قال: غصبته من زيد، وغصبه هو من عمرو، فهو لزيدٍ، ويغرم لعمرو، وهي كهذه سواء بسواء، بل قوله: ومِلْكه لعمرٍو أظهر من قوله: وغصبه هو من زيد. والحاصل أن الفرق غير ظاهر. والله سبحانه وتعالى أعلم. (11) قوله: "وكانا خصمين فيه": أي فإن كانت لأحدهما بينة عمل بها، وإن لم يكن بينة أو تعارضتا أقرعنا بينهما. (12) قوله: "وإن كذّباه حلف إلخ: أي فلو نكل عن اليمين سلم لأحدهما بقرعةٍ وغرم قيمته للآخر. والله سبحانه وتعالى أعلم. (13) قوله: "ومن خلَّفَ إلخ": هكذا عبارة المنتهى، فمن اسم شرط مبتدأ لا بدَّ له من رابط، وهو مفقود هنا. وعبارة [92ب] الإقناع: "وإن خلَّف" إلخ وهي أولى. مسألة: وإن خلّف ميت ابنين وقنين متساويين قيمة لا يملك سواهما، فقال

باب الإقرار بالمجمل

[2/ 506] أحد الابنين: إبي أعتق هذا في مرض موته، وقال الآخر: بل هذا، عتق من كلٍّ ثلثه، وصار لمكل من الابنين سدس من أقر بعتقه ونصف الآخر. وبيان ذلك واضح. ذكره القتوحي في شرح المنتهى، فراجعه. باب الإقرار بالمجمل (1) قوله: "فإن أبى حُبِس إلخ": وقال القاضي: يجعل ناكلًا ويؤمر المقر له بالبيان، فإن بيّن شيئاً فإما أن يصدقه المقر أو يكذبه، فإن صدقه بما بينه ثبت، وإن كذبه قيل له بيِّنْ وإلا جعلناك ناكلاً. اهـ. وهو وجيه. (2) قوله: "لم يؤاخذ وارثه بشيء": أي لاحتمال أن المقر به حد قذف، ولذلك قال في المنتهى: "ولو خلّف تركة" كما ذكره الشارح. (3) قوله:"وفي الفروع إلخ": ظاهره أنه مخالف لما في المنتهى، وليس كذلك، بل عبارة الفروع ناقصة. ونصها "إن ماتَ ولم يفسره فوارثه كهو إن ترك تركةً، ولم يقبل تفسيره بحد قذف. اهـ". فقوله: "ولم يقبل" جملة حاليّة قيد لما قبلها يعني: يكون وارثه كهو إن قلنا لا يقبل تفسيره بحد قذف. وتقدم أنه يقبل على الصحيح، فلا يؤاخذ الواوث بشيء. وعبارة الإنصاف أوضح. قال: "فإن مات أخذ وارثه يمثل ذلك إن خلّف الميت شيئًا يقضى منه، وقلنا لا يقبل تفسيره بحد قذف، وإلاّ فلا. هذا المذهب، وعليه جماهير الأصحاب. اهـ. وبهذا يعلم ما في كلام الشارح وصاحب الإقناع. والله أعلم. (4) قوله: "خطير": الخطير الذي له خَطَر، أي قَدْر، يقال: خَطُرَ فهو خطير. اهـ. مطلع. (5) قوله: "أو زاد: عند الله إلخ": وقال ابن عقيل: "إن زاد: عند الله، قبل بالقليل، وإن قال: عندي، احتمل كذلك، واحتمل اعتباره بحالِهِ". (6) قوله: "بأقل متمول": أي لا دون ذلك، كحبة برٍّ ونحوه. ويقبل تفسيره بأم ولدٍ، لأنها مالٌ، ولذلك إذا قتلت تضمن بقيمتها. اهـ. م ص.

(7) قوله: "ومنهم من يعظم الكثير": الأولى: "ومنهم من يحقر الكثير"، [2/ 507] للمقابلة. (8) قوله: "وما من مالٍ إلا وهو عظيم": أي بالنسبة إلى ما دونه، ولو عند بعض الناس. (9) قوله: "قبل بثلاثة": ويتوجه: فوق العشرة، لأنه اللغة. اهـ. م ص. ولا يقبل تفسيره بما يوزن بالدراهم عادة، كالحرير ونحوه، لأنه خلاف الظاهر. اختاره القاضي، وصوّبه في الإنصاف. اهـ. فتوحي. فائدة: لو قال: له علىَّ أكثر من مال فلانٍ، وقال: أردت أن مال فلانٍ حرام، وقليل الحلال (¬1) أكثر، أو ما في الذمة أبقى، قبل قوله، ولزمه أقل ما يتمول إذا فسره به. قلت: وكذا لو قال: أردت أكثر من مال فلان عليّ، وفسر مال فلان عليه، فإنه يقبل منه ذلك، ويطلب منه تفسير الأكثر، ويقبل بأقل متموّل. (10) قوله: "وله عليّ كذا كذا إلخ": كذا كناية عن عدد المبهم، ويفتقر إلى مميِّر. قال الجوهري: فينصب ما بعده على التمييز، تقول: عندي كذا درهمًا، كما تقول: عندي عشرون درهمًا، وذكر غيره أنه يجوز جرّه بمن، تقول: كذا من درهم، ولم أر أحدًا من اللغويين ذكر جره بغير "من"، ولا يجوز رفعه اهـ مطلع. قوله: "أو بالنصب": قال في التلخيص: "فإن قلت: أقل عدد ينتصب الدرهم بعده إذا قال "كذا كذا درهمًا" بلا واوٍ أحد عشر، و"كذا وكذا" بالواو، أحد وعشرون، فينبغي أن يعتبر به (¬2)، كما قال أبو حنيفة: قلت: الإعراب في الإقرار لا يعتبر، [93أ] ألا ترى لو قال: "كذا درهمٍ" بالجر صحيح، ولا يلزمه مائة باتفاقٍ، مع أن التمييز المجرور المفرد لا يكون لأقل من مائة. اهـ. ببعض تصرف. وفي الفروع: ويتوجه في عربي، أي عارف بلغة العرب، في "كذا درهمًا" ¬

_ (¬1) هكذا في الأصل. وفي ض: "وقليل المال". (¬2) هكذا في الأصل. وفي ض: "فينبغي أن يفسّر به".

فصل

[2/ 508] أحد عشر، لأنه أقل عدد يميزه. اهـ. قلت: وهو حسن، يؤيده ما تقدم في نعم وبلى. فتنبه. فائدة: لو قال: له عليّ اثنا عشر درهمًا ودينارٌ، بالرفع، لزمه دينار واثنا عشر درهمًا. وإن نصبه نحوي فالاثنا عشر دراهم ودنانير، لأن درهمًا ودينارًا تمييز للاثني عشر. وتؤخذ نصفين، ذكره الموفق في فتاويه. اهـ. إقناع وشرحه. فصل (1) قوله: "من درهمٍ إلى عشرة: لزمه تسعة إلخ": وقيل: يلزمه ثمانية. وقيل: يلزمه عشرة. وهذا عندي أصوب، لأن العرف يقتضي ذلك. وقولهم: لو قال: له من عشرة إلى عشرين، أو: ما بين عشرة إلى عشرين، لزمه تسعة في الأصح، غير ظاهر، وإنما الظاهر أنه يلزمه العشرون. وقد كنت رأيت أن زفر كان يقول في ذلك: إنه يلزمه تسعة، فقال له الأصمعي: ما قولك في رجل قيل له: ما سنك؟ فقال ما بين ستين إلى سبعين، أيكون ابن تسع سنين؟ فتحير زفر في ذلك، ولم يدر ما يقول. (2) قوله: "وإذا أراد مجموع الأعداد إلخ": اختصار حسابه كما في شرح المقنع أن تزيد أول العدد، وهو واحد، على العشرة، فيصير أحد عشر. ثم اضربها في نصف العشرة، فما بلغ فهو الجواب. (3) قوله: "وله علي درهم ودرهم ودرهم": لزمه ثلاثة، وكذا لو عطف بالفاء أو ثم. ولا يقبل إن قال: أردت التوكيد، لأن العطف يقتضي المغايرة، لكن ذكروا في الطلاق أنه تقبل منه دعوى التأكيد فيما إذا قال: طالق وطالق وطالق، أو فطالق فطالق، ونحوه، للموافقة في اللفظ. قال م ص: ولعل الفرق أن الإقرار إخبار، والطلاق إنشاء اهـ. قلت: ذكر هذا الفرق صاحب الفروع، عن الأزجي، ثم ذكر عنه أنهما سواء على المذهب، إن صحَّ صحَّ في الكل، وإلا فلا. (4) قوله: "ولو كان حاسبًا في الأصح": أي من الاحتمالين. والاحتمال الثاني ضعيف جدًا، بل خطأ كما ذكره بعضهم. قال: وكيف يصح أن يقول

الحاسب: أردت الجميع ولا نقبله، ونقول له لا يلزمك إلا مقتضى اللفظ عند [2/ 509] الحسّاب، وهو عشرة، فهذا خُلْف اهـ. ومعنى خلف: باطل. (5) قوله: "في جِراب": بكسر الجيم، ويجوز فتحها. وقوله: "في قراب": بكسر القاف. وقوله: "في منديل": بكسر الميم. وقوله: "أو فصّ": قال في المطلع: فص الخاتم معروف، بفتح الفاء وضمها وكسرها، ذكره شيخنا، يعني ابن مالك، في مثلثه (¬1)، والجوهري لم يطلع على غير الفتح، فلذلك قال: فص الخاتم بالفتح، والعامة تقول: فص بالكسر اهـ. (6) قوله: "ليس بإقرار بالثاني": لأنه يحسن أن يقول: "له عندي تمرٌ في جراب لي، وله عندي عبد عليه عمامة لي": ونحوه، فليس نصًّا في أن الثاني مُقَرٌّ به. مسألة: لو قال "غصبت منه ثوبًا في منديل، وزيتًا في زق": ونحوه، ففيه وجهان: صحَّح بعضهم أنه لا يكون مقرًّا بالثاني، كما لو قال: له ثوب في منديل ونحوه. واختار الشيخ تقي الدين التفرقة بين المسألتين، فقال: "فرقٌ بين أن يقول: غصبتُ أو أخذت منه ثوبًا في منديل، وبين أن يقول: له عندي ثوب في منديل": فإن الأول يقتضي أن يكون مغصوبًا في المنديل [93ب] وقت الأخذ، وهذا لا يكون إلا وكلاهما مغصوب، بخلاف قوله: عندي، فإنه يقتضي أن يكون في وقت الإقرار، وهذا لا يوجب كونه له. مسألة: لو قال: له عندي الألف درهم التي في هذا الكيس، كان إقرارًا بالألف دون الكيس، ثم إن لم يكن في الكيس شيء، فهل يلزمه ألف درهم؟ فيه ¬

_ (¬1) هكذا في الأصل. وفي ض: "في مثلّثته" وابن مالك هو محمد بن مالك الطائي الأندلسي الجيّاني ثم الدمشقي صاحب الألفية (600 - 672 هـ) ومثلّثُه هو كتابه المسمى "الإعلام بمثلث الكلام" والمثك عند أهل اللغة هو ما نطقت به العرب على ثلاثة أوجه: الضمّ والفتح والكسر، وقد يكون لكل منها معنى، كالشَّرْب، والشُرب، والشِّرب.

خاتمة

[2/ 510] وجهان مخرَّجان على ما إذا حلف ليشربن الماء الذي في هذا الكوز ولا ماء فيه، فعلى الحنث، وهو لأبي الخطاب، يلزمه الألف، وعلى عدم الحنث، وهو للقاضي، يكون لغوًا لا شيء فيه. (7) قوله: "فلا يملك غرس [أخرى] مكانها لو ذهبت": يستفاد منه أنها لو وقعت وبقي شيء من أصلها فنبت، فليس لرب الأرض قطعه، بل يبقى حتى يصير شجرة، بدون أجرة. (8) قوله: "وثمرتها للمقر له": أي سواء أقر بها بعد بُدُوُّ الثمرة أو لا. (9) قوله: "وفي الانتصار احتمال: كالبيع": أي بأن لا تكون الثمرة للمقر له إلا إذا ظهرت بعد الإقرار، وهذا بعيد جدًا، فإن الإقرار إخبار، والبيع إنشاء. فدخول الثمرة مطلقًا في الإقرار أولى من دخولها في الوقف والوصية، مع أنهم صرحوا بدخولها هناك مطلقًا. وبهذا يتضح تهافت كلام شارح الغاية في بيع الأصول والثمار. فكلام مصنفها أصوب، واتباعه أوجب. (10) قوله: "ورواية مُهنّا: هي له بأرضها": الذي وقفْتُ عليه في الفروع: "ورواية مهنا: وهي له بأصلها" وهكذا نقل صاحب المنتهى في شرحه عن الفروع، ويدل هذا أيضًا قوله: فإن مات أو سقطت لم يكن له موضعها. فتدبّر. خاتمة نسأل الله تعالى حسن الأولى والخاتمة. (1) قوله: "لزم الورثة الصدقة بجميعه": أي لأن أمره بالصدقة به دل على تعدّيه فيه. ونحوه مما يقتضي أنه لم يملكه. وهو إقرار لغير وارث، فوجب امتثاله، كإقراره في الصحة. اهـ. م ص. في شرح المنتهى. (2) قوله: "وصلى الله وسلم": قدّر ذلك لأنه المذكور في الجملة المعطوف عليها، ولو قدّر: وصلِّ اللهم وسلم على أهل طاعتك إلخ لسَلِم الكلام من الركاكة. (3) قوله: "طاعتك" فيه التفات من الغيبة إلى الخطاب.

(4) قوله: "الحمد لله الذي هدانا لهذا، أي التأليف إلخ" وهذا اقتباس من [2/ 512] القرآن. وهو من أنوع البديع، وهو أن يضمِّن الكلام شيئًا من القرآن والحديث على وجه الإشعار فيه أنه من القرآن أو الحديث، بأن لا يقول: قال الله، أو: النبي. ويجوز هذا الاقتباس في الوعظ والزهد والاحتجاج ومدح النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال ابن عقيل: لا بأس بتضمين القرآن لمقاصد هي مقصودة، كما يضمَّن في الرسائل إلى الكفار آيات مقتضية إلى الدعاء به، وتضمينه الشعر لصحة القصد وسلامة الوضع. وأما تضمينه لغير ذلك فظاهر كلام ابن القيّم التحريم. قال الدنوشري: والنهى الوارد فيه عن الإمام محمول على نحو ما كتب [94أ] بعض الأمراء إلى عماله: "إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم" وعلى نحو قول الشاعر: أوحى إلى عُشَّاقِهِ طرْفُه ... هيهات هيهات لما توعدونْ بل هذا النوع يجر إلى الكفر، كما قاله الدماميني. هذا آخر ما يسره الله تعالى من كتابة ما بهامش هذا الكتاب، فما فيها من صواب فمن الله ورسوله، وما فيها من خطأ فمني ومن الشيطان. والله ورسوله بريئان منه. وأرجو ممن وقف عليها أن يستر زللي ولا يبادر بالجهل أو التشنيع. والله تعالى أعلم بما قصدت وبما إليه رغبتي وجهّت. قاله بفمه، ورَقَمَهُ بقلمه، الفقير إليه تعالى عبد الغني اللبدي الحنبلي غفر الله له ولوالديه وإخوانه المسلمين. ... وكان الفراغ من تجريد هذه الحاشية عن هامش شرح الدليل على يد كاتبها نجل المؤلف محمود عبد الغني لاثنتي عشرة خلت من جمادى الثانية من شهور سنة إحدى وعشرين وثلاثماية وألف من هجرة من له العز والشرف - صلى الله عليه وسلم -.

خاتمة نسخه الأصل

خاتمة نسخه الأصل وكان الفراغ من نقل هذه الحاشية من نسخة نجل المؤلف المذكور في اليوم العشرين من رجب الفرد أحد شهور سنة أربعة وعشرين وثلاثمائة وألف. وقوبلت مقابلة تامة. وقد وجد فيها بعض ألفاظ لا يفهم معناها. ويظهر أن بها سقطًا من تجريدِ نجل المؤلف. فأبقيت على أصلها. فمن وقف عليها وكان له قدرة على التتميم فليفعل. والله الهادي. وأرجو ممن اطلع عليها أن يدعو لي وللمجرِّد وللمسلمين بالخير، وله من الله الثواب والأجر. خاتمة نسخة ض (وهي مكتوبة بخط مغاير لخط الحاشية) كمل كتابةً من كتاب البيوع إلى هنا بقلم عبد الله بن محمد بن صالح بن جابر بن محمد وفقنا الله [و] إياه لمراضيه، وجعل مستقبل عملنا خيرًا من ماضيه. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم. وكان تمام كتابته في 3 ذي القعدة سنة 1377 في مدينة الدوحة من بلاد قطر. ولله الحمد والمنّة. خاتمة التحقيق يقول محققه محمد سليمان الأشقر: أحمد الله تعالى أن يسَّر الوصول إلى هذه الحاشية المباركة وإعدادها للنشر لأول مرة، والتعليق عليها، ثم تصحيحها وضبطها بحسب القدرة. وأسأل الله تعالى أن ينفع بها الطالبين والفقهاء والباحثين، وأن يغفر لصاحبها ولجامعها ولي وللمسلمين. إنه رؤوف رحيم. جواد كريم. وكان إتمام العمل في تحقيقها وتصحيحها بمنزلي الكائن بمنطقة الجندويل، من مدينة عمّان، أسأل الله تعالى وتقدّس أن يجعلها عامرة بالعلم والإيمان. وذلك في يوم الأربعاء العاشر من شهر المحرم سنة 1419هـ. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

مراجع التحقيق

مراجع التحقيق 1 - الآداب الشرعية، لمحمد بن مفلح الراميني المقدسي. بيروت، مؤسسة الرسالة، 1416 هـ. 2 - الاختيارات الفقهية من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، لعلى بن محمد بن عباس البعلي الحنبلي الدمشقي. القاهرة، مطبعة السنة المحمدية، 1369هـ. 3 - إرواء الغليل بتخريج أحاديث منار السبيل، للشيخ محمد ناصر الدين الألباني. بيروت، المكتب الإسلامي. 4 - الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل، لمجير الدين العليمي الحنبلي. عمان، دار المحتسب، 1973م. 5 - البداية والنهاية، لابن كثير. القاهرة، مطبعة السعادة، 1351 هـ. وفهرسه من صنعة د. محمد سليمان الأشقر. 6 - تفسير القرآن العظيم، للشيخ إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي. بيروت، دار الفكر. 7 - الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي) لمحمد بن أحمد الأنصاري القرطبي. القاهرة، دار الكاتب العربي، 1387 هـ عن طبعة دار الكتب المصرية. 8 - السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة، للشيخ محمد بن عبد الله بن حميد، النجدي الحنبلي. مكتبة الإمام أحمد، 1406 هـ. 9 - شرح نظم المفردات، للبهوتي. قطر، إدارة إحياء التراث الإسلامي. 10 - الفتح الكبير في ضم الزيادة إلى الجامع الصغير، كلاهما للسيوطي. مَزَجهما ورتبهما الشيخ يوسف النبهاني. القاهرة، مصطفى البابي الحلبي، 1350هـ. 11 - الفروع، لمحمد بن مفلح الراميني المقدسي. بيروت، عالم الكتب، 1405هـ عن طبعة القاهرة.

12 - القاموس المحيط والقابوس الوسيط لمحمد بن يعقوب الفيروز آبادي. بيروت، مؤسسة الرسالة، 1407 هـ. 13 - كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون. لكاتب جَلَبي المعروف بحاجي خليفة. ومعه ذيله لإسماعيل باشا. بيروت، دار الفكر، 1402 هـ. 14 - كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال. حلب، مكتبة التراث الإسلامي. 15 - لسان العرب، لابن منظور. بيروت، دار لسان العرب، 1968 م. 16 - مجموع في المناقلة والاستبدال بالأوقاف، لابن قاضي الجبل الحنبلي، وهو أحمد بن الحسن بن عبد الله بن قدامة. الكويت، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، 1409 هـ. 17 - مختصر سير أعلام النبلاء، للذهبي. اختصره محمد فايز الحمصي. بيروت، مؤسسة الرسالة، 1413 هـ. 18 - مختصر الفتاوى المصرية. اختصرها من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية: محمد بن علي البعلي الحنبلي. القاهرة، مطبعة السنة المحمدية، 1368 هـ. 19 - المدخل إلى مذهب الإمام أحمد، للشيخ عبد القادر بن بدران. بيروت، مؤسسة الرسالة، 1403 هـ. 20 - المدخل المفصل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل، للدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد. دار العاصمة للنشر والتوزيع. 21 - المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي، لفريق من المستشرقين بإشراف فنسنك ومنسنج. ليدن، بريل، 1936 - 1969 م. 22 - المعجم المفهرس لألفاظ القرآن. لمحمد فؤاد عبد الباقي. القاهرة. 23 - المغني شرح مختصر الخِرَقي، لعبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي المشهور بالموفق. ط ثالثة. القاهرة، دار المنار، 1368هـ. ْ24 - منتهى الإرادات، للفتوحي، وشرحه للشيخ منصور بن إدريس البهوتي المصري. بيروت، دار الفكر، عن طبعة أنصار السنة بالقاهرة.

25 - الموسوعة الفقهية. الكويت، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، 1405 - 1419هـ. 26 - نهاية المحتاج إلى حلّ ألفاظ المنهاج. لمحمد بن أحمد بن حمزة الرملي الشافعي. القاهرة، دار الفكر، 1404 هـ. 27 - نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، لمحمد بن علي الشوكاني اليماني. القاهرة، مصطفى الحلبي، 1371 هـ. 28 - نيل المآرب بشرح دليل الطالب، للشيخ عبد القادر بن عمر التغلبي الدمشقي، بتحقيق د. محمد سليمان الأشقر. الكويت، دار الفلاح، 1403 هـ. 29 - هداية الأريب الأمجد لمعرفة أصحاب الرواية عن الإمام أحمد، للشيخ سليمان بن عبد الرحمن بن حمدان. دار العاصمة، 1418 هـ. ***

§1/1